غایة المسؤول فی علم الأصول

هوية الکتاب

المؤلف: السیّد محمّد حسین بن محمّد علي الشهرستاني

الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم

الطبعة: 0

الموضوع : أصول الفقه

تاریخ النشر : 0 ه-.ق

الصفحات: 456

نسخة غیر مصححة

المقدمة

کتاب غایة المسؤل فی علم الاصول

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

الحمد لله الّذی شیّد دعائم الإسلام بقوانین الدّین المبین ونوّر معالمه بلمعة من هدایة المسترشدین والصّلاة علی من أرسل لإیضاح مناهجه وبیان ضوابطه منتهی التبیین محمّد خاتم النبیّین وآله مفاتیح الحکم ومصابیح الظلم وأنوار المستوحشین سیّما باب مدینة العلم وأساس السّکینة والحلم أمیر المؤمنین علیهم صلوات ربّ العالمین إلی یوم الدّین (وبعد) یقول الرّاجی عفو ربّه السّنی محمّد حسین بن محمّد علی الحسینی الشهرستانی عفا الله عنهما إنّ هذا غایة المسئول ونهایة المأمول من علم الأصول کم حوت من تحقیقات شریفة هی عمدة أفکار المتقدّمین وتدقیقات لطیفة هی نبذة أنظار المتأخّرین ودقائق نکات فلمّا تنبّه لها أفهام المتبحّرین یظهر لمن تعمّق النّظر فیها فتلطف لا لمن قصر فهمه عنها فتکلّف کتبته حین قراءتی علی الحبر الوحید المتبحّر الفرید الأستاذ الفاضل والعالم العامل أبو الفضائل والفواضل قطب فلک التحقیق ومرکز دائرة التّدقیق سمی جدیّ وأحد السّبطین المولی الأردکانی محمّد حسین أدام الله علی رءوس العالمین ظله الظلیل أبد الآباد وأقام علیه أیادی نعمه إلی یوم التّناد بمحمّد وآله الأمجاد وسمیّته (غایة المسئول) ونهایة المأمول ورتّبته ککتب القوم علی مقدّمة وأصول وبالله أستعین إنّه خیر معین

مقدمة

أصول الفقه اسم للعلم الخاصّ وله اعتباران علمی وإضافی وذکرهما فی المقام لیعلم وجه المناسبة بین المنقول إلیه والمنقول عنه ولنقدم

تعریفه

بالمعنی العلمی لیفید الإضافی حین ذکره فائدة أصل الکلام بخلاف ما إذا قدم الإضافی فإنّه لا یفید حین ذکره فائدة إذا المقصود بالذات هو المعنی العلمی فهو یفید حین ذکره فائدة بخلاف الإضافی وقولنا المعنی العلمی یراد به مقابل الإضافی

ص: 1

لا العلم الاصطلاحی للخلاف فی أنّ الأسماء العلوم أعلام شخصیّة أو أعلام جنسیّة أو أسماء أجناس وهذا مبنیّ علی أنّ المسمّی هل هو المسائل أو الملکة والتّصدیق فعلی الأوّل یکون علم شخص إذ المسائل أشخاص معینة مخصوصة لا یقال إنّ المسائل تتزاید کلّ یوم لأنّا نقول إنّ جمیعها معینة مخصوصة فی الواقع وإن کان التفات الواضع إلی جمیعها بالعنوان الإجمالی وعلی الأخیرین یکون علم جنس أو اسم جنس فإن لوحظ الموضوع له بقید الحضور الذّهنی فهو علم جنس وإلاّ فاسم جنس وهذا یعلم من معاملتهم معه معاملة المعارف والنکرات فعلی الأول یکون علما وإلاّ فلا قیل الحق إنّها لیست أسماء للمسائل کما سیأتی فینتفی احتمال کونها أعلاما شخصیّة وأنّهم یعاملون معها معاملة النکرات من إدخال أل والإضافة والوصف بالجمل وغیر ذلک من صفات النکرات وهکذا أسماء الکتب إلاّ أنّ احتمال العلمیة الشخصیّة فیها منتفیة قطعا إذ لم یوضع لفظ المعالم مثلا للکتاب المشخّص الجزئی الحقیقی وإلاّ لکان إطلاقه علی غیر النّسخة الأصلیة إطلاقا علی غیر الموضوع له بل هو موضوع لنوع النقش المخصوص بملاحظة دلالتها علی الألفاظ أو لنوع الألفاظ المدلول علیها بالنّقوش وهکذا الموضوع لیس لفظ المعالم المخصوص بل الموضوع أیضا نوع لفظ المعالم وإلاّ لکان إطلاقه من غیر واضعه لا حقیقة ولا مجازا إذ لیس موضوعا وهما تابعان للوضع لا یقال ینافی ذلک عدم استعمال النّوع وعدم وجوده لأنّا نقول الاستعمال الخاصّ هو عین إیجاد النّوع والفرد إنّما یکون بعد الاستعمال فردا فالاستعمال والإیجاد إنّما یتعلقان بالنّوع لا بالفرد فافهم فنقول قد عرف بأنّه العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحکام الشرعیّة الفرعیّة ولنتکلم فی أمور یوجب تحقیق المرام الأوّل قد ذکروا أنّه لا یمکن تعریف العلوم بالحدّ قبل إتمامها وتعاریف العلوم کلها رسمیّة والمراد بالحد التعریف بالذاتی لا ما یطلق علیه فی اصطلاح الأصولیّین أی التعریف الجامع والمانع ووجه عدم إمکان ذلک بأنّ ذاتی العلم ومسائله ولا یمکن تعریف العلم بها إلاّ بعد المعرفة بها وهی لا تمکن إلاّ بعد تعلّمها بالتمام والکمال حتّی یعلم جمیع مسائلها وفیه أولا أنّه یکفی فی التّعریف التصوّر بل هو معنی التّعریف لا التّصدیق فإن أردت بعدم إمکان معرفة المسائل قبل الشروع التّصدیق بها فمسلّم لکن لا یحتاج فی التعریف إلی التّصدیق بالذّاتی وإن أردت منه التّصور فممنوع لإمکان تصور جمیع مسائل العلم قبل الشروع فیه وهو واضح وثانیا أنّه لا یتمّ بناء علی جعل المسمّی هو الملکة أو التّصدیق وثالثا أنّ هذا إنّما نشأ من الخلط بین الجوهر والجوهری والعرض والعرضی وذلک لأنّ الجوهر عبارة عن

ص: 2

الموجود لا فی موضوع والعرض هو الموجود فی الموضوع والجوهری عبارة عن الداخل فی حقیقة الشیء والعرضی عبارة عن الخارج عن حقیقة الشیء فقد یکون الجوهر عرضیّا کالصّورة للهیولی فإنّها خارجة عن حقیقته وقد یکون العرض جوهریّا کهیئة السریر بالنّسبة إلی مفهوم مسمّی السّریر فإنّها عرض لکن داخل فی حقیقة مفهوم السّریر إذا عرفت ذلک فنقول إنّ العلوم کلّها مشترکة فی معنی هو الإدراک ولیس لها ممیّز ذاتیّ وإنّما امتیازها بامتیاز العوارض ومتعلّقات العلم فتعریف العلوم بمتعلقاتها بالنّسبة إلی حقیقة ذلک العلم رسم وتعریف بالعارض لکن بالنّسبة إلی مفهوم المسمّی لذلک اللّفظ جوهری ذاتی فإن کان التعریف ناظر إلی حقیقة العلم کان رسما وإن کان ناظرا إلی مسمّی اللّفظ کان حدّا لفظیّا إذا لم یکن تعریفا بالغایة والفائدة وإلاّ کان رسما من کلّ جهة إذا الغایة أو الثمرة لیست جوهریّا بالنّسبة إلی مفهوم المسمّی أیضا إذ لیست مأخوذة فی الموضوع له فتعریف الأصول رسم قطعا وإن جاز إطلاق الحدّ علی تعریف الکلام مثلا بأنّه العلم الباحث عن أحوال المبدإ والمعاد والحکمة بأنّه العلم بحقائق الأشیاء بقدر الطّاقة البشریّة الثانی فی ذکر قیود التعریف المذکور فنقول قد اشتمل التّعریف علی قیود ومقتضی النظم والترتیب أن یخرج بکلّ قید منه ما لم یخرج من سابقه قال فی المعالم وخرج بقید الأحکام العلم بالذوات واعترض علیه فی القوانین بأنّ الذّوات قد خرجت بقید الشّرعیة ولکن خرج بقید الأحکام العلم بالماهیّات کمسألة الحقیقة الشرعیّة ونظائرها ربما ذکرنا من التّرتیب الطبیعی عرفت عدم ورود الإیراد علی المعالم فإنّ خروج الذّوات بقید الشرعیّة لا ینافی خروجها بالأحکام أیضا فإنّ مقتضی النّظم أن یخرج بالقید السّابق کلما یخرجه فإن بقی شیء جیء بالقید اللاّحق لإخراجه فخرج بقید الأحکام الذّوات والماهیات مثلا وبقی الأحکام الغیر الشّرعیة فخرج بقید الشّرعیة والحاصل أنّه یجب الإخراج بالقید اللاحق ما بقی بعد القید السّابق لا أن یخرج بالقید السّابق ما یبقی بعد القید اللاّحق وأورد علی القوانین بأنّ إخراج الماهیات بقید الأحکام فاسد إذ المراد من استنباط الماهیّات بالقواعد إمّا التصدیق بها فلا یخرج بالأحکام إذا الحکم عبارة عن النّسب الخبریّة کما صرّح به وإمّا قصورها فهو باطل إذ القواعد عبارة عن القضایا والمجهولات التصوّریة إنّما تکتسب من المعلومات التصوّریة لا من المعلومات التصدیقیة کذا قیل وفیه نظر إذ لیس المراد استنباط الماهیات أو الأحکام من القواعد الممهّدة بل المراد أنّ وجه تمهید تلک القواعد استنباط الأحکام أو الماهیّات من غیر تلک القواعد ومن الظاهر أنّ الحکم الشرعی لا یستنبط من مسألة أنّ الأمر للوجوب بل إنّما مهّدت هذه المسألة لیستنبط

ص: 3

الحکم من قوله تعالی ( أَقِیمُوا الصَّلاةَ ) کما أنّ تمهید مسألة المعرّف فی المنطق إنّما هو لاستنباط المجهولات التصوّریة من المعلومات التصوریّة مع أنّ مسائل المعرّف کلّها قضایا مثل أنّه یشترط أن یکون مساویا وأجلی ولا یجوز بالأعمّ وغیر ذلک وحینئذ فلا یلزم أن یکون استنباط التصوّر من التّصدیق کما ذکره المعترض فالأولی فی الاعتراض أن یقال إنّه إن أرید التصدیق بالماهیّات فلا یخرج بقید الأحکام وإن أرید تصوّرها فلیس ما مثل به قاعدة ممهّدة لاستنباط تصوّر الماهیات فإنّه مثل بالحقیقة الشرعیة وهو فاسد فإنّ المبحوث عنه فیها إنّما هو أن الألفاظ المستعملة فی المعانی المستحدثة الموضوعة لها فی زمان المتشرّعة هل کانت موضوعة لها فی زمان الشّارع أو لا ولا یخفی علی امرئ أنّ المطلوب فیها التّصدیق لا تصوّر الماهیّة فالحق أن القواعد الممهّدة لاستنباط الماهیات أی التّصدیق بها داخلة فی الأصول لصدق التعریف علیه ولا ضرر فی دخولها فلنرجع إلی تحقیق المطلب فنقول قد خرج بالقواعد العلم بالجزئیّات وبالممهّدة ما لم یمهد أصلا کقاعدة الکل أعظم من الجزء وکل نار حارّة ونحو ذلک وو بقید الاستنباط ما مهد للاستنباط کالمسائل الکلامیة فإنّها مقصودة بذاتها لا للاستنباط شیء وبالأحکام المنطق إذ لیس ممهّدا لخصوص استنباط الأحکام لاستنباط التّصورات منه أیضا وبالشرعیّة العقلیّة وبالفرعیّة الأصولیّة کذا ذکروا (أقول) ویرد علی التّعریف أنّ مقتضاه عدم کون الأصول علما برأسه بل یکون تابعا لاعتبار المعتبرین إذ المراد بالتمهید لیس تمهید شخص خاصّ بل کلما مهده الشّخص للاستنباط یکون أصولا فلو ذکر شخص فی کتابه جمیع مسائل النحو والصّرف والبیان والمنطق وغیر ذلک بقصد الاستنباط یجب أن یکون أصولا لا یقال إن المراد الممهّدة بتمهید أئمة الفنّ لأنّا نقول المسائل والقواعد الأصولیّة تتزاید یوما فیوما ویظهر ذلک من اختلاف الکتب الأصولیة فی ذکر المسائل وأیضا یرد علی التعریف وشموله للقواعد الفقهیّة مثل أنّ کل عقد یجب الوفاء به فإنّها قاعدة کلیة مهدت لاستنباط الأحکام الشرعیّة وهی أنّ عقد المعاطاة یجب الوفاء به وهکذا سائر العقود فإن القاعدة عبارة عن قضیة کلیّة یستنبط منها أحکام جزئیّات موضوعها وسیجیء تحقیق المطلب عند ذکر الموضوع وهناک یعلم أنّ الأصول علم أو لا وهل له تعریف صحیح أو لا الثّالث فی وجه المناسبة بینه وبین المعنی الإضافی وهو متوقّف علی فهم المعنی الإضافی فنقول إنّه مرکّب من المضاف والمضاف إلیه والإضافة ولنتکلّم فی کلّ منها أمّا الکلام فی المضاف فنقول الأصول جمع أصل وهو فی اللّغة عبارة عما یبتنی علیه الشیء وفی اصطلاح الأصولیّین یطلق علی الأمور الأربعة الدّلیل والقاعدة والظاهر والاستصحاب وإطلاقه علی کل واحد من هذه

ص: 4

الأربعة لیس باعتبار رجوعه إلی الآخر بخلاف سائر الإطلاقات فإنّها ترجع إلی أحد الأمور الأربعة فإنّ قولهم أصالة الحقیقة معناه ظهور الحقیقة لا باعتبار أنّه یرجع إلی القاعدة وکذا أصالة العدم معناه استصحاب العدم لا باعتبار کونه قاعدة فافهم وأمّا الکلام فی المضاف إلیه فنقول الفقه فی اللّغة الفهم إمّا مطلقا أو مع جودة الذّهن وغیر ذلک ممّا هو مذکور فی کتب اللّغة وفی الاصطلاح عرّف بأنّه العلم بالأحکام الشرعیّة الفرعیّة عن أدلّتها التفصیلیة والمراد بالعلم التّصدیق لا الإدراک المطلق إذ الفقه منحصر فی التّصدیقات والحکم عبارة عن النسبة الخبریة قیل ویلزم منه خروج الإنشاءات عن الفقه فالمراد النسب الجزئیة وفیه أنّ الإنشاءات لیست من الفقه قطعا لما عرفت أنّ الفقه عبارة عن التصدیق ولا یتعلّق التصدیق بالإنشاءات إلاّ باعتبار ما تضمّنت من النسب الخبریة مثل قوله تعالی ( أَقِمِ الصَّلاةَ ) فإنّه لا یتعلق التّصدیق به إلاّ باعتبار ما تضمّنه من أنّ الصّلاة واجبة والنّسب الجزئیة إن أرید مقابل مفهوم النسبة فالقید لغو لأنّه ظاهر أن لیس العلم بمفهوم النسبة فقها وإن أرید الجزئیة الاصطلاحیّة فهی عبارة عن قضیّة کان موضوعها جزئیا والقضایا الفقهیّة کلها موضوعها کلی ولا یحکم فی الفقه علی الموضوعات الجزئیة لفظ والشرعیّة یحتمل وجوها ثلاثة أحدها أن یکون المراد به ما صدر من الشارع فعلا والثّانی أن یکون معناه ما من شأنه أن یؤخذ من الشارع والثالث أن یکون معناه ما یمکن أن ینسب إلی الشارع من حیث إنّه شارع والأوّل مستلزم لخروج الأحکام العقلیة مع أنّه داخل فی الفقه إذا العقل أحد الأدلّة والثانی مستلزم لخروج مسألة وجوب النظر فی المعجزة عن الفقه إذ لیس من شأنها أن یؤخذ من الشارع لاستلزامه الدّور مع أنّه واجب شرعا فالمراد هو المعنی الثالث لإمکان أن ینسب ذلک إلی الشّارع من حیث إنّه شارع وخرج بقید الحیثیّة مثل الحکم بأن مشی الإنسان أبطأ من مشی الفرس لإمکان نسبة هذا الحکم إلی الشارع لکن لا من حیث أنّه شارع والفرعیّة معناها المنسوب إلی الفرع والمراد به الحکم الّذی کان الموضوع فیه عمل المکلف أو یفهم منه حکم عمل المکلف بلا حاجة إلی خطاب آخر فالأوّل کالأحکام التکلیفیّة والثانی کالوضعیّة فإنّ قوله الکلب نجس یعلم منه وجوب الاجتناب عنه الّذی هو حکم شرعی لعمل المکلّف بخلاف مثل الکتاب حجّة إذ لا یفهم منه حکم العمل إلاّ بضمیمة قوله تعالی ( أَقِمِ الصَّلاةَ ) مثلا فافهم وعن أدلتها إمّا متعلّق بالعلم أو بالأحکام باعتبار قید المستنبطة وعلی أیّ تقدیر فإمّا المراد به الأدلّة المعهودة أو لا فإن کان المراد به الأدلة المعهودة کان قید التفصیلیّة لغوا وخرج علم المقلّد وعلم الله وعلم

ص: 5

الأنبیاء والملائکة إن تعلق الظّرف بالعلم بخلاف ما لو تعلق بالأحکام لأنّهم عالمون بالأحکام المستنبطة إلاّ أن یعتبر قید الحیثیّة لأنّ علمهم بالأحکام المستنبطة لیس من حیث کونها مستنبطة وفیه أنّ أخذ الحیثیّة إنّما یثمر فی أن العلم بالأحکام المستنبطة یلاحظ فیه جهة الاستنباط أیضا وهذا لا یقتضی أن یکون العلم ناشئا عن الدلیل فإنّ قولنا علمت زیدا الفاضل من حیث إنّه فاضل أنّی أحضرته فی الذّهن مع ملاحظة الفضل فیه لا أنّ فضله کان سببا لعلمی فافهم وإن أرید مطلق الأدلة خرج علم المقلد بقید التّفصیلیة لأن علمه إنّما هو من دلیل إجمالی وهو أن هذا الحکم مما أفتی به المفتی وکلما أفتی به المفتی فهو حکم الله فی حقی فهذا حکم الله فی حقی وأورد علیه أمّا أوّلا فبأنّ علم المجتهد ناشئ من الدّلیل الإجمالی بضمیمة التفصیلی فإنّه إذا لاحظ الأدلة التّفصیلیة وحصل له الظن بالحکم یرتّب القیاس هذا ما ظننت أنّه حکم الله وکلما ظننت أنّه حکم الله فهو حکم الله فی حقّی وحقّ مقلدی فهذا حکم الله فی حقی وحق مقلّدی فإسناد العلم إلی الأدلة التفصیلیة لا وجه له وأمّا ثانیا فبأنّ المقلد أیضا له دلیل تفصیلی ودلیل إجمالی وعلمه حاصل منهما فإنّه یلاحظ فتوی المجتهد فی خصوص کلّ واقعة فهذا دلیله التفصیلی ویضمّ إلیه المقدمات المذکورة وهو الدلیل الإجمالی فیحصل له العلم فما الفرق بین المجتهد والمقلّد فی ذلک (أقول) الإیراد الثانی وارد ولا مدفع عنه مع عدم جعل المراد الأدلة وأمّا الإیراد الأوّل فقد یجاب عنه بأنّ علة الشیء إذا کان مرکبا یجوز استناده إلی مجموع الأجزاء وإلی الجزء الأخیر والأدلّة التفصیلیة جزء أخیر لعلة حصول العلم بالحکم إذ لا بدّ أوّلا من إثبات أن الکتاب حجّة مثلا ثمّ ملاحظته تفصیلا لاستنباط الأحکام منه ونظیر هذا قیل فی الجواب عما قیل إنّ الدّلیل العقلی إن کان عبارة عمّا کان بجمیع أجزائه عقلیا فما وجه عدهم الاستصحاب من الأدلة العقلیة مع أن حجیّته یثبت بالنقل عند القائلین بالظنون الخاصّة وإن کان عبارة عمّا کان بعض أجزائه عقلیّا فما وجه عدم جعلهم الکتاب من الأدلة العقلیة مع أنّ حجیّته تثبت بحکم العقل وحاصل الجواب أنّ المعتبر هو الجزء الأخیر الّذی یتعاقبه الاستنباط وهو فی الاستصحاب حکم العقل بالبقاء وفی الکتاب حکم النّقل بوجوب الصّلاة مثلا وفیه أنّ هذا الجواب لا یتمّ إذا کان العلم بالحجیّة متأخّرا عن العلم بالتّفصیل کما إذا اجتهد الکافر بطریقة الإسلام ثم أسلم فالأولی فی الجواب أن یقال إن المراد بالأحکام الأحکام الخاصّة من حیث الخصوصیة کوجوب الزکاة وحرمة الخمر ونحو ذلک وحجیّة الکتاب لا توجب العلم بالخصوصیة بل العلم بالخاص من حیث الخصوصیّة لا یستنبط إلاّ من قوله تعالی ( آتُوا الزَّکاةَ ) و ( حَرَّمَ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةَ ) ونحو ذلک فلا یجوز

ص: 6

إسناد العلم بالخصوصیة إلی المجموع ولا إلی الدّلیل الإجمالی فافهم ولما علم مفردات التّعریف فلنتکلّم فی أمور یحتاج إلی بسط الکلام الأوّل قد فسّر الحکم فی التّعریف بخطاب الله المتعلّق بأفعال المکلّفین اقتضاء أو تخییرا أو وضعا والمراد من الأفعال والمکلفین الجنس لیشمل خصائص النبیّ صلی الله علیه وآله أیضا والقیود الثلاثة الأخیرة لیشمل الأحکام التکلیفیّة والوضعیّة قیل إنّ تعریف الحکم المذکور فی التّعریف بخطاب الله تعالی مستلزم لاتحاد الدّلیل والمدلول إذا الکتاب من جملة الأدلة وهو أیضا خطاب الله تعالی إلاّ علی مذهب الأشاعرة حیث قالوا بالخطاب النّفسی الّذی هو مدلول الخطاب اللّفظی وفیه أنه لم یعرّف الحکم بالخطاب إلاّ من ذهب إلی الخطاب النّفسی ولم یقل أحد إنّ الحکم عبارة عن الخطاب اللّفظی حتّی یرد علیه اتحاد الدّلیل والمدلول ثمّ إنّه أجاب عن الإیراد بناء علی عدم القول بالکلام النّفسی بأنّ الأحکام عبارة عن الخطابات المعلومة بالإجمال والأدلة خطابات مفصّلة فنحن نعلم أن لشرب الخمر قد ورد خطاب فی الشریعة ونعلم تفصیله بقوله تعالی فاجتنبوه مثلا وفیه أنه لا یتمّ هذا الکلام فی الجواب إذ یکون معنی التّعریف أن الفقه عبارة عن العلم بالخطابات المجملة عن الخطابات التفصیلیّة فإن أرید العلم الإجمالی بالخطابات المجملة فهو لم یحصل من الأدلة بل هو معلوم بالضّرورة وإن أرید العلم التفصیلی بالخطابات المجملة فهو عین العلم بالخطابات المفصّلة لا أنه حاصل منها فإنّ معنی العلم التّفصیلی معرفة الشیء مفصّلا والخطابات المفصّلة عین المجملة والفرق إنما هو بالإجمال والتفصیل فالعلم التفصیلی بالخطابات المجملة عین العلم بالأدلة المفصّلة وهو یحصل بالنظر فإنّ من أراد أن یعلم شیئا بالتّفصیل ینظر فعلمه یحصل بالنّظر لا بالعلم التّفصیلی (فافهم) وأمّا علی القول بالخطاب النّفسی فیرد أمور منها ما ذکره الفاضل القمیّ رحمه الله من أنّ اللفظ کاشف عن المدّعی لا أنّه مثبت للدعوی ومعناه أنّ الخطاب اللفظی دالّ علی مدلوله الّذی هو الکلام النّفسی لا أنّه دلیل علیه والفرق بین الدّال والمدلول أنّ الأوّل یوجب تصوّر مدلوله والثّانی موجب للتّصدیق بالمدعی ویظهر منه فی الحاشیة وجه آخر وهو أنّ الدلیل عبارة عما یتوصّل بصحیح النّظر (فیه) إلی مطلوب خبری فیجب أوّلا تصوّر المطلوب الخبری ثم ترتیب المعلومات لتحصیله کما هو طریقة النّظر والکلام النّفسی لا یتصوّر إلاّ بعد ذکر الکلام اللّفظی فکیف یکون دلیلا علیه وفیه أنّه لا یجوز أن یتصور أنّ فی شرب الخمر مثلا خطابات نفسیّة ثم یستنبط تفصیلها بالخطابات اللّفظیة فالأولی هو الوجه الأول إلاّ أنه قد أورد علیه بأنّ اللفظ وإن کان بالنّسبة إلی نفس المعنی دالا أنّه بالنّسبة إلی ثبوت المعنی فی ذهن المتکلّم دلیل بضمیمة مقدمات أخر من کون المتکلم عاقلا غیر عابث واللفظ موضوع للمعنی ولم ینصب القرینة فیجب أن یکون المعنی

ص: 7

مراده فاللّفظ بالنّسبة إلی ثبوت المعنی فی نفس المتکلّم الّذی قد یقال إنّه الکلام النفسی دلیل لا دال فتأمّل (ومنها) أنّ الکلام النّفسی غیر معقول وبیان هذه الدّعوی محتاج إلی بسط المقال فنقول قد ذکر الأشاعرة أنّ من جملة صفاته تعالی المتکلم ویشترط فی صدق المشتق علی شیء قیام المبدإ بذلک الشیء ومبدإ المتکلّم الکلام فیشترط فی صدق المتکلّم علیه تعالی باعتبار إیجاده الصّوت القائم بالهواء لما قلنا من اشتراط قیام المبدإ بالموصوف وإلاّ لجاز إطلاق المتحرک علیه باعتبار إیجاده الحرکة فی الأفلاک وحینئذ فلا بد أن یکون معنی قائما بذاته تعالی ثم إنّ بعضهم قال إنّه عبارة عن مدلول الألفاظ وهذا لا یدفع المحذور لأنّ مدلول الألفاظ حادث کحدوثها فإنّ مدلول قال الله ( إِنِّی مُنَزِّلُها عَلَیْکُمْ ) لا یمکن أن یکون قدیما لأنّه إخبار عن الماضی ولذا قال بعضهم إنّ الکلام معنی بسیط قدیم قائم بذاته تعالی قابل للشئونات المختلفة من الأمر والنّهی والإخبار وغیر ذلک باعتبار المتعلّقات والإضافات وقد یتمسّک لمذهبهم بأنّ الکلام لغة موضوع لمعانی الألفاظ أو للألفاظ المتصوّرة الذّهنیة قبل النطق فإنّ النطق متأخّر عن تصوّر الألفاظ والکلام اسم لذلک ولذا قال الشاعر إنّ الکلام لفی الفؤاد وإنما جعل اللسان علی الفؤاد دلیلا فهو لغة اسم للنفسیّ لا للفظی (ثم) إنّهم بنوا علی قولهم من اشتراط قیام مبدإ المشتق بموصوفه دعواهم أنّ صفاته تعالی مغایرة مع ذاته فإنّ صدق قیام شیء بشیء یستدعی تحقّق المغایرة بینهما واستدلّ الرّازی علی هذا المطلب بوجوه لا بأس بذکرها لتعلّقها بالمقام (منها) القیاس بهذا الترتیب ذاته تعالی غیر معلوم لنا وصفاته تعالی معلومة لنا وغیر المعلوم غیر المعلوم فذاته غیر صفاته (ومنها) أنّه لو لا المغایرة لکان قولنا الله عالم قادر بمنزلة الذات ذات فلم یکن للنزاع فی ثبوت الصفات له تعالی معنی لبداهة کون الذات ذاتا (ومنها) أنّه لو لا المغایرة لکانت الصفات أیضا متّحدة لأنّها عین الذّات وحینئذ فیکون إثبات إحدی الصفات مغنیا عن إثبات البواقی لاتحادها (ومنها) أنّ صفاتها الثبوتیّة موجودات لا سلوب وإضافات والموجودات لا یمتاز أحدها عن الآخر إلاّ بالمغایرة هذا ما ذکروه فی المقام ولا بدّ أوّلا من ذکر معنی الصّفة وأقسامها لیظهر ما هو الحق فی المقام فنقول من المعلوم أن الصّفة غیر الموصوف إذا الصّفة عرض والموصوف معروض لکن المغایرة علی قسمین حقیقی وهو أن یکون الصّفة موجودة فی الخارج بوجود مشتمل غیر وجود الموصوف کالبیاض للجسم والکتابة للکاتب ویسمّی الوصف الخارجی واعتباری وهو أن لا یکون لها وجود مستقل فی الخارج غیر وجود الموصوف بل لها منشأ انتزاع فی الخارج وهو إمّا

ص: 8

ذات الموصوف کالوجود للواجب فإن ذاته کاف فی انتزاع الوجود منه وإمّا بواسطة ملاحظة حیثیة من الحیثیّات الاعتباریّة کالوجود للممکن فإنّه ینزع منه بملاحظة حیثیة الاستناد إلی العلّة لا من نفس ذاته وهذه الحیثیّة المذکورة قد تکون تقییدیّة وقد تکون تعلیلیة لثبوت الوصف کالاستناد إلی العلة فإنّه علة لاتّصاف الممکن بالوصف وهذا لا دخل له بما یکون فیه الحیثیّة للحکم بالاتصاف لا لنفس الاتّصاف فإنه لا یستلزم حیثیة أخری زائدة ولو اعتبارا بل یکون نفس ملاحظة الاتصاف کافیا فی الحکم به ومن هذا القسم صفاته تعالی الذاتیة فإن حیثیّة انکشاف الأشیاء له تعالی لیست علة لاتّصافه بوصف العلم بل هی علّة للحکم بالاتّصاف فالوصف فیه عین الموصوف وحینئذ فنقول لا کلام فی الوصف الخارجی وأمّا الاعتباری فلا شبهة فی أنّ الّذی ینتزع من نفس الذّات هو عین الموصوف فإنّ معنی العینیّة أنّهما لیسا موجودین بوجودین ومعنی الانتزاع أنّ العقل إذا لاحظ الشیء حکم بأنّه متّصف فی الخارج بهذا الوصف الذّهنی ولا ینافی ذلک عدم وجود الوصف فی الخارج کالإمکان للشیء فإن العقل إذا لاحظ الإنسان حکم علیه بأنّه ممکن والإمکان لیس وصفا خارجیّا بل هو وصف ذهنی ومع ذلک حکم به علی الأمر الخارجی ومن الاعتباری المعقولات الثانیة کالکلیة والجزئیّة فإنّها وصف ذهنی للأمور الذّهنیة بشرط الوجود الذّهنی وبهذا یفترق عما ذکرنا إذ یمکن فیه کون الموضوع فیه موجودا خارجیا کالإمکان وقد یقال إنّ القسم الّذی ینتزع فیه الوصف بواسطة الحیثیة التّعلیلیّة الوصف فیه أیضا عین الموصوف کما قال الأشاعرة إنّ وجود الإنسان عین ماهیّته وفیه نظر فإنّ الحیثیّة التقییدیّة أو التّعلیلیّة لا بدّ من اعتبارها مع الذات فی انتزاع الصّفة وهی علة لها فی الواقع أیضا وواسطة فی الثبوت فکیف یکون الوصف فیه عین الموصوف ولا دخل له بقول الأشاعرة فإن مرادهم من عینیّة الوجود والماهیّة أنّهما لیسا بمنزلة السواد والجسم وهاهنا إشکال یرد علی القول بعینیّة الأوصاف الاعتباریّة مع موصوفها وهو الإشکال الّذی ورد علی القول بأن الإمکان وجودی وهو أنّ الإمکان لیس شیئا موجودا فی الخارج بل هو موجود ذهنی علی القول بوجوده والذّهن مرآة الخارج وظلّ للموجودات الخارجیّة فإذا کان الشیء موجودا فی الذّهن دون الخارج کان جهلا مرکّبا ونظیره أورد فی المقام فإن الوصف الاعتباری الموجود فی الذّهن لو لم یکن موجودا فی الخارج کان جهلا مرکّبا وإن کان موجودا فی الخارج کان غیر الموصوف ولذا قال جماعة إنّ صفاته تعالی یراد منها سلب الأضداد فالمراد بکونه عالما أنّه لیس جاهلا وهکذا لأنّ الصّفة

ص: 9

إن کانت موجودة فی الخارج لزم الترکیب فی الخارج وإلاّ کان جهلا مرکبا وأیّدوه بقوله تعالی وکمال توحیده نفی الصّفات عنه والجواب أن الذهن إن کان حاکیا عن الخارج ولم یطابقه کان جهلا مرکبا وأمّا إن لم یکن حاکیا عن الخارج فلا یلزم فیه المطابقة للخارج بل یکفی فیه المطابقة لنفس الأمر ومعنی عدم الحکایة عن الخارج أنّه حکم عقلی الموجود الخارجی وصدقه إنما هو بالمطابقة لنفس الأمر فقولنا الإنسان ممکن معناه أنّ الإنسان محکوم بحکم العقل بالإمکان فصدقه مطابقته لنفس الأمر ولا یکفی المطابقة للذّهن لإمکان تصور الکواذب وبهذا نجیب عن الإشکال فی المقام فإن ذاته تعالی بسیط من جمیع الجهات لکن العقل یحکم باعتبار الحیثیّات بأحکام من کونه عالما قادرا بمعنی أنّ الذات الخارجی هو المنشأ لهذه الآثار بخلاف الممکنات فإنّ ذواتها لیست منشأ لهذه الصّفات بل بواسطة قوّة ذهنیّة موجودة معها فی الخارج والصفة قد یراد منها المعنی المصدری ویطلق علیه الأثر بهذا الاعتبار وقد یراد منها المبدأ للأثر فعلی المعنی الأوّل معنی کون الصّفة عین الذّات أنّ الذّات هو المنشأ لهذه الآثار من دون حاجة إلی ضمّ ضمیمة إلیه وعلی المعنی الثانی معناه أن الذّات یترتّب علیه ما یترتب علی هذه المبادی فافهم فلا یلزم ترکیب فی الذات ویظهر وجه اتحاد الصّفة والموصوف ولا یلزم الجهل المرکب وهذا الجواب أحسن مما قیل إنّ صفة العلم والقدرة لانتزع من نفس الذّات حتّی یلزم الترکیب بل إنما تنزع منه بواسطة الحیثیّات وملاحظة ترتب الآثار وإن کان ترتب الآثار ناشئا من نفس الذّات بلا واسطة لکن انتزاع مفهوم العالم مثلا إنّما هو من الذات مع ملاحظة ترتب الآثار علیه فالعلم ینتزع باعتبار ملاحظة المعلوم والقدرة باعتبار المقدور فلیس منتزعا من الذات حتی یلزم الترکیب وفیه أنّه یستلزم الفرق بین صفة الوجود والعلم مع أنّهم لم یفرقوا بینهما من حیث کونهما من صفات الذّات وإن فرقوا بینهما من جهة أخری وهی أنّ الوجود من صفات الذات غیر ذات الإضافة والعلم من صفات الذّات ذات الإضافة وفرق بین صفة الذّات ذات الإضافة وبین الصّفات الإضافیّة وهی صفات الفعل فإنّها إضافیّة لا بدّ فی اعتبارها من ملاحظة الطرف المقابل کالأخوّة والأبوّة مثلا بخلاف العلم أو القدرة فإنّ معنی العلم ما به ینکشف الأشیاء وهو فی الممکن أمر زائد وهو الصّورة الحاصلة وفی الواجب هو الذات وکیف کان فهو شیء مستقل یلزمه تعلقه بشیء آخر فافهم والحاصل أنّهما ینتزعان من الذّات ومعنی الانتزاع حکم العقل بأنّ الذات منشأ لهذه الآثار ولا یلزم الترکیب إذ لا یلزم أن یکون له وجود فی الخارج کما عرفت ویؤیّد ما ذکرنا من أنّ الوجود فی الذهن لا یستلزم الوجود فی الخارج ما ذکره الشیخ فی الإشارات من أنّ أجزاء حدّ

ص: 10

البسیط أجزاء لحدّه لا لقوامه وهو شیء نفرضه وأمّا هو فی ذاته فلا جزء له وأمّا الحق فاعتقادنا فیه أنّه لیس مرکبا من الأجزاء الخارجیّة وأمّا الأجزاء الذهنیّة فهی لم تثبت فی الماهیّات المتأصّلة الممکنة فضلا عن الواجب إذ ما یعبرون به فی حدودها یحتمل أن یکون من قبیل إطلاق صفة العلم والقدرة ونحوهما علی الواجب فکما أن تلک الصفات مع تکثّرها لا توجب الترکیب فی الذات فکذا ما یعبرون به فی الماهیّات انتهی مع أدنی تغییر وجه التأیید أنّ معنی ما ذکر هو أنّ أجزاء حد البسیط لیست أجزاء خارجیّة بل إنّما هی أجزاء ذهنیّة فیمکن فرض الجنس والفصل للبسیط إذ لا یلزم الترکیب الخارجی ویمکن أن یکون المراد أن ما یذکر فی حدود البسائط کالألوان مثلا إنما هو من العوارض واللوازم کغیر البسائط فإنّ النّطق لیس من ذاتیات الإنسان بل هو کالضّحک وإنّما الذّاتی هو مبدؤه ومنشؤه وحاصل الکلام أن الصّفة إن کانت مطلقا بالمعنی المصدری فمعنی کونها عین الذّات أنّ الذّات هو مبدؤها ومنشؤها وإن کانت بمعنی المبدإ والصورة الحاصلة فمعنی کونها عین الذّات أنّ الذّات وحده یترتب علیه ما یترتب علی الذّات مع المبدإ فی الممکن وهو ظاهر لا إشکال فیه إنما الإشکال فی الفرق بین صفات الذات کالعلم وصفات الفعل کالخلق إذ لو أرید مفهوم اللفظ فهو غیر الذّات مطلقا قطعا وإن أرید المصداق والمبدأ فهو نفس الذّات فی الجمیع ویمکن الجواب بأنّ صفات الفعل معناها نفس الفعل کالخلق والرزق ونحوهما فإنّ فعل الشخص من صفاته هی لکونها أمرا اعتباریا منتزعا من تأثیر العلة فی المعلول لا یمتنع کونها زائدة علی الذّات والکمال هو کون العلّة بحیث یترتّب علیه الآثار لا أصل نفس الفعل فلا یقدح حدوثه إذ لا یلزم النّقص فی الواجب حین انتفائه بخلاف العلم والقدرة فإنّ المراد بهما المبدأ وهو نفس الذّات وأمّا أنّ المراد بالعلم هو المبدأ وبالخالق الذات باعتبار الفعل فهو ناظر إلی الأمر العرفی فإنّه تعالی وصف نفسه بالعالم والخالق فیرجع إلی اصطلاح القوم وهم یفهمون من العالم من له قوة العلم ومن الخالق الخلق الفعلی ولا مشاحة فی الاصطلاح کذا أجاب بعضهم وما ذکرنا من عینیّة الصفات بالمعنی الّذی تقدّم هو مذهب الإمامیّة والمعتزلة وهناک أقوال آخر لا بأس بالإشارة إلیها منها مذهب الأشاعرة وهو أن علمه تعالی زائد علی ذاته وموجود مستقل وصور مرتسمة فی ذاته تعالی إلاّ أنّ العلم علی قسمین أحدهما انتقاش صورة الشیء بعد رؤیته مثلا کالعلم بالشمس بعد رؤیتها والثّانی تصوّر الشیء قبل وجوده کما یتصوّر الفخار وصورة الکوز ویسمی الأوّل بالعلم الانفعالی والثّانی بالعلم الفعلی وعلمه تعالی من القسم الثّانی ومنها أنّ علمه لیس بالصّورة

ص: 11

الحاصلة بل هو عبارة عن الأعیان الثابتة القائمة بذاتها الواسطة بین الموجودات والمقدمات وعلمه بها حضورها عنده تعالی لا بصورها کعلم الشخص بنفسه فإنّه لیس بالصورة بل بحضوره عنده إذ لیس الشخص فاقدا لنفسه ومنها مذهب الحکماء وهو أنّ علمه تعالی إنما هو بالصور الحاصلة فی العقل الأوّل وعلمه بالعقل الأوّل حضوری لأنّه حاضر عنده بغیر صورة ومنها ما ذکره بعضهم من أنّ علمه بالأشیاء زائد علی ذاته ولا یلزم ترکّب الواجب فإنّه إنّما یلزم ذلک إذا کان علمه بالأشیاء فی مرتبة الذّات ولیس کذلک فإنّه ثابت بواسطة علمه بذاته فإن علمه بذاته حضوری وذاته علة جمیع الآثار فیستلزم علمه بذاته علمه بجمیع آثار ذاته أیضا والکل فاسد أمّا إجمالا فبالإجماع وأمّا تفصیلا فبأنّهم قد ذکروا أن الواجب الوجود بالذّات من جهة یجب أن یکون واجبا من جمیع الجهات إذ لو کان فیه جهة ممکنة لکانت محتاجة إلی علة ینتهی إلی الواجب وقد ثبت ببرهان التوحید أنّ الواجب لا یتعدّد فیجب أن یکون علّة تلک الجهة نفس الواجب فیلزم أن یکون الواجب فاعلا وقابلا من جهة واحدة إذ المفروض أنّ تلک الجهة مأخوذة فی الواجب وإن فرضت فیه الجهتین لزم الترکیب فی الواجب من جهة الفعل وجهة القبول وهو محال وبهذا یظهر أنّ کل صفة أمکن وجودها فی الواجب بالإمکان العام وجب ثبوتها له وکونها عین الذّات إذ لو کانت ممکنة بالإمکان الخاصّ لاحتاج ثبوتها للواجب إلی علّة هی نفس الواجب فیلزم ترکب الواجب من جهتی الفعل والقبول وقد یقرر هکذا لو کان فی الواجب جهة إمکان لاحتاج ثبوتها وعدم ثبوتها إلی علة إذ هو معنی الممکن فیجب أن یکون الواجب معلولا فی بعض جهاته إمّا لنفسه وهو مستلزم لتقدّم الشیء علی النّفس أو لغیره وهو یقتضی الخروج عن الوجوب وقد یقدر بأن جهة الإمکان إن کانت معتبرة فی جهة الوجوب خرج جهة الوجوب إلی الإمکان وإلاّ فلا معنی لجواز ثبوته للواجب إذ لا یجوز التغیّر فی الواجب وکیف کان ظهر لک بطلان الأقوال الأخر إذ الأوّل مستلزم للتّرکیب والثّانی غیر معقول إلی الواسطة بین الوجود والعدم والثالث مستلزم للنقص إذ لم یجعل العلم فی مرتبة الذات مضافا إلی أنّ علم العقل الأوّل لا بدّ له من علة تنتهی إلی علم الواجب وکذا الرابع فإنّه جعل العلم فی غیر مرتبة الذات فهو مستلزم لأن یکون فی مرتبة الذات ناقصا وهو باطل بإجماع الأنبیاء وأهل الملل والعقلاء وإقرار الخصم وعلم مما ذکرنا بطلان ما استدلّ به الرازی من الوجوه الأربعة أمّا الأوّل فبأنّ کنه الذات مجهول ومفهوم الصّفات معلوم وکنه الذّات غیر مفهوم الصّفات کما ذکرنا وأمّا الثّانی فبأنّ النزاع یرجع إلی أنّ الذات هل ینتزع منها الصّفة الفلانیة أو لا وبه یعلم بطلان الثالث أیضا فإن مصادیق الصّفات واحدة وأمّا المفاهیم فمتغایرة

ص: 12

والنزاع یرجع إلی جواز انتزاع هذا المفهوم من الذات وعدمه وأمّا الرّابع فبأنّ مصداق الصفات موجود وأمّا مفهوماتها فأمور اعتباریة متغایرة وهو لا یوجب تغایر المصداق بقی الجواب عن استدلال الأشاعرة بالمسألة اللغویة فنقول الجواب الإجمالی أنّه بعد ما قام الدّلیل العقلی علی أن صفاته تعالی عین ذاته نقول إنّ إطلاق المشتق علیه مجاز لغوی وأمّا الجواب التفصیلی فهو متوقف علی فهم معنی المشتق والمبدإ وأنّه هل یشترط المغایرة بینهما وهل یشترط قیام المبدإ به أو لا فنقول قیل إنّ الذّات غیر مأخوذة فی المشتق بل المشتق عین المبدإ إلا أنّ المبدأ مأخوذ بشرط لا والمشتق مأخوذ لا بشرط کالفرق بین الجنس والمادة فإنّ الجسم إن لوحظ بشرط أن لا یکون معه شیء آخر بل کل ما فرض معه یکون خارجا عنه یکون مادة وإن لوحظ لا بشرط بحیث یجوز فرض شیء آخر معه داخل فیه فهو جنس ولهذا یجوز حمل الجنس علی النوع ولا یجوز حمل المادة علیه فکذا نقول فی المبدإ والمشتق وحینئذ یکون الفرق بینهما اعتباریّا کما ذکر المنطقیّون أنّ الفرق بین النّطق والناطق اعتباری وحینئذ فنقول الحمل عبارة عن اتحاد الوجودین ووجود العلم عین وجود العالم إذ لیس المراد وجود ذات العالم بل المراد وجود العالم بعنوان أنّه عالم فالوجودان متحدان فلا ضرر فی حمل أحدهما علی الآخر فیقال العالم علم وبالعکس إذا لاحظ المبدأ لا بشرط ولو کان الذات مأخوذا فی المشتق فإمّا یکون المراد مفهوم الذات فیلزم أن یکون الفصل عرضیّا کالناطق فإنّ مفهوم ذات ثبت له النطق لیس ذاتیّا للإنسان وإمّا أن یکون المراد مصداق الذات فیلزم انقلاب الممکنة ضروریّة فإنّ قولنا زید کاتب ممکنة ولو لوحظ مصداق الذّات لکانت ضروریة لضروریّة أنّ الذات ذات انتهی وفیه نظر لأن کلمات المنطقیین لیست بملاحظة اللغة وإنّما هی لبیان ما یتعلّق به غرضهم من الأجناس والفصول فإنّ کنه الفصول مما لا یدرکه العقل وإنما یدرک ببعض الخواصّ النّاشئة منه فالمراد بالنطق الّذی هو الفصل مبدؤه الّذی هو غیر مدرک بکنهه وقولهم الناطق متّحد مع المبدإ وجودا لیس المراد به مبدأ الاشتقاق بل المراد به مبدأ النطق وهو القوّة فلیس له تعلق بالاشتقاق وأمّا انقلاب الممکنة فباطل لأن الذّات مع أخذ الکتابة فیه لیست بضروری الثبوت لزید نعم الذات البحت ضروری الثبوت وهو لیس معنی المشتقّ فالحق أنّ الذّات مأخوذة فی المشتق لغة ولکن المغایرة المفهومیّة کافیة بین الذات والصّفة وهی المغایرة الذهنیّة کما سلف فافهم ولعلّک تسمع للمطلب زیادة توضیح فی المباحث الآتیة إن شاء الله تعالی الثانی أنّ المراد بالأحکام إمّا العموم فیلزم خروج أکثر الفقهاء بل کلهم وإن أرید البعض دخل المتجزی وأجیب أوّلا باختیار الشقّ الأوّل وهو أنّ المراد جمیع الأحکام ولکن بحمل العلم علی الملکة وثانیا باختیار

ص: 13

الثانی وهو أنّ المراد بعض الأحکام والتجزی إن قلنا باستحالته فلا إشکال وإن قلنا بإمکانه فإن کان علمه حجة فلا ضرر فی دخوله وإلاّ فإن کان التّعریف للفقه مطلقا أعمّ من الصحیح والفاسد فلا ضرر فی دخوله أیضا وإن کان للفقه الصّحیح ورد الإشکال ویمکن أن یجاب بخروجه بقید العلم بالأحکام لما یأتی أنّ المراد الأحکام الظّاهریّة والمتجزی لا علم له بالحکم الظاهریّ إذ لیس حجّة فی حقّه واعترض علی المجیب بوجوه أحدها أنّ جعل العلم بمعنی الملکة باطل لوجوه منها أنّ الملکة لا تتعدّی بالباء فلا معنی لأن یقال الملکة بالأحکام ومنها أنّ ملکة الأحکام لا تحصل من الأدلّة بل من الممارسة والمزاولة إلاّ أنّ یجعل الظّرف متعلقا بالأحکام ومنها أنّ أسماء العلوم لیست أسماء للملکات بل لنفس المسائل أو لإدراکها ومنها أنّ إرادة الملکة مستلزمة لسبک المجاز عن المجاز بضمیمة ما یقال إن المراد من العلم هو الظن لأنّ أکثر الأحکام ظنیّة فیکون استعمال العلم فی ملکة الظنّ من قبیل سبک المجاز عن المجاز والثّانی أنّ تسلیم دخول المتجزی بناء علی إرادة البعض لا وجه له مطلقا لأنّ المراد لیس البعض مطلقا بل المراد القدر المعتدّ به فالمتجزّی إن لم یعلم القدر المعتدّ به فقد خرج وإن علم به وکان حجّة فلا وجه لإخراجه وإلاّ فلیس بداخل لأنّ المراد الجزم بالحکم الظّاهری ولکن یلزم علی هذا خروج من لیس له العلم بالقدر المعتدّ به وإن کان له ملکة الکلّ وهذا غیر بعید بل هو کذلک وإن کان تحقق هذا الفرض بعیدا أقول أمّا قوله الملکة لا تتعدی بالباء فیمکن دفعه بأنّ المراد ملکة الظنّ وأمّا قوله إنّ الملکة تحصل بالممارسة فیدفع بتعلّق الجار بالأحکام وأمّا قوله إنّ أسماء العلوم لیست أسماء للملکات فهو محلّ إشکال وفیه أقوال ثلاثة أحدها أنّها أسماء للملکات والثّانی أنها أسماء لجمیع المسائل والثالث أنّها أسماء للمسائل المعروفة وأمّا المتجدّدة فراجعة إلیها ویشکل الأوّل بأنّه یلزم علیه صحّة إطلاق الفقیه علی من لم یعرف مسألة من الفقه فعلا ولکن کان له القوة والملکة ولیس کذلک والثانی بأنّه یلزم علیه أن لا یطلق الفقیه علی أحد إذ لا یعرف جمیع المسائل إلاّ الله والثالث بأنّه إنما یتمّ إرجاع المسائل المتجدّدة إلی المعروفة عند اتحاد موضوع المسألتین وأمّا عند اختلافهما فلا کما لو کان المعروف من مسائل النحو أنّ الفاعل مرفوع فلا یمکن إرجاع المفعول منصوب إلیه إذ لا ربط بینهما فیلزم أن لا یکون من النحو ویمکن دفع الإیراد الثانی بالتسلیم بأن یقال إنّ الفقه اسم للعلم بالجمیع فلا أحد یعلم الفقه بل کلّ فقیه فهو عالم ببعض الفقه فیکون الفقه علم شخص للمسائل إذ لا جامع بین المسائل المختلفة حتی یکون اسم جنس أو علم جنس ولکن إذا تعقب بالعلم أو أطلق علی إدراک المسائل کان المراد أعم من بعض

ص: 14

المسائل وکلها فلو علم بعض المسائل صدق علیه الفقیه بهذا المعنی کما لو علم الجمیع وکیف کان فلهذا الإشکال وجه وأمّا قوله إنّ إرادة الملکة مستلزمة لسبک المجاز عن المجاز فنقول علیه إنّ سبک المجاز عن المجاز أقسام أحدها ما هو المعروف من أن یستعمل اللّفظ فی معنی مجازیّ ومنه فی مجاز آخر بالنسبة إلی ذلک المعنی المجازی والثانی أن یستعمل اللّفظ فی معنی لمناسبته مع المعنی المجازی من دون أن یکون له مناسبة مع المعنی الحقیقی ولو بالواسطة ولا ریب فی فساد هذین القسمین والثالث أن یستعمل فی معنی مناسب للمعنی المجازی بحیث یحصل المناسبة بینه وبین المعنی الحقیقی بواسطة تلک المناسبة کاستعمال الأسد فی زید لمناسبة مع الشجاع المناسب للأسد فی الشجاعة والرابع أن یستعمل فی المجاز المناسب ویراد المجاز الغیر المناسب بادّعاء أنّه من الأفراد المناسبة کاستعمال العلم فی الظنّ الفعلی وإرادة الملکة منه بادّعاء أنّها من أقسام الظنّ الفعلی ویمکن ادعاء عدم الدّلیل علی فساد هذین القسمین بل الدّلیل قائم علی صحتهما أمّا الأوّل فلاستعمال الأسد فی زید فی العرف شائعا وأمّا الثانی فلحکم المحققین بإرادة ملکة الظنّ من العلم وهو کاف فی إثبات صحّة الاستعمال ولکن التحقیق فسادهما أیضا لتوقیفیة الاستعمال ولم یثبت أمّا الأوّل فلأنّ استعمال الشجاع فی زید غیر ثابت بل هو من قبیل إطلاق الکلی علی الفرد وهو لیس بمجاز وأمّا الثانی فلمنع عدم مناسبة ملکة الظنّ للعلم بل المناسبة متحققة وهی المشابهة فی السببیة للإدراک فهو مستعمل فیها ابتداء ولا یلزم سبک المجاز عن المجاز حتی یکون باطلا وأمّا الاعتراض الثانی وقوله بإرادة القدر المعتد به فقد عرفت أنّه لا وجه له بل التحقیق أن یقال إن کان المراد بالأحکام الجمیع وبالعلم العلم الفعلی لم یدخل أحد فی الفقیه ولکن کل فقیه یعرف بعض الفقه وأمّا علم المتجزی علی فرض إمکانه فإن کان حجّة صدق علیه العلم ببعض الفقه وإلا فلا وإن کان المراد بالأحکام البعض فإن أرید القدر المعتدّ به خرج غیر العالم به مطلقا ودخل المتجزی العالم به وإن أرید البعض مطلقا دخل المتجزی وعلی التّقدیرین إن کان حجة فلا ضرر وإلا خرج بما بینا الثالث أنّ الفقه کله ظنیات فتعریفه بالعلم بالأحکام فاسد وأجیب عنه بوجوه منها أنّ المراد هو الظنّ بعلاقة وجوب العمل ومنها أنّ المراد الاعتقاد الراجح بعلاقة رجحان الحصول ویردّهما عدم وجود القرینة ومنها أنّ المراد من العلم هو معناه الحقیقی ولکن المراد من الأحکام الأعمّ من الأحکام الواقعیّة والظّاهریة والحکم الظّاهری معلوم واعترض علیه بأنّ الفقه هو العلم بخصوص الحکم الظّاهری لأنه الّذی یبنی علیه فی مقام العمل والفقه موضوعه عمل المکلّف فالتعمیم للظاهریّ والواقعی لا وجه له وفیه

ص: 15

نظر لأنّ الحکم الواقعی قد یکون معلوما فیتعلّق بالعمل ولا یسمّی حینئذ حکما ظاهریّا فالتعمیم أولی ولکن فیه إشکالات أحدها أنّ الفقه لیس عبارة عن العلم بالحکم الظاهری لأنّ الفقه إنّما یبحث فیه عن ثبوت الأحکام الواقعیة لموضوعاتها لأنّ الحکم الظاهری لیس قابلا للنّفی والإثبات والنّزاع والجدال فلا یکون البحث عن المسائل المختلف فیها بحثا عن الفقه وهو ظاهر البطلان لأنّ الفقه إمّا اسم للمسائل أو للعلم بها والثانی أنّ العلم بالحکم الظّاهری لیس حاصلا من الأدلّة التفصیلیّة بل إنما یحصل من دلیل اعتبار تلک الأدلّة إذ المراد بالحکم الظّاهری هو هذا لا مثل الوجوب الثّابت بالاستصحاب والطّهارة الثّابتة بالأصل فإنّه هنا داخل فی الحکم الواقعی وإن أطلق علیه الحکم الظّاهری باصطلاح آخر وأجیب عنه بوجوه منها أنّ الظرف متعلق بالعلم باعتبار ما تضمّنه من معنی مطلق الاعتقاد فلا یجب أن یکون الجزم به أیضا حاصلا من تلک الأدلّة ولا ریب أنّ هذا بعید جدّا ومنها أن الظّرف متعلّق بالمستنبطة المقدّرة صفة للأحکام ویخرج علم الملائکة والأنبیاء بقید الحیثیّة ومنها أنّه متعلق بالعلم والحکم مظنون فالمدرک مظنون وظنیة المدرک لا یستلزم ظنیة الإدراک وفیه أنّه إن کان المراد عدم التنافی بین ظنیّة المدرک وقطعیّة الإدراک الّذی أدرک به ذلک المدرک فهو ظاهر البطلان وإن أرید إدراک آخر متعلق بذلک المدرک فهو ممکن لأنّ الحکم إذا صار مظنونا بسبب الأدلّة أدرک النفس ظنیتها قطعا فینحصر الأحکام المظنونة عند النّفس بسبب تلک الأدلّة والنفس عالم بمظنوناتها ولکن یلزم کون الفقه من قبیل التّصورات وهو فاسد فالأولی أن یقال إنّ الفقه هو العلم بالأحکام عن الأدلّة المعتبرة والعلم بالحکم الظّاهری أیضا حاصل من الأدلّة المعتبرة أمّا أصل الاعتقاد فمن ذات الدلیل وأمّا الجزم فمن اعتبار ذلک الدلیل لکن التحقیق ما عرفت أن الفقه عبارة عن الأحکام الواقعیة لا الظاهریّة فالإیراد وارد إلاّ أن یراد من العلم مطلق الاعتقاد فیرد علیه ما سلف والثالث أنه کیف یکون الواقعی مظنونا وطریقه قطعیّا کما قیل إنّ ظنیة الطریق لا ینافی قطعیة الحکم وأجیب بأنّ الحکم الواقعی مظنون بمقتضی دلیله ولکن مقتضی دلیل حجیّة ذلک الدّلیل أنّ ذلک المظنون یصیر حکما شرعیّا فیکون مظنون الوجوب واجبا ومظنون الحرمة حراما ولا تنافی بین کون ذات العمل مظنون الوجوب وکونه واجبا من حیث إنّه مظنون الوجوب وقیل لیس مقتضی دلیل حجیة الأدلة إلاّ وجوب العمل بمقتضاها لا صیرورة مقتضاها حکما شرعیّا فی الظاهر وتصویر الفرق بین القولین مشکل ومحلّه مسألة التخطئة والتصویب وسیأتی إن شاء الله هذا تمام الکلام فی

ص: 16

بیان المضاف والمضاف إلیه من أصول الفقه بقی معنی الإضافة ومقتضاها فنقول قیل إنّ الإضافة تفید الاختصاص فإن کانت إضافة اسم المعنی أفادت الاختصاص فی الوصف العنوانی نحو هذا مملوک زید فإنّه یفید الاختصاص فی الملک وإن کانت فی الأعیان أفادت الاختصاص لکن لا یعلم جهة الاختصاص إذ لیس فیه الوصف العنوانی وعلی هذا فمعنی أصول الفقه المبانی المختصّة بالفقه والاختصاص أعمّ من الاختصاص فی التّدوین لیشتمل بعض مسائل الأصول الّذی یستنبط منه غیر الفقه أیضا ولکن تمهید إنّما هو لأجل الفقه فینحصر فی المعنی العلمی وهو علم الأصول فظهر المناسبة بین المعنی العلمی والإضافی فإنّ المراد بالأصول علی ما سبق هو المعنی اللغوی لا الدلیل والقاعدة لما سبق وفیه نظر إذ لا نسلم کون الإضافة مفیدة للاختصاص وإلاّ لزم إفادته فی مثل الله ربّی ومحمّد نبیّی ونحو ذلک وأمّا فی مثل هذا مملوک زید فاستفادة الاختصاص إنّما هو من عدم قابلیة کون المال الواحد تمامه ملکا لشخصین وتعمیم الاختصاص یوجب شمول الأصول للرجال أیضا لأنّ تمهیده إنما هو لأجل الفقه وحینئذ فیشمل کلما یبتنی علیه الفقه فیکون أعمّ من المعنی العلمی إلا أن یحمل الإضافة علی العهد ولا دلیل علیه

الأمر الرابع فی بیان موضوع علم الأصول

فنقول قد استشکل فی کون الأصول علما مستقلا حتّی یکون له موضوع وذلک لاختلاف موضوعات مسائله لاختلافها فبعضها من علم العربیّة وبعضها من الحکمة وبعضها من غیرهما فلیس بعلم مستقل بل هو عبارة عن مجموع مسائل متفرّقة من علوم متفرّقة مختلفة فی الموضوع قد اجتمعت فی الأصول فیتکلّمون فیها هنا لأنّ أکثر الطلبة لا یتقنونها فی محلّها ولا یمکن إتقان الفقه بدون إتقانها وهذا هو مقتضی تعریفه بالعلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحکام فإنّه موجب لعدم کون الأصول علما مستقلا إذ لا موضوع له حینئذ وتمایز العلوم إنّما هو بتمایز الموضوعات وقیل إنّ موضوع الأصول هو أدلة الفقه یعنی الکتاب والسنّة والإجماع والعقل بعد فرض حجیّتها ونوقش فیه بأنّه یبحث فی العلم عن عوارض الموضوع بعد إحرازه فلا یمکن التکلّم فی علم الأصول فی حجیّة الکتاب والسنّة والإجماع والعقل مع أنّ أکثر الأصول هو التکلّم فی ذلک وفیه أنّه إنما یتم بالنسبة إلی الکتاب والعقل وأمّا السنّة والإجماع فلا لأنّهم إنما یتکلّمون فی حجیّة الحدیث ومعنی حجیّته أنّه هل یثبت السنة أعنی قول المعصوم بالحدیث أو لا فیکون بحثا عن عوارض السّنّة ولا یتکلّمون عن حجیّة السّنّة وکذا الکلام فی حجیّة الإجماع أنّه هل یثبت به رأی المعصوم أو لا وقیل إنّ الموضوع هو ذات تلک الأدلّة أو کلّ ما یصلح أن یکون دلیلا فی نظر العرف لا شرعا لیدخل القیاس والبحث عن

ص: 17

دلیلیّتها أیضا داخل فی البحث عن عوارض الموضوع ولکن یشکل الأمر فی بعض مسائل الأصول کمسائل الاجتهاد والتقلید ومقدّمة الواجب وأمثال ذلک ویمکن إدخال الأوّل بأن یقال البحث عن حال الأدلّة إمّا یکون عن دلالتها وإمّا یکون عن دلیلیّتها وعلی الثانی إمّا أن یکون عن دلیلیّتها فی نفسها وإمّا یکون عن دلیلیّتها علی بعض الأشخاص دون بعض ولکن یخرج مسائل التّقلید وتکون مذکورة بالتّبع والاستطراد وأمّا المسائل الآخر فیجب فی إدراجها فی الأصول وتمیز موضوعاتها وأنها داخلة فی العلم أو فی المبادی اللغویّة أو الأحکامیة من إمعان نظر وإعمال فکر لأنّ بعضها مما لا یمکن إدراجها فی الأصول إلاّ بتکلّف وبعضها مما وقع الخلاف فیها کمسألة اجتماع الأمر والنهی حیث قیل بدخولها فی المسائل الکلامیّة وقیل غیر ذلک ولیس هنا مقام تحقیق ذلک وسیأتی إن شاء الله تعالی فلنقتصر علی ما ذکرنا فإن فیه کفایة

أصل فی علائم الوضع

قد تداول بین الأصولیّین ذکر جملة مما یثبت به الحقیقة والمجاز فی کتبهم ویتکلّمون علی کیفیّة ثبوتها بها کنقل أئمة اللّغة والاستقراء إذ لا فرق بین الوضع الهیئتی الثابت بالاستقراء والمادی الثابت بغیره وکالتبادر وصحّة السّلب والاطراد وغیرها حتی أنّ بعضهم استدل فی إثبات أنّ للعام صیغة تخصه بالعقل وإنّ مقتضی الحکمة فی الوضع أن یوضع للعام أیضا لفظ لکونه من المعانی المحتاج إلیها فی المخاطبات واقتصر الأغلب علی بیان کیفیة دلالتها علی الحقیقیّة والمجازیّة ولم یتعرضوا لوجه حجیّة المذکورات علی فرض الدلالة إلاّ القلیل مع أنّه أهم فلنقدّم الکلام فیه فنقول اختلفوا فی أنّ وجه حجیّة الأمور المذکورة هل هو أمر واحد هو المدار فی الحجیّة إن وجد کان حجّة وإلاّ فلا أو إن کلاّ منها أمر مستقلّ ثبت حجیّته بالخصوص ذهب إلی کل فریق والأوّلون اختلفوا فی أنّ المدار فی الحجیّة هو حصول العلم بالوضع لانفتاح باب العلم فی اللّغة وتلک المذکورات أسباب لحصوله أو لا بل المدار هو الظن والمذکورات أسباب له ذهب إلی کل جماعة والقائلون بأنّ المدار علی الظنّ اختلف کلماتهم فی بیان وجه حجیّته فی اللّغة فتارة استدلوا بتقریر المعصومین أصحابهم علی العمل بالظنون فی مقام تمیز الحقیقة والمجاز بل أمروهم بتدوین علم اللّغة کما قرروهم علی العمل بالظواهر فی تعیین المراد فی مقام المخاطبة بل ادعی بعضهم الإجماع علی حجیّة الظنّ فی اللغات وتارة استدلوا بانسداد باب العلم فی الأحکام الشرعیّة واستلزام الاحتیاط للعسر والحرج والبراءة للخروج عن الدّین فیثبت حجیّة الظن بالحکم الشرعی ولازمه حجیة کلّ ظنّ استلزم الظّن بالحکم الشرعی کالظن فی اللغات بقول

ص: 18

اللّغویّین وفی الرّجال بقول أصحاب الرّجال فإنّ قول اللّغویّ الصّعید هو التّراب مثلا یحصل منه الظّنّ بأنّه معناه ویستلزم ذلک الظّنّ بأنّ الواجب فی التّیمّم هو التّراب وهو حجّة فیکون ما یستلزمه أیضا حجّة وحینئذ لا نحتاج إلی القول بانسداد باب العلم فی اللّغات بل یثبت حجّیّة الظّنّ فیها بالدلیل المذکور وإن کان باب العلم فیها مفتوحا وتارة استدلّ بانسداد باب العلم فی نفس اللّغات بتقریر أنّ الواجب علینا هو العمل بما فی الکتاب والسّنة وهما من الألفاظ الّتی نحتاج إلی فهم معانیها وکذا جمیع مباحث اللّغات محتاج إلیها وباب العلم فی ذلک منسد فإمّا نقول بالاحتیاط أو البراءة أو العمل بالظّنّ والأوّلان باطلان بما مر والثّالث هو المطلوب وعلی هذا نحتاج إلی إبطال القول بالانفتاح فی اللّغة وإبطال القول بحجّیّة المذکورات بخصوصها إذا الظّنّ المطلق لا یصیر حجّة إلاّ بعد عدم التّمکن من الدّلیل المعتبر علما أو بالظّنّ المعتبر الخاصّ ویظهر الثّمرة بین الاستدلالین الأخیرین فی حجّیّة الظّنّ فی الموضوعات کما لو أقرّ بالصّعید أو نذر أو أوصی فعلی الأوّل لا یمکن العمل فی تعیین معنی الصّعید بالظّنّ الّذی کان معتبرا فی باب التّیمّم إذ لا یستلزم هنا الظّنّ بالحکم الشّرعی الکلّی الّذی هو المناط فی الحجّیّة وعلی الثّانی أعنی إجراء دلیل الانسداد فی نفس اللغات لا یتفاوت الأمر بین الأحکام والموضوعات ونظیر ذلک الظّنّ الحاصل بعدالة الرّاوی بتعدیل واحد من أهل الرجال فإنّه حجّة فی قبول روایته أمّا فی صحّة الاقتداء به فی الصّلاة فإن أجرینا الانسداد فی الأحکام فلا یکون ذلک الظّنّ حجّة بل یحتاج إلی المعاشرة وإن أجریناه فی نفس علم الرجال فیکون حجّة فی صحة الاقتداء أیضا وأمّا القائلون بحجّیّة المذکورات بخصوصها فلم یتعرضوا لذلک إلاّ فی أمور أحدها نقل اللّغویّین فتمسکوا فی حجّیّته بالإجماع علی العمل به وتقریر المعصومین وأمرهم أصحابهم بتدوین اللّغات مع تدوین غالب اللّغات فی زمانهم وإلاّ لم یکن فائدة فی ضبط اللّغات وتدوینها وحینئذ فحجّیّته هل هو بقید شرعی لا یعتبر فی النّاقل ما یحصل منه الظّنّ نوعا ککونه صدوقا ضابطا أو لا بل یعتبر ذلک أو یلزم الظّنّ فعلا أمّا الأوّل فباطل جدّا إذ ما ادّعی من الإجماع والسیرة قائم علی خلافه فإن بناءهم علی عدم الاعتماد علی نقل الکذوب أو کثیر السّهو وهو ظاهر وکذا الثّالث إذ لیس بناؤهم علی التّوقف فی العمل علی حصول الظّنّ فعلا حتّی أنّه لو زال الظّنّ بسبب معارضة القیاس مثلا لم یترکوا العمل بالنّقل ولو کان الظّنّ معتبرا فعلا وجب ترکه مثبت حجّیّة من باب إفادة الظّنّ نوعا ولا یعتبر فی النّاقل إلاّ الصّفات الّتی تصیر سببا لحصول الرّجحان نوعا والثّانی فی أصالة العدم وهی عبارة عن أصالة عدم الوضع وأصالة عدم القرینة وبالأوّل یثبت المجاز

ص: 19

وبالثّانی الحقیقة فإنّه إذا شک فی أنّ تبادر ذلک المعنی من اللّفظ هل کان مستندا إلی القرینة أو لا فینفیها بالأصل فیثبت أنّ التّبادر وضعی لا إطلاقی ویرجع إلی أصالة عدم الوضع أصالة عدم النقل وأصالة عدم الاشتراک وأصالة تأخّر الوضع إذا الأوّل معناه أصالة عدم الوضع للمعنی الجدید وهجر المعنی الأوّل والثّانی معناه أصالة عدم الوضع لهذا المعنی المشکوک والثّالث معناه أصالة عدم الوضع فی الزّمان السّابق علی الزّمان الّذی علم تحقق الوضع فیه والکلام فی حجّیّة المذکورات أیضا علی النحو السابق هل هی تعبدی أو من باب الظّنّ النوعی فلا یضر مخالفة القیاس بحیث یرتفع الظّنّ فعلا من المذکورات أو من باب الظّنّ الشخصی فیضر ذلک والأوّل باطل کالسّابق إذا التّعبّد المدعی هنا إمّا عقلی أو شرعی والأوّل ظاهر البطلان إذا العقل ناظر إلی الواقع فمتی لم یحصل الثّبوت الوضع الواقعی رجحان فی نظره لا معنی لأن یحکم به لاستحالة التّرجیح بلا مرجّح وکذا الثّانی إذ ما یستدلّ به فی المقام هو أدلّة حجّیّة الاستصحاب فنقول أمّا أولا فقد قیل بعدم شموله للمباحث اللّغویّة وهو محل تأمّل وأمّا ثانیا فنقول إجراء الاستصحاب فی المقام باطل لکونه أصلا مثبتا وهو عبارة عما إذا ترتّب علی إثبات شیء بالاستصحاب لوازمه العادیة أو العقلیّة وبواسطة ذلک یثبت الحکم الشرعی مثلا إذا شک فی اشتراک لفظ واقع فی الکتاب فبأصالة عدم الاشتراک یثبت اتحاد الموضوع له وبه یثبت أنّه مراد فی الکتاب فکونه مرادا لیس من لوازم عدم الاشتراک لأنّ عدم الاشتراک یجتمع مع کون اللّفظ مهملا بل هو من لوازم اتّحاد المعنی وهو من لوازم عدم الاشتراک فی خصوص المقام والأخبار الدالة علی حجّیّة الاستصحاب لا یشمل هذا لظهورها فی حجّیّة الاستصحاب بالنسبة إلی إثبات الأحکام الشرعیة للمستصحب بلا واسطة لا الأحکام العادیة ولا الشرعیّة بالواسطة فالحجّیّة من حیث التّعبّد لا دلیل علیه وکذا من حیث الظّنّ الفعلی إذ هو مخالف لطریق العرف لعدم توقّفهم علی حصول الظّنّ منها بل طریقتهم الاعتماد علیها من حیث الرجحان النوعی حتی لو ارتفع الظّنّ بها فعلا لم یترکوا العمل بها بل ذلک هو سیرة العقلاء إذ لم یتوقف أحد فی حمل کلام المتقدمین علی المعنی الثّابت ولیس ذلک إلاّ لأصالة عدم النقل ولم یتوقفوا علی حصول الظّنّ فعلا مضافا إلی تقریر المعصومین إذ لیس ذلک مختصا بزمان دون زمان بل هو جار من لدن آدم إلی زماننا هذا لم ینکره أحد مضافا إلی دعوی الإجماع علیه من غیر واحد فثبت أنّ ذلک أیضا من باب الظّنّ النّوعی والثّالث الاستقراء فقد ادّعوا الإجماع علی حجّیّته بخصوصه بل قالوا

ص: 20

برجوع الأصول العدمیة إلیه وهو أیضا حجّة من باب الظّنّ النّوعی هذا حاصل ما ذکره القائلون بحجّیّة المذکورات بخصوصها وأمّا القائل بانفتاح باب العلم فی اللّغات فله مسلک آخر وهو أنّ حجّیّته بعض ما ادّعوه من الظنون الخاصة مسلم لا کلّیّة والمسلم من حجّیّة نقل اللّغویّین هو النقل الّذی کان مشتملا علی شرائط الشهادة من العدد والعدالة والإجماع فیما عدا ذلک ممنوع وما یوقع فی الوهم هو أنهم کانوا یقولون علی مطلق النّقل فی حل اللّغات الواردة فی الأشعار والخطب دون ما یتعلّق بالأحکام الشرعیة ولا ریب فی اعتبار الظّنّ المطلق فی أمثال ذلک لأنّ المدار فی أمثاله یکون علی المسامحة ولا یثمر فی المقام وأمّا الأصول العدمیة فحجّیّتها بخصوصها مما لا یمکن إنکاره لکنّه لا یثمر غالبا إذ لا یثبت بها وضع لشیء معین بل ینفی بها الوضع الجدید إمّا مطلقا کأصالة عدم النقل والاشتراک أو فی زمان خاص کأصالة التّأخّر وأصالة عدم القرینة فرع التّبادر بل الحق أنّ المدار فی اللّغات علی العلم إذا اللّغة إمّا مادة أو هیئة والعلم بالأوّل قد یحصل بنقل أهل اللّغة وإرسالهم المسلم فإذا شاهدناهم یذکرون للّفظ معنی بطریق التّسلیم من دون نقل المخالف یحصل العلم بذلک خصوصا إذا تعدد الناقل وقد یحصل بالرّجوع إلی لسان أهل العرف وما یفهمونه بلا قرینة وهو أیضا یفید العلم وإذا شکّ فی استناد فهمهم إلی القرینة دفع بأصالة العدم الّتی ثبت حجّیّتها بخصوصها وإن احتاج إلی إثباته بالنّسبة إلی الزمان السّابق تمسّک بأصالة عدم النقل وهو أیضا کذلک والثّانی یعلم بالاستقراء القطعی وهو کثیر وبالجملة المداد فی اللغة غالبا علی العلم وإن لم یتم بنفسه فبضمیمة الظنون الخاصة وإذا لم یکون فالاحتیاط أو البراءة لعدم استلزامهما العسر والخروج من الدین لأنّ المورد المحتاج إلیها أقلّ قلیل وإن لم یمکن إجراؤهما فی مورد فحینئذ یعمل بالظنّ المطلوب کما لو اشتبه معنی الکلالة مثلا وتردد بین شخصین ولم یمکن تعیینه بالعلم والظّنون بخاصة فحینئذ یعمل بالظّنّ المطلوب إذ لا یمکن الاحتیاط بإعطائهما معا المال الموروث ولا البراءة بمنعهما عنه والحاصل عدم حجّیّة الظّنّ المطلوب فی اللّغة إلاّ فی أمثال هذه الموارد هذا والحق حجّیّة الظّنّ المطلوب فی اللّغات وبطلان القولین الآخرین أمّا القول الأوّل فنقول الاستدلال بالإجماع المذکور فیه غیر تمام إذ الإجماع إنّما هو علی العمل بالمذکورات ووجه العمل غیر معلوم فلعلّه لحجّیّة الظّنّ المطلوب ولا تسلم أنّهم کانوا یعملون بالمذکورات وإن لم تفد الظّنّ فعلا ویؤید ذلک أنّ بعض القائلین بحجّیّة نقل النقلة قد صرح فی موضع آخر بتحقق الإجماع علی حجّیّة الظّنّ فی اللّغة أو حجّیّة الظّنّ المطلوب فیها والأوّل أیضا ظاهر فی الظّنّ المطلوب لورود الحجّیّة علی طبیعة الظّنّ فیه مع أنّ نقل النقلة إذا کان ظنّا خاصّا فإما یکون من باب النبإ أو الشهادة ولیس کذلک لابتنائهما علی العلم والحسّ

ص: 21

ونقل النقلة لیس مبنیا علیهما بل هو مبنیّ علی اجتهاداتهم الظنّیّة واجتهاد شخص لا یکون حجّة علی آخر إلاّ إذا أفاد له الظّنّ وحجّیّته حینئذ من باب الظّنّ المطلوب ویؤیده أنهم أوردوا علی الاستدلال لحجّیّة مفهوم الوصف بفهم أبی عبیدة من قوله علیه السلام لیّ الواجد یحل عقوبته أنّ لیّ غیر الواحد لا یحل عقوبته بأنّه کان عن اجتهاد وهو لا یکون حجّة ونظیره ما ذکروه من أنّ حجّیّة تعدیل أرباب الرجال للرّاوی لیست لکونه من باب النبإ والشهادة بل هی لکونه مفیدا للظنّ المطلق لأنّه مبنیّ علی اجتهاداتهم لا علی العلم والحس فإن قلت إنّ عملهم علی نقل النقلة کاشف عن أنّ نقلهم مبنی علی النقل القطعی من الواضع لا علی الاجتهاد قلت إنّ هذا أمر وجدانی یظهر لمن شاهد الاستدلالات المذکورات فی تلک الکتب حیث یستدلّون بالوجوه الضّعیفة الّتی قد لا یحصل منها الظّنّ المطلق فضلا عن کونها مفیدة للعلم ومن العیان أنّ کل مصنّفی اللّغة لم یکن تصنیفهم ونقلهم مبنیا علی الاستقراء القطعی بل کل منهم یعتمد علی ما یفید له الظّنّ وحینئذ فلیجعل ذلک دلیلا علی أنّ وجه الإجماع علی العمل بالمذکورات هو حجّیّة الظّنّ مطلقا وأمّا التّقریر فلعلّه أیضا لحجّیّة الظّنّ مطلقا بل لا یمکن أنّ یستدلّ به علی الظّنّ النوعی إذا التّقریر إنّما هو لاحق لعمل العامة بالمذکورات فلا بد أن یکون عملهم بها مستندا إلی حکم العقل وهو لا یتعبّد بالشک والوهم والظّنّ النّوعی إن لم یکن فعلیا فهو عین الشکّ والوهم فظهر أنّ التّقریر إنّما هو علی العمل بها من باب الظّنّ الفعلی وهو عین القول بالظنّ المطلق إذ القائل بالظنّ الخاص قائل بکفایة الظّنّ النوعی وهو غیر ما قرره الإمام علیه السلام وأمّا الثّانی فیما ذکرنا ظهر ما فیه بالنسبة إلی جعله الأصول حجّة بخصوصها وجعله نقل النقلة کذلک عند وجود شرائط الشهادة وأمّا ادعاؤه انفتاح باب العلم ففیه أنّ إرسال المسلم فی کتبهم لیس کاشفا عن الاتّفاق حتی یحصل منه القطع بل ذلک لعدم عثورهم علی المخالف مع أنّ ذکرهم معنی اللّفظ لیس بطریق النقل عن الواضع بل کل منهم یعتمد علی ما حصل له الظّنّ به وربما کان اعتمادهم علی الوجوه الّتی قد لا تفید الظّنّ کما لا یخفی علی من لاحظ استدلالهم علی دلالة الأمر علی الوجوب وغیر ذلک من المباحث اللغویة ولو سلّم حصول القطع للنّقلة فلا یکون موجبا لحصول القطع لنا لأنّ قطعهم علی فرض تسلیمه مبنیّ علی حدسهم واجتهادهم إذ لا ینقلون ذلک معنعنا عن الواضع وحدس شخص لیس مورّثا لحصول القطع للآخر ولهذا شرطوا فی التّواتر أن یکون المخبر به محسوسا لیسلم من احتمال الخطإ لکثرة الخطإ فی الحدسیات ویؤیده ما أوردوه علی الأخباریین فی استدلالهم لقطعیة الأخبار بشهادة المحمّدین الثلاثة بصحّة ما فی کتبهم ومعنی الصّحّة قطعیّة الصدور مضافا إلی ما کان دأب القدماء من النّقد والانتخاب فی الأخبار وتمییز الأخبار الموضوعة عن غیرها فإذا

ص: 22

لوحظ هذه الأمور مع قرائن أخری أیضا حصل القطع بصحّة ما فی الکتب الأربعة من أنّ حکمهم بالصّحة لا یدل علی القطعیة لاحتمال أن یکون الاعتماد علیه لحجّیّة الظّنّ المطلوب عندهم مع أنّه لو سلم حصول القطع بالصحة لهم فلا یحصل لنا إذ کان ذلک مبنیّا علی حدسهم واجتهادهم فی تنقیح الأخبار وحدس المجتهد لیس سببا لحصول القطع الآخر إذ الخطاء فی الحدسیّات کثیر بل ربما یدعی واحد منهم الاجتماع فی مورد والآخر الإجماع علی خلافه وذلک لیس إلاّ لاختلاف الحدسیّات أو جواز تطرّق الخطاء إلیها وأمّا الرجوع إلی العرف فنقول إنّه لا یفید العلم إذ لا أقلّ من احتمال أنّ فهمهم مبنیّ علی قرائن حالیة أو مقالیة والقطع بعدمها مما یتعسّر أو یتعذّر وکیف یدعی ذلک مع ما نری أنّ الألفاظ المتداولة کالأمر والنهی ونحوهما قد صار محل الاختلاف العظیم فإذا لم یحصل العلم من العرف بهذه الألفاظ المتداولة فکیف یحصل بغیرها وإتمامه بضمیمة أصالة عدم القرینة لا یثبت المطلوب وهو حجّیّة الظّنّ الخاص لما عرفت أنّ حجّیّة الأصول لیست إلاّ من باب الظّنّ المطلوب وهکذا إتمامه بالنسبة إلی الزّمان السّابق بضمیمة أصالة عدم النقل إذ هی أیضا من باب الظّنّ المطلوب علی ما عرفت مضافا إلی تحقق العلم الإجمالی بثبوت النقل فی الألفاظ الثّابتة فی الزّمان السّابق فیرتفع أصالة عدم النقل بثبوت العلم الإجمالی کما أنّ بالعلم بثبوت التّکالیف الشرعیّة انقطع أصالة البراءة وترجیح أنّ هذا اللّفظ لیس من ألفاظ المنقولة دون ذلک اللّفظ إنّما یصیر بالظنّ المطلق فثبت حجّیّة الظّنّ المطلق فی اللّغات بالأدلّة المذکورة سابقا من تقریر المعصوم أو من باب الاستلزام أو لإجراء دلیل الانسداد فی نفس اللّغات إمّا بأن یقال إنّ باب العلم فی أغلبها منسدّة أو أنها منسدّة فی جملة منها لسریان الاحتیاج إلیها فی غالب موارد الفقه کلفظ الصعید مثلا للاحتیاج إلیه فی أبواب الصّلاة والأقاریر والوصایا والعهود وأمثال ذلک یستلزم إجراء أصل البراءة فیها للخروج عن الدین بسبب المخالفة القطعیّة والاحتیاط للعسر والحرج هذا ویشکل الأمر فی بعض الظنون الّتی اتّفقوا علی عدم حجّیّتها فی اللّغات کالقیاس إذ لم یجوّزه هنا من جوّزه فی الأحکام وکالظّنون اللّمّیّة کالّذی استدلّوا به فی تعارض الأحوال علی ترجیح الاشتراک علی المجاز من أکثریّة الفائدة استدلّوا علی العکس بالأوسعیّة وأمثال ذلک فإنّهم ذکروا الاتّفاق علی عدم حجّیّتها أیضا فکیف یجتمع ذلک مع القول بحجّیّة الظّنّ مطلقا ویمکن الجواب بوجهین أحدهما أنهم لمّا اتّفقوا علی توقیفیّة اللّغة ویلزمه عدم جواز إثباتها بالعقل وإلاّ لم تکن توقیفیّة وجب إجراء دلیل الانسداد علی الظّنون بحیث لا ینافی التّوقیفیّة بأن یکون مقتضاه حجّیّة الظّنون الإنّیّة دون اللّمّیّة ودون القیاس لیجتمع مع الإجماع علی التّوقیفیّة وهذا الوجه ضعیف والثّانی

ص: 23

أنّ نتیجة دلیل الانسداد مهملة وهی حجّیّة الظّنّ إمّا جمیع الظّنون أو البعض فهو من الخارج إذ من مقدّماته استلزام الاحتیاط فی جمیع الموارد العسر والحرج والبراءة الخروج من الدّین فلا بد من حجّیّة جملة من الظّنون لئلاّ یلزم المحذوران فإن ثبت هناک ظنون راجحة الاعتبار بحیث یکتفی بها فی أغلب الموارد ویخرج به عن المحذورین فلا مانع من عدم حجّیّة سائر الظّنون حینئذ وإلاّ وجب الحکم بحجّیّة الجمیع لئلا یلزم التّرجیح بلا مرجّح وحینئذ نقول إنّ لنا ظنونا راجحة ذاتا واعتبارا فی أغلب الموارد وهو ما سوی ما علم أو ظنّ عدم اعتباره وبذلک نخرج عن المحذورین والقیاس والظّنون اللّمّیّة من الظّنون المقطوعة بعدم الاعتبار للإجماع المذکور فلا یضر عدم حجّیّتها بحجّیّة دلیل الانسداد أقول الجواب الثّانی أصحّ إلاّ أنّ عدم حجّیّة الظّنون اللّمّیّة کلّیّة ممنوع فإنّا نراهم یستدلّون بدلیل الحکمة علی إثبات وضع صیغة للعموم وباستقراء أرباب الحرف والصّناعات الخاصة علی ثبوت الحقیقة الشّرعیّة فالأولی القول بالتفصیل وأنّ العلة المستفادة قد تکون من الأمور الّتی نعلم أنها معتبرة عند الواضع کالاحتیاج إلی الإفادة والاستفادة فی الموردین المذکورین فإنّ کون العام من المعانی المحتاج إلیها علة لأن یوضع له لفظ والاحتیاج معتبرة عند الواضع فهو لا یقصر عن سائر الظّنون ذاتا واعتبارا حتی یرجح البواقی علیه بخلاف تکثّر الفائدة فی ترجیح الاشتراک علی المجاز وهو إذ لا نعلم اعتبار ذلک عند الواضع کما لا یمکن الحکم بمحض وجود مناسبة ذاتیّة بین اللفظ والمعنی بأنّه موضوع لذلک المعنی لعدم العلم بأنها معتبرة عند الواضع وبذلک علم وهن ما قیل فی جواب القائلین بأنّ دلالة الألفاظ ذاتیّة من أنّها لو کانت بالمناسبات الذاتیة لما فهم المعنی بدون العلم بالمناسبات بل فهم المعنی للجاهل بها إنّما هو بالوضع نعم لو علم أحد بالمناسبة الذّاتیّة لم یحتج إلی العلم بالوضع بل نفس المناسبة حینئذ کاشفة عن الوضع بیان بطلانه أن کشف المناسبة عن الوضع مبنیّ علی العلم بأنّ الواضع اعتبر المناسبات الذاتیّة وهو ممنوع إذ لا یمکن العلم بذلک فلعل المرجح له فی الوضع لهذا المعنی دون غیره أمر آخر غیر المناسبات الذاتیّة ثم اعلم أنّه لا یجوز العمل بالظّنون الحاصلة قبل الفحص والاجتهاد للاتّفاق علی عدم حجّیّتها قبله ولذا ذکروا أنّ نقل النقلة لیس بحجّیّة إذا علم مستندهم بل یجب الاجتهاد فی المستند إذ قبله یصیر تقلیدا إذ لیس النقل حینئذ مستندا لنا بل إنّما یکون النقل مستندا لنا إذا لم نعلم مستنده وبهذا اعتذر بعضهم عن تدوین الهیئات اللّغویّة فی علم الأصول کالمشتق والأمر والنهی والعام والخاص وأمثال ذلک دون موادها لإمکان الاجتهاد فی الأوّل بالرجوع

ص: 24

إلی العرف المترادف له لاتّحاد المترادفات الهیویّة معنی بالنّسبة إلی اللغات فإن صیغة افعل لو کان للوجوب لکان مترادفاتها من سائر اللغات أیضا کذلک فإذا علم دلالة مترادفة مثلا علی الوجوب ثبت دلالته أیضا بخلاف المواد لعدم العلم بالمستند وعدم إمکان الاجتهاد بالرّجوع إلی المرادف إذ لا یعلم التّرادف إلاّ بعد العلم بمعناه المادّی وبعده لا نحتاج إلی ملاحظة الترادف وفیه نظر سیأتی فی نقل النّقلة فافهم هذا الکلام فی الحجّیّة بقی الکلام فی بیان کشفها عن الوضع وهو موقوف علی التفصیل فنقول إن منها نقل النّقلة والمتواتر منه وکذا الآحاد المحفوفة بالقرائن القطعیّة وأمّا الآحاد المفیدة للظنّ فکشفها ظنّی وعلی أیّ تقدیر فهو حجة علی ما عرفت وخالف فی ذلک بعضهم فقال إنّ المتواتر منه غیر موجود وکذا الآحاد المحفوفة بالقرائن القطعیة والآحاد الغیر المحفوفة لا تفید الظنّ واستدلّ علی الأوّل بوجوه منها عدم تحقّق عدد التواتر فی المدوّنین للّغة من الصدر الأول بل نقل إنّ المدوّنین لا یزیدون عن ستة أو سبعة ومنها عدم تحقق الشروط المعتبرة فی التواتر فی جمیع الطبقات وهی أن یکون عدد کلّ منها عدد التواتر وینقل کلّ واحد من أهل الطبقة اللاحقة عن کلّ واحد من أهل الطبقة السّابقة ولیس فیما نحن فیه کذلک وهو ظاهر فلم یوجد فیها التواتر وإلا لم یقع الاختلاف فکیف بالألفاظ الغیر المتداولة وعلی الثالث بوجود الاختلالات العظیمة الواقعة فی الناقلین کعمل بعضهم بالقیاس فیها کالمازنی حیث قال المقیس علی لغة العرب لغة العرب وارتجال ناقلی أشعار العرب الألفاظ الموضوعة ونسبتها إلیهم علی ما نقل من أن الشعراء الّذین یستشهد بأشعارهم قد انقرضوا فی زمان النّبیّ لکثرة القتال الواقع فی زمانه صلی الله علیه وآله والحافظون لأشعارهم قد کانوا ینسبون الألفاظ المجعولة إلیهم لأغراض دعتهم إلی ذلک ولذا قیل إن المنقول من لغة العرب أقل قلیل وکذا وضع بعض النّاقلین للّغات کالأصمعی فإنه کان جعالا بوضع اللغة وکذا حکایة تصدیق العرب الکسائی فی المسألة الزّنبوریّة حیث أوشوا علی ذلک علی ما قیل ویؤیّده ما نقل عن ابن جنی أنّه وضع فی کتاب الخصائص بابا فی تخطئة بعض الأکابر لبعض وبابا فی غرائب اللغة وکتاب العین المنسوب إلی الخلیل مشتمل علی الأغالیط ولذا قیل إنّه لیس من الخلیل وغیر ذلک من وجوه الاختلالات التی بها یخرج النقل عن إفادة الظنّ نوعا فضلا عن إفادته فعلا وفی الجمیع نظر أمّا الأول فلأن کلا من الوجهین الأوّلین فی منعه مبنی علی اشتراط النقل المعنعن فی حصول العلم وهو ممنوع إذ قد یحصل العلم بسبب التسامع والتظافر وإرسال المسلم بین ناقلی اللغة

ص: 25

بأن ذلک واصل إلیهم من الواضع لکشفه عن تسالم الطبقة الثانیة لبعد تسالم الأولی واختلاف الثانیة وهکذا إلی أن یصل إلی الواضع وهذا یفید العلم وإن لم یکن تواتر اصطلاحیّا بل قد یحصل العلم من تعدّد الطریق وإن لم یکن علی شرائط التّواتر والوجه الثالث أیضا باطل إذا الاختلاف لا یضر بالتّواتر إذ لعلّ المخالف کان مسبوقا بشبهة وقد اشترط فی حصول العلم بالتواتر أن لا یکون السامع مسبوقا بشبهة وکیف یضرّ ذلک وقد وقع الاختلاف فی الضروریّات کوجود الصانع واحتیاج الممکن إلی المؤثّر وهو لا یضرّ بکون المسألة ضروریّة نعم یمکن منع التواتر بأن یقال إنّ ضبطهم اللغة لیس مبنیّا علی النقل بل هو لاجتهادهم فیها وکلّ منهم عامل برأیه وحجیّة قولهم إنما هو لکونهم نظیر أهل الخبرة کالمقوم والصیرفی لا لکونه نبأ أو شهادة حتّی یرد علیه أنه لیس مبنیّا علی أمر محسوس (وأمّا الثّالث) فنقول هذه الاختلالات لا یضرّ بحصول الظنّ من خبر من نثق بضبطه وتدقیقه فی تمیز اللغات ونقدها وانتخابها کالفیروزآبادی والجوهری وأمثالهما مع أن ما ذکر من الاختلالات یوجب ارتفاع الظنّ فیما إذا اختلف النقلة أمّا إذا اتّفقوا فی مورد فلا مجال لإنکار حصول الظنّ بقولهم وبالجملة هذه من الوضوح بحیث یستغنی عن البیان إنّما الشأن فی تمیز الحقیقة والمجاز بالرّجوع إلی نقل النّقلة فنقول لا إشکال فیما إذا صرحوا بکونه حقیقة أو مجازا أو ذکروا ما یشعر بذلک ولو ظنا کان یقال إنّه یفید کذا أو اسم لکذا فی بیان الحقیقة وقد یستعمل فی کذا وقد یفید کذا ونحو ذلک فی بیان المجاز وذکر معنی واحد للفظ ظاهر فی الحقیقیة لبعد عدم عثورهم علی الحقیقة ونقلهم المجاز وکذا عدم وجود حقیقة له أو کونها مهجورة

وأمّا إذا اشتبه الأمر ولم یتمیز فهل الأصل الحمل علی إرادة ذکر الحقیقة أو المجاز أو یتوقف وجوه

واستدلّ علی الأوّل بوجهین الأوّل أن المجاز مبنیّ علی العلائق المنضبطة والقواعد الکلیة فلا حاجة فیه إلی نقل الجزئیات فیعلم أن مقصودهم نقل الحقائق لأن الوضع الحقیقی توقیفی یتوقف علی نقل الجزئیّات والثّانی أن الغرض الأقصی من تدوین اللغة هو فهم الکتاب والسنّة واللفظ المذکورة فیهما إن کان مقترنا بقرینة حمل علی المجاز ولا حاجة إلی بیان اللّغوی وإلا فیحمل علی الحقیقة ولا بد من تعیینها بالرّجوع إلی نقل اللغویّین فیعلم أن غرضهم نقل الحقائق لیکون مثمرا فی فهم الکتاب والسنّة وفیه أمّا أولا فبأن هذا یستلزم کثرة الاشتراک إذ قلما یذکرون للّفظ معنی أو معنیین فقط إلا یقال إنّ الکلام إنّما هو فی موارد الاشتباه وهو قلیل فلا یوجب حملها علی الحقیقة کثرة الاشتراک لأنا نقول الموارد المعلومة إمّا حقائق أو مجازات فعلی الأوّل یلزم المحذور لو حمل موارد الاشتباه أیضا علی الحقیقة وعلی الثّانی یجب حمل الموارد المشتبهة علی المجاز حملا للمشکوک علی الأعمّ الأغلب وأمّا ثانیا فالوجهان

ص: 26

اللّذان استدل بهما لیسا علی وجههما إمّا الأوّل فلوجود الفوائد العظیمة فی نقل موارد الاستعمالات ولا أقل من حصول العلم بالتواریخ والقصص الواقعة فی الزمان الماضی وأمّا الثّانی فلأنه قد یکون المذکور فیهما قرینة صارفة عن المعنی الحقیقی للفظ دون المعیّنة لشیاع اللّفظ فی معنی مجازی فی ذلک الزّمان فلا بدّ من حصول العلم بمحازات زمان الشارع ومعرفة الشّائع منها فی ذلک الزّمان حتّی نحمل اللّفظ علیه ونحو ذلک من الفوائد فالأولی فی مقام الاشتباه التوقف ثمّ إنه إذا اتّفق أهل اللّغة فی النّقل فلا إشکال وإن اختلفوا فیجب الجمع مهما أمکن والاختلاف المذکور یتصوّر بوجوه منها أن یکون المعنیان المنقولان للفظ متباینین کأن ینقل أحدهم أن العین هو الذهب والآخر أنه المیزان مثلا ومنها أن یکون أحدهما أقل والآخر أکثر أمّا استقلالیّا کأن ینقل أحدهم أن العین هو الذّهب والآخر أنّه الذّهب والمیزان أو ارتباطیّا کنقل أحدهم أن الید هو الکفّ والآخر أنّها مجموع العضو من رءوس الأصابع إلی المنکب ومنها أن یکون بینهما عموم مطلق کنقل واحد أن الصّعید وجه الأرض والآخر أنه التراب أو عموم من وجه کنقل واحد أن الغناء هو الصوت المطرب والآخر أنّه الصوت مع الترجیع وقد ذکروا فی وجه الجمع القول بالاشتراک فی المتباینین أخذا بما أثبته کلّ منهما وطرحا لما نفاه فإن کلاّ منهما یثبت ما ادعاه وینفی الآخر وتقدیم المثبت علی النّافی قاعدة مسلمة وبهذا أیضا قد جمع فی الوجه الأخیر بحمل الخاصّ علی العام إذ ناقل العموم لا ینفی الخاصّ وناقل الخاصّ ینفی العام فمقتضی طرح النفی الحمل علی العام ومقتضاه فی العامین مطلقا الأخذ بالعام وفی العامین من وجه الأخذ بالقدر المشترک وهو فی المثال المذکور والصوت الأعمّ من المطرب وما فیه ترجیع ولازمه صدق الغناء علی ما وجد فیه أحدهما وقیل فی وجه الجمع هنا بحمل المطلق علی المقیّد إمّا لأنّه قاعدة اجتماعهما أو لأنّه القدر المتیقّن ومقتضاه فی العام المطلق الحمل علی الخاصّ وفی العامین من وجه الجمع بین الخصوصیین ففی المثال المذکور نحکم بأنّ الموضوع له للغناء هو الصوت المطرب المشتمل علی الترجیع ویعلم بالمقایسة أن حکم الأقل والأکثر الاستقلالی حکم المتباینین والارتباطی حکم العامین من وجه فأمّا القول بالاشتراک أو الأخذ بالکلّ أو الجزء وتحقیق الحقّ فی المقام یحتاج إلی بیان أمور الأوّل الحقّ أنّه لا تعارض بین قولی النقلة عند الاختلاف إذ غایة ما یتصوّر فی توجیه التعارض أن یقال إنّ الظاهر من حال اللغوی حیث إنّه فی مقام استیفاء موارد الاستعمال أنه حاکم بعدم ثبوت غیر ما أثبته فکل من الناقلین یثبت ما یدعیه وینفی الآخر فبینهما تعارض وفیه أنّه علی فرض التّصریح بالنفی أیضا لا تعارض بینهما فإنه إنما ینفیه بحسب وجدانه ولا ینفی الاستعمال واقعا وعدم الوجدان لا یدل علی عدم الوجود الثانی

ص: 27

الظاهر من حال النّاقل للمعنی إرادة أنّه تمام الموضوع له لا الأعمّ بأن یکون مراده من نقل المعنی أنّه مربوط بالوضع وله تعلّق به إمّا بکونه موضوعا له أو جزءا للموضوع له بأن یکون تفسیرا بالأعمّ فإنّ العام جزء للخاصّ أو یکون الموضوع له جزءا له بأن یکون تفسیرا بالأخصّ مثلا إذا قال إن الصعید وجه الأرض فالظاهر إرادة أنّه تمام الموضوع له وإرادة أن یکون جزءا للموضوع له وهو التراب بعید وکذا إذا قال إنه التراب فاحتمال أن یرید أن الموضوع له جزء له وهو مطلق وجه الأرض بعید بل الظاهر من ذکر کلّ منهما إرادة أنّه تمام الموضوع له الثّالث تقدیم المثبت علی النافی لا یتم کلیّة بل فیه تفصیل والحاصل أن المتصور هناک ثلاث صور أحدها أن یقول المثبت أدری ذلک ویقول النافی أدری عدمه کأن یقول الجارح رأیته یزنی فی الساعة الفلانیة ویقول الثانی کنت عنده فی تلک السّاعة وما رأیته منه والثّانیة أن یقول المثبت أدری والثانی لا أدری کأن یقول الثانی فی المثال المذکور لا أدری هل صدر منه الزنا أو لا والثّالثة أن یقول المثبت لا أدری والنافی أدری کأن یقول الجارح للشاهد العادل الّذی علموا أنّه عصی ما أدری توبته وقال النافی لفسقه رأیته تاب ولا إشکال فی الصورتین الأخیرتین إذ لا تعارض قطعا بل القائل أدری مقدّم علی نافیه إذ لیس لمن لم یعلم حجیته علی من یعلم فیقدم المثبت فی الأولی والثانی فی الثّانیة إنما الإشکال فی الصورة الأولی وقد قیل فی تقدیم المثبت فیها وجهان أحدهما قوّة الظنّ فی جانب الإثبات لکثرة الخطاء فی نفی الأفعال بخلاف إثباتها لاستناد الثّانی إلی المشاهدة بالعیان والأول إلی نفی المشاهدة وثانیهما أن المثبت مدّع والنافی منکر وقول أهل اللغة لحجیته یکون نظیر البیّنة وعند تعارض البیّنتین یقدم بنیة المدعی لأنّها وظیفته والیمین علی من أنکر وهذا وجه استحسانی لا حجیة فیه الرّابع حمل المطلق علی المقیّد إنما یکون إذا وقعا فی کلام من لا یجوز علیه التناقض کالکتاب والسّنة وفیه أیضا مشروط بحصول التعارض وحصول التعارض مشروط بشرطین أحدهما أن یتحد التکلیف وکان عینیا والثّانی أن یکون الحکم إلزامیّا لا وضعیّا ولا استحبابیّا فیحصل التّعارض فإن مقتضی إیجاب الطبیعة المطلقة حصول الامتثال لذلک التکلیف بأیّ فرد کان فیتخیّر ومقتضی الأمر بالمقیّد عدم حصوله بسائر الأفراد بخلاف ما إذا تعدّد التکلیف لجواز أن یحصل الامتثال لأحد التکلیفین فی ضمن أی فرد کان ولا یحصل الآخر إلا بالفرد الخاصّ وکذا إذا اتّحد وکان تخییریا إذ لا ینافی وجوب الفرد الخاصّ تخییرا حصول الامتثال بسائر الأفراد وکذا إذا کان وضعیّا أو استحبابیّا لسریان الحکم فیها إذا تعلّقا بالطبیعة إلی جمیع الأفراد استغراقا فلا ینافی خصوصیّة الحکم فی الفرد فإنّ قوله أحل الله البیع یقتضی حلّیته

ص: 28

جمیع الأفراد فلا ینافی قوله أحل الله البیع المعاطاة کما لا ینافی قولنا أکرم العلماء مع قولنا بعده أکرم زید العالم ولم یقل أحد بحمل العام علی الخاصّ إذا کانا مثبتین والسرّ فیه ما ذکرنا من عدم التّعارض حینئذ بخلاف التخییر بین الأفراد وتعیین فرد واحد بالنسبة إلی التکلیف الواحد فإنه تناقض یجب دفعه بحمل المطلق علی المقیّد الخامس التعارض بین قول النّقلة قد یکون بضمیمة مقدّمة خارجیّة فلا تعارض بالذّات بین نقل أحدهم أن العین هو الذّهب والآخر أنّه الفضة کما ذکرنا فی الأمر الأوّل لکن بضمیمة أصالة عدم الاشتراک یقع التعارض کما أنّه لا تعارض بالذّات بین القول بنجاسة ماء القربة بالملاقاة والقول بعدم نجاسة ماء الإناء بها لکن بضمیمة الإجماع المرکّب وعدم القول بالفصل بین أقسام المیاه القلیلة یقع التعارض بینهما فإن قلت إن أصالة عدم الاشتراک لا یعارض بها الدّلیل وهو نقل النقلة أمّا علی حجیتها من باب التعبد فظاهر إذ الاستصحاب مورده الشکّ ومع الدلیل لا شکّ هناک وأمّا علی حجیّتها من باب الظنّ فلأنه ظنّ حاصل من الغلبة لندرة الاشتراک وهی من أضعف الظّنون فلا یعارض بها الدّلیل فإن موردها هو فیما إذا کان بحیث لولاها لحصل الشک وفیما کان هناک أمارة معتبرة لا یحصل الشکّ لو لا أصالة عدم الاشتراک ولذا لا یقول السّیّد المرتضی بأصالة الحقیقة فی الاستعمال إذا عارضها دلیل کنقل الناقلین مثلا قلنا قد علمت بطلان تعبدیتها سابقا مع أن جماعة ذهبوا إلی أنّ الاستصحاب کسائر الأدلّة یعارض به الدلیل والظنّ الحاصل من الغلبة لیس بأضعف من سائر الظنون بل هو أقوی ولذا لو أخبر واحد بأمر یخالف الغلبة کوجود إنسان ذی قرن ونحو ذلک لم یحصل لنا الظنّ من قوله مضافا إلی المفطوریة علی أصالة عدم الاشتراک فإنّ الطّبع السّلیم إذا شاهد النّقلین المتخالفین یحکم بالتعارض ولا یلتفت إلی احتمال الاشتراک وأیضا یؤیدها أنّ الظاهر من نقل کل واحد معنی غیر ما ذکره الآخر أنه لم یجد ذلک المعنی وإلا لنقله لأنّه فی مقام استیفاء المعانی ویحصل الظنّ نوعا من عدم وجدان هذا الشخص المتفحّص المتتبّع لذلک المعنی عدم وجوده وکذا من الطرف الآخر فیقع التعارض ونظیره ما قیل من حجیّة أصالة البراءة فیما إذا کان الموضوع المشکوک الحکم من الأمور العامة البلوی بحیث لو کان له حکم لاقتضی العادة نقله لکثرة الدواعی إلیه واللغة أیضا من الأمور العامة البلوی فمتی لم ینقل ذلک المعنی واحد منهما یحصل الظنّ بعدم وجدانه ومن ذلک یحصل الظنّ بعدم وجوده کما عرفت فالحاصل أن أصالة عدم الاشتراک بضمیمة الظن الحاصل من عدم وجدان کل منهما للمعنی الّذی ذکره الآخر سبب لإیقاع التعارض بین النقلین المختلفین وإن لم یکن بینهما تعارض بالذات نعم لا

ص: 29

تضایق عن القول بأنه إذا کان نقل النقلة موجبا لحصول ظنّ أقوی من الأصل کان متّبعا دون الأصل السادس إذا تردّد الحکم التکلیفی الإلزامی بین المطلق والمقیّد أو بین العامین من وجه فحصول البراءة بفعل المقیّد فی الأوّل ومورد الاجتماع فی الثانی متیقّن إذ لو تعلق بالمطلق حصل الامتثال بالمقیّد وإن تعلّق بالمقیّد فواضح وکذا مورد الاجتماع وأمّا إذا تردّد الوضع بینهما فلیس المقیّد ومورد الاجتماع قدرا متیقنا لعدم تحقق الوضع للمقیدان قلنا إن المطلق موضوع له لما عرفت أنّ الظاهر من کونه موضوعا له أنّه تمام الموضوع له وکذا مورد الاجتماع لا یدخل فی الوضع للعام لما ذکرنا إذا عرفت هذه الأمور فلنعد إلی ما کنّا فیه ونقول إن الجمع بین النقلین بالحمل علی الاشتراک باطل لما عرفت من أنّ أصالة عدم الاشتراک سبب لوقوع التعارض بین النقلین ومانع عن الحمل علی الاشتراک والاستدلال بتقدیم المثبت علی النافی أیضا غیر تمام لما عرفت فی الأمر الثالث أنه إنما یسلم فی موردین أحدهما أن یقول المثبت أدری الوجود وقال النافی أدری العدم والثانی فیما إذا قال المثبت أدری والنافی لا أدری بخلاف ما إذا قال المثبت لا أدری والنافی أدری کما هو الغالب فی موارد نقل اللّغة فإن المثبت للوضع یقول إنّی رأیت الاستعمال ولم أر القرینة فهو حقیقة والنافی یقول إنی رأیت القرینة وقد علمت أنّه حینئذ یقدم النافی وعلم من ذلک بطلان إرجاع الخاصّ إلی العام فی العام المطلق والأخذ بالقدر المشترک فی العامین من وجه لأنّه مبنی علی تقدیم المثبت علی النافی وقد عرفت خلافه فی باب اللّغات وکذا الجمع بحمل المطلق علی المقیّد لما عرفت فی الأمر الرابع أن ذلک إنما هو إذا کانا فی کلام من لا یجوز علیه التناقض مع باقی الشروط والجمیع فیما نحن فیه مفقود ولذا لا یحمل المطلق فی کلام فقیه علی المقیّد فی کلام آخر بل الفقیه الواحد أیضا لجواز التناقض علی غیر المعصوم وکذا الحمل علی المقیّد لکونه المتیقن لما عرفت فی الأمر السّادس أن الوضع إذا تردّد بین المطلق والمقیّد لا یکون المقیّد قدرا متیقّنا وإذا عرفت بطلان هذه الوجوه التی ذکروها فی الجمیع فالأولی حینئذ بحسب القواعد أن یقال بثبوت التّعارض والرّجوع إلی المرجحات الخارجیّة ولو لوجود أحدهما فی کلام فقیه أو الأخذ بالمطلق لقوة الاشتراک المعنوی وبالجملة کلما کان الظنّ فی طرفه أقوی فیأخذ به وإن فقد المرجّح فهل الحکم حینئذ التخییر أو الرجوع إلی الأصل المخالف لهما أو الأصل الموافق لأحدهما فنقول أمّا الأوّل فباطل إذا التخییر إمّا شرعیّ وإمّا عقلی والتخییر الشرعی مورده الخبران المتعارضان لا ما نحن فیه والتخییر العقلی إنما هو فیما إذا کان المصلحة الثابتة حین العلم باقیا حین الاشتباه کإنقاذ أحد الفریقین عند تعارضهما فإنّ المصلحة الکائنة فی إنقاذ الغریق الواحد ثابتة حینئذ أیضا غایة الأمر مزاحمة الآخر وهی

