الكتاب:... الأَلفَینُ فِی أَحَادِیثِ الْحَسَنِ (عَلَیهِ السَّلَامُ وَ الحُسَینِ (عَلَیهِ السَّلَامُ)
المؤلف:... الشَّيْخ عَلِيّ حَيْدَر الْمُؤَيَّد
الناشر:... المكتبة الحيدرية
عدد المطبوع:... 500 دوره
ليتوغرافي:... آل البيت (عَلَیهِمُ السَّلَامُ) 09121532077
المطبعة:... شریعت
الطبعة:... الأولى - 1432-1390
السعر الدورة:... 15000 تومان
ردمك: 6- 155- 497- 964- 978
ص: 1
ص: 2
الأَلفَینُ
فِی أَحَادِیثِ الْحَسَنِ وَ الحُسَینِ (عَلَیهِمُ السَّلَامُ)
ص: 3
الأَلفَینُ فِی أَحَادِیثِ الْحَسَنِ وَ الحُسَینِ (عَلَیهِمُ السَّلَامُ)
الجزء الأوّل والثاني
الْخَطِيبُ الشَّيْخ عَلِيّ حَيْدَر الْمُؤَيَّد
ص: 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ص: 5
مؤلّف الألفين أنشأته *** للفوز في ثانية النشأتین
نلت رضا الرحمن في جمع ما *** للحسن السبط و ما للحسين
في شأن ريحانتي المصطفى *** ألفين قد ضمّنت في الدفتین
لاعُدِمت كفّك تلك الّتي *** و جادت به بل لا عَدِمت اليدين
فانعم به فخراً و ذُخراً فقد *** شِدتَ به دیناً و أدّیت دَین
وفاز مَن قد حاز إحداهما *** و أنت قد حزت كلا الحُسنَيين
فَطِب به نَفساً لدى هذه *** و في غدٍ قُرَّ به مِنك عَين
و تِه أبا أحمدَ فينا عُلاً *** من كأبي أحمد فينا؟ و أين؟ (1)
ص: 6
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لا شكّ أنّ الإسلام دين الحياة ومفاهيمه استوعبت كلّ جوانبها إلى يوم القيامة...
و لمّا نزل القرآن الكريم شرّع للبشرية القوانين الكلّية الّتي تعدّ الإطار العام لنهج الحياة الّتي ينبغي أن يمشي عليها الإنسان بالطريقة المثلى.
وبما أنّ هذه القوانين المختلفة تحتاج إلى تفسير و تبيين سواء في المفاهيم أو المصادیق كانت الحاجة ماسّة وضرورية إلى السنّة الشريفة... وكان لابدّ من متابعة السنّة لكي نتفهم معاني القرآن وأبعادها ولولاها لبقي القرآن غامضاً والإسلام غير مكتمل ومن هنا أمر القرآن في آيات عديدة بمراجعة الستنّة لفهم ما يريده الباري عزّ وجلّ مثل قوله تعالى: «وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ»(1) فما دام الرسول (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) هو الّذي يراجع في ذلك ولكنّه إذا رحل من الدنيا فتكون المراجعة لأهل بيته الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً والذين قال عنهم: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(2)
ص: 7
وأهل الذكر هم محمّد وآل محمّد (عليهم الصلاة والسلام) (1) كما ورد في أخبار متضافرة.
و في قوله تعالى: «وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»»(2)، تأكيد واضح لحقيقة دور السنّة بالنسبة للقرآن... إذ لولاها بقي القرآن في إطار الكليات. أما السنّة فهي الّتي تكمل دوره وتعطيه البعد التطبيقي حيث تقوم ببيان مجملات القرآن وتقييد مطلقاته و تخصیص عموماته و تعیین المصاديق التي لم يعيّنها القرآن صراحة في الأحكام عموماً والموضوعات... فإذا كان القرآن يبيّن القوانين الكلّية فإنّ السنّة تبيّن الفروع والأحكام الجزئيّة... وفي الوقت الّذي يتحدّث القرآن عن المفاهيم تتحدّث السنّة عن مصادیقها وتحدّد أبعادها... ومن هنا نفهم أنّ القرآن بلا سنّة لا تكتمل مفاهيمه وأهدافه.
والدين لو لا السنّة لضاعت الكثير من مبادئه وحقائقه... ولذلك أمر اللّه سبحانه المؤمنين باتّباع السنّة وألزمهم بالسير على نهجها، لأنّها التعبير الصادق عن القرآن، قال تعالى: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» وبعد يكون الأمر لأهل بيته الصادقين كما قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ».(3)
وقد روت العامّة عن ابن عمر في تفسير هذه الآية أنّ اللّه تعالى أمر الصحابة أن يخافوا اللّه ثم قال: فَ_: «كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» يعني محمّداً وأهل بيته. (4)
ص: 8
كما روی سلیمان القندوزي الحنفي في الينابيع في تفسير قوله تعالی: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(1) عن مولانا الصادق (عَلَيْهِ السَّلَامُ) «أنّ أولي الأمر هم الأئمّة من أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)». (2)
كما روى الحافظ الحاكم الحسكاني الحنفي أيضاً عن جابر بن عبداللّه في تفسير قوله تعالى: «وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»(3)، عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): «إنّ اللّه جعل علياً وزوجته وأبناءه حجج اللّه على خلقه، وهم أبواب العلم في أمتي من اهتدى بهم «هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»(4).
وفي قوله تعالى: «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ»(5) روى الحافظ القندوزي عن مولانا أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنّه قال في خطبة خطبها: «أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذباً وبغياً علينا أن رفعنا اللّه ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا و أخرجهم بنا يستعطى الهدی وبنا يستجلی العمي». (6)
وروي أيضاً عن مولانا الصادق (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنه قرأ: «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» ثمّ قال: «ونحن الراسخون في العلم»(7).
ص: 9
وغيرها الكثير من الآيات الواردة في ذلك والتي تؤكد على دور السنّة وأهمّيتها في الدين والحياة، وحيث لا يسع المجال لذكرها هنا راجع «كتاب أهل البيت في القرآن» لسماحة آية اللّه السيد صادق الشيرازي، وكتاب «تأويل الآيات الظاهرة» للسيد علي الحسيني الاسترابادي، مضافاً إلى تفسير نور الثقلين، والبرهان، والصافي، تجد في ذلك الكثير.
لقد وردت الروايات العديدة عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) تحثّ الناس على حفظ السنّة وتبليغها وترويجها، فضلاً عن مسايرتها في الفكر والسلوك، فقال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): «نضّر اللّه عبداً سمع مقالتي فوعاها»(1)، وقال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): «نضّر اللّه عبداً سمع مقالتي فبلّغها».(2)
وفي العديد من كلماته وتوصياته (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) للمسلمين في الأبعاد المختلفة كان یكرّر عليهم مفهوم التبليغ والنشر، إذ يؤكّد عليهم: «فليبلّغ الشاهد الغائب»، ممّا يؤكّد أنّ تبليغ السنّة ومتابعتها تعدّ من الضرورات القصوى الّتي يقوم عليها الدين القويم ويستقيم عليها المجتمع.
ولهذا وذاك نشأت الحاجة إلى تدوين السنّة و تثبيتها لتساير ركب الإسلام والمسلمين إلى الآخرة بأسلوب واضح وطريق صحيح تحفظ الدين من التحريف والناس من الانحراف.
ولهذا شجع رسول اللّه على كتابة الحديث و تدوینه، بل وكانت له (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)
ص: 10
صحيفة كتبت بإشرافه المباشر معلّقة بقراب سيفه، وهي التي أعطاها(صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) إلى مولانا أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فاشتهرت بصحيفة علي بن أبي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وقد روى عنها الشيعة والسنّة معاً بعض الأحاديث.
وكان ممّا جاء في الصحيفة... العقل و مقادير الديات و أحكام فكاك الأسير وغير ذلك، وقد أخرج عنها البخاري في صحيحه في كتاب الديات وباب الدية على العاقلة، وكذلك أخرج عنها ابن ماجة في سننه(1)، وأحمد في مسنده. (2)
وقد روى البخاري في صحيحه عن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنه قال: «ما عندنا كتاب نقرأه إلّا كتاب اللّه وما في هذه الصحيفة فقال: فيها الجراحات، وأسنان الإبل والمدينة حرم ما بين عير إلى كذا...» إلى آخر الرواية. (3)
وروى البخاري أيضاً عن التيمي عن أبيه قال: حدثّنا علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) على منبر من آجر وعليه سيف فيه صحيفة معلّقة فقال: واللّه ما عندنا من كتاب يقرأ إلّا كتاب اللّه وما في هذه الصحيفة» إلى آخر الرواية، ثم بيّن ما في الصحيفة من الأحكام. (4)
وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما أحاديث كثيرة حول صحيفة الإمام علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بنصوص وأسانيد مختلفة وأشارا إلى الأحكام المتضمّنة لها. (5)
وهناك صحيفة أخرى لعلي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بل كانت كتاباً ضخماً أفصح الأئمّة الطاهرون
ص: 11
عليهم الصلاة والسلام عن ضخامته فقالوا: إنها صحيفة طولها سبعون ذراعاً أملاها رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) على علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فكتبها علي بخطّه وهي أول كتاب جمع فيه العلم عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وتسمّى عند أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) ب_«الجامعة».
ففي الكافي عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبداللّه فقلت له: جعلت فداك إنّي أسألك عن مسألة فهل ههنا أحد يسمع كلامي؟ قال: فرفع أبو عبد اللّه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ستراً بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه ثم قال: يا أبا محمّد سل عمّا بدا لك !!
قال: قلت: جعلت فداك إنّ شيعتك يتحدّثون أنّ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) علّم عليا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) باباً يفتح منه ألف باب - إلى قوله -: فقال: يا أبا محمّد: إنّ عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة! قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟
قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول اللّه وإملائه من فلق فيه وخطّ علي بيمينه فيها كلّ حلال وحرام، وكلّ شيء يحتاج إليه الناس حتّی الأرش في الخدش وضرب بيده إليّ.
فقال: تأذن لي يا أبا محمد! قال: قلت: جعلت فداك إنما أنا لك فاصنع ما شئت. قال: فغمزني بيده وقال: حتّی ارش هذا. قال: قلت: هذا واللّه العلم... » الحديث.(1)
والظاهر أن المراد من (ارش هذا) أي ارش الغمز.
وفي أيام الباقر (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لما احتجّ عليه الحكم بن عتيبة وكان من أهل الرأي في مسألة قال لابنه الصادق (عَلَيْهِ السَّلَامُ): «یا بنيّ قم فاخرج كتاباً مدروجاً عظيماً وجعل ينظر حتّی أخرج المسألة فقال: هذا خطّ علي وإملاء رسول اللّه وأقبل على الحكم
ص: 12
وقال: يا أبا محمّد! اذهب أنت وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم يميناً وشمالاً فواللّه لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئیل». (1)
وهناك كتب أخرى لأمير المؤمنین (عَلَيْهِ السَّلَامُ) منها كتاب الديات المنسوب إلى ظریف بن ناصح وكان مولانا أمير المؤمنين أرسله إلى عمّاله في البلاد ليعملوا به، وقد كتبه الشيعة وأخذوا يتوارثونه يداً بيد حتّی عصر الصادق (عَلَيْهِ السَّلَامُ) حيث عرضوه عليه فقال: «نعم هو حقّ وقد كان أمير المؤمنين يأمر عمّاله بذلك»... كما عرضوه بعد ذلك على مولانا الرضا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فقال: «نعم هو حق قد كان أمير المؤمنين يأمر عمّاله بذلك». وقد أورده الشيخ الطوسي في كتاب التهذيب. (2)
وهناك صحف أخرى جمعت فيها أحاديث النبي في زمنه عليه الصلاة والسلام منها:
- صحيفة أبي رافع المدني (35) هجرية مولى رسول اللّه قال عنها النجاشي في رجاله: لأبي رافع كتاب السنن والأحكام والقضايا. (3)
وكان ابن عباس يأتي أبا رافع ويسأله عن عمل رسول اللّه في بعض الأيّام وسيرته في المواقف المختلفة ومع ابن عباس ألواح يكتب فيها ما يحدّثه أبو رافع. (4)
- صحيفة عبداللّه بن عمر وسمّاها ب_(الصادقة) وقد اشتملت على ألف
ص: 13
حديث عن النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) روی بعضها أحمد في مسنده، ويعدّها البعض إحدى أهمّ الوثائق التاريخية التي تثبت ابتداء التدوين في زمن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ...
وقد روى عبداللّه بن عمرو بن العاص فقال: كنت أكتب كلّ شيء أسمعه من رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أريد حفظه فنهتني قريش وقالوا: تكتب كلّ شيء سمعته من رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ورسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بشر يتكلّم في الغضب والرضا!! فأمسكتُ عن الكتاب وذكرت ذلك لرسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال: «أكتب... فوالّذي نفسي بيده ما خرج منه إلّا حق».(1)
- صحيفة سعد بن عبادة الأنصاري (ت 15) هجرية و فيها طائفة من أحاديث رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، يرى البخاري أنّ هذه الصحيفة كانت نسخة من صحيفة عبداللّه ابن أبي أوفي الذي كان يكتب الأحاديث بيده وكان الناس يقرأون عليه ما جمعه بخطّه. (2)
- صحيفة جابر بن عبداللّه الأنصاري ... وقد ذكرها بعض أعلام العامّة وروي عنها البعض أيضاً، منهم ابن سعد في طبقاته(3) والذهبي في تذكرته(4) وعبد الرزّاق في مصنفه. (5)
و روى مسلم في صحيحه أنّها كانت في مناسك الحج... وكان قتادة بن دعامة السدوسي يكبر من قيمة هذه الصحيفة وأهميتها ويقول: لأنا لصحيفة جابر
ص: 14
أحفظ منّي لسورة البقرة(1)، وفي التاريخ أنّ جابر كان يملي أحاديثه على تلامذته من التابعين أمثال: محمّد بن الحنفية وسليمان بن قيس اليشكري وعبداللّه بن محمّد بن عقيل وغيرهم. (2)
و من الصحف الأخرى الّتي دوّنت أحاديث النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ):
- صحيفة أبي ذرّ الغفّاري، ورافع ابن خديج الأنصاري، وسلمان الفارسي، وعبداللّه بن عباس، وغيرهم... وقد وردت أحاديث كثيرة عن عدد من الصحابة تبلغ بمجوعها رتبة التواتر في إثبات وقوع الكتابة للحديث النبوي في عهده (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ).
ويؤيّد ما تقدّم ما ورد عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) في الأمر بكتابة العلم والحديث، منها: قوله (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): «قيّدوا العلم بالكتاب»(3)، «اكتبوا ولا حرج »(4) وغيرها...
ومن مجمل ما تقدّم يظهر أنّ حفظ السنّة الشريفة وصيانتها من الضياع يعود فضلها أولاً إلى أهل البيت (عليهم الصّلاة والسّلام) وثمّ مَن تابعهم وسار على نهجهم، إذ كان علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أوّل من دوّن أحاديث النبي، وكان معه من يؤيّد هذا النهج ويدعمه ويؤكّد على ضرورته كالإمام الحسن المجتبى (عليه الصّلاة والسّلام) (5) وجابر الأنصاري، وسلمان، وأبوذرّ، وأبو رافع مولى رسول اللّه، وغيرهم، ويقابلهم في ذلك جبهة أخرى معارضة كانت تمنع من تدوين الحديث بمبرّرات سنتطرق إليها فيما بعد...
ص: 15
ومن هنا فقد سار علماء الشيعة منذ العهد الأوّل إلى يوم الناس هذا على خطّى علي وبنيه (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) بما في تدوين الحديث صيانة للدّين من التحريف ولسنّة رسول اللّه من التلاعب والضياع، ولم تكن ثمة فترة انقطاع أو فتور في ذلك، حتّی برز منهم العديد ممّن ألّفوا المصنّفات في هذا الصعيد واشتهروا به، وقد ذكر النجاشي في كتابه أسماء ألف ومائتين من رجال الشيعة من كتاب الحديث، وقد ذكر أنّه ترجم للمؤلّفين والكتاب فقط من الشيعة(1) أمّا الحفّاظ فلعلّ عددهم يتجاوز ذلك بكثير.
وقد قسّم علماء الرجال كتاب الحديث و مؤلّفي الشيعة المشهورين حتّی عهد الإمام الصادق إلى ثلاث طبقات على ما ذكر في بعض المصادر. (2)
والظاهر أنّه لا توجد إحصائية دقيقة تجمع عدد الكتاب والمؤلّفين من أصحاب الأئمّة (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) بل ولعلّ السبب يعود إلى ندرة من تشرّف بمحضرهم واستقى من نمير علمهم، ثمّ لم يترك وراءه أثراً يجمع فيه ما حصل من معارف.
ومع أنّ الشيعة في العصور الأولى ما كانوا بحاجة إلى التدوين، إذ أنّ فترة حضور المعصوم (عليه الصّلاة والسّلام) تعدّ عصراً للنصّ على خلاف الجمهور الّذين يعتقدون بانقطاع النصّ عليهم بوفاة رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ).
أقول... على الرغم من أنّ الشيعة بعد رسول اللّه كانوا يعيشون عصر النص أيضاً، إلّا أنّهم كانوا المبادرين الأوائل لحفظ الحديث و تدوینه واستمرّوا يدونون مايلقونه من أحاديث رسول اللّه والأئمة (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) حتّی جاء عصر الصادق، وهي
ص: 16
الفترة الانتقالية بين العصر الأموي والعباسي، أي الفترة ما بين عام (83 - 148) هجرية، وقد استطاع الصادق (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أن يستثمر فترة انشغال الحكومة بترتیب الأوضاع الجديدة وتولّي الأمر استثماراً كبيراً حتّی صعد بعلم الحديث وتدوينه إلى ذراه فبلغ عدد طلاب مدرسته أكثر من أربعة آلاف طالب جمع أسماءهم ابن عقدة في كتاب مستقل. (1)
ويذكر الحسن الوشّاء أنّه أدرك في عصر واحد تسعمائة من العلماء في مسجد الكوفة كلّهم يقول: حدّثني جعفر بن محمد. (2)
وإذا أخذنا بنظر الاعتبار بُعد الكوفة عن معقل الإمام (عَلَيْهِ السَّلَامُ) - المدينة - والظروف السياسية الصعبة التي كانت تعيشها الكوفة دائماً سواء في العصر الأموي أو العباسي نظراً لتمسك أهلها بالتشيّع لأهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) ستعرف عمق مدرسة الإمام ومستوى انتشارها في الآفاق، حتّی أنّ الكوفة وحدها رغم الظروف الصعبة كان يحوي مسجدها هذا الكمّ الهائل من العلماء.
وعلى أيّ حال... فللتشجيع الكبير الذي أولاه الإمام (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لطلابه في تدوين الحديث و كتابته دفع بالكثيرين منهم إلى تأليف الكتب في هذا المجال بما قد يصعب على الإحصاء، والّذي وجد و تمكّنوا من إحصائه بلغ أربعمائة كتاب عرفت عند الشيعة بالأصول الأربعمائة.
وفي عصر الإمام الكاظم (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كان طلابه يدوّنون كلامه... فكانوا يحضرون مجلسه وفي أكمامهم ألواح آبنوس لطاف وأميال فإذا نطق أبو الحسن الكاظم (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بكلمة أو أفني في نازلة دوّنوها. (3)
ص: 17
وقد رأى بعض المؤرّخين أنّ ما دوّنته الشيعة من الحديث الشريف منذ عهد أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إلى عهد الإمام الحسن العسكري (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بلغ ستة آلاف وستمائة كتاب على ما ضبطها الحرّ العاملي صاحب الوسائل، وكلّها من طريق أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ). (1)
وفي عصر الغيبة أخذ علماء الشيعة بتدوين الموسوعات الحديثة من مجموع الكتب السابقة، فظهرت الكتب الجامعة، وكانت لفترة ليست بالقصيرة مرجعاً وحيداً لهم في المسائل والأحكام حتّی عصر الشيخ الكليني حيث ألّف كتابه الشهير (الكافي) بصورة جديدة مبتكرة في الجمع والتبويب مضافاً إلى الدقّة في الضبط، وصار المصدر الأوّل في الحديث عند الشيعة.
ومن بعده ألّف الشيخ ابن بابويه الصدوق كتابه (من لا يحضره الفقيه) حتّی جاء شیخ الطائفة الطوسي ليؤلّف سِفرَيه العظيمَين (التهذيب) و(الاستبصار) وسمّيت مجموع هذه الكتب بالكتب الأربعة، ومن الواضح أنّ الكتب الأربعة لم تكن الوحيدة في هذا المجال، بل هناك كتب أخرى ولكن لم تحظ بالاهتمام والمرجعية في الأحكام والمسائل كما حظيت الكتب الأربعة دقّة وتبويباً وجمعاً.
فعن كتاب (الكافي) قال العلامة الطهراني: هو أجلّ الكتب الأربعة، لم يكتب مثله في المنقول من آل الرسول، مشتمل على أربعة وثلاثين كتاباً وثلاثمائة وستة وعشرين باباً و أحاديثه حصرت في ستّة عشر ألف حديث.(2)
ويقول المولى محمّد أمين الاسترابادي: سمعنا عن مشايخنا وعلمائنا أنّه
ص: 18
لم يصنف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه.
وعن كتاب (الفقيه) قال المحدّث البحراني في (اللؤلؤة): قال بعض مشایخنا: أمّا (الفقيه) فيشتمل مجموعة على أربع مجلّدات يشتمل على ستمّائة وستّة وستّين باباً (1) وأحصيت أحاديثه فكانت خمسة آلاف وتسعمائة وثلاثة وستّين حديثاً منها ألفان وخمسون حديثاً مرسلاً ... وقال الشيخ سليمان الماحوزي في البلغة: رأيت جمعاً من الأصحاب يصفون مراسيله بالصحّة ويقولون: إنّها لا تقصر عن مراسيل محمّد بن أبي عمير، منهم العلامة في (المختلف) والشهيد في (شرح الإرشاد) والمحقّق الداماد. (2)
وأمّا كتاب (التهذيب) فقد بلغت أبوابه 390 باباً، وأحاديثه 13590 حديثاً. و(الاستبصار) أحصيت أبوابه في حوالي 925 باباً، وأحاديثه 5511 حديثاً. (3)
هذا مضافاً إلى ما صدر في القرن الحادي عشر من مجاميع حديثية مهمّة أخذت مكانة خاصّة عند العلماء والحوزات العلمية ألّفها المحمّدون الثلاثة محمّد الفيض الكاشاني وكتابه (الوافي) والشيخ محمّد باقر المجلسي وكتابه (البحار)، ومحمّد بن الحسن الحر العاملي وكتابه (الوسائل).
وأمّا في العصور المتأخّرة فما قام به علماء الشيعة من خدمة عظيمة في تدوين السنّة ونشر تعاليمها الشريفة كالشمس في رابعة النهار. (4)
ص: 19
وقد نصّ الحافظ الذهبي في ترجمة أبان بن تغلب على أنّ التشيّع في التابعين وتابعيهم كثير مع الدين والورع والصدق، ثمّ قال: فلو ردّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبويّة وهذا مفسدة بيّنة. (1)
كما ذكر السيّد حسن صدر في كتابه الشيعة وفنون الإسلام أسماء بعض أعلام الرواة والمحدّثين، فمن نقل الحديث بطرق أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) منذ عصر رسول اللّه إلى العصور المتأخرة. (2)
بعد أن التحق النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بالرفيق الأعلى قامت فئة منهم كبار الصحابة بمنع تدوين الحديث النبوي بل ومنعت من تداول الحديث شفوية وأقاموا لذلك نهجاً حملوا الناس عليه حتّی لم يستطع ناقلوا الحديث من نقل الأحاديث التي سمعوها من رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أو تدوينها، ليس هذا فحسب، بل انتهى الأمر إلى محو ما كان قد كتب عن النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وإحراقه بالنار !!
ولكي يبرّروا أساليبهم الّتي تتنافى روح الدين ومبادئه العلمية عمدوا إلى اختراع حديث على لسان النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول: «لا تكتبوا عنّي ومن كتب عنّي شيئا فليمحه» (3)!!
وبعد وفاة النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) مباشرة كانت من أولى خطوات أبي بكر أن جمع الناس وخطب فيهم قائلاً: إنّكم تحدثون عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أحاديث تختلفون فيها
ص: 20
والناس بعدكم أشدّ اختلافاً فلا تحدّثوا عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) شيئاً فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب اللّه فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه(1)!!
ولعلّ التأمّل فيما قاله أبو بكر يوصلنا إلى هاتين الحقيقتين:
الأولى: أنّ أبا بكر في نفس الوقت الّذي نهى عن رواية الحديث ودعى إلى العمل بالقرآن فقط وفقط كان هو أوّل من ترك القرآن والعمل به في منع إرث فاطمة رغم أنّها احتجّت عليه بالقرآن، معتمداً على حديث كان من خلق الساعة ولم يصدر من رسول اللّه يقول: «نحن معاشر الأنبياء لانورث وما تركناه صدقة» كما ذكر المؤرّخون، وإليك بعض النماذج من أقوال بعض محقّقي العامّة وعلمائهم عن مصدر الحديث:
1. قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة:
أكثر الروايات أنّه لم يرو هذا الحديث إلّا أبو بكر وحده، ذكر ذلك أعظم المحدّثين حتّی إنّ الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في احتجاجهم في الخبر برواية الصحابي الواحد(2).
وقال في موضع آخر منتصراً لكلام السيد المرتضی علم الهدی حيث حصر الحديث بأبي بكر: صدق المرتضی رحمه اللّه فيما قال: أمّا عقيب وفاة النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ومطالبة فاطمة بالإرث فلم يرو الخبر إلّا أبوبكر وحده(3).
ص: 21
وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء في فصل ما وقع في خلافة أبي بكر ما نصّه: عن عائشة قالت: واختلفوا في ميراثه فما وجدوا عند أحد من ذلك علما فقال أبو بكر: سمعت رسول اللّه (عليه الصّلاة والسّلام) يقول: إنّا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة(1). وقريب من هذا المعنى ذكره ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة.(2)
ولعلّ من صيغة كلام عائشة يشمّ رائحة الوضع للحديث بدوافع خاصّة فتأمّل كلامها تعرف.
أقول: ولعلّ جوهر القضيّة يكمن فيما عبر به علي بن الفارقي مدرّس المدرسة الغربية ببغداد حين سأله ابن أبي الحديد: أكانت فاطمة صادقة؟
فأجابه: نعم. فقال: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدك وهي عنده صادقة؟ فتبسّم ثمّ قال كلاماً ينمّ عن صراحته فقال:
لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها لجاءت إليه غداً وادّعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه!! ولم يكن يمكنه الإعتذار والموافقة بشيء لانّه يكون قد أسجل على نفسه أنّها صادقة فيما تدعي كائناً ما كان من غير حاجة إلى بيّنة ولا شهود!!
ثمّ قال ابن أبي الحديد تعليقا على كلامه: وهذا كلام صحيح وإن كان أخرجه مخرج الدعابة والهزل!!(3)
الثانية: من مجموع ما تقدّم نفهم أن سياسة منع الحديث وتدوينه لم تكن
ص: 22
أمراً جديداً بعد رسول اللّه... كلّا فهناك قرائن تؤكّد أنّها كانت لها روّاد في عهد النبي أيضاً.
قال السيد حسن الصدر: كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم فكرهها كثيرون منهم وأباحها طائفة وفعلوها منهم علي وابنه الحسن (عَلَيْهِما السَّلَامُ) كما في «تدریب الراوي» للسيوطي وأملا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) على علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ما جمعه في كتاب مدرج عظيم وهو أوّل كتاب جمع فيه العلم على عهد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فعلمت الشيعة حسن تدوين العلم وترتيبه فبادروا إلى ذلك اقتداء بإمامهم وزعم غيرهم النهي عن ذلك فتأخّروا.
قال الحافظ السيوطي في «التدريب»: وكانت الآثار في عصر الصحابة وكبار التابعين غير مدوّنة ولا مرتّبة لسيلان أذهانهم وسعة حفظهم ولأنّهم كانوا نهوا أوّلاً عن كتابتها خشية اختلاطها بالقرآن. (1)
فإذا ضممنا هذه المقالة إلى ما ذكره عبداللّه بن عمرو في منع قریش له من تدوين الحديث وذكره لأسباب المنع يظهر بوضوح أنّ الأمر كان خطة متبعة لها أنصار وحملة ورسول اللّه بعد لم يرحل قال عبداللّه بن عمرو كنت أكتب كلّ شيء أسمعه من رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أريد حفظه فنهتني قريش!! وقالوا: تكتب كلّ شيء سمعته من رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ورسول اللّه بشر يتكلّم في الغضب والرضا!!
فأمسكت عن الكتاب وذكرت ذلك لرسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال: «أكتب فوالّذي نفسي بيده ما خرج منه إلّا حقّ»!!(2)
ص: 23
26
اُنظر إلى فقرات الكلام...
- كنت أكتب كلّ شيء أريد حفظه «فنهتني قريش»!! من كان في قريش ينهاه؟ لعلّ مجريات الأحداث والكلمات والروايات القادمة ستوضّح لك من هم قریش!!
۔ رسول اللّه بشر يتكلّم في الغضب والرضا»!! هذا كلام لا يصدر عن إنسان يعتقد بأنّ رسول اللّه يوحى إليه وكلامه لا يدنوه الباطل من قريب أو بعيد لأنّ الّذي يتكلّم في الغضب والرضا يمكن أن يداخل كلامه الباطل... وإذا تأمّلنا إلى هذا الكلام أكثر قد نتوصّل إلى مدى قرب هذا الكلام من الكلام الذي صدر من البعض ورسول اللّه على فراش المرض لما أمرهم بالدواة والقلم قال: إنّ النبي ليهجر!!
. «أومأ رسول اللّه إلى فيه» وقال: «أكتب فوالّذي نفسي بيده ما خرج منه - أي فيه - إلّا حقّ» دليل واضح على بطلان ما نسبوه إلى النبي من احتمال صدور الكلام الباطل منه. وفي قوله «ما خرج منه إلّا حقّ» إشارة إلى الآية الشريفة «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إلّا وَحْيٌ يُوحَى»(1) وهو يؤكّد أنّهم كانوا يريدون من مقالتهم أنّه بشر يتكلّم في الغضب والرضا الانتقاص من رسول اللّه وأنّ كلامه يختلط بما لا يصحّ تدوینه وذكره!!
أفليس من مجموع ما ذكر نتوصّل إلى هذه الحقيقة... حقيقة أنّ المنع من تدوین سنّة النبي وحديثه كان أمراً مدبراً له من قبل!! ولكن ماهي الدوافع والأسباب؟ هذا ما سنتعرّف عليه فانتظر!!
ص: 24
تقول عائشة: جمع أبي الحديث عن رسول اللّه فكانت خمسمائة حديث فبات يتقلّب. قالت: فغمّني كثيراً فقلت: يتقلّب لشكوى أو لشيء بلغه فلمّا أصبح قال: بنيّة هلمّي الأحاديث الّتي عندك فجئته بها فأحرقها!! وقال: خشیت أن أموت وهي عندك فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم یكن كما حدّثني فأكون قد تقلّدت ذلك.(1)
وإذا ضممنا هذا العمل إلى خطبته الّتي منع فيها الناس من التحدّث بحديث رسول اللّه ودعي إلى القرآن فقط و فقط سنعرف كم يؤدّي هذا النوع من الأسلوب في التعامل مع سنّة النبي وحديثه... أي المنع ثمّ الحرق!! إلى نتائج وخيمة على مستقبل الدين وأحكامه وحقائقه!!
وكم يحمل في طياته من المساوىء خلّفت أسوء الآثار على المسلمين والحفاظ والمحدثين، إذ ترك الحديث جانبية ونبذ وراء الظهور بعد أن صار مصيره الحرق مدّة ثلاث سنوات من عهد أبي بكر ثم جاءت سنوات أخرى أطول كرّست هذه السياسة... وفي كلّ هذه الفترات صار محور العلوم والمعارف والأحكام وصار القرآن الكريم وحده دون تفسير وشرح وإيضاح... ومع هكذا أسلوب كیف تظهر الحقائق ويستقيم الناس على الجادة!!
وعندما وصل عمر إلى الحكم جابه نقل و تدوين الحديث بمعارضة أشدّ حيث أصبحت هذه المرّة مصحوبة بالضرب والقوّة... وقد نقل الذهبي في تذكرة
ص: 25
الحفاظ عن أبي سلمة عن أبي هريرة ما كان يلاقيه الرواة جرّاء ذلك... كان منها ما جاء في قوله:
وقلت له: أكنت تحدّث في زمان عمر هذا؟ قال: لو كنت أحدّث في زمان عمر مثل ما أحدّثكم لضربني بمخفقته.(1)
فكان عمر يتشدّد مع أصحاب النبي بشكل يثير العجب إذا رووا عن النبي حديث حتّی إنّ أبا موسى الأشعري حينما روى حديثاً عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)- في الإستئذان من صاحب الدار - قال له عمر: واللّه لتقيمنّ عليه بيّنة - وزاد مسلم - وإلّا أوجعتك...(2) الحديث، وبماذا يوجعه أليس بالضرب!! حتّی أنّه ولشدّة ما جابه به من أصحاب النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال له أبوالمنذر: فلا تكن يا ابن الخطاب عذاباً على أصحاب رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ). (3)
واستمرّت هذه السياسة كما استمرّت غيرها في طول فترة خلافته الّتي دامت لعشر سنوات مدعومة بخطّة مدبّرة مدروسة ومعززة بالقوّة ولعلّ ممّا يدلّ على دقّة الخطّة ما رواه قرظة بن كعب قال: لما سيّرنا عمر إلى العراق مشی معنا إلى صرار ثم قال: أتدرون لم شيّعتكم؟
قلنا: أردت أن تشيّعنا وتكرّمنا!!
قال: إنّ مع ذلك لحاجة!! إنّكم تأتون أهل قرية لهم دويّ بالقرآن كدويّ النحل فلا تصدّوهم بالأحاديث عن رسول اللّه!! وأنا شريككم!!
قال قرظة: فما حدّثت بعده حديثاً عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)... وفي رواية أخرى:
ص: 26
فلمّا قدم قرظة بن كعب قالوا: حدّثنا فقال: نهانا عمر!!. (1) وفي سنن ابن ماجة رویت الرواية مع بعض الاختلاف وكان ممّا جاء فيها (أقلّوا الرواية عن رسول اللّه)(2)
وتشديداً في المنع من السنّة كتب إلى الأمصار: من كان عنده شيء فليمحه(3). وأنشد الناس أن يأتوه بالأحاديث فلما أتوه بها أمر بتحريقها(4).
ثمّ تطوّر الأمر إلى السجن والمنع من السفر لمن يروي أحاديث النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقد روى الذهبي أنّ عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود و أبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري وقال لهم: أكثرتم الحديث عن رسول اللّه.. (5)
كما منع الصحابة من مغادرة المدينة المنوّرة إلى الأمصار الأخرى تحكيماً للحصار على السنّة النبويّة الشريفة حتّی صارت الأجواء خانقة على الرواة والمحدّثين والكل يخشى من النقل والتدوين... حتّی أنّ السائب بن يزيد قال: صحبت سور بن مالك من المدينة إلى مكّة فما سمعته يحدّث عن النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بحديث واحد. (6)
ص: 27
وروى ابن ماجة أيضاً عن الشعبي قال: جالست ابن عمر سنة فما سمعته يحدّث عن رسول اللّه شيئاً (1).
وعامر الشعبي لشدّة تخوّفه من السلطة كان يقول: ما كتبت سوداء في بيضاء ولا سمعت من رجل شيئاً فأردت أن يعيده عليّ(2). وكره إبراهيم النخعي أن تكتب الأحاديث في الكراريس.(3)
ولمّا جاء عثمان كرّس نفس المنهج، فأعلن وهو على المنبر: لا يحلّ لأحد أن يروي حديثاً عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) لم أسمع به في عهد أبي بكر وعمر!!.
ولعمري بعد سياسة المنع والعقوبات الصارمة عليها هل بقي حديث سمعه في عهد أبي بكر وعمر!! (4)
ولم يكتف عثمان بمنع التدوين بل مارس سياسة اتسمت بالخشونة والقسوة أكثر تجاه الصحابة، وفي هذا الإتّجاه قام بنفي الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري من المدينة إلى الشام ومن الشام إلى المدينة ثمّ من المدينة إلى الربذة حتّی لقي ربّه في صحراء الحجاز الجرداء المحروقة بالعطش غريباً!! وضرب الصحابي عبداللّه بن مسعود وعمار وغيرهم... حتّی أصاب الفتق الأوّل و أغمي على الثاني عدّة مرّات و الحديث في هذا المجال طويل وطويل نكتفي بما ذكرنا ولكن يبقى
ص: 28
سؤال قد يلح على القارىء بالإجابة خلاصته: ما هي الأهداف من وراء هجران سنّة النبي الأعظم والمنع من تدوينها؟
ولماذا خطّط بعض الصحابة سواء في عهد النبي أو فيما بعده لاتّهام النبي بالهجرة ونحوه ومن ثمّ حالوا دون كتابة أحاديثه وحاسبوا على ذلك الرواة أشدّ المحاسبة؟
لعلّ التأمّل في مجريات الأحداث ونتائجها يوصلنا إلى جملة من الأهداف الّتي كانت وراء ذلك إلّا أنّ الهدف الأكبر الّذي كان يتخفي وراء هذه الأساليب هو أمر واحد وهو فصل الشريعة المحمّديّة عن رأسها و قطب رحاها وقطع حبل الوصال بين النبوّة والإمامة ومن الواضح أنّ الإمامة تكمل دور النبوّة وتحقّق أهدافها ولولاها لأصبحت البعثة عملاً ناقصاً وناقضاً للغرض، ومعلوم أنّ هذا غير ميسور إلّا بإقصاء الإمامة المتجسّدة في علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عن الخلافة ومن الواضح أنّ الشريعة الّتي لا تحميها خلافة عادلة معصومة تصبح عرضة للتحريف والتضييع لأغراض حزبية أو شخصية.
والسؤال المطروح هو: كيف استطاع القوم أن يمارسوا هذه الأساليب على مسمع ومرأى من الناس والصحابة الذين بالأمس القريب سمعوا حديث رسول اللّه وبايعوا عليا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بالخلافة وقد رأوا بأمّ أعينهم الانسجام التام والتكاملية
ص: 29
في المنهج بين القرآن والسنّة؟! وكيف كانت السنّة تشرح القرآن وتبين مفاهيمه بلا نقص أو شبهة؟!
والجواب: أنّهم سلكوا في سبيل إنجاح هذه السياسة طرقاً عديدة يكمل بعضها بعضاً ويزيده قوّة وتأثيراً وقد لخصها البعض بجامع مشترك واحد وهو السلطة والقدرة!!
مع طرح البديل اعلامياً وإليك توضيح ذلك.
فالقسم الأوّل هو: القرآن شعاراً إعلامياً وهو يشتمل على أمور:
الأوّل: رفع شعار التمسّك بالقرآن في مقابل السنّة وكأنّهما أمران متباينان لا يلتقي أحدهما بالآخر، ولعلّ أوّل خطوة سارت في هذا الإتجاه الكلمة الّتي قالها عمر في وجه رسول اللّه وهو في فراش الموت لمّا أراد أن يحدّثهم بحديث لن يضلّوا بعده أبداً وهو حديث الثقلين الّذي يجعل القرآن والسنّة كجناحين يطيرون بهما إلى آفاق الدنيا الواسعة والآخرة السعيدة. وهو أمر اتّفق المسلمون عامة على صحّته... وعرفت برزية الخميس.
وعلى أيّ حال فقد قال عمر في محضر رسول اللّه وهو يوشك أن يودعهم... وبدلاً من أن يتلهّفوا لاستماع آخر كلامه ويستلهموا خاتمة وصاياه... قال... حسبنا كتاب اللّه!! (1).
فمن يا ترى الّذي لا يقدّس القرآن ولا يحترمه؟! ومن في المسلمين لايفضّل كلام اللّه على كلام غيره؟ وهل فيهم من ترك كتاب اللّه وراء ظهره. والتزم بما هو مع القرآن على طرفي نقيض؟!
الأمر الثاني: إذ كانت الخطوة الثانية في هذا المسار أن منعوا من رواية
ص: 30
الحديث عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وتعلّلوا بنفس العلّة وقالوا حسبكم القرآن!! (1). ومن كان يتخلّف عن هذا القرار كان يتعرّض للعقاب وأدناه أن يحضره إلى المدينة ثم يضعه تحت الرقابة وإذا استمرّ يودعه السجن.(2)
ولكن لمّا لم تلق هذه السياسة استجابة من قبل بعض الصحابة حيث استمرّوا بنقل الحديث وتدوينه أمر بجمع حديث النبي عنده ثم أحرق ما كان بحوزته، وأمّا ما كان من الحديث في بلدان أخرى فأمر بمحوه... وفي هذا الصدد روى القاسم بن محمّد بن أبي بكر قال: أنّ الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها فلمّا أتوه بها أمر بتحريقها. (3)
ثم جعل ذلك نهجاً وسیاسة عمامة في كلّ الأمصار إذ كتب إلى عمّاله: من كان عنده شيء فليمحه(4). وقريب من هذا الأسلوب كان قد اتّبعه أبو بكر في خلافته.
وهناك دليل آخر: ورد عن عروة بن الزبير أنّ عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن - أي سنن النبي - فاستفتى أصحاب النبي في ذلك فأشاروا عليه بأن يكتبها فطفق عمر يستخير اللّه شهراً ثمّ أصبح يوماً وقد عزم اللّه له فقال: إنّي كنت أريد أن أكتب السنن وإنّي ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتباً فأكبّوا عليها وتركوا كتاب اللّه وإني واللّه لا أشوب كتاب اللّه بشيء أبداً(5).
ص: 31
وكيف يمكن أن يختلط القرآن بالسنّة لكي يضطر الخليفة إلى منعه ثمّ يحرقه ويعاقب عليه... وهل الاختلاط المزعوم بين القرآن والسنّة بالأسلوب أم بالمعنی؟
إذا كان التشابه في الأسلوب البياني والألفاظ بين القرآن والسنّة هو السبب الذي دعى الحاكم إلى منع تدوين السنّة فالظاهر أنّ هذا أمر غير معقول لأن القرآن امتاز بأسلوب خاص في البلاغة والبيان ونسق الألفاظ بحيث امتاز عن كلّ كلام ومن هنا بهر العرب أسلوبه و كانوا ينساقون إلى بيانه بمجرد سماعه وصاروا يميّزونه عن كلّ بيان آخر فكيف يعقل لهذا الأسلوب الممتاز المتفرّد في نسقه وصياغته الإعجازيّة أن يختلط على الصحابة وقد نزل بين أظهرهم وكانوا يتلونه آناء الليل وأطراف النهار وبعضهم حفّاظ له؟!
وإذا كان منع التدوين نشأ لخوف اختلاط معاني القرآن بالسنّة فلا أظنّ أحداً يفوّه بهذا وقد أجمع المسلمون على أنّ السنّة مكمّلة للقرآن وشارحة المفاهيمه وموضحة لمعانيه وكلاهما صادران عن مصدر واحد؟!
وإذا كان ذلك صحيحاً أليس كان رسول اللّه أولى من غيره بتولّي عملية المنع!! إلّا إذا قلنا أنّ الحكام كانوا أكثر حرصاً من رسول اللّه على الدين والقرآن!!
ثمّ كيف يصحّ للحاكم أن يمنع من تدوين الحديث بعد أن أمر رسول اللّه بتدوينه وحثّ الصحابة على تقييد العلم بالكتابة كما مرّت بعض الروايات و كان الصحابة يكتبون حديثه ويدوّنون سنّته بإشراف منه كما تقدّم في صحيفة علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الّتي كانت من إملاء رسول اللّه نفسه وبخطّ علي...
ص: 32
وصحيفة عبداللّه بن عمرو الّتي نهته قريش عن كتابتها واتّهموا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بما لا يليق بمقام النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فذكر الأمر لرسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقال له: اكتب فوالّذي نفسي بيده ما خرج منه إلّا حقّ!! أليس هذا اجتهاداً في مقابل النصّ!! ومغايرة واضحة لسيرة رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)؟!
أليس منع تدوين السنّة يؤدّي بالنتيجة إلى تضييع القرآن نفسه أوّلاً ثمّ السنّة لأنّ القرآن فيه من المعاني والمضامين ما لا يعرفه إلّا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وأهل بيته (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ).
و من كلّ هذه الأسئلة نفهم أنّ منع التدوين بزعم الحاكم ولعدّة مرّات (حسبنا كتاب اللّه)!! كان يستبطن أهدافاً أخرى هي أعمق ممّا زعموا إذ لم یكن يراد للحديث النبوي أن يأخذ مكانه الطبيعي بين المسلمين بل أريد له أن ينتهي إلى النتيجة الّتي كانت مرسومة من قبل لتنتهي إليها الأوضاع بعد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وليس بحسب النهج الّذي رسمه الرسول (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) والنهاية الّتي كان قد مهّد لها في الغدير وقبله وبعده.
وبكلمة أقول: أريد من وراء ادّعائهم - حسبنا كتاب اللّه - إلغاء السنّة كمقدمة إلى إقصاء أهل البيت عن مركزهم وإبعادهم عن دورهم الديني والدنيوي الظاهر في حياة المسلمين. ولعلّ ممّا يؤكّد هذا المعنى وأنّ المقصود من المنع عليا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وأهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) أمور:
1- ما رواه الخطيب البغدادي بسنده عن عبدالرحمن بن الأسود عن أبيه قال: جاء علقمة بكتاب من مكّة - أو اليمن - صحيفة فيها أحاديث في أهل البيت، بيت النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فاستأذنا على عبداللّه فدخلنا عليه قال: فدفعنا إليه الصحيفة قال: فدعا الجارية ثمّ دعا بطست فيها ماء فقلنا له: يا أبا عبدالرحمن
ص: 33
اُنظر فيها فإن فيها أحاديث حساناً فجعل يميثها فيه ويقول: «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ»(1)، القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بما سواه!!(2).
2 - ما ورد في صحيفة جابر بن عبداللّه الأنصاري التّي ذكرها ابن سعد في طبقاته وروى عنها مسلم في صحيحه وقال: أنّها كانت في مناسك الحج... ويحتمل أن يكون فيها ذكر حجّة الوداع الّتي ألقى فيها رسول اللّه خطبته الجامعة وعيّن علياً (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وصياً وخليفة وإماماً للناس بعده.(3)
3- ما ورد في صحيفة أبي رافع مولى رسول اللّه المتوفّى سنة 35 هجريّة(4) والّتي سمّاها «كتاب السنن والأحكام». قال عنه النجاشي: تابعي من خيار الشيعة كانت له صحبة من أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وكان كاتباً له وحفظ كثيراً(5). ولأخيه عبيد اللّه بن أبي رافع كاتب أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كتاب سمّاه «قضايا أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ)»، وكتاب آخر إسمه «تسمية من شهد مع أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في الجمل وصفّين والنهروان من الصحابة» كما في فهرست الشيخ الطوسي.(6)
والظاهر من عناوين هذه الكتب أنّ مضامينها كانت تحتوي على فضائل علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) و مناقبه و قضاياه... ومن الواضح أنّ هكذا كتب وهكذا أحاديث ينبغي أن تمنع ويعاقب من يرويها أو يحدّث بها بحجّة أنّها تختلط بالقرآن!!
ص: 34
ووضع الأحاديث الكاذبة على رسول اللّه.
والذي يتابع سلسلة الأحاديث ومجرياتها تتجلى عنده بوضوح أكثر الخطّة الّتي كانت مرسومة لإقصاء أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) عن الساحة، وتهميش دورهم في الأمّة أو إلغائه بالكامل.
إذ بعد سياسة منع التدوين التي حرمت المسلمين لمدّة قرابة مائة عام من الاتّصال بالسنّة والأخذ بتعاليمها حتّی انقطع النّاس عن سيرة رسول اللّه ونهجه ونسيت الكثير من الحقائق والمفاهيم عند البعض وانقلبت بعض الموازين وتبدّلت حتّی صارت الساحة فارغة من النهج القويم الّذي يحدّد خطاها بعد هذا وذاك جاء دور ملأ هذا الفراغ وطرح البديل وأي حديث يضاهي حديث النبي ويقوم مقامه؟ ليس إلّا الوضع والإتيان بأحاديث جديدة هي من خلق الأهداف والأطماع السياسية الخاصّة وليست من إيحاء الوحي...
وكانت بوادر هذه الخطة تظهر بين الفينة والأخرى بشكل كلمات تظهر على لسان البعض مثل معاوية كما ستأتي الإشارة إليه.
وفسح المجال في زمن الخليفة الثاني لبعض المحدّثين فراح يبثّ المفاهيم الإسرائيلية بين المسلمين ويخلطها بحقائق الإسلام لتشويه الحقائق ومزجها بالخرافة الأمر الّذي كان له غاية الأثر في إفساد عقائد الناس وصرفهم إلى الاتّجاه المرسوم من قبل!!
ص: 35
جاء في سير أعلام النبلاء عن كعب الأحبار: أنّه كان يهوديّاً فأسلم بعد وفاة النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وقدم المدينة من اليمن في أيّام عمر فجالس أصحاب محمّد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فكان يحدّثهم عن الكتب الإسرائيلية(1).
وقد علا شأنه في ظلّ عهد عمر وراح يلقي دروسه في المسجد كما جاء في طبقات ابن سعد عن رجل دخل المسجد فإذا عامر بن عبداللّه بن عبد القيس جالس إلى كعب وبنيهما سفر من أسفار التوراة وكعب يقرأ(2) وماذا يقرأ؟ التوراة في مسجد النبي؟!
روي المؤرّخون: لمّا اشتعلت نيران الفتنة في زمن عثمان وتصاعدت الأحداث حتّی انتهت بمقتل عثمان في بيته وجد كعب فرصته السانحة لتأجيج الفتنة أكثر وإقصاء الخلافة عن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وسوقها باتّجاه معاوية والأمويين ولما كان الحادي يحدو بعثمان قائلاً:
إن الأمير بعد علي *** وفي الزبير خلق رضي
قال كعب: بل هو صاحب البغلة الشهباء!! - أي معاوية - وكان يراه يركب بغلة فبلغ ذلك معاوية فأتاه فقال: يا أبا إسحاق ما تقول هذا!! وهاهنا علىّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) والزبير وأصحاب محمّد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال: أنت صاحبها(3).
ولهذا قرّبه معاوية وأخذ يسأله عن أمور المبدأ والمغيبات - لأنّه كان يتكهن
ص: 36
بالمغيبات - وتفسير القرآن.
وقد ذكر ابن حجر: أنّ معاوية هو الي أمر كعباً بأن يقص في الشام(1)، وماذا يقص؟ هل قصص القرآن الكريم؟ أم قصص النبي وسيرته؟ كلّا... كان يقص قصصاً وأساطير هي في واقعها على تضاد مع مفاهيم الإسلام وقيمه.
وإلى جانب كعب الأحبار كان وهب بن منبه وهو أيضاً من اليهود قال عنه الذهبي: روايته للمسند قليلة وإنّما غزارة علمه في الإسرائيليات و من صحائف أهل الكتاب. والّذي يبدو من بعض الأخبار أنّ وهباً كان أكثر تركيزاً من كعب في نهجه إذ صنع طبقة من التلاميذ وخرجهم على يديه ونشرهم بين المسلمين يروون أحاديثه وقصصه الضالّة هنا وهناك وقد عدّهم الذهبي أكثر من عشرين(2)، الأمر الّذي أعطى بُعداً آخر لمنهجية الوضع وتحریق حقائق الإسلام.(3)
وتميم الداري هو الآخر أسلم في أيام رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) لنفس الدوافع والأغراض، وهو أوّل من قصّ القصص في مقابل القرآن والسنّة وذلك في عهد عمر(4)، وغيره كثيرون وهؤلاء كانوا يجلسون في المساجد ويتكلّمون بما يشغلون الناس عن القرآن والسنّة ولذا كانوا هؤلاء من المغضوب عليهم بين صحابة رسول اللّه المخلصين لما كانوا يشكلونه من خطر استراتيجي كبير على
ص: 37
الإسلام والمسلمين!!
جاء في الإصابة: أن أول من قصّ في مسجد البصرة هو الأسود بن سریع التميمي السعدي ولكنه لم يجد قبولاً بين مجتمع لايزال فيه ثلة من الصحابة الأتقياء الحافظين لعهد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقد جلس ليقص فارتفعت الأصوات فجاء مجالد بن مسعود السلمي وله صحبة فقال: أوسعوا له فقال: إني واللّه ما جئتكم لأجلس إليكم ولكنّي رأيتكم صنعتم شيئاً أنكره المسلمون فإيّاكم وما أنكره المسلمون(1).
ثم تلت هذه المجموعة من القصاصين مجموعة أخرى من الزنادقة كرّسوا هذا المنهج وأكملوا الدور وربما زادوا عليه بإدخال جملة من الآراء تنتهي إلى التجسيم والتشبيه ونحوه من تحریفات و نسبتها إلى الإسلام والرسول (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) من أمثال:
عبدالكريم ابن أبي العوجاء وبيان بن سمعان المهدي ومحمّد بن سعيد فهؤلاء انحدروا بالناس بأحاديثهم إلى حدّ الخرافة كالحديث التالي: «إنّ اللّه اشتكت عيناه فعادته الملائكة»؟! وحدیث «ينزل ربنا عشية عرفة على جمل أورق يصافح الركبان ويعانق المشاة»؟!
واستمع للحديث التالي: عن أبي رزين قال: قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): ضحك ربنا من قنوت عباده وقرب غيره قال: قلت: يا رسول اللّه أيضحك الرب؟ قال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): نعم!! قلت: لن نعدم من ربّ يضحك خيراً!! (2)
وهاك هذا الحديث الآخر: عن أبي هريرة: إن رسول اللّه قال: «ينزل ربّنا
ص: 38
تبارك وتعالى من كلّ ليلة إلى السماء الدنيا حتّی يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فاستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟... الحديث»(1).
وهذه الأحاديث وأمثالها تتنافى مع نص القرآن المصرح بنفي الجسمية والتشبيه عنه سبحانه قال تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ»(2) وقال: «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ»(3) ونحوها من الآيات - هذا فضلاً عن الأحكام والفرائض -، ولكن لمّا كانت سياسة الدولة تتماشى مع هذا النهج وجدت هذه الآراء طريقها معبداً ودخلت في عقول بعض الناس إلى اليوم إذ لا زال بعض المسلمين اليوم يعتقدون أنّه تعالى قابل للرؤية بالعين الباصرة وأنّه ينزل في كلّ ليلة جمعة على حمارة له إلى السماء السابعة لينظر إلى خلقه!! كلّ ذلك جراء آلاف الأحاديث الكاذبة الّتي دسّت في الإسلام!!
ولا غرابة من هذا الكمّ الهائل من الواضعين وعبدالكریم بن أبي العوجاء - واحد منهم فقط. لما جيء به إلى محمّد بن سليمان بن علي أمير البصرة ليقتله وأيقن بالموت قال: واللّه لقد وضعت فیكم أربعة آلاف حديث أحرّم فيها الحلال وأحلّ فيها الحرام ولقد فطّرتكم في يوم صومكم وصوّمتكم في يوم فطركم!! وكان حماد بن زيد يقول: وضعت الزنادقة على رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أربعة عشر ألف حديث(4).
ص: 39
وأمّا أبو هريرة الدوسي فحدّث ولا حرج...
ذكر المؤرخون أنه لم يصحب النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) إلّا سنة واحدة وتسعة أشهر(1) وأقصى مدّة ذكرها البعض لصحبته كانت ثلاث سنين فقط ومع ذلك كلّه فقد أحصى البعض ما رواه فكان أكثر الصحابة حديثاً عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)... مع أنّ بعض الصحابة عاصر النبي وسمع حديثه سنوات طوال... حتّی أنّ مسنداً واحداً - هو مسند بفيّ بن مخلّد - حوى من حديث أبي هريرة على (5374) حديثاً فما ظنّك بغيره؟!!
وفضح مولانا أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أبا هريرة وكذبه المتواصل على رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقال: لا أحد أكذب من هذا الدوسي على رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) (2).
وروى المؤرّخون... أنّ أبا هريرة ما كان يملك قوت يومه لشدّة فقره وفاقته، وفي حديث رواه أحمد بن حنبل منقولاً عن عبدالرحمن بن الأعرج قال: سمعت أبا هريرة يقول: إنّي كنت امرءاً مسكيناً أصحب رسول اللّه على ملء بطني(3)، واستمرّ حاله المدقع حتّی خلافة عمر وكان عمر أوّل من قرّب أبا هريرة وكبّر من شأنه وأعطاه صوتاً يسمع حيث ولّاه على البحرين سنة (20) هجرية!!
وكانت طريقته في الوضع أن يرفع الحديث إلى رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ولم يسمعه منه... وقد تنكّر لهذا الأمر بسر بن سعيد فقال: اتقوا اللّه وتحفظوا في الحديث فواللّه لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدّث عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ويحدّثنا عن كعب ثمّ
ص: 40
يقوم فأسمع بعض من كان معنا يجعل حدیث رسول اللّه عن كعب ويجعل حديث كعب عن رسول اللّه!!(1).
وبعد كلّ هذا قد لا يبالغ من قال: أنّ وضع الحديث على رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) كان أشدّ خطراً على الدين وأبلغ ضرراً على المسلمين من تعصّب أهل المشرقین والمغربين وإن تفرّق المسلمين إلى شيع و فرق و مذاهب و نحل لهو أثر من آثار الوضع في الدين(2).
وهنا لا أجد غير أن أستشهد بما نفث به قلب ذلك المظلوم الّذي كان هو المقصود أوّلاً من كلّ هذا متحدّثاً عن حقيقة الأوضاع وأبعادها، يقول علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول اللّه متعمّدين بخلافه ناقضين العهده مغيّرين لسنّته ولو حملت الناس على تركها وحوّلتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول اللّه لتفرّق عني جندي حتّی أبقى وحدي أو مع قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب اللّه وسنّة رسوله(3).
وإذا كان أولئك الحكّام قد اكتفوا بمنع تدوين الحديث والتحريض على الوضع للتغطية على أهل البيت وإقصاء دورهم فإنّ معاوية اتّبع سياسة أكثر دهاءاً ومكراً وتشدداً في هذا الإتّجاه !!
وكانت أولى خطواته بعد أن أحكم قبضته على الأمور فقد منع من نقل
ص: 41
الحديث باستثناء ما كان ينقل في عهد عمر(1).
و تكميلاً لدور الماضين حرض على الوضع بشكل أكثر شمولية وقوة كما سترى كلّ هذا من جهة ومن جهة أخرى أسّس طريقة السبّ والشتم واللعن لعلي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) على المنابر ليشوّه صورته في أنظار الناس ويذهب بميل القلوب عنه ليس علياً وحده بل حتّی شيعته وأصحابه وقد عزّز هذه الخطوة بوضع أحاديث جديدة في فضل معاوية وعثمان بشكل خاصّ وبني أمية بشكل عامّ...
كان منها ما روي أنّ معاوية لما ولّى المغيرة بن شعبة على الكوفة في سنة 41 هجرية قال له: أردت إيصاءك بأشياء كثيرة فأنا تاركها اعتمادا على بصرك بما يرضيني ويسعد سلطاني ويصلح به رعيتي ولست تاركاً إيصاءك بخصلة لا تتحمّ - أي لا تتجنب - عن شتم علي وذمّه والترحّم على عثمان والاستغفار له والعيب على أصحاب علي والإقصاء لهم وترك الاستماع منهم وبإطراء شيعة عثمان والإدناء لهم والإستماع منهم... (2).
وكتب معاوية إلى عمّاله في جميع الآفاق: أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة، وكتب إليهم:
أن اُنظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيّه وأهل ولايته والّذين يروون فضائله ومناقبه فأذنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم واكتبوا إليّ بكلّ ما يروي كلّ رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته... ففعلوا ذلك حتّی أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع ويفيضه في العرب منهم والموالي...
ص: 42
فكثر ذلك في كلّ مصر وتنافسوا في المنازل والدنيا فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملاً من عمّال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلّا كتب اسمه وقرّبه وشفّعه فلبثوا بذلك حينا (1)... ولما تفاقم الأمر عليه وكاد أن يغطي اسم عثمان على معاوية نفسه فقد كتب إلى عمّاله:
أنّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر وفي كلّ وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلّا وتأتوني بمناقض له في الصحابة فإنّ هذا أحبّ إليّ وأقرّ لعيني وأدحض لحجّة أبي تراب و شیعته وأشدّ إليهم من مناقب عثمان وفضله.
ويضيف المدائني: فقرأت كتبه على الناس فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتّی أشادوا بذكر ذلك على المنابر وألقى إلى معلّمي الكتاتيب فعلموا صبيانهم وغلمانهم عن ذلك الكثير الواسع حتّی رووه وتعلّموه كما يتعلّمون القرآن وحتّی علّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء اللّه!!
وهكذا فشا الوضع وانتشر انتشاراً سريعاً و صار من الكثرة بمكان حتّی روي عن سهل بن السري الحافظ انّه قال: وضع أحمد بن عبداللّه الجويباري ومحمّد بن عكّاشة الكرماني ومحمّد بن تميم الفارابي على رسول اللّه أكثر من عشرة آلاف حديث!!
ص: 43
وبعد هذا لا غرابة في قول البخاري: أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح!! (1).
وكانت الدوافع وراء الوضع عديدة فبعضهم يضع الحديث لمصالح سياسيّة وبعضهم لعصبية وبعضهم للمال وبعضهم للتقرّب إلى الحاكم وسفّوا بالوضع إلى درجة أصبحوا يضعون الحديث لأسباب تافهة ولعلّ من نماذج ذلك ما أسنده الحاكم عن سيف بن عمر التميمي قال:
كنت عند سعد بن طریف فجاء ابنه من الكتّاب يبكي!! فقال له: ما لَك؟ قال: ضربني المعلّم؟ قال: لأخزينّهم اليوم!!
وكيف يخزيهم؟... يضع حديثاً عن رسول اللّه ضدّهم؟!!
حدّثنا عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً: معلّموا صبيانكم شراركم أقلّهم رحمة لليتيم وأغلظهم على المساكين!!(2).
وما سطّره التاريخ في ذلك أمرّ وأدهى ولا يعدّ ولا يحصى... حيث انتشر الوضع وكثر الوضّاعون وشكلوا جبهة طويلة وعريضة من أقصى بلاد الإسلام إلى أدناها كلّ يدبر للمكيدة وإبعاد أهل البيت عن مسرح الأحداث... وكلّ يضع بطريقته الخاصّة وحسب هدفه المرسوم.
منها تجویز قتل المسلمين... بدوافع جاهلية أو سياسية ناشئة من عدم خضوعهم للخليفة الجديد الّذي لم ينصّ عليه رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)... حيث اتّهموهم
ص: 44
بأنهم مرتدّون على الإسلام وأجازوا بذلك قتلهم(1) ونحن إذا عرفنا الرجال الّذين قادوا عمليات القتل هذه بأمر الخليفة الأوّل نعرف مغزاها ونتوصل إلى بعض دوافعها...
فالقيادة كانت بيد عكرمة بن أبي جهل وشملت سلطته أرض حضر موت.
والثانية كانت بقيادة خالد بن الوليد وشملت سلطته أطراف المدينة وكلاهما كان يحمل مايحمل على الإسلام والمسلمين. ولتجویز قتلهم اتهمتهم السلطة بتهمتين:
الأولى: المنع من دفع الزكاة.
الثانية: الإرتداد على الإسلام، لتجویز قتلهم.
قال بعضهم لممثّل الخليفة الّذي بعثه لجباية الزكاة: إنّك تدعو إلى طاعة رجل لم يعهد إلينا ولا إليكم فيه عهد؟! وقال آخرون: ألم يكن أهل بيت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أحقّ بهذا الأمر واللّه سبحانه يقول: « وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ»(2) !! (3)
وأنت ترى أنّ الحديث لا يدور حول أصل الزكاة وبالنتيجة حول أن يدفعوا الزكاة أو لا يدفعوها كلا... وإنما الحديث يدور حول الطاعة والأحقية بالأمر للخليفة أو لشخص آخر يراد نكرانه و تجاهله!! أي الحديث لا يدور حول أن يزكّوا أو لا يزكّوا، وإنّما الحديث حول لمن يزكّوا؟!
ولعلّ في كلمة ابن كثير إشارة إلى هذا المعنى يقول: وجعلت وفود العرب
ص: 45
تقدّم المدينة يقرّون بالصلة ويمتنعون من أداء الزكاة ومنهم من امتنع من دفعها إلى الصدّيق !! (1).
ولا صراحة أكثر من ذلك قول العقاد وهو يتحدّث عن أحداث ما بعد وفاة النبي يقول: أما القبائل وراء ذلك فكان لكلّ منها نصيب من التقلقل يناسب نصيبها من القرب والبعد والمودّة والجفاء... فأقربهم إلى مهد الإسلام كانوا يخلّصون للنبي ويخرجون على من ولي الحكم بعده:
أطعنا رسول اللّه مذ كان بيننا
فيا لعباد اللّه ما لأبي بكر؟
وأناس منهم آمنوا بالزكاة ولم يؤمنوا بمن يؤدّونها إليه(2).
وعلى أيّ حال فقد ذهب ضحية هذه السياسة جماعة كبيرة من المسلمين وبعضهم من أجلّاء أصحاب رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) من أمثال مالك ابن نويرة وعشيرته ...
وقد كان رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قد استعمله على صدقات قومه(3)، ولما انتهى أمر الخلافة إلى ما انتهى إليه وطالبوهم بدفع الزكاة احتجّوا عليهم بأنّهم لا يدفعون الزكاة إلّا لمن نصبه رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) في يوم الغدير... وقد أكّد هذا ابن كثير في تاريخه حيث روى:
أنّ بعضهم احتجّ بقوله تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ»(4).
ص: 46
قالوا: فلسنا ندفع زكاتنا إلّا لمن صلاته سكن لنا(1) - كناية عن خليفة رسول اللّه الشرعي - فقتلهم خالد بسبب ذلك غدراً شرّ قتلة وأسر نسائهم وذراريهم.
وكان من دوافع خالد في قتل مالك طمعه بزوجته التي كانت فائقة الجمال... وقد اكتشف مالك الهدف من القتل إذ نظر إلى زوجته لما أتي به إلى خالد وقال: ما قتلتني إلّا لأجل هذه!! وكان ذلك بالفعل أحد أسباب قتله، إذ قتله وفي تلك الليلة دخل بزوجته!!(2).
ولكن ماذا كان رد فعل الخليفة؟ استمع إلى الجواب من خلال هذه الرواية...
روی ابن أبي عون وغيره أنّ خالد بن الوليد ادّعى أنّ مالك بن نويرة ارتدّ بكلام بلغه عنه فأنكر مالك ذلك وقال: أنا على الإسلام ماغيّرت ولا بدّلت وشهد له بذلك أبو قتادة وعبداللّه بن عمر... فقدمه خالد وأمر ضرار بن الأزور الأسدي فضرب عنقه وقبض خالد امرأته... فقال - عمر (3)- لأبي بكر: إنه قد زنا فارجمه فقال أبو بكر: ما كنت لأرجمه تأوّل فأخطأ... قال: فإنّه قد قتل مسلماً فاقتله. قال: ما كنت لأقتله تأوّل فأخطأ... قال: فاعزله؛ قال: ما كنت لأشيم سیفاً سلّه اللّه عليهم أبدا!!(4).
ص: 47
ومنها منع الزهراء (عَلَيْهَا السَّلَامُ) من إرثها ومصادرة فدك خلافاً لنصّ القرآن في الإرث، ولعلّ ما رواه العامّة في هذه القضيّة أكثر ما رواه الشيعة أنفسهم فراجع في هذا الباب صحيح البخاري ومسلم(1) ولماذا صادروا فدكاً؟
ذكر أبو داود في سننه أنّ الأرباح السنوية لفدك حين ردّها عمر بن عبدالعزيز (99 - 101 ه_) على بني الحسن كانت تبلغ زهاء (40000) دینار سنوياً... وواضح أنّ هذا المبلغ الضخم من المال يمكن أن يعطي للخليفة المغصوب حقّه وأصحابه قدرة أكبر تمكنهم من العمل والضغط لتغيير الكثير من المعادلات الخاطئة.
ومن المعلوم أنّ المال أقوى سلاح يمكن أن تستخدمه القدرة السياسية للوصول إلى أهدافها - سلطة كانت أو معارضة!! فإذا صودر المال بقیت المحاولات ضعيفة والرجال مهما قويت شوكتهم واشتدّت عزيمتهم يفقدون الكثير من قدرتهم على التخطيط والتنفيذ!!
وعلى أيّ حال لهذا السبب ولغيره صادر فدكا مخالفاً بذلك نصّ القرآن وسنّة رسول اللّه واستمرّ على نهجه حتّی انتهى الأمر إلى قتل الزهراء (عَلَيْهَا السَّلَامُ) في شبابها بتلك الطريقة بعد أحداث وأحداث ...
ص: 48
ومنها تشريع عمر بن الخطّاب الاحكام عديدة خلاف ما أنزل اللّه وجرت عليه سيرة النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ).
ففي بداية المجتهد: روي عن عمر أنّه قال: متعتان كانتا على عهد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أنا أنهی عنهما وأعاقب عليهما: متعة الحجّ ومتعة النساء(1). مع أنّ هذا الحكم مخالف لنصّ القرآن الدالّ على مشروعيّة متعة النساء قال تعالى: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ»(2).
وقد كان المسلمون يتمتّعون بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وعلى عهد أبي بكر (3) وشطر من عهد عمر نفسه أيضاً.
وقد عارض حكم الحاكم المخالف للقرآن والسنّة هذا جماعة من الصحابة والتابعين وندّدوا به، وكان عبداللّه بن عباس حين يذكر تحریم عمر لها يقول: ما كانت المتعة إلّا رحمة من اللّه تعالی رحم بها أمّة محمّد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ولولا نهيه عنها لما احتاج إلى الزنا إلّا شقي(4).
وفي اللغة الشقي القليل، أي ما احتاج إلى الزنا إلّا القليل من الناس - وهم الأشقياء -.
وأبلغ من هذا الكلام ما قاله مولانا أمير المؤمنین (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في الكوفة قال: لولا
ص: 49
ما سبق من رأي عمر لأمرت بالمتعة ثمّ ما زني إلّا شقي(1).
وعن الحكم أنّه سئل عن هذه الآية «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ»(2).
أمنسوخة؟ قال: لا وقال علي: لولا أن عمر نهی عن المتعة مازني إلّا شقي(3).
وأما تحريمه لمتعة الحج فقد خالفه فيه أيضاً عدة من الصحابة وكان منهم ابنه عبداللّه وذكر سبب اعتراضه فقد روي أن عبداللّه بن عمر سئل عن متعة الحج قال: هي حلال. فقال له السائل: إنّ أباك قد نهى عنها، فقال: أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول اللّه أمر أبي نتبع أم أمر رسول اللّه؟ فقال الرجل: أمر رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال: لقد صنعها رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ).
وقد ورد روایات صحيحة كثيرة في نكران هذا الأمر على عمر(4)، حتّی أنّ المأمون العباسي اعترض على سياسة عمر في منع المتعة أيضاً وأمر بتحليلها كما حدّث محمّد ابن منصور قال: كنّا مع المأمون في طريق الشام فأمر فنودي بتحليل المتعة. فقال یحیی ابن أكثم لي ولأبي العيناء: بكّرا غداً إليه فإن رأيتما للقول وجهاً فقولا وإلّا فاسكتا إلى أن أدخل قال: فدخلنا عليه وهو يستاك ويقول وهو مغتاظ:
متعتان كانتا على عهد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وعلى عهد أبي بكر وأنا أنهی عنهما!! ومن أنت يا «جُعل» حتّی تنهي عمّا فعله رسول اللّه و أبوبكر؟! فأومأ أبو العيناء إلى محمّد بن منصور وقال: رجل يقول في عمر بن الخطاب مايقول نكلّمه
ص: 50
نحن!! فأمسكنا(1).
ولكن كلّ هذه الاعتراضات لم تكن لتحد من ذلك النهج أو تغيّر معالمه لانّ الهدف كان أكبر من ذلك!!
كما واصل عثمان هذه السياسة أيضاً فمنع عن المتعة، وفي هذا الشأن روى البخاري ومسلم عن مروان بن الحكم قال: شهدت عثمان وعلياً وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما فلمّا رأى علي أهلّ بهما لبيك بعمرة وحجّة قال: ما كنت لأدع سنّة النبي لقول أحد(2).
وعن سعيد بن المسيب قال: اجتمع علي وعثمان بعسفان فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة فقال علي: ماتريد إلى أمر فعله رسول اللّه تنهی عنه؟ فقال عثمان: دعنا منك!! فقال: إني لا أستطيع أن أدعك... فلمّا أن رأى علي ذلك أهلّ بهما جميعاً(3).
وأورد النسائي في سننه عن سعيد بن المسيب أنّ علياً بعد خلافه مع عثمان قال: إذا رأيتموه قد ارتحل فارتحلوا فلبّى عليّ وأصحابه بالعمرة(4).
وقال السندي تعليقاً على هذا الكلام (ارتحلوا...): أي ارتحلوا معه ملبّين بالعمرة ليعلم أنكم قدّمتم السنّة على قوله وأنّه لا طاعة له في مقابلة السنّة(5).
ص: 51
وأمّا في مجال الأموال التي قسّمها رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بالسوية والمناصب الّتي قدم فيها الأكفاء وأهل الفضل من الصحابة فقد جرت سياسة عثمان فيها على العصبية والحزبية وكانت أوّل خطوة خطاها في هذا الإتّجاه أن منع ذوي القربی حقّهم من الخمس... وراح يوزعه على عشيرته وذويه بدون حساب...
وفي هذا المجال روى المؤرّخون أنّه: أعطى خمس غزوة افريقيا الأولى إلى عبداللّه بن أبي سرح ابن خالته وأخيه من الرضاعة. وأعطى خمس الغزوة الثانية ابن عمّه وصهره مروان بن الحكم طريد رسول اللّه إضافة إلى إعطائه فدك...
وأقطع الحارث ابن عمّه وصهره سوق المدينة «المهزور» وكان رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) تصدّق به على المسلمين، وأعطى عمّه الحكم صدقات قضاعة وكان إذا أمسى عامل الصدقة على سوق المسلمين أتى بها إلى عثمان فيقول له عثمان: ادفعها إلى الحكم!!(1)
وكان عثمان قد استخلص بني أُمية لنفسه وجعلهم بطانته في الحكم فقرّب مروان بن الحكم واتّخذه وزیراً ومشيراً وأمر له بمائة ألف وكان قد زوجّه ابنته أم أبان ثم أقطعه فدك التي كانت إرثاً لفاطمة (عَلَيْهَا السَّلَامُ) و قد مهّد لملك بني أميّة ولولاه لما أُتيح لمعاوية بن أبي سفيان أن يؤسّس دولة في الشام أو ينقل الحكم ذات يوم إلى آل أبي سفيان!! ولما كان يجري ما جرى أيام تسلّطهم على رقاب المسلمين.
وفي هذا يقول طه حسين: والشيء الذي ليس فيه شك هو أنّ عثمان ولّی الوليد على الكوفة بعد عزل سعد بن أبي وقاص وولّي عبداللّه بن عامر على
ص: 52
البصرة بعد أن عزل أبا موسى الأشعري وجمع الشام كلّها لمعاوية وبسط سلطانه عليها إلى أبعد حدّ ممكن بعد أن كانت الشام ولايات تشارك في إدارتها قريش وغيرها من أحياء العرب وولّي عبداللّه بن سرح مصر بعد أن عزل عنها عمرو بن العاص وكلّ هؤلاء الولاة من ذوي قرابة عثمان منهم أخوه لأمّه ومنهم أخوه في الرضاعة ومنهم خاله ومنهم من يجتمع معه في نسبة الأدنى إلى أُميّة بن عبد شمس كلّ هذه الحقائق لا سبيل إلى إنكارها (1).
وأما صلاة التراويح... فقد اعترف عمر نفسه بأنّها بدعة ابتدعها في الإسلام إذ جرت سيرة الرسول الأعظم (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) على الإتيان بصلاة النوافل في شهر رمضان فرادى ولم تشرع لها الجماعة بل ولكلّ نافلة سوى صلاة الاستسقاء بشرائط خاصّة وإنّما شرّعت الجماعة لصلاة الفريضة فقط.
فكان الناس يصلوّن نافلة شهر رمضان فرادی واستمرّت هذه السيرة حتّی في خلافة أبي بكر وشطر من خلافة عمر... ولكن عمر ارتأى أن يوحدهم بصلاة جماعية خلف إمام واحد ففعل ذلك وعمّم على سائر البلدان قراره...
أخرج البخاري عن عبدالرحمان بن عبدالقارني أنّه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرّقون يصلّي الرجل لنفسه ويصلّي الرجل فيصلّي بصلاته الرهط فقال عمر: إنّي أرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل!!
ثم عزم فجمعهم على أُبيّ بن كعب ثم خرجت معه ليلة أُخرى والناس
ص: 53
يصلّون بصلاة قارئهم قال عمر: نعمة البدعة هذه!!(1)
وقال ابن سعد في طبقاته: وهو - أي عمر - أوّل من سنّ قيام شهر رمضان وجمع الناس على ذلك وكتب به إلى البلدان وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة وجعل للناس بالمدينة قارئین قارئاً يصلّی بالرجال وقارئاً يصلّي بالنساء.(2)
وقال اليعقوبي في حوادث سنة 14 هجرية: وفي هذه السنّة سنّ عمر بن الخطاب قيام شهر رمضان فقيل له في ذلك: أنّ رسول اللّه لم يفعله وأنّ أبا بكر لم يفعله فقال: إن تكن بدعة فما أحسنها من بدعة!!(3)
وقد سلّط الأضواء على هذه البدعة مولانا أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وشرح الحالة الّتي اعتاد الناس فيها على هذه الصلاة ونمي عليها جيل بحيث كان إلغاءها يؤدي إلى مفاسد خطيرة فقال:
ولو أمرت الناس أن لا يجمعوا في شهر رمضان إلّا في فريضة النادي بعض أهل العسكر ممّن يقاتل معي يا أهل الإسلام وقالوا غيّرت سنّة عمر نُهينا أن نصلّي في شهر رمضان تطوّعاً حتّی خفت أن يثوروا في ناحية عسكري...
ثمّ يشكو الإمام المظلوم من هذه الأوضاع ويأنّ من سياسة الخلفاء التي أودت بسنّة رسول اللّه وبدّلت أحكامه فقال: بؤسي لما لقيت من هذه الأُمّة بعد نبيّها من الفرقة وطاعة أئمّة الضلال والدعاة إلى النار(4).
ص: 54
لهذه الأسباب ولغيرها صار علماء الشيعة أيّدهم اللّه تعالى قديماً وحديثاً ينقبون عن الأحاديث الصحيحة بحثاً عن السنّة الشريفة و تمييز ما ورد بالفعل عن رسول اللّه قولاً أو فعلاً أو تقريراً حسب الطرق الشرعية الصحيحة وحذف ما أضيف عبر الوضّاعين وأهل البدع والمصالح...
وأسّسوا لهذا الشأن علوماً خاصة تهتمّ بدراسة الرجال و تشخیص عدولهم أو ثقاتهم عن غيرهم وفصّلوا ذلك تفصيلاً مسهباً في كتبهم...
ثمّ علم الحديث للبحث عن شؤون الحديث متناً ودلالة ونحو ذلك والتعريف بما صدر عن النبي وأهل بيته بل وما لم يصدر!!
ونظراً للبعد من عصر النصّ في العصور المتأخّرة ازدادت العناية بالحديث ورجال الحديث أكثر واتّسعت أهميّة الموسوعات الحديثية حتّی صار كتاب الوسائل وحده حوالي ثلاثين مجلّدة وقد جمع مختلف الروايات ناهيك عن الوافي والبحار وغيرها... هذا فضلاً عن المجاميع الروائية للمتقدّمين كالكتب الأربعة - كما تقدّم - .
ولعلّ الذي دفعهم أكثر إلى جمع الحديث وتبويبه تبويباً يسهل على الطالب مراجعة ما يريد ويستخرج مايطلب هو التعمّد الذي كان ولا يزال منهجاً تقف وراءه قوی كبيرة للتغطية على تراث أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) وإخفاء علومهم ومعارفهم ومنعها من الوصول إلى الناس... ولا مجال لتفصيل الحقائق هنا وإلّا ففي الوثائق والتواريخ من حقائق وأسرار ما يملأ كتباً عدة...
وحيث أنّ أكثر الكتب الروائية جمعت - في الغالب - ما ورد عن المعصومین (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) بشكل عام... ولم أعثر على كتب خاصة تجمع ما ورد عن واحد
ص: 55
واحد منهم (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) إلّا في النادر لذلك خطر بالبال أن أقوم ببعض هذا الدور.
ولما رأيت أن ما ينقل من أحاديث شريفة سواء في الكتب أو على المنابر أو في المحافل العلمية عن الحسن والحسين (عليهما الصّلاة والسّلام) قليل قياساً إلى ما ورد عنهم (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) بل بدى لي أنّ السبب في ذلك يعود إلى عدم وجود كتاب جامع يجمع أحاديثهما (عَلَيْهِما السَّلَامُ) بشكل مستفیض... ففكّرتُ أن أبتدأ بجمع ما ورد عنهما معتمداً على ما توفّر بأيدينا من مصادر، لعلّي أكون قد وفّقت للمساهمة في نشر علومهم ومعارفهم (عليهم الصلاة والسلام) فكان هذا الكتاب الذي بين يديك...
وقبل أن أتركك تغوص في بحار علومهم مسترشداً بهدي كلامهم أودّ أن أشير إلى بعض الملاحظات:
الأولى: على الرغم من أن الإمامين الحسن والحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ) عایشا سياسة المنع من تدوين السنّة وابتليا بالوضّاعين الذين دفعتهم السياسة لوضع الأحاديث على رسول اللّه في الصدر الأوّل للتغطية الإعلامية على آل بیت النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) الأمر الذي في الغالب يجد من نشر علومهم وكلماتهم صدوراً أو تدويناً إلّا أنّنا وبتوفيق من اللّه سبحانه تمكنّا أن نجمع ألفي حديث لهما... ألف للحسن وألف للحسين دونّاها في كتاب واحد أسميناه (كتاب الألفين في أحاديث الحسن والحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ) ).
الثانية: اعتمدنا في جمع الكتاب على العديد من المصادر الروائية الخاصّة والعامّة ولكن تمّ الاعتماد على متون أمّهات المصادر في المرحلة الأولى ثمّ ذكرنا ما يليها من مصادر حسب التسلسل الزمني ابتداء من الأقدم زمناً.
ص: 56
فالحديث متناً يؤخذ أوّلاً من أقدم المصادر ثمّ نتبعه بذكر المصادر الأقرب فالأقرب مع الإشارة إلى مواقع الاختلاف في النقل إن وجدت في هامش كلّ واحد منها. وقد راجعنا في التحقيق الروائي عدّة طبعات للمصدر الواحد للوصول إلى ضبط النصّ...
وقد بذلنا غاية مجهودنا لإخراج روايات الكتاب دقيقة في النقل والمقابلة مع الإشارة إلى مواقع الاختلاف إن وجدت.
وقد أشرف على تحقيقه الاستاذ العلّامة المحقّق الشيخ غلامرضا مولانا البروجردي، فبارك اللّه فيه وشكر سعيه.
وأخيراً أسأل اللّه سبحانه أن يقبل منّي هذا العمل المتواضع طريقاً إلى رضوانه ووسيلة إلى شفاعة أوليائه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلّا من أتی اللّه بقلب سليم.
والحمد للّه رب العالمين.
الشيخ علي حيدر المؤيّد
15 / رجب / 1418 ه
15 / 11 / 1997 م
ص: 57
ص: 58
ص: 59
{1}
رأس العقل مُعاشرة الناس بالجميل، وبالعقل تدرك الداران جميعاً، ومن حُرم من العقل حرمهما جميعاً.(1)
{2}
إنكم صغار قوم، ويوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين، فتعلّموا العلم، فمن لم يستطع منكم أن يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته.(2)
{3}
عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): أطعموا حبالاكم
ص: 60
اللبان، فإنّ الصبي إذا غذي في بطن أمّه باللبان اشتدّ قلبه وزيد في عقله، فإن يك ذكراً كان شجاعاً وإن ولدت أنثي عظمت عجيزتها فتحظى بذلك عند زوجها. (1)
{6}
[6] قال (عَلَيْهِ السَّلَامُ): الوحشة من الناس على مقدار الفطنة بهم. (1)
{7}
[7] ابن هاشم عن الحسين بن سيف، عن أبيه، عن سليمان بن عمرو، عن عبداللّه بن الحسن بن علي، عن أبيه، عن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال: طالب العلم يشيعه سبعون ألف ملك من مفرق السماء، يقولون: صلّ على محمّد وآل محمد.(2)
بیان: مفرق الرأس: وسطه، وأضيف إلى السماء لكونه في جهتها، أو المراد به وسط السماء. ولعلّ فيه سقطاً وكان من مفرق رأسه إلى السماء.
{8}
[8] عجبتُ لمن يتفكّر في مأكوله، كيف لا يتفكّر في معقوله، فيجنّب بطنه ما يؤذيه، ويودع صدره ما يُردیه.(3)
ص: 62
{9}
[9] العقل أفضلُ ما وَهَبَ اللّه للعبد، إذ به نجاتُه في الدنيا من آفاتها، وسلامتُه في الآخرة من عذابها. (1)
{10}
علَّم الناس علمَك، وتعلَّم علم غيرك، فتكون قد أتقنتَ علمك، وعلمت مالم تعلم. (2)
{11}
عليكم بالفكر، فإنّه حياة قلب البصير، ومفاتيح أبواب الحكمة. (3)
{12}
[12] بالإسناد إلى أبي محمّد العسكري (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال: قال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): فضل كافل يتيم آل محمّد المنقطع عن مواليه الناشب في رتبة الجهل
ص: 63
{15}
[15] سئل الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فقيل له: ما العقل؟
قال: التجرّع للغصّة حتّی تنال الفرصة.
بیان: الغصّة بالضمّ: مایعترّض في الحلق وتعسر إساغته (1)، ويطلق مجازاً على الشدائد التي يشقّ على الإنسان تحمّلها وهو المراد هنا، وتجرّعه كناية عن تحمّله وعدم القيام بالإنتقام به وتداركه حتّی تنال الفرصة فإنّ التدارك قبل ذلك لا ينفع سوى الفضيحة وشدّة البلاء وكثرة الهمّ. (2)
{16}
[16] سئل الحسن بن علي عن العقل، قال: التجرّع للغصّة، ومداهنة
ص: 65
الأعداء (1)، ومداراة الأصدقاء. (2)
{17}
[17] وعنه (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، عن جدّه رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أنّه قال: ماولّت أمّة أمرَها رجلاً قطّ وفيهم من هو أعلم منه إلّا لم يزل أمرهم يذهَب سفالاً حتّی يرجعوا إلى ما تركوا. (3)
{18}
[18] من أكثر مجالسة العلماء أطلق عقال لسانه، وفتق مراتق ذهنه، وسرّ ما وجد من الزيادة في نفسه، وكانت له ولاية لما يعلم، وإفادة لما تعلّم. (4)
ص: 66
{19}
[19] من عقل المرء ومروءته أن يسرعَ إلى قضاء حوائج إخوانه وإن لم يُنزلوها به. (1)
{20}
[20] وروي عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، أنّه قال: من لم يحفظ هذا الحديث كان ناقصاً في مروته وعقله.
قلنا: وما ذاك يابن رسول اللّه؟ فبكى وأنشأ يحدّثنا فقال: لو أنّ رجلاً من المهاجرين أو الأنصار، يطلع من باب مسجدكم هذا، ما أدرك شيئاً ممّا كانوا عليه إلّا قبلتكم هذه - ثمّ قال: هلك الناس - ثلاثاً - بقول ولا فعل، ومعرفة ولا صبر، ووصف ولا صدق، ووعد ولا وفاء، مالي أری رجالاً ولا عقول، وأرى أجساماً ولا أرى قلوباً دخلوا في الدين ثمّ خرجوا منه، وحرموا ثمّ استحلوا، وعرفوا ثمّ أنكروا، وإنّما دین أحدكم على لسانه، ولئن سألته هل يؤمن بيوم الحساب؟ قال: نعم، كذب ومالك يوم الدين، إنّ من أخلاق المؤمنين قوّة في دين، وحزماً في لين، وإيماناً في يقين، وحرصاً في علم، وشفقة في مقة، وحلماً في حكم، وقصداً في غنى، وتجمّلاً في فاقة، وتحرّجاً عن طمع، وكسباً من حلال، وبرّاً في استقامة، ونشاطاً في هدى، ونهياً عن شهوة. (2)
ص: 67
{21}
ومن كلامه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) حين سئل عنه: متى يكون العاقل عاقلاً؟
قال: إذا عقله عقله عمّا لا ينبغي فهو عاقل.(1)
[22]
قال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): يأتي علماء شیعتنا القوّامون لضعفاء محبّينا وأهل ولايتنا يوم القيامة والأنوار تسطع من تيجانهم، على رأس كلّ واحد منهم تاج (بهاء خ ل) قد انبتت تلك الأنوار في عرصات القيامة ودورها مسيرة ثلاثمائة ألف سنة، فشعاع تيجانهم ينبث فيها كلّها، فلا يبقى هناك يتيم قد كفّلوه ومن ظلمة الجهل وحيرة التيه أخرجوه إلّا تعلق بشعبة من أنوارهم فرفعتهم في العلوّ حتّی يحاذي بهم ربض غرف الجنان، ثمّ ينزلهم على منازلهم المعدّة لهم في جوار أستاديهم ومعلّميهم، وبحضرة أئمّتهم الّذين كانوا إليهم يدّعون، ولا يبقى ناصب من النواصب يصيبه من شعاع تلك التيجان إلّا عميت عيناه وصمّت أذناه وخرس لسانه، ويحوّل عليه أشدّ من لهب النيران فيحملهم حتّی يدفعهم إلى الزبانية فيدعوهم إلى سواء الجحيم. (2)
ص: 68
{23}
[23] وقال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها.
قيل: یابن رسول اللّه ومن أهلها؟
قال: الّذين قصّ اللّه في كتابه وذكرهم، فقال: «إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»(1) قال: هم أولوا العقول. (2)
{24}
[24] روى عبداللّه بن الحسن بن علي، عن أبيه، عن جدّه (عَلَيْهِم السَّلَامُ) أنّه قال: إنّ مِن حقّ المعلِّم على المتعلِّم أن لا يكثر السؤال عليه، ولا يسبقه في الجواب، ولا يلحّ عليه إذا أعرض، ولا يأخذ بثوبه إذا كسل، ولا يشير إليه بيده، ولا يغمزه بعينه، ولا يشاور في مجلسه، ولا يطلب وراءه، وأن لا يقول: قال فلان خلاف قوله، ولا يفشي له سراً، ولا يغتاب عنده، وأن يحفظه شاهداً وغائباً، ويعمّ القوم بالسلام، ويخصّه بالتحيّة، ويجلس بين يديه، وإن كان له حاجة سبق القوم إلى خدمته، ولا يملّ من طول صحبته، وإنمّا هو مثل النخلة تنتظر متى تسقط عليك منها منفعة.
ص: 69
والعالم بمنزلة الصائم المجاهد في سبيل اللّه، وإذا مات العالم انثلم(1) في الإسلام ثلمة لا تنسدّ إلى يوم القيامة، وإنّ طالب العلم يشيّعه سبعون ألفاً من مقرّبي السماء. (2)
ص: 70
ص: 71
{1}
[25] الحمد للّه الّذي لم يكن له أوّل معلوم، ولا آخر متناه، ولا آخر متناه، ولاقبل مدرك، ولا بعد محدود، ولا أمد بحتّى، ولا شخص فيتجزأ، ولا اختلاف صفة فيتناهی، فلاتدرك العقول وأوهامها ولا الفكر وخطراتها ولا الألباب و أذهانها صفته فيقول: متى؟، ولا بدىء ممّا، ولا ظاهر على ما، ولا باطن فيما، ولا تارك فهلا، خلق الخلق فكان بديئاً بديعاً، ابتدء ما ابتدع، وابتدع ما ابتدء، وفعل ما أراد، وأراد ما استزاد، ذلكم اللّه ربّ العالمين.
بیان: قوله: معلوم هذه الصفة و الصفات الّتي بعدها موضحات مؤكّدات، إذ لو كان له أوّل لكان معلوماً، وهكذا.. قوله (عَلَيْهِ السَّلَامُ): فيتناهى أي اختلاف الصفات ينافي الأزليّة والأبديّة كما مرَّ مراراً. قوله (عَلَيْهِ السَّلَامُ): فتقول متى أي لو كانت العقول تبلغ صفته لكان كسائر الممكنات فكان يصحّ أن يقال: متى وجد؟ ومن أيّ شيء بدیع؟ على المجهول، أو بدأ الأشياء بأن يقرأ على الفعل المعلوم، أو على فعيل، وعلى أيّ شيء علا فهو ظاهر، وفي أيّ شيء بطن حتّی يقال: أنّه باطن، أو يقال لشيء ترك: هلّا فعل تحضيضاً وتحريصاً على الفعل أو توبیخاً على تركه؛ والابتداع: الإيجاد بلا مادّة أو بلامثال. (1)
ص: 72
ص: 73
{1}
[29] من علامات المسلم قوّةٌ في دين، وحزمٌ في لين، وإيمانٌ في يقين، وعلمٌ في حلم، و كَيسٌ في رفق، وإعطاء في حقّ، وقصدٌ في غِنى، وتجمّلٌ في فاقة، وإحسانٌ في قدرة، وصبرٌ في شدة، لا يغلبه الغضب، ولا تجمع به الحميِة، ولا تغلبه شهوة، ولا تفضحه بطنُه، ولا يستخفّه حرصه، ولا تقصر به نيّتُه، فينصر المظلومَ، ويرحَمُ الضعيف، ولا يبخل، ولا يبذّر، ولا يُسرف، ولا يقترُ، يغفرُ إذا ظُلِم، ويعفو عن الجاهل، نفسُه منه في عناء، والناسُ منه في رَخاء. (1)
{2}
[27] قال (عَلَيْهِ السَّلَامُ): من قلّ ذلّ، وخير الغنى القنوع، وشرّ الفقر الخضوع. (2)
{3}
[28] حدّث أبو أحمد عبيداللّه بن عبداللّه بن طاهر، عن أبي الصلت الهروي بخراسان، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا، عن أبي الحسن موسی بن جعفر الكاظم، عن الصادق، عن الباقر، عن السجّاد، عن السبط
ص: 74
(الحسن)، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) الإيمانُ عقدٌ بالقلب، ونطقٌ باللسان، وعملٌ بالأركان. (1)
{4}
[29] سأل أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) و الحسن والحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ)، فقال لهما: مابین الإيمان واليقين؟ فسكتا، فقال للحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أجب يا أبا محمد.
قال: بينهما شبر.
قال: وكيف ذاك؟
قال: لأنّ الإيمان ما سمعناه بآذاننا وصدقناه بقلوبنا، واليقين ما أبصرناه
بأعيننا واستدللنا به على ما غاب عنّا. (2)
{5}
[30] سأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إبنه الحسن سلام اللّه عليهما:
كم بين الإيمان واليقين؟
قال: أربع أصابع.
قال: وكيف ذلك؟
ص: 75
قال: الإيمان كلّ ما سمعته أذناك وصدّقه قلبك، واليقين ما رأته عيناك فايقن به قلبك، وليس بين العين والأذنين إلّا أربع أصابع. (1)
{6}
[31] وقال (عَلَيْهِ السَّلَامُ): إنّ من أخلاق المؤمن قوّة في دين، وكرماً في لين وحزماً في علم، وعلماً في حلم، وتوسعة في نفقة، وقصداً في عبادة، وتحرّجاً من الطمع، وبرّاً في استقامة، لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم فيمن يحبّ، ولا يدّعي ما ليس له، ولا يجحد حقاً هو عليه، ولا يهمز ولا يلمز ولا يبغي، متخشّع في الصلاة متوسّع في الزكاة، شكورٌ في الرخاء، صابر عند البلاء، قانع بالّذي له، لا يطمح به الغيظ، ولا يجمح به الشحّ، يخالط الناس ليعلم، ویسكت ليسلم، يصبر إن بغي عليه ليكون إلهه الّذي ينتقم له. (2)
ص: 76
{7}
[32] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): ثلاثة مَن كُنّ فيه فقد إستكمل خِصال الإيمان: مَن الّذي إذا قَدَر لم يتقاص له بحقّ، ومَن الّذي إذا رضي لم يُدخله رضاه في باطل، ومَن الّذي إذا غضِب لم يُخرجه غضبُه مِن الحق. (1)
{8}
[33] قال: قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): ما آمن باللّه، قالوا: مَن یارسول اللّه؟
قال: مَن بات شبعان وجارُه جائع وهو يشعر. (2)
ص: 77
{9}
[34] كيف يكون المؤمن مؤمناً وهو يسخط قسمه، ويحقّر منزلته، والحاكم عليه اللّه، وأنا الضامن لمن لم يهجس في قلبه إلّا الرضا، أن يدعو اللّه فيستجاب له.(1)
{10}
[35] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): لا يكونُ العبدُ مؤمناً حتّی يحاسِبَ نفسَه أشدَّ من
ص: 78
محاسبة الشريك لشريكه، والسيّد عبدَه، ويعلم ما مطعمه وما مشربه وما ملبسه، مِن حلال ذلك أو مِن حرام، وقد قال إبليس: یابن آدم! إذا نلتَ منك ثلاثاً فلا أُبالي كيف كان حالُك: إذا اكتسبت المالَ من غير حَلّه، أو أنفقتَه في غير حلّه، أو منعتَ منه حقّه. (1)
{13}
[38] قال رجل للحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): یابن رسول اللّه أنا من شيعتكم.
فقال (عَلَيْهِ السَّلَامُ): يا عبدَ اللّه إن كنتَ لنا في أوامرِنا وزواجرنا مطيعاً فقد صدقتَ، وإن كنتَ بخلاف ذلك فلا تَزِد في ذنوبِك بدعواك مرتبةً شريفةً لستَ من أهلها، لا تقل: أنا من شيعتكم، ولكن قل: أنا من مُواليكم ومحبّيكم ومعادي أعدائكم، وأنت في خيرٍ وإلى خير. (1)
{14}
[39] وقال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): مايضرّ الرجل من شيعتنا أي ميتة مات: أكله سبع، أو أُحرق بنار، أو غرق، أو صلب، أو قتل، هو واللّه صدّیق شهید. (2)
{15}
[40] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنّه قال: لقد صحبتُ أقواماً كانت صحبتهم قرّة العين، وجلاء الصدور، وكانوا من حسناتهم أن ترد عليهم أشفقَ منكم من سيّئاتكم أن تُعَذّبوا عليها، وكانوا فيما أحلّ اللّه لهم من الدنيا أزهَدَ منكم فيما حرّم اللّه عليكم. إنّي أسمع حسيساً ولا أرى أنيساً، ذهب الناس وبقي النسناس. (3)
ص: 80
{16}
[41] سئل الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ): ما الموت الّذي جهلوه؟
قال: أعظم سرور يرد على المؤمنين إذا نقلوا عن دار النكد إلى نعيم الأبد، وأعظم ثبور يرد على الكافرين إذا نقلوا عن جنّتهم إلى نار لا تبيد ولا تنفد. (1)
{17}
[42] كان من أعظم الناس في عيني، صغُر الدنيا في عينه، كان خارجاً من سلطان الجهالة، فلا يمُدُّ يداً إلّا على ثقة لمنفعة، كان لا يشتكي ولا يتسخّط ولا يتبرّم، كان أكثر دهره صامتاً، فإذا قال بذّ القائلين.
كان ضعيفاً مستضعفاً، فإذا جاء الجِدُّ فهو الليثُ عادياً، كان إذا جامع العلماء على أن يستمع أحرص منه على أن يقول، كان إذا غُلب على الكلام لم يُغلَب على السكوت.
كان لا يقول ما لا يفعل، ويفعل ما لا يقول، كان إذا عُرِض له أمران لا يدري أيّهما أقربُ إلى ربّه، نظر أقربهما من هواه فخالفه، كان لا يلوم أحداً على ماقد يقع العذر في مثله. (2)
ص: 81
ص: 82
{18}
[43] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): لقد ورد على أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أخوان له
مؤمنان: أب وإبن، فقام إليهما وأكرمهما وأجلسهما في صدر مجلسه، وجلس بين أيديهما، ثمّ أمر بطعام فأُحضر، فأكلا منه، ثمّ جاء قنبر بطست و إبريق خشب، ومنديل، وجاء ليصبّ على يد الرجل ماءاً، فوثب أمير المؤمنین (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وأخذ الإبريق ليصبّه على يد الرجل، فتمرّغ الرجل في التراب وقال: يا أمير المؤمنين يراني اللّه وأنت تصبّ على يدي، قال: اُقعد واغسِل، فإن اللّه عزّ وجلّ يراك وأخاك الّذي لا يتميّز منك ولا يتفضّل عنك، يزيد بذلك في خدمه في الجنّة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا وعلى حسب ذلك في ممالكه فيها، فقعد الرجل.
فقال له علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أقسمتُ عليك بعظيم حقّي الّذي عرفته ونحلته وتواضعك للّه حتّی جازاك أن تدني لما شرفّك به من خدمتي لك، لمّا غسلت يدك مطمئنّاً كما كنت تغسل لو كان الصابّ عليك قنبر، ففعل الرجل ذلك، فلمّا فرغ ناول الإبريق محمّد بن الحنفيّة، وقال: يا بنيّ لو كان هذا الإبن حضرني دون أبيه لصببتُ على يده، ولكنّ اللّه عزّ وجلّ يأبى أن يساوي بين أب وابن إذا جمعهما مكان، لكن قد صبّ الأب على الأب، فليصبّ الابن على الإبن، فصب محمّد بن الحنفية على الإبن.
قال الحسن بن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): فمن اتّبع عليّاً علی ذلك فهو الشيعيّ حقّاً. (1)
ص: 83
{19}
[44] في تفسير الإمام (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أنّ جبرئيل عن اللّه تعالى يقول: يا محمّد، سلمان والمقداد أخوان متصافيان في ودادك ووداد عليّ أخيك ووصيّك وصفيّك، وهما في أصحابك كجبرئیل و میكائیل في الملائكة، عدوّان لمن أبغض أحدهما، ووليّان لمَن والاهما ووالى محمّداً وعليّاً، وعدوّان لمَن عادى محمّداً وعليّاً وأولياءَهما، ولو أحبّ أهل الأرض سلمان والمقداد كما يحبّهما ملائكة السماوات والحجب والكرسي والعرش لمحض ودادهما لمحمّد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وعلي وموالاتهما لأوليائهما ومعاداتهما لأعدائهما لما عذّب اللّه تعالى أحداً منهم بعذاب البتّة.
قال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): فلمّا قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) في سلمان والمقداد، سرّ به المؤمنون وانقادوا، وساء ذلك المنافقين فعاندوا وعابوا، وقالوا: يمدح محمّد الأباعد، ويترك الأدنين من أهله لا يمدحهم ولا يذكرهم، فاتّصل ذلك برسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقال: مالهم لحاهم اللّه يبغون للمسلمين السوء؟ وهل نال أصحابي ما نالوه من درجات الفضل إلّا بحبهم لي ولأهل بيتي؟ والّذي بعثني بالحقّ نبيّا إنّكم لن تؤمنوا حتّی يكون محمّد وآله أحبّ إليكم من أنفسكم وأهليكم وأموالكم ومن في الأرض جميعاً. ثمّ دعا بعليّ وفاطمة والحسن والحسين (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) و فغمّتهم بعباءته القطوانية، ثمّ قال: هؤلاء خسمة لاسادس لهم من البشر.
ثمّ قال: أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم... الخبر. (1)
ص: 84
{20}
[45] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنّه قال: مَن زعم أنّه لا يحب المال فهو عندي كاذب، فإن علمتُ صدقَه فهو عندي أحمق.(1)
{21}
[46] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنه قال: يابنَ آدم إنّ دين اللّه ليس بالتَحلّي ولا بالتّمنّي، ولكنّه ما وقر في القلوب وصدّقته الأعمال.(2)
ص: 85
ص: 86
ص: 87
{1}
[47] أوّل الفاتحة نعيم، ووسطها تكریم، وآخرها رضوان اللّه تعالی. (1)
[68] جاء نفر من اليهود الى رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فسأله أعلمهم عن أشياء فكان فيما سأله أخبرنا عن سبع خصال أعطاك اللّه من بين النبيّين و أعطى امّتك من بين الأمم؟ فقال النبيُّ: أعطاني اللّه عزّ وجلّ فاتحة الكتاب والأذان والجماعة في المسجد ويوم الجمعة والصلاة على الجنائز والإجهار في ثلاث صلوات والرخصة لأمتي عند الأمراض والسفر، والشفاعة لأصحاب الكبائر من امّتي.
قال اليهودي: صدقت يا محمّد فما جزاء من قرأ فاتحة الكتاب؟ فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) من قرأ فاتحة الكتاب أعطاه اللّه عزّ وجلّ بعدد كلّ آية نزلت من السماء ثواب تلاوتها، وأمّا الأذان فإنّه يحشر المؤذّنون من أمّتي مع النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين. وأما الجماعة فإنَّ صفوف امّتي في الأرض لصفوف الملائكة في السماء، والركعة في جماعة أربع وعشرون ركعة، كلّ ركعة أحبّ إلى اللّه عزّ وجلّ من عبادة أربعين سنة، وأمّا يوم الجمعة فإنّ اللّه يجمع فيه الأولين والآخرين للحساب فما من مؤمن مشى إلى الجماعة إلّا خفف اللّه عزّ وجلّ عليه أهوال يوم القيامة ثمّ يجازيه الجنّة، وأما الإجهار فإنّه يتباعد منه
ص: 88
لهب النار بقدر ما يبلغ صوته، ويجوز على الصراط ويعطى السرور حتّی يدخل الجنّة، وأما السادس فإن اللّه عزّ وجلّ يخفّف أهوال يوم القيامة لأمّتي كما ذكر اللّه في القرآن، وما من مؤمن يصلّي على الجنائز إلّا أوجب اللّه له الجنّة إلّا أن يكون منافقاً أو عاقاً. وأما شفاعتي ففي أصحاب الكبائر ما خلا أهل الشرك والظلم.
قال: صدقت يامحمّد وأنا أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنك عبده ورسوله خاتم النبيّين وإمام المتّقين، ورسول ربّ العالمين، فلمّا أسلم وحسن إسلامه أخرج رقّاً أبيض فيه جميع ما قال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وقال: يارسول اللّه والّذي بعثك بالحقّ نبيّاً ما استنسختها إلّا من الألواح التي كتب اللّه عزّ وجلّ لموسی بن عمران ولقد قرأت في التوراة فضلك حتّی شككت فيه يا محمد، ولقد كنت أمحو اسمك منذ أربعين سنة من التوراة وكلّما محوته وجدته مثبتاً فيها، ولقد قرأت في التوراة أنّ هذه المسائل لا يخرجها غيرك، وأنّ في الساعة التي ترد عليك فيها هذه المسائل يكون جبرئيل عن يمينك و میكائیل عن يسارك ووصيّك بي يديك، فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): صدقت هذا جبرئيل عن يميني و ميكائيل عن يساري ووصيّي عليّ بن أبي طالب بين يديّ، فآمن اليهودي، وحسن إسلامه. (1)
ص: 89
{3}
[49] قال إقرأوا القرآن بألحان العرب وأصواتها، وإيّاكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر فإنّه سيجییء من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء والنوح، قلوبهم مفتونة وقلوبُ مَن يعجبه شأنهم. (1)
{4}
[50] أنا ضامن لمَن قرأ هذه العشرين آلايات أن يعصمه اللّه تعالى من كلّ شیطان ظالم، و من كلّ شيطان مريد، ومن كلّ سبع ضارّ، ومن كلّ لصّ عاد: آية الكرسي وثلاث آيات من الأعراف «إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» (2) (54 - 57) وعشراً من الصافّات (1-10) و ثلاث آيات من سورة الرحمن «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ» (3) (33 - 35) وخاتمة سورة الحشر «لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ» (4) (21 - 24) (5).
ص: 90
{5}
[51] أُحَكّمُكما على أن تَحكُما بكتاب اللّه، وكتابُ اللّه كلُّه لي، فإن لَم تحكُما بكتابِ اللّه فلا حُكومَةَ لكما.(1)
{6}
[52] إنَّ مَن كانَ قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربّهم، فكانوا يَتَدَبَّرونها في اللّيل، ويتفقّدونها في النهار(2)
{7}
[53] إن هذا القرآن فيه مصابيح النور، وشفاء الصدور، فلیجل جال بصرَه، وليلجم الصفة قلبَه، فإنّ التفكير [في الكافي: فإنّ التفكّر] حياةُ قلبِ البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور. (3)
ص: 91
{8}
[54] إنّ هذا القرآن یجییء يوم القيامة قائداً وسائقاً يقود قوماً إلى الجنّة أحلّوا حلاله وحرّموا حرامه وآمنوا بمتشابهه، ويسوق قوماً الى النّار ضيّعوا حدوده وأحكامه واستحلّوا محارِمَه. (1)
{9}
[55] إنّي مخلّفٌ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا: كتاب اللّه حبل طرفُه بیداللّه، وطرفُه بأیدیكم، وعترتي أهل بيتي، ولن يَفترقا حتّی يردا عليَّ الحوض. (2)
{10}
[56] قيل لرسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): إنّ امّتك ستفتتن، فسئل ما المخرج من ذلك؟
ص: 92
فقال: كتاب اللّه العزيز الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكیم حمید، من ابتغى العلم في غيره أضلّه اللّه، ومن ولي هذا الأمر من جبّار فعمل بغيره قصمه اللّه، وهو الذكر الحكيم والنور المبين، والصراط المستقيم، فيه خبر ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، وهو الّذي سمعته الجنّ فلم تناها أن قالوا: «إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ»(1) لايخلق على طول الردّ ولا ينقضي عبره، ولاتفنی عجائبه. (2)
{13}
[59] قال الطبراني: حدثنا ابراهيم بن هاشم البغوي، حدثنا كثير من یحیی، حدثنا حفص بن عمر الرقاشي، حدثنا عبداللّه (1) بن حسن بن حسن، عن أبيه، عن جدّه قال: قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): «من قرأ آية الكرسي في دُبُر الصلاة المكتوبة كان في ذمّة اللّه إلى الصلاة الأخرى». (2)
{18}
[64] عن مقسم بن عبد الرحمن قال: قلت للحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أيّ الأجلين قضی موسى؟ قال: أكثرها، قلت: فما كان إسم إمرأته؟ قال: بلا قيس. (1)
{19}
[15] سأله رجل عن معنى قول اللّه: «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»(2) فقال: أمره أن يحدّث بما أنعم اللّه به عليه في دينه. (3)
{20}
[66] قال أنس: كنت عند الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فدخلت جارية بيدها طاقة ريحان فحيّته بها، فقال لها: أنت حرّة لوجه اللّه.
فقلت له: حيّتك جارية بطاقة ريحان لاخطر لها فأعتقتها؟
فقال: كذا أدّبنا اللّه تعالى: «وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا»(4)
ص: 96
وكان أحسن منها إعتاقها. (1)
{21}
[17] إنّ اللّه عزّ وجلّ أدب نبيّه أحسن الأدب فقال: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ»(2) فلمّا وعى الّذي أمره قال تعالى: «مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»(3) فقال لجبرئيل (عَلَيْهِ السَّلَامُ): وما العفو؟ قال: أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، فلمّا فعل ذلك أوحى اللّه إليه «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»(4).(5)
{22}
[68] كان الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه. فقيل له: يا ابن رسول اللّه لم تلبس أجود ثيابك؟
فقال: إن اللّه جميل يحبّ الجمال، فأتجمّل لربّي، وهو يقول: «وخُذُوا
ص: 97
زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ»(1) فأحبّ أن ألبس أجود ثيابي(2).(3)
[69] قوله عزّ وجلّ: «قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ»(4)
إنّ اللّه تعالی ذمّ اليهود في بغضهم لجبرئيل الّذي كان ينفذ قضاء اللّه بما يكرهون.
وذمهم أيضاً وذمّ النواصب في بغضهم لجبرئیل و میكائیل و ملائكة اللّه النازلين لتأييد علي بن ابي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إلّا على الكافرين حتّی أذلّهم بسيفه الصارم، فقال:
قل يا محمّد:
«مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ» من اليهود لدفعه عن بخت نصّر أن يقتله دانیال من غير ذنب كان جناه بخت نصر حتّی بلغ كتاب اللّه في اليهود أجله، وحلّ بهم ما جرى في سابق علمه.
ص: 98
ومن كان أيضاً عدواً لجبرئيل من سائر الكافرين، ومن أعداء محمّد و علي المناصبين(1)، لأن اللّه تعالى بعث جبرئيل لعلي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مؤيّداً، وله على أعدائه ناصراً.
ومن كان عدواً لجبرئيل لمظاهرته محمّداً و علياً (عَلَيْهِما السَّلَامُ) و معاونته لهما وانفاذه لقضاء ربّه عزّ وجلّ في إهلاك أعدائه على يد من يشاء من عباده.
«فَإِنَّهُ» يعني جبرئيل «نَزَّلَهُ» * يعني نزّل هذا القرآن «عَلَى قَلبِكَ» يامحمّد «باذن اللّه» بأمر اللّه، وهو كقوله:
«نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ»(2)
«مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ» نزّل هذا القرآن جبرئيل على قلبك يامحمّد مصدّقاً موافقاً لما بين يديه من التوراة والانجيل والزبور وصحف ابراهيم وكتب شيث وغيرهم من الأنبياء. (3) (4)
ص: 99
{24}
[70] إنّ اللّه تعالى لمّا وَبَّخَ هؤلاء اليهود على لسان رسوله محمّد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، وقطع معاذيرهم، وأقام عليهم الحجج الواضحة بأنّ محمّداً سيّد النبيّين وخير الخلائق أجمعين، وأنّ عليّاً سيّد الوصيّين، وخير من يخلفه بعده في المسلمين، وأنّ الطيّبين من آله هم القوّام بدين اللّه والأئمّة لعباد اللّه، وانقطعت معاذيرهم وهم لا يمكنهم إيراد حجّة ولا شبهة فلجؤوا إلى أن كابروا فقالوا: لاندري ما تقول، ولكنّا نقول: إنّ الجنّة خالصة لنا من دونك يا محمّد، ودون عليّ، ودون أهل دينك، وأمّتك، فإنّا بكم مبتلون ممتحنون، ونحن أولياء اللّه المخلصون، وعباده الخيّرون، ومستجاب دعاؤنا، غیر مرود علينا شيء من سؤالنا.
فلمّا قالوا ذلك قال اللّه تعالى لنبيه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): «قُل» یا محمّد لهولاء اليهود «إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ» (1) الجنّة ونعيمها «خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ» (2) محمّد وعليّ والأئمّة وسائر الأصحاب و مؤمني الأمّة وأنّكم بمحمّد وذريّته ممتحنون، وأنّ دعاء كم مستجاب غیر مردود «فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ» (3) للكاذبين منكم ومن مخالفيكم، فإن محمّداً و علياً وذويهما يقولون: إنّهم أولياء اللّه عزّ وجلّ من دون الناس الّذين يخالفونهم في دينهم، وهم المجاب دعاؤهم، فإن كنتم معاشر اليهود كما تدّعون فتمنّوا الموت للكاذب منكم ومن مخالفیكم « إِنْ كُنْتُمْ
ص: 100
صَادِقِينَ» أنّكم أنتم المحقّون المجاب دعاؤكم على مخالفيكم، فقولوا: اللّهمّ أمت الكاذب منّا ومن مخالفينا ليستريح منه الصادقون، وليزداد حجّتك وضوحاً بعد أن قد صحّت ووجبت.
ثمّ قال لهم رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بعد ما عرض هذا عليهم: لايقولها أحدٌ منكم إلّا غصّ بريقه فمات مكانه وكانت اليهود عالمين بأنّهم هم الكاذبون، وأنّ محمداً وعلياً ومصدّقيهما هم الصادقون، فلم يجسروا أن يدعوا بذلك، لعلمهم بأنّهم إن دعوا فهم الميّتون، فقال اللّه تعالى: «وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أبداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ»(1) یعنی اليهود لن يتمنّوا الموت بما قدّمت أيديهم من الكفر باللّه، وبمحمّد رسوله ونبيه وصفيّه، وبعليّ أخي نبيّه ووصيّه، وبالطاهرين من الأئمّة المنتجبين، فقال تعالى: «وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ»(2) يعني اليهود، إنّهم لا يجسرون أن يتمنّوا الموت للكاذب، بعلمهم أنّهم هم الكاذبون، ولذلك أمرتك أن تبهرهم بحجّتك، وتأمرهم أن يدعوا على الكاذب ليمتنعوا من الدعاء، ويتبيّن للضعفاء أنّهم هم الكاذبون(3).
ص: 101
{25}
[71] إنّ بسم اللّه الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب وهي سبع آيات تمامها «بسم اللّه الرحمن الرحیم» سمعت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول: إن اللّه عزّ وجلّ قال لي:
یا محمّد، «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» (1) فأفرد الامتنان علي بفاتحة الكتاب وجعلها بإزاء القرآن العظيم وإنّ فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش، وإنّ اللّه عزّ وجلّ خصّ محمّداً (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وشرفه بها ولم يشرك معه فيها أحداً من أنبيائه ما خلا سلیمان (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، فإنّه أعطاه منها «بسم اللّه الرحمن الرحیم».
يحكي عن بلقيس حين قالت «أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» (2) ألا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمّد وآله الطيّبين منقاداً لأمرهما مؤمناً بظاهرهما وباطنهما أعطاه اللّه عزّ وجلّ بكلّ حرف منها حسنة، كلّ واحدة منها أضاف له من الدّنيا وما فيها من أصناف أموالها وخيراتها، ومَن استمع الى قارىء يقرؤها كان له بقدر ما للقارىء، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض لكم، فإنه غنيمة لايذهبن أوانه فتبقى قلوبكم الحسرة (3).
ص: 102
{26}
[72] قام رجل الى علي بن الحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ)، فقال: أخبرني عن معنی بسم اللّه الرحمن الرحيم، فقال علي بن الحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ): حدّثني أبي، عن أخيه الحسن، عن ابيه امير المؤمنين (عَلَيْهِم السَّلَامُ) أنّ رجلاً قام إليه: فقال: يا أمير المؤمنین أخبرني عن بسم اللّه الرحمن الرحیم ما معناه ؟ فقال: إنّ قولك: اللّه أعظم أسم من أسماء اللّه عزوجل، وهو الإسم الّذي لا ينبغي أن يسمّى به غير اللّه ولم يتسمّ به مخلوق، فقال الرجل فما تفسير قوله: اللّه؟
قال: هو الّذي يتألّه اليه عند الحوائج والشدائد كلّ مخلوق عند انقطاع الرجاء من جميع من هو دونه، وتقطع الأسباب من كلّ من سواه وذلك إنّ كلّ مترئّس في هذه الدنيا ومتعظّم فيها وان عظم غناؤه وطغيانه وكثرت حوائج من دونه اليه فإنّهم سيحتاجون حوائج لايقدر عليها هذا المتعاظم، وكذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها، فينقطع الى اللّه عند ضرورته و فاقته حتّی اذا كفی همّه عاد الى شركه.
أما تسمع اللّه عزّ وجلّ يقول: «قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ»(1) فقال اللّه عزّ وجلّ لعباده: إيها الفقراء الى رحمتي إني
ص: 103
قد الزمتكم الحاجة اليّ في كلّ حال، وذلّة العبودية في كلّ وقت، فإليّ فافزعوا في كلّ امر تأخذون فيه وترجون تمامه، وبلوغ غايته فإنّي إن أردت أن أعطيكم لم يقدر غيري على منعكم، وإن أردت أن أمنعكم لم يقدر غيري على أعطائك، فأنا من سئل، وأولی من تضرع اليه، فقولوا عند افتتاح كلّ أمر صغير أو عظیم:
بسم اللّه الرحمن الرحيم أي أستعين على هذا الأمر باللّه الّذي لايحقّ العبادة لغيره، المغيث إذا استغيث، المجيب إذا دعي، الرحمن، الّذي يرحم ببسط الرزق علينا، الرحیم بنا في أدياننا وآخرتنا، وخفّف علينا الدين وجعله سهلاً خفيفاً، وهو يرحمنا بتميزنا من أعدائه ثمّ قال: قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): من حزنه أمر تعاطاه فقال: بسم اللّه الرحمن الرحيم وهو مخلص للّه يقبل بقلبه اليه لم ينفك من احدى اثنتين: إما بلوغ حاجته في الدنيا وإمّا يعدّ له عند ربّه، ويدّخر لديه، وما عند اللّه خير وأبقى للمؤمنين(1).
و المقصود أنّ هذه ليست من التكرار في شيء، بل هي بالحذف والاختصار أليق، وذلك لأنّ قوله: «لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ» أي لا أعبد في المستقبل ما تعبدون في المستقبل، وقوله: «وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ» أي ولا أنا عابد في الحال ما تعبدون في المستقبل.
والحاصل أنّ القصد نفي عبادته لآلهتهم في الأزمته الثلاثة: الحال والماضي والاستقبال، والمذكور في الآية النفي في الحال والاستقبال، وحذف الماضي من جهته ومن جهتهم، ولابد من نفيه لكنّه حذف لدلالة الأوّلين عليه.
{28}
[74] «وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ»(1) قال الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ): إنّما أنزلت الآية لأن قوماً من اليهود، وقوماً من النصارى جاءوا إلى رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقالوا: يا محمّد اقض بيننا. فقال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): قصوا عليّ قصتكم. فقالت اليهود: نحن المؤمنون بالاله الواحد الحكيم وأوليائه، وليست النصارى علي شيء من الدين و الحق. وقالت النصارى: بل نحن المؤمنون بالاله الواحد الحكيم وأوليائه وليست هؤلاء اليهود على شيء من الحق والدين.
فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): كلّكم مخطئون مبطلون فاسقون عن دين اللّه وأمره.
فقالت اليهود: كيف نكون كافرين وفينا كتاب اللّه التوراة نقرأه؟
وقالت النصارى: كيف نكون كافرين وفينا كتاب الأنجيل نقرأه ؟ فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): انكم خالفتم أيها اليهود والنصاری كتاب اللّه ولم تعملوا به، فلو كنتم عاملين بالكتابين لما كفر بعضكم بعضاً بغير حجة، لأن كتب اللّه أنزلها شفاء من العمى، وبياناً من الضلالة، يهدي العاملين بها الى صراط مستقیم،
ص: 105
كتاب اللّه اذا لم تعملوا به كان و بالا عليكم، وحجة اللّه اذا لم تنقادوا لها كنتم للّه عاصین ولسخطه متعرضين(1).
{31}
[77] روى أنّه كان الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لايزال مصليّاً ما بين المغرب والعشاء، فقيل له في ذلك، فقال: إنّها ناشئة الليل(1).
{32}
[78] جاء نفر من اليهود الى رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فسأله اعلمهم، فقال له أخبرني عن تفسير سبحان اللّه والحمد للّه ولا اله إلّا اللّه واللّه اكبر.
فقال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) عزّ وجلّ أن بني آدم يكذبون على اللّه عزّ وجلّ فقال سبحان اللّه براءة ممّا يقولون وأما قوله الحمد للّه فإنه علم أن العباد لايؤدّون شكر نعمته فحمد نفسه قبل أن يحمده العباد، وهو أول كلام لولا ذلك لما أنعم اللّه عزّ وجلّ على أحد بنعمة وقوله: لا اله إلّا اللّه يعني وحدانيته لايقبل اللّه الأعمال إلّا بها هي كلمة التقوى، يثقل اللّه بها الموازين يوم القيامة.
وأما قوله اللّه اكبر فهي كلمة أعلى الكلمات واحبّها الى اللّه عزّ وجلّ يعني أنّه ليس شيء اكبر منه، ولاتصحّ الصلاة إلّا بها لكرامتها على اللّه عزّ وجلّ وهو الاسم الأعز الأكرم، قال اليهودي صدقت يامحمّد فما جزاء قایلها؟ قال اذا قال العبد سبحان اللّه سبّح معه ما دون العرش، فيعطى قائلها عشر أمثالها.
ص: 107
اذا قال الحمد للّه، أنعم اللّه عليه بنعم الدنيا موصولاً بنعم الآخرة وهي الكلمة التي يقولها اهل الجنّة إذا دخلوها وينقطع الكلام الّذي يقولونه في الدنيا ما خلا الحمد للّه وذلك قوله عزّ وجلّ دعواهم فيها سبحانك اللّهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد للّه ربّ العالمين، وأما قوله لا اله إلّا اللّه، فثمنها الجنّة وذلك قول اللّه عزّ وجلّ: هل جزاء الإحسان إلّا الإحسان، قال هل جزاء من قال لا إله إلّا اللّه إلّا الجنّة فقال اليهودي صدقت يا محمد(1).
{33}
[79] جاء نفر من اليهود الى النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وسأله اعلمهم عن مسائل منها أنّه قال: ما فضل الرجال على النساء؟ قال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): كفضل السماء على الأرض، وكفضل الماء على الأرض، فبالماء يحيى الأرض، وبالرجال تحيى النساء، لولا الرجال ما خلق النساء لقول اللّه عزّ وجلّ: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ»(2).
قال اليهودي: لأيّ شيء كان هكدا؟ قال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): خلق اللّه عزّ وجلّ آدم من طين، ومن فضلته وبقيّته خلقت حوّاء وأول من أطاع النساء آدم، فأنزله اللّه من الجنّة، وقد بيّن فضل الرجال على النساء في الدنيا، إلّا ترى الى النساء كيف
ص: 108
يحضن ولا يمكنهنّ العبادة من القذارة، والرجال لا يصيبهم شيء من الطمث.
قال اليهودي: صدقت يا محمد(1).
{34}
[80] جاء نفر من اليهود إلى رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقال: يا محمّد أنت الّذي تزعم أنّك رسول اللّه وأنّك الّذي يوحي اليك كما أوحي الى موسی بن عمران؟ فسكت النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ساعة ثمّ قال: نعم أنا سيّد ولد آدم ولافخر، وأنا خاتم النبيّين وإمام المتّقين ورسول ربّ العالمين، قالوا: الى من؟ الى العرب أم الى العجم أم الينا؟ فأنزل اللّه تعالى هذه الآية: «قُل» يا محمّد «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا»(2).(3)
{35}
[81] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) عن أبيه صلوات اللّه عليه في تفسير الكلمات التي ابتلی ابراهیم ربّه بها، وهي كما فسّرها رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): «يا اللّه،
ص: 109
یارحمن، یاربّ، یاذالجلال والإكرام، يانور السماوات والأرض، ياقريب، يامجيب».
قال أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ):
دخل عبداللّه بن سلام ونحن نتذاكر هذا الحديث، فلمّا سمع عبداللّه كبّر، فدخل رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فرآه يكبّر ويهلّل؛ فقال: ما شأنك ياعبداللّه؟ فقال: یارسول اللّه والّذي بعثك بالحقّ أنّ هذه الاسماء انزلها جبرئیل علی ابراهیم [وكان يردّدها ففيهنّ اتخذه اللّه خليلاً، وما من عبد يجمعهنّ في جوفه إلّا جعله اللّه في جوفه حجاباً لايخلص اليه الشيطان أبداً ولا يسلّط عليه أبداً حتّی يلقى اللّه على ذلك، فينزله دار الجلال، فمن دعا بهنّ في سبع ليال بقین من رجب عند انفجار الصبح اعطاه اللّه جوائزه وولايته.
فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ): يا عبداللّه اتدري كيف فعل ابراهيم لما انزل اللّه عليه هؤلاء الكلمات؟ قال: لما نزل جبرئیل سأله ابراهیم كيف يدعو بهنّ؟ قال: صم رجباً حتّی اذا بلغت سبع ليال آخر ليلة قم فصلّ ركعتين بقلب وجل، ثمّ سل اللّه الولاية والمعونة والعافية والرفعة في الدنيا والآخرة والنجاة من النار (1).
{36}
[82] سألت عن الناس فرسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) (الناس) لأنّ اللّه تعالى يقول: «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ» (2) ونحن منه، وسألت عن أشباه الناس فهم شيعتنا وهم منّا وهم أشباهنا، وسألت عن النسناس فهم هذا السواد الأعظم وهو قول
ص: 110
{38}
[84] في قوله عزّ وجلّ: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ»(1) قال: إنّي أسبق السابقين الى اللّه والی رسوله، وأقرب المقرّبين الى اللّه والی رسوله(2).
{39}
[85] جاء رجل من الأنصار الى النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فقال: يارسول اللّه ما استطيع فراقك وإني لأدخل منزلي فأذكرك فأترك ضيعتي وأقبل حتّی أنظر اليك حبّاً لك فذكرت اذا كان يوم القيامة وأدخلت الجنّة فرفعت في أعلى علّيّين فكيف لي بك یا نبي اللّه؟ فنزل: ومن يطع اللّه والرسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من
ص: 112
النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً. فدعا النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) الرجل فقرأها عليه وبشّره بذلك(1).
{40}
[89] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) إنّ أبابكر منّي بمنزلة السمع، وإنّ عمر منّي بمنزلة البصر، وإنّ عثمان منّي بمنزلة الفؤاد. قال: فلمّا كان من الغد دخلتُ اليه وعنده امیر المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وأبو بكر وعثمان، فقلت له: يا أبه سمعتك تقول في أصحابك هؤلاء قولاً، فما هو؟ فقال (عَلَيْهِ السَّلَامُ): نعم، ثمّ أشار بيده اليهم فقال: هم السمع والبصر والفؤاد سيُسألون عن ولاية وصيّي هذا وأشار الى علي بن ابي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، ثمّ قال: إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا»(2) ثمّ قال (عَلَيْهِ السَّلَامُ): وعزة ربّي أنّ جميع امّتي لموقوفون يوم القيامة ومسؤولون عن ولايته وذلك قول اللّه عزّ وجلّ: «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ»(3).(4)
ص: 113
{41}
[87] كان أصحاب الأخدود خدو الخدود وملؤوها ناراً، فألقوا فيها من آمن باللّه وتركوا من كفر، فألقوا بضعة وثمانين مؤمناً، حتّی أتوا على عجوز كبيرة وابنها خلفها صبي صغير، فلما رأت النار كيف تأخذهم، جزعت قالت: يابني أما ترى؟ قال لها ابنها: يا أمتاه امضى ولاتنافقي. فمضت واقتحم ابنها على اثرها. قال الحسن: كانت لذعة نار ثمّ لانار عليهم آخر ما عليهم. ثمّ قال: ياسبحان اللّه، ما أصبر اللّه، انهم يعذبون أولياءه بالنار وهو يدعوهم إلى التوبة، ثمّ قرأ «إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ» يقول: أحرقوا المؤمنين والمؤمنات «ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا»(1) أي: فلو تابوا لتاب اللّه عزّ وجلّ عليهم.
رواه أبو الحجاج مجاهد بن حبر المكي المخزومي في «تفسيره» ج 2 ص 767 ط مجمع البحوث باكستان(2).
ص: 114
{42}
[88] كانت ليلة الفرقان «يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ»(1) لسبع عشرة من رمضان(2).
{43}
[89] كلّ ما في كتاب اللّه عزّ وجلّ: «إِنَّ الأَبرَارَ»(3) فواللّه ما أراد به إلّا عليّ بن أبي طالب وفاطمة وأنا والحسين، لأنّا نحن أبرار بآبائنا وأمّهاتنا، وقلوبُنا علت بالطاعات والبر، وتبرأت من الدنيا وحبّها، وأطعنا اللّه في جميع فرائضه، وآمنّا بوحدانيّته، وصدّقنا برسوله(4).
ص: 115
{44}
[90] لمّا بعث اللّه محمداً (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) بمكّة وأظهر بها دعوته، ونشر بها كلمته، وعاب أعيانهم(1) في عبادتهم الأصنام، وأخذوه وأساؤا معاشرته، وسعوا في خراب المساجد المبنيّة كانت للقوم من خيار أصحاب محمّد وشيعة عليّ بن أبي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، كان بفناء الكعبة مساجد يحيون فيها ما أماته المبطلون، فسعى هؤلاء المشركون في خرابها، وأذى(2) محمّد وأصحابه و ألجاؤه إلى الخروج من مكّة نحو المدينة التفت خلفه اليها وقال: «اللّه يعلم إنّني أحبُك، ولولا أنّ أهلك أخرجوني عنك لما آثرت عليك بلداً، ولا ابتغيت عليك بدلاً، وإنّي لمغتم على مفارقتك» فأوحى اللّه إليه: يا محمّد العليّ الأعلى يقرأ عليك السلام، ويقول: سنردّك إلى هذا البلد ظافراً غانماً سالماً قادراً قاهراً، وذلك قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ»(3) يعني الى مكّة غانماً ظافراً، فأخبر بذلك رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) و أصحابه فاتّصل بأهل مكّة فسخروا منه، فقال اللّه تعالی الرسوله: سوف يظفرك(4) اللّه بمكة، ويجري عليهم حكمي، وسوف أمنع عن دخولها المشركين حتّی لايدخلها أحد منهم إلّا خائفاً، أو دخلها مستخفياً من أنّه إن عثر عليه قتل، فلمّا حتم قضاء اللّه بفتح مكّة واستوسقت له أمّر عليهم عتّاب بن أسيد، فلمّا اتّصل بهم خبره قالوا: إنّ محمّداً لايزال يستخفّ بنا حتّی ولّی
ص: 116
علينا غلاماً حدث السنّ ابن ثمانية عشر سنة، ونحن مشایخ ذوي الأسنان وجيران حرم اللّه الأمن، وخير بقعة على وجه الأرض وكتب رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) لعتّاب بن أسيد عهداً على مكّة وكتب في أوله: من محمّد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) إلى جيران بيت اللّه الحرام، وسكّان حرم اللّه، أما بعد فمن كان منكم باللّه مؤمناً، وبمحمّد رسوله في أقواله مصدّقاً، وفي أفعاله مصوّباً، ولعليّ أخي محمّد رسوله ونبيّه وصفيّه ووصيّه وخير خلق اللّه بعده موالياً فهو منّا وإلينا ومن كان لذلك أو لشيء منه مخالفاً فسحقاً وبعداً لأصحاب السعير، لا يقبل اللّه شيئاً من أعماله، وإن عظم وكبر (1) يصليه نار جهنّم خالداً (2) مخلّدا أبداً، وقد قلّد محمّد رسول اللّه عتّاب بن أسيد أحكامكم ومصالحكم، وقد فوّض اليه تنبيه غافلكم، وتعليم جاهلكم وتقويم أود (3) مضطربكم، وتأديب من زال عن أدب اللّه منكم لما علم من فضله عليكم من موالاة (4) محمّد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)، ومن رجحانه في التعصّب لعليّ وليّ اللّه، فهو لنا خادم، وفي اللّه أخ، ولأوليائنا موال، ولاعدائنا معاد، وهو لكم سماء ظليلة، وأرض زكيّة، وشمس مضيئة (5)، قد فضّله اللّه على كافّتكم بفضل موالاته ومحبّته لمحمّد وعلي والطيّبين من الهما، وحكّمه (6) عليكم يعمل بما يريد اللّه فلن يخلّيه من توفيقه. كما أكمل من موالاة محمّد وعلي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) شرفه
ص: 117
وحظّه لايؤامر رسول اللّه ولا يطالعه(1)، بل هو السديد الأمين، فليطمع المطيع منكم بحسن معاملته شريف الجزاء، وعظيم الحباء وليتوقّى المخالف له شدید العذاب(2)، وغضب الملك العزيز الغلّاب(3)، ولا يحتجّ محتجّ منكم في(4) مخالفته بصغر سنّه، فليس الأكبر هو الأفضل، بل الأفضل هو الأكبر، وهو الأكبر في موالاتنا وموالاة أوليائنا، ومعاداة أعدائنا، فلذلك جعلناه الأمير عليكم، والرئيس عليكم، فمن أطاعه فمرحبا به ومن خالفه فلايبعّد اللّه غيره.
قال:
فلمّا وصل اليهم عتّاب و قرأ عهده ووقف موقفاً ظاهراً نادي في جماعتهم حتّی حضروه، وقال لهم: معاشر أهل مكة إن رسول اللّه بي رماني بكم شهاباً محرقا لمنافقكم(5)، ورحمة وبركة على مؤمنكم(6)، وإنّي أعلم الناس بكم وبمنافقكم(7)، وسوف آمركم بالصلاة فيقام(8) بها، ثمّ أتخلف(9) أراعي الناس، فمن وجدته قد لزم الجماعة التزمت له حقّ المؤمن على المؤمن، ومن وجدته قد
ص: 118
بعد عنها فتّشته(1)، فإن وجدت له عذراً عذّرته(2)، وإن لم أجد له عذرا ضربت عنقه حكما(3) من اللّه مقضيّاً على كافّتكم لأطهّر حرم اللّه من المنافقين، أما بعد فإنّ الصدق أمانة، والفجور خيانة، ولن تشيع الفاحشة في قوم إلّا ضربهم اللّه بالذلّ، قويّكم عندي ضعيف حتّی آخذ الحقّ منه وضعيفكم عندي(4) قويّ حتّی آخذ الحقّ له، اتّقوا اللّه وشرّفوا بطاعة اللّه أنفسكم، ولا تذلّوها بمخالفة ربّكم. ففعل واللّه كما قال، وعدل وأنصف وأنفذ الأحكام، مهتديا بهدى اللّه، غير محتاج الى مؤامرة ولا مراجعة (5).(6)
ص: 119
{46}
[92] لما نزلت آية التطهير جمعنا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) أنا وأخي وأمي وأبي، فجللنا ونفسه في كساء لأم سلمة خيبري، وذلك في حجرتها وفي يومها، فقال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي وهؤلاء أهلي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. فقالت أم سلمة رضي اللّه عنها: أدخل معهم یا رسول اللّه؟ فقال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) لها: يرحمك اللّه أنت على خير والی خير وما أرضاني عنك ولكنها خاصة لي ولهم.
ثمّ مكث رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) بعد ذلك بقية عمره حتّی قبضه اللّه اليه يأتينا كلّ يوم عند طلوع الفجر فيقول «الصلاة يرحمكم اللّه «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(1)».(2)
ص: 121
{47}
[13] لمّا نزلت هذه الآية: «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا»(1) كان النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يأتي باب عليّ وفاطمة [عند] كلّ صلاة فيقول: الصلاة رحمكم اللّه «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ»(2).(3)
ص: 122
{48}
[94] سئل الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) عن هذه الآية «اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»(1) أخاصة هي أم عامة قال: نزلت في قوم خاصة، فتعقيب عامة، ثمّ جاء التخفيف بعدنا «اتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ»(2)، فقيل يابن رسول اللّه فيمن نزلت هذه الآية فنكت الأرض ساعة، ثمّ رفع بصره ثمّ نكس رأسه ثمّ رفع.
فقال لما نزلت هذه الآية «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(3) فقال بعض القوم ما انزل اللّه هذا إنّما يريد أن يرفع بضبع ابن عمّه قالوها حسداً وبغضاً لأهل بيت النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)، فأنزل اللّه تعالى «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ»(4) ولاتعتدّ هذه المقال ولا يشقّ عليك ما قالوا من قبل؛ فإنّ اللّه يمح الباطل ويحقّ الحق بكلماته أنّه عليهم بذات الصدور.
فشقّ ذلك على رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)، وحزن على ما قالوا وعلم أنّ القوم غير تاركین الحسد والبغضاء فنزلت هذه الآية «قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ»(5)، فلمّا نزلت هذه الآية
ص: 123
«يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ»(1) قال يوم غدیر خم، «من كنت مولاه فإن عليا مولاه اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه».
فوقع في قلوبهم ما وقع تكلّموا فيما بينهم سرّاً حتّی قال احدهما لصاحبه من يلي بعد النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ومن يلي بعدك هذا الأمر لانجعلها في اهل البيت أبداً فنزل ومن يبدّل نعمة اللّه من بعد ما جاءته فانّ اللّه شديد العقاب، ثمّ نزلت «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»، «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا» الى قوله «وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»(2). (3)
{49}
[90] أنّ رجلاً قال: دخلت مسجد المدينة فإذا أنا برجل يحدّث عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) والناس حوله، فقلت: أخبرني عن شاهد ومشهود، قال: نعم، أما الشاهد فيوم الجمعة، وأما المشهود فيوم عرفة، فجزته الى آخر يحدّث عن رسول اللّه، فقلت: أخبرني عن شاهد ومشهود، فقال: نعم، وأمّا الشاهد فيوم الجمعة وأمّا المشهود فيوم النحر، فجزتهما إلى غلام آخر كأنّ وجهه الدنيار وهو يحدّث عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)؟ فقلت: أخبرني عن شاهد و مشهود، فقال: نعم، أمّا الشاهد فمحمّد، وأما المشهود فيوم القيامة، أما سمعته يقول: «يَا أَيُّهَا
ص: 124
النَّبِي إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا»(1) وقال تعالى «ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ»(2).
فسألت عن الرجل الأوّل فقالوا: ابن عباس، وعن الثاني فقالوا: ابن عمر، وسألت عن الثالث فقالوا: الحسن بن علي بن ابي طالب (عَلَيْهِما السَّلَامُ)، فكان قول الحسن أحسن(3).
{50}
[96] قال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى: «فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ» قال: استوى الإسلام بسيف عليّ بن أبي طالب(4)
ص: 125
{51}
[97] قال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى «رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً»(1): هي العلم والعبادة في الدنيا، والجنّة في العقبي(2).
{52}
[98] لما بلغ امير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لا أمر معاوية وأنه في مائة الف.
قال: من أيّ القوم؟
قالوا: من أهل الشام
قال (عَلَيْهِ السَّلَامُ): لاتقولوا من أهل الشام، ولكن قولوا من أهل الشوم من أبناء مضر(3) لعنوا على لسان داود فجعل (اللّه) (4) منهم القردة والخنازير، ثمّ كتب (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الى معاوية لاتقتل الناس بيني وبينك (ولكن) (5) هلمّ إلى المبارزة فإن انا قتلتك فالى النار أنت وتستريح الناس منك ومن ضلالتك، وان (أنت) (6) قتلتني فانا
ص: 126
في(1) الجنّة ويغمد عنك السيف الّذي لايسعني غمده حتّی اردّ مكرك (وخديعتك) (2) وبدعتك وانا الّذي ذكر اللّه اسمه في التوراة والانجيل بموازرة رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وأنا أول من بايع رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) تحت الشجرة في قوله: «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ»(3)
فلمّا قرأ معاوية كتابه وعنده جلساؤه قالوا: واللّه لقد انصفك.
فقال: معاوية واللّه ما أنصفني واللّه لأرمينه بمائة الف سيف من أهل الشام من قبل أن يصل اليّ، وواللّه ما أنا من رجاله ولقد سمعت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول: واللّه يا علي لو بارزك اهل المشرق والمغرب (4)لقتلتهم أجمعين.
فقال له رجل من القوم: فما يحملك يا معاوية على قتال من تعلم وتخبر فيه عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بما تخبر ما أنت ونحن في قتاله إلّا على ضلالة؟
فقال [معاوية ] (5): انما هذا بلاغ من اللّه (ورسالاته) (6) واللّه ما استطيع أنا واصحابي ردّ ذلك حتّی يكون ماهو كائن.
قال: وبلغ ذلك ملك الروم واخبر ان رجلين قد خرجا يطلبان الملك، فقال: من أين خرجا؟
فقيل له: رجل بالكوفة ورجل بالشام.
ص: 127
قال: [: فلمن الملك الآن] (1) فأمر (الملك) (2) وزراء فقال: تخللوا هل تصيبون تجّار العرب(3) من يصفهما لي، فأتي برجلين من تجّار الشام ورجلين من تجّار مكّة فسألهم(4) عن صفتهما فوصفوهما (له) (5)، ثمّ قال لخزان بيوت خزائنه: اخرجوا الي الاصنام فاخرجوها فنظر اليها. فقال: الشامي ضالّ، والكوفي هاد.
ثم كتب الى معاوية أن ابعث اليّ أعلم أهل بيتك، وكتب(6) إلى امیر المؤمنين أن ابعث إليّ أعلم أهل بيتك، فاسمع منهما ثمّ انظر في الانجيل كتابنا ثمّ اخبر كما من احق بهذا الأمر وخشي على ملكه.
فبعث معاوية يزيد ابنه، وبعث امير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الحسن ابنه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فلمّا دخل یزید - لعنه اللّه - على الملك أخذ بيده وقبلها ثمّ قبل رأسه، ثمّ دخل عليه الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فقال: الحمد للّه الّذي لم يجعلني يهودياً ولانصرانيّاً ولا مجوسياًّ ولا عابداً للشمس و(لا) (7) للقمر ولا لصنم ولالبقر وجعلني حنيفاً مسلماً ولم يجعلني من المشركين وتبارك اللّه ربّ العرش العظيم والحمد للّه ربّ العالمين، ثمّ جلس لايرفع بصره. فلمّا نظر ملك الروم الى الرجلين اخرجهما ثمّ فرّق بينهما
ص: 128
ثمّ بعث الى يزيد فاحضره ثمّ أخرج من خزائنه(1) ثلاثمائة وثلاثة عشر صندوقاً فيها تماثيل الأنبياء (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) وقد زينت بزينة كلّ نبي مرسل.
فأخرج صنماً فعرضه علی یزید فلم يعرفه، ثمّ عرض عليه صنماً صنماً فلا يعرف منها شيئاً ولا يجيب منها بشيء، ثمّ سأله عن أرزاق الخلائق وعن أرواح المؤمنين أين تجتمع وعن أرواح الكفّار أين تكون إذا ماتوا فلم يعرف من ذلك شيئاً.
ثم دعا الملك الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فقال: انّما بدأت بیزید بن معاوية لكي(2) يعلم انّك تعلم مالايعلم ويعلم أبوك مالا يعلم أبوه، فقد وصف [لي] (3) أبوك وأبوه ونظرت في الانجيل فرأيت فيه محمداً رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) والوزير عليّاً (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، ونظرت في الأوصياء فرأيت فيها أباك وصي محمّد رسول اللّه.
فقال له الحسن: سلني عما بدا لك مما تجدّه في الانجيل، وعما في التوراة، وعما في القرآن أخبرك به إن شاء اللّه تعالی.
فدعا الملك بالاصنام فاوّل صنم عرض عليه في صفة(4) القمر، فقال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): هذه صفة آدم أبي البشر.
ثم عرض عليه آخر في صفة الشمس، فقال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): هذه صفة حواء أم البشر.
ثم عرض عليه آخر في صفة (5) حسنة فقال: هذه صفة شيث بن آدم وكان
ص: 129
أول من بعث وبلغ عمره في الدنيا ألف سنة واربعين عاماً.
ثم عرض عليه صنماً آخر (1) فقال: هذه صفة نوح صاحب السفينة وكان عمره الف (سنة) (2) واربعمائة سنة ولبث في قومه الف سنة إلّا خمسين عاماً.
ثم عرض عليه (صنماً ) (3) آخر فقال: هذه صفة ابراهيم (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عريض الصدر طويل الجبهة.
ثم عرض عليه (4) صنماً آخر فقال: هذه صفة اسرائيل وهو يعقوب.
ثمّ عرض عليه (5) صنماً آخر فقال: هذه صفة اسماعيل.
ثم أخرج اليه صنماً آخر فقال: هذه صفة يوسف بن يعقوب بن اسحاق [ابن ابراهيم (عَلَيْهِ السَّلَامُ)] (6).
ثم أخرج صنماً (7)آخر فقال: هذه صفة موسی بن عمران وكان عمره مائتين وأربعين سنة وكان بينه وبين ابراهيم خمسمائة عام.
ثم أخرج اليه صنماً آخر فقال: هذه صفة داود صاحب الحرب.
ثمّ أخرج اليه صنماً آخر فقال: هذه صفة شعيب.
ثمّ زكریا ثمّ يحيى ثمّ عیسی بن مریم روح اللّه وكلمته وكان عمره في الدنيا
ص: 130
ثلاثة وثلاثين سنة، ثمّ رفعه اللّه الى السماء ويهبط الى الأرض بدمشق وهو الّذي يقتل الدجال.
ثم عُرِض عليه صنماً صنماً فيخبر باسم نبي نبي.
ثم عرض عليه الأوصياء والوزراء فكان يخبر باسم وصيّ وصيّ ووزير وزیر.
ثم عرض عليه أصناماً بصفة الملوك فقال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): هذه أصنام لم نجد صفتها في التوراة ولا في الانجيل ولافي الزبور ولا في القرآن فلعلّها من صفة الملوك.
فقال الملك: اشهد عليكم يا أهل بيت محمد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) انّكم قد اعطيتم علم الأولين والآخرين وعلم التوراة والانجيل والزبور وصحف ابراهيم والواح موسی (عَلَيْهِ السَّلَامُ).
ثم عرض [عليه] (1) صنماً يلوح فلمّا راه الحسن (2) بكی بكاء شديداً، فقال له الملك: ما يبكيك؟
فقال: هذه صفة جدي رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) كثیف(3) اللحية، عريض الصدر، طویل العنق، عريض الجبهة، اقني الأنف، أبلج(4) الأسنان، حسن الوجه، قطط الشعر، طيب الريح، حسن الكلام، فصيح اللسان، كان يأمر بالمعروف وينهي
ص: 131
عن المنكر بلغ عمر[ه] (1) ثلاثاً وستين سنة ولم يخلف بعد [ه] (2) إلّا خاتماً مكتوب عليه: لا اله إلّا اللّه، محمّد رسول اللّه وكان يتختّم بيمينه(3) وخلّف سيفه ذا الفقار وقضيبه وجبة صوف و كساء صوف كان يتسرول به لم يقطعه ولم يخطه حتّی لحق باللّه.
فقال الملك: أنا نجد في الانجيل أنّه(4) يكون له ما يتصدق به على سبطيه
فهل كان ذلك؟
فقال له الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): قد كان ذلك.
فقال الملك: فبقى لكم ذلك؟
فقال: لا.
فقال الملك: لهذه اول فتنة هذه الأمة عليها ثمّ على ملك نبيكم واختيارهم على ذرية نبيهم، منكم القائم بالحقّ والأمر بالمعروف والناهي عن المنكر.
قال: ثمّ سأل الملك الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عن سبعة أشياء خلقها اللّه لم تركض في رحم.
فقال الحسن: أول هذا آدم ثمّ حواء ثمّ كبش ابراهيم ثمّ ناقة صالح ثمّ ابليس الملعون ثمّ الحية ثمّ الغراب الّذي ذكره اللّه في القرآن.
[قال:] (5) ثمّ سأله عن أرزاق الخلائق.
فقال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): ارزاق الخلائق في السماء الرابعة تنزل بقدر ويبسط
ص: 132
بقدر.
ثم سأله عن ارواح المؤمنين أين يكونوا(1) إذا ماتوا.
قال: تجتمع عند صخرة بيت المقدس في كلّ ليلة جمعة وهو عرش اللّه الأدنى منها يبسط [اللّه] (2) الأرض واليها يطويها ومنها المحشر ومنها استوى ربّنا الى السماء اي استولى على السماء والملائكة.
ثم سأله عن ارواح الكفّار أين تجتمع.
قال: [تجتمع] (3) في وادي حضر موت وراء مدينة اليمن ثمّ يبعث اللّه ناراً من المشرق وناراً من المغرب ويتبعهما بريحين شديدتين فيحشر الناس عند صخرة بيت المقدس فيحشر اهل الجنّة عن يمين الصخرة ويزلف المتّقين(4) وتصير جهنم عن يسار الصخرة في تخوم الارضين السابعة وفيها الفلق والسجين فتفرق(5) للخلائق [من] (6) عند الصخرة فمن وجبت له الجنّة دخلها ومن وجبت له النار دخلها وذلك قوله تعالى: «فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ»(7).
فلما اخبر الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بصفة ما عرض عليه من الأصنام وتفسير ما سأله التفت الملك الى يزيد بن معاوية - لعنه اللّه - فقال: أشعرت ان ذلك علم لايعلمه
ص: 133
إلّا نبي مرسل أو وصي مؤازر قد أكرمه اللّه على قلبه وآثر دنياه على آخرته وهواه على دينه وهو من الظالمين.
قال: فسكت يزيد وخمد!
قال: فأحسن الملك جائزة الحسن واكرمه وقال له: ادع ربّك حتّی يرزقني دین نبيك فإن حلاوة الملك قد حالت بيني وبين ذلك فاظنه شقاء(1) مردياً وعذاباً أليماً.
قال: فرجع يزيد الى معاوية وكتب اليه الملك كتاباً ان(2) من آتاه اللّه العلم بعد نبيّكم(3) وحكم بالتوراة وما فيها والانجيل ومافيه والزبور وما فيه والقرآن وما فيه فالحق والخلافة له.
وكتب إلى علي بن ابي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أن الحق والخلافة لك وبيت النبوة (فيك) (4) وفي ولدك فقاتل من قاتلك يعذبه اللّه بيدك (ثم يخلده نار جهنم) (5) فإن من قاتلك نجده (عندنا) (6) في الانجيل انّ عليه لعنة اللّه والملائكة والناس اجمعین وعليه لعنة أهل السموات والارضين(7).
ص: 134
عزّ وجلّ: «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ» (1).
فقال: يقول عزّ وجلّ: إنّا كلّ شيء خلقناه لأهل النار بقدر أعمالهم(2).
ص: 136
ص: 137
{1}
[102] روی محمّد بن خالد الطيّالسي عن سيف بن عميرة قال: خرجت مع صفوان بن مهران الجمال وجماعة من أصحابنا الي الغريّ بعد ماورد أبوعبداللّه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فزرنا امير المؤمنين فلمّا فرغنا من الزيارة صرف صفوان وجهه الى ناحية أبي عبداللّه وقال: نزور الحسين بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) من هذا المكان من عند رأس امیر المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وقال صفوان: وردت مع سيّدي أبي عبداللّه الصادق جعفر بن محمّد (عَلَيْهِما السَّلَامُ) ففعل مثل هذا ودعا بهذا الدعاء بعد أن صلّى وودَّع، ثمّ قال لي: ياصفوان تعاهد هذه الزيارة وادع بهذا الدعاء وزرهما بهذه الزيارة فانّي ضامن - على اللّه لكلّ من زارهما بهذه الزيارة ودعا بهذا الدعاء من قرب أو بُعد أنَّ زيارته مقبولة وأنّ سعيه مشكور وسلامه واصل غير محجوب، وحاجته مقضيّة من اللّه بالغاً ما بلغت، وأنّ اللّه يجيبه ياصفوان، وجدت هذه الزيارة مضموناً بهذا الضمان عن أبي، وأبي عن أبيه علي بن الحسين، والحسين بن علي عن أخيه الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عن امیر المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) و مضموناً بهذا الضمان، وامير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) عن جبرئیل مضموناً بهذا الضمان قال: إلى اللّه عزّ وجلّ أنّ من زار الحسين بن علي بهذه الزيارة من قرب أو بعد في يوم عاشورا، ودعا بهذا الدعاء قبلت زیارته وشفّعته في مسئلته بالغ ما بلغ وأعطيته سؤله ثمّ لاينقلب عنّي خائباً، وأقلبه مسروراً قريراً عينه بقضاء حوائجه والفوز بالجنّة والعتق من النار وشفعته في كلّ من يشفع ما خلا الناصب لأهل البيت، آلى اللّه بذلك على نفسه وأشهد ملائكته على ذلك.
وقال جبرئیل: يا محمّد إنّ اللّه أرسلني اليك مبشّراً لك ولعلي وفاطمة
ص: 138
والحسن والحسين والأئمّة من ولدك قدام الى يوم القيامة سرورك يامحمّد وسرور علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة وشيعتكم الى يوم البعث. (1)
ص: 139
ص: 140
ص: 141
ص: 142
أقول: أورد السيد رحمه اللّه هذه الزيارة الى قوله: «وعلى الدهر ظهيراً فانّي عبداللّه ووليّك وزائرك صلّى اللّه عليك وسلّم كثيراً» ثمّ قال: ثمّ صلّ صلاة الزيارة ستّ ركعات له ولآدم ونوح (عَلَيْهِم السَّلَامُ) و لكلّ واحد منهم ركعتان، ثمّ قم فزر الحسين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) من عند رأس امیر المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بالزيارة الثانية من زیارت عاشورا اتباعاً لما ورد ان شاء اللّه. (1)
{2}
[103] أنّ رجلاً أتى الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فشكا اليه الجدوبة(2)، فقال له الحسن: استغفر اللّه، وأتاه آخر فشكا اليه الفقر فقال له: استغفر اللّه، وأتاه آخر فقال له: ادعُ اللّه أن يرزقني ابناً، فقال له: استغفر اللّه، فقلنا له:
أتاك رجال يشكون ابواباً ويسألون أنواعاً فأمرتهم كلّهم بالإستغفار، فقال:
ما قلت ذلك من ذات نفسي إنما اعتبرت فيه قول اللّه: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا» الآيات (3). (4)
ص: 143
{3}
[104] أُعيذ نفسي، وذرّيتي، وديني، وأهل بيتي، ومالي بكلمات اللّه التامّات من كلّ شيطان، وهامة، ومن كلّ عين لامة. (1)
إيتغوا حسنة الدارين
{4}
[105] بينما رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) جالس، اذ سأل عن رجل من أصحابه، فقالوا: یارسول اللّه: إنّه صار في البلاء كهيئة الفرخ لاریش عليه فأتاه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فإذا هو كهيئة الفرخ لاریش علیه من شدّة البلاء، فقال له: تدعو في صحّتك دعاء؟ قال: نعم، أقول: ياربّ أيّما عقوبة أنت معاقبي بها في الآخرة فعجّلها لي في الدنيا، فقال له النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): إلّا قلتَ: «اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنَا عَذَابَ النَّارِ» فقال: فكأنّما نشط من عقال وقام صحیحاً و خرج معنا. (2)
{5}
[106] أتيت أبي سحيراً فجلست اليه فقال: إني بتّ الليلة أرقاً؛ ثمّ
ص: 144
ملكتني عيني وأنا جالس فسنح لي رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقلت له: يارسول اللّه ماذا لقيت من امتك من الأود(1) واللدد؟ فقال: ادع عليهم فقلت: اللّهم أبدِلني بهم خيراً لي منهم وأبدِلهم بي شرّاً لهم مني. (2)
{6}
[107] اللَّهُمَّ ارْحَمْ عَظْمِي الدَّقِيقَ، وَ جَلدِي الرَّقِيقَ، وَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ غورتِ الْحَرِيقِ، يَا أُمَّ مِلْدَمٍ (3) إِنْ كُنْتِ أَمِنتِ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا تأكلي اللَّحْمَ، ولاتشربي الدَّمِ ، ولاتفوري عَلَى الْفَمِ وانتقلي الَىَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ إِلَهٌ آخَرُ فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ... وَأَنْ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ . (4)
ص: 145
{7}
[108] سمعت عمر بن الخطّاب يقول: سمعتُ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول: إنّ في علي بن أبي طالب خصالاً (لأن يكون فيّ إحداهنّ أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها)، سمعتُ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول لعلي بن أبي طالب: اللّهمّ ارحمه وترحَّم عليه وانصُره وانتصِر به، وأَعِنه واستَعِن به، فإنّه عبدُك وكتيبةُ رسولك. (1)
{8}
[109] أضاقَ الحسنُ بن علي، وكان عطاؤه في كلّ سنة مئة ألف، فحبسها عنه معاوية في إحدى السنين؛ فأضاق إضاقة شديدة. قال: فدعوت بدواة لأكتب إلى معاوية لأذكّره بنفسي، ثمّ أمسكت، فرأيت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) في المنام فقال لي: كيف أنت ياحسن؟ فقلت: بخير يا أبَه. وشكوت اليه تأخر المال عني، فقال: أدعوت بدواة لتكتب الی مخلوق مثلك تذكره ذلك؟ قلت: نعم يارسول اللّه فكيف أصنع؟ قال: اللّهم اقذف في قلبي رجاءك واقطع رجائي عمن سواك حتّی لا أرجو أحداً غيرك، اللّهم وما ضعفت عنه قوتي وقصر. عملي ولم تنته اليه رغبتي ولم تبلغه مسألتي، ولم يجر على لساني مما أعطيت أحداً من الأولين والآخرين من اليقين، فخصَّني به ياربّ العالمين.
ص: 146
قال: فواللّه ما ألححت به أسبوعاً حتّی بعثَ إليّ معاوية بألف ألف وخمس مئة ألف. فقلت: الحمد للّه الّذي لاينسى من ذَكَره، ولا يخيّب من دَعاه.
فرأيت النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) في المنام، فقال: ياحسن كيف أنت؟ فقلت: بخير یارسول اللّه وحدثته حديثي. فقال: يابنيّ، هكذا من رجا الخالق ولم يرج المخلوق. (1)
{9}
[110] إنّ النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) كان يقول: اللَّهُمَّ أَقِلْنِي عَثْرَتِي، وَ اسْتُرْ عَوْرَتِي، وَ أَمِن رَوْعَتِي، وَ اكْفِنِي مَنْ بغي عَلَيَّ، وَ انْصُرْنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَني، وَ أَرِنِي ثاري مِنْهُ. (2)
{10}
[111] أنّ رجلاً من أهل الشام أتي الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ومعه زوجته فقال: يابن
ص: 147
أبي تراب - وذكر بعد ذلك كلاماً نزهت عن ذكره -: إن كنتم في دعواكم صادقين فحوّلني إمرأةً، و حوِّل إمرأتي رجلاً كالمستهزيء في كلامه، فغضب (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ونظر اليه شزراً ۔ وحرّك شفتيه ودعا بما لم نفهمه(1)، ثمّ نظر اليهما وأحدَّ النظر، فرجع الشامي إلى نفسه وأطرق خجلاً ووضع يده على وجهه، ثمّ ولّی مسرعاً وأقبلت امرأته [وقالت:] (2) إني صرت رجلاً.
وذهبا حيناً من الزمان، ثمّ عادا اليه وقد ولد لهما مولود وتضرعا الى الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) تائبين ومعتذرين ممّا(3) فرّطا فيه وطلبا منه انقلابهما الى حالهما الأوّل(4)، فأجابهما الى ذلك ورفع يديه وقال: اللّهمّ إن كانا صادقين في توبتهما فتب عليهما وحولهما إلى ما كانا عليه، فرجعا الى ذلك [لاشك فيه ولا شبهة] (5). (6)
{11}
[112] اللّهُمَّ إنَّكَ الخَلَفُ مِن جَمیعِ خَلقِكَ، ولَیسَ فی خَلقِكَ خَلَفٌ مِنكَ، إلهی! مَن أحسَنَ فَبِرَحمَتِكَ، ومَن أساءَ فَبِخَطیئَتِهِ، فَلَا الَّذی أحسَنَ استَغنی عَن رِفدِكَ ومَعونَتِكَ، ولَا الَّذی أساءَ استَبدَلَ بِكَ وخَرَجَ مِن قُدرَتِكَ،
ص: 148
إلهی ! بِكَ عَرَفتُكَ، وبِكَ اهتَدَیتُ إلی أمرِكَ، ولَولا أنتَ لَم أدرِ ما أنتَ، فَیا مَن هُوَ هكَذا ولا هكَذا غَیرُهُ، صَلِّ عَلی مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وَارزُقنِی الإِخلاصَ فی عَمَلی، وَالسَّعَةَ فی رِزقی. اللّهُمَّ اجعَل خَیرَ عُمُری آخِرَهُ، وخَیرَ عَمَلی خَواتِمَهُ، وخَیرَ أیّامی یَومَ ألقاكَ.
إلهی! أطَعتُكَ-ولَكَ المِنَّةُ عَلَیَّ-فی أحَبِّ الأَشیاءِ إلَیكَ،الإِیمانِ بِكَ، وَالتَّصدیقِ بِرَسولِكَ، ولَم أعصِكَ فی أبغضِ الأَشیاءِ إلَیكَ، الشِّركِ بِكَ وَالتَّكذیبِ بِرَسولِكَ، فَاغفِر لی ما بَینَهُما، یا أرحَمَ الرّاحِمینَ. (1)
{12}
[113] اللّهُمَّ إنَّكَ الرَّبُّ الرَّؤُوفُ، المَلِكُ العَطوفُ، المُتَحَنِّنُ المَألوفُ، وأَنتَ غِیاثُ الحَیرانِ المَلهوفِ، ومُرشِدُ الضّالِّ المَكفوفِ، تَشهَدُ خَواطِرَ أسرارِ المُسِرّینَ كَمُشاهَدَتِكَ أقوالَ النّاطِقینَ.
أسأَلُكَ بِمُغَیَّباتِ عِلمِكَ فی بَواطِنِ أسرارِ سَرائِرِ المُسِرّینَ إلَیكَ أن تُصَلِّیَ عَلی مُحَمَّدٍ وآلِهِ صَلاةً یَسبِقُ بِها مَنِ اجتَهَدَ مِنَ المُتَقَدِّمینَ، ویَتَجاوَزُ فیها مَن یَجتَهِدُ مِنَ المُتَأَخِّرینَ، وأَن تَصِلَ الَّذی بَینَنا وبَینَكَ صِلَةَ مَن صَنَعتَهُ لِنَفسِكَ، وَاصطَنَعتَهُ لِغَیبِكَ.
فَلَم تَتَخَطَّفهُ خاطِفاتُ الظِّنَنِ، ولا وارِداتُ الفِتَنِ،حَتّی نَكونَ لَكَ فِی الدُّنیا مُطیعینَ، وفِی الآخِرَةِ فی جِوارِكَ خالِدینَ. (2)
ص: 149
{13}
[114] اللَّهُمَّ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ فَلَا تُعَذِّبْنِي بِشَتْمِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ شَتَمتُهُ أَوْ آذَيْتُهُ.(1)
{14}
[115] اللّهُمَّ إنّی أتَقَرَّبُ إلَیكَ بِجودِكَ وكَرَمِكَ، وأَتَقَرَّبُ إلَیكَ بِمُحَمَّدٍ عَبدِكَ ورَسولِكَ، وأَتَقَرَّبُ إلَیكَ بِمَلائِكَتِكَ المُقَرَّبینَ وأَنبِیائِكَ ورُسُلِكَ، أن تُصَلِّیَ عَلی مُحَمَّدٍ عَبدِكَ ورَسولِكَ وعَلی آلِ مُحَمَّدٍ، وأَن تُقیلَنی عَثرَتی وتَستُرَ عَلَیَّ ذُنوبی وتَغفِرَها لی وتَقضِیَ لی حَوائِجی، ولا تُعَذِّبَنی بِقَبیحٍ كانَ مِنّی، فَإِنَّ عَفوَكَ وجودَكَ یَسَعُنی ،إنَّكَ عَلی كُلِّ شَیءٍ قَدیرٌ. (2)
ص: 150
{15}
[116] عن رقبة (1) بن مصقلة قال: لما نزل بالحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الموتُ قال: أخرِجُوا فِراشي الى صحنِ الدارِ، فأخرجوه، فرفع رأسَه الى السماء وقال:
اللّهُمَّ انّی احْتَسِبُ عِنْدَكَ نَفْسی فَانَّها اعَزُّ الانْفُس عَلَیّ لَمْ اصَب بِمِثْلِها.
اللّهُمَّ آنِس صَرْعَتی و آنِس فی الْقَبْرِ وَحدَتی.
ص: 151
دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في دفع كيد الأعداء
{16}
[117] اللّهُمَّ إنّی أدرَأُ(1) بِكَ فی نُحورِهِم(2)، وأَعوذُ بِكَ مِن شُرورِهِم، وأَستَعینُ بِكَ عَلَیهِم، فَاكفِنیهِم بِما شِئتَ،وأَنّی شِئتَ، مِن حَولِكَ وقُوَّتِكَ، یا أرحَمَ الرّاحِمینَ. (3)
دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لطلب النصر واليقين
{17}
[118] اَللَّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُكَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ضَعُفَتْ عَنْهُ حِیلَتِی أَنْ تُعْطِیَنِی مِنْهُ مَا لَنْ تَنْتَهِ إِلَیْهِ رَغْبَتِی وَ لَمْ یَخْطُرْ بِبَالِی وَ لَمْ یَجْرِ عَلَی لِسَانِی وَ أَنْ تُعْطِیَنِی مِنَ اَلْیَقِینِ مَا یَحْجُزُنِی عَنْ أَسْأَلَ أَحَداً مِنَ اَلْعَالَمِینَ إِنَّكَ عَلی كُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ . (4)
ص: 152
{18}
[119] دعاء علّمه النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) عليّاً (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وعلّمه علي ابنه الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في القنوت:
اَلّلهُمَّ اِنِّي اَسْئَلُكَ الْهُدي وَ التُّقي وَ الْعِفافَ وَ الْغِني، وأعوذُ بِكَ مِن غَلَبَةِ الدَّینِ،وغَلَبَةِ العَدُوِّ. (1)
{19}
[120] اللّهم إنّي أسألك يا اللّه يا واحد یا أحد ویا وتر یانور یا صمد، یا من ملأت أركانُه السموات والأرض، أسئلك أن تسخر لي قلب فلان بن فلان كما سخّرت الحيّة لموسى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وأسئلك أن تسخّر لي قلبه كما سخّرت لسليمان جنوده من الجنّ والإنس والطير فهم يوزعون، وأسئلك أن تلبّس لي قلبه كما لیّنت الحديد لداود (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وأسئلك أن تذلّل قلبه كما ذلّلت نور القمر لنور الشمس، يا اللّه هو عبدك ابن أمتك، وأنا عبدك ابن أمتك، أخذت بقدميه وناصيته، فسخّره لي حتّی يقضي حاجتي هذه، وما أريد، إنك على كلّ شيء قدير، وهو على ماهو
ص: 153
فيما هو، لا إله إلّا هو الحى القيوم. (1)
{20}
[121] كان رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يعلّم أصحابه الإستخارة، كما يعلّمهم السورة من القرآن، كان يقول: إذا أراد أحدكم أمراً فليسمّه وليقل:: اللّهمّ إنّي أستخيرك فيه بعلمك، وأستقدرك فيه بقدرتك، واسألك فيه من فضلك، فإنّك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علّام الغيوب، اللّهمّ ما كان خيراً لي في أمري هذا فارزقنيه ويسّره وأعنّتي عليه وحبّبه لي وارضني، وبارك لي فيه، وما كان شرّاً لي فاصرفني عنه، ويسّر لي الخيرَ حيث كان. (2)
{21}
[122] اللّهم إنّي أعوذ بك من قلب يَعرِفُ، ولسان يَصِفُ، وأعمالٍ تخالِفُ. (3)
ص: 154
{22}
[123] اللّهمّ إنّي قد دعوتُ وأنذرتُ، وأمرتُ ونهيتُ، وكانوا عن إجابة الداعي غافلين، وعن نصرته قاعدين، وعن طاعته مقصّرين، ولاعدائه ناصرین.
اللّهمّ فأنزل عليهم رجزك وبأسك وعذابك، الّذي لايردُ عن القوم الظالمين. (1)
{23}
[126] اللّهمّ أوسع عليّ من الدنيا وزهّدني فيها ولاتزوها عنّي وترغبني فيها، اللّهم إنك أخذت بقلبي وناصيتي فلم تملِكني منها شيئاً فكما فعلتَ ذلك بهما فابعدهما الى سواء السبيل. (2)
ص: 155
{24}
[125] اللّهمّ اهدني فيمن هديتَ، وعافني فيمن عافيتَ، وتولّني فيمن تولّيت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شرّ ما قضيت، وأنّك تقضي ولايقضي عليك، إنّه لا يذلّ من واليتَ، تباركت ربّنا وتعاليت. (1)
ص: 156
{25}
[126] كان النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) إذا شرب اللّبن قال: «اللّهمّ بارك لنا فيه وزدنا
منه».(1)
{26}
[127] قال وأهدي إلى النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قطف من العنب في غير أوانه فقال لي: ياسلمان ائتني بولدي الحسن والحسين ليأكلا معي من هذا العنب.
قال سلمان الفارسي: فذهبت أطوف(2) عليهما منزل أمّهما فلم أرهما فأتيت منزل اختهما أمّ كلثوم(3) فلم أرهما، فجئت فخبرت النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بذلك
ص: 157
فاضطرب ووثب قائماً وهو يقول: وا ولداه وا قرة عيناه مَن يرشدني عليهما فله على اللّه الجنّة.
فنزل جبرائيل (عَلَيْهِ السَّلَامُ) من السماء وقال: يا محمّد علام هذا الانزعاج؟
فقال: على ولديّ: الحسن والحسين فاني خائف عليهما من كيد اليهود.
فقال جبرائیل: يامحمّد بل خف عليهما من كيد المنافقين فإن كيدهم أشدّ من كيد اليهود، واعلم يا محمّد ان ابنيك الحسن والحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ) نائمان في حديقة أبي الدِحداح، فسار النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) من وقته وساعته الى الحديقة وأنا معه حتّی دخلنا الحديقة فإذا هما نائمان وقد اعتنق أحدهما الآخر وثعبان في فيه باقة ريحان يروح بها وجههما، فلما رأى الثعبان النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) القى ما كان في فيه وقال: السلام عليك یارسول اللّه، لست أنا ثعباناً ولكن ملك من ملائكة اللّه الكروبيِين غفلت عن ذكر ربي طرفة عين فغضب عليّ ربّي ومسخني ثعباناً كما ترى وطردني من السماء إلى الأرض وإنّي منذ سنين كثيرة اقصد كريماً على اللّه فأسأله ان يشفع لي عند ربي عسى ان يرحمني ويعيدني ملكاً كما كنت اولا أنّه على كلّ شيء قدير.
قال: فجثى النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقبّلهما حتّی استيقظا فجلسا على ركبتي النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فقال لهما النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): انظرا ياولديّ (الى هذا المسكين فقالا ما هذا ياجدنا قد خفنا من قبح منظره؟
ص: 158
فقال: ياولديّ(1) هذا ملك من ملائكة اللّه الكروبيين قد غفل عن ذكر ربّه طرفة عين فجعله اللّه هكذا وأنا استشفع الى اللّه تعالی بكما فاشفعا له، فوثب الحسن والحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ) فاسبغا الوضوء وصلّيا ركعتين وقالا: اللّهم بحق جدنا الجليل الحبيب محمّد المصطفى، وبابينا عليّ المرتضی، وبأُمّنا فاطمة الزهراء إلّا ما رددته الى حالته الأولى.
قال: فما استتّم دعاؤهما فاذا بجبرائيل (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قد نزل من السماء في رهط من الملائكة وبشر ذلك الملك برضا اللّه عنه و برده الى سيرته الاولى ثمّ ارتفعوا به الى السماء وهم يسبحون اللّه تعالی.
ثم رجع جبرائیل (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إلى النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وهو متبسم، فقال: يارسول اللّه أن ذلك الملك يفتخر على ملائكة السبع سموات ويقول لهم: من مثلي وأنا في شفاعة السيدين الحسن والحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ). (2)
اللّه عنه فيقتلهم، فبلغ ذلك الحسن بن علي رضي اللّه عنه فقال: اللّهم تفرد بموته فإن القتل كفارة. (1)
{27}
[129] اللّهُمَّ خُذ لَنا ولِشیعَتِنا مِن زِیادِ بنِ أبیهِ (2)، وأرِنا فیهِ نَكالاً عاجِلاً إنَّكَ عَلی كُلِّ شَیءٍ قَدیرٌ. (3)
{29}
[130] اللَّهُمَّ یَا ذَا السُّلْطَانِ الْعَظِیمِ وَ الْمَنِّ الْقَدِیمِ وَ الْوَجْهِ الْكَرِیمِ ذَا الْكَلِمَاتِ التَّامَّاتِ وَ الدَّعَوَاتِ الْمُسْتَجَابَاتِ عَافِ الْحَسَنَ وَ الْحُسَیْنَ مِنْ أَنْفُسِ
ص: 160
الْجِنِّ وَ أَعْیُنِ الْإِنْسِ.(1)
{30}
[131 ] روي انّ رجلاً من بني أميّة أغلظ للحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كلامه، وتجاوز الحدّ في السبّ والشتم له ولأبيه، فقال الحسنُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): اللّهمّ غيّر ما به من النعمة، واجعله أُنثي ليعتبر به. فنظر الأموي في نفسه، وقد صار إمرأة. (2)
{31}
[132] دخل النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) على فاطمة الزهراء (عَلَيْها السَّلَامُ)، فوجد الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) موعوكاً،
ص: 161
فشق ذلك على النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فنزل جبرئیل (عَلَيْه السَّلَامُ) فقال: يا محمّد إلّا أعلّمك معاذة تدعو بها فينجلي بها عنه ما يجده؟ قال: بلى، قال: قل «اللّهمّ لا إله إلّا أنت العليّ العظیم، ذوالسلطان القديم، والمنّ العظيم، والوجه الكريم لا إله إلّا أنت العليّ العظيم، وليُّ الكلمات التامّات، والدّعوات المستجابات، حلَّ ما أصبح بفلان» فدعا النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ثم وضع يده على جبهته فإذا هو بعون اللّه قد أفاق. (1)
{32}
[133] قالت عائشة في آخر حديث طويل في ليلة النصف وإنّ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال: في هذه الليلة هبط عليّ حبيبي جبرئیل (عَلَيْه السَّلَامُ).
فقال لي: يامحمّد مُر أمتك إذا كان ليلة النصف من شعبان أن يصلّي أحدهم عشر ركعات، في كلّ ركعة يتلو فاتحة الكتاب، وقل هو اللّه أحد عشر مرات، ثمّ يسجد ويقول في سجوده:
اللّهمّ لك سجد سوادي وجناني و بياضي ياعظيم كلّ عظیم، اغفر ذنبي العظيم، وانه لايغفر غيرك ياعظيم، فاذا فعل ذلك محا اللّه عزّ وجلّ له اثنين وسبعين ألف سيّئة، وكتب له من الحسنات مثلها، ومحا اللّه عزّ وجلّ عن والديه سبعين ألف سيئة. (2)
ص: 162
{33}
[136] اللَّهُمَّ مُعْطِيَ الْخَيْرَاتِ وَمُنْزِلَ الْبَرَكَاتِ أَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَاراً وَاسْقِنَا غَيْثاً مِغْزَاراً وَاسِعاً غَدَقاً مُجَلِّلاً سَحّاً سَفُوحاً فِجَاجاً تُنَفِّسُ بِهِ الضَّعْفَ مِنْ عِبَادِكَ وَتُحْيِي بِهِ الْمَيْتَ مِنْ بِلادِكَ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. (1)
ومن دعائه (عَلَيْه السَّلَامُ)
{34}
[135] «اللّهمّ وسّع علىَّ فإنّه لا يسعُني إلّا الكثير».(2)
بِانصِبابٍ وَانسِكابٍ، یا وَهّابُ، اسقِنا مُغدِقَةً(1) مُطبِقَةً مونِقَةً، فَتِّح إغلاقَها، ویَسِّر إطباقَها، وسَهِّل إطلاقَها، وعَجِّل سِیاقَها بِالأَندِیَةِ(2) فی بُطونِ الأَودِیَةِ بِصَوب الماءِ، یا فَعّالُ، اسقِنا مَطَراً قَطرا طَلّاً مُطِلّاً، مُطبِقاً طَبَقاً، عامّاً مِعَمّاً، دَهماً بُهماً رُحماً، رَشّاً مُرِشّاً، واسِعاً كافِیاً، عاجِلاً طَیِّباً مَریئاً مُبارَكاً، سُلاطِحاً(3) بُلاطِحاً(4) یُناطِحُ الأَباطِحَ، مُغدَودِقاً مُطبَوبِقاً مُغرَورِقاً، اِسقِ سَهلَنا وجَبَلَنا، وبَدوَنا وحَضَرَنا، حَتّی تُرَخِّصَ بِهِ أسعارَنا، وتُبارِكَ لَنا فی صاعِنا ومُدِّنا، أرِنَا الرِّزقَ مَوجوداً وَالغَلاءَ مَفقوداً، آمینَ رَبَّ العالَمینَ. (5)
ص: 164
ص: 165
ص: 166
ص: 167
{36}
[137] اللّهُمَّ یا مَن جَعَلَ بَینَ البَحرَینِ حاجِزاً وبَرزَخاً وحِجراً مَحجوراً، یا ذَا القُوَّةِ وَالسُّلطانِ، یا عَلِیَّ المَكانِ، كَیفَ أخافُ وأَنتَ أمَلی، وكَیفَ اضامُ وعَلَیكَ مُتَّكَلی؟
فَغَطِّنی مِن أعدائِكَ بِسِترِكَ، وأَظهِرنی عَلی أعدائی بِأَمرِكَ، وأَیِّدنی بِنَصرِكَ، إلَیكَ اللَّجَأُ، ونَحوَكَ المُلتَجَأُ، فَاجعَل لی مِن أمری فَرَجاً ومَخرَجاً.
یا كافِیَ أهلِ الحَرَمِ مِن أصحابِ الفیلِ، وَالمُرسِلَ عَلَیهِم طَیراً أبابیلَ تَرمیهِم بِحِجارَةٍ مِن سِجّیلٍ، ارمِ مَن عادانی بِالتَّنكیلِ.
اللّهُمَّ إنّی أسأَ لُكَ الشِّفاءَ مِن كُلِّ داءٍ، وَالنَّصرَ عَلَی الأَعداءِ،وَالتَّوفیقَ لِما تُحِبُّ وتَرضی.
یا إلهَ مَن فِی السَّماءِ وَالأَرضِ وما بَینَهُما وما تَحتَ الثَّری، بِكَ أستَشفی وبِكَ أستَعفی، وعَلَیكَ أتَوَكَّلُ فَسَیَكْفِیكَهُمُ اللّهُ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ. (1)
{37}
[138 ] روي أنّ الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيْهما السَّلَامُ) التزم الركن فقال:
إِلَهِی أَنْعَمْتَ عَلَیَّ فَلَمْ تَجِدْنِی شَاكِراً وَ اِبْتَلَیْتَنِی فَلَمْ تَجِدْنِی صَابِراً
ص: 168
فَلاَ أَنْتَ سَلَبْتَ اَلنِّعْمَهَ بِتَرْكِ اَلشُّكْرِ وَ لاَ أَنْتَ أَدَمْتَ اَلشِّدَّهَ بِتَرْكِ اَلصَّبْرِ إِلَهِی مَا یَكُونُ مِنَ اَلْكَرِیمِ إِلاَّ اَلْكَرَمُ.(1)
{38}
[139] روي أنّه كان (عَلَيْه السَّلَامُ) إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه ويقول:
إِلهي ضَيفُكَ ببابِك، یا مُحسِنُ قَد أَتَاكَ المُسِيءُ، فَتَجَاوَز عن قبيحِ ما عندي بِجَميلِ ماعِندَك، یا كریم. (2)
{39}
[140] عن ابن عبّاس (رضي اللّه عنه) قال: كنت عند عليّ بن أبي طالب (عَلَيْه السَّلَامُ) جالساً فدخل عليه رجل متغيّر اللون فقال: يا أمير المؤمنين إنّي
ص: 169
رجل مِسقام كثير الأوجاع، فعلّمني دعاء أستعين به على ذلك.
فقال: أعلّمك دعاء علّمه جبرئيل (عَلَيْه السَّلَامُ) لرسول اللّه في مرض الحسن والحسين (عَلَيْهما السَّلَامُ) وهو هذا الدعاء:
إلهي كلّما أنعمت عليّ نعمة(1) قلّ لك عندها شكري، وكلّما ابتليتني ببليّة قلّ لك عندها صبري، فيامن قلّ شكري عند نعمه، فلم يحرمني، ويا من قلّ صبري عند بلائه فلم يخذلني، ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني، ويا من رآني على الخطايا فلم يعاقبني عليها، صلّ على محمّد وآل محمّد، واغفر لي ذنبي واشفني من مرضي، إنّك على كلّ شيء قدير.
قال ابن عباس: فرأيت الرجل بعد سنة حسن اللون، مشرب الحمرة، قال: وما دعوت اللّه بهذا الدعاء وأنا سقيم إلّا شفيت، ولا مريض إلّا برئت، وما دخلت على سلطان أخافه(2) إلّا ردّه اللّه عزّ وجلّ عنّي. (3)
{40}
[141] عن الباقر (عَلَيْه السَّلَامُ) قال: كنت عند الحسين بن علي (عَلَيْهما السَّلَامُ) إذ أتاه رجل من بني أميّة من شيعتنا، فقال له: يابن رسول اللّه ما قدرت أن أمشي إليك من
ص: 170
وجع رجلي.
قال: فأين أنت من عوذة الحسن بن علی (عَلَيْه السَّلَامُ)؟
قال: يابن رسول اللّه وما ذاك؟
قال: «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّه - إلى قوله -: وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا».(1) (2)
قال: ففعلتُ ما أمرني به فما أحسَستُ بعد ذلك بشيء منها بعون اللّه تعالی.
{41}
[142] حكي عن الحسن بن عليّ رضي اللّه عنهما: أنّ الدعاء يستجاب هنالك في خمسة عشر موضعاً: في الطواف، وعند الملتزم، وتحت الميزاب،
ص: 171
وفي البيت، وعند زمزم، وعلى الصفا والمروة، وفي السعي، وخلف المقام، وفي عرفات، وفي المزدلفة، وفي منى، وعند الجمرات الثلاث، فمحروم مَن لا يجتهد في الدعاء فيها. (1)
{42}
[143] عن الصادق، عن أبيه، عن آبائه (عَلَيْهم السَّلَامُ) و قال: كان النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يعوّذ الحسن والحسين (عَلَيْهما السَّلَامُ) بهذه العوذة، وكان يأمر (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بذلك أصحابه وهو هذا الدعاء:
بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحیم اُعیذُ نَفسی ودینی وأهلی ومالی ووُلدی وخَواتیمَ عَمَلی، وما رَزَقَنی رَبّی وخَوَّلَنی بِعِزَّهِ اللّهِ، وعَظَمَهِ اللّهِ، وجَبَروتِ اللّهِ، وسُلطانِ اللّهِ، ورَحمَهِ اللّهِ، ورَأفَهِ اللّهِ، وغُفرانِ اللّهِ، وقُوَّهِ اللّهِ، وقُدرَهِ اللّهِ، وبِآلاءِ اللّهِ، وبِصُنعِ اللّهِ، وبِأَركانِ اللّهِ، وبِجَمعِ اللّهِ عزّ وجلّ، وبِرَسولِ اللّهِ صلی اللّه علیه و آله، وقُدرَهِ اللّهِ عَلی ما یَشاءُ مِن شَرِّ السّامَّهِ وَالهامَّهِ، ومِن شَرِّ الجِنِّ وَالإِنسِ، ومِن شَرِّ ما دَبَّ فِی الأَرضِ، ومِن شَرِّ ما یَخرُجُ مِنها، ومِن شَرِّ ما یَنزِلُ مِنَ السَّماءِ وما یَعرُجُ فیها، ومِن شَرِّ كُلِّ دابَّهٍ رَبّی آخِذٌ بِناصِیَتِها، إنَّ رَبّی عَلی صِراطٍ مُستَقیمٍ، وهُوَ عَلی كُلِّ شَیءٍ قَدیرٌ، ولا حَولَ ولا قُوَّهَ إلّا بِاللّهِ العَلِیِّ العَظیمِ، وصَلَّی اللّهُ عَلی سَیِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ أجمَعینَ. (2)
ص: 172
{43}
[144] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ إِنَّ خِیَرَتَكَ فِیمَا أَسْتَخِیرُكَ فِیهِ تُنِیلُ الرَّغَائِبَ وَ تُجْزِلُ الْمَوَاهِبَ وَ تُغْنِمُالْمَطَالِبَ وَ تُطَیِّبُ الْمَكَاسِبَ وَ تَهْدِی إِلَی أَجْمَلِ الْمَذَاهِبِ وَ تَسُوقُ إِلَی أَحْمَدِ الْعَوَاقِبِ وَ تَقِی مَخُوفَ النَّوَائِبِ اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْتَخِیرُكَ فِیمَا عَزَمَ رَأْیِی عَلَیْهِ وَ قَادَنِی عَقْلِی إِلَیْهِ سَهِّلِ اللَّهُمَّ مِنْهُ مَا تَوَعَّرَ وَ یَسِّرْ مِنْهُ مَا تَعَسَّرَ وَ اكْفِنِی فِیهِ الْمُهِمَّ وَ ادْفَعْ عَنِّی كُلَّ مُلِمٍّ وَ اجْعَلْ رَبِّ عَوَاقِبَهُ غُنْماً وَ خَوْفَهُ سِلْماً وَ بُعْدَهُ قُرْباً وَ جَدْبَهُ خِصْباً وَ أَرْسِلِ اللَّهُمَّ إِجَابَتِی وَ أَنْجِحْ فِیهِ طَلِبَتِی وَ اقْضِ حَاجَتِی وَ اقْطَعْ عَوَائِقَهَا وَ امْنَعْ بَوَائِقَهَا وَ أَعْطِنِی اللَّهُمَّ لِوَاءَ الظَّفَرِ بِالْخِیَرَةِ فِیمَا اسْتَخَرْتُكَ وَ وُفُورَ الْغَنَمِ فِیمَا دَعَوْتُكَ وَ عَوَائِدَ الْإِفْضَالِ فِیمَا رَجَوْتُكَ وَ اقْرِنْهُ اللَّهُمَّ رَبِّ بِالنَّجَاحِ وَ حُطَّهُ بِالصَّلَاحِ وَ أَرِنِی أَسْبَابَ الْخِیَرَةِ فِیهِ وَاضِحَةً وَ أَعْلَامَ غُنْمِهَا لَائِحَةً وَ اشْدُدْ خُنَاقَ تَعَسُّرِهَا وَ انْعَشْ صَرِیعَ تَیَسُّرِهَا وَ بَیِّنِ اللَّهُمَّ مُلْتَبَسَهَا وَ أَطْلِقْ مُحْتَبَسَهَا وَ مَكِّنْ أُسَّهَا فِیهِ حَتَّی تَكُونَ خِیَرَةً مُقْبِلَةً بِالْغَنَمِ مُزِیلَةً لِلْغُرْمِ عَاجِلَةَ النَّفْعِ بَاقِیَةَ الصُّنْعِ إِنَّكَ وَلِیُّ الْمَزِیدِ مُبْتَدِئٌ بِالْجُودِ. (1)
ص: 173
{44}
[145] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُكَ بِمَكَانِكَ وَ مَعَاقِدِ عِزِّكَ وَ سُكَّانِ سَمَاوَاتِكَ وَ أَنْبِیَائِكَ وَ رُسُلِكَ أَنْ تَسْتَجِیبَ لِی فَقَدْ رَهِقَنِی مِنْ أَمْرِی عُسْرٌ.
اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّیَ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَنْ تَجْعَلَ لِی مِنْ عُسْرِی یُسْراً. (1)
{45}
[146] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِی الْحَجَّ الَّذِی فَرَضْتَهُ عَلَی مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَیْهِ سَبِیلًا وَ اجْعَلْ لِی فِیهِ هَادِیاً وَ إِلَیْهِ دَلِیلًا وَ قَرِّبْ لِی بُعْدَ الْمَسَالِكِ وَ أَعِنِّی فِیهِ عَلَی تَأْدِیَهِ الْمَنَاسِكِ وَ حَرِّمْ بِإِحْرَامِی عَلَی النَّارِ جَسَدِی وَ زِدْ لِلسَّفَرِ فِی زَادِی وَ قُوَّتِی وَ جِلْدِی وَ ارْزُقْنِی رَبِّ الْوُقُوفَ بَیْنَ یَدَیْكَ وَ الْإِفَاضَهَ إِلَیْكَ وَ ظَفِّرْنِی بِالنُّجْحِ وَ احْبُنِی بِوَافِرِ الرِّبْحِ وَ أَصْدِرْنِی رَبِّ مِنْ مَوْقِفِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ إِلَی مُزْدَلِفَهِ الْمَشْعَرِ وَ اجْعَلْهَا زُلْفَهً إِلَی رَحْمَتِكَ وَ طَرِیقاً إِلَی جَنَّتِكَ أَوْقِفْنِی مَوْقِفَ
ص: 174
الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَ مَقَامَ وُفُودِ الْإِحْرَامِ وَ أَهِّلْنِی لِتَأْدِیَهِ الْمَنَاسِكِ وَ نَحْرِ الْهَدْیِ التَّوَامِكِ(1) بِدَمٍ یَثُجُّ وَ أَوْدَاجٍ تَمُجُّ وَ إِرَاقَهِ الدِّمَاءِ الْمَسْفُوحَهِ مِنَ الْهَدَایَا الْمَذْبُوحَهِ وَ فَرْیِ أَوْدَاجِهَا عَلَی مَا أَمَرْتَ وَ التَّنَفُّلِ بِهَا كَمَا رَسَمْتَ وَ أَحْضِرْنِی اللَّهُمَّ صَلَاهَ الْعِیدِ رَاجِیاً لِلْوَعْدِ حَالِقاً شَعْرَ رَأْسِی وَ مُقَصِّراً مُجْتَهِداً فِی طَاعَتِكَ مُشَمِّراً رَامِیاً لِلْجِمَارِ بِسَبْعٍ بَعْدَ سَبْعٍ مِنَ الْأَحْجَارِ وَ أَدْخِلْنِی اللَّهُمَّ عَرْصَهَ بَیْتِكَ وَ عَقْوَتَكَ وَ أَوْلِجْنِی مَحَلَّ أَمْنِكَ وَ كَعْبَتَكَ وَ مَسَاكِینَكَ وَ سُؤَّالَكَ وَ وَفْدَكَ وَ مَحَاوِیجَكَ وَ جُدْ عَلَیَّ اللَّهُمَّ بِوَافِرِ الْأَجْرِ مِنَ الِانْكِفَاءِ وَ النَّفْرِ وَ اخْتِمْ لِی مَنَاسِكَ حَجِّی وَ انْقِضَاءَ عَجِّی بِقَبُولٍ مِنْكَ لِی وَ رَأْفَهٍ مِنْكَ یَا غَفُورُ یَا رَحِیمُ یَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِینَ. (2)
{46}
[147] بِسْمِ اَللّهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِیمِ اَللَّهُمَّ أَرْسِلْ عَلَیَّ سِجَالَ رِزْقِكَ مِدْرَاراً وَ أَمْطِرْ سَحَائِبَ إِفْضَالِكَ عَلَیَّ غِزَاراً وَ أَرمْ غَیْثَ نَیْلِكَ إِلَیَّ سِجَالاً وَ أَسْبِلْ مَزِیدَ نِعَمِكَ عَلَی خَلَّتِی إِسْبَالاً وَ أَفْقِرْنِی بِجُودِكَ إِلَیْكَ وَ أَغْنِنِی عَمَّنْ یَطْلُبُ مَا لَدَیْكَ وَ دَاوِ دَاءَ فَقْرِی بِدَوَاءِ فَضْلِكَ وَ اِنْعَشْ صَرْعَهَ عَیْلَتِی بِطَوْلِكَ واجبر كسر خلّتي بنولكَ وَ تَصَدَّقْ عَلَی إِقْلاَلِی بِكَثْرَهِ عَطَائِكَ وَ عَلَی اِخْتِلاَلِی بِكَرَمِ(3) حِيائِكَ وَ سَهِّلْ رَبِّ سُبُلَ اَلرِّزْقِ إِلَیَّ وَ أَثْبِتْ قَوَاعِدَهُ لَدَیَّ وَأَجْدِبْ أَرْضَ فَقْرِی وَ اِخْصِبْ جَدْبَ ضُرِّی وَ اِصْرِفْ عَنِّی فِی اَلرِّزْقِ اَلْعَوَائِقَ وَ اِقْطَعْ عَنِّی مِنَ
ص: 175
اَلضِّیقِ اَلْعَلاَئِقَ وَ اِرْمِنِی اَللَّهُمَّ مِنْ سَعَهِ اَلرِّزْقِ بِأَخْصَبِ سِهَامِهِ وَ اُحْبُنِی مِنْ رَغَدِ اَلْعَیْشِ بِأَكْثَرِ دَوَامِهِ.
وَ اُكْسُنِی اَللَّهُمَّ أَیْ رَبِّ سَرَابِیلَ اَلسَّعَهِ وَ جَلاَبِیبَ اَلدَّعَهِ فَإِنِّی یَا رَبِّ مُنْتَظِرٌ لِإِنْعَامِكَ بِحَذْفِ اَلضِّیقِ وَ لِتَطَوُّلِكَ بِقَطْعِ اَلتَّعْوِیقِ وَ لِتَفَضُّلِكَ بِبَتْرِ اَلتَّقْصرِ وَ لِوَصْلِ حَبْلِی بِكَرَمِكَ بِالتَّیْسِیرِ وَ أَمْطِرِ اَللَّهُمَّ عَلَیَّ سَمَاءِ رِزْقِكَ بِسِجَالِ اَلدِّیَمِ وَ أَغْنِنِی عَنْ خَلْقِكَ بِعَوَائِدِ اَلنِّعَمِ وَ اِرْمِ مَقَاتِلَ اَلْإِقْتَارِ مِنِّی وَ اِحْمِلْ عَسْفَ اَلضُّرِّ عَنِّی وَ اِضرِبْ اَلضُّرَّ بِسَیْفِ اَلاِسْتِیصَالِ وَ اِمْحَقْهُ رَبِّ مِنْكَ بِسَعَهِ اَلْإِفْضَالِ وَ أَمْدِدْنِی بِنُمُوِّ اَلْأَمْوَالِ وَ اُحْرُسْنِی مِنْ ضِیقِ اَلْإِقْلاَلِ وَ اِقْبِضْ عَنِّی سُوءَ اَلْجَدْبِ وَ اُبْسُطْ لِی بِسَاطَ اَلْخِصْبِ وَ صَحِّبنِی بِالاِسْتِظْهَارِ وَ مَسِّنِی بِالتَّمَكُّينِ(1) مِنَ اَلْیَسَارِ إِنَّكَ ذُو اَلطَّوْلِ اَلْعَظِیمِ وَ اَلْفَضْلِ اَلْعَمِیمِ وَ أَنْتَ اَلْجَوَادُ اَلْكَرِیمُ اَلْمَلِكُ اَلْغَفُورُ اَلرَّحِیمُ اَللَّهُمَّ اِسْقِنِی مِنْ مَاءِ رِزْقِكَ غَدَقاً وَ اِنْهَجْ لِی مِنْ عَمِیمِ بَذْلِكَ طُرُقاً وَ اِفْجَأْنِی(2) بِالثَّرْوَهِ وَ اَلْمَالِ وَ اِنْعَشْنِی فِیهِ بِالاِسْتِقْلاَلِ. (3)
{47}
[148] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ إِنَّ الرَّجَاءَ لِسَعَهِ رَحْمَتِكَ أَنْطَقَنِی بِاسْتِقَالَتِكَ وَ الْأَمَلَ لِأَنَاتِكَ وَ رِفْقِكَ شَجَّعَنِی عَلَی طَلَبِ أَمَانِكَ وَ عَفْوِكَ وَ لِی یَا رَبِّ ذُنُوبٌ قَدْ وَاجَهَتْهَا أَوْجُهُ الِانْتِقَامِ وَ خَطَایَا قَدْ لَاحَظَتْهَا أَعْیُنُ الِاصْطِلَامِ
ص: 176
وَ اسْتَوْجَبْتُ بِهَا عَلَی عَدْلِكَ أَلِیمَ الْعَذَابِ وَ اسْتَحْقَقْتُ بِاجْتِرَاحِهَا مُبِیرَ الْعِقَابِ وَ خِفْتُ تَعْوِیقَهَا لِإِجَابَتِی وَ رَدَّهَا إِیَّایَ عَنْ قَضَاءِ حَاجَتِی وَ إِبْطَالِهَا لِطَلِبَتِی وَ قَطْعِهَا لِأَسْبَابِ رَغْبَتِی مِنْ أَجْلِ مَا قَدْ أَنْقَضَ ظَهْرِی مِنْ ثِقْلِهَا وَ بَهَظَنِی مِنَ الِاسْتِقْلَالِ بِحَمْلِهَا ثُمَّ تَرَاجَعْتُ رَبِّ إِلَی حِلْمِكَ عَنِ الْعَاصِینَ وَ عَفْوِكَ عَنِ الْخَاطِئِینَ وَ رَحْمَتِكَ لِلْمُذْنِبِینَ فَأَقْبَلْتُ بِثِقَتِی مُتَوَكِّلًا عَلَیْكَ طَارِحاً نَفْسِی بَیْنَ یَدَیْكَ شَاكِیاً بَثِّی إِلَیْكَ سَائِلًا رَبِّ مَا لَا أَسْتَوْجِبُهُ مِنْ تَفْرِیجِ الْغَمِّ وَ لَا أَسْتَحِقُّهُ مِنْ تَنْفِیسِ الْهَمِّ مُسْتَقِیلًا رَبِّ لَكَ وَاثِقاً مَوْلَایَ بِكَ.
اللَّهُمَّ فَامْنُنْ عَلَیَّ بِالْفَرَجِ وَ تَطَوَّلْ عَلَیَّ بِسَلَامَهِ الْمَخْرَجِ وَ ادْلُلْنِی بِرَأْفَتِكَ عَلَی سَمْتِ الْمَنْهَجِ وَ أَزِلَّنِی بِقُدْرَتِكَ عَنِ الطَّرِیقِ الْأَعْوَجِ وَ خَلِّصْنِی مِنْ سِجْنِ الْكَرْبِ بِإِقَالَتِكَ وَ أَطْلِقْ أَسْرِی بِرَحْمَتِكَ وَ تَطَوَّلْ عَلَیَّ بِرِضْوَانِكَ وَ جُدْ عَلَیَّ بِإِحْسَانِكَ وَ أَقِلْنِی رَبِّ عَثْرَتِی وَ فَرِّجْ كُرْبَتِی وَ ارْحَمْ عَبْرَتِی وَ لَا تَحْجُبْ دَعْوَتِی وَ اشْدُدْ بِالْإِقَالَهِ أَزْرِی وَ قَوِّ بِهَا ظَهْرِی وَ أَصْلِحْ بِهَا أَمْرِی وَ أَطِلْ بِهَا عُمُرِی وَ ارْحَمْنِی یَوْمَ حَشْرِی وَ وَقْتَ نَشْرِی إِنَّكَ جَوَادٌ كَرِیمٌ غَفُورٌ رَحِیمٌ [وَ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ]. (1)
{48}
[149] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ إِنَّ ظُلْمَ عِبَادِكَ قَدْ تَمَكَّنَ فِی بِلَادِكَ حَتَّی أَمَاتَ الْعَدْلَ وَ قَطَعَ السُّبُلَ وَ مَحَقَ الْحَقَّ وَ أَبْطَلَ الصِّدْقَ وَ أَخْفَی الْبِرَّ وَ أَظْهَرَ الشَّرَّ وَ أَهْمَلَ التَّقْوَی وَ أَزَالَ الْهُدَی وَ أَزَاحَ الْخَیْرَ وَ أَثْبَتَ الضَّیْرَ
ص: 177
وَ أَنْمَی الْفَسَادَ وَ قَوَّی العباد، وَ بَسَطَ الْجَوْرَ وَ عَدَی الطَّوْرَ اللَّهُمَّ یَا رَبِّ لَا یَكْشِفُ ذَلِكَ إِلَّا سُلْطَانُكَ وَ لَا یُجِیرُ مِنْهُ إِلَّا امْتِنَانُكَ اللَّهُمَّ رَبِّ فَابْتُرِ الظُّلْمَ وَ بُتَّ جِبَالَ الْغَشْمِ وَ أَخْمِلْ سُوقَ الْمُنْكَرِ وَ أَعِزَّ مَنْ عَنْهُ زُجِرَ وَ احْصُدْ شَأْفَهَ أَهْلِ الْجَوْرِ وَ أَلْبِسْهُمُ الْحَوْرَ بَعْدَ الْكَوْرِ وَ عَجِّلْ لَهُمُ الْبَتَاتَ وَ أَنْزِلْ عَلَیْهِمُ الْمَثُلَاتِ وَ أَمِتْ حَیَاهَ الْمُنْكَرَاتِ لِیُؤْمَنَ الْمَخُوفُ وَ یَسْكُنَ الْمَلْهُوفُ وَ یَشْبَعَ الْجَائِعُ وَ یَحْفَظَ الضَّائِعُ وَ یُؤْوَی الطَّرِیدُ وَ یَعُودَ الشَّرِیدُ وَ یُغْنَی الْفَقِیرُ وَ یُجَارَ الْمُسْتَجِیرُ وَ یُوَقَّرَ الْكَبِیرُ وَ یُرْحَمَ الصَّغِیرُ وَ یُعَزَّ الْمَظْلُومُ وَ یُذَلَّ الظَّلُومُ وَ تُفَرَّجَ الْغَمَّاءُ وَ تَسْكُنَ الدَّهْمَاءُ وَ یَمُوتَ الِاخْتِلَافُ وَ یَحْیَا الِایتِلَافُ وَ یَعْلُوَ الْعِلْمُ وَ یَشْمَلَ السِّلْمُ وَ تَجْمُلَ النِّیَّاتُ وَ یُجْمَعَ الشَّتَاتُ وَ یَقْوَی الْإِیمَانُ وَ یُتْلَی الْقُرْآنُ إِنَّكَ أَنْتَ الدَّیَّانُ الْمُنْعِمُ الْمَنَّانُ. (1)
{49}
[150] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ إِنِّی أُرِیدُ سَفَراً فَخِرْ لِی فِیهِ وَ أَوْضِحْ لِی فِیهِ سَبِیلَ الرَّأْیِ وَ فَهِّمْنِیهِ وَ افْتَحْ عَزْمِی بِالاسْتِقَامَهِ وَ اشْمَلْنِی فِی سَفَرِی بِالسَّلَامَهِ وَ أَفِدْ لِی بِهِ جَزِیلَ الْحَظِّ وَ الْكَرَامَهِ وَ اكْلَأْنِی فِیهِ بِحَرِیزِ الْحِفْظِ وَ الْحِرَاسَهِ وَ جَنِّبْنِی اللَّهُمَّ وَعْثَاءَ الْأَسْفَارِ وَ سَهِّلْ لِی حُزُونَهَ الْأَوْعَارِ وَ اطْوِ لِیَ الْبَعِیدَ لِطُولِ انْبِسَاطِ الْمَرَاحِلِ وَ قَرِّبْ مِنِّی بُعْدَ نَأْیِ الْمَنَاهِلِ وَ بَاعِدْ فِی الْمَسِیرِ بَیْنَ خُطَی الرَّوَاحِلِ حَتَّی تُقَرِّبَ نِیَاطَ الْبَعِیدِ وَ تُسَهِّلَ وُعُورَهَ الشَّدِیدِ.
وَ لَقِّنِی اللَّهُمَّ فِی سَفَرِی نُجْحَ طَائِرِ الْوَاقِیَهِ وَ هَنِّئْنِی غُنْمَ الْعَافِیَهِ وَ خَفِیرَ الِاسْتِقْلَالِ وَ دَلِیلَ مُجَاوَزَهِ الْأَهْوَالِ وَ بَاعِثْ وُفُودَ الْكِفَایَهِ وَ سَائِحْ خَفِیرَ
ص: 178
الْوَلَایَهِ وَ اجْعَلْهُ اللَّهُمَّ رَبِّ عَظِیمَ السَّلْمِ حَاصِلَ الْغُنْمِ وَ اجْعَلِ اللَّهُمَّ رَبِّ اللَّیْلَ سِتْراً لِی مِنَ الْآفَاتِ وَ النَّهَارَ مَانِعاً مِنَ الْهَلَكَاتِ وَ اقْطَعْ عَنِّی قَطْعَ لُصُوصِهِ بِقُدْرَتِكَ وَ احْرُسْنِی مِنْ وُحُوشِهِ بِقُوَّتِكَ حَتَّی تَكُونَ السَّلَامَهُ فِیهِ صَاحِبَتِی وَ الْعَافِیَهُ مُقَارِنَتِی وَ الْیُمْنُ سَائِقِی وَ الْیُسْرُ مُعَانِقِی وَ الْعُسْرُ مُفَارِقِی وَ النُّجْحُ بَیْنَ مَفَارِقِی وَ الْقَدَرُ مُوَافِقِی وَ الْأَمْرُ مُرَافِقِی إِنَّكَ ذُو الْمَنِّ وَ الطَّوْلِ وَ الْقُوَّهِ وَ الْحَوْلِ وَ أَنْتَ عَلَی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ. (1)
{50}
[151] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ إِنِّی أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُلِمَّاتِ نَوَازِلِ الْبَلَاءِ وَ أَهْوَالِ عَظَائِمِ الضَّرَّاءِ فَأَعِذْنِی رَبِّ مِنْ صَرْعَةِ الْبَأْسَاءِ وَ احْجُبْنِی مِنْ سَطَوَاتِ الْبَلَاءِ وَ نَجِّنِی مِنْ مُفَاجَأَهِ النِّقَمِ وَ احْرُسْنِی مِنْ زَوَالِ النِّعَمِ وَ مِنْ زَلَلِ الْقَدَمِ وَ اجْعَلْنِی اللَّهُمَّ رَبِّ وَ أَرْضُ الْبَلَاءِ فَاخْسِفْهَا وَ عَرْصَهُ الْمِحَنِ فَارْجُفْهَا وَ شَمْسُ النَّوَائِبِ فَاكْسِفْهَا وَ جِبَالُ السَّوْءِ فَانْسِفْهَا وَ كَرْبُ الدَّهْرِ فَاكْشِفْهَا وَ عَوَائِقُ الْأُمُورِ فَاصْرِفْهَا وَ أَوْرِدْنِی حِیَاضَ السَّلَامَةِ وَ احْمِلْنِی عَلَی مَطَایَا الْكَرَامَةِ وَ اصْحَبْنِی بِإِقَالَةِ الْعَثْرَةِ وَ اشْمَلْنِی بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَ جُدْ عَلَیَّ رَبِّ بِآلَائِكَ وَ كَشْفِ بَلَائِكَ وَ دَفْعِ ضَرَّائِكَ وَ ادْفَعْ عَنِّی كَلَاكِلَ عَذَابِكَ وَ اصْرِفْ عَنِّی أَلِیمَ عِقَابِكَ وَ أَعِذْنِی مِنْ بَوَائِقِ الدُّهُورِ وَ أَنْقِذْنِی مِنْ سُوءِ عَوَاقِبِ الْأُمُورِ وَ احْرُسْنِی مِنْ جَمِیعِ الْمَحْذُورِ وَ اصْدَعْ صَفَاهَ الْبَلَاءِ عَنْ أَمْرِی وَ أَشْلِلْ یَدَهُ عَنِّی مُدَّهَ عُمُرِی إِنَّكَ الرَّبُّ الْمَجِیدُ الْمُبْدِئُ الْمُعِیدُ الْفَعَّالُ لِمَا تُرِیدُ. (2)
ص: 179
{51}
[152] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ جَدِیرٌ مَنْ أَمَرْتَهُ بِالدُّعَاءِ أَنْ یَدْعُوَكَ وَ مَنْ وَعَدْتَهُ بِالْإِجَابَهِ أَنْ یَرْجُوَكَ وَ لِیَ اللَّهُمَّ حَاجَهٌ قَدْ عَجَزَتْ عَنْهَا حِیلَتِی وَ كَلَّتْ فِیهَا طَاقَتِی وَ ضَعُفَتْ عَنْ مَرَامِهَا قُدْرَتِی وَ سَوَّلَتْ لِی نَفْسِیَ الْأَمَّارَهُ بِالسُّوءِ وَ عَدُوِّی الْغَرُورُ الَّذِی أَنَا مِنْهُ مُبْتَلًی أَنْ أَرْغَبَ فِیهَا إِلَی ضَعِیفٍ مِثْلِی وَ مَنْ هُوَ فِی النُّكُولِ شَكْلِی حَتَّی تَدَارَكَتْنِی رَحْمَتُكَ وَ بَادَرَتْنِی بِالتَّوْفِیقِ رَأْفَتُكَ وَ رَدَدْتَ عَلَیَّ عَقْلِی بِتَطَوُّلِكَ وَ أَلْهَمْتَنِی رُشْدِی بِتَفَضُّلِكَ وَ أَحْیَیْتَ بِالرَّجَاءِ لَكَ قَلْبِی وَ أَزَلْتَ خُدْعَة عَدُوِّی عَنْ لُبِّی وَ صَحَّحْتَ بِالتَّأْمِیلِ فِكْرِی وَ شَرَحْتَ بِالرَّجَاءِ لِإِسْعَافِكَ صَدْرِی وَ صَوَّرْتَ لِیَ الْفَوْزَ بِبُلُوغِ مَا رَجَوْتُهُ وَ الْوُصُولِ إِلَی مَا أَمَّلْتُهُ فَوَقَفْتُ اللَّهُمَّ رَبِّ بَیْنَ یَدَیْكَ سَائِلًا لَكَ ضَارِعاً إِلَیْكَ وَاثِقاً بِكَ مُتَوَكِّلًا عَلَیْكَ فِی قَضَاءِ حَاجَتِی وَ تَحْقِیقِ أُمْنِیَّتِی وَ تَصْدِیقِ رَغْبَتِی فَأَنْجِحِ اللَّهُمَّ حَاجَتِی بِأَیْمَنِ نَجَاحٍ وَ اهْدِهَا سَبِیلَ الْفَلَاحِ وَ أَعِذْنِی اللَّهُمَّ رَبِّ بِكَرَمِكَ مِنَ الْخَیْبَهِ وَ الْقُنُوطِ وَ الْأَنَاهءةِ وَ التَّثْبِیطِ بِهَنِیءِ إِجَابَتِكَ وَ سَابِغِ مَوْهِبَتِكَ إِنَّكَ مَلِیٌّ وَلِیٌّ وَ عَلَی عِبَادِكَ بِالْمَنَائِحِ الْجَزِیلَهِ وَفِیٌّ وَ أَنْتَ عَلَی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ وَ بِكُلِّ شَیْ ءٍ مُحِیطٌ وَ بِعِبَادِكَ خَبِیرٌ بَصِیرٌ (1)
{52}
[153] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ رَبِّ إِنِّی قَصَدْتُ إِلَیْكَ بِإِخْلَاصِ
ص: 180
تَوْبَهٍ نَصُوحٍ وَ تَثْبِیتِ عَقْدٍ صَحِیحٍ وَ دُعَاءِ قَلْبٍ جَرِیحٍ وَ إِعْلَانِ قَوْلٍ صَرِیحٍ اللَّهُمَّ رَبِّ فَتَقَبَّلْ مِنِّی إِنَابَهَ مُخْلِصِ التَّوْبَهِ وَ إِقْبَالَ سَرِیعِ الْأَوْبَهِ وَ مَصَارِعَ تَجَشُّعِ الْحَوْبَهِ وَ قَابِلْ رَبِّ تَوْبَتِی بِجَزِیلِ الثَّوَابِ وَ كَرِیمِ الْمَآبِ وَ حَطِّ الْعِقَابِ وَ صَرْفِ الْعَذَابِ وَ غُنْمِ الْإِیَابِ وَ سَتْرِ الْحِجَابِ وَ امْحُ اللَّهُمَّ رَبِّ بِالتَّوْبَهِ مَا ثَبَتَ مِنْ ذُنُوبِی وَ اغْسِلْ بِقَبُولِهَا جَمِیعَ عُیُوبِی وَ اجْعَلْهَا جَالِیَهً لِرَیْنِ قَلْبِی شَاحِذَهً لِبَصِیرَهِ لُبِّی غَاسِلَهً لِدَرَنِی مُطَهِّرَهً لِنَجَاسَهِ بَدَنِی مُصَحِّحَهً فِیهَا ضَمِیرِی عَاجِلَهً إِلَی الْوَفَاءِ بِهَا مَصِیرِی وَ اقْبَلْ رَبِّ تَوْبَتِی فَإِنَّهَا بِصِدْقٍ مِنْ إِخْلَاصِ نِیَّتِی وَ مَحْضٍ مِنْ تَصْحِیحِ بَصِیرَتِی وَ احْتِفَالٍ فِی طَوِیَّتِی وَ اجْتِهَادٍ فِی لِقَاءِ سَرِیرَتِی وَ تَثْبِیتِ إِنَابَتِی وَ مُسَارَعَةِ إِلَی أَمْرِكَ بِطَاعَتِی.
وَ اجْلُ اللَّهُمَّ رَبِّ عَنِّی بِالتَّوْبَهِ ظُلْمَهَ الْإِصْرَارِ وَ امْحُ بِهَا مَا قَدَّمْتُهُ مِنَ الْأَوْزَارِ وَ اكْسُنِی بِهَا لِبَاسَ التَّقْوَی وَ جَلَابِیبَ الْهُدَی فَقَدْ خَلَعْتُ رِبْقَ الْمَعَاصِی عَنْ جِلْدِی وَ نَزَعْتُ سِرْبَالَ الذُّنُوبِ عَنْ جَسَدِی مُتَمَسِّكاً رَبِّ بِقُدْرَتِكَ مُسْتَعِیناً عَلَی نَفْسِی بِعِزَّتِكَ مُسْتَوْدِعاً تَوْبَتِی مِنَ النَّكْثِ بِخُفْرَتِكَ مُعْتَصِماً مِنَ الْخِذْلَانِ بِعِصْمَتِكَ مُقِرّاً بِلَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّهَ إِلَّا بِكَ. (1)
{53}
[106] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَی مَرَدِّ نَوَازِلِ الْبَلَاءِ وَ مُلِمَّاتِ الضَّرَّاءِ وَ كَشْفِ نَوَائِبِ اللَّأْوَاءِ وَ تَوَالِی سُبُوغِ النَّعْمَاءِ وَ لَكَ الْحَمْدُ رَبِّ عَلَی هَنِیءِ عَطَائِكَ وَ مَحْمُودِ بَلَائِكَ وَ جَلِیلِ آلَائِكَ وَ لَكَ الْحَمْدُ
ص: 181
عَلَی إِحْسَانِكَ الْكَثِیرِ وَ خَیْرِكَ الْغَزِیرِ وَ تَكْلِیفِكَ الْیَسِیرِ وَ دَفْعِكَ الْعَسِیرِ وَ لَكَ الْحَمْدُ یَا رَبِّ عَلَی تَثْمِیرِكَ قَلِیلَ الشُّكْرِ وَ إِعْطَائِكَ وَافِرَ الْأَجْرِ وَ حَطِّكَ مُثْقِلَ الْوِزْرِ وَ قَبُولِكَ ضِیقَ الْعُذْرِ وَ وَضْعِكَ بَاهِظَ الْإِصْرِ(1) وَ تَسْهِیلِكَ مَوْضِعَ الْوَعْرِ وَ مَنْعِكَ مُفْظِعَ الْأَمْرِ وَ لَكَ الْحَمْدُ عَلَی الْبَلَاءِ الْمَصْرُوفِ وَ وَافِرِ الْمَعْرُوفِ وَ دَفْعِ الْمَخُوفِ وَ إِذْلَالِ الْعَسُوفِ وَ لَكَ الْحَمْدُ عَلَی قِلَّهِ التَّكْلِیفِ وَ كَثْرَهِ التَّخْفِیفِ وَ تَقْوِیَهِ الضَّعِیفِ وَ إِغَاثَهِ اللَّهِیفِ وَ لَكَ الْحَمْدُ عَلَی سَعَهِ إِمْهَالِكَ وَ دَوَامِ إِفْضَالِكَ وَ صَرْفِ مِحَالِكَ وَ حَمِیدِ فِعَالِكَ وَ تَوَالِی نَوَالِكَ وَ لَكَ الْحَمْدُ عَلَی تَأْخِیرِ مُعَاجَلَهِ الْعِقَابِ وَ تَرْكِ مُغَافَصَهِ الْعَذَابِ وَ تَسْهِیلِ طُرُقِ الْمَآبِ وَ إِنْزَالِ غَیْثِ السَّحَابِ إِنَّكَ الْمَنَّانُ الْوَهَّابُ.(2)
{54}
[155] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ بِسْمِ اللَّهِ الْعَظِیمِ الْأَكْبَرِ اللَّهُمَّ سُبْحَانَكَ یَا قَیُّومُ سُبْحَانَ الْحَیِّ الَّذِی لَا یَمُوتُ.
أَسْأَلُكَ كَمَا أَمْسَكْتَ عَنْ دَانِیَالَ أَفْوَاهَ الْأَسَدِ وَ هُوَ فِی الْجُبِّ فَلَا یَسْتَطِیعُونَ إِلَیْهِ سَبِیلًا إِلَّا بِإِذْنِكَ أَسْأَلُكَ أَنْ تُمْسِكَ عَنِّی أَمْرَ هَذَا الرَّجُلِ وَ كُلَّ عَدُوٍّ لِی فِی مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبِهَا مِنَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ خُذْ بِآذَانِهِمْ وَ أَسْمَاعِهِمْ وَ أَبْصَارِهِمْ وَ قُلُوبِهِمْ وَ جَوَارِحِهِمْ.
وَ اكْفِنِی كَیْدَهُمْ بِحَوْلٍ مِنْكَ وَ قُوَّهٍ فَكُنْ لِی جَاراً مِنْهُمْ وَ مِنْ كُلِّ جَبَّارٍ
ص: 182
عَنِیدٍ وَ مِنْ كُلِّ شَیْطَانٍ مَرِیدٍ لَا یُؤْمِنُ بِیَوْمِ الْحِسَابِ.
إِنَّ وَلِیِّیَ اللَّهُ الَّذِی نَزَّلَ الْكِتابَ وَ هُوَ یَتَوَلَّی الصَّالِحِینَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِیَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَیْهِ تَوَكَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ. (1)
{50}
[156] عن الكاظم، عن أبيه، عن جدّه، عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ):
إنّ لكلّ صائم عند فطوره دعوة مستجابة، فإذا كان أوّل لقمة فقل:
بِسمِ اللّه، يا واسعَ المَغفِرَةِ إِغفِر لي. (2)
وفي رواية أخرى:.
بسم اللّه الرحمن الرحيم، يا واسعَ المَغفِرَةِ إِغفِر لي.
فَإِنّه مَن قالها عند إفطاره غفر له.
ص: 183
{56}
[107] عن أبي هاشم قال: ركبتُ دابّة فقلتُ: «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ».(1)
قال: فسمع مني أحد السبطين (عَلَيْهِما السَّلَامُ) وقال: لا بهذا أُمِرتَ، أُمِرتَ أن تذكر نعمةَ ربِّك إذا استويتَ عليه يقول اللّه عزّ وجلّ: «تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ».(2)
فقلت: كيف أقول؟
قال: قل: «الحمدُ للّه الّذي هدانا للإسلام، والحمدُ للّه الّذي منّ علينا بمحمّد وآله، والحمدُ للّه الّذي جعلنا في خير أمّة أخرجت للناس» فإذا أنت قد ذكرتَ نعماً عظيمة ثمّ تقول: «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا»(3).(4)
ص: 184
{57}
[158] سُبْحَانَ مَنْ هُوَ مُطَّلِعٌ عَلَی خَوَازِنِ الْقُلُوبِ، سُبْحَانَ مَنْ هُوَ مُحْصِی عَدَدِ الذُّنُوبِ، سُبْحَانَ مَنْ لَا یَخْفَی عَلَیْهِ خَافِیَهٌ فِی السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ، سُبْحَانَ الْمُطَّلِعِ عَلَی السَّرَائِرِ عَالِمِ الْخَفِیَّاتِ.
سُبْحَانَ مَنْ لا یَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّهٍ فِی الْأَرْضِ وَ لا فِی السَّماءِ سُبْحَانَ مَنِ السَّرَائِرُ عِنْدَهُ عَلَانِیَهٌ وَ الْبَوَاطِنُ عِنْدَهُ ظَوَاهِرُ، سُبْحَانَ اللَّهِ بِحَمْدِهِ. (1)
{58}
[109 رُوي أنّه وُلد للحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مولودٌ، فأتته قريش، فقالوا: يهنئك الفارس.
فقال (عَلَيْهِ السَّلَامُ): وما هذا من الكلام؟ فقولوا:
شكرتَ الواهبَ، وبورِك لك في الموهوب، وبَلَغَ اللّهُ بِهِ أشُدّه، ورَزَقَك بِرَّهُ. (2)
ص: 185
{59}
[160] وعن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنّه قد وفد على معاوية، فلمّا خرج تبّعه بعضُ حُجّابه وقال: إنّي رجلٌ ذو مالٍ ولا يولَد لي، فعلِّمني شيئاً لعلّ اللّهُ يرزقني ولداً. فقال: عليك بالإستغفار. فكان يُكثِرُ الإستغفارَ، حتّی ربِما استغفرَ في اليوم سبعمائة مرّة، فوُلد له عشرُ بنين. فبلغ ذلك معاوية فقال له: هَلّا سألته ممّ ذلك؟ فوفد وفدةً أخرئ فسأله الرجلُ.
فقال: ألم تسمَع قولَ اللّه عزّ إسمُه في قصّة هود: «وَيَزِدكُم قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُم»(1) وفي قصّة نوح: «وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ».(2).(3)
{61}
[192] یَا اللَّهُ یَا أَعَزَّ مَذْكُورٍ وَ أَقْدَمَهُ قِدَماً فِی الْعِزَّهِ وَ الْجَبَرُوتِ یَا رَحِیمَ كُلِّ مُسْتَرْحِمٍ وَ مَفْزَعَ كُلِّ مَلْهُوفٍ یَا رَاحِمَ كُلِّ حَزِینٍ یَشْكُو بَثَّهُ وَ حُزْنَهُ إِلَیْهِ یَا خَیْرَ مَنْ طُلِبَ الْمَعْرُوفُ مِنْهُ وَ أَسْرَعَهُ إِعْطَاءً یَا مَنْ تَخَافُ الْمَلَائِكَهُ الْمُتَوَقِّدَهُ بِالنُّورِ مِنْهُ أَسْأَلُكَ بِالْأَسْمَاءِ الَّتِی تَدْعُو بِهَا حَمَلَهُ عَرْشِكَ وَ مَنْ حَوْلَ عَرْشِكَ یُسَبِّحُونَ بِهَا شَفَقَهً مِنْ خَوْفِ عَذَابِكَ وَ بِالْأَسْمَاءِ الَّتِی یَدْعُوكَ بِهَا جَبْرَئِیلُ وَ مِیكَائِیلُ وَ إِسْرَافِیلُ إِلَّا أَجَبْتَنِی وَ كَشَفْتَ یَا إِلَهِی كُرْبَتِی وَ سَتَرْتَ ذُنُوبِی یَا مَنْ یَأْمُرُ بِالصَّیْحَهِ فِی خَلْقِهِ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ يُحشَرونَ، وَبِذَلِكَ الِاسْمِ الَّذِی أحيَيتَ به الْعِظَامَ وَ هِیَ رَمِیمٌ أحيِ قَلْبِی وَ اشْرَح صَدْرِی وَ اصْلِح شَأْنِی یَا مَنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِالْبَقَاءِ وَ خَلَقَ لِبَرِیَّتِهِ الْمَوْتَ وَ الْحَیَاةَ یَا مَنْ فِعْلُهُ قَوْلٌ وَ قَوْلُهُ أَمْرٌ وَ أَمْرُهُ مَاضٍ عَلَی مَا یَشَاءُ.
أَسْأَلُكَ بِالاسْمِ الَّذِی دَعَاكَ بِهِ خَلِیلُكَ حِینَ أُلْقِیَ فِی النَّارِ فَدَعَاكَ بِهِ فَاسْتَجَبْتَ لَهُ وَ قُلْتَ یا نارُ كُونِی بَرْداً وَ سَلاماً عَلی إِبْراهِیمَ وَ بِالاسْمِ الَّذِی دَعَاكَ بِهِ مُوسَی مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَیْمَنِ فَاسْتَجَبْتَ لَهُ وَ بِالاسْمِ الَّذِی خَلَقْتَ بِهِ عِیسَی مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ وَبِالاسْمِ الَّذِی تُبْتَ عَلَی دَاوُدَ وَبِالاسْمِ الَّذِی وَهَبْتَ لِزَكَرِیَّا یَحْیَی وَبِالاسْمِ الَّذِی كَشَفْتَ بِهِ عَنْ أَیُّوبَ الضُّرَّ وَتُبْتَ بِهِ عَلَی دَاوُدَ سَخَّرْتَ بِهِ لِسُلَیْمَانَ الرِّیحَ تَجْرِی بِأَمْرِهِ وَ الشَّیَاطِینَ وَ عَلَّمْتَهُ مَنْطِقَ الطَّیْرِ وَبِالاسْمِ الَّذِی خَلَقْتَ بِهِ الْعَرْشَ وَبِالاسْمِ الَّذِی خَلَقْتَ بِهِ الْكُرْسِیَّ وَ بِالاسْمِ الَّذِی خَلَقْتَ بِهِ الرُّوحَانِیِّینَ وَ بِالاسْمِ الَّذِی خَلَقْتَ بِهِ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ وَ بِالاسْمِ الَّذِی خَلَقْتَ بِهِ جَمِیعَ الْخَلْقِ وَ بِالاسْمِ الَّذِی خَلَقْتَ بِهِ جَمِیعَ مَا أَرَدْتَ مِنْ
ص: 187
شَیْءٍ وَ بِالاسْمِ الَّذِی قَدَرْتَ بِهِ عَلَی كُلِّ شَیْءٍ أَسْأَلُكَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ إِلَّا مَا أَعْطَیْتَنِی سُؤْلِی وَ قَضَیْتَ حَوَائِجِي يَا كَرِيم.
فَإِنَّهُ یُقَالُ لَكِ یَا فَاطِمَهُ نَعَمْ نَعَمْ. (1)
{62}
[163] عن سليمان قال: سمعت الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيْهِما السَّلَامُ) يحدِّث عن أبيه أنّه قال: سمعتُ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول:
إنّ جبرئيل أتى إليّ بسبع كلمات، وهي الّتي قال اللّه تعالى: «وَإِذِ ابْتَلَى
ص: 188
إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ»(1) وأمرني أن أعلّمكم وهي سبع كلمات من التوراة بالعبريّة ففسّرها لعلي بن أبي طالب: يا اللّه يا رحمن يا ربّ يا ذا الجلال والإكرام يا نور السماوات والأرض یا قریب یا مجيب، فهؤلاء سبع كلمات.
فلمّا قام رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) دخل عبداللّه بن سلام ونحن نتذاكر هذا الحديث، فلمّا سمع عبداللّه كبّر، فدخل رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فرآه يكبّر ويهلّل؛ فقال: ما شأنك یا عبداللّه؟ فقال: يا رسول اللّه والّذي بعثك بالحقّ إنّ هذه الأسماء أنزلها جبرئیل على إبراهيم [وكان] يردّدها ففيهنّ اتّخذه اللّه خليلاً، وما من عبد يجمعهنّ في جوفه إلّا جعله اللّه في جوفه حجاباً لايخلص إليه الشيطان أبداً، ولا يسلّط عليه أبداً حتّی يلقى اللّه على ذلك، فينزله دار الجلال، فمن دعا بهنّ في سبع ليال بقين من رجب عند انفجار الصبح أعطاه اللّه جوائزه وولايته.
فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): يا عبداللّه أتدري كيف فعل إبراهيم لمّا أنزل اللّه عليه هؤلاء الكلمات؟ قال: لمّا نزل جبرئیل سأله إبراهيم كيف يدعو بهنّ؟ قال: صم رجباً حتّی إذا بلغت سبع ليال آخر ليلة قم فصلّ ركعتين بقلب وجل، ثمّ سل اللّه الولاية والمعونة والعافية والرفعة في الدنيا والآخرة والنجاة من النار. (2)
{63}
[164] یا باطِناً فی ظُهُورِه، وَیا ظاهِراً فی بُطُونِه، یا باطِناً لَیْسَ یَخْفی
ص: 189
یا ظاهِراً لَیْسَ یُری، یا مَوْصُوفاً لا یَبْلُغُ بِكَیْنُونَتِه مَوْصُوفٌ وَ لا حَدٌّ مَحْدُودٌ،
یا غائِباً غَیْرَ مَفْقُودٍ، وَ یا شاهِداً غَیْرَ مَشْهُودٍ، یُطْلَبُ فَیُصابُ لَمْ یَخْلُ مِنْهُ السَّماواتُ وَ الاْرْضُ وَ ما بَیْنَهُما طَرْفَهَ عَیْنٍ لا یُدْرَكُ بِكَیْفٍ، وَ لا یُأَیَّنُ بِاَیْنٍ وَ لا بِحَیْثٍ.
اَنْتَ نُورُ النُّورِ، وَرَبُّ الاْرْبابِ اَحَطْتَ بِجَمیعِ الاْمُورِ سُبْحانَ مَنْ لَیْسَ كَمِثْلِه شَیْءٌ، وَ هُوَ السَّمیعُ الْبَصیرُ سُبْحانَ مَنْ هُوَ هكَذا، وَ لا هكَذا غَیْرُهُ. (1)
{64}
[165] شكا رجل إلى الحسن بن علي (عَلَيْه السَّلَامُ) جاراً يؤذيه، فقال له الحسن (عَلَيْه السَّلَامُ):
إذا صلّيت المغرب، فصلّ ركعتين، ثمّ قل:
یا شديدَ المِحالِ یا عَزيزُ، أذلَلتَ بِعِزَّتِكَ جَميعَ ماخَلَقتَ، إكفِني شَرَّ فُلانٍ بِماشِئت.
قال: ففعل الرجل ذلك، فلما كان في جوف الليل، سمع الصراخ وقيل: فلان قد مات الليلة. (2)
ورواه في موضع آخر(3): نقلاً عن الزمخشري في كتاب «ربيع الأبرار»،
ص: 190
هكذا:
شكا رجل إلى الحسن (عَلَيْه السَّلَامُ) مظلمةً، فقال: إذا صلّيت الركعتين بعد المغرب، فاسجد وقل:
یا شديدَ القُوى، یا شَدیدَ المِحالِ ياعَزيزُ، أذلَلتَ بِعِزَّتِكَ جَميعَ مَن خَلَقتَ، صَلِّ عَلَى محمّدٍ وَآلِ مُحمَّدٍ، وَاكفِنِي مَؤُونَةَ فُلانٍ بِمَا شِئتَ. (1)
{65}
[166] یَا عُدَّتِی عِنْدَ كُرْبَتِی یَا غِیَاثِی(2) عِنْدَ شِدَّتِی وَ یَا وَلِیِّی فِی نِعْمَتِی یَا مُنْجِحِی فِی حَاجَتِی یَا مَفْزَعِی فِی وَرْطَتِی یَا مُنْقِذِی مِنْ هَلَكَتِی یَا كَالِئِی فِی وَحْدَتِی.
اغْفِرْ لِی خَطِیئَتِی وَ یَسِّرْ لِی أَمْرِی وَ اجْمَعْ لِی شَمْلِی وَ أَنْجِحْ لِی طَلِبَتِی وَ أَصْلِحْ لِی شَأْنِی وَ اكْفِنِی مَا أَهَمَّنِی وَ اجْعَلْ لِی مِنْ أَمْرِی فَرَجاً وَ مَخْرَجاً وَ لَا تُفَرِّقْ بَیْنِی وَ بَیْنَ الْعَافِیَهِ أَبَداً مَا أَبْقَیْتَنِی وَ فِی الْآخِرَهِ إِذَا تَوَفَّیْتَنِی بِرَحْمَتِكَ یَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِینَ. (3)
ص: 191
{66}
[167] روي أنّه (عَلَيْه السَّلَامُ) إذا أحزنه أمر، خلا في بيت ودعا بهذا الدعاء:
یا كهیعص، یانُورُ یا قُدّوس، یا خَبيرُ يا اللّه يا رحمان - ثلاثاً.
إغفر ليَ الذُنوبَ الّتي تَحِلُّ بِهَا النِّقَمُ، واغفِر ليَ الذُّنوبَ الّتي تُغَيِّرُ النِّعَم، واغفِر ليَ الذُنوبَ الّتي تَهتِكُ العِصَم، واغفِر ليَ الذُنوبَ الَّتي تُنزِلُ البلاءَ، واغفِر ليَ الذُنوبَ التي تُعَجِّلُ الفَناء.
واغفِر ليَ الذُنوبَ الَّتي تُديلُ الأعداء، واغفِر ليَ الذُّنوبَ الَّتي تَقطعُ الرَّجاء، واغفِر ليَ الذُّنوبَ الَّتي تَرُدُّ الدُّعاء، واغفِر ليَ الذُّنوبَ الَّتي تُمسِكُ غَيثَ السَماء، واغفِر ليَ الذُّنوبَ الَّتي تُظلِمُ الهَواء، واغفِر ليَ الذُّنوبَ الَّتي تَكشِفُ الغِطاء.
ثمّ يدعو بما یرید. (1)
{67}
[198]یا مَن إلَیهِ یَفِرُّ الهارِبونَ، وبِهِ یَستَأنِسُ المُستَوحِشونَ، صَلِّ عَلی مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وَاجعَل اُنسی بِكَ، فَقَد ضاقَت عَنّی بِلادُكَ، وَاجعَل تَوَكُّلی عَلَیكَ، فَقَد مالَ عَلَیَّ أعداؤُكَ.
اللّهُمَّ صَلِّ عَلی مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وَاجعَلنی بِكَ أصولُ وبِكَ أجولُ، وعَلَیكَ أتَوَكَّلُ وإلَیكَ اُنیبُ.
اللّهُمَّ وما وَصَفتُكَ مِن صِفَةٍ أو دَعَوتُكَ مِن دُعاءٍ یُوافِقُ ذلِكَ مَحَبَّتَكَ
ص: 192
ورِضوانَكَ ومَرضاتَكَ فَأَحیِنی عَلی ذلِكَ وأَمِتنی عَلَیهِ، وما كَرِهتُ مِن ذلِكَ، فَخُذ بِناصِیَتی إلی ما تُحِبُّ وتَرضی.
بُؤتُ إلَیكَ رَبّی مِن ذُنوبی، وأَستَغفِرُكَ مِن جُرمی، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ، لا إلهَ إلّا هُوَ الحَلیمُ الكَریمُ، وصَلَّی اللّهُ عَلی مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وَاكفِنا مُهِمَّ الدُّنیا وَالآخِرَةِ، فی عافِیَةٍ یا رَبَّ العالَمینَ. (1)
{68}
[169] یَا مَن بِسُلطَانِهِ یَنتَصِرُ المَظلُومُ، وَبِعَونِهِ یَعتَصِمُ المَكلُومُ، سَبَقَت مَشِیَّتُكَ وَتَمَّت كَلِمَتُكَ وَأَنتَ عَلی كُلِّ شَیءٍ قَدِیرٌ وَبِمَا تُمضِیهِ خَبِیرٌ.
یَا حَاضِرَ كُلِّ غَیبٍ وَیَا عَالِمَ كُلِّ سِرٍّ وَمَلجَأَ كُلِّ مُضطَرٍّ ضَلَّت فِیكَ الفُهُومُ وَتَقَطَّعَت دُونَكَ العُلُومُ، َأَنتَ اللّهُ الحَیُّ القَیُّومُ الدَّائِمُ الدَّیمُومُ،.
قَد تَرَی مَا أَنتَ بِهِ عَلِیمٌ وَفِیهِ حَكِیمٌ وَعَنهُ حَلِیمٌ، وَأَنتَ بِالتَّنَاصُرِ عَلی كَشفِهِ وَالعَونِ عَلی كَفِّهِ غَیرُ ضَائِقٍ، وَإِلَیكَ مَرجِعُ كُلِّ أَمرٍ، كَمَا عَن مَشِیئَتِكَ مَصدَرُهُ.
وَقَد أَبَنتَ عَن عُقُودِ كُلِّ قَومٍ، وَأَخفَیتَ سَرَائِرَ آخَرِینَ، وَأَمضَیتَ مَا قَضَیتَ، وَأَخَّرتَ مَا لا فَوتَ عَلَیكَ فِیهِ، وَحَمَلتَ العُقُولَ مَا تَحَمَّلَت فِی غَیبِكَ، لِیَهلِكَ مَن هَلَكَ عَن بَیِّنَهٍ وَیَحیا مَن حَیَّ عَن بَیِّنَهٍ، وَإِنَّكَ أَنتَ السَّمِیعُ العَلِیمُ الأَحَدُ البَصِیرُ.
وَأَنتَ اللّه المُستَعَانُ وَعَلَیكَ التَّوَكُّلُ، وَأَنتَ وَلِیُّ مَا تَوَلَّیتُ لَكَ الأَمرُ كُلُّهُ، تَشهَدُ الانفِعَالَ وَتَعلَمُ الاختِلالَ، وَتَرَی تَخَاذُلَ أَهلِ الخِبَالِ وَجُنُوحَهُم إِلَی
ص: 193
مَا جَنَحُوا إِلَیهِ مِن عَاجِلٍ فَانٍ وَحُطَامٍ عُقبَاهُ حَمِیمٌ آنٍ، وَقُعُودَ مَن قَعَدَ وَارتِدَادَ مَنِ ارتَدَّ، وَخُلُوِّی مِنَ النُّصَّارِ وَانفِرَادِی عَن الظُّهَارِ، وَبِكَ أَعتَصِمُ وَبِحَبلِكَ أَستَمسِكُ وَعَلَیكَ أَتَوَكَّلُ.
اللّهُمَّ فَقَد تَعلَمُ أَنِّی مَا ذَخَرتُ جُهدِی وَلا مَنَعتُ وُجدِی، حَتَّی انفَلَّ حَدِّی وَبَقِیتُ وَحدِی، فَاتَّبَعتُ طَرِیقَ مَن تَقَدَّمَنِی فِی كَفِّ العَادِیَهِ وَتَسكِینِ الطَّاغِیَهِ، عَن دِمَاءِ أَهلِ المُشَایَعَهِ، وَحَرَستُ مَا حَرَسَهُ أَولِیَائِی مِن أَمرِ آخِرَتِی وَدُنیَایَ.
فَكُنتُ لِغَیظِهِم أَكظِمُ وَبِنِظَامِهِم أَنتَظِمُ وَلِطَرِیقِهِم أَتَسَنَّمُ وَبِمِیسَمِهِم أَتَّسِمُ، حَتَّی یَأتِیَ نَصرُكَ وَأَنتَ نَاصِرُ الحَقِّ وَعَونُهُ، وَإِن بَعُدَ المُدَی مِنَ المُرتَادِ وَنَأَی الوَقتُ عَن إِفنَاءِ الأَضدَادِ.
اللّهُمَّ صَلِّ عَلی مُحَمَّدٍ وَآلِهِ واخرُجهُم مَعَ النُّصَّابِ فِی سَرمَدِ العَذَابِ، وَأَعمِ عَنِ الرُّشدِ أَبصَارَهُم، وَسَكِّعهُم فِی غَمَرَاتِ لَذَّاتِهِم، حَتَّی تَأخُذَهُم بَغتَةً وَهُم غَافِلُونَ، وَسُحرَةً وَهُم نَائِمُونَ، بِالحَقِّ الَّذِی تُظهِرُهُ، وَالیَدِ الَّتِی تَبطِشُ بِهَا، وَالعِلمِ الَّذِی تُبدِیهِ، إِنَّكَ كَرِیمٌ عَلِیم.(1)
ص: 194
{69}
[170] حدّثنا يزيد بن محمّد بن سنان، عن أبيه، عن جدّه قال: حدّثني الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال:
بينا أنا ذات ليلة أطوف بالبيت مع أبي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وقد هدأت الأصوات ونامت العيون، إذ سمع هاتفاً يهتف بصوت شجي ويقول:
يا من يجيب دعا المضطرّ في الظلم *** یا كاشف الضرّ والبلوى مع الألم
ص: 195
قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا *** يدعوا وعينك يا قيّوم لم تنم
هب لي بجودك فضل العفو عن جرمي *** يا من إليه أتى الحُجّاج في الحرم
إن كان عفوك لا يرجوه ذو سرف *** فمن يجود على العاصين بالكرم؟!
قال الحسن: فقال: يابني أما تسمع صوت النادب لذنبه المستقيل لربّه الحقه فأتني به.
قال: فلحقته وقلت: أجب ابن عمّ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ).
فقال: سمعاً وطاعة، ثمّ جاء فسلّم عليه فرّد عليه السلام فقال: ما اسمك؟ قال: منازل بن لاحق. قال: من العرب أنت؟ قال: نعم. قال: وما شأنك وقصّتك؟ فبكى وقال: ما قصّة من أسلمته ذنوبه وأوثقته عيوبه.
قال: اشرح حالك.
قال: كنتُ شاباً مقيماً على اللّهو واللعب والطرب، وكان لي والد يعظني كثيراً ويقول: يا بني احذر هفوات الشباب وعثراته، فإنّ للّه سطوات ونقمات ما هي من الظالمين ببعيد، فكان كلّما ألحّ عليّ بالموعظة الححت عليه بالضرب، فألحّ عليّ يوماً فأوجعته ضرباً، فحلف ليأتينّ البيت الحرام فيتعلّق بأستار الكعبة، ويدعو عليّ، فخرج إلى مكّة وتعلّق بأستار الكعبة ودعا عليّ فقال:
يا من إليه أتى الحُجّاج قد قطعوا *** أرض التهامة من قرب ومن بعد
إنّي أتيتك يامن لا يخيب من *** يدعوه مبتهلاً بالواحد الصمد
هذا منازل لايرتد عن عققي *** فخذ بحقّي یا رحمان من ولدي
وشل منه بحول منك جانبه *** یا من تقدس لم يولد ولم يلد
قال: واللّه ما استتمّ كلامه حتّی نزل بي ما ترئ، ثمّ كشف عن شقّه الأيمن فإذا هو يابس.
ص: 196
قال: فلم أزل أترضّاه وأخضع له وأسأله العفو عنّي إلى أن رقّ لي ووعدني أن يأتي المكان الّذي دعا عليّ فيه فيدعو لي هناك.
قال: فحملته على ناقة عشراء وخرجت أقفو أثره حتّی إذا صرنا وادي الأراك طار طائر من شجرة فنفرت الناقة فرمت به بين أحجار فرضخت رأسه فمات فدفنته هناك وأقبلت آیساً وأعظم ما ألقاه أني لا أعرف إلّا بالمأخوذ بعقوق والده.
قال الحسن: فقال له أبشر فقد أتاك الغوث، ثمّ صلّى ركعتين وأمره فكشف عن شقّه فدعا له مرّات يردّد الأدعية ويمسح بيده على شقّه فعاد صحيحاً كما كان، فكاد عقل الرجل أن يذهب!
فقال له أبي: لولا أنّه سبق وعد أبيك بالدعاء لك لما دعوت لك.
ثمّ قال: يابُني احذروا دعاء الوالدين، فإنّ في دعائهما النماء والإنجبار والاستيصال والبوار. (1)
{70}
[171] عن الحسن الزكي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنّه قال:
ص: 197
أكتب على ورقة: «يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ»(1) وعلّقه على المحموم، وإذا أخذته الحُمّى يكتَب في قرطاس هذه الآية ويُشَدّ على عضده: «قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ».(2)
ويُكتب: «بطلط، بطلطلط».
ويقول: «عقدتُ على اسم اللّه حمّى فلان» ويشدّ على ساقه اليسرى. (3)
ص: 198
ص: 199
{1}
[172] عن علي بن الحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ) قال: قال الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عَلَيْهِما السَّلَامُ): سألت خالي هند بن أبي هالة(1) عن حلية رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وكان وصّافاً للنبيّ (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، فقال: كان رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فخماً مفخّماً، يتلألؤ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشدّب، عظیم الهامة(2) رجل الشعر، إن انفرقت عقيقته (3) فرق، وإلّا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه، إذاً هو وفرةٌ، أزهر اللون، واسع الجبين، أزجُ الحواجب(4)، سوابغ في غير قرن، بينهما له(5) عرقٌ يدرّه الغضب، أقنى العرنین، له نورٌ يعلوه، يحسبه من لم يتأمّله أشمّ(6)، كثّ اللحية، سهل الخدّين، ضليع الفم، أشنب مفلّج الأسنان، دقیق المسربة، كأنّ عنقه جيد دمية(7) في صفاء الفضّة، معتدل الخلق، بادناً متماسكاً، سواء البطن والصدر(8)، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور
ص: 200
المتجرّد، موصول مابين اللبة والسرّة بشعر يجري كالخطّ، عاري الثديين والبطن ممّا سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين، وأعالي الصدر، طویل الزندين، رحب الراحة، شثن الكفّين والقدمين، سائل الأطراف، سبط القصب، خمصان الأخمصين، مسیح القدمين، ينبو عنهما الماء، إذا زال زال قلعاً، يخطو تكفّؤاً، ويمشي هوناً، ذريع المشية(1)، إذا مشى كأنّما ينحطّ في صيب، وإذا التفت التفت جميعاً، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جلّ نظره الملاحظة، يبدر(2) من لقيه بالسلام.
قال: قلت: فصف لي منطقه.
فقال: كان (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) مواصل(3) الأحزان، دائم الفكر، ليست له راحةٌ، ولا يتكلّم في غير حاجة (4)، يفتتح الكلام، ويختمه بأشداقه(5)، يتكلّم بجوامع الكلم فصلاً، لافضول فيه ولا تقصير، دمثاً ليس بالجافي ولا بالمهين، تعظم عنده النعمة وإن ذقّت، لا يذمّ منها شيئاً غير أنّه كان لا يذمّ ذواقاً (6) ولا يمدحه ولا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإذا تعوطي الحقّ لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيءٌ حتّی ينتصر له(7) إذا أشار أشار بكفّه كلّها، وإذا تعجّب قلّبها، وإذا تحدّث
ص: 201
اتّصل بها، يضرب(1) براحته اليمن باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غضّ طرفه(2)، جلّ ضحكه التبسّم، يفترّ عن مثل حبّ الغمام. (3)
قال الحسن: فكتمتها(4) الحسين زماناً، ثمّ حدّثته فوجدته قد سبقني إليه، وسأله عمّا سألته عنه، ووجدته(5) قد سأل أباه عن مدخل النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ومخرجه، ومجلسه وشكله، فلم يدع منه شيئاً.
قال الحسين (عَلَيْهِ السَّلَامُ): سألت أبي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عن مدخل رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، فقال: كان دخوله لنفسه مأذوناً له في ذلك، فإذا أوى إلى منزله جزّاً دخوله ثلاثة أجزاء: جزء للّه، وجزء لأهله، وجزء لنفسه، ثمّ جزّأ جزءه بينه وبين الناس، فيردّ ذلك بالخاصّة على العامّة، ولا يدّخر(6) عنهم منه شيئاً، وكان من سيرته في جزء الأمّة إيثار أهل الفضل بإذنه و قسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذوالحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذوالحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم
ص: 202
فيما أصلحهم والأمّة من مسألته عنهم(1)، وإخبارهم بالّذي ينبغي(2)، ويقول: «ليبلّغ الشاهد منكم الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يقدر على إبلاغ حاجته(3)، فإنّه من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يقدر على إبلاغها(4) ثبّت اللّه قدميه يوم القيامة» لا يذكر عنده إلّا ذلك، ولا يقيد(5) من أحد عثرةً يدخلون روّاداً ولا يفترقون إلّا عن ذواق، ويخرجون أدلّةً.
فسألته(6) عن مخرج رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) كيف كان يصنع فيه؟
فقال: كان (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) (7) يخزن لسانه إلّا عمّا يعنيه، ويؤلّفهم ولا ينفرهم(8)، ويكرم كریم كلّ قوم، ويولّيه عليهم، ويحذر الناس(9) ويحترس منهم من غير أن يوي عن أحد بشره ولا خلقه، ويتفقّد أصحابه، ويسأل الناس عمّا في الناس(10)، ويحسّن الحسن ويقوّيه، ويقبّح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر، غير مختلف،
ص: 203
لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا(1)، ولا يقصر عن الحقّ ولا يجوزه، الّذين يلونه من الناس خيارهم أفضلهم عنده أعمّهم نصيحةً للمسلمين، وأعظمهم عنده منزلةً أحسنهم مواساةً وموازرةً.
قال: وسألته(2) عن مجلسه؟
فقال: كان (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) لا يجلس ولا يقوم إلّا على ذكر(3)، ولا يوطن الأمان(4) وينهي عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، ويعطي كلّ جلسائه نصيبه، ولا يحسب أحد من جلسائه أنّ أحداً(5) أكرم عليه منه، من جالسه ضابره(6) حتّی يكون هو المنصرف عنه، من سأله حاجة لم يرجع إلّا بها(7)، أو بميسور من القول، قد وسع الناس منه خلقه، وصار لهم أباً(8)، وصاروا عنده في الحقّ سواء، مجلسه مجلس حلم و حیاء وصدق
ص: 204
وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن(1) في الحرم، ولا تنثى فلتاته، متعادلين(2) متواصلين فيه بالتقوى، متواضعين يوقّرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذاالحاجة، ويحفظون الغريب. (3)
فقلت: فكيف كانت سيرته في جلسائه؟
فقال: كان دائم البشر، سهل الخلق، ليّن الجانب، ليس بفظّ ولا صخّاب ولا فحّاش ولا عيّاب ولا مدّاح، يتغافل عمّا لا يشتهي، فلا يؤيس منه ولا يخيّب فيه مؤمّلیه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذمّ أحداً، ولا يعيره، ولا يطلب عورته ولا عثراته(4)، ولا يتكلّم إلّا فيما رجا(5) ثوابه، إذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما على رؤوسهم الطر، وإذا سكت تكلّموا ولا يتنازعون عنده الحديث، من تكلّم أنصتوا له حتّی يفرغ(6) حديثهم عنده حديث أوليهم(7)، يضحك ممّا يضحكون منه، ويتعجّب ممّا يتعجّبون منه ويصبر للغريب على الجفوة في مسألته و منطقه حتّی أن كان أصحابه ليستجلبونهم، ويقول: إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فارفدوه(8)،
ص: 205
ولا يقبل الثناء إلّا من مكافىء، ولا يقطع على أحد كلامه حتّی يجوز(1) فيقطعه بنهي(2) أو قيام.
قال: فسألته عن سكوت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)؟
فقال: كان سكوته على أربع: على الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكير(3)، فأمّا التقدير ففي تسوية النظر والإستماع بين الناس، وأمّا تفكّره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم في الصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزّ، وجمع له الحذر في أربع(4): أخذه الحسن ليقتدي به، وتركه القبيح لينتهي عنه، واجتهاده الرأي في صلاح(5) أمّته، والقيام فيماجمع(6) لهم خير الدنيا والآخرة. (7)
{2}
[173] قال: سمعتُ جدّي رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول: خُلِقتُ مِن نُورِ اللّهِ عزّ وجلّ، وخَلَقَ أهل بيتي مِن نوري، وخَلَقَ مُحِبّيهم مِن نورِهم، وسائر
ص: 206
الناس في النار. (1)
{3}
[176] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): خُلِقتُ أنا وعليّ من نور واحد. (2)
{4}
[175] روي عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنّه قال:
إنّ اللّه تعالى خلق محمّداً و إثني عشر من أهل بيته من نور عظمته،
ص: 207
هم الأئمّة بعده. (1)
{5}
[179] عن الحسن (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنّه قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فسأله أعلمهم عن أشياء، منها: أنّه قال: يا محمّد! أخبرني عن خسمة أشياء مكتوبات في التوراة أمر اللّه بني إسرائيل أن يقتدوا بموسى فيها من بعده.
قال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): فأنشدتك باللّه إن أنا أخبرتك تقرّ لي؟
قال اليهودي: نعم يا محمّد.
قال: فقال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): أوّل ما في التوراة مكتوب: محمّد رسول اللّه وهي بالعبرانيّة «طاب» ثمّ تلا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) هذه الآية: «يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ»(2) «وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ»(3) وفي السطر الثاني: اسم وصيّي عليّ بن أبي طالب، والثالث والرابع سبطيّ: الحسن والحسين، وفي السطر الخامس: أمّهما فاطمة سيّدة نساء العالمين - صلوات اللّه عليها. وفي التوراة اسم وصيّي «إليا» واسم السبطین «شبر و شبیر» وهما نورا فاطمة (عَلَيْها السَّلَامُ).
قال اليهودي: صدقت یا محمّد. (4)
ص: 208
{6}
[177] قال الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ):
قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): إنّ الأنبياء إنّما فضّلهم اللّه تعالى على خلقه أجمعين لشدّة مُداراتِهِم لأعداء دين اللّه وحُسنِ تَقِيَّتهم لأجل إخوانِهم في اللّه. (1)
{7}
[178] عن الإمام الهمام الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنّه قال:
بعث اللّه محمداً (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) إلى العرب وهم قدريّة يَحمِلونَ ذنوبَهم على اللّه تعالی. (2)
{8}
[179] محمّد وعليّ صلوات اللّه عليهما أبوا هذه الأمّة، فطوبى لمن كان بحقّهما عارفاً، ولهما في كلّ أحواله مطيعاً، يجعله اللّه من أفضل سكّان جنانه ويسعده بكراماته ورضوانه. (3)
ص: 209
{9}
[180] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ): أنّه جاء نفر من اليهود واستأذن أعلمهم من النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أن يسأله عن أشياء، فقال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): سلني عمّ شئت، وجبرئیل عن يمين النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، ومیكائیل عن يساره يلقّنانه.
فقال اليهودي: لأيّ شيء سمّیت محمّدا وأحمد وأبا القاسم وبشيراً ونذيراً وداعياً؟
فقال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): أمّا محمّد فإنّي محمود في الأرض، وأمّا أحمد فإنّي محمود في السماء، وأمّا أبو القاسم فإنّ اللّه عزّ وجلّ يقسّم القامة قسمة النار، فمن كفر بي من الأوّلين والآخرين ففي النار، ويقسّم قسمة الجنّة، فمن آمن بي وأقر بنبوّتي ففي الجنّة، وأمّا الداعي فإنّي أدعو الناس إلى دين ربّي، وأمّا النذير فإنّي أُنذر بالنار من عصاني، وأمّا البشير فإنّي أبشّر بالجنّة من أطاعني.
قال: صدقتَ يا محمّد. (1)
{10}
[181] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) عن جدّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أنّه قال: أكثروا الصلاة عليّ، فإنّ صلاتكم عليّ مغفرةٌ لذنوبكم، واطلبوا لي الدرجة والوسيلة، فإنّ وسيلتي
ص: 210
عند ربّي شفاعةٌ لكم. (1)
{10}
[182] قال الطبراني: حدّثنا أحمد بن رشدين المصري، ثنا سعید بن أبي مريم(2) ثنا محمّد بن جعفر (3) عن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب، عن أبيه: أنّ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال: حيثُ ما كنتم فصلّوا عليّ، فإنّ صلاتكم تبلُغُني. (4)
{12}
[183] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): مَن قال: صلّى اللّه على محمّد وآله قال اللّهُ جلّ جلاله: صلّى اللّه عليك، فليكثر من ذلك. (5)
ص: 211
{13}
[186] قال الطبراني: حدّثنا العباس(1) بن حمدان الأصبهاني حدّثنا شعیب(2) بن عبدالحميد الطحان، حدّثنا يزيد(3) بن هارون أنا شيبان(4) عن الحكم بن عبداللّه بن خُطّاف، عن أم أنيس بنت الحسن بن علي (رضي اللّه عنهما) عن أبيها قال:
قالوا: يا رسول اللّه أرأيت قول اللّه عزوجل: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ»(5) قال: إنّ هذا لَمِن المكتوم، ولولا أنِكم سألتُموني عنه ما أخبرتُكم، إنّ اللّه عزّ وجلّ وكّل بي ملكَين، لا أذكر عندَ عبدٍ مُسلم، فيُصلّي عليّ إلّا قال ذاناك الملَكانِ: غفر اللّه لك، وقال اللّه وملائكتُه جواباً لذينك الملكين آمين، ولا يصلّي علىّ أحدٌ إلّا قال ذاناك الملكان: غفر اللّه لك وقال اللّه وملائكتُه جواباً لذينك الملكين آمين. (6)
ص: 212
{14}
[185] فرض اللّه عزّ وجلّ الصلاة على نبيّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) على كافّة المؤمنین.
