أدب العباس بن الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام

هوية الکتاب

الكتاب: .... أدب العباس بن الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام

المؤلف: ............. أ.م.د. عبد الإله عبد الوهاب العرداوي

الطبعة: ............................. الأولى 1433 ه- - 2012م

القطع: ............................................ الوزيري

المطبعة: .............. دار أبي طالب للنشر / النجف الأشرف

امانة مسجد السهلة المعظم

موسسة مسجد السهلة المعظم

التصميم والإخراج الفني

محمد الخزرجي 07800180450

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد ( 2612) لسنة 2012م

الحقوق محفوظة للمؤلف

ص:1

اشاره

أدب العباس

بن الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام

- جمع وتحقيق ودراسة -

الأستاذ المساعد الدكتور

عبد الإله عبد الوهاب العرداوي

ص:2

ص:3

الإهداء

إلى من ضحى بكفّه حتى لا يضحى بكفّ الحقيقة

إلى من بذل عينه حتى لا تبذل عين البصيرة

إلى من نكّس رأسه حتى لا ينكس رأس الإيمان

إلى قمر بني هاشم العباس بن الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام

أهدي هذا الجهد المتواضع بضاعة مني في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون

عبد الإله

ص:4

ص:5

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله الذي منّ علينا بنبيه محمد صلی الله علیه و آله و سلم وأهل بيته الطيبين وعرّفنا بمنّه وجوده عليهم، والصلاة والسلام على أفضل خلقه وأشرف بريّته أئمة الهدى وسفن النجاة نبينا محمد صلی الله علیه و آله و سلم وآله الطاهرين، وبعد:

فتاريخ البشرية مليء بالأحداث والتطورات المتتالية، ولو تصفّحناه وبحثنا في طياته عن القدوات الإنسانية والعظماء، لجذبتنا إليه صحائف تفوح منها رائحة المسك. وتهلّ علينا نسائم طيب العنبر.

ومن هذه القدوات الإنسانية، شخصية سجل التاريخ مسيرتها بأحرف من الأنوار الإلهية، والاشراقات الربانية، سعت في دنياها إلى سلوك الطريق نحو الكمال الإنساني، وجلّ حسن الصفات، لم ترضخ إلاّ للواحد الأحد، ولم تنكس رأسها إلاّ خضوعاً وخشوعاً للفرد الصمد، فرفعها ربّها إلى عليين، وأقعدها في مقعد صدق مع أنبيائه وأصفيائه.

تلك الشخصية العظيمة، هي شخصية العباس بن الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام .

ص:6

في كل مرة كنت اقرأ فيها تاريخ أهل البيت علیه السلام ، وسيرة رجالاته، كانت تستوقفني شخصية العباس علیه السلام التي نهلت من ينابيع الإخلاص والإيمان، وتزينت بتاج الشجاعة والشهامة والوفاء والإخلاص ما عجزت الأقلام عن وصفها، وتحيرت العقول في إدراك كنهها، فكانت سيرته ومواقفه في طف كربلاء، وحياته بأكملها تشدني نحو إعادة القراءة مرة بعد أخرى إلى ما لا نهاية له لسيرة قمر بني هاشم ومحاولة سبر أغواره، وكيف بدأت حياته ظ والمصير الذي آل إليه، وهو مؤمن بقيمه التي آمن بها، وعلى رأسها إيمانه بإمامة أخيه الإمام الحسين علیه السلام وأحقيته وأفضليته.

فلم يتراجع العباس علیه السلام عن الإيمان بقيمه، ولم يهن، بل أعطى وقدم كل ما يستطيع من تضحيات، ويكفيه فخراً أنه كان كبش كتيبة الإمام الحسين علیه السلام ، ومجمع عدده وهو في كل ذلك رسم لنا صورة مشرقة تجسّد جميع القيم الإنسانية والإسلامية.

وأمام هذه القيم، وأمام هذا الكم من المؤلفات التي كتبت عنه علیه السلام أجد نفسي صغيراً جداً لأكتب عن جانب من جوانب حياته المضيئة، لكن حبي لهذه الشخصية العظيمة. وإيماني الكبير بأفعاله ومواقفه، شجعني على تعقب طريق من الطرق التي سلكها في استشرافه نحو الكمال الإنساني، ذلك الطريق هو: أدبه بقسيميه (الشعر والنثر) والذي كشف عن صورة حقيقية لمواقفه المشرقة في واقعة الطف، ومسيرة

ص:7

حياته الوضّاءة، فحسبي أولاً بهذا الجهد أن أعتذر لك يا سيدي قمر بني هاشم، إن قصّرت، ولم استطع أن أحيط بكل الأدب، أو فاتني شيء منه، فمثلي لا يغوص في بحر لججك، ولا يصل إلى مرافئك، لكن حبي لك سيدي واعجابي بشخصك ومواقفك النبيلة هي التي دفعتني للكتابة عنك، فرحم الله قلماً يكتب عنك، وعن إمامك وأخيك الذي قتلت بين يديه دفاعاً عن القيم الإلهية، ونصرة للحق والعدل.

وعليه كان لقلمي أن يكتب هذا الكتاب الذي وسمته ب- (أدب العباس بن الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام - جمع وتحقيق ودراسة -).

لقد كان هدف الكتاب أولاً: هو جمع أدب العباس علیه السلام شعره ونثره - من بطون الكتب المختلفة وفق منهجية علمية، ومن ثم دراسة أهم الجوانب الفنية التي تمثلها، وبذلك انتظم على بابين: الباب الأول / حياته، وفيه تمهيد وثلاثة فصول:

اشتغلت في التمهيد على زواج الإمام علي علیه السلام من أم البنين والدة العباس علیه السلام .

والفصل الأول: الذي تضمن ترجمة العباس علیه السلام وفيه عدة فقرات، منها: ولادته، وصفاته وكنيته وألقابه،... الخ.

والفصل الثاني: تناول العباس علیه السلام في عصر والده الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام مبرزاً أهم الأحداث التي واكبته علیه السلام مع والده الإمام علي علیه السلام .

والفصل الثالث: الذي تحرك باتجاه العباس علیه السلام في عصر الامامين الحسن والحسين (عليهما السلام) وقد أطنبنا القول في حياته مع الإمام الحسين علیه السلام ، لأنها

ص:8

شكلت أهم مفصل من مفاصل حياته، وقسمناها على مبحثين: الأول، وفيه عدة فقرات، ويختص بما قبل واقعة الطف، والثاني: العباس علیه السلام في واقعة الطف، وبطولاته واستشهاده، وتضمن سرداً لأهم الأحداث في واقعة الطف وبطولاته فيها واستشهاده.

أما الباب الثاني: الدراسة، الذي رتب على اربعة فصول:

الفصل الأول: الذي حوى مدخلاً لمنهج التحقيق في الشعر، ثم النص المحقق - الشعر-.

الفصل الثاني: وتضمن مدخلاً لمنهج التحقيق في النثر، ثم النص المحقق النثر - وبنوعية اللذين وجدتهما عند العباس علیه السلام ، وهما: الخطبة والحديث الفني.

الفصل الثالث: وفيه عرّجت على أهم الجوانب الفنية في الشعر، وقسم الفصل على ثلاثة مباحث:

الأول: اللغة والاسلوب.

الثاني: الايقاع.

الثالث: الصورة الفنية.

الفصل الرابع: وفيه تناولت أهم الجوانب الفنية في النثر (الخطبة والحديث الفني) وقسمته على ثلاثة مباحث:

الأول: اللغة والاسلوب.

ص:9

الثاني: الايقاع.

الثالث: الصورة الفنية.

ثم جاءت الخاتمة التي كانت خلاصة لأهم النتائج خلال مسيرة الكتاب.

وأخيراً: ثبت المصادر والمراجع.

وختاماً هذا ما وفقنا الله إليه من جمع أدب العباس علیه السلام ودراسته، فإن أصبنا فيما سعينا إليه فهو منّة من منن الله علينا، وإن اخطأنا، وزلّ قلمنا، فحسبنا الضعف والهوان، إذ أن الكمال لله وحده يهب لمن يشاء من عباده ويقدر، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين.

9 ذو القعدة 1429ه-

8 تشرين الثاني 2008م

ص:10

الباب الأول: حياته

اشارة

ص:11

ص:12

التمهيد : زواج الإمام علي علیه السلام من أم البنين والدة العباس علیه السلام

أم البنين، هي فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن(1).

وقد ذكر أبو الفرج في المقاتل(2)

عدّة جدات لأم البنين، ومنهن عرفنا الآباء والاخوال، وعليه يرتقي نسبها إلى أعلى مراتب العراقة، فالتاريخ يصفهم بأنهم من


1- ينظر: عمدة الطالب في انساب آل أبي طالب، جمال الدين أحمد بن علي الحسيني المعروف بابن عنبة (ت828ه-)، مطبعة الصدر، قم، 1417ه- - 1996م: 327.
2- مقاتل الطالبيين، أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني (ت356ه-)، مطبعة الديواني، بغداد، 1979: 53 - 54، وكذلك ينظر: عمدة الطالب: 327.

ص:13

أصحاب الأخلاق الرفيعة، والفضائل العالية، كالورع، والوفاء، والشجاعة، والشهامة وغيرها، فهم فرسان العرب في الجاهلية، ولهم قصب السبق في المغازي والأيام بالفروسية والزعامة حتى أذعنت لهم الرؤوس كبيرها قبل صغيرها، ومن هذه الثلة: أبي براء عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب، الجد الثاني لأم البنين (جد ثمامة والدة أم البنين) الذي قيل له: ملاعب الأسنة(1)

لفروسيته وشجاعته، لقّبه بذلك حسان لما رآه يقاتل الفرسان وحده، وقد أحاطوا به، قال: ما هذا إلاّ ملاعب الأسنة(2)

وقال أوس بن حجر فيه:

يلاعب أطراف الأسنة عامر *** وصار له حظ الكتيبة أجمع(3)

ومن قومها عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب، وهو أخو عمرة، الجدة الأولى لأم البنين، وكان عامر أسود أهل زمانه، وأشهر فرسان العرب بأساً ونجدةً، وأبعدها اسماً حتى بلغ إذا قدم عليه قادم من العرب، قال: ما بينك وبين عامر بن الطفيل ؟ فإذا ذكر نسباً عظم عنده وأرفده، وإلاّ أعرض عنه.


1- ينظر: فرسان الهيجاء في تراجم أصحاب سيد الشهداء علیه السلام ، الشيخ ذبيح الله المحلاتي (ت1405ه-) تحقيق وتعريب: محمد شعاع فاخر، المطبعة شريعت، قم، ط1، 1428ه- - 1/249، وينظر: ديوان عام بن الطفيل: دار صادر، بيروت 1399ه- - 1979م: 6.
2- ينظر: ديوانه: 6.
3- ديوان أوس بن حجر: شرحه وضبطه: د. عمر فاروق الطباع، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر: 52.

ص:14

ويقال: أن علقمة بن علاثة وفد عليه فانتسب له، فقال له قيصر: أنت ابن عم عامر بن الطفيل ؟، فغضب علقمة، ثم أنه ادخل على ملك الروم، فقال له: انتسب ؟ فانتسب له، قال الملك: أنت ابن عم عامر بن الطفيل، فغضب وخرج عنه(1).

ومنهم الطفيل، فارس قرزل، وهو والد عمرة الجدّة الأولى لأم البنين، وكان معروفاً بالشجاعة والفروسية، وهو أخو ملاعب الأسنة، ومنهم لبيد بن ربيعة الشاعر المعروف، وغيرهم(2)

ومن هذا كله، يتضح صدق كلام عقيل بن أبي طالب، بقوله: ((ليس في العرب أشجع من آبائها))(3).

تزوج الإمام علي علیه السلام في أول الأمر من سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء علیه السلام في السنة الثانية للهجرة، وعاش معها تسع سنين إلى أن استشهدت علیه السلام ولم يتزوج الإمام علي علیه السلام في حياته بغيرها، لأن الله تعالى قد حرّم النساء على الإمام علي علیه السلام ما دامت فاطمة علیه السلام موجودة(4).


1- ينظر: الاصابة في تمييز الصحابة: أحمد بن حجر العسقلاني (ت852ه-) تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1423ه- - 2002م: 4/458، وخزانة الأدب ولب لباب لسان العرب: عبد القادر البغدادي (ت1093ه-) مطبعة بولاق، 1299ه-: 3/80.
2- ينظر: مقاتل الطالبيين: 53 - 54، وعمدة الطالب: 327، والعباس علیه السلام : عبد الرزاق الموسوي المقرم، تحقيق: الشيخ محمد الحسون، منشورات الاجتهاد، قم، ط1، 1427ه- - 2006م: 120 - 124.
3- عمدة الطالب: 327.
4- ينظر: مناقب آل أبي طالب: مشير الدين بن عبد الله محمد بن علي ابن شهراشوب (ت588ه-)، المطبعة الحيدرية، النجف 1376ه- - 1956م: 3/110، والأمالي: علي بن الطاهر المعروف بالمرتضى، تحقيق: محمد بدر الدين الحلبي، منشورات مكتبة آية الله المرعشي، ط1، 1907م: 43، وبشارة المصطفى، محمد بن علي الطبري (ت525ه-) تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، ط1، 1420ه-: 381.

ص:15

وبعد استشهادها علیه السلام تزوج الإمام علي علیه السلام من أم البنين العامرية على رأي بعض المؤرخين(1)

أو بعد أن تزوج من إمامة بنت أبي العاص بن ربيع وأمها زينب بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كما يراه البعض الآخر(2)

فولدت له أربعة بنين هم: العباس وعبد الله وجعفر وعثمان، تزوجها عام (25) للهجرة وعاشت بعده مدة طويلة، ولم تتزوج من غيره، كما أن أمامة وأسماء بنت عميس وليلى النهشلية لم يخرجن إلى أحد بعده(3)

فقد روت أمامة حديثاً عن الإمام علي علیه السلام : أن أزواج النبي صلی الله علیه و آله و سلم والوصي لا يتزوجن بعده، فلم يتزوجن الحرائر وأمهات الأولاد عملاً بالرواية(4).

وفي أمر الزواج من أم البنين قيل: أن أمير المؤمنين علیه السلام دعا أخاه عقيلاً ليختار له زوجة ذات حسب عريق، ونسب أصيل، فقال له علیه السلام ذات يوم: ((انظر لي امرأة


1- ينظر: الدرر النظيم: جمال الدين يوسف بن حاتم بن فوز العاملي (ت664ه-) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم (د.ت): 411.
2- ينظر: السيرة النبوية (ابن كثير): إسماعيل بن كثير (ت774ه-) تحقيق: مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة، بيروت 1396ه- - 1976م: 4/581، والسيرة الحلبية: برهان الدين الحلبي الشافعي (ت1044ه-) دار المعرفة، بيروت 1400ه-: 2/452.
3- ينظر: عمدة القارئ في شرح صحيح البخاري: العيني (ت855ه-) دار إحياء التراث العربي، بيروت (د.ت): 8/41.
4- ينظر: مناقب آل أبي طالب: 3/90.

ص:16

قد ولدتها الفحولة من العرب، لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً، فقال له: تزوج أم البنين الكلابية فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها))(1).

وفي بعض الروايات أنه علیه السلام حينما قال: ((فتلد غلاماً فارساً)) اضاف ((ينصر الحسين بطف كربلاء))(2).

ووفق هذا الأمر تقدم الإمام علي علیه السلام لخطبة أم البنين الكلابية، فوافق أهلها على ذلك وتمّ الزواج بينهما(3).

لقد نالت أم البنين منزلة رفيعة عند أهل البيت علیه السلام لكونها عارفة بحقهم، شديدة الإخلاص في ولائهم، فكان لها عندهم طيب المقام، والدرجات العلى، والجاه الأرفع، وقد روى لها (المقرّم) رواية تدل على عظم معرفتها بمقام أهل البيت علیه السلام (4) فضلاً عن روايات أخرى كثيرة ذكرتها كتب مختلفة(5).

ولا غرو مما قيل: لأنها ضجيعة وصي النبي صلی الله علیه و آله و سلم معدن الرسالة، ومهبط الوحي، فاكتسبت منه العلم والخلق والأدب والإيمان وكل شيء.


1- عمدة الطالب: 327.
2- ينظر: الكبريت الأحمر: 3/144 على ما نقله صاحب كتاب بطل النهضة الحسينية العباس بن علي علیه السلام ، أبو القاسم الديباجي، (د.ط)، (د.م)، ط1، 1418ه- - 1997م: 18، ولم أجد هذه الرواية في كتاب الكبريت الأحمر في شرائط المنبر، الشيخ محمد باقر القائني البيرجندي (ت1352ه-) تعريف وتحقيق: محمد شعاع فاخر، مطبعة شريعت، قم، ط1، 1425ه-.
3- ينظر مثلاً: الكبريت الأحمر: 2/272.
4- ينظر: العباس (المقرم): 126.
5- ينظر مثلاً: تذكرة الشهداء: آية الله حبيب الله كاشاني (ت1270ه-)، ترجمة وتحقيق: سيد علي جمال أشرف، مطبعة سرور، قم، ط1، 1426ه- - 2006م.

ص:17

الفصل الأول: ترجمة العباس بن علي بن أبي طالب علیه السلام

1- ولادته

ولد العباس علیه السلام في الرابع من شعبان(1)

سنة (26) للهجرة(2)

وقال ابن عنبة في عمدة الطالب: أنه قتل وله من العمر (34) سنة(3)

وعليه تكون ولادته سنة (26) للهجرة.


1- ينظر: العباس (المقرم): 128، ما نقله عن كتاب أنيس الشيعة للعلامة السيد محمد عبد الحسين بن السيد محمد عبد الهادي المدرسي الهندي.
2- ينظر: المجدي في انساب الطالبين: علي بن محمد بن علي بن محمد العلوي العمري، تحقيق: د. أحمد المهدوي الدامغاني، مطبعة سيد الشهداء، قم، ط1، 1409ه-: 124 والأنوار النعمانية: 124، وحكاه في كتاب قمر بني هاشم: عبد الرزاق الموسوي المقرم، المطبعة الحيدرية، النجف 1369ه- - 1949م: 18، العباس بن علي بن أبي يطالب علیه السلام عن وقائع الأيام للشيخ باقر البيرجندي.
3- ينظر: عمدة الطالب: 327.

ص:18

2- صفاته

الجمال نعمة إلهية يهبها الله لمن يشاء من عباده، وكانت عادة العرب وسم من يتصف بالجمال والملاحة، وحسن وطول القامة ب- ((القمر))، وقد كان يقال: لعبد مناف الجد الثالث لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ب- ((قمر البطحاء)) ووسم عبد الله والد الرسول صلی الله علیه و آله و سلم ب- ((قمر الحرم))(1) والعباس علیه السلام ممن أنعم الله عليهم بهذه المزية، فكان بهي الطلعة، وسيماً جميلاً حتى لقّب ب- ((قمر بني هاشم))، قال صاحب مقاتل الطالبيين: ((كان العباس رجلاً وسيماً جميلاً، يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطّان في الأرض، وكان يقال له: قمر بني هاشم))(2)

ولفرط جماله كانت أم البنين تعيذه بالله من شر الحاسدين وتقول في ذلك أبياتاً من الشعر: (من الرجز):

أعيذه بالواحد *** من عين كل حاسد

قائمهم والقاعد *** مسلمهم والجاحد


1- ينظر: العباس (المقرم): هامش 1 صفحة: 131.
2- مقاتل الطالبيين: 55، وينظر: بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، الشيخ محمد باقر المجلسي (ت1111ه-)، مؤسسة الوفاء، بيروت - لبنان، ط2، 1403ه- - 1983م: 45/39، ومعالي السبطين في أحوال الحسن والحسين علیه السلام الشيخ محمد مهدي الحائري (ت1384ه-)، مطبعة أمر، قم، 1، 1419ه-: 1/430 - 431، وفرسان الهيجاء: 252، والقمقام الزخار والصمصام البتار، فرهاد ميرزا بن عباس............

ص:19

صادرهم والوارد *** مولدهم والوالد(1)

3- كنيته وألقابه

اللقب: هو ما ينسب إلى شخص تبرز فيه صفات وخصال مميزة يشتهر بها من مدح أو ذم(2)

والكنية: لفظ يسبق بكلمة ((أب)) للرجال و ((أم)) للنساء، وقد يأتي اللقب بصورة الكنية ليشير إلى ما ينعت به صاحبه مثل: أبو المكارم وأبو الأباء(3)

والعباس علیه السلام لقّب ب- ((أبي الفضل)) وفيه جانبا الكنية واللقب، فأما كونه كنية، لأنه كني بابنه الفضل، وكونه لقباً، لأنه اشتمل على الفضائل الجامعة(4).

وكان العباس علیه السلام كثير الألقاب، فقد عدّ له المامقاني في تنقيح المقال ستة عشر لقباً(5) وذكر الشيخ ذبيح الله المحلاتي جملة من هذه الألقاب، وعدّتها أربعة عشر لقباً(6)

وهي كالآتي:

1- قمر بني هاشم 2- باب الحوائج 3- الشهيد 4- العبد الصالح


1- المنمق في أخبار قريش: محمد بن حبيب البغدادي (ت245ه-)، صححه وعلق عليه: خورشيد أحمد فارس، عالم الكتب، بيروت، ط1، 1405ه- - 1985م،: 351.
2- ينظر: لسان العرب: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور (ت711ه-) دار صادر، دار بيروت، بيروت، 1375ه- - 1986م: 1/723، مادة لقب.
3- ينظر: قمر بني هاشم: 40 ما نقله عن أسرار الشهادة: 324.
4- ينظر: بطل النهضة الحسينية العباس بن علي علیه السلام : 55.
5- ينظر: تنقيح المقال: 2/128.
6- ينظر: فرسان الهيجاء: 1/189 - 190.

ص:20

5- السقّاء (ساقي العطاشى، أبو القربة) 6- المستجار 7- قائد الجيش

8- الحامي (المحامي، حامي الظعينة) 9- الفادي 10- الضيغم (الضرغام)

11- المؤثر 12- كبش الكتيبة 13- حامل اللواء 14- ظهر الولاية والإمامة

وهناك ألقاباً أخرى هي(1):

15- المواسي 16- الواقي 17- الأطلس 18- باب الحسين علیه السلام

19- الساعي 20- الصدّيق 21- بطل العلقمي.

4- علمه

إن البيت الذي ينشأ فيه الأولاد له تأثير كبير في نشأتهم وتربيتهم، فضلاً عن مقدرتهم العلمية قلّة أو كثرة، والعباس علیه السلام نشأ في بيت العلم، البيت العلوي، مالك مفاتيح أسرار الغيب، فهو بيت علم وجهاد، ومن هنا جاء المأثور عن المعصومين علیه السلام أنهم قالوا: ((أن العباس بن علي زقّ العلم زقّا))(2)

ومما يروى: أن الإمام علي علیه السلام دعا العباس علیه السلام وهو صبي، وأجلسه في حجره، وقال له: قل


1- الألقاب (9، 15، 16، 19) ذكرت في زيارة الناحية المقدسة لمولانا الحجة (عج) ينظر: بحار الأنوار: 45/66، وهنالك ألقاباً أخرى تذكر في بعض الزيارات مثل: (المجاهد، الناصر، المجيب، الراغب، الوافي،...) ينظر: بطل النهضة الحسينية: هامش 3 صفحة 57.
2- ينظر: قمر بني هاشم: 40 ما نقله عن أسرار الشهادة: 324.

ص:21

واحد، فقال: واحد، فقال: قل: اثنان، فامتنع، وقال: ((أني استحي أن أقول اثنين باللسان الذي قلت به واحداً))(1).

ولا يخفى أنه أشار إلى الوحدانية التي لا توصف إلاّ لله سبحانه وتعالى، وقال الإمام الصادق علیه السلام فيه علیه السلام : ((كان عمنا العباس نافذ البصيرة))(2).

وقال العلامة المامقاني فيه علیه السلام : ((وكان من فقهاء أولاد الأئمة))(3)

وصدق ما قاله العلامة البيرجندي فيه علیه السلام : ((أن العباس من أكابر الفقهاء، وأفاضل أهل البيت، بل أنه عالم غير متعلم، وليس في ذلك منافاة لتعلم اباه إياه))(4).

5- العباس علیه السلام في نظر المعصومين وأقوالهم ومواقفهم

أ - في نظر الإمام علي علیه السلام وأقواله ومواقفه

مما تذكره الروايات: أن الإمام علي علیه السلام اخبر أم البنين أن يدي العباس علیه السلام سوف تقطعان في سبيل الحسين علیه السلام ، ثم بشّرها بمقام ولدها عند الله تعالى، وأن الله سوف يعوضه عن يديه جناحين يطير بهما في الجنة مع الملائكة كما فعل بعمه جعفر


1- مستدرك الوسائل: حسين النوري الطبري (ت1320ه-) تحقيق: مؤسسة آل البيت علیه السلام ، بيروت - لبنان، ط2، 1408ه- - 1989م: 15/215، ومقتل الحسين (الخوارزمي) أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي (ت568ه-) تحقيق: الشيخ محمد السماوي، مطبعة مهر، قم، ط3، 1425ه- - 2005م: 1/179.
2- فرسان الهيجاء: 1/191، وتنقيح المقال: 2/70.
3- تنقيح المقال: 2/128.
4- الكبريت الأحمر: 2/45.

ص:22

الطيار(1).

وأيضاً مما يروى: أنه لما كانت ليلة أحدى وعشرين من رمضان الليلة التي أشرف فيها أمير المؤمنين علیه السلام على الموت، أخذ العباس علیه السلام وضمه إلى صدره الشريف، وقال: ((ولدي، وستقرّ عيني بك يوم القيامة))(2).

وفي كلا القولين دلالة واضحة على مكانة العباس علیه السلام لدى سيد الوصيين الإمام علي علیه السلام

ب - في نظر فاطمة الزهراء علیه السلام وأقوالها ومواقفها

يروى في أسرار الشهادة نقلاً عن بعض كتب المقاتل، أنه إذا كان يوم القيامة وأشتد الأمر على أهل المحشر بعث رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أمير المؤمنين علیه السلام إلى فاطمة الزهراء علیه السلام لتحضر مقام الشفاعة، فيقول أمير المؤمنين علیه السلام : ((يا فاطمة، ما عندك من أسباب الشفاعة وما ادخرت لأجل هذا اليوم الذي فيه الفزع الأكبر، فتقول فاطمة علیه السلام : " يا أمير المؤمنين علیه السلام كفانا لأجل هذا المقام اليدان المقطوعتان من ابني العباس "))(3).

ج - العباس علیه السلام في نظر الإمام الحسين وأقواله ومواقفه

كان للعباس علیه السلام منزلة عظيمة عند أخيه الإمام الحسين علیه السلام ، ومما يروى عنه: أنه لما زحف القوم على مخيم أبي عبد الله الحسين علیه السلام عشية التاسع من محرم، وكان


1- ينظر: العباس (المقرم): 75.
2- أسرار الشهادة: 2/514، وما نقله عنه في معالي السبطين: 1/447.
3- معالي السبطين: 1/445.

ص:23

لزحفهم دوي يوحي بالهجوم، قال الإمام الحسين علیه السلام لأخيه العباس علیه السلام : ((أركب بنفسي حتى تلقاهم وتسألهم عمّا جاءهم))(1).

وأيضاً ما يروى: أنه بعدما وقع العباس علیه السلام على الأرض قرب نهر العلقمي، أقبل إليه الإمام الحسين علیه السلام ورمى بنفسه عليه وأخذ يبكي، وهو يقول: ((جزاك الله خيراً يا أخي، لقد جاهد في الله حق جهاده))(2).

د - العباس علیه السلام في نظر الإمام زين العابدين علیه السلام

يروى: أنه في يوم عاشوراء وبعد ما قتل الصبية والرجال من أهل البيت والأصحاب، دخل الإمام الحسين علیه السلام في خيمة ولده السجاد علیه السلام ليودعه الوداع الأخير، فدار بينهما الحديث إلى أن قال الإمام السجاد علیه السلام : ((يا أبتاه، أين عمي


1- ترجمة ارشاد (المفيد): محمد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (ت )، تحقيق مؤسسة آل البيت علیه السلام ، دار المفيد، بيروت - لبنان، ط2، 1414ه- - 1993: 2/92، وتاريخ الأمم والملوك: محمد بن جرير الطبري (ت310ه-)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان (د.ت): 4/315، وروضة الواعظين: محمد بن الفتال النيسابوري (ت508ه-) تحقيق السيد محمد مهدي الخرسان، منشورات الشريف، قم (د.ت): 157، وفي بعض الروايات ((حتى تسألهم عمّا جاءهم)).
2- تذكرة الشهداء: 270، وذكره الشيخ الحائري في كتابه معالي السبطين: 1/441 نقلاً عن مقتل الحسين لأبي مخنف، أن الحسين علیه السلام قال: ((جزاك الله من أخ خيراً، لقد جاهدت في الله حق جهاده)) مقتل الحسين (مقتل أبي مخنف) لوط بن يحيى بن سعيد الغامدي الأسدي الكوفي (ت157ه-) مطبعة شريعت، انتشارات المكتبة الحيدرية، قم، ط2، 1426ه-: 62.

ص:24

العباس علیه السلام ؟ فقال علیه السلام : يا بني، أن عمك قد قتل، وقطعوا يديه على شاطئ الفرات، فبكى السجاد علیه السلام بكاءً شديداً حتى غشي عليه))(1).

ويروى: حينما أقبل الإمام السجاد علیه السلام من الكوفة إلى كربلاء في يوم الثالث عشر من المحرم لدفن الجثث من آل المصطفى صلی الله علیه و آله و سلم وبعدما انتهى من دفنها بقيت جثة واحدة مطروحة حول المسناة فمضى إليه، ولما رآه انكبّ عليه يقبّله، وهو يقول: ((على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم، وعليك مني السلام من شهيد محتسب ورحمة الله وبركاته))(2).

ويروى عن ثابت بن أبي صفية، قال: ((نظر علي بن الحسين علیه السلام إلى عبيد الله بن العباس بن الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام فاستعبر، ثم قال في كلام إلى أن قال: ((رحم الله العباس علیه السلام فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه، فابدل الله عزّ وجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وأن للعباس علیه السلام عند الله تبارك وتعالى لمنزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة))(3).

ه - العباس علیه السلام في نظر الصادق علیه السلام

1- معالي السبطين: 2/22.
2- معالي السبطين: 2/69.
3- الأمالي (الصدوق): محمد علي بن الحسن بن بابويه القمي، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، قم، ط1، 1417ه-: مجلس 70 حديث 10، وبحار الأنوار: 22/274، 44/298، ومعالي السبطين: 1/429، وفرسان الهيجاء: 1/254.

ص:25

يقول الإمام الصادق علیه السلام في العباس علیه السلام : ((كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة صلب الإيمان جاهد مع أخيه الحسين، وأبلى بلاءً حسناً ومضى شهيداً))(1).

وورد في زيارة الإمام الصادق علیه السلام المخصوصة لأبي الفضل العباس علیه السلام ، أنه قال: ((السلام عليك أيها العبد الصالح المطيع لله ولرسوله ولأمير المؤمنين والحسن والحسين صلّى الله عليهم وسلم، السلام عليك ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه، وعلى روحك وبدنك...)) ثم يقول الصادق علیه السلام في نفس الزيارة: ((أشهد انك قد بالغت النصيحة، وأعطيت غاية المجهود فبعثك الله في الشهداء، وجعل روحك مع أرواح السعداء، وأعطاك من جنانه أفسحها منزلاً، وأفضلها غرفاً...)) ثم يقول علیه السلام : ((أشهد انك لم تهن ولم تنكل، وأنك مضيت على بصيرة من أمرك مقتدياً بالصالحين، ومتبعاً للنبيين))(2).

و- العباس علیه السلام في نظر الإمام المهدي (عج) وأقواله ومواقفه

1- عمدة الطالب: 327، وتنقيح المقال: 2/128، وأعيان الشيعة: السيد محسن الأمين، تحقيق: حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، ط5، 1420ه- - 2000م: 11/477.
2- كامل الزيارات: جعفر بن محمد بن قولويه القمي (ت368ه-) تحقيق: الشيخ جواد القيومي، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ط1، 1417ه-: 258، ومفاتيح الجنان: الشيخ عباس القمي، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، ط3، 1424ه- - 2003م: 435، وبحار الأنوار: 101/277.

ص:26

في صريح زيارة الناحية المقدسة الواردة عنه، أنه قال: ((السلام على أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين، المواسي أخاه بنفسه، الآخذ لغده من أمسه، الفادي له، الواقي، الساعي إليه بمائه، المقطوعة يداه))(1).

6- زواجه وأولاده

لم يعرف على وجه التحديد تاريخ زواج أبي الفضل العباس علیه السلام ، لكنه يرجح أن يكون زواجه في زمن الإمام الحسن علیه السلام ، لأن عمره عندما استشهد والده أمير المؤمنين علیه السلام أربع عشرة سنة(2).

وقد تزوج العباس علیه السلام من لبابة بنت عبيد الله بن العباس ابن عم النبي صلی الله علیه و آله و سلم أتت له بولدين هما: الفضل وعبيد الله، وانحصر عقبه في عبيد الله(3)

وأحفاد العباس علیه السلام علماء عظماء، وفقهاء أعلام، منهم: السيد أبو يعلي الحمزة بن القاسم بن علي بن حمزة (الشبيه) بن الحسن بن عبيد الله (الرئيس) بن العباس (الشهيد) بن أمير المؤمنين علیه السلام ومرقده المعروف بالحمزة الغربي في نواحي الهاشمية الناحية المعروفة بالمدحتية قرب الحلة(4).


1- بحار الأنوار: 45/66.
2- ينظر: بطل النهضة الحسينية: 103.
3- ينظر مثلاً: معالي السبطين: 1/429، وفرسان الهيجاء: 1/255.
4- ينظر: فرسان الهيجاء: 1/255 - 256.

ص:27

وذكر النجاشي في الفهرست، وقال: ((أنه من أصحابنا كثير الحديث، صنّف كتباً كثيرة، منها: كتاب (من روى عن جعفر بن محمد علیه السلام من الرجال) وكتاب (التوحيد) وكتاب (الزيارات والمناسك)(1)

وغيرهم من الأحفاد خلق كثير كانت لهم مكانة كبيرة ومتكئاً واسعاً(2).

الفصل الثاني: حياته مع والده الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام


1- ينظر: بحار الأنوار: 48/315، وقمر بني هاشم: 133 - 134.
2- ينظر: عمدة الطالب: 328 - 330، وفرسان الهيجاء: 1/255 - 256، وقمر بني هاشم: 133 - 134.

ص:28

عاش العباس علیه السلام مع والده الإمام علي علیه السلام فترة (14) سنة أي إلى حين استشهاد الإمام علي علیه السلام ، ومما يروى عن العباس علیه السلام في هذه الحقبة، ما ذكره صاحب الكبريت الأحمر(1)

من أن العباس علیه السلام كان عضداً وعوناً لأخيه الإمام الحسين علیه السلام لمّا أزاح معاوية جيش الإمام علیه السلام عن الفرات فحمل العباس علیه السلام بأصحاب الإمام الحسين علیه السلام وأزالوا أصحاب معاوية عن مراكزهم.