ص: 30

لا یوجب رفع المصلحة الثابتة بخلاف ما نحن فیه للعلم بأن أحدهما لیس بموضوع له فالمصلحة الثابتة حال العلم وهو إدراک الواقع لا تبقی حال الاشتباه مثلا ذکر بعضهم أن الجذع هو الضأن الّذی أتی علیه ستّة أشهر وقیل ما أتی علیه ثمانیة فنعلم أن أحدهما لیس بموضوع له فکیف یحکم بالتخییر وأما الرّجوع إلی الأصل المخالف لهما بأن یقال فی المثال إن الأصل البراءة من التعیین لتساقطهما فیکفی مطلق الغنم فهو مبنی علی عدم حجیة الظن الإجمالی الحاصل من النقلین المتعارضین بنفی الثالث بأن یقال إن نتیجة دلیل الانسداد مهملة لا یقتضی إلاّ حجیّة الظّنون المظنونة الاعتبار والظنّ التفصیلی أقوی من الظنون الإجمالیة فنعمل به وتبقی الظنون الإجمالیّة تحت أصالة حرمة العمل بالظنّ والأولی أن یقال إن حصل القطع بنفی الثالث فلا إشکال وکذا لو حصل الظنّ بناء علی تعمیم النتیجة بحیث یشمل جمیع الظنون وأمّا علی إهمال النتیجة فالأولی أیضا حجیّة الظن الإجمالی إذ لا نسلم قصورها ذاتا واعتبارا عن الظنون التفصیلیة بل ربما کان أقوی مضافا إلی أنّه قد یستکشف من الأخبار حجیّته بخصوصه حیث حکم فی مقام تعارض الخبرین بالتخییر أو الترجیح بالمرجّحات ولم یتعرض للطرح فلو لم یکن الظن فنفی الثالث حجّة لحکم بطرحهما والأخذ بالأصل للمخالف فثبت حجّیة الظنّ الإجمالی ومقتضاه الرجوع إلی الأصل الموافق لأحدهما وهو فی المثال المذکور أصالة البراءة عن الزائد علی ما اتفقا علیه وهو الستّة فافهم تتمیم قد أشرنا سابقا إلی أن حجیة نقل النقلة إنما إذا لم یعلم مستندهم وإلاّ وجب الرجوع إلیه والاجتهاد فیه وبهذا اعتذر بعضهم عن تدوین الهیئات فی علم الأصول دون المواد فإن مستند الأوّل هو العرف ونحن نتمکن من الرّجوع إلی عرفنا واستعلام معنی الهیئة منه لترادف اللّغات فی الهیئات فنقول لهذا أعنی کلام المعتذر علی إطلاقه غیر تام بل لا بدّ من التفصیل بأن یقال إن المتصور فی المقام صور خمسة (الأولی) أن نقطع بتغایر عرفنا مع اللّغة فی المعنی و (الثّانیة) أن نظن بالتغایر و (الثّالثة) أن نعلم اتحادهما و (الرابعة) أن نظن الاتحاد و (الخامسة) الشک فی ذلک أمّا الصورة الأولی فیجب الرّجوع فیها إلی قول النقلة إن لم نعلم مستندهم والاجتهاد فی مستندهم من الأشعار والشواهد إن علمناه ولا یمکن تعیینه بالرّجوع إلی عرفنا للعلم بالنقل وکذا فی الصّورة الثّانیة فإن حکم الظن فی اللغات حکم العلم وأما الصورة الثّالثة أعنی العلم باتحادهما فیجب الرّجوع إلیهما لوجوب الفحص إذ یمکن ارتفاع الظن من قول اللغوی بالرّجوع إلی العرف وبالعکس والظنّ قبل الفحص لیس حجة فإن تعیّن المعنی بأحدهما حمل علیه الآخر للعلم بالاتحاد وإلاّ فالتّوقف وإن اختلف نقل النقلة وفهم عرفنا فالمتبع هو ما کان مظنونا بالظنّ

ص: 31

الفعلی ولا یمکن حصول الظنّ منهما معا لمنافاته لفرض العلم بالاتحاد وکذا الصّورة الرابعة وأما الخامسة وهی صورة الشک فلا بد فیها أیضا من الرجوع إلیها فإن تعیّن المعنی بأحدهما حمل علیه الآخر بضمیمة أصالة عدم النقل وإلاّ فالتّوقف وإن اختلفا وحصل الظنّ منهما فیتعارض مع أصالة عدم النقل فإن مقتضاها الاتحاد فینافی الظنّ بالاختلاف فإن رجّحنا الثّانی حکمنا بالاتحاد وارتفع الظنّ من اللّغة أو العرف والمتبع هو ما أفاد الظنّ فعلا وإن ارتفع منهما وجب التّوقف وإن رجحنا الأول حکمنا بالنقل وکان کالصورة الثانیة من الصور الخمس فحکمه حکمها

ومنها التّبادر

وهو سبق المعنی إلی الذّهن بدون ملاحظة واسطة وبعبارة أخری فهم المعنی من اللّفظ بلا توسط شیء وکشفه عن الوضع عقلی إنّی لأن السّبق إلی الذّهن یحتاج إلی مرجّح ضرورة استحالة الترجّح بلا مرجّح وهو إمّا الوضع أو المناسبة الذاتیة أو القرینة والثالثة مفروضة الانتفاء والثانی باطل لعدم العلم بالمناسبات للأغلب فتعین الأوّل وهو من قبیل الاستدلال بوجود اللاّزم علی الملزوم ویکفی فی ذلک عدم کونه أعمّ سواء کان مساویا للوضع أو أخصّ إذ لا یشترط فی العلامة الانعکاس بل یکفی الاطراد نعم لو أرید الاستدلال بعدمه علی عدم الوضع أیضا لزم إثبات کونه مساویا أیضا وقد نوقش فی اطراده بوجوده فی أمور بدون تحقق الوضع فیها منها المجاز المشهور ومنها المعنی اللاّزم للموضوع له إمّا بأن یکون قیدا للموضوع له کالبصر للمعنی والمفهوم للشرط أو لا بل یکون عرفیّا کالجود للخاتم ومنها جزء الموضوع له فإن التّبادر ثابت فی المذکورات بدون الوضع فهو لازم أعمّ لا یمکن إثبات الوضع به ومما ذکرنا فی تعریف التّبادر من قولنا بلا توسط شیء ارتفع النقض بما ذکر ضرورة توسّط الشهرة فی الأوّل والموضوع له فی الأخیرین وزاد بعضهم فی التعریف لإخراج المذکورات قیودا لا حاجة إلیها بل هی مخلة فإنه قال إن التّبادر وهو فهم المعنی من حاق اللّفظ ابتداء استقلالا وبالقید الأوّل أخرج المجاز المشهور وبالثانی اللازم وبالثالث الجزء وإنما لم یکتف بالقید الثانی عن الثالث توهما منه أن الجزء لا یخرج بقید الابتداء لتقدّمه علی الکلّ فتبادره ابتدائی نعم هو لیس مستقلاّ فیخرج بقید الاستقلال وفیه أمّا أولاّ فإن مقتضی ذکر تلک القیود أنه یجب اجتماعها فی التّبادر والوضعی وهو منتقض بالکلّ فإن تبادره لیس ابتداء علی زعمه وأمّا ثانیا فإن الجزء لیس مقدّما علی الکل فی التّبادر نعم هو مقدّم علیه فی الخارج فالتّبادر أولا إنّما هو للکل وبتوسّطه یثبت للجزء فتبادر الکل واسطة فی عروض التّبادر للجزء کما لو تعلّق الأمر بمرکب کان المقصود بالذات هو المرکب وبتبعیّته یسری ذلک الوجوب بعینه إلی الأجزاء کالحرکة

ص: 32

للسفینة بالنّسبة إلی الجالس فإنها أمر واحد یتعلّق بالسّفینة أوّلا ویعرض للجالس تبعا وبهذا یجاب عما قیل من أنّه لا ینبغی النزاع فی وجوب المقدّمة إذا کانت جزءا لذی المقدّمة لدلالة الکلّ علیه تضمینا وذلک لأن الوجوب المتعلّق بالجزء هو عین الوجوب المتعلّق بالکل لا وجوب آخر لازم من وجوب الکلّ کما هو محل النّزاع فی وجوب المقدّمة هذا وإن کان ولا بدّ من ذکر تلک القیود فلیقدم الاستقلالی علی الابتدائی ویلاحظ الابتدائیة بالنّسبة إلی الاستقلال بمعنی أن لا یکون شیء آخر فی الابتداء مستقلا غیره فیخرج الجزء أیضا إذ لو سلم کونه ابتداء فلیس استقلاله ابتداء وکذا اللاّزم لعدم استقلالیته ویدخل الکل لابتدائیة استقلاله والأولی الاقتصار علی ما ذکرنا ثم إنه قد اعترض علی الاستدلال بالتّبادر باستلزامه الدّور لتوقف التّبادر علی العلم بالوضع فلو أثبت الوضع به لزم الدّور وأجیب عنه بوجوه أحدها أنّ تبادر العالمین بالوضع دلیل علی الوضع بالنسبة إلی الجاهل فالعلم بالوضع للجاهل موقوف علی تبادر العالم بالوضع وهو غیر متوقف علی علم الجاهل بالوضع حتی یلزم الدّور فإن الجاهل بالوضع إذا رأی انسباق المعنی إلی ذهن العالمین بالوضع من أهل اللسان وعلم بانتفاء القرینة والمناسبات الذاتیة علی ما أشرنا إلیه حصل له العلم بأنّه ناش عن الوضع والثّانی أنه قد یکون الشخص عالما بالوضع لکن لاغتشاش ذهنه وتخلیط الأمر علیه ربما غفل عن علمه فبعد التخلیة التّامة إذا رأی انسباق المعنی إلی ذهنه حصل له العلم التفصیلی بالوضع فالعلم التّفصیلی بالوضع یثبت بالتّبادر والتّبادر متوقف علی العلم الإجمالی لا التفصیلی والثّالث منع توقف التّبادر علی العلم بالوضع فی الأوضاع التعیّنیّة وأکثر الأوضاع التعیّنیّة لأن صیرورة اللّفظ منقولا ناش من کثرة الاستعمال إلی حدّ ینسبق المعنی من اللّفظ إلی الذهن بدون ملاحظة الاستعمال فإذا حصل الانسباق بهذا المعنی یعرف النقل فالتّبادر کاشف عن النقل لا متوقف علی العلم به وکذا فی غالب الأوضاع التعیینیّة لأن انسباق المعنی فیها مستند إلی کثرة الاستعمال لا إلی الوضع بل لا یلتفت إلی الوضع أصلا واعترض علیه بعض المحققین بأن الغلبة المذکورة إمّا یجب ملاحظتها حتی یحصل التّبادر أو لا والأوّل لیس کاشفا عن الوضع بل اللّفظ حینئذ مجاز مشهور وعلی الثّانی فنقول التّبادر الکاشف عن الوضع لا بد أن یکون مستندا إلی الوضع ولا یکفی محض الغلبة فی حصول التّبادر الکاشف لعدم کونها وضعا ولا یمکن استناد التّبادر الکاشف إلیه وإلاّ لزم حصوله من أیّ سبب کان غیر الوضع ولا یکفی نفس الوضع مع قطع النظر عن العلم به وإلاّ لزم العلم بجمیع اللّغات لکل أحد وإن قلت إن الغلبة سبب لحصول الوضع

ص: 33

وبملاحظته یحصل التّبادر فهو قول بمسبوقیة التّبادر بالوضع ویرجع الدّور ورد بأنّه لا یقول باستناد التّبادر إلی نفس الوضع ولا إلی ملاحظة الشهرة بل یقول إن الغلبة سبب لحصول ربط وألفة ذهنیّة بین اللّفظ والمعنی بحیث صار سببا لتبادر المعنی من ذلک اللّفظ فالسامع ملتفت إلی الرّبط المذکور والناشئ من کثرة الاستعمال الّتی هی مرکوزة فی خزانة الخیال وإن لم یلتفت إلیها فی التّبادر لکن لا یعلم أن الربط المذکور هل هو وضع أم لا فالتّبادر الّذی هو من لوازم الوضع یعلم أن ذلک الرّبط هو الوضع والحاصل أن العلم بالوضع حاصل له قبل التّبادر إجمالا لا بعنوان أنه وضع بل بعنوان أنه ربط وبالتّبادر یحصل له العلم التفصیلی بأنه وضع نظیر العلم بحدوث العالم بعنوان التّغییر ثم یحصل العلم التفصیلی بسبب ترتیب المقدمات بحدوث العالم بعنوان أنه عالم کیف ولا حدّ للاستعمال الکثیر حتی یعرف به النقل بل لا یعرف النّقل بالتّبادر والفرق بین الاشتهاد هنا وفی المجاز المشهور وجوب ملاحظة الشهرة فی المجاز فیحصل العلم بالمعنی المجازی فی ضمن ملاحظة الشهرة لا بملاحظة الشهرة کما توهّم فإن معنی ملاحظة الشهرة أن یلاحظ کثرة استعمال اللّفظ فی هذا المعنی فقد قصور المعنی حینئذ فی ضمن تلک الملاحظة ولا یحتاج إلی قصور آخر بخلاف المجاز المستعمل مع القرینة کأسد یرمی فإن تصوّر المعنی یحصل فیه بملاحظة القرینة لا فی ضمن ملاحظتها وأما المنقول فلا یحتاج إلی ملاحظة الشهرة بل الشهرة بلغت إلی حدّ حصل بها الرّبط الذّهنی بین اللّفظ والمعنی بحیث لو قطع النظر عن تلک الشهرة لا تنسبق ذلک المعنی إلی الذّهن وإن کانت الغلبة مخزونة فی خزانة الخیال لکن لا یلتفت إلیها فی التّبادر نظیر ما ذکره بعض الأفاضل ردا علی عصام الدّین فی ادعائه تبعیّة الدلالة للإرادة مستدلاّ بأنّ شرط الدّلالة العلم بالوضع للمعنی فلا یمکن أن یکون المترتّب علی الدلالة هو بالمعنی العام لحصوله قبله فی ضمن العلم بالوضع فلا بدّ أن یکون الدلالة عبارة عن فهم المعنی بعنوان أنه مراد من أنه یجوز أن یکون الشخص عالما بالمعنی لکن لم یکن ملتفتا إلی علمه فبسماع اللّفظ یلتفت إلی علمه فلم یلزم تحصیل الحاصل لو لم یکن الدلالة تابعة للإرادة وبما ذکرنا علم الفرق بین المنقول والمجاز المشهور وسائر المجازات لعدم ملاحظة الشهرة فی الأوّل وحصول العلم بالمعنی فی ضمن ملاحظة القرینة أی الشهرة فی الثّانی وبملاحظتها فی الثالث هذا حاصل ما ذکر فی الإیراد وفیه أن التّبادر لیس محض الخطور بالبال کیف وهو حاصل فی المجاز أیضا فإن اللّفظ المستعمل فی المعنی الحقیقی إذا سمع خطر المعنی المجازی بالبال أیضا فإنّ خطور أحد المتلابسین فی الذهن بملاحظة الآخر مما لا یمکن إنکاره

ص: 34

فقد یسمع المرکوب ویخطر الراکب بالبال لتلابسهما وغیر ذلک وأیضا هو أمر قلبی لا یمکن الاطّلاع علیه فکیف یمکن العلم بالوضع بالرّجوع إلی تبادر أهل اللّسان إذ لا نعلم أنه یخطر ببالهم أو لا ومحض الرّبط الذّهنی لیس وضعا بل الحق أن التّبادر وهو فهم المعنی بعنوان أنه مراد کما قاله العصام وهو الّذی یعلم به بالرّجوع إلی أهل اللّسان حیث یحکمون بإرادة المعنی من اللّفظ ویعلم ذلک من علمهم علی طبقه وهو لا یحصل بمحض الرّبط الذّهنی الحاصل بالاشتهاد فإن حکم السامع بأن هذا المعنی مراد للمتکلّم مبنیّ علی أن یعلم أنّ المتکلّم استعمله مع القرینة فی ذلک المعنی أو بملاحظة الشهرة أو کان اللّفظ علامة لهذا المعنی عنده وهذا معنی الوضع والأوّلان مفروض العدم والحاصل أن السّامع قبل العلم بأن اللّفظ صار علامة لهذا المعنی عند المتکلم لا یمکن له الحکم بإرادته وإن خطر المعنی بباله لأن محض الخطور لا یکفی فی الحکم بالإرادة ولذا قیل إن أصالة إرادة المعنی الحقیقی فی الاستعمال مبنی علی مقدّمات وهی أن اللّفظ موضوع لهذا المعنی والمتکلّم عالم به والغرض من الوضع استعمال اللّفظ بدون قرینة والمتکلّم لم ینصب قرینة فیعلم أنه أراد هذا المعنی أما المعرفة بالنّقل فتحصل بالرّجوع إلی أهل اللّسان وأنّهم هل یلاحظون مناسبة المعنی المشهور مع المعنی الحقیقی أو لا فإذا رأی أنهم لا یعتبرون تلک المناسبة یعلم أن الکثرة وصلت إلی حدّ النقل فإلغاء المناسبة سبب للعلم بالنقل لا التّبادر بل التّبادر أعنی الفهم بعنوان المرادیة لا یحصل إلاّ بعد العلم بالنقل ویؤیّد ما هو المعروف من أن الحقیقة هو استعمال اللّفظ فی الموضوع له من حیث هو کذلک وکذا المجاز فمتی لم یعلم السامع أن المتکلم استعمله فی المعنی من حیث إنّه موضوع له کیف یعلم أنّه مراد وکذا فی المجاز إذا لم یعلم أنّه استعمله فیه من حیث إنّه غیر موضوع له بمناسبة الموضوع له لا یمکن له الحکم بأنّه مراد وبالجملة التّبادر بالمعنی المذکور مسبوق بالعلم بالنّقل نعم بعد ثبوت النّقل بما ذکرنا یکون تبادرهم کاشفا عن الوضع بالنّسبة إلی الجاهل وهو حینئذ عین الجواب الأوّل وبالجملة الجواب الأخیر لا یسمن ولا یغنی من جوع ولا یتم إلاّ بجعل التّبادر عبارة عن محض الخطور وقد عرفت فساده والباعث علی جعله بمعنی الخطور توهم عدم وجوده فی المشترک بالمعنی الّذی ذکرنا والجواب أمّا أوّلا فبعدم وجوب انعکاس العلامة کما عرفت وأمّا ثانیا فبوجوده فی المشترک أیضا بالمعنی المذکور لتبادر جمیع المعانی علی أنه مراد لکن علی سبیل البدلیة فإن احتمال الإرادة کاف فی إثبات الوضع لعدم وجود الاحتمال المذکور فی المجاز بلا قرینة فإنا إذا رأینا أن السّیّد أمر عبده بإتیان العین فالعبد من باب الاحتیاط أتی بالمیزان والذهب والفضة نعلم أن احتمال الإرادة

ص: 35

مقصور علی الثلاثة فیثبت الوضع فیها لما عرفت هذا علی القول بعدم جواز استعمال المشترک فی أکثر من معنی وإلاّ فلا إشکال لتبادر الجمیع بعنوان أنّه مراد وبهذا علم أنّ هذه العلامة علی ما ذکرنا أیضا لازم مساو للعلم بالوضع فعدمها علامة المجازیّة ولا نحتاج إلی القول بأنها أخصّ منه لعدم وجوده فی المشترک فلا یکون عدمها علامة المجاز وإلاّ لزم کون المشترک مجازا بل تبادر الغیر علامة المجاز لما حقّقنا من وجودها فی المشترک کما ذکره بعضهم من المفاتیح للسّیّد من أن عدم التّبادر علامة المجاز مع القول بوجوده فی المشترک بتقریب أنّه إذا لم نعلم فیما إذا رأینا عدم التّبادر هل هو مشترک أو لا فبضمیمة أصالة عدم الاشتراک وندرته نثبت أنه مجاز فعدم التّبادر کلیة علامة المجاز بضمیمة أصالة عدم الاشتراک لأنا نقول إنّ فی هذا المقام إن کان هناک معنی متبادر غیر المشکوک فقد ثبتت المجازیة بتبادر الغیر ولا نحتاج إلی ضمیمة الأصل وإلاّ فلا یمکن إثبات المجازیّة بعدم التّبادر إذ یلزم وجود المجاز بلا حقیقة ضرورة تبادر الحقیقة لو وجدت

تتمیم

لا إشکال فیما إذا علم استناد تبادر العرف إلی الوضع وکذا إذا علم استناده إلی القرینة وأمّا عند الشک أی عدم العلم بأحدهما فقیل یتصوّر حینئذ ثلاث صور الأولی أن یشک فی أصل نصب القرینة والثانیة أن یعلم ذلک ویشک فی التفات السّامع إلیها فی التّبادر والثالثة أن یعلم ذلک ویشک فی أن تلک القرینة هل کانت مؤکدة للموضوع له أو مؤسّسة وصارفة ففی الأوّلین یجری أصالة العدم فیثبت به الوضع وفی الثالث یجب التوقّف لمعارضة إجراء الأصل فی إحدی الحادثین بإجرائه فی الآخر ویمکن أن یرجح المؤکدیّة بأن الأصل الاستناد إلی أقدم السّببین وهو الوضع إذا القرینة متأخّرة عن الوضع وبما ذکرنا سابقا من أن المدار فی اللّغات علی الظنّ وأن حجیّة الأصل فیها أیضا من باب أنّه ظنّ لا حاجة إلی هذه الشّقوق بل العنوان حینئذ أنه إذا شک فی استناد التّبادر إلی الوضع أو القرینة فالمدار علی قوة الظن الحاصل من الغلبة وأن الغالب هل هو الأوّل أو الثانی ویمکن ترجیح الأوّل بأن الغالب فی المحاورات استعمال الحقیقة وأن کلا من المجاز والکنایة وغیرهما نادر فیها وإن کثرت فی الخطب والأشعار ونحوهما ویمکن منعه بأن الغالب فی المحاورات تبادر بعض الأفراد من المطلق لشیوع ونحوه فی ذلک الفرد دون سائر الأفراد فإنه إذا أمر المولی عبده بإتیان الماء فیأتی بالماء الحلو أو الخبز فیأتی بخبز الحنطة ونحو ذلک وجمیع هذه التّبادرات مستند إلی القرینة وربّما قیل فی منع استناد التّبادر غالبا إلی الوضع إن غالب الأفهام العرفیة مستند إلی الشهرة إمّا فی ضمن ملاحظتها أو لا ولا یلتفت إلی الوضع غالبا بل الفارق بین المعنی

ص: 36

الموضوع له وغیره عدم ملاحظة الشّهرة فی الأوّل دون الثانی والملاحظة أمر مخفی لا یمکن الاطلاع علیها علی ملاحظتها وعدمه غالبا ومع ذلک فکیف یقال باستناد التبادر إلی الوضع غالبا وأجیب بندرة المجاز المشهور الّذی یلزم فیه ملاحظة الشّهرة والغالب عدم ملاحظتها حتی أنّه قیل بعدم وجود المجاز المشهور والظّنّ یلحق الشّیء بالأعمّ الأغلب وفیه أنّ تبادر الفرد من الکلیّ شائع فی العرف ولیس مستندا إلی الوضع فإن قلت إنّه مجاز مشهور فقد بطل القول بندرته وإن قلت إنه مستند إلی غیر الشّهرة من القرائن فقد بطل القول باستناد التّبادر إلی الوضع غالبا کما أشرنا إلیه والحق أن المدار علی الظن الفعلی فی اللّغات کما عرفت فبأیهما حصل فهو المتّبع

ومنها صحّة السّلب وعدمها

والأوّل علامة المجاز کما أن الثّانی علامة الحقیقة والمراد صحة سلب المعنی الحقیقی عن المشکوک فیه حقیقة وعدمها کذلک إلاّ سلب اللّفظ عن اللّفظ ولا عن المعنی لبداهة صحته مطلقا ولا المعانی المجازیّة لأنّ صحّة سلب المعنی المجازی لیس دلیلا للمجازیّة ولا عدمها علی الحقیقة بل بالعکس ولا الأعمّ من اللّفظ والمعنی أو الحقیقی والمجازی لبطلان العام من حیث إنّه عام ببطلان الخاصّ ولا السّلب ادعاء لصحّته عن المعنی الحقیقی أیضا کما یقال عمرو لیس بإنسان وعدمه عن المعنی المجازی کما یقال زید ملک ونحو ذلک وکونها علامتین وکاشفین عن الحقیقیة والمجازیة واضح إنما الشّأن فی دفع ما أورد من استلزامهما الدّور وقرّر بوجهین مرجعهما أمر واحد وبیانه أن صحّة السّلب ترجع إلی الشّکل الثّانی وعدمها ترجع إلی الشّکل الأوّل أمّا الأوّل فلأنّ إثبات مجازیة البلید بالنسبة إلی الحمار یتوقّف علی إثبات تغایره مع الحیوان النّاهق الذی هو مقطوع الوضعیّة فإثبات تغایره معه صغری وإثبات الوضع للحیوان النّاهق کبری وهو هکذا البلید لیس بحیوان ناهق والموضوع له للحمار هو الحیوان النّاهق ینتج البلید لیس بموضوع له للحمار وأمّا الثّانی فلأنّ إثبات حقیقیّة الإنسان فی البلید یتوقّف علی إثبات اتحاده مع الحیوان النّاطق الذی هو الموضوع له قطعا فإثبات الاتحاد صغری وإثبات الوضع للحیوان النّاطق کبری وهو هکذا البلید حیوان ناطق والحیوان النّاطق هو الموضوع له للإنسان ینتج البلید موضوع له للإنسان وحینئذ فنقول التقریر الأوّل هو ما قیل إنّ الشّکّ فی النّتیجة ناشئ من الشّکّ فی المقدّمتین إذ مع العلم بهما لیس هناک شکّ فی النّتیجة فالشّک فی مجازیّة البلید للحمار أو حقیقیّة للإنسان ناشئ عن الشّکّ فی اتّحاده مع الحیوان النّاطق وتغایره مع الحیوان النّاهق إذ العلم بالاتحاد والتغایر عین العلم بالحقیقیّة والمجازیّة فالعلم بالنتیجة یتوقّف علی العلم بالمقدّمتین وهو متوقّف علی العلم بالنتیجة وهذا دور ظاهر وهذا الإشکال یجری فی

ص: 37

جمیع الإشکال ولا یختص بصحّة السّلب وعدمها إذا الشّکّ فی حدوث العالم لا بد أن یکون ناشئا عن الشّکّ فی المقدّمتین إذ مع العلم بهما لا یتصوّر الشّکّ فی النّتیجة والحاصل أنه إذا کان الشّکّ فی النّتیجة منافیا مع قطعیّة المقدّمتین فهو مستلزم للدّور کلیّة علی ما بینا والجواب ضع التنافی المذکور لجواز حصول العلم بشیء بعنوان مع الجهل به بعنوان آخر فنقول هناک ذاتان أحدهما مشکوک الوضعیّة وهو البلید والثانی مقطوع الوضعیّة وهو الحیوان النّاطق والنّاهق فإن کان الذّات المشکوک عین الذات المعلوم ثبت له الوضع وإلاّ فلا فبصغری المقدمتین نثبت اتحادهما ذاتا فیتحدان وصفا أو نثبت تغایرهما ذاتا فیختلفان وصفا فالعلم بمجازیّة البلید للحمار یتوقّف علی تغایر ذاته مع ذات الحیوان النّاهق وهو لیس عین العلم بالمجازیة ولا متوقّف علیه بل هو مستلزم له لأنّه إذا سلب ذاته عنه یلزم سلب وصفه عنه أیضا والحاصل أن الشّخص عالم باختلاف الذّاتین غافل عن اختلاف الوصفین فیجعل الذات المعلوم حد الوسط فبسلبه عن المشکوک فی الصغری ویثبت له الوضع فی الکبری فیسلب عن المشکوک أیضا والتقریر الثّانی هو ما ذکره المحقّق القمی رحمه الله أمّا فی صحّة السلب فبیانه أنّه لا یثبت مجازیة البلید إلاّ بعد جعل کبری الشّکل کلیّة وهو قولنا الموضوع له للحمار هو الحیوان النّاهق بأن یکون الوضع منحصرا فی الحیوان النّاهق وإلاّ لم یلزم من إثبات الوضع للحیوان النّاهق وسلبه عن البلید مجازیة البلید للحمار لجواز أن یکون الحمار موضوعا له بوضع آخر وکلیة الکبری یتوقّف العلم بها علی العلم بعدم کون البلید موضوعا له للحمار وإلاّ فمع احتمال وضعه للبلید لا یحصل العلم بانحصار الوضع فی الحیوان النّاهق وبالجملة الشّکّ فی النّتیجة مناف لقطعیة المقدّمتین وهو مناط الدّور علی ما أشرنا إلیه والفرق بین التقریرین أنّ الشّکّ فی الأوّل کان یرجع إلی الشّکّ فی الصغری أی الاتحاد والتغایر وهنا یرجع إلی کلیة الکبری مع فرض القطع بتغایره مع الحیوان النّاهق ومرجع التّقریرین إلی منافاة الشّکّ فی النّتیجة مع قطعیة المقدّمتین فافهم وأمّا فی عدم صحة السّلب فقرره وإن لم یکن العلم بحقیقیة البلید بالنسبة إلی الإنسان متوقّفا علی عدم صحّة سلب جمیع المعانی الحقیقیّة عنه لکفایة عدم صحة سلب بعض الحقائق فی إثبات الوضع لکن لا یثبت به إلاّ الوضع فی الجملة وهو مستلزم لتفکیک العلامتین حیث جعل الأوّل علامة للمجاز مطلقا وهنا للحقیقیّة فی الجملة وإذا ثبت أن المراد إثبات الحقیقیّة المطلقة لئلاّ یلزم التفکیک یلزم الدّور ولأن کون البلید معنی حقیقیّا للإنسان موقوف علی العلم بعدم صحّة سلب جمیع المعانی الحقیقیة الثّانیة للإنسان عن البلید والعلم بعدم صحة سلب جمیع المعانی

ص: 38

الحقیقیّة عنه موقوف علی العلم بعدم معنی حقیقی للإنسان یجوز سلبه عن البلید والعلم بذلک موقوف علی العلم بکون البلید معنی حقیقیّا للإنسان وهذا دور ظاهر هذا حاصل تقریره وأقول أمّا جعله السالبة کلیة فی صحّة السّلب فصحیح إذ العلم بالمجازیّة وعدم کونه موضوعا له متوقّف علی ذلک وأمّا جعل الموجبة کلیّة فی عدم صحّة السّلب وإیراد الدّور علیه فغیر واضح أمّا الأوّل فلعدم الاحتیاج إلیه إذ الفرض إثبات الوضع وعدمه والأوّل یحصل بمحض عدم صحة سلب بعض الحقائق بخلاف الثانی وأمّا الثانی أعنی إیراده الدّور فلأنّ عدم صحّة سلب جمیع المعانی الحقیقیّة للإنسان عن البلید لیس موقوفا علی عدم معنی حقیقی للإنسان یجوز سلبه عن البلید بل هو عینه إذ الفرض من جعل الموجبة کلیة إثبات انحصار الموضوع له فیه إذ الحقیقیّة فی الجملة للبلید تثبت بعدم سلب البعض أیضا وحینئذ فالمقصود نفی الغیر والعلم بعدم صحة سلب جمیع الحقائق عنه عین العلم بأنه موضوع له لا غیره وبعبارة أخری إنا أثبتنا فی الصغری اتحاد الحیوان النّاطق مع البلید ذاتا لیثبت له الأوصاف الثابتة للحیوان النّاطق فی الکبری فإن کان الوصف الحقیقیّة فی الجملة ثبت للبلید أیضا ذلک أو کلیّة فکلیة وإحراز أن الوصف الثابت للحیوان النّاطق هو الموضوع له المطلق أو فی الجملة لا بد أن یرجع فیه إلی شیء آخر ولا یتوقّف علی حقیقیّة البلید أصلا لا بواسطة ولا بلا واسطة بل الشّکّ فی ذلک وعین الشّکّ فی أن البلید مطلق الموضوع له أو فی الجملة وبالجملة البلید حکمه حکم الحیوان النّاطق بحکم الصغری فیثبت له الحکم الثابت له فی الکبری إن کان مطلقا فمطلقا وإن کان فی الجملة ففی الجملة بخلاف صحّة السّلب لأن إثبات نفس عدم الوضع متوقّف علی کلیّة الکبری لا أنه تثبت فی الجملة ویثبت إطلاقه بکلیة الکبری فالعلم بتغایر البلید مع الحیوان النّاهق الذی هو موضوع له للحمار لا یوجب نفی الوضع عن البلید إلاّ إذا علم انحصار الموضوع له فی الحیوان النّاهق وهو متوقّف علی العلم بالنتیجة ولا یمکن إحراز الکلیّة بالرجوع إلی العرف إذ لیس فی العرف إلاّ قضیّة سالبة وهو قولهم البلید لیس بحمار وهو إنما یدلّ علی مجازیته بالنسبة إلی بعض معانی الحمار بأن یکون المراد من الحمار المسلوب الحیوان النّاهق وبالجملة دفع الدور هنا مشکل جدّا ولا یمکن إلاّ برفع منافاة الشّکّ فی النّتیجة مع العلم بالمقدّمتین وقد ذکر فی رفع التنافی أجوبة أغلبها فاسدة فمنها ما ذکره الفاضل المذکور فی منع کلیة الکبری وقد عرفت أن الإشکال کان ناشئا منه وقرره بأن المقصود إثبات المجازیة فی الجملة بالنّسبة ویکفی فیه صحة سلب بعض المعانی الحقیقیّة عنه کما فی عدم صحّة السّلب وفیه ما عرفت أن الفرض من هذه العلامات إثبات الوضع وعدمه

ص: 39

والأوّل یثبت بعدم صحة السّلب فی الجملة دون الثّانی ومنها ما ذکره أیضا من أنّ المقصود تعیین فرد الموضوع له ومصداقه فبصحّة سلب الماء عن الجلاب المسلوب الطعم والرائحة نعلم أنه لیس من مصادیق الماء وبعدمها عن ماء السیل المخلوط بالطین نعلم أنّه من مصادیقه وبالجملة لا نشکّ فی عدم وضع الماء للجلاب بخصوصه ولکن نشکّ فی أنه داخل فی مصادیقه أو لا فبصحّة السّلب نعلم عدم دخوله فیه وفیه أن الشّکّ فی الفردیّة إمّا ناش عن عوارض لاحقة لنفس الفرد کالبلل المشتبه بالبول وإمّا ناش عن الشّکّ فی أصل المعنی کالشّکّ فی ماء السّیل فإنه ناش عن الشّکّ فی أن الماء موضوع للمطلق مطلقا أو للمطلق الصّافی فإن أراد الأوّل قلنا إن تشخیص الموضوعات یجب أن یکون بالعلم وهذه الأمارات لا حجّیّة فیها فی الموضوعات بل الغرض منها إثبات الأوضاع اللّغویّة من الحقیقیّة والمجازیّة لا تشخیص الموضوعات العرفیّة وإن أراد الثّانی بقی الدّور بحاله لرجوع الشّکّ حینئذ إلی الشّکّ فی أصل المعنی لا إلی الشّکّ فی الفردیة ومنها ما ذکره بعضهم من أن کلیة الکبری فی صحّة السّلب أعنی صحة سلب جمیع المعانی الحقیقیّة عن المشکوک فیه یعلم بالرجوع إلی العرف فإنه إذا سلب الحمار عن البلید فی العرف فلا یخلو إمّا أن یکون الحمار متحدا أو مشترکا وعلی أیّ تقدیر یلزم سلب جمیع الحقائق أمّا علی الأوّل فظاهر وأمّا علی الثانی فلأنّ المراد من سلب المشترک عن شیء سلب مفهوم المسمّی عنه فإذا قیل هذا لیس بعین أرید به أنه لیس مسمّی بالعین ولازمه عدم کونه موضوعا له وإلاّ لم یجز سلب المسمّی عنه قال وهذا الجواب لا یجری فی عدم صحة السّلب لأنّ معنی عدم السّلب صحة الحمل ولا یمکن العلم بکلیة الکبری وهی أنّه لا یصح سلب جمیع الحقائق عنه بالرّجوع إلی العرف لأن حمل شیء علی شیء لا یمکن أن یکون بإرادة مفهوم المسمّی من المحمول إذ یلزم حینئذ اتحاد المعنی الواحد مع المعانی المتعدّدة لو کان المحمول مشترکا وهو محال فی غالب المشترکات حیث إن معانیها متباینة مفهوما ومصداقا نعم یصحّ ذلک فیما إذا کان المحمول معانی متعدّدة مفهوما متّفقة مصداقا کحمل العالم والنّاطق والضاحک علی الإنسان مثلا ولیس الکلام مختصّا بأمثال ذلک بل یعم المشترک بین المتباینین الذی لا یمکن حمله علی شیء بإرادة مفهوم المسمّی وفیه أن ادّعاء أنّ سلب المشترک عن شیء یراد منه سلب مفهوم المسمّی ممنوع لأنّ إرادة مفهوم المسمّی عن المشترک مجاز لا یصار إلیه بلا قرینة بل الظاهر من السّلب عرفا هو سلب الماهیّات والحقائق وحینئذ لا یمکن إرادة أکثر من واحد من المسلوب وإن کان فی النّفی لما قرّر فی محلّه من عدم جواز استعمال المشترک فی الأکثر من المعنی مطلقا والفرق بین المثبت والمنفی شموله لجمیع أفراد المعنی الواحد فی النّفی دون الإثبات لا أنّه یشمل جمیع المعانی لوقوعه فی سیاق النّفی وقوله إن ذلک لا یتم فی عدم صحة السّلب لأن حمل المسمّی علی شیء یستلزم اتحاد المعنی الواحد مع المعانی

ص: 40

المتعدّدة فاسد لأنّ حمل المسمی لا یقتضی إلاّ صدق المسمّی علی الموضوع وکونه من مصادیق المسمی کما یقال الذّهب مسمّی العین فإنّه لیس معناه أنّه جمیع مسمیات العین إذ النّکرة لا تعم فی سیاق الإثبات اللهمّ إلاّ أن یقال إن مراده من إثبات الکلیة بالرّجوع إلی العرف لا یمکن إلاّ بجعل الحمل الحاصل فی العرف عبارة عن حمل المفهوم المسمّی بجمیع أفراده لیتم الکلیّة فإن حمل مفهوم المسمی فی الجملة لا یثبت الکلیّة وحینئذ فیلزم المحذور فلا یتم الجواب لا أن محض حمل المسمّی یستلزم ذلک المحذور ومنها ما ذکر الفاضل البهبهانی قدس سره من أن کلیّة الکبری تعلم بالرجوع إلی العرف فإذا رأینا أنّهم سلبوا لفظا مجردا عن القرینة عن شیء نعلم مجازیّته لأن تجرّده عن القرینة قرینة علی اتحاده معنی إذ لو کان مشترکا لم یصحّ تجرّده عن القرینة وإذا ثبت اتحاده معنی فبسلبه عنه یلزم سلب جمیع الحقائق عنه إذ لا حقیقة له سوی المسلوب وعلی هذا لا یلزم أن نعلم المعنی الحقیقی أصلا بل محض تجرّده عن القرینة الصارفة والمعیّنة دلیل علی کونه حقیقة دون غیره وربما یناقش فی ذلک بأن سلب اللّفظ المجرّد عن القرینة عن شیء إنما یدفع احتمال اشتراکه فی غیر المسلوب عنه فلم لا یجوز أن یکون للّفظ موضوعا للمسلوب عنه أیضا ویکون السلب قرینة علی إرادة المعنی الآخر من المسلوب لعدم جواز سلب الشّیء عن نفسه فلم یلزم من التجرّد عن القرینة سلب جمیع الحقائق ونظیر ذلک ما ربما یقال من أن قولهم عدم صحة السّلب معناه صحة الحمل وحمل ذات الحقیقة علی شیء یستلزم ثبوت وصف الحقیقیة له باطل لأنّ حمل الشّیء علی شیء لو کان حقیقیّا لتم ذلک لکن لم لا یجوز أن یکون الحمل ادعائیا ویکون القرینة علیه علم المتسامعین بتغایرهما فإذا سمعنا أنه قال واحد من أهل العرف لآخر البلید حمار لا یمکن لنا إثبات الوضع له بذلک لجواز أن یکون الحمل ادعائیا ویکون القرینة علم المتکلّم والمخاطب بالتّغایر والجواب أمّا عن الثانی فظاهر لأن الحمل حقیقة فی الحمل الحقیقی مجاز فی الادعائی إذ لا تفاوت بین المادة والهیئة فکما أن الأوّل موضوع فکذا الثّانی والأصل فی الاستعمال الحقیقة مضافا إلی ما هو متداول لأن فی العرف من حمل الکلمات علی ظواهرها وإن لم یکونوا مخاطبین بها ولو کانت هذه الاحتمالات لوجب التّوقّف لکل من لم یکن مخاطبا فیما کان هناک حمل لاحتمال ادعائیة الحمل أو مجازیة المحمول ویکون القرینة علم المتسامعین فلو سمع زید ابنی وجب التّوقّف لاحتمال أن یکون زید غیر ابنه وعلمهما بهذا قرینة علی ادّعائیة الحمل أو علی مجازیة الابن بإرادة التّربیة منه مع أنا نشاهدهم لا یتوقّفون فی ذلک أصلا وهو ظاهر وأمّا عن الأوّل فبأنه وإن صحّ ما قلت من احتمال الاشتراک بین المعنیین بأن یکون السلب قرینة علی إرادة المعنی الآخر من المسلوب لکن أصالة عدم الاشتراک وندرته یدفع هذا الاحتمال أو یقال إن فی غالب الموارد نعلم وحدة المعنی إنما الاشتباه فی تعیینه فبصحة سلب اللّفظ

ص: 41

المجرد عن القرینة عنه عرفا نعلم أنّه لیس بموضوع له وبعدمها نعلم أنّه هو مضافا إلی ما عرفت من إثبات الحقیقیّة بعدم صحة سلب البعض ولا نحتاج إلی أخذه کلیة فافهم تنبیهان الأوّل قد نوقش فی کون صحّة السّلب علامة للمجاز بأن صحة السّلب معنا صحة سلب حمل المعنی الحقیقی عن المشکوک والحمل المتداول فی العرف هو حمل الکلیّ علی الفرد فمعنی صحة السلب سلب فردیّته للمعنی الحقیقی لا سلب عینیّته له وسلب الفردیّة له الاحتمالات أحدها أن یراد بالمسلوب مفهوم المسمّی وقد أثبتنا بطلانه لأنه مجاز بل الظاهر سلب الحقائق والذوات والثّانی أن یکون المسلوب فردیته للمعنی الحقیقی بأن یکون عینه وذلک کأن یقال الذّهب لیس بذهب أی لیس فردا له بل هو عینه والثالث أن یراد سلب فردیته له بأن یکون متباینا معه وإن کان موضوعا له بوضع آخر کما یقال الذهب لیس بفضة أی لیس فردا لها لکنّه موضوع له برأسه والرابع أن یراد بسلب الفردیّة کونه مجازا وسلب الفردیّة أعم من المذکورات فهو مجمل لا یمکن به إثبات المجازیّة ونظیر ذلک أن یقال فی عدم صحّة السّلب أن معناه عدم صحة سلب الحمل المتعارفی بمعنی صحّة الحمل المتعارفی وغایة ما یثبت منه کونه فردا للمعنی الحقیقی لا أنّه موضوع له إذ هو لا یثبت إلاّ بالحمل الذّاتی وهو غیر متداول فی العرف والجواب أمّا عن الإیراد فی عدم صحّة السّلب فبأنّه لیس الغرض من هذه العلامة إلاّ إثبات أنه لو استعمل فی المشکوک لکان علی وجه الحقیقة وهو یحصل بالفردیة أیضا إذ الفرد عین الکلی الموجود غایة الأمر عدم ثبوت الوضع له بخصوصه بذلک وهو یحصل بالفردیة أیضا إذا الفرد عین الکلی الموجود غایة الأمر عدم ثبوت الوضع له بخصوصه بذلک وهو مسلم هذا إن قلنا بصحة سلب الکلّ عن الجزء عرفا وإلاّ بأن نقول لا یصحّ سلب الکل عن الجزء فی العرف کما هو الظاهر فإنه لو رأی ورقا من المعالم مثلا فقال لیس هذا کتاب المعالم لخطئوه فی ذلک فنقول حینئذ یتردّد عدم صحة السلب بین العینیّة للمعنی الحقیقی والفردیة والجزئیة له فیثبت أنه مربوط بالحقیقة لا أجنبی عنه ولا یثبت به الوضع وأمّا فی صحّة السّلب فنقول الاحتمال الأول مدفوع بما عرفت وأمّا الثانی فظاهر البطلان لندرته عرفا بل هو غیر مستعمل قطعا وأمّا الثالث فإنه وإن کان محتملا إلاّ أنّه مدفوع بما عرفت من أصالة عدم الاشتراک وندرته والرابع هو المطلوب الثانی صحة السلب وعدمها إنما یجریان فی المعانی المستقلّة التی یمکن حمل شیء بخلاف المعانی الغیر المستقلّة کالمعانی الحرفیّة والفعلیة إذ لا یصح حمل شیء علیهما وبهذا علم فساد قول من قال إن الاستفهام فی قوله تعالی ما مَنَعَکَ أَنْ لا تَسْجُدَ مستعمل فی الاستفهام الحقیقی بجعله أعمّ مما کان المراد طلب الفهم لنفس المتکلّم أو غیره والمراد فی الآیة الثّانی والغیر هو الملائکة مستدلاّ بعدم صحة سلب الاستفهام عن الاستفهام الذی کان الغرض منه طلب الفهم للغیر فلا یقال إنه لم یستفهم وذلک للفرق بین مادة الاستفهام وأداته فعدم صحة سلب الأوّل

ص: 42

لا یدلّ علی حقیقیة الثّانی کما هو المطلوب نعم لو علم أن المعنی الحرفی مترادف مع المعنی الاسمی فی غیر جهة الاستقلال وعدمه لصحّ ذلک کما لو علمنا أن معنی کلمة من هو معنی الابتداء إلاّ أنّه مستقل وهذا غیر مستقلّ وحینئذ فلو شککنا فی أن استعمال کلمة من فی ابتداء الزمان حقیقة أو مجاز لصح الاستدلال بعدم صحة سلب الابتداء عن ابتداء الزّمان فیعلم بانضمام المقدّمة الخارجیّة وهی التّرادف أن کلمة من أیضا حقیقة فیه فلیتدبّر

ومنها الاطراد وعدمه

واختلف فی ذلک علی أقوال فقیل بأنّ الاطراد علامة الحقیقة وعدمه علامة المجاز ولازم هذا القول تساوی الاطراد مع الوضع وقیل بأن الاطراد أعمّ من الحقیقة لوجوده فی المجاز وعدمه أعمّ من المجاز لوجوده فی الحقیقة فلیس شیء منها دلیلا وقیل إنّ الاطراد أعمّ وعدم الاطراد غیر موجود بل جمیع المجازات مطردة وقیل الاطراد أعمّ وعدم الاطراد خاصّ بالمجاز فیثبت به المجازیة ولا یثبت الوضع بالاطراد فهناک أقوال أربعة والحق هو الأخیر وتحقیق الحقّ یتوقّف علی تمهید مقدّمة فنقول الاطراد عبارة عن عموم صحة استعمال اللّفظ فی المعنی وبعبارة أخری أن یکون استعمال فی المعنی غیر مختص ببعض الموارد بأن لا یختلف باختلاف الموارد کما یصحّ استعمال زید فی مسمّاه فی جمیع الموارد إنشاء وإخبارا أمرا ونهیا وهکذا سواء کان اختلاف الموارد موجبا لتکثّر المعنی حقیقة أو لا فالأوّل کالنخلة فی الطّویل فإنّ اختلاف موارد استعماله یوجب اختلاف حقیقة الطّویل فإنه قد یلاحظ بالنّسبة إلی الإنسان الطّویل وقد یلاحظ بالنّسبة إلی الجبل والحائط الطّویلین وحقیقة الطّول الحاصل فی الإنسان غیر الحاصل فی الجبل حیث یلاحظ فیه القطر والعرض الخاص والثّانی کالرقبة فی الإنسان فإن اختلاف موارد استعماله إنما هو باختلاف الأحکام کما یقال أعتق الرّقبة أو اضرب الرّقبة أو جاء الرّقبة فإن الرّقبة واحدة وإنما المختلف أحکامه المتعلّقة بها والاطراد عبارة عن صحّة استعماله فی جمیع الموارد سواء کان اختلاف الموارد موجبا لتکثر المعنی أو لا وعدمه عبارة عن عدم صحة ذلک بأن کان استعماله فی بعضها صحیحا دون بعض أعمّ من أن یکون الاختلاف سببا لتکثّر المعنی أو لا هذا والفرق بین الاطراد والاستقراء ظاهر إذا الاستقراء عبارة عن الحکم علی جملة بما وجد فی جزئیّاتها وذلک یتصور بوجهین أحدهما أنا نری لفظ ضارب مثلا مستعملا فی من قام به الضّرب ونعلم أنّه موضوع له لکن نشکّ فی أنّه لوحظ تفصیلا بمادته الخاصّة ووضع له اللّفظ أو لا بل لوحظ إجمالا فی ضمن قضیّة کلیّة هی آلة لملاحظة الجزئیات أعنی کلّ ما کان علی زنة فاعل لکلّ من تلبس بالمبدإ فنثبت بالاستقراء أن الملاحظ هو الکلّیّة لا خصوص المواد وحینئذ فالوضع عام والموضوع

ص: 43

له خاصّ والثّانی أن نشکّ فی کونه موضوعا بخصوصه تفصیلا وکونه موضوعا بالعرض بأن یکون الموضوع هیئة الفاعل لمن تلبس بالمبدإ فبالاستقراء نثبت أن الموضوع هو الهیئة لمن تلبس بالمبدإ فالوضع عام والموضوع له عام ویظهر الثّمرة فی صحّة قیاس ما لم نجده من الأفراد علی ما وجدناه لو أثبتنا أن الموضوع هو الهیئة أو أنّ المعتبر فی الوضع هو القضیة الکلّیّة وعدم صحته لو کان المعتبر هو خصوص کلّ واحد منها وبالجملة یعتبر فی الاستقراء إحراز الوضع بالنّسبة إلی الجزئیات ویکون الشّکّ فی أنّ الموضوع هل هو الهیئة أو لا فیثبت بالاستقراء بخلاف الاطراد فإن مورده الشّکّ فی الوضع کما إذا رأینا استعمال الإنسان فی الحیوان النّاطق وشککنا فی أنّه حقیقة أو لا فباطراد استعماله فیه ثبت حقیقیّته فیه وبذلک ظهر أن تمثیل بعضهم للاطراد بوضع المشتقات لیس علی وجهه إلاّ أن یقال إن فی وضع المشتقات جهتین بالنسبة إلی الشّکّ فی الموضوع هل هو الخصوص أو الهیئة وبالنسبة إلی الموضوع له هل هو ما تلبس بالمبدإ مطلقا أو لا بل خصوص کلّ مادة فبالاستقراء یثبت الأوّل وبالاطراد الثّانی إذا عرفت ذلک فنقول إنّه إذا لوحظ اللّفظ والمعنی الخاصّ فإمّا أن یصحّ استعماله فیه فی جمیع الموارد أو یختصّ ببعض موارد ذلک المعنی فالأوّل هو الاطراد والثّانی عدمه وعدم الاطراد مختصّ بالمجاز إذ لا معنی لعدم اطراد الحقیقة لأن فائدة وضع اللّفظ للمعنی أن یصح استعماله فیه فی أیّ مورد أرید ذلک حتی أنّه لا یجوز للواضع بعد الوضع أن یمنع عن الاستعمال لمنافاته لغرضه وبهذا رد کون وضع المبهمات عاما والموضوع له عامّا فإنه قیل فی تصحیحه إن الواضع بعد الوضع منع عن الاستعمال ولهذا لا یستعمل فیه فردّ بأنّه لا یجوز له أن یمنع عن الاستعمال بعد الوضع فإن معنی الوضع جعله علامة له فأی فائدة فیه إذا لم یجز استعماله فیه بخلاف المجاز فإنّ المدار فیه علی العلائق والمناسبات الذّوقیة فیجوز أن یکون المناسبة الحاصلة بین المعنی المجازی والحقیقی الّتی هی منشأ صحّة استعماله منشئا فی خصوص بعض الموارد دون بعض کما نشاهد فی الرّقبة حیث یصحّ استعمالها فی الإنسان فی مورد تعلّق العتق الّذی هو مثل فکّ القید المناسب للرقبة ولا یصحّ فی مثل جلس الرّقبة أو نامت ونحوهما نعم لو کان محض المناسبة بین المعنی الحقیقی والمجازی معتبرا مع قطع النّظر عن مورد دون مورد الاطراد استعماله فی جمیع الموارد کالأسد فی الشّجاع حیث لم یلاحظ فیه غیر المناسبة فی الشّجاعة فیصحّ استعماله فیه فی جمیع الموارد وبهذا صار الاطراد أعم من الحقیقة لوجوده فی هذا القسم من المجاز والحاصل أنا إذا رأینا استعمال اللّفظ فی معنی وشککنا فی وضعه له فنلاحظ سائر الموارد فإن رأینا صحّة استعماله فی ذلک فی الجمیع لم نعرف وضعه لاحتمال کونه مجازا علی القسم الثّانی وإن رأینا اختصاص

ص: 44

الصّحّة بذلک المورد دون سائر الموارد علمنا أنّه مجاز فی المورد المستعمل فیه فإذا رأینا اختصاص استعمال الرّقبة بالإنسان بمورد العتق علمنا أنّه مجاز فیه فی ذلک المورد لا فی سائر الموارد الغیر المستعملة فلا یرد ما ذکره بعضهم أن المجاز لا یمکن أن یکون غیر مطرد فإنّه فیما یصحّ استعماله فیه مطرد وفیما لا یصحّ استعماله فیه غلط إلاّ أنّه مجاز وغیر مطرد وذلک لأنا لا نقول المجاز بعنوان أنّه مجاز غیر مطرد بل نقول إن استعمال اللّفظ فی المعنی إذا لم یطرد فی جمیع الموارد فعدم صحة استعماله فی بعض الموارد کاشف عن کونه مجازا فی الموارد التی یصحّ الاستعمال فیها وبما ذکرنا ظهر فساد ما قیل إن نکتة عدم الاطراد فی المجاز هو أن المعتبر فیه هو نوع العلاقة والعلاقة لیست بعلة تامة بخلاف الوضع وذلک لما علمت أنّ النّکتة أن العلاقة قد تلاحظ بخصوصیة المقام لا أن نوع العلاقة کافیة وقد توجد ولا یصحّ الاستعمال لأن النّوع لیس کافیا کما أن الشّخص لیس بلازم بل المدار هو المناسبة الذّوقیّة وعدم الاستعمال عرفا فعلم أن الاطراد أعمّ من الحقیقة وعدم الاطراد خاصة المجاز والجواب عن عدم اطراد بعض الحقائق کالقارورة والسّخیّ والفاضل واضح نعم ربما أمکن الاستدلال بالاطراد علی الحقیقة بضمیمة ندرة الاطراد فی المجاز ولزومه فی الحقیقة إلحاقا للمشکوک بالأعمّ الأغلب فإن قلت هلا جعلت الاطراد بلا قرینة علامة للحقیقة حتّی لا یکون أعمّ کما جعلت التّبادر وعدم صحّة السّلب کذلک قلت لأن الاطراد حینئذ معناه عموم الاستعمال بلا قرینة ونفس الاستعمال بلا قرینة علامة للوضع فلا نحتاج إلی عمومه فیکون الاطراد لغوا بل المراد من الاطراد عموم الاستعمال من حیث هو مطلقا

تذنیب

قد عرفت أن إجراء الاطراد فی نفس المعنی لیس علامة للحقیقة لوجوده فی المجاز فاعلم أنه یمکن إجراؤه فی القیود اللاّحقة ویستکشف به عن الوضع وذلک ما قیل إن صحة الاستثناء من اللّفظ دلیل علی وضعه للعموم فإن معنی الاعتناء حقیقة هو إخراج ما لولاه لدخل إذ هو مجاز فی المنقطع وحینئذ فذکر الاستثناء دلیل علی شمول المستثنی منه للمستثنی وإلاّ لم یتحقق الإخراج واعترض علیه بأن غایة ما یدل علیه الاستثناء دخوله فی الإرادة لولاه أمّا دخوله فی الوضع فلا وأجیب بأن محض صحة الاستثناء وإن احتمل ذلک لکن اطراد الصّحّة بالنسبة إلی جمیع الاستعمالات حتی فیما لم یکن قرینة دلیل علی العموم لوجهین (أحدهما) أنه حینئذ کاشف عن استعمال اللّفظ فی العموم بلا قرینة وهو معنی الوضع لا یقال فحینئذ محض الاستعمال بلا قرینة کاف ولا یحتاج إلی الاطراد قلنا الاطراد کاشف عن استعماله بلا قرینة لا أنا نعلم الاستعمال بلا قرینة جزما ویعلم الاطراد بالرّجوع إلی العرف فیمکن تحصیل العلم به إجمالا باطراد الاستعمال ویعلم منه استعماله فیه بلا قرینة أیضا فی بعض الموارد لأنه معنی الاطراد وهو کاشف عن الوضع (والثّانی) أن الاطراد

ص: 45

کاشف عن استعماله فی العموم فی جمیع الموارد فیدلّ علی وحدة المستعمل فیه والأصل فی الاستعمال الواحد الحقیقة وإلاّ لزم ثبوت المجاز بلا حقیقة واعترض علی الثّانی بأنه حینئذ مثبت لموضوع علامة أخری ولیس علامة مستقلة وعلی الأول بأنّه لم لا یجوز أن لا یکون المستثنی منه موضوعا للعموم واستعمل فیه مجازا بقرینة الاستثناء والجواب عن الثّانی أمّا أوّلا فبأن الاستثناء الفعلی لو سلم إمکان کونه قرینة فلا یضرّ بما نحن فیه لأنا نقول قابلیة اللّفظ للاستثناء مطردا وعدم تنافره مع الاستثناء کلیة دلیل علی أنّه موضوع لمعنی یقبله وهو العموم الاستثناء الفعلی وبهذا علم أنّه لا نحتاج إلی الدّلیل الثّانی حتی یرد علیه الاعتراض بأنّه مثبت لموضوع علامة أخری وأمّا ثانیا فبأنّ کون الاستثناء الفعلی قرینة علی إرادة المجاز فی العام من المستثنی منه أول الکلام لأنه مبنیّ علی إجراء أصالة الحقیقة فی الاستثناء وأنّه موضوع لإخراج ما لولاه لدخل ولا یمکن ذلک إلاّ بإرادة العموم من المستثنی منه فنقول لو کان المستثنی منه موضوعا للخصوص لکان مقتضی أصالة الحقیقة إرادة الخصوص فیعارض إجراء أصالة الحقیقة فی الاستثناء لاستلزامه صیرورته منقطعا وترجیح الثّانی علی الأوّل محل کلام کما ذکروا فیما لو أقرّ بأنّ له علی دراهم إلاّ ثوبا فالأمر دائر بین إضمار المقدار حتی یکون الاستثناء متصلا وبین إرادة الانقطاع وترجیح الأول محلّ نظر نعم یمکن ذلک أعنی إجراء أصالة الحقیقة فیه وصیرورته قرینة فیما إذا لم یعارضه معارض وذلک فی موضعین أحدهما ما إذا حذف ممیز المستثنی منه أو نفسه کقولنا له عشرة إلاّ درهما أو ما جاءنی إلاّ زید فهو قرینة علی کون المستثنی منه شاملا للمستثنی وعلی کونه من جنسه والثّانی فیما لو کان المستثنی منه مشترکا بین الخاص والعام فذکر الاستثناء قرینة علی إرادة العموم بضمیمة أصالة الحقیقة فإمکان کون الاستثناء قرینة لمجازیة المستثنی منه مطلقا محل کلام فعلم بذلک أن اطراد صحّة الاستثناء وقابلیة اللّفظ له کلیة دلیل علی وضعه للعموم والمناقشة فی ذلک باطلة

ومنها صحة التّقسیم

وهو إمّا بالأداة کالتقسیم بکلمة إمّا وأو وإمّا بالمادة کقولنا ینقسم الکلمة إلی الاسم والفعل والحرف وعلی أیّ تقدیر فهو کاشف عن استعمال اللّفظ فی القدر الجامع بین الأقسام وأنّه الموضوع له فهنا مقامان الأول فی دلالته علی الاستعمال فی القدر المشترک الذی هو کلی والثّانی فی إثبات أنّه موضوع له أمّا المقام الأوّل فنقول استدلّ علی ذلک بالدلیل العقلی وهو أن المقسم لا یخلو إمّا أن یکون أحد الأقسام أو مباینا لها أو قدرا مشترکا بینها والأوّلان باطلان فتعیّن الثّالث واستدلّ بعضهم علی ذلک فی خصوص المادة مضافا إلی ما ذکر بأن لفظ القسمة موضوع للدّلالة علی کون المقسم قدرا مشترکا بین الأقسام ویشکل ذلک بأنّ معنی القسمة التّبعیض والتّجزئة

ص: 46

فهی تصدق بکون المقسم مرکّبا والأقسام أجزاؤه لا قدرا مشترکا بینهما بل القسمة موضوعة لذلک فإن قلت إنها تستعمل فی تقسیم الکلی إلی الأفراد أیضا مع أنّه لیس مرکّبا ذا أجزاء قلت استعمال القسمة فی ذلک إنّما هو بالنّظر إلی أن الکلی بحسب تعدّد وجوده بالنسبة إلی الأفراد معروض للکثرة التی تنقسم إلی أفراد الکلیّ فالأفراد بهذا الاعتبار أجزاء فیصحّ استعمال القسمة فیه بهذه الجهة ولذا قیل إن الأمر البسیط من جمیع الجهات لیس قابلا للقسمة وذلک لاشتراط الکثرة فی المقسم ولا تعلق لما ذکر بالبحث إذ لا کلام لنا فی خصوص المادّة إنما الکلام فی القسمة مطلقا وقد عرفت دلالته علی کون المقسم أمرا عاما بالدّلیل العقلی أو غیره وهو ظاهر وأمّا المقام الثّانی وهو إثبات أنّ القدر المشترک هو الموضوع له فقد استدلّ له بوجوه ثلاثة (أحدها) أن معنی تقسیم شیء إلی أمور کونه موضوعا للعام الشّامل لتلک الأمور فإن معنی القسمة ضم القیود إلی الکلیّ لتحصیل الأقسام و (الثّانی) أن مقتضی القسمة حمل المقسم علی الأقسام فإنّ قولنا الکلمة اسم أو فعل یستلزم حمل الکلمة علی الاسم والفعل بطریق العکس المستوی وهو قولنا الاسم کلمة وظاهر الحمل کون الموضوع من الأفراد الحقیقیة للمحمول وبعبارة أخری التّقسیم یستلزم صدق عنوان المقسم علی مصداق الأفراد حقیقة لأن المقسم محمول فی العکس والأفراد موضوع والمحمول یراد به العنوان کما أن المراد بالموضوع المصداق ومقتضاه صدق الکلمة عنوانا علی مصادیق الاسم والفعل والحرف حقیقة والثّالث أن الغالب فی التّقاسیم تقسیم المعنی الحقیقی وتقسیم المجازات نادرا واعترض علی الأوّل بأن التّقسیم إنما یدلّ علی الاستعمال فی العام لا علی کونه موضوعا له والقول بأصالة الحقیقة فی الاستعمال باطل لما سیجیء وعلی الثّانی بأنّ قوله إن الظّاهر من الحمل کون الموضوع من الأفراد الحقیقیّة للمحمول إن أراد من الحقیقیّة فیه الواقعی مقابل الادّعائی فلا یستلزم المطلوب وهو الوضع وإن أراد به مقابل المجازی فغیر مسلم لوجود الحمل بالنّسبة إلی المعنی المجازی أیضا ویشهد لذلک أنّهم أعرضوا عن صحّة الحمل إلی عدم صحة السّلب فی علامة الحقیقة وأیضا لو کان صحّة الحمل علامة الحقیقة لکان مقتضاه أن الأصل فی الاستعمال الحقیقة کما یقوله السّیّد المرتضی لوجود الحمل فی المجازات أیضا فإن قولنا رأیت أسدا یرمی معناه رأیت من هو من أفراد الرّجل الشّجاع الّذی هو الحیوان المفترس علی ما بیّن فی محله فهو أیضا متضمّن لحمل الأسد علی زید مثلا ولو ضمنا ومقتضی ما ذکر أن یکون حقیقة وإن قیل أنّ الکلام فی الحمل المجرّد عن القرینة والحمل فی المجازات مستند إلی القرینة قلنا القرینة الخارجیّة یمکن تجرّد الحمل عنها لکن لم لا یجوز أن یکون علم السّامع والمتکلّم بالتغایر قرینة علی المجازیة کما یقال البلید حمار بدون نصب قرینة وذلک

ص: 47

لأن علمهم بالتغایر قرینة المجازیة والحاصل أن الحمل بلا قرینة أیضا موجود فی المجازات فلو قیل بأنه دلیل الحقیقة لزم القول بأن الأصل فی الاستعمال الحقیقة مع أنّه باطل وعلی الثّالث بمعنی الغلبة المفیدة للظّنّ وعدم کفایة مجرّد الغلبة بدون إفادتها الظّنّ هذا حاصل ما قیل فی الاعتراض وأقول أمّا الاعتراض الأوّل فصحیح وأمّا الثّانی والثّالث فباطلان أمّا الثّانی فلأنّ مبناه أنّ العلم بالتغایر یمکن أن یکون قرینة علی مجازیّة المحمول وهو باطل لأنّ الکلام إنما هو فی أن حمل المعنی الحقیقی علی شیء دلیل فردیّة له وهذا مما لا یرد علیه شیء لا أن القضیّة الحملیة دلیل علیه مع أنّ لنا أن نقول بالثانی أیضا لأن احتمال کون العلم بالتغایر قرینة المجازیّة غیر معتبر فی العرف لما عرفت سابقا من أنّه یستلزم أن لا یجوز لغیر المخاطب حمل کلام المتکلّم علی ظاهره مضافا إلی أن العلم بالتغایر لا یعین مجازیّة المحمول بل إنما یقتضی صرف الکلام عن ظاهره إمّا بمجازیة المحمول أو ادعائیة الحمل فیصیر مجملا فقول المتکلّم الفقّاع خمر یحتمل أنّه لما کان عالما بتباینهما فعلمه بذلک قرینة علی إرادة خلاف الظّاهر إمّا بمجازیة الخمر بعلاقة الشّباهة فی الإسکار فیثبت بالحمل أن الفقّاع أیضا مسکر أو بادعائیة الحمل بأن یکون المراد حقیقة الخمر ویکون حمله علی الفقّاع ادعائیة لوجود جمیع أحکامه فیه فعلی الأوّل لا یثبت حکم الخمر للفقّاع بخلاف الثّانی فیصیر مجملا وکذا لو قال زید ابنی یحتمل أنّه عالم بالتغایر وهو قرینة علی مجازیة الابن فی الابن التّعلیمی مثلا وادّعائیة الحمل فلا یکون إقرارا مع أنا نراهم یجعلون ذلک إقرارا ولا یعتبرون هذه الاحتمالات مع أنّ الاحتمال المذکور ثابت فی عدم صحّة السّلب وکذا فی صحّة السّلب علی ما سبق ولیس وجه إعراضهم عن صحّة الحمل إلی عدم صحّة السّلب ما ذکر بل الوجه جعله مقابلا لصحّة السّلب مع أن بعضهم ذکر صحّة الحمل دون عدم صحة السّلب فافهم وأمّا الثّالث فلأنّ الإنصاف أنّ الغالب فی التّقاسیم تقسیم المعنی الحقیقی وتقسیم المجازی لا یمکن إلاّ بإرادة مفهوم المسمّی وهو نادر جدّا فلو قیل العین علی أقسام ذهب وفضة وغیرهما لکان قبیحا من القول کما إذا قیل زید علی أقسام زید بن عمرو وزید بن بکر وغیرهما

تنبیهان

الأوّل المقسم قد یکون ذاتیّا للأقسام کقولهم الحیوان إمّا إنسان أو بقر وقد یکون عرضیّا کقولهم الحیوان إمّا أبیض أو أسود لعدم مأخوذیة مفهوم المقسم فی الأقسام فی هذا القسم ولا ینافی ذلک ما سبق أن المقسم معتبر فی الأقسام لأن المراد بالأبیض فی التّقسیم الحیوان الأبیض لکن لیس الحیوان معتبرا فی مفهوم الأبیض من حیث هو وإذا شک فی أن المقسم ذاتیّ أو عرضیّ فهل الأصل الأوّل أو الثّانی محل نظر مبنی علی أن الغالب أیّهما وتعیّنه مشکل ویظهر الثّمرة فی تعیین معنی القسم أیضا بصحّة التّقسیم علی الأوّل دون الثّانی فلو قیل الغراب علی قسمین أبیض وأسود وشکّ فی أنّ الأبیض أی شیء فعلی الأوّل

ص: 48

یختصّ الأبیض بنوع الغراب لأنّ الغراب حینئذ ذاتی له فلو ورد حکم علی عنوان الأبیض اختصّ بالغراب الأبیض بخلاف الثّانی لاحتمال وجود الأبیض فی غیر الغراب أیضا لکن الأبیض من الغراب هو القدر المتیقّن فیتعلّق به الحکم قطعا وأما تعدیه إلی الغیر أیضا فهو موقوف علی دلیل خارجی یعیّن وجوده فی شیء آخر أو انحصاره فی الغراب مثلا ومع الشّکّ یرجع إلی الأصول العملیة

الثّانی هل الظّاهر من التّقسیم انحصار المقسم فی الأقسام المذکورة الظّاهر نعم لو کان فی کلام جماعة من أهل اللّغة المتصفحین المتتبّعین لأن عدم ذکرهم له دلیل علی عدم وجدانهم ویحصل منه الظّنّ بعدم الوجود أما لو وقع فی کلام غیرهم فلا یظهر الثّمرة فی موضعین أحدهما فی التّعارض فإنه لو أفاد الحصر تعارض مع کلام من أثبت قسما آخر والثّانی فیما إذا ورد الحکم علی المقسم فلو أفاد الحصر لم یحصل الامتثال إلا بالأقسام المذکورة دون المشکوکة وإلاّ فما أمکن الامتثال بالمعلومة تعیّن وإلاّ وجب الإتیان بالمشکوکة لقاعدة الاشتغال نظیر ما قیل إنه إذا أمر بعتق الرّقبة وشکّ فی إرادة المؤمنة أو الأعم فما أمکن عتق المؤمنة تعیّن وإلا وجب عتق الکافرة للقاعدة المذکورة

ومنها الاستقراء

وعرفه المحقق بأنّه الحکم علی جملة بحکم وجد فیما اعتبر من جزئیات تلک الجملة وهو تعریف بالغایة إذ الاستقراء هو تصفح الجزئیات لإثبات حکم کلی وهو باصطلاح الأصولیّین یطلق علی قاعدة الغلبة أیضا وهی عبارة عن إثبات الحکم للکلی بوجوده فی أغلب الأفراد وإن کان هناک فرد لم یثبت الحکم فیه قطعا لکن یستثنی الأفراد المنتفیة الحکم عن الکلی کما یقال کل حیوان یحرّک فکّه الأسفل عند المضغ إلاّ التّمساح ویلحق الأفراد المشکوکة بالغالب فیدخل تحت الکلی والحاصل أنه أعمّ مما إذا ثبت الحکم فی جمیع الجزئیات فیحکم علی الکلّی بالحکم المذکور کما إذا وجد جمیع جزئیات هیئة فاعل موضوعا لمن تلبس بالمبدإ فیحکم بأن الهیئة موضوعة لذلک وکذا إن الرّفع علامة الفاعلیة إذ الاستقراء کما یثبت وضع اللّفظ کذا یثبت وضع صفاته من الإعراب والبناء ونحوهما وهذا هو الاستقراء المنطقی ومما إذا ثبت الحکم فی الغالب وانتفی فی النّادر فتلحق المشکوکة بالغالب فیحکم علی جملة المشکوکة والمعلومة بحکم الجزئیات المعلومة وهذا هو القاعدة الغلبة والغالب فی الاستقراء المذکور فی الأصول هو هذا القسم ویمکن دخوله فی التّعریف المذکور بأن یراد من الجملة أعمّ من الکلیّ الشّامل لجمیع الأفراد ومن جملة الجزئیّات المعلومة والمشکوکة ثم إن بعضهم منع عن العمل بالقسم الثّانی أعنی قاعدة الغلبة نظر إلی أنه قیاس وهو منهیّ عنه وللاتفاق علی عدم حجیّته فی اللّغات وذلک لأن القیاس هو مشارکة جزئی لجزئی فی علّة الحکم لیثبت فیه وهنا أیضا کذلک

ص: 49

حیث الحق الأفراد المشکوکة بالمعلومة فی الحکم الجامع دخولها تحت الکلیّ وأجاب بعضهم بأنّ الإلحاق فی القیاس إنّما هو الجامع بخلاف الاستقراء فإنه عبارة عن تساوی الشّیئین فی الحکم لا الجامع وفیه أنّه لا معنی لذلک فإن إلحاق شیء بشیء بدون أن یکون بینهما مناسبة لا معنی له ویؤید الاحتیاج إلی الجامع تقسیم الاستقراء إلی الجنسی والنّوعی والصّنفی وإن الصّنفی مقدّم علی النّوعی وهو علی الجنسی فالواحد من أفراد الجنسی یحکم بسواده إلحاقا له بصنفه لا ببیاضه إلحاقا له بنوعه ولیس ذلک إلاّ للاحتیاج إلی الجامع وإن کان من محض الاتفاق لم یکن لتقدیم الصّنفی علی النّوعی وجه وکذا تقدیم النّوعی علی الجنسی والأولی فی الجواب أن یقال إنّ الجامع فی الاستقراء یعلم بنفس الغلبة ولا یحتاج إلی استنباط واجتهاد فهو کالقضایا التی قیاساتها معها نظیر التّجربیّات والحاصل أن الغلبة لازم الوضع للکلی وجدانا لبعد اتحاد الوضع بالنسبة إلی الجزئیات المتباینة وحینئذ فإثبات الوضع به من باب طریق الإنّ استدلالا باللاّزم علی وجود الملزوم وإثبات الملازمة من الوجدان کالتّجربیّات بخلاف القیاس فإن ثبوت ملازمة الحرمة مع الإسکار لیس وجدانیّا بل یحتاج إلی الاستنباط والاجتهاد فی تعیین العلّة فهو الدّلیل اللّمی الغیر المعتبر فی اللّغات بخلاف الاستقراء ولعل مراد من قال بعدم احتیاج الاستقراء إلی جامع أنه لا یحتاج إلی الاستنباط والاجتهاد فی تعیینه بل هو واضح بنفس الغلبة فهو کالقیاس المنصوص العلة مضافا إلی أنّ تعیین الجامع بالغلبة لا یسمی قیاسا فی الاصطلاح والنّهی وبالاتفاق إنما تعلّقا بعنوان القیاس فافهم ثم إن الغالب فی الاستقراء أنّه یثبت الوضع الشّخصی کما ذکروا فی إثبات الحقیقة الشّرعیّة من استقراء أرباب الحرف والصّنائع فإن کلّ لفظ کان لهم فیه اصطلاح جدید فهو مستعمل فی ذلک بطریق الحقیقة لا المجاز فکذا الألفاظ المستعملة فی المعانی الشّرعیّة فهذا الاستقراء وإن أثبت القاعدة الکلیة وهی أن کل لفظ استعمل فی معنی جدید فی اصطلاح الشّارع فهو موضوع له لکن الغرض منه وضع مثل الصّلاة والزکاة ونحوهما والوضع فیها شخصی لا نوعی والفرق ظاهر بین الوضع النّوعی وبین القضیّة الکلیّة المذکورة وهی أن کل لفظ إلی آخره فإنّ الوضع النّوعی عبارة عن کون الموضوع نوعا والقضیة المذکورة لیس معناها أن النّوع موضوع بل هی آلة لملاحظة الأوضاع الثّابتة فی الألفاظ نوعیّا کان أو شخصیا کما یقال إنّ جمیع الألفاظ موضوع لمعنی فهذا غیر الوضع النّوعی المتداول فی الألسنة والکتب والحاصل أن الثّابت بالاستقراء هو القاعدة الکلیّة سواء کان فی الوضع النّوعی أو الشّخصی أو فی طریقة استعمال اللّفظ فی المعنی کعدم جواز استعمال المشترک فی المعنیین واللّفظ فی المعنی الحقیقی والمجازی أو فی طریقة التّجوز وأن المدار فیه علی الذّوق

ص: 50

وعدم الاستهجان ولا یلزم فیه نقل الآحاد ولا نقل أنواع العلاقة کما صرّح به بعض المحققین فکلّ ذلک یعلم من الاستقراء بل المدار فی أغلب موارد اللّغة علیه هو حجّة قطعا لما مرّ فی محلّه لا یعتریه شکّ وریبة ولذا أرجع بعضهم دلیل الحکمة إلیه بنیانه أنهم استدلّوا علی إثبات أن للعام صیغة تخصّه بدلیل الحکمة وأن وجه الحکمة فی الوضع هو الاحتیاج والعام من المعانی المحتاج إلیها فلا بدّ أن یکون له صیغة موضوعة واعترض علیه بأنّه قیاس ولا حجیّة فیه وقرره بعض المحقّقین بإرجاعه إلی الاستقراء بأن یقال إنا نجد أغلب المعانی التی یشتدّ إلیها الحاجة قد وضع بإزائها لفظ فإذا شککنا فی معنی من المعانی المحتاج إلیها هل وضع بإزائها لفظ فالظّنّ یلحق الشّیء بالأعم الأغلب ثم أورد علیه بأنا نجد غالب المعانی المحتاج إلیها لم یوضع بإزائها لفظ کأنواع الرّوائح کرائحة المسک والعنبر والورد وأمثالها وکذا المیاه المضافة کماء الورد وماء الرّمان ونحوهما فانتقض الغلبة المذکورة وأجاب بأنّ من المعانی ما یکون هی مستقلة غیر مرتبطة بغیرها ولا یمکن حصولها بالإضافة ونحوها کالسّماء والأرض والتّمر والحنطة وأمثالها فهذا مما یجب أن یوضع بإزائها لفظ ومنها ما یکون مرتبطا بالغیر بحیث یتمیّز بانضمامه إلیه فهناک قد وضع قانون الإضافة ووضع لفظ المضاف والمضاف إلیه وبعد ذلک لا یحتاج إلی وضع لفظ خاصّ بإزائها فإن أراد المورد أنه لم یوضع بإزاء المذکورات لفظ أصلا ولو بأوضاع عدیدة فممنوع أو عدم لفظ مفرد فقد عرفت أنّه لا حاجة إلیه ثم أورد النّقض بالجزئیات الحقیقیة فإنها مما یشتد إلیه الحاجة مع أن الواضع لم یضع بإزائها لفظا وإنّما وضع للمعانی الکلیّة التی تندرج فیها تلک الجزئیات ولو قیل إنه اکتفی فی ذلک بوضع الکلی وإفهام الخصوصیات بانضمام القرائن قلنا فلا حاجة حینئذ إلی وضع الکلیّات أیضا وإن اشتدّ إلیه الحاجة بل یکفی وضع اللّفظ لجنس الأجناس ویفهم الأنواع والخصوصیات بالقرائن حینئذ فلا یمکن إجراء القاعدة المذکورة فی الموارد المفروضة إذ هناک ألفاظ موضوعة لمعانی کلیّة یندرج فیها أکثر المعانی المتداولة وأجاب عنه بالفرق الظّاهر بین الجزئیات والکلّیات إذ لا نهایة للجزئیات بل لیس الجزئی مطلوبا بخصوصه بل هو مطلوب من حیث دخوله تحت کلّی نعم قد یحصل فی بعضها مزیّة لکثرة الدّوران فیحتاج إذن إلی وضع شخصی کما فی الأعلام الشّخصیة ولا ربط له بوضع الواضع بل یتصدّی له من یحتاج إلی التّعبیر عنه بخلاف المعانی الکلیّة کالتّمر فإن مطلوبیّته إنما هو بعنوان التّمریة لا لدخوله تحت الجسم مثلا فلو اکتفی بوضع اللّفظ لجنس الأجناس وفهم الخصوصیة بالقرینة أو الإشارة کأن یقول جئنی بهذا الجسم مشیرا إلی التّمر لفاتت ما هو المطلوب وتوهم

ص: 51

مراد بعنوان أنّه جسم ولم یکن الکلّیات أمورا غیر متناهیة حتی لا یمکن للواضع أن یضع لها لفظا فالمقتضی موجود والمانع مفقود بخلاف الجزئیّات هذا ولا یخفی عدم الاحتیاج إلی الاستدلال بالاستقراء فیما نحن فیه لما مرّت الإشارة إلیه من أنّ أمثال هذه الأقیسة حجة حیث نعلم أن العلّة المستنبطة شیء اعتبرها الواضع کالاحتیاج فیما نحن فیه بخلاف ما إذا کانت بحیث لا یعلم اعتبار الواضع لها کأکثریة الفائدة ونحوها مما تمسّکوا به فی تعارض الأحوال

تتمیم

وقد یجری الاستقراء بالنسبة إلی ظهور اللّفظ فی المعنی ولو کان مجازا کظهور الأمر الواقع عقیب الخطر فی الإباحة لغلبة استعماله فیه وظهور قوله تعالی حُرِّمَتْ عَلَیْکُمْ أُمُّهاتُکُمْ فی تحریم الوطی ونحو ذلک ثم إن ثبت بالاستقراء الوضع بالنوع العرفی ثبت فی زمان الشّارع أیضا بأصالة عدم النّقل إنما الإشکال فیما إذا ثبت به الظّهور فإنّه لا یمکن إثباته فی زمان الشّارع لأنّه مستند إلی الغلبة ومع الشّکّ فی ثبوت الغلبة فی زمان الشّارع یجری أصالة تأخر الحادث وحینئذ فیثبت عدم الظّهور فی زمان الشّارع مع أنا نراهم یکتفون بمحض الظّهور عرفا فی حمل اللّفظ الواقع فی السّنّة علی المعنی الظّاهر وهذا الإشکال لا یختصّ بما ثبت فیه الظّهور بالاستقراء بل یجری فی المطلق الشّائع فی الفرد عرفا وغلبة التّخصیص التی یستدلون بها علی تقدیمه علی المجاز ونحو ذلک مما ثبت فیه الظّهور فی عرفنا وقد عرفت عدم اطراده فی زمان الشّارع وأجاب بعضهم عن الإشکال بما یرجع إلی تسلیمه وحاصله أن فیما یثبت الظّهور فی العرف ثلاثة صور أحدها أن نعلم ظهور اللّفظ فی ذلک المعنی فی زمان الشّارع أیضا وحینئذ فلا إشکال والثّانی إن نشکّ فی أصل ثبوت الغلبة فی زمان الشّارع وحینئذ فیجری أصالة التّأخّر ولا یمکن اطّراد الظّهور إلی زمان الشّارع والثّالث أن یعلم بثبوت الغلبة فی الزّمانین ویشکّ فی اتحاد المستعمل فیه وحینئذ فیحکم بالاتحاد لأصالة عدم تعدد الغلبة هذا کلامه وفیه نظر إذ لا معنی لأصالة عدم تعدد الغلبة للقطع بتعددها فإن تعدّد الغلبة لیس إلاّ بتعدد الاستعمال الغالب لا بتعدّد المستعمل فیه فالشّیوع الثّابت فی زمان الشّارع غیر الشّیوع فی هذا الزّمان وإن کان المعنی الشّائع واحدا فوحدة المستعمل فیه لا یجعل الغلبة واحدا وإجراء أصالة عدم تعدد المستعمل فیه أیضا باطل لعدم الحجّیّة فیها وإلاّ لوجب الحکم بأن مراد زید وعمرو لو استعمل کلّ منها لفظا مشترکا بلا قرینة متحد لأصالة عدم تعدّد المستعمل فیه ولا یخفی بطلانه والأولی أن یستدلّ فی ذلک بأصالة عدم النّقل لأنّها لا تختص بإثبات تقدّم الوضع بل الضّابط فی إثباتها أن یشکّ فی نقل اللّفظ من الصّفة الثّابتة له سابقا إلی صفة أخری سواء کان الصّفة الثّابتة سابقا

ص: 52

هی الوضع أو الظّهور وفیما نحن فیه نعلم بظهور اللّفظ فی زمان الشّارع فی معنی ونشکّ فی نقله من ذلک الظّهور إلی ظهور آخر فالأصل عدمه والحاصل أن مجری أصالة عدم النّقل هو فیما یکون بحیث لو لم یجر الأصل المذکور لزم حدوث حادث ثم هجره عنه وحدوث حادث آخر فالأصل عدم تعدّد الحوادث کما فیما نحن فیه بخلاف ما إذا یلزم ذلک ولذا لا یمکن التّمسّک لوجود الحقیقة الشّرعیّة بأصالة عدم النّقل إلی المعنی الشّرعی فی زمان المتشرّعة إذ لا یلزم من عدم إجرائه حدوث حادث فی زمان الشّارع ثم هجره وحدوث آخر لکفایة الوضع اللّغوی فی استعماله فی زمان الشّارع ولا یلزم حدوث حادث إذا عرفت ذلک علمت وجه الاطراد فی الصّورة الثّالثة وبهذا التّقریر علم أنّه لا یمکن التّمسک بالأصل فی الصّورة الثّانیة إذ لا نعلم الغلبة أصلا فی زمان الشّارع حتی یلزم الهجر عنه علی تقدیر عدم إجراء الأصل المذکور لجواز کون اللّفظ مجملا فی زمانه أو ظاهرا فی الموضوع له فإنه حینئذ لا یلزم حدوث حادث والهجر عنه حتی یجب إجراء الأصل مع أنّا نراهم لا یفرّقون بین الصّور الثّلاث فی طرد الظّهور إلی زمان الشّارع أیضا ولعل ذلک لأصالة تشابه الأزمان فإنّ مدار العقلاء والعلماء علی إجرائها من دون توقّف نظیر التّسامع والتّظافر فی وجود حاتم ورستم إذ لا نقل معنعن فی البین وإنما حصل العلم بذلک بمحض تسالم أهل العصر ومنه علم تسالم الطّبقة الثّانیة أیضا وهکذا لتشابه الأزمان فإذا رأینا ظهور الأمر عقیب الحظر فی الإباحة فی زماننا حصل لنا الظّنّ بثبوته فی الزمان السّابق أیضا مضافا إلی ما نری من ادعائه فی الکتب المدوّنة فی الزّمن السّابق أیضا ونحو ذلک من القرائن المفیدة للظّنّ الّذی علیه المدار فی باب اللّغات علی ما عرفت سابقا

ومنها الاستعمال

واختلفوا فیه علی أقوال الأوّل أنه دلیل الحقیقة مطلقا وهو المعروف عن المرتضی والثّانی أنه دلیل المجازیّة مطلقا ویعزی إلی ابن جنّی والثّالث أنه دلیل الحقیقیّة إذا کان المستعمل فیه واحدا دون المتعدّد فیحکم حینئذ بحقیقیة واحد ومجازیّة غیره والرّابع التّوقّف ونسب إلی المشهور واعترض علیه بأنّ المشهور هو الثّالث للإجماع علی الحکم بالحقیقیّة فی المتّحد المعنی والحقّ أنهما واحد ومن عبر بالتوقّف أراد به التّوقّف من حیث الاستعمال مع قطع النّظر عن الخارج ومن ذکر التّفصیل لم یرد أن نفس الاستعمال یستلزمه بل هو لأمور خارجیّة کما سیظهر واعلم أن المراد بمتحد المعنی أن یکون المعنی المحتمل الحقیقیّة واحدا وإن کان المستعمل فیه متعدّدا أو قطع بمجازیة غیر واحد منها وکذا المراد من متعدّد المعنی تعدّد المعانی المحتمل الحقیقیّة ثم إن محلّ النّزاع فی متعدّد المعنی هو ما إذا کان بین المعانی مناسبة مصحّحة للتجوّز وإلاّ لم یکن القول بالمجازیة لأنّ

ص: 53

المجاز فرع المناسبة وأیضا یجب أن یکون للّفظ موضوع له فی غیر ما علم من المستعملات وإلاّ بأن قطعنا بعدم خروج الموضوع له عنها لم یجر قول ابن جنّی بمجازیة الجمیع لاستلزامه ثبوت المجاز بلا وضع وهو باطل إذا المجاز هو الکلمة المستعملة فی غیر ما وضع له لمناسبة الموضوع له إذا عرفت ذلک فالحقّ هو التّوقّف من حیث الاستعمال لأنّه جنس الحقیقة والمجاز إذ قد عرفوا کلا منهما بالکلمة المستعملة والعام لا دلالة له علی الخاصّ ثم إن اتّحد المعنی کان حقیقة إذ لو قلنا بکونه مجازا لزم ثبوت المجاز بلا حقیقة ظاهرة وهو نادر جدّا حتی قیل بامتناعه من جهة أن المجاز فرع الوضع وإذا ثبت الوضع لزم الاستعمال لأن فائدة الوضع هو الاستعمال والمستعمل فیما وضع له هو الحقیقة وفیه نظر لأنه غایة الوضع ولا یجب ترتّبه علیه نعم هو نادر جدّا لا ممتنع وأمّا فی صورة التّعدّد فیحکم بحقیقیّة واحد ومجازیّة البواقی فإن لم یعلم حقیقیة معنی خاصّ حکم بحقیقیة واحد غیر معیّن فیصیر اللّفظ مجملا کالمشترک وإن علم أنّه حقیقة فی البعض وشکّ فی الباقی حکم بالمجازیّة فی الباقی وحمل اللّفظ علی ذلک المعنی لو استعمل ولو یعلم المراد أمّا الحکم بحقیقیّة واحد غیر معین فی الأوّل فلأن لا یلزم المجاز بلا حقیقة وأما الحکم بمجازیة البواقی مطلقا فلندرة الاشتراک والمجاز خیر منه واستدلّ له بأصالة عدم الاشتراک وفیه أنها إن أفادت الظّنّ فهو لندرة الاشتراک علی ما ذکرنا لأنّ مستند الظّنّ هو الغلبة وإلاّ فلا حجیّة فیها لما عرفت من أن حجیة الأصول لیست من باب التّعبّد بل لإفادتها الظّنّ لا یقال إن الظن إنما یحتاج إلیه فی إثبات اللّغات أما نفیها فیکفی فیه عدم الظّنّ بالوجود وما نحن فیه من هذا القبیل لأن المقصود نفی الوضع لأنا نقول لو کان المقصود محض نفی اللّغة لم یحتجّ إلی الظّنّ لکن الغرض نفیه لیتفرع علیه اتحاد الموضوع له وکونه مرادا مجردا عن القرینة وغیر ذلک من الأمور الوجودیّة التی لا یمکن تفریعها بدون حصول الظّنّ بالنفی المذکور وربّما قیل فی ردّ الأصل المذکور بأنّه معارض بأصالة عدم الوضع المجازی وفیه أن وضع المجازات نوعی ثابت ولو مع القطع بالاشتراک لجواز استعمال المشترک باعتبار بعض معانیه فی بعض بخلاف الحقیقة للزوم الوضع الخاصّ فیها ومع الشّکّ فالأصل عدمه واعترض علیه أیضا بمعارضته بأصالة عدم اعتبار المتکلم المناسبة المعتبرة فی المجاز وعدم ملاحظة للقرینة الصّارفة والمعیّنة وفیه أن أصالة عدم الوضع وارد علی ذلک إذ الشّکّ فی اعتبار المناسبات والقرائن مسبّب عن الشّکّ فی أنه موضوع له أو لا وبعد إجراء أصالة عدم الاشتراک یثبت عدم الوضع ویترتّب علیه لوازمه من اعتبار المناسبة وغیر ذلک لا یقال إنّه حینئذ أصل مثبت لأن اعتبار المناسبة لیس من الأحکام الشّرعیّة للمجازیّة لأنا نقول الأصل المثبت عبارة عما إذا أرید إثبات صحّة

ص: 54

الغسل مثلا بأصالة عدم المانع من وصول الماء فإنّه لیس من لوازم ذلک بل هو من لوازم وصول الماء وهو لازم عادی لعدم المانع فی خصوص المقام وهو فرض حصول الارتماس فی الماء مثلا وإلاّ فیمکن عدم وجود المانع وعدم وصول الماء کتارک عن الغسل مع عدم مانع فی بدنه بخلاف ما نحن فیه لأنّ لزوم اعتبار المناسبة والقرینة حین الاستعمال من لوازم عدم الوضع ولیس منفکّا عنه نعم لو أرید تفریع وحدة المعنی الحقیقی وکونه مرادا فی مقام الإطلاق ونحو ذلک وعلیه لم یمکن لکونه أصلا مثبتا لا حجیّة فیه إلاّ من باب الظّن دون التّعبّد وهو عین ما ذکرنا فتأمّل واستدلّ ابن جنّی بأنّ أغلب لغة العرب مجازات وفیه أنّ ذلک لأنّ أغلب الألفاظ متعدد المعنی وأغلب تلک المعانی مجازات وهو لا یثبت ما ادعاه من المجازیّة فی صورة وحدة المعنی ومجازیّة الجمیع فی صورة التّعدّد وإنما یثبت ذلک إذا کان أغلب الألفاظ مجازا فی جمیع المعانی وهو نادر جدا مع أنّ ما ذکره علی فرض تسلیمه معارض بغلبة الاستعمال فی المعنی الحقیقی حتی قیل إنّ نفس غلبة الاستعمال فی المعنی علامة الحقیقة واستدل السّیّد بوجهین أحدهما أنّ سجیّة العرف وأهل اللّسان الحکم بالحقیقیّة بمحض الاستعمال کما نقل عن الأصمعی حیث قال ما کنت أعرف الدّهاق حتی سمعت أعرابیا یقول اسقنی دهاقا وکذا ما نقل عن بعضهم حیث فهم معنی الفاطر بقول الأعرابی هذا بئر فطرها أبی ولا زال ذلک سجیّتهم وطریقتهم فی تمییز معنی اللّفظ کما یعرفه من تتبّع فی العرف والثّانی أنّ قولنا الأصل فی الاستعمال الحقیقة متّفق علیه عند الشّکّ فی المراد مع تمیز الحقیقة والمجاز ولیس ذلک إلاّ ظهور الاستعمال فی المعنی الحقیقی لغلبة الاستعمال فیه وإذا کانت الغلبة موجبا للحکم بأنّ المراد المعنی الحقیقی فلا یتفاوت الأمر بین أن نعلم المعنی الحقیقی ونشکّ فی إرادته أو نعلم المراد ونشکّ فی کونه حقیقة وأجیب عن الأول بأنّ ذلک إنما هو فیما کان المعنی واحدا إمّا بالقطع أو بالظّنّ بضمیمة أصالة عدم التّعدّد فیصیر متّحد المعنی والحکم بالحقیقیّة فیه مسلم ولا یثبت ذلک فی متعدّد المعنی وفیه أنّ الأصل المذکور لا یجری هنا لما عرفت أنّ حجیّة الأصل فی اللّغات إنّما هو لإفادة الظّنّ والظّنّ هنا علی خلافه لغلبة التّعدّد ولو فرض حجیته تعبدا فإنّما هو بعد الفحص مع أنّ حکم العرف بالحقیقیّة إنّما هو بمحض الاستعمال بدون التّفحّص عن المعنی هل هو متحد أو لا والحق فی الجواب عدم تسلیمه کلیّة بل إنما یسلم فیما إذا کان الاستعمال مقرونا بلوازم الوضع کعدم القرینة أو کونه غالبا ونحو ذلک لا مطلقا کما هو مراد السّیّد والجواب عن الثّانی بالفرق الظّاهر بین المقامین إذ المعنی الغالب فی الأول معلوم والشّکّ فی أنّ المعنی

ص: 55

المراد هل هو أو غیره فالظّنّ یلحق الشّیء بالأعم الأغلب بخلاف المقام الثّانی للعلم بغلبة المعنی الحقیقی المردد بین المعانی المستعمل فیها اللّفظ والشّکّ إنما هو فی ثبوت وصف الغلبة للمعنی المراد أی وصف الحقیقیّة فتردید إثبات محل الغلبة بنفس الغلبة وهو باطل إذ کما یحتمل أن یکون هذا المستعمل فیه هو الغالب یحتمل أن یکون المستعمل فیه الآخر هو الغالب ولو قیل یحکم بأنّ کلیهما حقیقة بالغلبة قلنا أولا یلزم الاشتراک المرجوح وثانیا أنّ المفروض أنّ الغالب شیء واحد سواء کان جمیع المعانی حقیقة فی الواقع أو لا لأن الغالب فی الحقائق أیضا معنی واحد ونظیر ما ذکرنا أنّا إذا علمنا أنّ الغالب فی الإنسان لون البیاض وشککنا فی فرد منه ألحقناه بالغالب وإذا علمنا أنّ الغالب علیه هو لون ما مرددا بین البیاض والسّواد فإذا رأینا فردا أبیض لم یمکن لنا القول بأنّ الغالب هو البیاض إلحاقا للفرد بالغالب إذ کما یحتمل إلحاق الأبیض بالغالب فیحکم بغلبة البیاض کذا یحتمل أن یکون الفرد الأسود ملحقا بالغالب فیحکم بغلبة السّواد فافهم

مسائل الأولی

یثبت اتحاد المعنی بالعلم أو بالظّنّ أما اعتبار الأول فظاهر وأما الثّانی فلما عرفت من أنّ مدار اللّغات علی الظّنون إلاّ أنّه معارض بغلبة التّعدّد والمعتبر أقوی الظّنّین والظّاهر أنّ بعد الفحص وعدم وجدان معنی آخر یحصل الظّنّ بطرف الاتحاد لأنّ الغالب أنّه لو کان له معنی آخر لعثر المتفحّص علیه وربما قیل بجریان أصالة عدم التّعدّد وفیه ما عرفت من أنّ مرجعه إلی الظّنّ نعم لو قیل بحجیّته تعبدا فلا بد من الفحص وبعده وعدم وجدان معنی آخر یحصل الظّنّ بعدمه غالبا فیکون کالسّابق وإن لم یحصل الظّنّ به ولا بالتعدد حکم بالاتحاد علی هذا القول بخلاف ما اخترناه فیجب التّوقف حینئذ بناء علیه وإن حصل الظّنّ بالتعدّد بسبب غلبته فعلی جعل الأصل حجة من باب الظّن یعتبر أقوی الظّنّین وعلی التّعبّد لا عبرة به فی مقابلة الغلبة لأنّه حینئذ دلیل حیث لا دلیل الثّانیة إذا لم یکن بین المعانی المتعددة مناسبة حکم بالاشتراک اللّفظی إلاّ بحقیقیّة واحد ومجازیّة البواقی لعدم إمکان مجازیّة البواقی بالنسبة إلی ذلک المعنی الحقیقی لعدم المناسبة ولا بالنسبة إلی معنی آخر محتمل الوضع لأنّه مع أنّ الأصل عدمه یستلزم الاشتراک للحکم بأنّ أحد تلک المعانی حقیقة کما عرفت فإن کان المعنی المحتمل أیضا موضوعا له حتی یکون سائر المعانی مجازا بالنّسبة إلیه لزم الاشتراک مضافا إلی ندرة ذلک وهو استعمال اللّفظ فی مناسب الموضوع له وعدم استعماله فیه فالأولی القول بالاشتراک اللّفظی بین تلک المعانی للزوم الاشتراک لو قلنا بمجازیّة البواقی أیضا مع ما عرفت من ندرة ذلک الثّالثة إذا کان بین المعانی قدر مشترک قیل یحکم بالاشتراک المعنوی حذرا من المجاز والاشتراک اللّفظی واعترض علیه بأنّه لازم فی الاشتراک المعنوی أیضا

ص: 56

بالنّسبة إلی الخصوصیّتین وأجیب بأنّه یمکن استعماله فیهما بطریق الحقیقة بإرادة الخصوصیّة من الخارج فلیس فیه التزام بالمجازیّة بخلاف ما إذا قلنا بحقیقیّة واحد ومجازیّة الآخر إذ لا یمکن حینئذ استعماله فی الآخر بطریق الحقیقیّة وفیه أنّ ذلک إثبات اللّغة بالترجیح الغیر المعتبر إذ لا نعلم أنّ عدم التزام المجاز معتبر فی التّرجیح عند الواضع والحق أنّ المتصوّر فی المقام صور ستة الأول أن یکون الاستعمال فی الکلی والخصوصیّتین معلوما والثّانی أن یکون الاستعمال فی الکلی معلوما وفی الخصوصیّة مشکوکا والثّالث بالعکس والرّابع أن یکون الاستعمال فی الکلی معلوما وفی الخصوصیّة معلوم العدم والخامس بالعکس والسّادس أن یکون الاستعمال فیهما مشکوکا بأنّ نعلم استعماله فی الفرد ولا نعلم أنّ الخصوصیّة أیضا مراد من اللّفظ أو مفهوم بالقرینة والمراد هو الضّابط فی الجمیع أنّ المدار علی الظّن الحاصل بالغلبة وقد یجری علیه أصالة عدم الاشتراک أیضا فإن وافق الغلبة فهو وإلاّ فإن أفاد الظّنّ فالمعتبر أقواهما وإلاّ فلا یعارض الغلبة مطلقا سواء کان حجیّة من باب الظّن أو التّعبّد وإن لم یحصل الظّنّ من شیء وجب التّوقّف إلاّ أن نقول بحجّیّة الأصل تعبد فیجری حینئذ وأمّا التّفصیل فی الأقسام فنقول فیه (أما القسم الأول) فیحکم فیه بالاشتراک المعنوی إلاّ إذا کان الاستعمال فی الخصوصتین غالبا فیحکم بالحقیقیّة والمجاز إن کان بینهما مناسبة وإلاّ فبالاشتراک اللّفظی أمّا الحکم بالاشتراک المعنوی فی الأول فلأن الغالب فی العرف أنّ اللّفظ المستعمل فی الکلی والفرد موضوع للکلی دون الفرد مضافا إلی أصالة عدم الاشتراک وأما الحکم بعدمه فی الثّانی فلأنّ غلبة الاستعمال علامة الحقیقة ثم الحکم بالحقیقیّة والمجازیّة فی صورة وجود المناسبة ظاهر رأسا الحکم بالاشتراک اللّفظی فی صورة عدم وجودها فلأنّ الاشتراک اللّفظی وإن کان نادرا إلاّ أنّه فی خصوص المقام یقدم علی الاشتراک المعنوی لما ذکرنا من أنّ غلبة الاستعمال أمارة الحقیقة وبهذه الغلبة یترجّح الاشتراک اللّفظی ویضعف الظّنّ الحاصل من أصالة عدم الجاری فی هذه الصّورة (وأما القسم الثّانی) فیحکم فیه بالاشتراک المعنوی للغلبة المذکورة مضافا إلی لزوم المجاز بلا حقیقة لو قیل بالوضع للخصوصیّة إذا الکلی الذی علم استعماله فیه مجاز حینئذ والخصوصیّة التی یشکّ فی استعماله فیها المنفی بأصالة العدم موضوع له فیلزم تحقق المجاز بلا حقیقة لا یقال إنّ کلیهما حقیقة لندرة الاشتراک فإن قلت إنّ أصالة عدم تعدّد الاستعمال لا یجری فی المقام إذا الغالب التّعدّد کما مر فلا یفید الظّن وقد قلت إنّ حجّیّة الظّنّ وقد قلت إنّ حجیّة الأصل فی اللّغات إنما هی لإفادة الظّنّ فلا یلزم المجاز بلا حقیقة لجواز ثبوت الاستعمال فی الخصوصیّة

ص: 57

وإن لم یوجد قلت تعدّد استعمال الکلی یتصوّر بوجهین أحدهما أن یستعمل فی الماهیّة مرة وفی الخصوصیّة أخری بأن یراد الخصوصیّة من اللّفظ والثّانی أن یستعمل فی الماهیّة مرة ویطلق علی الفرد أخری وما ذکرنا سابقا من غلبة التّعدّد المراد به مطلق الاستعمال الشّامل لإطلاق الکلی علی الفرد وما ذکرنا هنا من أصالة عدم التّعدّد المراد به الاستعمال بالوجه الأول والتّعدّد بالوجه الثّانی موجود فی الکلی فلا یضر عدم التّعدّد بالوجه الأول بما ذکرنا من غلبة التّعدّد لثبوتها فی الکلی بالوجه الثّانی فافهم ومما ذکرنا علم حکم القسم الرّابع أیضا (وأما القسم الثّالث) فیحکم فیه بعدم الاشتراک المعنوی حذرا من المجاز بلا حقیقة للزوم کونه مجازا فی الخصوصیّة وموضوعا للکلی مع عدم استعماله فیه بحکم الأصل وحینئذ فإن کان بین الخصوصیّتین مناسبة حکم بأنّ أحدهما حقیقة والأخری مجاز وإلاّ فبالاشتراک اللّفظی ومنه یعلم حکم القسم الخامس أیضا وأما القسم السّادس فحکمه التّوقّف لعدم تحقق غلبة فی المقام مع ندرة هذا القسم فی نفسه

تذییل

ربما یتوهّم التّناقض بین قولهم الأصل فی الاستعمال الحقیقة وقولهم الاستعمال أعم من الحقیقة وجمع بینهما بعض الأفاضل بحمل الأوّل علی مقام الشّکّ فی المراد بعد تمیز الحقیقة والمجاز وعلی بعض أقسام الشّکّ فی الحقیقة والمجاز بعد تمیز المراد وهو الأقسام التی حکم بالحقیقة فیها أعنی المتحد المعنی والمتعدد مع عدم المناسبة حیث حکم فیه بالاشتراک اللّفظی والمتعدّد مع وجود جامع بینهما حیث حکم بالاشتراک المعنوی وحمل الثّانی علی غیر ما ذکر وبعض المحقّقین جمعهما بحمل الأوّل علی مقام الشّکّ فی المراد والشّکّ فی الحقیقة فی بعض أقسامه وهو خصوص متحد المعنی سواء قیل فیه بالوضع للمعنی الخاص أو للقدر المشترک وحمل الثّانی علی غیرهما والأولی أن یقال باختصاص الأول بالشّکّ فی المراد والثّانی بالشّکّ فی الوضع ولو فی متحد المعنی حکم فیه بالحقیقیّة أو بالاشتراک المعنوی أو لا إذ المراد أنّ الاستعمال من حیث هو لا یدلّ علی شیء وإثبات الحقیقیّة فی الموارد المذکورة لیس بالاستعمال بل بالأمور الخارجیّة علی ما عرفت مفصلا والغالب فی استعمال هذه القاعدة هو فی مقام الشّکّ فی الوضع للقدر المشترک بطریق الاشتراک المعنوی فیقولون الاستعمال أعم یریدون منه أنّه إذا قطع النّظر عن غیر الاستعمال فلا یدلّ الاستعمال علی شیء فتأمّل واستبصر

ومنها

اختلاف الجمع والمراد به اختلاف جمع اللّفظ بالنسبة إلی المعنیین مع القطع بحقیقیة أحدهما إجمالا والشّکّ فی الآخر فهو دلیل علی مجازیته فی الآخر کالأمر یستعمل فی القول وجمعه أوامر وهو حقیقة فیه قطعا إما بالوضع له بخصوصه أو للقدر المشترک الذی هو فرده وفی الفعل وجمعه أمور وهو مشکوک الوضع والاختلاف

ص: 58

المذکور دلیل علی مجازیته فیه وینفی الاشتراک المعنوی واللّفظی معا أو هو ینفی الاشتراک المعنوی وبضمیمة أصالة عدم الاشتراک اللّفظی یثبت أنّ المجازیّة علی الاختلاف فی تقریره ویمکن الاستدلال للطّریق الأول بوجهین أحدهما أنّ الاختلاف المذکور موجود فی المجاز غالبا والظّنّ یلحق الشّیء بالأعم الأغلب أو غیر موجود فی الحقیقة فیدل علی عدم کونه حقیقة وفیه أنّا لم نجد الاختلاف بالنّسبة إلی المعنی المجازی أصلا فکیف بأن یکون غالبا فإنّ المجاز فی الجمع تابع للمفرد فکما یقال أسد للرجل الشّجاع والحیوان المفترس فکذا یقال أسود وأسد لهما بخلاف المشترک لوجود الاختلاف به کعود فإنّه یجمع علی أعواد بالنسبة إلی أحد معانیه وهو الخشب وعلی عیدان لمعناه الآخر وهو آلة اللهو وکذا العین بالعیون والأعیان بالنّسبة إلی الباصرة والذّات وغیر ذلک بل لا یبعد أن یقال إنّ الغالب فی الاختلاف الوجود فی المشترک اللّفظی فبوجوده یحصل الظّنّ بالاشتراک ویعارض أصالة عدمه التی تمسّک بها فی الطّریق الثّانی لأنّ حجیّتها فی اللّغات لإفادتها الظّنّ وهو غیر حاصل فی المقام الغلبة الاشتراک فی مثله کما أشرنا إلیه مضافا إلی حکمة الوضع لإغنائه عن القرینة المعیّنة فی المشترک نعم یمکن به نفی الاشتراک المعنوی لأنّ الجمع للقدر المشترک یصح إطلاقه علی ما یطلق علیه مفرده فلا معنی للاختلاف فیه والثّانی أن اختلاف الجمع دلیل علی اختلاف حال اللّفظ بالنسبة إلی المعنیین ولیس ذلک فی المشترک المعنوی واللّفظی وفیه أنّه إن أراد منه اختلاف حال اللّفظ بالنسبة إلیهما وصفا بأن یکون موضوعا لأحدهما دون الآخر فکون اختلاف الجمع دلیلا علی هذا أول الکلام وإن أراد منه اختلاف حاله بالنسبة إلیهما مطلقا فهو غیر مسلّم مطلقا أوّلا لوجود طلب وطلاب وطلبة جمعا لطالب وموجود فی المشترک ثانیا لأنّ کلاّ من المعنیین فیه موضوع بوضع مستقل وقولنا فی العنوان مع القطع بحقیقیّة أحدهما إنما هو لتبعیّة القوم وإلاّ فمقتضی ما ذکروه الحکم بحقیقیّة أحد المعنیین المختلفی الجمع ومجازیّة الآخر لا علی التّعیین فی صورة عدم القطع بحقیقیّة المعین أیضا

ومنها

امتناع الاشتقاق من اللّفظ المستعمل فی المعنی لمن قام به ذلک المعنی کالأمر فإنّه یستعمل فی الفعل ولا یشتق منه بالنسبة إلی من قام به الفعل فلا یقال أمر أی فعل ولا أمر أی فاعل وهو دلیل مجازیته فیه علی ما قیل ولا بد فی إتمامه من القول بعدم وجود الامتناع المذکور فی الحقیقة أصلا أو وجوده فی المجاز غالبا وهما ممنوعان أما الأوّل کأسماء العلوم والملکات فلا یشتق من مادة النّحو شیء لمن قام به ولا من الصّرف وأما الثّانی فالاستعارة التّبعیّة المشهورة فی الأفعال بالنسبة إلی مصادر ما المذکورة فی علم البیان یغنینا عن البیان ونطقت الحال ناطق بذلک بألف لسان حیث

ص: 59

اشتق من النّطق المستعار للدّلالة نطق لمن قام به وغیر ذلک ثم لا معنی أصلا لکون الامتناع المذکور دلیلا علی المجازیّة إذ المراد به إمّا امتناع الاشتقاق فعلا فلا دلالة فیه مع جواز الاشتقاق شأنا وقابلیّة وإن أراد به أنّه لیس قابلا للاشتقاق لمنع أهل اللّغة عنه فعدمه لا یضر بالحقیقیّة لتوقیفیّة اللّغات فیجوز وضع اللّفظ للمعنی وعدم الإذن فی الاشتقاق منه

ومنها أصالة العدم

ویثبت بها الوضع سابقا ولاحقا فالأول کما إذا ثبت الوضع للمعنی عرفا ونشکّ فی وضعه له لغة فنثبته بأصالة عدم النّقل والثّانی کعکسه وینفی به الوضع أیضا فیما ذکر بالنسبة إلی معنی آخر واختلف فی أنها استصحاب أو لا بل قاعدة برأسها مستفادة من الغلبة وعمل العقلاء وعلی أی حال فلا کلام فی حجیّتها أو لا لانسد باب العمل بظواهر الکتاب والسّنة ونحوهما مما لا یثبت فیه معنی اللّفظ إلا بأصالة عدم النّقل ویترتب علی القولین وجوب إخراج الاستصحاب العدمی من محل النّزاع فی حجیّة الاستصحاب لو جعلت الأصل المذکور استصحابا للإجماع علی حجیّتها وعدم إخراجه عنه لو لم یجعل استصحابا وأورد علی جعلها استصحابا أنه حینئذ لا یمکن إثبات الوضع سابقا بها لأنّها حینئذ هی الاستصحاب القهقری لإثباته الشّیء الثّابت لاحقا فی السّابق ولا دلیل علی حجیّة هذا القسم من الاستصحاب وفیه أنه حینئذ تثبت عدم النّقل المعلوم سابقا فی الزّمان اللاحق ولازمه اتحاد المعنی السّابق واللاحق فهو الاستصحاب المعروف لا القهقری وأورد بأنه حینئذ أصل مثبت لأن الاتحاد لازم لعدم النّقل فی خصوص المقام وفیه أنّه لما کان المدار فی اللّغات علی الظّنّ فالأصل المثبت فیها حجة الاستلزام الظّنّ بالملزوم الظّنّ باللازم ویظهر الثّمرة بین القولین فی لزوم ملاحظة الحالة السّابقة وإبقائها لو کانت من باب الاستصحاب وعدم لزوم ذلک لو کانت قاعدة برأسها لکن لما عرفت أن حجّیّة الاستصحاب فی اللّغات أیضا من باب الظّن المطلق لا تعبدا فمستنده أیضا الغلبة والظّهور فلا ثمرة بینهما إلاّ بالاعتبار وهل یثبت بها ماهیّة الموضوع له لو شکّ فی جزئیّة شیء لها أو لا الحق عدمه لکون أصالة عدم الوضع للزائد معارضا بأصالة عدم الوضع للناقص ولیس هناک قدر متیقّن فی الوضع فإن الزّائد إما یکون معتبرا فی الوضع فالناقص لیس موضوعا له وإلاّ فلا یکون الزّائد بموضوع له فالأمر دائر بین الوضع للأقل بشرط شیء وبشرط لا والمراد من قولنا بشرط لا عدم اعتبار شیء آخر فی الوضع ولازمه خروجه عن الموضوع له وإن کان حاصلا مع الموضوع له فی الوجود فی الأمر الدّائر بین الأخذ بشرط شیء وبشرط لا لیس فی البین قدر متیقن یؤخذ به وینفی الزّائد بالأصل ولا یمکن الوضع للأقلّ لا بشرط لأنّ اللاّبشرطیّة إما یلاحظ بالنسبة إلی الوجود بمعنی جواز انضمام شیء آخر إلیه فی الوجود فهو لا ینافی ما قلنا من کون الزّائد حینئذ خارجا