فقالوا: كيف الصلاة عليك؟
فقال: قولوا: «اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد» فحقّ على كلّ مسلم أن يصلّي علينا مع الصلاة على النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فريضة واجبة. (1)
{15}
[189] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): من قال: «صلّى اللّه على محمّد» ولم يصلّ على آله لميجد ريح الجنّة، وريحها من مسيرة خمسمائة عام. (2)
{16}
[187] كان رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) إذا سأله أحدٌ حاجةً لم يردّه إلّا بها أو بميسور من القول. (3)
ص: 213
{17}
[188] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) في حديث طويل: إنّ النبيّ (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال في جواب نفر من اليهود سألوه عن مسائل:
«وأمّا شفاعتي ففي أصحاب الكبائر ما خلا أهل الشرك والظلم».(1)
{18}
[189] روى الصادق جعفر بن محمّد: عن آبائه (عَلَيْهِم السَّلَامُ) أنّهم قالوا: بينا الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) ذات يوم في حجر رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) إذ رفع رأسه فقال:
يا أبت ما لمن زارك بعد موتك؟
فقال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): يابنيّ من أتاني زائراً بعد موتي فله الجنّة، ومن أتى أباك زائراً بعد موته فله الجنّة، ومن أتى أخاك زائراً بعد موته فله الجنّة، ومن أتاك زائراً بعد موتك فله الجنّة. (2)
{19}
[190] قال الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ): يا رسول اللّه ما لمن زارنا؟
ص: 214
قال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): مَن زارني حيّاً أو ميّتاً، أو زار أباك حيّاً أو ميّتاً، أو زار أخاك حيّاً أو ميّتاً، أو زارك حيّاً أو ميّتاً كان حقّاً عليّ أن أستنقذه يوم القيامة. (1)
{20}
[191] قال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لرسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): يا أبت ما جزاءُ مَن زارك؟
قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): بُنيَّ مَن زارني حيّاً أو ميّتاً، أو زار أباك كان حقّاً على اللّه عزّ وجلّ أن أزورَه يومَ القيامةِ فأخلّصه من ذنوبه. (2)
{21}
[192] قال الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) لرسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): يا أبتاه ماجزاء من زارك؟
ص: 215
فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): يابنيّ مَن زارني حيّاً أو ميّتاً، أو زار أباك أو أخاك أو زارك كان حقّاً عليّ أن أزوره يوم القيامة، فأخلّصه من ذنوبه. (1)
{22}
[193] عن جابر بن عبداللّه وعبداللّه بن عباس في قول اللّه عزّ وجلّ: «إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ*وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا *فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً»(2) قال: لمّا نزلت قال محمّد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): «يا جبريلُ نَفسي قد نُعِيَت». قال جبريل (عَلَيْهِ السَّلَامُ): الآخرة خير لك من الأولى، ولسوف يُعطيك ربّك فترضى.
فأمر رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بلالاً أن ينادي بالصلاة جامعة، فاجتمع المهاجرون والأنصار إلى مسجد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، ثمّ صعد المنبر فحمد اللّه عزّ وجلّ وأثنى عليه، ثمّ خطب خطبة وجلت منها القلوب وبكت العيون ثمّ قال:
أيّها الناس! أيّ نبي كنت لكم؟
فقالوا: جزاك اللّه مِن نبيّ خيراً، فلقد كنت بنا كالأب الرحیم وكالأخ الناصح المشفق، أدّيت رسالات اللّه عزّ وجلّ، وأبلغتنا وحيه ودعوتَ إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة، فجزاك اللّه عنّا أفضل ماجازئ نبيّاً عن أمّته.
ص: 216
فقال لهم: معاشر المسلمين أنا أُنشدكم باللّه وبحقّي عليكم مَن كانت له قِبَلي مظلمةٌ فليقم فليقتصّ منّي! فلم يقم إليه أحد، فناشدهم الثانية، فلم يقم إليه أحد، فناشدهم الثالثة: معاشر المسلمين أُنشدكم باللّه وبحقّي عليكم مَن كانت له قِبَلي مظلمةٌ فليقم فليقتصّ منّي قَبلَ القِصاص في القيامة.
فقام من بين المسلمين شيخ كبير يقال له عكاشة، فتخطّى المسلمين حتّی وقف بين يدي رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، فقال: فداك أبي وأمّي لولا أنّك ناشدتنا مرّة بعد أخرى ما كنت بالّذي قدم على شيء من هذا، كنت معك في غزاة فلمّا فتح اللّه عزّ وجلّ علينا ونصر نبيّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، وكنّا في الإنصراف حاذت ناقتي ناقتك، فنزلتُ عن الناقة ودنوتُ منك لأقبل فخذك، فرفعت القضيب فضربت خاصرتي، ولا أدري أكان عمداً منك أم أردت ضرب الناقة؟!
فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): أعيذُك بجلالِ اللّه أن يتعمّدك رسولُ اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بالضرب، یا بِلالُ انطلق إلى مَنزِل فاطمة وائتِني بالقَضيب المَمشُوق.
فخرج بلال من المسجد ويده على أمّ رأسه وهو ينادي: هذا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يعطي القصاص من نفسه، فقرع الباب على فاطمة، فقال: يا بنت رسول اللّه ناوليني القضيب الممشوق.
فقالت فاطمة: يا بلال! ومايصنع أبي بالقضيب وليس هذا يوم حجّ ولا غزاة؟
فقال: يا فاطمة! ما أغفلكِ عمّا فيه أبوكِ، إن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يودع الدين ويفارق الدنيا ويعطي القِصاص من نفسه.
فقالت فاطمة (رضي اللّه عنها): يا بلال ومَن ذا الّذي تطيب نفسه أن يقتصّ من رسول اللّه؟! یا بلال إذن فقل للحسن والحسين يقومان إلى هذا الرجل،
ص: 217
فيقتصّ منهما ولا يدعانه يقتصّ من رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، فدخل بلال المسجد ودفع القضيب إلى رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، ودفع رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) القضيب إلى عكاشة، فقام عليّ بن أبي طالب فقال: يا عكاشة أنا في الحياة بين يدي رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، ولا تطيب نفسي أن يُضرب رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، فهذا ظهري وبطني اقتصّ منّي بيدك واجلدني مائة ولا تقتصّ من رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، فقال النبي: يا علي أقعد فقد عرف اللّه عزّ وجلّ مقامك ونيّتك.
وقام الحسن والحسين (رضي اللّه عنهما) فقالا: يا عكاشة أليس تعلم أنّا سبطا رسول اللّه؟ فالقصاص منّا كالقصاص من رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، فقال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) لهما: أقعدا يا قرّة عيني لانسيَ اللّه لكما هذا المقام.
ثم قال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): يا عكاشة اضرب إن كنت ضارباً.
فقال: يا رسول اللّه ضربتني وأنا حاسر عن بطني، فكشف عن بطنه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)، وصاح المسلمون بالبكاء، وقالوا: أترى عكاشة ضارب رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)؟!
فلمّا رأى عكاشة إلى بياض بطن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) كأنّه القباطي، لم يملك أن كبّ عليه وقبّل بطنه وهو يقول: فداء لك أبي وأمّي ومن تطيق نفسه أن يقتصّ منك؟
فقال له النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): إمّا أن تضرب وإمّا أن تعفو.
فقال: قد عفوت عنك رجاء أن يعفو اللّه عنّي في القيامة.
فقال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): من أراد أن ينظر إلى رفيقي في الجنّة فلينظر إلى هذا الشيخ.
فقام المسلمون فجعلوا يقبّلون ما بين عيني عكاشة، ويقولون: طوباك
ص: 218
طوباك نلت الدرجات العُلى ومرافقة رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ). (1)
{23}
[194] قال الصدوق (قدّس سرّه) في «المجالس» في ضمن حديث:
أُغمي على رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) فدخل بلال وهو يقول: الصلاة رحمك اللّه، فخرج رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وصلّى بالناس وخفّف الصلاة، ثمّ قال: ادعوا إلىّ علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد، فجاء فوضع (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يده على عاتق علي والأخرى على أسامة، ثمّ قال: انطلقا بي إلى فاطمة فجاءا به حتّی وضع رأسه في حجرها، فإذا الحسن والحسين (عَلَيْهِما السَّلَامُ) يبكيان ويصطرخان وهما يقولان:
أنفسنا لنفسك الفداء ووجوهنا لوجهك الوقاء.
فقال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): من هذان يا علي؟
قال: هذان ابناك الحسن والحسين، فعانقهما وقبّلهما، وكان الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أشدّ بكاء، فقال له: كفّ یا حسن فقد شققت على رسول اللّه. (2)
ص: 219
ص: 220
ص: 221
{1}
[195] جاء نفر من اليهود إلى رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) وسأل أعلمهم أشياء منها:
أنّه قال: يا محمّد أخبرني عن فضلكم أهل البيت.
قال النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): لي فضل على النبيّين، فما من نبيّ إلّا دعا على قومه بدعوة وأنا أخّرت دعوتي لأمّتي لأشفع لهم يوم القيامة، وأمّا فضل أهل بيتي وذرّيتي على غيرهم كفضل الماء على كلّ شيء، وبه حياة كلّ شيء، وحبّ أهل بيتي وذرّيتي استكمال الدين؛ وتلا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بهذه الآية: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا» (1) إلى آخر الآية.
قال اليهودي: صدقتَ يا محمّد. (2)
{2}
[196] قال: واللّه لا يحبّنا عبدٌ أبداً ولو كان أسيراً بالديلم إلّا نفعه اللّه بحبّنا، وإنّ حبّنا لیساقط الذنوبَ من إبنِ آدم كما یُساقط الريحُ الورقَ من الشجر. (3)
ص: 222
[197] نحن الأوّلون، ونحن الآخرون، ونحن الآمرون، ونحن النور ننوّر الروحانيّين بنورِ اللّه، ونروّحهم بروحه، فينا مسكنه، وإلينا معدنه، الآخِرُ منّا كالأوّل، والأوّل منّا كالآخر. (1)
{4}
[198] قال (عليه السلام) بعد كلام ذكر فيه حكمة الفرائض:
ولولا محمّد (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) والأوصياء من ولده (عَلَيْهِم السَّلَامُ) كنتم حیاری كالبهائم لا تعرفون فرضاً من الفرائض، وهل يدخل قرية إلّا من بابها؟
فلمّا منّ عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيّكم (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قال: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا» (2) . (3)
ص: 223
{5}
[199] عنه (عليه السلام) أنّه قال: سمعتُ رسول اللّه (صلّى اللّه علیه (وآله) وسلّم) يقول:
«أوّلُ مَن يَرِدُ عَلَىَّ الحوضَ أهلُ بيتي، ومَن أحبّني مِن أمّتي. (1)
{6}
[200] روى أبو الفرج في ترجمة الإمام الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): عن سفيان بن الليل أنّه أتى الإمام بعد موادعته وجلس إليه وسأله عن الموادعة... إلى أن قال:
ثمّ أذّن المؤذّن فقمنا على حالب يحلب ناقة فتناول إناء فشرب قائماً ثمّ سقاني فخرجنا نمشي إلى المسجد فقال لي: ما جاءنا بك يا سفيان؟
قلت: حبّكم والّذي بعث محمّداً بالهدى ودين الحقّ.
قال: فأبشر يا سفیان! فإنّي سمعت عليّاً يقول: سمعت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يقول: يرد علىَّ الحوض أهل بيتي ومن أحبَّهم من أمّتي كهاتين - يعني السبّابتين أو كهاتين يعني السبّابة والوسطى - إحداهما تفضل على الأخرى. (2)
ص: 224
{7}
[201] علىّ بن هاشم، بإسناده، عن الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، أنّه قال:
من أحبّنا أهل البيت للّه جلّ ذكره لا لغيره نفعه اللّه سبحانه بحبّنا، إنّ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قال لعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات اللّه عليهم: أنا سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم. (1)
{8}
[202] ألزموا مودّتنا أهل البيت، فإنّه مَن لقي اللّه وهو يودّنا أهل البيت دخل الجنّة بشفاعتنا، والّذي نفسي بيده لا ينتفع عبد بعلمه إلّا بمعرفة حقّنا. (2)
{9}
[203] من أحبّنا بقلبه، ونَصَرنا بيده ولسانه فهو معنا في الغرفة الّتي نحن
ص: 225
فيها، ومَن أحبّنا بقلبه ونصرنا بلسانه فهو دون ذلك بدرجةٍ، ومَن أحبّنا بقلبه وكفّ بيده ولسانه فهو في الجنّة. (1)
{10}
[204] من أحبّنا نفعه اللّه تعالى بحبّنا، ومن أحبّنا لغير اللّه فإن اللّه يقضي في الأمور مايشاء. (2)
{11}
[205] أما إنّ حبّنا أهل البيت يساقط الذنوب كما تساقط الريح الورق عن الشجر.
رواه في «وسيلة المآل» (ص 61) قال:
وقال الحافظ جمال الدين الزرندي قال أبو سعيد الخدري (رضي اللّه عنه) سمعت الحسن بن علي (رضي اللّه عنهما) يقوله. (3)
ص: 226
{12}
[20] يرد عليّ أهلُ بيتي ومن أحبّهم من أمّتي هكذا. وقرن بین السبّابتين - ليس بينهما فصلٌ. (1)
{13}
[207] أبو نعيم بإسناده عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ)، أنّه قال:
مَن أحبّنا للّه جئنا نحن وهو يوم القيامة كهاتين - وجمع بين إصبعيه المسبحة والوسطى من يده - ولو شئت لقلت: كهاتين - وجمع بين المسبحتين من يديه جميعاً-.
من أحبّنا للدنيا، فإذا جاءت الدنيا إتّسعت للبرّ والفاجر. (2)
ص: 227
{14}
[208] فرض علیكم لأوليائه حقوقاً وأمركم بأدائها إليهم ليحلّ لكم ماوراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومآكلكم ومشاربكم، ويعرفكم بذلك البركة والنماء والثروة ليعلم من يطيعه منكم بالغيب، ثمّ قال عزّ وجلّ: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى».(1)
فاعلموا أنّ من يبخل فإنّما يبخل عن نفسه إن اللّه هو الغنيّ وأنتم الفقراء(2) إليه، فاعملوا: من بعد ما شئتم فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون وستردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون(3) والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلّا على الظالمين. (4)
{15}
[209] قال الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ):
عليك بالإحسان إلى قرابات أبوي دينك: محمّد وعلي، وإن أضَعتَ قراباتِ أبوي نسبك، فإنّ شكرَ هؤلاء إلى أبَوَي دينِك: محمّد وعليّ أثمَرُ لك مِن شكرِ هؤلاء إلى أبوي نَسَبِك، إنّ قرابات أبَوَي دينك إذا شكروك
ص: 228
عندهما بأقلِّ قليل نَظَرِهما لك يحطّ عنك ذنوبك ملأ ما بين الثرى إلى العرش، وإنّ قرابات أبَوَي نَسَبِك إن شَكرُوك عندهما وقد ضَيَّعتَ قراباتِ أبَوَي دينك لم يُغنِيا عنك فتيلاً. (1)
{16}
[210] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنّه قال:
مایعلم المخزون المكنون المجزوم المكتوم الّذي لم يطّلع عليه ملك مقرّب، ولانبيّ مرسل، غیر محمّد وذرّيته. (2)
{17}
[211] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): احفظوني في العبّاس فإنّه بقيّة آبائي. (3)
ص: 229
{18}
[212] قال الطبراني: حدّثنا مطلب(1) بن شعيب الأزدي ثنا عبد اللّه بن صالح(2) حدّثني الليث(3) حدّثني إسحاق(4) بن بزرج، عن الحسن بن علي (رضي اللّه عنه) قال: أمرنا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) أن نلبس أجود مانجد، وأن نتطيّب بأجود ما نجد، وأن نضحّي بأسمن مانجد، البقرة عن سبعة، والجزور عن عشرة، وأن نُظهر التكبير وعلينا السكينة والوقار. (5)
{19}
[213] روي عن الإمام المجتبى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنّه قال:
مَن دمعت عيناه فينا دمعةً أو قطرت عيناه فينا قطرة أعطاه اللّه عزّ وجلّ الجنّة. (6)
ص: 230
{20}
[214] واللّه البلاء، والفقر والقتل أسرعُ إلى مَن أحبّنا من ركض البرازين، ومن السيل إلى ضميره وهو منتهاه. (1)
[217] عن الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) أنّه قال لمعاوية بن خديج:
یا معاوية! إيّاك وبُغضَنا أهلَ البيت فإنّ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال: لا يُبغضنا أحد ولا يَحسُدنا أحد إلّا ذِيدَ يوم القيامة عن الحوض بسیاطٍ مِن نار. (1)
{25}
[219] عن الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيْهِما السَّلَامُ) قال:
سمعتُ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول: أنا سيّد النبيّين، وعليّ بن أبي طالب سیّد الوصيّين، والحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، والأئمّة بعدهما سادة المتّقين، وليّنا وليّ اللّه، وعدوّنا عدوّ اللّه، وطاعتنا طاعة اللّه، ومعصيتنا معصية اللّه عزّ وجلّ. (1)
{26}
[220] عن الأصبغ قال: سمعت الحسنَ بن عليّ يقول:
الأئمّة بعد رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) إثناعشر، تسعةٌ من صُلبِ أخي الحسينِ، ومنهم مهديُّ هذه الأمّة. (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَی فَرَجَهُ الشَّرِيف) (2)
ص: 233
{27}
[221] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): الأئمّةُ بعدي عدد نقباء بني إسرائيل وحواري عيسى، مَن أحبّهم فهو مؤمنٌ ومَن أبغضهم فهو كافرٌ منافق، هم حُجَجُ اللّهِ على خلقِه وأعلامُه في بريّته. (1)
{28}
[222] عن علي بن الحسین زین العابدین، قال: قال الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ): الأئمّة عدد نقباء بني إسرائيل، ومنّا مهديّ هذه الأمّة. (2)
ص: 234
{29}
[223] عن أبان بن عياش، قال: حدّثني سليمان القصري قال: سألت الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) عن الأئمّة؟
قال: عدد شهور الحول. (1)
[226] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): إذا توالَت أربعة من الأسماء من الأئمّة من ولدي محمّد وعليّ والحسن فرابعهم هو القائم المأمول المنتظر (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَی فَرَجَهُ الشَّرِيف). (2)
ص: 235
{31}
[225] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): يا عليّ إذا تمّ من عدد ولدك أحد عشر إماماً فالحادي عشر منهم المهدي من أهل بيتي. (1)
{32}
[229] واللّه لقد عهد إلينا رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أنّ هذا الأمر يملكه اثناعشر إماماً من ولد علي وفاطمة، ما منّا إلّا مسموم أو مقتول. (2)
{33}
[227] لقد حدّثني حبيبي جدّي رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): أنّ الأمر يملكه إثناعشر
ص: 236
إماماً من أهل بيته وصفوته ما منّا إلّا مقتول أو مسموم. (1)
{34}
[228] سألتُ جدّي رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) عن الأئمّة بعده فقال: الأئمّة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل إثناعشر، أعطاهم اللّه علمي وفهمي، وأنت منهم یا حسن.
قلت: فمتى يخرج یا رسول اللّه قائمنا أهل البيت؟
قال: يا حسن! إنّما مثله كمثل الساعة، ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلّا بغتةً. (2)
ص: 237
{35}
[229] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): إنّ هذا الأمر يملكه بعدي اثناعشر إماماً، تسعةٌ من ولد الحسين (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) علي أعطاهم اللّه علمي و فهمي، ما لقوم يؤذونني فيهم، لا أنالهم اللّه شفاعتي. (1)
{36}
[230] سمعتُ رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) يقول لعلي (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أنتَ وارِثُ علمي، أنتَ مَعدِنُ حِكَمي، والإمامُ بعدي، فإذا استُشهِدتَ فابنك الحسنُ، فإذا استُشهِدَ الحسنُ فابنك الحسينُ، فإذا استُشهِدَ الحسينُ فابنُه عليّ يتلوه، وتسعةٌ من صُلبِ الحسين أئمّةٌ أطهار.
فقلتُ: يا رسولَ اللّه فما أسماؤهم؟
قال (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): عليّ، ومحمّد، وجعفر، وموسى، وعليّ، ومحمّد، وعليّ، والحسن، والمهديُّ مِن صلب الحسين، يملأ الأرضَ قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت
ص: 238
ظلماً و جوراً. (1)
{37}
[231] عن الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنّ جدّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) خطب يوماً وحمد اللّه وأثنى عليه... فلمّا نزل عن منبره قلت: يا رسولَ اللّه أما أنت الحجّة على الخلق كلّهم؟
قال: يا حسن إنّ اللّه يقول: «إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(2) فأنا المنذر وعليّ الهادي.
قلت: يا رسول اللّه فقولك: إنّ الأرض لا تخلو من حجّة؟
قال: نعم عليّ هو الإمام والحجّة بعدي، وأنت الحجّة والإمام بعده، والحسين هو الإمام والحجّة بعدك، ولقد نبّأني اللطيف الخبير أنّه يخرج من صلب الحسین ولد يقال له عليّ، سمي جدّه علي، فإذا مضى الحسين قام بالأمر بعده عليّ ابنه، وهو الحجّة والإمام، ويخرج اللّه من صلب علىّ ولداً سميّي، وأشبه الناس بي علمه علمي، وحكمه حكمي، وهو الإمام والحجّة بعد أبيه ويخرج اللّه من صلبه مولوداً يقال له جعفر، أصدق الناس قولاً وفعلاً، وهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب جعفر مولوداً، سمّي موسی بن عمران أشدّ الناس تعبّداً فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه
ص: 239
تعالى من صلب موسى ولداً يقال له علي معدن علم اللّه، وموضع حكمه، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب علي مولوداً يقال له محمد، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب محمّد مولوداً يقال له علي فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب علي مولوداً يقال له الحسن، فهو الإمام بعد أبيه، ويخرج اللّه من صلب الحسن الحجّة القائم، إمام زمانه، و منقذ أوليائه، يغيب حتّی لا يرى، يرجع عن أمره قوم، ويثبت عليه آخرون، ويقولون متى هذا الوعدُ إن كنتم صادقين، ولو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل اللّه عزّ وجلّ ذلك اليوم حتّی يخرج قائمنا فيملأها قسطاً وعدلاً، كما مُلئت جوراً وظلماً، فلا تخل الأرض منكم، أعطاكم اللّه علمي وفهمي، ولقد دعوت اللّه تبارك وتعالى أن يجعل العلم والفقه في عقبي وعقب عقبي، ومن زرعي وزرع زرعي. (1)
{38}
[232] بيَّنَ الإمام الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بعض علائم ظهور الإمام الغائب (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَی فَرَجَهُ الشَّرِيف).
فقالت عميرة بنت نفيل الراوية للخبر: فقلت له: ما في ذلك الزمان من خیر؟
ص: 240
فقال الحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): الخير كلّه في ذلك الزمان، يقوم قائمنا ويدفع ذلك كله. (1)
{39}
[233] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): لا يزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين حتّی ينزل عیسی بن مریم (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، فيقولون: تقدّم فصلّ بنا، فيقول: يتقدّم إمامُكم، فإنّ اللّه تعالى جعل بعضَكم لبعض أئمةً لكرامة هذه الأمّة. (2)
[23] عنه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) قال:
لو قام المهدي (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَی فَرَجَهُ الشَّرِيف) لأنكره الناس لأنّه يرجع إليهم شابّاً، وهم يحسبونه شیخاً كبيراً. (3)
ص: 241
{41}
[235] عن عميرة بنت نفيل: سمعت الحسن بن علي (عَلَيْهِما السَّلَامُ) يقول:
لا يكون الأمر الّذي ينتظر حتّی يبرأ بعضكم من بعض، ويتفل بعضكم في وجوه بعض، ويشهد بعضكم على بعض بالكفر، ويلعن بعضكم بعضاً. (1)
{42}
[236] العبادة انتظار الفرج. (2)
{43}
[237] رواه زید الجهني أنّه قال: وكذلك حتّی يبعث اللّه رجلاً في آخر من الزمان، وكلَب من الدهر، وجهل من الناس، يؤيّده اللّه بملائكته، ويعصم
ص: 242
أنصاره، وينصر بآياته، ويظهره على الأرض حتّی يدينوا طوعاً وكرهاً، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ونوراً وبرهاناً، كما ملئت ظلماً وجوراً، يدين له عرض البلاد وطولها، لا يبقى كافر إلّا آمن، ولا طالح إلّا صلح، ويصطلح في ملكه السباع، ويُخرج الأرض نبتها، وينزل من السماء(1) بركتها، ويظهر له الكنوز يملك مابين الخافقين أربعين عاماً، فطوبى لمن أدرك أيّامه، وسمع كلامه. (2)
{44}
[238] ونودي بالصلاة فقال:
هل لك يا سفيان(3) في المسجد؟
قال: قلت: نعم.
قال: فخرجنا نمشي فمررنا على حالب له يحلب ناقةً فتناول [منه قدحاً] فشرب قائماً ثمّ سقاني ثمّ أتينا المسجد فصلّينا [ثمّ] قال: ما جاء بك يا سفيان؟
قال: قلت: حبّكم والّذي بعث محمّداً بالهدى ودين الحقّ.
قال (عَلَيْهِ السَّلَامُ) - بعد كلام في فضل محبّي أهل البيت عليهم صلوات اللّه -: أبشر یا سفيان فإنّ الدنيا ستسع على البرّ والفاجر حتّی يبعث اللّه إمام الحقّ من آل محمد. (4)
ص: 243
{45}
[239] إن رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) ذكر بلاء يلقاه أهل بيته حتّی يبعث اللّه رايةً من المشرق سوداء، مَن نصرها نصره اللّه، ومَن خذلها خذله اللّه، حتّی يأتوا رجلاً إسمه كاسمي، فيولّونه أمرهم، فيؤيّده اللّه وينصره. (1)
ص: 246
ص: 247
{1}
[261] روي عن الحسن بن علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ):
أنّ أبابكر منع فاطمة وبني هاشم سهمَ ذي القربى، وجعلها في سبيل اللّه في السلاح والكراع. (1)
{2}
[262] عن الحسين بن عليّ، عن أخيه الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قال:
رأيتُ أمّي فاطمة قامت في محرابها ليلة جُمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتّی اتّضح عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات و تسمّيهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء.
فقلت لها: يا أمّاه! لِمَ لا تدعين لنفسكِ كما تدعين لغيركِ؟
فقالت: يا بنيّ! الجار ثمّ الدار. (2)
ص: 248
[263] قال رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ): عليّ سيّد العرب، فما ترك أن قيل له: فأنت؟
قال: أنا سيّد ولد آدم.
قال: وقال: فاطمة سيّدة نساء العالمين، فما ترك أن قيل له: فمریم؟ قال: تلك سيّدة نساء عالَمِها، وهذه سيّدة نساء عالَمِها.
وقال: الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة.
فما ترك أن قيل له: فإبنا هارون؟
قال: ذانك سيّدا شباب أهل عالمهما، وهذان سيّدا شباب أهل عالمهما. (1)
{4}
[266] كان الحسن (رضي اللّه عنه) لا يأكل مع أمّه فاطمة (رضي اللّه عنها)، فسألته عن ذلك؟ فقال:
أخاف أن آكل شيئاً سبق إليه نظرك فأكون عاقّاً لك. فقالت: كلّ وأنت في حلّ. (2)
ص: 249
{5}
[265] إنّ فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) لمّا احتضرت نظرت نظراً حادّاً، ثمّ قالت: السلامُ على جبرئيل، السلام على رسول اللّه، اللّهمّ مع رسولك، اللّهمّ في رضوانك و جوارك ودارك دار السلام.
ثمّ قالت: أترون ما أري؟ فقيل لها: ما ترى؟
قالت: هذه مواكب أهل السماوات، وهذا جبرئيل، وهذا رسول اللّه، ويقول: يا بنيّة إقدِيمي فما أمامكِ خير لكِ. (1)
{6}
[266] دخل الحسنان (عَلَيْهما السَّلَامُ) باكیان، فأقبلت إليهما أسماء وأجلستهما وأحضرَت لهما طعاماً، فقالا:
يا أسماء! هل رأيتِنا نأكل من غير أُمّنا! يا أسماء مضينا إلى البقيع، ودعونا لأُمّنا، ثمّ انصرفنا إلى قبر جدّنا رسول اللّه فسمعناه يقول: يا ولداي إنصرفا إلى أمّكما، فإنّها تفارق الدنيا، ثمّ قاما ودخلا الحجرة.
وفي البحار: فوقع الحسن (عَلَيْه السَّلَامُ) عليها يقبّلها مرّة ويقول:
يا أمّاه كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني. (2)
ص: 250
{7}
[267] لمّا توفّيت شقّت أسماء جيبها وخرجت، فتلقّاها الحسن والحسين فقالا: أين أُمّنا؟ فسكتت، فدخلا البيت فإذا هي ممتدّة، فحرّكها الحسين فإذا هي ميّتة. فقال:
یا أخاه آجرك اللّه في الوالدة، وخرجا يناديان: يا محمّداه! يا أحمداه! اليوم جدّد لنا موتك إذ ماتت أُمّنا.
ثم أخبرا عليّاً وهو في المسجد فغشي عليه حتّی رشّ عليه الماء، ثمّ أفاق فحملهما حتّی أدخلهما بيت فاطمة وعند رأسها أسماء تبكي وتقول: وايتامی محمّد! كنا نتعزّى بفاطمة بعد موت جدّكما فبِمَن نتعزّى بعدها؟ فكشف عليّ عن وجهها فإذا برقعة عن رأسها فنظر فيها فإذا فيها:
بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أوصت وهي تشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ الجنّة حقّ، والنّار حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللّهَ يبعثُ مَن في القبو. يا عليّ أنا فاطمة بنت محمّد زوَّجني اللّه منك لأكون لك في الدنيا والآخرة أنت أولى بي من غيري حنّطني وغسّلني وكفّنّي بالليل وصلّ عليّ وادفنّي بالليل، ولا تُعلِم أحداً وأستودعك اللّه واقرأ على ولدي السلام إلى يوم القيامة.
فلمّا جنّ الليل غسّلها عليّ ووضعها على السرير، وقال للحسن (عَلَيْهِ السَّلَامُ): ادع لي أباذر، فدعاه فحملاه إلى المصلّى، فصلّى عليها ثمّ صلّى ركعتين، ورفع يديه إلى السماء فنادى: هذه بنت نبيّك فاطمة أخرجتها من الظلمات إلى النور، فأضاءت الأرض میلاً في میل، فلمّا أرادوا أن يدفنوها نودوا من بقعة من البقيع إلىَّ إليَّ، فقد رفع تربتها منّي، فنظروا فإذا هي بقبر محفور، فحملوا السرير إليها
ص: 251
فدفنوها فجلس عليّ على شفير القبر فقال: يا أرض! استودعتك وديعتي، هذه بنت رسول اللّه ! فنودي منها: يا علي! أنا أرفق بها منك، فارجع ولا تهتمّ فرجع وانسدّ القبر واستوى الأرض فلم يعلم أين كان إلى يوم القيامة.(1)
{8}
[248] وروى ابن بابویه مرفوعاً إلى الحسن بن علي (عَلَيْهما السَّلَامُ): أنّ عليّاً غسّل فاطمة (عَلَيْها السَّلَامُ).(2)
{9}
[249] لمّا غسّل أمير المؤمنين (عَلَيْه السَّلَامُ) فاطمة (سلام اللّه عليها) وكفّنها نادی: یا أمّ كلثوم! یا زینب!... یاحسن! یا حسین! هلمّوا تزودّوا من أمّكم فهذا الفراق، واللقاء في الجنّة.
فأقبل الحسن والحسين (عَلَيْهما السَّلَامُ) هما ينادیان: واحسرتا! لا تنطفىء أبداً من فقد جدّنا محمّد المصطفى، وأمُّنا فاطمة الزهراء، يا أُمّ الحسن ويا أُمّ الحسين إذا لقيتِ جدّنا محمّداً المصطفى فاقرئيه منّا السلام وقولي له: إنّا قد بقينا بعدك يتيمَين في دار الدنيا. (3)
ص: 252
ص: 253
{1}
[250] روي عن الحسن بن علي(عَلَيهِ السَّلَامُ) ، عن أبيه، عن النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال :
في اللوح المحفوظ تحت العرش: عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنین.(1)
{2}
[251] روي عن الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أبيه، أنه قال :
قال لي عمر بن الخطاب ذاتَ يوم : أنت واللّه أمير المؤمنین حقاً.
قلت : عندك أو عند اللّه؟
قال : عندي وعند اللّه تبارك وتعالى.(2)
{3}
[252] يقول اللّه تبارك وتعالى ولاية علي بن أبي طالب حصني، فمن
ص: 254
دخل حصني أمِنَ مِنْ ناري. (1)
{4}
[253] حدّثني أبي علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :
أنت خير البشر، ولا يشكّ فيه إلّا كافر.(2)
ص: 255
{5}
[254] كان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إذا نزل عليه الوحيُ نهاراً لم يُمْسِ حتّى يُخبر به عليّاً، وإذا نزل عليه ليلاً لم يصبحْ حتّى يخبر به عليّاً.(1)
{8}
[257] إنّ في الفردوس لعيناً أحلى من الشهد، وألين من الزبد، وأبرد من الثلج، وأطيب من المسك، فيها طينةٌ خلقنا اللّه عزّو جلّ منها وخلق منها شیعتنا، فمن لم يكن من تلك الطينة فليس منّا ولا من شيعتنا، وهي الميثاق الّذي أخذ اللّه عزّوجلّ عليه ولاية عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ).
قال عبيد: فذكرت لمحمّد بن الحسين(1) هذا الحديث فقال : صدقك یحیی بن عبداللّه، هكذا أخبرني أبي، عن جدّي ، عن أبيه، عن النبي(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
قال عبيد : قلت : أشتهي أن تفسّره لنا إن كان عندك تفسير.
قال: نعم، أخبرني أبي، عن جدّي ، عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال : إنّ للّه ملكاً رأسه تحت العرش، وقدماه في تخوم الأرض السابعة السفلى، بين عينيه راحة أحدكم، فإذا أراد اللّه عزّ وجلّ أن يخلق خلقاً على ولاية عليّ بن أبي طالب أمر ذلك الملك فأخذ من تلك الطينة فرمى بها في النطفة حتّى تصير إلى الرحم منها يخلق وهي الميثاق.(2)
ص: 257
{9}
[258] الحسن بن عليّ، عن أُمّه فاطمة، عن أبيها صلوات اللّه عليهم قال :
أخبرني جبرئيل ، عن كاتبَي عليّ أنّهما لم يكتبا على عليّ ذنباً مذ صحباه.(1)
{10}
[259] ما قُدِّمَتْ راية قوتل تحتها أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلّا نكّسها اللّه تبارك وتعالى وغُلِب أصحابُها وانقلبوا صاغرين، وما ضَرَبَ أميرُ المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بسيفه ذي الفقار أحداً فنجى، وكان إذا قاتل جبریل عن يمينه ومیكائیل عن يساره، وملك الموت بين يديه.(2)
ص: 258
{11}
[260] صوّر اللّه عزّ وجلّ عليَّ بن أبي طالب في ظَهْر أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) على صورة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فكان علي بن أبي طالب أشبه الناس برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وكان الحسين بن عليّ أشبه الناس بفاطمة، وكنتُ أنا أشبهَ الناس بخديجة الكبرى.(1)
{12}
[261] سُئِل الحسن (رضي اللّه عنه) عن صفة أبيه؟ قال :
كان رجلاً أسمر، ثقيل العينين ، عظيمهما، ذا بطن، أصلع، ربعة إلى القصر ، لايخضب، وكان إذا ورد عليه مالٌ لم يُبقِ منه شيئاً.(2)
{13}
[262] روى أحمد بن فضل الحضرمي المكّي الشافعي المتوفّى(1047) في «وسيلة المال» عن الحسن بن علي (رضي اللّه عنهما) وقد سُئِل عن علي بن
ص: 259
أبي طالب كرّم اللّه وجهه قال :
كان واللّه سهماً صائباً في مرامي اللّه على عدوّه، وربّانيَ هذه الأُمّة، وذا فضلها، وذاسابقتها، وذا قرابتها من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، لم يكن بالنوم عن أمر اللّه، ولا بالملومة في دين اللّه، ولا بالسَروقة لمال اللّه عزّ وجلّ، أعطى القرآن عزائمه، ففاز منه برياض مونقة ، ذاك علي بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه.(1)
{14}
[263] طاف الحسن بن علي (عَلَيهِا السَّلَامُ) بالبيت فسمع رجلاً يقول : هذا ابن فاطمة الزهراء، فالتفت إليه فقال :
قل عليّ بن أبي طالب فأبي خير من أُمّي.(2)
یریم، عن الحسن بن علي قال :
كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لا يبعث عليّاً مبعثاً إلّا أعطاه الراية.(1)
{16}
[265] لمّا آخى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بين الصحابة آخى بين أبي بكر وعمر وبين طلحة والزبير وبين حمزة بن عبدالمطلب وبين زید بن حارثة وبين عبداللّه بن مسعود وبين المقداد بن عمرو (رضي اللّه عنهم أجمعين).
فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : آخيت بين أصحابك و أخّرتني؟
قال : ما أخّرتك إلّا لنفسي.(2)
{17}
[266] حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا إبراهيم بن إسحاق الصيني، ثنا قيس بن الربيع، عن ليث، عن أبي ليلى، عن الحسن بن علي (رضي اللّه عنه)
ص: 261
قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا أنس انطلق فادعُ لي سيّد العرب يعني عليّاً.
فقالت عائشة : ألستَ سيّد العرب؟
قال : أنا سيّد وُلد آدم، وعليّ سيّد العرب. فلمّا جاء عليّ (رضي اللّه عنه) أرسل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى الأنصار، فأتوه فقال لهم: يا معشر الأنصار ألا أدلّكم على ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعده؟
قالوا: بلى يا رسول اللّه.
قال : هذا عليّ فأحبّوه بحُبّي وكرّموه لكرامتي، فإنّ جبريل (عَلَيهِ السَّلَامُ) أمرني بالّذي قلتُ لكم عن اللّه عزّ وجل.(1)
| {18}
[267] كان الحسنُ والحسينُ في حياة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يدعوانه : یا أبه ، ويقول الحسن لأبيه: يا أبا الحسين، والحسين يقول : يا أبا الحسن، فلمّا توفّي
ص: 262
رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يدعوانه : يا أبانا.(1)
{19}
[268 ] روي عن الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أّنه قال : سمعت عمّار بن یاسر يقول: وقف لعلي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) سائل وهو راكع في صلاة تطوّع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتی رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأعلمه بذلك، فنزل على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) هذه الآية : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذين آمَنُوا الّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(2) فقرأها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) علينا، ثمّ قال : من كنتُ مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال مَن والاه وعادِ مَن عاداه.(3)
{20}
[269] أبان، عن سليم بن قیس الهلالي أنّه قال : قلت لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
ص: 263
يا أمير المؤمنين إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذرّ شيئاً من تفسير القرآن، ومن الرواية عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، ثمّ سمعت منك تصديق ماسمعتُ منهم، ورأيتُ في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) تخالف الّذي سمعت منكم وأنتم تزعمون أنّ ذلك باطل، أفترى الناس يكذبون على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) متعمدين ويفسّرون القرآن بر أيهم؟
قال : فأقبل عليّ فقال لي: يا سليم قد سألتَ فافهم الجواب، إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وخاصّاً وعاماً، ومحكماً و متشابهاً، وحفظاً ووهماً، وقد كذب على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على عهده حتّى قام فيهم خطيباً فقال : أيّها الناس! قد كثرت عليّ الكذابة ، فمن كذب عليّ متعمّداً فلیتبوّأ مقعده من النار. ثمّ كُذِب عليه من بعده حين توفّي رحمة اللّه على نبيّ الرحمة وصلّى اللّه عليه وآله وإنّما يأتيك بالحديث أربعة نفر لیس لهم خامس:
رجل منافق مظهر للإيمان، متصنّع بالإسلام، لا يتأثمّ ولا يتحرّج أن يكذب على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) متعمّداً، فلو علم المسلمون أنّه منافق كذّاب لم يقبلوا منه ، ولم يصدّقوه، ولكنّهم قالوا: هذا صاحب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، رآه وسمع منه ، وهو لا يكذب ولا يستحلّ الكذب على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
وقد أخبر اللّه تعالى عن المنافقين بما أخبر ، ووصفهم بما وصفهم، فقال اللّه عزّوجلّ : «وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ».(1)
ثمّ بقوا بعده وتقرّبوا إلى أئمّة الضلال والدعاة إلى النار بالزور والكذب
ص: 264
والنفاق والبهتان، فولّوهم الأعمال، وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم من الدنيا، وإنّما الناس مع الملوك في الدنيا إلّا من عصم اللّه، فهذا أوّل الأربعة.
ورجل سمع من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) شيئاً فلم يحفظه على وجهه، ووهم فيه ولم يتعمّد كذباً، وهو في يده يرويه ويعمل به ويقول : أنا سمعته من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
فلو علم المسلمون أنّه وهم لم يقبلوه ولو علم هو أنّه وهم فيه لرفضه.
ورجل ثالث سمع من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) شيئاً أمر به ثمّ نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه نهى عن شيء ثمّ أمر به وهو لا يعلم حفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، فلو علم أنّه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون أنّه منسوخ إذ سمعوه لرفضوه.
ورجل رابع لم يكذب على اللّه ولا على رسوله بغضاً للكذب وتخوّفاً من اللّه، وتعظيماً لرسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، ولم يوهم، بل حفظ ماسمع على وجهه فجاء به كماسمعه، ولم يزد فيه ولم ينقص، وحفظ الناسخ والمنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ.
وإنّ أمر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ونهيه مثل القرآن، ناسخ و منسوخ، وعامّ و خاصّ، و محكم و متشابه.
وقد يكون من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الكلام له وجهان :
كلام خاصّ وكلام عامّ، مثل القرآن، يسمعه من لا يعرف ما عني اللّه به وما عنى به رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وليس كلّ أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان يسأله فيفهم، وكان منهم من يسأله ولا يستفهم حتّى أن كانوا ليحبّون أن يجيء الطاريء والأعرابي فيسأل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حتّى يسمعوا منه.
وكنتُ أدخل على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كلّ يوم دخلة، وفي كلّ ليلة دخلة،
ص: 265
فيخليني فيها أدور معه حيث دار ، وقد علم أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنه لم يكن يصنع ذلك بأحد من الناس غيري. وربما كان ذلك في منزلي يأتيني رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فإذا دخلت عليه في بعض منازله خلا بي، وأقام نساءه، فلم يبق غيري وغيره، وإذا أتاني للخلوة في بيتي لم تقم من عندنا فاطمة ولا أحد من ابنيّ.
وكنت إذا سألته أجابني وإذا سكتُّ أو فقدت مسائلي ابتدأني، فما نزلت عليه آية من القرآن إلّا أقرأنيها وأملاها عليّ فكتبتها بخطّي، ودعا اللّه أن يُفْهمَني إيّاها ويحفظني.
فما نسيت آية من كتاب اللّه منذ حفظتها، وعلمني تأويلها فحفظته وأملأ عليّ فكتبته، وما ترك شيئاً علّمه اللّه من حلال و حرام، أو أمر ونهي، أو طاعة ومعصية، كان أو يكون إلى يوم القيامة إلّا وقد علّمنيه وحفظته، ولم أنسَ منه حرفاً واحداً.
ثمّ وضع يده على صدري ودعا اللّه أن يملأ قلبي علماً وفهماً وفقهاً وحكماً ونوراً، وأن يعلّمني فلا أجهل وأن يحفظني فلا أنسى.
فقلت له ذات يوم: يا نبيّ اللّه إنّك منذ يوم دعوتَ اللّه لي بما دعوت لم أنس شيئاً مما علّمتني، فلِمَ تمليه عليّ وتأمرني بكتابته أتتخوّف عليّ النسيان؟
فقال : يا أخي لستُ أتخوّف عليك النسيان ولا الجهل، وقد أخبرني اللّه أنّه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الّذين يكونون من بعدك.
قلت : يانبيّ اللّه ومَن شركائي؟
قال : الّذين قرنهم اللّه بنفسه وبي الّذين قال في حقّهم: «یا أيّها الّذين آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (1)
ص: 266
فإن خفتم التنازع في شيء فارجعوه إلى اللّه وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم.
قلت : يانبيّ اللّه ومَن هم؟
قال : الأوصياء إلى أن يردوا علىّ حوضي، كلهم هاد مهتد، لا يضرّهم كید مّن كادهم، ولا خذلان مّن خذلهم، هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه، ولا يفارقهم، بهم ينصر اللّه أُمّتي، وبهم يُمطرون، ويدفع عنهم بمستجاب دعوتهم.
فقلت : يا رسول اللّه سَمّهم لي.
فقال : ابني هذا ووضع يده على رأس الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، ثمّ ابني هذا ووضع يده على رأس الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، ثمّ ابن له على سميّك، ثمّ ابنه اسمه محمّد، باقر علمي، وخازن وحي اللّه، وسيولد عليّ في حياتك يا عليّ فاقرأه منّي السلام، ثمّ أقبل على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : سيولد لك محمّد بن علي في حياتك فاقرأه منّي السلام، ثمّ جعفر، ثمّ موسی بن جعفر، ثمّ علي بن موسى، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ علي بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ الزكي، ثمّ مَن إسمه إسمي، ولونه لوني القائم بأمر اللّه في آخر الزمان مهديّ الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَتْ قبله ظلماً وجوراً.
واللّه إنّي لأعرفه یا سلیم حيث يبايع بين الركن والمقام وأعرف أسم أنصاره وأعرف قبائلهم.
قال سليم : ثمّ لقيت الحسن والحسين صلوات اللّه عليهما بالمدينة بعد ما قُتِل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحدّثتُهما بهذا الحديث عن أبيهما فقالا :
صَدَقْتَ، حدّثك أبونا علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بهذا الحديث ونحن جلوس، وقد حفظنا
ص: 267
ذلك عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كما حدّثك أبونا سواء لم يزد فيه ولم ينقص منه شيئاً... الخبر. (1)
{21}
[270] لمّا خطب أبو بكر قام أُبيّ بن كعب يوم الجمعة، وكان أوّل يوم من شهر رمضان، فقال : يا معشر المهاجرين والأنصار ألستُم تعلمون أنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال لعليّ: أنت الهادي لمَن ضلّ؟
أولستُم تعلمون أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : عليّ هو المحيي لسنّتي، ومعلّم أُمّتي، والقائم بحجّتي، وخير من أُخلّف بعدي، وسيّدُ أهل بيتي، وأحبُ الناس إليّ، طاعته من بعدي كطاعتي على أُمّتي؟
ألستُم تعلمون أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : أوصيكم بأهل بيتي خيراً، فقَدِّموهم ولا تَتَقَدّموهم، وأمِّروهم ولا تأمّروا عليهم؟
ص: 268
أولستم تعملون أنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : إنّ أهل بيتي منارُ الهدى والدالّون على اللّه عزّوجلّ؟
أولستُم تعلمون أنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لم يُولِّ على علىّ أحداً منكم، وولاه في غيبته عليكم؟
أولستُم تعلمون أنّ منزلهما واحد، ورحلهما واحد، ومتاعهما واحد، وأمرهما واحد؟
أولستّم تعلمون أنه قال : إذا غبتُ عنكم فخلّفتُ فيكم عليّاً، فقد خلّفتُ فيكم رجلاً كنفسي؟
أولستم تعملون أنّه قال : إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قبل موته جمعَنا في بيت فاطمة ابنته فقال : إنّ اللّه أوحى إلى موسى أن اتّخذ أخاً من أهلك، أجعَلُه نبيّاً وأجعَلُ أهله لك ولداً، وأُطهّرهم من الآفات، وأخلعهم من الذنوب، فاتّخذ موسى هارون وولده، فكانوا أُئمّة بني إسرائل... والّذي يحل لهم في مساجدهم مایحلّ لموسى؟
ألا وإنّ اللّه أوحى إلي أن أتَّخِذَ عليّاً أخاً كموسى اتّخذ هارون أخاً واتّخذ ولده ولداً، فقد طهّرتهم كما طهّرتُ ولد هارون.
ألا أنّي ختمتُ بك النبیّین فلا نبيّ بعدك، فهم الأئمّة الهادية ، أفما تفقهون؟! أفما تبصرون؟! أما تسمعون؟! ضربت عليكم الشُبُهات فكأنّ مثلَكم كمثل رجل في سفر أصابه عطش شديد، حتّى خشي أن يهلك، فلقي رجلاً هادياً بالطريق، فسأله عن الماء، فقال : أمامك عينان : إحداهما مالحة ، والأُخرى عذبة ، فإن أصبت المالحة ضللتَ، وإن أصبتَ العذبةَ هُدیتَ ورويت.
فهذا مثلكِ أيّتها الأُمّة المهملة كما زعمتُ، وأيم اللّه ما أهملكِ، لقد نصب لكِ علماً يحل لكم الحلال، ويحرّم علیكم الحرام، فلو أطعتموني
ص: 269
ما اختلفتم، ولا تدامرتم، ولا تقاتلتم، ولا تبرّا بعضكم من بعض.
واللّه إنّكم على عترته لمختلفون، إن سئل هذا من غير ما علم أفتى برأيه ، وإن سئل هذا عن غير مايعلم أفتى برأيه ، وقد هُديتم فتحاربتم، وزعمتم أنّ الإختلاف رحمة، هيهات هيهات! أبی كتاب اللّه ذلك عليكم، يقول اللّه تبارك وتعالى : «وَلَا تَكُونُوا كَالّذين تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ »(1) وأخبرنا باختلافكم، فقال : «وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ »(2) أي: خلقهم للرحمة، وهم آل محمّد وشیعته، سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )يقول : يا علي أنت وشيعتك على الفطرة، وسائر الناس منها براء.
فهلاّ قبلتم من نبيّكم؟ كيف وهو يخبركم بانتكاصكم، وينهاكم عن خلاف وصيّه، ووزيره، وأمينه، وأخيه، ووليّه، أطهركم قلباً وأعلمكم علماً ، وأقدمكم إسلاماً، وأعظمكم غناءاً عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، أعطاه تراثه، وأوصاه بعدله، واستخلفه على أُمّته، ووضع رأسه عنده، فهو وليّه دونكم أجمعين ، وأحقّ به منكم أكتعین، شهيد الصدّيقين، وأفضل المتّقين، وأطوع الأُمّة لربّ العالمين، وسلّمتم عليه بخلافة المؤمنين في حياة سيّد النبيّين، وخاتم المرسلين.
وقد أعذر من أنذر، وأدّى النصيحة من وعظ، وبصّر من عمل وتعاشی وردی، فقد سمعتم كما سمعنا، ورأيتم كما رأينا، وشهدتم كما شهدنا.
فقام عبدالرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجرّاح، ومعاذ بن جبل ، فقالوا : أُقعد يا أُبيّ أصابك خبل أم أصابتك جِنّة؟!
ص: 270
فقال أُبيّ: بل الخبل فيكم، كنتُ عند رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فألفي بكلام رجل أسمع كلامه ولا أرى وجهه. فقال فيما يخاطبه : يا محمّد ما أنصحه لك ولأُمّتك، وأعلمه بسنّتك؟
فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أفترى أُمّتي تُنقاد له بعد وفاتي؟
فقال : يا محمّد يتبعه من أُمّتك أبرارها، ويخالف عليه من أُمّتك فجّارها، وكذلك كان أوصياء النبيّين من قبل.
يا محمّد إنّ موسی بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون، وكان أعلم بني إسرائيل وأخوفهم للّه وأطوعهم له، فأمره اللّه أن يتّخذه وصيّاً كما اتّخذتَ عليّاً وصيّاً، وكما أُمرتَ بذلك، فحسده بنو إسرائيل سبط موسی خاصة فغلبوه، وعيّبوه، وشتموه، ووضعوا أمره، فإن أخذَتْ أُمّتُك سُنَن بني إسرائيل كذّبوا وصيّك وجحدوا أمره وابتزّوا خلافته وغالطوه في علمه.
فقلتُ: يا رسولَ اللّه مَنْ هذا؟
قال : هذا ملك من ملائكة ربّي ينّبؤني أنّ أُمّتي تختلف على أخي، ووصيّي علي بن أبي طالب وإنّي أُوصيك يا أُبيّ بوصيّة إن أنت حفظتَها لم تزل یا أُبيّ بخير، وعليك بعليّ فإنّه الهادي المهتدي الناصح لأُمّتي المخبر بسُنّتي وهو إمامكم بعدي، فمَنْ رضي بذلك لقيني على ما فارقته عليه يا أُبيّ، ومَن غيّر وبدّل لقيني ناكثاً بيعتي، عاصياً لأمري، جاحداً لنبوّتي، لا أشفع له عند ربّي ولا أسقيه من حوضي.
فقامت إليه رجال من الأنصار فقالوا: أُقعد يا أُبيّ رحمك اللّه فقد أدّيتَ ما سمعتَ، ووفيتَ بعهدك.(1)
ص: 271
{22}
[271] فرات قال : حدّثنا عبيد بن كثیر معنعناً عن الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، قال :
شهدت مع أبي عند عمر بن الخطّاب وعنده كعب الأحبار، وكان رجلاً قد قرأ التوراة وكتب الأنبياء، فقال له عمر: يا كعب من كان أعلم بني إسرائيل بعد موسی؟
قال : كان أعلم بني إسرائيل بعد موسى يوشع بن نون، وكان وصيّ موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) من بعده، وكذلك كلّ نبيّ خلا من قبل موسى ومن بعده، كان له وصي يقوم في أُمّته من بعده.
فقال له عمر: فمَن وصيّ نبيّنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعالمنا أبو بكر ؟ قال : وعليّ ساكت لا يتكلّم.
فقال كعب : مهلاً ياعمر! السكوت عن هذا أفضل، كان أبوبكر رجلاً حظي بالصلاح فقدّمه المسلمون لصلاحه ولم يكن بوصيّ، فإنّ موسى لمّا توفّي أوصى إلى يوشع بن نون فقبله طائفة من بني إسرائبل وأنكرت فضله طائفة، فهي الّتي ذكرت في القرآن، فآمنت طائفة من بني إسرائيل إلى قوله : فأصبحوا ظاهرين، وكذلك الأنبياء والأمم الخالية لم يكن نبيّ إلّا وقد كان له وصيّ يحسده قومه ويدفعون فضله.
فقال : ويحكم یا كعب! فمَن ترئ وصيّ نبينا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟!
قال كعب : معروف في جميع كتب الأنبياء والكتب المنزلة من السماء وعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخو النبي العربيّ يعينه على أمره ويبارزه على من ناواه، وله زوجة
ص: 272
مباركة له منها ابنان يقتلهما أُمّته من بعده، ويحسد وصيّه كما حسدت الأُمم أوصياء أنبيائها، فيدفعونه عن حقّه ويقتلون ولده من بعده كحذو الأُمم الماضية.
قال : فأفحم عمر عندها وقال له: يا كعب ؟ لئن صدقت في كتاب اللّه المنزل قليلاً لقد كذبت كثيراً.
قال كعب : واللّه ماكذبت في كتاب اللّه قطّ، ولكن سألتني عن أمر لم يكن بدّ من تفسيره والجواب فيه، فإنّي لا أعلم أنّ أعلم هذه الأُمّة عليّ بن أبي طالب بعد نبيّها إلّا أنّي لم أسأله عن شيء إلّا وجدت عنده علماً تصدقه به التوراة وجميع كتب الأنبياء.
فقال له عمر: اسكت يابن اليهوديّة! فواللّه إنّك لكثير التخرص والكذب !
فقال كعب : واللّه ما علمت أني كذبت في شيء من كتاب اللّه منذ جرى اللّه عليّ الحكم، ولئن شئت لألقينّ إليك شيئاً من علم التوراة، فإن فهمته فأنت أعلم منه وإن فهمه فهو أعلم منك.
قال له عمر: هات بعض هناك.
فقال كعب : أخبرني عن قول اللّه : «وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ »فأين كانت الأرض وأين كانت السماء وأين كان جميع خلقه؟
فقال عمر: ومن يعلم بغيب اللّه منّا إلا ما سمعه رجل من نبيّنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
قال : ولكن أخاك أبا الحسن لو سئل عن ذلك لشرحه بمثل ما قرأناه في التوراة.
فقال له عمر: فدونكه إذا اختلف المجلس.
قال : فلمّا دخل على عمر أصحابه أرادوا إسقاط علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فقال كعب : يا أبا الحسن أخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ : «وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ
ص: 273
لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا».
قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نعم كان عرشه على الماء حين لا أرض مدحيّة، ولا سماء مبنيّة، ولا صوت يسمع، ولا عين تنبع، ولا ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، ولا نجم يسري، ولا قمر يجري، ولا شمس تضيء، وعرشه على الماء غير مستوحش إلى أحد من خلقه، يمجّد نفسه ويقدّسه كما شاء أن يكون كان، ثمّ بدا أن يخلق الخلق فضرب بزارخ البحور فثار منها مثل الدخان كأعظم ما یكون من خلق اللّه فبنى بها سماء رتقاً، ثمّ انشقّ الأرض من موضع الكعبة وهي وسط الأرض فطبقت إلى البحار.
ثمّ فتقها بالبنيان وجعلها سبعاً بعد إذ كانت واحدة ثمّ استوى إلى السماء وهي دخان من ذلك الماء الّذي أنشأه من تلك البحور، فخلقها سبعاً طباقاً بكلمته الّتي لا يعلمها غيره، وجعل في كلّ سماء ساكناً من الملائكة، خلقهم مصمتین معصومین، من نور بحور عذبة وهو بحر الرجة، وجعل طعامهمالتسبيح والتهليل والتقديس، فلمّا قضى أمره وخلقه استوى على ملكه فمدح كما ينبغي له أن يحمد.
ثمّ قدّر ملكه فجعل في كلّ سماء شهباً معلّقة كواكب كتعليق القناديل من المساجد ما لا يحصيها غيره تبارك وتعالى من النجوم لسماء كأكبر مدينة في الأرض، ثمّ خلق الشمس والقمر فجعلهما شمسين، فلو تركهما تبارك وتعالى كما كان ابتدائهما في أوّل مرّة لم يعرف خلقه الليل من النهار، ولا عرف الشهر ولا السنة، ولا علم العامل متى ينصرف في معيشته ومتى يسكن لراحة بدنه ، فكان اللّه تبارك وتعالى أرأف بعباده وأنظر لهم فبعث جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى إحدى الشمسين.
ص: 274
فمسح بها جناحه فأذهب منها الشعاع والنور، وترك فيها الضوء وذلك قوله :« وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا» (1) وجعلهما يجريان في الفلك ، والفلك يجري فيمابين السماء والأرض مستطيل في السماء استطالة ثلاثة فراسخ يجر في غمرة الشمس والقمر كلّ واحد منها يقوده ثلاثمائة ملك بيد كلّ ملك منها عروة يجرونها في غمرة ذلك البحر لهم زجل بالتسبيح والتهليل والتقديس، لو برز واحد منها من غمر ذلك البحر لاحترق كلّ شيء على وجه الأرض حتّى الجبال والصخور وما خلق اللّه من شيء.
فلمّا خلق اللّه السماوات والأرض والليل والنهار والنجوم والفلك وجعل الأرضين على ظهر الحوت أثقلها فاضطربت فأثبتها بالجبال، فلمّا استكمل خلق ما في السماوات والأرض يومئذ خالية ليس فيها أحد، قال للملائكة : إنّي جاعل في الأرض خليفة الآية، فبعث اللّه جبرئيل فأخذ من أديم الأرض قبضة فعجنه بالماء العذب والماء المالح وركب فيه الطبائع قبل أن ينفخ فيه الروح فخلقه من أديم الأرض.
فلذلك سمّي آدم لأنّه لمّا عجن استادم فطرحه في الجبل كالجبل العظيم، وكان إبليس يومئذ خازناً على السماء الخامسة يدخل في منخر آدم ويخرج من دبره، ثمّ يضربُ بيده على بطنه فيقول : لأيّ أمر خلقت لأن جعلت فوقي الأطعتك، ولئن جعلت أسفل منّي لا أبقيتك، فمكث في الجنّة ألف سنة مابین خلقه إلى أن ينفخ فيه الروح فخلقه من ماء وطين ونور وظلمة وريح والنور من نور اللّه، فأمّا النور فيورثه الإيمان، وأمّا الظلمة فتورثه الضلال والكُفر، وأمّا الطين فيورثه الرعدة والضعف والقشعريرة عند إصابة الماء.
ص: 275
فيبعث به على أربع الطبائع على الدم والبلغم والمرار والريح، فذلك قوله تعالى : «أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا».(1)
قال : فقال كعب : یا عمر باللّه أتعلم كعلم علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الأوصياء ومن الأنبياء محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خاتم الأنبياء وعليّ خاتم الأوصياء، وليس على الأرض اليوم منفوسة إلّا وعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أعلم منه، واللّه ما ذكر من خلق الإنس والجنّ والسماء والأرض والملائكة شيئاً إلّا وقد قرأته في التوراة كما قرأت.
قال : فما رؤي عمر غضب قطّ مثل غضبه ذلك اليوم.(2)
{23}
[272] عبداللّه بن الحسن ، عن أبيه، عن جدّه : أنّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان في مسجد الكوفة يوماً، فلمّا جنّه الليل أقبل رجل من باب الفيل عليه ثياب بيض ، فجاء الحرس وشرطة الخميس، فقال لهم أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما تريدون؟ فقالوا: رأينا هذا الرجل أقبل إلينا فخشينا أن يغتالك.
فقال : كلاً فانصرفوا رحمكم اللّه، أتحفظوني من أهل الأرض؟ فمن يحفظني من أهل السماء ؟ و مكث الرجل عنده مليّاً يسأله.
فقال : يا أمير المؤمنين لقد ألبست الخلافة بهاء وزينّة وكمالاً ولم تلبسك، ولقد افتقرَتْ إليك أُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وما افتقرْتَ إليها، ولقد تقدّمك قوم وجلسوا مجلسك فعذابهم على اللّه، وإنّك لزاهد في الدنيا و عظيم في السماوات
ص: 276
والأرض، وإنّ لك في الآخرة لمواقف كثيرة تقرُّ بها عيون شيعتك، وإنّك لسيّد الأوصياء، وأخوك سيّد الأنبياء، ثمّ ذكر الأئمّة الاثني عشر وانصرف.
وأقبل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الحسن والحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ) ؟ فقال : تعرفانه؟
قالا : ومن هو يا أمير المؤمنين؟
قال : هذا أخي الخضر (عَلَيهِ السَّلَامُ). (1)
{24}
[273] يقول : سمعت جدّي رسولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )يقول : لا تسبّوا عليّاً، فمن سبّ عليّاً فقد سبّني، ومن سبّني فقد سبّ اللّه عزّوجلّ، ومَن سبّ اللّه عزّوجلّ عذبه اللّه عزّوجلّ.(2)
{25}
[276] قال علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : لا يبغضك من الأنصار إلّا مَن كان أصله يهوديّاً.(3)
ص: 277
{62}
[275] قال الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
مَن دفع فضلَ أمير المؤمنین صلوات اللّه عليه على جميع مَن بعد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقد كذَّب بالتوراة، والإنجيل، والزَبور، وصُحُفِ إبراهيم، وسائرِ كتبِ المُنْزَلة، فإنّه مانَزَل شيءٌ منها إلّا وأهمُّ ما فيه بعد الإقرار بتوحيدِ اللّه والإقرارِ بالنبوّة الإعتراف بولايته والطيّبين من آله (عَلَيهِم السَّلَامُ).(1)
{27}
[276] عن الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) أنّه قال :
إنّ دَفْعَ الزاهدِ العابد لفضل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الخلق كلّهم بعد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لَيصيرُ كشعلةِ نارٍ في يوم ريح عاصف، وتصير سائر أعمال الدافع لفضل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كالحلفاء وإن امتلأت منه الصحاري واشتعلت فيها تلك النار وتغشاها تلك الريح حتّى تأتي عليها كلّها فلا تبقي لها باقية.(2)
ص: 278
{28}
[277] كسى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الناسَ بالكوفة، فكان في الكسوة برنس خزّ، فسأله إياه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأبى أن يُعطيَه إيّاه، وأسهم بين المسلمين فصار لفتی من همدان، فانقلب به الهمداني، فقيل له : إنّ حسناً كان سأله أباه فمنعه إيّاه ، فأرسل به الهمداني إلى الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقبله.(1)
{29}
[278] عن الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ)أنه قال :
ما دخلتُ على أبي قطّ إلّا وجدتُه باكياً.(2)
{30}
[279] إنّ رجلاً من خثعم رأى الحسن والحسين يأكلان خبزاً وبقلاً وخَلاً، فقال لهما: أتأكلان من هذا وفي الرحبة ما فيها؟!
فقالا : ما أغفلك عن أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ).(3)
ص: 279
{31}
[280] عن أبي صالح، قال: دخلتُ على أُمّ كلثوم بنت علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإذا هي تتمشّط في ستر بيني وبينها، فجاء حسن وحسین، فدخلا عليها وهي جالسة تتمشّط، فقالا : ألا تطعمون أبا صالح شيئاً؟
قال : فأخرجوا إليّ قصعةً فيها مرق بحبوب.
قال : فقلت : تطعموني هذا وأنتم الأُمراء؟!
فقالت أُمّ كلثوم : يا أبا صالح كيف لو رأيت أمير المؤمنین - تعني عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ)- أتى بأُتْرجُ، فذهب حسن يأخذ منه أُتْرُجَةً فنزعها من يده، ثمّ أمر به فقُسِّم بين الناس.(1)
{32}
[281] عن فاطمة بنت الحسين ، عن أبيها وعمها الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قالا : أخبرنا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : لمّا أُدخلت الجنّة رأيت الشجرة تحمل الحليّ والحلل، أسفلها خيل بلق وأوسطها الحور العين وفي أعلاها الرضوان.
قلت : يا جبرئیل لمن هذه الشجرة؟
قال : هذه لابن عمّك أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، إذا أمر اللّه
ص: 280
الخليقة بالدخول إلى الجنّة يؤتي بشيعة عليّ حتّى ينتهي بهم إلى هذه الشجرة ، فيلبسون الحليّ والحلل ويركبون الخيل البلق وينادي مناد : هؤلاء شيعة عليّ صبروا في الدنيا على الأذى فحبوا هذا اليوم.(1)
{33}
[282] دخل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فرحاً مسروراً مستبشراً، فسلّم عليه فردّ عليه السلام فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا رسول اللّه ! ما رأيتك أقبلت مثل هذا اليوم؟ فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : حبيبي وقرّة عيني ! أتيتك أُبشرّك ، اعلَم أنّ في هذه الساعة نزل عليّ جبرئيل الأمين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : الحقّ جلّ جلاله يقرؤك السلام، ويقول لك : بشِّرْ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّ شيعته الطائع والعاصي من أهل الجنّة، فلمّا سمع مقالته خرّ للّه ساجداّ، فلمّا رفع رأسه رفع يديه إلى السماء، ثمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اشهدوا عليّ أنّي قد وهبت لشيعتي نصف حسناتي.
فقالت فاطمة الزهراء(عَلَيهَا السَّلَامُ) : یا ربّ! اشهد عليّ بأنّي قد وهبت لشيعة عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) نصف حسناتي.
قال الحسن(عَلَيهِ السَّلَامُ) : یا ربّ! اشهد عليّ أني قد وهبت لشيعة عليّ بن أبي طالب نصف حسناتي
ص: 281
قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ياربّ اشهد أنّي قد وهبت لشيعة عليّ بن أبي طالب نصف حسناتي.
فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ما أنتم بأكرم منّي، اشهد عليّ ياربّ أنّي قد وهبت لشيعة علي بن أبي طالب نصف حسناتي.
فهبط الأمين جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : يا محمّد! إن اللّه تبارك تعالى يقول : ما أنتم بأكرم منّي إنّي قد غفرتُ لشيعة عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومحبّيه ذنوبهم جميعاً، ولو كانت مثل زبد البحر، ورمل البرّ، وورق الشجر.(1)
{34}
[283] لمّا نزل عليّ بالربذة سألت عن قدومه إلينا؟ فقيل: خالف عليه طلحة والزبير وعائشة وصاروا إلى البصرة فخرج يريدهم. فصرت إليه فجلست حتّى صلّى الظهر والعصر ، فلمّا فرغ من صلاته قام إليه ابنه الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فجلس بين يديه ثمّ بكى وقال : يا أمير المؤمنين إنّي لا أستطيع أن أُكلّمك وبكی.
فقال له أمير المؤمنين : لا تبك يابُنيّ وتكلّم ولا تحنّ حنين الجارية.
فقال : يا أمير المؤمنين إنّ القوم حصروا عثمان يطلبونه بما یطلبونه إمّا المون أو مظلومنون فسألتك أن تعتزل الناس وتلحق بمكّة حتّى تؤب العرب وتعود إليها أحلامها وتأتيك وفودها فواللّه لو كنت في جُحْر ضَبّ لضربت إليك العرب آباط الإبل حتّى تستخرجك منه.
ص: 282
ثمّ خالفك طلحة والزبير فسألتك أن لا تتبعهما وتدعهما فإن اجتمعت الأُمّة فذاك وإن اختلفت رضيت بما قسم اللّه وأنا اليوم أسألك أن لا تقدم العراق وأذكرك باللّه أن لا تقتل بمضيعة!!
فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما قولك : إنّ عثمان حصر. فما ذاك وماعليّ منه وقد كنت بمعزل عن حصره.
وأمّا قولك : إئت مكّة فواللّه ما كنت لأكون الرجل الّذي يستحلّ به مكة.
وأمّا قولك: اعتزل العراق ودع طلحة والزبير فواللّه ما كنت لأكون كالضبع تنتظر حتّى يدخل عليها طالبها فيضع الحبل في رجلها حتّى يقطع عرقوبها ثمّ يخرجها فيُمزّقها إرباً إرباً ولكن أباك يا بنيّ يضرب بالمقبل إلى الحقّ المدبر عنه وبالسامع المطيع العاصي المخالف أبداً حتّى يأتي عليّ يومي فواللّه مازال أبوك مدفوعاً عن حقّه مستأثراً عليه منذ قبض اللّه نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حتّى يوم الناس هذا.
فكان طارق بن شهاب أيّ وقت حدّث بهذا الحديث بكئ.(1)
ص: 283
{35}
[284] قال لأبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنّ للعرب جولة ولقد رجعت إليها عوازب أحلامها، ولقد ضربوا إليك أكباد الإبل حتّى يستخرجوك، ولو كنت في مثل وجار الضبع.
بیان : في أكثر النسخ لابنه (1)، والصواب لأبيه وقد قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) و ذلك له صلوات اللّه عليه قبل رجوع الخلافة إليه أي إنّ للعرب جولاناً وحركة في اتّباع الباطل، ثمّ يرجع إليها أحلامها العازبة البعيدة الغائبة عنهم، فيرجعون إليك، وضرب أكباد الإبل كناية عن الركوب وشدّة الركض.
قال الجزري فيه: لا تضرب أكباد المطيّ إلّا إلى ثلاثة مساجد أي لا تركب ولا يسار عليها.
وقال : وجار الضبع هو جحره الّذي يأوي إليه، ومنه حديث الحسن : لو كنت في وجار الضبع ذكره للمبالغة لأنّه إذا حفر أمعن.
ص: 284
{36}
[285] عن طارق بن شهاب قال : قال الحسن بن علي لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالربذة وقد ركب راحلته، وعليها رحل رثّ: إنّي لأخشى أن تُقْتَل بمضيعة.
فقال : إليك عنّي، فواللّه ما وجدتُ إلّا قتال القوم، أو الكفر بما جاء به محمّد، أو قال : بما أُنزل على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(1)
{37}
[289]خرج أبو موسى فلقي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فضمّه إليه وأقبل على عمّار فقال : يا أبا اليقظان أعَدَوتَ على أمير المؤمنين فيمن عدا فأحللت نفسك مع الفُجّار؟
فقال : لم أفعل ولم يسؤني.
فقطع الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) الكلام وأقبل على أبي موسى فقال له: لَم تثبط(2) الناس عنّا؟ فواللّه ما أردنا إلّا الإصلاح ولا مثل أمير المؤمنين يُخاف على شيء. (3)
ص: 285
(38}
[287] قال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأبي موسى الأشعري(1) وهو يخطب الناس على المنبر :
وَيْحك إعتزل عملنا وتنحّ عن منبرنا لا أُمّ لك !(2)
{39}
[288] أُسِر مروان بن الحكم يوم الجمل، فكلّم فيه الحسن والحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ) فخلّاه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
فقالا له: يبايعك يا أمير المؤمنین.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ألم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته ، إنّها كفّ يهوديّة، ولو بايعني بيده لغدر بسيفه، أما إنّ له إمرةً كلعقة الكلب أنفه، وهو
ص: 286
أبو الأكبش الأربعة، وستلقي الأُمّة منه ومن ولده يوماً أحمر.(1)
{40}
[289] قال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) رسالة عن أبيه لعائشة : أما و الّذي خلق الحبّة و بریء النسمة لئن لم ترحلي لأبعثنّ عليك بما تعلمين.
قال : فلمّا كان من الغد بعث إليها ابنه الحسن، فجاء الحسن فقال لها : يقول لك أمير المؤمنين : أما والّذي خلق الحبّة وبرأ النسمة! لئن لم ترحلي الساعة لأبعثّن عليكِ بما تعلمين.
قال : وعائشة في وقتها ذلك قد ضفرت قرنها الأيمن وهي تريد أن تضفر الأيسر، فلمّا قال لها الحسن ما قال وثبت من ساعتها وقالت : رحلوني!
فقالت لها امرأة من المهالبة : يا أُمّ المؤمنين ! جاءك عبداللّه بن عبّاس
ص: 287
فسمعناك وأنت تجاوبيه حتّى علا صوتك ثمّ خرج من عندك وهو مغضب، ثمّ جاءك الآن هذا الغلام برسالة أبيه فأقلقك وقد كان أبوه جاءك فلم نر منك هذا القلق والجزع؟!
فقالت عائشة : إنّما أقلقني لأنّه ابن بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فمن أحبّ أن ينظر إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فلينظر إلىّ هذا الغلام، وبعد فقد بعث إليّ أبوه بما قد علمت ولابدّ من الرحيل.
فقالت لها المرأة : سألتك باللّه وبمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلّا أخبرتني بماذا بعث إليك عليّ (رضي اللّه عنه).
فقالت عائشة : ويحك! إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أصاب من مغازيه نفلاً فجعل يقسّم ذلك في أصحابه، فسألناه أن يعطينا منه شيئاً وألححنا عليه في ذلك، فلامنا علي (رضي اللّه عنه) وقال : حسبكنّ أضجرتنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فتجّمناه وأغلظنا له في القول. فقال : «عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ»(1) فأغلظنا له أيضاً في القول وتهجّمناه ، فغضب النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من ذلك وما استقبلنا به عليّاً، فأقبل عليه ثمّ قال : يا علي! إنّي قد جعلتُ طلاقهنّ إليك فمن طلّقتها منهنّ فهي بائنة، ولم يوقّت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في ذلك وقتاً في حياة ولا موت؛ فهي تلك الكلمة، وأخاف أن أبين من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(2)
ص: 288
{41}
[290] لمّا بويع عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالخلافة قال له إبنه الحسن، وابن عبّاس : أُكتب إلى معاوية فأقرّه على الشام وأطمعه فإنّه سيطمع ويكفيك نفسه وناحيته ، فإذا بايع لك الناس أقررتَه أو عزلتَه.
قال : فإنّه لا يرضى حتّى أعطيه عهدَ اللّه تعالى وميثاقَه أن لا أعزلَه، قالا : لا تعطه ذلك.(1)
{42}
[291] لمّا دنى أهل الشام من أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، واللّه مایزیده قربُهم منه ودنوّهم إليه سرعةً في مشيه ، فقال له الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
ماضرّك لو سعيتَ حتّى تنتهي إلى هؤلاء الّذي صبروا بعدك من أصحابك؟ قال - يعني ربيعة الميسرة -: قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا بنيّ إنّ لأبيك يوماً لن يعدُوَه، ولا يبطي عنه السعي، ولا يعجّل به إليه المشي، إنّ أباك واللّه مایُبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه.(2)
ص: 289
{43}
[292] كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و يطوف بين الصفَّين بصِفّين في غِلالة(1) فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
ما هذا زيّ الحرب!
فقال : يا بُنيّ إنّ أباك لا يبالي وقع على الموتُ أو وقع الموت عليه.(2)
{44}
[293] عن أبي محمّد الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :
بينما أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) علة في أصعب موقف بصفّين إذ أقبل عليه رجل من بني دودان، فقال له: لم دفعكم قومكم عن هذا الأمر وكنتم أفضل الناس علماً بالكتاب والسنّة؟
فقال : يا أخابني دودان ولك حقّ المسألة وذمام الصهر، فإنّك قلق الوضين، ترسل في غير سدد، كانت إمرة شحّت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، ولنعم الحكم اللّه، والزعيم محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
(ودع عنك نهياصيح في حجراته) وهلم الخطب في إبن أبي سفيان، فلقد أضحكني الدهر بعد إبكائه.
ولا غرو إلّا جارتي وسؤالها***ألا هل لنا أهل سألت كذلك
ص: 290
بئس القوم من خفضني، وحاولوا الادهان في دين اللّه، فإن ترفع عنّا محن البلوى أحملهم من الحقّ على محضه، وإن تكن الأخرى فلا تأس على القوم الفاسقين إليك عنّي يا أخا بني دودان.(1)
{45}
[294] عن أنس بن مالك، قال : كنت عند عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الشهر الّذي أُصيب فيه وهو شهر رمضان فدعا ابنه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ قال : يا أبا محمّد اعل المنبر فاحمد اللّه كثراً، واثن عليه، واذكر جدّك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بأحسن الذكر، وقل : لعن اللّه ولداً عقّ أبويه ، لعن اللّه ولداً عقّ أبويه ، لعن اللّه ولداً عقّ أبويه ، لعن اللّه عبداً أبق من مواليه، لعن اللّه غنماً ضلّت عن الراعي وانزل.
فلمّا فرغ من خطبته ونزل اجتمع الناس إليه فقالوا: يابن أمير المؤمنين وابن بنت رسول اللّه نبّئنا [الجواب].
فقال : الجواب على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
فقال أمير المؤمنين : إنّي كنت مع النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في صلاة صلّاها فضرب بيده اليمن إلى يدي اليمنى فاجتذبها فضمّها إلى صدره ضمّاً شديداً، ثمّ قال لي : يا علي، قلت: لبّيك يا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، قال : أنا وأنت أبوا هذه الأُمّة، فلعن اللّه
ص: 291
من عقّنا، قل: آمين، قلت: آمين. ثمّ قال : أنا وأنت موليا هذه الأُمّة، فلعن اللّه من أبق عنّا، قل: آمين ، قلت : آمين. ثمّ قال : أنا وأنت راعيا هذه الأُمّة فلعن اللّه من ضلّ عنّا، قل: آمين، قلت: آمين.
قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وسمعت قائلين يقولان معي : «آمین» فقلت : یارسول اللّه ومن القائلان معي «آمين» ؟ قال : جبرئیل و میكائیل (عَلَيهِما السَّلَامُ).(1)
{46}
[295] قال الحسن بن عليّ صبيحة الليلة الّتي قُتل فيها عليُّ بن أبي طالب (رضي اللّه عنه):
حدّثني أبي البارحة في هذا المسجد، فقال : يا بُني، إنّي صَلّيت البارحة مارزق اللّه، ثمّ نمت نومة فرأيت رسولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فشكوتُ له ما أنا فيه من مُخالفة أصحابي وقلّة رغبتهم في الجهاد، فقال لي: ادع اللّه أن يُريحكم منهم، فدعوت اللّه.(2)
ص: 292
{47}
[296] قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقيني حبيب (يعني في المنام) نبيّ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فشكوت إليه مالقيت من أهل العراق بعده، فوعدني الراحة منهم فما لبث إلا ثلاثا.(1)
{48}
[297] عن ابن الحنفيّة قال : دخل علينا ابن ملجم الحمام وأنا وحسن وحسين جلوس في الحمّام، فلمّا دخل كأنّهما اشمازّا منه وقالا إله : ] ما أجر أك تدخل علينا؟! قال: فقلت لهما: دعاه عنكما فلعمري مايريد بكما أجسم من هذا، فلمّا كان يوم أُتي به أسيراً قال ابن الحنفيّة : ما أنا اليوم بأعرف به منّي يوم دخل علينا الحمّام، فقال علي : إنّه أسير فأحسنوا نزله وأكرموا مثواه، فإن بقيت قتلت أو عفوت، وإن متّ فاقتلوه قتلتي ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين.(2)
ص: 293
{49}
[298] روي عن الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : أتيت أبي سحيراً فجلست إليه... دخل ابن النباح عليه فقال : الصلاة. فأخذت بيده فقام و مشی ابن النباح بين يديه ومشيت خلفه، فلمّا خرج من الباب نادى : أيّها الناس الصلاة الصلاة ، وكذلك كان يصنع في كلّ يوم، ويخرج [كذا] ومعه درّته يوقظ الناس، فاعترضه الرجلان، فرأيت بريق السيف وسمعت قائلاً يقول: الحكم يا علي للّه لا لك. ثمّ رأيت سيفاً ثانياً، فأمّا سيف ابن ملجم فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل إلى دماغه، وأمّا سيف ابن بجرة فوقع في الطاق وقال علي : لا يفوتنّكم الرجل. فشدّ الناس عليهما من كلّ جانب.(1)
{50}
[299] قالت أُمّ كلثوم: فجئت إلى أخي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟ فقلت : يا أخي قد كان من أمر أبيك الليلة كذا وكذا، وهو قد خرج في هذا الليل الغلس فألحقه ، فقام الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) وتبعه، فلحق به قبل أن يدخل الجامع فقال : يا أباه ! ما أخرجك في هذه الساعة وقد بقي من الليل ثلثه؟
فقال : يا حبيبي ويا قرّة عيني خرجت لرؤيا رأيتها في هذه الليلة أهالتني وأزعجتني وأقلقتني.
فقال له: خيراً رأيت و خيراً يكون، فقصّها عليّ، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا بنيّ ! رأيت
ص: 294
كأنّ جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد نزل عن السماء على جبل أبي قبيس فتناول منه حجرين ومضى بهما إلى الكعبة وتركهما على ظهرها، وضرب أحدهما على الآخر فصارت كالرميم، ثمّ ذرّهما في الريح، فما بقي بمكّة ولا بالمدينة بيت إلّا ودخله من ذلك الرماد. فقال له: يا أبت وما تأويلها؟
فقال : يا بنيّ! إن صدقت رؤياي فإنّ أباك مقتول، ولا يبقى بمكّة حينئذ ولا بالمدينة بيت إلّا ويدخله من ذلك غمّ و مصيبة من أجلي.
فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وهل تدري متى يكون ذلك یا أبت؟
قال : يا بنيّ! إن اللّه يقول: «وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ»(1)، ولكن عهد إليّ حبيبي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه يكون في العشر الأواخر من شهر رمضان، يقتلني ابن ملجم المرادي.
فقلت له : يا أبتاه ! إذا علمت منه ذلك فاقتله.
قال : يا بنيّ لا يجوز القصاص إلا بعد الجناية ، والجناية لم تحصل منه ، يا بنيّ! ارجع إلى فراشك.
فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبتاه ! أُريد أمضي معك إلى موضع صلاتك.
فقال له : أقسمت بحقّي عليك إلّا ما رجعت إلى فراشك لئلّا يتنغّص عليك نومك، ولا تعصني في ذلك.
قال : فرجع الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فوجد أُخته أُم كلثوم قائمة خلف البا تنتظره، فدخل فأخبرها بذلك، وجلسا يتحادثان وهما محزونان حتّى غلب عليهما النعاس، فقاما ودخلا إلى فراشهما وناما.(2)
ص: 295
{51}
[300] عن الأصبغ بن نباتة العبدي، قال : لمّا ضرب ابن ملجم أميرَ المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) غدونا عليه نفر من أصحابنا : أنا، والحارث ، وسوید بن غفلة، وجماعة معنا، فقعدنا على الباب، فسمعنا البكاء فبكينا ، فخرج إلينا الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال :
يقول لكم أمير المؤمنين : إنصرفوا إلى منازلكم، فانصرف القوم غيري، واشتدّ البكاء من منزله، فبكيت.
فخرج الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : ألم أقل لكم: إنصرفوا؟
فقلت : لا واللّه يابن رسول اللّه ماتُتابعني نفسي ولا تحملني رجلي أن أنصرف حتّى أرى أمير المؤمنین صلوات اللّه عليه ، قال : فتلبّثْ ، فدخل ولم يلبث أن خرج فقال لي: أدخل، فدخلت على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء، قد نزف واصفرّ وجهه، ما أدري وجهه أصفر أو العمامة ، فأكببتُ عليه ، فقبّلته وبكيت.
فال لي: لا تبك يا أصبغ ، فإنّها واللّه الجنّة.
فقلت له : جعلت فداك إني أعلم واللّه أتك تصير إلى الجنّة، وإنّما أبكي الفقداني إيّاك يا أمير المؤمنین، جعلت فداك حدّثني بحديث سمعته من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فإنّي أراني لا أسمع منك حديثاً بعد يومي هذا أبداً.
فقال : نعم يا أصبغ.
دعاني رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يوماً فقال لي: يا علي انطلق حتّى تأتي مسجدي، ثمّ تصعد على منبري، ثمّ تدعو الناس إليك، فتحمد اللّه عزّوجلّ وتثني عليه،
ص: 296
وتصلّي عليّ صلاةً كثيرةً، ثمّ تقول :
أيّها الناس! إنّي رسول رسول اللّه إليكم، وهو يقول لكم: ألا إنّ لعنة اللّه ولعنة ملائكته المقرّبين وأنبياءه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه أو ادعى إلى غير مواليه، أو ظلم أجيراً أجره.
فأتيتُ مسجده، وصعدتُ منبره، فلمّا رأتني قريش ومن كان في المسجد اقبلوا نحوي، فحمدت اللّه، وأثنيت عليه وصلّيتُ على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) صلاةً كثيرةً، ثمّ قلت :
أيّها الناس! إنّي رسول رسول اللّه إليكم، وهو يقول لكم: ألا إنّ لعنة اللّه ولعنة ملائكته المقرّبين وأنبياءه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه، أو ادعى إلى غير مواليه ، أو ظلم أجيراً أجره.
قال : فلم يتكلّم أحد من القوم إلّا عمر بن الخطّاب فإنّه قال : قد أبلغت يا أبا الحسن ولكنّك جئت بكلام غير مفسّر. فقلت : أبلغ ذلك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فرجعت إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فأخبرته الخبر.
فقال : ارجع إلى مسجدي حتّى تصعد منبري، فاحمد اللّه، واثن عليه ، وصلّ عليّ، ثمّ قل: أيّها الناس ! ما كنّا لنجیئكم بشيء إلّا وعندنا تأويله وتفسيره، ألا وإنّي أنا أبوكم ألا وإنّي أنا مولاكم، وألا وإنّي أنا أجيركم.(1)
ص: 297
{52}
[301] وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : دخلتُ على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو يجود بنفسه لمّا ضربه ابن ملجم فجزعت لذلك فقال لي: أتجزع؟
فقلت : وكيف لا أجزع وأنا أراك على حالك هذه؟!
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ألا أعلمك خصالاً أربع إن أنت حفظتهنّ نلت بهنّ النجاة وإن أنت ضيّعتهنّ فاتك الداران، یا بنيّ! لا غنى أكبر من العقل، ولا فقر مثل الجهل، ولا وحشة أشدّ من العُجب، ولا عيش ألذّ من حُسن الخلق.(1)
{53}
[302] لمّا ضرب ابنُ ملجم عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) دخل عليه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو باكٍ ، فقال له : ما يُبكيك يابُنيّ؟
قال : ومالي لا أبيك وأنتَ في أوّل يومٍ مِن الآخرةِ وآخرِ يومٍ مِن الدنيا.
فقال : يا بُنيّ! إحفظ أربعاً وأربعاً لا يضرك ما عملت معهنّ.
قال : وما هنّ يا أبة؟
قال : إنّ أغنى الغنى العقلُ، وأكبرُ الفقر الحُمقُ، وأوحشُ الوحشة العُجب، وأكرمُ الحسبٍ الكرمُ وحسنُ الخلق.(2)
ص: 298
{54}
[303] بعد ما وعده أبوه (عَلَيهِما السَّلَامُ) أن يوصيه بثمان وذكر أربعة منها، قال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قلت : يا أبة هذه الأربع، فأعطني الأربعَ الأخر.
قال : إيّاك ومصادقةَ الأحمق، فإنّه يريد أن يَنفعَك فيضرّك، وإيّاك ومصادقةَ الكذّاب فإنّه يقرّب إليك البعيدَ ويبعّد عليك القريبَ، وإيّاك ومصادقةَ البخيل فإنّه يقعد عنك أحوج ما يكون إليه ، وإيّاك ومصادقة الفاجر، فإنّه يَبيعُك بالتافه(1).(2)
{55}
[304] قال الحسن : فلم أصبر أن فتحت الباب ودخلت، فإذا أبي فارق الدنيا ، فأحضرنا أكفانه وقد كان عنده حنوط له من بقيّة حنوط النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
قال الحسن : وكنت جالساً على باب البيت فسمعت هاتفاً وهو يقول : «أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».(3)(4)
ص: 299
{56}
[305] قال(عَلَيهِ السَّلَامُ)
في جواب السائل «أين دفنتم أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)»؟ : خرجنا به ليلاً حتّى مررنا على مسجد الأشعث، حتّى خرجنا إلى ظهر ناحية الغريّ.(1)
{57}
[306] قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أخذ ابنُ ملجم فأُدخِل على علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : أطيبوا طعامَه، وألينوا فراشَه، فإن أعِشْ فأنا وليّ دمي، عفو أو قِصاص، وإن مِتّ فأُلحِقوه بي أخاصِمُه عند ربّ العالمين.(2)
ص: 300
{58}
[307] قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا حتّى أعجلك إلى النار.(1)
{59}
[308] روي أنّه قال الحسين لأخيه الحسن (عَلَيهِما السَّلَامُ) وقت غسل أبيهما أمير المؤمنين (عَلَيهِم السَّلَامُ) : أما ترى إلى خفّة جسد أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟
فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا عبداللّه إنّ معنا قوماً يعينوننا.(2)
ص: 301
{60}
[309] فلمّا قضى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) نحبه وفرغ أهله من دفنه، جلس الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأمر أن يؤتى بابن ملجم، فجيء به ، فلمّا وقف بين يديه قال له :
يا عدوّ اللّه قتلت أمير المؤمنين وأعظمت الفساد في الدين؟ ثمّ أمر فضربت عنقه.(1)
{61}
[310] قال اليعقوبي : إجتمع الناس فبايعوا الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)وخرج إلى المسجد الجامع فخطب خطبة طويلة ودعا بعبد الرحمن بن ملجم، فقال عبدالرحمن : ما الّذي أمرك به أبوك؟
قال : أمرني أن لا أقتل غیر قاتله، وأن أشبع بطنَك، وأُنعم وطائك، فإن عاش اقتصّ أو عفا، وإن مات ألحقتُك به... فضربه بالسيف... وقتله.(2)
ص: 302
(62}
[311] قال لأخيهما محمّد بن الحنفيّة : قد علمتَ أنّ أباك لم يترُك صفراءَ ولا بيضاءَ.(1)
{63}
[312] عن الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في زهد أبيه صلوات اللّه عليه قال :
واللّه ما ترك ذهباً ولا فضّةً ولا شيئاً يُصبني إليه.(2)
ص: 303
ص: 304
ص: 305
{1}
[313] عن عبداللّه بن حسن بن حسن، عن أبيه، عن الحسن بن علی (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :
خطبنا(1) رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يوماً فقال بعد ما حمد اللّه وأثنى عليه :
معاشر الناس كأنّي أدعى فأُجيب، وإنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا، فتعلّموا منهم ولا تعلّموهم ، فإنّهم أعلم منكم، لا تخلو الأرض منهم، ولو خلت إذاً لساخت بأهلها؛ ثمّ قال : اللّهمّ إنّي أعلم أنّ العلم لا يبيد(2) ولا ينقطع، وإنّك لا تخلي أرضك من حجّة لك على خلقك ، ظاهر ليس بالمطاع، أو خائف مغمور(3) لكيلا يبطل حجّتك، ولا يضلّ أولياؤك بعد إذ هديتهم، أولئك الأقلّون عدداً الأعظمون قدراً عند اللّه.
فلمّا نزل عن منبره قلت : يا رسول اللّه ! أما أنت الحجّة على الخلق كلّهم؟
قال : يا حسن! إنّ اللّه يقول : إ«ِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(4)، فأنا المنذر وعليّ الهادي.
قلت : يا رسول اللّه فقولك : إنّ الأرض لا تخلو من حجّة؟
ص: 306
قال : نعم عليٌّ هو الإمام(1) والحجّة بعدي، وأنت الحجّة والإمام بعده ، والحسين هو الإمام(2) والحجّة بعدك، ولقد نبّأني اللطيف الخبير أنّه يخرج من صلب الحسین ولد يقال له علي سمّي جدّه عليّ، فإذا مضى الحسين قام بالأمر بعده عليٌّ ابنه(3)، وهو الحجّة والإمام، ويخرج اللّه من صلب علىّ ولاداً سمّیي وأشبه الناس بي، علمه علمي و حكمه حكمي، وهو الإمام والحجّة بعد أبيه ، ويخرج اللّه من صلبه مولوداً(4) يقال له جعفر أصدق الناس قولاً وفعلاً ، وهو الإمام والحجّة بعد أبيه.
ويخرج اللّه تعالى من صلب جعفر مولوداً سمّي موسی بن عمران، أشدّ الناس تعبّداً، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه ؛ ويخرج اللّه تعالى من صلب موسی ولداً يقال له عليّ، معدن علم اللّه وموضع حكمه(5)، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب علىّ مولوداً يقال له محمّد، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب محمّد مولوداً يقال له عليّ، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب عليّ مولوداً يقال له الحسن، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب الحسن الحجّة القائم إمام زمانه ومنقذ أوليائه ، يغيب حتّى لا يرى، يرجع عن أمره قوم ويثبت عليه آخرون «وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»(6) ولو لم يبق من
ص: 307
الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل اللّه عزّوجلّ ذلك اليوم حتّى يخرج قائمنا فيملأها قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً، فلا يخلو الأرض منكم، أعطاكم اللّه علمي وفهمي، ولقد دعوت اللّه تبارك وتعالى أن يجعل العلم والفقه في عقبي وعقب عقبي ومن زرعي وزرع زرعي.(1)
وروى صدر هذه الرواية مع تفاوت يسير غير واحد من الأعلام، منهم : العلامة القندوزي في «ینابیع المودّة» (ص 20 ط اسلامبول) قال :
وفي المناقب : عن عبداللّه بن الحسن المثنّی ابن الحسن المجتبی ابن عليّ المرتضى (عَلَيهِم السَّلَامُ) ، عن أبيه، عن جدّه الحسن السبط، قال : خطب جدّي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يوماً فقال بعد ما حمد اللّه وأثنى عليه : معاشر الناس إنّي أدعى فأُجيب، وإنّي تارك فیكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض، فتعلّموا منهم، ولا تعلّموهم، فإنّهم أعلم منكم، ولا تخلو الأرض منهم، ولو خلت لانساخت بأهلها، ثمّ قال : اللّهمّ إنّك لا تخلي الأرض من حجّة على خلقك لئلّا تبطل حجّتك، ولا تضلّ أولياءك بعد إذ هديتهم، أولئك الأقلّون عدداً والأعظمون قدراً عند اللّه عزّوجلّ، ولقد دعوت اللّه تبارك وتعالى أن يجعل العلم والحكمة في عقبي وعقب عقبي، وفي زرعي وفي زرع زرعي إلى يوم القيامة فاستجيب لي.(2)
ص: 308
{2}
[314] عن عبداللّه بن الحسن بن علي عن أبيه قال : صعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) المنبر يوم غزوة تبوك، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال :
أيّها الناس! إنّي واللّه ما آمركم إلّا بما أمركم اللّه به، ولا أنهاكم إلّا عمّا نهاكُمُ اللّه عنه، فأجملوا في الطلَب ، فوالّذي نفسُ أبي القاسم بيده إنّ أحدكم ليطلُبُه رزقُه كما يطلُبُه أجلُه، فإن تعسّر عليكم شيء منه فاطلبوه بطاعة اللّه عزّوجلّ.(1)
{3}
[315] قال عليه السلام، وقد سمع رجلاً يذمّ الدنيا :
أيّها الذامُّ للدُنيا المغتَرّ بغرورها المخدوع بأباطيلها! أتغترّ بالدنيا ثمّ تذمّها؟ أنت المتجرِّم عليها(2) أم هي المتجرِّمة عليك؟ متى استهوتْك(3) أم متى غرّتك؟ أبمصارع آبائك من البِلى(4) أم بمضاجع أُمّهاتك تحت الثرى؟! كم
ص: 309
علّلتَ بكفّيك؟(1) وكم مرّضتَ بيديك؟ تبغي لهم الشفاء(2)، وتستوصف لهم الأطبّاء (غداة لا يغني عنهم دواؤك ، ولا يجدي عليهم بكاؤك) لم ينفع أحدهم إشفاقك (3) ولم تُسعَف بطلبتك، ولم تدفع عنه بقوّتك ! وقد مثّلت لك به الدُنيا نفسك(4)! وبمصرعه مصرعك. إنّ الدُنيا دارُ صدق لمن صدقها، ودارُ عافية لمن فهم عنها، ودارُ غنيً لمن تزوّد منها(5)، ودارُ موعظة لمن اتّعظ بها، مسجد أحبّاء اللّه، ومُصلّى ملائكة اللّه ومهبط وحي اللّه، ومتجر أولياء اللّه. اكتسبوا فيها الرحمة، وربِحوا فيها الجنّة، فمن ذا يذُمّها وقد آذنَتْ ببينِها(6) ونادت بفراقها، ونعت نفسها وأهلها فمثّلتْ لهم ببلائها البلاء، وشوّقتهم بسرورها إلى السرور؟؟!! راحت بعافية(7)، وابتكرت بفجيعة ، ترغیباً وترهيباً، وتخويفاً وتحذيراً، فذمّها رجالٌ غداةَ الندامة(8) ، وحمِدَها آخَرون يوم القيامة، ذكّرتهم الدُنيا فتذكّروا، وحدّثتهم فصدّقوا ووعظتْهُم فاتَّعَظوا. (9)
ص: 310
ص: 311
{4}
[316] وكان عليّ يكرم الحسن إكراماً زائداً، ويعظّمه ويبجّله، وقد قال له يوماٌ: يا بنيّ ألا تخطب حتّى أسمعك؟
فقال : إنّي أستحيي أن أخطب وأنا أراك، فذهب عليّ فجلس حيث لا يراه الحسن ثمّ قام الحسن في الناس خطيباً وعليّ يسمع، فأدّى خطبة بليغة فصيحة ، فلمّا انصرف جعل عليّ يقول : «ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(1).(2)
ص: 312
{5}
[317] عن سليم (1) بن قيس عن الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)أنّه حمد اللّه وأثنى عليه وقال : «والسَابِقُونَ الأَوَّلُونَ»(2)الآية، فكما أنّ للسابقين فضلهم على من بعدهم كذلك لأبي عليّ بن أبي طالب فضيلة على السابقين بسبقه السابقين. (3)
في كلام طويل.
{6}
[318] روي أن أباه عليا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال له (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قم فاخطب لأسمع كلامك ، فقام (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال :
الحمد للّه الّذي من تكلّم سمع كلامه، ومن سكت علم ما في نفسه(4)، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه معادُه، أمّا في نزهة الناظر : وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين وسلّم، أما بعد... (5) بعدُ، فإنّ القبور محلّتنا(6) ،
ص: 313
والقيامة(1) موعدنا، واللّهَ عارضُنا، إنّ عليّاً بابٌ، مَن دخله كان مؤمناً(2)، ومَن خرج عنه كان كافراً.(3)
{7}
[319] روي أنّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال للحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
يا بني! قم فاخطب حتّى أسمع كلامك.
فقام (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال :
الحمد للّه الواحد بغیر تشبيه، الدائم بغير تكوین، القائم بغیر كُلفه، الخالق بغیر مَنصبَة، الموصوف بغیر غاية ، المعروف بغير محدوديّبة، العزيز لم يزل قديماً في القِدَم، ردعت القلوب لهيبته ، وذهلت العقول لعزّته، وخضعت الرقاب لقدرته.
فليس يخطر على قلب بشر مبلغ جبروته ، ولا يبلُغ الناسُ كنهَ جلالِه ، ولا يُفصح الواصفون منهم لِكُنه عظمتِه، ولا تَبلُغُه العلماءُ بالبابِها، ولا أهلُ التفكّر بتدبير أُمورها، أعلم خلقه به الّذي بالحدّ لا يصفُه، يُدركُ الأبصارَ ولا تُدركهُ الأبصار، وهو اللطيفُ الخبير.
أما بعدُ، فإنّ عليّاً بابٌ مَن دخله كان مؤمناً، ومَن خرج منه كان كافراً،
ص: 314
أقولُ قولي هذا، وأستغفر اللّه العظيم لي ولكم.(1)
{8}
[320] قال بعد التحميد والتصلية والتسليم :
نحنُ فيكم كالسماء المرفوعة، والأرض المدحُوّة، والشمس الضاحية ، وكالشجرة الزيتونَة، لا شرقيّة ولا غربيّة الّتي بورك زيتُها.
النبيّ أصلُها، وعليّ فرعُها، ونحنُ واللّه ثمرةُ تلك الشجرة، فمَنْ تعلَّق بغُصنٍ مِن أغصانِها نَجا، ومَن تخلّف عنها فإلى النار هَوی.
فقام أميرُالمؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أقصى الناس، يَسْحَبُ رداءَه من خلفِه ، حتّى علا المنبرَ مع الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فقبّلَ بينَ عينيه، ثمّ قال : يابن رسولِ اللّه أثبتَّ على القومِ حُجّتَك وأوجبتَ عليهم طاعتَك، فويل لمن خالفك. (2)
ص: 315
{9}
[321] رُوي أنّه طعن أقوامٌ من أهلِ الكوفة في الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقالوا : إنّه عيّ لايقوم بحجّةٍ، فبلغ ذلك أميرَ المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدعا الحسنَ فقال : يابن رسول اللّه إنّ أهلَ الكوفة قد قالوا فيك مقالةً أكرهها، فأخبر الناس، فقال : يا أمير المؤمنين لا أستطيع الكلامَ وأنا أنظر إليك.
فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنّي متخلّف عنك، فنادِ أنّ الصلاة جامعة ، فاجتمع المسلمون، فصعد المنبرَ فخطب خطبةً بليغةً وجيزة، فضجّ المسلمون بالبكاء ، ثمّ قال :
أيّها الناسُ ! إعقِلوا عن ربّكم، إنَّ اللّهَ عزّوجلّ اصطفى آدم ونوحاً وآلً إبراهيم وآلَ عمرانَ على العالَمين، ذريّةً بعضُها مِن بعض واللّه سميعٌ عليم. (1)
فنحنُ الذريّةُ مِن آدم، والأسرةُ من نوح، والصفوةُ مِن إبراهيم، والسُلالةُ مِن إسماعيل، وآلٌ مِن محمّد صلّى اللّه عليه وآله.... الخبر.(2)
{11}
[323] عن الحرمازي : خطب الحسنُ بنُ علي بالكوفة ، فقال :
إنّ الحِلمَ زينة، والوقارَ مروءة، والعجلةَ سَفَه، والسفه ضعف، ومجالسة أهل الدناءة شَين، ومخالطة الفُسّاق ريبة.(1)
{12}
[324] كتاب النجوم : روى ابن جمهور العميّ في كتاب الواحدة في أوائل أخبار مولانا الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) من خطبة له في صفة النجوم ما هذا لفظه :
ثمّ أجرى في السماء مصابيح ضوؤها في مفتحه وحارثها بها وجال شهابها في نجومها الدراري المضيئة الّتي لولا ضوؤها ما أنفذت أبصار العباد في ظلم الليل المظلم بأهواله المدلهمّ بحنادسه وجعل فيها أدلّة على منهاج السُبل لما أحوج إليه الخليقة من الإنتقال والتحوّل والإقبال والإدبار.(2)
ص: 317
{13}
[325] أيّها الناس! إنّه من نصح للّه وأخذ قوله دليلاً هُديَ للّتي هي أقوم، ووفّقه اللّه للرشاد، وسدّده للحُسنى، فإنّ جار اللّه آمنٌ محفوظ، وعدوّه خائف مخذول، فاحترسوا من اللّه بكثرة الذكر، واخشوا اللّه بالتقوى، وتقرّبوا إلى اللّه بالطاعة فإنّه قريبٌ مجيب ، قال اللّه تبارك وتعالى : «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ»(1). فاستجیبوا للّه وآمِنوا به، فإنّه لا ينبغي لمَن عرف عظمة أن يتعاظم، فإنّ رفعة الّذين يعلمون عظمة اللّه أن يتواضعوا و[عزّ] الّذين يعرفون ما جلال اللّه أن يتذلّلوا [له] وسلامة الّذين يعلمون ما قُدرة اللّه أن يستسلموا له، ولا ينكروا أنفسهم بعد المعرفة ، ولا يضلوا بعد الهُدی.(2)
واعلموا علماً يقيناً أنّكم لن تعرفوا التُقى حتّى تعرفوا صفة الهدى(3) ولن تمسّكوا بميثاق الكتاب حتّى تعرفوا الّذي نبذه، ولن تتلوا الكتاب حقّ تلاوته حتّى تعرفوا الّذي حرّفه، فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلّف، ورأيتم الفرية على اللّه والتحريف، ورأيتم كيف يهوي من يهوي، ولا يجهلنّكم الّذين لا يعلمون. والتمسوا ذلك عند أهله، فإنّهم خاصّة نور يُستضاء بهم، وأئمّة يقتدى بهم، بهم عيش العلم وموت الجهل، وهم الّذين أخبركم حلمهم عن
ص: 318
جهلهم (1) وحكم منطقهم عن صمتهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه. وقد خلت لهم من اللّه سنّة(2) ومضى فيهم من اللّه حُكم، إنّ في ذلك لذكرى للذاكرین، واعقلوه إذا سمعتموه عقل رعايته ولا تعقلوه عقل روايته، فإنّ رواة الكتاب كثير، ورعاته قليل، واللّه المستعان.(3)
{14}
[326] الحمدُ للّه العزيز الجبّار الواحد القهّار، الكبير المتعال، سواءٌ منكم من أسرّ القولَ ومَن جَهَرَ به ومَن هو مُستَخفٍ بالليلِ وسارِبٌ بالنهار ، أحمَدُه على حُسن البلاء وتظاهر النَعماء، وعلى ما أحببنا وكرهنا، من شِدّة ورَخاء.
وأشهدُ أن لا إله إلا اللّه، وحدَه لا شريك له، وأنّ محمداً عبدُه ورسولُه، إمتنّ علينا بنبوّته، واختصّه برسالته، وأنزل عليه وحيه، واصطفاه على جميعِ خَلقِه، وأرسله إلى الإنسِ والجنّ، حينَ عُبِدَت الأوثان وأُطيع الشيطان وجُحِد الرحمانُ، فصلّى اللّه عليه آله وجزاهُ أفضلَ ما جزى المُرسَلین.
أما بعدُ، فإنّي لا أقولُ لكم إلّا ماتعرفون، إنّ أميرَ المؤمنين عليّ بن
ص: 319
أبي طالب أرشدَ اللّهُ أمرَه وأعزَّ نَصرَه، بَعَثَنَي إليكم يدعوكم إلى الصواب وإلى العمل بالكتاب والجهاد في سبيل اللّه، وإن كان في عاجل ذاك ما تكرهون، فإنّ في آجله ما تُحِبّون، إن شاء اللّه.
وقد علمتم أنّ عليّاً صلّى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وحده، وأنّه يوم صدّق به لفي عاشرةٍ من سِنّه ، ثمّ شهِدَ مع رسول اللّه جميعَ مشاهِدِه، وكان مِن إجتهادِه في مرضاتِ اللّه وطاعةِ رسولِه وآثاره الحَسَنَةِ في الإسلام ماقد
بلغكم.
ولم يزل رسولُ اللّه راضياً عنه حتّى غمّضه بيده وغسّله وحدَه، والملائكةُ أعوانُه والفضلُ ابنُ عمّه ينقُلُ إليه الماء، ثمّ أدخلَه حُفرَتَه وأوصاُه بقَضاءِ دَيْنِه وعِداتِه، وغير ذلك مِنْ مَنّ اللّه عليه.
ثمّ واللّه ما دعاهُم إلى نَفْسِه، ولقد تداك الناسُ عليه تداك الإبل الهيمِ عندَ ورودِها، فبايَعوهُ طائعين، ثمّ نكث منهم ناكثون بلا حدث أحدثه ولا خلاف أتاه ، حَسَداً له وبغياً عليه.
فعلیكم عبادَ اللّهِ بتقوى اللّه والجِدّ والصبر والإستقامة باللّه، والخُفُوفِ إلى ما دعاكم إليه أميرُ المؤمنین.
عَصَمَنا اللّه وإيّاكُم بما عَصَمَ به أولياءَه وأهلَ طاعتِه، وألهَمَنا وإيّاكُم تَقواه، وأعانَنا وإيّاكُم على جِهادِ أعدائه ، أستغفرُ اللّهَ العظيمَ لي ولكم.(1)
ص: 320
{15}
[327] روي أنّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعث إلى الكوفة الحسن ابنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبعض أصحابه ، ومعهم كتاب إلى أهل الكوفة.
فلمّا دخل الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعمّار الكوفة اجتمع إليهما الناس، فقام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاستنفر الناس، فحمد اللّه وصلّى على رسوله، ثمّ قال :
أيّها الناس! إنّا جئنا نَدعوكم إلى اللّه وإلى كتابِه وسنّة رسولِه وإلى أفقَه من تفقّه مِن المسلمين، وأعدَل مَن تُعَدِّلون، وأفضلِ مَن تُفَضِّلون، وأوفى من تبايعون، مَن لم يعيه القرآنُ ولم تُجهِلْه السُنّة، ولم تَقعُدْ بِه السابقةُ، إلى مَن قرّبهُ اللّه إلى رسوله قرابتين ، قرابةَ الدينِ وقرابةَ الرحمِ، إلى مَن سبق الناسَ إلى كلّ ماثُرة.
إلى مَن كفى اللّهُ به رسولَه، والناسُ مُتَخاذِلون، فقَرُبَ مِنه وهم مُتَباعِدون، وصلّى معه وهم به مُشرِكون، وقاتَلَ معه وهم منهزِمون، وبارَزَ معه وهم مُحْجِمون، وصدّقه وهم مُكذِّبون، إلى من لم تُردُّ له رواية ، ولاتُكافِيءُ له سابقة.
وهو يسألكم النصرَ ويدعوكم إلى الحقّ، ويسألكم بالمسير إليه، لتوازروه وتَنصُروه على قومٍ نَكَثوا بيعتَه، وقتلوا أهلَ الصلاحِ مِن أصحابه ، ومثّلوا بعُمّاله، وانتَهَبوا بيت مالِه.
فأشخِصُوا إليه رحِمَكُم اللّه، فمُروا بالمعروف وانهَوا عن المنكر ، واحضُروا بما يحضُرُ بهِ الصالِحُون.(1)
ص: 321
{16}
[328] لمّا بلغ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) خطبة عبداللّه بن الزبير(1) قال لولده الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قم يا بني فاخطب، فحمد اللّه وأثنى عليه، وقال :
أيّها الناس! قد بلغَنا مقالةُ ابن الزُبير ، وقد كان واللّه أبوه يتجنّى (2) على عثمانَ الذُنوب، وقد ضيَّق عليه البلادَ حتّى قُتِل، وإنّ طلحةَ راكزَ(3) رايته على بيت ماله، وهو حيّ.
وأمّا قولُه : إنّ عليّاً ابتزّ الناسَ أُمورَهم، فإنّه أعظمُ حُجّةً لأبيه، زعم أنه بایعه بيده، ولم یبایعه بقلبه، فقد أقرّ بالبيعة وادّعى الوليجة(4) ، فليأتِ على
ص: 322
ما ادّعاه ببُرهان وأنّى له ذلك؟!
وأمّا تعجّبُه مِن تورّدِ أهل الكوفِة على أهلِ البصرة، فما عجبُه مِن أهل حقِّ تورَّدوا على أهل الباطل ؟ ولَعَمْري واللّه ليعلمَنَّ أهلُ البصرةِ، فمیعادُ ما بينَنا وبينَهم يومَ نُحاكِمُهُم إلى اللّه، فيَقْضي اللّهُ بالحقّ، وهو خيرُ الفاصِلين.(1)
{17}
[329] روي أنّه لمّا سار علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المدينة إلى فيد، بعث الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعمّار وابن عبّاس إلى الكوفة، لمّا دخلوا المسجد صعد الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ ذكر جدّه فصلّى عليه، وذكر فضل أبيه وسابقته وقرابته برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وأنّه أولى بالأمر من غيره، ثمّ قال :
ص: 323
معاشرَ الناس! إنّ طلحةَ والزُبيرَ قد بايعا عليّاً طائعَينَ غيرَ مُكْرَهَين، ثمّ نَفَرا ونكثا بيعتَهُما له، فطوبى لمَن خفّ في مُجاهَدَةِ مَن جاهَدَه، فإنّ الجِهادَ معه كالجِهادِ مع النبي (صلّى اللّه عليه وآله).(1)
{18}
[330] قال : ثمّ وثب الحسن بن علي فقال : أيّها الناس! إنه سيوجد لهذا الأمر من ينفر إليه، فأجيبوا دعوتنا وأعينونا على ما قد بلينا به، فواللّه إنّي لأعلم أنّ من سمع بهذا الأمر ولم يكن إلّا مع الحق أنه لسعيد.
قال : فوثب الهيثمّ بن مجمع العامري(2) فقال : أيّها الناس! إنّ أمير المؤمنين قد دعانا وأرسل إلينا رسله وهذا ابنه الحسن فاسمعوا قوله وأطيعوا أمره وانفروا إلى أميركم وأشيروا عليه برأيكم.
قال : فأجاب الناس إلى ذلك ونفر من أهل الكوفة تسعة آلاف ومائتا رجل(3) فأخذ بعضهم في البرّ وبعضهم في البحر حتّى قدموا على علي بن أبي طالب، فاستقبلهم علي (رضي اللّه عنه) ورحّب بهم وأدناهم وحيّاهم، ثمّ قال : يا أهل الكوفة ! إنّكم ولیتم شوكة الأعاجم وملوكهم ففضضتم جموعهم
ص: 324
وهدمتم عزّهم، حتّى صارت إليكم مواريثهم وأموالهم، ثمّ منعتم(1) حوزتكم وأعنتم الناس على عدوّهم ؛ وقد دعوتكم الآن لتشهدوا معنا إخواننا هؤلاء من أهل البصرة، فإن يتّقوا اللّه ويرجعوا فذلك ما تريدون وأن أبوا ذلك نداويهم(2) باللين والشدّة، ولسنا ندع أمراً فيه صلاح إلّا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء اللّه ولا قوّة إلّا باللّه.
قال : فاجتمع الناس بذي قار مع علي بن أبي طالب ستّة آلاف من أهل المدينة وأهل مصر وأهل الحجاز وتسعة آلاف(3) من أهل الكوفة، وجعل الناس يجتمعون حتّى صاروا في تسعة عشر ألف رجل من فارس وراجل، وسار علي (رضي اللّه عنه) عن ذي قار يريد البصرة في جميع أصحابه والناس يتلاحقون به من كلّ أوب.(4)
{19}
[331] يا أيّها الناس! أجيبوا دعوةَ أميرِكم، وسيرو إلى إخوانِكم، فإنّه سیوجَدُ لهذا الأمر مَن يَنْفُرُ إليه، واللّه لأن يَلِيَه أُولوا النُهئ أمثَلُ في العاجلة وخيرٌ في العاقبة، فأجيبوا دَعْوَتَنا وأعينُونا على ما ابتُلينا به وابتُليتُم.(5)
ص: 325
{20}
[332] لمّا بلغ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما كان من أمر أبي موسى في تخذيل الناس عن نصرته، أنفذ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) والأشتر وعمّار إلى الكوفة.
لمّا دخلوا المسجد صعد الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وذكر جدّه فصلّى عليه ، ثمّ قال :
أيّها الناس! إنّ عليّاً أميرَ المؤمنين بابُ هدىً، فَمَنْ دَخَلَهُ اهْتَدى ، وَ مَنْ خَالَفَهُ تَرَدّی.(1)
{21}
[333] أيّها الناسُ! إنّ أميرَ المؤمنين يقولُ:
إنّي خرجتُ مَخرجَي هذا ظالماً أو مظلوماً، وَ إِنِّي أُذكِّرُ اللَّهَ عزّوجلّ رَجُلًا رَعَى لِلَّهِ حَقّاً إِلَّا نَفَرَ ، فإنْ كُنتُ مظلوماً أعانَني، وإن كُنتُ ظالِماً أخذ مِنّي، واللّهِ إنّ طلحة والزُبير لأوَّلُ من بايعني، وأوّلُ من غَدَر ، فهل استأْثرتُ
ص: 326
بمالٍ أو بدّلتُ حُكْماً، فانفِروا، فمُروا بمعروف وانهَوا عن مُنكر.(1)
{22}
[334] روي أنّه لمّا فرغ عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) من حرب الجمل، عرض له مرض وحضرت الجمعة فتأخّر عنها، وقال لابنه الحسن: انطلق يا بني فاجمع بالناس. فأقبل الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى المسجد، فلمّا استقرّ على المنبر حمد اللّه وأثنى عليه وتشهّد وصلّى على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، ثمّ قال :
أيّها الناس! إنّ اللّهَ اختارَنا لنفسِه، وارتَضانا لِدينِه، واصطَفانا على
ص: 327
خَلْقه، وأنزَلَ علينا كتابَه ووحيَه، وأيمُ اللّه لا ينقُصُنا أحدٌ مِن حقِّنا شيئاً، إلّا إنتَقَصَهُ اللّهُ مِن حقّه في عاجِلِ دُنياهُ وآخِرَتِه، ولا يكونُ علينا دولةٌ إلا كانت لنا العافيةُ، «وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ».(1)
ثمّ جمع بالناس وبلغ أباه كلامه، فلمّا انصرف إلى أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) نظر إليه ، فما ملك عبرته أن سالت على خدّيه ، ثمّ استدناه إليه فقبّل بين عينيه وقال : بأبي أنت وأمي« ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ »(2).(3)
{23}
[335] أيّها الناس! إنّه قد كان من أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما تكفیكم جملتُه، وقد أتيناكم مستَنفِرين لكم، لأنّكم جبهةُ الأمصار ورؤساءُ العرب.(4)
وقد كان مِن نقضِ طلحة والزُبير بيعتَهُما وخروجِهِما بعائشةَ ما قد بلغكم، وهو ضعفُ النساء(5)وضعفَ رأيهنّ، وقد قال اللّهُ تعالى : «الرِجالُ قَوّامُونَ
ص: 328
عَلَى النِسَاءِ». (1)
وأيمُ اللّه لو لم ينصرْه أحدٌ لرجوتُ أن يكونَ له فيمَن أقبلَ معه مِن المهاجرين والأنصار، ومَن يَبعَثُ اللّهُ له مِن نُجَباءِ الناسِ كفايةٌ، فانصُروا اللّهَ ينصُركُم.(2)
{24}
[339] الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ إِنَّ مِمَّا عَظَّمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ حَقِّهِ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ مِنْ نِعَمِهِ مَا لَا يُحْصَى ذِكْرُهُ وَ لَا يُؤَدَّى شُكْرُهُ وَ لَا يَبْلُغُه صِفَةٌ وَ لَا قَوْلٌ.
وَ نَحْنُ إِنَّمَا غَضِبْنَا لِلَّهِ وَ لَكُمْ فَإِنَّهُ مَنَّ عَلَيْنَا بِمَا هُوَ أَهْلُهُ أَنْ نَشْكُرَ فِيهِ آلَاءَهُ وَ بَلَاءَهُ وَ نَعْمَاءَهُ قَوْلا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ فِيهِ الرِّضَا وَ تَنْتَشِرُ فِيهِ عَارِفَةُ الصِّدْقِ يُصَدِّقُ اللَّهُ فِيهِ قَوْلَنَا وَ نَسْتَوْجِبُ فِيهِ الْمَزِيدَ مِنْ رَبِّنَا قَوْلًا يَزِيدُ وَ لَا يَبِيدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ قَوْمٌ قَطُّ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ إِلَّا اشْتَدَّ أَمْرُهُمْ وَ اسْتَحْكَمَتْ عُقْدَتُهُمْ فَاحْتَشِدُوا فِي قِتَالِ عَدُوِّكُمْ مُعَاوِيَةَ وَ جُنُودِهِ فَإِنَّهُ قَدْ حَضَرَ وَ لَا تَخَاذَلُوا فَإِنَّ الْخِذْلَانَ يَقْطَعُ نِيَاطَ الْقُلُوبِ وَ إِنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْأَسِنَّةِ نَجْدَةٌ وَ عِصْمَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْتَنِع قَوْمٌ قَطُّ إِلَّا رَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعِلَّةَ وَ كَفَاهُمْ جَوَائِحَ الذِّلَّة وَ هَدَاهُمْ إِلَى مَعَالِمِ الْمِلَّة.
والصُلحُ تأخُذُ مِنْهُ مارَضيتَ بِه.
ص: 329
وَ الْحَرْبِ يَكْفِيكَ مِنْ أَنفَاسِهَا جُرَع.(1)
{25}
[337] أيّها الناس! إنّكم قد أكثرتم في أمر عبداللّه بن قيس وعمرو بن العاص، فإنّما بُعِثا ليحكما بكتاب اللّه، فحكما بالهوى على الكتاب ، ومَن كان هكذا لم يُسَمّ حَكَماً، ولكنّه محكومٌ عليه.
وقد أخطأ عبدُ اللّهِ بن قيس في أن أوصى بها إلى عبداللّه بن عمر، فأخطأ في ذلك في ثلاث خصال : في أنّ أباه لم يرضه لها، وفي أنّه لم يستأمره، وفي أنّه لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصارُ الّذين نفّذوها لمَن بعدَه، وإنّما الحكومةُ فرضٌ مِن اللّه.
وقد حكّم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) سَعداً في بَني قُرَيظة، فحَكَم فيهم بحكم اللّه لا شكّ فيه، فنقّذ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) حُكمَه، ولو خالف ذلك لم يجره.(2)
{26}
[338] أنّ الناس أتوا الحسن بن علي بعد وفاة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليبايعوه ، فقال :
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا قَضَى مِنْ أَمْرٍ وَ خَصَّ مِنْ فَضْلٍ وَ عَمَّ مِنْ أَمْرٍ وَ جَلَّل
ص: 330
مِنْ عَافِيَةٍ حَمْداً يُتَمِّمُ بِهِ عَلَيْنَا نِعَمَهُ وَ نَسْتَوْجِبُ بِهِ رِضْوَانَهُ إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلَاءٍ وَ فِتْنَةٍ وَ كُلُّ مَا فِيهَا إِلَى زَوَالٍ وَ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ عَنْهَا كَيْمَا نَعْتَبِرَ فَقَدَّمَ إِلَيْنَا بِالْوَعِيدِ كَيْ لَا يَكُونَ لَنَا حُجَّةٌ بَعْدَ الْإِنْذَارِ فَازْهَدُوا فِيمَا يَفْنَى وَ ارْغَبُوا فِيمَا يَبْقَى وَ خَافُوا اللَّهَ فِي السِّرِّ وَ الْعَلَانِيَةِ إِنَّ عَلِيّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي الْمَحْيَا وَ الْمَمَاتِ وَ الْمَبْعَثِ عَاشَ بِقَدَرٍ وَ مَاتَ بِأَجَلٍ وَ إِنِّي أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تُسَالِمُوا مَنْ سَالَمْتُ وَ تُحَارِبُوا مَنْ حَارَبْتُ فَبَايَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ.(1)
{27}
[339] عن فطن بن خليفة : أن الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) لمّا أُصيب علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قام في الناس خطيباً، فقال :
الحمدُ للّه وهو للحمد أهل، الّذي منّ علينا بالإسلام وجعل فينا النبوّةَ والكتابَ واصطفاه على خلقه، فجعلَنا شهداء على الناس.(2)
ص: 331
{28}
[340] قال ابن حاتم : فلمّا غيّبه الحسن بن علي (رضي اللّه عنهما)، صعد المنبر، فجعل يريد الكلام، فخنقته العبرة؛ (قال رجل : فرأيته كذلك وأنا في أصل المنبر أنظر إليه وكنت من أنزر الناس دمعة، ما أقدر أن أبكي من شيء، فلمّا رأيت الحسن يريد الكلام، وتخنقه العبرة) صرت بعد من أغزر الناس دمعة، ما أشاء أن أبكي من شيء إلّا بكيت، قال : ثمّ إنّ الحسن إنطلق ، فقال :
الحمدُ للّه ربّ العالمين، وإنّا للّه وإنا إليه راجعون، نحتسب عند اللّه مصابنا بأبينا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فإنّا لن نُصاب بمثله أبداً، ونحتسب عند اللّه مصابنا بخير الآباء بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، ألا إنّي لا أقول فيه الغداة، إلّا حقّاً، لقد أُصيبت به البلاد والعباد والشجر والدابّ، فرحم اللّه وجهه وعذّب قاتله.
ثمّ نزل فقال : عليّ بابن ملجم، فأُتي به فإذا رجل واضح الجبين والثنايا له شعر وارد ( أي طويل ) يخطر به حتّى وقف، فلم يسلّم.
فقال : يا عدوّ اللّه قتلت أمير المؤمنين وخير الناس بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟
فقال : يا حسن ! دعني الخ.
رواه في «المعمّرون والوصايا» (ص 151 ط دار الاحياء لعيسى الحلبي). (1)
{29}
[341] فلمّا كان الغد أذّن الحسن وأقام، وتقدّم فصلّى بالناس صلاة الفجر، ثمّ وثب فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه، وقال :
ص: 332
أيّها الناس ! من عرفني فقد عرفني، ومن جهلني أنبأته بإسمي على أنّ الناس بي عارفون.
أيّها الناس!(1) قد دفن في هذه الليلة رجل لم يدركه الأوّلون بعلم ولا الآخرون بحلم، ولقد كان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إذا قدمه للحرب فجبريل عن يمينه و میكائیل عن يساره، فما يلبث أن يفتح اللّه على يديه.
أيّها الناس! إنّه ما خلف صفراء ولا بيضاء إلّا سبعمائة درهم(2) قد كان أراد أن يبتاع بها لأُختي أُمّ كلثوم خادماً، وقد أمرني أن أردّها إلى بيت المال!
قال : ثمّ نزل عن المنبر، وأمر الحسن فأُتي باب ملجم من السجن، وضربه الحسن على رأسه ضربة(3) وبادرت إليه الشيعة من كلّ ناحية فقطعوه بسيوفهم إرباً إرباً. وفي ذلك يقول العبدي(4):
فلم أر مهراً ساقه ذو سماحة***كمهر قطام بيّناً غير مبهم(5)
ثلاثة آلاف وعبداً(6) و قينة(7)*** وضرب عليّ بالحسام المسمَّم(8)
ص: 333
فلامهر أغلى من عليّ وإن غلا*** ولا فتك إلا دون فتك(1) ابن ملجم
ليبشر بخزي في الحياة معجّل*** و طول خلود ثاوياً في جهنّم
فيأكل من الزقّوم تعساً بجدّه*** ويخلد في قعر من النار مظلم
ويشرب من الغسّاق والمهل ويله*** و سربال قطران لقلب متيّم(2)
{30}
[342] قال :
ولقد حدّثني حبيبي جدّي رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّ الأمر يملكُه إثناعَشَرَ إماماً مِن أهل بيته وصَفوتِه ، ما منّا إلّا مقتولٌ أو مَسموم.
ثمّ نزل عن منبره، فدعا بابن ملجم(3) لعنه اللّه، فأتي له، قال : يابن رسول اللّه، إستبقني أكنْ لك، وأكفيك أمرَ عدوِّك بالشام، فعلاه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بسيفِه، فاستقبل السيف بيده، فقطع خنصره، ثمّ ضربه ضربةً على يافوخِه(4) فقتله، لعنة اللّه عليه.(5)
ص: 334
{31}
[343] روي أنّه لمّا قتل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رقي الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ)المنبر ، فأراد الكلام، فخنقته العبرة، فقعد ساعة، ثمّ قام فقال :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَانَ فِي أَوَّلِيَّتِهِ وَحْدَانِيّاً وَ فِي أَزَلِيَّتِهِ مُتَعَظِّماً بِالْإِلَهِيَّةِ مُتَكَبِّراً بِكِبْرِيَائِهِ وَ جَبَرُوتِه ابْتَدَأَ مَا ابْتَدَعَ وَ أَنْشَأَ مَا خَلَقَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ كَانَ سَبَقَ بِشَيْ ءٍ مِمَّا خَلَقَ.
رَبُّنَا الْلطیفُ بِلُطْفِ رُبُوبِيَّتِهِ وَ بِعِلْمِ خُبْرِهِ فَتَق وَ بِإِحْكَامِ قُدْرَتِهِ خَلَقَ جَمِيعَ مَا خَلَقَ ، فَلَا مُبَدِّلَ لِخَلْقِهِ وَ لَا مُغَيِّرَ لِصُنْعِهِ وَ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَ لَا رَادَّ لِأَمْرِهِ وَ لَا مُسْتَرَاحَ عَنْ ذُنُوبِهِ.
خَلَقَ جَمِيعَ مَا خَلَقَ ، وَ لَا زَوَالَ لِمُلْكِه ، وَ لَا انْقِطَاعَ لِمُدَّتِهِ ، فَوْقَ كُلِّ شَيْ ءٍ عَلَا ، وَ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ دَنَا ، فَتَجَلَّى لِخَلْقِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ يُرَى ، وَ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلَى.
رَبُّنَا الْلطیفُ بِلُطْفِ رُبُوبِيَّتِهِ وَ بِعِلْمِ خُبْرِهِ فَتَق وَ بِإِحْكَامِ قُدْرَتِهِ خَلَقَ جَمِيعَ مَا خَلَقَ ، فَلَا مُبَدِّلَ لِخَلْقِهِ وَ لَا مُغَيِّرَ لِصُنْعِهِ وَ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَ لَا رَادَّ لِأَمْرِهِ وَ لَا مُسْتَرَاحَ عَنْ ذُنُوبِهِ.
خَلَقَ جَمِيعَ مَا خَلَقَ ، وَ لَا زَوَالَ لِمُلْكِه ، وَ لَا انْقِطَاعَ لِمُدَّتِهِ ، فَوْقَ كُلِّ شَيْ ءٍ عَلَا ، وَ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ دَنَا ، فَتَجَلَّى لِخَلْقِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ يُرَى ، وَ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلَى.
احْتَجَبَ بِنُورِهِ وَ سَمَا فِي عُلُوِّهِ ، فَاسْتَتَرَ عَنْ خَلْقِهِ ، وَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ شَهِيداً عَلَيْهِمْ ، وَ بَعَثَ فِيهِمُ النَّبِيِّينَ ، مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ ، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ ،
ص: 335
وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة وَ لِيَعْقِلَ الْعِبَادُ عَنْ رَبِّهِمْ مَا جَهِلُوهُ ، فَيَعْرِفُوهُ بِرُبُوبِيَّتِهِ بَعْدَ مَا أَنْكَرُوه .
وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْسَنَ الْخِلَافَةَ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَ عِنْدَهُ نَحْتَسِبُ عَزَانَا فِي خَيْرِ الْآبَاءِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وَ عِنْدَ اللَّهِ نَحْتَسِبُ عَزَانَا فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، وَ لَقَدْ أُصِيبَ بِهِ الشَّرْقُ وَ الْغَرْبُ ، وَ اللَّهِ مَا خَلَّفَ دِرْهَماً وَ لَا دِينَاراً إِلَّا أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ ،أَرَادَ أَن يَبْتَاعَ لِأَهْلِهِ خَادِماً.(1)
{32}
[344] أَيُّهَا النَّاسُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ نَزَلَ الْقُرْآنُ ، وَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ رُفِعَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ وَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ قُتِلَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ مَاتَ أَبِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ اللَّهِ لَا يَسْبِقُ أَبِي أَحَدٌ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَوْصِيَاءِ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَ لَا مَنْ يَكُونُ بَعْدَهُ.
وَ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لَيَبْعَثُهُ فِي السَّرِيَّةِ ، فَيُقَاتِلُ جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَ مِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ ، وَ مَا تَرَكَ صَفْرَاءَ وَ لَا بَيْضَاءَ إِلَّا سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَضَلَتْ مِنْ عَطَائِهِ ،كَانَ يَجْمَعُهَا لِيَشْتَرِيَ بِهَا خَادِماً لِأَهْلِهِ.(2)
ص: 336
(33}
[345] أيّها الناس! لقد فارقكم في هذه الليلة رجلٌ ماسبَقَه مِن المسلمين الأوّلون، ومایدر كه الآخرون، هيهات هيهات! لطالَ ماقلبتم له الأمور في مواطن بدر وأُحدٍ وحُنَين وخيبر، جرّعكم رنقاً(1) وسوّغكم(2) علقاً(3) ، فلستم بملومين على بغضكم إيّاه!
أّيها الناس! لقد فقدتم رجلاً لم يكن بالملومة في أمر اللّه، ولا النُوَمَةِ في حقّ اللّه، ولا السروقة مِن مال اللّه أعطى الكتاب عزائمه ودعاه فأجابه ، وقاده فاتبعه صلوات اللّه عليه ومغفرته واحتسب أمير المؤمنين عند اللّه وأستودع اللّه ديني وأمانتي وخواتيم عملي.(4)
{34}
[346] خطب خطبة وذكر فيها بعض فضائل أبيه ، حمد اللّه سبحانه ثمّ قال : مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني فأنا الحسنُ بنُ محمَّد النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
ص: 337
ثمّ تلا هذه الآية قول يوسف:« وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ».(1)
أَنَا ابْنُ الْبَشِيرِ، أَنَا ابْنُ النَّذِيرِ، وَ أَنَا ابْنُ الدَّاعِي إِلَى اللَّهِ، وَ أَنَا ابْنُ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ، وَ أَنَا ابْنُ الَّذِي أُرْسِلَ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ، وَ أَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً، وَ أَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ الَّذِينَ كَانَ جَبْرَئِيلُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ وَ مِنْهُمْ كَانَ يَعْرُجُ.
وَ أَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ الَّذِينَ افْتَرَضَ اللَّهُ مَوَدَّتَهُمْ وَ وَلَايَتَهُمْ، فَقَالَ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّم): «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً»(2) ، وَ اقْتِرَافُ الْحَسَنَةِ مَوَدَّتُنَا أَهْلِ الْبَيْتِ.(3)
{35}
[347] روي أنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) خطب بعد وفاة أبيه وذكَره فقال :
خاتِمُ الوصيّين ووصيُّ خاتِمِ الأنبياء، وأميرُ الصدّيقينَ والشُهَداءِ والصالحين.
أيُّها الناس! لقد فارقكم رجلٌ ما سبقه الأوّلون، ولا يُدركُه الآخِرون، لقد كان رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يُعطيه الراية ، فيُقاتِل جبرئيلُ عن يمينِه، و میكائیلُ عن يسارِه، فمایرجعُ حتّى يَفتَحِ اللّهُ عليه، ما ترك ذهباً ولا فضّةً إلّا شيئاً على صبيّ له،
ص: 338
وما ترك في بيت المال إلّا سبعمائة درهم فَضُلَتْ مِن عطائه، أرادَ أنْ يَشتَرِيَ بها خادِماً لأُمّ كُلثوم.(1)
{36}
[348] قال :
يا أهلَ الكوفة! فقد فارقكم بالأمس سهمٌ مِن مرامي اللّه، صائبٌ على أعداء اللّه، نكّالٌ على فُجّار قریش، لم يزل آخِذاً بحَناجِرِها، جاثمة على أنفُسِها، ليس بالملومة في أمر اللّه ولا بالسَروقَةِ لمالِ اللّه، ولا بالفَروقَةِ في حربِ أعداءِ اللّه، أُعطيَ الكتبا خواتيمَه وعزائمَه، دعاه فأجابَه ، وقادَه فاتَّبَعَه، لا تأْخُذُه في اللّهِ لومَةٌ لائم، فصلواتُ اللّه عليه ورحمتُه.
ثمّ نزل عن المنبر.
فقال معاوية: أخطأ عجِل(2) أو كاد ، و أصاب متثبّت(3) أو
ص: 339
كاد،(1) ماذا أرَدْتُ مِن خطبة الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)!
{37}
[349] إنّي لأعرف موضع رجل ما بعثه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في وجه إلّا فتح اللّه عليه [و] مات يوم مات ولم يَدَعْ إلّا سبع مائة درهم [فضل ] مِن عطائه أراد بها شراء خادم أو حلّ ؟ تركه على صبيّ.(2)
{39}
[351] فلمّا مضى علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى سبيل اللّه اجتمع الناس إلى ابنه الحسن، فبايعوه ورضوا به وبأخيه الحسن من بعده. قال : فنادى الحسن في الناس فجمعهم في مسجد الكوفة، ثمّ صعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال :
أيّها الناس! إنّ الدنيا دار بلاء وفتنة، وكلّ مافيهافآئل إلى زوال واضمحلال، وقد نبّأنا اللّه عنها لكي نعتبه، وتقدّم إلينا فيها بالوعد لكي نزدجر، فلا يكون له علينا حجّة بعد الإعذار والإنذار، فازهدوا فيما يفنی، وارغبوا فيما يبقى، وخافوا اللّهَ في السرّ والعلانية.
الا! وقد علمتم أنّ أمير المؤمنين عليّاً (رحمه اللّه) حيّاً وميّتاً، عاش بقدر ومات بأجل، وإنّي أُبايعكم على أن تحاربوا من حاربتُ وتسالموا من سالمت.
ص: 341
فقال الناس : سمعنا وأطعنا، فمرنا بأمرك يا أمير المؤمنین.(1)
{40}
[302] نحنُ حزبُ اللّهِ الغالبون، وعترةُ رسوله الأقرَبون، وأهلُ بيتِه الطيّبون الطاهرون، وأحدُ الثِقلَين اللّذَين خلّفهما رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في أُمّتِه ، والثاني كتاب اللّه ، فيه تفصيلُ كلّ شيء، لا يأتيه الباطلُ مِن بينِ يدَيه ولا مِن خلفِه.
فالمعوّلُ علينا في تفسيره، لانتظنّى تأويلَه، بل نیتقّنُ حقائقَه، فأطیعونا، فإنّ طاعتَنا مفروضةً، إذ كانت بطاعة اللّه عزّوجلّ ورسوله مقرونة.
قال اللّه عزّوجلّ: «یَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ»(2)، «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ»(3).(4)
ص: 342
وَ أُحَذِّرُكُمُ الْإِصْغَاءَ لِهُتَافِ الشَّيْطَانِ ، فَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ، فَتَكُونُوا كَأَوْلِيَائِهِ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ: «لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَ قالَ إِنِّي بَرِي ءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ».(1)
فَتُلْقَوْنَ إِلَى الرِّمَاحِ وَزَراً وَ إِلَى السُّيُوفِ جَزَراً وَ لِلْعَمَدِ حِطَماً وَ لِلسِّهَامِ غَرَضاً ثُمَ «لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً».(2)
ص: 343
{41}
[353] روي أنّه لمّا سار معاوية إلى العراق، وبلغ جسر منبج(1)، نادی المنادي : الصلاة جامعة، فلمّا اجتمعوا خرج الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فصعد المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْجِهَادَ عَلَى خَلْقِهِ وَ سَمَّاهُ كَرْهاً ثُمَّ قَالَ لِأَهْلِ الْجِهَادِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «اصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين» (2)، فَلَسْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ نَائِلِينَ مَا تُحِبُّونَ إِلَّا بِالصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُونَ.
إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ مُعَاوِيَةَ بَلَغَهُ أَنَّا كُنَّا أَزْمَعْنَا عَلَى الْمَسِيرِ إِلَيْهِ فَتَحَرَّكَ لِذَلِكَ فَاخْرُجُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ إِلَى مُعَسْكَرِكُمْ بِالنُّخَيْلَةِ(3) حَتَّى نَنْظُرَ وَ تَنْظُرُونَ وَ نَرَى وَ تَرَوْنَ قَالَ وَ إِنَّهُ فِي كَلَامِهِ لَيَتَخَوَّفُ خِذْلَانَ النَّاسِ لَهُ .(4)
ص: 344
{42}
[354] وَ ايْمُ اللَّهِ لَا تُرَى أُمَّةُ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خَفْضاً مَا كَانَتْ سَادَتُهُمْ وَ قَادَتُهُمْ فِي بَنِي أُمَيَّةَ وَ لَقَدْ وَجَّهَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ فِتْنَةً لَنْ تُصَدُّوا(1) عَنْهَا حَتَّى تَهْلِكُوا لِطَاعَتِكُمْ طَوَاغِيتَكُمْ وَ انْضِوَائِكُمْ(2) إِلَى شَيَاطِينِكُمْ فَعِنْدَ اللَّهِ أَحْتَسِبُ مَا مَضَى وَ مَا يُنْتَظَرُ مِنْ سُوءِ رَغْبَتِكُمْ(3) وَ حَيْفِ(4) حِلْمِكُمْ(5).(6)
{43}
[305] یا ایّها الناس ! تيقّظوا مِن رقدة الغفلة، ومِن نُهزَة الوُسعَة، ومِن تكاثُف(7) الظُلمة، ومِن نُقصانِ مخلصةٍ، فوالّذي فلق الحبّة وبرأ النسمَة، وتردّى بالعظمة، لئن قامَ إلىّ منكم عُصبةٌ بقلوبٍ صافيةٍ، ونيّات مُخلِصة(8)، لا يكونُ فيها شوبُ نِفاق، ولانيّةُ افتراق، لأُجاهّدَنّ بالسيف قَدَماً قَدَماً، ولأضعنّ(9) مِن السُيوف جوانِبَها، ومِن الرماحِ أطرافَها، ومن الخيلِ سنابِكَها ،
ص: 345
فتكلّموا رحمكم اللّه.(1)
{44}
[356] معاشِرَ الناس ! عَفَتِ(2) الدِّيَارُ، وَ مُحِيَتِ الْآثَارُ، وَ قَلَّ الِاصْطِبَارُ، فَلَا قَرَارَ عَلَى هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَ حُكْمِ الْخَائِنِينَ، السَّاعَةَ وَ اللَّهِ صَحَّتِ(3) الْبَرَاهِينُ، وَ فُصِّلَتِ(4) الْآيَاتُ، وَ بَانَتِ الْمُشْكِلَاتُ، وَ لَقَدْ كُنَّا نَتَوَقَّعُ تَمَامَ هَذِهِ الْآيَةِ تَأْوِيلَهَا، قال اللّه تعالى : «وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِين». (5)
لَقَدْ مَاتَ وَ اللَّهِ جَدِّي رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وَ قُتِلَ أَبِي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وَ صَاحَ الْوَسْوَاسُ الْخَنَّاسُ، فِي قُلُوبِ النَّاسِ، وَ نَعَقَ نَاعِقُ الْفِتْنَةِ، وَ خَالَفْتُمُ السُّنَّةَ، فَيَا لَهَا مِنْ فِتْنَةٍ صَمَّاءَ بكماء عَمْيَاءَ، لَا يُسْمَعُ لِدَاعِيهَا، وَ لَا يُجَابُ مُنَادِيهَ،، وَ لَا يُخَالَفُ وَالِيهَا، ظَهَرَتْ كَلِمَةُ(6)، النِّفَاقِ وَ سُيِّرَتْ رَايَاتُ أَهْلِ الشِّقَاقِ، وَ تَكَالَبَت
ص: 346
جُيُوشُ أَهْلِ الْمِرَاقِ مِنَ(1) الشَّامِ وَ الْعِرَاقِ هَلُمُّوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ إِلَى الإيضاح(2) وَ النُّورِ الْوَضَّاحِ وَ الْعِلْمِ الْجَحْجَاحِ(3) وَ النُّورِ الَّذِي لَا يُطْفَى وَ الْحَقِّ الَّذِي لَا يَخْفَى .(4)
{45}
[357) وإنّكم لو طلبتُم بين جابُلق(5) وجابُرْس رَجُلاً جَدُّه رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ما وجدنُموا غيري وغيرَ أخي الحسين، وقد علمتُم أن اللّهَ هداكم بجدّي محمّد، فأنقذكم به مِن الضَلالَة، ورَفَعَكُمْ بِه مِن الجهَالَة، وأعزّكم بعدَ الذِلّة، وكثّر كم بَعْد القِلّة. (6)
ص: 347
{46}
[358] خالفتُم أبي حتّى حكّم وهو كارِه، ثمّ دعاكم إلى قتال أهلِ الشام بعدَ التحكيم، فأبيتم حتّى صار إلى كرامةِ اللّه، ثمّ بایعتُموني على أنْ تُسالِموا مَن سالَمَني، وتُحارِبوا مَن حاربَني، وقد أتاني أنّ أهلَ الشَرَف مِنكم قد أتَوا معاوية، وبايعوه، فحسَبْي منِكُم، لاتَغَرُّوني مِن ديني ونَفْسي. (1)
{47}
[359] فركب وركب معه من أراد الخروج، وتخلّف عنه كثير ، فما و فوا بما قالوه وبما وعدوه، وغرّوه كماغرّوا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من قبله، فقام خطيباً ، وقال :
غررتموني كما غررتم مَن كان قَبْلي، مع أيّ إمام تقاتلون بعدي، مع الكافر الظالم الّذي لم يؤمن باللّه ولا برسوله قطّ، ولا أظهر الإسلام هو وبني أُميّة إلّا فرقاً من السيف؟! ولو لم يبق لبني أُميّة إلّا عجوز درداء(2)، لبغت
ص: 348
دین اللّه عوجاً(1)، وهكذا قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
ثمّ وجّه إليه قائداً في أربعة آلاف، وكان من كندة وأمره أن يعسكر بالأنبار ولا يحدث شيئاً حتّى يأتيه أمره، فلمّا توجّه إلى الأنبار ونزل بها، وعلم معاوية بذلك، بعث إليه رُسُلاً وكتب إليه معهم أنّك إن أقبلتَ إليّ أُولّك بعض كُوَر(2) الشام والجزيرة، غیر مُنفسِ(3) عليك، وأرسل إليه بخمسمائة ألف درهم، فقبض الكنديُّ عدوَّ اللّه المال، وقلب على الحسن، وصار إلى معانية في مائتي رجل من خاصته وأهل بيته.(4)
{48}
[360] لمّا صار قائده الكندي إلى معاوية قام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) خطيباً، ثمّ ذكر صيرورة الرجل إلى معاوية بسبب تطمیعه، إلى أن قال : فبلغ ذلك الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقام خطيباً وقال :
هذا الكنديُّ توجّه إلى معاويةَ وغَدَرَ بي وبكم، وقد أخبرتُكم مرّةً بعد مرّةٍ، أنّه لا وفاء لكم، أنتُم عبيدُ الدُنيا، وأنا موجِّهٌ رَجُلاً آخَر محلَّه، وإنّي أعلم أنه سيفعلُ بي وبكم ما فعل صاحبُه، ولا يُراقِبُ اللّهَ فيَّ ولا فيكم.
فبعث إليه رجلاً من مرادٍ في أربعة آلاف، وتقدّم إليه بمشهد مِن الناس
ص: 349
وتوكّد عليه، وأخبره أنّه سيَغْدِر كماغدر الكندي، فحلف له بالأيمان الّتي لا تقوم لها الجبال أنّه لا يفعل.
فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنه سيغدر ، ثمّ ذكر غدره بالإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ).(1)
وأورد البحراني في «مدينة المعاجز» الخطبة وقال :
وجّه الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) قائداً كندیّاً في أربعة آلاف، فلمّا توجّه إلى الأنبار ونزل بها وعلم بذلك معاوية - لعنه اللّه - بعث إليه رسولاً وكتب إليه معاوية : إنّك إن أقبلتَ إليّ ولّيتك بعض أكوار الشام والجزيرة غير منفوس عليك، وحمل إليه خمسمائة ألف درهم، فقبضها الكندي - لعنه اللّه - وانقلب على الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومضى إلى معاوية - لعنه اللّه-.
فقام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) خطيباً، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال :
أيّها الناس! إنّ صاحبي بعث إليه معاوية بخمسمائة ألف درهم ووعده ومناه وولّاه كور الشام والجزيرة غير منفوس عليه وقد توجّه إليه وغدر بي وبكم وقد أخبرتكم مرّة بعد مرّة أنّه لا وفاء لكم، ولاخير عندكم، وأنتم عبيدُ الدُنيا وإنّي موجّه أحداً مكانه، وإنّي لأعلَمُ أنّه سيَفْعَلَنَّ بي وبكم مافعله صاحبه، ولا يُراقب اللّه فيَّ .
فبعث رجلاً من مراد في أربعة آلاف فارس وتقدّم إليه فحلف بالأيمان لا يقوم لها الجبال أنّه لا يفعل مثل ما فعل صاحبه وحلف الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه سيفعل ويغدر.(2)
ص: 350
{49}
[391] فلمّا توجّه المرادي وصار بالأنبار ونزل بها وعلم بذلك معاوية - لعنه اللّه - بعث إليه رسولاً وكتب إليه بمثل ما كتب إلى صاحبه وبعث إليه بخمسمائة ألف درهم ومناه أن يولّيه أيّ ولاية أحبّ من كور الشام والجزيرة، فانقلب على الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأخذ طريقه إلى معاوية - لعنه اللّه - ولم يراقب اللّه ولم يحفظ ما أخذه عليه من العهد والميثاق.
وبلغ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما فعله المرادي، فقام خطيباً فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال :
أيّها الناس! قد أخبرتكم غيرَ مرّةٍ أنّكم لا توفون بعهد، وإنّكم غَدَرْتم ، وهذا صاحبُكم المُراديّ قد غَدَر بي، وصار إلى معاوية.(1)
{50}
[362] وبلغ الحسن ما فعل المراديّ فقام خطيباً فقال :
قد أخبرتكم مرّة بعد أخرى أنّكم لا تفون للّه بعهود، وهذا صاحبكم المراديّ غدر بي وبكم، وصار إلى معاوية.
فقالوا: إن خانك الرجلان و غدرا بك فإنّا مُناصِحون لك.
فقال لهم الحسن : لأدعونّ هذه المرّة فيما بيني وبينكم، وإنّي لأعلم أنّكم غادرون ما بيني وبينكم إنّ معسكر بالنخيلة فوافوني هناك ، واللّه لا تفون لي
ص: 351
بعهدي، ولتنقضّ الميثاق بيني وبينكم.(1)
{51}
[363] فانصرف إلى الكوفة فدخلها وصعد المنبر ، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال :
یا عجباً من قوم لاحياءَ لهم ولا دينٌ يَغْدِرون مرّة بعد أخرى، أما واللّهِ لو وجدتُ علی ابنِ هندٍ أعواناً ما وضعتُ يدي في يده أبداً ولا سلّمت إليه الخلافةَ وإنّها محرّمةٌ عليهم فماذا أتيتم إلّا ما أرى من غدر كم و فعاِلكم فيّ، فإنّي واقع يدي في يده، وأيم اللّهِ لا ترون فرجاً أبداً مع بني أُميّة وإنّي لأعلم أني عنده الأحسن حالاً منكم وتاللّه ليسومنّكم بنو أُميّة سوء عذاب حتّى تتمنّوا أنّ عليكم جيشاً أجدع، لا معاوية فأُفٍّ لكم وترحاً یا عبيدَ الدُنيا و أبناء الطمع.(2)
ص: 352
أيّها الناس! إنّكم قد بایعتموني على أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت، واللّه لقد أصبحت وما أنا محتمل على أحد من هذه الأُمّة ضغنة في شرق ولا غرب ولما تكرهون في الجاهليّة، والأُلفة والأمن وصلاح ذات البين خير ممّا تحبّون من الفرقة والخوف والتباغض والعداوة، والسلام.
قال : فلمّا سمع الناس هذا الكلام من الحسن كأنّه وقع بقلوبهم أنه خالع نفسه مِن الخلافة ومسلم الأمر لمعاوية، فغضبوا لذلك، ثمّ بادروا إليه من كلّ ناحية، فقطعوا عليه الكلام، ونهبوا عامة أثقاله، وخرقوا ثيابه، وأخذوا مطرفاً كان عليه، وأخذوا أيضاً جارية كانت معه، وتفرّقت عنه عامة أصحابه ، فقال الحسن : لا حول ولا قوّة إلا باللّه.
ص: 354
{53}
[365] يا أهل العراق! إنّه سَخِيَ بَنَفْسي علیكم ثلاثٌ: قتلُكم أبي ، وطعنُكم إيّایَ، وانتِهابُكم مَتاعي.(1)
ص: 355
ص: 356
{54}
[366] يا أهلَ الكوفة! إِتَّقوا اللّهَ في جيرانِكم وضيفانِكم، وفي أهل بيت نبیّكُم، الّذينَ أذهبَ اللّهُ عنهُمُ الرِجْسَ وطهَّرَهم تَطهيراً.(1)
ص: 357
ص: 358
{55}
[367] أما واللّه ما ثنانا عن قتال أهلِ الشام ذلّة ولا قِلّة، ولكن كنّا نُقاتِلُهم بالسَلامة والصبر، فشيبت السلامةُ بالعداوِة، والصبرُ بالجزعِ، وكنتم تتوجّهون معنا، ودينُكم أمامَ دُنياكم، وقد أصبحتُم الآن ودُنياكم أمام دینكم، وكنّا لكم وكنتم لنا، وقد صرتُمُ اليومَ علينا
ثمّ أصبحتُم تَعُدّون قتيلَيْن : قَتيلاً بصِفّين تبكون عليهم، وقيلاً بالنَهْرَوان تطلبون بثارهم، فأمّا الباكي فخاذل ، وأمّا الطالب فثائر.
وإنّ معاويةَ قد دعا إلى أمْرٍ ليس فيه عزٌّ ولانَصَفَة، فإن أردتُم الحياةَ
ص: 359
قبِلناهُ منه، واغضُضْنا على القَذى، وإن أردتُمُ الموتَ بذلناه في ذاتِ اللّه، وحاكمناه إلى اللّه.
فنادى القوم بأجمعهم: بل البقيّة والحياة.(1)
ص: 360
{56}
[398] أنبأنا صدقة بن المثنى(1)، عن جدّه ریاح بن الحارث [النخعي] قال : كنت عند منبر الحسن بن عليّ وهو يخطب الناس بالمدائن فقال :
الا! إنّ أمر اللّه واقع إذ لاله دافع وإن كره الناس(2) إنّي ما أحببتُ أن ألي من أمر أُمّة محمّدٍ مثقال حبّةٍ مِن خردل یُهراق فيه محجم من دم(3) قد علمت ممّا ينفعني ممّا يضرّني، فالحقوا بطِيَّتكم.(4)
قال : وحدّثني أبي، أنبأنا یحیی بن سعید، عن صدقة بن المثنّي حدّثني جدّي : أنّ الناس اجتمعوا إلى الحسن بن عليّ بالمدائن بعد قتل عليّ فخطبهم فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال :
أمّا بعد إنّ كلّ ما هو آت قريب، وإنّ أمر اللّه واقع إذلاله - يعني - دافع
ص: 361
وإن كره الناس، وإنّي واللّه ما أحببت - قال محمّد بن عبيد : هذه الكلمة [إتي واللّه ما أحببت] أن ألي من أمر أُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مایزن مثقال حبّة خردل تهراق فيها محجمة من دم، فقد عقلت ما ينفعني ممّا يضرّني، فالحقوا بمطيّتكم.(1)
{57}
[369] روي أنه لمّا صار معاوية نحو العراق وتحرّك الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه، صار (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى نزل ساباط، وبات هناك، فلمّا أصبح أراد (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يمتحن أصحابه ، ويستبرىء أحوالهم في طاعته، ليميّز أولياءه من إعدائه ، ويكون على بصيرة من لقاء معاوية، فأمر أن ينادي في الناس بالصلاة جامعة، فاجتمعوا، فصعد المنبر فخطبهم فقال :
الْحَمْدُ لِلَّهِ كُلّمَا(2) حَمِدَهُ حَامِدٌ، وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كُلَّمَا شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ وَ ائْتَمَنَهُ عَلَى الْوَحْيِ .
أَمَّا بَعْدُ، فَوَ اللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ قَدْ أَصْبَحْتُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَ مَنِّهِ، وَ أَنَا
ص: 362
أَنْصَحُ خَلْقِ اللَّهِ لِخَلْقِهِ، وَ مَا أَصْبَحْتُ مُحْتَمِلًا عَلَى مُسْلِمٍ ضَغِينَةً، وَ لَا مُرِيداً لَهُ بِسُوءٍ وَ لَا غَائِلَةٍ، وَ(1) إِنَّ مَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ خَيْرٌ لَكُمْ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ،وَ إِنِّي نَاظِرٌ لَكُمْ خَيْراً مِنْ نَظَرِكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، فَلَا تُخَالِفُوا أَمْرِي وَ لَا تَرُدُّوا عَلَيَّ رَأْيِ،ي غَفَرَ اللَّهُ لِي وَ لَكُمْ، وَ أَرْشَدَنِي وَ إِيَّاكُمْ لِمَا فِيهِ الْمَحَبَّةُ وَ الرِّضَا.
قال : فنظر الناس بعضهم إلى بعض، وقالوا : ما ترونه یرید بما قال؟ قالوا: نظن أنه يريد أن يصالح معاوية ويسلم الأمر إليه، فقالوا: كفر واللّه الرجل وشدّوا على فسطاطه ، فانهبوه حتّى أخذوا مصلّاه من تحته، الخ.(2)
{58}
[370] روي أنه لمّا ضرب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و بخنجر مسموم عدل إلى موضع مسمّى ببطن جريح، وعليها عم المختار، وقال المختار لعمّه : تعال حتّى نأخذ الحسن ونسلّمه إلى معاوية، وبعد أن علموا الشيعة به همّوا بقتل المختار، فتلطّف عمّه بالعفو عنه ففعلوا.
فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
ویلكم! واللّهِ إنّ معاوية لا يفي لأحدٍ منكم بما ضَمِنَه في قَتْلي، وإنّي
ص: 363
أَظُنُّ أَنِّي إِنْ وَضَعْتُ يَدِي فِي يَدِهِ فَأُسَالِمُه، لَمْ يَتْرُكْنِي أَدِينُ لِدِينِ جَدِّي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وَ أَنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدِي، وَ لَكِنِّي كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَبْنَائِكُمْ وَاقِفِينَ عَلَى أَبْوَابِ أَبْنَائِهِمْ يَسْتَسْقُونَهُمْ وَ يَسْتَطْعِمُونَهُمْ بِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُمْ، فَلَا يُسْقَوْنَ وَ لَا يُطْعَمُونَ فَبُعْداً وَ سُحْقاً لِمَا كَسَبَتْهُ أَيْدِيكُمْ «وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون »(1).(2)
{59}
[371] وأرسل معاوية إلى قيس فقال : يا هذا! على ماذا تقاتلنا وتقتل نفسك؟ وقد أتانا الخبر اليقين بأنّ صاحبك قد خلعه أصحابه ، وقد طعن في فخذه طعنة أسفي منها على الهلاك، فيجب أن تكفّ عنا ونكف عنك إلى أن يأتيك علم ذلك.
قال : فأمسك قیس بن سعد عن القتال ينتظر الخبر، قال : وجعل أهل العراق يتوجّهون إلى معاوية قبيلة بعد قبيلة ، حتّى خفّ عسكره.
فلمّا رأى ذلك كتب إلى الحسن بن علي يخبره بما هو فيه.
فلمّا قرأ الحسن الكتاب أرسل إلى وجوه أصحابه فدعاهم، ثمّ قال :
يا أهل العراق! ما أصنعُ بجماعتكم معي وهذا كتاب قیس بن سعد يخبرني بأنّ أهل الشرف منكم قد صاروا إلى معاوية ، أما واللّه ما هذا بمنكر منكم لأنّكم أنتم الّذين أكرهتم أبي يوم صفّين على الحَكَمَين ، فلمّا أمضى الحكومة وقبل
ص: 364
منكم اختلفتم، ثمّ دعاكم إلى قتال معاوية ثانية فتوانیتم، ثمّ صار إلى ما صار إليه من كرامة اللّه إيّاه ، ثمّ إنّكم بایعتموني طائعين غير مكرهين ، فأخذت بيعتكم وخرجت في وجهي هذا، واللّه يعلم ما نويت فيه، فكان منكم إلىّ ما كان، يا أهل العراق ! فحسبي منكم لا تعزوني في ديني فإنّي مسلّم هذا الأمر إلى معاوية. (1)
{60}
[372] «أنْتم شيعَتُنا، وأهلُ مَوَدَّتِنا، ولو كُنتُ بالحَزْمِ في أمرِ الدُّنيا أعْمَلُ، ولِسُلطانِها أرْبَضُ وأنْصَبُ، ما كانَ مُعاويةُ بأشدَّ مِنِّي بأْساً، ولا أشَدَّ شكِيمةً، ولا أمضَى عَزيمَةً، ولكنِّي أرَى غَيرَ ما رَأيتُم، وما أردتُ بِما فَعَلْتُ إلَّاحَقْن الدِّماء.
فارضوا بقضاء اللّه وسلّموا لأمره، وألزموا بيوتَكم وأمسِكوا - أو قال -: كُفُّوا أيدِيَكُم حَتَّى يَسْتَرِيحَ برٌّ أو يُسترَاحَ مِن فاجِر.(2)
ص: 365
{61}
[373] إِنَّ مُعَاوِيَةَ نَازَعَنِي حَقّاً هُوَ لِي دُونَهُ، فَنَظَرْتُ لِصَلَاحِ الْأُمَّةِ وَ قَطْعِ الْفِتْنَةِ، وَ قَدْ كُنْتُمْ بَايَعْتُمُونِي عَلَى أَنْ تُسالِموا مَنْ سَالَمْتُ وَ [تُحَارِبُوا] مَنْ حَارَبْتُ، فَرَأَيْتُ أَنْ أُسَالِمَ مُعَاوِيَةَ، وَ أَضَعَ الْحَرْبَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ، وَ قَدْ بَايَعْتُهُ، وَ رَأَيْتُ أَنًّ حَقْنَ الدِّمَاءِ خَيْرٌ مِنْ سَفْكِهَا، وَ لَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إِلَّا صَلَاحَكُمْ وَ بَقَاءَكُمْ، «وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ»(1) .(2)
{62}
[374] أيّها الناس ! قد علمتم أنّ اللّه جلّ ذكره وعزّ اسمه هداكم بجدّي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأنقذكم من الضلالة، وخلّصكم من الجهالة، وأعزّكم به بعد الذلّة، وكثّركم به بعد القلّة، وأنّ معاوية نازعني حقّاً هو لي دونه، فنظرت لصلاح الأُمّة وقطع
ص: 366
الفتنة ، وقد كنتم بایعتموني على أن تسالموا من سالمني وتحاربوا من حاربني، فرأيتُ أن أسالم معاوية وأضع الحرب بيني وبينه، وقد صالحته ورأيت أنّ حقن الدماء خيرٌ مِن سفكها ولم أرد بذلك إلّا صلا حكم وبقائكم«وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ».(1)
{63}
[375] إنّما هادنْتُ حَقْناً للدِماء وصِيانَتِها، وإشفاقاً على نَف سي وأهلي والمُخلِصينَ من أصحابي.(2)
ص: 367
وروي لمّا اصطلح الحسن بن عليّ ومعاوية صعد الحسن المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال :
أيّها الناس إنّ اللّه هدى أوّلكم بأوّلنا، وحقن دماءكم بأخِرنا، وقد كانت لكم لي في رقابكم بيعة تحاربون من حاربت، وتسالمون من سالمت، وقد سالمت معاوية «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ» وأشار إلى معاوية.(1)
ورویت بنحو آخر:
أيها الناس! إنّ اللّه هداكم بأوّلنا وحقن دمائكم بآخرنا، وإنّي قد أخذت لكم على معاوية أن يعدل فيكم وأن يوفّر عليكم غنائمكم وأن يقسم فيكم فيئكم.
ثمّ أقبل على معاوية فقال : أكذاك؟
قال : نعم.
ثمّ هبط من المنبر وهو يقول: ويشير بإصبعه إلى معاوية : «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ».(2)
ص: 369
{65}
[377] [جمع الإمام رؤوسَ أهلِ العراق في قصر المدائن وتعييرُه إياهم بقتلهم أباه أمير المؤمنين وطعنهم إيّاه في فخذه، وانتهابهم ثقله، وإخباره إيّاهم بأنه قد سالَمَ معاوية وصالحه].
يا أهل العراق ! لو لم تذهل نفسي عنكم إلّا لثلاث لذهلت : مقتلكم أبي ، ومطعنكم إيّاي واستلابكم ثقلي - أو ردائي عن عاتقي. شكَّ عون - وإنكّم قد بایعتموني أن تسلموا مَن سالمت، وتحاربوا من حاربت، وإنّي قد بايعتُ معاوية فاسمعوا له وأطيعوا.
ثمّ قام فدخل القصر وأغلق الباب دونهم.(1)
ص: 370
{66}
[378] ألا وإنّ هذا الأمر الّذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إمّا أن يكون حقّ امرء كان أحقّ به منّي أو كان حقاٌّ لي تركته التماساً لصلاح أمر هذه الأُمّة، وإنْ أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين.(1)
ص: 371
{67}
[379] قال بعد الحمد والتصلية :
يا معشر الخلائق ! فَاسْمَعُوا، وَ لَكُمْ أَفْئِدَةٌ وَ أَسْمَاعٌ فَعُوا، إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَ اخْتَارَنَا وَ اصْطَفَانَا وَ اجْتَبَانَا، فَأَذْهَبَ عَنَّا الرِّجْسَ وَ طَهَّرَنَا تَطْهِيراً، وَ الرِّجْسُ هُوَ الشَّكُّ، فَلَا نَشُكُّ فِي اللَّهِ الْحَقِّ وَ دِينِهِ أَبَداً، وَ طَهَّرَنَا مِنْ كُلِّ أَفَن(1) وَ غَيَّةٍ(2) مُخْلَصِينَ إِلَى آدَمَ نِعْمَةً مِنْهُ، لَمْ يَفْتَرِقِ النَّاسُ قَطُّ فِرْقَتَيْنِ إِلَّا جَعَلَنَا اللَّهُ فِي خَيْرِهِمَا.
فَأَدَّتِ الْأُمُورُ وَ أَفْضَتِ الدُّهُورُ إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) لِلنُّبُوَّةِ، وَ اخْتَارَهُ لِلرِّسَالَةِ، وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَكَانَ أَبِي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَوَّلَ مَنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَ لِرَسُولِهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وَ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ وَ صَدَّقَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ.(3)
وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْمُنْزَلِ عَلَى نَبِيِّهِ الْمُرْسَلِ: «أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ»(4)، فَرَسُولُ اللَّهِ الَّذِي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّه ،
ص: 372
وَ أَبِي الَّذِي يَتْلُوهُ، وَ هُوَ شَاهِدٌ مِنْهُ.(1)
وَ قَدْ قَالَ لَهُ رَسُولُه حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ إِلَى مَكَّةَ وَ الْمَوْسِمِ بِبَرَاءَةَ: سِرْ بِهَا يَا عَلِيُّ،،فَإِنِّي أُمِرْتُ أَنْ لَا يَسِيرَ بِهَا إِلَّا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنِّي، وَ أَنْتَ هُوَ يَا عَلِيُّ" فَعَلِيٌّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْهُ.(2)
وَ قَالَ لَهُ نَبِيُّ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حِينَ قَضَى بَيْنَهُ وَ بَيْنَ أَخِيهِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) وَ مَوْلَاه
ص: 373
زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ(1) فِي ابْنَةِ حَمْزَةَ:" أَمَّا أَنْتَ يَا عَلِيُّ فَمِنِّي وَ أَنَا مِنْكَ، وَ أَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي(2)،فَصَدَّقَ أَبِي رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) سَابِقاً وَ وَقَاهُ بِنَفْسِه .(3)
ص: 374
ثُمَّ لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ يُقَدِّمَهُ، وَ لِكُلِّ شَدِيدَةٍ يُرْسِلُهُ، ثِقَةً مِنْهُ وَ طُمَأْنِينَةً إِلَيْهِ، لِعِلْمِهِ بِنَصِيحَتِهِ لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ إِنَّهُ أَقْرَبُ الْمُقَرَّبِينَ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ.
وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: «وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ»(1)،فكَانَ أَبِي سَابِقَ السَّابِقِينَ إِلَى اللَّهِ تعالی وَ إِلَى رَسُولِهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وَ أَقْرَبَ الْأَقْرَبِينَ.
فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :«لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً»(2)،فَأَبِي كَانَ أَوَّلَهُمْ إِسْلَاماً وَ إِيمَاناً، وَ أَوَّلَهُمْ إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ هِجْرَةً وَ لُحُوقاً، وَ أَوَّلَهُمْ عَلَى وُجْدِهِ وَ وُسْعِهِ نَفَقَةً.
قَالَ سُبْحَانَهُ : «وَ الَّذِينَ جاءؤُا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا
ص: 375
رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ».(1)
فَالنَّاسُ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ بِسَبْقِهِ إِيَّاهُمْ الْإِيمَانَ بِنَبِيِّهِ، وَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَى الْإِيمَانِ أَحَدٌ، وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ»(2)فَهُوَ سَابِقٌ جَمِيعَ السَّابِقِينَ، فَكَمَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَضَّلَ السَّابِقِينَ عَلَى الْمُتَخَلِّفِينَ وَ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَكَذَلِكَ فَضَّلَ سَابِقَ السَّابِقِينَ عَلَى السَّابِقِينَ.
وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تعالی:«أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وجاهَدَ في سبیلِ اللّه»(3)، فهوَ الْمُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَقّاً، وَ فِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.(4)
وَ كَانَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِرَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) عَمُّهُ حَمْزَةُ وَ جَعْفَرٌ ابْنُ عَمِّهِ، فَقُتِلَا شَهِيدَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَتْلَى كَثِيرَةٍ مَعَهُمَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ).
ص: 376
فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى حَمْزَةَ سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَ جَعَلَ لِجَعْفَرٍ جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا مَعَ الْمَلَائِكَةِ كَيْفَ يَشَاءُ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَ ذَلِكَ لِمَكَانِهِمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وَ مَنْزِلَتِهِمَا وَ قَرَابَتِهِمَا مِنْهُ، وَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عَلَى حَمْزَةَ سَبْعِينَ صَلَاةً مِنْ بَيْنِ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ اسْتُشْهِدُوا مَعَهُ.(1)
وَ كَذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِنِسَاءِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لِلْمُحْسِنَةِ مِنْهُنَّ أَجْرَيْنِ، وَ لِلْمُسِيئَةِ مِنْهُنَّ وِزْرَيْنِ ضِعْفَيْنِ، لِمَكَانِهِنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )(2).(3)
وَ جَعَلَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بِأَلْفِ صَلَاةٍ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ إِلَّا مَسْجِدَ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِمَكَّةَ(4)، وَ ذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مِنْ رَبِّهِ.(5)
ص: 377
وَ فَرَضَ اللَّهُ (عَزَّ وَ جَلَّ) الصَّلَاةَ عَلَى نَبِيِّهِ عَلَى كَافَّةِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ" فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْنَا مَعَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فَرِيضَةً وَاجِبَةً.(1)
وَ أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى خُمْسَ الْغَنِيمَةِ لِرَسُولِهِ، وَ أَوْجَبَهَا لَهُ فِي كِتَابِهِ(2)، وَ أَوْجَبَ لَنَا مِنْ ذَلِكَ مَا أَوْجَبَ لَهُ، وَ حَرَّمَ عَلَيْهِ الصَّدَقَةَ وَ حَرَّمَهَا عَلَيْنَا مَعَهُ، فَأَدْخَلَنَا- فَلَهُ الْحَمْدُ- فِيمَا أَدْخَلَ فِيهِ نَبِيَّهُ وَ أَخْرَجَنَا وَ نَزَّهَنَا مِمَّا أَخْرَجَهُ مِنْهُ وَ نَزَّهَهُ عَنْهُ، كَرَامَةً أَكْرَمَنَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهَا، وَ فَضِيلَةً فَضَّلَنَا بِهَا عَلَى سَائِرِ الْعِبَاد.(3)
ص: 378
فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حِينَ جَحَدَهُ كَفَرَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَ حَاجَّوْهُ: «فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ»(1)، فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مِنَ الْأَنْفُسِ مَعَهُ أَبِي، وَ مِنَ الْبَنِينَ إِيَّايَ وَ أَخِي، وَ مِنَ النِّسَاءِ أُمِّي فَاطِمَةَ مِنَ النَّاسِ جَمِيعاً، فَنَحْنُ أَهْلُهُ وَ لَحْمُهُ وَ دَمُهُ وَ نَفْسُهُ، وَ نَحْنُ مِنْهُ وَ هُوَ مِنَّا.(2)
وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُم تَطْهِيراً»(3)، فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّطْهِيرِ جَمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أَنَا وَ أَخِي وَ أُمِّي وَ أَبِي، فَجَلَّلَنَا وَ نَفْسَهُ فِي كِسَاءٍ لِأُمِّ سَلَمَةَ خَيْبَرِيٍّ، وَ ذَلِكَ فِي حُجْرَتِهَا وَ فِي يَوْمِهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، وَ هَؤُلَاءِ أَهْلِي وَ عِتْرَتِي، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً.
فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا): أَدْخُلُ مَعَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَهَا رَسُول اللَّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يَرْحَمُكَ اللَّهُ، أَنْتِ عَلَى خَيْرٍ وَ إِلَى خَيْرٍ، وَ مَا أَرْضَانِي عَنْكَ، وَ لَكِنَّهَا خَاصَّةٌ لِي وَ لَهُمْ.
ص: 379
ثُمَّ مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بَعْدَ ذَلِكَ بَقِيَّةَ عُمُرِهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، يَأْتِينَا كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَقُولُ : الصَّلَاةَ يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ،« إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً».(1)
وَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بِسَدِّ الْأَبْوَابِ الشَّارِعَةِ فِي مَسْجِدِهِ غَيْرَ بَابِنَا، فَكَلَّمُوهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ:" إِنِّي لَمْ أَسُدَّ أَبْوَابَكُمْ وَ أَفْتَحَ بَابَ عَلِيٍّ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي، وَ لَكِنِّي أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ، وَ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِسَدِّهَا وَ فَتَحَ بَابَهُ" فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَعْدِهِ ذَلِكَ أَحَدٌ تُصِيبُهُ جَنَابَةٌ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وَ يُولِدُ فِيهِ الْأَوْلَادَ غَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وَ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) تَكْرِمَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَنَا، وَ فَضْلًا اخْتَصَّنَا بِهِ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ.(2)
وَ هَذَا بَابُ أَبِي قَرِينُ بَابِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فِي مَسْجِدِهِ، وَ مَنْزِلُنَا بَيْنَ مَنَازِلِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )،.
وَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ نَبِيَّهُ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدَهُ، فَبَنَى فِيهِ عَشْرَةَ أَبْيَاتٍ تِسْعَةً لِبَنِيهِ وَ أَزْوَاجِهِ وَ عَاشِرَهَا وَ هُوَ مُتَوَسِّطُهَا لِأَبِي فَهَا هُوَ لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ، وَ الْبَيْتُ هُوَ الْمَسْجِدُ الْمُطَهَّرُ، وَ هُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:« أَهْلَ الْبَيْتِ» فَنَحْنُ أَهْلُ الْبَيْتِ، وَ نَحْنُ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنَّا الرِّجْسَ وَ طَهَّرَنَا تَطْهِيراً.(3)
ص: 380
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي لَوْ قُمْتُ حَوْلًا ، أَذْكُرُ الَّذِي أَعْطَانَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ خَصَّنَا بِهِ مِنَ الْفَضْلِ فِي كِتَابِهِ وَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لَمْ أُحْصِهِ(1)، وَ أَنَا ابْنُ النَّبِيِّ النَّذِيرِ الْبَشِيرِ، السِّرَاجِ الْمُنِيرِ، الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ، وَ أَبِي عَلِيٌّ،(عَلَيهِ السَّلَامُ) وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَ شَبِيهُ هَارُونَ.(2)
وَ إِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ صَخْرٍ زَعَمَ أَنِّي رَأَيْتُهُ لِلْخِلَافَةِ أَهْلًا، وَ لَمْ أَرَ نَفْسِي لَهَا أَهْلًا، فَكَذَبَ مُعَاوِيَةُ، وَ ايْمُ اللَّهِ لَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، غَيْرَ أَنَّا لَمْ نَزَلْ أَهْلَ الْبَيْتِ مخيفين مَظْلُومِينَ مُضْطَهَدِينَ، مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ.
فَاللَّهُ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ مَنْ ظَلَمَنَا حَقَّنَا، وَ نَزَلَ عَلَى رِقَابِنَا، وَ حَمَلَ النَّاس
ص: 381
عَلَى أَكْتَافِنَا، وَ مَنَعَنَا سَهْمَنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْفَيْ ءِ وَ الْغَنَائِمِ، وَ مَنَعَ أُمَّنَا فَاطِمَةَ إِرْثَهَا مِنْ أَبِيهَا.
إِنَّا لَا نُسَمِّي أَحَداً، وَ لَكِنْ أُقْسِمُ بِاللَّهِ قَسَماً تَالِياً، لَوْ أَنَّ النَّاسَ سَمِعُوا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ رَسُولِهِ، لَأَعْطَتْهُمُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا، وَ الْأَرْضُ بَرَكَتَهَا، وَ لَمَا اخْتَلَفَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ سَيْفَانِ، وَ لَأَكَلُوهَا خَضْرَاءَ خَضِرَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَ مَا طَمِعْتَ فِيهَا يَا مُعَاوِيَةُ فیها.(1)
وَ لَكِنَّهَا لَمَّا أَخْرَجْتَ سَالِفاً مِنْ مَعْدِنِهَا، وَ زَحْزَحْتَ عَنْ قَوَاعِدِهَا، تَنَازَعَتْهَا قُرَيْشٌ بَيْنَهَا وَ تَرَامَتْهَا كَتَرَامِي الْكُرَةِ(2)، حَتَّى طَمِعْتَ فِيهَا أَنْتَ يَا مُعَاوِيَةُ وَ أَصْحَابُكَ مِنْ بَعْدِكَ،
وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): مَا وَلَّتْ أُمَّةٌ أَمْرَهَا رَجُلًا قَطُّ، وَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ، إِلَّا لَمْ يَزَلْ أَمْرُهُمْ يَذْهَبُ سَفَالًا حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى مَا تَرَكُوا.
وَ قَدْ تَرَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَ كَانُوا أَصْحَابَ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، هَارُونَ أَخَاهُ وَ خَلِيفَتَهُ وَ وَزِيرَهُ، وَ عَكَفُوا عَلَى الْعِجْلِ، وَ أَطَاعُوا فِيهِ سَامِرِيَّهُمْ، وَ هُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ خَلِيفَةُ مُوسَى(عَلَيْهِ السَّلَامُ).
وَ قَدْ سَمِعَتْ هَذِهِ الْأَمَّةُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يَقُولُ ذَلِكَ لِأَبِي : إِنَّهُ مِنِّي بِمَنْزِلَة
ص: 382
هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي.(1)
وَ قَدْ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حِينَ نَصَبَهُ لَهُمْ بِغَدِيرِ خُمٍّ وَ سَمِعُوهُ، وَ نَادَى لَهُ بِالْوَلَايَةِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يُبَلِّغَ الشَّاهِدُ مِنْهُمْ الْغَائِبَ(2)، وَ قَدْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حِذَاراً مِنْ قَوْمِهِ إِلَى الْغَارِ، لَمَّا أَجْمَعُوا أَنْ يَمْكُرُوا بِهِ، وَ هُوَ يَدْعُوهُمْ، لَمَّا لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمْ أَعْوَاناً، وَ لَوْ وَجَدَ عَلَيْهِمْ أَعْوَاناً لَجَاهَدَهُمْ.
وَ قَدْ كَفَّ أَبِي يَدَهُ وَ نَاشَدَهُمْ وَ اسْتَغَاثَ أَصْحَابَهُ، فَلَمْ يُغَثْ وَ لَمْ يُنْصَرْ، وَ لَوْ وَجَدَ عَلَيْهِمْ أَعْوَاناً مَا أَجَابَهُمْ، وَ قَدْ جُعِلَ فِي سَعَةٍ كَمَا جُعِلَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فِي سَعَةٍ.
وَ قَدْ خَذَلَتْنِي الْأُمَّةُ وَ بَايَعَتْكَ يَا ابْنَ حَرْبٍ(3)، وَ لَوْ وَجَدْتُ عَلَيْكَ أَعْوَانا
ص: 383
يَخْلُصُونَ مَا بَايَعْتُكَ، وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ هَارُونَ فِي سَعَةٍ حِينَ اسْتَضْعَفَهُ قَوْمُهُ وَ عَادَوْهُ، كَذَلِكَ أَنَا وَ أَبِي فِي سَعَةٍ حِينَ تَرَكَتْنَا الْأُمَّةُ وَ بَايَعَتْ غَيْرَنَا، وَ لَمْ نَجِدْ عَلَيْهِمْ أَعْوَاناً، وَ إِنَّمَا هِيَ السُّنَنُ وَ الْأَمْثَالُ تَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضاً.
أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّكُمْ لَوِ الْتَمَسْتُمْ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ رَجُلًا جَدُّهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وَ أَبُوهُ وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ، لَمْ تَجِدُوا غَيْرِي وَ غَيْرَ أَخِي، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ لَا تَضِلُّوا بَعْدَ الْبَيَانِ، وَ كَيْفَ بِكُمْ وَ أَنَّى ذَلِكَ مِنْكُمْ، أَلَا وَ إِنِّي قَدْ بَايَعْتُ هَذَا- وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ- «وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ».(1)
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا يُعَابُ أَحَدٌ بِتَرْكِ حَقِّهِ، وَ إِنَّمَا يُعَابُ أَنْ يَأْخُذَ مَا لَيْسَ لَهُ، وَ كُلُّ صَوَابٍ نَافِعٌ، وَ كُلُّ خَطَإٍ ضَارٍ لِأَهْلِهِ، وَ قَدْ كَانَتِ الْقَضِيَّةُ فَفَهَّمَهَا سُلَيْمَانَ فَنَفَعَتْ سُلَيْمَانَ(2)، وَ لَمْ تُضِرَّ دَاوُد.
ص: 384
فَأَمَّا الْقَرَابَةُ فَقَدْ نَفَعَتِ الْمُشْرِكَ، وَ هِيَ وَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِ أَنْفَعُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لِعَمِّهِ أَبِي طَالِب،ٍ وَ هُوَ فِي الْمَوْتِ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهِ، أَشْفَعْ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" وَ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يَقُولُ لَهُ إِلَّا مَا يَكُونُ مِنْهُ عَلَى يَقِينٍ، وَ لَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ غَيْرِ شَيْخِنَا- أَعْنِي أَبَا طَالِبٍ(1)- يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَ لَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً». (2)
أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا وَ عُوا، وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ رَاجِعُوا، وَ هَيْهَاتَ مِنْكُمُ الرَّجْعَةُ إِلَى الْحَقِّ، وَ قَدْ صَارَعَكُمُ النُّكُوصُ، وَ خَامَرَكُمُ(3)الطُّغْيَانُ، وَ الْجُحُودُ، أَ نُلْزِمُكُمُوها وَ أَنْتُمْ لَها كارِهُونَ؟ وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى .
قال علي بن الحسين السجّاد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قَالَ: فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَ اللَّهِ مَا نَزَلَ الْحَسَنُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) حَتَّى أَظْلَمَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ، وَ هَمَمْتُ أَنْ أَبْطِشَ(4) بِهِ ثُمَّ عَلِمْتُ أَنَّ الْإِغْضَاء (5)
ص: 385
أقرب إلى العافية.(1)
{68}
[380] روي أنّ معاوية سَأَلَ مُعَاوِيَةُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بَعْدَ الصُّلْحِ أَنْ يَخْطُبَ النَّاسَ، فَامْتَنَعَ فَنَاشَدَهُ أَنْ يَفْعَلَ، فَوُضِعَ لَهُ كُرْسِيٌّ فَجَلَسَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي تَوَحَّدَ فِي مُلْكِهِ، وَ تَفَرَّدَ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ، وَ يَنْزِعُهُ عَمَّنْ يَشَاءُ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْرَمَ بِنَا مُؤْمِنَكُمْ، وَ أَخْرَجَ مِنَ الشِّرْكِ أَوَّلَكُمْ، وَ حَقَنَ دِمَاءَ آخِرِكُمْ ، فَبَلَاؤُنَا عِنْدَكُمْ قَدِيماً وَ حَدِيثاً أَحْسَنُ الْبَلَاءِ، إِنْ شَكَرْتُمْ أَوْ كَفَرْتُم.
أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ رَبَّ عَلِيٍّ كَانَ أَعْلَمَ بِعَلِيٍّ حِينَ قَبَضَهُ إِلَيْهِ، وَ لَقَدِ اخْتَصَّهُ بِفَضْلٍ لَنْ تُعْهَدُوا بِمِثْلِهِ، وَ لَنْ تَجِدُوا مِثْلَ سَابِقَتِهِ.
فَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، طَالَمَا قَلَّبْتُمُ الْأُمُورَ حَتَّى أَعْلَاهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، وَ هُوَ صَاحِبُكُمْ، غَزَاكُمْ فِي بَدْرٍ ،وَ أَخَوَاتِهَا، جَرَّعَكُمْ رَنَقاً وَ سَقَاكُمْ عَلَقاً ،وَ أَذَلَّ رِقَابَكُمْ وَ شَرَقَكُمْ بِرِيقِكُمْ، فَلَسْتُمْ بِمَلُومِينَ عَلَى بُغْضِه .(2)
{69}
[381] رُوي أنّه لمّا قدم معاوية الكوفةَ قيل له: إنّ الحسنَ بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ)
ص: 386
مرتفعٌ في أنفس الناس، فلو أمرَته أن يقومَ دونَ مقامِك على المنبر فتدركه الحداثةُ والعيّ (1)، فيسقط من أنفسِ الناس وأعينِهم، فأبى عليهم، وأبوا عليه إلّا أن يأمره ذلك ، فأمرَه فقام دون مقامه في المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد أيّها الناس ! (2) لو طلبتُم ما بينَ كذا وكذا لِتَجِدُوا رَجلاً جدّه نبيّ، لم تجدوه غيري وغيرَ أخي، وإنّا أعْطَيْنا صَفْقَتَنا هذا الطاغيةَ- وأشار بيده إلى أعلى المنبر إلى معاوية - وهو في مقام رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من المنبر، ورأينا حِقَن دماءِ المسلمين أفضل من إهراقها، «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ»(3).(4)
{70}
[382] لمّا أجمع الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ)على صلح معاوية خرج حتّى لقيه ، فلمّا اجتمعا قام معاوية خطيباً فصعد المنبر، وأمر الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يقوم أسفل منه بدرجة ، ثمّ تكلّم معاوية فقال :
أيها الناس هذا الحسن بن عليّ وابن فاطمة رآنا للخلافة أهلاً! ولم ير نفسه لها أهلاً! وقد أتانا ليبايع طوعاً، ثمّ قال : قم یا حسن !
فقام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فخطب فقال :
الحمد للّه المَستَحْمَدِ بالآلاء وتتابُعِ النَعْماء، وصارفِ الشدائدِ والبلاءِ عندَ
ص: 387
الْفُهَمَاءِ وَ غَيْرِ الْفُهَمَاءِ، الْمُذْعِنِينَ مِنْ عِبَادِهِ لِامْتِنَاعِهِ بِجَلَالِهِ وَ كِبْرِيَائِهِ، وَ عُلُوِّهِ عَنْ لُحُوقِ الْأَوْهَامِ بِبَقَائِهِ، الْمُرْتَفِعِ عَنْ كُنْهِ طیّات(1) الْمَخْلُوقِينَ، مِنْ أَنْ تُحِيطَ بِمَكْنُونِ غَيْبِهِ رَوِيَّاتُ عُقُولِ الرَّاءِينَ، وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، وَ وُجُودِهِ وَ وَحْدَانِيَّتِهِ، صَمَداً لَا شَرِيكَ لَهُ، فَرْداً لَا ظَهِيرَ لَهُ.
وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، اصْطَفَاهُ وَ انْتَجَبَهُ وَ ارْتَضَاهُ ، وَ بَعَثَهُ دَاعِياً إِلَى الْحَقِّ، وَ سِراجاً مُنِيراً، وَ لِلْعِبَادِ مِمَّا يَخَافُونَ نَذِيراً، وَ لِمَا يَأْمُلُونَ بَشِيراً، فَنَصَحَ لِلْأُمَّةِ وَ صَدَعَ بِالرِّسَالَةِ، وَ أَبَانَ لَهُمْ دَرَجَاتِ الْعُمَالَةِ، شَهَادَةً عَلَيْهَا أَماتُ وَ أُحْشَرُ، وَ بِهَا فِي الْآجِلَةِ أُقَرَّبُ وَ أُحْبَرُ.(2)
| {71}
[383] قام الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)على المنبر حين اجتمع مع معاوية وأصحابه ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال :
أيّها الناس! إنّ معاوية زعم أنّي رأيته للخلافة أهلاً ولم أر نفسي لها أهلاً ، وكذب معاوية، أنا أولى الناس بالناس في كتاب اللّه وعلى لسان رسول اللّه فأقسم باللّه لو أنّ الناس بایعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قَطرها ،
ص: 388
والأرض بركتها، ولما طمعتَ فيها یا معاوية (1)، وقد قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «ماولت أُمّة أمرها رجلاً قطُّ وفيهم مَن أعلم منه إلّا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتّى يرجعوا إلى ملّة عبدة العجل» وقد ترك بنو إسرائيل هارون واعتكفوا على العجل وهم يعلمون أنّ هارون خليفة موسى، وقد تركت الأُمّة عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد سمعوا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسی غیر النبوّة، فلا نبيّ بعدي» وقد هرب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مِن قومه وهو يدعوهم إلى اللّه حتّى فرّ إلى الغار، ولو وجد أعواناً ماهرب منهم، ولو وجدتُ أنا أعواناً مابايعتُك يا معاوية، وقد جعل اللّه هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه لمّا لم يجد أعواناً عليهم(2) ، وقد جعل اللّه النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في سعة حين فرّ من قومه لمّا لم يجد أعواناً عليهم، وكذلك أنا وأبي في سعة مِن اللّه حين تركتنا الأُمّة وبايعت غيرنا ولم نجد أعواناً، وإنّما هي السُنَن والأمثال يتبع بعضها بعضاً، أيّها الناس! إنّكم لو التمستم في ما بين المشرق والمغرب رجلاً لم تجدوا رجلاً من ولد نبيّ (3) غيري وغير أخي.(4)
{72}
[384] روي أنّ معاوية سأل الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يصعد المنبر وينتسب، فصعد
ص: 389
فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال :
أيُّها الناس ! مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني فسأُبيّنُ له نفسي، بلدي مكّةُ ومِني، وأنا ابنُ المروة والصَفا، وأنا ابنُ النبي المصطفى، وأنا ابنُ مَن علا الجِبالَ الرَواسي، وأنا ابنُ مَن كسا محاسنِ وجهِه الحياء، وأنا ابنُ فاطمةَ سيّدةِ النساء، وأنا ابنُ قليلاتِ العيوب، نقيّات الجُيوب.
وأذّن المؤذن ، فقال : أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأشهد أنّ محمّداً رسول اللّه، فقال :
یا معاوية! محمّد أبي أم أبوك؟ فإن قلت ليس بأبي فقد كفرتَ، وإنْ قلتَ : نعم، فقد أقرَرْت.
ثمّ قال : أصبحَتْ قريش تفتخر على العجم بأنّ محمدا منها، وأصبحتِ العرب تفتخرُ على العجم بأنّ محمداً منها، وأصبحت العجم تعرِفُ حقَّ العرب بأنّ محمّداً منها، يطلُبون حقّنا ولا يَرُدّون إلينا حقَّنا. (1)
(73}
[385] قال العلامة المجلسي في بحار الأنوار في ترجمة الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وكان أصدق الناس لهجة، وأفصحهم منطقة، ولقد قيل لمعاوية ذات يوم : لو أمرت الحسن بن علي بن أبي طالب فصعد المنبر فخطب ليتبين للناس نقصه ، فدعاه فقال له : اصعد المنبر وتكلم بكلمات تعظنا بها، فقام (عَلَيهِ السَّلَامُ) فصعد المنبر
ص: 390
فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال :
أيها الناس ! من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن عليّ بن أبي طالب، وابن سيّدة النساء فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنا ابن خير خلق اللّه، أنا ابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، أنا ابن صاحب الفضائل، أنا ابن صاحب المعجزات والدلائل، أنا ابن أمير المؤمنين ، أنا المدفوع عن حقّي، أنا وأخي الحسین سیّدا شباب أهل الجنّة، أنا ابن الركن والمقام، أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن المشعر وعرفات.
فقال له معاوية : يا أبا محمّد! خذ في نعت الرُطب ودع هذا.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الريح تنفخه والحرور ينضجه، والبرد يطيّبه، ثمّ عاد (عَلَيهِ السَّلَامُ) في كلامه فقال :.
أنا إمام خلق اللّه، وابن محمّد رسول اللّه ، فخشي معاوية أن يتكلّم بعد ذلك بما يفتتن به الناس ، فقال : يا أبا محمّد! انزل فقد كفى ما جرى، فنزل.
بیان : قال الجزري : الفريصة: اللحمة الّتي بين جنب الدابة وكتفها لاتزال ترعد، ومنه الحديث : فجيء بهما ترعد فرائصهما، أي : ترجف من الخوف انتهى. والسليم من لدغته العقرب كأنّهم تفاءلوا له بالسلامة. قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : تنفخه لعلّ المعنى تعظمه والمنفوخ : البطين والسمين.(1)
ورواه القوم بنحو آخر وهو هكذا:
يا أيّها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن عليّ بن أبي طالب، أنا ابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، مابین جابلقا وجابر صا ما أحد جدّه نبيّ غيري، أنا ابن نبيّ اللّه، أنا ابن رسول اللّه ، أنا ابن البشير النذير، أنا ابن السراج
ص: 391
المُنير، أنا ابن بريد السماء، أنا ابن من بعث رحمة للعالمين، أنا ابن من بعث للجنّ والإنس، أنا ابن من قاتلت معه الملائكة، أنا ابن من جعلت له الأرض مسجداً وطهوراً، وأنا ابن من أذهب اللّه عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً.
فلمّا سمع معاوية ذلك أراد أن يسكته ويخلط عليه مخافة أن يبلغ به المنطق ما یكرهه، فقال له: يا حسن أنعت لنا الرطب!
فقال : يا سبحان اللّه! أين هذا من هذا؟! ثمّ قال : الحرّ ينضجه، والليل يبرده، والريح تلقحه.
ثمّ استفتح كلامه الأوّل وقال : أنا ابن من كان مستجاب الدعوة، أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن أوّل من تنشقّ عنه الأرض وينفض رأسه من التراب ، أنا ابن من أوّل من يقرع باب الجنّة، أنا ابن من رضاه رضا الرحمن، وسخطه سخط الرحمن، أنا ابن من لا يسامی كرماً.
فقال له قومه : حسبك يا أبا محمّد! ما أعرفناه بفضل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
فقال الحسن : يا معاوية! إنّما الخليفة من سار بسيرة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعمل بطاعته وليس الخليفة من دان بالجور وعطل السُنَن واتّخذ الدُنيا أباً وأُمّاً ولكن ذاك ملك تمتّع في ملكه، وكان قد انقطع وانقطعت لذته وبقیت بیعته، ثمّ قال :« وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ» ، ثمّ نزل عن المنبر (رضي اللّه عنه).
رواها جمال الدين الزرندي في «نظم دُرَر السمطين» (ص 200 ط القضاء) ثمّ قال :
في رواية أنّه قيل له : لو أمرته أن يخطب فإنّه حديث السنّ لم يتعوّد الخطب فيجتمع الناس إليه فيحصر ، فيكون في ذلك مايصغره في أعين الناس. فقال كما قال لهم أوّل مرّة، فقالوا: إنه قد شمخ أنفاً ورفع رأساً واشرأبّت إليه
ص: 392
قلوب الناس بالثقة والمقة، فمره بذلك حتّى ترى، فأرسل إليه معاوية فأمره أن يخطب، فلمّا صعد المنبر وقد جمع معاوية كهول قریش و شبانها ، حمد اللّه تعالى وأثنى عليه وصلى على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فذكرها.
وروى العلامة الشيخ سليمان البلخي القندوزي في «ینابیع المودّة » (ص 225 ط اسلامبول).
نقلاً عن أبي سعد في «شرف النبوّة» عنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، مایحتمل أن يكون من فقرات هذه الخطبة أو الخطبة السابقة وهي هكذا:
أنا ابن من بعثه اللّه رحمةً للعالمين، وأنا ابن من أرسله إلى الجنّ والإنس أجمعين ، أنا ابن من قاتلت معه الملائكة، أنا ابن من كان مستجاب الدعوة، أنا ابن من جعلت له الأرض مسجداً وطهوراً، أنا ابن مزن السماء، أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن من هو أوّل من تشققّ عنه الأرض، أنا ابن من هو أوّل من يقرع باب الجنّة، أنا ابن من رضاه رضاء الرحمن وسخطه سخط الرحمن، أنا ابن من لا يساويه أحد شرفاً وكرماً.
ورواها في «أهل البيت» (ص 382 ط السعادة بالقاهرة) هكذا:
أيّها الناس! من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علیّ بن أبي طالب، أنا ابن نبيّ اللّه، أنا ابن من جعلت له الأرض مسجداً وطهوراً، أنا ابن السراج المنير، أنا ابن البشير النذير، أنا ابن خاتم النبيّين وسيّد المرسلین وإمام المتّقين ورسول ربّ العالمين ، أنا ابن من بعث إلى الجنّ والإنس، أنا ابن من بعث رحمةً للعالمين.
واسترسل فقال : أنا ابن مستجاب الدعوة، أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن أوّل من ينفض رأسه من التراب ويقرع باب الجنّة، أنا ابن من قاتلت الملائكة
ص: 393
معه ولم تقاتل معه نبيّ قبله، أنا ابن من ذلّت له قريش رغماً.(1)
{74}
[386] وفي كتاب «تحف العقول عن آل الرسول» للشيخ الجليل أبي محمّد الحسن بن عليّ بن شعبة (رحمه اللّه) : أنّ معاوية قال للحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد الصلح : أُذكر فضلنا، فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على محمّد النبيّ وآله، ثمّ
قال :
من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن ابن رسول اللّه، أنا ابن البشير النذير، أنا ابن المصطفى بالرسالة، أنا ابن من صلّتْ عليه الملائكة، أنا ابن من شُرِّفت به الأُمّة، أنا ابن من كان جبرئيل السفير من اللّه إليه، أنا ابن من بُعث رحمة للعالمين، صلّى اللّه عليه وآله أجمعين
فلم يقدر معاوية أن يكتم عداوته وحسده، فقال : يا حسن ! عليك بالرُطب فانعته لنا!
قال : نعم يا معاوية ! الريح تلقحه، والشمس تنفخه، والقمر يلونه، والحرُّ ينضجه، والليل يبرده ، ثمّ أقبل على منطقه ، فقال :
أنا ابن مستجاب الدعوة (2)، أنا ابن من كان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى، أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن من خضعت له قریش رغماً، أنا ابن من سعد تابعه، وشقي خاذله، أنا ابن من جعلت له الأرض طهوراً
ص: 394
ومسجداً، أنا ابن من كانت أخبار السماء إليه تترئ، أنا ابن من أذهب اللّه عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراٌ.
فقال معاوية : أظنّ نفسك یا حسن تنازعك إلى الخلافة!
فقال : ويلك يا معاوية! إنّما الخليفة من سار بسيرة رسول اللّه وعمل بطاعة اللّه، ولعمري إنّا أعلام الهدى، ومنار التُقى(1)، ولكنّك يا معاوية! ممّن أبار السُنَن ، وأحيى البدع، واتّخذ عباد اللّه خولاً، ودين اللّه لعباً، فكأن قد أخمل ما أنت فيه ، فعشت يسيراً، وبقيت عليك تبعاته، یا معاوية! واللّه لقد خلق اللّه مدينتين : أحدهما(2) بالمشرق، والأُخرى بالمغرب، أسماؤهما جابلقا و جابلسا، ما بعث اللّه إليهما أحداً غير جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
فقال معاوية : أخبرنا عن ليلة القدر.
قال : نعم، عن مثل هذا فاسأل، إنّ اللّه خلق السماوات سبعاً، والأرضين سبعاً، والجنّ من سبع، والإنس من سبع، فتطلب من ليلة ثلاث وعشرين إلى ليلة سبع وعشرين، ثمّ نهض (عَلَيهِ السَّلَامُ).(3)
{75}
[387] هَوْذة : عن عوف، عن محمد، قال : لمّا ورد معاويةُ الكوفة، واجتمع عليه الناس، قال له عمرو بنُ العاص : إنّ الحسنَ مرتفعٌ في الأنفس
ص: 395
لقرابته من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وإنّه حديث السنّ عَبِيّ، فمره فليخطُب، فإنّه سیعیي، فيسقط من أنفس الناس، فأبى فلم يزالوا به حتّى أمره، فقام على المنبر دون معاوية ، فحمِدَ اللّه ، وأثنى عليه ، ثمّ قال :
لو ابتغيتُم بين جابَلْق وجابَرْس رجلاً جدُّه نبيٌّ غيري وغيرُ أخي لم تجدوه، وإنّا قد أعطينا معاوية بيعتنا، ورأينا أن حقنَ الدماء خيرٌ «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ» ، وأشار بيده إلى معاوية.
فغضب معاويةُ، فخطب بعده خطبةً عييةً فاحشة، ثمّ نزل.
وقال : ما أردت بقولك : فتنة لكم ومتاع إلى حين ؟
قال : أردتُ بها ما أراد اللّهُ بها(1).(2)
{76}
[388] قال له معاوية بن أبي سفيان يوماً بعد الصلح: أُذكُر فضلَنا، فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على النبيّ وآله فقال :
أَنَا ابْنُ مَنْ كَانَ مِنْ رَبِّهِ كَقَابِ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ، أَنَا ابْنُ الشَّفِيعِ الْمُطَاعِ ، أَنَا ابْنُ مَكَّةَ وَ مِنَى، أَنَا ابْنُ مَنْ خَضَعَتْ لَهُ قُرَيْشٌ رَغْماً، أَنَا ابْنُ مَنْ سَعِدَ تَابِعُهُ، وَ شَقِيَ خَاذِلُهُ، أَنَا ابْنُ مَنْ جُعِلَتِ الْأَرْضُ لَهُ طَهُوراً وَ مَسْجِداً، أَنَا ابْنُ مَنْ كَانَتْ
ص: 396
أَخْبَارُ السَّمَاءِ إِلَيْهِ تَتْرَى أخبار السماء إليه تترى أنا ابن مَن أذهب اللّهُ عنهم الرجسّ وطهّرهم تطهيراً.(1)
{77}
[389] أَنَا ابْنُ مَنْ سَادَ قُرَيْشاً شَابّاً وَ كَهْلًا، أَنَا ابْنُ مَنْ سَادَ الْوَرَى كَرَماً وَ نُبْلًا، أَنَا ابْنُ مَنْ سَادَ أَهْلَ الدُّنْيَا بِالْجُودِ الصَّادِقِ وَ الْفَرْعِ الْبَاسِقِ(2)، وَ الْفَضْلِ السَّابِقِ ، أَنَا ابْنُ مَنْ رِضَاهُ رِضَى اللَّهِ وَ سَخَطُهُ سَخَطُ اللَّهِ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تُسَامِيَهُ يَا مُعَاوِيَةُ؟
فَقَالَ أَقُولُ لَا تَصْدِيقاًلِقَوْلِكَ.
فَقَالَ الْحَسَنُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الْحَقُّ أَبْلَجُ(3)، وَ الْبَاطِلُ لَجْلَجٌ، وَ لَنْ يَنْدَمَ مَنْ رَكِبَ الْحَقَّ، وَ قَدْ خَابَ مَنْ رَكِبَ الْبَاطِلَ، وَ الْحَقُّ يَعْرِفُهُ ذَوُو الْأَلْبَابِ.
ثُمَّ نَزَلَ مُعَاوِيَةُ وَ أَخَذَ بِيَدِ الْحَسَنِ وَ قَالَ : لَا مَرْحَباً بِمَنْ سَاءَكَ.(4)
{78}
[390] روي أنّ معاوية لمّا نزل الكوفة أقام بها أياماً، فلمّا استتمّت بیعته صعد المنبر، فخطب الناس، وذكر أمير المؤمنين والحسن (عَلَيهِما السَّلَامُ) ، فنال منهما،
ص: 397
وكان الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حاضراً، فأراد أن يقوم ويجيبه، فأخذ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بيده وأجلسه وقام، وقال :
أَيُّهَا الذَّاكِرُ عَلِيّاً، أَنَا الْحَسَنُ وَ أَبِي عَلِيٌّ ،وَ أَنْتَ مُعَاوِيَةُ وَ أَبُوكَ صَخْرٌ، وَ أُمِّي فَاطِمَةُ وَ أُمُّكَ هِنْدٌ، وَ جَدِّي رَسُولُ اللَّهِ وَ جَدُّكَ حَرْبٌ، وَ جَدَّتِي خَدِيجَةُ وَ جَدَّتُكَ نثيْلَةُ، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى أَخْمَلِنَا(1) ذِكْراً، وَ أَلْأَمِنَا حَسَباً، وَ شَرِّنَا قَوْماً، وَ أَقْدَمِنَا كُفْراً وَ نِفَاقاً(2).(3)
{79}
[391] روي أنّه لمّا تم الصلح وانبرم الأمر، التمس معاوية من الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يتكلّم بمجمع من الناس، ويعلمهم أنّه قد بايع معاوية، ويسلّم الأمر إليه.
فأجابه إلى ذلك، فخطب - وقد حشد الناس - خطبة، حمد اللّه تعالى وصلّى على نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فيها، وهي من كلامه المنقول عنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، وقال :
ص: 398
أيّها الناس! إنّ أكيَسَ الكَیسِ النُقى، وأحمَقَ الحُمقِ الفُجور.(1)
{80}
[392] وذكروا أنّ عمرو بن العاص قال لمعاوية : ابعث إلى الحسن بن عليّ فأمره أن يخطب على المنبر فلعلّه يحصر فيكون في ذلك ما نعيّره به ، فبعث إليه معاوية فأمره أن يخطب، فصعد المنبر وقد اجتمع الناس، وخطب خطبة بليغة، وبعد الحمد والثناء على اللّه سبحانه والصلاة على رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عرّف نفسه وذكر فضائله المنيفة.
ثمّ قال : ولم يزل أظلمت الأرض على معاوية ، فقال : يا حسن ! قد كنت ترجو أن تكون خليفة ولست هنا.
قال الحسن : إنّما الخليفة من سار بسيرة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعمل بطاعته، وليس الخليفة من دان بالجور وعطَّل السُنَن واتّخذ الدُنيا أباً وأُمّاً، ولكن ذلك ملك أصاب ملكاً يمتع به قليلاً ويعذّب بعده طويلاً، وكان قد انقطع عنه واستعجل لذّته وبقيت عليه التبعة، فكان كما قال اللّه تعالى : «َإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ
ص: 399
فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ»(1)، ثمّ انصرف.
فقال معاوية لعمرو : ما أردتَ إلّا هتكي، ما كان أهل الشام يرون أحدةاًمثلي حتّى سمعوا من الحسن ما سمعوا.(2)
{81}
[393] روي أنّ عمرو بن العاص(3) قال لمعاوية : ابعث إلى الحسن بن علي، فمره أن يصعد المنبر ويخطب الناس، فلعلّه أن يحصر ، فيكون ذلك ممّا نعيره به في كلّ محفل، فبعث إليه معاوية ، فأصعده المنبر ، وقد جمع له الناس ورؤساء أهل الشام، فحمد اللّه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأثنى عليه، ثمّ قال :
أَيُّهَا النَّاسُ! مَنْ عَرَفَنِي فَأَنَا الَّذِي يَعْرِفُ، وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي فَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، ابْنِ عَمِّ نَبِيِّ اللَّهِ، أَوَّلِ الْمُسْلِمِينَ إِسْلَاماً، وَ أُمِّي فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وَ جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ،أَنَا ابْنُ الْبَشِيرِ، أَنَا ابْنُ النَّذِيرِ، أَنَا ابْنُ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ، أَنَا ابْنُ مَنْ بُعِثَ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ، أَنَا ابْنُ مَنْ بُعِثَ إِلَى الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ أَجْمَعِينَ.
أَنَا ابْنُ مُسْتَجَابِ الدَّعْوَةِ، أَنَا ابْنُ الشَّفِيعِ الْمُطَاعِ، أَنَا ابْنُ أَوَّلِ مَنْ يَنْفُضُ عَنْ
ص: 400
رَأْسِهِ التُّرَابَ، أَنَا ابْنُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ فَيُفْتَحُ لَهُ فَيَدْخُلُهَا، أَنَا ابْنُ مَنْ قَاتَلَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ، وَ أُحِلَّ لَهُ الْمَغْنَمُ، وَ نُصِرَ بِالرُّعْبِ مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ.
فَأَكْثَرَ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْكَلَامِ، وَ لَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَظْلَمَتِ الدُّنْيَا عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَ عَرَفَ الْحَسَنَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) مَنْ لَمْ يَكُنْ عَرَفَهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَ غَيْرِهِمْ ثُمَّ نَزَل.(1)
(82}
[394] ولمّا قدم معاوية المدينة صعد المنبر فخطب ونال من أمير المؤمنين عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فقام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال :
إنّ اللّه تعالى لم يبعث نبيّاً إلّا جعل له عدوّاً من المجرمين قال اللّه تعالى : «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ».(2)
فأنا ابن علي بن أبي طالب، وأنت ابن صخر، وأُمّك هند، وأُمّي فاطمة وجدّتك قتيلة (3) ، وجدّتي خديجة.
فلعن اللّه الأدنى منّا حسباً، وأخملنا ذكراً، وأعظمنا كُفراً، وأشدّنا نفاقاً ، فصاح أهل المسجد: آمین آمین.
وقطع معاوية خطبته ودخل منزله.(4)
ص: 401
ص: 402
ص: 403
{1}
[395] هذا كتاب إلى المسلمين في ثقيف بإسناد الأوّل :
بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمّد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى المؤمنين. إن عضاه وج وصيده لا يعضد، ولا يقتل صيده، فمن وجد يفعل شيئاً من ذلك فإنّه يجلد وتنزع ثيابه، ومن تعدّى ذلك فإنّه يؤخذ فيبلغ محمداً رسول اللّه، وإنّ هذا من محمّد النبي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وكتب خالد بن سعيد بأمر محمّد بن عبداللّه رسول اللّه ، فلا يتعدّه أحد فيظلم نفسه فيما أمر به محمّد رسول اللّه لثقيف.
وشهد على نسخة هذه الصحيفة : صحيفة رسول اللّه الّتي كتب الثقيف علي بن أبي طالب و حسن بن علي وحسين بن علي.(1)
{2}
[396] كتب الحسنُ البصري(2) إلى الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أمّا بعد فأنتم أهلُ بيت النبوّة ومعدنُ الحكمة، وأنّ اللّه جعلكم الفلكَ الجاريةَ في اللججِ الغامرِة، يَلْجأ إليكم اللاجىء، ويعتصم بحبلِكم الغالي، مَن اقتدئ بكم اهتدى
ص: 404
ونجا، ومَن تخلف عنكم هلك وغوى، وإنّي كتبت إليك عند الحيرة وإختلاف الأُمّة في القَدَر، فتفضي إلينا ما أفضاه اللّه إليكم أهلَ البيت ، فنأخذ به.
فكتب إليه الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) :
أما بعدُ، فإنّا أهلُ بيت كما ذكرتَ عند اللّه وعند أوليائه ، فأمّا عندك وعند أصحابِك فلو كنّا كما ذكرت ما تقدّمتمونا ولا استبدلتم بنا غيرنا.
ولعمري لقد ضرب اللّه مثلكم في كتابه حيثُ يقول «أتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ»(1)، هذا لأوليائك فيماسألوا، ولكم فيما استبدلتُم.
ولولا ما أُريد من الإحتجاج عليك وعلى أصحابك ما كتبتُ إليك بشيءٍ ممّا نحنُ عليه، ولئن وصل كتابي إليك لتجدنّ الحجّة عليك وعلى أصحابك مؤكّدة، حيثُ يقولُ اللّهُ عزّوجلّ: «فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ».(2)
إنّ اللّه عزّوجلّ لا يُطاعُ بإكراه، ولا يُعصى بغلبة، ولا يُهمَل العباد من المُلكة، ولكنّه المالك لماملّكهم، والقادر على ما أقدرهم، فإن ائتمروا بالطاعة لن يكون عنها صادّاً مُثبِطاً، وإن ائتمروا بالمعصية فشاء أنْ يحولَ بينَهم وبين ما ائتَمروا به فعل، وإن لم يفعل فليس هو حملهم عليها، ولا كلّفهم إيّاها جبراً، بل تمكينُه إيّاهم وإعذارُه إليهم طرّقهم ومكّنَهم.
فجعل لهم السبيل إلى أخذ ما أمرهم به وترك مانهاهم عنه، ووضع
ص: 405
التكليف عن أهل النُقصان والزِمانة، والسلام.(1)
{3}
[397] بسم اللّه الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فقد انتهى إليّ كتابك عند حيرتك وحيرة من زعمت من أُمّتنا، والّذي عليه رأيي إنّ من لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه من اللّه تعالى فقد كفر، ومن حمل المعاصي على اللّه فقد فجر، إنّ اللّه الايطاع بإكراه ولا يعصى بغلبة ولا يهمل العباد في ملكه، لكنّه المالك لمّا ملكهم والقادر على ما عليه قدرهم فإن اعتمروا بالطاعة لم يكن لهم صاداً ولا لهم عنها مشبعاً، وإن أتوا بالمعصية وشاء أن يمنّ عليهم فيحول بينهم وبينها فعل، وإن لم يفعل فليس هو حملهم عليها إجباراً، ولا ألزمهم إكراهاً إيّاها، فاحتجاجه عليهم أن عرفهم ومكّنهم وجعل لهم السبيل إلى أخذ ما دعاهم إليه وترك ما نهاهم عنه، فللّه الحجّة البالغة، والسلام، انتهى.(2)
ص: 406
{4}
[398] كتب الحسن بن أبي الحسن البصري إلى أبي محمّد الحسن بن علي(عَلَيهِم السَّلَامُ) : أمّا بعد، فإنّكم معشر بني هاشم الفُلك الجارية في اللجج الغامرة، والأعلام النيّرة الشاهرة، أو كسفينة نوح (عَلَيهِ السَّلَامُ) الّتي نزلها المؤمنون، ونجا فيها المسلمون، كتبتُ إليك يابن رسول اللّه عند اختلافنا في القدر وحيرتنا في الإستطاعة، فأخبرنا بالّذي عليه رأيك ورأي آبائك (عَلَيهِم السَّلَامُ) ، فإنّ من علم اللّه علمُكم، وأنتم شهداء على الناس واللّه الشاهد عليكم، ذريّة بعضها من بعض واللّه سميعٌ عليم.
فأجابه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
بسم اللّه الرحمن الرحيم، وصل إليّ كتابك، ولولا ما ذكرته من حيرتك وحيرة من مضى قبلك إذاً ما أخبرتك، أمّا بعد، فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه إن اللّه يعلمه فقد كفر، ومن أحال المعاصيَ على اللّه فقد فجر، إنّ اللّه لم يُطَعْ مُكرَهاً، ولم يُعصَ مغلوباً، ولم يُهْمِل العبادَ سُدىً من المملكة بل هو المالك لِمّا ملّكهم، والقادر على ما عليه أقدَرَهم بل أمرهم تخييراً، ونهاهم تحذيراً، فإن ائتمروا بالطاعة لم يجدوا عنها صاداً، وإن انتهوا إلى معصية فشاء أن يمنّ عليهم بأن يحول بينهم وبينها فعل، وإن لم يفعل فليس هو الّذي حملهم عليها جبراً، ولا ألزموها كرهاً، بل مَنّ عليهم بأن بصّرهم، وعرّفهم، وحذّرهم، وأمرهم ونهاهم لاجبلاً لهم على ما أمرهم به فيكونوا كالملائكة ولا جبراً لهم على ما نهاهم عنه، وللّه الحجّة البالغة، فلو شاء لهداكم أجمعين ، والسلام علی من اتّبع الهدى.(1)
ص: 407
{5}
[399] من لم يؤمن باللّه وقضائه وقدره فقد كفر، ومن حمل ذنبه على ربّه فقد فجر، إنّ اللّه لا يُطاع استكراهاً، ولا يُعصى لغلبة، لأنّه المليك لمّا ملّكهم، والقادر على ما أقدرهم عليه ، فإن عملوا بالطاعة لم يحل بينهم وبين ما فعلوا، وإن عملوا بالمعصية فلو شاء حال بينهم وبين ما فعلوا فإذا لم يفعلوا فليس هو الّذي أجبرهم على ذلك، فلو أجبر اللّه الخلق على الطاعات لأسقط عنهم الثواب ، ولو أجبرهم على المعاصي لأسقط عنهم العقاب، ولو أهملهم لكان عجزاً في القدرة، ولكن له فيهم المشيّة الّتي غيّبها عنهم فإن عملوا بالطاعة كانت له المنّة عليهم، وإن عملوا بالمعصية كانت له الحجّة عليهم.(1)
{6}
[400] «فصل» ومن ذلك ما في كتاب «كشف الغمّة» للشيخ عليّ بن عیسی بن أبي الفتح الإربلي، أنّ مولانا أبا محمّد الحسن الزكي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كتب إلى معاوية بعد وفاة أمير المؤمنين (عليه أفضل صلوات المصلّين) وقد بايعه الناس :
بسم اللّه الرحمن الرحيم، من عبداللّه الحسن بن عليّ أمير المؤمنين إلى معاوية بن صخر.
أمّا بعد: فإن اللّه تعالى بعث محمداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) رحمة للعالمين، فأظهر به الحقّ
ص: 408
ورفع به الباطل، وأذلّ به أهل الشرك، وأعزّ به العرب عامّة، وشرّف به من شاء منهم خاصّة، فقال : «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ»(1). فلمّا قبضه اللّه تعالى تنازعت العرب الأمر بعده فقالت الأنصار : منّا أمير ومنكم أمير، وقالت قریش : نحن أولياؤه وعشيرته، فلا تنازعوا سلطانه. فعرفت العرب ذلك لقريش ونحن الآن أولياؤه وذوو القربي منه ولا غرو أنّ منازعتك إيّانا بغير حقّ في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمودٌ، والموعد اللّه بيننا وبينك، ونحن نسأله تعالى أن لا يؤتينا في هذه الدنيا(2) شيئاً ينقُصنا به في الآخرة. وبعد: فإنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا نزل به الموت ولّاني هذا الأمر من بعده ، فاتّق اللّه يا معاوية وانظر لأُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ما تحقن به دماءهم، وتصلح أُمورهم، والسلام.(3)
{7}
[401] قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: قال أبو الفرج الاصفهاني كتب الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى معاوية مع جندب(4) بن عبداللّه الأزدي :
من الحسن بن علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان، سلام علیكم، فإنّي أحمد إليك اللّه الّذي لا إله إلّا هو، أمّا بعد فإنّ اللّه جلّ وعزّ بعث محمداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) رحمة للعالمين، ومنّة للمؤمنين توفّاه اللّه غير مقصّر ولا وان، وبعد أن أظهر اللّه به الحقّ، ومحق به الشرك، وخصّ قريشاً خاصّة فقال له : وَإنَّهُ
ص: 409
لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ»(1)فلمّا توفّي تنازعت سلطانه العرب، فقالت قریش : نحن قبيلته وأُسرته وأولياؤه، ولا يحلُّ لكم أن تنازعونا سلطان محمّد وحقّه، فرات العرب أنّ القول ماقالت قريش، وأنّ الحجّة لهم في ذلك على من نازعهم أمر محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فأنعمت لهم وسلّمت إليهم.
ثمّ حاججنا نحن قريشاً بمثل ماحاجّت به العرب، فلم تنصفنا قریش إنصاف العرب لها، إنّهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالإنصاف والإحتجاج، فلمّا صرنا أهل بيت محمّد وأولياؤه إلى محاجّتهم، وطلب النصف منهم، باعدونا واستولوا بالإجتماع على ظلمنا ومراغمتنا والعنت منهم لنا، فالموعد اللّه وهو الوليّ النصير.
ولقد تعجّبنا لتوثّب المتوثّبين علينا في حقّنا وسلطان نبيّنا وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الإسلام، وأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون والأحزاب في ذلك مغمزاً يثلمونه به، أو يكون لهم بذلك سبب إلى ما أرادوا من إفساده، فاليوم فليتعجّب المتعجّب من توثّبك يا معاوية على أمر لست من أهله، لا بفضل في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمود، وأنت ابن حزب من الأحزاب، وابن أعد قریش لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ولكنّ اللّه حسيبك، فسترد فتعلم لمن عُقبى الدار، وباللّه لتلقينّ عن قليل ربّك ثمّ ليجزينّك بما قدّمت يداك وما اللّه بظلّام للعبيد.
إنّ عليّاً لمّا مضى لسبیله رحمة اللّه عليه يوم قبض، ويوم منّ اللّه عليه بالإسلام ويوم يبعث حيّاً، ولّاني المسلمون الأمر بعده ، فأسأل اللّه أن لا يؤتينا في الدنيا الزائلة شيئاً ينقصنا به في الآخرة ممّا عنده من كرامته، وإنّما حملني على
ص: 410
الكتاب إليك الإعذار فيما بيني وبين اللّه عزّوجلّ في أمرك. ولك في ذلك إن فعلته الحظُّ الجسيم والصلاح للمسلمين، فدع التمادي في الباطل، وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي فإنّك تعلم أنّي أحقُّ بهذا الأمر منك عند اللّه، وعند كلّ أوّاب حفیظ، ومن له قلب مُنيب.
واتّق اللُه! ودع البغي، واحقن دماء المسلمين، فواللّه ألك من خير في أن تلقى اللّه من دمائهم بأكثر ممّا أنت لاقيه به، وادخل في السلم والطاعة، ولا تنازع الأمر أهله ومن هو أحقُّ به، منك ليطفىء اللّه النائرة بذلك، ويجمع الكلمة، ويصلح ذات البين، وإن أنت أبيت إلّا التمادي في غيّك، سرتُ إليك بالمسلمين، فحاكمتك حتّى يحكم اللّه بيننا وهو خير الحاكمین.(1)
أقول: ذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة هذا الكتاب بنحو آخر أبسط، صورته:
ومن الحسن بن عليّ أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان. سلام عليكم(2) فإنّي أحمد إليكم اللّه(3) الّذي لا إله إلّا هو، أمّا بعد، فإنّ اللّه عزّوجلّ بعث محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) رحمة للعالمين، ومنّة(4) للمؤمنين. (5) ، توفّاه اللّه غير مقصّر ولا وان، بعد أن أظهر اللّه به الحقّ، ومحق به الشرك، وخصّ قریش خاصّة،
ص: 411
فقال له : «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ»(1) فلمّا توفّی تنازعت سلطانه العرب ، فقالت قريش: نحن قبيلته وأُسرته وأولياؤه. ولا يحلّ لكم أن تنازعوا(2) سلطان محمّد وحقّه، فرأت العرب أنّ القول ما قالت قريش، وأنّ الحجّة لهم في ذلك على من نازعهم أمر محمد، فأنعمت لهم(3)، وسلّمت إليهم، ثمّ حاججنا نحن قریش بمثل ما حاجّت به العرب، فلم تنصفنا قريش(4) إنصاف العرب لها، إنّهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالإنصاف(5) والاحتجاج، فلمّا صرنا أهل بيت محمّد وأولياءه إلى محاجّتهم وطلب النَصفَ(6) باعدونا، واستولوا بالاجتماع(7) على ظلمنا ومراغمتنا والعنت عليهم لنا(8)، فالموعد اللّه، وهو الوليّ النصير، ولقد تعجّبنا(9) لتوثّب المتوثبين علينا في حقّنا وسلطان نبيّنا وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الإسلام، وأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين، أن يجد المنافقون والأحزاب (10) في ذلك مغمزاً يثلمونه به ، أو يكون لهم
ص: 412
بذلك سبب إلى ما أرادوا من إفساده ، فاليوم فليتعجّب من توثّبك(1) على أمر لستَ من أهله، لا بفضل في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمود وأنت ابن حزب من الأحزاب، وابن أعد قریش لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، ولكن اللّه حسيبك(2)، فسترد وتعلم(3) لمن عقبى الدار. وباللّه التلقينّ عن قليل ربّك، ثمّ ليجزينّك بما قدّمت يداك، وما اللّه بظلّام للعبيد. إنّ عليّاً لمّا مضى سبيله رحمة اللّه عليه يوم قُبض، ويوم منّ اللّه عليه بالإسلام، ويوم يبعث حيّاً ولّاني المسلمون الأمر بعده. فأسأل اللّه أن لا يؤتينا في الدنيا الزائلة شيئاً ينقصنا به في الآخرة ممّا عنده من كرامته(4). وإنّما حملني على الكتاب إليك الإعذار في مابيني وبين اللّه عزّوجلّ في أمرك، ولك في ذلك إن فعلتَه الحظُّ الجسيم، والصلاح للمسلمين، فدع التمادي في الباطل، وادخل في مادخل فيه الناس من بيعتي، فإنّك تعلم أنّي أحقّ بهذا الأمر منك عند اللّه وعند كلّ أوّاب حفیظ، ومن له قلبٌ منيب، واتّق اللّه ودع البغي، واحقن دماء المسلمين، فواللّه مالك من خير في أن تلقى اللّه من دمائهم بأكثر ممّا أنت لاقيه به، وادخل في السلم والطاعة، ولا تنازع الأمر أهله ومن هو أحقّ به منك، ليطفىء اللّه النائرة بذلك، ويجمع الكلمة، ويصلح ذات البين. وإن أنت أبيت إلّا التمادي في غيك سرتُ إليك بالمسلمين، فحاكمتُك حتّى يحكم اللّه بيننا وهو خير الحاكمین».(5)
ص: 413
ثمّ ذكر جواب معاوية وما أظهر فيه من الكفر والإلحاد، الداعين له إلى الشغب واللداد، إلى أن قال :
وقد فهمُ الّذي دعوتني إليه من الصلح(1)، فلو أُعلمت(2) أنّك أضبط منّي للرعيّة، وأحوط على هذه الأُمّة، وأحسن سياسة، وأقوى على جمع الأموال، وأكيد للعدوّ، لأجبتك إلى ما دعوتني إليه، ورأيتك لذلك أهلاً ولكن قد علمتَ أنّي أطول منك ولاية، وأقدم منك لهذه الأُمّة تجربة، وأكبر منك سنّاً، فأنت أحقُّ أن تجيبني إلى هذه المنزلة الّتي سألتني، فادخل في طاعتي ولك الأمر من بعدي، ولك ما في بيت مال العراق بالغاً مابلغ تحمله إلى حيث أحببتَ، ولك خراج أيّ كُوَر العراق شئتَ، معونةً لك على نفقتك، يَجبيها أمينك، ويحملها إليك في كلّ سنة، ولك أن لا يستولي عليك بالأشياء، ولاتُقضي دونك الأُمور(3)، ولا تُعصي في أمر أردتَ به طاعة اللّه(4)، أعاننا اللّه وإيّاك على طاعته، إنه سميع مجيب الدُعاء، والسلام. (5)
ص: 414
{8}
[402] أمّا بعد(1) فقد وصل إلىّ كتابك ، تذكر فيه ماذكرت. فتركتُ جوابَك خشيةَ البغي منّي عليك، وباللّه أعوذ من ذلك، فاتّبع الحقَّ تعلَم أنّي من أهله، وعليّ إثمُ أن أقولَ فأكذب، والسلام. (2)
{9}
[403] في «الإرشاد» للمفيد (قدّس سرّه) قال :
لمّا بلغ معاوية بن أبي سفيان وفاة أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبيعة الناس ابنه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) دسّ رجلاً من حِمير إلى الكوفة، ورجلاً من بني القين إلى البصرة ليكتبا إليه بالأخبار، ويفسدا على الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) الأُمور، فعرف ذلك الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)
ص: 415
فأمر باستخراج(1) القينيّ من بني سليم، فأُخرج وضُربت عنقه. وكتب الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى معاوية :
أما بعد: فإنّك دَسَسَتَ الرجال للإحتيال والإغتيال، وأرصدت العيون كأنّك تحبُّ اللقاء، وما أشكّ(2) في ذلك فتوقّعه إن شاء اللّه. وبلغني أنّك شَمِتَّ بما لم يَشمَت به ذو حِجي، وإنّما مثلك في ذلك كما قال الأول : (3)
فقل للّذي يبغي خلاف الّذي مضى*** تزوّد(4) للأُخرى مثلها فكأن قد
فإنّا ومن قد مات منّا لكالّذي*** يَروح فيمسي في المبيت ليغتدي (5)
ص: 416
{10}
[404} أمّا بعد: فإن خطبي انتهى إلى اليأس(1) من حقّ أُحييه، وباطل أُميته وخطبك خطب من انتهى إلى مراده، وإنّي أعتزل هذا الأمر وأُخلّيه لك، وإن كان تخليتني إيّاه شرّاً لك في معادك. ولي شروط اشترطها لاتبهظنّك إن وفيتَ لي بها بعهد، ولا تخف إن غدرتَ - وكتب الشرط في كتاب آخر فيه يمينه بالوفاء وترك الغدر وستندم یا معاوية كماندم غيرك ممّن نهض في الباطل أو قعد عن الحقّ، حين لم ينفع الندم، والسلام.
قال - طاب ثراه -: فإن قال قائل : من هو النادم الناهض، والنادم القاعد قلنا : هذا الزبير ، ذكره أمير المؤمنین (صلوات اللّه عليه) : ما أيقن بخطأ ما آتاه ، وباطل ما قضاه ، وبتأويل ما عزاه ، فرجع عنه القهقرى، ولو وفي بما كان في بيعته لمحا نكثه. ولكنّه أبان ظاهر الندم، والسريرة إلى عاملها.
وهذا عبداللّه ابن عمر بن الخطّاب ، روى أصحاب الأثر في فضائله أنّه قال : مهما آسى عليه من شيء فإنّي لا آسى على شيء أسفي على أنّي لم أُقاتل الفئة الباغية مع عليّ! فهذا ندم القاعدة.
وعائشة روى الرواة أنّها لمّا أنّبها مؤنّب في ما أتته قالت : قضى القضاء ، وجفّت الأقلام واللّه لو كان لي من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بعشرون ذكراً كلّهم مثل عبدالرحمن بن الحارث بن هاشم فثكلتُهم بموت وقتل كان أيسر عليّ من خروجي على عليّ و مسعاي الّتي سعيتُ؛ فإلى اللّه شكواي لا إلى غيره.
ص: 417
وهذا سعد بن أبي وقّاص لمّا أنهي إليه أنّ عليّاً (صلوات اللّه عليه) قتل ذالثدية وأخذه ما قدّم وأخر ، وقلق ونزق. وقال : واللّه لو علمتُ أنّ ذلك كذلك لمشيتُ إليه ولو حبواً (1)، ولمّا قدم معاوية دخل إليه سعد. فقال له: يا أبا إسحاق، ما الّذي منعك أن تعينني على الطلب بدم الإمام المظلوم؟ فقال : كنت أُقاتل معك عليّاَ، وقد سمعتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسی». قال : أنت سمعت هذا من رسول اللّه؟ قال: نعم، وإلّا صمّتا! قال : أنت الآن أقلّ عذراً في القعود عن النصرة! فواللّه لو سمعتُ هذا من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ما قاتلته. وقد أحال، فقد سمع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أكثر من ذلك، فقاتله وهو بعد مفارقته للدُنيا يلعنه ويشتمه، ويرى أنّ ملكه وثبات قدرته بذلك، إلّا أنّه أراد أن يقطع عذر سعد في القعود عن نصره، واللّه المستعان.(2)
{11}
[405 ] ثمّ كتب إلى معاوية : إنّي تاركها وتاللّه لو وجدت عليك أعواناً صابرين عارفين بحقّي غير منكرین ماسلّمت إليك هذا الأمر ولا أعطيتك هذا الأمر الّذي أنت طالبه إنّ اللّه قد علم وعلمت یا معاوية وسائر المسلمين أنّ هذا الأمر لي دونك، وقد سمعت من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّ الخلافة لي ولأخي الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وانّها لمحرّمة عليك وعلى قومك سماعك وسماع قومك من
ص: 418
المسلمين من الصادق الأمين المؤدّي عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) .(1)
{12}
[406} بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ماصالح عليه حسن بن عليّ معاوية بن أبي سفيان : صالحه على أن يسلم ولاية المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب اللّه وسنّة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، إلى أنّ قال : وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض اللّه تعالى في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وعلى أنّ أصحاب علي وشيعته آمنون علىّ أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا، وعلى معاوية بذلك عهد اللّه وميثاقه، ولا ينبغي للحسن بن عليّ ولا لأخيه الحسین ولا لأحد من أهل بيت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) غائلة سراً ولا جهراً، ولا يخاف أحد منهم في أُفق من الآفاق شهد عليه فلان بن فلان وفلان بن فلان، وكفى باللّه شهيداً.(2)
{13}
[407] قال : ثمّ دعا الحسن بن علي بكاتبه فكتب : هذا ما اصطلح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان ، صالحه على:
ص: 419
[أوّلاً] أن يسلم إليه ولاية أمر المؤمنين على أن يعمل فيهم بكتاب اللّه وسنّة نبيه محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وسيرة الخلفاء الصالحين.
[ثانياً ]وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد لأحد من بعده عهداً، بل يكون الأمر من بعده شوری بین المسلمين.
[ثالثاً] وعلى أنّ الناس أمنون حيث كانوا من أرض اللّه [ في ] شامهم وعراقهم وتهامهم وحجازهم.
[رابعاً] وعلى أنّ أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم.
وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد اللّه وميثاقه، وما أخذ اللّه على أحد من خلقه بالوفاء بما أعطى اللّه من نفسه.
[خامساً] وعلى أنّه لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) غائلة سراً وعلانية، ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق.
شهد على ذلك عبداللّه بن نوفل بن الحارث وعمر بن أبي سلمة وفلان وفلان(1) .(2)
ص: 420
{14}
[408 ] عن الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) ، أنّه كتب إلى معاوية كتاباً يقرعه فيه ويبكّته بأُمورٍ صَنَعها، كان فيه : «ثمّ ولّيتَ ابنك، وهو غلامٌ كان يشرَبُ الشرابَ ويَلْهُو بالكلاب، فخُنْتَ أمانتك، وأخرَبْتَ رعيّتك، ولم تؤدِّ نصيحةَ ربِّك، فكيف تولّي على أُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مَن يشربُ المسكَر، وشاربُ الخمرِ المسكر من المنافقين والفاسقين، وشاربُ الخمرِ المسكر من الأشرار، ولبس بأمينٍ على درهم، فكيف على الأُمّة!.(1)
{15}
[409 ] من كتاب كتبه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى زياد بن أبيه (لعنه اللّه وأخزاه) لمّا أتاه رجل
ص: 421
من الشيعة مستجيراً به (عَلَيهِ السَّلَامُ) من عدوانه علیه وظلمه إيّاه.(1)
«أمّا بعد: فإنّك عمدت إلى رجل من المسلمين له مالهم، وعليه ما عليهم فهدمت داره، وأخذَت ماله، وحبستَ أهله وعياله ، فإذا أتاك كتابي هذا فابن له داره، واردد عليه عياله وماله، وشفعني فيه، فقد أجرتُه، والسلام».
أقول: روي أن زياداً كتب في الجواب ما كشف عن فظيع عمل أُمّه وأبيه ولا غرو في ذلك فإنّ كلّ إناء يترشّح بما فيه ، صورته :
«من زیاد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة. أمّا بعد: فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي، وأنت طالب حاجة، وأنا سلطان وأنت سُوقة(2) ، وتأمرني فيه أمر المطاع المسلّط على رعيّته، كتبتَ إليّ في فاسق آويته إقامةً منك على سوء الرأي، ورضي منك بذلك، وأيم اللّه لا يسبقني(3) به ولو كان بين جلدك ولحمك، وإن نلت بعضك غير رفيق بك ولا مرعٍ عليك، فإنّ أحبَّ اللحم(4) إليّ أن آكلة اللحم الّذي أنت منه، فسلّمه بجريرته إلى من هو أولى به منك، فإن عفوتُ عنه لم أكن شفّعتك فيه، وإن قتلتُه لم أقتله إلّا لحبّه أباك الفاسق ! (5) والسلام. (6)
ص: 422
{16}
[410] كتب زیاد بن أبيه إلى الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) كتاباً كاشفاً عن نصبه - تقدّم ذكره-.
فلمّا انتهى كتابه إليه (صلوات اللّه وسلامه عليه) قرأه وتبسّم، وكتب بذلك إلى معاوية وجعل كتاب زیاد عِطفه، وبعث به إلى الشام، وكتب جواب كتابه كلمتين لا ثالثة لهما :
«من الحسن بن فاطمة إلى زيادبن سميّة. أمّا بعد: فإنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : «الولد للفراش ! وللعاهر الحجر، والسلام».
فلمّا قرأ معاوية كتاب زیاد إلى الحسن ضاقت به الشام وكتب إلى زياد :
«أمّا بعد، فإنّ الحسن بن عليّ بعث إليّ بكتابك إليه جواباً عن كتاب كتبه إليك في ابن أبي سرح، فأكثرتُ العجب منك، وعلمت أنّ لك دأبین : أحدهما من أبي سفيان، والآخر من سُميّة، فالّذي من أبي سفيان فحلم وحزم، وأمّا الّذي من سميّة فما يكون من رأي مثلها ذلك، تكتب إلى الحسن وتشتم أباه وتعرض له بالفسق، ولعمري إنّك أولى بالفسق من أبيه. فأمّا الحسن بدأ بنفسه ارتفاعاً عليك فإنّ ذلك لا يضعك لو عَقَلت، وأمّا تسلّطه عليك بالأمر فحقّ المثل الحسن أن يتسلّط، وأمّا تركك تشفیعه في ما شفع فيه إليك فحظٌّ دفعتَه عن نفسك إلى من هو أولی به منك. فإذا قدم عليك كتابي فخلِّ ما في يديك لسعيد بن أبي سرح، وابنِ له داره، واردد عليه ماله، ولا تعرّض له، فقد كتبتُ إلى الحسن أن يخيّره: إن شاء أقام عنده، وإن شاء رجع إلى بلده، ولا سلطان لك عليه
ص: 423
ولا لسان(1). وأمّا كتابك إلى الحسن باسمه واسم أُمّه، ولم(2) تنسبه إلى أبيه ، فإنّ الحسن - ويحك - من لایُرمی به الرجَوان (3) ، وإلى أيّ أُمّ وكلتَه لا أُمّ لك! ألا تعلم (4) فاطمة بنت رسول اللّه. وذلك أفخر لو كنت تعقل. (5) وكتب في أسفل الكتاب شعراً من جملته :
[أمّا حسنٌ فابن الّذي كان قبله*** إذا سار سار الموت حيث يسير]
وهل يلد الريبال إلّا نظيره***وذا حسنٌ شبهٌ له و نظیر
ولكنّه لو يوزن الحلم والحجی***بامر لقالوا(6) يربلٌ وینیر(7)
ص: 424
{17}
[411] أخرجه شيخ الطائفة في كتاب «الأمالي»(1) متّصل الإسناد إلى عاصم بن عمرو الجعفي، عن محمّد بن مسلم العبدي، قال : سمعت أبا عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: كتب إلى الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قوم من أصحابه يعزّونه بابنة له، فكتب إليهم:
«أمّا بعد: فقد بلغني كتابكم تعزّوني بفلانة، عند اللّه أحتسبها، تسليماً القضائه، وصبراً على بلائه، فإن أوجعتنا المصائب، وفجعتنا النوائب الّتي كانت بنا خيفة(2)، والاخوان المحّبين الّذين كان يسرُّ بهم الناظرون، وتقرُّ بهم العيون، أصبحوا(3) قد اخترمتهم الأيّام، فنزل بهم الحمام(4)، فخلفوا الخلوف وأودت بهم الحتوف(5) ، فهم صرعى في عساكر الموتى، متجاورون في غير محلّة التجاور، ولا صلات بينهم ولا تزاور، ولا يتلاقون عن قرب جوارهم، أجسامهم نائية من أهلها، خالية من أربابها، قد أخشعها أحزانها(6)، ولم أرَ مثل
ص: 425
دارها داراً، ولا مثل قرارها قراراً، في بيوت موحشة، وحلول مخضعة، قد صارت في تلك الرُبي الموحشة(1)، وخرجت عن الدار المؤنسة ، ففارقتها عن غير قلی، فاستودعها البلى(2)! وكانت أُمة مملوكة سلكت سبيلاً مسلوكة صار إليها الأوّلون، وسيصير إليها الآخرون، والسلام»(3).(4)
{18}
[412] عن عبيد اللّه بن الأصم، عن عمّه يزيد بن الأصم قال : خرجت مع الحسن وجارية تحُتُّ شيئاً من الحناء عن أظفاره، فجاءته إضبارة من كتب، فقال : يا جارية هات المخضب فصب فيه ماء وألقى الكتب في الماء، فلم يفتح منها شيئاً ولم ينظر إليه.
فقلت : يا أبا محمّد ممّن هذه الكتب؟
قال : من أهل العراق من قوم لا يرجعون إلى حق ولا يقصرون عن باطل ،
ص: 426
أما إنّي لست أخشاهم على نفسي ولكنّي أخشاهم على ذلك وأشار إلى الحسین.(1)
ص: 427
ص: 428
ص: 429
ص: 430
البقرة (2)
(61) أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ...405
(94) قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ...100
(94) فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ...101
(95) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ...101
(97 – 98) قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا...98
(113) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى..105
(114) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى ... 119
(124) وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ...189
(186) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ...318
(199)ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ...110
(201) رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ...126
(238) حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى...135
آل عمران (3)
(7) وما يعلم تأويله إلا اللّه والراسخون في العلم...9
(34) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ... 312 و 328
ص: 431
(33 - 34) إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى...316
(61) فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا...379
(101) وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ...9
(102) اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ...123
(105) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ... 270
(144) وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ ... 346
النساء (4)
(18) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ... 385
(24) فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً...49 و 50
(34) الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ...108 و 329
(59) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ...9 و 266 و342
(83) وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ...342
(83) وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ... 342
(86) وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا...96
المائدة (5)
(3) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ... 222 و 223
(32) وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا...120
(55) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ...263
(67) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ...124
الأنعام (6)
(33) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ ... 123
(40 - 41) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ...103
(103) لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ...39
ص: 432
الأعراف (7)
(31) خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ...98
(43) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ...111
(54) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ...90
(96) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ...382
(157) يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ...208
(158) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا...109
(199) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ...97
الأنفال (8)
(41) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى... 378
(41) یَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ...115
(46) وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ...344
(48) لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ... 343
(75) وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ...45
التوبة (9)
(19) أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن باللّه واليوم... 376
(100) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ...313
(100) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ ...376
(103) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ ... 46
(105) فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ ... 228
(119) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ...8
يونس (10)
(35) أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ ... 405
(48) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ...307
ص: 433
(59) قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ... 198
هود (11)
(7) وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ...273
(7) وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ ..274
(17) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ... 372 و 373
(52) وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ...186
(103) ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ... 125
(118 - 119 وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ...270
يوسف (12)
(3) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ ... 34
(38) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ...312-328
الرعد ( 13 )
(7) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ... 239 و 306
(19) إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ...69
الحجر (15)
(47) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ...111
(87) وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ...102
النحل (16)
(43) فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ...7
(44) وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ... 7 و 8
الإسراء ( 17 )
(12) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا ...275
(36) إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ...113
ص: 434
مریم (19)
(67) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ...276
طه (20)
(132) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا...122
الأنبياء (21)
(69) يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ...198
(79) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ...384
( 111-109 ) وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ...368
(111) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ ... 366 و367 و 368 و 369 و 284 و387 و 392 ر396 و 400
الفرقان (25)
(31) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ ...401
(44) إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ...111
الشعراء (26)
(193 - 195 نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * َلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ... 99
(227) وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ...364
النمل (27)
(29 - 30) أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ إنه من سليمان إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ... 102
القصص (28)
(85) إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ...116
الأحزاب (33)
(30 - 31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ... 377
(33) إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ... 121 و122 و 340 و 357 و 379
(45) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ...125
(56) إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ...212
ص: 435
الصافّات (37)
(24) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ...113
ص (38)
(88) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ...328
فصلت (41)
(40) َفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ....299
الشوری (42)
(7) فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ...133
(11) لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ...39
(23) قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى... 123 و 228 و 338
(24) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ... 123
الزخرف (43)
(12 - 13) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ... 184
(44) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ...409 و 410 و 12
الفتح (48)
(1 - 7) ِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ...171
(18) لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ...127
(29) فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ ...125
ق (50)
(40) وَأَدْبَارَ السُّجُودِ...106
النجم ( 53 )
( 4-3 ) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ...34
ص: 436
القمر (54)
(49) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ...126
الرحمن ( 55 )
(33) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ...90
الواقعة ( 56 ) (10 - 11) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ... 112 و 375
الحديد ( 57 )
(10) لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً ...375
الحشر (59)
(7) وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا...97
(10) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا ... 376
(21) لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ ...90
الصف (61)
(6) وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ...208
المنافقون ( 63 )
(4) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ...264
التغابن ( 64 )
(16) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ...123
التحريم (66)
(5) عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ...288
القلم ( 68 )
(4) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ...97
(51 - 52) وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ... 186
ص: 437
نوح (71)
(10) اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ... 142
(12) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ...186
الجنّ ( 72)
(1- 2) إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ...93
الإنسان (79)
(5) إِنَّ الْأَبْرَارَ...115
الإنفطار ( 82)
(31) إِنَّ الْأَبْرَارَ...115
المطفّفين ( 83 )
(18 و 22 ) إِنَّ الْأَبْرَارَ...115
البروج (85)
(10) ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا...1114
الضحى ( 93 )
(11) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ....96
الكافرون (109)
( 6-1 ) قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ...104
النصر (110)
( 3-1) ذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ...216
ص: 438
تقریظ...6
المقدّمة...7
تدوين السُنّة...10
رجال حفظوا السُنّة...16
نظرة إلى الكتب الأربعة...18
السُنّة بعد النبي...20
وقفة مع الحديث...21
دلائل هامة...24
تضييع السُنّة. تكبيل الأفواه...25
حملة محو الآثار...27
وهكذا استمرّ المنع...28
ما هو الهدف ؟ كيف حصل المنع ؟...29
توجیه آخر...31
هل يختلط القرآن بالسنّة؟...32
طرح البديل عن السنّة. الأيادي الخفية...35
الخلف والسلف...36
طمع الأجانب تحقّق...37
الإكثار من الحديث !!...40
الخطة الجديدة...41
نماذج من وضع الحديث...43
ص: 439
تصفية المعارضة...44
منع الإرث...48
منع المتعة...49
استمرار التحريف...51
منهجية الحكم والتقسيم...52
التراويح...53
كلمة الختام....55
ملاحظات أخيرة....56
العقل والعلم....59
في وصف العقل. إنكم صغار قوم. أطعموا حبالاكم اللبان...60
العقل و حسب. حُسن السؤال...61
الوحشة من الناس. فضل طالب العلم. بین المأكول والمعقول...62
أفضل ما وهب اللّه. علِّم و تعلَّم. فضل التفكّر. كافل يتيم المعرفة...63
عذر المتعلّم. لا ثلاثة لثلاث...64
ما العقل؟ في العقل ثلاثة...65
ولاية الأعلم. مجالسة العلماء...66
حوائج الإخوان. كان ناقصاً في مروته و عقله...67
متى يكون العاقل عاقلاً ؟ علماء الشيعة يوم القيامة...68
إذا طلبتم الحوائج. حقّ المعلّم على تلميذه...69
الإلهيات...71
ذلكم اللّه... 72
الإسلام و الإيمان...73
من علامات المسلم. القنوع والخضوع. هكذا الإيمان...74
بين الإيمان واليقين.كم بين الإيمان و اليقين ؟...75
من أخلاق المؤمن...76
خصال الإيمان. ما آمن باللّه...77
ص: 440
داعی الراضی بقسم اللّه. محاسبة النفس...78
من كلماته الحكمیّة. الموت ریحانة المؤمن...79
بين الشيعي و الموالي ما يضرّ الشيعي؟! ذهب الناس وبقي النسناس..80
الموت عند المؤمن والكافرفي وصف أخ له (عَلَيْهِ السَّلَامُ)...81
بين الإبن و أبيه...83
فضل سلمان والمقداد...84
حبّ المال حقيقة الدين...85
القُرآن...87
فاتحة الكتاب ثواب قراءة الفاتحة...88
أقوام قلوبهم مفتونة اقرأوا هذه العشرين...90
احكموا بكتاب اللّه. التدّبر في القرآن. القرآن نور...91
القرآن قائد وسائق. القرآن والعترة. المخرج من الفتن...92
اتخذوا القرآن إماماً. التفسير بالرأي...93
لنكون في ذمة اللّه. من قرأ ثلاث آیات. دعوة مستجابة...94
اقرأوا حين النوم. أصحاب الأخدود...95
موسی (عَلَيْهِ السَّلَامُ) والأجلين. نعمة الربّ. فحيّوا بأحسن منها...96
معنى الخُلق العظيم. خذوا زينتكم...97
مَن كان عدوّاً لجبرئيل؟...98
فتمنّوا الموت...100
هل البسملة آية ؟...102
ما معنى البسملة؟...103
سورة الكافرون...104
یا محمّد اقض بيننا...105
ومن كلامه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أدبار السجود...106
ناشئة الليل. أخبرني يا رسول اللّه...107
فضل الرجال على النساء...108
ص: 441
إني رسول اللّه إليكم. كلمات النبي إبراهيم (عَلَيْهِ السَّلَامُ)...109
سألت عن الناس...110
ونزعنا ما في صدورهم...111
السابقون السابقون. ومن يطع اللّه والرسول...112
وقفوهم إنّهم مسؤولون...113
أصحاب الأخدود...114
يوم الفرقان. أهل البيت هم الأبرار...115
هجرة الرسول (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)...116
هكذا يقضي الإمام (عَلَيْهِ السَّلَامُ)...120
هؤلاء أهل بيتي...121
وأمر أهلك بالصلاة...122
اتّقوا اللّه في أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)...123
الشاهد و المشهود...124
سیف علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ)...125
حسنة الدارین. انهم أهل الشوم...126
الصلاة الوسطى. ووجدك ضالٌّ. لقد خلقناه بقدر...135
الدُعاء...137
تعاهدوا هذه الزيارة...138
ثمرات الاستغفار...143
عوذة الحسنين (عَلَيْهِما السَّلَامُ).إبتغوا حسنة الدارین. يا علي ادعو عليهم...144
دعاء لرفع الحُمّی...145
خصال في علي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كيف أنت يا حسن؟...146
من دعاء النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) حوّلني إلى امرأة...147
من مناجاته (عَلَيْهِ السَّلَامُ)...148
ومن قنوته (عَلَيْهِ السَّلَامُ)...149
ومن دعاء له (عَلَيْهِ السَّلَامُ) دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لطلب المغفرة...150
ص: 442
دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عند احتضاره...151
دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في دفع كيد الأعداء. دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لطلب النصر واليقين...152
ومن دعاء القنوت. دعاء تسخير القلوب...153
دعاء الاستخارة. من دعائه (عَلَيْهِ السَّلَامُ)...154
دعائه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) على أعدائه. دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في الدنيا...155
دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في قنوت الوتر...156
دعاء النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) بعد شرب اللبن. شفاعة الحسنين (عَلَيْهِما السَّلَامُ)...157
دعائه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) على أعدائه...159
ومن دعائه (عَلَيْهِ السَّلَامُ). العين حق...160
صار الرجل امرأة. اقرأ هذه الكلمات...161
یا محمّد مُر أمتك...162
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في طلب. في الاستسقاء...163
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في دفع كيد الأعداء دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) عند الكعبة المشرفة...168
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) عند باب المسجد. الاستشفاء بالدعاء...169
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) لوجع الرجل...170
مواضع إستجابة الدعاء...171
عوذة الحسنین (عَلَيْهما السَّلَامُ)...172
دعاء الإستخارة...173
في رفع العسر. ومن دعائه (عَلَيْه السَّلَامُ) لطلب الحج...174
ومن دعائه (عَلَيْه السَّلَامُ) لطلب الرزق...175
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في طلب المغفرة...176
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) لكشف الظلم...177
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في السفر...178
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) لدفع البلاء...179
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في طلب الحاجة. دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في طلب التوبة...180
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في الشكر...181
ص: 443
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) لدفع كيد العدو...182
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) إذا أفطر...183
دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في الركوب...184
من تسبيحاته (عَلَيْهِ السَّلَامُ). بورك في الموهوب...185
عليك بالاستغفار دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لدفع العيون...186
دعاؤه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لرفع البلاء...187
سبع كلمات من التوراة...188
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في ليلة القدر...189
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) لدفع الجار السوء...190
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في طلب المغفرة...191
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) إذا أحزنه أمر. ففرّوا إلى اللّه ...192
دعاؤه (عَلَيْه السَّلَامُ) في القنوت...193
إحذروا دعاء الوالدين...195
دعاء في الحُمّى...197
أوصاف النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) و فضائله...199
أوصاف رسول اللّه (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ)...200
خلقت من نور اللّه...206
بين علي و محمّد (عَلَيْهِما السَّلَامُ) خلقنا من نور اللّه...207
أخبرني عن خمس...208
وجه فضيلة الأنبياء (عَلَيْهِم السَّلَامُ). بعث اللّه محمداً (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ). أبوا هذه الأمّة...209
سلني عمّ شئت. أكثروا الصلاة عليّ ...210
إنّ صلاتكم تبلغني. مَن قال صلّى اللّه على محمّد وآله...211
بالصلاة عليه تغفر الذنوب...212
كيفية الصلاة على النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ). احذروا الصلاة البتراء...213
في أنّ النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) لا يردّ السائل...213
شفاعة النبي (صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ). ثواب الزيارة. في فضل زيارتهم (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)...214
ص: 444
زُرهم (عَلَيْهِم السَّلَامُ) يزوروك ما جزاء من زارك؟...215
أيّ نبي كنت لكم؟...216
الصلاة رحمك اللّه...219
فضل أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) و محبّتهم...221
أخبرني عن فضلكم. محبّة تحطّ الذنوب...222
كلّهم نورٌ واحد. لولاهم كنتم حيارى...223
أوّل من يرد الحوض. أهل البيت (عَلَيْهِم السَّلَامُ) ومحبّوهم...224
من أحبنا أهل البيت.ألزموا مودّتنا أهل البيت...225
في ثمرة محبتهم(عَلَيْهِمُ السَّلَامُ). حبّنا يساقط الذنوب...226
مصير محبّي أهل البيت (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ).من أحبّنا للّه...227
في حقوق الأولياء. لنحسن إلى آبائنا...228
علم النبيّ وذريّته(عَلَيْهِمُ السَّلَامُ). احفظوني في العباس...229
إظهار النعمة. الجنّة مقابل دمعة...230
الامتحان في حبّهم (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ). من سمع واعيتنا.عدائهم عداء النّبي...231
عقاب بُعض أهل البيت(عَلَيْهِمُ السَّلَامُ).صیاح القبّر...232
أنا سيد النبيّين.مهديُّ هذه الأُمّة...233
نقباء بني إسرائيل. في عدد الأئمّة (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) ...234
عدد شهور الحول. علامة المهدي المأمول...235
المهدي من أهل بيتي.من عهود الرسول.اثنا عشر خليفة...236
متى يخرج المهدی ) عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) بحال ؟...237
قوم آذوا النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أسماء أهل البيت(عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)...238
الأرض لا تخلو من حجّة...239
عصر الخيرات...240
بل يتقدّم إمامكم .لو قام المهدي ) عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)...241
بعض علائم الظهور. انتظار الفرج. إمام يملك الخافقين...242
ص: 445
أبشر يا سفیان...243
الراية من المشرق. حقّ غصب منّا...244
سيدة النساء الزهراء (عَلَيْهَا السَّلَامُ)...247
أين سهم ذي القربى ؟ الجار ثمّ الدّار...248
علي سید العرب .برّه لأُمّه الزهراء (عَلَيْهَا السَّلَامُ)...249
احتضار الصدّيقة فاطمة. أمّاه كلّميني...250
آجرك اللّه في الوالدة...251
في غسل فاطمة (عَلَيْهَا السَّلَامُ).بقينا بعدكِ يتيمين...252
الإمام أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)...253
علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أمير المؤمنين .أمير المؤمنین حقاً .ولاية علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) حصني...254
عليٌ خير البشر...255
عليٌ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و خبر الوحي. علي باب العلم.وليّ كلّ مؤمن...256
طينة من الفردوس...257
وقال الملكان..شجاعة أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)...258
أشبه الناس برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). وقال يصف أبيه (عَلَيهِما السَّلَامُ). ذاك علي بن أبي طالب (عَلَيهِا السَّلَامُ)...259
أبي خير من أُمّتي. علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)صاحب الراية ...260
علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخو رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) . علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) سيّد العرب...261
هكذا ينادي أباه (عَلَيهِما السَّلَامُ) ...262
من حديث الخاتم. أعرف الناس بالقرآن والسنّة...263
هكذا أهل الحق...268
علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) هو الوصي ...272
تعظيم أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)...276
لا تسبّوا عليّاً. لا يبغضك إّلا... ...277
المنكر لفضل علي (عَلَيهِ السَّلَامُ). لا تنكروا فضل علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)...278
من عدالة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ). بكاء أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ). زهد أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...279
شدّة عدالة أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ). هؤلاء شيعة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)...280
ص: 446
من بشائر المصطفى...281
في مقتل عثمان ...282
إن للعرب جولة...284
قتال لابد منه.مع أبي موسى الأشعري...285
موقف صارم. إنها كفّ يهودية...286
مع زوجات النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )...287
كلامه لأبيه (عَلَيهِما السَّلَامُ). إنّ لأبيك يوماً...289
لا يبالي بالموت .و لنعم الحَكَم اللّه...290
لعن اللّه من عقّ عليّاً...291
دعاء أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على قومه...292
ماذا لقيت من قومك ؟. أسير أكرموا مثواه...293
لا يفوتنكم الرجل . لا قصاص قبل الجناية...294
الوصايا الأخيرة...296
خصال فيها النجاة. احفظ أربعاً...298
إيّاك من أربع.ومضى الإمام آمناً إلى ربّه...2999
مدفن أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ).يوصي بقاتله ...300
من كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لابن ملجم . إعانة الملائكة...301
كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لعدوّ اللّه . تنفيد الوصية...302
لم يترك صفراء ولا بيضاء. في زهد الإمام علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)...303
الخُطَب...305
حديث الثقلين ...306
اجملوا في الطلب . أيها الذام للدنيا...309
فصاحته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في طفولته...312
أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)أفضل السابقين. إنّ عليّاً بابٌ...313
لندخل هذا الباب...314
مكانة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...315
ص: 447
في فضل أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ). قراءة سورة إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ)...316
من خطبة له (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الموعظة. في قدرة اللّه تعالی...317
في تقوى اللّه عزّوجلّ ...318
خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم الجمل...319
جئنا ندعوكم إلى اللّه ...321
في ردّ ابن الزبير ...322
في الحث على الجهاد...323
أجيبوا دعوتنا ...324
سیروا إلى إخوانكم...325
خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الهداية. إن أمير المؤمنين يقول :...326
فضل أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...327
إن تنصروا اللّه.. ...328
خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في صفّين...329
خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد التحكيم. في الترغيب والتحذيرووو330
ومن خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد شهادة أبيه (عَلَيهِما السَّلَامُ)...331
لقد أُصيبت البلاد. خطبته في تأبين أبيه (عَلَيهِما السَّلَامُ) ...332
حدّثني جدّي الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ...334
في صفات الخالق...335
في فضل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...336
الرجل لم يسبقه الأولون. في تعريف نفسه (عَلَيهِ السَّلَامُ)...337
لقد فارقكم رجلٌ ....338
فضائل لا تحصى ...339
في خصائص أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) . إنهم أُمراء الناس...340
ازهدوا فيما يفنى ...341
في فضائل أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...342
في تحريض أصحابه للقتال ...344
ص: 448
فتنة الطواغیت . تكلموا رحمكم اللّه ...345
هلمّوا إلى الإيضاح ...346
لو طلبتم بين جابُلق...347
في توبيخ أصحابه. مع من تقاتلون ؟...348
قوم لا وفاء لهم ...349
خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في غدر المرادي .خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ)يبين عن المستقبل...351
لو وجدتُ أعواناً...352
خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في ساباط مدائن...353
خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا وقع الصلح...355
اتقوا اللّه في هؤلاء ...357
يوم يعدّون قتيلين ...359
الحقوا بطّيتكم ...361
لا تردّوا عليّ رأيي ...363
خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في علّة صُلْحِه...363
ماذا أصنع بجماعتكم ؟...364
في حفظ الدماء...365
لكي لا تكون فتنة .صلاح الأُمّة بماذا ؟...366
في علة صلحه (عَلَيهِ السَّلَامُ)...367
هداية الأُمّة ...368
آهات المظلوميّة...370
وفي الصلح فتنة وابتلاء...371
في فضائل أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)...372
لماذا يبغضون عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ). حقيقة طغیان معاوية...386
في التوحيد والنبوة...387
في مجلس معاوية ...388
اعرفوني أيّها الناس...389
ص: 449
من عرفني فقد عرفني ...390
أخبرني عن هؤلاء ...394
حقن الدماء خير ...395
أنا ابن هؤلاء ...396
لا مرحباً بمن ساءك. أيها الذاكر علياً...397
أكيس الكيس التقى ...398
ما أردت إلّا هتكي...399
أنا الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)...400
بين الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) و معاوية...401
الكُتُب والرسائل...403
كتاب النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) .بشهادة الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) . كتابه في القَدَر..404
سؤال الحسن البصري...406
للّه الحجّة البالغة...407
طاعة اللّه عزّ و جل.ظهر الحق و رفع الباطل...408
توثب الأُمّة على الخلافة ...409
اتبع الحق .ليس الرجال للاحتيال...415
اليأس من إحياء الحق ...417
إنّ الخلافة لي و لأخي...418
و كفى باللّه شهيداٌ .من بنود الوثيقة...419
معاوية يخون الأمانة .شفعني فيه فقد أجرته...421
الولد للفراش...423
إلى من عزّاه بابنه (عَلَيهِ السَّلَامُ)...425
في أهل العراق...426
فهرس الآيات...431
فهرس الموضوعات...439
ص: 450
الأَلفَيْنُ
فِي أَحَاديثِ الحَسَنِ وَالحُسَينِ عَلَيهمُ السَّلَام
الجزء الثانی
الْخَطِيبُ
الشَّيْخُ عَلِيٌ حَيْدَرٌ الْمُؤَيَّدُ
المحرّر: محمدرضا دهقانزاد
ص: 1
ص: 2
ص: 3
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله الطاهرين
و لعنة الله على أعدائهم أجمعين
من الآن إلى قيام يوم الدين
ص: 5
أفدتَ من (الألفين) مأثرةٌ كبرى *** لتنعمَ بالزلفي وتسعدَ في الأخرى
ألا إنما ( الألفين) عزٌ ورفعةٌ *** و علمٌ و عرفانٌ بهاتُبهِر الدهرا
أحاديث من ريحانتينِ لأحمد *** بها (الحسن السبط) اعتلى وسما قدرا
و قد نطقت باسم ( الحسين ) فصاحةً *** فنال لدى الباري بها الفوزَ والفخرا
بكل فمٍ تحلو و في كل ندوةٍ *** و تفخر أزمانٌ بها كلما تترى
تُريك من الدنيا عظاتٍ تبلورت *** و في كل عصر قد أشادت لنا فكرا
تُغازل نور الشمس في رأدِ الضُحى *** كأنّ بها من طيب فاطمة الزهرا
هي النعمة الكبرى و درس فضيلةٍ *** و قد بارك الله الأحاديث و الذكرا
لواها غدا فوق الشريعة خافقاً *** كما الصبح بالطلاء تلقاه مفترّا
فيا جامعا حلوَ الكلام و صَفوَهُ *** طلعتَ طلوع الفجر مذ عَمّت البشرى
أصبتَ بها عينَ الحقيقةِ بعدما *** تيقنتَ أنّ الحقَّ قد حققَ النصرا
و رحت تناجي الله جلّ جلالهُ *** على ما حباك اليوم من فيضه سِفرا
و تصبو إلى نيل المكارم و العُلا *** لتُنبي عن الحق المبين فتىٌ برا
فحسبي أني في مساعيك حائرٌ *** ملأت إناءٌ نعمة تهب البشرا
كلفتَ بهذا الِسفر حتى نشرتَه *** ونلتَ به القدر الذي ينفع الذكرى
أنرتَ به كالشمس توقِد في الضُحى *** وغطت على الأفلاكِ إذ تخجل البدرا
صحائفُ مثل الروض باكَرُه الحيا *** ستبقى زماناً تنفخُ الطيبَ والعطرا (1)
ص: 6
ص: 7
{1}
[583] قال الحسن بن علي علیهماالسّلام : حدّثني أمير المؤمنين علیه السّلام قال : دعاني رسول الله صلّي الله علیه و آله ودعا الناس في مرضه، فقال : مَن يقضي عنّي دَيْني وعداتي ويخلفني في أهلي وأُمّتي من بعدي؟ فكفّ الناس عنه، وانتدبت له، فضمنت ذلك، فدعا لي بناقته العضباء، وبفرسه المرتجز، وببغلته، وحماره، وسيفه، وذي الفقار، وبدرعه ذات الفضول، وجميع ما كان يحتاج إليه في الحرب، ففقد عصابة كان يشدّ بها بطنه في الحرب، فأمرهم أن يطلبوها ودفع ذلك إليّ، ثمّ قال : يا علي اقبضه في حياتي لئلّا ينازعك فيه أحد بعدي، ثمّ أمرني فحوّلته إلى منزلي . (1)
{2}
[584] عن زيد بن عليّ قال: أخبرني عن الحسن بن عليّ علیه السّلام قال : هذه وصيّة فاطمة بنت محمّد صلّي الله علیه و آله أوصت بحوائطها السبع : العواف، والدلال، والبرقة ، والمبيت، والحسنی، والصافية، وما لأُمّ إبراهيم إلى عليّ بن أبي طالب علیه السّلام فإن مضى عليّ فإلى الحسن بن علي علیهماالسّلام وإلى أخيه الحسين صلوات الله عليه وإلى الأكبر فالأكبر من ولد رسول الله صلّي الله علیه و آله ثمّ إنّي أُوصيك في نفسي وهي أحبّ الأنفس
ص: 8
إليّ بعد رسول الله صلّي الله علیه و آله إذا أنا متُّ فغسِّلني بيدك وحنّطني وكفّنّي وادفنّي ليلاً، ولا يشهدني فلان وفلان ولا زيادة عندك في وصيّتي إليك، واستودعتك الله تعالى حتّى القاك، جمع الله بيني وبينك في داره، وقرب جواره، وكتب ذلك عليّ علیه السّلام بيده . (1)
{39}
[585] الشيخ المفيد قال : حدّثني أبو حفص عمر بن محمد بن عليّ الصيرفي المعروف بابن الزيّات قال : حدّثنا أبو علي محمد بن همّام الإسكافي قال : حدّثنا جعفر بن محمد بن مالك (2) قال : حدّثنا أحمد بن سلامة الغنوي قال : حدّثنا محمد بن الحسين العامري (3) قال : حدّثنا أبو معمر، عن أبي بكر بن عيّاش، عن الفجيع العقيلي قال : حدّثني الحسن بن عليّ بن أبي طالب علیهماالسّلام قال : لمّا حضرت أبي الوفاة أقبل يوصي فقال :
و هذا ما أوصى به عليّ بن أبي طالب أخو محمد رسول الله وابن عمّه ووصيّه وصاحبه. وأوّل وصيّتي أنّي أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسوله وخيرته ، اختاره بعلمه، وارتضاه لخيرته (4)، وأنّ الله باعث من في القبور، وسائل الناس عن أعمالهم وعالم بما في الصدور .