وروي أنه في بعض أيام صفين خرج من جيش الإمام علي علیه السلام شاب على وجهه نقاب تعلوه الهيبة، وتظهر عليه الشجاعة يقدر عمره بالخمس عشر أو السبع عشر سنة يطلب المبارزة فهابه الناس، وندب إليه معاوية أبا الشعثاء، فقال: أن أهل الشام يعدونني بألف فارس، ولكن أرسل إليه أحد أولادي وكانوا سبعة، وكلما خرج أحد منهم قتله حتى أتى عليهم فساء ذلك أبا الشعثاء، وأغضبه، ولما برز إليه ألحقه بهم، فهابه الجميع، ولم يجرأ أحد على مبارزته، وتعجب أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام من هذه البسالة التي لا تعدو الهاشميين، ولم يعرفوه لمكان نقابه، ولما رجع إلى مقره دعاه أبوه الإمام علي علیه السلام ، وأزال النقاب عنه، فإذا هو قمر بني هاشم.


1- الكبريت الأحمر: 2/301، وينظر: معالي السبطين: 1/432.

ص:29

ويعقب صاحب الكبريت الأحمر على هذه الرواية، فيقول: ((وصحة الخبر لا تستبعد إذ أن الإمام أمير المؤمنين استشهد سنة أربعين من الهجرة، وكانت واقعة الطف في سنة واحد وستين منها))(1).

وينص الخوارزمي في المناقب(2)

خرج من عسكر معاوية رجل يقال له: كريب، كان شجاعاً قوياً يأخذ الدرهم فيغمزه بابهامه فتذهب كتابته، فنادى ليخرج إليّ علي، فبرز إليه مرتفع بن وضاح الزبيدي فقتله، ثم برز إليه شرحبيل بن بكر فقتله، ثم برز إليه الحارث بن الحلاج الشيباني فقتله، فساء أمير المؤمنين علیه السلام ذلك فدعا ولده العباس علیه السلام وكان تاماً كاملاً من الرجال، وأمره أن ينزل عن فرسه وينزع ثيابه، فلبس الإمام علي علیه السلام ثياب ولده العباس علیه السلام وركب فرسه، والبس ابنه العباس علیه السلام ثيابه وأركبه فرسه، لئلا - يجبن كريب عن مبارزته، إذا عرفه، فلما برز إليه أمير المؤمنين علیه السلام ذكره الآخرة، وحذّره بأس الله وسخطه، فقال كريب: لقد قتلت بسيفي هذا كثيراً من أمثالك، ثم حمل على أمير المؤمنين علیه السلام فاتقاه بالدرقة، وضربه على رأسه فشقّه نصفين.

وهذه الرواية تدل على أمرين: الأول: أن العباس علیه السلام كان رجلاً تاماً كاملاً، وكانت ثيابه تناسب أبيه الإمام علي علیه السلام ، والثاني: أن العباس علیه السلام شهد صفين،


1- الكبريت الاحمر: 2/301 - 302.
2- ينظر: المناقب (الخوارزمي): الموفق بن أحمد بن محمد المكي، تحقيق: الشيخ مالك المحمودي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة، ط2، 1414ه-: 228.

ص:30

وهذا ما يبطل انكار بعض المؤرخين لذلك الخبر.

وفي كل الأحوال لا نستبعد صحة الخبر في الرواية الأولى، لأن عمره يقدر بالخمس عشر أو السبع عشرة، وفي الرواية الثانية، كونه رجلاً تاماً كاملاً.

كما أننا نعرف أن هنالك حادثتان باسم العباس بن ربيعة(1) أو العباس بن الحارث(2)

وقضية الاشتباه التي أنكرها الشيخ الجليل المحدث النوري في مشاركة العباس علیه السلام لا تغفر له، لأن البيت العلوي يمتلك من الرجال الذين امتلكوا المكارم جميعها، وجاؤوا بأشياء لم يأتِ بها أحد غيرهم، على الرغم من أنهم لم يبلغوا مبلغ الرجال، وشاهد ذلك القاسم بن الحسن علیه السلام الذي لم يبلغ الحلم في واقعة الطف، وقيل: أنه قتل خلق كثير من الرجال بلغ عدّتهم خمسة وثلاثين(3)

وغيره كثير لا مجال لذكرهم في هذا المقام.

وتأسيساً على ما قيل فلا نستبعد مشاركة العباس علیه السلام في وقعة صفين، على الرغم من حداثة سنه لما وصف به البيت العلوي من أنهم منبع الشجاعة والفضائل.

وقال صاحب أبصار العين ((حضر بعض الحروب مع أبيه، فلم يأذن له أبوه


1- ينظر: المناقب (الخوارزمي): 231.
2- ينظر: الكبريت الاحمر: 2/300 - 301.
3- ينظر: لواعج الأشجان في مقتل الإمام الحسين علیه السلام : السيد محسن الأمين (ت1371ه-) مكتبة الألفين، الكويت، ط1، 1409ه- - 1989م: 174، وبحار الأنوار: 45/34، وفيه ((فقتل على صغر سنه خمسة وثلاثين رجلاً)).

ص:31

بالنزال(1).

وعدم الإذن له من أبيه، إما حبّاً له، أو صوناً له من إصابة عيون الأعداء(2).

ومما يروى عن مشاركة العباس علیه السلام في صفين، ما رواه ملاّ حبيب الله الكاشاني في تذكرة الشهداء(3): أنه لما قتل عسكر الإمام الحسين علیه السلام وقتل بنو عمه وأخوته، بكى العباس علیه السلام وحمل الراية، وجاء نحو أخيه الإمام الحسين علیه السلام يستأذنه للبراز، فلما أجاز له الإمام الحسين علیه السلام ، فقال العباس علیه السلام : في يوم من أيام صفين خرجت إلى ميدان القتال وبعدما قاتلت الأعداء قتالاً شديداً رجعت إلى أبي، وقد علا الغبار وجهي ويبست شفتاي، فدعاني والدي ومسح الغبار عن وجهي، وقال لي: ولدي إذا كنت في صحراء كربلاء، ورأيت أخاك الحسين علیه السلام وهو يستغيث، إياك أن تدعه وحيداً، بل افده بنفسه، والآن اريد أن أفديك بنفسي يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فأذن لي للخروج إلى قتال هؤلاء الظالمين.

أما وصية الإمام علي علیه السلام الخاصة لولده العباس علیه السلام فمما يروى: أنه لما كانت ليلة أحدى وعشرين من شهر رمضان، وأشرف الإمام علي علیه السلام على الموت، أخذ العباس علیه السلام وضمه إلى صدره، وقبّله بين عينيه، وقال: ((يا ولدي ستقرّ عيني بك يوم القيامة، ولدي، إذا كان يوم عاشوراء، ودخلت المشرعة إياك أن تشرب الماء،


1- ينظر: النص في معالي السبطين: 1/431.
2- ينظر: معالي السبطين: 1/431.
3- ينظر: تذكرة الشهداء: 255.

ص:32

وأخوك الحسين عطشان))(1)

وقد وفّى العباس علیه السلام ، ولم يشرب الماء في واقعة الطف والإمام الحسين علیه السلام عطشان، قال الطريحي في المنتخب، أنه قال: ((والله، لا أشربه وأخي الحسين علیه السلام وعياله وأطفاله عطاشى، لا كان ذلك أبداً))(2).

وقال أبو مخنف في مقتل الإمام الحسين علیه السلام أن العباس علیه السلام قال: ((والله لا ذقت الماء وسيدي الحسين عطشان))(3).


1- معالي السبطين: 1/447.
2- المنتخب: 311، الطبعة الثالثة، المجلس التاسع، الليلة العاشرة ونقل عنه، مقتل العوالم: 95. وتظلم الزهراء من إهراق دماء آل العباء علیه السلام ، رضي بن نبي القزويني (من أعلام القرن الثاني عشر) تحقيق: السيد مهدي رجائي، مطبعة أمير، قم، ط1، 1417ه- - 1996م: 119 ورياض المصائب: محمد مهدي التنكابني، تحقيق: مؤسسة إحياء الكتب الإسلامية، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط1، 1423ه- - 2002م: 441.
3- مقتل الحسين (أبي مخنف): 61.

ص:33

الفصل الثالث: حياته مع أخويه الإمامين الحسن والحسين علیه السلام

اشاره

بعد استشهاد أمير المؤمنين علیه السلام يوم الحادي والعشرين من شهر رمضان عام (40) للهجرة تولى السبط المجتبى الإمام الحسن علیه السلام أمور الإمامة التي دامت ما يقرب من عشر سنوات واجه خلالها أحداثاً كبيرة، أهمها صلحه مع معاوية وما رافقه وتلاه من أحداث معروفة، وخلال تلك الحقبة من حياة الإمام الحسن علیه السلام ، وبعد مضي ستة أشهر واربعة أيام(1)

من خلافة الإمام الحسن علیه السلام في الكوفة، ونتيجة لسوء الأوضاع في الكوفة غادر المدينة، وعاش بقية عمره فيها بعيداً عن الخلافة، وقد رافق العباس علیه السلام أخاه الإمام الحسن علیه السلام من الكوفة إلى المدينة غير مبالٍ بالسلطة الأموية الجائرة، ولما حضرت الوفاة الإمام الحسن علیه السلام كان العباس علیه السلام يبلغ من العمر (24) سنة.

يروي صاحب كتاب قمر بني هاشم(2)

أنه لما رأى جنازة السبط الشهيد علیه السلام ترمى بالسهام عظم عليه الأمر، ولم يطق صبراً دون أن جرد سيفه، وأراد البطش بأصحاب (البغلة) لولا كراهية السبط الشهيد الحرب، عملاً بوصية أخيه ((لا تهرق


1- ينظر: بحار الأنوار: 44/135.
2- ينظر: قمر بني هاشم: 84.

ص:34

في أمري محجمة من دم)) (1)

فصبر أبو الفضل العباس علیه السلام على أحرّ من جمر الغضا، ينتظر الفرصة، ويترقب الوعد الإلهي، فأجهد النفس، وبذل النفس في مشهد النواويس، وحاز كلتا الحسنيين.

أما حياته مع أخيه الإمام الحسين علیه السلام فدامت إلى حين استشهاده في واقعة الطف، إذ بلغ عمره فيها (34) سنة، وهذه الحقبة من حياته يمكن تقسيمها على مرحلتين، الأولى: مرحلة ما قبل واقعة الطف، والثانية: مرحلة واقعة الطف وما يتصل بها من أحداث.

فأما المرحلة الأولى، وهي ما قبل واقعة الطف:

اشاره

فبعد استشهاد الإمام الحسن علیه السلام تولى الإمام الحسين علیه السلام أمور الإمامة التي بدأت سنة (50) للهجرة ودامت ما يقرب العشرة أعوام، وهذه المرحلة تضمنت أحداثاً كثيرة، من أهمها:

1- مخالفة العباس علیه السلام لبيعة يزيد

كان العباس علیه السلام مطيعاً لأخيه الإمام الحسين علیه السلام وممتثلاً له في تلك الحقبة، إذ أعلن الإمام الحسين علیه السلام مخالفته لتلك البيعة بشدة، وقد كتب كتاباً إلى معاوية يذكر فيه عيوب يزيد وبدعه في الدين، وما فعله بشيعة أمير المؤمنين علیه السلام من سفك


1- دلائل الإمامة: أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري (ت358ه-)، المطبعة الحيدرية، النجف، 1369ه- - 1949م: 61، والإرشاد: 17، وعمدة الطالب: 63 باختلاف الألفاظ.

ص:35

للدماء، وهتك للحرمات، وقال: ((وأن أخذك الناس ببيعة ابنك يزيد، وهو غلام حدث يشرب الخمر، ويلعب بالكلاب، فقد خسرت نفسك، وبترت دينك))(1).

2- حماية العباس علیه السلام ومرافقيه للإمام الحسين علیه السلام في مقر الامارة بالمدينة

مات معاوية في النصف من رجب سنة (60) للهجرة، وحلّ يزيد محله على كرسي الخلافة، ولم يلتزم بوصايا أبيه، وكتب إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان - وكان والياً على المدينة من قبل معاوية - أن يأخذ البيعة له، ولا يرخّص له في التأخير عن ذلك، وقال في كتابه: ((أن أبى عليك فاضرب عنقه، وابعث إليّ برأسه)).

أحضر الوليد مروان بن الحكم، واستشاره في أمر الإمام الحسين علیه السلام فقال: ((أنه لا يقبل، ولو كنت مكانك ضربت عنقه)) فقال الوليد: ((يا ليتني لم اكن شيئاً مذكورا)) ثم بعث الوليد إلى الإمام الحسين علیه السلام فجاء في ثلاثين من أهل بيته ومواليه(2)

وشيعته شاكين بالسلاح ليكونوا على الباب فيمنعونه إذا علا صوته(3)

وبيده قضيب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم .

وفي رواية أخرى، أن الإمام الحسين علیه السلام دعا تسعة عشر رجلاً من أهل بيته، وأمرهم بحمل السلاح، وقال لهم: ((أن الوليد قد استدعاني في هذا الوقت ولست


1- ينظر: مقتل الحسين (المقرم): 139 نقلاً عن رجال الكشي: 32 طبعة الهند.
2- ينظر: بحار الأنوار: 44/324، واللهوف: علي بن موسى بن جعفر بن طاووس (ت664ه-) أنوار الهدى، قم، ط1، 1417: 22.
3- مقتل الحسين (الخوارزمي): 262 - 263.

ص:36

آمناً من أن يكلفني فيه أمراً لا أجيبه إليه، وهو غير مأمون عليّ، فإذا دخلت عليه فاجلسوا على الباب، فإن سمعتم صوتي قد علا فادخلوا لتمنعوه عني)).

فلما دخل الإمام الحسين علیه السلام قرأ الوليد الكتاب، فقال الإمام الحسين علیه السلام : ((ما كنت أبايع ليزيد)) فقال مروان: ((بايع لأمير المؤمنين)) فقال الإمام الحسين علیه السلام :

((كذبت، ويلك على المؤمنين من أمرة عليهم)) فقال مروان وجرد سيفه، وقال: ((مر سيافك أن يضرب عنقه قبل أن يخرج من الدار، ودمه في عنقي)) وارتفعت الصيحة فهجم تسعة عشر رجلاً من أهل بيته علیه السلام ، وقد انتضوا خناجرهم فخرج الإمام الحسين معهم(1) وهنالك رواية أخرى يبرز فيها ثبات العباس علیه السلام واتباعه رأي الإمام الحسين علیه السلام (2).

3- العباس علیه السلام في طليعة موكب الإمام الحسين علیه السلام من المدينة إلى مكة

عَلِمَ الإمام الحسين علیه السلام موقف يزيد، وأنه يريد مقتله إن لم يبايع، لذلك عزم الخروج في اناء الليل من المدينة قاصداً مكة، فاجتمع مع أهله وشيعته خفية يدعوهم إلى مرافقته، فتباينت مواقفهم، فمنهم من اعتذر وأذن له الإمام الحسين علیه السلام بالبقاء، ومنهم من اعتذر بأعذار واهية وسار مع ركب الشيطان، بل أنه دعا الإمام علیه السلام


1- ينظر: مناقب آل أبي طالب: 4/88.
2- ينظر: الكامل في التاريخ: علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم المعرف بابن الأثير (ت630ه-) دار صادر، بيروت 1386ه- - 1966م: 3/263 - 264، وتاريخ الطبري: 4/251، ونفس المهموم في مصيبة سيدنا الحسين المظلوم، الشيخ عباس القمي، مطبعة شريعت، قم، ط1، 1421ه-: 64، وبحار الأنوار: 44/324 نقلاً عن إرشاد المفيد، ومعالي السبطين: 1/203.

ص:37

للعدول عن مسيره، وأما البقية فقد خرج معه، وهم أهله وأقرباؤه وجمع من بني هاشم وخلص أصحابه، وفي طليعة هؤلاء الأهل العباس علیه السلام الذي اصطحب معه أهله وأخوته(1).

قال المرحوم الدربندي(2) في رواية، وهي: روى عبد الله بن سنان الكوفي عن أبيه عن جده، أنه قال: خرجت بكتاب من أهل الكوفة إلى الإمام الحسين علیه السلام وهو يومئذ بالمدينة، فأتيته وقرأه فعرف معناه، فقال: انظرني ثلاثة أيام. فبقيت في المدينة ثم تبعته إلى أن صار عزمه بالتوجه إلى العراق، قلت في نفسي: أمضي وأنظر إلى ملك الحجاز، كيف يركب، وكيف جلالته وشأنه، فأتيت إلى باب داره فرأيت الخيل مسرجة ن والرجال واقفين والإمام الحسين علیه السلام جالس على كرسي وبنو هاشم حافون به، وهو بينهم كأنه البدر ليلة تمامه وكماله، ورأيت نحواً من أربعين محملاً وقد زينت المحامل بملابس الحرير والديباج.

قال: فعند ذلك أمر الإمام الحسين علیه السلام بني هاشم أن يركبوا محارمهم على المحامل، فبينما أنا انظر، وإذا بشاب قد خرج من دار الإمام الحسين علیه السلام ، وهو طويل القامة وعلى خده علامة، ووجهه كالقمر الطالع، وهو يقول: تنحوا يا بني هاشم، وإذا بامرأتين قد خرجتا من الدار، وهما تجران أذيالهما على الأرض حياءً


1- ينظر: بطل النهضة الحسينية: 116.
2- أسرار الشهادة: 2/627 - 629: نقلاً عن معالي السبطين: 1/220 - 221.

ص:38

من الناس وقد حفّت بهما إماؤهما، فتقدم ذلك الشاب إلى محمل من المحامل، وجثى على ركبتيه، وأخذ بعضديهما وأركبهما المحمل.

فسألت بعض الناس عنهما، فقيل: أما أحدهما فزينب والأخرى: أم كلثوم بنتا أمير المؤمنين علیه السلام ، وقلت: ومن هذا الشاب، فقيل لي: هو قمر بني هاشم العباس بن أمير المؤمنين علیه السلام إلى أن قال: ثم اركبوا بقية الحرم والاطفال على المحامل، فلما تكاملوا نادى الإمام الحسين علیه السلام : أين أخي ؟ أين كبش كتبيبتي ؟ أين قمر بن هاشم ؟ فأجابه العباس علیه السلام قائلاً: لبيك لبيك، فقال له الإمام علیه السلام : قدم لي يا أخي جوادي، فأتى العباس علیه السلام بالجواد، وقد حفّت به بنو هاشم، فأخذ العباس علیه السلام بركاب الفرس حتى ركب الإمام علیه السلام ثم ركب بنو هاشم، وركب العباس علیه السلام وحمل الراية أمام الإمام الحسين علیه السلام ، قال: فصاح أهل المدينة صيحة شديدة، وعلت أصوات بني هاشم بالبكاء والنحيب، وقلن: الوداع الوداع، الفراق الفراق، فقال العباس علیه السلام : أي والله هذا يوم الفراق والملتقى يوم القيامة، ثم ساروا قاصدين الكوفة، فسرت معهم حتى وصلنا كربلاء. عرف أهل الكوفة خبر الإمام الحسين علیه السلام وامتناعه عن بيعة يزيد، وخروجه إلى مكة فأرسلوا إليه الكتب يدعونه بالتوجه إلى الكوفة، وبعد توقف في مكة دام أربعة أشهر وخمسة أيام، توجه الإمام الحسين علیه السلام بأهله وأصحابه إلى الكوفة في يوم الثامن من ذي الحجة (يوم التروية)، ودخل

ص:39

كربلاء في اليوم الثاني من محرم عام (61) للهجرة، وبقي فيها حتى يوم استشهاده، ومن كان معه من أهله وأصحابه يوم عاشوراء.

المرحلة الثانية: العباس علیه السلام في واقعة الطف وبطولاته واستشهاده

كان دخول العباس علیه السلام وأهل البيت علیه السلام كربلاء في الثاني من محرم واستشهاده يوم العاشر منه، وعليه يكون العباس علیه السلام في أرض كربلاء ثمانية أيام قضاها جنب أخيه الإمام الحسين ع، لا يردّ له قولاً، ولا يعصيه في أمر، بذل خلالها الغالي والنفيس، والتضحيات الجليلة لحين استشهاده في يوم عاشوراء، ولعلنا في هذا المقام نحيل القارئ إلى الكتب الكثيرة التي كتبت عن واقعة الطف من كتب التاريخ والمقاتل وغيرها، وقد فصّلت هذه الكتب في بطولات العباس علیه السلام واستشهاده، وعليه يمكن الرجوع إليها، على أننا لا يعني عدم ذكرنا لبطولاته واستشهاده بخس حق هذه الشخصية العظيمة في مقامنا هذا، وإنما نحن نسأل الله أن يقيل عثرة قلمنا في عدم الكتابة للسبب الأنف الذكر، والله ولينا وحسبنا، ومنه السداد والتوفيق.

ص:40

ص:41

الباب الثاني: الدراسة

اشارة

ص:42

ص:43

الفصل الأول: منهج التحقيق / النص المحقق - الشعر -

منهج التحقيق

لا بد للنص المحقق من منهجية محددة المعالم، وهدف رئيس يتجه إليه عمل التحقيق، وهدفنا في هذا العمل هو جمع النصوص الأدبية كلها للعباس علیه السلام ، ومن ثم دراسة تلك النصوص وتحليلها، ولأن التحقيق شمل الأدب، بشقيه الشعر والنثر، فإن منهجنا في الشعر يختلف الى حد ما عن منهجنا في النثر، فكان منهجنا في الشعر كالآتي:

1- ترقيم المقطوعات بأرقام متسلسلة من أول مقطوعة الى آخر المقوطعات.

2- وضع أرقام متسلسلة للأبيات في المقطوعات.

3- ترتيب المقطوعات على حروف المعجم، ومراعياً فيه الترتيب المعروف للحركات.

4- ذكر الوزن الذي نظمت عليه المقطوعات وجميعها كانت من بحر الرجز.

5- تخريج الأبيات من مضانّها مراعياً المنهج التأرخي فيها معتمدة على سني وفاة المؤلفين بوصفه المعاير لهذا المنهج.

6- ذكر إختلاف رواية الأبيات في مضامّها مثبتاً في المتن ما أراه مرجّحاً، ومراعياً في ذلك الرواية والحدث الذي قيلت فيه وإتجاهه علیه السلام الفني الذي حاوت جاهداً أن

ص:44

أتلمّسه من خلال القراءة المتأنية النقادة للنص.

(1)

حرف التاء

قال العباس علیه السلام : (من الرجز)

1- نحن الفواضل نسل الهاشميات *** لسفك دماكم بحد المشرفياتْ

2- يا آل اللئام وأبناء الرعيات *** يا جدنا لو ترى هذه الرزياتْ

3- يا حبذا عصبة جادت بأنفسها *** حتى تحلّ بأرض الغاضرياتْ

4- الموت تحت ضباب السيف مكرمة *** إذا كان من بعده سكنى بجناتْ

5- لا تأسفن على الدنيا ولذتها *** فعند جدي تغفر كل زلاّتْ

التخريج / تذكرة الشهداء:: 320، وأسرار الشهادة: 319 نقلاً عن بطل العلقمي: 2/55.

الاختلافات: في أسرار الشهادة: البيت الثاني روايته: لله عين رأت ما قد أحاد بنا من اللئام وأولاد الداعيات، البيت الأول لم يرد في روايته للمقطوعة، والبيت الرابع روايته: الموت تحت ذباب السيف مكرمة إن كان من بعده سكن لجنات.

ص:45

(2)

حرف الدال

قال العباس (من الرجز)

1- أقاتل القوم بقلب مهتد *** أذبّ عن سبط النبي أحمد

2- أضربكم بالصارم المهند *** حتى تحيدوا عن قتال سيدي

3- أني أنا العباس ذو التودد *** نجل علي المرتضى المؤيد

التخريج / مقتل الحسين (أبو مخنف): 60، وشرح الأخبار: 3 / هامش ص191، وتذكرة الشهداء: 320، وينابيع المودة: 1/266، والكبريت الاحمر: 2/312، ومعالي السبطين: 1/433 وفرسان الهيجاء: 1/267، وناسخ التواريخ: 2/433، ورياض المصائب: 439.

الاختلافات / في رياض المصائب: أقاتل اليوم بقلب مهند أذبّ عن نسل النبي محمد، أضربهم بالصارم المهند ضرب غلام كشهاب الموقد، حتى تحيدوا عن قتال السيد نسل علي الطاهر المؤيد.

(3)

حرف الراء

قال العباس علیه السلام : (من الرجز)

1- يا نفس لا تخشي من الكفار *** وابشري برحمة الجبار

2- مع النبي سيد الأبرار *** مع جملة السادات والأطهار

ص:46

3- قد قطعوا ببغيهم يساري *** فاصلهم يا ربّ حرّ النارِ

التخريج / مقتل الحسين (أبو مخنف): 62، وشرح الأخبار: 3/ هامش ص191، ومناقب آل أبي طالب: 3/256، وبحار الأنوار: 45/40 - 41، والعوالم: 284، وينابيع المودة: 3/68، ولواعج الأشجان: 179، وأعيان الشيعة: 1/608، وعبرات المصطفين:

2/82. والمجالس السنية: 1/133 - 134، وتظلم الزهراء: 241، وفرسان الهيجاء: 1/271، ونفس المهموم: 305، ومعالي السبطين: 1/440، والكبريت الاحمر: 2/313، ورياض المصائب: 440، وناسخ التواريخ: 2/434، والدمعة الساكبة: 4/323 - 324 وعبرات المصطفين: 2/82، ومعالم المدرستين: 3/130، والصمصام الزخار: 2/20 ونور العين: 42.

الاختلافات / في شرح الأخبار والمناقب والبحرا والعوالم ولواعج الأشجان وأعيان الشيعة والصمصام الزخار ومعالم المدرستين والدمعة الساكبة: البيت الثاني: مع النبي السيد المختار قد قطعوا ببغيهم يساري، البيت الأخير: لم يرد صدره، في نور العين: البيت الأول: يا نفس لا تخشي من الكفار، وابشري برحمة الغفار، مع النبي سيد الابرار قد قطعوا ببغيهم يساري، وقد طغى فينا ولاة العار فاصلهم يا رب حرّ النار، في ينابيع المودة: البيت الثاني: مع النبي سيد الابرار قد قطعوا ببغيهم يساري، وقد بغوا معاشر الفجار فاصلهم يا رب حرّ النار، في عبرات المصطفين

ص:47

والمجالس السنية وتظلم الزهراء ونفس المهموم ومعالي السبطين: البيت الثاني: مع النبي السيد المختار قد قعوا ببغيهم يساري، البيت الأخير: ورد شطر واحد فقط: فاصلهم يا رب حرّ النار، في فرسان الهيجاء والكبريت الاحمر وناسخ التواريخ: البيت الثاني: مع النبي السيد المختار مع جملة السادات والأطهار، في رياض المصائب: البيت الأول: يا نفس لا تخشي من الفجار وابشري برحمة الجبار، مع النبي سيد الأبرار قد قطعوا ببغيهم يساري، وقد بغوا معاشر الكفار فاصلهم يا رب حرّ النار.

(4)

قال العباس علیه السلام (من الرجز)

1- أنا الذي أعرف عند الزمجره *** بابن علي المسمى حيدره

2- فاثبتوا اليوم لنا يا كفره *** لعترة الحمد وسورة البقره

التخريج / مقتل الحسين (الخوارزمي): 2/30، وتذكرة الشهداء: 319، وأسرار الشهادة: 2/395 - 396 نقلاً عن بطل العلقمي: 3/255، وعبرات المصطفين في مقتل الحسين: الشيخ محمد باقر المحمودي، مجمع احياء الثقافة الإسلامية، قم، ط2، 1417ه-: 2/82.

الاختلافات / في بطل العلقمي: لم يرد عجز البيت الثاني.

ص:48

(5)

حرف العين

قال العباس علیه السلام (من الرجز)

1- صبراً على جور الزمان القاطع *** ومنية ما أن لها من دافع

2- لا تجزعن فكل شيء هالك *** حاشا لمثلي أن يكون بجازع

3- فلئن رماني الدهر منه بأسهم *** وتفرق من بعد شمل جامع

4- فلكم لنا من وقعة شابت لها *** قمم الأصاغر من ضراب قاطع

التخريج / تذكرة الشهداء: 322 - 323، أسرار الشهادة: 2/396 نقلاً عن الكبريت الأحمر: 2/305.

(6)

قال العباس علیه السلام (من الرجز)

1- يا نفس هوني فالحسين معطش *** وبنوه والحرم المطهر أجمعُ

2- والله لم أشرب من الماء قطرة *** وأخي الحسين بالعراء مضيعُ

التخريج / تذكرة الشهداء: 319 نقلاً عن نور العين.

ص:49

(7)

حرف القاف

قال العباس علیه السلام : (من الرجز)

1- لا أرهب الموت إذا الموت رقا *** حتى أوارى ميتاً عند اللقا

2- نفسي لنفس الطاهر الطهروقا *** أني صبور شاكر للملتقى

3- بل أضرب الهام وأفري المفرقا *** أني أنا العباس صعب باللقا

التخريج / مقتل الحسين (أبو مخنف): 61، وشرح الأخبار: القاضي النعمان المغربي (ت363ه-) تحقيق: محمد الحسيني الجلالي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، (د.ت): 3/ هامش ص191، ومناقب آل أبي طالب: 3/256، وبحار الأنوار: 45/40، والعوالم: 283، وينابيع المودة لذوي القربى، الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (ت1294ه-) تحقيق: سيد علي جمال أشرف، مطبعة أسوة، قم، 1422ه-: 3/67، وابصار العين في انصار الحسين، الشيخ محمد بن الشيخ طاهر، تصحيح وتحقيق: عل يجهاد الحساني، مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر، بيروت، ط1، 1424ه- - 2003م: 62، وأعيان الشيعة: 1/608، والمجالس السنية في مناقب ومصائب العترة النبوية: السيد محسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت 1406ه- - 1986م: 1/135، ولواعج الأشجان في مقتل الإمام الحسين علیه السلام : 179، وفرسان الهيجاء: 1/265، وتذكرة الشهداء:

ص:50

320، وتظلم الزهراء: 241، وناسخ التواريخ، ميرزا محمد تقي سبهر (لسان الملك) ترجمة وتحقيق: سيد علي جمال الدين، مطبعة قلم، قم، ط1، 1427ه- - 2007م: 2/433، والكبريت الاحمر: 2/311، ومعالي السبطين: 1/433، والدمعة الساكبة في احوال النبي والعترة الطاهرة، محمد باقر بن عبد الكريم البهبهاني (ت1285ه-) مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، بيروت، ط1، 1409ه- - 1989م: 4/323، ونفس المهموم: 304 ورياض المصائب: 439، ومقتل الحسين (المقرم): 281، ومعالم المدرستين: السيد مرتضى العسكري مؤسسة النعمان، بيروت 1410ه- - 1990م: 3/129 وشهداء أهل البيت علیه السلام قمر بني هاشم، حسين الشاكري، مطبعة ستارة، ط1، 1420ه-: 96 - 97، وبطل العلقمي: الشيخ عبد الواحد المظفر، مطبعة شريفت، قم، ط1، 1425ه-: 3/232. والصمصام الزخار: 2/19 - 20.

الاختلافات / في شرح الأخبار والصمصام الزخار: حتى أوارى في المصاليت لقا، نفسي لنفسي المصطفى... أني أنا العباس أغدو بالسقا، والبيت الأخير شطر واحد فقط، وروايته: ولا اخاف السيء يوم الملتقى، في المناقب وبحار الأنوار والعوالم ولواعج الأشجان: حتى أوارى في المصاليت لقا ما نفسي لنفس المصطفى... أني أنا العباس أغدوا بالسقا، والبيت الأخير شطر واحد وروايته: ولا أخاف الشر يوم الملتقى، في أعيان الشيعة: الرواية السابقة ما عدا: نفسي السبط المصطفى...، في معالم المدرستين: الرواية السابقة ما عدا: نفسي لابن المصطفى...

ص:51

في ينابيع المودة وفرسان الهيجاء وبطل العلقمي: لا أرهب الموت إذا الموت لقى حتى أوارى في المصاليت لقا، ولا أخاف طارق إذا طرقا بل أضرب الهام وأبري المفرقا، والبيت الأخير شطر واحد فقط، وروايته: ولا أخاف الشر يوم الملتقى، وفي ابصار العين وشهداء أهل البيت لا أرهب الموت إذا الموت زقا، أني أنا العباس أغدو بالسقا ولا أهاب الموت يوم الملتقى، في تذكرة الشهداء للبيت الثالث، روايته: ولا أخاف طارقاً أن طرقا بل أضرب الهام وأفري المفرقا، أني أنا العباس صعب باللقا نفسي لنفس الطاهر السبط وقا، في تظلم الزهراء وعبرات المصطفين والدمعة الساكبة ومعالي السبطين ونفس المهموم ومقتل الحسين (المقرم): لا أرهب الموت إذا الموت رقا حتى أوارى في المصاليت لقا، نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا أني أنا العباس اغدو بالسقا، والبيت الأخير شطر واحد وروايته: ولا أخاف الشر يوم الملتقى، في الكبريت الأحمر وناسخ التواريخ: لا أرهب الموت إذا الموت رقا حتى أوارى في المصاليت لقا، نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا ولا أخاف طارقاً إذ طرقا، بل أضرب الهام وأفري المفرقا أني أنا العباس أغدو بالسقا، والبيت الأخير روايته: ولا أخاف الشر يوم الملتقى، في رياض المصائب ورد بيت واحد فقط هو: لا أرهب الموت إذا الموت رقا أني أنا العباس ديناً ونقى، في المجالس السنية، ورد بيتان: الأول: لا أرهب إذا الموت رقا حتى أوارى في المصاليت لقى، أني أنا العباس أغدو بالسقا ولا أهاب الموت يوم الملتقى.

ص:52

(8)

حرف الميم

قال العباس علیه السلام : (من الرجز)

1- أقسمت بالله الأعز الأعظم *** وبالحجون صادقاً وزمزمِ

2- وبالحطيم والفنا المحرم *** ليخضبن اليوم جسمي بدمي

3- دون الحسين ذي الفخار الأقدم *** أمام أهل الفضل والتكرمِ

التخريج / الفتوح: 5/114، ومقتل الحسين (الخوارزمي): 2/29 - 30، وفرسان الهيجاء: 1/266، ومعالم المدرستين: 3/129.

الاختلافات / في الفتوح: البيت الثاني: ليخضبن اليوم جسمي بالدم، والبيت الثالث: إمام ذي الفضل وذي التكرم ذاك حسين ذو الفخار الأقدم.

(9)

حرف النون

1- والله لو قطعتموا يميني *** أني أحامي أبداً عن ديني

2- وعن إمام صادق اليقين *** سبط النبي الطاهر الأمينِ

3- نبي صدق جاءنا بالدين *** مصدقاً بالواحد الأمينِ

التخريج / مقتل الحسين (أبو مخنف): 61، وشرح الأخبار: 3/ هامش ص191، والمناقب: 3/256، وبحار الأنوار: 45/40، والعوالم: 283، ونفس المهموم: 305، والدمعة الساكبة: 4/323، وينابيع المودة: 3/68، والكبريت الاحمر: 2/313،

ص:53

ومعالي السبطين: 1/440، ولواعج الأشجان: 179، والمجالس السنية: 1/133، وناسخ التواريخ: 2/434، وأبصار العين: 62، ومعالم المدرستين: 3/129، ومقتل الحسين (المقرم): 282، والصمصام الزخار: 2/20، ومستدرك سفينة: الشيخ علي النمازي الشاهرودي (ت1405ه-) تحقيق وتصحيح: الشيخ حسن بن علي النمازي مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة 1419ه-: 6/562، ورياض المصائب: 440، وحياة الإمام الحسين علیه السلام : الشيخ باقر شريف القرشي، مطبعة الآداب، النجف، ط1، 1394ه- - 1974م: 1/18.