ص: 60

عن الموضوع له وإمّا یلاحظ بالنسبة الاعتبار وفیما وضع له فهو باطل لأنّ الزائد إمّا یعتبر مع الأقل فالأقل حینئذ جزء الموضوع له أو لا یعتبر فهو تمام الموضوع له والزائد خارج ولا نعنی من قولنا بشرط لا إلاّ هذا ولیس بین النفی والإثبات شق ثالث وبالجملة الأمر فی الموضوع له دائر بین متباینین ولا قدر متیقن فی البین نعم یمکن ذلک فیما إذا کان اللّفظ المشکوک موردا للتکلیف فیمکن حینئذ نفی التکلیف بالزائد بأصالة البراءة لأنّ الأقل قدر متیقّن اشتغال الذّمة به والزائد مشکوک لکن فیه إشکال أیضا ولکن لا یمکن ذلک فی اللّغات لما عرفت فإن قلت إنا نراهم یتمسکون بذلک فی تعیین المنهیّة فی بعض الموارد کالأمر یقولون إنّه موضوع لطلب الماهیّة لأصالة عدم التقیید بالمرة والتکرار وکالجمع المحلی باللام یقولون أنه موضوع لاستغراق الجماعات لا الأفراد لأصالة العدم وکذا یستدلّون فی وضع المشترک للمعنی فی حال الوحدة دون غیره بأنه القدر المتیقّن والأصل عدم وضعه فی غیر حال الوحدة لأنّه مشکوک وکذا إذا استعمل فی النفی لثبوته فی الإثبات ویشک فی وضعه حینئذ لمعنی آخر غیر ما یفیده الإثبات والأصل عدمه فکیف یجتمع ذلک مع ما حققه من عدم إمکان ذلک قلت أما التمسّک به فی وضع المشترک للمعنی فی حال الوحدة دون غیره فباطل إذ لا قدر متیقّن فی البین لدوران الأمر بین أن یکون الموضوع له هو المعنی بدون اعتبار قید الوحدة وأن یکون هو مع الوحدة وعلی الثانی یکون المعنی غیر موضوع له بل هو جزؤه بخلاف الأوّل وحینئذ فلیس المعنی یقینی الوضع حال الوحدة حتی یقال إنّه القدر المتیقّن وینفی فی غیره بالأصل نعم وجود الموضوع له حال الوحدة معلوم لکن لا یعلم معیّنا ولیس هناک قدر متیقّن فلا یمکن إجراء الأصل وأما التمسّک به فی المشترک المنفی والجمع المحلی فلا ینافی فی ما ذکرنا إذ یرجع الشّکّ فیهما إلی الشّکّ فی حدوث وضع جدید فإن معنی النفی معلوم ومعنی المشترک معلوم وهو المعنی الواحد ومقتضاه دلالة المرکب علی نفی أفراد المعنی الواحد وإنما الشّکّ فی أن المجموع منهما هل وضع بوضع آخر لنفی جمیع المعانی أو لا فالأصل عدمه وکذا الجمع المحلی فإن معنی اللاّم هو الاستغراق ومعنی الجمع هو الجماعة ومقتضاه استغراق الجماعات لا الأفراد وإنما الشّکّ فی حدوث وضع جدید للمجموع المرکب فالأصل عدمه وهذا لیس من تعیین الماهیّة بالأصل فی شیء وأما التّمسّک به فی مبحث الأمر فیمکن تصحیحه بما ذکرنا بناء علی القول بأنّ فی المشتقّات وضعین وضع الهیئة ووضع للمادة وأن المصدر أیضا کسائر المشتقات وإنما المبدأ الموضوع هو مادة المصدر لا هی مع هیئته لوجوب سرایة بلفظه ومعناه فی المشتقات ولفظ المصدر لیس ساریا فی المشتقات لاعتبار الهیئة الخاصة فی لفظه وهی مفقودة فی المشتقات فمادة ض ر ب بالترتیب الخاص موضوعة للمعنی الخاصّ وهو الجنس والماهیّة وهیئة الأمر وضعت للطلب ومقتضی ذلک إفادتها طلب الماهیّة

ص: 61

ویشکّ حینئذ فی حدوث وضع آخر للمجموع المرکب للمرة أو التکرار فالأصل عدمه وفیه أیضا إشکال لعدم تسلیم وضع الهیئة للطلب مطلقا لم لا یجوز أن تکون موضوعة للطلب مع تقیید المطلوب بالمرة أو التکرار مثلا فیرجع الشّکّ إلی ماهیته الموضوع له وقد عرفت عدم إجراء الأصل فیها وأما علی القول بأن المبدأ هو المصدر وهو موضوع بوضع واحد لا اثنین باعتبار مادّته وهیئته بل المادّة لیست موضوعة أصلا وأنّ معنی الاشتقاق تبدیل صورة المصدر مع بقاء مادّته إلی صورة أخری لیفید ذلک المعنی مع زیادة فلیس فی المشتقات إلاّ وضع واحد للمجموع لما عرفت من عدم کون المادة موضوعة بوضع آخر وحینئذ فیشک فی أن الموضوع له للمجموع فی الأمر هل هو طلب المادة مطلقا أو طلبها مرة أو مکرّرة فیرجع الشّکّ إلی تعیین الموضوع له لا إلی حدوث وضع جدید فتأمل

فرع

إذا علم تحقق النّقل ولم یعلم المنقول إلیه بخصوصه بل کان مردّدا بین شیئین لم یجر أصالة عدم النقل بالنسبة إلی أحدهما إذ یلزم الترجیح بلا مرجّح بل یجب التّوقّف والرّجوع فی العمل إلی الأصول العملیّة إلاّ أن یحصل الظن بأحدهما فالمدار علیه فلیس له ضابط ینضبط وذکر بعضهم فی المقام تفصیلا وهو أن الأمرین المردد بینهما ما یکون أحدهما أقرب إلی المنقول عنه ذاتا أو لا وعلی الثانی یجب التّوقّف وعلی الأوّل إما یکون النقل تعیینیّا وعلی الأول یجب التّوقّف وعلی الثانی یحکم بأنّ الأقرب هو المنقول إلیه کالدّابة کانت موضوعة من یدب علی الأرض وقد نقلت إمّا إلی مطلق ذات القوائم الأربع أو خصوص الفرس فیحکم بأن الأوّل هو المنقول إلیه لأنه أقرب إلی المنقول عنه ذاتا لأنّ النّوع أقرب إلی الجنس من الشّخص وذلک لأنّ النّقل التعیّنی مسبوق بغلبة الاستعمال المجازی وقد ذکروا أنّ أقرب المجازات معتبر عرفا فی حمل اللّفظ علیه وفیه أنّ المراد بتقدیم أقرب المجازات الأقرب عرفا وهو المعنی المجازی الذی شاع استعمال اللّفظ فیه لا الأقرب إلی الحقیقة ذاتا وشیوع الاستعمال فیما نحن فیه غیر معلوم وإلاّ لم یبق شکّ فی النقل نعم لو علم نقله إلی أحدهما بخصوصه حکم بأنّه کان أقرب المجازات قبل النّقل لکشف النقل عن غلبته الاستعمال کما ذکروا أنّه إذا ثبت الحقیقة المتشرعة فی الأعمّ مثلا أو الصّحیح وجب حمل کلام الشّارع علیه إذا قام قرینة علی عدم إرادة المعنی اللغوی لکشف النقل عن کونه غالب الاستعمال فی زمان الشّارع وبغلبة الاستعمال یکون أقرب المجازات وأمّا الأقرب ذاتا فلا دلیل علی اعتباره مضافا إلی أنّه لو کان المراد بقولهم أقرب المجازات معتبر عند الشّکّ الأقرب ذاتا وجب أن لا یکون خلاف فی أنّ الصّلاة مثلا موضوعة للأعمّ لأنّه أقرب إلی المعنی اللغوی وهو الدعاء ذاتا من الصحیح إذ لا خلاف فی تقدیم أقرب المجازات مع أنّ الأکثر ذهبوا إلی الصحّة وبالجملة الأقربیّة الذاتیّة من التخریجات العقلیّة لا یصحّ الاستناد إلیها فی باب اللّغات نعم لو کانت الأقربیّة

ص: 62

الذّاتیّة کاشفا عن کونه شائع الاستعمال صح ذلک لکنه غیر مسلم لأنّ شیوع الاستعمال فی المجاز مستند إلی الاحتیاج وهو غیر منحصر فی الأقرب ذاتا کما لا یخفی وقیل لو دار الأمر فی نقل الکلّی بین النقل إلی فرد والنقل إلی مباین قدم الأول لغلبة نقل الکلّی إلی الفرد دون المباین وفیه إشکال لشیوع النقل إلی المباین أیضا کالصلاة والحجّ والصوم وغیرهما فإن المعنی اللغوی لیس ملاحظا فی المذکورات حتّی یقال إنّ الصّلاة نقلت إلی الدعاء الخاصّ وکذا فی غیرها نعم لو ثبت الغلبة المذکورة صح ذلک إذ المدار علی الظّنّ

ومنها توقف استعمال اللّفظ فی المعنی علی استعماله فی غیره فی کلام واحد

وهو دلیل مجازیته فیه ومثل لذلک بقوله تعالی وَمَکَرُوا وَمَکَرَ اللهُ فإنّ استعمال المکر فیما یصحّ استناده إلیه تعالی متوقّف علی إسناده إلی العبد أو لا ونوقش فی ذلک بأنّه قد نسب إلیه تعالی فی آیة أخری مع عدم نسبته فیها إلی العبد کقوله تعالی فَلا یَأْمَنُ مَکْرَ اللهِ وبأن المجاز لا یتوقّف إلاّ علی العلامة والمناسبة دون شیء آخر وفیه نظر أمّا الأول فلأنّه مناقشة فی المثال ولا یجری فی نحو قوله قالوا اقترح شیئا نجد لک طبخه قلت اطبخوا إلی جبة وقمیصا فإن استعمال الطبخ فی الخیاطة یتوقّف علی استعماله فی الموضوع له أوّلا وأمّا الثّانی فلجواز أن یکون محض المجاورة والمصاحبة اللّفظیّة موجبا لحصول المناسبة کما نشاهد ذلک فی الطبخ فإنّه لیس مناسبا مع الخیاطة بوجه ومع ذلک نری له فی الشعر المذکور حسنا وسلاسة یقبلها الذّوق ویمیل إلیها الطبع والأمر فی المجازات دائر مدار قبول الذّوق فیعلم أنّ محض المجاورة سبب لحصول المناسبة لکن هذه العلامة یرجع إلی عدم الاطراد نظیر قولنا أعتق رقبة حیث یصحّ ذلک ولا یصحّ جاءت الرقبة ونحوه

ومنها التزام التّقیید

وهو علامة المجاز وعدمه علامة الحقیقة لظهور الالتزام فی أنّ اللّفظ لا یفیده بنفسه کقولهم نار الحرب جناح الذّل فإنّه لا یستعمل النّار فی اشتداد الحرب إلاّ مقیدا بالحرب وکذا الجناح ونوقش فیه بوجهین أحدهما بوجود التقیید فی بعض الحقائق کماء البحر والبئر ونحوهما والثانی بالتزامه فی الأسماء اللازمة الإضافة مثل ذی بمعنی صاحب وفیهما نظر أمّا الأوّل فبعدم وجود الالتزام فیه وأمّا الثانی فلأنّ محلّ الکلام ما نقطع فیه بعدم احتیاج أصل المعنی إلی التّقیید کالنّار والجناح فیخرج ذو وأمثاله لتوقف إفادة

المعنی فیها علی التّقیید ولیس الکلام فیه وبعد ما عرفت من کفایة الظّنّ فی اللّغات فالأمر واضح

ومنها تقییده بقیدین مختلفین

فهو دلیل وضعه للقدر المشترک کالأمر یقید بالمرة والتکرار حذرا من لزوم التناقض إذ لو کان موضوعا لأحدهما دون الآخر کان تقییده به تأکیدا وبالآخر تناقضا وفیه نظر لعدم لزوم التناقض للمراد وعدم ضرر التناقض مع الموضوع له وإلاّ لانسدّ باب المجازات وعدم بأس فی صیرورة تأکیدا

ص: 63

والأولی تقریره بأنّا نری أنه یقید بقیدین ولا یلزم التأکید والتناقض عرفا بل یفید التأسیس عرفا ولو کان مجازا فی أحدهما لزم التّناقض ابتداء وإن زال بعد الالتفات إلی المعنی المجازی مع أنّا نری عدم لزومه عرفا إلاّ أنّه یرجع إلی المنافرة وعدمها والأوّل علامة المجاز کما نشاهد من منافرة أسد مع یرمی ابتداء والثانی علامة الحقیقة ومرجعهما إلی التّبادر وعدمه ویمکن تصحیح التقریر الأول بأن یقال إنّ المراد أنّه لو قیل بمجازیّة أحدهما لزم التأکید فی أحدهما وهو الموضوع له والتأسیس فی الآخر ولو قیل بالوضع للقدر المشترک کان فی کل منهما تأسیسا والتأسیس أولی من التأکید لغلبته عرفا لکن یحتاج حینئذ إلی إثبات غلبة التأسیس والمدار علی الظّنّ

ومنها حسن الاستفهام

استدلّ به السّیّد علی اشتراک الأمر بین الفور والتراخی بتقریب أنّ الاستفهام ملازم مع الاحتمال الملازم وللإجمال الحاصل فی المشترک وفیه أنه لو أرید من الاحتمال خصوص الاحتمال الحاصل فی المشترک منعنا ملازمته مع الاستفهام مع الاحتمال الضعیف الحاصل بالنسبة إلی إرادة المعنی المجازی وإن أراد منه الأعم لم یتم ما ادعاه فافهم

خاتمة

تتضمّن بعض القواعد المحتاج إلیها فی الباب

أحدها کل لفظ لم یثبت للشّارع فیه اصطلاح خاص إذا وقع فی کلامه رجع فیه إلی ما یرجع إلیه فی کلام غیره کالألفاظ اللّغویّة فإذا أجمع الأصحاب علی مجیء اللّفظ لمعنی فهو لیس کاشفا عن رأی المعصوم إذ لیس شأنه بیانه والأصحاب لیسوا بالعین لهم فی ذلک بل یتعولون فیه علی اجتهادهم فلو أفاد العلم بالواقع أو الظّنّ به فهو حجة لذلک لا للکشف ویقع التّعارض بینه وبین نقل النقلة لو لم یفد العلم نعم لو ثبت کشفه عن قول المعصوم کان حجة ومقدّما علی غیره إنما الکلام فی کونه کاشفا ومقتضی ما ذکرنا عدم کشفه عنه کما لا یخفی

الثّانی قد عرفت أنّ الحمل إمّا ذاتی یقصد به اتحاد الموضوع والمحمول ذاتا وإمّا متعارفی یقصد به اتحادهما وجود کحمل الکلی علی الفرد وإمّا ادعائی یقصد به مشارکة الموضوع للمحمول فی الأحکام فاعلم أنّ الحمل بجمیع المعانی موجود فی کلام الشّارع فالأوّل کقوله الوضوء غسلتان ومسحتان والثّانی نحو الارتماس فی الماء غسل والثالث نحو الطّواف بالبیت صلاة ویشترط فی وقوع المذکورات فی کلامه کون الموضوع فی الأوّل والمحمول فی الثانی من مخترعاته إذ لیس شأنه بیان الماهیات العرفیّة أو اللّغویّة وأن یکون للمحمول حکم معروف فی الثالث حتی یلحق به الموضوع فیه کالأمثلة وحینئذ فیشکل الأمر فی نحو الحیض دم أسود ونحوه فإنّه لیس من قبیل الأوّلین لعدم کون المحمول ولا الموضوع من مخترعات الشّارع ولا من الثالث إذ لیس للدم الأسود حکم معروف فی الشّریعة ویمکن أن یقال إنّ المقصود به بیان الضابط والمعرّف الغالبی لیرجع إلیه عند الشّکّ فیکون من قبیل الأول لکن فی خصوص حال الشّکّ

ص: 64

فإنّ الموضوعات التی یتعلّق بها الأحکام الشّرعیّة یجوز للشارع بیان ضابط فی تشخیصها لیرجع إلیه عند الشّکّ وهو لیس بعادم النظیر کما فی الید والسّوق والفراش وأوصاف المذکورة للمعنی وذلک لعدم انضباط العرف فی أمثال هذه الأمور

الثالث قد عرفت أنّ العرف محکم فی باب اللّغات ونقول هنا إنّ فی المقام تفصیلا وذلک لأنّ الشّکّ إمّا یکون فی نفس مفهوم اللّفظ ولا شکّ فی حجیّة حکم العرف بأنّ المفهوم ذلک ولا یعتنی باحتمال خطئهم لما ذکرنا أنّ الظّنّ فی اللّغة حجة وإمّا یکون فی تحقق المفهوم فی الشّیء الخاصّ أعنی الشّکّ فی المصداق أو هذا یتصور بوجهین (أحدهما) أن یکون المفهوم معلوما وإنما عرض الشّکّ بسبب العوارض الحاصلة فی المصداق کالبلل المشتبهة بالبول ولا شکّ فی عدم اعتبار الحکم العرف بکونه مصداقا لذلک المفهوم وذلک ما قیل إنّ الظّنّ لیس بحجة فی الموضوعات الصرفة ولذلک لعدم تعلّق ذلک باللّغات ولا بمفهوم اللّفظ ولا دلیل علی حجیّة الظنّ المطلق هنا بل یجب تحصیل العلم أو الرجوع إلی الأسباب الخاصّة کالبیّنة ونحوها حتی أنه لو قال المتکلّم أکرم العلماء ثم قال زید عالم لم یجب علی المخاطب إکرامه إذا علم جهله لأنّ الرّجوع إلی المتکلم إنّما هو فیما یکون کلامه بصدد الکشف عنه ولیس کلامه ذلک مسوقا لبیان مصادیق العلماء حتی یرجع إلیه فی تعیینه بل تمییز ذلک شأن المخاطب والمتکلّم أیضا لو اعتبر بقوله فإنّما هو من باب البینة (الثانی) أن یکون الشّکّ فی المصداق بواسطة عدم تشخیص المعنی فبحکم العرف بوجود المفهوم فی ذلک المصداق یعلم أنّ المعنی شیء یشمله وبهذا الاعتبار یدخل فی القسم الأول وأیضا یعلم تحققه فی ضمن ذلک المصداق وبهذا الاعتبار یدخل فی القسم الثانی وهل حکم العرف حجة فی هذا القسم محل الإشکال فقیل بعدم حجیّته وذلک لأنّ احتمال خطئهم فی تشخیص المعنی أی الاعتبار الأوّل وإن کان لا یعتنی به لکن خطؤهم فی تشخیص الموضوعات لیس بعیدا وهو یوجب عدم حصول الظن بقولهم وعلی فرض حصول الظّنّ أیضا لا دلیل علی حجیّته إذ هو باعتبار الثانی ظنّ فی الموضوعات الصّرفة وإن کان بالاعتبار الأوّل ظنا فی اللّغات ولا دلیل علی حجیّة الظنّ فی اللغات إذا حصل بتوسّط الظّنّ الحاصل فی الموضوعات وقیل بحجیّته لأصالة عدم الخطاء لندرته ولحمل فعل المسلم علی الصحّة أقول أمّا حمل فعل المسلم علی الصحة فلا دخل له بهذه المواضع وأمّا الأصل المذکور ففیه تفصیل وذلک أنه إن کان هناک احتمال السّهو والنّسیان ونحوهما للصرف فالأصل عدمه لعدم اعتبار العقلاء لهذه الاحتمالات وإن کان احتمال غفلتهم عن صفة کائنة فی ذلک المصداق بحیث لو تفطنوا بوجوده لم یحکموا بدخوله تحت المفهوم فلا یجری الأصل إذ لا نسلم ندرته بل هو کثیر ربما أوجب عدم حصول الظّنّ بقولهم وذلک کما لو حکموا فی

ص: 65

شخص مقیم فی البلد دون ستّة أشهر بأنّه غیر مستوطن فیحتمل أنّهم غفلوا عن أنّ نیّة ذلک الشّخص الإقامة دائما فلذا حکموا علیه بعدم الاستیطان ولو علموا نیّته لم یحکموا علیه بذلک وهذا لا یمکن دفعه بأصالة العدم لغلبة عدم العثور علی النیّات مضافا إلی أنّ الأصل عدم العلم فلا یمکن الحکم بسبب ذلک بأنّ ناوی الإقامة دائما لیس بمستوطن قبل ستّة أشهر نعم إذا فرض حصول الظن بقولهم لا یمکن نفی حجیّته بما ذکر لأنّ الظّاهر من إجماعهم علی حجیّة الظّنّ فی اللّغات عدم التّفاوت بین الحاصل بلا واسطة أو بواسطة فافهم

الرّابع إذا علق الحکم فی الشّرع علی عنوان وکان متفاهم العرف فی ذلک العنوان مخالفا للواقع کأن جعلوا منه فردا لیس منه أو أخرجوا عنه فردا کان منه تعلق الحکم بما یفهمه العرف إن لم یبین الشّارع خطأهم وإلاّ لزم الإغراء بالجهل مثل أنّه علق النجاسة علی عنوان الدّم وهو لیس فی العرف شاملا للون المختلف عنه بعد غسله وإن کان شاملا له عقلا إذ هو من أجزائه الصغار الباقی فی المحل لعدم جواز انتقال العرض من موضوع إلی موضوع وحینئذ فیجب أن یکون مراد الشّارع هو ما یفهمه العرف فلا یشمل اللون المختلف إن لم ینصب قرینة علی إرادة جمیع الأفراد الواقعة وینبه العرف علی خطئهم هذا إن قلنا بأنّ لفظ الدّم موضوع لما یشمل اللّون وإلاّ بأن قلنا بأنّ الألفاظ اللّغویّة موضوعة لمعانی الظّاهرة عند العرف دون الخفیّة لأنّ الحکمة فی الوضع أن یستعمل فی مقام التّفهیم والتّفّهم وهو یحصل بالنسبة إلی الأمور الظّاهرة المحتاج إلیها عند العرف دون الخفیّة التی لا یلتفت إلیها إلاّ الأزکیاء فلا حاجة إلی ما ذکرنا لوجوب حمل اللّفظ علی الموضوع له ولیس إلاّ ما فهمه العرف والحاصل أنّ کلام الشّارع ینزل علی مقتضی متفاهم العرف إلاّ إذا نصب قرینة علی إرادة المعنی الواقعی رادعة للعرف عما فهموه مخالفا للواقع هذا إذا لم یلزم محذور آخر فی الحمل علی متفاهم العرف وإلاّ کأن کان متفاهمهم شیئا لا یمکن تعلق الحکم به فلا یجوز الحمل علیه وحینئذ یظهر فساد ما ذکره بعضهم عند الاستدلال لتعلّق الأمر بالطبائع من أنّه لو قیل بوجود الکلی الطبیعی فلا إشکال وإن قیل بعدم وجوده فلا بدّ من حمل اللّفظ علی إرادة طلب الماهیّة أیضا لأنّها حینئذ وإن کانت غیر موجودة فی النظر الفلسفی لکنها موجودة عند العرف وکلمات الشّارع ینزل علی مقتضی العرف والعادة وجه فساده أنّ الحمل علی متفاهم العرف حینئذ مستلزم للتّکلیف بالمجال أعنی إیجاد الماهیّة لأنّه غیر ممکن علی هذا القول لکن هذا خارج عما نحن فیه إذ لیس خطأ العرف فی معنی العنوان إذ لا شبهة فی أنّ ظاهر الأمر طلب الماهیّة والقائلون بتعلّقه بالفرد یستدلّون بوجود القرینة الصّارفة عن الظاهر وهی عدم وجود الماهیّة وخطأ العرف حینئذ إنّما هو فی نفیهم القرینة المذکورة حیث جعلوها موجودة لا فی العنوان ویمکن أن یقال إنّ ظهوره

ص: 66

فی طلب الماهیة غیر مسلم بل هو ظاهر فی طلب الأفراد فخطأ العرف إنّما هو فی فهم العنوان حیث فهموا منه طلب الماهیة فیدخل فیما نحن فیه فهذا البعض یجعل الخطاب منزّلا علیه ونحن نقول إنه غیر ممکن إذ لا معنی لطلب الماهیة أصلا بل المطلوب هو إیجاد الماهیّة ومعنی ذلک إحداث وجودها ووجودها عین الفرد إذ لیس الفرد إلاّ الکلیّ الموجود لما عرفت أن تشخص الکلیّ إنّما هو بنفس الوجود لا بغیره فالظاهر من الأمر هو طلب الأفراد ولا معنی لطلب الماهیة حتی ینزل علیه کلام الشّارع

أصل

إذا تمیز المعنی الحقیقی عن المجازی وشکّ فی أن المراد أیّهما هو فهل یحمل علی الحقیقة أو المجاز وفیه مقامان (الأوّل) فی أن المدار فی الحمل علی الحقیقة علی أیّ شیء فنقول اختلفوا فیه علی أقوال أحدها أنّه إذا تجرّد اللّفظ عن قرینة صارفة معتبرة عرفا وجب الحمل علی الحقیقة تعبّدا مطلقا سواء کان إرادة الحقیقة مظنونة أو مشکوکة أو مظنونة العدم والثّانی أنّه یلاحظ الکلام بمجموعه وخصوصیته المقام فإن کان ظاهرا بنوعه فی إرادة الحقیقة حمل علیها وإلاّ فلا ویظهر الثمرة بینه وبین القول الأوّل فیما إذا ارتفع الظّنّ النّوعی بسبب خصوصیات المقام مثلا أو بکونه مقرونا بما یحتمل کونه قرینة کالأمر عقیب الحظر فإن وقوعه عقیب الحظر دافع للظّنّ النّوعی بإرادة الحقیقة أی الوجوب وکالعام الأوّل فی العامین المتعقبین بالاستثناء فإنّ صلاحیته الاستثناء لرجوعه إلی الجمیع یرفع الظّنّ النّوعی بإرادة العموم من العام الأول کما قیل فلا یجوز حمل الأمر علی الوجوب والعام علی العموم فی الموضعین علی القول الثانی بخلافه علی القول الأوّل ویجتمعان فیما إذا کان ما یحتمل أن یکون قرینة شیئا غیر مقترن بالکلام کما لو قال أکرم العلماء ثم قال لا تکرم زیدا وکان زید مشترکا بین العالم والجاهل فمحض احتمال إرادة العالم من زید فیخصص العام غیر رافع للظّنّ النّوعی بإرادة العموم وحینئذ فیحمل علی العموم علی القولین الثالث أنّ المدار علی حصول الظّنّ الفعلی بإرادة الحقیقة ویظهر ذلک من الفاضل الخوانساری حیث اعترض علی صاحب المعالم فی حمله العام الأوّل فی العامین المتعقّبین بالاستثناء علی العموم بأنّه لیس المظنون إرادة العموم ولا دلیل علی وجوب الحمل علی الحقیقة وإن لم یفد الظّنّ وکلامه کالنّصّ فی إرادة الظّنّ الفعلی وإن احتمل إرادة الظّنّ النّوعی لما عرفت من ارتفاعه أیضا فی المحل المفروض علی قول الرّابع أنّه إذا ارتفع الظّنّ الفعلی بالأمور الخارجیة الغیر المعتبرة کقیام الشهرة علی خلافه لا یعتنی به بل یحمل علی الحقیقة تعبّدا وإلاّ بأن ارتفع بسبب اقتران الأمور الخارجیة المعتبرة أو الدّاخلة مطلقا وجب التّوقّف الخامس أنّه إن کان مقترنا بما یحتمل أن یکون قرینة مطلقا لم یجز الحمل علی الحقیقة لارتفاع الظّنّ النّوعی حینئذ وإلاّ بأن کان الأمر المحتمل کونه قرینة شیئا خارجا عن الکلام معتبرا کان أو لا فلا یعتنی به بل یحمل علی الحقیقة لعدم ارتفاع

ص: 67

الظّنّ النّوعی وهذا القول یرجع إلی القول الثانی وتفصیله إنّما هو فی موارد حصول الظّنّ النّوعی وعدمه ثم إنّ محل الکلام إنّما هو فیما إذا لم یکن دافع الظهور فی إرادة الحقیقة ظهور آخر وإلاّ خرج عما نحن فیه ودخل فی مسألة تعارض الظاهرین وسیأتی إن شاء الله بل الکلام إنّما هو فیما إذا کان الرّافع للظّهور مجملا کزید المشترک بین الجاهل والعالم والاستثناء عقیب العمومات لعدم ظهوره فی شیء ونحو ذلک وحینئذ فنقول فی تحقیق الحق فی المقام إنّ الحکم فی المقام هو العرف والأمور الخارجیة الّتی یحتمل کونها قرینة لا یعتنی بها عرفا فی رفع الید عن ظاهر اللّفظ ولو کان معتبرا بل یجعلون ظاهر اللّفظ قرینة مبیّنة لإجمال الأمر الخارجی مثلا إذا قیل أکرم العلماء ثم قال لا تکرم زیدا وکان زید مشترکا بین العالم والجاهل یحکم بأنّ المراد منه زید الجاهل أخذا بظاهر عموم أکرم العلماء ولا یصیر احتمال کون المراد منه العالم موجبا لتوقّفهم فی عموم العلماء وإن لم یحصل الظّنّ الفعلی بعمومه وهو مطابق لعمل الفقهاء أیضا کما استدلّوا علی طهارة الغسالة فی التّطهیر بالماء القلیل بعموم قوله النّجس لا یطهر مع الإجماع علی مطهّریّة الماء القلیل فیحکمون بعدم تنجسه حینئذ بالملاقاة ولا یتوقّفون فی عموم اللّفظ لاحتمال کون الإجماع علی مطهّریّته مخصصا لعموم قوله النّجس لا یطهر وکذا یتمسکون فی إفادة المعاطاة الملک بقوله لا عتق إلاّ فی ملک مع الإجماع علی جواز عتق المأخوذ بالمعاطاة أخذا بعموم اللّفظ ولا یعتنون باحتمال کون الإجماع مخصصا له مضافا إلی أنّ ذلک مقتضی قاعدة عکس النّقیض فإنّ قوله أکرم العلماء بمنزلة کل عالم یجب إکرامه وینعکس نقیضه بقولنا من لم یجب إکرامه فلیس بعالم وزید لم یجب إکرامه لقوله لا تکرم زیدا ینتج أنّ زید المنهیّ عن إکرامه لیس بعالم وهو المطلوب وکذا فی نظائره لا یقال إنّهم لا یعملون بالخبر إذا قامت الشهرة علی خلافه وهی من الأمور الخارجة لأنّا نقول لیس ذلک من جهة رفع ظهور الخبر فی المعنی الحقیقی بواسطة الشهرة بل لأنّ الشهرة موهنة له من حیث السّند ولذا لا یطرح عام الکتاب أو الخبر المتواتر بمحض قیام الشهرة علی خلافه عند القائلین بالظّنون الخاصة وبالجملة هل العرف لا یتوقّفون فی حمل اللّفظ علی ظاهره بمحض احتمال کون الأمر الخارجی قرینة علی مجازیّته معتبرا کان کالخطاب المنفصل أو غیر معتبر کالشّهرة مثلا وإن لم یحصل لهم الظّنّ فعلا بإرادة الحقیقة بل یکتفون فیه بالظهور نوعا وحینئذ فعلم بطلان القول الثالث لعدم لزوم الظّنّ الفعلی عرفا والقول الرّابع لعدم اعتناء العرف بالأمور الخارجیّة مطلقا معتبرا کان أو لا بقی الکلام فیما إذا اقترن باللّفظ ما یحتمل أن یکون قرینة فنقول لیس فی ذلک ضابط کلی بل لا بد أن یرجع فی خصوص الألفاظ إلی العرف ویمکن أن یقال لو کان اللّفظ مجازا مشهورا فی معنی بمعنی أن یکون الأمر المحتمل کونه قرینة

ص: 68

غلبة الاستعمال کالأمر حیث یستعمل فی النّدب شائعا فیتوقّف العرف لعدم الظهور عرفا فی إرادة الحقیقة وبهذا یظهر فساد القول الأوّل إذ لو کان بناؤهم علی التّعبّد لم یکن للتّوقّف فی ذلک وجه وأمّا لو کان مثل العامین المتعقبین بالاستثناء فیمکن ادعاء عدم ارتفاع ظهور العام الأوّل باحتمال رجوع الاستثناء إلی الجمیع وبه یبطل القول الخامس حیث حکم بارتفاع الظّنّ النّوعی بسبب الأمور المقترنة مطلقا وذلک لعدم الفرق بینه وبین الکلام المنفصل المجمل کقوله لا تکرم زیدا مع اشتراکه بین الجاهل والعالم کما مر حیث یحکم العرف فیه بإرادة الجاهل بقرینة ظهور العام فی العموم فلیحکم هنا أیضا بعموم اللّفظ لأصالة الحقیقة ویجعل ذلک قرینة علی اختصاص الاستثناء بالأخیر وهذا مقتضی القاعدة أیضا فإنّه إذا دار الأمر بین حمل اللّفظ المجمل علی معنی یلزم منه مجازیّة لفظ آخر وبین حمله علی غیره مما لا یلزم منه ذلک تعیّن الثانی أخذا بظهور اللّفظ فی الحقیقة کما ذکروا أنّه لو قال له علی عشرة إلاّ ثوبا کان المراد عشرة أثواب لأصالة الحقیقة فی الاستثناء أی الاتصال ولهذا فرق صاحب المعالم بین الاستثناء عقیب الجمل وبین الأمر حیث توقف فی حمل الأمر علی الوجوب لغلبة الاستعمال فی النّدب وحکم برجوع الاستثناء إلی الأخیرة خاصة أخذا بأصالة الحقیقة فی الباقی والحاصل أنّ الاستثناء بحسب الوضع صالح للرجوع إلی الأخیرة وإلی الجمیع فحمله علی معنی لا یلزم منه مجاز فی سائر العمومات غیر الأخیرة متعین لما عرفت من بناء الفقهاء وعمل العرف وغایة ما یمکن أن یقال فی الفرق بین المتصل والمنفصل هو ما ذکره الفاضل القمی رحمه الله فی مبحث وقوع الاستثناء عقیب الجمل من أنّ الاستثناء مشترک بین رجوعه إلی الأخیرة وإلی الجمیع والعمومات المتعقبة بالاستثناء مشترکة بالوضع التّرکیبی بین أن یراد منها العموم بأن یراد من الاستثناء المعنی الأوّل وأن یراد منها الخصوص بأن یراد من الاستثناء المعنی الثانی وحینئذ فلا یمکن التّمسّک بأصالة الحقیقة فی العام فی اختصاص الاستثناء بالأخیرة أقول إذا سلم ما ذکره من الاشتراک فی الوضع التّرکیبی فلا شبهة فی عدم جواز التّمسّک بالأصل لکن لا نسلم الوضع التّرکیبی أصلا بل الاستثناء موضوع لمطلق الإخراج والعام موضوع للعموم نعم قد وضع الهیئة التّرکیبیّة لربط أحدهما بالآخر کربط زید بقائم فی زید قائم ولا یستلزم ذلک اشتراک الاستثناء ولا اشتراک العام وحینئذ فیجوز التّمسّک بأصالة الحقیقة فی حمل الاستثناء علی ما لا یستلزم مجازیّة سائر العمومات ولا ضیر فیه وإذن فالحق هو القول الثانی ولا بد فی تمییز الصغریات من الرّجوع إلی العرف وقد عرفت عدم اعتنائهم بالأمور الخارجة مطلقا وأمّا الدّاخلة فلیس له حد منضبط بل لا بد من عرض الألفاظ علی العرف وقد عرفت أنهم قد یتوقّفون فی مثل ما لو کان الأمر المحتمل القرینیة هو الغلبة فبطل القول الأوّل وإنّه یمکن منع توقّفهم

ص: 69

فی مثل ما أمکن جعل ظهور الحقیقة قرینة مبیّنة لمجمل آخر کما فی الاستثناء فیبطل القول الخامس فافهم ثم إنّ بعضهم مثل لما اقترن باللّفظ ما یحتمل أن یکون قرینة بالعام الذی یرجع الضمیر إلی بعض أفراده لاحتمال کون الضمیر مخصصا له والحق أنّه داخل فی مسألة تعارض الظاهرین إذ العام ظاهر فی العموم ولو قلنا بکونه حقیقة بعد التّخصیص إذ لا بعد فی کون الحقیقة مخالفا للظّاهر والضمیر ظاهر فی المطابقة مع المرجع فالاستخدام خلاف الظاهر وإن کان حقیقة کما هو الحق إذا الضمیر الغالب وضع لیکون کنایة عما تقدم ذکره مطلقا ولو حکما کما لو فهم بقرینة المقام ونحو ذلک وبالجملة لا مجازیّة فی الضمیر إذا لم یرجع إلی المتقدم صریحا لکن ظاهره الرّجوع إلی المتقدم صریحا فالاستخدام خلاف الظاهر وإن کان حقیقة وقیل إنّه مجاز بعلاقة العموم والخصوص فیما نحن فیه لأنه إذا رجع إلی العام کان حقیقة فی العموم مع أنّه أرید منه بعض الأفراد فیکون مجازا بالعلاقة المذکورة وهو باطل أمّا أوّلا فبما عرفت من عدم المجازیّة أصلا وأمّا ثانیا فلأنّ العلاقة المذکورة لا تجری فی قوله إذا نزل السّماء بأرض قوم دعیناه وإن کانوا غضابا حیث أرید من الضمیر معنی مباین للمراد بالمرجع فالأولی جعل العلاقة الشّباهة ویقال شبه الأمر المراد من الضمیر بالأمر المتقدم صریحا فاستعمل فیه اللّفظ الموضوع لأن یراد منه المتقدم الصریح لیتحد العلاقة فی جمیع أنواع الاستخدام وکیف کان فالأمر دائر بین ارتکاب خلاف الظاهر فی العام وارتکابه فی الضمیر فهو خارج عما نحن فیه والحق فیه تقدیم الاستخدام علی ارتکاب التّخصیص إذا المراد بالضمیر هو بعض الأفراد علی أی تقدیر غایة الأمر أنّه إذا حمل العام علی العموم صار استعمال الضمیر استخداما وإلاّ فلا فالاستخدام وعدمه فی الضمیر تابع لتعیّن المراد من العام وبعد تعیینه بظهوره فی العموم یتفرع علیه لوازمه من الاستخدام وغیره ولا یمکن المعارضة بکون الاستخدام خلاف الظاهر لأنّه من التّوابع وبعد تعیین معنی المتبوع یترتب علیه قهرا وهو واضح ومع قطع النّظر عن هذا الکلام فإن قلنا بکون التّخصیص حقیقة کالاستخدام وجب التّوقّف کما إذا قلنا بکونهما مجازین وإن قلنا بکون التّخصیص مجازا دون الاستخدام فیتعیّن الحمل علی الاستخدام عند من یجری أصالة الحقیقة تعبدا دون من یقول بحجیتها للظّهور النّوعی لإمکان نفی الظهور النوعی بملاحظة الضمیر وإن قلنا بمجازیّة الاستخدام دون التّخصیص قدم التّخصیص بناء علی التّعبّد دون القول الآخر ولا یمکن التّمسّک فی حمل العام علی العموم بأصالة عدم القرینة إذا المراد بها إمّا استصحاب عدم کون الضمیر قرینة وإمّا القاعدة العقلائیة أی الحکم بالعدم فی کل ما شکّ فیه وإمّا استصحاب عدم وجود القرینة أو عدم تعویل المتکلم علیها والأوّلان باطلان إذ لیس عدم القرینة للضّمیر حالة سابقة حتی یستصحب والکلیة فی بناء العقلاء ممنوعة وأمّا الآخران فمسلمان لکن حجیتهما لیس إلاّ من باب الظّنّ کما عرفت

ص: 70

سابقا والمفروض عدمه فیما نحن فیه کما عرفت ثم إنّ الظهور النّوعی الحاصل بإرادة الحقیقة حجة من باب الظّنون الخاصّة لا المطلقة من غیر فرق بین المخاطب وغیر المخاطب الإجماع العلماء من متقدمیهم ومتأخّریهم وإطباق أهل اللّسان والعرف مضافا إلی تقریر المعصومین علیه ولم یناقش فی ذلک أحد من العلماء سوی الفاضل القمی ره حیث فرق بین المخاطب وغیره فجعل حجیة ظاهر اللّفظ بالنسبة إلی الأوّل من باب حجیة الظنون الخاصة دون الثّانی فجعله من باب حجیته الظّنون المطلقة وهو غیر سدید لأنّ کل دلیل دلّ علی حجیته للمخاطب فهو دالّ علی حجیته لغیره أیضا وهو الإجماع والتّقریر فإنا نراهم یحکمون عند شهادة الشهود بأنّ فلانا أقر لفلان بأن قال له علی کذا بأنه لزمه ذلک ولا یتوقفون فی ذلک مع أنهم لم یکونوا مخاطبین بکلام المقر لا یقال إنهم یحکمون بذلک لحصول الظّنّ لهم به وقد سلمنا حجیّة الظّنّ مطلقا لغیر المخاطب أیضا لأنّا نقول لا وجه لحجیّة الظّنّ مطلقا فی أمثال هذه المقامات لأنّها من قبیل الموضوعات الصرفة الّتی لیس مدارها إلاّ علی العلم أو الأسباب الخاصة ولا انسداد لباب العلم فیها لإمکان الاحتیاط أو العمل بالبراءة فیها غالبا أو بالجملة لا خلاف لأحد فی حجیّة الظواهر بالنّسبة إلی المخاطب وغیره وما یری من منع الأخباریین حجیّة الکتاب لیس لعدم حجیة الظواهر بل إنّما هو لزعمهم وقوع التّحریف فیه المانع عن حجیته أو لصدوره بسبک خاص لخصوص بعض الأشخاص فلم یرد منه إلاّ فهمهم بخصوصهم وفهم سائر المکلفین ببیانهم فافهم

فرع

ما ذکرنا من حجیة الظهور النّوعی فی إرادة الحقیقة إنّما هو فی قبال المجاز وأمّا تعیین المراد فهو مقام آخر وبیانه أنّه قد یتحد المعنی الحقیقی وقد یتعدد أمّا فی الأوّل فیتعین الحمل علیه وأمّا فی الثانی فإمّا أن یکون التّعدّد فی اصطلاح واحد وزمان واحد فهو المشترک ویأتی الکلام فیه إن شاء الله وإمّا أن یکون التّعدّد بالنسبة إلی زمانین أی اللّغة والعرف وهو علی ضربین أحدهما أن یکون له فی اللّغة معنی وفی عرف المتشرعة معنی ولم نعلم أنّه کان فی زمان الشارع حقیقة فی أیّهما وهذا هو النّزاع فی الحقیقة الشرعیة وسیأتی إن شاء الله والثانی أن یکون له فی اللّغة معنی وفی العرف العام معنی ولم نعلم والموضوع له فی زمان الشارع وإمّا أن یکون التّعدد فی زمان واحد بالنسبة إلی اصطلاحین کلفظ رطل له بالعراق معنی وبالمدینة معنی فلو وقع فی تخاطب المدنی والعراقی یقع الإشکال فی حمله علی أحد الاصطلاحین ونتکلم هنا فی القسمین الآخرین أحدهما فی تعارض العرف العام مع اللّغة والثانی فی تعارض عرف المتکلم والمخاطب أمّا الأول فاختلفوا فیه علی أقوال الأوّل الحمل علی اللّغة لأنّ النّقل إلی العرف ثابت والشّکّ إنّما هو فی ثبوته فی زمان الشارع وتأخّره عنه فالأصل تأخّره والثانی الحمل علی العرف لغلبة اتحاد الشرع والعرف والثالث التّوقف لتعارض الأدلة الرّابع التّفصیل

ص: 71

بین أن یکون المراد من اللّغة ما ذکروه فی الکتب المصنفة مثل الصحاح والقاموس وغیرهما من الکتب المؤلفة بعد زمان الشارع فیحمل علی اللّغة وبین أن یکون المراد اللّغة السابقة علی زمان الشارع فیحمل علی العرف أمّا فی الأول فلاحترازه عن تعدد النّقل إذ لو حمل علی المعنی العرفی وجب التزام نقله منه إلی المعنی اللّغوی لتأخّره ثم إلی المعنی العرفی وأمّا فی الثانی فلغلبة اتحاد الشرع والعرف الخامس التّفصیل بین ما لو علم تاریخ الصدور والنّقل فیحمل بمقتضی العلم وما لو جهل تاریخهما معا فیحکم بالمقارنة لأصالة عدم التّقدم فی کل من الصدور والنّقل لکونهما حادثین وحینئذ یجب الحمل علی المعنی اللّغوی إذا کان النّقل تخصیصیا إذ النّقل یحصل مقارنا للخطاب ویجب فی الاستعمال تقدم الوضع وأمّا لو کان تخصصیا فلا یحمل علی اللّغوی جزما إذ النّقل لو کان مقارنا للصدور کان الصدور مسبوقا بمجازیته فی المعنی العرفی مجازا مشهورا وتقدیم الحقیقة علی المجاز المشهور محل إشکال وما لو علم تاریخ الصدور فقط فیحمل علی المعنی اللّغوی لأصالة تأخّر النّقل وما لو علم تاریخ النّقل فقط فیحمل علی العرفی لأصالة تأخّر الصدور وفی الجمیع نظر لما عرفت سابقا من أنّ المدار فی اللّغات علی الظّنّ المطلق الفعلی وهو لا یحصل بأصالة تأخّر النّقل إذ لا یفید الاستصحاب الظّنّ بنفسه ولا غلبة لتأخّر النّقل حتی یحصل الظّنّ بسببها إذ النّقل فی نفسه قلیل وفیما ثبت النّقل أیضا لیس الغالب تأخّره والمدار فی أمثال ذلک علی الغلبة الصنفیّة لا الجنسیّة فلا یرد أنّ الغالب فی جنس الحادث هو التّأخّر إذ لا نعلم أنّ المناط هو الحدوث أو غیره والغلبة المعتبرة هی الصنفیة وغلبة اتحاد العرف والشرع إنّما هی فی الألفاظ الّتی یتحد فیها اللّغة مع العرف وأمّا فی ما اختلفا فیه کما هو محل النّزاع فلا نسلمها فإنّ موارده فی نفسه قلیل لا یوجد فیه إلاّ مثال واحد أو أکثر فادعاء غلبة الاتحاد فی مثله غیر مسموع وبهذا علم بطلان القول الأول والثانی والرّابع والخامس لأنّ متمسکهم هو أصالة التّأخر وغلبة الاتحاد وقد عرفت بطلانهما مضافا إلی أنّ ما ذکره الرّابع باطل فی نفسه فإنّ المراد باللّغة فی المقام هو العرف السابق علی زمان الشارع کما هو محل النّزاع فی ثبوت الحقیقة الشرعیّة ولیس الکلام فی عرف صاحب الصحاح والقاموس وهو واضح فالحق فی المقام أنّ المدار علی الظّنّ الشخصی لرجوعه إلی الشّکّ فی الموضوع له لا المراد بعد تمیز الموضوع له فإن لم یحصل فالتوقف

تنبیه

أشرنا إلی عدم حجیة أصالة التّأخر فی المقام ولا بأس بتطویل الکلام لتوضیح المراد فنقول إنّ أصالة التّأخّر لیس معناها استصحاب التّأخر إذ لیس التّأخر محرزا فی الزّمان السّابق حتی یستصحب بل المعنی القاعدة التی مفادها التّأخر وهی إبقاء الشیء علی عدمه السابق إلی زمان تیقن وجوده فهناک شیئان الوجود فی الزّمان السابق وهو مشکوک والوجود فی الزّمان اللاحق وهو

ص: 72

مقطوع فبأصالة التّأخّر یثبت العدم فی الزّمان السّابق فلو کان للعدم السّابق حکم ترتّب علیه وکذا الأحکام المترتّبة علی نفس الوجود اللاحق وهذا لا إشکال فیه إنّما الکلام فی أن الوجود اللاحق حدوث وابتداء وجود لا بقاء ووجود بعد وجود فإنّه إذا ثبت الوجود فی اللاّحق والعدم فی السّابق یستلزم أن یکون ذلک الوجود حدوثا لا بقاء فهل یثبت بها ذلک ویترتب علیه إمکان کونه حدوثا أو لا وکذا إذا کان لتأخّر ذلک الوجود عن وجود شیء آخر سابق حکم فهل یثبت بها تأخّره عنه ویترتّب علیه الحکم أو لا مثل أنه نذر شخص أنه لو قدم زید بعد عمرو تصدق بدرهم ولو قدم زید یوم الأحد تصدق بدرهمین ونذر أنّه یتصدق ثلاثة دراهم فی کل یوم کان زید فی البلد فرأی زیدا فی یوم الأحد وشک فی أنّه قدم ذلک الیوم أو فی یوم السّبت وعمرو قد قدم یوم السّبت فبأصالة التّأخّر یحکم بأنه قد قدم زید یوم الأحد ویترتب علیه لوازم وجود یوم الأحد من التّصدق بثلاثة دراهم وکذا لوازم عدم وجوده فی السّابق من عدم التّصدق فیه بثلاثة وحینئذ فهل یحکم بسببها بأن القدوم تحقق فی یوم الأحد فیجب علیه التّصدق بدرهمین أو لا وهل یحکم بتأخّره عن عمرو فیجب التّصدّق بدرهم أو لا محل إشکال وکما إذا شک فی أن المبیع کان معیبا قبل البیع حتی یثبت الخیار أو بعده فلئن کان العیب ثابتا فی یوم السّبت فبأصالة التّأخّر یحکم بثبوت البیع یوم الأحد وهل یثبت بها تأخّره عن العیب لیترتب ثبوت الخیار أو لا إشکال وبما ذکرنا من أن موردها ما لو کان للمشی حالتان السّابق المشکوک واللاحق المتیقّن علم أنها لا تجری فی الأمور الآتیة الغیر القابلة للبقاء کولادة زید إذ الشک فی تحققها یوم السّبت أو الأحد فإن ثبوتها فی یوم الأحد لیس متیقنا بل أصالة عدمها یوم السّبت معارضة بأصالة عدمها یوم الأحد کالشبهة المحصورة ولذا ذکروا أنّه إذا صلی الصّلاة الخمس بخمس وضوءات ثم تیقّن بطلان أحدها وجب علیه قضاء الجمیع إذ البطلان أمر إنّی لیس له قدر متیقن یؤخذ به فإن أصالة عدم بطلان الصبح یعارضها أصالة عدم بطلان الأخریات وهکذا وکذا فی مسألة خیار الحیوان حیث اختلفوا فی أنّ ابتداءه عند العقد أو بعد الافتراق فلا یمکن التّمسّک بأصالة التّأخّر لإثبات کونه بعد الافتراق لأن کون الخیار ثلاثة أیام متیقن أمّا کونه من حین العقد أو الافتراق فمشکوک وأصالة العدم فی کلّ منهما معارض منهما بالآخر وهو ظاهر لا إشکال فیه إنّما الشّأن فی بیان ثبوت کون الوجود اللاحق حدوثا ومتأخرا عن شیء آخر بها وعدمه فنقول إن تنقیح المطلب موقوف علی بیان مقدّمات الأولی معنی الاستصحاب إبقاء الشّیء لیترتب الحکم علیه وهو علی ضربین أحدهما أن یکون الحکم ثابتا لأمر کلیّ أعمّ من الموضوع الواقعی والموضوع الظاهری الثّابت بالاستصحاب کوجوب الإطاعة

ص: 73

فإنه حکم عقلی موضوعه مطلق التّکالیف الشّرعیّة أعم من التّکلیف الواقعی والتّکلیف الظاهری الثّابت بالاستصحاب کما إذا شکّ فی بقاء حرمة وطی الحائض بعد الانقطاع فتثبت بالاستصحاب حرمته الظاهریّة فیحکم العقل بوجوب إطاعته وفی هذا القسم یثبت بالاستصحاب الصغری وهی أنّ ذلک تکلیف وأمّا الکبری فدلیله العقل وثانیها أن یکون الحکم ثابتا للموضوع الواقعی کحرمة التّصرّف فی المال فإنّها من أحکام الحیاة الواقعیّة فباستصحاب حیاة زید یراد جعل الأحکام الثّابتة للحیاة الواقعیّة للموضوع المشکوک وفی هذا القسم یثبت الکبری بالاستصحاب وهو أنّ کلّ حیّ یحرم التّصرف فی ماله حتی الحیّ بالاستصحاب وأمّا الصغری فلیس المراد إثباتها بالاستصحاب إذ لیس الحیاة أمرا قابلا للجعل بل المقصود جعلها مفروض الوقوع لیترتّب علیه الآثار والحاصل أنّ الغرض فی هذا القسم لیس إثبات الصغری بل المراد فرضه واقعا ولا یکفی فرض الصغری فی إثبات الحکم کالقسم الأوّل لأن الدّلیل الدال علی ثبوته مختصّ بالموضوع الواقعی وهو لا یثبت بالاستصحاب وإنّما یثبت الموضوع الظّاهری فالغرض من الاستصحاب حینئذ جعل الأحکام للموضوع المستصحب فیتحقّق فی هذا القسم جعلان أحدهما جعل الأحکام للموضوع الواقعی وهو ثابت بالدلیل الدالّ علیه والثّانی جعل الحکم للموضوع المستصحب وهو ثابت بالاستصحاب وحینئذ فلا بدّ أن یکون الآثار التی یراد إثباتها أمرا قابلا لجعل الشّارع کعدم جواز التّصرف فی المال فی المثال المفروض وأمّا اللّوازم العادیة کبیاض اللّحیة فی المثال فلا ینجعل بالجعل الحقیقی وهل ینجعل بالجعل الفرضی لیترتّب علیه الآثار أو لا فلو نذر التّصدّق بدرهم عند بیاض لحیة زید فبعد استصحاب حیاته یترتب علیه عدم جواز التّصرّف فی ماله بلا إشکال وهل یحکم بانجعال بیاض لحیته بمعنی ترتب الآثار علیه وهو وجوب التّصدّق بدرهم فی المثال المذکور أو لا هذا هو الأصل المثبت الذی یتنازع فی حجیّته وحاصله أن یثبت باستصحاب شیء الآثار المترتّبة علی لوازمه العادیة أو العقلیّة الثّانیة إذا کان للشّیء الواحد عنوانان وکان له حکم بعنوان فلا یسری إلی العنوان الآخر ویظهر الثّمرة عند انفکاک العنوانین إمّا واقعا أو ظاهرا فالأوّل کالبنت فإنها موضوع ذات عنوانین البنتیّة وأخت الولدیة والحرمة إنّما هی لعنوان البنت فلا یسری إلی أخت الولد فیجوز نکاح أب المرتضع فی أولاد صاحب اللّبن لو لا النصّ فإنّ أولاده أخت للولد لا بنت والثّانی کالماء الکر المتحقّق فی الحوض فهناک عنوانان أحدهما وجود الکر فی الحوض والثّانی کریّة الماء الموجود فی الحوض وصیرورة المغسول طاهرا إنّما هو من لوازم العنوان الثّانی وهو کریّة الماء الموجود فلا یسری إلی الأوّل ویظهر الثّمرة فیما إذا نقص الماء قلیلا وشکّ فی کرّیته ثم غسل الثّوب

ص: 74

النجس به وحینئذ لا یمکن استصحاب کریّة الماء الموجود فی الحوض لتغیّر الموضوع ولم یکن الکریّة لهذا الماء الموجود محرزا فی السّابق فلا یترتّب علیه الحکم بطهارة المغسول به نعم یمکن استصحاب وجود الکر فی الحوض أعنی العنوان الأوّل لکن الحکم لا یترتب علیه لما عرفت ولا یبعد استصحاب وجود الکر فی الحوض مع عدم الحکم بکریّة الماء الموجود لجواز الانفکاک بین اللوازم فی الظّاهر کالزوجة المقرة والزوج المنکر فیحکم بأنّها زوجة له وإنّه لیس زوجا لها والحاصل أن إثبات طهارة المغسول باستصحاب وجود الکر فی الحوض أصل مثبت لأنه لا یمکن إلاّ بضمیمة إثبات لوازمه العقلیّة أعنی کون الماء الموجود کرّا وقد عرفت جواز انفکاکهما ظاهرا الثّالثة الأصل المثبت هو استصحاب شیء یترتب علی وجوده الواقعی فی خصوص المقام موضوع حکم یراد ترتیبه علی الاستصحاب کاستصحاب عدم المانع فإنّه استصحاب شیء لو کان واقعا لترتب علیه وصول الماء إلی البشرة فی خصوص المقام للعلم بتحقق الارتماس ووصول الماء إلی البشرة هو موضوع لحکم الذی یراد ترتیبه علی استصحاب عدم المانع وهو رفع الجنابة مثلا وکذا فی مسألة الکر فإنه یترتب علی وجود الکر فی الحوض فی الخارج موضوع الحکم وهو کریّة الماء الموجود وکذا فی تأخّر الحادث یراد استصحاب عدم الشّیء فی السّابق الذی یلزمه فی خصوص المقام حیث علم تحقق الوجود موضوع حکم وهو الحدوث أو تأخّره عن شیء آخر وبالجملة الأصل المثبت استصحاب موضوع لترتیب أحکام موضوع آخر وهل هو حجّة أو لا الحقّ عدمه إذ المثبت یتمسّک فی وجه حجیّته بأحد أمور ثلاثة أحدها أنه إذا کان الحکم لأحد العنوانین الحاصلین لمصداق واحد یسری إلی الآخر فإذا ثبت أحد العنوانین بالاستصحاب ثبت الحکم أیضا ولا نحتاج إلی إثبات العنوان الآخر فإذا ثبت وجود الکر فی الحوض ترتب علیه طهارة المغسول به ولا نحتاج إلی إثبات کریّة الماء الموجود والثّانی أن یقول إنّ الملزوم لا ینفکّ عن اللازم فإذا وجب التّعبّد بالملزوم بحکم الاستصحاب ثبت لازمه أیضا بالملازمة فإذا ثبت وجود الکر فی الحوض ثبت کریّة الماء الموجود أیضا بالملازمة والثّالث أنّ التّعبّد بالملزوم متلازم مع التّعبّد باللازم فإذا وجب الأوّل بحکم الاستصحاب وجب الثّانی أیضا للملازمة بین التّعبّدین والکلّ باطل أمّا الأوّل فلما مر فی المقدّمة الثّانیة من أن حکم أحد العنوانین لا یسری إلی الآخر وأمّا الثّانی فلما عرفت فیها أیضا من جواز الانفکاک بین اللازم والملزوم فی الظّاهر کما فی مسألة الزوج والزّوجة وأمّا الثّالث فإتمامه مبنی علی ادعاء أن الظاهر من أدلة الاستصحاب جعل مطلق الآثار فالآثار الشّرعیّة ینجعل جزما والآثار الغیر الشّرعیّة ینجعل بجعل آخر نظیر جعل نفس المستصحب بمعنی أن جعله عبارة عن جعل آثاره وهو خلاف الحق إذ الظاهر منها لیس إلاّ جعل واحد لنفس الشّیء المستصحب غایة الأمر أنّه عبارة عن جعل الآثار فینجعل منها ما کان قابلا للجعل وأمّا جعل الآثار العادیة أیضا بمعنی جعل

ص: 75

آثار الآثار فلا یتبادر من الأدلّة وأمّا الآثار الشّرعیّة فهو لا یثبت بالاستصحاب بل إنّما یترتّب للکلّیّة الکبری الثّابتة بدلیل آخر فاستصحاب حیاة زید معناه جعل آثار الحیاة من وجوب الاتفاق علی زوجته مثلا وأمّا جواز إجباره علیه لو امتنع الذی هو من لوازم وجوب الإنفاق فهو لا یترتّب علی الاستصحاب بل ثابت بدلیل آخر وهو أن کل من وجب علیه الإنفاق جاز إجباره لو امتنع ولو بالوجوب الظاهری والاستصحاب إنّما یثبت موضوعه وقد عرفته فی المقدمة الأولی ولا یمکن ذلک فیما نحن فیه إذ موضوع الآثار الغیر الشّرعیّة لیس قابلا للجعل حتی ینجعل بالاستصحاب ویترتّب علیه الحکم بدلیل آخر بل المراد بالاستصحاب فیه جعل أحکام تلک الآثار وقد عرفت أنّه محتاج إلی جعل آخر غیر جعل الآثار الشّرعیّة وهو غیر متبادرة من الأدلة فإن قلت إنّا نقول إنّ المتبادر منها جعل الآثار الشّرعیّة مطلقا سواء کان بالواسطة أو بدونها فلیس إلاّ جعل واحد فمعنی لا تنقض الیقین بالشک أنّ فی کلّ مقام شککت فی شیء فافرض الیقین فی موضع الشّکّ فکل حکم شرعیّ کان یلزمک بسبب الیقین فأبقه عند الشّکّ فإذا ارتمس فی الماء وشکّ فی وجود المانع فلو فرض فی موضعه الیقین لکان حکمه رفع الجنابة فیجب ترتیبه علی الاستصحاب عند الشّکّ قلنا لا نسلّم تبادر ذلک بل المتبادر جعل أحکام المتیقن السّابق باقیا لا أحکام مورد الیقین والمتیقّن هو عدم المانع ولیس من أحکامه رفع الجنابة وبعبارة أخری الظاهر من الرّوایات کقوله علیه السلام فإنه علی یقین من وضوئه ولا ینقض الیقین بالشّکّ إبقاء الحکم الذی کان مترتّبا علی نفس الیقین السّابق وفی المقام لیس ارتفاع الجنابة من أحکام الیقین بعدم المانع بل یجب فیه انضمام یقین آخر أعنی حصول الإتمام وهذا القسم لیس متبادرا من الرّوایات فإن قلت إنّه لو کان کما ذکرت لم یجز إلاّ ترتب الأحکام الثّابتة للیقین السّابق فعلا وأمّا الأحکام المترتّبة علیه تعلیقا فلا مع أنّ غالب الموارد من هذا القبیل فإنّ استصحاب نجاسة الشّیء یراد منه ترتیب أحکام النجس علیه من نجاسة شیء الذی لاقی معه ونحو ذلک وهذا لیس من الأحکام المترتّبة علی الیقین السّابق بل هو من أحکام الیقین السّابق مع الیقین بتحقق الملاقاة فی خصوص المقام فیکون أصلا مثبتا إذ لا یکفی الیقین السّابق فی ترتّب الحکم بل یلزم فیه من یقین آخر فی خصوص المقام وکذا فی کل استصحاب تعلیقی وهو فی کل مورد کان الحکم للشیء معلقا علی شرط غیر حاصل فی حال الیقین وإنّما یحصل فی حال الشّکّ فی بقاء ذلک الشّیء فبعد استصحابه یراد إثبات الحکم مع أنه لیس حکما لنفس ذلک الشّیء بل لا بد فیه من الیقین بتحقق الشّرط أیضا کالعصیر العنبی فإنّه إذا غلا واشتد ینجس علی قول فإذا تحقق الغلیان وشککنا فی تغییر حالة العنب قبل الغلیان

ص: 76

فباستصحابه یحکم ببقاء العنبیّة ویحکم بالنجاسة مع أنّ النجاسة لیست من الأحکام المترتبة علی العنب الذی کان متعلّق الیقین السّابق بل هو مترتّب علی ذلک مع الیقین بتحقق الغلیان وهکذا فی سائر الموارد فبناء علی ما قررت یلزم عدم حجیّة الاستصحاب فی هذه الموارد مع أنّک قائل بحجیّتها فیها قلت فرق بیّن بین ما ذکرت وما ذکرت إذا الأصل المثبت علی ما عرفت من تعریفه عبارة عن إثبات حکم ثابت لموضوع آخر علی الشّیء المستصحب کعدم المانع فإنّه یراد من استصحابه إثبات ارتفاع الجنابة الذی هو من أحکام وصول الماء إلی البشرة لا عدم المانع إذ لیس فی شیء من أدلة الشّرع أنّ ارتفاع الجنابة من أحکام عدم المانع والحاصل أنّ الذی یثبت بالاستصحاب هو الأحکام المحمولة علی الیقین السّابق شرعا ولو بالحمل التّعلیقی فالنجس ینجس لکن بشرط الملاقاة فالتنجیس من أحکام النجس شرعا وإن کان مشروطا بالملاقاة والعصیر ینجس إذا غلا وهکذا بخلاف عدم المانع إذ لیس الحکم مترتّبا علیه لا تعلیقا ولا تنجیزا هذا فی المانع العقلی أمّا المانع الشّرعی کالجنابة مثلا فیمکن استصحاب عدمه وترتیب الحکم علیه من صحّة الصّلاة وغیرها لأنّ عدم المانع الشّرعی شرط شرعیّ الحکم ومحمول علیه شرعا وقد ذکرنا أن أحکام نفس عدم المانع یترتّب علیه وکذا إذا کان موضوع الحکم شرعا مرکّبا من جزءین فثبت أحدهما بالحس والآخر بالاستصحاب ترتّب الحکم لأنّ المرکب إذا صار عنوانا للحکم صار کل جزء أیضا عنوانا بشرط انضمام الآخر فیصح ترتیب وجوب الحجّ علی استصحاب عدم الدّین مع وجود المال حسا لأنّه مشروط بالاستطاعة التی هی مرکبة من وجود المال وعدم الدّین فیکون عدم الدّین أیضا عنوانا وشرطا بضمیمة وجود المال وبالعکس فلا تغفل فإن موارد الاشتباه کثیرة وقد خلط علی بعضهم حیث زعم أنّ الاستصحاب فی الأمثلة المذکورة فی الإیراد من الاستصحاب التّعلیقی وغیره لا حجیّة فیه لأنّه أصل مثبت وقد عرفت الفرق فتلخّص بما ذکرنا أنّ الأصل المثبت عبارة عن ترتیب الحکم علی غیر موضوعه الشّرعی فإثبات أحکام تأخّر شیء عن شیء بأصالة التّأخّر أصل مثبت لأنّک قد عرفت أن أصالة التّأخر معناها استصحاب العدم السّابق ولیس من أحکامه تأخّر الشّیء عن الشّیء الآخر بل هو من لوازم وجوده الواقعی فی خصوص المقام حیث علم تقدم ذلک الشّیء وحینئذ فلا یمکن إجراء أحکام تأخّر الشّیء عن الشّیء بأصالة التّأخّر فإن قلت قد ذکروا أنه إذا شکّ فی تأخّر موت الأب عن إسلام الابن مع معلومیة تاریخ الإسلام حکم بتأخّر الموت وأن الابن یرث أباه مع وجود الابن المسلم فی حیاة أبیه بالحیاة الیقینی فهل هذا إلاّ إثبات تأخّر شیء عن شیء بالأصل وإثبات أحکامه قلت لا بل الأحکام المترتبة فی المقام إنّما یترتّب علی استصحاب حیاة الأب

ص: 77

إلی زمان إسلام الابن فمحض حیاة الأب موضوع الحکم إلاّ أنه مشروط بشرط هو إسلام الابن فالحاصل أن العنوان الشّرعی له مدخلیّة فی صیرورة الأصل مثبتا وعدمه ولذا ذکروا أنه إذا غسل الید النجسة بالماء ثم علم بأنه کر وشکّ فی أن الکریّة کانت متقدّمة علی غسل الید به أو بالعکس فإن کان تاریخ الغسل معلوما وتاریخ الکریّة مشکوکا حکم بتأخّرها ونجاسة الماء والید لأنّ استصحاب عدم الکریّة حین الغسل یکفی فی ترتیب النجاسة لأن من أحکام الماء القلیل أن ینجس بالملاقاة وإن کان تاریخ الکریّة معلوما وتاریخ الغسل مشکوکا لا یحکم بتأخّره وطهارة الید لأن طهارة الید لیست من أحکام عدم الغسل الذی هو مستصحب بل یلزم فیه إثبات تأخّر الغسل عن الکریّة حتی یترتب الطهارة وقد عرفت أنه لا یجوز إثبات تأخّر شیء عن شیء بها وإجراء أحکام ذلک علیها إذا عرفت هذه المقدّمات علمت عدم جواز إجراء أحکام تأخّر الشّیء عن الشّیء بأصالة التّأخر وأمّا إثبات الحدوث فإن قلنا إنّ الحدوث أمر لازم للعدم السّابق والوجود اللاحق لم یجز ترتیب أحکامه لأنّ العدم السّابق الذی هو مستصحب لیس موضوعا للأحکام وإنّما یراد من استصحابه ترتیب أحکام موضوع آخر مترتب علیه فی خصوص المقام وهو الحدوث حیث علم بتحقق الوجود وإلاّ فالعدم السّابق یمکن تحقّقه بدون الحدوث وإن قلنا إنّ الحدوث مرکب من العدم السّابق والوجود اللاّحق أمکن إثبات أحکامه لأنّ العدم المستصحب یکون عنوانا لأحکام الحدوث لما عرفت من أن الحکم إذا تعلق بمرکب کان کل جزء من أجزائه أیضا عنوانا بضمیمة الآخر وبما ذکرنا من تنقیح المطلب علم فساد التّفصیل الخامس وکذا کل استدلال بأصالة التّأخّر لما عرفت من أنّ إثبات أحکام تأخّر شیء عن شیء بالأصل غیر جائز لکونه أصلا مثبتا وکذا ما ذکر من الحکم بالتقارن عند الجهل بکلا التّاریخین لأنّ التّقارن لیس من لوازم العدم السّابق إلاّ فی خصوص المقام حیث علم تحقّق الوجودین فإذا لم یکن أحدهما مقدما علی الآخر بحکم الأصل ثبت التّقارن وهل هذا إلاّ أصل مثبت لا حجیّة فیه کما بینا

تتمیم

نظیر ما ذکرنا من عدم جواز إثبات الآثار العادیة وأحکام تلک الآثار بالاستصحاب ما ذکره بعضهم فی ردّ من تمسّک بحدیث رفع عن أمتی تسعة علی أن الأصل فی الشّرطیّة والجزئیّة أن یکون فی حال العمد والعلم أو الاختیار أیضا بتقریب أن لیس المراد رفع نفس الأمور التّسعة لکثرة وجود الخطإ فی الأمة وکذا السّهو وأمثاله ولا رفع المؤاخذة بل المراد رفع جمیع الأحکام ولیس المراد الأحکام المحمولة علی نفس الأمور المذکور کوجوب السّجدة علی من سها فی الصّلاة مثلا إذ لا معنی لرفعه ولا الأحکام المقیّدة بحال مخالف الأمور المذکورة کالعمد والعلم کوجوب الکفّارة علی من أفطر فی رمضان عامدا إذ لا معنی لرفعه إذ هو یرتفع بارتفاع موضوعه بل المراد الأحکام المطلقة القابلة للتقیید فجزئیّة السّورة

ص: 78

للصّلاة من أحکامها وجوب الإعادة بترکها فیرتفع ذلک فی حال السّهو والجهل ومقتضاه کون السورة جزء فی حال العلم والذّکر ونحو ذلک وکذا فی الشروط فأورد علیه البعض بأن المراد رفع الأحکام الثّابتة لنفس ذلک الشیء لا الأحکام الثّابتة بتوسّط الوسائط العقلیّة إذ کما أنّ ذلک لا یجوز إثباتها کذا لا یجوز رفعها ووجوب الإعادة لیس من أحکام ترک السّورة حتی یرتفع حال السّهو بل هو حکمه بضمیمة الوسائط من أن ترک السّورة مستلزم لترک الصّلاة المأمور بها فیبقی الأمر بحاله فیجب امتثاله نعم لو قال الشارع من ترک السّورة وجب علیه الإعادة صحّ ما ذکر من ارتفاعه حال السّهو بالحدیث المذکور هذا ثم إنه یشکل الفرق بین الاستصحاب والحدیث المذکور ونحوهما من الأصول التّعبّدیّة وبین البیّنة وخبر الواحد وغیرهما من الأمارات التّعبّدیّة حیث أثبتوا بهما أحکام اللّوازم العقلیّة والعادیة حتی أنه لو شهد الشاهدان بوقوع البیع یوم الأحد مع ثبوت العیب یوم السّبت یحکمون بتأخّره عنه وثبوت الخیار مع أنا ذکرنا أنه لا یجوز إثباته بالاستصحاب وکذا ذکر بعضهم أنه إذا نقل واحد من العلماء فتوی من جماعة الأصحاب فهو خبر واحد وحجة تعبّدا یثبت به قولهم فإذا انضمّ إلیه قول جماعة أخری مما رأیناه فی کتبهم مثلا صار کاشفا عن قول المعصوم ویثبت بذلک حکم الله تعالی فی الواقعة مع أنّ حکم الله تعالی لیس من لوازم ذلک النّقل حتی یترتّب علیه تعبّدا وإنّما هو من لوازمه فی خصوص المقام حیث ضم إلیه أقوال البواقی وصار سببا للکشف عن قول المعصوم علیه السلام فیکون نظیر الأصل المثبت فکیف یجتمع ذلک مع تفیهم الحجیّة الأصل المثبت ویمکن الفرق بأن وجه منع ذلک فی الاستصحاب إنّما هو لأنّ المتبادر من أخباره جعل واحد متعلق بالآثار الشّرعیّة لنفس المستصحب لا جعل متعدّد وهذا الوجه مفقود فی البینة إذا الأدلّة الدالّة علی حجیّتها دالة علی حجیّة کل ما کان مدلولا لقول البیّنة حتی المدلول الالتزامی لعدم الدلیل علی اختصاص الحجیّة بالمدلول المطابقی لدلالة الأدلّة علی أنه یجب تصدیق البیّنة فی کل ما أخبر به بمعنی أنه فیجعل فی حقنا جمیع الأحکام الشّرعیّة الثّابتة لما أخبر به البیّنة ومن جملته المدلول الالتزامی فینجعل أحکامه الشّرعیّة وبالجملة أحکام المدلول المطابقی والالتزامی فی عرض واحد لا أن نقول إنّ الذی ینجعل أولا هو آثار المدلول المطابقی ومن جملة تلک الآثار المدلول الالتزامی ومعنی جعله جعل أحکامه حتّی یقال إنّه لا یفترق مع الأصل المثبت فافهم لکن هذا إنّما یتمّ فی المدلول الالتزامی الذی قصده المتکلّم بکلامه وإلا فلا إذ لا یصدق حینئذ أنه مما أخبر به البیّنة حتّی ینجعل أحکامه بل لو ترتب الحکم علیه فإنّما هو للملازمة فیکون نظیر الأصل المثبت ولا حجیّة فیه ولهذا لم یقولوا

ص: 79

بکفر الأشاعرة مع أنهم یجوزون الرؤیة وهی ملازمة للجسمیّة والقول بها کفر وبهذا یشکل ما ذکره البعض من إثبات حکم الله بنقل واحد من العلماء فتوی جماعة من العلماء مع ضم قرائن أخر فإن حکم الله لیس مترتبا علی المدلول المطابقی لما أخبر به الناقل ولا للمدلول الالتزامی له بل هو یثبت به بضمیمة المقدمات الخارجیّة فیکون نظیر الأصل ثبوت المثبت وحجیته فی المقام مشکل فافهم

تنبیه

لا بدّ أن بعلم أن جمیع ما ذکر من عدم ترتیب آثار اللّوازم العادیة والعقلیّة إنّما هو مبنی علی القول بحجیّة الاستصحاب تعبدا وأمّا علی القول بحجیته لإفادته الظنّ فیترتب علیه لعدم انفکاک الظنّ بالملزوم عن الظن باللاّزم فإذا ظن بعدم المانع ظن بوصول الماء إلی البشرة أیضا لکن حجیّة الظن تابع لکون اللاّزم مما یکفی فیه الظنّ ولا یلزم فیه العلم وإلاّ فلا لجواز حجیّة الظّنّ فی الملزوم وعدم حجیّته فی اللاّزم کالظّنّ بالقبلة المستلزم للظّنّ بدخول الوقت فإنّ الأوّل حجة دون الثّانی وعلی فرض حجیّة الظّنّ فی اللازم لا بدّ فی حجیته من اتحاده مع الظنّ الحاصل بالملزوم نوعا وفعلا فلو کان اللاّزم مما یلزم فی إثباته الظّنّ الفعلی لا یکفی فی حجیّته حصول الظّنّ النوعی باستصحاب الملزوم وهکذا فلا بدّ من تمیز الموارد فإن قلت إذا حصل الظّنّ باللاّزم فترتب أحکامه علیه إنّما هو لحصول الظّنّ به لا الاستصحاب الملزوم فلا دخل له بما نحن فیه قلت نعم لکن الظّنّ الحاصل باللاّزم إنّما هو بتبعیّة الظنّ بالملزوم ففی الحقیقة یترتب علی الظّنّ بالملزوم أحکام اللازم لکونه سببا لحصول الظّنّ به ولو قطع النظر عن استصحاب الملزوم لکان المظنون عدم تحقق اللاّزم کوصول الماء فإنّ الأصل عدمه مع قطع النّظر عن استصحاب عدم المانع لکن بعد استصحاب عدم المانع وحصول الظّنّ به یرتفع الظّنّ بعدم الوصول ولا یعارضه استصحاب عدم الوصول لأنّه تابع والاستصحاب فی المتبوع وارد علی استصحاب عدم التّابع وهو ظاهر ثم إن الثّمرة لا تنحصر فی ترتّب آثار اللّوازم العادیة والعقلیّة بل یظهر فی ترتّب الملزوم لو کان للمستصحب ملزوم سواء کان شرعیّا أو غیره وکذا فی اللاّزم والمقارنات الاتّفاقیّة فعلی التّعبد لا یثبت شیء مما ذکر لما عرفت لکن علی الظّنّ یمکن إثبات بعضه وفیه تفصیل فنقول أمّا الملزوم فلا شبهة فی أنّ الظّنّ باللاّزم یستلزم الظّنّ به کاستصحاب طهارة المائع الکر المردد بین المطلق والمضاف مع وقوع نجاسته فیه فإنّ الظّنّ بطهارته یستلزم الظّنّ بکونه مطلقا وأمّا الملازم فیمکن فی بعض موارده ففی المثال المذکور یمکن حصول الظّنّ برفع الحدث بالوضوء بالمائع المذکور إذ الظّنّ بالطّهارة یوجب الظّنّ بکونه مطلقا وهو یوجب الظّنّ برفع الحدث ورفع الحدث والطّهارة لازمان لإطلاق الماء وقد لا یمکن بأن لا یکون الملزوم علة تامّة لهما بل کان مقتضیا فلا یلزم من حصول الظّنّ بأحدهما الظّنّ

ص: 80

بالآخر لجواز انفکاکهما بعدم المانع فی أحدهما فیؤثر المقتضی ووجوده فی الآخر وأمّا المقارن کطهارة أحد الإناءین المشتبهین فإنها مقارنة لنجاسة الآخر للعلم الإجمالی بنجاسة أحدهما فلا یحصل الظّنّ فی أحد من الجانبین لمعارضته بالجانب الآخر نعم یمکن ذلک لو لم یکن الحالة السابقة فی أحدهما معلومة کالإناءین الذین علم مائیّة أحدهما وشکّ فی الآخر هل هو بول أو ماء ووقع النجاسة فی أحدهما فیستصحب طهارة المعلومة المائیّة ویظن بنجاسة الآخر لعدم کونه معارضا بالمثل وکذا إذا کان بحالة السّابقة فی أحدهما موافقا للعلم الإجمالی کما لو علم وجود زید أو عمرو علی سبیل منع الجمع والخلوّ فی یوم الأحد وعلم وجود زید وعدم عمرو یوم السّبت فیستصحب وجود زید ویحکم بعدم عمرو یوم الأحد ولا یعارضه شیء هذا کلّه بالنسبة إلی حصول الظّنّ ما حجیته وکیفیته من الفعلی والنوعی فهو تابع لمورده علی ما عرفت والحق أن الأصل فی اللّغات حجة من باب الظنّ لا التّعبّد فیکون الأصل المثبت حجة فیها مضافا إلی أنّ جمیع الأصول الجاریة فی اللّغات أصول مثبتة کأصالة عدم الوضع وعدم القرینة ونحوهما فلو لم یکن حجّة لانسدّ باب إثبات اللّغات هذا ولنقتصر من الکلام فی المقام علی ما بینا ولنرجع إلی ما کنا فیه فنقول قد ثبت ممّا ذکرنا عدم إثبات التّقارن بأصالة التّأخر لعدم إفادة أصالة عدم التّقدّم الظّنّ لعدم غلبة فی البین کما بینا هذا الکلام فی تعارض العرف واللّغة وأمّا الکلام الثّانی أعنی تعارض عرف المتکلّم والمخاطب ومع عرف البلد أیضا فقیل یحمل علی عرف المتکلّم لأنّه موضوع له عنده فلو حمل علی عرف المخاطب لکان مجازا وقیل یحمل علی عرف المخاطب لأنّه ظاهر عنده والخطاب بما له ظاهر وإرادة غیره إغراء بالجهل وکلاهما باطلان أمّا الأوّل فلعدم کونه مجازا لو حمل علی مصطلح المخاطب إذ لیس استعماله فیه استعمالا فی غیر ما وضع له عند المتکلّم من حیث إنه غیر ما وضع له بل هو استعمال فیما وضع له عند المخاطب من حیث إنّه موضوع له فیکون حقیقة وأمّا الثّانی فلأنّا نفرض المخاطب عالما باصطلاح المتکلّم فلا یکون إرادة الموضوع له فی عرف المخاطب ظاهرا عند المخاطب ولهذا قیل إن قام قرینة عقلیّة علی الحمل علی أحدهما فهو کما إذا کان المتکلّم جاهلا فعرف المخاطب فحینئذ لا یمکن الحمل علی عرف المخاطب کما إذا کان المخاطب جاهلا بعرف المتکلّم مع علم المتکلّم بجهله فإنّه یجب الحمل علی العرف المخاطب للزوم الإغراء بالجهل وإلاّ وجب التّوقّف والرجوع إلی الأصول العملیّة فلو قال الإمام وهو مدنیّ الکر ألف وماتا رطل والمخاطب عراقی فمقتضی الأصل طهارة مقدار ذلک من الرطل العراقی وعدم نجاسته بالملاقاة لأصالة الطّهارة وأمّا فی مسألة الزّکاة فمقتضی الأصل عدم وجوبه إذا وصل إلی مقدار النّصاب بالرطل العراقی لأصالة البراءة وهکذا وقیل إنّ فی صورة عدم القرینة

ص: 81

یحمل علی عرف المتکلّم لأنّه عادته فی التّکلّم ومقتضی الغالب تکلمه بمقتضی عادته نعم لو انتقل إلی بلد مخالف له فی الاصطلاح وکان اللّفظ من ألفاظ الأوزان والمقادیر الکثیرة الاستعمال فی ذلک البلد مع طول مکثه فیه حمل علی عرف البلد للغلبة أیضا وهو حسن والمدار فی ذلک علی الظّنّ فإن حصل وإلاّ فالتّوقّف

فرع

إذا تعدّد المخاطبون ولکل اصطلاح لم یجز حمله بالنسبة إلی کل مخاطب علی عرف بل دار الأمر حینئذ بین حمله علی عرف المتکلّم وأحد المخاطبین ومقتضی ما ذکرنا أن المدار علی الظّنّ والتّوقّف فیما لم یحصل وقال العلامة رحمه الله إنّه یجب حمله بالنسبة إلی کل مخاطب علی عرفه مستدلا بدلیلین أحدهما لزوم الإغراء بالجهل لو لم نقل بذلک لظهوره عند کلّ منهم فی عرفه فإرادة غیره منه إغراء بالجهل والثّانی أنه لو لم یکن ذلک فإمّا یراد منه بالنسبة إلی کل مخاطب جمیع المعانی أو یراد من الجمیع معنی معیّن منها أو یراد معنی خارج عن عرف الجمیع والأول باطل للقطع بأنّه لیس المراد من کل واحد إلاّ معنی واحد وکذا الثّانی للزوم التّرجیح بلا مرجّح وکذا الثّالث للزوم ترجیح المرجوح وهو فاسد بکلا الدّلیلین أمّا الأوّل فلما عرفت من أنه لا یلزم ذلک عند علم المخاطب وإلا لزم حمل کل کلام صدر من کل متکلّم علی مصطلح المخاطب ولو کان المتکلّم هو الشّارع مع أنّه خلاف ما هو معروف عند القوم کما سنشیر إلیه وأمّا الثّانی فیعلم بطلانه من إبطال أصل المدّعی بثلاثة وجوه الأول أنه استعمال اللّفظ فی أکثر من معنی واحد وهو فاسد والثّانی أنه ینافی أدلّة اشتراک التّکلیف إذ مقتضاها اتحاد جمیع أفراد عنوان کان موضوعا لحکم فی ذلک الحکم کأفراد المسافر والحاضر بل اتحاد جمیع المکلفین فی الحکم فالمسافر حکمه حکم الحاضر لکن لو صار حاضرا وبالعکس وهکذا واختلاف العرف لیس موجبا لاختلاف العنوان فمقتضی الأدلّة أن یکون حکم جمیع المخاطبین متّحدین فی الحکم ولو سلم اختلاف العنوان أیضا غایة الأمر أنّ أحد الأحکام فعلی والباقی مشروط بحصول العنوان فیه وحینئذ فلو حمله کلّ مخاطب علی عرفه ثبت ذلک المعنی فی حق الباقین أیضا ولو مشروطا فیراد من کل مخاطب جمیع المعانی وقد حکمت ببطلان ذلک لا یقال إنّ اختلاف الأحکام باختلاف الأسماء غیر عزیز حتی أنّه قیل الأحکام تدور مدار الأسماء لأنّا نقول إنّ ذلک إنّما هو فی اختلاف المسمّی بدخوله تحت مسمّی آخر کالعذرة تصیر رمادا والخمر خلاّ والمکیل معدودا والمعدود مکیلا لا بمحض اختلاف الاصطلاح ولهذا قیل الأحکام لا تتغیر بتغیر الأسماء وإلاّ فلو صار الحنطة مسمّی باسم الخمر وجب أن یصیر حراما وبالعکس وهکذا ولا یخفی وضوح بطلانه الثّالث أنّ غیر المخاطب حکمه أی معنی من المعانی فالجمیع مع أنه غیر مراد قطعا لو لم تقل به فی المخاطبین

ص: 82

واحد المعانی ترجیح بلا مرجّح والقول بأنّ العراقیین حکمهم حکم المخاطب العراقی والمدنیین حکم المدنی مع أنه لا دلیل علیه لا یثبت حکم من لم یکن له عرف من سائر المکلفین ویمکن حمل کلام العلامة علی صورة تعدّد الخطاب أیضا کالمخاطب إلاّ أنّه مع عدم موافقة أدلته علیه ینافی أدلّة الاشتراک بل مقتضاها أن یکون المراد من الجمیع معنی واحد

تتمیم

ربما یفهم التّناقض بین قول المعروف بالتوقف فی تعارض عرف المتکلّم والمخاطب وبین ما ذکروه فی الحقیقة الشرعیّة من أنّه إن ثبت الوضع للمعنی الشرعی حمل اللّفظ علیه وإلاّ فعلی اللّغوی حیث یفهم منه وجوب الحمل علی المعنی الشرعی علی فرض الثّبوت حتی لو کان المخاطب له عرف غیر عرف الشارع ویمکن دفعه بوجهین أحدهما أنّ الکلام ثمة إنّما هو فی بیان الثّمرة علی القول بثبوت الحقیقة الشرعیّة وعدمها وأنه لو ثبت وجب حمل اللّفظ علیها لو خلی وطبعه لأنّها الموضوع له مع قطع النّظر عن شیء آخر مما یکون صارفا عن جملة علیها فلا ینافی التّوقّف بالنّسبة إلی ملاحظة أن للمخاطب عرفا آخر ویؤیّده ما ذکروه أنه إذا لم یثبت الحقیقة الشرعیّة حمل علی اللّغوی مع أنه قد یکون المعنی الشرعی مجازا مشهورا وقد ذهبت جماعة إلی التّوقّف وعدم ترجیح الحقیقة علیه ومع ذلک فکیف یحمل علی المعنی اللّغوی فالغرض بیان فائدة الوضع مع قطع النّظر عن الصارف والثّانی أنه لا دخل له بتعارض العرفین لأنّ الوضع الشرعی علی القول بثبوته طارد ناسخ للعرف السّابق فلیس هناک لا عرف الشارع فیحمل علیه أمّا طریانه فظاهر وأمّا کونه ناسخا فلأن الوضع إمّا تعیّنی أو تعیینی فعلی الأول لا بدّ فیه من کثرة الاستعمال عند الشارع وتابعیه وکلما ازداد المعنی الشرعی قربا ازداد المعنی العرفی بعدا وإذا وصل الأوّل إلی حد الوضع خرج الثّانی عن حدّه وعلی الثّانی فحکمة الوضع تقتضی أن یکون الشارع الواضع وضع اللّفظ للمعنی الشرعی بحیث لا یکون الغیر موضوعا له لأنّ الغرض من الوضع تسهیل أمر التّفهیم والتّفهم بعدم الحاجة إلی نصب القرینة مضافا إلی أنّ القرائن ربما تخفی بمرور الدّهور فیحمل علی غیر المراد فلو کان مع المعنی الشرعی معنی غیره أیضا بحیث کان اللّفظ مشترکا لکان الاحتیاج إلی القرینة أکثر لوجوب نصبها فی کل من المعنیین وهی مناف لحکمة الوضع کذا قیل وأورد علی الأوّل بأنه إنّما یدلّ علی النّسخ بالنسبة إلی من کثر استعمال اللّفظ عنده أمّا غیرهم کالنائین عن بلد الشّارع ونحوهم فلا نفرض الکلام فیما إذا وقع التّخاطب معهم وعلی الثّانی بأنا لا نسلم کون ذلک حکمة الموضع فلعلّها شیء آخر وأقول الإیراد الأوّل حسن لکن الثّانی ظاهر البطلان لما یظهر من استقراء أرباب الحرف والصنائع وغیرهم حیث إن غرضهم من أوضاع الألفاظ المستعملة عندهم فی المعانی الخاصّة لیس إلاّ تقلیل المئونة والاحتیاج إلی القرینة والأولی فی تقریر الدفع الثّانی للتّناقض أن یقال إن کون

ص: 83

الوضع الشرعی ناسخا للعرفی یمکن بوجهین أحدهما أن یکون الغرض أن لا یکون المعنی العرفی معنی للّفظ أصلا والثّانی أن یکون الفرض أن لا یکون للّفظ فی مقام بیان الشریعة إلاّ المعنی الخاصّ والمراد هو الثّانی فإنّ کل من یوضع اللّفظ للمعنی فی اصطلاح غرضه أن لا یستعمل فی ذلک الاصطلاح إلاّ فی ذلک المعنی فالفعل إذا استعمل فی اصطلاح النحو لا یراد منه إلاّ المعنی الاصطلاحی فالمعنی اللّغوی منسوخ بالنسبة إلی الاصطلاح الخاصّ فکذا اصطلاح الشّارع فإذا استعمل الشارع اللّفظ فی مقام الشریعة لا یرید منه إلاّ المعنی الشرعی لحکمة الوضع وکلّ من یکون مخاطبا له فی ذلک یکون تابعا له نعم لو تکلّم فی غیر مقام الشریعة حمل علی المعنی العرفی کما أن یتخاطب مع النّحوی فی صناعة النّحو یکون تابعا فی اصطلاحه وإن تکلّم معه فی غیره حمل علی مقتضی العرف فالحاصل أنّ اللّفظ الّذی له حقیقة شرعیّة إن استعمله الشارع فی مقام بیان الشریعة حمل علی المعنی الشرعی ولم یکن له معنی سوی ذلک کما فی کلّ أهل اصطلاح إذا تکلّم فیما یتعلّق باصطلاحه وإن استعمله فی غیر ذلک حمل علی العرفی ولا توقف فی شیء من المقامین فالمسألة خارجة من محلّ النزاع فی تعارض عرف المتکلم والمخاطب وأمّا حکایة الرّطل إذا تکلّم به الإمام فلا دخل له بذلک إذا الإمام لیس له فیه اصطلاح خاصّ وصناعة خاصّة بحیث لا یکون للّفظ فی ذلک الصناعة إلاّ المعنی الواحد إذ لیس الرطل مما ثبت فیه الحقیقة الشرعیّة بل الوضعان کلاهما ثابتان عند الإمام غایة الأمر أنّ أحدهما لسانه وعرفه والآخر لیس عرفه فلا دخل له بالحقیقة الشرعیّة فافهم ثم إنّ ما ذکره بعضهم من الفرق بین ما إذا وقع اللّفظ الّذی له معنی شرعی بعد النّهی فیحمل علی المعنی اللّغوی أو العرفی دون الشرعی وبین ما لو وقع فی مقام آخر فیحمل علی المعنی الشرعی إذ المعنی الشرعی هو الصحیح والصحیح عبارة عن ما یطابق الأمر فلا یمکن تعلق النّهی للزوم اجتماع الأمر والنّهی ففساده أظهر من أن یحتاج إلی البیان إذ لا نسلم أن المعنی الشرعی هو الصحیح ومع التّسلیم یمکن إرادة الأعمّ مجازا ومع التّسلیم لا نسلم کون الصحیح عبارة عما یطابق الأمر کما سیظهر فیما سیذکر إن شاء الله

المقام الثّانی فی بیان أن الضّابط فی الحمل علی المجاز ما ذا

فنقول لا شبهة فی أن المدار فی الحمل علی المجاز قبالا للحقیقة وجود القرینة الصارفة عن المعنی الحقیقی والقرینة إمّا حالیّة أو مقالیّة لا تتعدّاهما والقرینة العقلیّة والغلبة ونحوهما راجعة إلی الحالیّة فإنّه إذا شاع استعمال اللّفظ فی المعنی المجازی فحال المتکلم یقتضی إرادته من اللّفظ جریا علی عادته وکذا العقلیّة وإن احتاج إرجاعها إلی الحالیّة إلی نوع تحمل واختلف فی أنّه یجب أن یکون الکلام مع ما یلحقه من القرائن ظاهرا بالظهور الفعلی فی إرادة المجاز حتی یحمل علیه أو یکفی کونه ظاهرا

ص: 84

فیه نوعا کاختلافهم فی الحمل علی الحقیقة والمختار فی المقامین واحد وهو أن المدار ظهور الکلام نوعا مع ملاحظة القرائن المکتنفة فی إرادة المجاز ولا یضر ارتفاع الظّنّ الفعلی بسبب ملاحظة الأمور الخارجة کظهور الأمر الواقع عقیب الحظر فی رفع الحظر نوعا فیحمل علیه حتی لو ارتفع الظّنّ فعلا بسبب قیاس أو شهرة أو غیرهما مما لا یحتمل استناد المتکلّم إلیه فی إفهام مراده وعلی ذلک جری عادة العرف وسیرتهم وهو من الظّنون الخاصة المعلوم حجیّته بالإجماع والتّقریر علی ما عرفت سابقا فی بیان ضابط الحمل علی الحقیقة فإنّ الإجماع المدعی ثمة إنّما هو علی الحمل علی المعنی الّذی یکون الکلام ظاهرا فیه حقیقة کان أو مجازا ثم إنّ ذلک إنّما هو فی مقام الحمل علی المجاز قبالا للحقیقة وأمّا تعیین المراد فهو مقام آخر فنقول إن اتحد المجاز فلا إشکال وإن تعدّد فهو علی قسمین إذ المراد بالمجاز فیما نحن فیه ما یحتاج فهمه من اللّفظ إلی القرینة فیشمل المجاز والتّخصیص والتّقیید والإضمار والنسخ فإما یدور الأمر بین نوعین منها أو بین شخصین من نوع واحد ولکل مقام یجب المتکلّم فیه وهذا هو الّذی یسمیّه الأصولیّون بتعارض الأحوال یریدون به دوران الأمر فی المراد بین واحد من الأمور المذکورة وأمّا مثل الاشتراک والنّقل فهو خارج عن محلّ الکلام إذا الکلام إنّما هو فی تمییز المراد لا فی تمییز الحقیقة عن المجاز فإنّ ذلک قد مضی الکلام فیه مفصّلا فما ذکره بعضهم من دخولهما فی تعارض الأحوال لا وجه له وقبل الخوض فی المبحث لا بأس بتحقیق القول فی أن المدار فی القرینة علی أیّ شیء دفعا لما توهّم من المنافاة بین کلماتهم فی المقام فنقول قد ذکرنا أنّ المدار فی الحمل علی المجاز ظهور الکلام مع ما یلحقه من القرائن المکتنفة عرفا فی إرادة المجاز فلا عبرة بالأمور الخارجة إذا ارتفع بسبب الظّنّ الفعلی ولهذا ذکر بعض المحقّقین أنّ الأمور الغیر المعتبرة کالشّهرة والقیاس علی القول بعدم حجیّتهما وکذا فهم الأصحاب لا ینجبر بهما ضعف سند الخبر ودلالته إذا المدار هو ظهور الکلام فی المراد بنفسه أو بالقرائن المکتنفة فالشّهرة القائمة فی المسألة أو فهم الأصحاب من الخبر معنی لا یجعل الخبر ظاهرا فی المعنی أمّا الأوّل فظاهر وأمّا الثّانی فلأنّ فهم الأصحاب لا یمکن أن یکون قرینة فی نظر المتکلّم لتأخّره عنه بمدة وأورد علیه بأنّهم قد ذکروا أنّ المدار فی القرینة أن یکشف عن المراد ولو ظنّا لحجیّة الظّنّ فی المقام وقسموا القرینة إلی متّصلة ومنفصلة ومقتضی مجموع ذلک أنّ کلّ ما یکشف عن المراد ولو ظنّا فهو قرینة متّصلا کان أو منفصلا وفهم الأصحاب یکشف عن المراد ظنّا فیکون قرینة ولا یضر انفصاله ولو سلم فنقول إنّه یکشف عن وجود القرینة حین التّکلّم ولو ظنّا والظّنّ بوجود القرینة حجة لرجوعه

ص: 85

إلی الظّنّ بالظّهور اللّفظی إذا الظّهور إمّا مستند إلی الوضع أو إلی القرینة والأوّل یکفی فی ثبوته الظّنّ والثّانی إمّا أن یکون نفس القرینة معلوما وکشفها ظنی وإمّا أن یکون کشفها علی فرض الوجود معلوما ووجودها مظنون أو یکون کلاهما مظنونا والظّنّ فی الجمیع حجّة لأنّه ظنّ بالظّهور اللّفظی وقد أطبقوا علی حجیّته وکذا الکلام فی الشّهرة والقیاس أقول المراد بما ذکروه فی تقسیم القرینة إلی المتّصلة والمنفصلة الاتّصال بمعنی عدم الاستقلال کالاستثناء والوقوع عقیب الحظر والانفصال بمعنی الاستقلال کقوله لا تکرم زیدا بعد أکرم العلماء لکن یشترط أن یکون موجودا حین التّکلّم حاضرا فی ذهنه بحیث لو أراد لذکره لا ما یوجد بعد مدة کالشّهرة فی المسألة ونحو ذلک فإنّه فما لا یتصور استناد المتکلّم إلیه فی الإفهام والظّنّ بوجود القرینة لا نسلّم حجیّته ولا یرجع إلی الظّنّ بالظّهور إذا المراد به الظّنّ بدلالة اللّفظ بعد تحقّق الدّالّ علما وأمّا إثبات نفس الدّالّ بالظّنّ فلا دلیل علیه ودلیل الانسداد لا یجری فی المقام لأنّه إنّما یجری لو علم أنّ بعض الخطابات مما اقترن به القرینة إجمالا ولم یتمیز إلاّ بالظّنّ ولیس کذلک وحینئذ فأصالة الحقیقة المحکمة لما عرفت من أنّ المدار فی الحمل علی الحقیقة الظّهور النّوعی ولا عبرة بالأمور الخارجة الغیر المعتبرة مما یوجب ارتفاع الظّنّ فعلا بإرادة الحقیقة ونظیر ما ذکرنا ما ذکروه من أنّه إذا حصل الظّنّ بالحکم بسبب الظّنّ بالموضوع فیه الخارجی لا حجیّة فیه کما إذا حصل الظّنّ بالحرمة بسبب الظّنّ بأنّ المائع الموجود بول وکذا ما ذکروه من أنه إذا نقل العادل روایة فهو حجة أمّا إذا حصل الظّنّ بسبب الشّهرة الغیر المعتبرة بأن العادل نقل الخبر فلا حجیّة فیه لاشتراط العلم بالنقل فی حجیّة خبر العادل فإذا نرجع ما کان فیه ونقول إنّه إذا قام قرینة علی عدم إرادة الحقیقة ودار الأمر بین الأمور المذکورة فاختلفوا علی أقوال الأوّل التّوقّف لعدم وجود المرجح والثّانی جواز التّرجیح بأیّ شیء کان ولو اعتباریّا فالتّخصیص مقدّم علی المجاز لکونه أتمّ فائدة والإضمار علی المجاز لأنّه أوجز ونحو ذلک وأرجعوا ذلک إلی القرائن الحالیّة فإن حال الشّخص العاقل الحکیم یشهد بأنّه فی مقام إظهار مراده یلاحظ الأکمل والراجح ولا یرجح المرجوح خصوصا إذا وقع فی کلام الشّارع والثّالث أنّه یجوز التّرجیح بخصوص الغلبة دون الأمور الاعتباریّة وهو الحق لما عرفت سابقا من عدم جواز إثبات الوضع بالظّنون اللّمیّة وکذا نقول مثله فی تمییز المراد إذ لا نعلم أن المتکلّم اعتبر هذه الأمور إذا المقصود فی المتکلّم عرفا هو بیان مطالبهم وأمّا ملاحظة هذه النّکات فلا والشّارع أیضا طریقه فی التّکلّم طریق العرف مضافا إلی أن مقتضی الفصاحة عدم ملاحظة هذه الأمور لعدم تفطّن المخاطبین لها والتّکلّم مع الغبیّ علی نحو المتکلّم مع الزّکیّ خلاف البلاغة ولهذا

ص: 86

قیل إن هذه الوجوه الاعتباریّة مظنّة التّرجیح والمعتبر هو ما کان مأنة للتّرجیح والمراد بالأوّل شأنیّة التّرجیح وبالثّانی فعلیّته کالغلبة فبالجملة المدار فی التّرجیح هو الغلبة وأمّا تفصیل أقسام التّعارض بین النوعین منها فالأوّل تعارض النسخ مع الأربعة الباقیة وقد ذکروا وجوب تقدیم غیره علیه لوجوه أحدها ندرة النّسخ وغلبة غیره والثّانی أنه إذا عارض مع التّخصیص دار الأمر بین رفع الید عن ظهور العام فی العموم ورفع الید عن ظهور الحکم فی التّأبید أقوی من ظهور العام فی العموم کذا قیل وفیه نظر لأنّ ظهور العام فی العموم وضعی وظهور الحکم فی التّأبید إنّما هو لإطلاقه وظهور المطلق فی جمیع الأفراد إنّما هو لحکم العقل بأنّه متی لم یبیّن القید کان المراد لجمیع والظّهور الوضعی أقوی وهو کالبیان للقید فإذا قال لا تکرم زیدا بعد قوله أکرم العلماء واحتمل التّخصیص والنسخ فإن حملناه علی التّخصیص لم یقید الإطلاق بالنسبة إلی الأزمان وإن حملناه علی النّسخ لم یخصّص العام ولما کان ظهور العام فی العموم وضعیّا یحمل علیه بمقتضی وضعه ویقید الإطلاق ولا یعارضه حکم العقل بالإطلاق لأنّه مشروط بعدم القید فإذا ثبت القید بالدلیل لم یبق حکم للعقل کما قیل بتقدیم النّهی فی مسألة اجتماع الأمر والنّهی لأنّ دلالته علی العموم وضعی ودلالة الأمر علیه إطلاقی الثّالث الأخبار الدالة علی عدم وقوع النّسخ فی الشّریعة نحو حلال محمّد صلی الله علیه وآله حلال إلی یوم القیامة إلخ ونحو حکم الله علی الأوّلین والآخرین سواء فمتی ثبت النّسخ بالدّلیل فهو وإلاّ بقی تحت الأخبار المذکورة کذا قیل وفیه أنّ المراد فی الأخبار إمّا نفی النّسخ الشّریعة نوعا بشریعة أخری أو نفی نسخ الأحکام الثّابتة للموضوعات وعلی الأوّل لا دخل له بالاستدلال هو ظاهر وعلی الثّانی أیضا کذلک إذ المراد أنّ الحکم الثّابت لموضوع لا یتغیّر بتغیر الأزمنة بأن یکون حکم الغائبین مخالفا مع حکم الحاضرین من حیث کونهم غیر الحاضرین وأمّا عدم تغیّره بتغیّر المصلحة والمفسدة المغیّرة للموضوع واقعا فلا دلالة فیها علیه فالأحسن هو التّمسّک بندرة النّسخ لما عرفت من أنّ المدار فی التّرجیح فی المقام علی الغلبة ثم إنّهم فصّلوا فی تعارض النّسخ والتّخصیص تفصیلا وهو أنّه إن کان الخاصّ مقدّما علی العام وجب القول بکون العام ناسخا له ولا یمکن جعل الخاصّ مخصّصا للعام لعدم جواز تقدیم البیان علی المبین وأورد علیه بجواز تقدیم ذات البیان وتأخیر وصف المبیّنة وإن کان الخاصّ متأخّرا فإن کان قبل حضور وقت العمل بالعام وجب جعله مخصّصا لعدم جواز النّسخ قبل وقت العمل وإن کان بعده وجب جعله ناسخا لعدم جواز تأخیر البیان عن وقت الحاجة وإن وقع العام فی کلام النّبیّ صلی الله علیه وآله والخاص فی کلام الإمام ففیه إشکال إذ لا یمکن جعله ناسخا لعدم جواز النّسخ بعد انقطاع الوحی إجماعا ولا مخصّصا لعدم جواز تأخیر البیان عن وقت الحاجة ولا

ص: 87

یمکن جعله کاشفا عن سبق البیان إذ من البعید أن النّبیّ صلی الله علیه وآله بیّنه وخفی علی الجمیع إذ المفروض عدم ذکر الخاص فی غیر کلام الإمام وذکر بعضهم أنه یجوز جعله مخصّصا ونلتزم جواز تأخیر البیان عن وقت الحاجة لحکمة اقتضت إخفاء المخصّص علیهم وجعل العموم حکما ظاهریّا لهم إذ لم یکن الفرد المخرج مرادا من العام أوّلا لکن أخفی الخروج لمانع عن إظهاره أو حکمة فی ذلک وفیه إشکال الثّانی تعارض التّخصیص والتّقیید وبما ذکرنا من أن ظهور العام وضعی وظهور التّقیید إطلاقی وأنّ الأوّل یقدّم علی الثّانی عرفت لزوم تقدیم التّقیید علی التّخصیص ومثلوا لذلک بقوله تعالی أوفوا بالعقود فإنّ ثبوت الخیار للغبن فی الجملة لا إشکال فیه إنّما الخلاف فی أنّه فوری أو متراخ فقیل بالثّانی لاستصحاب الخیار وقیل بالأول لدوران الأمر بین جعل الخیار متراخیا وإخراج البیع المغبون فیه عن عموم العقود الواجب الوفاء بها وبین جعله فوریّا وتقیید إطلاق لزوم الوفاء بغیر الحالة الآنیة المتعقبة بالعلم بالغبن والتّقیید مقدم علی التّخصیص فیثبت الفوریّة وبعده لا یجری الاستصحاب لأنّه مناف مع عموم الآیة کما عرفت ورده بعض المحققین بأنّ الآیة لیست موردا لتعارض التّقیید والتّخصیص لأنّ إطلاق اللّزوم المستفاد من الآیة یفید العموم بالنسبة إلی جمیع الأزمان فإن کان العموم المستفاد منه عمومیّا مجموعیّا یکون المعنی یجب الوفاء الدائم بکلّ عقد فیکون لکل عقد حکم واحد هو وجوب الوفاء المستمر فإذا ثبت الخیار لبیع المغبون فی الجملة فقد ارتفع الحکم المذکور عن هذا العقد إذ لا یجب فیه الوفاء المستمر فیخصّص به عموم العقود سواء ثبت التّراخی أو الفور وحینئذ فیجوز التّمسّک للتّراخی باستصحاب الخیار وإن کان العموم المستفاد منه عموما أفرادیّا یکون المعنی یجب الوفاء بکل عقد فی کل زمان فیکون لکل عقد أحکام متعدّدة بحسب تعدّد أجزاء الزّمان فوجوب الوفاء فی الزّمان الأوّل غیره فی الزمان الثّانی فإن قلنا بثبوت الخیار فورا خصّص العموم المذکور بالنّسبة إلی الزمان الأول وإن قلنا بکونه متراخیا خصّص العموم بالنّسبة إلی جمیع الأزمان وخصّص عموم العقود أیضا ولا یمکن التّمسک للتّراخی باستصحابه إذ إثبات الخیار فی الزمان الثّانی تخصیص آخر یحتاج إلی دلیل والحکم الثّابت فیه غیر الثّابت فی الأول فبارتفاع أحدهما لا یرتفع الآخر وبالجملة الأمر فی الآیة إمّا منحصر فی التّخصیص وذلک إذا قلنا بإفادة العموم المجموعی أو دائر بین تخصیص واحد وأکثر وذلک إذا قلنا بإفادة العموم الأفرادی وعلی الأوّل یمکن استصحاب الخیار دون الثّانی فالمثال الأصحّ لمورد تعارض التّقیید والتّخصیص هو ما إذا تعلق حکم بمطلق وآخر بعام وکان بینهما تناف کما لو قال أکرم العلماء وإن ضربک رجل فلا تکرمه فلا بد إمّا من تقیید الرّجل بغیر العالم أو تخصیص العلماء بغیر الضّارب لا إذا تعلق حکم مطلق بعام کالآیة هذا