ص: 9
ثمّ إنّي أُوصيك يا حسن - وكفى بك وصيّاً - بما أوصاني به رسول الله صلّي الله علیه و آله، فإذا كان ذلك يا بنيّ فالزم بيتك، وابك (1) على خطيئتك، ولا تكن الدنيا أكبر همّك، وأوصيك يا بنيّ بالصلاة عند وقتها، والزكاة في أهلها عند محلّها، والصمت عند الشُبهة، والإقتصاد في العمل، والعدل في الرضا والغضب ، وحسن الجوار، وإكرام الضيف، ورحمة المجهود (2) وأصحاب البلاء، وصلة الرحم، وحبّ المساكين ومجالستهم، والتواضع فإنه من أفضل العبادة وقصر الأمل، وذكر الموت ، والزهد في الدنيا فإنّك رهن موت، وغرض بلاء، وطريح سقم. (3)
وأُوصيك بخشية الله في سرّ أمرك وعلانيته (4)، وأنهاك عن التسرّع بالقول والفعل، وإذا عرض شيء من أمر الآخرة فابدأ به، وإذا عرض شيء من أمر الدنيا فتأنّه (5) حتّى تصيب رشدك فيه. وإيّاك ومواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء، فإنّ قرين السوء يغيّر جليسه، وكن لله يا بنيّ عاملاً، وعن الخنا (6) زجوراً، وبالمعروف آمراً، وعن المنکر ناهياً، وواخ الإخوان في الله ،
ص: 10
وأحبّ الصالح لصلاحه، ودار الفاسق عن دينك، وأبغضه بقلبك، وزايله بأعمالك لئلّا تكون مثله .
وإيّاك والجلوس في الطرقات، ودع المماراة (1) ومجاراة من لا عقل له ولا علم، واقتصد یا بنيّ في معيشتك ، واقتصد في عبادتك، وعليك فيها بالأمر الدائم الّذي تطيقه، والزم الصمت تسلم، وقدِّم لنفسك تغنم (2)، وتعلم الخير تعلّم، وكن لله ذاكراً على كلّ حال، وارحم من أهلك الصغير، ووقِّر منهم الكبير، ولا تأكلنّ طعاماً حتّى تصدَّق منه قبل أكله.
وعليك بالصوم فإنّه زكاة البدن وجُّنة لأهله، وجاهد نفسك، واحذر جليسك، واجتنب عدوّك، وعليك بمجالس الذكر، وأكثر من الدعاء فإنّي الم الك يا بنيّ نصحاً، وهذا فراق بيني وبينك .
وأُوصيك بأخيك محمّد خيراً فإنّه شقيقك وابن أبيك، وقد تعلم حبّي له.
وأمّا أخوك الحسين فهو ابن أُمّك، ولا أزيد الوصاة بذلك (3)، والله الخليفة عليكم، وإيّاه أسأل أن يصلحكم، وأن يكفّ الطغاة البغاة عنكم، والصبر الصبر حتّى يتولى الله الأمر (4)، ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم . (5)
ص: 11
{4}
[586] أوصى عليّ علیه السّلام عند موته للحسن والحسين علیهماالسّلام وقال لهما : إن أنا متّ فإنّكما ستجدان عند رأسي حنوطاً من الجنّة وثلاثة أكفان من استبرق الجنّة، فغسّلوني وحنّطوني بالحنوط وكفّنوني.
قال الحسن علیه السّلام : فوجدنا عند رأسه طبقاً من الذهب عليه خمس شمّامات من کافور الجنّة وسدراً من سدر الجنّة، فلمّا فرغوا من غسله وتكفينه أتى البعير فحملوه على البعير بوصيّة منه، وكان قال : فسيأتي البعير إلى قبري فيقيم عنده ، فأتى البعير حتّى وقف على شفير القبر، فوالله ماعلم أحد من حفره، فألحد فيه بعد ما صلّى عليه، وأظلّت الناس غمامة بيضاء و طيور بيض، فلمّا دفن ذهبت الغمامة والطيور . (1)
{5}
[587] روي عن الحسن بن علي علیه السّلام أنّ أمير المؤمنين علیه السّلام قال للحسن والحسين علیهماالسّلام : إذا وضعتماني في الضريح فصلّيا ركعتين قبل أن تهيلا عليّ التراب وانظرا ما يكون، فلمّا وضعاه في الضريح المقدّس فعلا ما أُمِرا به ، ونظرا، وإذا الضريح مغطّى بثوب من سندس، فكشف الحسن علیه السّلام ممّا يلي وجه أمير المؤمنين علیه السّلام فوجد رسول الله صلى الله عليه و آله وآدم، وإبراهيم يتحدّثون مع أمير المؤمنين علیهم السّلام ، وكشف الحسين علیه السّلام ممّا يلي رجليه فوجد الزهراء وحوّاء
ص: 12
ومريم، وآسية عليهنّ السلام يَنُحْن على أمير المؤمنين علیه السّلام ويندبنه . (1)
{6}
[588]لمّا ضرب ابن ملجم الفاسق لعنه الله أمير المؤمنين علیه السّلام قال له الحسن علیه السّلام : أُقتُله.
قال : لا ولكن إحبسه ، فإذا متّ فاقتلوه، فإذا متّ فادفنوني في هذا الظَهر في قبر أخويّ: هود و صالح . (2)
{7}
[589] قال علیه السّلام في جواب السائل أين دَفنتُم أميرَالمؤمنين علیه السّلام؟
على شفيرِ الجرف، ومَرَرْنا به ليلاً على مسجد الأشعث وقال : إدفنوني في قبر أخي هود. (3)
ص: 13
{8}
[590] يا أخي إنّي مُفارقُك ولاحقٌ بربّي وقد سُقيتُ السمَّ ورَمَیت بكبدي في الطشت (1) وإنّي العارف (2) بمَن سَقاني السمّ (3) ومن أين دُهيَتْ وأنا أُخاصمُه إلى الله عزّوجل (4) فبحقّي عليك إن تكلّمتَ في ذلك بشيء، وانتظر ما يحدث الله عزّ وجلّ في (5) فإذا (6) قضيتُ فغَمِّضْني وغَسِّلني و کَفِتّي واحمِلني على سريري إلى قبرِ جدّي رسول الله صلّي الله علیه و آله لأُجدِّد به عهداً ثمّ ردّني إلى قبرِ جدّتي فاطمةَ بنتِ أسد رضي الله عنها فادفنّي هناك، وستعلم يابن أُمّ إنّ القوم يظنّون أنّكم تريدون دفني عند رسول الله الله صلّي الله علیه و آله فيجلبون في ذلك ويمنعونكم منه، وبالله أُقسم عليك أن تهريف في أمري محجمة دم. (7)
ص: 14
{9}
[591] يا أخي إن ّأباك حين قبض رسول الله صلّي الله علیه و آله استشرف لهذا الأمر ورجا (1) أن يكون صاحبه فصرفه الله عنه ووليها أبو بكر، فلمّا حضرت أبا بكر الوفاة تشوف (2) لها أيضاً فصرفت عنه إلى عمر فلمّا قبض عمر جعلها شوری بین ستّة هو أحدهم فلم يشك أنّها لا تعروه (3) فصرفت عنه إلى عثمان فلمّا هلك عثمان بويع له ثمّ نوزع حتّى جرد السيف وطلبها فما صفا له شيء منها وإنّي والله ما أرى أن يجمع الله فينا أهل البيت النبوّة والخلافة فلا أعرفن (4) ما استخفك سفهاء أهل الكوفة فأخرجوك، وقد كنت طلبت إلى عائشة إذا مت أن أدفن في بيتها مع رسول الله صلّي الله علیه و آله فقالت نعم و إنّ لا أدري لعلّه كان ذلك منها حياء فإذا أنا مت فاطلب ذلك إليها فإن طابت نفسها فادفنّي في بيتها وما أظنّ إلّا القوم سيمنعونك إذا أردت ذلك فإن فعلوا فلا تراجعهم في ذلك وادفني في بقيع الغرقد فإنّ لي بمن فيه أُسوة. (5)
ص: 15
{10}
[592] الكليني بإسناده عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبدالله علیه السّلام قال : لمّا حضرت الحسن الوفاة قال: يا قنبر ! أُنظر هل ترى وراء بابك مؤمناً من غير آل محمد.
فقال : الله ورسوله وابن رسوله أعلم.
قال : امض فادع لي محمد بن عليّ.
قال : فأتيته فلمّا دخلت عليه قال : هل حدث إلّا خير؟
قلت : أجب أبا محمّد، فعجّل عن شسع نعله فلم يسوّه، فخرج معي يعدو .
فلمّا قام بين يديه سلّم، فقال له الحسن : اجلس فليس يغيب مثلك عن سماع كلام یحیی به الأموات، ويموت به الأحياء كونوا أوعية العلم، ومصابيح الدُجي، فإنّ ضوء النهار بعضه أضوء من بعض، أما علمت أنّ الله عزّوجلّ جعل ولد إبراهيم أئمّة وفضّل بعضهم على بعض، وآتی داود زبوراً، وقد علمت بما استأثر الله محمّداً صلّي الله علیه و آله.
یا محمد بن علي إنّي لا أخاف عليك الحسد، وإنّما وصف الله تعالی به الكافرين فقال: «كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ» (1) ولم يجعل الله للشيطان عليك سلطاناً، یا محمد بن علي ألا أخبرك بما سمعت من أبيك علیه السّلام فيك؟
قال : بلی.
ص: 16
قال : سمعت أباك يقول يوم البصرة : من أحبّ أن يبرّني في الدُنيا والآخرة فلیبرّ محمّداً، یا محمد بن علي لو شئت أن أُخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك الأخبرتك ! يا محمد بن علي أما علمت أنّ الحسين بن عليّ بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي وعند الله في الكتاب الماضي وراثة النبيّ أصابها في وراثة أبيه وأُمّه، علم الله أنّكم خير خلقه، فاصطفى منكم محمداً واختار محمد عليّاً واختارني عليّ للإمامة واخترت أنا الحسين.
فقال له محمد بن علي : أنت إمامي [وسيّدي] (1) وأنت وسيلتي إلى محمد والله لوددت أنّ نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام ألا وإنّ في رأسي كلاماً لاتنزفه الدلاء، ولا تغيّره بعد الرياح (2) کالکتاب المعجم، في الرقّ المنمنم، أهمُّ بإبدائه فأجدني سبقتَ إليه سبق الكتاب المنزل، وما جاءت به الرُسل وإنّه لكلام يكلُّ به لسان الناطق، ويد الكاتب (3) ولا يبلغ فضلك، وكذلك يجزي الله المحسنين، ولا قوّة إلّا بالله .
الحسين أعلمنا علماً، وأثقلنا حلماً، وأقربنا من رسول الله رحماً، كان إماماً قبل أن يخلق، وقرأ الوحي قبل أن ينطق، ولو علم الله أنّ أحداً خيرٌ منِا (4) ما اصطفى محمداً صلّي الله علیه و آله فلمّا اختار محمداً واختار محمّد عليّاً إماماً، واختارك عليٌّ بعده واخترت الحسين بعدك ، سلّمنا ورضينا بمن هو الرضا، وبمن نسلم به من
ص: 17
المشكلات. (1)
بیان : قوله: «فقال : الله» أي لا تحتاج إلى أن أذهب وأرى فإنّك بعلومك الربّانيّة أعلم بما أخبرك بعد النظر ، ويحتمل أن يكون المراد بالنظر النظر بالقلب، بما علّموه من ذلك، فإنّه كان من أصحاب الأسرار فلذا قال : أنت أعلم به منّي من هذه الجهة، ولعلّ السؤال لأنّه كان يريد أوّلاً أن يبعث غير قنبر الطلب ابن الحنفيّة فلمّا لم يجد غيره بعثه .
ويحتمل أن يكون أراد بقوله «مؤمناً» ملك الموت علیه السّلام، فإنّه كان يقف ويستأذن للدخول عليهم فلعلّه أتاه بصورة بشر فسأل قنبراً عن ذلك ليعلم أنّه يراه أم لا، فجوابه حينئذ أنّي لا أرى أحداً وأنت أعلم بما تقول، وترى ما لا أرى فلمّا علم أنّه الملك بعث إلى أخيه.
«فعجّل عن شسع نعله» أي : صار تعجيله مانعاً عن عقد شسع النعل ، قوله : «عن سماع كلام» أي النصّ على الخليفة، فإنّ السامع إذا أقرّ فهو حيٌّ بعد وفاته ، وإذا أنكر فهو ميّت في حياته، أو المعنى أنّه سبب لحياة الأموات بالجهل والضلالة بحياة العلم والإيمان، وسببٌ لموت الأحياء بالحياة الظاهريّة أو بالحياة المعنويّة إن لم يقبلوه، وقيل يموت به الأحياء أي بالموت الاراديّ عن لذّات هذه النشأة الّذي هو حياة أُخرويّة في دار الدنيا وهو بعيد.
«كونوا أوعية العلم» تحريص على استماع الوصيّة، وقبولها ونشرها، أو على متابعة الإمام والتعلّم منه ، وتعليم الغير، قوله علیه السّلام «فإنّ ضوء النهار» أي لا تستنكفوا عن التعلّم وإن کنتم علماء فإنّ فوق كلّ ذي علم عليم، أو عن تفضيل بعض الاخوة على بعض .
ص: 18
والحاصل أنّه قد استقرّ في نفوس الجهلة بسبب الحسد أنّ المتشعّبين من أصل واحد في الفضل سواء، ولذا يستنكف بعض الاخوة والأقارب عن متابعة بعضهم وكان الكفّار يقولون للأنبياء: «مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا» (1) فأزال علیه السّلام تلك الشبهة بالتشبيه بضوء النهار في ساعاته المختلفة فإنّ كلّه من الشمس، لكن بعضه أضوء من بعض كأوّل الفجر، وبعد طلوع الشمس، وبعد الزوال وهكذا ، فباختلاف الاستعدادات والقابليّات تختلف إفاضة الأنوار على الموادّ.
وقوله : «أما علمت أنّ الله» تمثيل لما ذكر سابقاً وتأكيد له، وقوله : «فجعل ولد إبراهيم أئمّة» إشارة إلى قوله تعالى : «وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا» (2) وقوله «وفضّل» الخ إشارة إلى قوله سبحانه : «وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا». (3)
«وقد علمت بما استأثر» أي علمت بأيّ جهة استأثر الله محمّداً أي فضّله، إنّما كان لوفور علمه، ومكارم أخلاقه، لا بنسبه وحسبه، وأنت تعلم أنّ الحسين أفضل منك بجميع هذه الجهات، ويحتمل أن تكون «ما» مصدريّة والباء لتقوية التعدية أي علمت استيثار الله إيّاه. قوله «إنّي لا أخاف» فيما عندنا من نسخ الكافي «إنّي أخاف» ولعلّ ما هنا أظهر .
قوله عله السّلام: «ولم يجعل الله» الظاهر أنّ المراد قطع عذره في ترك ذلك، أي ليس للشيطان عليك سلطان يجبرك على الإنكار، ولا ينافي ذلك قوله تعالى :
ص: 19
«إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ» (1) لأنّ ذلك بجعل أنفسهم لا بجعل الله، أو السلطان في الآية محمول على ما لا يتحقّق معه الجبر، أو المعنى أنّك من عباد الله الصالحين وقد قال تعالى : «إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ» (2) ويحتمل أن تكون جملة دعائيّة.
قوله علیه السّلام: «وعند الله» في الكافي : «وعند الله جلّ اسمه في الكتاب وراثة من النبيّ صلّي الله علیه و آله أضافها الله عزّوجلّ له في وراثة أبي وأمّه صلّى الله عليهما، فعلم الله» أي كونه إماماً مثبت عند الله في اللوح أو في القرآن، وقد ذكر الله وراثته مع وراثة أبيه وأمّه كما سبق في وصية النبيّ صلّي الله علیه و آله، فيكون «في» بمعنى «إلى» أو «مع» ويحتمل أن تكون «في» سببيّة كما أنّ الظاهر ممّا في الكتاب أن يكون كذلك.
قوله (ره): «ألا وإنّ في رأسي كلاماً» أي : في فضائل و مناقبك «لاتنزفه الدلاء» أي لا تفنيه كثرة البيان، من قولك نزفت ماء البئر، إذا نزحت كلّه ، ولا تغيّره بعد الرياح» كناية عن عذوبته وعدم تكدُّره بقلّة ذكره، فإنّ ما لم تهبّ عليه الرياح تتغيّر، وفي الكافي «نغمة الرياح» وإنّ ذلك أيضاً قد يصير سبباً للتغيّر أي لا يتكرّر ولا يتكدّر بكثرة الذكر ومرور الأزمان، أو کنی بالرياح عن الشبهات الّتي تخرج من أفواه المخالفين الطاعنين في الحقّ كما قال تعالى : «يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ». (3)
قوله کالكتاب المعجم: من الاعجام بمعنى الإغلاق يقال : أعجمت
ص: 20
الكتاب خلاف أعربته، وباب معجم کمکرم مقفل، كناية عن أنّه من الرموز والأسرار، أو من التعجيم، أو الاعجام بمعنى إزالة العُجمة بالنقط والإعراب ، أشار به إلى إبانته عن المكنونات «والرقُّ» ویکسر جلد رقیق یکتب فیه ، والصحيفة البيضاء، ويقال : نمنمه أي زخرفه، ورقّشه ، والنبت المنمنم الملتفُّ المجتمع، وفي بعض نسخ الكافي المنهم من النهمة بلوغ الهمّة في الشيء كناية عن كونه ممتلئاً أو من قولهم : انّهم البرد والشحم، أي ذابا كناية عن إغلاقه كأنّه قد ذاب و محي.
قوله : فأجدني : أي كلّما أهمّ أن أذكر من فضائلك شيئاً أجده مذكوراً في كتاب الله وكتب الأنبياء، وقيل : أي سبقتني إليه أنت وأخوك لذكره في القرآن وكتب الأنبياء، وعلمها عندكما، والظاهر أنّ «سبق» مصدر ويحتمل أن يكون فعلاً ماضياً على الإستيناف، وعلى التقديرين سبقت على صيغة المجهول، و«إنّه» أي ما في رأسي.
وفي بعض نسخ الكافي بعد قوله ويد الكاتب : «حتّى لا يجد قلماً ويؤتي بالقرطاس جميعاً، وضمير يجد للكاتب وكذا ضمير يؤت أي يكتب حتّى تفني الأقلام وتسودُّ جميع القراطيس، والحُمَم بضمّ الحاء وفتح الميم جمع الحممة كذلك أي الفحمة يشبّه بها الشيء الكثير السواد، وضمير يبلغ للكاتب .
أعلمنا علماً: علماً تميز للنسبة على المبالغة والتأكيد. كان إماماً، وفي الكافي كان فقيهاً قبل أن يخلق : أي بدنه الشريف كما مرّ أنّ أرواحهم المقدّسة قبل تعلّقها بأجسادهم المطهّرة كانت عالمة بالعلوم اللدنيّة ومعلّمة للملائكة . قبل أن ينطق : أي بين الناس كما ورد أنّه علیه السّلام أبطأ عن الكلام أو مطلقاً إشارة إلى علمه في عالم الأرواح وفي الرحم .
وفي الكافي في آخر الخبر «من بغيره يرضى ومن كنّا نسلم به من مشکلات
ص: 21
أمرنا» فقوله «من بغيره يرضى» الإستفهام للإنكار، والظرف متعلّق بما بعده وضمير يرضي راجع إلى مَن، وفي بعض النسخ بالنون، وهو لا يستقيم إلّا بتقدير الباء في أوّل الكلام أي بمن بغیر نرضى، وفي بعضها من بعزّه نرضى أي هو من بعزّه وغلبته نرضى، أو الموصول مفعول رضينا ««ومن كنّا نسلم به» أيضاً إمّا استفهام إنکار بتقدير غيره، ونسلّم إمّا بالتشديد فكلمة من تعليليّة أو بالتخفيف أي نصير به سالماً من الابتلاء بالمشكلات، وعلى الاحتمال الأخير في الفقرة السابقة معطوف على الخبر أو على المفعول ويؤيّد الأخير فيهما ما هنا . (1)
{11}
[593] دخل الحسين بن علي علیهماالسّلام على أخيه الحسن بن علي علیهماالسّلام في مرضه الّذي توفّي فيه ، فقال له : كيف تجدك يا أخي؟
قال: أجدُني في أوّل يوم مِن أيّام الآخرة وآخرِ يومٍ من أيّام الدنيا، واعلم أنّي لا أسبق أجلي، وإنّي واردٌ على أبي وجدّي علیهماالسّلام على كرهٍ منّي لفراقِك وفراقِ اخوتك وفراقِ الأحبّة، وأستغفر الله من مقالتي هذه وأتوب إليه، بل على محبّةٍ منّي للقاء رسول الله صلّي الله علیه و آله وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السّلام ولقاء فاطمة وحمزة وجعفر علیهم السّلام ، وفي الله عزّوجلّ خلَفٌ من كلّ هالك وعزاءٌ من كلّ مصيبة ودركٌ من كلّ ما فات . (2)
ص: 22
{12}
[594] قال علیه السّلام: هذا ما أوصى به الحسن بن علي إلى أخيه الحسين بن علي أوصى أنّه يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّه يعبده حقّ عبادته لا شريك له في الملك ولا وليّ له من الذلّ وأنّه خلق كلّ شيء فقدّره تقديراً وأنّه أولى من عُبِدَ وأحقّ من حُمِدَ من أطاعه رشد ومَن عصاه غوى ومن تاب إليه اهتدی.
فإنّي أُوصيك يا حسين بمن خلفت من أهلي وولدي وأهل بيتك أن تصفح عن مسيئهم وتقبل من محسنهم وتكون لهم خلفاً ووالداً وأن تدفنّي مع جدّي رسول الله صلّي الله علیه و آله، فإنّي أحقّ به وببيته ممّن أُدخل بيته بغير إذنه ولا كتاب جاءهم من بعده . قال الله فيما أنزله على نبيّه صلّي الله علیه و آله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ». (1) فوالله ما أذن لهم في الدخول عليه في حياته بغير إذنه ولا جاءهم الإذن في ذلك من بعد وفاته ونحن مأذونٌ لنا في التصرّف فيما ورثناه من بعده .
فإن أبت عليك الامرأة فأُنشدك بالقرابة الّتي قرب الله عزّوجلّ منك ، والرحم الماسة من رسول الله صلّي الله علیه و آله أن لا تهريق فيَّ محجمة م دم حتّى نلقى رسول الله صلّي الله علیه و آله فنختصم إليه فتخبره بما كان من الناس إلينا بعده، ثمّ قبض علیه السّلام. (2)
ص: 23
{13}
[595] ثم بعد ذلك اشتدّ المرض على الإمام العالي وأيقن بقرب حلول الأجل فأوصى للإمام الحسين بأمر الإمامة وقال له:
ادفني إلى جانب رسول الله صلّي الله علیه و آله إن غلب على ظنّك عدم قيام فتنة تكون سبباً لإراقة الدماء وإلّا فادفنّي في بقيع الغرقد. (1)
{14}
[596 ] أبو عوانة : عن حصين ، عن أبي حازم، قال : لماجُضر الحسن، قال للحسين : ادفنّي عند أبي ، يعني النبي صلّي الله علیه و آله إلّا أن تخافوا الدماء فادفنّي في مقابر المسلمين، فلمّا قُبِض، تسلّح الحسين، وجمع مواليه، فقال له أبو هريرة : أُنشدُك بالله ووصيّة أخيك، فإنّ القوم لن يدعوك حتّى يكون بينكم دماء، فدفنه بالبقيع، فقال أبو هريرة : أرأيتم لو جيء بابن موسى ليُدفن مع أبيه، فمُنع، أكانوا قد ظلموه؟ فقالوا: نعم. قال : فهذا ابنُ نبيّ الله صلّي الله علیه و آله قد جيء ليُدفَن مع أبيه.
وعن رجل، قال : قال أبو هريرة مرة يوم دُفِن الحسن : قاتل الله مروان، قال : والله ما كنتُ لأدع ابن أبي تراب يُدفن مع رسول الله صلّي الله علیه و آله، وقد دُفِن عثمانُ بالبقيع . (2)
ص: 24
{15}
[597 ] حدّثنا محمد بن عبدالله الحضرمي، نا محمد بن منصور الطوسي، نا أبو أحمد الزبيري، نا عبدالرحيم بن عبدويه، حدّثني شرحبيل قال : كنت مع الحسين بن علي (رضي الله عنه) وأخرج بسرير الحسن بن علي (رضي الله عنه) وأراد أن يدفنه مع النبي صلّي الله علیه و آله، فخاف أن يمنعه بنو أُميّة، فلمّا انتهوا به إلى المسجد قامت بنو أُميّة، فقام عبدالله بن جعفر ، فقال : إنّي سمعته يقول : إن منعوكم، فادفنوني مع أُمّي. (1)
{16}
[598] قال : يا أخي إذا [أنا] متُّ فغسلني وحنّطني وكفنّي واحملني إلى جدّي صلّي الله علیه و آله حتّى تلحدني إلى جانبه، فإن مُنعت من ذلك فبحقّ جدّك رسول الله
ص: 25
وأبيك أمير المؤمنين وأُمّك فاطمة الزهراء علیهم السّلام أن لا تخاصم أحدة، واردد جنازتي من فورك إلى البقيع حتّى تدفنّي مع أُمّي علیهاالسّلام. (1)
{17}
[599] قال أبو عمر صاحب الإستيعاب : وسلّم في نصف جمادى الأوّل الأمرَ إلى معاوية ، سنة إحدى وأربعين . قال : ومات فيما قيل سنة تسع وأربعين . وقيل : في ربيع الأوّل سنة خمسين. وقيل : سنة إحدى وخمسين .
قال : وروينا من وجوه : أنّ الحسن لما احتُضِر، قال للحسين : يا أخي! وقد كنتُ طلبتُ إلى عائشة أن أُدفن في حجرتها، فقالت: نعم. وإنّي لا أدري لعلّ ذلك كان منها حیاءاً، فإذا مامتُّ، فاطلب ذلك إليها، وما أظنّ القوم إلّا سيمنعونك، فإن فعلوا، فادفنّي في البقيع. فلمّا مات قالت عائشة : نعم وكرامة . فبلغ ذلك مروان . فقال : كذب وكذبت . والله لا يُدفن هناك أبداً، منعوا عثمان من دفنه في المقبرة، ويريدون دفن حسن في بيت عائشة . فلبس الحسین ومن معه السلاح، واستلام مروانُ أيضاً في الحديد، ثم قام في إطفاء الفتنة أبو هريرة . (2)
{18}
[600] عن الحسن بن محمد بن الحنفيّة، قال : جعل الحسنُ يوعز
ص: 26
للحسين : يا أخي إيّاك أن تسفك دماً، فإنّ الناس سراع إلى الفتنة . فلمّا توفّي، ارتجّت المدينة صیاحاً، فلا تلقى إلّا باكياً، وأبردَ مروان إلى معاوية بخبره، وأنّهم يريدون دفنه مع النبي صلّي الله علیه و آله، ولا يَصِلون إلى ذلك أبداً وأنا حيّ. فانتهى حسينٌإلى قبر النبي صلّي الله علیه و آله، فقال : احفروا، فنكب عنه سعيد بن العاص، يعني أمير المدينة ، فاعتزل، وصاح مروان في بني أميّة ولبسوا السلاح .
فقال له حسین : یابن الزرقاء ! مالك ولهذا! أوالٍ أنت؟
فقال : لاتخلُصُ إلى هذا وأنا حيّ.
فصاح حسين بحلف الفضول، فاجتمعت هاشم، وتیم، وزُهرة، وأسد في السلاح، وعقد مروانُ لواء، وكانت بينهم مراماة، وجعل عبدُالله بن جعفر يُلحُّ على الحسين ويقول : يابن عم ! ألم تسمع إلى عهد أخيك؟ أذُكّرك اللهَ أن تسفك الدماء، وهو يأبى . .
قال الحسنُ بن محمد: فسمعتُ أبي، يقول : لقد رأيتُني يومئذ وإنّي لأُرید أن أضرب عُنُقَ مروان، ماحال بيني وبين ذلك إلّا أن أكون أراه مستوجباً لذلك. ثمّ رفقت بأخي، وذكّرته وصيّة الحسن، فأطاعني.
قال جويرية بن أسماء : لما أخرجوا جنازة الحسن، حمل مروان سريره .
فقال الحسين : تحمل سريره! أما والله لقد كنتَ تجرِّعه الغيظ .
قال : كنتُ أفعلُ ذلك بمن يُوازِن حلمُه الجبال !
ويُروى أنّ عائشة قالت : لا يكونُ لهم رابعٌ أبداً، وإنّه لبيتي أعطانيه رسولُ الله صلّي الله علیه و آله في حياته . (1)
ص: 27
ص: 28
ص: 29
{1}
[601] [ماذكره أحمد بن حنبل حول بيعة الناس مع الإمام الحسن وصلحه مع معاوية].
قال ابن عساکر : أخبرنا أبو البرکات الأنماطي وأبو عبدالله البلخي قال : أنبأنا أبو الحسين ابن الطيوري وثابت بن بندار، قالا : أنبأنا أبو عبدالله وأبو نصر قالا : أنبأنا الوليد بن بكر، أنبأنا عليّ بن أحمد بن زکریّا ، أنبأنا صالح بن زحمد، حدَّثني أبي أحمد قال :
ثمّ بايع الحسن بن عليّ بعد وفاة عليّ تسعون ألفاً فزهد في الخلافة، فلم پردها وسلَّمها لمعاوية (1) وقال : لا يهراق على يدي محجمة من دم. (2)
ص: 30
{2}
[602] المناقب : وحكي أنّ الحسن علیه السّلام لمّا أشرف على الموت، قال له الحسين : أُريد أن أعلم حالك يا أخي.
فقال له الحسن : سمعت النبي صلّي الله علیه و آله يقول: لا يفارق العقل منّا أهل البيت مادام الروح فينا فضع يدك في يدي حتّى إذا عاينت ملك الموت أغمز يدك ، فوضع يده في يده فلمّا كان بعد ساعة غمز يده غمزاً خفيفاً فقرَّب الحسين أُذنه إلى فمه فقال : قال لي ملك الموت : أبشر فإنّ الله عنك راض وجدُّك شافع . (1)
{3}
[603] على كتاب الله وسُنّةِ نبيِّه، فإنّهما يأتيانِ على كلّ شرط .
لمّا اجتمع الناس في جامع الكوفة سنة (40) من الهجرة في صبيحة إحدى وعشرين من شهر رمضان المبارك صعد الإمام الحسن علیه السّلام على المنبر وخطب خطبته البليغة، ودعا الناس إلى مبايعته، فانثالوا عليه يبايعونه وأوّل من بایعه المؤمن الثائر والحازم اليقظ الزعیم قیس بن سعد الأنصاري فقال : أبسط يدك أبايعك على كتاب الله وسنّة نبيّه وقتال المحلين ، وثقل على الإمام أن يعزب عن قيس من أنّ العمل على الكتاب والسنّة يغني عن إشتراط قتال المحلين ، فقال بلطف ولين : على كتاب الله ... الخ . (2)
ص: 31
{6}
[606] وأيم الله لا رأيتم فرجاً ولا عدلاً أبداً مع ابن آكلة الأكباد وبني أُميّة، وليسومنّکم سوء العذاب حتّى تتمنّوا أن يلیکم عبد حبشي مجدع فأُفّ لكم وبُعداً وترحاً یا عبيد الدنيا وموالي الحطام . (1)
{7}
[607] ثمّ دعا عبيد الله بن العبّاس فقال له :
یابن عمّ إنّي باعث معك اثني عشر ألفاً من فرسان العرب، وقرّاء المصر ، الرجل منهم يزيد الكتيبة، فسر بهم، وألن لهم جانبك، وابسط لهم وجهك ، وافرش لهم جناحك، وأدنهم من مجلسك ، فإنّهم بقيّة ثقات أمير المؤمنين عليه السّلام وسر بهم على شطّ الفرات حتّى تقطع بهم الفرات حتّى تسير بمَسكين، ثمّ امض حتّى تستقبل بهم معاوية ، فإن أنت لقيته فاحتبسه حتّى آتيك فإنّي على أثرك
ص: 33
وشيكاً، ولیکن خبرك عندي كلّ يوم، وشاور هذين يعني قیس بن سعد، وسعيد بن قيس، وإذا لقيت معاوية فلاتقاتله حتّى يقاتلك فإن فعل فقاتله، فإن أصبت فقیس بن سعد على الناس، فإن أُصيب فسعيد بن قيس على الناس . (1)
{8}
[608] وكتب معاوية إلى الحسن علیه السّلام : یابن عمّي الله الله فيما بيني وبينك أن تقطع الرحم فإنّ الناس قد غرّوا بك وبابيك وبالله أستعين، فقرأ عليهم الحسن علیه السّلام كتابَ معاوية .
فقالوا: يابن رسول الله إنّ الرجلين غدرا بك وغرّاك من أنفسهما ، فإنّا لك ناصحون متابعون غير غادرين .
فقال الحسن علیه السّلام: واللهِ لأعذرنّ هذه المرّة بيني وبينكم إنّي معسکر بالنخيلة فوافوني هناك إن شاء الله فوالله إنّكم لاتَفُون بما بيني وبينكم. (2)
{9}
[609] قال ابن عساكر : أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد، أنبأنا
ص: 34
عبدالله بن جعفر بن درستویه ، أنبأنا يعقوب بن سفيان، أنبأنا الحجّاج - يعني ابن أبي منتع - أنبأنا جدّي عن الزهري قال :
قتل عليّ وبايع أهل العراق الحسن بن عليّ على الخلافة، فطفق يشترط عليهم حين بايعوه : أنّكم لي سامعون مطيعون تسالمون من سالمت، وتحاربون من حاربت. فارتاب أهل العراق في أمره حين اشترط هذا الشرط قالوا : ما هذا لكم بصاحب ومايريد هذا القتال (1) فلم يلبث حسن بعد ما بايعوه إلّا قليلا حتّى طعن طعنة أشوته (2) فازداد لهم بغضاً وازداد منهم ذعراً. (3)
{10}
[610] روي أنّه لمّا مات علي علیه السّلام جاء الناس إلى الحسن علیه السّلام، وقالوا : أنت خليفة أبيك ووصيّه ونحن السامعون المطيعون لك، فمرنا بأمرك ، فقال علیه السّلام:
ص: 35
كذبتم والله ، وماوفيتم لمن كان خيراً منّي، فكيف تفون لي، وكيف أطمئنّ إليكم ولا أثق بكم، إن كنتم صادقين فموعدُ مابيني وبينكم معسکر المدائن، فوافوا إلى هناك . (1)
{11}
[611] ثمّ قام قيس بن عبادة الأنصاري ومعقل بن قيس الرياحي وزياد بن صعصعة (2) التيمي فأنّبوا الناس ولا موهم وحرضوهم، وكلّموا الحسن علیه السّلام بمثل کلام عديّ بن حاتم في الإجابة والقبول .
فقال لهم الحسن علیه السّلام : صدقتم رحمكم الله ما زلت أعرفكم بصدق النّية والوفاء، والقبول، والمودّة والصحيحة، فجزاكم الله خيراً ثمّ نزل. وخرج الناس وعسكروا، ونشطوا للخروج، وخرج الحسن علیه السّلام إلى المعسکر واستخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث ، وأمره باستحثاث الناس على اللحوق إليه، وسار الحسن علیه السّلام في عسکر عظيم حتّى نزل دير عبدالرحمان فأقام به ثلاثاً حتّى اجتمع الناس. (3)
ص: 36
{12}
[612] ابن سعد: حدّثنا محمّد بن عُبيد، عن مجالد، عن الشعبي، وعن يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه، أنّ أهلَ العراق لمّا بايعوا الحسن، قالوا له : سِرْ إلى هؤلاء الّذين عصوا الله ورسوله وارتكبوا العظائم، فسارَ إلى أهل الشام، وأقبل معاوية حتّى نزل جسر منبج، فبينا الحسنُ بالمدائن، إذ نادى مناد في عسکره: ألا إنّ قیسَ بنَ سعد قد قُتِل، فشدّ الناسُ على حُجرة الحسن، فنهبوها حتّى انتهبت بسطه، وأخذوا رداءه، وطعنه رجل من بني أسد في ظهره بخنجر مسموم في اليته، فتحوّل، ونزلَ قصر کسرى الأبيض، وقال : عليكم لعنة الله من أهل قرية، قد علمتُ أن لا خيرَ فيكم، قتلتُم أبي بالأمس، واليومَ تفعلون بي هذا. (1)
{14}
[614] قال : فأنت في حلّ و سعة من بيعتي، فبايعْ . (1)
{15}
[615] قال أبو الفرج : فلمّا تمّ الصلح بين الحسن ومعاوية أرسل إلى قیس بن سعد يدعوه إلى البيعة فجاء و كان رجلاً طوالاً يركب الفرس المشرف، ورجلاه يخطّان في الأرض وما في وجهه طاقة شعر، وكان يسمّى خصيّ الأنصار، فلمّا أرادوا إدخاله إليه ، قال : حلفت أن لا ألقاه إلا وبيني وبينه الرُمح أو السيف، فأمر معاوية برمح وسيف فوضعا بينه وبينه ليبرّ يمينه .
قال أبو الفرج: وقد روي أنّ الحسن لمّا صالح معاوية اعتزل قیس بن سعد
ص: 38
في أربعة آلاف وأبى أن يبايع، فلمّا بايع الحسن أُدخل في ليبايع فأقبل على الحسن فقال: أفي حلّ أنا من بيعتك؟
قال : نعم.
فألقي له کرسيّ وجلس معاوية على سريره والحسن معه، فقال له معاوية : یا قیس، قال : نعم، ووضع يده على فخذه ولم يمدّها إلى معاوية، فحنّى معاوية على سريره (1) وأكب على قيس حتّى مسح يده على يده، ومارفع قيس إليه يده. (2)
{16}
[616] قال : فطلب معاوية البيعة من الحسين علیه السّلام فقال الحسن : یا معاوية! لا تكرهه فإنّه لا يبايع أبداً أو يقتل ولن يقتل حتّى يقتل أهل بيته، ولن يقتل أهل بيته حتّى يقتل أهل الشام . (3)
ص: 39
{17}
[617] فلمّا خرج الحسن عدا عليه الجراح بن الأسد ليسير معه فوجأه بالخنجر في فخذه ليقتله، فقال الحسن : قتلتم أبي بالأمس ووثبتم عليّ اليوم تريدون قتلي زهداً في العادلين ورغبة في القاسطين، والله لتعلمنّ نبأه بعد حين ، ثمّ كتب إلى معاوية بتسليم الأمر إليه كما سيجيء. (1)
{18}
[618] قال : ثمّ دعا الحسن بن علي عبدالله بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطّلب بن هاشم وهو ابن أخت معاوية فقال له : صر إلى معاوية فقل له عنّي : إنّك إن أمّنتَ الناس على أنفسِهم وأموالِهم وأولادِهم ونسائهِم بايعتُك، وإن لم تُؤمِّنهم لم أبايعك . (2)
ص: 40
{19}
[619] قال علیه السّلام: أمّا ولاية الأمر من بعده فما أنا بالراغب في ذلك، ولو أردت هذا الأمر لم أُسلّمه إليه.
قال ابن اعثم : فأخذ عبدالله بن نوفل الصحيفة وأقبل إلى الحسن ومعه نفر من أصحابه من أشراف قریش، منهم عبدالله بن عامر بن کریز وعبدالرحمن بن سمرة ومن أشبههما من أهل الشام.
قال : فدخلوا فسلّموا على الحسن، ثمّ قالوا: أبا محمّد! إن معاوية قد أجابك إلى جميع ما أحببت، فاكتب الّذي تحب .
فقال الحسن : أمّا ولاية الأمر من بعده، فما أنا بالراغب في ذلك، ولو أردت هذا الأمر لم أسلّمه إليه، وأمّا المال، فليس لمعاوية أن يشرط لي في المسلمين، ولكن أكتب غير هذا وهذا كتاب الصلح . (1)
{20}
[620] قال ابن عساكر : أخبرنا أبو محمّد عبدالکریم بن حمزة السلمي ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن عليّ بن ثابت : حيلولة : وأخبرنا أبو القاسم إسماعیل بن أحمد، أنبأنا أبو بكر محمّد بن هبة الله، قالا: أنبأنا أبو الحسين محمّد بن الحسين، أنبأنا أبو محمّد عبدالله بن جعفر، أنبأنا يوسف يعقوب بن سفيان أنبأنا الحجاج، حدّثني جدّي :
ص: 41
عن الزهري قال : فكاتب الحسن لمّا طعن معاوية وأرسل يشرطه شرطه [ظ] فقال : إن أعطيتني هذا فإنّي سامع مطيع وعليك أن تفي به، فوقعت صحيفة الحسن في يد معاوية وقد أرسل معاوية إلى الحسن بصحيفة بيضاء مختوم على أسفلها وكتب إليه أن اشترط في هذه ماشئت فما اشترطت فهو لك. فلمّا أتت حسناً جعل يشترط أضعاف الشروط الّتي سأل معاوية قبل ذلك وأمسكها عنده ، وأمسك معاوية صحيفة حسن الّتي كتب إليه يسأله ما فيها .
فلمّا التقيا وبايعه الحسن سأل حسن معاوية أن يعطيه الشروط الّتي اشترط في السجل الّذي ختم معاوية على أسفله فأبى معاوية أن يعطيه ذلك، وقال لك ما كنت كتبت إليّ تسألني أن أعطيك فإنّي قد أعطيتكها حين جاءني.
فقال له الحسن : وأنا قد اشترطت عليك حين جاءني سجلّك وأعطيتني العهد على الوفاء بما فيه. فاختلفا في ذلك، فلم ينفّذ [معاوية ] للحسن من الشرط شيئاً. (1)
ص: 42
{21}
[621] وروى الصدوق (طاب ثراه) في كتاب «علل الشرائع والأحكام» بإسناده إلى أبي سعيد عقیصا (1)، قال : قلت للحسن بن عليّ بن أبي طالب علیهماالسّلام : یابن رسول الله، لِمَ داهنتَ معاوية وصالحتَه وقد علمت أنّ الحقّ لك دونه ، وأنّ معاوية ضالّ باغ؟
فقال : يا أبا سعيد، ألستُ حجّة الله - تعالى ذكره - على خلقه وإماما عليهم بعد أبي؟
قلت : بلی.
قال : ألستُ الّذي قال رسول الله صلّي الله علیه و آله لي ولأخي: الحسن والحسين إمامان، قاما أو قعدا؟
قلت : بلی.
قال : فأنا إذن إمام لو قمتُ، وأنا إمامٌ إذ قعدتُ. يا أبا سعيد علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول الله صلّي الله علیه و آله لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكّة حين انصرف من الحُدَيبية، أُولئك كفّار بالتنزيل، ومعاوية وأصحابه کفّار
ص: 43
بالتأويل . يا أبا سعيد، إذا كنتُ إماماً من قبل الله تعالى لم يجب أن يسفّه رأيي في ما أتيتُه من مهادنة أو محاربة وإن كان وجه الحكمة في ما أتيته ملتبساً ... إلى أن قال : سخطتم عليّ بجهلكم بوجه الحكمة فيه، ولولا ما آتيتُ لما ترك من شیعتنا على وجه الأرض من أحد إلّا قتل . (1)
{22}
[622] أما علمتم أنّ الخضر لمّا خرق السفينة وأقامَ الجدار وقتل الغلام، كان ذلك ساخطاً لموسی بن عمران علیه السّلام ، إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك ، وكان ذلك عند الله تعالى ذكرُه حكمةً و صواباً . (2)
{23}
[623] أما علمتم أنّه مامنّا أحد إلّا ويقع في عنقه بيعته لطاغية زمانه، إلّا القائم الّذي يُصلّي خلفَه روحُ الله عیسی بنُ مریم علیه السّلام ، فإنَّ الله عزّوجلّ يخفي
ص: 44
ولادته ويُغيب شخصَه، لئلّا يكون لأحدٍ في عُنُقِه بيعةٌ إذا خرج.
ذاك التاسع من ولد أخي الحسين، ابن سيّدة النساء ، يُطيلُ الله عمره في غيبته، ثمّ يظهره بقدرته، في صورة شابّ دون الأربعين سنة، ذلك ليُعلَم أنّ الله على كلّ شيء قدير. (1)
{2}
[624] أرسل معاوية إلى الحسن (السبط الزكي) يسأله أن يخرج فيقاتل الخوارج، فقال الحسن علیه السّلام: سبحان الله تركتُ قتالَك وهو لي حلال، لصلاح الأُمّة وأُلفتهم، أفتراني أُقاتل معك . (2)
{25}
[625] حدّثنا عبدالله بن محمّد، حدّثنا سفيان، عن أبي موسى، سمع الحسن (3) يقول : استقبل والله الحسنُ بنُ علي معاوية بكتائب مثل الجبال . فقال
ص: 45
عمرو بن العاص : إنّي لأرى كتائب لا تُولّي حتّى تقتُل أقرانها .
فقال له معاوية - وكان والله خيرَ الرجلين -: أي عمرو! إنه قَتَلَ هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء، مَن لي بأُمور المسلمين، من لي بنسائهم، من لي بضيعتهم ؟! فبعثَ إليهم برجلين من قريش، عبدالرحمن بن سَمُرة، وعبدالله بن عامر بن کُریز، فقال : اذهبا إلى هذا الرجل فأعرضا عليه، وقولا له، واطلبا إليه ، فأتياه . فقال لهما الحسنُ بنُ علي : إنّا بنو عبدالمطلب قد أُصبنا من هذا المال ، وإنّ هذه الأُمّة قد عاثت في دمائها . قالا : فإنّا نعرِضُ عليك كذا وكذا، ونطلبُ إليك، ونسألك . قال : فمن لي بهذا؟ قالا: نحنُ لك به . فما سألهما شيئاً إلّا قالا: نحن لك به، فصالحه.
قال الحسن (1) : ولقد سمعتُ أبابكرة يقول : رأيتُ رسول الله صلّي الله علیه و آله يقول : «إنّ ابني هذا سيّد ...» وذكر الحديث (2). (3)
{26}
[626] إنّي لمّا رأيتكم ليس بكم عليهم قوّة سلّمتُ الأمرَ لأبقى أنا وأنتم بين أظهرهم . (4)
ص: 46
{27}
[627] ويحكم! ماتدرون ماعملتُ، والله الّذي عملتُ خيرٌ لشيعتي ممّا طلعتْ عليه الشمس أو غربتْ، ألا تعلمون أنّي إمامُكم ومفترَضُ الطاعة عليكم، وأحدُ سيّدَيْ شباب أهل الجنّة بنصّ مِن رسول الله صلّي الله علیه و آله عليّ ؟
قالوا: بلی. (1)
{28}
[628] قال ابن عساکر : أخبرنا أبو الحسين محمّد بن محمّد، وأبو غالب أحمد وأبو عبدالله يحيى ابنا الحسن ، قالوا: أنبأنا محمّد بن أحمد بن محمّد ، أنبأنا محمّد بن عبدالرحمان، أنبأنا أحمد بن سليمان، أنبأنا الزبير بن أبي بكر ، حدّثني أحمد بن سليمان، عن أبي داود الطيالسي، عن شعبة بن يزيد بن خمیر الشامي:
عن عبدالرحمان بن جبير بن نفير الشامي عن أبيه قال : قلت للحسن بن عليّ: إن الناس يزعمون أنّك تريد الخلافة؟
ص: 47
قال : كانت جماجم العرب بيدي يسالمون من سالمت، ويحاربون من حاربت فتركتها ابتغاء وجه الله تعالى ثمّ أثيرها یاتیّاس الحجاز . (1)
{29}
[629] ثمّ انصرف إلى الكوفة فأقام بها عاتباً على أهلها مؤنّباً لهم حتّى دخل عليه حجر بن عدي الطائي فقال له: يا أمير المؤمنين يسعك ترك معاوية .
فغضب غضباً شديداً حتّى احمرّت عيناه ودرّت أوداجه وانسكبت دموعه وقال :
ويحك يا حجر! تسمّيني بإمرة المؤمنين وما جعلها الله لي ولا لأخي الحسين ولا لأحد ممّن مضى ولا لأحد ممن يأتي إلّا لأمير المؤمنين وحده خاصّة، أو ماسمعت جدّي رسول الله صلّي الله علیه و آله قال لأبي : إنّ الله سمّاك بإمرة المؤمنين ولم يشرك معك في هذا الإسم أحداً فما تسمى به غيرك، وإلّا فهو مابون في عقله ومابون في ذاته .
فانصرف عنه وهو يستغفر الله. (2)
ص: 48
{30}
[630] وإنّي لم أفعل ما فعلت إلّا إبقاءً عليكم، والله تعالى كلّ يوم هو في شأن .
قال ابن اعثم الكوفي بعد ذكره جواب الإمام علیه السّلام عن اعتراض المسيّب بن نجبة :
فبينما الحسن بن علي يكلّم المسيّب بهذا الكلام إذا برجل من أهل الكوفة يقال له عبيدة بن عمرو الكندي قد دخل، وفي وجهه ضربة منكرة .
قال : وعرفه الحسن فقال : ما هذا الّذي بوجهك يا أخا کندة؟
قال : هذه ضربة أصابتني مع قیس بن سعد.
فقال حجر بن عدي الكندي : أما والله لقد وددت انّك متّ في ذلك ومتنا معك ثمّ لم نر هذا اليوم، فإنّا رجعنا راغمين بما كرهنا، ورجعوا مسرورين بما أحبوا.
قال : فتغيّر وجه الحسن ثمّ قام عن مجلس معاوية وصار إلى منزله، ثمّ أرسل إلى حجر بن عدي فدعاه، ثمّ قال له: يا حجر ! إنّي قد سمعت كلامك في مجلس معاوية، وليس كلّ إنسان يحبّ ما تحبّ، ولا رأيه رأيك، وإنّي لم أفعل ما فعلت إلّا إبقاء عليكم، والله تعالى كلّ يوم هو في شأن . (1)
ص: 49
{31}
[631] دخل حجر بن عدي على الإمام الحسن المجتبی علیه السّلام وقال : السلام عليك يا مذلّ المؤمنين ! فضحك في وجهه وقال له:
والله يا حجر إنّ هذه الكلمة لاسهل عليَّ وأسرّ إلى قلبي من كلمتك الأُولى، فما شأنك أتريد أن تقول خيل معاوية قد أشنّت على الأنبار وسوادها؟ وإنّي في ألف رجل من شيعتنا في هذين المصرين الكوفة والبصرة .
فقال له حجر : يا مولاي ما أردت أن أقول إلّا ما ذكرته وقلته .
فقال له: يا حجر لو أنّي في ألفي رجل لا والله [إلّا] في مائتي رجل لا والله إلّا في سبعة نفر لما وسعني القعود، ولقد علمتم أنّ أمير المؤمنين علیه السّلام قد دخل عليه ثقاته حين بويع أبو بكر فقالوا له مثل ما قلت لي فقال لهم مثل ما قلت لك، فقام سلمان والمقداد وعمّار وحذيفة بن اليمان وخزيمة (بن ثابت) وأبو الهيثم مالك بن التيهان فقالوا له: يا أمير المؤمنین نحن شيعة لك ومن ورائنا شيعة [لك] يصدقون الله في طاعتك .
فقال لهم : حسبي بكم.
فقالوا: ما تأمرنا؟
قال : فإذا كان غداً فاحلقوا رؤوسكم واشهروا سيوفكم وضعوها على عواتقکم و بکّروا عليّ فإنّي أقوم بأمر الله ولا يسعني القعود عنه .
فلمّا كان من الغد بكر إليه سلمان والمقدادا و أبوذر وقد حلقوا رؤوسهم وشهر وا سيوفهم وجعلوها على عواتقهم ومعهم عمّار قد حلق نصف رأسه وشهر نصف سيفه، فلمّا قعدوا بين يديه نظر إليهم وقال لعمّار : يا أبا اليقظان من يشري نفسه [الله] على نصرة دينه يتقي ويخاف؟
ص: 50
قال : يا أمير المؤمنين خشیت وثوبهم عليّ وسفكهم دمي. (1)
{32}
[632] أخبرنا ثقيف البكّاء، قال : رأيت الحسن بن علي علیهماالسّلام بها عند منصرفه من معاوية، وقد دخل عليه حجر بن عدي فقال : السلام عليك يا مذلّ المؤمنين !
فقال : مَهْ! ما كنت مذلّهم، بل أنا معزّ المؤمنين، وإنّما أردتُ الإبقاء عليهم، ثمّ ضرب برجله في فسطاطه فإذا أنا في ظهر الكوفة وقد خرق إلى دمشق ومضى حتّى رأينا عمرو بن العاص بمصر ومعاوية بدمشق فقال : لو شئت النزعتهما ولكن هاه هاه ومضی محمّد صلّي الله علیه و آله على منهاج و عليّ علیه السّلام على منهاج وأنا أُخالفهما لا يكون (2) ذلك منّي . (3)
{33}
[633] ذكر ابن اعثم خطبته الّتي قال في آخرها: «إنّي مسلّم هذا الأمر إلى معاوية» قال : فقال له أخوه الحسين : يا أخي! أُعيذك بالله من هذا!
ص: 51
فقال الحسن : والله لأفعلن ولأسلمن هذا الأمر إلى معاوية . (1)
{34}
[634] ودخل الحسين علیه السّلام على أخيه باكياً ثمّ خرج ضاحكاً فقال له مواليه : ماهذا؟
قال : العجب من دخولي على إمام أُريد أن أُعلمّه ، فقلت : ماذا دعاك إلى تسليم الخلافة ؟ فقال : الّذي دعا أباك فيما تقدّم . (2)
{35}
[635] رأيت أهل الكوفة قوماً لا يثق بهم أحدٌ إلّا غُلِب، ليس أحدٌ منهم يوافق الآخر في رأي و لا هواء، مختلفين ولانيّة لهم في خير ولا شرّ، لقد لقي أبي منهم أُموراً عظاماً، فليت شعري لمن يصلحون بعدي، وهي أصلح البلاد خراباً. (3)
{36}
[636] قال ابن عساکر : وأنبأنا ابن سعد، أنبأنا عليّ بن محمّد، عن
ص: 52
إبراهيم بن محمّد، عن زيد بن أسلم، قال: دخل رجل على الحسن بالمدينة وفي يده صحيفة ، فقال : ما هذه؟
قال : من معاوية يعد فيها ويتوعّد.
قال : قد كنت على النصف منه .
قال : أجل ولكنّي خشيت أن يأتي يوم القيامة سبعون ألفاً أو ثمانون ألفاً أو أكثر من ذلك أو أقلّ كلّهم تنضح أوداجهم دماً كلّهم يستعدي الله فيم أُهريق دمه (1). (2)
{37}
[637] قال ابن عساکر : أخبرنا أبو محمّد عبدالکریم بن حمزة، أنبأنا أبوبكر الخطيب، أنبأنا ابن الفضل، وابن شاذان، قالا : أنبأنا أبوعبدالله محمّدبن عبدالله بن عمر ويه الصفّار، أنبأنا أبو بكر بن أبي خيثمة، أنبأنا موسی بن إسماعيل، أنبأنا القاسم بن الفضل الحُدّاني :
عن يوسف بن مازن، قال: عرض للحسن بن عليّ رجل فقال : يا مسوّد وجوه المسلمين .
ص: 53
فقال : لاتعذلني فإنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله أريهم يثبون على منبره رجلاً رجلاً فأنزل الله تعالى : «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» وهو نهر في الجنّة. «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» يملكونه بعدي ، يعني بني أُميّة. (1)
ورواه أيضاً الشيخ أحمد بن عبدالله المصري القلقشندي المتوفّى سنة في «مآثر الانافة في معالم الخلافة» (ص 167 ط الكويت) قال :
قيل إنّه لمّا سار الحسن من الكوفة عرض له رجل فقال له: يا مسوّد وجوه المؤمنين .
فقال: لا تعذلني فإنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله رأى في منامه أنّ بني أُميّة ينزون على منبره واحداً فواحداً، فساءه ذلك، فأنزل الله تعالى عليه «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ
ص: 54
الْقَدْرِ» الآيات يعني ألف شهر يملكها بنو أُميّة . (1)
ومنهم العلامة الروداني في «جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد» (ص 432).
روى الحديث من طريق الترمذي بمعنى ما تقدّم عن «مآثر الانافة» وذكر فيه نزول سورة الكوثر والقدر ، ثمّ قال : قال القاسم بن الفضل : فعددناها فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص يوماً.
وفي «صحيح الترمذي» : ج 2 في أبواب تفسير القرآن في سورة القدر روئی بسنده عن القاسم بن الفضل الحمداني، عن يوسف بن سعد قال : قام رجل إلى الحسن بن علي علیهماالسّلام - بعد مابایع معاوية . فقال : سوّدت وجوه المؤمنين، أو یا مسوّد وجوه المؤمنين .
فقال : لا تؤنّبني رحمك الله فإنّ النبي صلّي الله علیه و آله أُرى بني أُميّة على منبره فساءه ذلك فنزلت «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» که با محمّد یعني نهراً في الجنّة، ونزلت «إِنَّا
ص: 55
أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» يملكها بنو أُميّة يا محمّد.
قال القاسم: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا يزيد يوم ولا ينقص.
وفي «مستدرك الصحيحين»: ج3 ص170 روی بسنده عن يوسف بن مازن الراسبي قال : قام رجل إلى الحسن بن علي علیهماالسّلام بها فقال : سوّدت وجوه المؤمنين .
فقال الحسن علیه السّلام : لا تؤنّبني رحمك الله فإنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله قد رأى بني أُميّة يخطبون على منبره رجلاً رجلاً فساءه ذلك فنزلت «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» که نهر في الجنّة، ونزلت «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» تملكها بنو أُميّة، قال : فحسبنا ذلك فإذا هو لا يزيد ولا ينقص .
قال : هذا إسناد صحيح، ثمّ روی بسنده عن سفيان بن الليل الهمداني مثله .
وفي «تفسیر ابن جریر » : ج 30ص167 روی بسنده عن القاسم بن الفضل ابن عیسی بن مازن قال : قلت للحسن بن علي علیهماالسّلام : يا مسوّد وجوه المؤمنين عمدت إلى هذا الرجل فبايعت له - يعني معاوية بن أبي سفيان - فقال : إنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله أُري في منامه بني أُميّة يعلون منبره خليفة خليفة فشقّ ذلك عليه فأنزل الله «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» و «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» - يعني ملك بني أُميّة . قال القاسم: فحسبنا ملك بني أُميّة فإذا هو ألف شهر .
وفي «الفخر الرازي» في تفسير سورة القدر قال: روى القاسم بن الفضل، عن عیسی بن مازن قال : قلت للحسن بن علي علیهماالسّلام : یا مسوّد وجوه المؤمنين عمدت إلى هذا الرجل فبايعت له يعني معاوية .
فقال : إنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله رأى في منامه بني أُميّة يطاون منبره واحداً بعد
ص: 56
واحد.
(قال): وفي رواية ينزون على منبره نزو القردة، فشقّ ذلك عليه، فأنزل الله تعالى : «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» إلى قوله : «خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» يعني ملك بني أُميّة.
(قال) : قال القاسم : فحسبنا ملك بني أُميّة فإذا هو ألف شهر .
وفي «الفخر الرازي» في تفسير سورة الكوثر قال : إنّ رجلاً قام إلى الحسن بن علي علیهماالسّلام وقال : سوّدت وجوه المؤمنين بأن تركت الإمامة لمعاوية .
فقال : لا تؤذني يرحمك الله فإنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله رأی بني أُميّة في المنام يصعدون منبره رجلاً فرجلاً فساءه ذلك، فأنزل الله تعالى «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» و «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» فكان ملك بني أُميّة كذلك ثمّ انقطعوا وصاروا مبتورين .
{38}
[638] عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، قال: حدّثني رجل منّا قال : أتيت الحسن بن علي علیهماالسّلام فقلت : يابن رسول الله صلّي الله علیه و آله أذللت رقابنا، وجعلتنا معشر الشيعة عبيداً مابقي [معك] رجل .
فقال : وممّ ذاك؟
قال : قلت : بتسليمك الأمر لهذا الطاغية .
قال : والله ماسلّمت الأمر إليه إلّا أنّي لم أجد أنصاراً، ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتّى يحكم الله بيني وبينه، ولكنّي عرفت أهل
ص: 57
الكوفة وبلوتهم، ولا يصلح لي منهم ما كان فاسداً، إنّهم لا وفاء لهم ولا ذمّة في قول ولافعل، إنّهم لمختلفون ويقولون لنا : إنّ قلوبهم معنا، وإنّ سيوفهم المشهورة علينا .
قال : وهو يكلّمني إذا تنخّع الدم فدعا بطست فحمل من بين يديه ملآن ممّا خرج من جوفه من الدم .
فقلت له : ما هذا يابن رسول الله؟! إنّي لأراك وجعاً؟
قال : أجل دسَّ إلىَّ هذا الطاغية من سقاني سمّاً فقد وقع عليّ كبدي، فهو يخرج قِطَعاً كما ترى.
قلت : أفلا تتداوی؟
قال : قد سقاني مرّتين وهذه الثالثة لا أجد لها دواء .
ولقد رقي إلىّ أنّه كتب إلى ملك الروم يسأله أن يوجّه إليه من السمّ القتّال شربة، فكتب إليه ملك الروم : أنّه لا يصلح لنا في ديننا أن نعين على قتال من لا يقاتلنا، فكتب إليه: إنّ هذا ابن الرجل الذي خرج بأرض تهامة قد خرج يطلب ملك أبيه، وأنا أُريد أن أدسّ إليه من يسقيه ذلك، فأُريح العباد والبلاد منه، ووجّه إليه بهدايا و ألطاف، فوجّه إليه ملك الروم بهذه الشربة الّتي دسّ بها فسقيتها، واشترط عليه في ذلك شروطاً. (1)
{39}
[639] في حديث رواه الطبرسي في الإحتجاج : ج 2 ص 10 عن زید
ص: 58
الجهني قال : قلت : تترك يابن رسول الله شيعتك كالغنم ليس لها راع؟
قال : وما أصنع يا أخا جهينة؟ إنّي والله أعلم بأمر قد أدّى به إليّ ثقاته إنّ أمير المؤمنين علیه السّلام قال لي ذات يوم وقد رآني فرحاً : يا حسن أتفرح؟ كيف بك إذا رأيت أباك قتيلاً؟ كيف بك إذا ولّي هذا الأمر بنو أُميّة وأميرها الرحب البلعوم الواسع الإعفجاج، يأكل ولا يشبع، يموت وليس له في السماء ناصر ولا في الأرض عاذر، ثمّ يستولي على شرقها وغربها يدين له العباد ويطول ملکه، يسنّن سنن أهل البدع والضلال، ويميت الحقّ وسنّة رسول الله صلّي الله علیه و آله، يقسم المال في أهل ولايته ويمنعه من هو أحقّ به، ويذلّ في ملكه المؤمن ويقوي في سلطانه الفاسق، ويجعل المال بين أنصاره دولاً، ويتّخذ عباد الله خولاً، يدرس في سلطانه الحقّ، ويظهر الباطل، ويقتل من ناواه على الحقّ، ويدين من لاواه على الباطل ... . (1)
{40}
[640] عن زيد (2) بن وهب الجهني قال : لمّاطعن الحسن بن علي علیهماالسّلام بالمدائن أتيته وهو متوجّع فقلت : ما تری یابن رسول الله فإنّ الناس متحيّرون؟
فقال : أرى والله أنّ معاوية خير لي من هؤلاء [الذين] يزعمون أنّهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي، والله لئن أخذ عن معاوية
ص: 59
عهداً أحقن به دمي وأُؤمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فضيع أهل بيتي وأهلي! (1)
{41}
[641] کش: روي عن عليّ بن الحسن الطويل ، عن عليّ بن النعمان، عن عبدالله بن مسكان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر علیه السّلام قال: جاء رجل من أصحاب الحسن علیه السّلام يقال له : سفیان بن ليلى (2) وهو على راحلة له، فدخل على
ص: 60
الحسن وهو محتب (1) في فناء داره فقال له : السلام عليك يا مذلّ المؤمنین!
فقال له الحسن : انزل ولا تعجل، فنزل فعقل راحلته في الدار، وأقبل يمشي حتّى انتهى إليه.
قال : فقال له الحسن : ما قلت؟
قال : قلت : السلام عليك يا مذلّ المؤمنین!
قال : وما علمك بذلك؟
قال : عمدت إلى أمر الأُمّة، فخلعته من عنقك، وقلّدته هذا الطاغية ، يحكم بغير ما أنزل الله.
قال : فقال له الحسن علیه السّلام : سأخبرك لم فعلت ذلك .
قال : سمعت أبي علیه السّلام يقول : قال رسول الله صلّي الله علیه و آله: لن تذهب الأيّام والليالي حتّى يلي أمر هذه الأُمّة رجل واسع البلعوم، رحب الصدر (2) يأكل ولا يشبع وهو معاوية، فلذلك فعلت . ما جاء بك؟
قال : حبّك .
ص: 61
قال : الله؟
قال : الله .
فقال الحسن علیه السّلام : والله لا يحبّنا عبد أبداً ولو كان أسيراً في الديلم إلّا نفعه حبّنا، وإنّ حبّنا لیساقط الذنوب من بني آدم کما یساقط الريح الورق من الشجر .
الإختصاص : جعفر بن الحسين المؤمن وجماعة مشايخنا عن محمّد بن الحسين بن أحمد عن الصفّار، عن ابن عيسى، عن عليّ بن النعمان مثله (1) . (2)
{42}
[642] قال ابن اعثم : فبينا الحسن يكلّم حجر بن عدي إذا برجل من أصحابه قد دخل عليه يقال له سفيان بن الليل البهمي (3) فقال له : السلام عليك یا مذلّ المؤمنين ! فلقد جئت بأمر عظيم ، هلاً قاتلتَ حتّى تموتَ ونموت معك!
فقال له الحسن : يا هذا! إنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله لم يخرج من الدنيا حتّى رفع له ملك بني أُميّة، فنظر إليهم يصعدون منبره واحداً بعد واحد، فشقّ ذلك عليه ، فأنزل الله تعالى في ذلك قرآناً فقال : «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» يقول : إنّ ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر من سلطان بني أُميّة. (4)
ص: 62
{43}
[643] رواه أبو الفرج في ترجمة الإمام الحسن من مقاتل الطالبيّين : ص 967، ط مصر، قال :
فحدّثني محمّد بن الحسين الأشناني وعلي بن العباس المقانعي قالا : حدّثنا عباد بن یعقوب، قال : أخبرنا عمرو بن ثابت ، عن الحسن بن حکم، عن عديّ بن ثابت ، عن سفيان بن الليل .
وحدّثني محمّد بن أحمد أبو عبيد، قال : حدّثنا الفضل بن الحسن المصري قال : حدّثنا محمّد بن عمرويه ، قال : حدثنا مكي بن إبراهيم، قال : حدثنا السري بن إسماعيل، عن الشعبي، عن سفيان بن الليل، دخل حدیث بعضهم في حديث بعض وأكثر اللفظ لأبي عبيدة ، قال :
أثبت الحسن بن عليّ حین بایع معاوية فوجدته بفناء داره وعنده رهط فقلت : السلام عليك يا مذلّ المؤمنين ، فقال : عليك السلام یا سفیان انزل . فنزلت فعقلت راحلتي ثمّ أتيته فجلست إليه فقال : كيف قلت یا سفيان؟
فقلت : [قلت :] السلام عليك يا مذلّ المؤمنين!
فقال : ما جرّ هذا منك إلينا؟
فقلت : أنت والله - بأبي أنت وأُمّي - أذللت رقابنا حين أعطيت هذا الطاغية البيعة وسلّمت الأمر إلى اللعين ابن اللعين ابن آكلة الأكباد ومعك مائة ألف كلّهم يموتون دونك وقد جمع الله لك أمر الناس !!
قال : يا سفيان! إنّا أهل بيت إذا علمنا الحقّ تمسّكنا به، وإنّي سمعت عليّاً يقول : سمعت رسول الله صلّي الله علیه و آله يقول : لا تذهب الليالي والأيّام حتّى يجتمع
ص: 63
أمر هذه الأُمّة على رجل واسع السُرم (1) ضخم البلعوم يأكل ولا يشبع لا ينظر الله إليه ولا يموت حتّى لا يكون له في السماء عاذر ولا في الأرض ناصر وإنّه المعاوية، وإنّي عرفت أن الله بالغ أمره. (2)
{44}
[644] قال ابن عساکر : أخبرنا أبو محمّد، أنبأنا أبوبكر .
وأخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أنبأنا أبو بكر بن الطبري قالا : أنبأنا أبو الحسين ابن الفضل، أنبأنا عبدالله بن جعفر ، أنبأنا يعقوب بن سفيان، أنبأنا العباس بن عبد العظيم ، أنبأنا أسود بن عامر .
حيلولة : وأخبرنا أبو منصور ابن رزيق، أنبأنا أبو بكر الخطيب (3) أنبأنا إبراهيم بن مخلّد بن جعفر، أنبأنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم الحكيمي، أنبأنا عبّاس بن محمّد، أنبأنا أسود بن عامر، أنبأنا زهیر بن معاوية ، أنبأنا أبو روق الهمداني.
أنبأنا أبوالغريف [عبیدالله بن خليفة] قال : كنّا مقدمة الحسن بن علي اثنا عشر ألفاً بمسكن مستميتين تقطر أسيافنا [دماً] من الجدّ على قتال أهل الشام،
ص: 64
وعلينا أبوالعمرطة، فلمّا جاءنا صلح الحسن بن عليّ كأنّما كسرت ظهورنا من الغيظ، فلمّا قدم الحسن بن عليّ الكوفة قال له رجل منّا يقال له : أبو عامر سفیان بن ليلى (1) - وقال ابن الفضل : سفيان بن الليل -: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين!
قال : فقال له : لا تقل ذاك يا أبا عامر، لست بمذلّ المؤمنين ولكنّي كرهت أن أقتلكم على الملك .
[قال ابن عساکر : ] واللفظ لحديث الحكيمي . (2)
{45}
[645] حدّثنا محمّد بن فضيل (3)، عن السري (4) بنإسماعيل، عن عامر الشعبي قال: حدّثني سفيان بن الليل قال : سمعت حسن بن عليّ يقول : سمعت عليّاً (رضي الله عنه) يقول : سمعت رسول الله صلّي الله علیه و آله يقول : لا تذهب الليالي والأيّام حتّى يجتمع أمر هذه الأُمّة على معاوية . (5)
ص: 65
{46}
[646] وروى في تحف العقول : ص 227 عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال في وصيّته لأبي جعفر محمّد بن النعمان :
إعلم أنّ الحسن بن عليّ علیه السّلام لمّا طُعن واختلف الناس عليه سلّم الأمر المعاوية فسلّمت عليه الشيعة : «عليك السلام یا مذلّ المؤمنين! ».
فقال علیه السّلام: ما أنا بمذلّ المؤمنين ولكنّي مع زّالمؤمنين إنّي لمّا رأيتكم ليس بكم عليهم قوّة سلّمت الأمر لأبقى أنا وأنتم بين أظهرهم كما عاب العالم السفينة لتبقى لأصحابها ... (1)
{47}
[647] قال ابن عساکر : أنبأنا أبو غالب شجاع بن فارس، أنبأنا أبو طالب محمّد بن علي الحربي العشاري أنبأنا عبدالله بن محمّد بن أحمد أخي ميمي (2) وأبو عبدالله أحمد بن محمّد بن دوست .
حيلولة : قال : وأنبأنا عليّ بن أحمد الملطي أنبأنا أحمد بن محمّد بن دوست قالا : أنبأنا الحسين بن صفوان، أنبأنا ابن أبي الدنيا، أنبأنا عبدالرحمان بن صالح، أنبأنا محمّد بن موسی:
عن فضیل بن مرزوق قال : أتى مالك بن ضمرة الحسن بن علي فقال :
ص: 66
السلام عليك يا مُسخّم وجوه المؤمنين!
قال : يامالك! لاتقل ذلك إنّي لمّا رأيت الناس تركوا ذلك إلّا أهله خشيت أن تَجْتَثّوا عن وجه الأرض فأردت أن يكون للدين في الأرض ناعٍ. (1)
فقال : بأبي أنت وأمّي ذرّية بعضها من بعض .
ص: 67
{48}
[648] یا مسيّب إنّ الغدر لا يليق بنا ولا خير فيه.
ذكر ابن اعثم بعد ذكره كلام معاوية : - فكلّ شرط شرطته لكم فهو مردود -: وقام المسيّب بن نجبة الفزاري إلى الحسن بن علي فقال : لا والله جعلني الله فداك، ماينقضي تعجّبي منك ، كيف بایعت معاوية ومعك أربعون ألف سيف، ثمّ لم تأخذ لنفسك ولا لأهل بيتك ولا لشيعتك منه عهداً و میثاقاً في عقد طاهر، لكنّه أعطاك أمراً بينك وبينه ثمّ إنّه تكلّم بما قد سمعت، والله ما أراد بهذا الكلام أحداً سواك.
فقال له الحسن : صدقت یا مسيّب! قد كان ذلك فما ترى الآن؟
فقال : أرئ والله أن ترجع إلى ما كنت عليه وتنقض هذه البيعة، فقد نقض ما كان بينك وبينه!
قال : ونظر الحسن بن علي إلى معاوية وإلى ماقد نزل به من الخوف والجزع، فجعل يسكن الناس حتّى سكنوا، ثمّ قال للمسيّب : يا مسيّب! إنّ الغدر لا يليق بنا ولا خير فيه، ولو أنّي أردتُ بما فعلت الدنيا لم يكن معاوية بأصبر منّي على اللقاء، ولا أثبت عند الوغاء، ولا أقوى على المحاربة إذا استقرّت الهيجاء، ولكنّي أردتُ بذلك صلاحكم وكفّ بعضكم عن بعض، فارضوا بقضاء الله وسلّموا الأمر لله حتّى يستريح بر ویستراح من فاجر. (1)
ص: 68
{49}
[649] قال علیه السّلام: لا عليك يا مسيّب، فإنّه مَن أحبّ قوماً كان معهم .
قال : فقال المسيّب : أما والله يابن رسول الله! ما یعظم علينا هذا الأمر الذي صار إلى معاوية، ولكنّا نخاف عليكم أن تضامّوا بعد هذا اليوم، وأمّا نحن فإنّهم يحتاجون إلينا وسيطلبون المودّة منّا كلّما قدروا عليه.
قال : فقال له الحسن: لا عليك يا مسيّب ! فإنّه من أحبّ قوماً كان معهم. (1)
{50}
[650] قال المدائني : فلمّا كان عام الصلح، أقام الحسن علیه السّلام بالكوفة أيّاماً، ثمّ تجهّز للشخوص إلى المدينة ، فدخل عليه المسيّب بن نجبة الفزاري و ظبيان بن عمارة السيمي ليودّعاه .
فقال الحسن : الحمد لله الغالب على أمره، لو أجمع الخلق جميعاً على
ص: 69
ألّا يكون ما هو كائن ما استطاعوا
فقال أخوه الحسين علیه السّلام : لقد كنت کارهاً لما كان طيّب النفس على سبيل أبي حتّى عزم عليّ أخي، فأطعته، وكأنّما يجذّ أنفي بالمواسي. (1)
{51}
[651] والله لو قاتلتُ معاوية لأخذوا بعنقي حتّى يدفعوني إليه سلماً ، فوالله لأن أُسالمه وأنا عزیز خيرٌ من أن يقتلني وأنا أسير ، أو يَمُنّ عليّ فيكون سُبّة (2) على بني هاشم إلى آخر الدهر، ولَمعاوية لايزال يمنُّ بها وعقبه على الحيّ منّا وعلى الميّت. (3)
{52}
[652] قال ابن عساکر : وأنبأنا محمّد بن سليم العبدي، أنبأنا هشيم، عن أبي إسحاق الكوفي، عن هزّان، قال : قيل للحسن بن عليّ: تركت إمارتك وسلَّمتها إلى رجل من الطلقاء وقدمت المدينة؟
ص: 70
فقال : إنِي اخترتُ العارَ على النار. (1)
{53}
[653] أورده أبو حيّان التوحيدي في «الإمتاع والمؤانسة»: ج2 ص 64 وقال : قيل للحسن بن علي علیهماالسّلام لمّا صالح معاوية : يا عار المؤمنین .
فقال علیه السّلام: العار خير من النار .
وذكره أيضاً ابن عساكر في تاريخ دمشق ترجمة الإمام الحسن علیه السّلام: ص 171 ح 290، فقال: أخبرنا أبوغالب وأبو عبدالله ابن البنّاء قالا : أنبأنا أبو الحسين ابن الأبنوسي، أنبأنا أحمد بن عبيد بن الفضل إجازة قالا: وأنبأنا عليّ بن محمّد، أنبأنا أبوتمام إجازة، أنبأنا أحمد بن عبيد بن بيري قراءة ، أنبأنا محمّد بن الحسين بن محمد الزعفراني، أنبأنا ابن أبي خيثمة ، أنبأنا أبي، أنبأنا وهب بن جرير قال : قال أبي :
فلمّا قُتِلَ عليّ بايع أهل الكوفة الحسن بن علي وأطاعوه وأحبّوه أشد من حبّهم لأبيه.
ص: 71
قال : وأنبأنا ابن أبي خيثمة، أنبأنا هارون بن معروف، أنبأنا ضمرة، عن ابن شوذب ، قال :
لمّا قتل عليّ سار الحسن في أرض العراق وسار معاوية في أهل الشام، قال : فالتقوا فكرِه الحسن القتال وبايع معاوية (1) على أن جعل العهد للحسن من بعده .
قال : فكان أصحاب الحسن يقولون : [له]: یاعار المؤمنين!
قال : فيقول لهم : العار خيرٌ مِن النار .
ص: 72
{54}
[654] عن الحسن بن علي علیهماالسّلام أنّه قال في جواب من عابه على الموادعة وخاطبه (بمذلّ المؤمنین): لستُ بمذلّ المؤمنين، ولكن كرهتُ أن أقتلكم على الملك. (1)
{55}
[655] كان أوّل من خرج من الخوارة بعد قتل علي (رضي الله عنه) حَوْثَرة (2) الأقطع، فإنّه كان خرج إلى النُخَيلة واجتمع إليه جماعة من الخوارج ومعاوية بالكوفة، وقد بايعه الحسن والحسين و قیس (3) بن سعد بن عُبادة، ثمّ خرج الحسن يريد المدينة، فوجّه إليه معاوية وقد تجاوز في طريقه يسأله أن يكون المتولّي لمحاربتهم .
ص: 73
فقال الحسن علیه السّلام : والله لقد كففتُ عنك لحقْن دماء المسملین، وما أحسب ذلك يَسعني، فكيف أن أُقاتل قوماً أنت أولى بالقتال منهم؟ (1)
ص: 74
ص: 75
{1}
[656] في تفسير الإمام والإحتجاج: بالإسناد عن أبي محمد علیه السّلام قال : قال الحسنُ بن عليّ بن أبي طالب علیه السّلام - وقد حمل إليه رجل هدية . فقال له : أيّهما أحبّ إليك؟ أن أردّ عليك بدلها عشرين ضعفاً عشرين ألف درهم أو أفتح لك باباً من العلم تقهر فلان الناصبي في قريتك ، تنقذ به ضعفاء أهل قريتك؟ إن أحسنت الاختيار جمعت لك الأمرين، وإن أسأت الإختيار خيّرتك لتأخذ أيّهما شئت!
فقال : يابن رسول الله فثوابي في قهري ذلك الناصب واستنقاذي لأُولئك الضعفاء من يده قدره عشرون ألف درهم؟
قال : بل أكثر من الدنيا عشرين ألف مرّة!
فقال : يابن رسول الله فكيف أختار الأدون بل أختار الأفضل: الكلمة الّتي أقهر بها عدوّ الله و أذوده (1) عن أولياء الله.
فقال الحسن بن علي علیه السّلام: قد أحسنت الإختيار وعلّمه الكلمة وأعطاه عشرين ألف درهم، فذهب فأفحم الرجل فاتّصل خبره به .
فقال له إذ حضره : یا عبدالله ماربح أحد مثل ربحك، ولا اكتسب أحد من الأودّاء ما اكتسبت، اكتسبت مودّة الله أوّلاً، ومودّة محمد صلّي الله علیه و آله وعليّ ثانياً، ومودّة الطيّبين من آلهما ثالثاً، ومودة ملائكة الله رابعاً، ومودّة إخوانك المؤمنين خامساً، فاكتسبت بعدد كلّ مؤمن وکافر ما هو أفضل من الدنيا ألف مرّة فهنيئاً لك هنيئاً . (2)
ص: 76
{2}
[657] روى المجلسي (قدّس سرّه) عن الحاكم في «أماليه» عن الحسن علیه السّلام أنّه قال :
مَن كان يباء (1) بجدّ فإنّ جدّي الرسول صلّي الله علیه و آله، أو كان يباء بأُمّ فإنّ أمّي البتول ، أو كان يباء بزور فزورنا جبرئیل. (2)
{3}
[658] إسماعيل بن أبان بإسناده عن الحسن بن علي علیهماالسّلام أنّه مرّ في مسجد رسول الله بحلقة فيها قوم من بني أُمّية، فتغامزوا به ، وذلك عندما تغلّب معاوية على ظاهر أمره فرآهم وتغامُزَهم به، فصلّى ركعتين ثمّ قال :
قد رأيت تغامز كم أما والله لا تملكون يوماً إلّا ملكنا يومين، ولا شهراً إلّا ملكنا شهرين ولا سنة إلّا ملكنا سنتين، وإنّا لنأكل في سلطانكم، ونشرب ونلبس وننكح ونركب، وأنتم لا تأكلون في سلطاننا ولا تشربون ولا تنكحون.
فقال له رجل: فكيف يكون ذلك یا أبا محمد؟ وأنتم أجود الناس وأرأفهم وأرحمهم، تأمنون في سلطان القوم، ولا يأمنون في سلطانكم؟
فقال : لأنّهم عادونا بكيد الشيطان، وكيد الشيطان ضعيف، وعاديناهم
ص: 77
بکيد الله وكيد الله شديد. (1)
{4}
[659] روي أنّ الحسن بن علي علیه السّلام وفد على معاوية، فحضر مجلسه، وإذا عنده هؤلاء (2) القوم، ففخر كلّ رجل منهم على بني هاشم ووضعوا منهم ، وذكروا أشياء ساءت الحسن بن علي علیه السّلام وبلغت منه ، فقال الحسن علیه السّلام:
أنا شعبة مِن خير الشُعَب، وآبائی أكرم العرب، لنا الفخر والنسب والسماحةُ عند الحسب، ونحن مِن خير شجرةٍ أنبتتْ فروعا ناميةً، وأثماراً زاكيةً، وأبداناً قائمةً، فيها أصلُ الإسلام، وعِلمُ النبوّة، فعلَوْنا حين شمخ بنا الفخرُ، واستطلنا حين امتنع بنا العزّ، ونحنُ بحورٌ زاخرةٌ لا تُنْزَف، وجبالٌ شامخةٌ لاتُقهَر. (3)
{6}
[661] قال علیه السّلام لحبيب (1) بن مسلمة الفهري :رُب مَسيرٍ لك في غير طاعة الله.
قال : أمّا مسيري إلى أبيك فلا.
قال علیه السّلام : بلى، ولكنّك أطعْتَ معاويةَ على دنياً قليلة، فلئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في آخرتك، فلو كنتَ إذا فعلتَ شرَاً قلتُ خيراً كنتَ كما قال الله عزّ وجلّ : «خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا» (2)، ولكنّك كما قال : «بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» (3). (4)
ص: 79
{7}
[662] وما أنت یا زیاد وقريشاً، لا أعرِفُ لك فيها أديماً (1) صحيحاً، ولا فرعاً نابتاً، لا قديماً ثابتاً، ولا مَنْبتاً کریماً، بل كانت أُمُّك بغيّاً تَداولَها رجالٌ مِن قريش وفُجّارِ العرب ، فلمّا وُلدتْ لم تعرفْ لك العرب والداً فادَعاك هذا - وأشار إلى معاوية - بعد ممات أبيه .
مالك افتخارٌ، تكفيك سميّةُ ويكفينا رسولُ الله صلّي الله علیه و آله و أبي عليُّ بنُ أبي طالب علیه السّلام سیّد المؤمنين ، الّذي لم يرتدّ على عقبيه، وعمّي حمزهُ سیّدالشهداء، وجعفر الطيّار، وأنا وأخي سيّدا شباب أهل الجنّة.
ثمّ التفت إلى ابن عبّاس فقال : يابن العمّ إنّما هي بِغاث (2) الطير انقضّ (3) عليها أجدل (4). (5)
ص: 80
{8}
[663] روي أنه غاب علیه السّلام عن دمشق (1) أيّاماً، ثمّ رجع إليها، فدخل على معاوية، وكان في مجلسه عبدالله بن الزبير ، فلمّا رأى معاوية الإمام قام إليه فاستقبله ، وبعد ما استقرّ به المجلس التفت إليه قائلاً : يا أبا محمد! إنّي أظنّك تعباً نصباً ، فأت المنزل فارح نفسك فيه . .
وخرج الإمام علیه السّلام من عنده والتفت معاوية إلى عبدالله بن الزبير: لو افتخرتَ على الحسن، فإنّك إبن حواري رسول الله صلّي الله علیه و آله وابن عمّته ، ولأبيك في الإسلام نصيب وافر .
فانخدع ابن الزبير بمقالة معاوية وتفوّه بكلمات واهية وترّهات مُبدية عن عداوته وحقده، وسنذكرها، فأجاب الإمام علیه السّلام وقال :
أما والله لولا أنّ بني أُميّة تنسِبُني إلى العجْز عن المقال لكففتُ عنك تهاوُناً، ولكن سأُبيّنَ لك ذلك لتعلم أنّي لستُ بالعيّ ولا الكليل اللسان، إيّاي (2)
ص: 81
تُعيِّر وعليّ تفتخر؟ ولم یکن لجدّك بيتٌ في الجاهليّة ولا مكرُمَة، فزوجتُه جدّتي صفيّة (1) بنتُ عبدالمطّلب ، فبذخ على جميع العرب بها وشرف مكانها، فكيف تُفاخر مَن هو من القلادة واسطتُها، ومن الأشراف سادتُها، نحنُ أكرمُ أهل الأرض زنداً، لنا الشرفُ الثاقبُ والكرمُ الغالب.
ثمّ تزعَم أنّي سلّمتُ الأمر، فكيف يكونُ ذلك ويحك كذلك، وأنا ابنُ أشجع العرب، وقد ولدتْني فاطمةُ سيّدة نساء العالمين وخيرهُ الإماء، لم أفعل ذلك ويحك جُبناً ولا ضَعفاً، ولكنّه بايعني مثلُك، وهو يطلُنُي بتِرةٌ، ويُداجيني المودّة ولم أثق بنُصرتِه، لأنّكم أهلُ بيت غدر، وكيف لا يكون كما أقول.
وقد بايع أبوك أمير المؤمنين ثمّ نكث بيعتَه، ونكص على عقبيه ، واختدع حشْيَةً مِن حشایا رسول الله، ليُضلّ بها الناس، فلمّا دلف نحو الأعِنّة ورأى بريقَ الأسنّة قُتِل مضيعةً لا ناصر له وأُتي بك أسيراً، قد وطاتْك الکُماهُ بأظلافها، والخيلُ بسنابكها، واعتلاك الأشترُ فغصَصْتَ بريقِك، وأقعَیْتَ على عَقِبَیْك كالكلب إذا احتوشته الليوث.
فنحن ويحك نورُ البلاد وأملاكُها، وبنا تفخرُ الأُمّهُ وإلينا تلقى مقاليد الأزمّة، أتصولُ وأنت تخدعُ النساء، ثمّ تفتخر على بني الأنبياء، لم تزل الأقاويل منّا مقبولة، وعليك وعلى أبيك مردودة.
دخل الناسُ في دين جدّي طائعين وكارِهين، ثمّ بايعوا أمير المؤمنين علیه السّلام، فسار إلى أبيك وطلحة حين نكثا البيعة وخدعا عُرْسَ رسول الله صلّي الله علیه و آله، فقُتِل أبوك وطلحةُ وأُتِي بك أسيراً، فبَصْبَصْتَ بذنبك وناشدْتَه الرِحم أن لا يقتُلَك، فعفا
ص: 82
عنك، فأنت عِتاقةُ أبي، وأنا سيّدُ أبيك، فدُقْ وبال أمرِك .
وخجل ابن الزبير، فتقدّم إلى الإمام علیه السّلام فقال : أعذر یا أبا محمّد، فإنّما حملني على محاورتك هذا - وأشار إلى معاوية - فهلا إذ جهلت أمسکت عنّي، فإنّكم اهل بیت سجيّتكم الحلم والعفو . (1)
{9}
[664] ماعقلك وعقل أمَتِك إلّا سواء، ومايضرّ عليّاً لو سببتَه على رؤوس الأشهاد! وأمّا وعيدك إيّاي بالقتل فهلاً قتلتَ اللحيانيّ إذ وجدتَه على فراشك ! أما تستحيي من قول نصر بن حجّاج فيك :
ياللرجال وحادثِ الأزمان *** ولسُبَّة تُخْزي أبا سُفيان
نُبِّئتُ عتبة خانه في عِرسه *** جبن لئيم الأصل من لحيان
وبعد هذا ما أربأ بنفسي عن ذكره لفحشه، فكيف يخاف أحد سيفك ولم تقتل فاضِحَك! وكيف ألومك على بغض عليّ وقد قتل خالك الوليد مبارزة يوم بدر، وشرك حمزة في قتل جدّك عتبة، وأوحدك من أخيك حنظلة في مقام واحد. (2)
ص: 83
{10}
[665] تنازع عمرو بنُ سعيد والحسنُ بنُ علي، فقال عمرو : أما واللهِ لطالما سلكتم مسلكاً صعب المنحدر؛ طلباً للفتنة والفرقة ! فلم پر کم الله فيها ما تحبّون؟
فقال له الحسنُ علیه السّلام : إنّك لو كنتَ تسمو بفعلِك ما سلكتَ فجّ قصد، ولا حللتَ براية مجد، ولتوشك أن تقع بين لحيي ضرغامة من قریش قروش الأعادي فلاينجيك الروغان إذا التقيا علفك حلقتا البطان. (1)
{11}
[666] یاعمرو افتخاراً بالكذب وجُرأةً على الإفك، مازلتُ أعرِفُ مثالبك الخبيثة، أبديها مرّة وأمسِكُ عنها أخرى، فتأبى إلّا انهماكاً في الضلالة ، أتذكرُ مصابيح الدُجى وأعلامَ الهدى وفُرسانَ الطَراد، وحُتوفَ الأقران، وأبناءَ الطّعان، وربيعَ الضيفان، ومعدِنَ النُبوّة ومهبِطَ العِلْم؟ (2)
ص: 84
{12}
[667] حضر علیه السّلام في مجلس معاوية فقال :
قد علمتْ قريش بأسرها (1) أنّي منها في عزّ أُرومَتِها (2)، لم أُطبع على ضَعف، ولم أعكِس على خسف (3)، أُعرَفُ بشِبهي وأُدعى لأبي .
وكلامه علیه السّلام ساء عمرو بن العاص فذكر أخزاه الله کلاماً في تنقيصه .
قال خذله الله : وقد علمت قريش أنّك من أقلّها عقلاً وأكثرها جهلاً! وإنّ فيك خصالاً لو لم يكن فيك إلّا واحدة منهنّ لشملك خزيها كما شمل البياض الحالك (شدّة السواد) لعمر الله لتنتهينّ عمّا أراك تصنع أو كبسنّ لك حافة کجلد العائط (الناقة) أرميك من خللها بأحرّ من وقع الأثافي (الأحجار التي توضع عليها القدور) أعرّك منها أديمك عرك السلعة، فإنّك طالماركبت صعب المنحدر ونزلتَ في أعراض الوعر التماساً للفرقة، وإرصاداً للفتنة ولن يزيدك الله إلّا فظاعة . (4)
{13}
[668] قال علیه السّلام : أما والله لو كنتَ تسمو بحسبِك وتعمَلُ برأيك ، ما سلكتَ فجّ قصد، ولا حللتَ رابية مجد، وأيمُ الله لو أطاعني معاويةُ لجعلك
ص: 85
بمنزلة العدُو الكاشح (1)، فإنه طال ما طويتَ على هذا كشحَك ، وأخفيتَه في صدرِك، وطمع بك الرجاءُ إلى الغاية القُصوى الّتي لا يورَق لها غُصنُك، ولا يخضَرُّ لها مَرْعاك .
أما والله ليوشکنّ یابن العاص أن تقع بين لحيَيْ ضِرغامٍ مِن قريش، قويّ ممتنع، فروسٍ ذي لُبَد، يضغطك الرَحى للحَبّ، لا يُنجيك منه الروغان (2) إذا التقَتْ حَلَقَتا البِطان. (3)
{14}
[669] إنّ لأهل النار علامات يعرفون بها، وهي الإلحاد الأولياء الله والموالاة لأعداء الله، والله إنّك لتعلم أنّ عليّاً (رضي الله عنه)، لم يتريّب في الأمر، ولم يشكّ في الله طرفة عين، وأيم الله لتنتهينّ يابن أُمّ عمرو أو لأقرعنّ جبينك بكلام تبقى سمته عليك ما حييت، فإيّاك والابراز عليّ فإنّي من قد عرفت الست بضعيف الغمزة ولا بهشّ المشاشة، ولا بمرىء المأكلة، وإنّي من قریش کاوسط القلادة، يعرف حسبي ولا أُدعى لغير أبي، وقد تحاكمت فيك رجال قریش فغلب عليك الأمهم نسباً وأظهرهم لعنةً، فإياك عنّي فإنّك رجس، وإنّما نحن بيت الطهارة أذهب الله عنّا الرجس وطهّرنا تطهيراً.
ص: 86
قاله علیه السّلام حين لقيه عمرو بن العاص في الطواف فقال : يا حسن أزعمت أنّ الدين لا يقوم إلّا بك وبأبيك، فقد رأيت الله جلّ وعزّ أقامه بمعاوية فجعله راسياً بعد میله و بيّناً بعد خفائه ، أفرضي الله قتل عثمان أم من الحقّ أن تدور بالبيت كما يدور الجمل بالطحين، عليك ثياب كغرقىء البيض و أنت قاتل عثمان، والله إنّه لألمّ للشعث وأسهل للوعث أن يوردك معاوية حياض أبيك .
فقال له الحسن علیه السّلام ، الحديث. (1)
{15}
[670] روي أنّه اجتمع معاوية مع بطانته، فجعل بعضهم يفخر على بعض، فأراد معاوية أن يضحك على ذقونهم، فقال لهم : أكثرتم الفخر، فلو حضركم الحسن بن علي علیه السّلام وعبدالله بن عبّاس لقصرّا من أعنتكم ماطال، فبعث معاوية إلى الإمام علیهماالسّلام - إلى أن ذكر قولهم - ثمّ قال علیه السّلام :
ليس من العجز أن يصمُت الرجلُ عند إيراد الحُجّة، ولكن من الإفك أن
ص: 87
ينطق الرجل بالخنا، ويُصوّر الباطل بصورة الحقّ. (1)
{16}
[671] ما نصرتَ عثمان حيّاً، ولا غَضِبتَ له مقتولاً، ويحك يابن العاص! ألستَ القائل في بني هاشم لمّا خرجتَ من مكّة إلى النجاشي :
تقول إبنتي أين هذا الرحيل *** وما السير مني بمستنکر
فقلت: ذريني فإنّي امرؤٌ *** أريد النجاشيّ في جعفر
لأكويه (2) عنده کَيّة *** أقيم بهانخوة الأصعر (3)
ص: 88
وشانیء (1) أحمدَ مِن بَيْنهم *** وأقْوَلُهم فيه بالمنکر
وأجرى إلى عتبة جاهداً *** ولو كان كالذهب الأحمر
ولا أنثني (2) عن بني هاشم *** وما استطعت في الغيب والمحضر
فإن قبل العتب منّي له *** وإلّا لويتُ له مشغري
فهذا جوابك هل سمعته؟! (3)
{17}
[672] جاء فرقد السبخي إلى الحسن وعلى الحسن مطرف خزّ، فجعل ينظر إليه وعلى فرقد ثياب صوف.
فقال الحسن : ما بالك تنظر إليّ وعليّ ثياب أهل الجنّة وعليك ثياب أهل النار ! إن أحدكم ليجعل الزهد في ثيابه والكبر في صدره، فلهو أشدّ عجباً بصوفه من صاحب المطرف . (4)
ص: 89
{18}
[673] مرّ الحسن علیه السّلام يوماً، وقاصّ يقصّ على باب مسجد رسول الله صلّي الله علیه و آله، فقال الحسن علیه السّلام : ما أنت؟
فقال : أنا قاصّ یابن رسول الله صلّي الله علیه و آله.
قال : كذبت، محمّد صلّي الله علیه و آله القاصّ، قال الله عزّ وجلّ : «فَاقْصُصِ الْقَصَصَ» . (1)
قال : فأنا مذکّر .
قال : كذبتَ، محمّد صلّي الله علیه و آله المذكر ، قال له عزّ وجلّ : «فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ». (2)
قال : فما أنا؟
قال : المتكلّف من الرجال . (3)
{19}
[674] وأخرج ابن سعد، عن عمیر بن إسحاق قال : كان مروان أميراً علينا فكان يسبّ عليّاً كلّ جمعة على المنبر وحسن يسمع فلايردّ شيئاً، ثمّ أرسل إليه رجلاً يقول له : بعليّ وبعليّ وبعليّ وبك وبك وبك وما وجدت مثلك إلّا مثل
ص: 90
البغلة يقال لها من أبوك، فتقول أُمّي الفرس.
فقال له الحسن : إرجع إليه فقال له : إنّي والله لا أمحو عنك شيئاً ممّا قلت بأن أسبّك ولكن موعدي وموعدك الله، فإن كنت صادقاً جزاك الله بصدقك ، وإن كنت كاذباً فالله أشدّ نقمة. (1)
ص: 91
{20}
[675] قال مروان : أما إنّ فيكم يا بني هاشم خصلة سوء .
قال : وما هي؟
قال : الغلمة .
قال : أجل نزعت من نسائنا ووضعت في رجالنا، ونزعت الغلمة من رجالکم ووضعت في نسائكم، فما قام لأمويّة إلّا هاشميّ، ثمّ خرج يقول :
ومارست هذا الدهر خمسين حجّة *** وخمساً أُرجّي قابلاً بعد قابل
فما أنا في الدنيا بلغت جسيمها *** ولافي الّذي أهوی ک دحت بطائل
فقد أشرعتني في المنايا أكفّها *** وأيقنت أنّي رهن موت معاجل (1)
{21}
[676] ألا تصمت ثكلتك أُمُّك قبل أن أرميك بالهوائل، وأسِمُك بميسم تستغني به عن إسمك، فأمّا إيابُك بالنِهاب (2) والملوك أفي اليوم الّذي ولّيتَ فيه
ص: 92
مهزوماً، وانحجزْتَ مذعوراً، فكانت غنيمتُك هزيمَتَك، وغدرُك بطلحة حين غدرْتَ به فقتلتَه (1) قُبحاً لك، ما أغلظ جلدةَ وجهِك. (2)
{22}
[677] وفي العقد: أنّ مروان بن الحكم قال للحسن بن علي علیهماالسّلام بين يدي معاوية : أسرع الشيب إلى شاربك یا حسن ! ويقال إنّ ذلك من الخرق.
فقال علیه السّلام : ليس كما بلغك، ولکنّا معشر بني هاشم طيّبة أفواهنا، عذبة شفاهنا فنساؤنا يقبلن علينا بأنفاسهنّ، وأنتم معشر بني أُميّة فيكم بخر شديد، فنساؤكم يصرفن أفواههنّ وأنفاسهنّ إلى أصداغكم، فإنّمایشیب منكم موضع العذار من أجل ذلك . (3)
ص: 93
{23}
[678] قال الطبراني : حدّثنا علي (1) بن عبدالعزيز وأبو مسلم الكشي قالا : حدثنا حجاج (2) بن المنهال الأنماطي (ح).
وحدّثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل حدثنا إبراهيم (3) بن الحجاج السامي قالا: حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب ، عن أبي يحيى قال : كنت بین الحسین و مروان يتسابان، فجعل الحسنُ يسكت الحسينَ، فقال مروان : أهل بيت ملعونون، فغضب الحسن، وقال : قلت أهل بیت ملعونون، فوالله لقد لعنك الله على لسان نبيّه صلّي الله علیه و آله، وأنت في صلب أبيك. (4)
{24}
[679] قال له : وأمّا أنت یا مروان فما أنت والإكثار في قريش، وأنت
ص: 94
طليق وأبوك طريد، يتقلّب من خزية إلى سوأة، ولقد جيء بك إلى أمير المؤمنين ، فلمّا رأيتَ الضرغامَ قد دُمِیَتْ براثِنُه واشتُبِكتْ أنيابُه، كنتَ كما قال القائل:
ليثٌ إذا سمع الليوثُ زئيرهَ *** بَصْبَصْنَ ثمّ قذفن بالأبعار
فلمّا منّ عليك بالعفو وأرخى خناقك بعد ما ضاق عليك، وغصصتَ بريقك، لم تقعد معنا مقعد أهل الشُكر، ولكن كيف تُساوينا وتُجارينا، ونحنُ ممّا لا يُدركنا عارٌ ولا تلحقُنا خِزية. (1)
{25}
[680] وزعمتم أنّكم أحمى لما وراء ظهوركم، وقد تبيّن ذلك يوم بدر ، حين نكصت (2) الأبطال وتساورت (3) الأقران واقتحمت الليوث، واعتركت المنيّة، وقامتْ رَحاها على قُطبها، وافترّت (4) عن نابها، وطار شِرارُ الحرب، فقتلنا رجالكم، ومَنّ النبيُّ على ذراریكم، فكنتم لعمري في ذلك اليوم غير
ص: 95
مانعين لما وراء ظهوركم من بني عبد المطّلب. (1)
{26}
[681] دخل الإمام علية على معاوية ، فلمّا رآه علیه السّلام قام إليه واحتفى به ، فساء ذلك مروان وذکر کلاماً في تنقيصه ، فقال علیه السّلام :
ويحك يا مروان، لقد تقلّدتَ مقاليدَ العار في الحروب عند مشاهدتها، والمخاذلة عند مخالطتها، هبلتك الهوابل، لنا الحجج البوالغ، ولنا إن شکرتم عليكم النعم السوابغ ، ندعوكم إلى النجاة وتدعوننا إلى النار، فشتّان مابین المنزلتين .
تفخر بني أُميّة، وتزعَم أنّهم صُبَّرّ في الحروب، أُسُدٌ عند اللقاء، ثكلتك أُمُّك، أولئك البهاليل السادة والحُماةُ الذاذَة والكرامُ القادَة ، بنو عبدالمطّلب .
أما والله لقد رأيتَهم وجميعُ مَن في هذا البيت ما هالتهم الأهوال ولم يحيدوا عن الأبطال، كاللُيوثِ الضارية الباسلة الحنقة، فعندها ولّيتَ هارباً وأُخِذْتَ أسيراً، فقلّدْتَ قومَك العارَ، لأنّك في الحروب خوّار. (2)
أتُهرِقُ دمي فهلاً أهرقْتَ دم من وثب على عثمان في الدار ، فذبحه
ص: 96
کما یُذبح الجمل، وأنت تثغو (1) ثُغاءَ النعجة، وتُنادي بالويل والثُبور، کالأمة اللكعاء (2)، ألّا دفعتَ عنه بيد أو ناضلتَ عنه بسهم، لقد ارتعدتْ فرائصك و غُشِيَ بصرُك، فاستغثْتَش بي كمايستغيثُ العبدُ بربّه، فأنجيتُك من القتل ومنعتُك منه، ثمّ تحُثُّ معاويةَ على قتلي، ولو رام ذلك معك لذُبِح كما ذُبِح ابنُ عفّان، أنت معه أقصرُ يداً، وأضيَقُ باعاً، وأجبنُ قلباً مِن أنْ تجسُرَ على ذلك. (3)
ثمّ تزعم أنّي ابتُليتُ بحكم معاوية ، أما والله لهو أعرف بشأنه، وأشكرُ لما ولّيناه هذا الأمر، فمتى بدا له فلا يغضيَنّ (4) جفنَه على القذى معك، فوالله لأعقبنّ أهل الشام بجيش يضيق عنه فضاؤها ويستأصل فُرسانُها، ثمّ لا ينفعُك عند ذلك الهرب، والروَغان (5)، ولا يردّف عنك الطلبُ تدريجك الكلام .
فنحن ممّن لا يجهل، آباؤنا القدماء الأكابر، وفروعنا السادة الأخيار، إنطق إن كنتَ صادقاً.
وصاح معاوية بمروان: قد كنت نهيتك عن هذا الرجل، وأنت تأبى إلّا انهماكاً فيما لا يعنيك ، ابرع على نفسك، فليس أبوك كأبيه ولا أنت مثله، أنت ابن الطريد الشريد، وهو ابن رسول الله صلّي الله علیه و آله الكريم، ولكن رُبّ باحثٍ عن حتفه
ص: 97
وحافر عن مديته . (1)
وإنّمايبذخ (1) ويتكبّر ويلك من يريدُ رفع نفسه، ويتبجّح (2) مَن يريد الإستطالة (3)، فأمّا نحن فأهل بيت الرحمة، ومعدِنُ الكرامة، وموضعُ الخِيَرة، وكنزُ الإيمان، ورُمحُ الإسلام، وسيفُ الدين . (4)
{29}
[684] عن أبي سعيد عقیصا التميمي قال : مررتُ بالحسن والحسين (صلّى الله عليهما) وهما في الفرات مستنقعان في إزارين، فقلت لهما : يا ابني رسول الله أفسدتما الإزارین .
فقالا لي : يا أبا سعيد فساد الإزارين أحبُّ إلينا من فساد الدين إنّ للماء أهلاً وسکّاناً كسُکّان الأرض. (5)
ص: 99
{30}
[685] قال علیه السّلام : أتنسی یا معاوية الشعر الّذي كتبته إلى أبيك لمّا همّ أن يسلم تنهاه عن الإسلام :
یا صخر لا تُسلِمَنْ يوماً فتفضحنا *** بعد الّذين ببدر أصبحوا مزقا
خالي وعمّي وعمّ الأُمّ نالتهم *** وحنظل الخير قد أهدى لنا الأرقا
لا تركضَنّ إلى أمرٍ تقلّدنا *** والراقصات بنعمان به الخرقا
فالموت أهون من قول العداة لقد *** حاد ابن حرب عن العُزّى إذا فرقا
والله لما أخفيت من أمرك أكبر ممّا أبدیت. (1)
{31}
[686 ] روي أنّ معاوية فخر يوماً فقال : أنا ابن بطحاء ومكّة، وأنا ابن أغزرها جوداً، وأكرمها جدوداً، أنا ابن من ساد قريشاً فضلاً ناشئاً وكهلاً !
ص: 100
فقال الحسن علیه السّلام : أعليَّ تفتخر یا معاوية، أنا ابنُ عروق (1) الثرى، أنا ابنُ مأوى التُقى، أنا ابن مَن جاء بالهُدى، أنا ابن مَن سادَ أهل الدُنيا بالفضل السابق والحسب الفائق، أنا ابنُ مَن طاعتُه طاعةُ الله ومعصيتُه معصيةُ الله، فهل لك أبٌ كابي تُباهيني به، وقديم كقديمي تُساميني به، قل نعم أو لا.
قال معاوية : بل أقول لا، وهي لك تصديق .
فقال الحسن علیه السّلام :
الحقُّ أبلجُ ما يَحيلُ (2) سبيلُه *** والحقُّ يعرفُه ذَوو الألباب (3)
{32}
[687] وذكروا أنّ الحسن بن علي علیهماالسّلام دخل على معاوية يوماً فجلس عند رجله وهو مضطجع فقال له: يا أبا محمد ألا أُعجبك من عائشة تزعم أنّي لست اللخلافة أهلاً؟
فقال الحسن علیه السّلام: وأعجب من هذا جلوسي عند رجلك، وأنت نائم ، فاستحيا معاوية واستوى قاعداً واستعذره .
ص: 101
کشف : مثله ثمّ قال : قلت : والحسن علیه السّلام لم يعجب من قول عائشة إنّ معاوية لا يصلح للخلافة، فإنّ ذلك عنده ضروريّ، لكنّه قال : وأعجب من تولّيك الخلافة قعودي.
بیان : يحتمل أن يكون التعجّب من صدور هذا القول منها، وإن كان حقّاً لكونها مقرّة بخلافة أبيها مع اشتراكهما في عدم الإستحقاق، وداعية لمعاوية إلى مقاتلة أمير المؤمنين علیه السّلام .
قال ابن أبي الحديد : روى أبو جعفر محمد بن حبيب في أماليه عن ابن عبّاس قال : دخل الحسن بن علي علیهماالسّلام على معاوية بعد عام الجماعة ، وهو جالس في مجلس ضيّق، فجلس عند رجليه ، فتحدّث معاوية بما شاء أن يتحدّث ، ثمّ قال : عجباً لعائشة : تزعم أنّي في غير ما أنا أهله، وأنّ الّذي أصبحت فيه ليس في الحقّ مالها ولهذا؟ يغفر الله لها، إنّما كان ينازعني في هذا الأمر أبو هذا الجالس، وقد استأثر الله به .
فقال الحسن علیه السّلام: أو عجبٌ ذلك يا معاوية؟
قال : إي والله.
قال : أفلا أخبرك بما هو أعجب من هذا؟
قال : ما هو؟
قال : جلوسك في صدر المجلس وأنا عند رجليك، فضحك معاوية وقال : يا ابن أخي بلغني أنّ عليك دَيناً .
قال : إنّ علىّ دَيْناً .
قال : كم هو؟
قال : مائة ألف .
ص: 102
فقال : قد أمرنا لك بثلاثمائة ألف : مائة منها لدَينك، ومائة تقسمها في أهل بيتك، ومائة لخاصّة نفسك، فقم مكرِّماً فاقبض صلتك .
فلمّا خرج الحسن علیه السّلام قال يزيد بن معاية لأبيه: تالله ما رأيت؟ استقبلك بما استقبلك به ثمّ أمرت له بثلاث مائة ألف؟
قال : يا بنيّ إنّ الحقّ حقّهم، فمن أتاك منهم فاحثُ له . (1)
{33}
[688] قال معاوية : مافي قريش رجلٌ إلّا ولنا عنده نِعَمٌ مجلّلة، ويدٌ جميلة .
فقال الحسن علیه السّلام: بلى، مَن تعزّزتَ به بعد الذِلّة، وتكثّرتَ به بعدَ القِلّة .
فقال معاوية : مَن أُولئك یا حسن؟
قال : مَن يُلهيك عن معرفتِه . (2)
{34}
[689] قال معاوية : ما تقول یا حسن؟
قال : يا معاوية ! قد سمعتُ ما قلتَ وقال ابنُ عبّاس، العجب منك يا معاوية ومن قلّة حيائك ومن جرأتك على الله حين قلتَ: قد قتلَ اللُه طاغيتَكم وردّ
ص: 103
الأمرَ إلى معدِنِه، فأنت یا معاويةُ معدِنُ الخلافة دونَنا؟! (1)
ص: 104
ص: 105
ص: 106
{35}
[690] وضع معاوية بين يدي الحسن بن علي علیهماالسّلام دجاجة ففكّها، فقال له : هل بينك وبين أُمّها عداوة؟
فقال الحسن علیه السّلام: فهل بينك وبين أُمّها قرابة .
وإنّما أراد معاوية أن يوقّر مجلسه الحسن علیه السّلام كما يوقّر مجلس الملوك ، والحسن علیه السّلام أعلم منه بالآداب والرسوم المستحسنة، ولكن معاوية كان في عينه أقلّ من ذلك وأحقر وماعدّه معدّ نظرائه فضلاً أن يعتدّ بملکه ويعبأ بمجلسه ولذلك قرعه بقوله الّذي صكّ به وجهه وهدم آیینه وأراه أنّه ليس عنده بالمثابة الّتي قصدها وطمع منه فيها وما [لان: خ ل] موقع ملك الباغي من سبط النبوّة وسليل الخلافة. (1)
{36}
[691] قال معاوية : اظنّ نفسك یا حسن تنازعك إلى الخلافة .
فقال: ويلك يا معاوية إنّما الخليفة من سار بسيرة رسول الله، وعمل بطاعة الله، ولعمري إنّا لأعلام الهدى ومنار التُقى، ولكنّك يا معاوية ممّن أباد السنن، وأحيا البدع، واتّخذ عباد الله خولاً، ودين الله لعباً، فكأن قد أحمل
ص: 107
ما أنت فيه، فعشت يسيراً، وبقيت عليك تبعاته ، یا معاوية والله لقد خلق الله مدينتين إحداهما بالمشرق، والأُخرى بالمغرب أسماؤهما جابلقا و جابلسا ، ما بعث الله إليهما أحدا غير جدي رسول الله صلّي الله علیه و آله. (1)
فقد أحيا سنّة أبيه، وخفقت النعال خلفه، أمر فأُطيع وقال فصدّق، وهذان يرفعان به إلى ما هو أعظم منهما، فلو بعثت إليه فقصّرنا به وبأبيه، وسببناه وسببنا أباه، وصغّرنا بقدره وقدر أبيه ، وقعدنا لذلك حتّى صدق لك فيه .
فقال لهم معاوية : إنّي أخاف أن يقلّدكم قلائد، يبقى عليكم عارها، حتّى تدخلكم قبوركم، والله ما رأيت قطّ إلّا كرهت جنابه و هبت عتابه ، وإنّي إن بعثت إليه لأنصفنّه منكم.
فبعثوا إلى الحسن علیه السّلام، فلمّا أتاه الرسول قال له : يدعوك معاوية.
قال : ومن عنده؟
قال الرسول : عنده فلان وفلان، وسمّى كلاً منهم باسمه .
فقال الحسن علیه السّلام: مالهم خرّ عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون.
فلمّا أتى معاوية رحّب به وحيّاه وصافحه، فقال معاوية : أجل، إنّ هؤلاء بعثوا إليك وعصوني ليقرّوك أنّ عثمان قتل مظلوماً، وأنّ أباك قتله، فاسمع منهم ثمّ أجبهم بمثل مایکلّمونك، فلا يمنعك مكاني من جوابهم .
فقال الحسن علیه السّلام : فسبحان الله، البيت بيتك والإذن فيه إليك ، والله لئن أجبتهم إلى ما أرادوا إنّي لأستحيي لك من الفحش، وإن كانوا غلبوك على ما تريد، إنّي لأستحيي لك من الضعف، فبأيّهما تقرّ ومن أيّهما تعتذر، وأمّا إنّي لو علمت بمكانهم واجتماعهم لجئت بعدّتهم من بني هاشم، مع أنّي مع وحدتي هم أوحش منّي من جمعهم، فإنّ الله عزّوجلّ لوليّي اليوم وفيما بعد اليوم، فمرهم فليقولوا فأسمع، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.
ثمّ تكلّموا كلّهم، وكان كلامهم وقولهم كلّه وقوعاً في علي علیه السّلام، ثمّ سكتوا، فتكلّم أبو محمد الحسن بن علي علیه السّلام فقال :
ص: 109
الحمد لله الّذي هدى أوّلكم بأوّلنا، وآخركم بآخرنا، وصلّى الله على جدّي محمد النبيّ وآله وسلّم، إسمعوا منّي مقالتي وأعيروني فهمكم، وبك أبدأُ یا معاوية ، إنّه لعمرُ الله يا أزرق ما شتمني غيرُك وما هؤلاء شتموني، ولا سبّني غيرُك وما هؤلاء سبّوني، ولكن شتمتني وسببتني فُحشاً منك وسوءَ رأي، وبغياً وعُدواناً، وحسداً علينا وعداوةً لمحمد صلى الله عليه و آله قديماً وحديثاً.
وإنّه والله لو كنتُ أنا وهؤلاء يا أزرق مُشاورين في مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله، وحولَنا المهاجرون والأنصار ما قدروا أن يتكلّموا به ولا استقبلوني بما استقبلوني به.
فاسمعوا منّي أيّها الملا المجتمعون المتعاونون عليّ، ولا تكتُموا حقّاً علمتموه، ولا تُصدّقوا باطل إن نطقتُ به، وسأبدأُ بك يا معاوية ، ولا أقول فيك إلّا دون ما فيك .
أنشدكم بالله هل تعلمون أنّ الرجل الّذي شتمتموه صلّى القبلتين كلتيهما ، وأنت تراهما جميعاً، وأنت في ضلالة تعبُدُ اللات والعُزّى، وبايع البيعتين كلتيهما بيعة الرضوان وبيعة الفتح، وأنت یا معاوية بالأُولى كافر وبالأخرى ناکث؟!
أنشدكم بالله هل تعلمون أنّ ما أقولُ حقّاً، إنّه لقيكم مع رسول الله صلى الله عليه و آله يوم بدر ومعه رايةُ النبي صلى الله عليه و آله والمؤمنين، ومعك يا معاوية رايةُ المشركين، وأنت تعبد اللات والعُزّى، وترى حربَ رسول الله صلى الله عليه و آله فرضاً واجباً؟ ولقيكم يوم أُحُد ومعه رايةُ النبيّ، ومعك يا معاويةُ رايةُ المشركين؟ ولقيكم يوم الأحزاب ومعه رايةُ رسول الله صلى الله عليه و آله ومعك يا معاويةُ رايةُ المشرکین؟!
كلّ ذلك يُفلج (1) الله حجّته ويَحقّ دعوته ويصدّق أُحدوثته، وينصر رايته ،
ص: 110
وكلّ ذلك رسول الله يُری عنه راضياً في المواطن كلّها ساخطاً عليك .
ثمّ أنشدكم بالله هل تعلمون أنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله: حاصر بني قريظة (1) وبني النضير (2)، ثمّ بعث عمر بن الخطّاب ومعه راية المهاجرين، وسعد (3) بن معاذ ومعه راية الأنصار، فأمّا سعد بن معاذ فخرج وحُمِل جريحاً.
وأمّا عمر فرجع هارباً، وهو يجبّن أصحابَه ويجبّنُه أصحابُه، فقال رسول الله صلّي الله علیه و آله: لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبُّ اللهَ ورسولَه، ويحبّه اللهَ ورسولَه ، کرّار غیرُ فرّار، ثمّ لا يرجع حتّى يفتح الله على يديه .
فتعرّض لها أبو بكر وعمر وغيرهما من المهاجرين والأنصار، وعليّ يومئذ أرمَد شديد الرمد، فدعاه رسول الله صلّي الله علیه و آله فتفل في عينه، فبرأ من رمده، وأعطاه الراية فمضى، ولم يثن حتّى فتح الله عليه بمنّه وطوله، وأنت يومئذ بمكّة عدوُّ الله ولرسوله؟ فهل يستوي بين رجل نصح لله ولرسوله ورجلٌ عادي الله ورسولَه؟
ص: 111
ثمّ أقسم بالله ما أسلم قلبُك بعدُ، ولكنّ اللسان خائف فهو يتكلّم بما ليس في القلب !
أُنشدكم بالله أتعلمون أنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله استخلفه على المدينة في غزوة تبوك، ولا سخطه لك ولا كرهه، وتكلّم فيه المنافقون، فقال : لا تخلفني یا رسول الله فإنّي لم أتخلف عنك في غزوة قطّ، فقال رسول الله صلّي الله علیه و آله: أنت وصيّي وخليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى (1).
قال : أُنشدكم بالله أتعلمون أنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله قال في حجّة الوداع: أيّها الناس ! إنّي قد ترکتُ فیکم مالم تَضلّوا بعده ، کتابَ الله وعترتي أهل بيتي ، فأحِلّوا حلاله وحرِّموا حرامه، واعمَلوا بمحكمه وآمِنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنّا بما أنزل الله من الكتاب، وأحِبّوا أهل بيتي وعترتي، ووالوا من والاهم وانصروهم على من عاداهم، وإنّهما لن يزالا فيكم حتّى يردا علىّ الحوض يوم القيامة .
ثمّ دعا وهو على المنبر عليّاً فاجتذبه بيده فقال : اللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، اللّهمّ من عادى عليّاً فلا تجعل له في الأرض مقعداً، ولا في السماء مصعداً، واجعله في أسفل درك من النار.. (2)
ص: 112
وأُنشدكم بالله أتعلمون أنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله قال له : أنت الذائد عن حوضي يوم القيامة، تذود عنه كما يذود أحدكم الغريبة من وسط إبله . (1)
أنشدكم بالله أتعلمون أنه دخل على رسول الله صلّي الله علیه و آله في مرضه الّذي تُوفّي فيه، فبكى رسول الله صلّي الله علیه و آله فقال عليّ : ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال : يبكيني أنّي أعلم أنّ لك في قلوب رجال من أُمّتي ضغائن، لايُبدونَها لك حتّى أتولى عنك؟ (2)
ص: 113
أنشدكم بالله أتعلمون أنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله حين حضرته الوفاة واجتمع عليه أهل بيته، قال : اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وعترتي، اللّهمّ وال من والاهم، وعاد من عاداهم، وقال : إنّما مَثَلُ أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، مَن دخل فيها نجا، ومن تخلّف عنها غرق. (1)
وأنُشدكم بالله أتعلمون أنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله قد سلّموا عليه بالولاية في عهد رسول الله صلّي الله علیه و آله وحياته ؟ (2)
وأُنشدكم بالله أتعلمون أنّ عليّاً أوّلُ من حرّم الشهوات كلّها على نفسه من
ص: 114
أصحاب رسول الله، فأنزل الله عزّوجلّ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ» (1). (2)
وكان عنده علم المنايا وعلم القضايا (3) وفصلُ الكتاب (4)، ورسوخ العلم و منزل القرآن. (5)
وكان في رهط لا نعلمهم يتمّون عشرةً نبّأهم الله أنّهم به مؤمنون، وأنتم في رهط قريب من عدّة، أولئك لُعِنوا على لسان رسول الله صلّي الله علیه و آله، فأشهد لكم
ص: 115
وأشهد عليكم أنّكم لعناءُ الله على لسان نبيّه كلَّكم.
وأُنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلّي الله علیه و آله بعث إليك لتكتب له البني خزيمة حين أصابهم خالد بن الوليد فانصرف إليه الرسول فقال : هو يأكل ، فأعاد الرسول إليك ثلاث مرّات، كلّ ذلك ينصرف الرسول إليه ويقول : هو يأكل، فقال رسول الله صلّي الله علیه و آله: اللّهمّ لا تُشبِع بطنَه، فهي والله في نهمتك، وأكلك إلى يوم القيامة . (1)
أُنشدكم بالله هل تعلمون أنّ ما أقول حقّاً، إنّك يا معاوية كنت تسوق بأبيك على جمل أحمر يقوده أخوك هذا القاعد، وهذا يوم الأحزاب ، فلعن رسول الله القائد والراكب والسائق، فكان أبوك الراكب، وأنت يا أزرق السائق، وأخوك هذا القاعدُ القائد. (2)
ص: 116
أُنشدكم بالله هل تعلمون أنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله لعن أبا سفيان في سبعة مواطن :
أولّهنّ: حين خرج من مكّة إلى المدينة وأبو سفيان جاء من الشام، فوقع فيه أبو سفيان فسبّه وأوعده، وهمّ أن يبطش به ثمّ صرفه الله عزّوجلّ عنه .
والثانية : يوم العير (1) حيث طردها أبو سفيان ليحرزها من رسول الله.
والثالثة : يوم أُحد، قال رسول الله صلّي الله علیه و آله: الله مولانا ولا مولى لكم، وقال أبوسفيان : لنا العُزّى ولاعُزّى لكم، فلعنه الله وملائكته ورسله والمؤمنون أجمعون .
والرابعة : يوم حنين يوم جاء أبوسفيان يجمع قریش و هوازن وجاء عيينة بغطفان واليهود، فردّهم الله بغيظهم لم ينالوا خيراً، (2) هذا قول الله عزّوجلّ
ص: 117
أنزل في سورتين في كلتيهما، يسمّي أبا سفيان وأصحابَه كفّاراً، وأنت يا معاوية يومئذ مُشرك على رأي أبيك بمكّة، وعليّ يومئذ مع رسول الله صلّي الله علیه و آله وعلى رأيه ودينِه .
والخامسة: قول الله عزّوجلّ : «وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ» (1)، وصددت أنت وأبوك ومشرکو قریش رسول الله، فلعنه الله لعنةً شملته وذرّيته إلى يوم القيامة .
والسادسة : يوم الأحزاب يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش، وجاء عيينة بن حصین بن بدر بغطفان، فلعن رسول الله القادة والأتباع والساقة إلى يوم القيامة ، فقيل : یا رسول الله أما في الأتباع مؤمن ؟ قال : لا تُصيب اللعنةُ مؤمناً من الأتباع، أمّا القادة فليس فيهم مؤمن ولا مُجيب ولا ناج.
والسابعة : يوم الثنيّة، يوم شدّ على رسول الله صلّي الله علیه و آله إثناعشر رجلاً، سبعة منهم من بني أُميّة، وخمسة من سائر قریش، فلعن الله تبارك وتعالى ورسولُ الله من حلّ الثنيّة غير النبيّ صلّي الله علیه و آله وسائقه وقائده .
ثمّ أُنشدكم بالله هل تعلمون أنّ أبا سفيان دخل على عثمان حین بويع في مسجد رسول الله صلّي الله علیه و آله فقال : يابن أخي هل علينا من عين؟ فقال: لا، فقال أبو سفيان : تداولوا الخلافة يا فتيان بني أُميّة، فوالّذي نفسُ أبي سفيان بيده، ما من جنّة ولا نار؟!
ص: 118
وأُنشدكم بالله أتعلمون أنّ أبا سفيان أخذ بيد الحسين حين بویع عثمانی وقال : يابن أخي أخرج معي إلى بقيع الغرقد، فخرج حتّى إذا توسّط القبور اجترّه، فصاح بأعلى صوته: يا أهل القبور الّذي كنتم تقاتلوننا عليه صار بأيدينا وأنتم رميم! فقال الحسين بن علي علیه السّلام : قبّح الله شيبتَك و قبّح وجهك، ثمّ نتر يده و ترکه، فلولا النعمانُ بن بشير أخذ بيده وردّه إلى المدينة لهلك.
فهذا لك يا معاوية ، فهل تستطيع أن تردّ علينا شيئاً من لعنتك يا معاوية؟ وإنّ أباك أبا سفيان كان يهم أن يُسلم فبعثْتَ إليه بشِعر معروف مرويّ في قريش وغيرهم تنهاه عن الإسلام وتصدُّه .
ومنها : إنّ عمر بن الخطّاب ولّاك الشام فخُنتَ به، وولّاك عثمان فتربّصْتَ به ريب المنون، ثمّ أعظمُ من ذلك جرأتُك على الله ورسوله أنّك قاتلتَ عليّاً علیه السّلام، وقد عرفتَه وعرفتَ سوابقَه، وفضلَه وعلمَه، على أمرٍ هو أولى به منك ومن غيرك، عند الله وعند الناس، ولاذيته بل أوطاتَ الناسَ عَشوةً، وأرقتَ دماء خلق من خلق الله بخُدَعِك وكيدِك وتمويهِك، فعلَ مَن لا يؤمن بالمعاد ولا يخشى العقاب .
فلمّا بلغ الكتابُ أجله صرتَ إلى شرّ مثوى وعليّ إلى خير مُنقلَب، والله لك بالمرصاد فهذا لك يا معاوية خاصّة، وما أمسكتُ عنه من مساويك وعيوبك فقد كرهتُ به التطويل.
وأمّا أنت يا عمرو بن عثمان، فلم تكن للجواب حقيقاً بحُمقِك، أن تتّبع هذه الأُمور، فإنّما مثلُك مثلُ البعوضة إذ قالت للنخلة : إستمسكي فإنّي أُريد أن أنزِل عنك ، فقالت لها النخلة : ماشعرتُ بوقوعكِ، فكيف يشُقُّ عليّ نزولك ، وإنّي والله ماشعرتُ أنّك تجسُرُ أنْ عُادي لي فيشُقُّ عليّ ذلك، وإنّي لمُجيبُك في الّذي قلت .
ص: 119
إنّ سبّك عليّاً علیه السّلام أينقُص في حسبه، أو يُباعِدُه من رسول الله، أو يسوءُ بلاءه في الإسلام، أو بجورٍ في حكم، أو رغبة في الدُنيا ؟! فإن قلتَ واحدةً منها فقد كذبت .
وأمّا قولك : إنّ لكم فينا تسعة عشر دماً بقتلى مُشركي بني أُميّة ببدر ، فإنّ الله ورسولَه قتلهم، ولعمري ليقتُلَنّ في بني هاشم تسعة عشر وثلاثةً بعد تسعة عشر ، ثمّ يُقتَل من بني أُميّة تسعة عشر وتسعة عشر في موطن واحد، سوى ما قُتِل من بني أُميّة لايُحصي عددهم إلّا الله.
إنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله قال : إذا بلغ وُلدُ الوزغ ثلاثين رجلاً، أخذوا مالَ الله بينهم دُوَلاً وعبادَه خَوَلاً، وكتابَه دغلاً، فإذا بلغوا ثلاثمائة وعشراً حقّت اللعنة عليهم ولهم، فإذا بلغوا أربعمائة وخمسة وسبعين کان هلاكهم أسرعَ من لوك تمرة، فأقبل الحكم ابن أبي العاص، وهم في ذلك الذكر والكلام، فقال رسول الله : أخفِضوا أصواتَكم فإنّ الوزغ يسمع، وذلك حين رآهم رسول الله صلّي الله علیه و آله ومن يملك بعده منهم أمر هذه الأُمّة - يعني في المنام - فساءه ذلك وشقّ عليه .
فأنزل الله عزّوجلّ في كتابه : «وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ» (1)، يعني بين أُميّة، وأنزل أيضاً : «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» (2)، فأشهد لكم و أشهد عليكم ما سلطانكم بعد قتل عليّ إلّا ألف شهر، الّتي أجلّها الله عزّ وجلّ في كتابه .
وأمّا أنت يا عمرو بنُ العاص، الشانيء اللعين الأبتر ، فإنّما أنت كلب ، أوّل
ص: 120
أمرِك أن أُمَّك بغيّة، وأنّك وُلِدتَ على فراشٍ مُشْتَرَك ، فتحاكمَتْ فيك رجالُ قریش، منهم أبو سفيان بن الحرب، والوليدُ بن المغيرة، وعثمان بن الحارث ، والنضر بن الحارث بن كلدة، والعاص بن وائل، كلُّهم يزعم أنّك إبنُه، فغلبهم عليك من بين قريش الأمهم حَسَباً، وأخبَثُهم منصباً، وأعظمُهم بغيّة.
ثمّ قمتَ خطيباً وقلت : أنا شانیءُ محمد، وقال العاص بن وائل : إنّ محمّداً رجل أبتر لا ولد له، فلو قد مات إنقطع ذكرُه، فأنزل الله تبارك وتعالى : «إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» (1).
وكانت أُمُّك تمشي إلى عبد قيس تطلب البغيّة، تأتيهم في دورهم ورحالهم وبطون أوديتهم، ثمّ كنتَ في كلِّ مشهد يشهدُه رسول الله من عدوّه ، أشدّهم له عداوةً وأشدُّهم له تكذيباً.
ثمّ كنتَ في أصحاب السفينة الّذين أتوا النجاشي والمهجر (2) الخارج إلى الحبشة في الإشاطة (3) بدم جعفر بن أبي طالب وسائر المهاجرين إلى النجاشي، فحاق المكرُ السيّءُ بك، وجعل جدّك (4) الأسفل، وأبطل أَمنيّتك، وخيّب سعيك، وأكذب أُحدوثَتك، وجعل كلمةَ الذين كفروا السُفلى وكلمةَ الله هي العُلْيا.
وأمّا قولُك (5) في عثمان، فأنت یا قليل الحياء والدين، ألهبْتَ عليه ناراً ثمّ
ص: 121
هربتَ إلى فلسطين تتربّصُ به الدوائر ، فلمّا أتاك خبر قتله حبسْتَ نفسَك على معاوية ، فبعتَه دينَك يا خبيثُ بدُنيا غيرِك، ولسنا نلومُك على بُعضِنا ، ولم نعاتبك على حُبِّنا، وأنت عدوّ لبني هاشم في الجاهليّة والإسلام، وقد هجوتَ رسول الله صلّي الله علیه و آله بسبعين بيتاً من شعر، فقال رسول الله صلّي الله علیه و آله: اللّهمّ إنّي لا أُحسنُ الشعرَ ولا ينبغي لي أن أقوله فالعن عمرو بن العاص بكلّ بيت ألف لعنة. (1)
ثمّ أنتَ يا عمرو المؤْثر دُنياك على دينِك، أهديتَ إلى النجاشي (2) الهدايا (3)ورحلتَ إليه رحلتك الثانية، ولم تنهك الأُولى عن الثانية، كلُّ ذلك ترجَعُ مغلوباً حسيراً، تُريدُ بذلك هلاك جعفر وأصحابه ، فلمّا أخطأك مارجوتَ
ص: 122
وأمّلت، أحَلْتَ على صاحبك عمارة (1) بن الوليد، فوشيت به إلى النجاشي ففضحك الله وفضح صاحبك .
وأمّا أنت یا ولیدُ بن عقبة، فوالله ما الومُك أن تبغُضَ عليّاً، وقد جلدك في الخمر ثمانین جلدة، وقتل أباك صبراً بيده يومَ بدر، أم كيف تسبُّه وقد سمّاه اللهُ مؤمناً في عشرة آيات من القرآن وسمّاك فاسقاً، وهو قول الله عزّوجلّ : «أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ» (2)، وقوله : «يإِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ». (3)
وما أنت وذكر قريش، وإنّما أنت ابن علج (4) من أهل صفوريّة، إسمُه ذكوان. (5)
ص: 123
وأمّا زعمُك أنّا قتلنا عثمان، فوالله ما استطاع طلحة والزبير وعائشة أن يقولوا ذلك لعليّ بن أبي طالب، فكيف تقوله أنت.
ولو (1) سألتَ أُمَّك مَن أبوك إذ تركت ذكوان فألصقتْك بعقبة بن أبي معيط، إكتسبت بذلك عند نفسها سناءً ورفعةً، ومع ما أعدّ الله لك ولأبيك ولأُمِّك من العار والخزث في الدُنيا والآخرة، وما الله بظلّام للعبيد.
ثمّ أنت يا وليد، والله أكبر (2) في الميلاد ممّن تدّعي له النسب، فكيف تسُبُّ عليّاً ولو اشتغلت بنفسك لتُثبِتَ نسبَك إلى أبيك لا إلى مَن تدعّي له ، ولقد قالت لك أُمُّك : يابُنيّ أبوك والله ألأم وأخبثُ من عُقَبَة.
وأمّا أنت يا عتبة بن أبي سفيان، فوالله ما أنت بحصيف (3) فأُجاويك، ولا عاقل فأُعاتبك، وما عندك خيرٌ يُرجى، وما كنتُ ولو سببتَ عليّاً لأُعيرَ به عليك، لأنّك عندي لست بكفو لعبد عليّ بن أبي طالب فأرُدّ عليك وأعاتُبك، ولكنّ الله عزّوجلّ لك ولأبيك وأُمِّك وأخيك لبالمرصاد، فأنت ذريّة آبائك ، الّذين ذكرهم الله في القرآن فقال :
«عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ - إلى قوله - مِنْ جُوعٍ» . (4)
ص: 124
وأمّا وعيدُك إيّاي أن تقتُلَني (1)، فهلّا قتلتَ الّذي وجدتَه على فراِشك مع حليلتِك، وقد غلبك على فرجِها وشركك في وُلدِها، حتّى ألصق بك ولداً ليس لك (2)، ويلاً لك، لو شغلت بنفسك بطلب ثأرك منه لكنتَ جديراً ولذلك حريّاً، إذ تسومُني القتل وتوعِدُني به .
ولا ألومك أن تسبَّ عليّاً، وقد قتل أخاك (3) مبارزةً، واشترك هو وحمزة بن عبدالمطّلب في قتل جدّك (4) حتّى أصلاهما الله على أيديهمانار جهنّم، وأذاقهما العذاب الأليم، ونفى عمّك (5) بأمر رسول الله صلّي الله علیه و آله.
وأمّا رجائي الخلافة، فلعمرُ الله إن رجوتُها فإنّ لي فيها لملتمساً ، وما أنت بنظير أخيك، ولا بخليفة أبيك، لأنّ أخاك أكثرُ تمرّداً على الله وأشدُّ
ص: 125
طلباً لإحراقة دِماء المسلمين، وطلب ما ليس له بأهل يُخادعُ الناسَ ويمكرُهم ، ويمكرُ اللهُ واللهُ خيرُ الماكرين.
وأمّا قولُك: إنّ عليّاً كان شرّ قريش لقريش، فوالله ماحقّر مرحوماً ولا قَتَلَ مظلوماً.
وأمّا أنت یا مغيرة بن شعبة، فإنّك لله عدوّ، ولكتابه نابذ، ولنبيّه مكذّب ، وأنت الزاني وقد وجب عليك الرجم، وشهد عليك العدول البررة الأتقياء، فأُخّر رجمُك، ودُفع الحقّ بالأباطيل والصدق بالأغاليط (1)، وذلك لما أعدّ اللهُ لك من العذاب الأليم والخزي في الحياة الدُنيا، ولعذابُ الآخرة أخزى.
وأنتَ الذي ضربت فاطمة بنت رسول الله صلّي الله علیه و آله حتّى أدميتَها وألقتْ ما في بطنِها، إستذلا لأً منك لرسول الله صلّي الله علیه و آله و مخالفةً منك لأمره، وانتهاكاً لحرمتِه، وقد قال لها رسول الله صلّي الله علیه و آله: يا فاطمةُ أنتِ سيّدةُ نساء أهل الجنّة، واللهُ مصيِّرِك إلى النار وجاعلُ وبالَ ما نطقْتَ به عليك . (2)
ص: 126
فبايّ الثلاثة (1) سبَبْتَ عليّاً، أنقصاً في نسبه، أم بُعداً من رسول الله، أم سوء بلاء في الإسلام، أم جوراً في حكم، أم رغبةً في الدنيا، إن قلت بها فقد كذبت وكذّبك الناس .
أتزعم أن عليّاً علیه السّلام قتل عثمان مظلوماً، فعليّ والله أتقى وأنقى من الائمه في ذلك. (2)
وأمّا اعتراضُك في بني هاشم وبني أُميّة، فهو ادّعاوك إلى معاوية، وأّما قولك في شأن الإمارة وقولُ أصحابك في الملك الّذي ملّكتموه فقد ملك فرعون مصر أربعمائة سنة، وموسى وهارون نبيّان مرسلان يَلقيان مايلقيان مِن
ص: 127
الأذى، وهو ملك الله يُعطيه البرّ والفاجر، وقال الله : «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ» (1) ، «وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا» . (2)
ثمّ قام الحسن علیه السّلام فنفض ثيابه وهو يقول:
«الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ» (3)، هم والله يا معاوية أنت وأصحابك هؤلاء وشيعتك، «وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ» (4)، هم عليّ بن أبي طالب علیه السّلام وأصحابُه و شیعتُه.
ثمّ خرج وهو يقول لمعاوية :
ذُقْ وبال ماکسبتْ يداك وما جنَتْ، وما قد أعدّ اللهُ لك ولهم من الخزي في الحياة الدُنيا و العذاب الأليم في الآخرة.
فقال معاوية لأصحابه : وأنتم فذوقوا وبال ما جنيتم.
فقال الوليد بن عقبة : والله ماذقنا إلّا كما ذقت، ولا اجترأ إلّا عليك .
فقال معاوية : ألم أقل لكم إنّكم لن تنتقصوا من الرجل، فهلا أطعتموني أوّل مرّة فانتصرتم من الرجل إذ فضحكم، فوالله ما قام حتّى أظلم عليّ البيت ، وهممت أن أسطو به، فليس فيكم خير اليوم ولا بعد اليوم.
وسمع مروان بن الحكم بمالقي معاوية وأصحابه المذكورون من الحسن بن
ص: 128
علي علیه السّلام، فأتاهم فقال : أفلا أحضرتموني ذلك، فوالله لأسبّنّه ولأسبّنّ أباه وأهل البيت سبّاً تتغنّى به الإماء والعبيد .
فأرسل معاوية إلى الحسن بن علي علیه السّلام، فلمّا جاء الرسول قال له الحسن علیه السّلام :
ما يريد هذا الطاغية منّي؟ والله إن أعاد الكلام لأُوقِرنَ مسامعه مايبقى عليه عارُه و شنارُه إلى يوم القيامة .
فأقبل الحسن علیه السّلام فلمّا أن جاءهم وجدهم بالمجلس على حالتهم الّتي تركهم فيها، غير أنّ مروان قد حضر معهم في هذا الوقت، فمشى الحسن علیه السّلام حتّى جلس على السرير مع معاوية وعمرو بن العاص، ثمّ قال لمعاوية : لم أرسلت إليّ؟
قال : لستُ أنا أرسلتُ إليك، ولكن مروان الّذي أرسل إليك .
فقال مروان : أنت یا حسن السبّاب رجال قریش؟
فقال الحسن علیه السّلام : وما الّذي أردتَ؟
فقال : والله لأسبّنّك و أباك وأهلَ بيتك سبّاً تغنّي به الإماء والعبيد .
فقال الحسن علیه السّلام :
أمّا أنتَ یا مروان، فلستُ سببتُك ولا سببتُ أباك، ولكنّ الله عزّوجلّ العنك ولعن أباك (1) وأهل بيتك وذرّيتك وما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة
ص: 129
على لسان نبيّه محمد، والله يا مروان ما تنكر أنت ولا أحد ممّن حضر هذه اللعنة من رسول الله صلّي الله علیه و آله لك ولأبيك من قبلك، وما زادك الله يا مروان بماخوفّك إلّا طغياناً كبيراً، وصدق الله وصدق رسولُه، يقول الله تبارك وتعالى : «وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا» (1)، وأنت یا مروان وذريّتُك الشجرةُ الملعونة في القرآن، وذلك عن رسول الله صلّي الله علیه و آله، عن جبرئيل، عن الله عزّوجلّ.
فوثب معاوية فوضع يده على فم الحسن علیه السّلام ، وقال : يا أبا محمد ما كنت فحّاشاً، ولا طيّاشاً، فنفض الحسن علیه السّلام ثوبه وقام فخرج، فتفرّق القوم عن المجلس بغيظ وحزن، وسواد الوجوه في الدنيا والآخرة. (2)
{38}
[693] نحن نقول أهل البيت : إنّ الأئمّة منّا، وإنّ الخلافة لا تصلح إلّا فينا، وإنّ الله جعلنا أهلها في كتابه وسنّة نبيّه صلّي الله علیه و آله، وإنّ العلم فينا ونحن أهلُه، وهو عندنا مجموعٌ كلُّه بحذافيره، وإنّه لا يحدُث شيءٌ إلى يوم القيامة حتّى أرش الخدش إلّا وهو عندنا مكتوبٌ بإملاء رسول الله صلّي الله علیه و آله وخطّ عليّ علیه السّلام بيده (3). (4)
ص: 130
وزعم قوم أنّهم أولى بذلك منّا، حتّى أنت یابن هند تدّعي ذلك، وتزعم أنّ عمر أرسل إلى أبي أنّي أُريد أن أكتب القرآن في مصحف فابعث إليّ بما كتبْتَ من القرآن، فأتاه فقال : تضرب والله عنقي قبل أن يصل إليك .
قال : ولم؟
قال : لأنّ اللهَ تعالى قال : «وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» (1)، قال : إنّ ابن أبي طالب يحسب أنّ أحداً ليس عنده علم غيره، من كان يقرأُ من القرآن شيئاً فليأتني، فإذا جاء رجل فقرأ شيئاً معه فيه آخر كتبه وإلّا لم يكتبه ، ثمّ قالوا: قد ضاع منه قرآن كثير ، بل كذبوا والله بل هو مجموع محفوظ عند أهله .
ثمّ أمر قضاته وولاته : أجهدوا آراءكم واقضوا بما ترون أنّه الحقّ، فلا يزال هو وبعضُ ولاته قد وقعوا في عظيمة فيُخرجُهُم منها أبي، ليحتجّ عليهم بها، فتجتمع القضاةُ عند خليفتهم وقد حكموا في شيء واحد بقضايا مختلفة فأجازها لهم، لأنّ الله لم يؤته الحكمة وفصل الخطاب. (2)
{39}
[694] وزعم كلّ صنف من مخالفينا من أهل هذه القبلة أنّ معدِن الخلافة والعلم دوننا، فنستعينُ بالله على مَن ظلمنا وجحدنا حقّنا، وركِب رِقابَنا، وسنّ للناس علينا ما يحتجّ به مثلُك وحسبنا اللهُ ونِعْمَ الوكيل .
إنّما الناسُ ثلاثة : مؤمن يعرف حقّنا ويسلِّم لنا، ويأتمّ بنا، فذلك ناج محبّ لله وليّ، وناصب لنا العداوة يتبرّأُ منّا ويلعنُنا، ويستحلُّ دماءَنا، ويجحدُ
ص: 131
حقنا، ويُدينُ اللهَ بالبراءة منّا، فهذا كافر مشرك فاسق، وإنّما كفر وأشرك من حيث لا يعلم، كما سبّوا اللهَ عدواً بغير علم (1)، كذلك يُشرك بالله بغير علم.
ورجل أخذ بما لا يُختلَف فيه وردّ علم ما أُشكل عليه إلى الله مع ولا يتنا، ولا يأتمُّ بنا، ولا يُعادينا ولا يعرفُ حقَّنا، فنحن نرجو أنْ يغفرَ اللهُ له ويُدخلَه الجنّة، فهذا مسلم ضعیف . (2)
{41}
[696] لمّا خطب خطبة وختمها بذكر آية : «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ...» ونزل و خرج، فاشتدّ ذلك على معاوية، فقالوا: لو دعوته فاستنطقته يعني استفهمته ما عنى بالآية ، فقال : مهلاً فأبوا عليه، فدعوه فأجابهم فأقبل عليه عمرو فقال له الحسن : أمّا أنت فقد اختلف فيك رجلان : رجل من قريش ورجل من أهل المدينة فادّعياك فلا أدري فأيّهما أبوك، وأقبل عليه أبوالأعور فقال له الحسن : ألم يلعن رسول الله صلّي الله علیه و آله رعلاً وذكوان وعمرو بن سفيان، وهذا اسم أبي الأعور، ثمّ أقبل عليه معاوية يعينهما فقال له الحسن : أما علمت أنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله لعن قائد الأحزاب وسائقهم وكان أحدهما أبوسفيان والآخر أبو الأعور السلمي.
وقال الطبراني : حدّثنا محمد بن عون السيرافي ثنا الحسن (1) بن علي الواسطي ، حدثنا يزيد بن هارون أنا حریز بن عثمان، عن عبدالرحمن بن أبي عوف قال : قال عمرو بن العاص وأبو الأعور السلمي لمعاوية : إن ّالحسن بن علي (رضي الله عنهما) رجل عيي.
فقال معاوية : لا تقولا ذلك، فإنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله قد تفل في فيه، ومن تفل رسول الله صلّي الله علیه و آله في فيه فليس بعيي .
فقال الحسن بن علي (رضي الله عنه) : أما أنت يا عمرو فإنّه تنازع فيك رجلان، فانظر أيّهما أباك؟ وأمّا أنت يا أبا الأعور فإنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله لعن
ص: 133
رعلا وذكوانا وعمرو بن سفيان (1) . (2)
{42}
[697] خطب علیه السّلام خطبة غضب منها معاوية فقام وخطب خطبة عييّة وسبّ أمير المؤمنین علیه السّلام.
فقام إليه الحسن بن علي علیهماالسّلام فقال له - وهو على المنبر -:
ويلك يابن آكلة الأكباد! (3) أو أنت تسُبُّ أمير المؤمنين علیه السّلام وقد قال رسول الله صلّي الله علیه و آله: من سبّ عليّاً فقد سبَّني، ومن سبّني فقد سبّ الله، ومن سبّ الله أدخله الله نار جهنّم خالداً فيها مُخلَّداً، وله عذابٌ مُقيم .
ص: 134
ثمّ انحدر الحسن عليه السّلام عن المنبر، ودخل داره ولم يصل هناك بعد ذلك أبداً. (1)
{43}
[698] روى أبو عوانة الوضّاح بن عبدالله المتوفّى (476ه_)، عن داود بن عبدالله الأودي، عن حميد بن عبدالرحمن الحميري، أنّه بعث ابن أخ له إلى الكوفة وقال : سل عليّ بن أبي طالب عليه السّلام عن الحديث الّذي رواه أهل الكوفة عنه في البصرة، فإن كان حقّاً تحوّلنا عنها.
قال : فأتى الكوفة وأتي الحسن بن علي عليهماالسّلام ، فأخبره بالخبر .
فقال الحسن عليه السّلام : إرجع إلى عمّك، فاقرأه السلام، وقل له : قال أمير المؤمنين عليه السّلام، يعني أباه : إذا حدّثتكم عن رسول الله صلّي الله علیه و آله فإنّي لم أكذب على الله ولا على رسوله، وإذا حدّثتكم برأيي فإنّما أنا رجل محارب، والحرب خدعة. (2)
ص: 135
{44}
[699] وفي المجلس ليس إلّا نفسه والحسين عليه السّلام وعبدالله بن جعفر والفضل وعبدالله ابنا عبّاس ، فقال عليه السّلام :
ويل لك يا معاوية وللثلاثة قبلك، الّذين أجلسوك هذا المجلس وسنّوا لك هذه السُنّة، لأقولنّ كلاماَ ما أنت أهلُه، ولكنّي أقول لتسمعه بنو أبي هؤلاء حولي .
إنّ الناس قد اجتمعوا على أُمورٍ كثيرة، ليس بينه اختلاف فيها ولا تنازع ولا فُرقة : على شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمداً رسول الله وعبدُه ، والصلوات الخمس، والزكاة المفروضة، وصوم شهر رمضان، وحجّ البيت، ثمّ أشياء كثيرة من طاعة الله الّتي لا تُحصى ولا يعِدُّها إلّا الله.
واجتمَعوا على تحريم الزنا والسرقة والكذب والقطيعة والخيانة، وأشياء كثيرة من معاصي الله الّتي لا تُحصى ولا يَعِدُّها إلّا الله .
واختلَفوا في سُنَن اقتَتَلوا فيها، وصاروا فِرَقاً يلعنُ بعضُهم بعضاً، وهي الولاية، ويبرأُ بعضُهم من بعض، ويقتُل بعضهم بعضاً أيُّهم أحقّ وأولى بها، إلاّ فرقةً تتّبع كتابَ الله وسُنّة نبيّه صلّي الله علیه و آله، فمَن أخذ بما عليه أهل القبلة الّذي ليس فيه اختلاف، وردّعلم ما اختلفوا فيه إلى الله، سَلِمَ ونجا به من النار ودخل الجنّة.
ومَن وفّقه الله ومن ّعليه واحتجّ عليه بأنْ نوّر قلبه بمعرفة ولاة الأمر من أئمّتهم ومعدن العلم أين هو، فهو عند الله سعيد ولله وليّ، وقد قال رسول الله صلّي الله علیه و آله: رحم الله امرءاً علم حقّاً فقال فغنِم أو سکت فسلِم. (1)
ص: 136
{45}
[700] روي أنّ معاوية قال للحسن بن علي عليهماالسّلام: أنا خير منك يا حسن .
قال لي : وكيف ذلك يابن هند؟
قال : لأنّ الناس قد أجمعوا علىّ ولم يجمعوا عليك .
قال عليه السّلام : هيهات هيهات! لشرّ ما علوت یابن آكلة الأكباد، المجتمعون عليك رجلان، بين مطيع ومكرَه، فالطائع لك عاص لله، والمُكرَه معذور بكتاب الله.
وحاشَ لله أن أقول : أنا خيرٌ منك فلا خير فيك، ولكنّ الله برّاني من الرذائل، كما برّاك من الفضائل. (1)
{46}
[701] عن أبي كثير قال : كنت جالساً عند الحسن بن علي (رضي الله عنه) فجاءه رجل فقال : لقد سبّ عند معاوية عليّاً (رضي الله عنه) سبّاً قبيحاً رجل يقال له معاوية يعني ابن خديج تعرفه؟
قال : نعم.
قال : إذا رأيته فأتني به .
قال : فرآه عند دار عمرو بن حريث، فأراه إيّاه ، قال : أنت معاوية بن خديج؟ فسكت فلم يجبه ثلاثاً، ثمّ قال : أنت السبّاب عليّاً عند ابن آكلة
ص: 137
الأكباد؟ أمالئن وردتَ عليه الحوض، وما أراك ترده، لتجدنّ مشمِّراً حاسراً ذراعيه يذود الكفّار والمنافقين عن حوض رسول الله صلّي الله علیه و آله كما تذاد غريبة الإبل عن صاحبها قول الصادق المصدّق أبي القاسم صلّي الله علیه و آله. (1)
{47}
[702] وأمّا أنت یا مغيرة فلم تكن بخليق أن تقع في هذا وشبهه وإنّما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة : استمسكي فإنّي طائرة عنك ، فقالت النخلة : هل علمت بك واقعة عليّ فأعلم بك طائرة عنّي، والله ما نشعر بعداوتك إيّانا ولا اغتممنا إذ علمنا بها ولا يشقّ علينا كلامك، وإنّ حدّ الله عليك في الزنا الثابت، ولقد درأ عمر عنك حقّ الله سائله عنه، ولقد سألت رسول الله صلّي الله علیه و آله هل ينظر الرجل إلى المرأة يريد أن يتزوّجها؟ فقال : لا بأس بذلك ، یا مغيرة ما لم ينو الزنا، لعلمه بأنّك زان .
وأمّا فخركم علينا بالأمارة فإنّ الله تعالى يقول : «وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ
ص: 138
قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا»
ثمّ قال الحسن فنفض ثوبه وانصرف. (1)
{48}
[703] فنكس مروان رأسه وبقي المغيرة مبهوتاً، فالتفت إليه الحسن علیه السّلام فقال :
أعور ثقیف ما أنت من قريش فأفاخرك، أجهِلتَني يا ويحك! أنا ابنُ خيرة الإماء وسيّدة النساء، غذّانا رسول الله صلى الله عليه و آله بعلم الله تبارك وتعالى، فعلمنا تأويل القرآن و مشکلات الأحكام، لنا العزّهُ العُليا والفخر والسَناء.
وأنت من قومٍ لم يثبُت لهم في الجاهليّة نسب، ولا لهم في الإسلام نصیب، عبدٌ أبق ماله والإفتخار عن مصادمة الليوث ومجاحشة (2) الأقران، نحن السادة ونحن المُذاويد (3) القادة، نحمي الذِمار(4)، وننفي عن ساحتنا العار، وأنا ابن نجيبات الأبكار .
ثمّ أشرتَ زعمتَ إلى وصيّ خير الأنبياء، وكان هو بعجزك أبصر ،
ص: 139
وبخَوَرك (1) أعلم، وكنتَ للردّ عليك منه أهلاً، لوغرك (2) في صدرك وبُدوّ الغدر في عينك، هيهات لم يكن ليتّخذ المُضِلّين عَضُداً (3) . (4)
ولقامت عليك المرنّات (1) الهوالع. (2)
وأمّا زُعارّة (3) قیس، فما أنت وقيساً، إنّما أنتَ عبدٌ أَبق فثقف، فسُمّي ثقيفاً فاحتل لنفسك من غيرها، فلستَ من رجالها، أنت بمعالجة الشُرَك . (4) وموالج الزرائب (5) أعرف منك بالحروب.
فأمّا الحلم، فأيُّ الحلم عند العبيد القيون (6)، ثمّ تمنّيت لقاء أمير المؤمنين ، فذاك مَن قد عرفت : أسد باسل (7)، وسمّ قاتل، لا تقاومه الأبالسة عند الطعن والمخالسة، فكيف ترومُه الضبعان، وتنالُه الجعلان بمشيتها القهقرى . (8)
ص: 141
{50}
[705] عمران بن جدير أظنّه عن أبي مجلز ، قال : قال عمرو بنالعاص والمغيرة بن شعبة لمعاوية : إنّ الحسن بن علي رجل عيي وأنّ له كلاماً وراياً وأنّا قد علمنا كلامه، فيتكلّم کلاماً، فلا يجد کلاماً، فقال : لا تفعلوا فأبوا عليه فصعد عمرو المنبر فذكر عليّاً ووقع فيه ، ثمّ صعد المغيرة بن شعبة فحمد الله وأثنى عليه ثمّ وقع في عليّ (رضي الله عنه)، ثمّ قيل للحسن بن علي: اصعد، فقال : لا أصعد ولا أتكلّم حتّى تعطوني إن قلت حقّاً أن تصدّقوني، وإن قلت باطلاً أن تكذّبوني، فأعطوه فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه فقال : بالله یا عمرو وأنت یا مغيرة تعلمان أنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله قال : لعن الله السائق والراكب أحدهمافلان، قالا : اللّهمّ نعم، بلی، قال: أُنشدك الله يا معاوية ويا مغيرة أتعلمان أنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله لعن عَمْراً بكلّ قافية قالها لعنة؟ قالا : اللّهمّ بلی.
قال : أُنشدك بالله ياعمرو وأنت یا معاوية أتعلمان أنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله لعن قوم هذا؟
قالا: بلی.
قال الحسن : فإنّي أحمد الله الّذي وقعتم فيمن تبرّا من هذا. (1)
ص: 142
{51}
[706] وأمّا وصلتُك فمنكورة (1)، وقرابتك مجهولة، وما رحمك منه إلّا کبنات (2) الماء من خشفان الظباء، بل أنت أبعد منه نسباً .
فوثب المغيرة والحسن يقول لمعاوية :
أعذِرْنا (3) من بني أُميّة أن تجاورنا بعد مناطقة القيون ومفاخرة العبيد .
فقال معاوية : إرجع يا مغيرة، هؤلاء بنو عبد مناف لا تقاومهم الصنادید ولا تفاخرهم المذاويد، ثمّ أقسم على الحسن علیه السّلام بالسكوت، فسكت.(4)
{52}
[707] فقال له علیه السّلام:
: لا ألومُك أن تسبّ عليّاً، وقد جلدك في الخمر ثمانين سوطاً. (5)
ص: 143
وقتل أباك (1) صبراً بأمر رسول الله في يوم بدر، وقد سمّاه الله عزّ وجلّ في غير آية مؤمناً وسمّاك فاسقاً، وقد قال الشاعر (2) فيك وفي عليّ علیه السّلام:
أنزل الله في الكتاب علينا *** في عليّ وفي الولیدقرآنا
فتبوّا الوليدُ منزل کفرٍ *** وعليّ تبوأ الإيمانا
ليس من كان مؤمناً يعبُدُ الله *** كمن کان فاسقاً خوّانا
سوف يُدْعَ الوليدُ بعد قليل *** وعليّ إلى الجزاء عيانا
فعليٌّ يُجزئ هناك جناناً *** وهناك الوليد يُجزی هَوانا (3)
{53}
[708] جلس الحسن بن علي علیهماالسّلام ویزید (4) بن معاوية بن أبي سفيان يأكلان الرطب، فقال يزيد: يا حسن أنّي قد كنت أبغضك .
قال الحسن علیه السّلام:
ص: 144
إعلم یا یزید إنّ إبليس شارك أباك في جماعه، فاختلط الماءان فأورثك ذلك عداوتي، لأنّ الله تعالى يقول : «وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ» (1) وشارك الشيطان حرباً عند جماعه، فولد له صخر، فلذلك كان يُبغض جدّي رسول الله صلّي الله علیه و آله. (2)
ص: 145
ص: 146
ص: 147
{1}
[709] عن القاسم بن الفضل، أنبأنا أبو هارون، قال :
انطلقنا حُجّاجاً فدخلنا المدينة فقلنا : لو دخلنا على ابن رسول الله صلّي الله علیه و آله الحسن فسلّمنا عليه، فدخلنا عليه فحدَّثناه بمسيرنا وحالنا، فلمّا خرجنا من عنده بعث إلى كلّ رجل منّا بأربعمائة أربعمائة ، فقلنا للرسول : إنّا أغنياء وليس بنا حاجة.
فقال : لا تردّوا عليه معروفه .
فرجعنا إليه فأخبرناه بيسارنا وحالنا .
فقال : لا تردّوا عليّ معروفي فلو كنت على غير هذه الحال كان هذا لكم يسيراً، أمّا إنّي مزوّدكم، إنّ الله [تبارك وتعالى] يباهي ملائكته بعباده يوم عرفة فيقول: «عبادي جاؤني شعثاً تتعرَّضون لرحمتي فأُشهدكم أنّي قد غفرت لمُحسنهم وشفعت محسنهم ومسيئهم» وإذا كان يوم الجمعة فمثل ذلك . (1)
{2}
[710] أخبرنا عبیدالله بن موسى قال : أخبرنا شداد الجعفي عن جدّته
ص: 148
أرجوانة قالت : أقبل الحسن بن عليّ وبنو هاشم خلفه وجليس لبني أُميّة من أهل الشام [جالس معهم] فقال [لهم] : من هؤلاء المقبلون ما أحسن هيئتهم؟ [فقيل : الحسن بن علي] فاستقبل الحسن فقال : أنت الحسن بن علي؟
قال : نعم.
قال : أتحبّ أن يدخلك الله مدخل أبيك؟
فقال: ويحك ومن أين وقد كانت له من السوابق ما قد سبق؟
قال الرجل : أدخلك الله مدخله فإنّه کافر وأنت !! فتناوله محمّد بن علي من خلف الحسن فلطمه لطمةً لزم بالأرض، فنشر الحسن عليه رداءه قال : عزمة منّي عليكم يا بني هاشم لتدخلنّ المسجد ولتصلّنّ. وأخذ بيد الرجل فانطلق [به] إلى منزله فكساه حلّة وخلّى عنه . (1)
{3}
[711] عن ابن عبّاس أنّه قال : لمّا فتح الله تعالى المدائن على أصحاب رسول الله صلّي الله علیه و آله في أيّام عمر، فأمر بالنطاع، فبُسطت في مسجد رسول الله صلّي الله علیه و آله وأمرنا بالأموال فأفرغت عليها، ثمّ اجتمع أصحاب رسول الله صلّي الله علیه و آله، فأوّل من بدر إليه الحسن بن علي فقال : أعطني حقّي ممّا فتح الله تعالى على المسلمين .
فقال : بالرحب والكرامة ، فأمر له بألف درهم، ثمّ انصرف، فبدر إليه إبنه عبدالله بن عمر، فقال : يا أمير المؤمنين أعطني حقّي ممّا فتح الله تعالى على المسلمين.
ص: 149
فقال : بالرحب والكرامة، فأمر له بخمسمائة درهم.
فقال : يا أمير المؤمنين أنا رجل مشید كنت أضرب بالسيف بين يدي رسول الله صلّي الله علیه و آله والحسن والحسين طفلان يدرجان في سكك المدينة تعطيهم ألفاً ألفاً وتعطيني خمسمائة درهم؟!
فقال : إذهب فأتني بأب كأبيهما و أُمّ كأُمّهما وجدّ كجدّهما وجدّة کجدّتهما، وعمّ كعمّهما، وخال كخالهما، فإنّك لا تأتيني بهم، أمّا أبوهما فعليّ المرتضى، وأّمهما فاطمة الزهراء، وجدّهما محمّد المصطفى، وجدتّهما خديجة الكبرى، وعمّهما جعفر بن أبي طالب، وعمّتهما أُمّ هاني بنت أبي طالب ، وخالهما إبراهيم بن رسول الله صلّي الله علیه و آله، وخالتهمارقيّة وأُمّ كلثوم بنتا رسول الله
صلّي الله علیه و آله. (1)
{4}
[712] لمّا حَضَرَتْ الحسنَ بن علي علیهماالسّلام الوفاةُ بکی .
فقيل : یابنَ رسولِ الله أتبكي ومكانك من رسول الله صلّي الله علیه و آله الّذي أنت به ، وقد قال فيك رسول الله صلّي الله علیه و آله ما قال، وقد حَجَجْت عشرين حجّة ماشياً، وقد قاسمتَ ربّك مالك ثلاث مرّات حتّى النعل والنعل؟
ص: 150
فقال علیه السّلام: إنّما أبكي لخصلتين : لهول المطّلع، وفراق الأحبّة . (1)
{5}
[713] و بکی الحسن بن علي عليهما الرضوان فقيل له : ما يبكيك وقد ضمن لك رسول الله صلّي الله علیه و آله الجنّة؟
فقال : إنّي أسلك طريقاً لم أسلكها، وأقدم على سيّد لم أره . (2)
{6}
[714] ومرّ الحسن بن عليّ (رضي الله عنهما) بصبيّان معهم کسر خبز فاستضافوه فنزل وأكل معهم ثمّ حملهم إلى منزله وأطعمهم وكساهم وقال :
ص: 151
اليد لهم لأنّهم لم يجدوا غير ما أطعموني ونحن نجد أكثر منه . (1)
{7}
[715] ولمّا حضرته الوفاة قد حصل له جزع، فقال له الحسين : يا أخي لِمَ تجزع إنّك ترد على رسول الله صلّي الله علیه و آله وعلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وهما أبواك، وعلى خديجة وفاطمة وهما أُمّاك، وعلى القاسم والطاهر وهما خالاك، وعلى حمزة وجعفر وهما عمّاك ؟!
فقال له الحسن : يا أخي ما جزعي إلّا أنّي أدخل في أمر لم أدخل في مثله وأرى خلقاً من خلق الله لم أر مثلهم قطّ، فبكى الحسين عند ذلك . (2)
ص: 152
{8}
[716] روى الفاضل المعاصر الدكتور ياسين أحمد إبراهيم في تعاليقه على «حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء» لمحمّد بن أحمد القفّال : أنّ الحسن بن علي (رضي الله عنه) كان له دَيْن على إنسان فطالب غريمه، فقال : أحسن إليّ يابن رسول الله صلّي الله علیه و آله.
فقال : وهبت لك النصف .
فقيل له : النصف کثیر .
فقال : وأين ذهب قوله تعالى : «وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» (1) سمعت جدّي رسول الله صلّي الله علیه و آله يقول : من تمام الإحسان أن يحطّ الشطر. (2)
{9}
[717] روي عن الحسن بن عليّ أنّه كان مارّاً في بعض حيطان المدينة فرأى أسود بیده رغيف يأكل لقمة ويطعم الكلب لقمة إلى أن شاطره الرغيف .
ص: 153
فقال له الحسن: ما حملك على أن شاطرته ولم تغابنه فيه بشيء؟
فقال : استحت عيناي من عينيه أن أُغابنه .
فقال له : غلام من أنت؟
قال : غلام أبان بن عثمان .
فقال له : والحائط؟
قال : لأبان بن عثمان .
فقال له الحسن : أقسمت عليك لا برحت حتّى أعود عليك .
فمرّ فاشترى الغلام والحائط وجاء إلى الغلام فقال : يا غلام قد اشتريتك .
قام قائماً فقال : السمع والطاعة لله ولرسوله ولك يا مولاي .
قال : وقد اشتريت الحائط وأنت حُرّ لوجه الله والحائط هبة منّي إليك .
قال : فقال الغلام: يا مولاي قد وهبت الحائط للّذي وهبتني له . (1)
ص: 154
{10}
[718] قال الشيخ عبدالقادر بن عمر البغدادي في حاشية شرح بانت سعاد الابن هاشم صاحب المغني : قيس هو ابن ذَریح (بفتح الذال المعجمة وكسر الراء وآخره حاء مهملة) ابن شبّه ... كان قيس رضيع الحسن بن علي بن أبي طالب أرضعته أُم قيس وهو أحبّ (لُبنی) وتزوّجها بوساطة الحسن وأقام معها مدّة لم تلد له فألزمه أبوه بطلاقها فطلّقها، وتزوّجت بعد عدّتها، ولم يلبث حتّى طار عقله ... إلى أن مات بعشقها .
وذكر القحذمي وابن عائشة أنّ ابن أبي عتیق صار إلى الحسن والحسين وعبدالله بن جعفر .. فقال لهم : إنّ لي حاجة إلى رجل أخشى أن يردّني فيها وإنّي أستعين بجاهكم وأموالكم عليه قالوا: ذلك لك مبذول فمضى بهم إلى زوج لُبني، فلمّا رآهم أعظم مصيرهم إليه، قالوا : قد جئناك في حاجة لابن أبي عتيق .
فقال : هي مقضيّة كائنة ما كانت .
قال ابن أبي عتيق : تهب لي زوجتك لُبنی وتُطلّقها.
قال : إشهدوا أنّها طالق ثلاثاً.
فعوّضه الحسن علیه السّلام مائة ألف درهم . (1)
ص: 155
{11}
[719] قال ابن طلحة : قد نقل عنه من تتابع ارفاده بموجوده ما يشهد له بكرمه وجوده .
منها: ما رواه أبو الحسن المدائني قال : خرج الحسن والحسين وعبدالله بن جعفر علیهم السّلام حجّاجاً ففاتهم أثقالهم، فجاعوا وعطشوا فمرّوا بعجوز في خباء لها فقالوا: هل من شراب؟ فقالت: نعم، فأناخوا بها وليس لها إلّا شويهة في كسر الخيمة، فقالت : احلبوها، وامتذقوا لبنها، ففعلوا ذلك وقالوا لها: هل من طعام؟ قالت : لا إلّا هذه الشاة، فليذبحنّها أحدكم حتّى أُهيّيء لكم شيئاً تأكلون . فقام إليها أحدهم فذبحها وكشطها ثمّ هيّأت لهم طعاماً فأكلوا ثمّ أقاموا حتّى أبردوا فلمّا ارتحلوا قالوا لها: نحن نفر من قریش نريد هذا الوجه، فإذا رجعنا سالمين فألمّي بنا فإنّا صانعون إليك خيراً، ثمّ ارتحلوا. وأقبل زوجها وأخبرته عن القوم والشاة فغضب الرجل وقال : ويحك تذبحين شاتي لأقوام لاتعرفينهم ثمّ تقولين : نفر من قريش، ثمّ بعد مدّة ألجأتهم الحاجة إلى دخول المدينة ، فدخلاها وجعلا ينقلان البعير إليها ويبيعانه ويعيشان منه، فمرّت العجوز في بعض سكك المدينة فإذا الحسن علیه السّلام على باب داره جالس فعرف العجوز وهي له منكرة. فبعث غلامه فردّها فقال لها : يا أمة الله تعرفيني؟
قالت : لا.
قال : أنا ضيفك يوم كذا .
فقالت العجوز : بأبي أنت وأُمّي .
فأمر الحسن علیه السّلام فاشترى لها من شاء الصدقة ألف شاة وأمر لها بألف دينار
ص: 156
وبعث بها مع غلامه إلى أخيه الحسين علیه السّلام فقال : بكم وصلك أخي الحسن ؟
فقالت : بألف شاة وألف دينار، فأمر لها بمثل ذلك، ثمّ بعث بها مع غلامه إلى عبدالله بن جعفر علیه السّلام فقال : بكم وصلك الحسن والحسين علیهم السّلام؟
فقالت: بألفي دينار وألفي شاة، فأمر لها عبدالله بألفي شاة وألفي دينار ، وقال : لو بدأت بي لأتعبتهما، فرجعت العجوز إلى زوجها بذلك . (1)
{12}
[720] وقف رجل على الحسن بن علي علیهماالسّلام فقال : يابن أمير المؤمنين بالّذي أنعم عليك بهذه النعمة التي ماتليها منه بشفيع منك إليه، بل إنعاماً منه عليك، إلّا ما أنصفتني من خصمي، فإنّه غشوم ظلوم، لا يوقّر الشيخ الكبير ، ولا يَرحم الطفل الصغير .
وكان متّكئاً فاستوى جالساً وقال له : مَن خصمك حتّى أنتصف لك منه ؟
فقال له : الفقر .
فأطرق علیه السّلام ساعة، ثمّ رفع رأسه إلى خادمه وقال له : أحضر ما عندك من
موجود، فأحضر خمسة آلاف درهم . فقال : إدفعها إليه، ثمّ قال له :
بحقّ هذه الأقسام الّتي أقسمت بها عليّ متى أتاك خصمُك جائراً إلّا ما أتيتني منه متظلّماً . (2)
ص: 157
{13}
[721] رواه جماعة من أعلام القوم :
منهم العلامة أبو العباس محمّد بن يزيد المعروف بالمبرد في «الكامل» (ج2 ص 63 ط مصر ) قال :
ويحدّث ابن عائشة ، عن أبيه، أنّ رجلاً من أهل الشام دخل المدينة فقال : رأيت رجلاً على بغلة لم أر أحسن وجهاً ولا أحسن لباساً ولا أفره مركباً منه ، فسألت عنه فقيل لي: الحسن بن عليّ بن أبي طالب فامتلأت له بغضاً فصرت إليه فقلت : أأنت ابن أبي طالب؟
فقال : أنا ابن ابنه .
فقلت له : فيك وبك وبابيك أسبّهما .
فقال : أحسبك غريباً.
قلت : أجل.
فقال : إنّ لنا منزلاً واسعاً ومعونة على الحاجة ومالاً نواسي منه فانطلقت وما أجد على وجه الأرض أحبّ إليّ منه .
وفي (ج1 ص235، الطبع المذكور).
رواه عن ابن عائشة بعين ما تقدّم عنه أوّلاً لكنّه زاد بعد قوله : لم أر أحسن وجهاً: ولا سمتاً، وقبل قوله فصرت إليه : وحسدت عليّاً أن يكون له ابن مثله وذكر بدل قوله : أنّ لنا منزلاً : قال فمل بنا فإن احتجت إلى منزل أنزلناك أو إلى مال آسيناك أو إلى حاجة عاونّاك.
قال : فانصرفت عنه ووالله ما على الأرض أحد أحبّ إليّ منه .
ص: 158
ومنهم العلامة أبوالمؤيّد الموفّق بن أحمد أخطب خوارزم المتوفّی 568 في مقتل الحسين» (ص 131 ط الغري) قال :
وقال رجل من أهل الشام : قدمت المدينة بعد صفّين فرأيت رجلاً حضرنا فسألت عنه فقيل : الحسن بن عليّ فحسدت عليّاً أن يكون له ابن مثله، فقلت له : أنت ابن أبي طالب؟
قال : أنا ابن ابنه .
فقلت له : بك وبأبيك فشتمته وشتمت أباه وهو لا يردّ شيئاً، فلمّا فرغت أقبل عليّ وقال : أظنّك غريباً، ولعلّ لك حاجة، فلو استعنت بنا لأعنّاك ولو سألتنا لأعطيناك ولو استرشدتنا أرشدناك ولو استحملتنا حملناك .
قال الشامي : فولّيت عنه وما على الأرض أحد أحبّ إليّ منه، فما فکرت بعد ذلك فيما صنع وفيما صنعت إلّا تصاغرت إلى نفسي .
ومنهم العلامة النسابة الشيخ أحمد بن شهاب الدين عبدالوهاب النويري المصري المتوفّى سنة 732 في كتابه «نهاية الأرب» (ج1 ص52 طبع القاهرة) قال :
حکی صاحب العقد: عن ابن عائشة، أنّ رجلاً من أهل الشام دخل المدينة قال : فرأيت رجلاً راكباً على بغلة لم أر أحسن وجهاً ولا سمتاً ولا ثوباً ولا دابّة منه.
قال : فمال قلبي إليه فسألت عنه، فقيل : هذا الحسن بن عليّ بن أبي طالب، فامتلأ قلبي بغضاً له وحسدت عليّاً أن يكون له ولد مثله ، فصرت إليه فقلت : أنت ابن أبي طالب؟
قال : أنا ابن ابنه.
ص: 159
فقلت : قلت فيك وفي أبيك أشتمهما، فلمّا انقضى كلامي قال : أحسبك غريباً .
فقلت : أجل.
قال : فإن احتجت إلى منزل أنزلناك أو إلى مال آسيناك أو إلى حاجة عاونّاك ، فانصرفت وما على الأرض أحبّ إليّ منه .
ومنهم العلامة الشيخ كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي في «مطالب السؤول» في مناقب آل الرسول» (ص 67 ط طهران) .
روى الحدي عن ابن عائشة بمثل ما تقدّم، لكنّه ذكر بعد قوله فقلت : أجل.
فقال : فمل معي إن احتجت إلى منزل أنزلناك وإلى مال أرفدناك وإلى حاجة عاونّاك فاستحييت والله منه وعجبت من كرم خلقه فانصرفت وقد صرتُ أُحبّه ما لا أُحبّ غيره . (1)
{14}
[722] و من سخائه علیه السّلام ما روي أنّه سأل الحسن بن علي علیهماالسّلام رجل فأعطاه خمسين ألف درهم وخمسمائة دينار ، وقال : إئت بحمّال يحمل لك فأتی بحمّال فأعطى طيلسانه فقال : هذا ترى الحمّال . (2)
ص: 160
{15}
[723] روي أنّ رجلاً كتب إلى الحسن علیه السّلام يسأل بهذه الأبيات :
غربة تتبع قلّة *** إنّ في الفقر مذلّة
یابن خير الناس أُمّاً *** يا ابن أكرمهم جبلّة
لا يكن جودُك لي *** بل يكن جودك لله
فأعطاه الحسن علیه السّلام دخل العراق سنة.
فقيل له : يابن بنت رسول الله صلّي الله علیه و آله تعطي دخل العراق سنة على ثلاث أبيات من الشعر؟
فقال علیه السّلام : أما سمعتم ما قال : لا يكن جودك لي بل يكن جودك لله؟ فلو كانت الدنيا كلّها لي وأعطيتها إيّاه كانت في ذات الله تعالى قليلاً . (1)
{16}
[724] يروى أنّ رجلاً سأله (أي الحسن بن عليّ علیهماالسّلام) حاجة فقال له : يا هذا حقّ سؤالك إيّای معظم لديّ، ومعرفتي بمايجب لك يكبر عليّ، ويدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله، والكثير في ذات الله قليل، ومافي يدي وفاء بشكرك، فإن قبلت لميسور ورفعت عنّي مؤنة الاحتفال والاهتمام لما أتكلّف من واجبك فعلت .
ص: 161
فقال : يابن رسول الله أقبل وأشكر العطيّة وأعذر على المنع.
فدعي الحسن (رضي الله عنه) وكيله وجعل يحاسبه على نفقاته حتّى استقصاها، فقال له : هات الفاضل، فأحضر خمسين ألفاً، ثمّ قال : ما فعلت الخمس مائة دينار؟
قال : هي عندي .
قال : احضرها، فأحضرها فدفع الحسن الدنانير والدراهم إلى الرجل .
قال : هات من يحملها لك فاتی بحمالين، فدفع الحسن (رضي الله عنه) إليهما رداءه لكدّ الحمل، وقال : هذا أجرة حملكما ولا تأخذوا منه شيئاً.
فقال له مواليه : والله ما عندنا درهم.
فقال : لكنّي أرجو أن يكون لي عند الله أجر عظيم .
مارواه جماعة من أعلام القوم :
منهم العلامة الزرندي الحنفي في «نظم درر السمطین» (ص 196 طالقضاء) قال :
يروى أنّ رجلاً ...
ومنهم العلامة مؤيد الدولة اسامة بن منقذ الكناني المتوفّى سنة 584 في لباب الآداب» (125 ط الرحمانية بالقاهرة).
روى الحديث بعين ما تقدّم عن «نظم درر السمطين» لكنّه ذكر بدل قوله : وما في يدي : وما في ملكتي، وبلد كلمة الاحتفال : الاحتيال، وزاد بعد كلمة أقبل : القليل، وزاد بعد قوله هات الفاضل : من الثلاثمائة ألف درهم، وذكر بدل كلمة الكد: الكری.
ومنهم العلامة أحمد بن حجر الهيثمي في «الصواعق» (ص 137 طبع
ص: 162
عبداللطيف بمصر) قال :
وجاءه (أي الحسن بن علي) رجل يشكو عليه حاله وفقره وقلّة ذات یده بعد أن كان مثرياً، ثمّ ساق الحديث بعين ما تقدّم عن «نظم درر السمطين» وذكر بدل قوله وجعل يحاسبه حتّى استقصاها : وحاسبه، وأسقط قوله : هات من يحملها، الخ.
ومنهم ابن الصباغ المالكي في «الفصول المهمة» (ص 139 ط الغري).
روى الحديث بعين ماتقدّم عن «نظم درر السمطين» إلّا أنّه زاد بعد قوله نفقاته : ومقبوضاته ، وأسقط قوله وقال : هات من يحملها.
ومنهم أبو القاسم عبدالکریم بن هوازن بن عبدالملك بن طلحة القشيري النيشابوري الشافعي المتوفّى سنة 465 في كتابه «الرسالة القشيرية» (ص 125 ط مصر ) قال :
سأل رجل الحسن بن عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) شيئاً فأعطاه خمسين ألف درهم وخمسمائة دينار، وقال : ائت بحمّال يحمله لك فأتى بحمّال فأعطاه طیلسانه وقال : يكون كراء الحمّال من قبلي .
ومنهم الشيخ عفيف الدين اليافعي في «الارشاد والتطريز» (ص 66 طالقاهرة).
روى الحديث بعين ما تقدّم عن «الرسالة القشيرية».
ومنهم باكثير الحضرمي في «وسيلة المال» (ص 172 نسخة مكتبة الظاهرية بدمشق).
روى الحديث بعين ماتقدّم عن «نظم درر السمطين» إلى قوله : دفع
ص: 163
الدراهم والدنانير ثمّ قال : واعتذر منه .
ومنهم الشيخ محمّد رضا المالكي في «الحسن والحسين» (ص 8 طالقاهرة).
روى الحديث بعين ما تقدّم عن «نظم درر السمطين» من قوله : فدعی الحسن وكيله إلى قوله : دفع الدراهم والدنانير إلى الرجل ثمّ قال : واعتذر منه .
ومنهم الامرتسري في «أرجح المطالب» (ص 272 طلاهور) .
روى الحديث نقلا عن مرآة الجنان» بعين ماتقدّم عن «الرسالة القشيرية».
ومنهم السيد مصطفی بن محمّد العروسي في «نتائج الأفكار القدسية » (ج3 ص 200 ط عبدالوکیل بدمشق).
روى الحديث بعين ما تقدّم عن «الرسالة القشيرية». (1)
{17}
[725] قال القاضي أبو عبدالله محمّد بن سلامة المغربي الفقيه الشافعي في ترك الإطناب في شرح الشهاب : كان الحسن بن عليّ (رضوان الله عليهما) يمشي في طريق فأقبل إليه صبيّ صبيح الوجه ، فقال له: ياغلام هل أنت عبدٌ أم حرّ؟ فأجاب الصبي : كلّ مَن في العالَم عبدك ، والحرّ مَنْ حرّرته .
فأمر الحسن (رضوان الله عليه) وكيله أن يعطيه عشرين ألف درهم
ص: 164
ويوصلها معه إلى بيته . (1)
{18}
[726] دخل الغاضري عليه علیه السّلام فقال : إني عصيت رسول الله صلّي الله علیه و آله.
فقال : بئسَ ما عمِلتَ كيف؟
قال : قال صلّي الله علیه و آله: «لا يفلح قوم ملكت عليهم امرأة» وقد ملكَتْ على امرأتي وأمرَتْني أن أشتريَ عبداً، فاشتريتُه فأبق منّي.
فقال علیه السّلام : إختر أحد ثلاثة : إن شئتَ فثمنُ عبد.
فقال : ههنا ولا تتجاوز، وقد اخترت، فأعطاه ذلك . (2)
{19}
[727] إنّ المسألة لاتصلح إلّا في غرم فادح، أو فقر مدقع، أو همالة مفظعة. (3)
ص: 165
{20}
[728] عن أبي عبدالله علیه السّلام قال : إنّ رجلاً مرّ بعثمان بن عفّان وهو قاعد على باب المسجد فسأله فأمر له بخمسة دراهم فقال له الرجل : أرشدني فقال له عثمان : دونك الفتية الّذين ترى، وأومأ بيده إلى ناحية من المسجد فيها الحسن والحسين وعبدالله بن جعفر علیهم السّلام.
فمضى الرجل نحوهم حتّى سلّم عليهم وسألهم.
فقال له الحسن علیه السّلام: يا هذا إن المسألة لا تحلُّ إلا في إحدى ثلاث: دم مفجّع، أو دَیْن مقرِّح، أو فقر مدقّع ففي أيّها تسأل؟
فقال : في وجه من هذه الثلاث.
فأمر له الحسن علیه السّلام بخمسين ديناراً وأمر له الحسين علیه السّلام بتسعة وأربعين دیناراً، وأمر له عبدالله بن جعفر بثمانية وأربعين دیناراً.
فانصرف الرجل فمرّ بعثمان فقال له : ما صنعت؟
فقال : مررت بك فسألتك فأمرت لي بما أمرت، ولم تسألني فيما أسأل، وإنّ صاحب الوفرة لمّا سألته قال لي: يا هذا فيما تسأل، فإنّ المسألة لاتحلُّ إلّا في إحدى ثلاث، فأخبرته بالوجه الّذي أسأله من الثلاثة، فأعطاني خمسين دیناراً وأعطاني الثاني تسعة وأربعين دیناراً وأعطاني الثالث ثمانية وأربعين دیناراً.
ص: 166
فقال عثمان : ومن لك بمثل هؤلاء الفتية! أُولئك فطموا العلم فطماً وحازوا الخير والحكمة .
قال الصدوق (رحمه الله) في معنى قوله : فطموا العلم فطماً أي قطعوه عن غيرهم قطعاً وجمعوه لأنفسهم جمعاً.
بیان : الوفرة الشعرة إلى شحمة الأُذن، ويمكن أن يقرأ فطّموا على بناء المجهول أي : فطموا بالعلم على الحذف والايصال . (1)
{21}
[729] أمر الحسن بن علي (رضي الله عنهما) لرجل من جيرانه بألفي درهم.
فقال : جزاك الله خيرآً یابن رسول الله .
فقال : ما أراك أبقيت لنا من المكافاة شيئاً . (2)
ص: 167
{22}
[730] رواه القوم :
منهم العلامة الخوارزمي في «مقتل الحسین» (ص 131 ط الغري) قال :
(وروي) إنّ غلاماً للحسن جنى جناية توجب العقاب فأمر به أن يضرب .
فقال : يا مولاي «وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ» .
قال : عفوت عنك.
قال : «وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ».
قال : أنت حرّ لوجه الله ولك ضعف ما أعطيتك . (1)
{23}
[731] رواه القوم :
منهم العلامة أبوالمؤيّد الموفق بن أحمد في مقتل الحسین» (ص 102 ط الغري) قال :
وبهذا الإسناد (أي الإسناد المتقدّم في كتابه) قال: أخبرنا عليّ بن أحمد بن عبدان، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفّار، حدّثنا محمّد بن يونس، حدّثنا عليّ بن مرّة، حدّثنا أبي، حدّثني نجيح القصّاب قال : رأيت الحسن بن عليّ يأكل وبين يديه كلب كلّما أكل لقمة طرح للكلب مثلها .
ص: 168
فقلت له : يابن رسول الله ألا أرجم هذا الكلب عن طعامك؟
فقال : دعه إنّي لأستحيي من الله عزّوجلّ أن يكون ذو روح ينظر في وجهي وأنا آكل ثمّ لا أطعمه . (1)
{24}
[732] رواه القوم
منهم العلامة الصفوري في «نزهة المجالس ومنتخب النفائس» (ج1 ص 238 ط القاهرة).
ورويت عن الحسن بن علي (رضي الله عنهما): إنّ جاره اليهودي انخرق جداره إلى منزل الحسن، فصارت النجاسة تنزل إلى داره واليهودي لا يعلم بذلك، فدخلت زوجته يوماً، فرأت النجاسة قد اجتمعت في دار الحسن ، فأخبرت زوجها بذلك، فجاء اليهودي إليه معتذراً.
فقال : أمرني جدّي صلّي الله علیه و آله بإكرام الجار. فأسلم اليهودي. (2)
{25}
[733] المناقب : عن أبي إسحاق العدل في خبر : أنّ مروان بن الحكم
ص: 169
خطب يوماً فذكر عليّ بن أبي طالب علیه السّلام فنال منه و الحسن بن علي علیه السّلام جالس فبلغ ذلك الحسين علیه السّلام فجاء إلى مروان فقال : يابن الزرقاء ! أنت الواقع في عليّ - في كلام له - ثمّ دخل الحسن علیه السّلام فقال : تسمع هذا يسبُّ أباك فلا تقول له شيئاً؟
فقال : وما عسيت أن أقول لرجل مسلّط، يقول ماشاء ، ويفعل ما يشاء . (1)
{26}
[734] روي عن عاصم بن المصطلق أنّه قال : دخلت المدينة فرأيت الحسن بن علي فأعجبني سمنه، وأثارني ما كان في صدري على أبيه من البغض ! فقلت : أنت الحسن بن علي بن أبي طالب؟
قال : نعم.
فبالغت في شتمه وشتم أبيه ! فنظر إليّ نظرة عاطف رؤف وقال :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ» . (2)
ثمّ قال : أستغفر الله لي ولك، أنت لو استَعَنْتَنا لأعنّاك ، ولو استرشدتَنا لأرشدناك .
قال : فندمتُ على ما كان منّي .
ص: 170
فقال : «لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ» (1) أمِن أهل الشام أنت؟
قلت: نعم.
قال : حيّاك الله وبيّاك، إنبسط لنا في حاجتك تجد أفضل ظنّك إن شاء الله.
قال عاصم: فضاق عليّ الأرض بما رحبت ووددتُ أنّها سخت بي، وذهبت عنه وما أحدٌ على وجه الأرض أحبّ إلىّ منه ومن أبيه . (2)
{27}
[735] رواه القوم:
منهم العلامة أبوالمؤيّد الموفّق بن أحمد في «مقتل الحسین» (ص 127 ط الغري) قال :
وقيل : كان للحسن بن علي علیه السّلام شاة تعجبه فوجدها يوماً مکسورة الرجل .
فقال للغلام: من كسر رجلها
قال : أنا .
قال : لِمَ ؟ قال : لأغمنّك .
قال الحسن : لأُفَرِحَنّك أنت حُرّ لوجه الله تبارك وتعالى .
ص: 171
وفي رواية أُخرى : قال : لأغمنّ من أمرك بغمّي، يعني أنّ الشيطان أمره أن يغمّه . (1)
{28}
[736] رواه القوم :
منهم عبدالرحمن بن عبدالسلام الصفوري البغدادي المتوفّی بعد 884 في كتابه «نزهة المجالس» (ج1 ص209 طبع القاهرة) قال :
وقال الحسن بن عليّ (رضي الله عنهما): لو شتمني أحد في إحدى أُذنيّ ثمّ اعتذر في الأخرى لقبلت . (2)
{29}
[737] رواه القوم:
منهم شمس الدين أبو عبدالله محمّد بن قيم الجوزية الحنبلي المتوفّى سنة 751 في «الطرق الحكمية في السياسة الشرعية» (ص 38 ط المحمّدية في القاهرة).
ومن الفراسة ، فراسة الحسن بن علي (رضي الله عنهما) لماجيء إليه بابن ملجم، قال له : أُريد اسارّك بكلمة فأبي الحسن، وقال : تريد أن تعضّ أُذني .
فقال ابن ملجم : والله لو أمكنتني منها لأخذتها من صماخيها . (3)
ص: 172
{30}
[738] وقدم معاوية المدينة فجلس في أوّل يوم يجيز من يدخل عليه من خمسة آلاف إلى مائة ألف، فدخل عليه الحسن بن علي علیهماالسّلام في آخر الناس ، فقال : أبطأت يا أبا محمّد فلعلّك أردت تبخّلني عند قريش، فانتظرت يفنی ماعندنا، یا غلام: أعط الحسن مثل جميع ما أعطينا في يومنا هذا، يا أبا محمّد وأنا ابن هند؟
فقال علیه السّلام: لا حاجة لي فيها یا أبا عبدالرحمان ورددتها وأنا ابن فاطمة بنت محمّد رسول الله صلّي الله علیه و آله. (1)
{31}
[739] وذكروا أنّه أتاه رجل في حاجة فقال : إذهَبْ فاكتُب حاجتَك في رقعة وارفعها إلينا نقضها لك .
قال : فرفع إليه حاجته، فأضعفها له.
فقال بعض جلسائه : ما كان أعظم بركة الرقعة عليه يابن رسول الله .
فقال : بركتها علينا أعظم حين جعلنا للمعروف أهلاً، أما علمت أنّ المعروف ما كان ابتداء من غير مسألة، فأمّا من أعطيته بعد مسألة فإنّما أعطيته بما بذل لك من وجهه .
رواه القوم :
ص: 173
منهم إبراهيم البيهقي في «المحاسن والمساوي» (ص 55 بیروت) قال : وذكروا ... الخبر . (1)
{32}
[740] رواه القوم:
منهم أبوالعباس محمّد بن يزيد المعروف بالمبرد المتوفّی 285 في الكامل» (ج1 ص 379 ط القاهرة) قال :
وعن أخبار ابن أبي عتيق (2) أنّ مروان بن الحكم قال يوماً : إنّي لمشغوف ببغلة الحسن بن علي (رحمهما الله)، فقال له ابن أبي عتيق : إن دفعتها إليك أتقضي لي ثلاثين حاجة؟
قال : نعم.
قال : إذا اجتمع الناس عندك العشيّة فإنّي آخذ في ما آثر قريش ثمّ أمسك عن الحسن فلُمني على ذلك، فلمّا أخذ الناس مجالسهم أخذ في مآثر قریش فقال له مروان : ألا تذكر أوّليّة أبي محمّد وله في هذا ما ليس لأحد.
فقال : إنّما كنّا في ذكر الأشراف ولو كنّا في ذكر الأنبياء لقدّمنا ما لأبي محمّد، فلمّا خرج الحسن ليركب تبعه ابن أبي عتيق، فقال له الحسن وتبسّم : ألك حاجة؟
ص: 174
فقال : ذكرت البغلة فنزل الحسن ودفعها إليه .
ومنهم أبو إسحاق إبراهيم بن علي القيرواني الأندلسي في «جمع الجواهر» (ص 54 ط دار إحيارء الكتب العربية).
روى الحديث بعين ما تقدّم عن «الكامل» قال : ومروان يومئذ أمير المدينة . (1)
{33}
[741] إنّي لله سائل، وفيه راغب، وأنا أستحيي أن أكون سائلاً واردّ سائلاً، وإنّ الله تعالى عوّدني عادة : عوّدني أن يفيض نعمه علىّ وعوّدني أن أفيض نعمه على الناس، فأخشى إن قطعت العادة أن يمنعني المادّة، وأنشد يقول :
إذا ما أتاني سائل قلت مرحباً، الخ . (2)
ص: 175
{34}
[742] روي أنّ رجلاً دفع إليه رقعة في حاجة فقال له : حاجتك مقضيّة، فقيل له : يابن رسول الله، لو نظرت في رقعته ثمّ رددت الجواب على قدر ذلك .
فقال : أخشى أن يسألني الله عن ذلّ مقامه حتّى أقرء رقعته . (1)
{35}
[743] عن عمیر بن إسحاق، قال : ماتكلّم عندي أحد كان أحبّ إليّ إذا تكلّم أن لا يسكت من الحسن بن عليّ علیه السّلام، وماسمعت منه كلمة فحش قطّ إلّا مرّة ، فإنّه كان بين الحسين بن عليّ علیه السّلام وعمرو بن عثمان بن عفّان خصومة في أرض فعرض حسين أمراً لم يرضه عمرو.
فقال الحسن : فليس له عندنا إلّا ما رغم أنفه .
قال : فهذا أشدّ كلمة فحش سمعتها منه قطّ . (2)
ص: 176
رواه جماعة من أعلام القوم :
منهم العلامة ابن حجر الهيتمي في «الصواعق المحرقة» (ص 137 طبع عبداللطيف بمصر ) قال :
أخرج ابن سعد عن عمیر بن إسحاق، أنّه لم يسمع منه كلمة فحش إلّا مرّة كان بينه وبين عمرو بن عثمان بن عفّان خصومة في أرض فقال : ليس له عندنا إلّا ما أرغم أنفه ، قال : فهذه أشدّ كلمة فحش سمعتها منه .
ومنهم الحافظ عمادالدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي في البداية والنهاية» (ج 8 ص 39 ط مصر ) قال :
قال محمّد بن سعد: أنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي، عن ابن عون، عن محمّد بن إسحاق قال : ما تكلّم عندي أحد كان أحبّ إليّ إذا تكلّم أن لا يسكت من الحسن بن علي، ثمّ ساق كلامه بعين ما تقدّم عن «الصواعق المحرقة» .
ومنهم العلامة الشيخ محمّد الصبان المصري في «إسعاف الراغبين» المطبوع بهامش نور الأبصار، ص 200 ط مصر ) . (1)
ص: 177
{36}
[744] وذكر هشام (1) بن محمّد الكلبي، عن محمّد (2) بن إسحاق، قال : بعث مروان بن الحكم وكان والياً على المدينة رسولاً إلى الحسن علیه السّلام فقال له يقول لك مروان : أبوك الّذي فرّق الجماعة وقتل أميرَ المؤمنین عثمان، وأباد العلماءَ والزهّادَ يعني الخوارج، وأنت تفخر بغيرك ، فإذا قيل لك مَنْ أبوك تقول : خالي الفرس، فجاء الرسول إلى الحسن فقال له: يا أبا محمّد إنّي أتيتك برسالة ممّن يخاف سطوته ويحذر سيفه ، فإن كرهت لم أُبلّغك إيّاها ووقيتك بنفسي.
فقال الحسن : لا بل تؤدّيها ونستعين عليه بالله، فأدّاها فقال له تقول المروان : إن كنتَ صادقاً فالله يجزيك بصدقك، وإن كنتَ كاذباً فالله أشدّ نقمة .
فخرج الرسول من عنده فلقيه الحسين فقال : من أين أقبلت؟
فقال : من عند أخيك الحسن.
فقال : وما كنت تصنع؟
قال : أتيت برسالة من عند مروان .
فقال : وما هي؟
فامتنع الرسول من أدائها، فقال : لتخبرني أو لأقتلنّك، فسمع الحسن فخرج وقال لأخيه : خلّ عن الرجل .
فقال : لا والله حتى أسمعها، فأعادها الرسول عليه .
ص: 178
فقال : قل له: يقول لك الحسين بن علي بن فاطمة: یابن الزرقاء الداعية إلى نفسها بسوق ذي المجاز صاحبة الراية بسوق عكاظ ، ويا ابن طرید رسول الله ولعينه أعرف مَن أنت ومَن أُمّك ومن أبوك.
فجاء الرسول إلى مروان فأعاد عليه ما قالا.
فقال له: ارجع إلى الحسن وقل له: أشهد أنّك ابن رسول الله، وقل اللحسين : أشهد أنّك ابنُ علي بن أبي طالب، فقال للرسول قل له : كلاهمالي ورغماً. (1)
قال الأصمعي (2) أمّا قول الحسين يابن الداعية إلى نفسها فذكر ابن إسحاق أنّ أُمّ مروان اسمها أُميّة، وكانت من البغايا في الجاهليّة، وكان لها راية مثل راية البيطار تعرف بها وكانت تسمّى أُمّ حبتل الزرقاء، وكان مروان لا يعرف له أب، وإنّما نسب إلى الحكم كما نسب عمرو إلى العاص.
وأمّا قوله : يابن طرید رسول الله يشير إلى الحكم بن أبي العاص بن أُميّة بن عبد شمس أسلم الحكم يوم الفتح وسكن المدينة وكان ينقل أخبار رسول الله صلّي الله علیه و آله إلى الكفّار من الأعراب وغيرهم ويتجسّس عليه.
قال الشعبي (3) : وما أسلم إلّا لهذا ولم يحسن إسلامه، ورآه رسول الله صلّي الله علیه و آله يوماً وهو يمشي يتخلج في مشيه يحاكي رسول الله فقال له : كن كذلك، فمازال
ص: 179
يمشي كأنّه يقع على وجهه، ونفاه رسول الله صلّي الله علیه و آله إلى الطائف ولعنه ، فلمّا توفّي رسول الله صلّي الله علیه و آله كلّم عثمان أبا بكر أن يرده لأنه كان عمّ عثمان، فقال أبوبكر : هيهات شيء فعله رسول الله صلّي الله علیه و آله والله لا أُخالفه أبداً، فلمّا مات أبوبكر وولّي عمر كلّمه فيه، فقال : يا عثمان ! أما تستحي من رسول الله صلّي الله علیه و آله ومن أبي بکر تردّ عدوّ الله وعدوّ رسوله إلى المدينة ، والله لا كان هذا أبداً، فلمّا مات عمر وولّي عثمان ردّه في اليوم الّذي ولّي فيه وقرّبه وأدناه ودفع له مالاً عظيماً ورفع منزلته ، فقام المسلمون على عثمان وأنكروا عليه وهو أوّل ما أنكروا عليه وقالوا : رددت عدوّ الله ورسوله و خالفت الله ورسوله، فقال : إنّ رسول الله وعدني بردهّ فامتنع جماعة من الصحابة عن الصلاة خلف عثمان لذلك ، ثمّ توفّي الحكم في خلافته فصلّى عليه ومشي خلفه فشقّ ذلك على المسلمين وقالوا : ما كفاك ما فعلت حتى تصلّي على منافق ملعون لعنه رسول الله صلّي الله علیه و آله ونفاه فخلعوه وقتلوه وأعطى ابنه مروان خمس غنائم افريقية خمس مائة ألف دينار. (1)
{37}
[745] قدم رجل المدينة وكان يبغض عليّاً فقطع به فلم يكن له زاد ولا راحلة، فشکی ذلك إلى بعض أهل المدينة فقال له : عليك بحسن بن عليّ.
فقال له الرجل : مالقيت هذا إلّا في حسن و أبي حسن [كذا] فقيل له : فإنّك لا تجد خيراً [ إلّا] منه.
فأتاه فشكى إليه فأمر له بزاد وراحلة ، فقال الرجل : الله أعلم حيث يجعل رسالته.
ص: 180
وقيل للحسن : أتاك رجل يبغضك ويبغض أباك فأمرت له بزاد وراحلة؟
قال : أفلا أشتري عرضي منه بزاد وراحلة؟! (1)
{38}
[746] قال ابن شهر آشوب في كتاب «الفنون»: عن أحمد بن المؤدّب ، و «نزهة الأبصار» عن ابن مهدي : أنّه مرّ الحسن بن علي علیهماالسّلام فقراء قد وضعوا کسیرات خبز على الأرض وهم قعود، يلتقطونها ويأكلونها .
فقالوا له : هلمّ يابن بنت رسول الله صلّي الله علیه و آله إلى الغداء.
فنزل علىه السّلام وقال : إنّ الله لا يحبّ المستكبرين، وجعل يأكل معهم حتّى اكتفوا، والزاد على حاله ببرکته علىه السّلام، ثمّ دعاهم إلى ضيافته وأطعمهم وكساهم. (2)
ص: 181
{39}
[747] روى المفضّل بن عمر، عن الصادق، عن أبيه، عن جدّه علیهم السّلام: أنّ الحسن بن علي علیهماالسّلام كان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عزّجلّ، وكان إذا ذكر الجنّة والنار اضطرب إضطراب السليم، وسأل الله الجنّة، وتعوّذ بالله من النار .(1)
{40}
[748] رواه غير واحد من الأعلام :
منهم العلامة الخوارزمي في مقتل الحسين» (ص 137 ط الغري) قال :
وأخبرني أبو العلاء الحافظ بهمدان إجازة : أخبرنا إسماعيل بن أحمد، أخبرنا محمّد بن هبة الله ، أخبرنا علي بن محمّد، أخبرنا الحسين بن صفوان ، حدّثنا عبدالله بن محمّد، حدّثني يوسف بن موسى، حدّثني سلم بن أبي حبّة، حدّثني جعفر بن محمّد، عن أبيه علیهماالسّلام قال : لمّا حضرت الحسن بن علي علیهماالسّلام الموت بكى بكاءً شديداً.
ص: 182
فقال له الحسين علیه السّلام : ما يبكيك يا أخي إنّما تقدم على رسول الله وعليّ وفاطمة وخديجة علیهم السّلام فهم ولّدوك، وقد أخبرك الله على لسان نبيّه صلّي الله علیه و آله أنّك سيّد شباب أهل الجنّة، وقد قامت الله مالك ثلاث مرّات ومشيت إلى بيت الله على قدميك خمس عشر مرّة حاجّاً، وإنّما أراد أن يطيب نفسه .
قال : فوالله ما زاده إلّا بكاءً وانتهاباً، وقال : يا أخي إنّي أقدم على أمر عظيم وهول لم يقدم على مثله قطّ . (1)
{41}
[749] قال [الحسين بن الفهم :] وأنبأنا محمّد بن سعد (2)، أنبأنا عبيدالله بن موسى، أنبأنا قطري الخشّاب مولی طارق، أنبأنا مدرك بن زیاد (3) قال : كنّا في حيطان ابن عبّاس فجاء ابن عبّاس و حسن و حسین فطافوا في البستان فنظروا ثمّ جاؤا إلى ساقية فجلسوا على شاطئها فقال لي حسن : يامدرك أعندك غداء؟
قلت : قد خبزنا .
قال : ائت به .
قال: فجئته بخبز وشيء من ملح جريش وطاقتين [من ] بقل فأكل ثمّ قال : یا مدرك ما أطيب هذا؟ ثمّ أتي بغدائه - وكان كثير الطعام طیّبه - فقال لي: يا مدرك
ص: 183
إجمع لي غلمان البستان .
قال : [فجمعتهم] فقدّم إليهم فأكلوا ولم يأكل .
فقلت : ألا تأكل؟
فقال : ذاك كان أشهى عندي من هذا، ثمّ قاموا فتوضّأوا، ثمّ قدّمت دابة الحسن فأمسك له ابن عبّاس بالركاب وسوّى عليه، ثمّ جيء بدابّة الحسين فأمسك له ابن عبّاس بالركاب وسوّى عليه ، فلمّا مضيا قلت [لابن عبّاس]: أنت أكبر منهما تمسك لهما وتسوّي عليهما؟ فقال : يا لكع أتدري من هذان؟ هذان ابنا رسول الله صلّي الله علیه و آله أو ليس هذا ممّا أنعم الله عليّ به أن أمسك لهما وأُسوّي عليهما ؟ (1)
{42}
[750] إنّ الحسن بن علي بن أبي طالب علیهماالسّلام كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم وكان إذا حجّ حجّ ماشياً وربما مشي حافياً، وكان إذا ذكر
ص: 184
الموت بک وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها، وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عزّوجلّ، وكان إذا ذكر الجنّة والنار اضطرب اضطراب السليم، وسأل الله الجنّة وتعوّذ به من النار .
وكان علیه السّلام يقرأ من كتاب الله عزّوجلّ «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» إلّا قال : لبّيك اللّهم لبّيك، ولم يُرَ في شيء من أحواله إلّا ذاكراً لله سبحانه، وكان أصدق الناس لهجة، وأفصحهم منطقاً. (1)
{43}
[751] المناقب : وروي أنّه دخلت عليه امرأة جميلة وهو في ص لاته فأوجز في صلاته ثمّ قال لها : ألك حاجة؟
قالت : نعم.
قال : وما هي؟
قالت : قم فأصب منّي فإنّي وفدت ولا بعل لي .
قال : إليكِ عنّي لا تحرقيني بالنار ونفسك، فجعلت تراوده عن نفسه وهو
يبكي ويقول: ويحكِ إليكِ عنّي واشتدّ بكاؤه فلما رأت ذلك بكت لبكائه .
فدخل الحسين علیه السّلام ورآهمایبکیان، فجلس يبكي وجعل أصحابه يأتون ويجلسون ويبكون حتّى كثر البكاء وعلت الأصوات فخرجت الأعرابيّة، وقام
ص: 185
القوم وترحّلوا، ولبث الحسين علیه السّلام بعد ذلك دهراً لا يسأل أخاه عن ذلك إجلالاً له.
فبينما الحسن ذات ليلة نائماً إذ استيقظ وهو يبكي .
فقال له الحسين علیه السّلام : ما شأنك؟
قال : رؤيا رأيتها الليلة .
قال : وما هي؟ .
قال : لا تخبر أحداً مادمت حيّاً.
قال : نعم.
قال : رأيت يوسف فجئت أنظر إليه فيمن نظر، فلمّا رأيت حسنه بکیت فنظر إليّ في الناس فقال : ما يبكيك يا أخي بأبي أنت وأُمّي .
فقلت : ذكرت يوسف وامرأة العزيز، وما ابتليت به من أمرها وما لقيت من السجن وحرقة الشيخ يعقوب فبكيت من ذلك وكنت أتعجّب منه .
فقال يوسف : فهلا تعجّبت ممّا فيه المرأة البدويّة بالأبواء. (1)
ص: 186
ص: 187
{1}
[752] ممّا رواه عن جدّه صلّي الله علیه و آله:
قال الطبرانی : حدّثنا محمد بن عبدالله الحضرمي، حدثنا عبدالله (1) بن محمد بن سالم، حدثنا حسين (2) بن زید بن عليّ، عن الحسن (3) بن زید، عن أبيه، عن الحسن بن علي (رضي الله عنه) : أنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله كان إذا توضّأ فضّل ماءً حتّى يُسيلَه على موضع سجوده . (4)
{2}
[753] روي أنّ الحسن بن عليّ (رضي الله عنهما) كان إذا أراد أن يتوضّا تغيّر لونه ، فسئل عن ذلك؟
فقال : إنّي أُريد القيام بين يدي الملك الجبّار . (5)
ص: 188
{3}
[754] عيون المحاسن : عن الروياني : أنّ الحسن والحسين مرّا على شيخ يتوضّأ ولا يحسن، فأخذا في التنازع يقول كلّ واحد منهما: أنت لا تحسن الوضوء.
فقالا : أيّها الشيخ كن حكماً بيننا يتوضّأ كلّ واحد منّا فتوضّئا ثمّ قالا : أیّنا يحسن؟
قال : كلاكما تحسنان الوضوء ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الّذي لم يكن يحسن، وقد تعلّم الآن منکما و تاب على يديكما ببركتكما وشفقتكما على أُمّة جدّكما. (1)
{4}
[755] ممّا رواه عن جدّه صلّي الله علیه و آله:
جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلّي الله علیه و آله فسأله أعلمهم عن مسائل منها : أنّه قال :
یا محمد! أخبرني لأيّ شيء توضّأ هذه الجوارح الأربع وهي أنظف المواضع في الجسد؟
قال النبي صلّي الله علیه و آله: لمّا أن وسوس الشيطان إلى آدم ودنا آدم من الشجرة ونظر إليها ذهب ماء وجهه، ثمّ قام وهو أوّل قدم مشت إلى الخطيئة، ثمّ تناول بيده ،
ص: 189
ثمّ مسّها، فأكل منها، فطار الحلّي والحلل عن جسده، ثمّ وضع يده على أُمّ رأسه وبکی، فلمّا تاب الله عزّوجلّ عليه فرض الله عزّوجلّ عليه وعلى ذريّته الوضوء على هذه الجوارح الأربع، وأمره أن يغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة ، وأمره بغسل الساعدين إلى المرفقين لما تناول منها، وأمره بمسح الرأس لما وضع يده على رأسه، وأمره بمسح القدمين لما مشى إلى الخطيئة ، ثمّ سنّ على أُمّتي المضمضة لتنقي القلب من الحرام، والإستنشاق لتحرم عليهم رائحة النار ونتنها.
قال اليهودي : صدقت يا محمد! فما جزاء عاملها؟
قال النبي صلّي الله علیه و آله: أوّل ما يمسّ الماء يتباعد عنه الشيطان، وإذا تمضمض نوّر الله قلبه ولسانه بالحكمة، فإذا استنشق أمنه الله من النار ورزقه رائحة الجنّة، فإذا غسل وجهه بيّض الله وجهه يوم تبيّض في وجوه وتسوّد فيه وجوه، وإذا غسل ساعديه حرّم الله عليه أغلال النار، وإذا مسح رأسه مسح الله عنه سيّئاته ، وإذا مسح قدميه أجازه الله على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام .
قال : صدقت يا محمد. (1)
{5}
[756] عن أبي جعفر محمد بن عليّ علیهماالسّلام : أنّ حَسَناً وحسيناً
ص: 190
دخلا الفراتَ، وعلى كلّ واحد منهما إزارٌ، ثمّ قالا : إنّ للماء ساكناً . (1)
{6}
[757] عبدالرحمن بن أبي ليلى قال : دخل الحسن بن عليّ علیهماالسّلام الفرات في بردة كانت عليه قال : فقلت له : لو نزعتَ ثوبك؟
فقال لي : يا أبا عبدالرحمن إنّ للماء سکّاناً . (2)
{7}
[758] ممّا رواه عن جدّه صلّي الله علیه و آله:
جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلّي الله علیه و آله فسأله أعلمهم عن أشياء منها أنّه قال : أخبرني لأيّ شيء أمر الله بالإغتسال من الجنابة ولم يأمر من البول والغائط؟
قال رسول الله صلّي الله علیه و آله: إنّ آدم لمّا أكل من الشجرة دبّ ذلك في عروقه وشعره وبشره، فإذا جامع الرجل أهله خرج الماء من كلّ عرق وشعرة، فأوجب الله على ذرّيته الإغتسال من الجنابة إلى يوم القيامة، والبول يخرج من فضلة الشراب الّذي يشربه الإنسان، والغائط يخرج من فضلة الطعام الّذي يأكله، فعليهم منهما الوضوء.
قال اليهودي : صدقت يا محمد! فأخبرني ما جزاء من اغتسل من الحلال؟
ص: 191
قال النبي صلّي الله علیه و آله: إنّ المؤمن إذا جامع أهله بسط سبعون ألف ملك جناحه وتنزل الرحمة ، فإذا اغتسل بنى الله له بكلّ قطرة بيتاً في الجنّة، وهو سرّ فيما بين الله وبين خلقه، - يعني الإغتسال من الجنابة -.
قال اليهودي : صدقت يا محمد! (1)
{8}
[759] عن أبي مريم الأنصاري رفعه قال : إنّ الحسن بن علي علیهماالسّلام خرج من الحمّام فلقيه إنسان فقال : «طاب استحمامك» .
فقال : يا لكع! وما تصنع بالاست هاهنا؟!
فقال : «طاب حميمك» .
فقال : أما تعلم أنّ الحميم العرق .
قال : «طاب حمّامك» .
فقال : وإذا طاب حمّامي فأيُّ شيء لي؟ قل : «طهر ما طاب منك، وطاب ما طهر منك».
بیان : قال الفيروزآبادي : استحمّ اغتسل بالماء الحارّ، والماء البارد ضدّ. وقال : لايقال «طاب حمّامك» وإنّمايقال : طابت حمّتك بالكسر أي : حميمك أي طاب عرقك، انتهى .
ولعلّه علیه السّلام قال : ما تصنع بالاست؟ على وجه المطايبة لكون الاست موضوعاً لأمر قبيح، وإن لم يكن مقصوداً منها تنبيهاً له على أنّه لابدّ أن يرجع في
ص: 192
تلك الأُمور إلى المعصوم، ولا يخترعوا بآرائهم، ويحتمل أن يكون المراد أنّ الألف والسين والتاء الموضوعة للطلب غير مناسب في المقام فيكون إشارة إلى أنّ الإستحمام بمعنى الإغتسال لغة غير فصيحة. (1)
{9}
[760] سُئِل الحسن بن علي علیهماالسّلام: ما حدّ الغائط؟
قال: لاتَستَقبِل القبلة ولا تَستَدبِرها، ولا تَستَقبِل الريحَ ولا تَستَدبِرها . (2)
ص: 193
{10}
[761] قال معاوية : يا أبا محمد هل تنعت الخراءَة (1)؟
قال علیه السّلام: نَعَم، تبعد المَمْشى في الأرض الصَحْصَح (2) حتّى تتواری من القوم، ولا تَستَقبِل القبلة ولا تَستَدبِرها، ولا تَستَنجي بالرثَة ولا العظم، ولا تبولُ في الماء الراكد . (3)
{11}
[762] قال علیه السّلام: وليعلم الّذي يتنخّم في القِبلة أنّه يُبعَثُ وهي في وجهه . (4)
ص: 194
بُريد (1) بن أبي مريم، عن أبي الحوراء (2) قال : قلت للحسن بن علي (رضي الله عنه) : ما حفظت من النبي صلّي الله علیه و آله؟
فقال : الصلوات الخمس . (3)
{14}
[765] جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلّي الله علیه و آله فسأله أعلمهم عن أشياء ، منها: قال: أخبرني عن الله لأيّ شيء وقت هذه الخمس الصلوات في خمس مواقيت على أُمّتك في ساعات الليل والنهار؟
قال النبي صلّي الله علیه و آله: إنّ الشمس عند الزوال لها حلقة تدخل فيها، فإذا دخلت فيها زالت الشمس فيسبّح كلّ شيء دون العرش لوجه ربّي، وهي الساعة الّتي يصلّي عليّ فيها ربّي، ففرض الله عزّوجلّ عليّ وعلى أُمّتي فيها الصلاة ، وقال : «أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ» (4)، وهي الساعة الّتي يؤتى فيها بجهنّم يوم القيامة ، فما من مؤمن يوفّق تلك الساعة أن يكون ساجداً أو راكعاً أو قائماً إلّا حرّم الله عزّوجلّ جسده على النار .
وأمّا صلاة العصر فهي الساعة الّتي أكل فيها آدم من الشجرة، فأخرجه الله تعالى من الجنّة فأمر الله ذرّيته بهذه الصلاة إلى يوم القيامة ، واختارها لأمّتي ،
ص: 196
فهي من أحبّ الصلوات إلى الله عزّوجلّ، وأوصاني أن أحفظها من بين الصلوات .
وأمّا صلاة المغرب فهي الساعة الّتي تاب الله فيها على آدم علیه السّلام، وكان بين ما أكل من الشجرة وبين ما تاب الله تعالى فيها عليه ثلاث مائة سنة من أيّام الدنيا وفي أيّام الآخرة يوم كألف سنة من وقت صلاة العصر إلى العشاء، فصلّی آدم ثلاث ركعات : ركعة لخيطيئته ، وركعة لخطيئة حوّاء، وركعة لتوبته ، فافترض الله عزّوجلّ هذه الثلاث الركعات على أُمّتي، وهي الساعة الّتي يستجاب فيها الدعاء ، فوعدني ربّي أن يستجيب لمن دعاه فيها، وهذه الصلوات الّتي أمرني بها ربّي عزّوجلّ فقال : «سُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ».
وأمّا صلاة العشاء الآخرة فإنّ للقبر ظلمة، وليوم القيامة ظلمة، أمرني الله وأُمّتي بهذه الصلاة في ذلك الوقت لتنوّر لهم القبور وليعطوا النور على الصراط، وما من قدم مشت إلى صلاة العتمة إلّا حرّم الله تعالى جسدها على النار، وهي الصلاة الّتي اختارها الله للمرسلین قبلي.
وأمّا صلاة الفجر فإنّ الشمس إذا طلعت تطلع على قرني الشيطان، فأمرني الله عزّوجلّ أن أُصلّي صلاة الفجر قبل طلوع الشمس وقبل أن يسجد لها الكافر فتسجد أُمّتي لله، وسرعتها أحبّ إلى الله، وهي الصلاة الّتي تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار . (1)
ص: 197
{15}
[766] عن عمیر بن مأمون قال : سمعت الحسن بن عليّ علیه السّلام يقول : سمعت رسول الله صلّي الله علیه و آله يقول : من أدمن الإختلاف إلى المساجد أصاب أخاً مستفاداً في الله عزّوجلّ، أو علماً مستطرفاً، أو كلمة تدلّه على هدي أو أُخرى تصرفه عن الردي، أو رحمة منتظرة، أو ترك الذنب حياء أو خشية . (1)
عن الصادق علیه السّلام، عن أبيه علیه السّلام قال : قال الحسن بن علي علیهماالسّلام: من أدمن الإختلاف إلى المساجد، لم يعدم واحدة من سبع : أخاً يستفيده في الله، أو علماً مستطرفاً، أو رحمة منتظرة، أو آية محكمة تدلّ على هدى، أو - إنّه أظنّه قال : - سدّة أو رشدة تصدُّه عن ردئ أو يترك ذنباً حياء أو تقوئ . (2)
بیان : «أو إنّه أظنّه قال سدّة» إنّما نسب إلى الظنّ للتردّد بين العبارتين ، والسدّة في بعض النسخ بالسين المهملة من السداد، وهو الصواب من القول والفعل يقال : سدّ يسدّ صار سديداً، وفي بعضها بالمعجمة أي : شدّة وقوّة في الدين، والرشد الإستقامة على طريق الحقّ مع تصلّب فيه، والتقوى هنا مكان الخشية في سائر الأخبار بمعناها .
وفي المعجم الكبير :
ص: 198
قال الطبراني : حدّثنا محمد بن الفضل السقطي، ثنا سعيد بن سليمان، ثنا مروان بن معاوية ، عن سعد بن طريف، عن عمیر بن مأمون قال : سمعت الحسن بن علي (رضي الله عنه) يقول:
سمعت جدّي يقول: «مَن أدمن الإختلاف إلى المسجد أصاب أخاً مستفاداً في الله عزّوجلّ، وعِلْماً مُستَطْرفاً وكلمةً تدعوه إلى الهدى وكلمةً تصرِفُه عن الردئ، ويَتْرُكُ الذُنوبَ حياءً أو خشيةً ونعمةً أو رحمةً مُنتَظرة» . (1)
{16}
[767] روي عن الحسن بن علي علیهماالسّلام أنّه قال :
أكثروا الإختلافَ إلى المساجد، فلن يُعْدَمَ منکم خلالٌ أربع : آيةٌ محكمةٌ، وعلمٌ مستفادٌ، وتركُ الذنبِ إمّا حياءاً وإمّا خشيةً، وأخٌ مستفادٌ. (2)
{17}
[768] وكان الحسن علیه السّلام يقول:
أهل المسجد زوّار الله وحقّ على المزور التحفة لزائره. (3)
ص: 199
{18}
[769] قال علیه السّلام: المُتَنَخّم (1) في المسجد يَجِدُ بها خزياً في وَجْهِه يومَ القيامة . (2)
{19}
[770] جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلّي الله علیه و آله عن مسائل، فكان فيما سألوه أن قالوا: لِمَ يجهر في ثلاث صلوات؟
قال علیه السّلام: لأنّه يتباعد منه لهب النار مقدار ما يبلغه صوته، ويجوز على الصراط، ويُعطَى السرور حتّى یدخل الجنّة. (3)
{20}
[771] عن الإمام الهمام الحسن علیه السّلام أنّه قال :
ص: 200
صلاة النهار عجماء. (1)
{21}
[772] عن سفيان الليل قال : لمّا كان من أمر الحسن بن علي علیهماالسّلام ومعاوية ماکان، قدِمْتُ عليه المدينةَ، وهو جالسٌ في أصحابه - فذكر الحديث بطوله - قال : فتذاكرنا عنده الأذان، فقال بعضنا : إنّما كان بدء الأذان رؤيا عبدالله بن زید بن عاصم.
فقال له الحسن بن عليّ: إنّ شأن الأذان أعظم من ذلك، أذّن جبرئیل علیه السّلام في السماء مثنى مثنى، وعلّمه رسول الله صلّي الله علیه و آله، وأقام مرّة مرّة فعلّمه رسول الله صلّي الله علیه و آله. (2)
{22}
[773] عن الحسن بن علي علیهماالسّلام:
رأيت رسول الله صلّي الله علیه و آله يقنت في صلاته كلّها، وأنا يومئذ ابن ستّ سنين. (3)
ص: 201
{23}
[774] قال الحسن بن علي علیهماالسّلام : اجتمعنا ولد فاطمة على ذلك . (1)
{24}
[775] إنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله قال : ياعليّ مثل الّذي لا يتمّ صلاتُه کحُبْلى حبلت، فلمّا دنى نفاسها أسقطت، فلا هي ذات حمل، ولا هي ذات ولد، ومثل المصلّي مَثَلُ التاجر لا يخلص له ربحه حتّى يأخذ رأسَ المال، كذلك المصلّي لاتُقْبَل له نافلة حتّى يؤدّي الفريضة. (2)
ص: 202
{25}
[776] محمد بن إبراهيم الفارسي، عن أبي سعيد الرمحي، عن محمد بن عيسى الواسطي، عن محمد بن زكريّا المكّي قال: أخبرني حنیف - مولی جعفر بن محمد - قال : حدّثني سيّدي جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه علیهم السّلام قال : كان الحسنُ بن عليّ بن أبي طالب علیهم السّلام يصلّي فمرّ بين يديه رجلٌ، فنهاه بعضُ جلسائه ، فلما انصرف من صلاته قال له: «لِمَ نهيتَ الرجلَ؟» قال : يابن رسولِ الله خَطَر فيما بينك وبين المحراب .
فقال: ويحك إنّ الله عزّوجلّ أقربُ إليّ من أنْ يخطُرَ فيما بيني وبينه أحد. (1)
{26}
[777] روي عن الحسن والحسين علیهماالسّلام: أنّ صلاة الجمعة تنعقد بإثنين . (2)
{27}
[778] كان الحسن بن علي علیهماالسّلام قد ثقل لسانه وأبطأ كلامه، فخرج
ص: 203
رسول الله صلّي الله علیه و آله في عيد من الأعياد وخرج معه الحسن علیه السّلام وقال النبي صلّي الله علیه و آله:
الله أكبر يفتتح الصلاة.
فقال الحسن علیه السّلام : الله أكبر، فسرّ بذلك رسول الله صلّي الله علیه و آله فلا يزال رسول الله صلّي الله علیه و آله يكبّر حتّى صلّي الله علیه و آله كبّر سبعاً، فوقف الحسن علیه السّلام عند السابعة، فوقف رسول الله صلّي الله علیه و آله عندها، ثمّ قام رسول الله صلّي الله علیه و آله إلى الركعة الثانية فكبّر الحسن علیه السّلام حتى بلغ رسول الله صلّي الله علیه و آله من خمس تكبيرات ، فوقف الحسن علیه السّلام عند الخامسة ووقف رسول الله صلّي الله علیه و آله عند الخامسة فصار ذلك سنّة في تكبير العیدین .
وفي رواية كان الحسين علیه السّلام . (1)
{28}
[779] حدّثنا علي بن عبدالعزيز، حدّثنا أبو نعيم ، حدّثنا سفيان، عن نسير ابن ذُعلوق ، عن مسلم بن عیاض، قال : سألت الحسن بن علي (رضي الله عنه) عن ركعتي الجمعة؟
فقال : هما قاضيتان عمّا سواهما . (2)
ص: 204
{29}
[780] روي عنه علیه السّلام، عن جدّه صلّي الله علیه و آله به أنّه قال: صلّوا في بيوتكم لا تتّخذوها قبوراً، ولا تتّخذوا بيتي عيداً، صلّوا عليّ وسلّموا، فإنّ صلاتكم وسلامكم يبلغني أينما كنتم . (1)
{30}
[781] إذا أضرّ النوافل بالفريضة فارفضوها . (2)
{31}
[782] عن الحسن بن علي بن أبي طالب علیهماالسّلام، قال : قالت عائشة في آخر حديث طويل في ليلة النصف من شعبان -: إنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله قال : في هذه الليلة هبط عليّ حبيبي جبرائيل علیه السّلام فقال لي : يا محمّد مُر أمّتك إذا كان ليلة النصف من شبعان : أن يصلّي أحدهم عشر ركعات في كلّ ركعة يتلو فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد عشر مرّات، ثمّ يسجد ويقول في سجوده: «اللّهمّ لك سَجَدَ سوادي وجَناني وبياضي، يا عظيمَ كلِّ عظيم إغفر لي ذنبي العظيم، وإنّه
ص: 205
لا يغفر غيرك يا عظيمُ» فإذا فعل ذلك محى الله عزّوجلّ اثنين وسبعين ألف سيّئة، وكتب له من الحسنات مثلها، ومحى الله عزّوجلّ عن والديه سبعین ألف سيّئة . (1)
{32}
[783] لمّا قدم أمير المؤمنين علیه السّلام الكوفة أمر الحسن بن علي أن ينادي في الناس : لاصلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة، فنادى في الناس الحسن بن علي بما أمره به أمير المؤمنين علیه السّلام فلمّا سمع الناس مقالة الحسن بن علي علیهماالسّلام صاحوا: واعمراه! واعمراه! فلمّا رجع الحسن إلى أمير المؤمنین علیه السّلام قال له : ما هذا الصوت ؟ قال : يا أمير المؤمنين الناس يصيحون : واعمراه ! واعمراه! فقال أمير المؤمنين علیه السّلام: قل لهم صلّوا. (2)
ص: 206
{33}
[784] قال علیه السّلام : إنّ الرجلين يكونان في صلاة واحدة وبينَهما مثلُ ما بين السماء والأرض من فضل الثواب . (1)
{34}
[785] روي عن الكاظم علیه السّلام ، عن أبيه علیه السّلام قال : كان الحسن والحسين علیهماالسّلام يصلّيان خلف مروان بن الحكم، فقالوا لأحدهما: ما كان أبوك يصلّي إذا رجع إلى البيت؟
فقال : لا والله ما كان يزيد على صلاة . (2)
{35}
[786] رأي الحسن بن علي علیهماالسّلام رجلاً يصلّي بعد المغرب أربع ركعات ، فقال له: أفاتك شيء من المكتوبة؟
قال : لا
قال : فإنّهما ركعتان أدبار السجود . (3)
ص: 207
{36}
[787] عن الحسن علیه السّلام أنّه قال : مَن صلّى صلاة الفجر، ثمّ قعد في مجلسه يذكر الله حتّى تطلع الشمس، ثمّ قام فصلّى ركعتين حرّمه الله على النار أن تلفحه (1) . (2)
{37}
[788] عن عمیر بن مأمون العطاردي قال : رأيت الحسن بن علي علیهماالسّلام يقعد في مجلسه حين يصلّي الفجر حتّى تطلع الشمس، وسمعته يقول : سمعت رسول الله صلّي الله علیه و آله يقول : من صلّى الفجر ثمّ جلس في مجلسه يذكر الله عزّوجلّ حتّى تطلع الشمس ستره الله عزّوجلّ من النار ، ستره الله عزّوجلّ من النار ، ستره الله عزّوجلّ من النار . (3)
{38}
[789] عن الحسن بن علي علیهماالسّلام أنّه قال : من صلّى الغداة في مسجد، ثمّ
ص: 208
جلس يذكر الله إلى أن تطلع الشمس، فإذا طلعت حمد الله وقام فصلّى ركعتين إلّا أعطاه الله ألف ألف قصر في الجنّة، وكان عند الله من الأوّابين . (1)
{39}
[790] عن الحسن علیه السّلام أنّه قال : من صلّى الغداة ثمّ ذكر الله حتّى تطلع الشمس أو صلّى ركعتين أو أربع ركعات لم يمسّ جلده النار . (2)
{40}
[791] عن ابن عمر، عن الحسن بن علي قال : سمعت أبي علّي بن أبي طالب علیه السّلام يقول : قال رسول الله صلّي الله علیه و آله: أيّما امرىء مسلم جلس في مصلّاه الّذي يصلّي فيه الفجر يذكر الله عزّوجلّ حتّى تطلع الشمس، كان له من الأجر كحاجّ بيت الله، وغفر له، فإن جلس فيه حتّى يكون ساعة تحلُّ فيه الصلاة فصلّى ركعتين أو أربعاً غفر له ما سلف من ذنبه و كان له من الأجر کحاجّ بیت الله . (3)
ص: 209
{41}
[792] الحسن بن علي : إذا حضرت الجنازة فالإمام أحقّ. (1)
{42}
[793] عن الحسن بن علي علیهماالسّلام أنّه قال : قال رسول الله صلّي الله علیه و آله: ما مِن مؤمن
يصلّي على الجنائز إلّا أوجب الله له الجنّة إلّا أن يكونَ منافقاً أو عاقّاً. (2)
{43}
[794] عن عمّار بن یاسر قال : أُخرِجَت جنازة أُمّ كلثوم بنت عليّ وابنها زید بن عمر، وفي الجنازة الحسن والحسين علیهماالسّلام، وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن عبّاس، وأبو هريرة، فوضعوا جنازة الغلام ممّا يلي الإمام والمرأة وراءه ، وقالوا: هذا هو السُنّة. (3)
ص: 210
{44}
[795] قال الحافظ ابن أبي شيبة : حدّثنا عباد بن العوام، عن عمر بن عامر، عن أبي رجاء، عن أبي الفهان الحذاء، قال : صلّيت خلف الحسن بن عليّ على جنازة، فلمّا فرغ أخذت بيده فقلت : كيف صنعتَ؟
قال : قرأت عليها بفاتحة الكتاب . (1)
{45}
[796] إنّ الله عزّوجلّ جَعَلَ شهر رمضانَ مضمارا لخلقِه يَستَبقون فيه إلى طاعتهِ ، فسَبَق قومٌ ففازوا، وتخلف آخَرون فخابوا، والعجبُ من الضاحِك في هذا اليوم الّذي يَفوز فيه المُحْسِنون ويَخْسَر فيه المبطِلون، واللهِ لو کُشِفَ الغِطاء لشُغِل محسنٌ بإحسانِه ومُسيءٌ بإساءتِه عن ترجيل شعرٍ وتصقيل ثوب. (2)
ص: 211
{46}
[797] عن عمیر بن مأمون وكانت ابنته تحت الحسن ، عن الحسن بن علي علیهماالسّلام قال : تحفة الصائم أن يدهّن لحيته ويجمّر ثوبه، وتحفة المرأة الصائمة أن تمشّط رأسها، وتجمّر ثوبها . (1)
{47}
[798] حدّثنا القاسم (2) بن عبدالوارث، حدّثنا أبو الربيع (3) الزهراني حدثنا أبو معاوية، عن سعد بن طريف، عن عمیر بن مأمون، عن الحسن بن علي (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله صلّي الله علیه و آله : تحفة الصائم الدهن والمجمر .
{48}
[799] قال الحسن علیه السّلام : جاء نفر من اليهود إلى النبي صلّي الله علیه و آله وسأله أعلمهم عن مسائل، منها أنّه قال : فأخبرني لأيّ شيء فرض الله عزّوجلّ الصوم على
ص: 212
أُمّتك بالنهار ثلاثين يوماً، وفرض على الأُمَم أكثر من ذلك؟
قال النبي صلّي الله علیه و آله: إنّ آدم لمّا أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوماً، وفرض (ففرض خ ل) الله على ذرّيته ثلاثين يوماً الجوع والعطش، والّذي يأكلونه بالليل تفضّل من الله عزّوجلّ عليهم، وكذلك كان على آدم، ففرض الله على أُمّتي ذلك، ثمّ تلا رسول الله صلّي الله علیه و آله هذه الآية : «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ». (1)
قال اليهودي : صدقت يا محمّد، فما جزاء من صامها؟
فقال النبي صلّي الله علیه و آله: ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتساباً إلا أوجب الله له سبع خصال :
أوّلها: يذوب الحرام في جسده . والثانية : يقرب من رحمة الله . والثالثة : يكون قد كفّر خطيئة أبيه آدم. والرابعة : يهوّن الله عليه سكرات الموت . والخامسة : أمان من الجوع والعطش يوم القيامة. والسادسة : يعطيه الله براءة من النار . والسابعة : يطعمه الله من ثمرات الجنّة.
قال : صدقت يا محمّد. (2)
ص: 213
{49}
[800] عن الإمام المجتبی علیه سلام الله قال : سُئِل رسول الله صلّي الله علیه و آله صوم أيّام البيض؟ فقال : صيام مقبول غیر مردود . (1)
{50}
[801] قال رسول الله صلّي الله علیه و آله : ما مِن مؤمنٍ يَصومُ شهرَ رمضان إحتساباً إلّا أوجب اللهُ تبارك وتعالى له سَبعَ خصالٍ : أوّلُها: يذوبُ الحرام من جسده ، والثانية : يَقرُبُ مِن رحمة الله عزّوجلّ، والثالثة : قد كفّر خطيئة أبيه آدم، والرابعة : يُهَوِّن الله عليه سكرات الموت، والخامسة: أمان من الجوع والعطش يوم القيامة، والسادسة: یُطعمه اللهُ عزّوجلّ من طيّبات الجنّة، والسابعة : يعطيه الله عزّوجلّ براءةً من النار .
قال : صدقت يا محمّد. (2)
ص: 214
{51}
[802] مَن صامَ يوماً مِن رجب، في أوِله، أو في وسطه، أو في آخره غُفر له ما تقدّم من ذنبه، ومَن صام ثلاثة أيّام من رجب في أوّله، وثلاثة أيّام في وسطه، وثلاثة أيّام في آخره غُفِر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، ومَن أحيي ليلة من ليالي رجب أعتقه الله من النار، وقُبِل شفاعتُه في سبعين ألف رجل من المذنبين، ومَن تصدّق بصدقة في رجب إبتغاء وجه الله أكرَمَه اللهُ يومَ القيامة في الجنّة من الثواب بما لا عينٌ رأتْ ولا أُذُنٌ سمعتْ ولا خطر على قلب بشر . (1)
{52}
[803] بالإسناد إلى المسروق قال : دخلت يوم عرفة على الحسين بن عليهماالسّلام وأقداح السويق بين يديه وبين يدي أصحابه ، والمصاحف حجورهم، وهم ينتظرون الإفطار، فسألته فأجابني، وخرجت فدخلت على الحسن بن علي عليهماالسّلام ، والناس يدخلون إلى موائد موضوعة عليها طعام عتيد فيأكلون ويحملون، فرآني وقد تغيّرتُ، فقال : يا مسروق لِمَ لا تأكل؟
فقلت : يا سيّدي أنا صائم، وأنا أذكر شيئاً.
ص: 215
فقال : أُذكر ما بدا لك .
فقلت : أعوذ بالله أن تكونوا مختلفين ، دخلت على الحسين عليه السّلام فرأيته ينتظر الإفطار، ودخلت عليك وأنت على هذه الصفة و الحال!
فضمّني إلى صدره وقال : يابن الأشوس أما علمتَ أن الله تعالی ندبنا السياسة الأُمّة، ولو اجتمعنا على شيء ما وسعكم غيرُه، إني أفطرتُ لمُفْطرکم، وصام أخي لصوّامكم - إلى أن قال -: وأهل الحقائق الّذين نادت الناس بناديهم، وهم الرسل والأئمّة عليهم السّلام كانوا على حال واحد على النحو الّذي أرادوا منهم، فكان سلیمان بن داود في ملکه ما سخّر الله له من الجنّ والإنس والطير ، مجاهداً مكابداً في أمر الله وطاعته، فقال تعالى : «وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ» (1)، وقال لأيّوب في سقمه ...... وجهده : «إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ» (2). وهكذا ينبغي لأهل الحقائق أن يكونوا لسيّدهم في السرّاء والضرّاء ، والشدّة والرخاء على الحال الّذي يرضاه منهم. (3)
{53}
[804] أبو النضر في تفسيره [قال :] حدّثنا أبو أحمد محمد بن أحمد بن روح الطرطوسي، حدّثنا محمد بن خالد العباسي، حدّثنا إسحاق بن نجيح، عن
ص: 216
عطاء:
عن ابن عبّاس في قوله تعالى : «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ» (1) قال: مرض الحسن والحسين مرضاً شديداً حتّى عادهما جميع أصحاب رسول الله صلّي الله علیه و آله فكان فيهم أبو بكر وعمر فقالا : يا أبا الحسن لو نذرت لله نذراً .
فقال علي : لئن عافا الله سبطي نبيّه محمد ممّا بهما من سقم لأصومنّ لله نذراً ثلاثة أيّام. وسمعته فاطمة فقالت : ولله عليّ مثل الّذي ذكرته. وسمعه الحسن والحسين فقالا : يا أبه! ولله علينا مثل الّذي ذكرت. فأصبحا وقد عافاهما الله تعالى [فصاموا] فغدا عليّ إلى جار له فقال : أعطنا جزّة من صوف تغزلها لك فاطمة، وأعطنا كراه ماشئت . فأعطاه جزّة من صوف وثلاثة أصوع من شعير .
أراد فأخذ الشعير في ردائه والصوف تحت حضنه ودخل منزله فأفرغ الشعير وألقى الصوف فقامت فاطمة إلى صاع من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص وصلّى عليّ مع رسول الله المغرب ودخل منزله ليفطر فقدّمت إليه فاطمة خبز شعير وملحاً جريشاً وماءاً قراحاً، فلمّا دنوا ليأكلوا وقف مسكين بالباب فقال : السلام عليكم أهل بيت محمّد، مسکين من أولاد المسلمين، أطعمونا أطعمكم الله من موائد الجنّة. فقال علي :
فاطم ذات الرشد واليقين *** يا بنت خير الناس أجمعين
أما ترين البائس المسكين *** جاء إلينا جائع حزین
قد قام بالباب له حنين *** يشكو إلى الله ويستكين
ص: 217
كلّ امرء بكسبه رهين (1) *** فأجابته فاطمة وهي تقول :
أمرك عندي يابن عمّ طاعة *** مابي لؤم لا ولا ضراعة
فأعطه ولا تدعه ساعة (2) *** نرجو له الغياث في المجاعة
ونلحق الأخيار والجماعة *** وندخل الجنّة بالشفاعة
فدفعوا إليه أقراصهم وباتوا ليلتهم لم يذوقوا إلّا الماء القراح، فلمّا أصبحوا عمدت فاطمة إلى الصاع الآخر فطحنته وعجنته وخبزت خمسة أقراص وصاموا يومهم، وصلّى علي مع رسول الله صلّي الله علیه و آله المغرب، ودخل منزله ليفطر فقدمت إليه فاطمة خبز شعير وملحاً جريشاً وماءاً قراحاً، فلمّا دنوا ليأكلوا وقف يتيم بالباب فقال : السلام عليكم [يا] أهل بيت محمد [أنا] يتيم من أولاد المسلمین، استشهد والدي مع رسول الله يوم أحد، أطعمونا أطعمكم الله على موائد الجنّة. فدفعوا إليه أقراصهم وباتوا يومين وليلتين لم يذوقوا إلّا الماء القراح، فلمّا أن كان في اليوم الثالث عمدت فاطمة إلى الصاع الثالث وطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص، وصاموا يومهم وصلّى عليّ مع النبي المغرب ثمّ دخل منزله ليفطر، فقدّمت فاطمة [إليه] خبز شعير وملحاً جريشاً وماءاً قراحاً، فلمّا دنوا ليأكلوا وقف أسير بالباب فقال : السلام علیکم یا اهل بیت
ص: 218
النبوّة أطعمونا أطعمكم الله، فأطعموه أقراصهم فباتوا ثلاثة أيّام ولياليها لم يذوقوا إلّا الماء القراح، فلمّا كان اليوم الرابع عمد عليّ والحسن والحسين پر عشان مایر عش الفرخ وفاطمة وفضّة معهم فلم يقدروا على المشي [كذا] من الضعف، فأتوا رسول الله فقال : إلهي هؤلاء أهل بيتي يموتون جوعاً، فارحمهم یاربّ واغفر لهم [إلهي] هؤلاء أهل بيتي فاحفظهم ولا تنسهم، إذ هبط جبرئیل فقال : يا محمّد يهنيك ما أُنزل فيك وفي أهل بيتك «إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ» (1) إلى آخره .
فدعا النبي صلّي الله علیه و آله [عليّاً] وجعل يتلوها عليه وعليّ يبكي ويقول : الحمد لله الّذي خصّنا بذلك . (2)
{54}
[805] إنّ الله عزّوجلّ بمنّه ورحمته لمّا فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليه بل رحمة منه ، لا إله إلّا هو، ليميز الخبيث من الطيّب، وليبتلي مافي صدوركم، وليمحصّ ما في قلوبكم، ولتسابقوا إلى رحمته ، ولتفاضل منازلكم في جنّته ، ففرض عليكم الحجّ والعمرة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والولاية، وجعل لكم باباً لتفتحوا به أبواب الفرائض مفتاحاً إلى سبله . (3)
ص: 219
{55}
[806] سئل الحسن بن علي علیهماالسّلام عن بدو الزكاة؟ فقال علیه السّلام: إنّ الله تعالى أوحى إلى آدم علیه السّلام : أن زكِّ عن نفسِك يا آدم، قال : ياربّ وما الزكاة؟ قال : صلّ لي عشر ركعات، فصلّى، ثمّ قال : ربِّ هذه الزكاة عليّ وعلى الخلق؟ قال الله : هذه الزكاة عليك في الصلاة، وعلى ولدك في المال، مَن جمع مِن ولدك مالاً . (1)
{56}
[807] إنّ ناساً بالمدينة قالوا: ليس للحسن علیه السّلام مال ، فبعث الحسن علیه السّلام إلى رجل بالمدينة فاستقرض منه مائة ألف درهم، فبعث بها إلى المصدِّق وقال : هذه صدقة مالنا . (2)
{57}
[808] قال علیه السّلام : إنّما تصدّق بها أبي لِيَقِي بها وجهه حرّ النار، ولستُ بائعها بشيء. (3)
ص: 220
{59}
{810} عن أبي جعفر محمد بن علي علیهماالسّلام أنّه قال : تصدّق الحسين بن علی علیهماالسّلام بدار فقال له الحسن بن على علیهماالسّلام: تحول عنها. (1)
{60}
[811] حدّثنا عبيد بن غنام، حدثنا أبوبكر (2) بن أبي شيبة ، حدثنا وكيع (3)، وأبو أُسامة (4) (ح).
وحدّثنا الحسين بن إسحاق التستري ، حدثنا عثمان (5) بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن ثابت (6) بن عمارة، عن ربيعة (7) بن شيبان قال : قلت للحسن بن علي (رضي الله عنه) : ما تعقل عن رسول الله صلّي الله علیه و آله؟
قال : صعدت معه غرفة الصدقة ، فأخذت ثمرة فَلُکْتَها.
ص: 222
فقال النبي صلّي الله علیه و آله: ألقِها فإناّ لا تَحِلُّ لنا الصدقة . (1)
{61}
[812] عن الحسن بن علي علیهماالسّلام أنّه قال : أخذ رسول الله صلّي الله علیه و آله بيدي، فمشيتُ معه فمررنا بتمر مصبوب من تمر الصدقة، وأنا يومئذ غلام فجمَزْتُ (2) وتناولتُ تمرةً فجعلتُها في فيّ، فأخرَجها بلعابها فرمى بها في التمر، ثمّ قال : إنّا أهل البيت لا تحلّ لنا الصدقة . (3)
{62}
[813] عن الحسن بن علي علیهماالسّلام قال : مانَقَصَتْ زكاة مِن مالٍ قطّ. (4)
ص: 223
{63}
[814] قال الطبراني : حدّثنا علان بن عبدالصمد ماغمة، حدثنا عمر (1) بن محمد بن الحسن، حدّثني أبي، حدثنا حماد (2) بن شعيب، عن حبيب (3) بن أبي ثابت، عن الحسن بن علي قال : کُلاً قد فعل رسول الله صلّي الله علیه و آله، قد أهلّ حين استوت به راحلته، وقد أهلّ وهو بالبيداء بالأرض قبل أن تستوي به راحلته . (4)
{64}
[815] روي عن الحسن بن علي علیهماالسّلام : إنّ المحرم ممنوع من الصيد، والجماع، والطيب ، ولبس الثياب المخيطة، وحلق الرأس، وتقليم الأظفار ، وأنّه إن جامع متعمّداً بعد أن أحرم وقبل أن يقف بعرفة فقد أفسد حجّه فعليه الهدي والحجّ من قابل، وإن كانت المرأة محرمة وطاوعته فلعيهما مثل ذلك ، وإن أكرهها أو أتاها نائمة أو لم تكن محرمة فلا شيء عليها . (5)
ص: 224
{65}
[816] عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبدالله عليه السّلام : أنّ أعرابيّاً بدويّاً خرج من قومه حاجّاً محرماً، فورد على أدحی نعام فيه بيض فأخذه واشتواه ، وأكل منه، وذكر أنّ الصيد حرام في الإحرام.
فورد المدينة فقال الأعرابي : أين خليفة رسول الله صلّي الله علیه و آله؟ فقد جنيت جناية عظيمة، فأُرشد إلى أبي بكر ، فورد عليه الأعرابي وعنده ملأ من قريش فيهم عمر بن الخطّاب، وعثمان بن عفّان، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وعبدالرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجرّاح، وخالد بن الوليد، والمغيرة بن شعبة، فسلّم الأعرابي عليهم، فقال : يا قوم أين خليفة رسول الله صلّي الله علیه و آله؟
فقالوا: هذا خليفة رسول الله صلّي الله علیه و آله.
فقال : أفتني؟
فقال له أبو بكر: قل يا أعرابي.
فقال : إنّي خرجت من قومي حاجّاً (1)، فأتيت على أدحي فيه بيض نعام فأخذته فاشتريته، وأكلته، فماذا لي من الحجّ، وما عليّ فيه، أحلالاً ما حرم عليّ من الصيد أم حراماً؟ فأقبل أبوبكر على من حوله فقال : حواري رسول الله صلّي الله علیه و آله وأصحابه ، أجيبوا الأعرابي . (2)
قال له الزبير من بين الجماعة: أنت خليفة رسول الله صلّي الله علیه و آله فأنت أحقّ بإجابته .
ص: 225
فقال أبو بكر : یا زبیر ، حبّ بني هاشم في صدرك .
قال : وكيف لا! وأُمّي صفية بنت عبدالمطّلب، عمّة رسول الله صلّي الله علیه و آله؟
فقال الأعرابي : إنّا لله ذهبت فتیاي، فتنازع القوم فيما لاجواب فيه .
فقال : يا أصحاب رسول الله صلّي الله علیه و آله، استرجع بعد محمّد صلّي الله علیه و آله دينه فنرجع عنه ، فسكت القوم.
فقال الزبير : يا أعرابي ما في القوم إلّا من يجهل ما جهلت .
قال الأعرابي : ما أصنع؟
قال له الزبير : لم يبق في المدينة من تسأله بعد من ضمّه هذا المجلس، إلّا صاحب الحقّ الّذي هو أولى بهذا المجلس منهم.
قال الأعرابي : فترشدني إليه؟
قال له الزبير ) (1): إنّ إخباري يسرّ قوماً، ويسخط قوماً آخرین .
قال الأعرابي : وقد ذهب الحقّ وصرتم تكرهونه؟!
فقال عمر: إلى كم تطيل الخطاب يابن العوام؟ قوموا بنا والأعرابي إلى عليّ علیه السّلام، فلا تسمع جواب هذه المسألة إلّا منه .
فقاموا بأجمعهم والأعرابي معهم، حتّى صاروا إلى منزل أمير المؤمنين علیه السّلام فاستخرجوه من بيته، وقالوا: يا إعرابي (2) أُقصص قصّتك على أبي الحسن علیه السّلام .
فقال الأعرابي : فلم أرشدتموني إلى غير خليفة رسول الله صلّي الله علیه و آله؟
فقالوا: يا أعرابي خليفة رسول الله صلّي الله علیه و آله أبوبكر، وهذا وصيّه في أهل بيته ، وخليفته عليهم، وقاضي دَيْنه، ومنجز عداته، ووارث علمه .
ص: 226
قال : ويحكم! يا أصحاب رسول الله، والّذي أشرتم إليه بالخلافة ليس فيه من هذه الخلال خلّة!
فقالوا: يا أعرابي سل عما بدا لك، ودع ما ليس من شأنك .
فقال الأعرابي : يا أبا الحسن، یا خليفة رسول الله، إنّي خرجت من قومي محرماً، فقال له أمير المؤمنین علیه السّلام : تريد الحج؟ فوردت على أدحی وفيه بيض تعام، فأخذته واشتویته وأكلته.
فقال الأعرابي : نعم يا مولاي.
فقال له: وأتيت تسأل عن خليفة رسول الله صلّي الله علیه و آله، فأُرشدت إلى مجلس أبي بكر وعمر، فأبديت بمسألتك فاختصم القوم ولم يكن فيهم من يجيبك على مسألتك؟
فقال : نعم، يا مولاي.
فقال له: يا أعرابي - الصبي الّذي بين يدي مؤدبه صاحب الذؤابة - فإنّه ابني الحسن (علیه السّلام)، فسله فإنّه يفتيك.
قال الأعرابي : إنّا لله وإنّا إليه راجعون، مات دین محمد بعد موته ، وتنازع القوم وارتدّوا .
فقال أمير المؤمنين علیه السّلام: حاش لله يا أعرابي مامات دین محمد صلّي الله علیه و آله، ولن يموت .
قال الأعرابي : أفمن الحقّ أن أسأل خليفة رسول الله صلّي الله علیه و آله وحواريه وأصحابه ، فلا يفتوني، ويحيلوني (1) عليك فلا تجيبني، وتأمرني أن أسأل صبيّاً بين يدي المعلم، ولعله لا يفصل بين الخير والشرّ.
ص: 227
فقال له أمير المؤمنين علیه السّلام: يا أعرابي لا تقف ما ليس لك به علم، فاسأل الصبي فإنّه ينبئك .
فمال الأعرابي إلى الحسن علیه السّلام و قلمه في يده، ويخطّ في صحيفته خطّاً، ويقول مؤدّبه : أحسنت أحسنت، أحسن الله إليك، فقال الأعرابي : يا مؤدّب الحسن الصبي فتعجب من إحسانه، وما أسمعك تقول له شيئاً حتّى كأنّه مؤدّبك ، فضحك القوم من الأعرابي وصاحوا به : ويحك يا أعرابي سل وأوجز .
قال الأعرابي : فديتك يا حسن، إنّي خرجتُ حاجّاً مُحرماً فوردت على أدحي فيه بيض نعام، فشويته وأكلته عامداً وناسياً.
قال الحسن علیه السّلام: زدت في القول یا أعرابي قولك عامداً، لم يكن هذا من مسألتك، هذا عبث.
قال الأعرابي : صدقت ما کنت إلّا ناسياً.
فقال له الحسن علیه السّلام - وهو يخطّ في صحيفته - : يا أعرابي خذ بعدد البيض نوقاً فاحمل عليها فنيقا (1)، فما نتجت من قابل فاجعله هدياً بالغ الكعبة، فإنّه كفّارة فعلك .
فقال الأعرابي : فديتك يا حسن إنّ من النيق مايز لقن .
فقال الحسن علیه السّلام : يا أعرابي، إنّ من البيض ما يمرقن .
فقال الأعرابي : أنت صبي محدق محرّر في علم الله مغرق، ولو جاز أن يكون ما أقوله قلته إنّك خليفة رسول الله صلّي الله علیه و آله.
فقال له الحسن علیه السّلام: يا أعرابي أنا الخلف من رسول الله صلّي الله علیه و آله، وأبي أمير المؤمنين علیه السّلام الخليفة .
فقال الأعرابي : وأبوكر ماذا؟
ص: 228
قال الحسن علیه السّلام : سلهم يا أعرابي .
فكبّر القوم، وعجبوا ممّا سمعوا من الحسن علیه السّلام .