الاختلافات / في شرح الأخبار والمناقب وبحار الأنوار والعوالم ولواعج الاشجان ونفس المهموم ومعالي السبطين وينابيع المودة والمجالس السنية والدمعة الساكبة والصمصام الزخار ومعالم المدرستين ومقتل الحسين علیه السلام (1)(المقرم) وحياة الإمام الحسين علیه السلام : ورد البيتان الأول والثاني: والله إن قطعتم يميني، نجل النبي الطاهر الأمين، في أبصار العين: ورد البيت الأول فقط، في فرسان الهيجاء ورياض المصائب والكبريت الأحمر وناسخ التواريخ: والله إن قطعتم يميني، نجل النبي الطاهر الأمين.


1- قمر بني هاشم، حسين الشاكري، مطبعة سترة، ط1، 1420ه-: 96.

ص:54

(10)

قال العباس علیه السلام : (من الرجز)

1- يا نفس من بعد الحسين *** وبعده لا كنت أن تكوني

2- هذا حسين شارب المنون *** وتشربين بارد المعينِ

3- هيهات ما هذا فعال ديني *** ولا فعال صادق اليقينِ

التخريج / مقتل الحسين (أبو مخنف): 61، وشرح الأخبار: 3/ هامش ص191، وبحار الأنوار: 45 / هامش ص41، وينابيع المودة: 3/67، وفرسان الهيجاء: 1/267 وتذكرة الشهداء: 325، والكبريت الأحمر: 2/311، ومعالي السبطين: 1/440، والمجالس السنية:

1/135، وابصار العين: 62، ومعجم المحاسن والمساوئ: أبو طالب التجليل التبريزي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط1، 1417ه-: 226، وشهداء أهل البيت (1)، ومقتل الحسين (المقرم): 28، ورياض المصائب: 440.

الاختلافات / في شرح الأخبار: من بعده...، في البحار وشهداء أهل البيت: لم يرد الشطر الثاني من البيت الأخير، ورواية الشطر: تالله ما هذا فعال ديني، في ينابيع المودة: البيت الأول: فبعده...، والبيت الأخير: والله ما هذا...، في ابصار العين والمجالس السنية: ورد البيتان الأول والثاني، في فرسان الهيجاء وتذكرة


1- قمر بني هاشم، حسين الشاكري، مطبعة سترة، ط1، 1420ه-: 96.

ص:55

الشهداء: فبعده لا كنت...، في الكبريت الاحمر: فبعده لا كنت...، في مقتل الإمام الحسين علیه السلام (المقرم): لم يرد الشطر الثاني من البيت الأخير، ورواية الشطر: تالله ما هذا فعال ديني، وبعده لا كنت...

ص:56

الفصل الثاني: منهج التحقيق / النص المحقق (النثر) - الخطابة والحديث الفني -

منهج التحقيق

أما منهجنا في النثر بنوعيه الخطبة والحديث الفني، فبسبب قلة الخطب التي استطعنا العثور عليها والتي لا تتجاوز الخطبة الواحدة، فقد خرّجناها من مظانها معتمدين سني الوفاة بوصفه المعيار للأسبقية في التخريج. أما الحديث الفني فقد كان لدينا مجموعة لا بأس بها، وعليه كان تقسيمنا لها بحسب اعداد كلماتها كثرة وقلة، فضلاً عن وضع أرقام متسلسلة لها.

1- الخطب

قال العباس علیه السلام في خطبة مشتملة على الحمد والثناء لله والصلاة والسلام على النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، ثم قال في آخرها:

((يا اخوتي وبني عمومتي، إذا كان الصباح فما تقولون ؟ فقالوا: الأمر إليك يرجع، ونحن لا نتعدى لك قولك، فقال العباس علیه السلام : إن هؤلاء - أعني الأصحاب - قوم غرباء: والحمل الثقيل لا يقوم به إلاّ أهله، فإذا كان الصباح فأول من يبرز إلى القتال انتم، نحن نتقدمهم للموت لئلا يقول الناس قدموا أصحابهم فلما قتلوا عالجوا الموت بأسيافهم ساعة بعد ساعة)).

ص:57

التخريج / الكبريت الاحمر: 2/483، ومعالي السبطين: 1/340 - 342.

2- الحديث الفني

1- قصة العباس علیه السلام مع المارد بن صديف التغلبي:

فلما سمع العباس علیه السلام كلامه - المارد - قال له: ((ما أراك إلاّ أتيت بجميل، ولا نطقت إلاّ بتفضيل، غير أني أرى جعلك في مناخ تذروه الرياح، أو في الصخر الأطمس، لا تقبله الأنفس، وكلامك كالسراب يلوح، وإذا قصد صار أرضاً بواراً والذي أصلته أن استسلم إليك، فذاك بعيد الوصول صعب الحصول، وأنا يا عدو الله وعدو رسوله، فمعوّد للقاء الأبطال، والصبر على البلاء في النزال، ومكافحة الفرسان، وبالله المستعان، فمن كملت هذه الأوصاف فيه فلا يخاف ممن برز إليك، ويلك، أليس لي اتصال برسول الله ؟ وأنا غصن متصل بشجرته، وتحفة من نور جوهره، ومن كان من هذه الشجرة فلا يدخل تحت الذمام، ولا يخاف من ضرب الحسام، فانا ابن علي لا أعجز عن مبارزة الأقران، وما أشركت بالله لمحة بصر، ولا خالفت رسول الله فيما أمر، وأنا منه والورقة من الشجرة، وعلى الأصول تثبت الفروع، فاصرف عنك ما أملته، فما أنا ممن يأسى على الحياة، ولا يجزع من الوفاة، فخذ في الجد واصرف عنك الهزل، فكم من صغير خير من شيخ كبير عند الله تعالى، فشرع العباس علیه السلام الرمح للمارد فصاح به: ((يا عدو الله أني أرجو من الله تعالى أن أقتلك برمحك)).

ص:58

وقوله علیه السلام للمارد بعد أن طلب منه الرفق: ((ويلك، أبمثلي يلقى إليه الخدع والمحال ؟ ما أصنع بأسير وقد قرب المسير)).

التخريج / نور العين: 39، اسرار الشهادة: 2/499 - 502، تذكر الشهداء: 322 - 224 باختلاف يسير، والكبريت الأحمر: 2/304 - 306 باختلاف يسير.

2- دعا الإمام علي علیه السلام العباس علیه السلام في عهد الصبا وأجلسه في حجره، وقال له: ((قل واحد فقال: واحد، فقال: قل اثنان، فامتنع، وقال: أنا استحيي أن أقول اثنين بلسان قلت به واحداً)).

التخريج / مستدرك الوسائل: 15/215، ومقتل الحسين (الخوارزمي): 1/179.

3- قال العباس علیه السلام للإمام الحسين علیه السلام وبه رمق: ((بحق جدك رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم دعني في مكاني هذا، فاني مستح من ابنتك سكينة، وقد وعدتها بالماء ولم آتها به، والثاني: أنا كبش كتيبتك، ومجمع عددك، فإن رآني أصحابك وأنا مقتول فلربما يقلّ عزمهم، ويذلّ صبرهم)).

التخريج / أسرار الشهادة: 2/504 نقلاً عن معالي السبطين: 1/442 - 443.

4- عرض الأمان على أولاد أم البنين ورفضهم الشديد لذلك:

قال العباس علیه السلام للشمر: ((لعنك الله ولعن أمانك، اتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له)).

ص:59

التخريج / تاريخ الطبري: 3/416، والكامل: 3/84، وتذكرة خواص الأمة: سبط ابن الجوزي، أبو المظفر يوسف ت654ه-، المطبعة العلمية، النجف 1369ه-: 142، وأعلام الورى باعلام الهدى: الشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي (من اعلام القرن السادس الهجري) تحقيق: مؤسسة آل البيت علیه السلام : 120، ومقتل الحسين (المقرم): 176، والصمصام الزخار: 1/524.

وفي ارشاد المفيد جاء: فخرج إليه جعفر والعباس وعبد الله وعثمان بنو علي علیه السلام فقالوا: ((ما تريد ؟)) فقال: ((انتم يا بني اختي آمنون)) فقالوا له: ((لعنك الله ولعن أمانك اتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له، وتأمرنا أن ندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء)).

التخريج / ترجمة المفيد: 2/91، وينظر: أسرار الشهادة: 138، ومثير الاحزان: محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الدين نما الحلي (ت645ه-) المطبعة الحيدرية، النجف، 1369ه- - 1950م: 28، وتذكرة الشهداء: 304، وفرسان الهيجاء: 258 - 259، ومقتل الحسين (المقرم): 176.

وفي رواية أخرى: فناداه العباس علیه السلام : ((تبت يداك وبئس ما جئتنا به من أمانك يا عدو الله، اتأمرنا أن نترك أخانا وسيدنا الحسين، وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء)).

ص:60

التخريج / نفس المهموم: 202، ومنتخب التواريخ: 258، واللهوف: 37، ومعالي السبطين: 1/428.

وفي رواية أخرى عن أبي مخنف، قال الفتية: ((اقرئ خالنا السلام، وقل له: لا حاجة لنا في أمانكم أمان الله خير من أمان ابن سمية)).

التخريج / تاريخ الطبري: 3/314 - 315، والكامل: 3/284، والكبريت الأحمر: 2/272، وأعيان الشيعة: 7/430، والصمصام الزخار: 1/523.

5- ونقل أن زينب علیه السلام كانت تسمع حكاية الشمر، فخافت أن تميل نفس أخيها العباس علیه السلام فاستقبلته، وانكبت على صدره، وقالت: ((بالله عليك يا أخي لا تترك اخاك الحسين)) قال: فلما سمع منها ذلك تمطى في ركابه فقطع الركاب، وقال: ((أخيّة زينب، أمثلي توصين ؟، وعليّ تخافين، إذا عدمت عقلي، وذهبت نخوتي، والله لأرينكي ما تسرين به))، فقالت: ((أخي ان الماء قد شحّ علينا، فقال لها: ابشري يا زينب، الآن يأتيكم الماء إنشاء الله تعالى)).

التخريج / المجالس الحلبية في جملة من الحوادث التاريخية على العترة العلوية، السيد محسن بن محمد علي الطاهر الموسوي، اعداد وتحقيق: محمود الغرفي، مطبعة ثامن الحجج علیه السلام ، الكويت، ط1، 1428ه-: 116.

6- قال العباس علیه السلام لعمر بن سعد وأصحابه: ((يا قوم أأنتم كفرة أم مسلمون ؟ هل يجوز في مذهبكم، أو في دينكم أن تمنعوا الحسين علیه السلام وعياله شرب الماء

ص:61

والكلاب والخنازير يشربون منه، والحسين علیه السلام مع أطفاله وأهل بيته يموتون عطشاً، أما تذكرون عطش يوم القيامة)).

التخريج / معالي السبطين: 1/439 نقلاً عن منتخب التواريخ.

7- الشمر يقبل على خيم الإمام الحسين علیه السلام :

قال العباس علیه السلام له: ((يا بن الضبابي، أبالموت تخوفني ؟ وأنا الموت المميت، اترك من خلقت لنصرته، وادخل في طاعة اللعناء، لكن يا شمر اقبل نصيحتي: اترك هؤلاء القوم اللئام، وانصر ابن فاطمة الزهراء بنت سيد الأنام تنال شرف الدنيا والآخرة)).

التخريج / المجالس الحلبية: 115.

8- أخذ الإمام الحسين علیه السلام رأس العباس علیه السلام ووضعه في حجره، وجعل يمسح الدم عن عينيه فرآه وهو يبكي، فقال الإمام الحسين علیه السلام : (( ما يبكيك يا أبا الفضل ؟ قال: يا أخي يا نور عيني، وكيف لا أبكي ومثلك الآن جئتني، وأخذت رأسي عن التراب فبعد ساعة من يرفع رأسك عن التراب ؟ ومن يمسح التراب عن وجهك)).

التخريج / معالي السبطين: 1/443.

9- بعد خروج العباس علیه السلام لقتال الأعداء انتسب وقال: ((أنا العباس بن علي بن أبي طالب علیه السلام ثم نادى ((يا بني فلاح، أنا ابن اختكم أم عاصم الكلابية، وأنا

ص:62

عطشان وأهل بيت محمد يذادون من الماء، وهو مباح للكلاب والخنازير، ونحن منه محرومون، وإليه بالحسرة ناظرون)).

التخريج / أسرار الشهادة: 2/505، وتذكرة الشهداء: 318.

10- قال العباس علیه السلام عندما أراد أن يجلب الماء للأطفال: ((إلهي وسيدي أريد أن اعتدّ بعدتي واملأ لهؤلاء الأطفال قربة من الماء)).

التخريج / أسرار الشهادة: 2/498، وتذكرة الشهداء: 317.

11- قال العباس علیه السلام للإمام الحسين علیه السلام : ((يا أخي هل من رخصة ؟)) ثم قال أيضاً علیه السلام : ((قد ضاق صدري، وسئمت من الحياة، وأريد أن اطلب ثاري من هؤلاء المنافقين)).

التخريج / بحار الأنوار: 45/41، ومعالي السبطين: 1/439.

12- زهير بن القين يثير حمية العباس علیه السلام بذكر حديث أبيه علي بن أبي طالب علیه السلام : قال العباس علیه السلام لزهير وهو غاضب: ((أتشجعني يا زهير في مثل هذا اليوم ؟ والله لأرينك شيئاً ما رأيته)).

التخريج / أسرار الشهادة: 2/395 - 396، والكبريت الاحمر: 2/303 - 304، ومعالي السبطين: 1/429.

13- في الوداع والخروج من المدينة:

قال العباس علیه السلام : ((هذا والله يوم الفراق والملتقى يوم القيامة)).

ص:63

التخريج / معالي السبطين: 1/226.

14- قال العباس علیه السلام للإمام الحسين علیه السلام : ((لا والله لا نخليك أبداً ما دام فينا عرق ينبض، ولا نفارقك أبداً)).

التخريج / تذكرة الشهداء: 304.

15- قال العباس علیه السلام مخاطباً الأعداء: ((يا أعداء الله ورسوله لو كان معنا نصفكم لقتلناكم جميعاً)).

التخريج / نور العين: 39، وأسرار الشهادة: 2/499، وتذكرة الشهداء: 325.

16- قال العباس علیه السلام للإمام الحسين علیه السلام : ((معاذ الله، بل نحيا بحياتك، ونموت معك)).

التخريج / مقاتل الطالبيين: 112.

ص:64

الفصل الثالث: الجوانب الفنية للشعر

المبحث الأول: اللغة والاسلوب

مدخل
اشاره

اللغة وسيلة التعبير في الحياة، وأداة الاتصال إذ ينقل الباث عن طريقها افكاره إلى الآخرين، فتؤثر في نفوسهم، ومن ثم تعمل على تحقيق أغراض الباث وأهدافه، وتعد اللغة ((الظاهرة الأولى التي ينبغي الوقوف عندها عندما نتحدث عن الأدب))(1)

فهي ((لب التجربة الأدبية، وهي حقيقتها وعلى أن الابداع يكمن في توظيف اللغة توظيفاً جمالياً يقوم على مهارة الاختيار وإجادة التأليف))(2)

فالعناية في التجربة الأدبية ليست متوجهة نحو المضمون فحسب، وإنما متجهة أيضاً وبإلحاح أكبر نحو الطريق أو الاسلوب اللغوي الذي يؤدى به ذلك المضمون، إذ يراد للألفاظ في الأدب أن تكون قوية التعبير لكي نستطيع الابانة عن تجارب المتكلم وتوصيلها


1- الأدب وفنونه: محمد مندور، دار نهضة مصر، القاهرة 1974: 20.
2- الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية قراءة نقدية لنموذج إنساني معاصر. مقدمة نظرية ودراسة تطبيقية، عبد الله محمد الغذامي، النادي الأدبي الثقافي، المملكة العربية السعودية، 1405ه- - 1985م: 16.

ص:65

وإفهامها للآخرين (1) وطريقة اختيار الألفاظ وإجادة التاليف فيها بما يضفي إلى المواءمة والاتساق يكشف عن أسلوب المنشئ فالاسلوب هو ((التفرد لكن شريطة أن يتضمن هذا التفرد الكثرة أي تنوع العناصر))(2)

وقد انماز أدب العباس علیه السلام بثرائه اللغوي وتعدد أساليبه التركيبية مما يعكس قدرته اللغوية وتمكنه من استعمال أشكال تركيبية تتماشى مع أغراضه وأهدافه ومن ثم تأدية المعاني بدقة وعناية.

والألفاظ هي وسيلة التعبير عن التجربة الأدبية، والركيزة الأساسية التي تبنى من خلالها اللغة، وفي خضم الركام الهائل من الألفاظ يتوخى المنشئ انتقاء ألفاظه لتنسجم مع ما يدور في ذهنه من مداليل، وعلى الرغم من أهمية الألفاظ إلاّ أنها تبقى ذات دلالات محدودة لا تتجاوز دلالتها المعجمية الثابتة، إلاّ أن الباث يسعى الى أن يمدها بطاقات انفعالية من خلال اختيارها، وتنظيمها في تراكيب معينة تمنحها دلالات جديدة متلمساً في صياغتها التلاؤم والاتساق لتستوعب عواطفه المختلفة، وأفكاره المتباينة تبعاً لتباين تجاربه التي يمرّ بها، وهو في كل تجربة ينتخب الألفاظ، ويضمّ بعضها إلى بعض في تركيب متناسق يحقق الرؤى الفنية التي تختلج في ذهنه.

وألفاظ العباس علیه السلام عربية مأنوسة دانية المعاني ليس فيها غموض ولا تنافر.


1- ينظر: قواعد النقد الأدبي: لاسل آبركرومبي، ترجمة: محمد عوض محمد، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، العراق، ط2، 1986م: 35 - 36.
2- الحوارات الكاملة: ادونيس، دار الطليعة، دمشق، سوريا، ط1، 2005م: 71.

ص:66

1- ألفاظ السلاح

كثر في شعر العباس علیه السلام ، ذكر السلاح بأصنافه المتعددة، ولا عجب في ذلك. إذ أن ميدان هذا الشعر وموضوعه، هو ميدان المعركة، وأحداثها المتباينة عنفاً وهدوءاً، والعربي معروف عنه اهتمامه بأسلحته سعياً للمنفعة، وللمحافظة على نفسه، ومقارعة لأعدائه، ولم يكن حديث العباس علیه السلام عن السلاح عابراً، وإنما هو حديث الإجلال والتقديس، ولا عجب في ذلك، إذ أن السلاح ((عنده رمز تنطوي تحته الكثير من المعاني، فرفعه فوق الرأس من أسمى آيات الاحترام، وتحطيمه يعني الضعة والذلة، وتسليمه يعني الخضوع والمسكنة))(1).

ومن الأسلحة (السيف) وهو أقرب الأسلحة إلى نفس العربي، فبه تبرز شجاعته وإقدامه في الحروب، لأنه يقتضي المواجهة مع الخصم، ومبارزته بصورة مباشرة. والعباس علیه السلام يذكر السيف بلفظه أو بأسمائه كالمهند والمشرفيات، وهو بذلك ((بين مستويين متداخلين هما: الاحساس بالأثر المادي للسيف من جهة، والثاني: ما يوفره هذا الاحساس من نشوة نفسية داخلية من جهة أخرى))(2)

يقول العباس علیه السلام :


1- الفروسية في الشعر الجاهلي: د. نوري حمودي القيسي، عالم الكتب، ومكتبة النهضة العربية، ط1، 1404ه- - 1984م: 168.
2- لغة شعر ديوان الحماسة لأبي تمام (باب الحماسة): عبد القادر باعيسى، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة الكوفة: 1996م: 44.

ص:67

نحن الفواضل نسل الهاشميات *** لسفك دماكم بحد المشرفيات(1)

فالعباس علیه السلام يذكر هنا السيوف المشرفية، وهي التي تنسب إلى المشارف قرى من أرض اليمن تنسب السيوف إليها، فيقال السيوف المشرفية(2)

واستعمالها هنا يوحي بأصالة السيوف مما يلائم أنها فوق الأعداء، فضلاً عن الإشارة إلى الشرف الذي ينسبه العباس علیه السلام إلى هذه السيوف(3) وهي أيضاً تحمل دلالة الحدة والمضاء في حديثه علیه السلام لاسيما إذا كانت صادرة من أناس امتلكوا مبادئ حقّه عمادها الإيمان العميق بالله سبحانه وتعالى، وهؤلاء الصفوة هم آل البيت علیه السلام .

وهؤلاء - آل البيت - لا يركضون وراء الموت، وإنما هو يركض وراءهم لينال مكرمة وحظوة عند الله سبحانه وتعالى، فهم بيت ديدنهم القتل، وسمتهم الشهادة، وعليه فجزاؤهم طيب المقام والسكنى في جنة الخلد، يقول العباس علیه السلام :

الموت تحت ضباب السيف مكرمة *** إذا كان من بعده سكنى بجنات(4)


1- مقطوعة: 1 بيت: 1
2- ينظر: لسان العرب: مادة (شرف): 9/173.
3- ينظر: سيفيات المتنبي: 85.
4- مقطوعة: 1 بيت: 5.

ص:68

أو يذكر (المهند) وهو السيف المنسوب إلى الهند(1)

ويقرنه بصفة من صفات السيف وهي (الصارم) التي توحي بدلالة القطع والحدة مما تعطي إحساساً بالقوة والشدة والقطع في نفوس المقاتلين(2) يقول العباس علیه السلام :

أضربكم بالصارم المهند *** حتى تحيدوا عن قتال سيدي(3)

ومن ألفاظ السلاح (السهم) الذي يشكل أهمية كبيرة عند العربي، والمحافظة عليه يمثل جزءاً لا يتجزأ من كيانه، ويرد ذكره عند العباس علیه السلام وهو يحمل في طياته ايحاءات حزينة تبعث إلى الانكسار والوهن، وتتضح هذه الدلالة أكثر من خلال الفعل (تفرق) وما يوحيه من دلالة الانقطاع والانفصال الدنيوي والروحي، وقد ورد بصيغة المضارع ليوحي بتجدده في الحال والمستقبل القريب المرتبط بحوادث الطف، يقول العباس علیه السلام :

فلئن رماني الدهر منه بأسهم *** وتفرق من بعد شمل جامع(4)


1- ينظر لسان العرب: مادة (هند): 3/438 وحلية الفرسان وشعار الشجعان: علي بن عبد الرحمن بن هذيل الأندلسي (القرن الثامن الهجري) تحقيق: محمد عبد الغني حسن، دار المعارف، مصر 1951: 191.
2- ينظر: دلالة السلاح في أدب الحرب (بحث) - محاولة في دراسة شعر الفرزدق - د. نوري حمودي القيسي مجلة كلية الآداب، جامعة بغداد، العدد (37) السنة (1410ه- - 1990م): 15.
3- مقطوعة: 2 بيت: 2.
4- مقطوعة: 5 بيت: 3.

ص:69

2- ألفاظ الحيوان

تربط الإنسان العربي بالحيوان علاقات قوية، وقد اتخذت هذه العلاقات صوراً متعددة أسهم في ظهورها الاختلاف النوعي بين الكائنين ((الأمر الذي رسم هذه العلاقة بمتجهات متعددة: الحاجة أو التقابل أو السيطرة أو الحذر والافتراق))(1)

ومن الحيوانات (الاسد) وهو من السباع المعروفة، ورمز القوة والشجاعة، وقد ظلت هذه الدلالة - القوة والشجاعة - المسيطرة على لفظة الأسد عند العباس علیه السلام ، وقد وردت اللفظة - الأسد - بأسمائها، ولا تختلف دلالتها التي هي القوة والشجاعة، فالعباس علیه السلام يذكر لفظة (حيدره) وهي من أسماء الأسد:

أنا الذي أعرف عند الزمجره *** بابن علي المسمى حيدره(2)

وقد يرد عنده علیه السلام لفظ (البقرة) ليشير إلى سورة معروفة من القرآن الكريم، وذلك في قوله علیه السلام :

فاثبتوا اليوم لنا يا كفره *** لعترة الحمد وسورة البقرة(3)

3- ألفاظ المكان والزمان

يعد المكان ((المجال الحيوي لحركة ذلك الإنسان، وهو الجزء المكمل للحدث الإنساني، إذ أن قيمة المكان ليست في ذاته، بل قيمته مستمدة من وجود الإنسان


1- الحيوان في شعر المعري: نجاح فاهم صابر العبيدي، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة الكوفة 1998م: 6.
2- مقطوعة: 4 بيت: 1.
3- مقطوعة: 4 بيت: 2.

ص:70

فيه))(1)

فالمكان من المحاور المؤثرة على الإنسان فعلاقته به علاقة وثيقة، وعليه فإن إدراكه للمكان ((مباشر وحسي))(2).

ومن ألفاظ المكان التي وردت عند العباس علیه السلام (الغاضرية)(3)

وعلاقته بها وثيقة، إذ تشكل - الغاضرية - بؤرة الحدث والانفعال، فهي مهوى مصرعه، ومحط حلوله ومنيته الذي يبرّز موقفه الايماني الرسالي بما يبثه من رسالة غيبية عن هذا المكان، يقول العباس علیه السلام :

يا حبذا عصبة جادت بأنفسها *** حتى تحلّ بأرض الغاضريات(4)

وقد يشير المكان إلى محل الجزاء والثواب الأخروي بما تبعثه دلالة (الجنان) من التكريم الإلهي للإنسان، وإجارته عن الأعمال التي قدمها في دنياه، قال العباس علیه السلام :

الموت تحت ضباب السيف مكرمة *** إذا كان من بعده سكنى بجنات(5)


1- الإمام علي علیه السلام في الفكر المسيحي المعاصر، راجي أنور هينا، دار العلوم، لبنان، ط1، 1426ه- - 2005م: 170.
2- غسان كنفاني - جماليات السرد في الخطاب الروائي - صبيحة عودة زعرب، دار مجدلاوي، عمان، الأردن، ط1، 1426ه- - 2006م: 95.
3- الغاضرية: منسوبة إلى غاضره من بني أسد: وهي قرية من نواحي الكوفة قريبة من كربلاء. ينظر: معجم البلدان: ياقوت الحموي، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله (ت626ه-) تحقيق: فريد عبد.
4- مقطوعة: 1 بيت: 3.
5- مقطوعة: 1 بيت: 4.

ص:71

أما محل الامتحان والبلاء فهو (الدنيا) ومحاولاتها المتكررة لإغراء الإنسان، واغراقه في لذاتها، لذلك فالأسف عليها مدعاة للظنة، والتمسك بحبل الله المتين، وحبل رسوله صلی الله علیه و آله و سلم منجاة منها، ومغفرة من الزلات التي اقترفها العبد تحت رعايتها، والإمام الحسين علیه السلام هو الجسر الممتد من النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، وريحانته التي تفوح عطراً زكياً، وعليه فمن استشهد بحضرة الإمام الحسين علیه السلام غفرت ذنوبه ما تقدم منها، وما تأخر، قال العباس علیه السلام :

لا تأسفنّ على الدنيا ولذاتها *** فعند جدي تغفر كل زلاّت(1)

وقد يقسم العباس علیه السلام بأماكن لها دلالة قدسية ليوحي بأهميتها الكبرى، ومن ثم لتشكل معادلاً موضوعياً يوازي ما أقسم دونه، والوقوف دون الإمام الحسين علیه السلام هو المعادل المفترض لهذه الأقسام الغليظة التي يتصدرها القسم بالله سبحانه وتعالى، قال العباس علیه السلام :

أقسمت بالله الأعز الأعظم *** وبالحجون صادقاً وزمزم

وبالحطيم والفنا المحرم*** ليخضبن اليوم جسمي بدمي

دون الحسين ذي الفخار الأقدم *** أمام أهل الفضل والتكرم(2)


1- مقطوعة: 1 بيت: 5.
2- مقطوعة: 8.

ص:72

أما ألفاظ الزمان، فقد ارتبط الإنسان بالزمن حين ارتقى سلم الحضارة، وأصبحت للأحداث أهمية في حياته، وذلك بعض من فطرته ((فالإنسان مفطور على حاستي الذاكرة والتوقع إذ أنه ينظم حياته داخل شبكة نسيجها الماضي والحاضر والمستقبل))(1).

وفكرة (الزمانية) التي تتجلى بالتمييز بين مفهومين للزمن هما: الزمن الفيزيائي للعالم وهو مستمر وقابل للتقسيم والتقطيع، وزمن الأحداث الذي يقابل الزمان الفيزيائي، وله مطابقه النفسي عند الإنسان، فهو يعرف بالأحداث التي تجري فيه، وهي ليست الزمن، إنما تتحقق فيه(2).

ارتبط الزمن باللغة كارتباطه بإدراك الإنسان، فهو لا يتحقق إلاّ بوساطة اللغة التي هي ((أداة زمانية، لأنها لا تعدو أن تكون مجموعة من الأصوات المقطعة إلى مقاطع تمثل تتابعاً زمنياً لحركات وسكنات في نظام اصطلح الناس على أن يجعلوا له دلالات بذاتها))(3)، وقد كان لعلوم اللغة جهدها الخاص في بحث مشكلة الزمن، وهي ((تقرّ بأهمية تحليل الزمن وصعوبته وحين يتعلق الأمر بمجابهة تحليل الخطاب


1- فكرة الزمان عبر التاريخ: كولن ويلسن، ترجمة: فؤاد كامل، مراجعة شوقي جلال، عالم المعرفة، الكويت 1992م: 5.
2- ينظر: تحليل الخطاب الروائي: سعيد يقطين، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط3، 1976م: 59 - 86.
3- التفسير النفسي للأدب: د. عز الدين إسماعيل، دار العودة، بيروت، (د.ت): 55.

ص:73

لمقولة الزمن فإن الأمر يزداد إشكالاً وتعقيداً))(1)

ولعل بعض ذلك يرجع إلى طبيعة الزمن نفسه بوصفه عنصراً معقداً، وإلى ارتباطاته المتشعبة بالعناصر الأخرى، فهو يكون ثنائية مهمة مع المكان لها الأثر الكبير في تحديد المعاني ((فكل نص ليس مبنياً ضمن سياق تاريخي واجتماعي حسب، بل ضمن مفاهيم زمانية / مكانية... قد تكيف اللغة التي يتحدث عنها الإنسان))(2)

وهو ما يستدعي فحصاً دقيقاً للمفاهيم الزمانية والمكانية عبر التحليل اللغوي بغية الوصول إلى الدلالة التي أرادها المبدع.

ومن ألفاظ الزمان التي وردت عند العباس علیه السلام لفظة (الزمان) التي تشير إلى زمان مطلق ويحمّلها علیه السلام دلالة مجازية توحي بالعنف وعدم المهادنة، وعليه فالتحلي بالصبر ضرورة لابد منها لتحمل وقعه ونتائجه، قال العباس علیه السلام :

صبراً على جور الزمان القاطع *** ومنية ما أن لها من دافع(3)

وهذه المقاربة الدلالية لا تبتعد كثيراً في دلالة لفظة (الدهر) في قوله علیه السلام :

فلئن رماني الدهر منه بأسهم *** وتفرق من بعد شمل جامع(4)

ويورد العباس علیه السلام لفظة (اليوم) لتشير دلالتها إلى واقع ملحّ - واقعة الطف - والموقف منه يتطلب إجابة صريحة قاطعة، قال العباس علیه السلام :

وبالحطيم والفنا المحرم *** ليخضبن اليوم جسمي بدمي(5)


1- تحليل الخطاب الروائي: 69.
2- مجلة الأقلام: العدد (6) السنة (1999م): 37.
3- مقطوعة: 5 بيت: 1.
4- مقطوعة: 5 بيت: 3.
5- مقطوعة: 8 بيت: 2.

ص:74

ونجد هذه المقاربة الدلالية قريبة المنال أيضاً في قوله علیه السلام :

فاثبتوا اليوم لنا يا كفره *** لعترة الحمد وسورة البقرة(1)

4- الإعلام

ونجد حضورها واضحاً في شعر العباس علیه السلام ، وأغلب هذه الاسماء تشير إلى النبي صلی الله علیه و آله و سلم والإمام علي علیه السلام والإمام الحسين علیه السلام والعباس علیه السلام ودلالتها ألصق بمعاني الرفعة والسمو والإباء والشجاعة، فهم معدن الرسالة ومهبط الوحي، فمن دلالتها على الشجاعة والإباء كما في لفظة (العباس) الذي يوحي ذكره دلالة المنعة والتضحية، قال العباس علیه السلام :

بل أضرب الهام وأفري المفرقا *** أني أنا العباس صعب باللقا(2)

وهذه الدلالة - الشجاعة - هي نتاج وراثة اكتسبها عن أبيه الإمام علي علیه السلام قال العباس علیه السلام :

أنا الذي أعرف عند الزمجره *** بابن علي المسمى حيدره(3)

وهذه الشجاعة يخصّها للذود عن أخيه الإمام الحسين علیه السلام ، قال العباس علیه السلام :

دون الحسين ذي الفخار الأقدم *** أمام أهل الفضل والتكرم(4)


1- مقطوعة: 4 بيت: 2.
2- مقطوعة: 7 بيت: 3.
3- مقطوعة: 4 بيت: 1.
4- مقطوعة: 8 بيت: 3.

ص:75

والإمام الحسين علیه السلام هو سبط النبي الأكرم أحمد صلی الله علیه و آله و سلم ، قال العباس علیه السلام :

أقاتل القوم بقلب مهند *** أذبّ عن سبط النبي أحمد(1)

وقد يرتبط لفظ الإمام الحسين علیه السلام بأفق دلالي جديد يوحي ببذل النفس، ورخصها دونه، ومن ثم حق عليها الموت - النفس - على أن تستلذ بشرب عذب الفرات، والإمام الحسين علیه السلام عطشان بانتظار شرب كأس المنية، قال العباس علیه السلام :

يا نفس من بعد الحسين هوني *** وبعده لا كنت أن تكوني

هذا حسين شارب المنون *** وتشربين بارد المعين(2)

ولا تقتصر هذه الوراثة على الأب فقط، كما في بيت سابق - وإنما على الأم، فيذكر العباس علیه السلام لفظ (الهاشميات) لتحمل دلالة الرقي والرفعة والشجاعة، قال العباس علیه السلام :

نحن الفواضل نسل الهاشميات *** لسفك دماكم بحد المشرفيات(3)

5- الضمائر

استعمل العباس علیه السلام الضمائر بأنواعها المختلفة المنفصلة منها والمتصلة، فضلاً عن ضمائر الغيبة، وتحركها في النصوص الشعرية يكشف عن العلاقة الجدلية بين:


1- مقطوعة: 2 بيت: 1.
2- مقطوعة: 10 بيت: 1، 2.
3- مقطوعة: 1 بيت: 1.

ص:76

الأنا الفردية (الذات) والأنا (الآخر) سواء أكان مفرداً أم جمعاً، فمن خطابه للأنا الجمعية:

أقاتل القوم بقلب مهند *** أذبّ عن سبط النبي أحمد

أضربكم بالصارم المهند *** حتى تحيدوا عن قتال سيدي

أني أنا العباس ذو التودد *** نجل عليّ المرتضى المؤيد(1)

فنلحظ هنا تحرك الأنا الفردية في (الضمير المستتر في الفعل (أقاتل) وياء المتكلم في (سيدي أني) والضمير المنفصل (أنا) وصراعها مع الأنا الجمعية (ضمير الجماعة في أضربكم) ويبدو واضحاً كثرة الضمائر الفردية وتنوعها مقارنة مع ضمائر الجمع مما يوحي بتفوق الأنا الفردية لما تمتلكه من مقومات روحية إيمانية وجسدية عقلية أهلتها لهذا التفوق.