ص: 88

حاصل ما أفاده والحق أنّ الآیة لیست موردا لتعارضهما لا لما ذکره وأن التّمسک بالاستصحاب باطل مطلقا وذلک لأن مقتضی الأمر فی الآیة هو وجوب الوفاء فی الجملة وأمّا الإطلاق المقتضی للعموم فإنّما هو لحکم العقل بأنّه متی لم یذکر القید فالمراد هو الجمیع وأدلّة إثبات الخیار أیضا دالّة علی ثبوته فی الجملة فلا تعارض بینهما وبین الآیة مع قطع النظر عن الإطلاق إذ لا تعارض بین المهملتین کما یقال الحیوان ناطق والحیوان غیر ناطق والإنسان ضاحک والإنسان غیر ضاحک فعموم العقود سالم عن المعارض ولا وجه لتخصیصه إنّما التّعارض بین إطلاق الآیة وأدلّة ثبوت الخیار فیقید الإطلاق بما ثبت التّقیید فیه وهو الآن الأوّل ویبقی الباقی تحت الإطلاق وبعد ثبوت الإطلاق لا وجه للاستصحاب لأنّه دلیل حیث لا دلیل وما ذکره الفاضل المذکور من أنه إذا کان المستفاد هو العموم المجموعی جاز الاستصحاب لا وجه له لما عرفت أن العموم هو مفاد الإطلاق بحکم العقل لا بمقتضی اللّفظ فإنّه لا یدلّ إلاّ علی نفس الماهیّة وحینئذ إذا ارتفع العموم المجموعی بأدلّة الخیار ارتفع الإطلاق المقتضی له لکن بقی مقتضی اللّفظ وهو وجوب الوفاء فی الجملة بعد الآن الأوّل الّذی هو المتیقّن فی القید فیقتضی العقل الإطلاق بعد الآن الأوّل لعدم المقید وبعد وجود الإطلاق لا معنی للاستصحاب نعم لو قلنا إن بارتفاع الإطلاق بسبب وجود قید یرتفع مقتضی اللّفظ کلیّة لأنّ مقتضاه هو الإطلاق صح ما ذکر لکن لیس کذلک إذ الإطلاق شیء ونفس الماهیّة شیء آخر لا یرتفع بارتفاعه فافهم الثّالث تعارض التّخصیص والمجاز والتّخصیص مقدّم علی المجاز سواء کان المجاز فی العام أو فی غیره إلاّ فی الأمر باحتمال إرادة النّدب منه إذ المدار علی الغلبة والتّخصیص أغلب من المجاز نوعا إلاّ من استعمال الأمر فی النّدب فإنه أیضا لا یقصر عن التّخصیص فی الشّیوع ومثال تعارضهما فی العام قولک أکرم العلماء ولا تکرم زیدا العالم لاحتمال إرادة الجهلاء من العلماء مجازا فلا تخصیص وتعارضهما مع کون المجاز فی شیء آخر المقال المذکور إذا احتمل إرادة ولد زید مجازا وتعارضهما مع کون المجاز فی الأمر قوله تعالی فاستبقوا الخیرات لعدم وجوب الاستباق إلی جمیع الخیرات فإما یراد بعض الخیرات أو یراد النّدب من الأمر هذا بالنظر إلی ملاحظة المجاز والتّخصیص فی نفسه ومع قطع النظر عن خصوص المقامات وإلاّ فقد یوجد مرجح للمجاز وموهن للتّخصیص فیجب تقدیم المجاز کما فی الآیة لضعف التّخصیص فیه بکونه تخصیص الأکثر الرابع تعارض التّخصیص والإضمار ولا شبهة فی تقدیم التّخصیص لغلبته وما قیل من أنّه لا یخلو کلام عن إضمار لعدم خلوّ النسبة عن زمان ومکان وهما لا یذکران فی الکلام غالبا ففی مثل ضربت زیدا أو قام زید أضمر فی الدّار یوم الجمعة مثلا ففیه أن الکلام فی الإضمار الّذی یکون مقصودا للمتکلّم وهو نادر جدّا

ص: 89

الخامس تعارض التّقیید والمجاز ولا شبهة فی تقدیم التّقیید إن قلنا بأنّه لا یوجب تجوزا فی اللّفظ لوجود أصالة الحقیقة قرینة علی إرادة التّقیید مضافا إلی شیوعه وغلبته وإن قلنا بأنّه موجب للتّجوز فالمرجع هو الغلبة وفهم العرف ویمکن ترجیح التّقیید لغلبته کما ذکرنا وبالجملة حکمه حکم التّخصیص إلاّ أن لزوم تقیید الأکثر لیس موهنا هنا لجوازه قطعا وعدم ندرته بل هو أشیع من غیره بخلاف التّخصیص السّادس تعارض التّقیید والإضمار والسّابع تعارض المجاز والإضمار والإضمار مؤخر فی القسمین لندرته کما عرفت من أن المراد هو الإضمار المقصود فافهم ثم إن فی المقام أمرین یمکن فرض التّعارض بینهما وبین الخمسة المذکورة أحدهما الاستخدام فإذا تعارض مع التّخصیص قدم علیه کما فی قوله تعالی والمطلّقات یتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ لاختصاص استحقاق الرد بخصوص الرّجعیات فالضمیر یرجع إلی بعض المطلّقات إمّا بإرادة الرّجعیات من المطلّقات فیکون تخصیصا أو إرادة العموم فیکون استخداما وقد عرفت فیما مضی وجه تقدیم لاستخدام لکونه تابعا لا یختلف به المراد من الضمیر بخلاف التّخصیص وکذا إذا تعارض مع التّقیید کما لو کان المطلّقة بدل المطلّقات فی الآیة لما عرفت من التّبعیّة هذا لو قلنا بمجازیّة التّقیید والأقدم علی الاستخدام لأن الإطلاق حکم عقلی ناش من عدم ما یصلح قیدا وحمل الضمیر علی ظاهره وهو عدم الاستخدام یصلح قرینة للتّقیید مضافا إلی غلبة التّقیید وکذا لو تعارض مع النّسخ کالآیة لاحتمال ثبوت حکم الرّد لجمیع المطلّقات بأن یکون ناسخا للحکم بعدم استحقاق الرّدّ لغیر الرّجعیات لأنّ النسخ إمّا تخصیص فی الأزمان وذلک إذا کان الدلیل الدالّ علی ثبوت الحکم المنسوخ عاما بالنّسبة إلی الأزمان وإمّا تقیید فیها وذلک إذا کان مطلقا وقد عرفت وجوب تقدیم الاستخدام علی التّخصیص مطلقا وعلی التّقیید إن قیل بمجازیّته وکذا إن قیل بحقیقیّته لکن فی خصوص هذا القسم من التّقیید أعنی النّسخ لندرته وفیه إشکال لندرة الاستخدام أیضا والأمر سهل وهکذا إذا تعارض مع المجاز إمّا فی الإسناد کالآیة لاحتمال إرجاع الضمیر إلی جمیع المطلّقات وإسناد الحکم إلی الجمیع باعتبار ثبوته للبعض وإمّا فی الکلمة کقوله إذا نزل السّماء بأرض قوم دعیناه وإن کانوا غضابا لاحتمال إرادة شربنا من دعینا وذلک لأصالة الحقیقة إن قلنا بمجازیّة الإسناد إلی المجموع باعتبار ثبوت الحکم للبعض وإلاّ فالمدار علی الغالب وکذا إذا تعارض مع الإضمار کما فی الآیة لاحتمال کون التّقدیر وبعولة بعضهن لما عرفت من تقدیمه علی المجاز المقدم علی الإضمار الثّانی التّضمین ومثال تعارضه مع المجاز قوله تعالی فلیحذر الّذین یخالفون عن أمره حیث عدّی الفعل بعن فإما یقال باستعماله فی یعرضون مجازا أو یقال بتضمینه معنی یعرضون وعلی الأوّل

ص: 90

لا یدلّ الآیة علی دلالة الأمر علی الوجوب لحرمة الإعراض عن المستحبات أیضا وعلی الثّانی تدلّ علی ذلک وبیان ذلک یحتاج إلی بیان حقیقة التّضمین فنقول ذکر بعضهم أنه عبارة عن إرادة المعنی الحقیقی من الفعل مع حذف حال مأخوذ من الفعل الآخر فقولنا أحمد إلیک الله معناه أحمده منهیا حمده إلیک وقیل إنّه عبارة عن إرادة المعنی المجازی بتبعیّة المعنی الحقیقی من اللّفظ وجعله نظیر الکنایة والحقّ أنه عبارة عن ملاحظة عنوان مقارن مع مدلول اللّفظ فی الخارج وإجراء أحکامه علی مدلول اللّفظ فإن ترک الامتثال شیء ینتزع منه عنوانان أحدهما المخالفة والثّانی الإعراض والأول یتعدی بنفسه والثّانی بعن والتضمین عبارة عن إجراء أحکام الإعراض علی المخالفة لمحض تقارنهما فی الخارج ولو فی بعض الأحیان فمعنی الإعراض لیس مقدرا ولا مستعملا فیه اللّفظ بل هو ملحوظ لمحض أمر صناعی هو جواز تعدیته بعن کما فی قوله تعالی ما منعک أن لا تسجد فإن المانع عن الشیء قد یکون مقتضیا لترک ذلک الشیء کالاستکبار فی إبلیس وقد لا یکون کذلک کما لو کان الشخص مریدا للفعل فمنعه عنه مانع فإتیان لا فی الآیة للإشعار بأن المانع فی إبلیس کان مقارنا مع عنوان الداعی إلی الترک فأجری علی المانع أحکام الداعی علی الترک ولو ترک لا لتوهم أنه کان مریدا للسّجود لکن منعه عنه مانع فافهم فإنّه دقیق حینئذ فالتّضمین حقیقة ولیس کنایة ولا مجازا فی الحذف وحینئذ فیقدم علی المجاز عملا بأصالة الحقیقة ولما لم یکن لباقی صور التعارض مورد علی الظّاهر لم یکن للتعرض لها وجه ولذا أعرضنا عنها وأمّا تفصیل التعارض بین الشخصین من نوع واحد أعمّ من أن یکون التّعارض فی کلمة واحدة أو فی کلمتین کأن یکون الأمر دائر بین القول بإرادة المجاز من هذه الکلمة أو الکلمة الأخری کما فی تعارض مفهوم الغایة فی قراءة التخفیف فی قوله تعالی ولا تقربوهنّ حتّی یطهرن لدلالته علی حلّیّة الوطی قبل الغسل مع منطوق الآیة فی قراءة التّشدید حیث یدلّ علی حرمته قبله فإمّا یقال بعدم إرادة الغایة من کلمة حتّی مجازا فی قراءة التخفیف أو باستعمال النّهی فی مطلق المرجوحیّة مجازا فی قراءة التشدید ولنفرض الکلام أولا فی تعارض المجازین فنقول ذکر بعضهم أنّ الضّابط فی ترجیح بعض المجازات علی بعض واحد من ثلاثة أمور أحدها تبادر أحد المجازات بعد وجود القرینة الصّارفة عن إرادة الحقیقة وذلک إذا کان المجاز المتبادر واحدا وإذا کان متعدّدا احتاج تعیینه إلی وجود القرینة الصارفة عن المجاز الآخر أیضا والأوّل کقولنا رأیت أسدا فی الحمام فإن الکون فی الحمام قرینة صارفة عن إرادة الحیوان المفترس وأمّا تعیین أن المراد هو الرّجل الشجاع دون البخر فهو لتبادر الشجاع من الأسد بعد القرینة الصارفة عن المعنی الحقیقی والثّانی کقولهم لزید ید عند أولیائه فإن الید مجاز فی النّعمة والقدرة وغیرهما لکنهما المتبادران بعد المعنی الحقیقی من بین

ص: 91

المجازات وقولهم عند أولیائه کما یکون صارفا عن إرادة المعنی الحقیقی وهو الجارحة فکذا یکون صارفا عن إرادة القدرة أیضا إذ لا معنی لکون قدرته عند أولیائه فتعیین النّعمة مستند إلی التّبادر بعد القرینة الصارفة عن المعنی الحقیقی وعن المعنی المجازی الآخر المتبادر وهو القدرة ثانیها غلبة استعمال اللّفظ فی بعض المجازات عند وجود القرینة الصارفة عن الحقیقة إما لکشفها عن تبادر ذلک المعنی أو لأنها مورثة لحصول الظّنّ بالإرادة وهو حجّة ویظهر الثّمرة فیما إذا علم بعدم التبادر فلو قیل بحجیّتها من باب الکشف عن التبادر لم تکن حجّة حینئذ للقطع بعدم التبادر بخلاف ما إذا قیل بحجیّتها لإیراثها الظّنّ بالإرادة لإمکان حصول الظّنّ بها مع القطع بعدم التّبادر ثالثها الأقربیّة الاعتباریّة کنفی الصحّة فی التراکیب الموضوعة لنفی الذّات فإنّها أقرب إلی نفی الذات من نفی الکمال قال وهذا أیضا حجة لکشفه عن غلبة الاستعمال فإن الأقربیّة مظنّة الغلبة لانتقال الذّهن بعد عدم إرادة الحقیقة إلی أقرب المجازات غالبا فحجیّة الأقربیّة إنما هی لکشفها عن الغلبة لا لأنها سبب للتّبادر کما قیل نظرا إلی أن الأقربیّة سبب لعدم الانفکاک فی التّصوّر وهو معنی التبادر وذلک لأنّه لو کان محض عدم الانفکاک فی التّصوّر کافیا وجب حمل اللّفظ الموضوع لأحد المتضائفین علی الآخر عند العلم بعدم إرادة الموضوع له فیحمل الأبوّة علی البنوّة والعلیّة علی المعلولیّة لعدم الانفکاک فی التّصوّر مع ظهور بطلانه انتهی ملخّص مراده أقول الأولی أن یقال إنّ المعنی للمجاز هو التّبادر أعنی ظهور اللّفظ فی المعنی المجازی عرفا بعد القرینة الصارفة وهو مسبّب عن غلبة استعمال اللّفظ فی ذلک المجاز من بین المجازات وأمّا عن أقربیّة ذلک المجاز إلی الحقیقة فالتّبادر لیس شیئا مقابلا للوجهین الآخرین وجعل غلبة الاستعمال حجة لإیراثه الظّنّ بالمراد لا وجه له إذ لا حجیّة للظّنّ بالإرادة إذا لم یکن ناشئا عن ظهور اللّفظ الذی هو معنی التّبادر کما عرفت سابقا أن فهم الأصحاب لیس جابرا لضعف الدلالة وجعل الأقربیّة کاشفة عن الغلبة دون أن تجعل مستقلة باطل لما عرفت أنها من أسباب التّبادر فی نظر العرف ولذا یحکمون بإرادة نفی الصحّة عند وجود القرینة الدالة علی عدم إرادة نفی الذات فی التراکیب الموضوعة له لأنه أقرب إلیه من نفی الکمال والنقض بالمتضائفین فاسد إذ المتضائفان متکافئان ولیس أحدهما لازما للآخر والانتقال فی المجاز من قبیل الانتقال من الملزوم إلی اللاّزم فإنّ الأبوّة لا تتصوّر إلاّ مقارنا لتصوّر البنوّة نعم ذات الأب مقدم علی ذات الابن وهو غیر مفید والحاصل أنّ المعیّن للمجاز ظهور اللّفظ فیه عرفا ظهورا ناشئا عن الغلبة أو عن الأقربیّة ولا یکفی محض الظّنّ بالإرادة إذ لا حجیّة فیه إذا لم یکن سببا للظّهور کما مرّ مرارا أو لا ینافی ذلک ما ذکرنا سابقا من أنّ أقربیّة المعنی إلی المنقول عنه لا یوجب

ص: 92

کونه منقولا إلیه إذا کان النقل تعیّنیّا وذلک لأنّ النقل مسبوق بغلبة الاستعمال ولو مع القرینة وهی تابعة للحاجة لا للأقربیّة وحاصل الفرق أنّ الکلام هنا أن بدون القرینة یحمل علی الأقرب وهناک إنّما هو فی جعل المعنی الغالب الاستعمال ولو مع القرینة هو المعنی الأقرب وهو ممنوع والفرق أنّ الأقربیّة یمکن الاستناد إلیها فی التّعیین عند عدم ذکر القرینة وأما کثرة الاستعمال ولو مع القرینة فهی تابعة لشدّة الحاجة وهی حاصلة فی غیر الأقرب أیضا ثم إن ذلک فی تعارض المجازین فی کلمة واحدة ظاهر وأمّا فی تعارضهما فی کلمتین فلا یثمر أقربیّة أحد المجازین إلی حقیقته دون الآخر فی ترجیحه وکذا شیوع استعمال أحدهما فی ذلک المجاز بعد القرینة الصارفة عن الحقیقة دون الآخر وذلک لأنّهما یجریان فیما إذا قطع بوجود الصارف عن الحقیقة فیحمل علی الأقرب أو الأشیع وهنا لیس کذلک للشّکّ فی إرادة المعنی الحقیقی أو المجازی فی کلّ من اللّفظین والقرینة الصارفة إنّما دلت علی عدم إرادة الحقیقة فی کلیهما نعم إذا کان نوع التجوّز فی أحد اللّفظین شائعا بالنّسبة إلی التّجوز فی الآخر غلبة معتدا بها قدم علی الآخر إذ یمکن للمتکلّم التعویل علیها فی التعیین فافهم وذکر بعضهم مرجحا آخر فی تعارض المجازین وهو ترجیح المشهور أحدهما علی الآخر وقد عرفت ضعفه فإن ترجیح المشهور لا یجعل اللّفظ ظاهرا نعم لو حکموا کلیّة بترجیح القسم الخاصّ من المجاز علی الآخر کقولهم إن التخصیص مقدّم علی المجاز کان معتبرا لکشفه عن الظهور المعتبر فی مقام تمییز المراد

فائدة

ومن المرجّحات لزوم مخالفة أصل من الأصول اللّفظیّة عند تقدیم مجاز بخلاف ما لو قدم الآخر فإنه یقدم الآخر إجراء للأصل المذکور مثل قوله صلی الله علیه وآله رفع عن أمّتی تسعة فإنّ نفی الذّات غیر مراد حقیقة فإما یراد نفی خصوص المؤاخذة مجازا أو نفی جمیع الآثار وعلی الأوّل لا یلزم مخالفة أصل بخلافه علی الثّانی لأنّه حینئذ یثبت أن الشرط والجزء شرط وجزء حال العلم والذکر فیخصّص الأدلّة الدالّة بعمومها علی شرطیّة الشرط حال الجهل والنسیان أیضا فیجب القول بتقدیم الأوّل عملا بأصالة الحقیقة فی تلک العمومات وهذا من باب المثال تقریبا فلا یناقش فیه وهذا نظیر ما أسبقنا أن المتشابه یرد إلی المحکم فقوله أکرم العلماء مبیّن لإرادة الجاهل من قوله لا تکرم زیدا إذا کان مشترکا بین العالم والجاهل وهذا لا یتفاوت سواء کان المجازان فی کلمة واحدة أو فی کلمتین فهل یکون الترجیح للأقلّ مخالفة أو لا وهل یفرق بین ما إذا کانا فی کلمة واحدة وما إذا کانا فی کلمتین أو لا محلّ إشکال وهذا الکلام جار فی تعارض الأصول أیضا إذا کان التّعارض بین أصل وأصلین وقد ذکر بعضهم أنه منشأ للتّرجیح وجعل ذلک وجها لترجیح الأکثر

ص: 93

فی تعارض الأخبار فإنّه إذا کان فی جانب خبر وفی جانب آخر خبران قدم الآخر حیث قال ووجهه أنّ تقدیم الخبر علی الخبرین موجب لزیادة التّخصیص لأدلّة حجیّة الخبر إذ یخرج عنه خبران بخلاف ما إذا رجح الخبران فیلزم خروج خبر واحد والتّحقیق فی المقام یتوقّف علی بسط الکلام فنقول الّذی یتوهّم فی بادی النظر الفرق بین ما إذا دار الأمر بین أحد المجازین اللّذین یلزم من أحدهما مخالفة الأصل ومن الآخر مخالفة الأصلین وبین ما إذا دار الأمر بین ارتکاب المجاز فی کلمة والمجازین فی کلمتین آخرین بأن یقال بترجیح الأقلّ فی الأوّل لأنّه القدر المتیقّن بخلاف الثّانی مثال الأول قوله تعالی إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا إذ لیس المراد الفاسق الحقیقی أعنی الخارج عن الطاعة مطلقا لو قلنا بأن ذلک معناه الحقیقی والأمر دائر بین إرادة فاعل الکبائر منه وفاعل مطلق المعصیة وعلی الأوّل یکون العادل تارک الکبائر وإن کان فاعلا الصغیرة مثلا وعلی الثّانی یکون العادل تارک مطلق المعاصی فإن رجحنا الأوّل لزم تخصیص الأدلّة النّاهیة عن العمل بالظّنّ أکثر مما لو رجحنا الثّانی فإنّ فاعل الصّغیرة یکون قوله حجة علی الأول دون الثّانی فالقدر المتیقّن هو خروج تارک جمیع المعاصی وأما تارک الکبیرة فقط فمشکوک والأصل عدمه بخلاف ما لیس فیه قدر متیقّن هذا والأولی فی المقام تأسیس الأصل الکلی وبیان الضّابط وهو أنه فیما إذا دار الأمر فی الخروج عن ظاهر اللّفظ بین قلة الخروج وکثرته فهل یکون القلة مرجحا أو لا ولنفرض الکلام فی خصوص التّخصیص بأن کان المخصّص مجملا لا یعلم إخراجه لفرد أو أکثر لیظهر حکم الباقی بالقیاس إلیه فنقول إن فی مسألة العام المخصّص بالمجمل یتصوّر اثنا عشر قسما لأنّ المخصّص إمّا مستقلّ أو غیر مستقلّ وعلیهما فإمّا أن یکون الإجمال فی المراد من المخصّص أو فی مصادیقه وعلی التقادیر الأربعة إمّا أن یکون الأمر دائرا بین المتباینین أو الأقل والأکثر المتداخلین بأن یکون الأقلّ داخلا فی الأکثر أو غیر المتداخلین والحق فی جمیع أقسام المخصّص الغیر المستقلّ وهی الأقسام السّتة إجمال العام وعدم جواز التّمسّک بعمومه فی مورد الشّکّ فإنّ قوله أکرم العلماء إلاّ الفساق إذا شکّ فی المراد من الفاسق مثلا لا یکفی صدق عنوان العالم علی زید مثلا فی وجوب إکرامه مع الشّکّ فی عدالته لأنّ المخصّص الغیر المستقلّ یوجب انحلال الکلام إلی حکمین علی عنوانین واقعیین إذ الألفاظ موضوعة للمعانی النفس الأمریّة فینحلّ الکلام المذکور إلی قضیتین إحداهما یجب إکرام العالم العادل والثّانیة لا یجب إکرام العالم الفاسق فإذا شکّ فی زید أنّه عادل أو فاسق فإجراء أحد الحکمین علیه دون الآخر ترجیح بلا مرجح نعم لو ثبت عدالته أو فسقه بأصل من الأصول الشرعیّة

ص: 94

جاز إجراء حکمه علیه لکن الکلام فی التّمسّک بنفس العموم مع قطع النّظر عن شیء آخر هذا هو الحقّ الحقیق بالتّصدیق وقد وقع عن جماعة ما ینافی ذلک فمنه ما قیل إنّ العام ظاهر فی کل فرد من الأفراد فإخراج کل واحد محتاج إلی مخصّص فإذا کان المخصّص مجملا فبالنّسبة إلی ما علم تخصیصه له نأخذ به لا بالنّسبة إلی ما لا یعلم وذلک نظیر خطابین عامین ومخصّص مجمل علم کونه مخصّصا لأحدهما دون الآخر فذلک لا یوجب إجمال الآخر وفیه أنّ ذلک إنما یتمّ لو قلنا بأن العام ظاهر فی کل فرد ظهورا غیر ظهوره فی الفرد الآخر ولیس کذلک بل العام ظاهر بظهور واحد فی الجمیع فإذا خصّص ارتفع هذا الظهور وصار ظاهرا فی تمام الباقی فإذا کان المخصّص مجملا کان الباقی غیر معلوم فلا معنی للتّمسّک بالظّهور والقیاس بالخطابات المتعدّدة قیاس مع الفارق لتعدد الظهور هناک بخلاف العام بالنّسبة إلی الأفراد ومنه ما یظهر من بعضهم من أنّ عنوان العام مقتض للحکم وعنوان الخاصّ مانع فإذا أحرز المقتضی وشکّ فی المانع نفی بالأصل فإذا علم علم زید وشکّ فی فسقه ارتفع بالأصل ویظهر ذلک من الشّهید الثّانی رحمه الله حیث حکم بقتل الخنثی لو ارتد عملا بعموم قوله من ارتد عن دینه فاقتلوه للشّکّ فی وجود المانع أی الأنوثیّة ومن المحقّق الکرکی حیث حکم بلزوم العقد المشتبه المردّد بین العقد الجائز واللاّزم عملا بعموم قوله أوفوا بالعقود وفیه أولا أن عنوان العام لا دلیل علی کونه مقتضیا لجواز أن یکون المقتضی مختلفا بالنّسبة إلی کلّ فرد ولکن لمّا کان العنوان العام جامعا لتلک الأفراد جعله موضوعا للحکم کما لو قال أکرم من فی الدار فإنّ الکون فی الدار لیس مقتضیا للإکرام بل المقتضی کونهم ضیفه أو صدیقه أو کلیهما وغیر ذلک ولذا ذکروا أن تعلیق الحکم علی الوصف مشعر بالعلیّة ولیس إلی حدّ الدلالة المعتبرة وثانیا أنّ کون الخاص مانعا ممنوع إذ لعلّ العنوان المناقض لعنوان الخاصّ کالعدالة فی المثال المذکور یکون شرطا لاقتضاء المقتضی فقبل إحراز وجوده لا معنی للتّمسّک بوجود المقتضی وثالثا أنه علی فرض تسلیم جمیع ذلک لا نسلّم جواز نفی المانع بالأصل کلیّة إذ قد لا یکون المانع مسبوقا بالعدم ورابعا أنّ موضع الکلام هو إذا لم یمکن تعیین عنوان الخاصّ أو عدمه بالأصل والنزاع إنّما هو فی جواز التّمسّک بالعام نفسه وقد علم عدم جوازه فالتّمسّک بأصالة عدم المانع خروج عن موضع النزاع فتأمّل ومنه ما ذکره شریف العلماء بیانا للثّمرة بین القول بأنّ العام المخصّص حقیقة بأن یکون مستعملا فی العموم ویکون الإخراج من الحکم والقول بأنه مجاز بأن یکون مستعملا فی الباقی وحاصله أنه لو کان حقیقة أمکن التّمسّک بأصالة عدم إخراج الأکثر إذا کان المخصّص مجملا مردّدا بین الأقل والأکثر فیحکم بشمول الحکم للفرد المشکوک إذ العام مستعمل فی العموم ومقتضی نسبة الحکم إلیه نسبته إلی جمیع أفراده حقیقة فإذا تحقق المخرج

ص: 95

حکم بخروجه عن متعلّق الحکم وإذا شک فی إخراج فرد فالأصل عدمه فیبقی تحت متعلّق الحکم ولا یعارض بأصالة عدم تعلق الحکم به لأنّ أصالة عدم الإخراج وارد علی الأصل المذکور وبعد ثبوت عدم الإخراج یترتّب علیه تعلّق الحکم به ولو کان مجازا لم یمکن ذلک لأنّ العام حینئذ مستعمل فی الباقی وهو مشکوک لإجمال المخرج لا یقال إنّ الإخراج مقطوع به إنّما الشّکّ فی تعدّد المخرج ووحدته وتعدد المخرج لا یوجب تعدّد الإخراج فلا معنی لإجراء أصالة عدم الإخراج علی فرض کونه حقیقة لأنّا نقول لیس المراد إجراء أصالة العدم فی نفس الإخراج بل نجریها فی لوازم تعدد المخرج فإنّ لازم ذلک ارتفاع الحکم الوارد علی العام عن الفرد الزائد والأصل عدمه کما إذا شکّ فی وقوع الضّربة الواحدة علی زید أو علیه وعلی عمرو فلا یمکن إجراء أصالة عدم تعدّد الضرب لأنّ وحدته متیقّنة ولا یتعدد بتعدد المضروب لکن یتمسّک فی إثبات وحدة المضروب باستصحاب حیاة عمرو هذا وفیه أن أصالة عدم ارتفاع حکم العام لا معنی له هنا لما عرفت أنّ المدار فی الحمل علی المعنی هو الظهور عرفا والعام المتعقب بالمجمل مجمل عرفا لا ظهور له ولو سلم فالفرق بین القول بالحقیقیّة والمجازیّة لا وجه له إذ علی فرض المجازیّة أیضا قد استعمل کلمة إلاّ مثلا فی الإخراج الصوری کما فی صورة الحقیقیّة إذ لیست مهملة قطعا غایة الأمر أنّه لیس إخراجا عن المراد بل هو إخراج عن المدلول اللّغوی للّفظ العام ومراد المتکلّم هو ما بقی تحت المدلول بعده الإخراج وحینئذ فإذا شکّ فی تعدّد المخرج وقلته فلیتمسّک بأصالة عدم التعدّد ویحکم بأنّ الباقی هو الأکثر کما فی صورة کونه حقیقة ومستعملا فی العموم نعم لو قیل إنّ کلمة الأقربیّة علی التخصیص ولم تستعمل فی معنی أصلا کان لما ذکره وجه لکن لیس کذلک هذا الکلام فی أقسام المخصّص المتّصل أمّا أقسام المنفصل فالحکم الحکم أی الإجمال فی خمسة منها وهی ما عدا ما إذا دار الأمر بین الأقل والأکثر المتداخلین عند الشّکّ فی المفهوم أما فی التباینین مصداقا ومفهوما وکذا الأقل والأکثر المتباینان مطلقا فالقول بأن ترجیح الخبرین علی الخبر الواحد إنّما هو من هذا الباب لا وجه له بل هو بقوة الظّنّ فی جانب الکثرة وأما المتداخلان فی الشبهة المصداقیّة فلأن العام قد خصّص بعنوان معلوم إنما الشّکّ فی المصداق وظاهر أنّ عنوان العام أو الخاص لا یعیّن المصداق نعم لو عیّن بأصل من الأصول عمل به فإنّ قوله أکرم العلماء ولا تکرم الفساق لا یدلّ علی وجوب إکرام زید العالم إذا شکّ فی فسقه نعم لو ثبت عدم فسقه بالأصل مثلا وجب إکرامه وأما المتداخلان فی الشبهة المفهومیّة فذکر بعضهم أنه یمکن نفی الزائد بالأصل أخذا بظاهر العام فإنّ العام حینئذ له ظهور فی الجمیع لتمام الکلام فإذا تعارض معه المخصّص رفع الید عن الظهور بقدر ما ثبت المعارضة فیه وهو القدر المتیقّن وأورد علیه بوجهین أحدهما أنّه

ص: 96

لا فرق فی ذلک بین المتّصل والمنفصل فإن رفع الید عن ظهور العام فی المتّصل إنّما هو لمعارضة القرینة فلیأخذ بقدر ما ثبت المعارضة فیه وفیه أن المدار فی الفرق هو فهم العرف حیث یحکمون بالإجمال وعدم المعارضة فی المتّصل دون المنفصل فالعام لا ظهور له عرفا عند تعقبه بالمجمل بخلاف ما إذا لم یتعقب به بل ذکر منفصلا والحاصل أنّ العام وإن کان ظاهرا فی العموم إلاّ أن تعقبه بالمجمل یوجب رفع الظّهور لا أنه لیس ظاهرا قبل تمام الکلام بل هو ظاهر قبله ولذا إذا مات الموصی فی أثناء الوصیة اتبع ما أوصی به ولم یعتبر باحتمال أنّه لو لم یمت لعقّبه بمخصّص مثلا ولقائل أن یمنع فرق العرف وادعاء أنهم یعدّون العام المخصّص بالمجمل فی عداد المجملات مطلقا والثانی أنّ المخصّصات المنفصلة کاشفة عن سبق المخصّص المتّصل إذ لو لم یقترن المخصّص بالعام استلزم الإغراء بالجهل غالبا لتفرق المخاطبین ولا یمکن استماعهم بخطاب واحد فلا بدّ من النّقل لهم فربما نقل لبعضهم العام بدون المخصّص وهو إغراء بالجهل بخلاف ما لو اقترن بالعام إذ من ینقل العام حینئذ ینقل المخصّص أیضا لتقارنه معه وفیه أوّلا أنّه یکفی فی رفع الإغراء بالجهل اقتران المخصّص بالعام وأما کونه هو المخصّص المجمل فلا فلعلّه هو القدر المتیقّن فإذا قال أکرم العلماء ثم قال لا تکرم الفسّاق فهو یکشف عن سبق المخصّص ویکفی فیه أن یقترن بالعام قول إلاّ فاعل الکبیرة وأما کونه هو المخصّص المجمل فلا وثانیا أنه إنّما یکشف عن سبق المخصّص المقترن وهو یصدق باقتران العام بالمخصّص المنفصل إذ المراد بالمنفصل هو المستقل لا المتأخر زمانا فلم یدل علی سبق المخصّص المتصل بمعنی غیر المستقل والثمرة بین القول بإجمال العام بسبب المخصّص المنفصل وعدمه یظهر فی أمور منها إذا ذکر عامان عقب أحدهما بمخصّص مجمل وکان ذلک المخصّص بالنسبة إلی الآخر منفصلا کما إذا قال حینئذ لا یجوز الصّلاة فی النّجس ثم قال لا یجوز الصّلاة فی الدّم إلاّ إذا کان دون درهم والدّرهم مجمل المقدار فإن قلنا بعدم إجمال العام نحکم بأن الدّرهم هو المقدار الأقل عملا بعموم قوله لا یجوز الصّلاة فی النّجس وإن قلنا بإجماله فلا إذا عرفت ذلک علمت أن کون أحد المجازین أقلّ مخالفة للأصل من الآخر لیس مرجحا نعم لو کان أحدهما مخالفا للأصل والآخر غیر مخالف أصلا کان التّرجیح لغیر المخالف وکذا إذا دار الأمر بین المجاز والمجازین إذ لا قدر متیقن فی البین فعدم التّرجیح فیه أولی إلاّ أن یکون التّرجیح للأقل فی نظر العرف فیتبع هذا وإن لم یمکن ترجیح أحد المجازین بالأمور المذکورة وجب التّوقّف والرّجوع إلی الأصول العملیة علی حسب مقتضی المقامات وبالجملة المدار فی الحمل علی المجاز هو الظّهور بسبب التّبادر أو موافقة الأصل وإن لم یکن فالتّوقف والرّجوع إلی الأصل العملی ولک أن تقول إنّ المرجح هو التّبادر فإن لم یکن فالتّوقف والرّجوع إلی الأصل

ص: 97

اللّفظی إن وجد وإلاّ فالأصل العملی والفرق أن الأصل اللّفظی یکون مرجحا علی الأول ویکون مرجعا علی الثانی وکذا فی سائر أقسام التّعارض بین الوجوه المذکورة المرجح هو الظّهور ویعلم التّفصیل بالقیاس إلی المجاز فإن لم یکن فالرّجوع إلی الأصل فما قیل إنّه عند عدم التّرجیح یجب تأویل أحدهما لیجمع مع الآخر ومقتضاه التّخییر إن لم یکن لتأویل أحدهما مرجح لا وجه له فإن حمل الخطاب علی ما لیس ظاهرا فیه عرفا فاسد منهی عنه فیتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأویله فإن کلام الشّارع نازل علی طریق العرف ولیس بناؤهم فی مقام إفهام المقاصد بالألفاظ إلاّ علی ما کان ظاهرا فی المراد فالحمل علی خلاف الظّاهر من دون قرینة خلاف القاعدة

خاتمة

ما ذکر فی المبحث إنّما هو فی تعارض الأحوال التی یختلف بها المراد بدون اختلاف حال اللّفظ بها وهناک یختلف بها حال اللّفظ یقع التّعارض بینها وهی المجاز والاشتراک والنّقل فقد تقع التّعارض بینها بنفسها وقد یقع التّعارض بین واحد منها وبین واحد من الوجوه التی تختلف بها حال المراد ولکل مقام یجب التکلّم فیها الأول فی تعارض واحد من هذه الوجوه مع تلک الوجوه کتعارض النّقل والإضمار فی قوله تعالی وحرم الرّبا إذ لو کان الرّبا منقولا إلی العقد لم یحتج إلی إضمار وإلاّ بأن کان باقیا علی معناه اللّغوی وهو الزّیادة احتاج إلی إضمار الأخذ وکتعارض الاشتراک والنّسخ فیما إذا قال لیکن ثوبک جونا ثم قال لا یکن ثوبک أسود فإن کان جون مشترکا بین الأسود والأبیض لا یکون الخطاب الثانی نسخا وإن کان مختصا بالأسود کان نسخا وهکذا ولا یخفی أن الشّکّ فی تحقق الإضمار والنّسخ وغیرهما سبب فی المقام عن الشّکّ فی حال اللّفظ من الاشتراک والنّقل مثلا فلا تعارض بینهما بل یجب أولا استعلام حال اللّفظ من الأدلّة فإن ثبت عدم الاشتراک وعدم الفعل بالأصل مثلا ترتب علیه النّسخ والإضمار قهرا ولا یعارضه أصالة عدمهما لتبعیتهما وهو ظاهر الثانی فی تعارض بعض هذه الوجوه مع بعض أما المجاز والاشتراک فقد مضی البحث فیه سابقا وأما الاشتراک والنّقل فیتصور التّعارض بینهما بوجوه منها أن یعلم اللّفظ معنی فی اللّغة ومعنی فی العرف ویشک فی أن المعنی العرفی کان فی اللّغة حتی یکون اللّفظ مشترکا فی اللّغة أو لا بل هو حادث حتی یکون منقولا ولا شبهة فی تقدیم النّقل هنا لأصالة عدم الاشتراک وتأخر الحادث ولا یعارض بأصالة عدم النّقل لأنه إنّما یجری فیما إذا وجد المعنی فی العرف وشک فی اتحاده مع المعنی اللّغوی فیحکم بالاتحاد حذرا من تعدد الحادث وأما فیما نحن فیه فلا للقطع بتعدد المعنی إنّما الشّک فی سبق التّعدد وعدمه فالأصل عدمه ومنها عکس هذه الصّورة وهو أن یشکّ فی بقاء المعنی اللّغوی فی العرف حتی یکون مشترکا

ص: 98

فی العرف وهجره حتی یکون منقولا ویجب هنا تقدیم الاشتراک استصحابا للمعنی اللّغوی إلاّ أن یدعی أن الغالب فی الأوضاع المستحدثة هجر المعنی السّابق فإن أفادت الغلبة ظنا فهو وإلاّ فلا حجیته فیها ومنها أن یکون فی العرف له معنیان وشک فی کونهما معنی اللّفظ فی اللّغة وعدمه بأن کان فی اللّغة له معنی غیر هذین المعنیین ونقل إلیهما والاشتراک مقدم هنا لأصالة عدم الوضع للمعنی الثالث ولأصالة عدم النّقل ولا یعارض بأصالة تأخر الحادث وهو الوضع للمعنیین لأنها إنّما تجری فیما إذا لزم من عدم إجرائها تعدد الحادث وهنا یلزم من إجرائها تعدد الحادث أعنی الوضع للمعنی الثالث والهجر عنه والوضع للمعنیین بخلاف ما إذا لم تجر إذ لا یلزم إلاّ الوضع للمعنیین ومنها عکس ذلک بأن یشک فی بقاء المعنیین الثابتین فی اللّغة فی العرف وهجرهما وحدوث الثالث ولا شبهة فی استصحاب المعنیین وإجراء أصالة عدم الوضع للمعنی الجدید ویمکن فرض التّعارض فی صور آخر یعلم حکمها مما ذکرنا وأما المجاز والنّقل فیقدم المجاز لغلبته وندرة النّقل

فرع

قد یقع التّعارض بین شخصین من نوع واحد من هذه الأنواع کالنّقلین والاشتراکین والمجازین وقد علم حکم تعارض المجازین وأمّا تعارض النّقلین فقد مضی أنه إذا دار الأمر فی المنقول إلیه بین شیئین وکان أحدهما أقرب إلی المنقول منه کان مقدما علی ما قیل لکن فیه تفصیل إذ النّقل إمّا تعیینی أو تعیّنی فإن کان تعیینیا فلا ترجیح وإن کان تعیّنیّا فذکر بعضهم أنه یرجح الأقرب لأن النّقل التّعیّنی مسبوق بغلبة الاستعمال فی المعنی المجازی وأقرب المجازات معتبر فی الحمل علیه والحق أن یقال إنّ الأقرب إن کان بحسب الاعتبار والذّات فلیس مرجحا وإن کان من حیث کثرة الاستعمال فحق لما ذکر أن النّقل مسبوق بغلبة الاستعمال فیحصل الظّنّ بأن المعنی الغالب الاستعمال هو المنقول إلیه لبعد النّقل إلی المعنی الذی یندر الاستعمال فیه وهجر المعنی الذی شاع الاستعمال فیه والنّقل مسبوق بالغلبة ولذا قیل إن الصّلاة مثلا لو کانت حقیقة فی الصّحیح أو الأعم فی عرف المتشرعة حمل علیه کلام الشّارع عند وجود القرینة الصّارفة عن المعنی اللّغوی لکشف النّقل عن غلبة الاستعمال السّابق وأمّا الأقربیة الاعتباریة فلا تکفی فی النّقل لاحتیاج النّقل إلی کثرة الاستعمال المسببة عن الاحتیاج إلی بیان المقصود وقیل إنه إذا دار الأمر بین النّقل من الکلی إلی الفرد والنّقل من المباین إلی المباین قدّم الأوّل لغلبته وقد مر أنه لا یخلو عن إشکال وإذا دار الأمر بین نقل المادة ونقل الهیئة وکذا مطلق التّصرف فی أحدهما بارتکاب خلاف الظّاهر قدّم التّصرف فی المادة للاستقراء إلاّ فی الأمر فالتّصرف فی هیئته أکثر وهذا أیضا لا یخلو عن إشکال وإذا دار الأمر بین النّقل إلی العام والنّقل إلی الخاص فلا ترجیح إلاّ للغالب کالرّبا إن علم نقله إلی العقد وشکّ فی أن المنقول

ص: 99

إلیه هو مطلق العقد أو خصوص عقد البیع وبالجملة المدار فی الجمیع علی الظّنّ الحاصل من الغلبة ولا ضابط کلی سواها وأمّا تعارض الاشتراکین فیظهر المدار فیه بملاحظة ما سبق

خاتمة تتضمن مطالب

الأوّل فی تعارض الحقیقة مع المجاز المشهور

فقیل بتقدیم المجاز وقیل بتقدیم الحقیقة وقیل بالتّوقّف ونسب إلی المعروف وربما ظهر من بعضهم منع إمکان تحقق المجاز المشهور نظرا إلی أنهم عرفوا المجاز المشهور بأنه المجاز الذی بتبادر من اللّفظ بملاحظة الشّهرة وهذا غیر معقول إذ التّبادر عبارة عن خطور المعنی بالبال وهو مقارن مع ملاحظة الشّهرة لا أنّه یحصل بها إذ المراد بملاحظة الشّهرة ملاحظة غلبة استعمال اللّفظ فی المعنی لا مطلق الشّهرة فملاحظة الشّهرة عین ملاحظة المعنی فالمجاز الذی یتبادر بسبب ملاحظة الشّهرة غیر معقول فإن ملاحظة الشّهرة مقارن مع خطور المعنی فلا یتصور خطور مسبب عن ملاحظة الشّهرة وإلاّ لزم تحصیل الحاصل وفیه أوّلا أن التّبادر عبارة عن خطور المعنی بعنوان أنه مراد لا محض الخطور کما عرفت وحینئذ فیمکن کون التّبادر مسببا عن ملاحظة الاشتهار وثانیا أنه علی فرض تسلیمه لا یضر بما نحن فیه إذ النّزاع هنا إنّما هو فی أن غلبة الاستعمال فی المجاز تکون قرینة علی إرادة المجاز أو لا وإن لم یکن هناک تبادر وقد عرفت أن فیه أقوالا واستدل الأوّلون بالاستقراء فإنّه إذا کان الغالب استعمال اللّفظ فی المعنی المجازی وجب إلحاق الاستعمال المشکوک بالغالب ورده الآخرون بأنّ المشکوک لیس من صنف المستقرإ فیها فإن الموارد التی استعمل فیها اللّفظ فی المعنی المجازی کانت مقترنة بالقرینة فإلحاق الاستعمال المجرد عن القرینة بتلک الموارد لا وجه له یجب إلحاقه بصنفه المجرد عن القرینة والغالب فیه الاستعمال فی الحقیقة إمّا فی نفس ذلک اللّفظ إذا کان له استعمال متعدد مجرد عن القرینة وإمّا فی نوع اللّفظ الموضوع فإن الغالب فی الألفاظ الموضوعة المجردة عن القرینة إرادة الحقیقة وأیضا لو کان غلبة الاستعمال موجبا لصرف اللّفظ عن الحقیقة لوجب حمل اللّفظ الموضوع للعموم علی الخصوص لکون العام مجازا راجحا فیه حتی أنه قیل ما من عام إلاّ وقد خص ولا ریب أن استعمال کل فرد من العمومات فی الخصوص أکثر مع أنا نراهم أطبقوا علی وجوب عمل ألفاظ العموم علی العموم إلاّ عند قرینة التّخصیص ومما یوضح ذلک أنهم قد ذکروا أن أغلب لغة العرب مجازات ومع ذلک لا یحملون اللّفظ المجرد عن القرینة علی المعنی المجازی للغلبة المذکورة ولیس ذلک إلاّ لأنّ حجیة أصالة الحقیقة علی الغلبة المذکورة ثم إنّهم استدلوا علی تقدیم الحقیقة بالاستصحاب وهو یقرر بوجوه أحدها استصحاب وجوب حمل اللّفظ علی المعنی الحقیقی الثابت ذلک الوجوب قبل الوصول إلی

ص: 100

إلی حد الاشتهار الثانی استصحاب ظهور اللّفظ فی المعنی الحقیقی والثالث استصحاب عدم وجود القرینة لا عدم کون الشّهرة قرینة إذ لیس لها حالة سابقة حتی یستصحب الرّابع استصحاب عدم التفات المتکلّم إلی الشّهرة إذ فی إرادة المجاز یجب الالتفات إلی القرینة لعدم إمکان إرادة المجاز بدون الالتفات إلی القرینة وهو مشکوک فیستصحب عدمه وتحقیق المرام یحتاج إلی تطویل الکلام فنقول یتصور النّزاع فی مقامات ثلاثة أحدها فی أن الشّهرة هل تکون قرینة للمجاز أو لا والثانی فی أنه إذا لم یمکن تعیین کونها قرینة ولا عدمه بأن شک فی ذلک فالمرجع ما ذا والثالث أنه إذا علم أن المرتبة الفلانیة من الشّهرة تکون قرینة وشک فی بلوغ الاستعمال الخاص إلی تلک المرتبة فالعمل علی أی شیء ویظهر من أدلة النّافین وبعض أدلة المثبتین کالاستقراء والنّقض بالعام وهو الظّاهر من کلامهم أن النّزاع فی المقام الأول وحینئذ فلا وجه للتمسّک بالاستصحاب لأنه مرجع عند الشّک ویرجع الکلام فیه إلی المقام الثانی فلنقدم الکلام فیه ونقول الحق فیه وجوب التّوقّف لما مر مرارا أن المدار فی دلالة الألفاظ وتعیین المراد علی الظّهور بمعنی کون الکلام مع ما یکتنفه من اللّواحق والأحوال ظاهرا فی المعنی وهو مفقود فی المقام فلا مجری لأصالة الحقیقة فیه لما عرفت أنّ المدار علی الظّهور وبهذا أظهر الجواب عن وجوه الاستصحاب المدعی فی المقام لعدم إفادتها الظّنّ مضافا إلی أن الاستصحاب بین الأولین لا معنی لهما أصلا أعنی استصحاب وجوب الحمل علی الحقیقة واستصحاب الظّهور لأن الموضوع فیهما هو اللّفظ المستعمل المجرد عن القرینة ومع الشّک فی کون الشّهرة قرینة لا یعلم باتحاد الموضوع الذی هو شرط فی الاستصحاب وأما المقام الأوّل فالحق فیه التّفصیل وذلک أن المجاز یحتاج فی بدو الاستعمال إلی قرینتین صارفة ومعیّنة ثم قد یکثر الاستعمال فیه إلی أن ینتقل الذّهن إلی المعنی المجازی فی الجملة لکن انتقالا ضعیفا لا یصلح صارفا عن الحقیقة فیحتاج أیضا إلی القرینتین ثم قد یبلغ الکثرة إلی حد لو وجد القرینة الصّارفة عن الحقیقة لتعین ذلک المجاز من بین المجازات فیحتاج إلی القرینة الصّارفة دون المعیّنة وقد تبلغ إلی حد یتردد الذّهن بینه وبین الحقیقة فیصیر اللّفظ مجملا کالمشترک فیحتاج إلی إرادة کل منهما إلی القرینة المعیّنة وقد یقوی الکثرة إلی حد یترجح المجاز وتکون الشّهرة بنفسها صارفة معیّنة والحکم فی هذه المراتب ظاهر ولیس هناک مثال واقع فی الخارج للمجاز المشهور حتی ینظر فیه أنه فی أی مرتبة من المراتب هذا هو الذی یقتضیه التّحقیق ویجب تنزیل الخلاف فی المقام والجمع بینها یجعل اختلافهم ناظرا إلی المراتب المذکورة وأما ما استدل به القائلون بترجیح الحقیقة من رد الاستقراء بأن المشکوک لیس من جنس المستقرإ فیه فقد ظهر فساده لأنّ الشّهرة أمر مفید للظّنّ بالإرادة فتکون قرینة فیکون من جنس المستقرإ فیه

ص: 101

إذ لا یجب وجود شخص القرینة الموجودة فی أفراد المستقرإ فیه لاختلافها بالنسبة إلی کل واحد ففی بعضها حالیة وفی بعضها مقالیة ونحو ذلک وکذا النّقض بعدم حمل الألفاظ علی المجاز مع قولهم إن أغلب لغة العرب مجازات إذ لا نسلم أن الاستعمال فی المجاز أغلب بل المراد من تلک العبارة أن المعانی المجازیة أکثر من المعانی الحقیقیّة ذاتا لا استعمالا وکذا النّقض بعدم حمل العام علی الخصوص مع قولهم ما من عام إلاّ وقد خص إذ هو أی عدم حملهم علی الخصوص ممنوع فی العمومات الواردة فی الشّرع الذی ورد العبارة المذکورة فیها وذلک أنه لم یوجد فی الشّرع عام مشکوک التّخصیص حتی یتمسک بأنهم حملوه علی العموم نعم هو مسلم فی العمومات العرفیة ولکن العبارة المذکورة لم یرد فیها فإن أکثر العمومات العرفیة غیر مخصصة مثل کل إنسان حیوان وأشباهه وربما یجاب أیضا بأن الحمل علی العموم إنّما هو لأن التّخصیص الغالب هو نوع التّخصیص لا مرتبة معینة منه فلذا لم یعبئوا بهذه الغلبة وهو فاسد إذ لا فرق بین الغلبة النّوعیة والشّخصیة فی وجوب الأخذ بها فیقال بأن اللّفظ قد استعمل فی الخصوص ویکون کالمخصّص بالمجمل بالنسبة إلی مراتب التّخصیص حینئذ ومما بینا ظهر الحکم فی المقام الثالث إذ یمکن فیه إجراء الاستصحاب إن أفاد الظّنّ ولا فائدة فی البحث فیه لما ذکر من عدم وجود مثال مخصوص فی المقام

المطلب الثانی قد ذکروا أنه إذا تعلق الحکم بمطلق انصرف إلی الفرد الشّائع منه

وأنه إجماعی ولا خلاف فیه نعم قد نسب إلی السّیّد المخالفة فیه ولیس کذلک لما سیتضح لک إن شاء الله فی مقامه أنه مقام آخر وأن السّیّد یقول إذا قام الإجماع علی اتحاد حکم الفرد النّادر مع الشّائع کان ذلک قرینة علی إرادة الطّبیعة اللابشرط من المطلق وقال غیره إنه إنّما یثبت به اتحادهما فی الحکم لا فی الإرادة ویظهر الثمرة فی إلحاق الفرد النّادر الذی لم یقم علیه الإجماع بما قام علیه الإجماع عند السّید لإرادة الطّبیعة اللابشرط الشّاملة للجمیع وعدم الإلحاق عند غیره لعدم إرادة غیر الفرد الشّائع وبنی السّیّد علی ذلک جواز التّطهیر بالمضاف تمسکا بإطلاق الغسل الذی أقیم الإجماع علی جوازه بماء النّفط والکبریت الذی هو فرد نادر کالغسل بالمضاف ثم إنه ربما یدعی التّناقض بین الإجماع المدعی فی المقام والخلاف فی المجاز المشهورة نظرا إلی أن المناط هو صیرورة الشّهرة معینة للمراد وعدمه فإن کانت معینة فلا تفاوت فی المقامین وإلاّ فلا فیهما فما وجه الفرق ولیس الفرق کون المطلق حقیقة فی الفرد لما ذکرنا أن المناط واحد وهو کون الشّهرة قرینة ولا بد لتحقیق المقام من ذکر وجه الانصراف المذکور حتی یظهر المرام فنقول قد ذکر فی وجهه وجوه منها ما ذکره الشّریف ره وهو أن المطلق موضوع للطبیعة وسرایة الحکم إلی جمیع الأفراد متوقّف علی التفات المتکلّم إلی الجمیع فإذا کان بعض الأفراد نادرا فإما یعلم عدم التفات المتکلم إلیه أو یشک فیه فیحمل علی القدر

ص: 102

المتیقّن یعنی الأفراد الشّائعة وعلی أی تقدیر یتعلّق بالأفراد الشّائعة دون النّادرة لعدم التفاته إلیه أو للشّکّ فیه أخذا بالمتیقّن والحاصل أنّ المراد معلوم وهو الطّبیعة والسّرایة إلی الأفراد مرددة بین الجمیع والأفراد الشّائعة فتحمل علی المتیقّن عند الشّکّ قال ویدل علی أنّ المراد منه معلوم لا مجمل أنّه لو کان مجملا بأن کان الشّکّ فی أنّ المراد هو الطّبیعة أو الأفراد الشّائعة وکان الحمل علی الأفراد لکونه قدرا متیقّنا لکان فی کلامهم التّناقض حیث اختلفوا فی جواز تأخیر البیان عن وقت الحاجة واتفقوا علی عدم وجود البیان فی المطلق الّذی کان له فرد شائع فلو کان مجملا لناقض الخلاف فی ذلک الإجماع هنا لا یقال إنّ الخلاف فی وجوب البیان إنّما هو فی المجمل الّذی لم یکن له قدر متیقّن لأنّا نقول إن أرید القدر المتیقّن من حیث الإرادة فهو فی المقام مفقود إذ الطّبیعة غیر الأفراد المخصوصة وإن أرید المتیقّن فی العمل فهو موجود فی جمیع المقامات کالمشترک مثلا فإنه یقطع فیه بالامتثال بإتیان جمیع المحتملات وباب الاحتیاط واسع ومنها ما ذکره الشّریف أیضا وهو أنّ الشّیوع إما استعمالی أو وجودی وعلی الأول فشیوع الاستعمال إمّا یجعل الفرد ظاهرا فینصرف إلیه إذ المدار فی مباحث الألفاظ علی الظّهور وإمّا یکون مجملا فیؤخذ بالشائع أخذا بالمتیقّن وعلی الثّانی فشیوع وجود فرد سبب لحضوره فی الذّهن فینصرف إلیه فیکون الفرد النّادر نازلا منزلة المعدوم فی عدم سرایة الحکم إلیه والمطلق إنّما یسری حکمه إلی أفراده لا إلی غیر فرده فإذا نزل النّادر منزلة غیر الفرد لم یکن للسّریان إلیه معنی هذا حاصل ما أفاده رحمه الله وکلا الوجهین محل نظر وذلک لأنّ الطّبیعة الّتی هی المقسم لا یتصوّر جعلها موضوع الحکم لأنّها أعم من اللابشرط والمشروط بل لا یکون الموضوع إلاّ الطّبیعة اللابشرط أو المشروط ومتی لم تقید وجب کونها مطلقة وهی موجودة فی جمیع الأفراد فیسری إلی الجمیع کما اعترف به فی مبحث العام والخاص والحاصل أن الالتفات لا مدخل له فی السّرایة وأمّا ما ذکره من أنّ الفرد النّادر بمنزلة المعدوم ففاسد من وجهین أحدهما أنّ الفرد المعدوم أیضا یکون متعلّق الحکم قطعا لعدم اختصاص الأحکام بالأفراد الموجودة غایة الأمر أنها محکومة بالأحکام الثّانیة والثّانی وجود الفرق بین النّادر والمعدوم لوجوده وصحة تعلّق الحکم به فعلا فالتحقیق أن وجه الانصراف منحصر فی أن یکون هناک قرینة مقیدة إمّا صارفة إن کان استعمال الکلی فی الفرد بطریق التّجوز أو مفهمة إن کان بطریق الحقیقة لما ذکرنا من أنّها ما لم تقیّد لم یکن لاختصاصها ببعض الأفراد معنی فالشّأن إنّما هو فی إثبات أنّ شیوع الاستعمال فی فرد هل یصلح للتّقیید بالنّسبة الغیر المقرونة بالقرینة أو لا وأن شیوع وجود فرد هل یکون قرینة لإرادته من اللّفظ أو لا فیقع الکلام فی مقامین أحدهما أنّ الشّیوع الوجودی هل یکون قرینة ولا فنقول إنّه لا تلازم

ص: 103

بین شیوع الوجود وکونه قرینة إذ غایة ما یقال فی وجهه إنّ الفرد الشّائع لحضوره فی الذّهن ینصرف الذّهن إلیه وهذا لا یکفی فی إرادة الفرد بخصوصه لما نری فی العرف غالبا من إرادة الطّبیعة المطلقة مع وجود الفرد الشّائع وإنما یقصد الفرد الشّائع لا لخصوصیة فیه بل لاتحاده مع الطّبیعة ویکون المقصود هو الطّبیعة نعم یمکن أن یقال إن هذا إنما یتم إذا قلنا إنّ العموم المستفاد من المطلق المتواطی إنّما هو للسّرایة فإنّه حینئذ لا بد من السّرایة إلی جمیع الأفراد ولیس کذلک بل هو ثابت بدلیل الحکمة وبیانه أنّ الطّبیعة لا تکون موضوعا للأحکام الشّرعیّة التّابعة للمصالح والمفاسد لأنّ وجود المصلحة فی الطّبیعة لیس ملازما لوجودها فی فرد من الأفراد فضلا عن جمیع الأفراد غایة الأمر أنّ الطّبیعة تکون مقتضیة لتلک المصلحة وفعلیّتها فی الأفراد متوقّف علی عدم وجود المعارض والمانع ولذا قیل إنّ نحو الرّجل خیر من المرأة لا ینافی مع خیریة کل فرد من أفراد المرأة من کل فرد من الرّجل ومن المذکور فی الکتب أنّ القضایا الطّبیعیّة لا یبحث عنها فی العلوم لأنها لا فعلیّة لها وإنّما یبحث فی العلم عما کان له فعلیة مضافا إلی أنّ الأحکام الشّرعیّة لم تتعلّق بالطبائع قطعا وإلاّ لم تنفک عنها فی الوجود الذّهنی أیضا فیجب أن یکون تصوّر الزّنا حراما وتصوّر الصّلاة واجبا مثلا ولیس کذلک وإنّما الأحکام متعلّقة بالوجودات الخارجیة وحینئذ فإما یکون المتعلّق الجمیع فهو المراد أو البعض الغیر المعیّن وهو موجب للإجمال الغیر الواقع فی کلام الحکیم أو البعض المعیّن وهو موجب للتّرجیح بلا مرجح ومقتضی هذا الدّلیل أنّه متی کان لبعض الأفراد مرجح لم یکن وجه للحمل علی العموم والشّیوع الوجودی یصلح مرجحا لإرادة الشّائع لکونه محل الحاجة غالبا وأنّه قدر متیقّن مثلا لکن مقتضی التّحقیق أن یقال إن المطلوب وإن کان هو الوجودات الخارجیّة لا الطّبیعیّة وتلک الوجودات متشخصة بذاتها لکن لما کان لا یمکن تعقل تلک الوجودات بنفسها لأنها خارجة لا یمکن مجیئها فی الذّهن فما یتعقل منها فی الذّهن هو مفهوم الوجود الّذی هو عام بالنّسبة إلی الجمیع وبالجملة لا بدّ فی الحکم علی تلک الوجودات من ملاحظة عنوان منتزع منها فإن کان الحکم متعلّقا بجمیع الوجودات وجب جعل العنوان أمرا شاملا للجمیع أو البعض فالبعض وحینئذ فإذا جعل الطّبیعة متعلّقا للطّلب وعنوانا للحکم علی أفرادها تعلّق الحکم بالأفراد الّتی یشملها عنوان الطّبیعة قضیة وجوب مطابقة العنوان أو المعنون فإذا أرید تخصص الحکم ببعض تلک الوجودات وجب انضمام لازم من لوازم ذلک البعض إلی الطّبیعة حتی لا تشمل فاقده مثل قولک أعتق رقبة مؤمنة ولا یکفی محض تباین تلک الوجودات فی الخارج حتی یقال إنّ المحکوم به هو الوجودات وهی متباینة فیدور الأمر بین إرادة الجمیع ولبعض الخاص فیؤخذ بالقدر المتیقّن وذلک لما عرفت من عدم إمکان

ص: 104

تعقلها بدون الإحساس إلاّ بعنوان عام متی لم ینظم إلیه لوازم بعض تلک الوجودات لم یکن لاختصاص الحکم به معنی بل هو مستلزم للإغراء بالجهل وحینئذ فنقول إن جعل الطّبیعة عنوانا ظاهر عرفا فی العموم بضمیمة المقدمة العقلیة وشیوع وجود فرد فرد منها لا یصلح مقیدا للعنوان لما مر من أنّ الحضور الذّهنی لا یوجب إرادة الفرد بخصوصه بل قد یجعله مرادا من حیث اتحاده مع الطّبیعة هذا مضافا إلی أنّ الشّیوع الوجودی لو صلح للتّقیید لزم وجوب تقدیمه علی شیوع الاستعمال فی الفرد النّادر مع أنّه خلاف الاتّفاق بیان الملازمة أنّه ربما یکون اللّفظ قبل شیوع وجود الفرد شائع الاستعمال فی الطّبیعة وحینئذ یکون ظاهرا فی إرادة الطّبیعة فإذا قدم علیه الشّیوع الوجودی وجب تقدیمه علی شیوع الاستعمال فی الفرد النّادر أیضا لعدم مزیة له علی شیوعه فی الطّبیعة لأنّ مدار الحمل فی الجمیع علی الظّهور العرفی فالحق أنّ الشّیوع الوجودی لا یوجب حمل المطلق علی الفرد الشّائع المقام الثّانی فی الشّیوع الاستعمالی ولا شبهة فی أنّه سبب للحمل علی الشّائع لأنه موجب لظهور اللّفظ فیه والمدار فی الحمل فی باب الألفاظ علی الظّهور لکن یجب الاقتصار فی الحمل علی الشّائع علی المقام الّذی تحقق الشّیوع فیه فإنه یختلف حال اللّفظ بالنسبة إلی المقامات کما أن العبد فی باب البیع مثلا یحمل علی العبد الصّحیح السّلیم فلو قال اشتر لی عبدا حمل علی السّلیم لشیوع استعماله فیه فی مقام البیع بخلاف ما لو قال لله علی أن أعتق عبدا فإنه یحمل علی الطّبیعة المطلقة فلا تغفل ثم إنّ الشّیوع فی ذلک له مراتب کما عرفت تفصیله فی المجاز المشهور طبق النّعل بالنّعل إذا المناط فی الجمیع واحد وهو إمکان تعیین المراد بالشّهرة وعدمه ولا فرق فی ذلک بین کون المطلق مجازا فی الفرد شائعا أو حقیقة فالحق عدم الفرق بین المقامین والقائلون بالفرق قد غفلوا عن التّحقیق فی المقام وربما یذکر للفرق وجوه منها أن وجه حمل المطلق علی العموم هو عدم ترجیح بعض الأفراد فلو کان هناک مرجح لم یکن مقتضی للحمل علی العموم وبالجملة لیس اللّفظ مقتضیا للعموم حتی یکون الشّهرة معارضا له بخلاف المسألة السّابقة لمعارضة الشّهرة مع أصالة الحقیقة وفیه أوّلا مع عدم المقتضی لما عرفت أنّ المقتضی هو جعل العنوان للطّبیعة ووجوب مطابقته للمعنون وثانیا منع معارضة الشّهرة لأصالة الحقیقة لأنّ مقتضی أصالة الحقیقة الحمل علیها إذا لم یکن قرینة وإذا کان الشّهرة قرینة لم یبق موضوع لأصالة الحقیقة ومنها أنّ الحمل علی الفرد الشّائع إنّما هو لکونه قدرا متیقّنا فالحمل علیه مقتضی الفقاهة لا الاجتهاد ولیس فی المسألة السّابقة قدر متیقّن وفیه أنّه مخالف لظاهر کلماتهم لظهورها فی کون الشّیوع هنا قرینة فیکون الحمل علیه مقتضی الاجتهاد ومنها أنّ الحمل علی الفرد الشّائع إنما هو لکونه منقولا عرفیا إلیه أو مشترکا والفرد هو القدر المتیقّن وفیه أنّ القول بذلک نادر ودون إثباته

ص: 105

خرط القتاد فکیف اتفقوا علی لازمه ومنها أن الشّهرة فی المجاز لو کانت قرینة لکانت صارفة لمخالفتها لأصالة الحقیقة بخلاف المطلق فإنها فیه قرینة مفهمة لا معارض لها وهذا یرجع إلی الأوّل والجواب ما عرفت والتّحقیق ما ذکرنا من عدم الفرق فتأمّل

المطلب الثّالث المشترک إذا اشتهر وغلب استعماله فی بعض المعانی أو غلب وجود بعض معانیه فحکمه حکم المجاز المشهور

من أنّ الغلبة المفیدة للظّنّ معتبرة فیه للاعتبار فی باب الدّلالات

أصل فی الحقیقة الشّرعیّة

عرف الحقیقة بالکلمة المستعملة فیما وضعت له من حیث إنّه موضوع له واعتبار الحیثیّة إنّما هو عوض عن قولهم فی اصطلاح به التّخاطب وأحسن منه لشموله للمشترک المستعمل فی بعض معانیه بمناسبة الآخر أن یصدق علیه الاستعمال فیما وضع له فی الاصطلاح الّذی به وقع التّخاطب لفرض اللّفظ موضوعا للمعنیین فی اصطلاح واحد مع أنه مجاز فلا یکون مانعا لکن لیس استعماله فی المعنی من حیث إنه موضوع له بل من حیث إنّه مناسب للموضوع له وبعضهم أبدل الکلمة باللّفظ لیشمل المرکبات وهو باطل لأنّ وضع المرکب یتصور بوجهین أحدهما أن یکون المفردات موضوعة لمعانیها والمجموع موضوعا للمعنی المجموعی بالوضع النّوعی بمعنی أنّ الواضع لاحظ هیئة الجملة الخبریّة مثلا مع نوع المادة ووضعها لمعنی الإخبار عن المعانی المخصوصة فالموضوع هو کل واحد من المواد المنضمة إلی الهیئة وإن لوحظ إجمالا والثّانی أن یکون المفردات موضوعة لمعانیها والهیئة التّرکیبیّة موضوعة لمعناها وهو النّسبة والرّبط وقد قیل بکلا الوجهین فی المشتقّات والثّانی هو الحق فی المقام إذ یرد علی الأول أوّلا أنّه مستلزم لتکرار فهم المعنی من اللّفظ مرة تفصیلا لکونه موضوعا له بالاستقلال ومرة إجمالا لکونه موضوعا له فی ضمن التّرکیب وثانیا أنّه مستلزم لإرادة المعنیین من اللّفظ المعنی التّفصیلی والمعنی الإجمالی والفرق بین هذا والسّابق اعتباری وثالثا أنّه یستلزم کون المرکب من حیث الوضع التّرکیبی مفردا إذ لا یقصد دلالة جزء لفظه علی جزء معناه بهذا الوضع التّرکیبی بل إنّما یقصد دلالة المجموع علی المجموع فیکون کلمة لکونه لفظا مفردا وحینئذ فنقول أمّا علی القول بالوضع بالطریق الأوّل فقد عرفت أنّ المرکب لا یکون مرکبا بناء علیه فیصدق علیه الکلمة فلا یحتاج إلی إبدالها باللّفظ وأمّا علی القول بالوضع بالنّحو الثّانی فلا شکّ أنّ الموضوع فی المرکب هو الهیئة وهی لیست بکلام فإن کانت لفظا کانت کلمة وإلاّ فلا فائدة فی الإبدال وأمّا کون الهیئة لفظا فیتوقّف علی أمرین أحدهما کونها عبارة عن الحرکات والسّکنات لا عن الکیفیة الحاصلة للّفظ بواسطتها والثّانیة کون السّکون أمرا وجودیّا یستلزم الأمر العدمی لا أن یکون أمرا عدمیا إذ لا یکون حینئذ لفظا ولا إذا کانت عبارة عن الکیفیة ولا ینافی

ص: 106

ذلک کونها جزءا من اللّفظ کما أنّ الواحد جزء العدد ولیس من العدد فتأمّل فإن قلت قد ذکر البیانیّون أنّ التّمثیل عبارة عن المجاز فی المرکب کقولهم فی الصّیف ضیّعت اللّبن وقولهم للمتحیر أراک تقدم رجلا وتؤخر أخری وذکروا أنّ التّجوز فی المذکورات لیس فی المفردات ولا فی الهیئة بل إنما هو فی المجموع المرکب حیث شبه تردد القلب فی شیء بتقدم رجل وتأخر أخری واستعمل المرکب فی ذلک المعنی وعلی هذا یکون استعارة أو أن تقدم رجل وتأخر أخری لازم لتردد القلب غالبا فاستعمل اللازم وأرید به الملزوم وعلی هذا یکون مجازا مرسلا وکیف کان إذا لم یکن لمجموع المرکب معنی موضوع له فکیف یوصف بالمجاز ولیس المجاز إلاّ الکلمة المستعملة فی غیر الموضوع له لمناسبة الموضوع له قلت الظّاهر أنّهم تسامحوا فی تعریف المجاز وأنّه یجب تعریفه بحیث یشمل ما اصطلحوا علیه من المجاز فی المرکب وهو استعمال المرکب فی معنی یناسب مجموع معانی مفرداته علی التّطبیق وهذا اصطلاح لا یستلزم کون المرکب بمجموعه موضوعا للمجموع لما عرفت من فساده جدا ثم الحقیقة بحسب اختلاف الواضعین تنقسم إلی لغویة وعرفیة وشرعیة فاللّغویة ما کان واضعه واضع اللّغة والعرفیة ما کان واضعه أهل العرف عموما فعام أو خصوصا فخاص والشّرعیة ما کان واضعه الشّارع کذا قیل ویشکل بأن الوضع الشّرعی إن کان تعیینیا فقد دخل الشّرعیة فی اللّغویة بناء علی أن واضع اللّغات هو الله سبحانه کما أنه هو الشّارع وإن کان تعیّنیّا فقد دخل فی العرفیة إذ صار حقیقة بسبب کثرة الاستعمال فی العرف ویمکن الجواب بأن اللّغویة لیست عبارة عما کان واضعه واضع اللّغات بل هذا مع زیادة حصوله فی الصّدر الأول والعرفیة العامة عبارة عما لم یکن وضعه مختصا بطائفة مخصوصة أو صناعة خاصة وإلاّ فعرفیة خاصة وحینئذ فإن قلنا بأنّ الوضع فی الحقائق الشّرعیة تعیینی کانت قسیما برأسها لعدم دخولها فی اللّغویة وإن قلنا بأنه تعینی صارت قسما من العرفیة الخاصة وتخصیصها بالذکر لمزیة شرفها والظّاهر الأول لأنّ ثمرة النّزاع إنما یظهر بناء علیه إذا الوضع التّعینی لا یثمر فی الحمل علیه بلا قرینة مع جهل تاریخ الاشتهار بخلاف التّعیینی فإنه یحمل علیه وسیجیء تحقیقه إن شاء الله ثم إنّه هل یشترط فی اللّغویة الأولیة وعدم المهجوریة الأظهر لا فالمنقول منه والمنقول کلاهما حقیقة لغویة وکذا المشترک اللّغوی وإن ترتب وضعه للمعانی فالمتأخر أیضا حقیقة لغویة لأن غالب الألفاظ اللّغویة مشترکة فلو لم یکن الحقیقة إلاّ الأولی لم یکن جمیع المعانی حقیقة لثبوت التّرتّب غالبا ولیس کذلک بل المشترک حقیقة فی جمیع معانیه وهل یشترط فی العرفیة تحقق اللّفظ فی اللّغة وحدوث الوضع عرفا أو لا یضر حدوث اللّفظ أیضا فی العرف والظّاهر أنّه لیس فی الألفاظ

ص: 107

الّتی لها حقائق عرفیة لفظ حادث ومحل النّزاع هو هذه الألفاظ الموجودة لا ما یفرض وجودها وقد یطلق العرفیّة ویراد بها ما کان مستعملا فی المعنی عند العرف بطریق الحقیقة وإن کان فی اللّغة أیضا کذلک فیقال إنّ اللّفظ الفلانی موضوع للمعنی الفلانی لغة للتّبادر عرفا فیثبت الحقیقیّة عرفا وبضمیمة أصالة عدم النّقل یثبت لغة ثم الحقیقة الشّرعیّة لها مصداق ومفهوم أمّا المصداق فهو عبارة عن الألفاظ المخصوصة الّتی علم لها معنی فی اللّغة وعلم لها معنی فی اصطلاح المتشرعة مباین مع المعنی اللّغوی أو کان الفرق بینها بالإطلاق والتّقیید والکلیة والفردیة والنّزاع إنما هو فی صیرورتها حقیقة فی ذلک المعنی الجدید فی زمان الشّارع إمّا بالوضع التّعینی أو التّعینی أو فی زمان الصّادقین علیه السلام وعدمه وأمّا المفهوم فهو أمر ینزع من هذه المصادیق ولا یجوز تعریف مفهوم الحقیقة الشّرعیّة إذ لیس النّزاع فی أنّ ذلک المفهوم یصدق علی أی لفظ إنّما النّزاع فی أن الألفاظ المخصوصة الموجودة هل هی حقائق فی زمان الشّارع أو الصّادقین أولا لا فی مفهوم الحقیقة الشّرعیة لکن القوم قد تعرضوا لتعریف مفهومها ولا بأس بذکر ما ذکروه والنّظر فیه فمنها ما ذکره الشّریف ره وهو أنها کل لفظ استعمله الشّارع فی معنی شرعی بطریق الحقیقة تعیینا أو تعیّنا ویرد علیه أمور الأوّل أنّ التّعریف للماهیة فذکر لفظ کل مستدرک والثّانی أنّه یشمل ما لو استعمل الشّارع فی لفظ الرّکن الّذی هو من مصطلح المتشرّعة فی معناه الشّرعی أی الجزء المخصوص من العمل مع أنّه لیس بحقیقة شرعیة والثّالث أنّه یخرج عنه ما وضعه الشّارع للمعنی الشّرعی ولم یستعمله فیه بل استعمله فیه غیره من متابعیه مع أنّه حقیقة شرعیة لکفایة الوضع فی الاستناد إلیه کما یقال اللّغویة لما وضعه الواضع اللّغة وإن لم یستعمله فیه والرّابع أنّ الظّاهر منه أنّ اللّفظ المستعمل للشّارع حین استعمال الشّارع له حقیقة شرعیّة فلو استعمله غیره لم یکن حقیقة شرعیة وهو باطل وهذا مما یفهمه الذّوق السّلیم من هذه العبارة الخامس أنّ التّقیید بالوضع أولی من الحقیقة لأنّ الحقیقة بعد ذکر الاستعمال کالتکرار لأنّها مشتملة علی الاستعمال ومنها ما ذکره بعضهم وهو أنها الکلمة المستعملة فی المعنی الشّرعی بوضع شرعی قال وقیل المعنی بالشرعی لیخرج المعنی الغیر الشّرعی وإن کان الوضع شرعیا کإبراهیم لولده صلی الله علیه وآله والقید الأخیر لإخراج المستعملة فی المعنی الشّرعی بالوضع الغیر الشّرعی کلفظ الرّکن مثلا قال والحیثیة ملحوظة فی التّعریف لیخرج مثل لفظ الحسن والحسین فإن الوضع فیهما شرعی والمعنی أیضا شرعی لأنّ له تعلّقا بالشرع لوجوب إطاعتها شرعا لکن الاستعمال لهما لیس من حیث إنّه شرعی وفیه أوّلا أنّه لا فرق بین إبراهیم والحسن والحسین إذ لو أرید من المعنی الشّرعی ما له تعلّق بالشرع بأن کان موضوعا

ص: 108

لحکم من الأحکام فلا ریب أن إبراهیم أیضا یحرم قتله وإیذاؤه وأکل ماله وغیر ذلک وعلی هذا لا یوجد معنی غیر شرعی أو کاد أن لا یوجد وإن أرید منه ما کان من مخترعات الشّارع تشریعا لا تکوینا فکلاهما خارجان وثانیا أنّ قید الحیثیّة یغنی عن المعنی الشّرعی إذ الکلمة المستعملة فی أی معنی کان بوضع شرعی من حیث إنّه شرعی حقیقة شرعیة کالصراط والمیزان والجنّة والحساب ونحو ذلک وکیف کان قد علمت أنّه لا فائدة فی التّعرض للمفهوم إذ النّزاع إنّما هو فی المصادیق المخصوصة وإنها هل صارت حقیقة فی زمان الشّارع تعیینا أو تعیّنا أو إلی زمان الصّادقین علیه السلام أو لا وتسمیتها بالشرعیة بناء علی الوضع التّعیینی ظاهر وأمّا علی الوضع التّعینی فقیل فی وجهه إنّه وإن حصل النّقل بسبب استعمال الشّارع فهی فی الحقیقة منتسبة إلی الشّارع لکون استعماله سببا له فی الحقیقة وفیه أن ذلک یقتضی کون الألفاظ الّتی صارت حقائق فی معانیها المجعولة شرعا فی زماننا هذا حقائق شرعیة لأن الاستعمال فیها تابع لاستعمال الشّارع ولیس کذلک قطعا فالأولی فی وجه التّسمیة أن یقال إنّ المراد بالحقیقة الشّرعیة الحقیقة المنسوبة إلی الشّرع من حیث هو شرع فیجب حدوثها فی زمان صاحب الشّرع کالأحکام الشّرعیة وأمّا ما صارت حقیقة فی زمان الصّادقین علیه السلام وما بعدهما فهی حقیقة متشرعة أو شارعیة ویکفی فی نسبتها إلی الشّارع کونه سببا للنّقل کما ذکره ثم إنّ مقتضی ما ذکرنا من محل النّزاع أنّه لا بد من کون اللّفظ مستعملا شرعا فی المعانی الجدیدة ومن صیرورته حقیقة فیها فی زماننا وکان الشّکّ فی بدء حدوث الوضع وفیه أقوال فقیل بالثبوت وقیل بالنفی واختلف القائلون بالثبوت فقال بعضهم بالوضع التّعیینی وظاهره الإطلاق وقال بعضهم بالتعیّنی وظاهره التّفصیل بین الألفاظ ونسب إلی القاضی الباقلانی القول بنفی الاستعمال رأسا فهنا مقامات أحدها فی بیان الاستعمال شرعا فی المعانی المتجددة والثّانی فی ثبوت الوضع التّعیینی ونفیه والثّالث بعد عدم ثبوت الوضع التّعیینی فی أنّه تعیّنی أو لا أما المقام الأوّل فنقول فیه قد یتوهّم فی بادی النّظر عدم معقولیة ما قاله القاضی إذ لا شبهة فی إرادة الماهیة الخاصیة من لفظ الصّلاة مثلا إذ هو أیضا قائل بأنه لم یرد محض الدّعاء بل زاد علیه القیود واللّواحق وقد ذکرنا أنّه قد یکون بین المعنی اللّغوی والشّرعی الفرق بالإطلاق والتّقیید فقد سلم القاضی الاستعمال فی المعانی المستحدثة لکن بعد إمعان النّظر یعلم أن مراد القاضی أن لفظ الصّلاة مستعمل فی الدّعاء بعنوان أنّه دعاء والقیود خارجة فالخاص وإن کان مرادا من اللّفظ إلاّ أنّه مراد بعنوان کونه فردا من الکلی لا بعنوان الخصوصیة وإنّما یکون مستعملا فی معنی جدید إذا أرید منه الخاص بعنوان الخصوصیة وهو المراد مما ذکرنا سابقا وبما ذکرنا ظهر الثّمرة بین قوله

ص: 109

وقول المشهور فإنّه یقول عنوان المطلوب هو الدّعاء فکل ما علم تقیده به من الخارج فهو وإلا فالأصل عدمه والمشهور لا یقدرون علی إجراء الأصل کلیة کما سیظهر لک إن شاء الله ثم إنّ قول القاضی باطل من وجوه أحدها أنه مستلزم لعدم جواز نیة مجموع العمل المعین امتثالا للأمر بالصّلاة بل یجب نیة الدّعاء امتثالا للأمر بها ونیة البواقی امتثالا للأوامر المتعلقة بها فإن التّکلیف المتعلّق بالصّلاة إن أرید بها الدّعاء لا یجوز نیة امتثالها بمجموع الدّعاء وغیره کما لا یجوز نیة الامتثال للأمر بالصّلاة بمجموع الصّلاة والوضوء مع أن صحة النّیة المذکورة مما لا خلاف فیه والثّانی أنّه مستلزم لعدم اشتراط السّتر مثلا فی الرّکوع ونحوه لأنه من شرائط الصّلاة والرّکوع لیس صلاة ولا من أجزائه والثّالث أنّه مستلزم لخروج الأخرس المنفرد المصلی عن کونه مصلیا لأنّ الصّلاة فی اللّغة إمّا بمعنی الدّعاء أو المتابعة وکلاهما مفقود فی الأخرس المنفرد وتعمیم الدّعاء بحیث یشمل الطّلب القلبی أو المتابعة بحیث یشمل متابعة صاحب الشّرع فإن المصلی تابع لأمر الشّارع وإن کان منفردا خلاف الظّاهر المتبادر فالحق تحقق الاستعمال فی المعانی الجدیدة ویدلّ علیه مضافا إلی ما ذکر نقل الإجماعات المنقولة والأخبار المذکورة فی بیان الماهیات کقوله الوضوء غسلتان ومسحتان وتکبیرها تحریمها وتسلیمها تحلیلها ونحوه مما هو ظاهر فی عدم إرادة المعنی اللّغوی ویعلم أیضا بالرجوع إلی العرف والحکم باتحاده مع زمان الشّارع فی المستعمل فیه وبالجملة هذا مما لا یعتریه شبهة ولا ریب وأمّا المقام الثّانی فنقول فیه الحق هو الثّبوت لوجوه أحدها أن الوضع تخصیص شیء بشیء بحیث متی أطلق أو أحس الشّیء الأوّل فهم الشّیء الثّانی ولا یلزم طریق خاص بأن یقال وضعت اللّفظ الفلانی للمعنی الفلانی بل یکفی فیه جعل اللّفظ لفظا للمعنی الخاص وعلامة له ولا شبهة فی أنّ الشّارع لم یستعمل لفظ الصّلاة مثلا فی الماهیة الخاصة لأجل إفادتها مرة واحدة أو مرتین مثلا لأجل المناسبة بینها وبین المعنی اللّغوی بل أراد جعل هذه اللّفظ لفظا لما اخترعه وعلامة بحیث إذا أطلقه یفهم منه المراد ولذا لم یستعمل لفظ آخر فی الشّرع بحیث یعبر به عن ماهیة الصّلاة ولو کانت الصّلاة مجازا فی المعنی المستحدث لوقع هناک إطلاق لفظ آخر أیضا کما یعلم ذلک من التّعبیر عن معنی واحد فی المجازات بألفاظ مختلفة فقد یقال هو أسد وقد یقال لقینی منه أسد وقد یقال شاکی السّلاح ویعبرون عن الجواد بکثیر الرّماد ومهزول الفصیل وجبان الکلب وذلک لأنّ الغرض من الأمور المذکورة یحصل باستعمال واحد لأنّه قلّما یحتاج إلیه وأمّا ما کان محتاجا إلیه فی کل یوم ولیلة ویرید الشّارع بیان ماهیة لهم فلا ریب أن الظّاهر أنّه یجعل اللّفظ علامة له فی لسانه وهو معنی الوضع والثّانی أنه مقتضی اللّطف لأنّ الغرض المقصود وهو بیان الماهیة حصوله بالوضع أقرب فیجب فی الحکمة وضع

ص: 110

لفظ وقد مر أنّ دلیل الحکمة قد یعتبر فی الأوضاع لأجل کون العلة شیئا یعتبره الواضع فی الأوضاع ولا ریب فی أن الاحتیاج إلی الاستعمال منها والثّالث حمل الماهیة علی اللّفظ وقد ذکرنا أنّ صحة الحمل من علامات الوضع کقوله علیه السلام الوضوء غسلتان ومسحتان ونحوه والرّابع الاستقراء بالرجوع إلی أرباب الصّنائع فإنه یعلم به أن من کان له اصطلاحات خاصة فقد وضع فی إفادتها ألفاظا مخصوصة فیظنّ من ذلک أنّ الشّارع أیضا قد وضع الألفاظ للمعانی المستحدثة والظّنّ الحاصل بالاستقراء حجة فی باب الأوضاع لغویة کانت أو شرعیة والخامس الإجماعات المنقولة فی المقام فقد نقل السّیّد المرتضی الإجماع علی وجوب حمل الألفاظ المستعملة فی کلام الشّارع علی المعانی المستحدثة سواء کانت مقترنة بالقرائن أو لا فإنه یدلّ علی الوضع التّعیینی إذ لولاه لم یمکن الحمل أما علی القول بالوضع التّعیّنی فلأن الحمل علیه فرع العلم بالتّاریخ وقد حکموا بوجوب الحمل کلیة وأمّا علی القول بالمجازیة فلأنّ غایة الأمر أن یکون مجازا مشهورا وتقدیم المجاز المشهور علی الحقیقة محل الکلام فکیف یدعی الإجماع علیه فی المقام والعجب من الفاضل الشّریف حیث سلم وجوب الحمل علی المعانی المستحدثة للإجماع المذکور دون الوضع وذکر فی وجهه أنّه إذا نظرت فی کتاب ورأیت لفظا مستعملا فی مواضع منه فی معنی مخصوص تحمله فی سائر مواضعه أیضا علی ذلک المعنی بدون القرینة وإن لم یکن هناک وضع وبهذا أبطل الثّمرة الّتی ذکروها بین القول بثبوت الحقیقة الشّرعیة ونفیها وأنّه یجب الحمل علی المعنی الجدید بناء علی الأوّل عند عدم القرینة والحمل علی المعنی اللّغوی بناء علی الثّانی وحاصل الرّد أنّه یجب الحمل علی المعنی الشرعی إجماعا وفیه أنّ مشاهدة استعماله فی موارد عدیدة من الکتاب توجب حصول الظّنّ بأنّ بناء مصنفه فی ذلک الکتاب علی جعل ذلک اللّفظ علامة لذلک المعنی وهذا هو الوضع مع أنّ الشّریف رحمه الله یقول بتقدیم المجاز المشهور علی الحقیقة فیقال له إنّ غایة الأمر کون اللّفظ مجازا مشهورا إن لم یکن حقیقة فلم یفرق فیه بین الثّابت فی الکتاب وبین المنطوق به حیث یحمل علی المجاز فی الأوّل دون الثّانی فتأمّل وأمّا المقام الثّالث فنقول مع الغضّ عن ثبوت الوضع التّعیینی فلا شک فی ثبوت الوضع التّعیّنی للألفاظ الکثیرة الدّوران علی ألسنة الشّارع وتابعیة والشّکّ فی ذلک کالشّکّ فی البدیهیات الأولیة وقد ذکروا لإثبات الحقیقة الشّرعیة بالوضع التّعیینی یعنی ثبوت الوضع فی بدء الشّرع وجوها أخر لا بأس بالإشارة إلیها منها ما ذکره فی الفصول وحاصله أن بعض الألفاظ المتداولة کلفظ الصّلاة والزّکاة والحج قد کانت حقائق فی معانیها قبل زمان الشّرع کقوله تعالی حکایة عن عیسی علیه السلام وَأَوْصانی بالصَّلوةِ وَالزکاةِ ما دُمْتُ حَیًّا وأَذِّنْ فی النّاسِ بِالحَجِّ فمفهوم اللّفظ کان ثابتا فی الزّمان السّابق والنّسخ إنّما تعلّق بالمصادیق فإن مفهوم الصّلاة عبارة عن العمل الصّحیح المرکب من الأجزاء المعهودة فی الجملة

ص: 111

مثلا هذا المفهوم لا یتغیر بتغیر کیفیة العمل فإنّ الکیفیّة قد تکون صحیحة فتدخل فی مصداق المفهوم وقد تکون فاسدة فتخرج عن المصداق ولا یتغیر المفهوم کما لا یتغیر المفهوم نسخ کیفیة العمل فی شرعنا کما وقع فی نسخ القبلة کالنّحاس یصیر ذهبا ولا یوجب تغییر مفهوم النّحاس فهذه المفاهیم قد کانت ثابتة قبل الشّرع بمقتضی الآیات وحینئذ فإمّا أن یکون هذه الألفاظ أیضا ثابتة فی السّابق أو لا وعلی الأول فثبوت المدعی وهو ثبوت الوضع فی بدء الشّرع ظاهر وعلی الثّانی فنقول إنّ مقتضاه کون الآیات من قبیل النّقل بالمعنی فلا بد أن یکون بلفظ دال علی ذلک المعنی فیعلم أنّ لفظ الصّلاة مثلا فی الشّرع مما یدل علی الماهیة المخصوصة وذکر للدّلالة علیها والقرینة منتفیة فثبت الوضع مضافا إلی أنّ مقتضی الفصاحة فی النّقل بالمعنی نقل المعنی الحقیقی بالحقیقی والمجازی بالمجازی فنقل الماهیة الّتی هی معنی حقیقی للّفظ الثّابت فی الشّرع السّابق بلفظ الصّلاة یدل علی أنها معنی حقیقی لها فی شرعنا أیضا وهو المطلوب فتأمّل مضافا إلی أنّ اللّفظ الموضوع فی الشّرائع السّابقة لو کان غیر لفظ الصّلاة لنقل ولا أقل من نقل اللّفظ الموضوع لها فی زمان الجاهلیة أو فی زمان عیسی علیه السلام فی لسان العرب ولم ینقل فیعلم أنّ لفظ الصّلاة هو الموضوع لها فی السّابق أیضا وهذا وجه وجیه ومنها التّبادر ولیس المراد به التّبادر فی عرف زماننا هذا لأنّه إمّا یراد به إثبات الوضع فی زمان الشّارع بدون ضمیمة أصالة عدم النّقل فباطل إذ التّبادر عند عرف علامة الوضع عند ذلک العرف دون غیره وإمّا یتمسک بأصالة عدم النّقل وهی لا تجری فیما تحقق النّقل فیه کغیر لفظ الصّلاة والزّکاة والحج لإمکان القول بثبوت المذکورات فی اللّغة أیضا أعنی قبل زمان الشّارع کما ذکرنا أمّا غیرها فالنقل فیه محرز والشّکّ إنّما هو فی ابتدائه فهو مجری أصالة تأخر الحادث بل المراد التّبادر فی عرف الشّارع ومن تبعه ویعلم ذلک من مراجعة الأخبار وغیرها مما یعلم منه سبق الخاصة من لفظ الصّلاة مثلا إلی أذهان المتشرعة الموجودین فی زمن الشّارع وما بعده فافهم احتج النّافون بالأصل یعنی أصالة عدم النّقل ویعلم جوابه بعد التّأمّل فیما ذکرنا بقی الکلام فی بیان ما یترتّب علی هذا النّزاع من الثّمرات فنقول ذکر الشّریف ره فی بیان الثّمرة أنّه قیل بالوضع التّعیینی وجب حمل الألفاظ المستعملة فی لسان الشّرع خالیة عن القرینة علی المعانی الشّرعیة وإن قیل بنفی الوضع رأسا تجب وجب حملها علی المعنی اللّغوی وإن قیل بالوضع التّعیینی فإن کان التّاریخ معلوما فی الوضع والاستعمال فلا إشکال إذ یحمل علی اللّغوی عند تقدم تاریخ الاستعمال وعلی الشّرعی عند تأخره وإن جهل أحدهما وعلم الآخر حکم بتأخر

ص: 112

المجهول عن المعلوم لأصالة تأخر الحادث فیحمل علی اللّغوی إن علم تاریخ الاستعمال دون الوضع وعلی الشّرعی إن عکس الأمر وإن جهلا معا فمقتضی القاعدة الحکم بالتقارن عملا بأصالة عدم تقدم أحدهما علی الآخر فیحمل علی المعنی الشّرعی لأنه الموضوع له حین الاستعمال إلاّ أنّ الأصل هنا لا یفید الظّن إذ لیس الاستعمال المقارن للوضع إلاّ استعمالا واحدا وسائر الاستعمالات إما مقدم أو مؤخر فالمظنون خلاف التّقارن للغلبة فیرفع حجیة الأصل وإن قلنا بحجیته تعبدا لأن الظّنّ المذکور معتبر فی تشخیص المرادات والأوضاع فیقدم علی الأصل ویصیر المقام کمقام علم فیه بعدم التّقارن مع جهل التّاریخ فیجب التّوقّف والرّجوع إلی الأصول العملیة واعترض علیه بوجوه منها أنّه لا یجوز الحمل علی المعنی الشّرعی بناء علی الوضع التّعیینی إذ اللّفظ الّذی کان فی اللّغة موضوعا لمعنی لا یهجر معناه بمجرد الوضع لمعنی آخر بل یصیر مشترکا بینهما وبعد تکثیر الاستعمال یتحقق الهجر فقبله لا یجوز الحمل علی المعنی الشّرعی بلا قرینة ومنها أن الفرق بین التّعیینی والتّعیّنی فی ملاحظة التّاریخ لا وجه له إذ التّعیین یحتمل أن یکون بعد استعمالات عدیدة ولا یلزم أن یکون فی بدء الاستعمال إذ لا دلیل علیه ومنها أنّ الحمل علی المعنی الشّرعی عند العلم بتأخر الاستعمال أو عند العلم بتاریخ الوضع دون الاستعمال لا وجه له لأنه یکون عند الوضع التّعیّنی أیضا مشترکا فلا یجوز حمله علی أحد معانیه بلا قرینة ومنها أن حمله علی اللّغوی عند العلم بتأخر الوضع أو عند العلم بتاریخ الاستعمال دون الوضع باطل إذ اللّفظ قبل الوضع التّعیّنی وصل إلی حد المجاز المشهور وتقدیم الحقیقة علیه محل کلام هذا وذکر بعضهم أنّه لا ثمرة لهذا النّزاع أصلا لوجوب الحمل علی المعانی الشّرعیة عند عدم القرینة مطلقا سواء قلنا بالوضع بأحد الوجهین أو لا وصاحب الفصول واستدلّ علی ذلک بوجوه أحدها أن استعمال تلک الألفاظ فی المعانی الشّرعیّة أغلب فإذا شککنا فی مورد یحمله علی الأغلب والقول بأن المشکوک فیه لیس من جنس الأغلب لأنه لا قرینة فیه قد عرفت فساده فی محله من أنّه إن أرید بالقرینة أشخاص القرائن الثّابتة للأغلب فهو غیر لازم وإن أرید نوع القرینة فهو موجود وهو غلبة الاستعمال فإنها تصلح قرینة فی العرف الثّانی أنّه لا نزاع فی ثبوت اشتهار الألفاظ فی المعانی الجدیدة فی زمان الشّارع وإن لم نقل بوصوله إلی حد الوضع والمجاز المشهور مقدم علی الحقیقة فالاستعمالات الثّابتة بعد الاشتهار یحمل علی المعانی الشّرعیّة وکذا المشکوکة إذ لا یعلم أنها بعد الاشتهار أو قبله فیعمل بأصالة التّأخر الثّالث أن استعمال تلک الألفاظ فی المعانی الشّرعیة والمعانی اللّغویة ثابت لکن نعلم إجمالا أن هناک استعمالات

ص: 113

لتلک الألفاظ فی المعانی الشّرعیة فی غیر ما عثرنا علیه من الموارد لأن شأن الشّارع کان بیانه آنا فآنا لأفراد الأشخاص والآحاد ولکن لا نعلم أنها مستعملة فی الشّرع فی غیر ما نعلمه من موارد استعمالها فی المعانی اللّغویة فإذا رأینا استعمالا وشککنا فیه لحمله علی أنّه من الموارد المعلومة ثبوتها إجمالا وهو الاستعمال فی المعانی الشّرعیّة لا علی أنّه من الموارد المشکوکة الثّبوت لأصالة عدم زیادة الاستعمال فی المعانی اللّغویة علی ما نعلمه من الموارد فلو حملناه علی المعنی الشّرعی دخل فی الموارد المعلومة ثبوتها إجمالا وإن حمل علی اللّغوی لزم زیادة الاستعمال فی المعنی اللّغوی علی ما کنا نعلمه والأصل عدمه فإن قلت إنّا نعلم إجمالا أن الشّارع قد استعمل ألفاظا فی معانیها اللّغویة فلعل هذا منها فلو حملناه علی الاستعمال فی المعنی اللّغوی لا یخرج عن المعلوم بالإجمال لدخوله فی الألفاظ الّتی علمنا إجمالا باستعمالها فی المعانی اللّغویة قلت العلم الإجمالی إذا لم یوجب ارتفاع الظّنّ من الأصل لا یوجب طرح الأصل کالشبهة الغیر المحصورة حیث لا یوجب العلم الإجمالی بنجاسة جزء من کرة الأرض ارتفاع الظّنّ بالطهارة فی الأمکنة الّتی یحتاج الشّخص إلیها مثلا وبهذا رد ما ذکره بعضهم من أن الحمل علی المعنی الشّرعی فی صورة الجهل بتاریخ الاستعمال عملا بأصالة التّأخر فاسد للعلم الإجمالی بتقدم بعض الاستعمالات وحاصل الرّد أن هذا العلم لا یوجب ارتفاع الظّن بالأصل هذا ما ذکروه فی المقام أقول کلما ذکره الشّریف من الاعتراضات فمردود أمّا الأول فإن المشترک إن کان شاملا لما کان موضوعا لمعنیین فی اصطلاحین نسلم کون هذه الألفاظ مشترکة لکن نمنع إجمال جمیع المشترکات بل إذا استعمل فیما یتعلّق بأحد الاصطلاحین لا یراد منه إلاّ الموضوع له فی ذلک الاصطلاح فالشّارع إذا استعمل تلک الألفاظ فی مقام بیان الشّرع یرید منها المعنی الشّرعی کالنحوی إذا استعمل لفظ الفعل فی کتابه الموضوع لبیان النّحو فالوضع الشّرعی بالنسبة إلی بیان الأحکام نسخ للوضع اللّغوی وإن صدق المشترک علیه من حیث إنّه موضوع لمعنیین فی اصطلاحین وإن شک فی أن الشّارع کان فی مقام بیان الأحکام أو لا حکم بالأوّل إذ هو الغالب کما ذکروا أنّه إذا قال الفقاع خمر وشک فی أنّه أراد بذلک بیان أفراد الخمر أو بیان أنّه فی حکم الخمر حکم بالثانی فالأصل فی کلمات الشّارع بیان الأحکام وهذا إجماعی وإن قلنا إن المشترک لا یطلق إلاّ علی لفظ کان موضوعا لمعنیین فی اصطلاح واحد فلا إشکال إذ لیس الألفاظ المذکورة مشترکة حینئذ وأمّا الثّانی قبل الدّلیل علی بدء الوضع وجهان أحدهما استقراء أرباب الصّنائع فإن شأنهم فی مصطلحاتهم وضعهم الألفاظ

ص: 114

قبل الاستعمال والثّانی أنّ الحکمة المقتضیة للوضع وهو اللّطف موجود فی بدء الاستعمال والشّارع ملتفت إلیها فیجب تحقق الوضع حینئذ وإلاّ لزم ارتکاب خلاف اللّطف وهو باطل وأمّا الثّالث فبأنّا لا نسلم أنّ الوضع التّعیّنی مسبوق بالاشتراک لم لا یجوز أن یکون وصول الثّانی إلی حد الوضع وخروج الأوّل متقارنین فلا یتحقق الاشتراک ولو سلم فنقول غلبة الاستعمال فی المعنی الجدید قرینة معیّنة لأحد معنی المشترک وأمّا الرّابع فبأنّ قولهم بالحمل علی المعنی اللّغوی إنّما هو بالنظر إلی الوضع من حیث هو لا فیما إذا قامت القرینة علی عدمه أیضا فلیس کلامهم ناظرا إلی جهة صیرورته مجازا مشهورا فإنّ کلامهم إنّما هو مع قطع النّظر عن الأمورات الخارجیة وهم قد ذکروا أنّه إذا فرضنا عدم الوضع للمعنی الشّرعی فهل هو أقرب المجازات إلی المعنی اللّغوی حتی یحمل علیه عند القرینة الصّارفة أو لا وهل هو مجاز مشهور حتی یحمل علیه اللّفظ مجردا عن القرینة بناء علی ترجیح المجاز المشهور أو لا فافهم ثم إن ما ذکره الشّریف رحمه الله من أن مقتضی القاعدة عند الجهل بالتّاریخ الحکم بالتّقارن والحمل علی المعنی الشّرعی کصورة العلم بالتقارن باطل فإن الحمل علی المعنی الشّرعی فی صورة العلم بالتقارن أیضا لا وجه له فإن الاستعمال فی المعنی لا بد له من مصحح مقدم علی الاستعمال فإن کان هو الوضع فقد تقدم الوضع علی الاستعمال وإن کان القرینة فقد تأخر کما ذکروا أن الماء إذا صار کرا ووقع النّجاسة فیه حال صیرورته کرا أنّه نجس إذ المعتبر فی عدم التّنجس هو سبق الکریّة علی وقوع النّجاسة مضافا إلی أن التّقارن غیر متصوّر لأنّ الوضع التّعیّنی یحصل بالاستعمال فإن کان الوضع حاصلا بغیر الاستعمال الّذی فرضته مقارنا ارتفع التّقارن وتقدم الوضع وإن کان حاصلا بنفس ذلک الاستعمال فقد تقدم الاستعمال فالتقارن غیر معقول وأمّا ذکره البعض من نفی الثّمرة وأن العلم الإجمالی لا یوجب رفع الظّن ففاسد أمّا قوله بعدم إیجاب العلم الإجمالی ارتفاع الظّنّ فی کلامه الأخیر فلأنّ معنی العلم الإجمالی هو العلم بحکم مردد بین شیئین علی سبیل الانفصال الحقیقی ومعه لا یمکن إجراء أصالة العدم فی شیء منهما لأن إجراءه فی الجمیع مخالف للعلم وفی أحدهما دون الآخر ترجیح بلا مرجح نعم لو کان الحکم فی أحدهما مظنونا وفی الآخر موهوما أمکن ترجیح الموهوم لکنه لیس لمحض مقتضی الأصل بل هو لأمور خارجة والکلام إنّما هو مع قطع النّظر عن الخارج نعم هذا الکلام إنّما یصح إذا کان العلم به علما فی الجملة کالعلم بثبوت القضاء المردد بین فریضتین وثلاثة فرائض فإنه ینحل إلی العلم التّفصیلی بوجوب الفریضتین والشّکّ التّفصیلی فی الثّالثة فیجری فیها الأصل ومن ذلک ما قاله فی الدّلیل الثّالث إفاضة

ص: 115

علی نفی الثّمرة حیث قال العلم الإجمالی باستعمال ألفاظ فی المعنی اللّغوی لا یوجب رفع الظّنّ من أصالة عدم زیادة الاستعمال فإنّه أیضا علی فی جملة لأنّه ینحل إلی العلم التّفصیلی باستعمال غیر الألفاظ المتنازع فیها والشّکّ التّفصیلی فیها وأمّا أدلته الثّلاثة فلأنّ الأوّل منهما یرجع إلی الثّانی وذلک لأنّ محض غلبة استعمال اللّفظ فی المعنی الشّرعی بلا قرینة إنّما یصح إذا أمکن جعل الغلبة قرینة علیه والغلبة المتأخّرة لا یمکن فیها ذلک فالشّکّ فی التّأخر والتّقدم شک فی إمکان کون الغلبة قرینة وعدمه وضع الشّکّ فی ذلک لا یمکن حمل اللّفظ علی المعنی الشّرعی إلاّ إذا أثبت تأخّر الاستعمال بأصالة التّأخّر فیکون الغلبة قرینة فرجع إلی الدّلیل الثّانی وهو أیضا لا ینفی الثّمرة فإن کلام القوم ناظر إلی نفس الوضع مع قطع النّظر عن الخارج فلا یرد علیهم شیء کما أشرنا إلیه فإنهم أیضا ذکروا هذه المسألة وأنّه علی فرض عدم الوضع فهل تحقق المجاز المشهور أو لا ومع التّحقق هل یحمل علیه أو علی الحقیقة أو فیه تفصیل وغیر ذلک مما هو مذکور فی کتبهم وأشرنا إلی جملة منها فیما سبق وأمّا الثّالث فلأنا لا نسلم أن العلم الإجمالی حاصل بالاستعمال فی المعنی الشّرعی بل العلم الإجمالی حاصل بثبوت استعمالات أخر غیر ما بأیدینا أمّا فی المعنی الشّرعی أو فی اللّغوی فلو حمل علی اللّغوی أیضا لا یلزم زیادة الحادث فتأمل

تتمیم

إذا قطع النّظر عن الوضع للمعنی الشّرعی وقیل بعدم ثبوته فیقع الکلام حینئذ فی وجهین أحدهما أن المعنی الشّرعی هل بلغ فی الاشتهار إلی حد یقدم علی المعنی اللّغوی عند التّجرد عن القرینة بأن یکون الشّهرة فیه قرینة صارفة عن المعنی الحقیقی أو لا والثّانی أنّه علی فرض عدم وصوله إلی هذا الحد هل وصل إلی حد یحمل علیه اللّفظ عند قیام قرینة صارفة عن المعنی اللّغوی بأن یکون أقرب المجازات أو لا والتّرجیح فی المقامین تابع لحدس المجتهد ولا یبعد ترجیح جانب الثّبوت فیهما نظر إلی الاستقراء فإن الألفاظ المتداولة فی اصطلاح المعنی المصطلح فیها یبلغ فی الاشتهار فی أدنی زمان إلی حد یقدم علی الموضوع له ومع التّنزل نقول یحمل علیه إذا قام القرینة الصّارفة عن الموضوع له ویمکن التّمسک بملاحظة أن المعنی لا شبهة فی أنّه قد نقل إلیه بعد زمان الشّارع وأمّا تعیین کونه فی بدء الشّرع أو وسطه أواخره فمتوقّف علی النّقل والحدس ومع الشّکّ یعمل بمقتضاه ویمکن التّمسک للثّبوت فی الوجه الثّانی بأنّا بعد التّتبّع فی مستعملات الشّارع علمنا أنّه لا یستعمل تلک الألفاظ إلاّ فی المعنی اللّغوی أو الشّرعی ولا ثالث لهما فإذا قامت القرینة الصّارفة عن اللّغوی حمل علی الشّرعی إذ لا ثالث فی البین وبالجملة لا یکون اللّفظ مجملا علی ما توهمه بعض الأفاضل ثم إنّه إذا تحقق الوضع للمعنی

ص: 116

الشّرعی وقام القرینة الصّارفة عنه فهل یحمل علی المعنی اللّغوی أو لا والأوجه نعم لما بینا أنّه لا ثالث لهما فی استعمالات الشّارع فهو أقرب المجازات وقد یتمسک لذلک بوجهین آخرین أحدهما أن اللّفظ لم یهجر وضعه اللّغوی وإنّما حدث الوضع الجدید لیستعمل فیه اللّفظ المجرد عن القرینة فی الاصطلاح الخاص وبعد قیام القرینة الصّارفة عن المعنی الجدید یحمل علی اللّغوی لأصالة الحقیقة وفیه أوّلا أنّه لا یتم بناء علی الوضع التّعیّنی لتحقق الهجر بالنسبة إلی المعنی اللّغوی وثانیا أن ثمرة الوضع للمعنی الجدید لیست محض الحمل علیه عند التّجرد عن القرائن بل ثمرته هو الثّمرة فی سائر الأوضاع وهو أن یحمل علیه اللّفظ عند التّجرد ویحمل علی مناسبه عند قیام القرینة وبعد اعتبار المناسبة یکون مجازا لا حقیقة والثّانی أنّ اللّفظ قبل الوضع للمعنی الجدید کان ظاهرا فی المعنی اللّغوی وبعد الوضع الجدید إذا قامت القرینة الصّارفة عنه نشک فی ارتفاع ذلک الظّهور فیستصحب وفیه أنّ ذلک الظّهور کان مستندا إلی الوضع وبعد نسخ ذلک الوضع فی الاصطلاح الخاص لا معنی لاستصحاب الظّهور المستند إلی الوضع وهو ظاهر

أصل اختلفوا فی أن ألفاظ العبادات مستعملة فی الصّحیح أو الأعم

وقبل الخوض فی المطلب لا بد من تمهید مقدمة وهی أنهم ذکروا أنّ هذا النّزاع مختص بالقائلین بالمعانی المستحدثة فلا یدخل القاضی فی هذا النّزاع ولکن بعد القول بالمعانی المستحدثة لا یختص النّزاع بالقائلین بالحقیقة الشّرعیة وهذا بحسب الظّاهر غیر تمام وبیان ذلک أن الصّحة عبارة عن کون العمل جامعا للأجزاء والشّرائط بحیث یترتّب علیه الدّاعی إلی الأمر ویلزمها بهذا المعنی امتثال الأمر ولیس معنی الصّحة امتثال الأمر فإنّ المأمور به هو الصّحیح فلو کان امتثال الأمر مأخوذا فی معنی الصّحة لکان المأمور به الصّلاة الّتی یحصل بها امتثال الأمر فیجب تحقق أمر آخر غیر هذا الأمر المتعلّق بالصحیح وإلاّ لزم الدّور وحینئذ فتفسیر بعضهم للصّحة بما یوافق الأمر تفسیر باللازم ثم إنّ المعنی الّذی یتعلّق به الأمر إمّا بسیط أو مرکب انضمامی له أجزاء فی الخارج أو مرکب تقییدی له شروط والأوّل لا یتصف بالصحة والفساد إذ لا جزء له ولا شرط فصحته وجوده وعدم صحته عدمه من رأس بخلاف الآخرین والألفاظ المستعملة فی الشّریعة علی أقسام قسم استعمل فیما لا یغایر المعنی اللّغوی بالتّباین وقسم فیما یغایره بالکلیة والجزئیة وقسم فیما یغایره بالإطلاق والتّقیید ومن القسم الثّانی الصّلاة ونحوها علی القول بأنها مستعملة فی المعانی المستحدثة المرکبة من الأجزاء والشّرائط ومن الثّالث ألفاظ المعاملات فإن الملحوظ فیها هو المعنی اللّغوی والزّائد شروط ولواحق وألفاظ العبادات عند القاضی من هذا القبیل وقد عرفت أن هذا المعنی یصح اتصافه بالصّحة والفساد فیجری هذا النّزاع علی مذهب

ص: 117

القاضی أیضا کما أجروها فی المعاملات ولا فرق بین الألفاظ العبادات علی مذهب القاضی وبین ألفاظ المعاملات عندهم فی أن المعنی الشّرعی مغایر مع اللّغوی بالإطلاق والتّقیید فالقاضی أعمی لقوله بالبقاء علی المعنی اللّغوی الّذی هو أعم من الصّحیح والفاسد فالأولی تعمیم العنوان بحیث یشمل القاضی أیضا ویمکن الجواب بأن هذا النّزاع فی المعانی المتغایرة مع المعنی اللّغوی بالتباین أو الکلیة والجزئیة یمکن من کل واحد من القائل بثبوت الحقیقة الشّرعیة وعدمه بخلاف المعانی المتغایرة معه بالإطلاق والتّقیید فإن القائل بالصحة فیها یلزمه القول بالوضع وبالعکس والقائل بالأعم یلزمه القول بنفی الوضع وبالعکس فالقول بالصحة متلازم مع القول بالحقیقة الشّرعیة والقول بالأعم متلازم مع نفیها فالنّزاع فی ثبوت الحقیقة الشّرعیّة فیها وعدمه نعنی عن النّزاع هنا وأمّا ذکر النّزاع فی المعاملات فإنّما هو من باب المناسبة والمساهلة أمّا التّلازم المدعی فی المقامین فبیانه أن بعد القول بالبقاء علی المعنی اللّغوی لا معنی للقول بالصحة إذ هو أعم من الصّحیح والفاسد ولو کان إرادة المقید من المطلق حقیقة أو مجازا موجبا للإجمال کما هو مقتضی قول الصّحیحین کما سیأتی إن شاء الله لزم خروج جمیع الخطابات عن الحجیة وصارت مجملة لا یمکن التّمسک لا یمکن التّمسک بإطلاقها حتی فی لفظ الماء مثلا ومن قال بالوضع قال بالوضع للصّحیح إذ لا معنی لاعتبار اشتراط بعض الشّرائط فی المسمی دون بعض فثبتت الملازمة فی المقامین ومع الغض عن ذلک نقول علی القول بالوضع والنّقل یدخل فی القسم الثّانی وهو المرکب الانضمامی الّذی یمکن فیه القول بالصحة والفساد ولکن لا یمکن للقاضی ذلک لأنّه قائل بالترکیب التّقییدی فلا یمکن له القول بالصحة والحاصل أنه علی القول بعدم النّقل کما هو قول القاضی لا یمکن إلاّ القول بالأعم لکونه من القسم الثّالث وهو المرکب التّقییدی لما عرفت أن القول بالصحة بناء علیه فاسد لا قائل به وعلی القول بالنّقل یدخل فی القسم الثّانی وهو المرکب الانضمامی الّذی یجری فیه النّزاع بکلا القولین وکیف کان فالقاضی خارج عن النّزاع فی هذه المسألة فإنّ محل النّزاع لا بد أن یکون معنی قابلا لکلا القولین وهو لا بد أن یکون مغایرا للمعنی اللّغوی بغیر الإطلاق والتّقیید ولو کان مغایرا له بالإطلاق والتّقیید فلا یجری النّزاع فیه إلاّ علی القول بالحقیقة الشّرعیة والقاضی لا یقول بها ثم إنّ إدخال النّافین للحقیقة الشّرعیّة فی هذا النّزاع بحسب الظّاهر فاسد لوجوه منها أنّ النّزاع إمّا یکون فی الوضع أو فی الاستعمال والأوّل لا یتصوّر من النّافین والثّانی لیس محل النّزاع إذ الاستعمال فی کلا المعنیین واقع فی الشّرع ولیس قابلا للإنکار ومنها أنّهم ذکروا أن الاستعمال