فقال أمير المؤمنين علیه السّلام : الحمد لله الّذي جعل فيّ وفي ابني هذا، ما جعله في داود وسليمان، إذ يقول الله عزّ من قائل : «فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ» (1) . (2)
{66}
[817] قال الطبراني : حدّثنا محمد بن عبدالله الحضرمي، حدثنا مصرّف (3) بن عمرو اليامي ، حدثنا عبدالرحمن (4) بن محمد بن طلحة ، عن أبيه ، عن ياسين (5) الزيّات إبن معاذ، عن أبي عبدالله المكّي، عن عبدالله بن الحسن بن الحسين ، عن أبيه، عن جدّه : أنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله صلّى والرجال والنساء يطوفون بين يديه بغير سترة مما يلي الحجر الأسود. (6)
ص: 229
{67}
[818] روي عن الحسن بن علي (رضي الله عنهما : أنّه كان يمشي في طريق الحجّ ونجائبه تقاد إلى جنبه، فقيل له : ألا تركب يابن رسول الله؟
فقال: لا، إنّي سمعت رسول الله صلّي الله علیه و آله يقول : من إغبرّت قدماه في سبيل الله لم تمسّها نار جهنّم . (1)
{68}
[819] عن محمد بن عليّ قال : كان الحسن بن علي يقول : إنّي لأستحيي الله ولم أمش إلى بيته . (2)
ص: 230
{69}
[820] عن الحسن علیه السّلام: أنّ نفراً من اليهود جاءوا إلى رسول الله صلّي الله علیه و آله فسأله أعلمهم عن أشياء منها أنّه قال : أخبرني لأيّ شيء أمر الله بالوقوف بعرفات بعد العصر؟
قال النبي صلّي الله علیه و آله: إنّ العصر هي الساعة الّتي عصى فيها آدم ربه، وفرض الله عزّوجلّ على أُمّتي الوقوف والتضرّع والدعاء في أحبّ المواضع إليه، وتكفّل لهم بالجنّة، والساعة الّتي يتصرّف فيها الناس هي الساعة الّتي تلقّى فيها آدم من ربّه كلمات فتاب عليه إنّه هو التوّاب الرحيم.
ثمّ قال النبي صلّي الله علیه و آله: والّذي بعثني بالحقّ بشيراً ونذيراً إنّ لله باباً في السماء الدنيا يقال له باب الرحمة، وباب التوبة، وباب الحاجات، وبابا التفضّل، وباب الإحسان، وباب الجود، وباب الكرم، وباب العفو، ولا يجتمع بعرفات
ص: 231
أحد إلا استأهل من الله في ذلك الوقت هذه الخصال، وإنّ لله عزّوجلّ مائة ألف ملك مع كلّ ملك مائة وعشرون ألف ملك ولله رحمة على أهل عرفات ينزلها على أهل عرفات، فإذا انصرفوا أشهد الله ملائكته بعتق أهل عرفات من النار ، وأوجب الله عزّوجلّ لهم الجنّة، ونادى مناد : انصرفوا مغفورين، فقد أرضيتموني ورضيت عنكم.
قال اليهودي : صدقت يا محمّد ... (1)
{70}
[821] لا نركب، قد جعلنا على أنفسنا المشي إلى بيت الله الحرام على أقدامنا، ولكنا نتنب الطريق، فأخذا جانباً من الناس . (2)
ص: 232
{71}
[822] رأيتُ الحسن بن علي علیه السّلام دخل البيت فدعا في نواحيه كلّها ولم يصلّ فيه ، ثمّ خرج فركع ركعتين في القبلة . (1)
{72}
[823] عن عبدالله بن حسن بن حسن ، عن أبيه، عن جدّبه ، قال : قال رسول الله صلّي الله علیه و آله: من ضحّى طيّبة بها نفسُه محتَسِباً لأضحيته كانت له حجاباً من النار . (2)
{73}
[824] جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلّي الله علیه و آله وسألوه عن أشياء منها :
ص: 233
قال اليهودي الّذي كان أعلمهم: يا محمد إنّي أسألك عن عشر كلمات أعطى الله موسی بن عمران في البقعة المباركة حيث ناجاه لا يعلمها إلّا نبيّ مرسل أو ملك مقرّب .
قال النبي صلّي الله علیه و آله: سلني .
قال : أخبرني يا محمد عن الكلمات الّتي اختارهنّ الله لإبراهيم علیه السّلام حيث بني البيت .
قال النبي صلّي الله علیه و آله: نعم «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر».
قال اليهودي : فبأيّ شيء بني هذه الكعبة مربّعة؟
قال النبي صلّي الله علیه و آله: بالكلمات الأربع . (1)
{74}
[825] جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلّي الله علیه و آله فسألوه عن أشياء فكان فيما سألوه عنه أن قال أحدهم: لأيّ شيء سمّيت الكعبة كعبة؟
فقال النبي صلّي الله علیه و آله: لأنّها وسط الدنيا . (2)
ص: 234
{75}
[826] روى الطبرسي من كتاب تهذیب الأحکام: جاء رجل إلى الحسن علیه السّلام يستشيره في تزويج ابنته؟
فقال : زوّجها من رجل تقيّ، فإنّه إن أحبّها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها. (1)
{76}
[827] جاء رجل إلى الحسن بن علي علیهماالسّلام فقال : حقٌّ ما يقول الناسُ: إنّ آدم زوّج هذه البنتً من هذا الإبن؟
فقال : حاشا لله كان لآدم علیه السّلام و إبنان وهو شيث، وعبدالله، فأخرج الله الشيث حوراء من الجنّة، وأخرج لعبدالله امرأة من الجنّ فولد لهذا وولد لذاك ، فما كان من حسن وجمال فمن ولد الحوراء وما كان من قبح وبذاء فمن ولد الجنّية . (2)
ص: 235
{77}
[828]وروى أبو الحسن المدائني قال: تزوّج الحسن علیه السّلام هنداً بنت سهيل بن عمرو وكانت عند عبدالله بن عامر بن کریز فطلّقها فكتب معاوية إلى أبي هريرة أن يخطبها على يزيد بن معاوية.
قال الحسن علیه السّلام: فاذكرني لها، فأتاها أبو هريرة فأخبرها الخبر .
فقالت : اختر لي؟
فقال : أختار لك الحسن، فزوّجته . (1)
{78}
[829] حدّثنا أيّوب بن عمرو الغفاري قال: أنبأنا خالي محمد بن عمارة الغفاري قال : طلّق عبدالله بن عامر امرأته بنت سهيل بن عمرو، فقدمت المدينة ومعها ابنتها ووديعة جوهر لابن عامر، فتزوّجها الحسن ثمّ أراد ابن عامر العمرة فأتى المدينة فلقي الحسن فقال : يا أبا محمد إنّ لي إلى ابنة سهيل حاجة فأذن لي في الدخول عليها .
فقال لها الحسن : إلبسي ثيابك فهذا ابن عامر يستأذن عليك فدخل عليها فسألها وديعته فجاءته بها عليها خاتمه .
فقال : خذي ثلثها .
فقالت : ما كنت لأخذ على أمانة ائتمنت عليها ثمناً أبداً .
ص: 236
فقال : إنّ ابنتي قد بلغت وأُحبّ أن تخلي بيني وبينها فبكت وبكت ابنتها ورقّ لهما ابن عامر .
فقال الحسن : فهل لكما فوالله ما محلّل خير منّي.
فخجل ابن عامر وقال : والله ما أخرجتها من عندك أبداً فكفلها الحسن حتّى مات . (1)
فأحبّهما فأقام عندها سبعة أيّام .
فقال ابن عمر : لم نر أبا محمد منذ أيّام فانطلِقوا بنا إليه .
فأتوه فقالت له خولة : احتبسهم حتّى نهيّىء لهم غداءاً .
قال : نعم.
قال ابن عمر : فابتدأ الحسن حديثاً ألهانا بالإستماع إعجاباً به حتّى جاءنا الطعام . (1)
{80}
[831] دخل الحسن علیه السّلام ذات يوم على عبدالرحمن بن الحارث ابن هشام فقيه المدينة ورئيسها ولم يكن بالمدينة نظيره وبه ضربت المثل عائشة حيث قالت : لو لم أسر مسيري ذلك لكان أحبّ إليّ من أن يكون لي ستّة عشر ذكراً من رسول الله صلّي الله علیه و آله مثلّ عبدالرحمن بن الحارث بن هشام.
فدخل عليه الحسن في بيته فعظّمه عبدالرحمن وأجلسه في مجلسه ، وقال : ألّا أرسلت إليّ فكنت أجيئك؟
فقال : الحاجة لنا.
قال : وما هي؟
قال : جئتك خاطباً إبنتك .
ص: 238
فأطرق عبدالرحمن ثمّ رفع رأسه وقال : والله ما على وجه الأرض أحد يمشي عليهما أعزّ عليّ منك، ولكنّك تعلم أنّ إبنتي بضعة منّي يسوعني ماساءها، ويسرّني ماسرّها، وأنت مطلاق! فأخاف أن تطلّقها، وإن فعلتَ خشيت أن يتغيّر قلبي عليك فأنت بضعة من رسول الله صلّي الله علیه و آله، فإن شرطت أن لا تطلّقها زوّجتك.
فسكت الحسن علیه السّلام وخرج.
وقال أهل بيته : سمعناه وهو يمشي ويقول : ما أراد عبدالرحمن إلّا أن يجعل ابنته طوقاً في عنقي . (1)
{81}
[832] جُكِي أنّ الحسن بن علي علیهماالسّلام قال لامرأته عائشة بنت طلحة : أمركِ بيدكِ .
فقالت : قد كان عشرين سنة بيدك فأحسنت حفظه، فلم أُضيّعه إذ صار بيدي ساعة واحدة وقد صرفته إليك، فأعجبه ذلك منها و أمسكها . (2)
ص: 239
{82}
[833] قال ابن شهر آشوب : الحسن بن سعيد، عن أبيه ، قال : كان تحت الحسن بن علي علیه السّلام امرأتان : تميميّة، وجعفيّة، فطلّقهما جميعاً وبعثني إليهما وقال : أخبرهما فلتعتذّا وأخبِرني بما تقولان، ومَتَّعهما العشرة الآلاف وكلَّ واحدة منهما بكذا وكذا من العسل والسَمْن، فأتيتُ الجعفيّة فقلت : إعتدّي ، فتنفّست الصعداء ثمّ قالت : متاع قليل من حبيبٍ مفارق، وأمّا التميميّة فلم تَدْرِ ما اعتدّت حتّى قال لها النساء فسكتت فأخبرتُه بقول الجعفيّة فنَکتَ (1) في الأرض ثمّ قال : لو كنتُ مُراجِعاً لامرأةِ لراجعتُها . (2)
{83}
[834] قال ابن أبي الحديد : قال أبو جعفر محمد بن حبيب : کان الحسن علیه السّلام إذا أراد أن يطلّق امرأة جلس إليها فقال : أيسرّك أن أهب لك كذا وكذا؟ فتقول له : ما شئت أو نعم، فيقول : هو لك، فإذا قام أرسل إليها بالطلاق وبما سمّى لها . (3)
ص: 240
{84}
[835] روي : أنّ رجلاً من خاصّة الحسن بن علي علیهماالسّلام قال له في كثرة نكاح النساء ثمّ تخلية سبيلهن، فقال علیه السّلام : طلبت الغنى المضمون بكلا الأمرين ، فنكحت طلباً للغنى إذ يقول سبحانه : «إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» (1)، وطلّقت طلباً للغنى إذ يقول سبحانه : «وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ...» (2). (3)
یزید بنتاً له أو أختاً له، فأتيته فذكرتُ له یزید.
فقال : إنّا قوم لا تزوّجُ نساؤنا حتّى نستأمَرهنّ فائتيها، فأتيتها فذكرتُ لها یزید.
فقالت: والله لا يكون ذاك حتّى يسير فينا صاحبك كماصار فرعون في بني إسرائيل، يذبحّ أبناءهم ويستحيي نساءهم، فرجعت إلى الحسن، فقلت : أرسلتني إلى فِلقة (1) من الفِلَق تُسمّي أميرَالمؤمنين فرعون . (2)
{86}
[837] قال : سمعتُ جدّي رسول الله صلّي الله علیه و آله یقول: الولدُ للفِراش وللعاهر الحَجَر . (3)
{87}
[838] في المائدة إثنتا عشرة خصلة يجبُ على كلّ مسلم أن يعرفَها : أربعٌ منها فرضٌ وأربعٌ منها سنّة، وأربعٌ منها تأدیب .
فأمّا الفرض : فالمعرفة، والرضا، والتسمية، والشكر .
وأما السنّة: فالوضوءُ قبل الطعام، والجلوس على الجانب الأيسر، والأكل بثلاث أصابع، ولعق الأصابع .
ص: 242
وأما التأديب : فالأكل مما يليك، وتصغير اللقمة، وقلّة النظر في وجوه الناس. (1)
عن أبيه، عن الحسن بن علي (رضي الله عنه) : أنّه دخل رسول الله صلّي الله علیه و آله بيت فاطمة، فناولته کتف شاة مطبوخة، فأكلها ثمّ قام يصلي، فأخذت ثيابه فقالت : ألا توضأ یا رسول الله؟
قال : ممّ يا بنيّة؟
قالت : قد أكلت ممّا مسّته النار .
قال : إنّ أطهر طعامكم لما مسّته النار . (1)
{90}
[841] عن الحسن علیه السّلام قال : إنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله قال : ذاك الأطيبان يعني التمر واللبن . (2)
{91}
[842] کُلوا اليقطينَ، فلو عَلِم اللهُ شجرةً أخفّ منها لأنبتَها على يونس، وإن اتّخذ أحدكم مَرَقاً فليُكثِر فيه من الدباء، فإنّه يزيد في الدِماغ وفي العقل. (الديلمي عن الحسن بن علي). (3)
ص: 244
{92}
[843] قال الطبراني : حدّثنا علي بن عبدالعزيز، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان، عن جحش، عن معاوية بن قرة، عن الحسن بن علي أنّه سئل عن الجبن؟
فقال : ضع السكين وسمّ وكل . (1)
{95}
[846] إن الحسن بن علي علیهماالسّلام كان يقول : العَشاء قبل الصلاة يُذهِبُ النفس اللوّامة. (1)
{96}
[847] قال الحسن بن علي علیهماالسّلام : الطعامُ أجلّ مِن أن لايُحَثّ على تناوله. (2)
{17}
[848] عن الحسن بن علي علیهماالسّلام: أنّه رأى رجلاً دُعي إلى طعام، فقال للّذي دعاه: اعفني، فقال الحسنُ بن علي علیهماالسّلام: قم، فليس في الدعوة عفوٌ، إن كنتَ مفطراً فكل، وإن كنتَ صائماً فبارك . (3)
{98}
[849] ابن عون، عن محمد: قال الحسن : الطعامُ أدقّ من أن نُقسِم عليه .
ص: 246
وقال قرّة: أكلتُ في بيت ابن سیرین، فلمّا رفعتُ يدي، قال : قال الحسنُ بن علي : إنّ الطعام أهون من أن يُقْسَم عليه . (1)
{99}
[850] عن إبن سیرین، قال : كان الحسن بن علي لايدعو أحداً إلى الطعام، يقول : هو أهون من أن يُدْعى إليه أحد. (2)
{100}
[851] سُئل الحسن بنُ عليّ علیهماالسّلام: بماذا كان يحكم أمير المؤمنين علیه السّلام ؟
ص: 247
قال : بكتاب الله، فإن لم يجد فسُنّة رسول الله صلّي الله علیه و آله، فإن لم يجد شيئاً في السُنّة زجر (1) فأصاب . (2)
{101}
[852] عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر وأبا عبدالله علیهماالسّلام يقولان : بينا الحسن بن علي علیهماالسّلام في مجلس أمير المؤمنين علیه السّلام إذ أقبل قوم، فقالوا: يا أبا محمد أردنا أمير المؤمنين علیه السّلام .
قال : وما حاجتكم؟
قالوا: أردنا أن نسأله عن مسألة .
قال : وما هي تخبرونا بها.
فقالوا: امرأة جامعها زوجها فلمّا قام عنها قامت بحموتها (3) فوقعت على جارية بكر فساحقتها فألقت النطفة فيها فحملت فما تقول في هذا؟
فقال الحسن علیه السّلام : معضلة و أبو الحسن لها وأقول فإن أصبت فمن الله ثمّ من أمير المؤمنين علیه السّلام وإن أخطأتُ فمن نفسي، فأرجو أن لا أُخطىء إن شاء الله ، يعمد إلى المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في أوّل وهلة لأنّ الولد لا يخرج منها حتّى تشق فتذهب عذرتها ثمّ ترجم المرأة لأنّها محصنة ثم ينتظر بالجارية حتّى تضع ما في بطنها ويردّ الولد إلى أبيه صاحب النطقة ثمّ تجلد الجارية الحدّ.
قال : فانصرف القوم من عند الحسن علیه السّلام فلقوا أمير المؤمنين علیه السّلام، فقال : ما قلتم لأبي محمد وما قال لكم؟ فأخبروه .
ص: 248
فقال : لو أنني المسؤول ما كان عندي فيها أكثر ممّا قال ابني . (1)
{102}
[853] أنّ امرأة أمسکت جارية ثمّ افترعتها بإصبعها ورمتها بالفجور . فسئل الحسن علیه السّلام؟
فقال : على المرأة الحدّ لقذفها الجارية، وعليها القيمة لافتراعها إيّاها .
قال : فقال أمير المؤمنین علیه السّلام : صدقت . (2)
{103}
[854] لمّا أتي في جارية زفّت إلى بيت رجل فوثبت عليها ضرّتها وضبطتها بنات عمّ لها فافتضتّها بإصبعها، فاستفتي الحسن علیه السّلام.
فقال : إحدى دواهيكم يا أهل الكوفة ولا عليّ لها اليوم فما ترون؟
قالوا: أنت أعلم .
قال : فإنّي أرى الّتي افتضّتها صداقها وجلد مائة، وأرى اللواتی ضبطنها
ص: 249
مفتريات عليهنّ جلد ثمانين . (1)
{104}
[855] قيل : أتي أمير المؤمنین علیه السّلام برجل وجد في خربة وبيده سكّين تلطخ بالدم وإذا رجل مذبوح مشحّط في دمه فقال له أمير المؤمنين علیه السّلام : ما تقول یا ذا الرجل؟
فقال : يا أمير المؤمنين أنا قتلته .
قال : اذهبوا إلى المقتول فادفنوه .
فلمّا أرادوا قتل الرجل جاء رجل مسرع فقال : يا أمير المؤمنين والله وحقّ عيني رسول الله صلّي الله علیه و آله أنا قتلته وما هذا بصاحبه.
فقال أمير المؤمنين علیه السّلام : اذهبوا بهما اثنيهما إلى حسن ابني وأخبروه بقصّتهماليحكم بينهما، فذهبوا بهما إلى حسن علیه السّلام فأخبروه بمقالة أمير المؤمنین .
فقال الحسن علیه السّلام: ردّوهما إلى امير المؤمنين وقولوا: إنّ هذا قتل ذاك بإقراره فقد أحيا هذا بإقراره بقتل ذلك يطلق عنهما جميعاً ويخرج دية المقتول من بيت مال المسلمين، فقد قال الله تعالى : «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا» . (2)
ص: 250
وقال أمير المؤمنين علیه السّلام : فما حملك على إقرارك على نفسك بقتله؟
فقال : يا أمير المؤمنين وما كنت أصنع وهل كان ينفعني الإنكار وقد أخذت وبيدي سكّين متلطّخ بالدم وأنا على رجل متشحّط في دمه وقد شهد عليّ مثل ذلك وأنا رجل كنت ذبحت شاة بجنب الخربة فأخذني البول فدخلت الخربة فالرجل متشحط في دمه وأنا على الحال . (1)
(105)
[856] أخذ أمير المؤمنين علیه السّلام رجلا من بني أسد في حدّ، فاجتمعوا قومه ليكلّموا فيه وطلبوا إلى الحسن علیه السّلام أن يصحبهم.
فقال : إئتوه فهو أعلى بكم عيناً، فدخلوا عليه وسألوه.
فقال : لاتسألوني شيئاً أملكه إلّا أعطيتكم، فخرجوا يرون أنّهم قد أنجحوا.
فسألهم الحسن علیه السّلام فقالوا: أتينا خير ماتيّ، وحكوا له قوله .
فقال علیه السّلام: ما كنتم فاعلين إذا جُلِدَ صاحبكم؟ فأصغره، فأخرجه عليّ علیه السّلام فحدّه، ثمّ قال : هذا والله لستُ أملکه . (2)
(1) .
(2) .
ص: 251
{106}
[857] روى ابن شهر آشوب عن الكليني في الكافي : أنّه جاء في حديث عمرو بن عثمان، عن أبي عبدالله علیه السّلام: أنّه سُئل الحسن علیه السّلام عن امرأة جامعها زوجُها، فقامت بحرارة جماعه فساحَقَتْ جاريةً بكراً، أو ألقت النطفةَ إليها فحملت .
فقال : أمّا في العاجل فتؤخذ المرأة بصداق هذه البكر، لأنّ الولد لا يخرج منها حتّى تذهب عذرتها، ثمّ ينتظر بها حتّى تلد فيقام عليها الحدّ، ويؤخذ الولد فيردّ إلى صاحب النطفة، وتؤخذ المرأة ذات الزوج فتُرجم.
قال : فاطّلع أمير المؤمنين علیه السّلام، وهم يضحكون فقصّوا عليه القصّة، فقال : ما أحكم إلّا ما حكم به الحسن.
وفي رواية : لو ّأبا الحسن لقيهم ما كان عنده إلّا ما حکم به الحسن . (1)
{107}
[858] إن أسودا دخل على علي بن أبي طالب علیه السّلام فقال : يا أمير المؤمنین إنّي سرقت فطهّرني .
فقال : لعلّك سرقت من غير حرز - ونحّى رأسه عنه - .
فقال : يا أمير المؤمنین سرقت من الحرز، فطهّرني.
فقال علیه السّلام: لعلّك سرقت غیر نصاب - ونحّى رأسه عنه - .
ص: 252
فقال : يا أمير المؤمنین سرقت نصاباً ، فلمّا أقرّ ثلاث مرّات قطعه أمير المؤمنين علیه السّلام .
فأخذ المقطوع وذهب، وجعل يقول في الطريق : قطعني أمير المؤمنين ، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين، ويعسوب الدين وسيّد الوصيّين، وجعل يمدحه.
فسمع ذلك منه الحسن والحسين علیهماالسّلام وقد استقبلاه، فدخلا على أبيهما علیه السّلام وقالا : رأينا أسوداً يمدحك في الطريق .
فبعث أمير المؤمنين علیه السّلام من أعاده إلى حضرته ، فقال علیه السّلام له: قطعتُ يمينك وأنت تمدحني؟!
فقال : يا أمير المؤمنين إنّك طهّرتني، وإنّ حبّك قد خالط لحمي ودمي وعظمي، فلو قطّعتني إرباً إرباً لما ذهب حبّك من قلبي .
فدعا علیه السّلام له، ووضع المقطوع إلى موضعه، فصحّ وصلح كما كان. (1)
ص: 253
ص: 254
ص: 255
{1}
[859] مَن أرسل بنفقته في سبيل الله وأقام في بيته فله بكلّ درهم سبعمائة درهم، ومَن غزى بنفسه في سبيل الله وأنفق في وجهه ذلك فله بكلّ درهم سبعمائة ألف درهم . (1)
{2}
[860] وفي الأحكام الشرعيّة: عن الخزاز القمي أنّ عليّاً علیه السّلام كان في مسجد الكوفة فمرّ به عبدالله بن قفل التيمي ومعه درع طلحة أُخذت غلولاً يوم البصرة .
فقال علیه السّلام: هذه درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة.
فقال ابن قفل : يا أمير المؤمنين اجعل بيني وبينك قاضياً فحكّم شريحاً .
فقال عليّ علیه السّلام : هذه درع طلحة أُخذت غلولاً يوم البصرة.
فالتمس شريحاً البيّنة، فشهد الحسن بن علي علیهماالسّلام بذلك، فسأل آخر فشهد قنبر بذلك .
فقال : هذا مملوك ولا أقضي بشهادة المملوك .
فغضب علیه السّلام ثمّ قال : خذوا الدرع فقد قضى بجور ثلاث مرّات .
فسأله عن ذلك.
فقال علیه السّلام: إنّي لما قلت لك إنّها درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة
ص: 256
فقلت هات على ماقتل بيّنة، فقلت : رجل لم يسمع الحديث، وقد قال رسول الله صلّي الله علیه و آله حيث ما وجد غلول أُخذ بغير بيّنة، ثمّ أتيتك بالحسن فشهد فقلت هذا شاهد ولا أقضي بشاهد حتّى يكون معه آخر، وقد قضى رسول الله صلّي الله علیه و آله بشاهد ويمين، فهذان اثنتان ، ثمّ أتيتك بقنبر فقلت هذا مملوك ولا بأس بشهادة المموك إذا كان عدلاً فهذه الثالثة ، ثمّ قال : يا شريح إنّ إمام المسلمين يؤتمن في أمورهم على ما هو أعظم من هذا . (1)
{3}
[861] روى البيهقي بسنده عن الشعبي، قال : خرج علي بن أبي طالب علیه السّلام إلى السوق فإذا هو بنصرانيّ (2) يبيع درعاً، فعرف عليّ علیه السّلام الدرع، فقال : هذه درعي، بيني وبينك قاضي المسلمين.
قال : وكان قاضي المسلمين شريح، كان علیه السّلام استقضاه .
فلمّا رأى شريح أمير المؤمنين قام من مجلس القضاء، وأجلس عليّاً علیه السّلام في مجلسه ، وجلس شریح قدّامه إلى جنب النصراني.
فقال له علي علیه السّلام : أمّا یا شریح لو كان خصمي مسلماً لقعدتْ معه مجلس الخصم [ ولكنّي سمعت رسول الله صلّي الله علیه و آله يقول : لا تصافحوهم ولا تبدؤهم بالسلام ولا تعودوا مرضاهم ولا تصلّوا عليهم و ألجؤهم على مضايق الطريق وصغّروهم
ص: 257
كما صغرهم الله] إقض بيني وبينه يا شريح .
فقال شريح: ما تقول يا أمير المؤمنین؟
قال : فقال علي علیه السّلام : هذه درعي ذهبت منّي منذ زمان .
قال : فقال شریح : ما تقول یا نصراني؟
فقال النصراني : ما أُكذّب أمير المؤمنين ، الدرع درعي .
قال : فقال شریح : ما أرى أن تخرج من يده فهل من بيّنة؟
فقال عليّ علیه السّلام : صدق شريح . (1)
قال : فقال النصراني : أمّا أنا أشهد أنّ هذه أحكام الأنبياء، أمير المؤمنین يجيء إلى قاضيه، وقاضيه يقضي عليه، هي والله يا أمير المؤمنین درعك ، اتبعتك من الجيش وقد زالت عن جملك الأورق فأخذتُها، فإنّي أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله.
قال : فقال عليّ علیه السّلام : أمّا إذا أسلمت فهي لك، وحمله على فرس عتيق .
قال : فقال الشعبي: لقد رأيته يقاتل المشر کین .
سنن البيهقي : ج 10 ص 136 وذكره المتّقي في کنز العمّال : ج 4 ص6 وقال فيه : فقال شريح : صدقتَ والله يا أمير المؤمنين إنّها لدرعك، ولكن لابدّ من شاهدين ، فدعا قنبر مولاه والحسن بن علي علیهماالسّلام باب فشهدا أنّها لدرعه.
فقال شريح : أمّا شهادة مولاك فقد أجزناها وأمّا شهادة ابنك لك فلا تجيزها .
فقال علىّ علیه السّلام : ثكلتك أمك أما سمعت عمر يقول : قال رسول الله صلّي الله علیه و آله:
ص: 258
الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة؟!
قال : اللّهمّ نعم.
قال : أفلا تجيز شهادة سيّدي شباب أهل الجنّة؟
ثمّ قال لليهودي : خذ الدرع.
فقال اليهودي : أمير المؤمنين جاء معي إلى قاضي المسلمين، فقضى على عليّ علیه السّلام ورضي، صدقتَ والله يا أمير المؤمنين إنّها لدرعك سقطت عن جمل لك إلتقطتها، أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسول الله، فوهبها له علي علیه السّلام وأجازه بسبعمائة، ولم يزل معه حتّى قُتِلَ يوم صفّين . (1)
{4}
[862] عن الحسن بن علي علیهماالسّلام قال : لمّا فتح الله على نبيّه صلّي الله علیه و آله خیبر دعا بقوسه فاتّكأ على سيّتها، وحمد الله، وذكر ما فتح الله عليه ونصره، ونهى عن خصال : عن مهر البغيّ، وعن خاتم الذهب، وعن المياثر الحمر، وعن لبس الثياب القسيّ، وعن ثمن الكلب، وعن أكل لحوم الحمر الأهليّة، وعن الصرف الذهب بالذهب والفضّة بالفضة وبينهمافضل، وعن النظر في النجوم. (2)
ص: 259
{5}
[863] عن أشعث، عن الحسن علیه السّلام في الرجل يموت وعليه دَيْن وقد أذن العبده في التجارة وعلى العبد دَیْن؟
قال : يبدأ بدَيْن السيد . (1)
{7}
[865] سُئل الحسن بن علي علیهماالسّلام : على مَن فداء الأسير؟
قال : على الأرض التي يقاتل عنها .
قيل : فمتى يجب سهم المولود؟
قال : إذا استهلّ صارخاً. (1)
{8}
[866] عن بشر بن غالب ، قال : سأل ابن الزبير الحسن بن علي عن الرجل يقاتل عن أهل الذمّة فيؤسر؟
قال : ففکاکه من خراج أولئك القوم الّذين قاتل عنهم . (2)
ص: 261
{9}
[867] قال الحسن بن علي علیهماالسّلام : كان عليّ علیه السّلام يباشر القتال بنفسه ولا يأخذ السلب. (1)
{10}
[868] روي عن الحسن علیه السّلام انّه يعلم أنه قال :
إحذروا كثرة الحلف، فإنّما يحلف الرجل لخلال أربع: إمّا لمهانة يُحسّها من نفسه تحثّه على الضراعة إلى تصديق الناس إيّاه، وإمّا لغو في المنطق فيتّخذ الإيمان حشواً وصلة لكلمه، وإمّا لتهمة عرفها من الناس فيرى أنّهم لايقبلون قوله إلّا باليمين، وإمّا إرساله لسانه من غير تثبّت . (2)
{11}
[869] إنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله نهى عن لبس القَسّي (3) وعن لبس المُعَصْفَر،
ص: 262
وعن تختّم الذهب، وعن القراءة في الركوع . (1)
{12}
[870] ادّعى رجل على الحسن بن علي علیهماالسّلام ألف دينار كذباً ولم يكن له عليه فذهبا إلى شريح، فقال للحسن علیه السّلام: أتحلف؟
قال : إن حلف خصمي أعطيه .
فقال شريح للرجل : قل بالله الّذي لا إله إلّا هو عالم الغيب والشهادة .
فقال الحسن : لا أُريد مثل هذا، لكن قل : بالله إنّ لك عليّ هذا، وخذ الألف.
فقال الرجل ذلك وأخذ الدنانير ، فلمّا قام خرّ إلى الأرض ومات .
فسئل الحسن علیه السّلام عن ذلك؟
فقال : خشيت أنّه لو تكلّم بالتوحيد يغفر له يمينه ببركة التوحيد، ويحجب عنه عقوبة يمينه . (2)
ص: 263
{13}
[871] عن طلحة بن عبيد الله، عن الحسن بن علي (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله صلّي الله علیه و آله : مَن أتته هديّة وعنده قومٌ جلوس فهم شر کاؤه فيها . (1)
{16}
[874] وروى ابن عبّاس قال : كنت مع الحسن بن علي علیهماالسّلام في المسجد الحرام - وهو معتکف به، وهو يطوف بالكعبة - فعرض له رجل من شیعته، فقال : يابن رسول الله، إنّ علىّ دَيْنا لفلان، فإن رأيت أن تقضيه عنّي .
فقال : وربّ هذه البنية، ما أصبح عندي شيء .
فقال : إن رأيت أن تستمهله عنّي، فقد تهدّدني بالحبس .
قال ابن عبّاس : فقطع الطواف و سعى معه .
فقلت : يابن رسول الله، أنسيت أتك معتکف؟
فقال : لا، ولكن سمعت أبي علیه السّلام يقول : سمعت رسول الله صلّي الله علیه و آله يقول : مَن قضى أخاه المؤمن حاجة، كان كمن عبد الله تسعة آلاف سنة صائماً نهاره قائماً ليله .
فاجتاز على دار أبي عبدالله الحسين علیه السّلام فقال للرجل : هلّا أتيت أبا عبدالله في حاجتك؟
فقال : أتيته، فقال : إنّي معتكف .
ص: 265
فقال : أما إنّه لو سعى في حاجتك لكان خيراً من اعتکاف ثلاثين سنة . (1)
قال : نعم .
قيل : فيرد رجل من القوم أيجزىء عن الجميع؟
قال : نعم .
قيل : القوم يمرون فيسلّم واحد منهم أيجزيء عن الجميع؟
قال : نعم .
قيل : فيرد رجل من القوم أيجزىء عن الجميع ؟
قال : نعم . (1)
{18}
[876] سال بشر بن غالب الأسدي عن الحسن بن علي علیهماالسّلام عن جوائز العمال؟
قال : خذ منهم فما يأخذون من الحلال أكثر ممّا يأخذون من الحرام . (2)
{19}
[877] لمّا توفّي الأشعث بن قيس قال الحسن بن علي علیهماالسّلام : إذا غسّلتموه فلا تهيّجوه حتّى تأتوني به، فلما فرغ من غسله أُتي به، فدعا بكافور فوضّأه به
ص: 267
وجعل على وجهه وفي يديه ورأسه ورجليه، ثمّ قال : أدرجوه . (1)
{20}
[878] أنّ الحسن بن على علیهماالسّلام كان جالساً ومعه أصحاب له فمرّ بجنازة فقام بعض القوم ولم يقم الحسن، فلمّا مضوا بها قال بعضهم : ألا قمت عافاك الله، فقد كان رسول الله صلّي الله علیه و آله يقوم للجنازة إذا مرّوا بها.
فقال الحسن : إنّما قام رسول الله صلّي الله علیه و آله مرّة واحدة، وذاك أنّه مرّ بجنازة يهوديّ وكان المكان ضيقاً، فقام رسول الله صلّي الله علیه و آله وكره أن تعلو رأسه . (2)
{21}
[879] عن محمد بن علي، عن الحسن بن علي، أنّه مرّ بهم جنازة، فقام القوم ولم يقم .
ص: 268
فقال الحسن : ما صنعتم؟ إنّما قام رسول الله صلّي الله علیه و آله تأذّياً بريح اليهودي . (1)
{22}
[880] إنّ أبا موسي انطلق عائداً للحسن بن علي، فقال له: أعائداً جنتً أو زائراً؟
قال : لا بل زائراً.
قال : أما إنّه لا يمنعني وإن كان في نفسك ما في نفسك أن أخبرك أنّ العائد إذا خرج من بيته يعود مريضاً كان يخوض في الرحمة خوضاً، فإذا انتهى إلى المريض فجلس غمرته الرحمة حتّى يرجع من عند المريض حين يرجع يشيّعه سبعون ألف ملك يستغفرون نهاراً أجمع، وإن كان ليلاً كان بذلك المنزل حتّى يصبح وله خريف (2) في الجنّة . (3)
ص: 270
ص: 271
{1}
[882] عن شعبة بن الحجّاج الواسطي، عن أبي إسحاق الهمداني، أنّ عليّاً علیه السّلام سأل ابنه الحسن علیه السّلام عن أشياء من المروءة .
فقال : يا بنيّ ما السداد؟
قال : يا أبتاه السداد دفع المنكر بالمعروف .
قال : فما الشرف؟
قال : إصطناع العشيرة وحمل الجريرة .
قال : فما المروءة؟
قال : العفاف، وإصلاح المرء ماله .
قال : فما الدنيئة؟
قال : النظر في اليسير ومنع الحقير .
قال : فما اللّؤم؟
قال : إحراز المرء نفسه وبذله عرسه .
قال : فما السماحة؟
قال : البذل في العُسر واليُسر .
قال : فما الإخاء؟
قال : الوفاء في الشدّة والرخاء .
قال : فما الجُبن؟
قال : الجرأة على الصديق والنكول عن العدوّ .
قال : فما الغنيمة؟
ص: 272
قال : الرغبة في التقوى، والزهادة في الدنيا .
قال : فما الحلم؟ قال : كظم الغيظ وملك النفس.
قال : فما الغنى؟
قال : رضى النفس بما قسم الله لها وإن قلّ فإنّما الغنى غنى النفس .
قال : فما الفقر؟
قال : شره النفس في كلّ شيء.
قال : فما المنعة؟
قال : شدة البأس ومقارعة أشدّ الناس .
قال : فما الذلّ؟
قال : الفزع عند المصيبة .
قال : فما الجرأة؟
قال : مواقفة الأقران.
قال : فما الكلفة؟
قال : كلامك فيما لا يعنيك.
قال : فما المجد؟
قال : أن تعطي في الغرم وأن تعفو عن الجرم.
قال : فما العقل؟
قال : حفظ القلب ما استُودِعه.
قال : فما الخُرق؟
قال : معاداتك إمامك، ورفعك عليه كلامك .
قال : فما السناء؟
ص: 273
قال : إتيان الجميل وترك القبيح .
قال : فما الحزم؟
قال : طول الأناة، والرفق بالولاة، والإحتراس من الناس بسوء الظنّ هو الحزم.
قال : فما السرور؟
قال : موافقة الإخوان وحفظ الجيران .
قال : فما السفه؟
قال : إتّباع الدُناة، ومصاحبة الغُواة .
قال : فما الغفلة؟
قال : تركك المسجد، وطاعتك المفسد .
قال : فما الحرمان؟
قال : تركك حظّك وقد عرض عليك .
قال : فمَن السفيه؟
قال : الأحمق في المال، المتهاون بعرضه . (1)
{2}
[883] الطبرسي في الإحتجاج : قال : روى محمّدبن قیس، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر علیه السّلام قال : بينا أمير المؤمنين علیه السّلام الرحبة والناس عليه
ص: 274
متراکمون فمن بين (مستفت و من بين مُستعد، إذ قام إليه رجل فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته .
فقال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته من أنت؟
فقال : أنا رجل من رعیتك وأهل بلادك.
فقال [له] : ما أنت من رعیتي وأهل بلادي ولو سلّمت عليَّ يوماً واحداً ماخفيت عليَّ.
فقال : الأمان يا أمير المؤمنین .
فقال : هل أحدثت منذ دخلت مصري هذا؟
قال : لا.
قال : فلعلّك من رجال الحرب؟
قال : نعم . قال : إذا وضعت الحرب أوزارها فلا بأس .
فقال : أنا رجل بعثني إليك معاوية متنقلا لك أسألك عن شيء بعث به ابن الأصفر إليه وقال له : إن كنت أحقّ بهذا الأمر والخليفة بعد محمّد فأجبني عمّا أسألك فإنّك إن فعلت ذلك اتّبعتك وبعثت إليك بالجائزة، فلم يكن عنده جواب وقد أقلقه ذلك وبعثني إليك لأسألك عنها.
فقال أمير المؤمنين علیه السّلام: قاتل الله ابن آكلة الأكباد وما أضلّه وأعماه ومن معه حكم الله بيني وبين هذه الأُمّة قطعوا رحمي وأضاعوا أيّامي ودفعوا حقّي وصغّروا عظیم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي ياعليّ بالحسن والحسين ومحمّد فاحضروا.
فقال : يا شامي هذان ابنا رسول الله صلّي الله علیه و آله وهذا ابني فسل أيّهم أحببت؟
ص: 275
فقال : أسأل ذا الوفرة يعني الحسن بن علي علیهماالسّلام .
فقال له الحسن علیه السّلام : سلني عمّا بدا لك .
فقال الشامي: كم بين الحقّ والباطل [وكم بين السماء والأرض] (1)؟ وكم بين المشرق والمغرب ؟ وماقوس قزح؟ وما العين الّتي تأوي إليها (2) أرواح المشركين؟ وما العين الّتي تأوي إليها أرواح المؤمنين؟ وما المؤنث؟ وما عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض؟
فقال الحسن علیه السّلام : بين الحقّ والباطل أربع أصابع، فما رأيته بعينك فهو الحقّ، وقد تسمع بإذنك باطلاً كثيراً.
فقال الشامي : صدقت .
وقال : وبين السماء والأرض دعوة المظلوم و مدّ البصر، فمن قال لك غير هذا فكذّبه .
قال : صدقت یابن رسول الله .
قال : وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس تنظر إليها حين تطلع من مشرقها وتنظر إليها حين تغيب من مغربها.
قال (الشامي) (3) صدقت ، فما قوس قزح؟
قال : ويحك لا تقل قوس قزح فإنّ قزح إسم الشيطان، وهو قوس الله وهذه علامة الخصب وأمان لأهل الأرض من الغرق، وأمّا العين التي تأوي إليها أرواح المشركين فهي عين يقال لها برهوت، وأمّا العين التي تأوي إليها أرواح
ص: 276
المؤمنين فهي عين يقال لها سلما .
وأمّا المؤنث فهو الذي لا يدري أذكر هم أم أُنثى، فإنّه ينتظر به فإن كان ذكر احتلم وإن كان أُنثى حاضت وبدئ ثديها وإلا قيل له بُل على الحائط فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر وإن انتكص بوله كماينكص بول البعير فهي امرأة .
وأمّا عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض : فأشدّ شيء خلقه الله الحجر، وأشدّ من الحجر الحديد [يقطع به الحجر] وأشدّ من الحديد النار تذيب الحديد ، وأشدّ من النار الماء يطفىء النار، وأشدّ من الماء السحاب يحمل الماء، وأشدّ من السحاب الريح تحمل السحاب، وأشدّ من الريح الملك الذي يرسلها، وأشدّ من الملك ملك الموت الّذي يميت الملك، وأشدّ من ملك الموت الّذي يميت ملك الموت الموت الّذي يميت ملك الموت، وأشدّ من الموت أمر الله الّذي يميت الموت.
فقال الشامي : أشهد أنّك ابن رسول الله حقّاً وأنّ عليّاً أولى بالأمر من معاوية ، ثمّ كتب هذه الجوابات وذهب بها إلى معاوية فبعثها (معاوية) إلى ابن الأصفر فكتب إليه ابن الأصفر : يا معاوية (لم) تكلّمني بغير كلامك وتجيبني بغير جوابك ! أُقسم بالمسيح ما هذا جوابك وما هو إلّا من معدن النبوّة وموضع الرسالة، وأمّا أنت فلو سألتني درهماً ما أعطيتك . (1)
ص: 277
{3}
[884] روی ابن شهر آشوب في «المناقب» : كتب ملك الروم إلى معاوية يسأله عن ثلاث : عن مكان بمقدار وسط السماء، وعن أوّل قطرة دم وقعت على الأرض، وعن مكان طلعت فيه الشمس مرّة، فلم يعلم ذلك، فاستغاث بالحسن بن علي علیهماالسّلام، فقال :
ظهر الكعبة، ودم حوّاء، وأرض البحر حين ضربه موسى. (1)
{4}
[885] من أتانا لم يُعدم خصلةً من أربع : آية محكمة، أو قضيّة عادلة ، أو أخاً مستفاداً، أو مجالسة العلماء . (2)
{5}
[886] عن عمر بن إسحاق قال : دخلت أنا ورجل على الحسن بن علي نعوده، فقال : يا فلان سلني .
قال : لا والله لا نسألك حتّى يعافيك الله ثمّ نسألك .
ص: 278
قال : ثمّ دخل ثمّ خرج إلينا فقال : سلني قبل أن لا تسألني .
فقال : بل يعافيك الله ثمّ أسألك .
قال : لقد ألقيت طائفة من كبدي، وإنّي سقيت السمّ مراراً فلم أسق مثل هذه المرّة. (1)
{6}
[887] ونقل أنّه علیه السّلام اغتسل وخرج من داره في حلّة فاخرة، وبزّة طاهرة ، ومحاسن سافرة، وقسمات ظاهرة، ونفخات ناشرة، ووجهه يشرق حسناً ، وشكله قد كمل صورة و معنى، والإقبال يلوح من أعطافه، ونضرة النعيم تعرف في أطرافه وقاضي القدر قد حكم أنّ السعادة من أوصافه، ثمّ ركب بغلة فارهة غير قطوف، وسار مكتنفاً من حاشيته وغاشيته بصفوف، فلو شاهده عبدمناف الأرغم بمفاخرته به معاطس أُنوف، وعدّه و آباءه وجدّه في إحراز خصل الفخار يوم التفاخر بأُلوف.
فعرض له في طريقه من محاويج اليهود همّ في هدم قد أنهكته العلّة، وارتكبته الذلّة، وأهلكته القلّة، وجلده يستر عظامه، وضعفه يقيّد أقدامه، وضرُّه قد ملك زمامه، وسوء حاله قد حبّب إليه حمامه، وشمس الظهيرة تشوي
ص: 279
شواه، وأخمصه يصافح ثرى ممشاه ، وعذاب عرّ عريه قد عراه، وطول طواه قد أضعف بطنه وطواه وهو حامل جرّ مملوء ماء على مطاه، وحاله تعطف عليه القلوب القاسية عند مرآه .
فاستوقف الحسن علیه السّلام وقال : يابن رسول الله : أنصفني .
فقال علیه السّلام: في أيّ شيء؟
فقال : جدّك يقول : «الدُنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر» وأنت مؤمن وأنا کافر ! فما أرى الدنيا إلّا جنّة تتنعّم بها، وتستلذُّ بها، وما أراها إلّا سجناً لي قد أهلكني ضرُّها، وأتلفني فقرها .
فلمّا سمع الحسن علیه السّلام كلامه أشرق عليه نور التأييد، واستخرج الجواب بفهمه من خزانة علمه، وأوضح لليهودي خطاء ظنّه وخطل زعمه ، وقال :
یا شیخ! لو نظرت إلى ما أعدّ الله لي وللمؤمنين في الدار الآخرة ممّا لا عين رأت، ولا أذن سمعت، لعلمت أنّي قبل انتقالي إليه في هذه الدُنيا في سجن ضنك، ولو نظرتَ إلى ما أعدَّ الله لك ولكلّ كافر في الدار الآخرة من سعير نار الجحيم، ونكال العذاب المقيم، لرأيت أنّك قبل مصيرك إليه الآن في جنّة واسعة، ونعمة جامعة .
بیان : سفر الصبح : أضاء وأشرق كأسفر، والمرأة كشفت عن وجهها فهي سافر، والقسمة بكسر السين وفتحها: الحسن، والأعطاف : الجوانب ، والغاشية : السُّؤال يأتونك والزُوّار والأصدقاء ينتابونك، والهمُّ بالكسر الشيخ الفاني، والهمُّ بالكسر : الثوب البالي أو المرقَّع أو خاصّ بكساء الصوف، والجمع أهدام وهدم والشوى : اليدان والرجلان والرأس من الآدميّين . والعرُّ بالضمّ: قروح مثل القوباء تخرج بالإبل متفرِّقة في مشافرها و قوائمها، يسيل منها مثل الماء الأصفر، وبالفتح : الجرب . ويحتمل أن يكون «عرعرته» وعرعريُ
ص: 280
الجبل والسنام وكلّ شيء - بضمّ العينين - رأسه. الطّوى بالفتح : الجوع، ولعلّ المراد بالطوى ثانياً ما انطوى عليه من الأحشاء والأمعاء، والمطا: الظهر . (1)
وفي رواية قال علیه السّلام:
لو علمت ما أعدّ الله لي في دار الآخرة ممّا لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، لعلمت أني في هذه الحالة بالنسبة إلى ذلك في سجن، ولو نظرتَ إلى ما أعدّ الله لك في دار الآخرة من العذاب العليم (الأليم ظ) لرأيت أنّك الآن في جنّة واسعة.
قاله علیه السّلام حين استوقفه يهوديّ وقال له: قال جدك : الدُنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر وأنت مؤمن وأنا كافر، وما أرى الدنيا إلّا جنّة لك وسجناً عليّ. (2)
{7}
[888] أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري: قال: حدّثني أبوالمفضّل،
ص: 281
محمّدبن عبدالله، قال: حدّثني أبوالنجم بدر بن الطبرستاني، قال : روي عن أبي جعفر محمّد بن علي الثاني علیه السّلام بأنّه قال :
أقبل أمير المؤمنين علیه السّلام ومعه ابنه أبو محمّد الحسن، وسلمان الفارسي ودخل المسجد، فجلس واجتمع الناس حوله، إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس، فسلّم على أمير المؤمنين وجلس ، ثمّ قال : يا أمير المؤمنين أسألك عن ثلاث مسائل إن أجبتني عنهنّ علمت أنّ القوم قد ركبوا منك ما حظر عليهم وارتكبوا إثماً یوبقهم في دنياهم لأحرقهم (1)، وإن تكن الأُخرى علمت أنّك وهم شرع سواء.
فقال أمير المؤمنين : سلني عمّا بدا لك .
قال : أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وینسی؟ وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟
فالتفت أمير المؤمنين إلى أبي محمّد علیه السّلام فقال : يا أبا محمّد أجبه .
فقال الحسن علیه السّلام: أمّا ماسألت من أمر الرجل أين تذهب روحه إذا نام؟ فإنّ روحه معلّقة بالريح، والريح معلّقة بالهواء إلى وقت مايتحرّك صاحبها الليقظة، فإن أذن الله بردّ روحها على صاحبها جذبت تلك الروح الريح وجذبت تلك الريح الهواء فرجعت الروح فأسكنت في بدن صاحبها، وإن لم يأذن الله برد تلك الروح على صاحبها، جذب الهواء الريح فجذبت الريح الروح فلم ترد إلى صاحبها إلى وقت مايبعث .
وأمّا ما ذكرت من أمر الذكر والنسيان، فإنّ قلب الرجل في حقّ وعلى الحقّ طبق، فإن صلّى عند ذلك على محمّد وآل محمّد صلاة تامّة انكشف ذلك
ص: 282
الطبق عن ذلك الحقّ، فانفتح القلب وذكر الرجل ما كان نسي، وإن لم يُصلّ على محمّد وآل محمّد وانتقص من الصلاة عليهم انطبق ذلك الطبق فأظلم القلب ونسي الرجل ما كان ذکر.
وأمّا ما ذكرت من أمر المولود يشبه أعمامه وأخواله: فإنّ الرجل إذا أتى أهله يجامعها بقلب ساكن وعروق هادئة وبدن غير مضطرب وانسكبت (1) تلك النطفة فوقعت في جوف الرحم وخرج الولد يشبه أباه وأُمّه، وإن هو أتاها بقلب غير ساكن وعروق غير هادئة وبدن مضطرب اضطربت النطفة ووقعت في اضطرابها على بعض العروق فإن وقعت على عرق من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه، وإن وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه الولد أخواله .
فقال الرجل : أشهد أن لا إله إلا الله ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنّ محمّدًا رسوله ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنّك وصيّ رسوله القائم بحجّته ، وأشار إلى أمير المؤمنين علیه السّلام ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنّ ابنك هو القائم بحجّتك، وأشار إلى الحسن علیه السّلام، وأشهد أنّ الحسين بن علي ابنك والقائم بحجّته بعد أخيه، وأشهد أنّ علي بن الحسين القائم بأمر الحسين، وأشهد أنّ محمّد بن علي القائم بأمر عليّ بن الحسين، وأشهد أنّ جعفر بن محمّد القائم بأمر محمّد بن علي، وأشهد أنّ موسی بن جعفر القائم بأمر جعفر بن محمّد، وأشهد أنّ عليّ بن موسى القائم بأمر موسی بن جعفر، وأشهد أنّ محمّد بن علي القائم بأمر علي بن موسى، وأشهد أنّ علي بن محمّد القائم بأمر محمّد بن علي، وأشهد أنّ الحسن بن علي القائم بأمر علي بن محمّد، وأشهد أنّ رجلاً من ولد الحسين بن علي لايسمّى ولا يكنّى حتّى يظهر أمره ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً هو القائم بالحجّة، والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله
ص: 283
وبركاته، ثمّ قام فمضى .
فقال أمير المؤمنين علیه السّلام للحسن علیه السّلام : اتبعه فانظر أين يقصد .
قال : فخرج الحسن علیه السّلام في أثره قال : فما كان إلّا أن وضع رجله في الركاب خارج المسجد فما أدري أين أخذ من الأرض، فرجعت إلى أمير المؤمنين علیه السّلام فأعلمته.
فقال لي : يا أبا محمّد أتعرفه؟
قلت : الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم .
قال : هو الخضر علیه السّلام. (1)
{8}
[889] عن جعفر بن محمّد علیهماالسّلام قال :
كان للحسن بن عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليهما صديق وكان ماجناً فتباطأ عليه أيّاماً فجاءه يوماً، فقال له الحسن علیه السّلام: كيف أصبحت؟
فقال : يابن رسول الله أصبحت بخلاف ما أحبّ ويحبّ الله ويحبّ الشيطان .
ص: 284
فضحك الحسن علیه السّلام ثمّ قال : وكيف ذاك؟
قال : لأنّ الله عزّوجلّ يحبّ أن أُطيعه ولا أعصيه ولست كذلك، والشيطان يحبّ أن أعصي الله ولا أُطيعه ولست كذلك، وأنا أُحبّ أن لا أموت ، ولست كذلك . (1)
{9}
[890] دخل الحسنُ بن عليّ علیهماالسّلام على معاوية، وعنده ابنُ الزبير وأبو سعید بن عقيل بن أبي طالب، فلمّا جلس الحسنُ، قال معاوية : يا أبا محمّد، أيّهما كان أكبر : عليّ أم الزبير ؟ قال : ما أقرب ما بينها ! عليّ كان أسنّ من الزبير ، رحم الله عليّاً. [فقال ابن] الزبير : ورحم الله الزبير. فتبسّم الحسن. فقال أبو سعيد بن عقيل بن أبي طالب: دع عنك عليّاً والزُبير، إنّ عليّاً دعا إلى أمر فاتُّبع، وكان فيه رأساً، ودعا الزبير إلى أمر كان فيه الرأسُ امرأةً، فلمّا تراءت الفئتان والتقى الجمعان نَکَص الزُبير على عَقِبَيه وأدبر منهزماً قبل أن يَظهر الحقّ فيأخذَه أو يدحض الباطلُ فيتركه، فأدركه رجل لو قيس ببعض أعضائه [لكان أصغر] ، فضرب عنقه وأخذ سَلَبه وجاء برأسه ، ومَضى عليٌّ قُدُماً كعادته من ابن عمّه ونبیه صلّي الله علیه و آله، فرَحم الله عليِاً ولا رَحم الزُبير . فقال ابن الزُبير : أما والله لو أنّ غيرك تكلّم بهذا يا أبا سعيد لعلم .
قال : إنّ الّذي تُعرّض به يرغب عنك. وأخبرت عائشةُ بمقالتهما، فمرّ أبو سعيد بفنائها فنادته : يا أحول یا خَبيث! أنت القائل لابن أختي كذا وكذا؟
ص: 285
فالتفت أبو سعید فلم ير شيئاً، فقال : إنّ الشيطان ليَراك من حيث لا تراه .
فضَحكت عائشة وقالت : الله أبوك! ما أخبث لسانك . (1)
{10}
[891] قال ابن شهر آشوب في «المناقب» : وعنه علیه السّلام في جواب ملك الروم: مالا قبلة له فهي الكعبة، وما لا قرابة له فهو الربّ تعالى . (2)
{11}
[892] حين سئل منه عن المحبّة فقال : بذل المجهود، والحبيب يفعل ما يشاء. (3)
{12}
[893] سأل أمير المؤمنين إبنه الحسن علیهماالسّلام عن أشياء، منها: قال : فما الجهل؟
قال : سرعة الوثوب على الفرصة قبل الإستمکان منها، والإمتناع عن
ص: 286
الجواب، ونعم العون الصمت في مواطن كثيرة وإن كنتَ فصيحاً . (1)
{13}
[894] سأل أمير المؤمنين عن ابنه الحسن بن علي علیهماالسّلام قال : يابنيّ ما الحزم؟
قال : أن تنتظر فرصتك وتعاجل ما أمكنك . (2)
{14}
[895] قال ابن أبي الحديد: وسئل الحسن علیه السّلام عن الخضاب ؟
فقال : هو جزعٌ قبيح .
وقال محمود الورّاق :
یا خاضب الشيب الّذي *** في كلّ ثالثة يعود
إنّ الخضاب إذا مضى *** فكأنّه شيب جدید
فدع المشيب ومايريد *** فلن تعود كماترید (3)
ص: 287
{15}
[896] سُئِل علیه السّلام عن سبعة أشياء خلقها الله عزّوجلّ لم تخرج من رحم؟
فقال : آدم وحوّاء، وكبش إبراهيم، وناقة صالح، وحيّة الجتة، والغراب الّذي بعثه الله عزّوجلّ يبحث في الأرض، وإبليس لعنه الله تبارك وتعالی . (1)
{16}
[897] سُئِل الحسن علیه السّلام عن السفلة؟
فقال : الّذي يأكل في السوق . (2)
{17}
[898] سأل أمير المؤمنين إبنه الحسن بن علي علیهماالسّلام عن أشياء، منها أنّه قال : ما السماحة؟
ص: 288
قال : إجابة السائل، وبذل النائل . (1)
{18}
[899] سأله شخص عن رأيه في السياسة؟
فقال علیه السّلام: هي أن تَرْعى حقوقَ الله، وحقوقَ الأحياء، وحقوقَ الأموات . (2)
{19}
[900] سُئِل علیه السّلام عن العيّ، فقال : العَبَثُ باللحية وكثرة البزق عندالمخاطبة. (3)
{20}
[901] وقيل له علیه السّلام: كيف أصبحت یابن رسول الله صلّي الله علیه و آله؟
ص: 289
قال : أصبحت ولي ربّ فوقي، والنار أمامي، والموت يطلبني، والحسّاب محدق بي، وأنا مرتهن بعملي، لا أجد ما أُحبّ، ولا أدفع ما أكره، والأُمور بيد غيري، فإن شاء عذّبني وإن شاء عفا عنّي، فأيُّ فقير أفقر منّي ؟! (1)
{21}
[902] سئل علیه السّلام عن البخل؟
فقال : هو أن يرى الرجل ما أنفقه تلفاً، وما أمسكه شرفاً. (2)
{22}
[903] قال رجلٌ للحسن علیه السّلام: إنّي أخاف الموت!
قال : ذاك أنّك أخّرتَ مالَك، ولو قدَّمْتَه لَسَرّك أن تلحق به . (3)
{23}
[904] روى ابن بابویه بإسناده عن الإمام جعفر الصادق علیه السّلام كلاما عن
ص: 290
الإمام الحسن علیه السّلام وساق الحديث إلى أن قال : فقام إليه رجل فقال : يابن رسول الله ما بالنا نكره الموت ولا نحبّه؟
فقال الحسن علیه السّلام: إنكم أخربتم آخرتكم وعمّرتم دنیا کم فانتم تكرهون النُقلة من العمران إلى الخراب . (1)
{26}
[907] وقال علیه السّلام: الإنجاز دواء الكرم. (1)
{27}
[908] سال معاوية الحسن بن علي علیهماالسّلام عن المروءة؟
فقال : شحّ الرج على دينه، وإصلاحه مالَه، وقيامه بالحقوق .
فقال معاوية : أحسنت يا أبا محمّد، أحسنت يا أبا محمّد .
قال : فكان معاوية يقول بعد ذلك : وددت أنّ يزيد قالها، وإنّه كان أعور. (2)
{28}
[909] سأل أمير المؤمنین علیه السّلام ابنه الحسن بن علي علیهماالسّلام مسائل ، منها : قال : فما المجد؟
قال : حمل المغارم وابتناء المكارم . (3)
ص: 292
{35}
[916] كان الإمام الحسن علیه السّلام يطوف في بيت الله الحرام فسأله رجلٌ عن معنی الجواد؟
فقال له : إنّ لكلامك وجهين : فإن كنت تسألُ عن المخلوق فإنّ الجواد الّذي يؤدّي ما افتُرِضَ عليه، والبخيل الّذي يَبْخَل بما افتُرِضَ عليه، وإن كنتَ تسأل عن الخالق فهو الجواد إن أعطى، وهو الجواد إن مَنَع لأنّه إن أعطى عبداً أعطاه ما ليس له، وإن مَنَعَ مَنَعَ ما ليس له . (1)
{36}
[917] عن صفيّة قالت : سألتُ الحسن بن علي علیهماالسّلام عن الهرّ؟
فقال : هو من أهل البيت . (2)
{37}
[918] سُئل علیه السّلام عن الصمت؟
ص: 295
فقال : هو ستر العيّ وزين العرض، وفاعله في راحة وجليسه أمن . (1)
{38}
[919] قال أبو الحسن الماوردي : قال الحسن بن عليّ (رضي الله عنه) : نعم الله أكثر من أن تُشْكر إلّا ما أعان عليه ، وذنوب ابن آدم أكثر من أن تُغْفَر إلّا ماعفي عنه ، وإذا كنتَ عن شکر نعمه عاجزاً فكيف بك إذا قصّرتَ فيما أمرك ، أو فرّطت فيما كلّفك ونفعه عائد إليك لو فعلتَه، هل تكون لنعمه إلّا كفوراً، فقد قال تعالى : «يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا» (2) . (3)
ص: 296
ص: 297
{1}
[920] قال علیه السّلام : الساعة يدخل إليه من يقتله فإنّه لا يمسی . (1)
{2}
[921] الطبري الإمامي قال : حدّثنا سفيان، عن أبيه، عن الأعمش، قال : قال محمّد بن صالح: رأيت الحسن بن عليّ يوم الدار وهو يقول : أنا أعلمُ مَن يقتل عثمان، فسمّاه قبل أن يقتل عثمان بأربعة أيّام فكان أهلُ الدار يسمّونه الكاهن . (2)
ص: 298
{3}
[922] فأرسل عبیدالله (1) إلى الحسن بن علي علیهماالسّلام إنّ لي إليك حاجة فالقني، فلقيه الحسن علیه السّلام فقال له عبيدالله : إنّ أباك قد وتر قريشاً أوّلاً وآخراً وقد شنئه الناس فهل لك في خلعه وأن تتولّى أنت هذا الأمر؟!
فقال : كلّا والله.
ثمّ قال : يابن الخطّاب ! والله لكأنّي أنظر إليك مقتولاً في يومك أو في غدك أما إنّ الشيطان قد زيّن لك وخدعك حتّى أخرجك مخلّقاً بالخلوق تري نساء أهل الشام موقفك وسيصرعك الله ويبطحك لوجهك قتيلاً.
قال : فوالله ما كان إلّا بياض النهار حتّى قتل عبيدالله وهو في كتيبة رقطاء وكانت تدعى الخضريّة كانوا أربعة آلاف عليهم ثياب مخضر، فمرّ الحسن فإذا رجل متوسّد رجل قتيل وقد ركز رمحه في عينه وربط فرسه برجله، فقال الحسن المن معه : انظروا إلى هذا وإذاً رجل من هَمْدان وإذا القتيل عبيدالله بن عمر قد قتله الهمداني في أوّل الليل وبات عليه حتّى أصبح.
قال نصر : وقد اختلفت الرواة في قاتله فقالت هَمْدان : نحن قتلناه قتله هانیء بن الخطّاب، وقالت حضرموت : نحن قتلناه قتله مالك بن عمرو وقال بكر بن وائل : قتله منّا محرز بن الصحصح، وروي أن قاتله حریث بن جابر بن الجعفي . (2)
ص: 299
{4}
[923] قالت أُمّ سليم (1): كنت امرأة قد قرأت التوراة والإنجيل فعرفت أوصياء الأنبياء و أحببت أن أعلم (2) وصيّ محمّد صلّي الله علیه و آله.
فلمّا قدمت رکابنا المدينة أتيت رسول الله صلّي الله علیه و آله وخلّفت الركاب مع الحيّ فقلت : يا رسول الله ما من نبيّ إلّا وكان له خليفتان : خليفة يموت قبله، وخليفة يبقى بعده، وكان خليفة موسى في حياته هارون علیه السّلام فقبض قبل موسى، ثمّ كان وصيّه بعد موته يوشع بن نون، وكان وصيّ عيسى علیه السّلام في حياته کالب بن يوفنّا فتوفّي كالب في حياة عيسى، ووصيّه بعد وفاته شمعون بن حمون الصفا ابن عمّة مریم، وقد نظرت في الكتب الأُولى فما وجدت لك إلّا وصيّاً واحداً في حياتك وبعد وفاتك فبيّن لي بنفسي أنت یا رسول الله مَن وصيّك؟
فقال رسول الله صلّي الله علیه و آله: إنّ لي وصيّاً واحداً في حياتي وبعد وفاتي .
قلت له : من هو؟
فقال : ایتيني بحصاة فرفعت إليه حصاة من الأرض فوضعها بين كفّيه ثمّ فركها (3) بيده كسحيق الدقيق ثمّ عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ختمها بخاتمه فبدا النقش فيها للناظرين ثمّ أعطانيها وقال : يا أُمّ سليم من استطاع مثل هذا فهو وصيّي.
ص: 300
قالت : ثمّ قال لي: يا أُمّ سليم وصيّي من يستغني بنفسه في جميع حالاته كما أنا مستغن، فنظرت إلى رسول الله صلّي الله علیه و آله وقد ضرب بيده اليمنى إلى السقف وبيده اليسرى إلى الأرض قائماً لا ينحني في حالة واحدة إلى الأرض، ولا يرفع نفسه بطرف قدميه.
قالت : فخرجت فرأيت سلمان یکنف (1) عليّاً ويلوذ بعقوته دون من سواه من أُسرة محمّد وصحابته على حداثة من سنّه ، فقلت في نفسي: هذا سلمان صاحب الكتب الأُولى قبلي، صاحب الأوصياء، وعنده من العلم مالم يبلغني فيوشك أن يكون صاحبي، فأتيت عليّاً علیه السّلام فقلت : أنت وصيّ محمّد صلّي الله علیه و آله؟
قال: نعم، ماتریدین؟
قلت : وما علامة ذلك؟
فقال : ايتيني بحصاة، قالت : فرفعت إليه حصاة من الأرض فوضعها بين كفّيه ثمّ فركها بيده فجعلها كسحيق الدقيق ثمّ عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ثمّ ختمها فبدا النقش فيها للناظرين، ثمّ مشى نحو بيته فاتّبعته لأسأله عن الّذي صنع رسول الله صلّي الله علیه و آله فالتفت إليّ ففعل مثل الّذي فعله، فقلت : من وصيّك يا أبا الحسن؟
فقال : من يفعل مثل هذا.
قالت أُمّ سليم : فلقيت الحسن بن علي علیهماالسّلام فقلت : أنت وصي أبيك هذا؟ وأنا أعجب من صغره وسؤالي إيّاه مع أنّي كنت عرفت صفتهم الاثني عشر إماماً وأبوهم سيّدهم وأفضلهم، فوجدت ذلك في الكتب الأُولى.
فقال لي: نعم أنا وصيّ أبي.
ص: 301
فقلت: وما علامة ذلك؟
قال : ایتيني بحصاة .
قالت : فرفعت إليه حصاة (1) فوضعها بين كفّيه ثمّ سحقها كسحيق الدقيق ، ثمّ عجنها فجعلها ياقوتة حمراء، ثمّ ختمها فبدا النقش فيها ثمّ دفعها إليّ .
فقلت له : فمن وصيّك؟
قال : من يفعل مثل هذا الذي فعلت، ثمّ مدّ يده اليمنى حتّى جازت سطوح المدينة وهو قائم ثمّ طأطأ يده اليسرى فضرب بها الأرض من غير أن ينحني أو يتصعّد.
فقلت في نفسي: من يرى وصيّه؟
فخرجت من عنده فلقيت الحسين علیه السّلام وكنت عرفت نعته من الكتب السالفة بصفته وتسعة من ولده أوصياء بصفاتهم غير أنّي أنكرت حليته لصغر سنّه، فدنوت منه وهو على كسرة رحبة المسجد، فقلت له: من أنت يا سيّدي؟
قال : أنا طَلِبَتك (2) يا أُمّ سليم أنا وصيّ الأوصياء وأنا أبو التسعة الأئمّة الهادية وأنا وصيّ أخي الحسن وأخي وصيّ أبي عليّ، وعليّ وصيّ جدّي رسول الله صلّي الله علیه و آله.
فعجبت من قوله فقلت : ما علامة ذلك؟
فقال : ایتیني بحصاة، فرفعت إليه حصاة من الأرض .
قالت أُمّ سليم : فلقد نظرت إليه وقد وضعها بين كفّيه فجعلها کهيئة السحيق من الدقيق، ثمّ عجنها فجعلها ياقوتة حمراء فختمها بخاتمه فثبت النقش
ص: 302
فيها ثمّ دفعها إليّ وقال لي : أُنظري فيها يا أُمّ سليم، فهل ترين فيها شيئاً؟
قالت أُمّ سليم : فنظرتُ فإذا فيها رسول الله صلّي الله علیه و آله وعليّ والحسن والحسين وتسعة أئمّة صلوات الله عليهم أوصياء من ولد الحسين علیه السّلام قد تواطئت أسماؤهم إلّا إثنين منهم، أحدهما جعفر والآخر موسى، وهكذا قرأت في الإنجيل.
فعجبت وقلت في نفسي: قد أعطاني الله الدلائل ولم يعطها من كان قبلي ، فقلت : يا سيّدي أعد علىّ علامة أُخرى.
قال: فتبسّم وهو قاعد ثمّ قام فمدّ يده اليمنى إلى السماء فوالله لكأنّها عمود من نار تخرق الهواء حتّى توارى عن عيني وهو قائم لا يعبأ بذلك ولا يتحفّز (1)، فأسقطت وصعقت فما أفقت إلّا ورأيت في يده طاقة من آس يضرب بها منخري.
فقلت في نفسي : ماذا أقول له بعد هذا؟ وقمت أنا والله أجد إلى ساعتي رائحة هذه الطاقة من الأس، وهي والله عندي لم تذو ولم تذيل (2) ولا انتقص (3) من ريحها شيء، وأوصيت أهلي أن يضعوها في كفني، فقلت : يا سيّدي من وصيك؟ قال : من فعل مثل فعلي.
قالت : فعشت إلى أيّام عليّ بن الحسين علیهماالسّلام.
قال زرّبن حبیش خاصّة دون غيره : وحدّثني جماعة من التابعين سمعوا
ص: 303
هذا الكلام من تمام حديثها، منهم مينا (1) مولى عبدالرحمن بن عوف وسعيد بن جبير (2) مولى بني أسد سمعاها تقول هذا.
وحدثني سعيد بن المسيّب المخزومي (3) ببعضه عنها قالت : فجئت إلى عليّ بن الحسين علیهماالسّلام وهو في منزله قائماً يصلّي، وكان يطول فيها ولا يتحوّز فيها، وكان يصلّي ألف ركعة في اليوم والليلة فجلست ملیّاً فلم ينصرف من صلاته فأردت القيام فلمّا هممت به حانت (4) منّي التفاتة إلى خاتم في اصبعه عليه فصّ حبشيّ، فإذا هو مكتوب : مكانك یا أُمّ سليم آتيك (5) بما جئت له .
قالت : فأسرع في صلاته فلمّا سلّم قال لي: يا أُمّ سلیم ایتني بحصاة، من غير أن أسأله عمّا جئت له، فدفعت إليه حصاة من الأرض فأخذها فجعلها بين كفّيه فجعلها کهيئة الدقيق، ثمّ عجنها فجعله یاقوتة حمراء، ثمّ ختمها فثبت فيها النقش فنظرت والله إلى القوم بأعيانهم كما كنت رأيتهم يوم الحسين .
فقلت له: فمن وصيّك جعلني الله فداك؟
قال : الّذي يفعل مثل ما فعلت ولا تدركين من بعدي مثلي .
ص: 304
قالت أُمّ سليم : فأنسيت أن أسأله أن يفعل مثل ما كان قبله من رسول الله وعليّ والحسن والحسين (صلوات الله عليهم)، فلمّا خرجت من البيت ومشيت شوطاً ناداني : يا أُمّ سليم.
قلت: لبّيك .
قال : ارجعي، فرجعت فإذاً هو واقف في صرحة (1) داره وسطاً، ثمّ مشى فدخل البيت وهو يتبسّم ثمّ قال : اجلسي يا أُمّ سليم، فجلست فمدّ يده اليمنى فانخرقت الدور والحيطان وسكك المدينة وغابت يده عنّي، ثمّ قال : خذي يا أُمّ سلیم.
فناولني والله کیساً فيه دنانير وقرط (2) من ذهب وفصوص كانت لي من جزع في حُقّ لي في منزلي (3).
فقلت : يا سيّدي أمّا الحّقّ فأعرفه، وأمّا مافيه فلا أدري ما فيه غير أنّي أجدها ثقيلاً.
قال : خذيها وامضي لسبيلك .
قالت : فخرجت من عنده ودخلت منزلي وقصدت نحو الحقّ فلم أجد الحقّ في موضعه ، فإذا الحقّ حقّي.
قالت : فعرفتهم حقّ معرفتهم بالبصيرة والهداية فيهم من ذلك اليوم والحمد لله ربّ العالمين .
قال ابن عيّاش : سألت أبابکر محمّد بن عمر الجعابي عن هذه أُمّ سليم
ص: 305
وقرأت عليه إسناد الحديث للعامّة واستحسن طريقها وطريق أصحابنا فيه فما عرفت أبا صالح الطرسوسي القاضي (1) فقال : كان ثقة عدلاً حافظاً، وأمّا أُمّ سليم فهي امرأة من النمر بن قاسط معروفة من النساء اللاتي روين عن رسول الله صلّي الله علیه و آله، قال : وليست أُمّ سليم الأنصاريّة أُمّ أنس بن مالك، ولا أُمّ سليم الدوسيّة فإنّها لها صحبة ورواية، ولا أُمّ سليم الخافضة الّتي كانت تخفض الجواري على عهد رسول الله صلّي الله علیه و آله، ولا أُمّ سليم الثقفيّة وهي بنت مسعود أخت عروة بن مسعود الثقفي، فإنّها أسلمت وحسن إسلامها وروت الحديث. (2)
{5}
[924] عن حبابة الوالبيّة، قالت : رأيت أمير المؤمنین علیه السّلام في شرطة
ص: 306
الخميس ومعه درّة لها سبّابتان، يضرب بها بياعي الجري والمارماهي والزمّار ويقول لهم: يا بياعي مسوخ بني إسرائيل وجندبني مروان!
فقام إليه فرات بن أحنف ، فقال : يا أمير المؤمنين! وما جندبني مروان؟
قال : فقال له: أقوام حلقوا اللحى وفتلوا الشارب فمسخوا فلم أر ناطقاً أحسن نطقاً منه، ثمّ اتبعته فلم أزل أقفو أثره حتّى قعد في رحبة المسجد، فقلت له: يا أمير المؤمنین ! ما دلالة الإمامة يرحمك الله؟
قالت : فقال : ائتيني بتلك الحصاة، وأشار بيده إلى حصاة فأتيته بها فطبع الي فيها بخاتمه، ثمّ قال لي: يا حبابة إذا ادّعى مدّع الإمامة فقدر أن يطبع كما رأيت فاعلمي أنّه إمام مفترض الطاعة، والإمام لا يعزب عنه شيء يريده .
قالت : ثمّ انصرفت حتّى قبض أمير المؤمنين علیه السّلام، فجئت إلى الحسن علیه السّلام وهو في مجلس أمير المؤمنين علیه السّلام والناس يسألونه .
فقال : يا حبابة الوالبيّة.
قلت : نعم يا مولاي .
فقال : هاتي ما معك .
قالت : فأعطيته فطبع فيها كما طبع أمير المؤمنين علیه السّلام .
قالت : ثمّ أتيت الحسين علیه السّلام وهو في مسجد رسول الله صلّي الله علیه و آله فقرب ورحب ، ثمّ قال لي: إنّ في الدلالة دليلاً على ما تريدين ، أفتریدین دلالة الإمامة؟
فقلت : نعم يا سيّدي.
فقال : هاتي ما معك، فناولته الحصاة، فطبع لي فيها.
قالت : ثمّ أتيت علي بن الحسين علیه السّلام وقد بلغ بي الكبر إلى أن رعشت وأنا أُعد يومئذ مائة وثلاث عشرة سنة، فرأيته راكعاً وساجداً و مشغولاً بالعبادة فيئست من الدلالة ، فأومئ لي بالسبّابة، فعاد إليّ شبابي .
ص: 307
قالت : فقلت : يا سيّدي، كم مضى من الدنيا و كم بقي؟
فقال : أمّا ما مضى فنعم، وأمّا ما بقي فلا.
قالت : ثمّ قال لي: هاتي ما معك، فأعطيته الحصاة فطبع فيها .
ثمّ أتيت أبا جعفر علیه السّلام فطبع لي فيها، ثمّ أباعبدالله علیه السّلام فطبع لي فيها، ثمّ أتيت أبا الحسن موسی علیه السّلام فطبع لي فيها .
ثمّ أتیت الرضا علیه السّلام فطبع لي فيها، وعاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهر على ما ذكر محمّد بن هشام . (1)
{6}
[925] عن أبي عبدالله علیه السّلام قال : خرج الحسن بن علي إلى مكّة سنة ماشياً فورمت قدماه، فقال له بعض مواليه : لو ركبت امسك عنه هذه الورمة.
فقال : كلّا إذا أتينا هذا المنزل فإنّه يستقبلك أسود ومعه دهن فاشتر منه ولا تماكسة.
فقال له مولاه: بأبي أنت وأُمّي ما قدامنا منزل فيه أحد يبيع هذا الدواء .
فقال : بلى إنّه أمامك دون المنزل، فسار میلاً فإذا هو بالأسود.
فقال الحسن علیه السّلام لمولاه: دونك الرجل فخذ منه الدهن وأعطه الثمن .
ص: 308
فقال الأسود: يا غلام لمن أردت هذا الدهن؟
فقال : للحسن بن علي.
فقال : انطلق بي إليه، فانطلق به فأدخله إليه، فقال له : بأبي أنت وأُمّي لم أعلم أنّك تحتاج إلى هذا وترى ذلك ولست آخذ له ثمناً إنّما أنا مولاك ولكن ادع الله أن يرزقني ذكراً سويّاً يحبّكم أهل البيت فانّي خلفت أهلي وهي تمخض
فقال : انطلق إلى منزلك فقد وهب الله لك ذكراً سويّاً وهو من شیعتنا. (1)
ورواه أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في كتاب الإمامة قال: روئ أبو أُسامة زيد الشحّام، عن أبي عبدالله علیه السّلام قال : خرج الحسين بن علي علیه السّلام إلى مكّة سنة من السنين [حاجّاً حافياً] (2) فورمت قدماه ، فقال له بعض مواليه : لو ركبت لسكن عنك بعض هذا الورم الذي برجليك.
قال : كلّا [ولكن] (3) إذا أتيت (4) المنزل (فإنّه ليستقبلك) (5) أسود معه دهن
ص: 309
بهذا الدوح (1)، فاشتره منه ولا تماکسه .
فقال مولاه: بأبي أنت وأُمّي ليس أمامنا منزل فيه أحد يبيع هذا الدواء ، قال : بلی (انّه) (2) أمامك دون المنزل، فسارة أميالاً فإذا الأسود قد استقبله .
فقال الحسن لمولاه: دونك الرجل (3) فخذ منه الدهن وأعطه ثمنه .
فقال الأسود [للمولى] (4): ويحك يا غلام [لمن] (5) أردت هذا لادهن؟
فقال : للحسن بن علي علیهماالسّلام.
فقال : انطلق بي إليه، فأخذ بيده حتّى أدخله إليه (6).
فقال : بأبي أنت وأُمّي لم أعلم إنّك تحتاج إليه ولا أنّه دواء لك ولست (7) آخذ له ثمناَ، (إنّما أنا مولاك)، ولكن ادع الله أن يرزقني ذكراً سويّاً يحبّكم أهل البيت، فإنّي خلّفت امرأتي وقد أخذها الطلق (تمخّض).
قال : انطلق إلى منزلك فإنّ الله تبارك وتعالى قد وهب لك ذکراً سويّاً وهو لنا شيعة فرجع الأسود فوره فإذا أهله قد وضعت غلاماً سوياً، [فعاد إلى الحسن] فأخبره بذلك ودعا له (وقال له خيراً)، ومسح الحسن رجليه بذلك الدهن، فما برح من مجلسه حتّى سكن ما به ومشى على رجليه .
ص: 310
ورواه ثاقب المناقب : وفي آخر حديثه: ومسح بذلك الدهن رجليه، فما برح من مجلسه حتّى سكن ورمه ومشى على قدميه .
ورواه السيّد المرتضى في عيون المعجزات : وفي آخر الحديث : ولكن ادع الله أن يرزقني ذکراً سويّاً يحبّكم أهل البيت ، فإنّي (أخلفت) امرأتي حامل .
فقال علیه السّلام: انطلق إلى منزلك فإنّ الله قد وهب لك غلاماً سويّاً وهو لنا شيعة ومحبّ، فانطلق فوجد امرأته [قد] ولدت غلاماً.
وروي أن ذلك المولود (السيد إسماعيل بن محمّد) الحميري شاعر أهل البيت (صلوات الله عليهم) . (1)
{7}
[926] محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد، عن الحسین (2)، عن فضالة بن أيّوب، عن (أحمد بن) (3) سليمان، عن عمر بن أبي بكر (4)، عن رجل، عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : لمّا وادع الحسن بن علي علیه السّلام معاوية وانصرف إلى المدينة صحبته في منصرفه وكان بين عينيه حمل بعير لا يفارقه حيث توجّه، فقلت له ذات يوم: جعلت فداك يا أبا محمّد هذا الحمل لا يفارقك
ص: 311
حيث ما توجّهت .
فقال : يا حذيفة أتدري ما هو؟
قلت : لا.
قال : هذا الديوان !
قلت: دیوان ماذا؟
قال : ديوان شيعتنا فيه أسماؤهم .
قلت : جعلت فداك فأرني إسمي .
قال : أُغدُ بالغداة .
قال : فغدوت إليه ومعي ابن أخ لي وكان يقرأ ولم أكن أقرأ، فقال (لي) (1): ماغدا بك؟
قلت : الحاجة الّتي وعدتني .
قال : من ذا الذي (2) معك؟
قلت : ابن أخ لي وهو يقرأ ولست أقرأ .
قال : فقال لي : اجلس فجلست، ثمّ قال : عليّ بالديوان الأوسط .
قال : فأْتي به.
قال: فنظر الفتى فإذا الأسماء تلوح، قال : فبينما هو يقرأ إذ قال : هو يا عمّاه هو ذا إسمي.
قلت : ثكلتك أُمّك أُنظر أين اسمي !
قال : فصفح ثمّ قال : هو ذا إسمك .
ص: 312
قال : فاستبشرنا واستشهد الفتى مع الحسين بن علي (صلوات الله عليه). (1)
{8}
[927] الطبري الإمامي قال : حدّثنا سليمان بن إبراهيم الضبي (2)، قال : حدّثنا زیدبن کامل بن أبي (3) نوفل محمّد بن نوفل العبدي، قال : شهدت الحسن بن علي علیهماالسّلام وقد أتى بظبية فقال : هي حبلی بخشفين أُنثيين إحديهما في عينها عيب (4)، فذبحوها فوجدناهما (5) كذلك . (6)
{9}
[928] هذه حبلي بعجلة أُنثى لها غرة في جبهتها، ورأس ذنبها أبيض . (7)
ص: 313
{10}
[929] محمّد بن يعقوب : عن أحمد بن محمّد، ومحمّد بن محمّد بن الحسن ، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن رجاله ، عن أبي عبدالله علیه السّلام قال :
إنّ الحسن (بن علي علیهماالسّلام) قال : إنّ لله مدينتين إحداهما بالمشرق والأُخرى بالمغرب، عليهما سور من حديد، وعلى كلّ واحد منهما ألف ألف مصراع، وفيهما ألف ألف لغة ، يتكلّم كلّ لغة بخلاف صاحبها، وأنا أعرف جميع اللغات
ص: 314
وما فيهما وما بينهما وما عليهما حجّة غيري وغير الحسين أخي.
ورواه محمّد بن الحسن الصفّار في بصائر الدرجات : عن يعقوب بن یزید، عن ابن أبي عمير، [عن رجاله] عن أبي عبدالله علیه السّلام يرفع الحديث إلى الحسن بن علي (صلوات الله عليه وعلى آبائه) أنّه قال : إنّ لله مدينتين إحداهما بالمشرق والأُخرى بالمغرب، عليهما سور من حديد، وذكر الحديث .
ورواه سعدبن عبدالله في بصائر الدرجات : عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن رجاله ، عن أبي عبدالله علیه السّلام رفعه إلى الحسن بن علي علیهماالسّلام قال : إنّ الله عزّوجلّ مدينتين إحداهما بالمشرق والأُخرى بالمغرب، عليهما سور من حديد، وذكر الحديث . (1)
ورواه أيضاً سعد بن عبدالله في بصائر الدرجات : قال : حدّثنا سلمة بن الخطاب، عن سليمان بن سماعة، وعبدالله بن محمّد، عن عبدالله بن القاسم، عن سماعة بن مهران، عمّن حدّثه ، عن الحسن بن حي وأبي الجارود ذكراه، عن أبي سعيد عقیصا الهمداني، قال : قال الحسن بن علي علیهماالسّلام:
ص: 315
إنّ لله مدينة بالمشرق ومدينة بالمغرب على كلّ واحدة [منهما] (1) سور من حديد في كلّ سور سبعون ألف مصراع ذهباً يدخل في كلّ مصراع سبعون ألف ألف (2) آدمي ليس منها لغة إلّا وهي مخالفة للأُخرى، وما منها لغة إلّا وقد علمناها، وما فيهما وما بينهما ابن نبيّ غيري وغير أخي وأنا الحجّة عليهم. (3)
ورواه الشيخ المفيد (قدّس سرّه) في كتاب الإختصاص:
عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن بعض رجاله، عن أبي عبدالله علیه السّلام قال :
قال الحسن بن علي علیه السّلام: إنّ لله مدينتين : إحداهما بالمشرق، والأُخرى بالمغرب، عليهما سور من حديد، وعلى كلّ مدينة ألف ألف باب مصراعين من ذهب وفيها سبعون ألف ألف لغة يتكلم كلّ لغة بخلاف لغة صاحبتها وأنا أعرف جميع اللغات ومافيهما وما بينهما، وما عليهما حجّة غيري وغير أخي الحسين . (4)
تبيين : قال الشيخ المفيد في كتاب المسائل : القول في معرفة الأئمّة علیهم السّلام بجميع الصنائع وسائر اللغات أقول: إنه ليس بممتنع ذلك منهم علیهم السّلام ولا واجب من جهة العقل والقياس، وقد جاءت أخبار عمّن يجب تصديقه بأنّ أئمّة
ص: 316
آل محمد علیهم السّلام قد كانوا يعلمون ذلك، فإن ثبت وجب القطع به من جهتها على الثبات، ولي في القطع به منها نظر والله الموفّق للصواب، وعلى قولي هذا جماعة من الإماميّة، وقد خالف فيه بنو نوبخت (رحمهم الله) وأوجبوا ذلك عقلاً و قیاساً، ووافقهم فيه المفوّضة كافّة وسائر الغلاة، انتهى.
أقول: أمّا كونهم عالمين باللغات الأخبار فيه قريبة من حدّ التواتر وبانضمام الأخبار العامّة لايبقى فيه مجال شكّ، وأمّا علمهم بالصناعات فعمومات الأخبار المستفيضة دالّة عليه، حيث ورد فيها أنّ الحجّة لا يكون جاهلاً في شيء يقول : لا أدري. مع ما ورد أنّ عندهم علم ما كان ومایکون وأنّ علوم جميع الأنبياء وصل إليهم، مع أنّ أكثر الصناعات منسوبة إلى الأنبياء علیهم السّلام، وقد فسّر تعليم الأسماء لآدم علیه السّلام بما يشمل جميع الصناعات .
وبالجملة لا ينبغي للمتتبّع الشكّ في ذلك أيضاً، وأمّا حكم العقل بلزوم الأمرين ففيه توقّف، وإن كان القول به غير مستبعد .
{11}
[930] ولكنّي كأنّي أنظر إلى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم يستسقونهم ويستطعمونهم بما جعله الله لهم فلا يسقون ولا يطعمون . (1)
ص: 317
{12}
[931] قال : يا معاوية أما والله لولا أنّك تكفر لأخبرتك بما تعمله وذلك أنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله كان في زمان لا يكذَّب وأنت تكذِّب وتقول: متى سمع من جدّه على صغر سنّه، والله لتدّعنّ زياد ولتقتلنّ حجراً ولتحملنّ إليك الرؤوس من بلد إلى بلد فادّعى زياداً وقتل حجراً وحمل إليه رأس عمرو بن الحمق الخزاعي . (1)
{13}
[932] إنّ الحسن علیه السّلام قال يوماً لأخيه الحسين علیه السّلام ولعبدالله بن جعفر :
إنّ معاوية بعث إليكم بجوائزكم وهي تصل إليكم يوم كذا لمستهلّ الهلال، وقد أضاقا (2)، فوصلت في الساعة الّتي ذكرها لما كان رأس الهلال،
ص: 318
فلمّا وافاهم المال كان على الحسن علیه السّلام دین کثیر، فقضاه ممّا بعثه إليه، ففضلت فضلة ففرّقها في أهل بيته ومواليه ، وقضى الحسين علیه السّلام دينه، وقسّم ثلث مابقی في أهل بيته ومواليه وحمل الباقي إلى عياله، وأمّا عبدالله فقضى دينه وما فضل دفعه إلى الرسول ليتعرّف معاوية من الرسول ما فعلوا، فبعث إلى عبدالله أموالاً حسنة . (1)
{14}
[933] عن أبي عبدالله علیه السّلام: لمّا صالح الحسن بن علي علیهماالسّلام معاوية جلسا بالنخيلة فقال معاوية : يا أبا محمّد بلغني أنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله كان يخرص النخل فهل عندك من ذلك علم، فإنّ شيعتكم يزعمون أنّه لا يعزب عنکم علم شيء في الأرض ولا في السماء؟
فقال الحسن علیه السّلام : إنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله كان يخرص کیلاً وأنا أخرص عدداً.
فقال معاوية : كم في هذه النخلة؟
فقال الحسن علیه السّلام : أربعة آلاف بسرة وأربع بسرات.
أقول: ووجدت قد انقطع من المختصر المذكور كلمات فوجدتها في رواية ابن عباس الجوهري.
فأمر معاوية بها فصرمت وعدَّت فجاءت أربعة آلاف وثلا بسرات.
ثمّ صحّ الحديث بلفظها فقال :
والله ماكذبت ولا كذبت فنظر فإذا في يد عبدالله بن عامر بن کریز
ص: 319
بسرة. (1)
{15}
[934] وقال معاوية : إذا لم يكن الهاشميّ جواداً لم يشبه قومه، وإذا لم يكن الزبيريّ شجاعاً لم يشبه قومه، وإذا لم يكن الأمويّ حليماً لم يشبه قومه ، وإذا لم يكن المخزوميّ تيّاهاً لم يشبه قومه، فبلغ ذلك الحسن علیه السّلام فقال :
ما أحسن مانظر لقومه: أراد أن يجود بنو هاشم بأموالهم فيفتقروا، ویزهی بنو مخزوم فتبغض وتشنا وتحارب بنو الزبير فيتفانوا، وتحلم بنو أُميّة فتحب. (2)
ص: 320
{16}
[935] روي عن الحسن بن علي علیه السّلام في خبر أنّ الأشعث بن القیس الكندي بني في داره مأذنة، فكان يرقى إليها إذا سمع الأذان في أوقات الصلاة في مسجد جامع الكوفة فيصيح من أعلى مأذنته : یا رجل إنّك لكذّاب ساحر، وكان أبي يسمّيه عنق النار - وفي رواية عرف النار - فيسأل عن ذلك فقال : إنّ الأشعث إذا حضرته الوفاة دخل عليه عنق من النار ممدودة من السماء فتحرقه، فلا يدفن إلّا وهو فحمة سوداء، فلمّا توفّي نظر سائر من حضر إلى النار وقد دخلت عليه کالعنق المدود حتّى أحرقته وهو يصيح ويدعو بالويل والثبور . (1)
{17}
[936] أبو حمزة الثمالي، عن زين العابدین علیه السّلام قال : كان الحسن بن عليّ جالساً فأتاه آت فقال : يابن رسول الله قد احترقت دارك ؟ قال : لا ما احترقت إذ أتاه آت فقال : يابن رسول الله : قد وقعت النار في دار إلى جنب دارك حتّى ما شككنا أنّها ستحرق دارك ثمّ إنّ الله صرفها عنها. (2)
ص: 321
{18}
[937] ثاقب المناقب : عن داود الرقي، عن أبي عبد الله عن آبائه علیهم السّلام قال : إنّ الحسن بن علي علیهماالسّلام قال لولده عبدالله : يا بني إذا كان في عامنا هذا يدفع إلىّ هذا الطاغي جارية تُسمّى أنيس فتسمّني بسمّ قد جعله الطاغي تحت فصّ خاتمها.
قال له عبدالله : فلم لا تقتلها قبل ذلك؟
قال : يا بنيّ جف القلم وأبرم الأمر بعقد فلا حلّ لعقد الله المبرم .
فلمّا كان في العام القابل أهدى إليه جارية اسمها أنيس، فلمّا دخلت عليه ضرب بيده على منكبها ثمّ قال : يا أنيس دخلت النار بما تحت فصّ خاتمك . (1)
{19}
[938] دخل عليه أخوه الحسين علیه السّلام، فقال : كيف تجد نفسَك؟
قال : أنا في آخر يوم من الدنيا و أوّل يوم من الآخرة، على كره منّي لفراقك وفراق إخوتي، ثمّ قال : أستغفر الله على محبّة منّي للقاء رسول الله وأمير المؤمنين، وفاطمة، وجعفر، وحمزة علیهم السّلام . (2)
ص: 322
{20}
[939] وكان سبب مفارقة أبي محمّد الحسن علیه السّلام دار الدنيا و انتقاله إلى دار الكرامة على ما وردت به الأخبار أنّ معاوية بذل لجعدة بنت محمّد بن الأشعث زوجة أبي محمّد علیه السّلام آلاف دينار وإقطاعات (1) كثيرة من شعب سورا، وسواد الكوفة، وحمل إليها سمّاَ فجعلته في طعام فلمّا وضعته بين يديه قال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون، والحمد لله على لقاء محمّد سيّد المرسلين، وأبي سیّد الوصيّين، وأُمّي سيّدة نساء العالمين، وعمّي جعفر الطيّار في الجنّة، وحمزة سیّد الشهداء صلوات الله عليهم أجمعين . (2)
{21}
[940] إنّ الحسن بن علي علیهماالسّلام لمّا حضرته الوفاة، قال الطبيب، وهو يختلف إليه :
هذا رجل قد قطع السمّ أمعاءه .
فقال الحسين : يا أبا محمّد خبّرني من سقاك السمّ؟
قال : ولِمَ يا أخي؟
قال : أقتله والله قبل أن أدفنك أو لا أقدر عليه أو يكون بأرض أتكلّف الشخوص إليه .
ص: 323
فقال : يا أخي إنّما هذه الدنيا ليال فانية، دعه حتّى ألتقي أنا وهو عند الله فأبى أن يسمّيه . (1)
{22}
[941] عن عمیر بن إسحاق، قال : دخلت على الحسن بن علي علیهماالسّلام وهو يجود بنفسه والحسين عند رأسه قال : يا أخي من تتّهم؟
قال : لِمَ؟ لتقتله؟
قال : نعم.
قال : إن يكن الّذي أظنّ فالله أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلاً، وإلّا يكن فما أحبّ أن يقتل بي بريء، ثمّ قضى . (2)
ص: 324
{23}
[942] عن الحسن علیه السّلام لمّا حضرته الوفاة قال لأخيه الحسين علیه السّلام :
إنّ جعدة تعلم أنّ أباها خالف أباك أمير المؤمنين علیه السّلام، إلى أن قال : وأنّ ابنه محمّد بن الأشعث يخرج إليك في قوّاد عبيدالله بن زیاد من الكوفة إلى نهر کربلاء وبشاطىء الفرات فيشهد بذلك قتلك ويشرك في دمك وأنّ جعدة إبنته قاتلتي بالسمّ... وما كان سمّها يضرّني شيئاً لولا بلوغ الكتاب أجله ... الخبر . (1)
{24}
[943] أنّ حسن بن عليّ أصابه بطن فلمّا عرف بنفسه الموت أرسل إلى عائشة زوج النبي صلّي الله علیه و آله أن تأذن له أن يدفن مع النبي صلّي الله علیه و آله في بيتها.
فقالت : نعم بقي موضع قبر واحد وقد كنت أُحبّ أن أُدفن فيه وأنا أؤثرك به.
فلمّا سمعت بنو أُميّة بذلك لبسوا السلاح فاستلثموا بها، وكان الّذي قام بذلك مروان بن الحكم فقال : والله لا يدفن عثمان بن عفّان بالبقيع ويدفن حسن مع رسول الله صلّي الله علیه و آله، ولبست بنو هاشم السلاح، وهمّوا بالقتال، وبلغ ذلك الحسن بن عليّ فأرسل إلى بني هاشم فقال لهم رسوله : يقول لكم الحسن : أمّا إذا بلغ الأمر هذا فلا حاجة لي به، ادفنوني إلى جنب أُمّي فاطمة بالبقيع . (2)
ص: 325
{25}
[944] وروي عن جعفر بن محمّد الصادق علیه السّلام: إنّ الحسين بن عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنهما) دخل يوماً على الحسن (رضي الله عنه)، فلمّا نظر إليه بك.
فقال : ما يبكيك يا أباعبدالله؟
قال : أبكي ممّا يصنع بك .
فقال له الحسن (رضي الله عنه) : إنّ الّذي يوتي إليّ سمّ يدسّ إليّ فأُقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أباعبدالله، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنّهم من أُمّة جدّنا محمّد صلّي الله علیه و آله وينتحلون الإسلام فيجتمعون على قتل وسفك دمائك وانتهاك حرمتك وسبي ذراريك ونسائك وانتهاب ثقلك، فعندها يحلّ ببني أُميّة اللعنة وتمطر السماء رماداً ودماً ويبكي عليك كلّ شيء حتّى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار . (1)
ص: 326
{26}
[945] عن قتادة قال : دخل الحسين على الحسن (رضي الله عنهما)، فقال : يا أخي إنّي سقيت السمّ ثلاث مرار لم أسق مثل هذه المرّة إني لأضع كبدي .
فقال الحسين : من سقاك يا أخي؟
قال : ما سؤالك عن هذا أتريد أن تقاتلهم أكلهم إلى الله . (1)
{27}
[946] عن عمیر بن إسحاق قال : كنّا عند الحسن بن عليّ فدخل المخرج ثمّ خرج فقال : لقد سقيت السمّ مراراً، وما سقيته مثل هذه المرّة، ولقد لفظت بطائفة من كبدي فرأيتني أقلبها بعود معي، فقال له الحسين : يا أخي من سقاك؟
ص: 327
قال : وما تريد إليه أتريد أن تقتله؟
قال : نعم.
قال : لئن كان الّذي أظنّ فالله أشدّ نقمة، ولئن كان غيره ما أُحبّ أن تقتل بي بريئاً. (1)
{28}
[947] الحسن بن أبي العلي، عن جعفر بن محمّد قال الحسن بن علي لأهل بيته : إنّي أموت بالسمّ كما مات رسول الله صلّي الله علیه و آله، فقال له أهل بيته : ومن الّذي يسمّك؟ قال : جاريتي أو امرأتي.
فقالوا له : أخرجها من ملكك عليها لعنة الله.
فقال : هيهات من إخراجها ومنيتي على يدها مالي منها محيص ولو أخرجتها ما يقتلني غيرها كان قضاء مقضيّاً وأمراً واجباً من الله.
فما ذهبت الأيّام حتّى بعث معاوية إلى امرأته قال : فقال الحسن : هل عندك من شربة لبن؟
فقالت: نعم، وفيه ذلك السمّ بعث به معاوية، فلمّا شربه وجد من السمّ في جسده، فقال : ياعدوّة الله قتلتيني قتلك الله أما والله لا تصيبن منّي خلفاً
ص: 328
ولا تنالين من الفاسق عدوّ الله اللعين خيراً أبداً. (1)
{29}
[948] واعلم أنّه سَيُصيبني من عائشةَ مايعلم الله والناسُ صنيعَها وعداوتَها لله ولرسوله، وعداوتَها لنا أهل البيت . (2)
ص: 329
{30}
[949] روي أنّ الحسن الزكي لمّا دنت وفاته ونفدت أيّامه وجرى السمّ في بدنه وأعضائه وتغيّر لون وجهه ومال بدنه إلى الزرقة والخضرة فبکی الحسن علیه السّلام فقال [له أخوه] الحسین علیه السّلام : مالي أرى لون وجهك مائلاً إلى الخضرة؟
فبكى الحسن علیه السّلام وقال له: يا أخي لقد صحّ حديث جدي فيّ وفيك، ثمّ مدّ يده إلى أخيه الحسن واعتنقه طويلاً وبكيا كثيراً.
فقال الحسين علیه السّلام : يا أخي ما حدّثك جدّي وماذا سمعت منه؟
فقال : أخبرني جدّي رسول الله صلّي الله علیه و آله أنّه قال : لمّا مررت ليلة المعراج بروضات الجنان ومنازل أهل الإيمان فرأيت قصرین عاليين متجاورين على صفة واحدة لكن أحدهما من الزبرجد الأخضر والآخر من الياقوت الأحمر فاستحسنتهما وشاقني حسنهما .
فقلت : يا أخي جبرئيل [لمن هذا القصران]؟
فقال : أحدهما لولدك الحسن والآخر لولدك الحسين .
فقلت : يا أخي جبرئیل فلم لا يكونان على لون واحد؟
فسكت ولم يردّ عليّ جواباً .
فقلت له : يا أخي لِمَ لا تتكلّم؟
فقال : حياءً منك يا محمّد.
فقلت له : بالله عليك إلّا ما أخبرتني .
فقال : أمّا خضرة قصر الحسن فإنّه يسمّ ويخضرّ لونه عند موته، وأمّا
ص: 330
حمرة قصر الحسين فإنّه يقتل ويذبح ويخضب وجهه و شیبه و بدنه من دمائه، فعند ذلك بکیا وضجّ الناس بالبكاء والنحيب على فقد حبيبي الحبيب . (1)
ص: 332
ص: 333
{1}
[951]
أتأمر يا معاوي عبد سهم *** بشتمي والملامنّا شهود
إذا أخذت مجالسها قريش *** فقد علمت قريش ماترید
قصدت إليّ تشتمني سفاهاً *** لضغن مايزول ومایبید
فمالك من أب كأبي تسامي *** به من قد تسامي أو تکید
ولاجدّكجدّي يابن هند *** رسول الله إن ذكر الجدود
ولا أُمّ كأُمّي من قريش *** إذا مايحصل الحسب التليد
فما مثلي تهكّم يا ابن هند *** ولا مثلي تجاريه العبيد
فمهلاً لاتهج منّا أُموراً *** يشيب لها معاوية الوليد (1)
ص: 334
{4}
[954]
أزجر العین طال فيها العناء *** واصطبر إنّما البلايا قضاء
أنت تبكي على أبيك وتنسى *** أنّ ماقد أصابه لك داء
أنت مَيْتٌ كمثل مامات لا *** شكّ وقد مات قبله الأنبياء (1)
{5}
[955]
إغن عن المخلوق بالخالق *** تغنَ عن الكاذب والصادق
واسترزقِ الرحمنَ من فضله *** فليس غيرُ الله بالرازق
مَن ظنّ أنّ الناس يُغنونَه *** فليس بالرحمنِ بالواثق
مَن ظنّ أنّ الرزق مِن كسبه *** زلّت به النعلان مِن خالق (2)
ص: 336
{6}
[956] وللحسن بن علي علیهماالسّلام:
إنّ السخاء على العباد فریضة *** لله يقرأ في كتاب محکم
وعد العباد الأسخياء جنانه *** وأعدّ للبخلاء نار جهنّم
من كان لا تندی يداه بنائل *** للراغبين فليس ذاك بمسلم (1)
{7}
[957]
أين من كان لعلم المصطفى في الناس بابا؟ *** أين من كان إذا ما قحط الناس سحابا؟
أين من كان إذا نودي للحرب أجابا؟ *** أين من كان دعاء مستجاباً ومجابا؟ (2)
{8}
[958] وله علیه السّلام :
ص: 337
خذل الله خاذليه ولا *** أُغمِدُ عن قاتلیه سیفَ الفناء
قاله في رثاء والده علیهماالسّلام . (1)
{9}
[959] وله عليه السلام:
خلقتَ الخلائق من قدرتك *** فمنهم سخيّ ومنهم بخيل
فأمّا السخيّ ففي راحةٍ *** وأمّا البخيل فحزنٌ طويل (2)
{10}
[960] وله علیه السّلام:
خلّ العيون وماأردن *** من البكاء علی عليّ
لاتقبلنّ من الخليّ *** فليس قلبك بالخليّ
لله أنت إذا الرجال *** تضعضعت وسط النديّ
فرّجت غمّته ولم *** تركن إلى فشل وعيّ (3)
ص: 338
{11}
[961]
ذري کدرَ الأيّام إنّ صفاءَها *** تولّى بأيّام الس رور الذواهب
وكيف يُغرّ الدهر مَن كان بينه *** وبين الليالي محكماتُ التجارب (1)
{12}
[962]
فلا الجودُ يُفني المالَ والجَدُّ مُقبّل *** ولا البخلُ يُبقي المالَ والجَدُّ مدبر (2)
{13}
[963] دخل علیه السّلام على معاوية فقال متمثّلاً :
فيم الكلام وقد سبقت مبرّزاً *** سبق الجواد من المدى والمقيس
ص: 339
فقال معاوية : إيّاي تعني - الخ، فقال علیه السّلام : أجل إيّاك أعني أفعليّ تفتخر یا معاوية أنا ابن ماء السماء، وعروق الثرى، وابن من ساد أهل الدنيا بالحسب الثابت، والشرف الفائق، والقدي السابق، أنا ابن من رضاه رضى الرحمن وسخطه سخط الرحمن، فهل لك أب کابي، وقدیم کقديمي، فإن قلت : لا ، تغلب وإن قلت: نعم، تكذب .
فقال معاوية : أقول لا، تصديقاً لقولك. فقال علیه السّلام:
الحقّ أبلج ماتخون سبيله *** والصدق يعرفه ذوو الألباب (1)
{14}
[964] تفاخرت قریش والحسن بن علي علیهماالسّلام حاضر لا ينطق .
فقال معاوية : يا أبا محمد مالك لا تنطق ؟ فوالله ما أنت بمشوب الحسب ، ولا بكليل اللسان.
قال الحسن علیه السّلام: ماذكروا فضيلة إلّا ولي محضها ولبابها ثمّ قال :
فيم الكلام؟ وقد سبقت مبرّزا *** سبق الجواد من المدى المتنفّس
بیان : «المتنفّس» البعيد من قولهم أنت في نفس من أمرك أي سعة . (2)
ص: 340
{15}
[965]
فيم الكلام وقد سبقت مبرّزاً *** سبق الجواد من المدعي المتباعد
نحن الّذين إذ القروم (1) تخاطرت *** صُلنا على رغم العدوّ الجاحد
دانت لنا رغماً بفضل قدیمنا *** مضر وقوّمنا طريق الجاحد (2)
{16}
[966] مكتوب على خاتم الحسن بن عليّ:
قدّم لنفسك ما استطعتَ من التُقى *** إنّ المنيّة نازلٌ بك یافتی
أصبحتَ ذا فرح كأنّك لا تری *** أحباب قلبك في المقابر والبلى (3)
ص: 341
{19}
[969] وله علیه السّلام:
لئن ساءني دهر عزمت تصبّراً *** وكلُّ بلاء لايدوم يسير
وإن سرّني لم أبتهج بسروره *** وكلُّ سرور لا يدوم حقیر (1)
{20}
[970]
لكسرة من خسیس الخبز تشبعني *** وشربة من قراح الماح تكفيني
وطمرة من رقيق الثوب تسترني *** حيّاً وإنْ متّ تكفيني لِتكفيني (2)
{21}
[971] وكتب إليه رجل هذين البيتين :
لم يبق لي ممّا يباع بحجّة *** وكفاك منظر حالتي عن مخبري
إلّا بقيّة ماء وجهي صنتها *** من أن يباع فقد وجدت المشتري
ص: 343
فأرسل إليه بعشرة آلاف درهم وكتب إليه :
عاجلتنا فأتاك عاجل برّنا *** قَلّا وإن أمهلتنا لم نقلل
فخذ القليل وكن كأنّك لم تسل *** ونكون نحن كأنّنا لم نسأل (1)
{22}
[972]
مضى أمسُك الماضي شهيداً معدّلاً *** وخُلِّفتَ في يوم عليك شهید
فإن كنتَ بالأمس اقترفتَ إساءةً *** فثَنِّ بإحسان وأنت حمید
ولا ترجِ فعلَ الخير يوماً إلى غدا *** لعلّ غداً يأتي وأنت فقید(2)
ص: 344
{23}
[973]
الموتُ خيرٌ من ركوبِ العار *** والعارُ أولى من دخولّ النار (1)
{24}
[974] وجاءه بعض الأعراب فقال : أعطوه مافي الخزانة فوجد فيها عشرون ألف دينار فدفعها إلى الأعرابي .
فقال الأعرابي : يا مولاي ألا تركتني أبوح بحاجتي وأنشر مدحتي.
فأنشأ الحسن علیه السّلام :
نحن أُناس نوالنا خضل *** يرتع فيه الرجاء والأمل
تجود قبل السؤال أنفسنا *** خوفاً على ماء وجه من يسل
لو علم البحر فضل نائلنا *** لغاض من بعد فیضه خجل
بیان : قال الفيروزآبادي : الخضل كتف وصاحب كلّ شيء نَد يُترشّف نداه . وقال الجوهري : الخضل : النبات الناعم، وقوله علیه السّلام «خجل» خبر مبتدأ محذوف . (2)
ص: 345
{25}
[975] قال : وقد خرج على أصحابه مختضباً :
نُسوِّدُ أعلاها وتأبی أُصولُها *** فليت الّذي يَسودّ منها هو الأصل (1) . (2)
{26}
[976] قال له معاوية :
وتجلدي للشامتين اريهم *** اني لريب الدهر لا أتضعضع
فقال علیه السّلام في جوابه :
وإذا المنيّة أنشبت أظفارها *** ألقيت كلّ تميمة لا تنفع (3)
ص: 346
{27}
[977]
والصلحُ تأخُذُ منه مارضيتَ به *** والحربُ يكفيك من أنفاسها جُرع (1)
{28}
[978]
ولا عن قلى فارقت دارَ معاشري *** همُ المانعونَ حَوْزتي وذِماري (2)
{29}
[979] قال ابن طلحة الشافعي : كان الحسن علیه السّلام في المسجد الحرام فوقف أعرابيّ عليه، وحوله حلقة، فقال لبعض جلسائه علیه السّلام : من هذا الرجل؟ فقال : الحسن بن علي بن أبي طالب .
فقال الأعرابي : إيّاه أردتُ.
ص: 347
فقال له : وما تصنع به يا أعرابي؟
فقال : بلغني أنّهم يتكلّمون فيُعربون في كلامهم، وإنّي قطعتُ بوادياً وقفاراً وأودية وجبالاً وجئتُ لأُطارحه الكلام وأسأله عن عويص العربيّة.
فقال له جلیس الحسن علیه السّلام: إن كنتَ جئتَ لهذا فابدأ بذلك الشابّ وأومأ إلى الحسين علیه السّلام، فوقف عليه وسلّم عليه وقال : إنّي جئتك من الهرقل والجعلل والأينم والهمم.
فتبسّم الحسين علیه السّلام وقال : يا أعرابي لقد تكلّمت بكلام مايعقله إلّا العالِمون .
فقال الأعرابي : وأقول : أكثر من هذا، فهل تجيبني على قدر كلامي؟
فقال له الحسين علیه السّلام : قل ما شئت فإنّي مجيبك عنه.
فقال الأعرابي : إنّي بدوي وأكثر مقالي الشعر وهو ديوان العرب .
فقال الحسين علیه السّلام : قل ما شئت فإنّي مجيبك عنه، فأنشأ يقول :
هنا قلبي إلى اللهو وقد ودّع شرخيه *** وقد كان أنيقاً عفری تجراری ذیلیه
علالات ولذّات فياسقيالعصريه *** فلمّا عمّم الشيب من الرأس نطاقيه
وأمسى قد عناني منه تجدید حصابيه *** تسليت عن اللهو وألقيتُ قناعيه
وفي الدهر أعاجيب لمن يلبس حاليه *** فلو يعمل ذو رأي أصيل فيه رأييه
لألفي عبرة منه له في كلّ عصريه
فقال له الحسين علیه السّلام : يا أعرابي قد قلتَ فاسمع منّي، ثمّ إنّه علیه السّلام قال :
ص: 348
فمارسم شجاني *** إنمحى آية رسميه
سفور درّج *** الذيلين في بوغاء قاعیه
وقد لاح من المزن *** دنانوه سماکیه
أتى مثعنجر الود *** ق يجود من خلاليه
وقد احمد برقاه *** فلا ذمّ لبرقيه
وقد جلّل رعداه *** فلاذمّ لرعديه
شجيج الرعد شجّاج *** إذا أرخى نطاقيه
فأضحى دارساً *** قفر البينونة أهليه
فقال الأعرابي لمّا سمعها: مارأیت إلى اليوم قطّ أعرب منه كلاما، وأدرب لساناً، وأفصح منطقاً .
فقال له الحسن علیه السّلام :
يا أعرابي!
هذا غلامٌ كرّم الرحمنُ *** بالتطهير جدّيه
کساه القمر القمقا *** م من نور سنائیه (1)
ولو عدّد طماح *** نفحنا عن عداديه
وقد أرضيت من *** شعري وقوّمت عرضيه
فلمّا سمع الأعرابي قول الحسن علیه السّلام قال : بارك الله عليكما مثلکما بخلته الرجال، وعن مثلكما عقمت النساء، فوالله لقد انصرفت وأنا محبّ لكما راض عنكما فجزاكما الله خيراً، وانصرف . (2)
ص: 349
{30}
[980] كان الحسن بن علي علیهماالسّلام كثيراً ما يتمثل بهذا البيت :
يا أهل لذّات دنيالا بقاء لها *** إنّ اغتراراً بظلّ زائل حمق (1)
ص: 350
ص: 351
{1}
[413] من لم يتمنّ غير ما اختار الله له فقد اتّكل على حسن اختيار الله فهذا أحد الوقوف على الرضا بما يعرف القضاء . (1)
{2}
[414] مَن يتّق الله يجعل له مخرجاً من الفتن، ويُسدِّده في أمره، ويُهيّىء له رُشدَه، ويُفلجه بحجّته، ويُبيِّض وجهَه، ويعطيه رغبته ، مع الّذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين، وحَسُن أُولئك رفيقا . (2)
من شرّ الناس، ومنهم مَن له خُلق ولاخَلاق، فذلك خير الناس . (1)
{5}
[418] قال علیه السّلام وقد أتاه رجل فقال : إنّ فلاناً يقع فيك .
فقال : أبقيتني في تعب، أُريد الآن أن أستغفر الله لي وله . (1)
{7}
[419] ممّا رواه علیه السّلام عن جدّه صلّي الله علیه و آله قال : سمعتُ جدّي رسول الله صلّي الله علیه و آله يقول : ابنَ آدم إكفل لي بثلاث أكفل لك بالجنّة: إنْ قنعتَ بما رزقك اللهُ فأنتَ أغنى الناس، وإن انتهيتَ عمّا حرّم اللهُ فأنت أربحُ الناس، وإن عمِلتَ بما فرض الله عليك فأنت أوفرُ الناس . (2)
{9}
[421] قال الحسن علیه السّلام: أتى رجل النبيّ صلّي الله علیه و آله فقال : يا رسول الله ! رجل يحبّ مَن يُصلّي ولا يصلّي إلّا الفريضة، ويحبّ مَن يتصدّق ولا يتصدّق إلّا بالواجب، ويحبّ مَن يصوم ولا يصوم إلّا شهر رمضان.
فقال رسول الله صلّي الله علیه و آله: المرءُ مع من أحبّ. (1)
{10}
[422] وقال علیه السّلام: إتّقوا اللهَ عبادَ الله وجِدّوا في الطلب وتجاهَ الهرَب، وبادِروا العملَ قبل مقطّعات النقِمات، وهادم ِاللذّات، فإنّ الدنيا لا يدوم نعيمُها ، ولا تؤمَنُ فجيعُها، ولا تتوقّي في مساويها، غرورُ حائل، وسِناد (2) مائل، فاتّعِظوا
ص: 355
عبادَ الله بالعِبَر، واعتَبِروا بالأثر، وازدَجِروا بالنقم، وانتفِعوا بالمواعظ، فكفى بالله معتصماً ونصيراً، وكفى بالکتاب حجيجاً وخصيماً، وكفى بالجنّة ثواباً ، وكفى بالنار عقاباً ووَبالاً . (1)
{11}
[423] وقال علیه السّلام : اجعل ما طلبت من الدنيا فلن تظفر به بمنزلة ما لم يخطر ببالك، واعلم أنّ مروّة القناعة والرضا أكثر من مروّة الإعطاء، وتمام الصنيعة خيرٌ من ابتدائها . (2)
{12}
[424] أحبّوا الله فإن أطعنا الله فأحبّونا وإن عصيناه فأبغضونا، قاله لرجل ممّن يغلو فيهم.
فقال الرجل : إنّكم قرابة رسول الله صلّي الله علیه و آله وأهل بيته .
فقال: ويحكم لو كان الله نافعاً بقرابة منه بغير عمل نفع بذلك من هو أقرب إليه منّا أباه وأُمّه، والله إنّي لأخاف أن يضاعف للعاصي منّا العذاب ضعفين، وأرجو أن يؤتي المحسن منّا أجره مرّتين . (3)
ص: 356
{13}
[425] أحسِن جوار من جاورك تكن مسلماً (1)
{14}
[426] ومرّ الحسن علیه السّلام بشاب يضحك . فقال : هل مررت على الصراط ؟!
قال : لا .
قال : وهل تدري إلى الجنّة تصير أم إلى النار؟
قال : لا.
قال : فما هذا الضحك؟
قال : فما رؤي هذا الضاحك بعد ضاحكاً. (2)
{15}
[427] الحسن : - إن شاء الله - هو ابن علي علیهماالسّلام: إذا أراد الله عزّوجلّ بعبد خيراً ألهاه عن محاسِنِه وحوّل مساوءَه نُصْبَ عينيه . (3)
ص: 357
{16}
[428] الحسن بن علي: إذا جاءكم الزائرُ فأضيفوه، ومَن سألكم بوجه الله فأعطوه. (1)
{17}
[429] الحسن بن علي : إذا دخل الرجلُ بيتَه فقال السلام علیکم ووضع طعامه ، فقال : بسم الله فإذا فرغ قال : الحمد لله، قال الشيطان : ليس لي هاهنا رزقُ ولا مبيت . (2)
{18}
[430] وقال الحسن بن علي علیه السّلام: إذا سمعتَ أحداً يتناولُ أعراضَ الناس فاجتهدْ أن لا يعرفَك، فإنّ أشقى الأعراض به معارفه . (3)
{19}
[431] قال علیه السّلام: يقول اللهُ تعالى : المصلّي يُناجيني والمُنفِق یُقرِضُني،
ص: 358
والصائم يتقربّ إلىّ . (1)
{20}
[432] وقال علیه السّلام: إذا لقى أحدُكم أخاه فليُقَبِّل موضعَ النور مِن جبهته . (2)
{23}
[435] عن جنادة بن أبي أُميّة، قال : دخلتُ على الحسن بن عليّ بن أبي طالب علیهماالسّلام في مرضه الّذي توفّي فيه ... إلى أن قال: فقلت له : يابن رسول الله عظني.
قال: نعم، إستعدّ لسفرك وحصِّلْ زادَك قبلَ حلول أجلك، واعلم أنّك تطلب الدنيا و الموتُ يطلبُك، ولا تحمل همّ يومِك الّذي لم يأتِ على يومك الّذي أنت فيه، واعلم أنّك لا تكسب من المال شيئاً فوقَ قوتِك إلّا كنتَ خازناً فيه لغيرك، واعلم أنّ في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب ، فأنزِل الدنيا بمنزلة الميتة، خذ منها ما يكفيك، فإن كان ذلك حلالاً کنتَ قد زهدتَ فيها، وإن كان حراماً لم يكن فيه وزر، فأخذتَ كما أخذتَ من الميتة ، وإن كان العتاب فإنّ العتاب يسير ، واعمَل لدنياك كأنّك تعيش أبداً، واعمَل الآخرتك كأنّك تموت غداً، وإذا أردتَ عزّاً بلا عشيرة، وهيبةً بلا سلطان فاخرج من ذُلِّ معصية الله إلى عزّ طاعة الله عزّوجلّ، وإذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجةٌ فاصحب مَن إذاصحبتَه زانَك، وإذا خدمتَه صانك، وإذا أردتَ منه معونةً أعانك، وإن قلتَ صدَّق قولَك، وإن صُلْتَ شدّ صولَك، وإن مدَدْتَ يدَك بفضل مدَّها، وإن بدت عنك ثلمةٌ سدّها، وإن رأى منك حَسَنةً عدَّها، وإن سألتَه أعطاك ، وإن سكتَّ عنه ابتداك، وإن نَزَلَتْ إحدى الملمّات به ساءك، من لا تأتيك منه البوائقُ، ولا يختلف عليك منه الطرائق ولا يخذلك عند الحقائق، وإن تنازعتما منقسماً آثرك.
قال : ثمّ انقطع نَفَسُه، واصفرّ لونه حتّی خشيتُ عليه، ودخل الحسين علیه السّلام، والأسود بن أبي الأسود فانكبّ عليه حتّى قبّل رأسه وبين عينيه ، ثمّ
ص: 360
قعد عنده وتسارّا جميعاً ... الخ . (1)
{26}
[438] قال : قال رسول الله صلّي الله علیه و آله: أظلم الظالمين مَن ظلم الظالم، دَعُوا الظالم حتّى يلقى اللهَ بوزره يوم القيامة كاملاً . (1)
{27}
[439] أعرف الناس لحقوق إخوانه وأشدّهم قضاءاً لها أعظمهم عند الله شأنا . (2)
{28}
[440] إعلم أيّها الرجل أنّه لا يضرّك ما فاتك من الدنيا و أصابك مِن
ص: 362
شدائدِها إذا ظفرتَ بالآخرة، وماينفعك ما أصبتَ من الدنيا إذا حُرِمتَ الآخرة . (1)
{29}
[441] إعلموا أنّ الله لم يخلقكم عبثاً، وليس بتارککم سدی، کتب آجالكم، وقسم بینکم معائشکم، ليعرف كلُّ ذي لبّ منزلته، وأنّ ما قدّر له أصابه ، وماصرف عنه فلن يصيبه، قد كفاكم مؤونة الدنيا، وفرّغكم لعبادته ، وحثّكم على الشكر، وافترض عليكم الذكر، وأوصاكم بالتقوى، وجعل التقوى منتهى رضاه، والتقوى باب کلّ توبة ، ورأس كلّ حكمة، وشرف كلّ عمل، بالتقوى فاز من فاز من المتّقين ، قال الله تبارك وتعالى : «إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا» (2) وقال : «وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» (3) فاتّقوا الله عباد الله، واعلموا أنّه من يتّق الله يجعل له مخرجاً من الفتن، ويسدِّده في أمره، ويهیّيء له رشده، ويفلجه بحجّته، ويبيّض وجهه، ويعطيه رغبته مع الّذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أُولئك رفيقاً . (4)
ص: 363
{30}
[442] خطب الحسن علیه السّلام في دم، فأجابه صاحب الدم، فقال: قد وضعتُ ذلك الدم لله ولوجوهكم.
قال له الحسن علیه السّلام: ألا قلتَ: قد وضعتُ ذلك لله خالصاً؟! (1)
{31}
[443] قال الحسن بن علي (رضي الله عنه) في كلام له : أُمّتكم آخر الأُمم، وأنتم آخر أُمّتكم، وقد أسرع بخياركم فماذا تنتظرون؟ هيهات هيهات ذهبت الدنيا بحال بمالها، وبقيت الأعمال أطواقاً في أعناق بني آدم ... إنّه والله لا أُمّة بعد أُمّتكم، ولا نبيّ بعد نبيّكم، ولا كتاب بعد کتابکم، وأنتم تسوقون الناس والساعة تسوقكم، وإنّما ينتظر بأوّلكم أن يلحق آخركم. (2)
{32}
[444] الأمين آمن، والبريء جريء، والخائن خائف، والمسيء
ص: 364
مستوحش . (1)
{33}
[445] عزّى الحسن بن علي علیهماالسّلام رجلاً قد مات بعض ذويه فقال له : إن كانت المصيبة أحدثتْ لك موعظة وكسّبتك أجراً فهو، وإلّا فمُصيبتُك في نفسك أعظمُ من مصيبتك في ميتك . (2)
{34}
[446] قال : قال رسول الله صلّي الله علیه و آله : حدّثني جبريل : أنّ الله أهبط إلى الأرض ملكاً، فأقبل ذلك الملك يمشي حتّى انتهى إلى باب، رجل ينادي على باب الدار، فقال الملَك للرجل : ما جاء بك إلى هذه الدار؟
فقال : أخ لي مسلم زرتُه في الله .
قال : الله ما جاء بك إلّا ذلك؟
قال : الله ما جاء بي إلّا ذلك.
قال الملك : وجبت لك الجنّة، وأيّما مسلم زار مسلماً فليس إياّه يزور،
ص: 365
بل إيّاي يزور، وثوابه عليّ الجنة. (1)
{35}
[447] قال الحسن بن علي علیهماالسّلام لرجل أبَلّ من علّة : إنّ الله قد ذكرك فاذكره، وأمّا لك فاشكره . (2)
{36}
[448] قال الحسن علیه السّلام: إنّ الله تعالى لم يجعل الأغلالَ في أعناق أهل النار لأنّهم أعجزوه، ولكن إذا أُطفيء بهم اللهب أرسبهم في قعرها . ثمّ غشي عليه، فلمّا أفاق من غشوته قال : يابن آدم نفسَك نفسَك، فإنّما هي نفس واحدة إن نجَتْ نجوتَ، وإن هلكتْ لم ينفعك نجاةُ مَن نجى . (3)
ص: 366
{37}
[449] إنّ اللهَ ليعفو يومَ القيامة عفواً يُحيطُ على العبادِ حتّى يقولَ أهلُ الشرك : واللهِ ربّنا ماکُنّا مشرکین . (1)
{40}
[452] إنّ أشدّ الناس حسرةً يوم القيامة رجلان : رجلٌ نظر إلى ماله في میزان غيره سعد به وشقي هو به، ورجل نظر إلى علمه في ميزان غيره سعد به وشقي هو به . (1)
{41}
[453] مرّ الحسن بن علي علیهماالسّلام على ميّت يراد دفنه فقال : إنّ أمراً هذا آخره لحقيق بأن يُزهَدَ في أوّله، وإنّ أمراً هذا أوّله لحقيقٌ أن يخاف من آخره . (2)
ص: 368
{42}
[454] قال الحسن علیه السّلام : إنّ تقيّةً يُصلِح الله بها أُمّةً لصاحبها مثل ثواب أعمالهم، وتركُها بما أهلك أُمّةً تاركُها شريكُ من أهلكهم، وإنّ معرفة حقوق الإخوان تُحبّبُ إلى الرحمان، ويعظم الزلفي لدى الملك الديّان، وإنّ ترك قضائها يمقت الرحمن، ويصغر الرتبة عند الكريم المنّان . (1)
في بذل المال. قال : بأبي وأُمّي أنتما، إنّ الله قد عوّدني أن يتفضّل عليّ، وعوّدتُه أن أتفضَّل على عبادِه ، فأخافُ أن أقطع العادةَ فيقطعَ عنّي . (1)
{47}
[459] حدّثنا موسی (1) بن جمهور التنيسي، حدثنا محمد بن مصفّى (2)، حدثنا ابن أبي فديك (3)، حدّثني جهم (4) بن عثمان، عن عبدالله بن حسن بن حسن، عن أبيه عن جدّه أنّ النبي صلى الله عليه وآله قال : إنّ مِن واجب المغفرة إدخال السُرور على أخيك المسلم. (5)
{48}
[460] أنّه كان بين أيديكم أقوام يجمعون كثيراً، ويبنون مشيداً، ويأملون
ص: 371
بعيداً، أصبح جمعهم بوراً، وعملهم غروراً، ومساكنهم قبوراً . (1)
{49}
[461] قال القيرواني : كان الحسنُ علیه السّلام جواداً كريماً، لا يردّ سائلاً ، ولا يقطع نائلاً، وأعطى شاعراً مالاً كثيراً فقيل له : أتعطي شاعراً يعصي الرحمن ويطيع الشيطان ويقول البهتان؟
فقال : إنّ خيرَ ما بذلتَ من مالك ما وقیتَ به عرضك، وإنّ من ابتغاء الخير اتّقاءَ الشرّ. (2)
{50}
[462] عن أبي عبدالله علیه السّلام قال : جاء رجل إلى الحسن والحسين علیهماالسّلام وهما جالسان على الصفا فسألهما فقالا : إنّ الصدقة لا تحلّ إلّا في دين موجع، أو غرم مفظع، أو فقر مدقع، ففيك شيء من هذا؟
قال : نعم فأعطياه، وقد كان الرجل سأل عبدالله بن عمر، وعبدالرحمن بن أبي بكر فأعطياه ولم يسألاه عن شيء فرجع إليهما فقال لهما: مالكمالم تسألاني
ص: 372
عمّا سألني عنه الحسن والحسين، وأخبرهما بما قالا، فقالا : إنّهما غذّيا بالعلم غذاء.
بيان قال الجزري : فيه لا تحلّ المسألة إلّا لذي فقر مدقّع، أي شديد يفضي بصاحبه إلى الدعاء، وهو التراب . (1)
{51}
[463] حدّثنا إبراهيم (2) بن هاشم البغوث، حدّثنا إسماعيل (3) بن سيف حدّثنا جعفر بن سلیمان (4)، عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال : دخلت مع علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) إلى الحسن بن علي نعوده، فقال له علي (رضي الله عنه) : كيف أصبحت یابن رسول الله؟
قال : أصبحت بحمد الله بارئاً.
قال : كذلك إن شاء الله.
ثمّ قال الحسن (رضي الله عنه) : أسندوني، فأسنده علي (رضي الله عنه) إلى صدره، فقال : سمعت جدّي رسول الله صلّي الله علیه و آله يقول : إنّ في الجنّة شجرة يقال
ص: 373
له شجرة البلوى يؤتى بأهل البلاء يوم القيامة ، فلايُرفَع لهم ديوان، ولا يُنصَب لهم میزان، يُصبُّ عليهم الأجر صبّاَ، وقرأ: «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ» (1) . (2)
{52}
[464] جَلَس رجلٌ إلى الحسن بن علي علیهماالسّلام ، فقال له: إنّك جَلَسْتَ إلينا، ونحن نريد القيام، أفتأذن؟ (3)
{53}
[465] عن عاصم بن ضمرة قال : كنت أسير مع الحسن بن علي على شاطىء الفرات وذلك بعد العصر ونحن صيام، قال : وماء الفرات يجري على رضراض والماء صاف و نحن عطاش.
فقال الحسن بن علي: لو كان معي مئزر لدخلت الماء .
قلت : إزاري أعطيکه .
قال : فما تلبس أنت؟
قلت : أدخل كما أنا .
ص: 374
قال : فذاك الّذي أكره أنّي سمعت رسول الله صلّي الله علیه و آله يقول : إنّ للماء عوامر من الملائكة كعوامر البيوت استحبوهم وهابوهم، وأكرموهم إذا دخلتم عليهم الماء، فلا تدخلوا إلّا بمئزر . (1)
{54}
[466] عن حارثة، عن عليّ أنّه خطب الناس، ثمّ قال : إنّ أبن أخيكم الحسن بن عليّ قد جمع مالاً وهو يريد أن يقسّمه بينكم. فحضر الناس فقام الحسن فقال : إنّما جمعته للفقراء. فقام نصف الناس ثمّ كان أوّل من أخذ منه الأشعث بن قیس . (2)
ص: 375
{55}
[467] عن الحسن بن علي علیهماالسّلام أنّه قال : إنّ هذه الأنفس طُلَعة . (1)
{56}
[468] إنّه والله ما أراد بها النصيحة، ولكن أراد أن يفني بنوهاشم ما بأيديهم فيحتاجوا إليه، وأن يحلم بنو أُميّة فيحبّهم الناس، وأن يشجع بنو العوام فيقتلوا، وأن يتيه بنو مخزوم فیمقتوا.
قاله علیه السّلام لمّا بلغه قول معاوية : إذا لم يكن الهاشمي جواداً والأموي حليماً والعوامي شجاعاً والمخزومي تياهاً لم يشبهوا بآبائهم، فذكره . (2)
{57}
[469] خرج الحسن علیه السّلام إلى سفر ... فمرّ براعي غنم، فنزل عنده ليلاً فألطفه وبات عنده ، فلمّا أصبح قال علیه السّلام له : «إنّي ماض إلى ضيعتي، ثمّ أعود
ص: 376
إلى المدينة» ووقت له وقتاً وقال له : «تأتيني به) فلمّا جاء الوقت شغل الحسن علیه السّلام بشيء من أُموره عن قدوم المدينة، فجاء الراعي وكان عبداً لرجل من أهل المدينة فصار إلى الحسين علیه السّلام وهو يظنّه الحسن علیه السّلام فقال : أنا العبد الّذي بتّ عندي ليلة كذا ووعدتني أن أصير إليك في هذا الوقت ...
فقال الحسين علیه السّلام : لِمَن أنت يا غلام؟
فقال : لفلان.
فقال علیه السّلام: كم غنمك؟
قال : ثلاثمائة .
فأرسل إلى الرجل فرغّبه حتّى باعة الغنم والعبد، فأعتقه ووهب له الغنم مكافأةً لماصنع مع أخيه ، وقال : إنّ الّذي بات عندك أخي وقد كافأتك بفعلك معه. (1)
{58}
[470] أوسع ما يكون الكريمُ بالمغفرة، إذا ضاقت بالمذنب المعذرة . (2)
ص: 377
{59}
[471] قال حسن بن عليّ المجتبي علیه السّلام : أُوصيكم بتقوى الله وإدامة التفكّر، فإنّ التفكّر أبو كلّ خير وأُمُّه . (1)
البتوت (1) والنَمرِات (2) . (3)
{62}
[474] عن الحسن بن علي عليهماالسّلام أنّه قال: أيّها الناس نافِسوا في المكارم، وسارعوا في المغانم، ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوه، ولا تكسبوا بالمطل ذمّاً، واعلموا أنّ حوائج الناس من نعم الله عليكم فلا تملّوا النعم فتحوّل نقماً ، وإنّ أجود الناس من أعطى مَن لا يرجو، وإنّ أعفى الناس مَن عفى عن قدرة ، ومن أحسَنَ أحسن الله إليه، والله يحبّ المحسنين . (4)
{63}
[475] عن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهماالسّلام قال: قال رسول الله صلّي الله علیه و آله: بادروا إلى رياض الجنّة.
ص: 379
فقالوا : وما ریاض الجنّة؟ قال : حِلَق الذكر . (1)
{64}
[476] عن الحسن بن عليهماالسّلام أنّه قال : البُخلُ جامع المساوي والعيوب ، وقاطع المودّات عن القلوب، نسأله تعالى التوفيق لما يحبَ ويرضى . (2)
{65}
[477] عن الحسن بن علي عليهماالسّلام أنّه قال : قال النبي صلّي الله علیه و آله : البُخل كلّ البخل
ص: 380
مَن ذُكرتُ عنده فلم يصلّ عليّ . (1)
{72}
[484] ترك الزنا وكنس الفنا وغسل الإناء مجلبة للغنا . وأقوى الأسباب الجالبة للرزق إقامة الصلاة بالتعظيم والخشوع، وقراءة سورة الواقعة، خصوصاً بالليل، ووقت العشاء، وسورة يس، وتبارك الّذي بيده الملك وقت الصبح، وحضور المسجد قبل الأذان والمداومة على الطهارة، وأداء سنّة الفجر والوتر في البيت، وأن لا يتكلّم بكلام لغو، من اشتغل بما لا يعنيه فإنّه ما يعنيه . (1)
{75}
[487] جرّبنا وجرّب المجرّبون فلم نر شيئاً أنفع وجداناً ولا أضرّ فقداناً من الصبر تداوی به الأُمور، ولا يداوى هو بغيره . (1)
{76}
[488] عن الحسن بن عليهماالسّلام أنه قال : حباني النبي صلّي الله علیه و آله بکلتا یدیه بالوَرْد وقال : هذا سيّد ريحان أهل الدنيا والآخرة . (2)
{77}
[489] الحريصُ الجاهلُ والزاهد القانعُ كلاهما مستوفٍ أكله غيرُ منقوص من رزقه شيئاً، فعلی مَ التهافت في النار؟ (3)
ص: 384
{78}
[490] قال الحسن بن علي علیهماالسّلام: حسبك من السؤال أنّه يضعف لسان المتكلّم، ويكسر قلب الشجاع البطل، ويوقف الحرّ الكريم موقف العبد الذليل، ويذهب بنضرة اللون، ويمحو الحسب، ويحبّب الموت، ويمقت الحياة . (1)
{79}
[491] حقٌّ على كلّ من وقف بين يدي ربّ العرش أن يصفرّ لونُه وترتَعِدَ مَفاصِلُه . (2)
ص: 385
{80}
[492] الخيرُ كلُّه في صبرِ ساعةٍ واحدةٍ تُورثُ راحةً طويلةً وسعادةً كثيرة . (1)
{81}
[493] سأله رجلٌ صدقة، ولم يكن معه شيء، فاستحي أن يردّ بلا عطاء فقال علیه السّلام له : ألا أدلّك على شيء يحصل لك منه البرّ؟
قال : بلى ما هو؟
قال : إذهب إلى الخليفة، فإنّ ابنته تُوفّيت وانقطع عليها، وما سمع من أحد تعزية، فعزّه بقولك : «الحمدُ لله الّذي سَتَرها بجلوسِك على قبرِها وما هَتكها بجلوسها على قبرِك».
فذهب الرجل وفعل مثلَ ما أمره، فسرّى عن الخليفة حزنه وأمر له بجائزة ، وقال له : أكلامك هذا؟ فقال : بل كلام الحسن علیه السّلام ، قال : صدقت، فإنّه معدن الكلام الفصيح، وأمر له بجائزة أُخرى . (2)
ص: 386
{82}
[494] الخيرُ الّذي لا شرّ فيه : الشكرُ مع النعمة، والصبرُ على النازلة . (1)
{83}
[495] خير المال ماوقي به العرض. (2)
{84}
[496] حدّثنا هاشم بن مرثد الطبراني حدثنا أبو صالح الفراء حدثنا أبو إسحاق الفزاري، عن الحسن بن عبیدالله عن بُریدبن أبي مريم عن أبي الحوراء قال : قلت للحسن بن علي (رضي الله عنهما): مثل من کنت في عهد رسول الله صلّي الله علیه و آله وما عقلت عنه؟
قال : عقلت عنه أنّي سمعته يقول: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإنّ الشرّ ريبة، والخير طمأنينة . (3)
ص: 387
{85}
[497] الديك إذا صاح يقول : اذكروا الله ياغافلين . (1)
{86}
[498] عن عمران بن عبدالله ، قال : رأى الحسن بن عليّ في منامه أنّه مکتوب بين عينيه «قل هو الله أحد» ففرح بذلك، قال : فبلغ سعيد بن المسيّب فقال : إن كان رأى هذه الرؤيا فقلّ ما بقي من أجله . قال : فلم يلبث الحسن بعدها إلّا أيّاماً حتّى مات . (2)
ورواه أبو سلمة المنقري عن سلام بن مسكين عن عمران بن عبدالله بن طلحة نحوه. (3)
ص: 388
{87}
[499] قال الحسن بن علي بن أبي طالب علیهماالسّلام : رأيت عیسی بن مریم علیه السّلام في النوم فقلت : ياروح الله إنّي أريد أن أنقش على خاتمي فما أنقش عليه؟ قال : انقش عليه: «لا إله إلّا الله الملك الحقّ المبين» فإنّه يذهب الهمّ والغمّ. (1)
{89}
[501] عن الحسن بن علي (رضي الله عنهما) قال : مَن طلب الدنيا قعدت به ، ومن زهد فيها لم يبال من أكلها، الراغب فيها عبد لمن يملكها، أدني ما فيها يكفي وكلُّها لاتُغْني، مَن اعتدلَ يوماه فيها فهو مغرور، ومَن كان يومه خيراً من غده فهو مغبون، ومَن لم يتفقّد النقصان عن نفسه فإنّه في نقصان، ومَن كان في نقصان فالموت خير له. (1)
{92}
[504] ويروى عن عُمَير بن إسحاق أنّه قال : ذهبت مع بعض أصحابي العيادة أمير المؤمنين الحسن فلمّا اقتربنا منه سلّمنا عليه وجلسنا، سمعته يقول الرجل : اسألني حاجتك . فقال : ما لم تتماثل إلى العافية فلن أسأل . ثمّ سأله مرّة أُخرى وقال : سلني حاجتك قبل أن لا أستطيع الجواب . فردّ عليه بنفس الجواب ، ثمّ قال الإمام الحسن : لقد سقيت السم عدّة مرّات (1) ولكنّه هذه المرّة کان مختلفاً. (2)
{95}
[507] صعد رسول الله صلّي الله علیه و آله المنبر يوم غزوة تبوك فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أيّها الناس! إنّي والله ما آمركم إلّا بما أمركم الله به، ولا أنهاكم إلّا عمّا نهاكم الله عنه، فأجمِلُوا في الطلب ، فوالّذي نفس أبي القاسم بيده إنّ أحدكم ليطلُبه رزقه كما يطلبه أجله، فإنْ تعسّر عليكم شيءٌ منه فاطلبوه بطاعة الله عزّوجل . (1)
{96}
[508] عن الحسن بن علي علیهماالسّلام أنّه قال : علیکم بحفظ السرائر فإنّ الله مطّلع على الضمائر، وحفظ القلب هو عدم الإتّجاه إلى غير الله، وحفظ فكرك عن معصيته تعالى . (2)
{97}
[509] عن الحسن بن علي علیهماالسّلام أنّه قال : الغلّ والحسد يأكلان الجسد
ص: 392
كما تأكل النار الحطب . (1)
{98}
[510] فاتّقوا اللهَ يا عبادَ الله واعلموا أنّه مَن يتّقِ اللهَ يَجعلْ له مَخرجاً من الفِتن ويُسدّده في أمره ويُهيّیء له رشدَه ويفلجه بحجّته ويُبيّض وجهَه ويُعطيَه رغبتَه، مع الّذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحَسُن أُولئك رفيقاً . (2)
{99}
[511] روي أنّ الحسنَ بن علي علیهماالسّلام رأى رجلاً يعيب الفالوذج فقال : فتات البُرّ بلعبا النحل بخالص السمن، ماعاب هذا مسلم. (3)
ص: 393
المودّة، وإن قرب نسبُه . (1)
أبي إسحاق (1)، عن شقيق (2) بن سلمة، عن الحسن بن علي (رضي الله عنه) قال : جاءت امرأة إلى رسول الله صلّي الله علیه و آله ومعها ابنان لها، فأعطاها ثلاث تمرات، فأعطت ابنيها كلّ واحد منهما تمرة، فأكلا تمرتيهما، ثمّ جعلا ينظران إلى أُمّهما، فشقّت تمرتها بنصفين بينهما، فقال رسول الله صلّي الله علیه و آله: قد رحِمَها الله برحمتها ابنَيْها. (3)
{111}
[523] وقال علیه السّلام: لا تأت رجلاً إلّا أن ترجو نواله، أو تخاف يده، أو تستفيد من علمه، أو ترجو بركة دعائه، أو تصل رحماً بينك وبينه . (1)
{112}
[524] وقال علیه السّلام : لاتتكلّف مالا تطيق ، ولا تتعرّض لما لا تدرك، ولا تعد بما لا تقدر عليه، ولا تنفق إلّا بقدر ما تستفيد، ولا تطلب من الجزاء إلّا بقدر ما عندك من العناء، ولا تفرح إلّا بما نلت من طاعة الله تبارك وتعالى، ولا تتناول إلّا ماترى نفسك أهلاً له .
فإنّ تكلّف ما لا تطيق سفه، والسعي فيما لا تدرك عناء، وعدّة ما لا تنجز تفضيح والإنفاق من غير فائدة حرب (2)، وطلب الجزاء بغير عناء سخافة، وبلوغ المنزلة بغير استحقاق يشفي (3) على الهلكة (4). (5)
ص: 398
{113}
[525]لاتجاهد الطلب جهاد الغالب، ولا تتّكل على القدر إتّكال المستسلم، فإنّ ابتغاء الفضل من السنّة، والإجمال في الطلب من العفّة، وليست العقّهُ بدافعة رزقاً، ولا الحرص بجالب فضلاً، فإنّ الرزقَ مقسوم، واستعمال الحرص استعمالُ المأثم . (1)
{114}
[526] قال أمير المؤمنين علیه السّلام و للحسن ابنه علیه السّلام: يابُنّي ألا أُعلَمك أربعَ خصال تستغني بها عن الطبّ؟
فقال : بلى يا أمير المؤمنين.
قال : لا تجلس على الطعام إلّا وأنت جائع، ولاتَقُم عن الطعام إلّا وأنت تشتهيه، وجوِّد المَضْغَ، وإذا نمتَ فاعرض نفسَك على الخلاء، فإذا استعملتَ هذا استغنيتَ عن الطبّ (2) . (3)
ص: 399
{115}
[527] قال الحسن بن علي علیهماالسّلام : قال لي أبي علي بن أبي طالب علیه السّلام : لا تخلفنّ وراءك شيئاً من المال، فإنّك تخلفه لأحد رجلين : إمّا رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت به، وإمّا رجل عمل فيه بمعصية الله فكنت عوناً له على معصيته، وليس أحد هذين حقيقاً على أن تؤثره على نفسك . (1)
{116}
[528] لا شيء أقربُ من يَد إلى جسد، وإنّ اليد تغلّ فيه فتقطع وتحسم. (2)
ص: 400
{122}
[534] لا يغشّ العاقل مَن استَنصَحه . (1)
{123}
[535] لعمري يابن آدم الطير لا تأكل رغداً ولا تخبأ، وأنت تأكل رغداً وتخبأ لغد، فالطير أحسن ظنّاً منك بالله عزّوجلّ (2). (3)
{124}
[536] لقد أصبحت أقوام كانوا ينظرون إلى الجنّة ونعيمها والنار وجحيمها يحسبهم الجاهل مرضى ومابهم من مرض وقد خولطوا وإنّما خالطهم أمر عظيم خوف الله ومهابته في قلوبهم كانوا يقولون ليس لنا في الدنيا من حاجة وليس لها خلقنا ولا بالسعي لها أُمِرنا، أنفقوا أموالهم وبذلوا دماءَهم واشتروا بذلك رضا خالقهم علموا أنّ الله اشترى منهم أموالهم وأنفسهم بالجنّة، فباعوه وربحت تجارتهم وعظمت سعادتهم وأفلحوا وأنجحوا فاقفوا آثارهم رحمكم
ص: 403
الله واقتدوا بهم فإن الله تعالى وصف لنبيّه صلّي الله علیه و آله صفة آبائه إبراهيم وإسماعيل وذرّيتهما وقال : «فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ» واعلموا عباد الله أنّكم مأجورون بالاقتداء بهم والإتّباع لهم، فجدّوا واجتهدوا واحذروا أن تكونوا أعواناً للظالم. (1)
{125}
[537] المدائني، عن القسم بن الحسن ، عن أبيه الحسن بن زيد، عن أبيه، عن الحسن بن علي علیهماالسّلام، عن أبيه أمير المؤمنين علیه السّلام ، عن رسول الله صلّي الله علیه و آله قال : لمّا أراد الله عزّوجلّ أن يخلق الخيل، قال لريح الجنوب : إنّي خالق منك خلقاً فأجعله عزّاً لأوليائي، ومذلّة على أعدائي، وجمالاً لأهل طاعتي.
فقالت الريح : أُخلق ، فقبض منها قبض فخلق فرساً، فقال له : خلقتك غريباً، وجعلت الخير معقوداً بناصيتك، والغنائم مجموعة على ظهرك، عطفت عليك صاحبك، وجعلتك تطير بلا جناح، فأنت للطلب، وأنت للهرب ، وسأجعل على ظهرك رجالا يسبّحونني ويحمدونني ويكبّرونني، فتسبّحين إذا سبّحوا، وتهلّلين إذا هلّلوا وتكبّرين إذا كبّروا.
فقال رسول الله صلّي الله علیه و آله: مامن تسبيحة وتحميدة وتمجيدة وتكبيرة يكبّرها صاحبها، فتسمعها إلّا وتجيبه بمثلها.
ثمّ قال : لمّا سمعت الملائكة صفة الفرس، وعاينوا خلقها، قالت : رب نحن ملائكتك نسبّحك ونحمدك فماذا لنا؟ فخلق الله لها خلقا بلقا (2) أعناقها
ص: 404
كأناق البخت (1)، فلمّا أرسل الفرس إلى الأرض، واستوت قدماه على الأرض صهل، فقيل : بوركت من دابّة أذل بصهيلك المشركين، وأذلّ به أعناقهم، وأملا به آذانهم، وأرعد به قلوبهم، فلمّا عرض الله على آدم من كلّ شيء، قال له : إختر من خلقي ما شئت، فاختار الفرس فقيل له : إخترت عزّك، وعزّ ولدك ، خالداً ما خلّدوا، وباقياً ما بقوا، برکتي عليك وعليهم، ما خلقت خلقاً أحبّ إليّ منك ومنه . (2)
{126}
[538] تفسير الفرات بإسناده عن الحسن علیه السّلام فيماسأل کعب الأحبار أمير المؤمنين علیه السّلام قال : لمّا أراد الله تعالى خلق آدم بعث جبرئیل فأخذ من أديم الأرض قبضة فعجنه بالماء العذب والمالح وركّب فيه الطبائع قبل أن ينفخ في الروح، فخلقه من أديم الأرض فطرحه كالجبل العظيم، وكان إبليس يومئذ خازناً على السماء الخامسة يدخل في منخر آدم ثمّ يخرج من دبره، ثمّ يضرب بيده على بطنه فيقول: لأيّ أمر خلقت؟ لئن جعلت فوق لا أطعتك، ولئن جعلت أسفل منّي لأعينك (3) فمكث في الجنّة ألف سنة مابين خلقه إلى أن ينفخ فيه الروح، الحديث . (4)
ص: 405
{127}
[539] عن موسی بن جعفر علیهماالسّلام عن آبائه ، عن الحسن بن علي علیهماالسّلام قال : لمّا خلق الله تعالی موسی بن عمران علیه السّلام كلمّه على طور سيناء، ثمّ اطّلع إلى الأرض إطّلاعة فخَلَق من نور وجهه العقيقَ ثمّ قال : آليتُ بنفسي على نفسي أن لا أُعذِّبَ كفّاً لابسةً به إذا تولّى عليّاً بالنار . (1)
{128}
[540] قال الحسن بن عليّ علیهماالسّلام: لموضعُ الرِجْل في الكوفة أحبّ إليّ من دار بالمدينة . (2)
{129}
[541] هلاك الناس في ثلاث : الكبر والحرص والحسد، فالكبر هلاك الدين وبه لُعِن إبليس، والحرص عدوّ النفس، وبه أخرج آدم من الجنّة،
ص: 406
والحسدُ رائدُ السوء ومنه قَتَل قابيلُ هابيَل . (1)
{130}
{130}
[542] عن الحسن بن علي علیهماالسّلام أنّه قال : لو تكاشفتم ما تدافنتم، تهاديتم الأطباق ولم تهادوا النصائح . (2)
{131}
[543] لو جعلت الدنيا كلّها لقمة واحدة لقمتها من يعبد الله خالصاً الرأيت أنّي مقصّر في حقّه، ولو منعت الكافر منها حتّى يموت جوعاً وعطشاً ثمّ أذقته شربة من الماء لرأيت أنّي قد أسرفت . (3)
{132}
[544] قال ابن أبي الحديد : قال الحسن علیه السّلام: لو رأيتَ الأجلَ ومسيرَه النسيتَ الأملَ وغروره، ويقدّر المقدّرون والقضاء يضحك . (4)
ص: 407
{133}
[545] وقال علیه السّلام: ما أعرفُ أحداً إلّا وهو أحمقُ فيما بينَه وبينَ ربّه. (1)
{134}
[546] عن عبدالله بن حسن ، عن أبيه، عن فاطمة الكبرى قالت: قال رسول الله صلّي الله علیه و آله: ما التقى جندان ظالمان إلّا تخلّى الله عنهما، ولم يبال أيّهما غالب وما التقى جندان ظالمان إلّا كانت الدبرة على أعتاهما . (2)
{140}
[552] عن الحسن بن علي علیهماالسّلام، عن النبي صلّي الله علیه و آله: ما من جرعة أحبّ إلى الله تعالى من جرعة غيظ كظمها رجل، أو جرعة صبر على مصيبة، وما من قطرة أحبّ إلى الله من قطرة دمع من خشية الله، أو قطرة دم أُهرقت في سبيل الله . (1)
{141}
[553] عن الحكم بن عبدالله بن نافع : أنّ أبا موسى عاد الحسن بن علي علیهماالسّلام فقال الحسن علیه السّلام: أعائداً جئت أو زائراً؟
فقال : عائداً.
فقال : ما من رجل يعود مریضاً ممسياً إلّا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتّى يصبح، وكان له خریف (2)
ص: 410
في الجنّة. (1)
{143}
[555] ما من عبد مسلم يعود مريضاً إلّا صلّي عليه سبعون ألف ملك من ساعته الّتي يعود فيها إن كانت نهاراً حتّى تغرب الشمس، أو ليلاً حتّى تطلع الفجر . (1)
{144}
[556] قال أبو الجارود : حدّثني أبو سعید دینار بن عقّیصا التميمي، قال : مررتُ بالحسن والحسين علیهماالسّلام وهما في الفرات مُستنقِعين في إزارهما ، فقالا: «إنّ للماء سکّاناً كسكّان الأرض»، ثمّ قالا : أين تذهب؟ فقلت : إلى هذا الماء، قالا : وما هذا الماء؟ قلت : ماء يشرب في هذا الحير يخفّ له الجسد، ويخرج الحرّ، ويسهّل البطنَ، هذا الماء له سرّ.
فقالا: مانَحْسِبُ أنّ الله تبارك وتعالى جعل في شيء ممّا قد لعنه شفاءاً، فقلت : ولم ذاك ؟ فقالا : إنّ الله تبارك وتعالى لمّا آسَفه قومُ نوح فتح السماء بماء منهمر (2)، فأوحى الله إلى الأرض فاستعصت عليه عيونٌ منها فلعنها
ص: 412
فجعلها ملحاً أجاجاً. (1)
{147}
[559] كان الحسن علیه السّلام في نفر من أصحابه عند معاوية فقال له: يا أبا محمد خبّرني عن المروءة ، فقال : حفظ الرجل دينه، وقيامه في إصلاح ضيعته، وحسن منازعته، وإفشاء السلام، ولين الكلام، والكفّ والتحبّب إلى الناس . (1)
{148}
[560] سُئل الحسن علیه السّلام عن المروءة؟ فقال : العفاف في الدين، وحسن التقدير في المعيشة، والصبر على النائبة . (2)
ورواه في «الجوهر النفيس في سياسة الرئيس» (ص 118 ط دار الطليعة في بيروت) . هكذا:
حين سأله معاوية عن المروءة؟ قال علیه السّلام: وأمّا المروءة فحفظ الرجل دينه وإحرازه نفسه من الدنس، وقيامه لضيفه، وأداء الحقوق، وإفشاء السلام .
ص: 414
{152}
[564] قال علیه السّلام: المسؤول حرّ حتّى يعد، ومسترق بالوعد حتّى ينجز. (1)
{153}
[565] روي عن الحسن بن علي علیهماالسّلام أنّه قال : مصائب الدنيا أربع : موت الوالد، وموت الولد، وموت الأخ، وموت المرأة . فموت الوالد قاصم الظهر ، وموت الولد صدع الفؤاد، وموت الأخ قصّ الجناح، وموت المرأة حزن ساعة. (2)
{156}
[568] قال يا عمّاه! لولا أنّ لا ينبغي للمُوَدّع أن يسكُت، وللمشيّع أن ينصرفَ لقصر الكلام وإن طال الأسف، وقد أتى إليك من القوم ماتری، فضَعْ عنك الدنيا بتذكّر فراقها، وشدّة ما اشتدّ منها بر جاء ما بعدها، واصبر حتّى تلقى نبيّك صلّي الله علیه و آله وهو عنك راض. (1)
{157}
[569] قال جابر : سمعتُ الحسن علیه السّلام يقول: مکارم الأخلاق عشر : صِدقُ اللسان، وصدقُ الأس، وإعطاءُ السائل، وحسنُ الخُلق، والمكافأةُ بالصنائع، وصلةُ الرحم، والتذمُّم على الجار، ومعرفةُ الحق للصاحب ، وقِرَى الضيف، ورأسُهنّ الحياءُ . (2)
ص: 417
{158}
[570] النعمة محنة، فإن شکرت کانت نعمة (1)، وإن كفرت صارت نقمة. (2)
{159}
[571] لمّا قيل له: إنّ أباذر يقول : الفقر أحبّ إليّ من الغني، والسقم أحبّ إليّ من الصحّة، رحم الله أبا ذر، أمّا أنا فأقول: من اتّكل على حسن اختيار الله له لم يتمنّ غير ما اختار الله له . (3)
ص: 418
{160}
[572] ومن كلامه علیه السّلام: مَن أحبّ الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه، ومَن ازداد حرصاً على الدنيا لم يزدَدْ منها إلّا بُعْداً وازداد هو من الله بُعْضاً. (1)
{161}
[573] قيل للحسن علیه السّلام: مَن أحسنُ الناس عیشاً ؟ قال : مَن أشرك الناسَ في عيشه .
وقيل : من شرُّ الناس عيشاً ؟ قال : من لا يعيشُ في عيشه أحد. (2)
{162}
[574] من أخرجه الله (عزّوجلّ) من ذُلّ المعاصي إلى عِزّ التقوى أغناه الله بلا مال، وأعزّه بلا عشيرة، وآنسه بلا بشر، ومن لم يستح من طلب المعيشة رخّى الله باله، ونعّم عياله، ومن زهد في الدنيا ثبت الله الحكمة في قلبه ، وأنطقَ بها لسانَه وبصّره داءها ودواءها وعيوبها، وأخرجه الله سالماً إلى دار السلام . (3)
ص: 419
{167}
[579] یابن آدم عَفْ عن محارم الله تكن عابداً، وارضَ بما قسم الله سبحانه تكن غنيّاً، وأحسِن جوارَ من جاورك تكن مسلماً . (1)
{168}
[580] روى عن جدّه صلّي الله علیه و آله أنّه قال: من ذهب في حاجة أخيه المسلم فقضيت حاجته كتبت له حجّة وعمرة، وإن لم تقض له كتبت له عمرة . (2)
ص: 421
ص: 423
{1}
[981] عن الحسن بن علي علیهماالسّلام: أنّه سُمّي حسناً يومَ السابع واشتُقّ من إسم الحسن حسيناً، وذكر أنّه لم يكن بينهما إلّا الحمل . (1)
{2}
[982] عن أبي سعيد الخدري : أنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله دخل على ابنته فاطمة وإبناها إلى جانبها، وعليّ نائم، فاستسقى الحسن، فأتى ناقة لهم فحلب منها، ثمّ جاء به، فنازعه الحسين أن يشرب قبله حتّى بکی.
فقال : يشرب أخوك ثمّ تشرب.
فقالت فاطمة : كأنّه آثر عندك منه؟
قال : ما هو آثر عندي منه، وإنهما عندي بمنزلة واحدة، وإنّكِ وهما وهذا المضطجع معي في مكان واحد يوم القيامة . (2)
ص: 424
{3}
[983] ما اشتدّ عليّ ظمأ بعدَ ما مَصَصْتُ لسانَ نبيَ الله صلّي الله علیه و آله، ولا دخلَتْني وحشةٌ بعد دعوتِه . (1)
{4}
[984] أبوالسعادات في الفضائل : أنّه أملا الشيخ أبو الفتوح في مدرسة الناجية : إنّ الحسن بن علي علیهماالسّلام كان يحضر مجلس رسول الله صلّي الله علیه و آله وهو ابن سبع سنين ، فيسمع الوحي فيحفظه فيأتي أُمّه فيلقي إليها ما حفظه كلّما دخل عليٌ علیه السّلام وجد عندها علماً بالتنزيل فيسألها عن ذلك فقالت : من ولدك الحسن، فتخفّی يوماً في الدار، وقد دخل الحسن وقد سمع الوحي فأراد أن يلقيه إليها فأُرنج عليه . فعجبت أُمّه من ذلك فقال : لا تعجبي يا أُمّاه فإنّ كبيراً يسمعني، فاستماعه قد أوقفني . فخرج علي علیه السّلام فقبّلَه.
وفي رواية : يا أُمّاه قلّ بياني وكلّ لساني لعلّ سيّداً يرعاني .
بیان : قال الجوهري : أُرتج على القارىء على ما لم يسمّ فاعله إذا لم يقدر
ص: 425
على القراءة، كأنّه أُطبق عليه كما يرتج الباب وكذلك أُرتتج عليه، ولا تقل أُرتجّ عليه بالتشديد . (1)
{5}
[985] جاء أبو سفيان إلى علي علیه السّلام فقال : يا أبا الحسن جئتك في حاجة .
قال : وفيم جئتني؟ قال : تمشي معي إلى ابن عمك محمد فتسأله أن يعقد لنا عقداً ويكتب لنا كتاباً . فقال : يا أبا سفيان لقد عقد لك رسول الله عقداً لا يرجع عنه أبداً، وكانت فاطمة من وراء الستر، والحسن يدرج بين يديها وهو طفل من أبناء أربعة عشر شهراً.
فقال لها : يا بنت محمّد! قولي لهذا الطفل يكلّم لي جدّه فيسود بکلامه العرب والعجم .
فأقبل الحسن علیه السّلام إلى أبي سفيان وضرب إحدى يديه على أنفه والأُخرى على لحيته ثمّ أنطقه الله عزّوجلّ بأن قال : يا أبا سفيان! قل لا إله إلّا الله محمّد رسول الله حتّى أكون شفيعاً .
فقال علیه السّلام: الحمد الله الّذي جعل في آل محمّد من ذرّية محمّد المصطفى نظیر یحیی بن زکریّا «يوَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» (2). (3)
ص: 426
{6}
[986] أبو عبدالله المفيد النيسابوري في أماليه : أنّه قال الرضا علیه السّلام: عري الحسن والحسين علیهماالسّلام وقد أدركهما العيد فقالا لأُمّهما فاطمة : يا أُمّاه قد تزيّنوا صبيان المدينة إلّا نحن فمالكِ لا تزينينا بشيء من الثياب فها نحن عرايا كما ترین .
فقالت لهما : يا قرّة عيني إنّ ثیابکما عند الخيّاط (1) فإذا خاطهما وأتاني بهما زيّنتكمابها يوم العيد، تريد بذلك أن تطيب قلوبهما، فلمّا كان ليلة العيد أعادا القول على أُمّهما وقالا : يا أماه الليلة ليلة العيد فبكت فاطمة رحمة لهما ، وقالت لهما: يا قرّة عيني طيبا نفساً إذا أتاني الخيّاط زيّنتكما إن شاء الله تعالى .
قال : فلمّا مضى وهن من الليل وكانت ليلة العيد إذ قرع الباب قارع.
فقالت فاطمة : من هذا؟
فناداها : يا بنت رسول الله افتحي الباب أنا الخيّاط قد جئتُ بثياب الحسن والحسین علیهماالسّلام.
فقامت فاطمة ففتحت الباب فإذا هو رجل لم أر أهيب منه شيمة وأطيب منه ريحة فناولني منديلاً مشدوداً ثمّ انصرف لشأنه .
فدخلت فاطمة وفتحت المنديل فإذا فيه قميصان ودراعتان وسروالان ورداوان وعمامتان وخفّان فسرت فاطمة بذلك سروراً عظيماً، فلمّا استيقظ الحسنان ألبستهما وزيّنتهما بأحسن زينة فدخل النبي لهما يوم العيد وهما مزيّنان
ص: 427
فقبّلهما وهنّاهما بالعيد وحملهما على كتفيه ومشى بهما إلى أُمّهما ثمّ قال : یا فاطمة رأيتِ الخيّاط الذي أعطاكِ الثياب هل تعرفينه؟
قالت : لا والله لست أعرفه، ولست أعلم أنّ لي ثياباً عند الخيّاط والله ورسوله أعلم بذلك.
فقال : يا فاطمة ليس هو خيّاط وإنّما هو رضوان خازن الجنان والثياب من الجنّة أخبرني بذلك جبرائیل عن ربّ العالمين . (1)
{7}
[987] قال الحسين بن فهم : وأنبأنا ابن سعد (2) أنبأنا الفضل بن دکین، أنبأنا عبيد أبو الوسيم الجمال، عن سليمان أبي شدّاد (3) قال : كنت ألاعب الحسن والحسين بالمداحي فكنت إذا أصبت مدحاته فكان يقول لي: أيحلّ لك أن تركب بضعة من رسول الله صلّي الله علیه وآله وإذا أصاب مدحاتي قال لي : أما تحمد ربّك أن تركبك بضعة من رسول الله صلّي الله علیه وآله؟ (4)
ص: 428
{8}
[988] عن أبي رافع قال : كنت أُلاعب الحسن بن علي صلوات الله عليه وهو صبيّ بالمداحي، فإذا أصابت مدحاتي مدحاته قلت : احملني. فيقول : ويحك! أتركب ظهراً حمله رسول الله صلّي الله علیه وآله فأتر که ، فإذا أصابت مدحاته مدحاتي قلت له : لا أحملك كما لم تحملني فيقول : أو ماترضى أن تحمل بدناً حمله رسول الله صلّي الله علیه وآله فأحمله . (1)
{9}
[989] عن إسماعيل بن مهران، عن منذر الكناسي (2)، عن أبي عبد الله علیه السّلام قال : «خرج الحسن بن علي علیهماالسّلام في بعض سفره ومعه رجل من ولد الزبير لا
ص: 429
يقول بإمامته، فنزلوا في منهل من المناهل، تحت نخل یابس، قد يبس من العطش».
قال : «ففرش لأبي محمد الحسن تحت نخلة، والزبيريّ بحذائه تحت نخلة أُخرى».
قال : «فقام الزبيريّ ورفع رأسه وقال : لو كان في هذا النخل رطباً لأكلنا منه . فقال الحسن علیه السّلام: وإنّك لتشتهي الرطب؟! قال : نعم. فرفع يده إلى السماء ودعا بدعاء لم يسمع ولم يفهم، فاخضرّت النخلة، ثمّ صارت إلى حالتها فأورقت وحملت رطباً» .
قال : فقال الجمّال الذي اكتروا منه : سحر والله ! فقال الحسن : والله ليس بالسحر ولكن دعوة ابن نبيّ مجابة، فصعدوا إلى النخلة حتّى صرموا (1) ما كان فيها، وما كان كفاهم». (2)
{10}
[990] كان الحسن عند النبي صلّي الله علیه و آله في ليلة ظلماء وكان يحبّه حبّاً شديداً ، فقال : أذهب إلى أُمّي فقلت أذهب معه یارسول الله، قال : لا ، فجاءت برقة من
ص: 430
السماء فمشى في ضوئها حتّى بلغ إلى أُمّه . (1)
{11}
[991] عن سلمان، قال : أتيتُ النبي صلّي الله علیه و آله ، فسلّمتُ عليه، ثمّ دخلت على فاطمةَ علیهاالسّلام ، فقالت : يا عبدالله، هذان الحسن والحسين جائعان یبکیان، فخذ بأيديهما، فاخرج بهما إلى جدّهما .
فأخذتُ بأيديهما وحملتُهما، حتّى أتيتُ بهما إلى النبي صلّي الله علیه و آله، فقال : مالکما یا حسناي؟ قالا: نشتهي طعاماً یا رسول الله، فقال النبي صلّي الله علیه و آله: اللّهمّ أطعمهما، ثلاثاً.
قال : فنظرتُ فإذا سفرجلهُ في يد رسول الله صلى الله عليه وآله بقُلّة من قِلال هجر أشدّ بیاضاً من الثلج، وأحلى من العسل، وألين من الزبد، ففَركها رسولُ الله صلّي الله علیه و آله بإبهامه، فصيّرها نصفين ، ثمّ دفع إلى الحسن نصفَها وإلى الحسين نصفَها فجعلتُ أنظر إلى النصفين في أيديهما وأنا أشتهيها .
قال : ياسلمان لعلّك تشتهيها؟
قلتُ: نعم.
ص: 431
قال : ياسلمانُس هذا طعامٌ من الجنّة لا يأكله أحد حتّى ينجو من الحساب . (1)
{12}
[992] الفخري : قال : روي أنّ النبي صلّي الله علیه و آله خرج من المدينة غازياً وأخذ معه عليّاً وبقي الحسن والحسين علیهماالسّلام عند أُمّهما لأنّهما (طفلان) (2) صغيران، فخرج الحسين علیه السّلام ذات يوم من دار أُمّه يمشي في شوارع المدينة، وكان عمره يومئذ ثلاث سنين ، فوقع بين نخيل وبساتين حول المدينة، فجعل يسير في جوانبها ويتفرّج في مضاربها، فمرّ على (3) يهودي يقال له صالح بن زمعة (4) اليهودي فأخذ الحسين إلى بيته وأخفاه عن أُمّه حتّى بلغ النهار إلى وقت العصر والحسين علیه السّلام لم يتبيّن له أثر، فطار (5) قلب فاطمة بالهمّ والحزن على ولدها الحسين علیه السّلام فصارت تخرج من دارها إلى باب مسجد النبي صلّي الله علیه و آله سبعين مرّة فلم تر أحداً تبعثه في طلب الحسین علیه السّلام.
ثمّ أقبلت إلى ولدها الحسن علیه السّلام وقالت له : يا مهجة (6) قلبي وقرّة عيني قم
ص: 432
واطلب أخاك الحسين علیه السّلام فإنّ قلبي يحترق من فراقه .
فقام الحسن وخرج من المدينة وأتى إلى دور حولها نخيل [كثيراً] (1) وجعل يصيح (2) يا حسين بن علي، يا قرّة عين النبي، أين أنت يا أخي؟
قال : فبينما الحسن علیه السّلام ينادي إذ بدت له غزالة في تلك الساعة فألهم الله الحسن أن يسأل الغزالة، فقال (لها) (3): يا ظبية هل رأيتِ أخي حسيناً؟ فأنطق الله الغزالة ببرکات رسول الله وقالت : يا حسن یا نور عينَي المصطفى، وسرور قلب المرتضى، ويا مهجة فؤاد الزهراء اعلم إنّ أخاك أخذه صالح اليهودي، وأخفاه في بيته، فصار الحسن حتّى أتى دار اليهودي فناداه فخرج صالح فقال [له] (4) الحسن : (يا صالح أخرج) (5) إليّ الحسين علیه السّلام من دارك وسلّمه إليّ وإلّا أقول لأُمّي تدعو عليك في أوقات السحر وتسأل ربّها حتّى لا يبقى على وجه الأرض يهودي، ثمّ أقول لأبي يضرب بحسامه جمعكم (6) حتّى يلحقكم بدار البوار، وأقول لجدّي يسأل الله سبحانه أن لا يدع يهوديّاً إلّا وقد فارق روحه .
فتحيّر صالح اليهودي من كلام الحسن، وقال له: يا صبيّ من أُمّك؟!
فقال : أمّي الزهراء بنت محمّد المصطفى، قلادة الصفوة، ودرّة صدف العصمة، وغرّة (7) جمال العلم والحكمة، وهي نقطة دائرة المناقب والمفاخر،
ص: 433
ولمعة من أنوار المحامد والمآثر ، خمرت طينة وجودها من تفّاحة من تفّاح الجنّة، وكتب [الله] (1) في صحيفتها عتق عصاة الأُمّة، وهي أُمّ السادة النجباء، وسيّدة النساء البتول العذراء فاطمة الزهراء علیهاالسّلام .
فقال اليهودي : أمّا أُمّك فعرفتها فمن أبوك؟
فقال الحسن علیه السّلام: أسد الله الغالب ، علي بن أبي طالب، الضارب بالسيفين، والطاعن بالرمحين، والمصلي مع النبي في القبلتين، والمفدي نفسه لسيّد الثقلين، وأبو الحسن والحسين.
فقال : صدقت (2) يا صبي قد عرفت أباك فمن جدّك؟
فقال : جدّي درّة من صف (3) الجليل، وثمرة من شجرة إبراهيم الخليل ، والكوكب الدُرّي، والنور المضيء من مصباح التبجيل المعلّقة في عرش الجليل ، سيّد الكونين ، ورسول الثقلين، ونظام الدارين، وفخر العالمين، ومقتدى (4) الحرمین، وإمام المشرفين والمغربين، وجدّ السبطين أنا [ الحسن] (5) وأخي الحسین .
قال : فلمّا فرغ الحسن علیه السّلام من تعداد مناقبه انجلی صدى الكفر (6) من قلب صالح (اليهودي) (7) وهملت عيناه بالدموع، وجعل ينظر کالمتحيّر متعجّباً من
ص: 434
حسن منطقه، وصغر سنّه، وجودة فهمه.
ثمّ قال :
یا ثمرة فؤاد المصطفى، ويا نور عين المرتضى، وياسرور صدر الزهراء أخبرني من قبل أن أُسلّم إليك أخاك عن أحكام دين الإسلام حتّى أذعن إليك (1) وأنقاد إلى الإسلام.
ثمّ إنّ الحسن عرض عليه أحكام الإسلام وعرّفه الحلال والحرام، فأسلم صالح وأحسن الإسلام على يد الإمام ابن الإمام، وسلّم إليه أخاه الحسين ثمّ نثر على رأسهما طبقاً من الذهب [والفضة] (2) وتصدّق به على الفقراء والمساكين ببركة الحسن والحسين علیهماالسّلام.
[ثمّ إنّ الحسن أخذ بيد أخيه الحسين] (3) وأتيا إلى أُمّهما فلمّا رأتهما (4) اطمأنّ قلبها وزاد سرورها بولديها.
قال : فلمّا كان في اليوم الثاني أقبل صالح ومعه سبعون رجلاً من رهطه وأقاربه وقد دخلوا جميعهم في الإسلام على يد الإمام ابن الإمام أخي الإمام (عليهم أفضل الصلاة والسلام).
ثمّ تقّدم صالح إلى [الباب] (5) - باب الزهراء - رافعاً صوته بالثناء للسادة الأُمناء، وجعل يمرغ وجهه وشيبته على عتبة دار فاطمة الزهراء وهو يقول :
ص: 435
يا بنت محمّد المصطفى عملت سوءً بابنكِ وآذيت ولدكِ وأنا على فعلي نادم فاصفحي عن ذنبي، فأرسلت إليه فاطمة الزهراء تقول : يا صالح أمّا أنا فقد عفوت من (1) حقّي ونصيبي وصفحت عمّا سوّءتني به، لكنّهما ابناي وابنا عليّ المرتضى فاعتذر إليه ممّا اذيت ابنه.
ثمّ إنّ صالحاً انتظر عليّاً حتّى أتى من سفره وأعرض عليه حاله واعترف عنده بما جرى [له] (2) وبكى بين يديه واعتذر ممّا أساء (3) إليه، فقال له: يا صالح أمّا أنا فقد رضيتُ عنك وصفحتُ عن ذنبك، ولكن هؤلاء ابنا وريحانتا رسول الله صلّي الله علیه و آله فامض إليه واعتذر (إليه) (4)، ممّا أسأت بولده، فأتی صالح إلى رسول الله صلّي الله علیه و آله باكياً حزيناً وقال : يا سيّد المرسلين أنت قد أُرسلت رحمة للعالمين وإنّي قد أسأت وأخطأت وإنّي قد سرقت ولدك الحسين عليه السّلام وأدخلته إلى داري ، وأخفيته عن أخيه وأُمّه وقد سوءتهما في ذلك وأنا الآن قد فارقت الكفر ودخلتُ في دين الإسلام.
فقال له النبي صلّي الله علیه و آله: أمّا أنا فقد رضيت عنك وصفحت عن جرمك، لكن يجب عليك أن تعتذر إلى الله تعالى وتستغفره ممّا أسأت به (إلى) قرّة عين الرسول ومهجة فؤاد البتول حتّى يعفو الله عنك سبحانه .
قال : فلم يزل صالح يستغفر ربّه ويتوسّل إليه ويتضرّع بين يديه في أسحار الليل وأوقات الصلاة حتّى نزل جبرائيل على النبي بأحسن التبجيل وهو يقول :
ص: 436
یا محمّد! قد صفح الله عن جرم صالح، حيث دخل في دين الإسلام على يد الإمام ابن الإمام (أخي الإمام) (عليهم أفضل الصلاة والسلام). (1)
{13}
[993] فخر الدين النجفی: قال :
نقل في بعض الأخبار عن الثقاة الأخبار : إنّ نصرانيّاً أتى رسولاً من ملك الروم إلى يزيد (لعنه الله) وقد حضرت في مجلسه الّذي أُتي إليه [فيه] (2) برأس الحسين عليه السّلام، فلمّا رأى النصراني رأس الحسين عليه السّلام بكى وصاح وناح (من قلب مفجوع) (3) حتّى ابتلت لحيته بالدموع.
ثمّ قال :
(اعلم) (4) یا یزید إنّي دخلتُ المدينة تاجراً في أيّام حياة النبي صلّي الله علیه و آله وقد أردتُ أن آتیه بهدية فسألت من أصحابه : أيّ شيء أحبّ إليه من الهدايا؟
فقالوا (5): الطيب أحبّ إليه من كلّ شيء وإن له رغبة به.
قال : فحملت إليه من المسك فارتین و قدراً من العنبر الأشهب وجئت به إليه وهو يومئذ في بيت زوجته أُمّ سلمة (رضي الله عنه) فلمّا شاهدت جماله
ص: 437
ازداد لعيني من لقائه نوراً ساطعاً وزادني منه سروراً، وقد تعلق قلبي بمحبّته فسلّمت عليه ووضعت العطر بين يديه.
فقال : ما هذا؟
قلت : هديّة محقّرة أتيت بها إلى حضرتك .
فقال لي : ما اسمك؟
فقلت : إسمي عبد الشمس.
فقال لي: بدّل اسمك، ثمّ قال : أنا سمّيتك (1) عبدالوهّاب، إن قبلت منّي الإسلام قبلت منك الهديّة.
قال : فنظرته وتأمّلته فعلمت أنّه نبيّ وهو النبيّ الّذي أخبرنا به (2) عیسی علیه السّلام حيث قال : إنّي مبشّر [لكم] (3) برسولٍ يأتي من بعدي اسمه أحمد فاعتقدت ذلك وأسلمت على يده في [تلك] (4) الساعة ورجعت إلى الروم وأنا أخفي الإسلام ولي مدّة من السنين وأنا مسلم مع خمس من البنين وأربع من البنات، وأنا اليوم وزير ملك الروم وليس لأحد من النصارى اطّلاع على حالنا.
واعلم یا یزید إنّي كنت في حضرة النبي صلّي الله علیه و آله وهو في بيت أُمّ سلمة رأيت هذا
العزيز الّذي رأسه وضع بين يديك مهاناً حقيراً قد دخل على جدّه من باب الحجرة والنبي صلّي الله علیه و آله فاتح باعه ليتناوله وهو يقول : مرحباً بك يا حبيبي حتّى أنه
ص: 438
تناوله وأجلسه في حجره، وجعل يقبّل شفتيه ويرشف ثناياه وهو يقول : بَعُدَ مِن (1) رحمة الله من قتلك [لعن الله من قتلك] (2) يا حسين وأعان على قتلك والنبي صلّي الله علیه و آله مع ذلك يبكي.
فلمّا كان (في) (3) اليوم الثاني (انّي) (4) كنتُ مع النبي صلّي الله علیه و آله في مسجده إذ أتاه الحسن علیه السّلام مع أخيه الحسين علیه السّلام وقال : يا جدّاه قد تصارعت (مع) (5) أخي الحسين ولم يغلب أحدنا الآخر وإنّما نريد أن نعلم أيّنا أشدّ قوّة من الآخر.
فقال لهما النبي صلّي الله علیه و آله: يا حبيبيّ [ويا مهجتيّ] (6) إنّ التصارع لا يليق بکما (ولكن) (7) اذهبا فتكاتبا فمن كان خطّه أحسن كذلك يكون قوّته أكثر .
قال : فمضيا و كتب كلّ واحد منهما سطراً وأتيا إلى جدّهما النبي صلّي الله علیه و آله فأعطياه اللوح ليقضي بينهما فنظر النبي إليهما ساعة ولم يرد أن يكسر قلب أحدهما فقال لهما : إذهبا إلى أبيكما [ل_] (8) يحكم بينكما وينظر أیّكما أحسن خطاً.
قال : فمضيا إليه وقام النبي صلّي الله علیه و آله أيضاً معهما ودخلوا جميعاً] (9) إلى منزل
ص: 439
فاطمة فما (1) كان إلّا ساعة وإذا النبي صلّي الله علیه و آله مقبل وسلمان الفارسي معه و كان بيني وبين سلمان صداقة ومودّة فسألته: كيف حكم (بينهما) (2) أبوهما و خطّ أيّهما أحسن؟
قال سلمان (رضي الله عنه) :
إنّ النبی صلّي الله علیه و آله لم يجبهما بشيء لأنّه تأمّل أمرهما وقال : لو قلت : خطّ الحسن أحسن كان يغتمّ الحسين علیه السّلام ولو قلت : خطّ الحسين أحسن كان يغتمّ (قلب) (3) الحسن فوجّههما (4) إلى أبيهما.
فقلت له : ياسلمان بحقّ الصداقة والأخوّة الّتي بيني وبينك وبحقّ [دين] (5) الإسلام إلّا ما أخبرتني كيف حكم أبوهما بينهما؟
فقال : لمّا أتيا إلى أبيهما وتأمّل حالهمارقّ لهما ولم يرد أن يكسر قلب أحدهما، قال لهما : امضيا إلى أُمّكما فهي تحکم بینکما فأتيا إلى أُمّهما وعرضا عليها (سلام الله عليها) (6) ماکتبا في اللوح وقالا : يا أُمّاه إنّ جدّنا أمرنا أن نتکاتب فكلّ من كان خطّه أحسن تكون قوّته أكثر، فتكاتبنا وجئنا إليه فوجّهنا إلى أبينا فلم يحكم بيننا ووجّهنا إليكِ . (7)
ص: 440
فتفكّرت فاطمة علیهاالسّلام بأن جدّهما و أباهما ما أرادا کسر (1) خاطرهما أنا ما (ذا) (2) أصنع وكيف أحكم بينهما؟ فقالت لهما: يا قرّة عينَي إنّي أقطع قلادتي على رأسيكما فأیّكما يلتقط من لؤلؤها أكثر كان خطّه أحسن ويكون قوّته أكثر .
قال : وكان في قلادتها سبع لؤلؤات [ثمّ إنّها قامت فقطعت قلادتها على رأسهما] (3) فالتقط الحسن علیه السّلام ثلاث لؤلؤات والتقط الحسين ثلاث لؤلؤات وبقيت الأخرى فأراد كلّ منهما تناولها فأمر الله تعالی جبرائيل علیه السّلام بنزوله إلى الأرض وأن يضرب بجناحيه تلك اللؤلؤة ويقدّها نصفين (بالسويّة ليأخذ كلّ واحد منهما نصفها لئلا يغتمّ قلب أحدهما، فنزل جبرائيل علیه السّلام كطرفة عين وقدّ اللؤلؤ نصفين) (4) فأخذ كلّ واحد منهما نصفها . (5)
فانظر یا یزید کیف ان (6) رسول الله صلّي الله علیه و آله لم يدخل على أحدهما ألم ترجیح الكتابة (7) ولم يرد [كسر قلبهما و كذلك] (8) أميرالمؤمنين وفاطمة علیهماالسّلام وكذلك ربّ العزّة ولم يكسر (9) قلب أحدهما، بل أمر من قسم اللؤلؤة بينهمالجبر قلبهما و أنت هكذا تفعل بابن بنت رسول الله صلّي الله علیه و آله؟! أُفّ لك ولدينك یایزید
ص: 441
«فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» . (1)
ثمّ إنّ النصراني نهض إلى رأس الحسين علیه السّلام واحتضنه وجعل يقبّله و [هو] (2) يبكي ويقول : يا حسین اشهد (لي) (3) عند جدّك [محمّد] (4) المصطفى، وعند أبيك علي المرتضى، وعند أُمّك فاطمة الزهراء (صلوات الله عليهم أجمعين) (وقد قيل في هذا المعنی شعراً:
خيرة الله أحمدُ وعليّ *** وبتولٌ وشبّرٌ وشبیرٌ
قد أتی شبّرٌ ومعه شبیرً *** رقما الخطَّ وهو خط نضیرٌ
أتيا الجَدَّ قال عذراًمجيباً *** أقصدا الأب نعم ذاك المشير
حیدرٌ قال عند ذاك مجيباً *** أُطلبا الأُمّ ذاك رأيّ جدير
فاطم عند ذاك قالت سديداً *** أقطعُ العِقدَ بعد ذاك نثير
عقدها اللّؤلؤ وفي العدّ سبعٌ *** من يحوز الكثير أقوئ قدير
حاز كلٌّ من العديد ثلاثاً *** مابقی منه ناله التقدير
أرسل الله جبرئيل إليها *** بجناحيه نالها التشطیر
حاز كلّ من المشطّر شطراً *** قد قضى ربّنا العليّ الكبير (5) ) (6)
ص: 442
{14}
[994] جاء الحسنُ بنُ عليّ علیهماالسّلام إلى أبي بكرٍ وهو على منبرِ رسولِ الله صلّي الله علیه و آله فقال : إنزل عن مجلسِ أبي، قال : صدقتَ إنّه مجلسُ أبيك، ثمّ أجلسه في حجره و بکی!
فقال علي علیه السّلام: والله ما كان هذا عن أمري .
فقال : صدّقتك والله ما اتّهمتك . (1)
{15}
[995] ثمّ قال (عليّ علیه السّلام) للحسن : يا حسن قم فاصعد المنبر فتكلّم بكلام لا يجهلك قريش من بعدي فيقولون : الحسن لا يُحسن شيئاً.
قال الحسن علیه السّلام: يا أبه! كيف أصعد وأتكلّم وأنت في الناس تسمع وترى؟
قال له : بأبي وأُمّي أُواري نفسي عنك وأسمع وأرى ولا تراني.
فصعد الحسن علیه السّلام المنبر فحمد الله بمحامد بليغة شريفة وصلى على النبيّ وآله صلاةً موجزة، ثمّ قال :
أيّها الناس! سمعتُ جدّي رسول الله صلّي الله علیه و آله يقول: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، وهل تدخل المدينة إلّا من بابها». ثمّ نَزَل فوثب إليه عليّ علیه السّلام فتحمّله
ص: 443
وضمّه إلى صدره . (1)
{16}
[996] أحمد، عن البزنطي قال : قلت للرضا علیه السّلام: إنّ رجلاً من أصحابنا سمعني وأنا أقول : إنّ مروان بن محمّد لو سئل عنه صاحب القبر ما كان عنده منه علم.
فقال الرجل : إنّما عنى بذلك أبو بكر وعمر .
فقال : لقد جعلهما في موضع صدق ! قال جعفر بن محمّد: إنّ مروان (2) بن محمّد لو سئل عنه محمد رسول الله صلّي الله علیه و آله ما كان عنده منه علم، لم يكن من الملوك الذين سمّوا له، وإنّما كان له أمر طرأ .
ص: 444
قال أبو عبدالله و أبوجعفر وعليّ بن الحسين بن عليّ والحسن بن عليّ وعليّ بن أبي طالب علیهم السّلام : والله لولا آية في كتاب الله لحدّثناكم بما يكون إلى أن تقوم الساعة : «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» (1). (2)
{17}
[997] روي عن عبدالغفّار الحارثي (3): عن أبي عبدالله علیه السّلام قال : إنّ الحسن بن علي علیهماالسّلام كان عنده رجلان فقال لأحدهما : إنّك حدّثت البارحة فلاناً بحديث كذا وكذا.
فقال الرجل الآخر: إنّه ليعلم ما کان! وعجب من ذلك .
فقال علیه السّلام : إنّا لنعلم ما يجري بالليل والنهار، ثمّ قال : إنّ الله تبارك وتعالى علّم رسول الله صلّي الله علیه و آله الحلال والحرام والتنزيل والتأويل، فعلّم رسول الله صلّي الله علیه و آله عليّاً علمه كلّه . (4)
ص: 445
{18}
[998] روي أنّ الحسن علیه السّلام وإخوته وعبدالله بن العبّاس كانوا على مائدة ، فجاءت جرادة فوقعت على المائدة ، فقال عبدالله للحسن علیه السّلام: أيّ شيء مكتوب على جناح الجرادة؟
فقال علیه السّلام: مکتوب : أنا الله لا إله إلّا أنا ربّما أبعث الجراد رزقاً لقوم جياع ليأكلوه، وربّما أبعثها نقمة على قوم فتأكل أطعمتهم.
فقام عبدالله وقبّل رأس الحسن وقال : هذا من مكنون العلم. (1)
ص: 446
{19}
[999] ابن سنان، عن رجل من أهل الكوفة : أنّ الحسن بن عليّ علیهماالسّلام كلّم رجلاً : فقال : من أيّ بلد أنت؟
قال : من الكوفة.
قال : لو كنتَ بالمدينة لأريتك منازل جبرئیل علیه السّلام من ديارنا . (1)
{20}
[1000] حدّث أبو يعقوب يوسف بن الجرّاح، عن رجاله، عن حذيفة بن اليمان قال :
بينا رسول الله صلّي الله علیه و آله في جبل أظنّه حر أو غيره ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي علیه السّلام وجماعة من المهاجرين والأنصار وأنس حاضر لهذا الحديث وحذيفة يحدِّث به، إذ أقبل الحسن بن علي علیهماالسّلام يمشي على هدوء ووقار، فنظر إليه رسول الله وقال : إنّ جبرئيل يهدیه و میکائیل يسدِّده، وهو ولدي والطاهر من نفسي وضلع من أضلاعي هذا سبطي وقرّة عيني بأبي هو.
فقام رسول الله وقمنا معه وهو يقول له : أنت تفّاحتي وأنت حبيبي ومهجة قلبي وأخذ بيده فمشى معه ونحن نمشي حتّى جلس وجلسنا حوله ننظر إلى رسول الله صلّي الله علیه و آله وهو لا يرفع بصره عنه، ثمّ قال : [أما] إنّه سيكون بعدي هادياً مهديّاً هذا هديّة من ربّ العالمين لي ينبیء عنّي ويعرّف الناس آثاري ويحيي
ص: 447
سنّتي، ويتولّى أموري في فعله ، ينظر الله إليه فيرحمه، رحم الله من عرف له ذلك، وبرّني فيه وأكرمني فيه .
فما قطع رسول الله صلّي الله علیه و آله کلامه حتّى أقبل إلينا أعرابيّ يجرّ هراوة له فلمّا نظر رسول الله صلّي الله علیه و آله قال : قد جاءكم رجل يكلّمكم بكلام غلیظ تقشعرّ منه جلودكم، وإنّه يسألكم من أُمور، إنّ لكلامه جفوة. فجاء الأعرابيّ فلم يسلّم وقال : أيّكم محمّد؟ قلنا: وما تريد؟ قال رسول الله صلّي الله علیه و آله: مهلاً، فقال : يا محمّد لقد كنت أُبغضك ولم أرك والآن فقد ازددت لك بغضاً.
قال : فتبسّم رسول الله صلّي الله علیه و آله وغضبنا لذلك و أردنا بالأعرابي إرادة ، فأومأ إلينا رسول الله أن : اسكتوا!
فقال الأعرابي : يا محمّد! إنّك تزعم إنّك نبيّ وإنّك قد كذبت على الأنبياء وما معك من برهانك شيء.
قال له: يا أعرابيّ وما يدريك؟
قال : فخبِّرني ببرهانك .
قال : إن أحببت أخبرك عضو من أعضائي فيكون ذلك أوكد لبرهاني .
قال : أو يتكلّم العضو؟
قال : نعم، یا حسن قم!
فازدرى الأعرابيّ نفسه (1) وقال : هو ما يأتي ويقيم صبيّاً ليكلّمني .
قال : إنّك ستجده عالماً بما تريد.
فابتدره الحسن علیه السّلام وقال : مهلاً يا أعرابيّ.
ماغبیّاً سألت وابن غبيّ *** بل فقيهاً إذن وأنت الجهول
ص: 448
فإن تك قد جهلت فإنّ عندي *** بالشفاء الجهل ماسأل السؤل
وبحراً لا تقسّمه الدوالي *** تراثاً كان أورثه الرسول
لقد بسطت لسانك، وعدوت طورك، وخادعت نفسك، غير انّك لا تبرح حتّى تؤمن إن شاء الله، فتبسّم الأعرابي وقال : هيه . (1)
فقال له الحسن علیه السّلام : نعم اجتمعتم في نادي قومك، وتذاكرتم ما جرى بينكم على جهل وخرق منكم، فزعمتم أنّ محمّداً صنبور (2) والعرب قاطبة تبغضه، ولا طالب له بثاره، وزعمت أنّك قاتله وكان في قومك مؤنته، فحملت نفسك على ذلك، وقد أخذت قناتك بيدك تؤمّه تريد قتله، فعسر عليك مسلكك، وعمي عليك بصرك، وأبيت إلّا ذلك فأتيتنا خوفاً من أن يشتهر وإنّك إنّما جئت بخير يراد بك.
أُنبئك عن سفرك : خرجت في ليلة ضحیاء إذ عصفت ريح شديدة اشتدّ منها ظلماؤها وأطلّت سماؤها، وأعصر سحابها، فبقيت محرنجماً کالأشقر إن تقدم نُحر وإن تأخّر عُقِر (3)، لا تسمع لواطیء حسّاً ولا لنافخ نار جرساً، تراكمت عليك غيومها، وتوارت عنك نجومها، فلا تهتدي بنجم طالع، ولا بعلم لامع، تقطع محجة وتهبط لجة في ديمومة قفر بعيدة القعر، مجحفة
ص: 449
بالسفر إذا علوت مصعداً ازددت بُعداً، الريح تخطفك، والشوك تخبطك، في ریح عاصف، وبرق خاطف، قد أوحشتك آكامها، وقطعتك سلامها، فأبصرت فإذا أنت عندنا فقرَّت عينك، وظهر رينك، وذهب أنينك.
قال : من أين قلت یا غلام هذا؟ كأنّك كشفت عن سويد (1) قلبي، ولقد كنت كأنّك شاهدتني، وما خفي عليك شيء من أمري وكأنّه علم الغيب [ف_] قال له : ما الإسلام؟
فقال الحسن علیه السّلام: الله أكبر، أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله.
فأسلم وأحسن إسلامه، وعلّمه رسول الله صلّي الله علیه و آله شيئاً من القرآن .
فقال : يا رسول الله أرجع إلى قومي فأُعرّفهم ذلك؟
فأذن له، فانصرف ورجع ومعه جماعة من قومه، فدخلوا في الإسلام، فكان الناس إذا نظروا إلى الحسن علیه السّلام قالوا: لقد أُعطِيَ مالم يُعْطَ أحد من الناس. (2)
ص: 450
ص: 451
فهرس الآیات
فهرس الموضوعات
ص: 452
رقم الآية... الصفحة
البقرة (2)
(109) كفّاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبيّن لهم الحقّ ... 16
(183 و 184) کتب علیکم الصیام کما کتب على الّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون ... 213
(195) وأحسنوا إنّ الله يحبّ المحسنين ... 153
آل عمران (3)
(7) والراسخون في العلم ...131
(92) لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون ... 221
(134) والعافين عن الناس والله يحبّ المحسنين ... 168
النساء (4)
(130) وإن يتفرّقا يغن الله كلاً من سعته... ... 241
المائدة (5)
(21) ادخلوا الأرض المقدّسة ... 106
(25) ربّ إنّي لا أملك إلّا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ... 106
(32) ومن أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعاً ... 250
ص: 453
(87 و 88 ) يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ... * وكلوا مما رزقكم الله ... ... 115
الأنعام (6)
(90) فبهداهم اقتده ... 404
الأعراف (7)
(138) اجعل لنا إلهاً كما لهم عالمة قال إنّكم قوم تجهلون ... 106
(176) فاقصص القصص ... 90
(199 - 201) خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإمّا ينزغنّك من... ... 170
التوبة (9)
(102) خلطوا عملاً صالحاً وءاخر سيّئاً ... 79
يوسف (12)
(92) لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم ... 171
(20) وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين ... 269
الرعد ( 13 )
(39) يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أُمّ الكتاب ... 445
الحجر ( 15 )
(62) إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان ... 20
النحل (16)
(100) إنّما سلطانه على الّذين يتولّونه ... 20
(83) یعرفون نعمت الله ثمّ ينكرونها ... 296
الإسراء ( 17 )
(16) وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول... ... 128 و 139
(55) فضّلنا بعض النبيّين على بعض وءاتینا داود زبوراً... 19
(60) والشجرة الملعونة في القرآن... ... 130
(60) وما جعلنا الرؤيا الّتي أريناك إلّا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ... 120
ص: 454
(64) وشاركهم في الأموال والأولاد ... 145
(78) أقم الصلاة لدلوك الشمس... ... 16
مریم (19)
اریکاتور )
(12) وآتيناه الحكم صبيّاً ... 426
طه (20)
(72) فاقض ما أنت قاض ....... 105
(88) هذا إلهكم و إله موسى ... 106
الأنبياء (21)
(73) ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلاً جعلنا صالحين وجعلناهم أئمّةً... ... 19
(79) ففهّمناها سليمان ... 229
(111) وإن أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين ... 128 و 133
الحج (22)
(46) فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن... ... 442
النور (26)
(32) إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ... 241
(26) الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات ... 128
(26) والطّيبون للطّيبات أُولئك مبرّءون ممّا يقولون لهم مغفرة ورزق کریم ... 128
الروم (30)
(17) سبحان الله حين تمسون ... 197
السجدة ( 32)
(18) أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقاً لا يستوون ... 123
الأحزاب (33)
(25) وردّ الله الّذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال ... 117
(26) وأنزل الّذين ظاهروهم... ... 111
ص: 455
(53) يا أيها الّذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبيّ إلّا أن يؤذن لكم ... 23
سبأ (34)
(13) وقليل من عبادي الشكور ... 105
يس (36)
(15) ما أنتم إلّا بشر مثلنا ... 19
ص (38)
(24) وقليل ما هم ... 105
(30) ووهبنا لداود سلیمان نعم العبد إنّه أوّاب ... 216
(44) إنّا وجدناه صابراً نعم العبد إنّه أوّاب ... 216
الزمر (39)
(10) إنّما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب ... 374
(61) وينجّي الله الّذين اتّقوا بمفازتهم لا يمسّهم السوء ولا هم يحزنون ... 363
الشوری (42)
(39) والّذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ... 362
الزخرف (43)
(55) فلمّا ءاسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ... 412
الفتح (48)
(24) هو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكّة... ... 117
(25) والهدي معكوفاً أن يبلغ محلّه ... 118
الحجرات (49)
(6) إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ... 123
الحشر (59)
(2) هو الّذي أخرج الّذين كفروا ... 111
الصف (61)
ص: 456
(8) يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم ... 20
المنافقون (63)
(8) ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين ... 78
الإنسان (76)
(5) إنّ الأبرار يشربون من كأس ... 219
(8) ويطعمون الطعام ... 217
النبا (78)
(31) إنّ للمتّقين مفازاً ... 363
المطفّفين ( 83 )
(14) بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ... 79
الغاشية ( 88 )
(6-3) عاملة ناصبة * تصلى ناراً حامية * تسقى من عين... ... 124
(21) فذكّر إنّما أنت مذكّر ... 90
الضحى (93)
(11) وأمّا بنعمة ربّك فحدّث ... 397
القدر (97)
(3-1) إنّا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر... ... 54 و 56 و 57 و 62
(3) ليلة القدر خير من الف شهر ... 120
الكوثر (108)
(1) إنّا أعطيناك الكوثر ... 54 و 55 و 56 و 57
(3) إنّ شانئك هو الأبتر ... 121
ص: 457
ص: 458
تقریظ ... 6
الوصايا ... 7
خليفة رسول الله . وصيّة أُمّه فاطمة علیهماالسّلام ... 8
من وصايا أمير المؤمنين علیه السّلام ... 9
وصيّة علي علیه السّلام إلى الحسنين علیهماالسّلام. وصيّة أمير المؤمنين علیه السّلام ... 12
لمّا ضُرب أمير المؤمنين علیه السّلام . مدفن أمير المؤمنين علیه السّلام ... 13
وصيّته إلى أخيه علیهماالسّلام ... 14
وصيّة أُخرى ... 15
وصيّته علیه السّلام إلى محمد بن الحنفيّة ... 16
إني واردٌ على ربّي ... 22
وصيّته إلى أخيه الحسین علیهماالسّلام ... 23
ادفني في البقيع . وصيّته في حقن الدماء ... 24
ادفنوني مع أُمي . إذا أنا متُّ . . ... 25
إنّ الحسنَ علیه السّلام لمّا احتُضِر. إيّاك أن تسفك دماً ... 26
موافقه علیه السّلام ... 29
لكي لا تراق الدماء ... 30
العقل ملازم لأهل البيت علیهم السّلام . على ماذا المبايعة ؟ ... 31
معنى المبايعة . لو كان الناس مثلك ... 32
مصير أهل الكوفة . وصاياه لعبيد الله بن عباس ... 33
بعد غَدْر الغادرين . مع أهل الكوفة ... 34
ص: 459
رجال لا وفاء لهم ... 35
ما زلت أعرفكم هكذا ... 36
لا خير فيكم . إني لستُ مبايعاً ... 37
أنت في حلّ من بيعتي . مع قیس بن سعد ... 38
لا تكرهه فهو لا يبايع ... 39
قتلتم أبي بالأمس . البيعة بشروط ... 40
هذا كتاب الصلح . لا وفاء لمعاوية ... 41
ألست إمامكم؟ ... 43
للصلح حكمة . التقيّة ومبايعة الطغاة ... 44
في علّة ترك القتال . إنّ ابني هذا سيّد ... 45
ومن حِكم الصُلح ... 46
ألا تعلمون أني إمامكم ؟ . ابتغاء وجه الله ... 47
لقبُ علي علیه السّلام و حسب ... 48
من حكم الصلح ... 49
قلّة الناصرين ... 50
و بالصلح اعزّ المؤمنین . کلام بين الحسنين علیهماالسّلام ... 51
ولكي يعرف الآخرون . رأيت أهل الكوفة . قيدتني دماء المسلمين ... 52
هويّة المناوؤن ... 53
لم أجد أنصاراً ... 57
وما أصنع يا أخا جهينة ؟ ... 58
معاوية خير من هؤلاء ... 59
رجل واسع البلعوم ... 60
سلطان بني أُميّة ... 62
إنّ الله بالغ أمره ... 63
لستُ بمذلّ المؤمنین ... 64
يجتمع الأمر لمعاوية ... 65
ص: 460
ذريّة بعضها من بعض ... 66
لا يليق بنا الغدر ... 68
من أحبّ قوماً كان معهم . الله غالبٌ على أمرِه ... 69
لو قاتلت لأخذوا بعنقي . بعض العار حق ... 70
العارُ خيرٌ مِن النار ... 71
كرهتُ أن أقتلكم . الإمام أذكى من معاوية ... 73
الاحتجاجات ... 75
كلمة لا يعدلها شيء ... 76
من يفاخرني بهؤلاء. انهم عادون بكيد الشيطان ... 77
نحن بحور زاخرة . بل فيّ عزّة ... 78
قوم ران على قلوبهم... 79
ما لك افتخار ... 80
نحن نور البلاد ... 81
ما يضرّ علياً علیه السّلام ... 83
مع عمرو بن سعيد . أعرف مثالبك الخبيثة ... 84
و أُدعي لأبي . ردّاً على ابن العاص ... 85
علامات أهل النار ...86
من يصور الباطل ... 87
ألست القائل ؟! ... 88
ليس الزهد في الثياب ... 89
المتكلّف من الرجال . موعدي و موعدك الله ... 90
إنّ فيكم خصلة سوء . فكانت غنيمتُك هزيمتك ... 92
في جواب مروان بن الحكم ... 93
لعنك الله على لسان نبيّه . و أمّا أنت یا مروان ... 94
توبيخه لأعدائه ... 95
ويحك يا مروان ... 96
ص: 461
أُفّ لك يا مروان ! . إنا أهل بيت الرحمة ... 98
إنّ للماء أهلاً و سکّاناً ... 99
أتنسى يا معاوية ؟! . انا ابن من جاء بالهدى ... 10
و أعجب من هذا ... 101
من يلهيك عن معرفته . العجب من قلّة حيائك ... 101
هل بينك و بين أُمّهما قرابة ؟. شرائط الخلافة والإمامة ... 107
في فضل أبيه علیه السّلام ... 108
إنّ الخلافة لا تصلح إلّا فينا ... 130
إنّما الناس ثلاثة ... 131
أتدري من أيّ شجرة أنا ؟ ... 132
في نسب معاوية ... 133
أو أنت تسبّ أمير المؤمنين علیه السّلام ؟! ... 134
الحرب خدعة ... 135
ويلٌ لك يا معاوية ... 136
لا خير فيك يا معاوية . أيّها السابُّ عليّاً علیه السّلام ... 137
بين البعوضة والنخلة ... 138
أعور ثقیف ... 139
فلست من رجالها ... 140
لعنهم رسول الله ... 142
مع المغيرة أيضاً . لا ألومك أن تسبّ علياً ... 143
لذلك أبغضوا أهل البيت علیهم السّلام ... 144
کرائم أخلاقه علیه السّلام ... 147
إحسانه علیه السّلام إلى الحجّاج . إحسانه علیه السّلام إلى المسيء ... 148
أعطني حقّي ... 149
أبكي لخصلتين ... 150
بكائه من هيبة لقاء الله . تواضعه علیه السّلام ... 151
ص: 462
فهرس الموضوعات
هيبة الموت ... 152
من تمام الإحسان . جوده وفتوّته ... 153
جئناك في حاجة ... 155
کرمه وجوده علیه السّلام ... 156
أنصفني من خصمني ... 157
مع الرجل الشامي ... 158
إئتِ بحمّال يحمل لك ... 160
بل يكن جودك لله ... 161
يحمل عطائه حمّالان . أكرمه لمكان معرفته ... 164
أعطاه ثمن العبد . متى يصلح السؤال؟ ...165
لا سؤال إلّا عن ثلاث ... 166
الكلمة الطيّبة ... 167
أنت حرّ لوجه الله . رأفته على الحيوانات ... 168
في إكرام الجار . يقول ما يشاء ويفعل ما يشاء ... 169
الإحسان إلى المسيء ... 170
حليم أهل البيت علیهم السّلام ... 171
قبول العذر . ذكاؤه وفراسته علیه السّلام ... 172
عزّ نفسه ومناعة طبعه علیه السّلام. المعروف ما كان ابتداءاً ... 173
کرمه علیه السّلام وإحسانه إلى أعدائه ... 174
إنّ الله عوّدني عادة ... 175
حاجتك مقضيّة . ما سمعت منه كلمة فحش قط ... 176
الله أشدّ نقمة ... 178
أفلا أشتري عرضي؟! ... 180
يأكل مع الفقراء ... 181
إذا قام للصلاة . هول المطلع ... 182
زهده علیه السّلام في المأكل ... 183
ص: 463
ومن أوصاف الإمام علیه السّلام ... 184
عفته علیه السّلام مع البدوية ... 185
الأحكام و العبادات ... 187
وضوء النبي صلّي الله علیه و آله. تغيّر لونه علیه السّلام عند الوضوء ... 188
الموعظة الحسنة . حكمة الوضوء ... 189
إن للماء ساكناً ... 190
من آداب الإمامة . حكمة الغُسل ... 191
طاب استحمامك ... 192
من آداب التخلّي ... 193
من آداب التخلّي أيضاً . التنخّم في القبلة ... 194
ممّا رواه عن جدّه . الصلوات الخمس ... 195
الأوقات الخمسة للصلاة ... 196
الذهاب إلى المساجد ... 198
في المساجد أربعة فوائد . فضيلة أهل المسجد ... 199
عقاب المتنخّم في المسجد . الجهر في الصلاة . صلاة النهار ... 200
مبدأ الأذان. القنوت ... 201
الإجهار بالبسملة . إتمام الصلاة ... 202
المرور بين يدي المصلّي . صلاة الجمعة . صلاة العيد ... 203
صلاة الجمعة ... 204
إن سلامكم يبلغني. النوافل والفرائض . صلاة النصف من شعبان ... 205
لا لصلاة التراويح ... 206
تفاوت الصلاتين . الصلاة تقيّةً . الصلاة بعد المغرب ... 207
التعقيب بعد صلاة الصبح . التعقيب حتّى تطلع الشمس ... 208
ألف ألف قصر في الجنّة ... 208
لم يمسّ جلده النار . في تعقيب صلاة الصبح ... 209
إذا حضرت الجنازة . فضل الصلاة على الجنائز ... 210
ص: 464
الصلاة على المرأة وابنها ... 210
قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة . شهر رمضان مضمارٌ للخلق ... 211
تحفة الصائم . الدهن والمجمر . الصوم ثلاثون يوماً ... 212
صوم أيّام البيض . من خصال صوم شهر رمضان ... 214
من صام يوماً من رجب . صوم يوم عرفة ... 215
و يطعمون الطعام على حُبّه ... 216
الفرائض رحمة ... 219
ابتداء الزكاة . هذه صدقة مالنا . لست بائعها ... 220
الإنفاق ممّا تحبّ ... 221
هكذا الصدقة . لا تحلّ لنا الصدقة ... 222
حرمة الصدقة على أهل البيت علیهم السّلام . الزكاة لا تُنقص المال ... 223
قد أهلّ رسول الله . ما يحرم على المحرم ... 224
كفارة الصيد في الإحرام ... 225
لنتعلم من رسول الله ... 229
اغبرار الأقدام في الحجّ . المشي إلى بيت الله ... 230
حكمة الوقوف في عرفات ... 231
و حجّ ماشياً ... 232
الدعاء داخل الكعبة الشريفة . التضحية بطيب نفس ... 233
التسبيحات الأربع ... 233
وجه تسمية الكعبة ... 234
زوّجها من رجل تقيّ . تزويج أولاد آدم علیه السّلام ... 235
أنقذها من يزيد . من كرامة الإمام علیه السّلام ... 236
حُسن حديث الإمام علیه السّلام ... 237
جئتك خاطباً ... 238
لقد أحسن مع زوجته ... 239
لو كنت مراجعاً لراجعتها . حين إرادة الطلاق ... 240
ص: 465
الغنى في الزواج و الطلاق . لا تُزوّج نساؤنا حتّى نستأمرهن ... 241
الولد للفراش . آداب المائدة ... 242
غسل اليدين . أطهر الطعام ... 243
التمر واللبن . كلوا اليقطين ... 244
أكل الجبن . شرب اللبن . سؤر الهِرّة ... 245
في العشاء قبل الصلاة . الحثّ على الطعام ... 246
إذا دُعيت إلى طعام . القسم على الطعام ... 246
الدعوة إلى الطعام . حكم أمير المؤمنين علیه السّلام ... 247
مسألة شاذّة ... 248
حكمه علیه السّلام على إمرأة . قالوا : أنتَ أعلم ... 249
قتل نفساً و أحيى أُخرى ... 250
امتثال أمير المؤمنين علیه السّلام للقانون ... 251
ما أحكم إلّا ما حكم به الحسن علیه السّلام. حبّك في قلبي ... 252
المسائل الفقهيّة ... 255
الإنفاق في سبيل الله . شهادة الإمام مقبولة ... 256
شهادة سيّد شباب أهل الجنّة ... 257
نهى الحسن عن خصال ... 259
في دَيْن الغلام و مولاه. الحرب خدعة ... 260
على مَن فداء الأسير؟. في حكم الأسير ... 261
لا يأخذ السلب . إحذروا كثرة الحلف . ممّا نهى الرسول ... 262
حلف كذباً فمات ... 263
الشركاء في الهديّة . عقوق الوالدين . قضاء الحوائج ... 264
الإهتمام لحاجة المؤمن ... 265
يكفي الواحد عن الجميع ... 266
جوائز العمّال . إذا غسلتموه فلا تهيجوه ... 267
في سرّ عدم قيامه للجنازة . جنازة اليهودي ... 268
عيادة المريض . اللقيط حُرّ ... 269
ص: 466
الأسئلة و الأجوبة ... 271
سؤال و جواب ... 272
سلني عما بدا لك ... 274
أخبرني عن ثلاث . من أتاهم ربح . سقيتُ السُمّ مراراً ... 278
الدنيا سجن المؤمن ... 279
جوابه للخضر علیه السّلام ... 281
كيف أصبحت ؟ ... 284
أيّهما أكبر ؟ ... 285
في جواب ملك الروم . ما المحبّة؟ . حقيقة الجهل ؟ ... 286
النعرف الحزم . الجزع القبيح . لم تخرج من رحم ... 288
من علامة السفلة . كلمات حول السماحة ؟ ... 288
من السياسة . سئل علیه السّلام عن العيّ . أصبحت هكذا ... 289
حقائق عن البخل . لماذا نكره الموت ؟ . لقد أخربتم آخرتكم ... 290
عنوان الشَرف . كلمة حول الذلّ ... 291
من الكرم . من صفات المروءة . كلمتان في المجد ... 292
من اللؤم . هذا حقيقة اللؤم . معنى الكلفة ... 293
من الكرم . الكرم بمعنى آخر. المعروف قبل السؤال ... 294
إن لكلامك وجهين . کلامه علیه السّلام في الهرّ . من بركات الصمت ... 295
العجز عن شكر الخالق ... 296
إخباره علیه السّلام عن الغيب ... 297
إخباره علیه السّلام بالغيب . علمه علیه السّلام بقاتل عثمان ... 298
مقتل ابن عمر ... 299
قصّة طبع الحصاة ... 300
مع حبابة الوالبيّة ... 306
دونك الرجل ... 308
ديوان الشيعة ... 311
ص: 467
في أحشاء الظبية . يصف عِجلة في بطن أُمّها ... 313
معرفته علیه السّلام بجميع اللغات ... 314
كأنّي أنظر إلى أبنائكم ... 317
من فضائح معاوية . إخباره عن المستقبل ... 318
كم في هذه النخلة ؟ ... 319
الفضل ما شهدت به الأعداء ... 320
في عاقبة الأشعث . لقد احترقت دارك ... 321
لقد جف القلم . كيف تجد نفسك؟ ... 322
لمّا جُعل السمّ بين يديه . علمه علیه السّلام بقاتله ... 323
الله أشدّ بأساً ... 324
لولا بلوغ الكتاب . إذا بلغ الأمر هكذا ... 325
لا يوم كيومك يا أبا عبد الله ... 326
استشهاده بالسُمّ. فالله أشدّ نقمة ... 327
إخباره عن قتله وقاتله ... 328
سيصيبني من عائشة ... 329
لقد صحّ حديث جدّي ... 330
كلامه علیه السّلام قرب وفاته ... 331
الشِعر ... 333
لا تهج منّا أُموراً ... 334
أُجامل أقواماً . و أفضل أيّام الفتى ... 335
في رثاء أبيه علیهماالسّلام . إغن عن المخلوق ... 336
و أعدّ للبخلاء نارَ جهنّم . إذا نودي في الحرب . خذل الله خاذليه ... 337
بين السخي و البخيل . خلِّ العيون ... 338
کدر الأيّام . الجود والبخل . و الصدق يعرفه ذووا الألباب ... 339
أسبقهم فضلاً ... 340
فيم الكلام . قدّم لنفسك ما استطعت ... 341
ص: 468
حان الرحيل. لا دينُهم دین ... 342
و كلُّ سرور لا يدوم . القناعة . خذ القليل ... 343
لعلّ غداً يأتِ و أنت فقید ... 344
الموت خير . نحن أُناس نوالنا خضل ... 345
و في الخضاب . و إذا المنيّة أنشبت أظفارها ... 346
والصلح . حينما فارق الكوفة . الإمام علیه السّلام و الأعرابي ... 347
الدنيا لا بقاء لها ... 350
الحِكم والمواعظ ... 351
اختيار الله تعالى . من معطيات التقوى . في أقسام الناس ... 352
النجدة . الخير والشر ... 353
أستغفر الله لي وله . إكفل لي بثلاث . في حكاية قول النسر ... 354
المرء مع من أحبّ . دار لا يدوم نعيمها ... 355
تمام الصنيعة خير من ابتدائها . أحبّوا الله ... 356
حسن الجوار . ما هذا الضحك ؟. المحاسن و المساوىء ... 357
إضافة الضيف . اطرد الشيطان من بيتك . اجتهد أن لا يعرفك ... 358
المصلّي والمنفق والصائم ... 358
لقاء الإخوان ... 359
من السعادة خصال أربع ... 359
استثمار المال ... 359
إستعد لسفرك ... 360
سوء الخلق . أطعموا الطعام ... 361
أظلم الظالمين . حقوق الإخوان . إذا ظفرتَ بالآخرة ... 362
إنّ الله لم يخلقكم عبثاً ... 363
الإخلاص . ماذا تنتظرون ؟ . الأمين و الخائن ... 364
الاعتبار بالمصيبة . زيارة المؤمن ... 365
اذكر الله . نفسك نفسك ... 366
ص: 469
عفو الله يوم القيامة . أبصر الأبصار . الخُلق الحسن ... 367
أشدّ الناس حسرة . حقيقة الموت ... 368
التقيّة . درجة الصائم القائم . حتّى لا ينقطع الفضل ... 369
التزكّي للعبادة . الخوف و الأمن ... 370
إدخال السرور على المسلم . يجمعون كثيراً ... 371
اتّقاء الشر. من يستحقّ الصدقة ؟ ... 372
منزلة الصابرين ... 373
من أدب المجالسة . لا تدخلوا الماء إلّا بمئزر ... 374
انما جمع المال للفقراء ... 375
الأنفس طُلَعَة. ماذا يقصد معاوية ؟. الإحسان المضاعف ... 376
قوله علیه السّلام في العفو ... 377
وليد التفكّر . بين التملّق و الجفاء . التقشّف ... 378
نافسوا في المكارم . مجالس الذكر ... 379
مفاسد البخل. الصلاة على النبي صلّي الله علیه و آله ... 380
برّ الوالدين . البلاغة. الغفلة والموعظة ... 381
أكبر السؤدد . الجود. النعم ... 382
من دواعي الرزق . التقوى . مالا حساب فيه ... 383
الصبر . حباني النبي صلّي الله علیه و آله . على مَ التهافت ؟ ... 384
ذمّ السؤال . بين يدي الربّ ... 385
الخير كلّه في الصبر . تعزية بليغة ... 386
الخير الّذي لا شرّ فيه . في خير المال . دع ما يريبك ... 387
إذا صاح الديك . تعبير الرؤيا ... 388
يذهب الهمّ و الغمّ . الجاهل ... 389
من كان في نقصان فالموت خير له. جفّ القلم. لابدّ من سفيه ... 390
سلني حاجتك . سوء الخلف . المصاحبة ... 391
اطلبوا الرزق بطاعة الله . حفظ القلب . الغلّ والحسد ... 392
ص: 470
في التقوى . الفالوذج ... 393
الفرصة . فضل دهن البنفسج . طلب الحاجة . المودّة تقرّب و تبعّد ... 394
السقط . رحمة الأبناء ... 395
ومن كلامه علیه السّلام . ما يكفي من اللسان ... 396
المعاجَل والمؤجَّل . كيف ينبغي أن تكون ؟. التحدّث بالأسى و النعمة ... 397
لمن تذهب زائراً ؟. لا تفعل هذه الأُمور ... 398
الإجمال في الطلب . ما يغنيك عن الطبيب ... 399
لا تخلفنّ شيئاً وراءك . أقرب الشيء إلى الشيء ... 400
أمهله ليعتذر . الإنفاق . لمن تؤاخي ... 401
حرمة إخافة المؤمن . الرأي عند الغضب ... 402
لا يغشّ العاقل . حسن الظنّ بالله . حالة أولياء الله ... 403
خلق الخيل ... 404
لمّا أراد الله تعالى خلق آدم علیه السّلام ... 405
العقيق في يد الموالي . في فضل الكوفة . الكبر والحرص والحسد ... 406
في المكاشفة . الدنيا قليلة بحقّ المخلص . الأجل والأمل ... 407
أحمق في ما بينه وبين ربّه . الجيشان الظالمان . في فضل المشورة ... 408
الموت حق ... 408
الحاسد . يقين لا شكّ فيه . لطف الله عزّوجلّ ... 409
ممّا يحبّه الله تعالى . في ثواب عيادة المريض ... 410
لو افترق الرجلان ثلاثة أيّام ... 411
من يعود مريضاً . إنّ للماء سكّاناً ... 412
المراء مفسدة . المروّة ... 413
المروءة أيضا . و من المروءة ... 414
ثلاث من المروءة . المروءة في شيئين . الصمت و المزاح ... 415
إذا وعد ..! . مصائب الدنيا أربع . المصائب . المعروف ... 416
من كلام له صلّي الله علیه و آله لأبي ذر . مکارم الأخلاق عشر ... 417
ص: 471
شكر النعمة . أفضل الحال ما اختاره الله ... 418
حبّ الدنيا . أحسن الناس و شرّهم عيشاً. العزّ كلّ العز في طاعة الله ... 419
من تقيّد بشيء. السلام أولاً . استعدّ للآخرة . التواضع ... 420
یابن آدم . قضاء حاجة المسلم ... 421
الوعد . لصمت ... 422
المتفرقات ... 423
الإسم المبارك . منزلة الحسنين علیهماالسّلام ... 424
ماذا عن دعوة الرسول . لعلّ سيّداً يرعاني ... 425
حديثه مع أبي سفيان ... 426
ثوبان من الجنة ... 427
الحسن علیه السّلام بضعة النبي ... 428
أتركب ظهراً حمله الرسول . دعوة ابن نبي ... 429
ومن كراماته علیه السّلام ... 430
اللّهمّ اطعمهما ... 431
هكذا أسلم اليهود ... 432
لكي لا يكسر قلب الحسنين علیهماالسّلام ... 437
انزل عن مجلس أبي . قم واخطب الناس ... 443
لولا آیة ... 444
علمهم في الأُمور ... 445
مكتوب على جناح الجرادة ... 446
لو كنت بالمدينة . إخباره عن الغيب ... 447
فهرس الآيات ... 453
فهرس الموضوعات ... 459
ص: 472
الكتاب:... الأَلفَینُ فِی أَحَادِیثِ الْحَسَنِ (عَلَیهِ السَّلَامُ وَ الحُسَینِ (عَلَیهِ السَّلَامُ)(الجزء الثالث)
المؤلف:... الشَّيْخ عَلِيّ حَيْدَر الْمُؤَيَّد
الناشر:... المكتبة الحيدرية
عدد المطبوع:... 500 دوره
ليتوغرافي:... آل البيت (عَلَیهِمُ السَّلَامُ) 09121532077
المطبعة:... شریعت
الطبعة:... الأولى - 1432-1390
السعر الدورة:... 15000 تومان
ردمک: 6- 155- 497- 964- 978
جمعية خيرية رقمية: مركز خدمة مدرسة إصفهان
ویراستار: شعبان حاتمی
ص: 1
الأَلفَینُ
فِی أَحَادِیثِ الْحَسَنِ وَ الحُسَینِ (عَلَیهِمُ السَّلَامُ)
ص: 2
الأَلفَینُ
فِی أَحَادِیثِ الْحَسَنِ وَ الحُسَینِ (عَلَیهِمُ السَّلَامُ)
الجزء الثالث و الرابع
الْخَطِيبُ
الشَّيْخ عَلِيّ حَيْدَر الْمُؤَيَّد
ص: 3
بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ص: 4
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين
و الصلاة و السلام على سيّدنا محمّد و آله الطاهرين و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين
ص: 5
حلّق أبا أحمدَ بالذات***وتِهْ على الغابر و الآتي
و اجمع لآل البيت أفضالهم***ما طاب من نثر و أبيات
و روِّ من عشاقهم غُلَّةً***تداولوها بالوراثات
حرارة الإيمان من حُبَّهم***للآل من ربّ السماوات
فليس تطفيها إذن أبحرٌ***في الأرض أو مدرارُ مُزنات
إلّا حدیثٌ لاح في أسطر***خبّأها الدهر بطيات
إلّا قصيدٌ صاغهُ شاعرٌ***وخلَّدَ الشعر بآهات
و أنت إذ تجمعُ لئلائها***من قبل ألفٍ جمع أشتات
1991 (ضاءت على الألفين أسرارها)***عن سيّدَيْ شباب جنّات
1211 110 202 468
وتارةً بالشعر من فاطمٍ***محققاً أجلى الروايات
فقلت من شوقي لتأليفكم***مقدّراً تلك الكتابات
أرِّخ (عليٌ شكرتْ جُهدهُ***الزهراء عند الفاطميات )(1)
1988 110 920 17 *** 245 124 572
ص: 6
ص: 7
{1}
[1] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّ اللّه عزّ و جلّ خلق العقل من نورمخزون مکنون في سابق علمه الّتي لم يطّلع عليه نبيّ مرسل ولا ملك مقرَّب، فجعل العلم نفسه، والفهم روحه، والزهد رأسه ، والحياء عينيه، والحكمة لسانه، والرأفة همّه، والرحمة قلبه، ثمّ حشاه وقوّاه بعشرة أشياء : باليقين والإيمان والصدق والسكينة والإخلاص والرفق، والعطيّة والقنوع والتسليم والشكر، ثمّ قال عزّوجلّ: أدبر فأدبر، ثمّ قال له : أقبل فأقبل، ثمّ قال له : تكلّم، فقال : الحمد اللّه الّذي ليس له ضدّ ولاندّ ولا شبيه ولا كفوٌ ولا عديلٌ ولا مثل. الّذي كلّ شيء العظمته خاضع ذليل ، فقال الربّ تبارك وتعالى : وعزّتي وجلالي ماخلقت خلقاً أحسن منك ولا أطوع لي منك ولا أرفع منك ولا أشرف منك ولا أعزّ منك، بك أُواخذ، وبك أُعطي، وبك أُوحد، وبك أُعبد، وبك أُدعى، وبك أُرتجى، وبك ابتغى، وبك أُخاف، وبك أُحذر، وبك الثواب ، وبك العقاب، فخرّ العقل عند ذلك ساجداً فكان في سجوده ألف عام فقال الربّ تبارك وتعالى : ارفع رأسك وسل تُعط ، واشفع تشفّع. فرفع العقل رأسه فقال : إلهي أسألك أن تشفّعني فيمن خلقتني فيه. فقال جلّ جلاله لملائكته : أُشهدكم أنّي قد شفّعته فيمن خلقته فیه(1)
ص: 8
{2}
[2] إذا وَرَدَتْ على العاقل مُلِمّةٌ قمع الحزنَ بالحزم، وقرع العقلَ للإحتيال.(1)
{3}
[3] عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال : ألا أُخبركم بالفقيه كلّ الفقيه؟ قالوا: بلى یا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
قال : من لم يقنط الناس عن رحمة اللّه ومن لم يؤمنهم مكر اللّه ومن لم يرخّص لهم في معاصي اللّه ومن لم يدع القرآن رغبة إلى غيره لانّه لا خير في علم لا تفهّم فيه، ولا عبادة لا تفقّه فيها، ولا قراءة لا تدبّر فيها، فإنّه إذا كان يوم القيامة نادى مناد من السماء : أيّها الناس! إنّ أقربكم من اللّه تعالی مجلساً أشدّكم له خوفاً، وإنّ أحبّكم إلى اللّه أحسنكم عملاً، وإنّ أعظمكم عنده نصيباً أعظمكم فيما عنده رغبة، ثمّ يقول عزّوجلّ: لا أجمَع عليكم اليوم خزي الدنيا وخزي الآخرة، فيأمر لهم بكراسي فيجلسون عليها وأقبل عليهم الجبّار
ص: 9
بوجهه وهو راض عنهم وقد أحسَن ثوابهم.(1)
{4}
[4] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : اللّهمّ ارحم خُلَفائي ثلاث مرّات، قيل : يانبيّ اللّه ومَن خلفاؤك؟
قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : الّذين يأتون مِن بعدي ويروون أحاديثي و سُنَّتي ويعلّمونها الناس من بعدي.(2)
ص: 10
{5}
[5] قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : خمس من لم تكن فيه لم يكن فيه كثير مستمتع : العقل ، والدين، والأدب، والحياء، وحُسن الخُلق.(1)
{6}
[6] الورّاق ، عن ابن مهرويه(2)، عن داود بن سليمان الغازي، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه ، عن أمير المؤمنين(عَلَيهِم السَّلَامُ) أنّه قال :
الدنيا كلّها جهل إلّا مواضع العلم، والعلم كلّه حجّة إلّا ماعمل به ، والعمل كلّه رياءٌ إلّا ما كان مخلصًا والإخلاص على خطر حتّى ينظر العبد بما يختم له.(3)
بیان : لعلّ المراد بمواضع لعلم الأنبياء والأئمّة ومن أخذ عنهم العلم.
ص: 11
{7}
[7] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : رأس العقل بعد الإيمان باللّه عزّوجلّ التحبّب إلى الناس.(1)
{10}
[10] طلب العلم فريضة على كلّ مسلم، فاطلبوا العلم من مظانه واقتبسوه من أهله، فإنّ تعليمه للّه حسنة وطلبه عبادة، والمذاكرة فيه تسبيح، والعمل به جهاد، وتعليمه من لا يعلمه صدقة ، وبذله لأهله قربة إلى اللّه تعالى، لأنّه معالم الحلال والحرام، ومنار سبیل الجنّة، والمؤنس في الوحشة، والصاحب في الغربة والوحدة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السرّاء والضرّاء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء، يرفع اللّه به أقوماً ويجعلهم في الخير.(1)
{11}
[11] قال لي : العاقل لا يُحدّث مَن يخاف تكذيبَه ولا يَسأل مَن يخاف
ص: 13
منعَع، ولا يثق بمن يخاف غدره، ولا يرجو مَن لا يوثَق برجائه.(1)
{14}
[14] العلم الّذي دعى إليه المصطفى (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) و هو علم الحروف و علم الحروف في لام الف، وعلم لام الف في الألف، وعلم الألف في النقطة، وعلم النقطة في المعرفة الأصلية، وعلم المعرفة الأصلية في علم الأزل، وعلم الأزل في المشية، أي المعلوم، وعلم المشية في غيب الهوية، وهو الّذي دعا اللّه إليه نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بقوله : فاعلم «أنّه لا إله إلّا اللّه» والهاء في «انّه» راجع إلى غیب الهوية.(1)
{15}
[15] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : العِلم خزائن ومفتاحها السؤال، فاسألوا يرحمكم اللّه، فإنّه يؤجِرُ فيه أربعة : السائل، والمُعَلّم، والمستمع، والمُحبّ له.(2)
ص: 15
{16}
[16] قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : العلم لقاح المعرفة، وطول التجارب زيادة في العقل ، والشرف التقوى، والقُنوع راحة الأبدان ، ومَن أحبّك نهاك، ومن أبغضك أغراك.(1)
{17}
[17] العلم ضالّة المؤمن.(2)
{18}
[18] الشيخ الطوسي قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل(3) ، قال : حدّثنا محمّد بن محمّد بن معقل العجلي القرمیسیني نزيل سهرورد قال : حدّثنا محمّد بن الحسين بن بنت الیاس قال : حدّثني أبي قال : سمعت الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يحدّث عن أبيه ، عن جدّه، عن علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :
ص: 16
قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : غریبان كلمة حكمة من سفيه فأقبلوها و كلمة سفه عن حكيم فاغفروها، فإنّه لا حكيم إلّا ذو عَثرة ولا سفيه إلّا ذو تجربة.(1)
{22}
[22] عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن أبيه، عن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ما جمع شيء إلى شيء أفضل من حلم إلى علم.(1)
{23}
[23] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : مَن أفتى الناس بغير علم لعنته السماء والأرض.(2)
{24}
[24] من دلائل علامات القبول : الجلوس إلى أهل العقول، ومن علامات أسباب الجهل المماراة لغير أهل الكفر، ومن دلائل العالم انتقاده لحديثه، وعلمه بحقائق فنون النظر.(3)
ص: 18
{25}
[25] واللّه ما برأ اللّه من بريّة أفضلَ من محمّد ومنّي وأهل بيتي، وإنّ الملائكة لَتَضَع أجنحتها لطَلَبة العلم من شيعتنا.(1)
ص: 19
ص: 20
ص: 21
[26] قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ بسم اللّه الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب وهي سبع آيات تمامها : بسم اللّه الرحمن الرحيم، سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : إنّ اللّه عزّ وجلّ قال لي: يا محمّد ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم فأفرد الإمتنان علي بفاتحة الكتاب ، وجعلها بأزاء القرآن العظيم، وإنّ اللّه عزّوجلّ خصّ محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وشرفه بها ولم يشرك معه فيها أحداً من أنبيائه ما خلا سلیمان (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإنّه أعطاه منها «بسم اللّه الرحمن الرحیم» يحكي عن بلقیس حين قالت : «إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ* إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ».
ألا فمن قرأها معتقداً لموالاة محمّد و آله الطيّبين (عَلَيهِم السَّلَامُ)، منقاداً لأمرها مؤمناً بظاهرها وباطنها أعطاه اللّه عزّ و جلّ بكلّ حرف منها حسنة ، كلّ واحدة منها أفضل له من الدنيا وما فيها من أصناف أموالها و خيراتها، ومن استمع إلى قارىء يقرؤها كان له بقدر ما للقاري فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض لكم، فإنّه غنيمة لا يذهبنّ أوانه فتبقى قلوبكم في الحسرة.(1)
ص: 22
{2}
[27] إن للّه عزّوجلّ تسعة وتسعين إسماً - مائة إلّا واحدة من أحصاها دخل الجنّة، وهي: اللّه. الإله. الواحد. الصمد. الأوّل. الآخر. السميع. البصير. القدير. القاهر. العليّ. الأعلى. الباقي. البديع. الباريء. الأكرم. الظاهر. الباطن. الحيّ. الحكيم. العليم. الحليم. الحفيظ. الحقّ. الحسیب. الحميد. الحفيّ. الربّ. الرحمن الرحیم. الذاريء. الرزّاق. الرقيب. الرؤوف. السلام. المؤمن. المهيمن. العزيز. الجبّار. المتكبّر. السيّد. السبُوح. الشهيد الصادق. الصانع. الطاهر. العدل. العفوّ. الغنيّ. الغياث. الفاطر. الفرد. الفتّاح. الفالق. القديم. الملك القدّوس. القويّ. القريب. القيّوم. القابض. الباسط. قاضي الحاجات. المجيد. المولى. المنّان. المحيط. المبين. المُقيت. المصوّر. الكريم. الكبير. الكافي. کاشف الضرّ. الوِتْر. النور. الوهّاب. الناصر. الواسع. الودود. الهادي. الوفيّ. الوكيل. الوارث. البَرّ. الباعث. التوّاب. الجليل. الجواد. الخبير. الخالق. خیر الناصرين. الديّان. الشكور. العظيم. اللطيف. الشافي.(1)
ص: 23
{3}
[28] سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِما السَّلَامُ) يقول : سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : سمعت جبرائيل يقول : سمعت اللّه جلّ جلاله يقول : لا إله إلّا اللّه حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي. قال : فلمّا مرّت الراحلة نادانا : بشروطها وأنا من شروطها.(1)
{4}
[29] قال اللّه جلّ جلاله : لا إله إلّا اللّه أسمي من قاله مخلصاً من قلبه دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي.(2)
ص: 24
{5}
[30] أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال : كنت مع الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا وصل إلى نيسابور وهو راكب بغلة شهباء وقد خرج علماء نیسابور في استقباله ، فلمّا صار إلى المربعة تعلّقوا بلجام بغلته فقالوا: يابن رسول اللّه حدّثنا بحقّ آبائك الطاهرين حديثاً عن آبائك (عَلَيهِم السَّلَامُ) أجمعين فأخرج رأسه من الهودج وعليه مطرف خزّ قال :
حدّثني أبي موسی بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي سيّد شباب أهل الجنّة عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : أخبرني جبرئيل الروح الأمين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن اللّه تقدست أسماؤه وجلّ وجهه قال : إنّي أنا اللّه لا إله إلّا أنا وحدي عبادي فاعبدوني وليعلم من لقيني منکم بشهادة أن لا إله إلّا اللّه مخلصاً بها فإنّه قد دخل حصني ومن دخل حصني أمن عذابي قالوا: يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ما إخلاص
ص: 25
الشهادة؟ قال : طاعة اللّه ورسوله وولاية أهل بيته (عَلَيهِم السَّلَامُ).(1)
{6}
[31] عن الحسين بن عليّ، عن أبيه عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّ لا إله إلّا اللّه كلمةٌ عظيمةٌ كريمةٌ على اللّه عزّوجلّ من قالها مخلصاً استوجب الجنّة ومن قالها كاذباً عُصِمَتْ ماله ودمُه و كان مصيرُه إلى النار.(2)
{7}
[32] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّ اللّه عزّ وجلّ عمودآ من ياقوت أحمر رأسُه تحت العرش وأسفلُه على ظهر الحوت في الأرض السابعة السُفلى، فإذا قال العبد: لا إله إلّا اللّه، اهتز العرش وتحرك العمود [و تحرّك الحوت ] فيقول اللّه عزّوجلّ: (أُسکُن عرشي) فيقول : كيف أسكن وأنت لم تغفر لقائلها؟ فيقول اللّه
ص: 26
عزّ وجلّ : إشهدوا سُكاّن سماواتي إنّي قد غفرتُ لقائلها.(1)
{8}
[33] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : التوحید نصف الدين، واستنزلوا الرزق من قِبَل اللّه بالصدقة.(2)
{9}
[36] أوحى اللّه إلى بعض أنبيائه في بعض وحيه إليه : وعزتي وجلالي
ص: 27
لأقطعن أمل كلّ مؤمّل غيري بالاياس، ولاکسونّه ثوب المذلّة في الناس ، ولأبعدنّه من فرجي وفضلي، أيؤمل عبدي في الشدائد غيري والشدائد بيدي أو یرجو سواي وأنا الغني الجواد، بيدي مفاتیح الأبواب وهي مغلقة وبابي مفتوح المن دعاني، ألم يعلم أنّه ما أو هنته نائبة لم يملك كشفها عنه غيري، فمالي أراه بأمله معرضا عتي، قد أعطيته بجودي وكرمي مالم يسألني، فأعرض عني ولم يسألني وسأل في نائبته غيري، وأنا اللّه ابتدىء بالعطيّة قبل المسألة أفأسأل فلا أجيب؟ كلّا أو ليس الجود والكرم لي، أو ليس الدنيا والآخرة بيدي، فلو أن أهل سبع سماوات وأرضين سألوني جميعا فأعطيت كلّ واحد منهم مسألته ما نقص ذلك من ملكي مثل جناح بعوضة، و كيف ينقص ملك أنا قيّمه فيا بؤساً لمن عصاني ولم يراقبني. فقلت : يابن رسول اللّه أعد علىَّ هذا الحديث، فأعاده ثلاثاً فقلت : لا واللّه لا سألت أحداً بعد هذا حاجة، فما لبثت أن جاءني برزق و فضل من عنده.(1)
ص: 28
{10}
[35] إنّ اللّه عزّوجلّ قدّر المقادير ، ودّبر التدابير قبل أن يخلق آدم بالفي عام.(1)
{11}
[36] أمالي الشيخ الطوسي : جماعة عن أبي المفضّل(2) ، عن محمّد بن جعفر(3) الرزّاز، عن أيوب بن نوح بن درّاج، عن الرضا، عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) عن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أوحى اللّه عزّوجلّ إلى نجيّه موسى : أحبيني وحبّبني إلى خلقي ! قال : يارب هذا أُحبّك فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال : أُذكر لهم نعما عليهم، وبلاي عندهم، فإنهم لا يذكرون أو لا يعرفون منّي إلّا كلّ الخير.(4)
ص: 29
{12}
[37] سئل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقيل : يا أخا رسول اللّه هل رأيتَ ربّك ؟ فقال : وكيف أعبد من لم أره؟ لم تره العيونُ بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوبُ بحقائق الإيمان، فإذا كان المؤمن يرى ربّه بمشاهدة البصر فإنّ كلّ من جار عليه البصر والرؤية فهو مخلوق، ولابدّ للمخلوق من الخالق ، فقد جعلته إذاً محدثاً مخلوقاً، ومن شبّهه بخلقه فقد اتّخذ مع اللّه شريكاً، ويلهم أو لم يسمعوا يقول اللّه تعالى : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»(1) وقوله : «لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا»(2) وإنّما طلع من نوره على الجبل كضوء يخرج من سمِّ الخياط فدکد کت الأرض وصعقت الجبال «وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا»(3) أي ميّتاً «فَلَمَّا أَفَاقَ» وردّ عليه روحُه «قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ» من قول من زعم أنّك ترى، ورجعت إلى معرفتي بك أنّ الأبصار لا تدركك «وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ»(4) وأول المقرّين بأنّك تَرى ولا تُرى، وأنت بالمنظر الأعلى.(5)
ص: 30
{13}
ایرانیان [38] قال الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أيّها الناس اتّقوا هؤلاء المارِقَة الّذين يُشبِّهون اللّه بأنفسهم، يُضاهون قولَ الّذين كفروا من أهل الكتاب ، بل هو اللّه ليسَ كمثلِه شيءٌ وهو السميعُ البصيرُ لا تدركه الأبصارُ وهو يدرك الأبصارَ وهو اللطيفُ الخبير ، استخلص الوحدانيةَ والجبروتَ و أمضى المشيئةَ والإرادةَ والقدرةَ والعلمَ بما هو كائنٌ. لا منازعَ له في شيء من أمرِه ولا كفوَ له يعادله ولا ضدَّ له ينازعه، ولا سَمِيّ له يشابهه ، ولا مِثْل له يشاكله.
لا تتداوله الأمورُ ولا تجري عليه الأحوال، ولا تنزل عليه الأحداثْ ، ولا يُقدِّر الواصفون كنهَ عظمته، ولا يخطُرُ على القلوب مبلغُ جبروتِه ، لأنه ليس له في الأشياء عديلٌ، ولا تدركه العلماءُ بألبابها، ولا أهل التفكير بتفكيرهم إلّا بالتحقيق إيقاناً بالغيب، لأنه لا يوصَف بشيء من صفات المخلوقين وهو
ص: 31
الواحدُ الصمد، ما تصوّر في الأوهام فهو خلافُه ، ليس بربٍ من طُرح تحتَ البلاغ و معبودٍ مَن وُجِد في هواءٍ أو غير هواء.
هو في الأشياء كائن لا كينونة محظور بها عليه، ومن الأشياء بائنٌ لا بينونة غائب عنها، ليس بقادرٍ مَن قارنه ضدٌ أو ساواه ندٌ، ليس عن الدهر قِدَمُه، ولا بالناحية أُممه، إحتجَب عن العقول كما إحتجب عن الأبصار. وعمّن في السماء إحتجابُه كمن في الأرض، قُربه كرامته وبُعده إهانته، لا يحلّه (في)، ولا توقّته (إذ)، ولا توامره (إن)، علوّ من غير توقّل، ومجيئه من غیر تنقّل، يوجد المفقود، ويُفقد الموجود، ولا تجتمع لغيره الصفتان في وقت، يصيب الفكر منه الإتيان به موجوداً ووجود الإتيان لا وجود صفة، به توصف الصفات لا بها يوصف، وبه تعرف المعارف لا بها يعرف، فذلك اللّه لا سَميّ له، سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.(1)
{16}
[39] وُجِد لوحٌ تحت حائط مدينة من المدائن مكتوبٌ فيه : أنا اللّه لا إله إلّا أنا، ومحمّد نبيّي، عجبتُ لمن أيقن بالموت كيف يفرح؟ وعجبتُ لمن أيقن بالقَدَر كيف يحزن؟ وعجبتُ لمن إختبرَ الدنيا كيف يطمئنُّ إليها؟ وعجبتُ لمن أيقن بالحساب كيف يذنب؟(2)
ص: 32
{15}
[40] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّ اللّه عزّوجلّ ليُحاسب كلّ خلق إلّا من أشرك باللّه عزّوجلّ فإنّه لا يُحاسب ويُؤمَر به إلى النار.(1)
{16}
[41] إنّ يهوديّاً سأل عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : أخبرني عمّا ليس للّه وعمّا ليس عند اللّه وعمّا لا يعلمه اللّه تعالی.
قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أمّا ما لا يعلمه اللّه فذلك قولكم يا معشر اليهود عزير ابن اللّه، واللّه لا يعلم له ابناً، وأمّا قولك : ما ليس للّه فليس له شريك، وأمّا قولك : ما ليس عند اللّه، فليس عند اللّه ظلم للعباد.
فقال اليهودي : أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(2)
ص: 33
{17}
[42] إن أعمال هذه الأُمّة ما من صباح إلّا وتعرض على اللّه تعالى.(1)
{18}
[43] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يقول اللّه عزّوجلّ: ما من مخلوق يَعتصم بمخلوق دوني إلّا قطّعتُ أسبابَ السماوات والأرض من دونه ، فإن سألني لم أُعطه، وإن دعاني لم أُجبه، وما من مخلوق يعتصم بي دون خلقي إلّا ضمنت السماوات والأرض برزقه ، فإن سألني أعطيتُه وإن دعاني أجبتُه، وإن إستغفرني غفرتُ له.(2)
ص: 34
{19}
[ 44 ] قيل للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنّ أباذر يقول : الفقر أحبّ إليّ من الغنى، والسقم أحبّ إليّ من الصحّة.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : رحم اللّه تعالى أباذر، أمّا أنا فأقول : من اتّكل على حُسن اختيار اللّه تعالى له لم يتمنّ غير ما اختاره اللّه عزّوجلّ له.(1)
{20}
[45] عن علي بن موسى الرضا عن أبيه موسی بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمّد عن أبيه محمّد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي
ص: 35
عن علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : قال اللّه جلّ جلاله : من لم يرض بقضائي ولم يؤمن بقدري، فليلتمس إلهاً غيري، وقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : في كلّ قضاء اللّه عزّوجلّ خيرة للمؤمن. (1)
{21}
[46] عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال لبعض أصحابه ذات يوم: یا عبداللّه أحبِب في اللّه، وأبغِض في اللّه، ووال في اللّه وعاد في اللّه، فإنه لا تُنال ولاية اللّه إلّا بذلك، ولا يجد أحد طعم الإيمان وإن كثرت صلاتُه وصيامُه حتّى يكون كذلك ، الحديث.(2)
ص: 36
{22}
[47] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): إنّ موسی بن عمران سأل ربّه، ورفع يديه فقال : یا ربّ أبعيدٌ أنتَ فأُناديك ، أم قريبٌ فأٌناجيك؟ فأوحى اللّه تعالى إليه : يا موسى أنا جليس من ذكرني.(1)
{24}
[49] عن الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال : كنّا على مائدة أنا وأخي محمّد بن الحنفيّة وبنو عميّ عبداللّه بن عبّاس وقثم والفضل فوقعت جرادة فأخذها عبداللّه بن عبّاس فقال للحسن : تعلم ما مكتوب على جناح الجرادة؟ فقال : سألتُ أبي فقال : سألتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال لي : على جناح الجرادة مكتوب : «إنّي أنا اللّه لا إله إّلا أنا ربّ الجرادة ورازقها إذا شئتُ بعثتها رِزقاً لقوم، وإن شئتُ على قوم بلاء».
فقال ابن عبّاس : هذا واللّه من مكنون العلم.(1)
{25}
[50] عن الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنه قال : ما أخذ اللّه طاقة أحد إلّا وضع عنه طاعته، ولا أخذ قدرته إلّا وضع عنه كلفته. (2)
ص: 38
{26}
[51] قيل للامام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما أعظم خوفك من ربّك؟
قال : لا يأمنُ يومَ القيامة إلّا مَن خاف اللّه في الدنيا.(1)
{27}
[52] عن أبي عبداللّه الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنه قال : مَن خاف اللّهَ خوّف اللّهُ منه كلَّ شيء.(2)
{28}
[53] سمعتُ أبي عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يقول : الأعمال على ثلاثة أحوال : فرائض، وفضائل ومعاصي. فأمّا الفرائض فبأمر اللّه وبرضى اللّه وبقضاء اللّه وتقديره ومشيئته وعلمه عزّوجلّ. وأمّا الفضائل فليست بأمر اللّه(3) ولكن برضی
ص: 39
اللّه وبقضاء اللّه وبمشيئة اللّه وبعلم اللّه عزّوجلّ، وأما المعاصي فليست بأمر اللّه ولكن بقضاء اللّه وبقدر اللّه وبمشيئته وعلمه ثمّ يعاقب عليها.
قال الشيخ - رضي اللّه عنه - في الأمالي : المعاصي بقضاء اللّه معناه بنهي اللّه لأنّ حكمه عزّوجلّ فيها على عباده الإنتهاء عنها، ومعنى قوله: «بقدر اللّه» أي بعلم اللّه بمبلغها ومقدارها. ومعنى قوله : «وبمشيئته»، فإنّه عزّوجلّ شاء أن لا يمنع العاصي من المعاصي إلّا بالزجر والقول والنهي والتحذير، دون الجبر والمنع بالقوة والدفع بالقدرة.(1)
{29}
[54] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : الإيمان قول مقول، وعمل معمول، وعرفان العقول. قال أبو الصلت : فحدّثت بهذا الحديث في مجلس أحمد بن حنبل فقال لي أحمد: يا أبا الصلت لو قريء هذا الإسناد على المجانين لأفاقوا.(2)
ص: 40
{31}
[56] إنّ اللّه تبارك وتعالى أخفى أربعة في أربعة : أخفى رضاه في طاعته فلا تستصغرن شيئاً من طاعته، فربما وافق رضاه وأنت لا تعلم؛ وأخفى سخطه في معصيته ، فلا تستصغرنّ شيئاً من معصيته ، فربّما وافق سخطه وأنت لا تعلم؛ وأخفى إجابته في دعوته، فلا تستصغرن شيئاً من دعائه، فربّما وافق إجابته و أنت لا تعلم؛ وأخفى وليّه في عباده ، فلا تستصغرنّ عبداً من عباد اللّه (1) فربّما يكون وليّه وأنت لا تعلم.(2)
ص: 42
{32}
[57] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يقول اللّه عزّوجلّ یابن آدم أما تُنصفُني؟ أتحبَّبُ إليك بالنِعَم وتتمَقَّت إليّ بالمعاصي، خيري إليكَ مُنزلَ، وشرُّك إليّ صاعد، ولا يزال مَلَك كريم يأتيني عنكَ في كلّ يوم وليلة بعملٍ قبيح، يابن آدم لو سمعتَ وصفك من غيرِك وأنت لا تعلم من الموصوف لسارعتَ إلى مقته.(1)
{33}
[58] وعن عكرمة عن ابن عبّاس : بينما هو يحدث الناس، إذ قام إليه نافع بن الأزرق فقال له : يابن عبّاس تفتي الناس في النملة والقملة، صف لي إلهك الّذي تعبد، فأطرق ابن عبّاس إعظاما لقوله، وكان الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) جالساً ناحية ، فقال : إلىّ يابن الأزرق، قال : لست إيّاك أسأل.
ص: 43
قال ابن عبّاس : یابن الأزرق إنه من أهل بيت النبوّة، وهم ورثة العلم، فأقبل نافع نحو الحسين ، فقال له الحسين :
یا نافع ! إنّ مَن وَضَع دينَه على القياس لم يزل الدهرَ في التباس، سائلاً ناكباً عن المنهاج طاعناً بالإعوجاج، ضالاً عن السبيل، قائلاً غيرَ الجميل، یابنَ الأزرق أصف إلهي بما وَصف به نفسَه، وأعرفه بما عرف به نفسه، لا يُدرك بالحواسّ، ولا يُقاس بالناس، قريبٌ غير ملتصق، بعید غير متنقص ، يُوَحّد ولا يبعَّض، معروفٌ بالآيات ، موصوفٌ بالعلامات، لا إله إلّا هو الكبيرُ المتعال.
فبكى ابن الأزرق وقال : يا حسين ما أحسن كلامَك.
قال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : بلغني أنّك تشهد على أبي وعلى أخي بالكفر وعليّ؟
قال ابنُ الأزرق : أما واللّه يا حسين ! لئن كان ذلك لقد كنتم منارَ الإسلام، ونجومَ الأحكام.
فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّي سائلك عن مسألة.
قال : سل.
فسأله عن هذه الآية : «وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ»(1) یابن الأزرق مَنْ حفظ في الغلامين ؟
قال ابن الأزرق : أبوهما.
قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فأبوهما خير أم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟
قال ابن الأزرق : قد أنبأ اللّه تعالى أنّكم قومٌ خصمون.(2)
ص: 44
{34}
[59] روي في الكافي بإسناده عن سيّد العابدین (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : حدّثني أبي ، أنّه سمع أباه عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) يحدّث الناس، قال :
إذا كان يوم القيامة بعث اللّه تعالى الناس من حُفَرهم عُزلاً بُهْما جُرداً
ص: 45
مُردّاً(1) في صعيد واحد، يسوقهم النور، وتجمعهم الظلمة؛ حتّى يقفوا على عقبة في المحشر، فيركب بعضهم بعضاً، ويزدحمون دونه، فيمنعون من المضيّ، فيشتدُّ أنفاسُهم، ويكثر عرقهم، ويضيق بهم أُمورهم، ويشتدُّ ضجيجهم، وترتفع أصواتهم.
قال : وهو أوّل هول من أهوال يوم القيامة.
قال : فيشرف الجبّار تعالى عليهم من فوق عرشه في ظلال من الملائكة ، فيأمر ملكاً من الملائكة فينادي فيهم: يا معشر الخلائق أنصتوا واستمعوا منادي الجبّار.
قال : فيسمع آخرُهم، كما يسمع أوّلهم.
قال : فتنكسر أصواتهم عند ذلك، وتخشع أبصارهم، وتضطرب فرائصهم، وتفزع قلوبهم، ويرفعون رؤوسهم إلى ناحية الصوت، «مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ».
قال : فعند ذلك يقول الكافر : «هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ».(2)
قال : فيشرف الجبّار تعالى ذكره الحكم العدل عليهم، فيقول: «أنا اللّه لا إله إلّا أنا، الحكم العدل الّذي لا يجور، اليوم أحكم بینکم بعدلي و قسطي ،
ص: 46
لا يظلم اليوم عندي أحد؛ اليوم آخذ للضعيف من القويّ بحقه، وبصاحب المظلَمة بالمظلمة، بالقصاص من الحسنات والسيّئات، وأُثيب على الهبات، ولا يجوز هذه العقبة اليوم عندي ظالمٌ، ولأحد عنده مظلمة، إلّا مظلمة يهبها صاحبُها، وأُثيبه عليها، وآخذله بها عند الحساب، وتلازموا أيُّها الخلائق ، واطلبوا مظالمكم عند من ظلمكم بها في الدينا، وأنا شاهد لكم بها عليهم وكفي بي شهيداً».
قال : فيتعارفون ويتلازمون، فلا يبقى أحد له عند أحد مظلمة أو حقّ إلّا لزمه بها.
قال : فيمكثون ماشاء اللّه، فيشتدُّ حالُهم ويكثر عرقُهم وترتفع أصواتهم بضجيج شديد، فيتمنَّون المَخلَص منه بترك مظالمهم لأهلها.
قال : ويطلع اللّه تعالى على جهدهم، فينادي مناد من عند اللّه تعالى يسمع آخرهم کما یسمع أوّلهم: يا معشر الخلائق أنصتوا لداعي اللّه تعالى واسمعوا، إنّ اللّه تعالى يقول : أنا الوهّاب إن أحببتم أن تواهبوا فتواهبوا، وإن لم تواهبوا أخذت لكم بمظالمكم.
قال : فيفرحون بذلك لشدّة جُهدهم وضيق مسلكهم و تزاحمهم.
قال : فيهب بعضُهم مظالمَهم رجاء أن يتخلَّصوا ممّا هم فيه، ويبقى بعضهم فيقول : يا ربّ مظالمنا أعظم من أن نهبها.
قال : فينادي مناد من تلقاء العرش: أين رضوان خازن الجنان ؛ جنان الفردوس؟
قال : فيأمره اللّه تعالى أن يُطلع من الفردوس قصراً من فضّة بما فيه من الآنية والخدم.
قال : فيُطلعه عليهم، في ضافة القصر الوصائف والخدم.
ص: 47
قال : فينادي مناد من عند اللّه تعالى : يا معشر الخلائق، ارفعوا رؤوسكم، فانظروا إلى هذا القصر.
قال : فيرفعون رؤوسَهم، فكلُّهم يتمنّاه.
قال : فينادي مناد من عند اللّه تعالى : يا معشر الخلائق، هذا لكلّ مَن عفا عن مؤمن.
قال : فيعفون كلّهم إلّا القليل.
قال : فيقول تعالى : لا يجوز إلى جنتي اليوم ظالم، ولا يجوز إلى ناري ظالمٌ ولأحد من المسلمين عنده مظلمة، حتّى يأخذها منه عند الحساب ؛ أيّها الخلائق استعدُّوا للحساب.
قال : ثمّ يخلّي سبيلَهم، فينطلقون إلى العقبة، فيکرد بعضهم بعضاً حتّى ينتهوا إلى العرصة - والجبّار تعالى على العرش، قد نُشرت الدواوين، ونُصبت الموازين وأُحضر النبيّون والشهداء، وهم الأئمّة يشهد كلُّ إمام على أهل عالمه بأنّه قد قام فيهم بأمر اللّه تعالى ودعاهم إلى سبيل اللّه.
قال الراوي : فقال له رجل من قريش : یابن رسول اللّه إذا كان للرجل المؤمن عند الرجل الكافر مظلمة، أيُّ شيء يأخذ من الكافر ، وهو من أهل النار؟
قال : فقال له عليُّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يطرح عن المسلم من سيّئاته بقدر ماله على الكافر، فيعذّب الكافر بها مع عذابه بكفره، عذاباً بقدر ما للمسلمِ قبله من مظلمة.
قال : فقال له القرشي: فإذا كانت المظلمة للمسلم عند مسلم كيف يؤخذ مظلمته من المسلم؟
قال : يؤخذ للمظلوم من الظالم من حسناته بقدر حقّ المظلوم فتزاد على
ص: 48
حسنات المظلوم.
قال : فقال له القرشي: فإن لم يكن للظالم حسنات؟
قال : إن لم يكن للظالم حسنات، فإن كان للمظلوم سيّئات، يؤخذ من سيّئات المظلوم فتزاد على سيّئات الظالم.(1)
{35}
[60] عن الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : الإستدراج من اللّه سبحانه لعبده أن يسبغ عليه النعم ويسلبه الشكر.(2)
{36}
[61] عن الإمام الرضا عن آبائه الطاهرين عن الحسين بن عليّ، عن أبيه (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) عن جدّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنه قال : إذا كان يوم القيامة تجلّى اللّه عزّوجلّ(3) لعبده المؤمن، فيوقفه على ذنونه ذنباً ذنباً، ثمّ يغفر اللّه له، لا يطلع اللّه على ذلك ملكاً مقرّباً ولا نبيّاً مرسلاً، ويستر عليه ما يكره أن يقف عليه أحد، ثمّ يقول لسيّئاته كوني حسنات.(4)
ص: 49
{37}
[62] عن محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : من مات ولا يشرك باللّه شيئاً أحسن أو أساء دخل الجنّة.(1)
{38}
[63] عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جدّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال : إنّ رجلاً قام إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا أمير المؤمنين بماذا عرفت ربّك؟
قال : بفسخ العزم ونقض الهم، لما هممت فحيل بيني وبين همّي وعزمت فخالف القضاء عزمي، علمت أن المدبّر غيري.
قال : فبماذا شکرت نعماه؟
قال : نظرت إلى بلاء قد صرفه عنّي وأبلی به غيري، فعلمت أنّه قد أنعم عليّ فشكرته.
قال : فلماذا أحببت لقاه؟
قال : لما رأيته قد اختار لي من دین ملائكته ورسله وأنبيائه ، علمت أنّ
ص: 50
الّذي أكرمني بهذا ليس ينساني فأحببت لقاه.(1)
{39}
[64] عن الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : حدّثني أبي، عن أبيه، عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : رأيت الخضر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في المنام قيل : بدر بليلة ، فقلت له : علّمني شيئا أنصر به على الأعداء، فقال : قل : يا هو يا من لا هو إلّا هو. فلمّا أصبحت قصصتها على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال لي: يا عليّ علّمت الإسم الأعظم؛ وكان على لساني يوم بدر، وأن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قرأ قل هو اللّه أحد، فلمّا فرغ قال : يا هو يا من لا هو إلّا هو اغفر لي وانصرني على القوم الكافرين.