ونلحظ أيضاً تحرك الأنا الفردية (الذات) مع الأنا الفردية (الآخر) ويكشف التفاعل بينهما عن علاقة حميمية منبعها آصرة الأخوة الروحية، وليست الأخوة النسبية، فالعباس علیه السلام لم يرتبط بالإمام الحسين علیه السلام بأخوة نسبية فقط، وإنما أخوة روحية نرى أبعادها في أقوال العباس علیه السلام وأفعاله مع الإمام الحسين علیه السلام سواء قبل الطف أو بعدها، فلم يؤثر عنه علیه السلام أنه قال للإمام الحسين (يا أخي) سوى مرات قليلة جداً، وإنما كان يقول له: يا سيدي، يا مولاي..، قال العباس علیه السلام :

يا نفس هوني فالحسين معطش *** وبنوه والحرم المطهر أجمع

والله لم أشرب من الماء قطرة *** وأخي الحسين بالعراء مضيع(2)

ونظيره قوله علیه السلام :


1- مقطوعة: 2.
2- مقطوعة: 6.

ص:77

يا نفس من بعد الحسين هوني *** وبعده لا كنت أن تكوني

هذا حسين شارب المنون *** وتشربين بارد المعينِ

هيهات ما هذا فعال ديني *** ولا فعال صادق اليقينِ(1)

الأساليب
1- التقديم والتأخير

تخضع الجملة في العربية إلى نظام خاص مألوف، ومن ثم فإن أي تغيير في هذا النظام يعد انزياحاً عن القاعدة المألوفة بتقديم كلمة وتأخير أخرى(2)

لأن العرب كانوا ((يقدمون الذي بيانه أهم لهم وهم ببيانه أعنى))(3)

وقد عبّر عنه عبد القاهر


1- مقطوعة: 10.
2- ينظر: الدراسة الأدبية النظرية والتطبيق - نصوص قرآنية -، عبد السلام أحمد الراغب، دار الرفاعي، دار القلم العربي، حلب، سوريا، ط1، 1425ه- - 2005م: 48.
3- الكتاب: سيبويه، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، منشورات مكتبة الخانجي، القاهرة، ط3، 1408ه- - 1988م: 1/34.

ص:78

الجرجاني بأنه ((باب كثير الفوائد، جم المحاسن، واسع التعرف، بعيد الغاية))(1)

إذ يعطي للأديب حق التصرف في العبارة بالنقل بين مكوناتها(2)

فتأتي اللغة لمستخدمها ((طيّعة مرنة بين يديه بتقديم لفظ من حقّه التأخير أو العكس، فيخرج عن النظام المعتاد لتأدية المعنى المراد، وبذلك تدفع السأم، وجمود الشكل بقدرته الفنية في التصرف))(3)

فتقديم كلمة وتأخير أخرى في سياق الكلام ((يكون خاضعاً للمعنى والأهمية والاهتمام))(4).

ومن أمثلة التقديم والتأخير، قوله علیه السلام :

لا أرهب الموت إذا الموت رقا *** حتى أوارى ميتاً عند اللقا(5)

الذي قدّم فيه الفاعل (الموت) على الفعل (رقا) وفيه دلالة على العناية والاهتمام بالمتقدم (الموت) فالعباس علیه السلام شجاع لا يخاف الموت ولا يرهبه، لاسيما إذ قرب منه ودنا.


1- دلائل الإعجاز في علم المعاني: عبد القاهر الجرجاني (ت471ه-) تحقيق: محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت 1978م: 83.
2- ينظر: بلاغة التقديم والتأخير في القرآن الكريم: علي أبو القاسم عون، دار المدار الإسلامي، بيروت، لبنان، ط1، 2006م: 1/47.
3- شعر السجون في الشعر العربي - دراسة موضوعية وفنية: أمل عبد الجبار الشرع، أطروحة دكتوراه، كلية الآداب، الجامعة المستنصرية 1427ه- - 2006م: 90.
4- الكتاب: 1/34.
5- مقطوعة: 7 بيت: 1.

ص:79

ومنه قوله علیه السلام :

فلئن رماني الدهر منه بأسهم *** وتفرق من بعد شمل جامع(1)

الذي قدّم فيه المفعول به (ياء المتكلم في الفعل - رماني -) على الفاعل (الدهر) لابراز العناية والاهتمام، وللفت الانتباه، فالفعل (رمى) يرتكز أثره النفسي والمعنوي أولاً على المتكلم - العباس علیه السلام - ومن ثم معرفة من قام بفعل الرمي الذي هو (الدهر).

2- النداء

أسلوب مباشر يعني ((طلب بحرف ناب مناب أدعو))(2)

إذ يتضمن ((رفع الصوت ومده بأدوات معينة لتنبيه المنادى، وحمله على الاصغاء إلى خبر أو طلب))(3)

فهو ((خطاب بلا شبهة، وهو كثير الدوران في كلام العرب))(4)

ويذكر سيبويه في هذا الصدد أن النداء ((أول كل كلام لك بأن تعطف المكلّم عليك))(5)


1- مقطوعة: 5 بيت: 3.
2- مختصر المعاني: سعد الدين التفتازاني (ت792ه-) منشورات دار الفكر، قم، ط1، 1411ه-: 142.
3- نحو منهج جديد في البلاغة والنقد - دراسة وتطبيق - سناء حميد البياتي، منشورات جامعة قاريونس، بنغازي، ط1، 1998م: 67.
4- أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين، قيس إسماعيل الأوسي، منشورات بيت الحكمة، بغداد، 1988م: 218.
5- الكتاب: 2/208.

ص:80

وعلى الرغم من كثرته في الكلام العربي، إلاّ أنه لم يقصد لذاته، وإنما هو يستخدم لعطف المخاطب قاصداً بذلك أمره أو نهيه(1).

والنداء من الأساليب الانشائية التي وظفت في شعر العباس علیه السلام ، لأنه ينبه المخاطب على الاصغاء إلى ما يأتي بعده من كلام، فالعباس علیه السلام حينما ينادي أحداً فإنما يريد من ذلك إقباله عليه، وحينما يقبل عليه يستحوذ على سمعه، ومن ثم يلقي عليه ما يريده من خبر أو أمر أو نهي أو استفهام.

إذن المقصد من النداء لفت نظر المنادى وتنبيهه على الأمر الذي يلي النداء، بمعنى أن النداء فتح لمجالات خطاب، أي أنه سعي قبلي أو محاولة لتهيئة المتلقي إلى ما سوف يلقيه المنشئ عليه(2).

وقد استعمل العباس علیه السلام أداة النداء (يا) فقط، لأنها تستعمل في نداء القريب والمتوسط والبعيد، كما أن تعانقها في سياق النداء يحمل الأبيات ثراءً دلالياً بخروج النداء إلى معان مجازية كثيرة، كالزجر والتوبيخ في قوله: ((يا آل اللئام وابناء الرعيات)) والتمني في قوله: ((يا جدنا لو ترى هذه الرزيات)) وذلك في قوله علیه السلام :

يا آل اللئام وأبناء الرعيات *** يا جدنا لو ترى هذه الرزيات(3)


1- ينظر أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: 218.
2- الخطاب في نهج البلاغة - دراسة موضوعية فنية - إيمان عبد الحسن علي، رسالة ماجستير، كلية التربية، جامعة بابل 1429ه- - 2008م: 107.
3- مقطوعة: 1 بيت: 2.

ص:81

أو معنى التحفيز والاستنهاض في قوله علیه السلام :

يا نفس لا تخشي من الكفار *** وأبشري برحمة الجبار(1)

أما نداء الباري عزّ وجل، فإنه يصدر من الأدنى إلى الأعلى، وعلى سبيل الدعاء والتضرع كما في قوله علیه السلام :

قد قطعوا ببغيهم يساري *** فاصلهم يا رب حرّ النارِ(2)

ويخرج النداء إلى معنى التوهين والرخص، في قوله علیه السلام :

يا نفس من بعد الحسين هوني *** وبعده لا كنت أن تكوني(3)

3- الأمر

يعرف الأمر بأنه ((قول ينبئ عن استدعاء الفعل من جهة الغير على جهة الاستعلاء))(4)

فهو صيغة إنشائية يطلب فيها المتكلم من المخاطب القيام بالفعل على


1- مقطوعة: 3 بيت: 1.
2- مقطوة: 3 بيت: 3.
3- مقطوعة: 10 بيت: 1.
4- الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز: يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم العلوي (ت749ه-) تحقيق: محمد عبد السلام شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1، 1415ه- - 1995م: 3/530.

ص:82

وجه الاستعلاء والالزام(1)

فالجملة الطلبية الأمرية هي ((أحدى الجمل الحافزة على ايقاع حدث ما))(2).

وقد ورد الأمر في شعر العباس علیه السلام بصيغة فعل الأمر في قوله علیه السلام :

يا نفس لا تخشي من الكفار *** وأبشري برحمة الجبار(3)

الذي جاء فيه أسلوب الأمر بصيغة فعل الأمر (ابشري) وقد خرج إلى غرض مجازي هو بيان العاقبة، وواضح أن أسلوب الأمر هنا حينما يكون مسبوقاً باسلوب النهي، فإن ذلك يفضي إلى (تبئير) المعنى في ذهن المتلقي لما يحدثه من تكثيف نصي يحفز المتلقي للولوج إلى ((فضاء معرفي يرفض كل محاولات التدجين وعمليات التسطيح))(4)

بتعبير آخر إضاءة الحقائق، ودفع التشويش، والحيلولة دون محاولة التدليس(5)

وقد خرج الأمر إلى غرض مجازي هو الدعاء، ليس الدعاء له، وإنما الدعاء عليه، ويتضح ذلك من خلال الفعل (فاصلهم) في قوله علیه السلام :

قد قطعوا ببغيهم يساري *** فاصلهم يا رب حرّ النار(6)


1- ينظر: بلاغة التراكيب: توفيق الفيل، مكتبة الآداب، القاهرة (د.ت): 209، ونحو منهج جديد في البلاغة والنقد: 65.
2- الخلاصة النحوية: د. تمام حسان، عالم الكتب، القاهرة، ط2، 1425ه- - 2005م: 138.
3- مقطوعة: 3 بيت: 1.
4- نظرية النص من بنية المعنى إلى سيميائية الدال: د. حسين خمري، الدار العربية للعلوم، الجزائر العاصمة، الجزائر، ط1، 2007م: 10.
5- أدب الإمام الحسين علیه السلام قضاياه الفنية والمعنوية، موسى خابط عبود، رسالة ماجستير، كلية التربية، جامعة بابل، 1429ه- - 2008م: 171.
6- مقطوعة: 3 بيت: 3.

ص:83

4- النهي

ويعني طلب الكف عن الفعل أو الامتناع عنه على وجه الاستعلاء والالزام(1)

فهو يتفق مع الأمر من جهة الاستعلاء والالزام وارتباطه بالمخاطب، ويختلف عنه بالصيغة فالنهي له صيغة واحدة، وهي الفعل المضارع المسبوق ب- (لا الناهية) بينما تتعدد صيغ الأمر.

وقد ورد النهي عند العباس علیه السلام ، وهو يحمل دلالة مجازية توحي بمعاني التحسر والألم، وذلك في قوله علیه السلام :

لا تأسفنّ على الدنيا ولذاتها *** فعند جدي تغفر كل زلاّت(2)

ودلالة النهي بمعناه الحقيقي في قوله علیه السلام :

لا تجزعنّ فكل شيء هالك *** حاشا لمثلي أن يكون بجازع(3)

5- الشرط

يمتلك الشرط قدرة طيبة في إثارة ذهن المتلقي، وجعله في حال من التوتر النفسي، مترقباً، متلهفاً، لمعرفة الصورة الشعرية المرسومة في ذهن المبدع حتى إذا جاء الجواب قدر لهذه الصورة أن تكتمل، فحققت بذلك التوازن النفسي المطلوب للمتلقي.


1- ينظر: الطراز: 3/284.
2- مقطوعة: 1 بيت: 5.
3- مقطوعة: 5 بيت: 2.

ص:84

ويستعمل العباس علیه السلام أيضاً أداة الشرط (لو) التي يبدو فعل الشرط وجوابه متحقق في الواقع قولاً وفعلاً(1)

يقول العباس علیه السلام :

والله لو قطعتموا يميني *** اني أحامي أبداً عن ديني(2)

ف- (لو) هنا تشير إلى التلازم الصوري والفكري المتحقق في ضوء الحقائق التاريخية. ومن أدوات الشرط (إذ) وأحسبها تعليق صورة الجواب - إن صحّ لنا أن نفصل صورة الشرط الكاملة - على صورة فعل الشرط، وذلك لأن الشرط ممكن الوقوع(3) يقول العباس علیه السلام :

لا أرهب الموت إذا الموت رقا *** حتى أوارى ميتاً عند اللقا(4)

وقوله علیه السلام :

الموت تحت ضباب السيف مكرمة *** إذا كان من بعده سكنى بجنات(5)

6- النفي

1- ينظر: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ابن هشام الانصاري، أبو محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد ت761ه-، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان (د.ت): 1/256.
2- مقطوعة: 9 بيت: 1.
3- ينظر: جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، أحمد الهاشمي، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، ط12، 1379ه- - 1960م: 163.
4- مقطوعة: 7 بيت: 1.
5- مقطوعة: 1 بيت: 4.

ص:85

أسلوب لغوي تحدده مناسبات القول، وهو في ابسط تعريف له: ((أسلوب نقض وإنكار، يستخدم لدفع ما يتردد في ذهن المخاطب، فينبغي ارسال المنفي مطابقاً لما يلاحظه المتكلم من أحاسيس ساورت ذهن المخاطب خطأ مما اقتضاه أن يسعى لإزالة ذلك باسلوب النفي))(1).

ومن أدوات النفي (لا)، يقول العباس علیه السلام :

لا أرهب الموت إذا الموت رقا *** حتى أوارى ميتاً عند اللقا(2)

فالنفي بها هنا، لا يقتصر على الزمن الحاضر، وإنما يوحي باستمراريته في الماضي والحاضر والمستقبل، فعدم الرهبة من الموت متحققة عند العباس علیه السلام لاسيما في الحرب، فهو شجاع امتلك زمام الأمور، لا، بل أقول: أن الموت يرتهب منه حتى مات، وغدا هو نجم ساطع من الأنجم في سماء الله.

وفي موضع آخر يوحي النفي ب- (لا) عن سعي حثيث، وتحفيز قوي للنفس، وترويضها روحياً حتى تبلغ مراميها في السمو والرفعة لتصل إلى أعلى درجات الكمال، والفوز برضا الجبار ورحمته، يقول العباس علیه السلام :

يا نفس لا تخشي من الكفار *** وابشري برحمة الجبار(3)

ومن أدوات النفي (لم) التي تفيد توكيد النفي، كما في قوله علیه السلام :


1- في النحو العربي - نقد وتوجيه - د. مهدي المخزومي، المطبعة العصرية للطباعة والنشر، بيروت، ط1، 1964م: 246.
2- مقطوعة: 7 بيت: 1.
3- مقطوعة: 3 بيت: 1.

ص:86

والله لم أشرب من الماء قطرة *** وأخي الحسين في العراء مضيع(1)

الذي أفادت فيه (لم) توكيد النفي، فدلالة - عدم الشرب - مؤكدة في الحال (المضارع) والماضي (الماضي) من خلال دلالة (لم) على قلب معنى الفعل المضارع إلى الماضي، والماضي حاصل ومقطوع به.

7- التوكيد

أسلوب يلجأ إليه المنشئ لتثبيت الشيء - أي شيء - في نفس المتلقي، وتقوية أمره، كبطولاته وأفعاله التي تتمثل فيها القوة والشجاعة، وحكمه وأفكاره وسبيله في تثبيت كل ذلك استخدام مجموعة من المؤكدات التي تزيد من ايضاح المضمون، فضلاً عن ازدياد نبرة الخطاب.

ومن طرائق التوكيد، التوكيد ب- (إن) مع اسمها وخبرها، والتي تفيد تأكيد مضمون الجملة وتحقيقه(2)

يقول العباس علیه السلام :

نفسي لنفس الطاهر الطهر وقا *** اني صبور شاكر للملتقى(3)

وتزداد قوة التأكيد بأن يأتي بضمير الفصل مع (إن) واسمها وخبرها ليواكب قوة الخبر، كما في قوله علیه السلام :

بل أضرب الهام وأفري المفرقا *** إني أنا العباس صعب باللقا(4)


1- مقطوعة: 6 بيت: 2.
2- ينظر: شرح المفصل: ابن يعيش (موفق الدين بن علي بن يعيش ت643ه-) المطبعة المنيرية، مصر (د.ت): 8/59.
3- مقطوعة: 7 بيت: 2.
4- مقطوعة: 7 بيت: 3.

ص:87

ومنها التوكيد ب- (النون الثقيلة) واستعمالها في الأخبار التي توحي بالقوة والعظمة، والرد على أي منكر لها بقوة، يقول العباس علیه السلام :

وبالحطيم والفنا المحرم *** ليخضبن اليوم جسمي بدمي(1)

ومنها التوكيد ب- (لم) التي تفيد توكيد النفي، يقول العباس علیه السلام :

والله لم أشرب من الماء قطرة *** وأخي الحسين في العراق مضيع(2)

ومنها التوكيد ب- (قد) التي تفيد توكيد الخبر، وتحقيقه مع الفعل الماضي، يقول العباس علیه السلام :

قد قطعوا ببغيهم يساري *** فأصلهم يا رب حرّ النار(3)

وهناك بعض الألفاظ تشعر بالقسم، كما في لفظة (حاشا) في قوله علیه السلام :

لا تجزعن فكل شيء هالك *** حاشا لمثلي أن يكون بجازع(4)


1- مقطوعة: 8 بيت: 2.
2- مقطوعة: 6 بيت: 2.
3- مقطوعة: 3 بيت: 3.
4- مقطوعة: 5 بيت: 2.

ص:88

ومنها التوكيد بالقسم، وقد ورد في مواضع عدة: منها قوله علیه السلام :

أقسمت بالله الأعز الأعظم *** وبالحجون صادقاً وزمزم(1)

المبحث الثاني: الايقاع

الايقاع الخارجي
1- الوزن

1- مقطوعة: 8 بيت: 1.

ص:89

يشكل الإيقاع لازمة مهمة من لوازن الشعر، فهو القدحة الأولى المعلنة عن بدء فاعلية الأداء الشعري(1) والوزن في ابسط صوره عملية انتظام في تناسب أصوات الكلمات، وتوافق أحرفها توافقاً زمانياً(2)

في ((داخل السياق على مسافات متقايسة بالتساوي لأحداث الانسجام))(3)

و ((على مسافات غير متقايسة لتجنب الرتابة))(4) ومن دون أن يكون ذلك بمعزل عن السياق العام للنص الشعري، وقد حاول الشعراء قدر جهدهم أن تكون هذه الصياغة المنتظمة - البيت الشعري - ((ذات توقيع موسيقي، ووحدة في النظم تشد من أزر المعنى، وتعمل على أن ينفذ في قلوب السامعين))(5)

فالكلمات التي تنتظم فيها - من حيث هي أصوات - لها ((أثر موسيقي خاص يوحي إلى السمع بتأثيرات مستقلة تمام الاستقلال عن تأثيرات المعنى))(6)

ولا يعني هذا فصل الصوت عن المعنى، وإنما الأمر يعني أن موسيقى


1- ينظر: لغة شعر ديوان الحماسة: 132.
2- ينظر: مفهوم الشعر. دراسة في التراث النقدي، د. جابر أحمد عصفور، المركز العربي للثقافة والعلوم، 1982م: 367.
3- في مفهوم الايقاع: محمد هادي الطربلسي، حوليات الجامعة التونسية، كلية الآداب، العدد (32) السنة 1991م: 83.
4- م.ن: 21.
5- عضوية الموسيقى في النص الشعري، د. عبد الفتاح صالح نافع، مكتبة المنار، الزرقاء، الأردن، ط1 (د.ت): 67.
6- التوجيه الأدبي، د. طه حسين، وأحمد أمين، وعبد الوهاب عزام، و د. محمد عوض محمد، الكتاب خال من ذكر المطبعة والطبعة ومكان الطبع وتاريخه.

ص:90

الشعر التي تتجسد في ((النغم المنتظم، وهو التفعيلات، وجرس الألفاظ))(1)

تعمل على أن ((تزيد من انتباهنا، وتضفي على الكلمات حياة فوق حياتها، وتجعلنا نحس بمعانيه - الشعر - كأنما تتمثل أمام أعيننا تمثيلاً عملياً واقعياً))(2)

فتوقظ في نفوسنا شعوراً حياً يعمل على نقل الخواطر والمشاعر التي ربما تعجز الألفاظ والمعاني على نقلها أو الايحاء بها، فتأتي الموسيقى علماً دالاً موحياً إليها.

وتشير احصائية البحور أن المقطوعات كلها نظمت على بحر الرجز عدا مقطوعة واحدة على بحر الكامل، وهي مقطوعات قيلت في الحرب، لذلك كان اختياره وارداً في ساحة المعركة حينما يكون الفارس في يتماس مباشر مع العدو، لأن توالي عناصر هذا الوزن (مستفعلن مستفعلن مستفعلن) تؤدي ايقاعاً نغمياً حاداً يتناسب مع توتر نفسية الفارس وسلوكه الحربي الذي يتميز بالحركة والسرة، فضلاً عن صلاحيته ((ومناسبته لمواقف الارتجال، لكونه من انسب البحور وملائمة لمثل هذه المواقف التي تستدعي القول على البديهة لإثارة حماس المتحاربين وشحذ هممهم))(3).


1- المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها، د. عبد الله الطيب المجذوب، دار الفكر، ط2، 1970: 1/74.
2- موسيقى الشعر، د. إبراهيم أنيس، مطبعة الأمانة، مصر، ط5، 1978م: 16.
3- المرشد إلى فهم اشعار العرب: 1/231.

ص:91

وبحر الرجز من البحور السهلة، وهذه السهولة متأتية ((من تلك التغيرات الكثيرة المألوفة في أجزائه، ومن ذلك التنويع الذي ينتاب أعاريضه وضروبه))(1) وبذلك جاءت المقطوعات كلها على بحر الرجز.

إن شعر الحرب هو شعر اللمحة الخاطفة والموقف السريع العاجل ينطلق فيه الشاعر على سجيته من دون تنقيح أو تهذيب لشعره(2)

فالفارس في المعركة يختار وهو في هذا الجو الحربي ((الرجز من بحور الشعر نظراً لخفة وزنه، وسهولة تناوله، وقربه من النثر المسجوع))(3).

وتشير نماذجه في شعر العباس علیه السلام إلى تجربة حرب مباشرة، هي واقعة الطف فناسب بذلك مع موضوعات الحرب والحماسة، كقوله علیه السلام مثلاً:

لا أرهب الموت إذا الموت رقا *** حتى أوارى ميتاً عند اللقا

نفسي لنفس الطاهر الطهر وقا *** أني صبور شاكر للملتقى

بل أضرب الهام وأفري المفرقا *** أني أنا العباس صعب باللقا(4)


1- شرح تحفة الخليل في العروض والقافية، عبد الحميد الراضي، مطبعة العاني، بغداد، 1968م: 203.
2- ينظر: الشعر في كتاب وقعة صفين - دراسة فنية - عبد الإله عبد الوهاب هادي العرداوي اطروحة دكتوراه، كلية الآداب، جامعة الكوفة، 1426ه- - 2005م: 127.
3- أيام العرب وأثرها في الشعر الجاهلي: منذر الجبوري، مطابع دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط2، 1986م: 186.
4- مقطوعة: 7.

ص:92

أو فخره بنفسه، وهو يقول علیه السلام :

أقاتل القوم بقلب مهتد *** أذبّ عن سبط النبي أحمد

أضربكم بالصارم المهند *** حتى تحيدوا عن قتال سيدي

أني أنا العباس ذو التودد *** نجل علي المرتضى المؤيد(1)

2- القافية

إذا كان الوزن ذا صلة عضوية بالنص الشعري بما يبعثه من موسيقى ذات إثارة في النفس والحس معاً، فإن هذه الموسيقى تعظم وتتنامى إذا توفرت القافية، فهي شريكته في الاختصاص بالشعر الذي لا يسمى شعراً حتى يكون له وزن وقافية(2) والقافية ((عدة أصوات تتكرر في أواخر الأشطر أو الأبيات في القصيدة، وتكررها هذا يكون جزءاً هاماً من الموسيقى الشعرية))(3)

وهي تشارك في الأثر الموسيقي، وتعد معه ((مفتاح القصيدة بما يشيعان في موسيقاه من وحدة وارتباط، وانهما وثيقا الصلة بالمعاني التي تدور في قلب الشاعر، وتبعث في أعماق تجربته إلى محض البيان))(4)

ولذا ((فإن الشاعر العربي، إنما عمد إلى القافية فقرنها بالوزن ليضفي


1- مقطوعة: 2.
2- ينظر: العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، ابن رشيق القيرواني (ت456ه-) تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، مصر، ط2، 1955م: 1/129.
3- موسيقى الشعر: 193.
4- المرشد إلى فهم أشعار العرب: 3/835.

ص:93

عليه - الشعر - صيغاً نغمياً))(1)

أما أهمية القافية في الشعر فهي ((ظاهرة بالغة التعقيد، ولها وظيفتها الخاصة في التطريب كإعادة (أو ما يشبه الإعادة) للأصوات))(2).

أما وظيفتها الجمالية، فإنها ((تشير إلى ختام البيت أو تقوم مقام المنظم))(3)

ولا نجد خلافاً يذكر في أن ترديد القافية يضيف إلى البيت بموسيقاها قوة ومفعولاً لا تتوفران عن طريق الوزن وحده، وقد تنبه النقاد القدامى إلى تأثير الناحية الموسيقية للقافية، وارتباطها بدلالة القصيدة معنى ومبنى، وعليه فإن اتساق القافية صوتياً ودلالياً مع القصيدة يخلق شعوراً بوحدة الايقاع الموائمة لوحدة المعنى، ويتجلى تنبيه النقاد القدامى من خلال نصح الشعراء في اختيار القوافي الملائمة لقصائدهم(4)

فضلاً عن إشارة عند بعضهم إلى وجود قوافٍ نافرة وأخرى مستحبة(5)

لكنه في كل الأحوال لا يمكننا النظر إلى القافية بمعزل عن بقية عناصر القصيدة، بوصفها عاملاً مؤثراً منفرداً، أو صوتية حسية لها تأثيرها المستقل، كما أننا لا نرجح أن هناك حروفاً


1- م.ن: 3/825.
2- نظرية الأدب، أوستن وارين ورنيه ويلك، ترجمة محي الدين صبحي مراجعة حسام الخطيب، مطبعة خالد الطرابيشي، دمشق، ط1، 1972م: 208.
3- م.ن: 208.
4- كتاب الصناعتين، أبو هلال العسكري (ت395ه-) تحقيق: علي محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، ط1، 1371ه- - 1952م.
5- ينظر مقدمة لزوم ما لا يلزم، أبو العلاء المعري (ت449ه-) دار صادر، دار بيروت، بيروت 1961م: 1/370.

ص:94

تصلح قوافي، وأخرى لا تصلح، فكل ذلك مرتبط بالشعور وما يمليه الاحساس في لحظة الابداع الشعري(1).

وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا الأمر لا يمنعنا من أن نرى الجرد الاحصائي لروي قوافي شعر العباس علیه السلام ، وما يتمخض عنه من نتائج:

حرف الروی - التاء - الدال - الراء - العین - القاف - المیم - النون

التکرار - 1 - 1 - 2 - 2 - 1 - 1 - 2

عندما نرى الجرد الاحصائي للروي في شعر العباس علیه السلام نرى أن حروف: الراء والميم والنون قد شكّلت نصف المقطوعات في شعر العباس علیه السلام ، وهذه الحروف هي من حروف الذلاقة، وهي تنطلق من مخرجين صوتيين متقاربين هما: اللسان والشفتان، إذ قال عنهما الخليل: ((اعلم أن الحروف الذلق والشفوية ستة وهي: ر ل ن، ف ب م، وإنما سميت هذه الحروف ذلقاً، لأن الذلاقة في المنطق، إنما هي بطرف أسلة اللسان والشفتين، وهما مدرجتا هذه الحروف الستة))(2)

وذلق اللسان:


1- ينظر: عضوية الموسيقى: 77.
2- كتاب العين: الفراهيدي (أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد ت175ه-) تحقيق: د. مهدي المخزومي و د. إبراهيم السامرائي، دار الرشيد للنشر، بغداد 1980م: 51.

ص:95

((صدره وطرفه))(1)

ويبدو أن مناصفتها في مقطوعات العباس علیه السلام متأتٍ من كثرة مفرداتها في العربية، وانطلاقها في الكلام من دون تعثر أو تلعثم(2) أي سهولة نطق هذه الحروف، وسرعة تدفقها من أطراف اللسان والشفتين يتوافق كما يبدو مع طبيعة سرعة الحرب، وأجوائها الحماسية التي تبعث في العباس علیه السلام ردود فعل سريعة تطغى على نمط معالجة حدث الحرب، وهذه الحروف بين صفة الشدة والرخاوة(3)

وبذلك تجعلنا مطمئنين إلى أن شعر العباس علیه السلام وشعر وقعة الطف عموماً، لم يشترط فيه أن يكون دائماً ذا طابع حماسي عنيف يستجيب لمعالجة أحداث حربية قريبة من زمن الحرب(4)

ففي بعض نماذج شعر العباس علیه السلام تشير إلى فترات من الهدوء والتأمل، فيختار لها روياً يقع بين الشدة والرخاوة، فمن روي الراء نرى قوله:

يا نفس لا تخشي من الكفار *** وابشري برحمة الجبار

مع النبي سيد الأبرار *** مع جملة السادات والأطهار


1- سر صناعة الاعراب، ابن جني (ت392ه-) تحقيق: مصطفى السقا ومحمد الزفزاف وإبراهيم مصطفى وعبد الله أمين، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط1، 1954م: 1/74.
2- ينظر: الشعر في كتاب وقعة صفين: 148.
3- الحروف التي تجمع بين الشدة والرخاوة هي: اللام والنون والراء والميم، ينظر: سر صناعة الاعراب: 1/69، وقد وردت: النون والراء والميم في شعر العباس علیه السلام .
4- ينظر: البناء الفكري والفني لشعر الحرب عند العرب قبل الإسلام، سعد عبد الحمزة غزيوي الجبوري، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة بغداد، 1995م: 477 هامش: 4.

ص:96

قد قطعوا ببغيهم يساري *** فاصلهم يا رب حرّ النار(1)

ومن روي الميم قوله علیه السلام :

أقسمت بالله الأعز الأعظم *** وبالحجون صادقاً وزمزم

وبالحطيم والفنا المحرم *** ليخضبن اليوم جسمي بدمي

دون الحسين ذي الفخار الأقدم *** أمام أهل الفضل والتكرم(2)

ومن روي النون قوله علیه السلام :

والله لو قطعتموا يميني *** أني أحامي أبداً عن ديني

وعن إمام صادق اليقين *** سبط النبي الطاهر الأمين

نبي صدق جاءنا بالدين *** مصدقاً بالواحد الأمين(3)

أما باقي حروف الروي، فالدال والتاء يمتلكان صفة الشدة(4). فالدال تجود في الفخر والحماسة(5)

بما تبعثه من دلالة الشدة، كما في قوله علیه السلام :

أقاتل القوم بقلب مهتد *** أذن عن سبط النبي أحمد

أضربكم بالصارم المهند *** حتى تحيدوا عن قتال سيدي


1- مقطوعة: 3.
2- مقطوعة: 8.
3- مقطوعة: 9.
4- ينظر: سر صناعة الاعراب: 1/96.
5- ينظر: مقدمة الالياذة: 97، نقلاً عن عضوية الموسيقى: 76.

ص:97

أني أنا العباس ذو التودد *** نجل علي المرتضى المؤيد(1)

وكذلك التاء التي تشير إلى دلالة الشدة، وذلك في قوله علیه السلام في مقطوعته التائية التي منها:

نحن الفواضل نسل الهاشميات *** لسفك دماكم بحد المشرفيات

يا آل اللئام وأبناء الرعيات *** يا جدنا لو ترى هذه الرزيات(2)

والعين تجمع بين صفة الشدة والرخاوة(3)

ونجد هذه الشدة في خطابه علیه السلام للنفس، وذلك في قوله علیه السلام الذي منه:

يا نفس هوني فالحسين معطش *** وبنوه والحرم المطهر أجمع

والله لم أشرب من الماء قطرة *** وأخي الحسين في العراء مضيع(4)

وكذلك في مقطوعته العينية الأخرى والتي منها قوله علیه السلام :

صبراً على جور الزمان القاطع *** ومنية ما أن لها من دافع

لا تجزعن فكل شيء هالك *** حاشا لمثلي أن يكون بجازع(5)


1- مقطوعة: 2.
2- مقطوعة: 1.
3- ينظر: سر صناعة الاعراب: 1/69.
4- مقطوعة: 6.
5- مقطوعة: 5.

ص:98

ويشير نموذج حرف القاف الذي صفته الشدة(1)

إلى جو حماسي يغمره شعوراً بالإباء والاستعداد للتضحية، وقد اشبعت هذه القاف بألف الاطلاق مما أعطى الموقف قوة وحركة مضاعفة، فضلاً عن الجمالية نتيجة مد الصوت. وذلك في قوله علیه السلام :

لا أرهب الموت إذا الموت رقا *** حتى أوارى ميتاً عند اللقا

نفسي لنفس الطاهر الطهر وقا *** أني صبور شاكر للملتقى

بل أضرب الهام وأفري المفرقا *** أني أنا العباس صعب باللقا(2)

أنواع القوافي:

اتضح لنا من خلال الجرد الاحصائي(3)

أن القوافي المطلقة هي الغالبة في شعره، ويبدو أن ميله إليها راجع إلى ملاءمتها مناخ الحرب، وما فيه من حركة واستمرارية، فضلاً عن أن القوافي المطلقة تسمح له علیه السلام باطلاق مشاعره مما أعطى الموقف قوة وحركة، فضلاً عن الجمالية نتيجة مد الصوت، كقوله علیه السلام مثلاً:

أقاتل القوم بقلب مهتد *** أذبّ عن سبط النبي أحمد

أضربكم بالصارم المهند *** حتى تحيدوا عن قتال سيدي


1- ينظر: سر صناعة الاعراب: 1/96.
2- مقطوعة: 5
3- بلغ عدد القوافي المطلقة: (7) نماذج والقوافي المقيدة (3) نماذج.