ص: 118

فی الأعمّ من باب سبک المجاز عن المجاز إذ المعنی الصّحیح عندهم أیضا مجاز ومنها منافاة عنواناتهم لذلک وهو أن الألفاظ الّتی لها معان جدیدة هل هی أسام للصّحیحة أو للأعمّ فإنّ الاسم لغة وعرفا یطلق علی اللّفظ الموضوع للمعنی لا للمجاز مضافا إلی استدلالهم فی المبحث بعلائم الوضع کالتّبادر وعدم صحّة السّلب ونحو ذلک مما یدلّ علی أن النّزاع إنّما هو فی الوضع فلا یشمل النّافین ویمکن الجواب عن الأوّل بأنّ النّزاع إنّما هو علی قول النّافین إنّما هو فی أقرب المجازات فی زمان الشّارع لیحمل علیه اللّفظ عند قیام القرینة الصّارفة علی المعنی اللّغوی والمیزان لذلک هو الحقیقة المتشرعة فکل معنی نقل إلیه اللّفظ فی عرف المتشرعة إلی زمان الصّادقین علیه السلام فهو أقرب المجازات وأشهرها فی زمان الشّارع لکشف النّقل عن کثرة الاستعمال السّابق فالصحیحیّة یقولون إنّ الصّحیح هو الموضوع له فی عرف المتشرعة فهو أقرب المجازات فی زمان الشّارع والأعمیّة یقولون هو الأعم وعن الثّالث بأن العنوان المذکور إنّما ابتدأ به القدماء المثبتون للوضع وتبعهم النّافون فلم یغیروا جریا علی مذاهبهم وکذا الأدلة المذکورة أو نقول أن المقصود من العنوان والأدلة هو تعیین الموضوع له فی عرف المتشرعة لیتفرع علیه تعیین الموضوع له فی کلام الشّارع علی مذهب المثبتین وتعیین أقرب المجازات علی مذهب النّافین وکذا الأدلّة المذکورة ناظرة إلی عرف المتشرعة الّذی هو المیزان لعرف الشّارع وعن الثّانی بالتسلیم وضع فساد سبک المجاز عن المجاز لشیوعه فإنّ استعمال أسد فی زید مثلا من هذا القبیل حیث شبه الرّجل الشّجاع بالحیوان المفترس فاستعمل فیه لفظه فهذا مجاز ثم أرید من ذلک المجاز الّذی هو کلی فرده وهو زید وهذا أیضا مجاز لاستعمال الکلی فی الفرد بعلاقة العموم والخصوص وکذا فی نظائره وکذا إذا جعل المراد بالعلم فی تعریف الفقه ملکة الظّن فإنه مجاز عن إرادة الظّن مجازا من العلم بمعناه الحقیقی بمعناه الحقیقی وهو الجزم إذ لا یمکن إرادة ملکة الظّن من العلم بمعنی الجزم إذ لیس بینهما علاقة بخلاف ملکة الظّن مع الظّن فإنه مناسب معها بالسّببیة والمسبّبیّة وکذا الظّن بالنّسبة إلی الجزم لتشابههما فی کشف الواقع کذا قیل وفیه نظر لأن إرادة زید من الأسد لیس من قبیل استعمال الکلی فی الفرد بل هو من باب إطلاق الکلی علی الفرد بإرادة الخصوصیة من الخارج فلیس مجازا ولا نسلم أن ملکة الظّن لیست مجازا عن المعنی الحقیقی وهو الجزم لوجود المناسبة بینهما فی کون کل منهما سببا لظهور الواقع فالأولی فی الجواب أن یقال إنّا لا نسلم لزوم سبک المجاز عن المجاز عند إرادة الفاسد بمشاکلته للصّحیح وذلک لأنّه من قبیل تنزیل المعدوم منزلة الموجود ادعاء فإنه شائع فی العرف ولا یلزم منه مجاز فی الکلمة کما یطلق الحقة فی العرف علی مقدار نقص عن الحقة بمثقال فیطلقون

ص: 119

الصّلاة علی الفاسد بادعاء کونه صحیحا لمشاکلته له فی الصّورة والحاصل أن اللّفظ قد أطلق علی الصّحیح الّذی هو الموضوع له لکن بتنزیل الفاسد منزلة الصّحیح بالمشاکلة وهذا غیر قول السّکاکی فی الاستعارة حیث یقول إنّ التّصرف إنّما هو فی أمر عقلی فإنّ مراده أنّ أسد یراد منه الرّجل الشّجاع لکن تنزیله منزلة الحیوان المفترس وهذا یرد علیه أن التّنزیل المذکور لا یخرج الرّجل الشّجاع عن کونه غیر ما وضع له فاللّفظ مجاز فیه ونحن نقول إنّ اللّفظ یراد به المعنی الموضوع له حقیقة کإطلاق الحقة فیما ذکر لکنه بادعاء کونه تماما وبالجملة الفرق بین الکلامین یظهر بالتأمّل وإن أبیت عن ذلک فقل فی الجواب إن القول بأن إرادة الأعم إنّما هی للمشاکلة فی الصّورة إنّما هو من بعض الصّحیحیّة لا من جمیعهم ولعله کان قائلا بالوضع وهو لا یوجب اختصاص النّزاع بالقائلین بالوضع وهذا ظاهر ثم إنّک بعد ما عرفت من أنّ النّزاع المذکور إنّما یجری علی القول بالمعانی المستحدثة أو النّقل تعلم أن إجراءه فی المعاملات وعدمه مبنی علی القول بکونها ماهیات مجعولة أو منقولة وعدمه فمن أدخلها فی النّزاع قال بکونها ماهیات مستحدثة أو بالنقل ومن أخرجها جعلها مبقاة علی المعانی اللّغویة ولا یخفی أن أکثر المعاملات باقیة علی معانیها اللّغویة ولم یتحقق فیها نقل کالبیع ونحوه وإنّما زید لصحتها شروط فی الشّریعة لکن بعضها قد حدث له معنی جدید فی الشّرع کالطلاق فإنه لیس الملحوظ فی إطلاقه معناه اللّغوی أصلا فهو داخل فی محل النّزاع وهذا عکس العبادات فإنّ أکثرها معانی مستحدثة فی الشّرع وبعضها باق علی معناه اللّغوی کالسّجود والرّکوع ونحوهما وبالجملة فدعوی الکلیة فی کل من المقامین لا وجه له بل لا بد من التّفصیل والرّجوع فی کل لفظ إلی ما یقتضیه الدّلیل ولا بأس بالإشارة إلی بعض کلماتهم فی المقام لیتّضح المرام فنقول قال الشّهید فی القواعد الماهیات الجعلیة کالصّلاة والصّوم وسائر العقود لا تطلق علی الفاسد إلاّ الحج لوجوب المضی فیه وظاهر هذا الکلام تحقق الماهیات الجعلیة فی المعاملات أیضا بناء علی أن یعطف سائر العقود علی الصّلاة والصّوم قال بعض المحققین إن مراده أنها لا تطلق علی الفاسد بعد الأوامر الشّرعیة إلاّ الحج حیث أمر بإتمام فاسده أیضا ولیس مراده الإطلاق مطلقا إذ لا مجال لإنکاره واعترض علیه فی الفصول وذکر أن مراد الشّهید من عدم الإطلاق علی الفاسد الإطلاق بطریقة الحقیقة إذ الاستعمال المطلق فی الفاسد لا مجال لإنکاره ولیس مراده الإطلاق بعد الأوامر وإلاّ لورد علیه أن الفاسد الّذی هو المأمور به فی الحج إن أرید به الفاسد خصوص الفرضی بمعنی أنّه فاسد إن لم یتعلّق الأمر بإتمامه إذ مع ملاحظة الأمر یکون صحیحا لکونه موافقا

ص: 120

للأمر فهذا یجری فی جمیع العبادات فإنها فاسدة قبل أن یؤمر بها إذا الصّحة إنّما تحصل بموافقة الأمر فلا معنی لحصولها قبلها فقد أطلق ألفاظها علی الفاسدة ولا وجه لاختصاص الحجّ وإن أرید به الفاسد الواقعی نظرا إلی أن الصّحة لا بد أن تکون متحققة قبل تعلق الأمر وهی منتفیة فی الحجّ الفاسد ففیه منع لزوم ذلک لجواز کون الأمر منشئا للصحة فلا یلزم تحققها قبل الأمر وإن أرید أنّه فاسد بالنظر إلی الأمر الأوّلی بالحج وإن کان صحیحا بالنظر إلی الأمر الثّانی فهو مع أنّه بعید عن مساق کلامه مما لا یساعد علیه تفریع مسألة الحنث علیه کما لا یخفی انتهی وفیه أن کونه فاسدا بالنسبة إلی الأمر الثّانی المتعلق به غیر معقول فالقول بأنه یطلق علی الفاسد نص فی الفاسد بالنظر إلی الأمر الأوّل فی جعل ذلک بعید إلاّ وجه له فنقول إن مراد الشّهید من الصّحیح الّذی هو المراد بعد الأوامر هو العمل التّام الأجزاء والشّرائط بحیث یترتب علیه المصلحة الدّاعیة إلی تعلق الأمر الأولی فی بدء الشّریعة لا الصّحیح الّذی یترتب علی طرو الفساد وحینئذ فسائر الماهیات لا تطلق بعد الأوامر علی غیر هذا بخلاف الحج لإطلاقه علی ما طرأ علیه الفساد أیضا وأمّا قوله لا یجب تحقق الصّحة قبل الأمر لجواز إنشائها بالأمر ففیه أو لا أنّه یتم فی الصّحة بمعنی موافقة الأمر وأمّا الصّحة بمعنی جامعیّة الأجزاء والشّرائط فهی متقدمة علی الأمر بلا شبهة وثانیا أن إنشاء الصّحة بالأمر لا معنی له أمّا أوّلا فلأنّ الصّحة حکم العقل بأنه متی تحقق العمل مطابقا للمأمور به کان صحیحا وهو لیس أمرا قابلا للجعل وأمّا ثانیا فلأن الصّحة إن کانت بموافقة الأمر فلا حینئذ هی منتزعة من العمل الموجود فی الخارج مطابقا للمأمور به فتکون متأخرة عن الأمر جزما لا منشأ به وإن کانت بمعنی الجامعیّة المذکورة فقد فهی منتزعة من ذات الشّیء ومتقدمة علی الأمر جزما وهی مراد الشّهید من الصّحة فی المقام ولا یرد النّقض بصلاة العاجز حیث إنّها فاسدة بالنظر إلی الأمر المتعلق بصلاة المختار فکیف قال إنّها لا تطلق علی الفاسد وقد ذکر أن مراده الفاسد بالنسبة إلی أمر آخر وذلک لأن صلاة المضطر والمختار کلاهما جامعان للأجزاء والشّرائط الّتی یترتب علیها المصلحة الداعیة إلی الأمر الأولی فهما فی عرض واحد تعلقا بمکلفین متغایرین فهذا حکم القادر وهذا حکم العاجز ولیس أحدهما مترتبا علی طرو الفساد فی الآخر بخلاف الحج فإن تحقق المصلحة فی الفاسد منه إنّما هو بعد طرو الفساد فی المأمور به بالأمر الأولی فافهم نعم غایة ما یرد علی هذا التّقریر أنّه لا یلائم تفریع مسألة الحنث إذ لیس الصّلاة الواقعة بعد النّذر واقعة بعد الأمر حتی تحمل علی الصّحیح ثم إنّه بعد ما اختار أن مراد الشّهید بیان أنها حقائق فی الصّحیح اعترض علیه بالنّقض بالصّوم لوجوب إتمام فاسده فلا اختصاص للحجّ مضافا إلی أنّ وجوب المضی فیه لا یدل علی کونه موضوعا له ثم قال فإن قیل الحج الفاسد صحیح باعتبار

ص: 121

الأمر الثّانی لموافقته له وإن کان فاسدا باعتبار الأمر الأول فالتسمیة فیه أیضا لاحقة للحج الصّحیح فما معنی استثناء الشّهید له قلنا الأمر الثّانی إنّما یتعلق بإتمامه لا بتمامه لامتناع تعلق الأمر اللاحق بالفعل السابق ولا ریب أن الباقی بعض الحج فلا یکون حجا والمجموع لیس مأمورا به فیکون فاسدا وقد أطلق علیه الحج انتهی ملخصا وفیه أن النّقض بالصوم لا وجه له إذ لیس فی الأخبار ما یدل علی وجوب إتمام الصّوم نعم یجب الإمساک بعد إفساد الصّوم وهو تکلیف مستقل بخلاف الحج حیث أمر بإتمامه وأطلق علیه الحج بخلاف الصّوم إذ لا یطلق علی الفاسد أنّه صوم وما أجاب به عن الإیراد یمکن المناقشة فیه بأن المجموع أیضا صحیح لکونه موافقا لأمرین فأجزاؤه المتحققة قبل الإفساد موافقة للأمر الغیری الّذی کان متعلقا بتلک الأجزاء لکونها مقدمة للکل فهی حین وجودها متصفة بالصحة بهذا المعنی وطرو الفساد لا یخرجها عن الصّحة بهذا المعنی لتحققها جزما والأجزاء المتأخرة موافقة للأمر الثّانی فیصدق علی المجموع أنّه صحیح ثم إنّ هذا لا یناسب ما ذکره فی الاعتراض من أن المطلوب لا یکون فاسدا بل المناسب أن یقول إنّ المطلوب لیس حجا فی الجواب عما ذکره المفسر من أن المطلوب هو الحج الفاسد فإنه أراد من کونه مطلوبا أنّه مأمور بإتمامه لا بتمامه فهو یسلم أن المطلوب هو الصّحیح وهو الأجزاء وأن المجموع فاسد فمراده أن المجموع الّذی هو فاسد یصدق علیه أنّه مطلوب ولو بالنسبة إلی بعض أجزائه فالجواب عنه أن یقال إنّ المطلوب لیس حجا لا أنّ المطلوب لیس فاسدا فإنه لا نزاع فیه فتأمّل ثم إنّه یحتمل أن یقال إن مراد الشّهید أن تلک الألفاظ لا ینصرف إلی الفاسد عند الإطلاق فینصرف مطلقها إلی الصّحیح فلو حلف علی ترک الصّلاة فی مکان مکروه انصرف إلی الصّحیح فلا یحنث بالفاسد ولو حلف علی إتیان الصّلاة انصرف إلی الصّحیح فلو أفسدها لم یبرأ ولم یجب علیه إتمامها إلاّ الحج فإن هذه الثّمرة أعنی ثمرة الانصراف إلی الصّحیح منتفیة فیه لوجوب إتمام فاسده أیضا وهو بعید ویحتمل أن یکون المراد أن تلک الألفاظ متی وردت فی الشّرع مطلقا حکم بإرادة الصّحیح منها لأی حکم کان بخلاف الحج فإنه لخصوص الحکم بوجوب المضی فیه أرید منه الأعمّ فی الشّرع فالحج مطلقا یجب المضی فیه بخلاف سائر الأحکام فإنها منصرفة إلی الصّحیح فلو قال حججت مثلا انصرف إلی الصّحیح أیضا فقوله لوجوب المضی فیه لیس علة وإنّما هو متعلق بیطلق محذوفا إلاّ الحج فإنه یطلق علی الأعمّ لخصوص حکم وجوب المعنی دون سائر الأحکام فتأمل ثم قال الشّهید فلو حلف علی ترک الصّلاة والصّوم اکتفی بمسمی الصّحة وهو الدّخول فیها فلو أفسدها بعد ذلک لم یزل الحنث ویحتمل عدمه لأنه لا یسمی بصلاة شرعیا ولا صوما مع الفساد ومراده أنّه لو حلف علی ترک الصّلاة فی مکان مکروه یکفی فی الحنث مجرد الدّخول فیها صحیحا وأشکل بأنه بعد تعلق الحلف حرم إتیان الصّلاة وتعلق بها النّفی المفسد

ص: 122

للعبادة فلا معنی لتحقق الحنث بعد القول بأن الحلف إنّما تعلق بالصلاة الصّحیحة والجواب أنّه متعلق بالصحیحة قبل الحلف وهی یمکن فعلها بعد الحلف بقصد القربة تشریعا وهو یکفی فی الحنث وأشکل أیضا بأن الحلف إنّما تعلق بترک مجموع الصّلاة فاحتمال تحقق الحنث بمحض الدّخول ولو تعقبه الإفساد لا وجه له والجواب أن الظّاهر من ذلک فی العرف أن الحلف إنّما هو علی ترک التّعرض لها بالکلیّة فیحنث بالشّروع فیها صحیحا ثم إن قوله وسائر العقود إن عطف علی الصّلاة والصّوم کان مثالا للماهیات الجعلیّة مع أن المعاملات لیست بمجعولة للشارع بل هی باقیة علی المعانی القدیمة وإنّما زید لها فی الشّرع شروط ولواحق ویمکن التّفصی عنه بأن المراد من الماهیات الجعلیّة الماهیات الّتی اخترعها الشّارع ولو فی سابق الزّمان ولا ریب فی أن ماهیّة المعاملات أیضا مخترعة للشارع فی سابق الزّمان لکونها مما یحتاج إلیه الخلق فی أمور معاشهم کما یحتاجون إلی العبادات فی أمور معادهم وعلم من جمیع ذلک أن التّعلیل المذکور فی کلام الشّهید لا ینطبق علی أی وجه حمل علیه کلامه فالأولی الإعراض عن التّکلّم فی ذلک ورد فهمه إلی قائله وهو أعلم بما قال ولنتکلم فی أن هذا النّزاع هل یجری فی المعاملات أو لا فنقول لا ریب فی أن المعاملات لیست ماهیّة مخترعة فی شرعنا بل هی ثابتة عند النّافین للشرائع والأدیان أیضا لأنها من متعلقات المعاش ولکن الشّارع أمضی بعض أفرادها فحکم بصحته دون بعض فهی باقیة علی معانیها اللّغویّة والعرفیّة وذهب صاحب الفصول إلی أنها موضوعة للصحیحة أیضا لا کالعبادات بتقریب أنها موضوعة لأمور نفس الأمریّة کالبیع مثلا فإنه موضوع للأثر الخاص وهو النّقل والانتقال وهی شیء ثابت فی العرف أیضا ولذا یتبادر منه الصّحیح ویصح سلبه عرفا عن بیع الهاذل ونحوه فلا یسمی بیعا فی العرف فهی موضوعة للصحیح عرفا لا یقال فحینئذ ما معنی زیادة الشّروط واللواحق فی الشّرع لأنا نقول المفهوم عند الشّرع والعرف واحد وإنّما الاختلاف فی المصداق فالعرف یحکم بأنّ البیع الرّبوی مثلا بیع لأنه یحصل به النّقل والشّرع یحکم بأنه لیس بیعا إذ لا یحصل به النّقل والاختلاف فی المصداق لا یوجب اختلاف المفهوم فإن قلت یلزم من ذلک عدم جواز التّمسک بالإطلاقات کأحل الله وأوفوا بالعقود ونحوهما کما هو ثمرة القول بالصحة فی العبادات مع أن العلامة رحمه الله نقل الإجماع علی التّمسک بالإطلاقات فی مقام الشّک فی الشّرطیّة والجزئیّة فی المعاملات قلت لیس المعاملات کالعبادات إذ الماهیّة المجعولة فی العبادات لیست معهودة فی غیر الشّریعة المحمّدیّة فینحصر طریق تحدیدها فی السّؤال من الشّرع بخلاف المعاملات فإن معانیها معهودة فی العرف فیمکن تحدیدها بالرجوع إلی العرف وفیه أن القول باختلاف الشّرع والعرف فی المصداق

ص: 123

دون المفهوم لا وجه له إذ لو کان کذلک لوجب ارتداع العرف عن ذلک بعد تنبیه الشّارع لهم علی خطائهم فی المصداق ولیس کذلک فإنّهم یحکمون علی البیع الرّبوی بأنّه بیع بعد نهی الشّارع عنه أیضا فیعلم أنّ النّزاع لیس فی المصداق وإلا لارتدعوا عن الحکم المذکور بعد نهی الشّارع مع أن الرّجوع إلی العرف حینئذ إنما یکون لتمییز المصادیق الصّرفة لمفهومها المعلوم وقد عرفت سابقا عدم حجیّة قول العرف فی تعیین الموضوعات الصّرفة فالأولی أن یقال إنّ ألفاظ المعاملات موضوعة للصحیح العرفی وإنّه أعمّ من الصّحیح الشّرعی لأنهم یعدون مثل القمار ونحوه أیضا صحیحا مع فساده فی الشّرع وحینئذ فإذا تعلق بها حکم فی الشّرع انصرف إلی الصّحیح العرفی فلو علم زیادة شرط فی الشّرع حکم به وإلاّ نفی بالإطلاق أو یقال بأنها موضوعة للصحیح الشّرعی کما یقوله الشّهید ویلتزم بإجمال تلک الألفاظ وعدم التّمسک بإطلاقها إذا تمهد هذه المقدمة فنقول ذهب جماعة إلی أنّ ألفاظ العبادات موضوعة للمعانی الصّحیحة وجماعة إلی أنّها موضوعة للأعمّ من الصّحیحة والفاسدة وقد عرفت أن الصّحة عبارة عن کون العمل جامعا لجمیع الأجزاء والشّرائط والوضع للمعنی الصّحیح کما هو مذهب الصّحیحیّة یتصور بوجوه لا یخلو کل واحد منها من الإشکال وذلک لأنّ الموضوع له إمّا شخص الصّحیح وهو الصّلاة الّتی یفعلها القادر والمختار العالم العامد جامعا لجمیع الشّرائط والأجزاء وسائر الأفراد أبدال مسقطة ولیست بصلاة حقیقة وإمّا نوعه ولا یخلو إمّا أن یکون مشترکا لفظیا بین الأفراد کصلاة المختار والعاجز والجاهل والعالم والنّاسی والعامد وغیر ذلک أو معنویا والأوّل ظاهر والثّانی یتصور بوجهین الأول أن یکون الموضوع له معنی بسیطا بحیث یکون تلک الأفراد مصداقا له حال صحتها لا حال فسادها کأن یکون الموضوع له للصّلاة هو مفهوم مبرئ الذّمة أو النّاهی عن الفحشاء ونحوهما فتلک الأفراد صلاة حین صحتها لا حین فسادها والثّانی أن یکون الموضوع له مرکبا ویکون قدرا مشترکا بین تلک الأفراد ولا یمکن هذا إلاّ بأن یکون موضوعا لجملة من الأجزاء الّتی توجد فی ضمن الجمیع إذ لا یمکن أن یکون قدرا مشترکا بین الزّائد والنّاقص بحیث یکون الزائد أیضا فردا له إلاّ إذا کان الزّائد أیضا من جنس القدر المشترک کالحنطة فإنّها موضوعة للقدر المشترک بین المنّ والمنین مثلا لأنّ المنّ الزّائد أیضا من جنسها بخلاف الصّلاة فإنها لا یمکن أن تکون مشترکة معنویّة بین الزّائد والنّاقص إذ الزّائد فیها لیس من جنس القدر المشترک وحینئذ فتلک الأجزاء المعتبرة فی المسمی قد توجد فی ضمن الصّحیح وقد توجد فی ضمن الفاسد فالوجوه أربعة الأول أن یکون الموضوع له شخصیا والثّانی أن یکون مشترکا لفظیا بین الأفراد والثّالث أن یکون موضوعا للمعنی البسیط الّذی یکون کل واحد من الأفراد محصلا له والرّابع أن یکون موضوعا للمعنی المرکب اللابشرط

ص: 124

الموجود فی ضمن الجمیع ویرد علی الأول أنّه مخالف لدیدن العلماء حیث یستدلّون بالأدلّة الدّالّة علی حکم الصّلاة علی حکم صلاة المضطر والسّاهی وغیرهما أیضا فإنّ قوله علیه السلام لا صلاة إلاّ بطهور یثبت وجوب الطّهارة لصلاة السّاهی أیضا من غیر احتیاج إلی دلیل خارجی ولو کانت الصّلاة موضوعة لشخص خاص لم یمکن ذلک وهذا یرد علی الثّانی أیضا مضافا إلی أنّه موجب للإجمال حتی بالنّسبة إلی صلاة القادر المختار أیضا أو مستلزم لإرادة أکثر من معنی واحد من المشترک وعلی الثّالث أمران الأوّل أن من الواضح أنّ الصّلاة لیست اسما للمفهوم البسیط لأنّها مرکبة قطعا أولها التّکبیر وآخرها التّسلیم والثّانی أنّه مستلزم لعدم جواز إجراء أصالة البراءة عند الشّک فی الشّرط والجزء إذ المفهوم المکلف به معلوم تفصیلا والشّک إنّما هو فی حصوله فی ضمن هذا الفرد وهذا مورد الاحتیاط إجماعا نعم لو کان المکلف به مرکبا وشک فی قلة أجزائه وکثرته حکم بالأقلّ لأصالة البراءة مع أن أکثر الصّحیحین قائلون بإجراء أصالة البراءة فإنّ إجراءها لا یختص بالأعمّیّة بل المختص بهم هو التّمسک بالإطلاق وعلی الرّابع أنّه عین مذهب الأعمّیین فإنّ القدر المشترک الّذی یوجد فی الجمیع لا یختص بالصحیح لوجوده فی ضمن الفاسد أیضا وبالجملة للخدشة فی جمیع الوجوه محل والأقرب منها هو الاحتمال الأوّل بتقریب أن یقال إنّ الموضوع له اللّفظ فی صدر الشّریعة هو المعنی الشّخصی المذکور وهو العنوان فی خطابات الشّارع وأمّا غیره فقد استعمل فیه اللّفظ وصار حقیقة فیه فی لسان المتشرّعة فاللّفظ متی أطلق انصرف إلی ذلک المعنی وأمّا التّمسک بالإطلاقات فإنّما هو بعد إحراز أن حکم البدل حکم المبدل منه بالإجماع ونحوه مثلا کما یستدلّون بالخطابات المتعلقة بالمشافهتین علی أحکام غیر المشافهین للإجماع علی الاشتراک فی التّکلیف ولکونه ظاهرا لا یحتاج إلی البیان هذا وأمّا الوضع للأعمّ فهو أیضا یتصور بوجوه منها ما ذکره الفاضل القمی ره من أنها موضوعة لذات الرّکوع والسّجود والتّکبیر والقیام والباقی شروط ولواحق وفیه أنّا نقطع بعدم صدقها علی الأرکان المخصوصة إذا وقع فیها بعض المنافیات کالطفرة والتّکلّم بما شاء خصوصا مع عدم الاستقبال والسّتر ونحو ذلک وبالصدق العرفی علی الجامع للشّرائط والأجزاء سوی الرّکوع مثلا مع أنها لو کانت موضوعة للأرکان لکان إطلاقها علی الجامع للأجزاء والشّرائط مجازا تسمیة للکل باسم الجزء مع أنّه لیس کذلک قطعا ومنها ما ذکره الشّریف من أنّها موضوعة لما یصدق علیه الصّلاة عرفا وفیه أنّه إن أرید بالعرف عرف العوام فهم لا یفهمون معنی الصّلاة ومسماها إلا بتقلید العلماء فلا یمکن التّحدید بالرجوع إلیهم وإن أرید عرف العلماء فهو عین المتنازع فیه

ص: 125

عندهم وقال بعضهم إنّها موضوعة لمعظم الأجزاء ویرد علیه ما ورد علی الفاضل القمی رحمه الله من أنّه یلزم أن لا یطلق علی المجموع إلاّ مجازا وقیل إنّها ما یقوم به الهیئة وهو أیضا غیر تمام إذا المراد بالهیئة إمّا هیئة الصّلاة فهو عین المتنازع فیه أو غیرها وهو لیس معنی الصّلاة قطعا والّذی یمکن أن یقال إنّ کون الموضوع له هو المعنی الصّحیح الجامع لجمیع الأجزاء والشّرائط الشّخصیّة قطعی ولا ریب فی صیرورة اللّفظ حقیقة فی الأبدال المسقطة أیضا بکثرة الاستعمال توسعا فالصحیحیّة یقولون بانحصار الموضوع له بالوضع التّعیّنی المسبوق بالاستعمال توسعا فی خصوص الصّحیح والأعمّیّة یقولون قد صار حقیقة فی الفاسدة أیضا بعد الاستعمال توسعا أو یقال بأنها من حیث الأجزاء موضوعة للصحیح إمّا بالاشتراک اللّفظی أو بطریق کون الوضع عاما والموضوع له خاصا بأن لاحظ الأرکان مع جملة من الأجزاء لا علی التّعیین ووضع اللّفظ بإزاء کل واحد من الأفراد المختلفة نظیر وضع الأعلام فإنّه لوحظ النّفس مع ما یتبعه من البدن ووضع اللّفظ لکل واحد من الخصوصیات المختلفة وکلفظ الدّار والبیت ونحوهما وحینئذ لا بد من التزام الإجمال فی الخطابات الصّادرة وأمّا من حیث الشّرائط فیصح النّزاع المذکورة فالصحیحیّة یقولون بدخولها فی المسمی فلا یمکن التّمسک بالإطلاق والأعمّیّة علی عدم الدّخول وأمّا الأعمّ من جهة الأجزاء فقد عرفت أنّه غیر معقول إذ لا یمکن تحدید المسمی بحیث یشمل الصّحیح والفاسد من حیث الأجزاء ویکون المعنی شیئا واحدا کما هو مذهب الأعمّیّین نعم یمکن بطریق کون الوضع عاما والموضوع له خاصا کما ذکرنا لکنه یتعدد المعانی ویلزم القول بتحقق ألف ماهیّة للصلاة والأعمّیّة قد فروا من ذلک فتأمل جدا وکیف کان یجب ذکر ما رتبوه علی النّزاع المذکور من الثّمرات والنظر فی جرحه وتعدیله علی مذاقهم فنقول من الثّمرات إجراء الأصل فإنه یمکن علی مذهب الأعمّیّة دون الصّحیحیّة والمراد بالأصل أصالة عدم التّقیید وذلک بناء علی جعل المسمی عند الأعمّیّة شیئا واحدا موجودا فی ضمن الصّحیح والفاسد وحینئذ فنقول الأمر إذا تعلق بالمطلق کان ظاهرا فی أنّه لا مدخلیّة لغیر الطّبیعة فی المطلوبیّة فکلما أرید تقیید المطلوب به وجب بیانه فإذا لم یبین نفی بالإطلاق کما إذا قال المولی لعبده أعتق رقبة فمتی لم یبین مدخلیّة الإیمان وکونه قیدا للرّقبة جاز للعبد نفیه بالأصل ولما کان المسمی عند الأعمّیین معلوما والطّلب وارد علیه فکلما علم تقییده به من الدّلیل الخارج فهو وما شک فیه فالأصل عدمه بخلاف الصّحیحیّین لأن المسمی عندهم عین المطلوب فإذا شک فی ثبوت جزء أو شرط یرجع الشّک إلی تحقق أصل المسمی فلا إطلاق یتمسک به وأمّا أصل البراءة فلا یتفاوت القولان فی إجرائه لأنّه مبنی علی أن العلم الإجمالی بالتکلیف عمل یوجب تحصیل البراءة القطعیّة

ص: 126

أولا بل لا یجب الامتثال ما لم یقطع بالمکلف به تفصیلا فمن قال بالأوّل قال بوجوب الاحتیاط عند الشّکّ فی شرط أو جزء علی القولین مع قطع النّظر عن تعیین المکلف به بالإطلاق علی مذهب الأعمّیّة ومن قال بالثّانی قال بالبراءة مطلقا علی القولین فافهم بل الثّمرة إنّما تظهره بالتمسک بالإطلاق وعدمه لا یقال إنّ الأعمّ لا یکون مطلوبا قطعا بل المطلوب هو الصّحیح علی کلا القولین فقول الشّارع صل قد تعلق فیه المطلب علی الصّلاة الصّحیحة دون الأعمّ قطعا وهذا المعنی یشترک فیه المذهبان فلا إطلاق علی القولین لأنّا نقول إن أرید بالصّحیحة موافق الأمر فلا شک أنّ هذا متفرع علی الأمر ولیس مأخوذا فی المکلف به وحینئذ إذا تعلق الأمر بالطّبیعة الغیر المقیدة کان جمیع أفرادها مطلوبة لموافقتها للأمر وإن تعلق بالطّبیعة المقیدة کان ما حصل القید فیه صحیحا وغیره فاسدا والأعمّیّة یقولون إنّ الصلاة اسم لماهیّة مطلقة ولما تعلق أمر الشّارع بها مقیدا فحینئذ وجد لها فردان صحیح وهو ما وجد فیه القید وفاسد وهو ما لم یوجد فیه وإذا شک فی التّقیید بشیء حکم بعدم اعتباره فی الامتثال وإلاّ لبیّن وإن أرید بالصّحیحة ما جمع الشّرائط والأجزاء فلا شک أن للکاشف عن ذلک هو لفظ الشّارع فإذا کان متعلق الأمر ماهیّة مطلقة فظاهره أنّه الجامع للأجزاء والشّرائط فإن اعتبر فیه قید آخر أخذ به وإلاّ نفی بالإطلاق لأن المسمی معلوم وکذا الکلام فی المعاملات فیعلم من إطلاق قوله تعالی أحل الله البیع حلیّة جمیع الأفراد إلاّ أنّ یبیّن القید من الخارج ولو تم الاعتراض المذکور لجری فی المعاملات أیضا مع أنّ التّمسک فیها بالإطلاق مما لا ریب فیه وهذا بخلاف قول الصّحیحیّة إذ لیس المسمی عندهم معلوما فیصیر أصل الخطاب مجملا عندهم عند الشّک فی الشّرائط والأجزاء فافهم وأورد علی الثّمرة المذکورة وجوه منها أن التّمسک بالإطلاق باطل علی قول الأعمّیّة أیضا أن یشترط فی التّمسک به أن یکون فی مقام البیان ولا یکون المراد به بیان حکم للطّبیعة علی وجه الإجمال والإهمال والأدلّة المطلقة فی الشّریعة مهملة غالبا فإن المراد بقوله تعالی أقیموا الصّلاة مثلا وجوب هذه الطّبیعة فی الجملة أمّا مطلقا فلا والبیان موکول إلی مقام آخر وکذا مثلءاتوا الزکاة وأمثاله وقد یطلق علی مثل هذا أن المطلق وارد مورد حکم آخر بمعنی أنّه لیس لبیان حکم الطّبیعة کلیّة بل علی وجه الإهمال وأورد نظیر ذلک علی تمسک الشّیخ الطّوسی رحمه الله بقوله تعالی فکلوا مما أمسکن علیکم علی طهارة موضع عضّ الکلب المعلم وذلک أن الأمر بالأکل إنّما هو ناظر إلی جوازه من حیث التّزکیة لا من وجوه آخر أیضا ولذا لو تنجس بنجاسة أخری أو کان ملکا للغیر لم یجز کله قطعا ومنها أنّه وإن سلم الإطلاق والعموم لکن قد قیل وخصص بالمجمل کقوله فی الحج خذوا عنی مناسککم وفی الصّلاة صلوا کما رأیتمونی أصلی وفی

ص: 127

الوضوء هذا وضوء لا یقبل الله الصّلاة إلاّ به ونحو ذلک ولا ریب أن العام والمطلق المخصص أو المقید بالمجمل لیس حجة ومنها أن شرط التّمسک بالإطلاق تساوی أفراد المطلق ظهورا وخفاء ولا ریب فی شیوع استعمال هذه الألفاظ فی الصّحیح فینصرف إلیه عند الإطلاق والکل فاسد أمّا الأوّل فلأنّه مستلزم لعدم جواز التّمسک بالإطلاق فی شیء من المقامات لورود الاحتمال المذکور فی جمیع الموارد ولیس کذلک فیجب من ذکر ضابط کلی یرجع إلیه عند الشّکّ فنقول ذکر بعضهم أنّ التّمسک بالإطلاق وعدمه عند الشّکّ فی کونه واردا فی مقام الإجمال مبنی علی أن الورود فی ذلک المقام هل هو مانع عن التّمسک به أو أن عدم الورود شرط فعلی الأول یرفع بأصالة عدم المانع وعلی الثّانی یلزم الشّکّ فی الشّروط وفیه أنّ عدم الورود إن أمکن إثباته بالأصل فلا یتفاوت کونه شرطا وکون الورود مانعا إذ بناء علی کونه شرطا یثبت وجوده بالأصل أیضا نعم یثمر هذا الکلام إذا تردد الأمر بین کون وجود شیء شرطا وبین کون شیء آخر مانعا هذا وربما یقال فی الضابط إنّ من البدیهیات أنّه لا یجوز تعلیق الحکم علی الطّبیعة مرددا بین اللابشرط وبشرط شیء أو بشرط لا علی الطّبیعة الّتی هی المقسم بین الأقسام الثّلاثة إذ لا بد فی الحکم علی الشّیء من کونه معینا عند الحاکم ولذا ذکروا أنّه لا معنی للإجمال فی الأحکام العقلیّة لأن الحاکم فیها هو العقل ولا بد من تعیین الموضوع عند الحاکم نعم یجوز تحقق الإجمال عند غیر الحاکم بأن لا یعلم مراد الحاکم وحینئذ فلا معنی للإهمال فی خطابات الشّارع بل فی مطلق الخطابات بل الموضوع لا بد أن یکون مقیدا أو لا بشرط ولا معنی للإجمال لا یقال إنّ وجود الخطابات المهملة فی الشّرع مقطوع به فکیف ذلک قلت فرق بین الخطابات الواردة فی الشّرع ابتداء والخطابات المتأخّرة المؤکدة للخطابات السابقة ففی الأوّل لا یجوز الإجمال لما ذکرنا بخلاف الثّانی لأن الخطابات المتأخرة بمنزلة المعهودة فلا یضر الإهمال فیها لانصرافها إلی ما بین فی السابق إذا تحقق هذا فنقول إن فی جملة هذه الخطابات المطلقة نقطع بوجوه خطاب ابتدائی فیتمسک بإطلاقه ویحمل علیه باقی الخطابات لکونها مؤکدة له هذا حاصل ما قیل ویرد علیه لا نسلم امتناع الإهمال فی الخطابات الابتدائیّة والوجه المذکور فی بیانه مغالطة إذ الإجمال الّذی یستحیل فی موضوع الحکم إنّما هو التّردد الواقعی ولا نقول به فی المقام بل نقول إنّ المتکلّم قد لا یکون فی مقام بیان تفصیل مراده بل یبینه إجمالا ویحیل بیانه إلی وقت آخر کما یقول الطّبیب للمریض لا بد لک من أکل الحامض ثم یبین له نوعه وصنفه وحینئذ فإذا شک أن المتکلّم هل هو فی مقام البیان أو لا لم یجز التّمسک بإطلاق کلامه ومقتضی هذا إجمال الخطابات الواردة فی الشّرع حیث لا یعلم

ص: 128

ورودها فی مقام البیان والأولی فی الجواب أن یقال إن الغالب فی کلام الشّارع وروده فی مقام البیان مضافا إلی أنّه شأن الشّارع وحینئذ فهو الأصل فی کلامه فمتی شک فی مورد الحق بالغالب وهو البیان وأمّا الثّانی فلأنّه إن أرید بالمجمل أنّه أطلق فی اللّفظ ثم بینه بالبیان الفعلی ولیس بأیدینا ففیه أن البیان الفعلی لیس مقیدا للمطلق لأن بیان المطلق یمکن ببعض أفراده کما یظهر من تعلیم الصّلاة والوضوء للأطفال فی أوّل الأمر وهو لا یدل علی إرادة الفرد المخصوص من المطلق وإن أرید أنّه قد قرن العمل بلفظ دال علی الحصر کقوله فی الحج خذوا عنی مناسککم وفی الوضوء هذا وضوء لا یقبل الله الصلاة إلاّ به وفی الصّلاة هکذا صل ففیه أنها لا توجب إجمال الإطلاقات فإنّ مفاد الأوّل وجوب أخذ المناسک من الشّارع لا من غیره ولا شبهة فیه فإن التّمسک بإطلاق کلام الشّارع أخذ من الشّارع وأمّا الثّانی فهو أیضا لا إشکال فیه إذا حمل علی ظاهره أعنی جعل الجملة صفة للوضوء فیکون مفاده أن هذا من أفراد الکلی الّذی هو شرط الصّلاة وهذا لا یفید الحصر وإن جعل الجملة خبرا بعد خبر وجب تأویله للقطع بعدم انحصار الوضوء فیما فعله النّبیّ صلی الله علیه وآله لأن عمله لم یکن منحصرا فی أقل الواجبات بالعلم العادی والمراد من قوله هکذا أصل أن هذا من أفراد الصّلاة لوجود المستحبات الکثیرة فیما فعله الإمام علیه السلام المشار إلیه بهکذا مضافا إلی أن الأمر لا یفید الوجوب التّعیینی بل هو أعمّ من التّخییری فتأمّل وکذا قوله صلوا کما رأیتمونی أصلی فإنه نظیر قولک تعلم منی وجمیع ذلک لا یدل علی الانحصار لما ذکرنا من وجود المستحبات الکثیرة فی الأفعال البیانیّة وبهذا ظهر أنّه لا یمکن تحدید الماهیّة مع قطع النّظر عن الإطلاق بهذه الأخبار لأنها إنّما تدل علی أن ما لم یفعله الإمام لیس واجبا بضمیمة مقدمة خارجیّة وهی أن الإمام لا یترک الواجب وأمّا تحدید الواجبات فلا فافهم وأمّا الثّالث فیمکن الجواب عنه بوجهین أحدهما أن الفرد الشّائع هو الصّلاة الکاملة المتعارفة ونقطع بعدم إرادتها من المطلقات لوجود المستحبات الکثیرة فیها والشّیوع إنّما یصیر سببا للانصراف إذا لم نقطع بعدم إرادة الشّائع والثّانی أن شیوع الاستعمال فی الصّحیح إنّما حصل بعد زمان ورود تلک الخطابات إذا الشّیوع حصل بسبب کثرة الامتثال لتلک الطّبیعة بالفرد الخاص فکیف یصیر الشّیوع المتأخر سببا لانصراف الطّبیعة إلی الفرد الشّائع نعم یصح ذلک فیما إذا کان إطلاق الطّبیعة متأخرا عن شیوع فرد منها فإن قلت قد شاع الفرد المخصوص فی زمان الأئمة علیهم السلام فینصرف إطلاقات کلامهم إلیه قلت إذا کان المطلق الوارد فی کلام الرّسول صلی الله علیه وآله مرادا به نفس الطبیعة کان مراد الأئمة أیضا ذلک لعدم کونهم مؤسسین للشّرع وإنّما یبیّنون الأحکام الصّادرة عن النّبیّ صلی الله علیه وآله فافهم ولنذکر شطرا من أدلّة الطّرفین لیظهر

ص: 129

الحق المحقق فی البین فنقول قبل الخوض فی المطلب إنّ الأصل فی المقام هل یقتضی الوضع للصحیح أو الأعمّ لیرجع إلیه عند عدم الدّلیل فنقول إن کان الشّکّ فی أن الموضوع له هو الصّحیح أو الأعمّ فلا ریب أنّ الأصل لا یقتضی شیئا منهما لا یقال إنّ الوضع للصحیح متیقّن والأصل عدم الوضع للفاسد لأنّا نقول لا قدر متیقن فی البین من حیث الموضوع له إذ لو کان هو الأعمّ لم یکن الصّحیح موضوعا له وقد أشرنا إلی هذا فی المباحث السّابقة هذا إذا قلنا بأنّ الموضوع له هو المرکب السّاری فی جمیع الأفراد وإن قلنا بأنه القدر المشترک بناء علی قول الأعمّیّة فیمکن أن یقال إنّ الأمر دائر بین الاشتراک المعنوی کما یقتضیه قول الأعمّیّة والحقیقة والمجاز کما یقتضیه قول الصحیحیّة والأصل فی لفظ استعمل فی معنیین بینهما جامع قریب هو الاشتراک المعنوی لکن قد ذکرنا أن المدار علی الغلبة ولا غالب لنا بل الاستعمال فی خصوص الصّحیح أغلب وإن قلنا إنّ الموضوع له هو الفرد الکامل والنّزاع إنّما هو فی صیرورة الفاسد أیضا موضوعا له فی لسان المتشرعة کسائر الأبدال الصّحیحة فلا ریب أن الأصل مع الصّحیحیّین لأصالة عدم طریان الوضع بالنّسبة إلی الفاسد استدل الصحیحیّون بوجوه منها تبادر الصّحیح فی لسان المتشرعة الّذی هو المیزان لعرف الشّارع وفیه أن المراد إن کان تبادر مفهوم الصّحیح فقد ذکرنا أن الصّلاة لیست اسما للمفهوم وإن کان تبادر المصداق فإن أرید جمیع المصادیق فلا یخفی بعده وإن أرید الفرد الکامل فیرد أنّه لو کان ذلک معنی اللّفظ لما کان مجملا مع إطباق الصّحیحیّین علی إجمال المعنی وبهذا أظهر فساد ما قیل فی جواب الإشکال الوارد علی الصحیحیّین حیث ینافی قولهم بالإجمال استدلالهم بالتبادر من أن التّبادر لا ینافی الإجمال لجواز أن یکونوا عالمین بمعنی اللّفظ إجمالا فیکشف تبادرهم عن المعنی إجمالا وذلک لأنّ اللّفظ قد وضع للمعنی المعین الواقعی ولا إجمال فیه بوجه فتبادر المعنی معناه تبادر ذلک المعنی الواقعی المبین فتبادر المعنی إجمالا لیس تبادرا للمعنی عن اللّفظ بل هو انتقال إلی المعنی للعلم بوضع اللّفظ لمعنی إجمالا ولیس تبادرا للمعنی عن اللّفظ هذا وأورد أیضا بأنّ التّبادر المذکور غیر مثمر إذ الشّائع المتبادر هو الفرد الکامل وهو غیر مراد من الإطلاقات لاشتمال الفرد المذکور علی المستحبات والسّنن الغیر الدّاخلة فی المعنی قطعا وأورد أیضا بأنّه یلزم علی القول بالصّحة أن لا یصح الإخبار بأنّ فلانا یصلی إلاّ بعد العلم بصحة صلاته لأنّه فی معنی أن صلاة فلان صحیحة وهو غیر جائز إلاّ بعد العلم مع أنّه یجوز الإخبار بذلک ولو حین الصّلاة وأجیب بأنه من باب حمل فعل المسلم علی الصّحة فیجوز الحکم بصحة صلاته أیضا کذا قیل واعترض علیه بأن الأصل المذکور لا یثبت عنوان الصّلاة بل مفاده وجوب ترتیب آثار

ص: 130

الصّحة ولذا إذا شککت فی أن ما تکلم به زید سلام أو شتم نحکم بعدم کونه شتما لکن لا تثبت کونه سلاما وتحکم بوجوب الرّد فالأصل المذکور لا یوجب صحة القول بأنّ فلانا یصلی وأن معنی قولنا صلاة زید صحیحة أنها صحیحة واقعا وهی لا تثبت بالأصل وإنّما تثبت به الصّحة الظّاهریّة فالأخبار بذلک لا یجوز إلاّ بإرادة الصّحیح فی اعتقاد المخبر وهو مجاز إذ هو موضوع للصحیح الواقعی أقول أمّا عدم إحراز الأصل عنوان الصّلاة فصحیح ولکن قوله إن معنی صحة صلاة زید صحتها واقعا وهی لا تثبت بالأصل فیه أن الأصل لیس ناظرا إلی الواقع ولا إلی الظّاهر بل مفاده وجوب ترتیب الآثار وحینئذ فیجوز بمقتضی الأصل أن یقال صلاة زید صحیحة أی فی الواقع ولا یکون تجوز فی شیء من المحمول والموضوع ویکون التّجوز فی الحمل والمعنی أنها فی حکم الصحیحة کقولهم الفقاع خمر وکیف کان فالإشکال المذکور لم یندفع بالجواب المذکور والأولی فی الجواب أن یقال أن القرینة موجودة فی أمثال هذه المقامات علی أن المراد الإخبار بکونه متلبسا بهذا العمل علی أی نحو کان فمعنی فلان یصلی أنّه متعرض لهذا العمل متلبس به وبهذا یندفع الإشکال الآخر الوارد علی قول الصّحیحیّة وهو أنّه لا یطلق تارک الصّلاة علی من یفعل الفاسدة وذلک لأنّ المراد من تارک الصّلاة من لا یتعرض لهذا العمل بوجه ولذا لو تعرض له بوجه ما ولو بما لا یطلق علیه الصّلاة عند الأعمّیّة أیضا لا یطلق علیه تارک الصلاة فافهم ومنها أنّه علی قول الصّحیحیّة یوجد للصلاة حد محدود وکالعمل الصحیح والعمل المبرئ للذمة والعمل الّذی هو عمود الدّین والنّاهی عن الفحشاء ونحو ذلک بخلاف قول الأعمّیّة إذ الأعمّی الأرکانی لا وجه لقوله بعد ما عرفت من الإطلاق علی فاقد بعض الأرکان وعدم الإطلاق علی جامعها إذا اشتمل علی کثیر من المنافیات والأعمّی العرفی یدور أمره مدار العرف ولیس له حد مضبوط وفیه ما عرفت أن الصّلاة اسم للمرکّب لا للمفهوم فلا یکون لها حد محدود عند الصّحیحیّة أیضا إلاّ بأن یجعل اسما للفرد الکامل أو لجمیع الأفراد بطریق کون الوضع عاما والموضوع له خاصا وکلاهما بعید عن مساق کلماتهم ومنها صحة السّلب شرعا وعرفا عن الفاسدة أمّا عرفا فلما یظهر من المراجعة إلیهم حیث یصح سلب الصّلاة عندهم عما لا طهور فیه ولا استقبال إذا کانوا فی مقام التّحقیق والمداقة لا فی مقام المسامحة إذ لا عبرة فیه ولذا نقول بأن ألفاظ المقادیر کالمثقال والمنّ وغیرهما موضوعة للکامل لصحة السّلب عن النّاقص ولو یسیرا عند المداقة کما فی میزان الذّهب ونحوه وإن أطلق علی النّاقص عرفا عند المسامحة لتنزیل وجود الشّیء منزلة عدمه مضافا إلی أن الوضع للصحیح مسلم وبهذا الاعتبار یجب سلبه

ص: 131

عن الفاسدة لانتفاء المرکّب بانتفاء بعض الأجزاء ضرورة وما یقال إنّ الجزء قد یکون جزءا حال وجوده لا حال عدمه کأجزاء الأعلام الشّخصیّة مسلم لکنه لا یمکن بوضع واحد بل لا بد من تعدد الوضع بالنّسبة إلی الزّائد والنّاقص کما فی الأعلام وإلاّ فصحة السّلب عن النّاقص بالنّظر إلی الوضع للزائد بدیهی والأعمّی یلزمه إثبات وضع آخر للفاسد فتأمّل وأمّا شرعا فلقوله لا صلاة إلاّ بطهور ولا عمل إلاّ بنیّة ونحو ذلک فإن مثل هذا التّرکیب موضوع لنفی الذّات فیحمله علیه لأصالة الحقیقة وأورد علیه بأنّ حجیّة أصالة الحقیقة إنّما هی من حیث الظّنّ وهو مفقود فی المقام لشیوع استعمال التّرکیب المذکور فی نفی الصّفات حتی قیل فیه بالنّقل وحینئذ فیرتفع ظهور الحقیقة ولا أقلّ من التّوقّف وفیه أن الشّائع لیس هو الاستعمال فی نفی الصّفات کیف وقد تری أنّه لا یستعمل فی مقام نفی الصّفات إلاّ مبالغة ولا مبالغة إلاّ إذا أرید به نفی الذّات ألا تری أنّه لو قیل لا صلاة کاملة لجار المسجد إلاّ فی المسجد لم یکن فیه مبالغة کما فی لا صلاة لجار المسجد إلاّ فی المسجد وهذا شاهد علی بقائه علی المعنی الأصلی وهو نفی الذّات نعم لو ادعی شیوع استعماله فی نفی الذّات مبالغة وبه یخرج عن الظهور فی إرادة السّلب حقیقة لکان له وجه لو لا یتوجه علیه من منع ذلک فی الموارد الخالیة عن القرینة والعلم بوجود أصل الذّات فی تلک الموارد قرینة علی المبالغة ولذا لا یتوقف فی الحمل علی السّلب حقیقة إذا لم یعلم بوجود الذّات ومنها قوله تعالی إنّ الصّلاة تنهی عن الفحشاء والمنکر وقوله علیه السلام الصلاة عمود الدّین وقربان کلی تقی وغیر ذلک من الأخبار الکثیرة الدالة علی ترتب الآثار علی عنوان الصّلاة بإطلاقه فیدل علی کونها اسما للصحیح وفیه أنّ الإطلاق فی أمثال هذه المقامات لا حجیّة فیه إذ لیس إلاّ فی مقام الإهمال والإجمال وإحالة البیان إلی مورد آخر ومنها أن موضوعات العبادات توقیفیّة کالأحکام الشّرعیّة ولا بد فیها من الرّجوع إلی الشّارع بخلاف المعاملات وبخلاف الألفاظ الّتی تذکر فی بیان تلک الموضوعات وحینئذ فلا یمکن تحدیدها بالرجوع إلی العرف کما هو مذهب الأعمّیّین لمنافاته للتوقیفیّة وبعبارة أخری یرجع الشّک فی تلک الموضوعات جزءا أو شرطا إلی الشّک فی نفس الحکم وأنّ الواجب هل هو المرکب من الجزء الفلانی أو غیره وتعیین حکم الشّرعی لا یمکن بالرجوع إلی العرف وأورد علیه أولا بالنّقض فإن الصّحیحیّین أیضا یرجعون إلی العرف حیث یتمسکون بالتبادر وثانیا بالحل فإن العرف الّذی هو المرجع للأعمّیّین هو عرف لمتشرعة الّذی هو المیزان لعرف الشّارع لا عرف العوام کما هو المرجع فی المعاملات ونحوه فحصل الفرق وقد ذکر بعض المحقّقین أنّه لا تفاوت بین الصّحیحیّین والأعمّیّین فی تعیین المعنی بالرجوع

ص: 132

إلی العرف لأنّه میزان عرف الشّارع کما یرجع فی تعیین المعنی اللّغوی إلی عرف العوام ولا یضر الاختلاف فی العرف کما لا یضر فی المعانی اللّغویّة کالغسل حیث قیل إنّه یعتبر فیه العصر وقیل إنّه یصدق بالماء المضاف وقیل لا وقلّ مقام خال من الخلاف وفیه نظر فإن رجوع الصحیحیّین إلی تبادر العرف علی فرض صحته إنّما هو لتحدید المعنی علی نحو الإجمال وإن معنی الصّلاة هو الصّحیح لا التّحدید کلیّة کما هو مذهب الأعمّیّین حیث یریدون نفی الجزء المشکوک بصدق اللّفظ عرفا علی فاقده وهو لا یمکن إلاّ بتحدید الماهیّة کلیّة ولا ریب أنّ التّحدید الإجمالی یحصل بالرّجوع إلی العرف وأمّا التّحدید کلیّة فلا إذ المعنی مجمل عند المتشرعة أیضا کما یری من اختلافهم فی الأجزاء والشّرائط لیس المعنی مبنیا عندهم باقیا علی ما کان لکثرة التّغیر والتّحریف ولا أقل من الشّک لتوفر الدّواعی إلی التّغییر بخلاف المعانی اللّغویّة إذ لا داعی إلی تغییرها فتأمّل نعم لو کان المعنی محدودا فی عرف المتشرعة لکان للرجوع إلیه فی التّحدید الکلی وجه حیث إنّه میزان لعرف الشّارع ولیس کذلک واستدل الأعمّیّون بوجوه منها التّبادر لما یری من أنّه لو أخبر بأنّ فلانا یصلی وکان صلاته فاسد لم یکذب القائل بخلاف ما لو قال حینئذ إنّه لا یصلی فإنّهم یکذبونه ومنها عدم صحة السّلب والجواب المنع والتّکذیب فی المثال وعدمه إنّما هو لما ذکرنا أن المراد بذلک عرفا هو التّعرض للعمل وعدمه فلا یطلق التّارک علی المتعرض للعمل ولو علی وجه الفساد کما سبق ومنها اتفاق العلماء مع کونهم صحیحیّین علی التّمسک بالإطلاقات فی نفی الشّرط والجزء المشکوک وهو لا یمکن إلاّ علی مذهب الأعمّیّین أمّا الثّانی فلإجمال اللّفظ عند الصّحیحیّین وأمّا الأوّل فیظهر من المراجعة إلی کتبهم ألا تری الشّهید الثّانی رحمه الله مع أنّه صحیحی فی المعاملات أیضا بتمسک فی نفی اشتراط حضور الإمام فی وجوب الجمعة بإطلاق الأمر بصلاة الجمعة والحاصل أن عمل الصّحیحیّین أیضا علی طبق الأعمّیّین وهذا فی الواقع إیراد للتّناقض بین أقوال الصّحیحیّین وبین عملهم والجواب منع ذلک الاتفاق وما نقله عن الشّهید رحمه الله لا دخل له فی المقام إذ الکلام إنّما هو فی التّمسک بإطلاق لفظ العبادة فهذا لا یمکن للصحیحیّین والشّهید رحمه الله لم یتمسک بذلک بل إنّما تمسک بإطلاق الأمر فإن الظّاهر منه عدم کون الوجوب مشروطا والفرق واضح بین شرائط الوجوب وشرائط الصّحة والّذی لا یمکن نفیه بالإطلاق هو الثّانی والشّهید رحمه الله إنّما تمسک به فی الأوّل نعم یمکن أن یقال بأنّ نفی الاشتراط بإطلاق الأمر إنّما یتم لو کان الأمر شاملا للمعدومین وإلاّ فلا لأن اختصاص الأمر بواجدی الشّرائط حینئذ یغنی عن التّصریح بالشرائط کما یقال للمستطیع حج مطلقا لوجدانه للشرط فلعل وجود الإمام شرط لکن لما کان المخاطبون واجدین له لم یصرح بالاشتراط بخلاف ما لو قیل بشموله للمعدومین لقبح توجیه الخطاب المطلق إلی

ص: 133

فاقد الشّرط فإن ظاهر الخطاب قدرة المخاطب فعلا علی الامتثال وهو مناف لکونه مشروطا بشرط غیر حاصل ولو فرض استدلال من سائر العلماء بالإطلاق فإنّما هو نظیر استدلال الشّهید رحمه الله وهذا التّوجیه لا بد منه وإن فرض بعده فإنه أولی من حمل کلمات العلماء علی کونها مناقضة لعملهم فافهم وربما قیل فی وجه الجمع أن الصّحیحیّین أیضا یمکنهم التّمسک بالإطلاق بعد الفحص إذ من البعید أن یکون هناک جزء أو شرط ولا یبین فی الشّرع مع عموم البلوی فیعلم من عدم الوجدان عدم الوجود لعموم البلوی وفیه أنّه تمسک بأصالة البراءة لا بالإطلاق إذ لا إطلاق علی مذهب الصحیحیّة ومنها أنّه یلزم علی قول الصّحیحیّین أن یدل النّهی فی العبادات علی الصّحّة کما هو مذهب أبی حنیفة إذ اللّفظ موضوع للصحیح والنهی عن الصّحیح مستلزم للقدرة علیه إذ لا معنی للنهی عن غیر المقدور کما لا یجوز نهی الإنسان عن الطّیران مع أنّ دلالة النّهی علی الصّحة فاسدة قطعا فیکون قول الصّحیحیّة باطلا والجواب أنّه إن أراد من لزوم دلالة النّهی علی الصحة أنّه یلزم الصّحة بمعنی موافقة الأمر ففاسد إذ لیس هذا هو الموضوع له عند الصّحیحیّین وإن أراد الصّحة بمعنی تمامیّة الأجزاء والشّرائط فنقول إنّ ظاهر اللّفظ دال علی کون المنهی عنه تام الأجزاء والشّرائط لکن نقول إنّ النهی مانع عن وجود الأمر إذ لا یجوز اجتماعهما وحینئذ فیکون هذا الفعل منهیا عنه فقط کصلاة الحائض وهذا الفعل بعینه مأمور به بالنسبة إلی شخص آخر وبالنسبة إلی ذلک الشّخص فی زمان آخر فلو لم یکن فیه منقصة لم یتعلق به النّهی فی تلک الحالة للزوم التّناقض إذ لا معنی للنهی عن الشّیء فی زمان والأمر به فی زمان آخر مع عدم التّفاوت فی التّمامیّة والنّقصان وحینئذ فیکشف النّهی عن نقصان فی العمل المنهی عنه فهذه القرینة العقلیّة قائمة علی إرادة النّاقص من المنهی عنه ومطلق الاستعمال أعمّ من الحقیقة ومنها أنّه یلزم علی قول الصّحیحیّین عدم الفرق بین الشّرائط والأجزاء لاعتبار کل منهما فی الماهیّة عندهم بخلاف الأعمیّة لخروج الشّرائط عندهم عن الماهیّة بل هی شرائط لمطلوبیّتها لا لقوامها وفیه أنّ هذا الکلام یرجع إلی نفی الفرق بین شرائط القوام وبین الأجزاء والفرق بینهما واضح فإن الجزء بنفسه داخل فی الماهیّة والشّرط بنفسه خارج لکن مقارنة الماهیّة به معتبرة بمعنی أنّ التّقیید داخل والقید خارج والحاصل أن المسمی عند الصّحیحیّة هو المرکب من الأجزاء الخاصة المقارنة للشرائط المخصوصة کالمطلوب بالنسبة إلی الأعمیّة فإنّ له عند الأعمّیّة أجزاء وشرائط

ص: 134

والمطلوب هو الأجزاء المقارنة للشرائط ومعنی شرط القوام ما یلزم انتفاء الماهیّة من انتفائه وهذا یکفی فیه اعتبار التّقیید به ولا یلزم فیه کونه داخلا فی الأجزاء حتی یلزم عدم الفرق فالماهیّة عند الصّحیحیّة تنتفی بانتفاء الشّرائط لکونها شرائط القوام بخلاف الأعمّیّة فإنّ الشّرائط عندهم شرائط للصحّة لا للقوام فتنتفی الصّحة عندهم بانتفائها لا الماهیّة ویظهر الثّمرة بین کون الشّیء شرطا للقوام وجزءا فی موارد منها عدم بطلان العمل بوقوع ذلک الشّیء ریاء بناء علی الشّرطیّة وبطلانه بذلک علی الجزئیّة لما ذکروا أنّه لا یعتبر القربة فی الشّرط إن لم یکن عبادة کستر العورة بخلاف الأجزاء إذ لا بد من کونها عبادة ومنها الشّکّ بعد المحل فإنّه غیر معتبر فی الأجزاء بخلاف الشرائط فإنّه لا یتحقق فیها ذلک الفراغ عن العمل لاعتبار استمرار شرط العمل إلی تمامه ومنها غیر ذلک ثم إن تمییز مصادیق الشرائط والأجزاء فی غایة الصّعوبة ولا یعلم إلاّ بالرجوع إلی الأدلة وهو أیضا مشکل فإنه لا فرق فی المفاد بین قوله لا صلاة إلاّ بطهور وقوله لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب مع أن الطّهور شرط والفاتحة جزء وعلیک بالتأمّل فی الموارد ومنها أنهم قد ذکروا أن الرّکوع والسّجود وسائر الأرکان یبطل الصّلاة عمدا وسهوا فأطلقوا الرّکوع علی الرّکوع الزّائد مع أنّه فاسد ولا ریب فی أن الرّکوع والسّجود من ألفاظ العبادات وقد أطلقوهما علی الفاسد ولا یمکن أن یکون مرادهم بزیادة الرّکوع زیادة الانحناء لأنه لیس مبطلا علی إطلاقه فإن من انحنی بقدر الرّکوع بقصد قتل حیّة ونحوه لم یکن عمله باطلا من جهة زیادة الرّکن وفیه أن غایة مفاد هذا الدّلیل إطلاق الرّکوع علی مطلق الانحناء بقصد الرّکوع والاستعمال أعمّ من الحقیقة مضافا إلی تحقق الإشکال فی ثبوت الوضع الجدید لمثل الرّکوع ونحوه ومنها أنّه علی قول الصّحیحیّة یلزم تکرار الطّلب فإن معنی صل أطلب منک الصّلاة الصّحیحیّة والصّحیحیّة هی المطلوبة فیکون المعنی أطلب مطلوبی وفیه أن المراد بالصحیح الّذی هو المسمی للّفظ لیس الموافق للأمر بل المراد الجامع لجمیع الأجزاء والشّرائط کما سبق ومنها أنّه یلزم المحال علی قول الصّحیحیّة فیما إذا نذر الشّخص ترک الصّلاة فی الحمام مثلا فإن متعلق نذره حینئذ هو الصّحیحة عندهم وبانعقاد النّذر تصیر الصّلاة منهیّة عنها فتفسد وإذا فسدت خرجت عن متعلق النذر لتعلقه بالصحیح وإذا خرجت عن متعلق النّذر لم یتعلق بها نهی فتکون صحیحة داخلة فی متعلق النّذر فیلزم من انعقاد النّذر عدم انعقاده وهو محال بخلاف الأعمّیّة لأن الفاسدة أیضا تدخل فی متعلق النّذر عندهم وفیه أولا النّقض بما إذا نذر ترک الصّلاة الصّحیحة فی الحمام وثانیا بالحل وهو أن متعلق النّذر هو الصّلاة الصّحیحة مع قطع النّظر عن النّذر فیحنث بفعل ذلک وإن کانت

ص: 135

فاسدة نظرا إلی النّذر ویشکل بأن الصّحیحة قبل النّذر کانت مشتملة علی أجزاء وشرائط منها نیّة القربة وهی مما لا یمکن تحقّقها بعد النّذر فالصلاة الصّحیحة قبل النّذر لا یمکن فعلها بعد النّذر ولا معنی لوجوب الوفاء بهذا النّذر ولا لحرمة حنثه لعدم إمکان حنثه وهذا الإشکال جار فی التّشریع أیضا فإنّهم ذکروا أنّ التّشریع عبارة عن إدخال ما یعلم أنّه لیس من الدین فی الدّین علی أنّه من الدّین فإنّه إن أرید منه إتیان العمل بدون قصد القربة فهو غیر حرام وإن أرید إتیانه معه فکیف یمکن الإتیان مع قصد القربة مع القطع بعدم حصولها مع أن النّیّة هی الدّاعی وکیف یکون القربة داعیا مع الاعتقاد بعدمها ولذا لما ذکروا أن العتق لا یصح من الکافر لعدم إمکان قصد القربة فی حقه وأورد علیهم الشّهید أنّه یختص عدم الإمکان بالکافر الجاحد للإله دون غیره من الکفار أوردوا علیه بأنّ الکافر بالرّسول أیضا لا یمکن قصد القربة فی حقه للقطع بفساد عمله وعدم ترتب أثر علیه ویمکن الجواب بأن النّیّة عبارة عن الدّاعی علی العمل وأن یکون ذلک الدّاعی تعریض العمل فی مقام الامتثال وفعله بعنوان الامتثال فهذا القدر کاف فی تحقق النّیّة فإن کان ذلک العمل مأمورا به فی الواقع أو فی اعتقاد الفاعل کان العمل مما یترتب علیه الثّواب وإن لم یکن مأمورا به فی الواقع وفی اعتقاد الفاعل کان معاقبا لإتیانه إیّاه فی مقام الامتثال وبعنوان الامتثال وهذا معنی التّشریع ولا تفاوت فی النّیّة علی التّقدیرین وهذا القدر من النّیّة ممکن فی الکافر فالأولی فی تعلیل بطلان عتقه أن یقال إنّه یشترط فی صحة العتق الإسلام مضافا إلی القربة وبهذا یجاب عن استدلال الأعمّیّة بقوله للحائض دعی الصّلاة أیام أقرائک حیث إنها لا یمکن لها إتیان الصّلاة الّتی کانت تفعلها قبل النّهی لاعتبار قصد القربة فیها مع أن الأمر هنا أسهل لأن نهی الحائض عن الصّلاة کاشف عن عدم دخولها فی إطلاق الأوامر لأن هذا المعنی التّخصیص وحینئذ فهی قبل النّهی أیضا لم تکن متمکنة من إتیان العمل الصحیح الواقعی إذ لم تکن فی الواقع مکلفة بالصلاة لکنها لدخولها تحت إطلاق الأوامر تری نفسها مکلفة وکانت تتعرض فی مقام إیجاد الواقع وحینئذ فمعنی النّهی لا تتعرضی لإیجاد العمل الواقعی کما کنت سابقا لأنک لا تقدرین علی ذلک فهو کقوله إذا لم تستطع أمرا فدعه فافهم ومنها ورود الحکم بإعادة الصلاة فی کثیر من الموارد ولا شک أن المراد بها الأعم إذ الصّحیح لم یکن واقعا حتی یصدق الإعادة علی إتیانه والجواب أوّلا أن الاستعمال أعمّ وثانیا أنّه یمکن حمله علی إرادة الصّحیح بأن یقال إن الشّخص لما کان فی مقام إتیان العمل الصّحیح ولم یقع منه صح أن یقال أعد صلاتک یعنی عد فی مقام الامتثال بالصلاة هذا تمام الکلام فی نقل الأقوال والاحتجاجات والتّحقیق فی المقام هو القول بالصحة من حیث

ص: 136

الأجزاء والشّرائط جمیعا یدل علی ذلک صحة السّلب کما مر تقریره ویدل علیه الاستقراء أیضا فإن دأب أرباب الصنائع إذا اخترعوا ماهیّة مرکبة أن یضعوا اللّفظ أوّلا للجامع لجمیع الأجزاء والشّرائط ثم یستعملونه فی کل ما یرتب علیه ثمرته ویصیر حقیقة بأدنی زمان وإن نقص أجزاؤه أو راووه وأمّا ما لا یفید ثمرته فلا یطلق علیه اللّفظ إلاّ مسامحة ومساهلة ویدل علیه العقل أیضا لأن الحکمة المقتضیة لوضع اللّفظ موجودة فی الصّحیح لأنّه المطلوب المحتاج إلی البیان وأمّا الفاسدة فلا حاجة إلی الوضع لها وما یقال إن لها أیضا ثمرات متحققة فی الشّرع کجواز أکل ذبیحته ونحو ذلک مدفوع بأن علیهم السلام ذلک علی الفاسدة إنّما هو لتنقیح المناط وهو الإسلام والفاسدة یکشف عنه وأمّا الشّرائط فهی وإن توهم بحسب الظّاهر خروجها لکن الإنصاف أنها أیضا معتبرة إذ کانت شرائط لتأثیر الماهیّة أمّا ما یکون شرطا لظهور الأثر کعدم المانع مثلا فلا ویعلم ذلک کله بسلوک سبیل الإنصاف والمیل عن طریق الاعتساف

تذییل

ربما اشتمل العبادة علی الأعمال المستحبّة وقد ذکرنا أن کیفیّة الوضع بحیث یشمل المستحبات أیضا غیر معلوم وأن القدر المشترک غیر معقول ویعلم أن ما یقع فی الصّلاة من الأعمال المستحبة قسمان أحدهما ما یکون جزءا من العمل ولا ینافی بین کون العمل واجبا تخییریا وکون جزئه مستحبا لما سیأتی أن الواجب هو الکلی والفرد مستحب عینی وواجب تخییری ولا منافاة وهذه الأجزاء تدخل فی محل الکلام والثّانی ما یکون عملا مستقلا مستحبا ومحل استحبابه الصّلاة مثلا کاستحباب الدّعاء فی السّجود مثلا وهذه خارجة عن العمل قطعا والفرق بینهما أنّه یشترط فی الأول شروط العمل بنفس دلیل ثبوت الاشتراط فی العمل لکونه جزءا للعمل بخلاف الثّانی فالقنوت ریاء مبطل للصلاة لکونه جزءا بخلاف الدّعاء فی السّجود مثلا إن قلنا بأن الکون المتصل من أول العمل إلی آخره لیس جزءا للعمل وإلاّ فهو أیضا مبطل لفساد الکون المقارن للدعاء ریاء إذا عرفت هذا فنقول ذکر العلامة رحمه الله أنّه إذا کان فی ذمة الشخص قضاء لم یجز له الإتمام فی مواضع التّخییر لکونه مستحبا بناء علی عدم جواز التّطوع لمن علیه فریضة وهذا لا یصح إن قلنا إن الإتمام مهیة برأسه والرّکعتان الأخیرتان جزء مستحب للصلاة لا صلاة برأسها فتصیر کالقنوت ولم یقل أحد بعدم جواز القنوت لمن فی ذمته فریضة نعم یصح ذلک إن قلنا إن فعل الرّکعتین مستحب مستقل ولکن محل استحبابها بعد التّشهد فإنهما حینئذ خارجتان عن العبادة وصلاة مستحبة مستقل لا یجوز فعلها لمن علیه فریضة علی القول به فتأمل

أصل

اختلفوا فی جواز استعمال المشترک فی أکثر من معنی واحد علی أقوال وقبل الخوض فی المطلب لا بد

ص: 137

من تمهید مقدمات الأولی فی بیان معنی المشترک فنقول عرف الاشتراک بأنه عبارة عن کون اللّفظ موضوعا بوضعین فصاعدا لمعنیین فصاعدا بطریق التّعیین أو التّعیّن والمراد باللّفظ اللّفظ الواحد لا جنس اللّفظ وإلاّ لصدق المشترک علی مجموع اللّفظین الموضوع کل منهما لمعنی واحد لصدق جنس اللّفظ الموضوع لمعنیین علیهما والمراد بالوحدة الوحدة الأصلیّة لا العارض بسبب الإعلال کالمختار فإن اسم الفاعل من باب الافتعال هو مفتعل بکسر العین واسم المفعول بفتحه فهو فی الأصل مختیر بالکسر ومختیر بالفتح والإعلال أوجب الاتحاد وکذا العارض بسبب الإعلال والتّرکیب مع کلمة أخری مثل کلمة إنّ فإنّها حرف وفعل وأمر من وأی یئی إذا وعد أکد بالنون فإن فعل الأمر منه أبعد الإعلال وبعد ترکیبه مع النّون اتحد مع الحرفیّة نعم لو کان الوضع ثابتا بعد الإعلال الموجب للاتحاد لصدق علیه الاشتراک کما یمکن ذلک فی مثل إن فإنّه حرف شرط وفعل أمر من وأن یئن لإمکان أن یقال إنّ إن بنفسه موضوع للأمر لا أن صیغة افعل موضوعة وأصل إن أوئن صار بالإعلال إن والضّابط هو الاتحاد الحاصل قبل الوضع فإن حصل صدق الاشتراک سواء کان أصلیا أو عارضیا وإلاّ فلا ثم إنّ المراد بتعدد الوضع إمّا تعدد الإنشاء کأن یقول وضعت العین للباصرة ووصفته للجاریة أو المراد کون الملحوظ له بالاستقلال متعددا وإن اتحد الإنشاء لإمکان وضع اللّفظ بإزاء معان عدیدة بإنشاء واحد وهو علی قسمین أحدهما أن یلاحظ تلک المعانی بعنوان خاص ویضع لها اللّفظ باعتبار دخولها فی ذلک العنوان فلا یکون کل واحد من تلک المعانی ملحوظا بالاستقلال ککلمة هذا إذ لوحظ عنوان المشار إلیه ووضع هذا بإزاء جزئیّاته فإن الملحوظ حینئذ لیس کل واحد واحد من حیث الخصوصیّة والاستقلال بل الملحوظ هو کل منها بعنوان المشار إلیه والثّانی أن یلاحظ تلک المعانی بعنوان مخصوص هو آلة لملاحظتها لکن یضع اللّفظ لکل منها بخصوصه کما یقول وضعت لفظ زید بإزاء هؤلاء الجماعة فإن الموضوع له حینئذ هو کل واحد منهم بخصوصه لا لکونه من جملة عنوان الجماعة وذکر العنوان المذکور إنّما هو لمحض کونه آلة لملاحظة تلک الأشخاص إذا عرفت هذا فنقول لا یطلق الاشتراک علی القسم الأوّل وأما القسم الثّانی فالتحقیق أنّه داخل فی الاشتراک وحینئذ فالأولی إرادة المعنی الثّانی من الوضعین أعنی ما تعدد فیه المعنی الملحوظ المستقل لیشمل هذا القسم إذ لو أرید منه تعدد الإنشاء خرج هذا القسم عن الاشتراک ویشکل الأمر فی المشتقات الّتی لها معان متعددة باعتبار اشتراک مصادرها کالضارب فإنّه بمعنی من صدر منه الضّرب بمعنی السّیر أو المعنی المعروف مثلا إن قلنا باشتراک الضّرب

ص: 138

بینهما فقد یتوهم بحسب الظّاهر أنّها من قبیل أسماء الإشارة إذ الملحوظ عند وضع الضّارب مثلا هو ذات ثبت له المبدأ واستعماله فیمن قام به السّیر أو الضّرب إنّما هو من حیث کونه من أفراد من قام به المبدأ کاستعمال هذا فی الأفراد باعتبار کونها من أفراد المشار إلیه لکن التّحقیق تحقق الاشتراک فیها أیضا فإن الواضع لاحظ هیئة فاعل ووضعها لمن قام به المبدأ وملاحظة الکلی فی جانب الموضوع والموضوع له إنّما لکونه آلة لملاحظة الأفراد فقد أراد وضع ضارب لمن قام به الضّرب وقال لمن قام به القتل لکن لاحظ ذلک بعنوان کلی کملاحظة الأشخاص الخاصة بعنوان هؤلاء الجماعة فکأنه قال وضعت ضارب لمن قام به الضّرب ولمن قام به السّیر لکنه لاحظهما بعنوان من قام به المبدأ لأنّه لاحظ الموضوع أیضا بعنوان صیغة فاعل والمرجع هو ما ذکرنا عند التّوزیع أعنی توزیع أفراد الموضوع وهو صیغة فاعل علی أفراد الموضوع له وهو من قام به المبدأ وهذا هو الملحوظ المستقل واعتبار الکلی إنّما هو لکونه آلة للملاحظة فافهم ثم إن التّعریف المذکور بحسب الظّاهر یشمل المنقول بالنسبة إلی المعنی الجدید والمعنی المهجور وکذا یشمل اللّفظ الموضوع للمعنیین فی اصطلاحین ولا بأس بدخول الثّانی وإن لم یکن مجملا ویمکن إخراج الأول بأن الظاهر من قوله موضوع بوضعین تحقق الوضعین فعلا فیخرج المنقول بالنّسبة إلی المعنی المهجور وقوله تعیینا أو تعینا یشمل أقسام المشترک بتمامها إلا أن صدق المشترک علی ما إذا کان أحد الوضعین تعینیا سواء کان الآخر أیضا تعینیا أو لا مشکل لاشتراطهم فی المشترک عدم اعتبار المناسبة حین الوضع والوضع التّعینی عبارة عن الوضع الحاصل بسبب شیوع الاستعمال فی المعنی الجدید مجازا وبالمناسبة لا یقال إنّه بعد وصوله إلی حد الوضع لا یعتبر المناسبة لأنّا نقول هذا غیر کاف فإن الاستعمال الأخیر الّذی به یحصل الوضع قد اعتبر فیه المناسبة نعم یمکن الجواب بوجهین أحدهما أن حصول الوضع لیس باعتبار المناسبة فإن المستعمل الأخیر لیس ملتفتا إلی حصول الوضع حتی یعتبر فی الوضع المناسبة والثّانی أن المناسبة الّتی یجب عدم اعتبارها فی المشترک هی مناسبة أحد المعنیین مع الآخر وفیما ذکرنا لم یعتبر مناسبة المعنی التّعینی مع المعنی التّعیینی بل اعتبرت مع المعنی المهجور ولا بأس به نعم یرد النّقض حینئذ بما إذا کان المعنی التّعینی مسبوقا بکونه مجازا بالنسبة إلی ذلک المعنی التّعیینی فوصل إلی حد الوضع قبل هجر المعنی التّعیینی علی القول بجواز ذلک فحینئذ یدخل فی التّعریف مع أن أحد المعنیین قد اعتبر فیه المناسبة بالنسبة إلی الآخر إلاّ أن یجاب هنا بالجواب الأول فتأمل الثّانیة فی أحکام المشترک من حیث

ص: 139

الإمکان والامتناع والوجوب واختلف فی ذلک علی أقوال والمراد بالإمکان الإمکان بالنظر إلی الحکمة لا الإمکان بالذّات وکذا المراد من أخویه احتج الأول بوجود أحدها أن الوجوب یحتاج إلی رجحان طرف الوجود والامتناع یحتاج إلی رجحان طرف العدم بخلاف الإمکان فإنه تساوی الطرفین والأصل عدم الزّیادة فیثبت الإمکان والثّانی أن إمکان الاشتراک شیء وکل شیء مخلوق لله تعالی فإمکان الاشتراک مخلوق لله تعالی والثّالث قاعدة الإمکان المذکورة فی کتب الحکماء وقد صرح بها الرّئیس حیث قال کل ما قرع سمعک فذره فی بقعة الإمکان ما لم یدرک عنه قائم البرهان والجواب أمّا عن الأول فبأن الأصل عبارة عن استصحاب العدم الثانی فی الزّمان السّابق والاشتراک لو کان راجحا وجودا أو عدما فی الحکمة لکان کذلک فی الأزل فالرجحان لیس شیئا متیقن العدم فی الزّمان السّابق حتی یستصحب عدمه وأمّا عن الثّانی فبالنّقض بأن وجوب الاشتراک شیء وکل شیء مخلوق لله وحله أن الله تعالی قادر علی کل شیء لا أنّه خالق کل شیء بالفعل والتّحقیق فی الجواب أن الإمکان لیس أمرا مجعولا بل هو أمر منتزع عقلی غیر قابل للجعل وکذا أخواه وأمّا عن الثالث فبأن القاعدة المذکورة لا ربط لها بالمطلوب فإن المراد منها أن الشخص إن لم یجد دلیلا علی الوجوب والإمکان والامتناع فلا یحکم بأحدها جزما بل یذره فی بقعة الاحتمال بأن یقول یحتمل کل منها والحاصل أن الإنسان لا یجوز له أن یجرم بطرف بدون البرهان نعم یمکن الاستدلال بطریق العقلاء فإنهم یحکمون بالإمکان بمحض عدم وجود الدلیل علی الامتناع کما تراهم یقولون فی إثبات مطلب إنّ المقتضی موجود والمانع غیر معلوم فیثبت المطلوب ولا زال ذلک طریقة مستمرة بید العقلاء وهو کاف فی إثبات المطلوب وإن لم یعلم وجهه ویظهر ذلک لمن تتبع کلمات القوم فی مقام الاستدلال ألا تری صاحب الفصول رحمه الله یقول بأن أحکام الشّرع تابعة لحسن التّشریع لا لحسن الفعل إذ ربما یکون الفعل حسنا ولم یتعلق به الأمر لوجود المانع عن الأمر کما قال صلی الله علیه وآله لو لا أن أشق علی أمتی لأمرتهم بالسواک وربما لا یکون حسنا وقد تعلق به الأمر کجل العبادات فإن المأمور به فیها هو العمل الخالی عن قصد القربة لأن القربة فرع الأمر فکیف تؤخذ فی المأمور به والفعل الخالی عن القربة لا حسن فیه هذا قوله ومع ذلک یقول إذا وجدنا الفعل حسنا حکمنا بأنه مأمور به کما یقوله الباقون نظرا إلی أن الشّک فی تعلق الأمر إنّما هو بسبب احتمال وجود المانع عن التّشریع وهو مدفوع لا یعتنی به عند العقلاء احتج الموجبون بأن الحکمة الموجبة لوضع الألفاظ هو إبراز المعانی والألفاظ محصورة والمعانی غیر متناهیة

ص: 140

فلو لم یتکرر وضع الألفاظ لبقی بعض المعانی ولم یوضع له لفظ وهو خلاف الحکمة وفیه أوّلا أن ذلک یستلزم حصول الأوضاع الغیر المتناهیة للمعانی الغیر المتناهیة وقد برهن أن حصول غیر المتناهی فی الخارج محال قالوا ما ضبطه الوجود کان متناهیا وثانیا أنّه إن أرید الوضع للجزئیات فلا نسلم الاحتیاج إلیها بل المحتاج إلیه هو الوضع للکلیات وهی متناهیة والجزئیات قد استغنی عنها بوضع الأعلام ولا نحتاج فیها إلی وضع الواضع وإن أرید أن المعانی الکلیّة غیر متناهیة ففساده ظاهر احتج القائلون بالامتناع بأن حکمة الوضع هو التّفهیم علی الوجه الأسهل والمشترک إن استعمل بلا قرینة فإن التّفهیم وإن استعمل مع القرینة لم یکن علی الوجه الأسهل فهو مناف للحکمة ولو سلم فلا أقلّ من أن لا یقع فی القرآن إذ لو استعمل بلا قرینة فات التّفهیم أو مع القرینة کان تطویلا منافیا للفصاحة والجواب عنه ظاهر لکثرة الفوائد فی المشترک إذ ربما کان المقصود تفهیم المعنی إجمالا لا تفصیلا فیذکر المشترک بلا قرینة وقد یکون الغرض الإطناب فی الکلام لفوائد یظهر للمتتبع الثّالثة الجواز قد یطلق علی مقابل الامتناع العقلی وقد یطلق علی مقابل القبیح وهو الجواز بالنّظر إلی الحکمة وقد یطلق علی الأعم من الأحکام الأربعة أعنی الوجوب والکراهة والاستحباب والإباحة وقد یطلق علی الإباحة وقد یطلق ویراد به الصّحة والمراد به فی المقام هو الصّحة لغة کما سیظهر لک فی طی المبحث الرّابعة إرادة الأکثر من معنی من المشترک یتصور بوجوه أحدها أن یراد به المعنیان والمعانی بطریق المجموع بحیث یکون کل واحد منها جزءا من المراد نظیر قولک أکرم العشرة والثّانی أن یراد به المعنیان أو المعانی فی ضمن القدر المشترک وهذا بناء علی تعلق الأحکام بالأفراد بإرادة الطبیعة من اللّفظ والخصوصیّة من القرینة یکون من قبیل إطلاق الکلی علی الفرد وهو خارج عن محل النّزاع إذ لیس استعمالا فی المعینین بل لم یستعمل إلاّ فی الکلی وهذا علی ضربین لأن القدر المشترک إمّا یؤخذ فیه التّردید کمفهوم أحد المعنیین أولا کمفهوم المسمی والثّالث هذا إلی أن یراد به کلا المعنیین بطریق الاستقلال والانفراد من غیر أخذ التّردید وهذا هو محل النّزاع فی المسألة والرّابع أن یراد به المعنیان بطریق التّردید بدون النّظر إلی القدر المشترک کأن یرید بالعین الذّهب أو الفضة وبالقرء الطهر أو الحیض ثم إن ما ذکرنا من الاستقلال إنّما هو بالنظر إلی الإرادة لا الحکم ولا ملازمة بین الاستقلال فی الإرادة والحکم بل بینهما عموم من وجه فالاستقلال فی الحکم دون الإرادة کقولک أکرم العشرة فإن کل واحد مستقل فی حکم وجوب الإکرام ولذا لو أکرم بعضا دون بعض امتثل فی إکرامه للبعض وإن عصی بالنسبة إلی الباقی لکن لیس مستقلا

ص: 141

فی الإرادة دون الحکم کقولک زید وعمرو یرفعان هذا الحجر إذا لم یقدر کل منهما منفردا علی رفعه وقد اجتمعا فی قولک أکرم زیدا وعمراً فافهم فلنرجع إلی ما کنا فیه ونقول قد توهم بعضهم أن مذهب السکاکی هو جواز استعمال المشترک فی أکثر من المعنی بالطریق الرّابع بل أنّه مقتضی وضع المشترک فإنه قال المشترک کالقرء مثلا مفهومه أن لا یتجاوز الطّهر والحیض غیر مجموع بینهما ما دام منتسبا إلی الوضعین فزعم التّفتازانی أن مراده أن المشترک لما وضع لکل واحد من المعنیین بوضع مستقل حصل من مجموع الوضعین وضع ضمنی یحمل علیه اللّفظ عند عدم القرینة وهو المعنیان بطریق التّردید فیکون المخاطب مخیرا فی الامتثال بأیّهما شاء وهذا کلام ظاهر الفساد إذ لا وجه لحدوث الوضع الضّمنی کما لا یخفی ولیس ذلک مراد السّکاکی بل مراده بیان إجمال المشترک عند عدم القرینة فلا یجوز للمخاطب التّجاوز عن المعنیین ولا الجمع بینهما فالتردید إنّما هو للمخاطب لا أنّه ثابت واقعا وبالجملة لا ینبغی الإشکال فی عدم جواز ذلک بطریق الحقیقة وهل یجوز مجازا أو لا محل کلام ومقتضی ظاهر النّظر عدم الجواز لأن المدار فی التّجوز علی العلاقة والتّردید المأخوذ بین المعنیین معنی حرفی لا یجوز إرادته من الاسم إذ لا مناسبة بین المعنی الاسمی والحرفی ولا علاقة بینهما بوجه ولذا رد الأشاعرة فی قولهم بأن المأمور به فی الواجب التّخییری هو أحدهما الکلی بأن قولنا افعل هذا أو ذاک لیس فیه شیء صالح لأن یراد به الکلی المذکور فإن لفظ هذا أو ذاک لا تردید فیهما وکلمة أو حرف لا یجوز أن یراد بها المعنی الاسمی وزعم بعض الأفاضل أن هذا غیر معقول نظرا إلی أن التّردید بین المعنیین تردید بین الجزئیّین لأن کلا منهما نکرة والنّکرة جزئی مردد بمعنی أن لفظها موضوع للطبیعة وقد اعتبر معها الخصوصیّة المرددة والتّردید بین الجزئیّین لا یمکن إلاّ بالنظر إلی القدر المشترک کما فی النکرة فإن لوحظ القدر المشترک فی المقام خرج عن محل الکلام وإلاّ لم یکن متعقلا وفیه نظر لأن التّردید بین الجزئیّین یمکن بالنظر إلی الحکم الثّابت فی الکلام کقولک لیکن ثوبک إمّا أسود أو أبیض وما الفرق بین هذا وقولک لیکن ثوبک إذا أرید به المعنیان بالتردید ولا یلزم من عدم النّظر إلی القدر المشترک تحقق التّردید بین الجزئیّین حتی یکون غیر معقول هذا وأمّا الاستعمال بالطریق الأوّل فلا یجوز حقیقة فإن مجموع المعنیین من حیث إنّه مجموع المعنیین غیر موضوع له للّفظ قطعا نعم قد یفرض الوضع المستقل للمجموع فیکون حقیقة لکنه حینئذ یکون معنا ثالثا لا کلام فیه فی المقام وأما الاستعمال مجازا فیظهر من بعضهم للمنع منه مطلقا ومن الآخر الجواز مطلقا وذکر بعضهم أنّه جائز إن وجدت العلاقة وهذا ظاهر إنّما الشّأن فی تحقق العلاقة فنقول الّذی یظهر فی المقام عدم تحقق العلاقة لأنها فی المقام إمّا علاقة الکل

ص: 142

والجزء بأن استعمل اللّفظ الموضوع للکل فی الجزء بناء علی اعتبار قید لوحدة فی المعنی وإمّا علاقة الجزء والکل بناء علی عدم اعتبار قید الوحدة فإن اللّفظ حینئذ موضوع لمعنی لا بشرط وقد استعمل فی المعنیین الّذی هو کل بالنسبة إلی الموضوع له وکلاهما فاسد أما الأوّل فلأن مجموع المعنیین لیس جزءا لشیء بل هو مرکب من جزأی المعنیین وأمّا الثّانی فلاشتراط کون ذلک الجزء مما ینتفی الکل بانتفائه وأن یکون المرکب حقیقیا لا اعتباریا نعم قد یقال لا ینحصر العلاقة فیما ذکر ویمکن أن یکون العلاقة هنا شیء آخر فإنه قد یطلق اللّفظ الموضوع للواحد علی الجماعة لتنزیلهم منزلة شخص واحد کما یطلق اللّفظ الموضوع للجماعة علی الواحد تعظیما له بتنزیله منزلة الجماعة وقد ذکر المفسرون أن المراد بقوله تعالی مثلهم کمثل الّذی استوقد نارا الجماعة الّذین استوقدوا وکذا قوله تعالی وخضتم کالذی خاضوا فأطلق اللّفظ الموضوع للواحد علی الجماعة فلیکن ما نحن فیه من هذا القبیل ویمکن الخدشة فیه بأن الآیة الأولی تشبیه للمثل بالمثل وهما مثلان مع أن التّشبیه غیر المجاز والآیة الثّانیة لا شاهد فیها بل کلمة الّذی فیه لغة فی الذین ولیس من باب التّنزیل غایة الأمر تحقق الاحتمال وهو کاف فی دفع الاستدلال الخامسة قال فی المعالم إن استعمال المشترک فی الأکثر من معنی واحد مجاز لاعتبار قید الوحدة فی الموضوع له فاستعماله فی الأکثر استعمال فی جزء الموضوع له وهذا الکلام یحتمل وجهین أحدهما أن یکون الوحدة داخلة فی الموضوع له وجزءا منه والثّانی أن یکون الوحدة شرطا بأن یکون خارجا ویکون الجزء هو التّقیید بالوحدة وبعبارة أخری أن یکون القید خارجا والتّقیید داخلا والأول أظهر ویظهر من الفاضل القمی رحمه الله قول آخر یحتمل وجهین وذلک أنّه یقول إنا لا نحکم صریحا بأن الموضوع له هو المعنی لا بشرط شیء ولا أنّه المعنی بشرط الوحدة إذ لا نعلم شیئا منهما لکن نعلم تحقق الوضع فی حال الوحدة فهو المتیقن ولا بد من التّوقف فی غیره لأن الوضع توقیفی حقیقة ومجازا فالاحتمال الأوّل أن یقرر کلامه بأنا لا نعلم أن الوحدة داخلة فی الموضوع له أولا وأصالة عدم التّقیید بالوحدة معارض بأصالة عدم التّقیید بالإطلاق فإن الإطلاق فی المقام أمر توقیفی لا بد أن یکون ملحوظا للواضع فیجری فیه الأصل وحینئذ فالمتیقن هو حال الوحدة ویجب التّوقّف فی غیره والثّانی أن یقال إنا نعلم عدم تقید الموضوع له بالوحدة حیث نرجع إلی أنفسنا فی تسمیة الأولاد لکن یحتمل أن الواضع خصص الوضع بحال الوحدة وعدمه والمتیقّن تحققه حال الوحدة ویتوقف فی غیره والفرق بین هذا والأول أنّه لا یلزم الالتفات إلی قید الوحدة عند الاستعمال علی هذا ویلزم ذلک علی الأول لو کان الوحدة جزءا للموضوع له

ص: 143

ونظیر ذلک الواجب المطلق بالنسبة إلی شروطه والمشروط بالنسبة إلی شروطه فإن الصّلاة لوحظت مقیدة بوصف الطّهارة فتعلق بها الأمر فالمأمور به مقید والأمر مطلق بخلاف الحج فإنه لم یلاحظ مقیدا بالاستطاعة بل لوحظ مطلقا لکن الأمر إنّما یتعلق به فی خصوص حالة الاستطاعة وإن کان وجود الحج فی الخارج مقارنا مع الاستطاعة علی أی تقدیر ویظهر الثّمرة فی وجوب تحصیل المقدمة فیجب فی الأول دون الثّانی هذا الکلام فی تقریر مرام الفاضل المذکور قدس سره والظّاهر فساد کلا الاحتمالین أمّا الأول فلما عرفت سابقا أن الوضع إذا دار الأمر فیه بین أمرین لم یکن هناک قدر متیقن إذ لو کان المعنی مع الوحدة موضوعا له لم یکن المعنی موضوعا له بل یکون جزءا له حینئذ مضافا إلی أنّا نقطع بعدم اعتبار الوحدة فی الموضوع له وإلاّ لوجب أن یلتفت إلیه المتکلّم عند الاستعمال ویلاحظه لأنّه حینئذ جزء المعنی مع القطع بخلاف ذلک وقد صرح هو بأنه خلاف الوجدان حیث نرجع إلی أنفسنا عند التّسمیة وأمّا الثّانی فهو وإن وجد فیه القدر المتیقن لکن نعلم أن الواضع لم یلاحظ التّخصیص بحالة الوحدة مع أن أصالة عدم التّقیید یکفی فی المقام ولا تعارض بأصالة عدم الإطلاق لأن الإطلاق یکفی فی تحققه عدم اعتبار التّقیید ولا یلزم فیه اعتبار زائد فإن قیل هب إنّه لم یلاحظ التّقیید وحصل القطع بذلک لکنا نقول إن المعنی حین الوضع کان متصفا بالوحدة وهذا یکفی فی اختصاص الوضع بتلک الحالة قلنا هذا غیر کاف بل لا یوجب الاختصاص إلاّ إذا اعتبر قیدا کما لا یوجب صغر جسم الولد الحاصل حین التّسمیة اختصاص التّسمیة بتلک الحالة فافهم ثم إنّه استدل علی اعتبار الوحدة بأن الحکمة فی الوضع هو أن یفهم المعنی من اللّفظ بلا حاجة إلی نعم قرینة مفهمة ولو کان الموضوع له هو المعنی لا بشرط لکان له فردان المعنی الواحد والمعنی مع الغیر فلا بد من نصب قرینة یفهم أن أیهما المراد وهو خلاف الحکمة وفیه أن اللازم من هذا هو أن الواضع قد لاحظ المعنی ووضع له اللّفظ بحیث لا یراد من اللّفظ غیره من سائر المعانی بالإرادة المتعلقة بذلک المعنی وأمّا عدم جواز إرادة سائر المعانی بإرادة تلک الإرادة کما هو المتنازع فیه فغیر معتبر فی نظر الواضع ولا یضر جوازه بالحکمة فإن اللّفظ قد وضع لکل واحد من المعانی بمعنی أن یجوز إرادة ذلک المعنی منه بإرادة مستقلة وأن یدل اللّفظ علی ذلک المعنی بنفسه وأمّا تعیین المراد وأنّه هذا المعنی أو ذلک المعنی أو هما معا بإرادتین فیحتاج إلی قرینة معینة ولا یضر الاحتیاج إلیها بالحکمة فافهم ثم إنّه یرد علی القائلین باعتبار الوحدة إیراد آخر وهو أن الوحدة المعتبرة عندهم

ص: 144

معناها انفراد المعنی فی الإرادة من اللّفظ ولیس المراد مفهوم الانفراد المذکور بل المراد فعلیته فالموضوع له هو المعنی الّذی استعمل فیه اللّفظ ولم یکن له شریک وحینئذ فیکون الوضع متفرعا علی الإرادة لاعتبار الإرادة فی تحققه والدّلالة فرع الوضع فیلزمهم القول بأن الدّلالة تابعة للإرادة مع أنهم لا یقولون بذلک وهو تناقض وارد علیهم نعم القائلون بالتبعیّة قالوا بجواز کون الوضع متفرعا علی الإرادة فإن قلت تبعیّة الوضع للإرادة غیر معقول لأن الإرادة فرع الاستعمال والاستعمال فرع الوضع الحقیقی أو المجازی فلو کان الوضع فرع الإرادة لزم الدّور مضافا إلی ما ذکروا من أنّ الحقیقة استعمال اللّفظ فیما وضع له ولازمه تحقق الوضع قبل الاستعمال فما مراد المجوزین قلت لیس مرادهم بالإرادة الإرادة من اللّفظ بل المراد منها القصد الذّهنی واللّفظ موضوع للکشف عنه فالوضع متفرع علی هذه الإرادة وهذه الإرادة لیست متفرعة علی الاستعمال حتی یلزم الدّور بل هی سابقة علی الاستعمال فافهم واستدل أیضا علی اعتبار الوحدة فی الموضوع له بالتبادر فإن المتبادر من المشترک معنی واحد وهذا ثابت فی غیر المشترک أیضا لکن تبادر الواحد فی غیر المشترک إنّما هو لعدم المقتضی للغیر وأمّا فی المشترک فالمتقضی وهو الوضع موجود فتبادر الواحد فیه إنّما هو لاعتباره فی الموضوع له وأورد علیه بأن التّبادر عبارة عن خطور المعنی بالبال وهو حاصل فی المشترک بالنسبة إلی جمیع المعانی ورد بأن التّبادر لیس مطلق الخطور ولانتقض بأجزاء المرکب لخطورها بالبال عند سماع اللّفظ الموضوع للمرکب بل التّبادر هو الخطور بعنوان کونه مرادا وهو لیس فی المشترک إلاّ بالنسبة إلی معنی واحد أقول مع الغض عن أن التّبادر هو الخطور المطلق وتسلیم کونه عبارة عن الخطور بعنوان کونه مرادا أن هذا الدلیل لا یثبت کون الوحدة جزءا للموضوع له لأن تبادر الوحدة یتصور بوجهین أحدهما تبادر وإرادة ذات المعنی المتصف بالوحدة فی نفس الأمر من دون أن یکون الوحدة ملحوظة فی نظر المتکلّم بل الوحدة حینئذ وصف اعتباری منتزع من إرادة المعنی وعدم إرادة غیره معه والثّانی تبادر إرادة المعنی الواحد أعنی المعنی مع الوحدة بحیث یکون الوحدة جزءا للمراد فإن أراد من تبادر الواحد التّبادر بالوجه الثّانی فممنوع إذ لیس المتکلم ملتفتا إلی الوحدة غالبا وإن أراد التّبادر بالوجه الأول فغایة ما یثبت به أن الموضوع له هو ذات المعنی المتصف بالوحدة الغیر الملحوظة فی نظر المتکلم کالصغر الّذی یتصف به المولود المسمی بزید مثلا فإن الاتصاف بوصف لا یوجب کونه معتبرا فی الوضع إلاّ أن یکون ملحوظا فی النظر وقد منعنا کون الوحدة ملحوظة ونظیر ذلک أنّهم استدلوا علی کون الألفاظ موضوعة للمعانی المعلومة

ص: 145

دون المعانی النّفس الأمریّة بأن الاستعمال لیس محققا إلاّ فی الأمور المعلومة لعدم براز الحکم بالنّسبة إلی غیر المعلوم فرد بأنّ الاستعمال وإن لم یتحقق إلاّ فی المعلوم لکن فرق بین کون المعنی متصفا بالمعلومیّة وبین کون المعلومیّة ملحوظا فی الموضوع له فعلی الأول لا یجب الالتفات إلی وصف المعلومیّة فی الاستعمال بخلافه علی الثّانی والمدعی هو الثّانی وهو لا یثبت بالدلیل المذکور وحینئذ فنقول لم یثبت تبادر الوحدة فی الموضوع له إلاّ بالوجه الثّانی وهو مسلم ویثبت به أن الموضوع له هو ذات المعنی الّذی یجتمع مع إرادة الوحدة ومع إرادة الکثرة فلو اتصف اللّفظ أو المعنی بضد الوحدة لا یلزم محذور لأنّه لم یعتبر فیه الوحدة ولا الکثرة وهذا مراد المحقق الشیروانی حیث قال ما لفظه أراد بالوحدة أن یکون منفردا عن مشارکة المعنی الآخر له فی کونه مرادا وأنت خبیر بأن معنی اللّفظ هو ما یکون مدلولا بالدلالة اللّفظیّة ومتعلقا للحکم بحیث لو اتصف اللّفظ بضد ما أرید منه لم یلزم منه محذور وکذا لو اتصف به المعنی أو جزؤه فینبغی أن لا یضاد کون الوحدة مرادا من اللّفظ مشارکة معناه للمعنی الآخر فی الاستعمال فیه ووجوب تجریده عن قید الوحدة إنّما یلزم علی تقدیر المضادة والمنافاة فهذا أول دلیل علی أن الحق أن الوحدة والانفراد من عوارض الاستعمال انتهی والمراد بقوله بضد ما أرید منه بضد الوحدة الّتی أریدت منه فی الاستعمال یعنی لو اتصف بالاشتراک ولم یرد الوحدة لا یلزم محذور لأنّ المعنی لم یعتبر فیه الوحدة وإنما انتزع الوحدة من عدم اعتبار المشارک فلا ینافیه اعتباره فی مورد آخر بخلاف ما إذا کان قید الوحدة جزء للمعنی فإن إرادة المعنی حینئذ لا یجتمع مع إرادة الشّرکة وحینئذ فإذا أرید الشّرکة وجب تجریده عن قید الوحدة فافهم وذهب الشّریف رحمه الله إلی أن المشترک وضع تارة بالوضع الشخصی لذات المعنی لا بشرط شیء وتارة بالوضع النّوعی للمعنی مع الوحدة وکلامه هذا یحتمل وجوها أحدها أن الواضع وضع الألفاظ أوّلا لذات المعنی ثم بدا له فنسخ ذلک الوضع وقال وضعت کل تلک الألفاظ للمعانی مع قید الوحدة حتی یکون کالنقل والثّانی أن لا ینسخ الوضع الأوّل لکن یزید علیه الوضع النّوعی للمعنی مع الوحدة حتی یکون اللّفظ مشترکا بین ذات المعنی وبین المعنی مع الوحدة والثالث أن یکون المراد بالوضع النّوعی إذن الواضع فی کیفیّة الاستعمال بمعنی أنّه وضع الألفاظ لمعانیها ثم قال إنی لا آذن فی استعمالها إلاّ فی المعنی المتصف بالوحدة من غیر أن یکون الوحدة قیدا للمعنی والاحتمالان الأولان فاسدان أمّا الأول فلأنه موجب للسفه بالنسبة إلی الواضع مع أنّه لا قائل به وأمّا الثّانی فلأنّه حینئذ لا یمنع من جواز استعمال المشترک فی

ص: 146

الأکثر من معنی لجوازه حینئذ فی حقیقة بالنسبة إلی الوضع الشّخصی والشّریف أراد بإثبات الوضعین منع جواز الاستعمال وأمّا الثّالث فالقول به وإن کان صحیحا قد ذهب إلیه الفحول لکن تسمیة الإذن فی کیفیّة الاستعمال وضعا نوعیا لا وجه له السّادسة اختلفوا فی جواز استعمال المشترک فی أکثر من المعنی فی التّثنیة والجمع کاختلافهم فی المفرد ولیس الخلاف فی إرادة المعنیین من العلامة لأنها لیست مشترکة ومحل النّزاع هو استعمال المشترک فالنزاع فی التّثنیة والجمع أیضا إنّما هو فی إرادة المعنیین أو المعانی من ملحوق العلامة فإن لفظ المشترک قد یکون ملحوقا وقد لا یکون والنّزاع جار فی کلا الحالتین ومعنی النّزاع فی ذلک مع الاتفاق علی دلالة العلامتین علی التعدد أنّه هل یشترط فی التّثنیة أن یکون المفرد شاملا لکلا المعنیین بأن یکون له معنی کلی یشمل کلیهما أو لا بل یکفی کونه موضوعا لهما وبعبارة أخری هل وضع العلامة للدلالة علی فردین من معنی واحد أو تدل علی المعنیین أیضا وهذا معنی قولهم یکفی فی التّثنیة اتحاد اللّفظ أولا ولکن لو لم یکن المفرد شاملا لهما بالتکریر لا بالوضع ولا معنی کما فی التّغلیب فهو مجاز اتفاقا فإن قلت ما المراد بقولهم اتحاد اللّفظین وما وجه مجازیّة التّغلیب مع أن المفرد فیه شامل لهما فإن القمرین فی تثنیة الشّمس والقمر قد جعل فیه القمر أولا عبارة عن المسمی بالقمر ثم أدخل الشّمس تحت هذا الکلی ادعاء ولو أرید شمول معنی المفرد لهما بالوضع لزم کون الأداة فی نحو الأسدین للرجلین الشّجاعین مجازا لأن المفرد لا یشملهما بالوضع قلت قد اتفقوا علی وجوب اتفاق اللّفظین والخلاف إنّما هو فی أن اتفاق اللّفظین هل یجب أن یکون ناشئا عن الاتحاد فی المعنی الکلی أو لا بل یکفی محض الاتفاق اللّفظی لکن علی الأوّل یجب أن یکون ذلک الکلی شاملا لهما حقیقة الادعاء فإن لم یکن الاتفاق اللّفظی ولا المعنوی بهذا المعنی کما فی التّغلیب کان مجازا فإن الشّمس لیس داخلا فی المسمی بقمر واقعا وإن کان الاتفاق اللّفظی والمعنوی کلاهما کان حقیقة کأسدین للرجلین إذا أرید من الأسد الشّجاع فإن صدق الشجاع علی الرّجلین واقعی لا ادعائی ولا ینافی حقیقیّة العلامة کون المفرد مجازا وإذا کان الاتفاق لفظیا فقط دون المعنوی فهو محل النّزاع فی هذه المسألة وبما ذکرنا ظهر أنّه لا وجه لما ذکره بعضهم من أنّ محل النّزاع فی التّثنیة والجمع هو إرادة المتعدد من جنس التّثنیة والجمع کأن یراد من المعنیین العینان مرتین أو ثلاث مرات وکذا الجمع وحینئذ جعل ذلک محتملا لإرادة الفردین من کل معنی بأن یراد من العینین فردان من الذّهب وفردان من الفضة وهکذا حتی یکون إرادة المعنیین من الملحوق ومحتملا

ص: 147

لإرادة تعدد المعنیین کأن یراد منه أربعة معان أو أزید حتی یکون إرادة المعنیین من کل من الملحوق واللاحق وجعل ذلک منوطا باشتراط الاتحاد المعنوی فی التّثنیة وعدمه فعلی الاشتراط یراد به الفردان من کل من المعانی وعلی عدمه یجوز إرادة أربعة معان أیضا بناء علی القول بالجواز ووجه عدم صحة هذا الکلام هو ما قلنا إن محل النزاع هو استعمال المشترک والعلامة لیست مشترکة فافهم لکن یشکل ما ذکرنا بأن محل النّزاع إنّما هو فی إرادة الأکثر من المعنی بأن یکون کل واحد من المعنیین مرادا بالاستقلال ولا یجری هذا فی التّثنیة والجمع إذ لو أرید من العینین الذّهب والفضة لم یکن کل منهما مستقلا بالإرادة فما ذکره البعض من أن محل النزاع هو إرادة المتعدد من جنس التّثنیة والجمع أوفق بمحل النّزاع لکن بناء علی الوجه الأول أعنی أن یکون المراد بالتثنیة فردان من کل معنی حتی یکون کل معنی من المعانی ملحوظا بالاستقلال وإن لم یکن کل فرد من فردیه ملحوظا بالاستقلال بخلاف الوجه الثانی أعنی أن یکون المراد من المعنیین العین المکررة مرتین ویراد من کل منهما المعنیان حتی یکون المراد من العینین الذّهب والفضة والباصرة والنّابعة مثلا فجعل الأوّلان بمنزلة فرد واحد والأخیران کذلک فاستعمل التّثنیة فیها لأن کل واحد من تلک المعانی لیس حینئذ ملحوظا بالاستقلال بل الملحوظ بالاستقلال هو اثنان اثنان والاثنان لیس معنی المشترک حتی یکفی استقلاله فی الدّخول فی محل النّزاع هذا ویشکل أیضا دخول التّثنیة والجمع فی محل النّزاع بوجه آخر وذلک لما ذکرنا أن محل النزاع هو إرادة کل واحد من المعنیین بقصد مستقل ولا یراد المجموع من حیث المجموع فإنه غیر جائز لعدم العلاقة وإرادة المعنیین والمعانی فی التثنیة والجمع إنّما هو من حیث المجموع وإن فرض الاستقلال فی الحکم إذ لا تلازم بین الاستقلال فی الحکم والاستقلال فی الإرادة ویمکن الجواب علی کلا الإشکالین بأن یقال إن إرادة المتعدد من التّثنیة والجمع لیس بطریق المجموع من حیث المجموع بل هو کإرادة المتعدد من کلمة جمیع والفرق بینهما أن الجمیع معناه الأفراد بأسرها بملاحظة واحدة من غیر ملاحظة الهیئة الانضمامیّة والمجموع معناه الأفراد مع ملاحظة الهیئة الانضمامیّة ومعنی التّثنیة هو الأول فمعنی النّزاع فیه أنّه هل یجوز إرادة المعنیین من التّثنیة بأن یکون المراد جمیعهما بإرادة واحدة والمراد بقولهم إن محل النّزاع فی المفرد هو إرادة کل من المعنیین استقلالا أن یکون کل منهما ملحوظا بدون ملاحظة الانضمام قبالا لإرادة المجموع من حیث المجموع لا أن یکون کل منهما مرادا بإرادة مستقلة وحینئذ فیتحد محل النّزاع فی التثنیة والمفرد وهو