وكان على (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول ذلك يوم صفّين وهو يطارد، فقال له عمّار بن یاسر : يا أمير المؤمنين ما هذه الكلمات؟ قال : اسم اللّه الأعظم، وعماد التوحيد للّه لا إله إلّا هو، ثمّ قرأ: شهد اللّه أنّه لا إله إلّا هو، وأواخر الحشر، ثمّ نزل فصلّی أربع ركعات قبل الزوال.(2)
ص: 51
{40}
[65] الصدوق في الأمالي عن ابن عصام(1)، عن الكليني، عن محمّد بن علي(2) بن معن ، عن محمّد بن علي بن عاتكة، عن الحسين بن النضر الفهريّ، عن عمرو الأوزاعي، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن یزید الجعفي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عن أبيه، عن جدّه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في خطبة خطبها بعد موت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بتسعة(3) أيّام وذلك حين فرغ من جمع القرآن فقال :
الحمد للّه الّذي أعجز الأوهام أن تنال إلّا وجوده(4) ، وحجب العقول أن تتخيّل ذاته في امتناعها من الشبه والشكل، بل هو الّذي لم يتفاوت في ذاته ، ولم يتبعّض بتجزئة العدد في كماله، فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن، وتمكّن منها لا على الممازجة، وعلمها لا بأداة، لا يكون العلم إلّا بها، وليس بينه وبين معلومه علم غيره، إن قيل: «كان» فعلى تأويل أزليّة الوجود، وإن قيل : «لم يزل» فعلی تأويل نقي العدم، فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه واتخذ إلهاً غيره علوّاً كبيراً.
ص: 52
نحمده بالحمد الّذي ارتضاه لخلقه وأوجب قبوله على نفسه، وأشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، شهادتان ترفعان القول وتضاعفان العمل، خفُّ میزان ترفعان منه، وثقل میزان توضعان فيه، وبهما الفوز بالجنّة، والنجاة من النار، والجواز على الصراط، وبالشهادتين تدخلون الجنّة وبالصلاة تنالون الرحمة، فأكثروا من الصلاة على نبيّكم وآله «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» أيّها الناس إنّه لا شرف أعلى من الإسلام، ولا كرم أعزُّ من التقوى، ولا معقل أحرز من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا كنز أنفع من العلم، ولا عزّ أرفع من الحلم، ولا حسب أبلغ من الأدب، ولا نصب أوضع من الغضب، ولا جمال أزين من العقل، ولا سوأة أسوأ من الكذب، ولا حافظ أحفظ من الصمت، ولا لباس أجمل من العافية، ولا غائب أقرب من الموت.
أيّها الناس إنّه من مشى على وجه الأرض فإنّه يصير إلى بطنها، والليل والنهار مسرعان في هدم الأعمار، ولكلّ ذي رمق قوت، ولكلّ حبّة آكل، وأنت قوت الموت، وإنّ من عرف الأيّام لم يغفل عن الإستعداد، لن ينجو من الموت غنيّ بماله، ولا فقير لإقلاله، أيّها الناس من خاف ربّه كفّ ظلمه، ومن لم يرع في كلامه أظهر هجره، ومن لم يعرف الخير من الشرّ فهو بمنزلة البهم(1) ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة غداً، هيهات هيهات وما تناكرتم إلّا لمافيكم من المعاصي والذنوب، فما أقرب الراحة من التعب، والبؤس من النعيم، وماشرّ بشرّ بعده الجنّة، وما خير بخير بعده النار، وكلُّ نعیم دون الجنّة فهو محقور، وكلّ بلاء دون النار عافية.(2)
ص: 53
{41}
[66] خطب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الناس في مسجد الكوفة فقال :
الحمد للّه الّذي لا من شيء كان، ولا من شيء كوّن ما قد كان، مستشهد بحدوث الأشياء على أزليّته وبما وسمها به من العجز على قدرته، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه، لم يخل منه مكان فيدرك بأينيّة ولا له شبه مثال فيوصف بكيفيّة، ولم يغب عن علمه شيء فيعلم بحيثيّة مبائن لجميع ما أحدث في الصفات و ممتنع عن الإدراك بما ابتدع من تصريف الذوات و خارج بالكبرياء والعظمة من جميع تصرُّف الحالات محرّم على بوارع ثاقبات الفطن تحديده وعلى عوافق ناقبات الفكر تكييفه، وعلى غوائص سابحات الفطر تصويره ، لا تحويه الأماكن لعظمته، ولا تذرعه المقادير لجلاله ولا تقطعه المقائیس الكبريائه.
ممتنع عن الأوهام أن تكتنهه وعن الأفهام أن تستغرقه، وعن الأذهان أن تمثله ، قد يئست من استنباط الإحاطة به طوامح العقول ونضبت عن الإشارة إليه بالإكتناه بحار العلوم، ورجعت بالصغر عن السموّ إلى وصف قدرته لطائف الخصوم، واحد لا من عدد، ودائم لا بأمد، وقائم لا بعمد، ليس بجنس فتعادله الأجناس، ولا بشبح فتضارعه الأشباه، ولا كالأشياء فتقع عليه الصفات، قد ضلّت العقول في أمواج تيّار إدراکه وتحيّرت الأوهام عن إحاطة ذكر أزليّته.
وحصرت الأفهام عن استشعار وصف قدرته، وغرقت الأذهان في لجج أفلاك ملکوته مقتدر بالآلاء وممتنع بالكبرياء، ومتملّك عن الأشياء، فلا دهر يخلقه ولا وصف يحيط به قد خضعت له ثوابت الصعاب في محلّ تخوم قرارها
ص: 54
وأذعنت له رواصن الأسباب في منتهى شواهق أقطارها مستشهد بكليّة الأجناس على ربوبيّته وبعجزها على قدرته وبفطورها على قدمته، وبزوالها على بقائه.
فلا لها محيص عن إدراكه إيّاها ولا خروج من إحاطته بها، ولا احتجاب عن إحصائه لها، ولا امتناع من قدرته عليها، كفى بإتقان الصنع لها آية، وبمركّب الطبع عليها دلالة وبحدوث الفطر عليها قدمة وبأحكام الصنعة لها عبرة، فلا إليه حدّ منسوب، ولا له مثل مضروب، ولا شيء عنه محجوب ، تعالى عن الأمثال والصفات المخلوقة علوّاً كبيراً.
وأشهد أن لا إله إلّا اللّه إيماناً بربوبيّته وخلافاً على من أنكره، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله المقرّ في خير مستقرّ المتناسخ من أكارم الأصلاب ومطهّرات الأرحام، المخرج من أكرم المعادن محتداً وأفضل المنابت منبتاً، من أمنع ذروة وأعزّ أُرومة من الشجرة الّتي صاغ اللّه منها أنبياءه وانتخب منها أُمناءه الطيّبة العود، المعتدلة العمود، الباسقة الفروع، الناضرة الغصون، اليانعة الثمار، الكريمة الحشاء.
في كرم غرست وفي حرم أنبتت و فيه تشعّبت وأثمرت وعزّت وامتنعت قسمت به وشمخت حتّى أكرمه اللّه عزّوجلّ بالروح الأمين والنور المبين والكتاب المستبين، وسخّر له البراق وصافحته الملائكة وأرعب به الأباليس وهدم به الأصنام والآلهة المعبودة دونه، سنّته الرشد، وسيرته العدل، وحكمه الحقّ، صدع بما أمره ربّه، وبلّغ ما حمّله، حتّى أفصح بالتوحيد دعوته وأظهر في الخلق أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له حتّى خلصت له الوحدانيّة، ووصفت له الربوبيّة، وأظهر اللّه بالتوحید حجّته، وأعلى بالإسلام درجته، واختار اللّه عزّوجلّ لنبيّه ما عنده من الروح والدرجة والوسيلة (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عدد ما صلّی
ص: 55
على أنبيائه المرسلين وآله الطاهرين.(1)
{42}
[67] جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : الإيمان له أركان أربعة : التوكّل على اللّه، والتفويض إليه، والتسليم لأمر اللّه تعالى، والرضا بقضاء اللّه تعالى.(2)
{43}
[68] عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : خرج الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) على أصحابه فقال : أيّها الناس! إنّ اللّه عزّوجلّ ذكره ما خلق العباد إلّا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه.(3)
ص: 56
فقال له رجل: يابن رسول اللّه بأبي أنت وأُمّي فما معرفة اللّه؟
قال : معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الّذي يجب عليهم طاعته.(1)
ص: 57
ص: 58
ص: 59
{1}
[69] عن أبي الرضا، فضل اللّه بن علي بن عبيد اللّه الحسيني الراوندي، قال : أخبرنا الإمام الشهيد أبوالمحاسن عبدالواحد بن إسماعيل بن أحمد الروياني(1) إجازة وسماعاً، أخبرنا الشيخ أبو عبداللّه محمّد بن الحسن التيمي البكري الحاجي(2) إجازة وسماعاً، حدّثنا أبو محمّد سهل بن أحمد الديباجي(3) حدّثنا أبو علي محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي(4) حدّثني موسی بن إسماعيل بن موسی بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن
ص: 60
أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ)(1) حدّثنا أبي إسماعيل بن موسى ، عن أبيه موسى، عن جدّه جعفر بن محمّد الصادق ، عن أبيه، عن جدّ عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب (صلوات اللّه عليهم أجمعين) قال :
خطبنا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : أيّها الناس إنّكم في زمان هدنة وأنتم على ظهر سفر والسير بكم سريع فقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبلین كلّ جديد ويقربن کلّ بعيد ويأتين بكلّ موعد ووعيد فأعدّوا الجهاز لبُعد المفاز. فقام المقداد بن الأسود الكندي (رضي اللّه عنه) فقال : يا رسول اللّه فما تأمرنا نعمل؟ فقال : إنّها دار بلاء وابتلاء، وانقطاع وفناء، فإذا التبست عليكم الأُمور كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن، فإنّه شافع مشفّع، وما حلّ مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنّة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل يدلّ على خير سبيل، وهو كتاب تفصيل، وبيان، وتحصيل، هو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حكم اللّه، وباطنه علم اللّه تعالى، فظاهره وثيق، وباطنه عمیق، له تخوم وعلى تخومه تخوم، لا تحصی عجائبه ، ولا تبلی غرائبه ، فيه مصابيح الهدى، ومنار الحكمة، ودليل على المعرفة لمن عرف النصفة، فليوع رجل بصره، وليبلغ النصفة نظره، ينجو من عطب، ويتخلّص من نشب ، فإنّ التفكّر حياة قلب البصیر کمايمشي المستنير، والنور يحسن التخلّص ويقلّ التربّص.(2)
ص: 61
{2}
[70] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إجعلوا لبيوتكم نصيباً من القرآن فإنّ البيت إذا قرىء فيه القرآن آنس على أهله وكثُر خيرُه و كان ساكنيه مؤمنوا الجنّ، والبيت إذا لم يُقرأ فيه القرآن و حُشّ على أهله وقلّ خيره و كان ساكنيه كفرة الجنّ.(1)
{3}
[71] عن الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : حملة القرآن عرفاء أهل الجنّة يوم القيامة.(2)
ص: 62
{4}
[72] قال الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كتاب اللّه عزّوجلّ على أربعة أشياء : على العبارة والإشارة واللطائف والحقائق. فالعبارة للعوام، والإشارة للخواص، واللطائف للأولياء، والحقائق للأنبياء.(1)
{5}
[73] عن الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال : من قرأ آية من كتاب اللّه عزّوجلّ في صلاته قائماً يكتب له بكلّ حرف مائة حسنة ، فإذا قرأها في غير صلاة كتب اللّه له بكلّ حرف عشر حسنات، وإن استمع القرآن كتب اللّه له بكلّ حرف حسنة، وإن ختم القرآن ليلاً صلّت عليه الملائكة حتّى يصبح، وإن ختمه نهاراً صلّت عليه الحفظة حتّى يمسي وكانت له دعوة مجابة و كان خيراً له ممّا بين السماء والأرض.
قلت : هذا لمن قرأ القرآن فمن لم يقرأ؟
قال : يا أخابني أسد إن اللّه جواد ماجد کریم، إذا قرأ ما معه أعطاه اللّه ذلك (2).(3)
ص: 63
{6}
[74] عن الباقر عن أبيه عن جدّه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : مَن قرأ عشر آيات في ليلة لم يُكْتَب من الغافلين ، ومَن قرأ خمسين آية کُتب من الذاكرين، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية كتب من الخاشعين، ومن قرأ ثلاثمائة آية كتب من الفائزين، ومن قرأ خمسمائة آية كتب من المجتهدين ، ومن قرأ ألف آية كتب له قنطارٌ، والقنطار خمسون ألف مثقال ذهب، والمثقال أربعة وعشرون قيراطاً أصغرها مثل جبل أحُد، وأكبرها مابين السماء والأرض.(1)
{7}
[75] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : من قرأ فاتحة الكتاب أعطاه اللّه بعدد كلّ آية أُنزلت من السماء فيجزي بها ثوابها.(2)
ص: 64
{8}
[76] وروي عن الحسین (رضي اللّه عنه) أنه قال : أنزل اللّه تعالى مائة وأربعة كتب من السماء (صحف شيث ستّون، وصحف إبراهيم ثلاثون، وصحف موسى قبل التوراة عشر، والتوراة والإنجيل والزبور والقرآن)، أودع علوم هذه الكتب في الفرقان، ثمّ أودع علوم الفرقان في المفصل، ثمّ أودع علوم المفصل في الفاتحة، فمن علم تفسير الفاتحة كان كمن علم تفسیر جميع الكتب المنزلة، ومن قرأها فكأنّما قرأ التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، ثمّ أودع علوم الفاتحة في البسملة (بسم اللّه الرحمن الرحيم)، ثمّ أودع علوم البسملة في بائها، ومعناها : بي كان ما كان وبي يكون ما یکون.(1)
{9}
[77] قال أبو الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حدّثني أبي، عن جدّي ، عن آبائه، عن الحسين بن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : اجتمع المهاجرون والأنصار إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فقالوا: إنّ لك يا رسول اللّه مؤنة في نفقتك وفيمن يأتيك من الوفود وهذه أموالنا مع دمائنا، فاحكم فيها بارة مأجورة، أعط ماشئت وأمسك ما شئت من غير حرج.
ص: 65
قال : فأنزل اللّه عزّوجلّ عليه الروح الأمين فقال : يا محمّد: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(1) يعني أن تودّوا قرابتي من بعدي.
فخرجوا فقال المنافقون: ما حمل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على ترك ما عرضنا عليه إلّا ليحثنا على قرابته من بعد، إن هو إلّا شيء افتراه في مجلسه، وكان ذلك من قولهم عظيماً، فأنزل اللّه عزّوجلّ هذه الآية : «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ».(2)
فبعث عليهم النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : هل من حدث؟
فقالوا : إي واللّه يا رسول اللّه، لقد قال بعضنا كلاماً غليظاً كرهناه فتلا عليهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الآية، فبكوا، واشتدّ بكاؤهم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ : «وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ»(3).(4)
{10}
[78] عن الإمام جعفر بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) في حديث مفصل : فسار الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)
ص: 66
وأصحابه فلمّا نزلوا ثعلبيّة ورد عليه رجلٌ يقال له : بشر بن غالب ، فقال : يابن رسول اللّه أخبرني عن قول اللّه عزّوجلّ: «يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ»(1) قال : إمامٌ دعا إلى هدى فأجابوه إليه، وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوه إليها، هؤلاء في الجنّة، وهؤلاء في النار، وهو قوله عزّ وجلّ : «فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ»(2).(3)
{11}
[79] قال رجل من أهل البصرة : رأيتُ الحسينَ بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وعبدَ اللّه بن عمر يطوفان بالبيت ، فسألت ابنَ عمر فقلت : قول اللّه : «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»(4) قال : أمره أن يحدّث بما أنعم اللّه عليه، ثمّ إني قلتُ للحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : قول اللّه «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ» قال : أمره أن يحدّث بما أنعم اللّه عليه من دينه.(5)
ص: 67
{12}
[80] قال الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن اللّه تعالى ذمّ اليهود في بغضهم لجبرئيل الّذي كان ينفذ قضاء اللّه فيهم بما يكرهون وذمّهم أيضاً وذمّ النواصب في بغضهم لجبرئیل و میکائیل وملائكة اللّه النازلين لتأیید عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)علی الكافرين حتّى أذلّهم بسيفه الصارم، فقال : «قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ»(1) من اليهود، لرفعه من بخت نصّر أن يقتله دانیال من غير ذنب كان جناه بخت نصّر، حتّى بلغ کتاب اللّه في اليهود أجله، وحلّ بهم ما جرى في سابق علمه، ومن كان أيضاً عدوّاً لجبرئيل من سائر الكافرين ومن أعداء محمّد و عليّ الناصبين، لأن اللّه تعالى بعث جبرئيل لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) مؤيّداً وله على أعدائه ناصراً، ومن كان عدوّاً لجبرئيل لمظاهرته محمّداً وعليّاً و معاونته لهما وانقياده لقضاء ربّه عزّوجلّ في إهلاك أعدائه على يد من يشاء من عباده «فَإِنَّهُ» يعني جبرئیل «نَزَّلَهُ» يعني نزّل هذا القرآن «عَلَى قَلْبِكَ» يا محمّد «بِإِذْنِ اللَّهِ» بأمر اللّه وهو كقوله : نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* «بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ»(2) «مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ» (3) نزّل هذا القرآن جبرئيل على قلبك يا محمّد مصدّقاً موافقاً لما بين يديه من التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وكتب شيث و غيرهم من الأنبياء ثمّ قال : «مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ»(4) لإنعامه على محمّد وعليّ وآلهما الطيّبين وهؤلاء الّذين بلغ من
ص: 68
جهلهم أن قالوا: نحن نبغض اللّه الّذي أكرم محمّداً وعليّاً بمایدّعیان «وَجِبْرِيلَ» : من كان عدوّاً لجبريل، لأنّه جعله ظهيرة، لمحمّد وعليّ على أعداء اللّه وظهيراً لسائر الأنبياء والمرسلين، وكذلك «وَمَلَائِكَتِهِ» يعني ومن كان عدوّاً لملائكة اللّه المبعوثين لنصرة دين اللّه وتأييد أولياء اللّه، وذلك قول بعض النصاب والمعاندين : برئت من جبريل الناصر لعليّ وهو قوله : «وَرُسُلِهِ» : ومن كان عدوّاً لرسل اللّه موسى وعيسى وسائر الأنبياء الّذين دعوا إلى إمامة عليِ (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ثم قال : «وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ» : ومن كان عدوّاً لجبرئیل و میکائیل، وذلك كقول من قال من النواصب لمّا قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في علىّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جبرئيل عن يمينه و میکائیل عن يساره وإسرافيل خلفه وملك الموت أمامه واللّه تعالى من فوق عرشه ناظر بالرضوان إليه ناصره قال بعض النواصب : فأنا أبرأ من اللّه ومن جبرئیل و میکائیل والملائكة الّذين حالهم مع عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما قاله محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فقال : من كان عدوّاً لهؤلاء تعصّباً على عليّ بن أبي طالب «فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ»(1) فاعل بهم ما يفعل العدوّ بالعدوّ من إحلال النقمات و تشديد العقوبات، وكان سبب نزول هاتين الآيتين ما كان من اليهود أعداء اللّه من قول سيّء في جبرئیل و میکائیل. وكان من أعداء اللّه النصّاب من قول أسوأ منه في اللّه وفي جبرئیل و میکائیل وسائر ملائكة اللّه.
أمّا ما كان من النصّاب فهو أنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لمّا كان لا يزال يقول في عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الفضائل الّتي خصّه اللّه عزّوجلّ بها والشرف الّذي أهله اللّه تعالى له وكان في ذلك يقول : أخبرني به جبرئیل عن اللّه ؛ ويقول في بعض ذلك : جبرئیل
ص: 69
عن يمينه و میکائیل عن يساره، يفتخر جبرئیل علی میکائیل في أنّه عن يمين عليّ الّذي هو أفضل من اليسار ، كما يفتخر ندیم ملك عظيم في الدنيا يجلسه الملك عن يمينه على النديم الآخر الّذي يجلسه على يساره، ويفتخران على إسرافيل الّذي خلفه بالخدمة، وملك الموت الّذي أمامه بالخدمة، وأنّ اليمين والشمال أشرف من ذلك كافتخار حاشية الملك على زيادة قرب محلّهم من ملكهم؛ وكان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول في بعض أحاديثه : إنّ الملائكة أشرفها عند اللّه أشدّها العليّ بن أبي طالب حبّاً، وإنّه قسم الملائكة فيما بينها «والّذي شرّف عليّاً على جميع الورى بعد محمّد المصطفى» ويقول مرّة: إنّ ملائكة السماوات والحجب يشتاقون إلى رؤية عليّ بن أبي طالب كما تشتاق الوالدة الشفيقة إلى ولدها البارّ الشفيق الآخر من بقي عليها بعد عشرة دفنتهم، فكان هؤلاء النصّاب يقولون إلى متى يقول محمّد: جبرئیل و میکائیل والملائكة؟ كلّ ذلك تفخيم لعليّ وتعظيم الشأنه، ويقول اللّه تعالى لعلي خاص من دون سائر الخلق ! برئنا من ربّ ومن ملائكة ومن جبرئیل و میکائیل هم لعليّ بعد محمّد مفضّلون ! وبرئنا من رسل اللّه الّذين هم لعليّ بعد محمّد مفضلون! وأمّا ما قاله اليهود.(1)
{13}
[81] إنّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال ليهودي من يهود الشام وأحبارهم فيما أجابَه عنه من جواب مسائله : فأمّا المستهزؤن فقال اللّه عزّوجلّ له: «إِنَّا كَفَيْنَاكَ
ص: 70
الْمُسْتَهْزِئِينَ»(1) فقتل اللّه خمستَهم، قد قُتل كلّ واحد منهم بغير قتلة صاحبِه في يومٍ واحد:
أما الوليدُ بن المغيرة فإنّه مرّ بنبل لرجل من بني خزاعة قد راشّه في الطريق فأصابته شظيّة منه فانقطع أكحله حتّى أدماه فمات، وهو يقول : قتلني ربُّ محمّد.
وأمّا العاص بن وائل السهميّ فإنّه خرج في حاجة له إلى كداء فتدهده تحته حجر فسقط، فتقطّع قطعة قطعة، فمات وهو يقول : قتلني ربُّ محمّد.
وأمّا الأسود بن عبد يغوث فإنّه خرج يستقبل ابنه زمعة ومعه غلام له فاستظلّ بشجرة تحت کداء فأتاه جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخذ رأسه فنطح به الشجرة، فقال لغلامه : امنع هذا عنّي، فقال : ما أرى أحداً يصنع بك شيئاً، إلّا نفسك، فقتله وهو يقول قتلني ربُّ محمّد.(2)
{14}
[82]عن علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ)، أنّ رجلاً سأله عن قوله تعالى :
ص: 71
«فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا»(1) قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يعني قوّته لأداء المال. (2)
{15}
[83] أخرج إبن مردويه عن الحسين بن علي : أنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أصبح وهو مهموم فقيل : مالك يا رسول اللّه؟ فقال : إنّي أُريت في المنام كأنّ بني أميّة يتعاورون منبري هذا فقيل : یا رسول اللّه ! لا تهتمّ فإنّها دنیا تنالهم فأنزل اللّه : «وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي» الآية (3).(4)
{16}
[84] الجعفريات : أخبرنا عبداللّه، أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، قال : حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين (عَلَيهِم السَّلَامُ) : أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بعث مع عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثلاثين فرساً في غزاة السلاسل، فقال : يا عليّ أتلو عليك آية في نفقة الخيل «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً»(5) يا عليّ هي النفقة على
ص: 72
الخيل ينفق الرجل سرّاً وعلانية.(1)
{17}
[85] إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) تلا هذه الآية : «لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ»(2) فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أصحاب الجنّة من أطاعني وسلّم لعليّ بن أبي طالب (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) بعدي وأقرّ بولايته، وأصحاب النار من سخط الولاية ونقض العهد، وقاتله بعدي.(3)
{18}
[86] عن الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما في قول اللّه عزّ وجلّ :
ص: 73
«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(1) قال: إنّ القرابة الّتي أمر اللّه بصلتها وعظّم حقّها وجعل الخير فيها قرابتنا أهل البيت الّذين أوجب اللّه حقّنا على كلّ مسلم.(2)
{19}
[87] قال الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في تفسير قوله تعالى : «رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ» قال : إنّما نزلت: «ولولديّ إسماعيل وإسحاق».
بیان : قال في مجمع البيان : قرأ الحسين بن عليّ وأبو جعفر محمّد بن عليّ (عَلَيهِم السَّلَامُ)، والزهري، وإبراهيم النخعي «ولولديّ» وقرأ یحیی بن یعمر «ولولدي».(3)
{20}
[88] إنّ المسلمين قالوا لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : لو أكرهت یا رسول اللّه من قدرت عليه من الناس على الإسلام لكثر عددنا وقوينا على عدوّنا، فقال
ص: 74
رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ما كنت لألقى اللّه عزّوجلّ ببدعة لم يحدث إليّ فيها شيئاً وما أنا من المتكلّفين. فأنزل اللّه تبارك وتعالى : يا محمّد «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا»(1) على سبيل الإلجاء والإضطرار في الدنيا ، کمایؤمنون عند المعاينة ورؤية البأس في الآخرة، ولو فعلت ذلك بهم لم يستحقّوا منّي ثواباً ولا مداًة، لكنّي أُريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرّين، ليستحقّوا منّي الزلفى والكرامة ودوام الخلود في جنّة الخلد «أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ»(2) وأمّا قوله عز وجل: «وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ»(3) فليس ذلك على سبيل تحريم الإيمان عليها، ولكن على معنى أنها ما كانت لتؤمن إلّا بإذن اللّه، وإذنه أمره لها بالإيمان، ما كانت مكلّفة متعبّدة وإلجاؤه إيّاها إلى الإيمان عند زوال التكليف والتعبّد عنها.
فقال المأمون : فرجت عنّي يا أبا الحسن فرج اللّه عنك.(4)
ص: 75
{21}
[89] أخرج ابن المنذر عن الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أنّه رؤى يصلّي فيما بين المغرب والعشاء فقيل له في ذلك، فقال : إنّهما من الناشئة : « إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا».(1)
{22}
[90] قال أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال الحسين بن علي (صلوات اللّه عليهما) الرجل: أيّهما أحبّ إليك؟ رجل يروم قتل مسکین قد ضعف تنقذه من يده، أو ناصب يريد إضلال مسکین من ضعفاء شيعتنا تفتح عليه مايمتنع به ويفحمه و یکسره بحجج اللّه تعالى؟ قال : بل إنقاذ هذا المسكين المؤمن من يد هذا الناصب، إنّ اللّه تعالى يقول : مَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا(2) أي ومن أحياها وأرشدها من كفر إلى إيمان فكأنّما أحيا الناس جميعاً من قبل أن يقتلهم بسيوف الحديد.(3)
ص: 76
{23}
[91] عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه عن الباقر عن أبيه (عَلَيهِم السَّلَامُ) إنّ أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يسألونه عن الصمد فكتب إليهم :
بسم اللّه الرحمن الرحيم، أمّا بعد فلا تخوضوا في القرآن، ولا تجادلوا فيه، ولا تتكلّموا فيه بغير علم، فقد سمعتُ جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : من قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعدَه من النار، وإنّ اللّه سبحانه قد فسّر الصمد فقال : «اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ» ثمّ فسره فقال : «لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ».
«لَمْ يَلِدْ» لم يخرج منه شيءٌ کثیف کالولد وسائر الأشياء الكثيفة الّتي تخرج من المخلوقين، ولا شيءٌ لطيف کالنفس، ولا يتشعّب منه البداوات(1) کالسِنة والنوم والخطرة والهمّ والحُزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء والرغبة والسأمة والجوع والشبع، تعالى أن يخرج منه شيء، وأن يتولّد منه شيء كثيف أو لطيف.
«وَلَمْ يُولَدْ» لم يتولّد من شيء، ولم يخرج من شيء كما یخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشيء من الشيء، والدابّة من الدابّة، والنبات من الأرض، والماء من الينابيع، والثمار من الأشجار، ولا كما يخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها کالبصر من العين، والسمع من الأذن، والشمّ من الأنف والذوق من الفم، والكلام من اللسان، والمعرفة والتميز من القلب، وكالنار من الحجر ، لا بل هو اللّه الصمد الّذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء، مبدعُ الأشياء
ص: 77
وخالقُها، ومنشيءُ الأشياء بقدرته، يتلاشى ماخُلِقَ للفناء بمشيّته ، ويبقى ماخُلِقَ للبقاء بعلمه، فذلكم اللّه الصمدُ الّذي لم يلدْ ولم يولَد، عالمُ الغيب والشهادةِ الكبير المتعال، ولم يكن له كفواً أحد.(1)
{2}
[92] عن أبي عبداللّه الصادق جعفر بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال : قال الباقر : حدّثني أبي زين العابدین ، عن أبيه الحسين بن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) أنّه قال : الصمد الّذي لا جوف له؛ والصمد الّذي به(2) انتهى سؤدده، والصمد الّذي لا يأكل ولا يشرب ؛ والصمد الّذي لا ينام ؛ والصمد(3) الّذي لم يزل ولا يزال.(4)
ص: 78
{25}
[93 ] بينا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في مسجده في رهط من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعبدالرحمن ورجلان من قرّاء الصحابة من المهاجرين هما عبداللّه بن أُمّ عبد و من الأنصار أبي بن كعب وكانا بدريّين ، فقرأ عبداللّه من السورة الّتي يذكر فيها لقمان حتّى أتى على هذه الآية «وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً» (1)، وقرأ أُبيّ من السورة الّتي يذكر فيها إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) «وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ» (2) قالوا: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أيّام اللّه نعماؤه وبلاؤه مثلاته سبحانه، ثمّ أقبل (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على من شهده من أصحابه فقال : إني لأتخوّلكم بالموعظة تخوّلاً مخافة السأمة عليكم، وقد أوحى إليّ ربّي جلّ جلاله أن أُذكّركم بالنعمة وأنذركم بما اقتصّ عليكم من كتابه وتلا: « وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ». ثمّ قال لهم : قولوا الآن قولكم: ما أّول نعمة رغبكم اللّه في فيها وبلاکم بها؟ فخاض القوم جميعاً فذكروا نعمة اللّه الّتي أنعم عليها وأحسن إليهم بما من المعاش والرياش والذريّة والأزواج إلى سائر ما بلاهم اللّه عزّوجلّ به من أنعمه الظاهرة، فلمّا أمسك القوم أقبل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا أبا الحسن قل فقد قال أصحابك. فقال : فكيف لي بالقول فداك أبي وأُمّي وإنما هدانا اللّه بك. قال : ومع ذلك فهات قل ما أوّل نعمة بلاك اللّه عزّوجلّ وأنعم عليك بها؟
قال : أن خلقني جلّ ثناؤه ولم أك شيئاً مذكوراً.
ص: 79
قال : صدقت، فما الثانية؟
قال : أن أحبّني إذ خلقني فجعلني حيّاً لا ميتاً.
قال : صدقت، فما الثالثة؟
قال : أن أنشأنی فله الحمد في أحسن صورة وأعدل ترکیب.
قال : صدقت، فما الرابعة؟
قال : أن جعلني متفكّراً راغباً لا بلهة ساهياً.
قال : صدقت، فما الخامسة؟
قال : أن جعل لي شواعر أدرك ما ابتغيت لها وجعل لي سراجاً منيراً.
قال : صدقت، فما السادسة؟
قال : أن هداني ولم يضلّني عن سبيله.
قال : صدقت، فما السابعة؟
قال : أن جعل لي مردّاً في حياة لا انقطاع لها.
قال : صدقت، فما الثامنة ؟
قال : أن جعلني ملكاً مالكاً لا مملوكاً.
قال : صدقت، فما التاسعة؟
قال : أن سخّر لي سماؤه وأرضه وما فيهما وما بينهما من خلقه.
قال : صدقت، فما العاشرة؟
قال : أن جعلنا سبحانه ذكراناً لا إناثاً.
قال : صدقت، فما بعد هذا؟
قال : کثرت نعم اللّه يا نبيّ اللّه فطابت وتلا «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ
ص: 80
لَا تُحْصُوهَا»(1) فتبسم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقال : ليهنك الحكمة ليهنك العلم يا أبا الحسن، وأنت وارث علمي والمبيّن لأُمّتي ما اختلفت فيه من بعدي، من أحبّك لدينك وأخذ بسبيلك فهو ممّن هُدِيَ إلى صراط مستقيم، ومن رغب عن هواك وأبغضك لقى اللّه يوم القيامة لا خلاق له.(2)
{26}
[94] بينما أنا أمشي مع النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في بعض طرقات المدينة ، إذ لقينا شيخ طويل كثُّ اللحية، بعيد ما بين المنكبين، فسلّم على النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ورحّب به.
ثم التفت إليّ فقال : السلام عليك يا رابع الخلفاء ورحمة اللّه وبركاته ، أليس كذلك هو یا رسول اللّه؟ فقال له رسول اللّه : بلى. ثمّ مضى، فقلت : یا رسول اللّه ما هذا الّذي قال لي هذا الشيخ وتصديقك له ؟ قال : أنت كذلك
ص: 81
والحمد للّه إنّ اللّه عزّوجلّ قال في كتابه : «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» (1) والخليفة المجعول فيها آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : «يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ» (2) فهو الثاني وقال عزّوجلّ حكاية عن موسى حين قال لهارون (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : «اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ» (3) فهو هارون إذا استخلفه موسی (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قومه فهو الثالث.
وقال عز وجل:«وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» (4) فكنت أنت المبلّغ عن اللّه وعن رسوله وأنت وصيّي ووزيري ، وقاضي دَيْني والمؤدّي عنّي، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أّنه لا نبيّ بعدي ، فأنت رابع الخلفاء كما سلم عليك الشيخ، أو لا تدري من هو؟
قلت: لا.
قال : ذاك أخوك الخضر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاعلم.(5)
ص: 82
{27}
[90] خرج رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ذات يوم وهو راكب وخرج علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو يمشي فقال له : يا أبا الحسن إمّا أن تركب وإمّا أن تنصرف، فإنّ اللّه عزّوجلّ أمرني أن تركب إذا ركبت وتمشي إذا مشيت وتجلس إذا جلست إلّا أن يكون حدّ من حدود اللّه لابدّ لك من القيام والقعود فيه، وما أكرمني اللّه بكرامة إلّا وقد أكرمك بمثلها وخصّني بالنبوّة والرسالة وجعلك وليّي في ذلك تقوم في حدوده و في صعب أُموره والّذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً ما آمن بي من أنكرك ولا أقرّ بي من جحدك ولا آمن باللّه من كفر بك وإنّ فضلك لمن فضلي وإنّ لك لفضل اللّه وهو قول ربّي عزّوجلّ : «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ»(1) ففضل اللّه نبوّة نبيّكم ورحمته ولاية عليّ بن أبي طالب، فبذلك قال بالنبوّة والولاية فليفرحوا يعني الشيعة هو خير ممّا يجمعون يعني مخالفيهم من الأهل والمال والولد في دار دنیا واللّه يا علي ما خلقت إلا ليعبد (لتعبد) ربّك وليعرف بك معالم الدين ويصلح بك دارس السبيل، ولقد ضلّ من ضلّ عنك ولن يهدي إلى اللّه عزّوجلّ من لم يهتد إليك و إلى ولايتك وهو قول ربّي عزّو جلّ : «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى»(2) يعني إلى ولايتك، ولقد أمرني ربّي تبارك وتعالى أن افترض من حقّك ما افترضه من حقّي، وإن حقّك لمفروض على من آمن ، ولولاك لم يعرف حزب اللّه وبك يعرف عدوّ اللّه، ومن لم يلقه بولايتك لم يلقه
ص: 83
بشيء، ولقد أنزل اللّه عزّ وجلّ إليّ «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ»(1) يعني في ولايتك، يا علي «وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ»، ولو لم أبلغ ما أمرت به من ولايتك لحبط عملي، ومن لقي اللّه عزّوجلّ بغير ولايتك فقد حبط عمله وعداً ينجز لي، وما أقول إلّا قول ربّي تبارك وتعالى، وإنّ الّذي أقول لمن اللّه عزّ وجلّ أنزله فيك.(2)
{28}
[96] عن الحسين بن علي، عن أبيه عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : دخلت على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في بيت أُمّ سلمة وقد نزلت عليه هذه الآية : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» (3) فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): يا عليّ هذه الآية نزلت فيك وفي سبطيّ والأئمّة من ولدك.
قلت : يا رسول اللّه وكم الأئمّة بعدك؟
ص: 84
قال : أنت يا علي، ثمّ ابناك الحسن والحسين، وبعد الحسين عليّ ابنه ، وبعد عليّ محمّد ابنه ، وبعد محمّد جعفر ابنه، وبعد جعفر موسی ابنه، وبعد موسى علي ابنه، وبعد عليّ محمّد ابنه، وبعد محمّد عليّ ابنه، وبعد علي الحسن ابنه ، وبعد الحسن ابنه الحجّة، من ولد الحسن (عَلَيهِم السَّلَامُ) ؛ هكذا وجدت أساميهم مكتوبة على ساق العرش، فسألت اللّه عزّ وجلّ عن ذلك فقال : يا محمّد هم الأئمّة بعدك، مطهّرون معصومون وأعداؤهم ملعونون.(1)
{29}
[97 رأيت يَغوثاً من رصاص يُحمل على جَملٍ أجرد.(2)
{30}
[98] قال جعفر الصادق ، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي (صلوات اللّه عليهم) قال : سئل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عن قوله تعالی :
ص: 85
«وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا» (1) قال : بيّنه تبيانأ ولا تنثره نثر البقل، ولا تهذه هذّ الشعر، قفوا عند عجائبه، حركوا به القلوب، ولا يكون همّ أحدكم آخر السورة.(2)
{31}
[99] عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين ، عن أبيه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال :
سُئل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عن قوله تعالى : «طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ» (3) قال : قد نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. و«طوبی» شجرة في دار أمير المؤمنین في الجنّة ليس في الجنّة شيء إلّا وهو فيها.(4)
{32}
[100] سألت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عن قول اللّه عزّوجلّ : «يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى»(5) قال : سألت اللّه عزّوجلّ فأوحى إليّ: أني خلقت في قلب آدم
ص: 86
عرقين يتحركان بشيء من الهواء، فإن يكن في طاعتي كتبت له حسنات، وإن يكن في معصيتي لم أكتب عليه شيئاً حتّى يواقع الخطيئة، فاذكروا اللّه على ما أعطاكم أيّها المؤمنون.(1)
{34}
[102] قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول اللّه عزّوجلّ : «هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا» لتعتبروا ولتتصلوا به إلى رضوانه و تتوقوا به من عذاب نیرانه « ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ» أخذ في خلقها وإتقانها «فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بكلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» ولعلمه بكلّ شيء علم المصالح فخلق لكم كلّ ما في الأرض لمصالحكم يا بني آدم.(1)
{35}
[103] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : قال اللّه عزّ وجلّ : قسمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل. إذا قال العبد : بسم اللّه الرحمن الرحيم قال اللّه جلّ جلاله : بدأ عبدي باسمي وحقّ عليّ أن أُتمّم له أُموره وأُبارك له في أحواله، فإذا قال: «الحمد للّه ربّ العالمين» قال اللّه جلّ جلاله : حمدني عبدي وعلم أنّ النعم الّتي له من عندي وأنّ البلايا الّتي دفعت عنه فبطولي، أُشهدكم أنّي أضيف له إلى نعم الدنيا نعم الآخرة وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا.
ص: 88
فإذا قال : «الرَّحْمَنُ الرَّحِیم» قال اللّه جلّ جلاله : شهد لي عبدي أنّي الرحمن الرحيم أشهدكم لأوفرنّ من رحمتي حظّه ولأجزلنّ من عطائي نصيبه ، فإذا قال: «مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ» قال اللّه جلّ جلاله : أشهدكم كما اعترف أنّي أنا مالك يوم الدين لأسهلن ّيوم الحساب حسابه ، ولا تجاوزنّ عن سيئاته ، فإذا قال : «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» قال اللّه عزّوجلّ: صدق عبدي إيّاي يعبد، أُشهدكم لأُثيبنّه على عبادته ثواباً يغبطه كلَّ من خالفه في عبادته لي.
فإذا قال: «وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين» قال اللّه عزّوجلّ: بي استعان عبدي والتجأ إليّ أُشهدكم لأُعينّه على أمره ولأغيثّه في شدائده ، ولآخذنّ بيده يوم نوائبه، فإذا قال : «اِهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيْم» إلى آخر السورة، قال اللّه عزّوجلّ هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل فقد استجبت لعبدي وأعطيته ما أمّل وأمنته ممّا منه وجل.
قال : وقيل لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن بسم اللّه الرحمن الرحيم أهي من فاتحة الكتاب ؟
فقال : نعم، كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقرأها ويعدّها آية منها، ويقول : فاتحة الكتاب هي السبع المثاني.(1)
ص: 89
{36}
[104] في خبر عمر بن عليّ، عن أبيه، عن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه كان يشتري الكساءَ الخزّ بخمسين ديناراً، فإذا أصاف تصدّق به، لا يرى بذلك بأساً، ويقرأ: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ» (1).(2)
{37}
[105] كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في بيت أُمّ سلمة فأتي بحریرة فدعا عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وفاطمة والحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فأكلوا منها ثمّ جلّل عليهم کساءً خيبريّاً ثمّ قال : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(3). فقالت أُمّ سلمة : وأنا منهم یا رسول اللّه؟ قالت : أنتِ إلى خير.(4)
ص: 90
{38}
[106] عن أنس بن مالك(1) وعن زيد(2) بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جدّه (رضي اللّه عنهم) قال :
كان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يأتي كلّ يوم باب فاطمة عند صلاة الفجر فيقول : الصلاة يا أهل بيت النبوّة «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(3) تسعة أشهر بعدما نزلت «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا» (4)وروي هذا الخبر عن ثلاثمائة من الصحابة.(5)
{39}
[107] عن الرضا عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) عن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان علىّ بن
ص: 91
أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالكوفة في الجامع إذ قام إليه رجلٌ من أهل الشام فسأله عن مسائلَ فكان فيما سأله أن قال : أخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ : «يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ»(1) مَن هم؟
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قابيل يفرّ من هابيل، والّذي يفرّ من أُمّه موسى، والّذي يفرّ من أبيه إبراهيم، والّذي يفرّ مِن صاحبته لوط، والّذي يفرّ من ابنه نوح يفرّ من ابنه کنعان.
قال الصدوق (رضي اللّه عنه) : إنّما يفرُّ موسى من أُمّه خشيةَ أن يكون قصّر فيما وجب عليه من حقّها، وإبراهيم إنّما يفرّ من الأب المربيّ المشرك لا من الأب الوالد وهو تارخ.(2)
{40}
[108] کنّا جلوساً في المسجد إذ صعد المؤذّن المنارةَ فقال : اللّه أكبر ، اللّه أكبر، فبكى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبكينا لبكائه ، فلمّا فرغ المؤذّنُ قال : أتدرون ما يقول المؤذّن؟ قلنا: اللّه ورسولُه ووصيّه أعلم.
قال : لو تعلمون ما يقول لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ! فلقوله «اللّه أكبر» معان كثيرة منها : أنّ قولَ المؤذّن «اللّه أكبر» يقع على قِدمَه و أزليّته وأبديّته وعلمه وقوّته وقدرته وحلمه وكرمه وجوده وعطائه وكبريائه. فإذا قال المؤذّن «اللّه أكبر»
ص: 92
فإنه يقول : اللّه الّذي له الخلق والأمر وبمشيئته كان الخلق، ومنه كلّ شيء للخلق، وإليه يرجع الخلق، وهو الأوّل قبل كلّ شيء لم يزل، والآخر بعد كلّ شيء لا يزال، والظاهر فوق كلّ شيء لا يَدرُك، والباطن دون كلّ شيء لا يحدّ، وهو الباقي وكل شيء دونه فان.
والمعنى الثاني : اللّه أكبر، أي العليم الخبير عليهم بما كان ويكون قبل أن يكون.
والثالث : اللّه أكبر، أي القادر على كلّ شيء يقدر على ما يشاء، القويّ القدرته، المقتدر على خلقه، القويّ لذاته، قدرته قائمة على الأشياء كلّها، إذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون.
والرابع : اللّه أكبر ، على معنى حلمه وكرمه ، يحلم كأنّه لا يعلم، ويصفح كأنّه لا يرى، ويستر كأنّه لا يعصى، لا يعّجل بالعقوبة کرماً و صفحاً و حلماً.
والوجه الآخر في معنى «اللّه أكبر» أي الجواد جزيل العطاء کریم.
والوجه الآخر «اللّه أكبر» فيه نفي صفته وكيفيّته كأنه يقول: «اللّه أجلّ من أن يُدرِك الواصفون قدرَ صفته الّذي هو موصوف به، وإنّما يصفُه الواصفون على قدرهم لا على قدر عظمته وجلاله ، تعالى اللّه عن أن يُدرِك الواصفون صفتَه علوّاً كبيراً.
والوجه الآخر «اللّه أكبر» كأنّه يقول : اللّه أعلى وأجلّ، وهو الغنيّ عن عباده، لا حاجة به إلى أعمال خلقه.
وأمّا قوله : «أشهد أن لا إله إلّا اللّه» فإعلام بأنّ الشهادة لا تجوز إلّا بمعرفته من القلب كأنّه يقول : أعلم أنّه لا معبود إلّا اللّه عزّوجلّ وأن كلّ معبود باطلٌ سوى اللّه عزّوجلّ وأقرُّ بلساني بما في قلبي من العلم بأنّه لا إله إلّا اللّه وأشهد أنّه لا ملجأ من اللّه إلّا إليه، ولا منجا من شرّ كلّ ذي شرّ وفتنة إلّا باللّه. وفي المرّة
ص: 93
الثانية «أشهد أن لا إله إلّا اللّه» معناه : أشهد أن لا هادي إلّا اللّه ولا دليل لي إلى الدين إلّا اللّه وأشهد اللّه بأنّي أُشهد أن لا إله إلّا اللّه وأُشهد سكّانَ السماوات وسكّانَ الأرضين وما فيهنّ من الملائكة والناس أجمعين وما فيهنّ من الجبال والأشجار والدوابّ والوحوش وكلّ رطب ویابس بأنّي أشهد أن لا خالقَ إلّا اللّه ولا رازق ولا معبود ولا ضاّر ولا نافع ولا قابض ولا باسط ولا معطي ولا مانع ولا ناصح ولا كافي ولا شافي ولا مقدّم ولا مؤخّر إلّا اللّه، له الخلق والأمر، وبيده الخير كلّه، تبارك اللّه ربّ العالمين.
وأمّا قوله : «أشهد أنّ محمّداً رسول اللّه» يقول : أُشهد اللّه أنّه لا إله إلّا هو وأنّ محمّداً عبدُه ورسولُه ونبيُّه وصفيّه ونجيُّه أرسله إلى كافّة الناس أجمعين بالهدى ودين الحقّ ليُظهرَه على الدين كلّه ولو كرِه المشركون، وأُشهدُ مَن في السماوات والأرض من النبيّين والمرسلين والملائكة والناس أجمعين أنّ محمّداً سيّدُ الأوّلين والآخرين. وفي المرّة الثانية «أشهد أنّ محمّداً رسول اللّه» يقول : أشهد أن لا حاجةَ لأحد إلى أحدإلّا إلى اللّه الواحد القهّار الغنيّ عن عبادِه والخلائق والناس أجمعين، وأنّه أرسل محمّداً إلى الناس بشيراً ونذيراً وداعياً إلى اللّه بإذنه وسراجاً مُنيراً، فمَنْ أنكره وجَحَده ولم يؤمِن به أدخله اللّهُ عزّوجلّ نارَ جهنَّم خالداً مخلّداً لا ينفكّ عنها أبداً.
وأمّا قوله : «حيّ على الصلاة» أي هَلّموا إلى خير أعمالكم ودعوة ربّکم ، وسارِعوا إلى مغفرة من ربّكم، وإطفاء تارکم الّتي أوقدتموها، وفكاك رقابكم الّتي رهنتموها، ليكفر اللّه عنكم سيّئاتكم، ويغفرَ لكم ذنوبكم، ويبدلّ سيّئاتكم حسنات، فإنّه ملك کریم، ذو الفضل العظيم، وقد أذن لنا معاشرَ المسلمين بالدخول في خدمته، والتقدُّم إلى بين يديه. وفي المرّة الثانية «حيّ على الصلاة» أي قوموا إلى مناجاة اللّه ربّكم، وعرض حاجاتكم على ربّكم، وتوسّلوا إليه
ص: 94
بكلامه، وتشفّعوا به، وأكثِروا الذكرَ والقنوتَ والركوعَ والسجودَ والخضوعَ والخشوعَ، وارفعوا إليه حوائجكم، فقد أُذن لنا في ذلك.
وأمّا قوله : «حيّ على الفلاح» فإنّه يقول : أقبلوا إلى بقاء لا فناء معه ونجاة لا هلاك معها، وتعالوا إلى حياة لا موتَ معها، وإلى نعيم لا نفادَ له، وإلى ملك لازوالَ عنه، وإلى سرورٍ لا حزن معه، وإلى أُنس لا وحشةَ معه، وإلى نورٍ لا ظلمةَ معه، وإلى سعةٍ لا ضيقَ معها، وإلى بهجةٍ لا انقطاعَ لها، وإلى غنی الافاقةَ معه، وإلى صحّةٍ لاسُقْمَ معها، وإلى عزّ لا ذلّ معه، وإلى قوّة لاضعفَ معها، وإلى كرامة يا لها من كرامة ، واعجلوا إلى سرور الدُنيا و العقبی، ونجاة الآخرة والأُولى، وفي المرّة الثانية : «حيّ على الفلاح» فإنّه يقول : سابقوا إلى مادعوتُكم إليه، وإلى جزيل الكرامة، وعظيم المنّة، وسَنِيّ النعمة ، والفوز العظيم، ونعيم الأبد في جوار محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وأمّا قوله «اللّه أكبر» فإنّه يقول : اللّه أعلى وأجِلُّ من أن يعلَم أحدٌ من خلقه ما عنده من الكرامة لعبد أجابه و أطاعه وأطاع أمره وعَبَده وعَرف و عيده و اشتغال به وبذكره، وأحبّه وأمن به واطمأنّ إليه ووثق به وخافه ورجاه و اشتاق إليه ، ووافقه في حكمه وقضائه ورضي به. وفي المرّة الثانية «اللّه أكبر» فإنّه يقول : اللّه أكبر وأعلى وأجلُّ من أن يعلم أحد مبلغَ كرامته لأوليائه وعقوبتَه لأعدائه ومبلغَ عفوه وغفرانَه ونعمتَه لمَن أجابه وأجاب رسولَه، ومبلغَ عذابه و نکاله وهو أنّه لمن أنكره وجحده.
وأمّا قوله «لا إله إلّا اللّه» معناه: للّه الحجّة البالغة عليهم بالرسول والرسالة والبيان والدعوة، وهو أجلُّ من أن يكون لأحد منهم عليه حجّة، فمَن
ص: 95
أجابَه فله النورُ والكرامةُ، ومَن أنكره فإن اللّه غنيّ عن العالمين، وهو أسرعُ الحاسبين. ومعنى «قد قامت الصلاة» في الإقامة أي حان وقتُ الزيارة والمناجاة وقضاء الحوائج ودرك المُني والوصول إلى اللّه عزّوجلّ وإلى كرامته وعفوه ورضوانه وغفرانه.(1)
{41}
[109] قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا تقولوا امرأة طامث فتكذبوا، ولكن قولوا حائض، والطمث الجماع قال اللّه : «لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ» (2) ولا تقولوا صرت إلى الخلاء، ولكن قولوا كما قال اللّه تعالى : أ«َوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ_» (3) ولا تقولوا أُهريق الماء فتكذبوا، ولكن قولوا انطلق أبول، ولا يسمى
ص: 96
المسلم رجيلاً، ولا يسمى المصحف مصيحفاً، ولا المسجد مسيجداً.(1)
{42}
[110] قال الحسينُ بنُ علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : لمّا أنزل اللّهُ تبارك وتعالى هذه الآية : «وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ» (2)، سألتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عن تأويلها، فقال : واللّه ماعني بها غيركم، وأنتم أُولوا الأرحام، فإذا متُّ فأبوك علىّ أولى بي وبمكاني، فإذا مضى أبوك فأخوك الحسن أولى به، فإذا مضى الحسن فأنت أولى به.
قلت : يا رسول اللّه فمَن بعدي أولى بي؟
فقال : ابنك علىّ أولى بك من بعدك، فإذا مضى ابنه محمّد أولى به من بعده ، فإذا مضى محمّد فإبنه جعفر أولی به بمكانه من بعده، فإذا مضى جعفر فإنه موسى أولى به من بعده، فإذا مضى موسى فإبنُه على أولى به من بعده ، فإذا مضى علي فإبنُه الحسن أولى به من بعده، فإذا مضى الحسن وقعت الغيبة في التاسع من ولدك، فهذه الأئمّة التسعة من صلبك، أعطاهم اللّه علمي و فهمي،
ص: 97
طینتهم من طينتي، ما لقوم يؤذونني فيهم؟ لا أنالهم اللّه شفاعتي.(1)
{43}
[111] لما كان يوم غدیر خم قام رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خطيباً فأوجز في خطبته ثمّ دعا عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخذ بضبعه ثمّ رفع بيده حتّى رُؤي بياض إبطيهما وقال : ألم أبلغكم الرسالة؟ ألم أنصح لكم؟
قالوا: اللّهمّ نعم.
فقال : من کنتُ مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال مَن والاه وعادِ مَن عاداه ، وانصره مَن نصره، واخذل مَن خذله، ففشت في الناس ، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري فرحل راحلته ثمّ استوى عليها ورسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إذ ذاك بمكّة حتّى انتهى إلى الأبطح فأناخ ناقته ثمّ عقلها ثمّ جاء إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فسلّم فردّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : يا محمّد إنّك دعوتنا أن نقول لا إله إلّا اللّه فقلناثم دعوتنا أن نقول أنّك رسول اللّه فقلنا وفي القلب ما فيه ، ثمّ قلت صلّوا فصلّينا، ثمّ قلت صوموا فصمنا فأظمأنا نهارنا وأتعبنا أبداننا، ثمّ قلت حجّوا فحججنا ، ثمّ قلت إذا رزق أحدکم مائتي درهم فليتصدّق بخمسه كلّ سنة ففعلنا، ثمّ أنّك أقمت ابن عمّك فجعلته علماً وقلت من کنتُ مولاه فعليّ مولاه اللّهمّ وال مَن والاه وعاد مَن عاداه ،
ص: 98
وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله، أفعنك أم عن اللّه ؟!
قال : بل عن اللّه. قال : فقالها ثلاثاً. قال : فنهض وإنّه لمغضب وإنّه ليقول: اللّهمّ إن كان ما قاله محمّد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء تكون نقمة في أوّلنا وآية في آخرنا وإن كان ما قاله محمّد كذباً فأنزل عليه نقمتك. ثمّ أثار ناقته فحلّ عقالها ثمّ استوى عليها، فلمّا خرج من الأبطح رماه اللّه تعلى بحجر من السماء فسقط على رأسه وخرج من دُبره وسقط ميّتاً فأنزل اللّه فيه : «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ»(1).(2)
{44}
[112] لما نزل على النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) «لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا» (3) قالت فاطمة : فتهيّبت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن أقول له : يا أبه ! فجعلت أقول له : يا رسول اللّه! فأقبل عليّ فقال لي : يا بنيّة لم تنزل فيك ولا في أهلك من قبل، أنت منّي وأنا منك، وإنّما نزلت في أهل الجفاء والبذخ والكبر ، قولي : يا أبه، فإنّه أحبُّ للقلب وأرضى للربّ ثمّ قبّل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) جبهتي ومسحني
ص: 99
بريقه فما احتجت إلى طيب بعده.(1)
{45}
[113] عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر ، عن أبيه، عن جدّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ» (2) قام أبو بكر وعمر من مجلسهما وقالا : یا رسول اللّه هو التوراة؟
قال : لا.
قالا: فهو الإنجيل؟
قال : لا.
قالا : فهو القرآن؟
قال : لا، فأقبل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : هو هذا، إنّه الإمام الّذي أحصى اللّه فيه (تبارك وتعالى) علم كلّ شيء.(3)
ص: 100
{46}
[114] عن الإمام الحسين بن علي (رضي اللّه عنهما) أنّه سأل رجل عن معنی «کهیعص » فقال له : لو فسّرتها لك لمشيت على الماء.(1)
{47}
[115] عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين ، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) في قوله تبارك وتعالى : «وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا» (2) يقول : ماسجدت به من جوارحك للّه(3) فلا تدع مع اللّه أحداً.(4)
{48}
[116] قال زيد بن أرقم : قال الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : ما من شيعتنا إلّا صدّیق شهید.
ص: 101
قلت : أنّى يكون ذلك وهم يموتون على فرشهم؟
فقال : أماتتلو کتاب اللّه : «وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ» (1) ثمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لو لم تكن الشهادة إلّا لمن قتل بالسيف لأقلّ اللّه الشهداء.(2)
{49}
[117] عن النضر بن مالك قال : قلت للحسين بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : یا اباعبداللّه حدّثني عن قول اللّه عزّوجلّ: «هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ» (3) قال : نحن وبنو أُميّة اختصمنا في اللّه عزّوجلّ قلنا : صدق اللّه ، وقالوا : كذب اللّه، فنحن وإيّاهم الخصمان يوم القيامة.(4)
ص: 102
{50}
[118] عن زيد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من مات يوم الخميس بعد زوال الشمس إلى يوم الجمعة وقت الزوال وكان مؤمنا أعاده اللّه عزّوجلّ من ضغطة القبر وقبل شفاعته في مثل ربيعة ومضر.
ومن مات يوم السبت من المؤمنين لم يجمع اللّه بينه وبين اليهود في النار أبداً، ومن مات يوم الاثنين من المؤمنين لم يجمع اللّه عزّ وجلّ بينه وبين النصارى في النار أبداً، ومن مات يوم الثلاثاء من المؤمنین حشره اللّه عزّوجلّ معنا في الرفيق الأعلى، ومن مات يوم الأربعاء من المؤمنين وقاهُ اللّه تعالى يوم القيامة وأسعده بمجاورته وأحلّه دار المقامة من فضله، لا يمسُّه فيها نصب ولا يمسُّه فيها لغوب.
ثم قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : المؤمن على أيّ الحالات مات وفي أيّ يوم وساعة قبض فهو صدّيق شهيد، ولقد سمعت حبيبي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : لو أنّ المؤمن خرج من الدُنيا وعليه مثل ذنوب أهل الأرض لكان الموت كفارة لتلك الذنوب.
ثم قال : من قال لا إله إلّا اللّه بإخلاص فهو بريء من الشرك، ومن خرج من الدنيا لا يشرك باللّه شيئا دخل الجنة، ثمّ تلا هذه الآية : «إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ» (1) من شيعتك ومحبّيك يا علي.
قال أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فقلت : يا رسول اللّه هذا لشيعتي؟
قال : إي وربّي إنه لشيعتك، وإنّهم ليخرجون يوم القيامة من قبورهم وهم
ص: 103
يقولون لا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه عليّ بن أبي طالب حُجّة اللّه، فيؤتون بحلل خضر من الجنّة وأكاليل من الجنّة، ونجائب من الجنَّة، فيلبس كلّ واحد منهم حلّة خضراء ويوضع على رأسه تاج الملك في إكليل الكرامة، ثمّ يركبون النجائب فتطير بهم إلى الجنّة : «لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ» (1).(2)
{51}
[119] عن الحسین بن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) في قوله تعالى : «تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا»(3) قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ).(4)
{52}
[120] أحمد، عن البزنطي قال : قلت للرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ رجلاً من أصحابنا سمعني وأنا أقول : إنّ مروان(5) بن محمّد لو سئل عنه صاحب القبر ما كان عنده
ص: 104
منه علم. فقال الرجل : إنّما عنى بذلك أبو بكر وعمر ، فقال : لقد جعلهما في موضع صدق ! قال جعفر بن محمّد: إنّ مروان بن محمّد لو سئل عنه محمّد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ما كان عنده منه علم، لم يكن من الملوك الّذين سمّوا له، وإنّما كان له أمر طرأ قال أبو عبداللّه و أبو جعفر وعلي بن الحسين والحسين بن علي والحسن بن عليّ وعليّ بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) : واللّه لولا آية في كتاب اللّه لحدّثناكم بما يكون إلى أن تقوم الساعة : «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»(1).(2)
{53}
[121]عن الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)في حديث طويل يقول فيه: وما أنت یا ولید بن عقبة فواللّه ما ألومَنّك أن تُبغض عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد جلدك في الخُمس
ص: 105
ثمانين جلدة، وقتَل أباك صبراً بيده يوم بدر، أم كيف تسُبُّه فقد سمّاه اللّهُ مؤمناً في عشر آيات من القرآن وسمّاك فاسقاً، وهو قوله: «إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ» .(1)
{54}
[122] قال الحارث بن عبداللّه الأعور للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : یابن رسول اللّه جُعلت فداك (2) أخبرني عن قول اللّه في كتابه : «وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا» (3) قال : ويحك يا حارث ذلك(4) محمّد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )(5). قال(6) : قلت : جُعِلت فداك(7) : قوله : «وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا»(8)قال : ذلك(9) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) يتلو محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
ص: 106
قال: قلت(1): «وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا»(2)قال : ذلك القائم (3) من آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يملأ الأرض عدلاً وقسطاً.(4).(5)
{55}
[123] عن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله تعالى : «لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ»(6). قال : لا تدعوا اليوم، وقوله «فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ»(7) أي لم يتواضعوا في الدعاء، ولم يخضعوا، ولو خضعوا للّه عزّوجلّ، لاستجاب لهم.(8)
ص: 107
{58}
[126] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : هل تدرون ما تفسير هذه الآية : «كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا»(1) قال : إذا كان يوم القيامة تقاد جهنّم بسبعين ألف زمام بید سبعين ألف ملك، فتشرد شردة لولا أنّ اللّه تعالى حبسها لأحرقت السماوات والأرض.(2)
{59}
[127] عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) في قول اللّه عزّ وجلّ : هَلْ «جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ» (3) فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلّا الجنّة.(4)
ص: 109
{60}
[128] عن أبي جعفر عن أبيه عن جدّه (عَلَيهِم السَّلَامُ) : إنّ النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا عليّ «كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ» (1)والمجرمون هم المنكرون لولايتك «قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ »(2)فيقول لهم أصحابُ اليمين : ليس من هذا أُتيتم، فما الّذي سلككم في سقر يا أشقياء؟ قالوا: وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ»(3) فقالوا لهم : هذا الّذي سلككم في سقر یا أشقياء؛ ويومُ الدين يومُ الميثاق، حيث جَحَدوا وكذبوا بولايتك وعَتَوا عليك واستكبروا.(4)
{61}
[129] عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أبي جعفر الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنه قال : قرأ عليّ بن
ص: 110
أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ » وعنده الحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبتاه كأنّ بها من فيك حلاوة!
فقال له : يابن رسول اللّه وابني إنّي أعلم فيها ما لا تعلم، إنّها لمّا نزلت بعث إليّ جدّك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقرأها عليّ، ثمّ ضرب على كتفي الأيمن وقال : يا أخي ووصيّي وولیّي على أُمّتي بعدي ، هذه السورة لك من بعدي ، ولولدك من بعدك ، إنّ جبرئيل أخي من الملائكة حدّث لي أحداث أُمّتي في سننها وإنّه ليحدّث ذلك إليك كإحداث النبوّة، ولها نور ساطع في قلبك وقلوب أوصيائك إلى مطلع فجر القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف).(1)
ص: 111
ص: 112
ص: 113
{1}
[130] إن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) دعا يوم الأحزاب ، اللّهمّ منزل الكتاب و منشیء السحاب ، اللّهمّ أهزم الأحزاب وزلزلهم.(1)
{2}
[131] کتاب الإمامة : لمحمّد بن جرير الطبري ، عن أبي المفضل محمّد بن عبداللّه(2) عن محمّد بن هارون بن حميد، عن عبداللّه بن عمر بن أبان ، عن قطب بن زیاد، عن ليث بن سلیم، عن عبداللّه بن الحسن بن الحسن ، عن فاطمة الصغرى، عن أبيها (عَلَيهِم السَّلَامُ)، عن فاطمة الكبرى ابنة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) کان إذا دخل المسجد يقول: «بسم اللّه اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد، فاغفر ذنوبي وافتح أبواب رحمتك»، وإذا خرج يقول: «بسم اللّه اللّهمّ صل على محمّد
ص: 114
و آل محمّد واغفر ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك».(1)
{3}
[132] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : صلاتكم عليّ مجوّزة لدعائكم ومرضاة لربّکم، وزكاة لأبدانكم.(2)
وبهذا الإسناد : عن عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا دعا العبد، ولم يذكر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، رفرف الدعاء فوق رأسه، فإذا ذكر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) رفع الدعاء.(3)
{4}
[133] عن الخوارزمي، عن ابن اعثم الكوفي، قال : فلمّا كانت الليلة الثالثة خرج إلى القبر أيضاً، فصلّی رکعات، فلمّا فَرغ من صلاته جعل يقول : اللّهمّ! إنّ هذا قبر نبيّك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وأنا ابنُ بنت نبيّك، وقد حضرني من الأمر ما قد علمتَ، اللّهمّ إنّي أُحبّ المعروفَ وأنكر المنكَر، وإنۀي أسألك يا ذا الجلال.
ص: 115
والإكرام! بحقّ هذا القبر ومَن فيه إلّا اخترتَ لي من أمري ماهو لك رضی، و لرسولك رضى، وللمؤمنين رضي.(1)
{5}
[134] عن الباقر عن أبيه عن جدّه عن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : شكوتُ إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) دَيْناً كان عليّ، فقال : يا عليّ قل : اللّهمّ أغنني بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمّن سواك، فلو كان عليك مثلُ صبير ديناً قضاه اللّه عنك ، وصبير جبل باليمن ليس بالیمن جبل أجلُّ ولا أعظم منه.(2)
{6}
[135] عن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن جدّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : اللّهمّ أغِنني بالعلم، وزيّنّي بالحِلم، وأكرِمني بالتقوى، وجمّلني بالعافية.(3)
ص: 116
{7}
[136] عن الحسين بن علي عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : إنّ جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) أتى إليّ بسبع كلمات وهي الّتي قال اللّه : «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ» (1)یا اللّه، یا رحمان، یا ربّ، يا ذا الجلال والإكرام، يا نورَ السماوات والأرض، يا قريب، يا مجيب، الخبر.(2)
{8}
[137] عن جعفر بن محمّد أنه قال : حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه أنّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان إذا حزبه أمر دعا بهذا الدعاء و كان يقال له دعاء الفرج و هو : اللّهمّ احرُسني بعينِك الّتي لا تَنام، واكنفني بركنِك الّذي لا يُرام، وارحَمني بقدرتِك عليّ ولا أهلك وأنت رجاي، فكم من نعمةٍ أنعمتَ بها عليّ قلّ لك بها شكري، وكم من بليّة ابتليتَني قلّ لك بها صبري، فيا مَن قلّ عند نعمتِه شُكري فلم يحرمني، ويا مَن قلّ عند بلیته صبري فلم يخذلني، ويا من رآني على الخطايا فلم يفضحني، أسألك أن تصلّيَ على محمّد وآل محمّد، اللّهمّ أعنّي بالدُنيا وعلى آخرتي بالتقوى، واحفَظني فيما غبت عنه ولا تَكلْني إلى نفسي فيما حضرته، يا من لا تضرّه الذنوبُ، ولا تنقصه المغفرة، هب لي ما لا ينقصك ، واغفر لي ما لا يضرُّ، إنّك ربٌّ وهّاب. أسألك فرجاً قريباً و صبراً جمیلاً ، ورزقاً
ص: 117
واسعاً، والعافية من البلاء وشكر العافية.
وفي رواية : وأسألك تمام العافية ، وأسألك دوام العافية ، وأسألك الغنى عن الناس، ولا حولَ ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم.(1)
ص: 118
{9}
[138] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يوم الخندق : اللّهمّ إنّك أخذت منّي عبيدة بن الحارث - يوم بدر؛ وحمزة بن عبدالمطلّب - يوم أُحُد -، وهذا عليّ فلا تدعني فرداً وأنت خيرُ الوارثين.(1)
{10}
[139] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : اللّهمّ بارِك لأمتي في بكورها يوم سبتِها وخميسِها.(2)
{11}
[140] ذكر عند النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الجدود(3)، فقالوا: إنّ فلاناً جدّه في الغنم، وقيل : جدّ فلان في الزرع، وجدّ فلان في الإبل، وجدّ فلان في النخل.
ص: 119
فقام النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فصلّى ركعتين ، فلمّا قال : سمع اللّه لمن حمده ، قال : اللّهمّ ربّنا لك الحمد - ورفع صوته يسمعهم - ملء السماوات وملء الأرض، وملء مابينهما، أهل المجد والثناء، اللّهمّ لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجّد منك الجدّ.(1)
{12}
[141] وعن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أمان لأُمّتي من الغَرَق إذا ركبوا في الفلك قالوا : بسم اللّه الرحمن الرحيم «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ ربّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ».(2)
ص: 120
{13}
[142] عن عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنّ رجلاً أتى النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )فقال : یا رسول اللّه، إن يكن لأحد قلبان، فإنّ لي قلبين : قلب يأمرني بأن أُتابعك ، وقلب يأمرني أن لا أُتابعك.
فقال له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أعلمك شيئاً إن أنت قلته أذهب اللّه عنك؟
قال : بلى يا رسول اللّه.
قال : قل : اللّهمّ أنت الربّ، وأنت اللّه، وأنت الرحمن، وأنت الرحیم، أستعينك على عدوّي، فأحبسه عنّي بما شئت.(1)
{14}
[143] عن الصادق ، عن أبيه، عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : كان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يعود الحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) بهذه العوذة، وكان يأمر (عَلَيهِ السَّلَامُ) بذلك أصحابه وهو هذا الدعاء :
بسم اللّه الرحمن الرحيم، أُعيذنفسي وديني وأهلي ومالي وولدي وخواتيم عملي، وما رزقني ربّي وخوّلني بعزة اللّه، وعظمة اللّه، وجبروت اللّه، وسلطان اللّه، ورحمة اللّه، ورأفة اللّه، وعزّة اللّه، وغفران اللّه، وقوّة اللّه ،
ص: 121
وقدرة اللّه، وبآلاء اللّه وبصنيع اللّه، وبأركان اللّه، وبجمع اللّه عزّوجلّ، وبرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وقدرة اللّه على مايشاء، من شرّ السامّة والهامّة، ومن شرّ الجنّ والإنس، ومن شرّ مادبّ في الأرض، ومن شرّ ما يخرج منها، ومن شرّ ما ينزل من السماء، ومايعرجُ فيها، ومن شرّ كلّ دابّة ربّي آخذ بناصيتها، إن ربّي على صراط مستقیم وهو على كلّ شيء قدير ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم، وصلى اللّه على سيّدنا محمّد و آله أجمعين.(1)
{15}
[144] عن عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : رآني النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حزيناً فقال : يابن أبي طالب أراك حزيناً؟
قلت : هو كذلك.
قال : فمُر بعض أهلك يؤذّن في أُذنك فإنّه دواء الهمّ.
قال : ففعلت فزال عنّي.
قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جرّبته فوجدته كذلك.(2)
ص: 122
{16}
[145] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : من انتبه من فراشه فقال : أشهد أن لا إله إلّا اللّه، آمنتُ باللّه، وكفرتُ بالطاغوت، غفر اللّه جميع ذنوبه.(1)
{17}
[146 ] لمّا حمل علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) إلى يزيد (لعنه اللّه)، همّ بضرب عنقه، فوقفه بين يديه ، وهو يكلّمه ليستنطقه بكلمة يوجب بها قتله ، وعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يجيبه حينما يكلّمه، وفي يده مسبحة صغيرة يديرها بأصابعه، وهو يتكلّم، فقال له يزيد: أنا أُكلّمك، وأنت تجيبني وتدير أصابعك بسبحة في يدك، فكيف يجوز ذلك؟!
فقال : حدّثني أبي، عن جدّي، أنه كان إذا صلّى الغداة وانفتل، لا يتكلّم حتّى يأخذ سبحة بين يديه ، فيقول :
اللّهمّ إنّي أصبحتُ أُسبّحك وأحمدك، وأُهلّلك وأُكبّرك و أُمجّدك، بعدد ما أُدير به سبحتي، ويأخذ السبحة في يده ويديرها، وهو يتكلّم بما یرید، من غير أنّ يتكلّم بالتسبيح، وذكر أن ذلك محتسب له، وهو حرز إلى أن يأوي إلى فراشه ، فإذا أوى إلى فراشه ، قال مثل ذلك القول، ووضع السبحة تحت رأسه ،
ص: 123
فهو محسوبة له من الوقت إلى الوقت، ففعلت هذا اقتداء بجدّي، فقال له يزيد (لعنه اللّه) مرّة بعد أُخرى لست أُكلّم أحداً منكم، إلّا ويجيبني بما يفوز به، وعفا عنه ووصله وأمر بإطلاقه.(1)
{18}
[147] روي عن مولانا وسيّدنا موسی بن جعفر ، عن أبيه جعفر الصادق ، عن أبيه، عن جدّه، عن أبيه الحسين بن علي أمير المؤمنین (صلوات اللّه عليهم أجمعين) قال :
قال أبي أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : یابنيّ ألا أُعلّمك سرّاً من أسرار اللّه عزّوجلّ، علّمنيه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وكان من أسراره لم يطّلع عليه أحد؟
قلت : بلى يا أباه جعلت فداك.
قال : نزل على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من الروح الأمين جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) في يوم الأحد يوم أُحُد، وكان يوم مهول شديد الحرّ، وكان على النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) جوشن لا يقدر حمله لشدّة الحرّ، وحرارة الجوشن.
قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : فرفعت رأسي نحو السماء، فدعوت اللّه تعالی فرأيت أبواب السماء قد فتحت، ونزل على الطواف بالنور جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، وقال لي: السلام عليك يا رسول اللّه، فقلت : عليك السلام يا أخي جبرئیل ، فقال : العليّ الأعلى يقرئك السلام، ويخصّك بالتحيَة والإكرام، ويقول لك اخلع هذا الجوشن واقرأ هذا الدعاء، فإذا قرأته وحملته فهو مثل الجوشن الّذي على جسدك.(2)
ص: 124
ثم ذكر خبراً طويلاً في فضل دعاء جوشن المشهور وذكر الدعاء... إلى أن قال وقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أوصاني أبي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وصيّة عظيمة بهذا الدعاء وحفظه، وقال لي : يا بني اكتب هذا الدعاء على كفني، وقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فعلت كما أمرني أبي.(1)
وفي رواية قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أوصاني أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بحفظه وتعظيمه، وأن أكتبه على كفنه، وأن أُعلِّمه أهلي وأحثّهم عليه وهو ألف إسم، وإسم.(2)
{19}
[148] قال السيّد ابن طاوس : دعاء مرويّ عن مولانا الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) المعروف بدعاء الشابّ المأخوذ بذنبه، وما روي عن جماعة يسندون الحديث إلى الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كنتُ مع عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الطواف في ليلة دیجوجية قليلة النور وقد خلا الطواف و نام الزوّار، وهدأت العيون، إذ سمع مستغيثاً مستجيراً مترحّماً بصوت حزين محزون من قلب موجع وهو يقول :
يا مَن يُجيب دعاء المضطرّ في الظُلَم***یا کاشفَ الضُرّ والبلوى مع السقَم
قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا***يدعو وعينُك يا قيّوم لم تنم
ص: 125
کتاب الألفين (ج3)
هب لي بجودك فضل العفو عن جُرمي***یا مَن أشار إليه الخلق في الحرم
إن كان عفوك لا يلقاه ذو سَرف***فمن يجودُ على العاصين بالنِعَم
قال الحسينُ بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقال لي : يا أباعبداللّه أسمعتَ المنادي ذنبَه ، المستغيث ربَّه؟ فقلت : نعم قد سمعته، فقال : اعتبره جنون عسی تراه، فمازلت أخبط في طخياء الظلام وأتخلّل بين النيام، فلمّا مررت بين الركن والمقام بدا لي شخص منتصب فتأمّلته، فإذا هو قائم، فقلت : السلام عليك أيّها العبد المقرّ المستقبل المستغفر المستجير أجب باللّه ابنَ عمّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فأسرع في سجوده وقعوده وسلّم فلم يتكلّم حتّى أشار بيده بأن تقدّمني فتقدّمته فأتيت به أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت دونك ها هو، فنظر إليه فإذا هو شابّ حسن الوجه نقي الثياب فقال له ممّن الرجل؟
فقال له : من بعض العرب.
فقال له : ما حالك وممّ بكاؤك واستغاثتك؟
فقال : حال من أُوخِذَ بالعقوق، فهو في ضيق، إرتهنه المصاب ، وغمزه الإكتیاب فارتاب ، فدعاؤه لا يُستجاب.
فقال له على (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ولِمَ ذلك؟
فقال : لأنّي كنتُ ملتهياً في العرب باللعب والطرب، أديم العصيان في رجب وشعبان، وما أُراقب الرحمن، وكان لي والد شفيق رفيق يحذّرني مصارع الحدثان، ويخوّفني العقاب بالنيران، ويقول: كم ضجّ منك النهار والظلام، والليالي والأيّام، والشهور والأعوام، والملائكة الكرام، وكان إذا ألحّ عليّ
ص: 126
بالوعظ زجرتُه وانتهرته ووثبتُ عليه وضربته ، فعمدت يوماً إلى شيء من الورق وكانت في الخبأ فذهبت لأخذَها وأصرفها فيما كنت عليه ، فمانعني عن أخذها فأوجعتُه ضرباً ولويت يدَه وأخذتُها ومضيتُ فأومأ بيده إلى ركبتيه يروم النهوض من مكانه ذلك فلم يُطق يحرّكها من شدّة الوجع والألم فأنشأ يقول:
جرت رحِمٌ بيني و بين منازل***سواء كما يستنزل القطر طالبُه
وربّيتُ حتّى صار جَلداً شمردلاً***إذا قام ساوئ غارب الفحل غاربُه
وقد كنتُ أوتيه مِن الزاد في الصِبي***إذا جاع منه صفوةٌ وأطايبَه
فلمّا استوى في عُنفوان شبابه***وأصبح كالرمح الرُدَيني خاطِبُه
تهضَّمَني مالي كذا ولَوى يَدي***لو يده اللّهُ الّذي هو غالبُه
ثم حلف باللّه ليقدمنّ إلى بيت اللّه الحرام فيستعدي اللّه عليّ. قال : فصام أسابيع وصلّى ركعات ودعا وخرج متوجّهاً على غير انه يقطع بالسير عرض الفلاة ويطوي الأودية ويعلو الجبال حتّى قدم مكّة يومَ الحجّ الأكبر فنزل عن راحلته وأقبل إلى بيت اللّه الحرام فسعى وطاف به وتعلق بأستاره وابتهل بدعائه وأنشأ يقول :
يا مَن إليه أتى الحُجّاجُ بالجُهد***فوق المهاوي من أقصى غاية البُعد
إنّي أتيتُك يا من لا يُخيِّبُ مَن***يَدعوه مُبتَهِلاً بالواحِد الصمد
هذا منازِلُ لا يرتاعُ مِن عَققي***فخذ بحقّي يا جبّارُ مِن ولدي
حتّى تشلّ بعون منك جانبَه***يا مَن تقدّس لم يولد ولم يلد
قال : فوالّذي سمك السماء وأنبع الماء ما استتمّ دعاؤه حتّى نزل بي ما ترى، ثمّ كشف عن يمينه فإذا بجانبه قد شلّ، فأنا منذ ثلاث سنين أطلب إليه أن يدعوني في الموضع الّذي دعا به علي فلم يُجبني حتّى إذا كان العام أنعم عليّ فخرجت على ناقة غبراء أجد السير حثيثاً رجاء العافية حتّى إذا كنّا على الأراك
ص: 127
وحطمته وادي السمال نفر طائرٌ في الليل فنفرت منها الناقةُ الّتي كان عليها فألقته إلى قرار الوادي وارفض بين الحجرين فقبرتُه هناك وأعظم من ذلك أنّي لا أعرف إلّا المأخوذ بدعوة أبيه.
فقال له أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أتاك الغوث ألا أُعلّمك دعاء علّمنيه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وفيه اسم اللّه الأكبر الأعظم العزيز الأكرم الّذي يجيب به من دعاه ويعطي به من سأله ويفرّج الهمّ ويكشف به الكرب ويذهب به الغمّ ويبرىء به السقم ويجبر به الكسير ويغني به الفقير ويقضي به الدَيْن ويرد به العين ويغفر به الذنوب ويستربه العيوب ويؤمن به کلّ خائف من شيطان مريد و جبّار عنيد ولو دعا به طائع للّه على جبل لزال من مكانه أو على ميّت لأحياه اللّه بعد موته، ولو دعا به على الماء لمشى عليه بعد أن لا يدخله العجب، فاتّق اللّه أيّها الرجل فقد أدركتني الرحمة لك وليعلم اللّه منك صدق النيّة إنّك لا تدعو به في معصيته ولا تفيده إلّا الثقة في دينك، فإن أخلصت النيّة استجاب اللّه لك ورأيت نبيّك محمّداً في منامك يبشرك بالجنّة والإجابة.
قال الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : فكان سروري بفائدة الدعاء أشدّ من سرور الرجل بعافيته وما نزل به لأنّني لم أكن سمعته منه ولا عرفت هذا الدعاء قبل ذلك، ثمّ قال : إئتِني بدواة وبياض واكتب ما أمليه عليك ففعلت و هو :
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم، يَا ذَا الْجَلَالِ وَ الْإِكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا حَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، يَا مَنْ لَا يَعْلَمُ مَا هُوَ، وَ لَا أَيْنَ هُوَ وَ لَا حَيْثُ هُوَ وَ لَا كَيْفَ هُوَ إِلَّا هُوَ، يَا ذَا الْمُلْكِ وَ الْمَلَكُوتِ، يَا ذَا الْعِزَّةِ وَ الْجَبَرُوت،ِ يَا مَلِكُ يَا قُدُّوسُ يَا سَلَامُ يَا مُؤْمِنُ يَا مُهَيْمِنُ يَا عَزِيزُ يَا جَبَّارُ يَا مُتَكَبِّرُ يَا خَالِقُ يَا بَارِئُ يَا مُصَوِّر يَا مُفِيدُ يَا وَدُودُ [يَا مُدَبِّرُ يَا شَدِيدُ يَا مُبْدِئُ يَا مُعِيدُ يَا مُبِيدُ] يَا بَعِيدُ يَا قَرِيبُ يَا مُجِيبُ يَا رَقِيبُ يَا حَسِيبُ يَا بَدِيعُ يَا رَفِيعُ يَا مَنِيع
ص: 128
يَا سَمِيعُ يَا عَلِيمُ يَا حَكِيمُ يَا كَرِيمُ [يَا مقائمُ یا دائمُ يَا معالم] يَا قَدِيمُ يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ، يَا دَيَّانُ يَا مُسْتَعَان،ُ يَا جَلِيلُ يَا جَمِيلُ يَا وَكِيلُ يَا كَفِيلُ يَا مُقِيلُ يَا مُنِيلُ يَا نَبِيلُ يَا دَلِيلُ يَا هَادِي يَا بَادِي يَا أَوَّلُ يَا آخِرُ يَا ظَاهِرُ يَا بَاطِنُ يَا حَاكِمُ يَا قَاضِي يَا عَادِلُ يَا فَاضِلُ يَا وَاصِلُ يَا طَاهِرُ يَا مُطَهِّرُ يَا قَادِرُ يَا مُقْتَدِرُ يَا كَبِيرُ يَا مُتَكَبِّرُ يَا وَاحِدُ يَا أَحَدُ يَا صَمَدُ يَا مَنْ لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَ لَا ولدٌ كَانَ مَعَهُ وَزِيرٌ وَ لَا اتَّخَذَ مَعَهُ مُشِيراً وَ لَا احْتَاجَ إِلَى ظَهِيرٍ وَ لَا كَانَ مَعَهُ إِلَهٌ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ فَتَعَالَيْتَ عَمَّا يَقُولُ الْجَاحِدُونَ عُلُوّاً كَبِيراً يَا عَلِيُّ يَا عَالِمُ يَا شَامِخُ يَا بَاذِخُ يَا فَتَّاحُ [يَا نَفَّاحُ ] يَا مُرْتَاحُ يَا مُفَرِّجُ يَا نَاصِرُ يَا مُنْتَصِرُ يَا مُهْلِكُ [مُدْرِكُ ] يَا مُنْتَقِمُ يَا بَاعِثُ يَا وَارِثُ يَا أَوَّلُ يَا طَالِبُ يَا غَالِبُ يَا مَنْ لَا يَفُوتُهُ هَارِبٌ، يَا تَوَّابُ يَا أَوَّابُ يَا وَهَّابُ يَا مُسَبِّبَ الْأَسْبَابِ يَا مُفَتِّحَ الْأَبْوَابِ يَا مَنْ حَيْثُ مَا دُعِيَ أَجَابَ يَا طَهُورُ يَا شَكُورُ يَا عَفُوُّ يَا غَفُورُ يَا نُورَ النُّورِ يَا مُدَبِّرَ الْأُمُورِ يَا لَطِيفُ يَا خَبِيرُ يَا مُتَجَبِّرُ يَا مُنِيرُ يَا بَصِيرُ يَا ظَهِيرُ يَا كَبِيرُ يَا وَتْرُ يَا فَرْدُ يَا صَمَدُ يَا سَنَدُ يَا كَافِي يَا مُحْسِنُ يَا مُجْمِلُ يَا مُعَافِي يَا مُنْعِمُ يَا مُتَفَضِّلُ يَا مُتَكَرِّمُ يَا مُتَفَرِّدُ يَا مَنْ عَلَا فَقَهَرَ يَا مَنْ مَلَكَ فَقَدَرَ، يَا مَنْ بَطَنَ فَخَبَرَ يَا مَنْ عُبِدَ فَشَكَرَ يَا مِنَ عُصِىَ فَغَفَرَ وَ سَتَرَ يَا مَنْ لَا تَحْوِيهِ الْفِكَرُ وَ لَا يُدْرِكُهُ بَصَرٌ وَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ، يَا رَازِقَ الْبَشَرِ وَ يَا مُقَدِّرَ كُلِّ قَدَرٍ يَا عَالِيَ الْمَكَانِ، يَا شَدِيدَ الْأَرْكَانِ يَا مُبَدِّلَ الزَّمَانِ، يَا قَابِلَ الْقُرْبَانِ، يَا ذَا الْمَنِّ وَ الْإِحْسَانِ يَا ذَا الْعِزِّ وَ السُّلْطَانِ، يَا رَحِيمُ يَا رَحْمَانُ يَا عَظِيمَ الشَّأْنِ يَا مَنْ هُوَ كُلَّ يَوْمٍ فِي شَأْنٍ، يَا مَنْ لَا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْن،ٍ يَا سَامِعَ الْأَصْوَاتِ، يَا مُجِيبَ الدَّعَوَاتِ، يَا مُنْجِحَ الطَّلِبَاتِ، يَا قَاضِيَ الْحَاجَاتِ يَا مُنْزِلَ الْبَرَكَاتِ، يَا رَاحِمَ الْعَبَرَاتِ، يَا مُقِيلَ الْعَثَرَاتِ، يَا كَاشِفَ الْكُرُبَاتِ، يَا وَلِيَّ الْحَسَنَاتِ، يَا رَفِيعَ الدَّرَجَاتِ، يَا مُعْطِيَ الْمَسْأَلَاتِ، يَا مُحْيِيَ الْأَمْوَاتِ [ یَا جامِع الَشَتات]، يَا مُطَّلِعُ عَلَى النِّيَّاتِ يَا رَادَّ مَا قَدْ فَاتَ
ص: 129
يَا مَنْ لَا تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْأَصْوَات يَا مَنْ لَا تَضْجُرُهُ الْمَسْأَلَاتُ وَ لَا تَغْشَاهُ الظُّلُمَاتُ، يَا نُورَ الْأَرْضِ وَ السَّمَاوَاتِ، يَا سَابِغَ النِّعَمِ ،يَا دَافِعَ النِّقَمِ، يَا بَارِئَ النَّسَمِ ،يَا جَامِعَ الْأُمَمِ، يَا شَافِيَ السَّقَمِ، يَا خَالِقَ النُّورِ وَ الظُّلَمِ، يَا ذَا الْجُودِ وَ الْكَرَمِ، يَا مَنْ لَا يَطَأُ عَرْشَهُ قَدَمٌ، يَا أَجْوَدَ الْأَجْوَدِينَ، يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ، يَا أَسْمَعَ السَّامِعِينَ، يَا أَبْصَرَ النَّاظِرِينَ، يَا جَارَ الْمُسْتَجِيرِينَ، يَا أَمَانَ الْخَائِفِين،َ يَا ظَهْرَ اللَّاجِينَ، يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ، يَا غِيَاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ، يَا غَايَةَ الطَّالِبِينَ، يَا صَاحِبَ كُلِّ غَرِيبٍ، يَا مُونِسَ كُلِّ وَحِيدٍ، يَا مَلْجَأَ كُلِّ طَرِيدٍ، يَا مَأْوَى كُلِّ شَرِيدٍ، يَا حَافِظَ كُلِّ ضَالَّةٍ، يَا رَاحِمَ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ، يَا رَازِقَ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ، يَا جَابِرَ الْعَظْمِ الْكَسِير،ِ يَا فَكَّاكَ كُلِّ أَسِيرٍ، يَا مُغْنِيَ الْبَائِسِ الْفَقِيرِ، يَا عِصْمَةَ الْخَائِفِ الْمُسْتَجِيرِ، يَا مَنْ لَهُ التَّدْبِيرُ وَ التَّقْدِيرُ، يَا مَنِ الْعَسِيرُ عَلَيْهِ سَهْلٌ يَسِيرٌ، يَا مَنْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرٍ، يَا مَنْ هُوَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ، يَا مَنْ هُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ خَبِيرٌ، يَا مَنْ هُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ بَصِيرٌ، يَا مُرْسِلَ الرِّيَاحِ، يَا فَالِقَ الْإِصْبَاحِ، يَا بَاعِثَ الْأَرْوَاحِ، يَا ذَا الْجُودِ وَ السَّمَاحِ، يَا مَنْ بِيَدِهِ كُلُّ مِفْتَاحٍ، يَا سَامِعَ كُلِّ صَوْتٍ، يَا سَابِقَ كُلِّ فَوْتٍ، يَا مُحْيِيَ كُلِّ نَفْسٍ بَعْدَ الْمَوْتِ، يَا عُدَّتِي فِي شِدَّتِي، يَا حَافِظِي فِي غُرْبَتِي، يَا مُونِسِي فِي وَحْدَتِي، يَا وَلِيِّي فِي نِعْمَتِيّ يَا كَنَفِي حِينَ تُعْيِينِي الْمَذَاهِبُ وَ تُسَلِّمُنِي الْأَقَارِبُ وَ يَخْذُلُنِي كُلُّ صَاحِبٍّ يَا عِمَادَ مَنْ لَا عِمَادَ لَهُ، يَا سَنَدَ مَنْ لَا سَنَدَ لَهُ، يَا ذُخْرَ مَنْ لَا ذُخْرَ لَهُ، يَا كَهْفَ مَنْ لَا كَهْفَ لَهُ، يَا رُكْنَ مَنْ لَا رُكْنَ لَهُ،، يَا غِيَاثَ مَنْ لَا غِيَاثَ لَهُ،، يَا جَارَ مَنْ لَا جَارَ لَهُ،، يَا جَارِيَ اللَّصِيقُ، يَا رُكْنِيَ الْوَثِيقُ، يَا إِلَهِي بِالتَّحْقِيقِ، يَا رَبَّ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ يَا شَفِيقُ يَا رَفِيقُ فُكَّنِي مِنْ حِلَقِ الْمَضِيق،ِ وَ اصْرِفْ عَنِّي كُلَّ هَمٍّ وَ غَمٍّ وَ ضِيقٍ، وَ اكْفِنِي شَرَّ مَا لَا أُطِيقُ، وَ أَعِنِّي عَلَى مَا أُطِيقُ، يَا رَادَّ يُوسُفَ عَلَى يَعْقُوبَ، يَا كَاشِفَ ضُرِّ أَ يُّوبَ، يَا غَافِرَ ذَنْبِ دَاوُدَ، يَا رَافِعَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مِنْ أَيْدِي الْيَهُودِ، يَا مُجِيبَ نِدَاءِ يُونُسَ فِي الظُّلُمَاتِ، يَا مُصْطَفِيَ مُوسَى
ص: 130
بِالْكَلِمَاتِ، يَا مَنْ غَفَرَ لِآدَمَ خَطِيئَتَهُ وَ رَفَعَ إِدْرِيسَ بِرَحْمَتِهِ، يَا مَنْ نَجَّى نُوحاً مِنَ الْغَرَقِ، يَا مَنْ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى وَ ثَمُود فَما أَبْقى وَ قَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَ أَطْغى وَ الْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى، يَا مَنْ دَمَّرَ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ وَ دَمْدَمَ عَلَى قَوْمِ شُعَيْبٍ، يَا مَنِ اتَّخَذَ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا، يَا مَنِ اتَّخَذَ مُوسَى كَلِيماً، وَ اتَّخَذَ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ حَبِيباً، يَا مُؤْتِيَ لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ وَ الْوَاهِبَ لِسُلَيْمَانَ مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، يَا مَنْ نَصَرَ ذَا الْقَرْنَيْنِ عَلَى الْمُلُوكِ الْجَبَابِرَةِ، يَا مَنْ أَعْطَى الْخَضِرَ الْحَيَاةَ وَ رَدَّ لِيُوشَعَ بْنِ نُونٍ الشَّمْسَ بَعْدَ غُرُوبِهَا، يَا مَنْ رَبَطَ عَلَى قَلْبِ أُمِّ مُوسَى وَ أَحْصَنَ فَرْجَ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ، يَا مَنْ حَصَّنَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا مِنَ الذَّنْبِ وَ سَكَّنَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبَ، يَا مَنْ بَشَّرَ زَكَرِيَّا بِيَحْيَى يَا مَنْ فَدَى إِسْمَاعِيلَ مِنَ الذَّبْحِ، يَا مَنْ قَبِلَ قُرْبَانَ هَابِيلَ وَ جَعَلَ اللَّعْنَةَ عَلَى قَابِيلَ، يَا هَازِمَ الْأَحْزَابِ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ عَلَى جَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ وَ مَلَائِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ وَ أَهْلِ طَاعَتِكَ وَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ مَسْأَلَةٍ سَأَلَكَ بِهَا أَحَدٌ مِمَّنْ رَضِيتَ عَنْهُ فَحَتَمْتَ لَهُ عَلَى الْإِجَابَةِ يَا اللَّهُ يَا اللَّهُ يَا اللَّهُ يَا رَحْمَانُ يَا رَحِيمُ يَا رَحْمَانُ يَا رَحِيمُ يَا رَحْمَانُ يَا رَحِيمُ يَا ذَا الْجَلَالِ وَ الْإِكْرَامِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَ الْإِكْرَامِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَ الْإِكْرَامِ بِهِ بِهِ بِهِ بِهِ بِهِ بِهِ بِهِ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي شَيْ ءٍ مِنْ كُتُبِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ وَ بِمَعَاقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِكَ وَ مُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِكَ وَ بِمَا لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ، وَ أَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى الَّتِي بَيَّنْتَهَا فِي كِتَابِكَ فَقُلْتَ وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَ قُلْتَ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وَ قُلْتَ وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ وَ قُلْتَ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَ أَنَا أَسْأَلُكَ يَا إِلَهِي وَ أَطْمَعُ فِي
ص: 131
إِجَابَتِي يَا مَوْلَايَ كَمَا وَعَدْتَنِي وَ قَدْ دَعَوْتُكَ كَمَا أَمَرْتَنِي فَافْعَلْ بِي كَذَا وَ كَذَا.
وتسأل اللّه تعالى ما أحببت وتسمي حاجتك ولا تدع به إلّا وأنت طاهر ثمّ قال للفتى : إذا كانت الليلة فادع به عشر مرات، وأتني من غد بالخير. قال الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : وأخذ الفتى الكتاب ومضى، فلمّا كان من غد ماصبحنا حسنا حتّى أتى الفتى إلينا سليما معافاً والكتاب بيده وهو يقول : هذا واللّه الإسم الأعظم استجيب لي وربّ الكعبة.
قال له علي (صلوات اللّه علیه) : حدّثني.
قال : هدأت العيون بالرقاد واستجللك جلبات الليل رفعت يدي بالكتاب ودعوتُ اللّه بحقه مراراً فأجِبتُ في الثانية حسبك فقد دعوت اللّه باسمه الأعظم ، ثمّ اضطجعت فرأيت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في منامي و قد مسح يده الشريفة على وهر يقول : احتفظ باسم اللّه الأعظم العظيم فإنّك على خَيرٍ فانتبهتْ معافاً کماتری فجَزاك اللّه خيراً. (1)
{20}
[169] عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه أتاه رجل من الأنصار فقال : يا رسول اللّه إليك أشكو ما ألقى من الوسوسة في صلاتي حتّى لا أعقل ماصليت من زيادة أو نقصان.
فقال له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إذا قمتَ إلى صلاتك فخذ فخذك اليسرى فاطعن
ص: 132
بإصبعك اليمنى المسبّحة ثمّ قل: بسم اللّه وباللّه توكّلت على اللّه أعوذُ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم، فإنّك تنحّيه وتطردّه عنك.(1)
{21}
[150] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : من أراد شيئاً من قيام الليل فأخذه مضجعه فليقل : اللّهمّ لا تؤمّني مكرك ولا تنسني ذكرك ولا تجعلني من الغافلين أقوم إن شاء اللّه ساعة كذا وكذا وكل اللّه عزّوجلّ به مَلكاً ينبّهه تلك الساعة.(2)
{22}
[151] عن الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال: أُتي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أصحابَ القمص فساوم شيخاً منهم. فقال : يا شيخ بعني قميصاً بثلاثة دراهم. فقال الشيخ : حبّاً وكرامة، فاشترى منه قميصاً بثلاثة دراهم فلبسه ما بين الرسغين إلى الكعبين وأتى المسجد فصلّى فيه ركعتين ثمّ قال : الحمد للّه الّذي رزقني من الرياش ما أتجمّل به في الناس، وأُؤدّي فيه فريضتي، وأستر به
ص: 133
عورتي.
فقال له رجل: يا أمير المؤمنين أعنك نروي هذا أو شيء سمعتَه من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟
قال : بل شيء سمعتُه من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول ذلك عند الكسوة.(1)
{23}
[152] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : داووا مرضاكم بالصدقة، وردّوا أبواب البلاء بالدعاء.(2)
وبهذا الإسناد قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّ البلاء ليتسبّب إلى العبد، فيسأل ربّه العافية ويذكره، فيبقي العافية ، والدعاء والبلاء يتوافقان إلى يوم القيامة.
{24}
[153] عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : رأيتُ الخضر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في المنام قبلَ بدر بليلة ، فقلتُ له : علِّمني شيئًا أُنصَر به على الأعداء.
فقال : قل : يا هو يا من لا هو إلا هو، فلمّا أصبحتُ قَصَصْتُها على
ص: 134
رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فقال لي: يا عليّ عُلِّمْتَ الإسمَ الأعظم، فكان على لساني يومَ بدر.
وإنّ أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) قرأ قل هو اللّه أحد فلمّا فرغ قال : يا هو، یا مَن لا هو إلّا هو، إغفِر لي وانصُرني على القومِ الكافرين، وكان عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ ذلك يومَ صفّين وهو يُطارد، فقال له عمّار بن یاسر : يا أميرَ المؤمنين ما هذه الكنايات؟ قال : إسمُ اللّه الأعظمُ وعَمادُ التوحيد للّه لا إله إلّا هو، ثمّ قرأ: أشهد أنّه لا إله إلّا هو وآخِرَ الحشر، ثمّ نزل فصلّى أربع ركعات قبل الزوال.
قال : وقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّه معناه المعبود الّذي يألَه فيه الخلقُ ويؤله إليه، واللّه هو المستور عن درك الأبصار، المحجوب عن الأوهام والخَطَرات.
قال الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّه معناه المعبود الّذي ألِهَ الخَلْقُ عن دَرَكِ ماهيِته والإحاطة بكيفيِته. ويقول العرب : ألِهَ الرجل إذا تحيّر في الشيء فلم يُحِط به علماً، ووَلَه إذا فزِعَ إلى الشيء ممّا يَحذَره ويخافه، فالإله هو المستور عن حواسّ الخَلق.
قال الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الأحد الفردُ المتفرِّدُ، والأحد والواحد بمعنى واحد، وهو المتفردِّ الّذي لا نظيرَ له، والتوحيدُ: الإقرار بالوحدة و هو الإنفراد، والواحد : المتبائن الّذين لا ينبعث من شيء ولا يتّحد بشيء، ومِن ثَمّ قالوا : إنّ بناء العَدَد من الواحِدَ وليس الواحدُ من العدد، لأنّ العَدَدَ لا يقع على الواحد بل يقع على الإثنين فمعنى قوله : اللّه أحدٌ: المعبود الّذي يألَهُ الخَلقُ عن إدراكه والإحاطة بكيفيّته فَرْدٌ بالهيّته، مُتعالٍ عن صفات خَلْقه. (1)
ص: 135
{250}
[106] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ يَا صَرِيخَ الْمَكْرُوبِينَ ، وَ يَا مُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ، يَا كَاشِفَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اكْشِفْ كَرْبِي وَ هَمِّي، فَإِنَّهُ لَا يَكْشِفُ الْكَرْبَ إِلَّا أَنْتَ فَقَدْ تَعْرِفُ حَالِي وَ حَاجَتِي وَ فَقْرِي وَ فَاقَتِي، فَاكْفِنِي مَا أَهَمَّنِي، وَ مَا غَمَّنِي مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ بِجُودِكَ وَ كَرَمِكَ، اللَّهُمَّ بِنُورِكَ اهْتَدَيْتُ، وَ بِفَضْلِكَ اسْتَغْنَيْتُ، وَ فِي نِعْمَتِكَ أَصْبَحْتُ وَ أَمْسَيْتُ ذُنُوبِي بَيْنَ يَدَيْكَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَ أَتُوبُ إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ حِلْمِكَ لِجَهْلِي، وَ مِنْ فَضْلِكَ لِفَاقَتِي، وَ مِنْ مَغْفِرَتِكَ لِخَطَايَايَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الصَّبْرَ عِنْدَ الْبَلَاءِ وَ الشُّكْرَ عِنْدَ الرَّخَاءِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَخْشَاكَ إِلَى يَوْمِ أَلْقَاكَ حَتَّى كَأَنَّنِي أَرَاكَ، اللَّهُمَّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَذْكُرَكَ كَيْ لَا أَنْسَاكَ لَيْلًا وَ لَا نَهَاراً، وَ لَا صَبَاحاً وَ لَا مَسَاءًا، آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ،اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، مُجْزِلٌ فِيَّ فَضْلُكَ وَ عَطَاؤُكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَ أَنْ تَجْعَلَ
ص: 136
الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَ نُورَ بَصَرِي وَ جَلَاءَ حُزْنِي وَ ذَهَابَ هَمِّي. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا أَكْبَرَ مِنْ كُلِّ كَبِيرٍ، يَا مَنْ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ لَا وَزِيرَ، يَا خَالِقَ الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ الْمُنِيرِ، يَا عِصْمَةَ الْخَائِفِينَ، وَ جَارَ الْمُسْتَجِيرِينَ، وَ يَاالدعاء مُغِيثَ الْمَظْلُومِ الْحَقِيرِ، وَ يَا رَازِقَ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ، وَ يَا مُغْنِيَ الْبَائِسِ الْفَقِيرِ، يَا جَابِرَ الْعَظْمِ الْكَسِيرِ، يَا مُطْلِقَ الْمُكَبَّلِ الْأَسِيرِ، يَا قَاصِمَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ اجْعَلْ لِي مِنْ أَمْرِي فَرَجاً وَ مَخْرَجاً وَ يُسْراً ،وَ ارْزُقْنِي مِنْ حَيْثُ أَحْتَسِبُ وَ مِنْ حَيْثُ لَا أَحْتَسِبُ، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَ الْإِكْرَامِ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ، فَاعْفُ عَنِّي، اللَّهُمَّ إِنَّكَ مُحْسِنٌ فَأَحْسِنْ إِلَيَّ ،اللَّهُمَّ إِنَّكَ رَحِيمٌ تُحِبُّ الرَّحْمَةَ فَارْحَمْنِي، اللَّهُمَّ إِنَّكَ لَطِيفٌ تُحِبُّ اللُّطْفَ فَالْطُفْ بِي يَا مُقِيلَ عَثْرَتِي، وَ يَا رَاحِمَ عَبْرَتِي، وَ يَا مُجِيبَ دَعْوَتِي، أَسْأَلُكَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ، مَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُكَ يَا غِيَاثَ مَنْ لَا غِيَاثَ لَهُ، وَ يَا ذُخْرَ مَنْ لَا ذُخْرَ لَهُ ،وَ يَا سَنَدَ مَنْ لَا سَنَدَ لَهُ، اغْفِرْ لِي عِلْمَكَ فِيَّ وَ شَهَادَتَكَ عَلَيَّ فَإِنَّكَ تَسَمَّيْتَ لِسَعَةِ رَحْمَتِكَ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ وَ الْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَ أَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ وَ أَسْأَلُكَ حُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَ أَسْأَلُكَ قَلْباً خَاشِعاً سَلِيماً، وَ لِسَاناً ذَاكِراً صَادِقاً ،وَ أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا أَعْلَمُ، وَ مِنْ خَيْرِ مَا لَا أَعْلَمُ إِنَّكَ تَعْلَمُ وَ لَا أَعْلَمُ وَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا، وَ بِكَ أَمْسَيْنَا، وَ بِكَ نُصْبِحُ، وَ بِكَ نُمْسِي، وَ بِكَ نَحْيَ،ا وَ بِكَ نَمُوتُ، وَ عَلَيْكَ نَتَوَكَّلُ، وَ إِلَيْكَ النُّشُورُ، وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قوّة إِلَّا بِاللَّهِ العليّ الْعَظِيمِ، وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَهاً وَاحِداً أَحَداً صَمَداً لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً، أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ، وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ، اللَّهُمَّ اطْمِسْ عَلَى أَبْصَارِ أَعْدَائِنَا كُلِّهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ، وَ اجْعَلْ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً وَ اخْتِمْ عَلَى قَلْبِهِ، وَ أَخْرِجْ ذِكْرِي مِنْ قَلْبِهِ وَ اجْعَلْ بَيْنِي وَ بَيْنَ عَدُوِّي حِجَاباً
ص: 137
وَ حِصْناً حَصِيناً مَنِيعاً لَا يَرُومُهُ سُلْطَانٌ وَ لَا شَيْطَانٌ وَ لَا إِنْسٌ وَ لَا جِنٌّ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَدْرَأُ بِكَ فِي نَحْرِهِ، وَ أَسْتَعِيذُ بِكَ مِنْ شَرِّه،ِ وَ أَسْتَعِينُ بِكَ عَلَيْهِ، فَاكْفِنِيهِ كَيْفَ شِئْتَ وَ أَنَّى شِئْتَ، اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ وَ أَنْتَ الْمُسْتَعَانُ، وَ بِك الْمُسْتَغَاثُ وَ إِلَيْكَ الْمُشْتَكَى وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قوّة إِلَّا بِاللَّهِ العليّ الْعَظِيمِ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَدْرَ يَوْمِي هَذَا فَلَاحاً، وَ أَوْسَطَهُ صَلَاحاً، وَ آخِرَهُ نَجَاحاً. اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي فِي صَدْرِ جَمِيعِ بَنِي آدَمَ وَ حَوَّاءَ، وَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ الشَّيَاطِينِ وَ الْمَرَدَةِ رَأْفَةً وَ رَحْمَةً، خَيْرَهُمْ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ، وَ شَرَّهُمْ تَحْتَ أَقْدَامِهِمْ، وَ بِاللَّهِ أَسْتَعِينُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ، أَوْ أَنْ يَطْغَى عَزَّ جَارُكَ، وَ جَلَّ ثَنَاؤُكَ وَ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ، وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ،وَ ارْزُقْنِي الْخَيْرَ كُلَّهُ مَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُكَ، يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَ الْإِكْرَامِ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى آلَائِهِ وَ أَحْمَدُهُ عَلَى نَعْمَائِهِ، وَ أَشْكُرُهُ عَلَى بَلَائِهِ، وَ أُومِنُ بِقَضَائه، الَّذِي لَا هَادِيَ لِمَنْ أَضَلَّ، وَ لَا خَاذِلَ لِمَنْ نَصَرَ، وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ الْمُصْطَفَى، وَ أَمِينُهُ الْمُرْتَضَى، انْتَجَبَهُ وَ حَبَاه،ُ وَ اخْتَارَهُ وَ ارْتَضَاهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَاناً صَادِقاً لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْرٌ، وَ رَحْمَةً أَنَالُ بِهَا شَرَفَ كَرَامَتِكَ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ، تَبَارَكْتَ ربّنا وَ تَعَالَيْت،َ تَمَّ نُورُكَ رَبِّي فَهَدَيْتَ وَ عَظُمَ حِلْمُكَ رَبِّي فَعَفَوْتَ، فَلَكَ الْحَمْدُ، وَجْهُكَ أَكْرَمُ الْوُجُوهِ، وَ جَاهُكَ أَفْضَلُ الْجَاهِ، وَ عَطِيَّتُكَ أَرْفَعُ الْعَطَاء، وَ أَهْنَؤُهَا تُطَاعُ ربّنا فَتَشْكُرُ، وَ تُعْصَى ربّنا فَتَغْفِرُ لِمَنْ تَشَاءُ، تُجِيبُ دَعْوَةَ الْمُضْطَرِّ إِذَا دَعَاكَ، وَ تَكْشِفُ الضُّرَّ وَ تَشْفِي السَّقِيمَ وَ تَغْفِرُ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ، لَا يُحْصِي نَعْمَاءَكَ أَحَدٌ، ربّنا فَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً أَبَداً لَا يُحْصَى عَدَدُهُ، وَ لَا يَضْمَحِلُّ سَرْمَدُهُ، حَمْداً كَمَا حَمِدَ الْحَامِدُونَ مِنْ عِبَادِكَ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ، اللَّهُمَّ
ص: 138
إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّصِيبَ الْأَوْفَرَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَ أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَ التُّقَى وَ الْعَافِيَةَ وَ الْبُشْرَى عِنْدَ انْقِطَاعِ الدُّنْيَا.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ تَقْوَى لَا تَنْفَدُ، وَ فَرَجاً لَا يَنْقَطِعُ، وَ تَوْفِيقَ الْحَمْدِ، وَ لِبَاسَ التَّقْوَى، وَ زِينَةَ الْإِيمَانِ، وَ مُرَافَقَةَ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فِي أَعْلَى جَنَّةِ الْخُلْدِ، يَا بَادِئُ لَا بَدِي ء لَهُ، وَ يَا دَائِمَ لَا نَفَادَ لَهُ، يَا حَيُّ يَا مُحْيِيَ الْمَوْتَى، يَا قَائِمُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ، أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَ التُّقَى وَ الْعَافِيَةَ وَ الْغِنَى وَ التَّوْفِيقَ لِمَا تُحِبُّ وَ تَرْضَى، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ، وَ بِعِزَّتِكَ الَّتِي قَهَرَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ، وَ بِعِزَّتِكَ الَّتِي ذَلَّ لَهَا كُلُّ شَيْ ءٍ، وَ بِقُوَّتِكَ الَّتِي لَا يَقُومُ لَهَا شَيْ ءٌ، وَ بِسُلْطَانِكَ الَّذِي عَلَا كُلَّ شَيْ ءٍ، وَ بِعِلْمِكَ الَّذِي أَحاطَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ، وَ بِاسْمِكَ الَّذِي يَبِيدُ كُلَّ شَيْ ء،ٍ وَ بِوَجْهِكَ الْبَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ كُلِّ شَيْ ءٍ، وَ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَضَاءَ كُلَّ شَيْ ءٍ، أَنْ تَغْفِرَ لِي كُلَّ ذَنْبٍ، وَ تَمْحُوَ عَنِّي كُلَّ خَطِيئَةٍ، وَ أَنْ تُوَفِّقَنِي لِمَا تُحِبُّ ربّنا وَ تَرْضَى، وَ أَنْ تَكْفِيَنِي مَا هَمَّنِي وَ غَمَّنِي مِنَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ، وَ أَنْ تَرْزُقَنِي جُمَلَ الْخَيْرِ كُلِّهِ مَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُكَ، آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِهِ وَ آلِهِ الطَّاهِرِينَ الْمَعْصُومِينَ.(1)
ص: 139
{26}
[155] بسم اللّه الرحمن الرحيم، الحمدُ للّه الّذي هداني للإسلام وأكرمني بالإيمان، وعرّفني الحقّ الّذي عنه يوفكون، والنبأ العظيم الّذي هم فيه مختلفون، وسبحان اللّه الّذي رَفَعَ السماءَ بغير عَمَدٍ ترونها، وأنشأ جنّات المأوى بلا أمد تلقونها، ولا إله إلّا اللّه السابغ النعمة، الدافع النقمة، الواسع الرحمة ، واللّه أكبر ذوالسلطان المنيع، والإنشاء البديع، والشأن الرفيع، والحساب السريع.
اللّهمّ صل على محمّد عبدك ورسولك ونبيِّك و أمينك و شهيدة التقي النقيّ البشيرِ النذيرِ السراجِ المُنير، وآله الطيّبين الأخيار، ماشاء اللّه تقرُّباً إلى اللّه ، ماشاء اللّه توجُّهاً إلى اللّه ، ماشاء اللّه تلطُّفاً باللّه، ماشاء اللّه لم يكن بنا من نعمة فمن اللّه، ماشاء اللّه لا يصرف السوء إلّا اللّه، ماشاء اللّه لا يسوق الخير إلّا اللّه ، ماشاء اللّه لا قوّة إلّا باللّه ، أُعيذُ نفسي وشَعْري وبَشَري وأهلي ومالي وولدي وذُرّيتي وديني ودنياي ومارزقني ربّي وما أغلقت عليه أبوابي وأحاطت جدراني وما أتقلّب فيه من نعمة وإحسانه وجميع إخواني وأقربائي وقراباتي من المؤمنين والمؤمنات باللّه العظيم وبأسمائه التامة العامّة الكاملة الكافية الشافية الفاضلة المباركة المنيفة المتعالية الزاكية المكنونة الشريفة الكريمة الظاهرة العظيمة المخزون المكنونة الّتي لا يُجاوزهنّ برٌّ ولا فاجرٌ وبأُمّ الكتاب وفاتحته وخاتمته وما بينهما من سورة شريفة وآيةٍ مُحكمة و شفاء ورحمة و عوذة وبركة، وبالتوراة والإنجيل والزبورِ والفُرقان، وبصُحُف إبراهيم وموسى، وبكلّ كتاب أنزله اللّه، وبكلّ رسول أرسله اللّه، وبكلّ حجّة أقامها اللّه، وبكلّ برهان أظهره
ص: 140
اللّه، وبكلّ نور أناره اللّه، وبكلّ آلاء اللّه، وعزّة اللّه، وعظمة اللّه، وقدرة اللّه ، وسلطان اللّه، وحلال اللّه، ومنع اللّه، ومَنَّ اللّه، وعفو اللّه ، وحُكم اللّه وحِكْمَةِ اللّه، وغفرانِ اللّه، وملائكةِ اللّه، وكتب اللّه، ورسل اللّه ، و أنبياء اللّه ، و محمّد رسول اللّه، وأهل بیت رسول اللّه صلى اللّه عليه وعليهم أجمعين، من غضب اللّه، وسخط اللّه، ونَكال اللّه، وعقاب اللّه، وأخذِ اللّه وبطشه ، وقوارعه، واجتياحه واجتنائه واصطلامه واستئصاله وتدميره وسطواته ونقمته ، وجميع مثلاته ومن إعراضه و صدوره وتنكيله وتوكيله وخذلانه ودمذمته وتخليته، ومن الكفر والنفاق، والشكّ والشرك، والحيرة في دين اللّه، ومن شرّ يوم النُشور والحشر والموقف، ومن شرّ کتاب قد سبق، ومنزوال النعمة وتحويلالعافية، وحلول النقمة، وموجبات الهلكة، ومن مواقف الخزي والفضيحة في الدُنيا والآخرة، وأعوذ باللّه العظيم من هوی مُرد، وقرين مُلْه ، وصاحب مُسْه، وجار مؤذ، وغني مُطْغ، وفقر مُنْس، ومن قلب لا يخشع، وصلاة لاتُرفع، ودعاء لا يُسمَع، وعين لا تدمع، ونفس لا تقنع، وبطن لا يشبع، وعمل لا يُرفَع، واستغاثة لا تُجاب ، وغفلة و تفریط يُوجبان الحسرة والندامة ، ومن الرياء والسُمعة والشكّ والعمى في دين اللّه ، ومن نصب واجتهاد يوجبان العذاب، ومن مردّ إلى النار، ومن ضَلَع الدين وغلبة الرجال وسوء المَنظَر في الدين والنَفْس والأهل والمال والولد والإخوان وعند معانية ملك الموت، وأعوذ باللّه العظيم من الغرق والحرق والشرق والسرق والهدم والخسف والمسخ والحجارة والصيحة والزلازل والفِتَن والعين والصواعق والبَرَد والقِوَد والقِرَد والجنون والجُذام والبَرص وأكل السبع وميتة السُوء وجميع أنواع البلايا في الدُنيا والآخرة وأعوذ باللّه العظيم من شر السامّة والهامّة واللامّة والخاصّة والعامّة، ومن شرّ أحداث النهار ومن شرّ طوارق الليل
ص: 141
والنهار، إلّا طارقًا يطرق بخير يا رحمان، ومن دَرَك الشقاء وسوء القضاء وجُهد البلاء وشماتة الأعداء وتتابع العناء والفقر إلى الأكفاء وسوء الممات وسوء المحيا وسوء المنقلب، وأعوذ باللّه العظيم من شرِّ إبليس وجنوده وأعوانه وأتباعه ، ومن شرّ الجنّ والإنس، ومن شرّ الشيطان، ومن شرّ السلطان ومن شرّ كلّ ذي شر، ومن شرّ كلّ ما أخاف وأحذر ، ومن شرّ فسقة العرب والعجم، ومن شرّ فسقة الجنّ والإنس، ومن شرّ ما في النور والظلم، ومن شرّ ما هجم أو دهم أو ألمّ، ومن شرّ كلّ سقم وهمّ وغمّ وآفة وندم و من شرّ ما في الليل والنهار والبرّ والدغار والبحار، ومن شرِّ الفُسّاق والفجّار والكفّار و الحسّاد والسُحّار والجبابرة والأشرار، ومن شرّ ما یَنزِل من السماء ومايعرج فيها، ومن شرّ ما يلج في الأرض وما يخرج منها، ومن شرّ كلّ دابة ربّي آخذ بناصيتها إنّ ربّي على صراط مستقیم ، وأعوذ باللّه العظيم من شرّ ما استعاذ منه الملائكة المقرّبون والأنبياء المرسلون والشهداء والصالحون وعِبادُك المتَّقون و محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة المهديّون والأوصياء والحجج المطهّرون عليهم السلام ورحمة اللّه وبركاته، وأسألك أن تعطيني من خير ما سألوكه، وأن تعيذني من شرّ ما استعاذوا بك منه، وأسألكَ من الخير كلِّه عاجله وآجله ما علمتُ منه وما لم أعلم، وأعوذ بك مِن همزات الشياطين وأعوذ بك ربّ أن يحضرون، اللّهمّ من أرادني في يومي هذا وفیمابعده من الأيّام من جميع خلقك كلّهم من الجنّ والإنس من غريب أو بعيد ضعيف أو شدید بشرّ أو مكروه أو مساوة بيد أو لسان أو قلب فأخرج صدره و ألجم لسانه واشدد سمعه وأقمح بصر وأرعب قلبه وأشغله بنفسه وأمِتْه بغيظه واكفنيه بما شئت وكيف شئت وأنّى شئت بحولك وقوّتك إنّك على كلّ شيء قدير.
ص: 142
اللّهمّ اكفني شرّ مانصب لي حدُّه واكفني مكرَ المكَرة وأعنّي على ذلك بالسكينة والوقار وألبسني دِرعكَ الحصينة وأحيني في سترك الواقي وأصلح حالي كلّه. أصبحتُ في جوار اللّه الّذي لا يُضام ممتنعاً، وبعزّة اللّه الّتي لا تُرام، مُحتجباً وبسلطان اللّه المنيع مُحتوراً معتصماً ومتمسّكاً، وبأسماء اللّه الحسن كلها عائذاً. أصبحت في حِمى اللّه الّذي لا يُستباح، وفي ذمّة اللّه الّتي لاتُخْفَر، وفي حبل اللّه الّذي لا يحزم، وفي جوار اللّه الّذي لا يُستضام وفي مَنْع اللّه الّذي لايدرك وفي سِتر اللّه الّذي لا يُهتك وفي عون اللّه الّذي لا يُخذل ولا حول ولا قوّة إلا باللّه العليّ العظيم.
اللّهمّ اعطف علينا قلوبَ عبادِك وإمائِك وأوليائك برأفة منك ورحمة إنِك أنت أرحم الراحمين، حسبي اللّه وكفى سَمِع اللّه لمن دعا ليس وراء اللّه منتهى ولا دون اللّه ملجاً، مَن اعتصم باللّه نجا، كتب اللّه لأغلبنّ أنا ورُسُلي إنّ اللّه قويّ عزيز، فاللّه خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين، وما توفيقي إلّا باللّه عليه توكّلتُ وإليه أُنيب، فإنْ تولّوا فقل حسبي اللّه لا إله إّلا هو عليه توكّلت وهو ربُّ العرش العظيم، شهد اللّه أنّه لا إله إلّا هو والملائكة وأُولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلّا هو العزيز الحكيم، إنّ الدين عند اللّه الإسلام، تحصَّنتُ باللّه العظيم واستعصمتُ بالحيّ الّذي لا يموت ورميت كلّ عدوّ لنا بلا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم، ماشاء اللّه كان وما لم يشأ لم يكن، أشهد أنّ اللّه على كلّ شيء قدير وأن اللّه قد أحاط بكلّ شيء علماً وأحصى كلّ شيء عدداً، وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.(1)
ص: 143
{27}
[156] عن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان إذا أراد الإنصراف من الصلاة مسح جبهته بيده اليُمنى ثمّ يقول: اللّهمّ لك الحمد لا إله إلّا أنت عالم الغيب والشهادة، اللّهمّ أذهب عنّي الهم والحزن والفتن ما ظهر منها وما بطن ، وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ما أحد من أُمّتي يقول ذلك إلّا أعطاه اللّه ما سأل.(1)
{28}
[157] عن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) شكت إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الأرق، قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : قولي يا بني(2) : يا مشبع البطون الجائعة، و یا کاسي الجنوب العارية ويا مسكّن العروق الضاربة، ويا منوّم العيون الساهرة ، سکّن عروقي الضاربة ، واذن (3) لعيني نوماً عاجلاً، فقالته فاطمة (عَلَيها السَّلَامُ) ، فذهب عنها ما كانت تجده.
السيّد علي بن طاووس في فلاح السائل : بإسناده عن أبي المفضّل
ص: 144
محمّد بن عبداللّه، عن محمّد بن محمّد بن الأشعث، مثله متناً وسنداً.(1)
{29}
[158] عن راشد بن أبي روح الأنصاري، قال : كان من دعاء الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : اللّهمّ ارزقني الرغبة في الآخرة حتّى أعرِفَ صِدقَ ذلك في قلبي بالزَهادة مِنّي في دُنياي، اللّهمّ ارزقني بصراً في أمر الآخرة حتّى أطلُبَ الحسنات شوقاً، وأفِرَّ مِن السيّئات خوفاً یا ربّ.(2)
{30}
[159] اللّهمّ اسقِنا سَقْياً واسعة وادعةً عامّةً نافعةً غيرَ ضارّة تَعُمُّ بها حاضرِنَا و بادینا، وتَزيدَ بِها في رِزقِنا وشُكرنا، اللّهمّ اجعله رزق إيمان وعطاء إيمان، إنّ عطاءك لم يكن محظوراً، اللّهمّ أنزل علينا في أرضنا سكنها، وأنبِتْ فيها زيتَها ومرعاها.(3)
ص: 145
{31}
[160] عن علي بن الحسین زین العابدین (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أنّه قال : لما أصبحت الخيلُ تقبل على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رفع يديه وقال : اللّهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب، وأنت رجائي في كلّ شدّة، وأنت لي في كلّ أمر، نزل بي ثقة وعدّة، كم من همّ يضعُف فيه الفؤادُ، وتقلّ فيه الحيلة، ويخذُل فيه الصديق، ويشمت فيها العدوّ أنزلته بك و شکوتُه إليك، رغبةً منّي إليك عمّن سواك ففرّجتَه عنّي وكشفتَه فأنت وليُّ كلّ نعمة، وصاحب كلّ حسنة، ومُنتهى كلّ رغبة.(1)
دعاؤه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم الطفّ
{32}
[161] اللّهمّ أنت متعالي المكان، عظيمُ الجبروت، شديدُ المحال، غنيٌّ عن الخلائق، عريضُ الكبرياء، قادرٌ على ما تشاء، قریبُ الرحمة، صادقُ
ص: 146
الوعد، سابغُ النعمة، حسنُ البلاء، قريبٌ إذا دُعيت، محیطٌ بما خلقتَ، قابلُ التوبة لمن تاب إليك، قادرٌ على ما أردت، ومُدركٌ ماطلبت، وشكورٌ إذا شُکرت ، وذكورٌ إذا ذكرت، أدعوك محتاجاً، وأرغبُ إليك فقيراً، وأفزعُ إليك خائفاً، وأبكي إليك مکروباً، وأستعينُ بك ضعيفاً، وأتوكّلُ عليك كافيااً، أُحكُم بيننا وبين قومنا، فإنّهم غرُّونا، وخدعونا، وغدروا بنا، وقتلونا، ونحنُ عترةُ نبيّك، ووُلد حبيبك ، محمّد بن عبداللّه، الّذي اصطفيتَه بالرسالة، وائتمنته على وحيك، فاجعل لنا مِن أمرنا فرجاً، ومخرجاً، برحمتك يا أرحم الراحمين.(1)
{33}
[162] اللَّهُمَّ أَنْتَ الَّذِي اسْتَجَبْتَ لِآدَمَ وَ حَوَّاءَ إِذْ قالا : ربّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ، وَ نَادَاكَ نُوحٌ فَاسْتَجَبْتَ لَهُ وَ نَجَّيْتَهُ وَ أَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ. وَ أَطْفَأْتَ نَارَ نُمْرُودَ عَنْ خَلِيلِكَ إِبْرَاهِيمَ، فَجَعَلْتَهَا بَرْداً وَ سَلَاما.ً وَ أَنْتَ الَّذِي اسْتَجَبْتَ لِأَيُّوبَ إِذْ نَادَى : رَبِ مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، فَكَشَفْتَ مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَ آتَيْتَهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدَكَ وَ ذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ. وَ أَنْتَ الَّذِي اسْتَجَبْتَ لِذِي النُّونِ حِينَ نَادَاكَ فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ، فَنَجَّيْتَهُ مِنَ الْغَمِّ. وَ أَنْتَ الَّذِي اسْتَجَبْتَ لِمُوسَى وَ هَارُونَ دَعْوَتَهُمَا حِينَ قُلْتَ : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما، وَ غَرَّقْتَ فِرْعَوْنَ وَ قَوْمَهُ، وَ غَفَرْتَ لِدَاوُدَ ذَنْبَهُ وَ تُبْتَ عَلَيْهِ رَحْمَةً مِنْكَ وَ ذِكْرَى. وَ فَدَيْتَ إِسْمَاعِيلَ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ فَنَادَيْتَهُ
ص: 147
بِالْفَرَجِ وَ الرُّوحِ، وَ أَنْتَ الَّذِي نَادَاكَ زَكَرِيَّا نِدَاءً خَفِيّاً فَقالَ : رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَ لَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا. وَ قُلْتَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً وَ كانُوا لَنا خاشِعِينَ ، وَ أَنْتَ الَّذِي اسْتَجَبْتَ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، لِتَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِكَ فَلَا تَجْعَلْنِي مِنْ أَهْوَنِ الدَّاعِينَ لَكَ وَ الرَّاغِبِينَ إِلَيْكَ وَ اسْتَجِبْ لِي كَمَا اسْتَجَبْتَ لَهُمْ بِحَقِّهِمْ عَلَيْكَ، فَطَهِّرْنِي بِتَطْهِيرِكَ، وَ تَقَبَّلْ صَلَاتِي وَ دُعَائِي بِقَبُولٍ حَسَنٍ، وَ طَيِّبْ بَقِيَّةَ حَيَاتِي، وَ طَيِّبْ وَفَاتِي، وَ اخْلُفْنِي فِيمَنْ أَخْلُف،ُ وَ احْفَظْنِي يَا رَبِّ بِدُعَائِي، اجْعَلْ ذُرِّيَّتِي ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً تَحُوطُهَا بِحِيَاطَتِكَ بِكُلِّ مَا حُطْتَ بِهِ ذُرِّيَّةَ أَحَدٍ مِنْ أَوْلِيَائِكَ وَ أَهْلِ طَاعَتِكَ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
يَا مَنْ هُوَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ رَقِيبٌ، وَ لِكُلِّ دَاعٍ مِنْ خَلْقِكَ مُجِيبٌ، وَ مِنْ كُلِّ سَائِلٍ قَرِيبٌ، أَسْأَلُكَ يَا لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الحيّ الْقَيُّومُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ، وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، وَ بِكُلِّ اسْمٍ رَفَعْتَ بِهِ سَمَاءَكَ، وَ فَرَشْتَ بِهِ أَرْضَكَ، وَ أَرْسَيْتَ بِهِ الْجِبَالَ، وَ أَجْرَيْتَ بِهِ الْمَاءَ، وَ سَخَّرْتَ بِهِ السَّحَابَ، وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومَ وَ اللَّيْلَ وَ النَّهَارَ وَ خَلَقْتَ الْخَلَائِقَ كُلَّهَا، أَسْأَلُكَ بِعَظَمَةِ وَجْهِكَ الْعَظِيمِ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرْضُ فَأَضَاءَتْ بِهِ الظُّلُمَاتُ إِلَّا صَلَّيْتَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ كَفَيْتَنِي أَمْرَ مَعَاشِي وَ مَعَادِي، وَ أَصْلَحْتَ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَ لَمْ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَ أَصْلَحْتَ أَمْرِي وَ أَمْرَ عِيَالِي، وَ كَفَيْتَنِي هَمَّهُمْ وَ أَغْنَيْتَنِي وَ إِيَّاهُمْ مِنْ كَنْزِكَ وَ خَزَائِنِكَ وَ سَعَةِ فَضْلِكَ الَّذِي لَا يَنْفَدُ أَبَداً. وَ أَثْبَتَّ فِي قَلْبِي يَنَابِيعَ الْحِكْمَةِ الَّتِي تَنْفَعُنِي بِهَا وَ تَنْفَعُ بِهَا مَنِ ارْتَضَيْتَ مِنْ عِبَادِكَ ، وَ اجْعَلْ لِي مِنَ الْمُتَّقِينَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ إِمَاماً، كَمَا جَعَلْتَ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ إِمَاماً، فَإِنَّ بِتَوْفِيقِكَ يَفُوزُ الْفَائِزُونَ، وَ يَتُوبُ التَّائِبُونَ، وَ يَعْبُدُكَ الْعَابِدُونَ، وَ بِتَسْدِيدِكَ يَصْلُحُ الصَّالِحُونَ الْمُحْسِنُونَ الْمُخْبِتُونَ الْعَابِدُونَ لَكَ، الْخَائِفُونَ مِنْكَ. وَ بِإِرْشَادِكَ
ص: 148
نَجَا النَّاجُونَ مِنْ نَارِكَ وَ أَشْفَقَ مِنْهَا الْمُشْفِقُونَ مِنْ خَلْقِكَ ،وَ بِخِذْلَانِكَ خَسِرَ الْمُبْطِلُونَ وَ هَلَكَ الظَّالِمُونَ ،وَ غَفَلَ الْغَافِلُون.
اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا فَأَنْتَ وَلِيُّهَا وَ مَوْلَاهَا، وَ أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا. اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَهَا هُدَاهَا، وَ أَلْهِمْهَا تَقْوَاهَا وَ بَشِّرْهَا بِرَحْمَتِكَ حِينَ تَتَوَفَّاهَا، وَ نَزَلَهَا مِنَ الْجِنَانِ عُلْيَاهَا، وَ طَيِّبْ وَفَاتَهَا وَ مَحْيَاهَا، وَ أَكْرِمْ مُنْقَلَبَهَا وَ مَثْوَاهَا، وَ مُسْتَقَرَّهَا وَ مَأْوَاهَا، فَأَنْتَ وَلِيُّهَا وَ مَوْلَاهَا.(1)
{3}
[163] قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من اشتكى حلقه وكثر سعالُه واشتدّ نفسه فليعوذ بهذه الكلمات وكان يسمّيها الجامعة لكل شيء:
اللّهمّ أنتَ رجائي، وأنتَ ثقتي وعمادي وغياثي ورفعتي وجمالي، وأنت مفزعُ المفزعين ليس للهاربين مهرب إلّا إليك، ولا للعالمین معوّل إلّا عليك ، ولا للراغبين مرغّب إلّا لديك، ولا للمظلومین ناصر إلّا أنت، ولا لذي الحوائج مقصد إلّا إليك، ولا للطالبين عطاء إلّا من لديك، ولا للتائبين متاب إلّا إليك، وليس الرزق والخير والفرج إّلا من بيدك ، حزنتني الأمور الفادحة، وأعيَتْني المسالك الضيّقة، واحتوشتني الأوجاعُ الموجعة، ولم أجد فتحَ باب الفرج إلّا بيدك فأقمت تلقاءَ وجهك، واستفتحت عليك بالدعاء أغلاقه فافتح يا ربّ للمستفتح واستجب للداعي وفرِّج الكرب واكشف الضُرّ وسد الفقر وأجل الحزن وأنف الهمّ واستنقذني من الهلكة فإنّي قد أشقيت عليها ولا أجد لخلاصي منها غيرك، يا اللّه يا من يجيب المضطرّ إذا دعاه ويكشف السوء ارحمني واكشف
ص: 149
مابي من غمّ وکرب ووجع وداء ربّ إن لم تفعَل لم أرج فرجي من عند غيرك ، فارحمني يا أرحم الراحمين، هذا مكان البائس الفقير، هذا مكان الخائف المستجير، هذا مكان المستغيث ، هذا مكان المكروب الضرير ، هذا مكان الملهوف المستعيذ، هذا مكان العبد المشفق الهالك الغريق الخائف الوجل، هذا مكان من انتبه من رقدته واستيقظ من غفلته وأفرق من علّته وشدّة وجعه و خاف من خطيئته واعترف بذنبه وأخبت إلى ربّه وبکا من حذره واستغفر واستعبر واستقال وأستعفا واللّه إلى ربّه ورهب من سطوته وأرسل من عبرته ورجا وبکا ودعا ونادى رب إنّي مسّني الضر فتلافني قد ترى مكاني وتسمع كلامي وتعلم سرائري وعلانيتي وتعلم حاجتي وتحيط بما عندي ولا يخفى عليك شيء من أمري من علانيتي وسرّي وما أُبدي وما یكنّه صدري فأسألك بأنّك تلي التدبير وتقبل المعاذير وتمضي المقادير بسؤال من أساء واعترف و ظلم نفسه واقترف وندم على ما سلف وأناب إلى ربّه وأسف ولاذ بفنائه وعكف وأناخ رجاه وعف وتبتّل إلى مقيل عثرته قابل توبته وغافر حوبته وراحم غربته و کاشف کربته وشافي علّته أن ترحم تجاوزي بك و تضرّعي إليك و تغفر لي جميع ما أخطأته من کتابتك وأحصاه كتابك و ما مضى من علمك من ذنوبي وخطاياي وجرائري في خلواتي و فجراتي وسيّئاتي وهفواتي وهناتي وجميع ما تشهد به حفظتك وكتبة ملائكتك في الصغر وبعد البلوغ والشيب والشباب وبالليل والنهار والغدوّ والآصال وبالعشيّ والابكار والضحى والأسحار وفي الحضر وفي السفر وفي الخط والملا وأن تجاوز عن سيّئاتي في أصحاب الجنّة وعد الصدق الّذي كانوا يوعَدون. اللّهمّ بحقّ محمّد و آله أن تكشف عنّي العلل الغاشية في جسمي وفي شعري وبشري و عروقي وعصبي وجوارحي، فإنّ ذلك لا يكشفها غيرك يا أرحم
ص: 150
الراحمين ويا مجيب دعوة المضطرّين. (1)
{35}
[164] قال الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّهمّ إنّ أهل العراق غرّوني و خدعوني، وصنعوا بأخي ماصنعوا، اللّهمّ شتِّت عليهم أمرَهم، وأحِصَّهم عدداً. (2)
{36}
[165] عن الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)أنّه كان يقول في قنوت الوتر : اللّهمّ إنّك ترى ولاتُرى، وأنت بالمنظر الأعلى، وإن إليك الرُجعي، وإنّ لك الآخرة والأُولى، اللّهمّ إنّا نعوذُ بك من أن نذلّ ونخزى.(3)
{37}
[166] عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال في كلام رواه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ الحسين بن
ص: 151
علي في السماء أكبر... إلى أن قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ولقد لُقِّنَ دعوات ما يدعو بهنّ مخلوقٌ إلّا حشره اللّه عزّوجلّ معه.
وكان شفيعَه في آخرتِه، وفَرَّج اللّهُ عنه كربَه ، وقضي بها دينه ويسَّر أمرَه وأوضَحَ سبيلَه، وقوّاه على عدوِّه، ولم يهتك سترَه.
فقال أُبيّ [بن كعب ]: وما هذه الدعوات يا رسول اللّه؟
قال : تقول إذا فرغتَ من صلاتك وأنت قاعد : اللّهمّ إنّي أسألك بكلماتك ومعاقِدِ عرشِك، وسُكّان سماواتِك [و أرضِك] و أنبيائِك ورسُلِك [أن تستجيبَ لي] فقد رَهَقَني مِن أمري عُسرٌ، فأسألك أن تصلِّي على محمّد و آل محمّد وأن تجعل لي من عُسري يُسراً.
فإنّ اللّه عزّ وجلّ يُسَهِّل أمرَك ويشرحَ لك صدرَك ويلقِّنَك شهادةَ أن لا إله إلّا اللّه عند خروج نفسك.(1)
{38}
[167] اللّهمّ إني أسألك توفيق أهل الهُدى وأعمالَ أهلِ التقوى ومُناصحة أهل التوبة وعزم أهل الصبر وحذرَ أهل الخشية وطلب أهل العلم وزينة أهل الورع وخوف أهل الجزع حتّى أخافك، اللّهمّ مخافةً تحجُزُني عن معاصيك وحتى أعمَلَ بطاعتِك عَمَلاً أستحِقُّ به کرامَتَك وحتى أناصحك في التوبة
ص: 152
خوفاً لك وحتى أُخلِصَ لك في النصيحة حُبّاً لك وحتى أتوكّلُ عليك في الأمور حُسنَ ظنّ بك سبحانَ خالقَ النورِ سبحانَ اللّه العظيم وبحمده.(1)
{39}
[168] وروي عن الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال : مَن دخل المقابر فقال : اللّهمّ ربَّ هذه الأرواحِ الفانية، والأجسادِ الباليةِ، والعِظامِ النَخِرَةِ الّتي خَرَجَتْ مِن الدَنيا وهيَ بِكَ مؤمِنَة، أدخِلْ عليهم رَوْحاً منِكَ وسَلاماً مِنّي، كَتَبَ اللّهُ له بعدَدِ الخَلْقِ مِن لدُن آدم إلى أنْ تَقومُ الساعةُ حسنات.(2)
{40}
[169] اللّهمّ لا تستدرجني بالإحسان، ولا تؤدِّبني بالبلاء.(3)
ص: 153
{41}
[170] و عن الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه دعا في قنوته : اللّهمّ مَن أوى إلى مأوى فأنت مأواي ، ومَن لجأ إلى ملجأ فأنتَ ملجأي ، اللّهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد، واسمَع ندائي، وأجِبْ دُعائي، واجعل مابي عندك ومثواي، واحرُسني في بلواي مِن إفتتان الإمتحان ولُمّةِ الشيطانِ بعظمتك الّتي لا يشوبها ولع نفسٍ بتفنين، ولا وارد طیف بتظنين، ولا يسلم بها فرح حتّى تقلبني إليك بإرادتك، غيرَ ظنين ولا مظنون ولا مراب ولا مُرْتاب إنّك أرحمُ الراحمين.(1)
{42}
[171] و عن الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنه دعا في قنوته : اللّهمّ منك البدءُ، ولك المشيّةُ، ولك الحول ولك القوّةُ وأنت اللّه الّذي لا إله إلّا أنت ، جعلَت قلوبَ أوليائِك مسكناً لمشيّتك، ومكمناً لإرادتِك، وجعلتَ عقولَهم مناصبَ أوامرك ونواهيك ، فأنت إذا شئتَ ما تشاء حرکّتَ مِن أسرارِهم کوامَن ما أبطنتَ فيهم، وأبدأت مِن إرادتك على ألسنتهم ما أفهمتَهم به عنك في عقودهم بعقول تدعوك وتدعو إليك بحقائق ما منحتَهم به، وإنّي لأعلَمُ ممّا علّمتَني ممّا أنت المشكورُ على ما منه رأيتَني وإليه أريتَني ، اللّهمّ وإنّي مع ذلك كلِّه عائذٌ بك لائذٌ بحولك وقوّتك، راضٍ بحكمك الّذي سُقتَه إليّ في علمك، جارٍ بحيث أجريتَني، قاصدٌ ما أمّمتَني، غيرُ ضنين بنفسي في مايرضيك عنّي، إذ به قد
ص: 154
رضّيتني ولا قاصرٌ بجهدي عمّا إليه ندبتَي، مُسارعٌ لما عرّفتني، شارعٌ فيما أشرعَتني، متبصّرٌ في ما بصّرتَني، مراعٍ ما أرعيتَني، فلا تخِلني مِن رعايتك ، ولا تخرِجْني مِن عنايتك، ولا تُقْعِدْني عن حولك ولا تخرِجني عن مقصد أنال به إرادتَك، واجعل على البصيرة مدرجتي، وعلى الهداية محجّتي، وعلى الرشاد مسلکي، حتّى تنبلني وتنيل بي أُمنيّتي، وتحلّ بي على ما به أردتَني وله خلقتَني، وإليه أويتَ بي وأعِذْ أوليائك من الإفتتان بي، وفتّنهم برحمتك الرحمتك في نعمتك تفتين الإجتباء والإستخلاص، بسلوك طريقتي واتّباع منهجي، وألحِقني بالصالحين من آبائي وذوي رحمي.(1)
{43}
[172] عن عبداللّه بن الفضل بن الربيع، عن أبيه، أنّه قال : لمّا حجّ المنصور سنة سبع وأربعين ومائة قدم لمدينة فقال الربيع : ابعث إلى جعفر بن محمّد من يأتينا به متعباً، قتلني اللّه إن لم أقتله، فتغافل الربيع عنه وتناساه ، فأعاد عليه في اليوم الثاني وأغلظ في القول، فأرسل إليه الربيع، فلمّا حضر قال له الربيع : يا أباعبداللّه اذكر اللّه تعالى فإنه قد أرسل لك من لا يدفع شرّه إلّا اللّه ، وإنّي أتخوّف عليك فقال جعفر : «لا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم» ثمّ أنّ الربيع دخل به على المنصور، فلمّا رآه المنصور أغلظ له في القول وقال : يا عدوّ اللّه اتّخذك أهل العراق إماماً يجبون إليك زكاة أموالهم وتلحد في سلطاني وتتبع لي القوائل قتلني اللّه إن لم أقتلك.
ص: 155
فقال جعفر : يا أمير المؤمنين إنّ سليمان أعطى فشكر ، وإنّ أيّوب ابتلی فصبر ، وإنّ يوسف كظم فغفر، وهؤلاء أنبياء اللّه وإليهم يرجع نسبك و لك فيهم أُسوة حسنة».
فقال المنصور : يا أبا عبداللّه، ارتفع إلى هنا عندي ، ثمّ قال : يا أبا عبداللّه إنّ فلاناً أخبرني عنك بما قلت لك.
فقال : احضره يا أمير المؤمنين ليوافقني على ذلك، فأُحضرت الرجل الّذي سعی به إلى المنصور، فقال له المنصور : أحقّاً ما حكيت لي عن جعفر؟
فقال : نعم يا أمير المؤمنین!
فقال جعفر : استحلفه ، فبادر الرجل وقال : واللّه العظيم الّذي لا إله إلّا هو عالم الغيب والشهادة الواحد الأحد وأخذ يعدّد في صفات اللّه تعالى.
فقال جعفر : يا أمير المؤمنين يحلف بما أستحلفه.
فقال : حلّفه بما تختار.
فقال له جعفر: قل برئت من حول اللّه وقوته، والتجأتُ إلى حولي وقوّتي، لقد فعل جعفر کذ و كذا. فامتنع الرجل، فنظر إليه المنصور نظرة منكرة، فحلف بها فما كان بأسرع من أن ضرب برجله الأرض وخرّ میّتاً مكانه ، فقال المنصور : جرّوا برجله وأخرجوه، ثمّ قال : لا عليك يا أباعبداللّه أنت البريء الساحة والسليم الناحية، المأمون الغائلة! عليّ بالطيب فأُتي بالغالية فجعل يفاق بها لحيته إلى أن ترکها تقطر وقال : في حفظ اللّه وكلاءته وألحقه يا ربيع بجوائز حسنة وكسوة سنيّة.
قال الربيع : فحلقته بذلك ثمّ قال له : يا أبا عبداللّه رأيتك تحرّك شفتيك ، وكلما حرّكتها سكن غضب المنصور، بأيّ شيء كنت تحركها؟
ص: 156
قال : بدعاء جدّي الحسين.
قلت : وما هو يا سيّدي؟
قال : اللّهمّ يا عُدَّتي عند شدّتي، ويا غوثي عند کُربَتي، أُحرُسني بعينِك الّتي لا تَنام، واكنُفْني بركنِك الّذي لا يُرام، وارحمني بقدرتك عليّ فلا أهلك وأنت رجائي. اللّهمّ إنّك أكبرُ وأجلُّ وأقدرُ ممّا أخافُ وأحذَر ، اللّهمّ بك أدرأُ في نحره، وأستعيذُ مِن شرّه إنّك على كلّ شيء قدير.
قال الربيع : فما نزل بي شدّة ودعوت به إلّا فرّج اللّه عنّي.(1)
{44}
[173] عن الصادق عن أبيه عن جدّه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : اجتمع عند عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قوم فشكوا إليه قلّة المطر، وقالوا : يا أبا الحسن ادع لنا بدعوات في الإستسقاء. قال : فدعا عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)الحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقال للحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ادع لنا بدعوات في الإستسقاء.
فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّهمّ هيّج لنا السحاب... الخ.
ثمّ قال للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أُدع!
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّهمّ يا معطيَ الخيرات مِن مناهلها، ومُنزلَ الرحمات مِن معادنها، ومجريَ البركات على أهلها ، منك الغيث المغيث، وأنت الغياث المستغاث، ونحن الخاطئون وأهلُ الذنوب، وأنت المستغفِر الغفّارُ ، لا إله إلّا
ص: 157
أنت، اللّهمّ أرسل السماءَ علينا لحينها مدراراً واسقنا الغيثَ واكفاً مغزاراً غيثاً مغيثاً واسعاً مُتّسعاً مريّاً ممرِعاً غدقاً مغدقاً غيلاناً سحّاً سحساحاً بحّاً بحًاحاً سائلاً مسلاً عامّاً ودقاً مطفاحاً يدفع الودق بالودق دفاعاً، ويتلو القطر منه قطراً غیر خلّب برقه، ولا مكذّب رعده، تنعش به الضعيف من عبادك، وتحيي به الميّت من بلادك ، وتستحقّ به علينا من منك آمين ربّ العالمين.
فما فرغا من دعائهما حتّى صبّ اللّه تبارك وتعالى عليهم السماء صبّاً.
قال : فقيل لسلمان : يا أبا عبداللّه أعُلِّما هذا الدعاء؟
فقال : ويحكم! أين أنتم عن حديث رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حيث يقول : إنّ اللّه أجرى على ألسن أهلِ بيتي مصابيح الحكمة.(1)
{45}
[174] إذا أصبح وأمسى:
بسم اللّه الرحمن الرحیم بسم اللّه وباللّه و مِن اللّه و إلى اللّه وفي سبيل اللّه وعلى ملة رسول اللّه وتوكلتُ على اللّه ولا حول ولا قوّة إلا باللّه العليّ العظيم. اللّهمّ إنّي أسلمتُ نفسي إليك ووجّهتُ وجهي إليك وفوّضتُ أمري إليك إيّاك أسألُ العافية مِن كلِّ سوء في الدُنيا والآخرة، اللّهمّ إنّك تكفيني مِن كلّ أحد ولا يكفيني أحد منك ، فاكفِني مِن كلّ أحد ما أخافُ وأحذرُ، واجعَل لي مِن أمري فرَجاً ومخرَجاَ إنّك تَعلَمُ ولا أعلمُ وتقدِرُ ولا أقدِرُ وأنتَ على كلّ شيء قدیر برحمتك يا أرحم الراحمين.(2)
ص: 158
{46}
[175] رقي بها جبريل (عَلَيهِ السَّلَامُ) الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) :
يضع عودة أو حديدة على الضِرس ويرقيه مِن جانبه - سبع مرّات - : بسم اللّه الرحمن الرحيم، العجبُ كلُّ العجبِ دودةٌ تكونُ في الفم تأكلُ العظمَ وتُنزِلُ الدمَ، أنا الراقي واللّهُ الشافي والكافي، لا إله إلّا اللّه والحمد للّه ربِّ العالمین «وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» (1)- سبعَ مرّات - ويفعلُ ما قدَّمناه.(2)
{47}
[176] عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ رجلاً اشتكى إلى أبي عبداللّه الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقال : يابن رسول اللّه إنّي أجد وجعاً في عراقيبي، منعني من النهوض إلى الغرف.
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فما يمنعُك مِن العوذة؟
قال : لست أعلمها.
قال : فإذا أحسَسْتَ بها فضَعْ يدك عليها وقل : بسمِ اللّهِ وباللّهِ والسلام
ص: 159
على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ثمّ اقرأ عليه : «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ» (1) ففعل الرجل ذلك فشفاه اللّه تعالى.(2)
{48}
[177] سمعت عبیداللّه بن محمّدبن حفص العيشي يقول : سمعت أبي يقول : لمّا قبض ولد العبّاس خزائن بني أُميّة وجدوا سفطاً مختوماً، ففتحوه فإذا فيه رقّ مكتوب عليه : شفاء بإذن اللّه. قال : ففتح فإذا هو : بسم اللّه و باللّه ولا حول ولا قوّة إلا باللّه العليّ العظيم، أسكن أيّها الوجع، سكنت بالّذي له ماسكن في الليل والنهار وهو السميع العليم، بسم اللّه و باللّه ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم، أسكن أيّها الوجع الّذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه ، إنّ اللّهَ بالناس لرؤوفٌ رحيم، بسم اللّه وباللّه، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم، أسكن أيّها الوجع بالّذي إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكلّ صبارٍ شَکور ، بسم اللّه و باللّه ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم، أسكن أيّها الوجع سكنت بالّذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنّه كان حلیم غفوراً.
قال عبيداللّه : قال لي : فما احتجتُ بعده إلى علاج ولا دواء.
ص: 160
قال جدّي : قال عبداللّه : قال لنا أبي : إنّ بني أُميّة أصابوه في ثقل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).(1)
{49}
[178] بسم اللّه الرحمن الرحيم، سبحانَ اللّه والحمدُ للّه ولا إلهَ إلّا اللّهُ واللّه أكبر، ولا حول ولا قوّة إلا باللّه العليّ العظيم، سبحانَ اللّهِ آناء الليل وأطراف النَهار، سبحان اللّه بالغُدوّ والآصالِ، سبحانَ اللّهِ بالعشيّ والإبكار ، سبحانَ اللّه حينَ تُمسون وحين تُصبِحون، وله الحمدُ في السماوات والأرض وعشيّاً وحين تُظهِرون، يُخرِج الحيّ مِن الميّتِ ويُخرج الميّتَ مِن الحيّ، ويُحيي الأرضَ بعدَ موتِها وكذلك تُخرَجون، سبحان ربِّك ربِّ العزةِ عمّا يَصِفون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ للّه ربّ العالمين.
سبحانَ ذي الملك والملكوت، سبحانَ ذي العِزِّ والجَبَروت، سبحانَ ذالكبرياء والعظمة ، سبحان الملكِ الحقّ المبين المهيمن القُدّوس، سبحان اللّه الملكُ الحيّ الّذي لا يموت، سبحان اللّه الملك الحيّ القدّوس، سبحان القائم
ص: 161
الدائم ، سبحان الدائم القائم، سبحان ربّي العظيم، سبحان ربّي الأعلى، سبحان الحيّ القيوم، سبحان العليّ الأعلى، سبحانه وتعالى، سُبّوح قدّوس ربّنا وربّ الملائكة والروح، سبحان الدائم غيرِ الغافل، سبحان العالم بغیر تعلیم، سبحان خالق مایُری ومالا يُرى، سبحان الّذي يُدركُ الأبصارَ ولا تُدركه الأبصارُ، وهو اللطيف الخبير.
اللّهمّ إنّي أصبحتُ منك في نعمة وخير وبركة وعافية، فصلّ على محمّد وآله، وأتمم عليّ نعمتَك وخيرك وبركاتك وعافيتك بنجاة مِن النار، وارزُقني شكرَك وعافيتك وفضلك وكرامتك أبداً ما أبقيتني. اللّهمّ بنورك اهتديتُ ، وبفضلك استغنيتُ، وبنعمتك أصبحتُ و أمسيتُ، اللّهمّ إنّي أُشهدك و كفى بك شهيداً، وأُشهدُ ملائكتك وأنبیاء ورُسلك وحملةِ عرشك و سُكّان سماواتك وأرضك وجميع خلقك بأنّك أنتَ اللّه لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك، وأنّ محمّدا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عبدُك ورسولك، وأنّك على كلّ شيء قدير، تُحيي وتُمیتُ و تميتُ وتُحيي، وأشهد أنّ الجنّةَ حقّ، وأنّ النار حقّ، والنُشور حق، والساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللّه يَبعَثُ مَن في القبور، وأشهد أنّ عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنین حقّاً حقّاً، وأنّ الأئمّة من ولده هم الأئمّة الهُداة المهديّون غير الضالّين ولا المُضلّين ، وأنهم أولياؤك المُصطفون، وحزبك الغالبون، وصفوتُك وخيرتُك من خَلْقِك، ونجباؤك الّذين انتجبتهم لدينك، واختصصتهم من خلقك، واصطفيتهم على عبادك، وجعلتَهم حُجّةٌ على العالَمين، صلوات عليهم، والسلام عليهم ورحمة اللّه وبركاته.
اللّهمّ اكتب لي هذه الشهادةَ عندك حتّى تلقّينيها وأنتَ عنّي راض إنّك على ما تشاء قدير ، اللّهمّ لك الحمدُ حمداً يصعدُ أوله ولا ينفد آخره، اللّهمّ لك الحمد
ص: 162
حمداً تضعُ لك السماء كنَفَيْها، وتُسبحُ لكَ الأرض ومَن عليها، اللّهمّ لك الحمدُ حمداً سرمداً أبداً لا انقطاع له ولا نفاد له ولك يُنبغي وإليك يُنتهي فيّ وعلىّ ولديّ ومعي وقبلي وبعدي وأمامي وفوقي وتحتي، وإذا مِتُّ وبقیتُ فرداً وحيداً ثمّ فنیت، ولكَ الحمدُ إذا نُشِرتُ و بُعِثتُ یا مولاي، اللّهمّ لك الحمد والشكر بجميع محامدِك كلّها على جميع نعمائك كلّها حتّى ينتهي الحمد إلى ما تُحبُّ ربّنا وترضى.
اللّهمّ لك الحمدُ على كلّ أكلةٍ وشربةٍ وبطشةٍ وقبضةٍ وبسطةٍ و في كلّ موضع شعرة، اللّهمّ لك الحمد حمداً خالداً مع خلودك، ولك الحمدُ حمد لا مُنتهى له دون علمك، ولك الحمدُ حمداً لا أمدَ له دون مشيئتك، ولك الحمدُ حمداً لا أجر لقائله إلّا رضاك، ولك الحمد على حلمك بعد علمك، ولك الحمد على عفوك بعد قدرتك، ولك الحمد باعثَ الحمدُ ولك الحمدُ وارثَ الحمد، ولك الحمدُ بديعَ الحمد، ولك الحمدُ مُنتهى الحمد، ولك الحمدُ مُبتدعَ الحمد، ولك الحمدُ مُشتري الحمد، ولك الحمد وليَّ الحمد، ولك الحمد مالك الحمد، ولك الحمدُ قديمَ الحمد، ولك الحمدُ صادقَ الوعد، وفيّ العهد، عزيز الجُند، قائم المجد، ولك الحمد رفیعَ الدرجات، مُجيبَ الدعوات، مُنزّلَ الآيات مِن فوقِ سبع سماوات، عظیمَ البرکات ، مُخرجَ النور مِن الظُلُمات، ومُخرج مَن في الظلمات إلى النور، مُبدلّ السيّئات حسنات ، وجاعل الحسنات درجات.
اللّهمّ لك الحمدُ غافرَ الذنب، وقابلَ التوب، شديدَ العقاب ، ذاالطَول، لا إله إلّا أنت إليك المصير ، اللّهمّ لك الحمدُ في الليل إذا يغشى، ولك الحمدُ في النهار إذا تجلّى، ولك الحمد في الآخرة والأُولى، ولك الحمدُ عدد كلّ نجم وملك في السماء، ولك الحمدُ عدد الثرى والحصى والنوى، ولك الحمدُ عددَ
ص: 163
مَا فِي جَوْفِ الْأَرْضِ، وَ لَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ أَوْزَانِ مِيَاهِ الْبِحَارِ، وَ لَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ أَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ، وَ لَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَ لَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ مَا أَحْصَى كِتَابُكَ، وَ لَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ مَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُكَ، وَ لَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ وَ الْهَوَامِّ وَ الطَّيْرِ وَ الْبَهَائِمِ وَ السِّبَاعِ، حَمْداً كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ كَمَا تُحِبُّ رَبَّنَا وَ تَرْضَى، وَ كَمَا يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِكَ وَ عِزِّ جَلَالِكَ.
ثُمَّ قُلْ عَشْراً : لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُ الْحَمْدُ، وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.
وَ عَشْراً : لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ يُمِيتُ وَ يُحْيِي وَ هُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ.
وَ عَشْراً : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَ أَتُوبُ إِلَيْهِ.
ثُمَّ قُلْ : يَا اللَّهُ عَشْراً، يَا رَحْمَانُ عَشْراً، يَا رَحِيمُ عَشْراً، يَا بَدِيعَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ عَشْراً، يَا ذَا الْجَلَالِ وَ الْإِكْرَامِ عَشْراً، يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ عَشْراً، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ عَشْراً، يَا حَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ عَشْراً، يَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ عَشْراً، وَ بَسْمِلْ عَشْراً اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ عَشْراً، اللَّهُمَّ افْعَلْ بِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ عَشْراً، آمِينَ عَشْراً،وَ اقْرَأِ التَّوْحِيدَ عَشْراً، ثُمَّ قُلْ بَعْدَ ذَلِكَ : اللَّهُمَّ اصْنَعْ بِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ، وَ لَا تَصْنَعْ بِي مَا أَنَا أَهْلُهُ فَإِنَّكَ أَهْلُ التَّقْوى وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ، وَ أَنَا أَهْلُ الذُّنُوبِ وَ الْخَطَايَا، فَارْحَمْنِي يَا مَوْلَايَ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين.َ ثُمَّ قُلْ عَشْراً : لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً الْآيَةَ.
ثُمَّ قُلْ مِنْ غَيْرِ هَذَا الدُّعَاءِ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَ أَسْأَلُكَ خَيْرَ لَيْلَتِي هَذِهِ وَ خَيْرَ مَا فِيهَا، وَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ لَيْلَتِي هَذِهِ وَ شَرِّ
ص: 164
مَا فِيهَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ تَكْتُبَ عَلَيَّ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَ اكْفِنِي خَطِيئَتَهَا وَ إِثْمَهَا، وَ أَعْطِنِي يُمْنَهَا وَ بَرَكَتَهَا وَ نُورَهَا، اللَّهُمَّ نَفْسِي خَلَقْتَهَا وَ بِيَدِكَ حَيَاتُهَا وَ مَوْتُهَا، اللَّهُمَّ فَإِنْ أَمْسَكْتَهَا فَإِلَى رِضْوَانِكَ وَ الْجَنَّةِ وَ إِنْ أَرْسَلْتَهَا فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ اغْفِرْ لَهَا وَ ارْحَمْهَا.
وَ تَقُولُ عِنْدَ كُلِّ مَسَاءٍ وَ صَبَاحٍ : رَبِّيَ اللَّهُ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ أَشْهَدُ وَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ، وَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عِلْماً، وَ أَحْصى كُلَّ شَيْ ءٍ عَدَداً، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَ مِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِناصِيَتِها، إِنَّ رَبِّي عَلى صِراط مُسْتَقِيمٍ ، إِلَهِي أَمْسَى خَوْفِي مُسْتَجِيراً بِأَمَانِكَ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ وَ آمِنِّي فَإِنَّكَ لَا تَخْذُلُ مَنْ آمَنْتَهُ، إِلَهِي أَمْسَى جَهْلِي مُسْتَجِيراً بِحِلْمِكَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ عُدْ عَلَيَّ بِحِلْمِكَ وَ فَضْلِكَ، إِلَهِي أَمْسَى فَقْرِي مُسْتَجِيراً بِغِنَاكَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ وَ ارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ الْوَاسِعِ الْهَنِي ءِ الْمَرِي ءِ إِلَهِي أَمْسَى ذَنْبِي مُسْتَجِيراً بِمَغْفِرَتِكَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ اغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً عَزْماً لَا تُغَادِرُ لِي ذَنْباً وَ لَا أَرْتَكِبُ بَعْدَهَا مُحَرَّماً، إِلَهِي أَمْسَى ذُلِّي مُسْتَجِيراً بِعِزِّكَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ وَ أَعِزَّنِي عِزّاً لَا ذُلَّ بَعْدَهُ أَبَداً إِلَهِي أَمْسَى ضَعْفِي، مُسْتَجِيراً بِقُوَّتِكَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ وَ قَوِّ فِي رِضَاكَ ضَعْفِي، إِلَهِي أَمْسَى وَجْهِيَ الْبَالِي الْفَانِي مُسْتَجِيراً بِوَجْهِكَ الدَّائِمِ الْبَاقِي الَّذِي لَا يَبْلَى وَ لَا يَفْنَى، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ وَ أَجِرْنِي مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَ مِنْ شَرِّ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ وَ افْتَحْ لِي بَابَ الْأَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْيُسْرُ وَ الْعَافِيَةُ وَ النَّجَاحُ وَ الرِّزْقُ الْكَثِيرُ الطَّيِّبُ الْحَلَالُ الْوَاسِعُ، اللَّهُمَّ بَصِّرْنِي سَبِيلَهُ وَ هَيِّئْ لِي مَخْرَجَهُ وَ مَنْ قَدَّرْتَ لَهُ مِنْ خَلْقِكَ عَلَيَّ مَقْدُرَةً بِسُوءٍ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ خُذْهُ عَنِّي مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ وَ عَنْ يَمِينِهِ وَ عَنْ شِمَالِهِ وَ مِنْ فَوْقِهِ وَ مِنْ تَحْتِهِ وَ أَلْجِمْ لِسَانَهُ
ص: 165
وَ قَصِّرْ يَدَهُ وَ أَحْرِجْ صَدْرَهُ وَ امْنَعْهُ مِنْ أَنْ يَصِلَ إِلَيَّ أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِي وَ مَنْ يَعْنِينِي أَمْرُهُ أَوْ شَيْ ءٌ مِمَّا خَوَّلْتَنِي وَ رَزَقْتَنِي وَ أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيَّ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ بِسُوءٍ، يَا مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيَ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، يَا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ، يَا مَنْ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلَى، يَا مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، يَا لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ بِحَقِّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ارْضَ عَنِّي، يَا لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ بِحَقِّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ارْحَمْنِي، يَا لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ بِحَقِّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ تُبْ عَلَيَّ ،يَا لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ بِحَقِّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ارْزُقْنِي يَا لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ بِحَقِّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَعْتِقْنِي مِنَ النَّارِ، يَا لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ بِحَقِّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ تَفَضَّلْ عَلَيَّ بِقَضَاءِ جَمِيعِ حَوَائِجِي فِي دُنْيَايَ وَ آخِرَتِي إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ.(1)
{50}
[179] روی بشر و بشير أبناء غالب الأسدي قالا :
كنا مع الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) عشية عرفة فخرج (عَلَيهِ السَّلَامُ) من فسطاطه متذللاً خاشعاً فجعل يمشي هوناً هوناً حتّى وقف هو وجماعة من أهل بيته وولده ومواليه في مسيرة الجبل مستقبل البيت ثمّ رفع يديه تلقاء وجهه کاستطعام المسكين ثمّ قال :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَيْسَ لِقَضَائِهِ دَافِعٌ، وَ لَا لِعَطَائِهِ مَانِعٌ، وَ لَا كَصُنْعِهِ صُنْعُ صَانِعٍ، وَ هُوَ الْجَوَادُ الْوَاسِعُ، فَطَرَ أَجْنَاسَ الْبَدَائِعِ، وَ أَتْقَنَ بِحِكْمَتِهِ الصَّنَائِعَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ الطَّلَائِعُ، وَ لَا تَضِيعُ عِنْدَهُ الْوَدَائِعُ، أَتَى بِالْكِتَابِ الْجَامِعِ وَ بِشَرْعِ
ص: 166
الْإِسْلَامِ النُّورِ السَّاطِعِ، وَ هُوَ لِلْخَلِيقَةِ صَانِعٌ، وَ هُوَ الْمُسْتَعَانُ عَلَى الْفَجَائِعِ جَازِي كُلِّ صَانِعٍ وَ رَائِشُ كُلِّ قَانِعٍ، وَ رَاحِمُ كُلِّ ضَارِعٍ، وَ مُنْزِلُ الْمَنَافِعِ وَ الْكِتَابِ الْجَامِعِ بِالنُّورِ السَّاطِعِ وَ هُوَ لِلدَّعَوَاتِ سَامِعٌ وَ لِلدَّرَجَاتِ رَافِعٌ، وَ لِلْكُرُبَاتِ دَافِعٌ، وَ لِلْجَبَابِرَةِ قَامِعٌ، وَ رَاحِمُ عَبْرَةِ كُلِّ ضَارِعٍ، وَ دَافِعُ ضَرْعَةِ كُلِّ ضَارِعٍ، فَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَ لَا شَيْ ءَ يَعْدِلُهُ وَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ الْبَصِيرُ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَرْغَبُ إِلَيْكَ وَ أَشْهَدُ بِالرُّبُوبِيَّةِ لَكَ مُقِرّاً بِأَنَّكَ رَبِّي وَ أَنَّ إِلَيْكَ مَرَدِّي، ابْتَدَأْتَنِي بِنِعْمَتِكَ قَبْلَ أَنْ أَكُونَ شَيْئاً مَذْكُوراً، وَ خَلَقْتَنِي مِنَ التُّرَابِ ثُمَّ أَسْكَنْتَنِي الْأَصْلَابَ آمِناً لِرَيْبِ الْمَنُونِ وَ اخْتِلَافِ الدُّهُورِ، فَلَمْ أَزَلْ ظَاعِناً مِنْ صُلْبٍ إِلَى رَحِمٍ فِي تَقَادُمِ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ وَ الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ لَمْ تُخْرِجْنِي لِرَأْفَتِكَ بِي وَ لُطْفِكَ لِي وَ إِحْسَانِكَ إِلَيَّ فِي دَوْلَةِ أَيَّامِ الْكَفَرَةِ الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدَكَ وَ كَذَّبُوا رُسُلَكَ لَكِنَّكَ أَخْرَجْتَنِي رَأْفَةً مِنْكَ وَ تَحَنُّناً عَلَيَّ لِلَّذِي سَبَقَ لِي مِنَ الْهُدَى الَّذِي فِيهِ يَسَّرْتَنِي وَ فِيهِ أَنْشَأْتَنِي وَ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ رَؤُفْتَ بِي بِجَمِيلِ صُنْعِكَ وَ سَوَابِغِ نِعْمَتِكَ فَابْتَدَعْتَ خَلْقِي مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى، ثُمَّ أَسْكَنْتَنِي فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ بَيْنَ لَحْمٍ وَ جِلْدٍ وَ دَمٍ لَمْ تُشَهِّرْنِي بِخَلْقِي وَ لَمْ تَجْعَلْ إِلَيَّ شَيْئاً مِنْ أَمْرِي، ثُمَّ أَخْرَجْتَنِي إِلَى الدُّنْيَا تَامّاً سَوِيّاً وَ حَفِظْتَنِي فِي الْمَهْدِ طِفْلًا صَبِيّاً، وَ رَزَقْتَنِي مِنَ الْغِذَاءِ لَبَناً مَرِيّاً ، وَ عَطَفْتَ عَلَيَّ قُلُوبَ الْحَوَاضِنِ، وَ كَفَّلْتَنِي الْأُمَّهَاتِ الرَّحَائِمِ، وَ كَلَأْتَنِي مِنْ طَوَارِقِ الْجَانِّ، وَ سَلَّمْتَنِي مِنَ الزِّيَادَةِ وَ النُّقْصَانِ، فَتَعَالَيْتَ يَا رَحِيمُ يَا رَحْمَانُ حَتَّى إِذَا اسْتَهْلَلْتُ نَاطِقاً بِالْكَلَامِ أَتْمَمْتَ عَلَيَّ سَوَابِغَ الْإِنْعَامِ فَرَبَّيْتَنِي زَائِداً فِي كُلِّ عَامٍ حَتَّى إِذَا كَمَلَتْ فِطْرَتِي وَ اعْتَدَلَتْ سَرِيرَتِي أَوْجَبْتَ عَلَيَّ حُجَّتَكَ بِأَنْ أَلْهَمْتَنِي مَعْرِفَتَكَ وَ رَوَّعْتَنِي بِعَجَائِبِ فِطْرَتِكَ وَ أَنْطَقْتَنِي لِمَا ذَرَأْتَ فِي سَمَائِكَ وَ أَرْضِكَ مِنْ بَدَائِعِ خَلْقِكَ وَ نَبَّهْتَنِي لِذِكْرِكَ وَ شُكْرِكَ وَ وَاجِبِ
ص: 167
طَاعَتِكَ وَ عِبَادَتِكَ وَ فَهَمْتَنِي مَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلُكَ وَ يَسَّرْتَ لِي تَقَبُّلَ مَرْضَاتِكَ وَ مَنَنْتَ عَلَيَّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِعَوْنِكَ وَ لُطْفِكَ، ثُمَّ إِذْ خَلَقْتَنِي مِنْ حُرِّ الثَّرَى لَمْ تَرْضَ لِي يَا إِلَهِي بِنِعْمَةٍ دُونَ أُخْرَى وَ رَزَقْتَنِي مِنْ أَنْوَاعِ الْمَعَاشِ وَ صُنُوفِ الرِّيَاشِ بِمَنِّكَ الْعَظِيمِ عَلَيَّ وَ إِحْسَانِكَ الْقَدِيمِ إِلَيَّ حَتَّى إِذَا أَتْمَمْتَ عَلَيَّ جَمِيعَ النِّعَمِ وَ صَرَفْتَ عَنِّي كُلَّ النِّقَمِ لَمْ يَمْنَعْكَ جَهْلِي وَ جُرْأَتِي عَلَيْكَ أَنْ دَلَلْتَنِي عَلَى مَا يُقَرِّبُنِي إِلَيْكَ وَ وَفَّقْتَنِي لِمَا يُزْلِفُنِي لَدَيْكَ فَإِنْ دَعَوْتُكَ أَجَبْتَنِي وَ إِنْ سَأَلْتُكَ أَعْطَيْتَنِي وَ إِنْ أَطَعْتُكَ شَكَرْتَنِي وَ إِنْ شَكَرْتُكَ زِدْتَنِي كُلُّ ذَلِكَ إِكْمَالًا لِأَنْعُمِكَ عَلَيَّ وَ إِحْسَانِكَ إِلَيَّ فَسُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ مِنْ مُبْدِئٍ مُعِيدٍ حَمِيدٍ مَجِيدٍ وَ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُكَ وَ عَظُمَتْ آلَاؤُكَ فَأَيَّ أَنْعُمِكَ يَا إِلَهِي أُحْصِي عَدَداً أَوْ ذِكْراً أَمْ أَيُّ عَطَايَاكَ أَقُومُ بِهَا شُكْراً وَ هِيَ يَا رَبِّ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصِيَهَا الْعَادُّونَ أَوْ يَبْلُغَ عِلْماً بِهَا الْحَافِظُونَ ثُمَّ مَا صَرَفْتَ وَ ذَرَأْتَ عَنِّي.
اللَّهُمَّ مِنَ الضُّرِّ وَ الضَّرَّاءِ أَكْثَرُ مِمَّا ظَهَرَ لِي مِنَ الْعَافِيَةِ وَ السَّرَّاءِ وَ أَنَا أَشْهَدُ يَا إِلَهِي بِحَقِيقَةِ إِيمَانِي وَ عَقْدِ عَزَمَاتِ يَقِينِي وَ خَالِصِ صَرِيحِ تَوْحِيدِي وَ بَاطِنِ مَكْنُونِ ضَمِيرِي وَ عَلَائِقِ مَجَارِي نُورِ بَصَرِي وَ أَسَارِيرِ صَفْحَةِ جَبِينِي وَ خُرْقِ مَسَارِبِ نَفْسِي وَ حَذَارِيفِ مَارِنِ عِرْنِينِي وَ مَسَارِبِ صِمَاخِ سَمْعِي وَ مَا ضُمَّتْ وَ أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ شَفَتَايَ وَ حَرَكَاتِ لَفْظِ لِسَانِي وَ مَغْرَزِ حَنَكِ فَمِي وَ فَكِّي وَ مَنَابِتِ أَضْرَاسِي وَ بُلُوغِ حَبَائِلِ بَارِعِ عُنُقِي وَ مَسَاغِ مَطْعَمِي وَ مَشْرَبِي وَ حِمَالَةِ أُمِّ رَأْسِي وَ جُمَلِ حَمَائِلِ حَبْلِ وَتِينِي وَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ تَامُورُ صَدْرِي وَ نِيَاطِ حِجَابِ قَلْبِي وَ أَفْلَاذِ حَوَاشِي كَبِدِي وَ مَا حَوَتْهُ شَرَاسِيفُ أَضْلَاعِي وَ حِقَاقِ مَفَاصِلِي وَ أَطْرَافِ أَنَامِلِي وَ قَبْضِ عَوَامِلِي وَ دَمِي وَ شَعْرِي وَ بَشَرِي وَ عَصَبِي وَ قَصَبِي وَ عِظَامِي وَ مُخِّي وَ عُرُوقِي وَ جَمِيعِ جَوَارِحِي وَ مَا انْتَسَجَ عَلَى ذَلِكَ أَيَّامُ رِضَاعِي
ص: 168
وَ مَا أَقَلَّتِ الْأَرْضُ مِنِّي وَ نَوْمِي وَ يَقَظَتِي وَ سُكُونِي وَ حَرَكَتِي وَ حَرَكَاتِ رُكُوعِي وَ سُجُودِي أَنْ لَوْ حَاوَلْتُ وَ اجْتَهَدْتُ مَدَى الْأَعْصَارِ وَ الْأَحْقَابِ لَوْ عُمِّرْتُهَا أَنْ أُؤَدِّي شُكْرَ وَاحِدَةٍ مِنْ أَنْعُمِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ذَلِكَ إِلَّا بِمَنِّكَ الْمُوجِبِ عَلَيَّ شُكْراً آنِفاً جَدِيداً وَ ثَنَاءً طَارِفاً عَتِيداً أَجَلْ وَ لَوْ حَرَصْتُ وَ الْعَادُّونَ مِنْ أَنَامِكَ أَنْ نُحْصِيَ مَدَى إِنْعَامِكَ سَالِفَةً وَ آنِفَةً لَمَا حَصَرْنَاهُ عَدَداً وَ لَا أَحْصَيْنَاهُ أَبَداً هَيْهَاتَ أَنَّى ذَلِكَ وَ أَنْتَ الْمُخْبِرُ عَنْ نَفْسِكَ فِي كِتَابِكَ النَّاطِقِ وَ النَّبَأِ الصَّادِقِ وَ «إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها»(1) صَدَقَ كِتَابُكَ.
اللَّهُمَّ وَ نَبَاؤُكَ وَ بَلَّغَتْ أَنْبِيَاؤُكَ وَ رُسُلُكَ مَا أَنْزَلْتَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَحْيِكَ وَ شَرَعْتَ لَهُمْ مِنْ دِينِكَ غَيْرَ أَنِّي أَشْهَدُ بِجِدِّي وَ جَهْدِي وَ مَبَالِغِ طَاقَتِي وَ وُسْعِي وَ أَقُولُ مُؤْمِناً مُوقِناً الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً فَيَكُونُ مَوْرُوثاً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ فَيُضَادَّهُ فِيمَا ابْتَدَعَ وَ لَا وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ فَيُرْفِدَهُ فِيمَا صَنَعَ سُبْحَانَهُ سُبْحَانَهُ سُبْحَانَهُ «لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا»(2) وَ تَفَطَّرَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ الْوَاحِدِ الْحَقِّ الْأَحَدِ الصَّمَدِ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْداً يَعْدِلُ حَمْدَ مَلَائِكَتِهِ الْمُقَرَّبِينَ وَ أَنْبِيَائِهِ الْمُرْسَلِينَ وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى خِيَرَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَ آلِهِ الطَّاهِرِينَ الْمُخْلَصِينَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَخْشَاكَ كَأَنِّي أَرَاكَ وَ أَسْعِدْنِي بِتَقْوَاكَ وَ لَا تُشْقِنِي بِمَعْصِيَتِكَ وَ خِرْ لِي فِي قَضَائِكَ وَ بَارِكْ لِي فِي قَدَرِكَ حَتَّى لَا أُحِبَّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ وَ لَا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ.
ص: 169
اللَّهُمَّ اجْعَلْ غِنَايَ فِي نَفْسِي وَ الْيَقِينَ فِي قَلْبِي وَ الْإِخْلَاصَ فِي عَمَلِي وَ النُّورَ فِي بَصَرِي وَ الْبَصِيرَةَ فِي دِينِي وَ مَتِّعْنِي بِجَوَارِحِي وَ اجْعَلْ سَمْعِي وَ بَصَرِيَ الْوَارِثَيْنِ مِنِّي وَ انْصُرْنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي وَ ارْزُقْنِي مَآرِبِي وَ ثَارِي وَ أَقِرَّ بِذَلِكَ عَيْنِي.
اللَّهُمَّ اكْشِفْ كُرْبَتِي وَ اسْتُرْ عَوْرَتِي وَ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَ اخْسَأْ شَيْطَانِي وَ فُكَّ رِهَانِي وَ اجْعَلْ لِي يَا إِلَهِي الدَّرَجَةَ الْعُلْيَا فِي الْآخِرَةِ وَ الْأُولَى.
اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا خَلَقْتَنِي فَجَعَلْتَنِي سَمِيعاً بَصِيراً وَ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا خَلَقْتَنِي فَجَعَلْتَنِي حَيّاً سَوِيّاً رَحْمَةً بِي وَ كُنْتَ عَنْ خَلْقِي غَنِيّاً رَبِّي بِمَا بَرَأْتَنِي فَعَدَلْتَ فِطْرَتِي رَبِّ بِمَا أَنْشَأْتَنِي فَأَحْسَنْتَ صُورَتِي يَا رَبِّ بِمَا أَحْسَنْتَ بِي وَ فِي نَفْسِي عَافَيْتَنِي رَبِّ بِمَا كَلَأْتَنِي وَ وَفَّقْتَنِي رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَهَدَيْتَنِي رَبِّ بِمَا آوَيْتَنِي وَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ آتَيْتَنِي وَ أَعْطَيْتَنِي رَبِّ بِمَا أَطْعَمْتَنِي وَ سَقَيْتَنِي رَبِّ بِمَا أَغْنَيْتَنِي وَ أَقْنَيْتَنِي رَبِّ بِمَا أَعَنْتَنِي وَ أَعْزَزْتَنِي رَبِّ بِمَا أَلْبَسْتَنِي مِنْ ذِكْرِكَ الصَّافِي وَ يَسَّرْتَ لِي مِنْ صُنْعِكَ الْكَافِي صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَعِنِّي عَلَى بَوَائِقِ الدَّهْرِ وَ صُرُوفِ الْأَيَّامِ وَ اللَّيَالِي وَ نَجِّنِي مِنْ أَهْوَالِ الدُّنْيَا وَ كُرُبَاتِ الْآخِرَةِ وَ اكْفِنِي شَرَّ مَا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُمَّ مَا أَخَافُ فَاكْفِنِي وَ مَا أَحْذَرُ فَقِنِي وَ فِي نَفْسِي وَ دِينِي فَاحْرُسْنِي وَ فِي سَفَرِي فَاحْفَظْنِي وَ فِي أَهْلِي وَ مَالِي وَ وَلَدِي فَاخْلُفْنِي وَ فِيمَا رَزَقْتَنِي فَبَارِكْ لِي وَ فِي نَفْسِي فَذَلِّلْنِي وَ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ فَعَظِّمْنِي وَ مِنْ شَرِّ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ فَسَلِّمْنِي وَ بِذُنُوبِي فَلَا تَفْضَحْنِي وَ بِسَرِيرَتِي فَلَا تُخْزِنِي وَ بِعَمَلِي فَلَا تُبْسِلْنِي وَ نِعَمَكَ فَلَا تَسْلُبْنِي وَ إِلَى غَيْرِكَ فَلَا تَكِلْنِي إِلَى مَنْ تَكِلُنِي إِلَى الْقَرِيبِ يَقْطَعُنِي أَمْ إِلَى الْبَعِيدِ يَتَهَجَّمُنِي أَمْ إِلَى الْمُسْتَضْعَفِينَ لِي وَ أَنْتَ رَبِّي وَ مَلِيكُ أَمْرِي أَشْكُو
ص: 170
إِلَيْكَ غُرْبَتِي وَ بُعْدَ دَارِي وَ هَوَانِي عَلَى مَنْ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي.
اللَّهُمَّ فَلَا تُحْلِلْ بِي غَضَبَكَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ غَضِبْتَ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي سِوَاكَ غَيْرَ أَنَّ عَافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي فَأَسْأَلُكَ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الْأَرْضُ وَ السَّمَاوَاتُ وَ انْكَشَفَتْ بِهِ الظُّلُمَاتُ وَ صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ أَنْ لَا تُمِيتَنِي عَلَى غَضَبِكَ وَ لَا تَنْزِلَ بِي سَخَطَكَ لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ رَبَّ الْبَلَدِ الْحَرَامِ وَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ الَّذِي أَحْلَلْتَهُ الْبَرَكَةَ وَ جَعَلْتَهُ لِلنَّاسِ أَمَنَةً.
يَا مَنْ عَفَى عَنِ الْعَظِيمِ مِنَ الذُّنُوبِ بِحِلْمِهِ، يَا مَنْ أَسْبَغَ النِّعْمَةَ بِفَضْلِهِ يَا مَنْ أَعْطَى الْجَزِيلَ بِكَرَمِهِ يَا عُدَّتِي فِي كُرْبَتِي وَ يَا مُونِسِي فِي حُفْرَتِي يَا وَلِيَّ نِعْمَتِي يَا إِلَهِي وَ إِلَهَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَ إِسْمَاعِيلَ وَ إِسْحَاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ رَبَّ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ وَ إِسْرَافِيلَ وَ رَبَّ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَ آلِهِ الْمُنْتَجَبِينَ وَ مُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الزَّبُورِ وَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَ مُنْزِلَ كهيعص وَ طه وَ يس وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ أَنْتَ كَهْفِي حِينَ تُعْيِينِي الْمَذَاهِبُ فِي سَعَتِهَا وَ تَضِيقُ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَ لَوْ لَا رَحْمَتُكَ لَكُنْتُ مِنَ الْمَفْضُوحِينَ وَ أَنْتَ مُؤَيِّدِي بِالنَّصْرِ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَ لَوْ لَا نَصْرُكَ لِي لَكُنْتُ مِنَ الْمَغْلُوبِين.
يَا مَنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِالسُّمُوِّ وَ الرِّفْعَةِ وَ أَوْلِيَاؤُهُ بِعِزِّهِ يَعْتَزُّونَ يَا مَنْ جَعَلَتْ لَهُ الْمُلُوكُ نِيرَ الْمَذَلَّةِ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ فَهُمْ مِنْ سَطَوَاتِهِ خَائِفُونَ يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَ ما تُخْفِي الصُّدُورُ وَ غَيْبَ مَا تَأْتِي بِهِ الْأَزْمَانُ وَ الدُّهُورُ يَا مَنْ يَعْلَمُ كَيْفَ هُوَ إِلَّا هُوَ يَا مَنْ لَا يَعْلَمُ مَا هُوَ إِلَّا هُوَ يَا مَنْ لَا يَعْلَمُ مَا يَعْلَمُهُ إِلَّا هُوَ يَا مَنْ كَبَسَ الْأَرْضَ عَلَى الْمَاءِ وَ سَدَّ الْهَوَاءَ بِالسَّمَاءِ يَا مَنْ لَهُ أَكْرَمُ الْأَسْمَاءِ يَا ذَا الْمَعْرُوفِ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ أَبَداً يَا مُقَيِّضَ الرَّكْبِ لِيُوسُفَ فِي الْبَلَدِ الْقَفْرِ وَ مُخْرِجَهُ مِنَ الْجُبِّ
ص: 171
وَ جَاعِلَهُ بَعْدَ الْعُبُودِيَّةِ مَلِكاً، يَا رَادَّ يُوسُفَ عَلَى يَعْقُوبَ بَعْدَ أَنِ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ، يَا كَاشِفَ الضُّرِّ وَ الْبَلَاءِ عَنْ أَيُّوبَ يَا مُمْسِكَ يَدِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ ذَبْحِ ابْنِهِ بَعْدَ أَنْ كَبُرَ سِنُّهُ وَ فَنِيَ عُمُرُهُ، يَا مَنِ اسْتَجَابَ لِزَكَرِيَّا فَوَهَبَ لَهُ يَحْيَى وَ لَمْ يَدَعْهُ فَرْداً وَحِيداً، يَا مَنْ أَخْرَجَ يُونُسَ مِنْ بَطْنِ الْحُوت يَا مَنْ فَلَقَ الْبَحْرَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَنْجَاهُمْ وَ جَعَلَ فِرْعَوْنَ وَ جُنُودَهُ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ، يَا مَنْ أَرْسَلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ يَا مَنْ لَا يُعَجِّلُ عَلَى مَنْ عَصَاهُ مِنْ خَلْقِهِ، يَا مَنِ اسْتَنْقَذَ السَّحَرَةَ مِنْ بَعْدِ طُولِ الْجُحُودِ وَ قَدْ غَدَوْا فِي نِعْمَتِهِ يَأْكُلُونَ رِزْقَهُ وَ يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ وَ قَدْ حَادُّوهُ وَ نَادُّوهُ وَ كَذَّبُوا رُسُلَهُ يَا اللَّهُ يَا بَدِي ءُ لَا بَدْءَ لَكَ يَا دَائِماً لَا نَفَادَ لَكَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا مُحْيِي الْمَوْتَى يَا مَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ يَا مَنْ قَلَّ لَهُ شُكْرِي فَلَمْ يَحْرِمْنِي وَ عَظُمَتْ خَطِيئَتِي فَلَمْ يَفْضَحْنِي وَ رَآنِي عَلَى الْمَعَاصِي فَلَمْ يَخْذُلْنِي يَا مَنْ حَفِظَنِي فِي صِغَرِي يَا مَنْ رَزَقَنِي فِي كِبَرِي يَا مَنْ أَيَادِيهِ عِنْدِي لَا تُحْصَى، يَا مَنْ نِعَمُهُ عِنْدِي لَا تُجَازَى، يَا مَنْ عَارَضَنِي بِالْخَيْرِ وَ الْإِحْسَانِ وَ عَارَضْتُهُ بِالْإِسَاءَةِ وَ الْعِصْيَانِ، يَا مَنْ هَدَانِي بِالْإِيمَانِ قَبْلَ أَنْ أَعْرِفَ شُكْرَ الِامْتِنَانِ، يَا مَنْ دَعَوْتُهُ مَرِيضاً فَشَفَانِي وَ عُرْيَاناً فَكَسَانِي وَ جَائِعاً فَأَطْعَمَنِي وَ عَطْشَاناً فَأَرْوَانِي وَ ذَلِيلًا فَأَعَزَّنِي وَ جَاهِلًا فَعَرَّفَنِي وَ وَحِيداً فَكَثَّرَنِي وَ غَائِباً فَرَدَّنِي وَ مُقِلًّا فَأَغْنَانِي وَ مُنْتَصِراً فَنَصَرَنِي وَ غَنِيّاً فَلَمْ يَسْلُبْنِي وَ أَمْسَكْتُ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ فَابْتَدَأْتَنِي، فَلَكَ الْحَمْدُ يَا مَنْ أَقَالَ عَثْرَتِي وَ نَفَّسَ كُرْبَتِي وَ أَجَابَ دَعْوَتِي وَ سَتَرَ عَوْرَتِي وَ ذُنُوبِي وَ بَلَّغَنِي طَلِبَتِي وَ نَصَرَنِي عَلَى عَدُوِّي وَ إِنْ أَعُدَّ نِعَمَكَ وَ مِنَنَكَ وَ كَرَائِمَ مِنَحِكَ لَا أُحْصِيهَا.
يَا مَوْلَايَ أَنْتَ الَّذِي أَنْعَمْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَحْسَنْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَجْمَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَفْضَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي مَنَنْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَكْمَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي رَزَقْتَ،
ص: 172
أَنْتَ الَّذِي أَعْطَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَغْنَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَقْنَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي آوَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي كَفَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي عَصَمْتَ، أَنْتَ الَّذِي سَتَرْتَ، أَنْتَ الَّذِي غَفَرْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَقَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي مَكَّنْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَعْزَزْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَعَنْتَ، أَنْتَ الَّذِي عَضَدْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَيَّدْتَ، أَنْتَ الَّذِي نَصَرْتَ، أَنْتَ الَّذِي شَفَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي عَافَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَكْرَمْتَ ،تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَ تَعَالَيْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ دَائِماً وَ لَكَ الشُّكْرُ وَاجِباً.
ثُمَّ أَنَا يَا إِلَهِي الْمُعْتَرِفُ بِذُنُوبِي فَاغْفِرْهَا لِي، أَنَا الَّذِي أَخْطَأْتُ، أَنَا الَّذِي أَغْفَلْتُ، أَنَا الَّذِي جَهِلْتُ، أَنَا الَّذِي هَمَمْتُ، أَنَا الَّذِي سَهَوْتُ، أَنَا الَّذِي اعْتَمَدْتُ، أَنَا الَّذِي تَعَمَّدْتُ، أَنَا الَّذِي وَعَدْتُ، أَنَا الَّذِي أَخْلَفْتُ، أَنَا الَّذِي نَكَثْتُ، أَنَا الَّذِي أَقْرَرْتُ، يَا إِلَهِي أَعْتَرِفُ بِنِعَمِكَ عِنْدِي وَ أَبُوءُ بِذُنُوبِي فَاغْفِرْ لِي يَا مَنْ لَا تَضُرُّهُ ذُنُوبُ عِبَادِهِ وَ هُوَ الْغَنِيُّ عَنْ طَاعَتِهِمْ، وَ الْمُوَفِّقُ مَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ صَالِحاً بِمَعُونَتِهِ وَ رَحْمَتِهِ، فَلَكَ الْحَمْدُ إِلَهِي أَمَرْتَنِي فَعَصَيْتُكَ، وَ نَهَيْتَنِي فَارْتَكَبْتُ نَهْيَكَ فَأَصْبَحْتُ لَا ذَا بَرَاءَةٍ فَأَعْتَذِرَ وَ لَا ذَا قُوَّةٍ فَأَنْتَصِرَ، فَبِأَيِّ شَيْ ءٍ أَسْتَقِيلُكَ يَا مَوْلَايَ أَ بِسَمْعِي أَمْ بِبَصَرِي أَمْ بِلِسَانِي أَمْ بِيَدِي أَمْ بِرِجْلِي؟ أَ لَيْسَ كُلُّهَا نِعَمُكَ عِنْدِي وَ بِكُلِّهَا عَصَيْتُكَ؟
يَا مَوْلَايَ فَلَكَ الْحُجَّةُ وَ السَّبِيلُ عَلَيَّ يَا مَنْ سَتَرَنِي مِنَ الْآبَاءِ وَ الْأُمَّهَاتِ أَنْ يَزْجُرُونِي وَ مِنَ الْعَشَائِرِ وَ الْإِخْوَانِ أَنْ يُعَيِّرُونِي وَ مِنَ السَّلَاطِينِ أَنْ يُعَاقِبُونِي، وَ لَوِ اطَّلَعُوا يَا مَوْلَايَ عَلَى مَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنِّي إِذًا مَا أَنْظَرُونِي وَ لَرَفَضُونِي وَ قَطَعُونِي فَهَا أَنَا ذَا بَيْنَ يَدَيْكَ يَا سَيِّدِي خَاضِعاً ذَلِيلًا حَصِيراً حَقِيراً لَا ذُو بَرَاءَةٍ فَأَعْتَذِرَ وَ لَا ذُو قُوَّةٍ فَأَنْتَصِرَ وَ لَا حُجَّةَ لِي فَأَحْتَجَّ بِهَا وَ لَا قَائِلٌ لَمْ أَجْتَرِحْ وَ لَمْ أَعْمَلْ سُوءً وَ مَا عَسَى الْجُحُودُ لَوْ جَحَدْتُ يَا مَوْلَايَ يَنْفَعُنِي وَ كَيْفَ وَ أَنَّى ذَلِكَ وَ جَوَارِحِي كُلُّهَا شَاهِدَةٌ عَلَيَّ بِمَا قَدْ عَمِلْتُ [عَلِمْتُ ] يَقِيناً غَيْرَ ذِي شَكٍّ أَنَّكَ سَائِلِي مِنْ
ص: 173
عَظَائِمِ الْأُمُورِ وَ أَنَّكَ الْحَكِيمُ الْعَدْلُ الَّذِي لَا يَجُورُ وَ عَدْلُكَ مُهْلِكِي وَ مِنْ كُلِّ عَدْلِكَ مَهْرَبِي فَإِنْ تُعَذِّبْنِي فَبِذُنُوبِي يَا مَوْلَايَ [يَا إِلَهِي ] بَعْدَ حُجَّتِكَ عَلَيَّ وَ إِنْ تَعْفُ عَنِّي فَبِحِلْمِكَ وَ جُودِكَ وَ كَرَمِكَ.
لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الْمُسْتَغْفِرِينَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الْوَجِلِينَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الرَّاجِينَ الرَّاغِبِينَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ السَّائِلِينَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الْمُهَلِّلِينَ الْمُسَبِّحِينَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ رَبِّي وَ رَبُّ آبَائِيَ الْأَوَّلِينَ.
اللَّهُمَّ هَذَا ثَنَائِي عَلَيْكَ مُمَجِّداً وَ إِخْلَاصِي مُوَحِّداً وَ إِقْرَارِي بِآلَائِكَ مُعَدِّداً وَ إِنْ كُنْتُ مُقِرّاً أَنِّي لَا أُحْصِيهَا لِكَثْرَتِهَا وَ سُبُوغِهَا وَ تَظَاهُرِهَا وَ تَقَادُمِهَا إِلَى حَادِثٍ مَا لَمْ تَزَلْ تَتَغَمَّدُنِي بِهِ مَعَهَا مُذْ خَلَقْتَنِي وَ بَرَأْتَنِي مِنْ أَوَّلِ الْعُمُرِ مِنَ الْإِغْنَاءِ بَعْدَ الْفَقْرِ وَ كَشْفِ الضُّرِّ وَ تَسْبِيبِ الْيُسْرِ وَ دَفْعِ الْعُسْرِ وَ تَفْرِيجِ الْكَرْبِ وَ الْعَافِيَةِ فِي الْبَدَنِ وَ السَّلَامَة فِي الدِّينِ، وَ لَوْ رَفَدَنِي عَلَى قَدْرِ ذِكْرِ نِعَمِكَ عَلَيَّ جَمِيعُ الْعَالَمِينَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ لَمَا قَدَرْتُ وَ لَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ تَقَدَّسْتَ وَ تَعَالَيْتَ مِنْ رَبٍّ عَظِيمٍ كَرِيمٍ رَحِيمٍ لَا تُحْصَى آلَاؤُكَ وَ لَا يُبْلَغُ ثَنَاؤُكَ وَ لَا تُكَافَى نَعْمَاؤُكَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَتْمِمْ عَلَيْنَا نِعْمَتَكَ وَ أَسْعِدْنَا بِطَاعَتِكَ سُبْحَانَكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ.
تُجِيبُ دَعْوَةَ الْمُضْطَرِّ إِذَا دَعَاكَ وَ تَكْشِفُ السُّوءَ وَ تُغِيثُ الْمَكْرُوبَ وَ تَشْفِي السَّقِيمَ وَ تُغْنِي الْفَقِيرَ وَ تَجْبُرُ الْكَسِيرَ وَ تَرْحَمُ الصَّغِيرَ وَ تُعِينُ الْكَبِيرَ وَ لَيْسَ دُونَكَ ظَهِيرٌ وَ لَا فَوْقَكَ قَدِيرٌ وَ أَنْتَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ يَا مُطْلِقَ الْمُكَبَّلِ الْأَسِيرِ
ص: 174
يَا رَازِقَ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ، يَا عِصْمَةَ الْخَائِفِ الْمُسْتَجِيرِ يَا مَنْ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ لَا قَدِيرَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَعْطِنِي فِي هَذِهِ الْعَشِيَّةِ أَفْضَلَ مَا أَعْطَيْتَ وَ أَنَلْتَ أَحَداً مِنْ عِبَادِكَ مِنْ نِعْمَةٍ تُولِيهَا وَ آلَاءٍ تُجَدِّدُهَا وَ بَلِيَّةٍ تَصْرِفُهَا وَ كُرْبَةٍ تَكْشِفُهَا وَ دَعْوَةٍ تَسْمَعُهَا وَ حَسَنَةٍ تَتَقَبَّلُهَا وَ سَيِّئَةٍ تَغْفِرُهَا إِنَّكَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ وَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ.
اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَقْرَبُ مَنْ دُعِيَ وَ أَسْرَعُ مَنْ أَجَابَ وَ أَكْرَمُ مَنْ عَفَا وَ أَوْسَعُ مَنْ أَعْطَى وَ أَسْمَعُ مَنْ سُئِلَ يَا رَحْمَانَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ وَ رَحِيمَهُمَا لَيْسَ كَمِثْلِكَ مَسْئُولٌ وَ لَا سِوَاكَ مَأْمُولٌ دَعَوْتُكَ فَأَجَبْتَنِي وَ سَأَلْتُكَ فَأَعْطَيْتَنِي وَ رَغِبْتُ إِلَيْكَ فَرَحِمْتَنِي وَ وَثِقْتُ بِكَ فَنَجَّيْتَنِي وَ فَزِعْتُ إِلَيْكَ فَكَفَيْتَنِي.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَ رَسُولِكَ وَ نَبِيِّكَ وَ عَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ أَجْمَعِينَ وَ تَمِّمْ لَنَا نَعْمَاءَكَ وَ هَنِّئْنَا عَطَاءَكَ وَ اجْعَلْنَا لَكَ شَاكِرِينَ وَ لآِلَائِكَ ذَاكِرِينَ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ يَا مَنْ مَلَكَ فَقَدَرَ وَ قَدَرَ فَقَهَرَ وَ عُصِيَ فَسَتَرَ وَ اسْتُغْفِرَ فَغَفَرَ يَا غَايَةَ رَغْبَةِ الرَّاغِبِينَ وَ مُنْتَهَى أَمَلِ الرَّاجِينَ يَا مَنْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عِلْماً وَ وَسِعَ الْمُسْتَقِبلِينَ رَأْفَةً وَ حِلْماً.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ فِي هَذِهِ الْعَشِيَّةِ الَّتِي شَرَّفْتَهَا وَ عَظَّمْتَهَا بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ وَ رَسُولِكَ وَ خِيَرَتِكَ وَ أَمِينِكَ عَلَى وَحْيِكَ اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ الَّذِي أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَ جَعَلْتَهُ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ .
اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ كَمَا مُحَمَّدٌ أَهْلُ ذَلِكَ يَا عَظِيمُ فَصَلِّ عَلَيْهِ وَ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ الْمُنْتَجَبِينَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ أَجْمَعِينَ وَ تَغَمَّدْنَا بِعَفْوِكَ عَنَّا فَإِلَيْكَ عَجَّتِ الْأَصْوَاتُ بِصُنُوفِ اللُّغَاتِ وَ اجْعَلْ لَنَا فِي هَذِهِ الْعَشِيَّةِ نَصِيباً فِي كُلِّ خَيْرٍ تَقْسِمُه وَ نُورٍ تَهْدِي بِهِ وَ رَحْمَةٍ تَنْشُرُهَا وَ عَافِيَةٍ تُجَلِّلُهَا
ص: 175
وَ بَرَكَةٍ تُنْزِلُهَا وَ رِزْقٍ تَبْسُطُهُ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ اقْلِبْنَا فِي هَذَا الْوَقْتِ مُنْجِحِينَ مُفْلِحِينَ مَبْرُورِينَ غَانِمِينَ وَ لَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ وَ لَا تُخْلِنَا مِنْ رَحْمَتِكَ وَ لَا تَحْرِمْنَا مَا نُؤَمِّلُهُ مِنْ فَضْلِكَ وَ لَا تَرُدَّنَا خَائِبِينَ وَ لَا عَنْ بَابِكَ مَطْرُودِينَ وَ لَا تَجْعَلْنَا مِنْ رَحْمَتِكَ مَحْرُومِينَ وَ لَا لِفَضْلِ مَا نُؤَمِّلُهُ مِنْ عَطَايَاكَ قَانِطِينَ يَا أَجْوَدَ الْأَجْوَدَيْنِ وَ يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ.
اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَقْبَلْنَا مُوقِنِينَ وَ لِبَيْتِكَ الْحَرَامِ آمِّينَ قَاصِدِينَ فَأَعِنَّا عَلَى مَنْسِكِنَا وَ أَكْمِلْ لَنَا حَجَّنَا وَ اعْفُ اللَّهُمَّ عَنَّا وَ عَافِنَا فَقَدْ مَدَدْنَا إِلَيْكَ أَيْدِيَنَا وَ هِيَ بِذِلَّةِ الِاعْتِرَافِ مَوْسُومَةٌ.
اللَّهُمَّ فَأَعْطِنَا فِي هَذِهِ الْعَشِيَّةِ مَا سَأَلْنَاكَ وَ اكْفِنَا مَا اسْتَكْفَيْنَاكَ فَلَا كَافِيَ لَنَا سِوَاكَ وَ لَا رَبَّ لَنَا غَيْرُكَ نَافِذٌ فِينَا حُكْمُكَ مُحِيطٌ بِنَا عِلْمُكَ عَدْلٌ فِينَا قَضَاؤُكَ اقْضِ لَنَا الْخَيْرَ وَ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ.
اللَّهُمَّ أَوْجِبْ لَنَا بِجُودِكَ عَظِيمَ الْأَجْرِ وَ كَرِيمَ الذُّخْرِ وَ دَوَامَ الْيُسْرِ وَ اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا أَجْمَعِينَ وَ لَا تُهْلِكْنَا مَعَ الْهَالِكِينَ وَ لَا تَصْرِفْ عَنَّا رَأْفَتَكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا فِي هَذَا الْوَقْتِ مِمَّنْ سَأَلَكَ فَأَعْطَيْتَهُ وَ شَكَرَكَ فَزِدْتَهُ وَ تَابَ إِلَيْكَ فَقَبِلْتَهُ وَ تَنَصَّلَ إِلَيْكَ مِنْ ذُنُوبِهِ فَغَفَرْتَهَا لَهُ يَا ذَا الْجَلَالِ وَ الْإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَ سَدِّدْنَا وَ اعْصِمْنَا وَ اقْبَلْ تَضَرُّعَنَا يَا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ وَ يَا أَرْحَمَ مَنِ اسْتُرْحِمَ يَا مَنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ إِغْمَاضُ الْجُفُونِ وَ لَا لَحْظُ الْعُيُونِ وَ لَا مَا اسْتَقَرَّ فِي الْمَكْنُونِ وَ لَا مَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ مُضْمَرَاتُ الْقُلُوبِ أَلَا كُلُّ ذَلِكَ قَدْ أَحْصَاهُ عِلْمُكَ وَ وَسِعَهُ حِلْمُكَ سُبْحَانَكَ وَ تَعَالَيْتَ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ
ص: 176
عُلُوّاً كَبِيراً، تُسَبِّحُ لَكَ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَ وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ فَلَكَ الْحَمْدُ وَ الْمَجْدُ وَ عُلُوُّ الْجَدِّ يَا ذَا الْجَلَالِ وَ الْإِكْرَامِ وَ الْفَضْلِ وَ الْإِنْعَامِ وَ الْأَيَادِي الْجِسَامِ وَ أَنْتَ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ أَوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ وَ عَافِنِي فِي بَدَنِي وَ دِينِي وَ آمِنْ خَوْفِي وَ أَعْتِقْ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ.
اللَّهُمَّ لَا تَمْكُرْ بِي وَ لَا تَسْتَدْرِجْنِي وَ لَا تَخْذُلْنِي وَ ادْرَأْ عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ.
يَا أَسْمَعَ السَّامِعِينَ وَ يَا أَبْصَرَ النَّاظِرِينَ وَ يَا أَسْرَعَ الْحَاسِبِينَ وَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ حَاجَتِيَ الَّتِي إِنْ أَعْطَيْتَنِيهَا لَمْ يَضُرَّنِي مَا مَنَعْتَنِي وَ إِنْ مَنَعْتَنِيهَا لَمْ يَنْفَعْنِي مَا أَعْطَيْتَنِي أَسْأَلُكَ فَكَاكَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَكَ الْمُلْكُ وَ لَكَ الْحَمْدُ وَ أَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِّ.(1)
إِلَهِي أَنَا الْفَقِيرُ فِي غِنَايَ فَكَيْفَ لَا أَكُونُ فَقِيراً فِي فَقْرِي إِلَهِي أَنَا الْجَاهِلُ فِي عِلْمِي فَكَيْفَ لَا أَكُونُ جَهُولًا فِي جَهْلِي. إِلَهِي إِنَّ اخْتِلَافَ تَدْبِيرِكَ وَ سُرْعَةَ طَوَاءِ مَقَادِيرِكَ مَنَعَا عِبَادَكَ الْعَارِفِينَ بِكَ عَنِ السُّكُونِ إِلَى عَطَاءٍ وَ الْيَأْسِ مِنْكَ فِي بَلَاءٍ إِلَهِي مِنِّي مَا يَلِيقُ بِلُؤْمِي وَ مِنْكَ مَا يَلِيقُ بِكَرَمِكَ. إِلَهِي وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِاللُّطْفِ وَ الرَّأْفَةِ لِي قَبْلَ وُجُودِ ضَعْفِي أَ فَتَمْنَعُنِي مِنْهُمَا بَعْدَ وُجُودِ ضَعْفِي. إِلَهِي إِنْ ظَهَرَتِ الْمَحَاسِنُ مِنِّي فَبِفَضْلِكَ وَ لَكَ الْمِنَّةُ عَلَيَّ وَ إِنْ ظَهَرَتِ الْمُسَاوِي مِنِّي فَبِعَدْلِكَ وَ لَكَ الْحُجَّةُ عَلَيَّ . إِلَهِي كَيْفَ تَكِلُنِي وَ قَدْ تَوَكَّلْتَ لِي وَ كَيْفَ أُضَامُ وَ أَنْتَ النَّاصِرُ لِي أَمْ كَيْفَ أَخِيبُ وَ أَنْتَ الْحَفِيُّ بِي هَا أَنَا
ص: 177
أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِفَقْرِي إِلَيْكَ وَ كَيْفَ أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِمَا هُوَ مَحَالٌ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ أَمْ كَيْفَ أَشْكُو إِلَيْكَ حَالِي وَ هُوَ لَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَمْ كَيْفَ أُتَرْجِمُ بِمَقَالِي وَ هُوَ مِنْكَ بَرَزَ إِلَيْكَ أَمْ كَيْفَ تُخَيِّبُ آمَالِي وَ هِيَ قَدْ وَفَدَتْ إِلَيْكَ أَمْ كَيْفَ لَا تُحْسِنُ أَحْوَالِي وَ بِكَ قَامَتْ.
يَا إِلَهِي مَا أَلْطَفَكَ بِي مَعَ عَظِيمِ جَهْلِي وَ مَا أَرْحَمَكَ بِي مَعَ قَبِيحِ فِعْلِي إِلَهِي مَا أَقْرَبَكَ مِنِّي وَ قَدْ أَبْعَدَنِي عَنْكَ وَ مَا أَرْأَفَكَ بِي فَمَا الَّذِي يَحْجُبُنِي عَنْكَ؟!
إِلَهِي عَلِمْتُ بِاخْتِلَافِ الْآثَارِ وَ تَنَقُّلَاتِ الْأَطْوَارِ أَنَّ مُرَادَكَ مِنِّي أَنْ تَتَعَرَّفَ إِلَيَّ فِي كُلِّ شَيْ ءٍ حَتَّى لَا أَجْهَلَكَ فِي شَيْ ءٍ إِلَهِي كُلَّمَا أَخْرَسَنِي لُؤْمِي أَنْطَقَنِي كَرَمُكَ وَ كُلَّمَا آيَسَتْنِي أَوْصَافِي أَطْمَعَتْنِي مِنَنُكَ إِلَهِي مَنْ كَانَتْ مَحَاسِنُهُ مَسَاوِيَ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ مَسَاوِيهِ مَسَاوِيَ وَ مَنْ كَانَتْ حَقَائِقُهُ دَعَاوِيَ فَكَيْفَ لَا تَكُونُ دَعَاوِيهِ دَعَاوِيَ.
إِلَهِي حُكْمُكَ النَّافِذُ وَ مَشِيَّتُكَ الْقَاهِرَةُ لَمْ يَتْرُكَا لِذِي مَقَالٍ مَقَالًا وَ لَا لِذِي حَالٍ حَالًا إِلَهِي كَمْ مِنْ طَاعَةٍ بَنَيْتُهَا وَ حَالَةٍ شَيَّدْتُهَا هَدَمَ اعْتِمَادِي عَلَيْهَا عَدْلُكَ بَلْ أَقَالَنِي مِنْهَا فَضْلُكَ إِلَهِي إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي وَ إِنْ لَمْ تَدُمِ الطَّاعَةُ مِنِّي فِعْلًا جَزْماً فَقَدْ دَامَتْ مَحَبَّةً وَ عَزْماً إِلَهِي كَيْفَ أَعْزِمُ وَ أَنْتَ الْقَاهِرُ وَ كَيْفَ لَا أَعْزِمُ وَ أَنْتَ الْآمِرُ.
إِلَهِي تَرَدُّدِي فِي الْآثَارِ يُوجِبُ بُعْدَ الْمَزَارِ فَاجْمَعْنِي عَلَيْكَ بِخِدْمَةٍ تُوصِلُنِي إِلَيْكَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِمَا هُوَ فِي وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ إِلَيْكَ أَ يَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ مَا لَيْسَ لَكَ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرَ لَكَ مَتَى غِبْتَ حَتَّى تَحْتَاجَ إِلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ وَ مَتَى بَعُدْتَ حَتَّى تَكُونَ الْآثَارُ هِيَ الَّتِي تُوصِلُ إِلَيْكَ عَمِيَتْ عَيْن
ص: 178
لَا تَرَاكَ عَلَيْهَا رَقِيباً وَ حَسَرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصِيباً.
إِلَهِي أَمَرْتَ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْآثَارِ فَأَرْجِعْنِي إِلَيْكَ بِكِسْوَةِ الْأَنْوَارِ وَ هِدَايَةِ الِاسْتِبْصَارِ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ مِنْهَا كَمَا دَخَلْتُ إِلَيْكَ مِنْهَا مَصُونَ السِّرِّ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهَا وَ مَرْفُوعَ الْهِمَّةِ عَنِ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ.
إِلَهِي هَذَا ذُلِّي ظَاهِرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ وَ هَذَا حَالِي لَا يَخْفَى عَلَيْكَ، مِنْكَ أَطْلُبُ الْوُصُولَ إِلَيْكَ، وَ بِكَ أَسْتَدِلُّ عَلَيْكَ فَاهْدِنِي بِنُورِكَ إِلَيْكَ وَ أَقِمْنِي بِصِدْقِ الْعُبُودِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ.
إِلَهِي عَلِّمْنِي مِنْ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ وَ صُنِّي بِسِتْرِكَ الْمَصُونِ إِلَهِي حَقِّقْنِي بِحَقَائِقِ أَهْلِ الْقُرْبِ وَ اسْلُكْ بِي مَسْلَكَ أَهْلِ الْجَذْبِ.
إِلَهِي أَغْنِنِي بِتَدْبِيرِكَ لِي عَنْ تَدْبِيرِي وَ بِاخْتِيَارِكَ لِي عَنِ اخْتِيَارِي وَ أَوْقِفْنِي عَلَى مَرَاكِزِ اضْطِرَارِي. إِلَهِي أَخْرِجْنِي مِنْ ذُلِّ نَفْسِي، وَ طَهِّرْنِي مِنْ شَكِّي وَ شِرْكِي قَبْلَ حُلُولِ رَمْسِي.
بِكَ أَنْتَصِرُ فَانْصُرْنِي وَ عَلَيْكَ أَتَوَكَّلُ فَلَا تَكِلْنِي وَ إِيَّاكَ أَسْأَلُ فَلَا تُخَيِّبْنِي، وَ فِي فَضْلِكَ أَرْغَبُ فَلَا تَحْرِمْنِي وَ بِجَنَابِكَ أَنْتَسِبُ فَلَا تُبَعِّدْنِي وَ بِبَابِكَ أَقِفُ فَلَا تَطْرُدْنِي.
إِلَهِي تَقَدَّسَ رِضَاكَ أَنْ تَكُونَ لَهُ عِلَّةٌ مِنْكَ فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ عِلَّةٌ مِنِّي. إِلَهِي أَنْتَ الْغَنِيُّ بِذَاتِكَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ النَّفْعُ مِنْكَ فَكَيْفَ لَا تَكُونُ غَنِيّاً عَنِّي. إِلَهِي إِنَّ الْقَضَاءَ وَ الْقَدَرَ يُمَنِّينِي وَ إِنَّ الْهَوَاءَ بِوَثَائِقِ الشَّهْوَةِ أَسَرَنِي فَكُنْ أَنْتَ النَّصِيرَ لِي حَتَّى تَنْصُرَنِي وَ تُبَصِّرَنِي وَ أَغْنِنِي بِفَضْلِكَ حَتَّى أَسْتَغْنِيَ بِكَ عَنْ طَلَبِي.
أَنْتَ الَّذِي أَشْرَقْتَ الْأَنْوَارَ فِي قُلُوبِ أَوْلِيَائِكَ حَتَّى عَرَفُوكَ وَ وَحَّدُوك
ص: 179
وَ أَنْتَ الَّذِي أَزَلْتَ الْأَغْيَارَ عَنْ قُلُوبِ أَحِبَّائِكَ حَتَّى لَمْ يُحِبُّوا سِوَاكَ وَ لَمْ يَلْجَئُوا إِلَى غَيْرِكَ، أَنْتَ الْمُونِسُ لَهُمْ حَيْثُ أَوْحَشَتْهُمُ الْعَوَالِمُ وَ أَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَهُمْ حَيْثُ اسْتَبَانَتْ لَهُمُ الْمَعَالِمُ.
مَا ذَا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ وَ مَا الَّذِي فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ؟!
لَقَدْ خَابَ مَنْ رَضِيَ دُونَكَ بَدَلًا وَ لَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغَى عَنْكَ مُتَحَوَّلًا.
كَيْفَ يُرْجَى سِوَاكَ وَ أَنْتَ مَا قَطَعْتَ الْإِحْسَانَ وَ كَيْفَ يَطْلُبُ مِنْ غَيْرِكَ وَ أَنْتَ مَا بَدَّلْتَ عَادَةَ الِامْتِنَانِ؟
يَا مَنْ أَذَاقَ أَحِبَّاءَهُ حَلَاوَةَ الْمُؤَانَسَةِ فَقَامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَمَلِّقِينَ و يَا مَنْ أَلْبَسَ أَوْلِيَاءَهُ مَلَابِسَ هَيْبَتِهِ فَقَامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُسْتَغْفِرِينَ.
أَنْتَ الذَّاكِرُ قَبْلَ الذَّاكِرِينَ وَ أَنْتَ الْبَادِي بِالْإِحْسَانِ قَبْلَ تَوَجُّهِ الْعَابِدِينَ وَ أَنْتَ الْجَوَادُ بِالْعَطَاءِ قَبْلَ طَلَبِ الطَّالِبِينَ وَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ثُمَّ لِمَا وَهَبْتَ لَنَا مِنَ الْمُسْتَقْرِضِينَ.
إِلَهِي اطْلُبْنِي بِرَحْمَتِكَ حَتَّى أَصِلَ إِلَيْكَ وَ اجْذِبْنِي بِمَنِّكَ حَتَّى أُقْبِلَ عَلَيْكَ. إِلَهِي إِنَّ رَجَائِي لَا يَنْقَطِعُ عَنْكَ وَ إِنْ عَصَيْتُكَ كَمَا أَنَّ خَوْفِي لَا يُزَايِلُنِي وَ إِنْ أَطَعْتُكَ فَقَدْ رَفَعَتْنِي الْعَوَالِمُ إِلَيْكَ وَ قَدْ أَوْقَعَنِي عِلْمِي بِكَرَمِكَ عَلَيْكَ.
إِلَهِي كَيْفَ أَخِيبُ وَ أَنْتَ أَمَلِي؟ أَمْ كَيْفَ أُهَانُ وَ عَلَيْكَ مُتَّكَلِي؟ إِلَهِي كَيْفَ أَسْتَعِزُّ وَ فِي الذِّلَّةِ أَرْكَزْتَنِي؟ أَمْ كَيْفَ لَا أَسْتَعِزُّ وَ إِلَيْكَ نَسَبْتَنِي؟ إِلَهِي كَيْفَ لَا أَفْتَقِرُ وَ أَنْتَ الَّذِي فِي الْفُقَرَاءِ أَقَمْتَنِي؟ أَمْ كَيْفَ أَفْتَقِرُ وَ أَنْتَ الَّذِي بِجُودِكَ أَغْنَيْتَنِي؟
وَ أَنْتَ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُكَ تَعَرَّفْتَ لِكُلِّ شَيْ ءٍ فَمَا جَهِلَكَ شَيْ ءٌ وَ أَنْتَ الَّذِي تَعَرَّفْتَ إِلَيَّ فِي كُلِّ شَيْ ءٍ فَرَأَيْتُكَ ظَاهِراً فِي كُلِّ شَيْ ءٍ وَ أَنْتَ الظَّاهِرُ لِكُلِّ شَيْ ء.
ص: 180
يَا مَنِ اسْتَوَى بِرَحْمَانِيَّتِهِ فَصَارَ الْعَرْشُ غَيْباً فِي ذَاتِهِ مَحَقْتَ الْآثَارَ بِالْآثَارِ وَ مَحَوْتَ الْأَغْيَارَ بِمُحِيطَاتِ أَفْلَاكِ الْأَنْوَارِ.
يَا مَنِ احْتَجَبَ فِي سُرَادِقَاتِ عَرْشِهِ عَنْ أَنْ تُدْرِكَهُ الْأَبْصَارُ يَا مَنْ تَجَلَّى بِكَمَالِ بَهَائِهِ فَتَحَقَّقَتْ عَظَمَتُهُ الِاسْتِوَاءَ كَيْفَ تَخْفَى وَ أَنْتَ الظَّاهِرُ؟ أَمْ كَيْفَ تَغِيبُ وَ أَنْتَ الرَّقِيبُ الْحَاضِرُ؟ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ.(1)
{51}
[180] كان تسبیح الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) في اليوم الخامس : سُبْحَانَ الرَّفِيعِ الْأَعْلَى، سُبْحَانَ الْعَظِيمِ الْأَعْظَمِ، سُبْحَانَ مَنْ هُوَ هَكَذَا وَ لَا يَكُونُ هَكَذَا غَيْرُهُ، وَ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ قُدْرَتَهُ، سُبْحَانَ مَنْ أَوَّلُهُ عِلْمٌ لَا يُوصَفُ، وَ آخِرُهُ عِلْمٌ لَا يَبِيدُ، سُبْحَانَ مَنْ عَلَا فَوْقَ الْبَرِيَّاتِ بِالْإِلَهِيَّةِ، فَلَا عَيْنٌ تُدْرِكُهُ،وَ لَا عَقْلٌ يُمَثِّلُهُ، وَ لَا وَهْمٌ يُصَوِّرُهُ، وَ لَا لِسَانٌ يَصِفُهُ بِغَايَةِ مَا لَهُ الْوَصْفُ، سُبْحَانَ مَنْ عَلَا فِي الْهَوَاءِ، سُبْحَانَ مَنْ قَضَى الْمَوْتَ عَلَى الْعِبَادِ، سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْمقْتَدِرِ(2)، سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّو،سِ سُبْحَانَ الْبَاقِي الدَّائِم .(3)
ص: 181
{52}
[181] سيّدي ومولاي ألمقامع الحديد خُلِقَتْ أعضائي، أم لشُربِ الحَميمِ خُلِقَتْ أمعائي؟! إلهي لئن طالبْتَني بذُنوبي لأُطالبنَّك بكرمِك، ولئن حَبَسْتَني مع الخاطئين لأُخبرنَّهم بحبّي لك، سيّدي إنّ طاعتَك لا تنفعك ، ومعصيتي لا تضُرُّك، فَهَبْ لي ما لا ينفعُك، واغفِر لي ما لا يضُرُّك فانَّكَ أرحمُ الراحمين.(1)
{53}
[182] رؤي الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يطوف بالبيت ثمّ صار إلى المقام فصلّی ثمّ وضع خده على المقام فجعل يبكي ويقول: «عُبَيْدُكَ بِبابِك، خُويدمُك ببابك ، سائلُك ببابِك، مِسکینُك بِبابِك» يُردِّد ذلك مراراً، ثمّ انصرف فمرّ بمساكين معهم فلق خبز يأكلون فسلَّم عليهم فدعوه إلى طعامهم فجلس معهم وقال: لولا أنّه صدقة لأكلتُ معكم، ثمّ قال : قوموا إلى منزلي فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم. (2)
ص: 182
{54}
[183] سعید بن عمر، بإسناده عن بشر بن غالب ، قال : إنّي لجالس عند الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) إذ أتاه رجل، فقال : يا أبا عبداللّه، سمعتُ رجلاً يبكي لموت معاويةَ بن أبي سفيان.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا أرقأ اللّه دمعتَه، ولا فرَّج همَّه، ولا كشف غمَّه، ولا سلی حُزنه، أترى أنه يكون بعده مَن هو شرّ منه تربت يداه وفمه، أما واللّه لقد أصبح من النادمين. (1)
{50}
[184] عن زين العابدین (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ضمّني والدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى صدره يوم قتل وَ الدِّمَاءُ تَغْلِي، وَ هُوَ يَقُولُ : يَا بُنَيَّ احْفَظْ عَنِّي دُعَاءً عَلَّمَتْنِيهِ فَاطِمَةُ صلوات اللّه علیها، وَ عَلَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وَ عَلَّمَهُ جَبْرَئِيلُ فِي الْحَاجَةِ وَ الْهَمِّ وَ الْغَمِّ. وَ النَّازِلَةِ إِذَا نَزَلَتْ وَ الْأَمْرِ الْعَظِيمِ الْفَادِحِ، قَالَ : ادْعُ بِحَقِ يس وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيم وَ بِحَقِ طه وَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، يَا مَنْ يَقْدِرُ عَلَى حَوَائِجِ السَّائِلِينَ، يَا مَنْ يَعْلَمُ مَا فِي الضَّمِيرِ، يَا مُنَفِّسُ عَنِ الْمَكْرُوبِينَ، يَا مُفَرِّجُ عَنِ الْمَغْمُومِينَ، يَا رَاحِمَ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ، يَا رَازِق الطِّفْلِ الصَّغِيرِ، يَا مَنْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّفْسِيرِ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ افْعَلْ بِي كَذَا وَ كَذَا.(2)
ص: 183
{56}
[185] عن عبداللّه بن بكير قال : حججتُ مع أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في حديث طويل فقلت : يابنَ رسول اللّه لو نبش قبر الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) هل كان يصاب في قبره شيء؟ فقال : يابن بکیر ما أعظم مسائلك إنّ الحسينَ بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) مع أبيه وأمّه وأخيه في منزل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ومعه يُرزَقون ويُحبَرون، وإنّه لعَنْ يمين العرش متعلّق به ، يقول : يا ربِّ أنجِز لي ماوعدتني وإنّه لينظر إلى زوّاره فهو أعرف بهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم ومافي رحالهم من أحدهم بولده، وإنّه لينظر إلى مَن يبكيه فيستغفر له ويسأل أباه الإستغفار له ويقول: أيّها الباكي لو علمتَ ما أعدّ اللّه لك لفرِحتَ أكثرَ ممّا حزنتَ وإنّه ليستغفر له من كلّ ذنب وخطيئة.(1)
{57}
[189] حجاب الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : يَا مَنْ شَأْنُهُ الْكِفَايَةُ وَ سُرَادِقُهُ الرِّعَايَةُ، يَا مَنْ هُوَ الْغَايَةُ وَ النِّهَايَةُ، يَا صَارِفَ السُّوءِ وَ السَّوَايَةِ وَ الضُّرِّ، اصْرِفْ عَنِّي أَذِيَّةَ الْعَالَمِينَ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ أَجْمَعِينَ، بِالْأَشْبَاحِ النُّورَانِيَّةِ، وَ بِالْأَسْمَاءِ السُّرْيَانِيَّة،ِ وَ بِالْأَقْلَامِ الْيُونَانِيَّةِ، وَ بِالْكَلِمَاتِ الْعِبْرَانِيَّةِ، وَ بِمَا نَزَلَ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ يَقِينِ الْإِيضَاحِ، اجْعَلْنِي اللَّهُمَّ فِي حِرْزِكَ، وَ فِي حِزْبِكَ وَ فِي عِيَاذِكَ، وَ فِي
ص: 184
سِتْرِكَ، وَ فِي كَنَفِكَ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ، وَ عَدُوٍّ رَاصِدٍ، وَ لَئِيمٍ مُعَانِدٍ، وَ ضِدٍّ كَنُودٍ ،وَ مِنْ كُلِّ حَاسِدٍ، بِبِسْمِ اللَّهِ اسْتَشْفَيْت،ُ وَ بِسْمِ اللَّهِ اسْتَكْفَيْتُ، وَ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ، وَ بِهِ اسْتَعَنْتُ، وَ إِلَيْهِ اسْتَعْدَيْتُ عَلَى كُلِّ ظَالِمٍ ظَلَمَ، وَ غَاشِمٍ غَشَمَ، وَ طَارِقٍ طَرَقَ وَ زَاجِرٍ زَجَرَ«فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ »(1).(2)
{58}
[187] عن الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : دخلت على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعنده أُبيّ بن كعب... وساق الحديث إلى أن قال :
قال له أُبيّ : يا رسول اللّه فما هذه النطفةُ الّتي في صُلْبِ حبيبي الحسين؟
قال : مَثَلُ هذه النطفة كمَثَلِ القمر، وهي نطفةُ تبيينٍ وبیانٍ، يكون مَن اتّبعه رشيداً ومَن ضَلّ عنه غویّاً.
قال : فما إسمه وما دعاؤه؟
قال : إسمُه على ودعاؤه : «یا دائمُ یا دیمومُ يا حيُّ يا قيّومُ يا كاشفَ الغمِّ ويا فارجَ الهمِّ و یا باعثَ الرسلِ ويا صادقَ الوعد».
مَن دَعا بهذا الدُعاء حَشَره اللّه عزّ وجلّ مع عليّ بن الحسين، وكان قائده إلى الجنّة.(3)
ص: 185
{59}
[188] روي أن الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : دخلتُ على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعنده أُبيّ بن کعب.... وساق الحديث إلى أن قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
قال له أُبيّ : يا رسولَ اللّه فهل له من خَلَفٍ أو وصيّ؟
قال : نعم له مواريثُ السماوات والأرض.
قال : فما معنى مواريث السماوات والأرض يا رسولَ اللّه؟
قال : القضاءُ بالحقِّ والحكمُ بالديانةِ وتأويلُ الأحلام [الأحكام : خل] وبيانُ ما يكونُ.
قال : فما إسمه؟
قال : إسمه محمّد وإنّ الملائكة لتَستأنِسُ به في السماوات ويقول في دعائه : اللّهمّ إن كانَ لي عندَك رضوانٌ وودٌ فاغفِر لي ولمَن تَبِعَني مِن إخواني وشيعتي وطيِّب ما في صُلْبي، فركّب اللّهُ في صلبِه نطفةٌ مباركةٌ طَيبةٌ زكيّة.(1)
{60}
[189] روى الصدوق بإسناده عن الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن جدّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال لأُبيّ بن كعب کلاماً مبسوطاً في شأن الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) إلى أن قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :
وأخبرني جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنّ اللّه تبارك وتعالى طيِّبَ هذه النطفة وسمّاها
ص: 186
عنده جعفراً وجعلَه هادياً مهديّاً وراضياً مرضيّاً يدعو ربَّه فيقول في دعائه : يا دیّانُ غيرُ متوان، يا أرحمَ الراحمين، إجعل لشيعتي من النار وقاءاً ولهم عندك رضاءاً [رضواناً خ ل] واغفر ذنوبَهم ويَسِّر أُمورَهم واقضِ ديونَهم واستُرْ عوراتهم وهَبْ لهم الكبائر الّتي بينَك وبينَهم، يا مَن لا يخاف الضيمَ ولا تأخذه سنِةٌ ولا نومٌ إجعل لي من كلِّ همّ وغمّ فرجاً.
ومَن دعا بهذا الدعاء حشره اللّه عزّوجلّ أبيض الوجه مع جعفر بن محمّد إلى الجنّة.(1)
{61}
[190] روى الصدوق بإسناده عن الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن جدّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال : (بعد كلامه في شأن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأُبيّ بن كعب:
يا أُبيّ وأّن اللّه تبارك وتعالی رکّبَ على هذه النطفة نطفةً زكيّةً مباركةً طيّبةً أنزلَ عليها الرحمةَ وسمّاها عنده موسى (وجعله إماماً]
قال له أُبيّ : یا رسولَ اللّه كلُّهم يتواصَفون ويتناسلون ويتوارثون ويصف بعضهم بعضا؟
قال : وصفهم لي جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن ربّ العالمین جلّ جلاله.
فقال : فهل لموسى من دعوة يَدْعو بها سوى دعاء آبائه؟
قال : نعم يقول في دعائه : «يا خالقَ الخلقِ، ويا باسطَ الرزق، ويا فالقَ الحبّ [والنَوى] ویا باریء النَسَم، ومحيي الموتى، ومُميت الأحياء، ويا دائمَ
ص: 187
الثبات، ومخرج النبات، إفعل بي ما أنت أهله.
مَن دعا بهذا الدُعاء قضى اللّهُ عزّوجلّ حوائجَه، وحشره يوم القيامة مع موسی بن جعفر.(1)
{62}
[191] عن الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : دخلت على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعنده أُبيّ بن كعب... (وساق الحديث في شأن الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) إلى الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال : وإنّ اللّه تبارك وتعالى رکّب في صلبه(2) نطفةً [مباركةً ] طيّبةً زكيّةً مرضيّةً وسمّاها عنده عليّاً، يكون للّه عزّ وجلّ في خَلْقه رضيّاً في علمه و حكمه ويجعله حجّةً لشيعتِه يحتجّون به يومَ القيامة.
وله دعاء يدعو به : «اللّهمّ أعطني الهدى وثبّتني عليه، واحشرني عليه آمنا أمناً مَن لا خوف عليه ولا حزن و لا جزع إنك أهل التقوى وأهل المغفرة».(3)
{63}
[192] روي أنّ الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) سمع عن جدّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )كلاماً مبسوطاً في شأن الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) قاله لأُبيّ بن كعب وساق الكلام إلى أنّ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : وإنّ اللّه عزّوجلّ ركّب في صلبه(4) نطفة مباركة طيّبة زكيّة مرضيّة، وسمّاها عنده
ص: 188
محمّد بن عليّ، فهو شفيع شیعته و وارث علم جدّه ، له علامة بيّنة وحجّة ظاهرة، إذا ولد يقول : لا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، ويقول في دعائه :
يا مَن لا شبيه له ولا مثال أنت اللّه لا إله إلّا أنت ولا خالق إلا أنت ، تفني المخلوقين وتبقى أنت ، حلمت عمَّن عصاك وفي المغفرة رضاك.
من دعا بهذا الدعاء كان محمّد بن عليّ شفيعه يوم القيامة.(1)
{64}
[193 ] روي عن الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يعلم أنّه روى عن جدّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) کلاماً مبسوطاً في شأن الأئمّة وصفاتهم وأدعيتهم (2)، وفيه :
وإنّ اللّه تبارك وتعالى رکّب في صلبه(3) نطفة لا باغية ولا طاغية، بارّة مباركة طيّبة طاهرة سمّاها عنده عليّ بن محمّد، فألبسها السكينة والوقار ، وأودعها العلوم وكل سرّ مکتوم، من لقيه و في صدره شيء أنبأه به، وحذّره من عدوّه، ويقول في دعائه :
یا نورُ یا بُرهان ، یا مُنیر یا مُبین، یا ربّ اكفني شرّ الشرور وآفات الدهور، وأسألك النجاة يوم ينفخ في الصور،
من دعا بهذا الدعاء كان عليّ بن محمّد شفیعه وقائده إلى الجنّة.(4)
ص: 189
{65}
[194] روي عن الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : دخلتُ على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعنده أُبيّ بن كعب (فساق الكلام في شأن الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) وصفاتهم وأدعيتهم إلى أن قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :):
وإنّ اللّه تبارك وتعالى رکّب في صُلبِه(1) نطفةً وسمّاها عنده الحسنَ بنَ علي فجعله نوراً في بلاده، وخليفةً في أرضه ، وعزّاً لأُمّة جدّه، وهادياً لشيعته ، وشفيعاً لهم عند ربّه، ونقمةً على مَن خالفه، وحجّةً لمن والاه، وبرهاناً لمَن اتّخذه إماماً، يقول في دعائه :
یا عزيز العزّ في عزّه، یا عزيز أعزّني بعزّتك، وأیِّدني بنصرك، وأبعد عنّي همزات الشياطين، وادفع عنّي بدفعك، وامنع عنّي بمنعك، واجعلني من خيار خلقك، يا واحد یا أحد، یا فردُ یا صمد.
مَن دعا بهذا الدعاء حَشَره اللّه عزّوجَلّ معه ونجّاه من النار ولو وجبت عليه.(2)
ص: 190
ص: 191
{1}
[195] قال محمّد بن بحر الرهني(1) في نحل العرب من قول مفضّلي الأنبياء والحجج على الملائكة : فقد روي لنا أنّ حبیب بن مظاهر الأسدي - بيّض اللّه وجهه - أنّه قال للحسين بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ): أيّ شيء كنتم قبل أن يخلق اللّه عزّوجلّ آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟ قال : كنّا أشباح نور تدور حول عرش الرحمن ، فتعلّم للملائكة التسبيح والتهليل والتحميد.(2)
{2}
[196] عن موسى بن عبد ربّه قال : سمعت الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول في مسجد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وذلك في حياة أبيه علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : أوّل ما خلق اللّه عزّوجلّ حجبه، فكتب على حواشيها: لا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه عليّ وصيّه ، ثمّ خلق العرش فكتب على أركانه : لا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه عليّ وصيّه؛ ثمّ خلق الأرضين فكتب على أطوارها: لا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه عليّ وصيّه ؛ ثمّ خلق اللوح فكتب على حدوده: لا إله إلّا اللّه
ص: 192
محمّد رسول اللّه عليّ وصيّه ؛ فمن زعم أنّه يحب النبيّ ولا يحبّ الوصيّ فقد كذب، ومن زعم أنّه يعرف النبيّ ولا يعرف الوصيّ فقد کفر؛ ثمّ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ألا إنّ أهل بيتي أمان لكم فأحبوهم بحبّي، وتمسّكوا بهم لن تضلّوا ؛ قيل : فمن أهل بيتك يا نبيّ اللّه؟ قال: علي وسبطان وتسعة من ولد الحسين ، أئمّة أبرار أمناء معصومون، ألا إنهم أهل بيتي وعترتي من لحمي ودمي.(1)
بیان : الأطوار : الأفنية والحدود والجبال ؛ وفي بعض النسخ بالدال أي : جبالها.
{3}
[197] عن الحسين بن علي قال : كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أحسنَ ما خلقَ اللّه خلقاً.(2)
{4}
[198] حدّثني زيد بن علي، عن أبيه، عن جدّه الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : بينما عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بين أظهركم بالكوفة وهو يُحاربُ معاويةَ بن أبي سفيان في صحن مسجدکم هذا محتبياً بحمائل سيفه، وحَوله الناس مُحْدَقون به وأقرب الناس منه أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والتابعون يلونَهم إذ قال له رجلٌ من أصحابه : يا أمير المؤمنين صف لنا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كأنّا ننظر إليه فإنك أحفظ لذلك منّا.
قال : فصوب رأسه ورقّ لذكر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) واغرورقت عيناه، ثمّ رفع
ص: 193
رأسه ثمّ قال :
نعم، كان رسول اللّه أبيض اللون مشرباً بحمرة، أدعج العينين، سبط الشعر ، دقيق العرنين.(1)
{6}
[200] أعطى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عليّاً خاتماً لينقش عليه «محمّد بن عبداللّه» فأخذه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأعطاه النقّاش، فقال له : انقش عليه «محمّد بن عبداللّه» فنقش النقاش فأخطأت يده فنقش عليه «محمّد رسول اللّه» فجاء أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : ما فعل الخاتم؟ فقال : هوذا، فأخذه ونظر إلى نقشه فقال : ما أمرتك بهذا، قال : صدقت ولكن يدي أخطأت ، فجاء به إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : يا رسول اللّه ما نقش النقّاش ما أمرت به وذكر أن يده أخطأت ، فأخذ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ونظر إليه فقال : يا علىّ أنا محمّد بن عبداللّه وأنا محمّد رسول اللّه، وتختم به ، فلمّا أصبح النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فجاء جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا جبرئيل كان كذا وكذا، فقال : يا محمّد كتبت
ص: 194
ما أردت وكتبنا ما أردنا.(1)
{5}
[199] قال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سألت أبي عن مدخل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كان دخوله لنفسه مأذوناً له في ذلك، فإذا أوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء، جزء للّه تعالى، وجزء لأهله، وجزء لنفسه ، ثمّ جزّا جزءه بينه وبين الناس فيرد ذلك بالخاصة على العامة، ولا يدّخر عنهم منه شيئاً، وكان من سيرته في جزء الأُمّة ایثار أهل الفضل بإذنه ، وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذوالحاجة ومنهم ذوالحاجتين ومنهم ذوالحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم وأصلح الأُمّة من مسألته عنهم وبإخبارهم بالّذي ينبغي ويقول : ليبلغ الشاهد منكم الغائب و أبلغوني حاجة من لا يقدر على إبلاغ حاجته، فإنّه من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يقدر على إبلاغها ثبت اللّه قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلّا ذلك ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون رواّداً ولا يفترقون إلّا عن ذواق ويخرجون أذلّة.
فسألته عن مخرج رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كيف كان يصنع فيه؟
فقال : كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يخزن لسانه إلّا عمّا يعنيه ، ويؤلّفهم ولا ينفّرهم ، ویکرم کریم کلّ قوم ويولّيه عليهم ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي
ص: 195
عن أحد بشره ولا خلقه ويتفقّد أصحابه ويسأل الناس عمّا في الناس ويحسّن الحسن ويقوّيه ويقبح القبيح ويهوّنه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملّوا ولا يقصر عن الحق ولا يجوزه، الّذين يلونه من الناس خيارهم، وأفضلهم عنده أعمّهم نصيحة للمسلمين، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة وموازرة.
قال : فسألته عن مجلسه فقال : كان (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يجلس ولا يقوم إلّا على ذكر ولا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك ويعطي كلّ جلسائه نصيبه حتّى لا يحسب أحد من جلسائه أن أحداً أكرم عليه منه، من جالسه صابره حتّى يكون هو المنصرف عنه، من سأله حاجة لم يرجع إلّا بها أو بمیسور من القول، قد وسع الناس منه خلقه وصار لهم أبأ رحيماً وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم و حیاء و صدق وأمانة لاترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحرم ولا تنشی فلتاته، متعادلین متواصلين فيه بالتقوى، متواضعين يوقّرون الكبير ويرحمون الصغير ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب.
فقلت : كيف كان سيرته في جلسائه ، فقال : كان دائم البشر، سهل الخلق ، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولاصخّاب، ولا فحّاش، ولاعيّاب ، ولا مزّاح، ولا مداح، يتغافل عمّا لا يشتهي، فلا يؤيس منه ولا يخيب فيه مؤمّليه ، قد ترك نفسه من ثلاث : المراء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث : كان لا يذمّ أحداً ولا يعيّره ولا يطلب عثراته ولا عورته ولا يتكلّم إلّا فيما رجا ثوابه.
إذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلّموا ولا يتنازعون عنده حديث أوّلهم، يضحك مما يضحكون منه ، ويتعجب مما يتعجّبون منه ، ويصبر للغريب على الجفوة في المسألة والمنطق حتّى أن كان
ص: 196
أصحابه ليستجلبونهم ويقول: إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فارفدوه، ولا يقبل الثناء إلّا من مكافىء ولا يقطع على أحد كلامه حتّى يجوزه فيقطعه بنهي أو قيام.
قال : فسألته عن سکوت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كان سكوته على أربع : الحلم، والحذر، والتقدير ، والتفكّر، فأمّا التقدير ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس، وأمّا تفكّره ففيما يبقى أو يفنی، وجمع له الحلم في الصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزّه، وجمع له الحذر في أربع : أخذه بالحسن ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهي عنه، واجتهاده الرأي في إصلاح أمّته ، والقيام فيماجمع لهم من خير الدنيا والآخرة، صلوات اللّه عليه وآله الطاهرين.(1)
{7}
[201] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ما من قوم كانت لهم مَشوَرَة فحضر معهم من اسمه محمّد أو أحمد فأدخلوه في مشوَرتهم إلّا خِيْرَ لهم.(2)
{8}
[202] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ما من مائدة وُضِعَت، فقعد عليها من إسمُهُ
ص: 197
أحمد أو محمّد إلّا قُدِّسَ ذلك المنزل في كلّ يوم مرتّين.(1)
{9}
[203] عن الرضا علي بن موسى قال : حدّثني أبي موسی بن جعفر العبد الصالح قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد الصادق قال : حدّثني أبي محمّد بن علي الباقر قال : حدّثني أبي علي بن الحسین زین العابدين قال : حدّثني أبي الحسين بن علي الشهيد قال: حدّثني أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إذا أتاه أمر يسره قال : الحمد للّه الّذي بنعمته تتمّ الصالحات ، وإذا أتاه أمر يكرهه قال : الحمد للّه على كلّ حال.(2)
ص: 198
{10}
[204] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ضَعُفْتُ عن الصلاة والجماع، فنزل عليّ قِدْر من السماء فأكلت منه، فزاد في قوتي قوّة أربعين رجلاً في البطش والجماع.(1)
{11}
[205] عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا، حدّثني أبي موسی بن جعفر، حدّثني أبي جعفر بن محمّد، حدّثني أبي محمّد بن علي، حدّثني أبي علي بن الحسین، حدّثني أبي الحسين بن علي، حدّثني أبي علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إذا كان يوم القيامة نوديت من بطنان العرش یا محمّد نعم الأب أبوك إبراهيم الخليل ونعم الأخ أخوك عليّ بن أبي طالب.(2)
ص: 199
{12}
[206] عن الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ رجلاً جاء إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : يا رسول اللّه إنّي قدمت من سفر لي، فبينما بنيّة خماسية تدرج حولي في حليّها فأخذت بيدها وانطلقتُ بها إلى وادي فلان فطرحتها فيه ، فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : انطلق معي فأرني الوادي، فانطلق معه فأراه الوادي، فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لأُمّها : ما كان اسمها؟ قالت : فلانة، فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا فلانة أجيبيني بإذن اللّه، فخرجت الصبية وهي تقول : لبيّك يا رسول اللّه وسعديك ، فقال لها : إنّ أبويك قد أساءا فإن أحببت أن أردك عليهما؟ فقالت : يا رسول اللّه لا حاجة لي فيهما وجدت اللّه خيراً لي منهما.(1)
{13}
[207] عن عليّ بن الحسين عن أبيه قال : إنّ أعرابيّاً كان له على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) موعد فقدِم عليه مع أُناس فقالوا : إن شئت أن تبصر رجالنا ونذهب فنكفيك وإن شئت أن تذهب ، فذهب هو فجاء إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : موعدي ، فقال : نعم سل ماشئتَ فسأله غَنَماً وإبلاً فأعطاه ما سأله ، فلمّا أدبر قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ما ضرّ هذا لو قال كما قالت عجوز بني إسرائيل، قال موسی (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مَن يدلّني على قبر أخي يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، قالوا : مايعلم أحدٌ بذلك إلّا فلانة العجوز، فذهب إليها فقال : دلّني على قبر أخي يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، قالت : لا أدلّك إلّا أن تعطيني ما أسألك، فقال
ص: 200
موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وماتسألني؟ قالت : أسألك أن أكونَ رفيقَك في الجنة، فقال موسی (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وما ضرّني أن يجعلَك اللّه عزّوجلّ معي حيثما كنت، ما ضرّ هذا لو قال مثلَما قالت عجوز بني إسرائيل.(1)
{14}
[208] وضع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يده على صلبي فقال : يا حسين يخرج من صلبك رجل يقال له زيد يُقتَل شهيداً، فإذا كان يوم القيامة يتخطّى هو وأصحابه رقاب الناس، ويدخل الجنّة، فأحببتُ أن أكون كما وصفني
رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(2)
ص: 201
{15}
[209] وضع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يده على كتفي، وقال : يا حسين يخرج من صلبك رجلٌ يقال له زيد يُقتَل مظلوماً إذا كان يوم القيامة حُشر وأصحابه إلى الجنّة.(1)
{16}
[210] عن الحسین بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال : لمّا جاءت الأنصار تبایع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على العقبة ، قال : قم يا علي.
فقال عليّ : على ما أُبايعهم یا رسول اللّه؟
قال : على أن يطاع اللّه فلا يُعصى، وعلى أن يمنعوا رسول اللّه وأهل بيته وذرّيته ممّا يمنعون منه أنفسهم وذراريهم.(2)
مجمع الزوائد: ج6 ص49.
ص: 202
{17}
[211] روى الطبراني عن الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : لمّا جرّد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حمزة بکی، فلمّا رأى مثاله شهق.(1)
{18}
[212] لمّا تُوفي القاسم ابنُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قالت خدیجةُ : یا رسولَ اللّه ! درّتْ لُبَيْتَهُ القاسم. فلو كان اللّه أبقاه حتّى يَسْتكمِلَ رِضاعه. فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «إنّ إتمام رضاعه في الجنّة» قالت : لو أعلم ذلك يا رسولَ اللّه ! لهونّ على أمره. فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «إنْ شئت دعوتُ اللّه تعالى فأسمعكِ صوته» قالت : يا رسول اللّه ! بل أُصدّق اللّه ورسوله.(2)
{19}
[213] من عرف حقّ أبويه الأفضلين محمّد و عليّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) و أطاعهما حقّ طاعتهما، قيل له : تبحبح في أيّ الجنان شئت.(3)
ص: 203
{20}
[214] لما كان قبلَ وفاة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ثلاثة أيّام هبط علیه جبرائیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا أحمد(1) إن اللّه أرسلني إليك إكراماً و تفضيلاً لك وخاصّةً يسألك عمّا هو أعلم به منك، يقول : كيف تجدك يا محمّد؟ قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أجِدُني یا جبرائیلُ مغموماً، وأجدُني یا جبرائیل مکروباً، فلمّا كان اليوم الثالث هبط جبرائیلُ، وملك الموت (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ، ومعهما ملكٌ يقال له إسماعيل في الهواء على سبعين ألف ملك، فسبقهم(2) جبرائيل فقال : يا أحمد(3)، إنّ اللّه عزّ و جلّ أرسلني إليك إكراماً لك وتفضيلاً لك وخاصّة يسألك عمّا هو أعلم به منك ، فقال : كيف تجدك یا محمّد؟ قال : أجدُني یا جبرائیل مغموماً و أجدني یا جبرائیلُ مکروباً، فاستأذن ملك الموت، فقال جبرائیل : يا أحمد(4) هذا ملك الموت يستأذن عليك ، لم يستأذن على أحٍد قبلَك، ولا يستأذن على أحد بعدك ، قال : إئذن له، فأذن له جبرائیل، فأقبل حتّى وقف بين يديه، فقال يا أحمد(5) إنّ اللّه أرسلني إليك وأمرني أن أُطيعك فيما تأمرني، إن أمرتني بقبض نفسك قبضتها، وإن كرهت تركتها.
فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أتفعل ذلك يا ملك الموت؟
ص: 204
قال : نعم بذلك أُمِرْتُ أن أُطِيعك فيما تأمرني.
فقال له جبرئیل : يا أحمد إنّ اللّه تبارك وتعالى قد اشتاق إلى لقائك.
فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ملكَ الموت إمض لما أُمِرتَ به.
فقال جبرائيل : هذا أخرُ وطئتي الأرض، إنّما كنتُ حاجتي من الدنيا.
فلمّا توفّي رسولُ اللّه صلى اللّه على روحه الطيّب وعلى آله الطاهرين جاءت التعيةُ جاءهم آت يَسمَعون حسَّه ولا يرون شخصَه، فقال : السلامُ عليكم ورحمةُ اللّه وبركاته «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ» وإنّما تُوفّون أُجوركم يومَ القيامة إنّ في اللّه اللّه عزّوجلّ عزاءً من كلّ مصيبة، وخلفاً من كلّ هالك، ودركاً من كلّ ما فات، فباللّه فثِقوا وإيّاه فارجوا فإنّ المُصابَ مَن حُرِم الثواب ، والسلام علیکم ورحمة اللّه وبركاته..
قال عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هل تدرون مَن هذا؟ هذا هو الخضر (عَلَيهِ السَّلَامُ).(1)
ص: 205
{21}
[215] عن سنان بن أبي سنان، أنّه سمع حسين بن علي رضي اللّه عنه يحدث أنّ النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خبأ لابن صائد دخانا، فسأله عمّا خبأ له، فقال : دخ فقال : «اخسأ فلن تعدو قدرك» فلمّا ولّى قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ما قال؟ فقال بعضهم: دخ، وقال بعضهم : بل قال : زخ، فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : قد اختلفتم وأنا بين أظهركم فأنتم بعدي أشدّ اختلافا. (1)
عن الحسين بن علي رضي اللّه عنه أن رسول اللّه لما خبأ لابن صائد دخان سأله عما خبأ له، فقال : دخ، فقال : اخسأ فلن تعدو أجلك، فلمّا ولی رسول اللّه ، قال القوم: ماذا قال؟ قال بعضهم : دخ، وقال بعضهم : بل زح، فقال رسول اللّه
: هذا وأنتم معي تختلفون، فأنتم بعدي أشد اختلافا.(2)
ص: 206
{22}
[216] عن علي بن موسى الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : حدّثني أبي موسی بن جعفر قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد قال : حدّثني أبي محمّد بن علي قال : حدّثني أبي عليّ بن الحسين قال : حدّثني أبي الحسين بن علي قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة : المُكرِمُ لذُريّتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أُمورهم عندما اضطرّوا إليه، والمُحِبّ لهم بقلبه ولسانه.(1)
ص: 207
{23}
[217] قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لعليّ: بشّر شيعتك أنّي الشفيع لهم يوم القيامة وقت لا تنفع فيه إلّا شفاعتي.(1)
{24}
[218] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة اللّه ، وأخذتَ يا علي بحجزتي، وأخذ ولدك بحجزتك، وأخذ شيعةُ ولدكَ بحجزهم، فترى أين يؤمر بنا؟
قال أبو القاسم : سألت أبا العبّاس ثعلباً عن الحجزة، فقال : هو السبب.(2)
ص: 208
{25}
[219] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أتاني ملك فقال : يا محمّد إنّ ربّك يقرؤك السلام ويقول : إن شئت جعلت لك بطحاء مكّة ذهباً ، قال : فرفعت رأسي إلى السماء وقلت : ياربّ أشبع يوماً فأحمدك وأجوع يوماً فأسألك.(1)
ص: 209
ص: 210
ص: 211
{1}
[220] عن بشر بن غالب ، عن الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من أحبّنا للدنيا فإنّ صاحب الدنيا يُحبّه البِرّ والفاجر، ومن أحبّنا للّه كنّا نحن وهو يوم القيامة كهاتين، وأشار بإصبعيه السّبابة والوسطى.(1)
{2}
[221] من أحبّنا كان منّا أهل البيت. فقلت : منكم أهل البيت؟ فقال : منّا أهل البيت، حتّى قالها - ثلاثة. ثمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما سمعت قول العبد الصالح : «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي» (2).(3)
{3}
[222] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : من أحبّنا أهل البيت حشره اللّه تعالى آمناً يوم
ص: 212
القيامة.(1)
{4}
[223] قال أبو عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وفد إلى الحسين صلوات اللّه عليه وفد فقالوا: يابن رسول اللّه إنّ أصحابنا وفدوا إلى معاوية ووفدنا نحن إليك فقال : إذن أُجيزكم بأكثر ممّا يجيزهم، فقالوا : جعلنا فداك إنّما جئنا لديننا، قال : فطأطأ رأسه ونكت في الأرض وأطرق طويلاً ثمّ رفع رأسه فقال : قصيرة من طويلة، من أحبّنا لم يحبّنا لقرابة بيننا وبينه ولا لمعروف أسديناه إليه إنّما أحبّنا للّه ورسوله جاء معنا يوم القيامة كهاتين و قرن بین سبّابتيه.(2)
{5}
[224] عن بشر بن غالب، عن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لي: یا بشر بن غالب من أحبّنا لا يحبّنا إلّا للّه جئنا نحن وهو كهاتين - وقدّر بین سبّابتيه -
ص: 213
ومن أحبّنا لا يحبّنا إلّا للدنيا فإنّه إذا قام قائم العدل وسع عدله البرّ والفاجر.(1)
بیان : أي ينتفع من عدل الإمام في الدنيا.
{6}
[225] نقل المجلسي رحمة اللّه عليه عن كتاب المؤمن : بإسناده عن سعد بن طريف ، قال : كنت عند أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فجاء جميل الأزرق، فدخل عليه ، قال : فذكروا بلايا للشيعة وما يصيبهم، فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ أُناساً أتوا عليّ بن الحسین (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وعبداللّه بن عباس، فذكروا لهما نحو ماذكرتم، قال : فأتيا الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ، فذكروا له ذلك، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : واللّه البلاء والفقر والقتل أسرع إلى من أحبّنا من ركض البراذين، ومن السيل إلى صِمِره.
قلت : وما الصمر؟ قال : منتهاه، ولولا أن تكونوا كذلك لرأينا أنّكم لستم منّا.(2)
بیان : في القاموس، صمر الماء : جرى من حدور في مستوى فسكن، وهو جار والصمر بالكسر : مستقرُّه.(3)
ص: 214
زوّار أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)
{7}
[226] عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) - في حديث -:
إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بكى بكاءاً شديداً فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لم بكيت ؟ قال : أخبرني جبرئيل أنّكم قتلى ومصارعكم شتّى، فقال له: يا أبه، فما لمن يزور قبورنا على تشتّتها؟ فقال : يا بنيّ أُولئك طوائف من أُمّتي، يزورونكم يلتمسون بذلك البركة، وحقيق عليّ أن آتيهم يوم القيامة حتّى أُخلصهم من أهوال الساعة من ذنوبهم ويسكنهم اللّه الجنّة.(1)
{8}
[227] عن الربيع بن المنذر، عن أبيه، عن الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرةً، أو دمعت عيناه فينا دمعة، إلّا بوّأه اللّه بها في الجنّة حُقُباً.
قال أحمد بن يحيى الأودي : فرأيت الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) في المنام،
ص: 215
فقلت : حدّثني مخوّل بن إبراهيم، عن الربيع بن المنذر، عن أبيه، عنك أنّك قلت : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة، أو دمعت عيناه فينا دمعة إلّا بوّأه اللّه بها في الجنّة حُقُباً؟
قال : نعم. قلت : سقط الإسناد بيني وبينك.(1)
{9}
[228] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : حرّمت الجتة على من ظلم أهل بيتي ، وقاتلهم، والمعين عليهم، ومن سبّهم «أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»(2).(3)
ص: 216
{10}
[229] عن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلّا ببغضهم عليّاً ووُلده (عَلَيهِ السَّلَامُ).(1)
الصغرى، عن أبيها الحسين (رضي اللّه عنها وعنهم) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مَن سبّ أهل بيتي فأنا بريء منه [والإسلام].(1)
{13}
[232] عن زيد الشهيد.. قال : سمعت أخي الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : سمعت أبي زين العابدين يقول : سمعت أبي الحسين يقول : سمعت أبي علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) يقول : سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : نحن بنو عبدالمطّلب ما عادانا بيت إلّا وقد خرب، ولا عاوانا کلب إلّا وقد جرب، من لم يصدّق فليجرّب.
بیان : قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : بيت أي أهل بيت، وما عاوانا کلب أي عوى علينا، وایثار صيغة المفاعلة لإفادة المبالغة فإنّ الفعل متی غولب فيه بولغ فيه قطعاً، وعليه قوله تعالى : «يُخَادِعُونَ اللّهَ»(2) على ما قاله الزمخشري وغيره من المفسّرین، ومفاد المبالغة في الخبر: أنّ مضمونه مقصور على من تمادى في عنادهم ولجّ وأصرّ على خصامهم دون من وقع ذلك منه نادراً ثمّ تاب وأصلح، والكلب مستعار لمن هو في الخسّة بمثابته واللّه أعلم.(3)
ص: 218
{14}
[233] قال سيّدنا الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : من والانا فلرسول اللّه والي، ومن عادانا فلرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عادى.(1)
{15}
[234] عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : بينما الحسين بن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) في حجر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، إذ رفع رأسه فقال له: يا أبة ما لمن زارك بعد موتك ؟ فقال : يا بني من أتاني زائراً بعد موتي فله الجنّة، ومن أتى أباك زائراً بعد موته فله الجنّة، ومن أتى أخاك زائراً بعد موته فله الجنّة، ومن أتاك زائراً بعد موتك فله الجنّة.(2)
ص: 219
{16}
[235] عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : زارنا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقد أهدَتْ لنا أُمّ أيمَن لبناً وزبداً وتمراً فقدمناه فأكل منه ، ثمّ قام النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى زاوية البيت فصلّی رکعات، فلمّا كان في آخر سجوده بكی بكاءاً شديداً، فلم يسأله أحد منّا إجلالاً له، فقام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقعد في حجره وقال له : يا أبت لقد دخلتَ بيتَنا فما سُرِرْنا بشيءٍ كسرورِنا بدخولِك ثمّ بكيتَ بكاءاً غمّنا فلِمَ بكيتَ ؟
فقال : يا بنيّ أتاني جبرائیلُ آنفاً فأخبرني أنّكم قَتْلى وأنّ مصرعَكم شتّي.