ص:99

أني أنا العباس ذو التودد *** نجل علي المرتضى المؤيد(1)

كما أنه أكثر من القوافي المطلقة ذات الروي المكسور(2) وربما يعود ذلك إلى إحساسه العميق بقوة هذه الحركة، وانسجامها مع الطابع الحماسي الذي يطبع شعره، فضلاً عن أنها توحي ب- ((الغضب والثورة والتمرد))(3)

كما في قوله علیه السلام :

والله لو قطعتموا يميني *** أني أحامي أبداً عن ديني

وعن إمام صادق اليقين *** سبط النبي الطاهر الأمين

نبي صدق جاءنا بالدين *** مصدقاً بالواحد الأمين(4)

بينما اقتصر الروي المضموم على مقطوعة واحدة يشير نموذجه إلى موقف تشعّ فيه مشاعر الأبهة والفخامة التي تثيرها الضمة في النفس(5)

وذلك في قوله علیه السلام الذي منه:

يا نفس هوني فالحسين معطش *** وبنوه والحرم المطهر أجمعُ

والله لم أشرب من الماء قطرة *** وأخي الحسين بالعراء مضيعُ(6)


1- مقطوعة: 2.
2- بلغ عدد القوافي المطلقة ذات الروي المكسور: (5) نماذج.
3- تطور الشعر العربي الحديث في العراق - اتجاهات الرؤيا وجماليات النسج - د. علي عباس علوان، وزارة الاعلام، بغداد 1975م: 509.
4- مقطوعة: 9.
5- ينظر: المرشد في فهم أشعار العرب: 1/71.
6- مقطوعة: 6.

ص:100

والروي المفتوح ورد في انموذج واحد، وهذه الحركة - الفتحة - تتميز بالضعف جعلها في الغالب لا تتلائم مع الأجواء الحماسية، وقد استعملها العباس علیه السلام وهي مشبعة بألف الاطلاق لكي يعطي هذه الحركة شيئاً من القوة والفعالية فضلاً عن الشاعرية نتيجة مد الصوت. يقول العباس علیه السلام :

لا أرهب الموت إذا الموت رقا *** حتى أوارى ميتاً عند اللقا

نفسي لنفس الطاهر الطهر وقا *** أني صبور شاكر للملتقى

بل أرب الهام وأفري المفرقا *** أني أنا العباس صعب باللقا(1)

عيوب القافية:

الايطاء:

من عيوب الروي، وهو ((أن يتكرر لفظ القافية ومعناها واحد في القصيدة، وفي أقل من سبعة أبيات))(2)

وذلك في قوله علیه السلام :

لا أرهب الموت إذا الموت رقا *** حتى أوارى ميتاً عند اللقا

نفسي لنفس الطاهر الطهر وقا *** أني صبور شاكر للملتقى

بل أضرب الهام وأفري المفرقا *** أني أنا العباس صعب باللقا(3)


1- مقطوعة: 7.
2- ينظر: العمدة: 1/141.
3- مقطوعة: 7.

ص:101

فقد كرر لفظة (اللقا) بعد بيت واحد فقط والمعنى واحد، وهذا الايطاء ليس مكروهاً، وإنما مقبول في النفس، ويقتضيه المعنى والقافية.

وكذلك مقطوعته:

والله لو قطعتموا يميني *** إني أحامي أبداً عن ديني

وعن إمامٍ صادق اليقين *** سبط النبي الطاهر الأمين

نبي صدق جاءنا بالدين *** مصدقاً بالواحد الأمين(1)

فقد كرر لفظة (الأمين) مباشرة في البيت الثاني والمعنى واحد، وهو أيضاً ليس مكروهاً، وإنما مقبول في النفس، ويقتضيه المعنى والقافية.

التضمين:

من عيوب القافية، وهو أن يفتقر بيت إلى بيت، أو تتعلق القافية أو لفظة مما قبلها بما بعدها(2) وهو عيب عند أكثر النقاد القدامى(3)

لأنه يحطم قدسية القافية، وفكرة استقلال البيت بنفسه، لأن ((خير الشعر عندهم ما قام بنفسه، وكمل معناه في


1- مقطوعة: 9.
2- ينظر: الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء، المرزباني (ت384ه-) باعتناء: محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية، القاهرة، ط2، 1385ه-: 24، وكتاب الصناعتين: 36، والعمدة: 1/147، ومنهاج البلغاء وسراج الأدباء، حازم القرطاجني (أبو الحسن بن أبي عبد الله ت684ه-) تحقيق: محمد الحبيب بن خوجة، المطبعة الرسمية، تونس 1966م: 276.
3- ينظر: كتاب الصناعتين: 36، والعمدة: 1/147، ومنهاج البلغاء: 276.

ص:102

بيته))(1) لكنه عند المرزباني لم يكن عيباً، فقد ذكر بعد بيتي امرئ القيس، قوله: ((فليس ذا بمعيب عندهم، وإن كان مضمناً، لأن التضمين لم يحلل قافية البيت،... وهذا عند نقاد الشعر يسمى ((الاقتضاء)) أن يكون في الأول اقتضاء للثاني، وفي الثاني افتقار إلى الأول))(2).

وكذلك لم يعده ابن الأثير عيباً، لأنه ((إن كان سبب عيبه أن يعلق البيت الأول على الثاني فليس ذلك بسبب يوجب عيباً، إذ لا فرق بين البيتين من الشعر في تعلق أحدهما بالآخر، وبين الفقرتين من الكلام المنثور في تعلق أحداهما بالأخرى))(3).

وهو أيضاً لم يعد عيباً عند بعض المحدثين، فهو عند الدكتور عبد الله الطيب ليس بعيد كبير ((وكثيراً ما يحسن موقعه إذا كان البحر قصيراً، أو كان الشعر قصصياً آخذاً بعضه برقاب بعض، أو خطابياً حامياً))(4)

ومن التضمين في شعر العباس علیه السلام قوله:

أقسمت بالله الأعز الأعظم *** وبالحجون صادقاً وزمزم

وبالحطيم والفنا المحرم *** ليخضبن اليوم جسمي بدمي

دون الحسين ذي الفخار الأقدم *** أمام أهل الفضل والتكرّم(5)


1- المصوت في الأدب، العسكري (أبو أحمد الحسن بن عبد الله ت382ه-) تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مطبعة حكومة الكويت، الكويت، 1960م: 9.
2- الموشح: 38.
3- المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، ابن الأثير (ضياء الدين ابن الأثير ت637ه-) تحقيق: د. أحمد الحوقي و د. بدر طبانة، مطبعة نهضة مصر، مصر 1959م: 2/342.
4- المرشد إلى فهم أشعار العرب: 1/38.
5- مقطوعة: 8.

ص:103

فقوله ((دون الحسين ذي الفخار الأقدم)) متعلق بجواب القسم ((وليخضبن اليوم جسمي بدمي)) ودلالة التضمين تجيزه علیه السلام ، بسبب طبيعة الاقسام الغليظة التي أقسمها والتي يجب أن تكون موازية للمقسم عليه الإمام الحسين علیه السلام .

الايقاع الداخلي
اشاره

لم تقتصر نماذج شعر العباس علیه السلام على وسائل الايقاع الخارجي، وإنما ورثت وسائل أداء ايقاعية أخرى، تمثلت في الايقاع الداخلي، فالنظر إلى الايقاع الخارجي لوحده ((يعمينا ويصمنا عن عناصر موسيقية عظيمة الغنى والتنوع في الشعر القديم الأصيل الشاعرية))(1) إذ أن وراء العروض الخليلي تقنيات ايقاعية مهمة تقوم باثراء الموسيقى الداخلية للبيت فالإيقاع الداخلي، انسجام صوتي داخلي ينبع من التوافق الموسيقي بين الكلمات ودلالتها حينا وبين الكلمات بعضها مع بعض حيناً آخر(2)

أو هو ((النغم الذي يجمع بين الألفاظ والصورة بين وقع الكلام والحالة النفسية للشاعر))(3)

أي أن الشاعر ((يحاول أن يخلق نوعاً من التوافق بينه وبين العالم


1- الشعر الجاهلي - منهج في دراسته وتقويمه - د. محمد النويهي، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة (د.ت): 1/54.
2- ينظر: الشعر الجاهلي - قضاياه الفنية والموضوعية - د. إبراهيم عبد الرحمن، مكتبة الشباب، مصر الجديدة 1984: 354.
3- الاتجاهات الجديدة في الشعر العربي المعاصر، د. عبد الحميد جيدة، مؤسسة نوفل، بيروت، ط1، 1980م: 252.

ص:104

الخارجي عن طريق ذلك التوقيع الموسيقي))(1)

ومن خلال هذه الموسيقى الخافتة نستطيع أن نتعرف على روح الشاعر، وعلى أصالته الفنية، كما أنها أثر لعاطفته وفكره وألفاظه التي تجتمع في شعره(2)

ولذا فإننا نجد في شعر العباس علیه السلام مظاهر من الموسيقى الداخلية التي منها:

1- التصريع

وهو(( تصيير مقطع (آخر) المصراع الأول في البيت الأول مثل قافيتها))(3)

وقد كان النقاد القدامى يرون ضرورة التصريع ولزومه، ففيه كما يرون ((دلالة سعة القدرة في أفانين الكلام))(4)

وعولوا على أهميته في مطلع القصيدة، لأنه يميز بين الابتداء وغيره، ويفهم منه قبل تمام البيت روي القصيدة وقافيتها(5) لأن لوقوعه في ((أوائل القصائد طلاوة، وموقفاً في النفس، لاستدلالها به على قافية القصيدة قبل


1- الشعر العربي المعاصر - قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية - د. عز الدين إسماعيل، دار العودة دار الثقافة، بيروت، ط2، 1972م: 124.
2- ينظر: النقد التطبيقي والموازنات: د. محمد الصادق عفيفي، مطابع الدجوي، القاهرة، 1978م: 252.
3- نقد الشعر: قدامة بن جعفر (أبو الفرج قدامة بن جعفر ت337ه-) تحقيق: كمال مصطفى، مكتبة الخانجي بمصر، ومكتبة النهضة ببغداد، ط2، 1963م: 51.
4- المثل السائر: 1/338.
5- ينظر سر الفصاحة: ابن سنان الخفاجي (أبو محمد عبد الله بن محمد ت466ه-) شرح وتصحيح: عبد المتعال الصعيدي مطبعة محمد علي صبيح وأولاده، مصر 1969م: 181.

ص:105

الانتهاء إليها، ولمناسبة تحصل لها بازدواج صيغتي العروض والضرب، وتماثل مقطعها))(1).

التصريع ونجد نماذج في شعر العباس علیه السلام ، وقد صرّع أوائل أبياته، وذلك لإحساسه بأن التصريع يضفي على مقطوعاته وقعاً موسيقياً جميلاً، وكثافة إيقاعية قوية تثير المتلقي وتجلب انتباهه لمتابعة الأحداث والاصغاء لحديث النفس، كقوله علیه السلام :

صبراً على جور الزمان القاطع *** ومنية ما أن لها من دافع(2)

فدلالة التصريع هنا تكشف عن النزوع الحاد، والضغط النفسي الذي يعتريه علیه السلام ، وهو يقع تحت طائلة الزمان وجوره، فجسّد التصريع بما له من قيمة صوتية ودلالة الشد في الخطاب، فجاء وقعه الموسيقي كبيراً في نفس الباث.

ومنه قوله علیه السلام :

أقسمت بالله الأعز الأعظم *** وبالحجون صادقاً وزمزم(3)


1- مقطوعة: 5 بيت: 1.
2- مقطوعة: 5 بيت: 1.
3- مقطوعة: 8 بيت: 1.

ص:106

فدلالة التصريع هنا تكرّس التدفق الانفعالي، والمشاعر العنيفة التي تتنازع في نفس العباس علیه السلام ، وهو يقسم بأقسام مختلفة لكي تقارب شخصية الإمام الحسين علیه السلام . ومنها هذه الشدة المتساوقة مع حرف التاء والتي يزيدها التصريع قوة وعنفاً، وذلك في قوله علیه السلام :

نحن الفواضل نسل الهاشميات *** لسفك دماكم بحد المشرفيات(1)

2- التقسيم

وهو تعادل الفقرات (الجمل) على نحو السجع، شرط أن تكون الفاصلتان على زنة واحدة وبغير التقفية(2)

والتقسيم: تعادل جملتين أو جمل تعادلاً موسيقياً مع اختلاف الحرف الأخير، وهو مصدر من مصادر تكون الصور الصوتية(3).

وفي هذا الصدد يكون التأثير للكلمات المفردة أقل، والتأثير الأكبر، إنما هو للعبارات(4)

وتقسيم العبارات من شأنه أن يساعد المنشئ على ((عملية التنويع في الأفكار والأخيلة))(5).


1- مقطوعة: 1 بيت: 1.
2- ينظر: كتاب الصناعتين: 263.
3- ينظر: الأسس الجمالية في النقد العربي - عرض وتفسير ومقارنة - د. عز الدين إسماعيل، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1986م: 223.
4- ينظر: النقد الأدبي: أحمد أمين، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط4، 1967: 125.
5- لغة الشعر عند الجواهري، د. علي ناصر غالب، دار الصادق، بابل، العراق، ط1، 2005م: ؟؟؟؟؟

ص:107

كما أن التقسيم يمنح الباث فرصة للاستراحة(1)

فيشكل الصمت نظاماً متناوباً مع صوت الفقرات الموزونة ل- ((يحدث في السامع ميلاً واصغاءً لسماع ما هو مطلوب))(2)

وورد التقسيم في شعر العباس علیه السلام في قوله:

أقسمت بالله الأعز الأعظم *** وبالحجون صادقاً وزمزم

وبالحطيم والفنا المحرم *** ليخضبن اليوم جسمي بدميِ(3)

فهذا التقسيم يبثّ في النص تنغيماً ايقاعياً جلياً ناتجاً عن التأثير السجعي في فواصل حرف الميم بما يوحي بشدة الموقف وعنفه، ومن ثم حرصه علیه السلام على إسماع المتلقين بنحو موسيقي منظم يمتلك سمة الرفعة والسمو الروحي، ومن ثم خلود تلك السمات في الأذهان.

3- التشطير

وهو توازن المصراعين والجزأين وتعادل أقسامهما مع قيام كل واحد بنفسه، واستغنائه عن صاحبه(4)

ومن نماذجه في شعر العباس علیه السلام قوله:

أقاتل القوم بقلب مهتد *** أذبّ عن سبط النبي أحمدِ(5)


1- ينظر: المرشد إلى فهم اشعار العرب: 2/272.
2- دراسة لغوية في كتاب نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب علیه السلام ، سمير داود سلمان، أطروحة دكتوراه، كلية الآداب، جامعة البصرة، 2003م: 29.
3- مقطوعة: 8 بيت: 1، 2.
4- ينظر: كتاب الصناعتين: 411.
5- مقطوعة: 2 بيت: 1.

ص:108

وقوله علیه السلام :

أني أنا العباس ذو التودد *** نجل علي المرتضى المؤيد(1)

فالفخر بالنفس واضح المعالم في هذين البيتين، فنحسّ فيهما وحدة الموقف والعواطف والايقاع على الرغم من استغناء كل شطر عن صاحبه في المعنى، وكأن عجز البيت امتداداً لصدره، وهي كلها انعكاس لنفسيته علیه السلام المفتخرة.

4- رد الإعجاز على الصدور

وهو ((كلام منثور أو منظوم يلاقي آخره أوله بوجه من الوجوه))(2) كأن يكون ((أحدهما في آخر البيت، والآخر في صدر المصراع الأول، أو حشوه، أو آخره، أو صدره الثاني))(3)

أي هو موافقة آخر كلمة في البيت (كلمة القافية) كلمة وردت به سابقة لها(4)

وعليه فهي تقنية موسيقية يتبناها الشاعر ليؤدي بها وظيفة ايقاعية ودلالية، ومن التقسيم الذي ذكر آنفاً نجد انموذجاً واحداً يمثل نوعاً من أنواعه في


1- مقطوعة: 2 بيت: 3.
2- حسن التوسل إلى صناعة الترسل: شهاب الدين الحلبي (ت725ه-) تحقيق: اكرم عثمان يوسف، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1980م: 214.
3- الايضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني (جلال الدين أبو عبد الله محمد ت739ه-) شرح وتعليق وتنقيح: محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، لبنان، ط3، 1971م: 2/543.
4- ينظر: القافية والأصوات اللغوية: د. محمد عوني عبد الرؤوف، مطبعة الكيلاني، القاهرة 1977م: 114.

ص:109

شعر العباس علیه السلام ، وهو: ما وافق آخر كلمة في البيت أول كلمة في المصراع الأول، وذلك في قوله علیه السلام :

لا تجزعن فكل شيء هالك *** حاشا لمثلي أن يكون بجازع(1)

فهو يكرر لفظة (تجزعن. جازع) بما يوحي بكثافة ايقاعية، وكثافة دلالية من خلال تأكيد عدم جزعه من الموت، فنجح علیه السلام بتكرار هذه الكلمة في تقوية المعنى وتوكيده.

5- الجناس

وسيلة من وسائل التعبير الايقاعية الذي يعني أن ((يورد المتكلم كلمتين تجانس كل واحدة من صاحبتها في تأليف حروفها(2)

أي أن الكلمتين المتجانستين تتشابهان في اللفظ وتختلفان في المعنى، بمعنى آخر، أن بنية الجناس تعتمد مبدأ التوافق على مستوى السطح ومبدأ التخالف على مستوى العمق(3)

ونرى صور الجناس في شعر العباس علیه السلام خالية من التعقيد والتكلف، لأنها جاءت أصلاً لتوضيح فكرة، أو موقف في ذهنه، أو بيان الصور الحربية ورسمها في ذهن المتلقي.


1- مقطوعة: 5 بيت: 2.
2- كتاب الصناعتين: 249.
3- ينظر: البلاغة العربية قراءة أخرى: د. محمد عبد المطلب، الشركة المصرية العالمية للنشر، لونجمان، مصر، ط1، 1997م: 273.

ص:110

وقد ورد الجناس بنوعه الناقص، ولم يرد الجناس التام، وربما يعود السبب في ذلك إلى أن التناسق الموسيقي الواحد في الجناس التام قد لا يتلائم مع حدث الحرب، وظروف القتال في وقعة الطف.

ومن نماذج الجناس الناقص قوله علیه السلام :

يا آل اللئام وأبناء الرعيات *** يا جدنا لو ترى هذه الرزيات(1)

الذي جانس فيه بين (الرعيات - الرزيات) فأحدث الاختلاف في صوت العين والزاي نغماً موسيقياً، وجرساً عذباً نتج عن تمثال الكلمتين تماثلاً ناقصاً، كما أوحت بمعنى مختلف عبر عنه مدلول كل لفظ.

ومنه قوله علیه السلام :

يا نفس لا تخشي من الكفار *** وابشري برحمة الجبار(2)

الذي جانس فيه بين (الكفار - الجبار) فأحدث تغير الحروف جرساً موسيقياً أضفى على البيت تنظيماً داخلياً أوحى من خلاله بمعاني مختلفة عكست المواقف المتبلورة منها.

ومن الجناس الناقص قوله علیه السلام :

من النبي سيد الأبرار *** مع جملة السادات والأطهار(3)


1- مقطوعة: 1 بيت: 2.
2- مقطوعة: 3 بيت: 1.
3- مقطوعة: 3 بيت: 2.

ص:111

وتفحص البيت الشعري يفصح عن كثافة تجنيسية (الأبرار - الأطهار) يمثل العلو وسمو المكانة ثيمته الناجعة، ونلحظ تداعي حروفه لتفعيل الايقاع، واثرائه موسيقياً إذ يستشعر المتلقي التغير النسبي في نوع النغمة مقروناً بتغير نوع الصفة - العلو وسمو المكانة - الذي حرص العباس علیه السلام على إبرازها امتناناً لله تعالى وعرفاناً بفضله، كما يوحي البيت بحالة من الاستقرار النفسي والتوازن الروحي.

6- التكرار

نوع مائز من أنواع الايقاع الموسيقي ناتج عن ((دلالة اللفظ على المعنى مردداً))(1)

والتكرار ((تناوب الألفاظ وإعادتها في سياق التعبير بحيث تشكل نغماً موسيقياً يتقصده الناظم في شعره أو نثره))(2)

وهو ((يسلط الضوء على نقطة حساسة في العبارة، ويكشف عن اهتمام المتكلم بها))(3)

إذ ((يعكس جانباً من الموقف الشعوري والانفعالي))(4)

للمنشئ ويضفي سمات ((إيحائية موضوعية تنتج


1- المثل السائر: 2/146.
2- جرس الألفاظ ودلالتها في البحث البلاغي والنقدي عند العرب: د. ماهر مهدي هلال، دار الحرية للطباعة ن بغداد 1980م: 239.
3- قضايا الشعر المعاصر: نازك الملائكة، مطبعة دار التضامن، بغداد، ط3، 1967م: 276.
4- التكرار في الشعر الجاهلي (بحث): موسى ربايعة، مجلة مؤتة، مجلد (5)، العدد (1)، 1991م: 160.

ص:112

دلالات مختلفة في النص))(1)

وبهذا يحافظ التكرار على المستوى الصوتي والمستوى الدلالي للنص في الآن ذاته(2)

وعليه فاللفظة المكررة ((أحدى وسائل المحلل الأدبي، لأنها تكشف في الوقت نفسه عن دوافع السلوك وحيثياته))(3).

ومن أنواع التكرار، تكرار حروف بعينها كتكرار حرف النون في قوله علیه السلام :

والله لو قطعتموا يميني *** اني أحامي أبداً عن ديني

وعن إمام صادق اليقين *** سبط النبي الطاهر الأمين

نبي صدق جاءنا بالدين *** مصدقاً بالواحد الأمين(4)

فالنون صوت صفته تجمع بين الشدة والرخاوة(5)

ودلالته تشعر بالقوة والإباء وهذه الدلالة تأتي متساوقة مع المعاني التي يريدها من خلال التوافق الروحي والنسبي مع الإمام الحسين علیه السلام والاستعداد الكامل للتضحية دونه.

وتكرار حرف الراء في قوله علیه السلام :

يا نفس لا تخشي من الكفار *** وابشري برحمة الجبار

مع النبي سيد الأبرار *** مع جملة السادات والأطهار

قد قطعوا ببغيهم يساري *** فاصلهم يا رب حرّ النارِ(6)


1- التكوين التكراري في شعر جيمل بن معمر: فايز القرعان، مجلة مؤتة، مجلد (11)، العدد (7)، 1996م: 160.
2- البلاغة والاسلوبية: د. محمد عبد المطلب، الهيأة المصرية العامة للكتاب، مصر 1984م: 223.
3- النقد الأدبي والتحليل النفسي: د. خريستو نجم، دار الجيل، بيروت، ط1، 1991م: 16.
4- مقطوعة: 9.
5- ينظر: سر صناعة الاعراب: 1/69.
6- مقطوعة: 3.

ص:113

فالعباس علیه السلام يكرر صوت الراء عشر مرات، وهذا الحرف يعطي صوتاً فيه نبرة قوية، كما أنه يفيد معنى الاستمرار والتكرار(1)

لأن صفته المميزة هي ((تكرار طرق اللسان للحنك عند النطق به))(2)

بما يؤكد الاستمرارية والتكرار في معاني التحفيز الروحي والجسدي للنفس.

ومن التكرار، تكرار الألفاظ الذي يعيد إنتاج القيمة الصوتية والدلالية للأبيات بما يوحيه من تمثل للمعاني والعواطف تمثيلاً حياً، فهو يجعلنا نحس أن الشاعر لا ينظم الأبيات بتفكير بارد، بل ينظمه بكل عاطفته وإحساسه، ومن ذلك تكرار لفظة (الموت) في قوله علیه السلام :

لا أرهب الموت إذا الموت رقا *** حتى أوارى ميتاً عند اللقا(3)

الذي يفضي جرساً موسيقياً يلحتم مع مضمون الشجاعة والبأس الذي استقرّ عنده، وبهذا التكرار أراد أن يوحي ما للموسيقى الصوتية من تأثير ووقع في نفسه، وقد جاءت هذه الموسيقى علامات ومؤشرات لهذا الموقف - الطف - الذي تتبلور فيه تجربته.

ومنه تكرار لفظة (الامين) في قوله علیه السلام :

وعن إمام صادق اليقين *** سبط النبي الطاهر الأمين


1- ينظر: خصائص العربية ومنهجها الأصيل في التجديد والتوليد: محمد المبارك، جامعة الدول العربية، معهد الدراسات العليا، 1960م: 23.
2- الاصوات اللغوية: د. إبراهيم أنيس، مطبعة لجنة البيان العربي، ط3، القاهرة 1961م: 55.
3- مقطوعة: 7 بيت: 1.

ص:114

نبي صدق جاءنا بالدين *** مصدقاً بالواحد الأمين(1)

الذي تدعم نغمته البيتين الشعريين بسبب ما يولده من انشداد داخلي، واستقرار يقيني يتمظهر في هذا النزوع الحاد نحو التضحية الجسدية من أجل إعلاء كلمة الدين المتمثلة في عترة النبي صلی الله علیه و آله و سلم الإمام الحسين علیه السلام .

ومنه تكرار الأدوات، كتكرار حرف النداء (يا) في قوله علیه السلام :

يا آل اللئام وأبناء الرعيات *** يا جدنا لو ترى هذه الرزيات(2)

ومنه تكرار الظرف (بعد) في قوله علیه السلام :

يا نفس من بعد الحسين هوني *** وبعده لا كنت أن تكوني(3)

ومن التكرار، التكرار الاشتقاقي الذي تضاعف نغمته موسيقى البيت، وترفده بايحاءات دلالية مما يجعل البيت بوقعه الصوتي وايحائه الدلالي وحدة واحدة، كما في قوله علیه السلام :

نفسي لنفس الطاهر الطهر وقا *** اني صبور شاكر للملتقى(4)


1- مقطوعة: 9 بيت: 2، 3.
2- مقطوعة: 1 بيت: 2.
3- مقطوعة: 9 بيت: 1.
4- مقطوعة: 7 بيت: 2.

ص:115

الذي يكرر فيه (الطاهر - الطهر) فيوحي تكراره بصيغ مختلفة إلى تناغم موسيقي، وإيحاء دلالي يؤكد معنى الطهر والعفة التي يريد اثباتها للإمام الحسين علیه السلام .

ومنه أيضاً قوله علیه السلام :

هذا حسين شارب المنون *** وتشربين بارد المعين(1)

الذي يكرر فيه (شارب - تشربين) وفيه يشعر في قرارة نفسه بتوازن شعوري متنام يفصح عنه التوازن الموسيقي للبيت بفعل توازن عباراته. وبهذا صنع التكرار الاشتقاقي فواصل هي بمثابة محطات لغوية متميزة بما يحدثه من ايقاع نتج عن تشاكله الاشتقاقي، ولا يخفى ما في لتكرار الاشتقاقي من أثر في شد القارئ إلى النص، وتحفيزه للاسهام في لك شفرات النص الفكرية، والاستئناس بالتنقل بين محطاته.

ومنه تكرار أكثر من لفظ كتكرار (ان مع اسمها) في قوله علیه السلام :

نفسي لنفس الطاهر الطهر وقا *** اني صبور شاكر للملتقى

بل أضرب الهام وأفري المفرقا *** اني أنا العباس صعب باللقا(2)

فتكرار (اني) في عجز البيتين أفضى عليهما أسبقية ايقاعية متتالية، وخلق مشاهد صورية متنوعة ترتفع معنوياً وشعورياً، وهذا ما نستشعره من خلال تغير الايقاع من خفيف في بداية عجز البيت الأول إلى ثقيل في بداية عجز البيت الثاني يتخللها


1- مقطوعة: 10 بيت: 2.
2- مقطوعة: 7 بيت: 2، 3.

ص:116

مساحة تعبيرية تشكل امتداداً للارتفاع المعنوي والشعوري قبل أن يصل إلى ذروته في تكرارها في عجز البيت الثاني.

المبحث الثالث : الصورة الفنية

مدخل

تعد الصورة مرتكزاً رئيساً من ركائز البيان العربي، والذي هو ((اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجاب دون الضمير، حتى يفضي السامع

ص:117

إلى حقيقته))(1)

فالصورة إطار تتعانق فيه الفكرة والعاطفة لتتلمس مساراً سالكاً إلى المتلقي، ووسيلتها إلى ذلك أحد أشكال اللغة الجمالية، وكثيراً ما يتم الاهتمام بالمتباعدات من الصور، لأن ((التقريب بين تصورين متباعدين كل التباعد يعطي الصورة كل قيمتها وكل حيويتها))(2).

كما أن اختلاف الصور فيما بينها، إنما يكون في قوة تأثيرها في نفس المتلقي، وبسبب ذلك كان هذا التمايز، إذ ((أن فضل الصورة الشعرية، هو تمكين المعنى في النفس، وأن غاية الكلام البليغ من نثر أو شعر، إنما هو التأثير)) ولا تقتصر أهمية الصورة على التأثير فحسب، وإنما لها وظيفتها الايحائية، فقيمتها تقترن بقدرتها على الايحاء إذ أنها - الصورة - ((في التعبير الشعري توحي بأكثر من الظاهر، وقيمتها ترتكز على طاقتها الايحائية))(3).

والخيال هو مصدر الصورة الشعرية، كما أنه يلعب دوراً هاماً في عملية الخلق والإبداع الأدبي، لأن الشاعر يشكل من خلاله قصيدته من دون أن ينسلخ تماماً عن واقعه الذي يؤثر بقدر كبير في تشكيل ملامح الصورة(4).


1- البيان والتبيين، الجاحظ (ت255ه-) تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مطبعة المدني، القاهرة، مصر، ط7، 1998م، 1/76.
2- دليل الدراسات الاسلوبية: د. جوزيف ميشال شريم، المؤسسة الجامعية، بيروت، لبنان، ط1، 1984م: 70.
3- الأدب وفنونه: 146.
4- ينظر: فنون بلاغية: د. أحمد مطلوب، الكويت، 1975م: 27.

ص:118

فمجيء الإسلام بواقع جديد يختلف عن واقع مجتمع ما قبله أدى إلى تأثير كبير في تشكيل الصورة، إذ اتجه بها وجهة جديدة من خلال صياغة صور متأثرة بما جاء به القرآن الكريم والرسول صلی الله علیه و آله و سلم من تحول فكري ونفسي، وتغير في قيم الحياة إلى حد كبير(1).

وكان حظ الصور الفنية قليلاً في شعر العباس علیه السلام إلى حد ما، وذلك لقلة نصوصه، وأن أغلبها كان في الحرب، وطبيعة الحرب لا تعطي للفرد فرصة التفكير وإعمال العقل، لكنه وردت بعض الصور الفنية التي كان اغلبها صوراً بيانية استعارية ثم جاءت الصور الكنائية في المرتبة الثانية وأخيراً الصورة المجازية، بينما انعدمت الصورة التشبيهية بشكل كلي على الرغم من أنه يشكل بداية الألوان البلاغية ذات الصبغة الفنية(2)

إذ أن الاستعارة والكناية تحتاج إلى كد للذهن وبدرجات متفاوته فيما بينها.

الصورة البيانية

وهي الصور التي يلجأ فيها الشعراء إلى أساليب البيان التي تقربها إلى الآخرين، وتجريها في أذهانهم مثيرة ما استقرّ في هذه الاذهان من ذكريات خاصة وتجارب


1- ينظر: الصورة في القصيدة العراقية الحديثة - استقراء نقدي - (مقال) د. عناد غزوان، مجلة الاقلام، العددان (11، 12) السنة 1987م: 83.
2- البلاغة العربية في ضوء الاسلوب ونظرية السياق: محمد بركات حمدي أبو علي، دار وائل للنشر، عمان، الأردن، ط1، 2003م: 95.

ص:119

شخصية(1)

وهي شأنها شأن الصور الأخرى ((ليست زخرفات أو عناصر مضافة إلى الصور المنطقية العارية، وإنما هي صور تلقائية من صور التعبير))(2) التي تصوّر الانفعال، وتنقل الاحساس المعبر عن خلجات الشاعر نقلاً أميناً للمتلقي، ولما كانت الصورة كذلك فإنها تحمل كثيراً من روح الشاعر ونفسه، فالاتجاه إلى دراستها يعني الاتجاه إلى روح الشعر(3).

وعليه فالصورة البيانية تمنح التجربة فعاليتها وحيويتها، إذ أنها ((الاداة الكبرى من أدوات التعبير، لأنه تشبيهات، وأخيلة، وصور مستعارة، وإشارات ترمز إلى الحقيقة المجردة بالأشكال المحسوسة وهذه هي العبارة الشعرية في جوهرها))(4)

كما أن قيمتها ((ليست فيما تحمله وتعبر عنه من معاني فحسب، وإنما قيمتها موكولة كذلك بالطريقة التي تعبر بها عن هذا التوتر النفسي الذي كان يعيشه الشاعر، والذي تعكسه هذه الصورة المادية التي راح يجمعها من واقع حياته وبيئته))(5)

فضلاً


1- ينظر: بناء الصورة الفنية في البيان العربي - موازنة وتطبيق - د. كامل حسن البصير، مطبعة المجمع العلمي، بغداد 1987م: 269.
2- المجمل في فلسفة الفن: كروتشة بندتو، ترجمة: سامي الدروبي، دار الفكر العربي، القاهرة، 1947م: 148.
3- ينظر: الشعر والتجربة: أرشيبالد مكليش، ترجمة: سلمى الخضراء الجيوسي، مراجعة: توفيق صايغ، دار اليقظة العربية، بيروت، 1963م: 67.
4- اللغة الشاعرة - مزايا الفن والتعبير في اللغة العربية ك عباس محمود العقاد، مكتبة الانجلو المصرية، مطبعة مخيمر 1960م: 37.
5- قضايا الشعر في النقد العربي: د. إبراهيم عبد الرحمن محمد، دار العودة، بيروت، ط2، 1981م: 70.

ص:120

عن تأثر شعر العباس علیه السلام ، وهو يشكّل صوره البيانية بالقرآن الكريم ((فمنذ فتح العرب أعينهم على هذه الثورة البيانية في القرآن الكريم، وهم ينهلون وردها، ويتعللون جناها، ووجدوا أن تربية ملكات البيان وتنمية الأذواق لن تكون إلاّ بورود هذا النبع الصافي، يقتبسون منه، ويأخذون عنه، وكان لهم ما أرادوا من التوفيق والإصابة حين اطردت البلاغة تنمو في ظل القرآن الكريم))(1)

ولا يعني هذا أننا لم نجد صوراً بيانية تشكل امتداداً للموروث الجاهلي، وإنما نجدها مبثوثة بين الحين والآخر في شعر العباس علیه السلام .

الصورة الاستعارية

تعد الصورة الاستعارية من وسائل بناء الصورة البيانية، وقد عرّف السكاكي الاستعارة بقوله: ((هي أن تذكر أحد طرفي التشبيه، وتريد منه الآخر مدعياً دخول المشبه في جنس المشبه به، دالاً على ذلك باثباتك للمشبه ما يخص المشبه به))(2)

ومن خلال هذا القول ندرك بوضوح تام الصلة القوية القائمة بين الاستعارة، لما فيها من تداخل في الدلالة، على نحو لا يحدث بنفس الثراء في التشبيه(3)

فهي تخرج الألفاظ


1- إعجاز القرآن البياني بين النظرية والتطبيق: د. حفني محمد شرف، مطابع الاهرام، 1970م: 257.
2- مفتاح العلوم: السكاكي (أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر ت626ه-) تحقيق: اكرم عثمان يوسف، مطبعة الرسالة، بغداد، ط1، 1402ه- - 1982م: 174.
3- ينظر: الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي: د. جابر أحمد عصفور، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، 1984م: 247.

ص:121

من دلالاتها الوضعية إلى دلالات ايحائية جديدة، فضلاً عن أنها تقوم بتنشيط الخيال من خلال قدرة الشاعر على تطويع مفرداته لهذه الدلالات الجديدة التي تتسم بالابداع.