ص: 148

أنّه هل یجوز إرادة المعنیین من اللّفظ بدون ملاحظة الانضمام ولو بإرادة واحدة أو لا هذا ویرد علیه أن اعتبار الانضمام بین المعنیین لیس معناه إلاّ إرادتهما بقصد واحد وإلاّ فهما لیسا کمرکب خارجی ذی مادة وهیئة کالسّریر مثلا ولیس المراد الانضمام فی الحکم لما عرفت أنّه خارج عن محل الکلام إذ الکلام فی الإرادة وحینئذ فنقول الاستقلال فی الإرادة معناه إرادته منفردا والانضمام معناه إرادة الشیئین بإرادة واحدة ولا یظهر الفرق بین الجمیع والمجموع فی الإرادة وإن ظهر الفرق بحسب الاستقلال فی الحکم وعدمه وهو ناش من فهم العرف والحاصل أن ما ذکروا من أن إرادة المعنیین من حیث المجموع من المفرد غلط معناه إرادة المعنیین بقصد واحد فلیس ذلک محل النّزاع بل محل النزاع هو إرادة کل منهما بطریق الاستقلال وبالجملة لا یمکن تطبیق محل النزاع علی المفرد والتّثنیة والجمع إلاّ بأحد وجهین أحدهما أن یجعل النزاع فی المفرد فی إرادة المعنیین بإرادة واحدة وقد عرفت أنهم حکموا بکونه غلطا والثّانی أن یجعل محل النّزاع فی التّثنیة والجمع فی إرادة کل واحد من المعنیین بإرادة مستقلة ولم یقل بجواز ذلک أحد فالأولی أن یقال إن محل النّزاع فی المفرد غیره فی التّثنیة والجمیع وذلک لأن النّزاع فی المفرد إنّما هو فی جواز إرادة کل من المعنیین بإرادة مستقلة وفی التّثنیة والجمع فی أنّه هل یکفی الاتحاد فی اللّفظ أو یجب الاتحاد فی المعنی وعلم مما ذکرنا ضمنا لزوم الاتحاد المعنوی وذلک لما علمت أن إرادة المتعدد من التّثنیة والجمع إرادة واحدة وقد ذکروا أن إرادة المعنیین من المفرد بإرادة واحدة غلط فکیف جوز هذا الغلط فی التثنیة والجمع فإن علامتهما إنّما وضعت لتکون قرینة إرادة المتعدد علی وجه یکون جائزا وأمّا ما کان غلطا فلا یجوزه وضع العلامتین فإرادة الفرسین من الزّیدین غلط قطعا لعدم جواز استعمال زید فی الفرس ولا یجوزه وضع العلامة والمفروض أن الموضوع فی التّثنیة والجمع هو العلامة لا المجموع المرکب وحینئذ فیجب أن یقصد من المفرد معنی کلی حقیقة کما فی الرّجلین أو مجازا کما فی زیدین حیث أرید من مفرده المسمی وتجعل العلامة قرینة علی أن الکلی مراد فی ضمن فردین أو أفراد من دون أن یلزم مجاز فی إرادة الفرد من الکلی إذ الخصوصیّة مقصودة لا من لفظ المفرد بل هی مرادة من الخارج والقرینة الدّالة علیها هی العلامة کالتنوین فی رجل وداخل فی داخل السّوق ومما یشهد علی اعتبار مفهوم المسمی فی تثنیة الأعلام وجمعها معاملتهم معهما معاملة النّکرات فلا یقال زیدان قائمان بل یقال للزیدان ثم إن الاکتفاء بالاتحاد اللّفظی لا یجامع القول باعتبار الوحدة فی معنی المفرد إذ الوحدة تزول بإرادة المعنیین فی التّثنیة فینبغی أن یکون وضع العلامتین منافیا مع وضع ملحوقها مع أنّه لیس کذلک قطعا فلا بد لمعتبر الوحدة فی المفرد أن یشترط الاتحاد المعنوی فی التثنیة والجمع

ص: 149

لئلا یلزم إلغاء قید الوحدة لأن المفرد حینئذ یؤول بالمسمی وهو کلی لا ینافی وضعه إرادة الفردین منه بسبب القرینة فافهم ثم لا یخفی أن ما جعل محلا للنزاع فی المفرد غیر معقول أعنی إرادة کل من المعنیین بإرادة مستقلة فی استعمال واحد وذلک لأن إرادة المعنی مستقلا معناه توجه النّفس إلیه بانفراده وذکر اللّفظ لإظهاره وحینئذ فإذا توجه إلی أحد المعنیین وجعل ذکر اللّفظ لإفادته کیف یعقل إرادة الآخر أیضا إذ لم یستعمل لفظا آخر حتی یرید منه المعنی الآخر بإرادة منفردة وبالجملة النّفس لا تتوجه توجهین فی زمان واحد فعند ذکر اللّفظ لیست متوجهة إلاّ بتوجه واحد والمفروض أنّ التّوجه الواحد لیس متعلقا إلاّ بأحدهما فیکون هو المراد باللّفظ ویحتاج إظهار التّوجه الآخر إلی لفظ آخر فتأمل السّابعة إذا شک فی المرکب أنّه موضوع بوضع مغایر لأوضاع أجزائه بحیث یوجب إرادة معنی مغایر لمعانیها الثّابتة عند الأفراد فالأصل عدمه إلاّ إذا قام الدّلیل علی الوضع الجدید فمقتضی الأصل فی المرکب أن لا یکون معنی أجزائه إلاّ ما کان قبل التّرکیب غایة الأمر أنّ الهیئة موضوعة لربط بعضها ببعض ولذا قیل إنّ الجمع المحلی إنّما یفید استغراق الجماعات لا الأفراد لأن الملحوق موضوع الکلی ما فوق الاثنین واللام موضوعة للدلالة علی استغراق مدخولها فتدل علی استغراق أفراد ما فوق الاثنین وکذا إرادة النفی موضوعة لنفی المعنی المراد من مدخولها فإن أرید من مدخولها معنی واحد کان النّفی دالا علی انتفائه غایة الأمر أن لازم النّفی الوارد علی الطّبیعة اللابشرط شموله لجمیع أفرادها والحاصل أنّه لا فرق بین المثبت والمنفی إلاّ فی النّفی والإثبات ولازم النفی إفادة الشّمول بالنسبة إلی جمیع الأفراد بخلاف الإثبات وعلی هذا فلا یتفاوت حال المشترک فی سیاق الإثبات والنّفی فإذا لم یخبر إرادة المتعدد من المثبت لم یجز فی المنفی أیضا فالنفی إنّما یدل علی انتفاء المعنی الواحد بجمیع أفراده وأمّا إرادة نفی جمیع المعانی فلا یجوز فما قیل من أن إرادة المتعدد لا یجوز فی المثبت ویجوز فی المنفی لدلالة النفی علی الاستغراق فاسد وبالجملة یجب اتحاد المثبت والمنفی من جمیع الوجوه عدا النّفی والإثبات وأمّا الاختلاف بالشمول وعدمه فإنّما هو من لوازم الاختلاف فی النّفی والإثبات کما ذکروا أنّه یجب اتحاد المنطوق والمفهوم من جمیع الوجوه عدا النّفی والإثبات ومع ذلک قد یختلفان بالعموم والخصوص فإنه إذا قیل إن جاء زید وجب علیک إکرامه کان المراد بالوجوب العینی مع أنّ مفهومه نفی الوجوب مطلقا العینی والتّخییری وهذا لیس اختلافا یضر بما ذکروه من اشتراط عدم الاختلاف لأنّه إنّما نشأ من الاختلاف فی النفی والإثبات ویؤید عدم الفرق فی المشترک بین المثبت والمنفی أنّه لو کان الاستغراق مجوزا لإرادة المتعدد لجاز فی المثبت عند إدخال إرادة العموم علیه کما إذا قال کل عین عندی مع أن القائل لا یجوزه

ص: 150

فافهم إذا تمهدت هذه المقدمات فنقول قد تحقق مما سطر أنّ النّزاع فی المفرد غیر معقول فإن إرادة المعنیین بإرادة واحدة قد نصوا علی فساده وأمّا بإرادتین فقد ذکرنا أنّه غیر متصور نعم لو کان متصورا لکان علی وجه الحقیقة لما عرفت من عدم اعتبار قید الوحدة لکنه مخالف لقانون الاستعمال فلا یجوز بهذا الوجه أیضا ومما یؤید عدم الجواز أنّه لو جاز ذلک لاستغنی عن وضع التّثنیة والجمع فی المشترک خصوصا علی قول من یجعل المشترک المجرد عن القرینة ظاهرا فی الجمیع وکذا الکلام فی التّثنیة والجمع لما عرفت أن وضعهما لیس بحیث یخالف وضع المفرد فإذا لم یتصور ذلک فی المفرد لم یتصور فیهما أیضا وهذا فی أسماء الأجناس ظاهر وأمّا فی الأعلام فلأنّه یلزم فیها ارتکاب تجوز لا محالة لکن التّجوز بإرادة مفهوم المسمی من المفرد قطعی الجواز وإرادة المعنیین لم یعلم جوازه ورخصة الواضع فیه وکیفیّة الاستعمال توقیفیّة وقد عرفت أنّه لا یجوز بطریق الحقیقة إذ ما یتعقل هو إرادة المعنیین بإرادة واحدة وهو غیر الموضوع له ولیس بینه وبین الموضوع له علاقة مصححة کما صرحوا به فی المفرد فافهم وقد عرفت أنّه لا فرق بین المثبت والمنفی ومما یؤید عدم الجواز فی المفرد الاتفاق علی عدم جواز الإشارة بهذا إلی شخصین ولو جاز ذلک فی المشترک لجاز هذا أیضا وإلاّ فما وجه الفرق وبالجملة الحق عدم الجواز مطلقا بقی أمور لا بأس بالإشارة إلیها الأوّل اختلفوا فی أن المشترک عند تجرده عن القرینة هل هو مجمل أو ظاهر فی جمیع المعانی وبما ذکرنا من عدم جواز استعماله فی المتعدد یعلم أنّه مجمل ولا یجوز حمله علی جمیع المعانی إلاّ بإرادة مفهوم المسمی وهو مجاز لا یحمل علیه بدون القرینة وإن کان هو أیضا من جملة المعانی فلا یحمل علیه أیضا بدون القرینة المعیّنة لکن مع القرینة یکون حقیقة وأمّا بناء علی القول بجواز استعماله فی المتعدد فلا یحمل أیضا علی الجمیع لأنّ الشّائع استعماله فی الواحد دون المتعدد احتجوا بوجوه منها قوله تعالی إِنَّ اللهَ یَسْجُدُ لَهُ مَنْ فی السَّماواتِ وَمَنْ فی الأَرْضِ إلی آخره وقوله تعالی إِنَّ اللهَ وَمَلائِکَتَهُ یُصَلُّونَ إلی آخره فإنّ السّجود من النّاس وضع الجبهة علی الأرض ومن غیرهم تبعیّته لإرادة الله تعالی والصّلاة من الله الرّحمة ومن غیره طلبها وفیه بعد تسلیم أن لیس المراد القدر المشترک وأنّه لا حذف فی الآیتین أن غایة ما یثبت بهما الاستعمال فی المتعدد بقرینة والمدعی هو الظّهور فی الجمیع عند عدم القرینة ومنها أنّ الاحتیاط یقتضی حمله علی الجمیع لاحتمال کونه مرادا وفیه أن غایة ذلک أن یجب الإتیان بالجمیع لاحتمال المطلوبیّة ولا یثبت ظهور الإرادة ومنها دلیل الحکمة وهو أنّه إن لم یحمل علی شیء لزم اللّغو فی کلام الحکیم وإن حمل علی البعض المعین کان ترجیحا بلا مرجح وإن حمل علی البعض الغیر المعین لزم الإجمال فی کلام الحکیم فیجب الحمل علی الجمیع نظیر ما استدلوا به

ص: 151

فی دلالة المفرد المحلی علی العموم مضافا إلی أن الحمل علی الجمیع مؤید بأصالة الحقیقة لأنّ کل واحد من المعانی موضوع له ولم یقم قرینة صارفة عنه فیجب إرادته وفیه أنّه لا بأس بتحقق الإجمال فی کلام الحکیم إذا کان له فائدة ونفیه فی المفرد المعرف إنّما هو لغلبة البیان فی کلام الشّارع وهی وإن أمکن ادعاؤها فی المقام لکن نقول إنّها معارضة بغلبة استعمال المشترک فی معنی واحد والعرف یساعد فی مثل المقام علی الإجمال وهو متبع فی مثل ذلک وأصالة الحقیقة لا تقتضی إلاّ إرادة الحقیقة وأمّا جمیع الحقائق فلا یساعده العرف وهو المناط فی حجیّة الأصل علی ما سبق تحقیقه الثّانی من جملة القرائن المعیّنة لإرادة أحد المعانی غلبة استعماله فیه فإنها موجبة للظّنّ بإرادته والظّنّ معتبر فی المقام وذلک أعم من المشترکات فی الأجناس والأعلام المذکورة فی سند الرّوایة وفی کتب الرّجال لکن یشترط فی حمله علی المعنی الغالب أمران العلم بتحقق الغلبة فی زمان التّکلّم والعلم بأن المتکلّم عالم بالغلبة حتی یمکن له الاعتماد علیها وإذا شک فی کل منهما فالأصل عدمه وهو ظاهر الثّالث قیل یظهر الثّمرة بین القول بجواز استعمال المشترک فی المتعدد وعدمه فی قوله تعالی وَأُمُّهاتُ نِسائِکُم وَرَبائِبُکم اللاّتی فی حُجُورِکُمْ مِنْ نِسائِکُم اللاّتی دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فإن کلمة من إن تعلقت بربائبکم کانت نشویة وابتدائیّة وإن تعلقت بنسائکم کانت بیانیّة ولا یقید تحریم أمهات النّساء بصورة الدّخول بالنّساء وعلی الثّانی تقید لکن لا یقید تحریم الرّبائب بصورة الدّخول بأمهاتهن وإن علقت بالجملتین فقد استعلمت فی المعنیین وقید التّحریم فی الموضعین وحینئذ فعلی القول بجواز الاستعمال فی المتعدد یحمل کلمة من علی معنییها ویقید الجملتان وعلی القول بعدم الجواز یجب حملها علی أحدهما والأولی أن یقرر الثّمرة بوجه آخر بأن یقال القید الواقع عقیب الجمل إن کان ظاهرا فی التّعلق بالجمیع ظهر الثّمرة بین القولین فی الآیة إذ علی القول بالجواز یجب الحمل علی الجمیع وتقیید الحرمة فی الموضعین بالدّخول وعلی القول بعدمه فلا یجوز ذلک لأن القید وإن کان ظاهرا إلاّ أنّ المانع موجود فیدور الأمر بین حمله علی الجمیع بإرادة القدر المشترک مجازا وبین تعلیقه بالأخیر فقط والقدر المتیقن من التّقیید هو الأخیرة وفی غیره مشکوک فیرجع إلی الأصل وإن کان القید ظاهرا فی التّعلق بالأخیرة فلا یظهر ثمرة بین القولین إذ علی القول بالجواز أیضا یجب تعلیقه بالأخیرة لظهور القید هذا وقالوا ویظهر الثّمرة بین القولین فیما إذا وردت روایة ظاهرة فی إرادة المتعدد من المشترک أو روایة کان ظاهرها غیر مراد وکان تأویلها منحصرا فی حملها علی إرادة المتعدد من المشترک فعلی القول بالجواز لا إشکال وعلی القول بالعدم ففیه تفصیل لأنّ تلک الرّوایة إن کانت

ص: 152

مقطوعة الصّدور وحصل القطع بإرادة المتعدد منه کانت دلیلا علی الجواز ولا تجامع القول بالعدم وکذا إن کان تأویلها منحصرا فی ذلک وإن کانت ظاهرة فی ذلک فإن کان عدم الجواز مستندا إلی الأصل التّوقیفیّة الاستعمال فحینئذ تکون الرّوایة دلیلا فیلغو الأصل وإن کان مستندا إلی الدّلیل وجب التّأویل فی تلک الرّوایة وإن کانت مظنونة الصّدور وکانت ظاهرة فی ذلک فعلی الاستناد إلی الأصل تکون ظهور الرّوایة دلیلا فیلغو الأصل وعلی الاستناد إلی الدّلیل یجب التّأویل وإن کان ظاهرها غیر مراد وانحصر تأویلها فیما یوجب الاستعمال فی المتعدد فعلی الاستناد إلی الدّلیل لا إشکال فی طرحها وأمّا علی الاستناد إلی الأصل فهل یوجب الرّوایة إلغاء الأصل الحق عدمه لأنّ الرّوایة الغیر المقطوعة إذا کان لها معارض أقوی جاز طرحها وأمّا التّأویل فیها فلا وجوب فیه لأنّ وجود المعارض الأقوی کاشف عن فساد سند تلک الرّوایة وإنّما التّأویل تبرع لئلا یطرح ما نسب إلی المعصوم ولیس التّأویل فیها واجبا حتی یکون دلیلا علی جواز الاستعمال فی المتعدد بحیث یلزم إلغاء الأصل فتأمل

تذنیب

ربما یتوهم التّناقض فی کلام الفاضل القمی رحمه الله حیث ادعی أولا أنّ التّثنیة حقیقة فی الفردین من ماهیّة واحدة لا فی المعنیین من لفظ للتّبادر ثم ذکر ثانیا أنّه لا یجوز الاستعمال فی المعنیین فی التّثنیة مجازا لأنّ هذا التّجوز لا یرجع إلی وضع العلامة لأنّها موضوعة للإشارة إلی متعدد أیا ما کان إنّما التّجوز یرجع إلی المفرد حیث أرید منه المعنیان ولا دلیل علی جواز هذا النّوع من التّجوز فادعی أولا التّبادر فی الفردین من ماهیّة واحدة وذکر ثانیا أنها موضوعة لمطلق الاثنین وهذا تناقض بین والجواب أن المراد من ادعاء التّبادر إنّما هو تبادر الفردین بالنّظر إلی مجموع المفرد والعلامة فإنّ المفرد موضوع للمعنی فی حال الوحدة بمذهبه والعلامة موضوعة للإشارة إلی المتعدد فیکون المجموع دالا علی الفردین من معنی واحد وما ذکره ثانیا إنّما هو بالنّظر إلی العلامة فقط فلا تناقض فافهم

أصل اختلفوا فی جواز استعمال اللّفظ فی معنییه الحقیقی والمجازی

علی نحو اختلافهم فی المسألة السّابقة فیکون محل النّزاع هو إرادتهما مستقلا بإرادتین لا إرادتهما فی ضمن القدر المشترک ویعبر عنه بعموم المجاز ولا إرادة المجموع من حیث المجموع علی ما سبق فذهب جماعة إلی الجواز وأخری إلی المنع واختلف المجوزون فذهب بعضهم إلی أنّه مجاز وآخر إلی أنّه حقیقة ومجاز بالاعتبارین وتحقیق المطلب یستدعی رسم مقدمتین الأولی قالوا المجاز هو استعمال اللّفظ فی غیر ما وضع له مع وجود القرینة المعاندة لإرادة الموضوع له والکنایة هی الاستعمال فی غیر ما وضع له مع جواز إرادة الموضوع له واختلفوا فی أن المراد بالقرینة المعاندة الّتی یشترط تحققها فی المجاز

ص: 153

ماذا فالمشهور علی أن المراد بها أن تکون معاندة لإرادة الحقیقة مطلقا ولذا استدل به علی عدم جواز الاستعمال فی المعنیین الحقیقی والمجازی ویظهر من بعضهم فی رد الاستدلال المذکور أن المراد بها أن تکون معاندة لإرادة الحقیقة وحدها فلو أرید الحقیقة والمجاز معا لم یکن القرینة مانعة وجعل الشّاهد علی ذلک جواز استعمال الجزء فی الکل کالرّقبة فی الإنسان مع أن المعنی الحقیقی أیضا مراد مع المجازی لاشتمال الإنسان علی القربة أیضا ویظهر من بعض المحققین فی رد الاستدلال المذکور أیضا أن المراد بها أن تکون معاندة لإرادة الحقیقة بالإرادة المتعلقة بالمجاز بأن یرادا معا بإرادة واحدة ولا تمنع من إرادتهما بإرادتین مستقلتین کما هو محل النّزاع ولکن لا یخفی ما فی الوجهین الآخرین من الفساد لأنّ ما ذکراه تقیید لکلمات القوم بلا دلیل واستشهاد الأوّل بمثل الرّقبة واضح الفساد إذ لم تستعمل إلاّ فی المعنی المجازی وهو الکل ولیس المراد بها المعنی الحقیقی أصلا نعم تدل علیه بدلالة الإشارة الغیر المقصودة وذلک لا دخل له بالمقام مضافا إلی أنه یرد علیه أنّه لو کان مرادهم ما ذکره هذا لم یکن للفرق بذلک بین المجاز والکنایة وجه لوجود القرینة المعاندة بهذا المعنی فی أکثر الکنایات فإنّ القرینة المفیدة لإرادة اللازم هی بعینها مانعة عن إرادة الملزوم منفردا فلا وجه لتخصیص ذلک بالمجاز علی ما صرحوا به ثم إنّه قد ذکر بعض المدققین أن النّزاع فی المقام لفظی لأنّ المجاز باصطلاح الأصولیّین أعم من الکنایة لأنه عبارة عن الاستعمال فی غیر ما وضع له سواء کان هناک قرینة معاندة أولا وباصطلاح البیانیین قسیم للکنایة لاشتراط وجود القرینة المعاندة فیه دونها وحینئذ فمن قال بعدم جواز الاستعمال فی الحقیقی والمجازی نظر إلی المجاز باصطلاح البیانیین ومن قال بالجواز أراد بالمجازی الکنائی لإطلاق المجاز علیه عند الأصولیّین ولا ریب أن عدم الجواز بالنّسبة إلی الحقیقی والمجاز البیانیین وکذا الجواز بالنّسبة إلی الحقیقی والکنائی وإنّما نشأ النّزاع حیث أطلقوا المجاز علی الکنایة فتوهم المانع أن المراد هو المجاز البیانی فقال إنه لاشتراط القرینة المعاندة وفیه أمّا فی المعنی فلا نزاع بینهما أقول لا بد من بیان الفرق بین الحقیقة والمجاز والکنایة لیظهر الحال فنقول الحقیقة هی الکلمة المستعملة فیما وضعت له بحیث یکون هو المراد استقلالا وهو المستعمل فیه والمجاز هو الکلمة المستعملة فی غیر ما وضعت له بحیث یکون هو المراد والمستعمل فیه والکنایة هی الکلمة المستعملة فیما وضعت له لکن لینتقل إلی غیر الموضوع له فالمراد مستقلا هو غیر الموضوع له لکن اللّفظ قد استعمل فیما وضع له وربما یکون هو أیضا مرادا لکن لا بد من ملاحظة کونه واسطة للانتقال أیضا وبهذا علم أن طریقة الاستعمال فی کل منها مغایر للآخر

ص: 154

ثم إن کلا من المجاز والکنایة محتاج إلی نصب قرینة دالة علی إرادة غیر الموضوع له لکن فرق بین القرینتین من وجهین أحدهما أن القرینة فی المجاز إنّما هی لإرادة غیر ما وضع له والاستعمال فیه أیضا بخلاف الکنایة فإنّ القرینة فیها إنّما هی لمحض إرادة غیر ما وضع له لا للاستعمال فیه ولما کان عدم جواز الاستعمال فی المعنیین الحقیقی والمجازی مجردا عندهم قالوا إنّ القرینة فی المجاز معاندة لإرادة الحقیقة فإنّ المجاز قد استعمل فی غیر ما وضع له فلا یجوز استعمال فیما وضع له أیضا فیکون القرینة فیه معاندة لإرادة الموضوع له لدلالتها علی الاستعمال فی غیر الموضوع له ولا یجوز الاستعمال فی المعنیین بخلاف الکنایة فإنّ القرینة فیها إنّما تدل علی إرادة غیر الموضوع له لا علی الاستعمال فیه فلهذا قالوا إنّها غیر معاندة وبالجملة قولهم إن القرینة فی المجاز معاندة لإرادة الحقیقة إنّما هو لما تحقق عندهم من عدم جواز الاستعمال فی المعنیین فالتّمسک لعدم الجواز بکون القرینة معاندة کالدّور والثّانی أنّ القرینة فی المجاز غالبا موجبة لکون اللّفظ نصا فی غیر الموضوع له بحیث لو أراد المتکلّم إنکاره لم یمکنه بخلاف الکنایة ولهذا سمی کنایة لبنائه علی التّستر وإخفاء الأمر وبالجملة الکنایة غیر المجاز قطعا ولیست مستعملة إلا فی المعنی الحقیقی وبما ذکرنا ظهر أن الاستدلال لعدم الجواز باحتیاج المجاز إلی القرینة المعاندة فاسد وکذا الاستدلال للجواز بالکنایة وکذا القول بأن النّزاع لفظی ونظر المجوز إلی الکنایة لما عرفت أن الکنایة لیس فیها جمع بین المعنیین أصلا بل النّزاع معنوی وهو أنه هل یجوز استعمال اللّفظ فیما وضع له وفی غیر ما وضع له أو لا وأمّا الکنایة فلا دخل لها بمحل الکلام أصلا فافهم الثّانیة ربما یتوهم أن الاستعمال فی المعنیین الحقیقی والمجازی موجود فی کلماتهم ومثلوا له بأمور منها الکنایة وقد مر فساده ومنها التّضمین کقوله تعالی فَلیَحْذَر الَّذینَ یُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ فإن یخالفون قد استعمل فی معناه الحقیقی وفی معنی یعرضون وهو غیر الموضوع له ومنها التّغلیب فإنّ المراد من ملحوق العلامة القمر وهو الموضوع له والشّمس وهو غیره ومنها الأوانی المعلقة لشیء علی شیء کما لو قال إن جامعت فی نهار رمضان فکفّر وقد قیل إن الأصل فی مثل ذلک عدم تکرر الجزاء بتکرر السّبب وإلا لزم الجمع بین الحقیقة والمجاز لأنّ الکفارة مثلا بالنّسبة إلی السّبب الأوّل طبیعتها فإن کان المراد تکرارها بسبب تکرار الجماع وجب أن یکون المراد بها بالنّسبة إلی السّبب الثّانی غیر ما حصل أوّلا وهو الفرد الآخر غیر الفرد الّذی أوجده أوّلا فیکون المراد بها بالنّسبة إلی السّبب الأوّل الطّبیعة وهی الموضوع له وبالنّسبة إلی الثّانی الفرد وهو غیر الموضوع له ومنها الأوامر المتعلقة بالشّخص المختلف حاله بالقدرة والعجز فقوله صل یراد به الصّلاة قائما بالنّسبة إلی القادر علی القیام

ص: 155

والصّلاة المطلقة اللابشرط بالنّسبة إلی العاجز ومنها الاستخدام حیث یراد من المرجع عند ذکره المعنی الحقیقی وعند ذکر الضّمیر المعنی المجازی ومنها القرآن بالنّسبة إلی ظهره وبطنه والتّحقیق أن شیئا من ذلک لیس مقطوعا به بحیث یستدل به علی الجواز أمّا التّضمین فلوجود احتمالات عدیدة فیه الأوّل أن یکون من قبیل الجمع بین المعنیین والثّانی أن یکون معنی الفعل الّذی یراد تضمینه محذوفا فی الکلام والثّالث أن یکون من قبیل الکنایة حیث أطلق المخالفة لینتقل إلی لازمها الّذی هو الإعراض وفیه بعد لأنّ الانتقال فی الکنایة إنّما هو بعد تمام الکلام وفی الآیة لا یتم الکلام بذکر یخالفون حتی ینتقل إلی لازمه ویوجب صحة تعلق الجار به بل الانتقال فیها لو کان فإنما هو بعد ذکر الجار وهو لا یوجب تصحیح تعلق الجار کما لا یخفی والرّابع وهو التّحقیق ما سبق إلیه الإشارة من أن المخالفة ملازمة فی الخارج مع عنوان آخر وهو الإعراض فجاز إجراء أحکام الإعراض علیه نظرا إلی تلازم العنوانین فلم یستعمل اللّفظ إلا فیما وضع له وأمّا التّغلیب فلما عرفت أن المفرد قد استعمل فی مفهوم المسمی مجازا وأشیر بالنّون إلی فردین منه أحدهما فرده الحقیقی والثّانی فرده الادعائی وأمّا الأوامر فلأن المراد فیها هو الطّبیعة وأمّا تکررها بتکرر السّبب فهو غیر مراد من اللّفظ بل هو حکم العقل بأن السّبب إذا تکرر تکرر المسبب مضافا إلی أنّ ذلک وارد علی القول بأصالة التّداخل أیضا لوجود الموارد الّتی قد أجمع فیها علی عدم التّداخل والحد ما ذکرنا وکذا الخطابات المتعلقة بالمکلف فإنّ المراد بها الطّبیعة غایة الأمر تقیدها بقید بحسب بعض الحالات وهو لا یوجب إرادة المقید من اللّفظ حتی یکون مجازا وأمّا الاستخدام فلما عرفت مفصلا أن المراد بالمرجع لیس إلا معنی واحد والضّمیر إنّما یرجع إلی شیء تقدم ذکره التزاما لدلالة المرجع علیه فی الجملة وهذا کاف فی صدق تقدم مرجع الضّمیر وأمّا البطون فلعدم استعمال اللّفظ فیها بل هی إمّا من قبیل الکنایة أو من قبیل إفهام المطلب بذکر أشباهه ونظائره فافهم إذا تمهد هذا فنقول استدل المانعون بتوقیفیّة الاستعمال ولم یثبت جواز ذلک فی لسانهم وبأن المجاز ملزوم للقرینة المعاندة لإرادة الحقیقة والثّانی فاسد لما أشرنا إلیه أن القرینة فی المجاز إنّما هی ذکر شیء من لوازم المعنی المجازی لیدل علی إرادته وهذا لا یوجب عدم جواز إرادة الحقیقة لکن لما ثبت عندهم عدم الجواز قالوا إنّه إذا قامت قرینة علی المجاز لم یمکن إرادة الحقیقة فکان القرینة معاندة لإرادة الحقیقة وبالجملة کون قرینة المجاز معاندة فرع عدم جواز الاستعمال فلا یمکن الاستدلال به علی عدم الجواز وفصل صاحب المعالم فقال إن أرید الجمع بین المعنی المجازی والمعنی الحقیقی بتمامه فالمانع مستظهر لوجهین أحدهما أن الوحدة معتبرة فی الموضوع له فلا یمکن إرادة غیره معه والثّانی

ص: 156

أنّ المجاز ملزوم للقرینة المعاندة لإرادة الحقیقة وإن أرید الجمع بین المعنی المجازی وذات المعنی الحقیقی فنقول إنّه جائز مجازا لإلغاء قید الوحدة فیکون مجازا فالقرینة اللازمة للمجاز لا تعانده هذا حاصل کلامه وهو بإطلاقه یشمل التّثنیة والجمع أیضا ویرد علیه أوّلا ما عرفت من عدم اعتبار الوحدة وثانیا أن مرادهم بالقرینة المعاندة أن تکون معاندة لإرادة ذات المعنی الحقیقی لا لإرادة الحقیقة وحدها وإلا لم یکن بذلک فرق بین المجاز فی الکنایة لأن القرینة فی الکنایة معاندة أیضا لإرادة الحقیقة وحدها وبالجملة ما ذکره من لزوم المجاز للقرینة المعاندة مأخوذ من کلمات البیانیّین وظاهر کلامه تسلیم ما ذکروه وهم إنّما یذکرون ذلک فی مقام الفرق بین المجاز والکنایة وهو لا یمکن إلا بأن یراد أن القرینة فی المجاز معاندة لإرادة الموضوع له مطلقا بخلاف الکنایة وحینئذ فمقتضی ذلک عدم جواز إرادة الحقیقة ولو مع إلغاء الوحدة عند إرادة المجاز وثالثا أن إطلاق کلامه یدل علی الجواز مجازا بالنّسبة إلی التّثنیة والجمع مع أنّه غیر مناسب لمذهبه لأنّه کما یظهر من کلامه فی المشترک حیث جوز استعماله فی المعنیین فی التّثنیة والجمع حقیقة أنّه قائل بعدم اعتبار الوحدة فی الموضوع له بالنّسبة إلی ملحوق العلامة وإلا لم یکن حقیقة وحینئذ فیکون مذهبه أن الملحوق موضوع للمعنی اللابشرط وعلی هذا فلا یوجب إرادة المجاز معه إلغاء الوحدة حتی یکون مجازا أو لا تعانده القرینة بل هو باق علی حقیقته فتعانده القرینة وحینئذ فلا بد أن لا یجوزه فی التّثنیة والجمع أصلا وربما اعتذر عن ذلک بأن إطلاق کلامه ناظر إلی المفرد لأنّه الّذی یجری فیه التّردید المذکور دون التّثنیة والجمع لعدم احتمال إرادة المعنی مع الوحدة فیهما لکن مذهبه فی التّثنیة والجمع هو الجواز مجازا لأنّه قال باعتبار الوحدة فی الموضوع له للمفرد وقال بجواز استعمال تثنیة المشترک وجمعه فی المعنیین حقیقة ومقتضی الجمع بین الکلامین إمّا أن یقال إنّه قائل بأنّ المفرد حین تجرده عن العلامة موضوع للمعنی مع الوحدة وعند اللحوق موضوع للمعنی لا بشرط حتی یکون إرادة المعنیین منه فی المشترک حقیقة أو یقال إنّه قائل بأن التّثنیة والجمع کل منهما موضوع بوضع مستقل لإرادة المعنیین الحقیقیّین أو المعانی کذلک وحمل کلامه علی الأوّل بعید جدا بأن یلتزم تعدد الوضع بالنّسبة إلی المفرد فیجب حمله علی الثّانی وحینئذ فیتم ما ذکر فی التّثنیة والجمع بالنّسبة إلی المعنی الحقیقی والمجازی لما عرفت أنهما حینئذ موضوعان لإرادة المعنیین الحقیقیّین أو المعانی کذلک فاستعمالهما فی الحقیقی والمجازی استعمال فی غیر الموضوع له فیکون مجازا أقول ویمکن الجمع بین الکلامین بوجه آخر وهو أن یقال إن المفرد حین تجرده عن العلامة موضوع للمعنی مع الوحدة وحین اللحوق موضوع للمعنی الحقیقی بشرط انضمامه لمعنی حقیقی آخر ویکون العلامة قرینة علی إرادة هذا المعنی وحینئذ فلو أرید المعنیان الحقیقیان من التّثنیة کان حقیقة کما فی المشترک وإن

ص: 157

أرید المعنی الحقیقی مع المجازی کان کل منهما مجازا لعدم وجود الشّرط وهو الانضمام بالمعنی الحقیقی الآخر فیکون حینئذ مستعملا فی مجازین کما فی المفرد ولا یبعد أن یکون مذهب صاحب المعالم فی وضع التّثنیة والجمع ما ذکر واستدل المجوز مجازا علی کونه مجازا بأنّه قد دخل فی المستعمل فیه ما هو خارج عن الموضوع له فیکون مجازا وأورد علیه بأنّه إن أرید بدخول المعنی المجازی فی المستعمل فیه دخوله فیه کدخول الأجزاء فی الکل بأن یکون المراد مجموع المعنیین من حیث المجموع أو کدخول الأفراد فی الکلی بأن یکون المراد معنی عام یشمل المعنیین ففیه أن هذا خارج عن محل النّزاع لما عرفت أن النّزاع إنّما هو فی إرادة کل من المعنیین بإرادة مستقلة وإن أرید بدخوله فیه أن المراد والمستعمل فیه شیئان فیکون کل منهما داخلا فی مفهوم المستعمل فیه وإن کان مستقلا فی الإرادة ویکون ذلک مجازا لأنّ الحقیقة هی الکلمة المستعملة فیما وضعت له فقط فالوحدة معتبرة فی الحقیقة وإن لم تکن معتبرة فی الوضع ففیه أن الوحدة إن اعتبرت فی الحقیقة اعتبرت فی المجاز أیضا وإلا لزم التّفکیک بینهما وحینئذ فیکون هذا الاستعمال خارجا عن الحقیقة والمجاز وإن لم تعتبر الوحدة أصلا کما هو الحق لعدم دلالة ما ذکروه فی التّعریف علی اعتبارها یکون الاستعمال المذکور علی فرض جوازه حقیقة ومجازا لا یقال إن الاستعمال واحد ویلزم کونه حقیقة ومجازا بالنّسبة إلی مجموع المعنیین وهو تناقض لأنّا نقول الحیثیّة معتبرة فی التّعاریف فالکلمة المذکورة من حیث إنها مستعملة فی الموضوع له حقیقة ولا ینافیه استعماله فی غیره أیضا ومن حیث إنها مستعملة فی غیره مجاز هذا لکن قد عرفت أن هذا الاستعمال غیر جائز لتوقیفیّته أو أنّه غیر معقول کما سبق إلیه الإشارة فی المشترک

أصل اختلفوا فی أنّ ألفاظ المقادیر کالمثقال والمن والفرسخ والکر وأمثالها حقیقة فی خصوص الکامل ومجاز فی النّاقص ولو بیسیر أو حقیقة فی الأعم من الکامل وما نقص منه بیسیر

ذهب بعضهم إلی الثّانی مستدلا بإطلاقها علی النّاقص یسیرا فی العرف وعدم صحة سلبها عنه وأورد علیه بأنّه لو کانت حقیقة فی الأعم لزم التّسلسل لأنّ النّاقص بیسیر إذا کان من أفراد الموضوع له کان النّاقص عنه بیسیر أیضا من أفراده وهکذا مع أنّه یلزم کون المن حقیقة فی المثقال وفیه أن المراد أنّه حقیقة فیما نقص بیسیر عن الفرد الکامل لا عما کان موضوعا له والحق فی الجواب أن یقال إنّه یصح سلبها عن النّاقص فی العرف وإطلاقها علیه مسامحة من باب تنزیل المعدوم منزلة الموجود ومما یدل علی ذلک ملاحظة أحوالهم فیما یعتنی بشأنه کمیزان الذّهب فإنّه لو نقص عن المثقال بحبّة یقولون إنّه لیس بمثقال ولا شبهة أنّه لا یتفاوت معنی المثقال بالنّسبة إلی الذّهب وغیره بل له معنی واحد لکنهم یتسامحون فی بعض الأشیاء دون بعض والمعتبر صحة السّلب

ص: 158

وعدمها فی غیر مقامات المسامحة فإن قلت لا ریب فی کثرة استعمالها فی الأعم عرفا وشیوعه بحیث صار من المجازات الرّاجحة فلا بد من حمل اللّفظ علیه لقرینة الشّهرة إذا ورد فی کلام الشّارع قلنا بعد التّسلیم أن الاشتهار إنّما یسلم فی الأمور الحقیرة الّتی لا یعتنی بها دون الأمور الخطیرة وما یتعلق به الأحکام أمور خطیرة أو غیر معلوم الحال فیؤخذ بالقدر المتیقّن وهو الحد التّام وبالجملة یجب حمل المذکورات فی الشّریعة علی الحد التّام الّذی لا مسامحة فیه لکن یغتفر التّسامح فی طریق تحصیله فإنّ الأشبار المقدرة فی تحصیل الکر وکذا الأرطال مختلفة غالبا فلا یجب التّدقیق فی ذلک ولذا قیل إن ذلک تحقیق فی تقریب مسائل الأولی إذا علق الحکم علی مقدار وعلمنا أن الحکمة شیء یتخلف عن ذلک المقدار من دلیل آخر فهل یجب التّعبد بذلک المقدار أو لا بد من ملاحظة وجود الحکمة مثلا علق وجوب القصر علی قصد ثمانیة فراسخ وعلمنا أن الحکمة فیه لزوم الحرج لتعلیله به فی بعض الأخبار والحرج قد یتحقق فی أقل من ثمانیة فراسخ وقد لا یتحقق فی الثّمانیة وأزید فنقول إن الواجب هو ملاحظة الحد المذکور دون العلة لأن الأحکام الشّرعیّة لا بد أن تعلق علی أمور منضبطة وأمّا الأمور الغیر المنضبطة فلا یجوز تعلیق الحکم علیها لأنّه یوجب الهرج والمرج وملاحظة الحرج فی مثل ذلک أمر غیر منضبط والشّارع إنّما یلاحظ فی الحکم أمرا منضبطا یغلب وجود الحکمة فیه فیعلق علیه الحکم ولزوم انتفاء الحکم فی بعض موارد وجود الحکمة ووجوده فی بعض موارد عدمها غیر مضر لأنّه کارتکاب شر قلیل الخیر کثیر فإن الحکمة فی تشریع العدة هی عدم اختلاط الأنساب وهذه منتفیة فی العقیمة لکن أوجب علیها العدة لئلا یلزم الهرج لأنّ العقم أمر غیر منضبط ولذا قیل إن التّغیر التّقدیری لا یوجب نجاسة الکر لأنّ الحکم لا بد أن یعلق علی أمور منضبطة محسوسة والتّقدیر غیر منضبط هذا لکن إذا استفید من الأخبار الّتی ذکر فیها حکمة الحکم أن تعلیق الحکم علی الحد المذکور إنّما هو من جهة المثال أو جهة أخری وکان الحکمة المذکورة فیها أمرا مضبوطا جاز أن یحکم بأن المناط هو وجود العلة وإلی هذا ینظر بعضهم حیث حکم بطهارة الماء القلیل بالملاقاة مستندا بأن حکمة قوله إذا بلغ الماء قدر کر لم ینجسه شیء هی أنّ الکرّیّة کاشفة عن عدم تغیّر الماء بالملاقاة غالبا والمناط هو التّغیر فیه ویستظهر ذلک من الأخبار

تنبیهات

الأول

قد ذکروا أن حکم الکر یجری فیما إذا کان الماء بنفسه أنقص من الکر ولکن قد اختلط بأمر خارج کالطّین بحیث صار معه کرا ولم یخرج عن إطلاقه وکذا إذا بلغ الحنطة المختلطة بالتّراب المعتاد حد النّصاب وجب الزّکاة وإن لم یکن الحنطة المحضة بالغة حده وربما یظن أن ذلک من باب إطلاق الکر علی ذلک والنّصاب علی هذا مسامحة وقد أجری علیه الحکم للدلیل لکن التّحقیق

ص: 159

أنّه لیس من باب المسامحة بل هو کر من الماء حقیقة وکذا الحنطة نصاب حقیقة وذلک لأنّ الطّین المخلوط بالماء ماء عرفا حقیقة وکذا التّراب المخلوط بالحنطة ویظهر الثّمرة فی الماء فإنّه إذا أراد تطهیر لباسه للصلاة ولم یتمکن من غسله بالقلیل وکان عنده مقدار من الماء أقل من الکر قلیلا بحیث لو مزج به شیئا من التّراب لبلغ الکر فإن قلنا إنّه کر حقیقة وجب علیه إلقاء التّراب فیه تحصیلا للغسل الواجب وإن قلنا إنّه مسامحة لم یجب علیه لعدم الدّلیل فإنّه یصدق علیه أنّه غیر متمکن من تحصیل الکر بخلافه علی الأول لتمکنه منه بناء علیه وهذا الثّمر لا یجری فی الزّکاة لعدم وجوب تحصیل النّصاب فلا یجب إلقاء التّراب قلیلا فی الحنطة النّاقصة من النّصاب وإن قلنا إنّه بعد الإلقاء یصیر الحنطة نصابا حقیقة

الثّانی

ما ذکرنا من وجوب حمل المقدار علی التّام إنّما هو فیما إذا کان المقدار موضوعا للحکم الشّرعی کالکر فإنّه موضوع لعدم نجاسة الماء وکالنّصاب فإنّه موضوع لوجوب الزّکاة وأمّا إذا کان المقدار قیدا للعمل الّذی هو موضوع الحکم کوجوب التّراوح یوما فهو قسمان لأنّ الحکم المتعلق علی الموضوع المذکور إمّا حکم بدوی وجعله الشّارع کالوجوب للتّراوح وأمّا حکم یجعله المکلف علی نفسه کالأخیر لخیاطة یوم مثلا وقد فرقوا بین القسمین فحکموا بوجوب الاستیعاب فی الأول وکفایة الیوم العرفی فی الثّانی فیکفی شروعه فی الخیاطة بعد طلوع الشّمس ولعل وجه الفرق هو أن المقصود فی المعاملات العرفیّة من الیوم نحوه هو ما یصدق علی ما بعد طلوع الشّمس أیضا وکلمات العرف ینزل علی مقاصدهم ولکن قصد هذا فی العرف لا فی المعاملات لا یوجب صرف لفظ الشّارع إلیه فی مقام بیان الأحکام وهاهنا بحث وهو أنهم قد ذکروا فی مسألة المجمل والمبین أن الید فی آیة السّرقة لا إجمال فیها وردوا علی السّید حیث ادعی إجمالها تمسکا باستعمالها فی کل من الأشاجع والکف وإلی المرفق وإلی الزّند وفی تمامها فتکون مجملة بأن الید حقیقة فی تمام العضو ولکن یکفی فی نسبة الحکم إلی المجموع تعلقه بالبعض وحینئذ فنقول مقتضی هذا الکلام أن یصدق تراوح الیوم حقیقة بالتّراوح فی بعض الیوم وإلا فما الفرق والجواب أن القید الّذی یقید به العمل قد یکون المقصود به تحدید العمل بمقدار ذلک القید کما فی التّراوح فإنّ المقصود تحدید التّراوح بمقدار الیوم فیلزم الاستیعاب قد یکون المقصود محض تعلق العمل بذلک القید فی الجملة لا تحدیده به کقطع الید فإن المقصود وقوع القطع علی الید فی الجملة وهو یصدق بقطع البعض أیضا لا یقال إن مثل الخیاطة أیضا محدودة بالزّمان فلم لا یلزمه الاستیعاب لأنّا نقول قد ذکرنا الفرق بینهما بوجود القرینة علی عدم إرادة الاستیعاب فی العرف دون الشّرع

الثّالث

اختلفوا فی تحدید بعض

ص: 160

المقادیر الّتی حدد بها الأحکام فی الشّریعة لا بأس بالإشارة إلیها لکثرة ما یترتب علیها من الفروع الفقهیّة فمن جملتها الیوم وله إطلاقات أحدها ما بین طلوع الفجر إلی الغروب والثّانی ما بین طلوع الشّمس إلی الغروب الثّالث مجموع اللیل والنّهار وهل هو حقیقة فی کل واحد منها بنحو الاشتراک اللّفظی أو المعنوی أو حقیقة فی أحد المعنیین الأولین الحق أنّه حقیقة فی خصوص المعنی الأول لتقابل الیوم واللیل قطعا ولا ریب أن بین الطّلوعین لیس من اللیل لصحة السّلب فیکون داخلا فی الیوم لعدم تحقق الواسطة بین الیوم واللیل وقیل إنّه لم یطلق علی المعنی الثّالث أصلا وما یوهم ذلک أنّه قد أجری الحکم المتعلق بالأیام علی لیالیها أیضا کما فی خیار الحیوان لثبوته فی اللیالی أیضا وهذا لا یدل علی المدعی لأنّ اللیل فی مثل ذلک داخلة تبعا لأنّ الثّابت خیار واحد مستمر فی الثّلاثة فیثبت فی اللیل تبعا ویظهر الثّمرة فی ثبوت الخیار فی ثلاث لیال وثلاثة أیّام فی خیار الحیوان علی المعنی الثّالث وثبوته فی ثلاثة أیّام ولیلتین علی المعنیین الأوّلین وکذا فی غیر ذلک من الموارد ثم إنّ مقتضی ما ذکرنا من کونه حقیقة فی ما بین طلوع الفجر والغروب أن لا یطلق علی الملفق من الیومین حقیقة وهو کذلک لکن قد ثبت فی بعض الموارد إجراء حکم الیوم التّام علی الملفق أیضا لکن فی کیفیّة التّلفیق خلاف فقیل بأنّه یؤخذ من الیوم الثّانی مقدار ما مضی من الیوم الأول فلو باع الحیوان بعد مضی ثلاث ساعات من الخمیس الّذی هو اثنتا عشر ساعة أخذ ثلاث ساعات من یوم الجمعة واعتبر یوما وإن فرض کون الجمعة أطول من الخمیس بأربع دقائق وقیل یوضع من آخر الیوم الثّانی مقدار ما بقی من الیوم الأوّل ویضم إلیه الباقی فیسقط التّسعة من یوم الجمعة ویضم الباقی بما بقی من یوم الخمیس فیزید حینئذ علی الأوّل بأربع دقائق وقیل یعتبر نسبة ما مضی من یوم الخمیس إلی ما بقی ویؤخذ من یوم الجمعة بتلک النّسبة فیؤخذ من یوم الجمعة ثلاث ساعات دقیقة لأنّها ربعه ویضم بما بقی من یوم الخمیس والحق هو الأول لأنّه المتبادر من التّلفیق عرفا وملاحظة النّسبة فاسدة جدا لأنّ المقدار الحاصل حینئذ لیس بمقدار واحد من الیومین الّذی اعتبر التّلفیق منهما استدلوا علی ملاحظة النّسبة تارة بأنّ الملفق من الیومین معناه أن یکون مباینا لهما ولیس ذلک إلا لاختلافه منهما فی المقدار وتارة بأن أخذ مقدار أحد الیومین ترجیح بلا مرجح وملاحظة النّسبة عدالة والجواب عن الأول منع کون التّلفیق مستلزما للمباینة فی المقدار وعن الثّانی أنّه استحسان وفهم العرف مرجح

أصل اختلفوا فی أنّ الألفاظ موضوعة للمعانی النّفس الأمریّة أو المعانی المعلومة

فقیل بالأوّل وعلیه المحققون وقیل بالثّانی إمّا فی کل الألفاظ أو فی خصوص المشتقّات وهذا غیر ما ذهب إلیه صاحب الحدائق من اختصاص النّجس بما علم نجاسته لأنّه

ص: 161

لا یقول بذلک لغة بل یقول إنّه کذلک شرعا نظرا إلی الأخبار والمراد بالعلم المأخوذ فی الموضوع له عندهم علی ما یظهر من کلماتهم هو الاعتقاد باندراج الجزئی تحت الماهیّة المخصوصة لا التّصور لما ذکروا عند الأولین موضوع للماهیّة المخصوصة وعند الآخرین لما اعتقد أنّه من جزئیات تلک الماهیّة وحینئذ فلازم هذا القول القول بوضع الألفاظ للجزئیات الخارجیّة المتعلقة للاعتقاد المذکور فإن قلت قد ذکروا أن کل واحد من القائلین فی هذه المسألة یمکنهم القول بکل من الأقوال فی المسألة الآتیة وهی أن الألفاظ موضوعة للأمور الخارجیّة أو الذّهنیّة أو للماهیّة لا بشرط بتقریب أن القائل بوضعها للأمور الخارجیّة قد یقول بوضعها لها مع قطع النّظر عن کونها معلومة وقد یقول بوصفها لها حالکونها معلومة والقائل بوضعها للأمور الذّهنیّة قد یقول بوضعها للصور الذّهنیّة المطابقة للخارج وقد یقول بوضعها للصور الّتی اعتقد مطابقتها للخارج والقائل بوضعها للماهیّة قد یقول بوضعها للماهیّة الواقعیّة وقد یقول بوضعها للماهیّة الّتی علم تفصیلا أنها الماهیّة المتصورة إجمالا فما ذکرت من الملازمة المذکورة فاسد قلت ما ذکرناه إنّما هو بالنّظر إلی ما یلزم من کلماتهم فی المقام علی ما عرفت ویشهد له ما ذکروه أن مجهول الحال داخل فی مفهوم آیة النّبإ عند هؤلاء لأن الفاسق هو من علم اندراجه تحت عنوان الفاسق ثم إنّ الحق هو القول الأول ویکفی فی بطلان غیره أنا نقطع بأنّه لو فرض عدم تحقق العالم والعلم فی الخارج فالأسماء یصدق علی تلک الماهیات فالخمر موجود فی الخارج وإن انعدم جمیع العالمین فرضا ولو کان کما ذکروا لانعدم الخمر بانعدامهم لأنّه اسم لما علم خمریّته وهو بدیهی البطلان مضافا إلی عدم الدّلیل علی اعتبار العلم فی الموضوع له إذ ما یمکن التّمسک به أمران أحدهما أن الحکم فی القضایا تابع للعلم بالموضوع والمحمول والثّانی أن التّکلیف بدون العلم قبیح ویرد علیهما أن غایة ما ثبت من ذلک وجوب معلومیة الموضوع والمحمول والمکلف به وأمّا اعتبار العلم فی الموضوع له فلا یثبت بهما وعلی الأول أن العلم المتعلق بالموضوع والمحمول هو التّصور لا الإذعان المذکور وعلی الثّانی أوّلا أنّه لا یتم فی الأخبار وثانیا أن العلم الإجمالی بالمکلف به کاف فی تعلق التّکلیف ولا یلزم العلم به تفصیلا کما هو المطلوب ثم إنّ مقتضی الدّلیل الأوّل هو اعتبار علم المتکلّم إذ هو الحاکم ومقتضی الثّانی هو اعتبار علم المکلف ومقتضی الأول کفایة مطلق الاعتقاد وإن لم یکن مطابقا للواقع ومقتضی الثّانی أن یکون المکلف به هو المعنی الواقعی بشرط تعلق الاعتقاد به لأنّ هذا الاشتراط یکفی فی دفع لزوم التّکلیف بما لا یطاق وأمّا کفایة مطلق الاعتقاد فغیر لازم منه ثم إنّه قد ذکر فی بیان الثّمرة بین القولین أمور منها أنّه علی

ص: 162

القول بوضعها للأمور الواقعیّة یجب القول بالتّخطئة لأنّه شیء واحد إن أصابه الشّخص أصاب وإلاّ أخطأ وعلی القول بوضعها للأمور المعلومة یجب القول بالتّصویب لأنّ کل ما اعتقده الشّخص یصیر موضوعا له وفیه نظر لأنّ مسألة التّخطئة والتّصویب لا ربط لها بالمقام لأنّها فی الأحکام الشّرعیّة والنّزاع فیها إنّما هو فی أن لله تعالی فی کل واقعة حکما واقعیا قد یصاب وقد یخطأ أو لا بل حکمه تعالی تابع لآراء المجتهدین وکلا القولین یجتمع مع کلا القولین هنا لأنّ القائل بأن الخمر موضوع للماهیّة الخاصة قد یقول بأنّه حرام واقعا وقد یقول بأنّه حرام لمن اعتقد حرمته وکذا القائل بوضعه لما اعتقد أنّه من تلک الماهیّة قد یقول بأن ذلک حرام واقعا وقد یقول بأنّه حرام علی من اعتقد حرمته والتّصویب فی الموضوعات غیر معقول فإن الاعتقاد بأن الجسم الخاص من أفراد الحیوان النّاطق والاعتقاد بأنّه من أفراد النّاهق لا یمکن کونهما صوابا وإن لزم علی الأول تسمیته باسم الإنسان فی الواقع وعلی الثّانی باسم الحمار ولا دخل لذلک فی تصویب الاعتقاد ومنها أنّه علی القول باعتبار العلم فی الموضوع له لا یجب الفحص فی الموضوعات المشتبهة بخلافه علی القول بعدمه فیجب فلو قال المولی أکرم کل بالغ اختص بمن علم بلوغه علی الأوّل فلا یجب الفحص لعدم وجوب تحصیل موضوع الحکم کما لا یجب تحصیل الاستطاعة إذا قال یجب الحج علی المستطیع ووجب الفحص علی الثّانی لتعلق الحکم بالبالغ الواقعی فیجب الفحص وأورد علیه أوّلا أن ذلک لا یتم إلاّ فیما إذا دار الأمر بین الوجوب والحرمة کاللباس المنحصر المردد بین کونه ملکا للشخص حتی یجب الصّلاة فیه أو غصبا حتی تحرم فحینئذ یجب الفحص علی الثّانی أمّا إذا دار الأمر بین الحرمة وغیرها أو الوجوب وغیره کالخبز المردد بین الملک والغصب فلا یجب الفحص بل إمّا الفحص وإمّا الاحتیاط وثانیا أن وجوب الفحص فی الموضوعات خلاف إجماعاتهم من عدم وجوب الفحص والاحتیاط فی الشّبهات الموضوعیّة وإنّما یجب ذلک فی الشّبهات الحکمیّة نعم قد ذکروا أنّه یجب الفحص عن بلوغ الأموال إلی حد الاستطاعة وإلی حد النّصاب وهو أیضا محل إشکال وتحقیق المقام أن فی مسألة التّکلیف ثلاثة احتمالات بل أقوال الأوّل أن الألفاظ موضوعة للمعانی النّفس الأمریّة فمقتضی الخطاب هو تعلق التّکلیف بنفس الأمر بدون التّقیید بالعلم والجهل والعقل لا ینافی هذا الإطلاق لأنّه إنّما یحکم بأنّه متی تمکن المکلف من الامتثال جاز عقابه علی التّرک وإن کان عاجزا عن تحصیل العلم بالمکلف به فإن الّذی یقبح علی الحکیم هو تکلیف الغافل الصّرف وأمّا القادر علی الامتثال العاجز عن تحصیل العلم فلا قبح فی عقابه فعلی هذا یجب علی الشّخص فی الجزئیات المشتبهة الفحص أو

ص: 163

الاحتیاط وهذا طریقة العرف فی أوامر المولی إلی العبید فإنّه إن أمره المولی باشتراء اللحم فاعتذر بأنی لا أعرفه مع تمکنه من المعرفة بالسّؤال لجاز عقابه ولهذا اتفقوا علی وجوب النّظر فی المعجزة مع أنّه فحص عن الجزئیات المشتبهة وهی نبوة الشّخص الخاص وفی الفقه موارد قد ذهبوا فیها إلی وجوب الفحص کمسألة الاستطاعة والزّکاة الثّانی أنّه لا یجوز التّکلیف إلاّ بعد حصول العلم التّفصیلی أو الإجمالی بالمکلف به لقبح عقاب الجاهل سواء کان جهله بالحکم من جهة الجهل بالکبری أعنی الحکم الکلی وهو قوله الخمر حرام مثلا أو من جهة الجهل بالصّغری وهی أن هذا خمر وإذا حکم العقل بقبح العقاب مع الشّبهة صار عدم العقاب فی صورة الاشتباه مقطوعا فیخرج عن مورد الاحتیاط الّذی هو مقام ظن الضّرر والعقاب وأیضا لا فرق بین الشّبهات الموضوعیّة والشّبهات الحکمیّة فکما لم یکن الفحص عن الشّبهات الحکمیّة واجبا فی زمان النّبی صلی الله علیه وآله إذ لم یکن بناء الصّحابة علی التّفحص والسّؤال عن أنّه هل ورد حکم جدید فکذا فی الشّبهات الموضوعیّة إذ کما أنّ العلم بکلیّة الکبری موجود فی هذا وهی أن الخمر حرام فکذا هناک وهی أن إطاعة الرّسول واجبة فعلی هذا لا ثمرة فی المسألة الثّالث أن مقتضی إطلاق الخطاب تعلق التّکلیف بالأفراد النّفس الأمریّة مع العلم والجهل لکن العقل یحکم بأنّه مختص بمن یتمکن من تحصیل العلم فلا یشمل العاجز ولا یختص بالعالم الفعلی فکل من تمکن من تحصیل العلم التّفصیلی أو الإجمالی بالمکلف به جاز تکلیفه وعقابه علی التّرک عقلا دون العاجز فالواجب علی المکلف الفحص فی الموارد المشتبهة فإن عجز فالبراءة لا الاحتیاط وهذا هو الحق المحقق وعلیه بناء العرف والعادة فإنّ المولی إذا أمر عبده باشتراء اللحم فتفحص وسأل ولم یعرف ما هو لحم لم یکن للمولی أن یقول هلاّ أتیت بکل ما احتمل عندک لحمیّته وهو ظاهر ولهذا اتفقوا علی وجوب النّظر فی المعجزة لجواز التّکلیف مع التّمکن عن العلم ثم إنّه لا فرق فیما ذکر بین الشّبهة فی الموضوع والشّبهة فی الحکم فیجب الفحص ثم البراءة بمقتضی العقل لکن قد رخص الشّارع فی ترک الفحص فی الشبهات الموضوعیّة لمصلحة یعلم ذلک من إجماعهم علی عدم وجوب الفحص فیها وأمّا عدم فحص الأصحاب فلعلمهم عادة بأنّ النّبی صلی الله علیه وآله لو ورد تکلیف جدید لأخبرهم وأبلغهم قبل السّؤال ولهذا کان الواجب علی البلاد النّائیة النّفر والتّفقه فلو لا نفر من کل فرقة منهم طائفة ولیس ذلک إلاّ لوجوب الفحص بقی الکلام فی وجه وجوب الفحص فی الاستطاعة والزّکاة وهلال رمضان وبلوغ المسافة فی السّفر ونحو ذلک من الموارد الّتی ذهب جماعة إلی وجوب الفحص فیها وإن کان المعروف فیها أیضا عدم وجوب الفحص فیقول قیل الضّابط الّذی یقتضی وجوب

ص: 164

الفحص فی موارده وخروج موارده عن الإجماع هو أن یکون طریق الامتثال فی تلک الموارد منحصرا فی الفحص بحیث لو لا الفحص لزم المخالفة غالبا ومن ذلک النّظر فی المعجزة فإن طریق الامتثال بخطاب صدق النّبی منحصر فی الفحص بحیث لولاه لم یحصل الامتثال لذلک الخطاب لعدم حصول العلم بالنّبوة بدون الفحص غالبا فلو لم یجب الفحص لزم أن یکون التّکلیف المذکور لغوا وهذا بخلاف الخمر المشتبه لکثرة موارد الخمر المعلوم بدون الفحص فلا یلزم لغویّة خطاب اجتنب عن الخمر وهذا الکلام فی مثل تصدیق النّبی صلی الله علیه وآله صحیح لکنّه لا یجری فی الاستطاعة والزّکاة ونحوهما لکثرة الموارد المعلومة فیها واعتذر بعضهم عن ذلک بأن الخطاب الشّرعی المعلق بالمذکورات وارد بحیث یجعل المکلفین منقسما إلی قسمین فإن قوله تعالی وَلِلَّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ البَیْتِ مَنْ استَطاعَ إِلَیْهِ سَبیلاً فی معنی یجب الحج علی المستطیع ولا یجب علی غیره وحینئذ فیجب علی الشّخص الفحص عن أنّه داخل فی أی العنوانین کما تری أن المولی لو قال لعبیده من کان منکم واجد ألف دینار فلیحضر منه خمسین دینارا ومن کان واجدا مائة فلیحضر عشرة فالّذی یشک من تلک العبید تری أنّه یحاسب أمواله لیری أنّه داخل فی أی العنوانین هذا حاصله وفیه نظر لإمکان تحلیل کل خطاب شرعی بحیث یوجب تقسیم المکلفین فإنّ قوله اجتنبوا عن الخمر ینحل إلی قضیتین من صادف الخمر فلیجتنبه فعلا ومن لم یصادفه فعلا یجب علیه الاجتناب الفعلی مع أنّه لا فرق بین قوله من استَطاعَ إِلَیْهِ سَبیلاً فلیحج وبین قوله من کان علیه فائتة فلیقضها مع أنّهم لا یحکمون بوجوب الفحص علی من شک فی أن علیه فائتة أو لا فافهم ثم إنا إذا بنینا الأمر علی اشتراط العلم الفعلی بالموضوع فی التّکلیف عقلا أو إجماعا فینتفی الثّمرة علی الظّاهر فی المسألة بین القول باعتبار العلم فی المعنی وعدمه ویمکن أن یقال إنّ القائل باشتراط العلم لا یقول بأن العلم شرط للتّکلیف الشّرعی وهو الطّلب بل یقول بأنّه شرط لاستحقاق العقاب علی التّرک أعنی الحکم العقلی لأنّ جعله شرطا للتّکلیف مستلزم للدّور لأنّ العلم تابع للمعلوم فیجب تحقق المعلوم أوّلا ثم تعلق العلم به ومقتضی ذلک ثبوت التّکلیف أوّلا قبل العلم به فلو اشترط ثبوته بالعلم به لزم الدّور وبهذا رد علی المصوّبة حیث قالوا بتبعیّة الأحکام لظن المجتهد لا یقال إن الکلام إنّما هو فی العلم بالموضوع وأخذه شرطا لتعلق التّکلیف لا یستلزم الدّور لأنّا نقول اشتراط العلم بالموضوع إنّما هو لاستلزام الجهل بالموضوع الجهل بالتّکلیف المتعلق به والتّکلیف بدون البیان قبیح فرجع الأمر إلی اشتراط العلم بالتّکلیف الشّخصی فی ثبوته وربما یجاب عن الدّور المذکور بأن العلم لیس

ص: 165

شرطا للتّکلیف بل هو زمان لفعل المکلف به فمعنی اجتنب عن الخمر اجتنب عن الخمر النّفس الأمری فی زمان العلم به فإن بقی الشّخص جاهلا إلی آخر عمره لم یتعلق به التّکلیف وإن صار عالما کشف ذلک عن کونه مکلفا قبل العلم فلم یلزم تقدم العلم علی المعلوم وذلک نظیر بلوغ الموسم فإنّه شرط زمانی لفعل الحج فیجب الحج بمحض الاستطاعة لکن زمان فعله بلوغ الموسم وفیه أوّلا أن هذا مستلزم لانتفاء الثّمرة بین القول باعتبار العلم فی الموضوع له وعدمه إذ لا یجب الامتثال إلاّ بعد العلم علی القولین وثانیا أنّه لا یدفع الدّور لأنّ أخذ شیء لا یمکن تحققه بدون الطّلب فی متعلقات الطّلب دور فإن العلم بالتّکلیف لا یمکن أن یحصل إلاّ بعد التّکلیف فأخذه فی متعلق التّکلیف دور لوجوب تحقق متعلق الطّلب قبله وهذا لیس نظیر بلوغ الموسم لأنّه شیء یمکن حصوله بدون طلب الحج بل هذا نظیر نیّة التّقرب فإنّها لا یمکن تقیید المکلف به بها لأنّها فرع التّکلیف فلا یمکن أخذها فی متعلقه وإذا علم ذلک تبین أن العلم شرط لاستحقاق العقاب لا للحکم الشّرعی الّذی هو عبارة عن الطّلب بل الحکم الشّرعی شامل للعالم والجاهل کأوامر الموالی إلی العبید عند غیابهم بقوله لیفعل فلان کذا أو لا یفعل کذا فإن الطّلب یوجد بمحض هذا الإنشاء علم العبد أو لا ولکن العقل یحکم بأنّه لو ترک العبد قبل العلم لم یکن مستحقا للعقاب وحینئذ فیظهر الثّمرة بین القولین فی مسألة الإجزاء ویشکل الأمر من حیث لزوم اجتماع الحکمین المتضادین فی زمان واحد أحدهما الواقعی الثّابت حال الجهل أیضا والثّانی الظّاهری الثّابت حال الجهل فإنّ ظاهر الأدلة أنّ الإباحة حال الجهل والشّبهة حکم ظاهری لا أن یکون معناها عدم الحرج مع أن الکلام یجری فیما إذا ظن المجتهد بتحقق الحکم من دلیل اجتهادی وکان خطأ فإن مفاد الدّلیل حکم ظاهری فی حقه والأحکام الخمسة کلها متضادة لا یجتمع اثنان منهما فی زمان واحد وبالجملة إمّا یقال بأن التّکلیف مشروط بالعلم وهو دور وتصویب أو یقال بأن الحکم الظّاهری قد اجتمع مع الواقعی فی الجاهل وهو موجب لتجویز اجتماع المتضادین أو یقال بعدم ثبوت الحکم الظّاهری والشّخص فی حال الجهل لا حرج علیه بحکم العقل وهو خلاف الأدلة أو یقال بأخذ العلم فی الموضوع له وهو باطل هذا حاصل الإشکال وأجیب عنه بوجوه منها ما ذکره بعضهم من أن التّکلیف مشروط بالعلم ولا یلزم دور ولا تصویب وذلک لأنّ العلم بالتّکلیف لیس شرطا للتّکلیف بل العلم بالخطاب شرط فی تحقق التّکلیف فالخطاب الصّادر من الشّارع محض صورة لا یراد منه المعنی وبعد علم المکلف به بتحقق التّکلیف فلم یلزم الدّور لأن العلم بالخطاب لیس موقوفا علی تقدم التّکلیف حتی یلزم الدّور من اشتراط تحقق التّکلیف بالعلم

ص: 166

بالخطاب ولم یلزم التّصویب لأنّ المصوبة لا یقولون بثبوت خطاب فی الواقع وهذا الجواب إن تم ظهر ثمرة المسألة فیما إذا علم الشّخص بالخطاب التّکلیفی إجمالا وإن جهل خصوصیّة الموضوع کما إذا لم یعلم إذ الماء الّذی فی الإناء نجس أو مغصوب فإنّه یعلم حینئذ بثبوت خطاب اجتنب عنه لکفایة العلم الإجمالی بالخطاب فی ثبوت التّکلیف بخلاف ما لو أخذ العلم فی الموضوع له فإنّه حینئذ لا یجب الاجتناب عنه للعلم بأنّه لیس نجسا ولا مغصوبا أی معلوم النّجاسة ومعلوم الغصبیّة لکن یرد علی الجواب المذکور أوّلا أن تحقق التّکلیف بعد العلم بالخطاب مع کون الخطاب محض صورة إمّا یراد منه أن المتکلّم بعد ما علم المخاطب خطابه یقصد المعنی من کلامه فهو غیر معقول لأنّ الکلام إنّما یقصد منه المعنی عند صدور أمّا إذا انعدم ومضی فلا یعقل قصد المعنی منه بعد انعدامه وإمّا یراد منه أنّه بعد علم المخاطب یوجد المعنی فی ذهن المتکلّم من دون أن یکون مقصودا من الخطاب فهو مستلزم لأنّ یکون الخطاب لغوا حیث لم یقصد منه المعنی أصلا وثانیا أنا نری أن بالعلم بالخطاب یحصل العلم بالتّکلیف فلو لم یکن بین الخطاب والتّکلیف علقه فکیف یلزم من العلم به العلم بالتّکلیف وهذا شاهد علی أن التّکلیف یتحقق عند الخطاب وإلاّ لکان الواجب أن یحصل العلم بالتّکلیف به بیان ذلک أن نسبة قدرة الشّخص إلی الوجود والعدم متساویة فلا بد فی إتیانه الفعل من داع یوجب ذلک وغرض الشّارع من التّکلیف هو أن یکون داعیا للمکلف علی فعل المکلف به ولا یحصل هذا الغرض إلاّ بعد العلم به وإلاّ لم یکن التّکلیف داعیا وحینئذ فنقول إن العلم شرط حسن التّکلیف فالشّارع الحکیم العالم بالعواقب یعلم أن زیدا یتعقبه العلم بالطّلب لو طلب منه وعمرا لا یتعقبه العلم فیقول یا زید افعل ولا یخاطب عمرا أصلا فزید إذا علم بالتّکلیف کشف ذلک عن سبق التّکلیف وثبوته حال الجهل لکن بالنّسبة إلی زمان العلم وعلی هذا فلا یلزم الدّور لعدم أخذ عنوان العلم فی متعلق الطّلب بل المکلف هو ذات الشّخص الّذی یعلم الآمر أنّه إذا طلب منه تعقبه العلم ولا یلزم التّصویب لثبوت الحکم الواقعی حال الجهل بالنّسبة إلی زمان العلم وعدم تحققه بالنّسبة إلی زمان الجهل لیس لعدم المصلحة الّتی هی المقتضی بل لأنّ الجهل عذر مانع عن حسن التّکلیف ولا یلزم اجتماع الحکمین المتضادین حال الجهل لأنّ الحکم الواقعی لیس بالنّسبة إلی زمان الجهل وإن کان ثابتا حال الجهل بالنّسبة إلی زمان العلم ویظهر الثّمرة فی مسألة الإجزاء لأنّ من توضأ باستصحاب طهارة الماء کان حکمه حال الجهل جواز الصّلاة معه فإذا صلی ثم علم نجاسته ارتفع المانع عن تکلیفه بالاجتناب وعلم فوات المصلحة الکائنة فی الصّلاة مع الطّهارة الواقعیّة وارتفع المانع عن التّکلیف بها فیجب الإتیان بها لأنّه

ص: 167

حینئذ علم بالتّکلیف فصدق علیه أنّه حال الجهل متصف بوصف التّعقب بالعلم فیکشف عن أنّه کان مکلفا بها بالنّسبة إلی زمان العلم فتأمّل ولکن هذا الکلام لا یتم فی الجاهل بالعواقب حیث لا یعرف المتصف بوصف التّعقب بالعلم عن غیره ولا یمکن جعله معلقا لعدم جواز تعلیق الطّلب لأنّه إنشاء یحصل من حینه ولا یمکن جعله قیدا للمطلوب لأنّ عدم جواز تعلیق الطّلب ثابت بالنّسبة إلی سائر شرائط التّکلیف أیضا ولا یمکن فی الجمیع جعل الشّرائط قیدا للمطلوب إذ المطلوب حینئذ یکون أمرا مقیدا فیجب تحصیل القید أیضا کما لو أمر بالصّلاة مع الوضوء مع أن الواجبات المشروطة لیست واجبة قبل حصول شرطها ولا یجب تحصیل شرائطها ویمکن أن یقال فی الجواب إن الاتصاف بتلک الشّرائط قید فی الموضوع ولا یجب أن یکون الموضوع أمرا خارجیا لجواز کونه أمرا کلیا ذهنیا یتعلق به الطّلب وإن لم یکن لفرده وجود فعلا فإن الشّخص یتصور عنوان المستطیع ویطلب منه الحج فکل شخص دخل فی هذا العنوان یکون الحج منه مطلوبا ولا یجب إیجاد موضوع الطّلب علی المکلف وحینئذ فکل الواجبات بالنّسبة إلی موضوعاتها مطلق لکن بالنّسبة إلی الذّوات الخارجیّة مشروط بدخولها تحت عنوان الموضوع لکن هذا لا یتم فیما نحن فیه إذ لا یمکن تصور عنوان من یتعقبه العلم ثم یطلب منه لأنّ الموضوع لا بد أن یکون أمرا یمکن أن یوجد مع قطع النّظر عن الطّلب وهذا العنوان أعنی من یتعقبه العلم بالطّلب لا یمکن وجوده إلاّ بعد الطّلب بخلاف من یتعقبه الحیاة أو القدرة أو الاستطاعة أو نحوها فافهم وتأمّل ومنها ما قیل من أن العلم بالإرادة شرط فی الطّلب وبیانه یتوقف علی بیان معنی الطّلب والإرادة فنقول اختلف الأشاعرة والمعتزلة فذهبت المعتزلة إلی أنّ الطّلب عین الإرادة مستدلا بأن الأمر مثلا قد وضع لأمر معلوم هو الطّلب ونحن إذا راجعنا أنفسنا لم نجد شیئا غیر الإرادة فیجب أن یکون الطّلب عین الإرادة وإلاّ لکان الطّلب أمرا مخفیا لا یعرفه أحد ولیس کذلک وذهبت الأشاعرة إلی أن الطّلب غیر الإرادة مستدلا بوجوه منها أنا إذا راجعنا أنفسنا وجدنا أنا قد نرید شیئا من واحد ولا نطلبه منه وقد نریده ثم یطلبه فیعلم أنهما متغایران ولذا تری فی العرف یقولون أراد منی ولم یطلب ومعنی الإرادة شیء یعبر عنه بالفارسیّة بخواستن ومعنی الطّلب شیء یعبر عنه بخواهش فیقال خواستم ولیک خواهش نکردم وهذا ظاهر لمن رجع إلی العرف ومنها أن الإرادة أمر یستند وجوده إلی دواعی خارجیّة والمطلب إنشاء وعرف الإنشاء بأنّه ما یوجد مدلوله فلا یکون الطّلب إرادة لأنّ الإرادة موجودة قبل الأمر والطّلب یوجد بالأمر ولو کان مدلول الأمر هو الکشف عن تحقق الإرادة لم یبق فرق

ص: 168

بین الإنشاء والإخبار ومنها أنهم ذکروا أن لله تعالی إرادتین إرادة تکوین وإرادة تشریع ولیس إرادة التّشریع غیر الطّلب فلو کان الطّلب عین الإرادة بالمعنی الأوّل لم یکن له إرادتان مع أنه یستلزم أن یوجد کل ما أمر به تعالی ویمتنع کل ما نهی عنه لأنّ معنی الأمر إرادة الفعل والنّهی إرادة التّرک وإرادته تعالی بالمعنی الأوّل لا ینفک عن المراد ومنها دلالة بعض الأخبار علی الفرق کما ورد ما معناه أن الله تعالی أمر إبلیس بالسّجود ولم یشأ أن یسجد ونهی آدم عن أکل الحنطة وشاء أن یأکل وذکر فی الثّمرة بین القولین أمور منها أنّه یجوز التّکلیف بالمحال علی قول الأشاعرة دون المعتزلة لأنّ إرادة صدور المحال غیر ممکن الحصول لکن طلبه جائز ومنها أنه یجوز الأمر مع العلم بانتفاء شرطه علی الأول ومنها أنّه یجوز النّسخ قبل حضور وقت العمل علی الأول ومنها أنّه یجوز اجتماع الأمر والنّهی فی الواحد الشّخصی علی الأول ولیس نفس التّکلیف محالا کما ذکر فی المعالم لأنّه إنّما یکون محالا إذا کان الطّلب عین الإرادة لأنّ إرادة الفعل وإرادة التّرک لا تجتمعان ولا استحالة فی اجتماع الطّلبین من دون الإرادة إذا قلنا بانفکاکهما هذا حاصل ما ذکروه فی المقام والتّحقیق أن یقال إنّ وجود الفعل المختار محتاج إلی تصور ما فی ذلک الفعل من المنفعة وهذا هو الدّاعی وإلا فنسبة القدرة إلی الوجود والعدم متساویة فإذا تصور ذلک المنفعة تشوق نفسه إلی تحصیلها وازداد الشّوق شیئا فشیئا إلی حد یتحقق الفعل بعده بلا فصل والمرتبة الأخیرة الّتی تلیها الفعل یعبر عنها بالإرادة والمرتبة الأضعف بالمشیئة هذا فی الممکنات وأمّا الواجب فالإرادة فیه عین الدّاعی وهو العلم بالأصلح فإنّه هو السّبب فی تأثیر القدرة فی الوجود وبهذا علم بطلان ما قیل إن المرجح لوجود الفعل یمکن أن یکون هو الإرادة وذلک لأن تعلق الإرادة بالوجود دون العدم محتاج إلی مرجح لکن هذا فی الممکن لا فی الواجب لأنّ إرادة عین الدّاعی کما عرفت فیکون مرجحا إذا عرفت ذلک فنقول لا معنی لکون الطّلب عین الإرادة بالمعنی المذکور أعنی الشّوق المؤکد الّذی یلیه الفعل بلا فصل لأن طلب فعل من الغیر لا یلیه الفعل من الطّالب حتی یکون إرادة بهذا المعنی فنقول إن طلب الشّیء عبارة عن الجهد والاجتهاد والتّحرک فی تحصیله کما ورد فی الحدیث اطلبوا العلم أی تحرکوا فی تحصیله واطلبوا الماء غلوة سهمین مثلا والتّحرک کما یمکن فی الجوارح فکذا للنفس أیضا تحرک وجهد فی تحصیل محبوبها وحینئذ فنقول إن محبوبها إن کان فعلا لها فتحرکها أو جهدها إنّما هو بأعمال الجوارح لتحصیله وإن کان فعلا للغیر فتحرک النّفس إلی تحصیله هو إلزام الغیر بتحصیله وقد وقع صیغة الأمر للإلزام المذکور الّذی یوجد باللفظ الّذی هو طریق طلب النّفس کالمشی لتحصیل

ص: 169

العلم إذا ثبت ذلک تبین أنّ الطّلب شیء غیر الإرادة وغیر المحبوبیّة لکنه لا یصدر إلا بسبب سوق النّفس ومیلها إلی الشّیء فینتفی الثّمرات المذکورة لأنّ الطّلب وإن لم یکن عین المحبوبیّة لکنهما متلازمان ولا یتصور محبوبیّة اجتماع الأمر والنّهی ولا التّکلیف بالمحال وغیرهما من الأمور المذکورة فیجب أن یکون الطّلب فی الأوامر الامتحانیّة الّتی تنسخ قبل حضور وقت العمل أو یعلم انعدام شرطه طلبا صوریا لم یستعمل فی معناه علی ما حققنا ولا یرد علی ما ذکرنا أنّه یلزم کون الأمر إخبارا وذلک لأنّ الإلزام لیس موجودا قبل الأمر فالأمر هو الموجد له ولیس لنسبة خارج تطابقه أو لا تطابقه ودلالته علی محبوبیّة الفعل إنّما هو دلالة التزامیّة من مقدمات عقلیّة وهو أن الإلزام لا یصدر من العاقل إلا مع کون الفعل محبوبا له فهو کدلالة قولک زید قائم علی أنک قصدت إسناد القیام إلیه وعلی أنک عالم بذلک فهو من هذه الجهة لیس إخبارا بل هو من جهة أن لنسبة القیام إلی زید خارجا جعل النّسبة فی الکلام حاکیة عنه وهذا لیس فی الأمر فافهم إذا تحقق ما ذکرنا فنقول إن کون الفعل محبوبا أو مبغوضا دائر مدار المصالح والمفاسد ولا مدخلیّة للعلم والجهل فیها وأمّا الإلزام فشرطه علم المخاطب بمحبوبیّة الفعل ومبغوضیّته والحاصل أن العالم بالعواقب إنّما یکلف الأشخاص الذین یعلم أنهم یصیرون عالمین بعد الطّلب فالدّور فیه مرتفع والجاهل بالعواقب یتصور عنوان من یتعقبه العلم بمحبوبیّة الفعل ومبغوضیّته ویلزمه فکل من دخل فی هذا العنوان أی علم المحبوبیّة مثلا ولو من نفس ذلک الخطاب دخل فی موضوع التّکلیف وکشف ذلک عن کونه مکلفا حال الجهل بالنّسبة إلی زمان العلم هذا فیظهر الثّمرة بین القول بأخذ العلم فی الموضوع له والقول بعدمه مع اشتراط التّکلیف بالعلم فی أمور منها ما إذا علم إجمالا بالتّکلیف فیجب الاحتیاط علی الثّانی بناء علی القول بکفایة العلم الإجمالی فی جواز التّکلیف ولا یجب علی الأول ومنها ما إذا علم تفصیلا بثبوت التّکلیف ولم یعلم الموضوع کالإناء المردد بین الخمریّة والغصبیّة فیحرم علی الثّانی دون الأول ومنها فی الإجزاء فإنّه إذا قال لا تصل مع النّجاسة فصلی الشّخص جاهلا بنجاسة ثوبه فعلی الأول یجزیه لأنّ مجهول النّجاسة لیس بنجس فی الواقع فالصّلاة فیه محبوبة واقعا وعلی الثّانی لا لأن الصّلاة المبغوضة هی الصّلاة مع النّجاسة الواقعیّة والجهل بالنّجاسة یوجب عدم الإلزام علی ترکها فإذا ارتفع العذر وجب الامتثال ولا ینافی مبغوضیتها الإذن فی فعلها بحسب الظّاهر لأن الشّارع أمر بالإتیان بها وفرضها الواقع ما دام جاهلا لمصالح اقتضت ذلک ولم یلزم التّصویب لتحقق الحکم وهو

ص: 170

المحبوبیّة والمبغوضیّة أعنی المقتضی للإلزام حال الجهل وإن کان الجهل مانعا عن تأثره ولا تقول المصوبة بذلک ولم یلزم اجتماع المتناقضین لأنّ المحبوبیّة والمبغوضیّة لا تنافی الإباحة لعذر فافهم وتأمل

أصل اختلفوا فی أن الوجود مأخوذ فی مدالیل الألفاظ أو لا علی أقوال

الأول أنها موضوعة للأمور الخارجیّة والثّانی أنها موضوعة للأمور الذّهنیّة والثّالث أنها موضوعة للمعنی لا بشرط أحد الوجودین والرّابع أن الأمور الّتی لها مصداق موضوعة للأمور الخارجیّة وما لا مصداق له کالمعدوم واللاشیء ونحوهما للأمور الذّهنیّة والخامس أنها موضوعة للماهیّة والسّادس أن الکلیات موضوعة للماهیّة والجزئیات الخارجیّة للموجودات الخارجیّة والذّهنیّة للذهنیّة وتحقیق المطلب یستدعی بیان أمور الأوّل فی بیان الألفاظ الّتی یذکر فی طی المسألة فتقول إن منها الوجود الخارجی والذّهنی الوجود علی أقسام خارجی وذهنی ونفس الأمری وعرّف الوجود الخارجی بأنه الوجود الّذی یترتب علیه الآثار المقصودة کوجود النّار حیث یترتب علیه الإحراق وعرف الوجود الذّهنی بأنه حصول صورة الشّیء فی الذّهن مجردة عن آثاره المقصودة کصورة النّار حیث لا یترتب علیها الإحراق وعرف الوجود النّفس الأمری بأنه وجود الشّیء فی نفسه فأمّا الأمر بمعنی الشّیء والمراد أن یکون للشیء مع قطع النّظر عن فرض الفارض واعتبار المعتبر وجود وتحقق والنّسبة بین الوجود النّفس الأمری والخارجی عموم مطلق لأنّ کل وجود خارجی فهو نفس الأمری ولا عکس لتحقق النّفس الأمری فی الوجود الذّهنی بدون الوجود الخارجی وبین الوجود النّفس الأمری والذّهنی عموم من وجه لتصادقهما فی مثل زوجیّة الأربعة فإنّ وجودها ذهنی ونفس الأمری وصدق الذّهنی بدون نفس الأمری فی مثل زوجیّة الخمسة وبالعکس فی الوجودات الخارجیّة وبین الخارجی والذّهنی تباین مصداقا وعموم من وجه موردا فإنّهما لا یصدقان علی وجود واحد ولکن یجتمعان فی مورد کالماهیّة فإنّها موجودة ذهنا وخارجا لا یقال إنّ العلم بالنّار مثلا وجود ذهنی لأنه صورة للنار ولکنه أیضا وجود خارجی لما یترتب علیه الآثار کالخوف ونحوه وأیضا فإنّه عرض قائم بالنّفس والنّفس موجود خارجی والقائم بالموجود الخارجی موجود خارجی فاجتمعا فی العلم فیکون بینهما العموم من وجه مصداقا لأنّا نقول ما هو وجود ذهنی هو حصول صورة المعلوم فإنّه وجود ذهنی للمعلوم وما هو وجود خارجی هو الوجود للصورة فالموجود بالوجود الذّهنی هو المعلوم ووجوده الذّهنی عبارة عن حصول صورته

ص: 171

فی الذّهن والموجود بالوجود الخارجی هو الصّورة ووجودها الخارجی عبارة عن قیامها بالنّفس فلم یصدق الوجودان علی وجود شیء واحد فافهم ومنها الأمر الخارجی والأمر الذّهنی والمراد بالأمر الخارجی هو الخارج عن مدلول الکلام سواء کان الخارج ظرفا لوجوده أو ظرفا لنفسه أو یکون الذّهن ظرفا لوجوده أو لنفسه وذلک لأنهم قد ذکروا أن الخبر ما لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه ولا ریب أن الخارج فی مثل الحیوان جنس لیس ظرفا فالنّفس النّسبة ولا لوجودها فإن جنسیّة الحیوان موجود ذهنی لأنّه من المعقولات الثّابتة وحینئذ فیکون نسبته إلی الحیوان من الأمور الّتی یکون الذّهن ظرفا لنفسها والأمر الخارجی بهذا المعنی مساوق للموجود النّفس الأمری علی ما عرفت والمراد بالأمر الذّهنی علی ما ذکروا هو ما یتمثل منه الصّورة فی الذّهن طابقته أو لا وهذا یساوق الموجود الخارجی بالمعنی السّابق وذلک لأنهم قد استدلوا علی وضع الألفاظ للأمور الذّهنیّة بأن الشّبح الّذی یری من البعید قد یظن أنّه زید فیطلق علیه زید ثم یتبین أنّه عمرو فیطلق علیه عمرو فیختلف اسم الشّبح باختلاف صورته فی الذّهن فإن هذا الکلام دال علی أن الاسم إنّما هو لنفس الشّبح الّذی هو موجود خارجی وإلا لم یصح أن یقال یختلف اسم الشّبح ولقیل أنّه یختلف اسم الصّورة فافهم ومقابل الأمر الذّهنی بهذا المعنی الأمر الخارجی بمعنی النّفس الأمری لأنّه لا یری للتمثل والاعتقاد أثر بخلاف من یجعلها اسما للمتمثل کما سیظهر ومنها الماهیّة وهی ما یطلق علی الشّیء لا باعتبار الوجود وإذا اعتبر معه الوجود سمی حقیقة فلا یطلق علی ما هو عین الوجود کالواجب تعالی ولا علی الذّوات المشخصة لأنّ التّشخص یساوق الوجود وقال بعض الأفاضل إنّ الماهیّة عبارة عن ذات الشّیء لا باعتبار الوجود سواء کان جزئیا أو کلیا وهو مناف لما ذکروه من أن التّشخص یساوق الوجود لأنّ الجزئی عبارة عن الشّیء المتشخص فکیف یکون ماهیّة لا یعتبر فیه الوجود ولعله مبنی علی القول الآخر وبیان ذلک أنهم قد اختلفوا فی أن التّشخص إنّما هو بالوجود أو لا بل هو بشیء نسبته إلی النّوع کنسبة الفصل إلی الجنس المحققون علی الأول وجماعة علی الثّانی ومرادهم أن التّشخص شیء إذا ضم إلی النّوع خرج عن الإبهام وصار قابلا لعروض الوجود کما أنّ الفصل إذا ضم إلی الجنس تم معناه وصار قابلا للتشخص فالتّشخص عندهم إنّما هو بالأعراض المکتنفة کالکم المخصوص والکیف الخاص وأمثالهما وعلی هذا فالفرد ینحل إلی ثلاثة أشیاء نوع وتشخص ووجود والحق هو الأول لأنّ التّشخص یجب أن یکون بشیء متشخص بالذّات وإلا لزم التّسلسل وکل شیء سوی الوجود أمر کلی

ص: 172

یتشخص بالوجود وعلی هذا فالفرد ینحل إلی أمرین نوع ووجود وأمّا الأعراض فهی من لوازم الوجود إذا تحقق هذا فنقول ما ذکره الفاضل المذکور من معنی الماهیّة مبنی علی القول بأن التّشخص غیر الوجود فإنّه حینئذ یکون الفرد المتشخص ماهیّة بذلک المعنی إذ یمکن عدم اعتبار الوجود فیه لأنّ الوجود أمر یعرض بعد التّشخص ویتفرع علی هذا إمکان القول بوضع الأعلام الشّخصیّة للماهیات وإلا فالقول بوضعها للکلیات فاسد جدا وهذا هو السّر فی تفسیره الماهیّة بما ذکر دفعا لشناعة القول بوضع الألفاظ مطلقا للماهیّة إذ لا یمکن ذلک بالنّسبة إلی الأعلام لو أرید بالماهیّة ما ذکرنا وعلی ما ذکره یرجع القول بوضعها للماهیّة وهو القول الخامس إلی القول الثّالث أعنی المعنی اللابشرط وکذلک أرجع جمیع الأقوال إلیه عدا القول الرّابع فإنّه فی الحقیقة احتمال لا قائل به کما سیظهر وتقریر الإرجاع أن المراد بالأمر الخارجی فی القول الأول هو النّفس الأمری مقابل الصّورة الذّهنیّة وذلک لأنهم لما توهموا أن مراد من یجعلها موضوعة للأمور الذّهنیّة الصّور الذّهنیّة وقطعوا بفساده لعدم إمکان ذلک فی الأعلام الشّخصیّة لأنّها لیست موضوعة للصورة قطعا حکموا بأنها موضوعة للخارجیّة فی مقابل الصّورة ومرادهم الأمور النّفس الأمریّة لا بشرط أحد الوجودین فرجع إلی القول الثّالث والمراد بالأمر الذّهنی فی القول الثّانی هو الأمر الّذی یمکن تحققه فی الذّهن فی مقابل الوجود الخارجی بالمعنی المتقدم فی صدر المسألة فإنّه لا یمکن تحققه فی الذّهن فالمراد الماهیّة اللابشرط لأنّها الّتی یمکن تحققها فی الذّهن وهو القول الثّانی وذلک لأنهم لما توهموا أن مراد من یجعلها موضوعة للأمور الخارجیّة الأمر الخارجی بالمعنی المتقدم وقطعوا ببطلانه لعدم إمکان ذلک فی مثل کلیّة الإنسان ونحوها حکموا بأنها موضوعة لما یمکن تحققها فی الذّهن أی الماهیّة وأمّا التّفصیل السّادس فالمراد أن الکلی موضوع للماهیّة اللابشرط والجزئیات الخارجیّة موضوعة للأمور الّتی لو وجدت لکانت فی الخارج والجزئیات الذّهنیّة موضوعة للأمور الّتی لو وجدت لکانت فی الذّهن فاعتبار الوجودین فی الموضوع له إنّما هو علی التّقدیر وإنّما الموضوع له حقیقة هو ذات الشّیء لا باعتبار الوجود وهذا هو القول الثّالث وإنّما حاول إرجاع الأقوال إلیه لأنّ الأقوال المذکورة لو أبقیت علی ظاهرها لکانت فی غایة السّخافة بحیث لا یصدر من جاهل فضلا عن فاضل هذا وکیف کان فلا بد من تحقیق المطلب وأن الدّلیل یقتضی أی شیء بناء علی حمل الأقوال المذکورة علی ظاهرها من دون

ص: 173

إرجاعها إلی واحد ولکن الواجب هو ملاحظة التّرجیح بین الأقوال الخمسة لأنّ القول الرّابع احتمال ذکره بعض المتأخرین حیث قال بالمعنی وقیل بالتّفصیل بین ما لا مصداق له فهو موضوع للأمر الذّهنی وبین ما له مصداق فهو موضوع للأمر الخارجی وهذا الکلام بظاهره یقتضی أن ما له مصداق ولو ذهنا موضوع للموجود الخارجی وهو بدیهی الفساد لکن المراد بالمصداق المصداق الخارجی وهذا القول إنّما نشأ احتماله مما قیل إن هذه المسألة وهی أن الموضوع له هو الموجود الخارجی أو لا مبنیّة علی مسألة المعلوم بالذّات فإن العلم قسمان حصولی وهو عبارة عن العلم بشیء بواسطة حصول صورة منه فی النّفس وحضوری وهو حضور نفس المعلوم فی النّفس بدون توسط الصّورة کالعلم بالصّورة فی القسم الأول فالمعلوم فی العلم الحصولی شیئان الصّورة وذو الصّورة واختلفوا فی أن أیهما المعلوم بالذّات فقیل إن المعلوم بالذّات هو الصّورة لأنّها مدرکة أولا وذو الصّورة مدرک بالطّبع وقیل إن المعلوم بالذّات هو ذو الصّورة لأنّه المقصود بالملاحظة والصّورة آلة لملاحظته ملحوظة تبعا وقیل بالتّفصیل بین ما له مصداق فی الخارج فالمعلوم بالذّات هو ذو الصّورة وبین ما لیس له مصداق فالمعلوم بالذّات هو الصّورة والاختلاف فی الموضوع له فرع ذلک المسألة فکل ما تحقق أنّه المعلوم بالذّات یکون هو الموضوع له إن خارجیا فخارجیا وإن ذهنیا فذهنیا أو بالتّفصیل فبالتّفصیل وعن بعض الأفاضل أنّه جعل النّزاع فی تلک المسألة لفظیا بإرجاع الإطلاقین إلی التّفصیل فتکون فی هذه المسألة أیضا لفظیا بناء علی صحة التّفریع المذکور وبالجملة فاحتمال القول بالتّفصیل فی هذه المسألة إنّما هو لتوهم تفرع هذه المسألة علی تلک ووجود القول بالتّفصیل فی تلک المسألة ثم إن القول بالتّفصیل فی هذه المسألة فاسد جدا أمّا أولا فلأنه معنی علی التّفریع المذکور وهو مما لا وجه له إذ لا ملازمة بین کون شیء معلوما بالذّات وکونه الموضوع له لجواز الوضع للمعلوم بالتّبع فإن الوضع یتبع الحاجة لا کونه معلوم الذّات وأمّا ثانیا فلأن القول بالتّفصیل فی تلک المسألة فاسد ویتفرع علی ذلک فساد ما تفرع علیه أیضا ووجه بطلانه أن فی کل معلوم بالعلم الحصولی یوجد الصّورة وذو الصّورة وقد عرفت أن المناط فی المعلومیّة بالذّات إمّا کونه مدرکا أولا وهو الصّورة أو کونه مقصودا بالملاحظة وهو ذو الصّورة وهذا مما لا فرق فیه بین ما له مصداق وبین ما لا مصداق له فالتّفصیل خال عن الدّلیل لا یقال لعل نظر المفصّل إنّما هو إلی أن الموجودات الخارجیّة معلومة بأنفسها

ص: 174

لا بصورتها کما قیل بذلک فی الإبصار من أنّه لیس بانطباع الصّورة فی الجلیدیّة بل المرئی هو الشّخص الخارجی بواسطة خروج الشّعاع الّذی هو سبب الانکشاف فلیس المعلوم فیها إلا شیئا واحدا والموجودات الذّهنیّة أیضا معلوم بنفسها فلیس فی المقامین إلا معلوم واحد هو فی الأول نفس الموجود الخارجی وفی الثّانی نفس الصّور الذّهنیّة وإذا اتحد المعلوم یکون هو المعلوم بالذّات لأنّا نقول أولا إنّه مخالف لعنوان المسألة وهو أن المعلوم بالذّات أی شیء فإن معناه إن تعدد المعلوم معلوم وإنّما الإشکال فی تعیین المعلوم بالذّات وثانیا أن القول بأن الموجود الخارجی لا یوجد صورته فی الذّهن بخلاف الموجود الذّهنی فإنّه أمر یوجد فی الذّهن خلاف لما یظهر من اتفاقهم حیث إن المتکلمین والحکماء بین من ینفی الوجود الذّهنی کلیّة وبین من یثبته کلیّة فالفرق من حیث إثباته للموجودات الذّهنیّة دون الخارجیّة خلاف للجمیع الثّانی فی بیان النّسبة بین هذه المسألة والمسألة السّابقة فنقول قد ذکروا أن النّسبة بینهما عموم من وجه بمعنی أن کل واحد من هذه الأقوال یجتمع مع کلا القولین فی تلک المسألة وذلک لأنّ الأقوال هنا ثلاثة فی الحقیقة القول بالمعنی اللابشرط وأخذ الوجود الخارجی والذّهنی لرجوع القولین الآخرین إلیها فنقول أمّا اجتماع القول بالمعنی اللابشرط مع القولین فی المسألة السّابقة فظاهر لجواز أن یقال إن الألفاظ موضوعة للمعنی اللابشرط النّفس الأمری أو ما اعتقد أنّه من أفراد المعنی اللابشرط وأمّا القول بالأمور الخارجیّة فلأنّه إمّا المراد به الموجودات الخارجیّة فیمکن القول بالوضع للموجود الخارجی فی نفس الأمر أو ما اعتقد أنّه الموجود الخارجی وإمّا المراد به الخارج عن الذّهن المرادف النّفس الأمر فیمکن القول بالوضع للأمر النّفس الأمری فی نفس الأمر أو ما اعتقد أنّه الأمر النّفس الأمری وأمّا القول بالأمور الذّهنیّة فإن جعلناها بمعنی الأمور الّتی یمکن دخولها فی الذّهن فیکون نظیر القول بالمعنی اللابشرط وقد عرفت اجتماعه مع القولین وإن جعلناها بمعنی الصّور المرتسمة فیمکن القول بالوضع للصورة الواقعیّة أو ما اعتقد أنّه صورة وإن جعلناها بمعنی ما یتمثل صورته فی الذّهن فاجتماعه مع القولین مشکل وذلک لأن معنی ما یتمثل صورته هو الأمر المعتقد فلا یجتمع القول به مع القول بالوضع للأمر الواقعی وأمّا القول الآخر وهو الأمر المعلوم فإن کان المراد به الأمر المعتقد مطلقا فیکون عین هذا القول وإن کان المراد الأمر النّفس الأمری المعتقد بالاعتقاد الصّحیح المطابق فیکون مباینا لهذا القول لأنّ معناه الوضع لمطلق الأمر المعتقد غایة الأمر أنّه یصدق الموضوع له علی المعتقد بالاعتقاد

ص: 175

الصّحیح علی القولین وهو لا یرفع التّباین من البین لتباین القول بالوضع للعام مع القول بالوضع للخاص وإن صدق الموضوع له علی الخاص علی القولین وحینئذ فما ذکره شریف العلماء من أن نسبة هذه المسألة مع المسألة السّابقة عموم من وجه لا یتم علی إطلاقه سیما وهو قد جعل الذّهنی هنا بمعنی ما یتمثل صورته حیث جعل الثّمرة بین القول بأخذ الوجود الخارجی والذّهنی لزوم التّصویب فی الموضوعات وحصول الامتثال بالأمر المعتقد علی الثّانی دون الأول لظهور أن التّصویب أو حصول الامتثال بالمعتقد لا یلزم إن جعل الذّهنی بمعنی ما یقبل الوجود الذّهنی وکذا إن جعل بمعنی الصّورة الذّهنیّة ثم إن جعل حصول الامتثال بالأمر المعتقد ثمرة غیر التّصویب لا وجه له لأنّه من فروع التّصویب فتأمل الثّالث هل الصّور الذّهنیّة أفراد للماهیّة حقیقة وحملها علیها کحملها علی الأفراد الخارجیّة أو لا بل هی مباین لها ونسبتها إلی الماهیّة کنسبة الظّلّ إلی الشّیء الحق هو الثّانی کما صرح به علماء المعقول وبه ینحل الشّبهات الواردة علی العلم من أنّه حصول صورة الشّیء عند العقل فیلزم کون العلم بالجوهر جوهرا مع أن العلم مطلقا من مقولة العرض ویلزم کون تصور النّار محرقا وغیر ذلک والحاصل أن لیس الماهیّة قدرا مشترکا بین الصّورة الذّهنیّة والأفراد الخارجیّة وإن حمل علیها الماهیّة فهو من باب التّسامح کما یقال الصّورة الفرس إنها فرس فالماهیّة أفرادها منحصرة فیما یترتب علیه الآثار الأصلیّة للماهیّة ولیس ذلک إلا الوجود الخارجی إذ الوجود الذّهنی وجود تبعی ظلّی یحکی عن الخارج ولا یترتب علیه الآثار الأصلیّة إذا تمهدت هذه المقدمات فنقول الحق هو أن ألفاظ الکلیات موضوعة للماهیات بالنظر إلی جهة أصالتها وتقررها لا بالنّظر إلی جهة الحکایة ولا بشرط الوجود الخارجی بأن یکون الوجود قیدا ولا مع الوجود بأن یکون جزءا وبالجملة إنّما لوحظ فی وضعها للماهیات جهة الأصالة الّتی لیست فی الأفراد الخارجیّة المقابلة للصورة الذّهنیّة الحاکیة سواء کانت موجودة فی الخارج وفی الذّهن أو قابلا لأحدهما فقط کالکلیّة أو لم یکن قابلا لشیء منهما کالمعدوم واللاشیء فإن لفظ المعدوم لم یوضع للصورة الذّهنیّة الحاکیة عن الخارج بل وضع لنفس الماهیّة بالنّظر إلی جهة تقررها وأصالتها فإن لماهیّة العدم أیضا جهة تقرر بالنّسبة إلی تلک الصّورة الحاکیة وهذا مرادنا بالخارج وعلی هذا یحمل ما ذکره بعض المحققین من أن الألفاظ موضوعة للماهیّة من حیث الوجود الخارجی لا بشرط الوجود الخارجی وإن کان فی الظّاهر غیر واف بالمراد لأنّ الحیثیّة إمّا تعلیلیّة ولا یحتملها المقام

ص: 176

أو تقییدیّة فیکون بشرط الوجود ویدل علی المختار أمور منها التّبادر إذ لا ریب أن المتبادر من کل لفظ لیس إلا المعنی فی جهة أصالته لا فی جهة الحکایة بل لا یلتفت المخاطب إلی الحکایة أصلا ومنها صحة السّلب عن الأمر الذّهنی فیصح أن یقال لیس صورة الإنسان إنسانا مضافا إلی ما عرفت من أن أهل المعقول قائلون بعدم کون الماهیّة صادقة علی الصّورة الذّهنیّة ومنها صحة الحکم علی الماهیّة بالوجود والعدم فیقال الإنسان موجود أو یقال معدوم ولا یلزم التّکرار ولا التّناقض ولو کان الوجود الخارجی مأخوذا لزم التّکرار فی الأول والتّناقض فی الثّانی وأیضا لم یکن للشک فی الوجود المعنی فی قولک الإنسان موجود أو معدوم وأیضا لکان طلب الماهیّة بقولک اضرب طلبا لتحصیل الحاصل وغیر ذلک هذا فی المعانی الکلیّة وأمّا الأعلام الشّخصیّة فإن قلنا بأن التّشخص یساوق الوجود فلا ریب أن الموضوع له هو الموجود الخارجی لکن بالنّظر إلی جهة تشخصه وإن قلنا بأن الجزئی أیضا ماهیّة والتّشخص حاصل بغیر الوجود فالکلام فیه کالکلام فی المعانی الکلیّة والموضوع له هو الماهیّة بالنّظر إلی جهة الأصالة ویشکل الأمر فی المبهمات والأفعال الإنشائیّة وأعلام الأجناس من وجهین الأوّل أن الموضوع له فیها کلی أو جزئی والثّانی أنّه علی الثّانی فهل هو جزئی خارجی أو ذهنی فنقول المعروف أن صیغ الأمر والنّهی موضوعة للطلب الخاص الموجود فی نفس المتکلم بذکر اللّفظ ولذا قالوا إن الإنشاء هو ما یوجد مدلوله وذهب بعضهم إلی أن الموضوع له فیها هو مفهوم الطّلب الّذی هو أمر کلی لکن قد اعتبر فی جواز إرادته من لفظ اضرب مثلا أن یوجد ذلک الکلی بنفس هذا اللّفظ فاللّفظ إنّما استعمل فی المفهوم الکلی لکن من حیث کونه منشأ باللّفظ وبالإنشاء یصیر فردا وهو لا یوجب کون الصّیغة مستعملة فی الفرد کما أن إیجاد الماهیّة معناه الإتیان بالفرد لأنّ الفرد هو الکلی الموجود علی التّحقیق من أن التّشخص عین الوجود وهو لا یوجب کون الأمر الدّال علی طلب إیجاد الماهیّة مستعملا فی طلب الفرد فکذلک لزوم کون مدلول الصّیغة منشأ بالصّیغة وهو لا یمکن إلا فی ضمن الفرد لا یوجب کون الصّیغة مستعملة فی فرد الطّلب وربما یستدل علی مذهبه بأنّه لو کان الأمر موضوعا للطلب الموجود الخاص لزم أن لا یکون للشرط مفهوم فی قولک أکرم زیدا إن جاءک لأنّ مقتضی التّعلیق انتفاء المعلق علیه فلو کان معنی الأمر هو الطّلب الجزئی لکان هو المعلق علی الشّرط فینتفی بانتفاء الشّرط فلا ینافی أن یوجد طلب آخر عند انتفاء الشّرط أیضا مع أنهم ذکروا أنهم إذا قام الدّلیل علی ثبوت الحکم عند انتفاء

ص: 177

الشّرط تعارض مع المفهوم فالمفهوم هو الحکم بانتفاء الطّلب مطلقا لا الطّلب الخاص ویشهد لذلک أنهم اتفقوا علی أن الوصف یخصص العموم فی نحو أکرم العلماء الطّوال مع أنهم قد اختلفوا فی ثبوت المفهوم للوصف فإن المراد بالتّخصیص هو أن الحکم الخاص إنّما یتعلق بالموصوف لا بغیره وأمّا أنّه هل ینافی مع تحقق الحکم لغیر الموصوف بخطاب آخر أو لا فهذا النّزاع فی ثبوت المفهوم وبالجملة انتفاء الحکم المتعلق بموضوع عند انتفائه بدیهی حتی فی الأعلام فقولک أکرم زیدا مختص بجعل وجوب الإکرام لزید لا عمرو وهذا غیر المفهوم فإنّه لا ینافی ثبوت الحکم لغیره بخطاب آخر نعم قد ینافیه فی بعض الموارد لعدم قابلیته للحکمین کما إذا قال وقفت الدّار علی الفقراء فإنّه لا یمکنه أن یقول بعد ذلک وقفتها علی الأغنیاء لانتفاء ملکه بالصّیغة الأولی فالمنافاة إنّما هو بین المنطوقین ولیس هذا من المفهوم فما ذکره الشّهید من أنّه من باب المفهوم لا وجه له وبالجملة لو کان الأمر موضوعا للطلب الجزئی لکان تعلیقه علی الشّرط موجبا لانتفاء الطّلب الخاص وهذا غیر مفهوم الشّرط کما عرفت مع أن القائل بذلک قائل بثبوت المفهوم للشرط وحینئذ فیجب القول بأن الموضوع له هو الطّلب الکلی وهو المعلق علی الشّرط فینتفی بانتفائه ولا یوجب اشتراط إیجاده بالصّیغة کون الصّیغة مستعملة فی الجزئی هذا حاصل مراده وبعبارة أخری الموضوع له هو الطّبیعة لکنها قد اعتبرت بحیث لا یمکن استعمالها إلا موجودة من دون أن یکون التّقیید بالوجود معتبرا فی الموضوع له فالموضوع له مطلق لا یمکن استعماله إلا مقیدا بسبب نفس الاستعمال وهو لا یوجب کون الموضوع له مقیدا وکذا یقال بهذا فی وضع الحروف وأسماء الإشارة أن الموضوع له فیها هو مطلق الابتداء والمشار إلیه لکن قد لوحظ معه حیثیّة بحیث لا یمکن استعمالها إلا جزئیا وهو ملاحظة کونه مرآة لملاحظة حال الغیر من دون أن یکون الحیثیّة المذکورة جزءا للموضوع له أو شرطا له هذا حاصل ما یمکن أن یقال فی تقریر وجه القول المذکور والتّحقیق أن الموضوع له فی الأمر هو الطّلب الجزئی الموجود فی الخارج الآخر بالخطاب لأنّه المتبادر عند سماع اللّفظ ولا ینتقل الذّهن إلی مفهوم الطّلب أولا ثم إلی وجوده وهو ظاهر والإشکال بلزوم انتفاء المفهوم غیر وارد لأنّ تعلیق الفرد الخاص من من الطّلب علی الشّرط لا بد له من فائدة وهی لیست انتفاء الفرد الخاص لانتفائه بمحض انتفاء موضوعه وإن لم یذکر الکلام بصورة الشّرط بل الفائدة هی الدّلالة علی أن تعلیق الفرد الخاص إنّما هو عنوان لتعلیق المطلق فیدل علی انتفائه بانتفاء الشّرط وهذا هو المفهوم ثم إنّه