فقال : يا أبتِ فما لِمَن يزورُ قبورنَا على تشتّتها؟
فقال : يا بُنيّ أُولئك طوائفُ من أُمّتي يزورونكم يلتمسون بذلك البركة ، وحقيقٌ عليّ أن آتَيهم يومَ القيامة حتّى أُخلّصَهم من أهوالِ الساعة من ذنوبهم ويُسكِنُهم اللّه الجنّة .(1)
{17}
[236] عن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : زارنا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فعملنا له حريرة، وأهدت لنا أُمّ أيمن قعباً من لبن وزبداً وصحفة من تمر، فأكل النبيّ
ص: 220
وأكلنا معه، ثمّ توضّأ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقام واستقبل القبلة فدعا اللّه ماشاء، ثمّ أكبّ على الأرض بدموع غزيرة مثل المَطر فهِبْنا رسول اللّه أن نسأله ، فوثب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا أبتا رأيتك تصنع ما لم أرك تصنع مثله ، فقال : يا بنيّ سُرِرتُ بكم اليوم سروراً لم أسُرَّ بكم مثله ، وإنّ حبيبي جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) أتاني فأخبرني أنّكم قتلى وأنّ مصارعكم شتّى، فدعوت اللّه لكم وأحزنني ذلك.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : یا رسول اللّه فمن يزورنا على تشتّتنا ويتعاهد قبورنا؟
قال : طائفة من أُمّتي يريدون برّي وصلتي، فإذا كان يوم القيامة شَهِدتُها بالموقف وأخذتُ بأعضادها فأنجيتها واللّه من أهواله و شدائده.(1)
{18}
[237] روى الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا أبتاه ما جزاء من زارك؟ فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : من زارني حيّاً أو ميّتاً أو زار أباك أو زار أخاك أو زارك كان حقّاً عليّ أنْ أزوره يوم القيامة فأُخلّصه ذنوبه.(2)
ص: 221
{19}
[238] عن عبداللّه بن محمّد الصنعاني، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إذا دخل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) جذبه إليه، ثمّ يقول لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أمسكه، ثمّ يقع عليه فيقبّله ويبكي ويقول : يا أبه لِمَ تبكي؟
فيقول : يا بنيّ أُقبّل موضع السيوف منك.
قال : يا أبه وأُقتُل؟
قال : إي واللّه و أبوكَ وأخوكَ وأنت.
قال : يا أبه فمصارعنا شتّى؟
قال : نعم يا بنيّ.
قال : فمن يزورنا من أُمّتك؟
قال : لا يزورني ويزور أباك وأخاك وأنت إلّا الصدّيقون من أُمّتي.(1)
{20}
[239] عن عليّ بن شعيب، عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : بينا الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قاعد في حجر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ذات يوم إذ رفع رأسه إليه فقال : يا أبه.
ص: 222
قال : لبيّك يابنيّ.
قال : ما لمن أتاك بعد وفاتك زائراً لا يريد إلّا زيارتك؟
قال : يا بنيّ من أتاني بعد وفاتي زائراً لا يريد إلّا زيارتي فله الجنّة، ومن أتى أخاك بعد وفاته زائراً لا يريد إلّا زیارته فله الجنّة، ومن أتاك بعد وفاتك زائراً لا يريد إلّا زيارتك فله الجنّة.(1)
{21}
[240] عن الحسين بن سعيد قال : سمعتُ جعفر بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يحدّث عن أبيه، عن جدّه يرفعه إلى الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال : قلت يا رسول اللّه ما لمن زارك ميّتاً؟
فقال : من زارني ميّتاً أو زار أباك أو زارك أو واحداً من ذرّيتي زرته في الموقف حتى أُخلّصه من شدائد يوم القيامة.(2)
ص: 223
ص: 224
ص: 225
{1}
[241] عن عليّ بن موسى، قال: حدّثني موسی بن جعفر، حدّثني أبي جعفر بن محمّد، حدّثني أبي محمّد بن علي ، حدّثني أبي علي بن الحسين ، حدّثني أبي الحسين بن علي، حدّثني أبي علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّما سمّيت إبنتي - فاطمة - لأنّ اللّه عزّوجلّ فطمها وفطم مَن أحبّها من النار، وقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّ اللّه عزّوجلّ يغضب لغضب فاطمة ، ويرضى لرضاها.(1)
{2}
[242] إنّ فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) استأذن عليها أعمى فحجبته ، فقال لها النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : لِمَ حجبتيه وهو لا يراك ؟ فقالت : يا رسول اللّه إن لم يكن يراني فأنا أراه، وهو يشمُّ الريح، فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أشهد أنّك بضعة منّي.(2)
ص: 226
{3}
[243] فاطمة بنت الحسين ، عن أبيها، عن أخيه الحسن، قال : رأيتُ أُمّي فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) قامت في محرابها ليلة جمعة فلم تزل راكعة وساجدة حتّى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسمّيهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أُمّاه لِمَ لاتدعين لنفسك كما تدعين الغيرك؟
قالت : يابنيّ الجار ثمّ الدار.(1)
{4}
[26] قال : حدّثنا علي بن موسی الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : حدّثني أبي، عن أبيه ، عن جدّه، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :
قالت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) يوماً لي: أنا أحب إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) منکم، فقلت : لا بل أنا أحب، فقال الحسن : لا بل أنا، وقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا بل أنا أحبّكم إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، ودخل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : يا بنيّة فيم أنتم؟ فأخبرناه ، فأخذ فاطمة فاحتضنها وقبّل فاها وضمّ عليّاً وقبّل بين عينيه ، أجلس الحسن على فخذه الأيمن والحسين على فخذه الأيسر وقبّلهما وقال : أنتم أولى بي في الدنيا والآخرة، والى اللّه من والاكم وعاد من عاداکم، أنتم منّي وأنا منكم، والّذي نفسي بيده لا يتوالاكم عبد في الدنيا إلّا كان اللّه عزّوجلّ وليّه في
ص: 227
الدنيا والآخرة.(1)
{5}
[245] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أتاني ملك ، فقال : يا محمّد! إنّ اللّه يقرأ عليك السلام، ويقول : قد زوّجتُ فاطمة من عليّ فزوِّجها منه ، وقد أمرتُ شجرة طوبى أن تحمل الدرّ والياقوت والمرجان، وإنّ أهل السماء قد فرحوا بذلك وسيولد لهما ولدان سیّدا شباب أهل الجنّة، فأبشر يا محمّد! فإنّك خير الأولين والآخرين.(2)
ص: 228
{6}
[246] قال الحسين بن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ)في خبر : زوّج النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فاطمة عليّاً على أربعمائة وثمانين درهماً.(1)
{7}
[247] عن علي بن الحسين، عن أبيه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لمّا مرِضَتْ فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وصّت إلى عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يكتم أمرها ويخفي خبرها ولا يؤذن أحداً بمرضها، ففعل ذلك، وكان يمرّضها بنفسه وتعينه على ذلك أسماء بنت عمیس رحمها اللّه، على استسرار بذلك كما وصَّتْ به ، فلمّا حضرتها الوفاة وصّت أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يتولّى أمرها، ويدفنا ليلاً ويعفي قبرها، فتولّی ذلك أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) ودفنها، وعفي موضع قبرها.
فلما نفض يده من تراب القبر، هاج به الحزن، فأرسل دموعه على خدّيه وحوّل وجهه إلى قبر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال :
السلام عليك يا رسول اللّه، السلام عليك من ابنتك و حبيبتك، وقرّة عينك
ص: 229
وزائرتك، والبائنة في الثرى بقيعك، المختار اللّه لها سرعة اللحاق بك، قلَّ یا رسول اللّه عن صفيّتك صبري، وضعف عن سيّدة النساء تجلّدي، إلّا أنّ في التأسّي لي بسنّتك، والحزن الّذي حلّ بي لفراقك، موضع التعزّي، ولقد وسّدتك في ملحود قبرك، بعد أن فاضت نفسك على صدري، وغمّضتك بیدي، وتولّيت أمرك بنفسي.
نعم، وفي كتاب اللّه أنعم القبول، «إنَّا لِلّهِ وَإنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون»(1) قد استُرجعت الوديعة، وأُخذت الرهينة، واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء یا رسول اللّه.
أمّا حزني فسرمد، وأمّا ليلي فمسهّد، لا يبرح الحزن من قلبي أو يختار اللّه لي دارك الّتي فيها أنت مقيم، کمد مقيَّح، وهمّ مهیّج، سرعان ما فرّق اللّه بيننا، وإلى اللّه أشكو، وستنبّئك ابنتك بتظاهر أُمّتك علىّ، وعلى هضمها حقّها، فاستخبرها الحال فكم من غلیل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثّه سبيلاً، وستقول ويحكم اللّه وهو خير الحاکمین.
سلام عليك يا رسول اللّه سلام مودّع لا سئم، ولا قال، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظنّي بما وعد اللّه الصابرين ، الصبر أيمن وأجمل ولولا غلبة المستولين علينا، لجعلت المقام عند قبرك لزاماً، والتلبّث عنده معكوفاً، ولاعولت إعوال الثكلى على جليل الرزيّة. فبعين اللّه تدفن بنتك سرّاً ويهتضم حقّها قهراً، ويمنع إرثها جهراً، ولم يطل العهد، ولم يخلق منك الذكر ، فإلى اللّه یارسول اللّه المشتکی، و فيك أجمل العزاء، فصلوات اللّه عليها وعليك
ص: 230
ورحمة اللّه وبركاته.(1)
{8}
[248] قال الإربلي : فلمّا توفّيت فاطمة الزهراء دخل الحسن والحسين فقالا : يا أسماء ما ينيم أمَّنا في هذه الساعة؟
قالت : يابنَيْ رسول اللّه ليست أُمّكما نائمةً قد فارقَت الدنيا، فوقع عليها الحسنُ يقبّلها مرّة ويقول : يا أُمّاه كلّميني قبل أن تفارَق روحي بدني.
قال : وأقبل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقبّل رجلها ويقول : يا أُمّاه أنا ابنك الحسين كلّميني قبل أن ينصدع قلبي فأموت.
قالت لهما أسماء : یابنَيْ رسول اللّه إنطلقا إلى أبيكما عليّ فأخبراه بموت أُمّكما، فخرجا حتّى إذا كانا قربَ المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء، فابتدرهم جميع الصحابة فقالوا : مایُبکیکما یابنَيْ رسول اللّه، لا أبكى اللّه أعينَكما؟ لعلّكما نظر تما إلى موقف جدّكما (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فبكيتماشوقاً إليه؟
فقال : لا أو ليس قد ماتت أُمّنا فاطمة صلوات اللّه عليها؟
قال : فوقع عليّ على وجهه يقول: «يمن العزاء يا بنت محمّد»؟(2)
ص: 231
{9}
[249] عن أبي عبداللّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) غسّل فاطمة (عَلَيهِ السَّلَامُ) الّتي ثلاثاً وخمساً، وجعل في الغسلة الخامسة - الآخرة - شيئاً من الكافور، وأشعرها مئزراً سابغاً دون الكفن، وكان هو الّذي يلي ذلك منها وهو يقول: اللّهمّ إنّها أمتك، وبنت رسولك وصفيّك و خيرتك من خلقك ، اللّهمّ لقّنها حجّتها وأعظم برهانها واعل درجتها، واجمع بينها وبين أبيها محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(1)
{10}
[250] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : تحشر ابنتي فاطمة ومعها ثياب مصبوغة بدم، فتعلّق بقائمة من قوائم العرش وتقول : ياعدل يا جبّار! احكم بيني وبين قاتل ولدي ! قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : فيحكم لابنتي وربّ الكعبة. (2)
ص: 232
{11}
[251] قال رسول اللّه : تُحشر ابنتي فاطمة، عليها حلّة الكرامة قد عجینت بماء الحيوان، فتنظر إليها الخلائق فيتعجّبون منها، ثمّ تكسي أيضاً حلّة من حلل الجنّة - وهي ألف حلّة - مكتوب على كلّ حلّة بخطّ أخضر : ادخلوا ابنة محمّد الجنّة، على أحسن الصورة، وأحسن الكرامة، وأحسن المنظر ، فتزف إلى الجنّة كما تزف العروس، ويوكل بها سبعون ألف جارية.(1)
ص: 233
{12}
[252] قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : دخل رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ذاتَ يوم على فاطمة (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهي حزينة ، فقال لها : ما حزنك يا بنية؟ قالت : يا أبه ذکرت المحشر ووقوف الناس عراة يوم القيامة. قال : يا بنية إنه ليوم عظيم ولكن قد أخبرني جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن اللّه عزّوجلّ أنه قال : أوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة أنا ثمّ أبي إبراهيم ثمّ بعلك علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ يبعث اللّه إليك جبرئيل في سبعين ألف ملك فيضرب على قبرك سبع قباب من نور ثمّ يأتيك إسرافيل بثلاث حلل من نور فيقف عند رأسك فيناديك : يا فاطمة ابنة محمّد قومي إلى محشرك فتقومين آمنة روعتك مستورة عورتك فينا ولك إسرافيل الحلل فتلبسينها ويأتيك روفائيل بنجيبة من نور زمامها من لؤلؤ رطب عليها محفة من ذهب فتركبينها ويقود روفائيل بزمامها وبين يديك سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التسبيح فإذا جد بك السير استقبلتك سبعون ألف حوراء يستبشرون بالنظر إليك بيد كلّ واحدة منهم مجمرة من نور يسطع منها ريح العود من غير نار، وعليهم أكاليل الجوهر مرصع بالزبرجد الأخضر فيسرن عن يمينك ، فإذا مثل الّذي سرتُ من قبرك إلى أن لقيتك استقبلتك مریم بنت عمران في مثل من معك من الحور فتسلم عليك وتسير هي ومن معها عن يسارك، ثمّ استقبلتك أُمّك خديجة بنت خويلد أوّل المؤمنات باللّه ورسوله ومعها سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التكبير فإذا قربت من الجمع استقبلتك حوّاء في سبعين ألف حوراء ومعها آسية بنت مزاحم فتسير هي ومن معها معك فإذا توسّطت الجمع وذلك أنّ اللّه يجمع الخلائق في صعيد واحد فيستوي بهم الأقدام.
ص: 234
ثم ينادي مناد من تحت العرش يسمع الخلائق : غضّوا أبصاركم حتّى تجوز فاطمة الصديقة ابنة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ومن معها. فلا ينظر إليك يومئذ إلّا إبراهيم خلیل الرحمان صلوات اللّه وسلامه عليه وعلي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، ويطلب آدم حوّاء فيراها مع أُمّك خديجة أمامك ثمّ ينصب لك منبر من نور فيه سبع مراق بين المرقاة إلى المرقاة صفوف الملائكة بأيديهم ألوية النور، وتصطف الحور العين عن يمين المنبر وعن يساره، وأقرب النساء منك عن يسارك حوّاء وآسية بنت مزاحم، فإذا صرت في أعلا المنبر أتاك جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيقول لك : یا فاطمة سلي حاجتك، فتقولين : یارب أرني الحسن والحسين فيأتيانك و أوداج الحسین تشخب دما وهو يقول : يا ربّ خذ لي حقي ممّن ظلمني، فيغضب عند ذلك الجليل ويغضب لغضبه جهنّم والملائكة أجمعون فتز فر جهنم عند ذلك زفرة ثمّ يخرج فوج من النار فيلتقط قتلة الحسين وأبناءهم وأبناء أبنائهم يقولون: ياربّ إنّا لم نحضر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيقول اللّه لزبانية جهنّم : خذوهم بسيماهم بزرقة الأعين وسواد الوجوه، خذوا بنواصيهم فألقوهم في الدرك الأسفل من النار فإنّهم كانوا أشدّ على أولياء الحسين من آبائهم الّذين حاربوا الحسين فقتلوه، فيسمع شهيقهم في جهنّم.
ثم يقول جبرائيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا فاطمة سلي حاجتك؟ فتقولين : یاربّ شيعتي، فيقول اللّه : قد غفرت لهم، فتقولي : ياربّ شيعة ولدي ، فيقول اللّه : قد غفرت لهم، فتقولين : یارب شيعة شيعتي، فيقول اللّه : انطلقي فمن اعتصم بك فهو معك في الجنّة، فعند ذلك يودّ الخلائق أنّهم كانوا فاطميّين، فتسیرین و معك شيعتك و شيعة ولدك وشيعة أمير المؤمنین آمنة روعاتهم مستورة عوراتهم قد ذهبت عنهم الشدائد وسهّلت لهم الموارد، يخاف الناس وهم لا يخافون ويظمأ الناس وهم لا يظمأون فإذا بلغت باب الجنّة تلقتك اثني عشر ألف حوراء
ص: 235
لم يتلقّين أحداً كان قبلك ولا يتلقّين أحداً كان بعدك، بأيديهم حراب من نور على نجائب من نور رحائلها من الذهب الأصفر والياقوت، أزمتها من لؤلؤ رطب ، على كلّ نجيبة نمرقة من سندس منضود فإذا دخلت الجنّة تباشر بك أهلها ووضع لشيعتك موائد من جواهر على أعمدة من نور، فيأكلون منها والناس في الحساب وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون، فإذا استقرّ أولياء اللّه في الجنّة زارك آدم ومن دونه من النبيّين، وإنّ في بطنان الفردوس للؤلؤتان من عرق واحد، لؤلؤة بيضاء ولؤلؤة صفراء فيها قصور ودور في كلّ واحدة سبعون ألف دار، البيضاء منازل لنا ولشیعتنا والصفراء منازل لإبراهيم وآل إبراهيم
قالت : يا أبه فما كنت أحبّ أن أرى يومك وأبقى بعدك. قال : يابُنيّة لقد أخبرني جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن اللّه أنك أوّل من يلحقني من أهل بيتي فالويل كلّه لمن ظلمك و الفوز العظيم لمن نصرك.(1)
ص: 236
ص: 237
{1}
[253] عن أبي عبداللّه الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : خرج الحسين بن علي صلوات اللّه عليه ذات يوم على أصحابه فقال بعد الحمد للّه جلّ وعزّ والصلاة على محمّد رسوله صلّى اللّه عليه وآله:
يا أيّها الناس إن اللّه - واللّه - ما خلق العباد إلّا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه ، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته من سواه.
فقال له رجل : بأبي أنت وأُمّي يابن رسول اللّه، ما معرفة اللّه؟
قال : معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الّذي يجب عليهم طاعته.
بیان : اعلم أنّه لما كانت معرفة اللّه وطاعته لا ينفعان من لا يعرف الإمام، ومعرفة الإمام وطاعته لا ينفعان إلا بعد معرفة اللّه ، صحّ أن يقال : إنّ معرفة اللّه هي معرفة الإمام وطاعته.
ولما كانت أيضاً المعارف الدينية العقلية والسمعية تحصل من جهة الإمام، وكان الإمام آمراً بذلك ، وداعياً إليه صحّ القول : إنّ معرفة الإمام وطاعته هي معرفة اللّه سبحانه ، كما نقول في المعرفة بالرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وطاعته إنها معرفة باللّه سبحانه ، قال اللّه عزّوجلّ : «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ».(1)
وما تضمنه قول الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تقدّم المعرفة على العبادة، غاية في البيان والتنبيه.(2)
ص: 238
{2}
[254] قال محمّد بن عليّ بن شهر آشوب في حديث الأعمش، عن الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال : فأخبِرْني يا رسول اللّه هل يكون بعدك نبيّ؟
فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : لا ، أنا خاتم النبيّين، لكن يكون بعدي أئمّة قوّامون بالقسط بعدد نُقَباء بني إسرائيل. (1)
{3}
[255] عن الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليه وسأله رجل عن الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) فقال : عدد نقباء بني إسرائيل تسعة من ولدي آخرهم القائم، ولقد سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : أبشِروا ثمّ أبشِروا - ثلاث مرّات - إنّما مثل أهل بيتي كمثل حديقة أُطعم منها فوج عاماً ثمّ أطعم منها فوجاً عاماً، آخرها فوجاً يكون أعرضها بحراً، وأعمقها طولاً وفرعاً وأحسنها جنيً وكيف تهلك أُمّة أنا أوّلها واثناعشر من بعدي من السُعَداء أُولي الألباب والمسیح بن مریم آخرها؟ ولكن يهلك فيما بين ذلك ثبج الهرج ليسوا منّي ولستُ منهم.(2)
ص: 239
{4}
[256] قال الحسين بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : منّا اثناعشر مهديّاً أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو الإمام القائم بالحقّ، يحيي اللّه تعالى به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحقّ على الدين كله ولو كره المشركون، له غيبة يرتدّ فيها أقوام ويثبت فيها على الدين آخرون، فيؤذون ويقال لهم : «مَتَى هَذَا الوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِيْنَ»(1) أمّا إنّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(2)
{5}
[257] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا حسينُ أنت الإمامَ ابنُ الإمام، تسعةٌ من ولدِك أُمناء معصومون، والتاسعُ مهديّهم، فطوبى لمن أحبّهم والويلُ لمن أبغضهم.(3)
ص: 240
{6}
[258] عن الحسين بن علي، عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : أخبرني جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا أثبت اللّه تبارك وتعالى اسم محمّد في ساق العرش قلت : ياربّ هذا الاسم المكتوب في سرادق العرش أرى أعز خلقك عليك ؟ قال : فأراه اللّه اثني عشر أشباحاً أبداناً بلا أرواح بين السماء والأرض، فقال : ياربّ بحقّهم عليك إلّا أخبرتني من هم (1) فقال : هذا نور عليّ بن أبي طالب، وهذا نور الحسن، وهذا نور الحسين، وهذا نور عليّ بن الحسين، وهذا نور محمّد بن عليّ، وهذا نور جعفر بن محمّد، وهذا نور موسی بن جعفر، وهذا نور عليّ بن موسى، وهذا نور محمّد بن علي، وهذا نور علي بن محمّد، وهذا نور الحسن بن علي، وهذا نور الحجّة القائم المنتظر (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، قال : فكان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : ما أحد يتقرّب إلى اللّه عزّوجلّ بهؤلاء القوم إلّا أعتق اللّه رقبته من النار.(2)
ص: 241
{7}
[259] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنا أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، ثمّ أنت يا عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعدك الحسنُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وبعده الحسينُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده محمّد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وبعده جعفر أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده محمّد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، والحجّة بن الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، أئمّة أبرار ، هم مع الحقّ والحقّ معهم.(1)
{9}
[261] قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من أطاع اللّه من ولدي وجبت طاعته.(1)
من وصيّك ؟
{10}
[262] عن سلمان والبراء قالا: قالت أُمّ سليم: كنتُ امرأة قد قرأت التوراة والانجيل ، فعرفت أوصياء الأنبياء، وأحببتُ أن أعلم وصيّ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
فلمّا قدمت رکابنا المدينة أتيتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وخلّفت الركاب مع الحي، فقلت : يا رسول اللّه ما من نبيّ إلّا وكان له خليفتان : خليفة يموت قبله، وخليفة يبقى بعده، وكان خليفة موسى في حياته هارون (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقبض قبل موسى، ثمّ كان وصیّه بعد موته يوشع بن نون، وكان وصّي عيسی (عَلَيهِ السَّلَامُ) في حياته کالب بن يوفّنا فتوفّي كالب في حياة عيسى، ووصیّه بعد وفاته شمعون بن حمون الصفا ابن عمّة مریم، وقد نظرتُ في الكتب الأُولى فما وجدتُ لك إلّا وصيّاً واحداً في حياتك وبعد وفاتك، فبيّن لي بنفسي أنت یا رسول اللّه من وصيّك؟
ص: 243
فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّ لي وصيّاً واحداً في حياتي وبعد وفاتي.
قلت له : من هو؟
فقال : ایتیني بحصاة فرفعتُ إليه حصاة من الأرض فوضعها بين كفّيه، ثمّ فركها بيده كسحيق الدقيق، ثمّ عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ختمها بخاتمه، فبدأ النقش فيها للناظرين، ثمّ أعطانيها وقال : يا أُمّ سليم من استطاع مثل هذا فهو وصيّي.
قالت : ثمّ قال لي : يا أُمّ سليم وصيّي مَن يستغني بنفسه في جميع حالاته كما أنا مستغن.
فنظرت إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقد ضرب بيده اليمنى إلى السقف وبيده اليسرى إلى الأرض قائماً لا ينحني في حالة واحدة إلى الأرض، ولا يرفع نفسه بطرف قدميه.
قالت : فخرجت فرأيت سلمان یکنف عليّاً ويلوذ بعقوته دون من سواء من أُسرة محمّد وصحابته على حداثة من سنّه، فقلت في نفسي: هذا سلمان صاحب الكتب الأُولى، صاحب الأوصياء، وعنده من العلم مالم يبلغني فيوشك أن يكون صاحبي.
فأتيت عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت : أنت وصيّ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟
قال : نعم ، ما تريدين ؟
قلت : وما علامة ذلك؟
فقال : ایتیني بحصاة.
قالت : فرفعت إليه حصاة من الأرض فوضعها بين كفّيه ، ثمّ فركها بيده فجعلها كسحيق الدقيق، ثمّ عجنها فجعلها ياقوتة حمراء، ثمّ ختمها، فبدا النقش
ص: 244
فيها للناظرين، ثمّ مشى نحو بيته فاتبعته لأسأله عن الّذي صنع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فالتفت إليّ ففعل مثل الّذي فعله، فقلت : من وصيّك يا أبا الحسن؟ فقال : مَن يفعل مثل هذا.
قالت أُمّ سليم : فلقيتُ الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقلت : أنت وصيّ أبيك هذا؟ - وأنا أعجب من صغره وسؤالي إيّاه، مع أنّي كنت عرفت صفتهم الاثني عشر إماماً وأبوهم سيّدهم وأفضلهم فوجدت ذلك في الكتب الأُولى -.
فقال لي: نعم أنا وصيّ أبي.
فقلت : وما علامة ذلك؟
فقال : ايتيني بحصاة.
قالت : فرفعت إليه حصاة، فوضعتها بين كفّيه ، ثمّ سحقها كسحيق الدقيق، ثمّ عجنها فجعلها ياقوتة حمراء، ثمّ ختمها، فبدا النقش فيها ثمّ دفعها إليّ، فقلت له : فمن وصيك؟
قال : من يفعل مثل هذه الّذي فعلت، ثمّ مد يده اليمنى حتّى جازت سطوح المدينة وهو قائم، ثمّ طأطأ يده اليسرى فضرب بها الأرض من غير أن ينحني أو يتصعّد فقلت في نفسي من يرى وصيّه؟
فخرجت من عنده فلقيت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكنت عرفت نعته من الكتب السالفة بصفته وتسعة من ولده أوصياء بصفاتهم، غير أنّي أنكرت حليته لصغر سنه، فدنوتُ منه وهو على كسرة رحبة المسجد، فقلت له: من أنت يا سيّدي؟
قال : أنا طلبتُك يا أُمّ سليم أنا وصيّ الأوصياء، وأنا أبو التسعة الأئمّة الهادية وأنا وصيّ أخي الحسن، وأخي وصيّ أبي عليّ، وعليّ وصيّ جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
فعجبتُ من قوله ، فقلت : ما علامة ذلك؟
ص: 245
فقال : ایتيني بحصاة، فرفعتُ إليه حصاة من الأرض.
قالت أُمّ سليم : فلقد نظرتُ إليه وقد وضعها بين كفّيه فجعلها کهيئة السحيق من الدقيق، ثمّ عجنها فجعلها ياقوتة حمراء فختمها بخاتمه فثبت النقش فيها، ثمّ دفعها إليّ وقال لي : أُنظري فيها يا أُمّ سليم، فهل ترينّ فيها شيئاً؟
قالت أُمّ سليم : فنظرتُ فإذا فيها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعليّ والحسن والحسين وتسعة أئمّة صلوات اللّه عليهم أوصياء من ولد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد تواطئت أسماؤهم إلّا اثنين منهم، أحدهما جعفر والآخر موسى، وهكذا قرأتُ في الإنجيل.
فعجبتُ وقلتُ في نفسي : قد أعطاني اللّه الدلائل ولم يعطها من كان قبلي ، فقلت : يا سيّدي أعد علىّ علامة أخرى.
قال : فتبسّم وهو قاعد، ثمّ قام فمدّ يده اليمنى إلى السماء فواللّه لكأنّها عمود من نار تخرق الهواء حتّى توارى عن عيني وهو قائم لا يعبأ بذلك ولا يتحفّز، فأسقطت وصعقت، فما أفقتُ إلّا ورأيتُ في يده طاقة من آس يضرب بها منخري.
فقلت في نفسي : ماذا أقول له بعد هذا؟ وقمت وأنا واللّه أجد إلى ساعتي رائحة هذه الطاقة من الأس، وهي واللّه عندي لم تذو ولم تذبل ولا انتقص من ريحها شيء، وأوصيتُ أهلي أن يضعوها في كفني، فقلت : يا سيّدي من وصيّك؟
قال : من فعل مثل فعلي.
قالت : فعشت إلى أيّام عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
قال زرّبن حبیش خاصّة دون غيره : وحدّثني جماعة من التابعين سمعوا
ص: 246
هذا الكلام من تمام حديثها، منهم مينا مولی عبدالرحمن بن عوف وسعيد بن جبير مولى بني أسد سمعهاها، تقول هذا.
وحدّثني سعيد بن المسيب المخزومي ببعضه عنها قالت: فجئتُ إلى عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو في منزل قائماً يصلّي، وكان يطول فيها ولا يتحوّز فيها ، وكان يصلّي ألف ركعة في اليوم والليلة، فجلستُ مليِاً فلم ينصرف من صلاته ، فأردت القيام، فلمّا هممتُ به حانت منّي التفاتة إلى خاتم في إصبعه عليه فصّ حبشيّ، فإذا هو مكتوب : مكانك یا أُمّ سليم، آتيك بما جئت له.
قالت : فأسرع في صلاته ، فلمّا سلّم قال لي: يا أُمّ سلیم ایتيني بحصاة، من غير أن أسأله عمّا جئتُ له، فدفعت إليه حصاة من الأرض، فأخذها فجعلها بين كفّيه فجعلها کهيئة الدقيق، ثمّ عجنها فجعلها ياقوتة حمراء، ثمّ ختمها فثبت فيها النقش، فنظرتُ واللّه إلى القوم بأعيانهم كما كنت رأيتهم يوم الحسين، فقلت له : فمن وصيّك جعلني اللّه فداك؟
قال : الّذي يفعل مثل ما فعلت، ولا تدركين من بعدي مثلي.
قالت أُمّ سليم : فأنسيت أن أسأله أن يفعل مثل ما كان قبله من رسول اللّه وعليّ والحسن والحسين صلوات اللّه عليهم، فلمّا خرجت من البيت ومشيت شوطا ناداني : يا أُمّ سليم.
قلت: لبيّك.
قال : ارجعي، فرجعت. فإذا هو واقف في صرحة داره وسطاً، ثمّ مشى فدخل البيت وهو يتبسّم ثمّ قال : اجلسي يا أُمّ سليم، فجلست فمد يده اليمنى فانخرقت الدور والحيطان وسكك المدينة وغابت يده عني، ثمّ قال : خذي يا أُمّ سلیم
فنالني واللّه کیساً فيه دنانير وقرط من ذهب وفصوص کانت لي من جزع
ص: 247
في حُقّ لي في منزلي.
فقلت : يا سيّدي أمّا الحقّ فأعرفه، وأمّا مافيه فلا أدري ما فيه غير أنّي أجدها ثقيلاً.
قال : خذيها وامضي لسبيلك.
قالت : فخرجتُ من عنده ودخلتُ منزلي وقصدتُ نحو الحُقّ فلم أجد الحُقّ في موضعه ، فإذا الحُقّ حُقّي.
قالت : فعرفتهم حقّ معرفتهم بالبصيرة والهداية فيهم من ذلك اليوم، والحمد للّه رب العالمين.(1)
{11}
[293] سئل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن معنى قول رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): إنّي مخلف فیکم الثقلين كتاب اللّه و عترتي، مَن العترة؟
فقال : أنا والحسن والحسين والأئمّة التسعة من ولد الحسین تاسعهم
ص: 248
مهديهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب اللّه ولا يفارقهم حتّى یردوا على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حوضه.(1)
{12}
[264] عن یحیی بن نعمان قال : كنت عند الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ دخل عليه رجل من العرب متلثّماً أسمر شديد السمرة، فسلم فردّ عليه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا ابن رسول اللّه مسألة.
فقال : هات.
قال : کم بين الإيمان واليقين؟
قال : أربع أصابع. قال : كيف؟
قال : الإيمان ما سمعناه واليقين ما رأيناه ، وبين السمع والبصر أربع أصابع.
قال : فكم بين السماء والأرض؟
قال : دعوة مستجابة.
ص: 249
قال : فكم بين المشرق والمغرب؟
قال : مسيرة يوم للشمس.
قال : فما عزّ المرء؟
قال : استغناؤه عن الناس.
قال : فما أقبح شيء؟
قال : الفسق في الشيخ قبيح، والحدّة في السلطان قبيحة، والكذب في ذي الحسب قبيح، والبخل في ذي الغناء، والحرص في العالم.
قال : صدقت يا ابن رسول اللّه فأخبرني عن عدد الأئمّة بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : اثناعشر عدد نقباء بني إسرائيل.
قال : فسمّهم لي.
قال : فأطرق الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ رفع رأسه فقال : نعم أُخبرك يا أخا العرب ، إنّ الإمام والخليفة بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أبي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) والحسن وأنا وتسعة من ولدي، منهم عليّ ابني، وبعده محمّد ابنه ، وبعده جعفر ابنه ، وبعده موسی ابنه، وبعده علي ابنه وبعده محمّد ابنه، وبعده علي ابنه ، وبعده الحسن ابنه، وبعده الخلف المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، هو التاسع من ولدي يقوم بالدين في آخر الزمان.
قال : فقام الأعرابي وهو يقول :
مسح النبيّ جبينه***فله بريق في الخدود
أبواه من أعلا قریش***وجدّه خير الجدود(1)
ص: 250
{13}
[265] عن عبيد اللّه بن عبداللّه عتبة ، قال :
كنت عند الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)إذ دخل علي بن الحسين الأصغر، فدعاه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وضمّه إليه ضمّاً، وقبّل ما بين عينيه ثمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : بأبي أنت ما أطيب ريحك وأحسن خلقك ! فتداخلني من ذلك فقلت : بأبي أنت وأُمّي يابن رسول اللّه إن كان ما نعوذ باللّه أن نراه فيك فإلى مَن؟
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إلى عليّ إبني هذا هو الإمام وأبو الأئمّة.
قلت : يا مولاي هو صغير السنَ؟
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نعم، إنّ ابنه محمّد يؤتمّ وهو ابن تسع سنين ثمّ يطرق.
قال : ثمّ يبقر العلم بقراً.(1)
ص: 251
ص: 252
ص: 253
{1}
[266] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : لمّا أُسري بي إلى السماء أخذ جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) بيدي وأقعدنی علی دُرْنوك من درانيك الجنّة، ثمّ ناولني سفرجلةً، فأنا كنت أُقلّبها إذ انفلقت، فخرجت منها جاريةٌ حوراء لم أر أحسن منها، فقالت : السلام عليك يا محمّد.
قلت : من أنت؟
فقالت : الراضية المرضيّة خلقني الجبّار من ثلاثة أصناف : أسفلي من مسك، ووسطي من كافور، وأعلاي من عنبر، عجنني من ماء الحيوان، ثمّ قال لي الجبّار : كوني، وكنت خلقني لأخيك وابن عمّك عليّ بن أبي طالب.(1)
ص: 254
{2}
[267] عن أبي محمّد العسكري عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) عن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعت جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : ليلة أُسري بي ربّي عزّوجلّ رأيت في بطنان العرش ملكاً بيده سيف من نور يلعب به كما يلعب عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بذي الفقار، وإنّ الملائكة إذا اشتاقوا إلى عليّ بن أبي طالب نظروا إلى وجه ذلك الملك.
فقلت : ياربّ هذا أخي علي بن أبي طالب وابن عمّي؟
فقال : يا محمّد هذا ملك خلقته على صورة عليّ يعبدني في بطنان عرشي، تكتب حسناته وتسبيحه وتقديسه لعليّ بن أبي طالب إلى يوم القيامة.(1)
{3}
[268] عن الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال : كان ممّن ثبت مع النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يوم حنين : العبّاس، وعليّ، وأبو سفيان بن الحارث ، وعقيل بن أبي طالب، وعبداللّه بن الزبير بن عبدالمطلب والزبير بن العوام، وأُسامة بن زيد.(2)
ص: 255
{4}
[269] إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال لعلي : أنت الّذي احتجّ اللّه بك في ابتداء الخلق، حيث أقامهم أشباحاً، فقال لهم : ألست بربّك؟
قالوا: بلی.
قال : ومحمّد رسولي؟
قالوا: بلى.
قال : وعليّ أمير المؤمنين(1) ؟
فأبى الخلق جميعاً إلّا استکبارة وعتوّاً عن ولايتك، إلّا نفر قليل، وهم أقل القليل، وهم أصحاب اليمين.(2)
{5}
[270] إنّ اللّه جلّ جلاله بعث جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن يشهد لعليّ بن
ص: 256
أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالولاية في حياته ويسمّيه بإمرة المؤمنين قبل وفاته، فدعا نبيّ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) تسعة رهط ، فقال : إنّما دعوتكم لتكونوا شهداء اللّه في الأرض أقمتم أم كتمتم.
ثم قال : يا أبا بكر قم فسلّم على عليّ بإمرة المؤمنين.
فقال : أعن أمر اللّه ورسوله؟
قال : نعم.
فقام فسلّم علي بإمرة المؤمنین.
ثمّ قال : قم يا عمر فسلّم على عليّ بإمرة المؤمنین.
فقال : أعن أمر اللّه ورسوله نسمّيه أمير المؤمنين؟
فقال : نعم.
فقام فسلّم عليه.
ثمّ قال للمقداد بن الأسود الكندي : قم فسلم على عليّ بإمرة المؤمنین.
فقام فسلّم عليه ، ولم يقل مثل ما قال الرجلان من قبله.
ثمّ قال لأبي ذر الغفاري : قم فسلّم على عليّ بإمرة المؤمنين.
فقام فسلّم عليه.
ثمّ قال لحذيفة اليماني : قم فسلّم على أمير المؤمنین.
فقام فسلّم عليه. ث
مّ قال لعمّار بن یاسر : قم فسلم على أمير المؤمنین.
فقام فسلّم عليه.
ثمّ قال لعبداللّه بن مسعود : قم فسلّم على عليّ بإمرة المؤمنين.
فقام فسلّم عليه.
ص: 257
ثم قال لبريدة : قم فسلّم على أمير المؤمنین - وكان بريدة أصغر القوم سنّاً-. فقام فسلّم.
فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّما دعوتكم لهذا الأمر لتكونوا شهداء اللّه أقمتم أم تركتم.(1)
{6}
[271] نظر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ذات يوم إلى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد أقبل وحوله جماعة من أصحابه ، فقال : مَن أراد أن ينظر إلى يوسف في جماله وإلى إبراهيم في سخائه وإلى سليمان في بهجته وإلى داود في قوّته فلينظر إلى هذا.(2)
{7}
[272] عن جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن
ص: 258
الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه ، أنّه قرأ عليه أصبغ بن نباتة : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى»(1)، قال : فبكى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : إنّي لأذكر الوقت الّذي أخذ اللّه تعالى عليَّ فيه الميثاق.(2)
{8}
[273] عن أبي الصلت الهروي(3) خادم الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، قال : سمعت الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : سمعت أبي موسى يقول، سمعت أبي جعفراً يقول، سمعت أبي محمّداً يقول، سمعت أبي عليّاً يقول، سمعت أبي الحسين يقول، سمعت أبي أمير المؤمنين عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول، سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول، سمعت اللّه جلّ جلاله يقول :
عليّ بن أبي طالب حجتي على خلقي، ونوري في بلادي، وأميني على علمي، لأُدخل الجنّة من عرفه وإن عصاني، ولأدخل النار من أنكره وإن أطاعني.(4)
ص: 259
{9}
[274] عن علي بن الحسين عن أبيه قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كان لي من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عشر خصال ما أُحبّ أن لي بإحداهنّ ماطلعت عليه الشمس ، قال لي : أنت أخي في الدنيا والآخرة، وأقرب الخلائق منّي في الموقف، وأنت الوزير والوصيّ والخليفة في الأهل والمال، وأنت آخذ لوائي في الدنيا والآخرة ، وليّك وليّي وولیّي وليّ اللّه، وعدوّك عدوّي وعدوّي عدوّ اللّه.(1)
{10}
[275] عن الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال : قال لي بريدة(2) : أمرنا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )
ص: 260
أن نسلّم على أبيك بإمرة المؤمنين.(1)
{11}
[276] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : لولاك ماعرف المؤمنون من بعدي.(2)
{12}
[277] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا علي! أعطيتَ ثلاث خصال، فقلت : فداك أبي وأُمّي! ما أُعطيت؟ قال: أُعطيتَ صهراً مثلي، وأُعطيتَ زوجةً مثل فاطمة،
ص: 261
وأُعطيتَ ولدين مثل الحسن والحسين صلوات اللّه عليهم أجمعين.(1)
{13}
[278] إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وجّهه في أمر من أُموره فحسن فيه بلاؤه وعظم عناؤه، فلمّا قدم من وجهه ذلك، أقبل إلى المسجد ورسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد خرج يصلّي الصلاة فصلّى معه.
فلمّا انصرف من الصلاة أقبل على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فاعتنقه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ثمّ سأله عن مسيره ذلك وماصنع فيه، فجعل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يحدّثه و أسارير وجه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) تلمع سرورة بما حدثه ، فلمّا أتّى صلوات اللّه عليه على حديث قال له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ألا أُبشرّك يا أبا الحسن؟
قال : فداك أبي وأُمّي فكم من خير بشّرت به.
قال : إنّ جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) هبط عليّ في وقت الزوال، فقال لي : يا محمّد هذا ابن عمّك عليّ وارد عليك، وإنّ اللّه عزّوجلّ أبلى المسلمين به بلاءاً حسناً، وإنه كان من صنعه كذا وكذا، فحدّثني بما أنبأتني به.
ص: 262
وقال لي : يا محمّد إنّه نجا من ذريّة آدم من تولّی شيث بن آدم وصيّ أبيه آدم بشيث، ونجا شيث بأبیه آدم ونجی آدم باللّه، يا محمّد و نجا من تولّى سام بن نوح وصيّ أبيه نوح بسام، ونجام سام بأبيه نوح، ونجا نوح باللّه، یا محمّد ونجا من تولّى إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمان وصيّ أبيه إبراهيم بإسماعيل، ونجا إسماعيل بإبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، ونجا إبراهيم باللّه، يا محمّد ونجا من تولّى يوشع بن نون وصيّ موسی بیوشع، ونجا يوشع بموسى، ونجا موسى باللّه، يا محمّد و نجا من تولّی شمعون الصفا وصيّ عيسى بشمعون، ونجا شمعون بعيسى، ونجا عیسی باللّه، يا محمّد ونجا من تولّى عليّاً وزیرك في حياتك ووصيّك عند وفاتك بعليّ، ونجا عليّ بك، ونجوت أنت باللّه عزّ وجلّ.
يا محمّد إن اللّه جعلك سيّد الأنبياء، وجعل عليّاً سيّد الأوصياء و خیر هم وجعل الأئمّة من ذريّتكما إلى أن يرث الأرض ومن عليها، فسجد عليّ صلوات اللّه عليه ، وجعل يقبّل الأرض شكراً للّه تعالی.
وإنّ اللّه جلّ اسمه خلق محمّدا وعليّاً وفاطمة والحسن والحسين (عَلَيهِم السَّلَامُ)! أشباحاً يسبّحونه ويمجّدونه ويهلّلونه بين يدي عرشه، قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر آلاف عام، فجعلهم نوراً ينقلهم في ظهور الأخيار من الرجال، وأرحام الخيّرات المطهّرات والمهذّبات من النساء، من عصر إلى عصر.
فلمّا أراد اللّه عزّوجلّ أن يبيّن لنا فضلهم ويعرّفنا منزلتهم، ويجب علينا حقّهم، أخذ ذلك النور وقسّمه قسمين : جعل قسماً في عبداللّه بن عبدالمطلّب ، فكان عنه محمّد سيّد النبيّين وخاتم المرسلین، وجعل فيه النبوّة، وجعل القسم الثاني في عبد مناف وهو أبو طالب بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف ، فكان منهم علىّ أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين وجعله رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ووصيّه و خليفته
ص: 263
وزوج ابنته، وقاضي دينه و کاشف کربته ومنجز وعده و ناصر دينه.(1)
{14}
[279] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا عليّ أنت أمير المؤمنين وإمامُ المتّقين ، يا عليّ أنت سيّد الوصيّين، ووارث علم النبيّين، وخير الصدّيقين و أفضل السابقين ، يا عليّ أنت زوج سيّدة نساء العالمين، وخليفة خير المرسلين ، يا علي أنت مولی المؤمنين، والحجّة بعدي على الناس أجمعين، استوجب الجنّة من تولّاك ، واستحقّ دخول النار مَنْ عاداك ، يا علي والّذي بعثني بالنبوّة واصطفاني على جميع البريّة لو أنّ عبداً عبد اللّه ألفَ عام ما قُبِل ذلك منه إلّا بولايتك وولاية الأئمّة من ولدك ، بذلك أخبرني جبرئيل «فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ».(2)(3)
ص: 264
{15}
[280] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لعلي : يا علي أنت حجّة اللّه وأنت باب اللّه، وأنت الطريق إلى اللّه، وأنت النبأ العظيم، وأنت الصراط المستقيم، وأنت المثل الأعلى، ياعلي أنت إمام المسلمين، وأمير المؤمنين، وخير الوصيّين، وسيّد الصدّيقين.
يا علي أنت الفاروق الأعظم، وأنت الصدّيق الأكبر، يا علي أنت خليفتي على أُمّتي، وأنت قاضي دَيني، وأنت منجز عداتي، يا علي أنت المظلوم بعدي، يا علي أنت المفارق بعدي، يا علي أنت المهجور بعدي، أُشهد اللّه تعالى ومن حضر من أُمّتي أن حزبك حزبي و حزبي حزب اللّه، وأنّ حزب أعدائك حزب الشيطان.(1)
ص: 265
{16}
[281] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا علي أنت وأصحابك في الجنّة ،أنت وأتباعك يا علي في الجنّة.(1)
{17}
[282] عن الحسين بن علي رضي اللّه عنهما قال : كان رأس رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في حجر علي وكان يوحى إليه فلمّا سرى عنه قال لي : ياعلي صلّيت الفرض؟! قال : لا. قال : اللّهمّ إنّك تعلم أنّه كان في حاجتك وحاجة رسولك فردّ عليه الشمس. فردَّها علیه فصلّی وغابت الشمس.(2)
ص: 266
{18}
[283] عن جويرية بن مسهر وأبي رافع والحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : أنّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا عبر الفرات ببابل صلّى بنفسه في طائفة معه العصر، ثمّ لم يفرغ الناس من عبورهم حتّى غربت الشمس وفات صلاة العصر الجمهور، فتكلّموا في ذلك، فسأل اللّه تعالى ردّ الشمس علیه فردّها عليه، فكانت في الأُفق، فلمّا سلّم القوم غابت ، فسمع لها وجيب شديد هال الناس ذلك، وأكثروا التهليل والتسبيح والتكبير، ومسجد الشمس بالصاعديّة من أرض بابل شائع ذائع.(1)
{19}
[284] لما رجع أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من قتال أهل النهروان، أخذ على النهروانات وأعمال العراق، ولم يكن يومئذ قد بُنيت بغداد، فلمّا وافي ناحية براثا صلّى بالناس الظهر، ورحلوا ودخلوا في أرض بابل، وقد وجبت صلاة العصر، فصاح المسلمون يا أميرَ المؤمنين هذا وقت العصر قد دخل، فقال أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هذه أرض مخسوف بها وقد خسف اللّه بها ثلاثاً وعليه تمام الرابعة، ولا تحلّ لوصيّ أن يصلّي فيها، ومن أراد منكم أن يصلّي فليصلّ، فقال المنافقون: نعم هو لا يصلّي ويقتل من يصلّي، يعنون أهل النهروان، قال جويرية بن مسهر العبدي : فتبعته في مائة فارس وقلت : واللّه لا أُصلّي أو يصلّي
ص: 267
هو، ولأُقلّدنه صلاتي اليوم، قال : وسار أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أن قطع أرض بابل وتدلّت الشمس للغروب ثمّ غابت واحمرّ الأُفق، قال : فالتفت إليّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : يا جويرية هات الماء ، قال : فقدّمت إليه الأداوة فتوضّأ ثمّ قال : ادن یا جويرية، فقلت : يا أمير المؤمنين ما وجب العشاء بعد فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أذّن للعصر، فقلت في نفسي أوذّن للعصر وقد غربت الشمس ولكن علىَّ الطاعة فأذّنت، فقال : أقِم ففعلت، وإذا أنا في الإقامة إذ تحرّكت شفتاه بکلام کأنّه منطق الخطاطيف، لم أفهم ما هو فرجعت الشمس بصریر عظيم حتّى وقفت في مرکزها من العصر، فقام (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكبّر وصلّی وصلّينا وراءه، فلمّا فرغ من صلاته وقعت كأنّها سراج في طست، وغابت واشتبكت النجوم فالتفت إليّ وقال أذّن أذان العشاء یا ضعیف الیقین.(1)
{20}
[285] عن الحسين بن علي قال : أتى جبريل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : يا محمّد إنّ اللّه يحبّ من أصحابك ثلاثة فأُحبّهم : عليّ بن أبي طالب، وأبوذر، والمقداد بن الأسود.(2)
ص: 268
{21}
[286] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا عليّ إذا كان يوم القيامة كنت وولدك على خیل بُلْق متوّجون بالدُرّ والياقوت فيأمرُ اللّه بكم إلى الجنّة والناس ينظرون.(1)
{22}
[287] عن الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أنّه قال : إنّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) اشتکی عينيه، فعاده رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فإذا عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يصيح، فقال له النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أجزعاً أم وجعاً؟ فقال على (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما وجعت وجعا قطّ أشقّ منه.(2)
ص: 269
{23}
[288] عن علي بن الحسين عن أبيه قال : قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) لاخيشن في ذات اللّه.
بیان : الاخيشن : تصغير أخشن أفضل تفضيل من خشن خشونة ضدّ لان، قال في الأساس : ومن المجاز فلان خشن في دينه، إذا كان متشددّاً فيه، والتصغير هنا للتعظيم، وذات اللّه عبارة عمّا يضاف إليه سبحانه من الأوامر والحدود والأحكام كجنب اللّه في قوله : «يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ».(1)
والمعنى : إنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) شديد التصلّب والتشدّد في الأُمور الإلهيّة لا يداري فيها ولا يداهن، ولا تأخذه لوم لائم.(2)
ص: 270
{24}
[289] إنّ عليّاً كان معتكفاً في مسجد الكوفة جاء أعرابي وقت إفطاره، فأخرج عليّ من جراب سويق شعير، فأعطاه منه شيئاً فلم يأكله الأعرابي، فقعده في طرف عمامته ، فجاء إلى دار الحسنين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فأكل معهما فقال لهما: رأيت شيخاً غريباً في المسجد لا يجد غير هذا السويق فترحَّمت عليه فاحمل من هذا الطعام إليه ليأكله، فبكيا وقالا: إنّه أبونا أمير المؤمنين عليّ يجاهد نفسه بهذه الرياضة.(1)
{25}
[290] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لعليّ بن أبي طالب : يا أبا الحسن لو وضع إيمان الخلائق وأعمالهم في كفّة ميزان، ووضع عملك في كفّة أخرى لرجح عملك يوم أُحد على جميع عمل الخلائق ، وإنّ اللّه تعالى باهي بك يوم أُحُد ملائكته المقرّبين، ورفع الحجب من السماوات السبع، وأشرقت إليه الجنّة وما فيها ، وابتهج بفعلك ربّ العالمين، وإنّ اللّه يعوضّك بذلك اليوم ما يغبطك به كلّ نبيّ ورسول وصدّيق وشهيد.(2)
ص: 271
{26}
[291] عن الحسين بن علي صلوات اللّه عليهما قال : كنت مع أبي على شاطىء الفرات، فنزع قميصه وغاص في الماء، فجاء موج فأخذ القميص، فخرج أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وإذا بهاتف يهتف : يا أمير المؤمنین، خذ ما عن يمينك، فإذاً منديل فيه قميص ملفوف، فأخذ القميص ولبسه، فسقطت من جيبه رقعة ، مكتوب فيها : بسم اللّه الرحمن الرحيم، هدية من اللّه العزيز الحكيم إلى عليّ بن أبي طالب، هذا قمیص هارون بن عمران «كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ».(1)(2)
{27}
[292] عن الحسین (رضي اللّه عنه) قال : سمعت جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : من أحبّ أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويدخل الجنّة الّتي وعدني ربّي فليتول عليّاً وذريّته الطاهرين، أئمة الهدى ومصابيح الدجى من بعده، فإنّهم لن يخرجوكم من باب الهدى إلى باب الضلالة.
أخرج موفق بن أحمد: عن الباقر ، عن أبيه، عن جدّه الحسین (رضي اللّه
ص: 272
عنهم) قال : سمعت جدّي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : من أحبّ أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويدخل جنّة عدن الّتي وعدني ربّي وغرس فيها قضيباً بيده ونفخ فيها من روحه فليوال عليّاً وذرّيته الطاهرين: أئمة الهدى ومصابيح الدجى من بعده، فإنّهم لن يخرجوكم من باب الهدى إلى باب الردى.(1)
{28}
[293] عن علي بن الحسين عن أبيه عن جدّه عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال : من آذى أبا حسن فقد آذاني حقّاً، ومن آذاني فقد آذى اللّه، ومن آذى اللّه فعلیه لعنة اللّه.(2)
{29}
[294] عن علي بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، عن أبيه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال : لمّا أراد عليّ أن يسير إلى النهروان استنفر أهل الكوفة وأمرهم أن يعسكروا بالمدائن، فتأخّر
ص: 273
عنه شبث بن ربعي، وعمرو بن حريث، والأشعث بن قيس، وجرير بن عبداللّه البجلّي، وقالوا: أتأذن لنا أيّاماً نتخلّف عنك في بعض حوائجنا ونلحق بك؟
فقال لهم : قد فعلتموها، سوءة لكم من مشايخ، فواللّه ما لكم من حاجة تتخلفّون عليها، وإنّي لأعلم ما في قلوبكم وسابّين لكم، تريدون أن تثبّطوا عنّي الناس، وكأنّي بكم بالخورنق وقد بسطتم سفركم للطعام، إذ يمرّ بكم ضبّ فتأمرون صبيانكم فيصيدونه ، فتخلعوني وتبايعونه.
ثم مضى إلى المدائن وخرج القوم إلى الخورنق(1) وهيّأوا طعاماً، فبيناهم كذلك على سفرتهم وقد بسطوها إذ مرّ بهم ضبّ، فأمروا صبيانهم فأخذوه وأوثقوه و مسحوا أيديهم على يده كما أخبر علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، وأقبلوا على المدائن.
فقال له أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلَاً»(2)، ليبعثكم اللّه يوم القيامة مع إمامكم الضبّ الّذي بايعتم، لكأنّي أنظر إليكم يوم القيامة وهو يسوقكم إلى النار.
ثم قال : لئن كان مع رسول اللّه منافقون فإنّ معي منافقين، أما واللّه يا شبث ويابن حريث لتقاتلان ابني الحسين، هكذا أخبرني رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(3)
ص: 274
{30}
[295] وكان رجوع أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى الكوفة في شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة.
روى ابن اعثم کيفيّة دخوله الكوفة : قال : قدم علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من سفره ، واستقبله الناس يهنّؤنه بظفره بالخوارج، ودخل إلى المسجد الأعظم، فصلّى فيه ركعتين، ثمّ صعد المنبر فخطب خطبة حسناً، ثمّ التفت إلى ابنه الحسين فقال : «يا أبا عبداللّه كم بقي من شهرنا هذا؟ يعني شهر رمضان الّذي هم فيه. فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سبع عشرة يا أمير المؤمنين».
قال : فضرب بيده إلى لحيته، وهي يومئذ بيضاء وقال : واللّه ليخضبنها بالدم إذ انبعث أشقاها ، قال : ثمّ جعل يقول :
أُريد حياته ويريد قتلي**خليلي من عذيري من مراد(1)
{31}
[296] أتى علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قبل مقتله بثلاثة أيام رجل من أشراف تميم يقال له: عمرو، فقال : يا أميرَ المؤمنين أخبرني عن أصحاب الرسّ في أيّ عصر كانوا؟ وأين كانت منازلهم؟ ومن كان ملكهم؟ وهل بعث اللّه عزّوجلّ إليهم رسولاً أم لا؟ وبماذا هلكوا؟ فإنّي أجد في كتاب اللّه تعالى ذكرهم ولا أجد غیرَهم.
ص: 275
فقال له عليّ : لقد سألتَني عن حديث ما سألني عنه أحد قبلك، ولا يحدّثك به أحد بعدي إلّا عنّي، وما في كتاب اللّه عزّوجلّ آية إلّا وأنا أعرفها وأعرف تفسيرها، وفي أّي مكان نزلت من سهل أو جبل؟ وفي أيّ وقت من ليل أو نهار ؟ وأنّ هاهنا لعلماً جمّاً. وأشار إلي صده - ولكن طُلّابه يسير ، وعن قليل يندمون لو فقدوني.
كان من قصّتهم يا أخا تميم : أنّهم كانوا قوماً يعبدون شجرة صنوبرة يقال الها: شاه درخت، کان یافث بن نوح غرسها على شفير عين يقال لها : دوشاب ، كانت أنبطت لنوح (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد الطوفان، وإنّما سموا أصحاب الرسّ لأنّهم رسوا بينهم في الأرض، وذلك بعد سلیمان بن داود (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، وكانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطيء نهر يقال لها: رسّ من بلاد المشرق، وبهم سمّي ذلك النهر، ولم يكن يومئذ في الأرض نهر أغزر منه ، ولا أعذب منه، ولا قرى أكثر ولا أعمر منها تسمّى إحداهنّ آبان، والثانية آذر، والثالثة دي، والرابعة بهمن، والخامسة اسفندار، والسادسة فروردین، والسابعة اردیبهشت، والثامنة خرداد، والتاسعة مرداد، والعاشرة تير ، والحادية عشر مهر ، والثانية عشر شهریور.
وكانت أعظم مدائنهم اسفندار، وهي الّتي ينزلها ملكهم، وكان يسمّى ترکوذبن غابور ابن یارش بن سازن بن نمرود بن کنعان، فرعون إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبها العين والصنوبرة، وقد غرسوا في كلّ قرية منها حبّة من طلع تلك الصنوبرة ، فنبتت الحبّة، وصارت شجرة عظيمة، وحرموا ماء العين والأنهار، فلا يشربون منها ولا أنعامهم، ومن فعل ذلك قتلوهم، ويقولون : هو حياة آلهتنا، فلا ينبغي لأحد أن ينقص من حياتها، ويشربونهم وأنعامهم من نهر الرسّ الّذي عليه
قراهم.
ص: 276
وقد جعلوا في كلّ شهر من السنة في كلّ قرية عيد يجمع إليه أهلها، فيضربون على الشجرة الّتي بها كلّة من يريد فيها من أنواع الصور، ثمّ يأتون بشاة وبقر فيذبحونها قرباناً للشجرة، ويشعلون فيها النيران بالحطب، فإذا سطح دخان تلك الذبائح وقتارها في الهواء، وحال بينهم وبين النظر إلى السماء خرّوا للشجرة سجّداً ويبكون ويتضرّعون إليها أن ترضى عنهم، فكان الشيطان يجيء فيحرك أغصانها ويصيح من ساقها صياح الصبي، ويقول: قد رضيت عنكم عبادي فطيبوا نفساً وقرّوا عيناً، فيرفعون رؤوسهم عند ذلك، ويشربون الخمر ويضربون بالمعازف ويأخذون الدست بند، فيكونون على ذلك يومهم وليلتهم، ثمّ ينصرفون.
وإنّما سمّيت العجم شهورها بآبانماه و آذر ماه و غيرهما، اشتقاقاً من أسماء تلك القرى، لقول أهلها بعضهم لبعض: هذا عيد شهر كذا، وعید شهر كذا ، حتّى إذا كان عيد شهر قريتهم العظمی، اجتمع إليه صغيرهم، فضربوا عند الصنوبرة والعين سرادقاً من دیباج عليه من أنواع الصور، له اثناعشر باباً ، كلّ باب لأهل قرية منهم، ويسجدون للصنوبرة خارجاً من السرادق ويقربون له الذبائح أضعاف ما قربوا للشجرة الّتي في قراهم، فيجيء إبليس عند ذلك فيحرك الصنوبرة تحريكاً شديداً، ويتكلّم من جوفها كلاماً جهورياً ويعدهم ويمنّيهم بأكثر مما وعدتهم ومنهم الشياطين كلها، فيرفعون رؤوسهم من السجود وبهم من الفرح والنشاط ما لا يفيقون ولا يتكلّمون من الشرب والعزف، فيكونون على ذلك اثنی عشر يوماً ولياليها بعدد أعيادهم سائر السنة ، ثمّ ينصرفون.
فلمّا طال كفرهم باللّه عزّوجلّ وعبادتهم غيره، بعث اللّه عزّوجلّ إليهم نبيّاً من بني إسرائيل من ولد يهود ابن يعقوب، فلبث فيهم زمانا طويلاً، يدعوهم
ص: 277
إلى عبادة اللّه عزّوجلّ ومعرفة ربوبيته، فلا يتبعونه، فلمّا رأى شدّة تماديهم في الغيّ والضلال، وتركهم قبول مادعاهم إليه من الرشد والنجاح، وحضر عید قريتهم العظمى، قال : ياربّ إنّ عبادك أبوا إلّا تكذيبي والكفر بك، وغدوا يعبدون شجرة لا تنفع ولا تضرّ، فأيبس شجرهم أجمع، وأرهم قدرتك وسلطانك، فأصبح القوم وقد يبس شجرهم، فهالهم ذلك و قطع بهم، وصاروا فرقتين، فرقة قالت سحر آلهتكم هذا الرجل الّذي يزعم أنّه رسول ربّ السماء والأرض إليكم، ليصرف وجوهكم عن آلهتكم إلى إلهه.
وفرقة قالت: لا، بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها ويقع فيها ويدعوكم إلى عبادة غيرها، فحجبت حسنها وبهائها لكي تغضبوا لها فتنتصروا منه.
فأجمع رأيهم على قتله ، فاتّخذوا أنابيب طوالاً من رصاص واسعة الأفواه ، ثمّ أرسلوها في قرار العين إلى أعلى الماء واحدة فوق الأُخرى مثل البرابخ ونزحوا ما فيها من الماء، ثمّ حفروا في قرارها بئراً ضيقة المدخل عميقة، وأرسلوا فيها نبيّهم وألقموا فاهه صخرة عظيمة، ثمّ أخرجوا الأنابيب من الماء ، وقالوا: نرجوا الآن أن ترضى عنه آلهتنا ! إذ رأت إنا قد قتلنا من كان يقع فيها، ويصدّ عن عبادتها، ودفتاه تحت كبيرها يتشفّى منه، فيعود لنا نورها ونضارتها کماکان.
فبقوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيّهم (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، وهو يقول : سيّدي قد ترى ضيق مكاني وشدّة كربي فارحم ضعف ركني وقلّة حيلتي، وعجّل بقبض روحي، ولا تؤخّر إجابة دعوتي، حتّى مات (عَلَيهِ السَّلَامُ).
فقال اللّه عزّوجلّ لجبرائیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا جبرائيل أُنظر عبادي هؤلاء الّذي غرّهم
ص: 278
حلمي وأمنوا مكري، وعبدوا غيري وقتلوا رسولي، أن يقوموا لغضبي أو يخرجوا من سلطاني، كيف ؟! وأنا المنتقم ممّن عصاني ولم يخش عقابي، وإنّي حلفت بعزّتي لأجعلتنّهم عبرة ونکالاً للعالمين، فلم يرعهم وهم في عيدهم ذلك إلّا بريح عاصف شديدة الحمرة، فتحيّروا فيها وذعروا منها وانضمّ بعضهم إلى بعض، ثمّ صارت الأرض من تحتهم كحجر کبریت يتوقّد وأظلّتهم سحابة سوداء، فألقت عليهم كالقبة جمراً تلتهب، فذابت أبدانهم في النار كما يذوب الرصاص في النار، فنعوذ باللّه تعالى ذكره من غضبه ونزول نقمته ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم.(1)
{32}
[297] لمّا توجّه أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المدينة إلى الناكثين بالبصرة نزل الربذة، فلمّا ارتحل منها لقيه عبداللّه بن خليفة الطائي(2) وقد نزل بمنزل يقال له قديد(3) فقرّبه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له عبداللّه : الحمد للّه الّذي ردّ الحقّ إلى
ص: 279
أهله، ووضعه في موضعه، کره ذلك قوم أو سرّوا به، فقد واللّه كرهوا محمّداً (عَلَيهِ السَّلَامُ) ونابذوه وقاتلوه، فردّ اللّه كيدهم في نحورهم، وجعل دائرة السوء عليهم، وواللّه لنجاهدن معك في كلّ موطن حفظاً لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
فرحّب به أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأجلسه إلى جنبه - وكان له حبيباً ووليّاً - وأخذ يسائله عن الناس إلى أن سأله عن أبي موسى الأشعري، فقال : واللّه ما أنا أثق به ، ولا آمن عليك خلافه إن وجد مساعداً على ذلك.
فقال له أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : واللّه ما كان عندي مؤتمن ولا ناصح، ولقد كان الّذين تقدّموني استولوا على مودّته، وولّوه وسلّطوه بالإمرة على الناس(1)، ولقد أردت عزله فسألني الأشتر فيه أن أقرّه فأقررته على كره منّي له، وتحمّلت على صرفه من بعد.
قال : فهو مع عبداللّه في هذا ونحوه إذ أقبل سواد كبير من قبل جبال طيّ. فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أُنظروا ما هذا [السواد]؟ فذهبت الخيل تركض فلم تلبث أن رجعت، فقيل : هذه طيّ قد جاءتك تسوق الغنم والإبل والخيل، فمنهم من جاءك بهداياه وكرامته، ومنهم من يريد النفور معك إلى عدوّك.
فقال أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جزى اللّه طيّاً خيراً، «وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا».(2)
فلما انتهوا إليه سلّموا عليه، قال عبداللّه بن خليفة : فسرّني واللّه ما رأيت من جماعتهم وحسن هيأتهم، وتكلّموا فأقرّوا، واللّه [ما رأيت] بعيني خطيباً أبلغ
ص: 280
من خطيبهم، وقام عديّ بن حاتم الطائي فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال : أما بعد فإنّي كنت أسلمت على عهد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وأديّت الزكاة على عهده، وقاتلت أهل الردّة من بعده(1)، أردت بذلك ما عند اللّه، وعلى اللّه ثواب من أحسن واتّقي، وقد بلغنا أنّ رجالاً من أهل مكّة نكثوا بيعتك ، وخالفوا عليك ظالمين، فأتيناك لننصرك بالحقّ، فنحن بين يديك، فمرنا بما أحببت ، ثمّ أنشأ يقول :
ونحن نصرنا اللّه من قبل ذا کم***وأنت بحقّ جئتنا فستنصر
سنكفيك دون الناس طرّاً بأسرنا***وأنت به من سائر الناس أجدر
فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جزاكم اللّه من حيّ عن الإسلام وأهله خيراً، فقد أسلمتم طائعين، وقاتلتم المرتدّين، ونويتم نصر المسلمين، وقام سعيد بن عبيد البحتري، من بني بحتر فقال : يا أمير المؤمنين إنّ من الناس من يقدر أن يعبّر بلسانه عمّا في قلبه، ومنهم من لا يقدر أن يبيّن من يجده في نفسه بلسانه، فإن تكلّف ذلك شقّ عليه، وإن سكت عمّا في قلبه برّح به الهمّ والبرم، وإنّي واللّه ما كلّ ما في نفسي أقدر أن أُؤديّه إليك بلساني، ولكن واللّه لأجهدنّ على أن أُبيّن لك ، واللّه وليّ التوفيق. أما أنا فإنّي ناصح لك في السرّ والعلانية، ومقاتل معك الأعداء في كلّ موطن، وأرى لك من الحقّ مالم أكن أراه لمن كان قبلك ، ولا لأحد اليوم من أهل زمانك، لفضيلتك في الإسلام و قرابتك من لرسول، ولن أُفارقك أبداً حتّى تظفر أو أموت بين يديك.
ص: 281
فقال له أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يرحمك اللّه، فقد أدّى لسانك ما يجنّ ضميرك النا، ونسأل اللّه أن يرزقك العافية، ويثيبك الجنّة، وتكلّم نفر منهم، فما حفظت غیر کلام هذين الرجلين ، ثمّ ارتحل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأتبعه منهم ستمائة رجل حتّى نزل ذا قار، فنزلها في ألف وثلاثمائة رجل.(1)
{33}
[298] ولمّا جاءت الليلة التاسعة عشرة من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة خرج أمير المؤمنين في صبيحتها إلى المسجد، وضربه أشقى الأوّلين والآخرين في محراب عبادته ، فإذا ارتجّت الأرض وماجت البحار والسماوات.
قال الراوي: فاصطفقت أبواب الجامع، وضجّت الملائكة في السماء بالدعاء، وهبّت ريح عاصف سوداء مظلمة، ونادى جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) بين السماء والأرض بصوت يسمعه كلّ مستيقظ : «تهدّمت واللّه أركان الهدى، وانطمست واللّه نجوم السماء وأعلام التقى، وانفصمت واللّه العروة الوثقى، قتل ابن عمّ محمّد المصطفى، قتل الوصي المجتبی، قتل علي المرتضی، قتل واللّه سیّد الأوصياء، قتله أشقى الأشقياء.
قال : فلمّا سمعت أُمّ كلثوم نعي جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلطمت على وجهها وخدّها وشقّت جيبها وصاحت: وا أبتاه ! واعليّاه! وامحمّداه! واسیّداه! ثمّ أقبلت إلى
ص: 282
أخويها الحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فأيقظتهما وقالت لهما: لقد قتل أبوكما، فقاما یبکیان، فقال لها الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أُختاه كفّي عن البكاء حتّى نعرف صحّة الخبر کیلا تشمت الأعداء، فخرجا فإذا الناس ينوحون وينادون: واإماماه ! واأمير المؤمنيناه! قتل واللّه إمام عابد مجاهد لم يسجد لصنم، كان أشبه الناس برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فلمّا سمع الحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) صرخات الناس ناديا: واأبتاه ! واعليّاه! ليت الموت أعدمنا الحياة!
فلمّا وصلا الجامع ودخلاو جدا جعدة بن هبيرة ومعه جماعة من الناس ، وهم يجتهدون أن يقيموا الإمام في المحراب ليصلّي بالناس، فلم يطق على النهوض وتأخّره عن الصف، وتقدّم الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فصلّى بالناس وأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يصلّي إيماء من جلوس، وهو يمسح الدم عن وجهه وکريمته الشريف ، يميل تارة ويسكن أّخرى.(1)
{34}
[299] إنّ أمير المؤمنين قال : أُوصيكما وصيّة فلا تظهرا على أمري أحداً، فأمرهما أن يستخرجا من الزاوية اليمنى لوحاً وأن يكفّناه فيما يجدان، فإذا غسلاه وضعاه على ذلك اللوح، وإذا وجدا السرير يشال مقدّمه یشیلان مؤخّره، وأن يصلّي الحسن مرّة والحسين مرّة صلاة إمام، ففعلا کمارسّم، فوجدا اللوح وعليه مکتوب : «بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ماذخره نوح النبي صلّى اللّه عليه لعليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) » وأصابا الكفن في دهليز الدار موضوعاً فيه حنوط قد
ص: 283
أضاء نوره النهار.
وروي أنه قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقت الغسل :
أما ترى إلى خفّة أمير المؤمنین.
فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا عبد اللّه إنّ معنا قوماً يعينونا.(1)
{35}
[300] روى المجلسي عن ابن الحنفيّة قال : واللّه لقد نظرت إلى السرير وإنه ليمرّ بالحيطان والنخل فتنحني له خشوعاً، ومضى مستقيماً إلى النجف إلى موضع قبره الآن.
قال : وضجّت الكوفة بالبكاء والنحيب ، و خرجن النساء يتبعنه لاطمات حاسرات، فمنعهم الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ونهاهم عن البكاء والعويل، وردّهنّ إلى أماكنهنّ والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لا حول ولا قوّة إلا باللّه العليّ العظيم، «إنّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ»(2) يا أباه واانقطاع ظهراه، من أجلك تعلّمتُ البكاء إلى اللّه المشتكى.(3) (4)
ص: 284
{36}
[301] قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فلمّا قضينا صلاة العشاء الآخرة، إذاً قد شيل مقدّم السرير، ولم يزل نتّبعه إلى أن وردنا إلى الغريّ، فأتينا إلى قبر على ماوصف أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ونحن نسمع خفق أجنحة كثيرة وضجّة وجلبة ، فوضعنا السرير وصلّينا على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كما وصف لنا، ونزلنا قبره فأضجعناه في لحده، ونضّدنا عليه اللبن.(1)
{37}
[302] ثمّ إنه لمّا رجع أولاد أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأصحابه إلى الكوفة واجتمعوا لقتل اللعين عدوّ اللّه ابن ملجم، فقال عبداللّه بن جعفر : اقطعوا يديه ورجليه ولسانه، واقتلوه بعد ذلك.
وقال ابن الحنفيّة رضي اللّه عنه : اجعلوه غرضاً للنشّاب، وأحرقوه بالنار ، وقال آخر : اصلبوه حيّاً حتّى يموت.
فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنا ممتثل فيه ما أمرني به أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أضربه ضربة بالسيف حتّى يموت فيها، وأُحرقه بالنار بعد ذلك.
قال : فامر الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يأتوه به، فجاؤا به مكتوفاً حتّى أدخلوه إلى الموضع الّذي ضرب فيه الإمام علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) والناس يلعنونه ويوبّخونه ،
ص: 285
وهو ساكت لا يتكلّم.
فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا عدوّ اللّه قتلت أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وإمام المسلمين وأعظمت الفساد في الدين.
فقال لهما : يا حسن ويا حسين عليكما السلام ما تريدان تصنعان بي؟
قالا له: نريد قتلك كما قتلت سیّدنا و مولانا.
فقال لهما: اصنعا ما شئتما أن تصنعا، ولا تعنّفا من استزلّه الشيطان فصدّه عن السبيل، ولقد زجرت نفسي فلم تنزجر! ونهيتها فلم تنته ! فدعها تذوق وبال أمرها ولها عذاب شديد، ثمّ بکی.
فقال له: يا ويلك ما هذه الرقّة؟ أين كانت حين وضعت قدمك وركبت خطيئتك؟
فقال ابن ملجم لعنه اللّه : «اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ»(1)، ولقد انقضى التوبيخ والمعايرة، وإنّما قتلت أباك وحصلت بين يديك، فاصنع ما شئت وخذ بحقّك منّي كيف شئت، ثمّ برك على ركبتيه وقال : يابن رسول اللّه الحمد للّه الّذي أجرى قتلي على يديك.
فرّق له الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأنّ قلبه كان رحيماً، فقام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأخذ السيف بيده وجرّده من غمده فهزّ به حتّى لاح الموت في حدّه ثمّ ضربه ضربة أدار بها عنقه، فاشتدّ زحام الناس عليه، وعلت أصواتهم، فلم يتمكّن من فتح باعه فارتفع السيف إلى باعه فأبرأه فانقلب عدو اللّه على قفاه يحور في دمه.
فقام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أخيه وقال : يا أخي أليس الأب واحداً والأُمّ واحدة
ص: 286
ولي نصيب في هذه الضربة ولي في قتله حقّ؟ فدعني أضربه ضربة أشفي بها بعض ما أجده.
فناوله الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) السيف فأخذه وهزّه وضربه على الضربة الّتي ضربه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فبلغ إلى طرف أنفه، وقطع جانبه الآخر، وابتدره الناس بعد ذلك بأسيافهم، فقطعوه إرباً إرباً، وعجّل اللّه بروحه إلى النار وبئس القرار.
ثم جمعوا جثّته وأخرجوه من المسجد، وجمعوا له حطباً وأحرقوه بالنار، وقيل : طرحوه في حفرة وطمّوه بالتراب، وهو يعوی کعوي الكلاب في حفرته إلى يوم القيامة.
وأقبلوا إلى قطام الملعونة الفاسقة الفاجرة فقطعوها بالسيف إرباً إرباً ، ونهبوا دارها، ثمّ أخذوها وأخرجوها إلى ظاهر الكوفة وأحرقوها بالنار، وعجّل اللّه بروحها إلى النار وغضب الجبّار.
وأمّا الرجلان اللذان تحالفا معه فأحدهما قتله معاوية بن أبي سفيان بالشام، والآخر قتله عمرو بن العاص بمصر لا رضي اللّه عنهما.
وأمّا الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم بالجامع يساعدانه على قتل علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقتلا من ليلتهما، لعنهما اللّه وحشرهما محشر المنافقين الظالمين في جهنّم خالدين مع السالفين. (1)
ص: 287
ص: 288
ص: 289
{1}
[303] عن أبي جعفر ، عن أبيه، عن جدّه الحسين بن علي صلوات اللّه عليهم قال : دخلتُ أنا وأخي على جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فأجلسني على فخذه وأجلس أخي الحسن على فخذه الآخر ثمّ قبّلنا وقال : بأبي أنتما من إمامین سبطين اختار كما اللّه منّي ومن أبيكما و من أُمّكما واختار من صلبك يا حسين تسعة أئمّة، تاسعهم قائمهم، وكلّهم في الفضل والمنزلة سواء عند اللّه تعالی.(1)
{2}
[304] عن الصادق عن آبائه عن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : دخلت مع الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) على جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعنده جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) في صورة دحية الكلبي، وكان دحية إذا قدم من الشام على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حمل لي ولاخي خرنوباً ونبقاً وتيناً، فشبّهناه بدحية بن خليفة الكلبي، وإنّ دحية كان يجعلنا نفتّش کُمّه.
ص: 290
فقال جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) : یا رسول اللّه ما يريدان؟
قال : إنّهما شبّهاك بدحية بن خليفة الكلبي، وإنّ دحية كان يحمل لهما إذا قدم من الشام نبقاً وتيناً وخرنوباً.
قال : فمدّ جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) يده إلى الفردوس الأعلى، فأخذ منه نبقاً و خرنوباً وسفرجلاً ورمّاناً فملأنا به حجرنا.
قال : فخرجنا مستبشرين، فلقينا أبونا أمير المؤمنين علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فنظر إلى ثمرة لم ير مثلها في الدنيا، فأخذ من هذا، ومن هذا واحداً واحداً، ودخل على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهو يأكل فقال : یا أبا الحسن كلّ وادفع إليّ أوفر نصیب، فإنّ جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) أتی به آنفاً.(1)
{3}
[305] عن الحسن البصري وأُمّ سلمة : أنّ الحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) دخلا على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وبين يديه جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فجعلا يدوران حوله يشبّهانه بدحية الكلبي ، فجعل جبرئيل يوميء بيده كالمتناول شيئاً فإذا في يده تفّاحة وسفرجلة ورمّانة ، فناولهما وتهلّلت وجوههما وسعيا إلى جدّهما، فأخذها فشمّها ثمّ قال : صيرا إلى أُمّكما بما معكما وبدؤ كما بابیکما أعجب، فصارا كما أمرهما، فلم يأكلوا حتّى صار النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إليهم فأكلوا جميعاً، فلم يزل كلّما أكل منه عاد إلى ما كان حتّى قبض رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فلم يلحقه التغيير والنقصان أیّام فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) بنت
ص: 291
رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حتّى توفيت ، فلمّا توفيت فقدنا الرمّان وبقي التفّاح والسفر جل أيّام أبي، فلمّا استشهد أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فُقِد السفرجل وبقي التفّاح على هيئته للحسن حتّى مات في سمّه، وبقيت التفّاحة إلى الوقت الّذي حوصرتُ عن الماء، فكنتُ أشمّها إذا عطشتُ فيسكن لهب عطشي، فلمّا اشتدّ علي العطش عضضتها وأيقنت بالفناء.
قال علي بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سمعتُ أبي يقول ذلك قبل قتله بساعة، فلمّا قضى نحبه وُجِدَ ريحها في مصرعه ، فالتُمِسَتْ فلم يُرَ لها أثر، فبقي ريحها بعد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، ولقد زرتُ قبره فوجدت ريحها يفوح من قبره، فمن أراد ذلك من شیعتنا الزائرين للقبر فليلتمس ذلك في أوقات السحر فإنّه يجده إذا كان مخلصاً.(1)
{4}
[306] وروي عن جعفر بن محمّد الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنّ الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي اللّه عنهما) دخل يوماً على الحسن (رضي اللّه عنه)، فلمّا نظر إليه بکی.
فقال : ما يبكيك يا أبا عبد اللّه؟
قال : أبكي لما يصنع بك.
فقال له الحسن (رضي اللّه عنه) : إنّ الّذي يؤتي إليّ سمّ يدسّ إلي فأقتل به ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبداللّه یزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنهم من أُمّة جدّنا محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وينتحلون الإسلام فيجتمعون على قتل وسفك دمائك
ص: 292
وانتهاك حرمتك وسبي ذراريك و نسائك وانتهاب ثقلك ، فعندها يحلّ ببني أُميّة اللعنة وتمطر السماء رماداً ودماً ويبكي عليك كلّ شيء حتّى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار.(1)
{5}
[307] عن عمیر بن إسحاق قال : كنّا عند الحسن فدخل المخدع ثمّ خرج فقال : لقد سُقيتُ السمّ مراراً ماسُقيتُه مثل هذه المرّة ولقد لفظت طائفة من كبدي فرأيتني أقلبها بعود فقال له الحسين : أي أخ من سقاك؟
قال : وما تريد إليه أتريد أن تقتله؟
قال : نعم.
قال : لئن كان الّذي أظن فاللّه أشدّ نقمة وإن كان غيره فلا أُريد أن يقتل بريء.(2)
عن عمیر بن إسحاق، قال : دخلت أنا ورجل من قريش على الحسن بن علي فقام فدخل المخرج ثمّ خرج فقال : لقد لفظت طائفة من كبدي أُقلّبها بهذا العود، ولقد سقيت السمّ مراراً وما سقيته مرّة هي أشدّ من هذه.
قال : وجعل يقول لذلك الرجل : سلني قبل أن لا تسألني.
قال : ما أسألك شيئاً [حتى] يعافيك اللّه.
قال : فخرجنا من عنده ثمّ عدت إليه من غد وقد أخذ في السوق فجاء حسين حتّى قعد عند رأسه فقال : أي أخي من صاحبك؟
ص: 293
قال : تريد قتله؟
قال : نع
قال : لئن كان صاحبي الّذي أظنّ [فا] للّه أشدّ له نقمة وإن لم يكنه فما أحبّ أن يقتل بي بريئاً.(1)
{6}
[308] لمّا حضرت الحسن بن عليّ الوفاة كأنه جزع عند الموت فقال له الحسين كأنّه يعزّیه : يا أخي ما هذا الجزع؟ إنك ترد على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعلى عليّ وهما أبواك، وعلى خديجة وفاطمة وهما أُمّاك، وعلى القاسم والطاهر وهما خالاك، وعلى حمزة وجعفر وهما عمّاك.
فقال له الحسن : أي أخي إنّي أدخل في أمر من أمر اللّه لم أدخل في مثله ، وأرى خلقاً من خلق اللّه لم أر مثله قطّ.
قال : فبكى الحسين.(2)
ص: 294
{7}
[309] فلمّا دفن الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالبقيع عند قبر جدّته فاطمة بنت أسد، قال الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) عند قبر أخيه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : رحمك اللّه أبا محمّد إن كنتَ التباصر الحقّ مظانّه، وتؤثر اللّه عند تداحض الباطل في مواطن التقيّة بحُسن الرويّة، وتستشف جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة، وتقبض عليها يداً طاهرة الأطراف نقيّة الأُسرة، وتردع بادرة غُرَب أعدائك بأيسر المؤنة عليك، ولا غرو وأنت ابن سلالة النبوّة ورضيع لبان الحكمة، فإلى روح وريحان وجنّة نعيم، أعظم اللّه لنا ولكم الأجر عليه، ووهب لنا ولكم السلوة وحسن الأسى عنه.(1)
{8}
[310] ولمّا توفّي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أدخله قبره الحسين ومحمّد بن الحنفية وعبيد اللّه بن عبّاس ، ثمّ وقف على قبره وقد اغرورقت عيناه فقال : رحمة اللّه عليك أبا محمّد، فلئن عزّت حياتُك لقد هدّت وفاتك، ولنعم الروح روح تضمّنه بدنك، ولنعم الجسد جسد تضمّنه کفنك، ولنعم الكفن کفن تضمّنه لحدك. وكيف لاتكون كذلك وأنت حليف التقى، وجدّك النبيّ المصطفى، وأبوك على المرتضى، وأُمّك فاطمة الزهراء، وعمّك جعفر الطيّار في جنّة المأوى ، غذتك أكفّ الحقّ، وربّيت في حجر الإسلام، ورضعت ثدي الإيمان، فطبت
ص: 295
حيّاً وميّتاً، فلئن كانت الأنفس غير طيّبة بفراقك، فإنّها غير شاكّة أنّه قد خیر لك، وأنّك وأخاك سيّدا شباب أهل الجنّة، فعليك السلام.(1)
ص: 296
ص: 297
{1}
[311] عن أبي عبداللّه الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ، أنّه قال : للمهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) خمسُ علامات : السفياني، واليماني، والصيحة من السماء، والخسف بالبيداء، وقتل النفس الزكيّة.(1)
{2}
[312] قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ قُدّام القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) علامات تكون من اللّه للمؤمنين وهي قول اللّه : «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ» يعني المؤمنين قبل خروج القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) «بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ»من ملوك بني العبّاس في آخر سلطانهم.
«وَالْجُوعِ» ، لغلاء أسعارهم.
«وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ ، فساد التجارات، وقلّة الفضل.
ونقص من «الْأَنْفُسِ»، موت ذريع.
و نقص من «الثَّمَرَاتِ» ، قلّة زكاء ما يزرع.
«وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ سورة البقرة - الآية 155.»(2) عند ذلك بتعجيل خروج القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف).(3)
{3}
[313] عن أبي عبداللّه الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال : إذا رأيتم علامةً في
ص: 298
السماء نار عظيمة من قِبَل المشرق تطلُع ليالي، فعندَها فرجُ الناس، وهي قدّام المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
وفي رواية أُخرى : إذا رأيتم من السماء نارا عظيمة من قبل المشرق تطلع ليالي فعندها إقدام المهدي(عَلَيهِ السَّلَامُ).(1)
{4}
[314] عن أبي عبداللّه الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا يكون الأمر الّذي ينتظرون - يعني ظهورَ المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) - حتّى يتبرّأ بعضكم من بعض، ويشهد بعضكم على بعض بالكفر، ويلعن بعضکم بعضاً.
فقلت : ما في ذلك الزمان من خير؟
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الخيرُ كله في ذلك الزمان، يخرج المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فيرفع ذلك كلّه.(2)
{5}
[315] عن الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أنّه قال : تواصلوا وتبارّوا، فوالّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ليأتينّ عليکم وقت لا يجد أحدكم لدیناره ولا ندر همه موضعاً.
ص: 299
يعني لا يجد عند ظهور المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) موضعاً يصرفه فيه لاستغناء الناس جميعاً بفضل اللّه تعالى، وفضل وليّه المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ).(1)
{6}
[316] وعن أبي عبداللّه الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أنّه سُئل : هل ولد المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟
قال: لا، ولو أدركتُه لخدمتُه أيّام حياتي.(2)
{7}
[317] عن عبداللّه بن عمر قال : سمعت الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يقول : لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل اللّه عزّوجلّ ذلك اليوم حتّى يخرج رجل من ولدي، فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، كذلك سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول.(3)
ص: 300
{8}
[318] عن بشر بن غالب الأسدي قال : قال لي الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : یا بشر ما بقاء قريش إذا قدّم القائم المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) منهم خمسمائة رجل فضرب أعناقهم صبراً ثمّ قدم خمسمائة فضرب أعناقهم [صبراً ] ثمّ قدّم خمسمائة فضرب أعناقهم صبراً.
قال : فقلت [ له] : أصلحك اللّه أيبلغون ذلك؟ فقال الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : إنّ مولى القوم منهم، قال : فقال [لي] : بشير بن غالب أخو بشر بن غالب : أشهد أنّ الحسين بن علي عدّ علىّ ستّ عدّات.(1)
{9}
[319] عن أبي عبداللّه الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أنّه قال : لو قام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأنكره الناس، لانّه يرجع إليهم شابّاً موفّقاً، وإنّ من أعظم البليّة أن يخرُج إليهم صاحبُهم شابّاً، وهم يحسبونه شیخاً كبيراً.(2)
ص: 301
{10}
[320] عن أبي عبد اللّه الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أنّه قال : إذا خرج المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لم يكن بينه وبين العرب و قريش إلّا السيف، وما يستعجلون بخروج المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ! واللّه ما لباسه إلّا الغليظ، ولا طعامه إلّا الشعير، وما هو إلّا السيف ، والموتُ تحت ظلّ السيف.(1)
{11}
[321] عن عيسى الخشاب قال : قلت للحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : أنت صاحب هذا الأمر؟ قال : لا ولكن صاحب الأمر الطريد الشريد الموتور بأبيه ، المکنّی بعمّه، يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر.(2)
{12}
[322] التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق، المظهر للدين، والباسط للعدل.
ص: 302
قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت له: يا أمير المؤمنين وإنّ ذلك لكائن؟
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إي والّذي بعث محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالنبوّة واصطفاه على جميع البريّة ولكن بعد غيبة وحيرة فلا يثبت فيها على دينه إلّا المخلصون المباشرون لروح اليقين الّذين أخذ اللّه عزّوجلّ میثاقهم بولايتنا وكتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح منه.(1)
{13}
[323] عن محمّد بن علي بن موسى، عن أبيه عليّ بن موسی بن جعفر ، عن أبيه موسی بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي(عَلَيهِم السَّلَامُ) عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : - وساق الكلام إلى أن قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) -:
وإنّ اللّه تبارك وتعالى رب في صُلْب الحسن(2) نطفة مباركة زكيّة طيّبة طاهرةً مطهرةً، يرضى بها كلّ مؤمن ممن أخذ اللّه عزّوجلّ میثاقه في الولاية ، ويكفر بها كلّ جاحد، فهو إمام تقي نقي بارّ مرضيّ هاد مهديّ، يحكم بالعدل ويأمر به، يصدّق اللّه عزّوجلّ ويصدّقه اللّه في قوله، يخرج من تهامة حين تظهر الدلائل والعلامات وله بالطالقان كنوز لاذهب ولا فضّة إلّا خيول مطهّمة ورجال
ص: 303
مسوّمة يجمع اللّه عزّوجلّ له من أقاصي البلاد على عدد أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، معه صحيفة مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم وأنسابهم وبلدانهم وصنائعهم وكلامهم و کناهم کرّارون مجدّون في طاعته.
فقال له أُبيّ: وما دلائله وعلاماته یا رسول اللّه؟
قال : له عَلَم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العَلَم من نفسه وأنطقه اللّه تبارك وتعالى فناده العَلَم أخرج يا وليّ اللّه فاقتل أعداء اللّه، وله رایتان و علامتان وله سيف مغمد، فإذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غِمده ، وأنطقه اللّه عزّوجلّ فناده السيف : أُخرج ياوليّ اللّه فلا يحلُّ لك أن تقعد عن أعداء اللّه فيخرج ويقتل أعداء اللّه حيث ثقفهم ويقيم حدود اللّه ويحكم بحكم اللّه، يخرج وجبرائيل عن يمينه و میکائیل عن يساره وشعيب وصالح على مقدّمه، فسوف تذكرون ما أقول لكم وأُفوّض أمري إلى اللّه عزّ وجلّ ولو بعد حين.
يا أُبيّ طوبى لمن لقيه ، وطوبى لمن أحبّه، وطوبى لمن قال به، نجیهم اللّه من الهلكة بالإقرار به وبرسول اللّه وبجميع الأئمّة يفتح لهم الجنّة، مثلهم في الأرض كمثل المسك يسطع ريحه فلا يتغيّر أبداً، ومثلهم في السماء كمثل القمر المنير الّذي لا يُطفأ نوره أبداً.
قال أُبيّ : يا رسول اللّه كيف حال هؤلاء الأئمّة عن اللّه عزّوجلّ؟
قال : إنّ اللّه تبارك وتعالى أنزل عليّ اثني عشر خاتماً واثنتي عشرة ص حيفة اسم كلّ إمام على خاتمه وصفته في صحيفته ، صلى اللّه عليه وعليهم أجمعين.(1)
ص: 304
{14}
[324] عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في حديث : إنّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : يظهر اللّه قائمنا فينتقم من الظالمين.
فقيل له : يابن رسول اللّه من قائمكم؟
قال : السابع من ولد ابني محمّد بن علي، وهو الحجّة بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسی بن جعفر بن محمّد بن علي ابني (عَلَيهِم السَّلَامُ)، وهو الّذي يغيب مدّة طويلة ثمّ يظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.(1)
{15}
[325] في التاسع من ولدي سنّة من يوسف، وسنّة من موسی بن عمران (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وهو قائمنا أهل البيت، يصلح اللّه تبارك وتعالى أمره في ليلة واحدة.(2)
ص: 305
{16}
[326] عن عبداللّه بن شريك، عن رجل من همدان قال : سمعت الحسين بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يقول : قائم هذه الأُمّة هو التاسع من ولدي وهو صاحب الغيبة وهو الّذي يقسم میراثه وهو حيّ.(1)
{17}
[327] ورد عن أبي عبداللّه الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)أنه قال : لصاحب هذا الأمر - يعني المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) - غیبتان، إحداهما تطول حتّى يقول بعضهم مات وبعضهم ذهب، ولا يطلع على موضعه أحد من وليّ ولا غيره إلّا المولى الّذي يلي أمره.(2)
ص: 306
ص: 307
{1}
[328] عن عمران بن میثم، عن حبابة الوالبيّة قال : دخلت عليها فقالت : من أنت؟ قلت : ابن أخيك میثم، فقالت :
أخي واللّه لأحدثنّك بحديث سمعته من مولاك الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) إنّي سمعته يقول : والّذي جعل أحمس خیر بجيلة وعبد القيس خير ربيعة وهمدان خير اليمن إنّكم خيرُ الفرق، ثمّ قال : ما على ملّة إبراهيم إلّا نحن وشیعتنا وسائر الناس منها براء.(1)
{2}
[329] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أنا وهذا يعني عليّاً يوم القيامة كهاتين، وضمّ بين اصبعيه ، وشيعتنا معنا، ومن أعان مظلومنا كذلك.(2)
ص: 308
{3}
[330] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : لمّا أُدخلت الجنّة رأيت فيها شجرةً تحمل الحُلّي والحُلَل، أسفلها خيلٌ بلق وأوسطُها حور عين، وفي أعلاها الرضوان.
قلت : يا جبرئیل ! لمن هذه الشجرة؟
قال : هذه لابن عمّك أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فإذا أمر اللّه بدخول الجنّة يؤتى بشيعة عليّ حتّى ينتهي بهم إلى هذه الشجرة، فيلبسون الحليّ والحلل، ويركبون الخيل البلق، وينادي مناد: هؤلاء شيعة عليّ، صبروا في الدنيا على الأذى، فحبّوا في هذا اليوم بهذا.(1)
{4}
[331] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : والّذي نفسي بيده، لاتفارق روح جسد صاحبها حتّى يأكل من ثمر الجنّة، أو من شجر الزقّوم، وحتى يرى ملك الموت، ويراني، ويرى عليّاً، وفاطمة والحسن، والحسين، فإن كان يحبُّنا،
ص: 309
قلت : يا ملك الموت! ارفق به، فإنه كان يحبُّني وأهلَ بيتي، وإن كان يبغضني ويبغض أهل بيتي، قلت : يا ملك الموت ! شدّد عليه، فإنّه كان يبغضني ويبغض أهل بيتي، لا يحبُّنا إلّا مؤمن، ولا يبغضنا إلّا منافق شقي. (1)
{5}
[323] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا عليّ إن اللّه عزّوجلّ قد غفر لك ولأهلك ولشيعتك ولمحبّي شيعتك فأبشر فإنّك الأنزع البطين : المنزوع من الشرك البطين من العلم.(2)
ص: 310
{6}
[333] عن الحسين بن علي، عن أُمّه فاطمة (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قالت : خرج علينا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عشيّة عرفة فقال : إنّ اللّه تعالى باهي بكم الملائكة، فغفر لكم عامّة وغفر لعليّ خاصّة، وإنّي رسول اللّه إليكم غير هائب لقومي ولا محابّ القرابتي، هذا جبرئيل يخبرني أنّ السعيد كلّ السعيد حقّ السعيد من أحبّ عليّاً في حياتي وبعد موتي.(1)
{7}
[334] عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : يا عليّ إنّ شیعیتنا يخرجون من قبورهم يوم القيامة على مابهم من العيوب والذنوب وجوههم كالقمر في ليلة البدر، وقد فرجت عنهم الشدائد، وسهلت لهم الموارد، وأُعطوا الأمن والأمان، وارتفعت عنهم الأحزان يخاف الناس ولا يخافون، ويحزن الناس ولا يحزنون، شرك
ص: 311
نعالهم تتلألأ نوراً، على نوق بيض لها أجنحة قد ذلّلت من غير مهانة ونجبت من غير رياضة، أعناقها من ذهب أحمر، ألين من الحرير، لكرامتهم على اللّه عزّوجلّ.(1)
{8}
[335] عن عمران بن میثم قال : سمعت الحسين بن علي (صلوات اللّه عليه) يقول : ما أحد على ملة إبراهيم إلا نحن و شیعتنا وسائر الناس منها براء.(2)
ص: 312
{9}
[336] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أتاني جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن ربّي عزّوجلّ وهو يقول : ربّي يُقرئك السلام ويقول لك: يا محمّد بشّر المؤمنين الّذين يعملون الصالحات ويؤمنون بك وبأهل بيتك بالجنّة، فإن لهم عندي جزاءُ الحسنى وسيُدخلون الجنّة.(1)
ص: 313
ص: 314
ص: 315
{1}
[337] إبدأ بمَن تَعُول، أُمّك وأباك وأُختَك وأخاك. ثمّ أدناك فأدناك.(1)
{2}
[338] روي عن الحسين بن علي : إتّخذوا عند الفقراء الأياديَ، فإنّ لهم دولةً، إذا كان يومُ القيامة ينادي منادٍ : سيروا إلى الفقراء، فيعتذروا إليهم كما يَعْتَذِرُ أحدكم إلى أخيه الذنبَ في الدنيا.(2)
{3}
[339] عن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إتّقوا هذه الأهواء الّتي جماعها الضلالة
ص: 316
وميعادها النار.(1)
{4}
[340] ومن بديع كلامه: أجودُ الناسِ مَن أعطى مَن لا يَرجوه، وأعفى الناس مَن عَفى عمّن قَدَره، وأوصلُ الناس مَن وَصَلَ مَن قَطَعه.(2)
{5}
[341] قال رجل للحسين(عَلَيهِ السَّلَامُ) : بنیتُ داراً أُحبّ أن تدخلها وتدعو اللّه ، فدخلها فنظر إليها، فقال : أخرَبْتَ دارَك، وعَمَّرْتَ دارَ غيرِك، غَرَّكَ من في الأرض، ومَقَتَكَ مَن في السماء.(3)
{6}
[342] الإخوان أربعة: فأخٌ لك وله وأخٌ لك، وأخ عليك، وأخٌ لالك
ص: 317
ولا له. : فسئل عن معنى ذلك؟
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الأخُ الّذي هو لك وله فهو الأخُ الّذي يَطلُب بإخائه بقاء الإخاء، ولا يطلب بإخائه موتَ الإخاء، فهذا لك وله، لاته إذا تَمَّ الإخاءُ طَلَبَتْ حياتُهُما جميعاً، وإذا دخل الإخاءُ في حال التناقض بطل جميعاً.
والاخُ الّذي هو لك : فهو الأخُ الّذي قد خرج بنفسه عن حال الطمع إلى حال الرغبة، فلم يطمع في الدنيا إذا رغِب في الإخاء، فهذا موفّرٌ عليك بكلّيَّته.
والاخُ الّذي هو عليك : فهو الأخُ الّذي يتربَّصُ بك الدوائر، ويُغْشى السرائر، و يكذب عليك بين العشائر ، وينظرُ في وجهِك نظر الحاسد، فعليه لعنة الواحد.
والأخ الّذي لالك ولا له فهو الّذي قد ملأه اللّه حُمقاً فأبعده سُحقاً، فتراه يؤثر نفسَه عليك، ويطلُبُ شُحّاً مالديك.(1)
{7}
[343] سئل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في حال صغره عن أصوات الحيوانات ؛ لأنّ من شرط الإمام أن يكون عالماً بجميع اللغات حتّى أصوات الحيوانات.
فعلی ماروی محمّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنه قال :
ص: 318
إذا صاح النسر فإنّه يقول : يابن آدم عِش ما شئتَ فأخره الموت.
وإذا صاح البازي يقول : يا عالمَ الخفيّات يا كاشف البليّات.
وإذا صاح الطاووس يقول: مولاي ظلمتُ نفسي واغتَرَرْتُ بزينَتي فاغفِر لي.
وإذا صاح الديك يقول: مَن عرف اللّه لم ينسَ ذكره.
وإذا قرقرت الدجاجة تقول: يا إله الحقّ أنت الحقّ وقولُك الحقّ يا اللّه یا حقّ.
وإذا صاح الباشق(1) يقول : آمنتُ باللّه واليوم الآخر.
وإذا صاحت الحدأة(2) تقول: توكّلْ على اللّه تُرزَق.
وإذا صاح العقاب يقول: من أطاع اللّه لم يَشُقّ.
وإذا صاح الشاهين يقول : سبحان اللّه حقّاً حقّاً.
وإذا صاحت البومة تقول: البُعدُ مِن الناس أُنس.
وإذا صاح الغراب يقول: يارازق ابعث بالرزق الحلال.
وإذا صاح الكركي(3) يقول : اللّهمّ احفَظني من عدوّي.
وإذا صاح اللقلق يقول : مَن تخلّى من الناس نجی من أذاهم.
وإذا صاحت البطّة تقول : غفرانك يا اللّه غفرانك.
وإذا صاح الهدهد يقول: ما أشقى مَن عصى اللّه!
ص: 319
وإذا صاح القُمري(1) يقول : يا عالم السرّ والنجوی یا اللّه.
وإذا صاح الدبْسي(2) يقول : أنت اللّه لا إله سواك يا اللّه.
وإذا صاح العقعق(3) يقول : سبحان من لا يخفى عليه خافية.
وإذا صاح الحمل(4) يقول : كفى بالموت واعظاً.
وإذا صاح الجَدْي(5) يقول : عاجلني الموتُ فقلّ ذنبي.
وإذا زار الأسد يقول : أمرُ اللّه مهمّ مهمّ.
وإذا صاح الثور يقول : مهلاً مهلاً يابن آدم ! أنت بين يدَيْ مَن يَرى ولا يُرى وهو اللّه.
وإذا صاح الفيل يقول : لايُغني عن الموت قوّة ولا حيلة.
وإذا صاح الفهد يقول : يا عزيزُ يا جبارِ يا متكبِّر يا اللّه.
وإذا صاح الجمل يقول : سبحان مذلُّ الجبّارين سبحانه.
وإذا صهل الفرس يقول : سبحان ربُّنا سبحانَه.
وإذا صاح الذئب يقول : ما حفظ اللّه فلن يُضيع أبداً.
وإذا صاح ابن آوى يقول : الويل الويل الويل للمُذنب المصرّ.
وإذا صاح الكلب يقول : كفى بالمعاصي ذلّا.
ص: 320
وإذا صاح الأرنب يقول : لاتُهلِكني يا اللّه ، لك الحمد.
وإذا صاح الثعلبُ يقول : الدُنيا داُر غرور.
وإذا صاح الغزال يقول : نَجِّني من الأذى.
وإذا صاح الايِّل(1) يقول : حسبي اللّه ونِعْم الوكيل حسبي.
وإذا صاح النمر يقول : سبحان من تعزّز بالقدرة سبحانه.
وإذا صاحت الحيّة تقول : ما أشقى مَن عصاك يارحمن.
وإذا صاح الببغاء يقول : من ذكر ربّه غُفِر ذنبُه.
وإذا صاح العصفور يقول : إستغفِر اللّه ممّا يُسخِطُ اللّه.
وإذا صاح البلبل يقول : لا إله إلّا اللّه حقّاً حقّاً.
وإذا صاحت القبجة(2) تقول: قَرُب الحقّ، قَرُب.
وإذا صاحت السُماناة(3) تقول : يابن آدم ما أغفلك عن الموت.
وإذا صاح السُنوذُنيق(4) يقول : لا إله إلّا اللّه محمّد [رسول اللّه] وآلُه خِيَرَةُ اللّه.
وإذا صاحت الفاختة تقول : يا واحدُ یا أحدُ يا فردُ یا صمد.
وإذا صاح الشِقِّراق(5) يقول : مولاي أعتِقني من النار.
ص: 321
وإذا صاحت القُنْبَرة(1) تقول: مولاي تُب على كلّ مُذنب من المؤمنين.
وإذا صاح الورشان(2) يقول : إن لم تغفر ذنبي شَقَيْتُ.
وإذا صاح الشِفّنين(3) يقول : لا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم.
وإذا صاحت النُعامة تقول: لا معبودَ سوى اللّه.
وإذا صاحت الخُطّافة(4) فإنّها تقرأ سورة الحمد وتقول : يا قابلَ توبةٍ التوّابين، یا اللّه لك الحمد.
وإذا صاحت الزرّافة تقول: لا إله إلّا اللّه وحده.
وإذا صاحت العقرب تقول : الشرّ شيء وحش.
ثم قال : ما خَلَقَ اللّهُ مِن شيء إلّا وله تسبيحٌ يحمد به ربّه، ثمّ تلا هذه الآية : «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ»(5).(6)
ص: 322
روی ابن شهر آشوب عن تفسير الثعلبي قال : قال الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) :
إذا صاح النسر قال : ابن آدم عش ما شئت، آخرُه الموت.
وإذا صاح الغراب قال : إنّ في البُعد من الناس أُنس.
وإذا صاح القُنبَر قال : اللّهمّ العن مُبغضي آل محمّد.
وإذا صاح الخطّاف قرأ: الحمد للّه ربّ العالمين، ويمدّ الضالّین كما يمُدُّها القاري.(1)
{8}
[344] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إذا طرقکم سائل ذکر بالليل فلا تردّوه.(2)
{9}
[345] قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للشامي الّذي سأله عن المسائل في جامع الكوفة : أربعة لايشبعن من أربعة : أرض من مطر، وأُنثى من ذكر، وعين من
ص: 323
نظر، وعالم من علم.(1)
{10}
[346] استتمام المعروف أفضل من ابتدائه.(2)
{11}
[347] علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمّد، عن أبيه علي ، عن أبيه الحسين بن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) عن علي قال : أشدّ الأعمال ثلاثة : إعطاء الحقّ من نفسك، وذكر اللّه على كلّ حال، ومواساة الأخ في المال.(3)
ص: 324
{12}
[348] قيل للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كيف أصبحت یابن رسول اللّه؟
قال : أصبحت كثير الذنوب قبيح العيوب، فلا أدري أيّهما أشكر، أقبيح مایستر أم عظيم ما يغفر ؟(1)
{13}
[349] قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إصبر على مائکره فيما يُلزِمُك الحقّ، واصبر عمّا تُحِبّ فيما يدعو إليه الهوى.(2)
ص: 325
{16}
[352] عن الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال : سمعت جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول لي: إعمل بفرائض اللّه تكن أتقى الناس، وارض بقسم اللّه تكن أغنى الناس ، وكفّ عن محارم اللّه تكن أورع الناس، وأحسن مجاورة من جاورك تكن مؤمناً ، وأحسن مصاحبة من صاحبك تكن مسلماً.(1)
{17}
[353] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لرجل : إعمل عمل من يظنّ أنه يموت غداً.(2)
{18}
[354] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أفضل الأعمال إلي عند اللّه تعالى إيمان
ص: 327
لا شكّ فيه، وغزو لاغَلول فيه، وحجّ مَبرورٌ، وأوّلُ مَن يدخل الجنّة شهيد وعبد مملوك أحسن عبادة ربّه، ونصح لسيّده، ورجل عنيف مُتعفّف ذو عبادة ، وأوّلُ مَن يدخل النار إمام مُسَلّط لم يعدِل، وذو ثروة من المال لم يَقْضِ حقّه ، وفقيرٌ فخور.(1)
{19}
[355] السيّد نعمة اللّه الجزائري رفعه إلى أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : صحّ عند قول النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أفضل الأعمال بعد الصلاة إدخال السرور في قلب المؤمن بما لا إثم فيه، فإنّي رأيت غلاماً يؤاكل كلباً، فقلت له في ذلك، فقال : يابن رسول اللّه إنّي مغموم أطلب سروراً بسروره، لأنّ صاحبي يهوديّ أُريد أُفارقه ، فأتى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى صاحبه بمائتي دينار ثمناً له، فقال اليهودي : الغلام فداء لخطاك وهذا البستان له ورددتُ عليك المال.
قال : قبلت المال ووهبته للغلام.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أعتقت الغلام ووهبته له جميعاً.
فقالت امرأة اليهودي : أسلمتُ ووهبتُ مهري لزوجي.
ص: 328
فقال اليهودي : أنا أيضاً أسلمتُ ووهبتُها هذه الدار.(1)
{20}
[356] روي أنّ الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) جاءه رجلٌ وقال : أنا رجل عاص ولا أصبر عن المعصية ، فعظني بموعظة فقال : إفعل خمسة أشياء واذنب ما شئت، فأوّل ذلك : لا تأكل رزقَ اللّه واذنب ما شئت، والثاني : أُخرج مِن ولاية اللّه واذنب ماشئت، والثالث : أُطلب موضعا لا يَراك اللّه واذنب ماشئت ، والرابع : إذا جاء ملك الموت ليقبض روحك فادفعه عن نفسك واذنب ما شئت ، والخامس : إذا أدخلك مالك في النار فلا تدخل في النار واذنب ما شئت !(2)
{21}
[357] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أكثروا من ذكر هادم اللذّات.
فقيل : یا رسول اللّه وما هادم اللذّات؟
قال : الموت، فإنّ أكيس المؤمنين أكثرهم للموت ذکراً وأحسنهم للموت
ص: 329
استعداداً.(1)
{22}
[358] قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أكملكم إيماناً أحسنكم خلقاً.(2)
{23}
[359] صنعت امرأة من نساء الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) طعاماً في بعض أرضه فطعم، ثم رفع الطعام فجاء مولى له فدعا بالطعام، فقال : يا أبا عبد اللّه لا أريده.
قال : لِمَ؟ قال : أكلنا قبيل عند عبيد اللّه بن عباس.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ أباه كان سيّد قریش، إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : يا بني
ص: 330
عبدالمطّلب أطعموا الطعام و أطيبوا الكلام. (1)
{26}
[362] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّ اللّه ليبغض المؤمن الضعيف الّذي لارفق له.(1)
{27}
[363] عن الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ حوائج الناس إليكم من نِعم اللّه عليكم فلا تملّوا من تلك النعم فتعود عليكم نقماً.(2)
{28}
[364] قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ قوماً عبدوا اللّهَ رغبةً فتلك عبادةُ التجّار، وإنّ قوماً عبدوا اللّه رهبةً فتلك عبادة العبيد، وإنّ قوماً عَبَدوا اللّهَ شُكراً فتلك عبادةُ
ص: 332
الأحرار، وهي أفضل العبادة.(1)
{29}
[365] عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عن الحسين بن علي عن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّ الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاث سنين فصيّرها اللّه عزّوجلّ ثلاثين سنة ويقعطها وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيصيّرها ثلاث سنين ثمّ تلا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»(2).(3)
ص: 333
{30}
[366] عن عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : إنّما سمواالأبرار لأنّهم برّوا الآباء والأبناء والإخوان.(1)
{31}
[367] قال الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): إنّ صلاح أوّل هذه الأُمّة بالزهد واليقين ، وهلاك آخرها بالشحّ والأمل.(2)
ص: 334
{32}
[368] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّ العبد ليُنال بحُسن خلقه درجة الصائم القائم.(1)
{33}
[369] عن سيّد الشهداء الحسين بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال : مرّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بر جل يتكلّم بفضول الكلام فوقف عليه ثمّ قال :
إنّك تملي على حافظيك كتاباً إلى ربّك فتكلّم بما يعنيك ودع ما لا يعنيك.(2)
ص: 335
{34}
[370] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : الّذي يسقط من المائدة مهور الحور العين فكلوه.(1)
{35}
[371] عن الحسين بن علي قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّ من حسن إسلام المرء قلّة الكلام فيما لا يعنيه.(2)
{36}
[372] عن الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : إنّ المؤمن اتّخذ للّه عصمته وقوله مرآته، فمرّة ينظر في نعت المؤمنين، وتارة ينظر في وصف المتجبّرين، فهو منه
ص: 336
في لطائف، ومن نفسه في تعارف ، ومن فطنته في يقين، ومن قُدسه على تمکین.(1)
{37}
[373] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّ المؤمن يُعرف في السماء كما يَعرفُ الرجلَ أهلَه وولدَه وإنه أكرم على اللّه من مَلَكٍ مُقرّب.(2)
{38}
[374] عن موسی بن جعفر عن آبائه عن الحسين بن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أهلك الناس اثنان : خوف الفقر، وطلب الفخر.(3)
ص: 337
{39}
[375] قال الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إيّاك أن تكونَ ممّن يَخافُ على العباد مِن ذنوبهم ويأمَنُ العقوبةَ مِن ذنبه ، فإنّ اللّه تبارك وتعالى لا يُخدَع عن جنّتِه ، ولا يِنال ما عنده إلّا بطاعته إن شاء اللّه.(1)
{47}
[383] عن موسی بن جعفر عن أبيه عن جدّه عن عليّ بن الحسين، عن أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : بينا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذات يوم جالس مع أصحابه يبعثهم للحرب إذ أتاه شیخ علیه شجة(1) السفر فقال : أين أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟ فقال : هو ذا فسلّم عليه ثمّ قال : يا أمير المؤمنين إنّي أتيتك من ناحية الشام وأنا شيخ كبير قد سمعت فيك من الفضل ما لا أحصي وأنّي أظنّك ستغتال(2) فعلِّمني ما علَّمك اللّه.
قال : نعم يا شيخ، من اعتدل يوماه فهو مغبون، ومن كانت الدنيا همّه اشتدّت حسرته على فراقها، ومن كان عنده(3) شر يوميه فهو محروم، ومن لم يبال بما زوی من آخرته إذا سلمت له دنياه، فهو هالك، ومن لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوي.
ياشيخ: إرض للناس ماترضى لنفسك، وائت للناس ماتحبّ أن يؤتى إليك، ثمّ أقبل على أصحابه فقال : أيّها الناس أما ترون أن أهل الدنيا یمسون ويصبحون على أحوال شتّى فبين صريع يتلوّى، وبين عائد و معود(4) وآخر بنفسه يجود، وآخر لا يرجى، وآخر مسجى(5)، وطالب الدنيا و الموت يطلبه، وغافل
ص: 341
وليس بمغفول عنه، وعلى أثر الماضي يصير الباقي. (1)
{50}
[386] ثلاث خصال من كنّ فيه استكمل خصال الإيمان : الّذي إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، وإذا غضب لم يخرجه الغضب من الحقّ، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له.(1)
{51}
[387] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ثلاثة أخافهنّ على أُمّتي من بعدي : الضلالة بعد المعرفة، ومُضلّات الفتن، وشهوة البطن والفرج.(2)
ص: 343
{52}
[388] عن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : جاء رجل إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : مالي يارسول اللّه لا أُحبّ الموت؟ فقال له : ألك مال ؟ قال : نعم. قال : فقدمته؟ قال: لا، قال: فمن ثمَّ لا تحبّ الموت، لأنّ قلب الرجل عند متاعه.(1)
{53}
[389] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : الخُلق السيّىء يُفسِد العملَ كما يُفسِدُ الخلّ
ص: 344
العسل.(1)
{61}
[397] سبعة لعنهم اللّه وكلّ نبيّ مجاب، المغيّر لكتاب اللّه، والمكذّب بقدر اللّه، والمبدّل سنّة رسول اللّه، والمستحّل من عترتي ما حرّم اللّه عزّوجلّ، والمتسلّط في سلطانه ليعزّ من أذّل اللّه ويذّل من أعزّ اللّه، والمستحلّ لحرم اللّه، والمتكبّر عبادة اللّه عزّوجلّ. (1)
{62}
[398] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ستّة من المروءة : ثلاثة منها في الحَضَرة، وثلاثة منها في السفر : أمّا اللاتي في الحَضَر فتلاوة القرآن ، وعِمارة مساجده ، واتّخاذ الإخوان في اللّه تعالى.
وأمّا اللاتي في السفر : فبذل الزاد، وحُسن الخُلق، والمزاح في غير معاصي اللّه تعالى.(2)
ص: 348
{63}
[399] قال له رجل ابتداءاً : كيف أنت عافاك اللّه؟
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : السلام قبل الكلام عافاك اللّه، ثمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا تأذنوا لأحد حتّى يُسلّم.(1)
{64}
[400] محمّد بن محمّد بن الأشعث بسنده المتّصل إلى جعفر بن محمّد عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه عليهم صلوات اللّه قال : سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : الخَلْقُ عيالُ اللّه ، فأحبُّ الخلقِ إلى اللّه مَن نفع عيالَ اللّه وأدخلَ على أهل بیت سَروراً، والمشي مع أخ مسلم في حاجة أحبّ لي إلى اللّه من إعتکاف شهرين في المسجد الحرام.(2)
ص: 349
{71}
[407] عن جعفر الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)عن أبيه عن جدّه عن مولانا الحسين بن علي (صلوات اللّه عليه) قال: عاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) سلمان الفارسي فقال : يا أباعبداللّه كيف أصبحت من علّتك؟
فقال : يا أمير المؤمنن أحمد اللّه كثيراً وأشكو إليك كثرة الضجر.
قال : فلا تضجر يا أبا عبداللّه، فما من أحد من شيعتنا يصيبه وجع إلّا بذنب قد سبق منه، وذلك الوجع تطهير له.
قال سلمان : فإن كان الأمر على ما ذكرت، وهو كما ذكرت، فليس لنا في شيء من ذلك أجر خلا التطهير.
قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا سلمان إنّ لكم الأجر بالصبر عليه، والتضرّع إلى اللّه عزّ اسمه، والدعاء له بهما یکتب لكم الحسنات ويرفع لكم الدرجات، وأمّا الوجع فهو خاصّة تطهير وكّفارة.
قال : فقبّل سلمان مابين عينيه وبكى، وقال : من كان يميّز لنا هذه الأشياء لولاك يا أمير المومنین ؟(1)
ص: 352
{74}
[410] قال رجل للنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا رسول اللّه علّمني عملاً لا يحال بينه وبين الجنّة.
قال : لا تغضب ولا تسأل الناس شيئاً، وارض للناس ما ترضى.
فقال : يا رسول اللّه زدني.
قال : إذا صلّيت العصر فاستغفر اللّه سبعاً وسبعين مرّة، يحطّ عنك عمل سبع وسبعين سنة.
قال : مالي سبع وسبعون سنة؟
فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : اعملها لك ولأبيك.
قال : مالي ولأبي سبع وسبعون سنة؟
فقال له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : اجعلها لك ولأبيك ولأُمّك.
قال : يا رسول اللّه مالي ولأبي ولأُمّي سبع وسبعون سنة؟
قال له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : اجعلها لك و لأبيك ولأُمّك ولقرابتك.(1)
ص: 354
{75}
[411 ] قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : القدرة تُذهِب الحفيظة، المرءُ أعلم بشأنه.(1)
{76}
[412] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : قلب الشيخ قلب شابّ في طلب الدنيا ولو التقت ترقوتاه من الكبر إلّا من امتحن اللّه قلبه للإيمان وقليل ماهم.
وبإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : قلب الشيخ شابّ حبّب إليه اثنتان طول الحياة وحبّ المال.(2)
{77}
[413 ] قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قلت لأمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) كيف أصبحت؟
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كيف يصبح من كان اللّه عليه حافظان وعلم أن خطاياه مکتوبات في الديوان إن لم يرحمه ربه فمرجعه إلى النيران.(3)
ص: 355
{78}
[414 ] عن الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أنه رأى رجلاً دُعِيَ إلى طعام فقال للذي دعاه: أُعفُني.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قم فليس في الدعوة عفو، وإن کنت مفطراً فكل، وإن کنت صائماً فبارك.(1)
{79}
[415] قيل لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : صف لنا الموت.
فقال : على الخبير سقطتم، هو أحد ثلاثة أُمور يرد عليه : إمّا بشارة بنعیم الأبد، وإمّا بشارة بعذاب الأبد، وإمّا تحزين وتهويل وأمره مبهم لا يدري من أيّ الفرق هو، فأمّا ولّينا المطيع لأمرنا فهو المبشر بنعيم الأبد، وأمّا عدوّنا المخالف علينا فهو المبشر بعذاب الأبد، وأمّا المبهم أمره الّذي لا يدري ما حاله فهو المؤمن المسرف على نفسه لا يدري مايؤول إليه حاله، يأتيه الخبر مبهماً مخوفاً ثمّ لن يسوّيه اللّه عزّوجلّ بأعدائنا لكن يخرجه من النار بشفاعتنا، فاعملوا وأطيعوا، لا تتكلوا ولا تستصغروا عقوبة اللّه عزّوجلّ، فإنّ من المسرفين من لا تلحقه شفاعتنا إلّا بعد عذاب ثلاثمائة ألف سنة.(2)
ص: 356
{80}
[416] عن الحسين بن على بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : لا تأمن إلّا من قد خاف اللّه تعالى.(1)
{81}
[417 ] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : لا تزال أُمّتي بخير ما تحابّوا، وتهادوا، وأدّوا الأمانة، واجتنبوا الحرام، ووقّروا الضيف وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، فإذا لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط والسنين.(2)
ص: 357
{82}
[418 ] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه، و[عن] شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن حبنا أهل البيت.(1)
{85}
[421] عن سيد الأنبياء محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، قال : لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم وكثرة الحج والمعروف وطنطتهم بالليل ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة.(1)
{86}
[422] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : لا حسب إلّا بالتواضع، ولا كرم إلّا بالتقوى، ولاعمل إلّا بالنية. قال : وقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : حسب المرء ماله، ومروّته عقله ، وحلمه شرفه، وكرمه تقواه.(2)
ص: 359
{87}
[423] لادین لمن دان بطاعة المخلوق ومعصية الخالق.(1)
{88}
[424] الجعفريات : أخبرنا عبداللّه(2) أخبرنا محمّد(3)، حدّثني موسی(4)، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : لارقى إلّا في ثلاث : في حيّة أو في عين أو دم لا يرقا (5).(6)
ص: 360
{92}
[428] عن الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن آبائه الطاهرين عن الحسين بن عليّ، عن أبيه علي بن أبي طالب (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أنّه قال : لو رأى العبد أجلَه وسرعته إليه لأبغض العمل، وترك طلب الدنيا.(1)
{93}
[429] لو رأيتم المعروف، رجلاً لرأيتموه حسناً جمیلاً يسرُّ للناظرين ، ويفوق العالمين.(2)
{94}
[430 ] عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال : لو علم العبد ماله في حُسْن الخلق العلم أنّه يحتاج أن يكون له خلق حَسَن، فإنّ حسن الخلق يُذيب الخطيئة كما يُذیب الماءُ المِلحَ.(3)
ص: 362
{95}
[431] قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لولا ثلاثة ماوضع ابن آدم رأسه لشيء: الفقر، والمرض، والموت (1)
{96}
[432] عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) أنه قال : لو وجدت مؤمناً على فاحشة لسترته بثوبي، أو قال (2)(عَلَيهِ السَّلَامُ) : بثوبه هكذا.(3)
{97}
[433] ما أحسن ظواهرها وإنّما الدواهي في بطونها فاللّه اللّه عباد اللّه لاتشتغلوا بالدنيا فإنّ القبر بیت العمل فاعملوا ولا تغفلوا و أنشد :
یا من بدنياه اشتغل***وغرّه طول الأمل
الموت يأتي بغتة***و القبر صندوق العمل(4)
ص: 363
{98}
[434 ] قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مالُك أن يكن لك كنتَ له منفقاً، فلا تُبقه بعدك فیکن ذخيرةً لغيرك، وتكون أنت المطالَبُ به المأخوذ بحسابه، واعلم أنّك لا تبقى له، ولا يبقى عليك، فكله قبل أن يأكلك.(1)
{99}
[435] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ما كان وما يكون إلى يوم القيامة مؤمن إلّا وله جار يؤذيه.(2)
{100}
[436] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ما من شيء أثقل في الميزان من حسن
ص: 364
الخلق. (1)
{101}
[437] عن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه اعتلّ، فعاد عمرو بن حُرَیْث (2) فدخل عليه علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له: يا عمرو، تعود الحسين وفي النفس ما فيها؟ وإن ذلك ليس بمانعي من أن أُودّي إليك نصيحة، سمعتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : ما من عبد مسلم يعود مريضاً إلّا صلّی عليه سبعون ألف ملك من ساعته الّتي يعود فيها، إن كان نهاراً حتّى تغرب الشمس أو ليلاً حتّى تطلع.(3)
ص: 365
{102}
[438] مَن أُصيبَ بمصيبة، فذكر مصيبته ، فأحدثَ استرجاعاً، وإن تقادم عهدها، كتب اللّه له من الأجر مثله يوم أُصيب.(1)
{103}
[439 ] ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة، وفي حديث ابن حمدان : تصيبه مصيبة، وإن قدم عهدها فيحدث لها، وفي حديث ابن المقرىء له استرجاعاً إلّا أحدث اللّه له عند ذلك وأعطاه ثواب ما وعد.
وفي حديث ابن المقرىء وعده عليها، يوم أُصيب.(2)
ص: 366
{104}
[440] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : مَثَل المؤمن عند اللّه كمثل ملَك مقرّب ، وإنّ المؤمن عند اللّه عزّوجلّ أعظم من ملك مقرّب، وليس شيء أحبُّ إلى اللّه تعالى من مؤمن تائب، أو مؤمنة تائبة.(1)
{105}
[441] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : المجالس بالأمانة، ولا يحلّ لمؤمن أن يأثر عن مؤمن، أو قال عن أخيه المؤمن قبيحاً.(2)
ص: 367
{106}
[442 ] ومن كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين قال له رجل: مَن أشرف الناس؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مَن اتّعظ قبل أن يوعَظ، واستيقظ قبل أن يوقظ. فقال : أشهد أنّ هذا هو السعيد.(1)
{109}
[445 ] عن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : مِن أحسن الحسنات عيادة المريض.(1)
{110}
[446] من أدمن على المسجد أصاب الخصالَ الثمانية : آية محكمة، أو فريضة مستعملة، أو سنّة قائمة، أو علم مستطرف، أو أخ مستفاد، أو كلمة تدلّه على هدى، أو تردّه عن ردى، وترك الذنب خشية أو حياء.(2)
{111}
[447 ] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّ الإسلام بدا غريباً وسيعود غريباً كمابدا فطوبى للغرباء، فقيل : ومَن هم یا رسول اللّه؟ قال : الّذين يصلحون إذا فسدَ
ص: 369
الناس، إنّه لا وحشة ولا غربة على مؤمن، وما من مؤمن يموت في غربة إلّا بكت الملائكة رحمًة له حيث قلّت بواكيه، وإلّا فُسح له في قبرِه بنور يتلألأ من حيث دفن إلى مسقط رأسه.(1)
{113}
[449 ] من قبل عطاءك، فقد أعانك على الكرم.(1)
{114}
[450 ] عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال : تسعة أعشار الرزق في التجارة والجزء الباقي في السابياء يعني الغنم. (2)
{119}
[451] عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : وعظني جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا محمّد أحبِب مَن شئت فإنّك مفارقه، واعمل ما شئت فإنّك مُلاقيه.(3)
ص: 371
{116}
[452 ] أخبرنا أبو الحسن أحمد بن المظفّر بن أحمد العطّار قال : حدّثنا أبو محمّد عبداللّه بن محمّد بن عثمان الملقب بابن السقاء الحافظ (1) قال : [أخبرنا محمّد بن محمّد بن الأشعث قال : حدّثني موسى بن إسماعيل قال : ] حدّثني أبي ، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين ، عن أبيه، عن جدّه عليّ (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : مَن أسبغ وضوءه، وأحسن صلاته، وأدّى زكاة ماله، وكفّ غضبه ، وسجن لسانه ، وبذل معروفه، واستغفر الذنبه، وأدّى النصيحة لأهل بيتي فقد استكمل حقائق الإيمان، وأبواب الجنّة له مفتّحة.(2)
ص: 372
{117}
[453] عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال : من استذلّ مؤمناً أو حقّره لفقره، وقلّة ذات يده شهره اللّه يوم القيامة ثمّ يفضحه.(1)
{119}
[455 ] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : من أعان مؤمناً مسافراً في حاجة نفّس اللّه عنه ثلاثة وسبعین کربة واحدة في الدنيا من الهمّ والغمّ وثنتين وسبعین کربة عند كربته العظمى. قيل : یا رسول اللّه وما الكربة العظمى؟ قال : حيث يتشاغل الناس بأنفسهم حتّى أنّ إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : أسألك بخلّتي لا تسلمني إليها.(1)
{120}
[456] من أُعطي أربع خصال في الدنيا فقد أُعطي خير الدنيا والآخرة وفاز بحظّه منهما: ورع يعصمه عن محارم اللّه، وحسن خلق يعيش به في الناس ، وحلم يدفع به جهل الجاهل، وزوجة صالحة تعينه على أمر الدنيا والآخرة.(2)
ص: 374
{123}
[459] من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.(1)
{124}
[460] قال عنده رجل : إنّ المعروف إذا أُسدي إلى غير أهله ضاع، فقال الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ليس كذلك، ولكن تكون الصينعةُ مثلَ وابل المطر تُصيبُ البرَّ والفاجر.(2)
{125}
[461] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : من ردّ عن عرض أخيه المسلم وجبت له الجنّة البتّة.(3)
ص: 376
{126}
[462] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : من رضي من اللّه بالقليل من الرزق، رضي اللّه منه بالقليل من العمل، وانتظار الفرج عبادة.(1)
{127}
[463] مَن زار أخاه في اللّه، باهي اللّه به ملائكته، حتّى إذا لقيَه ناداه ملكٌ من السماء : طبتَ وطاب مَمْشاك ، حتّى إذا حدّثه قال اللّه للملكين: أُكتُبا له عملَ سبعين نبيّاً، كلّهم مجتهدُ في طاعتي، قد أُهريق دمُه في سبيلي، حتّى إذا ضاحكه، قال اللّه للملائكة : أُشهِدكم عبادي أنّي أُضحِكُه يومَ تبيضّ وجوهً وتسودّ وجوهٌ، حتّى إذا أكلَه، قال عزّ وجلّ لخزّان جنّته وسكّانها من کرام ملائكته: أُشهِدكم عبادي وخَزنَتي مِن خلقي و ملائکتي، أنّي أُكرِمُه بالنظر إلى نوري وجلالي وكبريائي يوم القيامة ، وأُشهِدكم أنّي ممّن أُزكّيه و أُطهّره و أُثيبه و أُرْضيه و أُشفّعه.(2)
ص: 377
{128}
[464] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : من زار أخاً له في اللّه تعالى أو عاد مريضاً نادى مناد من السماء : طيبوا طاب ممشاكم بثواب من الجنّة مبارك.(1)
{129}
[465 ] عن الرضا عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) عن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : مَن سَرّه أن يُنسَأ في أجلِه ويُزادَ في رزقِه فليَصِلْ رَحِمَه.(2)
ص: 378
{130}
[466] عن ابن مهران قال : كنتُ جالساً عند مولاي الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فأتاه رجل فقال : يابن رسول اللّه إنّ فلاناً له علىّ مال ويريد أن يحبسني.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : واللّه ما عندي مالٌ أقضي عنك.
قال : فكلّمه.
قال : فليس لي به أُنس، ولكنّي سمعتُ أبي أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : مَن سعى في حاجة أخيه المؤمن فكأنّما عبداللّه تسعة آلاف سنة ، صائماً نهاره قائماً ليله.(1)
{131}
[467] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : مَن ضَمِنَ لي واحدةً ضمِنتُ له أربعةً، يصل رحمه فيحبُّه أهلُه، ويوسَّعُ عليه في رِزقه، ویُزادُ في أجله، ويُدخله اللّه في الجنّة الّتي وعده.(2)
ص: 379
{132}
[468] قال الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : مَن عَبَدَ اللّهَ حقّ عبادته آتاه اللّه فوق أمانيّه وكفايته.(1)
{133}
[469] من لم يكن لاحد عائباً لم یعدم مع كلّ عائب عاذراً.(2)
{134}
[470 ] قال الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : مَن نَفَّس کُربةَ مؤمن فرّج اللّه تُعالی عنه کُرَبَ الدنيا والآخرة.(3)
{135}
[471] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : مَن وقّر ذا شيبة لشيبته، آمنه اللّه عزّوجلّ من
ص: 380
فزع يوم القيامة.(1)
{136}
[472] عن أبي جعفر الباقر عن أبيه عن جدّه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من وقف نفسه موقف التهمة فلا يلومنّ من أساء به الظنّ ومن كتم سرّه كانت الخيرة بيده وكل حديث جاوز اثنين فشا، وضع أمر أخيك على أحسنه حتّى يأتيك منه ما يغلبك ولا تظننّ بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً، وعليك بإخوان الصدق فأكثر من اكتسابهم فإنّهم عدّة عند الرخاء وجُنّة عند البلاء، وشاور في حديثك الّذين يخافون اللّه وأحبّ الإخوان على قدر التقوى، واتّقوا شرار النساء و كونوا من خيارهنّ على حذر، إن أمرتكم بالمعروف فخالفوهنّ كي لا يطمعن منكم في المنكر.(2)
ص: 381
{137}
[473] عن عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : من يأمل أن يعيش غداً فإنّه يأمل أن يعيش أبداً، ومن يأمل أن يعيش أبداً، يقسو قلبه ويرغب في الدنيا ، ويزهد في الّذي وعده ربّه تبارك وتعالى.(1)
{138}
[474 ] سئل الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الأدب ؟ فقال : هو أن تخرج من بيتك ، فلا تلقي أحداً إلّا رأيتَ له الفضل عليك.(2)
{139}
[475 ] قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يابن آدم تفكّر وقل أين ملوك الدنيا وأربابها؟ الّذين عمروا، واحتفروا أنهارها وغرسوا أشجارها، ومدنوا مدائنها، فارقوها وهم کارهون، وورثها قومٌ آخرون ونحن بهم عمّا قليل لاحقون! یابن آدم أُذكر مصرعَك، وفي قبرك مضجعك، وموقفك بين يدي اللّه تشهد
ص: 382
جوارحك عليك، يوم تزّل فيه الأقدام، وتبلغ القلوب الحناجر، وتبيضّ وجوه وتسودّ وجوه، وتبدو السرائر، ويوضع الميزان القسط، يابن آدم أُذكر مصارع آبائك وأبنائك كيف كانوا وحيث حلّوا، وكأنّك عن قليل قد حللتُ محلَّهم وصرت عبرةً للمعتبرِ، وأنشد شعراً:
أين الملوك الّتي عن حفظها غفلت***حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
تلك المدائن في الآفاق خالية*** عادت خراباً وذاق الموت بانيها
أموالُنا لذوي الورّاث نجمعها***ودورُنا الخراب الدهر نبنيها(1)
{140}
[476 ] روى عبداللّه بن عباس، قال لي الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : یابن عبّاس ! لا تتكلّمنّ بما لايُعنيك، فإنّني أخاف عليك الوزر، ولا تتكلّمنّ بما يُعنيك حتّى ترى له موضعاً، فرُبّ متكلّم قد تكلّم بحقّ فعيب، ولا تمارينّ حليماً ولا سفيها، فإنّ الحليم يُقليك، والسفيه يُرديك ، ولا تقولنّ خلف أحد إذا توارى عنك إلّا مثل ماتُحبّ أن يقول عنك إذا تواریتُ عنه، واعمل عمل عبد يعلم أنّه مأخوة بالإجرام مُجزي بالإحسان، والسلام.(2)
ص: 383
{141}
[477] قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لرجل إغتاب عنده رجلاً: يا هذا كُفَّ عن الغيبة فإنّها إدام كلاب النار.(1)
{142}
[478 ] من كلام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال لرجل : يا هذا لا تجهد في الرزق جهاد المغالب(2) ولا تتّكل على القدَر إتّکال مستسلم، فإنّ ابتغاء(3) الرزق من السُنّة، والإجمال في الطلب من العفّة، وليست العفّة بمانعةٍ رزقاً، ولا الحرص بجالب فضلاً، وإنّ الرزق مقسوم، والأجل محتوم، واستعمال الحرص طالب المأثم.(4)
ص: 384
{143}
[479] عن الصادق عن أبيه عن جدّه أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : يُنادي مناد يومَ القيامة مِن بُطنان العرش : ألا فليقم كلُّ مَن أجرُه عليّ، فلا يقوم إلّا مَن عفى عن أخيه، الحديث بطوله. (1)
{144}
[480] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : مَن أدى فريضة فله عند اللّه دعوةُ مستجابة ، فإنّ شاء عجّلها له في الدنيا، وإن شاء أخّرها له في الآخرة.(2)
ص: 385
{145}
[481] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ليس شيء أبغض على اللّه عزّ وجلّ من بط ملآن.(1)
{146}
[482] عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال في حديث : وأمّا يوم الجمعة، فهو يوم جمع اللّه فيه الأوّلين والآخرين يوم الحساب ، ما من مؤمن مشى بقدميه إلى الجمعة، إلّا خفّف اللّه عليه أهوال يوم القيامة بعد مايخطب الإمام، وهي ساعة يرحم اللّه فيها المؤمنين والمؤمنات.(2)
ص: 386
{147}
[483 ] قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يومُ السبت يومُ مكرٍ وخديعة، ويومُ الأحَد يومُ غرس وبناء، ويومُ الإثنين يوم سَفَرٍ و طلب، ويومُ الثلاثاء يومُ حربٍ ودم ، ويومُ الأربعاء يومُ شؤم فيه يتطيّر الناس، ويومُ الخميس يومُ الدخول على الأُمراء وقضاء الحوائج، ويومُ الجمعة يومُ خِطبةٍ ونكاح.(1)
{148}
[484] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : من لبس مشهوراً من الثياب أعرض اللّه عنه يوم القيامة.(2)
ص: 387
{149}
[485] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّ اللّه عزّوجلّ کره لكم أشياء العبث في الصلاة والمنّ في الصدقة والرفث في الصيام والضحك عند القبور وإدخال الأعين في الدور بغير إذن والجلوس في المساجد وأنتم جُنُب.(1)
اليوم بكذا وكذا، وأعتق كذا وكذا، فقال : إنّما مثل عبداللّه بن عامر ، كمثل الّذي يسرق الحاج ثمّ يتصدق بما سرق، إنّما الصدقة الطيّبة صدقة من عرف فيها جبينه واغبرّ فيها وجهه.
قيل لأبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من عنى بذلك؟
قال : أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).(1)
{152}
[488] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ليس منّا من غشّ مسلماً أو ضرّه، أو ماکره.(2)
ص: 389
{153}
[489] و من كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لئن أُطعِم أخاً لي مسلماً أحبّ إليّ من أن أُعتق أُفقاً من الناس.
قيل : وكم الأُفق؟
قال : عشرة آلاف.(1)
{154}
[490 ] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : للسائل حقّ وإن جاء على فرس.(2)
{155}
[491] المرض لا أجر فيه، ولكنّه لا يدع على العبد ذنباً إلّا حطّه ، وإنّما الأجر في القول باللسان والعمل بالجوارح، وإنّ اللّه بكرمه وفضله يُدخِل
ص: 390
العبد بصدق النيّة والسريرة الصالحة الجنّة.(1)
{158}
[494 ] عن الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال : لمّا افتتح رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) و خیبر دعا بقوسه فاتّكأ على سِيَتِها(1) ثمّ حمد اللّه وأثنى عليه وذكر ما فتح اللّه له ونصره به، ونهى عن خصال تسعة : عن مهر البغي(2)، وعن كسب الدّابة يعني عسب الفحل، وعن خاتم الذهب، وعن ثمن الكلب، وعن مياثر الأرجوان.(3)
قال أبو عروبة : عن مباثر الحمر وعن لبوس ثياب القسّيّ وهي ثياب تنسج بالشام، وعن أكل لحوم السباع، وعن صرف الذهب بالذهب والفضّة بالفضّة (4) بينهما فضل، وعن النظر في النجوم.(5)
ص: 392
{159}
[495] عن عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) نهى أن يؤكل عند المريض شيء إذا عادَه العائد فيحبط اللّه بذلك أجرَ عیادته.(1)
{160}
[496] عن عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا يحلّ لمسلم أن يروع مسلماً.(2)
{161}
[497] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : لا يزال أُمّتي بخير ما تحابّوا، وأدّوا الأمانة ، واجتَنَبوا الحرام، وقَرَوا الضيف وأقاموا الصلاة، وأدّوا الزكاة، فإذا لم يفعلوا ذلك أُبتُلوا بالقحط والسنين.(3)
ص: 393
{162}
[498] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو مؤمن کَمُلت مرؤته، وظهرت عدالته، ووجبت أُخوّته، وحَرُمت غیبته.(1)
{163}
[499] روى المجلسي، عن أحمد بن عبدالعزيز الجوهري في كتاب
ص: 394
السقيفة، عن عبدالرزّاق، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عبّاس قال : لمّا أُخرج أبوذر إلى الربذة أمر عثمان فنودي في الناس : أن لا يكلّم أحد أباذر ولا يشيّعه، وأمر مروان بن الحكم أن يخرج به، فتحاماه الناس إلّا عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعقيلاً أخاه و حسناً و حسيناً (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وعمّار بن یاسر، فإنّهم خرجوا معه يشيّعونه ، فجعل الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يكلّم أباذر ، فقال له مروان : ایها یا حسن، ألا تعلم أنّ أمير المؤمنين قد نهى عن كلام ذلك الرجل، فإن كنتَ لا تعلم فاعلم ذلك، فحمل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) مروان فضرب بالسوط بين أُذني راحلته، وقال: «تنحّ لحاكَ اللّه إلى النار»، فرجع مروان مغضباً إلى عثمان فأخبره الخبر، فتلظّي على على (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، ووقف أبوذر فودّعه القوم ومعه ذكوان مولى أُمّ هانیء بنت أبي طالب، قال ذكوان : فحفظت کلام القوم، وكان حافظاً.
فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أباذر إنّك غضبت للّه، إنّ القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك، فامتحنوك بالقلا، ونفوك إلى الفلا، واللّه لو كانت السماوات والأرض على عبد رتقاً ثمّ اتقي اللّه لجعل له منهما مخرجاً، یا أباذر لا يؤنسّك إلّا الحقّ، ولا يوحشنّك إلّا الباطل.
ثم قال لأصحابه : ودّعوا عمّكم. وقال العقيل : ودّع أخاك.
فتكلّم عقيل وقال :
ما عسى أن نقول يا أباذر، أنت تعلم أنّا نحبّك وأنت تحبّنا فاتّق اللّه ، فإنّ التقوى نجاة، واصبر فإنّ الصبر كرم، واعلم أنّ استثقالك الصبر من الجزع، واستبطاءك العافية من اليأس، فدع اليأس والجزع.
ثم تكلّم الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا عماه لولا أنه لا ينبغي للمودّع أن يسكت ، وللمشيّع أن ينصرف لقصر الكلام وإن طال الأسف، وقد أتي القوم إليك ما ترى ، فضع عنك الدنيا بتذكّر فراقها، وشدّة ما اشتدّ منها برجاء ما بعدها، واصبر حتّى
ص: 395
تلقى نبيّك (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهو عنك راض.
ثم تكلّم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا عمّاه إن اللّه تعالی قادر أن يغيّر ما قد ترى، واللّه «كلّ يوم في شأن»(1) وقد منعك القوم دنياهم، ومنعتهم دينَك، فما أغناك عمّا منعوك، وأحوجهم إلى ما منعتهم، فاسأل اللّه الصبر والنصر، واستعِذ به من الجشع والجزع، فإنّ الصبر من الدين والكرم، وإنّ الجشع لايُقدّم رزقاً، والجزع لا يؤخّر أجلاً.
ثم تكلّم عمّار (رحمه اللّه) مغضبا فقال : لا أنس اللّه من أوحشك، ولا آمن من أخافك، أما واللّه لو أردت دنياهم آمنوك، ولو رضيت أعمالهم لأحبّوك ، وما منع الناس أن يقولوا بقولك إلّا الرضا بالدنيا، والجزع من الموت، ومالوا إلى ما سلطان جماعتهم عليه، والملك لمن غلب، فوهبوا لهم دينهم، منحهم القوم دنياهم، فخسروا الدنيا والآخرة، ألا ذلك هو الخُسران المبين.
فبكى أبو ذر (رحمه اللّه) وكان شيخاً كبيراً، وقال : رحمكم اللّه يا أهل بیت الرحمة، إذا رأيتكم ذكرتُ بكم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، مالي بالمدينة سكن ولا شجن غیر کم، إنّي ثقلت على عثمان بالحجاز، كما ثقلت على معاوية بالشام، وكره أن أُجاور أخاه وابن خاله بالمصرين فأفسد الناس عليهما، فسيّرني إلى بلد ليس لي به ناصر ولا دافع إلّا اللّه، واللّه ما أُريد إلّا اللّه صاحباً، وما أخشى مع اللّه وحشة.(2)
ص: 396
{164}
[500] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : قال اللّه تبارك وتعالى : يابن آدم لا يغرّنّك ذنبُ الناس عن ذنبك، ولا نعمة الناس عن نعمة اللّه عليك، ولاتُقَنِّط الناس من رحمة اللّه تعالى عليهم وأنت ترجوها لنفسك.(1)
{165}
[501] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : من مرّ على المقابر وقرأ قل هو اللّه أحد إحدى عشر مرّة، ثمّ وهب أجره للأموات أُعطيَ من الأجر بعدد الأموات.(2)
ص: 397
{166}
[502] عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال : أيّما عبد من عبادي مؤمن ابتليته ببلاء على فراشه فلم يشتك إلى عوّاده أبدلته لحماً خيراً من لحمه ودماً خيراً من دمه، فإن قبضته فإلى رحمتي، وإن عافيته وليس له ذنب، فقيل : یا رسول اللّه لحم خيرٌ من لحمه؟ قال : لحم لم يذنب ، قيل : ودم خيرٌ من دمه؟ قال : لم يذنب.(1)
{167}
[503] عن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال : حدّثوا الناس بما يعرفون، ولا تحدّثونهم بماينكرون فيكذّبون اللّه ورسوله.(2)
{168}
[504] قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ الناس يوشكون أن ينقطع بهم العمل، ويُسدّ عليهم باب التوبة ، فلا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في
ص: 398
إيمانها خيراً.(1)
{169}
[505] ومن كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : موتٌ في عزّ خيرٌ من حياة في ذلّ.(2)
{170}
[506] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : تصافحوا فإنّ المصافحة تزيد في المودّة، والهديّة تذهب بالغِلّ.(3)
{171}
[507] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : من استفاد أخاً في اللّه زوّجه اللّه حوراً، فقالوا: يا رسول اللّه وإن واخا أحدنا في اليوم سبعين أخاً؟ قال : إي والّذي نفسي
ص: 399
بيده لو آخا ألفاً لزوّجه اللّه تعالى ألفاً.(1)
{172}
[508] عن علي بن موسى عن موسی بن جعفر عن جعفر بن محمّد عن محمّد بن علي عن علي بن الحسين عن الحسين بن علي عن علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال : النظر إلى ثلاثة عبادة: في وجه الوالدين، وفي المُصحَف ، وفي البحر.(2)
{173}
[509] عن الحسين بن علي من قال: إن العزّ والغِني خرجا يجولان، فلقيا التوکّل فاستوطنا.(3)
ص: 400
{174}
[510] عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : لقي ملك رجلاً على باب دار کان ربُّها غائباً ، فقال له الملك : يا عبدَ اللّه ما جاء بك إلى هذه الدار ؟ فقال : أخٌ لي أردتُ زیارتَه. قال : الرحم ماسّةٌ بينك وبينك أم نزعتك إليه حاجة؟ قال : لا ولكنّي زُرتُه في اللّه ربّ العالمين. قال : فأبشر فإنّي رسولُ اللّه إليك، وهو يُقرئك السلامَ ويقول لك: إيّاي قصدتَ وماعندي أردتَ، فقد أوجبتُ لك الجنّة وعافيتُك من غضبي.(1)
{175}
[511] ما من أهل بيت تروح عليهم ثلاثين شاة إلّا نزل الملائكة تحرسهم حتى يصبحوا.(2)
ص: 401
{176}
[512] عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن أبيه الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : إنّ أُمّة موسی افترقت بعده على إحدى وسبعين فرقة، فرقة منها ناجية وسبعون في النار، وافترقت أُمّة عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعده على اثنتين وسبعين فرقة، فرقة منها ناجية وإحدى وسبعون في النار، وإنّ أُمّتي ستفرق بعدي على ثلاث وسبعين فرقة، فرقة منها ناجية واثنتان وسبعون في النار.(1)
{177}
[513] عن الحسين بن علي عن أبيه عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال : النساء عيّ وعورات فاستروا عيَّهنّ بالسكوت وعورتهنّ بالبيوت.(2)
ص: 402
{178}
[514] عن عبداللّه بن الحسن، عن أُمّه فاطمة بنت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، عن أبيها الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، عن أُمّه فاطمة ابنة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عن أبيها (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال : خیارکم ألينكم مناکب و أكرمهم لنسائهم.(1)
{179}
[515] قال الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : لولا التقيّة ما عُرِف وليّنا من عدوّنا، ولولا معرفة حقوق الإخوان ماعوقب من السيّئات على شيء إلّا عوقب على جميعها، لكن اللّه عزّوجلّ يقول: «وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ»(2).(3)
ص: 403
{180}
[516] قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ في الجنّة لشجرة يخرج من أعلاها الحلل، ومن أسفلها خيل بلق مسرّجة ملجمة ذوات أجنحة ، لا تروث ولا تبول، فيركبها أولياء اللّه فتطير بهم في الجنّة حيث شاؤوا، فيقول الّذين أسفل منهم: يا ربّنا ما بلغ بعبادك هذه الكرامة؟ فيقول اللّه جلّ جلاله : إنّهم كانوا يقومون الليل ولا ينامون، ويصومون النهار ولا يأكلون، ويجاهدون العدوّ ولا يجبنون، ويتصدقون ولا يبخلون.(1)
{181}
[517] إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أوصى إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكان فيما أوصى به أن قال له: يا علي من حفظ من أُمّتي أربعين حديثاً يطلب بذلك وجه اللّه عزّوجلّ والدار الآخرة حشرهَ اللّه يوم القيامة مع النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أُولئك رفيقاً.
فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا رسول اللّه أخبرني ما هذه الأحاديث ؟ فقال : أن تؤمن باللّه وحده لا شريك له، وتعبده ولا تعبد غيره، وتقيم الصلاة بوضوء سابغ في مواقيتها ولا تؤخّرها، فإن في تأخيرها من غير علّة غضب اللّه عز وجل، وتؤدّي
ص: 404
الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وتحجّ البيت إذا كان لك مال و کنت مستطیعاً، وأن لاتعق والديك، ولاتأكل مال اليتيم ظلماً، ولا تأكل الربا، ولا تشرب الخمر ولا شيئاً من الأشربة المسكرة، ولا تزني ولا تلوط، ولا تمشي بالنميمة، ولا تحلف باللّه كاذباً ولا تسرق، ولا تشهد شهادة الزور لأحد قريباً كان أو بعيداً ، وأن تقبل الحقّ ممن جاء به صغيراً كان أو كبيراً، وأن لا تركن إلى ظالم وإن كان حميماً قريباً، وأن لا تعمل بالهوى، ولا تقذف المحصنة، ولا ترائي فإن أيسر الرياء شرك باللّه عزّوجلّ، وأن لا تقول لقصير : يا قصير، ولا لطويل : یا طویل تريد بذلك عيبه، وأن لا تسخر من أحد من خلق اللّه، وأن تصبر على البلاء والمصيبة، وأن تشکر نعم اللّه الّتي أنعم بها عليك، وأن لا تأمن عقاب اللّه على ذنب تصيبه ، وأن لا تقنط من رحمة اللّه، وأن تتوب إلى اللّه عزّوجلّ من ذنوبك، فإنّ التائب من ذنوبه كمن لا ذنب له، وأن لا تصرّ على الذنوب مع الإستغفار فتكون كالمستهزیء باللّه وآياته ورسله، وأن تعلم أنّ ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وأنّ ما أخطأك لم يك ليصيبك، وأن لا تطلب سخط الخالق برضى المخلوق، وأن لا تؤثر الدنيا على الآخرة، لأنّ الدنيا فانية والآخرة باقية، وأن لا تبخل على إخوانك بما تقدر عليه، وأن تكون(1) سريرتك كعلانيتك، وأن لا تكون علانيتك حسنة، وسريرتك قبيحة، فإن فعلت ذلك كنتَ من المنافقين، وأن لا تكذب ، وأن لا تخالط(2) الكذّابين، وأن لا تغضب إذا سمعت حقّاً، وأن تؤدّب نفسك وأهلك وولدك وجيرانك على حسب الطاقة، وأن تعمل بما علمت، ولا تعاملنّ أحداً من خلق اللّه عزّوجلّ إلّا بالحق، وأن تكون سهلاً للقريب والبعيد وأن
ص: 405
لا تكون جبّاراً عنيداً، وأن تكثر من التسبيح والتهليل والدعاء وذكر الموت ومابعده من القيامة والجنّة والنار، وأن تكثر من قراءة القرآن وتعمل بما فيه، وأن تستغنم البرّ والكرامة بالمؤمنين والمؤمنات، وأن تنظر إلى كلّ ما لا ترضى فِعلَه لنفسك فلا تفعله بأحد من المؤمنين، ولا تملّ(1) من فعل الخير ، وأن لا تثقل على أحد، وأن لا تمّن على أحد إذا أنعمتَ عليه(2)، وأن تكون الدنيا عندك سِجناً حتّى يجعل اللّه لك جنّة فهذه أربعون حديثاً من استقام عليها وحفظها عنّي من أُمّتي دخل الجنّة برحمة اللّه وكان من أفضل الناس وأحبّهم إلى اللّه عزّوجلّ بعد النبيّين والوصيّين(3)، وحشره اللّه يوم القيامة مع النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقاً.(4)
ص: 406
{182}
[518] عن موسی بن عمير ، عن أبيه قال : أمرني الحسين بن علي قال : ناد أن لا يقتل معي رجل عليه دَيْنُ ونادِ بها في الموالي فإنّي سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : من مات وعليه دَيْن أُخذ من حسناته يوم القيامة.
وقال : رواه أبو إسحاق الفزاري عن سفيان الثوري موقوفاً غير مرفوع.
وقال : أخبرنا علي بن محمّد بن عبداللّه المعدل، حدّثنا عتمان بن أحمد الدقّاق، حدّثنا محمّد بن أحمد بن النصر ، حدّثنا معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق، عن سفيان، عن أبي الجحاف، عن موسی بن عمير الأنصاري، عن أبيه قال : أمرني حسين بن علي فقال : ناد في الناس أن لا يقاتلن معي رجل عليه دَیْنٌ فإنّه ليس من رجل يموت وعليه دُيْنٌ لا يدع له وفاء إلّا دخل النار. فقام إليه رجل فقال : إن امرأتي تكفلت عنّي. فقال : وما كفالة امرأة وهل تقضي امرأة؟(1)
ص: 407
{183}
[519] قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : صبراً بني الكرام، فما الموتُ إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضّر، إلى الجنان الواسعة، والنعم الدائمة، فأيُّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر؟ وهو لأعدائكم كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب أليم، إنّ أبي حدّثني بذلك عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر ، والموت جسر هؤلاء إلى جنّاتهم، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم» ما كذِبتُ وما كُذّبت.(1)
{184}
[520] لما قضى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مناسکه من حجّة الوداع ركب راحلته و أنشأ يقول : لا يدخل الجنّة إلّا من كان مسلماً، فقام إليه أبو ذر الغفاري (رحمه اللّه ) فقال : يا رسول اللّه : وما الإسلام؟ فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : الإسلام عريان ولباسه التقوى، وزينته الحياء، وملاكه الورع، وجماله الدين، وثمرته العمل، ولكلّ شيء أساس وأساس الإسلام حبّنا أهل البيت.(2)
ص: 408
{185}
[521] عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لمّا حضرت علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) الوفاة ضمّني إلى صدره ثمّ قال : يا بنيّ أُوصيك بما أوصاني به أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين حضرته الوفاة، وممّا ذكر أنّ أباه أوصاه به ، قال : يا بنيّ إيّاك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلّا اللّه.(1)
{186}
[522] حدّثني أبي علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سئل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عن أكثر ما يدخل به الجنة؟
قال : تقوى اللّه وحسن الخلق.
وسئل عن أكثر ما يدخل به النار؟
ص: 409
قال : الأجوفان البطن والفرج.(1)
{187}
[523] مات ابن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلم یر به کابة فعوتب على ذلك.
فقال : إنا أهلُ بيتٍ نسأل اللّه عزّوجلّ فيعطينا، فإذا أراد ما نكره فيما يُحِبّ رَضينا.(2)
{188}
[524] جاء رجل من الأنصار يريد أن يسأله حاجةً فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أخا الأنصار صُن وجهَك عن بذلة المسألة وارفع حاجتك في رقعة، فإنّي آت فيها
ص: 410
ماسارّك إن شاء اللّه، فكتب : يا أبا عبد اللّه إنّ لفلان عليّ خمسمائة دينار وقد ألحّ بي فكلّمه ينظرني إلى ميسرة، فلمّا قرأ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الرُقعة دخل إلى منزله فأخرج صرّة فيها ألف دينار، وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) له : أمّا خمسمائة فاقض بها دينك، وأمّا خمسمائة فاستعن بها على دهرك، ولا ترفع حاجتك إلّا إلى أحد ثلاثة : إلى ذي دين، أو مروة، أو حسب ، فأمّا ذو الدين فيصون دينه ، وأمّا ذو المروّة فإنّه يستحيي لمروّته، وأمّا ذو الحسب فيعلم أنّك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجك، فهو يصون وجهك أن يردّك بغير قضاء حاجتك.(1)
{189}
[525] إنّ عليّاً قال : إنّ اللّه لم يجعل في رجس حرّمه شفاء.(2)
{190}
[526] عن أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، بإسناده عن الرضا، عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : حدّثني أبي الحسين بن عليّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال : دعا رجل [أمير المؤمنین ]
ص: 411
عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له : أجبتك على أن تضمن لي ثلاث خصال ، قال : وما هنّ يا أمير المؤمنين ؟ قال : أن لاتُدخِل عليّ شيئاً من خارج، ولا تدخّر عنّي شيئاً في البيت ولا تجحف بالعيال، قال : ذلك لك، فأجابه عليّ.(1)
{191}
[527] قال رجل للحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : يابن رسول اللّه أنا من شيعتكم.
قال : إتّق اللّهَ ولا تدّعينّ شيئاً يقول اللّه لك : كذبت وفجرت في دعواك ، إنّ شيعتَنا من سلمَت قلوبُهم من كلّ غشّ وغلّ ودغل، ولكن قل أنا مِن مواليكم ومحبّيكم.(2)
{192}
[528] عن الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ): إنّ سائلاً كان يسأل يوماً ، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا، یابن رسول اللّه.
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يقول : أنا رسولُكم، إنْ أعطيتموني شيئاً أخذتُه وحملتُه إلى هناك، وإلّا أردُ إليه وكفّي صُفر.(3)
ص: 412
{193}
[529] سأل أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) إبنه الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) (عن أشياء) :... ثمّ أقبل صلوات اللّه عليه على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له: يا بنيّ ما السؤدد؟
قال : إصطناع العشيرة واحتمال الجريرة.
قال : فما الغني؟
قال: قلّة أمانيك، والرضا بما يكفيك.
قال : فما الفقر؟
قال : الطمع وشدّة القنوط.
قال : فما اللؤم؟
قال : إحراز المرء نفسه وإسلامه عرسه.
قال : فما الخرق؟
قال : معاداتك أميرك ومن يقدر على ضرّك ونفعك.
ثم التفت إلى الحارث الأعور فقال : يا حارث علموا الحكم أولادكم فإنّها زيادة في العقل والحزم والرأي.(1)
ص: 413
{194}
[530] عن محمّد بن عليّ الرضا، عن أبيه الرضا، عن أبيه موسی بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : دخلت أنا وفاطمة على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فوجدته يبكي بكاءاً شديداً.
فقلت : فداك أبي وأُمّي يارسول اللّه ما الّذي أبكاك ؟!
فقال : يا علي! ليلة أُسري بي إلى السماء رأيت نساء من أُمّتي في عذاب شدید، فأنكرت شأنهنّ، فبكيت لما رأيت من شدّة عذابهنّ، ورأيت امرأة معلّقة بشعرها يغلي دماغ رأسها.
ورأيت امرأة معلّقة بلسانها، والحميم يصبّ في خلفها.
ورأيت امرأة قد شدّ رجلاها إلى يديها وقد سلّط عليها الحيّات والعقارب.
ورأيت امرأة صمّاء عمياء خرساء في تابوت من نار يخرج دماغ رأسها من منخرها وبدنها منقطع من الجذام والبرص.
ورأيت امرأة معلّقة برجليها في تنور من النار.
ورأيت امرأة تقطع لحم جسدها من مقدمها ومؤخّرها بمقاريض من نار.
ورأيت امرأة يحرق وجهها ويداها وهي تأكل أمعاءها.
ورأيت امرأة رأسها رأس الخنزير وبدنها بدن الحمار، وعليها ألف ألف لون من العذاب.
ورأيت امرأة على صورة الكلب والنار تدخل في دبرها، وتخرج من فيها ، والملائكة يضربون رأسها وبدنها بمقامع من نار.
ص: 414
فقالت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) : حبيبي وقرّة عيني أخبرني ما كان عملهنّ وسيرتهنّ حتّى وضع اللّه عليهنّ هذا العذاب ؟
فقال : يا بنتي أمّا المعلقة بشعرها فإنّها كانت لا تغطَي شعرها من الرجال. وأمّا المعلّقة بلسانها فإنّها كانت تؤذي زوجها.
وأمّا المعلّقة بثدييها فإنّها كانت تمتنع من فراش زوجها.
وأمّا المعلّقة برجلها فإنّها كانت تخرج من بيتها بغير إذن زوجها.
وأمّا الّتي كانت تأكل لحم جسدها فإنّها كانت تزيّن بدنها للناس.
وأمّا الّتي شدّ يداها إلى رجليها وسلّط عليها الحيبات والعقارب فإنّها كانت قذرة الوضوء، قذرة الثياب، وكانت لا تغتسل من الجنابة والحيض ولا تنتظف وكانت تستهين بالصلاة.
وأمّا الصمّاء العمياء الخرساء فإنّها كانت تلد من الزنا فتعلقه في عنق زوجها.
وأمّا الّتي كانت تقرض لحمها بالمقاريض، فإنّها كانت تعرض نفسها على الرجال.
وأمّا الّتي كانت تحرق وجهها وبدنها وهي تأكل أمعاءها، فإنّها كانت قوّادة.
وأمّا الّتي كان رأسها رأس الخنزير وبدنها بدن الحمار، فإنّها كانت نمّامة كذّابة.
وأمّا الّتي كانت على صورة الكلب والنار تدخل في دبرها و تخرج من فيها فإنّها كانت قينة(1) نوّاحة حاسدة.
ص: 415
ثم قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ويل لامرأة أغضبت زوجها وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها.(1)
الحسين بن زید بن عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : حدّثني أبي قال : حدّثني عليّ بن موسى قال : حدّثني أبي موسى قال : حدّثني أخي إسماعيل، عن أبيه عن الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عن جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن اللّه عزّوجلّ قال : من عادى أوليائي فقد بارزني بالمحاربة ، و من حارب أهل بيتي فقد حلّ عليه عذابي، ومن تولّى غيرهم فقد حلّ عليه غضبي، ومن أعزّ غيرهم فقد آذاني ومن آذاني فله النار.(1)
بیان : قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ومن أعزّ غیرهم، أي بما یوجب ذلّهم.
{197}
[533] دعوات الراوندي : عن الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال عليّ بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : مرضت مرضاً شديداً، فقال لي أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما تشتهي؟
فقلت : أشتهي أن أكون ممّن لا أقترح على اللّه ربّي ما يدبّره لي.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لي : أحسنت، ضاهيت إبراهيم الخليل صلوات اللّه عليه ، حيث قال جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هل من حاجة؟ فقال : لا أقترح على ربي، بل حسبي اللّه ونعم الوكيل.(2)
ص: 417
{198}
[534 ] بینا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذات يوم جالس مع أصحابه يعبّئهم للحرب إذ أتاه شیخ عليه شحبة السفر ، فقال : أين أمير المؤمنين؟ فقيل : هو ذا فسلّم عليه ، ثمّ قال : يا أمير المؤمنين إنّي أتيتك من ناحية الشام وأنا شيخ كبير قد سمعت فيك من الفضل ما لا أُحصي، وإنّي أظنّك ستغتال، فعلّمني ممّا علّمك اللّه.
قال : نعم يا شيخ! مَن اعتدل يوماه فهو مغبون، ومَن كانت الدنيا همّته اشتدّت حسرته عند فراقها، ومَن كان غده شرّ يومه فهو محروم، ومَن لم يبال بمارزیء مَن آخرته إذا سلمت له دنياه فهو هالك ، ومَن لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوى، ومَن كان في نقص فالموت خيرٌ له. يا شيخ! ارض للناس ما ترضى لنفسك، وائت إلى الناس ما تحبُّ أن يؤتى إليك.
ثم أقبل على أصحابه فقال : أيّها الناس أما ترون إلى أهل الدنيا يُمسون ويُصبحون على أحوال شتى : فبين صريع يتلوّى، وبين عائد و معود، وآخر بنفسه يجود، وآخر لا يرجى، وآخر مسجّی، وطالب الدنيا و الموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وعلى أثر الماضي يصير الباقي.
فقال له زیدبن صوحان العبدي : يا أمير المؤمنين أيُّ سلطان أغلب وأقوى؟
قال : الهوى.
قال : فأيّ ذلّ أذلّ؟
قال : الحرص على الدنيا.
قال : فأيّ فقر أشدّ؟
قال : الكفر بعد الإيمان.
ص: 418
قال : فأيّ دعوة أضلّ؟
قال : الداعي بما لا يكون.
قال : فأيّ عمل أفضل؟
قال : التقوى.
قال : فأيّ عمل أنجح؟
قال : طلب ما عند اللّه عزّوجلّ.
قال : فأيّ صاحب لك شرّ؟
قال : المزيّن لك معصية اللّه عزّوجلّ.
قال : فأيّ الخلق أشقى؟
قال : مَن باع دينه بدنيا غيره.
قال : فأيّ الخلق أقوى؟
قال : الحليم.
قال : فأيّ الخلق أشحّ؟
قال : مَن أخذ المال من غير حلّه فجعله في غير حقّه.
قال : فأيّ الناس أكيس؟
قال : مَن أبصر رشده من غيّه فمال إلى رشده.
قال : فمن أحلم الناس؟
قال : الّذي لا يغضب.
قال : فأي الناس أثبت رأياً؟
قال : مَن لم يغرّه الناس من نفسه ومَن لم تغرّه الدنيا بتسوّفها.
قال : فأي الناس أحمق؟
ص: 419
قال : المغترُّ بالدنيا وهو يرى ما فيها من تقلّب أحوالها.
قال : فأي الناس أشدُّ حسرة؟
قال : الّذي حُرم الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين.
قال : فأيُّ الخَلق أعمى؟
قال : الّذي عمل لغير اللّه ، يطلب بعمله الثواب من عند اللّه عزّوجلّ.
قال : فأيُّ القنوع أفضل؟
قال : القانع بما أعطاه اللّه عزّوجلّ.
قال : فأيّ المصائب أشدّ؟
قال : المصيبة بالدين.
قال : فأيّ الأعمال أحبّ إلى اللّه عزّوجلّ؟
قال : انتظار الفرج.
قال : فأيّ الناس خير عند اللّه؟
قال : أخوفهم للّه، وأعملهم بالتقوى، وأزهدهم في الدنيا.
قال : فأيّ الكلام أفضل عند اللّه عزّوجلّ؟
قال : كثرة ذكره والتضرّع إليه بالدعاء.
قال : فأيّ القول أصدق؟
قال : شهادة أن لا إله إلّا اللّه.
قال : فأيّ الأعمال أعظم عند اللّه عزّوجلّ؟
قال : التسليم والورع.
قال : فأيّ الناس أصدق؟
قال : مَن صدق في المواطن.
ص: 420
ثم أقبل (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الشيخ فقال : يا شيخ إنّ اللّه عزّ وجلّ خلق خلقاً ضيّق الدنيا عليهم نظراً لهم، فزهّدهم فيها وفي حطامها، فرغبوا في دار السلام الّتي دعاهم إليها، وصبروا على ضيق المعيشة، وصبروا على المكروه، واشتاقوا إلى ما عند اللّه عزّوجلّ من الكرامة ، فبذلوا أنفسهم ابتغاء رضوان اللّه، وكانت خاتمة أعمالهم الشهادة، فلقوا اللّه عزّوجلّ وهو عنهم راض، وعلموا أنّ الموت سبيل مَن مضى ومَن بقي، فتزّودوا لآخرتهم غير الذهب والفضّة، ولبسوا الخش، وصبروا على البلوى، وقدّموا الفضل، وأحبّوا في اللّه و أبغضوا في اللّه عزّوجلّ، أُولئك المصابيح وأهل النعيم في الآخرة والسلام.
قال الشيخ: فأين أذهب وأدع الجنّة وأنا أراها وأرى أهلها معك يا أمير المؤمنین، جهّزني بقوّة أتقوّى بها على عدوّك. فأعطاه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) سلاحاً وحمّله، وكان في الحرب بين يدي أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يضرب قدماً، و أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يعجب ممّا يصنع. فلمّا اشتدّ الحرب أقدم فرسه حتّى قُتل (رحمة اللّه عليه) وأتبعه رجل من أصحاب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فوجده صريعاً، ووجد دابّته ووجد سيفه في ذراعه، فلمّا انقضت الحرب أُتي أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بدابّته وسلاحه وصلّى عليه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؛ وقال : هذا واللّه السعيد حقّاً، فترحّموا على أخيكم.(1)
ص: 421
{199}
[535] من أتی مسجداً لا يأتيه إلّا اللّه تعالى فذاك ضيف اللّه تعالى حتّى يخرج منه.(1)
{200}
[536] دعاه عبداللّه بن الزبير وأصحابه فأكلوا؛ ولم يأكل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)
ص: 422
فقيل له: ألا تأكل؟ قال : إني صائم ولكن تحفة الصائم، قيل : ما هي ؟ قال : الدهن والمحمر.(1)
{201}
[537] عن عليّ بن موسى الرضا قال : حدّثنا موسی بن جعفر قال : حدّثنا جعفر بن محمّد قال : حدّثنا محمّد بن علي قال : حدّثنا عليّ بن الحسين قال : حدّثنا الحسين بن عليّ (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : كان عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالكوفة في الجامع إذ قام إليه رجل من أهل الشام فسأله عن مسائل، فكان فيما سأله أن قال له : أخبرني عن النوم على كم وجه هو؟
فقال : النوم على أربعة أوجه : الأنبياء (عَلَيهِم السَّلَامُ) تنام على أقفيتهم مستلقين ، وأعينهم لا تنام متوقّعة لوحي اللّه عزّوجلّ.
والمؤمن ينام على يمينه مستقبل القبلة، والملوك وأبناؤها تنام على شمائلها ليستمرئوا ما يأكلون وإبليس وإخوانه وكلّ مجنون وذو عاهة ينام على وجهه منبطحاً.(2)
ص: 423
{202}
[538] كان الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) جالساً فمرت عليه جنازة فقام الناس حين طلعت الجنازة فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مرّت جنازة يهودي، وكان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على طريقها جالساً فكره أن تعلو رأسه جنازة يهوديّ فقام لذلك.(1)
{203}
[539] بعض نسخ الرضوي: أبي، عن أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال : وسأل ابن عبّاس الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا أبا عبداللّه أخبرني عن الحصى الّذي يرمي منه الجمار، فإنّا لم نزل نرمیها مذ كذا وكذا، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «إنّه ليس من جمرة إلّا وتحته ملك وشيطان، فإذا رمى المؤمن التقمه الملك فرفعه إلى السماء، وإذا رمي الكافر قال له الشيطان : بإستك ما رمیت».(2)
ص: 424
{204}
[540] كان أبو عبداللّه الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) إذا صام يتطيّب بالطيب ويقول : الطيب تحفة الصائم.(1)
ص: 425
ص: 426
ص: 427
ص: 428
البقرة (2)
(9) يُخَادِعُونَ اللّهَ...218
(29) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا...88
(30) إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً...82
(72 و 73) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا و...159
(97) قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ...68
(98) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ...68و69
(124) وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ...117
(155) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ...298
(156) إنَّا لِلّهِ وَإنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون...230و284و373
(274) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً...72
آل عمران (3)
(77) أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا...216
النساء (4)
(41) وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا...87
ص: 429
(43) أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ...96
(80) مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ...238
(95) وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا...280
(116) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا...103
المائدة (5)
(32) مَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا...76
(67) أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ...84
الأنعام (6)
(103) لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَ...30
(165) بَعْضُكُمْ فَوقَ بَعْضٍ دَرَجَات...312
الأعراف (7)
(32) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ...92
(142) اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ...82
(143) لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ...30
(172) وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ...259
الأنفال (8)
(70) وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ...97
التوبة (9)
(3) وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ...82
يونس (10)
(58) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا...83
(99) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا...75
(100) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ...75
ص: 430
هود (11)
(41) بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ..120
(103) وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ...87
يوسف (12)
(64) فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ...185
الرعد ( 13 )
(29) طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ...8
(39) يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ...105-333
إبراهيم (14)
(5) وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ...79
(34) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا...81و169
(36) فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي...212
(41) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقَوْمُ الْحِسَابُ...74
الحجر (15)
(95) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ...71
الإسراء ( 17 )
(44) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ...322
(60) وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي...72
(71) يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ...67و108
الكهف (18)
(29) فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ...264
(50) بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلَاً...274
(82) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ...44
ص: 431
طه (20)
(7) يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى...86
(82) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ...83
(132) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا...91
الأنبياء (21)
(22) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا...169
(103) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ...104
الحج (22)
(19) هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ...102
(41) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ...108
المؤمنون (23)
(65) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ...107
(79) فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ...107
النور (24)
(33) فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا...72
(63) لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ...99
الفرقان (25)
(14) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا..266
الشعراء (26)
(193 - 195) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ...68
النمل (27)
(29 و 30) أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ* إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَ...22
ص: 432
لقمان (31)
(20) وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً...79
الأحزاب (33)
(33) إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ...84و90و91
(56) إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ...53
سبا (34)
(29) مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ...240
یس(36)
(12) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ...100
(48) مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ...240
ص (38)
(26) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ...82
الزمر (39)
(56) يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ...270
(67) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ...120 و160
الشورى (42)
(7) فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ...67
(23) قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى...66 و 74
(25) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو...66
(30) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ...403
الدخان (44)
(28) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ...272
ص: 433
الأحقاف (46)
(8) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ...66
الفتح (48)
(29) تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا...104
الحجرات (49)
(6) إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا...106
القمر (54)
(8) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ...46
الرحمن (55)
(56) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ...96
(60) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ...109
الحدید (57)
(19) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ...102
المجادلة ( 58 )
(19) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ...286
الحشر (59)
(20) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ...73
المنافقون ( 63 )
(8) وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ...37
المعارج (70)
(1 - 3) سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ...99
الجن (72)
(18) وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا...101
ص: 434
المزمل (73)
(4) وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا...86
(6) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا...76
المدثّر (74)
(38 - 42) کُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا...110
(43 - 45) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * ولم نك...110
(46 و 47 ) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى...110
عبس (80)
(34 - 36 ) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ...92
الفجر (89)
(21) كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا...109
الشمس (91)
(1) وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا...106
(2) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا...106
(3) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا...107
الضحى ( 93 )
(11) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ...67
القدر (97)
(1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ...111
الإخلاص (112)
(1 - 2) قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * لَمْ يَلِدْ...77
ص: 435
ص: 436
تقريظ...6
العقل والعلم...7
قوى العقل...8
العاقل في الملمّات. الفقيه الكامل...9
اللّهمّ ارحم خلفائي...10
خصال خَمس. دنيا كلّها جهل...11
التحبّب إلى الناس. التودّد إلى الناس. العلم حياة...12
ممن تطلب العلم. علامات العقل...13
من علامات العقل. العلم حاکم على الملوك...14
علم الحروف. العلم خزائن...15
الأوصاف الجميلة...16
العلم ضالّة المؤمن. كلمتان غريبتان. كمال العقل...17
معنى العالم. تعقّل الموت...17
جمع الحلم والعلم. الإفتاء بغير العلم. الجلوس إلى أهل العقول...18
طالب العلم...19
الإلهيّات...21
فضل البسملة...22
أسماء اللّه سبحانه...23
حصن اللّه. لندخل حصن اللّه...24
حصن اللّه عزّوجلّ...25
الموحّد المخلص. قائل كلمة التوحيد...26
التوحيد نصف الدين. رجاء الموحدین...27
تقدير المقادير. حبّبي إلى خلقی...29
ص: 437
هل رأيت ربّك ؟...30
في صفات اللّه عزّ و جلّ...31
تنبيه النائمين...32
المشرك لا يحاسَب. الصفات الجلاليّة..33
عرض الأعمال. الإعتصام باللّه عزّوجلّ..34
الإتّكال لاختيار اللّه. من لم يرض بقضائي...35
أحبب في اللّه...36
جليس الذاکرین. الكبر للّه وحده...37
مكتوب على جناح الجرادة. التكليف بقدر الوسع...38
الخوف من اللّه. من خاف اللّه. الأعمال على ثلاثة...39
الإيمان قول مقول...40
حقيقة الإيمان...41
أربعة مخفيّة في أربعة...42
أما تنصفني؟. من صفات اللّه تعالى...43
صور من الآخرة...45
الإستدراج. المغفرة للمؤمن...49
الموحّد في الجنّة. فسخ العزائم...50
الإسم الأعظم...51
من صفات اللّه عزّ و جلّ...52
من صفات الباري تعالی...54
أركان الإيمان. في معرفة اللّه سبحانه...56
القرآن...59
عظمة القرآن...60
القرآن في البيوت. عرفاء أهل الجنّة...62
القرآن على أربع. أجر قراءة القرآن...63
ثواب بعض الآيات. ثواب قراءة الفاتحة...64
الكتب السماوية. أجر الرسالة...66
تفسير الإمام...66
حديث النعمة...67
ص: 438
ذمّ اليهود و النواصب...68 المستهزؤن...70
مکاتبة المملوك...71
بنو أُمّية في القرآن. الإنفاق على الخيل...72
أصحاب الجنّة والنار. تفسير القُربی...73
«ربّنا اغفر لي ولوالديّ». فرجت عنّي يا أبا الحسن...74
تفسير الناشئة. إنقاذ المؤمنين من النواصب...76
لا تجادلوا في القرآن...77
تفسير الصمد...78
النعم العشر...79
رابع الخلفاء...81
ولاية أمير المؤمنين(عَلَيهِ السَّلَامُ)...83
عصمة أهل البيت(عَلَيهِم السَّلَامُ)...84
تفسير. في ترتيل القرآن...85
تفسير طوبی. عرقين في قلب الإنسان...86
الشاهد و المشهود...87
حكمة خلق ما في الأرض. بين العبد و ربّه...88
تحريم زينة اللّه. أنت إلى خير...90
الصلاة يا أهل البيت. تفسير يوم يفرّ المرء...91
تفسير الأذان...92
لا تقولوا...96
أولوا الأرحام...97
عقاب منکر الولاية...98
قولي يا أبه...99
تفسير الإمام المبين...100
لو فسرتها لك. المساجد للّه. تفسير الشهداء....101
خصمان يوم القيامة...102
من مقامات الشيعة...103
الراكع الساجد. يمحو اللّه ما يشاء...104
ص: 439
الفاسق في القرآن...105
في تفسير سورة الضحى...106
تفسير «لا تجأروا» و «ما استكانوا»...107
هكذا يدعى الناس. هذه فينا أهل البيت...108
دكّ الأرض. جزاء الإحسان...109
المنكرون للولاية. سورة لعليّ وولده(عَلَيهِم السَّلَامُ)... 110
الدُعاء...113
دعاء يوم الأحزاب. دعاء دخول المسجد وخروجه...114
الصلاة على النبي و آله. عند خروجه من المدينة...115
دعاء لقضاء الدَين. اللّهمّ أغنني بالعلم...116
دعاء إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ). دعاء الفرج...117
اللّهمّ لا تدعني فرداً. دعاء النبي. دعاء النبي بعد الركوع...119
دعاء الأمان من الغرق...120
دعاء الإستعانة على الشيطان. الحسنين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)...121
أراك حزيناً ؟...122
دعاء اليقظة. دعاء بعد صلاة الغداة...123
من وصايا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...124
دعاء المشلول...125
كيف تدفع الوسوسة في الصلاة ؟...132
دعاء اليقظة من النوم. دعاء النبي. عند الكسوة...133
عند الخوف والبلاء. دعاء النصرة على الأعداء...134
دعاء المضطرّين...136
دعاء عالي المضامین...140
تعقيبات الصلاة. دعاء لدفع الأرق...144
دعاؤه (عَلَيهِ السَّلَامُ) للآخرة. دعاء الإستسقاء...145
دعاؤه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم عاشوراء. دعاؤه(عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم الطفّ...146
دعاء لغلبة النفس...147
دعاء لرفع السعال...149
دعاؤه على أهل العراق. في قنوت الوتر. بعد الفراغ من الصلاة... 151
ص: 440
توفيق الهدی...152
الدعاء عند القبور. اللّهمّ لا تستدرجني بالإحسان...153
طلب النجاة من الإفتتان. اللّهمّ منك البدء...154
دعاؤه عند الشدائد...155
دعاء الإستسقاء...157
عند الصباح و المساء...158
عوذة لوجع الرجلين. عوذة لوجع العراقيب...159
شفاء بإذن اللّه...160
دعاء العشرات...161
دعاء العرفة...166
تسبیحات نصف الشهر...181
من أدعيته(عَلَيهِ السَّلَامُ) في السجود. عبيدك ببابك...182
لا أرقا اللّه دمعته. دعاء الحاجة و الغم...183
دعاؤه (عَلَيهِ السَّلَامُ) للباكين عليه. يا من شأنه الكفاية...184
دعاء القود للجنة...185
خلف المواريث. با ديّان غير متوان...186
یا خالق الخلق...187
اللّهمّ اعطني الهدى. دعاء الإمام الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ)...188
یا نور یا برهان...189
یا عزيز العزّ في عزّه...190
كنا أشباح نور. أول ما خلق اللّه حجبه...192
أحسن ما خلق اللّه خلقاً. أوصاف النبي..193
خصائص رسول اللّه...194
نقش خاتم الرسول...196
مشورة الكريمين. قداسة الإسمين الكريمين...197
الحمد على كلّ حال...198
قِدْر من السماء. نعم الأب أبوك...1999
إحياء الموتى. أعرابي قليل الهمّة...200
ص: 441
شهيد يتخطى الرقاب...201
شهادة زيد الشهيد. كيفيّة بيعة الأصار...202
بكاء النبي لحمزة. أُصدّق اللّه و رسوله. حقّ الأبوين...203
ملك الموت يستأذن النبي...204
اختلاف الأُمة...206
شفاعة النبي لأربعة...207
يا علي بشّر شيعتك...208
لنأخذ بحجزة هؤلاء. زهد النبي...209
أهل البیت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...211
حب أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ). من أحبّنا كان منّا... 212
الأمان يوم القيامة. محبّة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) الخالصة...213
من أحبّنا للّه...213
بلايا الشيعة...214
زوّار أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ). البكاء على أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...215
عاقبة ظالمي أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...216
علامة النفاق. إنّا لبيت الرحمة. من سبّ أهل بيتي ماعادانا بيتی...217
موالاة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ). زيارة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...219
جزاء زوّار أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ). جزاء زيارة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...220
من زارني حيّاً. صدّيقوا الأُمة...221
من أتاني بعد وفاتي...222
من زارني ميّتاً...223
فاطمة الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ)...225
إنّما سمّيت ابنتي بفاطمة. انك بضعة منّي...226
دعاء الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ).أنتم منّي...227
تزويج فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ).....228
صداق فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ). وصيّة فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) ...229
شهادة الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ)...231
غسل الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ). حشر فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)...232
ص: 442
فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) يوم الحشر...233
من مقامات الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ)...234
الإمامة...237
لماذا خلق العباد ؟...238
عدد الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ). أئمّةكنقباء بني إسرائيل...239
اثنا عشر مهديّاً. أنت الإمام ابن الإمام...240
أنوار حول العرش...241
نصّ الرسول. على الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ). أركان الدين...242
في وصف الإمام. من وصيّك ؟...243
عترة الرسول...248
أعرابي يسأل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...249
ذلك باقر العلوم...251
أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...253
الحوراء المخلوقة لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)...254
ملك بصورة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ). الثابتون في حنين...255
إباء الخلق عن الولاية. علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) هو أمير المؤمنین...256
انظروا إلى هذا. میثاق من السماء...258
حجّة اللّه على الخلق...259
من خصال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ). من أوامر الرسول...260
میزان الإيمان. ثلاث خصال لأمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)...261
من فضائل أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...262
حتّى تقبل الأعمال...264
لنعرف أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...265
أنت و أصحابك في الجنّة. حدیث ردّ الشمس...266
من کرامات أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ). ردّ الشمس لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)...267
الثلاثة المحبوبون...268
علي يدخل الجنة. عيادة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عليّاً...269
لاخيشن في ذات اللّه... 270
رياضة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ). علي يوم أُحُد...271
ص: 443
هدية السماء. لنحيا حياة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )...272
أيذاء علي (عَلَيهِ السَّلَامُ). من مؤامرات المنافقين...273
شهادة أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ). قصّة أصحاب الرسّ...275
علي و الناكثون...279
تهدمت أركان السماء...282
وصيّة أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...283
من أجلك تعلمت البكاء...284
تشييع أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ). قتل ابن ملجم...285
الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)...289
المختارون عند اللّه. من هدايا السماء...290
فواكه أُهديت للحسنین (عَلَيهِ السَّلَامُ)...291
لا يوم كيومك يا أبا عبد اللّه...292
لكي لا يقتل بريء...293
ما هذا الجزع ؟...294
رحمك اللّه يا أبا محمّد. في رثاء الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)...295
الإمام الحجة (عَلَيهِ السَّلَامُ)...297
خمس علامات للظهور. من علامات الظهور...298
علامة في السماء...298
علامات آخر الزمان.. إستغناء الناس عند الظهور...299
لو أدركته لخدمته. حتمية الظهور...300
الشدّة على الأعداء. خروج المهدي شاباً...301
القيام بالسيف. علامات صاحب الأمر (عَلَيهِ السَّلَامُ)...302
التاسع من ولد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...302
ذلكم الإمام المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ)...303
الانتقام من الظالمين. وأرث الأنبياء...305
مع صاحب الغيبة. للمهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) غيبتان...306
ص: 444
فضل الشيعة...307
خير الفرق. فضل علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وشیعته...308
هؤلاء شيعة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ). لا يحبّنا إلّا مؤمن...309
إنّك الأنزع البطين...310
السعيد كلّ السعيد. الشيعة في القيامة...311
الشيعة على ملّة إبراهيم...312
بشارة من اللّه للمؤمنين...313
الأخلاق و المواعظ...315
الأقرب فالأقرب. في شأن الفقراء. الإتّقاء من الأهواء...316
الأجود والأعفى والأوصل. أخربت دارك. الإخوان أربعة...317
أصوات الحيوانات...318
لا تردّ السائل بالليل. أربعة لا يشبعن...323
استتمام المعروف. أشدّ الأعمال...324
أصبحت كثير الذنوب. موارد الصبر...325
اصطناع الخير. أُطلبوا الخير...326
العمل بفرائض اللّه. عمل الظانّ بالموت غداً...327
أفضل الأعمال...327
إدخال السرور في قلب المؤمن...328
موعظة العاصي. علامة كياسة المؤمن...329
حُسن الخلق. خصال حميدة...330
العبوس بوجه الإخوان. الأخلاق والأمور العالية...331
المؤمن ذو رفق. حوائج الناس إليكم. أنواع العبادة وأفضلها...332
آثار صلة الرحم وقطعها...333
وجه تسمية الأبرار. صلاح الأُمّة وهلاكها...335
حُسْن الخلق. التحذير عن فضول الكلام...335
مهور حور العين. من حسن إسلام المرء...336
علائم المؤمن...336
المؤمن معروف في السماء. أهلك الناس اثنان...337
الخوف من الذنوب. إيّاك و ما تعتذر منه. الحذر عن الظلم..338
ص: 445
المباکرة بالحوائج. البخيل...339
البعثة. البكاء والخشية. النجاة من النار...340
مواعظ ثمينة...341
الجسارة في التجارة. النجاح للحاجة...342
خصال مكملة للإيمان. الثلاثة تهلك الأُمّة...343
علّة كراهيّة الموت. الخلق السيّىء...344
الدواء بالصدقة. الإعتذار من الذنب...345
الرغبة في الدنيا. اعمار الدنيا...346
ثمرة الزهد...346
سادة الناس. ثبات الإيمان وزواله...347
السبعة الملعونة. علائم المروءة...348
السلام قبل الكلام. السعي في حاجة المؤمن...349
شكر النعم. إكرام الوجه. مواعظ و عبر...350
الصدقة والإقراض والصلة. صلة الرحم. برکات صلة الرحم... 351
من كفارات الذنوب...352
أسباب عذاب القبر. حسن الخلق...353
مواعظ قيّمة...354
القدرة والحفيظة. قلب الشيخ شابّ. دقّة الحساب...355
إجابة دعوة المؤمن. توصيف الموت...356
موعظة خالدة. لا تزال أُمّتي بخير...357
لا تزول قدما العبد.. الاحسان للملوك. لا تطرقوا الطير في أوكارها...358
كيف ننظر إلى الناس ؟. من الخصال الحميدة...359
ناس لا دين لهم. لارُقى إلّا في ثلاث...360
إنكار المعاصي. شرّ خصال الملوك. إنكار المنكر... 361
الترغيب إلى الزهد. لو كان المعروف رجلاً. حُسن الخُلق.. 362
لو لا ثلاثة. ستر ذنوب المؤمن. یا من بدنياه اشتغل...363
نفاق المال. للمؤمن جار يؤذيه. أثقل ما يوضع في الميزان...364
عيادة المريض...365
أجر الإسترجاع. الإسترجاع عند المصيبة...366
ص: 446
المؤمن عند اللّه. المجالس بالأمانة...367
أشرف الناس. الرفق مفتاح. جزاء الإحسان...368
من أحسن الحسنات. الإدمان على المسجد. غربة الإسلام...366
الهديّة أمام الحاجة...370
قبول العطاء. الرزق في التجارة. أحبِب مَن شئت...371
إسباغ الوضوء...372
تحقير المؤمن. الصبر عند المصيبة....373
إعانة المسافر. خير الدنيا والآخرة...374
جزاء البهتان. استعجال الخير...375
ترك ما لا يعني. الصنيعة مثل الوابل. الدفاع عن عِرض المسلم...376
الرضا بالقليل. زيارة الإخوان...377
الزيارة في اللّه. صلة الرحم....378
قضاء حوائج المؤمنين. من ضمن لي واحدة...379
أجر العبادة. مَن لا يكون عائباً. تنفيس الكربة...380
إجلال ذي الشيبة المؤمن...380
الوقوف موقف التهمة...381
طول الأمل. معنى الأدب.. الإعتبار بالماضين...382
مواعظه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لابن عباس...383
إدام کلاب النار. آداب طلب الرزق...384
أجر من عفى عن أخيه. دعوة مستجابة...385
البطن الملآن. فضل يوم الجمعة...386
أيّام الأُسبوع. لبس ثوب الشهرة...387
من المحرّمات و المكروهات. قضاء حاجة المؤمن...388
الصدقة الطيّبة...388
حرمة غشّ المسلم...389
إطعام المسلم. حق السائل. المرض يحطّ الذنب...390
حسنات السلام. النظر إلى المجذمین...391
مناهي بعد فتح خیبر...392
الأكل عند المريض. ترويع المسلم. شرائط خير الأُمم...393
ص: 447
المؤمن الكامل. تشیع أبي ذر...394
لا يغرنّك ذنب الناس. المرور على المقابر...397
الإحتراز عن الشكاية. حدثوا الناس بما يعرفون. سدّ باب التوبة...398
الموت في العزّ. المصافحة والهديّة. الإخوان في اللّه... 399
النظر إلى ثلاثة عبادة. التوكّل...400
الزيارة في اللّه. إتّخاذ الشاة...401
افتراق الأُمّة الإسلاميّة. النساء عورات...402
خيار الناس. لو لا التقية...403
أولياء اللّه في الجنّة. أربعون حديثاً...404
من مات و علیه دَین...407
حقيقة الموت. حبّ أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...408
وصيّة لابنه السجّاد (عَلَيهِ السَّلَامُ). ما يدخل الجنّة والنار...409
رضاهم (عَلَيهِ السَّلَامُ) بقضاء اللّه. جوده وموعظته (عَلَيهِ السَّلَامُ)...410
لا شفاء في الرجس. إجابته لدعوة رجل...411
صفات الشيعة. الإعطاء للسائل...412
حِكَمٌ تزيد في العقل...413
نساء رآهنّ النبي. في المعراج...414
النفقة الحسنة. ولاية الأولياء...416
التضاهي بإبراهيم الخليل (عَلَيهِ السَّلَامُ)...417
مواعظ وحكم...418
اتيان المسجد للّه. تحفة الصائم...422
وجوه النوم...423
الترفع على اليهود. رمي الجمار...424
الطيب للصائم...425
فهرس الآيات...429
فهرس الموضوعات...437
ص: 448
الكتاب:... الأَلفَینُ فِی أَحَادِیثِ الْحَسَنِ (عَلَیهِ السَّلَامُ) وَ الحُسَینِ (عَلَیهِ السَّلَامُ)(الجزءالرابع)
المؤلف:... الشَّيْخ عَلِيّ حَيْدَر الْمُؤَيَّد
الناشر:... المكتبة الحيدرية
عدد المطبوع:... 500 دوره
ليتوغرافي:... آل البيت (عَلَیهِمُ السَّلَامُ) 09121532077
المطبعة:... شریعت
الطبعة:... الأولى - 1432-1390
السعر الدورة:... 15000 تومان
ردمک: 6- 155- 497- 964- 978
جمعية خيرية رقمية: مركز خدمة مدرسة إصفهان
محرر: محمّد رادمرد
ص: 1
الأَلفَینُ
فِی أَحَادِیثِ الْحَسَنِ وَ الحُسَینِ (عَلَیهِمُ السَّلَامُ)
الجزء الرابع
الْخَطِيبُ
الشَّيْخ عَلِيّ حَيْدَر الْمُؤَيَّد
ص: 2
بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ص: 3
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين
و الصلاة و السلام على سيدنا محمّد و آله الطاهرين
و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين
من الآن إلى قيام يوم الدين
ص: 4
کتابٌ فیه قُرّة كلِّ عينِ***وفيه النور مِلْءَ الخافِقَينِ
به دُررٌ مِن الأقوال فاقت***على الذهب المُصفّى و اللُجَين
حوى ألفين مِن كلمات قُدْسٍ***و من الحسن المُزکّی والحُسینِ
بها بذل المؤيّد خير جهدٍ***فكان مؤيّداً في النشأتينِ
رعاه اللّه من شيخ جليلٍ***يفيض بعلمه كالرافدينِ
بأربعةٍ مِن الأسفار تجلو ال*** قلوبَ إذا اعتراها مَسُّ رَیْنِ
و رابعها ختامُ المسك منها*** فهاك المسكَ نقداً غیرَ دیَنٍ(1)
ص: 5
ص: 6
ص: 7
{1}
[541] لمّا حضرت شهر رمضان قام رسول اللّه به فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال : أيّها الناس كفاكم اللّه عدوّكم من الجنّ، وقال : «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»(1) ووعدكم الإجابة ألا وقد وكلّ اللّه بكلّ شيطان مريد سبعة من الملائكة، فليس بمحلول حتّى ينقضي شهركم هذا، ألا وأبواب السماء مفتّحة من أوّل ليلة منه ، ألا والدعاء فيه مقبول.(2)
{2}
[542] إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خَطَبَنَا ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللَّهِ بِالْبَرَكَةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ الْمَغْفِرَةِ، شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، وَ أَيَّامُهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ، وَ لَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي، وَ سَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ، هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللَّهِ وَ جُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللَّهِ، أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبِيحٌ، وَ نَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ، وَ عَمَلُكُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ وَ دُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ وَ قُلُوبٍ طَاهِرَةٍ أَنْ يُوَفِّقَكُمْ لِصِيَامِهِ وَ تِلَاوَةِ كِتَابِهِ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ، وَ اذْكُرُوا بِجُوعِكُمْ وَ عَطَشِكُمْ فِيهِ جُوع
ص: 8
يومِ القيامة وعطشَه، وتصدّقوا على فقرائكم ومساکِینکم، ووقِّروا كبارَکم، وارحموا صغارَكم وصِلوا أرحامَكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضّوا عمّا لا يحلّ النظر إليه أبصاركم، وعمّا لا يحلّ الإستماعُ إليه أسماعَكم، وتحنّوا على أيتامِ الناس يُتَحَنَّن على أيتامِكم، وتوبوا إلى اللّه مِن ذنوبِكم، وارفعوا إليه أيديَكم بالدعاء في أوقاتِ صلاتكم، فإنّها أفضلُ الساعات ينظر اللّه عزّوجلّ فيها بالرحمةِ إلى عباده، يجيبهم إذا ناجَوْه ويلبّيهم إذا نادوه، ويعطيهم إذا سألوه ، ويستجيب لهم إذا دعوه.
أيّها الناس! إنّ أنفسكم مرهونةٌ بأعمالكم ففكّوها باستغفارکم، وظهوركم ثقيلةٌ من أوزاركم فخَفِّفوا عنها بطول سجودِكم، واعلموا أنّ اللّه تعالى ذكره أقسم بعزّته أن لا يعذبَ المصلّين والساجدين، وأن لا يروّعهم بالنار يوم يقوم الناسُ لربِّ العالَمين.
أيّها الناسُ من فطّر منکم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند اللّه عتقُ نَسَمة ومغفرةٌ لمّا مَضى مِن ذنوبه ، فقيل : یا رسول اللّه وليس كلُّنا يقدر على ذلك، فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : اتّقوا النار ولو بشقِّ تمرة، اتّقوا النارَ ولو بشربةٍ من ماء.
أيّها الناس! مَن حسّن منكم في هذا الشهر خُلُقَه کان له جوازٌ على الصراط يوم تزّل فيه الأقدام، ومَن خفّف في هذا الشهر عمّا ملكت يمينُه خفّفِ اللّه عليه حسابَه، ومَن كفّ فيه شرِّه كفّ اللّه عنه غضبَه يوم يلقاه، ومَن أكرم فيه يتيماً أكرمه اللّه يوم يلقاه، ومَن وصل فيه رحمَه وصله اللّه برحمته يوم يلقاه ، ومَن قطع فيه رحمَه قطع اللّه عنه رحمه يوم يلقاه، ومَن تطوّع فيه بصلاة كتب اللّه له براءة مِن النار، ومَن أدّى فيه فرضاً كان له ثواب مَن أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، ومَن أكثر فيه مِن الصلاة عليّ ثقّل اللّه میزانه يوم تخفّ الموازين، ومَن تلا فيه آيةً مِن القرآن كان له مثل أجر مَن ختم القرآن في غيره من الشهور.
ص: 9
أيّها الناس! إنّ أبوابَ الجِنان في هذا الشهر مفتّحة فاسألوا ربّكم أن لا يُغْلِقَها عليكم وأبوابَ النيران مغلقةٌ فاسألوا ربَّكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولةٌ فاسألوا ربّكم أن لا يسلّطها عليكم.
قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فقمتُ فقلت : يا رسول اللّه ما أفضلٌ الأعمال في هذا الشهر ؟
فقال : يا أبا الحسن أفضلُ الأعمال في هذا الشهر الورعُ عن محارم اللّه عزّوجلّ، ثمّ بكى فقلتُ: يا رسول اللّه ما يُبكيك؟
فقال : يا علي أبكي لمّا يستحلّ منك في هذا الشهر، كأنّي بك وأنتَ تصلّي لربّك، وقد انبعث أشقى الأوّلين والآخرين شقيقُ عاقرِ ناقةِ ثمود فضربك ضربةٌ على قَرْنِك فخضّب منها لحيتك.
قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قلت: يا رسول اللّه وذلك في سلامة مِن ديني؟
فقال : في سلامة من دينك.
ثمّ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا علي مَن قتلك فقد قتلني، ومَن أبغضك فقد أبغضني، ومَن سبّك فقد سبّني، لإنّك منّي کنفسي، روحُك مِن روحي، وطينتك مِن طينتي، إنّ اللّه تبارك وتعالى خلقني وإيّاك، واصطفاني وإيّاك، واختارني للنبوّة واختارك للإمامة، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوّتي، يا علي أنتَ وصيّي وأبو ولدي، وزوجُ ابنتي وخليفتي على أُمّتي في حياتي وبعد موتي، أمرُك أمري ونهيك نهيي، أُقسم بالّذي بعثني بالنبوّة وجعلني خير البرية إنّك لحُجّة اللّه على خلقِه وأمينُه على سرّه، وخليفته على عباده.(1)
ص: 10
{3}
[543] عن الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال : خطبنا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : سلوني عن القرآن أخبركم عن آياته فيمن نزلت وأين نزلت.(1)
{4}
[544] عن الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) أنه قال : خطبنا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : سيأتي على الناس زمانٌ عَضوضٌ يعضّ المؤمن على ما في يده ولم يؤمن بذلك قال اللّه تعالى : «وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»(2) ويأتي زمان يُقَدّم فيه الأشرارُ ويُن سى فيه الأخيار، ويبايع المضطر وقد نهى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عن بيع المضطرّ، وعن بيع الغرر، فاتّقوا اللّه يا أيّها الناس ، وأصلِحُوا ذاتَ بينكم واحفظوني في أهلي.(3)
ص: 11
{5}
[545] قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : خطب أمير المؤمنین خطبة بليغة في مدح
رسول اللّه ، فقال بعد حمد اللّه والصلاة على نبيّه :
لمّا أراد اللّه أن ينشىء المخلوقات ويبدع الموجودات أقام الخلائق في صورة واحدة قبل دحو الأرض ورفع السماوات، ثمّ أفاض نوراً من نور عزّه ، فلمع قبساً من ضيائه وسطع، ثمّ اجتمع في تلك الصورة، وفيها صورة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال له تعالى : أنت المرتضى المختار، وفيك مستودع الأنوار، من أجلك أضع البطحاء وأرفع السماء، وأجري الماء، وأجعل الثواب والعقاب والجنّة والنار، وأنصب أهل بيتك علماً للهداية ، وأودع فيهم أسراري بحيث لا يغيب عنهم دقیق ولا جليل، ولا يخفى عنهم خفيّ، اجعلهم حجّتي على خلیقتي، وأسكن قلوبهم أنوار عزّتي، وأطلعهم على معادن جواهر خزائني.
ثمّ أخذ اللّه تعالى عليهم الشهادة بالربوبيّة والإقرار بالوحدانيّة، وأنّ الإمامة فيهم، والنور معهم، ثمّ إنّ اللّه سبحانه أخفى الخليقة في غيبه ، وغيّبها في مكنون علمه، ونصب العوالم، وموّج الماء، وأثار الزبد، وأهاج الدُخان فطفا عرشه على الماء، ثمّ أنشأ الملائكة من أنواره أبدعها وأنواع اخترعها، ثمّ خلق المخلوقات فأكملها، ثمّ قرن بتوحيده نبوّة نبيّه، فشهدت له السماوات والأرض والملائكة والعرش والكرسي والشمس والقمر والنجوم وما في الأرض بالنبوّة والفضيلة، ثمّ خلق آدم وأبان للملائكة فضله وأراهم ما خصّه به من سابق العلم فجعله محراباً و قبلة لهم فسجدوا له عرفوا حقّه.
ثمّ إنّ اللّه تعالى بيّن لآدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) حقيقة ذلك النور و مکنون ذلك السرّ فأودعه شيئاً وأوصاه وأعلمه أنّه السرّ في المخلوقات ، ثمّ لم يزل ينتقل من الأصلاب
ص: 12
الطاهرة إلى الأرحام الزكيّة إلى أن وصل إلى عبد المطلّب فألقاه على عبداللّه ثمّ صانه اللّه عن الخثعمية حتّى وصل إلى آمنة ، فلمّا أظهره اللّه بواسطة نبيّنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) استدعى الفُهوم إلى القيام بحقوق ذلك السرّ اللطيف، وندب العقول إلى الإجابة لذلك المعنى المودع في الذرّ قبل النسل، فمن واقفه قبس من نمحات ذلك النور اهتدى إلى السرّ وانتهى إلى العهد المودع في باطن الأمر وغامض العلم، ومن غمرته الغفلة وشغلته المحنة عشی بصر قلبه عن إدراکه فلا يزال ذلك النور ينتقل فينا أهل البيت ويتشعشع في غرایزنا إلى أن يبلغ الكتاب أجله، فنحن أنوار الأرض والسماوات ومحض خالص الوجودات، وسفن النجاة، وفينا مکنون العلم، وإلينا مصير الأُمور، وبمهديّنا تنقطع الحجج، فهو خاتم الأئمّة، ومنقذ الأُمّة، ومنتهى النور، وغامض السرّ، فليهنّا مَن استمسك بعُروتنا، وحشر على محبّتنا.(1)
{6}
[546 ] لمّا أتی أبو بكر وعمر إلى منزل أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) وخاطباه في البيعة وخرجا من عنده خرج أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى المسجد، فحمد اللّه وأثنى عليه بما اصطنع عندهم أهل البيت إذ بعث فیهم رسولاً منهم وأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
ثمّ قال : إنّ فلاناً وفلاناً أتياني وطالباني بالبيعة لمن سبيله أن يبايعني، أنا
ص: 13
ابن عم النبي وأبو ابنيه والصدّيق الأكبر وأخو رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لا يقولها أحد غيري إلّا كاذب، وأسلمت وصلّيت، وأنا وصيّه وزوج ابنته سيّدة نساء العالمين فاطمة بنت محمّد وأبو حسن و حسین سبطي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، ونحن أهل بيت الرحمة، بنا هداكم اللّه وبنا استنقذكم من الضلالة، وأنا صاحب يوم الدوح، وفيّ نزلت سورة من القرآن، وأنا الوصيّ على الأموات من أهل بيته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وأنا بقيّة على الأحياء من أُمّته، فاتّقوا اللّه يثبّت أقدامكم ويُتمّ نعمته عليكم، ثمّ رجع (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى بيته. (1)
{7}
[547] إنّ الحسينَ قال : اتَّفَقَ فِي بَعْضِ سِنِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الْجُمُعَةُ وَ الْغَدِيرُ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ عَلَى خَمْسِ سَاعَاتٍ مِنْ نَهَارِ ذَلِكَ الْيَوْم،ِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ حَمْداً لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثَنَاءً لَم يَتَوَجَّهْ إِلَيْهِ غَيْرُهُ، فَكَانَ مَا حُفِظَ مِنْ ذَلِكَ :
الْحَمْدُ للّه الَّذِي جَعَلَ الْحَمْدَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَى حَامِدِيهِ، طَرِيقاً مِنْ طُرُقِ الِاعْتِرَافِ بِلَاهُوتِيَّتِهِ وَ صَمَدَانِيَّتِهِ وَ رَبَّانِيَّتِهِ وَ فَرْدَانِيَّتِهِ، وَ سَبَباً إِلَى
ص: 14
الْمَزِيدِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ مَحَجَّةً لِلطَّالِبِ مِنْ فَضْلِهِ، وَ كَمَّنَ فِي إِبْطَانِ اللَّفْظِ حَقِيقَةَ الِاعْتِرَافِ لَهُ بِأَنَّهُ الْمُنْعِمُ عَلَى كُلِّ حَمْد بِاللَّفْظِ، وَ إِنْ عَظُمَ.
وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً نُزِعَتْ عَنْ إِخْلَاصِ المطوِي، وَ نُطْقَ اللِّسَانِ بِهَا عِبَارَةً عَنْ صِدْقٍ خَفِيٍّ أَنَّه الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ إِذْ كَانَ الشَّيْ ءُ مِنْ مَشِيَّتِهِ، وكَانَ لَا يُشْبِهُهُ مُكَوَّنُهُ.
وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ اسْتَخْلَصَهُ فِي الْقِدَمِ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ، عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ به، انْفَرَدَ عَنِ التَّشَاكُلِ وَ التَّمَاثُلِ مِنْ أَبْنَاءِ الْجِنْسِ، وَ ائْتَمَنَهُ آمِراً وَ نَاهِياً عَنْهُ، أَقَامَهُ فِي سَائِرِ عَالَمِهِ فِي الْأَدَاءِ مَقَامَهُ، إِذْ كَانَ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ، وَ لَا تَحْوِيهِ خَوَاطِرُ الْأَفْكَارِ، وَ لَا تُمَثِّلُهُ غَوَامِضُ الظِّنَن فِي الْأَسْرَارِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْجَبَّارُ،قَرَنَ الِاعْتِرَافَ بِنُبُوَّتِهِ بِالاعْتِرَافِ بِلَاهُوتِيَّتِهِ، وَ اخْتَصَّهُ مِنْ تَكْرِمَتِهِ بِمَا لَمْ يَلْحَقْهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ بَرِيَّتِهِ، فَهُوَ أَهْلُ ذَلِكَ بِخَاصَّتِهِ وَ خَلَّتِهِ، إِذْ لَا يَخْتَصُّ مَنْ يَشُوبُهُ التَّغْيِيرُ وَ لَا يُخَالِلُ(1) مَنْ يَلْحَقُهُ التَّظْنِينُ، وَ أَمَرَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَزِيداً فِي تَكْرِمَتِهِ، وَ تطرِيقاً لِلدَّاعِي إِلَى إِجَابَتِهِ، فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ كَرَّمَ وَ شَرَّفَ وَ عَظَّمَ مَزِيداً لَا يَلْحَقُهُ التَّنْفِيد، وَ لَا يَنْقَطِعُ عَلَى التَّأْبِيدِ.
وَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَصَّ لِنَفْسِهِ بَعْدَ نَبِيِّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )مِنْ بَرِيَّتِهِ خَاصَّةً عَلَّاهُمْ بِتَعْلِيَتِهِ وَ سَمَا بِهِمْ إِلَى رُتْبَتِهِ، وَ جَعَلَهُمُ الدُّعَاةَ بِالْحَقِّ إِلَيْهِ وَ الْأَدِلَّاءَ بِالْإِرْشَادِ عَلَيْهِ، لِقَرْنٍ قَرْنٍ وَ زَمَنٍ زَمَنٍ، أَنْشَأَهُمْ فِي الْقِدَمِ قَبْلَ كُلِّ مَذْرُوٍّ وَ مَبْرُوٍّ، أَنْوَاراً أَنْطَقَهَا بِتَحْمِيدِهِ، وَ أَلْهَمَهَا شُكْرَهُ وَ تَمْجِيدَهُ، وَ جَعَلَهَا الْحُجَجَ عَلَى كُلِّ مُعْتَرِفٍ لَهُ بِمَلَكَةِ الرُّبُوبِيَّةِ وَ سُلْطَانِ الْعُبُودِيَّةِ، وَ اسْتَنْطَقَ بِهَا الْخَرَسَاتِ بِأَنْوَاعِ اللُّغَاتِ(2)، لَهُ
ص: 15
بأنّه فاطرُ الأرضين والسماوات، وأشهَدَهم خلقَه، وولّاهم ماشاء مِن أمره جعلهم تَراجمةَ مشيّته ، وألسنَ إرادته عبيداً لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، ولا يشفعون إلّا لمن ارتضى وهم مِن خشيته مُشفِقون.
يَحْكُمُونَ بِأَحْكَامِهِ، وَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِهِ، وَ يَعْتَمِدُونَ حُدُودَهُ، وَ يُؤَدُّونَ فَرْضَهُ، وَ لَمْ يَدَعِ الْخَلْقَ فِي بُهَمٍ صمّاء، وَ لَا فِي عَمْي بَكْماء، بَلْ جَعَلَ لَهُمْ عُقُولًا مَازَجَتْ شَوَاهِدَهُمْ، وَ تَفَرَّقَتْ فِي هَيَاكِلِهِمْ، وَ حَقَّقَهَا فِي نُفُوسِهِمْ وَ اسْتَعْبَدَ لَهَا حَوَاسَّهُمْ، فَقَرَّرت بِهَا عَلَى أَسْمَاعٍ وَ نَوَاظِرَ، وَ أَفْكَارٍ وَ خَوَاطِرَ أَلْزَمَهُمْ بِهَا حُجَّتَهُ، وَ أَرَاهُمْ بِهَا مَحَجَّتَهُ، وَ أَنْطَقَهُمْ عَمَّا تشهد بها بِأَلْسُنة ذَرِبَةٍ بِمَا قَامَ فِيهَا مِنْ قُدْرَتِهِ وَ حِكْمَتِهِ، وَ بَيَّنَ عِنْدَهُمْ بِهَا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ إِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ بَصِيرٌ شَاهِدٌ خَبِيرٌ. ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَمَعَ لَكُمْ مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذَا الْيَوْمِ عِيدَيْنِ عَظِيمَيْنِ كَبِيرَيْنِ لَا يَقُومُ أَحَدُهُمَا إِلَّا بِصَاحِبِهِ لِيُكْمِلَ أَحَدُكُمْ صُنْعَهُ، وَ يَقِفَكُمْ عَلَى طَرِيقِ رُشْدِهِ، وَ يَقْفُوَ بِكُمْ آثَارَ الْمُسْتَضِيئِينَ بِنُورِ هِدَايَتِهِ، وَ يُشْمِلَكُمْ صَوْلَه وَ يَسْلُكَ بِكُمْ مِنْهَاجَ قَصْدِهِ وَ يُوَفِّرَ عَلَيْكُمْ هَنِي ءَ رِفْدِهِ.
فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ مَجْمَعاً نَدَبَ إِلَيْهِ لِتَطْهِيرِ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَ غَسْلِ مَا أَوْقَعَتْهُ مَكَاسِبُ السَّوْءِ مِنْ مِثْلِهِ إِلَى مِثْلِهِ، وَ ذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ ،وَ تِبْيَانَ خَشْيَةِ الْمُتَّقِينَ، وَ وَهَبَ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ فِي الْأَيَّامِ قَبْلَهُ، وَ جَعَلَهُ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالايْتِمَارِ لِمَا أَمَرَ بِهِ، وَ الِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى عَنْهُ، وَ الْبُخُوعِ بِطَاعَتِهِ فِيمَا حَثَّ عَلَيْهِ وَ نَدَبَ إِلَيْهِ، وَ لَا يَقْبَلُ تَوْحِيدَهُ إِلَّا بِالاعْتِرَافِ لِنَبِيِّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بِنُبُوَّتِهِ وَ لَا يَقْبَلُ دِيناً إِلَّا بِوَلَايَةِ، مَنْ أَمَرَ بِوَلَايَتِهِ وَ لَا يَنْتَظِمُ أَسْبَابُ طَاعَتِهِ إِلَّا بِالتَّمَسُّكِ بِعِصَمِهِ وَ عِصَمِ أَهْلِ وَلَايَتِه .
فأنزل اللّه على نبيِّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في يوم الدوح ما بيّن به عن إرادته في خُلَصائه وذوي اجتبائه ، وأمره بالبلاغ وتركِ الحفل بأهل الزيغ والنفاق، وضَمِن له عصمتَه
ص: 16
منهم، وكَشَف من خبايا أهل الريب، وضمائر أهل الإرتداد مارمز فيه ، فعقله المؤمن والمنافق فأعنّ معنّ وثبت على الحقّ ثابت، وازدادت جهالةُ المنافق وحميّهُ المارق، ووقع العضُّ على النواجذ والغمر على السواعد، ونطق ناطق ، و نعق ناعق، ونشق ناشق، واستمرّ على مارقيّته مارق، ووقع الإذعان من طائفة باللسان دون حقائق الإيمان، ومن طائفة باللسان وصدق الإيمان.
فكمل اللّه دينه ، وأقرّ عين نبيّه والمؤمنين والمتابعين، وكان ماقد شهده بعضكم وبلغ بعضكم، وتمّت كلمةُ اللّه الحُسنى على الصابرين، ودمّر اللّه ما صنع فرعون وهامان و قارون وجنوده وما كانوا يعرشون.
وبقيت حُثالة من الضلّال لا يألون الناس خبالاً يقصدهم اللّه في ديارهم، ويمحو آثارهم ويُبيد معالمَهم، ويعقّبهم عن قرب الحسرات، ويلحقهم بمن بسط أكفّهم، ومدّ أعناقَهم، ومکّنهم من دين اللّه حتّى بدّلوه، ومن حكمه حتّى غیّروه، وسيأتي نصر اللّه على عدوّه لحينه، واللّه لطيف خبير، وفي دون ما سمعتم كفاية وبلاغ، فتأمّلوا رحمكم اللّه ما ندبكم اللّه إليه وحثّكم عليه ، واقصدوا شرعه، واسلكوا نهجَه، ولا تتّبعوا السُبُلَ فتفرّق بکم عن سبيله.
إنّ هذا يومٌ عظيمُ الشأن، فيه وقع الفرج، ورفعت الدرج، ووضحت الحجج، وهو يوم الإيضاح والإفصاح من المقام الصراح، ويوم كمال الدين، ويوم العهد المعهود، ويوم الشاهد والمشهود، ويوم تبيان العقود عن النفاق والجحود، ويوم البيان عن حقائق الإيمان، ويوم دحر الشيطان، ويوم البرهان، هذا يوم الفصل الّذي كنتم به تكذّبون، هذا يوم الملأ الأعلى الّذي أنتم عنه مُعرِضون، هذا يوم الإرشاد ویوم محنة العباد، ويوم الدليل على الروّاد، هذا يوم إبداءِ خفايا الصدور، ومضمرات الأُمور، هذا يوم النصوص على أهل الخصوص.
ص: 17
هذا يوم شيث، هذا يوم إدريس، هذا يوم يوشع، هذا يوم شمعون، هذا يوم الأمن والمأمون، هذا يوم إظهار المصون من المكنون، هذا يوم بلوی السرائر.
فلم يزل (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولّ هذا يوم هذا يوم.
فراقبوا اللّه واتّقوه، واسمعوا له وأطيعوه، واحذروا المكر، ولا تخادعوه ، وفتّشوا ضمائركم ولا تواربوه(1)، وتقربوا إلى اللّه بتوحيده، وطاعة من أمركم أن تطيعوه، لا تمسكوا بعصم الكوافر، ولا يجنح بكم الغيّ فتضلّوا عن سبيل اللّه باتّباع أُولئك الّذين ضلّوا وأضلّوا قال اللّه عزّ من قائل في طائفة ذكرهم بالذمّ في كتابه : «إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا»(2) وقال تعالى : «وَبَرَزُوا للّه جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ»(3) أفتدرون الإستکبار ماهو؟ هو ترك الطاعة لمن أمروا بطاعته، والترقُّع على من ندبوا إلى متابعته ، والقرآن ينطق من هذا عن کثير، إن تدبّره متدبّر زجره ووعظه واعلموا أيّها المؤمنون أنّ اللّه عزّوجلّ قال :« إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ»(4) أتدرون ماسبيل اللّه؟ ومن سبيله؟ ومن صراط اللّه؟ ومن طريقه؟ أنا صراط اللّه الّذي من لم يسلکه بطاعة اللّه فيه هوی به
ص: 18
إلى النار، وأنا سبيله الّذي نصبني للإتّباع بعد نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنا قسيم النار أنا حجّته على الفجّار، أنا نور الأنوار.
فانتبهوا من رقدة الغفلة، وبادروا بالعمل قبل حلول الأجل، وسابقوا إلى مغفرة من ربّكم قبل أن يضرب بالسور بباطن الرحمة وظاهر العذاب، فتنادون فلا يسمع نداؤكم، وتضجّون فلا يحفل بضجيجكم، وقبل أن تستغيثوا فلا تغاثوا.
سارعوا إلى الطاعات قبل فوات الأوقات، فكأن قد جاءكم هادمُ اللذّات ، فلا مناص نجاء، ولا محيص تخليص عودوا رحمكم اللّه بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم، والبرّ بإخوانكم والشكر للّه عزّوجلّ على ما منحكم، واجتمعوا يجمع اللّه شملكم، وتبارّوا يصل اللّه أُلفتكم، وتهانؤا نعمة اللّه كما هنّاكم اللّه بالثواب فيه على أضعاف الأعياد قبله وبعده، إلّا في مثله، والبرّ فيه يثمر المال ويزيد في العمر، والتعاطف فيه يقتضي رحمة اللّه وعطفه، وهبوا الإخوانكم وعيالكم من فضله بالجهد من جودكم، وبما تناله القدرة من استطاعتكم، وأظهروا البشر فيما بينكم، والسرور في ملاقاتكم، والحمد للّه على ما منحكم، وعودوا بالمزيد من الخير على أهل التأميل لكم وساووا بكم ضعفاءكم في مآكلكم، وما تناله القدرة من استطاعتكم، على حسب إمكانکم، فالدرهم فيه بمائتي ألف درهم، والمزيد من اللّه عزّوجلّ.
وصومُ هذا اليوم ممّا ندب اللّه إليه، وجعل الجزاء العظيم كفالة عنه، حتّى لو تعبّد له عبد من العبيد في الشيبة من ابتداء الدنيا إلى انقضائها، صائماً نهارها قائماً ليلها، إذا أخلص المخلص في صومه، لقصرت إليه أيّام الدنيا عن كفايته ، ومن أسعف أخاه مبتدءاً، وبرّه راغباً، فله كأجر من صام هذا اليوم، وقام ليلته ، ومن فطر مؤمناً في ليلته، فكأنّما فطّر فئاماً وفئاماً بعدها عشرة.
ص: 19
فنهض ناهض فقال : يا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما الفئام؟ قال : مائة ألف نبيّ وصدّيق وشهيد، فكيف بمن تكفّل عدداً من المؤمنين والمؤمنات؟ فإنّه ضمینه على اللّه تعالى الأمان من الكفر والفقر، ومن مات في يومه أو ليلته أو بعده إلى مثله من غير ارتکاب كبيرة فأجره على اللّه، ومن استدان لإخوانه وأعانهم فأنا الضامن على اللّه إن بقّاه قضاه، وإن قبضه حمله عنه.
وإذا تلاقيتم فتصافحوا بالتسليم، وتهانؤوا النعمة في هذا اليوم وليبلّغ الحاضر الغائب، والشاهد البائن، وليعد الغنيّ على الفقير، والقويّ على الضعيف أمرني رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بذلك.(1)
{8}
[548] عن جابر الجعفي، عن محمّد الباقر، عن أبيه، عن جدّه (عَلَيهِم السَّلَامُ)قال :
ص: 20
خطب علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بصفّين وبعد الحمد والتصلية قال : إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ترك فيكم كتاب اللّه يأمركم بطاعته وينهاكم عن معصيته، وقد عهد إليّ عهداً فلست أحيد عنه، وقد حضرتم عدوّکم، وعلمتم أنّ رئيسهم طليق يدعوهم إلى النار، وابن عمّ نبيّكم وصيّه ووارثه بين أظهركم، يدعوكم إلى الجنّة وإلى طاعة ربّكم والعمل بسنّة نبيّكم، واللّه أنا على الحقّ وإنّهم على الباطل، قاتلوهم. فقال أصحابه : يا أمير المؤمنين انهض بنا إلى عدوّنا فواللّه ما نريد بك بدلاً، بل نموت معك ونحيا معك.
فقال لهم : والّذي نفسي بيده نظر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إليّ بسيفي هذا فقال : لا سيف إلّا ذوالفقار ولا فتى إلّا علي. وقال : يا علي أنت منّي بمنزلة هارون مّن موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي، وموتك وحياتك يا علي معي.
ثمّ قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ماكذبت ولا ضللت ولا ضلّ بي أحد، وما نسيت ما عهد إليّ، وإنّي على بيّنة من ربّي وعلى الطريق الواضح.(1)
ثمّ نهضوا فقاتلوا يوم الخميس من طلوع الشمس حتّى غاب الشفق ، وما كانت صلاة القوم في مواقيتها إلّا تكبيراً، فقتل علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يومئذ بيده خمسمائة وستّة نفر من أهل الشام، فأصبحوا ورفعوا المصاحف على الرماح. (1)
{9}
[549] قال الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وأمّا في حرب صفّين، فلمّا خطب
ص: 21
أمير المؤمنين بالكوفة وحرّض الناس على حرب معاوية وأتباعه، أمر الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأن يخطب الناس، فخطب ، ثمّ أمر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فقام (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحَمِدَ اللّهَ وأثنى عليه بما هو أهلُه وقال :
يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ أَنْتُمُ الْأَحِبَّةُ الْكُرَمَاءُ، وَ الشِّعَارُ دُونَ الدِّثَارِ، فَجِدُّوا فِي إِحْيَاءِ مَا دَثَرَ بَيْنَكُمْ، وَ تَسْهِيلِ مَا تَوَعَّرَ(1) عَلَيْكُمْ.
أَلَا إِنَّ الْحَرْبَ شَرُّهَا ذَرِيعٌ(2)،وَ طَعْمُهَا فَظِيعٌ، وَ هِيَ جُرَعٌ مستحساة،ذفَمَنْ أَخَذَ لَهَا أُهْبَتَهَا وَ اسْتَعَدَّ لَهَا عُدَّتَهَا وَ لَمْ يَأْلَمْ كُلُومَهَا عِنْدَ حُلُولِهَا فَذَاكَ صَاحِبُهَا، وَ مَنْ عَاجَلَهَا قَبْلَ أَوَانِ فُرْصَتِهَا وَ اسْتِبْصَارِ سَعْيِهِ فِيهَا فَذَاكَ قَمَنٌ(3) أَنْ لَا يَنْفَعَ قَوْمَه وَ أَنْ يُهْلِكَ نَفْسَهُ، نَسْأَلُ اللَّهَ بِقُوَّتِهِ أَنْ يَدْعَمَكُمْ بِالْفِئَة» ثمّ نزل.(4)
{10}
[550 ] إذا كان يوم القيامة نصب للأنبياء والرُسل منابر من نور فیکون منبري أعلا منابرهم يوم القيامة، ثمّ يقول اللّه : يا محمّد اخطب فأخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء و الرُسل بمثلها، ثمّ ينصب للأوصياء منابر من نور و ينصب لوصيّي عليّ بن أبي طالب في أوساطهم منبر من نور فیکون منبره أعلى منابرهم، ثمّ يقول اللّه له : يا علي اخطب فيخطب بخطبة لم يسمع
ص: 22
أحدٌ من الأوصياء بمثلها، ثمّ ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور فيكون لإبنيّ وسبطيّ وريحانتيّ أيّام حياتي منبران من نور، ثمّ يقال لهما: اخطبا فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحدٌ من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلهما.
ثمّ ينادي المنادي وهو جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أين فاطمة بنت محمّد؟ أين خديجة بنت خویلد؟ أين مریم بنت عمران؟ أين آسية بنت مزاحم؟ أين أم كلثوم أم یحیی بن زکريّا؟ فيمن يقول اللّه تبارك وتعالى : يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم؟ فيقول محمّد وعلي والحسن والحسين وفاطمة : للّه الواحد القهّار.
فيقول اللّه جلّ جلاله تعالى : يا أهل الجمع إنّي قد جعلت الكرم لمحمّد وعلي والحسن والحسين وفاطمة! يا أهل الجمع طأطؤوا الرؤوس وغضّوا الأبصار فإنّ هذه فاطمة تسير إلى الجنّة، فيأتيها جبرئیل بناقة من نوق الجنّة مدبجة الجنبين، خطامها من اللؤلؤ المحقق الرطب، عليها رحل من المرجان فتناخ بين يديها فتركبها فيبعث إليها مائة ألف ملك فيصيروا على يمينها ويبعث إليها مائة ألف ملك يحملونها على أجنحتهم حتّى يصيروها عند باب الجنّة، فإذا صارت عند باب الجنّة تلتفت فيقول اللّه : يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلى الجنّة، فتقول: ياربّ أحببتُ أن يُعرف قدري في مثل هذا اليوم. فيقول اللّه تعالى: يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حبّ لك أو لأحدٍ من ذريّتك خذي بيده فأدخليه الجنّة.
قال أبو جعفر : واللّه يا جابر! إنّها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيّها كما يلتقط الطير الحبّ الجيد من الحبّ الردي، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنّة يلقي اللّه في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا التفتوا يقول اللّه يا أحبّائي ما التفاتكم وقد شفعت فیکم فاطمة بنت حبيبي؟ فيقولون: ياربّ أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم، فيقول اللّه : يا أحبّائي ارجعوا وانظروا من أحبّكم لحبّ فاطمة ،
ص: 23
انظروا من أطعمكم لحبّ فاطمة، انظروا من كساكم لحبّ فاطمة، انظروا من سقاكم شربة في حبّ فاطمة ، انظروا مَن ردّ عنكم غيبة في حبّ فاطمة خذوا بيده وأدخلوه الجنّة.
قال أبو جعفر : واللّه لا يبقى في الناس إلّا شاك أو كافر أو منافق، فإذا صاروا بين الطبقات نادوا كما قال اللّه تعالى : «فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ»(1) فيقولون : «فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»(2) قال أبو جعفر : هيهات هيهات منعوا ما طلبوا «وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ»(3).(4)
{11}
[551] عن الأصبغ بن نباتة قال : لمّا جلس أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الخلافة وبايعه الناس خرج إلى المسجد متعممّاً بعمامة رسول اللّه ، لابساً بردة رسول اللّه، متنعّلاً نعل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، متقلّداً سيف رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فصعد المنبر فجلس عليه متّكئاً ثمّ شبّك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه، ثمّ قال : يا معشر الناس ! سلوني قبل أن تفقدوني.
... فسأله بعض الناس عن مسائل أجاب اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عنها.
ص: 24
ثمّ قال للحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا حسن ! قم فاصعد المنبر فتكلّم بكلام لا يجهلك قریش من بعدي فيقولون : إنّ الحسن لا يحسن شيئاً، قال : يا أبة كيف أصعد وأتكلّم وأنت في الناس تسمع وترى؟
فقال : بأبي أنت وأُمّي أُواري نفسي منك وأسمع وأرى ولا تراني.
فصعد الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) المنبر فحمد اللّه بمحامد بليغة شريفة وصلّى على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) صلاة موجزة ثمّ قال : أيّها الناس سمعت جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : أنا مدينة العلم وعليّ بابها، وهل يدخل المدينة إلّا من الباب ، ثمّ نزل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فوثب علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فتحمّله وضمّه إلى صدره.
ثمّ قال للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا بنيّ قم فاصعد المنبر فتكلّم بكلام لا يجهلك قريش من بعدي فيقولون: إنّ الحسين لا يبصر شيئاً، وليكن كلامك تبعاً لكلام أخيك.
فصعد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) صلاة موجزة، ثمّ قال : يا معاشر الناس ! سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهو يقول: إنّ عليّاً هو مدينة هدى، فمن دخلها نجئ، ومن تخلّف عنها هلك. فوثب علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فضمّه إلى صدره فقبّله. ثمّ قال : معاشر الناس ! إنّهما فرخا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ووديعته الّتي استودعنيها، وأنا أستودعكموها معاشر الناس ورسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) سائلكم عنها.(1)
ص: 25
{12}
[552] خطبة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في احتجاجاً على معاوية : أمّا بعد: فإنّ الطاغية قد صَنَع بنا و بشيعتنا ما قد علمتم ورأيتم وشهدتم وبلغكم، وإنّي أُريد أن أسألكم عن أشياء فإن صدقت فصدقّوني، وإن كذبت فكذّبوني، اسمعوا مقالتي، واكتموا قولي، ثمّ ارجعوا إلى أمصار کم وقبائلكم من أمنتموه ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون، فإنّي أخاف أن يندرس هذا الحقّ ويذهب ، واللّه متمّ نوره ولو كره الكافرون.
فما ترك الحسين شيئاً أنزل اللّه فيهم من القرآن إلا قاله وفسرّه، ولا شيئاً قاله الرسول في أبيه وأُمّه وأهل بيته إلّا رواه، وكلّ ذلك يقول الصحابة : «اللّهمّ نعم، قد سمعناه وشهدناه» ويقول التابعون : «اللّهمّ قد حدّثنا من نصدّقه ونأتمنه» حتّى لم يترك شيئاً إلّا قاله ثمّ قال :
أُنشدكم باللّه إلّا رجعتم وحدّثتم به من تثقون به ، ثمّ نزل وتفرّق الناس على ذلك.(1)
ص: 26
{13}
[253] خطب الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا أيّها الناس نافِسوا في المكارم، وسارِعوا في المغانم، ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجِّلوا، واكسِبوا الحمدَ بالنُجح، ولا تكتسبوا بالمَطَل ذمّاً، فمهما يكن لأحد عند أحد صنيعة له رأي أنّه لا يقومُ بشكرها فاللّه له بمكافاته ، فإنّه أجزلُ عطاءً و أعظمُ أجراً.
وَ اعْلَمُوا أَنَّ حَوَائِجَ النَّاسِ إِلَيْكُمْ مِنْ نِعَم اللَّهِ عَلَيْكُمْ، فَلَا تَمَلُّوا النِّعَمَ فَتَحُورَ نِقَما.
وَ اعْلَمُوا أَنَّ الْمَعْرُوفَ مُكْسِبٌ حَمْداً، وَ مُعَقِّبٌ أَجْراً، فَلَوْ رَأَيْتُمُ الْمَعْرُوفَ رَجُلًا رَأَيْتُمُوهُ حَسَناً جَمِيلًا يَسُرُّ النَّاظِرِينَ، وَ لَوْ رَأَيْتُمُ اللُّؤْمَ رَأَيْتُمُوهُ سَمِجا مُشَوَّهاً تَنْفِرُ مِنْهُ الْقُلُوبُ، وَ تُغَضُّ دُونَهُ الْأَبْصَارُ.
أَيُّهَا النَّاسُ! مَنْ جَادَ سَادَ، وَ مَنْ بَخِلَ رَذُلَ، وَ إِنَّ أَجْوَدَ النَّاسِ مَنْ أَعْطَى مَنْ لَا يَرْجُو، وَ إِنْ أَعْفَى النَّاسِ مَنْ عَفَى عَنْ قُدْرَةٍ، وَ إِنَّ أَوْصَلَ النَّاسِ مَنْ وَصَلَ مَنْ قَطَعَهُ، وَ الْأُصُولُ عَلَى مَغَارِسِهَا بِفُرُوعِهَا تَسْمُوا، فَمَنْ تَعَجَّلَ لِأَخِيهِ خَيْراً وَجَدَهُ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ غَداً، وَ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى بِالصَّنِيعَةِ إِلَى أَخِيهِ كَافَأَهُ بِهَا فِي وَقْتِ حَاجَتِهِ، وَ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ بَلَاءِ الدُّنْيَا مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَ مَنْ نَفَّسَ كُرْبَةَ مُؤْمِنٍ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرَبَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ،وَ مَنْ أَحْسَنَ أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْهِ وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ .(1)
ص: 27
{14}
[554] عن الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنه قال : أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَ أُحَذِّرُكُمْ أَيَّامَهُ، وَ أَرْفَعُ لَكُمْ أَعْلَامَهُ، فَكَأَنَّ الْمَخُوفَ قَدْ أَفِدَ بِمَهُولِ وُرُودِهِ وَ نَكِيرِ حُلُولِهِ وَ بَشِعِ مَذَاقِهِ، فَاعْتَلَقَ مُهَجَكُم، وَ حَالَ بَيْنَ الْعَمَلِ وَ بَيْنَكُمْ، فَبَادِرُوا بِصِحَّةِ الْأَجْسَامِ فِي مُدَّةِ الْأَعْمَارِ، كَأَنَّكُمْ بِبَغَتَاتِ طَوَارِقِه فَتَنْقُلُكُمْ مِنْ ظَهْرِ الْأَرْضِ إِلَى بَطْنِهَا، وَ مِنْ عُلْوِهَا إِلَى سُفْلِهَا وَ مِنْ أُنْسِهَا إِلَى وَحْشَتِهَا، وَ مِنْ رَوْحِهَا وَ ضَوْئِهَا إِلَى ظُلْمَتِهَا، وَ مِنْ سَعَتِهَا إِلَى ضِيقِهَا، حَيْثُ لَا يُزَارُ حَمِيمٌ، وَ لَا يُعَادُ سَقِيمٌ، وَ لَا يُجَابُ صَرِيخٌ. أَعَانَنَا اللَّهُ وَ إِيَّاكُمْ عَلَى أَهْوَالِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَ نَجَّانَا وَ إِيَّاكُمْ مِنْ عِقَابِهِ، وَ أَوْجَبَ لَنَا وَ لَكُم الْجَزِيلَ مِنْ ثَوَابِهِ.
عِبَادَ اللَّهِ! فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَصْرَ مَرْمَاكُمْ، وَ مَدَى مَظْعَنِكُم كَانَ حَسْبُ الْعَامِلِ شُغُلًا يَسْتَفْرِغُ عَلَيْهِ أَحْزَانَهُ وَ يَذْهَلُهُ عَنْ دُنْيَاهُ وَ يُكْثِرُ نَصَبَهُ لِطَلَبِ الْخَلَاصِ مِنْهُ، فَكَيْفَ وَ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ مُرْتَهَنٌ بِاكْتِسَابِهِ، مُسْتَوْقَفٌ عَلَى حِسَابِهِ، لَا وَزِيرَ لَهُ يَمْنَعُهُ، وَ لَا ظَهِيرَ عَنْهُ يَدْفَعُهُ ،وَ يَوْمَئِذٍ «لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ» (1)أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ ضَمِنَ لِمَنِ اتَّقَاهُ أَنْ يُحَوِّلَهُ عَمَّا يَكْرَهُ إِلَى مَا يُحِبُ «وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ» فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَخَافُ عَلَى الْعِبَادِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، وَ يَأْمَنُ الْعُقُوبَةَ مِنْ ذَنْبِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَا يُخْدَعُ عَنْ جَنَّتِهِ وَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.(2)
ص: 28
{15}
[555] خطب الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : إنّ الحلمَ زينة، والوفاء مروّة، والصلة نعمة، والإستكبار صلف(1) والعجلة سَفه، والسفه ضعف، والغلوّ ورطة، ومجالسة أهل الدناءة شرّ، ومجالسة أهل الفسق ريبة.(2)
{16}
[556] من كلام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويُروى عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إعتبروا أيّها الناس بما وعظ اللّهُ به أولياءَه من سوء ثنائه على الأحبار إذ يقول: «لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ»(3) وقال :« لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إلى قوله : لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ»(4) وإنّما عاب اللّه ذلك عليهم لأنهم كانوا يرون من الظلمة الّذين بين أظهرهم المنكر والفساد فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم ورهبة ممّا يحذرون واللّه يقول :« فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ»(5) وقال :« وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
ص: 29
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ».(1)
فبدأ للّه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه، لعلمه بأنها إذا أُدِّيت وأُقيمَتْ استقامت الفرائض كلّها هيّنها وصعبها، وذلك أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاءٌ إلى الإسلام مع ردّ المظالم ومخالفة الظالم وقسمة الفيء والغنائم وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقّها.
ثمّ أنتم أيّتها العصابة عصابة بالعلم مشهورة، وبالخير مذكورة، وبالنصيحة معروفة، وباللّه في أنفس الناس مهابة، يهابكم الشريف، ويكرمكم الضعيف ، ويؤثر كم من لا فضل لكم عليه ولابدّ لكم عنده ، تشفعون في الحوائج إذا امتنعت من طلابها، وتمشون في الطريق بهيبة الملوك وكرامة الأكابر، أليس كلّ ذلك إنما نلتموه بما يُرجى عندكم من القيام بحقّ اللّه وإن کنتم عن أكثر حقّه تقصرون فاستخففتم بحقّ الأئمّة، فأما حقّ الضعفاء فضيّعتم وأمّا حقّكم بزعمكم فطلبتم، فلا مالاً بذلتموه ولا نفساً خاطرتم بها للذي خلقها، ولا عشيرة عاديتموها في ذات اللّه أنتم تتمنّون على اللّه جنته ومجاورةَ رُسلِه وأماناً من عذابه. لقد خشيتُ عليكم أيّها المتمنّون على اللّه أن تحلّ بكم نقمة من نقماته لأنّكم بلغتم من كرامة اللّه منزلة فضلتم بها ومن يعرف باللّه لا تكرمون و أنتم باللّه في عباده تكرمون وقد ترون عهود اللّه منقوصة فلا تفزعون وأنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون وذمّة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) محقورة، والعمى والبكم والزمن في المدائن مهملة، لا ترحمون ولا في منزلتكم تعملون ولا من عمل فيها تعنون وبالإدهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون.
كلّ ذلك ممّا أمركم اللّه به من النهي والتناهي وأنتم عنه غافلون، وأنتم أعظم الناس مصيبة لمّا غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تسعون ذلك بأنّ
ص: 30
مجاري الأُمور والأحكام على أيدي العلماء باللّه الأمناء على حلاله وحرامه فأنتم المسلوبون تلك المنزلة وما سلبتم ذلك إلّا بتفرّقكم عن الحقّ واختلافكم في السنّة بعد البيّنة الواضحة، ولو صبرتم على الأذى وتحمّلتم المؤونة في ذات اللّه كانت أُمور اللّه عليكم ترد وعنكم تصدر وإليكم ترجع ولكنّكم مكّتم الظلمة من منزلتكم واستسلمتم أُمور اللّه في أيديهم يعملون بالشبهات ويسيرون في الشهوات ، سلّطهم على ذلك فرارکم من الموت و إعجابكم بالحياة الّتي هي مفارقتكم، فأسلمتم الضعفاء في أيديهم فمن بين مستعبد مقهور وبين مستضعف على معيشته مغلوب، يتقلّبون في الملك بآرائهم، ويستشعرون الخزي بأهوائهم اقتداء بالأشرار وجرأة على الجبّار، في كلّ بلد منهم على منبره خطيب يصقع، فالأرض لهم شاغرة وأيديهم فيها مبسوطة، والناس لهم خول لا يدفعون يد الأمس، فمن بين جبّار عنيد وذي سطوة على الضعفة شديد، مطاع لا يعرف المبدىء المعيد، فيا عجباً ومالي لا أعجب والأرض من غاش غشوم ومتصدّق ظلوم وعامل على المؤمنين بهم غير رحیم، فاللّه الحاكم فيما فيه تنازعا والقاضي بحكمه فيما شجر بيننا.
اللّهمّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَا كَانَ مِنَّا تَنَافُساً فِي سُلْطَانٍ؛ وَ لَا الْتِمَاساً مِن فُضُولِ الْحُطَامِ، وَ لَكِنْ لِنُرِيَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ، وَ نُظْهِرَ الْإِصْلَاحَ فِي بِلَادِكَ وَ يَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ، وَ يُعْمَلَ بِفَرَائِضِكَ وَ سُنَّتِكَ وَ أَحْكَامِكَ.
فَإِنَّكُمْ إِلَّا تَنْصُرُونَا وَ تُنْصِفُونَا قَوِيَ الظَّلَمَةُ عَلَيْكُمْ، وَ عَمِلُوا فِي إِطْفَاءِ نُورِ نَبِيِّكُمْ، وَ حَسْبُنَا اللَّهُ وَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْنا، وَ إِلَيْهِ أَنَبْنَا، وَ إِلَيْهِ الْمَصِير.(1)
ص: 31
{17}
[557] خطب الحسن عائشةَ بنتَ عثمان ، فقال مروان : أُزوّجها عبداللّه بن الزبير ، ثمّ إنّ معاوية كتب إلى مروان وهو عاملُه على الحجاز يأمره أن يخطبَ أُمّ كلثوم بنتَ عبداللّه بن جعفر لابنه يزيد، فأبی عبداللّه بن جعفر فأخبره بذلك فقال عبداللّه : إنّ أمرَها ليس إليّ إنّما هو إلى سيّدنا الحسين وهو خالُها، فأخبر الحسينَ بذلك فقال : أستخيرُ اللّه تعالى، اللّهمّ وفّق لهذه الجارية رضاك مِن آل محمّد.
فلمّا اجتمع الناسُ في مسجد رسول اللّه أقبل مروانُ حتّى جلس إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعنده من الجلّة وقال : إنّ أمير المؤمنين أمرني بذلك وأن أجعل مهرَها حكم أبيها بالغاً مابلغ، مع صلح ما بين هذين الحيَّين مع قضاء دَيْنه ، واعلم أنّ من يغبطكم بيزيد أكثرُ ممّن يغبط بكم، والعجب كيف يُستَمهر یزید وهو كفوُ َمن لا كفو له، وبوجهه يُستسقى الغمام! فردّ خيراً يا أبا عبداللّه.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الحمدُ للّه الّذي اختارنا لنفسِه وارتضانا لدينه واصطفانا على خلقِه، إلى آخر كلامه ثمّ قال : يا مروان ! قد قلتَ فسمعنا، أما قولُك : مهرُها حكم أبيها بالغاً مابلغ، فلعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنّةَ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في بناته ونسائه وأهل بيته وهو اثنتا عشرة أوقية يكون أربعمائة وثمانين درهماً، وأمّا قولك : مع قضاء دَیْن أبيها، فمتی کنّ نساؤنا يقضين عنّا ديونَنا، وأمّا صلح ما بين هذين الحيّين فإنّا قوم عاديناكم في اللّه، ولم نكن نصالحكم للدنيا ، فلعمري فلقد أعيى النسب فكيف السبب، وأمّا قولك : العجب لیزید کیف يستمهر فقد استمر مَن هو خير مِن يزيد و من أب يزيد ومن جدّ یزید. وأمّا قولك : إنّ يزيد کفوُ من لا كفوَ له، فمن كان كفوه قبل اليوم فهو كفوه اليوم،
ص: 32
ما زادته إمارته في الكفاءة شيئاً، وأمّا قولك : بوجهه يُستَسْقَى الغمام فإنّما كان ذلك بوجه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وأمّا قولك : مَن يغبطنا به أكثر ممّن يغبطه بنا، فإنّما يغبطنا به أهل الجهل ويغبطه بنا أهل العقل.
ثمّ قال بعد کلام: فاشهدوا جميعاً أنّي قد زوّجتُ أمّ كلثوم بنت عبداللّه بن جعفر من ابن عمها القاسم بن محمّد بن جعفر على أربعمائة وثمانين درهماً وقد نحلتها ضيعتي بالمدينة، أو قال أرضي بالعقيق، وإن غلتها في السنة ثمانية آلاف دینار، ففيهما لهما غنى إن شاء اللّه.
قال : فتغيّر وجه مروان وقال : أغدراً يا بني هاشم تأبون إلّا العداوة، فذكّره الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) خطبة الحسن عائشة وفعله ثمّ قال : فأين موضع الغدر یا مروان؟ فقال مروان :
أردنا صِهْركم لِنُجِدَّ ودّاً*** قد أخلقه به حدثُ الزمان
فلمّا جئتكم فجبهتموني*** وبُحْتم بالضمير من الشنان
فأجابه ذکوان مولى بني هاشم :
أماط اللّه منهم كلّ رجسٍ***وطهّرهم بذلك في المثاني
فمالهم سواهم من نظير*** ولا كفو هناك ولا مداني
أيجعل كلُّ جبّار عنيد*** إلى الأخبار من أهلِ الجنان (1)
{18}
[558 ] من فصاحته وعلمه (عَلَيهِ السَّلَامُ) مارواه موسی بن عقبة أنّه أمر معاوية
ص: 33
الحسين أن يخطب فصعد المنبرَ فحَمدِ اللّه وأثنى عليه وصلّى على النبي، فسمع رجل يقول : مَن هذا الّذي يخطب؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ):
نحن حزب اللّه الغالبون، وعترةُ رسولِ اللّه الأقربون، وأهلُ بيته الطيّبون، وأحد الثقلين، الّذين جعلنا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ثاني كتاب اللّه تعالى فيه تفصيل كلّ شيء، لا يأتيه الباطل مِن بين يديه ولا من خلفه، والمعوّل علينا في تفسيره لا يبطينا تأويله، بل نتّبع حقائقه، فأطیعونا فإنّ طاعتنا مفروضة، إذ كانت بطاعة اللّه مقرونة، قال اللّه تعالى : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(1) قال :« وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ»(2) و أُحذّركم الإصغاء إلى هتوف الشيطان، فإنّه لكم عدوّ مبين ، فتكونوا كأوليائه الّذين قال لهم : «لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ»(3) فتلقون للسيوف ضرباً، وللرماح ورداً، وللعمد حطماً، وللسهام غرضاً، ثمّ لا يقبل من نفس إيمانها لم تكن آمنَتْ مِن قبل.(4)
{19}
[559] من كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا عزم على الخروج إلى العراق قام خطيباً فقال :
ص: 34
الحمد للّه وماشاء اللّه ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه صلّى اللّه على رسوله و سلّم.
خُطّ الموتُ على ولدِ آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أو لهني إلى أسلافي اشتیاقَ يعقوبَ إلى يوسف، وخُيِّر لي مصرع أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي يتقطّعها عُسْلانُ الفَلَوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني أكراشاً جوفاً وأجربة سُغباً.
لا محيصَ عن يومٍ خُطّ بالقلم، رِضَى اللّه رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفّينا أجور الصابرين، لن يشذّ عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لحمته ، وهي مجموعةٌ له في حظيرة القدس تقرّ بهم عينه، ويتنجزّ لهم وعده ، من كان فينا باذلاّ مهجتَه ومُوطِّناً على لقاء اللّه نفسه فليرحَلْ فإنّي راحلٌ مُصبِحاً إن شاء اللّه.(1)
{20}
[590] قال عقبة بن أبي العيز از : قام حسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) بذي حسم فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : إنّه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنکّرت وأدبر معروفها واستمرّت جدا فلم يبق منها إلّا صبابة كصبابة (2) الإناء و خسیس عیش کالمرعى الوبيل، ألا ترون أنّ الحقّ لا يُعمل به وأنّ الباطل لا يُتناهى عنه اليرغب المؤمن في لقاء اللّه محقّاً فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلّا برماً.
ص: 35
(إلى أن قال):
فترقرقت عينا حسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولم يملك دمعه ثمّ قال : منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً، اللّهمّ اجعل لنا ولهم الجنّة نزلا واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ من رحمتك ورغائب مذخور ثوابك.(1)
ص: 36
{21}
[591] ثمّ سار حتّى أتى موضعاً يقال له «زبالة» فنزل وخطب وقال :
أيّها الناس فمن كان منكم يصبر على حدّ السيف وطعن الأسنّة فليقم معنا وإلّا فلينصرف عنّا.
فجعل القوم يتفرّقون، فلم يبق إلّا أهل بيته ومواليه، وهم نيف وسبعون رجلاً، وهم الّذين خرجوا معه من مكّة.
فسار بهم إلى الثعلبية، فاعترضهم الحرّ بن يزيد الرياحي، وهو قادم من القادسيّة رسولاً إليه من الحصين بن نمير، وكان الحصين بالقادسيّة في أربعة آلاف فارس، فلم يزل الحرّ يطلب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى لقيه عند صلاة الظهر.
قال الحر له : لا نفارقك حتّى أدخلناك عند ابن زیاد.
فأبى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
فقال الحر: إذا أبيت ذلك فخذ طريقاً آخر.(1)
ص: 37
{22}
[562] إنّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) خطب أصحابه وأصحاب الحرّ بالبيضة ، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : أيّها الناس! إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : «مَنْ رأى سلطاناً جائراً مُستَحِلاً لحُرَم اللّه، ناكثاً لعهد اللّه، مخالفاً لسنّة رسول اللّه، يَعملُ في عباد اللّه بالإثمّ والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول، كان حقّاً على اللّه أنْ يدخله مُدخَله».
ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعةَ الشيطان، وتركوا طاعةَ الرحمن، وأظهروا الفسادَ، وعطّلوا الحدودَ، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرامَ اللّه، وحرّموا حلالَه، وأنا أحقُّ مَن غَيّر، قد أتَتْني كتبكم، وقَدِمتْ علىّ رُسُلكم ببيعتكم، أنّكم لا تُسلموني ولا تَخذُلوني، فإنْ وفيتم على بيعتكم تصيبُوا رشدكم، فأنا الحسين بن علي، وابن فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم فيّ أُسوة، وإن لم تفعلوا ونقضْتم عهدكم، وخلعتُم بيعتي من أعناقكم، فلَعَمْري ما هي لكم بنُكْر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم ، والمغرور من اغترّ بكم، فحظّكم أخطأتم، ونصيبكم ضيعتم، ومَن نكث فإنّماینکثُ على نفسه، وسيُغني اللّه عنكم، والسلام عليكم ورحمةُ اللّه وبركاته.(1)
ص: 38
{23}
[563] الشيخ المفيد في الإرشاد، وغيره في غيره : في سياق قصّة مسیر أبي عبداللّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى العراق، قالوا: فلم يزل الحرّ موافقاً للحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، حتّى حضرت صلاة الظهر ، فأمر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الحجّاج بن مسروق أن يؤذّن ، فلمّا حضرت الإقامة خرج الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في إزار ورداء ونعلين ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال :
أيّها الناس! إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتُبكم، وقدِمَتْ على رسلُكم: أن أقدِم علينا فإنه ليس لنا إمامٌ، لعلّ اللّه أن يجمعنا وإيّاكم(1)لهدى، والحقّ، فإن کنتم على ذلك فقد جئتُكم فاعطوني ما أطمئنّ إليه من عهودكم ومواثيقكم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي کارهين، إنصرفت عنكم إلى المكان الّذي جئت عنه إليكم. (2)
ص: 39
{24}
[564] قال ابن الأعثم: ودنت صلاة العصر فأمر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) مؤذّنه فأذّن وأقام الصلاة، وتقدّم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فصلّى بالعسکرين. فلمّا انصرف من صلاته وثب قائماً على قدميه ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال :
أيّها الناس ! أنا ابنُ بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ونحن أولى بولاية هذه الأُمور علیکم من هؤلاء المُدَّعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالظلم والعدوان، فإن تَثقوا باللّه وتعرِفوا الحقّ لأهله فيكونُ ذلك للّه رضى، وإن كرُهتُمونا وجهِلتم حقَّنا وكان رأيُكم على خلاف ما جاءت به کتُبکم و قدِمَتْ به رُسُلُكم إنصَرَفْتُ عنكم.
قال : فتكلّم الحر بن یزید بينه وبين أصحابه فقال : أباعبداللّه ! مانعرف هذه الكتب ولا مَن هؤلاء الرسل.
قال : فالتفت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى غلام له يقال له عقبة بن سمعان فقال : یا عُقبَة! هات الخُرْجَين الّذَيْن فيهما الكتب، فجاء عقبة بكتب أهل الشام والكوفة فنثرها بين أيديهم ثمّ تنحّى، فتقدّموا و نظروا إلى عنوانها ثمّ تنحّوا.
فقال الحرّبن یزید : أباعبداللّه ! لسنا من القوم الّذين كتبوا إليك هذه الكتب، وقد أُمرنا إن لقيناك لا نفارقك حتّى نأتي بك على الأمير.
فتبسّم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ قال : الموتُ أدنى إليك مِن ذلك.(1)
ص: 40
{25}
[565] روي أنّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال لعسكره في خطبته :
أوَ لا أحدّثكم بأوّل أمرنا وأمرکم معاشر أوليائنا ومحبّينا والمتعصّبين لنا ليسهل عليكم احتمال ما أنتم له مقرّون؟ قالوا: بلى يابن رسول اللّه.
قال : إنّ اللّه تعالى لمّا خلق آدم وسوّاه وعلّمه أسماء كلّ شيء وعرضهم على الملائكة جعل محمّداً وعليّاً وفاطمة والحسن والحسين أشباحاً خمسة في ظهر آدم، وكانت أنوارهم تضيء في الآفاق من السماوات والحُجُب والجنان والكرسيّ والعرش، فأمر اللّه الملائكة بالسجدة لآدم تعظيماً له أنّه قد فضّله بأن جعله وعاء لتلك الأشباح الّتي قد عمّ أنوارها الآفاق.
فسجدوا إلّا إبليس أبى أن يتواضع لجلال عظمة اللّه وأن يتواضع لأنوارنا أهل البيت، وقد تواضعت لها الملائكة كلّها فاستكبر وترفّع فكان بإبائه ذلك وتكبّره من الكافرين.(1)
{26}
[566] جمع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أصحابه ليلة عاشوراء فقال : أثني على اللّه أحسن الثناء وأحمده على السرّاء والضرّاء، اللّهمّ إنّي أحمدك على أن کرّمتنا بالنبوّة وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة وعلّمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين
ص: 41
فاجعلنا لك من الشاکرین. أمّا بعد فإنّي لا أعلم أصحاباً أو في ولا أخير من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم اللّه جميعاً عتي خيراً. ألا وإنّي لأظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، وإنّي قد أذنت لكم جميعاً فانطلقوا في حلّ ليس عليكم منّي ذمام، هذا الليل قد غشیکم فاتّخذوه جملاً وليأخذ كلّ رجل منکم بید رجل من أهل بيتي فجزاكم اللّه جميعاً خيراً، ثمّ تفرّقوا في البلاد في سوادکم و مدائنکم حتّى يفرّج اللّه فإنّ القوم يطلبوني ولو أصابوني لهوا عن طلب غيري.(1)
ص: 42
{27}
[567 ] معاشر المؤمنین، لست أعلم أصحاباً أصبر منكم ولا أهل بيت أوفى وأفضل من أهل بيتي، فجزاكم اللّه عنّي أحسن الجزاء. وإنّي أظنّ أنّ آخر أيّامي هذه مع هؤلاء القوم الظالمين، وقد أبحتكم فمافي رقابكم منّي ذمام وحرج. وهذا الليل قد انسدل عليكم فليأخذ كلّ رجل منکم بید رجل من أهل بيتي وتفرّقوا في البيداء يميناً وشمالاً، عسى أن يفرّج اللّه عنّا وعنكم، فإنّ القوم يطلبوني دونكم.(1)
{28}
[568] فأقبل عبيداللّه بن زياد بعسكره حتّى عسكر بالنخيلة وبعث إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رجلاً يقال له : عمر بن سعد في أربعة آلاف فارس، وأقبل عبداللّه بن الحصين التميمي في ألف فارس يتبعه شَبَثُ بنُ ربعي في ألف فارس و محمّد بن الأشعث بن قيس الكندي أيضاً في ألف فارس وكتب لعمر بن سعد على الناس
ص: 43
وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوه، فبلغ عبيداللّه بن زياد أن عمر بن سعد یُسامر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويحدّثه ويكره قتالَه فوجّه إليه شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف فارس وكتب إلى عمر بن سعد: إذا أتاك كتابي هذا فلا تمهلنّ الحسين بن علي وخذ بكظمه وحلْ بينَ الماء وبينَه كما حيل بين عثمان وبين الماء يوم الدار ، فلمّا وصل الكتاب إلى عمر بن سعد لعنه اللّه أمر منادیه فنادى : إنّا قد أجّلنا حسيناً وأصحابَه يومَهم وليلَتهم فشقّ ذلك على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعلى أصحابه فقام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أصحابه خطيباً فقال : اللّهمّ إني لا أعرِفُ أهلَ بيت أبرّ ولا أز کی ولا أطهر مِن أهل بيتي ولا أصحاباً هم خير من أصحابي، وقد نَزَل بي ماقد تَرون وأنتم في حلّ من بيعتي، ليست لي في أعناقكم بيعةٌ ولا لي عليكم ذمّة، وهذا الليلُ قد غَشِیکم فاتّخذوه جَمَلاً وتفرّقوا في سواده، فإنّ القوم إنّما يطلبوني ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري، فقام عبداللّه بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب، فقال : يابن رسول اللّه ماذا يقول لنا الناس إن نحن خذلنا شيخَنا وكبيرَنا وسيّدَنا وابنَ سيّد الأعمام وابنَ نبيّنا سيّدِ الأنبياء لم نَضْرِب معه بسيفٍ ولم نقاتِل معه برمح، لا واللّه، أو نرد موردك ونجعل أنفسنا دون نفسك ودماءنا دون دمك، فإذا نحن فعلنا ذلك فقد قضينا ما علينا وخرجنا ممّا لزمنا، وقام إليه رجلٌ يقال له : زهير بن القين البجلي فقال : يابنَ رسول اللّه ودِدتُ إنّي قُتِلتُ ثمّ نُشرت ثمّ قُتِلتُ ثمّ نُشِرتُ ثمّ قُتِلتُ ثمّ نُشِرتُ فيك وفي الّذين معك مائة قتلة وأن اللّه دفع بي عنكم أهل البيت، فقال له ولأصحابه : جُزيتُم خيراً.(1)
ص: 44
{29}
[599] عن أبي جعفر(عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأصحابه قبل أن يُقتل : إنّ رسول اللّه قال لي : يا بُنيّ إنّك ستُساق إلى العراق، وهي أرض قد التقى بها النبيّون وأوصياء النبيّين، وهي أرض تدعى عمورا، وإنّك تستشهد بها، ويستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مسّ الحديد، وتلا: «قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ» (1) الحرب برداً وسلاماً عليك وعليهم، فأبشِروا، فواللّه لئن قتلونا فإنّا نرِدُ على نبيّنا، قال :
ثمّ أمكُثُ ماشاء اللّه فأكون أوّلَ مَن ينشقُّ الأرضُ عنه ، فأخرجُ خرجةً يُوافق ذلك خرجة أمير المؤمنين وقيام قائمِنا، ثمّ لينزِلنّ على وفدٌ مِن السماء من عند اللّه، لم ينزِلوا إلى الأرض قط ، ولينزِلنّ إلي جبرئیل و میکائیل وإسرافيل، وجنودٌ مِن الملائكة ، ولينزِلنّ محمّد وعليّ وأنا وأخي وجميع مَن منّ اللّه عليه، في حمولات مِن حمولات الربّ خيل بلق مِن نور لم يركبها مخلوق، ثمّ ليهِزّنّ محمّد لوءَه وليدفعنّه إلى قائمنا مع سيفه، ثمّ إنّا نمکث من بعد ذلك ماشاء اللّه ، ثمّ إنّ اللّه يُخرِج مِن مسجد الكوفة عيناً مِن دُهن وعيناً من ماء وعيناً مِن لبن.