ومن الصور الاستعارية في شعر العباس علیه السلام قوله:

لا أرهب الموت إذا الموت رقا *** حتى أوارى ميتاً عند اللقا(1)

يقدم النص الشعري صورتين فياضتين بمعان موحية، محملتين بسمات عمق التجربة الشعورية للعباس علیه السلام وكلاهما يدعم الآخر ويقوي ايحائه الدلالي في المتلقي، ففي الأولى قوله (لا أرهب الموت) فقد أضفى على الصورة سمة من سمات القوة والشجاعة، إذ شبه الموت برجل ثم حذفه، وأبقى على لازمة من لوازمه وهو الرهبة، فأضفى على الصورة حيوية ونشاط من خلال عنصر التشخيص فكأن الموت إنسان، يعي، ويفكر، ويرهب...، ولا تبتعد الصورة الثانية (إذ الموت رقا) كثيراً عن الأولى، وإنما تعادلها صورياً مما يقوي الأثر الذي يبتغيه في المتلقي، وقد زاد الصورة جمالاً وحسناً، وهذا الوصف جاء متماهياً مع الفعل (ارهب) والفعل (رقا)، وما يشتملان عليه من معاني الشدة والوحشية، فضلاً عما يحتويه من مثير بصري صادم يتجلى حركياً، وربما كان بذلك كاف لاصعاق المتلقي وادهاشه،


1- مقطوعة: 7 بيت: 1.

ص:122

وبهذا يظهر أثر العنصر الحسي، وقوة ايحاءاته، وما يثيره من مشاعر ومن التشخيص الصوري، ما قاله علیه السلام :

فلئن رماني الدهر منه بأسهم *** وتفرق من بعد شمل جامع(1)

إذ جعل الدهر يبدو وكأنه إنسان يرمي بسهام، وهذه السهام هي سهام المنية التي لا تخطئ من تصيبه مما شكّل حتمية انجلاء الضبابية عن النص، ومن ثم قوة التوصيل، فقارئ النص لن يصطدم بحاجز الانتظار الخائب، وإنما تكثف حساسية الوظيفة الاسلوبية عنده مما يزيد من كثافة المدرك الايصالي(2).

ونظيره في التشخيص الصوري قوله علیه السلام :

صبراً على جور الزمان القاطع *** ومنية ما أن لها من دافع(3)

ومن الصور الاستعارية قوله علیه السلام :

هذا حسين شارب المنون *** وتشربين بارد المعين(4)


1- مقطوعة: 5 بيت: 3.
2- ينظر: الاسلوبية والنقد الأدبي - منتخبات عن تعريف الاسلوب وعلم الاسلوب، اختيار وترجمة: عبد السلام المسدي، الثقافة الاجنبية، العدد (1) بغداد، السنة (1982م): 38.
3- مقطوعة: 5 بيت: 1.
4- مقطوعة: 10 بيت: 2.

ص:123

فالصورة الاستعارية هنا (شارب المنون) صوّر فيها العباس علیه السلام الموت الذي يجري نحو الإمام الحسين علیه السلام بهيئة شيء يشرب من ماء أو نحوه، ثم حذفه وأبقى على لازمه من لوازمه وهو فعل الشرب مما جعل الصورة مفعمة بالحيوية والشاعرية، ولاسيما من خلال بثّ الشعور بالنفور والألم في نفس المتلقي، وقد جعل علیه السلام للصورة عضداً دلالياً رامزاً من خلال اكسابها سمة ذوقية بدلالة اسم الفاعل (شارب) الذي يتمتع بفاعلية الثبات والدوام.

الصورة الكنائية

استند الشعراء في تشكيل ملامح صورهم إلى ما في الكناية من قدرة في خلق صورة تمتع النفس والذوق، إذ أن الشاعر بها، يعبر بالرمز والايحاء عن كل ما يجول في خاطره بعيداً عن المباشرة والتحديد الصريح اللذين يفقدان النص الأدبي الحياة، ويحرمان المتلقي من لذة التمتع بما فيه من صور وخيال فضلاً عن أن الشاعر في توظيفه للكناية في صوره، يؤكد معانيه وأفكاره ومشاعره حينما يضعها موضع المحسوسات بأن يجيء إلى معاني هي تاليها وردفها، فيحقق بذلك، وظيفتين دلاليتين هما: تثبيت المعنى، والبرهنة عليه(1).


1- ينظر: دلائل الإعجاز: عبد القاهر الجرجاني (ت471ه-) تصحيح وشرح: أحمد مصطفى المراغي، مكتبة المحمودية التجارية، ط2 (د.ت): 41، والتصوير البياني: د. حفني محمد شرف، المطبعة العثمانية، القاهرة، ط2، 1973م: 238، وعلم البيان: د. عبد العزيز عتيق، دار النهضة العربية، بيروت 1974م: 224 - 225، والتعبير البياني، رؤية بلاغية نقدية، د. شفيع السيد، دار المعارف، مصر، ط4، (د.ت): 161.

ص:124

ومما هو معروف عن الصورة الكنائية، أنها تحمل بعضاً مما في نفس الشاعر وعقله، وهذا هو مرادنا في شعر العباس علیه السلام فالصورة الكنائية ((ليست مجرد أداء معنى بألفاظ لا تدل على ظاهر مدلولها، وإنما هي صياغة فكرة تنبع من وجدان صاحبها فتماسك الألفاظ، وتبقي تعبيراً لكل لفظ منه مكانته ووشيجته التي تربطه بما أتى قبله، وبما يرد بعده))(1).

ووظيفة الكناية هذه في الشعر، وقدرتها على خلق صور تمثل أمام ناظري المتلقي، نلحظها في قول العباس علیه السلام :

يا آل اللئام وأبناء الرعيات *** يا جدنا لو ترى هذه الرزيات(2)

فقوله علیه السلام : (يا آل اللئام) و (ابناء الرعيات) تراكيب لا تحمل على ظاهر معناها، وإنما على المستقبل أن يتعب الذهن، ويكد الفكر لبلوغ المقاصد العميقة، ولاسيما أن الظاهرة الأدبية ليست عند الناص، ولا في النص، ولكن في علاقة النص بالقارئ(3) أي أنه إذا ما أمعنا النظر في الانزلاقات المتحققة خلف المعاني الظاهرة للكشف عن الدلالات الخفية، وتجاوزنا القانون اللغوي وخرقناه عندئذ ستتمظهر تلك الدلالة في


1- البلاغة والتطبيق: د. أحمد مطلوب و د. كامل حسن البصير، مطبعة جامعة الموصل، ط1، 1982م: 379.
2- مقطوعة: 1 بيت: 2.
3- ينظر: القارئ وتوليد الدلالة - تغيير عاداتنا في قراءة النص الأدبي، د. حميد الحمداني، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 2003م: 71، 105.

ص:125

كون (آل اللئام) و (ابناء الرعيات) كناية عن صفة ذميمة هي الذل والهوان.

الصورة المجازية

المجاز، هو كل ((كلمة أريد بها غير ما وقعت له في وضع واضعها لملاحظة بين الثاني والأول))(1)

والملاحظة بين معنى الكلمة الحقيقية ومدلولها المجازي سميت فيما بعد بعلاقة المجاز، والصورة المجازية إحدى الأقطاب الرئيسة التي تدور الصورة البيانية عليها، بوصفها ((تطوير للفظ العربي، وتحميله من المعاني المستحدثة ما لا يستوعبه هذا اللفظ في أصل وضعه واستوعبه استعمال المتجوز به والناقل له))(2) في صورة مستجدة نجدها في اللفظة المفردة من خلال المجاز المرسل، والتركيب من خلال المجاز العقلي.

والصورة المجازية في شعر العباس علیه السلام نلحظها في قوله:

أقاتل القوم بقلب مهتد *** أذبّ عن سبط النبي أحمد(3)


1- أسرار البلاغة: عبد القاهر الجرجاني (ت471ه-) تحقيق: ه-. ريتر، مطبعة وزارة المعارف، استانبول 1954م: 325.
2- الصورة الأدبية في الشعر الأموي: محمد حسين علي الصغير، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة بغداد 1975م: 37.
3- مقطوعة: 2 بيت: 1.

ص:126

فالصورة المجازية في قوله (بقلب مهتد) إذ العلاقة هي: علاقة الجزء بالكل، فالهداية في القلب تكون جزءاً أساسياً للهداية عند الإنسان ككل، ولا غرو في ذلك فالقلب مجمع اليقين ومرتكز الثبات الديني، وبهذا بدت حيوية الصورة المجازية وقيمتها، فضلاً عن تطعيمها دلالياً وفنياً تطعيماً شاعرياً.

الصورة الحسية

ومرادنا منها في هذا البحث: الصورة التي رسمت عن طريق الحواس الخمس الظاهرة من دون أن تكون لأساليب البيان أثر في تشكيلها. وعالم الحواس لا يتغلب فيه حاسة - كالبصر مثلاً - على الحواس الأخرى، لأن ((الجهاز العضوي بأكمله، وليس فقط جهاز الابصار، هو الذي يتفاعل مع البيئة في كل فعل من أفعاله، وليست العين أو الإذن أو أي حس آخر سوى المجرى أو القناة التي تمر عبرها الاستجابة الكلية))(1)

التي تقرّب الافكار والدلالات التي يمكن تأملها من خلال الخيال الذي تنتجه هذه الحواس في صور رائعة يثير فيها الشاعر مشاعر المتلقي وانفعالاته كما اثيرت في نفسه، وكل هذه الصور ترتبط بقدرة الشاعر اللغوية من خلال التعبير بالألفاظ والجمل والعبارات التي تصوّر ما يدور في ذهنه من مدلولات، وكلما كان هذا التعبير مناسباً ((كان جميلاً كذلك، لأن الجمال ليس إلاّ


1- الفن خبرة: جون ديوي، ترجمة: زكريا إبراهيم، دار النهضة العربية، القاهرة 1963م: 205.

ص:127

القيمة المحددة للتعبير وبالتالي الصورة))(1) والعباس علیه السلام في شعره استثمر قدرة الصور الحسية للتعبير عن مكامن الاحساس بالجمال، وأولى هذه الصور الحسية:

الصورة البصرية

تعد حاسة البصر من أكثر الحواس استعمالاً في الشعر، فهي تقوم بنقل الصور المختلفة من دون الوقوف عند جانب محدود فيها، وذلك لأن ((البصر له قيمة عظمى في الاحساس بالجمال، بل هي الوسيلة الأولى لذلك، فعن طريق العين تختزن آلاف الصور التي تردها نتيجة الرؤية، وكثير من الأشياء تميز بالعين لا تميز بالحواس الأخرى كالألوان والأشكال والاحجام وغيرها))(2)

والصورة البصرية تطالعنا في شعر العباس علیه السلام بطرق مختلفة، فنلحظ مفردات الرؤية في مشاهد مختلفة، فكانت دليلاً على اقتران الصورة البصرية بها، كما في قوله علیه السلام :

يا آل اللئام وأبناء الرعيات *** يا جدنا لو ترى هذه الرزيات(3)

ففعل الرؤية هنا (ترى) مرتبط بصورة افتراضية قوامها (لو) الافتراضية، لكنه افتراض ليس بمحال، إذ أمكن الرسول صلی الله علیه و آله و سلم - فيما سبق من حياته - أن ينبئ عمّا يحصل للإمام الحسين علیه السلام في واقعة الطف، لذلك انتقلت (لو) من صورة الرؤية


1- المجمل في فلسفة الفن: 65.
2- الصورة في شعر بشار بن برد: د. عبد الفتاح صالح نافع، دار الفكر للنشر والتوزيع، عمان، الأردن 1983م: 101 - 102.
3- مقطوعة: 1 بيت: 2.

ص:128

الافتراضية إلى صورة الرؤية الحقيقية لعلمه صلی الله علیه و آله و سلم بالغيب، وتصوره للأحداث والوقائع التي تحصل في صورتها الاستشرافية المستقبلية وكان عنصر الحركة من أبرز عناصر الصورة الحركية، وكان له حضوراً واضحاً في مواضع القتال، كقوله علیه السلام :

بل أضرب الهام وأفري المفرقا *** اني أنا العباس صعب باللقا(1)

فالفعل (اضرب) و (افري) فيهما من دلالة الحركة الشيء الكثير، فضلاً عن دلالة القوة والشدة لفاعل الحركة، وهي أفعال جاءت بصيغة المضارع وبذلك تتمتع بالدوام والاستمرارية من دون توقف، وهذا كله يشئ البيت الشعري بحلة قشيبة تزيده بهاء ونضارة.

وتزداد هذه الصورة البصرية قوة وشدة من خلال اختيار افعالاً محددة توحي بالضراوة والقسوة، كما في قوله علیه السلام :

نحن الفواضل نسل الهاشميات *** لسفك دماكم بحد المشرفيات(2)

فدلالة الفعل (سفك) توحي بالشدة والقسوة، ولاسيما تصديره بحرف (السين) الذي صفته التفشي والانتشار مما يعطي للصورة الحركية تساوقاً صوتياً ودلالياً، فضلاً عما تسبغه لفظة (حد المشرفيات) من تأكيد هذه الدلالة لكون حد السيف،


1- مقطوعة: 7 بيت: 3.
2- مقطوعة: 1 بيت: 1.

ص:129

وهو طرفه، وهو أكثر جزء من السيف قسوة وتأثيراً على العدو من حيث فعل القتل من باقي أجزائه.

الصورة السمعية

حاسة السمع لا تقلّ أهمية عن حاسة البصر، بل قد تفوقها في بعض الأحيان، فهي تستخدم ليلاً ونهاراً، وفي الظلام والنور، في حين أن المرئيات لا يمكن إدراكها إلاّ بالنور(1)

كما ((أن الإنسان يستطيع أن يدرك عن طريق الكلام افكاراً أرقى وأسمى مما قد يرده بالنظر، الذي مهما عبر فتعبيره محدود المعاني غامضها))(2)

لذلك كانت الصورة السمعية لب الصورة الحسية بوصفها وسيلة لتصور الأصوات، وفعلها في النفس(3)

فضلاً عن أن ((ايقاع الكلمة يساعد المعنى في رسم الصورة))(4)

إذ أن الصورة السمعية ((تقوم على توظيف ما يتعلق بحاسة السمع، ورسم الصورة عن طريق أصوات الألفاظ، ووقعها في الأداء الشعري، واستيعابها من خلال هذه الحاسة مفردة، أو بمشاركة الحواس الأخرى))(5).


1- ينظر: الأصوات اللغوية: 14.
2- م. ن: 15.
3- ينظر: مبادئ النقد الأدبي: إ.ا.ريتشاردز، ترجمة: د. مصطفى بدوي، وزارة الثقافة والارشاد القومي، القاهرة 1963م: 170 - 174.
4- الصورة الفنية معياراً نقدياً - منحنى تطبيقي على شعر الأعشى الكبير - د. عبد الإله الصائغ، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط1، 1987م: 409.
5- الصورة السمعية في الشعر العربي قبل الإسلام: د. صاحب خليل إبراهيم، مركز عبادي للدراسات والنشر، صنعاء، الجمهورية اليمنية، ط2، 1424ه- - 2003م: 28.

ص:130

فالصورة السمعية توحي بوقع شديد اللجهة، ولاسيما إذا كان ذلك في مواضع القتال والانتساب في الفخر بالنفس، كما في قوله علیه السلام :

أنا الذي اعرف عند الزمجره *** بابن علي المسمى حيدره(1)

ف- (الزمجره) فيها من الصورة السمعية الشيء الكثير، فهي تشير إلى شدة الصياح، والصخب والأصوات التي تخرج من أعماق الإنسان، ولا يخفى هنا الشدة والقسوة في الموقف، إذ أن في تلك الأوقات من الحرب تبرز الشجاعة والمنعة، وهذه الشجاعة ليست ببعيدة عن العباس علیه السلام بن علي المرتضى علیه السلام ، ذلك الأسد الشامخ، فالخيط المشترك بينهما هي العلاقة الوراثية، وبذلك أغنت الصورة بشكل مركز وموحٍ، وعمقت الدلالة من خلال استعمال لغوي خاص.

الصورة اللمسية والذوقية

وهي صور تعتمد على هذه الحواس المعروفة، فإذا كان البصر والسمع حاستين مهمتين في التعرف على مواطن الجمال وكوامن الأشياء، فليساهما الحكم الحقيقي الوحيد في أمور الجمال ((فما تعجب به العينان هو ما تعجب به في الغالب حواسنا الأخرى المتصلة بالوظائف الحيوية اتصالاً مباشراً، فكما أن اللمس علم العين كيف تقدر المسافات في المكان، فقد علمها كذلك مستعيناً بالذوق والشم، وسائر الحواس


1- مقطوعة: 4 بيت: 1.

ص:131

الحيوية وما ينبغي أن تعجب به، وتحبه وتسعى إليه))(1).

فحاسة اللمس، هي أيضاً، حاسة مهمة في إدراك الجمال، بل ان اللمس ((يتيح لنا أن نشعر باحساسات فنية من كل نوع حتى يستطيع أن ينوب مناب البصر إلى حد بعيد، وإن كانت حاسة اللمس عاجزة عن إدراك الألوان، إلاّ أنها تطلعنا على ناحية جمالية لا تستطيع العين وحدها أن تطلعنا عليها كالنعومة والرخاصة والملاسة))(2)

كما في قول العباس علیه السلام :

قد قطعوا ببغيهم يساري *** فاصلهم يا رب حرّ النار(3)

فالبيت الشعري يرتكز على صورة حركية بصرية في شطره الأول، وصورة لمسية في شطره الثاني (فاصلهم يا رب حر النار) فحرارة النار ان قيد لها أن تحس، فلا تحس إلاّ عن طريق ملامسة النار للجلد، والنار المقصودة هنا، هي ليست نار الدنيا، فهي نار قد تحدّ لها معايير نسبية لمقدار درجة حرارتها، أما نار الآخرة، فهي نار أزلية أخروية، لا يعلم كنهها، ومقدار درجة حرارتها غير الباري عزّ وجل، لذلك أطلق العباس علیه السلام القول في (حر النار) ولم يقيده بشيء معين، سوى أن قيد الحرارة هنا، هو النار، وليس غيرها.

ونرى أيضاً، الصورة الذوقية في قوله علیه السلام :


1- مسائل فلسفة الفن المعاصرة: جان ماري جويتو، ترجمة: د. سامي الدروبي، دمشق، ط2، 1965م: 41 وما بعدها.
2- م.ن: 43.
3- مقطوعة: 3 بيت: 3.

ص:132

هذا حسين شارب المنون *** وتشربين بارد المعين(1)

الذي يشير إلى صورة ذوقية هي (وتشربين بارد المعين) فحصول ارتواء النفس، وسد الحاجة من العطش أمر محال، فالإمام الحسين علیه السلام على اعتاب الموت، والحصول على اللذة بشرب الماء البارد، شعور بعدي طعمه الحسرة والندامة، واستعمال الفعل (تشربين) بصيغة المضارع يدلّ على دوام الفعل واستمراريته بهذا الشعور الناقم على هذا الفعل القبلي (شرب الماء) - إذا ما حصل فعلاً - وقد انطوت هذه الصورة الذوقية الموظفة في هذا السياق الأخوي الروحي على أعلى الانزياحات في نقل التجربة مصحوبة بانفعال نفسي، ومشاعر ملتهبة اتكأت على مدرك حسي (الذوق) مما عكست عن طيب ثمار شعر العباس علیه السلام .

وتزداد دينامية هذه الصورة الذوقية، وفاعليتها أكثر من خلال الصراع الأزلي بين الإنسان والنفس وصولاً إلى نقطة (التبئير) التي شكلت الرفض القاطع، وتهوين النفس في سبيل مبادئ وقيم ترسخت في شخصيته علیه السلام مما يحمل المتلقي على أن يغوص إلى أبعد مدى ليستخرج جوهر المعنى، وبذلك تنتقل تجربة المنشئ إلى ذهنه فيستقر باستقرارها، وذلك في قوله علیه السلام :

يا نفس هوني فالحسين معطش *** وبنوه والحرم المطهر أجمع


1- مقطوعة: 10 بيت: 2.

ص:133

والله لم أشرب من الماء قطرة *** وأخي الحسين بالعراء مضيع(1)

ومن كل ما سبق، يتضح أن الصورة في شعر العباس علیه السلام لم تقتصر على التصوير المادي للأشياء، وإنما حوت عمقاً نفسياً حتى أضفت على الصورة حياة بارزة وحركة متجددة لينقلب المعنى في الذهن إلى هيأة أو حركة تجسدها المشاعر النفسية في صور مختلفة.

الفصل الرابع: الجوانب الفنية في النثر (الخطبة والحديث الفني)

اشارة


1- مقطوعة: 6 بيت: 1، 2.

ص:134

المبحث الأول: اللغة والأسلوب

الخطابة:

تعرف الخطابة بأنها ((القدرة على النظر في كل ما يوصل إلى الاقناع في أي موضوع من الموضوعات))(1)

إذ يسعى الخطيب إلى اقناع المخاطبين بالكلمة والايقاع والاشارة أثناء الالقاء، وهذا ما يميزه عن الكاتب أثناء كتابة رسالته، لأن المخاطب في الخطب يستخدم حاسة السمع والبصر بينما في الرسائل ينتهي دور السمع(2).

تعد الخطابة ركناً أساسياً من أركان الحياة الاجتماعية في أي عصر ولكل أمة من الأمم، وتتجلى وظائفها في ((الدفاع عن الرأي، وتنوير الرأي العام في أي أمر من الأمور، والحض على الاقتناع بمبدأ من المبادئ، والتحريض على اكتساب الفضائل والكمالات، واجتناب الرذائل والسيئات، وإثارة شعور العامة، وإيقاظ الوجدان والضمير فيهم))(3).

وعليه يصبح هذا الفن من الفنون الأدبية المتكاملة على مستوى البناء الفني ((تجمعه وحدة بنيوية متآلفة متآزرة متناسقة، تتميز بمراعاة المساواة ما بين أجزاء


1- كتاب الخطابة: ارسطوطاليس، ترجمة وتحقيق: إبراهيم سلامة، مطبعة لجنة البيان العربي، ط2، 1372ه- - 1973م: 82.
2- مدخل إلى علوم نهج البلاغة:
3- المنطق: محمد رضا المظفر، منشورات دار العلم، قم، (د.ت): 3/368.

ص:135

الكلام، وحسن الترتيب والتنظيم، والتدرج من المقدمة ((النظرية)) إلى العرض فالخاتمة ((البرهان))(1)

فهي تتجة إلى مخاطبة عقل الإنسان بالاقناع، وعاطفته بالتأثير(2).

تندرج الخطبة في اطارها الموضوعي بواقعة الطف، وتمثل دعوة صريحة من العباس علیه السلام إلى أهله وأبناء عمومته للذود عن الإمام الحسين علیه السلام وعياله وحرمه، وفيها نلحظ التأكيد على تقدمتهم بداعي صلة القربى من الإمام الحسين علیه السلام ، وعليه فأقاربه أولى بالدفاع عنه من الغرباء.

عبر العباس علیه السلام في هذه الخطبة عما جاش في صدره، وما اضرب في نفسه حيال اخوته وبني عمومته، كاشفاً ما ران في صدورهم من قضية تقدمتهم في قتال الاعداء، فكانت كلماته بياناً صادقاً عما تختلج به العواطف.

بدأت الخطبة بالنداء للتنبيه واستنهاض الهمم يتخللها استفهاماً يحمل معه قضية مصيرية وأهوال عظيمة تطفوا على السطح، فكانت الإجابة سريعة بالتخويل الكامل للعباس علیه السلام في الأمر، فهم لا يتعدون قوله، ثم يأتي رسم المسار الصحيح للأمور من العباس علیه السلام ، وحل هذه الاشكالية والامتحان العسير - من الذي يتقدم أولاً للقتال ؟

الأهل والأقارب أم الأصحاب ؟ بأن يتقدم الأهل أولاً ((فالحمل


1- التعبير الوظيفي: مجد محمد، مكتبة الرسالة الحديثة، عمان، الأردن، ط1، 1989م: 124 - 125.
2- ينظر: الخطابة في صدر الإسلام، محمد طاهر درويش، دار المعارف، مصر: 1/10.

ص:136

الثقيل لا يقوم به إلاّ أهله، والأصحاب قوم غرباء))(1)

والخطبة مازجت بين العاطفة واسلوب الحوار، إذ أن عاطفته تنساب بين أطياف خطبته كما في قوله: ((إذا كان الصباح فما تقولون))(2) ثم هذه الحوارية التي تنبئ عن الواقع النفسي الذي يكتنف شخصياتهم، والأرضية الصلبة التي يمتلكونها، ومن ثم استعدادهم النفسي والجسدي الكامل للدفاع عن الإمام الحسين علیه السلام ، كما أنها تكشف عن محمولاتهم العقائدية، وروحهم الثورية التي تمكنهم من الصمود والوصول إلى هدفهم المنشود، وهي الشهادة بين يدي الإمام الحسين علیه السلام .

الخطبة واللغة والاسلوب:

الاستفهام:

من الأساليب التي اعتمدها العباس علیه السلام في بناء خطبته، وقد ورد في موضع واحد في قوله علیه السلام : ((إذا كان الصباح فما تقولون ؟))(3).

عند قراءتنا النص نلحظ امتداد الفضاء الدلالي فيه، وبنائه على قيمة التوقع في الإجابة بما يوحيه فعل القول الذي يكتنز النص، إذ يفضي إلى دلالات ضمنية عميقة ترتبط بالمرجعيات والمحاضن الروحية والايمانية والنسبية، وبذلك يزيد من أدبية النص وشاعريته.


1- الخطبة
2- الخطبة
3- الخطبة

ص:137

النداء:

وهو من الأساليب التركيبية، ونجده في قوله علیه السلام : ((يا أخوتي وبني عمومتي))(1)

إذ نلحظ فيه حرصه علیه السلام على القيمة التوصلية للخطاب، فضلاً عن القيمة النفسية والجمالية.

فهو خطاب الأخوة وأبناء العمومة، إذ ينمّ عن دلالة اللين والموادعة، ومتشحاً بدلالة الحزم والجدية في التنبيه إلى إتخاذ قرار صائب.

الشرط:

وهو من الأساليب التي استعملها العباس علیه السلام في خطبته، ويشير تركيبه إلى تلازم بنائي وصوري، وذلك في قوله: ((فإذا كان الصباح فأول من يبرز إلى القتال))(2)

وكذلك في قوله: ((إذا كان الصباح فما تقولون))(3) وقوله: ((فلما قتلوا عالجوا الموت بأسيافهم))(4).

النفي:

أسلوب استعمله العباس علیه السلام في خطبته، وذلك في قوله علیه السلام : ((لا نتعدى لك قولك))(5)

والنفي هنا يثري النص فنياً واسلوبياً، إذ توحي دلالة النفي ب- (لا) بتداخل الزمن الماضي والحاضر والمستقبل، وعدم تقاطعه مع الذات، فهم لم


1- الخطبة
2- الخطبة
3- الخطبة
4- الخطبة
5- الخطبة

ص:138

يخرجوا عن قوله علیه السلام في أي زمان ومكان، إذ شكلوا معه روحاً واحدة عمادها الجماعة الحقة المبنية على صلة القرابة الروحية والنسبية.

التوكيد:

ويستعمله علیه السلام لتوكيد أمر أو نهي أو نفي أو غيره، وذلك بحسب تنوع السياق، وتعدد غائيته، ومنه التوكيد بالقصر، وذلك في قوله علیه السلام : ((لا يقوم به إلاّ أهله))(1)

أو توكيد أمر، أو جلاء فكرة معروفة يحاول علیه السلام إعادة اضاءتها، في قوله علیه السلام : ((ان هؤلاء - أعني الأصحاب - قوم غرباء))(2) وقد صوّرت هذه النصوص انفعالاته علیه السلام ومشاعره حول الموضوع - القتال - وبتعبير جمالي ينير الحقائق، ويدفع التشويش الذي قد يتحصل من الفهم الخاطئ للموضوع.

التقديم والتأخير:

من الظواهر الاسلوبية التي استعملها علیه السلام في خطبته، وذلك في قوله علیه السلام : ((الأمر إليك يرجع))(3)

فهنا قدّم الفاعل (الأمر) على الفعل (يرجع) لبيان أهمية الأمر وخطورته والعناية به أولاً، والاختصاص ثانياً من خلال اقتصار البت فيه -


1- الخطبة
2- الخطبة
3- الخطبة

ص:139

إليك - وهذا التقديم يكشف عن التمكن اللغوي الذي انماز به العباس علیه السلام في خطبته.

الحديث الفني: لغةً واصطلاحاً:

لم تشتمل المعاجم اللغوية (كتاب العين، ولسان العرب، والقاموس المحيط، والصحاح على المعنى اللغوي لهذا النوع الأدبي، بصيغته المركبة (الحديث الفني) لحداثة تسمية هذا النوع(1).

والحديث كل ما يتحدث به الإنسان أو يقوله(2)

وقد تحولت المفردة (الحديث) إلى مصطلح، ولذلك قيل إن: ((مصطلح الحديث دائر بين البلاغيين والنقاد))(3)

وقد أفرد له ابن وهب الكاتب في أحد كتبه مبتدئاً بتعريفه: ((وأما الحديث فهو ما يجري بين الناس في مخاطباتهم ومجالسهم، وأما وجوهه: فمنها الجد والهزل، والسخيف والجزل، والحسن والقبيح، والملحون والفصيح، والخطأ والصواب))(4).

ومعلوم أن الحديث الذي لا يتوفر على عناصر فنية معينة، غالباً ما يعتمد في بيان حقيقة أو مسألة أو مفهوم ما، أي أن اللغة التي يتحدثها المتحدث في حديثه هي لغة


1- ينظر: أدب الإمام الحسين علیه السلام : 63.
2- ينظر: لسان العرب: 2/133 (مادة حدث).
3- النثر الصوفي عند أبي حيان التوحيدي: د. فائز طه عمر، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، العراق، ط1، 2004م: 193.
4- البرهان في وجوه البيان: ابن وهب الكاتب (ت337ه-) تحقيق: د. أحمد مطلوب و د. خديجة الحديثي، مطبعة العاني، بغداد، ط1، 1967م: 246.

ص:140

تقريرية اخبارية، بعيدة عن الخيال والتصوير، كما هو حال اللغة العلمية الجافة التي هي لغة العلوم والمعارف ولغة الأحاديث الفقهية، ولاسيما التي تتناول معاملات المسلم وعباداته كما هو في معظم أحاديث الناس، وغير ذلك(1).

بيد أن الحديث - الذي نحن بصدده - لا يعتمد المباشرة أو التقريرية في صياغته، لأنه عموماً يتطلب نوعاً من التأمل، فهو يحمل قدراً من الضبابية الشفافة، أو ما يسمى بالغموض الفني في الأدب ((الذي يؤدي ما يعرف بتعدد القراءات للنص الواحد فوجوده وجود مؤثر وغني وفاعل))(2)

فضلاً عن أن إشراك المتلقي في كشف دلالة الأحاديث التي تحمل تلك الصفة، يحقق له جسراً من التوصيل ومزيداً من الامتاعين الدلالي والجمالي(3)

وفي ضوء ما تقدم يمكننا أن نقرر بوضوح أن الحديث الفني هو: ((الحديث المختصر الذي يقدم في مناسبات مختلفة، ويكتفي فيه أحياناً بعدد قليل من المستمعين، ويوظف فيه سمات فنية، وأدوات جمالية لتعميق دلالة المراد توصيله إلى المتلقي))(4)

وهو: توصيات عامة قصيرة، ترد مستقلة أو قد


1- ينظر: أدب الإمام الحسين علیه السلام : 63.
2- الاتجاه السيميائي في نقد الشعر العربي: غريب طارش الساعدي، رسالة ماجستير، كلية التربية، الجامعة المستنصرية، 1996م: 74.
3- ينظر: أدب الإمام الحسين علیه السلام : 63 - 64.
4- أدب الإمام الحسين علیه السلام : 64.

ص:141

ترد ضمن نوع أدبي معين، وتوشح عادة، بعنصر الصورة أو بعنصر الايقاع أو بكليهما معاً(1).

وقد اهتم العباس علیه السلام بهذا النوع الذي تكفل ببيان عدد كبير من الظواهر العبادية والإنسانية والسياسية من خلال العبارات القصيرة الدالة والقادرة على النفاذ إلى ذهن المتلقي.

الحديث الفني واللغة والاسلوب:

الاستفهام:

ونلحظ وروده في الأحاديث الفنية كما في قوله علیه السلام : ((أليس لي اتصال برسول الله))(2)

فالاستفهام الوارد هنا لا يحتاج إلى جواب، لأنه يقرر فكرة ويحمل المخاطب على الاعتراف بها، وبمعنى آخر: أن جواب السؤال ثابت في المنظومة المعرفية للطرفين، فجواب السؤال غير منكور لكلا الطرفين، ومن ثم فلا استجلاب للفهم فيه وليس فيه محاولة لملء الفراغ المعرفي الذي يسعى الاستفهام إليه في حقيقته(3).


1- ينظر: تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي، د. محمود البستاني، مجمع البحوث الإسلامية، بيروت، لبنان، 1990: 322.
2- الحديث: 1.
3- ينظر: الخطاب في نهج البلاغة: 100 - 101.

ص:142

ونظيره قوله علیه السلام : ((أبمثلي يلقى إليه الخدع والمحال))(1)

وقوله علیه السلام : ((أتشجعني يا زهير في مثل هذا اليوم))(2).

وقد يخرج الاستفهام حاملاً اغراضاً مجازية كثيرة، كالتوبيخ في قوله علیه السلام : ((اتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له))(3)

ونظيره قوله علیه السلام : ((اتأمرنا أن نترك أخانا))(4)

فالاستفهامات الواردة أفادت معنى التوبيخ الذي يعني الحط من قدر المخاطب، لأنه إما أن يكون كاذباً أو مدعياً أو ذليلاً(5).

أو يخرج إلى معنى التحقير والحط من شأن المخاطب، كما في قوله علیه السلام : ((يا قوم أأنتم كفرة أم مسلمون))(6)

والتحقير يعني ((تصغير شأن المخاطب والاستخفاف به والحط من منزلته))(7).

أو يخرج لمعنى التعجب كما في قوله علیه السلام : ((وكيف لا أبكي))(8)

وكذلك قوله علیه السلام : ((أبالموت تخوفني))(9)

فالاستفهامات الواردة في هذه الخطابات أفادت معنى


1- الحديث: 1.
2- الحديث: 12.
3- الحديث: 4.
4- الحديث: 4.
5- ينظر: جمالية الخبر والانشاء - دراسة بلاغية جمالية نقدية - حسين جمعة، منشورات اتحاد الكتاب العرب.
6- الحديث: 6، دمشق، 2005م: 130.
7- ينظر: جمالية الخبر والانشاء: 159.
8- الحديث: 8.
9- الحديث: 7.

ص:143

التعجب الذي يعني ((تعظيم الأمر في قلوب السامعين، لأن التعجب لا يكون إلاّ من شيء خارج عن نظائره وأشكاله))(1)

ومن ثم نرى العباس علیه السلام يستعظم، أو ينبهر به، أو يستغربه.

أو يأتي الاستفهام حاملاً معنى التجسر والألم لفقدان الأحبة، كقوله علیه السلام وهو يخاطب الإمام الحسين علیه السلام : ((من يرفع رأسك عن التراب))(2)

وقوله علیه السلام : ((ومن يمسح التراب عن وجهك))(3).