ص: 178

لا یتعقل اعتبار حیثیّة الإنشاء فی الموضوع له من دون أن یکون جزءا ولا شرطا إذ لا محالة یکون التّقیید داخلا وإن کان القید خارجا والقول بأن مدلول الأمر هو المنشأ وهی الطّبیعة لورود الإنشاء علیها لا علی الفرد مغالطة لأنّا نسلم أنّ الإنشاء یرد علی الطّبیعة لکن نقول إن الطّبیعة المنشأة فرد وذلک نظیر أن یقال فی أعتق رقبة مؤمنة إن المطلوب هو عتق الرّقبة المقیدة والتّقیید یرد علی المطلق فالمطلوب عتق الرّقبة المطلقة وما یقال إن المقید إذا کان هو نفس الاستعمال لا ینافی کون الموضوع له هو المطلق غیر تمام بل هو صحیح فی جانب الموضوع فإن لفظ زید لیس موضوعا من حیث الخصوصیات الصّادرة من اللافظین بل وضع مطلقا لیذکر ویراد منه المعنی فلا محالة یصیر بالاستعمال فردا وهو لا ینافی کون الموضوع هو المطلق لکن لا یتم فی الموضوع له إذ لا یخلو إمّا أن یکون الموضوع له المطلق لا بشرط ولا یقولون به أو بشرط الوجود فیکون جزئیا وهو الحق وأمّا الحروف فالحق أنها موضوعة لذات الابتداء لکن قد اعتبر فیها جهة وقوعه آلة لملاحظة شیء بالوقوع الفعلی لا مفهوم الوقوع فإنّه معنی اسمی والوقوع آلة شیء لا یتم معناه إلا بضمیمة الغیر فمعنی قولهم الحرف ما دل علی معنی فی غیره أن معناه أمر لا یتم إلا بالغیر فهو بنفسه یدل علی معناه لکن معناه ناقص محتاج فالنّقص إنّما هو فی المدلول لا فی الدّال والابتداء بتلک الملاحظة یصیر جزئیا حقیقیا من جزئیات مفهوم الابتداء الواقع مرآة وإن أمکن کونه کلیا من حیث دخوله فی مفهوم الابتداء المطلق فإن الابتداء الملحوظ آلة لملاحظة السّیر والبصرة جزئی حقیقی لمفهوم الابتداء الآلی لکن فات ابتداء البصرة کلی له أفراد من حیث إمکان تحققه من أی مکان من أمکنة البصرة فالمراد بجزئیّة معنی الحرف جزئیته بالنّظر إلی الحیثیّة المأخوذة فی الموضوع له ونظیره الموصولات فإن الموضوع له فیها هو ما تعین بالصّلة فعلا فلا بد أن یکون جزئیا من هذه الحیثیّة مندرجا تحت مفهوم المتعین بالصّلة وإن کان بالنّظر إلی ذاته عاما کلیا کما فی قولک أکرم من جاءک أمّا أسماء الإشارة فالکلام فیها هو الکلام فی الحروف نظرا إلی جهة وضع الإشارة فإنّه لا بد أن یکون جزئیا مندرجا تحت مفهوم الإشارة وأمّا ذات المشار إلیه فإن قلنا بأنّ الإشارة یجب أن تکون حسیّة فیجب أن یکون حسیا لأنّ الإشارة الحسیّة لا تتعلق بالأمر العقلی وإن قلنا بجواز الإشارة العقلیّة فیجوز أن یکون کلیا وغیره وأمّا أعلام الأجناس فهی أیضا موضوعة لنفس الماهیّة لکن بملاحظة حضورها فی الذّهن هذا الکلام فی جهة الکلیّة والجزئیّة وأمّا من جهة الخارجیّة

ص: 179

والذّهنیّة فالجمیع موضوعة للأمور الخارجة عن الصّور الذّهنیّة جزءا کانت أو کلیّة لکن قد اعتبر فی بعضها حضور صورة الشّیء الخارجی فی الذّهن إمّا بنحو المرآتیّة کما فی الحروف ونحوها أو لا کما فی أعلام الأجناس فالموضوع له ذات الأمر الخارجی لکن بشرط حضور صورتها فی الذّهن وهذا لا یوجب أن یکون الموضوع له هو الصّورة فتلخّص بما ذکرنا أن الأعلام الشّخصیّة موضوعة للموجودات الخارجیّة کالأفعال الإنشائیّة وما سواها موضوعة للأمور الخارجة عن المدرکات إمّا مع قطع النّظر عن حضور صورتها فی الذّهن کأسماء الأجناس ونحوها أو مع اعتبار حضور صورتها إمّا بنحو المرآتیّة کما فی المبهمات وبدونها کما فی أعلام الأجناس فتدبر احتج القائل بأنّها موضوعة للموجودات الذّهنیّة بأنها لو کانت موضوعة للموجودات الخارجیّة لزم عدم تحقق الصّدق والکذب فی الجملة الخبریّة لأن هذه الکلمات کما تجری فی أوضاع المفردات تجری فی الهیئات أیضا والقول فیهما واحد وأمّا لزوم ذلک فلأن الصّدق والکذب مطابقة مدلول الخبر للخارج وعدمها وإذا کان مدلول الخبر نفس الخارج فلا یتصور مطابقة ولا عدمها وفیه أن الدّلیل أخص من المدعی إذ لا تلازم بین أوضاع المفردات وأوضاع الهیئات فیمکن القول بوضع المفردات للأمور الخارجیّة والهیئات للصور الذّهنیّة والتّمسک بعدم القول بالفصل فی أمثال هذه المسائل الاجتهادیّة فاسد لکن الدّلیل المذکور بالنّسبة إلی الجمل تام لا غبار علیه وما قیل فی رده تارة بالنّقض بما إذا کانت موضوعة للصّور الذّهنیّة فإنّه حینئذ أیضا لا یتحقق مطابقة للواقع ولا عدمهما لأنّ واقع الصّورة هو نفس تحققها فی الذّهن فلا معنی لمطابقتها له ولا مطابقتها وأخری بأن الدّلالة الوضعیّة لیست کالدّلالة العقلیّة بحیث لا یجوز انفکاکها عن المدلول فإن الدّال العقلی إنّما هو من آثار المدلول فلا محالة لا ینفک عنه بخلاف الدّال بالوضع فإنّه یمتنع انفکاکه عن المدلول وحینئذ فالخبر دال علی الوقوع الخارجی ویحضر صورة ذلک الوقوع فی ذهن المخاطب ویجوز انفکاکه عنه فإن طابق الصّورة الحاصلة بسبب الخبر فی ذهن السّامع للواقع فی الخارج کان الخبر صدقا وإن خالفه کان کذبا فاسد أمّا الأول فلأنّه لا یقول إن الموضوع له هو الصّورة الذّهنیّة من حیث هی بل یقول إنّها الموضوع له من حیث کونها حکایة عن الخارج عن الذّهن وحکایة قد تخالف المحکی فیکون کذبا وقد توافقه فیکون صدقا فإن بین زید والقیام نسبة فی الخارج عن الذّهن إمّا إیجابیا أو سلبیا فالصّورة الحاصلة منها فی الذّهن الحاکیة عن الخارج موضوع له

ص: 180

لهیئة زید قائم فإن وافقت الخارج فی الإیجاب والسّلب کان صدقا وإلاّ کان کذبا وأمّا الثّانی فلأنّه لا ربط له بکلام المستدل لأنّه لم یقل إنّه یجب عدم انفکاک الخبر عن الخارج بل حاصل کلامه أن اتصاف الخبر بالصّدق والکذب إنّما هو بالنّظر إلی مدلوله فإذا کان المدلول هو الخارج لم یمکن فرض المطابقة واللامطابقة لوجوب تغایر المطابق والمطابق ولا یمکن أن یقال الخارج یطابق الخارج وجعلهما باعتبار مطابقة الصّورة الحاصلة فی ذهن السّامع للخارج خارج عن الاعتبار لأنّهما من صفات مدلول الخبر ولیس المدلول هو الصّورة الحاصلة فی ذهن السّامع قطعا فیجب أن یکون المدلول هو الصّورة الحاصلة فی ذهن المتکلم من حیث کونها حکایة عن النّسبة الخارجیّة وهو الحق

تتمة

فی بیان ما یترتب علی المسألة من الثّمرات والتّحقیق أنّها مسألة علمیّة لا یترتب علیها ثمر عملی وما ذکروا من الثّمرات فاسد غیر قابل للذکر نعم قد ذکر ثمرة یمکن ترتیبها علیها علی إشکال وهی أنّه لو کان الوجود الخارجی مأخوذا فی الوضع لم یجز اجتماع الأمر والنّهی ولو کانت الألفاظ موضوعة للماهیات جاز وذلک لأنّ الغصب والصّلاة مثلا إن اعتبر فیهما الوجود الخارجی کان المأمور به بقوله صل هو الأفراد والمنهی عنه بقوله لا تغصب هو الأفراد والمفروض وجود الکلیّین بوجود واحد فی مثل الصّلاة فی الدّار المغصوبة فهذا الوجود الواحد صلاة وغصب قد تعلق الأمر والنّهی به ابتداء من الأمر وهو محال وإن لم یعتبر إلاّ نفس الماهیّة کان المأمور به ماهیّة الصّلاة والمنهی عنه منهیة الغصب غایة الأمر اجتماع الکلیّین فی فرد واحد وهو لا یستلزم أن یتعلق الأمر والنّهی بجهة واحدة کالأوّل حتی یکون محالا فهو کاجتماع عنوان العلم والفسق فی زید والأوّل محبوب والثّانی مبغوض لکن هذا لو تم فإنّما هو مبنی علی جواز تعلق التّکلیف بالطّبائع وأمّا علی القول بعدمه وأن المراد فی التّکلیف الوارد علی الطّبیعة هو أفرادها لم یترتب الثّمرة المذکورة فتأمل

أصل اختلفوا فی ما وضع له المشتق علی أقوال

والواجب أوّلا بیان المراد بالمشتق فی محل النّزاع فنقول للمشتق تعریفان أحدهما باعتبار معناه الأعمّ وهو أنّه اسم المعنی الّذی غیر عن شکله بزیادة حرف أو حرکة أو نقصانهما والمراد باسم المعنی اسم دل علی معنی قائم بغیره سواء دل علی الغیر أیضا أو لا فیشمل المصدر ویخرج بالقیود اللاحقة ویدخل فی التّعریف ما غیر لفظه دون معناه کالمصدر المیمی وما غیر لفظه ومعناه کسائر المشتقات ویخرج ما غیر معناه دون لفظه کمفتون مصدرا ومفعولا وذلک مفردا وجمعا ثم أن ما یشمله التّعریف من صور التّغییر خمسة عشر نوعا وحاصله أن التّغییر إمّا بزیادة أو نقیصة وکل

ص: 181

منهما إمّا بحرف أو حرکة فهذه أربعة وکل مشتق قد یقع فیه نوع واحد وقد یقع فیه اثنان أو ثلاثة أو أربعة فما یقع فیه نوع واحد أربعة أقسام لأنّ الزّیادة إمّا حرف فقط نحو کاذب من کذب أو حرکة فقط کنصر من نصر والنّقصان إمّا حرف فقط کخف من الخوف أو حرکة فقط کالضّرب من ضرب علی قول الکوفیین باشتقاق المصدر وما یقع فیه اثنان ستة أقسام لأنّه إمّا زیادة حرف وحرکة کضارب من الضّرب أو نقصانهما کعد من العدة أو زیادة حرف ونقصان حرف کدیان من الدّیانة أو زیادة حرکة ونقصان حرکة کحذر من الحذر أو زیادة حرف ونقصان حرکة کعاد من العدد أو بالعکس کخذ من الأخذ وما یقع فیه ثلاثة أربعة أقسام لأنّه إمّا زیادة حرف وحرکة ونقصان حرکة نحو یضرب من الضّرب أو زیادة حرکة وحرف ونقصان حرف نحو خاف من الخوف علی احتمال باقی أو نقصان حرف وحرکة مع زیادة حرکة نحو عد من الوعد أو مع زیادة حرف نحو کالّ من الکلال وما یقع فیه أربعة أقسام قسم واحد نحو ارم من الرّمی فهذه خمسة عشر نوعا وفی شمول التّعریف لما إذا کان التّغییر بسبب النّقل کما فی جبذ وجذب أو بسبب الإعلال والإبدال کمختار من مختیر إشکال والظّاهر عدم شموله لهما أمّا الأوّل فلعدم تغیر الشّکل بسبب تغییر التّرتیب وأمّا الثّانی فلأنّ الإبدال وإن کان فی الحقیقة زیادة حرف ونقصان آخر إلاّ أن الظّاهر من التّعریف خلاف هذا النّوع لخفائه کما لا یخفی وقد اعترض علی التّعریف المذکور بأنّه غیر مانع وجامع أمّا الأوّل فلشموله التّثنیة والجمع مثل ضربان وضروب ولیس بمشتق وأمّا الثّانی فلخروج المشتق بالاشتقاق الجعلی کتمار ولبان لبائع التّمر واللّبن لأنّ المتغیر عن شکله هو التّمر واللّبن وهما لیسا اسمی المعنی ولهذا أراد بعضهم قیدا آخر وهو أن یصیر المعنی الأوّل عرضا فی ضمن الشّکل الثّانی بمعنی أنّ یعتبر قیامه بالموضوع وعلی هذا یخرج مثل ضربان وضروب لعدم اعتبار قیامه بالموضوع لکن یبقی المشتقات الجعلیّة خارجة وکذا یخرج المصدر المیمی ولا ضیر فی ذلک لأنّ إطلاق المشتق علیها مسامحة الثّانی باعتبار معناه الأخص وهو أنّه ما دل علی اتصاف الذّات بالمبدإ فیشمل اسم الفاعل والمفعول والصّفة المشبهة وأفعل التّفعیل وهذا هو موضع النّزاع فی هذه المسألة وربما نوزع فی الفعل الماضی والمضارع وأسماء الزّمان والمکان والآلة أیضا الّتی هی داخلة فی المشتق بالمعنی الأعم إذا علم ذلک فیجب لتنقیح المسألة بیان أمور الأوّل اختلفوا فی أن الموضوع فی المشتق بالمعنی الأعم هل هو الهیئة النّوعیّة أو الهیئة الشّخصیّة وعلی أی تقدیر فهل الموضوع هو الهیئة مستقلة والمادة مستقلة أو هما موضوعان بوضع

ص: 182

واحد وکیف کان فهل الموضوع له کلی أو جزئی والحق فی مقام دوران الأمر بین الوضع النّوعی والوضع الشّخصی هو الوضع النّوعی وبیانه أن الوضع النّوعی عبارة عن ملاحظة هیئة خاصة مع قطع النّظر عن مادة معینة ووضعها لشیء إمّا بنفسها أو وضع جزئیاتها فإذا لوحظ هیئة فاعل مع قطع النّظر عن مادة ووضعت هی أو جزئیّاتها لمعنی فأفراد الهیئة المذکورة یقال إنّها موضوعة بالوضع النّوعی وأمّا الهیئة فهی موضوعة بالوضع الشّخصی فی مقابل هیئة أخری فإن هیئة فاعل موضوعة بوضع خاص غیر الوضع المختص باسم المفعول والمراد بالهیئة النّوعیّة هی القدر المشترک بین الجزئیات المشترکة فی الهیئة کهیئة فاعل بالنّسبة إلی جزئیّاتها کضارب وقاتل وأمثالهما والمراد بالهیئة الشّخصیّة هو الهیئة الجزئیّة الحاصلة فی ضمن المادة الخاصة وهی أیضا إمّا تعتبر کلیّة بمعنی أن یعتبر وضع ضارب مع قطع النّظر عمن یتکلم به وقد یعتبر وضع جزئیاته الصّادرة من المتکلمین وسیأتی الکلام فی ذلک هذا ولا شبهة فی أنّه إذا أمکن وضع أمور متعددة بوضع واحد کان تکریر الوضع سفها فإذا أمکن وضع هیئة ضارب وقاتل بوضع واحد کان أولی من وضع هیئة ضارب بوضع وهیئة قاتل بوضع آخر وهو ظاهر والحق فی المقام الثّانی هو أن الموضوع فی المشتق هو الهیئة مع المادة لا أن یکون الهیئة موضوعة بوضع والمادة بوضع آخر وذلک لأن کیفیّة اشتقاق ضارب من الضّرب مثلا یحتمل وجوها ثلاثة أحدها أنّ الواضع وضع هیئة فاعل بوضع وقال إنّ المصدر أیضا موضوع فی ضمن هذه الهیئة لإفادة هذا المعنی بالوضع الّذی کان له سابقا والثّانی أن یوضع الهیئة بوضع والمادة بوضع غیر وضع المصدر والثّالث أن یوضعهما معا لإفادة معنی المصدر مع زیادة والأوّل فاسد قطعا لأنّ المصدر موضوع فی ضمن الهیئة الخاصة وهی قد انتفت بسبب الاشتقاق فکیف یفید المصدر هذا المعنی من دون وضع جدید وقد انتفی وضعه السّابق إلاّ أن یقال إنّ المصدر لم یعتبر فی وضعه هیئة وهذا هو مذهب الشّریف وقد سبق أنّه مخالف لتصریحاتهم مع أنّه غیر موجود ولا یصدق التّعریف المذکور حینئذ علی المشتقات إذ لم یتغیر حینئذ شکل أصلا والثّانی موجب لکثرة الأوضاع والأصل عدمها فتعین الثّالث وإذا ثبت أنّ الموضوع هو مجموع الهیئة والمادة علم أن الحق فی المقام الأوّل هو أن الموضوع هو الهیئة الحاصلة فی ضمن المادة لکن لوحظ فی وضعها عنوان الهیئة الکلیّة مع المادة الکلیّة ووضعت هی أو جزئیاتها فضارب موضوع وقاتل موضوع وهکذا هذا وهل المعتبر هو کلی الضّارب مثلا

ص: 183

أو الجزئیات وبما استشکل الأوّل بأنّه مستلزم لعدم کون الألفاظ حقیقة ولا مجازا لأنّهما من صفات الألفاظ الموضوعة والألفاظ کلها جزئی فلا یکون موضوعا کما سبق إلیه الإشارة فی المسألة السّابقة وأورد ذلک علی القول بأنّ الموضوع هو الهیئة الکلیّة أیضا إذ لیس المستعمل إلاّ الهیئة الشّخصیّة فیلزم أن لا تکون مجازا ولا حقیقة وفیه أنّه لا منافاة بین کون الموضوع هو الکلی ولا یستعمل إلاّ الفرد وذلک لأنّ المستعمل فی الحقیقة هو الکلی وأنّه بنفس الاستعمال یصیر فردا فالاستعمال إنّما ورد علی الکلی وهو الّذی یتصف بالحقیقة والمجازیّة لکونه مستعملا وإن صار بالاستعمال فردا لکن هذا الجواب لا یمکن إجراؤه فی ما ورد علی القول بأنّ الموضوع هو الهیئة الکلیّة لأنّها لیست مستعملة إنّما المستعمل هو الهیئة الخاصة اللهم إلاّ أن یمنع ذلک ویقال إنّ المستعمل هو الکلی غایة الأمر أنّ لازم استعماله وجوده فی مادة معینة فالإیراد التّحقیقی علی القول المذکور هو أن یقال إنّه لو کان الموضوع هو الکلیّة وکان المادة موضوعة بوضع آخر فنقول إنّ الموضوع له أیضا إمّا کلی من تلبس بالمبدإ أو جزئیاته فعلی الثّانی یلزم أن یکون الهیئة متکثر المعنی مع القطع بخلافه وعلی الأوّل فنقول إنّ دلالة الضّارب علی من تلبس بالضّرب یلزم أن لا یکون لها دال لأنّ وضع الهیئة إنّما یقتضی دلالته علی من تلبس بالمبدإ ووضع المادة إنّما هو للدّلالة علی الضّرب فمن أین جاءت الدّلالة علی من تلبس بالضّرب فیجب القول بأن الضّارب بمجموعه موضوع لمن تلبس بالضّرب فافهم هذا تمام الکلام فی الموضوع وأمّا الموضوع له فالحق أن کل من تلبس بالضّرب مثلا لا جزئیاته إذ لیس المتبادر من الضّارب إلاّ المتلبس بالضّرب لا الجزئیات وهو ظاهر الثّانی لا شبهة فی أن الفعل الماضی موضوع لمن تلبس بالمبدإ فی الزّمان الماضی سواء کان ماضیا بالنّظر إلی حال المنطق أو بالنّظر إلی زمان اعتبره المتکلّم کقولک سیجیء الأمیر غدا وقد رکب قبله زید بساعة واختلفوا فی الفعل المضارع فقیل إنّه موضوع لمن تلبس بالمبدإ فی الحال وقیل فی الاستقبال وقیل فیهما لفظا وقیل معنی وهو الحق فإن المتبادر من قولک یضرب ویدور فی الأعمّ من الزّمان اللاحق للمتکلم ومن الزّمان المتأخّر والمراد بالأوّل ما یشمل اللاحق لزمان اعتبر المتکلّم کما لو قال یضرب زید بعد غد وکقوله تعالی وزلزلوا حتی یقول الرّسول بناء علی قراءة نصب یقول فالمضارع نظیر الأمر فإنّه حقیقة فی الأعم من الفور والتّراخی هذا بحسب الوضع الأولی لکن ربما یلحق بهما حروف توجب انقلاب الموضوع له ویحدث الوضع النّوعی فی غیره کما یلحق الماضی بعض أدوات الشّرط فیقلبه إلی الاستقبال ویلحق المضارع لم ولما فینقلب إلی الماضی ولا شبهة فی أن اسم الآلة موضوع لما أعد

ص: 184

للمبدإ وإن لم یتلبس به فعلا کمفتاح لما أعد للفتح وإن لم یفتح به قط وأمّا أسماء المکان والزّمان فسنشیر إلیهما إن شاء الله الثّالث لا خلاف فی أن المشتق أعنی اللّفظ الدّال علی الذّات باعتبار اتصافه بالمبدإ وکذا أسماء الزّمان والمکان موضوع لمن تعلق به المبدأ تعلق القیام به کاسم الفاعل أو الوقوع علیه کاسم المفعول والثّبوت له کالصّفة المشبهة واسم التّفضیل أو الحلول فیه کاسمی الزّمان والمکان إنّما الخلاف فی أن التّعلق المذکور وهل یعتبر فعلیّة أو لا اختلفوا فیه علی أقوال أحدها أنّه موضوع لمن تعلق به المبدأ فعلا والثّانی أنّه موضوع لمن تعلق به المبدأ أعمّ من أن یکون فعلا أو فی الماضی والثّالث أنّه موضوع لمن تعلق به المبدأ فی الأعمّ من الحال والماضی والاستقبال والمعتبر فی الفعلیّة والمضی والاستقبال إنّما هو زمان النّسبة والحمل فقولنا زید کان ضاربا أمس حقیقة علی الأوّل أیضا إذا صدر منه الضّرب فی الأمس فعلم مما ذکرنا أن الزّمان لیس بمأخوذ فی معنی المشتق علی شیء من الأقوال إنّما النّزاع فی زمان التّعلق وعلم أیضا أنّهم لا یقولون بالاشتراک اللّفظی بین من تلبس فعلا ومن تلبس فی المضی کما قیل بل یقولون بأنّه موضوع للقدر المشترک وهو من صدر منه المبدأ ووجد منه إمّا فعلا أو فی المضی فافهم هذا بحسب مفهوم المشتق وأمّا إذا حمل المشتق علی شیء فحقیقیته ومجازیته تختلف علی الأقوال المذکورة بالنّسبة إلی زمان الحمل فعلی القول الأوّل یعتبر اتحاد زمان التّعلق وزمان النّسبة أی الحمل فاستعماله فیمن انقضی عنه المبدأ أو لم یتلبس بعد بالنّسبة إلی ظرف الحمل یستلزم المجاز وعلی القول الثّانی یعتبر اتحاد زمانیهما أو تأخر زمان الحمل فلو استعمل فیمن لم یصدر منه بعد لزم المجاز وعلی الثّالث لا مجاز إلاّ إذا استعمل فیمن لا یتعلق به المبدأ أصلا لکن لزوم المجاز فی المذکورات لا یجب أن یکون فی کلمة المشتق بل یحتمل وجوه ثلاثة فإنک إن قلت زید ضارب الآن وقد انقضی عنه المبدأ أو لم یتلبس بعد فإمّا یکون المقصود من الضّارب من تلبس به فعلا وهذا یکون حمله علی زید مجازا باعتبار ما کان أو باعتبار ما یؤوّل وإمّا یکون ضارب مستعملا فی ما جعله القائل الثّانی حقیقة فیه أو القائل الثّالث أعنی المعنی الأعمّ مجازا وإمّا یکون مستعملا فی معنی ضرب أو یضرب وعلیهما فالمجاز فی الکلمة هذا علی القول الأوّل والاحتمالات الثّلاثة ثابتة علی القول الثّانی إذا قلت زید ضارب الآن ولم یتلبس به بعد وأمّا علی القول الثّالث فقد عرفت أنّه لا یلزم التّجوز وما ذکرنا من المجاز فی الحمل باعتبار ما کان أو ما یؤوّل إلیه غیر ما ذکره البیانیون فإنّه عندهم مجاز فی الکلمة فإن المقصود من الخمر فی أنی أرانی أعصر خمرا هو العنب لکن ذکر اسم الخمر باعتبار اتصاف العنب به فی المستقبل وهذا لا یمکن اعتباره فی المشتق المحمول علی الشّیء فإن إرادة

ص: 185

محض الذّات من الضّارب موجب لحمل الذّات علی الذّات نعم لو لم یکن محمولا جاز اعتبار ذلک کما لو قال رأیت ضاربا وأراد به زیدا الّذی انقضی عنه الضّرب أو لم یتلبس به بعد وذکر اسم الضّارب له باعتبار ثبوته له فی السّابق أو اتصافه به فی المستقبل فافهم إذا عرفت هذا فنقول الحق أن المشتق حقیقة فیمن تلبس بالمبدإ فعلا بالنّسبة إلی ظرف الحمل للتبادر فإن کلمة ضارب إذا سمع من وراء الجدار تبادر منها إلی الذّهن المتلبس بالضّرب ویظهر ذلک إذا قلت زید الآن ضارب فذکرت ظرف الحمل فإنّه یتبادر منه قطعا تلبسه بالضّرب فی الآن وکذا إن قلت زید کان فی الأمس ضاربا أو سیکون فی الغد ضاربا بحیث لو ذکرت ظرف التّلبس بعد ذلک بأن قلت زید الآن ضارب الآن لزم التّکرار ولیس ذلک إلاّ الاتحاد زمان التّلبس وزمان النّسبة بحیث یدل ذکر زمان النّسبة أی الحمل علی زمان التّلبس أیضا فیلزم التّکرار عند ذکرهما ولهذا یتبادر من قولک زید ضارب أنّه متلبس بالضّرب حال النّطق فإنّه یفهم من عدم ذکر ظرف الحمل أنّ الظّرف حال النّطق ولاتحاده مع زمان التّلبس یفهم ثبوت التّلبس أیضا حال النّطق لا لأنّ المشتق موضوع لمن تلبس بالمبدإ فی حال النّطق کما توهمه بعضهم حیث رأی أن المتبادر من قولنا زید ضارب تلبسه به حال النّطق فافهم ولصحة السّلب عن غیر المتلبس فإن الّذی صدر منه الضّرب أمس یقال إنّه لیس الآن بضارب بحیث یکون الآن ظرفا للسّلب لا للمسلوب فلا یرد أن نفی ضرب الآن لا یدل علی نفی إطلاق الضّارب علیه فافهم ثم إنّ تحقق التّبادر وصحة السّلب إذا أثبت الوضع فیما وجدناه من الصّیغ وجب قیاس البواقی علیه لأنّ وضع المشتق نوعی کما سبق ولیس لخصوصیات المصادر مدخل فی تغییر معنی المشتق بأن یوضع الضّارب لمن تلبس به فعلا وقاتل للأعم منه وممن انقضی عنه بل نقطع باتحاد الوضع فی الجمیع کما أنّا إذا شاهدنا دلالة طائفة من صیغ الفاعل علی من قام به المبدأ حکمنا بأنّ الموضوع هو الهیئة علی القول بها فلا یرد أن ثبوت الوضع فی بعض الصّیغ لا یوجب ثبوته فی الجمیع لاحتمال عدم تحقق التّبادر فی الصّیغ الّتی لم نرها فالاستقراء ناقص لا یفید المطلوب فافهم ثم اعلم أن القول فی المسألة بین القدماء إنّما هو القول بوجوب التّلبس فعلا والقول بالأعم منه وممن انقضی عنه المبدأ ولم یکن بینهم قول ثالث لکن حدث بین المتأخرین تفاصیل شتی حیث ورد علیهم شبهات عجزوا عن حلها ففصلوا ولا بأس بالإشارة إلی منشإ توهمهم حتی یظهر فساد ما ذکروه من التّفاصیل فی طی فوائد الأولی المعتبر فی التّلبس بالمبدإ هو التّلبس العرفی لا العقلی والتّلبس العرفی یختلف بحسب المبادی لأنّ المبدأ قد یکون من الأمور الواقعة فی تدریج الزّمان بحیث لا یمکن اجتماع أجزائه فی الوجود کالتّکلّم وقد یکون من الأمور الواقعة فی الآن وهذا قسمان لأنّه بعد تحققه

ص: 186

إمّا یبقی فی الزّمان أو لا فالأوّل کالعلم فإنّه یحصل فی الآن ویبقی فی الزّمان والثّانی کالضرب فإنّه یوجد فی الآن فینعدم والتّلبس فی الأوّل إنّما هو بکون الشّخص مشغولا به ولو یحرم من أجزائه وفی الثّانی والثّالث بأن یکون متلبّسا به فعلا وبعضهم لما توهم أن المراد من التّلبّس هو التّلبّس العقلی أشکل علیه الأمر فی المبادی السّیالة کالتّکلّم فحکم بأنّ المتکلّم موضوع للأعمّ ممن تلبّس وممن انقضی عنه وإلاّ لم یصدق المتکلّم علی أحد لعدم إمکان التّلبّس بالکلام وتلبّسا عقلیّا بخلاف الغیر السّیالة فإنّه موضوع لمن تلبس به فعلا وقد عرفت فساده الثّانیة المعتبر فی التّلبّس وجود المبتدإ للذات فی الواقع وإن لم یکن ملتفتا إلی وجوده فالمؤمن النّائم متلبّس بالإیمان حال النّوم وبهذا ظهر فساد التّفصیل بین ما إذا طرأ علی المحل ضد وجودی فلا یصدق المشتق وبین عدمه فیصدق التّوهم أن المؤمن یصدق علی النّائم مع انتفاء المتلبّس لعدم طریان الضّد الوجودی ولا یصدق علی من کفر بعد إیمانه لطریانه فافهم الثّالثة إذا علق الحکم علی عنوان المشتق فقد یعتبر صدق العنوان فی بقاء الحکم أیضا کالحکم بنجاسة الماء الجاری المتغیر إذ لو زال التّغیر صار طاهرا وقد یعتبر فی محض حدوث الحکم ولکن بعد حدوثه یبقی وإن انتفی العنوان وهو لا یوجب استعمال المشتق فیما انقضی عنه المبدأ کقوله تعالی الزّانِیَةُ وَالزّانی فاجلدوا فإن وجوب الجلد یحدث عند صدق العنوان ولکن یبقی بعد انتفاء العنوان أیضا نعم ظاهر التّعلیق هو الاشتراط حدوثا وبقاء لکن القرینة هنا موجودة علی أنّه شرط حدوثا لا بقاء لعدم إمکان الجلد حال الزّنا أو الإجماع علی عدمه وذلک لا یوجب استعمال المشتق فیما انقضی عنه المبدأ فالزّانی یوم السّبت لا یصدق علیه الزّانی یوم الأحد لکن یجب حده لأنّ الحکم حدث بصدق الزّنا یوم السّبت لا بشرط بقاء العنوان وبهذا ظهر فساد التّفصیل بین ما إذا کان المشتق محکوما علیه فهو حقیقة فی الأعم مما انقضی لهذه الآیة وبین غیره فیشترط التّلبّس وأضعف من ذلک ما توهم من أنّه حقیقة فی الأعم من الاستقبال أیضا لهذه الآیة وإلاّ لم یجب الحد علی من یصدق علیه الزّانی بعد صدور الخطاب ووجه ضعفه أن التّعمیم لیس لصدق الزّانی حال الخطاب علی من یتلبّس به بعده بل لعموم الزّانی فکأنّه قال کل زانیة وزان یجب حده فیعتبر صدق الوصف بالنسبة إلی کل شخص فی زمان تلبّسه به وأمّا بالنسبة إلی من مضی فقد عرفت أنّه لعموم الحکم لا لاستعمال المشتق فافهم الرّابعة قد فصل بعضهم بین المتعدی فلا یعتبر التّلبّس فیه فعلا وغیره فیعتبر نظرا إلی صدق قاتل زید بعد انقضاء التّلبّس أیضا بخلاف الماء الطّاهر بعد عروض النّجاسة وفیه أن إطلاق القاتل بعد الانقضاء إنّما هو بالنظر إلی زمان التّلبّس فظرف الحمل فیه الزّمان الماضی وقد شاع هذا

ص: 187

الاستعمال بحیث یفهم ذلک عند عدم ذکر ظرف الحمل وعدم صحة سلب القاتل عنه إنّما هو لأنّ السّلب یعم الماضی والحال فلا یمکن بالنسبة إلی من اتصف به فی الماضی ولذا یصح أن یقال إنّه لیس یقاتل الآن فتأمل الخامسة المبدأ قد یکون فعلا وقد یکون ملکة وقد یکون حرفة والتّلبّس فی کل منها بحسبه وبهذا ظهر فساد القول بأنّه حقیقة فی الأعمّ مما انقضی إذا کان التّلبّس بالمبدإ أکثریا کما فی الخیاط والمعلم والقاری وأمثالها ووجه الدّفع أن صدق ذلک علی غیر المتلبّس إنّما هو لأن المبدأ فیها عبارة عن الملکة والحرفة والتّلبّس یلاحظ بالنظر إلیها فمن زال عنه ملکة الخیاطة لا یطلق علیه الخیاط لأنّ معناه من تلبس بملکة الخیاطة فعلا فافهم تنبیهات الأوّل قد عرفت أن أسماء الآلة حقیقة فیما أعد للشیء وإن لم یتلبّس به فعلا وأمّا أسماء الزّمان والمکان کمقتل فالحق فیها هو الحق فی أسماء الفاعلین من اشتراط التّلبّس ولا ینافی ذلک إطلاقها علی ما انقضی عنه لما عرفت أنّ ظرف الحمل یختلف بحسب ذلک وإن لم یذکر نعم بعضها قد غلب علیه جهة الاسمیّة بحیث صار کاسم الآلة کالمسجد والمذبح وأمثالها الثّانی ثمرة المسألة أنّه إذا علّق حکم علی عنوان مشتق فلا یشمل من لیس متلبّسا به فعلا علی المختار ویشمل ما انقضی عنه المبدأ أیضا علی القول الآخر ولا ینافی المختار مثل قوله تعالی الزّانیة والزّانی فاجلدوا لأنّ المشتق إنّما وضع للذات المتلبّس والحکم المتعلّق علیه یمکن أن یعلق علی الذّات المتلبّس بحیث یکون المناط هو الذّات فلا یزول بزوال العنوان یعلّق علیه بحیث یکون العنوان مناطا لحدوث الحکم لا لبقائه أن یعلق علیه بحیث یعتبر العنوان حدوثا وبقاء وقد شاع الاستعمال فی القسم الأخیر بحیث صار الکلام المعلّق علی المشتق ظاهرا فی اشتراطه حدوثا وبقاء بحیث لو أرید غیر ذلک لم یمکن بدون قرینة وقد بینا أنها موجودة فی الآیة فافهم الثّالث اختلفوا فی أن المبدأ یجب أن یکون مغایرا للذات فی المشتق أو لا ذهب الأشاعرة إلی الأوّل وبنوا علیه القول بأن صفاته تعالی غیر ذاته لحملها علیه مشتقا بقولنا هو العالم القادر ولهم علی ذلک أدلة أخر أیضا منها أنّها لو کانت عین الذّات لکان حملها علی الذّات غیر مفید لأنه فی معنی حمل الشّیء علی نفسه ومنها أنّه یلزم علی ذلک أن یکون إثبات الذّات مغنیا عن إثبات الصّفات ومنها أنّه یلزم أن یکون إثبات إحدی الصّفات مغنیا عن إثبات البواقی ومنها أن ذاته تعالی غیر معلوم وصفاته معلوم وغیر المعلوم غیر المعلوم فذاته غیر صفاته وذهب غیرهم إلی الثّانی بتقریر أن المغایرة لا یجب تحققها فی الخارج بل یکفی المغایرة الذّهنیّة ومعنی العالم هو الذّات الّذی ینکشف له الأشیاء وهذا المفهوم ملزم وغیر

ص: 188

الذّات لکن مصداقه فی الواجب عین الذّات فإنّ نفس ذاته مبدأ الانکشاف وفی الممکن غیر الذّات لأنّ مبدأ الانکشاف فیه قوة زائدة علی الذّات کما ثبت بالبراهین القاطعة وحینئذ فیکون حمل العالم علیه مفیدا لأنه بحسب المفهوم والمفهوم غیر الذّات بل هو من أفراده فهو من قبیل حمل الکلی علی الفرد وقد اندفع جمیع الوجوه المذکورة أمّا التّمسک باللّغة فلأنّه علی فرض اعتبار المغایرة الخارجیّة فیها نحمله علی المجازیّة لثبوت الاتحاد بالبرهان الغیر القائل للتّأویل وأمّا لزوم عدم إفادة الحمل فقد ظهر فساده لمغایرة المحمول مفهوما وکذا لزوم الاستغناء لجواز ثبوت الذّات بلا انتزاع تلک المفاهیم منه وکذا انتزاع البعض منه دون بعض فإثباته لا یغنی عن إثباته وکذا القیاس الأخیر لأنّ المعلوم من الصّفات هو المفاهیم ومغایرتها للذّات مسلم وأمّا مصداقها فهو عین الذّات ومجهول الکنه

بقی الکلام

فی أن حمل الموجود علیه من أی قبیل حیث إن الوجود عین ذاته فحمله علیه کحمله علی الوجود ویتم ذلک علی القول بأنّ المشتق یجب أن لا یکون فاقدا للمبدإ أو الشّیء لیس فاقدا لنفسه فیصح أن یقال الوجود موجود بمعنی أنّه لیس فاقدا لنفسه وتفصیل القول فی المقام أن المشتق کعالم مثلا إذا اعتبر فیه العلم بمعنی المصدر وهو المعنی الحدثی فیتصور له مفهومان الأوّل من قام به العلم بمعنی أنّه قد ثبت له حصة من هذا المفهوم وثبوته له أعم من أن یکون المعنی المذکور موجودا فی الخارج أو لا بل یکون ثابتا فی الذّهن ویکون منشأ انتزاعه فی الخارج کالإمکان للإنسان إذ یصح حمل الممکن علیه مع أنّ الإمکان أمر ذهنی والفرق بین الحصة والفرد أنّ الحصة یلاحظ فی المفهوم باعتبار إضافته إلی شیء کعلم زید مثلا فإنّه بهذا الوجه أمر اعتباری والفرد یلاحظ باعتبار وجوده الأصلی الخارجی ومعنی المشتق علی هذا هو الأوّل أعنی من قام به الحصّة من هذا المفهوم والثّانی من قام به فرد من العلم موجود فی الخارج وهذا علی وجهین أحدهما أن یکون قیامه بالذات کقیام الصّفة بالموصوف بأن یکون مغایرا للموصوف والثّانی أن یکون قیامه بالذات أعم من قیام الوصف بالموصوف من قیام الشّیء بنفسه وعلی الثّانی یکون معنی العالم من قام به فرد من العلم موجود فی الخارج إمّا قیام الوصف بالموصوف وإمّا قیام الشّیء بالنفس بأن یکون العالم معناه فرد من العلم قائم بنفسه والحق فی مفهوم المشتق هو القسم الأوّل لعدم صحّة سلب العالم عن الله ولیس إلاّ لثبوت العلم له بذلک المعنی ولا یلزم التّرکیب الخارجی لما عرفت أنّه لا یلزم منه وجوده فی الخارج بل یکفی کون منشإ الانتزاع موجودا فی الخارج وهو قد یکون زائدا علی الذّات کما فی الممکن وقد یکون عینه کما فی الواجب وهذا هو الخروج عن حد التّعلیل حیث أثبت له الصّفات وعن حد التّشبیه حیث

ص: 189

جعل صفاته عین الذّات ولیس معنی المشتق من قام به الفرد الموجود وإلاّ لکان حمل الممکن علی الإنسان مجازا وأیضا لا یصح ذلک فی الحمل علیه تعالی أمّا علی فرض المغایرة فلاستلزامه تعدد القدماء وأمّا علی فرض الاتحاد فلأنه مستلزم لجواز حمل العلم بالمعنی المصدری علیه تعالی وهو محال وأیضا لو کان ذلک معنی المشتق لجاز أن یحمل التّمار علی التّمر لأنّ معناه حینئذ من قام به التّمر قیام الوصف بالموصوف أو قیام الشّیء بالنفس والتّمر قائم بالنفس فیصح أنّه تمار مع أنّه باطل ثم إنّه علی فرض کون المراد من قام به الفرد هل یکون صدق المبدإ الکلی علی الفرد صدقا ذاتیا أو عرضیا فیه إشکال وطیّ الکلام عن ذکره أولی الرّابع هل یعتبر کون المبدإ قائما بالموصوف أو یکفی صدوره عنه ذهب الأشاعرة إلی الأوّل وبنوا علیه القول بالکلام النّفسی لصدق المتکلّم علیه تعالی فیعتبر قیام المبدإ به تعالی فلا یمکن أن یکون لفظا لحدوثه قالوا ولا یکفی صدور المبدإ فی الصّدق وإلاّ لصدق المتحرک علیه تعالی لإیجاده الحرکة فی الفلک وذهبت المعتزلة إلی الثّانی وأجابوا عن النّقض بأنّ أسماء الله تعالی توقیفیّة والتّحقیق أن یقال إنّه یجب قیام المبدإ بالموصوف لکن المبدأ فی المتکلّم لیس الکلام بل التّکلّم ومعناه إیجاد الکلام وهو قائم به تعالی لأنّه هو عین القدرة ومن آثارها بخلاف التّحرک فإنّ معناه الانتقال لا إیجاد الحرکة مضافا إلی أن ما ذکره الأشاعرة لا یختص بالواجب تعالی بل یجری فی الممکن لأنّ الکلام قائم بالهوی لا بالشخص قطعا فیجب أن یکون صدق المتکلّم علی الممکن أیضا باعتبار الکلام النّفسی ولم یقولوا بذلک الخامس هل المبدأ مغایر للمشتق أو هو هو ذهب أهل المعقول إلی أن المبدأ عین المشتق والفرق بینهما اعتباری بمعنی أن المبدأ أخذ بشرط لا والمشتق لا بشرط کالفرق بین الجنس والمادة والفصل والصّورة ومعنی کونه بشرط لا أنّه لوحظ وحده بحیث إنّ کل ما کان غیره یکون أمرا خارجا عنه بخلاف اللابشرط ولهذا لا یحمل المادة علی النّوع ویحمل الجنس علیه لأن الجنس مأخوذ لا بشرط والجنس لا بشرط قد یکون عین ذلک النّوع الّذی هو الموضوع بخلاف المادة وکذا الضّرب إن اعتبر بشرط لا لم یحمل علی الذّات وکان هو المبدأ وإن اعتبر لا بشرط حمل علیه وکان هو المشتق فمعنی النّطق والنّاطق أمر واحد ولیس الذّات مأخوذا فی المشتق لأنّ أخذ مصداق الذّات یوجب انقلاب الممکنة ضروریّة کقولک زید کاتب بالإمکان لأنّه حینئذ فی معنی زید زید وأخذ مفهومه موجب لصیرورة الحدود رسوما لأنّ النّاطق إذا أخذ فیه مفهوم الذّات لم یکن ذاتیا للإنسان بل یکون عرضیا فلا یکون فصلا وفیه نظر لأنّ الذّات مأخوذ مفهوما قطعا وتسمیة النّاطق فصلا مسامحة إذ لا اطلاع لغیر علاّم الغیوم علی ذاتیات الأشیاء لکنهم

ص: 190

لاحظوا لبعض خواص النّوع مما هو أقرب إلی فصله فاشتقوا منه ما جعلوه فصلا ولذا ذکروا الحساس والمتحرک بالإرادة معا فصلا للحیوان مع امتناع أن یکون للشّیء الواحد فصل فی عرضه واحدة لکن لما وجدوا له خاصیتین ولم یتبینوا أن أیّهما أقرب إلی الفصل ذکروهما معا فی التّعریف فتأمّل وبما ذکرنا علم أن المعنی المشتق مرکب من الذّات والعنوان فی مقام التّحلیل وإن عبر عنه بلفظ بسیط فافهم

أصل فی الأوامر

والکلام فی مقامین أحدهما فی مادة الأمر والثّانی فی هیئته ووجه ذکرهما فی علم الأصول کثرة وقوع الاختلاف فیهما فلا یرد أن مسائل العلم ما کان موضوعه موضوع العلم أو نوع منه وعرض ذاتی له ما یکون المراد من الأوامر خصوص ما فی الکتاب والسّنة أو العموم وکیف کان لا وجه لتخصیصهما من بین سائر المواد والهیئات الثّابتة فی الکتاب والسّنة ولا حاجة إلی ما قیل فی الاعتذار من أن مواد اللّغة لیس مستندها معلوما معرفتها هو الرّجوع إلی النّقلة بخلاف الهیئات للعلم باتحاد معناها بالنظر إلی اللّغات فیمکن للشّخص الاجتهاد فیها بالرّجوع إلی مرادفاتها مع أن هذا الاعتذار لا یجری فی ذکر مادة الأمر والأمر سهل

المقام الأوّل

وفیه مطالب الأوّل عرف الأمر تارة بأنه القول الدّال علی الطّلب وأخری بأنه الطّلب المدلول بالقول وربما أرجع الأوّل إلی الثّانی بأنّ المراد بالقول فی الأوّل القول النّفسی وهذا فاسد لأنّ القول النّفسی إمّا عبارة عن مدلول القول اللّفظی فهو عین الطّلب لا أنّه دالّ علی الطّلب وإمّا عبارة عن صورة الألفاظ المرتبة فی الذّهن فهو غیر الطّلب المدلول وربما قیل إنّ التّعریف الثّانی تسامح ومراده هو القول وهو بعید والحق أنّه عبارة عن الطّلب بالمعنی الحدثی المصدری لا المعنی الحاصل بالمصدر فی نفس الطّالب لاشتقاق أمر ویأمر وغیرهما منه فإنّ الأصل فی الاشتقاق أن یکون من المصدر وبهذا یضعف جعله بمعنی القول لاختلاف معنی القول والمأمور بخلاف ما إذا جعل بمعنی الطّلب إذا المراد به الإلزام والمأمور هو الملزم لا یقال إنّ القول بمعنی الخطاب والمأمور هو المخاطب لأنّا نقول القول غیر الخطاب لأنّ الخطاب هو توجیه الشّخص بالکلام فقد لوحظ فیه الشّخص بخلاف القول ثم إنّه هل یعتبر فیه کونه مدلولا علیه باللّفظ الحقیقی أو لا بل یکفی إفادته بالإشارة والکنایة أو باللّفظ المجازی وغیر ذلک الحق هو الثّانی لصدق الأمر علی الجمیع عرفا الثّانی اختلفوا فی أنّ معناه هو مطلق الطّلب أو خصوص المانع من النّقیض أعنی الوجوب والثّمرة بینهما ظاهر لأنه علی الأوّل لا یحمل علی أحدهما إلاّ بالقرینة بخلافه علی الثّانی لکن من الأوّلین من ادعی أنّه منصرف إلی خصوص الطّلب الوجوبی انصراف الکلی إلی الفرد الشّائع الظّاهر والحق هو القول الثّانی لتبادر الوجوب منه عرفا مضافا إلی ما ذکروه

ص: 191

من قوله تعالی فَلْیَحْذَرِ الّذینَ یُخالِفونَ عَنْ أَمْرِهِ وقوله تعالی ما مَنَعَکَ أَنْ لا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُکَ وحدیث بریرة أتأمرنی قال بل أنا شافع وإذا أمرتکم بشیء فأتوا منه ما استطعتم وغیر ذلک ودعوی التّبادر إنّما تنفع قبالا لمن یقول بوضعه لمطلق الطّلب من دون دعوی الانصراف وأمّا من یقول بأنّه منصرف إلی خصوص الوجوب فلا یضره التّبادر فیحکم بأنه لغلبة الاستعمال فهو إطلاقی لا وضعی ویمکن أن یقال إن المتبادر فی العرف هو الوجوب بخصوصه وإن کان لغلبة الاستعمال وغلبة الاستعمال من أمارات الحقیقة کما مر سابقا ومقتضی ذلک کونه حقیقة فی خصوص الوجوب لا یقال إن کونه حقیقة فی الوجوب لا ینافی وضعه لمطلق الطّلب لأنّه من باب إطلاق الکلی علی الفرد لأنّا نقول لیس المتبادر أولا مطلق الطّلب ثم ینصرف إلی الوجوب بل المتبادر ابتداء خصوص الوجوب کما لا یخفی علی من رجع إلی العرف ثم إنّ هذا القائل لم یفرق بین مادة الأمر وهیئته فحکم بالانصراف فی الهیئة أیضا وهو ینافی ما ذکروه من أن معنی الإنشاء جزئی وهو الفرد الموجود فی النّفس عند إنشاء اللّفظ والانصراف لا یطلق اصطلاحا إلاّ علی الکلی المنصرف إلی فرده لا یقال إن الطّلب الحاصل فی النّفس إنّما یحکم بجزئیته من حیث إنّه من أفراد مطلق الطّلب قائم بالنفس فلا یمتنع کونه کلها بالقیاس إلی الوجوب والنّدب لأنّا نقول الجنس لا تقوم له فی الخارج بدون الفصل فحصول الطّلب فی النّفس لا یمکن بدون أحد الفصلین من الوجوب والنّدب فإن وجود الطّلب فی الخارج هو قیامه بنفس الطّالب فلا یمکن بدون الفصل وعلی هذا فیجب أن یقول إنّه لوحظ مطلق الطّلب ووضع بإزاء جزئیات الوجوب وجزئیات النّدب لا جزئیات مطلق الطّلب الّتی هی کلیات بالنسبة إلی الوجوب والنّدب لما علمت أنّه لا یوجد فی الخارج أی فی النّفس والحاصل أن مراد من یقول إن الموضوع له هو مطلق الطّلب فی الهیئة أن آلة الملاحظة فی الوضع هو مطلق الطّلب والموضوع له کل واحد من جزئیات الوجوب والنّدب ومن یقول إن الموضوع له هو الوجوب مراده أنّه الملحوظ والموضوع له جزئیاته خاصة وبهذا ظهر فساد ما قالوا فی ترجیح القول الثّانی علی الأوّل بأنّه علی الأوّل یکون استعماله فی کل من الوجوب والنّدب مجاز بخلافه علی الثّانی وکذا ما قیل فی رده بأنّه علی الثّانی أیضا یکون استعماله فی النّدب وفی المطلق مجازا فتساویا مع أنّه قد لا یکون استعماله علی الأوّل مجازا فی الوجوب والنّدب لجواز کونه من باب إطلاق الکلی علی الفرد وذلک لما بینا أنّ مراده أن الموضوع له هو جزئیات الوجوب والنّدب والملحوظ حال الوضع هو المطلق والمستعمل فیه لا یکون إلاّ جزئیات الوجوب والنّدب واستعماله فیهما استعمال فیما وضع له لا من قبیل إطلاق الکلی علی الفرد فتلخّص من ذلک

ص: 192

أن دعوی الانصراف لا تصح فی الهیئة إن قلنا بأنّ المنع من التّرک والإذن فیه فصلان للطّلب وکذا لو قلنا بأنّ الطّلب نوع وهما عرضان له لأنّ النّوع أیضا لا یوجد فی الخارج بدون عوض من الأعراض ولا یمکن أن یقال إنّ الطّلب قد یوجد فی النّفس من دون الفصلین حال الغفلة لأنّا نقول الوجوب والنّدب أمران بسیطان وإنّما ینتزع منهما الطّلب والمنع من التّرک أو الإذن فیه عقلا فلا یمکن حصول الطّلب بدون حصول أحدهما نعم یمکن کون الملحوظ فی الوضع هو جهة الطّلب دون الخصوصیة بأن یقال قد لوحظ مطلق الطّلب ووضع اللّفظ بإزاء جزئیات الوجوب والنّدب من حیث إنّها من جزئیات الطّلب لا من حیث إنّها من جزئیات الوجوب أو النّدب ولا ثمرة فی ذلک فتأمّل وحینئذ فیشکل الأمر فی نحو اغتسل للجمعة والجنابة إلاّ أن یجاب بالحذف وأنّ التّقدیر واغتسل للجنابة وکذا فی نحو أکرم العلماء حیث استعمل فی الأکثر من طلب واحدا لا أن یلتزم بجوازه فی خصوص المقام فتأمل جدا الثّالث اختلفوا فی اعتبار الاستعلاء والعلوّ فی معنی الأمر علی أقوال اعتبارهما واعتبار الاستعلاء دون العلوم وبالعکس اعتبار أحدهما وهو الحق أمّا کفایة الاستعلاء فظاهر کما تری أنّه یذم الدّنی المستعلی علی الغیر فی الطّلب ویقال له أتأمره وهو أعلی منک وهذا الذّم یمکن أن یکون لتصدی الدّانی لأمر لا یقدر علیه أعنی إنشاء الأمر لاعتبار العلوّ فی الأمر ولا علوّ فی الدّانی ویمکن أن یکون لتصدیه لأمر لا یلیق به وهو الاستعلاء وهو الأصح وأمّا کفایة العلوّ فلصدق الأمر علی طلب المولی من العبد شیئا من دون استعلاء لکن یشترط عدم کونه بخضوع فالمعتبر إمّا الاستعلاء أو العلوّ الّذی لا یکون مع الخضوع والاستدلال علی عدم اعتبارهما بقوله تعالی حکایة عن فرعون لقومه فما ذا تأمرون وکذا بلقیس وقول عمرو بن عاص لمعاویة أمرتک فعصیتنی مع أنّهم رعایا لا علوّ فیهم ولا استعلاء فاسد لأنّ السّلطان فی مقام المشورة أدنی من الوزیر المستشار ثم إن المراد بالعلوّ کونه بحیث یجب إطاعته عقلا أو شرعا أو عادة الرّابع قیل فی تعریف الأمر أنّه طلب الفعل فأورد علیه بأنّه إن کان المراد بالفعل الأمر الوجودی خرج مثل اترک أو مطلق الحدث دخل النّهی لأنّه طلب التّرک وربما زاد بعضهم أنّه طلب الفعل غیر الکف فأورد علیه بخروج مثل کفّ عن الزّنا فأجیب بأنّ المراد من الکفّ الکفّ الّذی هو مدلول النّهی بناء علی دلالته علی الکفّ وهو باطل کما سیأتی والتّحقیق أن یقال إنّ الأمر هو طلب الشّیء بمعنی أنّه الإغراء علی الشّیء والنّهی هو المنع عن الشّیء فمثل قولک کفّ عن الزّنا من حیث إنّه باعث علی الکفّ وإغراء به أمر ومن حیث إنّه مانع عن الزّنا نهی فالاختلاف بینهما لغة إنّما هو بالحیثیّة فافهم

المقام الثّانی

وفیه مطالب الأوّل صیغة افعل وما بمعناها حقیقة فی الوجوب للتّبادر ولذم العبد التّارک للضرب بعد قول المولی له اضرب ولیس القرینة فیه علوّ

ص: 193

المولی لأنّ المولی یطلب المستحبات أیضا وللآیات والأخبار السّابقة بتقریب أنّه إذا قال العالی اضرب یقال إنّه أمر وقد ثبت أن الأمر للوجوب بتلک الآیات والأخبار لا یقال إنّ العلوّ شرط فی إفادة الوجوب لأنّا نقول إمّا یعتبر العلوّ فی جانب الموضوع فیقال الصّیغة الصّادرة من العالی حقیقة فی الوجوب فهو فاسد لأنّه احتمال ضعیف مع أنّه عدیم النّظیر فی الألفاظ حیث لم یعتبر خصوصیّة المتکلّم فیها وإمّا یعتبر فی جانب الموضوع له فیقال الصّیغة حقیقة فی الطّلب الصّادر من العالی کلفظ الأمر فهو أیضا باطل لأنها إنشاء فیکون مراد القائل إنّها وضعت لتصدر من العالی فیلزم أن یکون صدورها من الدّانی غلطا ولیس کذلک بخلاف لفظ الأمر لأنّه إخبار ولا ضیر فی کون إطلاقه علی الدّانی مجازا الثّانی الوجوب علی أقسام مطلق ومشروط نفسی وغیری عینی وکفائی تعیینی وتخییری تعبدی وتوصّلی وهل الوجوب حقیقة فی الجمیع أو لا وهو موقوف علی تحقیق أن الوجوب حقیقة واحدة واختلافه إنّما هو باختلاف المتعلقات أو لا بل هو هذه الأقسام مختلفة الحقائق فعلی الأوّل لا معنی للنّزاع فی أنّه حقیقة فی الجمیع أو مجاز وعلی الثّانی یمکن ذلک فنقول أمّا القسمان الأوّلان أعنی المطلق والمشروط فالحق أنّهما متفقان فی الحقیقة واختلافهما إنّما هو بالاختلاف فی المتعلق وذلک لأنّ الوجوب فی الواجب المشروط یحصل بمحض الطّلب لکن المتعلق شیء مقید فقولنا حج إن استطعت الوجوب حاصل فیه من حیث حین الخطاب لأنّه إنشاء لا یقبل التّعلیق لکن المطلوب الحج المقید بالاستطاعة بخلاف ما إذا قیل حج فإنّه مطلق لعدم تقیید المتعلق بشیء کذا قیل ویشکل بأنهم قد فرّقوا بین الواجب المطلق والمشروط بأنّ الأوّل یجب مقدماته بخلاف الثّانی فلو قال المولی صل مع الطّهارة وجب تحصیل الطّهارة بخلاف ما لو قال صل إن تطهرت فلو کان الشّرط بمنزلة قید المطلوب وجب تحصیله أیضا فالأولی أن یقال إن الشّرط فی الواجب المشروط قید فی المکلف فقوله حج إن استطعت بمنزلة المستطیع یجب علیه الحج ولا یجب علی الشّخص أن یدخل نفسه فی موضوع التّکلیف ومن ذلک ما لو قیل أکرم زیدا إذا طلعت الشّمس فإنّ المکلف هو الشّخص المصادف للطلوع ولا فرق بینه وبین قولنا أکرم زیدا فی الغد فإنّه أیضا مشروط فالضابط أنّ کل قید کان الطّلب مترتبا علیه کالأمور الغیر الاختیاریّة کالوقت وکالاستطاعة فی الحج فالواجب بالنسبة إلیه مشروط وهو معتبر فی عنوان المکلف وکل قید ترتب هو علی الطّلب کان الواجب بالنّسبة إلیه مطلقا کالطّهارة وبما ذکرنا ظهر فساد ما قیل إنّه إذا قال المولی حج فی الموسم فهو واجب مطلق معلّق وإذا قال حج إن دخل الموسم فهو واجب مشروط وذلک لما عرفت أنّ الواجب بالنّسبة إلی الأمر الغیر الاختیاری لا یمکن أن یکون مطلقا ویمکن أن یقال فی الفرق إنّ وجود القید فی المشروط معتبر فی المکلف وکون الشّخص ممن یحصل فیه الوصف موضوع

ص: 194

للمعلق فالقید فی المعلق حاصل للمکلف من حین الخطاب فیتعلق به الطّلب ویجب مقدماته المقدرة بخلاف المشروط فافهم فحاصل الکلام أنّهما متحدان فی الحقیقة وإن اختلفا بحسب الموضوع والمکلف ثم لا یخفی أن هذا لا ینافی حمل الخطاب علی الواجب المطلق ما لم یبین الشّرط وذلک لأنّه لیس لکون الأمر مجازا فی المشروط بل إنّما هو لأنّ المکلف یکون ذات الشّخص عند عدم ذکر الشّرط نظیر اللّفظ الموضوع للطّبیعة فإنّه یحمل علی الإطلاق ما لم یذکر القید فإذا ذکر القید لم یکن مجازا وهذا یکفی فی رد السّید المرتضی ره حیث ادعی أنّه إذا ورد الخطاب المطلق لم یمکن حمله علی الوجوب المطلق لاشتراک الأمر بینه وبین ذلک المشروط ولا یحتاج رده إلی ما ذکره بعضهم من أنّه مجاز فی الواجب المشروط إذ هو لیس بواجب حقیقة قبل حصول الشّرط مع أن ما ذکره فاسد من أصله لما عرفت أن الوجوب إنشاء یحصل بمحض إنشاء الصّیغة ولا یلزم فی تحقق الوجوب تحقق المکلف فی الخارج لجواز أن یلاحظ عنوان المستطیع فی الذّهن ویطلب منه الحج فکل من دخل تحت العنوان وجب علیه حینئذ لا لأنّ الوجوب لم یکن حاصلا قبل دخوله تحت العنوان بل لأنّه لم یکن من أفراد عنوان المکلف فافهم أو تأمل تفهم وأمّا بالنّسبة إلی التّعیین والتّخییر فالظّاهر من المشهور عن غیر الأردبیلی رحمه الله أنّه حقیقة فیهما وذلک لأنّهم ذکروا فی وجه حمل المطلق علی المقید أنّ المقید هو المتیقّن ولو کان الأمر مجازا فی التّخییری لقالوا بأنّ أصالة الحقیقة فی الأمر یقتضی الحمل المذکور إذ لو لم یحمل المطلق علی المقید فمقتضی اتحاد التّکلیف حمل أمر المقید علی التّخییری وهو مجاز بخلاف إرادة المقید من المطلق فإنّه لیس مجازا علی التّحقیق ثم إنّ تحقیق المطلب یتوقف علی بیان أن الوجوب حقیقة واحدة بالنسبة إلیهما أو هما حقیقتان مختلفان وفهم ذلک موقوف علی فهم معنی الوجوب التّخییری فنقول ذهب الأشاعرة إلی أنّ الواجب فی التّخییری هو أحد الأبدال لا بعینه وعند المشهور أنّ الواجب کل واحد منها لا إلی بدل وأورد علی الثّانی بأنّه إن کان المراد أن وجوب کل منها مشروط بترک الآخر لزم أنّه حین ترک الجمیع یکون کل منها واجبا معینا لوجود شرطه وهو ترک الآخر وإن کان المراد أنّ الواجب مقید بمعنی أن الوجوب عبارة عن الطّلب مع المنع من التّرک المطلق أمّا التّرک إلی بدل فلیس بنوع لزم تعدد العقاب عند ترک الجمیع لأنّ کل واحد ترک مطلقا وقد کان ممنوعا وأیضا تعدد المطلوب کاشف عن تعدد الطّلب وحدة الطّلب کاشف عن وحدة المطلوب إذ لا یمکن وحدة الطّلب وتعدد المطلوب بمعنی أن یکون کل منها مطلوبا بالاستقلال وذلک لأنّ مقتضی المطلوب المستقل أنّه لو أتی به سقط الطّلب فیلزم بقاء المطلوب الآخر بدون الطّلب أو سقوطه فلا یکون مستقلا والمفروض أن الطّلب فی التّخییری واحد فیجب أن یکون المطلوب أیضا

ص: 195

واحدا وهو الکلی المنتزع الّذی یدل علیه أداة التّخییر وهو أحد الأبدال لا بعینه وهو واجب معین یلزم ترکه من ترک الجمیع فیثبت عقاب واحد علی ترکه وحینئذ فاتحد حقیقة الوجوب بالنسبة إلیهما لکن إذا ورد الأمر حمل علی التّعیینی لأنّ ظاهر الهیئة مطلوبیّة المادة لا الأمر المنتزع ویبعد القول المذکور أنّه یلزم علیه عدم کون الفرد واجبا أصلا عند الأمر بالکلی مع أنهم ذکروا أنّه واجب مقدمة بالوجوب التّخییری إذ صار حاصل الوجوب التّخییری وجوب الکلی وأیضا فإن الحکم یتبع المصالح ولا مصلحة فی مفهوم أحدهما بل هی فی الفردین فالتّحقیق أنّ الواجب هو الفردان علی التّردید بمعنی أنّ التّردید یعتبر أوّلا ثم یطلب الأمر المردد فیحصل المطلوب بأحدهما وینتفی بانتفاء المجموع وأمّا بالنسبة إلی النّفسی والغیری فحقیقة فیهما لرجوع النّفسی إلی المطلق والغیری إن کان بصدد وجوب الغیر فیرجع إلی المطلق وقبله إلی المشروط وکذا بالنسبة إلی العینی والکفائی فإنّهما یرجعان إلی التّعیینی والتّخییری إلاّ أنّ التّردید هنا إنّما هو بالنّسبة إلی المکلف ولا دخل له فی اختلاف مفهوم الوجوب وکذا التّعبدیّة والتّوصّلیّة لا توجبان تعدد حقیقة الوجوب هذا لکن الظّاهر من الأمر هو الوجوب المطلق النّفسی التّعیینی العینی التّوصّلی أمّا الأوّل والثّانی فلأصالة عدم التّقیید کما مر وأمّا الثّالث والرّابع فلأنّ الظّاهر من الأمر طلب مادته لا مفهوم أحدهما لأصالة عدم السّقوط بفعل الآخر وأمّا الأخیر فلعدم فهم اشتراط القربة من الأمر وسیأتی تحقیقه إن شاء الله ثم إنّه إذا قامت قرینة موجبة للخروج عن الأصل ودار الأمر بین وجهین من الوجوه المخالفة للأصل فیتصور هناک صور منها دوران الأمر بین کون شیء شرطا للوجوب وکونه شرطا للوجود فقیل بترجیح الثّانی لأنّ الأوّل ینافی عموم الهیئة بخلاف الثّانی فإنّه یقید إطلاق المادة ولأنّه إذا کان قیدا للوجوب کان قیدا للوجود الواجب أیضا فتقیید الوجود هو القدر المتیقن وفیه أنّ الهیئة أیضا مطلق فعمومها عقلی لا لغوی وتقید الوجوب لا یقتضی تقیید الوجود فإنّ التّقیید تابع للاعتبار والّذی یلزم من تقیید الوجوب هو تقید الوجود قهرا لا تقییده کما هو المطلوب ومنها دوران الأمر بین کون الشّیء شرطا للوجوب حدوثا أو حدوثا وبقاء فمقتضی أصالة البراءة هو الثّانی ومنها دوران الأمر بین کون الحدوث شرطا لحدوث الوجوب والبقاء لبقائه أو البقاء للوجود فقط ومنها دورانه بین کون الحدوث شرطا لحدوث الوجوب والبقاء لبقائه أو کلاهما للوجود وفی کلا الصّورتین قبل حدوث الشّرط الأصل هو البراءة وبعده یستصحب الاشتغال ویکون شکا فی المکلف به ومنها دورانه بین المشروط والتّخییری فقبل حصول الشّرط الأصل هو البراءة وبعده الأصل عدم سقوطه بفعل لآخر ومنها دورانه بین المشروط والکفائی فقبل الشّرط یجری البراءة وکذا

ص: 196

بعده إن قارن العلم بقیام الغیر به للشّک فی تعلق التّکلیف رأسا وإلاّ فالأصل عدم سقوطه بفعل الغیر ومنها دورانه بین التّخییری والکفائی فقبل قیام الغیر یجب الفرد المحتمل التّعین للاشتغال وبعده یتخیر بینهما إذ لو کان معینا فقد سقط بفعل الغیر ومنها دورانه بین أحد الوجوه والاستحباب بناء علی کونه حقیقة فیها مجازا فی الاستحباب فمقتضی الأصل تقدیم الوجوه المذکورة لکن ربما یقدم الاستحباب لبعض الوجوه کما حکموا بأنّ الأمر بالنزح محمول علی الاستحباب النّفسی وقدموه علی الوجوب الغیری کما قدموا حمل المطلق علی المقیّد مع قولهم بمجازیته علی حمل أمر المقیّد علی التّخییری لفهم العرف هذا مقتضی القواعد وأمّا مقتضی الأصل العملی فهو نفی الوجوب إذا دار الأمر بین الوجوب والاستحباب وقد یحکم بثبوت الرّجحان إذا کان متیقّنا بقی الکلام فی دوران الأمر بین التّعبدی والتّوصّلی والتّحقیق فیه یحتاج إلی بسط فی الکلام فنقول أوّلا أنّه قیل الفرق بین الواجب التّعبدی والتّوصّلی وجوه الأوّل أنّ الواجب التّعبدی محتاج إلی قصد القربة بخلاف التّوصّلی وهذا ینحل إلی أمرین القصد والقربة والتّوصّلی لا یحتاج إلی شیء منهما والثّانی أن الأوّل یجب فیه المباشرة بخلاف الثّانی والثّالث أن الأوّل لا یجتمع مع الحرام بخلاف الثّانی وقد ینتقض بأن وقاع المرأة الواجب فی القسم لا یحتاج إلی القربة مع وجوب المباشرة فیه وأن الحج محتاج إلی نیّة التّقرب مع أنّه قد یقبل النّیابة وکیف کان فهل الأمر بنفسه یقتضی التّعبدیّة أو التّوصّلیّة فنقول أمّا وجوب نیّة التّقرب فلیس مدلولا للأمر لأنّه فرع الأمر فلا یکن إرادته منه بل هو مستلزم للدور وأمّا وجوب المباشرة فالتّحقیق أن الأمر یقتضیه کما یقتضی تعیین الفعل فقولک اضرب کما یقتضی وجوب الضّرب دون القتل فکذا یقتضی صدوره من المخاطب دون غیره مضافا إلی أن المأمور هو المخاطب فلا یمکن أن یکون المأمور به فعل غیره ولا الأعم لعدم کونه مقدورا له نعم یمکن کونه مسقطا للواجب لحصول لا لتحقق الامتثال فإن حصوله بفعل الغیر غیر ممکن وأمّا وجوب القصد قولان أحدهما عدمه لعدم دلالة الأمر علیه لغة ولا عرفا ولا عقلا والثّانی ثبوته لوجوه الأوّل أنّ الأمر مشتق من المصدر والمصدر إنّما وضع للفعل الصّادر عن القصد فالضرب لم یوضع إلاّ للمقصود منه أو یقال إن معنی اضرب اطلب ضربک والمصدر المضاف حقیقة فی الفعل المقصود یعنی أن هیئة الإضافة وضعت لذلک وعلی الأوّل فیحمل قوله صلی الله علیه وآله لا عمل إلاّ بالنّیّة علی نفی الذّات والثّانی أن الأمر وإن لم یکن حقیقة فی ذلک لکنه ینصرف إلیه لشیوع استعماله فی المقصود والثّالث أن العقل یقتضی ذلک لأنّ المأمور فی الحقیقة هو النّفس لا البدن لکن العامل هو البدن فتکلیف النّفس بعثه البدن علی العمل والبعث علی الشّیء لا یمکن بدون تصوره وقصده والرّابع أن المأمور به هو

ص: 197

الفعل الاختیاری والفعل الاختیاری لا یمکن صدوره بدون القصد بل بدون الغایة لأنّ نسبة الاختیار إلی الوجود والعدم متساویة فتأثیره فی أحدهما بدون القصد والمرجح محال فکل فعل لم یصدر بالقصد فهو غیر اختیاری یستحیل التّکلیف به أو بالأعم منه ومن الاختیاری هذا لکن الوجه الأوّل فاسد لعدم صحة سلب المصدر عن الأفعال الغیر الاختیاریّة کما یقال جری الماء وتحرک الحجر وسقط الجدار وغیر ذلک وکذا الوجه الثّالث إذ لا نسلم أن العامل هو البدن حتی یحتاج بعث النّفس له إلی القصد بل العامل هو النّفس والبدن آلة فإذا جاز صدور الفعل من العاقل بلا قصد جاز من النّفس أیضا فتأمّل وهل یعتبر القصد بالعنوان الّذی تعلق به الأمر أو یکفی القصد بعنوان آخر وأن غفل عن ذلک العنوان الحق هو الأوّل لما ذکر أن التّکلیف إنّما یتعلق بالأمر الاختیاری فالعنوان المتعلق للأمر یجب أن یکون اختیاریّا وهو لا یمکن بدون القصد فلو شرب الخمر باعتقاد أنّه ماء لم یفعل حراما حیث لم یقصد شربه بعنوان الخمریّة نعم إذا لزم من قصد عنوان قصد العنوان المتعلق للأمر تبعا کفی فی التّکلیف کما لو کان ملتفتا بأنه خمر وشربه بعنوان أنّه مائع مسکن للعطش فإنّه حرام حینئذ فافهم فعلم مما ذکرنا أن اعتبار المباشرة مقتضی الأمر واعتبار قصد العنوان مقتضی العقل والعرف وأمّا الفرق بجواز الاجتماع مع الحرام ففاسد لأنّ المناط فیه هو أن تعدد الجهة مجد فی جواز اجتماع الأمر والنّهی أوّلا فعلی الأوّل یجوز فی التّعبدی أیضا وعلی الثّانی لا مطلقا نعم قد یکون الحرام مسقطا عن الواجب التّوصّلی فالفرق بینها جید هذا ثم إنّ الأصل فی الواجب هل هو اشتراط نیّة القربة فیه أو لا بمعنی أنّه هل یوجد من الخارج ما یدل علی أن القاعدة فی الواجب هی اشتراط ذلک ولا بعد ما عرفت من عدم دلالة الأمر علیه فنقول مما تمسکوا به علی ذلک قوله تعالی وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِیَعْبُدوا اللهَ مُخْلِصینَ لَهُ الدّینَ بتقریب أنّ مفادها حصر غایة الأوامر فی العبادة لله علی وجه الإخلاص فإنّ تعدیة الأمر إلی المأمور به إنّما هو بالباء فذکر اللام إنّما هو العلة الغائیّة ولبیان غایة المأمور به وهذا یدل علی المطلوب لوجهین أحدهما أن العبادة لغة هو الفعل علی وجه الامتثال فتدل علی أن الغرض هو العمل علی وجه الامتثال وهو المراد بقصد القربة والثّانی أنّ ذلک معنی العبارة علی وجه إخلاص للدین لأنّ الدّین إمّا بمعنی القلب أو بمعنی الشّریعة وکیف کان یدل علی اعتبار إتیان الفعل خالصا لله بأن یلاحظ فیه دون غیره فیدل علی اعتبار القربة مع اعتبار عدم غیرها من الدّواعی کالوضوء للقربة والتّبرد مثلا وأورد علیه بأنّ الآیة فی بیان تکالیف أهل الکتاب فی شریعتهم فلا یدل علی أنّ ذلک هو تکلیفنا ولا یمکن إجراء أصالة عدم النّسخ لأنّها إمّا ترجع

ص: 198

إلی أصالة عدم التّقیید الزّمانی وهو إنّما یمکن فیما إذا کان المکلف عموم النّاس بإطلاق الزّمان وأمّا إذا کان المکلف خصوص بعض الأشخاص کالمشافهین فلا وإمّا ترجع إلی استصحاب الحکم السّابق وهو أیضا باطل لأنّ الموضوع هو أهل ذلک الزّمان من المکلفین فلا یمکن الاستصحاب فی حق غیرهم لأنّ ثبوت الحکم فی حقهم مشکوک ابتداء مع أنّ العلم الإجمالی بثبوت النّسخ یمنع عن إجراء الاستصحاب کما فی الشّبهة المحصورة وأجیب أوّلا بأنّا لا نحتاج إلی الاستصحاب لأنّه قوله تعالی وَذلکَ دینُ القَیِّمَة دالّ علی أنّه تکلیفنا مضافا إلی سیاق الآیة وثانیا أن الاستصحاب لا مانع من إجرائه لأنّ الحکم السّابق إنّما کان لعنوان المکلف من دون مدخلیّة لخصوصیات الأشخاص حتی أنّ أهل الشّریعة المتأخرة لو کانوا موجودین فی الشّریعة السّابقة لکانوا مکلفین بها بل الموجب لنسخ الأحکام هو اختلاف الزمان وحینئذ فإذا شک فی أنّه هل صار سببا لارتفاع الحکم الفلانی جاز استصحابه وأمّا العلم الإجمالی فلا یضر فی المقام بیان ذلک أن السّر فی مانعیّة العلم الإجمالی فی الشّبهة المحصورة وحکمه بوجوب الاحتیاط فیه إنّما هو لوجود العلم بالتّکلیف ولا یتیقن بامتثاله إلاّ بترک الجمیع فیجب من باب المقدمة لکن إذا کان أحد الطّرفین معلوم الحکم من وجه آخر لم یکن العلم الإجمالی مانعا کما إذا وقع نجاسة فی أحد الإناءین وکان أحدهما بولا والآخر ماء لم یمنع من جواز استعمال الماء للشّک فی أنّه بوقوعه هل أحدث تکلیفا جدیدا أو لا فالأصل البراءة إذا علم هذا فنقول إنّ الأحکام الّتی یعلم أنّها منسوخة فی الشّریعة إجمالا إمّا نعلم أنّها کانت وجوبات نسخت إلی الإباحة وحینئذ فلا یخفی أنّ مقتضی الاحتیاط الحکم ببقاء الوجوب ولا ینافی کونه مباحا فی الشّریعة لأنّه لا ینافی الإتیان باحتمال الوجوب من باب المقدمة کما فیما نحن فیه لأنّ قصد القربة کانت واجبة ونشک فی کونها منسوخة إلی الإباحة فیجب إتیانها احتیاطا وإمّا نعلم أنّها نقلت من الإباحة إلی الوجوب فحینئذ نقول إنّ هناک وجوبات معینة معلومة فی الشّریعة ولا نعلم أنها هی الوجوبات المنقول إلیها حتی یکون غیرها أعنی الموارد المشکوکة باقیا علی ما کان علیه من الإباحة أو لا بل الموارد المشکوکة من جملة الواجبات المنقول إلیها فلا شبهة أنّا نحکم ببقاء الموارد المشکوکة علی إباحتها السّابقة ولا یضره العلم الإجمالی لما عرفت من مثال الشّبهة المحصورة هذا لکن فی الاستدلال بالآیة نظر من وجوه أخر أوجهها أنّ اللاّم لیس للغایة لأنّ قوله تعالی وَیُقیمُوا الصلاة وَیُؤْتُوا الزکاة معطوف علی یَعْبُدُوا اللهَ فلو کان اللاّم للغایة لزم أن یکون غایة کل عمل إقامة الصّلاة وإتیاء الزّکاة بل اللام للتّعدیة کما فی قوله تعالی وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَیْنَکُمْ والمراد بالعبادة هو المراد فی قوله تعالی وَقَضی رَبُّکَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِیَّاهُ والمراد بالإخلاص عدم

ص: 199

جعل الشّریک له تعالی فافهم ومنها أنا سلمنا أنّ اللاّم للغایة والمراد قصد القربة لکن یتعارض الآیة مع کل ما علمت من الأدلّة الواردة فی الأفعال الواجبة إذ لم یعتبر فیها بقصد القربة وتلک أخص مطلقا من الآیة فیقدم علیها ولا أقل من کونها أخص من وجه فیثبت التّعارض فلا یتم الاستدلال وفیه أنّ الآیة واردة علی تلک الأدلّة ومفسرة لها فلا یمکن تقدیم تلک الأدلّة علیها وإلاّ لزم طرح الآیة رأسا ومنها أن المستثنی منه المحذوف هو الغایة لا المفعول والمعنی وما أمروا لغایة إلاّ لیعبدوا ولیس المعنی وما أمروا بشیء لشیء إلاّ لیعبدوا وحینئذ فیصدق مضمون الآیة بلزوم قصد القربة فی واجب من الواجبات لأنّها حینئذ مهملة من جهة المأمور به وفیه أنّ الظّاهر هو العموم مضافا إلی إفادة حذف المتعلق ومنها أنّ الحصر إنّما یرجع إلی الإخلاص لأنّه القید فی الکلام فالمعنی حصر غایة العبادة فی الإخلاص لا حصر غایة الأوامر فی العبادة وفیه أنّ هذا إنّما یتم لو قال وما أمروا بالعبادة إلاّ للإخلاص ولیس کذلک بل المعنی أنّ غایة کل الأوامر منحصرة فی العبادة علی وجه الإخلاص ومنها أنّه لا شک فی وجود الواجبات التّوصّلیّة فی تلک الشّریعة واللاّم فی الآیة یحتمل أن تکون مستعملة فی الغایة القریب فیلزم التّخصیص بخروج الواجبات التّوصّلیّة إذ لیس القربة غایتها القریبة ویحتمل أن تکون مستعملة فی الأعمّ من الغایة القریبة والبعیدة فلا تخصیص لأن العبادة غایة لجمیع الواجبات بهذا المعنی قال تعالی وما خلقت الجن والإنس إلاّ لیعبدون ولا یخفی أنّه إذا دار الأمر فی مجمل بین جعله مخصصا للعام وعدمه فأصالة الحقیقة وعدم التّخصیص یوجب الثّانی کما سبق وحینئذ فلا تدلّ الآیة علی أن نیّة القربة غایة قریبة لجمیع الواجبات حتی یصیر الأصل التّعبدیّة فی الجمیع خرج ما خرج مضافا إلی أنّ ظاهر الآیة یأبی عن التّخصیص فتأمّل ومنها أنها إنّما تدل علی أصالة التّعبدیّة فی هذه الشّریعة إذا دلت علی أصالتها فی الشّریعة السّابقة ولیس کذلک لأنّها إنّما تدل علی أنّ الأوامر الّتی ثبتت فی تلک الشّریعة فکلها تعبدیّة لا أنّ الأصل فیها ذلک والاستصحاب أو قوله وذلک دین القیّمة یدل علی ثبوت تلک الواجبات التّعبدیّة فی هذه الشّریعة فإذا شککنا فی واجب أنّه تعبدی أو لا یجب أولا إحراز أنّه کان واجبا فی الشّریعة السّابقة حتی یمکن إثبات تعبدیة بالآیة مع أنّه علی فرض إحراز الوجوب أیضا مشکل للقطع بثبوت الواجبات التّوصّلیّة أیضا فی تلک الشّریعة فیکون الآیة من قبیل المخصص بالمجمل فلا یمکن التّمسک بها فی شیء مما ثبت وجوبه فی تلک الشّریعة أیضا نعم لو ثبت أنّ الأصل فی کل الواجبات هو التّعبدیّة فی تلک الشّریعة أمکن استصحاب الأصل أو التّمسک بقوله تعالی وذلک دین القیّمة علی ثبوته فی هذه الشّریعة أیضا ومما تمسکوا به علی الاشتراط قوله تعالی

ص: 200

أَطیعُوا اللهَ وَأَطیعُوا الرَّسُولَ بتقریب أنّ الإطاعة هو الإتیان بداعی الأمر والأمر فی الآیة للوجوب فتدل علی وجوب قصد القربة وکل من قال بوجوبه شرعا قال بأنّه شرط الصّحة وما نقل عن السّیّد المرتضی ره من القول بوجوبه استقلالا لم یثبت وثبت لم یضر بالإجماع لأنّ مبناه علی الکشف واعترض علیه بوجوه منها أنّ الإطاعة هو إتیان المأمور به ولو سلم أنّه یجب کون الأمر داعیا فی صدقها فنقول یجب حملها فی الآیة علی ما ذکرنا لئلا یلزم التّخصیص بل تخصیص الأکثر لکثرة الأوامر التّوصلیّة مع خروج مطلق النّواهی أیضا لعدم وجوب قصد القربة فی التّرک قطعا أو نقول نحمل الطّاعة علی ما ذکرت لکن نمنع کون الأمر للوجوب بل الأمر قد استعمل فی مطلق الرّجحان ورجحان نیّة القربة مسلم فی کل الواجبات التّوصلیّة أیضا فلا تدل علی التّعبدیّة أو نقول إنّ الطّاعة هو إتیان الفعل علی وجهه إن کان تعبدیا فبقصد القربة وإلاّ فلا فلا تدل علی المطلوب ومنها أنّ الأمر بالإطاعة إرشادی لا تشریعی والفرق بینهما أن الأوّل لا یترتب علی مخالفته أثر إلاّ الآثار المترتبة علی الأوامر المتعلقة بنفس الأفعال مخالفة قوله أطیعوا الرّسول لا یترتب علیه عقاب زائد علی العقاب المترتب علی قول الرّسول أقیموا الصّلاة فالعقاب إنّما یترتب علی ترک الصّلاة لأنّه إذا قال أقیموا الصّلاة فمقتضاه بحکم العقل ترتب العقاب علی ترکها وإذا قال أطعنی فیما أمرتک لا یترتب علیه عقاب زائد علی ذلک العقاب إذ لا عقاب إلاّ عقاب واحد علی ترک الصّلاة والأمر المتعلق بها کاف فی استحقاقه بحکم العقل والثّانی هو الّذی یترتب الآثار علی مخالفته کالأمر بالصلاة وحینئذ فالأمر بالإطاعة إرشاد إلی ما ثبت فی العقل من الحکم بلزوم الإطاعة فی جمیع الأوامر ولا یثبت الوجوب الشّرعی حتی یتم شرطیتها بالإجماع المرکب وأورد علیه بأنّه علی هذا لیس قابلا للحکم الشّرعی لأنّ الحکم الشّرعی حینئذ حکم بتحصیل الحاصل وحینئذ فلا یمکن القول بالاشتراط فی شیء من الواجبات إذ لیس معنی الاشتراط أنّا مأمورون بالعمل المقرون بقصد الامتثال فیلزم أن یدخل تحت حکم الشّرع وقد ثبت أنّه غیر قابل للحکم الشّرعی وربما قیل فی رد الجواب المذکور إنّ الإطاعة لها معنیان أحدهما إتیان المأمور به والثّانی إتیانه لأجل أنّه مأمور به والأوّل هو الحکم العقلی الّذی لا یقبل الحکم الشّرعی لأنّ نفس الأمر کاف فی لزوم ذلک بحکم العقل فلو أمر ثانیا لزمه الحکم بتحصیل الحاصل بخلاف الثّانی لأنّه غیر لازم من الأمر فهو قابل للحکم الشّرعی واستشکل ذلک بأنّ العقل أیضا بحکم بلزوم أن یکون الدّاعی للمکلف علی الفعل أمر المولی وحینئذ فیحکم به الشّرع أیضا قضیته للتّطابق وحینئذ یلزم وجوب قصد القربة فی جمیع الواجبات شرعا وعقلا ولا معنی حینئذ لدعوی عدم القول بالفصل بین الوجوب والاشتراط وأیضا یجب أن یتحقق علی ترک کل واجب عقابان وکذا علی

ص: 201

فعله بدون القربة عقاب واحد علی ترک قصد القربة ولیس کذلک خصوصا فی التّوصلیات وأجیب عن الأوّل بأنّا لا نثبت الاشتراط بالإجماع المرکب حتی یرد ما ذکرت بل نثبته بإطلاق الآیة فی الحکم بوجوب الإطاعة فمتی لم یحصل قصد القربة لم یتمثل مضمون الآیة فیجب الإعادة وهذا بمعنی الاشتراط وعن الثّانی بأنّا نسلم أنّه یلزم عقابان علی ترکه وأمّا لزوم العقاب علی فعله بدون القصد فمدفوع بما ذکروا فی مقدمة الواجب من أن الواجب منها لا یکون حراما لکن یجوز أن یکون الحرام مسقطا عنها فعند إتیانها فی ضمن الحرام لیس إلاّ عقاب واحد علی فعل الحرام علی ترک المباح فنقول هنا إنّ إتیان الفعل بلا قربة مسقط عن القربة وفیهما نظر أمّا الأوّل فلأنّ الإطلاق إنّما یحکم بوجوب إطاعة الأمر فإذا صلی المکلف بلا قصد القربة فمقتضی إطلاق الأمر المتعلق بها حصول الامتثال وارتفاع الأمر ومعه یرتفع موضوع الإطاعة فلا معنی لوجوبها غایة الأمر أنّه خالف الأمر وفعل حراما کما لو أحرق المیت قبل أن یصلی علیه فارتفع موضوع وجوب الصّلاة وهو المیت وأمّا الثّانی فلأنّ عدم ترتب العقاب علی ترک المقدمة لیس لحصول الغرض بفعل الحرام بل لأنّ ترک المقدمة لا یترتب علیه شیء مطلقا حتی لو فرض ترک جمیع المقدمات بحیث استلزم ترک المطلوب بل العقاب إنّما هو علی ترک المطلوب بخلاف ما نحن فیه ولو سلم أنّ السّقوط هناک إنّما هو لحصول الغرض فلا یجری هنا لأنّ الأمر بالإطاعة لیس الغرض منه معلوما حتی یقال إنّه یحصل بدون القصد فیسقط بل هو حینئذ واجب مستقل یجب ویترتب العقاب علی ترکه فیلزم المحذور والتّحقیق أن المراد بالإطاعة الّتی یحکم العقل بحسنها صفة نفسانیّة توجب کون الشّخص منقادا للمولی وموطنا نفسه علی الطّاعة وإن لم یکن هناک أمر کما یحکم بحسن العدالة أی الملکة الرّاسخة ولا یحکم بوجوب إتیان الأفعال لأجل أنّها مأمور بها إذ لو قلنا بذلک لزم إمّا عدم وجود أمر توصلی بأن یکون القربة شرطا فی الجمیع حتی لا تنفک عن الوجوب وإمّا بطلان الإجماع المرکب بأن تکون واجبة ولا تکون شرطا ومع ذلک لا یثبت المطلوب وهو أصالة الاشتراط ثم إنّ ما ذکرنا من معنی الإطاعة لیس حکما إلزامیّا للعقل بحیث یترتب العقاب علی ترکه بل هو یحکم بحسنه کما یحکم بحسن العدالة وإنّما یترتب علی ترکه العتاب لا العقاب وهذا هو المراد بالإطاعة فی الآیة بقرینة عطف وأطیعوا الرّسول إذ لم یقل أحد بوجوب قصد القربة إلی الرّسول فی أوامر الرّسول فالمراد الإرشاد علی أمر ثابت فی العقول وهو حسن الإطاعة بالمعنی الّذی ذکرنا الّذی هو قابل لحکم الشّارع لکن قرینة العطف تعین أنها لیست فی مقام التّشریع أو المراد الإرشاد إلی وجوب الإطاعة العقلیّة بمعنی عدم المخالفة الّذی

ص: 202

لیس هو قابلا لجعل الشّارع وکیف کان فالتّمسک بها علی الاشتراط فاسد ومما تمسکوا به علی علی ذلک الأخبار الدّالة بعضها صریحا علی اعتبار القربة کقوله لا عمل إلاّ ما أرید به وجه الله وبعضها علی اعتبار النّیّة کقوله لا عمل إلاّ بالنّیّة وإنّما الأعمال بالنیات ووجه التّمسک بالأول ظاهر وبالأخیرین هو أنّ النّیّة فی لسان الشّرع یراد بها قصد القربة ولیس المراد نفی الذّات لأنّه کذب فالمراد نفی الصّحة لأنّه أقرب إلی الحقیقة وأورد علی الأوّل بأنّ حمله علی المطلوب مستلزم لتخصیص الأکثر لخروج أکثر الأعمال عنه ولا یدفع ذلک بحمل العمل فیه علی الواجبات لأنّ الواجبات التّوصلیّة أیضا أکثر من غیرها فلا بد إمّا من حمله علی الأعمال المعهودة أی العبادات أو الحمل علی نفی الکمال وفیه أن عموم النّکرة فی سیاق النّفی لیس عموما وضعیا حتی یلزم التّخصیص بل هو عموم عقلی بالنظر إلی عدم ذکر القید فیکون خروج ما ذکر تقییدا وهو جائز إلی الواحد وربما یجاب بأنّ العموم فیه إنّما هو بالنظر إلی الأصناف والصّنف الخارج أقل من الأصناف الباقیة من حیث الصّنفیّة وإن کان أکثر أفراد من مجموعها وهو لا یوجب تخصیص الأکثر وفیه أنّ حمله علی ذلک خلاف الظّاهر فحمله علیه دون حمله علی العهد أو علی نفی الکمال یحتاج إلی مرجح نعم هو یتم فیما إذا کان الظّاهر إرادة الأصناف کما لو قال أکرم النّاس إلاّ الجهال ونحو ذلک أو ثبت بالدلیل إرادة الصّنف کما لو استدل الفقهاء بالعام فی مورد وکان بحیث لو حمل علی عموم الأفراد لزم تخصیص الأکثر فیعلم أنّهم فهموا منه العموم الصّنفی کاستدلالهم بقوله تعالی أوفوا بالعقود علی أصالة الصّحة فی العقود مع خروج أکثر أفراد العقود عنه فیعلم أنهم فهموا العموم الصّنفی وما نحن فیه لیس کذلک والتّحقیق فی رد الاستدلال هو أن المتبادر من الحدیث نفی ترتب الثّواب علی العمل بدون القربة لا نفی الصّحة وکذا قوله لا عمل إلاّ بالنیّة ونظائره وأورد علی الثّانی بأنّ النّیّة هو القصد فیدل علی اشتراط القصد لا القربة وأجیب بأنّ کل من قال باشتراط القصد فی غیر الأمور المحتاجة إلی الإنشاء اللّفظی کالجماع وغسل الثّوب ونحوهما قال بأنّه قصد القربة والتّحقیق أنّ المراد بالنّیّة لیس هو قصد ذلک العمل بل المراد الغایة المترتبة علیه وحاصل المعنی أنّ العمل إنّما هو بحسب النّیّة فی الثّواب والجزاء إن خیرا فخیر وإن شرا فشر وکذا قوله إنّما الأعمال بالنیات ولکل أمر ما نوی ثم إنّه لو فرض دلالة الأدلّة المذکورة علی اشتراط القربة فنقول یشکل الأمر من جهة أنّ ذلک غیر معقول حیث إن اشتراط سقوط التّکلیف بالقربة لا یمکن إلاّ بجعل الأمر بالقربة مقیدا للأمر بالعمل وقد مر أنّ جعل القربة قیدا للمأمور به غیر ممکن لترتبها علی الأمر ولهذا الإشکال ذهب بعضهم إلی أنّ الأحکام تابعة لحسن التّشریع لا لحسن الفعل لأنّ أصل الفعل فی العبادات لا حسن فیه

ص: 203

بدون القربة وهی لیست داخلة فی المأمور به فالحسن إنّما هو فی الأمر والتّشریع وربما یجاب عن الإشکال بأنّ المأمور به هو إتیان الفعل بالعنوان الّذی هو متعلق الأمر فلو قال اضرب للتّأدیب فضرب لا له لم یسقط عنه الأمر ثم إن العنوان المطلوب قد یکون معلوما للمکلف فیقصده کالمثال المذکور وقد لا یکون معلوما فقصده إنّما یمکن بقصد ما یکشف عنه وهو الأمر لأنّه یکشف عن وجود العنوان المطلوب قطعا کما أن الشّخص إذا علم باشتغال ذمته بفائت لم یدر أنّه ظهر أو عصر مثلا فطریق تعیینه قصد ما هو مطلوب منه شرعا والعنوان فی التّوصلیات معلوم فلذا لا یحتاج إلی قصد القربة بخلاف العبادات فلذا تحتاج إلیه وفیه نظر لأنّ قصد المطلوبیة بعنوان الکاشفیّة غیر قصد القربة لإمکان أن یقصد الصّلاة بالعنوان المطلوب شرعا لکن للریاء مثلا مع أن العنوان إنّما هو الّذی تعلق به الأمر فلو قال صل فالعنوان هو الصّلاة فیلزم أن یکفی قصدها فی سقوط الأمر ثم إن الإشکال المذکور یجری فی مواضع آخر أیضا فإنّ الدّعاء والشّفاعة إن تعلقا بفعل حسن لم یخبر لأنّه یجب علیه تعالی فلا یحتاج إلیها وإن تعلقا بالقبیح لم یجز طلب القبیح منه مع أنّه محال فی الحکمة والتّحقیق فی الجواب أن متعلق الطّلب هو ذات الفعل والغرض هو أن یکون الأمر داعیا للمکلف علی الفعل ومعنی ذلک إتیانه بقصد الامتثال والغرض من هذا الغرض هو إیصال المنفعة إلی المکلف ولا ریب أن التّکلیف إنّما یسقط بحصول الغرض فمتی أتی بالفعل لأجل أنّه مطلوب سقط عنه الأمر فبقی الفرق بین العبادات وغیرها فنقول الدّاعی إلی الغرض المذکور وهو الإیصال إلی النّفع والنّفع قد یکون فی ذات الفعل فإذا أتی به الشّخص لا لأجل أنّه مطلوب فقد وصل إلی النّفع وحصل غرض الغرض فسقط التّکلیف وإن لم یحصل الامتثال وهذا فی التّوصلیات وقد لا یکون النّفع فی ذات الفعل مطلقا بل النّفع فیه إذا فعل بقصد الإطاعة فإذا أراد الشّارع إیصال هذه المنفعة إلی المکلف أمره بنفس الفعل لیمکن تحصیل تلک المنفعة الّتی هی الغرض فمتی لم تحصل لم یسقط التّکلیف لعدم حصول الغرض وبهذا إیجاب فی مسألة الدّعاء والشّفاعة فإن نفس الفعل لا حسن فیه بل فیه القبح لکن إذا صار معنویا بعنوان الإجابة کان حسنا فالشخص بطلبه لیوجد فیه عنوان الإجابة حتی یحسن من الله تعالی فیجیب فتأمّل وافهم ونظیر الإشکال المذکور ما ذکروه فی کیفیّة اشتراط قصد القربة فی الواجب المقدمی کالوضوء فإنّه واجب توصلی ومعنی الواجب التّوصلی أنّه واجب للتّوصل إلی الغیر فلا معنی لقصد القربة فیه فإن قیل إنّه إنّما یرد إذا لم یکن المقدمة عبادة وأمّا إن کانت بنفسها عبادة فلا إشکال فی ذلک قلت کون الوضوء عبادة إنّما هو للأمر المتعلق به استحبابا فإن قلنا بعدم بعدم استحبابه بعد دخول الوقت لم ینفع الجواب المذکور لانحصار أمره فی التّوصلیّة وإن قلنا ببقاء الاستحباب فمقتضی الجواب المذکور اشتراط نیّة الوضوء استحبابا لأنّه العبادة الّتی حکم بکونها مقدمة

ص: 204

فلو نوی الواجب للصلاة لوجوبه کان باطلا ولم یقل به أحد ومحل الجواب عن هذا الإشکال بحیث مقدمة الواجب

فائدة

فی تحقیق مسائل وقعت فی کلمات القوم مختلطة بعضها ببعض الأولی إذا تعدد الأمر المتعلّق بمفهوم واحد فهل یقتضی تعدد التّکلیف أو لا وعلی الأوّل هل یقتضی تعدد المکلّف به أو لا الثّانیة إذا تعدد الأمر المتعلّق بمفهوم واحد باعتبار أسباب مختلفة فهل یقتضی تعدد التّکلیف والمکلّف به أو التّکلیف فقط أو لا والفرق بین هذه والسّابقة أن القائل بعدم اقتضاء التّعدد هناک یقول بأنّ الثّانی تأکید للأوّل لکن القائل بعدمه هنا لا یمکنه ذلک لتعدد السّبب وهذه المسألة هی المعبرة عندهم بتداخل الأسباب الثّالثة إذا تعدد الأوامر المتعلقة بمفهومات مختلفة متصادقة فی فرد واحد باعتبار أسباب مختلفة فهل یکفی إتیان ذلک الفرد فی امتثالها أو لا وهذه معبرة بتداخل المسببات والفرق بینها وسابقتها أنّه لا شبهة هنا فی تعدد التّکلیف والمکلّف به بخلاف السّابقة وأیضا لا یمکن للقائل بتعدد المکلّف به فی السّابقة القول بالتّداخل لأنّ مقتضی تعدده وجوب الفردین من المفهوم الواحد ولا یمکن التّداخل فی الفردین بخلاف التّداخل فی الکلیّین المتصادقین فی فرد أمّا المسألة الأولی فیتصور فیها ثمانیة صور لأنّ الأمر الثّانی إمّا معطوف علی الأوّل أو لا وکیف کان إمّا أن یکون متعلقهما منکرا أو معرفا إمّا الأوّل معرفا والثّانی منکرا أو بالعکس أمّا صور العطف فقیل إنّه لا إشکال فی اقتضاء التّعدد لظهور العطف فی المغایرة ولأولویّة التّأسیس من التّأکید إلاّ فی صورة کون الأوّل نکرة والثّانی معرفة ففیه خلاف فقیل بالتّعدد لما سبق وقیل بالاتحاد لظهور اللاّم فی العهد وقیل بالتّوقف لتعارض الظّهورین فیرجع إلی أصالة البراءة عن التّعدد وأمّا صور الخلو عن العطف فقیل أیضا بعدم الإشکال فی التّعدد لأولویّة التّأسیس من التّأکید إلاّ فی الصّورة المذکورة ففیها قولان التّعدد لما مر والاتحاد لظهور اللام فی العهد ولا قول بالوقف هنا کذا قیل وتحقیق المطلب یتوقف علی تنقیح مطالب الأوّل اختلفوا فی اقتضاء العطف المغایرة وعدمه ذهب بعضهم إلی الأوّل وبعضهم إلی الثّانی ومن الأوّلین من جعله من جهة الوضع ومنهم من جعله من جهة الظّهور ونظر من قال بنفی الظّهور أیضا إلی کثرة عطف المترادفات نحو لا تَری فیها عِوَجًا وَلا أَمْتًا وألفی قولها کذبا ومینا وغیرهما مما لا یخفی ویظهر من ابن الحاجب القول بوضعه للمغایرة فإنّه عرف المعطوف بأنّه تابع مقصود بالنسبة مع متبوعه وذکر الشّارح الرّضی ره أنّه خرج التّأکید من قوله مقصود بالنسبة وأیضا ذکر أن إدخال الواو علی التّأکید غیر صحیح فی الکلام لأنّه للجمع ولازمه المغایرة نعم یجوز فی مثل الفاء وثم لدلالتهما علی التّرتیب وهو یحصل فی التّأکید بالنسبة إلی زیادة التّقریر فی التّکرار وهذا هو الحق فلیس معنی حروف العطف المغایرة لکنها لازمة

ص: 205

لمعانیها وأمّا کثرة عطف المترادفات فممنوع لأنّ المترادف فی نفسه قلیل لأنّه عبارة عن اتحاد اللّفظین فی المفهوم وأمّا الاتحاد فی المصداق فلیس ترادفا وما یتراءی مترادفا أکثرها متغایرة مفهوما وإن کان فی الجملة والحاصل أن مقتضی العطف هو المغایرة سیما فی العطف بالواو الثّانی ذکروا فی أولویّة التّأسیس علی التّأکید وجهین أحدهما أن التّأکید مناف لغرض الواضع لأنّ الغرض إظهار ما فی الضّمیر لا تقریر أمر قد ظهر والثّانی أن التّأکید مجاز لأنّ اللّفظ لم یستعمل فی معناه بل استعمل فی تقریر معنی اللّفظ السّابق وفیهما نظر لأن ذلک هو الغرض من وضع المفردات ولکن الهیئات أیضا موضوعة بإزاء معان زائدة علی معان المفردات ربما یحتاج الشّخص إلیها والتّأکید من هذا القبیل فإنّه یحصل من هیئة التّکریر لا من اللّفظ المفرد فاللّفظة لم تستعمل إلاّ فی الموضوع له فالأولی الرّجوع إلی المرجحات الخارجیّة وملاحظة الأغلب والغالب عند وحدة المتکرر التّأکید کقولک جاءنی زید زید اضرب اضرب ونحوهما فتأمل هذا لکن الإشکال فی إمکان تحقق التّأکید بالنسبة إلی الطّلب إذ ربما یتوهم أنّه غیر معقول لأنّ الأمر إنشاء یوجد مدلوله فالأمر الثّانی إن أوجد مدلول الأمر الأوّل کان تحصیلا للحاصل أو غیره لم یکن تأکیدا له فإن الطّلب لیس حکایة عن نسبة خارجیّة حتی یعقل تکراره والجواب أنّه قد سبق أنّ الطّلب غیر الإرادة فالإرادة حاصلة فی النّفس قبل الطّلب وهی سبب للطلب والطّلب عبارة عن التّعرض لتحصیل المراد وهو قد یکون بإعمال الجوارح وقد یکون بتحریض الغیر علیه وإلزامه إیّاه فالأمر موضوع لجعل مبدئه علی المخاطب وإلزامه إیّاه به وهذا شیء قابل للتّکرار فإن کان المراد فی الأمرین واحدا کان تأکیدا وإلاّ تأسیسا وربما استشکل أیضا بأنّ الإیجادین متغایران فی الزّمان فلیس الثّانی تأکیدا وفیه أنّه لا ینافی التّأکیدیّة مع فرض اتحاد المراد کما لا ینافی تأکیدیّة الأخبار عند وحدة المخبر به ثبوت التّغایر بالزمان الثّالث هل المعرف باللام المسبوق بالنکرة ظاهر فی العهد أو لا ذهب بعضهم إلی الأوّل وبعضهم إلی أنّ وجود الفکرة فی السّابق موجب لصحة حمله علیه بقرینة لا لتعین حمله علیه والتّحقیق أنّ اللام لها معنی واحد فإنها وضعت للإشارة إلی مدلول مدخولها باعتبار معهودیته وهو قد یعتبر جنسا وقد یعتبر فردا معینا أو غیر معین أو جمیع الأفراد ولا یختلف أصل معنی اللام لکن إذا کان هناک أمر أعرف انصرف إلیه لأنّ الأعرفیّة أنسب بالإشارة الّتی هی مدلول اللام لکن ربما یکون له معارض فی خصوص المقام یوجب عدم حمله علی ذلک الأمر الأعرف کما فی قوله علیه السلام ولا ینقض الیقین بالشّک بعد قوله فإنّه علی یقین من وضوئه فإنّه لسبق الیقین ظاهر فی العهد لکن العرف فی مثل المقام یفهم منه أنّه کبری کلیّة فیحمله علی الجنس أو الاستغراق ثم إنّه ربما یتوهم أن هذه الکلمات لا تثمر فی المقام لأنّ متعلّق الأمر

ص: 206

الثّانی إن کان معرفة والأوّل نکرة جاز القول بوحدة التّکلیف وتعدده سواء حمل اللام علی العهد أو الجنس أمّا علی الثّانی فظاهر وأمّا علی الأوّل فلأنّ متعلّق الأمر الأوّل هو البلیغة فالمراد بالأمر الثّانی أیضا الطّبیعة لکن یجوز إرادتها باعتبار وجودها فی فرد آخر غیر الفرد المأتی به فی الأوّل فحینئذ یتعدد التّکلیف وفیه نظر لأنّ متعلّق الأمر الأوّل هو الطّبیعة لا بشرط فلو کان الثّانی للعهد أکان المطلوب به أیضا الطّبیعة لا بشرط الّتی هی المطلوبة بالطلب السّابق فلا یتعدد لکن علی الجنس یحتمل الوجهان لإمکان إرادة فرد آخر من الجنس بقرینة أولویّة التّأسیس ونحو ذلک فتأمل إذا علم هذه الأمور فنقول لا ریب فی وجوب الحمل علی التّعدد فی الصّور الثّلاث الأوّل لظهور العطف فی المغایرة وکذا فی الصّورة الرّابعة وإن کان الظّاهر من اللام العهد لکن العطف أظهر منه وأمّا الصّور الأخیرة فالحمل علی الاتحاد لما ظهر من عدم الدّلیل علی أرجحیّة التّأسیس مضافا إلی ظهور التّکرار فی التّأکید عند عدم العطف سیما فی الصّورة الأخیرة لظهور اللام فی العهد بلا معارض ومع التّنزل لا أقل من الشّک فالأصل البراءة من تعدد التّکلیف ثم إنّ ظاهر الأکثر إن تعدد الأمر حیث یفید التّعدد ظاهر فی تعدد المکلّف به عرفا ویظهر من بعضهم أنّه یفید تعدد التّکلیف ولعله اکتفی به للملازمة بین تعدده وتعدد المکلّف به لکن ذهب بعضهم إلی أنّه یقتضی تعدد التّکلیف فقط ویجوز اجتماع الطّلبین علی مطلوب واحد والحق هو القول الأوّل ومع التّنزل فالثانی وسیتضح فیما سیأتی بطلان الثّالث وأمّا المسألة الثّانیة فالکلام فیها فی مطالب الأوّل فی بیان الأسباب العقلیّة والشّرعیّة ومقتضاها فنقول من الواضح أن تعدد السّبب المستقل یقتضی تعدد المسبب لأنّ اجتماع الأسباب المستقلة علی مسبب واحد موجب للتّناقض لأنّ اجتماعها علیه کاشف عن احتیاجه إلیها واستقلال کل منها معناه استغناؤه عن الباقین ولا فرق فی ذلک بین أسباب الموجودات الخارجیّة والأمور الذّهنیّة کالعلم وفرق بعضهم بین أسباب الأمور الخارجیّة فلم یجوز تعددها بالنسبة إلی سبب واحد وبین أسباب الأمور الذّهنیّة کالعلم والمعرفة نظرا إلی أنّ کل سبب یقتضی مسببا فإذا تعدد السّبب تعدد المسبب وفی الأمور الخارجیّة لا یمکن الاتحاد بین شیئین بخلاف الأمور الذّهنیّة فیجوز اتحاد الشّیئین فیه ولذا نری أن الکلی ینتزع من کل واحد من الأفراد بتجریده عن المشخصات ومع ذلک هو أمر واحد وأیضا یقوم أدلة متعددة علی مطلب واحد وکل منها یفید العلم وإذا زال أحدها بقی العلم بحاله والعلم شیء واحد اجتمع له أسباب مختلفة وفیه نظر لأنّ علة عدم جواز الاتحاد فی الخارج موجودة فی الأمور الذّهنیة أیضا لأنّ الاثنین حال الاتحاد إن بقیا علی الاثنینیّة فلا اتحاد وإن زالا إلی شیء ثالث فلا اتحاد وإن زال أحدهما وبقی

ص: 207

الآخر فلا اتحاد وما ذکره من تجرید الفرد وإقامة الأدلة فلا یدل علی مطلبه لأنّ صورة الکلی إنّما تحصل فی الذّهن بتجرید أحد الأفراد فإذا جرد الفرد الآخر لم یکن سببا مؤثرا لحصول الصّورة لأنّ شرط تأثیر السّبب بقاء القابلیّة کجزّ رقبة المیت فإنّه سبب للقتل لکن لا تأثیر له بعد الموت غایة الأمر أنّه سبب ثانی بمعنی أنّه یؤثر لو فرض قابلیّة المحل وکذا الکلام فی الأدلة فصدق أنّ اجتماع الأسباب المؤثرة المستقلة علی مسبب واحد محال وبما ذکرنا ظهر عدم جواز تعدد العلل الشّرعیّة أیضا علی معلول واحد إذ غایة الأمر أنها معرفات وقد عرفت أنّه لا فرق بین علة العلم وغیره الثّانی هل العلل الشّرعیّة معرفات أو علل واقعیّة المعروف هو الأوّل وذهب بعضهم إلی أن العلل الشّرعیّة نوعان الأوّل ما اعتبره الشّارع سببا للحکم من دون أن یکون سببا فی الواقع بل هو معرف وکاشف عن العلة الواقعیّة کالبول لوجوب الوضوء وهذا النّوع مما یجوز اجتماع فردین منه علی معلول واحد ولیس المنصوص العلة منه حجة والثّانی ما هو سبب واقعی وعلة للحکم کالإسکار لحرمة الخمر وهذا لا یجوز الاجتماع فیه والمنصوص العلة منه حجة واستدل علی أنّ القسم الأوّل معرفات بأنّ العلة أقسام أربعة ولیس القسم الأوّل داخلا فی شیء منها المادّیّة والصّوریّة والفاعلیّة والغائیة لأنّ العلة إمّا أن تکون داخلة فی القوام أو لا وعلی الأوّل إمّا أن یکون ما به الشّیء بالقوة وهو المادة أو بالفعل وهو الصّورة وعلی الثّانی إمّا أن یکون ما به الشّیء وهو الفاعلیّة أو ما لأجله الشّیء وهو الغائیّة وظاهر أن البول للوضوء لیس داخلا فی شیء من الأقسام بخلاف الإسکار فإنّه علة غائیة لحرمة الخمر ثم إن القسم الثّانی إن وجد متحدا فلا إشکال وإن تعدد وتعاقب فإن کان الحکم مما یقبل الشّدة والضّعف کالوجوب انقلب المعلول الموجود بالعلة الأولی إلی المرتبة الشّدیدة عند وجود العلة الثّانیة وإلاّ کان العلة الثّانیة کاشفة عن تحقق المعلول بالعلة الأولی هذا خلاصة کلامه وفیه نظر من وجوه أحدها أن اجتماع المعرفین علی معلول واحد إن أرید به المعرف الفعلی فظاهر البطلان لما سبق أو المعرف الثّانی فهو جائز فی الأسباب الواقعیّة أیضا فالفرق بینهما لا وجه له والثّانی أنّ المعرف إذا کان کاشفا عن تحقق العلة فأینما وجد کشف عن ذلک لا وجه عدم حجیّة المنصوص العلة منه والثّالث أنّ الاستدلال علی معرفیّة المذکورات باطل لأنّهم عرفوا العلة بما یحتاج إلیه الشّیء فی الوجود وهو شامل لآلات العمل وشرائط الفعل فلا بد من إدخالها فی العلة الفاعلیّة وتعمیمها بحیث تشمل الآلات والشّرائط أیضا أو القول ببطلان الحصر المذکور بزیادة العلة الآلیّة وهی ما یتوقف علیه الشّیء وحینئذ فتحقق البول مثل الشّرط للحکم بوجوب الطّهارة والرّابع أنّ جعل الإسکار