ثمّ إنّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يدفع إليّ سيف رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، ويبعثُني إلى المشرق والمغرب ، فلا آتي على عدوّ للّه إلّا أهرقتُ دمَه، ولا أدعُ صَنَماً إلّا أحرقتُه حتّى أقَعَ إلى الهند فأفتحُها.
وإنّ دانيال ويوشع يخرجان إلى أمير المؤمنين يقولان: صدق اللّه ورسولُه ويبعثُ اللّه معهما إلى البصرة سبعين رجلاً فيقتُلون مُقاتليهم، ويبعث بعثاً إلى
ص: 45
الروم فيفتحُ اللّه لهم.
ثمّ لأقتلنّ كلّ دابّة حرّم اللّه لحمها، حتّى لا يكون على وجه الأرض إلا الطيّب، وأعرضُ على اليهود والنصارى وسائر الملل، ولأُخيّرنّهم بين الإسلام والسيف، فمَن أسلم مننتُ عليه، ومن كرِه الإسلامَ أهرق اللّه دمَه، ولا يبقى رجلٌ مِن شيعتنا إلّا أنزل اللّه إليه ملكاً يمسح عن وجهه التُراب ويعرّفُه أزواجَه ومنزِلتَه في الجنّة، ولا يبقى على وجه الأرض أعمى ولا مُقْعَد ولا مُبتلى إلّا کشف اللّه عنه بلاءَه بنا أهل البيت.
ولينزِلنّ البركة مِن السماء إلى الأرض، حتّى أنّ الشجرة لتقصِفُ بما یریدُ اللّه فيها من الثمرة، ولتأكلنّ ثمرة الشتاء في الصيف، وثمرةَ الصيف في الشتاء ، وذلك قولُه تعالى : «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»(1) ثمّ إنّ اللّهَ يهبُ لشيعتِنا کرامَةً، لا يخفى عليهم شيءً في الأرض وما كان فيها، حتّى أنّ الرجلَ منهم يريد أن يعلم علم أهل بيته ويُخبِرَهم بعلم ما يعملون.(2)
{30}
[570] دعا الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) براحلتِه فركبها ونادى بأعلى صوته: يا أهلَ العراق ! - وجُلّهم يسمعون - فقال : أيّها الناس! إسمعوا قولي ولا تعجلوا حتّى
ص: 46
أعظَكم بما يحقّ لكم عليّ، وحتي أعذر إليكم فإن أعطيتموني النَصَف کنتم بذلك أسْعَدَ، وإن لم تُعطوني النصف مِن أنفسكم فاجمعوا رأيكم ثمّ لا يكن أمرکم علیکم غمّةً ثمّ اقضوا إليّ ولا تنظرون إنّ ولیّي اللّه الّذي نزّل الكتابَ وهو يتولّى الصالحين.(1)
{31}
[571] ثمّ وثب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) متوكّئاً على قائم سيفه ونادى بأعلى صوته فقال : أُنشدكم اللّهَ هل تعرِفونَني؟
قالوا: نعم، أنت ابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وسبطه.
قال : أُنشدكم اللّهَ هل تعلمون أنّ جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟
قالوا: اللّهمّ نعم.
قال : أُنشدكم اللّهَ هل تعلمون أنّ أبي علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟
قالوا: اللّهمّ نعم.
قال: أُنشدكم اللّهَ هل تعلمون أنّ أُمّي فاطمة الزهراء بنت محمّد المصطفى (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟
قالوا: اللّهمّ نعم.
قال : أُنشدكم اللّهَ هل تعلمون أنّ جدّتي خديجة بنت خويلد أوّلُ نساءِ هذه الأُمّة إسلاماً؟
قالوا: اللّهمّ نعم.
قال : أُنشدكم اللّهَ هل تعلمون أنّ حمزة سيّد الشهداء عمّ أبي؟
ص: 47
قالوا: اللّهمّ نعم.
قال : أُنشدكم اللّهَ هل تعلمون أنّ جعفر الطيّار في الجنّة عمّي؟
قالوا: اللّهمّ نعم.
قال : أُنشدكم اللّهَ هل تعلمون أنّ هذا سيفُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنا متقلِّده ؟
قالوا: اللّهمّ نعم.
قال : أُنشدكم اللّهَ هل تعلمون أنّ هذه عمامة رسول اللّه أنا لابسها؟
قالوا: اللّهمّ نعم.
قال : أُنشدكم اللّهَ هل تعلمون أنّ عليّاً كان أوّل القومِ إسلاماً؟ وأعلمُهم عِلْماً، وأعظمُهم حِلماً، وأنّه وليُّ كلّ مؤمنٍ ومؤمنة؟
قالوا: اللّهمّ نعم.
قال : فبِمَ تَسْتَحِلّونَ دمي وأبي صلوات اللّه عليه الذائدُ عن الحوض، يذودُ عنه رجالاً كما یُذاذُ البعير الصادرُ عن الماء، ولواءُ الحمد في يدِ أبي يومَ القيامة؟!
قالوا: قد علمنا ذلك كلّه، ونحن غير تاركيك حتّى تذوق الموت عطشاً.
فلمّا خطب هذه الخطبة وسمع بناته وأُخته زينب كلامه بكين وندبن ولطمن وارتفعت أصواتهنّ، فوجّه إليهنّ أخاه العبّاس وعليّاً ابنه وقال لهما: أُسكتاهُنّ فلعَمْري ليكثُرَنّ بکاؤهنّ.(1)
ص: 48
{32 }
سینا [572] وعن مصعب(1) بن عبداللّه : لمّا استكف الناس بالحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رَكِبَ فَرَسَهُ وَ اسْتَنْصَتَ النَّاسَ ، حَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : تَبّاً لَكُمْ أَيَّتُهَا الْجَمَاعَةُ وَ تَرَحاً وَ بُؤْساً لَكُمْ! حِينَ اسْتَصْرَخْتُمُونَا وَلِهِينَ، فَأَصْرَخْنَاكُمْ مُوجِفِينَ، فَشَحَذْتُمْ عَلَيْنَا سَيْفاً كَانَ فِي أَيْدِينَا، وَ حَمَشْتُمْ عَلَيْنَا نَاراً أَضْرَمنَاهَا عَلَى عَدُوِّكُمْ وَ عَدُوِّنَا، فَأَصْبَحْتُمْ إِلْباً عَلَى أَوْلِيَائِكُمْ، وَ يَداً عَلَى أَعْدَائِكُمْ مِنْ غَيْرِ عَدْلٍ أَفْشَوْهُ فِيكُمْ، وَ لَا أَمَلٍ أَصْبَحَ لَكُمْ فِيهِمْ، وَ لَا ذَنْبٍ كَانَ مِنَّا إِلَيْكُمْ، فَهَلَّا لَكُمُ الْوَيْلَاتُ إِذْ كَرِهْتُمُونَا وَ السَّيْفُ مَشِيمٌ، وَ الْجَأْشُ طَامِنٌ، وَ الرَّأْيُ لِمَا يُسْتَحْصَفُ وَ لَكِنَّكُمْ أَسْرَعْتُمْ إِلَى بَيْعَتِنَا كَطَيْرَةِ الدَّبَا، وَ تَهَافَتُّمْ إِلَيْهَا كَتَهَافُتِ الْفِرَاشِ، ثُمَّ نَقَضْتُمُوهَا سَفَهاً وَ ضَلَّةً، فَبُعْداً وَ سُحْقاً لِطَوَاغِيتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ! وَ بَقِيَّةِ الْأَحْزَابِ وَ نَبَذَةِ الْكِتَابِ، وَ مُطْفِئِي السُّنَنِ، وَ مُؤَاخِي الْمُسْتَهْزِءِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ، وَ عُصَاةِ الْإِمَامِ، وَ مُلْحِقِي الْعَهْرَةِ بِالنَّسَبِ، وَ لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ فِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ .
أَ فَهَؤُلَاءِ تَعْضِدُونَ، وَ عَنَّا تَتَخَاذَلُونَ! أَجَلْ وَ اللَّهِ، خُذِلَ فِيكُمْ مَعْرُوفٌ نَبَتَتْ عَلَيْهِ أُصُولُكُمْ، وَ اتَّزَرَتْ عَلَيْهِ عُرُوقُكُمْ، فَكُنْتُمْ أَخْبَثَ ثَمَرِ شَجَرٍ لِلنَّاظِرِ، وَ أَكْلَةٍ لِلْغَاصِبِ، أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ النَّاكِثِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلُوا اللَّهَ عَلَيْهِمْ كَفِيلًا.
أَلَا وَ إِنَّ الدَّعِيَّ ابْنَ الدَّعِيِّ قَدْ تَرَكَنِي بَيْنَ السَّلَّةِ وَ الذِّلَّةِ، وَ هَيْهَاتَ لَهُ ذَلِكَ
ص: 49
مِنِّي! هَيْهَاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ! أَبَى اللَّهُ ذَلِكَ لَنَا وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ، وَ حُجُورٌ طَهُرَتْ وَ جُدُودٌ طَابَتْ، أَنْ يُؤْثَرَ طَاعَةُ اللِّئَامِ عَلَى مَصَارِعِ الْكِرَامِ، أَلَا وَ إِنِّي زَاحِفٌ بِهَذِهِ الْأُسْرَةِ عَلَى قِلَّةِ الْعَدَدِ، وَ كَثْرَةِ الْعَدُوِّ، وَ خَذْلَةِ النَّاصِرِ، ثُمَّ تَمَثَّلَ فَقَال :
فَإِنْ نَهْزِمْ فَهَزَّامُونَ قِدْماً***وَ إِنْ نُهْزَمْ فَغَيْرُ مُهَزَّمِينَا
وَ مَا إِنْ طِبُّنَا جُبْنٌ وَ لَكِنْ***مَنَايَانَا وَ دَوْلَةُ آخَرِينَا
فَلَوْ خَلَدَ الْمُلُوكُ إِذاً خَلَدْنَا***وَ لَوْ بَقِيَ الْكِرَامُ إِذاً بَقِينَا(1)
{33}
[573] تقدّم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى وقف بإزاء القوم، فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنّهم السيل، ونظر إلى ابن سعد واقفاً في صناديد الكوفة، فقال : الحمد للّه الّذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال، متصرّفة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرورُ مَن غرّته والشقيّ من فتنته، فلا تغرّنّكم هذه الدنيا، فإنّها تقطع رجاءَ مَن ركن إليها، وتخيِّبُ طمع من طمع فيها، وأراكم قد اجتمعتم على أمرٍ قد أسخطتُم اللّه فيه عليكم، وأعرض بوجهه الكريم عنكم، وأحلّ بكم نِقمتَه، وجنّبكم رحمتَه، فنِعم الربُّ ربُّنا، وبئس العبد أنتم، أقررتم بالطاعة، وآمنتم بالرسول محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ثمّ إنّكم زحفتم إلى ذريّته وعترته تريدون قتلهم، لقد استحوذ عليكم الشيطان، فأنساكم ذكرَ اللّه العظيم، فتبّاً لكم ولمّا تريدون، إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، هؤلاء قومٌ کفروا بعدَ إيمانِهِم فبُعْداً للقومِ الظالمين.
ص: 50
فقال عمر: ويلكم كلّموه فإنّه ابن أبيه، واللّه لو وقف فیکم هكذا يوماً جديداً لمّا انقطع ولمّا حصر فكلّموه، فتقدّم شمر لعنه اللّه فقال : يا حسين ما هذا الّذي تقول؟ أفهمنا حتّى نفهم
فقال : اتّقوا اللّهَ ربّكم ولاتقتُلوني، فإنّه لا يحلُّ لكم قتلي ولا إنتهاك حرمتي، فإنّي إبنُ بنتِ نبيّكم وجدّتي خديجة زوجة نبيّكم، ولعله قد بلغكم قول نبیّکم: الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة.(1)
{34)
[574] عباد اللّه اتّقوا اللّه وكونوا من الدينا على حذر، فإنّ الدنيا لو بقيت الأحد أو بقي عليها أحد لكانت الأنبياء أحقّ بالبقاء وأولى بالرضا وأرضى بالقضاء، غير أنّ اللّه تعالى خلق الدنيا للبلاء، وخلق أهلها للفناء، فجديدها بال ونعيمها مضمحلّ، وسرورها مكفهر والمنزل بلغة والدار قلعة فتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واتّقوا اللّه لعلکم تفلحون.(2)
ص: 51
{35}
[575] عن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال لأصحاب ابن زیاد يوم الطفّ :
مالكم تناصرون علىّ أم واللّه لئن قتلتموني حجّة اللّه عليكم لا واللّه مابین جابلقا و جابر سا ابن نبي احتجّ اللّه به عليكم غيري.(1)
لا أُعطيكم بيدي إعطاء الذليل
{36}
[976] قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قد بلغكم قول نبیّکم محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : الحسن والحسین سیّدا شباب أهل الجنّة، ما خلا النبيّين والمرسلين، فإن صدّقتموني بما أقول وهو الحقّ فواللّه ما تعمّدت كذباً منذ علمت أنّ اللّه يمقت عليه أهله ، وإن كذّبتموني فإنّ فيكم من الصحابة مثل جابر بن عبداللّه و سهل بن سعد، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك فاسألوهم عن هذا فإنّهم يخبرونكم أنّهم سمعوه من رسول اللّه ، فإن کنتم في شكّ من أمري، أفتشکّون أي ابن بنت نبيّكم، فواللّه مابین
ص: 52
المشرقين والمغربين ابن بنت نبيّ غيري، ويلكم أتطلبوني بدم أحد منكم قتلته ، أو بمال استملكته أو بقصاص من جراحات استهلكته فسكتوا عنه لا يجيبونه، ثمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : واللّه لا أُعطيهم يدي إعطاء الذليل ولا أفرّ فرار العبيد، عباد اللّه إنّي عذتُ بربّي وربّكم أن ترجعون وأعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب.
فقال له شمر بن ذي الجوشن : یا حسین بن علي أنا أعبد اللّه على حرف إن كنت أدري ما تقول.
فسكت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
فقال حبیب بن مظاهر للشمر : يا عدوّ اللّه وعدوّ رسول اللّه إنّي لأظنّك تعبد اللّه على سبعين حرفاً، وأنا أشهد أنّك لا تدري ما يقول، فإنّ اللّه تبارك وتعالى قد طبع على قلبك.
فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حسبك يا أخا بني أسد فقد قضى القضاء و جفّ القلم واللّه بالغ أمره، واللّه إنّي لأشوق إلى جدّي وأبي وأُمّي وأخي وأسلافي من يعقوب إلى يوسف وأخيه ولي مصرع أنا لاقيه.(1)
ص: 53
ص: 54
ص: 55
{1}
[577 ]عن الصادق ، عن أبيه، عن جدّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : کتب رجل إلى الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا سيّدي أخبرني بخير الدنيا والآخرة.
فكتب إليه : بسم اللّه الرحمن الرحيم، أمّا بعد فإنّه مَن طلب رِضى اللّه بسخط الناس كفاه اللّه أُمورَ الناس، ومن طلب رِضى الناس بسخط اللّه وكله اللّه إلى الناس، والسلام.(1)
{2}
[578] و کتب مروان بن الحكم إلى معاوية : إنّي لست آمن أن يكون حسین مرصداً للفتنة وأظنّ يومكم من حسين طويلاً.
فكتب معاوية إلى الحسين : إنّ من أعطى اللّه صفقة يمينه وعهده لجديرٌ بالوفاء، وقد أُنبِئْتُ أنّ قوماً من أهلُ الكوفة قد دعوك إلى الشقاق، وأهلُ العراق مَن قد جرّبت، قد أفسدوا على أبيك وأخيك، فاتّقِ اللّه واذكر الميثاق وإنّك متى تكِدْني أكِدْك.
ص: 56
فكتب إليه الحسين : أتاني كتابُك، وأنا بغير الّذي بَلَغَك عنّي جدير ، والحسناتُ لا يهدي لها إلّا اللّه، وما أردتُ لك محاربةً ولا عليك خلافِاً وما أظُنُّ لي عند اللّه عُذراً في ترك جهادك، وما أعلمُ فتنةً أعظم من ولايتك أمرَ هذه الأُمّة.(1)
{3}
[579] في مكّة كتب الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) نسخةً واحدة إلى رؤساء الأخماس بالبصرة وهم مالك بن مسمع البكري، والأحنف بن قيس، والمنذر بن الجارود، و مسعود بن عمرو، وقيس بن الهيثم، وعمرو بن عبيد بن معمر ، وأرسله مع مولی له يقال له سليمان و فيه :
أمّا بعد فإنّ اللّه اصطفى محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من خَلقِه، وأكرمه بنبوّته، واختاره الرسالته، ثمّ قبضه إليه وقد نصح لعباده، وبلّغ ما أرسل به (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وكنّا أهلَه وأولياءَه وورثتَه وأحقَّ الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومُنا بذلك فرضينا، وكرهنا الفرقة، وأحببنا العافيةَ، ونحن نعلم أنّا أحقُّ بذلك الحقّ المستحقّ علينا ممّن تولّاه، وقد بعثتُ رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه، فإنّ السنّة قد أُميتَ، والبدعةُ قد أُحييت، فإن تسمعوا قولي أهدِكم إلى سبيل الرشاد، والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.(2)
ص: 57
{4}
[580] کان لمعاوية بن أبي سفيان عين بالمدينة يكتب إليه بما یکون من أُمور الناس و قریش، فكتب إليه : إنّ الحسين بن علي أعتق جارية له وتزوّجها ، فكتب معاوية إلى الحسين : من أمير المؤمنین معاوية إلى الحسين بن عليّ، أمّا بعد فإنّه بلغني أنّك تزوّجت جاريتُك، وتركتَ أكفاءَك من قریش، ممّن تستحسنه للولد، وتمجد به في الصهر ، فلا لنفسك نظرتَ، ولا لولدك انتقيتَ!
فكتب إليه الحسينُ بنُ عليّ: أمّا بعد فقد بلغني كتابُك و تعبيرُك إيّاي بأنّي تزوّجتُ مولاتي وتركتُ أكفائي من قريش، فليس فوق رسول اللّه منتهي في شرف، ولا غاية في نسب وإنّما كانت ملك يميني خَرَجتْ عن يدي بأمر إلتمستُ فيه ثوابَ اللّه تعالى، ثمّ ارتجعتها على سنّة نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وقد رفع اللّه بالإسلام الخسيسةَ، ووضع عنّا به النقيصة، فلا لوم على امرىء مسلم إلّا في أمرِ مأثم، وإنّما اللَومُ لومُ الجاهليّة.
فلمّا قرأ معاوية كتابَه نبذه إلى يزيد فقرأه وقال : لشدَّ مافخر عليك الحسين ! قال : لا ولكنّها ألسنة بني هاشم الحِداد الّتي تفلق الصخر، وتغرف من البحر ! (1)
{5}
[581] وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في جواب کتاب کتب إليه معاوية على طريق الإحتجاج : أمّا بعد: فقد بلغني كتابُك أنه بلغك عنّي أُمورٌ إنّ بي عنها غني، وزعمتَ
ص: 58
أنّی راغب فيها، وأنا بغيرها عنك جدير، أمّا مارقي إليك عنّي فإنه رقاه إليك الملّاقون المشّاؤن بالنمائم المفرّقون بين الجمع، كذب الساعون الواشون، ما أردتُ حربَك ولا خلافاً عليك، وأيم اللّه إنّي لأخاف اللّه عزّ ذكرُه في ترك ذلك، وما أظنّ اللّه تبارك وتعالی براض عنّي بترکه، ولا عاذري بدون الإعتذار إليه فيك، وفي أُولئك القاسطين الملبين حزب الظالمين، بل أولياء الشيطان الرجيم، ألستَ قاتلَ حجر بن عدي أخي کندة ، وأصحابه الصالحين المطيعين العابدين، كانوا ينكرون الظلمَ، ويَسْتعظمون المنكرَ والبدعَ، ويؤثرون حکمَ الكتاب ، ولا يخافون في اللّه لومةَ لائم، فقتلتهم ظلماً وعُدواناً، بعد ما كنتَ أعطيتَهم الأيمان المغلّظة، والمواثيق المؤكّدة، لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم، ولاباحنة تجدّها في صدرك عليهم، أو لستَ قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول اللّه ، العبد الصالح الّذي أبلَتْه العبادةُ فصفرت لونه، ونحلت جسمه، بعد أن أمنتَه وأعطيتَه مِن عهود اللّه عزّوجلّ و میثاقه مالو أعطيته العصم ففهمته لنزلت إليك من شعف الجبال، ثمّ قتلته جرأة على اللّه عزّوجلّ، واستخفافاً بذلك العهد؟ أولستَ المدّعي زيادَ بن سميّة، المولود على فراش عبيد عبد ثقيف، فزعمتَ أنّه إبن أبيك، وقد قال رسول اللّه : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» فتركتَ سنّة رسول اللّه واتّبعتَ هواك بغير هُدى مِن اللّه، ثمّ سلّطتَه على أهلِ العراق فقطع أيدي المسلمين وأرجلَهم وسَمَل أعينَهم، وصلبَهم على جُذوعِ النخيل كأنّك لستَ مِن هذه الأُمّة، وليسوا منك؟ أولستَ صاحب الحضرميّين الّذين كتب إليك فيهم ابن سميّة أنّهم : علىّ دين على ورأيه، فكتبتَ له أُقتل كلّ من كان على دين علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ورأيه فقتلهم، ومثل بهم بأمرك، ودينُ عليّ واللّه وابن علي الّذي كان يضرب عليه أباك، وهو أجلسك بمجلسك الّذي أنت فيه، ولولا ذلك لكان أفضل شرفك وشرف أبيك
ص: 59
تجشم الرحلتين اللتين بنا منّ اللّه عليكم فوضعهما عنكم؟
وقلتَ فيما تقول أُنظر نفسك ولدينك ولأُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، واتّق شقّ عصا هذه الأُمّة، وأن تردهم في فتنةً، فلا أعرف فتنة أعظم من ولايتك عليها، ولا أعلم نظراً لنفسي وولدي وأُمّة جدّي أفضلَ مِن جهادك فإن فعلته فهو قربةً إلى اللّه عزّوجلّ، وإن تركنُه فأستغفر اللّه لذنبي وأسأله توفيقي لإرشاد أُموري ، وقلتَ فيما تقول إن أنكرك تنكرني، وإن أكدك تكدني، وهل رأيك إلّا كيد الصالحين منذ خلقت؟
فكِدني ما بدا لك إن شئت، فإنّي أرجو أن لايضرّني کيدك، وأن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك، على أنّك تكيد فتوقظ عدوّك، وتويق نفسك ، کفعلك بهؤلاء الّذين قتلتَهم ومثّلت بهم بعد الصلح والإيمان والعهد والميثاق ، فقتلتَهم من غير أن يكونوا قَتَلوا إلّا لذكرهم فضلَنا، وتعظيمهم حقّنا، بما به شرفت وعرفت، مخافة أمر لعلّك لو لم تقتلهم متّ قبل أن يفعلوا، أو ماتوا قبل أن يدركوا، أبشر يا معاوية بقصاص، واستعدّ للحساب، واعلم أنّ للّه عزّوجلّ كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها وليس اللّه تبارك وتعالى بناس أخذك بالظنة، وقتلك أولياءه بالتهمة، ونفيك إيّاهم من دار الهجرة إلى دار الغربة والوحشة، وأخذك الناس ببيعة ابنك، غلام من الغلمان، يشرب الشراب ، ويلعب بالكعاب، لا أعلمك إلّا قد خسرت نفسك، وشريت دينك، وغششت رعيّتك، وأخزيت أمانتك ، سمعت مقالة السفيه الجاهل، وأخفت التقي الورع الحليم.(1)
ص: 60
{6}
[582] عن شريف بن سابق، عن الفضل بن أبي قرّة، عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : کتب رجل إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عظني بحرفين، فكتب إليه : مَن حاول أمراً بمعصية اللّه تعالى كان أفوت لمّا يرجو، وأسرع لمجيء ما يحذر.(1)
{7}
[583 ] بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلى أخيه محمّد بن علي المعروف بابن الحنفيّة: إنّ الحسين بن علي يشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله جاء بالحقّ من عند الحقّ، وأنّ الجنّة والنار حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللّهَ يبعثُ مَن في القبور، إنّي لم أخرج أشِراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً،
ص: 61
وإنّما خرجتُ أطلب الإصلاح في أُمّة جدّي محمّد أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وسيرة أبي عليّ بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحقّ فاللّه أولى بالحقّ، ومن ردّ علىّ هذا صبرت حتّى يقضي اللّه بيني وبين القوم بالحقّ ويحكم بيني وبينهم وهو خير الحاکمین، هذه وصيّتي إليك يا أخي وما توفيقي إلّا باللّه عليه توكّلت وإليه أُنيب، والسلام عليك وعلى من اتّبع الهدى ولا قوة إلّا باللّه العليّ العظيم.(1)
{8}
[584 ] بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن عليّ إلى بني هاشم :
أمّا بعد فإنّه من لحق بي منكم استشهد معي ومن تخلّف لم يبلغ الفتح، والسلام.(2)
ص: 62
وفي رواية أُخرى : بسم اللّه الرحمن الرحيم، من الحسين بن عليّ إلى محمّد بن عليّ ومن قبله من بني هاشم أما بعد: فإنّ من لحق بي أُستشهد، ومن لم يلحق لم يدرك الفتح، والسلام.(1)
{9}
[585 ] كتب أخ للحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى الحسين کتاباً يستبطئه في مکاتبته. قال : فكتب إليه الحسين : يا أخي ليس تأكيد المودّة بكثرة المزاورة، ولا بمواترة المكاتبة، ولكنّها في القلب ثابتة وعند النوازل موجودة، وقد قال في ذلك أوس بن حجر :
وليس أخوك الدائمُ الوصل بالّذي***يذمك إن ولّی ويُرضيك مقبلاً
ولكنّه النائي إذا کنتَ آمناً***وصاحبُك الأدنى إذا الأمر أعضلا(2)
ص: 63
{10}
[589] دعا الحسين مسلم بن عقيل، فسيَّره إلى الكوفة، وأمره بتقوى اللّه وكتمان أمره والتلطُّف ؛ فإن رأى الناس مجتمعين عجّل إليه بذلك.
فسار مسلم نحوَ المدينة، ولمّا دخلها صلّى في مسجد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وودّع أهلَه، واستأجر دلیلیْن من قَيسْ، فأقبلا به ، فضلّا الطريقَ، وعطشوا فمات الدليلان.
فكتب مسلم إلى الحسين : إنّي أقبلتُ إلى المدينة، واستأجرتُ دلیلین ، فضلّا الطريقَ، واشتدّ عليهما العطشُ، فماتا، وأقبلنا حتّى انتهينا إلى الماء، فلم ننج إلّا بحشاشة أنفسنا، وقد تطّيرتُ، فإن رأيتَ أعفيتَني وبعثتَ غيري.
فكتب إليه الحسين : أمّا بعد؛ فقد خشيتُ ألا يكون حَمَلك على الكتاب إلّا الجبْن، فامض لوجهك، والسلام.(1)
ص: 64
{11}
[587] قام عبداللّه بن جعفر إلى عمرو بن سعید بن العاص(1) فكلمه وقال : اكتب إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كتاباً تجعل له فيه الأمان، وتمنّيه فيه البرّ والصلة، وتوثّق له في كتابك، وتسأله الرجوع، لعلّه يطمئنّ إلى ذلك فيرجع، وابعث به مع أخيك یحیی بن سعید، فإنّه أحرى أن تطمئن نفسه إليه ويعلم أنّه الجدّ منك.
فقال عمرو بن سعيد: أُكتب ماشئت وائتني به حتّى أختمه، فكتب عبداللّه بن جعفر الكتاب :
بسم اللّه الرحمن الرحيم، من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي، أمّا بعد، فإنّي أسأل اللّه أن يصرفك عمّا يوبقك، وأن يهديك لمّا يرشدك، بلغني أنّك قد توجّهت إلى العراق، وإنّي أُعيذك مِن الشاق، فإنّي أخاف عليك فيه الهلاك، وقد بعثت إليك عبداللّه بن جعفر و یحیی بن سعد، فأقبل إليّ معهما ، فإنّ لك عندي الأمان والصلة والبرّ وحسن الجوار، لك اللّه بذلك شهید و کفیل ، ومراع ووكيل، والسلام عليك.
ثمّ أتی به عمرو بن سعيد فقال له : إختمه، ففعل، فلحقه عبداللّه بن جعفر ويحیی بن سعید، فأقرأه يحيى الكتاب ، وكتب إليه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
أمّا بعد؛ فإنّه لم يُشاقِق اللّهَ ورسولَه مَن دعا إلى اللّه عزّوجلّ وعَمِلَ صالحاً وقال : إنّني مِن المسلمين، وقد دعوتَ إلى الأمان والبرّ والصلة، فخيرُ
ص: 65
الأمان أمانُ اللّه، ولن يؤمِنَ اللّهُ يومَ القيامة مَن لم يخفه في الدنيا، فنسأل اللّهَ مخافةً في الدنيا توجبُ لنا أمانَه يومَ القيامة، فإن کنتَ نويتَ بالكتاب صِلَتي وبِرّي فجُزيتَ خيراً في الدُنيا والآخرة، والسلام.(1)
{12}
[588] وانتقل الخبر بأهل المدينة أنّ الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) لا يريد الخروج إلى العراق، فكتب إليه عبداللّه بن جعفر : بسم اللّه الرحمن الرحيم، للحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) من عبداللّه بن جعفر، أمّا بعد! أُنشدك اللّه أن لا تخرج عن مكّة، فإنّي خائف عليك من هذا الأمر الّذي قد أزمعت عليه أن يكون فيه هلاكك وأهل بيتك، فإنّك إن قتلت أخاف أن يطفيء نور الأرض، وأنت روح الهدى وأمير المؤمنين، فلا تعجل بالمسير إلى العراق فإنّي أخذ لك الأمان من یزید، وجميع بني أُميّة على نفسك ومالك وولدك وأهل بيتك، والسلام.
قال : فكتب إليه الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) : أمّا بعد! فإنّ كتابَك ورد عليّ فقرأتُه وفهِمتُ ما ذكرت، وأُعلِمُك أنّي رأيتُ جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في مَنامي فخبّرني بأمرٍ وأنا ماضٍ له، لي كان أو عليّ، واللّه يابنَ عمّي لو كنتُ في جُحرِ هامّة من هوّام الأرض لاستخرجوني ويقتلوني، واللّه يابن عمّي ليعتدنّ عليّ كما إعتدت اليهودُ على السبت، والسلام.(2)
ص: 66
{13}
[589] بسم اللّه الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين؛ أمّا بعد فإنّ هانئاً وسعيداً قَدِما عليّ بكتبكم، وكانا أخرَ مَن قَدِمَ عليّ من رسلكم، وقد فهمتُ كلَّ الّذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالهُ جُلّكم: أنّه ليس علينا إمامٌ، فأقبل لعلّ اللّهَ أن يجمَعَنا بك على الهدى والحقّ. وقد بعثتُ إليكم أخي وابنَ عمّي وثقتي من أهل بيتي، وأمرتُه أن يكتب إلىّ بحالكم وأمرکم ورأيكم، فإن كتبَ إلىّ أنّه قد أجمع رأيُ مَلئکم وذوي الفضل والحِجى منكم على مثل ماقَدِمَتْ علىّ به رُسُلكم، وقرأتُ في كتُبكم، أقدِمُ علیکم وشَيكاً إن شاء اللّه ؛ فلَعَمري ما الإمام إلّا العاملُ بالكتاب ، والأخذُ بالقسط، والدائنُ بالحقّ، والحابسُ نفسَه على ذات اللّه، والسلام.(1)
ص: 67
{14}
[590] بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن عليّ إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمین سلام عليكم، فإنّي أحمد إليكم اللّه الّذي لا إله إلّا هو، أمّا بعد، فإنّ كتاب مسلم بن عقیل جاءني يخبرني فيه بحسن رأیکم واجتمع ملاكم على نصرنا والطلب بحقّنا فسألت اللّه أن يحسن لنا الصنع وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر، وقد شخصت إليكم من مكّة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجّة يوم التروية ، فإذا قدم علیکم رسولي فاکمشوا أمركم وجدّوا فإنّي قادم عليكم في أيّامي هذه إن شاء اللّه ، والسلام علیکم ورحمة اللّه وبركاته.(1)
{15}
[591] عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كتب الحسين بن عليّ إلى محمّد بن عليّ من كربلاء: «بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن عليّ إلى محمّد بن عليّ ومن قبله من بني هاشم أمّا بعد فكأنّ الدُنيا لم تكن، وكأنّ الآخرة لم تزل، والسلام». (2)
ص: 68
{16}
[592] بسم اللّه الرحمن الرحيم، من الحسين بن عليّ إلى سليمان بن صرد والمسيّب بن نجية ورفاعة بن شدّاد وعبداللّه بن وال وجماعة المؤمنين : أمّا بعد، فقد علمتم أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد قال في حياته : من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم اللّه ناكثاً لعهد اللّه مخالفاً لسنّة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، يعمل في عباد اللّه بالإثمّ والعدوان ثمّ لم يغيّر بقول ولا فعل كان حقيقاً على اللّه أن يدخله مدخله وقد علمتم أنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتولّوا عن طاعة الرحمن ، وأظهروا في الأرض الفساد وعطّلوا الحدود والأحكام واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام اللّه، وحرّموا حلاله ، وإنّي أحقّ بهذا الأمر لقرابتي من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقد أتتني كتبكم وقدمت علىّ رسلكم ببيعتكم إنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن وفيتم لي ببيعتكم فقد أصبتم حظّكم ورشدكم ونفسي مع أنفسكم وأهلي وولدي مع أهليكم وأولادكم فلكم بي أُسوة وإن لم تفوا [ خ = لم تفعلوا ] ونقضتم عهودكم ونكثتم بيعتكم، فلعمري ماهي منکم بنكر لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي والمغرور من اغترّ بكم فحظّكم أخطأتم ونصيبكم ضيعتم و من نکث فإنّما ینکث على نفسه وسيغني اللّه عنكم، والسلام.(1)
ص: 69
ص: 70
ص: 71
{1}
[593] روی فرات عن عبيد بن کثیر معنعناً عن عطاء بن أبي ریاح، قال : قلت لفاطمة بنت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلتُ فداك أخبريني بحديث أحتجُّ به على الناس.
قالت : نعم، أخبرني أبي أنّ النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بَعَثَ إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن أصعد المنبر وادعُ الناس إليك، ثمّ قل: أيّها الناس مَن انتقص أجيراً أجره فليتبوّأ مقعده مِن النار، ومَن ادّعى إلى غير مواليه فليتبوّأ مقعده مِن النار، ومَن عقّ والديه فليتبوّأ مقعده مِن النار.
قال : فقال رجل : يا أبا الحسن ما لهنّ من تأويل؟
فقال : اللّه و رسوله أعلم ، ثمّ أتى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فأخبره ، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ويل لقريش من تأويلهنّ ثلاث مرّات، ثمّ قال : يا عليّ انطلق فأخبرهم أنّي أنا الأجير الّذي أثبت اللّه مودّته من السماء، وأنا وأنت موليا المؤمنين ، وأنا وأنت أبوا المؤمنین.
ثمّ خرج رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : يا معشر قريش والمهاجرين، فلمّا اجتمعوا قال : يا أيّها الناس إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب أوّلكم إيماناً باللّه ، وأقومكم باللّه، وأوفاکم بعهد اللّه، وأعلمكم بالقضيّة، وأقسمكم بالسويّة، وأرحمكم بالرعيّة، وأفضلكم عند اللّه مزيّة.
ثمّ قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّ اللّه مثّل لي أُمّتي في الطين وأعلمني بأسمائهم كما علّم آدم الأسماء كلّها، فمرّ بي أصحاب الرايات ، فاستغفرتُ لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و شیعته، وسألتُ ربّي أن يستقيم أُمّتي على عليّ بن أبي طالب مِن بعدي، فابی ربّي إلا أن يضلّ مَن يشاء.
ص: 72
ثمّ ابتدأني ربّي في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بسبع :
أمّا أولهنّ: فإنّه أوّل من تنشقّ عنه الأرض معي ولا فخر.
وأمّا الثانية : فإنّه يذود عن حوضي كما تذود الرعاة غريبة الإبل.
وأمّا الثالثة : فإنّ من فقراء شيعة عليّ ليشفع في مثل ربيعة ومضر.
وأمّا الرابعة : فإنّه أوّل من يقرع باب الجنّة معي ولا فخر.
وأمّا الخامسة : فإنّه يزوّج من حور العين ولا فخر.
وأمّا السادسة : فإنّه أوّل من يسكن معي في علّيّين ولا فخر.
وأمّا السابعة : فإنه أوّل من يسقى مِن رحیق «خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ»(1).(2)
{2}
[594 ] عن الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال : دخل أعرابيّ على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يريد الإسلام ومعه ضبّ قد اصطاده في البريّة وجعله في كمّه، فجعل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يعرض عليه الإسلام، فقال : لا أُؤمن بك يا محمّد أو يؤمن بك هذا الضبّ ورمی الضبّ عن كمّه، فخرج الضبّ من المسجد يهرب، فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا ضبّ من أنا؟
ص: 73
قال : أنت محمّد بن عبداللّه بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف.
قال : يا ضبّ من تعبد؟
قال : أعبد اللّه الّذي فلق الحبّة و بریء النسمة واتّخذ إبراهيم خليلاً وناجى موسی کلیماً واصطفاك يا محمّد!
فقال الأعرابي : أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّك رسول اللّه حقّاً؛ فأخبرني یارسول اللّه هل يكون بعدك نبيّ؟
قال : لا أنا خاتم النبيّين ، ولكن يكون بعدي أئمّة من ذرّيتي قوّامون بالقسط کعدد نقباء بني إسرائيل، أوّلهم عليّ بن أبي طالب هو الإمام والخليفة بعدي، وتسعة من الأئمّة من صلب هذا - ووضع يده على صدري - والقائم تاسعهم، يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت في أوّله.
قال : فأنشأ الأعرابي يقول:
ألا يا رسول اللّه إنّك صادق***فبوركت مهدیّاً وبورکت هادیا
شرعت لنا الدين الحنيفيّ بعدما***غدونا كأمثال الحمير الطواغيا(1)
فيا خير مبعوث ويا خير مرسل***إلى الإنس ثمّ الجنّ لبّيك داعيا
فبوركت في الأقوام حياً وميّتاً***وبوركت مولوداً وبوركت ناشئا
قال : فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا أخا بني سليم هل لك مال؟
قال : والّذي أكرمك بالنبوّة وخصّك بالرسالة إنّ أربعة آلاف بيت من بني سليم ما فيهم أفقر منيّ، فحمله النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على ناقة(2)، فرجع إلى قومه فأخبرهم بذلك. قالوا: فأسلم الأعرابي طمعاً في الناقة، فبقي يومه في الصفّة لم يأكل
ص: 74
شيئاً، فلمّا كان من الغد تقدّم(1) إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال :
يا أيّها المرء الّذي لانعدمه***أنت رسول اللّه حقّاً نعلمه
ودينك الإسلام ديناً نعظمه***نبغي من الإسلام شيئاً نقضمه(2)
قد جئت بالحقّ وشيئاً تطعمه(3)
فتبسّم النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : يا عليّ أعط الأعرابي حاجته، فحمله علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى منزل فاطمة وأشبعه وأعطاه ناقة وجلّة تمر.(4)
{3}
[595] في تفسير الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) ضمن حديث عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أبي الباقر، عن جدّي عليّ بن الحسین زین العابدین ، عن أبيه الحسین سیّد الشهداء، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم أجمعين أنّه اجتمع يوماً عند رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أهل خمسة أديان : اليهود، والنصارى، والدهريّة، والثنويّة، ومشركو العرب، فقالت اليهود : نحن نقول : عزيرٌ ابن اللّه، وقد جئناك يا محمّد لننظر ما تقول، فإن اتّبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب
ص: 75
منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك.
وقالت النصارى : نحن نقول : المسيح ابن اللّه اتّحد به، وقد جئناك لننظر ماتقول، فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك.
وقالت الثنويّة : نحن نقول : إنّ النور والظلمة هما المدبّران، وقد جئناك لننظر ماتقول، فإن اتّبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفض، وإن خالفتنا خصمناك.
وقالت مشركو العرب: نحن نقول : إنّ أوثاننا آلهة وقد جئناك لنظر ماتقول، فإن اتّبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك
فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : آمنت باللّه وحده لا شريك له، وكفرت بالجبت وبكلّ معبود سواه؛ ثمّ قال لهم : إنّ اللّه تعالى قد بعثني کافة للناس بشيراً ونذيراً حجّة على العالمين، وسيردّ کید من یکید دينه في نحره؛ ثمّ قال لليهود : أجئتموني لأقبل قولكم بغير حجّة؟ قالوا: لا، قال : فما الّذي دعاكم إلى القول بأنّ عزير ابن اللّه؟
قالوا: لأنّه أحيا لبني إسرائيل التوراة بعد ما ذهب، ولم يفعل بها هذا إلّا لأنّه ابنه.
فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : فكيف صار عزیزٌ ابن اللّه دون موسى وهو الّذي جاءهم بالتوراة ورؤي منه من المعجزات ماقد علمتم؟ فإن كان عزيرٌ ابن اللّه لمّا أظهر من الكرامة بإحياء التوراة فلقد كان موسى بالنبوّة أحقّ وأولی، ولئن كان هذا المقدار من إكرامه لعزير يوجب أنّه ابنه فأضعاف هذه الكرامة لموسی تو جب
ص: 76
له منزلة أجلّ من النبوّة، وإن کنتم إنّما تريدون(1) بالنبوّة الولادة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم هذه من ولادة الأُمّهات الأولاد بوطي آبائهم لهنّ فقد كفرتم باللّه وشبّهتموه بخلقه، وأوجبتم فيه صفات المحدثين، ووجب عندكم أن يكون محدثاً مخلوقاً، وأن يكون له خالق صنعه وابتدعه.
قالوا : لسنا نعني هذا، فإنّ هذا كفر كما ذكرت، ولكنّا نعني أنه ابنه على معنى الكرامة ، وإن لم يكن هناك ولادة ، كما يقول بعض علمائنا لمن يريد إكرامه وإبانته بالمنزلة (2) عن غيره : يابنيّ، وإنّه ابني ؛ لا على إثبات ولادته منه، لأّنه قد يقول ذلك لمن هو أجنبيّ لانسب بينه و بينه ، وكذلك لمّا فعل اللّه بعزير مافعل كان قد اتّخذه ابناً على الكرامة لا على الولادة.
فقال رسول اللّه : فهذا ما قلته لكم: إنّه إن وجب على هذا الوجه أن يكون عزير ابنه فإنّ هذه المنزلة لموسى أولى، وإن اللّه يفضح كلّ مبطل بإقراره ويقلّب عليه حجّته.
وأمّا ما احتجتم به(3) يؤدّيكم إلى ما هو أكبر ممّا ذكرته لكم، لاتکم قلتم: إنّ عظيماً من عظمائكم قد يقول لأجنبيّ لانسب بينه و بينه : يا بنيّ، وهذا ابني، لا على طريق الولادة، فقد تجدون أيضاً هذا العظيم يقول لأجنبيّ آخر : هذا أخي، ولآخر : هذا شيخي وأبي ،(4) ولآخر: هذا سيّدي وياسيّدي على سبيل الإكرام، وإنّ من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول، فإذاً يجوز
ص: 77
عندكم أن يكون موسى أخاً للّه أو شيخاً له أو أباً أو سيدّاً لأنّه قد زاده في الإكرام ممّا لعزير، كما أنّ من زاد رجلاً في الإكرام قال له : يا سيّدي ويا شيخي ويا عمّي ويا رئيسي على طريق الإكرام، وإنّ من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول ، أفيجوز عندكم أن يكون موسى أخاً للّه، أو شيخاً، أو عمّاً أو رئيساً، أو سيداً أو أميراً؟ لأنّه قد زاده في الإكرام على من قال له: يا شيخي أو يا سيّدي، أو یا عمّي، أو يا أميري، أو یا رئيسي.
قال : فبهت القوم وتحیّروا وقالوا: يا محمّد أجّلنا(1) نتفكر فيما قلته لنا.
فقال : انظروا فيه بقلوب معتقدة للإنصاف يهدكم اللّه.
ثمّ أقبل (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على النصارى فقال : وأنتم قلتم : إنّ القديم عزّوجلّ اتّحد بالمسيح ابنه ، فما الّذي أردتموه بهذا القول؟ أردتم أنّ القديم صار محدثاً لوجود هذا المحدث الّذي هو عیسی ؟ أو المحدث الّذي هو عيسى صار قديماً لوجود القديم الّذي هو اللّه؟ أو معنى قولكم: إنه اتّحد به أنّه اختصّه بكرامة لم يكرم بها أحداً سواه؟ فإن أردتم أنّ القديم تعالى صار محدثاً فقد أبطلتم ، لأنّ القديم محال أن ينقلب فيصير محدثاً، وإن أردتم أنّ المحدث صار قديماً فقد أحلتم، لأنّ المحدث أيضاً محال أن يصير قديماً، وإن أردتم أنّه اتّحد به بأن اختصّه واصطفاه على سائر عباده فقد أقررتم بحدوث عيسى وبحدوث المعنى الّذي اتّحد به من أجله، لأنه إذا كان عيسى محدثاً وكان اللّه اتّحد به بأن أحدث به معني صار به أكرم الخلق عنده فقد صار عيسى وذلك المعنى محدثين، وهذا خلاف ما بدأتم تقولونه.
قال : فقالت النصارى : يا محمّد إنّ اللّه تعالى لمّا أظهر على يد عيسى من
ص: 78
الأشياء العجيبة ما أظهر فقد اتّخذه ولداً على جهة الكرامة.
فقال لهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : قد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الّذي ذكرتموه، ثمّ أعادر(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ذلك كله ، فسكتوا إلّا رجلاً واحداً منهم قال له : يا محمّد أو لستم تقولون: إنّ إبراهيم خليل اللّه؟
قال : قد قلنا ذلك.
فقال : إذا قلتم ذلك فلم منعتمونا من أن نقول : إنّ عیسی ابن اللّه؟
فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّهما لم يشتبها، لأنّ قولنا: إنّ إبراهيم خليل اللّه فإنّما هو مشتقٌ من الخَلّة أو الخُلّة، فأمّا الخَلّة فإنّما معناها الفقر والفاقة، وقد كان خليلاً إلى ربّه فقيراً، وإليه منقطعاً، وعن غيره متعفّفاً معرضاً مستغنياً، وذلك لمّا أُريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق فبعث اللّه تعالی جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال له : أدرك عبدي، فجاءه فلقيه في الهواء فقال : كلّفني ما بدا لك فقد بعثني اللّه النصر تك. فقال : بل حسبي اللّه ونعم الوكيل، إنّي لا أسأل غيره ولا حاجة لي إلّا إليه، فسمّاه خليله، أي: فقيره ومحتاجه والمنقطع إليه عمّن سواه، وإذا جعل معنى ذلك من الخُلّة (الخلل : خ ل) وهو أنّه قد تخلّل معانيه(1)، ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره كان معناه العالم به وبأُموره، ولا يوجب ذلك تشبيه اللّه بخلقه، ألا ترون أنّه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله؟ وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله؟ وأنّ من يلده الرجل وإن أهانه وأقصاه لم يخرج عن أن يكون ولده؟ لأنّ معنى الولادة قائم؛ ثمّ إنّ وجب لأنّه قال : إبراهيم خليلي أن تقيسوا(2) أنتم فقولوا: إنّ عیسی ابنه وجب أيضاً أن تقولوا له ولموسى : إن ابنه ، فإنّ الّذي معه
ص: 79
من المعجزات لم يكن بدون ما كان مع عيسى، فقولوا: إنّ موسى أيضاً ابنه ، وإنّه يجوز أن تقولوا على هذا المعنى : إنّه شيخه وسيّده وعمّه ورئيسه وأميره كما ذكرته لليهود.
فقال بعضهم لبعض: وفي الكتب المنزلة أن عيسى قال : أذهب إلى أبي.
فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : فإن کنتم بذلك الكتاب تعملون(1) فإنّ فيه : أذهب إلى أبي و أبيكم، فقولوا: إنّ جميع الّذين خاطبهم عیسی كانوا أبناء اللّه كما كان عیسی ابنه من الوجه الّذي كان عیسی ابنه، ثمّ إنّ ما في هذا الكتاب يبطل عليكم هذا الّذي زعمتم أنّ عيسى من جهة الاختصاص كان ابناً له، لأنّكم قلتم : إنّما قلنا : إنّه ابنه لأنّه اختصّه بما لم يختصّ به غيره، وأنتم تعلمون أنّ الّذي خصّ به عيسى لم يخصّ به هؤلاء القوم الّذين قال لهم عيسى: أذهب إلى أبي و أبيكم، فبطل أن يكون الاختصاص لعيسى، لأنّه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم یکن له مثل اختصاص عيسى وأنتم إنّما حكيتم لفظة عيسى وتأوّلتموها على غير وجهها، لأنّه إذا قال : أبي و أبيكم فقد أراد غیر ماذهبتم إليه ونحلتموه(2) وما یدریکم لعلّه عنى: أذهب إلى آدم أو إلى نوح إن اللّه يرفعني إليهم ويجمعني معهم، وآدم أبي و أبیکم وكذلك نوح، بل ما أراد غير هذا؟!
فسكت النصارى وقالوا: ما رأينا اليوم مجادلاً ولا مخاصماً وسننظر في أُمورنا.
ثمّ أقبل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على الدهريّة فقال : وأنتم فما الّذي دعاكم إلى القول بأنّ الأشياء لا بدء لها وهي دائمة لم تزل ولا تزال؟
ص: 80
فقالوا: لأنّا لانحكم إلّا بمانشاهد ولم نجد للأشياء محدثاً(1) فحكمنا بأنّها لم تزل، ولم نجد لها انقضاءاً وفناءاً فحكمنا بأنّها لا تزال، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أفوجدتم لها قدماً أم وجدتم لها بقاءاً أبد الأبد؟(2) فإن قلتم: إنّكم وجدتم ذلك أثبتتم(3) لأنفسكم أنّكم لم تزالوا على هيئتكم(4) وعقولكم بلا نهاية ولا تزالون كذلك، ولئن قلتم هذا دفعتم العيان وكذّبكم العالمون الّذين يشاهدونكم.
قالوا: بل لم نشاهد لها قدماً ولا بقاءاً أبد الأبد.(5)
قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : فلِمَ صرتم بأن تحكموا بالقدم والبقاء دائماً؟ لأنّكم لم تشاهدوا حدوثها وانقضاءها أولی من تارك التميّز لها مثلکم، فيحكم لها بالحدوث والإنقضاء والإنقطاع، لانّه لم يشاهد لها قدماً ولا بقاءاً أبد الابد.(6) أوَ لستم تشاهدون الليل والنهار وأحدهما بعد الأخر؟
فقالوا: نعم.
فقال : أفترونهما لم يزالا ولا يزالان؟
فقالوا: نعم.
قال : أفيجوز عندكم اجتماع الليل والنهار؟
فقالوا: لا.
ص: 81
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فإذاً ينقطع أحدهما عن الآخر فيسبق أحدهما ويكون الثاني جارياً بعده ؟(1)
فقالوا: كذلك هو.
فقال : قد حكمتم بحدوث ما تقدّم من ليل ونهار ولم تشاهدوهما فلا تنكروا للّه قدرة (قدرته : خل) ثمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أتقولون ما قبلكم(2) من الليل والنهار متناه أم غير متناه؟ فإن قلتم: غير متناه فقد وصل إليكم آخر بلا نهاية لأوّله ، وإن قلتم: إنّه متناه فقد كان ولا شيء منهما.(3)
قالوا: نعم.
قال لهم : أقلتم: إنّ العالم قدیم غیر محدث وأنتم عارفون بمعنى ما أقررتم به وبمعنى ما جحدتموه؟
قالوا: نعم.
قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : فهذا الّذي نشاهده من الأشياء بعضها إلى بعض مفتقر، لأنّه لا قوام للبعض إلّا بما يتّصل به، كما ترى البناء محتاجاً بعض أجزائه إلى بعض وإلّا لم يتّسق ولم يستحکم، وكذلك سائر ما نرى.(4)
قال : فإذا كان هذا المحتاج بعضه إلى بعض لقوّته وتمامه(5) هو القديم فأخبروني أن لو كان محدثاً كيف كان يكون؟ وماذا كانت تكون صفته ؟
ص: 82
قال : فصمتوا وعلموا(1) أنّهم لا يجدون للمحدث صفة يصفونه بها إلّا وهي موجودة في هذا الّذي زعموا أنّه قدیم، فرجموا(2) وقالوا : سننظر في أمرنا.
ثمّ أقبل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على الثنويّة الّذين قالوا: النور والظلمة هما المدبّران، فقال : وأنتم فما الّذي دعاكم إلى ما قلتموه من هذا؟
فقالوا: لأنّا قد وجدنا العالم صنفين : خیراً وشرّاً، ووجدنا الخير ضدّاً للشر، فأنكرنا أن يكون فاعل واحد يفعل الشيء وضدّه(3) بل لكلّ واحد منهما فاعل، ألا ترى أنّ الثلج محال أن يسخن كما أنّ النار محالٌ أن تبرد، فأثبتنا لذلك صانعين قدیمین : ظلمة ونوراً.
فقال لهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أفلستم قد وجدتم سواداً وبياضاً وحمرة وصفرة وخضرة وزرقة؟ وكلّ واحد ضدّ لسائرها لاستحالة اجتماع اثنين منها في محلّ واحد، كما كان الحرّ والبرد ضدّین لاستحالة اجتماعهما في محلّ واحد؟
قالوا: نعم.
قال : فهلّا أثبتم بعدد كلّ لون صانعاً قديماً ليكون فاعل كلّ ضدّ من هذه الألوان غير فاعل الضدّ الآخر؟!
قال : فسكتوا.
ص: 83
ثمّ قال : وكيف اختلط هذا النور والظلمة وهذا من طبعه الصعود وهذا من طبعه النزول؟ أرأيتم لو أنّ رجلاً أخذ شرقاً يمشي إليه والآخر غرباً يمشي إليه أكان يجوز أن يلتقيا ماداما سائرين على وجوههما؟
قالوا: لا.
فقال : وجب أن لا يختلط النور والظلمة، لذهاب كلّ واحد منهما في غير جهة الآخر، فكيف حدث هذا العالم من امتزاج ما محال أن يمتزج؟ بل هما مدبّران جميعاً مخلوقان؟
فقالوا: سننظر في أُمورنا.
ثمّ أقبل على مشركي العرب وقال : وأنتم فلمَ عبدتم الأصنام من دون اللّه؟
فقالوا: نتقرّب بذلك إلى اللّه تعالى.
فقال : أوَ هي سامعة مطيعة لربّها، عابدة له ، حتّى تتقرّبوا بتعظيمها إلى اللّه؟
فقالوا: لا.
قال : فأنتم الّذين نحتموها(1) بأيديكم فلأنّ تعبّدكم هي لو كان يجوز منها العبادة أحرى من أن تعبدوها إذا لم يكن أمركم بتعظيمها من هو العارف بمصالحكم و عواقبكم والحكيم فيما يكلفّكم.
قال : فلمّا قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) هذا اختلفوا، فقال بعضهم : إنّ اللّه قد حلّ في هياكل رجل كانوا على هذه الصوَر(2)، فصوّرنا هذه الصور نعظّمها لعظيمنا تلك الصور الّتي حلّ فيها ربّنا.
ص: 84
وقال آخرون منهم : إنّ هذه صور أقوام سلفوا كانوا مطيعين للّه قبلنا، فمثّلنا صورهم وعبدناها تعظيماً للّه.
وقال آخرون منهم : إنّ اللّه لمّا خلق آدم وأمر الملائكة بالسجود له كنّا نحن أحقّ بالسجود لآدم من الملائكة، ففاتنا ذلك فصوّرنا صورته فسجدنا له تقربّاً إلى اللّه تعالى كماتقرّبت الملائكة بالسجود لآدم إلى اللّه تعالى، وكما أمرتم بالسجود بزعمكم إلى جهة مكّة (كعبة : خ ل) ففعلتم ، ثمّ نصبتم في ذلك البلد بأیدیکم محاريب سجدتم إليها وقصدتم الكعبة لامحاریبکم، وقصدكم بالكعبة إلى اللّه عزّوجلّ لا إليها.
فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أخطأتم الطريق وضللتم ، أمّا أنتم - وهو يخاطب الّذين قالوا : إنّ اللّه يحلّ في هياكل رجال كانوا على هذه الصور الّتي صوّرناها ، فصوّرنا هذه نعظّمها لتعظيمنا لتلك الصور الّتي حلّ فيها ربّنا ۔ فقد وصفتم ربّکم بصفة المخلوقات ، أو يحلّ ربّكم في شيء حتّى يحيط به ذلك الشيء؟
فأيّ فرق بينه إذاً وبين سائر مايحلّ فيه من لونه وطعمه ورائحته ولينه وخشونته وثقله وخفّته؟ ولِمَ صار هذا المحلول فيه(1) محدثاً وذلك قديماً دون أن يكون ذلك محدثاً وهذا قديماً؟ وكيف يحتاج إلى المحالّ من لم يزل قبل المحالّ وهو عزّوجلّ كمالم يزل؟(2) وإذا وصفتموه بصفة المحدثات في الحلول فقد الزمكم أن تصفوه بالزوال،(3) أمّا ما وصفتموه بالزوال والحدوث فصفوه بالفناء ،(4) لأنّ ذلك أجمع من صفات الحالّ والمحلول فيه، وجميع ذلك يغيّر
ص: 85
الذات، فإن كان لم يتغيّر(1) ذات الباري عزّو جلّ بحلوله في شيء جاز أن لا يتغيّر(2) بأن يتحرّك ويسكن ويسوّد ويبيضّ ويحمرّ ويصفرّ وتحله الصفات الّتي تتعاقب على الموصوف بها حتّى يكون فيه جميع صفات المحدثين، ويكون محدثاً - عز اللّه تعالى عن ذلك. ثمّ قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : فإذا بطل ما ظننتموه من أنّ اللّه يحل في شيء فقد فسد ما بنيتم عليه قولكم.
قال : فسكت القوم وقالوا : سننظر في أُمورنا.
ثمّ أقبل على الفريق الثاني فقال : أخبرونا عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد اللّه فسجدتم له وصلّيتم فوضعتم الوجوه الكريمة على التراب بالسجود لها فما الّذي أبقيتم لربّ العالمين؟ أما علمتم أنّ من حقّ من يلزم تعظيمه وعبادته أن لا يساوي به عبده؟ أرأتم ملكاً أو عظيماً إذا ساويتموه بعبيده في التعظيم والخشوع والخضوع أيكون في ذلك وضع من الكبير كما يكون زيادة في تعظيم الصغير ؟
فقالوا: نعم.
قال : أفلا تعلمون أنّكم من حيث تعظّمون اللّه بتعظیم صور عباده المطيعين له تزرون على ربّ العالمين ؟(3) قال : فسكت القوم بعد أن قالوا : سننظر في أمورنا.
ثمّ قال رسول اللّه(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) للفريق الثالث : لقد ضربتم لنا مثلاً وشبّهتمونا بأنفسكم ولا سواء، وذلك لأنّا عباد اللّه(4) مخلوقون مربوبون نأتمر له فيما أمرنا،
ص: 86
وننزجر عمّا زجرنا، ونعبده من حيث يريده منّا، فإذا أمرنا بوجه من الوجوه أطعناه ولم نتعدّ إلى غيره ممّا لم يأمرنا ولم يأذن لنا، لانّا لاندري لعلّه أراد منّا الأوّل وهو يكره الثاني، وقد نهانا أن نتقدّم بين يديه ، فلمّا أمرنا أن نعبده بالتوجّه إلى الكعبة أطعنا ثمّ أمرنا بعبادته بالتوجّه نحوها في سائر البلدان الّتي نكون بها فأطعنا، فلم نخرج في شيء من ذلك عن اتّباع أمره، واللّه عزّوجلّ حيث أمرنا بالسجود لآدم لم يأمر بالسجود لصورته الّتي هي غيره، فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه، لأنّكم لا تدرون لعلّه يكره ماتفعلون إذ لم يأمركم به ؛ ثمّ قال لهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أرأيتم لو أذن لكم رجل في دخول داره يوماً بعينه ألكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره؟ أو لكم أن تدخلوا داراً له أُخرى مثلها بغير أمره؟ أو وهب لكم رجلٌ ثوباً من ثيابه أو عبداً من عبيده أو دابةً من دوابّه ألكم أن تأخذوا ذلك؟ فإن لم تأخذوه(1) أخذتم آخر مثله قالوا: لا، لأنّه لم يأذن لنا في الثاني، كما أذن لنا في الأوّل.
قال : فأخبروني : اللّه أولى بأن لا يتقدّم على ملکه بغير أمره أو بعض المملوكين؟
قالوا: بل اللّه أولى بأن لا يتصرّف في ملکه بغير إذنه.
قال : فلِمَ فعلتم، ومتى أمركم أن تسجدوا لهذه الصور؟
قال : فقال القوم: سننظر في أُمورنا وسكتوا.
وقال الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فوالّذي بعثه بالحقّ نبيّاً ما أتت على جماعتهم إلّا ثلاثة أيّام حتّى أتوا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فأسلموا، وكانوا خمسة وعشرين رجلاً من كلّ فرقة خمسة، وقالوا : ما رأينا مثل حجّتك يا محمّد، نشهد أنّك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
ص: 87
وقال الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فأنزل اللّه تعالى : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ»(1) فكان في هذه الآية رداً على ثلاثة أصناف منهم، لمّا قال : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» فكان ردّ على الدهريّة الّذين قالوا: الأشياء لا بدء لها وهي دائمة، ثمّ قال : «وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ» فكان رداً على الثنويّة الّذين قالوا : إنّ النور والظلمة هما المدبّران، ثمّ قال : «ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ» فكان رداً على مشركي العرب الّذين قالوا: إنّ أوثاننا آلهة، ثمّ أنزل اللّه تعالى «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» إلى آخرها، فكان رداً على من ادّعى من دون اللّه ضدّاً أو ندّاً.
قال : فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لأصحابه : قولوا: «وإيّاكَ نَعبُدُ» أي نعبد واحداً لا نقول كما قالت الدهريّة : إنّ الأشياء لا بدء لها وهي دائمة، ولا كما قالت الثنويّة الّذين قالوا : إن النور والظلمة هما المدبّران، ولا كما قال مشركو العرب : إنّ أوثاننا آلهة، فلا نشرك بك شيئاً، ولا ندّعي من دونك إلهاً(2)، كما يقول هؤلاء الكفّار، ولانقول كما قالت اليهود والنصارى : إنّ لك ولداً، تعاليتَ عن ذلك.
قال : فذلك قوله : «وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى»(3) سورة البقرة: الآية 111. وقال غيرهم من هؤلاء الكفار ما قالوا قال اللّه : يا محمّد «تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ» الّتي يتمنونها بلا حجّة «قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ» وحجّتكم على دعواكم «إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» كما أتى محمّد ببراهينه الّتي سمعتموها ، ثمّ قال :
ص: 88
«بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ» يعني كما فعل هؤلاء الّذين آمنوا برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لمّا سمعوا براهينه وحججه «وَهُوَ مُحْسِنٌ» في عمله للّه «فَلَهُ أَجْرُهُ» ثوابه «عِنْدَ رَبِّهِ» يوم فصل القضاء «وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ» حين يخاف الكافرون ما (ممّا خ ل) يشاهدونه من العذاب «وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» عند الموت، لأنّ البشارة بالجنان تأتيهم عند ذلك.(1)
{4}
[596] روي عن موسی بن جعفر ، عن أبيه، عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) ، عن الحسين بن علي (عَلَيهِا السَّلَامُ) قال : إنّ يهوديّاً من يهود الشام وأحبارهم كان قد قرأ التوراة والإنجيل والزبور وصُحُف الأنبياء (عَلَيهِم السَّلَامُ) ولا وعرف دلائلهم، جاء إلى مجلس فيه أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وفيهم علي بن أبي طالب، وابن عبّاس وابن مسعود، وأبو سعید الجُهَني.
فقال : يا أُمّة محمّد ماتركتم لنبيّ درجة، ولا لمرسل فضيلة، إلّا أنحلتموها نبيّكم، فهل تجيبوني عمّا أسألكم عنه؟ فكاع القوم عنه.
فقال عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نعم ما أعطى اللّه نبيّاً درجة، ولا مرسلاً فضيلة، إلّا وقد جمعها لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وزاد محمّداً على الأنبياء أضعافاً مضاعفة.
فقال له اليهودي: فهل أنت مجيبي؟
قال له: نعم، سأذكر لك اليوم من فضائل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مايقرّ اللّه به عین المؤمنين، ويكون فيه إزالة لشكّ الشاكّين في فضائله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه كان إذا ذكر لنفسه
ص: 89
فضيلة قال : «ولا فخر»، وأنا أذكر لك فضائله غیر مزر بالأنبياء، ولا منتقص لهم، ولكن شكراً للّه على ما أعطى محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مثل ما أعطاهم، ومازاده اللّه وما فضّله عليه.
قال له اليهودي : إنّي أسألك فأعد له جواباً.
قال له على (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هات!
قال اليهودي : هذا آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسجد اللّه له ملائكته، فهل فعل لمحمّد شيئاً من هذا؟
فقال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك ، أسجد اللّه لآدم ملائكته، فإنّ سجودهم له لم يكن سجود طاعة، وإنّهم عبدوا آدم من دون اللّه عزّوجلّ، ولكن اعترافاً بالفضيلة، ورحمة من اللّه له، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أُعطي ما هو أفضل من هذا، إنّ اللّه عزّوجلّ صلى عليه في جبروته والملائكة بأجمعها، وتعبد المؤمنين بالصلاة عليه، فهذه زيادة یا یهودي.(1)
قال له اليهودي : فإنّ آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) تاب اللّه عليه بعد خطيئته؟
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد نزل فيه ما هو أكبر من هذا من غير ذنب أتى، قال اللّه عزّوجلّ : «لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ» (2) إنّ محمّداً غير مواف يوم القيامة بوزر، ولا و مطلوب فيها بذنب.
قال اليهودي : فإنّ هذا إدريس رفعه اللّه عزّوجلّ مكانة عليا، وأطعمه من تحف الجنّة بعد وفاته؟
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أعطي ما هو أفضل من هذا،
ص: 90
إنّ اللّه جلّ ثناؤه قال فيه:« وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ» (1) فكفى بهذا من اللّه رفعة ، ولئن أطعم إدريس من تحف الجنّة بعد وفاته، فإنّ محمّداً أطعم في الدنيا في حياته : بينما يتضور جوعاً فأتاه جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) بجام من الجنّة فيه تحفة، فهلّل الجام وهلّلت التحفة في يده، وسبّحا، وكبرا، وحمدا، فناولها أهل بيته ، ففعلت لجام مثل ذلك، فهمّ أن يناولها بعض أصحابه فتناولها جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال له: كلها فإنّها تحفة من الجنّة أتحفك اللّه بها، وإنّها لا تصلح إلّا لنبيّ أو وصيّ نبيّ، فأكل منها (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأكلنا معه، وإنّي لأجد حلاوتها ساعتي هذه.
و قال اليهودي : فهذا نوح (عَلَيهِ السَّلَامُ) صبر في ذات اللّه تعالى، وأعذر قومه إذ كذّب.
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) صبر في ذات اللّه عزّوجلّ فأعذر قومه إذ كذّب وشرد، وحصب بالحصا ، و علاوه أبو لهب بسلاناقة و شاة ، فأوحى اللّه تبارك وتعالى إلى جابيل ملك الجبال : أن شقّ الجبال وانته إلى أمر محمّد! فأتاه فقال : إنّي أُمرت لك بالطاعة، فإن أمرت أن أطبق عليهم الجبال فأهلكتهم بها. قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «إنّما بعثت رحمة ، ربّ اهد أُمّتي فإنّهم لا يعلمون». ويحك يا يهودي! إنّ نوحاً لمّا شاهد غرق قومه رقّ عليهم رقّة القربة، وأظهر عليهم شفقة، فقال : «رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي»(2) فقال اللّه تعالى : «إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ»(3) أراد جلّ ذكره أن يسلبه بذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لمّا غلبت عليه من قومه المعاندة شهر عليهم سيف النقمة ،
ص: 91
ولم تدركه فيهم رقّة القرابة ، ولم ينظر إليهم بعين رحمة.
فقال اليهودي : فإنّ نوحاً دعا ربّه ، فمطلت السماء بماء منهمر؟
قال له (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، وكانت دعوته دعوة غضب، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) هطلت لهالسماء بماء منهمر رحمة، وذلك أنّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لمّا هاجر إلى المدينة أتاه أهلها في يوم جمعة فقالوا له : يا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) احتبس القطر، واصفرّ العود، وتهافت الورق، فرفع يده المباركة حتّى رؤي بیاض إبطه ، وما ترى في السماء سحابة ، فما برح حتّى سقاهم اللّه، حتّى أنّ الشاب المعجب بشبابه لهمّته نفسه في الرجوع إلى منزله فما يقدر على ذلك من شدّة السيل، فدام أُسبوعاً، فأتوه في الجمعة الثانية فقالوا: يا رسول اللّه تهدّمت الجدار، واحتبس الركب والسفر ، فضحك (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقال : هذه سرعة ملالة ابن آدم، ثمّ قال : اللّهمّ حوالينا ولا علينا ، اللّهمّ في أُصول الشيح ومراتع البقع » فرؤي حوالي المدينة المطر يقطر قطراً ، وما يقع بالمدينة قطرة لكرامته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على اللّه عزّوجلّ.
قال له اليهودي : فإنّ هذا هود قد انتصر اللّه له من أعدائه بالريح، فهل فعل لمحمّد شيئاً من هذا؟
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أعطي ما هو أفضل من هذا إن اللّه عزّوجلّ قد انتصر له من أعدائه بالريح يوم الخندق، إذ أرسل عليهم ريحاً تذرو الحصى، وجنوداً لم يروها ، فزاد اللّه تعالی محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بثمانية ألف ملك ، وفضّله على هود: بأن ريح عاد ريح سخط، وريح محمّد ریح رحمة، قال اللّه تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا»(1)
ص: 92
قال له اليهودي : فهذا صالح أخرج اللّه له ناقة جعلها لقومه عبرة؟
قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أعطي ما هو أفضل من ذلك، إنّ ناقة صالح لم تکلّم صالحاً، ولم تناطقه، ولم تشهد له بالنبوّة، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بينما نحن معه في بعض غزواته إذ هو ببعير قد دنا، ثمّ رغا فأنطقه اللّه عزّوجلّ فقال : «یا رسول اللّه فلان استعملني حتّى كبرت ، ویرید نحري، فأنا أستعيذ بك منه» فأرسل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى صاحبه فاستوهبه منه، فوهبه له وخلاه، ولقد كنّا معه فإذا نحن بأعرابي معه ناقة له يسوقها، وقد استسلم للقطع لمازور عليه من الشهود فنطقت الناقة فقالت : «يا رسول اللّه إنّ فلاناً منّي بريء، وإنّ الشهود يشهدون عليه بالزور، وإنّ ساقي فلان اليهودي».
قال له اليهودي : فإنّ هذا إبراهيم قد تيقّظ بالإعتبار على معرفة اللّه تعالى وأحاطت دلالته بعلم الإيمان؟
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، وأُعطي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أفضل منه، وتيقّظ إبراهيم وهو ابن خمسة عشر سنة ومحمّد ابن سبع سنين، قدم تجّار من النصارى فنزلوا بتجارتهم بين الصفا والمروة، فنظر إليه بعضهم فعرفه بصفته ورفعته ، وخبر مبعثه وآياته ، فقالوا: يا غلام ما اسمك؟
قال : محمّد.
قالوا: ما اسم أبيك ؟
قال : عبداللّه.
قالوا: ما اسم هذه؟ وأشاروا بأيديهم إلى الأرض.
قال : الأرض.
قالوا: وما اسم هذه؟ وأشاروا بأيديهم إلى السماء.
ص: 93
قال : السماء.
قالوا: فمن ربّهما؟
قال : اللّه، ثمّ انتهرهم وقال : أتشککوني في اللّه عزّوجلّ ؟!
ويحك يا يهودي ! لقد تيقّظ بالإعتبار على معرفة اللّه عزّوجلّ مع كفر قومه إذ هو بينهم، يستقسمون بالأزلام، ويعبدون الأوثان، وهو يقول : لا إله إلّا اللّه.
قال له اليهودي : فإنّ إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) حجب عن نمرود بحجب ثلاث؟
قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حجب عمّن أراد قتله بحجب خمس، فثلاثة بثلاثة واثنان فضل، قال اللّه عزّوجلّ - وهو يصف أمر محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا» فهذا الحجاب الأوّل «وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا» فهذا الحجاب الثاني، «فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ»(1)فهذا الحجاب الثالث، ثمّ قال : «وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا» (2) فهذا الحجاب الرابع ثمّ قال : «فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ»(3) فهذه حجب خمس.
قال له اليهودي : فإنّ هذا إبراهيم قد بهت الّذي كفر ببرهان نبوّته؟
قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أتاه مكذّب بالبعث بعد الموت وهو : أُبيّ بن خلف الجمحي معه عظم نخر ففرکه ثمّ قال : يا محمّد «مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ»(4)؟ فأنطق محمّدا بمحکم آیاته ، وبهته ببرهان نبوته، فقال :
ص: 94
«قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ».(1) فانصرف مبهوتا.
قال له اليهودي : فهذا إبراهيم جذّ أصنام قومه غضباً للّه عزّوجلّ؟
قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد نكس عن الكعبة ثلاثمائة وستّين صنما، ونفاها عن جزيرة العرب، وأذلّ من عبدها بالسيف.
قال له اليهودي : فإنّ إبراهيم قد أضجع ولده وتلّه للجبين؟
فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ولقد أُعطي إبراهيم بعد الإضطجاع الفداء، ومحمّد أُصيب بأفجع منه فجيعة، إنّه وقف على عمّه حمزة أسد اللّه ، وأسد رسوله وناصر دينه، وقد فرّق بين روحه وجسده، فلم يبن عليه حرقة، ولم يفض عليه عبرة، ولم ينظر إلى موضعه من قلبه وقلوب أهل بيته ليرضي اللّه عزّوجلّ بصبره، ويستسلم لأمره في جميع الفعال، وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : لولا أن تحزن صفّية لتركته حتّى يحشر من بطون السباع، وحواصل الطير ، ولولا أن يكون سنّة بعدي لفعلت ذلك.
قال له اليهودي : فإنّ إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) و قد أسلمه قومه إلى الحريق، فصبر ، فجعل اللّه عزّ وجلّ عليه برداً وسلاماً فهل فعل بمحمّد شيئاً من ذلك؟
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لمّا نزل بخيبر سمته الخيبريّة، فصيّر اللّه السمّ في جوفه برداً وسلاماً إلى منتهى أجله ، فالسم يحرق إذا استقرّ في الجوف كما أنّ النار تحرق، فهذا من قدرته لا تنكره.
قال له اليهودي : فإنّ هذا يعقوب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أعظم في الخير نصيباً إذ جعل الأسباط من سلالة صلبه، ومریم بنت عمران من بناته؟
زمان قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أعظم في الخير نصيباً إذ جعل
ص: 95
فاطمة سيّدة نساء العالمين من بناته، والحسن والحسين من حفدته.
قال له اليهودي : فإنّ يعقوب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد صبر على فراق ولده حتّى كان يحرض من الحزن.
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، حزن يعقوب حزناً بعده تلاق، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قبض ولده إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) قرّة عينه في حياته منه ، فخصّه بالإختيار ، ليعلم له الإدخار، فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يحزن النفس، ويجزع القلب، وإنّا عليك يا إبراهيم لمحزونون، ولانقول ما يسخط الربّ في كلّ ذلك يؤثر الرضا عن اللّه عزّوجلّ والإستسلام له في جميع الفعال.
قال له اليهودي : فإنّ هذا يوسف قاسي مرارة الفرقة، وحبس في السجن توقّياً للمعصية، وألُقي في الجبّ وحيداً؟
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك ، و محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قاسى مرارة الغربة ، وفراق الأهل والأولاد والمال، مهاجراً من حرم اللّه تعالى وأمنه، فلمّا رأى اللّه عزّ وجلّ كآبته واستشعاره والحزن، أراه تبارك اسمه رؤياً توازي رؤيا يوسف في تأويلها ، وأبان للعالمین صدق تحقيقها ، فقال : «لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ»(1) ولئن كان يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ) حبس في السجن، فلقد حبس رسول اللّه نفسه في الشعب ثلاث سنين، وقطع منه أقاربه وذوو الرحم وألجأوه إلى أضيق المضيق، ولقد کادهم اللّه عزّ ذكره له کیداً مستبيناً، إذ بعث أضعف خلقه فأكل عهدهم الّذي كتبوه بينهم في قطيعة رحمه، ولئن كان يوسف ألقي في الجبّ، فلقد حبس محمّد نفسه مخافة عدوّه في الغار حتّى قال لصاحبه: لا تحزن إنّ اللّه معنا، ومدحه إليه بذلك في كتابه.
ص: 96
فقال له اليهودي : فهذا موسی بن عمران آتاه اللّه عزّوجلّ التوراة الّتي فيها
حكمه؟
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فلقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أُعطي ما هو أفضل منه أُعطي محمّد البقرة وسورة المائدة بالإنجيل، وطواسين وطه ونصف المفصل والحواميم بالتوراة، وأُعطي نصف المفصل والتسابيح بالزبور، وأُعطي سورة بني إسرائيل وبراءة بصحف إبراهيم وموسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، وزاد اللّه عزّوجلّ محمّداً السبع الطوال (1) وفاتحة الكتاب وهي السبع المثاني والقرآن العظيم، وأُعطي الكتاب والحكمة.
قال له اليهودي : فإنّ موسی ناجاه اللّه على طور سيناء؟
فقال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ولقد أوحى اللّه إلى محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عند سدرة المنتهى، فمقامه في السماء محمود، وعند منتهى العرش مذکور.
قال اليهودي : فلقد ألقى اللّه على موسی بن عمران محبّة منه؟
قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، وقد أعطي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ما هو أفضل من هذا، لقد ألقى اللّه محبّة منه فمن هذا الّذي يشرکه في هذا الإسم إذ تمّ من اللّه به الشهادة، فلا تتمّ الشهادة إلّا أن يقال : «أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأشهد أنّ محمّد رسول اللّه» ينادی به على المنابر، فلا يرفع صوت بذكر اللّه إلّا رفع بذکر محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) معه.
قال له اليهودي : فلقد أوحى اللّه إلى أُمّ موسى لفضل منزلة موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) عند اللّه.
ص: 97
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ولقد لطف اللّه جلّ ثناؤه لأُمّ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بأن أوصل إليها اسمه، حتّى قالت : أشهد والعالمون أنّ محمّدا رسول اللّه منتظر، وشهد الملائكة على الأنبياء أنّهم أثبتوه في الأسفار، وبلطف من اللّه ساقه إليها، وأوصل إليها اسمه لفضل منزلته عنده ، حتّى رأت في المنام أنّه قيل لها: إنّ ما في بطنك سيّد فإذا ولدته فسمّيه محمّداً، فاشتق اللّه له اسماً من أسمائه ، فاللّه المحمود وهذا محمّد.
قال له اليهودي : فإنّ هذا موسی بن عمران قد أرسله اللّه إلى فرعون و أراه الآية الكبرى؟
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد أُرسل إلى فراعنة شتّى، مثل أبي جهل بن هشام، وعتبة ابن ربيعة، وشيبة، وأبي البختري، والنضر بن الحرث، وأُبّي بن خلف، ومنبه ونبيّه ابني الحجاج، وإلى الخمسة المستهزئين : الوليد بن المغيرة المخزومي، والعاص بن وائل السهمي، والأسود بن عبد يغوث الزهري ، والأسود بن المطلب، والحرث بن أبي الطلالة، فأراهم الآيات في الآفاق وفي أنفسهم حتّى يتبيّن لهم أنه الحقّ.
قال له اليهودي : لقد انتقم اللّه عزّوجلّ لموسى من فرعون؟
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك ، ولقد انتقم اللّه جلّ اسمه لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من الفراعنة، فأمّا المستهزؤن فقال اللّه : «إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ »(1) فقتل اللّه خمستهم، كلّ واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد.
فأمّا الوليد بن المغيرة فمرّ بنبل لرجل من خزاعة قد راشه و و ضعه في الطريق فأصابه شظية منه، فانقطع أكحله حتّى أدماه، فمات وهو يقول : «قتلني ربّ محمّد».
ص: 98
وأمّا العاص بن وائل السهمي : فإنّه خرج في حاجة له إلى موضع فتدهده تحته حجر، فسقط فتقطّع قطعة قطعة، وهو يقول: «قتلني ربّ محمّد».
وأمّا الأسود بن عبد يغوث : فإنّه خرج يستبقل ابنه زمعة ، فاستظلّ بشجرة، فأتاه جبرئیل فأخذ رأسه فنطح به الشجرة، فقال الغلامه : امنع هذا عنّي! فقال : ما أری أحداً يصنع شيئاً إلّا نفسك، فقتله وهو يقول: «قتلني ربّ محمّد».
وأمّا الأسود بن الحرث : فإنّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) دعا عليه أن يعمي اللّه بصره، وأن يثكله ولده ، فلمّا كان في ذلك اليوم خرج حتّى صار إلى موضع أتاه جبرئیل بورقة خضراء فضرب بها وجهه فعمي، فبقي حتّى أثكله اللّه ولده.
وأمّا الحرث بن أبي الطلالة : فإنّه خرج من بيته في السموم فتحوّل حبشياً ، فرجع إلى أهله فقال : أنا الحرث، فغضبوا عليه فقتلوه وهو يقول: «قتلني ربّ محمّد».
وروي أنّ الأسود بن الحرث أكل حوتاً مالحاً فأصابه غلبة العطش، فلم يزل يشرب الماء حتّى انشقّ بطنه ، فمات وهو يقول: «قتلني ربّ محمّد».
كلّ ذلك في ساعة واحدة، وذلك أنّهم كانوا بين يدي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقالوا له: يا محمّد ننتظر بك إلى الظهر، فإن رجعت عن قولك وإلّا قتلناك، فدخل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) منزله فأغلق عليه بابه مغتمّاً لقولهم، فأتاه جبرئیل عن اللّه من ساعته فقال :
یا محمّد! السلام يقرأ عليك السلام وهو يقول لك : «إصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ» (1)، يعني أظهر أمرك لأهل مكّة، وادعهم إلى الإيمان، قال : يا جبرئيل كيف أصنع بالمستهزئين وما أو عدوني؟ قال له : «إِنَّا
ص: 99
كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ»(1) قال : يا جبرئيل كانوا الساعة بين يدي ، قال : كفيتهم، وأظهر أمره عند ذلك.
وأمّا بقيّة الفراعنة : قتلوا يوم بدر بالسيف ، فهزم اللّه الجميع وولوا الدبر.
قال له اليهودي : فإنّ هذا موسی بن عمران قد أُعطي العصا فكان تحوّل ثعباناً؟
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك ، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أُعطي ما هو أفضل من هذا ، إنّ رجلاً كان يطالب أبا جهل بدَین ثمن جزور قد اشتراه، فاشتغل عنه وجلس يشرب، فطلبه الرجل فلم يقدر عليه ، فقال له بعض المستهزئين : مَن تطلب؟
فقال : عمرو بن هشام - يعني أبا جهل - لي عليه دَين.
قال : فأدلّك على مَن يستخرج منه الحقوق؟
قال : نعم.
فدلّه على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وكان أبو جهل يقول : ليت لمحمّد إليّ حاجة فأسخر به وأردّه، فأتى الرجل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : يا محمّد بلغني أنّ بينك وبين عمرو بن هشام حسن صداقة، وأنا أستشفع بك إليه ، فقام معه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فأتی بابه ، فقال له : قم يا أبا جهل فأدّ إلى الرجل حقّه، وإنّما كنّاه بأبي جهل ذلك اليوم، فقام مسرعاً حتّى أدّى إليه حقّه، فلمّا رجع إلى مجلسه قال له بعض أصحابه : فعلت ذلك فرقاً من محمّد؟
قال : ويحكم! اعذروني، إنّه لمّا أقبل رأيت عن يمينه رجالا معهم حراب تتلألأ، وعن يساره ثعابين تصطك أسنانهما، وتلمع النيران من أبصارهما، لو امتنعت لم آمن أن يبعجوا بالحراب بطني وتقضمني الثعبانان.
ص: 100
و هذا أكبر ممّا أُعطي موسى، وزاد اللّه محمّداً ثعباناً وثمانية أملاك معهم الحراب، ولقد كان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يؤذي قريشاً بالدعاء، فقام يوماً فسفّه أحلامهم، وعاب دينهم، وشتم أصنامهم، وضلّل آباءهم، فاغتمّوا من ذلك غمّاً شديداً ، فقال أبو جهل : واللّه للموت خير لنا من الحياة، فليس فیکم معاشر قريش أحد يقتل محمّداً فيقتل به.
قالوا: لا.
قال : فأنا أقتله، فإن شاءت بنو عبدالمطلّب قتلوني به، وإلّا تركوني، قال : إنّك إن فعلت ذلك اصطنعت إلى أهل الوادي معروفاً لا تزال تذکر به.
قال : إنّه كثير السجود حول الكعبة، فإذا جاء وسجد أخذت حجراً فشد خته به.
فجاء رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فطاف بالبيت أُسبوعاً، ثمّ صلّى وأطال السجود، فأخذ أبوجهل حجراً فأتاه من قبل رأسه، فلمّا أن قرب منه أقبل فحل من قبل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فاغراً فاه نحوه، فلمّا أن رآه أبو جهل فزع منه وارتعدت يده، وطرح الحجر فشدخ رجله، فرجع مدمی، متغيّر اللون، يفيض عرقاً.
فقال له أصحابه : ما رأيناك كاليوم؟!
قال : ويحكم اعذروني! فإنّه أقبل من عنده فحل فاغراً فاه فكاد يبتلعني، فرمیت بالحجر فشدخت رجلي.
قال اليهودي : فإنّ موسى قد أُعطي اليد البيضاء، فهل فعل بمحمّد شيئاً من ذلك؟
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أُعطي ما هو أفضل من هذا ، إنّ نوراً كان يضيء عن يمينه حيثما جلس، وعن يساره حيثما جلس، وكان يراه الناس كلّهم.
ص: 101
قال له اليهودي : فإنّ موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد ضرب له طريق في البحر، فهل فعل بمحمّد شيء من هذا؟
فقال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد أُعطي ماهو أفضل من هذا ، خرجنا معه إلى حنين، فإذا نحن بواد يشخب، فقدرناه فإذا هو أربعة عشر قامة ، فقالوا: يا رسول اللّه العدوّ وراءنا والوادي أمامنا، كما قال أصحاب موسى : «إِنَّا لَمُدْرَكُونَ»(1)، فنزل رسول اللّه ثمّ قال : اللّهمّ إنّك جعلت لكلّ مرسل دلالة، فأرني قدرتك» وركب صلوات اللّه عليه فعبرت الخيل لا تندی حوافرها، والإبل لاتند أخفافها، فرجعنا فكان فتحنا.
قال له اليهودي : فإن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد أُعطي الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عيناً.
قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لمّا نزل الحديبية وحاصره أهل مكّة، قد أُعطي ما هو أفضل من ذلك، وذلك أنّ أصحابه شكوا إليه الظمأ وأصابهم ذلك حتّى التقت خواصر الخيل، فذكروا له (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فدعا بركوة يمانيّة ثمّ نصب يده المباركة فيها، فتفجّرت من بين أصابعه عيون الماء، فصدرنا وصدرت الخيل رواء، وملأنا كلّ مزادة وسقاء.
ولقد كنّا معه بالحديبيّة فإذا ثمّ قليب جافة، فأخرج (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) سهماً من كنانته ، فناوله البراء بن عازب وقال له: اذهب بهذا السهم إلى تلك القليب الجافة فاغرسه فيها، ففعل ذلك فتفجّرت اثنتا عشرة عيناً من تحت السهم.
ولقد كان يوم الميضاة عبرة وعلامة للمنکرین لنبوّته، كحجر موسى حيث دعا بالميضاة فنصب يده فيها ففاضت الماء وارتفع، حتّى توضّأ منه ثمانية آلاف رجل فشربوا حاجتهم، وسقوا دوابهم، وحملوا ما أرادوا.
ص: 102
قال اليهودي : فإنّ موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) أُعطي المنَّ والسلوى فهل أُعطي لمحمّد نظير هذا؟
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أُعطي ما هو أفضل هذا، إنّ اللّه عزّوجلّ أحل له الغنائم ولأُمّته، ولم تحلّ الغنائم لأحد غيره قبله، فهذا أفضل من المنّ والسلوى، ثمّ زاده أن جعل نيّة له ولُأّمته بلا عمل عملاً صالحاً ولم يجعل لأحد من الأُمم ذلك قبله، فإذا همّ أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتب له عشرة.
قال له اليهودي: إنّ موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد ظلّل عليه الغمام؟
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك وقد فعل ذلك بموسى في التيه وأُعطي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أفضل من هذه إنّ الغمامة كانت تظلّه من يوم ولد إلى يوم قبض في حضره و أسفاره، فهذا أفضل ممّا أُعطي موسى.
قال له اليهودي : فهذا داود (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد ليّن اللّه له الحديد، فعمل منه الدروع؟
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد أُعطي ما هو أفضل من هذا، إنّه ليّن اللّه له الصمّ الصخور الصلاب و جعلها غاراً، ولقد غارت الصخرة تحت يده ببیت المقدس لينة حتّى صارت کهيئة العجين، وقد رأينا ذلك والتمسناه تحت رايته.
قال له اليهودي : هذا داود بكى على خطيئته حتّى سارت الجبل معه لخوفه.
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أُعطي ما أفضل من هذا، إنّه كان إذا قام إلى الصلاة سمع لصدره وجوفه أريز كاريز المرجل على الأثافي من شدّة البكاء، وقد آمنه اللّه عزّوجلّ من عقابه ، فأراد أن يتخشّع لربّه ببكائه فيكون إماماً لمن اقتدى به، ولقد قام (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عشر سنين على أطراف أصابعه حتّى تورّمت
ص: 103
قدماه واصفر وجهه، يقوم الليل أجمع، حتّى عوتب في ذلك فقال اللّه عزّوجلّ : «طه* مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى» (1) بل لتسعد به، ولقد كان يبكي حتّى يغشى عليه، فقيل له : يا رسول اللّه أليس اللّه غفر لك ماتقدّم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : بلى، أفلا أكون عبداً شكورا؟!
ولئن سارت الجبال وسبّحت معه لقد عمل بمحمّد ما هو أفضل من هذا ، إذ كنّا معه على جبل حراء إذ تحرّك الجبل فقال له : «قرّ فإنّه ليس عليك إلّا نبيّ أو صدّيق شهيد»، فقرّ الجبل مطيعاً لأمره ومنتهياً إلى طاعته، ولقد مررنا معه بجبل وإذ الدموع تخرج من بعضه، فقال له النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «ما يبكيك يا جبل؟» فقال : یا رسول اللّه كان المسيح مرّ بي وهو يخوّف الناس من نار وقودها الناس والحجارة، وأنا أخاف أن أكون من تلك الحجارة، قال له : «لا تخف تلك الحجارة الكبريت»، فقرّ الجبل وسكن وهدأ وأجاب لقوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
قال له اليهودي : فإنّ هذا سليمان أُعطي مُلكاً لا ينبغي لأحد من بعده؟
فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أُعطي ما هو أفضل من هذا، إنّه هبط إليه ملك لم يهبط إلى الأرض قبله، وهو میکائیل ، فقال له: يا محمّد عش ملكاً منعماً وهذه مفاتيح خزائن الأرض معك، ويسير معك جبالها ذهباً وفضّة، ولا ينقص لك ممّا ادّخر لك في الآخرة شيء، فأومئ إلى جبرئیل - وكان خليله من الملائكة - فأشار عليه : أن تواضع فقال له : بل أعيش نبيّاً عبداً آكل يوماً ولا أكل يومين، وألحق بإخواني من الأنبياء، فزاده اللّه تبارك وتعالی الكوثر وأعطاه الشفاعة، وذلك أعظم من ملك الدنيا من أوّلها إلى آخرها سبعين مرّة، ووعده المقام المحمود، فإذا كان يوم القيامة أقعده اللّه عزّوجلّ على العرش، فهذا أفضل ممّا أُعطي سليمان.
ص: 104
قال له اليهودي : فإنّ هذا سليمان قد سخّرت له الرياح، فسارت به في بلاده غدوّها شهر ورواحها شهر؟
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أُعطي ما هو أفضل من هذا : إنّه أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسيرة شهر، وعرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف عام، في أقلّ من ثُلث ليلة ، حتّى انتهى إلى ساق العرش، فدنی بالعلم فتدلّى من الجنّة رفرف أخضر، وغشى النور بصره، فرأى عظمة ربّه عزّوجلّ بقؤاده، ولم يرها بعينه، فكان كقاب قوسین بینه وبينها أو أدنى، فأوحى اللّه إلى عبده ما أوحى، وكان فيما أوحى إليه : الآية الّتي في سورة البقرة قوله : «لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».(1)
وكانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أن بعث اللّه تبارك و تعالی محمّداً، وعرضت على الأُمم فأبوا أن يقبلوها من ثقلها، وقبلها رسول اللّه، وعرضها على أُمّته فقبلوها، فما رأى اللّه تبارك وتعالى منهم القبول علم أنّهم لا يطيقونها، فلمّا أن سار إلى ساق العرش كرّر عليه الكلام ليفهمه، فقال : «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ »فأجاب (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مجيباً عنه وعن أُمّته - «وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ»(2) فقال جلّ ذكره: لهم الجنّة والمغفرة على أن فعلوا ذلك، فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أمّا إذا فعلت ذلك بنا، ف «غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ»، يعني المرجع في الآخرة.
ص: 105
قال : فأجابه اللّه عزّوجلّ قد فعلت ذلك بك وبأمتك، ثمّ قال عزّوجلّ: أمّا إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما فيها وقد عرضتها على الأُمم فأبوا أن يقبلوها قبلتها أُمّتك، حقّ عليّ أن أرفعها عن أُمّتك، وقال : «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ» (1) من شرّ. فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : - لمّا سمع ذلك -: أما إذا فعلت ذلك بي وبأُمّتي فزدني، قال : سل، قال : «رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا» (2)، قال اللّه عزّوجلّ: لست أُواخذ أُمّتك بالنسيان والخطأ لكرامتك عليّ، وكانت الأُمم السالفة إذا نسوا ماذكِّروا به فتحت عليهم أبواب العذاب ، وقد دفعت ذلك عن أُمّتك، وكانت الأُمم السالفة إذا أخطأوا أُخذوا بالخطأ وعوقبوا عليه، وقد رفعت ذلك عن أُمّتك الكرامتك علي.
فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «اللّهمّ إذا أعطيتني ذلك فزدني»، قال اللّه تبارك وتعالى له : سل، قال : «وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا»(3)، يعني بالإصر: الشدائد الّتي كانت على من كان من قبلنا، فأجابه اللّه عزّوجلّ إلى ذلك، وقال تبارك اسمه : قد رفعت عن أُمّتك الآصار الّتي كانت على الأُمم السالفة كنت لا أقبل صلاتهم إلّا في بقاع معلومة من الأرض اخترتها لهم وإن بعدت، وقد جعلت الأرض كلّها لأُمّتك مسجداً وطهوراً، فهذه من الآصار الّتي كانت على الأُمم قبلك فرفعتها عن أُمّتك، وكان الأُمم السالفة إذا أصابهم أذىّ من نجاسة قرضوه من أجسادهم، وقد جعلت الماء لأُمّتك طهوراً ،
ص: 106
فهذا من الآصار الّتي كانت عليهم فرفعتها عن أُمّتك، وكان الأُمم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس، فمن قبلت ذلك منه أرسلت عليه ناراً فأكلته فرجع مسروراً، ومن لم أقبل منه ذلك رجع مثبوراً، وقد جعلت قربان أُمّتك في بطون فقرائها ومساكينها فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك له أضعافاً مضاعفة، ومن لم أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا، وقد رفعت ذلك عن أُمّتك، وهي من الإصار الّتي كانت على الأُمم من كان من قبلك، وكانت الأُمم السالفة صلواتها مفروضة عليها في ظلم الليل وأنصاف النهار، وهي من الشدائد الّتي كانت عليهم، فرفعتها عن أُمّتك وفرضت صلاتهم في أطراف الليل والنهار ، وفي أوقات نشاطهم.
وكانت الأُمم السالفة قد فرضت عليهم خمسين صلاة في خمسين وقتاً، وهي من الإصار الّتي كانت عليهم، فرفعتها عن أُمّتك، وجعلتها خمساً في خمسة أوقات، وهي إحدى وخمسون ركعة، وجعلت لهم أجر خمسين صلاة ، وكانت الأُمم السالفة حسنتهم بحسنة وسيّتهم بسيّئة، وهي من الآصار الّتي كانت عليهم، فرفعتها عن أُمّتك وجعلت الحسنة بعشرة والسيّئة بواحدة، وكانت الأُمم السالفة إذا نوى أحدهم حسنة فلم يعملها لم يكتب له، وإن عملها كتبت له حسنة، وإن أُمّتك إذا همّ أحدهم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، وإن عملها كتبت له عشرة، وهي من الآصار الّتي كانت عليهم فرفعتها عن أُمّتك، وكانت الأُمم السالفة إذا همّ أحدهم بسيّئة فلم يعملها لم تكتب عليه ، وإن عملها كتبت عليه سيئة، وإنّ أُمّتك إذا همّ أحدهم بسيّئة ثمّ لم يعملها كتبت له حسنة، وهذه من الآصار الّتي كانت عليهم فرفعتها عن أُمّتك.
وكانت الأُمم السالفة إذا أذنبوا كتبت ذنوبهم على أبوابهم، وجعلت توبتهم من الذنوب : أن حرمت عليهم بعد التوبة أحبّ الطعام إليهم، وقد رفعت
ص: 107
ذلك عن أُمّتك وجعلت ذنوبهم فيما بيني وبينهم وجعلت عليهم ستوراً كثيفة ، وقبلت توبتهم بلا عقوبة، ولا أعاقبهم بأن أُحرمّ عليهم أحبّ الطعام إليهم ، وكانت الأُمم السالفة يتوب أحدهم إلى اللّه من الذنب الواحد مائة سنة ، أو ثمانين سنة، أو خمسين سنة ، ثمّ لا أقبل توبته دون أن أُعاقبه في الدنيا بعقوبة ، وهي من الآصار الّتي كانت عليهم فرفعتها عن أُمّتك، وإنّ الرجل من أُمّتك ليذنب عشرين سنة ، أو ثلاثين سنة، أو أربعين سنة ، أو مائة سنة ثمّ يتوب ويندم طرفة عين فأغفر ذلك كلّه.
فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إذا أعطيتني ذلك كلّه فزدني، قال : سل ، قال : «رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا»(1) قال تباك اسمه : قد فعلت ذلك بأُمّتك، وقد رفعت عنهم عظم بلايا الأُمم، وذلك حكمي في جميع الأُمم: أن لا أُكلّف خلفاً فوق طاقتهم، فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا» (2) قال اللّه عزّوجلّ: قد فعلت ذلك بتائبي أُمّتك، ثمّ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )
: «فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ»(3) قال اللّه جلّ اسمه : إنّ أُمّتك في الأرض کالشامة البيضاء في الثور الأسود، هم القادرون، وهم القاهرون، يستخدمون ولا يُستخدمون، لكرامتك عليّ، وحقّ عليّ أن أُظهر دينك على الأديان، حتّى لا يبقى في شرق الأرض وغربها دين إلّا دينك، ويؤدّون إلى أهل دينك الجزية.
قال اليهودي : فإنّ هذا سلیمان سخّرت له الشياطين، يعملون له ما يشاء : من محاريب ، وتماثيل؟
ص: 108
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ولقد أُعطي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أفضل من هذا ، إنّ الشياطين سخّرت لسليمان وهي مقيمة على كفرها، ولقد سخّرت لنبوّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الشياطين بالإيمان، فأقبل إليه من الجنّة التسعة من أشرافهم، واحد من جنّ نصيبين، والثمان من بني عمرو بن عامر من الأحجة منهم شضاه ، ومضاه والهملکان، والمرزبان، والمازمان، و نضاه ، وهاضب، وهضب وعمرو، وهم الّذين يقول اللّه تبارك اسمه فيهم: «وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ»(1) وهم التسعة، فأقبل إليه الجنّ والنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ببطن النخل فاعتذروا بأنّهم ظنّوا كما ظننتم أن لن يبعث اللّه أحداً، ولقد أقبل إليه أحد وسبعون ألفاَ منهم فبايعوه على : الصوم، والصلاة، والزكاة، والحجّ، والجهاد، ونصح المسلمين، واعتذروا بأنّهم قالوا على اللّه شطَطَاً، وهذا أفضل مما أُعطي سلیمان، فسبحان من سخّرها لنبوّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بعد أن كانت تتمرّد، وتزعم أنّ اللّه ولداً، ولقد شمل مبعثه من الجنّ والإنس ما لا يحصى.
قال له اليهودي : هذا يحیی بن زکریّا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقال : إنّه أُوتي الحكم صبيّاً والحلم، والفهم، وأنّه كان يبكي من غير ذنب ، وكان يواصل الصوم؟
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أُعطي ما هو أفضل من هذا ، إنّ يحیی بن زکریّا کان في عصر لا أوثان فيه ولا جاهليّة، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أُوتي الحكم والفهم صبيّاً بين عبدة الأوثان، وحزب الشيطان، فلم يرغب لهم في صنم قطّ ولم ينشط لأعيادهم، ولم ير منه کذب قطّ، وكان أميناً، صدوقاً، حليماً، كان يواصل الصوم الأُسبوع والأقلّ والأكثر، فيقال له في ذلك، فيقول : إنّي لست كأحدهم إني أظل ّعند ربّي، فيطعمني، ويسقيني، وكان يبكي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حتّى
ص: 109
تبتلّ مصلاه خشية من اللّه عزّوجلّ من غير جرم.
قال له اليهودي : فإنّ هذا عیسی بن مریم یزعمون أنّه تكلّم في المهد صبيّاً؟
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) سقط من بطن أمُّه واضعاً يده اليسرى على الأرض، ورافعاً يده اليمنى إلى السماء ، يحرّك شفتيه بالتوحيد ، وبدأ من فيه نور رأى أهل مكّة منه قصور بصرى من الشام وما يليها، والقصور الحمر من أرض اليمن وما يليها والقصور البيض من اسطخر وما يليها ولقد أضاءت الدنيا ليلة ولد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حتّى فزعت الجنّ والإنس والشياطين، وقالوا حدث في الأرض حدث، ولقد رأى الملائكة ليلة ولد تصعد و تنزل، وتسبّح وتقدّس، وتضطرب النجوم وتتساقط ، علامة لميلاده.
ولقد همّ إبليس بالظعن في السماء لمّا رأى من الأعاجيب في تلك الليلة ، وكان له مقعد في السماء الثالثة والشياطين يسترقون السمع، فلمّا رأوا العجائب أرادوا أن يسترقوا السمع، فإذا هم قد حجبوا من السماوات كلّها، ورموا بالشهب ، دلالة لنبوّته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )
قال له اليهودي : فإنّ عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) يزعمون أنّه قد أبرأ الأكمه والأبرص بإذن اللّه؟
فقال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أعطي ما هو أفضل من ذلك، أبرأ ذا العاهة من عاهته، وبينما هو جالس إذ سأل عن رجل من أصحابه فقالوا: يا رسول اللّه إنّه قد صار من البلاء كهيئة الفرخ الّذي لا ريش عليه ، فأتاه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بيده فإذا هو کهيئة الفرخ من شدّة البلاء، فقال له : قد كنت تدعو في صحّتك دعاءاً ؟ قال : نعم كنت أقول: «یا ربّ أيّما عقوبة أنت معاقبي بها في الآخرة
ص: 110
فاجعلها لي في الدنيا» فقال له النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ألا قلت: «اللّهمّ آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» فقالها الرجل فكأنّما نشط من عقال، وقام صحيحا ًوخرج معنا.
ولقد أتاه رجل من جهينة أجذم يتقطّع من الجذام، فشكا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إليه ، فأخذ قدحاً من ماء فتفل عليه، ثمّ قال : امسح جسدك ففعل فبريء حتّى لم يوجد عليه شيء، ولقد أُتي النبي بأعرابي أبرص فتفل (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من فيه عليه فما قام من عنده إلّا صحيحاً.
ولئن زعمت أنّ عيسى أبرأ ذاالعاهات من عاهاتهم، فإنّ محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بينما هو في أصحابه إذ هو بامرأة فقالت : يارسول اللّه! إنّ ابني قد أشرف على حياض الموت، كلّما أتيته بطعام وقع عليه التثاؤب ، فقام النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقمنا معه فلمّا أتيناه قال له : جانب یا عدوّ اللّه وليّ اللّه ، فأنا رسول اللّه، فجانبه الشيطان، فقام صحيحاً وهو معنا في عسکرنا.
ولئن زعمت أن عيسى أبرأ العميان، فإنّ محمّداً قد فعل ما هو أكبر من ذلك : إنّ قتادة بن ربیع كان رجلاً صحيحاً، فلمّا أن كان يوم أحد أصابته طعنة في عينه فبدرت حدقته، فأخذها بيده ثمّ أتى بها إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : يا رسول اللّه إنّ امرأتي الآن تبغضني، فأخذها رسول اللّه من يده ثمّ وضعها مکانها، فلم تكن تعرف إلّا بفضل حسنها و فضل ضوئها على العين الأُخرى، ولقد جرح عبداللّه بن عبيد وبانت يده يوم حنين، فجاء إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فمسح عليه يده فلم تكن تعرف من اليد الأُخرى، ولقد أصاب محمّد بن مسلم يوم كعب بن أشرف مثل ذلك في عينه ويده ، فمسحه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فلم تستبينا، ولقد أصاب عبداللّه بن أنيس مثل ذلك في عينيه ، فمسحها فما عرفت من الأُخرى، فهذه كلّها دلالة لنبوّته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
قال له اليهودي : فإنّ عيسى يزعمون أنّه أحيي الموتى بإذن اللّه؟
ص: 111
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد سبّحت في يده تسع حصيات تسمع نغماتها في جمودها ولا روح فيها لتمام حجّة نبوّته، ولقد كلّمه الموتى من بعد موتهم، واستغاثوه ممّا خافوا تبعته، ولقد صلّى بأصحابه ذات يوم فقال : ماهاهنا من بني النجّار أحد وصاحبهم محتبس على باب الجنّة بثلاثة دراهم لفلان اليهودي - وكان شهیداً ؟!
ولئن زعمت : أنّ عیسی کلّم الموتى فلقد كان لمحمّد ما هو أعجب من هذا: إنّ النبي لمّا نزل بالطائف وحاصر أهلها، بعثوا إليه بشاة مسلوخة مطلية بسم، فنطق الذراع منها فقالت : يا رسول اللّه لا تأكلني فإنّي مسمومة، فلو كلّمته البهيمة وهي حيّة لكانت من أعظم حجج اللّه على المنکرین لنبوّته، فكيف وقد كلّمته من بعد ذبح وسلخ وشي!
ولقد كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يدعو بالشجرة فتجيبه، وتكلّمه البهيمة ، وتكلّمه السباع، وتشهد له بالنبوّة، وتحذرهم عصيانه، فهذا أكثر ممّا أُعطي عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ).
قال له اليهودي : إنّ عيسى يزعمون أنّه أنبأ قومه بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم؟
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد كان له أكثر من هذا: إنّ عیسی أنبأ قومه بما كان من وراء الحائط، ومحمّد أنبأ عن مؤتة وهو عنها غائب ، ووصف حربهم ومن استشهد منهم، وبينه و بينهم مسيرة شهر، وكان يأتيه الرجل يريد أن يسأله عن شيء فيقول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : تقول أو أقول؟ فيقول : بل قل يا رسول اللّه ، فيقول : جئتني في كذا وكذا حتّى يفرغ من حاجته ، ولقد كان (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يخبر أهل مكّة بأسرارهم بمكّة حتّى لا يترك من أسرارهم شيئاً.
منها : ما كان بين صفوان بن أُمية وبين عمیر بن وهب، إذ أتاه عمیر فقال : جئت في فكاك ابني، فقال له : كذبت بل قلت لصفوان بن أُمّية وقد اجتمعتم في
ص: 112
الحطيم وذكرتم قتلى بدر وقلتم: واللّه للموت أهون علينا من البقاء مع ماصنع محمّدبنا، وهل حياة بعد أهل القليب ، فقلت : أنت: لولا عيالي، ودَين عليَّ لأرحتك من محمّد، فقال صفوان : عليّ أن أقضي دينَك، وأن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهنّ مايصيبهنّ من خير أو شرّ، فقلت أنت : فاكتمها علىَّ وجهِّزني حتّى أذهب فأقتله، فجئت لقتلى، فقال : صدقت يا رسول اللّه، فأنا أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّك رسول اللّه، وأشباه هذا ممّا لا يحصى.
قال له اليهودي : فإنّ عيسى يزعمون: أنّه خلق من الطين كهيئة الطير فنفخ فيه فكان طيراً بإذن اللّه؟
فقال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد فعل ما هو شبيه لهذا، إذ أخذ يوم حنين حجراً فسمعنا للحجر تسبیحاً و تقدیساً ، ثمّ قال للحجر : انفلق فانفلق ثلاث فلق، يسمع لكلّ فلقة منها تسبيحاً لا يسمع للأُخرى، ولقد بعث إلى شجرة يوم البطحاء فأجابته ، ولكلّ غصن منها تسبيح وتهليل وتقدیس، ثمّ قال لها: انشقّي، فانشقّت نصفين ، ثمّ قال لها: الترقي فالتزقت، ثمّ قال لها: اشهدي بالنبوّة، فشهدت ثمّ قال لها: ارجعي إلى مكانك بالتسبيح والتهليل والتقديس ففعلت، وكان موضعها حيث الجزّارين بمكّة.
قال له اليهودي : فإنّ عيسى يزعمون أنّه كان سيّاحاً؟
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك، ومحمّد كانت سیاحته في الجهاد، واستنفر في عشر سنين ما لا يحصى من حاضر وباد، وأفني فئاماً من العرب من منعوت بالسيف لا يداري بالكلام ولا ينام إلّا عن دم، ولا يسافر إلّا وهو متجهّز لقتال عدوّه.
قال له اليهودي : فإنّ عیسی يزعمون أنّه كان زاهدا؟
قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد كان كذلك ، ومحمّد أزهد الأنبياء (عَلَيهِم السَّلَامُ): كان له
ص: 113
ثلاثة عشر زوجة سوى مَن يطيف به من الإماء، مارفعت له مائدة قط وعليها عام، ولا أكل خبز برّ قطّ، ولا شبع من خبز شعير ثلاث ليال متوالياً قط، توفّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ودرعه مرهونة عند يهودي بأربعة دراهم، ما ترك صفراء ولا بيضاء مع ما وطّيء له من البلاد، ومکّن له من غنائم العباد، ولقد كان يقسم في اليوم الواحد الثلاثمائة ألف وأربعمائة ألف، ويأتيه السائل بالعشي فيقول : والّذي بعث محمّدا بالحقّ ما أمسي في آل محمّد صاع من شعير، ولا صاع من برّ، ولا درهم، ولا دینار.
قال له اليهودي : فإني أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه، وأشهد أنّه ما أعطى اللّه نبيّاً درجة ولا مرسلاً فضيلة إلّا وقد جمعها لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وزاد محمّداً على الأنبياء أضعاف ذلك درجات.
فقال ابن عبّاس لعليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أشهد يا أبا الحسن أنّك من الراسخين في العلم
فقال : ويحك! ومالي لا أقول ما قلت في نفس من استعظمه اللّه عزّوجلّ في عظمته فقال :« وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ» (1).(2)
{5}
[597] دخل الحسنُ والحسينُ على معاويةَ فأمر لهما في وقته بمائتي ألف
ص: 114
درهم، وقال : خذاها و أنا ابنُ هند، ما أعطاها أحدٌ قبلي ولا يعطيها أحد بعدي !!! قال : فأما الحسن فكان رجلاً سکّیتاً، وأما الحسين فقال : واللّه ما أعطى أحد قبلك ولا أحد بعدك لرجلين أشرف ولا أفضل منّا.(1)
{6}
[598] روي أن ّرجلاً قال للحسين بن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) : اجلس حتّى نتناظر في الدين.
قال : يا هذا أنا بصير بديني، مكشوف علىّ هداي، فإن كنت جاهلاً بدينك فاذهب فاطلبه، مالي وللمماراة وإنّ الشيطان ليوسوس للرجل ويناجيه، ويقول : ناظر الناس في الدين، لئلّا يظّنوا بك العجز والجهل، ثمّ المراء لا يخلو من أربعة أوجه : إمّا أن تتماري أنت وصاحبك في ما تعلمان، فقد تركتما بذلك النصيحة ، وطلبتما الفضيحة، وأضعتهماذلك العلم، أو تجهلانه فأظهر تماجهلاً، وخاصمتما جهلاً، وإمّا تعلمه أنت فظلمت صاحبك بطلب عثرته، أو يعلمه صاحبك فتركت حرمته، ولم تنزل منزلته، وهذا كلّه محال، فمن أنصف وقِبلَ الحقّ، وترك المماراة فقد أوثق إيمانه وأحسن صحبة دينه ، وصان عقله.(2)
ص: 115
{7}
[599] عن عليّ بن الحسين ، عن أبيه (عَلَيهِما السَّلَامُ) : أنّ ابن الكوا سأل عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال : يا أمير المؤمنين ، تسلّم على مذنب هذه الأُمّة ؟!
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): يراه اللّه عزّوجلّ للتوحيد أهلاً، ولا تراه للسلام عليه أهلاً! (1)
{8}
[600] روی موفق بن أحمد بسنده عن الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال : أُوتي عند عمر بن الخطّاب بامرأة حاملة ، فسألها فاعترفت بالفجور فأمر بها بالرجم، فقال عليّ لعمر : سلطإنّك عليها فما سلطإنّك على الّذي في بطنها، فخلّا سبيلها وقال : عجزتّ النساء أن يلدن علیّاً ولولا علي لهلك عمر ، وقال : اللّهمّ لاتبقني المعضلة ليس لها على حيّاً.(2)
[601] عن سليمان أبي شدّاد قال : كنتُ ألاعب الحسن والحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ) بالمداحي، فكنت إذا أصبت مدحاته فكان يقول لي : أيحلّ لك أن تركب بضعة من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ وإذا أصاب مدحاتي قال لي : أما تحمد ربّك أن تركبك بضعة
ص: 116
من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(1)
{10}
[602] روي في كتاب منتخب آثار أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان جالساً ذات يوم وعنده الإمام عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ دخل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فأخذه النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وجعله في حجره و قبّل بين عينيه وقبّل شفتيه و كان للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ستّ سنين، فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أتحب یا رسول اللّه ولدي الحسين؟
قال : وكيف لا أُحبّه وهو عضو من أعضائي.
فقال : يا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أيّنا أحبّ إليك أنا أم حسین؟
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبت من كان أعلى شرفاً كان أحبّ إلى النبيّ وأقرب إليه منزلة.
قال علي بطلة : أتفاخِرُني يا حسين؟
قال : نعم يا أبتاه إن شئت.
فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنا أمير المؤمنين ، أنا لسان الصادقين ، أنا وزير المصطفی حتى عدّ من مناقبه نيّفاً وسبعين منقبة ثمّ سكت.
فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) للحسين : أسمعت يا أبا عبداللّه هو عشر عشیر معشار ما قاله من فضائله ومن ألف ألف فضيلة وهو فوق ذلك و أعلى.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الحمد للّه فضّلنا على كثير من عباده المؤمنين وعلى جميع المخلوقين، ثمّ قال : أمّا ما ذكرت يا أمير المؤمنين وأنت فيه صادق أمين.
ص: 117
فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أذكر أنت يا ولدي فضائلك.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنا الحسين بن عليّ بن أبي طالب وأُمّي فاطمة الزهراء وسيّدة نساء العالمين وجدّي محمّد المصطفى سيّد بني آدم أجمعين لا ريب فيه يا عليّ أُمّي أفضل من أُمّك عند اللّه وعند الناس أجمعين وجدّي خيرٌ من جدّك وأفضل عند اللّه وعند الناس أجمعين، وأنا في المهد ناغاني جبرائيل وتلقّاني إسرافيل، يا عليّ أنت عند اللّه أفضل منّي وأنا أفخر منك بالآباء والأُمّهات والأجداد.
ثمّ انّه اعتنق إيّاه يقبّله وعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقبّله ويقول : زادك اللّه شرفاً وتعظيماً وفخراً وعلماً وحلماً ولعن اللّه ظالميك يا أبا عبداللّه.(1)
{11}
[603] جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لمّا استخلف أبو بکر صعد المنبر في يوم الجمعة ، وقد تهيأ الحسن والحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ) للجمعة، فسبق الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فانتهى إلى أبي بكر وهو على المنبر ، فقال : هذا منبر أبي لا منبر أبيك!
فبكى أبوبكر وقال : صدقت هذا منبر أبيك لا منبر أبي.
فدخل عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) في تلك الحال.
فقال : ما يبكيك يا أبا بكر ؟
فقال له القوم : قال له الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) كذا وكذا.
ص: 118
فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبابکر ! إنّ الغلام إنّمایثغر في سبع سنين، ويحتلم في أربع عشرة سنة، ويستكمل طوله في أربع وعشرين، ويستكمل عقله في ثمان وعشرين سنة، فما كان بعد ذلك فإنما هو بالتجارب.(1)
{12}
[604] عن أبي رافع قال : كنتُ ألاعب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) - وهو صبي - بالمداحي(2)، فإذا أصابت مدحاتي مدحاته ، قلت : احملني، فيقول : أتركب ظهراً حمله رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ فأتركه، فإذا أصابت مدحاته مدحاتي قلت : لا أحملك كما لم تحملني، فيقول : أما ترضى أن تحمل بدناً حمله رسول اللّه؟ فأحمله. (3)
ص: 119
{13}
[605] إنّ الحسين بن علي و أتى عمرَ بنَ الخطاب وهو على المنبر يوم الجمعة، فقال له : إنزل عن منبر أبي، فبكى عمر ، ثمّ قال : صدقتَ يا بُنيّ، منبر أبيك لا منبر أبي.
فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما هو واللّه عن رأيي.
قال : صدقت واللّه ما إتهمتك يا أبا الحسن، ثمّ نزل عن المنبر فأخذه فأجلسه على جانبه على المنبر فخطب الناس وهو جالس معه على المنبر ، ثمّ قال : أيّها الناس سمعت نبيّكم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : إحفظوني في عترتي وذريّتي، فمن حفظني فيهم حفظه اللّه، ألا لعنة اللّه على من آذاني فيهم ثلاثاً.(1)
{14}
[606] عن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : صعدتُ إلى عمر بن الخطّاب ، فقلت له : إنزل عن منبر أبي واصعد منبر أبيك !
قال : فقال : إنّ أبي لم يكن له منبر.
قال : فأقعدني معه فلمّا نزل ذهب بي إلى منزله فقال لي: أي بني من علّمك هذا؟
قال : قلت : ما علّمنيه أحد؟
قال : أي بني لو جعلت تأتينا وتغشانا؟
ص: 120
قال : فجئتُ يوماً وهو خال بمعاوية، وابن عمر بالباب ولم يأذن له، فرجعتُ فلقيني بعدُ فقال لي: يا بنيّ لم أرك أتيتنا؟
فقلت : قد جئتُ وأنت خال بمعاوية فرأيت ابن عمر رجع فرجعت.
فقال : أنت أحقّ بالإذن من عبداللّه بن عمر، إنّما أنبت في رؤوسنا ما نری اللّه ثمّ أنتم !
قال : ووضع يده على رأسه.(1)
{15}
[607] روى الطبرسي: أنّ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) احتجّ في مجلس معاوية وقال :
وأُنشدكم باللّه أتعلمون أنّ أبا سفيان أخذ بيد الحسین حین بویع عثمان وقال : يابن أخي اخرج معي إلى بقيع الغرقد، فخرج حتّى إذا توسّط القبور إجتره فصاح بأعلى صوته: يا أهل القبور ! الّذي كنتم تقاتلونا عليه صار بأيدينا وأنتم رميم.
فقال الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) : قبّح اللّه شيبتك، وقبّح وجهك ، ثمّ نتر يده و ترکه، فلولا النعمان بن بشير أخذ بيده وردّه إلى المدينة لهلك.(2)
ص: 121
{16}
[608] كلّا واللّه، لا أكفر باللّه وبرسوله وبوصيّ رسول اللّه، إخسأ ويلك من شیطان مارد، فلقد زين لك الشيطان سوء عملك فخدعك حتّى أخرجك من دينك باتباع القاسطين نصرة هذا المارق من الدين ، لم يزل هو وأبوه حربيّين وعدوّين للّه ولرسوله وللمؤمنين، فواللّه ما أسلّما ولكنّهما إستسلما خوفاً وطمعاً ، فأنت اليومَ تقاتل عن غير متذمّم.
رواه في «الفتوح» (ج3 ص 56 ط حیدر آباد).
ثمّ قال : فضحك عبیداللّه بن عمر ثمّ رجع إلى معاوية فقال : إنّي أردت خديعة الحسين، وقلتُ له كذا وكذا فلم أطمع في خديعته.
فقال معاوية : إنّ الحسينَ بن علي لا يُخدَع وهو إبنُ أبيه.(1)
{17}
[609] عن مولى لحذيفة ، قال : كان حسین بن علي أخذاً بذراعي في أيّام الموسم - قال : ورجل خلفَنا يقول : اللّهمّ اغفر له ولأُمّه.
قال : فأطال ذلك فترك الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذراعي، وأقبل عليه فقال له : قد آذيتَنا منذ اليوم؟!! تستغفر لي ولأُمّي وتترك أبي؟ وأبي خير منّي ومن أُمّي؟!!(2)
ص: 122
{18}
[610] عن عكرمة بن خالد قال : قدم معاوية المدينة يريد الحجّ، فلقيه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له: يا معاوية قد بلغني ذكرك وذكر ابن النابغة بني هاشم بالعيوب، فارجع إلى نفسك وسلط الحقّ عليها، فإنّك تجد أعظم عيوبها أصغر عيب فيك، لقد تناولتَنا بالعداوة وأطعت فينا عمراً، فواللّه ماقَدُم إيمانه ولا حدَث نفاقه، واللّه ما ينظر لك ولا يُبقي عليك، فانظر لنفسك أو دع.(1)
[611] فلمّا استشهد الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال ابن عبّاس دعاني الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعبداللّه بن جعفر وعلي بن عبداللّه بن العباس، فقال : اغسلوا ابن عمّكم، فغسّلناه و حتطناه وألبسناه أكفانه.
ثمّ خرجنا به حتّى صلينا عليه في المسجد، وإنّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أمر أن يفتح البيت ، فحال دون ذلك مروان بن الحكم وآل أبي سفيان ومن حضر هناك من ولد عثمان بن عفّان، وقالوا : أيدفن أمير المؤمنین عثمان الشهيد القتيل ظلمة بالبقيع بشر مكان ويدفن الحسن مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟! واللّه لا يكون ذلك أبداً حتّى تكسر
ص: 123
السيوف بيننا وتنقصف الرماح بیننا وينفذ النبل.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما واللّه الّذي حرّم مكّة، للحسن بن عليّ [وا] بنُ فاطمة أحقّ برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وببيته ممّن أُدخل بيته بغير إذنه ، وهو واللّه أحقُّ به من حمّال الخطايا ، مُسَيِّر أبي ذر رحمه اللّه، الفاعل بعمّار ما فعل، وبعبد اللّه ماصنع، الحامي الحمى، المُؤوي لطريد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، لكنّكم صرتم بعده الأُمراء، وتابعكم على ذلك الأعداء وأبناء الأعداء.(1)
{20}
[612] وروي أنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أوصى بأن يدفن في البقيع لافي حرم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، بل إنهم حملوا جنازته إلى حرم رسول اللّه كي يجدّد عهداً بقبره ثمّ يدفنوه في البقيع.
روى ذلك الكليني، عن محمّد بن الحسن، وعلي بن محمّد، عن سهل بن زیاد، عن محمّد بن سليمان، عن هارون بن الجهم، عن محمّد بن مسلم، قال : سمعتُ أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لمّا احتضر الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال للحسين : يا أخي أوصيك بوصيّة فاحفظها، فإذا أنا متّ فهیّئني، ثمّ وجهني إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لأُحدث به عهداً، ثمّ أصرفني إلى أُمّي فاطمة سلام اللّه عليها، ثمّ ردّني فادفني في البقيع، واعلم أنّه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها و عداوتها اللّه ولرسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعداوتها لنا أهل البيت.
فلمّا قبض الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وضع على سريره وانطلقوا به إلى مصلّی
ص: 124
رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الّذي كان يصلّي فيه على الجنائز، فصُلّي على الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فلمّا أن صُلّي عليه حمل فأُدخل المسجد، فلمّا أوقف على قبر رسول اللّه بلغ عائشة الخبر وقیل لها: إنّهم قد أقبلوا بالحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) ليدفن مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فخرجت مبادرة على بغل بسرج، فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجاً فوقفت فقالت : نحّوا ابنكم عن بيتي، فإنّه لا يدفن فيه شيء، ولا يهتك على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حجابه.
فقال لها الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما : قديماً هتكت أنت وأُولئك حجاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأدخلت بيته من لا يحبّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قربه، وإنّ اللّه سائلك عن ذلك يا عائشة، إنّ أخي أمرني أن أُقرّبه من أبيه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ليحدث به عهداً.
واعلمي أنّ أخي أعلم الناس باللّه ورسوله، وأعلم بتأویل کتابه من أن يهتك على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ستره، لأنّ اللّه تبارك وتعالى يقول : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ» (1) وقد أدخلت أنت بیت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الرجال بغير إذنه.
وقد قال اللّه عزّوجلّ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ »(2) ولعمري لقد ضربت أنت لأبيك و فاروقه عند أذن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) المعاول.
وقال اللّه عزّوجلّ : «إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى» (3)، ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على (1) (2) (3)
ص: 125
رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بقربهما منه الأذى، ومارعيا من حقّه ما أمرهما اللّه به على لسان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إنّ اللّه حرّم على المؤمنين أمواتاً ماحرّم منهم أحياءً، وتاللّه ياعائشة لو كان هذا الّذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه صلوات اللّه عليهما جائزاً فيما بيننا وبين اللّه، لعلمت أنّه سيدفن وإن رغم معطسك.
قال : ثمّ تكلّم محمّد بن الحنفيّة وقال يا عائشة : يوماً على بغل، ويوماً على جمل، فما تملكين نفسك ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم.
قال : فأقبلت عليه فقالت : يا بن الحنفيّة هؤلاء الفواطم يتكلّمون فما كلامك؟
فقال لها الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وأنّی تبعدين محمّداً من الفواطم؟ فواللّه لقد ولّدته ثلاث فواطم : فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم، وفاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت زائدة بن الأصمّ بن رواحة بن حجر بن عبد معیص بن عامر.
قال : فقالت عائشة للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نحّوا ابنكم واذهبوا به فإنّكم قوم خصمون.
قال : فمضى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى قبر أُمّه ثمّ أخرجه فدفنه بالبقيع.(1)
ص: 126
{21}
[613] حمل مروان سريره، فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أتحمل سريره؟ أما واللّه لقد كنت تجرّعه الغيظ.
فقال مروان : إنّي كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال ! (1)
وأخبرنا أبو محمّد الحسن بن أبي بكر بن أبي الرضا، أنبأنا الفضيل بن يحيی الفضيلي، أنبأنا أبو محمّد بن أبي شريح، أنبأنا محمّد بن عقيل بن الأزهر، أنبأنا محمّد بن فضيل ، أنبأنا سعيد بن عامر ، عن جويرية بن أسماء، قال : لمّا مات الحسن بن علي بكى مروان في جنازته.
فقال له حسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أتبكيه وقد كنت تجرّعه ما تجرّعه؟
فقال : إنّي كنت أفعل ذلك إلى أحلم من هذا، وأشار بيده إلى الجبل.(2)
{22}
[614] حدّث علي بن حمدون معنعناً: عن أبي الجارية ! والأصبغ بن نباتة الحنظلي قالا :
لمّا كان مروان على المدينة خطب الناس فوقع في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : فلمّا نزل من المنبر أتى الحسينُ بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) المسجد.
ص: 127
فقيل له : إنّ مروان قد وقع في عليّ.
قال : فما كان في المسجد الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟
قالوا: بلی.
قال : فما قال له شيئاً؟
قالوا: لا.
قال : فقام الحسين مغضباً حتّى دخل على مروان فقال له :
يا ابن الزرقاء و يا ابن آكلة القمّل أنت الواقع في عليّ؟!
قال له مروان : إنّك صبيّ لا عقل لك.
قال : فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ألا أُخبرك بمافيك وفي أصحابك وفي علي قال : إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا»(1) فذلك لعلي وشيعته «فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ»(2) فبشر بذلك النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (3)لعلي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) (4) «وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا» فذلك لك ولأصحابك.(5)
ص: 128
{23}
[615] عن محمّد بن السائب أنّه قال : قال مروان بن الحكم يوماً للحسين ابن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) : لولا فخركم بفاطمةَ بم کنتم تفتخرون علينا؟
فوثب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) – وكان (عَلَيهِ السَّلَامُ) شديد القبضة - فقبض على حلقه فعصره، ولوی عمامتَه على عنقه حتّى غشي عليه، ثمّ تركه، وأقبل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)على جماعة من قريش فقال :
أُنشدكم باللّه إلّا صدقتموني إن صدقتُ، أتعلمون أنّ في الأرض حبيبين کانا أحبّ إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) منّي ومن أخي؟ أو على ظهر الأرض إبن بنت نبيّ غيري وغير أخي؟
قالوا: اللّهمّ لا.
قال : وإنّي لا أعلم أنّ في الأرض ملعون ابن ملعون غير هذا و أبيه ، طريدَي رسول اللّه، واللّه مابین جابرس وجابلق أحدهما باب المشرق والآخر بباب المغرب رجلان ممّن ينتحل الإسلام أعدى للّه ولرسوله ولأهل بيته منك ومن أبيك إذا كان وعلامة قولي فيك إنّك : إذا غضبت سقط رداؤك عن منكبك.(1)
{24}
[616] عن أبي يحيى قال : كنت بين الحسن والحسين و مروان يتسابّان ، فجعل الحسن يسكت الحسين.
ص: 129
فقال مروان : أهل بیت ملعونون؟
فغضب الحسن، وقال : قلت أهل بیت ملعونون، فواللّه لقد لعنك اللّه على لسان نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وأنت في صلب أبيك.(1)
وزاد في مجمع الزوائد : وفي رواية : فقال الحسين والحسن (عَلَيهِما السَّلَامُ) : واللّه ثمّ واللّه لقد لعنك اللّه.(2)
{26}
[618] عن داود بن فرقد، عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : دخل مروان بن الحكم المدينة ، قال : فاستقلى على السرير، وثمّ مولى للحسين ، فقال : «رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ».(1)
قال : فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمولاه: ماذا قال هذا حين دخل؟
قال : استلقى على السرير، فقرأ ردّوا إلى اللّه مولاهم - إلى قوله - الحاسبين.
قال : فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نعم واللّه رددت أنا وأصحابي إلى الجنّة، وردّ هو وأصحابه إلى النار.(2)
{27}
[619] قدم الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) على معاوية ، فقام خطيباً بين السماطين ، والحسين جالس. فتكلّم الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بكلام عجيب فحدّ معاوية لمّا سمع من فصاحته وبلاغته، ولمّا سمع أهل الشام منه. فقام إليه مروان فأخذه بيده، وقال له: اقعد فإنّك صبي أحمق تعلّمتَ الكلام بالعراق ثمّ جئتنا به.
فغضب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال لمروان : كذبتَ ولا أُمّ لك ، هو فضل آتانا اللّه وإنّ بالمشرق مدينة يقال لها: بلسا، وبالمغرب مدينة يقال لها: بلقاء، وما بينهما ولد نبيّ غيره وغيري.
ص: 131
وكان رأس الجالوت حاضراً عند معاوية، صدق واللّه، إنّهما لمدينتان وما عرفهما قطّ إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ، أو ولد نبيّ. (1)
{28}
[620] لمّا قتل معاوية حُجرَ بن عدي وأصحابه ، حجّ ذلك العام فلقي الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا أبا عبداللّه هل بلغك ماصنعت بحجر وأصحابه وأشياعه، وشيعة أبيك؟
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): وما صنعتَ بهم؟
قال : قتلناهم، وكفّناهم، وصلّينا عليهم.
فضحك الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ قال : خصمك القوم یا معاوية، لكنّنا لو قتلها شيعتَك ما كفناهم، ولا صلّينا عليهم، ولا قبر ناهم، ولقد بلغني وقيعتك في علي وقيامك ببعضنا، واعتراضك بني هاشم بالعيوب، فإذا فعلتَ ذلك فارجع إلى نفسك، ثمّ سلها الحقّ عليها ولها، فإن لم تجدّها أعظم عيباً فما أصغر عيبك فيك، وقد ظلمناك يا معاوية فلاتوترن غیر قوسك، ولا ترمين غير غرضك ، ولا ترمنا بالعداوة من مكان قريب ، فإنّك واللّه لقد أطعت فينا رجلاً ما قدم إسلامه، ولاحدث نفاقه، ولا نظر لك فانظر لنفسك أو دع يعني: عمرو بن العاص.(2)
ص: 132
{29}
[621] عن جعفر بن محمّد، قال : حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه (عَلَيهِم السَّلَامُ)قال :
دخل الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ)على معاوية فقال له : ما حمل أباك على أن قتل أهل البصرة ثمّ دار عشيا في طرقهم في ثوبین؟
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حمله على ذلك علمه أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأنّ ما أخطأه لم يكن ليصيبه.
قال : صدقت.
قال : وقيل لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا أراد قتال الخوارج : لو احترزت يا أمير المؤمنین.
فقال (عَلَيهِمالسَّلَامُ) :
اَي يومي من الموت أفر***يوم لم يقدر أم يوم قدر
يوم ما قدّر لا أخشى الردى***وإذا قدّر لم يغنِ الحذر(1)
ص: 133
{30}
[722] بلغ الحسين بن علي صلوات اللّه عليهما كلام نافع(1) بن جبير في معاوية وقوله : إنّه كان يُسكته الحلم وينطقه العلم.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : بل كان ينطقه البطر ويسكنه الحصر.(2)
{31}
[23] كان الحسين جالساً في مسجد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فسمع رجلاً يحدّث أصحابه ، ويرفع صوته ليسمع الحسين وهو يقول : إنّا شاركنا آل أبي طالب في النبوّة حتّى نلنا منها مثل ما نالوا منها من السبب والنسب، ونلنا من الخلافة مالم ينالوا، فبم يفخرون علينا؟ وكرّر هذا القول ثلاثاً.
فأقبل عليه الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له : إنّي كففتُ عن جوابك في قولك الأوّل حلماً، وفي الثاني عفواً، وأمّا في الثالث فإنّي مجيبُك، إنّي سمعتُ أبي يقول : إنّ في الوحي الّذي أنزله اللّه على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إذا قامت القيامة الكبرى حشر اللّه بني أُميّة في صور الذرّ يطأهم الناس حتّى يفرغ من الحساب، ثمّ يؤتى بهم فيحاسبوا، ويصار بهم إلى النار.
فلم يطق الأموي جواباً وانصرف وهو يتميّز من الغيظ.(3)
ص: 134
{32}
[624] أنا ابن ماء السماء وعروق الثرى، أنا ابن من ساد أهل الدنيا بالحسب الناقب والشرف الفائق والقديم السابق، أنا ابن من رضاه رضی الرحمن، وسخطه سخط الرحمن، ثمّ ردّ وجهه للخصم فقال : هل لك أب كأبي أو قدیم کقديمي؟ فإن قلت لا، تغلب ، وإن قلت : نعم تكذب.
فقال الخصم : لاتصديقاً لقولك..
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الحقّ أبلج لا يزيغ سبيله، والحقّ يعرفه ذوو الألباب.
قاله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في مجلس معاوية.(1)
{33}
[625] عبداللّه بن مصعب، عن أبيه ، قال :
خرج الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من عند معاوية، فلقي عبداللّه بن الزبير، والحسين مغضَب، فذكر الحسين أنّ معاوية ظلمه في حقّ له، فقال الحسين : أُخيّره في ثلاث خصال، والرابعة الصيلم: أن يجعلك أو ابن عمر بيني وبينه، أو يقرّ بحقي، ثمّ يسألني فأهبه له، أو يشتريه منّي، فإن لم يفعل فوالّذي نفسي بيده لأهتفنّ بحلف الفضول.
قال ابن الزبير : والّذي نفسي بيده لئن هتفتَ به وأنا قاعد لأقومنّ أو قائم
ص: 135
لأمشينّ، أو ماش لأشتدنّ، حتّى تفني روحي مع روحك أو ينصفك.
قال : ثمّ ذهب ابن الزبير إلى معاوية ، فقال : لقيني الحسین فخيّرك في ثلاث خصال، والرابعة الصيلم.
قال معاوية : لا حاجة لنا بالصيلم؛ إنّك لقيته مغضباً، فهات الثلاث ، قال : تجعلني أو ابن عمر بينك وبينَه.
قال : فقد جعلتُك بيني وبينه أو ابن عمر أو جعلتكما.
قال : أو تقرّ له بحقّه وتسأله إيّاه.
قال : أنا أقرّ له بحقّه وأسأله إيّاه.
قال : أو تشتريه منه.
قال : وأنا أشتريه منه.
قال : فلمّا انتهى إلى الرابعة قال لمعاوية كما قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنْ دعاني إلى حلف الفضول لأجبتُه.
فقال معاوية : لا حاجة لنا بهذا.(1)
من حكم سید الشهداء (عَلَيهِ السَّلَامُ)
{34}
[626] حدث محمّد بن سعد، عن الواقدي، عن عبد اللّه بن جعفر ، عن أم بکر بنت المِسْوَر، عن أبيها قال : كتب معاوية إلى مروان وهو على المدينة أن يخطب أُمّ كلثوم بنت عبداللّه بن جعفر، وأُمّها زينب بن عليّ، وأُمّها فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، على ابنه يزيد ويقضي عن عبداللّه دَيْنه، وكان خمسين ألف
ص: 136
دینار، ويُعطيه عشرة آلاف دينار، ويُصدقها أربعمائة ويكرمها بعشرة آلاف دينار.
فبعث مروان إلى ابن جعفر فأخبره.
فقال : نعم واستثنی رضاءَ الحسين بن علي.
فأتى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له : إنّ الخال والد وأمرُ هذه الجارية بيدك، فأشهد عليه الحسين بذلك، ثمّ قال للجارية : يا بنيّة إنّا لم نخرج منّا غريبة قطّ، أفأمركِ بیدی؟
قالت : نعم؛ فأخذ بيد القاسم بن محمّد بن جعفر بن أبي طالب فأدخله المسجد، وبنو هاشم وبنو أُميّة وغيرهم مجتمعون، فحمد مروان اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : إنّ أمير المؤمنين قد أحبّ أن يزيد القرابة لُطْفاً والحقّ عظماً، وأن يتلافى ما كان بين هذَيْن الحَيّيْن بصِهْرهما، وعائدة فضله وإحسانه على بني عمّه من بني هاشم، وقد كان من عبداللّه في ابنته مايحسن فيه رأيه، وولّي أمرها الحسين خالها، وليس عند الحسین خلاف أمير المؤمنین.
فتكلّم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : إنّ الإسلام دفع الخسيسةَ وتمّم النقيصة وأذهب اللائمة، فلا لومَ على مسلم إلّا في أمر مأثم، وإنّ القرابة الّتي عظم اللّه حقها وأمر برعايتها، وأن يسأل نبيّه الأجر له بالمودّة لأهلها قرابتنا أهل البيت، وقد بدا لي أن أُزوّج هذه الجارية من هو أقرب نسباً وألطف سبباً ، وهو هذا الغلام، وقد جعلتُ مهرُها عنه البُغَيْبِغة.
فغضب مروان وقال : غَدْراً يا بني هاشم؟!
ثمّ قال لعبد اللّه بن جعفر : ما هذا بمُشبه أيادي أمير المؤمنين عندك.
فقال عبداللّه : قد أخبرتك أنّي جعلتُ أمرها إلى خالها.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : رويدك، ألا تعلم يا مسور بن مخرمة أنّ الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) خطب عائشة بنت عثمان، حتّى إذا كنّا في مثل هذا المجلس، وقد أشفينا على
ص: 137
الفراغ، وقد ولّوك يا مروان أمرها قلت : قد رأيتُ أن أُزوّجها عبداللّه بن الزبير؟
قال مروان: قد كان ذلك.
قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فأنتم أوّل الغَدْر موضعه، ثمّ نهض فقال مروان للمسور : يا أبا عبد الرحمن واللّه لغيظي على عبداللّه بن جعفر أشدّ من غيظي على الحسين ، لرأي أمير المؤمنين فيه وأياديه عنده، ولانّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَغْرُ الصدر علينا و عبداللّه سليم الصدر لأمير المؤمنين لصنائعه عنده.
فقال المسور: لا تحملْ على القوم، فالّذي صنعوا أفضل، وصلوا رحماً ووضعوا کریمتهم حيث أرادوا، فأمسك مروان.(1)
{35}
[627] روى ابن شهر آشوب عن الإمام الرضا عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : من أحبّ أن ينظر إلى أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء فلينظر إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ورواه الطبريان في الولاية والمناقب، والسمعاني في الفضائل، بأسانيدهم عن إسماعيل بن رجاء وعمرو بن شعيب، أنّه مرّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على عبداللّه بن عمرو بن العاص، فقال عبداللّه : من أحبّ أن ينظر إلى أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء فلينظر إلى هذا المجتاز، وما كلّمته منذ ليالي صفّين، فأتی به أبو سعيد الخدري إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ص: 138
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أتعلم أنّي أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء وتقاتلني وأبي يوم صفّين ، واللّه إنّ أبي لخيرٌ منّي.
فاستعذر، وقال : إنّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال لي: أطع أباك.
فقال له الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما سمعت قول اللّه تعالى «وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا»(1) وقول رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّما الطاعة في المعروف، وقوله : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.(2)
{36}
[628] كان بين الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) و بين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان کلام، والوليد يومئذ أميرُ المدينة في زمن معاوية بن أبي سفيان في مال كان بينهما بذي المروة(3).
فقال الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : استطال عليّ الوليد بن عُتبة في حقّي بسلطانه.
فقلت : أُقسم باللّه لتنصفنّي في حقّي أو لآخذنّ سيفي، ثمّ لاقومنّ في مسجد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، ثمّ لأدعونّ بحلف الفضول.
قال : فقال عبداللّه بن الزبير - وكان عند الوليد لمّا قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ماقال -: وأنا أحلف باللّه لئن دعا به لآخذنّ سيفي ثمّ لأقومنّ معه حتّى يُنصَفَ من حقّه أو
ص: 139
نموت جميعاً. فبلغت المِسْور بن مخرمة بن نوفل الزهري، فقال مثل ذلك ، فبلغت عبدالرحمن بن عثمان بن عبيد اللّه التيمي، فقال مثل ذلك. فلمّا بلغ الوليد بن عتبة أنصف الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من حقه حتّى رضي.(1)
{37}
[629] إنّ رجلا ادعى عليه (الحسین) مالاً، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ليحلف على ما ادّعاه ويأخذه فتهيّأ الرجل لليمين وقال : واللّه الّذي لا إله إلّا هو، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قل : واللّه واللّه واللّه ثلاثاً، إنّ هذا الّذي يدّعيه عندي، وفي قبلي ، ففعل الرجل ذلك وقام فاختلفت رجلاه وسقط ميتاً، فقيل للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لِمَ فعلت ذلك؟ أي عدلت عن قوله : واللّه الّذي لا إله إلّا هو، إلى قوله «واللّه واللّه واللّه » فقال : کرهت أن يثني على اللّه فيحلم عنه.(2)
{38}
[630] سمع الحسين بن عليّ (رضي اللّه عنهما) رجلاً على كرسيّ يقول : «سلوني عمّا دون العرش» فقال : قد ادّعى دعوى عريضة، ثمّ قال له : أيّها
ص: 140
المدّعي أخبرني عن شعر لحيتك ، أشفع هو أم وتر؟ فسكت وقال : علِّمني يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، قال : شفع، فإن اللّه تعالى قال : وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ (1) فالمخلوقات زوج والوتر هو اللّه تعالى.(2)
{39}
[631] دخل قوم على الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فرأوا في منزله بساط ونمارق وغير ذلك من الفروش، فقالوا: يابن رسول اللّه! نرى في منزلك أشياء لم تكن في منزل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، قال : إنّا نتزوّج النساء فتعطيهنّ مهورهنّ فيشترين بها ماشئن، ليس لنا فيه شيء.(3)
{40}
[132] قال عمرو بن العاص للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يابن عليّ ما بال أولادنا أكثر من أولادكم؟
ص: 141
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
بغاث الطير أكثرها فراخا***و أُم الصقر مقلاة نزور
فقال : ما بال الشيب إلى شواربنا أسرع منه في شواربكم؟
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ نساءكم نساء بخرة فإذا دنا أحدکم من امرأته نکهت في وجهه فیشاب منه شاربه، فقال : ما بال لحاكم أوفر من لحانا؟
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا».(1)
فقال معاوية : بحقّي عليك إلّا سکتَّ فإنّه إبنُ عليّ بن أبي طالب ، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
إن عادت العقرب عدنا لها***وكانت النعل لها حاضرة
قد علم العقرب واستيقنت***أن لالها دنيا ولا آخرة(2)
{41}
[633 ] ألست أنا ابن بنت نبيّكم وابن أوّل المؤمنين إيماناً والمصدّق للّه ورسوله؟ أليس حمزة سيّد الشهداء عمّي؟ أليس جعفر الطيّار في الجنان عمّي؟ أليس قال جدّي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّ هذين ولداي سيّدا شباب أهل الجنّة من الخلق
ص: 142
أجمعين؟ أليس قال : إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ؟ فإن صدّقتموني فيما أقول فنعمّا هو وإلّا فاسألوا جابر بن عبداللّه وسعد وسهل بن سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك فإنّهم سمعوا ذلك من جدي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). ثمّ نادى : يا شبث بن ربعي ویا کثیر بن شهاب ألم تكتبوا إليّ أن أقدم لك مالنا وعليك ما علينا؟
فقالوا: ما نعرف ما تقول فانزل على حكم الأمير وبيعة يزيد.
فقال : واللّه لا أُعطي بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ إقرار العبيد، وإنّي أعوذ باللّه أن أنزل تحت حكم كل متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب.
ثمّ قال لأعدائه : يا قوم الكوفة إنّ الدنيا قد تغيّرت وتكدّرت وهذه دار فناء وزوال تتصرّف بأهلها من حال إلى حال، فالمغرور من اغترّ بها وركن إليها وطمع فيها معاشر الناس أما قرأتم القرآن أما عرفتم شرائع الإسلام؟ وثبتم على ابن نبيّكم تقتلوه ظلماً وعدواناً، معاشر الناس، هذا ماء الفرات تشرب منه الكلاب والخنازير والمجوس و آل نبیّکم يموتون عطاشاً، فقالوا : واللّه لا تذوق الماء بل تذوق الموت غصّة بعد غصة وجرعة بعد جرعة.
فلمّا سمع منهم ذلك رجع إلى أصحابه وقال لهم : إنّ القوم قد استحوذ عليهم الشيطان، ألا إنّ حزب الشيطان هم الخاسرون.(1)
{42}
[634 ] إنّ الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا أرهقه السلاح أو أخذله السلاح، قال :
ص: 143
ألا تقبلون منّي ما كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقبل من المشركين؟
قالوا: وما كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقبل من المشركين ؟
قال : إذا جنح أحدهم قبل منه ؟
قالوا: لا!!!
قال : فدعوني أرجع.
قالوا : لا!!
فأخذ له رجل السلاح فقال له : أبشر بالنار !!
فقال : بل أُبشر إن شاء اللّه برحمة ربّي عزّوجلّ وشفاعة نبيّي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
فقتل وجيء برأسه حتّى وضع في طست بين يدي ابن زیاد فنکته بقضيبه وقال : لقد كان غلاماً صبيحاً. ثمّ قال : أيّكم قاتله؟ فقام الرجل كذا فقال : أنا قتلته. فقال : ما قال لك؟ فأعاد الحديث فاسودّ وجهه لعنه اللّه.(1)
{43}
[635] مرّ الحسين على (عَلَيهِ السَّلَامُ) حلقة من بني أُميّة وهم جلوس في مسجد الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : أما واللّه لأذهب الدنيا حتّى يبعث اللّه منّي رجلاً يقتل منكم ألفاً ومع الألف ألفاً ومع الألف ألفاً، فقلت : جُعِلتُ فداك إنّ هؤلاء أولاد كذا وكذا لا يبلغون هذا، فقال : ويحك إنّ في ذلك الزمان يكون للرجل من صلبه كذا وكذا
ص: 144
رجلاً وإنّ مولى القوم من أنفسهم.(1)
{44}
[636 ] إنّ الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال : كنّا قعوداً ذات يوم عند أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهناك شجرة رمان يابسة، إذ دخل عليه نفر من مبغضيه وعنده قوم من محبيه فسلموا، فأمرهم بالجلوس، فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّي أُريكم اليوم آية ، تكون فيكم كمثل المائدة في بني إسرائيل، إذ يقول اللّه : «إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ» (2) ، ثمّ قال : انظروا إلى الشجرة وكانت يابسة، فإذا هي قد جرى الماء في عودها، ثمّ اخضرّت وأورقت وعقدت وتدلّی حملها على رؤوسنا، ثمّ التفت إلينا فقال الّذين هم محبّوه(3) : مدّوا أيديكم وتناولوا وكلوا، فقلنا : بسم اللّه الرحمن الرحيم وتناولنا وأكلنا رمّاناً لم نأكل قطّ شيئاً أعذب منه وأطيب.
ثمّ قال للنفر الّذي هم يبغضونه (4): مدّوا أيديكم وتناولوا فمدّوا أيديهم
ص: 145
فارتفعت، فكلمّا مدّ رجل منهم يده إلى رمّانة ارتفعت، فلم يتناولوا شيئاً، فقالوا: يا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما بال إخواننا مدّوا أيديهم وتناولوا وأكلوا ومددنا أيدينا فلم ننل ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وكذلك الجنّة لا ينالها إلّا أولياؤنا ومحبّونا، ولا يبعد منها إلّا أعداؤنا ومبغضونا، فلمّا خرجوا قالوا: هذا من سحر عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ! قال سلمان : ماذا تقولون أفسحر هذا أم أنتم تبصرون.(1)
{45}
[637] عن علي بن الحسين عن أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كان عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ينادي : من كان له عند رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أو دين فليأتني، فكان كل من أتاه يطلب دینا، أو عدة يرفع مصلاه، فيجد ذلك كذلك تحته فيدفعه إليه.
فقال الثاني للأوّل : ذهب هذا بشرف الدنيا في هذا دوننا، فما الحيلة؟
فقال : لعلّك لو ناديت كما نادى هو كنت تجد ذلك كما يجد هو، إذ كان، إنّما يقضي عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
فنادى أبوبكر كذلك ، فعرف أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الحال فقال :
أما إنه سيندم على ما فعل.
فلمّا كان من الغداة أتاه أعرابيّ وهو جالس في جماعة من المهاجرين والأنصار فقال : أيّكم وصيّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)؟ فأُشير إلى أبي بكر.
ص: 146
فقال : أنت وصي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)؟ وخليفته؟
قال: نعم، فما تشاء؟
قال : فهلمّ الثمانين الناقة الّتي ضمن لي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
قال : وما هذه النوق؟
قال : ضمن لي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ثمانين ناقة حمراء، كحل العيون.
فقال لعمر : كيف نصنع الآن؟
قال : إنّ الأعراب جهّال، فاسأله : ألك شهود بما تقوله فتطلبهم منه.
فقال أبو بكر للأعرابي : ألك شهود بما تقول؟
قال : ومثلي يطلب منه الشهود على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بما يضمن لي؟ واللّه ما أنت بوصيّ رسول اللّه ولا خليفته.
فقام إليه سلمان فقال : يا أعرابي اتّبعني حتّى أدلّك على وصيّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فتبعه الأعرابي حتّى انتهى إلى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فقال : أنت وصي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)؟
قال : نعم فما تشاء؟
قال : إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ضمن لي ثمانين ناقة حمراء، كحل العيون فهلمّها.
فقال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أسلمت أنت وأهل بيتك؟
فانكبّ الأعرابي على يديه يقبّلها وهو يقول: أشهد أنّك وصيّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وخليفته، فبهذا وقع الشرط بيني وبينه وقد أسلمنا جميعاً.
فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : یاحسن انطلق أنت و سلمان مع هذا الأعرابي إلى وادي فلان فناد: «یا صالح، یاصالح» فإذا أجابك فقل : إنّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقرأ عليك السلام ويقول لك : هلمّ الثمانين الناقة الّتي ضمنها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لهذا الأعرابي.
ص: 147
قال سلمان: فمضينا إلى الوادي فنادى الحسن فأجابه : لبّيك يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
فأدى إليه رسالة أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
فقال : السمع والطاعة.
فلم يلبث أن خرج إلينا زمام ناقة من الأرض، فأخذ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) الزمام فناوله الأعرابي وقال : خذ، فجعلت النوق تخرج حتّى كملت الثمانون على الصفة.(1)
ص: 148
ص: 149
{1}
[638] عن أبي جعفر محمّد بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) أنّ حسناً و حسیناً دخلا الفرات وعلى كلّ واحد منهما إزار، ثمّ قالا (عَلَيهِما السَّلَامُ) : إنّ الماء، أو إنّ للماء ساكناً.(1)
{2}
[639] إنّ أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كانوا إذا بالواتوضّؤوا، أو تیمّموا مخافة أن تدركهم الساعة.(2)
{3}
[640] عن عليّ (صلوات اللّه عليه وعلى الأئمّة من ولده) : أنّه سئل عن قول الناس في الأذان : إنّ السبب كان فيه رؤیا رآها عبداللّه بن زيد، فأخبر بها النبي ، فأمر بالأذان.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الوحي يتنزّل على نبيّكم، وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبداللّه بن زيد، والآذان وجه دینکم، وغضب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، وقال : بل سمعت أبي علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و يقول: أهبط اللّه عزّوجلّ ملكاً، حتّى عرج برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وساق
ص: 150
حديث المعراج بطوله إلى أن قال : فبعث اللّه ملكاً لم يُر في السماء قبل ذلك الوقت ولا بعده، فأذّن مثنى وأقام مثنی، وذكر كيفيّة الأذان ثمّ قال : قال جبرئیل للنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : يا محمّد هكذا أذّن للصلاة.(1)
جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين ، عن الحسین بن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) : أنّه سُئل عن الأذان وما يقول الناس، قال : الوحي ينزل على نبيّك، وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبداللّه بن زيد، بل سمعت أبي عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، يقول : أهبط اللّه عزّوجلّ ملكاً حين عرج برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فأذّن مثنی مثنی، وأقام مثنی مثنی، ثمّ قال له جبرئیل : يا محمّد هكذا أذان الصلاة.(2)
{4}
[641] أخبرنا الحسن بن أبي بكر أخبرنا عبداللّه بن إسحاق بن إبراهيم البغوي، حدّثنا عبداللّهبن الحسن - هو الهاشمي - حدّثنا أبو سليمان(3)
ص: 151
الجوزجاني ، حدّثنا عمرو بن جميع حدّثنا الأعمش، عن بشر بن غالب الأسدي ، قال : قدم على الحسين بن علي أُناس من انطاكية، فسألهم عن حال بلادهم، وعن سيرة أميرهم فيهم، فذكروا خيراً إلّا أنّهم شكوا البرد، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حدّثني أبي، عن جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال : إيّما بلدة كثر أذانها بالصلاة إنكسر بردها - أو قال قلّ بردها-.(1)
{5}
[642] کتاب درست(2) بن أبي منصور عن عمر بن يزيد عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : دخل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الصلاة، ومعه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، قال : فكبّر ولحظه الحسين فلم ينطق لسانه بالتكبير ، فكبّر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الثانية، ولحظه فلم ينطق لسانه بالتكبير ، قال : فكان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يكّبر ويلحظه، حتّى كبّر السابعة، فلمّا كبر السابعة، أطلق اللّه لسان الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالتكبير ، واستحضر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في القراءة فصارت سنّة.(3)
{6}
[643] عن علي بن موسى الرضا (عَلَيهِما السَّلَامُ) بما قال : حدّثني أبي موسی بن جعفر ، قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد، قال : حدّثني أبي محمّد بن علي ، قال : حدّثني
ص: 152
أبي علي بن الحسين، قال : حدّثني أبي الحسين بن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال :
رأيت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه كبر على حمزة خمس تكبيرات، وكبّر على الشهداء بعد حمزة خمس تكبيرات، فلحق حمزة سبعون تكبيرة.(1)
{7}
[644] أنّ رجلاً من المنافقين مات فخرج الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) يمشي معه فلقيه مولى له، فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أين تذهب یا فلان، قال : فقال له مولاه : أفرُّ من جنازة هذا المنافق أن أُصلّي عليها، فقال له الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أُنظر أن تقوم على يميني فما تسمعني أقول فقل مثله.
فلمّا أن كبر عليه وليّه ، قال الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّه أكبر، اللّهمّ العن فلاناً عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة ، اللّهمّ أخز عبدك في عبادك وبلادك، واصله حّر نارك، وأذقه أشدّ عذابك، فإنّه كان يتولّى أعداءك، ويعادي أولياءك، ويبغض أهل بیت نبيّك.(2)
ص: 153
{8}
[645] محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن أبي بصير، أنّه قال لأبي عبداللّه : ما يجزىء الرجل من الثياب أن يصلّي فيه؟ فقال : «صلّي الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) في ثوب قد قلص(1) عن نصف ساقه، و قارب ركبتيه، ليس على منكبه منه إلّا قدر جناحي الخطّاف(2)، وكان إذا ركع سقط عن منكبيه، وكلما سجد یُناله عُنقه فردّه على منكبيه بيده، فلم يزل ذلك دأبه ودأبه مشتغلا ًبه حتّى انصرف».(3)
وعن أبي جعفر محمّد بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) أنه قال : «حدّثني من رأى الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) وهو يصلّي في ثوب واحد وحدّثه أنّه رأى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يصلّي في ثوب واحد».(4)
{9}
[646] سئل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لم افترض اللّه عزّوجلّ على عبده الصوم؟
ص: 154
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فرض اللّه الصوم ليجد الغنيّ مسّ الجوع، فيعود بالفضل على المساكين.(1)
{10}
[647] عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أوصى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وحده، وأوصى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى الحسن والحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ) جميعاً فكان الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) إمامه، فدخل رجل يوم عرفة على الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو يتغدّى والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) صائم، ثمّ جاء بعد ما قبض الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدخل على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم عرفة وهو يتغدّى وعليّ بن الحسین (عَلَيهِما السَّلَامُ) صائم، فقال له الرجل : إنّي دخلت على الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو يتغدّى وأنت صائم، ثمّ دخلت عليك وأنت مفطر، فقال : إنّ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان إماماً فأفطر لئلّا يتّخذ صومه سنّة، وليتأسّی به الناس، فلمّا أن قبض كنت أنا الإمام فأردتُ أن لا يتّخذ صومي سنّة فتأسى الناس بي.(2)
{12}
[649] عن ابن عبّاس قال : كنت مع الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في المسجد الحرام وهو معتكف وهو يطوف بالكعبة، فعرض له رجل من شيعته فقال : يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إنّ علىّ ديناً لفلان، فإن رأيت أن تقضيه عنّي، فقال : وربّ هذه البنية ما أصبح عندي شيء، فقال : إن رأيت أن تستمهله عنّي فقد تهدّدني بالحبس.
قال ابن عبّاس : فقطع الطواف، وسعى معه، فقلت : يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنسيت أنّك معتكف؟ فقال : لا، ولكن سمعتُ أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : سمعتُ رسول اللّه يقول : مَن قضى أخاه المؤمن حاجة كان كمن عبد اللّه تسعة آلاف سنة صائماً نهاره قائماً ليله. فاجتاز على دار أبي عبداللّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال للرجل : هلّا أتيت أباعبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في حاجتك؟ قال : أتيته فقال : «إنّي معتکف» فقال : أما إنّه لو سعى في حاجتك كان خيراً له من اعتکاف ثلاثين سنة.(1)
ص: 156
رفاعة(1)، عن الحسين بن علي رضي اللّه عنه قال : جاء رجل إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : إنّي جبان، وإنّي ضعيف، قال : هلّم إلى جهاد لا شوكة فيه الحجّ.(2)
{15}
[652] حدّثنا أبو الطرماح قال : سمعت الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) يقول : كنّا مع النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في الطواف فأصابتنا السماء فالتفت إلينا فقال : استأنفوا العمل فقد غُفر لكم ما مضى.(3)
{16}
[653] عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال : قلت لأبي : لِمَ صار الطواف سبعة أشواط ؟ قال : لأنّ اللّه تبارك وتعالى قال للملائكة : «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» فرّدوا على اللّه تبارك وتعالى و «قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ»قال اللّه : «إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ»(4)وكان لا يحجبُهم عن نوره، فحجبهم عن نوره سبعة آلاف عام، فلاذوا بالعرش سبعة آلاف سنة ،
ص: 158
فرحمهم وتاب عليهم، وجعل لهم البيت المعمور الّذي في السماء الرابعة فجعله مثاباً وأمناً، ووضع البيت الحرام تحت البيت المعمور فجعله مثابةً للناس وأمناً، فصار الطواف سبعة أشواط واجباً على العباد لكلّ ألف سنة شوطاً واحداً.(1)
{17}
[654] في المصنّف : حدّثنا أبوبكر(2) قال : حدّثنا وكيع(3)، عن سفيان(4)، عن أبي إسحاق(5)، عن يزيد بن هاني، عن حسين بن علي قال : تقضي الحائض المناسك كلّها، إلّا الطواف بالبيت ،(6)
{18}
[655] عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر(عَلَيهِ السَّلَامُ): قد أدركت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)؟
ص: 159
قال : نعم أذكر وأنا معه في المسجد الحرام وقد دخل فيه السيل والناس يقومون على المقام يخرج الخارج يقول : قد ذهب به السيل ويخرج منه الخارج فيقول : هو مكانه قال : فقال لي : يا فلان ماصنع هؤلاء؟ فقلت : أصلحك اللّه يخافون أن يكون السيل قد ذهب بالمقام، فقال : ناد أن اللّه تعالى قد جعله علماً لم یکن ليذهب به فاستقرّوا وكان موضع المقام الّذي وضعه إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) عند جدار البيت فلم يزل هناك حتّى حوله أهل الجاهلية إلى المكان الّذي هو فيه اليوم، فلمّا فتح النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )مكّة ردّه إلى الموضع الّذي وضعه إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلم يزل هناك إلى أن ولى عمر بن الخطّاب فسأل النا من منكم يعرف المكان الّذي كان فيه المقام؟ فقال رجل : أنا قد كنت أخذت مقداره بِنسع(1) فهو عندي فقال : ائتني به فأتاه به فقاسه ثمّ ردّه إلى ذلك المكان.(2)
{19}
[656] روى الشيخ عن يونس بن يعقوب قال : سألت أباعبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : احرم يوم التروية؟ فقال : من أيّ المسجد شئت، وأفضل المسجد تحتَ الميزاب و مقامُ إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ).(3)
ص: 160
{20}
[657] في بعض نسخ الرضوي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عن أبي عبداللّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنّه قال : الركن اليماني باب من أبواب الجنّة، لم يمنعه منذ فتحه، وأنّ ما بين هذي الركنين - الأسود و اليماني - ملك يدعى هجير ، يؤمَّن على دعاء المؤمنين.(1)
{21}
[658] روى المجلسي عن أبي سلمة، قال : حججتُ مع عمر بن الخطّاب ، فلمّا صرنا بالأبطح فإذا بأعرابيّ قد أقبل علينا فقال : يا أمير المؤمنین إنّي خرجت وأنا حاجّ محرم فأصبت بيض النعام، فاجتنبت وشربت و أكلت فما يجب عليّ؟
قال : مايحضرني في ذلك شيء، فاجلس لعلّ اللّه يفرّج عنك ببعض أصحاب محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فإذا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد أقبل والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يتلوه.
فقال عمر: يا أعرابي هذا عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدونك و مسألتك، فقام الأعرابي وسأله ، فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أعرابي سل هذا الغلام عندك، يعني الحسين.
فقال الأعرابي : إنّما يحيلني كلّ واحد منكم على الآخر! فأشار الناس إليه ويحك هذا ابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فاسأله ، فقال الأعرابي : يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إنّي خرجت من بيتي حاجّاً محرماً، قصّ عليه القصّة.
ص: 161
فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ألك إبل؟
قال : نعم.
قال : خذ بعدد البيض الّذي أصبت نوقاً فاضربها بالفحولة فما فصلت فاهدها إلى بيت اللّه الحرام.
قال عمر : يا حسين النوق يزلقن.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : یا عمر إنّ البيض يمرقن.
فقال : صدقت َوبررتَ، فقام علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وضمّه إلى صدره وقال : «ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ »(1). (2)
{22}
[659] عن جعفر بن محمّد (عَلَيهِما السَّلَامُ) أنّه سُئل عن رجل أُحصر فبعث بالهدي؟ قال : يواعد أصحابه میعاداً إن كان في الحجّ، فمحل الهدي يوم النحر، وإن كان في عمرة فلينظر مقدار دخول أصحابه مكّة، والساعة الّتي يعدهم فيها، فإذا كان تلك الساعة قصّر وأحلّ، وإن كان مرض في الطريق بعد ما أحرم، فأراد الرجوع إلى أهله رجع، ونحر بدنة، فإن كان في حجّ فعليه الحجّ من قابل، أو في عمرة فعليه العمرة، فإنّ الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) خرج معتمراً فمرض في الطريق، فبلغ ذلك عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو في المدينة فخرج في طلبه فأدركه في السُقْيا، وهو مريض، فقال : يا بنيّ ما تشتكي؟ فقال : أشتكي رأسي، فدعا علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا ببدنة فنحرها و حلق
ص: 162
رأسه وردّه إلى المدينة، فلمّا بريء من وجعه اعتمر ، قيل له : يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، أرأيت حین بريء من وجعه أيحلّ له النساء؟ قال : لاتحلّ له النساء حتّى يطوف بالبيت والصفا والمروة، قيل له: فما بالُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حين رجع من الحديبيّة حلّ له النساء، ولم يطف بالبيت؟ قال : ليسا سواء، كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مصدوداً والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) محصوراً.(1)
{23}
{660] عن عبدالرحمن بن أبي عبداللّه قال : سألت أباعبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن المحرم يموت كيف يُصنع به؟ قال : «إنّ عبدالرحمن بن الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) مات بالأبواء مع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو محرم، ومع الحسين عبداللّه بن العباس وعبداللّه بن جعفر ، وصنع به كما يصنع بالميت، وغطّى وجهه ولم يمسه طيباً قال: «وذلك كان في کتاب علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)».(2)
ص: 163
{24}
[661] قال محي الدين ابن شرف النووي الركنان الشاميان وهما اللذان يليان الحجر فلا يقبلان و لا يستلمان عندنا وبه قال جمهور العلماء وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد، قال القاضي عياض هو إجماع أئمّة الأمصار والفقهاء قال : وإنّما كان فيه خلاف لبعض الصحابة والتابعين وانقرض الخلاف وأجمعوا على أنّهما لا يستلمان وممّن كان يقول باستلامهما الحسن والحسين إبنا على (عَلَيهِم السَّلَامُ) وابن الزبير وجابر بن عبداللّه و أنس بن مالك و عروة بن الزبير وأبو الشعثاء.(1)
{27}
[664] وعن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه أخذ رجلاً من بني أسد في حدّ وجب عليه ليقيمه عليه، فذهب بنو أسد إلى الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) يستشفعون به، فأبى عليهم، فانطلقوا إلى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسألوه ، فقال : لا تسألوني شيئاً أملكه إلّا أعطيتُكموه ، فخرجوا مسرورين. فمرّوا بالحسين فأخبروه بما قال، فقال : إن كان لكم بصاحبكم حاجة فانصرفوا فلعلّ أمره قد قضى. فانصرفوا إليه، فوجدوه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد أقام عليه الحدّ. قالوا: ألم تعدنا يا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)؟ قال : لقد وعدتكم بما أملکه ، وهذا شيء لله، لستُ أملکه.(1)
{28}
[665] عن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن آبائه ، عن الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهم قال : أُدخل على أُختي سكينة بنت علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) خادم فغطّت رأسها منه فقيل لها: إنه خادم، فقالت : هو رجل منع شهوته.(2)
ص: 165
{29}
[666] عن الباقر محمّد بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) أنّه قال : قال الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) لأصحابه : اجتنبوا الغشيان في الليلة الّتي تريدون فيها السفر، فإن ّمن فعل ذلك ثمّ رزق ولداً كان أحولاً.(1)
{30}
[997] عن بشر بن غالب قال : سئل الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : متى يجب سهم المولود؟ قال: إذا استهل. قيل : فعلی من فداء الأسير؟ قال : على الأرض الّتي يقاتل عنها.(2)
ص: 166
[668] عن المعلّی بن خنیس عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أُتي أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)
بحلل فيها حلّة جيّدة، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أعطني هذه فأبى. قال : أُعطيك مکانها حلّتين فأبى وقال : هي خير من ذلك، فقال : أُعطيك مكانهما ثلاث حُلَل، قال : هي خير من ذلك، فقال : أربعاً، حتّى بلغ خمساً فأعطاه إيّاها، ثمّ قال : أمّا انّك تلبسها فيقال : ابن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمّ تلبسها فتوسخ فتفسدها ، وأكسو بهذه الخَمس خمسةً من المسلمين.(1)
{32}
[669] جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم صلوات اللّه أنّه قال : إنّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) باع أُمّ ولد في الدين وكان سيّدُها إشتراها بنسيئة فمات ولم يُقبَض ثمنُها.(2)
ص: 167
(33}
[670] سئل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الجهاد سنّة أو فريضة؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الجهاد على أربعة أوجه: فجهادان فرض، وجهاد سنّة لا يقام إلّا مع فرض، وجهاد سنّة :
فأمّا أحد الفرضين فجهاد الرجل نفسه عن معاصي اللّه، وهو من أعظم الجهاد ومجاهدة الّذين يلونکم من الكفّار فرض.
وأمّا الجهاد الّذي هو سنّة لا يقام إلّا مع فرض، فإنّ مجاهدة العدوّ فرض على جميع الأُمّة، لو تركوا الجهاد لأتاهم العذاب ، وهذا هو من عذاب الأُمّة وهو سنّة على الإمام، وحدّه أن يأتي العدو مع الأُمّة فيجاهدهم.
وأمّا الجهاد الّذي هو سنّة فكلّ سنّة أقامها الرجل وجاهد في إقامتها وبلوغها وإحيائها، فالعمل والسعي فيها من أفضل الأعمال ؛ لأنّها إحياء سنّة ، وقد قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : من سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أُجورهم شيئاً.(1)
{34}
[671] عن الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) أنّه قال : فكاك الأسير المسلم على أهل الأرض الّتي قاتل عليها.
قال : فإذا آمن أحد من المسلمين أحداً من المشر کین ، لم يجب أن تخفر ذمّتهم، وتعرض عليهم شرائط الإسلام، فإن قبلوا أن يسلّموا أو يكونوا ذمّة.
ص: 168
وإلّا ردّوا إلى مأمنهم وقوتلوا، وإن قتل أحد منهم دون ذلك، فعلى من قتله ما قال اللّه عزّوجلّ : «فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ»(1)روينا ذلك عن رسول اللّه(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(2)
{35}
[672] عن عقبة مولى اذلم بن ناعمة الحضرمي، أنه دفع مع الحسين بن علي من جمع، فلم يزد على السير، فما أتى وادي محسرّ قال : ارجز بصوتك واركض برجلك، واضرب بسوطك، ودفع في الوادي، حتّى استوت به الأرض، وخرج من الوادي.(3)
{36}
[673] عن ليث حدّثني الخيّاط الّذي قطع الحسين بن علي (رضي اللّه عنه) قمیصاً قال : قلت : أجعله على ظهر القدم؟
قال : لا.
قلت : فأجعله أسفل من الكعبين؟
فقال : ما أسفلُ من الكعبين في النار.(4)
ص: 169
ص: 170
ص: 171
{1}
[674] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ألا لا يلومن أمرؤ إلّا نفسه من يبيت وفي يده ریح غمر.(1)
{2}
[675] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): أفواهكم طرق من طرق ربّکم فنظّفوها بالسواك.(2)
{3}
[676] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إن تكن في شيء شفاء ففي شرطة حجام أو
ص: 172
شربة عسل.(1)
{4}
[677] عن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : قال لي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): اكتحِل وتراً، يُضيء لك بصرك.(2)
{5}
[678] إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )كان إذا أكل الرُمّان لم يشرك أحداً فيها ويقول : في كلّ رُمّانة حبّة من حبّات الجنّة.(3)
ص: 173
{6}
[679] إنّ رجلاً شك إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وجعاً في جوفه ، فقال :
خذ شربة عسل وألق فيها ثلاث حبّات شونیز، أو خمساً أو سبعاً، واشربه تبرأ بإذن اللّه، ففعل ذلك الرجل فبريء، فخذ أنت ذلك.(1)
{7}
[680] إن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مرّ على رجل وهو يكرع الماء بفمه فقال له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : تكرع ککرع البهيمة اشرب بيدَيك فإنّهما من أطيب آنيتكم.(2)
ص: 174
{8}
[681] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): إذا أكلتم الثريد فكلوه من جوانبه، فإنّ الذروة فيها البركة.(1)
{9}
[682] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّ في يوم الجمعة الساعة لا يحتجم فيها أحد إلّا مات.(2)
{10}
[683] أبو أحمد الغازي داود بن سليمان بن يوسف، روى عن عليّ بن
ص: 175
موسى الرضا، عن آبائه الطاهرين، عن الحسين بن علي، عن أبيه (عَلَيهِم السَّلَامُ) النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال : جعلت البركة في العسل وفيه شفاء من الأوجاع وقد بارك عليه سبعون نبيّاً.(1)
{11}
[684] وعن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : قال لي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا بني ! نَم على قَفاك ، يخمص بطنُك، واشرب الماء مصّاً، يُمرءك أكلُك، واكتحل وتراً، يُضيءُ لك بصرك، وادّهِن غِبّاً، تتشبّه بسنّة نبيّك، واستجد النعال، فإنّها خلاخيلُ الرجال، والعمائمَ فإنّها تيجانُ العرب، وإذا طبختَ قدراً فأكثر مرقها ، وإن لم يصب جيرانك من لحمها، أصابوا من مرقها، لأنّ المرق أحد اللحمين ، وتختّم بالياقوت والعقيق، فإنّه میمونٌ مبارك، فكلّما نظر الرجل فيه إلى وجهه یزید نوراً، والصلاة فيه سبعون صلاة، وتختّم في يمينك فإنّها من سنّتي وسُننَ المرسلين، ومَن رغب عن سنّتي فليس منّي، ولاتختّم في الشمال ولا بغير الياقوت والعقيق.(2)
{12}
[685] المسیبّ بن واضح - وكان يخدم العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) - عن أبيه، عن جدّه، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن الحسين بن علي بن
ص: 176
أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لو علم الناس ما في الهلي (1) الأصفر لاشتروها بوزنها ذهباً.
وقال لرجل من أصحابه : خذ هليلجةً صفراء وسبع حبّات فلفل واسحقها وانخلها واكتحل بها.(2)
{13}
[686 ] عن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ادهن غبا تشبه بسنّة نبيّك (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(3)
{14}
[187] قال الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : التمرُ البرني فيه شفاءٌ من سبعين داء.(4)
ص: 177
{15}
[688] دخلت على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يوماً وفي يده سفرجلة، فجعل يأكل ويطعمني ويقول : كل يا علي، فإنّها هديّة الجبّار إليّ وإليك ، قال : فوجدت فيها كلّ لذة، فقال : يا عليّ من أكل السفرجلة ثلاثة أيّام على الريق، صفا ذهنه، وامتلاء جوفاً حلماً وعلماً، ووقي من كيد إبليس وجنوده.(1)
{16}
[689] عن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنه قال : دخل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو محموم فأمره بأكل الغبيراء.(2)
{17}
[690] عن بشير بن غالب، عن حسين بن علي قال : رأيت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :
ص: 178
يشرب قائماً.(1)
{19}
[692] عن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : قالت أسماء بنت عمیس : لمّا جاء نعي جعفر بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) نظر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى ما بعيني من أثر البكاء ، فخاف على بصري أن يذهب ، ونظر إلى ذراعيّ قد تشقّقتا فعزّاني عن جعفر ، وقال : عزمت عليك يا أسماء إلا اكتحلت و صفَّرت ذراعيك.(1)
{20}
[693] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : فضل البنفسج على سائر الأدهان، كفضل الإسلام على سائر الأديان.(2)
{21}
[694] روى الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أبيه، عن جدّه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : حدّثني
ص: 180
أبي الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال : كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يأمرنا إذا تخلّلنا أن لا نشرب الماء حتّى تمضمض ثلاثاً.(1)
وفي مسند زيد بإسناده قال : حدّثني أبي الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال : كان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يأمرنا إذا أكلنا أن لا نشرب الماء حتّى نتمضمض ثلاثاً.(2)
{22}
[695] قال رسول اللّه : كلوا التمر على الريق فإنه يقتل الديدان في البطن.(3)
ص: 181
{23}
[696] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): كلوا الرمّان فليست فيه حبّة تقع في المعدة إلّا أنارت القلب وأخرست الشيطان أربعين يوماً.(1)
{24}
[697] قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أشياء وصاه بها: كل الكرفس، فإنّها يقلة إلياس ويوشع بن نون (عَلَيهِما السَّلَامُ).(2)
ص: 182
{25}
[698] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : كلوا اليقطين، فلو علم اللّه أنّ شجرة أخفّ من هذه لأنبتها على أخي يونس (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، إذا اتّخذ أحدكم مرقاً فليكثر فيه من الدباء، فإنّه يزيد في الدماغ وفي العقل.(1)
{26}
[699] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : الكمأة من المنّ، والمنّ من الجنّة، وماؤها شفاء للعين، والعجوة من الجنّة، وفيها شفاء من السم.(2)
{28}
[701] دخلت على محمّد بن علي بن حسين وعنده ابنه ، فقال : هلمّ إلى الغداء.
فقتل : قد تغدّیت یابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
فقال لي: إنّه هندباء.
قلت : يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وما في الهندباء؟
قال : حدّثني أبي، عن جدّي أنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : ما من ورقة من ورق الهندباء إلّا وعليها قطرة من ماء اللّه، قال : إنّه بنفسج.
قلت : وما البنفسج؟
قال : حدّثني أبي، عن جدّي قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّ فضلَ البنفسج على سائر الأدهان کفضل وُلد عبدالمطّلب على سائر قریش.(1)
{29}
[702] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا علي إشرب الماء قائماً فإنه أقوى لك وأصحّ.(2)
ص: 184
{30}
[703] قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إذا طبختم الطعام فأكثروا القرع فإنّه يُسِرّ القلبَ الحزين.(1)
ص: 185
ص: 186
ص: 187
{1}
[704]
تبارك ذو العُلا والكبرياء*** تفرّد بالجلال وبالبقاء
وسوّى الموتَ بينَ الخلق طُرّاً***وكلّهم رهائنُ للفناء
ودنيانا - وإن مِلنا إليها***وطال بها المتاع - إلى انقضاء
ألا إنّ الركون على غرور***إلى دار الفناء من الفناء
وقاطنُها سريعُ الظعن عنها***وإنْ كان الحريصَ على الثواء(1)
ينازعني واللّه بيني وبينه***يزيد وليس الأمر حيث يشاء(1)
فيانصحاء اللّه أنتم ولاته***وأنتم على أديانه أُمناء(2)
بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة***تناولها عن أهلها البُعَداء(3)
{3}
[706]
خیر ماورّث الرجال بنيهم***أدب صالح وحسنُ ثناء
ذاك خير من الدنانير والأوراق***في يوم شدّة ورخاء(4)
{4}
[707]
نادیت سکان القبور فأسكتوا***وأجابني عن صمتهم ندب الجثا
قالت : أتدري ماصنعت بساکني*** مزّقت لحمهم وخرّقت الکسا
ص: 189
وحشوت أعينهم تراباً بعدما***كانت تأذّى باليسير من القذى
أمّا العظام فإنّني فرّقتها***حتّى تباينت المفاصل والشوا(1)
قطّعت ذا من ذا ومن هذاك ذا***فتركتها رمماً يطول بها البلا (2)(3)
{5}
[708] وممّا أنشده الزبير بن بكار للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في زوجته الرباب بنت امریء القيس :
لعمري انّني لأُحبّ داراً***تحلّ بهاسکينة و الرباب
أُحبّهما و أُبذل جلّ مالي***وليس للائمي فيها عتاب
ولست لهم وإن عتبوا مطيعاً***حياتي أو يغيّبني التراب (4)
ص: 190
{6}
[709]
يُحوّلُ عن قريب من قُصور***مزخرفة إلى بيت التراب
فيُسلم فيه مهجوراً فريداً***أحاط به شجوب الإغتراب
وهول الحشر أفظعُ كلّ أمر***إذا دُعي ابنُ آدم للحساب
وألفي كل صالحة أتاها**وسيئة جَناها في الكتاب
لقد آن التزوّدُ إن عَقِلنا***وأخذُ الحظّ من باقي الشبا (1)
{7}
[710]
أنا الحسين بن عليّ بن أبي***طالب البدر بأرض العرب
ألم تروا وتعلموا أنّ أبي***قاتل عمرو ومبير مرحب
ولم يزل قبل کشوف الكرب***مجلّياً ذلك عن وجه النبيّ
أليس من أعجب عجب العجب***أن يطلب الأبعد میراث النبي
واللّه قد أوصى بحفظ الأقرب (2)
ص: 191
{8}
[711] لمّا وضع الحسين أخاه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في لحده قال :
أأدهُنُ رأسي أم أطيبُ محاسني***ورأسُك معفورٌ وأنت سليب
أو استمتع الدنيا بشيء أُحبّه***إلى كلّ ما أدني إليك حبیب
فلازلت أبكي ماتغنّتْ حمامة***عليك، وما هبّت صبا و جنوب
وماهملت عيني من الدمع قطرة***وما اخضرّ في دوح الحجاز قضيب
بُكائي طويل والدموع غزيرة***وأنت بعيد والمزارقریب
غريب وأطراف البيوت تحوطه***ألاكلّ من تحت التراب غریب
ولا يفرح الباقي خلاف الّذي مضى***ولكلّ فتى للموت فيه نصيب
فليس حريباً من أُصيب بماله***ولكنّ من وارئ أخاه حريب
نسيبُك مَن أمسى يُناجيك طيفه***وليس لمن تحت التراب نسيب(1)
{9}
[712] حمل على الميسرة وقال :
أنا الحسين بن علي***أحمي عيالات أبي
آليتُ أن لا أنثَني***أمضي على دين النبي(2)
ص: 192
{10}
[713]
فعقبى كلّ شيء نحن فيه***من الجمع الكثيف إلى شِتات
وماحزناه من حلّ وحرم***يوزّعُ في البنين وفي البنات
وفيمن لم نؤهّلهم بفلس***وقيمة حبّة قبلَ الممات
وتنسانا الأحبّة بعد عشر***وقد صرنا عظاماً بالیات
کانّا لم نُعاشِرهم بودّ***ولم يكُ فيهم خِلّ مُؤات(1)
{11}
[714] وأنشد الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
إذا جادت الدنيا عليك فجُد بها***على الناس طُرّاً قبلَ أن تَتَفلَت
فلا الجودُ يُفنيها إذا هي أقبلت***ولا البُخلُ يُبقيها إذا ما توّلت(2)
ص: 193
{12}
[715]
إن لم أمت أسفاً عليك فقد***أصبحتُ مشتاقاً إلى الموت(1)
{13}
[716]
لمن يا أيّها المغرورُ تَحْوي***من المال الموقَّر والأثاث
ستمضي غيرَ محمود فريداً***ويخلو بعلُ عِرْسِك بالتُراث
ويخذلُك الوصيُّ بلا وفاء***ولا إصلاح أمر ذي التياث
لقد وفَّرْتَ وزراً مرّحيناً***يسدُّ عليك سُبل الانبعاث
فمالك غيرُ تقوى اللّه حِرزٌ***ولا وزرٌ ومالك من غیاث(2)
{14}
[717]
تعالج بالتطيّب كلّ داء***وليس لداء ذنبك من علاج
سِوی ضَرَع إلى الرحمن محض***بنيّة خائف و يقين راج
ص: 194
وطول تهجّد بطلاب عفو***بليل مُدلَهِم الستر داج
وإظهار الندامة كلّ وقت***على ما كنتَ فيه من اعوجاج
لعلّك أن تكون غداً عظيماً***یُبلغَة فائزٍ مسرور ناج(1)
{15}
[718]
عليك بظِلف نفسك عن هواها***فماشيء ألذّ من الصلاح
تأهّب للمنيّة حين تغدو***كإنّك لا تعيش إلى الرَواح
فكم من رائح فينا صحیح***نَعَتْه نُعانُه قبلَ الصباح
وبادر بالإنابة قبلَ موت***على مافيك من عِظَم الجُناح
وليس أخو الرزانة مَن تجافي*** ولكن مَن تشمّر للفلاح(2)
{16}
[719]
وإن صافيتَ أو خالَلتَ خِلاً***ففي الرحمن فاجعل مَن تُؤاخي
ولا تعدل بتقوى اللّه شيئاً***ودع عنك الضلالةَ والتراخي
فكيف تنالُ في الدنيا سُروراً***وأيّام الحياة إلى انسلاخ
وإن سرورَها فيما عهِدنا***مشوبٌ بالبُكاء و بالصُراخ
ص: 195
فقد عمِيَ ابنُ آدم لا يراها***عمى أفضى إلى صَمَم الصِماخ(1)
{17}
[720] قال الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) :
أخي قد طال لُبُؤك في الفساد***وبئس الزاد زادك للمعاد(2)
صبا فيك الفؤاد فلم تزعه***وحِدتَ إلى متابعة الفؤاد(3)
وقادتك المعاصي حيث شاءت***والفتك امرءاً سلس القياد(4)
لقد نوديت للترحال فاسمع***ولاتتصاممنّ عن المنادي(5)
كفاك مشيب رأسك من نذير***وغالب لونه لون السواد(6)(7)
ص: 196
{18}
[721] لمّا رأى الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخاه العبّاس صريعاً توجّه إلى القوم وأنشأ يقول :
تعدّيتم یا شرّ قوم بفعلكم***و خالفتُم قولَ النبيّ محمّد
أماكان خيرُ الرسل وصّاکم بنا***أما نحن من نسل النبيّ المسدّد
أما كانت الزهراءُ أُمّي دونكم***أما كان من خير البريّة أحمد
لُعِنْتُم وأُخزيتُم بما قد جَنيتم***فسوف تلاقوا حرّ نار توقد(1)
{19}
[722]
مضى أمسك الماض شهيداً معدلا***وخلفت في يوم عليك شهید
فإن أنتَ بالأمس اقترفتَ إساءةً***فقيد بإحسان وأنت حمید
ولاتَزْجُ فعلَ الخير يوماً إلى غد***لعلّ غداً يأتي وأنت فقيد(2)
ص: 197
{20}
[723] قال الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) :
ودنياك الّتي غرّتك منها***زخارفها تصير إلى انجذاذ(1)
تزحزح عن مهالكها بجُهد***فما أصغي إليها ذو نفاذ(2)
لقد مُزجت حلاوتُها بسُمّ***فما كالحذر منها من ملاذ(3)
عجبتُ لمُعجَب بنعیم دنیا***و مغبون بأيّام لذاذ(4)
و مؤثر المقام بأرض قفر***على بلد خصيب ذي رذاذ(5)(6)
ص: 198
[726] قال الإمام الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) :
هل الدنيا ومافيها جميعاً***سوى ظلّ يزول مع النهار(1)
تفكّر أين أصحاب السرايا***و أربابُ الصوافن والعشار(2)
و أين الأعظمون يداً وبأساً***و أين السابقون لذي الفخار(3)
و أين القرن بعد القرن منهم***من الخلفاء والشُمّ الكبار(4)
كأن لم يخلقوا أو لم يكونوا***وهل أحد يُصان مِن البوار(5)(6)
ص: 199
{22}
[725] أنشد الجاحظ للإمام الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ)
: الموت خيرٌ من ركوب العار***والعار خيرٌ من دخول النار(1)
واللّه من هذا وهذا جاري(2)
{23}
[726]
أنا ابن عليّ الطهرِ من آل هاشم***كفاني بهذا مفخراً حين أفخَر
وجدّي رسولُ اللّه أكرم من مشى***ونحن سراجُ اللّه في الخلق نزهر
وفاطمُ أُمّي مِن سُلالة أحمدَ***وعمّي يُدعى ذو الجناحين جعفر
و فينا کتابُ اللّه أُنزِلَ صادقاً***وفينا الهُدى والوحي بالخير تذكر
و نحن أمان اللّه للناس كلّهم***نطول بهذا في الأنام ونجهر
ونحن حُماةُ الحوض نسقي وُلاتَنا***بكأس رسولِ اللّه مالیس ینکر
ص: 200
و شیعتنا في الحشر أكرمُ شيعة***و مبغضنا يوم القيامة يخسر(1)
{24}
[727] قال الحسين بن على (عَلَيهِما السَّلَامُ)
أيعتزُّ الفتى بالمال زهواً***ومافيها يفوت عن اعتزاز(2)
و يطلُبُ دولة الدنيا جُنوناً***ودولتُها مخالفة المخازي(3)
ونحن وكلّ من فيها كسفر***دنا منّا الرحيل على الوفاز(4)
جهلناها كأن لم نختبرها***على طول التهاني و التعازي(5)
ولم نعلم بأن لالبث فيها*** ولا تعریج غير الاجتياز(6)(7)
ص: 201
{25}
[728] قال أبو عبداللّه الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ):
أفي السبحات يامغبون تبني***وما أبقى السباخ على الأساس(1)
ذنوبك جمّة تترى عظاماً***ودمعك جامدٌ والقلبُ قاسي(2)
و أيّاماً عصيت اللّه فيها***وقد حُفِظَتْ عليك وأنت ناسي(3)
فكيف تُطيق يوم الدين حملاً***لأوزار الكبائر كالرواسي(4)
هو اليوم الّذي لا ودّ فيه*** ولانسب ولا أحد مُواسي(5)(6)
{26}
[729] قال الإمام أبو عبداللّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
عظیم هولُه و الناس فيه***حيارى مثل مبثوث الفراش(7)
ص: 202
به تتغيّر الألوانُ خوفاً***وت صطكُّ الفرائصُ بارتعاش(1)
هنالك كلُّ ماقدّمت يبدو***فعيبك ظاهرٌ و السرُّ فاش(2)
تفقّدْ نقص نفسك كلّ يوم***فقد أودى بها طلبُ المعاش(3)
الالِمْ تبتغي الشهوات طَوْراً***وطَوْراً تكتسي لين الرياش؟ (4) (5)
و برّ المؤمنين بكلّ رفق***ونُصح للاداني و الأقاصي(1)
وإن تشدد يداً بالخير تُفلِح***وإنْ تعدل فمالك من مناص(2)(3)
{28}
[731] قال الإمام أبو عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
و أصل الحزم أن تُضحي***و ربُّك عنك في الحالات راض(4)
وأن تعتاض بالتخليط رُشداً***فإنّ الرُشد من خیر اعتیاض(5)
ودع عنك الّذي يُغْوي ویُردي***و يورثُ طول حُزن و ارتماص(6)
وخذ بالليل حظّ النفس واطرْد***عن العينين محبوب العماص(7)
ص: 204
فإنّ الغافلين ذوي التواني***نظائر للبهائم في الغياض(1)(2)
{29}
[732] قال سيدي الحسين بن على (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
كفى بالمرء عاراً أن تراه***من الشأن الرفيع إلى انحطاط(3)
على المذموم من فعل حريصاً***على الخيرات منقطع النشاط(4)
یُشیر بکفّه أمراً ونهیاً*** إلى الخُدّام من صدر البِساط(5)
يرى أنّ المعازف و الملاهي*** مسبّبة الجواز على الصراط(6)
ص: 205
لقد خاب الشقيُّ وضلّ عجزاً***وزال القلبُ منه عن النياط(1)(2)
{30}
[733] قال الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
إذا الإنسان خان النفس منه***فما يرجوه راج للحفاظ(3)
ولا ورع لديه و لا وفاءٌ***ولا الإصغاء نحو الاتّعاظ(4)
ومازُهدُ الفتى بحلق رأس***ولابلباس أثواب غلاظ(5)
و لكن بالهدئ قولاً وفعلاً***وإدمان التجشُّع في اللحاظ(6)
وإعمال الّذي ينجي و ينمي***بوسع و الفرارُ مِن الشُواظ(7)(8)
ص: 206
{31}
[734] قال الإمام الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
لكلّ تفرّق الدنيا اجتماع***فمابعد المَنون من اجتماع(1)
فِراقٌ فاصلٌ ونوى شطون*** و شغلٌ لا يلبّث للوداع(2)
و كلُّ أخوّة لابُدَّ يوماً*** و إن طالَ الوصالُ إلى انقطاع(3)
وإنّ متاع ذي الدُنيا قليلٌ*** فما یُجدي القليلُ مِن المَتاع(4)
وصار قليلُها حرجاً عسيراً*** تشبّث بين أنياب السباع(5)(6)
32}
[735] قال الإمام الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
ص: 207
ولم يطلب علوّ القدر فيها***وعزّ النفس إلّا كلّ طاغ(1)
وإن نال النُفوس من المعالي*** فليس لنيلها طيبُ المساغ(2)
إذا بلغ المراد عُلاً وعزّاً*** تولّی واضمحلّ مع البلاغ(3)
كقصر قد تهدّم حافتاه*** إذا صار البناءُ إلى الفراغ(4)
أقول وقد رأيتُ ملوك عصري*** الالايبغينّ الملك باغ(5)(6)
{33}
[736] قال سيدي الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
أأقصُدُ بالملامة قصد غيري***وأمري كلُّه بادي الخلاف(7)
ص: 208
إذا عاش امرؤٌ خمسين عاماً***ولم يُر فيه آثارُ العَفاف(1)
فلايرجی له أبداً رشادٌ*** فقد أردى بنيّته التجافي(2)
ولِمْ لا أبذُلُ الإنصافَ منّي*** وأبلُغُ طاقَتي في الإنتصاف(3)
أتدري أيّ ذاك اليوم فکّر***و أيقِن أنّه يومُ الفِراق(1)
فراقٌ ليس يُشبِهُه فِراقٌ***قد انقطع الرجاءُ عن التلاقي(2)(3)
ولا تسأل سوى اللّه***تعالى قاسم الرزق(1)
فلو عشت وطوّفت***من الغرب إلى الشرق(2)
لماصادفت من يقد***ر أن يُسعِدَ أو يُشقي(3)(4)
{36}
[739] تمثّل (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأشعار ضرار بن الخطاب الفهري، قالها يوم الخندق وتمثل بها أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم صفّين ، والحسين يوم قُتل:
مهلاً بني عمِّنا ظلامتَنا***إنّ بنا سَورة من القلق
لمثلكم نحمل السيوف ولا***تُغمَزُ أحسابُنا من الدقق
إنّي لأنمي إذا انتميتُ إلى*** عزّ عزیزٍ ومعشرٍ صُدُق
بيض سباط كأنّ أعيُنَهم***تَكحَلُ يومَ الهِياج بالعُلُق(5)
ص: 211
{37}
[740] أنشد أبو بكر بن کامل(1)، عن عبداللّه بن إبراهيم، وذکّر انّه للحسين بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِما السَّلَامُ) :
إغنَ عن المخلوق بالخالق***تَسُدّ على الكاذب والصادق(2)
واسترزق الرحمن من فضله***فليس غيرَ اللّه من رازق(3)
من ظنّ أنّ الناس يغنونه***فليس بالرحمن بالرائق(4)
ص: 212
أو ظنّ أنّ المال من کسبه***زلت به النَعْلان من حالق(1)
وموبقُ نفسه كسلاً وجهلاً***وموردُها مَخوفات الهلاك(1)
بتجديد المآثمّ كلّ يوم***وقصد للمحرّم بانتهاك(2)
سيعلم حين تفجوّه المَنايا***و يكثُفُ حولَه جمعُ البواكي(3)
فما كان الّذي عُقْباه شَرّ***وما كان الخسيسُ لديك مالا(1)
فبِتَّ من الأُمور بكُلّ خير***و أشرفها وأكملها خِصالا(2)
کلّمازيد صاحب المال مالاً***زيد في همّه وفي الاشتغال(1)
قد عرفناك يا منغصة العَيْ ***ش ويادار کلّ فان وبالي(2)
ليس يصفو لزاهد طلب الزُه***د إذا كان مثقَلاً بالعيال(3)(4)
{43}
[746] عن ابن عبداللّه الطرسوسي (5) أنّه كان مكتوبة على راية الحسين بن
ص: 216
علي يوم قتل :
لئن كانت الدنيا تُعَدّنفيسة***فدار ثواب اللّه أعلى وأنبل(1)
وإن كانت الأبدان للموت أُنشئَت***فقتل امرىء بالسيف في اللّه أفضل(2)
وإن كانت الأرزاق شيئاً مقدرّاً***فقلة سعي المرء في الرزق أجمل(3)
وإن كانت الأموال للترك جمعها***فما بال متروك به المرءُ يبخل(4)(5)
ص: 217
ص: 218
ص: 219
{44}
[747]
فإنّ سُدوره أمسى غروراً***وحلّ به ملمّات الزَوال(1)
وعُرّي عن ثياب كان فيها***وأُلبس بعد أثواب انتقال(2)
و بعد ركوبه الأفراس تيهاً***يُهادى بين أعناق الرجال(3)
إلى قبري يُغادرُ فيه فرداً***نأى منه الأقارب و الموالي(4)
تخلّى عن مورِّثه وولّي*** ولم تحجبه مأثرة المعالي(5)(6)
ص: 220
{45}
[768]
أبي عليّ وجدّي خاتم الرسل***والمرتضون لدين اللّه من قبلي(1)
و اللّه يعلم و القرآن ينطقه***إنّ الّذي بيدي من ليس يملك لي(2)
مایُرتجی بامرء لاقائل عذلا***ولا يزيغ إلى قول ولاعمل(3)
ولايرى خائفاً في سرّه وجلاً***ولا يُحاذِرُ من هفو ولا زلل(4)
يا ويح نفسي ممّن ليس يرحمها*** أماله في كتاب اللّه من مثل(5)
أماله في حديث الناس معتبر***من العمالقة العادية الأُول(6)
يا أيّها الرجل المغبون شيمته***أنّى ورِثْتَ رسولَ اللّه عن رسُل(7)
أ أنت أولى به من إله فيما***ترى اعتللت وما في الدين من علل(8)
ص: 221
{46}
[749]
يانكبات الدهر دولي دولي***واقصري إن شئتِ أو أطيلي(1)
رميتني رميةً لا مقیل***بکلّ خطب فادح جليل(2)
وكلّ عبء أيّد البتول***و الوالد البَرّ بنا الوَصو (3)
و بالشقيق الحسن الجميل***والبيت ذي التأويل والتنزيل(4)
و زورنا المعروف من جبريل***فماله في الرزء من عدیل(5)
مالك عنّي اليوم من عَدول***وحسبِيَ الرحمنُ مِن منيل(6)(7)
ص: 222
{47}
[750] عن عبداللّه بن زیدان البجلي(1) قال : حدّثنا محمّد بن زید التميمي(2) قال : حدّثنا نصر بن مزاحم(3)، عن أبي مخنف(4)، عن الحرث بن کعب(5)، عن عليّ بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال : إنّي واللّه لجالس مع أبي في تلك الليلة وأنا عليل، وهو يعالج سهاماً له، وبين يديه جون مولى أبي ذر الغفاري، إذ ارتجز الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
يادهر أُفّ لك من خليل***كم لك في الإشراق والأصيل(6)
من صاحب و ماجد قتيل***و الدهرُ لايقنعُ بالبديل(7)
ص: 223
و الأمر في ذاك إلى الجليل***وكلَّ حيّ سالك السبيل(1)(2)
{48}
[751]
سأمضي وما في الموت عار على الفتى***إذا مانوی خیراً وجاهد مسلمّا
وآسى الرجال الصالحين بنفسه***وفارق مثبوراً وخالف مجرما
فإن عشت لم أذمم وإن مت لم ألم***كفى بك ذلاً أن تعيش فترغما(3)
ص: 224
{49}
[752]
ولم يمرُر به يومٌ فظيع***أشدهُ علیه من يوم الحِمام(1)
ويومُ الحشر أفظعُ منه هولاً*** إذا وقف الخلائقُ بالمقام(2)
فكم من ظالم يبقى ذليلاً***ومظلوم تشمّر للخصام(3)
وشخص كان في الدُنيا فقيراً*** تبوّأ منزلَ النُجْب الكِرام(4)
وعفو اللّه أوسع كلّ شيء***تعالى اللّه خلّاقُ الأنام(5)(6)
{50}
[753]
إذا ما الموت رفع عن أُناس***كلاكلة أناخ بآخرينا
فأفني ذلكم سروات قومي***كما أفنى القُرُن الأولينا
فلو خُلِدَ الملُوكُ إذاً خُلِدْنا***ولو بَقِيَ الكِرامُ إذاً بقينا
ص: 225
فقل للشأمتين بنا أفيقوا***سيُلقي الشامتون كما لقينا(1)
{51}
[754] قال أبو عبداللّه الإمام الحسين رضي اللّه عنه :
إله لا إله لنا سواهُ***رؤوف بالبريّة ذو امتنان(2)
أوحِّده بإخلاص وحمد***وشُکر بالضمير وباللسان(3)
وأفنيتُ الحياة ولم أصُنْها***وزُغْتُ إلى البطالة والتواني(4)
وأسألُه الرضا عنّي فإنّي***ظلمتُ النفسَ في طلب الأماني(5)
إليه أتوبُ مِن ذنبي وجهلي***وإسرافي وخَلْعي للعنان(6)(7)
ص: 226
{53}
[756]
سيطول بعدي يا سكينةُ فاعلمي***منك البكاء إذا الحمام دهاني
لاتحْرقي قلبي بدمعك حسرةٌ***مادام منّي الروحُ في جثماني
وإذا قتلتُ فأنتِ أولى بالّذي***تأتينَه يا خِيَرَة النسوان(1)
{54}
[757] روی زید بن علي : عن الحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ): لمّا قتل أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) سمعتُ جنّية ترثيه بهذه الأبيات :
لقد هدّ ركني أبوشبّر***فماذاقت العين طيب الوسن
ولا ذاقت العین طیب الكرى*** وألقيت دهري رهين الحزن
و أقلقني طول تذكاره***حرارة ثكل الرقوب الشسن(2)
{55}
[758] قال الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
ما يحفظ اللّه يُصَن***ما يصنع اللّه يَهُن(3)
ص: 228
من یُسعِد اللّه یَلن****له الزمانُ إن خشن(1)
أخي اعتبر لاتغترِر***كيف ترى صرف الزمن(2)
يُجزى بما أُوتي مَن***فعل قبيح أو حسن(3)
أفلح عبد کُشِف***الغطاء عنه ففَطن(4)
وقرّ عيناً من رأى***أنّ البلاء في اللسن(5)
فماز من ألفاظه***في كلّ وقت ووزن(6)
و خاف من لسانه***عزباً حديداً فحزن(7)
ومن يكن معتصماً***باللّه ذي العرش فلن(8)
يضُرُّه شيءٌ ومَن***يعدي على اللّه ومَن(9)
من يأمن اللّه يخف***وخائف اللّه أمن(10)
ص: 229
و مالمايثمره ال***خوفُ مِن اللّه ثمن(1)
ياعالمَ السرّ كما***يَعْلَم حقّاً ماعلن(2)
صلّ على جدّي أبي*** القاسم ذي النور المُبَن(3)
أكرم من حيّ ومن***لُفِّفَ ميتاً في الكفن(4)
وامنُن علينا بالرضا***فأنت أهلٌ للمنَن(5)
واعفنا في ديننا***من كلّ حُسْر وغُبُن(6)
ماخاب من خاب کمن***يوماً إلى الدنيا ركن(7)
طوبى لعبد كشفت***عنه غيابات الوَسَن(8)
ومَوْعِد اللّه وما*** يقضي به اللّه مكن(9)(10)
ص: 230
{56}
[759] قال سيد الشهداء الحسين بن (عَلَيهِما السَّلَامُ)يوم عاشوراء(1):
غدر القوم وقِدْماً رغبوا***عن ثواب اللّه ربّ الثقلين(2)
قتلوا قِدْماعليّاً وابنه*** حسن الخير كريمَ الأبوين(3)
حنقاً منهم وقالوا أجمعوا*** نفتكُ الآن جميعاً بالحسين(4)
یالقوم لأُناس رُذّل***جَمَعوا الجمع لأهل الحرمین(5)
ثمّ ساروا وتواصَوا كلُّهم***باجتياحي للرضا بالمُلحَدين(6)
ص: 231
لم يخافوا اللّه في سفك دمي*** لعبید اللّه نسل الفاجرين(1)
وابنُ سعد قد رماني عِنْوة***بجنود کوکوف الهاطلين(2)
لالشيء كان منّي قبل ذا***غي فخري بضياء الفرقَدين(3)
بعليّ الخير من بعد النبيّ***والنبيّ القرشيّ الوالدين(4)
خيرةُ اللّه من الخلق أبي***ثمّ أُمّي فأنا ابن الخيرتين(5)
فضّة قد خَلُصَت من ذهب***فأنا الفضّة وابن الذهبين(6)
من له جدّ كجدّي في الورى***أو کشيخي فأنا ابنُ القمرين(7)
فاطمُ الزهراءُ أُمّي، وأبي***قاصمُ الكُفر ببدر وحُنَين(8)
ص: 232
وله في يوم أُحدٍ وقعة***شفت الغُلّ بفضّ العسكرين(1)
ثمّ بالأحزاب و الفتح معاً***كان فيها حتفُ أهل القبلتين(2)
في سبيل اللّه ماذا صنعت***أُمّة السوء معاً بالعترتین(3)
عترة البِرّ النبيّ المصطفى***وعلى الورد بين الجحفلين(4)(5)
ص: 233
{57}
[760] قال الإمام الشهيد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
وقعنا في الخطايا والبلايا***وفي زمن انتقاض واشتباه(1)
تفاني الخير، والصُلَحاء ذلّوا***وعَزّ بذلّهم أهلُ السَفاه(2)
وباء الآمرون بكلّ عُرْف*** فماعن منکر في الناس ناه(3)
فصار الحُرّ للمملوك عبداً***فما للحُرّ من قدر وجاه(4)
ص: 234
فهذا شُغلُه طمَع وجمْع***وهذا غافلٌ سکران لاه(1)(2)
{58}
[761}
ياربّ ياربّ أنت مولاه***فارحم عُبَيداً إليك ملجاه
يا ذا المعالي عليك معتمَدي***طوبى لمن كنتَ أنت مولاه
طوبى لمن كان خائفاً أرقاً***يشكو إلى ذي الجلال بلواه
ومابه علّةٌ ولاسَقَم***أكثر من حبّه لمولاه
إذا اشتكی بثَّه وغصّتَه***أجابه اللّه ثمّ لبّاه
إذا ابتُلِي بالظلام مبتهلاً***أكرمه اللّه ثمّ أدناه(3)
ص: 235
{59}
[762] روی محمّد بن أبي طلحة قال : إنّ أعرابيّاً دخل المسجد الحرام فوقف على الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) ، وحوله حلقة، فقال له بعض جلسائه :
أحدهم : هذا الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِما السَّلَامُ).
الأعرابي : إيّاه أردت.. بلغني أنّهم يتكلّمون فيعربون في كلامهم، وإنّي قطعت بوادي وقفاراً و أودية وجبالاً وجئت لأُطارحه الكلام، وأسأله عن عويص(1) العربيّة.
[فقال له جلیس الحسن ]:
الجليس : إن كنت جئت لهذا فابدأ بذلك الشاب.
[وأومأ إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فوقف عليه وقال له] :
الأعرابي : السلام عليك.
الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وعليك السلام ورحمة اللّه وبركاته... ما حاجتك؟
الأعرابي : إنّي جئتك من الهِرَقْل(2) والجَعْلل(3) والأينم(4) و الهمهم (5)
[فتبسّم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال ]:
الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قل ما شئت، فإنّي مجيبك عنه.
الأعرابي : إنّي بَدَويّ، وأكثر مقالي الشعر ، وهو ديوان العرب.
الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قل ما شئت فإنّي مجيبك.
ص: 236
الأعرابي :
هفا قلبي إلى اللهو***وقد ودّع شرخيه(1)
وقد كان أنيقاً عصر***رُ تجراري ذيليه(2)
عيالات ولذّات***فیا سُقيا لعصريه(3)
فلمّا عمّم الشيبُ***من الرأس نطاقيه(4)
وأمسى قد عناني من***ه تجديدُ خِضابَيْه(5)
تسلّيت عن اللهو*** وألقيتُ قناعَیْه(6)
وفي الدهر أعاجيبُ***لمن يلبس حاليه(7)
فلو يعمل ذو رأي*** أصيلٌ فيه رأيي(8)
لألفى عِبرةً منه*** له في کر عصریه(9)
ص: 237
الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قد قلت فاسمع منّي
[وأنشد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ارتجالاً لوقته ]:
فما رسم شجاني قد***محت آیات رسميه(1)
سَفورٌ درّجت ذیلین***في بوغاء قاعیه(2)
هَتوفٌ حَرجَفٌ تترى***على تلبید ثوبيه(3)
وولاجٌ مِن المُزْن***دنا نَوْءُ سماکیه(4)
أتى مُثْعَنْجِرَ الودق***بجود في خلالَيه(5)
وقد أحمد برقاه***فلاذمّ لبرقَيه(6)
وقد جلّل رعداه***فلاذمّ لرعدَيه(7)
ثَجيجُ الرعد ثَجّاج***إذا أرخى نطاقَيه(8)
ص: 238
فأضحى دارساً قفراً***لِبَيْنونَةَ أهلَيه(1)
[فقال الأعرابي لمّا سمعها]::
الأعرابي : مارأيت كاليوم أحسن من هذا الغلام کلاماص، وأذرب لساناً، ولا أفصح منه منطقاً.
[فقال له الإمام الحسن رضي اللّه عنه ]:
الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أعرابي..
غلام کرّم الرحمنُ***بالتطهير جدّيْه(2)
کساه القمر القَمْقا***مُ مِن نور سَنائَيه(3)
وقد أرصنتُ مِن شِعْري***وقوّمتُ عُروضَيه(4)(5)
[فلمّا سمع الأعرابي قول الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال] :
الأعرابي : بارك اللّه عليكما... مثلكما تُجلّه الرجال، فجزاكم اللّه خيراً. [وانصرف].
ص: 239
{60}
[763] قال أبو عبداللّه الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلّب بن هاشم بن عبد مناف بن قصّي (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
ذهب الّذين أُحبّهم***و بقيت فيمن لا أُحبّه
في من أراه يسبّني***ظهر المغيب ولا أسبّه
يبغي فسادي ما استطاع***و أمره ممّا أربّه
ويرى ذُباب الشرّمن***حولي يطن ولا يذبّه
وإذا خبا(1) وغر الصدور(2)***فلايزال به يشبّه(3)
أفلایعيج(4) بعقله***أفلايثوب(5) إليه لبّه(6)
أفلايرى أنّ فعله***ممّا يسور إليه غبّه
حسبي بربّي كافياً***ما أختشي والبغي حسبة
ولقلّ من يبغى عليه***فما كفاه اللّه ربّه(7)
ص: 240
{63}
[766] قال الإمام الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ):
فإنّ اللّه توّابٌ رحیم***وليّ قبول توبة كلّ غاوي
أُؤمّلُ أنْ يُعافيني بعفو***و يُسِخنَ عینَ إبليسَ المُناوي
وينفعني بموعظتي وقولي***وينفع كلّ مستمع وراوي
ذنوبي قد کوت جنبي کيّاً***ألا إنّ الذنوب هي المَكاوي
فليس لمن كواه الذنبُ عمداً***سوى عفو المهيمن من مُداوي (1)
ص: 242
{64}
[767] قال أبو عبداللّه الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ):
وكن بشّاً کریماً ذا انبساط****وفيمن يرتجيك جميل رأي(1)
بعيداً عن سماع الشرّ سمحاً***نقيّ الكفّ عن عیب وثأي(2)
مُعيناً للأرامل واليتامى***أمين الجيب عن قرب ونأي(3)
وَصولاً غير محتشم زكيّاً***حميدَ السعي في إنجاز وأي(4)
تلقّ مواعظي بقبول صدقٍ***تَفُزْ بالأمن عند حلول لأي(5)(6)
ص: 243
ص: 244
ص: 245
{1}
[798] قالت لي أُمّي فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) لمّا ولدتك دخل إلىّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فناولتك إيّاه في خرقة صفراء، فرمى بها وأخذ خرقة بيضاء لفّك بك، وأذّن في أُذنك الأيمن وأقام في الأيسر، ثمّ قال : يا فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) خذيه فإنه أبو الأئمّة، تسعة من ولده أئمّة أبرار والتاسع مهديّهم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف).(1)
{2}
[769] دخلت على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعنده أُبيّ بن كعب.
فقال لي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : مرحبا بك يا أبا عبد اللّه يا زينَ السماوات والأرض.
فقال له أُبيّ: وكيف يكونُ يا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) زينَ السماوات والأرض أحدٌ غيرك؟
فقال له: يا أُبيّ والّذي بعثني بالحقّ نبياً إنّ الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض، فإنّه لمكتوب عن يمين العرش مصباحُ هدى وسفينةُ نجاة ، وإمامُ خير ويُمن، وعزّ وفخر وبحرُ علم وذخر [فلِمَ لا يكون كذلك] وانّ اللّه عزّ وجلّ ركّب في صلبه نطفةً طيبةً مباركة زكيّة خُلِقَت من قبل أن يكون مخلوقٌ في
ص: 246
الأرحام أو يجري ماءاً في الأصلاب، أو يكون ليل ونهار.(1)
{3}
[770] دخلت على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهو متفکّر مغموم، فقلت : يا رسول اللّه مالي أراك متفكّراً؟ فقال : يا بنيّ إنّ الروح الأمين قد أتاني فقال : يا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )العلّي الأعلى يقرؤك السلام ويقول لك : إنّك قد قضيت نبوّتك واستكملت أيّامك، فاجعل الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوّة عند علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فإني لا أترك الأرض إلّا وفيها عالم تعرف به طاعتي وتعرف به ولايتي، فإنّي لم أقطع علم النبوّة من الغيب من ذريّتك ، كما لم أقطعها من ذريّات الأنبياء الّذين كانوا بينك وبين أبيك آدم، قلت : يا رسول اللّه فمن يمنك هذا الأمر بعدك ؟ قال : أبوك عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخي وخليفتي، ويملك بعد علي الحسن ثمّ تملكه أنت وتسعة من صلبك، يملکه اثناعشر إماماً ، ثمّ يقوم قائمنا يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً يشفي صدور قوم مؤمنين من شیعته.(2)
ص: 247
{4}
[771] كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )يقول فيما بشّرني به : يا حسين أنت السيّد ابن السيد أبو السادة، تسعة من ولدك أئمّة أبرار والتاسع قائمهم، أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمّة تسعة من صلبك أئمّة أبرار والتاسع مهديّهم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً، يقوم في آخر الزمان كما قمت في أوّله.(1)
{5}
[772] روي عن سلیم بن قیس الهلالي أنه قال : قلت لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّي سمعت من سلمان ومقداد وأبي ذر شيئاً من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) غير ما في أيدي الناس، ثمّ سمعت منك تصديق ماسمعت منهم ، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنتم تخالفونهم فيها وتزعمون أن ذلك كلّه باطل، أفترى الناس يكذبون على
ص: 248
رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) متعمدين ويفسّرون القرآن بآرائهم؟
قال : فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قد سألت فافهم الجواب : إنّ ما في أيدي الناس : حقّ و باطل، وصدق و کذب، وناسخ و منسوخ، وخاص وعام، ومحکم و متشابه ، وحفظ ووهم.
وقد کُذب على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على عهده حتّى قام خطيبة فقال : أيّها الناس، قد كثرت الكذابة عليّ (1) فمن كذب عليّ متعمداً فلیتبّوأ مقعده من النار، ثمّ كذب عليه من بعد.
وإنّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس :
رجل منافق مظهر للإيمان ، متصنّع بالإسلام، لا يتأثمّ ولا يتحرّج أن يكذب على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) متعمداً. فلو علم الناس أنّه منافق كذّاب لم يقبلوا منه ولم يصدّقوه، ولكنّهم قالوا: هذا صحب(2) رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ورآه وسمع منه، فأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله. وقد أخبر اللّه تعالى عن المنافقين بما أخبر، ووصفهم بما وصفهم، فقال : «وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ» (3) ثمّ تفرّقوا إلى أئمّة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان، فولّوهم الأعمال، وأكلوا بهم الدنيا، وحملوهم على رقاب الناس ، وإنّما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم(4) اللّه، فهذا أحد الأربعة.
ورجل آخر سمع من رسول اللّه شيئاً لم يحفظه على وجهه ووهم فيه ، ولم يتعمّد كذباً، فهو في يده يقول به ويعمل به ويرويه، ويقول : أنا سمعته من
ص: 249
رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فلو علم المسلمون أنّه وهم لم يقبلوه، ولو علم هو أنّه وهم لرفضه.
ورجل ثالث سمع من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) شيئا أمر به، ثمّ نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شيء، ثمّ أمر به وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ. فلو علم أنه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه أنه منسوخ الرفضوه.
ورجل رابع لم يكذب على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، مبغض للكذب خوفاً من اللّه وتعظيماً لرسول اللّه، لم يسمعه بل حفظ ماسمع على وجهه، فجاء به کما سمع، لم يزد ولم ينقص، وعلم الناسخ والمنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ.
وإنّ أمر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مثل القرآن(1)، ناسخ و منسوخ، وخاص و عام، و محکم و متشابه. وقد كان يكون من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الكلام له وجهان : كلام عام و کلام خاص، مثل القرآن، قال اللّه تعالى : «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»(2) فاشتبه على من لم يعرف ماعنى اللّه ورسوله، وليس كلّ أصحاب رسول اللّه يسألونه ويستفهمونه، لأنّ فيهم قوماً كانوا يسألونه ولا يستفهمونه، لأنّ اللّه تعالى نهاهم عن السؤال، حيث يقول : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ* قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ».(3)
فامتنعوا من السؤال حتّى إن كانوا يحبّون أن يجيء الأعرابي والبدوي فيسأل وهم يسمعون.
ص: 250
وكنت أدخل على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في كلّ ليلة دخلة، وأخلو به في كلّ يوم خلوة، يجيبني عمّا أسأل، وأدور به حيثما دار، وقد علم أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنه لم يكن يصنع ذلك بأحد غيري، وربما كان ذلك في بيتي.
وكنت إذا دخلت عليه في بعض منازله خلا بي وأقام نساءه ، فلم يبق غيري وغيره، وإذا أتاني هو للخلوة وأقام من في بيتي لم يقم عنّا فاطمة ولا أحد ابناي.(1)
وكنت إذا سألته أجابني، وإذا سكتّ ونفدت مسائلي ابتدأني.
فما نزلت على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) آية من القرآن، ولا شيء علّمه اللّه تعالى من حلال أو حرام، أو أمر أو نهي، أو طاعة أو معصية ، أو شيء كان أو يكون، إلّا وقد علّمنيه وأقرأنيه، وأملاه عليّ وكتبته بخطّي، وأخبرني بتأويل ذلك وظهره وبطنه، فحفظته ثمّ لم أنس منه حرفاً.
وكان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إذا أخبرني بذلك كلّه يضع يده على صدري، ثمّ يقول: اللّهمّ املأ قلبه علماً، وفهماً، ونوراً، وحلماً، وحكماً وإيماناً وعلّمه ولا تجهّله، واحفظه ولا تنسه.
فقلت له ذات يوم : بأبي أنت وأُمّي يارسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، هل تتخوف علىّ النسيان؟
فقال : يا أخي، لست أتخوّف عليك النسيان ولا الجهل، وقد أخبرني اللّه تعالى أنه قد استجاب لي فيك ولشركائك الّذين يكونون بعدك.
قلت : يا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ومن شر كائي؟
قال : الّذين قرن اللّه طاعتهم بطاعته وبطاعتي.
قلت : من هم یا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟
قال : الّذين قال اللّه تعالى فيهم: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا
ص: 251
الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ».(1)
قلت : يانبيّ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، من هم؟
قال : هم الأوصياء بعدي، ولا يتفرّقون حتّى يردوا علىّ الحوض، هادين مهديّين، لا يضرّم کید من کادهم، ولا خذلان من خذلهم، هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم، بهم تنتصر أُمّتي وبهم يُمطرون، وبهم يدفع البلاء، وبهم يستجاب لهم الدعاء.
قلت : يا رسول اللّه ، سمهم لي.
قال : أنت يا علي، ثمّ ابني هذا، ووضع يده على رأس الحسن، ثمّ ابني هذا، ووضع يده على رأس الحسين، ثمّ ابنه سميّك يا أخي سيد العابدین ، ثمّ ابنه يسمّى محمّداً، باقر علمي وخازن وحي اللّه، وسيولد في زمإنك يا أخي فاقرأه منّي السلام، ثمّ(2) تكملة اثني عشر إماماً من ولدك إلى مهدي (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) أُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت قبله ظلماً و جوراً.
واللّه إنّي لأعرفه - يا سليم - حيث يبايع بين الركن والمقام، وأعرف أسماء أنصاره وقبائلهم.
قال سليم بن قيس : ثمّ لقيت الحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) بالمدينة بعد ما ملك معاوية، فحدثتهما بهذا الحديث عن أبيهما، قالا: صدقت، قد حدثك أمير المؤمنين بهذا الحديث ونحن جلوس، وقد حفظنا ذلك عن رسول اللّه كما حدثك، فلم يزد فيه حرفة ولم ينقص منه حرفاً.
ص: 252
قال سليم بن قيس : ثمّ لقيت عليّ بن الحسين وعنده ابنه محمّد بن علي الباقر أبو جعفر ، فحدّثته بما سمعت من أبيه وماسمعته من أمير المؤمنين، فقال علي بن الحسين (عَلَيهِمَ السَّلَامُ) : قد أقرأني أمير المؤمنين من رسول اللّه وهو مريض وأنا صبي ، ثمّ قال أبو جعفر (عَلَيهِمَ السَّلَامُ): واقرأني جدّي من رسول اللّه وأنا صبي.(1)
{6}
[773] رؤى الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يطوف بالبيت، ثمّ صار إلى المقام فصلّی ثمّ وضع خدّه على المقام فجعل يبكي ويقول : عُبيدك ببابك، خُويدمُك ببابك، مسکینك ببابك ، يردّد ذلك مراراً، ثمّ انصرف فمرّ بمساكين معهم فلق خبزٍ يأكلون فسلّم عليهم فدعوه إلى طعامهم فجلس معهم وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لولا أنّه صدقة لأكلتُ معكم ثمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قوموا إلى منزلي فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم.(2)
{7}
[774] جني له غلام جناية توجب العقاب ، فأمر به أن يضرب.
فقال : يا مولاي والكاظمين الغيظ.
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : خلّوا عنه.
فقال : يا مولاي والعافين عن الناس.
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قد عفوتُ عنك.
ص: 253
قال : يا مولاي واللّه يحبُّ المحسنين.
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنت حرّ لوجه اللّه ولك ضِعف ما كنتُ أعطيك.(1)
{8}
[775 ]ممّا يدلّ على فتوّته و جوده وكرمه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما رواه غير واحد من أعلام الفريقين.
فمنهم : العلامة المورخ محمّد بن مكرم المشتهر بان منظور الافريقي المتوفّى سنة 711 في «مختصر تاریخ دمشق لابن عساکر» : (ج 7 ص 31 ط دار الفكر) قال :
لم يخب اليوم من رجاك و من***حرك من خلف بابك الحلقة
فأنت جواد و أنت معتمد***أبوك قد كان قاتل الفسقة
قال : وكان الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) واقفاً يصلّي، فخفّف من صلاته وخرج إلى الأعرابي، فرأى عليه أثر ضرّ وفاقة، فرجع فنادى بقنبر، فأجابه : لبّيك يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : ما تبقى معك من نفقتنا؟ قال : مائتا درهم أمرتني بتفريقها في أهل بيتك. قال : فهاتها فقد أتى من هو أحقّ بها منهم، فأخذها من قنبر وخرج فرفعها إلى الأعرابي وأنشأ يقول:
خذها فإنّي إليك معتذر***واعلم بأنّي عليك ذو شفقة
لو كان في سيرنا للغداة عصا***کانت سمانا عليك مندفقة
لكنّ ريب المنون ذو نكد***والكفّ منّا قليلة النفقة
ص: 254
فأخذها الأعرابي وولّي وهو يقول :
مطهّرون نقيّات جيوبهم***تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
فأنتم أنتم الأعلون عندكم***علم الكتاب وما جاءت به السور
من لم یکن علويّاً حين تنسبه***فماله في جميع الناس مفتخر(1)
{9}
[776] وممّا روى في ذلك ما رواه القوم :
منهم العلامة أبو المؤيّد الموفّق بن أحمد في مقتل الحسین» (ص 153 ط الغري) قال :
قال الحسن البصري:
كان الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) سيّداً زاهداً ورعاً صالحاً ناصحاً حسن الخلق ، فذهب ذات يوم مع أصحابه إلى بستانه، وكان في ذلك البستان غلام له اسمه صافي، فلمّا قرب من البستان رأى الغلام قاعداً يأكل خبزاً، فنظر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إليه وجلس عند نخلة مستتراً لا يراه ، فكان يرفع الرغيف فيرمي بنصفه إلى الكلب، ويأكل نصفه الآخر، فتعجّب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من فعل الغلام، فلمّا فرغ من أكله قال : الحمد اللّه رب العالمين، اللّهمّ اغفر لي، واغفر لسيّدي وابرك له كما باركت على أبويه برحمتك يا أرحم الراحمين.
فقام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : يا صافي.
ص: 255
فقام الغلام فزعاً وقال : يا سيّدي وسيّد المؤمنين إنّي ما رأيتك فاعف عنّي. فقال الحسين : اجعلني في حلّ یا صافي لأنّي دخلت بستانك بغير إذنك.
فقال الصافي : بفضلك يا سيّدي وكرمك وسؤددك تقول هذا.
فقال الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : رأيتك ترمي بنصف الرغيف للكلب وتأكل النصف الآخر فما معنى ذلك؟
فقال الغلام : إنّ هذا الكلب ينظر إلىّ حين آكل، فأستحي منه يا سيّدي النظره إليّ، وهذا كلبك يحرس بستانك من الأعداء فأنا عبدك، وهذا كلبك ، فأكلنا رزقك معاً.
فبكى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : أنت عتيق للّه وقد وهبتُ لك ألفي دينار بطيبة من قلبي.
فقال الغلام: إن اعتقتني فأنا أُريد القيام بیستانك.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ الرجل إذا تكلّم بكلام فينبغي أن يصدّقه بالفعل، فأنا قد قلت دخلت بستانك بغير إذنك، فصدّقت قولي، ووهبت البستان و ما فيه لك غير أنّ أصحابي هؤلاء جاءوا لأكل الثمار والرطب فاجعلهم أضيافاً لك وأكرمهم من أجلي أكرمك اللّه يوم القيامة ، وبارك لك في حسن خلقك و أدبك.
فقال الغلام: إن وهبت لي بستانك فأنا قد سبلته لأصحابك و شيعتك.
قال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فينبغي للمؤمن أن يكون كنافلة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(1)
ص: 256
{10}
[777] عمرو بن دینار قال : دخل الحسينُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) على أُسامة بن زيد وهو مريض، وهو يقول : واغمّاه، فقال له الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وما غمّك يا أخي؟
قال : دَيْني وهو ستون ألف درهم.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هو عليّ.
قال : إنّي أخشى أن أموت.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لن تموت حتّى أقضيَها عنك، قال : فقضاها قبل موته.(1)
{11}
[778] قال أنس : كنت عند الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فدخلتُ عليه جارية بطاقة ریحان، فقال لها : أنتِ حرّة لوجه اللّه، فقلت : تجيئك بطاقة ريحان لا حصر لها فتعتقها؟
قال : كذا أدّبنا اللّه، قال اللّه «وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا»(2) وكان أحسن منها عتقها. (3)
ص: 257
{12}
[779] عن عليّ بن خشرم سمعت يحيى بن عبداللّه بن بشير الباهلي، حدّثنا المبارك أو غيره، شكّ الباهلي، قال : بلغني أنّ معاوية قال ليزيد: هل بقيت لذّة من الدنيا لم تنلها؟ قال : نعم أم أبيها هند بنت سهيل بن عمر و خطبتها، وخطبها عبداللّه بن عامر بن کریز فتزوّجته وتركتني.
فأرسل معاوية إلى عبداللّه بن عامر وهو عامله على البصرة، فلمّا قدم عليه قال : إنزل عن أُمّ أبيها لوليّ عهد المسلمين يزيد.
قال : ما كنت لأفعل.
قال : أقطعك البصرة فإن لم تفعل عزلتك عنها.
قال : وإن. فلمّا خرج من عنده قال له مولاه: امرأة بامرأة أتترك البصرة بطلاق امرأة؟ فرجع إلى معاوية فقال : هي طلاق، فردّه إلى البصرة.
فلمّا دخل تلقّته أُمّ أبيها، فقال : استتري.
فقالت : فعلها اللعين واستترت..
قال : فعدّ معاوية الأيّام حتّى إذا انقضت العدّة وجّه أبا هريرة يخطبها ليزيد وقال له أمهرها بألف ألف، فخرج أبو هريرة فقدم المدينة، فمرّ بالحسين بن على (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : ما أقدمك المدينة يا أبا هريرة؟
قال : أُريد البصرة أخطب أٌمّ أبيها لوليّ عهد المسلمین یزید.
قال : فترى أن تذكرني لها.
قال : إن شئت.
قال : قد شئت.
ص: 258
فقدم أبو هريرة البصرة فقال لها: یا أُمّ أبيها إنّ أمير المؤمنين يخطبك لوليّ عهد المسلمين يزيد، وقد بذل لك في الصداق ألف ألف، ومررت بالحسين بن علي فذكرك.
قالت: فما ترى يا أبا هريرة؟
قال : ذلك إليك.
قالت : فشفة قبلها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أحبّ إليّ.
قال : فتزوجت الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ورجع أبو هريرة، فأخبر معاوية.
قال : فقال له: يا حمار ليس لهذا وجّهناك.
قال : فلمّا كان بعد ذلك حجّ عبداللّه بن عامر فمرّ بالمدينة، فلقي الحسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له : يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) تأذن لي في كلام أم أبيها؟
فقال : إذا شئت، فدخل معه البيت واستأذن على أُمّ أبيها فأذنت له، ودخل معه الحسین.
فقال لها عبداللّه بن عامر : یا أُمّ أبيها ما فعلت الوديعة الّتي استودعتك؟
قالت : عندي يا جارية هاتي سفط كذا، فجاءت به ففتحته وإذا هو مملوّ الليالي و جوهر يتلألأ، فبكى ابن عامر.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما يبكيك؟
فقال : يابن رسول اللّه أتلومني على أن أبكي على مثلها في ورعها، وكمالها، ووفائها.
قال : يابن عامر نعم المحلّل كنت لكما، هي طلاق فحجّ فلمّا رجع تزوّج بها.(1)
ص: 259
{13}
[780] عن محمّد بن علي بن حسين، قال : خرج حسين وأنا معه وهو يريد أرضه الّتي بظاهر الحرة ونحن نمشي، فأدركنا النعمان بن بشير وهو على بغلة له، فنزل فقر بها إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فقال للحسين : يا أبا عبداللّه اركب.
فقال : بل اركب أنت، أنت أحق بصدر دابتك، فإن فاطمة حدثتني أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : ذلك.
فقال النعمان : صدقت فاطمة، ولكن أخبرني أبي بشير عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنه قال : إلّا من أذن له، فركب الحسين وأردفه النعمان (أبو نعیم، کر) وفيه الحكم بن عبداللّه الايلى، وهو متروك.(1)
ص: 260
(14)
[781] عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لفاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) : يا فاطمة قومي فأخرجي تلك الصحفة، فقامت فأخرجت صحفة فيها ثرید وعراق يفور، فأكل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وفاطمة والحسن والحسين صلوات اللّه عليهم ثلاثة عشر يوماً.
ثمّ إنّ أُمّ أيمن رأت الحسين معه شيء فقالت له: من أين لك هذا؟
قال : إنّا لنأكله منذ أيّام، فأتت أُمّ أيمن فاطمة (عَلَيها السَّلَامُ) فقالت : يا فاطمة إذا كان عند أُمّ أيمن شيء فإنّما هو لفاطمة وولدها، وإذ كان عند فاطمة شيء فليس لأُمّ أيمن منه شيء؟! فأخرجت لها منه، فأكلت منه أُمّ أيمن و نفدت الصحفة.
فقال لها النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أما لولا إنّك أطعمتها لأكلت منها أنت وذريّتك إلى أن تقوم الساعة.
ثمّ قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «والصحفة عندنا يخرج بها قائمنا (عَلَيهِ السَّلَامُ) في زمانه».(1)
{15}
[782] كان الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)إذا توضّأ تغيّر لونه وارتعدت مفاصله.
فقيل له في ذلك.
فقال : حقّ لمن وقف بين يدي الملك الجبّار أن يصفرّ لونه ویر تعد
ص: 261
مفاصله.(1)
{16}
[783] عن الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : تصلّي أربع ركعات تحسن قنوتهنّ وأركانهنّ تقرأ في الأولى الحمد مرّة، و «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ»(2) سبع مرات، وفي الثانية الحمد مرّة وقوله : «مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا» (3) سبع مرات، وفي الثالثة الحمد مرة وقوله : «لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ»(4) سبع مرات، وفي الرابعة الحمد مرّة و «وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ»(5) سبع مرّات، ثمّ يسأل حاجته. (6)
{17}
[786] أما إنّهم لو كانوا دعوا اللّه بمحمّد وآله الطيّبين بصدق من نيّاتهم، وصحّة اعتقادهم من قلوبهم أن يعصمَهم اللّه حتّى لا يعاندوه بعد مشاهدة تلك المعجزات الباهرات لفعل ذلك بجوده وكرمه، ولكنّهم قصّروا فآثروا الهُوَينا
ص: 262
ومَضوا مع الهوى في طلب لذّاتهم.(1)
{18}
[785] مرّ المنذر بن الجارود بالحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : كيف أصبحت جعلني اللّه فداك يابن رسول اللّه؟
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أصبحنا وأصبحت العرب تعتدّ على العجم بأن محمّدا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) منها، وأصبحت العجم مقرة لها بذلك، وأصبحنا وأصبحت قريش يعرفون فضلنا ولا يرون ذلك لنا، ومن البلاء على هذه الأُمّة أنّا إذا دعوناهم لم يجيبونا، وإذا تركناهم لم يهتدوا بغيرنا.(2)
ص: 263
{19}
[786] أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : خرج الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) إلى مكۀة سنة ماشياً فورمت قدماه ، فقال له بعض مواليه : لو ركبت ليسكن عنك هذا الورم، فقال : كلا، إذا أتينا أهل المنزل فإنّه يستقبلك أسود ومعه دهن ، فاشتره منه ولا تماکسه» الخبر.(1)
{20}
[787] عن سعيد بن المسيّب قال : سمعت عليّ بن الحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ) ؛ يقول : إنّ رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : أخبرني إن كنت عالماً عن الناس وعن أشباه الناس وعن النسناس؟
فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا حسين أجب الرجل.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أمّا قولك : أخبرني عن الناس، فنحن الناس ولذلك قال اللّه تعالى ذكره في كتابه : «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ»(2) فرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الّذي أفاض بالناس.
وأمّا قولك : أشباه الناس، فهم شیعتنا وهم موالينا وهم منّا ولذلك قال إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ».(3).
وأمّا قولك : النسناس، فهم السواد الأعظم وأشار بيده إلى جماعة الناس
ص: 264
ثمّ قال : «إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا»(1) .(2)
{21}
[788] أتى رجل الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) فقال : حدّثني بفضلكم الّذي جعل اللّه لكم، فقال : إنّك لن تطيق حمله ، قال : بلى حدّثني يابن رسول اللّه إنّي أحتمله.
فحدّثه بحديث فما فرغ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من حديثه حتّى ابيض رأس الرجل ولحيته وأنسي الحديث، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أدركته رحمة اللّه حيث أنسي
ص: 265
الحديث.(1)
{22}
[789] أتى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أُناس فقالوا له : يا أباعبداللّه حدّثنا بفضلكم الّذي جعل اللّه لكم فقال : إنّكم لا تتحمّلونه ولا تطيقونه.
قالوا: بلی نحتمل.
قال : إن كنتم صادقين فليتنحّ اثنان وأُحدثّ واحداً فإن احتمله حدّثتكم فتنحّى اثنان وحدّث واحداً فقام طائر العقل ومرّ على وجهه وكلّمه صاحباه فلم يردّ عليهما شيئاً وانصرفوا. (2)
{23}
[790] سفيان بن عيينة قال : سألت عبيداللّه بن أبي يزيد : رأيت الحسين
ص: 266
ابن علي؟ قال : نعم رأيته جالساً في حوض زمزم، قلت : هل رأيته صبغ ؟ قال : لا إلّا أّني رأيته ولحيته سوداء إلى هذا الموضع ، يعني عنفقته(1)، وأسفل من ذلك بياض، وذكر أنّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) شاب ذلك الموضع منه وكان يتشبّه به. (2)
{246}
[791] الأصبغ بن نباتة قال : سألتُ الحسينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت : سيّدي أسألك عن شيء أنا به موقن وإنّه من سرّ اللّه وأنت المسرور إليه ذلك السرّ، فقال : يا أصبغ أتريد أن ترى مخاطبة رسول اللّه لأبي دون يوم مسجد قبا؟ قال : هذا الّذي أردت ، قال : قم فإذا أنا وهو بالكوفة فنظرت فإذا المسجد من قبل أن يرتدّ إليّ بصري، فتبسّم في وجهي فقال : يا أصبغ إن سليمان بن داود أُعطي الريح غدوّها شهر ورواحها شهر وأنا قد أُعطيتُ أكثر مما أُعطي سليمان، فقلت : صدقتَ واللّه يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فقال : نحن الّذين عندنا علمُ الكتاب و بیانُ ما فيه ، وليس لأحد من خلقه ما عندنا لأنا أهل سر اللّه فتبسّم في وجهي ثمّ قال : نحن آل اللّه وورثة رسوله، فقلت : الحمد للّه على ذلك، ثمّ قال لي: ادخل فدخلت فإذا أنا برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) محتب في المحراب بردائه فنظرت فإذا أنا بأمير المؤمنين قابض على تلابيب الأعسر، فرأيت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يعضّ على الأنامل وهو يقول : بئس الخلف خلفتني أنت وأصحابك عليكم لعنة اللّه ولعنتي.(3)
ص: 267
{25}
[792] رجلان اختصما في زمن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في امرأة وولدها ؛ فقال هذا : لي، وقال هذا : لي، فمر بهما الحسينُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال لهما: فيما ذا تمر جان؟ قال أحدُهما: إن الامرأة لي، فقال للمدّعي الأوّل : أقعد فقعد، وكان الغلام رضيعاً فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
يا هذا إصدقي من قبل أن يهتِك اللّه سترَكِ، فقالت : هذا زوجي والولد له ولا أعرف هذا، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا غلام ما تقول هذه؟ أنطق بإذن اللّه تعالى، فقال له : ما أنا لهذا ولا لهذا، وما أبي إلّا راع لآل فلان، فأمر (عَلَيهِ السَّلَامُ) برجمها.
قال جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فلم يسمع أحدٌ نطق ذلك الغلام بعدها.(1)
{26}
[793] الراوندي والحصيبي واللفظ له بإسناده عن سفيان بن عميرة التمار عن أبي عبداللّه الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : جاء رجل من موالي أبي عبداللّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) یشاوره في امرأة يتزوجها فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا أُحبّ لك أن تتزوّج بها فإنّها مشؤومة وكان محباً لها وكان كثير المال، فخالف الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وتزوجها فلم يلبث معها إلّا يسيراً حتّى ذهب اللّه بماله وركبه دَین ومات والده وأخ له و كان أحب الناس إليه ، فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما لقد أشرتُ عليك ولو كنت أطعتني ما أصابك مما أصابك فخلّ سبيلها فإن اللّه يخلف عليك ما هو خير لك منها فخلّى سبيلها،
ص: 268
فقال : عليك بفلانة فتزوجها فما خرجت سنة حتّى خلف اللّه عليه ماله وحاله وولدت له غلاما ورأى منها ما فقد في تلك السنة.(1)
{27}
[794] إنّ مريضاً شديد الحمّى عاده الحسين فلمّا دخل من باب الدار طار الحمّى عن الرجل فقال له : رضيتُ بما أُوتيتم به حقاً حقاً والحمّى يهرب عنکم، فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : واللّه ما خلق اللّه شيئاً إلّا وقد أمره بالطاعة لنا، قال : فإذا نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقول : لبيك ، قال : أليس أمير المؤمنين أمرك أن لا تقربي إلّا عدواً أو مذنباً لكي تكوني كفّارةً لذنوبه فما بالُ هذا وكان المريض عبداللّه بن شداد الهادي الليثي.(2)
{28}
[795] روي عن جابر الجعفي، عن زين العابدین (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أقبل أعرابيّ إلى المدينة ليختبر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا ذكر له من دلائله ، فلمّا صار بقرب المدينة خضخض ودخل المدينة ، فدخل على الحسين وهو جنب.
ص: 269
فقال له أبو عبداللّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما تستحيي يا أعرابيّ أن تدخل إلى إمامك وأنت جنب؟ وقال : أنتم معاشر العرب إذا خلوتم خضخضتم.(1)
{29}
[796] الراوندي عن الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أبيه أنه قال : صار جماعة من الناس بعد الحسن إلى الحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ) فقالوا: يا ابن رسول اللّه ما عندك من عجائب أبيك (عَلَيهِ السَّلَامُ) الّتي كان يريناها؟ فقال : هل تعرفون أبي ؟ قلنا : كلنا نعرفه، فرفع ستراً كان على باب بيت ثمّ قال : انظروا في البيت فنظرنا فإذا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلنا : نشهد أنه خليفة اللّه حقاً وإنّك ولده.(2)
{30}
[797] قال : إذا أراد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن ينفذ غلمانه في بعض أُموره قال الهم : لا تخرجوا يوم كذا وأخرجوا يوم كذا فإنّکم إن خالفتموني قطع علیکم، فخالفوه مرّة وخرجوا فقتلهم اللصوص، وأخذوا ما معهم، واتصل الخبر بالحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : لقد حذّرتُهم فلم يقبلوا منّي ثمّ قام من ساعته ودخل على الوالي، فقال الوالي : يا أبا عبداللّه بلغني قتل غلمانك فآجرك اللّه فيهم، فقال
ص: 270
الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فإنّي أدلّك على من قتلهم فاشدد يدك بهم.
قال : أو تعرفهم يابن رسول اللّه؟ قال : نعم كما أعرفك وهذا منهم، وأشار بيده إلى رجل واقف بين يدي الوالي، فقال الرجل : ومن أين قصدتني بهذا؟ ومن أين تعرف أني منهم؟ فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن أنا صدقتك تصدّقني، فقال الرجل : نعم واللّه لأصدّقنك، فقال : خرجت ومعك فلان وفلان وذكرهم كلّهم فمنهم أربعة من موالي المدينة والباقون من حبشان المدينة.
فقال الوالي : ورب القبر والمنبر لتصدقني أو لاهر أنّ لحمك بالسياط ، فقال الرجل : واللّه ما كذب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويصدق(1) وكأنّه كان معنا، فجمعهم الوالي جميعاً فأقرّوا جميعاً، فضرب أعناقهم.(2)
{31}
[798] عن صالح بن میثم، قال : دخلتُ أنا وعباية بن ربعي على امرأة من بني والبة يقال لها : حبابة الوالبية قد احتزّ(3) وجهها من السجود، فقال عباية : یا حبابة، هذا ابنُ أخيك.
قالت : أيّ أخ؟
قال : صالح بن میثم.
ص: 271
قالت : ابنُ أخي واللّه حقاً، يابن أخي، ألا أُحدّثك حديثاً سمعته من الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) ؟
قلت : بلى ياعمّة.
قالت : كنتُ زوّارةً للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحدث بين عيني وضح(1)، فشقّ ذلك عليّ، واحتبستُ عنه أيّاما، فسأل عنّي : ما فعلت حبابة الوالبية؟ فقالوا: إنّها حَدَث بها وضح بين عينيها. فقال لأصحابه : قوموا بنا، فقام حتّى دخل عليّ وأنا
في مسجدي هذا.
فقال : يا حبابة، ما الّذي أبطأ بك عليّ؟
فقلت : يابن رسول اللّه، ماذاك الّذي منعني إلّا وضح حدث بين عيني، فكرهُت اتيانَك. فنظر إليّ فكشفتُ القناع، وتفل عليه ، فقال : يا حبابة أُسجدي للّه شكراً، فإنّ اللّه قد در أه عنك ، قالت : فخررتُ ساجدةً للّه تعالی.
وقال : يا حبابة، إرفعي رأسك وانظري في مرآتك.
قالت : فرفعت رأسي ونظرت في المرآة، فلم أحسّ منه شيئاً، فحمدت اللّه تعالى، فنظر إلي وقال : يا حبابة ، نحن وشیعتنا على الفطرة، وسائر الناس منه براء.(2)
{32}
[799] قال عصام بن المصطلق : دخلت المدينة فرأيت الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) فأعجبني سمته ورواؤه وأثار من الحسد ما كان يخفيه صدري لأبيه من
ص: 272
البغض، فقلت له : أنت ابن أبي تراب؟
فقال : نعم. فبالغت في شتمه و شتم أبيه! فنظر إليّ نظرة عاطف رؤوف ثمّ قال : أعوذ باللّه من الشيطان الرجیم بسم اللّه الرحمن الرحيم «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ»(1).
ثمّ قال لي: خفض عليك أستغفر اللّه لي ولك، إنّك لو استعنتنا لأعنّاك ولو استرفدتنا لرفدناك ولو استرشدتنا لأرشدناك.
قال عصام : فتوسّم منّي الندم على ما فرط(2)منّي.
فقال: «لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» (3)، أمن أهل الشام أنت؟
قلت : نعم.
این فقال : شنشنة أعرفها من أخزم، حيانا اللّه وإيّاك انبسط إلينا في حوائجك وما يعرض لك تجدني عند أفضل ظنّك إن شاء اللّه تعالى.
قال عصام: فضاقت عليّ الأرض بما رحبت ووددتُ لو ساخت بي ثمّ سللت منه لواذاً وما على الأرض أحبّ إلي منه ومن أبيه.
أقول: لا تثريب أي لا تأنيب عليكم ولا عتب.
روی صاحب الكشاف في ذكر عفو يوسف الصدّيق (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن إخوته وقوله لهم : «لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ» رواية يعجبني نقلها هاهنا وهي: أنّ إخوة يوسف
ص: 273
لمّا عرفوه أرسلوا إليه إنّك تدعونا إلى طعامك بكرة وعشيّاً ونحن نستحيي منك لمّا فرط منا قبل. فقال يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ أهل مصر وإن ملكت فيهم فإنّهم ينظرون إليّ بالعين الأُولى ويقولون سبحان من بلغ عبداً بيع بعشرين درهماً ما بلغ، ولقد شرفت الآن بكم وعظمت في العيون حيث علم الناس أنّكم إخوتي وإنّي من حفدة إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ).(1)
أُنظر إلى هذه الشيمة الكريمة من يوسف الصدّيق (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع إخوته، وكأنّ الشاعر نظم لسان حالهم بقوله:
قلت ثقلت إذ أتيت مراراً***قال ثقلت كاهلي بالأيادي
قلت طولت قال لا بل تطولت***وأبرمت قال حبل ودادي
«شنشنة أعرفها من أخزم»، هذا عجز بیت وصدره: «إن بني ضر جوني بالدم» والشعر لجد أبي حاتم، وكان له ابن يقال له أخزم قيل : كان عاقاً فمات وترك بنين فوثبوا يوماً على جدّهم أبي أخزم فأدموه ، فقال : إن بني- الخ. يعني : إنّ هؤلاء أشبهوا أباهم في العقوق.
والشنشنة : الطبيعة والعادة، ولعلّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أراد من ذكر هذا المثل أنّ هذا الشتم والسب شنشنة أعرفها من أهل الشام لأنّ معاوية سنّ فيهم هذه السنّة القبيحة فكانوا يعلنون بسب أمير المومنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على المنابر.(2)
ص: 274
{33}
[800] قال أبو علي : وعلى خاتم أبي جعفر السمان رضي اللّه عنه لا إله إلّا اللّه الملك الحقّ المبين، فسألته عنه فقال : حدّثني أبو محمّد يعني صاحب العسكر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) أنّهم قالوا: كان لفاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) خاتم فضّة عقيق ، فلمّا حضرتها الوفاة دفعته إلى الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فلمّا حضرته الوفاة دفعه إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فاشتهيتُ أن أنقش عليه شيئاً، فرأيتُ في النوم المسيح عیسی بن مریم على نبيّنا وآله وعليه السلام، فقلت له : يا روح اللّه ما أنقش على خاتمي هذا؟ قال : انقش عليه : لا إله إلّا اللّه الملك الحقّ المبين، فإنّه أوّل التوراة وآخر الإنجيل.(1)
{34}
[801] في حديث مقاتل عن زين العابدين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنّ امرأة ملك بني إسرائيل كبرت وأرادت أن تزوّج بنتها منه للملك فاستشار الملك يحیی بن زکریا فنهاه عن ذلك، فعرفت المرأة ذلك وزيّنت بنتَها وبعثتها إلى الملك فذهبت ولعبت بين يديه ، فقال لها الملك : ما حاجتك؟ قالت : رأس يحيى بن زكريا، فقال الملك : يا بنيّة حاجة غير هذه، قالت : ما أريد غيرَه، وكان الملك إذا كذب فيهم عزل عن ملکه فخیر بین ملکه وبين قتل یحیی فقتله، ثمّ بعث برأسه إليها في
ص: 275
طشت من ذهب فأمرت الأرض فأخذتها، وسلّط اللّه عليهم بخت نّصر فجعل يرمي عليهم بالمناجيق ولا تعمل شيئاً، فخرجت عليه عجوز من المدينة فقالت : أيّها الملك إنه هذه مدينة الأنبياء لا تنفتح إلّا بما أدلك عليه ، قال : لك ما سألت ، قالت : ارمها بالخبث والعذرة ففعل فتقطعت فدخلها فقال : عليّ بالعجوز، فقال لها: ما حاجتك؟ قالت : في المدينة دم يغلي فاقتل عليه حتّى يسكن، فقتل عليه سبعين ألفا حتّى سكن.
يا ولدي يا عليّ واللّه لا يسكن دمي حتّى يبعث اللّه المهدي فيقتل على دمي من المنافقين الكفرة الفسقة سبعين ألفاً.(1)
{35}
[802] مرّ الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) براع فأهدى الراعي إليه شاة فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حرّ أنت أم مملوك؟ فقال : مملوك، فردّها الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عليه فقال له المملوك: انّها لي، فقبلها منه ثمّ اشتراه واشترى الغنم فأعتقه و جعل الغنم له.(2)
{36}
[803] خرج الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى سفر فأضلّ طريقه ليلاً فمرّ براعي غنم فنزل عنده فألطفه وبات عنده، فلمّا أصبح دله على الطريق فقال له الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّي ماض إلى ضيعتي، ثمّ أعود إلى المدينة ووقّت له وقتاً وقال له : تأتيني به، فلمّا جاء
ص: 276
الوقت شغل الحسن بشيء من أموره عن قدوم المدينة ، فجاء الراعي وكان عبداً الرجل من أهل المدينة فصار إلى الحسين وهو يظنّه الحسن فقال : أنا العبد الّذي بتّ عندي ليلة كذا، ووعدتني أن أصير إليك في هذا الوقت وأراه علامات عرف الحسين أنّه الحسن، فقال الحسين له: لمن أنت يا غلام؟ فقال : لفلان، فقال : کم غنمك؟ قال : ثلاثمائة فأرسل إلى الرجل فرغّبه حتّى باعه الغنم والعبد فأعتقه، ووهب له الغنم مکافاة لمّا صنع مع أخيه وقال : إنّ الّذي بات عندك أخي وقد كافأتك بفعلك معه.(1)
{37}
[806] عن جعيد الهمداني، وكان جعيد ممن خرج مع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بکربلا قال : فقلت للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلت فداك بأيّ شيء تحكمون؟ قال : يا جعید نحكم بحكم آل داود، فإذا عيبنا(2) عن شيء تلقّانا به روح القدس. (3)
{38}
[805] عن يحيى بن أُمّ الطويل قال : كنّا عند الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)شابّ يبكي، فقال له الحسين : ما يبكيك؟
ص: 277
قال : إنّ والدتي توفّيت في هذه الساعة ولم توص، ولها مال و كانت قد أمرتني أن لا أُحدّث في أمرها شيئاً حتّى أعلمك خبرَها.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قوموا بنا حتّى نصير إلى هذا الحرّة.
فقمنا معه حتّى انتهينا إلى باب البيت الّذي فيه المرأة وهي مُسَجّاة فأشرف على البيت، ودعا اللّه ليحييها حتّى توصي بما تحبّ من وصيّتها وأحياها اللّه ، وإذا المرأة جلست وهي تتشهد، ثمّ نظرت إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقالت : أُدخل البيت یا مولاي ومرني بأمرك.
فدخل وجلس على مخدّة ثمّ قال لها : وصي، يرحمكِ اللّه.
فقالت : يابن رسول اللّه إنّ لي من المال كذا وكذا في مكان كذا وكذا وقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك، والثلثان لابني هذا إن علمت أنه من مواليك وأوليائك ، وإن كان مخالفاً فخذه إليكن فلا حقّ للمخالفين في أموال المؤمنين.
ثمّ سألته أن يصلّي عليها وأن يتولّى أمرها، ثمّ صارت المرأة ميتة كما كانت. (1)
ص: 278
ص: 279
{1}
[806] الربيع بن منذر الثوري، عن أبيه قال : سمعت الحسين بن علي يقول : من دمعت عينه فينا دمعة أو قطرت عينه فينا قطرة أثواه اللّه بها في الجنّة حِقَباً، وإن دخل النار أخرجته منها.
قال جعفر بن محمّد: قال أحمد بن يحيی: فرأيت الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيما يرى النائم فقلت : يابن رسول اللّه حدّثني مخول بن إبراهيم، عن محمّد بن بكر ، عن الربيع بن منذر الثوري، عن أبيه، أنه سمعك تقول - فذكر الحديث مثل ما تقدم.
ثمّ قال : أفحدثته بهذا؟ فقال : نعم أنا قلته. قال : قلت : أفأرويه عنك؟ قال : اروه. قلت : سقط الاسناد بيني وبينك ؟ قال : قد سقط. فكان أحمد بن يحيى يقول : حدّثني الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيما.. .(1)
{2}
[807] نظر أمير المؤمنين إلى الحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ) فقال : يا عبرة كلّ مؤمن، فقال :
ص: 280
أنا يا أبتاه ؟ قال : نعم، يا بنيّ..(1)
{3}
[808] أنا قتيل العبرة قتلت مكروباً، وحقیق على اللّه أن لا يأتيَني مكروبٌ إلّا ردّه وأقلبه إلى أهله مسروراً. (2)
ص: 281
{4}
[809] مسنداً عن أبي عبداللّه جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) عن أبيه علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال له : واللّه التقتلنّ بأرض العراق وتُدفن بها، قلت : يا رسولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ما لِمَن زار قبورَنا وعمّرها وتعاهدها؟ فقال لي : يا أبا الحسن إنّ اللّه تعالى جعل قبرك وقبرَ ولدك بقاعاً من بقاع الجنّة وعرصةً من عَرَصاتها، وإنّ اللّه جعل قلوبَ نجباءٍ من خَلقه وصفوةٍ من عباده تحِنُّ إليكم، وتحتمل المذلّة والأذى فيكم فيعمّرون قبوركم ويكثرون زیارتَها تقربّاً منهم إلى اللّه ومودّةً منهم لرسوله، أُولئك يا عليّ المخصوصون بشفاعتي، الواردون حوضي، وهم زوّاري غداً في الجنّة.
يا على من عمّر قبوركم وتعاهدها فكأنّما أعان سلیمان بن داود على بناء بيت المقدس.