النداء:

من الأساليب التي استعملها العباس علیه السلام في أحاديثه الفنية، وأغلبه - أسلوب النداء - قد خرج الى معانٍ حقيقية، إذ كان المقصد منه لفت نظر المنادى وتنبيهه على الأمر الذي يلي النداء من خبر أو أمر أو نهي أو استفهام، كقوله علیه السلام : ((أتشجعني يا زهير في مثل هذا اليوم))(4)

وقوله علیه السلام : ((وأنا يا عدو الله وعدو رسوله فمعوّد للقاء الأبطال))(5) وقوله علیه السلام : ((ولكن يا شمر أقبل أنت نصيحتي))(6)

وقوله علیه السلام :


1- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، محمود بن عمر الزمخشري (ت538ه-) تصحيح: عبد الرزاق المهدي، دار احياء التراث العربي، بيروت، ط1، 2003م: 4/97.
2- الحديث: 8.
3- الحديث: 8.
4- الحديث: 12.
5- الحديث: 1.
6- الحديث: 7.

ص:144

((أبشري يا زينب الآن))(1)

لكن النداء قد خرج إلى معانٍ مجازية في قوله علیه السلام : ((يا بني فلاح أنا ابن اختكم أم عاصم الكلابية وأنا عطشان))(2) الذي أفاد معنى التوبيخ.

أو يفيد معنى التحسر والألم في قوله علیه السلام : ((يا أخي يا نور عيني وكيف لا أبكي))(3).

وقد ورد النداء من دون ذكر أداته مما يوحي أن العباس علیه السلام أراد بحذف أداة النداء أن يمحي الفواصل الزمانية والمكانية بينه وبين المنادى ولاسيما إذا كان المنادى شخصاً قريباً منه جداً، وهي عقيلة الهاشميين زينب علیه السلام : ((أخيّة زينب أمثلي توصين))(4).

الأمر:


1- الحديث: 5.
2- الحديث: 9.
3- الحديث: 8.
4- الحديث: 5.

ص:145

وقد ورد في نماذج كثيرة، أغلبها خروج فيها إلى معان مجازية كما في قوله علیه السلام وهو يخاطب الإمام الحسين علیه السلام وبه رمق: ((دعني في مكاني، فاني مستح من ابنتك سكينة))(1).

فالأمر هنا أفاد معنى التحسر والألم من خلال هذه المشاعر الإنسانية الرقيقة النابضة بالحياة التي تبرز عمق العلاقة النسبية بين البنت والعم والأخ مع أخيه، فضلاً عن جوهرها الروحي المشبع بالإيمان الراسخ.

أو يخرج الأمر إلى معنى النصح والارشاد، وذلك في قوله علیه السلام وهو يخاطب الشمر: ((إقبل نصيحتي، اترك هؤلاء القوم اللئام، وانصر ابن فاطمة))(2)

فالأوامر ((اقبل، اترك، انصر)) وقد وردت بصيغة الأمر وهي تحمل هذه الدلالة المجازية - النصر والارشاد -.

ومن دلالة النصح والارشاد قوله علیه السلام وهو يخاطب المارد بن صديف: ((فخذ في الجد، واصرف عنك الهزل))(3).

أو يحمل معنى التوبيخ، كقوله علیه السلام وهو يخاطبه أيضاً: ((فاصرف عنك ما أملته))(4).


1- الحديث: 3.
2- الحديث: 7.
3- الحديث: 1.
4- الحديث: 1.

ص:146

النهي:

وقد وردفي موضع واحد وبصيغته الحقيقية، وذلك في قوله علیه السلام وهو يخاطب الإمام الحسين علیه السلام : ((لا والله لا نخليك أبداً))(1).

النفي:

وفيه يتوسل بأدواته المتعددة لدفع ما يتردد في ذهن المخاطب، ومنها (لا) التي تفيد نفي الحاضر نفياً عاماً في قوله علیه السلام : ((وكيف لا أبكي ومثلك الآن جئتني))(2)

أو تفيد نفي الحاضر والمستقبل في قوله علیه السلام : ((فلا يخاف ممن يبرز إليه))(3)

وقوله علیه السلام : ((ولا يخاف من ضرب الحسام))(4)

وقوله علیه السلام : ((لا أعجز عن مبارزة الأقران))(5)

أو يفيد النفي بها الاستمرارية في الزمن، أي نفي الماضي والحاضر والمستقبل، وذلك في قوله علیه السلام : ((ولا خالفت رسول الله فيما أمر))(6)

فهو علیه السلام لم يخالف أوامر الرسول صلی الله علیه و آله و سلم في جميع الأزمنة.


1- الحديث: 14.
2- الحديث: 8.
3- الحديث: 1.
4- الحديث: 1.
5- الحديث: 1.
6- الحديث: 1.

ص:147

أو يكون النفي بها للجنس، كما في قوله علیه السلام : ((وابن رسول الله لا أمان له))(1).

ومن أدوات النفي (ما) التي وردت في قوله علیه السلام : ((وما أشركت بالله لمحة بصر))(2).

وقوله علیه السلام : ((فما أنا ممن يأسى على الحياة))(3).

الشرط:

من الأساليب التي استعملها العباس علیه السلام لدواع دلالية جمالية، ومن أدوات الشرط التي استعملها (لما) التي شكّلت وجودية الصورة فبها خلقت صورة الجواب - إن صحّ لنا أن نفصل صورة الشرط الكاملة - لوجود صورة فعل الشرط، وذلك في قوله علیه السلام وهو يخاطب العقيلة زينب علیه السلام : ((فلما سمع منها ذلك تمطى ركابه))(4)

فوجود صورة الجواب - تمطى ركابه - مقترنة بوجود صورة الشرط - سمع منها ذلك -.

ومن أدوات الشرط (من) التي شكلت مرجعية العاقل في مواجهة صور الواقع التي رسمها العباس علیه السلام من خلال تعانق صورة فعل الشرط وصورة جوابه، كما في قوله علیه السلام : ((فمن كملت هذه الأوصاف فيه فلا يخاف ممن برز إليه))(5)

وقوله علیه السلام :


1- الحديث: 4.
2- الحديث: 1.
3- الحديث: 1.
4- الحديث: 5.
5- الحديث: 1.

ص:148

((من كان من هذه الشجرة فلا يدخل تحت الذمام))(1).

ومنها (إذا) وأحسبها تعليق صورة الجواب - إن صحّ لنا أن نفصل صورة الشرط الكاملة - على صورة فعل الشرط، وذلك لأن الشرط ممكن الوقوع(2) وذلك في قوله علیه السلام : ((إذا قصد صار أرضاً بواراً))(3).

ومنها (إن) التي تستعمل في الشرط الذي يندر وقوعه(4) كقوله علیه السلام : ((فإن رآني أصحابك وأنا مقتول فلربما يقلّ عزمهم))(5).

ومنها (لو) التي يبدو فعل الشرط وجوابه فيها غير ممتنع الوقوع متحقق في الواقع قولاً وفعلاً(6)

وذلك في قوله علیه السلام وهو يخاطب الأعداء: ((يا أعداء الله ورسوله لو كان معنا نصفكم لقتلناكم جميعاً))(7).

التوكيد:

أسلوب من الأساليب التي لجأ إليها العباس علیه السلام في أحاديثه الفنية لايضاح مضامينه الدلالية فضلاً عن زيادة حدة الخطاب التوصيلي، ويستعمل العباس علیه السلام التوكيد بطرائقه المتعددة التي منها: التوكيد ب- (إن) مع اسمها وخبرها والتي تفيد


1- الحديث: 1.
2- ينظر: جواهر البلاغة: 163.
3- الحديث: 1.
4- ينظر: جواهر البلاغة: 163.
5- الحديث: 3.
6- ينظر: مغني اللبيب: 1/256.
7- الحديث: 15.

ص:149

توكيد مضمون الجملة وتحقيقه(1)

وذلك في قوله علیه السلام : ((إنني أرجو الله تعالى أن أقتلك برمحك))(2) ومنها (أن) مع اسمها وخبرها والتي تفيد أيضاً توكيد مضمون الجملة وتحقيقه(3)

كما في قوله علیه السلام : ((غير أني أرى جعلك في مناخ))(4).

ومنها التوكيد باسلوب القصر (النفي وإلاّ) الذي يفيد تخصيص الحكم بشيء وقصره عليه، ويكون هذا التوكيد في الشيء الشديد الانكار، كما في قوله علیه السلام : ((ما أراك إلاّ أتيت بجميل))(5)

وقوله علیه السلام أيضاً: ((ولا نطقت إلاّ بتفصيل))(6).

ومنها التوكيد بالقسم كقوله علیه السلام : ((والله لأرينك شيئاً))(7).

ومنها التوكيد ب- (قد) مع الفعل الماضي بما يفيد التحقيق، وذلك في قوله علیه السلام : ((فإني مستح من ابنتك سكينة وقد وعدتها))(8)

وقوله علیه السلام : ((قد ضاق صدري وسئمت من الحياة))(9).


1- ينظر: شرح المفصل: 8/59.
2- الحديث: 1.
3- ينظر: شرح المفصل: 8/59.
4- الحديث: 1.
5- الحديث: 1.
6- الحديث: 1.
7- الحديث: 12.
8- الحديث: 3.
9- الحديث: 11.

ص:150

ومنها التوكيد بضمير الفصل، وذلك في قوله علیه السلام : ((فما أنا ممن يأسى على الحياة))(1)

ومنها (لكن) التي تفيد توكيد مضمون الجملة، كما في قوله علیه السلام : ((لكن يا شمر اقبل أنت نصيحتي))(2).

ومنها (نون التوكيد) الخفيفة أو الثقيلة، وقد أورد علیه السلام التوكيد بالنون الثقيلة فقط بما يشعر بضخامة الحدث وثقله، ومن ثم الحاجة إلى توكيده بالنون الثقيلة، كما في قوله علیه السلام : ((والله لأرينكي ما تسرين به))(3)

وقوله علیه السلام : ((والله لأرينك شيئاً))(4).

ومنها التوكيد ببعض الألفاظ مثل (أبداً) في قوله علیه السلام : ((لا نفارقك أبداً))(5) وقوله علیه السلام : ((لا نخليك أبداً))(6).

التقديم والتأخير:

من الظواهر الاسلوبية التي استعملها العباس علیه السلام في أحاديثه الفنية، ومنه قوله علیه السلام وهو يخاطب الإمام الحسين علیه السلام : (فإن رآني أصحابك وأنا مقتول فلربما يقلّ عزمهم))(7)

فهنا قدم المفعول به (ياء المتكلم) على الفاعل (أصحابك) للعناية


1- الحديث: 1.
2- الحديث: 7.
3- الحديث: 5.
4- الحديث: 12.
5- الحديث: 14.
6- الحديث: 14.
7- الحديث: 13.

ص:151

والاهتمام بالمتقدم، إذ المراد بالاهمية رؤية العباس علیه السلام من أصحابه، وهو ملقى على الأرض، وليس رؤية أصحابه له علیه السلام ، فمقتله قد يهزهم، ويقلل عزمهم.

ومنه قوله علیه السلام : ((وإليه بالحسرة ناظرون))(1)

الذي قدّم فيه الخبر شبه الجملة (إليه) على المبتدأ (ناظرون) لأنه محل الاهتمام والعناية، إذ أن المقصود بالأهمية هو الماء والحاجة إليه، وليس النظر إلى مكانه.

الايقاع والخطبة:

من الوسائل التي تزيد جمالية الخطبة فضلاً عن أهميته الدلالية التي تتضح من خلال توقيعاته الموسيقية بفعل تقنياته المختلفة التي لم يرد منها في الخطبة سوى (التكرار) ويبدو أن قلّة عدد الخطب، كان السبب الرئيس في قلّة التقنيات الموسيقية المستعملة عند العباس علیه السلام .

والتكرار نلحظه في قوله علیه السلام : ((فلما قتلوا عالجوا الموت بأسيافهم ساعة بعد ساعة))(2) فالتكرار هنا في لفظة (ساعة) التي احدثت في النص قيماً صوتية ودلالية تجذب عناية المتلقي إلى الحدث - قضية القتال والموت دفاعاً عن قضية الإمام الحسين علیه السلام - كما تكسي النص بأبراد جمالية تزيده حسناً ورونقاً.


1- الحديث: 9.
2- الخطبة

ص:152

الايقاع والحديث الفني:

تعددت التقنيات الموسيقية في الحديث الفني، وذلك لكثرة نماذجه على العكس من الخطبة، ومن تلك التقنيات الموسيقية:

السجع:

وهو ظاهرة اسلوبية ووسيلة صوتية تشكل ركناً أساسياً في التكوين الايقاعي للنصوص الأدبية، كما أنه يبرز المعاني بصورة جمالية، ويعرّف بأنه ((تواطؤ الفواصل في الكلام المنثور على حرف واحد))(1)

وعليه يصبح السجع ((صورة نغمية يراد بها جعل الكلام بصيغة متوافقة))(2)

مع التركيز على أن ((حسن السجع اختلاف قرينته في المعنى))(3)

فالدواعي الدلالية هي قبلة السجع التي يستقبلها المتلقي بمعان تتأثر بالنص وسياقه، فضلاً عن امكانية متلقيه، وإلى ذلك المعنى اشار عبد القاهر الجرجاني بقوله: ((انك لا تجد تجنيساً مقبولاً، ولا سجعاً حسناً حتى يكون المعنى هو الذي طلبه واستدعاه))(4)

وأنواع السجع هي: المطرف والمتوازي والمرصع.


1- المثل السائر: 1/9.
2- جرس الألفاظ: 232.
3- نصوص بلاغية من مباحث البيان والبديع: عبد الحكيم راضي، مكتبة الآداب، ط2، 2005م: 194.
4- أسرار البلاغة: 11.

ص:153

السجع المتوازي:

وهو أن تتفق الفاصلتان أو الفواصل في الوزن والتقفية(1) ومن أمثلته قوله علیه السلام : ((ما أراك إلاّ أتيت بجميل، ولا نطقت إلاّ بتفصيل))(2) وقوله علیه السلام : ((وما أشركت بالله لمحة بصر، ولا خالفت رسول الله فيما أمر))(3).

السجع المطرف:

وفيه تكون نهاية الفواصل ملتزمة بحرف واحد دون التقيد بزنة عروضية(4)

كقوله علیه السلام : ((فمعود للقاء الابطال، والصبر على البلاء في النزال))(5) وقوله علیه السلام : ((ومكافحة الفرسان وبالله المستعان))(6)

وقوله علیه السلام : ((أنا كبش كتيبتك ومجمع عددك))(7).

السجع المرصع:

وهو ((اتفاق القرينتين أو أكثر وزناً وتقفية))(8) ومثاله قوله علیه السلام : ((أمثلي


1- ينظر: حسن التوسل إلى صناعة الترسل: 209.
2- الحديث: 1.
3- الحديث: 1.
4- ينظر: حسن التوسل إلى صناعة الترسل: 209، والتلخيص في علوم البلاغة: جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني الخطيب، ضبطه وشرحه: عبد الرحمن البرقوفي، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان (د.ت): 398.
5- الحديث: 1.
6- الحديث: 1.
7- الحديث: 3.
8- ينظر: كتاب الصناعتين: 263.

ص:154

توصين، وعليّ تخافين، إذا عدمت عقلي، وذهبت نخوتي))(1).

الجناس:

من التقنيات الموسيقية التي استعملها العباس علیه السلام في أحاديثه الفنية، وقد ورد الجناس الناقص في قوله علیه السلام : ((ما أصنع بأسير وقد قرب المسير))(2)

الذي جانس فيه بين لفظة (أسير، المسير) مما احدث تناغماً موسيقياً فضلاً عن الثراء الدلالي من خلال الاختلاف بين حرفي (الهمزة) و (الميم).

ومنه قوله علیه السلام : ((أو في الصخر الأطمس لا تقبله الأنفس))(3)

الذي جانس فيه بين لفظة (الأطمس، الانفس) وما اسبغ على التركيب تجاوباً موسيقياً وإمكاناً دلالياً باختلاف تركيب أحرف الكلمتين.

الطباق:

ورد في أحاديثه الفنية، وذلك في قوله علیه السلام : ((فخذ في الجد واصرف عنك الهزل))(4) فطابق هنا بين الفعل (خذ، اصرف) وبين (الجد، الهزل)، وكذلك قوله علیه السلام : ((فكم من صغير خير من شيخ كبير عند الله تعالى))(5) فطابق هنا بين


1- الحديث: 5.
2- الحديث: 11.
3- الحديث: 1.
4- الحديث: 1.
5- الحديث: 1.

ص:155

(صغير، كبير) وقوله: (هذا والله يوم الفراق والملتقى يوم القيامة))(1)

فطابق هنا بين (الفراق، الملتقى) وقوله علیه السلام : ((وانصر ابن فاطمة الزهراء بنت سيد الأنام تنال شرف الدنيا والآخرة))(2)

وهذه الأمثلة جميعها تعكس نغماً صوتياً تحدثه هذه الدلالات المتضادة مما يولد ايقاعات خفية في النفس قوامها المعنى وضده.

التكرار:

يسهم التكرار في تحقيق ايقاع صوتي في الحديث الفني عند العباس علیه السلام ، والتكرار هنا يكون مؤازراً للمعنى، إذ ليس ثمة ما يدعو إليه غير توضيح المعنى وتأكيد.

ومن التكرار، تكرار الحروف، كما في قوله علیه السلام وهو يخاطب الشمر: ((لعنك الله ولعن أمانك اتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له))(3)

فالتكرار هنا في حرف النون الذي ساعد في إبراز المعنى، وتحقيق انسيابية للنص، والنون من الاصوات المجهورة بين الشدة والرخاوة(4)

وهذا الشجن في صوتها يلائم حزن العباس علیه السلام وأساه على الإمام الحسين علیه السلام الذي ليس له أمان، بينما الشمر يعرض عليه - العباس علیه السلام -


1- الحديث: 13.
2- الحديث: 7.
3- الحديث: 4.
4- ينظر: الأصوات اللغوية: 61.

ص:156

وعلى اخوته الأمان، ولا يخفى ما يوحيه ((الصوت المنطوق من هذه الحروف بصورة المعنى المقصود))(1).

ومنه تكرار الألفاظ الذي لم يأتِ اعتباطاً، وإنما جاء لغايات دلالية، فضلاً عن أن تكرار الألفاظ يسهم في تكثيف الايقاع الصوتي، كقوله علیه السلام : ((وأنا يا عدو الله وعدو رسوله))(2)

الذي كرر فيه لفظة (عدو) مما حقق ((لهجة ايقاعية، ونبرة حادة))(3)

أثرى صداهما العبارة موسيقياً ودلالياً.

ومنه قوله علیه السلام : ((لا والله لا نخليك أبداً ما دام فينا عرق ينبض ولا نفارقك أبداً))(4)

إذ أن تكرار لفظة (أبداً) قد ركزت على فكرة توكيد عدم مفارقة العباس علیه السلام وأهل البيت علیه السلام وأصحاب الإمام الحسين علیه السلام ، فضلاً عمّا أسهمت به هذه اللفظة من اضفاء الدقة في الوصف، وترسيخ الفكرة في ذهن المتلقي.

وتكرار أدوات معينة، كتكرار (يا) النداء في قوله علیه السلام : ((يا أخي يا نور عيني))(5)

ولا يخفى ما في توقيعها النغمي، وقيمتها الدلالية من آفاق روحية وفكرية عميقة مما ساعد في قوة التواصل وديمومته.


1- الصورة السمعية ودلالتها البلاغية في القرآن الكريم: عباس حميد السامرائي، أطروحة دكتوراه، كلية التربية، جامعة بغداد، 1422ه- - 2001م: 12.
2- الحديث: 1.
3- تحولات النص - بحوث ومقالات في النص الأدبي -: د. خليل إبراهيم، منشورات وزارة الثقافة، عمان، الاردن، ط1، 1999م: 12.
4- الحديث: 14.
5- الحديث: 8.

ص:157

ومنه تكرار الضمير (أنا) في قوله علیه السلام : ((أنا ابن اختكم أم عاصم الكلابية وأنا عطشان))(1) الذي أثرت (موسقة) الخطاب فيه إلى تحقيق ايقاع موسيقي محفز للشاعرية، وايحاءات نفسية ودلالية مختلفة ترتبط بقضية عطش العباس علیه السلام وأهل البيت علیه السلام وإباحته للغير، وقد كان السياق كله مرجعاً فكرياً متميزاً محدداً الكثافة الايقاعية والدلالية في النص.

ومن التكرار، تكرار الجمل، كتكرار شبه الجملة (عن التراب) في قوله علیه السلام : ((لا أبكي ومثلك الآن جئتني وأخذت رأسي عن التراب فبعد ساعة من يرفع رأسك عن التراب ومن يمسح التراب عن وجهك))(2)

فهنا صيغ تكرارية متنوعة، فضلاً عن تكرار شبه الجملة (عن التراب) فقد كرر علیه السلام لفظة (التراب) ثلاث مرات، واسم الاستفهام (من) مرتين، وهذه الابنية الايقاعية المتتالية قد ساعد على خلق مشاهد صورية متنوعة، ودلالات مختلفة شكّل فيها الارتفاع المعنوي (مقتل الإمام الحسين علیه السلام ) أهم تجلياته، وهذا التغير المعنوي الشعوري نحسه من خلال تغير الايقاع المتصاعد قوة وكثافة، وكأن المتلقي قد تيقن بحسن الإجابة.


1- الحديث: 9.
2- الحديث: 8.

ص:158

الصورة الفنية والخطبة:

ونلحظ أيضاً قلّة الصور في الخطبة بسبب قلّة نصوصها، ومن هذا القليل، نرى هذه الصورة الاستعارية في قوله علیه السلام : ((عالجوا الموت بأسيافهم))(1)

فكأن الموت إنسان بحاجة إلى علاج من داء عصيب ليشفى، لكنه هنا جعل العلاج بالسيف مفضية إلى نتيجة حتمية هي الموت، فهم جماعة آمنوا بالإمام الحسين علیه السلام وقضيته، ولذلك فهم لا يخافون الموت، ولا يهابونه، وإنما يسعون إليه سعياً، بل هو يسعى إليهم حتى ينال شرفاً وكرامة، لأنه آمن بالإمام الحسين علیه السلام .

أما الصور الحسية، فنلحظ هيمنة الصور البصرية بمفرداتها اللون والحركة، وكذلك الصورة السمعية فالخطبة في مقام المواجهة والاقناع والتأثير، ومن الصور البصرية التي ترتكز على اللون قوله علیه السلام : ((إذا كان الصباح فما تقولون))(2)

فالصورة البصرية هنا تعكس المنعطف الأخير والحاسم في الموقف إذ شكّلت القاعدة المنطقية للحدث الذي ترتبط به الاستجابة المتوقعة من الاخوة وأبناء العمومة.

ومن الصور البصرية التي تستند على معالم الحركة، قوله علیه السلام : ((نحن نقدمهم للموت))(3)

وقوله علیه السلام : ((فأول من يبرز إلى القتال انتم))(4).


1- الخطبة
2- الخطبة
3- الخطبة
4- الخطبة

ص:159

أما الصورة السمعية فنلحظها في أفعال القول التي وردت في الخطبة مما تعكس صورة سمعية شديدة اللهجة، كقوله علیه السلام مثلاً: ((إذا كان الصباح فما تقولون ؟ فقالوا: الأمر إليك يرجع))(1).

الصور الفنية والحديث الفني:

استثمر العباس علیه السلام الصورة الفنية في أحاديثه الفنية، بوصفها أداة حيوية مهمة في بناء صوره، كما في قوله علیه السلام : ((وكلامك كالسراب يلوح))(2)

الذي جسّدت فيه هذه الصورة التشبيهية حالة (اللاحقيقة) فكما أن السراب يشكل حقيقة وهمية تضفي إلى نتائج غير واقعية، كذلك الأمر مع كلامه - المارد بن صديف - الذي يلوح بالكذب والتهافت، إذ يكشف عن أرضية هشّة لا تستند على أيّة معايير للشجاعة أو القوة، وبذلك شكّل السراب المعادل الموضوعي والصوري لشخصيته، كما أن النص كله يكشف عن المرجعيات والمحاضن الإيمانية عند العباس علیه السلام و المارد بن صديف.

ومن الصور التشبيهية، قوله علیه السلام : ((وإذا قصد صار أرضاً بواراً))(3)

فهو تشبيه محذوف الأداة لا يبتعد كثيراً في قيمه الموضوعية والصورية عن سابقه، فالأرض


1- الخطبة
2- الحديث: 1.
3- الحديث: 1.

ص:160

البوار هي المحور الموضوعي والصوري الذي جسّد الجدب والمحل الجسدي، فضلاً عن الفراغ الإيماني عنده - المارد بن صديف -.

ومن الصور التشبيهية، قوله علیه السلام : ((وأنا منه الورقة من الشجرة))(1)

فهذه صورة تشبيهية قامت على تشبيه محذوف الأداة، وهي صورة اتكأت على العنصر الحسي البصري، فالورقة تشكّل جزءاً لا يتجزأ من الشجرة، وامتداداً طبيعياً لها، وهذا هو شأن العباس علیه السلام فهو امتداد طبيعي لشجرة النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، وهذا - الامتداد - يشكّل تلاقحاً فكرياً وخلقياً ودينياً، والنص هنا يجعل من أسلوب الكلام يسمو ((إلى مستوى يقتضي من المتقبل إلماماً خاصاً بإطار الحديث أو ثقافة واسعة تمكنه من الوقوف على الهدف المقصود))(2)

أما الصورة الاستعارية، فنلحظها في قوله علیه السلام : ((أنا كبش كتيبتك))(3)

فالكبش هو فحل الضأن في أي سن كان، وكبش القوم سيدهم ورئيسهم(4)

فالصورة الاستعارية هنا جسّدت الرياسة والسيادة من خلال دلالة الكبش وسيادته لقطيعه، وفي أي سن كان.

أما الصور الكنائية فنراها في قوله علیه السلام : ((قد ضاق صدري، وسئمت من


1- الحديث: 1.
2- خصائص الاسلوب في الشوقيات: محمد هادي الطربلسي، منشورات الجامعة التونسية، تونس 1981م: 147.
3- الحديث: 3.
4- ينظر: لسان العرب: 6/338 مادة (كبش).

ص:161

الحياة))(1)

فحمل معنى جملة (ضاق صدري) على معناها الظاهر لا يعطي الدلالة المتوخاة من الجملة، فالصدر لا يضيق بمعناه المادي الملموس، ولذلك لابد لنا أن نلتمس المعنى (الماورائي) للغة الذي يشير إلى دلالة الجزع والحرد التي أحسّها العباس علیه السلام نتيجة ما فعله الأعداء بأهل البيت علیه السلام والأصحاب في وقعة الطف، وبهذا استطاعت الصورة الكنائية أن تختزل تلك الأحداث النفسية بصورة موحية تختفي بالخيال المعبر والمشاعر الصادقة.

ومن الصور الكنائية، قوله علیه السلام : ((لا والله لا نخليك ما دام فينا عرق ينبض))(2)

فالعباس علیه السلام أراد أن يصور انطلاقة الحياة عند أهل البيت علیه السلام والأصحاب، لكنه لم يلجأ إلى التعبير المباشر، وإنما عبر عنه تعبيراً غير مباشر، إذ جعل المتلقي يسبح في عالم خياله ليوازن بين صورتين، صورة (عرق ينبض) وما عرفه فيها من حركة هذه الأعضاء الحيوية عند الإنسان، وصورة ما توحي به وترمز إليه من دلالة الحياة، ومن ثم الاصرار - بوجودها على عدم ترك الإمام الحسين علیه السلام ما دام هنالك عرق ينبض، وحياة مبثوثة في انفسهم.

أما الصور الحسية: فنلحظ الصور البصرية بعناصرها أفعال الرؤية والحركة واللون والأشكال والحجوم، كما في قوله علیه السلام : ((ما أراك إلاّ أتيت بجميل))(3)

فهذه


1- الحديث: 11.
2- الحديث: 14.
3- الحديث: 1.

ص:162

الصورة استندت على مدرك بصري قوامه فعل الرؤية (أراك) الذي جسّد واقع شخصية المارد بن صديف، وما تملكه من خواء جسدي وإيماني.

ولورود أفعال الرؤية في مواقف أخرى ينمّ عن شعور بالأسى والحسرة، وذلك في قوله علیه السلام : ((وأنا عطشان وأهل بيت محمد يذادون من الماء... وإليه بالحسرة ناظرون))(1).

ومن الصور البصرية ما حمل دلالة حركية، كما في قوله علیه السلام : ((جعلك في مناخ تذروه الرياح))(2)

فلفظة (تذروه) فيها من دلالة الحركة الشيء الكثير بما يوحي بارتفاع الشيء وتصفيته الحبوب مثلاً لتذرى القشور، وتنسحب بعيداً بينما يستقر الحب في الأرض، وبذلك أضفت على الصورة حيوية وقيمة.

أو دلالية حركية في مواقف الحرب والقتال، كقوله علیه السلام : ((ولا يخاف من ضرب الحسام))(3)

الذي تحوي فيه لفظة (ضرب) من الصورة الحركية ما يغني عن الوصف، وبذلك أوحت هذه الصورة الحركية بمظاهر القوة والشدة بما يؤثر في نفسية المتلقي.

ومن الصور البصرية ما دلّ على الحجوم والمقاييس، فلفظة (يقلّ) فيها من الدلالة الحسية البصرية الشيء الكثير، وذلك في قوله علیه السلام : ((فإن رآني أصحابك


1- الحديث: 9.
2- الحديث: 1.
3- الحديث: 1.

ص:163

وأنا مقتول فلربما يقلّ عزمهم))(1)

ومن كل ذلك، نرى العباس علیه السلام يكثر من الصور البصرية، وذلك لأنه يرى الحدث، ثم ينقله إلى الآخرين، - أولنا نحن في هذه الأيام - بوصفه وثيقة تاريخية معتمداً نقلاً حياً من دون مبالغة أو تهويل، وهو في نقله للحدث الذي يقع عليه بصره يحاول فيه أن لا يأتي بصور معقدة، لا يستطيع من معه - ونحن - تحليلها بسرعة، ومعرفة مراده لذلك يلجأ إلى الصورة البصرية التي تفهم بسرعة والتي لا تدعو صاحبها إلى التأمل.

أما الصورة السمعية، فنراه علیه السلام يستعملها بجانب الصورة البصرية، فهو يتصور الأصوات، وفعلها في النفس بما توحيه من دلالات، ولاسيما تلك الصور السمعية في مواقف القتال، ومن نماذج الصورة السمعية ما اعتمد فيه على الكلمة ذات الدلالة السمعية وما توحيه من دلالات مختلفة من موضع لآخر، فلفظ (القول) بصيغه المتعددة له دلالات مختلفة من خلال تآزره مع المفردات الأخرى في سياق البيت بما يوحي بصورة سمعية لها دلالة الرقة واللين من خلال مخاطبته علیه السلام أخته العقيلة زينب علیه السلام : ((وقال: أخيّة زينب أمثلي توصين وعليّ تخافين))(2).

أو دلالة تنمّ عن فطنة وذكاء، وترتكز فيها عن إيمان عميق، وتصديق لوحدانية الله سبحانه وتعالى، قال العباس علیه السلام في محاورة له مع أبيه الإمام علي علیه السلام في صباه:


1- الحديث: 3.
2- الحديث: 5.

ص:164

((دعا الإمام علي علیه السلام العباس علیه السلام في عهد الصبا وأجلسه في حجره، وقال له: قل واحد، فقال: واحد، فقال: قل اثنان، فامتنع، وقال: أني استحي أن أقول اثنين بلسان قلت به واحداً))(1).

أو قد يستعمل لفظة (السمع) وما توحيه دلالتها من خلال ورودها في سياق البيت مع أخواتها من المفردات، بأنها سعي قبلي ينبئ عن استجابة سريعة، وذلك في قوله علیه السلام وهو يخاطب العقيلة زينب علیه السلام : ((فلما سمع منها ذلك تمطى ركابه))(2).

أما الصور الحسية الأخرى من لمسية وذوقية وشمية فقد اختفت في أحاديثه الفنية، بسب ما تفرضه طبيعة الحرب والقتال على العباس علیه السلام من عدم توفر الاستعداد النفسي والفني لها.

وصفوة القول فيما سبق، أن الصور البيانية والصور الحسية استطاعت أن تسبغ على صور العباس علیه السلام طعماً دلالياً وفنياً يفضي إلى شاعرية خصبة ارتكزت على معطيات فكرية ودينية وروحية وإيمانية عميقة.


1- الحديث: 2.
2- الحديث: 5.

ص:165

الخاتمة

بعد أن منّ الله علينا بإنجاز البحث والوصول إلى خاتمته، فلابد لنا أن نختمه بذكراهم النتائج التي توصل إليها:

- ان أم البنين التي تزوج منها الإمام علي علیه السلام تنتسب إلى أعلى مراتب العراقة، فآبائها وأخوالها يصفهم التاريخ بأنهم أصحاب الأخلاق الرفيعة والفضائل العالية، كالورع والوفاء والشجاعة وغيرها، وبذلك كانت دعوة الإمام علي علیه السلام لأخيه عقيل بأن يختار له زوجاً ذات حسب عريق ونسب أصيل، لتلد له غلاماً فارساً هو العباس علیه السلام الذي امتلك هذه الصفات وراثياً من أبيه وأمه.

- إن الإمام علي علیه السلام لم يتزوج على سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء علیه السلام في حياتها بغيرها، وإنما تزوج بغيرها بعد استشهادها، بسبب أن الله تعالى قد حرّم النساء على الإمام علي علیه السلام ما دامت فاطمة موجودة، كما أن ازواج الإمام علي علیه السلام لم يتزوجن بعده عملاً بالروايات المذكورة.

- امتاز العباس علیه السلام بصفات عدة، كالجمال والملاحة وحسن القامة وطولها، حتى قيل له: ((قمر بني هاشم)).

- امتلك العباس علیه السلام ألقاباً وكنىً كثيرة كباب الحوائج والشهيد والسقاء وبطل العلقمي وغيرها كثير.

ص:166

- نشأ العباس علیه السلام في البيت العلوي الذي امتلك أسرار الغيب والعلم والجهاد، وبذلك كان العباس علیه السلام عالماً فقيهاً، بل أنه عالم غير متعلم، إذ ليس في ذلك منافاة لتعليم اباه ايّاه.

- كان للعباس علیه السلام مكانة سامية في أقوال والده الإمام علي علیه السلام ومواقفه، كذلك مع فاطمة الزهراء علیه السلام والإمام الحسين علیه السلام والإمام زين العابدين علیه السلام ، والصادق علیه السلام والمهدي المنتظر (عج).

- تزوج العباس علیه السلام من لبابة بنت عبيد الله بن العباس ابن عم النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، وأتت منه بولدين هما: الفضل وعبيد الله وانحصر عقبه في عبيد الله، وأحفاد العباس علیه السلام علماء عظماء وفقهاء أعلام، منهم: أبو يعلى الحمزة بن القاسم بن علي بن حمزة (الشبيه) بن الحسن بن عبيد الله (الرئيس) بن العباس بن أمير المؤمنين علیه السلام ومرقده المعروف بالحمزة الغربي في نواحي الهاشمية الناحية المعروفة بالمدحتية قرب الحلة.

- عاش العباس علیه السلام خلال حقبة حياته الممتدة من ولادته سنة (26) للهجرة إلى استشهاده في واقعة الطف، (14) سنة منها عاشها مع والده الإمام علي علیه السلام وفيها أثر عنه مشاركته في وقعة صفين وفق بعض الروايات، كما عاش حقبة من حياته مع أخيه الإمام الحسن علیه السلام ، وكان يبلغ من العمر (24) سنة عندما حضرت الوفاة الإمام الحسن علیه السلام وخلال هذه المدة حدثت أموراً مهمة أهمها: صلح الإمام الحسن علیه السلام مع معاوية، وكان للعباس دور في تلك الأحداث.

ص:167

- أما حياته مع أخيه الإمام الحسين علیه السلام فدامت إلى حين استشهاده في واقعة الطف، وبلغ عمره فيها (34) سنة، وهذه الحقبة تشكّل أهم أدوار حياته، وأمكن تقسيمها على مرحلتين، الأولى: مرحلة ما قبل واقعة الطف وما يتصل بها من أحداث، والثانية: مرحلة واقعة الطف وبطولاته واستشهاده فيها.

- استطاع الباحث أن يجمع أدب العباس علیه السلام بشقيه الشعر والنثر - الخطبة والحديث الفني - وفق منهجية محددة المعالم، رسم خطوطها الواضحة في منهج التحقيق، فظهر النص محققاً تحقيقاً علمياً، إذ شمل النص المحقق: (32) بيتاً من الشعر وخطبة واحدة و (16) حديثاً فنياً.

- أضاء البحث الجوانب الفنية للنص المحقق سواء أكان شعراً أم نثراً من خلال اللغة والاسلوب، ففي الشعر كانت الألفاظ والتراكيب التي نظم بها العباس علیه السلام ألفاظاً إسلامية متأثرة بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، أو مستوحاة من أجوائها، كما استعمل ألفاظاً قوية الجرس شديدة الوقع، تتناسب مع أجواء المعركة، وبذلك كانت الألفاظ والتراكيب في الغالب توحي بأجواء الحرب والقتال.

- سعى العباس علیه السلام إلى استثمار قدرة الأساليب الايحائية والابداعية كالتقديم والتأخير والنداء والأمر والنهي والشرط والنفي والتوكيد، فكانت تعبيراً عن واقعه النفسي فضلاً عن اعطاء شحنات مضاعفة من المد اللغوي لتوصيل معانيه إلى المتلقي والتأثير فيه.

ص:168

- وفي الايقاع الخارجي، نجد العباس علیه السلام قد استعمل بحر الرجز في كل مقطوعاته، وذلك لأنها قيلت في وقعة الطف، فكان اختياره له يتناسب مع طبيعة المعركة ونفسيته.

- وفي الروي، نرى أن حروف (الراء والميم والنون) قد شكّلت نصف المقطوعات في شعر العباس علیه السلام ، ومناصفتها راجع إلى كثرة مفرداتها في العربية، وانطلاقها في الكلام من دون تعثر أو تلعثم والذي يوافق طبيعة الحرب وأجوائها الحماسية، فضلاً عن أنها تتراوح بين صفة الشدة والرخاوة، وهي بذلك تلائم أجواء وقعة الطف عموماً التي لم تشترط فيه أن يكون دائماً ذا طابع حماسي.

- ان القوافي المطلقة هي الغالبة في شعر العباس علیه السلام ، وذلك بسبب ملاءمتها مناخ الحرب وما فيه من حركة واستمرارية، فضلاً عن أن القوافي المطلقة تسمح له علیه السلام باطلاق مشاعره مما يعطي الموقف قوة وحركة وجمالية، كما أنه أكثر من القوافي المطلقة ذات الروي المكسور، وربما يعود ذلك إلى احساسه العميق بقوة هذه الحركة وانسجامها مع الطابع الحماسي الذي يطبع شعره، بينما اقتصر الروي المضموم والمفتوح على مقطوعة واحدة.

- أما الايقاع الداخلي، فقد استعمل العباس علیه السلام بعض التقنيات الفنية كالتصريع والتقسيم والتشطير ورد الإعجاز على الصدور والجناس والتكرار التي

ص:169

كان لها تأثير في اغناء موسيقى المقطوعات، فضلاً عن الايحاءات الدلالية التي تغنيها، ومن ثم تؤثر في المتلقي، وتشد من انتباهه.

- إن الصور البيانية في شعر العباس علیه السلام منتزعة من واقعه الحسي، ومن بيئته اللغوية المتأثرة بالقرآن الكريم، فضلاً عن وجود بعض الصور المتأثرة بالموروث الجاهلي، وقد احتلت الصورة الاستعارية المرتبة الأولى في شعره ثم الصورة الكنائية فالصورة المجازية بينما الصورة التشبيهية.

- تضمن شعر العباس علیه السلام صوراً حسية استعملها للتعبير عن مكامن الاحساس بالجمال، وتصوير أحاسيسه وانفعالاته، وقد مثّلت الصور البصرية والسمعية أغلب الصور الحسية في شعره، وذلك بسب طبيعة الحرب وأجواء القتال، كما وردت الصور اللمسية والذوقية.

- أما الجوانب الفنية في النثر، فقد استثمر العباس علیه السلام في خطبته الأساليب اللغوية لاثرائها دلالياً كالاستفهام والنداء والشرط والنفي والتوكيد والتقديم والتأخير، على أن قلة الخطب التي وصلت إلينا - خطبة واحدة - كان السبب في عدم الكشف عن هذا الثراء الدلالي في نصوص أخرى منها.

- وبسبب كثرة الأحاديث الفنية عند العباس علیه السلام لاحظنا كثرة الثراء الفني فيها، على الرغم من الكثافة في اللفظ والفكرة، إذ يأتي الحديث الفني بعبارات مضغوطة

ص:170

موجهة، وهذا الثراء الفني نجده في الأساليب الكثيرة التي استعملها كالاستفهام والنداء والأمر والنهي والنفي والشرط والتوكيد والتقديم والتأخير.

- أما الايقاع في الخطبة، فقد زاد جماليتها، فضلاً عن أهميته الدلالية التي تتمظهر فعل تقنياته المختلفة، لكن قلّة عدد الخطب - خطبة واحدة – كان السبب في قلة تلك التقنيات، إذ لم يرد في الخطبة سوى (التكرار).

- أما الايقاع في الحديث الفني، فقد تعددت تقنياته الموسيقية، وذلك لكثرة نماذجه، فظهر السجع بأنواعه والجناس والطباق والتكرار.

- أما الصورة الفنية في الخطبة، فنلحظ قلّتها بسبب قلّة نصوص الخطبة، لكننا نجد على قلّتها صورة استعارية، فضلاً عن الصورة الحسية من بصرية وسمعية.

- أما الصورة الفنية في الحديث الفني، فنرى الصورة أداة حيوية مهمة في بناء صوره على اختلاف انواعها، كالصور التشبيهية والصور الاستعارية والصور الكنائية، فضلاً عن الصور الحسية كالصور البصرية والصور السمعية.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

ص:171

ثبت المصادر والمراجع

القرآن الكريم

- إبصار العين في انصار الحسين علیه السلام : الشيخ محمد بن الشيخ طاهر، تصحيح وتحقيق: علي جهاد الحساني، مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر، بيروت، ط1، 1424ه- - 2003م.

- الاتجاهات الجديدة في الشعر العربي المعاصر: د. عبد الحميد جيدة، مؤسسة نوفل، بيروت، ط1، 1980م.

- الأدب وفنونه: محمد مندور، دار نهضة مصر، القاهرة 1974م.

- الارشاد: محمد بن النعمان العكبري البغدادي، المعروف بالشيخ المفيد (ت413ه-) تحقيق: مؤسسة آل البيت علیه السلام ، دار المفيد، بيروت، لبنان، ط2، 1414ه- - 1993م.

- أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين: قيس إسماعيل الأوسي، منشورات بيت الحكمة، بغداد 1988م.

- أسرار البلاغة: عبد القاهر الجرجاني (ت471ه-) تحقيق: ه-. ريتر، مطبعة وزارة المعارف، استانبول 1954م.

- الأسس الجمالية في النقد العربي - عرض وتفسير ومقارنة - د. عز الدين إسماعيل، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1986م.

ص:172

- الاصابة في تمييز الصحابة: ابن حجر العسقلاني، أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي الكناني (ت852ه-) تحقيق: الشيخ عادل عبد الموجود، وعلي محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1423ه-.

- الأصوات اللغوية: د. إبراهيم انيس، مطبعة لجنة البيان العربي، القاهرة، ط3، 1961م.

- إعجاز القرآن البياني بين النظرية والتطبيق: د. حفني محمد شرف، مطابع الأهرام، 1970م.

- اعلام الورى باعلام الهدى: الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (من أعلام القرن السادس الهجري) تحقيق: مؤسسة آل البيت علیه السلام ، مطبعة ستارة، قم، ط1، 1417ه-.

- أعيان الشيعة: السيد محسن الأمين (ت1371ه-) تحقيق: حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط5، 1420ه- - 2000م.

- الأمالي (الصدوق): محمد علي بن الحسن بن بابويه القمي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، قم، ط1، 1417ه-.

- الإمام علي علیه السلام في الفكر المسيحي المعاصر، راجي انورهينا، دار العلوم، لبنان، ط1، 1426ه- - 2005م.

ص:173

- أيام العرب وأثرها في الشعر الجاهلي: منذر الجبوري، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط2، 1986م.

- الايضاح في علوم البلاغة: الخطيب القزويني، جلال الدين أبو عبد الله محمد ت739ه-، شرح وتعليق: محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، لبنان، ط3، 1971م.

- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الاطهار: الشيخ محمد باقر المجلسي (ت1111ه-)، مؤسسة الوفاء، بيروت، لبنان، ط2، 1403ه- - 1983م.

- البرهان في وجوه البيان: ابن وهب الكاتب (ت337ه-) تحقيق: د. أحمد مطلوب، و د. خديجة الحديثي، مطبعة العاني، بغداد، ط1، 1967م.

- بشارة المصطفى: محمد بن علي الطبري (ت525ه-)، تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، ط1، 1420ه-.

- بطل العلقمي: الشيخ عبد الواحد المظفر، مطبعة شريعت، قم، ط1، 1425ه-.

- بطل النهضة الحسينية العباس بن علي علیه السلام : أبو القاسم الديباجي، ط1، 1418ه- - 1997م.

- بلاغة التراكيب: توفيق الفيل، مكتبة الآداب، القاهرة (د.ت).

- بلاغة التقديم والتأخير في القرآن الكريم: علي أبو القاسم عون، دار المدار الإسلامي، بيروت، لبنان، ط1، 2006م.

ص:174

- البلاغة العربية في ضوء الاسلوب ونظرية السياق: محمد بركات حمدي أبو علي، دار وائل للنشر، عمان، الأردن، ط1، 2003م.

- البلاغة العربية قراءة أخرى: د. محمد عبد المطلب، الشركة المصرية العالمية للنشر، لونجمان، مصر، ط1، 1997م.

- البلاغة والاسلوبية: د. محمد عبد المطلب، الهيأة المصرية العامة للكتاب، مصر 1984م.

- البلاغة والتطبيق: د. أحمد مطلوب و د. كامل حسن البصير، مطبعة جامعة الموصل، ط1، 1982م.

- بناء الصورة الفنية في البيان العربي - موازنة وتطبيق - د. كامل حسن البصير، مطبعة المجمع العلمي، بغداد 1987م.

- البيان والتبيين: الجاحظ، أبو حجر عمرو بن عثمان (ت255ه-) تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مطبعة المدني، القاهرة، مصر، ط7، 1998م.

- تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي: د. محمود البستاني، مجمع البحوث الإسلامية، بيروت، لبنان 1990م.

- تاريخ الرسل والملوك: محمد بن جرير الطبري (ت310ه-) مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان (د.ت).

ص:175

- تحليل الخطاب الروائي: سعيد يقطين، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط3، 1976م.

- تحولات النص - بحوث ومقالات في النص الأدبي -: د. خليل إبراهيم، منشورات وزارة الثقافة، عمان، الأردن، ط1، 1999م.

- تذكرة خواص الأمة: سبط ابن الجوزي، أبو المظفر يوسف ت654ه-، المطبعة العلمية، النجف 1369ه-.

- تذكرة الشهداء: آية الله حبيب كاشاني (ت1270ه-) ترجمة وتحقيق: سيد علي جمال أشرف، مطبعة سرور، قم، ط1، 1426ه- - 2006م.

- التصوير البياني: د. حفني محمد شرف، المطبعة العثمانية، القاهرة، ط2، 1973م.

- تطور الشعر العربي الحديث في العراق - اتجاهات الرؤيا وجمالات النسج - د. علي عباس علوان،وزارة الاعلام، بغداد 1975م.

- تظلم الزهراء من إهراق دماء آل العباء علیه السلام : رضي بن نبي القزويني (من أعلام القرن الثاني عشر للهجرة) تحقيق: السيد مهدي رجائي، مطبعة أمير، قم، ط1، 1417ه-.

- التعبير البياني - رؤية بلاغية نقدية -: د. شفيع السيد، دار المعارف، مصر، ط4 (د.ت).

ص:176

- التفسير النفسي للأدب: د. عز الدين إسماعيل، دار العودة، بيروت، (د.ت).

- التلخيص في علوم البلاغة: الخطيب القزويني، ضبطه وشرحه: عبد الرحمن البرقوقي، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان (د.ت).

- التوجيه الأدبي: د. طه حسين وأحمد أمين وعبد الوهاب عزام و د. محمد عوض محمد، الكتاب خالٍ من ذكر المطبعة والطبعة ومكان الطبع وتاريخه.

- جرس الألفاظ ودلالتها في البحث البلاغي والنقدي عند العرب: د. ماهر مهدي هلال، دار الحرية للطباعة، بغداد 1980م.

- جمالية الخبر والانشاء - دراسة بلاغية جمالية نقدية - حسين جمعة، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق 2005م.

- جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع: أحمد الهاشمي، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، ط12، 1379ه-.

- حسن التوسل إلى صناعة الترسل: شهاب الدين الحلبي (ت725ه-) تحقيق: أكرم عثمان يوسف، دار الحرية للطباعة، بغداد 1980م.

- حلية الفرسان وشعار الشجعان: علي بن عبد الرحمن بن هذيل الاندلسي (القرن الثامن الهجري)، تحقيق: محمد عبد الغني حسن، دار المعارف، مصر 1951م.

- الحوارات الكاملة: آدونيس، دار الطليعة، دمشق، سوريا، ط1، 2005م.

ص:177

- حياة الإمام الحسين علیه السلام : الشيخ باقر شريف القرشي، مطبعة الآداب، النجف، ط1، 1394ه- - 1974م.

- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب: عبد القادر البغدادي (ت1093ه-)، مطبعة بولاق، 1299ه-.

- خصائص العربية ومنهجها الأصيل في التجديد والتوليد: د. محمد المبارك، جامعة الدول العربية، معهد الدراسات العليا، 1960م.

- الخطابة في صدر الإسلام: محمد طاهر درويش، دار المعارف، مصر (د.ت).

- الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية - قراءة نقدية لنموذج إنساني معاصر - مقدمة نظرية ودراسة تطبيقية -: عبد الله محمد الغذامي، النادي الأدبي الثقافي، المملكة العربية السعودية، 1405ه- - 1985م.

- الخلاصة النحوية: د. تمام حسان، عالم الكتب، القاهرة، ط2، 1425ه- - 2005م.

- الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم: جمال الدين يوسف بن حاتم الشافعي العاملي (ت664ه-) تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم (د.ت).

ص:178

- الدراسة الأدبية النظرية والتطبيق - نصوص قرآنية - عبد السلام أحمد الراغب، دار الرفاعي، دار القلم العربي، حلب، سوريا، ط1، 1425ه- - 2005م.

- دلائل الإعجاز في علم المعاني: عبد القاهر الجرجاني، تحقيق: محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، 1978م.

- دلائل الإمامة: أبو جعفر محمدب ن جرير بن رستم الطبري (ت358ه-) المطبعة الحيدرية، النجف، 1369ه- - 1949م.

- دليل الدراسات الاسلوبية: د. جوزيف ميشال شريم، المؤسسة الجامعية، بيروت، لبنان، ط1، 1984م.

- الدمعة الساكبة في أحوال النبي والعترة الطاهرة: محمد باقر بن عبد الكريم البهبهاني، (ت1285ه-) مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، بيروت، ط1، 1409ه- - 1989م.

- روضة الواعظين: محمد بن الفتال النيسابوري (ت508ه-) تحقيق: السيد محمد مهدي الخرسان، منشورات الشريف الرضي، قم، (د.ت).

- رياض المصائب: محمد مهدي التنكابني، تحقيق: مؤسسة احياء الكتب الإسلامية، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، بيروت، ط1، 1423ه- - 2002م.

ص:179

- سر صناعة الاعراب: ابن جني، أبو الفتح عثمان ابن جني (ت392ه-)، تحقيق: مصطفى السقا ومحمد الزفزاف وإبراهيم مصطفى وعبد الله أمين، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط1، 1954م.

- سر الفصاحة: ابن سنان الخفاجي، أبو محمد عبد الله بن محمد (ت466ه-) شرح وتصحيح: عبد المتعال الصعيدي، مطبعة محمد علي صبيح وأولاده، مصر 1969م.

- السيرة الحلبية: برهان الدين الحلبي الشافعي (ت1044ه-) دار المعرفة، بيروت 1400ه-.

- السيرة النبوية: ابن كثير، إسماعيل بن كثير (ت774ه-) تحقيق: مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة، بيروت، 1396ه- - 1976م.

- شرح الأخبار: القاضي النعمان المغربي (ت363ه-) تحقيق: محمد الحسيني الجلالي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، (د.ت).

- شرح تحفة الخليل في العروض والقافية: عبد الحميد الراضي، مطبعة العاني، بغداد 1968م.

- شرح المفصل: ابن يعيش، موفق الدين علي بن يعيش (ت643ه-) المطبعة المنيرية، مصر (د.ت).

ص:180

- الشعر الجاهلي - قضاياه الفنية والموضوعية - د. إبراهيم عبد الرحمن، مكتبة الشباب، مصر الجديدة 1984م.

- الشعر الجاهلي - منهج في دراسته وتقويمه - د. محمد النويهي، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة (د.ت).

- الشعر العربي المعاصر - قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية - د. عز الدين إسماعيل، دار العودة دار الثقافة، بيروت، ط2، 1972م.

- الشعر والتجربة: ارشيبالد مكليش، ترجمة: سلمى الخضراء الجيوسي، مراجعة: توفيق صايغ، دار اليقضة العربية، بيروت 1963م.

- شهداء أهل البيت علیه السلام قمر بني هاشم: حسين الشاكري، مطبعة ستارة، ط1، 1420ه-.

- الصورة السمعية في الشعر العربي قبل الإسلام: د. صاحب خليل إبراهيم، مركز عبادي للدراسات والنشر، صنعاء، الجمهورية اليمنية، ط2، 1424ه- - 2003م.

- الصورة الفنية معياراً نقدياً - منحني تطبيقي على شعر الاعشى الكبير -: د. عبد الإله الصائغ، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط1، 1987م.

- الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي: د. جابر أحمد عصفور، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة 1984م.

ص:181

- الصورة في شعر بشار بن برد: د. عبد الفتاح صالح نافع، دار الفكر للنشر والتوزيع، عمان، الأردن 1983م.

- الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز: يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم العلوي (ت749ه-) تحقيق: محمد عبد السلام شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1415ه- - 1995م.

- العباس علیه السلام : عبد الرزاق الموسوي المقرم، تحقيق: الشيخ محمد الحسون، منشورات الاجتهاد، قم، ط1، 1427ه- - 1995م.

- عبرات المصطفين في مقتل الحسين: الشيخ محمد باقر المحمودي، مجمع احياء الثقافة الإسلامية، قم، ط2، 1417ه-.

- عضوية الموسيقى في النص الشعري: د. عبد الفتاح صالح نافع، مكتبة المنار، الزرقاء، الاردن، ط1، (د.ت).

- علم البيان: د. عبد العزيز عتيق، دار النهضة العربية، بيروت، 1974م.

- عمدة الطالب في انساب آل أبي طالب: جمال الدين أحمد بن علي الحسيني المعروف بابن عنبة (ت828ه-) مطبعة الصدر، قم، 1417ه- - 1996م.

- العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده: ابن رشيق القيرواني (ت456ه-) تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، مصر، ط2، 1955م.

ص:182

- عمدة القارئ في شرح صحيح البخاري: العيني (ت855ه-) دار احياء التراث العربي، بيروت (د.ت).

- غسان كنفاني - جماليات السرد في الخطاب الروائي -: صبيحة عودة زعرب، دار مجدلاوي، عمان، الأردن، ط1، 1426ه- - 2006م.

- الفتوح: أبو محمد أحمد بن أعثم الكوفي (ت نحو 314ه-) مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية حيدر آباد، الدكن، ط1، 1389ه- - 1969م.

- فرسان الهيجاء في تراجم أصحاب سيد الشهداء علیه السلام : الشيخ ذبيح الله المحلاتي (ت1405ه-) تحقيق وتعريب: محمد شعاع فاخر، مطبعة شريعت، قم، ط1، 1428ه-.

- الفروسية في الشعر الجاهلي: د. نوري حمودي القيسي، عالم الكتب، ومكتبة النهضة العربية، ط1، 1404ه- - 1984م.

- فكرة الزمن عبر التاريخ: كولن ويلسن، ترجمة: فؤاد كامل، مراجعة شوقي جلال، عالم المعرفة، الكويت 1992م.

- الفن خبرة: جون ديوي، ترجمة: زكريا إبراهيم، دار النهضة العربية، القاهرة 1963م.

- فنون بلاغية: د. أحمد مطلوب، الكويت 1975م.

ص:183

- في النحو العربي - نقد وتوجيه - د. مهدي المخزومي، المطبعة العصرية للطباعة والنشر، بيروت، ط1، 1964م.

- القارئ وتوليد الدلالة - تغيير عاداتنا في قراءة النص الأدبي -: د. حميد الحمداني، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 2003م.

- القافية والأصوات اللغوية: د. محمد عوني عبد الرؤوف، مطبعة الكيلاني، القاهرة 1977م.

- قضايا الشعر في النقد العربي: د. إبراهيم عبد الرحمن محمد، دار العودة، بيروت، ط2، 1981م.

- قضايا الشعر المعاصر: نازك الملائكة، مطبعة دار التضامن، بغداد، ط3، 1967م.

- القمقام الزخار والصمصام البتار: فرهاد ميرزا ابن عباس القاجاري، مطبعة شريعت، 1381ه-.

- قواعد النقد الأدبي: لاسل آبركرومبي، ترجمة: محمد عوض محمد، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، العراق، ط2، 1986م.

- الكامل في التاريخ: علي بن أبي الكرم محمد بن محمد المعروف بابن الأثير (ت630ه-) دار صادر، بيروت، 1386ه- - 1966م.

ص:184

- الكبريت الاحمر في شرائط المنبر: الشيخ محمد باقر القائني البيرجندي (ت1352ه-) تعريب وتحقيق: محمد شعاع فاخر، مطبعة شريعت، قم، ط1، 1425ه-.

- الكتاب: سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثمان (ت180ه-) تحقيق: عبد السلام محمد هارون منشورات مكتبة الخانجي، القاهرة، ط3، 1408ه- - 1988م.

- كتاب الخطابة: ارسطوطاليس، ترجمة وتحقيق: إبراهيم سلامة، مطبعة لجنة البيان العربي، ط2، 1372ه- - 1953م.

- كتاب الصناعتين: أبو هلال العسكري (ت395ه-) تحقيق: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، دار احياء الكتب العربية، القاهرة، ط1، 1371ه- - 1952م.

- كتاب العين: الفراهيدي، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد (ت175ه-) تحقيق: د. مهدي المخزومي و د. إبراهيم السامرائي، دار الرشيد للنشر، بغداد 1980م.

- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: محمود بن عمر الزمخشري (ت538ه-) تصحيح: عبد الرزاق المهدي، دار احياء التراث العربي، بيروت، ط1، 2003م.

ص:185

- لسان العرب: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور (ت711ه-) دار صادر، دار بيروت، بيروت 1375ه- - 1956م.

- اللغة الشاعرة - مزايا الفن والتعبير في اللغة العربية - عباس محمود العقاد، مكتبة الانجلو المصرية، مطبعة مخيمر، 1960م.

- لغة الشعر عند الجواهري: د. علي ناصر غالب، دار الصادق، بابل، العراق، ط1، 2005م.

- اللهوف على قتلى الطفوف: علي بن موسى بن جعفر بن طاووس (ت664ه-) مطبعة أنوار الهدى، قم، ط1، 1417ه-.

- لواعج الأشجان في مقتل الإمام الحسين علیه السلام : السيد محسن الأمين (ت1371ه-) مكتبة الألفين، الكويت، ط1، 1409ه- - 1989م.

- مبادئ النقد الأدبي: إ.ا. ريتشاردز، ترجمة: د. مصطفى بدوي، وزارة الثقافة والارشاد القومي، القاهرة 1963م.

- المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر: ابن الأثير، ضياء الدين ابن الأثير (ت637ه-) تحقيق: د. أحمد الحوفي و د. بدوي طبانة، مطبعة نهضة مصر، مصر 1959م.

- مثير الاحزان: محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الدين نما الحلي (ت645ه-) المطبعة الحيدرية، النجف 1369ه- - 1950م.

ص:186

- المجالس الحلبية في جملة من الحوادث التاريخية على العترة العلوية: السيد محسن بن محمد علي الطاهر الموسوي، اعداد وتحقيق: محمود الغريفي، مطبعة ثامن الحجج علیه السلام ، الكويت، ط1، 1428ه-.

- المجالس السنية في مناقب ومصائب العترة النبوية: السيد محسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت 1406ه- - 1986م.

- المجدي في انساب الطالبيين: علي بن محمد بن علي العلوي العمري، تحقيق: د. أحمد المهدوي الدامغاني، مطبعة سيد الشهداء، قم، ط1، 1409ه-.

- المجمل في فلسفة الفن: كروتشة بندتو، ترجمة: د. سامي الدروبي، دار الفكر العربي، القاهرة 1947م.

- مختصر المعاني: سعد الدين التفتازاني (ت792ه-) منشورات دار الفكر، قم، ط1، 1411ه-.

- المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها: د. عبد الله الطيب المجذوب، دار الفكر، ط2، 1970م.

- مسائل فلسفة الفن المعاصرة: جان ماري جوبتو، ترجمة: د. سامي الدروبي، دمشق، ط2، 1965م.

ص:187

- مستدرك سفينة البحار: الشيخ علي النمازي الشاهرودي (ت1405ه-) تحقيق وتصحيح: الشيخ حسن بن علي النمازي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم 1419ه-.

- مستدرك الوسائل: حسين النوري الطبري (ت1320ه-) تحقيق: مؤسسة آل البيت علیه السلام ، بيروت، لبنان، ط2، 1408ه- - 1989م.

- المصون في الأدب: العسكري، أبو أحمد الحسن بن عبد الله (ت382ه-) تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مطبعة حكومة الكويت، الكويت 1960م.

- معالم المدرستين: السيد مرتضى العسكري، مؤسسة النعمان، بيروت، 1410ه- - 1990م.

- معالم السبطين في أحوال الحسن والحسين علیه السلام : الشيخ محمد مهدي الحائري (ت1384ه-)، مطبعة أمير، قم، ط1، 1419ه-.

- معجم المحاسن والمساوئ: أبو طالب التجليل التبريزي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، ط1، 1417ه-.

- مغني اللبيب عن كتب الاعاريب: ابن هشام الانصاري، أبو محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف (ت761ه-)، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان (د.ت).

ص:188

- مفتاح العلوم: السكاكي، أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر (ت626ه-)، تحقيق: أكرم عثمان يوسف، مطبعة الرسالة، بغداد، ط1، 1402ه- - 1982م.

- مفهوم الشعر دراسة في التراث النقدي والبلاغي: د. جابر أحمد عصفور، المركز العربي للثقافة والعلوم، 1982م.

- مقاتل الطالبيين: أبو الفر علي بن الحسين الأصفهاني (ت356ه-)، مطبعة الديواني، بغداد 1979م.

- مقدمة لزوم ما لا يلزم: أبو العلاء المعري (ت449ه-)، دار صادر، دار بيروت، بيروت 1961م.

- مقتل الحسين علیه السلام : الخوارزمي، أبو المؤيد موفق الدين بن أحمد المكي (ت568ه-) تحقيق: الشيخ محمد السماوي، مطبعة مهر، قم، ط3، 1425ه- - 2005م.

- مقتل الحسين علیه السلام (مقتل أبي مخنف): لوط بن يحيى بن سعيد الغامدي الأسدي الكوفي، (ت157ه-) مطبعة شريعت، قم، ط2، 1426ه-.

- مقتل الحسين علیه السلام : المقرم، عبد الرزاق الموسوي المقرم، منشورات مؤسسة النور للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط1، 1423ه- - 2002م.

- المناقب: الخوارزمي (ت568ه-) تحقيق: الشيخ مالك المحمودي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، ط2، 1414ه-.

ص:189

- مناقب آل أبي طالب: مشير الدين بن عبد الله محمد بن علي بن شهرآشوب (ت588ه-) المطبعة الحيدرية، النجف 1376ه- - 1956م.

- المنطق: محمد رضا المظفر، منشورات دار العلم، قم (د.ت).

- المنمق في أخبار قريش: محمد بن حبيب البغدادي (ت245ه-) تصحيح وتعليق: خورشيد أحمد فارس، عالم الكتب، بيروت، ط1، 1405ه- - 1985م.

- منهاج البلغاء وسراج الأدباء: حازم القرطاجني، أبو الحسن بن أبي عبد الله (ت684ه-)، تحقيق: محمد الحبيب بن خوجة، المطبعة الرسمية، تونس 1966م.

- موسيقى الشعر: د. إبراهيم أنيس، مطبعة الأمانة، مصر، ط5، 1978م.

- الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء: المرزباني، محمد بن عمران (ت384ه-) باعتناء: محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية، القاهرة، ط2، 1385ه-.

- ناسخ التواريخ: ميرزا محمد تقي سبهر (لسان الملك) ترجمة وتحقيق: سيد علي جمال الدين، مطبعة قلم، قم، ط1، 1427ه- - 2007م.

- النثر الصوفي عند أبي حيان التوحيدي: د. فائز طه عمر، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط1، 2004.

- نحو منهج جديد في البلاغة والنقد - دراسة وتطبيق - سناء حميد البياتي، منشورات جامعة قاريونس، بنغازي، ط1، 1998م.

ص:190

- نصوص بلاغية من مباحث البيان والبديع: عبد الحكيم راضي، مكتبة الآداب، ط2، 2005م.

- نظرية الأدب: أوستن وارين ورينيه ويلك، ترجمة: محي الدين صبحي، مراجعة حسام الخطيب، مطبعة خالد الطربيشي، دمشق، ط1، 1972م.

- نظرية النص من بنية المعنى إلى سيميائية الدال: د. حسين خمري، الدار العربية للعلوم، الجزائر العاصمة، الجزائر، ط1، 2007م.

- نفس المهموم في مصيبة سيدنا الحسين المظلوم: الشيخ عباس القمي، مطبعة شريعت، قم، ط1، 1421ه-.

- النقد الأدبي: أحمد أمين، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط4، 1967م.

- النقد الأدبي والتحليل النفسي: د. خريستو نجم، دار الجيل، بيروت، ط1، 1991م.

- النقد التطبيقي والموازنات: د. محمد الصادق عفيفي، مطابع الدجوي، القاهرة 1978م.

- نقد الشعر: قدامة بن جعفر، أبو الفرج قدامة بن جعفر (ت337ه-) تحقيق: كمال مصطفى، مكتبة الخانجي بمصر، ومكتبة المثنى ببغداد، ط2، 1963م.

- ينابيع المودة لذوي القربى: الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (ت1294ه-) تحقيق: سيد علي جمال أشرف، مطبعة أسوة، قم، 1422ه-.

ص:191

الرسائل والأطاريح الجامعية:

- الاتجاه السيميائي في نقد الشعر العربي: غريب طارش الساعدي، رسالة ماجستير، كلية التربية، الجامعة المستنصرية، 1996م.

- أدب الإمام الحسين علیه السلام - قضاياه الفنية والمعنوية - موسى خابط عبود، رسالة ماجستير، كلية التربية، جامعة بابل، 1429ه- - 2008م.

- البناء الفكري والفني لشعر الحرب عند العرب قبل الإسلام: سعد عبد الحمزة غزيوي الجبوري، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة بغداد، 1995م.

- الحيوان في شعر المعري: نجاح فاهم صابر العبيدي، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة الكوفة، 1998م.

- الخطاب في نهج البلاغة - دراسة موضوعية فنية -: إيمان عبد الحسن علي، رسالة ماجستير، كلية التربية، جامعة بابل، 1429ه- - 2008م.

- شعر السجون في الشعر العربي - دراسة موضوعية وفنية -: أمل عبد الجبار الشرع، أطروحة دكتوراه، كلية الآداب، الجامعة المستنصرية، 1427ه- - 2006م.

- الشعر في كتاب وقعة صفين - دراسة فنية -: عبد الإله عبد الوهاب هادي العرداوي، أطروحة دكتوراه، كلية الآداب، جامعة الكوفة، 1426ه- - 2005م.

ص:192

- الصورة الأدبية في الشعر الأموي: محمد حسين علي الصغير، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة بغداد، 1975م.

- الصورة السمعية ودلالتها البلاغية في القرآن الكريم: عباس حميد السامرائي، أطروحة دكتوراه، كلية التربية، جامعة بغداد، 1422ه- - 2001م.

- لغة شعر ديوان الحماسة لأبي تمام (باب الحماسة): عبد القادر باعيسى، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة الكوفة، 1996م.

البحوث والمقالات:

- الاسلوبية والنقد الأدبي - منتخبات عن تعريف الاسلوب وعلم الاسلوب - اختيار وترجمة: عبد السلام المسدي، مجلة الثقافة الأجنبية، العدد (1)، بغداد، السنة (1982م).

- التكرار في الشعر الجاهلي: موسى ربايعة، مجلة مؤتة، مجلد (5) العدد (1) السنة (1991م).

- التكوين التكراري في شعر جميل بن معمر: فايز القرعان، مجلة مؤتة، مجلد (11) العدد (7) السنة (1996م).

ص:193

- دلالة السلاح في أدب الحرب - محاولة في دراسة شعر الفرزدق -: د. نوري حمودي القيسي، مجلة كلية الآداب، جامعة بغداد، العدد (37) السنة (1410ه- - 1990م).

- الصورة في القصية العراقية الحديثة - استقراء نقدي -: د. عناد غزوان، مجلة الأقلام، العددان (11، 12) السنة (1987م).

- في مفهوم الايقاع: محمد هادي الطرابلسي، حوليات الجامعة التونسية، كلية الآداب، العدد (32) السنة (1991م).

- مجلة الأقلام: العدد (6) السنة (1999م).

ص:194

ص:195

المحتويات

الإهداء

المقدمة

الباب الأول: حياته

الفصل الأول: ترجمة العباس بن الإمام علي بن أبي طالب (ع)

الفصل الثاني: حياته مع والده الإمام علي بن أبي طالب (ع)

الفصل الثالث: حياته مع أخويه الإمامين الحسن والحسين (ع)

ص:196

الباب الثاني: الدراسة

الفصل الأول: منهج التحقيق / النص المحقق (الشعر)

الفصل الثاني: منهج التحقيق / النص المحقق (النثر)

الفصل الثالث: الجوانب الفنية للشعر

الفصل الرابع: الجوانب الفنية في النثر (الخطبة والحديث الفني)

الخاتمة

تبث المصادر والمراجع

ص:197

ص:198

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد ( ) لسنة 2012م

ص:199

ص:200

تمّ الكتاب

بحمد الله تعالى

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.