ومن زار قبوركم عدل ذلك ثواب سبعين حجّة بعد حجّة الإسلام وخرج من ذنوبه حتّى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أُمّه ، فأبشِر وبشّر أولياءك ومحبّيك من النعيم وقرّة العين بما لا عينٌ رأت، ولا أُذنُ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
ولكن حُثالة (1) من الناس يُعيِّرون زوّار قبورکم کما تُعَیَّر الزانيةُ بزنائها ، أُولئك شرارُ أُمّتي، لا أنالهم اللّه شفاعتي، ولا يَردون حوضي. (2)
ص: 282
{5}
[810] روي أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )كان ذات يوم جالساً وحوله فاطمة والحسن والحسين (عَلَيهِم السَّلَامُ) فقال لهم: كيف بكم إذا كنتم صرعى وقبوركم شتّى؟ فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنموت موتاً أو نقتل؟ فقال : بل تقتل يابُنيّ ظلماً ويُقتل أخوك ظلماً وتشرّد ذراريكم في الأرض، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ومن يقتلنا یا رسول اللّه؟ قال : شرار الناس، قال : فهل يزورنا بعد قتلنا أحد؟ قال : نعم يا بُنيّ طائفةٌ من أُمّتي يريدون بزيارتكم برّي وصلتي، فإذا كان يوم القيامة جئتهما إلى الموقف حتّى آخذ بأعضادهما فأخلصهما من أهواله وشدائده. (1)
{6}
[811] عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال عليّ للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا عبداللّه أسوة أنت قدماً.
فقال : جعلت فداك ما حالي؟
قال : علمت ما جهلوا وسينتفع عالم بما علم، یا بنيّ اسمع وأبصر من قبل أن يأتيك، فوالّذي نفسي بيده لیسفکنّ بنو أُميّة دمك ثمّ لا يريدونك عن دينك ، ولا ينسونك ذكر ربّك.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : والّذي نفسي بيده حسبي، وأقررت بما أنزل اللّه (1)
ص: 283
وأُصدّق نبي اللّه ولا أُكذّب قول أبي. (1)
{7}
[812] في رواية أتته لمّا أراد العراق قالت له أُمّ سلمة : لاتخرج إلى العراق، فقد سمعتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : يقتل ابني الحسين بأرض العراق، وعندي تربة دفعها إليّ في قارورة.
. فقال لها: يا أُمّاه قد شاء اللّه عزّ وجلّ أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً، وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي و نسائي مشرّدين، وأطفالي مذبوحين مظلومین مأسورين مقيّدين، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً ولا مُعيناً.
وفي رواية أُخرى : قالت أُمّ سلمة : وعندي تربة دفعها إلىّ جدّك في قارورة فقال : واللّه إنّي مقتول كذلك، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضاً، ثمّ أخذ تربة فجعلها في قارورة وأعطاها إيّاها، وقال : اجعلها مع قارورة جدّي فإذا فاضتا دماً فاعلمي أنّي قد قتلت.
فقالت أُمّ سلمة : فلمّا كان يوم عاشوراء نظرت إلى القارورتين بعد الظهر فإذا هما قد فاضتا دماً فصحت.(2)
ص: 284
{8}
[813] عن الأعمش، قال : سمعت أبا صالح التمّار يقول : سمعت حذيفة يقول : سمعت الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: واللّه ليجتمعنّ على قتلي طغاة بني أُميّة ويقدمهم عمر بن سعد، وذلك في حياة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
فقلت له أنبأك بهذا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟ قال: لا، فأتيت النبي فأخبرته، فقال : علمي علمه، وعلمه علمي، وإنّا لنعلم بالكائن قبل كينونته. (1)
{9}
[814] لمّا كان وقت السحر خفق الحسين برأسه خفقة ثمّ أستيقظ فقال : أتعلمون ما رأيت في منامي الساعة؟
فقالوا: وما الّذي رأيت یابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟
فقال : رأيتُ كأنّ کلاباً قد شدّت عليّ لتنهشني و فيها كلب أبقع رأيته أشدّها علىّ وأظنّ أنّ الّذي يتولّى قتلي رجل أبرص من بين هؤلاء القوم، ثمّ إنّي رأيت بعد ذلك جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ومعه جماعة من أصحابه وهو يقول لي : يا بنيّ أنت شهید آل محمّد، وقد استبشر بك أهل السماوات وأهل الصفيع الأعلى فليكن إفطارك عندي الليلة ، عجّل ولا تؤخّر! فهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء، فهذا مارأيتُ وقد أزف الأمر واقترب الرحيل من هذه
ص: 285
الدنيا لا شكّ في ذلك.(1)
{10}
[815] حدّثني من شافه الحسين بهذا الكلام قال : حججت فأخذت ناحية الطريق أتعسّف الطريق، فدفعت إلى أبنية وأخبية فأتيت أدناها فسطاطاً ، فقلت : لمن هذا؟ فقالوا: للحسين بن علي رضي اللّه عنه. فقلت : ابن فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟ قالوا: نعم. قلت : في أيّها هو؟ فأشاروا إلى فسطاط، فأتيت الفسطاط ، فإذا هو قاعد عند عمود الفسطاط ، وإذا بين يديه كتب كثيرة يقرأها ، فقلت : بأبي أنت وأُمّي ما أجلسك في هذا الموضع الّذي ليس فيه أنيس ولا منفعة؟ قال : إنّ هؤلاء. يعني السلطان - أخافوني، وهذه كتب أهل الكوفة إليّ وهم قاتلي، فإذا فعلوا ذلك لم يتركوا للّه حرمة إلّا انتهكوها، فسلّط اللّه عليهم من يذلّهم حتّى يتركهم أذلّ من فرم الأُمّة. قال جعفر: فسألت الأصمعي عن ذلك، قال : هي خرقة الحيضة إذا ألقتها النساء. (2)(3)
ص: 286
{11}
[816] فلمّا أصبح الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وإذا برجل من الكوفة يكنّى أبا هرّة الأزدي أتاه فسلّم عليه ثمّ قال : يابن بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )! ما الّذي أخرجك عن حرم اللّه و حرم جدّك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا هرّة! إن بني أُميّة أخذوا مالي فصبرت ، وشتموا عِرضي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت، وأيم اللّه يا أباهرّة لتقتلني الفئة الباغية ! وليلبسهم اللّه ذلاً شاملاً وسيفاً قاطعاً، وليُسلّطنّ اللّه عليهم من يذلّهم حتّى يكونا أذلّ من قوم سبا إذ ملكتهم امرأة منهم فحكمت في أموالهم وفي دمائهم.(1)
{12}
[817] قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : واللّه ليعتدنّ عليّ كما اعتدت بنو إسرائيل في السبت.(2)
ملحقات الإحقاق : ج 27 ص 302 و 303 : وترجمة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تاريخ دمشق : ص 211؛ والبداية والنهاية : ج 8 ص 169؛ وبحار الأنوار : ج 44 ص 318.
ص: 287
333إنهم ليسوا بسفهاء
{13}
[818] روی سالم بن أبي حفصة، قال : قال عمر بن سعد للحسين : یا اباعبداللّه إن قبلنا أُناساً سفهاء يزعمون انّي أقتلك.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّهم ليسوا بسفهاء ولكنّهم حلماء، أما أنّه يقرّ بعيني أنّك لا تأكل برّ العراق بعدي إلّا قليلاً.(1)
{14}
[819] حدّثنا إبراهيم بن سعيد - وكان مع زهير بن القین حین صحب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كما اخبر - قال : قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) له: يا زهير إعلم أنّ هاهنا مشهدي ويحمل هذا. وأشار إلى رأسه من جسده - زحر بن قیس، فيدخل به على يزيد پر جو نواله فلا يعطيه شيئاً.(2)
ص: 288
{15}
[820] قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في كتابه ( البُرصان):
ومن البرصان، شمر بن ذي الجوشن الضبابي، قال الحسين بن علي بن أبي طالب رحمة اللّه عليه - قبل أن يقتله بليلة - : إنّي رأيتُ في المنام كأنّ كلباً أبقع يلغ في دمائنا، فعبرته هذا الأبرص الضبابي، يعني شمر بن ذي الجوشن ، كان الرئيس في قتل الحسين بن علي، والملك يزيد بن معاوية، وكان أمير العراق الّذي جهَّز الجيش وعقد اللواء عبیداللّه بن زياد، وكان صاحب الجيش وأمير الجماعة عمر بن سعد، وكان قائده الاكبر شمر بن ذي الجوشن، وكان الّذي تولّى قتله یزید بن خولي، والّذي حفظ ظهر يزيد حتّى نزل إليه وحزّ رأسه سنان بن أنس. (1)
{16}
[821] روي أن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا توجّه إلى العراق، أتاه ابن العبّاس فناشده اللّه والرحم أن يكون هو المقتول بالطف قال : يابن عبّاس أنا أُقتل في يوم عاشوراء في وقت كذا لا معقب لحكم اللّه تعالى.(2)
ص: 289
{17}
[822] روى أبو جعفر الطبري، عن الواقدي وزرارة بن صالح قال : لقينا الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قبل خروجه إلى العراق بثلاثة أيّام فأخبرناه بهوى الناس بالكوفة، وأنّ قلوبهم معه وسيوفهم عليه، فأومأ بيده نحو السماء ففتحت أبواب السماء ونزلت الملائكة عدداً لا يحصيهم إلّا اللّه.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لولا تقارب الأشياء، وحبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء، ولكن أعلم يقيناً أنّ هناك مصرعي ومصرع أصحابي، ولا ينجو منهم إلّا ولدي عليّ.(1)
{18}
.[823] قال أبو عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن امرأة كانت تطوف و خلفها رجل فأخرجت ذراعها فمال بيده حتّى وضعها على ذراعها فأثبت اللّه يده في ذراعها حتّى قطع الطواف و أرسل إلى الأمير واجتمع الناس وأرسل إلى الفقهاء فجعلوا يقولون : اقطع يده فهو الّذي جنى الجناية فقال : ههنا أحد من ولد محمّد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ فقالوا: نعم الحسين بن علي قدم الليلة، فأرسل إليه فدعاه فقال : انظر مالقي ذان ؛ فاستقبل الكعبة ورفع يديه فمکث طويلاً يدعو ثمّ جاء إليها حتّى تخلّصت يده من يدها ؛ فقال الأمير : ألا نعاقبه بما صنع؟ قال : لا.(2)
ص: 290
{19}
[824]قا أبو مخنف : فحدّثني حسين أبو جعفر(عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ثمّ إنّ رجلاً من بني تميم يقال له عبداللّه بن حوزة، جاء حتّى وقف أمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : یا حسین یا حسین ، فقال حسين ماتشاء؟ قال : أبشر بالنار، قال : كلاً إنّي أقدم على ربّ رحیم وشفيع مطاع من هذا؟ قال له أصحابه : هذا ابن حوزة، قال : ربّ حزه إلى النار، قال : فاضطرب به فرسه في جدول فوقع فيه وتعلّقت رجله بالركاب ووقع رأسه في الأرض ونفر الفرس فأخذه يمر به فيضرب برأسه كلّ حجر وكلّ شجرة حتّى مات.
وقال :
قال أبو مخنف عن عطاء بن السائب ، عن عبدالجبّار بن وائل الحضرمي ، عن أخيه مسروق بن وائل قال : كنت في أوائل الخيل ممّن سار إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت : أكون في أوائلها لعلّي أُصيب برأس الحسين فأُصيب به منزلة عند عبيداللّه بن زياد قال : فلمّا انتهينا إلى حسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) تقدم رجل من القوم يقال له ابن حوزة، فقال : أفيكم حسين ؟ قال : فسکت حسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فقالها ثانية فسكت حتّى إذا كانت الثالثة، قال : قولوا له : نعم هذا حسین فما حاجتك؟ قال : يا حسين أبشر بالنار، قال : كذبت بل أقدم على ربّ غفور وشفيع مطاع فمن أنت؟ قال : ابن حوزة، قال : فرفع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يديه حتّى رأينا بياض ابطيه من فوق الثياب ثمّ قال : اللّهمّ حزه إلى النار، قال : فغضب ابن حوزة فذهب ليقحم إليه الفرس و بينه وبينه نهر ، قال : فعلقت قدمه بالركاب وجالت به الفرس فسقط عنها قال : فانقطعت قدمه وساقه وفخذه وبقى جانبه الآخر متعلّقاً بالركاب، قال : فرجع مسروق وترك
ص: 291
الخيل من ورائه ، قال : فسألته فقال : لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئاً لا أقاتلهم أبداً قال : ونشب القتال.
وقال :
قال أبو مخنف : أمّا سوید بن حيّة فزعم لي أنّ عبداللّه بن حوزة حين وقع فرسه بقيت رجله اليسرى في الركاب وارتفعت اليمنى فطارت وعدا به فرسه يضرب رأسه كلّ حجر وأصل شجرة حتّى مات.
وقال ابن اعثمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كذبت يا عدوّ اللّه، إنّي قادم على ربّ رحیم، وشفيع مطاع وذلك جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، ثمّ قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من هذا الرجل؟
فقالوا : هذا مالك بن حوزة.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّهمّ حزه إلى النار، وأذقه حرّها في الدنيا قبل مصيره إلى الآخرة.(1)
{20}
[825] ثمّ (أي بعد ارساله (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنس إلى القوم ليعظهم) إنّ عمر بن سعد جعل في الميمنة من جيشه سنان بن أنس النخعي، وجعل في الميسرة الشمر بن ذي الجوشن الضبابي مع كلّ واحد منهما أربعة آلاف فارس ووقف عمر وباقي أصحابه في القلب، وجعل الحسين رضي اللّه عنه في الميمنة من جيشه زهیر بن القين معه عشرون رجلاً، وجعل في الميسرة حبیب بن مظاهر في ثلاثين فارس،
ص: 292
ووقف هو وباقي جيشه في القلب، وحفروا حول الخيمة خندقاً وملئوه ناراً حتّى يكون الحرب من جهة واحدة، فقال رجل ملعون : عجّلت یا حسین بنار الدنيا قبل نار الآخر، فقال الحسين رضي اللّه عنه : تعيّرني بالنار وأبي قاسمها وربّي غفور رحیم؟! ثمّ قال لأصحابه : أتعرفون هذا الرجل؟ فقالوا : هو جبيرة الكلبي لعنه اللّه، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّهمّ احرقه بالنار في الدنيا قبل نار الآخرة فما استتمّ كلامه حتّى تحرك به جواد فطرحه مكبّاً على رأسه في وسط النار فاحترق فكبّروا ونادى مناد من السماء هنیت بالإجابة سريعاً يابن رسول اللّه، قال عبداللّه بن مسرور : لمّا رأيت ذلك رجعت عن حرب الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ).(1)
{21}
[826] روى الطبري، عن القاسم بن الأصبغ بن نباتة ، قال : حدّثني مَن شهد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في عسكره أنّ حسیناً حين غُلِب على عسكره ركب المسنّاة يريد الفرات، قال : فقال رجل من بني أبان بن دارم : ویلکم! حولوا بينه وبين الماء لاتتامّ إليه شيعتُه ؛ قال : وضرب فرسه، وأتبعه الناس حتّى حالوا بينه وبين الفرات، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّهمّ أظمِئه قال : وينتزع الاباني بسهم، فأثبتَه في حنك الحسين، قال : فانتزع الحسين السهمَ، ثمّ بسط کفّیه فامتلأت دماً، ثمّ قال الحسين : اللّهمّ إنّي أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيّك ؛ قال : فواللّه إن مکث الرجلُ إلّا يسيراً حتّى صبّ اللّه عليه الظمأ، فجعل ولا يَروی.
ص: 293
قال القاسم بن الأصبغ : لقد رأيتنُي فيمن يروّح عنه والماء يبرَّد له فيه السكر وعِساس فيها اللبن، وقِلال فيها الماء، وإنه ليقول : ویلکم! اسقُوني قتلني الظمأ، فيُعطى القُلّة أو العُسّ كان مروياً أهل البيت فيشربه ، فإذا نزعه من فيه اضطجع الهُنيْهَة ثمّ يقول: ویلکم! اسقوني قتلني الظمأ ؛ قال : فواللّه ما لبث إلّا يسيراً حتّى انقدّ بطنُه انقداد بطن البعير.(1)
{22}
[827] قال الطبري: جاء من عبيد اللّه بن زیاد کتابٌ إلى عمر بن سعد: أمّا بعد، فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء، ولا يذوقوا منه قطرةً، كما صُنع بالتقيّ الزكيّ المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفّان. قال : فبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجّاج على خمسمائة فارس، فنزلوا على الشريعة، وحالوا بين حسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأصحابه وبين الماء أن يُسقَوا منه قطرة، وذلك قبل قتل الحسين بثلاث. قال : ونازله عبداللّه بن أبي حُصين الأزدي - وعَدادة في بجيلة - فقال : يا حسين، ألا تنظر إلى الماء كأنّه كبد السماء! واللّه لا تذوق منه قطرة حتّى تموت عطشاً ؛ فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّهمّ اقتله عطشاً ولا تغفر له أبداً. قال حميد بن مسلم : واللّه لعُدتُه بعد ذلك في مرضه، فواللّه الّذي لا إله إلّا هو لقد رأيته يشرب حتّى بَغَر، ثمّ يقيء، ثمّ يعود فيشرب حتّى يبغر فمایروی، فما زال ذلك دأبه حتّى
ص: 294
لَفَظَ غصّته یعني نفسه.(1)
{23}
[828] عن الإمام السجّاد (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ثمّ برز من عسكر عمرَ بن سعد رجلٌ آخر يقال له: تمیم بن الحصين الفزاري، فنادى یا حسین و یا أصحابَ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنّه بطون الحيّات (الحيتان)؟! واللّه لاذُقتم منه قطرةً حتّى تذوقوا الموتَ جزعاً، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من الرجل؟ فقيل : تمیم بن حصين، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هذا وأبوه من أهل النار، اللّهمّ اقنُل هذا عطشاً في هذا اليوم، قال فخَنَقه العطشُ حتّى سقط عن فرسه فوطأته الخيل بسَنابكها فمات.(2)
{24}
[829] عن الكلبي قال : رمى رجل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو يشرب، فشدّ شدقه فقال : لا أرواك اللّه، قال : فشرب حتّى تفطّر.(3)
ص: 295
{25}
[830] اللّهمّ أحصهم عدداً واقتلهم بدداً، ولا تذَر على الأرض منهم أحداً.(1)
ص: 296
{26}
[831] جعل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا يطلب الماء وشمر يقول له : واللّه لا ترده أو ترد النار، فقال له رجل: ألا ترى إلى الفرات يا حسين كأنّه بطون الحيتان، واللّه. لا تذوقه أو تموت عطشاً.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّهمّ أمته عطشاً.
قال : واللّه لقد كان هذا الرجل يقول : اسقوني ماء، فيؤتى بماء فيشرب حتّى يخرج من فيه، ثمّ يقول : اسقوني قتلني العطش، فلم يزل كذلك حتّى مات.(1)
{27}
[832] ومن كراماته رضي اللّه عنه، أنّه دعا على مالك بن السير الّذي ضربه على رأسه بالسيف فأدماه بقوله : لا أكلت ولا شربت، وحشرك اللّه مع الظالمين، فلم يزل فقيراً بشر حتّى مات.(2)
ص: 297
{28}
[833] عن الإمام السجاد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ثمّ أقبل رجل آخر من عسكر عمر بن سعد يقال له محمّد بن أشعث بن قيس الكندي، فقال : يا حسين بن فاطمة أيّة حرمة لك من رسول اللّه ليست لغيرك؟ قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في هذه الآية : «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ* ذُرِّيَّةً »(1)، ثمّ قال واللّه إنّ محمّداٌ لمن آل إبراهيم وأنّ العترة الهادي لمن آل محمّد، مَن الرجل فقيل محمّد بن أشعث بن قيس الكندي فرفع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رأسه إلى السماء فقال اللّهمّ أرِ محمّد بن الأشعث ذلّا في هذا اليوم لا تعزّه هذا اليوم أبداً، فعرض له عارض فخرج من العسكر يتبرز فسلّط اللّه عليه عقرباً فلدغه فمات بادي العورة.(2)
[836] بايع الناسُ ليزيد بن معاوية غيرَ الحسين بن عليّ، وابن عمر ، وابن الزبير، وعبدالرحمن بن أبي بكر، وابن عبّاس ؛ فلمّا قدم معاوية أرسل إلى
ص: 298
الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فقال : يابن أخي، قد استوسق الناس لهذا الأمر غيرَ خمسة نفر من قريش أنت تقودُهم، يابنَ أخي، فلم إربك إلى الخلاف؟ قال : أنا أقودهم ! قال : نعم، أنت تقودهم، قال : فأرِسل إليهم، فإن بايعوا کنتُ رجلاً منهم، وإلّا لم تكن عجلَت عليّ بأمر ؛ قال : وتفعل؟ قال : نعم ؛ قال : فأخذ عليه ألّا يُخبر بحديثهم أحداً قال : فالتوى عليه، ثمّ أعطاه ذلك، فخرج وقد أقعد له ابن الزبير رجلاً بالطريق قال: يقول لك أخوك إبنُ الزبير : ماکان؟ فلم يزل به حتّى إستخرج منه شيئاً ثمّ أرسل بعدَه إلى ابن الزبير ، فقال له : قد استوسق الناسُ لهذا الأمر غير خمسة نفر من قريش أنت تقودهم؛ يابن أخي ! فما إربك إلى الخلاف؟ قال : أنا أقودهم! قال : نعم، أنت تقودهم ؛ قال : فأرسل إليهم فإن بايعوا کنتُ رجلاً منهم، وإلّا لم تكن عجلتَ عليّ بأمر ؛ قال : وتفعل؟ قال : نعم؛ قال : فأخذ عليه ألّا يخبر بحديثهم أحداً، قال : يا أمير المؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ) نحن في حرم اللّه عزّوجلّ، وعهدُ اللّه سبحانه ثقيل، فأبى عليه وخرج.
ثمّ أرسل بعدَه إلى ابن عمر فكلّمه بكلام هو ألين من كلام صاحبه ، فقال : إنّي أرهب أن أدع أُمّة محمّد بعدي كالضأن لا راعيَ لها، وقد استوسَق الناس لهذا الأمر غيرَ خمسة نفر من قريش أنت تقودهم، فما إربك إلى الخلاف؟ قال : هل لك في أمر يُذهب الذمّ، ويحقن الدم، وتُدرك به حاجتك؟ قال : وددتُ ! قال : تبرز سريرك، ثمّ أجيء فأُبايعك ، على أنّي أدخل بعدك فيما تجتمع عليه الأُمّة؛ فواللّه لو أنّ الأُمّة اجتمعت بعدك على عبد حبشيّ لدخلتُ فيما تدخل فيه الأُمّة ؛ قال : وتفعل؟ قال: نعم، ثمّ خرج فأتى منزله فأطبق بابه ، وجعل الناس يجيون فلا يأذن لهم.
فأرسل إلى عبدالرحمن بن أبي بكر، فقال : يابن أبي بكر، بأيّة يد أو رجل تُقدم على معصيتي! قال : أرجو أن يكون ذلك خيراً لي؛ فقال : واللّه لقد
ص: 299
هممتُ أن أقتلك ؛ قال : لو فعلت لأتبعك اللّه به لعنةً في الدنيا، وأدخلك به في الآخرة النار، قال : ولم يذكر ابن عباس. (1)
{30}
[835] لمّا هلك معاوية كتب يزيد إلى الولید بن عتبة بالمدينة :
بسم اللّه الرحمن الرحيم، من يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة ، أمّا بعد، فإنّ معاوية كان عبداً من عباد اللّه، أكرمه اللّه واستخلَفَه، وخوّله، ومكّن له، فعاش بقَدَر، ومات بأجل، فرحمه اللّه، فقد عاش محموداً، ومات براً تقيّاً، والسلام!
وكتب إليه في صحيفة كأنّها أذن فأرة : أمّا بعد، فخذ حَسيناً وعبد اللّه بن عمر وعبداللّه بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رُخصة حتّى يبايعوا ؛ والسلام.
فلمّا أتاه نَعي معاوية فظع به، وكبُر عليه ، فبعث إلى مروان بن الحكم فدعاه إليه. وكان الوليد يومَ قدم المدينة قَدِمها مروانُ متکارهاً - فلمّا رأى ذلك الوليد منه شتمه عند جلسائه، فبلغ ذلك مروان، فجلس عنه وصرمَه، فلم يزل كذلك حتّى جاء نعي معاوية إلى الوليد، فلمّا عظُم على الوليد هلاك معاوية وما أُمر به من أخذ هؤلاء الرهط بالبيعة، فزع عند ذلك إلى مروان، ودعاه فلمّا قرأ عليه کتاب یزید، استرجع وترحّم عليه، واستشاره الوليدُ في الأمر وقال : كيف تری
ص: 300
أن نصنع؟ قال : فإنّي أرى أن تبعث الساعة إلى هؤلاء النفر فتدعوَهم إلى البيعة والدخول في الطاعة، فإن فعلوا قَبِلتَ منهم، وكففتَ عنهم، وإن أبوا قدّمتهم فضربتَ أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية ، فإنّهم إن علموا بموت معاوية وثَبَ كلّ امرىء منهم في جانب، وأظهر الخلاف والمنابذة، ودعا إلى نفسه لا أدري ؛ أمّا ابن عُمَر فإنّي لا أراه يرى القتال، ولا يحبّ أنّه يولّى على الناس، إلّا أن يُدفَع إليه هذا الأمر عفواً. فأرسل عبداللّه بن عمرو بن عثمان - وهو إذ ذاك غلام حَدَث - إليهما يدعوهما، فوجدهما في المسجد وهما جالسان، فأتاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس، ولا يأتيانه في مثلها، فقال : أجيبا، الأمير يدعو کما، فقال له : انصرف؛ الآن نأتيه. ثمّ أقبل أحدُهما على الآخر، فقال عبداللّه بن الزبير للحسين : ظُنّ فيما تراه بعث إلينا في هذه الساعة الّتي لم يكن يجلس فيها ! فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قد ظننتُ أرى طاغيَتَهم قد هلك ، فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشُوَ في الناس الخبر؛ فقال : وأنا ما أظنّ غيرَه. قال : فما تريد أن تصنع؟ قال : أجمَع فِتْياني الساعة، ثمّ أمشي إليه ، فإذا بلغتُ البابَ احتبستهم عليه، ثمّ دخلت عليه. قال : فإنّي أخافه عليك إذا دخلت ؛ قال : لا آتيه إلّا وأنا على الامتناع قادر. فقام فجمع إليه مواليه وأهل بيته، ثمّ أقبل يمشي حتّى انتهى إلى باب الوليد وقال لأصحابه : إنّي داخل، فإن دعوتُكم أو سمعتم صوتَه قد علا فاقتحموا عليّ بأجمعكم، وإلا فلا تبرحوا حتّى أخرج إليكم، فدخل فسلّم عليه بالإمرة ومروانُ جالس عنده ، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كأنّه لا يظنّ مايظنّ من موت معاوية : الصلة خيرٌ من القطيعة، أصلح اللّه ذات بينكما؟ فلم يجيباه في هذا بشيء، وجاء حتّى جلس، فأقرأه الوليد الكتاب ، ونعى له معاوية ، ودعاه إلى البيعة، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنا للّه وإنا إليه راجعون!... معاوية ، وعظّم لك الأجر! أمّا ما سألتني من البيعة فإنّ مِثْلي لا يُعطي بيعته سرّاً، ولا أراك
ص: 301
تجتزیء بها منّي سرّاً دون أن تُظهِرها على رؤوس الناس علانية، قال : أجل، قال : فإذا خرجتَ إلى الناس فدعوتَهم إلى البيعة دعوتَنا مع الناس فكان أمراً واحداً ؛ فقال له الوليد - وكان يحبّ العافية - : فانصرف على اسم اللّه حتّى تأتيَنا مع جماعة الناس ؛ فقال له مروان : واللّه لئن فارقك الساعة ولم يُبايع لا قدرتَ منه على مثلها أبداً حتّى تَكثُر القتلى بينكم وبينه ، احبس الرجل، ولا يخرج من عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقَه؛ فوثب عند ذلك الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال : يابن الزرقاء ! أنت تقتلني أم هو؟! كذبت واللّه وأثمت ثمّ خرج فمرّ بأصحابه ، فخرجوا معه حتّى أتى منزله. فقال مروان للوليد: عصيتَني، لا واللّه لا يُمكنك مِن مثلها من نفسه أبداً ؛ قال الوليد: وبّخ غيرك يا مروان، إنّك اخترت لي الّتي فيها هلاكُ ديني، واللّه ما أُحبّ أن لي ماطلعتْ عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا ومُلكِها، وأنّي قتلتُ حسیناً ، سبحان اللّه! أقتل حسيناً أن قال : لا أُبايع ! واللّه إنّي لا أظنّ أمراً يُحاسَبُ بدم حسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لخفيف الميزانُ عند اللّه يوم القيامة. فقال له مروان : فإذا كان هذا رأيك فقد أصبتَ فيما صنعت ، يقول هذا له وهو غير الحامد على رأيه.
وأما ابن الزبير ، فقال : الآن آتيكم، ثمّ أتی داره فكمن فيها، فبعث الوليد إليه فوجده مجتمعاً في أصحابه متحرّزاً، فألحّ عليه بكثرة الرسل والرجال في إثر الرجال ؛ فأمّا حسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : کُفّ حتّى تنظر وننظر، وترى ونرى، وأمّا ابنُ الزبير فقال : لاتعجلوني فإنّي آتيكم، أمهلوني، فألحّوا عليهما عشيتهما تلك كلّها وأوّل ليلهما و كانوا على حسين أشدّ إبقاءً، وبعث الوليد إلى ابن الزبير موالي له فشتموه وصاحوا به : یابن الكاهليّة، واللّه لتأتينّ الأمير أو ليقتلنّك ، فلبث بذلك نهاره كلّه أوّل ليلة يقول: الآن أجيء، فإذا استحثّوه قال : واللّه لقد استربت بكثرة الإرسال، وتتابع هذه الرجال، فلا تُعْجلوني حتّى أبعث إلى الأمير مَن يأتني برأيه
ص: 302
وأمره، فبعث إليه أخاه جعفر بن الزبير فقال : رحمك اللّه كفّ عن عبداللّه فإنّك قد أفزعته وذعَرته بكثرة رُسلك، وهو آتيك غداً إن شاء اللّه، فمُر رُسلك فلينصرفوا عنّا. فبعث إليهم فانصرفوا، وخرج ابن الزبير من تحت الليل فأخذ طريق الفرع هو وأخوه جعفر، ليس معهما ثالث، وتجنّب الطريق الأعظم مخافة الطلب، وتوجّه نحو مكّة، فلمّا أصبح بعث إليه الوليد فوجدّه قد خرج، فقال مروان : واللّه إن أخطأ مكة فسرِّح في أثره الرجال، فبعث راكباً من موالي بني أُميّة في ثمانين راكباً، فطلبوه فلم يَقدِروا عليه، فرجعوا، فتشاغلوا عن حسين بطلب عبداللّه يومهم ذلك حتّى أمسَوا، ثمّ بعث الرجال إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)عند المساء فقال : أصبحوا ثمّ ترون ونرى، فكفّوا عنه تلك الليلة، ولم يُلحوا عليه، فخرج حسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تحت ليلته، وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب سنة ستّين.
وكان مخرج ابن الزبير قبلَه بليلة، خرج ليلة السبت فأخذ طريق الفُرع، فبينا عبداللّه بن الزبير يُسايرُ أخاه جعفراً إذ تمثّل جعفر بقول صَبِرة الحنظلي :
وكلّ بني أُمّ سيمسون ليلة***ولم يبق من أعقابهم غيرُ واحد
فقال عبداللّه : سبحان اللّه ! ما أردتَ ما أسمعُ يا أخي! قال : واللّه يا أخي ما أردتُ به شيئاً ممّا تكره؛ فقال : فذاك واللّه أكرهُ إلي أن يكون جاء على لسانك من غير تعمّد_. قال : وكأنّه تطير منه. _وأمّا الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإنّه خرج ببنيه وإخوته وبني أخيه وجلّ أهل بيته ، إلّا محمّد بن الحنفية فإنّه قال له : يا أخي، أنتَ أحبّ الناس إليّ، وأعزّهم عليّ، ولست أدّخر النصيحة لأحد من الخلق أحقّ بها منك ، تنحّ بتبعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت ، ثمّ أبعث رُسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك فإن بايعوا لك حمدتُ اللّه على ذلك، وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص اللّه بذلك دينك ولا عقلك، ولا يُذهب به مروءتك
ص: 303
ولا فضلَك، إنّي أخاف أن تدخل مِصْراً من هذه الأمصار وتأتي جماعةً من الناس، فيختلفون بينهم، فمنهم طائفة معك، وأُخرى عليك، فيقتتلون فتكون لأوّل الأسنّة، فإذا خير هذه الأُمّة كلّها نفساً و أباً، أمّا أضيعها دماً وأذلّها أهلاً ، قال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فإنّي ذاهب يا أخي ؛ قال : فانزل مكّة فإن اطمأنّت بك الدار فسبيل ذلك، وإن نَبَتْ بك لحقتَ بالرمال، وشَعَفَ الجبال، وخرجت من بلد إلى بلد حتّى تنظر إلى مايصير أمر الناس، وتعرف عند ذلك الرأي ، فانّك أصوب ما تكون رأياً وأحزَمه عملاً حين تستقبل الأُمور استقبالاً، ولا تكون الأُمور عليك أبداً أشكل منها حين تستدبرها استدباراً ؛ قال : يا أخي، قد نصحت فأشفقتَ، فأرجو أن يكون رأيك سديداً موفّقاً.(1)
{31}
[836] دخل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الولید بن عتبة فسلّم عليه، فردّ عليه ردّاً حسناً، ثمّ أدناه و قرّبه ؛ ومروان بن الحكم هناك جالس في مجلس الوليد، وقد كان بين مروان وبين الوليد منافرة ومفاوضة، فأقبل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الوليد فقال : أصلح اللّه الأمير والصلاح خيرٌ من الفساد، والصلة خيرٌ من الخشناء
ص: 304
والشحناء، وقد آن لكما أن تجتمعا، فالحمد للّه الّذي ألّف بينكما.(1)
وروى أبو مخنف : إنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الصلة خير من القطيعة، أصلح اللّه ذات بينكما، فلم يجيباه.(2)
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هل أتاكم من معاوية كائنة خبر فإنّه كان عليلاً وقد طالت علّته، فكيف حاله الآن؟ فتأوّه الولید و تنفّس الصعداء ، وقال : أباعبداللّه آجرك اللّه في معاوية، فقد كان لك عمّ صدق وقد ذاق الموت، وهذا كتاب أمير المؤمنین یزید!
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّا للّه وإنا إليه راجعون، وعظّم اللّه لك الأجر أيّها الأمير، ولكن لماذا دعوتني؟
فقال : دعوتك للبيعة، فقد اجتمع عليه الناس.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ مثلي لا يعطي بيعته سرّاً، وإنّما أحبّ أن تكن البيعة علانية بحضرة الجماعة، ولكن إذا كان من الغد ودعوت الناس إلى البيعة دعوتنا معهم فيكون أمرنا واحداً.(3)
{32}
[837] قال ابن اعثمّ : ثمّ صار الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى منزله، ثمّ دعا بماء، فلبس وتطهّر بالماء وقام فصلّى ركعتين ودعا ربّه بما أحبّ في صلاته ؛ فلمّا
ص: 305
فرغ من ذلك أرسل إلى فتيانه وعشيرته ومواليه وأهل بيته فأعلمهم بشأنه، ثمّ قال : كونوا بباب هذا الرجل فإنّي ماض إليه و مکلّمه، فإن سمعتم أنّ صوتي قد علا وسمعتم كلامي وصحتُ بكم فادخلوا یا آل الرسول واقتحموا من غير إذن، ثمّ اشهروا السيوف ولا تعجلوا، فإن رأيتم ما تكرهون فضعوا سيوفكم ثمّ اقتلوا من يريد قتلي.(1)
وقال المفيد: أنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال لهم: إنّ الوليد قد استدعاني في هذا الوقت، ولست آمن أن يكلّفني فيه أمراً لا أجيب إليه وهو غير مأمون، فكونوا معي، فإذا دخلتُ إليه فاجلسوا على الباب فإن سمعتم صوتي قد علا، فادخلوا عليه لتمنعوه عنّي.(2)
وقال ابن أعثم: ثمّ خرج الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من منزله وفي يده قضيب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهو في ثلاثين رجل من أهل بيته ومواليه وشیعته، حتّى أوقفهم على باب الوليد بن عتبة ، ثمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : انظروا ماذا أوصيتكم، فلا تعتدوه، وأنا أرجو أن أخرج إليكم سالماً إن شاء اللّه.(3)
قال أبو مخنف : إنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يمشي حتّى انتهى إلى باب الوليد فقال : إنّي داخل فإن دعوتكم أو سمعتم صوتي قد علا فاقتحموا عليّ بأجمعكم، وإلّا فلا تبرحوا حتّى أخرج إليكم.(4)
وفي رواية : إنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن سمعتم أمرا یریبُکم فادخلوا.(5) (1) (2) (3) (4) (5)
ص: 306
{33}
[838] أقبل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الولید بن عتبة وقال : أيّها الأمير! إنّا أهل بيت النبوّة و معدن الرسالة و مختلف الملائكة ومحلّ الرحمة وبنا فتح اللّه وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق شارب خمر قاتل النفس المحرّمة معلن بالفسق، ومثلي الايبايع لمثله، ولكن نصبح وتصبحون وننتظر وتنتظرون أينّا أحقّ بالخلافة والبيعة. (1)
وقال الصدوق: إنّ الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : يا عتبة(2) قدعلمت أنّا أهل بيت الكرامة ومعدن الرسالة، وأعلام الحقّ الّذين أودعه اللّه عزّوجلّ قلوبَنا، وأنطق به ألسنتنا، فنطقت بإذن اللّه عزّوجلّ، ولقد سمعتُ جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : إنّ الخلافة محرّمة على ولد أبي سفيان، وكيف أُبايع أهل بيت قد قال فيهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) هذا. (3)
وسمع مَن بالباب صوتَ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فهمّوا بفتح الباب و إشهار السيوف ، فخرج إليهم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) سريعاً فأمرهم بالانصراف إلى منازلهم، وأقبل الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى منزله، فقال مروان بن الحكم للوليد بن عتبة : عصيتَني حتّى انفلت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من يدك، أما واللّه لا تقدر على مثلها أبداً، وواللّه ليخرجنّ
ص: 307
عليك وعلى أمير المؤمنين ، فاعلم ذلك.
فقال له الوليدُ بن عتبة : ويحك! أشرتَ عليّ بقتل الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وفي قتله ذهابُ ديني ودنياي ، واللّه ما أحب أن أملك الدنيا بأسرها وأنّي قتلت الحسیں بن علي بن فاطمة الزهراء (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) ، واللّه ما أظنّ أحداً يلقي اللّه بقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلّا وهو خفيف الميزان عند اللّه، لا ينظر إليه ولا يزكّيه ولم عذاب أليم. فسکت مروان.
{34}
[839] قال المفيد: إنّ الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّي لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرّاً حتى أُبايعه جهراً فيعرف الناس.
فقال له الوليد: أجل.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فتصبح وترى رأيك في ذلك.(1)
وقال أبو مخنف : إنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّا للّه وإنا إليه راجعون، أمّا ما سألتني من البيعة، فإنّ مثلي لا يعطي بيعته سرّاً، ولا أراك أن تجتزی بها منّي سرّاً دون أن تظهرها على رؤوس الناس علانية.
قال : أجل.
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فإذا خرجتَ إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس، فكان أمراً واحداً.(2)
فقال الوليد: أبا عبداللّه لقد قلتَ فأحسنتَ في القول وأحببتُ جواب مثلك
ص: 308
وكذا ظنّي بك، فانصرف راشداً على بركة اللّه حتّى تأتيني غداً مع الناس.
فقال للوليد مروان بن الحكم : واللّه لئن فارقك الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الساعة ولم يبايع لاقدرت منه على مثلها أبداً حتّى تكثر القتلى بينكم وبينه، احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه. فوثب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : يابن الزرقاء أنت تقتلني أم هو؟ كذبت واللّه وأثمت. (1)
وقال ابن أعثم: إنّه قال : ويلي عليك يابن الزرقاء، أتأمر بضرب عنقي؟! كذبت واللّه، واللّه لو رام ذلك أحد من الناس لسقيتُ الأرض من دمه قبل ذلك، وإن شئت ذلك فرم ضرب عنقي إن كنت صادقاً.(2)
{35}
[840] ابن اعثمّ الكوفي قال : وأصبح الحسين من غده يستمع الأخبار فإذا هو بمروان بن الحكم قد عارضه في طريقه ، فقال : أباعبداللّه! إنّي لك ناصح فأطعني ترشد و تسدد، فقال : وما ذاك؟ قل أسمع، فقال : إنّي أرشدك لبيعة يزيد ، فإنّها خير لك في دينك ودنياك، فاسترجع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وقال : إنّا للّه وإنا إليه راجعون، وعلى الإسلام السلام إذا بليت الأُمّة براع مثل يزيد، ثمّ قال : یا مروان! أترشدني لبيعة يزيد، ويزيد رجل فاسق، لقد قلتَ شططاً من القول
ص: 309
وزللاً، ولا ألومك فإنّك - اللعين - الّذي لعنك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وأنت في صلب أبيك - الحكم بن العاص -، ومن لعنه رسول اللّه فلا ینکر منه أن يدعو لبيعة يزيد، إليك عتي ياعدو اللّه ! فإنّا أهل بیت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، الحقُّ فينا ينطقُ على ألسنتنا، وقد سمعت جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : الخلافة محرَّمة على آل أبي سفيان الطلقاء وأبناء الطلقاء، فإذا رأيتم معاوية على منبري فأبقروا بطنه، ولقد رآه أهل المدينة على منبر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فلم يفعلوا به ما أُمروا، فابتلاهم بابنه يزيد.
فغضب مروان من كلام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : واللّه، لا تفارقني حتّى تبايع ليزيد صاغراً، فإنکم - آل أبي تراب - قد مُلئتم شحناء، وأُشربتم بغض آل أبي سفيان ، وحقیق عليهم أن يبغضوکم.(1)
{36}
[841] لمّا عرف ابن عمر من الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) العزم على مغادرة المدينة والنهضة في وجه أتباع الضلال وقمع المنكرات و كسح أشواك الباطل عن صراط الشريعة المقدّسة، قال له : يا أباعبداللّه إكشف لي عن الموضع الّذي لم يزل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقبّله منك فكشف له عن سرّته فقبّلها ثلاثاً و بکی. فقال له : إتّق اللّه يا أبا عبد الرحمن ولا تدَعَنَ نصرتي.(2)
ص: 310
{37}
[862] طلب منه عبداللّه بن عمر(1) بن الخطّاب البقاء في المدينة فأبی الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : يا عبداللّه إنّ من هوان الدنيا على اللّه أنّ رأس یحیی بن زکریّا يُهدى إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل، وأنّ رأسي يُهدى إلى بغيّ من بغايا بني أُميّة، أما علمتَ أنّ بني إسرائيل كانو يَقتُلون ما بين طلوع الشمس سبعين نبيّاً ثمّ يبيعون ويشترون كأن لم يصنعوا شيئاً، فلم يعجّل اللّه عليهم، بل أخذَهم بعد ذلك أخذَ عزيزٍ مقتدرٍ ذي انتقام.(2)
{38}
[843] أقبل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)على إبن عبّاس وقال له : وأنت یابنَ عبّاس إبنُ عم أبي ولم تَزلْ تأمرُ بالخيرِ مذ عرفتُك، وكنتَ مع أبي تُشير عليه بما فيه الرشادُ والسدادُ. وقد كان أبي يَستصحبُك ويستنصحُك ويَستشيرك وتشيرُ عليه بالصواب، فامض إلى المدينة في حفظ اللّه ولا تُخْف عليَّ شيئاً من أخبارِك، فإنّي مستوطنُ هذا الحرم ومقيمٌ به، ما رأيت أهلَه يحبّونني وينصرونني، فإذا هم خذلوني إستبدلت بهم غيرَهم، واستعصمت بالكلمة الّتي
ص: 311
قالها إبراهيم يوم أُلقي في النار «حَسْبُنَا اللّهُ ونِعْمَ الْوَكِيلُ» فكانت النار عليه برداً وسلاماً.(1)
{39}
[844] عن أبي سعد المقبري(2) قال : نظرت إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) داخلاً مسجد المدينة، وإنّه ليمشي، وهو معتمد على رجلين ، يعتمد على هذا مرّة، وعلى هذا مرّة، وهو يتمثّل بقول یزید بن مفرّغ الحميري :
لاذعرتُ السوام في فلق الصبح***مُغیراً ولا دُعيتُ یزیدا
يومَ أُعطى من المهابة ضيماً***والمنايا يَرصُدنني أن أحيلا
قال : فقلت في نفسي : واللّه ماتمثّل بهذين البيتين إلّا لشيء يريده فما مكث إلّا يومين حتّى بلغني أنّه سار إلى مكّة.(3)
ص: 312
{40}
[845] خرج الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من منزله ذات ليلة وأتى قبر جدّه ؟ فقال : السلام عليك يا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ! أنا الحسين بن فاطمة (عَلَيهِما السَّلَامُ) ، فرخك وابن فرختك، وسبطك والثقل الّذي خلفته في أُمّتك، فاشهد عليهم، يانبيّ اللّه ! إنّهم قد خذلوني، وضيَّعوني، ولم يحفظوني، وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك صلى اللّه عليك، ثمّ صفَّ قدميه، فلم يزل راكعاً ساجداً.(1)
{41}
[846] إن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قبل خروجه عن المدينة ذهب إلى قبر جدّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في الليلة الثانية أيضاً وصلّى ركعات وناجي اللّه سبحانه بكلمات، ثمّ جعل يبكي عند القبر حتّى إذا كان قريباً من الصبح، وضع رأسه على القبر فأغفى، فإذا هو برسول اللّه قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وشماله، وبين يديه ومن خلفه، فجاء حتّى ضم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى صدره، وقبّلَ بين عينيه ، وقال : حبيبي یا حسین ! كأنّي أراك عن قريب مرملاً بدمائك ، مذبوحاً بأرض كربلاء، بين عصابة من أُمّتي، وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى، و ظمآن لاتروى، وهم في ذلك يرجون شفاعتي، مالهم لا أنالهم اللّه شفاعتي يوم القيامة؟ وما لهم عند اللّه من خلاق، حبيبي يا حسين ! إنّ أباك وأُمّك وأخاك قدموا عليّ وهم إليك مشتاقون، وانّ لك في الجنّة لدرجات لن تنالها إلّا بالشهادة.
ص: 313
قال : فجعل الحسينُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) في منامه ينظر إلى جدّه محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ويسمع كلامه ، ويقول له : يا جدّاه! لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا، فخذني إليك وأدخلني معك إلى قبرك، فقال له النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا حسين ! لابدّ لك من الرجوع إلى الدنيا حتّى ترزق الشهادة، وما قد كتبَ اللّه لك من الثواب العظيم، فإنّك ؛ وأباك ؛ وأُمّك ؛ وأخاك ؛ وعّمك؛ وعمّ أبيك، تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتّى تدخلوا الجنّة.(1)
{42}
[847] ثمّ رجع إلى منزله وقت الصبح، فأقبل إليه أخوه محمّد بن الحنفيّة، وقال : يا أخي أنت أحبّ الخلق إليّ وأعزّه عليّ ولست واللّه أدّخر النصيحة لأحد من الخلق، وليس أحد أحقّ بها منك، لإنّك مزاج مائي ونفسي وروحي و بصري، وكبير أهل بيتي، ومن وجبت طاعته في عنقي، لأنّ اللّه قد شرّفك عليّ وجعلك من سادات أهل الجنّة.
وساق الحديث إلى أن قال : تخرج إلى مكّة، فإن اطمأنّت بك الدار بها فذاك ، وإن تكن الأُخرى خرجت إلى بلاد اليمن، فإنّهم أنصار جدّك و أبيك ، وهم أرأف الناس، وأرقّهم قلوباً، وأوسع الناس بلاداً، فإن اطمأنّت بك الدار ،
ص: 314
وإلّا لحقت بالرمال وشعوب الجبال، وجزت من بلد إلى بلد، حتّى تنظر ما یؤول إليه أمر الناس، ويحكم اللّه بيننا وبين القوم الفاسقين.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أخي واللّه لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى ، لمّا بایعتُ یزید بن معاوية ، فقطع محمّد بن الحنفيّة الكلام وبكى، فبکی الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) معه ساعة ثمّ قال : يا أخي جزاك اللّه خيراً، لقد نصحت وأشرت بالصواب وأنا عازمٌ على الخروج إلى مكّة، وقد تهيّأتُ لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي، وأمرُهم أمري ورأيهم رأيي، وأمّا أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة، فتكون لي عيناً عليهم ولا تُخف عنّي شيئاً من أُمورهم.(1)
{43}
[848] روي أنّه قال لأهل بيته : إستعدّوا للبلاء، واعلموا أن اللّه حافظکم و حامیكم، وسيُنجيكم من شرّ الأعداء، ويجعل عاقبة أمر كم إلى خير، ويعذّب أعاد یکم بأنواع البلاء ويعوّضكم اللّه عن هذه البليّة أنواع النعم والكرامة، فلا تشكوا، ولا تقولوا بألسنتكم ماينقص قدركم.(2)
ص: 315
{44}
[849] لمّاهمّ الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالشخوص من المدينة ؛ أقبلت نساء بني عبدالمطّلب فاجتمعن للنياحة، فمشى فيهنّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : أُنشدكنّ اللّه أن تبدين هذا الأمر معصية للّه ولرسوله قالت له نساء بني عبد المطلّب : فلمن نستبقي النياح والبكاء؟(1)
{45}
[850] عن عقبة بن سمعان مولى الرباب ابنة امرىء القيس الكلبيّة امرأة حسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) و كانت مع سكنية ابنة حسين، وهو مولى لأبيها، وهي إذ ذاك صغيرة ، قال : خرجنا فلزمنا الطريق الأعظم، فقال الحسين أهلُ بيته : لو تنکّبت الطريق الأعظم كما فعل ابن الزبير لا يلحقك الطلب ؛ قال : لا ، واللّه لا أُفارقه حتّى يقضي اللّه ما هو أحبّ إليه.(2)
ص: 316
{46}
[801] سار إلى مكّة إذاً استقبله عبداللّه بن مطيع العدوي، فقال : أين تريد أباعبداللّه جعلني اللّه فداك؟!
قال : أمّا في وقتي هذا أُريد مكّة، فإذا صرتُ إليها استخرتُ اللّه تعالى في أمري بعد ذلك.
فقال له عبداللّه بن مطيع : خار اللّه لك يابن بنت رسول اللّه فيما قد عزمت عليه، غير أنّي أُشير عليك بمشورة فاقبلها منّي. فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وما هي يابن مطيع؟
قال : إذا أتيت مكّة فاحذر أن يغرك أهل الكوفة، فيها قُتل أبوك، وأخوك بطعنة طعنوه كادت أن تأتي على نفسه، فالزم الحرم فأنت سيّد العرب في دهرك هذا، فواللّه لئن هلكت ليهلكن أهل بيتك بهلاكك، والسلام.(1)
وروى الدينوري : أنّ الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لابن مطيع : يقضي اللّه ما أحبّ. (2)
وقال الطبري: إنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أمّا الآن فمكّة وأمّا بعد فإنّي أستخيرُ اللّه.(3)
ص: 317
{47}
[852] وقال ابن عساکر : قرأتُ على أبي غالب ابن البنّاء ، عن أبي محمّد الجوهري، أنبأنا أبو عمر بن حيويه، أنبأنا أحمد بن معروف ، أنبأنا الحسين بن الفهم، أنبأنا محمّد بن سعد، أنبأنا محمّد بن عمر، حدّثني عبد اللّه بن جعفر ، عن أبي عون، قال :
لمّا خرج الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المدينة یريد مكّة، مرّ بابن مطيع وهو يحفر بئره، فقال له : أين فداك أبي وأُمّي؟
قال : أردت مكّة.
قال : وذكر له أنّه كتب إليه شيعته بها، فقال له ابن مطيع : أين فداك أبي وأُمّي ؟ متّعنا بنفسك ولا تسر إليهم!!! فأبى حسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فقال له ابن مطيع : إنّ بئري هذه قد رشّحتها وهذا اليوم أوان ما خرج إلينا في الدلو شيء من ماء، فلو دعوت اللّه لنا فيها بالبركة !!!
قال : هات من مائها، فأتی من مائها في الدلو، فشرب منه ثمّ تمضمض ثمّ ردّه في البئر، فأعذب وأمهي ، ثمّ ودّع وسار إلى مكّة.(1)
{48}
[853] لمّا دخل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) مكّة في ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان، وهو يقرأ : «وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ
ص: 318
السَّبِيلِ»(1)،فرح به أهلها فرحاً شديداً، واشتدّ ذلك على عبداللّه بن الزبير لأنّه قد كان طمع أن يبايعه أهل مكّة، فلمّا قدم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) شقّ ذلك عليه، غير أنّه كان لايبدي ما في قلبه إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للّه ، وهو من ذلك يعلم أنّه لا يبايعه أحد من أهل مكّة والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، لأنّ الحسين عندهم أعظم في أنفسهم من ابن الزبير.(2)
{49}
[854] لمّا خرج من عنده ابن الزبير قال الحسين لمن حضر عنده : إنّ هذا ليس شيء من الدنيا أحبّ إليه من أنّ أخرج من الحجاز وقد علم أن الناس لا يعدلونه بي، فودّ أتي خرجت حتّى يخلو له.(3)
{50}
[855] عن جابر بن عبداللّه قال : لمّا عزم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الخروج إلى العراق أتيته وقلت له : أنت ولد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأحد سبطيه لأرى (4) أنّك تصالح
ص: 319
كما صالح أخوك الحسن فإنّه كان موفّقاً رشيداً.
فقال لي : يا جابر قد فعل ذلك أخي بأمر اللّه تعالى وأمر رسوله وإني أيضا
أفعل بأمر اللّه تعالى وأمر رسوله أتريد أن استشهد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) و أبي وأخي(1) كذلك الآن ثمّ نظرت فإذا السماء قد انفتح بابها وإذا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعلي (أمير المؤمنين)(2) والحسن وحمزة وجعفر (عَلَيهِم السَّلَامُ) وزید نازلين منها قد(3) على الأرض فوثبت فزعاً مذعوراً.
فقال لي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا جابر ألم أقل لك في أمر الحسن قبل الحسين إنّك لا تكون مؤمناً حتّى تكون لأئمّتك مسلِّماً ولا تكون معترضاً أتريد أن ترى مقعدَ معاوية ومقعد الحسين ابني ومقعد يزيد (لعنه اللّه) قاتله؟
قلت : بلی یا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
قال : فضرب برجله الأرض فانشقّت و ظهر بحر فانفلقت ثمّ ظهرت أرض فانشقّت هكذا حتّى انشقّت سبع أرضين وانفلقت سبعة أبحر فرأيت من تحت ذلك كلّه النار وقد قرن في سلسلة(4) الوليد بن مغيرة و أبو جهل ومعاوية الطاغية ويزيد وقرن بهم مردة الشياطين فهم أشدّ أهل النار عذاباً.
ثمّ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ارفع رأسك فرفعت رأسي فإذا أبواب السماء مفتحة وإذا الجنّة أعلاها ثمّ صعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ومن معه إلى السماء فلمّا صار في الهواء صاح بالحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا بنيّ الحقني فلحقه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وصعدوا حتّى رأيتهم دخلوا الجنّة من أعلاها، ثمّ نظر إلي من هناك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقبض على يد الحسين وقال :
ص: 320
يا جابر هذا ولدي معي هاهنا فسلّم له أمره ولا تشكّ لتكون مؤمناً.
قال جابر: فعميت عيناي إن لم أكن رأيتُ ما قلت من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(1)
{51}
[856] عن عمر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، قال : لمّا قدمتَ كتب أهل العراق إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وتهيّأ للمسير إلى العراق أتيتُه فدخلتُ عليه وهو بمكّة، فحمدتُ اللّه وأتيتُ عليه، ثمّ قلت : أمّا بعد، فإنّي أتيتك يابن عم لحاجة أُريد ذكرها لك نصيحةً، فإن كنت ترى أنّك تستنصحني وإلّا كففتُ عمّا أُريد أن أقول؛ فقال : قل، فواللّه ما أظنّك بسيّىء الرأي، ولا هو للقبيح من الأمر والفعل ؛ قال : قلت له : إنّه قد بلغني أنّك تريد المسير إلى العراق، وإنّي مشفق عليك من مسيرك ؛ إنّك تأتي بلداً فيه عمالة وأُمراؤه، ومعهم بيوت الأموال، وإنّما الناس عبيدٌ لهذا الدرهم والدينار، ولا آمن عليك أن يقاتلك من وعدك نصره، ومن أنت أحبّ إليه ممّن يقاتلك معه ؛ فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) جعل : جزاك اللّه خيراً يابن عمّ؛ فقد واللّه علمت أنّك مشيت بنُصح وتكلّمت بعقل، ومهما يُقض من أمر يكن، أخذتُ برأيك أو تركنُه، فأنت عندي أحمدُ مُشیر ، وأنصَح ناصح.(2)
ص: 321
{52}
[857] وذكر هشام بن محمّد و ابن اسحاق قالا : لمّا خرج الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لقيه عبداللّه بن مطيع فقال : يا أباعبداللّه الى أين جعلت فداك؟ إيّاك وأهل الكوفة ، وذكّره غدرهم وفعلهم بأبيه وأخيه، ثمّ قال : ألزم الحرم، فإنّك سيّد العرب ، ولم يعدل بك أحد، وتقصدك الناس من كلّ جانب، وواللّه لأن قتلوك بنو أُميّة لم يهابوا بعدك أحداً وليسترقن بعدك الأحرار. فقال : يا عبداللّه أكلّ ذلك فراراً من الموت؟ واللّه الموت مع الحقّ أولى من الحياة على الباطل، واللّه لجهاد يزيد على الدين أحقّ من جهاد المشركين.(1)
ص: 322
{53}
[808] یحیی بن سالم الأسدي، قال : سمعت الشعبي(1) يقول :
كان ابن عمر قدم المدينة فأخبر أنّ الحسين بن علي قد توجّه إلى العراق ، فلحقه على مسير ليلتين -أو ثلاث - من المدينة فقال : أين تريد؟
قال : العراق، و[كان] معه طوامير وكتب.
فقال له : لا تأتهم.
فقال : هذه كتبهم وبيعتهم.
فقال : إنّ اللّه عزّوجلّ خيّر نبيّه بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنّكم بضعة من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، واللّه لا يليها أحد منكم أبداً، وما صرفها اللّه عزّوجلّ عنكم إلّا للذي هو خير لكم، فارجعوا. فأبى وقال : هذه كتبهم وبيعتهم. قال : فاعتنقه ابن عمر وقال : أستودعك اللّه من قتيل.(2)
{54}
[859] لمّا بلغ عبداللّه بن عمر، وعبداللّه بن عبّاس مجيء الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى
ص: 323
مكّة، أقبلا عليه وقد عزما أن ينصرفا إلى المدينة، حتّى دخلا على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
فقال عبداللّه بن عمر : يا أبا عبداللّه اتّق اللّه رحمك اللّه الّذي إليه معادك ، فقد عرفتَ عداوة هذا البيت لكم، وظلمهم إيّاكم وقد ولي الناس هذا الرجل یزید بن معاوية ، ولست آمن أن يميل الناسُ إليه، لمكان هذه الصفراء والبيضاء ، فيقتلونك ويهلك فيك بشرٌ كثير، فإنّي سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : حسین مقتول، فلئن خذلوه ولم ينصروه ليخذلنّهم اللّه إلى يوم القيامة ، وأنا أشير عليك أن تدخلَ في صلح مادخل فيه الناس وتصبر کما صبرتَ لمعاوية من قبل، فلعلّ اللّه أن يحكم بينك وبين القوم الظالمين.
فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا عبد الرحمن : أنا أُبايع يزيد و أدخل في صلحه ، وقد قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): فيه وفي أبيه ما قاله ؟(1)
{25}
[860] وفي رواية عن محمّد بن علي بن الحسين قال (عَلَيهِم السَّلَامُ): لمّا تجهز الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى الكوفة أتاه ابن عبّاس فناشده اللّه والرحم أن يكون هو المقتول بالطفّ.
فقال : أنا أعرف بمصرعي منك، وما و كدي من الدنيا الّا فراقها، ألا أُخبرك
یابن عبّاس بحديث أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) والدنيا؟
فقال له : بلى لعمري إنّي لأُحبّ أن تحدّثني بأمرها.
فقال : حدّثني أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنّي كنت بفدك في بعض حيطانها
ص: 324
وقد صارت لفاطمة.(عَلَيهَا السَّلَامُ)
قال : فإذا أنا بامرأة قد هجمت عليّ وفي يدي مسحاة وأنا أعمل بها، فلمّا نظرت إليها طار قلبي ممّا تداخلني من جمالها فشبّهتها ببثينة بنت عامر الجمحي، وكانت من أجمل نساء قريش، فقالت : يابن أبي طالب هل لك أن تتزوّج بي فأُغنيك عن هذه المسحاة، وأدلك على خزائن الأرض، فيكون لك الملك ما بقيت ولعقبك من بعدك؟
فقال لها: من أنت حتّى أخطبك من أهلك؟
فقالت : أنا الدنيا.
قال لها : فارجعي واطلبي زوجاً غيري، فلست من شأني، وأقبلتُ على مسحاتي وأنشأت أقول:
لقد خاب من غرّته دنيا دنيّة***وما هي أن غرّت قروناً بطائل
أتتنا على زيّ العزيز بثينة***وزينتها في مثل تلك الشمائل
فقلت لها غُرّي سواي فإنّني***عزوف عن الدنيا ولست بجاهل
وما أنا والدنيا فإنّ محمّداً***أحلّ صريعاً بين تلك الجنادل
وهبها أتتنا بالكنوز ودّرها***وأموال قارون وملك القبائل
أليس جميعاً للفناء مصيرنا***ويطلب من خزّانها بالطوائل
فغرّي سواي إنّني غيرُ راغب***بمافيك من عزّ وملك ونائل
فقد قنعت نفسي بما قد رزقتُه***فشانك يادنيا وأهل العوائل
فإنّي أخاف اللّه يومَ لقائه***وأخشى عذاباً دائماً غير زائل
فخرج من الدنيا وليس في عنقه بيعة لأحد حتّى لقي اللّه محموداً غيرَ ملوم ولا مذموم، ثمّ اقتدت به الأئمّةُ من بعده بما قد بلغكم لم يخلطوا بشيء من
ص: 325
بوائقها عليهم السلام أجمعين و أحسن مثواهم.(1)
{56}
[861] قال : يابن عباس! تعلم أنّي ابن بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
فقال ابن عبّاس : اللّهمّ نعم، نعلم ونعرف أنّ ما في الدنيا أحد هو ابن بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) غيرك، وأنّ نصرك لفرض على هذه الأُمّة كفريضة الصلاة والزكاة الّتي لا يقدر أن يقبل أحدهما دون الأخرى.
قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يابن عبّاس ! فماتقول في قوم أخرجوا ابن بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من داره وقراره ومولده، وحرم رسوله ومجاورة قبره ومولده ومسجدّه و موضع مهاجره، فتركوه خائفاً مرعوباً لا يستقرّ في قرار، ولا يأوي في موطن، یریدون في ذلك قتله وسفك دمه، وهو لم يشرك باللّه شيئاً، ولا اتّخذ من دونه وليّاً، ولم يتغيّر عما كان عليه رسول اللّه.
فقال ابن عبّاس : ما أقول فيهم إلّا «أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى»(2)«يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا» (3)، وعلى مثل هؤلاء تنزل البطشة الكبرى، وأمّا أنت يا ابن بنت
ص: 326
رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فإنّك رأس الفخار برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وابن نظيرة البتول، فلا تظن يا ابن بنت رسول اللّه أن اللّه غافل عمّا يعمل الظالمون، وأنا أشهد أنّ مَن رغب عن مجاورتك وطمع في محاربتك ومحاربة نبيّك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فما له من خلاق.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّهمّ اشهد!
فقال ابن عبّاس : جعلتُ فداك يابن بنت رسول اللّه! كأنّك تريدني إلى نفسك، وتريد منّي أن أنصرك! واللّه لا إله إّلا هو إن لو ضربتُ بين يديك بسيفي هذا حتّى انخلع جميعاً من كفّي لمّا كنتُ ممّن أوفي من حقكّ عشر العشر! وها أنا بين يديك مرني بأمرك.(1)
{57}
[862] عن أبي سعيد عقیصا قال : سمعت الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) وخلابه عبداللّه بن الزبير فناجاه طويلاً قال : ثمّ أقبل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بوجهه إليهم، وقال : إنّ هذا يقول لي كن حماماً من حمام الحرم، ولأن أُقتل وبيني وبين الحرم باع أحبّ إليّ من أن أُقتل وبيني وبينه شبر، ولأن أُقتل بالطفّ أحبّ إليّ من أن أُقتل بالحرم. (2)
ص: 327
{58}
[863] عن عبداللّه بن سُليم والمذريّ بن المشعل الأسديّين قالا: خرجنا حاجَّيْن من الكوفة حتّى قدمنا مكّة، فدخلنا يوم التروية ، فإذا نحن بالحسين وعبداللّه بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين الحُجْر والباب، قالا : فتقرّبنا منهما، فسمعنا ابن الزبير وهو يقول للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن شئتَ أن تقيم أقمت فولّيت هذا الأمر، فآزرناك وساعدناك، ونصحنا لك وبايعناك ، فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ أبي حدّثني أن بها كبشاً يستحلّ حرمتها، فما أحبّ أن أكون أنا ذلك الكبش ؛ فقال له ابن الزبير : فأقم إن شئت و تولّيني أنا الأمر فتطاع ولا تُعصى؛ فقال : وما أُريد هذا أيضاً ؛ قالا : ثمّ أنّهما أخفياکلا مهمادوننا، فمازالا يتناجيان حتّى سمعنا دعاء الناس رائحين متوجهين إلى مِنى عند الظهر ؛ قالا: فطاف الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالبيت وبين الصفا والمروة، وقصّ من شعره، وحلّ من عُمرته، ثمّ توجّه نحو الكوفة، وتوجّهنا نحو الناس إلى منى.(1)
{59}
[864] فلمّا كان وقت السحر عزم على المسير إلى العراق، فأخذ محمّد بن الحنفيّة زمام ناقته وقال : يا أخي ما سبب أنّك عجلت؟
فقال : إنّ جدّي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أتاني بعد مافارقتك وأنا نائم، فضمّني إلى صدره
ص: 328
وقبّل مابين عينيّ وقال لي : يا حسين يا قرّة عيني أُخرج إلى العراق فاللّه (عزّوجلّ) قد شاء أن يراك قتيلاً مخضباً بدمائك.
فبكى محمّد بن الحنفيّة بكاءً شديداً فقال : يا أخي إذا كان الحال هكذا فلا معنى لحملك هؤلاء النسوة.
فقال : قال لي جدّي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أيضاً : إنّ اللّه (عزّوجلّ) قد شاء أن يراهنَ سبايا ، مهتکّات، يساقون في أسر الذّل، وهنّ أيضاً لا يفارقنني ما دمتُ حيّاً. فبکی محمّد بن الحنفيّة بكاءً شديداً ثمّ قال : أودعتك اللّه يا حسين، في دعة اللّه يا أخي. (1)
(60}
[865] قال الفرزدق : حججت بأُمّي، فأنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم في أيّام الحجّ، وذلك في سنة ستّين، إذ لقيت الحسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) خارجاً من مكّة معه أسيافه وتراسُه، فقلت : لمن هذا القطار؟ فقيل: للحسين بن علي، فأتيته فقلت : بأبي وأُمّي يابن رسول اللّه! ما أعجلك عن الحجّ؟ فقال : لو لم أعجل لأخذت ؛ قال : ثمّ سألني ممّن أنت؟ فقلت له : امرؤ من العراق ؛ قال : فواللّه مافتّشني عن أكثر من ذلك، واكتفى بها منّي، فقال : أخبرني عن الناس خلفك؟ قال : فقلت له: القلوب معك، والسيوف مع بني أُميّة، والقضاء بيد اللّه ؛ قال : فقال لي : صدقت ؛ قال : فسألته عن أشياء، فأخبرني بها من نذور ومناسك ؛ قال : وإذا هو ثقيل اللسان من برسيام أصابَه بالعراق ؛ قال : ثمّ مضيتُ فإذا بفسطاط مضروب في الحرم، وهيئته حسنة، فأتيته فإذا هو لعبداللّه بن عمرو بن
ص: 329
العاص، فسألني فأخبرتُه بلقاء الحسين بن علي، فقال لي : ويلك : فهلّا اتّبعتَه، فواللّه ليملكنّ، ولا يجوز السلاح فيه ولا في أصحابه ، قال : فهممت واللّه أن الحقّ به، ووقع في قلبي مقالته، ثمّ ذكرت الأنبياء وقتلهم، فصدّني ذلك عن اللحاق بهم، فقدمتُ على أهل بعُسْفان، قال : فواللّه إنّي لعندهم إذ أقبلت عيرُ قد امتارت من الكوفة، فلمّا سمعتُ بهم خرجتُ في آثارهم حتّى إذا أسمعتهم الصوت و عجلتُ عن إتيانهم صرختُ بهم : ألا ما فعل الحسین ابن علي ؟ قال : فردّوا عليّ: ألا قد قُتل ؛ قال : فانصرفتُ وأنا ألعنُ عبداللّه بن عمرو بن العاص ؛ قال : وكان أهلُ ذلك الزمان يقولون ذلك الأمر، وينتظرونه في كلّ يوم وليلة. قال : وكان عبداللّه بن عمرو يقول : لا تبلغ الشجرة ولا النخلة ولا الصغير حتّى يظهر هذا الأمر ؛ قال : فقلت له : فما يمنعك أن تبيع الوهط ؟ قال : فقال لي : لعنة اللّه على فلان - يعني معاوية - وعليك ؛ قال : فقلت لا، بل عليك لعنة اللّه ؛ قال : فزادني من اللعن ولم يكن عنده من حشمه أحد فألقى مهم شرّاً؛ قال : فخرجت وهو لا يعرفني والوهط حائط لعبداللّه بن عمرو بالطائف ؛ قال : وكان معاوية قد ساوم به عبداللّه بن عمرو، وأعطاه به مالا كثيراً، فأبى أن يبيعه بشيء قال : وأقبل الحسين مُغذّاً لا يلوي على شيء حتّى نزل ذات عِرْق.(1)
{61}
[866] إنّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أقبل حتّى مر بالتنعيم، فلقي بها عيرة قد أقبل بها من
ص: 330
اليمن، بعث بها بحير بن ريسان الحميري إلى يزيد بن معاوية - وكان عامله على اليمن - وعلى العير الورس والحُلل يُنطلق بها إلى يزيد فأخذها الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فانطلق بها ؛ ثمّ قال لأصحاب الإبل :
لا أكرهكم، من أحبّ أن يمضي معنا إلى العراق أوفينا كراءه وأحسنا صحبته، ومن أحبّ أن يفارقَنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكراء على قدر ما قطع من الأرض.(1)
{62}
[867] لمّا نزل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) «بالخزيمية»(2)قام بها يوماً وليلة فلمّا أصبح جاءت إليه أُخته «زینب بنت علي فقالت له : يا أخي! ألا أُخبرك بشيء سمعتُه البارحة؟ فقال لها : وما ذاك يا أُختاه؟ فقالت : إنّي خرجتُ البارحة في بعض الليل القضاء حاجة، فسمعت هاتفاً يقول:
ألا ياعين فاحتفلي بجهد***فمن يبكي على الشهداء بعدي
ص: 331
على قوم تسوقهم المنايا***بمقدار إلى انجاز وعد
فقال لها الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أُختاه! كلّ ما قضي فهو كائن.(1)
{63}
[868] قال أبو مخنف : حدّثني أبو علي الأنصاري، عن بکر بن مصعب المزني ، قال : كان الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا يمّر بأهل بماء إلّا اتّبعوه حتّى انتهى إلى زبالة سقط إليه مقتل أخيه من الرضاعة عبداللّه بن يقطر ، وكان سر حه إلى مسلم من الطريق... فتلقّاه خيل الحصین بن نمیر بالقادسيّة، فسرح به إلى ابن زیاد، فأمره أن يصعد فوق القصر ويلعن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فصعد و أشرف على الناس فقال : أيّها الناس إنّي رسول الحسين بن فاطمة بنت بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لتنصروه و توازروه علی ابن مرجانة ابن سميّة الدعي فأمر به عبیداللّه فأُلقي من فوق القصر إلى الأرض فكسرت عظامه و به رمق، فأتاه رجل يقال له : عبدالملك بن عمير اللخمي فذبحه، فلمّا عيب ذلك عليه، قال : إنما أردتُ أن أُريحَه، فأتى ذلك الخبر حسيناً وهو بزبالة، فأخرج للناس كتاباً فقرأ عليهم : بسم اللّه الرحمن الرحيم أمّا بعد فإنّه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبداللّه بن يقطر، وقد خذلتنا شيعتنا فمن أحبّ الإنصراف فلينصرف ليس عليه منّا ذمام.(2)
ص: 332
{64}
[869] خذلتنا شعيتُنا، فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف من غير حرج عليه وليس عليه منّا ذمام ، قال : فتفرّق الناس عنه أيادي سبا يميناً وشمالاً حتّى بقي في أصحابه الّذي جاءوا معه من مكّة.(1)
{65}
[870] قال الخوارزمي: وسار الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى نزل الثعلبيّة، وذلك في وقت الظهيرة، فنزل ونزل أصحابه، فوضع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رأسه فأغفى، ثمّ انتبه من نومه باكياً، فقال له ابنه عليّ بن الحسين : مالك تبكي يا أبت لا أبکی اللّه عيناً؟
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يابُنيّ إنها ساعة لا تكذب فيها الرؤيا، فأُعلّمك أنّي خفقتُ برأسي خفقة فرأيت فارساً على فرس وقف عليّ فقال : يا حسين ! إنّكم
ص: 333
تسرعون المسير والمنايا بكم تسرع إلى الجنّة ؛ فعلمتُ أنّ أنفسنا نعيت إلينا.
فقال له ابنه عليّ : يا أبت أفلسنا على الحق؟
قال : بلى يابُنيّ والّذي إليه مرجع العباد!
فقال ابنه علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذاً لا نبالي الموت.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جزاك اللّه عنّي يا بُنيّ خير ما جزى به ولد عن والد.(1)
{66}
[871] قال المفيد: روى عبداللّه بن سليمان والمنذر بن المشمعل الأسديان قالا: لمّا فضینا حجّنا لم تكن لنا همّة إلّا اللحاق بالحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الطريق للنظر ما يكون من أمره فأقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين حتّى لحقناه بزرود فلمّا دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فوقف الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كأنّه يريده ثمّ ترکه و مضى ومضينا نحوه فقال أحدنا لصاحبه اذهب بنا إلى هذا لنسأله فإنّ عنده خبر الكوفة فمضينا حتّى انتهينا إليه فقلنا السلام عليك فقال : وعليكم السلام قلنا ممّن الرجل قال أسدي : قلنا له ونحن أسديان فمن أنت؟ قال : أنا بكر بن فلان وانتسبنا له ثمّ قلنا له : أخبرنا عن الناس وراءك ، قال : نعم لم أخرج من الكوفة حتّى قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة ورأيتهما یُجرّان بأرجلهما في السوق فأقبلنا حتّى لحقنا الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسایرناه حتّى نزل الثعلبيّة ممسياً فجئناه حين نزل فسلّمنا عليه فردّ علينا السلام
ص: 334
فقلنا له رحمك اللّه إنّ عندنا خبراً إن شئت حدّثناك علانية وإن شئت سرّاً، فنظر إلينا وإلى أصحابه ثمّ قال : مادون هؤلاء ستر فقلنا له أرأيت الراكب الّذي استقبلته عشي أمس؟ قال : نعم وقد أردت مسألته فقلنا قد واللّه استبرئنا لك خبره وكفيناك مسألته وهو امرؤ منّا ذو رأي وصدق وعقل وانّه حدّثنا أنّه لم يخرج من الكوفة حتّى قتل مسلم وهاني ورآهمایجرّان في السوق بأرجلهما فقال : إنّا للّه وإنا إليه راجعون، رحمة اللّه عليهما، يردد ذلك مراراً فقلنا له ننشدك اللّه في نفسك وأهل بيتك إلّا انصرفت من مكانك هذا إّنه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة بل نتخّوف أن يكونوا عليك فنظر إلى بني عقيل فقال : ما ترون فقد قتل مسلم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقالوا واللّه لا نرجع حتّى نصيب ثارنا أو نذوق ماذاق فأقبل علينا الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : لا خير في العيش بعد هؤلاء فعلمنا أنّه قد عزم رأيه على المسير فقلنا له خار اللّه لك فقال رحمكما اللّه فقال له أصحابه إنّك واللّه ما أنت مثل مسلم بن عقيل ولو قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع فسكت ثمّ انتظر حتّى إذا كان السحر قال لفتيانه وغلمانه أكثروا من الماء فاستقوا وأكثروا ثمّ ارتحلوا فسار حتّى انتهى إلى زبالة فأتاه خبر عبداللّه بن يقطر فأخرج إلى الناس کتاباً فقرأه عليهم.(1)
{67}
[872] ابن طلحة الشافعي قال ما لفظه : وقال - أي صاحب كتاب الفتوح - وقد التقاه وهو متوجه إلى الكوفة الفرزدق بن غالب الشاعر فقال له : يابن رسول اللّه كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الّذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقیل وشیعته فترحّم على مسلم وقال : صار إلى روح اللّه ورضوانه أما انه قضى ما عليه
ص: 335
وبقي ما علينا.(1)
{68}
[873] لقي رجل الحسين بن عليّ بالثعلبيّة وهو يريد کربلاء فدخل عليه فسلّم عليه فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من أيّ البلدان أنت؟ فقال : من أهل الكوفة قال : يا أهل الكوفة أما واللّه لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرئيل من دارنا ونزوله على جدّي بالوحي يا أخا أهل الكوفة مستقى العلم من عندنا أفعلموا وجهلنا هذا ما لا يكون.(2)
{69}
[874] وبلغ عبيداللّه بن زیاد لعنه اللّه الخبر، وأنّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد نزل الرهيمية فأنزل إليه الحرّبن یزید في ألف فارس، قال الحرّ فلمّا خرجت من منزلي متوجّهاً نحو الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) نوديت ثلاثاً یا حرّ أبشر بالجنّة فالتفتّ فلم أر أحداً، فقلت ثكلت الحرّ أُمّه يخرج إلى قتال ابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ويبشّر بالجنّة فرهقه عند صلاة الظهر، فأمر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ابنه فأذّن وأقام وقام الحسين فصلّی بالفريقين جميعاً فلمّا سلم وثب الحر بن یزید فقال : السلام عليك يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )
ص: 336
ورحمة اللّه وبركاته، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وعليك السلام من أنت يا عبداللّه؟ فقال : أنا الحرّبن یزید، فقال : يا حرّ أعلينا أم لنا؟ فقال الحرّ: واللّه يابن رسول اللّه لقد بُعِثتُ لقتالك وأعوذ باللّه أن أحشَرَ من قبري وناصيتي مشدودة إلى رجلي ويدي مغلولة إلى عنقي وأُكبّ على وجهي في النار، یابن رسول اللّه أين تذهب إرجع إلى حرم جدّك فإنّك مقتول، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
سأمضي فما بالموت عارٌ على الفتى***إذا مانوئ حقّاً وجاهد مسلما
وواسي الرجالَ الصالحين بنفسه***وفارق مثبوراً وخالف مجرما
فإن مِتُّ لم أندَم وإن عشتُ لم ألم***كفى بك ذلّا أن تموتَ وترغما(1)
{70}
[875] في رواية أنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)قال بعد الأشعار: (سأمضي... الخ): ليس شأني شأن من يخاف الموت، ما أهون الموت على سبيل نيل العزّ وإحياء الحقّ، ليس الموت في سبيل العزّ إلّا حياةً خالدةً وليست الحياة مع الذّل إلّا الموت الّذي لاحياة معه، أفبالموت تخوّفني، هيهات طاش سهمك وخاب ظنّك لستُ أخاف الموت، إنّ نفسي لأبكر وهمّتي لأعلى من أن أحمل الضيم خوفاً من الموت وهل تقدرون على أكثر من قتلي ؟! مرحباً بالقتل في سبيل اللّه، ولكنّكم لا تقدرون على هدم مجدي ومحو عزّي وشرفي فإذاً لا أُبالي بالقتل.(2)
ص: 337
{71}
[879] روى الطبري بإسناده عن عبداللّه بن سليم والمذري بن المشتعلّ الأسديين قالا : أقبل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى نزل شرّاف، فلمّا كان في السحر أمر فتیانه فاستَقَوا من الماء فأكثروا، ثمّ ساروا منها، فرسموا صدر یو مهم حتّى انتصف النهار. ثمّ إنّ رجلاً قال : اللّه أكبر! فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّه أكبر ما كبّرت؟ قال : رأيتُ النخل، فقال له الأسديان : إنّ هذا المكان ما رأينا به نخلةً قطّ؛ قالا : فقال لنا الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فماتَرَيانه رأي؟ قلنا: نراه رأی هوادي الخيل ؛ فقال : وأنّا واللّه أرى ذلك ؛ فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما لنا ملجأ نلجأ إليه ، نجعله في ظهورنا، ونستقبل القومَ من وجه واحد؟ فقلنا له : بلى، هذا ذو حُسُم إلى جنبك ، تميل إليه عن يسارك ، فإن سبقتَ القوم إليه فهو كما تريد؛ قالا : فأخذ إليه ذات اليسار ؛ قالا : و ملنا معه فما كان أسرع من أن طلعتْ علينا هوادي الخيل، فتبينّاها ، وعدنا ، فلمّا رأونا وقد عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كأنّ أسنّتهم اليعاسي، وكأنّ راياتهم أجنحة الطير ، قال : فاستبقنا إلى ذي حُسُم، فسبقناهم إليه ، فنزل الحسين ، فأمر بأبنيته فضُربت ، وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحرّ بن یزید التميمي اليربوعي حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسين في حرّ الظهيرة، والحسين وأصحابه معتمّون متقلّدوا أسيافهم، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لفتيانه : اسقوا القوم وارو وهم من الماء ورشّفوا الخيل ترشيفاً، فقام فتيانه فرشّفوا الخيل ترشيفاً، فقام فتية وسَقوا القوم من الماء حتى أرووهم، وأقبلوا يملؤن القصاع والأنوار والطساس من الماء ثمّ يُدنونها من الفرس، فإذا عب فيه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عُزلتْ عنه، وسَقوا آخر حتّى سَقوا الخيل كلّها.(1)
ص: 338
{72}
[877] قال هشام : حدّثني لقيط ، عن عليّ بن طعان المحاربي كنت مع الحرّ بن یزید فجئت في آخر من جاء من أصحابه ، فلمّا رأى الحسين مابي وبفرسي من العطش قال : أنخ الراوية والراوية عندي السقاء، ثمّ قال : يابن أخي أنخ الجمل، فأنخته فقال : اشرب فجعلت كلّما شربت سال الماء من السقاء ، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اخنث السقاء أي اعطفه قال : فجعلت لا أدري كيف أفعل، قال : فقام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فخنثه فشربت و سقیت فرسي.(1)
{73}
[878] وقال ابن الأعثم: فلمّا نظر إليهم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقف في أصحابه ، ووقف الحرّ بن يزيد في أصحابه ، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أيّها القوم من أنتم؟
قالوا: نحن أصحاب الأمير عبيد اللّه بن زیاد.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ومن قائدكم؟
قالوا: الحر بن يزيد الرياحي.
ص: 339
قال : فناداه الحسين : ويحك يابن یزید! ألنا أم علينا؟!
فقال الحرّ: بل عليك يا أبا عبد اللّه!
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا حول ولا قوة إلّا باللّه.(1)
{74}
[879] أمّا بعد أيّها الناس فإنّكم إن تتّقوا اللّه تعالى وتعرفوا الحقّ لأهله يكن رضاء اللّه عنكم وإنّا أهل بیت نبیکم محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أولى بولاية هذه الأُمور علیکم، من هؤلاء المدّعين ماليس لهم والسائرين فيكم بالظلم والجور والعدوان، وإن كرهتمونا وجهلتم حقّنا وكان رأیکم على خلاف ما جاءت به کتبکم انصرفت عنكم.(2)
ص: 340
{75}
[880] فلمّا فرغ من خطبته قال له الحرّ بن یزید : إنّا واللّه ما ندري ما هذه الكتب الّتي تذكر !
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا عقبة بن سمعان، أخرج الخُرْجَين الّذين فيهما كتبهم إليّ، فأخرج خُرْجَين مملوئين صُحفاً، فنشرها بين أيديهم؛ فقال الحرّ: فإنّا لسنا من هؤلاء الّذين كتبوا إليك، وقد أُمِرنا إذا نحن لقيناك ألّا نفارقك حتّى نُقدمك على عبيداللّه بن زیاد ؛ فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الموتُ أدنى إليك من ذلك ، ثمّ قال لأصحابه : قوموا فاركبوا، فركبوا وانتظروا حتّى ركبت نساؤهم، فقال لأصحابه : إنصرفوا بنا، فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القومُ بينهم وبين الإنصراف، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للحرّ: ثكلتك أُمُّك ! ما تريد؟ قال : أما واللّه لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال الّتي أنتَ عليها ما تركتُ ذكر أُمّه بالثكل أن أقوله كائناً من كان ، ولكن واللّه مالي إلى ذكر أُمّك من سبيل إلّا بأحسن ما يقدر عليه ؛ فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فما تريد؟ قال الحرّ: أريد واللّه أن أنطلق بك إلى عبيداللّه بن زیاد، قال له الحسين : إذن واللّه لا أتْبعك ؛ فقال له الحرّ: إذن واللّه لا أدَعك ؛ فترادّا القول ثلاث مرّات، ولمّا كثر الكلام بينهما قال له الحرّ: إنّي لم أُؤمر بقتالك ، إنّما أُمرت ألّا أُفارقك حتّى أقدمك الكوفة، فإذا أبيتَ فخذ طريقاً لا تُدخلك الكوفة، ولا تردّك إلى المدينة، تكون بيني وبينك نصفاً حتّى أكتب إلى ابن زیاد ، وتكتب أنت إلى يزيد بن معاوية إن أردتَ أن تكتب إليه، أو إلى عبيداللّه بن زیاد إن شئتَ، فلعلّ اللّه إلى ذاك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن ابتلي بشيء من أمرك ؛ قال : فخذ هاهنا فتياسرْ عن طريق العُذَيب والقادسيّة، وبينه وبين العُذَيب ثمانية وثلاثون ميلاً. ثمّ إنّ الحسين سار في أصحابه والحرّ يسايره.(1)
ص: 341
{76}
[881] ثمّ التفت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : احملوا النساء ليركبن حتّى ننظر ما الّذي يصنع هذا و أصحابه !
قال : فرکب أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وساقوا النساء بين أيديهم، فقدمت خیل الكوفة حتّى حالت بينهم وبين المسير ، فضرب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بيده إلى سيفه ثمّ صاح بالحرّ: ثكلتك أُمّك ! ما الّذي تريد أن تصنع ؟!
فقال الحرّ: أما واللّه لو قالها غيرك من العرب لرددتها عليه كائنا من كان ، ولكن لا واللّه مالي إلى ذلك سبيل من ذكر أُمّك، غير أنّه لابدّ أن أنطلق بك إلى عبيد اللّه بن زیاد.
فقال له الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذاً واللّه لا أتبعك أو تذهب نفسي.
قال الحرّ: إذاً واللّه لا أُفارقك، أو تذهب نفسي وأنفس أصحابي.
قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : برز أصحابي وأصحابك وأبرز إليّ، فإن قتلتني خذا برأسي إلى زياد وإن قتلتك أرحت الخلق منك.
فقال الحرّ: أباعبداللّه ! إني لم أو مر بقتلك، وإنّما أُمرت أن لا أُفارقك أو أقدم بك على ابن زیاد، وأنا واللّه کاره إن سلبني اللّه بشيء من أمرك غير أنّي قد أخذت بيعة القوم وخرجت إليك، وأنا أعلم أنّه لا يوافي القيامة أحد من هذه الأُمّة إلّا وهو يرجو شفاعة جدّك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، وأنا خائف إن أنا قاتلتك أن أخسر الدنيا والآخرة، ولكن أنا أباعبداللّه! لست أقدر الرجوع إلى الكوفة في وقتي هذا، ولكن خذ عنّي هذا الطريق وامض حيث شئت حتّى أكتب إلى ابن زياد أنّ
ص: 342
هذا خالفني في الطريق فلم أقدر عليه.(1)
{77}
[882] قال الطبري : لمّا انتهوا إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)أنشدوه الأبيات (المذكورة سابقاً)... وأقبل إليهم الحرّبن یزید فقال : إنّ هؤلاء النفر الّذين من أهل الكوفة ليسوا ممّن أقبل معك، وأنا حابسُهم أو رادّهم، فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لأمنعنّهم ممّا أمنَع منه نفسي، إنّما هؤلاء أنصاري وأعواني، وقد كنتَ أعطيتَني ألّا تَعرض لي بشيء حتّى يأتيك کتاب من إبن زياد، فقال : أجل، لكن لم يأتوا معك ؛ قال : هم أصحابي، وهم بمنزلة مَن جاء معي، فإن تممتَ على ما كان بيني وبينك وإلّا ناجزتُك ؛ قال : فكفّ عنهم الحرّ. (2)
{78}
[883] قال الخوارزمي في مقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سار الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى نزل قصر بنی مقاتل(3)، فإذا هو بفسطاط مضروب ورمح مرکوز وسيف معلّق وفرس واقف على مذود فقال الحسين : لمن هذا الفسطاط ؟
ص: 343
فقيل لرجل يقال له عبيداللّه بن الحرّ الجعفي(1) فأرسل إليه الحسين برجل من أصحابه يقال له الحجاج بن مسروق الجعفي فأقبل حتّى دخل عليه في فسطاطه فسلّم عليه فردّ عليه عبيد اللّه السلام ثمّ قال له : ما وراءك ؟ قال : وارئي واللّه يابن الحرّ الخير، إنّ اللّه تعالى قد أهدى إليك كرامة عظيمة إن قبلتها. فقال عبيد اللّه : ما ذاك؟ قال الحجّاج : هذا الحسين بن علي يدعوك إلى نصرته، فإن قاتلت بین يديه أجرت، وإن قتلت استشهدت ، فقال عبيداللّه : واللّه يا حجّاج ما خرجت من الكوفة إلّا مخافة أن يدخلها الحسين وأنا فيها لا أنصره، فإنّه ليس له فيها شيعة ولا أنصار إلّا مالوا إلى الدنيا وزخرفها إلا من عصم اللّه منهم، فارجع إليه وأخبره بذلك.
قال : فجاء الحجّاج إلى الحسين وأخبره فقام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فانتقل ثمّ صار إليه في جماعة من أهل بيته وإخوانه، فلمّا دخل عليه وثب عبيداللّه بن الحرّ على صدر المجلس وأجلس الحسين فيه فحمد اللّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأثنى عليه، ثمّ قال : أما بعد یابن الحرّ فإنّ أهل مصركم هذا كتبوا إليّ وأخبروني أنّهم مجتمعون على أن ينصروني، وأن يقوموا من دوني، وأن يقاتلوا عدوّي، وسألوني القدوم عليهم فقدمت ولست أرى الأمر على ما زعموا لأنهم قد أعانوا على قتل ابن عمّي مسلم بن عقیل و شیعته، وأجمعوا على ابن مرجانة عبيد اللّه بن زیاد، مبایعین ليزيد بن معاوية. یابن الحرّ إنّ اللّه تعالى مؤاخذك بما كسبت و أسلفت من الذنوب في الأيّام الخالية وإنّي أدعوك إلى توبة تغسل ما عليك من الذنوب ، أدعوك إلى نصرتنا أهل البيت، فإن أعطيتنا حقّنا حمدنا اللّه تبارك وتعالى على
ص: 344
ذلك وقبلناه ، وإن منعنا حقّقنا وركبنا بالظلم كنت من أعواني على طلب الحقّ، فقال له عبيداللّه : يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لو كان بالكوفة لك شيعة وأنصار يقاتلون معك لكنتُ أنا من أشدّ من على عدوّك ولكن يابن رسول اللّه رأيتُ شيعتك بالكوفة قد الزموا منازلهم خوفاً من سيوف بني أُميّة، فأُنشدك اللّه يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن تطلب منّي غير هذه المنزلة، وأنا أُواسيك بما أقدر عليه خذ إليك فرسي هذه الملحفة فواللّه إنّي ماطلبت عليها شيئاً قط إلّا وقد لحقته ولا طلبت قط وأنا عليها فأدركت، وخذ سيفي هذا فواللّه ما ضربت به شيئاً إلّا أذقته حياض الموت.
فقال له الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : یابن الحرّ إنّا لم نأتك لفرسك وسيفك، إنّما أتيناك نسألك النصرة فإن كنت بخلت علينا في نفسك فلا حاجة لنا في شيء من مالك ، ولم أكن بالّذي اتّخذ المضلّین عضداً، لأنّي سمعتُ جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : من سمع بواعية أهل بيتي ثمّ لم ينصرهم على حقهم كّبه اللّه على وجهه في نار جهنّم.(1)
{79}
[884] عن عمرو بن قيس المشرقي قال : دخلت على الحسين صلوات اللّه عليه أنا وابن عمّ لي وهو في قصر بني مقاتل فسلّمنا عليه فقال له ابن عمّي : يا أباعبداللّه هذا الّذي أرئ خضاب أو شعرك؟ فقال : خضاب والشيب إلينا بني هاشم يعجل ثمّ أقبل علينا فقال : جئتما لنصرتي؟ فقلت : إنّي رجل كبير السنّ كثير الدَين كثير العيال، وفي يدي بضائع للناس، ولا أدري ما یکون و أكره أن أُضيّع أمانتی، وقال له ابن عمّي مثل ذلك. قال لنا : فانطلقا فلا تسمعا لي
ص: 345
واعية، ولا تریالي سواداً، فإنّه من سمع واعيتنا أو رأى سوادنا فلم يجبنا ولم يغثنا، كان حقًّا على اللّه عزّ وجلّ أن يكبّه على منخريه في النار.(1)
{80}
[885] أما واللّه إنّي لأرجو أن يكون خيراً ما أراد اللّه بنا قُتِلنا أم ظَفَرْنا.(2)
{81}
[886] عن الطرمّاح بن عدي، أنّه دنا من الحسين فقال له : واللّه إنّي لأنظر
ص: 346
فما أرى معك أحداً، ولو لم يقاتلك إلّا هؤلاء الّذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم؛ وقد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم ظهر الكوفة وفيه من الناس مالم تر عيناي في صعيد واحد جمعاً أكثر منه ، فسألت عنهم، فقيل : اجتمعوا ليُعرَضوا، ثمّ يسرَّحون إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فأنشدك اللّه إن قدرتَ على إلا تقدم عليهم شبراً إّلا فعلت ! فإن أردتَ أن تنزل بلداً يمنعك اللّه به حتّى ترى من رأيك، ويستبين لك ما أنت صانع، فسرْ حتّى أنزلك مَناع جبلنا الّذي يُدعى أجا، امتنعنا واللّه به من ملوك غسّان وحمير ومن النعمان بن المنذر، ومن الأسود والأحمر ، واللّه إن دخل علينا ذلّ قطّ، فأسير معك حتّى أنزلك القُريّة، ثمّ نبعث الرجال ممّن بأجا وسلمى من طیّیء، واللّه لا يأتي عليك عشرة أيّام حتّى تأتيك طيّىء رجالاً وركباناً، ثمّ أقم فينا ما بدا لك، فإن هاجك هيج فأنا زعيم لك بعشرين ألف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم، واللّه لا يوصل إليك أبداً ومنهم عین تَطرف؛ فقال له : جزاك اللّه وقومَك خيراً! إنّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الإنصراف، ولا ندري على مَ تَنصرف بنا وبهم الأُمور في عاقِبِه.(1)
{82}
[887] لمّا كان في آخر الليل أمر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالإستقاء من الماء، ثمّ أمرَنا بالرحيل ففعلنا، قال : فلمّا ارتحلنا من قصر بنی مقاتل وسرنا ساعةً خفق الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) برأسه خَفْقة، ثمّ انتبه وهو يقول : إنّا للّه وإنا إليه راجعون، والحمد للّه ربّ العالمين ، قال : ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثاً، قال: فأقبل إليه ابنُه عليّ بن الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ)
ص: 347
على فرس له فقال : إنّا للّه وإنا إليه راجعون، والحمد للّه ربّ العالمين ، يا أبت ، جعلت فداك ! ممّ حمِدتَ اللّه واسترجعت؟ قال : يا بنيّ، إنّي خفقتُ برأسي خفقةً فعنّ لي فارس على فرس فقال : القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمتُ أنّها أنفسُنا نُعِيَتْ إلينا، قال له: يا أبت، لا أراك اللّه سوءاً، ألسنا على الحقّ؟! قال : بلى والّذي إليه مرجع العباد؛ قال : يا أبت، إذاً لا نبالي ؛ نموت محقّين؛ فقال له : جزاك اللّه من ولَد خيرَ ما جَزى ولَداً عن والده.(1)
{83}
[888] ثمّ أقبل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أصحابه وقال : هل فيكم أحد يخبر الطريق على غير الجادّة؟
فقال الطرمّاح بن عديّ الطائي : يابن بنت رسول اللّه ! أنا أخبر الطريق.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذاً سر بين أيدينا ! قال : فسار الطرمّاح وأتبعه الحسين هو وأصحابه.(2)
{84}
[889] حدّثني الطرماح بن عدي ، قال : فودّعتُه وقلت له : دفع اللّه عنك شرّ الجن والإنس، إنّي قد امترتُ لأهلي من الكوفة ميرةً، ومعي نفقة لهم،
ص: 348
فآتهم فأضع ذلك فيهم، ثمّ أُقبل إليك إن شاء اللّه، فإن الحقك فواللّه لأكوننّ من أنصارك ؛ قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فإن كنت فاعلاً فعجّل رحمك اللّه ؛ قال : فعلمتُ أنّه مستوحش إلى الرجال حتّى يسألني التعجيل ؛ قال : فلمّا بلغتُ أهلي وضعتْ عندهم مايصلحهم، وأوصيت ، فأخذ أهلي يقولون : إنّك لتصنع مرّتك هذه شيئاً ما كنتَ تصنعه قبل اليوم، فأخبرتُهم بما أُريد، وأقبلتُ في طريق بني ثُعَل حتّى إذا دنوتُ من عُذَيب الهجانات، استقبلني سَماعة بن بدر، فنعاه إليّ، فرجعت.(1)
ص: 349
ص: 350
ص: 351
{1}
[890] قال المفيد (قدّس سرّه) في الإرشاد: إن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عمل الركوب فأخذ يتیاسر بأصحابه يريد أن يفرقهم فيأتيه الحر بن یزید فیرده و أصحابه فجعل إذا ردّهم نحو الكوفة ردّاً شديداً امتنعوا عليه فارتفعوا فلم يزالوا يتباسرون كذلك حتّى انتهوا إلى نينوى المكان الّذي نزل به الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإذا راكب على نجیب له عليه السلاح متنكّب قوساً مقبل من الكوفة فوقفوا جميعاً ينتظرون فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ وأصحابه ولم يسلّم على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أصحابه. ودفع إلى الحرّ کتاباً من عبيد اللّه بن زیاد فإذا فيه :
أمّا بعد فجعجع بالحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي ولا تنزله إلّا بالعراء في غير خضر وعلى غير ماء فقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذ أمري، والسلام.
فلمّا قرأ الكتاب قال لهم الحر: هذا كتاب الأمير عبيداللّه يأمرني أن أُجعجع بكم في المكان الّذي يأتي كتابه وهذا رسوله وقد أمره أن لا يفارقني حتّى أنفذ أمره فيكم فنظر یزید بن المهاجر الكندي وكان مع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى رسول ابن زیاد فعرفه فقال له يزيد: ثكلتك أُمّك ماذا جئت فيه قال : أطعت إمامي ووفيت ببيعتي فقال له ابن المهاجر : بل عصيت ربّك و أطعت إمامك في هلاك نفسك وكسبت العار والنار وبئس الإمام إمامك قال اللّه تعالى : «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ»(1)فإمامك منهم وأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في قرية فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ): دعنا ويحك ننزل في هذه القرية أو هذه يعني نينوى والغاضرية أو هذه يعني شفية،
ص: 352
قال : واللّه لا أستطيع ذلك هذا رجل قد بعث إلى عيناً عليّ فقال زهير بن القين : إنّي واللّه ما أراه يكون بعد الّذي ترون إلّا أشدّ ممّا یکون یابن رسول اللّه أنّ قتال هؤلاء القوم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم فلعمري ليأتينا بعدهم ما لا قبل لنا به.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما كنت لأبدأهم بالقتال، ثمّ نزل وذلك يوم الخميس وهو اليوم الثاني من المحرّم سنة إحدى وستّين.(1)
{2}
[891] لمّا وصل عسكر العدو ومنعوا الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن سيره فقال له زهیر بن القين : سر بنا إلى هذه القرية حتّى تنزلها فإنّها حصينة، وهي على شاطىء الفرات، فإن منعونا قاتلناهم، فقتالُهم أهون علينا من قتال من يجيء من بعدهم.
فقال له الحسین : وأيّة قرية هي؟ قال : هي العَقْر، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّهمّ إنّي أعوذ بك من العَقْر، ثمّ نزل.(2)
{3}
[892] كان نزوله في كربلاء في الثاني من المحرّم سنة إحدى وستّين فجمع (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولده وإخوته وأهل بيته ونظر إليهم وبكى وقال : اللّهمّ إنّا عترة نبيّك
ص: 353
محمّد قد أُخرِجنا و طُرِدنا و أُزعجنا عن حرم جدّنا و تعدّت بنو أُميّة علينا، اللّهمّ فخذ لنا بحقّنا وانصرنا على القوم الظالمين.(1)
{4}
[893] التفت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى الحرّ وقال : سر بنا قليلاً فساروا جميعاً حتّى إذا وصلوا أرض كربلاء وقف الحرّ وأصحابه أمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومنعوه عن المسير وقالوا: إنّ هذا المكان قريب من الفرات، ويقال بینا هم يسيرون إذ وقف جواد الحسين ولم يتحرّك كما أوقف اللّه ناقة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عند الحديبيّة فعندها سأل الحسين عن الأرض قال له زهير : سر راشداً ولا تسأل عن شيء حتّى يأذن اللّه بالفرج إنّ هذه الأرض تسمى الطفّ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فهل لها اسم غيره؟ قال : تعرف کربلاء، فدمعت عيناه وقال : اللّهمّ أعوذ بك من الكرب والبلاء هاهنا محطّ ركابنا ومَسفك دمائنا و محلّ قبورنا، بهذا حدّثني جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(2)
{5}
[894] عن أم سلمة قالت : كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )
جالسا ذات يوم في بيتي فقال : لا يدخل علي أحد، فانتظرت فدخل الحسين رضي اللّه عنه ، فسمعت نشيج رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يبكي، فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يمسح جبينه
ص: 354
وهو يبكي ، فقلت : واللّه ماعلمت حين دخل فقال : إنّ جبريل (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان معنا في البيت، فقال : تُحبّه؟ قلت : أمّا من الدنيا فنعم، قال : إن أُمّتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء، فتنأوّل جبريل (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تربتها، فأراها النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فلمّا أحيط بالحسين حين قتل، قال : ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء، قال: صدق اللّه ورسوله أرض کرب وبلاء.(1)
{6}
[890] قال الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين نزل بكربلاء ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء، قال : ذات کرب وبلاء، لقد مرّ أبي بهذا المكان عند مسيره إلى صفّين وأنا معه فوقف وسأل عنه فأُخبر باسمه فقال : هاهنا محطّ ركابهم وهاهنا مهراق دمائهم، فسئل عن ذلك فقال : نفر من آل محمّد ينزلون هاهنا ثمّ أمر بأثقاله فحطّت في ذلك المكان كذا في حياة الحيوان.(2)
ص: 355
{7}
[896] وكان نزوله في كربلاء في الثاني من المحرّم سنة إحدى وستيّن.
فجمع ولده وإخوته وأهل بيته ونظر إليهم و یکی... ثمّ أقبل على أصحابه فقال :
الناس عبيد الدنيا، والدين لعقٌ على ألسنتهم يحوطونه مادرّت معائشهم، فإذا مُحِّصوا بالبلاء قل الديّانون.(1)
{8}
[897] کتب ابن زیاد للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أمّا بعد يا حسين ! فقد بلغني: نزولك کربلاء» وقد كتب إليّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يزيد: أن لا أتوسّد الوثير : ولا أشبع من الخمير، حتّى أُلحقك باللطيف الخبير ، أو ترجع إلى حكمي و حكم یزید.
فلمّا ورد کتابه و قرأه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رمی به من يده ، وقال : لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق ، فقال له الرسول : جواب الكتاب؟ فقال له : لا جواب له عندي، لأنّه قد حقت عليه كلمة العذاب.(2)
ص: 356
{9}
[898] بعث عمر بن سعد إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عزرة بن قيس الأحمسي، فقال : ائته فسَلْه ما الّذي جاء به؟ وماذا يريد؟ وكان عزرة ممّن كتب إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاستحيا منه أن يأتيَه. قال : فعرض ذلك إلى الرؤساء الّذين كاتبوه، فكلّهم أبي وكرهه. قال : وقام إليه كثير بن عبداللّه الشعبي، وكان فارساً شجاعاً ليس يُردّ وجهه شيء، فقال : أنا ذاهب إليه، واللّه لئن شئتَ لأفتكنّ به ، فقال له عمر بن سعد: ما أُريد أن يُفتك به، ولكن ائته فسله ما الّذي جاء به؟ قال : فأقبل إليه، فلمّا رآه أبو ثمامة الصائدي قال للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أصلحك اللّه يا أبا عبداللّه قد جاءك شرُّ أهل الأرض وأجرؤه على دم وأفتکه، فقام إليه، فقال : ضع سيفَك؛ قال : لا واللّه ولا كرامة ، إنّما أنا رسول، فإن سمعتم منّي أبلغنُكم ما أُرسِلتُ به إليكم، وإن أبيتم انصرفتُ عنکم؛ فقال له : فإنّي آخذ بقائم سيفك، ثمّ تكلّم بحاجتك ، قال : لا واللّه، لا تمّسه ، فقال له : أخبرني ما جئتَ به وأنا أبلغه عنك، ولا أدعُك تدنو منه، فإنّك فاجر ؛ قال : فاستبّا، ثمّ انصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر ؛ قال : فدعا عمر قرّة بن قيس الحنظلي فقال له : ويحك يا قرّة! القَ حسيناً فسله ما جاء به؟ وماذا يريد؟ قال : فأتاه قرّة بن قيس، فلمّا رآه الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) مقبلاً قال : أتعرفون هذا؟ فقال حبیب بن مظاهر : نعم، هذا رجل من حنظلة تميمي، وهو ابن أُختنا، ولقد كنتُ أعرفه بحسن الرأي، وما كنتُ أراه يشهد هذا المشهد، قال : فجاء حتّى سلّم على الحسين، وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه له، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كتب إلي أهلُ مصر كم هذا أن أقدم، فأمّا إذکرهوني فأنا أنصرف عنهم ؛ قال : ثمّ قال له حبیب بن مظاهر : ويحك يا قرّة بن قیس؟! أنّى ترجع إلى
ص: 357
القوم الظالمين ؟! انصرْ هذا الرجل الّذي بآبائه أيّدك اللّه بالكرامة وإيّانا معك ؛ فقال له قرّة : أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته و أرى رأيي ؛ قال : فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر، فقال له عمر بن سعد: إنّي لأرجو أن يعافَيني اللّه من حربه و قتاله.(1)
{10}
[899] عن يزيد الرشك قال : حدّثني من شافه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : رأيت أبنية مضروبة بفلاةٍ من الأرض فقلتُ: لمن هذه؟ قالوا: هذه لحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). قال : فأتيه فإذا شيخ يقرأ القرآن قال والدموع تُسيل على خدّيه ولحيته !! قال : فقلت : بأبي أنت وأُمّي يابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ما أنزلك هذه البلاد والفلاة الّتي ليس بها أحد؟ فقال : هذه كتب أهل الكوفة إليّ ولا أراهم إلّا قاتلي، فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا للّه حرمةً إلّا انتهكوها فيسلّط اللّه عليهم مَن يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من فرم الأُمّة يعني منفعتها.(2)
{11}
[900] روی نصرُ بن مزاحم بإسناده عن هرثمة بن سليم قال : غزونا مع
ص: 358
علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) غزوة صفّين ، فلمّا نزلنا بكربلاء صلّى بنا صلاةً، فلمّا سلّم رفع إليه مِن تربتِها فشمّها، ثمّ قال : واهاً لكِ أيّتها التربة، ليُحشرنّ منك قومٌ يدخلون الجنّة بغير حساب، فلمّا رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته وهي جَرداء بنت سمير وكانت شيعةً لعليّ، فقال لها زوجها هرثمة : ألا أعجبّك من صديقكِ أبي الحسن؟ لمّا نزلنا کربلا رفع إليه من تربتها فشمّها وقال : واهاً لك یا تربة ، ليُحشرنّ منكِ قومٌ يدخلون الجنّة بغير حساب، وما علمه بالغيب ؟ فقالت : دعنا منك أيّها الرجل فإنّ أمير المؤمنين لم يقل إلّا حقاً. فلمّا بعث عبیداللّه بن زیاد البعثَ الّذي بعثه إلى الحسين بن علي وأصحابه ، قال : كنتُ فيهم في الخيل الّتي بُعث إليهم، فلمّا انتهيتُ إلى القوم وحسين وأصحابه عرفت المنزلَ الّذي نزل بنا عليّ فيه والبقعة الّتي رَفَع إليه من ترابها، والقولَ الّذي قاله ، فكرهت مسیري، فأقبلتُ على فرسي حتّى وقفتُ على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فسلّمت عليه وحدّثته بالّذي سمعتُ من أبيه في هذا المنزل، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : معنا أنت أو علينا؟ فقلت : يابن رسول اللّه لا معك ولا عليك، تركتُ أهلي وولدي أخاف عليهم من ابن زیاد.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فول هرباً حتّى لاترى لنا مقتلاً، فوالّذي نفسُ محمّد بيده لا يَرى مقتلَنا اليومَ رجل ولايُغيثنا إلّا أدخله اللّهُ النار، قال : فأقبلتُ في الأرض هارباً حتّى خفي عليّ مقتلُه.(1)
{12}
[901] ثمّ أرسل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى عمر بن سعد لعنه اللّه : إنّي أُريد أن
ص: 359
أُكلّمك فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك، فخرج إليه ابن سعد في عشرين وخرج إليه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في مثل ذلك ، فلمّا التقيا أمر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أصحابه فتنحّوا عنه، وبقي معه أخوه العبّاس وابنه عليّ الأكبر، وأمر عمر بن سعد أصحابه فتنحّوا عنه وبقي معه ابنه حفص وغلام له.
فقال له الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ويلك يابن سعد أماتتّقي اللّه الّذي إليه معادك؟ أتقاتلني وأنا ابن من علمت؟ در هؤلاء القوم وكن معي، فإنه أقرب لك إلى اللّه تعالی.
فقال عمر بن سعد : أخاف أن يهدم داري.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنا أبنيها لك.
فقال : أخاف أن تؤخذ ضیعتی.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنا أخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز.
فقال: لي عيال وأخاف عليهم، ثمّ سكت ولم يجبه إلى شيء، فانصرف عنه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، وهو يقول: مالك ! ذبحك اللّه على فراشك عاجلاً، ولا غفر لك يوم حشرك، فواللّه إني لأرجو ألّا تأكل من بُرّ العراق إلّا يسيراً.
فقال ابن سعد: في الشعیر كفاية عن البرّ، مستهزءاً بذلك القول.(1)
{13}
[902] قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أين عمر بن سعد أدعوا عمر، فدعي له وكان کارها
ص: 360
لا يحبّ أن يأتيَه. فقال : ياعمر أنت تقتلني وتزعم أن يولّيك الدعيّ ابن الدعيّ بلادَ الريّ وجرجان، واللّه لاتتهنّا بذلك أبداً، عهدٌ معهود، فاصنع ما أنت صانع، فإنّك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة، وكأنّي برأسك على قصبة قد نُصب بالكوفة، يترا ماه الصبيان، ويتّخذونه غرضاً بينهم، فغضب عمر بن سعد من کلامه، ثمّ صرف وجهه عنه.(1)
{14}
[903] بعد ما أتم الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) الحجّة على ابن سعد شاع بين الناس أنّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : اختاروا منّي ثلاثاً.
قال أبو مخنف : وأمّا ما حدّثنا به المجالد بن سعيد والصقْعَب ابن زهير الأدي وغيرهما من المحدّثين فهو ما عليه جماعة المحدثين قالوا إنّه قال اختاروا منّي خصالاً ثلاثاً: إمّا أن أرجع إلى المكان الّذي أقبلت منه وإمّا أن أضع يدي في يد یزید بن معاوية فيرى فيما بيني وبينه رأيه ، وإمّا أن تسيروني إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئتم أكون رجلا من أهله لي مالهم وعليّ ما عليهم.
قال أبو مخنف : فأمّا عبدالرحمن بن جندب فحدّثني عن عقبة بن سمعان قالك صحبتُ حسیناً فخرجتُ معه من المدينة إلى مكّة ومن مكّة إلى العراق ولم أُفارقه حتّى قتل وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكّة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلّا وقد سمعتها، ألا واللّه ما أعطاهم مايتذكر الناس ومايزعمون من أن يضع يده في يد یزید بن معاوية
ص: 361
ولا أن يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ولكنّه قال : دعوني فأذهب في هذه الأرض العريضة حتّى ننظر ما يصير أمر الناس.(1)
{15}
[904] قال الواقدي : فلمّا وصل شمر إلى عمر بن سعد لعنه اللّه ناداه : لا أهلاً ولا سهلاً، لاقرب اللّه دارك ولا ارثی مزارك، وقبّح ما جئت به. ثمّ قرأ الكتاب وقال : واللّه لقد ثنيته عماّ كان في عزمه غير أنّك قد فعلت ما فعلت. ثمّ بعث إلى الحسين ْ فأخبره الخبر، فقال : واللّه لا وضعت يدي في يد ابن مرجانة، وهل هو إلّا الموت والقدوم علی ربّ کریم؟ لقد أخبرني به جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(2)
{16}
[905] وقيل له يوم الطفّ: انزل على حكم بني عمّك، قال : لا واللّه ، لا أُعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفّر فرار العبيد، ثمّ نادى : يا عباد اللّه إني عذت بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب.(3)
ص: 362
{17}
[906] إنّ عمر بن سعد نادى : يا خيل اللّه اركبي و أبشري، فركب في الناس، ثمّ زحف نحوَهم بعد صلاة العصر، وحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)جالس أمامَ بيته محتبياً بسيفه، إذ خفق برأسه على ركبتَيْه، وسمعتْ أُخته زینب الصيحة فدنتْ من أخيها، فقالت : يا أخي، أما تسمع الأصوات قد اقتربت؟! قال : فرفع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رأسه فقال : إنّي رأيتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في المنام فقال لي : إنّك تروح إلينا ؛ قال : فلطمتْ أخته وجهَها وقالت : يا ويلتا ! فقال : ليس لكِ الويل يا أُخيّة، اسکُني رحمك الرحمن.(1)
{18}
[907] فبلغ العطش من الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأصحابه ، فدخل عليه رجل من شیعته يقال له يزيد بن الحصين الهمداني، قال إبراهيم بن عبداللّه راوي الحديث : هو خال أبي إسحاق الهمداني، فقال : يابن رسول اللّه أتأذن لي فأخرج إليهم فأكلّمهم؟ فأذن له، فخرج إليهم، فقال : يا معشر الناس إنّ اللّه عزّوجلّ بعث محمّداً بالحقّ بشيرا ًونذيراً وداعياً إلى اللّه بإذنه وسراجاً منيراً، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها، وقد حيل بينه وبين ابنه!
فقالوا: یا یزید فقد أكثرت الكلام فاكفف، فواللّه ليعطش الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) كما عطش من كان قبله.
ص: 363
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أُقعد یایزید.(1)
وفي رواية : قال رجل من أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقال له يزيد بن الحصين (2) الهمداني وكان زاهداً : إئذن لي يابن رسول اللّه لأتي هذا ابن سعد فأُكلّمه في أمر الماء فعساه يرتدع.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ذلك إليك.
فجاء الهمداني إلى عمر بن سعد، فدخل عليه ولم يسلّم عليه.
فقال : يا أخا همدان ما منعك من السلام عليّ، ألستُ مسلماً أعرف اللّه ورسوله؟!
فقال له الهمداني : لو كنتَ مسلماً كما تقول لمّا خرجت إلى عترة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) تريد قتلهم الخ.
ولمّا كلّم يزيد القوم، قالوا له : یا یزید قد أكثرتَ الكلام فاكفف، فواللّه ليعطش الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كما عطش من كان قبله ، يعني عثمان.
فلمّا سمع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) هذا الكلام إلتفت إلى أصحابه وقال : أصحابي إنّ القوم قد استحوذ عليهم الشيطان ألا إنّ حزب الشيطان هم الخاسرون، وأنشد يقول :
تعديتم یاشرّ قوم ببغيكم***وخالفتموا فينا النبيّ محمّداً
أما كان خير الخلق أوصاكم بنا*** أماكان جدّي خيرة اللّه أحمدا؟
أماكانت الزهراء أُمّي ووالدي***عليّ أخا خير الأنام المُسدّدا؟(3)
ص: 364
{19}
[908] نقل أنّه لمّا عطش أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وشكوا إليه العطش فأمرهم أن يحفروا بئراً، فلمّا خرج ماؤها طمّها إبنُ سعد، فحفروا بثراً آخر فطمّها، ووقف العسکران ساعات من النهار ، فأنشأ (عَلَيهِ السَّلَامُ)... .
الحمد للّه العليّ الواحد***نحمده في سائر الشدائد
ياربّ لاتغفل عن المعاند***قد قتلونا قتلةَ المناكد
فأصله یاربّ نار السرمد*** وأنت بالمرصاد غیرُ حائد (1)
{20}
[909] قال العبّاس بن عليّ: يا أخي، أتاك القوم ؛ قال : فنهض ثمّ قال : یا عبّاس، اركب بنفس أنتَ يا أخي حتّى تلقاهم فتقول لهم: مالكم؟ وما بدا لكم؟ وتسألهم عمّا جاءَ بهم؟ فأتاهم العبّاس ؛ فاستقبلهم في نحو عشرین فارساً فيهم زهيرُ بن القين وحبیب بن مظاهر ، فقال لهم العبّاس : ما بدا لكم؟ وماتریدون؟ قالوا: جاء أمرُ الأمير بأن نَعرض عليكم أن تنزلوا على حُكمه أو ننازلكم ؛ قال : فلا تعجلوا حتّى أرجع إلى أبي عبداللّه فأعرض عليه ما ذكرتم ؛ قال : فوقفوا ثمّ قالوا: القه فأعلمه ذلك، ثمّ القنا بما يقول؛ قال : فانصرف العبّاس راجعاً يركض إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُخبره بالخبر.(2)
ص: 365
{21}
[910] روي عن زین العابدین (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : لمّا كانت تلك الليلة الّتي قتل فيها الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في صبيحتها قام في أصحابه فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ هؤلاء يريدوني دونكم، ولو قتلوني لم يميلوا إليكم، فالنجاء النجاء، وأنتم في حلّ فإنّكم إن أصبحتم معي قتلتم كلّكم.
فقالوا: لا نخذلك، ولا نختار العيش بعدك.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّكم تُقتَلون كلُّكم حتّى لا يفلت منكم واحد. فكان كما قال (عَلَيهِ السَّلَامُ).(1)
{22}
[911] قال عليّ بن الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كنت مع أبي في الليلة الّتي قتل في صبيحتها، فقال لأصحابه :
هذا الليلُ فاتّخذوه جُنّةً، فإنّ القومَ إنّما یُریدونني، ولو قتلوني لم يلتفتوا إليكم، وأنتم في حلّ وسعة، فقالوا : واللّه لا يكون هذا أبداً، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّكم تُقْتلون غداً كذلك ولا يفلت منكم رجلٌ، قالوا: الحمد للّه الّذي شرّفنا بالقتل
معك ثمّ دعا فقال لهم :
إرفعوا رؤوسَکُم وانظُروا، فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم ومنازلهم من الجَنّة، وهو يقول لهم : هذا منزلُك يا فلان، وهذا قصرُ یا فلان، وهذه
ص: 366
درجتُك يا فلان، فكان الرجل يستقبل الرماح والسيوف بصدره ووجهه ليصل إلى منزله في الجنّة.(1)
{23}
[912] قال الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال اللّه تعالى : كان خلق اللّه لكم ما في الأرض جميعا «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ» (2)في ذلك الوقت خلق لكم، قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ولمّا امتحن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومن معه بالعسكر الّذين قتلوه وحملوا رأسَه قال العسكره: أنتم في حلّ من مفارقتي فالحقوا بعشائر کم ومواليكم، وقال لأهل بيته : قد جعلتم في حلّ من مفارقتي فإنّكم لا تطيقونهم لتضاعف أعدادهم وقواهم، وما المقصود غيري فدعوني والقوم. فإن اللّه عزّوجلّ يعيني ولا يخلّيني من حسن نظره كعاداته في أسلافنا الطيّبين.
فأمّا عسكره ففارقوه، وأمّا أهله الأدنون من أقربائه فأبوا وقالوا : لا نفارقك ويحزننا ما يحزنك، ويصيبنا ما يصيبك، وإنّا أقرب ما نكون إلى اللّه إذا كنّا معك ، فقال لهم : فإن كنتم قد و طّنتم أنفسكم على ما وطّنت نفسي عليه فاعلموا أنّ اللّه إنّما يهب المنازل الشريفة لعباده باحتمال المكاره، وأنّ اللّه وإن كان حصّي مع
ص: 367
من مضى من أهلي الّذين أنا آخرهم بقاء في الدنيا من الكرامات بما يسهل عليّ معها احتمال المكروهات فإن لكم شطر ذلك من کرامات اللّه تعالى، واعلموا أنّ الدنيا حلوها ومرّها حلم، والانتباه في الآخرة، والفائز من فاز فيها، والشقيّ من شقي فيها.(1)
{24}
[913] قيل لمحمّد بن بشير الحضرمي وهو مع الحسين في كربلاء : قد أسِرَ ابنك بثغر الريّ. قال : عند اللّه أحتسبه و نفسي ما كنت أحبّ أن يؤسر ولا أن أبقى بعده. فسمع قوله الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له : رحمك اللّه أنت في حلّ من بيعتي فاعمل في فكاك إبنك !! قال : أكلتني السباع حيّاً إن فارقتك !! قال : فأعط إبنك هذه الأثواب البرود تستعين بها في فداء أخيه. فأعطاه خمسة أثواب قیمتها ألف دینار.(2)
{25}
[914] ثمّ إن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أمر بحفيرة فحُفرت حول عسكره شبه الخندق، وأمر فُحشِیَتْ حطباً وأرسل عليّاً ابنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في ثلاثين فارساً و عشرین راجلاً ليستقوا
ص: 368
الماء وهم على وجل شديد.
ثمّ قال لأصحابه : قوموا فاشرَبوا من الماء يكن آخر زادکم و توضّؤا واغتسلوا وغسّلوا ثيابكم لتكون أكفانکم ثمّ صلّى بهم الفجر وعبّاهم تعبيةَ الحرب، وأمر بحفيرته الّتي حول عسكره فأُضرِمتْ بالنار ليقاتل القومَ من وجه واحد.(1)
{26}
[915] قالت زينب لأخيها الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هل استعلمت من أصحابك نيّاتهم فإني أخشى أن يُسلموك عند الوثبة. فقال لها: واللّه لقد بلوتُهم فما وجدتُ فيهم إلّا الأشوس الأقس، يستأنسون بالمنيّة دون استئناس الطفل إلى محالب أُمّه.(2)
{27}
[916] عن الحسین بن أبي العلاء، عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) صلّى بأصحابه يوم أُصيبوا ثمّ قال : أشهد أنّه قد أُذن لي في قتلكم یا قوم فاتّقوا اللّه واصبروا.(3)
ص: 369
{28}
[917] قال الواقدي وهشام بن محمّد: لمّا رآهم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) مصريّن على قتله، أخذ المصحف ونشره، ونادى : بيني وبينكم كتاب اللّه وسنّة جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، بم تستحلّون دمي؟ ألست ابن بنت نبيّكم؟ ألم يبلغكم قول جدّي في وفي أخي: «هذان سیّدا شباب أهل الجنّة»، إن لم تصدّقوني فاسألوا جابراً وزيد بن أرقم وأبا سعيد الخدري، واللّه ما تعمّدت كذباً منذ علمت أن اللّه سبحانه عقب عليه أهله، واللّه ما بين المشرق والمغرب ابن نبيّ غيري فيكم ولافي غير كم.
فقال شمر : الساعة ترد الهاوية. فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّه أكبر ! أخبرني جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : كأنّ كلباً ولغ في دماء أهل بيتي، ولا أخالك إلّا إيّاه. فقال شمر : لا أعبد اللّه على حرف إن كنت أدري ما تقول. (1)
ص: 370
{29}
[918] عن الإمام السجّاد (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : فأخذ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بطرف لحيته وهو يومئذ ابن سبع وخمسين سنة ، ثمّ قال : اشتد غضبُ اللّه على اليهود حين قالوا: عُزیر بن اللّه، واشتد غضبُ اللّه على النصارى حين قالوا: المسيحُ بن اللّه، واشتدّ غضبُ اللّه على المجوس حین عبدوا النارَ من دون اللّه واشتدّ غضبُ اللّه على قوم قتلوا نبيّهَم واشتدّ غضبُ اللّه على هذه العصابة الّذين يريدون قتلَ إبن نبيّهم.(1)
{30 }
[919] ثمّ إنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) صاح بأهله ونسائه ، فخرجن مهتكات الجيوب و صحن يا معشر المسلمين ويا عصبة المؤمنين ، اللّه اللّه حاموا عن دين اللّه وذبوا عن حرم رسول اللّه وعن إمامكم وابن بنت نبيّكم، فقد امتحنكم اللّه بنا فأنتم جيراننا في جوار جدّنا والكرام علينا وأهل مودّتنا، فدافعوا بارك اللّه فيكم عنا.
فصاح الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أُمّة القرآن هذه الجنّة فاطلبوها، وهذه النار فاهرِبوا منها، فأجابوا بالتلبية وضجّوا بالبكاء والنحيب.(2)
ص: 371
[920] وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أيّها الناس ذروني أرجع إلى مأمني من الأرض ، فقالوا: ومايمنعك أن تنزل على حكم بني عمّك؟ فقال : معاذ اللّه ( إنّي عدتُ بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب ) ثمّ أناخ راحلته و أمر عقبة بن سمعان فعقلها.
ثمّ قال : أخبروني أتطلبوني بقتيل لكم قتلته؟ أو مال لكم أكلته؟ أو بقصاصة من جراحة؟ قال : فأخذوا لا يكلّمونه. قال : فنادى یا شبث بن ربعي ، یا حجار بن أبجر ، يا قيس بن الأشعث، یا زید بن الحارث، ألم تكتبوا إليّ: أنّه قد أينعت الثمار، واخضرّ الجناب ، فأقدم علينا فإنّما تقدم على جند مجنّدة؟ فقالوا له: لم نفعل، فقال : سبحان اللّه ! واللّه لقد فعلتم ، ثمّ قال : أيّها الناس إذ قد كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم، فقال له قيس الأشعث: ألا تنزل على حکم بني عمّك فإنهم لن يؤذوك ولا ترى منهم إلا ماتحب؟ فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنت أخو أخيك، أتريد أن تطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا واللّه لا أُعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ لهم إقرار العبيد.(1)
{32}
[921] أقبل القوم يوم عاشوراء يجولون حول بیت الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فيرون
ص: 372
الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الحطب والقصب الّذي كان أُلقي فيه ، فنادى شمر بن ذي الجوشن بأعلا صوته: ياحسين أتعجّلت النار قبل يوم القيامة ؟!
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من هذا كأنّه شمر بن ذي الجوشن ؟ فقالوا له: نعم، فقال له: يابن راعية المعزى أنت أولى بها صليّاً، ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) من ذلك.
فقال له : دعني حتّى أرميه فإنّه الفاسق من أعداء اللّه وعظماء الجبّارین، وقد أمكن اللّه منه.
فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لاترمه فإنّي أكره أن أبدأهم بقتال.(1)
{33}
[922] لمّا عبأ عمر بن سعد أصحابه نادى : يادُرید ادن رايتك فأدناها، ثمّ وضع سهماً في كبد قوسه ثمّ رمى وقال : اشهدوا أنّي أوّل من رمی، فرمی أصحابه كلّهم فما بقي من أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلّا أصابه من سهامهم، قيل : فلمّا رموهم هذه الرمية، قلّ أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقتل في هذه الحملة خمسون رجلاً، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأصحابه : قوموا رحمكم اللّه إلى الموت الّذي لا بدّ منه، فإنّ هذه السهام رسل القوم إليكم. فاقتتلوا ساعة من النهار حملة وحملة، حتّى قتل من أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) جماعة.(2)
ص: 373
{34}
[923] قال أبو مخنف : عن أبي جناب الكلبي، عن عدي بن حرملة قال : ثمّ إن الحر بن یزید لمّا زحف عمر بن سعد، قال له : أصلحك اللّه أمقاتل أنت هذا الرجل؟
قال : إي واللّه، قتالاً أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي !
قال : أفما لكم في واحدة من الخصال الّتي عرض عليكم رضی؟
قال عمر بن سعد : أما واللّه لو كان الأمر إليّ لفعلت، ولكن أميرك قد أبى ذلك !
فأقبل الحرّ حتّى وقف من الناس موقفاً، ومعه رجل من قومه يقال له : قرّة بن قس، فقال : يا قرّة! هل سقیتَ فرسك اليوم؟
قال : لا.
قال : إنّما تريد أن تسقيه؟
قال فقلت له: لم أسقه وأنا منطلق فساقيه. فاعتزلت ذلك المكان الّذي كان فيه، فواللّه لو أنّه أطلعني على الّذي يريد لخرجتُ معه إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
يقال : فأخذ يدنو من حسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قليلاً قليلاً، فقال له رجل من قومه يقال له : المهاجر بن أوس : ما تريد يابن یزید؟ أتريد أن تحمل؟ فسكت وأخذه مثل العُرَواء.
فقال له : یابن یزید! واللّه إنّ أمرك لمريب، واللّه ما رأيتُ منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن، ولو قيل لي: مَن أشجع أهل الكوفة رجلاً؟ ما عدوتك ، فما هذا الّذي أرى منك؟!
ص: 374
قال : إنّي - واللّه - أُخيّر نفسي بين الجنّة والنار، وواللّه لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قُطّعت وحُرّقت!
ثمّ ضرب فرسه فلحق بحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال له : جعلني اللّه فداك يابن رسول اللّه! أنا صاحبك الّذي حبستك عن الرجوع و سایر تك في الطريق ، وجعجعت بك في هذا المكان، واللّه الّذي لا إله إلّا هو ما ظننت أّن القوم يردّون عليك ماعرضت عليهم أبداً، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، فقلت في نفسي : لا أُبالي أن أُطيع القوم في بعض أمرهم، ولا يرون أنّي خرجت من طاعتهم ، و أمّا هم فسيقبلون من حسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) هذه الخصال الّتي يعرض عليهم، وواللّه لو ظننت أنّهم لا يقبلونها منك ماركبتها منك، وإنّي قد جئتك تائباً ممّا كان منّي إلى ربّي و مواسياً لك بنفسي حتّى أموت بين يديك، أفترى ذلك لي توبة؟ !
قال الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نعم، يتوب اللّه عليك، ويغفر لك، ما اسمك؟
قال : أنا الحرّ بن یزید.
قال: أنت الحرّ کماسمّتك أُمّك، أنت الحرّ إن شاء اللّه في الدنيا والآخرة، إنزل.
قال : أنا لك فارساً خیر منّي لك راجلاً، أُقاتلهم على فرسي ساعة وإلى النزول مايصير آخر أمري!
قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فاصنع يرحمك اللّه ما بدا لك.(1)
ص: 375
وقال ابن اعثمّ : انه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال للحرّ: يا أخي إن تبت کنت ممّن تاب اللّه عليهم، إنّ اللّه هو التواب الرحيم. (1)
{35}
[924] عن السجّاد (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال في قصّة الطف: فضرب الحرّبن یزید فرسَه وجاز عسكر عمر بن سعد لعنه اللّه إلى عسكر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) واضعاً يدَه على رأسه وهو يقول : اللّهمّ إليك أُنيب (أنبت) فتُب علىّ فقد أرعبتُ قلوبَ أوليائك أولادَ نبيّك، يابن رسول اللّه هل لي من توبة؟
قال : نعم تاب اللّه عليك، قال : يابن رسول اللّه أتأذن لي فأُقاتل عنك؟ فأذن له فبرز وهو يقول :
أضرب في أعناقكم بالسیف***عن خیر من حلّ بلاد الخيف
فقتل منهم ثمانية عشر رجلاً ثمّ قُتِل، فأتاه الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) ودمه يشخب فقال : بخ بخ یا حرّ أنت حرّ كما سُمّيتَ في الدنيا والآخرة، ثمّ أنشأ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول :
لنعم الحرّ حرّ بني رياح***ونعم الحرّ عند مختلف الرماح
ونعم الحرّ إذ نادى حسيناً***فجاد بنفسه عند الصباح(2)
ص: 376
{36}
[925] قال ابن نما: رویت بإسنادي إنّ الحرّ قال للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ): لمّا وجهني عبيد اللّه إليك خرجت من القصر فنودیت من خلفي : أبشر يا حرّ بخير ، فالتفتُّ فلم أر أحداً، فقلت : واللّه ما هذه بشارة وأنا أشير إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟؟ ! وما أُحدثّ نفسي باتباعك، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد أصبت أجراً و خيراً.(1)
{37}
[926] جاء عابس بن أبي شبيب الشاكري مولى بني شاكر فقال له الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا شوذب ما في نفسك؟
قال : أُقاتل معك، فدنا من الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : لو قدرت أن أرفع عنك بشيء هو أعزّ من نفسي لفعلت، ثمّ تقدّم فلم يقدم عليه أحد.
فقال زیاد بن الربيع بن أبي تميم الحارثي : هذا ابن أبي شبيب الشاكري القوي لا يخرُجنّ إليه أحد، إرموه بالحجارة، فرموه حتّى قُتِل.(2)
ص: 377
{38}
[927] فلمّا رأى أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّهم لا يقدرون على أن يمنعوا حسيناً ولا أنفسهم، تنافسوا في أن يُقْتَلوا بين يديه.
فجاءه عبداللّه وعبدالرحمن ابنا عزرة الغِفاریان، فقالا : يا أبا عبداللّه ! عليك السلام، حازنا العدوّ إليك، فأحببنا أن نُقتَل بين يديك، نمنعك وندفع عنك.
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مرحباً بكما، أُدنوا منّي.
فدنوا منه ثمّ قاتلاً بين يديه قتالاً شديداً حتّى قتلا.
وفي رواية : أنّه جاءه عبداللّه وعبدالرحمان الغفاریان ، فقال : يا أباعبداللّه السلام عليك، إنّه جئنا لنقتل بين يديك، وندفع عنك.
فقال : مرحباً بكما أُدنوا منّي، فدنوا منه وهما يبكيان، فقال : يا ابني أخي ما یبکیکما؟ فواللّه إنّي لأرجو أن تكونا بعد ساعة قريري العين.
فقالا : جعلنا اللّه فداك ، واللّه ما على أنفسنا نبكي ولكن نبكي عليك، نراك قد أُحيط بك ولا نقدر على أن ننفعك.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جزاكم اللّه يا ابنَي أخي بوجدكما من ذلك ومواساتكما إيّاي بأنفسكما أحسن جزاء المتّقين.
ثمّ استقدما وقالا : السلام عليك يابن رسول اللّه ، فقال : وعليكما السلام ورحمة اللّه وبركاته، فقاتلا حتّى قتلا.(1)
ص: 378
{39}
[928] جاء الفتيان الجابریّان : سيف بن الحارث بن سُريع، ومالك بن عبد بن سريع، وهما ابنا عمّ وأخوان لأّمّ، فأتيا حسينا فدنوا منه وهما يبكيان.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أي ابنَي أخي ! ما يبكيكما؟ فواللّه أنا لأرجو أن تكونا قريري عين عن ساعة.
قالا: جعلنا اللّه فداك ! لا واللّه ما على أنفسنا نبكي ولكنّا نبكي عليك ، نراك قد أُحيط بك ولا نقدر على أن نمنعك.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فجزاكما اللّه يا ابنَي أخي بوجدكما من ذلك ومواساتكما إيّاي بأنفسكما أحسن جزاء المتّقين.
ثمّ استقدم الفتيان الجابريان يلتفتان إلى حسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويقولان : السلام عليك یابن رسول اللّه.
فقال : وعليكما السلام ورحمة اللّه وبركاته، فقاتلا حتّى قُتلا رحمهما اللّه.(1)
{40}
[929] كانت له مخطوبة لم يضاجعها، ولمّا رأت أن نافعاً برز، تعلّقت بأذياله وبكت بكاءاً شديداً وقالت : إلى أين تمضي، وعلى مَن أعتمد بعدك؟ فسمع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذلك، قال له : يا نافع، إنّ أهلك لا يُطيب لها فراقُك، فلو رأيت
ص: 379
أن تختار سرورها على البراز.
فقال : يابن رسول اللّه لو لم أنصرك اليوم، فبماذا أُجيب غدا ًرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟ وبرز فقاتل حتّى قتل.(1)
{41}
[930] وجاء حنظلة بن أسعد الشبامي فوقف بين يدي الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقيه السهام والرماح والسيوف بوجهه ونحره، وأخذ ينادي : يا قوم إنّي أخاف علیکم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح وعاد، وثمود والّذين من بعدهم وما اللّه یرید ظلماً للعباد، ويا قوم إنّي أخاف عليكم يوم التناد، يوم تولّون مدبرین مالکم من اللّه من عاصم، یا قوم لا تقتلوا حسيناً فيسحتكم اللّه بعذاب ، وقد خاب من افتری.
فقال له الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يابن أسعد انّهم قد استوجبوا العذاب حين ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحقّ، ونهضوا إليك يشتمونك وأصحابك، فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين.
قال : صدقت جعلتُ فداك أفلا نروح إلى ربّنا فنلحق بإخواننا؟
فقال له : رُحْ إلى ما هو خير لك من الدنيا وما فيها، وإلى ملك لا يبلی.
فقال : السلام عليك يابن رسول اللّه صلى اللّه عليك وعلى أهل بيتك وجمع بيننا وبينك في جنته.
قال : آمین آمین، ثمّ استقدم فقاتل قتالاً شديداً فحملوا عليه فقتلوه رضوان اللّه عليه.(2)
ص: 380
{42}
[932] ثمّ برز عروة الغفاري وكان شيخاً كبيراً شهد بدراً و حنین وصفّين وقال له الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : شكر اللّه لك أفعالك يا شيخ.(1)
{43}
[932] قال أبو مخنف : حدّثني فضيل بن خُديج الكندي أنّ یزید بن زیاد وهو أبوالشعثاء الكندي من بني بهدلَة.
جثا على ركبته بين يدي الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فرمی بمائة سهم، ما سقط منها إلّا خمسة أسهم، وكان رامياً، فكلّما رمى قال : أنا ابن بهدلة ، فرسان العرجلة. ويقول الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّهمّ سدّد رميته، واجعل ثوابه الجنّة، وكان رجزه يومئذ :
أنا يزيد وأبي مهاصر***أشجع من ليث بغيل خادر
یا ربّ إنّي للحسين ناصر***ولابن سعد تارك وهاجر
وكان يزيد بن المهاصر ممّن خرج مع عمر بن سعد إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فلمّا ردّوا الشروط على الحسين مال إليه فقاتل حتّى قُتِل.(2)
ص: 381
{44}
[933] حمل عمرو بن الحجّاج على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من نحو الفرات فاضطربوا ساعة فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي وانصرف عمرو ومسلم صريع، فمشى إليه الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) و به رمق فقال : رحمك اللّه يا مسلم بن عوسجة «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا» (1) ودنا منه حبیب بن مظاهر وقال : أبشر بالجنّة ولولا أنّي أعلم إنّني في أثرك لاحق بك لأحببتُ أن توصيني، فقال. أُوصيك بهذا رحمك اللّه وأومی بیده نحو الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن تموت دونه فقال : أفعل ، ثمّ مات مسلم.(2)
{45}
[934] وكان يأتي الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الرجل بعد الرجل، فيقول : السلام عليك یابن رسول اللّه، فيجيبه الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وعليك السلام، ونحن خلفك، ويقرأ : «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ»، ثمّ يحمل فيقتل، حتّى قتلوا عن آخرهم رضوان اللّه عليهم، ولم يبق مع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلّا أهل بيته.(3)
ص: 382
{46}
[935] في الرياض(1)للسيد محمّد مهدي، أنّ أصحابَ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) شَكوا إليه العطشَ فقال لهم : أنا واللّه عطشان مثلكم، وقد قلق لذلك قلقاً شديداً، وقد قلّ سمعُه و نظرُه من شدّة العطش، وجعل يقول :
يا نفسُ صبراً فالمني بعد العطش***وانّ روحي في الجهاد منكمش
لا أرهب الموت إذ الموت وحش***جدّي رسول اللّه ما فيه فحش
وفيه أيضاً لمّا رجع أحمد بن الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) من القتال إلى عمّه، فقال : يا عمّاه أدركني شربة ماء، قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يابن أخي إصبر قليلاً حتّى تلقى جدّك محمّداً فيسقيك بكأسٍ لا تظمأ بعده، فأنشأ أحمد يقول :
يا نفس صبراً فالمني بعد العطش... .
يعلم أنّه حفظه من عمّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأنشده في ذلك الموقع.(2)
{47}
[936] قال أبو مخنف : حدّثني الحسين بن عقبة المرادي، قال الزبيدي : أنّه سمع عمرو بن الحجّاج حین دنى من أصحاب الحسين وهو يقول: يا أهل الكوفة! إلزموا طاعتكم وجماعتكم، ولا ترتابوا في قتل مَن مرق من الدين
ص: 383
وخالف الإمام !!!
فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا عمرو بن الحجّاج! أعليَّ تُحرِّض الناس؟! أنحن مرقنا و أنتم ثبتُّم عليه ! أما واللّه لتعلم لو قد قُبضَت أرواحكم ومتُّم على أعمالكم أیُّنا مرق من الدين ومن هو أولى بصليّ النار؟
ثمّ إنّ عمرو بن الحجّاج حمل على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في ميمنة عمر بن سعد من نحو الفرات، فاضطربوا ساعة.(1)
{48}
[937] ثمّ خرج شابً قتل أبوه في المعركة وكانت أُمّه معه، فقالت له أُمّه : أُخرج يا بنيّ وقاتل بين يدي ابن رسول اللّه ! فخرج، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
هذا شابٌ قتل أبوه ولعلّ أُمّه تكره خروجه.
فقال الشابُ: أُمّي أمرتني بذلك، فبرز وهو يقول :
أميري حسين ونعم الأمير***سرور فؤاد البشير النذير
عليّ وفاطمة والداه***فهل تعلمون له من نظير؟
له طلعة مثل شمس الضُحى***له غرّة مثل بدر منیر
وقاتل حتّى قتل وجزّ رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحملت أُمّه
ص: 384
رأسه، وقالت : أحسنت يابنيّ یا سرور قلبي ويا قرّة عيني، ثمّ رمت برأس ابنها رجلاً فقتلته وأخذت عمود خيمته، وحملت عليهم وهي تقول :
أنا عجوز سيدّي ضعيفة***خاوية بالية نحيفة
أضربکم بضربة عنيفة***دون بني فاطمة الشريفة
وضربت رجلين فقتلتهما فأمر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بصرفها ودعا لها.(1)
{49}
[938] عن السجّاد(عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال في ضمن قصّة الطف : وبرز من بعده(2)وهب بن وهب، وكان نصرانيّاً أسلم على يد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) هو وأُمّه فاتبعوه إلى کربلاء فركب فرساً وتنأوّل بيده عود الفسطاط (عمود الفسطاط ) فقاتل و قتل من القوم سبعة أو ثمانية ثمّ استو سر فأتی به عمر بن سعد لعنه اللّه فأمر بضرب عنفه ورمی به إلى عسكر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأخذت أُمّه سيفه وبرزت فقال لها الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : یا أم وهب إجلسي فقد وضع اللّه الجهادَ عن النساء، إنّكِ وابنكِ مع جدّي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في الجنّة. (3)
ص: 385
{50}
[939] وقيل : صلّى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأصحابه فرادى بالإيماء، كما ورد في زیارته : أشهد أنّك قد أقمت الصلاة، ولقد أقام الصلاة في موقف تذهل منه العقول، وتذرف منه الدموع، وذلك لمازالت الشمس يوم عاشوراء صلّى الظهر بأيّ نحو تمكّن، ولكن لم يتمكّن من صلاة العصر فصلّاها صلاة لم يصلّها أحد قبله ولا بعده، ووضوؤها من دم جبهته، وركوعها حين انحنى على قربوس سرجه وأخذ السهم، وسجودها حين سقط على الأرض لكن لم يتمكّن من وضع الجبهة على التراب ؛ لأنّه أُصيب بحجر فوضع خدّه الأيمن و تشهّده حين جلس على ركبتيه وأخذ السهم من نحره، فلمّا فرغ من صلاته حرّض أصحابه على القتال.
وقال : يا أصحابي إنّ هذه الجنّة قد فُتحت أبوابها، واتّصلت أنهارها ، وأينعت ثمارها، وزُيّنت قصورُها، وتألّفت ولدانها وحورُها، وهذا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والشهداء الّذين قتلوا معه وأبي وأُمّي يتوقّعون قدومكم، ويتباشرون بكم، وهم مشتاقون إليكم، فحاموا عن دين اللّه وذبّوا عن حرم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(1)
{51}
[940] وفي رواية قال أبو مخنف : فأذن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بنفسه فلمّا فرغ من
ص: 386
الأذان نادى : يا وليك يا عمر بن سعد أنسیت شرائع الإسلام، ألا تقف عن الحرب حتّى نصلّي وتصلّون ونعود إلى الحرب.
فلم يجبه، فنادى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : استحوذ عليه الشيطان.(1)
وفي رواية أُخرى قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا ويلكم ألا تقفون عن الحرب حتّى نصلّي؟(2)
وفي رواية : قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لزهیر بن قین وسعيد بن عبداللّه : تقدّما أمامي حتّى أُصلّي الظهر ، فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتّى صلّى بهم صلاة الخوف.(3)
روي عن الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنّه صلّى عند مصابه صلاة الخوف بأصحابه.(4)
{52}
[961] فلا يزال الرجل من أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقتل، فإذا قُتل منهم الرجل والرجلان تبيّن فيهم، وأُولئك كثير لا يتبيّن ما يقتل منهم.
فلمّا رأى ذلك أبو ثُمامة عمرو بن عبداللّه الصائدي، قال للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا عبداللّه ! نفسي لك الفداء، إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، ولا واللّه لاتُقتل حتّى أُقتل دونك إن شاء اللّه، وأُحبّ أن ألقى ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة الّتي دنا
وقتها.
ص: 387
فرفع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رأسه ثمّ قال :
ذكّرت الصلاة، جعلك اللّه من المصلّين الذاکرین! نعم هذا أوّل وقتها، ثمّ قال : سلوهم أن يكفّوا عنّا حتّى نصلّي.
فقال لهم الحُصین بن تميم : إنّها لاتُقبل!
فقال له حبیب بن مظاهر : زعمت أنّ الصلاة من آل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لاتُقبل وتُقبل منك يا حمار؟!(1)
{53}
[942] ثمّ خرج حبیب بن مظاهر وقاتل قتالاً شديداً، فحمل عليه رجل من بني تميم يقال له : بُدیل بن صُريم فطعنه فوقع، فذهب ليقوم، فضربه الحصين بن تميم على رأسيه بالسيف فوقع، ونزل إليه التميمي فاحتزّ رأسه.
قال أبو مخنف : حدّثني محمّد بن قيس : لمّا قتل حبیب بن مظاهر هدّ ذلك حسيناً ، وقال : أحتسب نفسي وحُماة أصحابي. (2)
وفي بعض المقاتل : أنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : للّه درّك يا حبيب، لقد كنت فاضلاً تختم القرآن في ليلة واحدة.(3)
ص: 388
{54}
[943] وروي : لمّا انتصف النهار واشتدت الحرّ. وكان ذلك في القيظ - فرأت لهم الخيل، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لزهیر بن قین : «أما هاهنا مكانٌ يُلجأ إليه أو شرفٌ نجعلُه خلفَ ظهورنا ونستقبلُ القومَ من وجه واحد»؟
قال له زهير : بلى، هذا جبل ذي جشم، یسرةً عنك، فمل بنا إليه ، فإن سبقت إليه فهو كما تحبّ.(1)
{50}
[944] ثمّ خرج زهير بن القين وخطب خطبة ودعاهم إلى نصرة ابن بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ، فسبّوه وأثنوا على عبيد اللّه بن زياد، فقال زهير : إنّ ولد فاطمة (سلام اللّه عليها) أحقّ بالودّ والنصر، فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم وقال : اسكت... ثمّ أقبل زهير على الناس وقال : عباد اللّه! لايغرنّكم من دینکم هذا الجلف الجافي وأشباهه... فناداه رجل فقال له : إنّ أباعبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول لك : أقبل فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء، لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت، لو نفع النُصح والإبلاغ.(2)
ص: 389
{56}
{945] فقال زهير بن القين : يا مولاي أرى الإنكسار في وجهك بعد قتل العبّاس و حبيب، ألسنا على الحقّ؟
قال : بلى وحقِّ الحقّ إنّا على الحقّ محقّين.
قال زهير : فما تكره من موتنا وإنّا ندخل الجنّة ونعيمها.
فبرز وهو يقول :
أنا زهیرٌ و ابنُ القين***وفي يميني مرهف الحدّین
أذبٌ بالسيف عن الحسین***ابن علي طاهر الجدّين
ثمّ حمل عليهم فقتل منهم عشرين فارساً، ثمّ أقبل إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فصلّی بالجماعة، ثمّ قال : يا قومي هذه الجنّة قد فتحت أبوابها و أُبيحت أثمارها، وهذا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والشهداء يتوقّعون قدومنا، فحاموا عن دين اللّه، واحفظوا حرم ابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
ثمّ برز وهو يقول :
أقدم حسين اليوم تلقى أحمدا***ثمّ أباك الطاهر المؤيّدا
والحسن المسموم ذاك الأمجدا***وذا الجناحين حليف الشهدا
وحمزة الليث الهمام الأسعدا***في جنّة الفردوس عاشوا سعدا
ولم يزل يقاتل حتّى قتل من الأعداء نيفاً وخمسين فارساً، ثمّ قتل رضي اللّه عنه.(1)
ص: 390
{57}
[969] ثمّ برز زهیر بن القين البجلّي وهو يقول:
أنا زهير وأنا ابن القَين***أذودكم بالسیف عن حسین
إن حسیناً أحد السبطين***من عترة البرّ التقيّ الزين
ذاك رسول اللّه غير المين***أضربكم ولا أرى من شین
ياليت نفسي قسمت قسمين
فقاتل حتّى قتل مائة وعشرين رجلاً فشدّ عليه كثير بن عبداللّه الشعبي و مهاجر بن أوس التميمي فقتلاه.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين صرع زهير : لايبعدك اللّه يا زهير! ولعن قاتلك الّذين مسخوا قردة وخنازير.(1)
{58}
[947] ثمّ بعد شهادة جون كما في اللهوف برز عمرو بن خالد الصيداوي فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) للحسين : يا أبا عبداللّه جعلتُ فداك قد هممتُ أن الحقّ بأصحابك ، وكرهتُ أن أتخلّف فأراك وحيداً بين أهلك قتيلاً.
فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : تقدّم فإنّا لاحقون بك عن ساعة.
فتقدّم فقاتل حتّى قتل رضوان اللّه عليه.(2)
ص: 391
{59}
[968] لمّا احتدم القتال خرج عمرو بن قرظة الأنصاري فاستأذن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأذن له فقاتل قتال الأبطال... وجمع بين سداد وجهاد، وكان لا يأتي إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) سهم إلّا ألقاه بيده، ولا سيف إلّا تلقاه بمهجته، فلم يكن يصل إلى الحسين ّ سوء حتّى أُثخن بالجراح، فالتفت إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : يابن رسول اللّه أو فيت؟
فقال : نعم، أنتَ أمامي في الجنّة، فاقرأ رسولَ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عنّي السلام، وأعلمه أنّي في الأثر، فقاتل حتّى قتل رضوان اللّه عليه.(1)
{60}
[949] لمّا قتل عمرو وكان أخوه عليّ بن قرظة مع عمر بن سعد، فنادى : یا حسین ! یا کذّاب ابن الكذاب ! أضللت أخي وغَررته حتّى قتلته ؟!
قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن اللّه لم يُضلّ أخاك ولكنّه هدى أخاك و أضلّك!
قال : قتلني اللّه إن لم أقتلك، أو أموت دونك ! وحمل على الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فاعترضه نافع بن هلال المرادي فطعنه فصرعه، فحمله أصحابه فاستنقذوه.(2)
ص: 392
{61}
[950] قال السيّد في اللهوف بعد ذكر شهادة عمرو بن قرظة : ثمّ برز جون مولى أبي ذرّ الغفاري وكان عبداً أسود، فقال له الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنت في إذن منّي فإنّما تبعتنا طلباً للعافية ، فلا تبتل بطريقنا.
فقال : يابن رسول اللّه أنا في الرخا ألحس قصاعكم، وفي الشدّة أخذكم؟! واللّه إنّ ريحي لمنتن، وإنّ حسبي للئيم، ولوني لأسود، فتنفّس عليّ بالجنّة فتطيب ريحي ويشرف حسبي، ويبيضّ وجهي ! لا واللّه لا أفارقكم حتّى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم، ثمّ برز للقتال وهو ينشد ويقول :
كيف يرى الكفّار ضرب الاسود***بالسيف شرباً عن بني محمّد
أذبّ عنهم باللسان واليد***أرجو به الجنّة يوم المورد
ثمّ قاتل حتّى قتل، فوقف عليه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال :
اللّهمّ بيّض وجهه وطيِّب ريحَه، واحشُره مع الأبرار، وعرِّف بينه وبين محمّد وآل محمّد.
فكان الناس يحضرون المعركة، ويدفنون القتلى، فوجدوا جَوناً بعد أيّام يفوح منه رائحة المسك رضوان اللّه عليه. (1)
{62}
[951] قال أبو مخنف : حدّثنا عبداللّه بن عاصم الفائشي - بطن من
ص: 393
همْدان - عن الضحاك بن عبداللّه المشرقي، قال : قدمت ومالك بن النضر الأرحبّي على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فسلّمنا عليه، ثمّ جلسنا إليه، فردّ علينا، ورحّب بنا ، وسألنا عمّا جئنا له، فقلنا : جئنا لنسلّم عليك ، وندعو اللّه لك بالعافية ، ونحدثَ بك عهداً، ونخبرك خبر الناس، وإنّا نحدّثك أنّهم قد جمعوا على حربك فَرِ رأيك.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حسبي اللّه ونعم الوكيل ؟ قال : فتذممنا وسلّمنا عليه ، ودعونا اللّه له، قال : فما يمنعكما من نُصرتي. فقال مالك بن النضر : عليّ دین ، ولي عيال، فقلت له : إنّ علىّ دَيناً، وإنّ لي عيالاً، ولكنّك إن جعلتني في حِلّ من الإنصراف إذا لم أجد مقاتلاً قاتلت عنك ما كان لك نافعاً، وعنك دافعاً ! قال : قال : فأنت في حلّ؛ فأقمتُ معه، فلمّا كان الليل قال : هذا الليل قد غشِیَکم، فاتّخذوه جَمَلاً، ثمّ ليأخذ كلّ رجل منکم بید رجل من أهل بيتي، تفرّقوا في سوادکم و مدائنکم حتّى يفرج اللّه، فإنّ القوم إنّما يطلبوني، ولو قد أصابوني لهَوا عن طلب غيري ؛ فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبداللّه بن جعفر : لِمَ نفعل لنبقى بعدك ! لا أرانا اللّه ذلك أبداً؛ بدأهم بهذا القول العبّاس بن علي. ثمّ إنّهم تكلّموا بهذا ونحوه، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا بني عقيل، حسبكم من القتل بمسلم، إذهبوا قد أذنت لكم؟ قالوا : فما يقول الناس؟! يقولون إنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام، ولم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معهم برُمح، ولم نضرب معهم بسيف، ولا ندري ماصنعوا! واللّه لا نفعل، ولكن تفديك أنفسنا وأموالُنا وأهلونا، ونقاتل معك حتّى نَرِدَ مَوردك، فقبح اللّه العيش بعدك.(1)
ص: 394
[902] قال أبو مخنف : حدّثني عبداللّه بن عاصم، عن الضحّاك بن عبداللّه المشرقي، قال : لمّا رأيتُ أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد أُصيبوا، وقد خُلِص إليه وإلى أهل بيته، ولم يبق معه غير سُويَد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي وبُشَير بن عمرو الحضرمي، قلت له : يابن رسول اللّه، قد علمتَ ما كان بيني وبينك، قلتُ لك : أقاتل عنك ما رأيتُ مقاتلاً، فإذا لم أر مقاتلاً فأنا في حلّ من الانصراف، فقلت لي: نعم.
قال : فقال : صدقت و كيف لك بالنجاة! إن قدرت على ذلك فأنت في حِلّ.
قال: فأقبلتُ إلى فرسي وقد كنت حيث رأيت خيلَ أصحابنا تُعقَر، أقبلتُ بها حتّى أدخلتها فسطاطاً لأصحابنا بين البيوت، وأقبلت أُقاتل معهم راجلاً، فقلتُ يومئذ بين يدي الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رجلين ، وقطعت يد آخر، وقال لي الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يومئذ مراراً : لاتُشَلّل، لا يقطع اللّه يدك، جزاك اللّه خيراً عن أهل بیت نبيّك (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) !
فلمّا أذن لي استخرجتُ الفرس من الفسطاط ، ثمّ استويتُ على متنها، ثمّ ضربتُها حتّى إذا قامت على السنابك رميتُ بها عُرض القوم، فأفرجوا لي، واتّبعني منهم خسمة عشر رجلاً حتّى انتهيتُ إلى شُفيّة؛ قريبة من شاطى الفرات، فلمّا لحقوني عطفتُ عليهم، فعرفني كثير بن عبداللّه الشعبي وأيوّب بن مِشرَح الخيواني وقيس بن عبداللّه الصائدي، فقالوا : هذا الضحّاك بن عبداللّه المشرقي، هذا ابنُ عمِّنا، ننشدكم اللّه لمّا كففتم عنه!
ص: 395
فقال ثلاثة نفر من بني تميم كانوا معهم: بلى واللّه لنجيبنّ إخوانَنا وأهل دعوتنا إلى ما أحبّوا من الكفّ عن صاحبهم.
قال : فلمّا تابع التميميّون أصحابي كفّ الآخرون ؛ قال : فنجّاني اللّه.(1)
{64}
[953] وقاتلوهم حتّى انتصف النهار، أشدّ قتال ! وهم لا يقدرون على أن يأتوهم إلّا من وجه واحد، لاجتماع أبنيتهم وتقارب بعضها من بعض.
فلمّا رأى ذلك عمر بن سعد أرسل رجالاً يقرّضونها عن أيمانهم وعن شمائلهم ليحيطوا بهم، فأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يتخلّلون البيوت فيشدّون على الرجل وهو يفوّض فيقتلونه ويرمونه ويعقرونه.
فعند ذلك أمر بها عمر بن سعد فقال : أحرقوها بالنار!
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : دعوهم فليحرّقوها فإنّهم لو حرّقوها لم يستطيعوا أن يجوزوا إليكم منها، وكان ذلك كذلك ، فأخذوا لا يقاتلونهم إلّا من وجه واحد.
وحمل فيمن حمل شمر بن ذي الجوشن حتّى طعن فسطاط الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) برمحه ونادى : عليّ بالنار حتّى أُحرّق هذا البيت على أهله !
فصاح النساء وخرجن من الفسطاط ؟
وصاح به الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : یابن ذي الجوشن أنت تدعو بالنار لتحرّق بيتي على أهلي؟ حرّقك اللّه بالنار.(2)
ص: 396
{65}
[954] وعنه أنه قال : اللّهمّ كن أنت الشهيدَ عليهم، فقد برز إليهم غلامٌ أشبه الناس خَلقاً وخُلُقاً ومنطقاً برسولك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وكنّا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيّك نظرنا إليه، اللّهمّ فامنعهم برکات الأرض، وفرِّقهم تفريقاً، ومزِّقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قِدَداً، ولاتُرض الولاة عنهم أبداً، فإنّهم دعُونا لينصرونا ثمّ عدَوا علينا يُقاتلونا، ثمّ تلا قوله تعالى : «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (1) وصاح (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعمر بن سعد: قطع اللّه رحِمَك كما قطعتَ رحمي، ولم تحفَظ قرابتي من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وسلّط عليك من يذبحك على فراشك.(2)
ص: 397
{66}
[955] حمل علي بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على القوم وهو يقول :
أنا علي بن الحسين بن علي***من عصبة جدّ أبيهم النبيّ
واللّه لا يحكم فينا ابن الدعي***أطعنکم بالرمح حتّى ينثني
أضربكم بالسيف أحمي عن أبي***ضربَ غلام هاشميّ علوي
فلم يزل يقاتل حتّى ضجّ الناس من كثرة من قتل منهم، وروي أنّه قتل على عطشه مائة وعشرين رجلاً، ثمّ رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثرية فقال : يا أبه! العطش قد قتلني، وثقل الحديد أجهدني، فهل إلى شربة من ماء سبيل أتقوّى بها على الأعداء؟
فبكى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : يابنيّ يعزّ على محمّد وعلى عليّ بن أبي طالب وعليَّ أن تدعوهم فلا يجيبوك، وتستغيث بهم فلا يغيثوك.
يا بنيّ هات لسانك ! فأخذ بلسانه فمصّه ودفع إليه خاتمه وقال : أمسكه في فيك وارجع إلى قتال عدوّك فإنّي أرجو أنّك لا تمسي حتّى يسقيك جدّك بكأسه الأوفي شربة لا تظمأ بعدها أبداً، فرجع القتال وهو يقول :
الحرب قد بانت لها الحقائق***وظهرت من بعدها مصادق
واللّه ربّ العرش لانفارق***جموعكم أو تُغمد البوارق
فلم يزل يقاتل حتّى قتل تمام المائتين ثمّ ضربه مُنقذ بن مرّة العبدي على مفرق رأسه ضربة صرعته، وضربه الناس بأسيافهم، ثمّ اعتنق فرسه فاحتمله الفرس إلى عسكر الأعداء فقطّعوه بسيوفهم إرباً إرباً.(1)
ص: 398
{67}
[956] لمّا سقط علي بن الحسين الأكبر(عَلَيهِ السَّلَامُ) وبلغت الروح التراقي قال رافعاً صوته: يا أبتاه هذا جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )قد سقاني بكأسه الأوفي شربة لا أظمأ بعدها أبداً وهو يقول: العجل العجل ! فإن لك كأساً مذخورة حتّى تشربها الساعة.
قال حميد بن مسلم : فكأنّي أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنّها الشمس الطالعة تنادي بالويل والثبور، وتقول : يا حبيباه یا ثمرة فؤاداه ، يا نور عيناه ! فسألت عنها فقيل : هي زينب بنت علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وجاءت وانكبَّت عليه فجاء الحسين فأخذ بيدها فردّها إلى الفسطاط وأقبل (عَلَيهِ السَّلَامُ) بفتيانه وقال : احملوا أخاكم، فحملوه من مصرعه فجاءوا به حتّى وضعوه عند الفسطاط الّذي كانوا يقاتلون أمامه.(1)
{68}
[957] ثمّ برز عبداللّه بن مسلم بن عقيل وهو يقول :
نحن بنو هاشم الكرام***نحمي عن السيّد والإمام
نجل عليّ السيّد الضرغام***سبط النبيّ الملك العلّام
فلم يزل يقاتل حتّى قَتَل من الأعداء نيفاً وخمسين فارساً، ثمّ قُتِل رضي اللّه عنه. فلمّا نظر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إليه قال : اللّهمّ اقتل قاتلَ آل عقيل. ثمّ قال : احملوا عليهم - بارك اللّه فيكم - وبادروا إلى الجنّة الّتي هي دار الإيمان.(2)
ص: 399
(69}
[958] ثمّ خرج القاسم بن الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو غلام صغير لم يبلغ الحلم ، فلمّا نظر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إليه قد برز اعتنقه وجعلا يبكيان حتّى غُشي عليهما، ثمّ استأذن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في المبارزة فأبي الحسين أن يأذن له، فلم يزل الغلام يقبّل يديه ورجليه حتّى أذن له، فخرج ودموعه تسيل على خديه وهو يقول:
إن تنكروني فأنا ابن الحسن***سبط النبيّ المصطفى والمؤتمن
هذا حسین کالأسير المرتهن***بين أُناس لاسُقوا صوب المزن
وكان وجهه كفلقة القمر، فقاتل قتالاً شديداً حتّى قتل على صغره خمسة وثلاثين رجلاً، فشدّ عليه الأزد فما ولّى حتّى ضرب رأسه بالسيف ووقع الغلام الوجهه، ونادى : يا عمّاه! فجاء الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كالصقر المنقضّ ودارت بينه وبين القوم مناوشات أثارت غبرة شديدة، فانجلت الغبرة فإذا بالحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) قائم على رأس الغلام، وهو يفحص برجله ، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يعزّ واللّه على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا یُعينيك، أو يعينك فلا يغني عنك ، بُعداً لقوم قتلوك.(1)
{70}
[909] لمّا وقع القاسم (عَلَيهِ السَّلَامُ) لوجهه ونادى يا عمّاه، فجاء الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) والغلام يفحص برجله ثمّ احتمله. قال الراوي : فكأنّي أنظر إلى رجلي الغلام يخطّان في الأرض، وقد وضع صدره على صدره، فقلت في نفسي: مايصنع؟
ص: 400
فجاء حتّى ألقاه بين القتلى من أهل بيته.
ثمّ قال : اللّهمّ احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً، صبراً يا بني عمومتي، صبراً يا أهل بيتي لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً.(1)
{71}
[960] كان العبّاس السقّاء قمر بني هاشم صاحب لواء الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو أكبر الإخوان، فلمّا رأى وحدته (عَلَيهِ السَّلَامُ) أتاه وقال: هل من رخصة؟ فبکی الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بكاءاً شديداً ثمّ قال :
يا أخي أنت صاحب لوائي وإذا مضيت تفرق عسكري.
فقال العباس: قد ضاق صدري وسئمت من الحياة وأُريد أن أطلب ثاري من هؤلاء المنافقين.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن كان ولابدّ فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء.
فمضى العبّاس يطلب الماء فحملوا عليه وحمل هو عليهم وجعل يقول :
لا أرهب الموت إذا الموت رقا***حتّى أواري في المصاليت لقى
نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا***إنّي أنا العبّاس أغدو بالسقا
ولا أخاف الشرّ يوم الملتقى
ففرّقهم وقتل منهم ثمانين رجلاً حتّى دخل الماء فلمّا أراد أن يشرب غرفة من الماء ذكر عطش الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأهل بيته ، فرمى الماء على الماء و قال :
يا نفس من بعد الحسين هوني***و بعده لا كنت أن تكوني
ص: 401
هذا الحسين وارد المنون***وتشربين بارد المعين
تاللّه ما هذا فعال ديني***ولافعال صادق اليقين
ثمّ ملأ القربة وحملها متوجّهاً نحو الخيمة فقطعوا عليه الطريق وأحاطوا به من كلّ جانب فكمن له زید بن ورقاء الجهني من وراء نخلة وعاونه حکیم بن الطفيل السنبسي فضربه على يمينه فأخذ السيف بشماله وحمل عليهم وهو يرتجز :
واللّه إن قطعتم يميني***إنّي أُحامي أبداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقين***نجل النبيّ الطاهر الأمين
فقاتل حتّى ضعف، فكمن له الحكيم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة فضربه على شماله فقال :
يا نفس لا تخشي من الكفّار***وأبشري برحمة الجبّار
مع النبيّ السيّد المختار***قد قطعوا ببغيهم يساري
و فاصلهم ياربّ حرّ النار
ثمّ جاء سهم فأصاب القربة وأُريق ماءها، فوقف متحيراً، لا ماء حتّى يوصله إلى الخيمة، ولا يد حتّى يحارب بها، وبينما هو كذلك وإذا بسهم أصاب عينه ، ثمّ ضربه ظالم بعمود من حديد على رأسه فانقلب عن فرسه وصاح أخاه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قائلاً : يا أخي أدرك أخاك.(1)
ص: 402
{72}
[961] قال سيّد الشهداء (عَلَيهِ السَّلَامُ)حين استشهد العبّاس - قدّس اللّه روحه -: الآن انكسر ظهري، وقلّت حيلتي، وشمت بي عدوّي.(1)
{73}
[962] عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عَلَيهِما السَّلَامُ) أنّه قال : المؤمنون يُبتلون ثمّ يميّزهم اللّه عنده، إنّ اللّه لم يؤمن المؤمنين من بلاء الدُنيا و مرائرها، ولكن آمنهم من العمل والشقاء في الآخرة. ثمّ قال : كان الحسين بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) يضع قتلاه بعضهم على بعض، ثمّ يقول : قتلانا قتلى النبيّين وآل النبيّين.(2)
{74}
[963] ثمّ توجّه نحو القوم وجعل ينظر يميناً وشمالاً، فلم ير أحداً من أصحابه وأنصاره إلّا مَن صافح التراب جبينه، ومن قطع الحمام أنینه ، فنادى (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
یا مسلم بن عقيل ! ويا هاني بن عروة! ويا حبیب بن مظاهر ! ويا زهیر بن
ص: 403
القين ! ویا یزید بن مظاهر ! ویا یحیی بن کثیر! ويا هلال بن نافع ! ويا إبراهيم بن الحصين ! ويا عمیر بن المطاع! ويا أسد الكلبي ! ويا عبداللّه بن عقيل ! ویا مسلم بن عوسجة! ويا داود بن الطرمّاح! ويا حرّ الرياحي ! ويا عليّ بن الحسين ! ويا أبطال الصفا ! ويا فرسان الهيجاء! مالي أُناديكم فلا تجيبوني، وأدعوكم فلا تسمعوني؟! أنتم نيام أرجوكم تنتبهون، أم حالت مودّتكم عن إمامكم فلا تنصرونه؟! فهذه نساء الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لفقدكم قد علاهنّ النُحول، فقوموا من نومتكم، أيّها الكرام! وادفعوا عن حرم الرسول الطغاة اللثام! ولكن صرعكم واللّه ريب المنون و غدر بكم الدهر الخؤون! وإلّا لمّا كنتم عن دعوتي تقصُرون، ولا عن نصرتي تحتجبون، فها نحن علیکم مفتجعون وبكم لاحقون، فإنّا للّه وإنا إليه راجعون.
وروى أبو مخنف : أنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنشأ يقول :
قوم إذا نودوا لدفع ملمّة***و الخيل بين مدّعس و مکردس
لبسوا القلوب على الدروع و أقبلوا***يتهافتون على ذهاب الأنفُس
نصروا الحسين فيالها من فتية***عافوا الحياة وأُلبسوا من سندس(1)
{75}
[164] لمّا نظر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى اثنين وسبعين رجلاً من أهل بيته صرعی، التفت إلى الخمية ونادی :
ص: 404
يا سكينة! يا فاطمة ! یا زینب! یا أُمّ كلثوم! علیکنّ منّي السلام.
فنادته سكينة : يا أبه استسلمت للموت؟
فقال : كيف لا يستسلم من لا ناصر له ولا مُعين؟
فقالت : يا أبه ردّنا إلى حرم جدّنا.
فقال : هيهات لو تُرك القطا لنام، فتصار خن النساء فسكّتهنّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وحمل على القوم وهو يقول:
كفر القوم وقدماً رغبوا***عن ثواب اللّه ربّ الثقلين (1)
{76 }
[965] اللّهمّ إنّك شاهد على هؤلاء القوم الملاعين أنّهم قد عمدوا أن لا يبقون من ذريّة رسولك (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ويبكي بكاءاً شديداً وينشد ويقول :
ياربّ لاتتركني وحيداً***قد أظهروا الفسوق والجحودا
وصيّرونا بينهم عبيداً***يرضون في فعالهم يزيدا
أمّا أخي فقد مضى شهيداً***مجدّلاً في فدفد فریدا
وأنت بالمرصاد یا مجيدا
ثمّ نادى : يا أُمّ كلثوم ويا سكينة ويارقيّة وياعاتكة ويازينب يا أهل بيتي علیکنّ منّي السلام.(2)
ص: 405
{77}
[966] قال الحسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين أحسّ بالقتل : إبغوا لي ثوباً لايُرغَب فيه أجعله تحت ثيابي حتّى لا أُجردّ!! فقيل له : تُبّان؟ فقال : ذاك لباس من ضُربت عليه الذلُة! فأخذ ثوباً فخرّقه فجعله تحت ثيابه ، فلمّا قُتِل جُرِّد صلوات اللّه عليه ورضوانه.(1)
{78}
[967] روي انّ الحسين ذهب إلى خيم النساء، فجاء إلى خيمة ولده زین العابدین (عَلَيهِ السَّلَامُ) فرآه ملقى على نطع من الأديم، فدخل عليه وعنده زینب تمرّضه، فلمّا نظر إليه عليّ بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أراد النهوض فلم يتمكّن من شدّة المرض، فقال لعمّته : «سنّديني إلى صدرك فهذا ابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد أقبل».
فجلست زینب خلفه وأسندته إلى صدرها، فجعل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يسأل ولده
ص: 406
عن مرضه، وهو يحمد اللّه تعالى، ثمّ قال : يا أبتاه ماصنعت اليوم مع هؤلاء المنافقين؟
فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا ولدي قد استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذکر اللّه، وقد شُبّ الحرب بيننا وبينهم لعنهم اللّه حتّى فاضت الأرض بالدم منّا ومنهم.
فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبتاه أين عمّي العبّاس؟ فلمّا سأل عن عمّه اختنقت زینب بعبرتها، وجعلت تنظر إلى أخيها كيف يجيبه ، لأنّه لم يخبره بشهاده عمّه العبّاس خوفاً من أن يشتدّ مرضه.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا بنيّ إنّ عمّك قد قُتِل، وقطعوا يديه على شاطىء الفرات. فبكي علي بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بكاءاً شديداً حتّى غشي عليه، فلمّا أفاق من غشيته جعل يسأل عن كل واحد من عمومته والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول له : قُتِل.
فقال : وأين أخي علي، وحبیب بن مظاهر ، ومسلم بن عوسجة، وزهير بن القين؟
فقال له : يابُنيّ إعلم أنّه ليس في الخيام رجل حيّ إلّا أنا وأنت ، وأمّا هؤلاء الّذين تسأل عنهم فكلُّهم صرعى على وجه الثرى. فبكى عليّ بن الحسين بكاءاً شديداً.(1)
{79}
[968] لمّا رأى علي بن الحسین زین العابدين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن لا ناصر للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) خرج وكان مريضاً لا يقدر أن يقلّ سيفه وأُمّ كلثوم تنادي خلفه : يابُنيّ ارجع
ص: 407
فقال : ياعمّتاه ذريني أُقاتل بين يدي ابن رسول اللّه، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أُمّ كلثوم خذيه لئلّا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).(1)
{80}
[969] روي أنه لمّا أخبر الإمام الحسين ولده السجّاد (عَلَيهِما السَّلَامُ) عن شهادة الشهداء قال لعمّته زينب : يا عمّتاه عليّ بالسيف والعصا.
فقال له أبوه : وما تصنع بهما؟
فقال : أمّا العصا فأتوكّأ عليها، وأمّا السيف فأذبّ به بين يدي ابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فإنّه لا خير في الحياة بعده. فمنعه الحسين من ذلك وضمّه إلى صدره وقال له: يا ولدي أنت أطيب ذرّيتي، وأفضل عترتي، وأنت خليفتي على هؤلاء العيال والأطفال، فإنّهم غرباء مخذولون، قد شملتهم الذلة واليُتْم وشماتة الأعداء ونوائب الزمان سکّتهم إذا صرخوا، وآنسهم إذا استوحشوا، وسلّ خواطرهم بلين الكلام، فإنّهم ما بقي من رجالهم من يستأنسون به غيرك ولا أحد عندهم يشكون إليه حزنهم سواك ، دعهم يشمّوك وتشمُّهم، ويبكوا عليك وتبكي عليهم.
ثمّ لزمه بيده وصاح بأعلى صوته: يا زينب ويا أُمّ كلثوم ويا سكينة ويارقيّة ويا فاطمة ، اسمعن كلامي واعلمن أن ابني هذا خليفتي عليكم، وهو إمام مفترَض الطاعة، ثمّ قال له : يا ولدي بلِّغ شيعتي عنّي السلام فقل لهم: إنّ أبي مات غريباً فاندبوه و مضى شهيداً فابکوه.(2)
ص: 408
{81}
[970] لمّا فجع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأهل بيته وولده، ولم يبق غيره وغير النساء والذراري نادي :
هل من ذابّ یذبّ عن حرم رسول اللّه؟ هل من موحّد يخاف اللّه فينا؟ هل من مغیث یرجو اللّه في إغاثتنا؟ وارتفعت أصوات النساء بالعويل فتقدّم (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى باب الخيمة فقال : ناولوني عليّاً ابني الطفل حتّى أُودّعه، فناولوه الصبي، فجعل يقبّله وهو يقول :
ويل لهؤلاء القوم إذا كان جدّك المصطفى خصمهم، والصبيّ في حجره، إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه في حجر الحسين، فتلقّى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) دمه حتّى امتلات كفّه، ثمّ رمى به إلى السماء ، وقال :
هوّن علىّ ما نزل بي أنّه بعين اللّه.
قال الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض.
ثمّ قال : لا يكون أهون عليك من فصيل، اللّهمّ إن كنت حبست عنّا النصر ، فاجعل ذلك لمّا هو خير لنا.
قيل : واسم الطفل هذا عبداللّه وأُمّه الرباب بنت امرىء القيس وهي الّتي يقول فيها أبو عبداللّه الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
لعمرك إنّي لأُحبّ داراً***تحلّ بها سكينة والرباب
أحبّهما و أبذل جلّ مالي***وليس لعاتب عندي عتاب(1)
ص: 409
{82}
[971] ثمّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أعيى فقعد على باب فسطاطه، وأُتي بصبيّ صغير من أولاده اسمه عبداللّه، فأجلسه في حجره، ثمّ جعل يقبّله ويشمّه ويودّعه ويوصي أهله، فرماه رجل من بني أسد يقال له «ابن موقد النار» بسهم، فذبح ذلك الغلام، فتلقّى حسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) دمه في يده وألقاه نحو السماء وقال : ربّ إن تك قد حبست عنّا النصر من السماء فاجعله لمّا هو خير ، وانتقم لنا من الظالمين.(1)
{83}
[972] ثمّ التفت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وإذا بالطفل له يتلظّى عطشا، فأخذه على يده وقال : يا قوم، إن لم ترحموني فارحموا هذا الطفل ، فرماه رجل منهم بسهم ذبحه، فبكى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : اللّهمّ احكم بيننا وبين قوم دعونا لینصرونا فقتلونا. فنودي من الهواء : يا حسين دعه فإنّ له مرضعاً في الجنّة.(2)
ص: 410
{84}
[973] عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : شعارنا : يا محمّد یا محمّد، وشعارنا يوم بدر : يا نصر اللّه اقترب اقترب، وشعار المسلمين يوم أُحد: یا نصر اللّه اقترب ، ويوم بني النضير : يا روح القدس أرح، ويوم بني قينقاع : یاربّنا لا يغلبنّك، ويوم الطائف : یا رضوان، وشعار يوم حنين : يا بني عبداللّه يا بني عبداللّه، ويوم الأحزاب : حم لايبصرون، ويوم بني قريظة : اسلام أسلمهم، ويوم المريسيع وهو يوم بني المصطلق : ألا إلى اللّه الأُمور، ويوم الحديبيّة : ألا لعنة اللّه على الظالمين، ويوم خيبر يوم القموس : يا عليّ انهم من عل، ويوم الفتح: نحن عباد اللّه حقاً حقاً، ويوم تبوك : يا أحد یا صمد، ويوم بني الملّوح : أمت أمت، ويوم صفّين : يا نصر اللّه، وشعار الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا محمّد، وشعارنا یا محمّد.(1)
{85}
[974] ثمّ حمل عليهم كالليث المغضب، فجعل لا يلحق منهم أحداً إلا بعجه بسيفه فقتله، والسهام تأخذه من كلّ ناحية وهو يتّقيها بنحره وصدره ويقول : يا أُمّة السوء بئسما خلفتم محمّداً في عترته، أما إنّكم لن تقتلوا بعدي عبداً من عباد اللّه فتهابوا قتله، بل يهون عليكم عند قتلكم إيّاي، وأيم اللّه إنّي لأرجو أن يكرمني ربّي بالشهادة بهوانكم، ثمّ ينتقم لي منكم من حيث
ص: 411
لا تشعرون.
قال : فصاح به الحصين بن مالك السكوني فقال : يابن فاطمة وبماذا ينتقم لك منّا؟
قال : يلقي بأسکم بینکم ويسفك دماءكم، ثمّ يصبّ عليكم العذاب الأليم، ثمّ لم يزل يقاتل حتّى أصابته جراحات عظيمة.(1)
{86}
[975] قال بعض الرواة : فواللّه ما رأيت مكثوراً قطّ قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً منه، وإن كان الرجال لتشدّ عليه فيشد عليها بسيفه، فتنكشف عنه انکشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكمّلوا ثلاثين ألفاً، فينهزمون بين يديه كأنّهم الجراد المنتشر، ثمّ يرجع إلى مرکزه، وهو يقول: (لا حول ولا قوة إلّا باللّه العليّ العظيم).(2)
{87}
[976] حمل (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الأعور السلمي وعمرو بن الحجّاج الزبيدي و كانا في أربعة آلاف رجل على الشريعة، وأقحم الفرس على الفرات، فلمّا أولغ الفرس برأسه ليشرب قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنت عطشان وأنا عطشان، واللّه لاذقتُ الماء
ص: 412
حتى تشرب، فلمّا سمع الفرس كلام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) شال رأسه ولم يشرب كأنّه فهم الكلام، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إشرب فأنا أشرب، فمدّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يده فغرف من الماء، فقال فارس : يا أباعبداللّه تتلذّذ بشرب الماء وقد هتكت حرمك؟ فنفض الماء من يده، وحمل على القوم، فكشفهم، فإذا الخيمة سالمة.(1)
{88}
[977] في خبر : ولم يزل يقاتل حتّى جاء شمر بن ذي الجوشن فحال بينه وبين رحله.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : رحلي لكم عن ساعة مباح، فامنعوه جُهّالكم وطغاتكم وكونوا في الدنيا أحراراً إن لم يكن لكم دين.(2)
{89}
[978] ولم يزل يقاتل حتّى قتل ألف رجل وتسعمائة رجل وخمسين رجلاً سوى المجروحين، فقال عمر بن سعد لقومه : الويل لكم أتدروان لمن تقاتلون؟ هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتّال العرب ، فاحملوا عليه من كلّ جانب ، وكانت الرُماة أربعة آلاف، فرموه بالسهام فحالوا بينه وبين رحله.
فصاح بهم: ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان ! إن لم یکن لکم دین، وكنتم
ص: 413
لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون.
فناداه شمر فقال : ما تقول یا ابن فاطمة؟
قال : أقول : أنا الّذي أُقاتلكم، وتقاتلوني، والنساء ليس عليهنّ جُناح، فامنعوا عُتاتكم وطغاتكم وجهّالكم عن التعرّض لحرمي ما دمتُ حيّاً.
فقال شمر : لك هذا، ثمّ صاح شمر : إليكم عن حرم الرجل، فاقصدوه في نفسه، فلعمري لهو کفو کریم.
قال : فقصده القوم وهو في ذلك يطلب شربة من ماء، فكلّما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم حتّى أجلوه عنه.(1)
{90}
[979] قال عبداللّه بن عمار : دنا عمر بن سعد من الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، إذ خرجت زینب ابنةُ فاطمة أُخته فقالت : يا عمر بن سعد! أيُقتل أبو عبد اللّه وأنت تنظر إليه ! فصرف بوجهه عنها، وكأنّي أنظر إلى دموع عمر وهي تسيل على خدّيه ولحيته !
قال أبو مخنف : حدّثني الصقعب بن زهر، عن حميد بن مسلم قال : كانت عليه جبّة من خز وكان معتمّاً وكان مخضوباً بالوسمة قال : وسمعته يقول قبل أن يقتل وهو يقاتل على رجليه قتال الفارس الشجاع يتقي الرمية، ويغترص العوة ويشدّ على الخيل ويقول :
ص: 414
أعلى قتلي تحائّون(1)، أما واللّه لا تقتلون بعدي عبداً من عباد اللّه أسخط عليكم لقتله متي ! وأيمُ اللّه إني لأرجو أن يكرمني اللّه بهوانکم ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون، أما واللّه لو قد قتلتموني لقد ألقى اللّه باسکم بینکم وسفك دمائكم، ثمّ لا يرضى لكم حتّى يُضاعِف لكم العذاب الأليم.(2)
{91}
[980] عن أبي مخنف قال : حدّثني سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم قال : سمعت الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد أحاطوا به يقول : اللّهمّ احبس عنهم قطر السماء، وامنعهم برکات الأرض، وإن متّعتهم إلى حين، ففرّقهم فرقاً، ومزّقهم مزقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترض عنهم الولاة أبداً، فإنّهم دعونا لینصرونا فعدوا علينا فقتلونا. وضارب حتّى كفهم عنه ، ثمّ تغاووا عليه فقتلوه.(3)
ص: 415
{92}
[981] عن الحسن بن زید الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ): حدّثني مسلم بن رباح مولی عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كنت مع الحسين بن عليّ بن أبي طالب يوم قتل فرمي في وجهه بنشابة فقال لي : يا مسلم ادن يديك من الدم فأدنيتهما فلمّا امتلأ قال : اسكبه في يدي فسكبته في يديه فنفح بهما إلى السماء وقال : اللّهمّ اطلب بدم ابن بنت نبيّك، قال مسلم : فما وقع إلى الأرض منه قطرة.(1)
{93}
[982] ثمّ رماه رجل من القوم يكنّى أبا الحتوف الجعفي بسهم فوقع السهم
ص: 416
في جبهته ، فنزعه من جبهته ، فسالت الدماء على وجهه ولحيته. استان
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّهمّ إنّك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العُصاة، اللّهمّ أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً.(1)
{94}
[983] في رواية : لمّا رموه الأعداء بالسهام، وقع سهم في حلقه، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): بسم اللّه ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه، وهذا قتيل في رضى اللّه.(2)
{95}
[984] فوقف (عَلَيهِ السَّلَامُ) يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال ، فبينما هو واقف إذ أتاه حجر فوقع في جبهته ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه ، فأتاه سهم محدَّد مسموم له ثلاث شعب، فوقع السهم في قلبه فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : بسم اللّه وباللّه وعلى ملّة رسول اللّه، ورفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي إنّك تعلم أنّهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن نبيّ غيره.
ثمّ أخذ السهم فأخرجه من قفاه فانبعث الدم كالميزاب، فوضع يده على الجرح، فلمّا امتلأتْ رمی به إلى السماء، فما رجع من ذلك الدم قطرة ، وما عرفت الحمرة في السماء حتّى رمي الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بدمه إلى السماء، ثمّ وضع
ص: 417
يده ثانياً فلمّا امتلأت لطخ بها رأسه ولحيته ، وقال : هكذا واللّه أكون حتّى ألقى جدّي رسول اللّه وأنا مخضوب بدمي، وأقول : يا رسول اللّه قتلني فلان وفلان.(1)
{96}
[980] فلبثوا هنيئة ثمّ عادوا إليه وأحاطوا به، فخرج عبداللّه بن الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو غلام لم يراهق من عند النساء فشدّ، حتّى وقف إلى جنب عمّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلحقته زینب بنت عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لتحبسه، فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إحبسیه يا أُختي ! فأبى وامتنع امتناعاً شديداً وقال : لا واللّه لا أُفارق عمّي، وأهوى أبجر بن کعب إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالسيف، فقال له الغلام : ويلك يا ابن الخبيثة أتقتل عمّي؟ فضربه بالسيف، فاتّقاه الغلام بیده فاطنّها إلى الجلد فإذا يده معلّقة، فنادى الغلام: يا أُمّاه ! فأخذه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فضمّه إليه وقال : يابن أخي إصبر على ما نزل بك، واحتسب في ذلك الخير، فإنّ اللّه يلحقك بآبائك الصالحين، فرماه حرملة بن کاهل بسهم فذبحه، وهو في حجر عمّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).(2)
ص: 418
{97}
[986] و نادى المهاجر بن أوس التميمي: يا حسين ألا ترى إلى الماء يلوح كأنه بطون الحيات واللّه لا تذوقه أو تموت. فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّي الأرجو أن يوردنيه اللّه ويحلئُكم عنه.(1)
{98}
[987] روى هلال بن نافع قال : إنّى لواقف مع أصحاب عمر بن سعد، إذ صرخ صارخ : أبشر أيّها الأمير فهذا شمر [قد] قتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، قال : فخرجت بين الصفّين فوقفت عليه وإنّه ليجود بنفسه فواللّه ما رأيتُ قطّ قتيلاً مضمّخاً بدمه أحسن منه ولا أنور وجهاً، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيئته عن الفكرة في قتله، فاستسقى في تلك الحالة ماء، فسمعت رجلاً يقول: لاتذوق الماء حتّى ترد الحامية ، فتشرب من حميمها، فسمعته يقول:
يا ويلك أنا لا أرد الحاميةَ، ولا أشرَبُ مِن حميمِها، بل أرِدُ على جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأسكنُ معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأشرَبُ من ماءٍ غير آسِن، وأشكو إليه ما ارتكبتم منّي وفعلتُم بي.
قال : فغضبوا بأجمعهم حتّى كأن اللّه لم يجعل في قلب أحد منهم من الرحمة شيئاً، فاجتزّوا رأسه وإنه ليكلّمهم فتعجّبتُ من قلّة رحمتهم، وقلت : واللّه لا أُجامعكم على أمر أبداً.(2)
ص: 419
{99}
[988] قال أبو علي الحداد مناولة، أخبرني أبو نعیم الحافظ ، أخبرني الطبراني، قال: أخبرني أبو بكر محمّد بن الحسين المقري فيما كتب إليّ من قزوين سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة ، أخبرني أبو القاسم ابن أبي المنذر الخطيب ، أخبرني : علي بن إبراهيم، أخبرني محمّد بن يزيد وابن ماجة القزويني باسنادهما إلى الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال لي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا حسين آخر شربة من الدنيا تشربها من ماء تشربها على ظماء.(1)
{100}
[989] روی عبدالحميد قال : بينما الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) واقف في ميدان الحرب يوم الطف وهو يستعطف القوم شربة ماء، وهو ينادي «هل من راحم يرحم آل الرسول المختار؟ هل من ناصر ینصر الذرّية الأطهار ؟ هل من مجيرٍ لأبناء البتول ؟ هل من ذابّ یذبُّ عن حرم الرسول؟» إذ أتي الشمر اللعين إليه حتّى صار بالقرب منه ونادى : أين أنت يا حسين؟
فقال : «ها أنا ذا».
فقال : أتطلب منّا شربة من الماء، هذا مطلب محال ، ولكن أبشر بالنار الحمراء وشرب الحميم.
ص: 420
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «من أنت يا لعين» ؟
فقال : الشمر.
فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «اللّه أكبر، صدق جدّي رسول اللّه في رؤياه من قبل».
فقال له الشمر: في أيّ شيء صدق جدّك؟
فقال له : «قال جدّي : رأيت في منامي كلباً أبقع يأكل من لحوم اهل بیتی ويلعق من دمائهم، وأمّا أنا فإنّي رقدتُ الآن فرأيتُ في منامي کلاباً كثيرة تُريدُ تنهشُ من لحمي وتشربُ من دمي، وكان فيهم کلبٌ أبقع وكان أشدُّهم عليّ جرأةً وأكثرهم عليّ حنقاً وهو أنت یا شمر»، وكان الشمر لعنه اللّه أبقع الجسد، فغضب الشمر من كلام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وازداد حنقاً وبغضاً، وقال : واللّه لا يقتلك غيري ولأذبحنّك من قفاك، ليكون ذلك أشدّ بك.(1)
{101}
[990] أقبل عمر بن سعد لعنه اللّه حتّى دنا منه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا عمر أنت بنفسك عزمت على قتلي أتيت لكي تقتلني؟
فغضب عمر بن سعد لعنه اللّه، ثمّ قال لرجل عن يمينه : انزل ويحك إلى الحسين فأرحه، فنزل إليه خَولیُّ بن یزید الأصبحي لعنه اللّه فاجتزّ رأسه ، وقيل : بل جاء إليه شمر وسنان بن أنس، والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بآخر رمق يلوك لسانه من
ص: 421
العطش، ويطلب الماء، فرفسه شمر لعنه اللّه برجله، وقال : يابن أبي تراب ألستَ تزعم أنّ أباك على حوض النبيّ يسقي من أحبّه ، فاصبر حتّى تأخذ الماء من يده.
ثمّ قال لسنان : اجتزّ رأسه قفاء، فقال سنان : واللّه لا أفعل، فيكون جدّه محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خصمي.
فغضب شمر لعنه اللّه وجلس على صدر الحسين وقبض على لحيته وهمّ بقتله، فضحك الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، فقال له : أتقتلني ولا تعلم من أنا؟
فقال : أعرفك حقّ المعرفة، أُمّك فاطمة الزهراء، وأبوك عليّ المرتضى، وجدّك محمّد المصطفى، وخصمك العليُّ الأعلى أقتلك ولا أُبالي !(1)
ص: 422
ص: 423
{1}
[991] عليّ بن موسی الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : حدّثني أبي موسی بن جعفر قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد قال : حدّثني أبي محمّد بن علي قال : حدّثني أبي عليّ بن الحسين قال : حدّثني أبي الحسين بن علي قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا عليّ من كرامة المؤمن على اللّه إنّه لم يجعل لأجَلِه وقتاً معلوماً حتّى يهمّ ببائقة(1)، فإذا همّ ببائقة قبضه اللّه.(2)
{2}
[992] عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : دخل قوم على الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فرأوه مختضباً بالسواد، فسألوه عن ذلك، فمدّ يده إلى لحيته، ثمّ قال : أمر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في غزاة غزاها أن يختصبوا بالسواد ليقووا به على المشركين.(3)
ص: 424
{3}
[993] عن عليّ بن موسی الرضا قال : حدّثنا موسی بن جعفر قال : حدّثنا جعفر بن محمّد قال : حدّثنا محمّد بن علي قال : حدّثنا عليّ بن الحسين قال : حدّثنا الحسين بن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قام رجل إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الجامع بالكوفة فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن يوم الأربعاء والتطيّر منه وثقله؟ وأيّ أربعاء هو؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : آخر أربعاء في الشهر وهو المحاق وفيه قتل قابيل هابيل أخاه، ويوم الأربعاء أُلقي إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) في النار، ويوم الأربعاء وضعوا المنجنيق ، ويوم الأربعاء غرق اللّه فرعون، ويوم الأربعاء جعل اللّه عزّوجلّ أرض قوم لوط عاليها سافلها، ويوم الأربعاء أرسل اللّه عزّوجلّ فيه الريح على قوم عاد، ويوم الأربعاء أصبحت كالصريم، ويوم الأربعاء سلط اللّه على نمرود البقّة، ويوم الأربعاء طلب فرعون موسى ليقتله ، ويوم الأربعاء خرّ عليهم السقف من فوقهم، ويوم الأربعاء أمر فرعون بذبح الغلمان، ويوم الأربعاء خرب بیت المقدّس، ويوم الأربعاء أحرق مسجد سلیمان بن داود (عَلَيهِما السَّلَامُ) و اصطخر من كورة فارس، ويوم الأربعاء قتل یحیی بن زکریّا، ويوم الأربعاء ظلّ قوم فرعون أوّل العذاب ، ويوم الأربعاء خسف اللّه عزّوجلّ بقارون، ويوم الأربعاء ابتلى اللّه أيّوب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بذهاب ماله ووولده، ويوم الأربعاء أُدخل يوسف السجن، ويوم الأربعاء قال اللّه عزّوجلّ: «أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ» (1) ويوم الأربعاء أخذتهم الصيحة، ويوم الأربعاء عقروا الناقة، ويوم الأربعاء أمطر عليهم حجارة من سجّيل، ويوم الأربعاء شجّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وكسرت رباعيته، ويوم الأربعاء أخذت.
ص: 425
العماليق التابوت.(1)
{4}
[994] عن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)أنّه قال : لاتَختَّم في الشمال ولا بغير الياقوت والعقيق.(2)
{5}
[995] عن موسی بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : لمّا بعث موسی بن عمران كلمه على طور سيناء ، ثمّ اطلع إلى الأرض اطلاعة فخلق من نور وجهه العقيق ثمّ قال اللّه : آليت على نفسي أن لا أُعذّب کّف لابسه إذا توالى علياً بالنار.(3)
ص: 426
{6}
[999] عن عليّ بن الحسين، عن أبيه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : أحبّونا بحبّ الإسلام، فإنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : لا ترفعوني فوق حقّي، فإنّ اللّه تعالى اتّخذني عبداً قبل أن يتّخذني رسولاً.(1)
{7}
[997] عن موسی بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : جاء يهودي إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعنده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له : ما الفائدة في حروف الهجاء؟
فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أجبه، وقال : اللّهمّ وفّقه وسدّده. فقال عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مامن حرف إلّا وهو اسم من أسماء اللّه عزّوجلّ، ثمّ قال :
أما «الألف» فاللّه الّذي لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم.
وأمّا «الباء» فباق بعد فناء خلقه.
وأمّا «التاء» فالتوّاب يقبل التوبة عن عباده.
ص: 427
وأما «الثاء» فالثابت الكائن «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ».(1)
وأمّا «الجيم» فجلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه.
وأمّا «الحاء» فحقّ حيّ حليم.
وأمّا «الخاء» فخبير بما يعمل العباد.
وأمّا «الدال» فديّان يوم الدين.
وأمّا «الذال» فذو الجلال والإكرام.
وأمّا «الراء» فرؤوف بعباده.
وأمّا «الزاي» فزين المعبودين.
وأمّا «السين» فالسميع البصير.
وأمّا «الشين» فالشاكر لعباده المؤمنین.
وأمّا «الصياد» فصادق في وعده و وعیده.
وأمّا «الضاد» فالضارّ النافع.
وأمّا «الطاء» فالطاهر المطهّر.
وأمّا «الظاء» فالظاهر المظهر لآياته.
وأمّا «العين» فعالم بعباده.
وأمّا «الغين» فغياث المستغيثين.
وأمّا «الفاء» ففالق الحبّ والنوى.
وأمّا «القاف» فقادر على جميع خلقه.
وأمّا «الكاف» فالكافي الّذي لم يكن له كفواً أحد ولم يلد ولم يولد.
وأمّا «اللام» فلطيف بعباده.
ص: 428
وأمّا «الميم» فمالك الملك.
وأمّا «النون» فنور السماوات والأرض من نور عرشه.
وأمّا «الواو» فواحد صمد لم يلد ولم يولد.
وأمّا «الهاء» فهاد خلقه.
وأمّا «اللام ألف» فلا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له.
وأمّا «الياء» فيد اللّه باسطة على خلقه.
فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : هذا هو القول الّذي رضي اللّه عزّوجلّ لنفسه من جميع خلقه، فأسلم اليهودي.(1)
{8}
[998] عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حدّث عن أشياء تكون بعده إلى قيام القائم فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أمير المؤمنين متى يطهّر اللّه الأرض من الظالمين ؟
ص: 429
قال : لا يطهّر اللّه الأرض من الظالمين حتّى يسفك الدم الحرام.(1)
{9}
[999] جوابه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن مسائل سأله عنها ملك الروم حين وفد إليه ويزيد بن معاوية في خبر طویل سأله عن المجرّة وعن سبعة أشياء خلقها اللّه، لم تخلق في رحم.
فضحك الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له : ما أضحكك؟
قال : لإنّك سألتني عن أشياء ما هي من منتهى العلم إلّا كالقذي في عرض البحر.
أمّا المجرّة فهي قوس اللّه. وسبعة أشياء لم تخلق في رحم، فأوّلها آدم ثمّ حوّاء والغراب وکبش إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وناقة اللّه وعصا موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) والطير الّذي خلقه عیسی بن مریم (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ثمّ سأله عن أرزاق العباد.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أرزاق العباد في السماء الرابعة ينزّلها اللّه بقدر ويبسطها بقدر.
ثمّ سأله عن أرواح المؤمنين أين تجتمع؟
قال : تجتمع تحت صخرة بيت المقدس ليلة الجمعة وهو عرش اللّه الأدنى منها بسط الأرض وإليها يطويها ومنها استوى إلى السماء، وأمّا أرواح الكفّار فتجتمع في دار الدنيا في حضرموت وراء مدينة اليمن، ثمّ يبعث اللّه ناراً من
ص: 430
المشرق وناراً من المغرب بينهما ريحان فيحشر ان الناس إلى تلك الصخرة في بیت المقدس فتحبس في يمين الصخرة وتزلف الجنّة للمتّقين وجهنّم في يسار الصخرة في تخوم الأرضين وفيها الفلق والسجّين فتفرق الخلائق من عند الصخرة، فمن وجبت له الجنّة دخلها من عند الصخرة ومن وجبت له النار دخلها من عند الصخرة.(1)
{10}
[1000] المدائني عن سُحيم بن حفص قال : لقي الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) سعيداً(2) وأبناء السُغْد معه فقال متمثّلاً :
أبا عُمارة إمّا كنتَ ذا ثَقَلٍ***فإنّ قومَك لم تأكلْهم الضَبُعُ
وكان قوم من بني عثمان يقولون: ما قتله إلّا عينُ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، قال : فبينا سعيد في حائط له وقد جعل أُولئك السغد فيه يعملون بالمساحي إذ أغلقوا باب الحائط ووثبوا عليه فقتلوه، فجاء مروان بن الحكم يطلب المدخل عليهم فلم يجدّه، وقتل السُغْدُ أنفسهم، وتسوّرت الرجال ففتحوا الباب وأخرجوا سعيداً.(3)
ص: 431
ص: 432
ص: 433
ص: 434
الفاتحة (1)
(5) إِيّاكَ نَعْبُدُ...88
البقرة (2)
(30) إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا...158
(34) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ...367
(64) ثُمَّ تَوَلَّيْتُم...263
(111) وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا...88
(112) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ....89
(199) فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ....163
(199) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ...264و265
(237) وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ... 11
(284) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ...105
(285) آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ.... 105
(286) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا... 106 و 108
آل عمران (3)
(13) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ...237
(33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ...162
ص: 435
(33 و 34) إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ... 298 و397
(173) حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ...262 و312
(195) وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ...217و231
النساء (4)
(59) أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ...34 و 252
(83) وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ...34
(86) وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا...257
(123) لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ...226
(142 و 143) يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ...326
المائدة (5)
(44) فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ...29
(63) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ...29
(78 و 79) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ...29
(101 و 102) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ...250
(115) إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا... 145
الأنعام (6)
(1) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَ...88
(28) وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَ...24
(62) رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ...131
(158) لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ...28
الأعراف (7)
(58) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا...142
(96) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ...46
(199 - 202) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ...273
ص: 436
الأنفال (8)
(48) لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ ...34
(61) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ...210
التوبة (9)
(54) أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى...326
(71) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ...30
(128) لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ... 205
يونس (10)
(26) حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا...198
هود (11)
(45) رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي...91
(46) ِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ...91
(113) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا...230
يوسف (12)
(33) وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ...196
(92) لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ...273
إبراهيم (14)
(21) وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ...18
(36) فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي...264
(27) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ...428
الحجر (15)
(94) إصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ...99
(95) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ...98و100
ص: 437
النحل (16)
(96) مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ...209
الإسراء (17)
(36) إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا...196
(45) وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ...94
الكهف (18)
(39) مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا....262
(52) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا...214
مریم (19)
(9) هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ...228
(96) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا...128
(97) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ...128
طه (20)
(1 و 2) طه* مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى...104
(7) يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى...230
(61) فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ...214
الأنبياء (21)
(69) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ...45
(82) وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ...202
(87) لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ...262
الحج (22)
(36) وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ...223
المؤمنون (23)
(101) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ...202
ص: 438
الفرقان (25)
(44) إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا...265
الشعراء (26)
(100 و 101) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ...24
(102) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ....24
النمل (27)
(51) أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ...425
القصص (28)
(21) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ...62
(22) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ...319
(41) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ...352
(83) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ...208
الروم (30)
(22) ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ...196
لقمان (31)
(15) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ...139
الأحزاب (33)
(9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ...92
(23) فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا...382
(38) وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا...224
(53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ...125
(17 و 98) إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا..... 18
ص: 439
يس (36)
(8) فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ...94
(9) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا...94و95
(78) مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ...94
(79) يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ...95
ص (38)
(31) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ...1999
الزمر (39)
(56) يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ...210
غافر (40)
(29) إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ...207
(44) وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ...262
(60) ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ...8
الأحقاف (46)
(29) وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ...109
محمّد (47)
(15) وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ...198
الفتح (48)
(2) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ...125
(27) لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ...96
الحجرات (49)
(2) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ...125
(3) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ...125
(9) فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي...208
ص: 440
الذاريات (51)
(49) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ...141
الرحمن ( 55 )
(26) كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ...216
(35) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ....206
الواقعة ( 56 )
(6) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا...202
(69) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ...238
الحشر (59)
(7) وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا...250
الصف (61)
(4 إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ...18
المنافقون (63)
(4) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ...249
الطلاق ( 65 )
(3) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ...28
القلم ( 68 )
(4) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ...114
نوح (71)
(14) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا...203
النبأ (78)
(14) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا...238
المطففين ( 83 )
(29) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ...73
ص: 441
الشرح (94)
(4) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ...91
العصر (103)
(3) وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ...103
الإخلاص (112)
(1) قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ...88
ص: 442
1- القرآن الكريم
2- نهج البلاغة : الشريف الرضي (المتوفّي 406).
3- ابصار العين : محمّد بن الشيخ طاهر السماوي (المتوفی 1370).
4- الإتقان في علوم القرآن : جلال الدين السيوطي (المتوفی 911).
5- إثبات الوصية : العلامة الحلي (المتوفی 726).
6- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات : الحر العاملي (المتوفّي 1104).
7- الاثني عشرية : أحمد محمود صبحي.
8- الآحاد والمثاني : ابن أبي عاصم (المتوفی 287).
9- الأحاديث الغيبية.
10 - الاحتجاج : الشيخ الطبرسي (المتوفّي 560).
11 - أحسن القصص : الحسيني القاهري.
12 - إحقاق الحقّ : القاضي نور اللّه التستري (المتوفی 1019).
13 - أحكام القرآن : أحمد بن علي الجصاص (المتوفی 370).
14 - إحياء الميت : جلال الدين السيوطي الشافعي (المتوفی 911).
15 - أخبار اصفهان : الحافظ أبو نعيم الأصفهاني (المتوفی 430).
16 - الأخبار الدخيلة : محمّد تقي التستري.
17 - الأخبار الطوال : أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري (المتوفی 282).
18 - أدب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أحمد الصابري الهمداني.
19 - أدب الدنيا والدين : علي بن محمّد الماوردي (المتوفی 450).
20 - الأربعين : الشيخ البهائي (المتوفی 1031).
21- أرجح المطالب : عبيد اللّه الحنفي (المتوفی 1367).
22 - إرشاد القلوب: حسن بن أبي الحسن الديلمي (المتوفی 841).
23 - إرشاد الهيئة.
ص: 443
26 - الإرشاد والتطريز : أبو محمّد عفيف الدين اليافعي.
25 - الإرشاد : الشيخ المفيد (المتوفی 413).
26 - الإستبصار : أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (المتوفّي 460).
27 - الإستشفاء بالقرآن الكريم والسنة النبوية : أحمد الصباحي.
28 - إستشهاد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : محمّد جمیل غازي.
29 - الإستيعاب : يوسف بن عبداللّه بن عبد البرّ القرطبي.
30- أُسد الغابة : علي بن أبي الكرم ابن اثیر الجزري (المتوفی 630).
31 - أسرار الشهادة : الملا آقا الدربندي (المتوفی 1285).
32 - إسعاف الراغبين : ابن الصبان المصري (المتوفّي 1206).
33 - الإشاعة لأشراط الساعة : البرزنجي الموسوي الشافعي المدني (المتوفی 1103).
34 - الإصابة في تمييز الصحابة : ابن حجر العسقلاني (المتوفی 852)
35 - أضواء على السنة المحمّدية.
36 - إظهار المحامد في التعريف بمولانا الوالد : محمّد بن محمّد بن عبداللّه ابن الموقت المراكشي (المتوفی 1329).
37 - الإعتقادات : الشيخ الصدوق (المتوفی 381).
38 - إعجاز القرآن : محمّد بن طيب الباقلاني (المتوفی 403).
39 - الإعجاز والايجاز : أبو منصور عبدالملك بن محمّد الثعالبي (المتوفی 8750).
40 - اعلام الدين : الديلمي (المتوفی 841).
41 - اعلام الوری : الفضل بن حسن الطبرسي (المتوفی 548).
42 - الاعلام : الشيخ المفيد (المتوفی 413).
43 - الاعلان و التوبيخ.
44 - أعيان الشيعة : محسن الأمين العاملي (المتوفی 1371).
45 - الأغاني : أبو الفرج الأصفهاني (المتوفی 356).
46 - الإقبال : سید بن طاووس (المتوفی 664).
47 - إكمال الدين وإتمام النعمة : الشيخ الصدوق (المتوفی 381).
48 - آل محمّد: حسام الدين الحنفي.
49 - ألف حديث في المؤمن : هادي النجفي.
ص: 444
50 - الأمالي : أبو طالب يحيى الزيدي (المتوفی 424).
51 - الأمالي : الشريف المرتضى (المتوفّي 436).
52 - الأمالي : الشيخ الصدوق (المتوفی 381).
53 - الأمالي : الشيخ الطوسي (المتوفّي 460).
54 - الأمالي : الشيخ المفيد (المتوفی 413).
55 - الأمالي : يحیی بن الحسين الأحول البطحائي (المتوفی 424).
56 - الإمامة والسياسة : أبو محمّد عبداللّه بن مسلم ابن قتيبة الدينوري (المتوفی 276).
57 - الامتاع والمؤانسة : أبو حيان علي بن محمّد التوحيدي (المتوفّي 401).
58 - الأموال : أبو عبيد القاسم بن سلام (المتوفی 234).
59 - الأموال : حمید بن زنجويه (المتوفی 251).
60 - أمير الحلبية.
61 - أنساب الأشراف : أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري.
62 - الأنساب : أبو سعد عبدالکریم بن محمّد بن منصور التميمي السمعاني (المتوفی 562).
63 - الانصاف : السيد هاشم البحراني (المتوفی 1107).
64 - الأنوار الرحمانية في الطريقة الكنزانية : محمّد الكنزاني.
65 - أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) في الكتاب والسنّة.
66 - أهل البيت (عَلَيهِ السَّلَامُ) : توفيق أبو علم.
67 - أيّام العرب في الاسلام : محمّد أبو الفضل إبراهيم وعلى محمّد البجاوي.
68 - بحار الأنوار : العلامة المجلسي (المتوفی 1111).
69 - بدائع الحكمة : علي بن عبداللّه الزنوري (المتوفی 1307).
70 - البداية والنهاية : الحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (المتوفی 774).
71 - البديع : عبداللّه بن المعتز العباسي.
72 - البرصان : أبو عثمان بن عمرو بن بحر الجاحظ.
73 - بشارة المصطفى الشيعة المرتضى : عماد الدين الطبري (المتوفی 525).
74 - بصائر الدرجات : محمّد بن الحسن بن الفروخ الصفار (المتوفی 290).
75 - بغية الطلب في تاريخ حلب : عمر بن أحمد بن أبي جرادة (المتوفّي 660).
76 - البلد الأمين : إبراهيم بن علي العاملي الكفعمي (المتوفی 900).
ص: 445
77 - البيان والتبيين : عمرو بن بحر الجاحظ (المتوفی 255).
78 - تاج العروس من جواهر القاموس : محمّد مرتضى الزبيدي (المتوفی 1205).
79 - تاریخ ابن خلدون : عبد الرحمن بن خلدون (المتوفی 808).
80 - تاريخ الإسلام : شمس الدين محمّد بن احمد بن عثمان الذهبي (المتوفی 748).
81 - تاريخ الأُمم والملوك : أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري (المتوفی 310).
82 - تاریخ الخلفاء : جلال الدين السيوطي (المتوفی 911).
83 - تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس: الدياربكري (المتوفّي 966).
84 - التاريخ الكبير : محمّد بن إسماعيل البخاري (المتوفی 256).
85 - تاريخ اليعقوبي : أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب (المتوفی 284).
86- تاریخ بغداد : أحمد بن علي الخطيب البغدادي (المتوفّي 436).
87 - تاريخ مدينة دمشق : ابن عساكر (المتوفی 571).
88 - تاويل الآيات : السيد شرف الدين علي الحسيني الاسترآبادي النجفي (المتوفّي 965).
89 - التبر المذاب : الخوافي الحسيني.
90 - التبيان في آداب حملة القرآن : محيي الدين النووي (المتوفی 676).
91 - تحف العقول : الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني (من أعلام القرن الرابع).
92 - تذكرة الحفاظ : أبو عبداللّه شمس الدين الذهبي (المتوفی 748).
93 - التذكرة الحمدونية : محمّد بن الحسن بن محمّد بن علي بن ابن حمدون.
94 - تذكرة الخواص: سبط ابن الجوزي (المتوفی 654).
95 - تراث الأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ)
96 - ترجمة الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)من تهذيب الكمال.
97 - ترك الاطناب : محمّد بن سلامة المغربي.
98 - ترهة المجالس : عبدالرحمن بن عبدالسلام الصفوري (المتوفی 884).
99 - تصحيفات المحدثين : عبد اللّه بن سهل العسكري (المتوفی 382).
100- تعاليم الامام المجتبی (عَلَيهِ السَّلَامُ).
101 - تغضب الأثر.
102 - تفسير الامام الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) : المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ).
103 - تفسير البرهان : السيد هاشم البحراني (المتوفی 1107).
ص: 446
104 - تفسير الثعالبي (الجواهر الحسان في تفسير القرآن): عبدالرحمن بن محمّد بن مخلوف الثعالبي المالكي (المتوفی 875).
105 - تفسير الخازن: الخطيب البغدادي (المتوفی 741).
106 - تفسير الرازي : محمّد بن عمر الفخر الرازي (المتوفّي 606).
107 - تفسير العياشي : محمّد بن مسعود بن عياش السلمي (المتوفی 340).
108 - تفسير القرآن : عبد الرزاق بن همان الصنعانی.
109 - تفسير القرطبي: أبو عبداللّه محمّد بن أحمد القرطبي (المتوفی 671).
110 - تفسير القمي: علي بن إبراهيم القمي (المتوفی 307).
111 - تفسير الكشف والبيان.
112 - تفسير المجاهد: مجاهد بن جبر (المتوفی 102).
113 - تفسير الميزان : محمّد حسين الطباطبائي (المتوفی 1402).
114 - تفسير غريب القرآن : زید بن علي بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
115 - تفسیر فرات الكوفي : فرات بن إبراهيم الكوفي القرن الرابع الهجري).
119 - تفسیر کنز الدقائق : الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمي المشهدي.
117 - تفسير الصافي : محسن الفيض الكاشاني (المتوفی 1091).
118 - تفسير مجمع البيان : أمين الاسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (المتوفی 548).
119 - تفسير نور الثقلين : الشيخ عبدعلي بن جمعة العروسي الحويزي (المتوفی 1112).
120 - تقريب التهذيب : ابن حجر العسقلاني (المتوفی 852).
121 - تقييد العلم : الخطيب البغدادي (المتوفّي 436).
122 - تلخيص المتشابه في الرسم : أحمد بن علي الخطيب البغدادي (المتوفّي 436).
123 - تلخيص مقباس الهداية : العلامة المامقاني.
124 - التمثيل والمحاضرة : عبد الملك ابن منصور الثعالبي (المتوفی 430)
125 - التمهيد في علوم القرآن.
126 - تمييز الطيّب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث : عبدالرحمن بن علي بن محمّد بن عمر الشيباني الشافعي.
127 - تنبیه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام) : أبي الحسين ورّام بن أبي فراس المالكي الأشتري (المتوفی 605).
ص: 447
128 - تنبيّه الغافلين عن فضائل الطالبيين : أين سعد المحسن كرامة المته في 494).
129 - تنزيه الأنبياء : الشريف المرتضى (المتوفّي 436).
130 - التوحيد: الشيخ الصدوق (المتوفی 381).
131 - توضيح الدلائل على تصحيح الفضائل : أحمد الحسيني الايجي الشافعي.
132 - تهذیب الأحکام : الشيخ الطوسي (المتوفّي 460).
133 - تهذيب التهذيب : ابن حجر السعقلاني (المتوفی 852).
134 - تهذيب الكمال : أبو الحجاج يوسف المزي (المتوفی 742).
135 - التهذيب : ابن عساكر (المتوفی 571).
136 - تيسير المطالب : السيد يحيى الزيدي (المتوفّي 424).
137 - الثاقب في المناقب : ابن حمزة الطوسي (المتوفّي 560).
138 - ثمار القلوب في المضاف والمنسوب : أبو منصور عبدالملك بن محمّد الثعالبي (المتوفی 875).
139 - ثمرات الأوراق : تقي الدين أبو بكر بن علي الحموي.
140 - ثواب الأعمال : الشيخ الصدوق (المتوفی 381).
141 - جامع أحاديث الشيعة : السيد البروجردي (المتوفی 1380).
142 - جامع الأثر في أمامة الأئمة الاثني عشر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حسن آل طه.
143 - جامع الاخبار : محمّد السبزواري.
144 - جامع الأصول : ابن الأثير الجزري (المتوفّي 606).
145 - جامع البيان : أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (المتوفی 310).
146 - الجامع الصغير : جلال الدين السيوطي (المتوفی 911).
147 - الجامع بين العلم وفضله.
148 - الجرح والتعديل : عبد الرحمان ابن أبي حاتم الرازي (المتوفی 327).
149 - الجعفريات (الأشعثيات) : محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي (المتوفی 330).
150 - جمال الاسبوع : سید بن طاووس (المتوفّي 664).
151 - جمال الخواطر في عجائب الكون وغرائبه النوادر.
152 - جمع الجوامع : جلال الدين السيوطي (المتوفی 911).
153 - جمع الفوائد من جامع الأصول : الروداني.
ص: 448
154 - الجمع الجواهر : أبو إسحاق إبراهيم بن علي القيرواني الأندلسي.
155 - الجمل : الشيخ المفيد (المتوفی 413).
156 - جمهرة أنساب العرب : أبو محمّد علي ابن حزم الأندلسي (المتوفّي 456).
157 - جواهر العقدين : السيد علي بن عبداللّه الحسيني السمهودي (المتوفی 911).
158 - جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : شمس الدين أبو البرکات محمّد الباعوني.
159 - الجوهرة في نسب الإمام علي وآله (عَلَيهِم السَّلَامُ) : محمّد بن أبي بكر الأنصاري التاهساني المعروف بالبري.
160 - الجهاد والحقوق الدوليّة في الاسلام : ظافر القاسمي.
161 - حاشیه شرح بانت معاد : عبدالقادر بن عمر البغدادي.
162 - حدائق الحقایق : تاج الدين محمّد بن أبي بكر.
163 - الحسن والحسين سبطا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : المصري المالكي
164 - حقائق التاويل في متشابه التنزيل : السيد الشريف الرضي (المتوفّي 406).
165 - حلية الأبرار : السيد هاشم البحراني (المتوفی 1107).
166 - حلية الأولياء وطبقات الاصفياء : أبو نعيم الأصفهاني (المتوفی 430).
167 - حلية العلماء : أبوبكر محمّد بن أحمد ابن القفال الشاشي الشافعي (المتوفی 507).
168 - حليم آل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) : موسى محمّد علي.
169 - حياة الامام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ): باقر شريف القرشي.
170 - حياة الامام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : باقر شريف القرشي.
171 - حياة الحيوان : محمّد بن موسی الدميري (المتوفی 808).
172 - الحيوان : أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ.
173 - الخرائج والجرائح : قطب الدين الراوندي (المتوفی 573).
174 - خصائص أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أحمد بن شعيب النسائي (المتوفی 303).
175 - خصائص أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الشريف الرضي (المتر في 406).
176 - الخصال : الشيخ الصدوق (المتوفی 381).
177 - خطب الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ): صادق النجفي..
ص: 449
178 - خطب الصحابة ومواعظهم: محمّد عثمان الخشت.
179 - الخلاف : الشيخ الطوسي (المتوفّي 460).
180 - الدر المنثور : جلال الدين السيوطي (المتوفی 911).
181 - الدرة الباهرة : محمّد بن جمال الدين المكي العاملي (المتوفی 786).
182 - درر الأحاديث النبوية.
183 - درر الأخبار : مهدي الحجازي.
184 - الدرر المكنونة في السنة الشريفة المصونة : الفايسي المالكي (المتوفی 1278).
185 - درر بحر المناقب : محمّد بن أحمد الحنفي الموصلي الشهير بابن حسنویه (المتوفّي 680).
186 - الدروع الواقية : سید بن طاووس (المتوفّي 664).
187 - دعائم الاسلام : نعمان بن محمّد التميمي المغربي (المتوفی 363).
188 - الدعوات: قطب الدين الراوندي (المتوفی 573).
189 - دلائل الإمامة : أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري (المتوفی 310).
190 - دلائل النبوّة : إسماعيل بن محمّد بن الفضل التميمي الأصبهاني (المتوفی 535).
191 - الدمعة الساكبة : المولی باقر بن عبدالكريم البهبهاني (المتوفی 1285).
192 - ديوان الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : محمّد عبدالرحیم.
193 - ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: محب الدين الطبري (المتوفّي 694).
194 - ذخيرة الملوك : علي بن شهاب الدين الهمداني (المتوفی 786).
195 - الذرية الطاهرة : أبو بشر محمّد بن أحمد بن حماد الأنصاري الرازي الدولابي (المتوفی 310).
196 - ذريعة النجاة : محمّد رفیع بن قهرمان الخاتون آبادي الكر هرودي (المتوفی 1330).
197 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة : الشيخ آقا بزرگ الطهراني (المتوفی 1381).
198 - الذكر في القرآن الكريم : علاء الدين الموسوي.
199 - ذم البخل وفضل السخاء : أبو حامد محمّد الغزالي (المتوفّي 505).
200۔ ذیل تاریخ بغداد : ابن النجار (المتوفّي 643).
201 - الرائد: جبران مسعود
202 - ربيع الأبرار : جار اللّه محمود بن عمر الزمخشري (المتوفی 538).
ص: 450
203 - رجال الكشي : محمّد بن عمر الكشي.
204 - رجال النجاشي : أحمد بن علي النجاشي (المتوفی 450).
205 - رسائل المرتضى : الشريف المرتضى (المتوفّي 436).
206 - رسالة آداب وحکم: یاقوت المستعصمي الخطاط (المتوفی 689)
207 - الرسالة القشيرية : عبدالکریم بن هوازن القشيري (المتوفّي 465).
208 - رسالة في نصيحة العامة : ابن كرامة البيهقي الجشمي.
209 - رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )في القرآن : حسن كامل الملطاوي.
210 - روضة المتقين : العلامة المجلسي (المتوفی 1111).
211 - رياض السالكين في شرح صحيفة سیّد الساجدین (عَلَيهِ السَّلَامُ) : السيد علي خان الكبير (المتوفی 1120).
212 - رياض المصائب : محمّد مهدي بن محمّد جعفر الموسوي السكابني.
213 - الرياض النضرة في فضائل العشرة : المحب الطبري (المتوفّي 694).
214 - ریحانة الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): عبدالوهاب بن محمّد غوث الشافعي.
215 - زاد المعاد : العلامة المجلسي (المتوفی 1111).
216 - زهر الآداب وثمرة الألباب : إبراهيم بن علي بن تميم الحصري (المتوفی 453).
217 - سفينة البحار : الشيخ عبّاس القمي (المتوفی 1359).
218 - سلیم بن قیس الهلالي : أبو صادق سليم بن قيس الهلالي العامري الكوفي (المتوفّي 151).
219 ۔ سنن ابن ماجة : محمّد بن یزید القزويني (المتوفّي 275).
220 - سنن أبي داود : أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (المتوفی 275).
221 - سنن الترمذي ( الجامع الصحيح): محمّد بن عيسى الترمذي (المتوفی 297).
222 - سنن الدارمي : عبد اللّه بن عبدالرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي (المتوفی 255).
223 - سنن النسائي : أحمد بن شعيب النسائي (المتوفی 303)
224 - سِيَر أعلام النبلاء : شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (المتوفی 748).
225 - السير المهذّب : علي فكري القاهري.
226 - سيرة ابن هشام : محمّد بن إسحاق بن يسار المطلبي (المتوفی 151).
ص: 451
227 - السيرة الحلبية ( انسان العيون في سيرة الأمين المأمون): علي بن برهان الدين الشامي الحلبي (المتوفّي 1044).
228 - شذرات الذهب : ابن العماد الدمشقي (المتوفی 1089).
229 - شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار (عَلَيهِم السَّلَامُ) : النعمان بن محمّد التميمي المغربي (المتوفی 363).
230 - شرح الشفاء : علي بن سلطان محمّد القاري (المتوفی 1014).
231 - شرح المقامات الحريرية : أحمد بن عبد المؤمن القيسي.
232 - شرح ثلاثيات أحمد: شمس الدين السفاريني (المتوفی 1188).
233 - شرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد المعتزلي (المتوفّي 656).
234 - الشرف المؤبد : يوسف النبهاني.
235 - شعب الايمان : أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (المتوفی 458).
236 - شواهد التنزيل : عبيد اللّه بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني (المتوفی 490).
237 - الشيعة وفنون الاسلام : السيد حسن صدر الدين الموسوي العاملي (المتوفّي 1354).
238 - صحيح ابن خزيمة : أبو بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري (المتوفّي 311).
239 - صحيح البخاري : محمّد بن إسماعيل البخاري (المتوفی 256).
240 - صحيح الترمذي : محمّد بن عيسى الترمذي (المتوفی 297).
241 - صحیح مسلم : مسلم بن الحجاج النيسابوري (المتوفی 261).
242 - صحيفة الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جواد قیومي
243 - صحيفة الإمام الرضا(عَلَيهِ السَّلَامُ).
244 - الصراط المستقیم: زين الدين أبي محمّد علي بن يونس البياضي (المتوفی 877).
245 - صفوة الصفوة : عبدالرحمان بن علي بن الجوزي (المتوفی 597).
246 - الصناعتين : أبو هلال الحسن بن عبداللّه بن سهل العسكري (المتوفی 351).
247 - الصواعق المحرقة : أحمد بن حجر الهيتمي الكوفي (المتوفی 974).
248 - الضعفاء والمتروکین : عبد الرحمن بن محمّد الجوزي (المتوفی 579).
249 - الضوء اللامع لأهل القرن التاسع : محمّد بن عبدالرحمان السخاوي (المتوفی 902).
250 - ضياء العالمين : أبو الحسن الشريف (المتوفی 1138).
ص: 452
251 - طب الأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ) : عبداللّه و حسین ابنا بسطام.
252 - طبقات الشيعة : آقا بزرگ الطهراني (المتوفی 1389).
253 - طبقات الفقهاء : إبراهيم بن يوسف الفيروز آبادي (المتوفّي 476).
254 - الطبقات الكبرى : ابن سعد (المتوفی 230).
255 - طبقات المعتزلة : أبوبكر عبدالرزاق الصنعاني (المتوفی 211).
254 - طرائف الخلفاء والملوك : عبد اللّه على مهنّا.
257 - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية : شمس الدين أبو عبداللّه محمّد بن قيم الجوزية الحنبلي (المتوفی 751).
258 - عالم الجن والشياطين : عمر سليمان الأخفش.
259 - العبر: أبو زيد عبد الرحمان بن محمّد بن خلدون (المتوفی 808).
260- عبقات الأنوار في حديث الغدير : السيد حامد حسین (المتوفی 1306).
261. عبقرية الصدق.
262 - عدة الداعي والنجاح الساعي: أحمد بن فهد الحلي (المتوفی 841).
263 - العدد القوية: العلامة الحلي (المتوفی 726).
264 - العقد الدرر في أخبار المنتظر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يوسف بن يحيى بن علي المقدسي الشافعي السلمي.
265 - العقد الفريد: أحمد بن محمّد بن عبد ربه الأندلسي (المتوفی 328).
266 - علل الشرایع : الشيخ الصدوق (المتوفی 381).
267 - العلل ومعرفة الرجال : أحمد بن محمّد الحنبلي (المتوفی 421).
268 - علموا أولادكم محبة آل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : محمّد عبده اليماني.
269 - العمدة : أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني (المتوفّي 456).
270 - العمدة : يحيى بن الحسن الأسدي الحلي المعروف بابن البطريق (المتوفی 600).
271 - عوالم العلوم : الشيخ عبداللّه البحراني (المتوفی 1130).
272 - عوالم المعارف والعلوم.
273 - عوالي الليالي العزيزية في الأحاديث الدينية: ابن أبي جمهور الاحسائي (المتوفّي 880).
274 - عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): الشيخ الصدوق (المتوفی 381).
ص: 453
275 - عيون الأخبار في مناقب الأخبار : أبي المعالي الشريف المرتضی محمّد بن علي الحسيني البغدادي.
276 - عيون الأخبار : محمّد بن عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفی 276).
277 - عيون التواریخ : ابن شاكر الكتبي الشافعي.
278 - عيون المعجزات : الحسين بن عبدالوهاب (المتوفّي في القرن الخامس).
279 - العيون والحدائق في أخبار الحقايق.
280 - الغارات : أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد الثقفي الكوفي (المتوفی 283).
281 - غاية المرام : السيد حسين ابن القاضي جلال الدين الحسيني الطالقاني النجفي (المتوفی 1162).
282 - الغدير : الشيخ عبد الحسين الأميني (المتوفی 1392).
283 - غرر الخصائص الواضحة : إبراهيم بن يحيى الكتبي (الوطواط).
284 - الغريبين : الهروي (المتوفی 481).
285 - الغيبة : محمّد بن إبراهيم النعماني (المتوفی 360).
286 - فتح الباري : ابن حجر العسقلاني (المتوفی 852).
287 - فتح الرحیم الرحمن في شرح نصيحة الاخوان ومرشد الخلّان : مسعود الحسيني الشافعي.
288 - فتح الوهاب بتخريج أحاديث الشهاب : أحمد بن محمّد بن الصديق الحسني الغماري الشافعي.
289 - الفتنة الكبرى : طه حسين.
290 - الفتوح : ابن الأعثمّ الكوفي (المتوفی 314).
291 - فرائد السمطين : إبراهيم بن محمّد الجويني (المتوفی 720).
292 - فرج المهموم : سید بن طاووس (المتوفی 664).
293 - فرحة الغري : سید بن طاووس (المتوفی 693).
294 - الفردوس بمأثور الخطاب : شیرویه بن شهردار بن شیرويه الديلمي (المتوفی 509).
295 - الفصول المختارة: الشيخ المفيد (المتوفی 413).
296 - الفصول المهمة : الحر العاملي (المتوفی 1104).
297 - فضائل الصحابة : أحمد بن شعيب المعروف بالنسائي (المتوفی 303).
ص: 454
298 - الفضائل : شاذان بن جبرئيل القمي (المتوفّي 660).
299 - الفقه الأكبر: النعمان بن ثابت الكوفي (المتوفی 150).
300 - فلاح السائل : سید بن طاووس (المتوفی 664).
301 - الفنون : ابن شهر آشوب (المتوفی 588).
302 - فوات الوفيات : ابن شاكر الكتبي.
303 - الفهرست : الشيخ الطوسي (المتوفی 460).
304 - القاموس المحيط : محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (المتوفی 817).
305 - قرب الاسناد : عبداللّه الحميري البغدادي (المتوفی 300).
306 - الكافي : الشيخ الكليني (المتوفی 329).
307 - كامل الزيارات : ابن قولویه جعفر بن محمّد القمي (المتوفی 368).
308 - الكامل في التاريخ : أبو الحسن علي بن محمّد بن الأثير (المتوفی 620).
309 - كتاب الزهد : أحمد بن محمّد الشيباني (المتوفی 241).
310 - کتاب صفين : نصر بن مزاحم المنقري (المتوفی 212)
311- کشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس: إسما عیل بن محمّد العجلوني الجراحي (المتوفی 1162).
312- کشف الظنون عن أسماء الكتب والفنون : مصطفى بن عبد اللّه (حاجي خليفة) (المتوفی 1067).
313 - کشف الغمة : أبو الحسن علي بن عيسى الاربلي (المتوفی 693).
314 - كفاية الأثر : أبو القاسم علي بن محمّد بن علي الخزاز القمي الرازي (المتوفی 400).
315 - كفاية الطالب : الكنجي الشافعي (المتوفی 658).
316 - كلمة الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ): السيد حسن الشيرازي.
317 - کنز العمال : علاء الدين على المتقي الهندي (المتوفی 975).
318 - کنز الفوائد : الكراجكي (المتوفّي 449).
319 - الكنز المدفون : جلال الدين السيوطي (المتوفی 911).
320 - الكنى والأسماء: الحافظ الدولابي (المتوفی 310).
321 - الكنى والألقاب : الشيخ عبّاس القمي (المتوفی 1359).
322 - الكواكب الدرية : محمّد عبد الرؤف المناوي (المتوفی 331).
ص: 455
323 - الكوكب الدرّي : محمّد مهدي الحائري المازندراني.
324 - لؤلؤة البحرين : الشيخ يوسف الدرازي البحراني (المتوفی 1186).
325 - لباب الآداب : اسامة بن منقذ الكناني (المتوفّي 584).
326 - لسان العرب : ابن منظور (المتوفی 711).
327 - لسان المیزان : ابن حجر السعقلاني (المتوفی 852).
328 - اللمع في التصوف : أبو نصر عبداللّه بن علي السراج الطوسي (المتوفی 378).
329 - اللمعة في خصائص الجمعة: جلال الدين السيوطي (المتوفی 911).
330 - اللهوف في قتلي الطفوف : سید بن طاووس (المتوفّي 664).
331 - مآثر الإناقة في معالم الخلافة : أحمد بن عبد اللّه المصري القلقشندي (المتوفی 821).
332 - ماساة الزهراء (عَلَيهِا السَّلَامُ): جعفر مرتضى العاملين
333 - المبسوط : الشيخ الطوسي (المتوفی 460).
334 - المتفق والمفترق : أحمد بن علي الخطيب البغدادي (المتوفّي 436).
335 - مثير الأحزان : محمّد بن جعفر بن أبي البقاء هبة اللّه بن نما الحلي (المتوفّي 645).
336 - المجتنی: سید ابن طاووس (المتوفی 664).
337 - مجلة الكتاب.
338 - مجمع الأمثال : أحمد بن محمّد النيسابوري الميداني.
339 - مجمع البحرين : الشيخ فخر الدين الطريحي (المتوفی 1085).
340 - مجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي : أحمد بن قبش.
341 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (المتوفی 807).
342 - المجموع في شرح المهذب : محيي الدين بن النووي (المتوفّي 676).
343 - المحاسن : أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (المتوفی 274).
344 - محاسن الاصطلاح : سراج الدين أبو حفص البلقيني (المتوفی 805).
345 - المحاسن والأضداد : أبو عثمان عمر بن بحر البصري الجاحظ (المتوفی 255).
346 - المحاسن والمساوي : البيهقي (المتوفّي 458).
347 - محاضرات الأدباء : الحسين بن محمّد الراغب الأصفهاني (المتوفی 502).
348 - المحبر : محمّد بن حبيب البغدادي (المتوفی 245).
349 - المحتضر : حسن بن سليمان الحلي (المتوفّي في القرن التاسع).
ص: 456
350 - المحجة البيضاء: السيد حسن بن جعفر الكركي الموسوي.
351 - المحلّى : ابن حزم الظاهري الأندلسي (المتوفّي 456).
352 - المختار.
353 - مختصر البصائر : الشيخ حسن بن سليمان الحلي (المتوفّي في القرن التاسع).
354 - مختصر تاریخ دمشق : ابن منظور (المتوفی 711).
355 - المختصر والاختصاص.
356 - مدينة المعاجز : السيد هاشم بن سليمان البحراني (المتوفی 1107).
357 - مرآة العقول في شرح أخبار الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : العلامة المجلسي (المتوفی 1111).
358 - مرآة المؤمنين : ولي اللّه بن حبيب اللّه اللكهنوي الهندي (المتوفی 1270).
359 - المراجعات: السيد عبدالحسین شرف الدين الموسوي (المتوفی 1377).
360 - المرتضى : أبو الحسن علي الندوي.
361 - مروج الذهب ومعادن الجوهر : علي بن الحسين المسعودي (المتوفّي 346).
362 - المزار : الشيخ المفيد (المتوفی 413).
363۔ مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل : النوري الطبرسي (المتوفی 1320).
364 - المستدرك : محمّد بن محمّد الحاكم النيشابوري (المتوفی 405).
365 - المستطرف في كل فن مستطرف : شهاب الدين محمّد بن أحمد أبو الفتح الأبشيهي
366 - مسكن الفؤاد : الشهيد الثاني الشيخ زين الدين علي الجبعي العاملي (المتوفّي 965).
367 - المسند: الشافعي (المتوفی 204).
368- مسند أبي داود الطيالسي : سليمان بن داود الطيالسي (المتوفی 204).
369 - مسند أبي يعلى : أحمد بن علي بن المثنى التميمي (المتوفی 307).
370 - مسند أحمد: أحمد بن حنبل (المتوفی 241).
371 - مسند الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عزيز اللّه العطاردي الخبوشانی.
372 - مسند الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : داود بن سليمان الغازي (المتوفی 203).
373 - مسند فاطمة (عَلَيهِا السَّلَامُ): جلال الدين السيوطي (المتوفی 911).
374 - مشكاة الأنوار : أبو الفضل على الطبرسي (المتوفّي في القرن السابع
375 - المشيخة البغدادية : أحمد بن محمّد السلفي الاصفهاني.
376 - مصادر نهج البلاغة و أسانيده : عبدالزهراء الخطيب.
ص: 457
377 - المصنّف في الأحاديث والآثار : ابن أبي شيبة الكوفي (المتوفی 235).
378 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : محمّد بن طلحة الشافعي (المتوفّي 654).
379 - المطالب العالية : ابن حجر العسقلاني (المتوفی 852).
380 - المطالب العالية : محمّد بن عمر الفخر الرازي (المتوفی 606).
381- معادن الحكماء
382 - معادن الحكمة : علم الهدی (المتوفی 1115).
383 - معالم التنزيل : حسین بن مسعود الفراء البغوي (المتوفی 516).
384 - معالم الزلفي : السيد هاشم البحراني (المتوفی 1107).
385 - معالي السبطين : محمّد مهدي بن عبدالهادي المازندراني (المتوفی 1385).
386 - معاني الأخبار : الشيخ الصدوق (المتوفی 381).
387 - معجم الأُدباء : ياقوت الحموي البغدادي المغازي (المتوفی 626).
388 - المعجم الأوسط : الحافظ الطبراني (المتوفی 360).
389 - المعجم الصغير : الحافظ الطبراني (المتوفی 360).
390 - المعجم الكبير : سليمان بن أحمد بن أيوب الخمي الطبراني (المتوفی 360).
391 - معجم رجال الحديث : السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (المتوفی 1413).
392 - معجم لغة الفقهاء : محمّد قلعجي.
393 - معدن الجواهر ورياضة الخواطر : أبي فتح محمّد بن علي الكراجكي (المتوفی 449)
394 - المعمرون والوصايا : أبو حاتم السجستاني (المتوفی 255).
395 - مقاتل الطالبيين : أبو الفرج علي بن الحسين الاصفهاني (المتوفّي 356).
396 - مقتضب الأثر : أحمد بن محمّد بن عيّاش.
397 - مقتل الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي الكوفي (المتوفی 157)
398 - مقتل الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عبد الرزاق المقرم.
399 - مقتل الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : موفق بن أحمد المكي الخوارزمي (المتوفی 568).
400- مقصد الراغب.
401 - المقنعة : الشيخ المفيد (المتوفی 413).
402- مکارم الأخلاق : الطبرسي (المتوفی 548).
403 - مکاشفة القلوب : أبو حامد محمّد بن محمّد بن محمّد الغزالي (المتوفّي 505).
ص: 458
404 - الملاحم والفتن.
405 - ملحقات الإحقاق : المرعشي النجفي (المتوفی 1411).
406 - من لا يحضره الفقيه : الشيخ الصدوق (المتوفی 381).
407 - مناقب آل أبي طالب : رشيد الدين محمّد بن علي ابن شهر آشوب (المتوفی 588).
408 - مناقب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : محمّد بن سليمان الكوفي (المتوفی 300).
409 - المناقب : الموفق بن أحمد بن محمّد المكي الخوارزمي (المتوفی 568).
410 - منتخب الأثر : الصافي الكلبايكاني.
411 - المنتخب : ابن جرير الطبري (المتوفی 310).
412 - المنتخب : الشيخ فخر الدين الطريحي (المتوفی 1085).
413 - منية المريد: الشيخ زين الدين بن علي العاملي (المتوفّي 965).
414 - المواعظ : الشيخ الصدوق (المتوفی 381).
415 - مودّة القربي : علي بن شهاب الدين الهمداني الشافعي (المتوفی 786).
416 - موسوعة كلمات الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الشريفي.
417 - مهج الدعوات : سید ابن طاووس (المتوفی 664).
418 - نزهة الحفاظ : محمّد بن عمر الاصفهاني المديني (المتوفی 581).
419 - نزهة الناظر وتنبيّه الخاطر : الحسين بن محمّد بن الحسن بن نصر الحلواني (المتوفّي في القرن الخامس).
420 - نشر المحاسن الغالية في فضل المشايخ الصوفيّة : أبو محمّد عبداللّه بن أسعد اليماني اليافعي الشافعي (المتوفی 798).
421 - نظام الأسرة في الاسلام : محمّد عقلة.
422 - نظم درر السمطين : محمّد بن يوسف الزرندي الحنفي (المتوفی 750).
423 - نفس المهموم : الشيخ عبّاس القمي (المتوفی 1359).
424 - نوادر المعجزات : محمّد بن جرير الطبري (المتوفی 310).
425 - نور الأبصار : مؤمن بن حسن بن مؤمن الشبلنجي (المتوفی 1298).
426 - نهاية الأرب في فنون الأدب : أحمد بن عبدالوهاب النويري (المتوفی 732).
427 - نهاية اللغة : ابن الأثير الجزري (المتوفی 630).
428 - نهج السعادة : محمّد باقر المحمودي (المتوفی 1427).
ص: 459
429 - الوافي : محمّد محسن بن مرتضى الفيض الكاشاني.
430 - واقعة الطف : محمّد المحمّدي بحر العلوم.
431 - وسائل الشيعة : الحرّ العاملي (المتوفی 1104).
432 - وسيلة المال : باكثير الحضرمي (المتوفی 1047).
433 - وسيلة النجاة : السيد أبو الحسن الأصفهاني (المتوفی 1365).
434 - وفيات الأعيان وأخبار أبناء الزمان : أحمد بن محمّد ابن خلکان (المتوفی 681).
435 - وقعة صفّين : نصر بن مزاحم المنقري (المتوفی 212).
436 - الهداية الكبرى : الحسين بن حمدان الحضيني.
437 - اليقين : سید بن طاووس (المتوفی 664).
438 - ينابيع المعاجز : السيد البحراني.
439 - ينابيع المودّة لذوي القربي : سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (المتوفی 1294).
ص: 460
تقریظ...6
الخطب...7
برکات شهر رمضان. أقبل إليكم شهر اللّه...8
سلوني عن القرآن. يأتي زمان...11
في مدح رسول اللّه...12
أنا الصدّيق الأكبر...13
في يوم الغدير...14
عهد لا أحيد عنه...20
حرب صفّين...21
من مقامات الصديقة الزهراء (عَلَيهِا السَّلَامُ)...22
علي مدينة هدى...24
اسمعوا مقالتي...26
من مكارم الأخلاق في المكارم...27
بادروا بصحة الأجسام...28
في بعض صفات الأخلاق. لنتعظ بموعظة الأولياء...29
أين موضع الغدر ؟...32
عترة الرسول...33
خُطّ الموت على ولد آدم...34
موت السُعَداء...35
الصبر على حد السيوف...37
خطبته (عَلَيهِ السَّلَامُ) تجاه أصحابه وأصحاب الحرّ...38
مع الحر بن یزید الرياحي....39
نحن أولى بولاية الأُمور...40
ص: 461
أشباح في ظهر آدم. اتخذوا الليل جملا...41
لست أعلم أصحاباً أصبر منكم. في فضل أهل بيت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...43
رجال لا يجدون مس الحديد...45
اسمعوا قولي ولا تعجلوا...46
على مَ تقاتلوني ؟...47
تبّأً لكم أيتها الجماعة...49
بئس العبد أنتم...50
كونوا من الدنيا على حذر...51
ما لكم تناصرون. لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل...52
الکُتُب...55
خير الدنيا والآخرة. في ترك جهادك...56
إلى رؤساء الأخماس بالبصرة...57
سنة بني هاشم. بلغني كتابك...58
ثمرة المعصية. إنّي لم أخرج أشراً...61
إلى بني هاشم...62
المودّة الثابتة...63
امض لوجهك...64
أمان اللّه...65
لاستخرجوني و يقتلوني...66
بعثتُ إليكم أخي...67
أعظم الأجر. كأن الدنيا لم تكن...68
قوم لزموا طاعة الشيطان...69
الإحتجاجات.. .71
أنا و أنت أبوا المؤمنین...72
هل يكون بعدك نبي ؟...73
ما رأينا مثل حجتك...75
من فضائل الرسول...89
اجلس لنتناظر في الدين...115
للسلام أهلاً...116
ص: 462
لولا علي. الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في صباوته...116
عضو من أعضائي. منبر أبي لا أبيك...118
أتركب ظهراً حمله الرسول...119
إنزل عن منبر أبي. من علمك هذا ؟...120
قبّح اللّه وجهك...121
ويلك من شیطان مارد. آذيتنا منذ اليوم...122
أنظر لنفسك. أحق برسول اللّه...123
نحّوا ابنكم عن بيتي...124
حلم يوازن الجبال. أنت الواقع في علي ؟...127
لولا فخركم بفاطمة. الملعون في الأصلاب ؟...129
جهاد الظالمين...130
أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الجنّة. فضل من اللّه تعالى...131
انظر لنفسك...132
لم يكن ليخطئه...133
نطق معاوية وسكوته. بنو أُميّة في المحشر...134
الحقّ أبلج. أنا أقر له بالحق...135
من حكم سيد الشهداء (عَلَيهِ السَّلَامُ)...136
محبوب أهل السماء...138
لتنصفني في حقّي...139
قل واللّه ثلاثةاً. سلوني عمّا دون العرش...140
ليس لنا فيه شيء. بغاث الطير...141
ألست ابن بنت نبيكم ؟...142
جزاء قاتل سيد الشهداء (عَلَيهِ السَّلَامُ)...143
مولى القوم من أنفسهم....144
إنّي أريكم اليوم آية...145
ذهب هذا بشرف الدنيا...146
الأحكام الشرعيّة...149
إن للماء ساكناً. الطهارة الدائمة. الوحي يتنزل على نبيكم...150
كثرة الأذان تكسر البرد...151
ص: 463
استحباب افتتاح الصلاة ب. التكبير على شهداء أُحُد...152
أين تذهب یا فلان ؟...153
الصلاة في ثوب واحد. فرض اللّه الصوم....154
صوم عرفة. زكاة الفطرة...155
قضاء حاجة المؤمن...156
الصدقة للرحم. الحجّ جهاد..157.
فضل الطواف. لماذا الطواف سبعة ؟...158
وظيفة النساء. مقام إبراهيم...159
الإحرام للحج...160
مقام الركن اليماني. يا أعرابي سل هذا الغلام...161
اشتكي رأسي...162
كان في كتاب علي...163
طوافين و سعيين. صوم رجب وشعبان...164
شیء لست أملکه. رجل منع شهوته....165
اجتنبوا الغشيان ليلة السفر...166
حلة بخمس حلل. بیع أُمّ ولد...167
وجوه الجهاد. فكاك الأسير..168
واركض برجلك. في تقصير القميص...169
الطب...171
لا يلومن امرؤ إلّا نفسه. السواك. الشفاء في شيئين...172
الإكتحال وتراً. كراهة الاشتراك في أكل الرُمّان...173
العسل والشونیز. أطيب آنيتكم...174
إذا أكلتم الثريد. ساعة من الجمعة. في العسل بركة...175
وصايا النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). فضل الهليلج...176
كراهة إدمان الدهن. التمر البرنی شفاء...177
أكل السفرجلة. أكل الغبيراء للمحموم. في الشرب قائماً...178
تذكية القرع...179
جواز اکتحال المعتدّة. فضل البنفسج. الشرب والأكل والخلال...180
کلوا التمر على الريق...181
ص: 464
أکل الرمّان . أکل الکرفس...182
من فوائد الیقطین . الکماة والعجوة . في الفالوذج...183
هلمّ إلی الغداء . إشرب الماء قائماً...184
القرع یسرّ القلب الحزین...185
الشِعْر...187
تبارك ذو العُلا. إذا انتصر المرء...1888
ما ورّث الرجال. سكان القبور...189
دار يحبها سيد الشهداء (عَلَيهِ السَّلَامُ)...190
هول الحشر. أعجب العجب ؟...191
أ أدهن رأسي ؟. على دين النبي...192
عقب كل شيء. إذا جادت الدنيا...193
إن لم أمت أسفاً. حرز التقوى. معالج كل الداء...194
عليك بظلف نفسك. المؤاخاة في اللّه...195
نذير المنية...196
خالفوا قول النبي. لا ترج فعل الخير...197
عجبت لمعجب بالدنيا...198
ظل يزول...199
الموت خير من ركوب العار. كفاني بهذا مفخراً...200
الاعتزاز بالدنيا...201
البناء في السبخات. عظيم الهول...202
لننال عفو اللّه...203
أصل الحزم...204
كفى بالمرء عاراً...205
الزهد الحقيقي...206
الدنيا تفرق الاجتماع. لا يبغين الملك باغ...207
مواعظ من الحياة...208
سباق الزهد...209
اللجوء إلى اللّه...210
مهلاً بني عمّنا...211
ص: 465
الاستغناء باللّه تعالى...212
ذمّ لذّة الدنيا. عجبت لذي التجارب...213
لا تغتر بالدنيا...214
السير إلى الموت. زياد المال...215
مكتوب على راية الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...216
أثواب الانتقال...220
مواعظ خالدة...221
یا نكبات الدهر...222
أُف لك يا دهر...223
عيش الأبرار...224
عفو اللّه. لو خلد الملوك...224
إله ما لنا سواه...226
صفات الطاغية...227 '
سيطول بعدي يا سكينة. هدّ.ركني أبا شبر...228
أخي اعتبر ولا تغترر. غدر القوم...231
الوقوع في البلايا...234
مناجاة العارفين...235
أبدأ بذلك الشاب...236
ذهب الّذين أُحبهم...240
السبق إلى المعالي. شيعتي اذكروني...241
التوبة إلى اللّه...242
کن بشاً كريماً...243
من كراماته (عَلَيهِ السَّلَامُ)...245
والد الأئمة الأطهار (عَلَيهِم السَّلَامُ). زين السماوات والأرض...246
إخبار النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عن الأئمّة بعده...247
والد السادة الكرام. ماذا عن أُولي الأمر ؟...248
عبيدك ببابك. و الكاظمين الغيظ...253
من کرم سید الشهداء (عَلَيهِ السَّلَامُ)...254
اجعلهم أضيافاً لك...255
ص: 466
ما غمك يا أخي ؟. إذا حيّتتم بتحيّة...257
نعم المحلّل كنت لكما...258
صاحب الدابة أحق بها. إطعامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) من عند اللّه...261
بين يدي اللّه عزّ و جل...261
صلاة في المهمات. لو دعوا اللّه بأهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...262
أجب الرجل...264
إبيضّ رأس الرجل...265
فضائل لا تتحمّل. سواد لحيته (عَلَيهِ السَّلَامُ)...266
بئس الخلفاء...267
رجم الزانية. لا أُحبّ لك...268
کراماته (عَلَيهِ السَّلَامُ). أما تستحي ؟...269
انظروا في البيت. حذرتهم فلم يقبلوا...270
ابرائه (عَلَيهِ السَّلَامُ) البرصاء...271
أنت ابن أبي تراب ؟...272
نقش خاتم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). عليَّ بالعجوزة...275
هديّة الملوك. كرمه وفتوّته.. (عَلَيهِ السَّلَامُ)
بأيّ شيء تحكمون ؟. لنصير إلى هذه الحرة...277
في خروجه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى كربلاء...279
في ثواب البكاء عليهم. عبرة كلّ مؤمن...280
الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قتیل العبرة...281
زيارة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...282
شهادة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ). الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أُسوة...283
شاء اللّه أن يراني قتيلاً...284
ليجتمعن على قتلي. شهید آل محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ)...285
في طريقه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى الشهادة...286
الفئة الباغية. ليعتدن علىّ...287
إنّهم ليسوا بسفهاء. مع زهير بن القين...288
رؤياه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في المنام. مقتله يوم عاشوراء...289
لولا تقارب الأشياء. انظر ما لقى...290
ص: 467
اللّهمّ حزه إلى النار...291
دعاؤه (عَلَيهِ السَّلَامُ) على جبيرة الكلبي...292
دعاؤه على أبان بن دارم...293
اللّهمّ اقتله عطشاً...294
رجل من أهل النار. لا أرواك اللّه...295
اللّهمّ أحصهم عددا...296
دعاؤه (عَلَيهِ السَّلَامُ) على رجل خبيث. حشرك اللّه مع الظالمين...297
دعاؤه (عَلَيهِ السَّلَامُ) على ابن الأشعث. جوابه لمعاوية...298
إخباره (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن هلاك معاوية...300
في مجلس الولید...304
كونوا بباب الرجل...305
مع الوليد بن عتبة...307
أنت تقتلني أم هو ؟...308
و على الاسلام السلام...309
لا تدعن نصرتي...310
من هوان الدنيا على اللّه. اني مستوطن هذا الحرم...311
لا ذعرتُ السوام...312
عند قبر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). في مقام الشهادة...313
مع محمّد بن الحنفيّة...314
استعدّوا للبلاد...315
لمن نستبقي النياح ؟. و اللّه لا أُفارقه...316
الحذر من أهل الكوفة...317
من كراماته (عَلَيهِ السَّلَامُ). الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في مكّة...318
خروج الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الحجاز. أمر اللّه و أمر رسوله...319
بلغني إنّك تريد العراق...321
الموت مع الحق...322
استودعك اللّه. جوابه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لابن عمر...323
اطلبي زوجاً غيري...324
ها أنا بين يديك....326
ص: 468
محبته للشهادة...327
مع ابن الزبير. شاء اللّه أن يراك قتيلا...328
ما أعجلك عن الحج ؟...329
كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأصحاب الإبل...330
كل ما قضي كائن...331
من أحب الانصراف فلينصرف...332
في طريق کربلا. أفلسنا على الحقّ ؟...333
لا خير في العيش...334
قضى ما عليه...335
العلم عند أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ). أبشر بالجنّة...336
أفبالموت تخوفني ؟...337
اسقوا القوم...338
انخ الراوية. لقائه (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع جيش العدوّ...339
أنا أهل بیت نبیّکم...340 مع الحرّ الرياحي...341
ثكلتك أُمك يا حر...342
هؤلاء أنصاري و أعواني. أدعوك لنصرتنا أهل البيت...343
لا تسمعالي واعية...345
التسليم لأمر اللّه. مع الطرمّاح بن عدي...346
المسير إلى المنايا...347
الطريق على غير الجادة. لأكونن من أنصارك...348
ما جرى في كربلاء...351
ما كنت لأبدأهم بالقتال...352
أعوذ بك من العقر. اللّهمّ خذ لنا بحقنا...353
هاهنا محط ركابنا. ما اسم هذه الأرض ؟...354
محط ركاب الشهادة...355
الناس عبد الدنيا. لا أفلح القوم...356
في جواب قرّة بن القيس...357
انتهاك الحرمة. واهاً لك أيتها التربة...358
ص: 469
ذبحك اللّه على فراشك...359
رأس يترا ماه الصبيان...360
اختاروا مني ثلاثاً...361
لا أهلاً و سهلاً. هيهات منا الذلة...362
إنّك تروح إلينا. ما منعك من السلام ؟...363
أصلهم یا رب حر النار. اركب بنفسي أنت...365
إخباره (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن شهادة أصحابه. ارفعوا رؤوسكم و انظروا...366
الشقاء و السعادة الأُخروية...367
أنت في حل من بيعتي. آخر زاد الدنيا...368
يستأنسون بالمنية. اتّقوا اللّه و اصبروا...369
بم تستحلون دمي ؟...370
قوم أسطخوا الخالق. يا أمّة القرآن...371
لا أُعطيهم بيدي إعطاء الذليل. إني أكره أن أبدأهم بقتال...372
انها رسل القوم...373
أنا الّذي جعجعتك في الطريق...374
أنت حر كما سمیت...376
أبشر يا حر بخیر. شجاعة عابس بن شبیب...377
الأخوان الغفاریان...378
الفتيان الجابریّان. مقتل نافع بن هلال...379
المسير إلى اللّه عزّ و جل...380
شكر اللّه لك أفعالك. اللّهمّ سدّد رميته...381
أوصيك بهذا. رجال قضوا ما عليهم...382
يا نفس صبراً. أعليّ تحرض الناس ؟...383
أميري حسين...384
كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأُمّ وهب...385
فتحت أبواب الجنّة. استحوذ عليه الشيطان...386
ذكرت الصلاة...387
للّه درك يا حبيب...388
التترس بالجبل. مؤمن آل فرعون...389
ص: 470
إنّا على الحق...390
لا يبعدك اللّه يا زهیر. إنّا لاحقون بك...391
أنت أمامي في الجنّة. هدى اللّه أخاك و أضلك...392
اللّهمّ بيّض وجهه. جئنا لنسلّم عليك...393
جزاك اللّه خيراً...395
حرقك اللّه بالنار...396
أشبه الناس برسول اللّه...397
العطش قد قتلني...398
شربة لا ظمأ بعدها أبداً. بادروا إلى الجنّة...399
بعداً لقوم قتلوك. لا رأيتم هواناً...400
أنت صاحب لوائي...401
الآن انكسر ظهري. قتلى آل النبيين...403
مالي أُناديكم فلا تجيبون ؟...403
سلام الوداع...404
علیکن مني السلام...405
ثوب لا يرغب فيه. أين هؤلاء ؟...406
الحفاظ على الحجّة...407
علي بالسيف و العصا...408
ناولوني علياً...409
نصر الأخرة...410
رضيع الجنان....410
شعار الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) . بئس ما خلفتم محمداً في عترته...411
مکثور رابط الجأش. تتلذذ بشرب الماء...412
كونوا أحراراً في دنياكم. إن لم یکن لکم دین...413
أعلى قتلي تحاّئون ؟...414
اللّهمّ امنعهم قطر السماء...415
اللّهمّ اطلب بدم ابن بنت نبيك. اللّهمّ احصهم عددا...416
قتيل في رضي اللّه. هكذا ألقى جدي...417
مقتل عبداللّه بن الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)...418
ص: 471
الحرمان من الماء. الورود على رسول اللّه...419
آخر شربة شربها الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). هل من ناصر ینصرني ؟...420
أقتلك ولا أُبالي...421
المتفرقات...423
كرامة المؤمن. الخضاب بالسواد...424
الأربعاء و وقایعها...425
كراهة التختّم بالشمال. فضل لبس العقيق مع التولّي...426
النهي عن الغلوّ. فوائد حروف الهجاء...427
عند ما تطهر الأرض من الظالمين...429
قذي في عرض البحر...430
قوم لم تأكلهم الضبع...431
فهرس الآيات...435
فهرس المصادر...443
فهرس الموضوعات...461
ص: 472