ص: 208

علة غائیّة فاسد بل العلة الغائیّة هی حفظ المکلّف عن السّکر مع أن العلة المذکورة فی الأخبار هی الإسکار ولا فرق بینه وبین البول فکما أنّ البول موجب لحصول الحدث الباعث علی إیجاب التّطهیر لرفعه فکذا الإسکار موجب لحصول السّکر الموجب لتحریم الخمر لدفعه وکون المطلوب فی أحدهما الرّفع وفی الآخر الدّفع لا یوجب ما ذکره من الفرق والخامس أن جعل العلة المتأخرة فی صورة التّعاقب وعدم قابلیّة الحکم للاشتداد کاشفة موجب لتخصیص الأدلّة الدّالة علی أنّ العلة یجب أن تؤثر فی المعلول فإنّ نسبته إلی کل من العلتین علی السّویّة فتخصصه بالعلة الأولی وتخرج العلة الثّانیة عن العلیة وتجعلها کاشفة فالأولی جعل الثّانیة لغوا محضا ولا یلزم حینئذ تخصیص لأنّ تأثیر العلة مشروط بقابلیّة المحل فهی علة غیر مؤثرة بخلاف من یجعلها کاشفة إذ تخرج حینئذ عن العلیّة رأسا وهو التّخصیص فتأمّل الثّالث إذا ثبت أنّ تعدد الأمر المترتب علی تعدد السّبب مستلزم لتعدد الطّلب فهل هو مستلزم لتعدد الفعل أو لتعدد الحکم وهو مبنی علی أن الأمر هل هو سبب للفعل أو للحکم وعلی الثّانی فهل هو مستلزم لتعدد المأمور به أو لا ذهب بعضهم إلی أنّ تعدد الأمر مستلزم لتعدد الحکم لا لتعدد الفعل إذ لا یلزم من وجود الأمر وجود الفعل کما هو شأن السّبب بخلاف الحکم فإنّه یتعدد بتعدد الأمر ولکن لا یلزم من تعدده تعدد المطلوب لجواز اجتماع الطّلبین علی مطلوب واحد من جهات عدیدة کما أنّ الإفطار فی رمضان بالمسکر النّجس المغصوب حرام ومعصیة لخطابات متعددة فکما یمکن عصیان خطابات متعددة بفعل واحد فکذا یحصل به الإطاعة لخطابات عدیدة وقد وقع ذلک فی الشّرع کالغسل الواحد للجنابة والحیض وضوء واحد مع تعدد السّبب کالنّوم والبول وإذا جاز تعدد الطّلب مع وحدة المطلوب کان الأصل هو التّداخل ومع التّنزل لا أقلّ من التّعارض فیرجع إلی أصالة عدم تعدد المکلّف به هذا کلامه وفیه أوّلا أنّ الأمر سبب الفعل بمعنی أنّه مقتض له وداع للمکلّف إلیه وثانیا أن تعدد الحکم مستلزم لتعدد المتعلّق ضرورة امتناع اجتماع الضّدین أو المثلین فی محل واحد من حیث إنّه واحد وإن کان واحدا وما یری من الأمر بالسّجود والنّهی عنه بالنسبة إلی الله تعالی والشّمس فإنّما هو من حیث ملاحظة الخصوصیتین فیتحقق الکثرة وحینئذ فلا معنی لتعلّق الطّلبین بماهیّة بدون ملاحظة تعدد الفرد لأنّه حینئذ یلزم اجتماع المثلین فی محل واحد من حیث إنّه واحد وهو محال وحینئذ فالأصل هو عدم التّداخل لا یقال لم تجعل تعدد الأمر موجبا لتعدد الطّلب فعلا ونجعل تعدده موجب لتعدد الماهیّة باعتبار الفرد ولا تجعل وحدة الماهیّة قرینة علی وحدة الطّلب بحمل أحد السّببین علی السّبب الثّانی وحینئذ فیثبت أصالة التّداخل

ص: 209

لأنّا نقول الماهیّة من حیث هی لا وحدة فیها ولا کثرة لکن الإطلاق إنّما یثبت لما یحکم العقل حیث لم یکن ما یصلح للتّقیید وإذا کان الظّاهر من السّبب السّبب الفعلی فهذا الظّهور صالح لتقیید الماهیّة وحینئذ فینتفی حکم العقل بعدم القید لأنّه مشروط بعدم ما یصلح للتّقیید وبما ذکرنا علم أنّه لا فرق بین ما إذا تعدد الأمر ابتداء أو تعدد السّبب بل هو فی الثّانی أقوی لاحتمال التّأکید فی القسم الأوّل بخلاف الثّانی کما سبق والحاصل أن محض تعدد الأمر لا یوجب تعدد الحکم والفعل إلاّ بملاحظة أمر خارج مثل العطف الظّاهر فی المغایرة ومثل تعدد السّبب الّذی یمتنع معه التّأکید وبهذا ظهر ضعف ما ذهب إلیه بعض المحققین من إن تعدد الأمر بنفسه یقتضی تعدد المکلّف به سواء تعدد السّبب أو لا فتأمل وأمّا الموارد الواردة فی الشّرع مثل الإفطار فی رمضان بالمحرم فلا دخل له بما نحن فیه لأنّ التّکلیف فیه غیر قابل التّمکن أو فیکون اجتماع الأسباب فیه سببا لمرتبة أشد من المرتبة علی السّبب الواحد وأمّا مثل الغسل فیقول إن تجویز التّداخل فیه دلیل علی السّبب هو القدر المشترک أو السّببیّة الثّانیة أو نحوهما وقد تمسک لأصالة التّداخل بأنّه لو کان المطلوب من الأمر المتعلّق بالطبیعة بواسطة الأسباب هو الأمور المتعددة لزم إرادة أکثر من معنی واحد من اللّفظ فإنّه أو قال إذا جاءک زید فأکرمه وکان المراد أنّ کل فرد من المجیء سبب لفرد من الإکرام کان المطلوب فی ابتداء المجیء طبیعة الإکرام وفی الثّانی الفرد المغایر لما أوجده أولا فاستعمل الأمر فی إرادة الطّبیعة والفرد وفیه أن المطلوب هو الطّبیعة عند وجود کل سبب لکن العقل یحکم بأنّه لما وجد فرد منها سابقا کان الفرد الثّانی مغایرا للسابق جزما لا أنّ المطلوب هو الفرد بالنّسبة إلی الثّانی إذا تحقق هذه المطالب فنقول إنّ الأقوال فی المسألة أربعة اقتضاؤه تعدد التّکلیف والمکلّف به مطلقا وعدمهما کذلک واقتضاؤه تعدد التّکلیف فقط مطلقا والتّفصیل بین ما لو کان الأسباب من طبیعة واحدة کأفراد البول ولم یتخلل فعل المسبب بینها فلا یقتضی التّعدد وبین ما لو کانا من نوعین مختلفین کالنوم والبول أو متفقین ولکن تخلل فعل السّبب بینهما فالأصل حینئذ عدم التّداخل وبما حققنا لک فی طی المطالب ظهر لک أن الأصل عدم التّداخل مطلقا لأنّ ما یمکن الاستدلال به للتّداخل وجوه منها أن السّبب أعم من الثّانی والفعلی وقد عرفت أنّه ظاهر فی الفعلی ومنها أنّه سبب لتعدد الحکم لا المکلّف به وقد عرفت التّلازم بینهما لأنّ الفعل الواحد لا یمکن أن یکون محلا للمثلین ومنها أن وحدة الطّبیعة قرینة علی أنّ الأسباب أسباب إنّیّة وقد عرفت أنّه لا یعارض ظهور السّبب فی الفعلی ثم إن ما قررنا من الوجه لا فرق فیه

ص: 210

بین ما لو کانت الأسباب من ماهیّة واحدة أو لا حیث إنّ السّبب ظاهر فی الفعلی ویمتنع اجتماع المثلین فی محل واحد ومستند التّفصیل أنّ الأسباب لو کانت من ماهیّة واحدة کان السّبب هو الماهیّة من حیث هی فمتی لم یوجد المسبب لم یوجب تعدد أفرادها شیئا لوجود الموجب وهو القدر المشترک أمّا إذا وجد المسبب ثم وجد فرد آخر من السّبب أثر لوجوده حین عدم وجود موجب آخر وکذا لو کانت الأسباب مختلفة فی الماهیّة فإنّ الظّاهر حینئذ مدخلیّة الخصوصیّة فی السّببیّة لا القدر المشترک وضعفه ظاهر فإنّ الظّاهر عند اتحاد الحقیقة أیضا کون الخصوصیات أسبابا لا القدر المشترک فتأمل وأمّا المسألة الثّالثة فقد ظهر حکمها مما سبق لأنّه إذا تعدد التّکلیف والمکلّف به لم یجز امتثالهما فی مورد الاجتماع إذ یلزم اجتماع المثلین فی محل واحد شخصی وهو غیر جائز فیجب أن یکون الامتثال لأحدهما بغیر ما یمتثل للآخر کما فی المتضادین وخالف فی ذلک بعضهم فجوز اجتماع الوجوبین والاستحبابین ولم یجوز اجتماع الوجوب والاستحباب وکذا الکراهة والحرمة وبعضهم فجوز الثّانی ولازمه تجویز الأوّل أیضا واستدل بأنّ الوجوب والاستحباب نظیر الوجوب بالغیر والإمکان بالذات فکما أنّ الإمکان هو عدم اقتضاء الوجود بالذات فلا ینافی اقتضاء الغیر له فکذا الاستحباب رجحان لا یقتضی المنع عن التّرک فلا ینافی وجود رجحان آخر یقتضی المنع عن التّرک إذ لا تنافی بین عدم اقتضاء شیء واقتضاء شیء آخر ومن هذا القبیل حصول غسل الجمعة والجنابة بغسل واحد والحاصل أنّ الاستحباب لیس مقتضیا للإذن فی التّرک حتی ینافی اقتضاء الوجوب المنع عنه وفیه أنّ امتناع الاجتماع لیس لامتناع الإذن فی التّرک والمنع عنه بل لامتناع اجتماع طلبین متضادین أو متماثلین فی محل واحد ولا ریب أنّ الاستحباب رجحان ضعیف والوجوب قوی فیمتنع اجتماعهما نعم لو قیل بجواز اجتماع المصلحة المقتضیة للاستحباب والمصلحة المقتضیة للوجوب ویکون التّأثیر للثانی لأنّه أقوی لم یکن بعیدا لکنه حینئذ واجب صرف لا أنّه قد اجتمع هناک وجوب واستحباب کما هو مقتضی هذا القول وأمّا الموارد الواردة فی الشّرع فیجب حملها إمّا علی أنّ السّبب هو القدر المشترک أو المجموع حال الاجتماع سبب لمرتبة أقوی کما سبق وربما یجاب بوجوه غیر وجیهة منها أنّه لم یجتمع فی مثل الأغسال المتداخلة واجب ومستحب بل الغسل الواحد إمّا واجب یسقط المستحب أو بالعکس فلم یجتمع الحکمان ونظیره سقوط صلاة تحیّة المسجد بالصلاة الواجبة وسقوط الصّوم المستحب بالصوم القضاء وفیه أنّ من المبرهن علیه أنّه إن کان هناک أمران یحصل بکل منهما مصلحة الآخر کانا واجبین تخییرا أو مستحبین ولا معنی لکون أحدهما واجبا عینیا

ص: 211

والآخر مستحبا کذلک فإذا کان غسل الجنابة یوم الجمعة مسقطا لغسل الجمعة وبالعکس لم یکن معنی لاستحباب غسل الجمعة ووجوب الجنابة وصلاة التّحیّة لیست مسقطة للصلاة الواجبة بل الأمر بالعکس ولا ضیر فیه لحصول المصلحة الضّعیفة فی ضمن القویّة دون العکس فلا ربط له بالمدعی ومنها أنا لا نسلم استحباب الغسل یوم الجمعة مطلقا بل هو إذا لم یکن عنوان یقتضی الوجوب وفیه أنّه إن أراد منع استحبابه لمن علیه واجب فهو تقیید للأدلة بلا دلیل وإن أراد منع استحبابه إذا کان هناک عنوان یقتضی وجوب غسل الجمعة من نذر وشبهة فلا ربط له بالمقام وإن أراد منع استحبابه إذا اتحد مع مصداق الواجب فلا دلیل علیه کالأوّل ومنها أنّ الغسل الواحد الّذی یجزی عنهما فی یوم الجمعة لیس واجبا ولا مستحبا وإنّما هو أمر ثالث وفیه أنّه إذا حصل به مصلحة الواجب والمستحب وجب اجتماعهما فیه لما عرفت فإنّه من حیث حصول مصلحة الواجب به یکون واجبا تخییرا ومن حیث حصول مصلحة المستحب یکون مستحبا تخییرا فعاد المحذور فالتّحقیق ما ذکرنا ومقتضاه أنّ الوضوء بعد دخول الواجب واجب محض ولیس مستحبا نفسیا حینئذ لما عرفت من عدم جواز اجتماعهما فلو أتی به بقصد الاستحباب کان باطلا إلاّ أن یقال إنّ وجود مقتضی الاستحباب یکفی فی جواز قصده وإن لم یکن هناک طلب استحبابی وهو مشکل

تنبیهات

الأوّل

قد عرفت أنّ مقتضی الأصل اللّفظی هو عدم التّداخل فی الأسباب والمسببات ولکن إذا قطعنا النّظر عن الأصل اللّفظی فمقتضی الأصل العملی فی مسألة تعدد الأسباب المتعلّق بعنوان واحد هو البراءة عن وجوب المتعدد لأنّ الشّک راجع إلی وحدة التّکلیف وتعدده وفی مسألة تعددها بالنسبة إلی مفهومین هو الاشتغال للقطع بتعدد التّکلیف والشّک إنّما هو حصول الامتثال بفرد واحد وهو مورد الاجتماع والاشتغال الیقینی یقتضی البراءة الیقینیّة الّتی لا تحصل إلاّ بتعدد الفعل والعجب من بعضهم حیث حکم فی القسم الثّانی بأنّ مقتضی الأصل العملی فیه هو البراءة أنّ قطع النّظر عن الظّهور اللّفظی وذلک لأنّ الکلام لیس فیما إذا قام قرینة من الخارج فلیس مراده من الظّاهر اللّفظی القرائن الخارجیّة إذ لیس الکلام فی ذلک وإن کان مراده من الظّهور اللّفظی کون تعدد التّکلیف موجبا لتعدد الفعل ففاسد لأنّ ذلک إن ثبت دل فلیس لظهور اللّفظ بل لحکم العقل مع أنّه لا معنی لقطع النّظر عنه إذ لو قطع النّظر عن ذلک لم یبق شیء ینظر فیه لأنّه الموضوع فی المسألة فتأمل

الثّانی

إذا ثبت التّداخل فی مورد فإن کان العنوان واحدا فلا ریب فی حصول الامتثال بالفعل الواحد قهرا ولا وجه للتّکرار بل یکون بدعة کالوضوء وإن تعدد العنوان وکان اختلاف العنوانان تابعا للقصد فإن

ص: 212

قصد بالفعل الواحد جمیع العنوانات رفع الجمیع ولا یجوز التّکرار وإن قصد به البعض وقع خاصة دون البواقی هذا بحسب العنوان وأمّا بحسب الأمر فإن کان الأوامر توصّلیّة فیکفی وقوع العمل مرة ولو بدون قصد الامتثال وإن کانت تعبدیّة فإن قصد بالفعل الواحد امتثال الجمیع فلا إشکال فی وقوع الجمیع وإن لم یقصد الامتثال أصلا فلا یقع شیء وإن قصد الامتثال مطلقا أو قصد امتثال بعض الأوامر بخصوصه ففی تحقق أداء البواقی إشکال ویظهر من بعض المحققین دعوی سقوط التّکلیف وإن لم یصدق الامتثال بالنسبة إلی ما لم یقصد نظرا إلی أن الواجب فی العبادة وقوعها بقصد الامتثال فی الجملة وهو یصدق بالإتیان بها بقصد أنّها مأمور بها مطلقا فیصدق علی غسل الجنب یوم الجمعة بقصد الجنابة أنّه اغتسل غسل الجمعة قربتا إلی الله وامتثالا لأمره المتعلّق به من حیث إنّه غسل جنابة فیسقط عنه غسل الجمعة بناء علی اتحادهما فی العنوان أو قصد العنوانین معا لکن امتثالا لأحد الأمرین فتأمّل وکذا إذا أتی به بقصد الامتثال مطلقا وهکذا فیما إذا کان علیه واجبان فی صورة واحدة أو واجب ومستحب کنافلة الصّبح وفریضته فإنّه یکفی إتیان صلاتین بقصد القربة المطلقة نظیر ما لو قال له المولی صل مرتین فکما لا یجب فیه التّعیین فکذا هنا هذا کلامه ویشکل بأنّه إذا تعلّق الأمران بعملین فی غیر مسألة التّداخل فأتی المکلّف بواحد من دون تعیین فإن حصل بذلک امتثال الجمیع فهو خلاف المفروض أو البعض المعین فهو ترجیح بلا مرجح أو غیر معین فهو غیر معقول إذ لا معنی لامتثال الأمر المجمل الواقعی خصوصا فیما إذا اختلف الفعلان نوعا وقد یقال إنّ الأمر الوجوبی لما تعلّق بالطبیعة وهی تحصل فی ضمن الفرد الّذی أوجده أوّلا انصرف إلی الواجب واعترض علیه بأنّ النّدب أیضا تعلّق بالطبیعة وأجیب بأنّه إذا اجتمع الوجوب والنّدب رجح الوجوب ورد بأنّ ذلک فی المتعلّق الواحد لا المتعدد وأجیب بأنّ الأمر إنّما ورد علی الطّبیعة وهی منصرفة فی أوّل أفرادها إلی الواجب وفیه مما فیه ثم إنّ القول بسقوط الواحد المبهم مع أنّه لا معنی له لا یجری فیما إذا اختلف الحکم وإن اتحد نوعا ککفّارة الإفطار والیمین فإنّه فی الأوّل مخیر بین العتق وغیره وفی الثّانی یجب العتق عینا وإن لم یمکن فالباقی علی التّرتیب فلو کان علیه کفارتان للإفطار والیمین فأعتق متقربا لم یکن القول بسقوط واحد مبهم إذ لا یعلم حینئذ أن تکلیفه العتق للثانی معینا أو التّخییر وقد أوردوا هذا علی الشّیخ الطّوسی قدِّس سرُّه حیث یظهر منه القول بسقوط واحد مبهم ولکن یظهر من الشّهید أنّ السّاقط واحد معین فی الواقع حیث حکم بوجوب العتق ثانیا للاحتیاط إذ لا معنی للاحتیاط إلاّ ثبوت حکم معین

ص: 213

فی الواقع والتّحقیق أن یقال إنّه إن اتحد النّوع والحکم حکم بسقوط واحد مبهم لأنّ الطّلبین حینئذ لا تمیز بینهما إلاّ بتعدد المتعلّق فإذا فعل أحدهما بقصد أنّه مطلوب سقط الأمر المتعلّق به فیجب علیه فعل الآخر بخلاف ما إذا اختلف نوع الحکم کالوجوب والاستحباب فإن اختلافه کاشف عن اختلاف المصلحة فی تلک الأفراد وحینئذ فإذا أتی بفرد متقربا فالحکم بسقوط أحدهما معینا ترجیح بلا مرجح ومبهما لا معنی له وکذا إذا اتحد النّوع واختلف الحکم کالکفّارة فإنّه أیضا کاشف عن اختلاف المصلحة ویمکن أن یقال فی صورة اختلاف النّوع إنّه إذا تعلّق الأمر الوجوبی بالطبیعة کان معناه النّهی عن ترک الجمیع وحینئذ فلا معنی لورود الاستحباب علیها لأنّ معناه الإذن فی ترک الجمیع وهو مناقض لمقتضی الوجوب فیجب أن یرد الاستحباب علی القدر الزّائد علی مقدار الواجب الّذی یصدق علی الواحد وعلی هذا فلو أتی بفرد صدق علیه أنّه لا یجوز ترکه إلاّ إلی بدل وهو معنی الوجوب وهذا هو المرجح لسقوط الأمر الوجوبی ویشکل الأمر لو أتی بالفردین دفعة إذ لا أوّلیّة حینئذ إلاّ أن یقال إنّ المجموع حینئذ موجب لسقوط المجموع والمسألة فی غایة الإشکال فتأمّل فیها جدا وقد تلخص مما ذکرنا أنّه إذا کان التّکلیفان من نوع واحد أمکن الحکم بسقوط أحدهما عند قصد القربة المطلقة حیث لا تمیز فی المتعلّق إلاّ من حیث کونه متعلقا للطلب الخاص وأمّا إذا کانا نوعین فإن لم یکن الملحوظ فی المتعلّقین خصوصیّة سوی الطلب للطبیعة المطلقة فکذلک إلاّ أنّه یقع الأوّل واجبا قهرا لأنّ اختلاف الحکمین کاشف عن اختلاف المصلحة فی الأفراد وحیث لا تمیز من حیث کونه فردا تعین أن یکون الممیز الأوّلیّة والثّانویّة لما علم أنّه یکفی فی نیّة الوجه قصد القربة المطلقة والفرد الأوّل یصلح لوقوعه واجبا فیبرأ الذّمة بإتیانه وعلی هذا فقصد الاستحباب بالفرد الأوّل مشکل بل قیل فی أذکار الرّکوع والسّجود أنّه لو قصد الاستحباب بالأوّل فإن کان عن سهو فلا بأس وإن کان عمدا کان تشریعا ربما أوجب بطلان الصّلاة وإن کان الملحوظ فیها خصوصیّة زیادة علی کونه فردا وإن لم نعلمها تفصیلا بأن ثبت من دلیل خارج أنّ قصد الاستحباب بالأوّل جائز فإنّه لا یمکن إلاّ بأن یکون هناک خصوصیّة ملحوظة لما عرفت من أنّ اختلاف الحکم تابع لاختلاف المصلحة الموجب لثبوت اعتبار الخصوصیّة وإن کانت بحسب القصد وحینئذ فلو أوقع العمل بقصد المطلق لم یقع لأنّ وقوعهما خلاف الفرض ووقوع أحدهما دون الآخر ترجیح بلا مرجح ولا یکفی احتمال ثبوت الخصوصیّة واقعا فیقع الامتثال بمقتضاها لاحتمال اعتبار الخصوصیّة بالقصد فتأمّل

ص: 214

جدا بقی الکلام فیما إذا ترتب علی أحدهما حکم أو علی کل منهما کإعطاء الدّرهم المردد بین أداء النّذر وأداء الدّین فإنّه لو کان أداء للنّذر لم یوجب منع الثّانی کفّارة بخلاف ما لو حسب للدین فإن منع الآخر موجب لکفّارة خلف النّذر واختلفوا فی ذلک علی أقوال فذهب بعضهم إلی أنّه ینصرف إلی ما فیه الخصوصیّة فینصرف فی المثال المذکور إلی أداء النّذر وفیما إذا أدّی دینا ولم یعین أنّه الّذی علیه الرّهن أو غیره انصرف إلی الأوّل وقیل إنّه یتعین بتعینه وله الخیار فی تعیین أیّهما شاء استصحابا لخیاره الثّابت قبل الأداء وقیل یلغو الاشتراط التّعیین فتأمّل حتی تقف علی الحق المستقیم وهذا کله فی غیر مسألة التّداخل وفیها علی قول من یجوز اجتماع الأوامر وأمّا علی ما حققناه سابقا من اتحاد الأمر وکونها تأکیدا وسببا لمرتبة أقوی فلا إشکال فی کفایة قصد القربة المطلقة نعم یشترط قصد العنوانات إذا کان تحققها فرعا للقصد وکذا لا إشکال فی سقوط الجمیع بقصد بعض الأوامر لکفایة نیّة القربة المطلقة وقد حصلت والأمر واحد والأمر المنوی لم ینتف کلیّة حتی یلغو قصده بل قد أکد بالأمر الثّانی وصار المجموع سببا لمرتبة أقوی فلا ینافی فی قصده خاصة حصول المأمور به لعدم انتفائه رأسا ولعلک تسمع لذلک تحقیقا فی المباحث الآتیة إن شاء الله

الثّالث

قد مر الکلام فی اجتماع الأسباب علی الفعل وقد یجتمع الأسباب علی غیره کما إذا عقدها وکیلان فی آن واحد علی رجلین أو أوصی زید بماله لعمرو ثم لبکر أو باع أحد الوکیلین المال بشخص والآخر بآخر متقارنا فقد اختلفوا فی هذه الموارد ففی بعضها حکموا بالتّساقط کالنکاح والبیع وفی بعضها بالتّشریک کالوصیّة وقیل فی وجهه إنّ مقتضی السّببیّة التّأثیر فکلّما أمکن إعمال السّبب کان أولی من إهماله وإعمالهما فی باب الوصیّة إنّما هو بالتّشریک ولا یمکن ذلک فی باب النّکاح فحکم بالتّساقط وهذا الوجه لا یجری فی البیع لإمکان التّشریک فیه والتّحقیق أنّه إذا اختلف مقتضی العقدین فالأصل هو التّساقط لأنّ کل واحد إمّا سبب مستقل أو السّبب هو القدر المشترک فعلی الأوّل وجه التّساقط ظاهر وعلی الثّانی أیضا کذلک لوجوده فی ضمن کل منهما فتأثیره فی أحدهما دون الآخر لا وجه له وأمّا إذا اتحد موجبهما کما إذا أوقع الوکیلان العقد علی رجل واحد فحینئذ السّبب هو القدر المشترک وهو مؤثر أثرا واحدا وأمّا الفرق بین الوصیّة والبیع فهو أن الوصیّة إن کانت فی الثّانی أیضا بجمیع الأوّل فالظّاهر منه الرّجوع لا التّشریک وأمّا إذا أوصی لزید بنصف المال ولعمرو بربعه ولبکر بثلثه فالظّاهر منه قصد التّشریک والظّهور یکفی فی باب الوصیة بخلاف البیع لاشتراط الصّراحة فی عقوده فتأمل

أصل قد سبق أنّ الأمر حقیقة فی الوجوب

ص: 215

فاعلم أنّه إنّما یحمل علیه إذا لم یکن قرینة علی الخلاف ومن جملة القرائن وقوع الأمر عقیب الحظر فإن الظّاهر منه عرفا محض رفع الحظر لا رفعه وإثبات الوجوب لکن بشرط أن یکون الأمر فی مقام رفع الحظر وإلاّ فیحمل علی الوجوب لفهم العرف وکذا حال النّهی الوارد عقیب الأمر فإنّه یحمل علی محض رفع الأمر وکذا الکلام فی النّهی التّنزیهی بعد الأمر الاستحبابی وبالعکس ثم المراد بالحظر فیما ذکرنا هو الحظر الشّرعی لا الأعم منه ومن العقلی کما توهمه بعضهم فحکم بأنّ الأمر الواقع عقیب الحظر یحمل علی الوجوب وإلاّ لم یکن شیء من العبادات واجبا لحرمتها عقلا قبل ورود الأمر لکونها بدعة فیکون الأمر رافعا للحظر وذلک لأنّ الأمر فیما ذکر لا یرفع الحظر لأنّ الحظر إنّما تعلّق بعنوان البدعة وهو لا یرتفع بالأمر بالصّلاة وإنّما الأمر یرفع صدق البدعة علی الصّلاة فهذا لیس داخلا فی محل البحث ثم إنّه إن تعلّق بعین ما تعلّق به النّهی فهو داخل فی البحث قطعا وأمّا لو کان بینهما فرق بالإطلاق والتّقیید کما لو قال لا تخرج من المجلس ثم قال له اذهب إلی المکتب فقیل إنّه یحمل علی الوجوب والحق أنّه داخل فی البحث للفهم العرفی وکذا إذا تعلّق النّهی بالکلی والأمر بالفرد وأمّا إذا تعلّق النّهی بعنوان والأمر بعنوان آخر متحدین مصداقا فالظّاهر خروجه لأنّ النّهی المتعلّق بذلک العنوان لا یوجب صرف الأمر المتعلّق بعنوان آخر عن إفادة الوجوب الّذی هو الموضوع له ثم إنّک قد عرفت أنّ محض الوقوع عقیب الحظر لا یکفی قرینة بل یجب کون المتکلم فی مقام رفع الحظر حتی نقول الظّاهر عرفا أن غرضه محض رفع الحظر لا هو مع إفادة الوجوب وهذا الضّابط یشمل الحظر المحقق والمظنون والمتوهم فمتی علم أن المتکلم فی مقام رفع الحظر مطلقا لم یحمل أمره علی الوجوب لما عرفت نعم لو قلنا بأنّ محض الوقوع عقیب الحظر قرینة اختص بالحظر المحقق وللحق ما ذکرنا وفی المسألة أقوال لا جدوی فی التّعرض لها

أصل اختلفوا فی أنّ المطلوب بالأمر هو الماهیّة أو المرة أو التّکرار علی أقوال

والفرق بین هذه المسألة وبین المسألة الآتیة أعنی أن المطلوب هو الطّبیعة أو الفرد ظاهر لأن القائل بالطبیعة یمکنه هنا القول بکل من الأقوال فقد یقول بأنّ المطلوب إیجاد الطّبیعة المطلقة وقد یقول إنّ المطلوب إیجاد الطّبیعة دفعة واحدة أو فی ضمن فرد واحد أو إیجادها دفعات کثیرة أو فی ضمن أفراد متعددة إذ المراد بالمرة إمّا الدّفعة أو الفرد الواحد من حیث وحدته لا من حیث ذاته فالقول بالطبیعة لا تنافی إرادة الفرد الواحد من حیث إنّه إیجاد للطبیعة مرة واحدة وکذا القائل بمطلوبیّة الأفراد یمکنه هنا القول بالکل فقد یقول إنّ المطلوب هو الفرد الغیر المعتبر فیه وحدة ولا کثرة وقد یقول إنّه الفرد الواحد أو المتعدد وأمّا التّفرقة بأنّ الکلام هنا فی الوضع اللّغوی

ص: 216

وهناک فی مقتضی العقل فلا ینطبق علی أدلّتهم فی المقامین لأنّهم استدلوا هناک أیضا بالأمور اللّغویّة وکیف کان فقد عرفت أنّ المرة قد یقال بمعنی الدّفعة وقد یقال بمعنی الفرد الواحد فالقائل بأنّها المطلوب قد یقول بأنّها مأخوذة لا بشرط بمعنی أنّ المطلوب هو الفرد الواحد والزّائد مسکوت عنه وقد یقول بأنّها تنفی الزّائد وحینئذ قد یکون عدم الزّیادة تکلیفا مستقلا بحیث لا یوجب فعل الزّائد عدم حصول الامتثال بالمرة وقد یکون شرطا فی حصول الامتثال بها ویظهر من صاحب المعالم أن مراد القائلین بالمرة هو الأخیر حیث استدل علی کونه للماهیّة بحصول الامتثال لو أتی بالفعل مکررا فإنّ مراده حصول الامتثال بالفرد والأوّل إذ لا معنی للامتثال عقیب الامتثال فمقصوده أنّه إن کان للمرة لم یحصل الامتثال أصلا عند التّکرار وهذا إنّما یصح علی الوجه الأخیر فافهم والمراد بالتّکرار إمّا الدّوام کما یظهر من البعض والمعتبر حینئذ وحدة العمل واستمراره وإمّا التّعدد والمعتبر حینئذ تعدد العمل وإن استلزم دوام الفرد النّوعی والحق فی المسألة هو القول الأوّل إذ لا دلالة للأمر عرفا علی مرة ولا تکرار والمتبادر هو الماهیّة وحینئذ فلا جدوی للبحث عن المرة هی بشرط لا أو لا بشرط وعن التّکرار أنّه الدّوام أو غیره فنصرف الکلام إلی بیان ثمرة النّزاع فنقول إنّ الثّمرة بین القول بالمرة والتّکرار ظاهر لأنّ الفرد الثّانی امتثال علی الثّانی دون الأوّل وکذا بین الماهیّة والتّکرار فإنّ الفرد الثّانی امتثال ثان علی الثّانی بخلاف الأوّل بل هو إمّا لغوا أو الامتثال یحصل بالجمیع وکذا بین الماهیّة والمرة بشرط لا بناء علی جعل الشّرط قیدا فإنّه إن أتی بالثانی لم یمتثل أصلا علی الثّانی بخلاف الأوّل وکذا بین القول بالماهیّة والمرة بشرط لا بناء علی عدم جعله قیدا فإنّ الإتیان بالفرد الثّانی حرام لدلالة الأمر بناء علی الثّانی وجائز علی الأوّل أو حرام من باب البدعة فلو قام الدّلیل علی الجواز انتفی البدعة والحرمة إنّما الإشکال فی الثّمرة بین القول بالماهیّة والمرة لا بشرط فقد یقال إنّه إذا أتی بأفراد متعددة فعلی الأوّل یحصل الامتثال بالمجموع وعلی الثّانی بالفرد الأوّل واعترض علیه بعضهم بأنّ الماهیّة إذا وجدت حصل الامتثال وهی موجودة فی ضمن الفرد الأوّل فلا معنی لعدم حصول الامتثال به وحصوله بالمجموع نعم لو أتی بالأفراد دفعة واحدة کأن قال المأمور بالعتق لعبیده أنتم أحرار لوجه الله فعلی الأوّل یحصل الامتثال بالجمیع وعلی الثّانی بأحد الأفراد مبهما ویعین بالقرعة إن احتیج إلیه وفیه نظر إذ لو کان المراد بالمرة الدّفعة فلا ریب فی أن الأفراد حینئذ قد حصلت دفعة واحدة فیحصل الامتثال بالمجموع کالماهیّة وإن کان المراد الفرد الواحد فنقول علی القول بالماهیّة أیضا یحصل الامتثال بأحد الأفراد

ص: 217

مبهما لکفایة حصول الماهیّة فی ضمن فرد واحد فی الامتثال فیحکم العقل بحصوله بأحدها مبهما إن جاز الامتثال بفرد مبهم وإلاّ لم یحصل أصلا ولا وجه لحصول الامتثال بالمجموع وبالجملة العقل یحکم بحصول الامتثال بفرد واحد ولا وجه للتّخییر عقلا بین الزّائد والنّاقص سواء حصل الزّائد دفعة أو بالتّدریج نعم یجوز التّخییر بینهما شرعا وهو کاشف عن اعتبار المباینة بینهما إمّا بجعل الأقل معتبرا بشرط لا فإنّه حینئذ لیس داخلا فی الأکثر وإمّا بجعل القصد ممیزا ولا یحتاج إلی القول بمنع التّخییر الشّرعی أیضا بجعل الزّائد مستحبا کما فعله بعضهم لکن هذه الوجوه لا یجری فی التّخییر العقلی لأنّه إذا نظر إلی الأمر المتعلّق بالماهیّة حکم بحصول الامتثال بفرد واحد ولیس هناک أمر کاشف عن اعتبار المباینة وتحقیق المقام فی بیان الثّمرة یتوقف علی بیان مطالب أحدها الحق أن المطلوب بالأمر هما الفرد لا الطّبیعة لأنّ الطّبیعة من حیث هی لا یمکن طلبها إلاّ بمعنی محبوبیتها وهی لا تقتضی وجوب إتیان المکلّف بها فالواجب هو تحصیل الطّبیعة وبعبارة أخری وجود الطّبیعة مطلوب ووجودها هو عین الفرد لما تحقق أن الفرد هو الکلی الموجود لأن التّشخص إنّما یحصل بالوجود لأنّه المتشخص بالذات وضم الماهیّة إلی مثلها لا یوجب التّشخص لأنّه حینئذ ضم کلی إلی کلی فالمطلوب هو الفرد وإن کان المأمور به هو الکلی فإن اضرب معناه أوجد طبیعة الضّرب فالأمر بالإیجاد إنّما ورد علی الطّبیعة لکن المطلوب هو الإیجاد الّذی هو عبارة أخری عن وجود الفرد لأنّ الفعل إذا نسب إلی الفاعل کان إیجادا وإذا نسب إلی المفعول کان وجودا الثّانی لا یجوز التّخییر بین الأقلّ والأکثر لما عرفت من أنّه یلزم تحقق الامتثالین لأمر واحد عند إتیان الأکثر وهو غیر معقول وبهذین المطلبین یظهر أنّ القول بتعلّق الأحکام بالأفراد هو القول باقتضاء المرة لا بشرط لأنّه إذا تعلّق الحکم بالفرد لکن لا لخصوصیّة بل لحصول المصلحة فیه الّتی هی ثابتة فی کل فرد ولم یجز التّخییر بین الأقل والأکثر کان المطلوب الواحد لا بشرط وتخیر المکلّف فی الأفراد کما یقول به القائل بالمرة ولا ینافی هذا ما ذکرنا سابقا من أن القائل بالفرد یمکنه القول بالماهیّة هنا لأنّ ما ذکرنا هنا إنّما هو بناء علی ما هو التّحقیق من عدم جواز التّخییر بین الأقل والأکثر وأمّا بناء علی جوازه فیمکن دعوی مطلوبیّة الفرد بماهیّة بمعنی عدم لحاظ المرة والتّکرار فیه فیکون مخیرا بین الواحد والأکثر ولکن التّحقیق ما عرفت الثّالث إذا أتی بالأفراد مجتمعة فلا یصح الحکم بکونها أحد أفراد المخیر لما عرفت من عدم جواز التّخییر بین الزّائد والنّاقص وهل یمکن القول بحصول الامتثال حینئذ إشکال ویأتی هذا الکلام فی خصال التّخییر إذا أتی فی المکلّف بمجموع الأفراد دفعة فنقول قالوا

ص: 218

فی ذلک علی أقوال أحدها أن الامتثال یحصل بالمجموع والثّانی أنّه یحصل بالفرد المبهم والثّالث أنّه یحصل بالفرد الأفضل إن وجد وإلاّ فأحد الأقوال الباقیة والرّابع عدم حصول الامتثال أصلا احتج الأوّل بأنّه لو لم یمتثل بالمجموع فإمّا یقال بعدم حصول الامتثال أصلا وهو باطل لصدق الإتیان بالمأمور به وإمّا یقال بحصوله بواحد مبهم وهو فاسد لأنّ الامتثال یجب أن یکون بعمل موجود والواجد المبهم الواقعی لیس موجودا وإمّا یقال بحصول الامتثال بالأفضل وهو باطل لفساد دلیله کما سیأتی فانحصر الأمر فی القول بحصول الامتثال بالجمیع لا یقال إنّا لا نسلم أنّه قد أتی بالمأمور به لأنّ المأمور به هو کل واحد بلا بدل فإذا أتی بالجمیع له یصدق علی شیء منها أنّه المأتی به بلا بدل لأنّا نقول بلا بدل قید للتّرک المبغوض للفعل المحبوب فجمیع التّروک مبغوض والتّخلص منه کما یحصل بفعل البعض یحصل بفعل الجمیع أیضا فإنّه إذا فعل الجمیع صدق أنّه لم یترک الجمیع واحتج الثّانی بأنّ المطلوب فی الواجب التّخییری هو أحد الأفراد أمّا علی مذهب الأشاعرة فظاهر وأمّا علی مذهب غیرهم فلأنّ الطّلب وإن ورد علی کل فرد لکن الخصوصیّة لیست مطلوبة بل الفرد مطلوب من حیث إنّه أحد الأفراد وحینئذ فالامتثال بالجمیع لا معنی له إذ لا یصدق علیه عنوان المأمور به أعنی أحد الأفراد فبطل القول الأول بقی الإشکال فی کیفیّة الامتثال بالمبهم فنقول لا دلیل علی فساده وما الضّرر فی حصول الامتثال بالمبهم إذا کان مأمورا به واحتج الثّالث بأنّ مقتضی الأفضلیّة أنّه متی فعله المکلّف کتب له الأجر الزّائد سواء فعل معه غیره أو لا وإذا ثبت الأجر له بفعله فقد حصل به الامتثال إذ لا أجر إلاّ معه واحتج الأخیر بفساد الجمیع أمّا الأوّل فلأنّ الجمیع إمّا امتثال واحد أو امتثالات والأوّل إنّما یتم إذا کان أحد فردی الواجب وقد ثبت أن التّخییر بین الأقل والأکثر فاسد والثّانی فرع تعدد الأمر والمفروض وحدته وأمّا الثّانی فلأنّ المطلوب لیس أحد الأفراد بطریق الکلیّة فإنّه حینئذ لا إبهام فیه بل المطلوب هو المصادیق بنحو التّردید وذکر أحد الأفراد إنّما هو للعنوان والمراد الواحد الجزئی المردد بین المصادیق والجزئی المردد لا وجود له فی الخارج حتی یحصل به الامتثال وأمّا الثّالث فلأنّا لا نسلم ثبوت الثّواب الزّائد حال الاجتماع لأنّ الثّواب فرع الامتثال وهو أول الکلام ویمکن الجواب عن الأوّل بأنّه لا ریب أن معنی الامتثال هو حصول المطلوب فی الخارج بداعی الأمر والمطلوب قد یکون أمرا واحدا معینا وقد یکون أمورا متعددة منضمة بعضها إلی بعض وقد یکون أمورا متعددة علی سبیل منع الخلو کما فیما نحن فیه وفی هذا القسم إن أتی بواحد حصل الامتثال به وإن أتی بالجمیع حصل الامتثال بالجمیع لأنّه مطلوب بذلک الطّلب لا من حیث المجموع حتی یقال إنّه تخییر بین الأقل والأکثر بل لأنّ نفسه

ص: 219

متعلّق للطلب بنحو منع الخلو فإن الطّلب قد تعلّق بالجمیع غایة الأمر الرّخصة فی ترک البعض لا وجوب التّرک حتی ینافی المطلوبیّة نعم لو کان کل واحد مطلوبا بطریق المنفصلة الحقیقیّة لم یکن لحصول الامتثال حال الاجتماع معنی وعن الثّانی بجواز حصول الامتثال بالفرد المبهم فإنّه إذا تعلّق الطّلب بشیئین تخییرا کان کل واحد منهما محصلا للغرض فإن أتی به منفردا نسب حصول الغرض إلیه وإن أتی بالجمیع فکل واحد منها صالح لنسبة حصول الغرض إلیه ولا ریب فی أنّ الغرض قد حصل فی الخارج وإذا کان الغرض حاصلا والمفروض إمکان إسناد حصوله إلی کل منهما صح القول بأنّ الامتثال إنّما حصل بالواحد المبهم إذ لا نعنی به إلاّ أن یکون الامتثال حاصلا فی الخارج ولا یکون محله أمرا معینا بحیث ینسب حصوله فعلا إلیه فتأمّل فی المقام جدا فإنّه من مناظر الأعلام وأمّا الکلام فی المقام بناء علی القول بالمرة بشرط لا بأن لا یکون الشّرط قیدا بل یکون تکلیفا صرفا وأنّه هل یحصل الامتثال إذا أتی بالأفراد مجتمعة علی هذا القول أو لا فنقول إنّه إمّا یقصد الامتثال بالواحد المعین أو المبهم أو بالجمیع فعلی الأوّل لا إشکال فی حصول الامتثال به ویکون الزّائد حراما وعلی الثّانی یبتنی الامتثال علی جواز اجتماع الأمر والنّهی لأن کل واحد منها یصدق علیه عنوان الواحد المطلوب والزّائد المبغوض وعلی الثّالث یتصور أقساما ثمانیة لأنّه إمّا ینوی الامتثال بالمجموع من حیث المجموع أو بکل واحد وعلی التّقدیرین إمّا نقول بحرمة الزّائد بعنوان البدعة أو بدلالة الأمر وعلی التّقادیر ذلک فی المعاملات أو فی العبادات فإن کان فی المعاملات وقصد الامتثال بالمجموع فإن قلنا بأنّ الحرمة إنّما هی من حیث کونه بدعة وقلنا بأنّ البدعة الحرام هو قصد الامتثال بغیر المأمور به لا الفعل المقصود فلا ریب فی عدم ابتناء الامتثال حینئذ علی جواز اجتماع الأمر والنّهی إذ لا بدعة فی الأفراد حینئذ نعم إن قلنا بأنّ الحرام فی البدعة هو الفعل المقصود ابتنی الامتثال علی جواز اجتماع الأمر والنّهی لأنّ قصد المجموع قصد لکل واحد ضمنا وإن قلنا إنّ الحرمة إنّما هی من جهة دلالة الأمر فکذلک لأنّه حینئذ یتعلّق الحرمة بالأفراد الزّائدة وإن قصد الامتثال بالجمیع وقلنا بالحرمة البدعیّة بالوجه الأوّل لم یلزم اجتماعهما فی الأفراد نعم یلزم ذلک فی القصد سواء أکان القصد واحدا مضافا إلی کل واحد أو منحلا إلی قصود متعددة لأنّ قصد کل واحد منها راجح من حیث إنّه قصد للمأمور به حرام من حیث إنّه قصد للزائد وهو بدعة وإن قلنا بالبدعیّة بالوجه الثّانی لزم الاجتماع فی الأفراد وکذا إن قلنا بالحرمة المدلول بها فإنّها تتعلّق بالأفعال ویلزم الاجتماع وإن کان فی العبادات وقصد الامتثال بالمجموع لم یتمثل مطلقا لعدم تعلّق القصد بالمأمور به المستقل فلو اخترنا اجتماع الأمر والنّهی أیضا لم نحکم هنا بحصول الامتثال

ص: 220

ولا فرق حینئذ بین الحرمة البدعیّة بقسمیها وغیرها وأن قصد الامتثال بالجمیع فهو کالقسم الأوّل أعنی المعاملات فیبنی الامتثال فی بعض الفروض علی جواز اجتماع الأمر والنّهی فتأمل

تنبیه

تعلیق الأمر علی شرط أو صفة هل یدل علی تکرره بتکررهما أو لا فیه أقوال والنّزاع هنا یشمل القائل بالتّکرار فی المسألة السّابقة أیضا لأنّ الکلام هنا فی جهة ملاحظة التّعلیق وما یقال من أنّه إذا قال بتحقق التّکرار فلا معنی لأنّ ینازع هنا إذ لیس التّعلیق مانعا عن إفادته غایة الأمر أنّه یقلل التّکرار المستفاد من الأمر مدفوع بأنّ هذا أیضا شیء یتصور النّزاع فیه أعنی أنّه إذا تقلل التّکرار بسبب التّعلیق فقد علم عدم إرادة المعنی الأصلی فحینئذ ممکن أن ینازع فی إفادة التّکرار بسبب التّعلیق أو لا وبهذا علم أنّ تحصیل المتنازع فیه بما لم یکن دالا علی العموم من أدوات التّعلیق ککلّما ومهما ونحوهما لا وجه له إذا النّزاع إنّما هو فی دلالة التّعلیق مع قطع النّظر عن شیء آخر ثم إنّ الأقوال فی المسألة ثلاثة التّکرار مطلقا وعدمه مطلقا والتّفصیل بین ما إذا استفید العلیة فیتکرر وإلاّ فلا والمشهور عدم التّکرار مطلقا أو التّفصیل والقول الأوّل غیر مشهور وربما یستشکل ذلک بأنّ المشهور حجیّة مفهوم الشّرط والمنصوص العلة ولا معنی لحجیّة المفهوم إلاّ استفادة اللّزوم والعلیّة التّامة المنحصرة للشرط بالنسبة إلی الجزاء وإلاّ لم یلزم من انتفائه انتفاؤه وإذا ثبت کونه علة والمنصوص العلة حجة لزم تکرر الجزاء بتکرر الشّرط فکیف نفی القول بذلک هنا عن المشهور والجواب أنّ حجیّة المفهوم یکفی فیها استفادة العلیّة التّامة للشرط فی الجملة لا بطبیعیّة بل یکفی کونه علة فی ضمن فرد معین أو مبهم والنّزاع هنا إنّما هو فی استفادة العلیّة للطبیعة وهی الّتی منعها المشهور هنا وأمّا حجیّة المنصوص العلة فإنّما هی فرع فهم العلیّة وقد عرفت أنّها فی المقام بالنسبة إلی الطّبیعة ممنوعة وبالنسبة إلی بعض الأفراد غیر مثمر ثم إنّ النّزاع فی المقام یمکن أن یکون فی وضع الأمر ویمکن أن یکون فی وضع هیئة الشّرط والجزاء ویمکن أن یکون فی أنّ الظّاهر العرفی هل هو التّکرار أو لا والظّاهر هو الأخیر لبعد القول بالوضع المستقل للأمر فی مثل هذه المقامات بحیث لو استعمل فی غیره کان مجازا وکذا هیئة التّعلیق مع أنّ الأصل عدم الوضع والحق فی محل النّزاع القول بالعدم مطلقا إذ لا نسلم استفادة العلیّة للطبیعة الشّرطیّة بل الغالب أن الشّرط إمّا لیس علة أو علة فی الجملة وهو غیر کاف فی الدّلالة علی التّکرار وهذا بخلاف مثل قوله الخمر حرام لأنّه مسکر فإنّ المستفاد فیه کبری کلیّة وهی أنّ کل مسکر حرام ولذا یجوز التّعدی منه واحتج القائل بالتّکرار بأنّه لولاه لزم الإجمال المنافی للحکمة لأنّ الطّبیعة إذا لم تکن علة بجمیع الأفراد بل کان فی ضمن فرد معین علة لم یعلم فی مثل إن جاء زید فأکرمه إذا تحقق أفراد متعاقبة من المجیء أن أیها العلة وما یقال من أنّ المرة متیقنة لا وقع له فی دفع

ص: 221

الإجمال إذا الکلام فی مصداق الفرد وأنّه الفرد الأوّل أو الثّانی وهکذا لا تعدده ووحدته والجواب أن الظّاهر من قوله إن جاء زید فأکرمه أن طبیعة المجیء علة لا فی ضمن جمیع أفراده بل هی بنفسها علة الطّبیعة وجوب الإکرام فإذا تحقق الفرد الأوّل أثر فی طبیعة وجوب الإکرام فإذا تحقق الفرد الثّانی لم یکن له محل یؤثر فیه الطّبیعة الموجودة فیه لأنّ طبیعة الإکرام لیست قابلة لوجوبین وقد سبق الإشارة إلی ذلک فی مسألة تداخل الأسباب فتأمل جدا

أصل اختلفوا فی أن المراد من الأمر هو الفور أو التّراخی

أو أنّه متشرک بینهما لفظا والمراد الطّبیعة أو الوقف علی أقوال والمراد بالتّراخی فی المقام هو جواز التّراخی لا تعینه إذ لا قائل به وکذا القائل بالاشتراک بقول بین تعین الفور وجواز التّراخی وعلی هذا فالفرق بین القول بإرادة الماهیّة وبین القول بجواز التّراخی أنّ جواز التّراخی فی الأوّل إنّما هو بحکم العقل حیث لم یقبل المطلوب بشیء منهما بخلافه فی الثّانی فإنّه مدلول للأمر ویظهر الثّمرة فیما لو قیده بالفور فقال افعل فورا فعلی القول بالوضع للماهیّة لیس مجازا بل هو تقیید بخلاف القول الثّانی لأن الموضوع له عنده طلب الفعل علی وجه یجوز معه التّراخی فلو عین الفور فقد استعمله فی غیر الموضوع له ثم إن تحقیق المقام یتوقف علی بیان أمور الأوّل محل النّزاع فی کلامهم غیر تحرر والّذی یحتمل کونه محل النّزاع أمور ثلاثة أحدها أن یکون النّزاع فی الموضوع له ثانیها أن یکون النّزاع فی الظّاهر العرفی ثالثها أن یکون النّزاع فی أن أوامر الشّرع هل تحمل علی الفور لأدلة مقامة کقوله تعالی فاستبقوا الخیرات ونحوه أو لا والأدلّة الّتی أقاموها فی المسألة مختلفة یناسب بعضها کلا من هذه المقامات ویجب التّکلم فی کل من هذه المقامات لیظهر الحق فی الجمیع الثّانی اختلف فی معنی الفور فی المسألة فقیل أنّه عبارة عن ثانی زمان الطّلب عرفا وقیل إنّه أول أزمنة الإمکان عرفا وهذا أعم من الأوّل وقیل إنّه التّعجیل عرفا فلا ینافی فصل بعض الأفعال الجزئیّة وقیل إنّه الاشتغال بالمقدمات والتّهیّؤ للعمل بعد الأمر ولو تأخر أصل العمل لکثرة مقدماته ویختلف تأخیره بالنسبة إلی التّکالیف نظرا إلی قلة مقدماته وکثرتها وربما ذکر وجه خامس وهو عدم التّأخیر إلی حد یوجب التّهاون وهو فاسد إذ لیس ذلک معنی الفور بل هو تحدید لجواز التّراخی لا للفور مع أنّه فاسد فی أصله لعدم صیرورة التّأخیر سببا للتّهاون أبدا لفرض جوازه نعم ربما یکشف التّأخیر عن التّهاون کترک جمیع المستحبات وهو حینئذ فذلک التّهاون حرام لا أنّ الکاشف عنه أیضا حرام وإلاّ لزم وجوب المستحبات تخییرا وهو باطل جزما الثّالث القول بالفور محتمل لوجوه ثلاثة أحدها أن یکون الفوریّة قیدا للطلب بحیث لو فات الفوریّة سقط التّکلیف وثانیها أن یکون تکلیفا مستقلا بحیث لو فات بقی التّکلیف

ص: 222

بالنّسبة إلی أصل الطّبیعة وثالثها کالثّانی لکن بحیث لو فات فی الزّمان الثّانی بقی التّکلیف بالنّسبة إلی الزّمان الثّالث وإن فات فیه بقی بالنّسبة إلی الرّابع وهکذا وبالجملة یجب فورا ففورا ولنبین أوّلا ثمرة النّزاع والمرجع عند التّوقف فی المسألة وعلی القول بالاشتراک عند عدم القرینة ثم نشرع فی تحقیق المسألة أمّا الثّمرة بین القول بتعیین الفور والقول بجواز التّراخی فهی تحقق العصیان بالتّأخیر مع سقوط التّکلیف أیضا فی بعض الاحتمالات علی الأوّل دون الثّانی وکذا بینه وبین القول بالماهیّة وأمّا بین تعیین الفور وتعیین التّراخی وإن لم یعلم له قائل فهی عدم الامتثال بالتّعجیل وعدم العصیان بالتّأخیر علی الثّانی بخلاف الأوّل وبین الماهیّة وتعین التّراخی هو الامتثال بالتّعجیل علی الأوّل دون الثّانی وبین الماهیّة وجواز التّراخی ما عرفت من حصول التّجوز عند التّقیید بالفور معینا أو التّراخی کذلک علی الثّانی دون الأوّل لکن عند الإطلاق لا ثمرة بینهما وبین الاشتراک والباقی عند عدم القرینة هی إجمال اللّفظ وعدمه وعند وجودها یکون إمّا تعیین الفور أو جواز التّراخی وقد عرفت ثمرتهما والثّمرة بین الوقف وغیره ظاهر لأنّه یرجع إلی الأصول العملیّة کالقائل بالاشتراک عند عدم القرینة وتفصیل ذلک أنّ التّوقف إمّا یکون بین الفور بالاحتمال الأوّل وهو التّقییدی وبین جواز التّراخی وحینئذ فالشک راجع إلی المکلّف به ومقتضی الاحتیاط التّعجیل نعم لو فات فی زمان الفور فمقتضی الاحتیاط الإتیان به ثانیا لاحتمال عدم الشّرطیّة وإمّا یکون بین الفور بالاحتمال الثّانی وجواز التّراخی فأصالة البراءة تنفی الفوریّة لأنّه شک فی التّکلیف الزّائد وإمّا یکون بینهما وبین جواز التّراخی فهو کالأوّل وإمّا یکون بین تعیین الفور وتعیین التّراخی والاحتیاط فی الجمع إن أمکن وإلاّ فهو مخیّر وإمّا یکون بین الفور بالاحتمال الأوّل وبینه بالاحتمال الثّانی وهذا علی أقسام لأنّه إمّا یکون فی أول زمان الفور متعذرا فأصالة البراءة تقتضی عدم التّکلیف ثانیا إذ لا یعلم الاشتغال به أولا لاحتمال کون الفور قیدا فعند تعذره لا یتعلّق الطّلب أصلا وإمّا یکون ممکنا ثم یتعذره فحینئذ یقطع بسقوط التّکلیف بعد فوات الفوریّة إذ لو کان قیدا فقد سقط لفوات القید وإلاّ فقد فات لتعذره وکیف کان فالعصیان ثابت فی هذا القسم إن ترک فی أول أوقات الفور وإمّا یکون ممکنا دائما فقیل إنّ الاستصحاب یقتضی بقاء التّکلیف لو فات فی أول الزّمان وهو فاسد إذ لا یعلم أنّ المکلّف به هو الأمر المقیّد أو ذات العمل فموضوع التّکلیف غیر ثابت البقاء وبقاؤه شرط فی الاستصحاب نعم یمکن إثباته بقاعدة الاشتغال لئن کان قاطعا باشتغال ذمته فیجب الإتیان تحصیلا للیقین بالبراءة وموضوع قاعدة الاشتغال نفس الشّک فی البراءة وهو ثابت فی المقام فیثبت حکمه وهو وجوب تحصیل الیقین بالبراءة لا أنّه حکم مشکوک لاحقا متیقن سابقا حتی یستصحب ویترتب علیه الحکم فتأمل وعلیک باستخراج سائر صور الدّوران علی القول

ص: 223

بالوقف ویجری الکلام علی القول بالاشتراک أیضا عند عدم القرینة فتفطن فلنشرع فی بیان تحقیق المسألة ونقول الحق أنّ الأمر یتبادر منه فی العرف وجوب الماهیّة لا غیر والتّبادر علامة وضعه لها واستدل القائل بالوضع للفور بإجماع أهل العربیّة علی أنّ الزّمان مأخوذ فی مفهوم الفعل وأنّ الحال مأخوذ فی مفهوم الأمر وهو معنی الفور ورده بعض المحققین بأنّ الزّمان المأخوذ فی الفعل لیس قیدا للمبدإ حتی یکون مقتضیا للدلالة علی الفور بل هو ظرف للنّسبة الإیقاعیّة الثّابتة فی الکلام ثم إنّ هذه النّسبة فی الماضی والمستقبل لما کانت حاکیة لنسبة خارجیّة ثابتة فی الواقع لوحظ الزّمان ظرفا لتلک النّسبة لأنّ اعتبار الزّمان بالنّسبة إلی النّسبة الإیقاعیّة لم یکن فیه فائدة کثیرة إذ الزّمان الّذی هو ظرف لها هو الحال وکل أحد یعلم وقوعها فیه لم تکن فائدة فی اعتبار دلالة اللّفظ علیه وأمّا الأمر فلماهیّة لم یکن فیه نسبة خارجة لم یمکن اعتبار الزّمان فیه إلاّ بالنّسبة إلی النّسبة الإیقاعیّة فاعتبر فیها الحال لعدم قابلیتها للوقوع فی غیره وهذا غیر الدّلالة علی فوریّة المبدإ ثم قال فإن قلت إن عدم الفائدة فی اعتبار الزّمان للنّسبة الإیقاعیّة مشترک بین الماضی والأمر فکما جعلت ذلک فی الماضی سببا لصرف اعتبار الزّمان إلی النّسبة الواقعیّة فاجعله هنا سببا لصرفه إلی المبدإ قلت إن اعتباره فی المبدإ أیضا لا فائدة فیه لأنّ کل أحد فهو یعلم أن الطّلب إنّما یتعلّق بأمر معدوم فی الحال ویطلب وجوده فی الاستقبال کما یعلم أنّ ظرف النّسبة الإیقاعیّة هو الحال وحینئذ فلا یکون ذلک صارفا له لاشتراک عدم الفائدة فإن قلت إنّه وإن علم ذلک بالاستلزام العقلی لکنهم أرادوا أن یصیر الدّلالة علی الزّمان مدلولا للّفظ قلت لم لا یکون کذلک بالنّسبة إلی نفس النّسبة الإیقاعیّة فإنّ کون ظرفها الحال إنّما یعلم عقلا فقل إنهم أرادوا أن یصیر ذلک مدلولا للّفظ فإن قلت لما لم یکن الزّمان فی الماضی والمستقبل ظرفا للنّسبة الإیقاعیّة کان الأمر کذلک طردا للباب قلت مقتضی الاطراد اعتباره فی النّسبة لاعتباره فیها فی الماضی والمستقبل غایة الأمر أنّ المظروف فیهما هو النّسبة الواقعیّة وفی الأمر النّسبة الإیقاعیّة وهذا لا یضر بالاطراد بخلاف ما لو اعتبر فی الأمر قیدا للمبدإ فإنّه یبطل الاطراد لعدم اعتباره فیه فی الماضی والمستقبل انتهی حاصل کلامه زید فی درجته ومقامه وفیه نظر من وجهین الأوّل ما ذکره من أنّه لا فائدة فی اعتبار الحال فی المبدإ کاعتباره فی النّسبة لا وجه له لأنّ النّسبة غیر قابلة إلاّ للوقوع فی الحال وأمّا المبدأ فیمکن اعتبار زمان الفور ظرفا له وزمان التّراخی وغیرهما فاعتبار الحال الثّانی ظرفا له تعیین للفور وهذا هو الفائدة العظمی الثّانی أنّ ما ذکره من عدم تحقق النّسبة الواقعیّة فی الأمر ممنوع إذ لا یخلو کلام من نسبة واقعیّة بمعنی أنّ المتکلّم یتصور بین الفعل وفاعله نسبة خارجة عن الکلام ثم إنّه قد یورد الکلام حکایة عن تلک النّسبة المقصودة فیکون إخبارا وقد یورده طلبا لتلک النّسبة فیکون إنشاء وإذا تحقق فیه النّسبة الواقعیّة جاز جعل الزّمان ظرفا له أو مما یشهد بذلک قوله علیه السلام دعی الصّلاة أیّام أقرائک فإن الظّرف لیس قیدا للصّلاة بأن یکون المطلوب ترک الصّلاة الکائنة فی الأیّام بل هو ظرف للنّسبة ومعلوم أنّ النسبة الإیقاعیّة لیس ظرفها أیام الأقراء فعلم أن هناک نسبة أخری قابلة للتقیید بالزّمان مع أنّه لا معنی لجعل الزمان الّذی یدل علیه الأمر معتبرا فی النسبة الإیقاعیّة لأنه موجب لصیرورة الإنشاء إخبارا إذ یکون معنی اضرب أطلب الآن منک الضّرب ولا یخفی فساده فتأمّل وقد یستدلّ بالاستقراء فإن أکثر الجمل الإنشائیّة والإخباریّة ظرف نسبتها الحال کقولک بعت واشتریت وأنکحت وأنت حر وهی طالق وهل ضربت وزید قائم وعمرو قاعد ونحو ذلک فیلحق المشکوک بالأغلب وفیه أنّ الحال فی الإنشاء قد عرفت عدم اعتباره ظرفا للنسبة وأمّا الأخبار المذکورة فهی لیست من جنس المستقرإ له حتی ینفع مع أن إفادتها الحالیة إنّما هی لظهور عدم ذکر ظرف النسبة فی کونها حالا فافهم ثم إنّ بعد ما ثبت عدم وضعه للفور فهل ینصرف إلیه عرفا قیل نعم کما یظهر من ملاحظة أکثر الأوامر العرفیّة ویمکن منع الانصراف بل إنّما هو لوجود

ص: 224

القرینة وهو کونه موضع الحاجة وأمّا أوامر الشّرع فقیل ینصرف إلی الفور وهو باطل لعدم جواز إجراء الوجه المذکور فیها لو سلم علیّته للانصراف عرفا أنّه لیست أوامره فی موضع الحاجة لغنائه بل لوجود المصالح والمفاسد وهی قد تکون فی التّأخیر وقیل یحمل فی الشّرع علی الفور لا للانصراف بل لقوله تعالی وسارعوا إلی مغفرة من ربکم وقوله تعالی فاستبقوا الخیرات والأوّل یقرر بوجهین أحدهما أن المغفرة من فعله تعالی فلا معنی لمسارعة العبد إلیها فالمراد سارعوا إلی أسباب المغفرة بحذف المضاف أو المراد من المغفرة سببها مجازا والثّانی أنّ معنی المسارعة إلی المغفرة التّعرض لتحصیلها عاجلا فهو أمر بالمسبب ابتداء وهو إمّا عین الأمر بالأسباب أو مستلزم له وکیف کان فعلی القول بالتّکفیر مطلقا یجب بمقتضی الآیة المسارعة إلی کل حسنة لأنّ الحسنات أسباب لتکفیر السّیّئات والمغفرة وعلی القول به فی الجملة یثبت فی البعض ویتم فی الباقی بعدم القول بالفصل ووجه الاستدلال بالثّانیة ظاهر والجواب أوّلا أنّ الآیتین فی مقام الوعظ والتّرغیب والمتبادر منهما الاستحباب عرفا وثانیا أمّا عن الآیة الأولی فإنّها إرشاد إلی ما ثبت فی العقل من وجوب التّوبة لکونها سببا للمغفرة دفعا لضرر العقاب وکذا کل ما کان سببا للمغفرة فهو واجب عقلا لدفع ضرر العقاب لا لوجود مصلحة فی نفسه ومفسدة فی ترکه غیر ما یترتب علی المأمور به وحینئذ فاللازم هو وجوب تحصیل المغفرة فورا علی المذنبین ولا کلام فیه أمّا من تاب فلا دلیل علی وجوب الفور بالنّسبة إلیه وأمّا عن الثّانیة فإنّ الأمر دائر فیها بین إرادة الاستحباب من الأمر وبین التّخصیص فی الخیرات التّخصیص الأکثر ولا شک فی ترجیح الأوّل وأمّا ما یجاب به عن الثّانیة من أنّها متعارضة مع الأوامر الواردة فی الشّرع فإنّها مطلقة فإمّا یلاحظ کل واحد منها مع الآیة فهو خاص والآیة عامة ولا ریب فی ترجیح الخاص علی العام وإمّا یلاحظ المجموع معها فبینهما التّباین فیجب التّرجیح فمما لا یصغی إلیه لحکومة الآیة علی سائر الأوامر لکونها ناظرة إلیها بحیث لو رجحت تلک الأوامر علیها بقیت الآیة بلا معنی کما لو قال المولی لعبده اشتر اللحم واخدم الفرس واکنس البیت ثم قال اسرع إلی ما أمرتک به فلا معنی لملاحظة التّرجیح فی المقام کما لا یخفی علی أولی الأفهام تذنیبان أحدهما فی بیان أن الفور علی القول به هل هو قید أو تکلیف مستقل والتّحقیق أنّه إن قیل باستفادته من الصّیغة کان قیدا لأنّها دالة علی طلب خاص حینئذ لا علی طلبین وإن قیل باستفادته من الأدلة العامة کالآیتین کان تکلیفا مستقلا فإن مقتضی وجوب المسابقة إلی الخیرات صدق الخیر علی العمل مع قطع النّظر عن الآیة وهو لا یصدق إلاّ إذا کان المطلوب ذات العمل فالمسابقة إلیه واجب مستقل وعلی هذا فیکون المطلوب فورا ففورا لاقتضاء الآیة وجوب المسارعة إلی مطلق الخیرات والفعل إذا ترک فی الزّمان الأوّل لم یزل صدق الخیر عنه لما ذکرنا أنّ المطلوب هو نفس الفعل وحینئذ فیجب المسابقة إلیه وهکذا بالنّظر إلی الزّمان الثّالث والرّابع الثّانی فی حد جواز التّأخیر فی الواجب الموسع فنقول إنّ حده عموما آخر أزمنة الإمکان وخصوصا آخر الزّمان المجعول له شرعا والمراد بالعموم الموسع بالمعنی الأعم وهو ما یکون وقته أزید منه سواء فهم ذلک من صریح لفظ الأمر أو من الإطلاق وبالخصوص المعنی الأخصّ وهو ما نص بالوقت المعین ثم إنّه لا ریب فی عدم جواز تأخیر الموسع بالمعنی الأخصّ عن وقته المحدود وأمّا الموسع بالمعنی الأعم فحده واقعا هو آخر أزمنة الإمکان وأمّا ظاهرا فیلاحظ إلی جزء من الزّمان فإمّا یعلم أنه الآخر فلا إشکال فی حرمة التأخیر أو یعلم أنّه لیس آخرا فلا ریب فی جوازه إنّما الإشکال فی صورة الظّن بالإمکان والظن بعدمه والشّک والحق اعتبار الظّنّین إذ لو جعل المدار علی العلم فإمّا یبنی عند عدمه علی الاحتیاط أو البراءة فعلی الأول یفوت فائدة التّوسیع إذ قلما یحصل العلم بعدم کونه آخرا وعلی الثانی یفوت فائدة الوجوب لجواز التأخیر إلی أن یعلم کونه آخرا وهو لا یعلم غالبا إلا بعد الوقوع فیه فالمناص هو الرجوع إلی الظن بالسّلامة وعدمها وأمّا الشک فمقتضی الاشتغال الاحتیاط عنده لاحتمال فوات الامتثال فیحکم العقل بوجوب التعجیل لا یقال إمکان الفعل یستصحب فی الزمان المتأخر فیحکم بأنه لیس آخرا لأنّا نقول لا دلیل علی حجیّة الاستصحاب فی مثل ذلک بل یجب إجراؤه حال تحقق الشک فی بقاء الحالة السابقة لا فی بقائه بالنّسبة إلی الزمان المتأخر أیضا ثم إنه إذا ظن الضیق وترک الفعل ثم ظهر الوسعة فهل هو عاص قیل نعم لمخالفته الظن المتبع والحق أنه داخل فی مسألة التّجری والکلام فی حرمته وهل یصیر قضاء الحق عدمه لتحقّقه فی وقته الواقعی والظّن بالضیق لا یوجب تضییقه واقعا فتأمّل

ص: 225

أصل إیجاب الشّیء هل یستلزم وجوب مقدماته

فیه أقوال والأولی فی العنوان أن یقال طلب الشّیء هل یستلزم طلب مقدماته لیشمل الأوامر الاستحبابیّة أیضا ثم إنّ هذه المسألة من المبادی الأحکامیّة التّصدیقیّة ولیست فقهیة ولا أصولیّة ولا لغویّة کما توهم أمّا الأوّل فلأنّ البحث فیها لیس عن عمل المکلّف أعنی وجوب المقدمات بل البحث إنّما هو عن التّلازم بین وجوب الشّیء ووجوب مقدماته ولأنّ ضابطة المسائل الفقهیّة هو أنّ المجتهد إذا اجتهد فیها وأعطاها بید المقلد أمکن له العمل بها بدون أن یکون محتاجا إلی اجتهاد آخر کما لو اجتهد فی أصالة البراءة فی الشّبهات الموضوعیّة بخلاف ما نحن فیه لأنّه إذا اجتهد وحکم بوجوب مقدمة الواجب لم ینفع ذلک للمقلد حتی یبین له أنّ ذلک الشّیء مقدمة کما فی أصالة البراءة فی الشّبهات الحکمیّة وأمّا الثّانی فلأنّ البحث فیها لیس من عوارض الکتاب والسّنة ولا عن دلالة الأمر أصلا لما عرفت أن البحث إنّما هو غیر التّلازم ولو ثبت الوجوب بالإجماع والعقل لا یقال إنّهما أیضا من موضوع الأصول لأنّا نقول المسألة الأصولیّة ما یبحث فیها عن أحوال الأدلّة بعد ثبوتها لا عن نفس وجودها وهنا الکلام فی نفس حکم العقل بوجوب المقدمة فلا یرجع إلی الأدلة العقلیّة حتی یدخل فی الأصول بل یکون نظیر مسألة أن العقل هل یحکم بالحسن والقبح أو لا وأمّا الثّالث فلأنّ المسألة اللّغویّة فیجب فیها عن الدّلالة بعد تسلیم تحقق المدلول کدلالة النّهی علی الفساد فإنّ الفساد أمر محقق إنّما النّزاع فی دلالة النّهی علیه مع أنّ الکلام لیس مختصا بما إذا استفید الوجوب من الأمر بل یشمل المستفاد من الإجماع والعقل أیضا فالتّحقیق أنّها من جملة المبادی الأحکامیّة الّتی یبحث فیها عن الحکم ولوازمه کذکر معنی الوجوب والاستحباب ونحو ذلک ثم إنّ التّحقیق فی أصل المسألة یتوقف علی تمهید مقدمات أحدها المقدمة ما یتوقف علیه الشّیء وهذا المعنی مشترک بین جمیع المقدمات ثم إنّها تقسم باعتبارات کثیرة فقد تقسم تارة إلی داخلیّة وخارجیّة والأوّل ما هو داخل فی قوام الشّیء کالجزء للکل والثّانی غیر ذلک وهو علی أقسام منها مجموع الّتی لا ینفک عنها المعلول وهذا هو العلة التّامة ومنها مجموع الأمور الّتی لو لا المانع لأثر فاعتبر فیه جمیع الشّرائط سوی فقد المانع وهذا هو المقتضی ومنها ما یکون بحیث لو اقترن بالشرائط وفقد المانع لکان الأثر مستندا إلیه وهذا هو السّبب وربما قیل باتحاده مع المقتضی بإرجاع أحدهما إلی الآخر ومنها الشّرط وهو ما لوجوده أثر فی الوجود ومنها المانع وهو ما لوجوده وعدمه أثر فی الوجود کوضع القدم لطی المسافة وقد علم بما ذکرنا رسوم الأقسام أیضا وأمّا القوم ففسر والسّبب مما یلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته قالوا والقید الأخیر لإدخال السّبب الجامع لفقد الشّرائط أو وجود الموانع فلا یلزم من وجوده الوجود وکذا إذا قام مقامه سبب آخر فلا یلزم من عدمه العدم واعترض علیه بعضهم بأنّ قولهم لذاته إمّا المراد به دوام الاستلزام فلا ینفع لإدخال ما ذکر لأنّها لا تدخل بهذا المعنی وکذا لو کان المراد الاستلزام الذّاتی بمعنی استحالة الانفکاک

ص: 226

وإمّا المراد به الاستلزام فی الجملة فیدخل الشّرط فی تعریف السّبب وفیه أنّ معنی قولهم لذاته أنّه لو لوحظ مع قطع النّظر عن شیء من الموانع والأمور الخارجیّة لزم من وجوده الوجود من عدمه العدم نعم یختص التّعریف المذکور حینئذ بالمقتضی ویخرج السّبب الجامع لفقد الشّرط لأنّه لا یؤثر مع قطع النّظر عن المانع أیضا لا أن یوجد الشّرط واعترض علی التّعریف أیضا بأنّ قولهم ویلزم من عدمه العدم مستدرک لأنّ کل ما یلزم من وجوده الوجود یلزم من عدم العدم جزما والمانع والمعد خرجا بالقید الأوّل فلا حاجة إلی الثّانی وفیه أنّ الثّانی بمنزلة الجنس لشموله الشّرط والأوّل بمنزلة الفصل أعنی بین الشّرط والسّبب والفصل إذا أخرج کل ما یخرجه الجنس لم یوجب الاقتصار علیه وترک الجنس بل یجوز ذکر الجنس غایة الأمر أنّه قد أخر الجنس لنکتة من أهمیّة الفصل لوجه ونحو ذلک ولأمر فیه أصلا وفسروا الشّرط بأنه ما یلزم من عدمه العدم ولا یلزم من وجوده الوجود واعترض علیه بخروج الشّرط المتأخر عن السّبب کالإجازة فی البیع الفضولی فإنّها یلزم من عدمها العدم ومن وجودها الوجود وکذا الشرط الواقع جزءا أخیرا للعلة التّامة وفیه أنّ کلمة من نشویة ومقتضاها کون الاستلزام المذکور شیئا من الشّرط والإجازة والجزء الأخیر فیما فرض لیس الوجود مستندا إلی وجودها بل إلی وجود السّبب وإنّما هی شرط التّأثیر وإلی وجود المجموع من حیث المجموع وأورد أیضا بصدق التّعریف علی السّبب النّاقص أعنی الجامع لفقد الشّرط فإنّه لا یلزم من وجوده الوجود ویلزم من عدمه العدم وفیه ما عرفت من کون کلمة من نشویة وانعدام المسبب عند انعدام السّبب النّاقص مستند إلی انعدام الشّرط السّابق علی السّبب النّاقص فی الانعدام والعلة إذا کانت مرکبة فانتفاء المعلول یستند إلی أسبق الأجزاء فی الانتفاء نعم یرد علی التّعریف صدقه علی جزء المقتضی والعلة التّامة ولعل التّقسیم إنّما هو بحسب الأجزاء الأوّلیّة والتّسمیة لها بالنّسبة إلی أجزاء الثّانویّة أیضا فلا یضر عدم إطلاق الشّرط علی الجزء المقتضی والعلة فافهم ثم قد یورد علی تعریف السّبب أنّه شامل للمعلول لتلازمه مع العلة وجودا وعدما وکذا علی معلول علة واحدة لتلازم کل منهما مع الآخر وبما ذکرنا من کون کلمة من نشویة تعلم دفع هذا الإیراد لأنّ وجود العلة لیس ناشئا من وجود المعلول وکذا المعلولان لعلة لا یقال حینئذ یکون التّعریف دوریّا لأنّ معنی من النّشویّة هو العلیّة والسّببیّة لأنّا نقول المقصود تعریف مدلول السّبب لا ماهیّة والتّعریف لفظی ولم یؤخذ لفظ السّبب فی المعرف حتی یلزم الدّور بل هو تعریف اللّفظ بماهیّة معینة معلومة مجهولة وضع اللّفظ لها فتأمل ثم التّحقیق أن السّبب فی المقام عبارة عما ذکرنا أوّلا وهو ذات المقتضی مع قطع النّظر عن الشّرائط والموانع ویدل علی ذلک جعله قسیما للشرط فإنّه یتبادر منه تباینهما لا دخول الشّرط فی ضمن السّبب وبهذا یعلم أن لیس المراد به العلة التّامة لاعتبار الشّرائط فی العلة التّامة وقد علمت أنّ الظّاهر

ص: 227

تباین السّبب والشّرط مع أنّه لا معنی لإرادتها من السّبب فی هذه المسألة إذ لا یمکن القول بوجوب العلة التّامة لأنّها عبارة عن مجموع الأمور الّتی لا ینفک عنها المعلول ولا ریب فی ترکبه من الأمور الاختیاریّة وغیرها کالحیاة والقدرة ونحوهما ولا معنی لوجوب الأمر الغیر الاختیاری ویظهر من السّید المرتضی رحمه الله أنّ المراد من السّبب هو المقتضی لحکمه بأنّ السّبب هو الّذی یترتب علیه الشّیء مع فقد الموانع نعم قد یظهر من کلامه أنّ المراد هو العلة التّامة حیث استدل علی أنّ الوجوب مطلق بالنّسبة إلی الأسباب لا مشروط بأنّه إذا وجد السّبب وجد المسبب قهرا فلا معنی لوجوبه بعد وجود السّبب کما هو شأن الواجب المشروط فإنّه لو لم یکن المراد العلة التّامة لم یکن دلیله تاما لأنّ السّبب بمعنی المقتضی یمکن أن یوجد ولا یوجد المسبب لوجود مانع ونحو ذلک وبالجملة کلامه مضطرب فی المقام وقد یقال إنّ السّبب عبارة عن مجموع المقدمات الاختیاریّة فیشمل الشّرائط أیضا ویشکل بأنّه لو کان المراد من السّبب فی المسألة هذا المعنی للزم للقائل بوجوب السّبب القول بوجوب الشّرط أیضا لوجوب الجزء قهرا عند وجوب الکل وما یقال من أنّ هذا الوجوب تبقی فیمکن النّزاع فی تعلّق الوجوب الأصلی کما قیل فی أنّ النّزاع یجری فی المقدمات الدّاخلة أیضا ویکون المتنازع فیه الوجوب الأصلی لا وجه له هنا وهناک أیضا لأنّه إذا تعلّق الوجوب بالکل تعلّق بالجزء بعینه فیکون المقدمات الدّاخلة واجبة بعین وجوب الکل وهو الوجوب النّفسی فلا یمکن حصولها فی ضمن الحرام وحینئذ فلا ثمرة للنّزاع فی أنّها واجبة بوجوب غیری من باب المقدمة أو لا وما یقال من ظهور الثّمرة فی جواز الاجتماع مع الحرام علی القول بعدم وجوبه ولزوم اجتماع الأمر والنّهی علی القول بالوجوب فاسد لما عرفت من تعلّق الوجوب النّفسی بالجزء قهرا علی کلا القولین ولهذا قیل بخروجها عن محل النّزاع وحینئذ فنقول فی المقام إنّ السّبب إذا کان واجبا والمفروض دخول الشّرائط فی ضمنه تعلّق بها الوجوب المقدمی المتعلّق بالکل وحینئذ فلا ثمرة للنّزاع فی وجوبها بوجه آخر غیریا فتأمل ومن هذا ینشأ الإشکال من جهة صدق المقدمة علی مجموع المقدمات فیلزم علی القول بالوجوب تکرار الطّلب بالنّسبة إلی کل منها من حیث کونه مقدمة وجزء للمقدمة وأیضا قد یکون المقدمة مرکبة من أجزاء اعتباریّة غیر متناهیة کقطع المسافة لقبولها القسمة إلی ما لا نهایة له وکل من الأجزاء مقدمة فیلزم تحقق طلبات غیر متناهیة ویمکن الجواب بأنّ الإنشاء إنّما ورد علی ذی المقدمة ووصف المقدمیّة من الأمور الانتزاعیّة العقلیّة للأمور الخارجیّة ولیس من الموجودات الخارجیّة وحینئذ فنقول الطّلب أمر بسیط قد تعلّق بذی المقدمة لکن العقل إذا انتزع من موجود وصف المقدمیّة انتزع منه وصف المطلوبیّة أیضا وفی مثل ذلک لا یضر التّکرار لأنّه محض الانتزاع ولا یتکرر الطّلب أصلا وکذا لا یلزم التّسلسل لانقطاعه بانقطاع الاعتبار نظیر الأنواع المتکررة کالموصوفة فإنّها من الأمور الاعتباریّة لا الخارجیّة وإلاّ لکان

ص: 228

موصوفا بالوجود فننقل الکلام إلی تلک الموصوفیّة فیلزم التّسلسل بخلاف ما لو قلنا بأنّه من الأمور الاعتباریة لانقطاع السّلسلة بانقطاع الاعتبار فتأمل وقد أورد نظیر هذا الإشکال علی الجمع المعرف عند إرادة عموم الجماعات منه من جهة لزوم تکرار الطّلب لصدق الجماعة علی الثّلاثة منفردا وفی ضمن الأربعة وهکذا وأجیب عنه بأنّ المراد من اللّفظ تعمیم الجمع بحیث لا یلزم منه تکرار ولا یجری هذا فیما نحن فیه لأنّ حکم العقل یتبع العنوان فمتی تحقق ثبت الحکم والعنوان یصدق علی کل فرد من المقدمات متکررا فیجب تحقق الحکم کذلک فالأولی فی الجواب ما ذکرنا وقد تقسم المقدمة إلی شرعیّة وعقلیّة وعادیّة ومثلوا للشرعیّة بالطهارة للصّلاة ولعل وجهه أنّ المطلوب هو الصّلاة بوجه مخصوص واقعی بحیث لا یمکن تحصیلها بدون الطّهارة کالمشی للحج فیکون الطّهارة من المقدمات العقلیّة لکن لما کان الکاشف عن کونها مقدمة هو الشّرع سمیت شرعیة والوجه الأخیر موقوف علی ما قیل من أنّ الأحکام الوضعیّة لیست بمحض جعل الشّارع بل هی أحکام ثابتة لموضوعاتها واقعا والکاشف عنها الشّارع کالملکیّة والسّببیّة ونحوهما فافهم وقد یقسم المقدمة إلی مقدمة الوجود ومقدمة الوجوب ومقدمة الصّحة ومقدمة العلم والأوّل کالمشی للحج والثّانی کالبلوغ للصّلاة بناء علی صحة صلاة الممیز والثّالث کالوضوء للصّلاة والرّابع کالصّلاة إلی الجهات الأربع عند اشتباه القبلة هذا إن لوحظت المقدمة بالنسبة إلی متعلّق الوجوب والصّحة والعلم إمّا أن لوحظت بالنسبة إلی أنفسها کانت مقدمة لوجودها ثم إن مقدمة الوجوب خارجة عن محل النّزاع فی المسألة بلا إشکال ومقدمات الصّحة راجعة إلی مقدمات الوجود باعتبار أن الوضوء إذا کان شرطا للصّلاة فوجود الصّلاة الصّحیحة لا یحصل إلاّ به ومحل النّزاع هو مقدمات الوجود فی الجملة وسیأتی الکلام فی تعمیمه بحیث یشمل مقدمات وجود الواجب المشروط أیضا وعدمه وأمّا مقدمة العلم فقیل بخروجها عن المسألة ولعل وجهه أنّ النّزاع فی المسألة إمّا یکون فی وجوب المقدمة وجوبا یکون منشأ للآثار بحیث یترتب علیه الثّواب والعقاب فلا ریب فی عدم إجرائه فی مقدمات العلم لأنّ وجوب أصل تحصیل العلم وجوب إرشادی عقلی لا یترتب علیه عقاب إلاّ عقاب ترک الواجب نظیر الأمر العقلی بوجوب الإطاعة وحرمة المعصیة وإمّا یکون النّزاع فی مطلوبیّة المقدمة مطلقا فلا ریب فی أنّ النّزاع فیها بهذا المعنی لا فائدة فیه لأنّ تحصیل العلم بالنسبة إلی المکلّف لیس إلاّ عبارة عن فعله المحصل للعلم فکل واحد من الصّلاة الأربع داخل فی عنوان تحصیل العلم فیتصف بالوجوب بعد الاعتبار بنفس وجوب تحصیل العلم فالنّزاع فی أنّه واجب بعنوان المقدمیة أیضا أو لا لیس له فائدة نظیر المقدمات الدّاخلة (الثّانیة) الواجب إمّا مطلق أو مشروط وعرّف الأوّل بما لا یتوقف وجوبه علی ما یتوقف علیه وجوده کالصّلاة بالنسبة إلی الطّهارة والثّانی بما یتوقف علی وجوبه علی ما یتوقف علیه وجوده کالعبادات الشّرعیّة بالنسبة إلی العقل وأورد علیه بخروج الحج عن الواجب

ص: 229

المشروط لتوقف وجوبه علی ما لا یتوقف علیه وجوده لأنّ وجوبه متوقف علی الاستطاعة الشّرعیّة ووجوده لا یتوقف علیها لإمکانه بدونها فهو إمّا داخل فی المطلق إن قلنا بأنّه یشمل ما توقف وجوبه علی غیر ما توقف علیه وجوده وإمّا واسطة بینهما إن قلنا بعدمه شمول المطلق لذلک ویمکن الجواب بأنّ المراد بتوقف الوجود توقف الموجود بعنوان کونه واجبا فالحج بعنوان الوجوب لا یوجد إلاّ بالاستطاعة الشّرعیّة ووجوبه أیضا موقوف علیها بخلاف الصّلاة فإنّ وجودها بعنوان الوجوب موقوف علی الطّهارة لکن وجوبها لا یتوقف علی الطّهارة فإذا انتفی الطّهارة انتفی الوجود الواجب فی الخارج بمعنی أنّ المکلّف لم یوجد هو لم ینتف الوجوب فعلم أنّ توقف الوجود بعنوان الوجوب غیر توقف الوجوب وزعم بعضهم أنّ توقف الوجود بعنوان الوجوب عین توقف الوجوب بتوهم أنّه إذا انتفی الشّرط انتفی الوجود الواجب فی الشّرع فأورد علی التّعریف بأنّ تعریف المطلق حینئذ إنکار للبدیهی وتعریف المشروط إظهار للبدیهی لأنّه إذا توقف الوجود الواجب علی شیء توقف وجوبه علیه أیضا بالبداهة فکیف یقال فی المطلق إنّ وجوبه لا یتوقف علیه فإنّه إنکار للبدیهی وفی المشروط أنّ وجوبه یتوقف علیه فإنّه إظهار للبدیهی وقد عرفت وجه التّوهم فافهم وزاد بعضهم فی التّعریف قید الحیثیّة إشعارا بأنّه لیس فی الشّریعة واجب مطلق بالنسبة إلی جمیع المقدمات أو مشروط کذلک بل کل واجب فهو بالنسبة إلی بعض مقدماته مشروط ولا أقل من القدرة وبالنسبة إلی بعضها مطلق ولا أقل من الإرادة وقید الحیثیّة هنا غیره فی تعریف الدّلالات وأمثالها لأنّه هناک إنّما هو لتخصیص کل واحد من الشّیئین المتباینین بحد لا یشمل الآخر فإنّ دلالة المطابقة والتّضمن لا یجتمعان فی مصداق واحد لکن لو لم یعتبر الحیثیّة لصدق حد لکل منهما علی الآخر بخلافه هنا لاجتماعهما فی مصداق واحد فهو لبیان وجه الصّدق فهو کتعریف الجسم بما یقبل الأبعاد من حیث هو کذلک والأبیض بما یفرق البصر هکذا لاجتماعهما فی الجسم الأبیض بالاعتبارین ثم لا یخفی أنّ التّعریف المذکور وإن کان له وجه صحة کما بینا لکنّه خلاف ظاهره لظهوره فی أنّ وجوبه یتوقف علی ما یتوقف علیه وجوده بنفسه لا وجوده بعنوان الوجوب فالأولی فی التّعریف ما نسب إلی السّید العمیدی من أن المطلق ما لیس لوجوبه شرط عدا الشّرائط الأربعة الثّابتة لکل تکلیف من العلم والقدرة والبلوغ والعقل والمشروط ما کان لوجوبه شرط غیرها فإنّ هذا أنسب بمعنی الإطلاق والاشتراط لغة لأنّ المطلق ما لیس له قید والمشروط المقید لکن لما کانت الشّرائط الأربعة ثابتة فی کل تکلیف لوحظ الإطلاق والاشتراط بالنسبة إلی غیرها لکن یلزم علی هذا عدم وجود واجب مطلق فی الشّریعة لأنّ الصّلاة مشروطة بالوقت وهو غیر الشّرائط الأربعة وهکذا سائر الواجبات إلاّ بعد حصول جمیع الشّرائط فحینئذ یصدق علیه المطلق ولعله کان فیه فتأمّل الثّالثة قد اختلفت کلماتهم فی تحریر محل النّزاع ویظهر منها فی تحریره وجوه ثلاثة أحدها أنّ النّزاع فی مقدمات

ص: 230

وجود الواجب مطلقا کان أو مشرطا بمعنی أنّ النّزاع فی التّلازم بین وجوب الشّیء ووجوب مقدماته بنحو وجوبه إن مطلقا فمطلقا أو مشروطا فمشروطا نعم مقدمات الوجوب خارجة عن محل النّزاع لعدم إمکان القول بوجوبها مشروطا أیضا لأنّ ما هو الشّرط لوجوب ذی المقدمة هو الّذی یکون شرطا لوجوب المقدمة ولا یمکن ذلک فیما یکون نفس المقدمة شرطا لوجوب ذی المقدمة إذ لا یمکن اشتراط وجوب الشّیء بنفسه ثانیها أنّ النّزاع فی مقدمات الواجب المطلق وربما یستظهر ذلک من عبارة المعالم حیث قال فی العنوان الأمر بالشیء مطلقا یقتضی إیجاب ما لا یتم إلاّ به مع کونه مقدورا بحمل قوله مطلقا علی خلاف المشروط ویجعل قوله مع کونه مقدورا أیضا إشارة إلی ذلک لأنّ الواجب بالنسبة إلی المقدمات الغیر المقدورة مشروط کذا قیل وعلل خروج المشروط عن محل النّزاع بأنّه قبل حصول الشّرط لیس بواجب حتی یجب مقدمته واعترض علی عنوان المعالم بأنّ التّقیید بالإطلاق لا حاجة إلیه لأنّ الأمر حقیقة فی المطلق فیصرف إلیه عند عدم القرینة وکذا قوله مع کونه مقدورا لما ذکر أنّ الواجب بالنسبة إلی المقدمات الغیر المقدورة شرط وأقول بما قررنا الکلام فی التّحریر الأوّل تعرف بطلان هذا القول وفساد تعلیل خروج الواجب المشروط بما ذکرنا فاسد لما ذکرنا أنّ النّزاع إنّما هو فی التّلازم بین الوجوبین أی نحو فرض لا أنّ المقدمة واجب مطلق وإن کان فهو المقدمة مشروطا حتی یدفع أنّه إذا لم یکن ذو المقدمة واجبا کیف یکون مقدمة واجبا وما ذکروه من أنّ الواجب بالنسبة إلی المقدمات الغیر المقدورة مشروط فهو خارج عن محل النّزاع مدفوع بأنّ الواجب بالنسبة إلی نفس تلک المقدمات لیس مشروطا وإنّما الشّرط فی وجوبه هو القدرة علی تلک المقدمات وحینئذ فیمکن النّزاع فی أنّ تلک المقدمات أیضا واجبة بشرط القدرة أو لا فإنّ المشی إذا تعذر فی الحج لم یخرج عن کونه مقدمة للوجود غایة الأمر أنّ القدرة علیه شرط لوجوب الحج وحینئذ فیمکن النّزاع فی وجوب المشی بشرط القدرة فافهم (الثّالث) أنّ النّزاع فی المقدمات المقدورة للواجب المطلق یظهر ذلک من بعض المحققین حیث حمل قول صاحب المعالم مع کونه مقدورا علی أنّه لإخراج المقدمات الغیر المقدورة لا لأنّ الواجب بالنسبة إلی إلیها مشروط بل لأنّها خارجة عن محل النّزاع وبالجملة الواجب المطلق له مقدمات مقدورة وغیرها وهو مطلق بالنسبة إلیهما معا لکن النّزاع فی خصوص المقدورة أمّا اختصاص النّزاع بالواجب المطلق فعلله بما سبق مع جوابه وأمّا إمکان کون الواجب مطلقا بالنسبة إلی المقدمات الغیر المقدورة فبیانه أنّه لو لم یکن کذلک لم یکن المشی إلی الحج واجبا قبل دخول ذی الحجة لأنّ بلوغ الموسم من المقدمات الغیر المقدورة فلو کان وجوب الحج بالنسبة إلیه مشروطا لم یکن له وجوب قبل حصول الشّرط فکیف یجب مقدمته بالوجوب المطلق أعنی المشی بل لزم أن لا یکون فی الشّرع واجب أصلا لأنّ من المقدمات القدرة الحاصلة حین الفعل وهی غیر مقدورة فلو کان الوجوب مشروطا بها لم یتحقق وجوب أصلا لأنّ الوجوب یجب تحققه قبل العمل وقبله لیس شرطه موجودا وهو القدرة حال العمل وحینئذ فیجب القول بأنّ الواجب بالنسبة إلیها مطلق

ص: 231

فإن قیل کیف یمکن القول بإطلاق وجوب الحج بالنسبة إلی بلوغ الموسم والواجبات بالنسبة إلی القدرة حال العمل فإنّ معنی الإطلاق وجوبه سواء حصل البلوغ أو لا مع أن المطلوب هو الحج عند البلوغ فهذا تکلیف بالمحال لأنّ الحج عند البلوغ لا یمکن حصوله أن یحصل البلوغ فکیف یطلب مطلقا بالنسبة إلیه وکذا الواجب بالنسبة إلی القدرة حال الفعل قلنا إنّه واجب معلّق بالنسبة إلیه والفرق بین المشروط بشیء والمعلّق علیه أنّ المشروط إنّما یجب بعد وجود ذلک الشّیء بخلاف المعلّق فإنّه یجب إذا کان الشّخص متصفا بأنّه ممن یتعقبه ذلک الشّیء فکون الشّخص فی علم الله تعالی ممن یتعقبه البقاء إلی الموسم هو شرط للوجوب وهو حاصل فی الشّخص قبل تحقق بلوغ الموسم أیضا والمعلّق قسم من المطلق فالحج بالنسبة إلی نفس بلوغ الموسم مطلق معلّق نعم بالنسبة إلی الوصف المنتزع مشروط وشرطه حاصل قبل بلوغ الموسم فیجب ویجب مقدماته من المشی وأمثاله بخلاف مثل الاستطاعة فإنّ نفسها شرط للوجوب فلذا لا یجب المقدمات قبل وجودها هذا حاصل مرامه زید فی إکرامه وأقول أمّا إخراج المقدمات الغیر المقدورة مع جعل الواجب بالنسبة إلیها مطلقا کما ذکره بعض المحققین فتنقیحه یحتاج إلی تحقیق الفرق بین الواجب المعلّق والمشروط فنقول حاصل ما ذکره من الفرق هو أنّ الوجوب فی المشروط لا یحصل إلاّ بعد حصول المقدمة الّتی هی شرط الوجوب بخلاف المعلّق فإنّ وجوبه مشروط بالوصف المنتزع من المقدمة الحاصل حال الأمر فیتحقق الوجوب من حینه ولا فرق فی المعلّق بین ما إذا کان منشأ أنواع الوصف من الأمور الاختیاریّة أو غیرها کبلوغ الموسم فیما مر ویتفرع علی المسألة أمور منها وجوب بعض المقدمات قبل وقت الواجب کالمشی للحج ووجوب تعلم المسائل قبل دخول الوقت ومنها صحة الضّد الموسع فإنها تابعة للأمر ولا یمکن تعلّق الأمر به مع الأمر بالضد الفوری فإن الأمر بالصّلاة لا یجتمع مع الأمر بأداء الدّین لکونه اجتماع الضّدین ولأنّ الواجب إذا توقف علی الحرام خرج عن الوجوب أو خرج الحرام عن الحرمة فالصّلاة إذا توقفت علی عصیان الأمر بالأداء خرجت عن الوجوب ولم یتعلّق بها أمر ولا یمکن جعلها واجبا بشرط المعصیة بمعنی أن المولی طلب منه الأداء ثم قال إن عصیتنی فصل لأنّ هذا إنّما یتم فیما لو کان بین فعل المعصیة والواجب ترتب فی الوجود کما إذا کان الماء المباح فی الظّرف المغصوب فإنّه یحرم علیه إخراج الماء منه لکنّه إن عصی وأخرجه وجب علیه الوضوء بخلاف ما نحن فیه فإنّ المعصیة مقارنة للصّلاة فلا یمکن جعلها شرطا لتقدم الشّرط علی المشروط فالشرط إذا هو کون الشّخص ممن یتصف بالعصیان وهذا حاصل قبل الصّلاة ویتعلّق بها الأمر وتکون صحیحة هذا غایة توجیه الفرق بینهما وأورد علیه بوجهین الأوّل أنّه لا فرق فی الحقیقة بین المشروط والمعلّق لأنّ الوجوب فی کلیهما حاصل من حین الطّلب بالنسبة إلی المتعلّق الخاص لأنّ الوجوب طلب جزئی یوجد بمحض إنشاء الصّیغة والجزئی الخارجی لا یقبل التّقیید لأنّه إنّما هو فی الکلیات

ص: 232

وإنّما تقیده بحسب متعلقه فقد یکون متعلقه مطلقا وقد یکون مقیدا لأنّ المصلحة إمّا یکون فی الفعل بجمیع الوجوه فیطلبه الآمر علی جمیع التّقادیر وقد یکون المصلحة فی الفعل علی التّقدیر الخاص فیطلبه علی ذلک التّقدیر ولا فرق فی هذه الجهات بین الواجب المطلق والمشروط وإنّما الفرق هو أنّ نفس التّقدیر الخاص فی الواجب المطلق یجب تحصیله علی المکلّف بخلافه فی الواجب المشروط فما ذکره من أنّ الوجوب فی المشروط لا یحصل إلاّ بعد حصول الشّرط غیر تمام (الثّانی) أن عدم التّفرقة فی الواجب المعلّق بین ما لو کان منشأ الانتزاع مقدورا أو غیر مقدور فاسد لأنّه إذا کان مقدورا والمفروض أن الواجب بالنسبة إلیه مطلق فیلزم أن یکون تحصیله واجبا فالصّلاة المتوقفة علی معصیة الأمر بالأداء إذا کان وجوبها بالنسبة إلی المعصیة مطلقا والمفروض أنها مقدورة فیجب تحصیلها ووجوب المعصیة مستلزم للکر علی ما فر منه وأجیب عن الأوّل بأنّ الأمر بالواجب المشروط إنّما ینشأ بالصیغة وجوبا فعلیا منجزا ویعتبر الشّرط عنوانا فی المکلّف فقوله حج إن استطعت معناه أیها المستطیع حج فعدم حصول الوجوب قبل حصول الشّرط لیس مستندا إلی عدم إنشاء الوجوب بل إنّما هو لعدم صدق عنوان المکلّف علی الشّخص قبل حصول الشّرط ولا معنی للقول بکون الشّرط قیدا للواجب لأنّ الفرق حینئذ بین المطلق والمشروط فی وجوب مقدمات الأوّل دون الثّانی تحکم فإنّ المقدمة قید فی کلیهما حینئذ فتجب بوجوب المقید فی الجمیع أو لا تجب فی الجمیع وعن الثّانی بأنّه لما اعتبر الوصف الانتزاعی شرطا للوجوب لم یکن تحصیله واجبا ولیس تحصیله إلاّ إتیان منشإ الانتزاع فلذا یقول بعدم وجوبه هذا کلامهم وأقول حاصل الفرق بین المطلق والمشروط هو أن الواجب المطلق بالنسبة إلی مقدمة هو ما یکون ترکه حال ترک ذلک المقدمة مبغوضا إمّا مطلقا سواء کان مستندا إلی ترک ذلک المقدمة أو غیرها من المقدمات أو خصوص ترکه المستند إلی غیرها من المقدمات فإنّ ترک الصّلاة حال ترک الوضوء مبغوض سواء کان مستندا إلی ترک الوضوء أو ترک غیرها بأنّ توضأ وترک السّتر مثلا وکالحج فإن ترکه قبل بلوغ الموسم مبغوض لا إذا کان مستندا إلی فوات البلوغ بل إلی فوات سائر المقدمات کالمشی مثلا وهذا هو الواجب المعلّق فهو قسم من المطلق والواجب المشروط بالنسبة إلی مقدمة هو ما لا یکون ترکه حال ترکها مبغوضا مطلقا کالحج بالنسبة إلی الاستطاعة هذا ثم إنّ التّحقیق انحصار محل النّزاع فی مقدمات وجود الواجب المطلق أمّا المشروط فقبل حصول شرطه لا نزاع فی عدم وجوب مقدماته بالوجوب المطلق إذ لا یزید الفرع علی الأصل وأمّا النّزاع فی وجوبها بالوجوب المشروط فلا فائدة فیه لأنّ الوجوب المشروط کما عرفت لیس مدلولا للأمر فإنّه لا یدل إلاّ علی الوجوب المطلق بالنسبة إلی عنوان خاص فمقدماته أیضا بالنسبة إلی ذلک العنوان مقدمات للواجب المطلق وأمّا الاشتراط فأمر ینتزعه العقل بالنسبة إلی من لیس داخلا تحت ذلک العنوان فیحکم بأنّ الوجوب علیه مشروط بدخوله تحت ذلک العنوان وحینئذ فالنزاع فی أنّ العقل هل

ص: 233

ینتزع الوجوب الشّرطی للمقدمات أیضا أو لا لا طائل تحته بعد ثبوت عدم وجوب تحصیلها قبل حصول الشّرط کما هو مراد القوم من خروج مقدمات الواجب المشروط عن محل النّزاع ولکن قد یشکل الأمر فی بعض الموارد حیث حکموا فیها بوجوب مقدمات الواجب المشروط قبل حصول الشّرط ومنه نشأ القول بعدم الفرق بین الواجب المطلق والمشروط فی وجوب مقدمات الوجود وجوبا مطلقا ولو قیل حصول الشّرط منها وجوب تعلم المسائل قبل دخول الوقت ومنها وجوب تعلم مسائل القبلة لمن یرید السّفر إلی البلاد النّائیة ومنها وجوب الهجرة علی من لا یتمکن من إقامة شعائر الإسلام والتّکالیف الشّرعیّة فی بلده فإنّ ترکه مفوت لتنفس التّکلیف فوجب المهاجرة مع عدم وجوب ذی المقدمة لتوقفه علی التّمکن والقدرة المنتفیة فی ذلک البلد وکذا نظائره ومنها إبقاء الشّاة المنذور ذبحها إن شفی الله المریض وعدم جواز نقلها عن ملکه عند توقع الشّفاء ومنها حرمة النّوم للجنب فی لیلة رمضان إذا لم یکن عازما علی الانتباه مع حکمهم بأنّ الغسل إنّما یجب عند طلوع الصّبح متصلا به أعنی آخر جزء من اللیل یسع الغسل کما ذکره الشّهید ومنها ما حکموا به من أنّ المرتد الفطری معاقب عند ترک الواجبات مع عدم صحتها منه لترکه الإسلام الّذی هو شرط الصّحة مع أنّه حین ارتداده لم یکن متصفا بشرائط الوجوب الّتی منها الوقت ومنها ما حکموا به من أن الجاهل المقصر معاقب علی ترک الواقع سواء کان عالما به بالعلم الإجمالی أو کان شاکا لتفویته التّکلیف بترک تحصیل العلم ولیس فی الأوّل معاقبا علی ترک الاحتیاط حیث إنّه عالم بالعلم الإجمالی کما توهم لأنّ وجوب الاحتیاط إرشادی عقلی لا یترتب علی ترکه عقاب إلاّ ما یترتب علی ترک الواقع کوجوب إطاعة الرّسول ونحوه ومنها حکمهم بأنّ من دخل فی الدّار المغصوبة عوقب علی الخروج مع وجوبه علیه لتفویته التّکلیف باختیاره لتمکنه من الامتثال قبل الدّخول والحاصل أنّه لا فرق عندهم فی حرمة تفویت التّکلیف بین ما لم تنجز وجوبه وعدمه فیحرم إتلاف الماء قبل الظّهر لمن یعلم إعواز الماء بعده کما یحرم بعده ومنها ما یمکن أن یقال فی مسألة عقاب الکافر علی ترک القضاء مع أنّه لیس له زمان للفعل لعدم صحته فی زمان الکفر وعدم وجوبه بعد الإسلام لأنّ الإسلام یجب ما قبله فیقال إنّه مکلّف بالدخول فی الإسلام لیجب علیه فی الوقت الأداء فی خارجه القضاء فهو بترکه الإسلام مفقود للتّکلیف وهذا معنی کونه معاقبا علی ترک القضاء وغیر ذلک من الأمثلة والموارد الّتی أوقعتهم فی الشّبهة المذکورة ولنا أن نقول فیها بالوجوب التّعلیقی فی الجمیع أو نقول إنها واجبات نفسیّة قد ثبتت بالدلیل کما ذکره بعض المحققین ولا ینافی ذلک کونه توصلیا غیریا لأنّ المراد بالوجوب الغیری هنا ما لیس الفرض منه حصول مصلحة فی نفسه وهذا غیر الوجوب الغیری المقدمی الّذی یراد منه الوجوب النّاشئ من وجوب شیء آخر ومرادنا بالنفسی ما تعلّق به الخطاب أصالة وإن کان الغرض منه مصلحة فی غیره فیکون غیریا بالمعنی

ص: 234

الأوّل وهو یکفی فی المقام أو نقول بالتّفریق ففی بعضها بالوجوب التّعلیقی وفی بعضها بالوجوب النّفسی ولعل هذا أولی ویرد النّقض علی من یفرق بین المطلق والمشروط بالزکاة فإنّ الشّخص الّذی یعلم أنّه یبلغ ماله النّصاب لا یجب علیه قبله تحصیل مقدمات وجودها وکذا مقدمات وجود الحج قبل الاستطاعة لمن یتوقع حصولها وغیر ذلک من الموارد اللهم إلاّ أن یجیب بأنّ مقتضی الدّلیل والقاعدة هو الوجوب لکفایة القدرة علی الامتثال فی حکم العقل بالوجوب ولو کان تحقق القدرة بإبقاء القدرة الثّابتة قبل تعلّق الوجوب فیصدق علی واجد الماء قبل الظّهر أنّه قادر علی الوضوء بعد الظّهر بإبقاء الماء فیجب عقلا وأمّا الأمثلة الّتی ثبت فیها عدم الوجوب فإنّما هی خارجة بالدلیل حیث ثبت فیها اشتراط القدرة الحاصلة بعد زمان الوجوب فعلا ولکن بعد ما عرفت من ظهور الفرق بین المطلق والمشروط وأنّ الشّرط معتبر فی عنوان المکلّف تعرف فساد هذا القول بل لا یتصور وجوب المقدمات قبل حصول شرط الوجوب لعدم دخول الشّخص فی موضوع الخطاب وبعد حصول الشّرط یکون فی حقه واجبا مطلقا فتحرر مما ذکرنا أن محل النّزاع خصوص المقدمات المقدورة للواجب المطلق فاضبطه لکن لقائل أن یقول إن قید المقدورة مستدرک لأنّه إن کان لإخراج ما علق علیه الواجب المعلّق کبلوغ الموسم للحج فإنّ الواجب بالنسبة إلیه مطلق مع أنّه غیر مقدور ولیس تحصیله واجبا فلیس بصحیح لأنّ ما علق علیه الواجب المطلق غیر واجب وإن کان مقدورا کترک الضّد الموسع کما مر فالأولی إبدال قید المقدور بقولنا إذا کان غیر ما علق علیه الواجب وإن کان لإخراج بعض المقدمات الغیر المقدورة للواجب المطلق کما لو کان للمقدمة فردان أحدهما مقدور والآخر غیر مقدور کقطع الطّریق فإنّه یحصل بالرکوب المقدور والمشی الغیر المقدور مثلا فالحج بالنسبة إلیه مطلق مع أنّ الواجب خصوص المقدور ففیه أنّ المقدمة هی القدر المشترک والقدر المشترک بین المقدور وغیره مقدور فتأمل ثم إنّهم علی بنائهم علی وجوب مقدمة الواجب المشروط قبل حصول الشّرط اختلفوا فی أنّه واجب فی الجزء من الزّمان المتصل بالواجب أو یجوز له التّقدیم وهذه المسألة وإن کانت عامة لکنهم تعرضوا لخصوص مثل الغسل فی لیلة رمضان فقیل بوجوبه فی آخر جزء من اللیل وأمّا قبله فنفل یسقط الفرض وقیل بأنّه واجب من حین حدوث الجنابة ولو فی أوّل اللّیل والمکلّف مخیر فیه بالنسبة إلی أجزاء الزّمان واستدل للأوّل بأنّ الغسل فی الجزء الأخیر هو الّذی یفوت الواجب بترکه وأمّا قبله فلا یتوقف الواجب علیه أصلا فلیس مقدمة حتی یکون واجبا وأجیب بأنّه إن أرید بفوات الواجب بفواته فی الجزء الأخیر أنّه إذا فات بدون أن کان إتیانه فی الجزء الأوّل فات به الواجب فصحیح لکن ترکه فی الجزء الأوّل بدون أن یأتی به فی الآخر أیضا مفوت له وإن أرید فواته بترکه فی الأخیر ولو کان إتیانه ففاسد والحاصل أنّ ترکه فی مجموع الوقت مفوت للصّوم فی کل جزء جزء لیس مفوتا فیکون

ص: 235

واجبا مخیّرا بالنسبة إلی الزّمان وفیه نظر لأنّه إن أراد بالتّخییر أنّه مخیّر بین نفس الغسل فی الأوّل والآخر ففاسد لأنّ الغسل فی الأوّل لا مدخل له أصلا إذ المناط وجود الطّهارة فی أوّل الصّبح وإن أراد به أنّه مخیّر بین الغسل فی الآخر والغسل فی الأوّل مع إبقاء الطّهارة إلی الصّبح فلا ریب أنّه لیس کذلک لأنّه یجوز له ترکهما معا بأن یغتسل فی الأوّل ثم یجنب ثانیا فإنّه بالنسبة إلی الجنابة الأولی ترک الغسل فی الجزء الأخیر وفی الأوّل مع الإبقاء فالغسل مع الإبقاء فی غیر الجزء الأخیر یجوز فعله وترکه وهو ینافی الوجوب لا یقال إنّه إن ترکه بأن أجنب ثانیا فالغسل الثّانی من جملة أفراد الواجب المخیّر فالتّخییر إنّما هو بین ثلاثة الغسل فی الجزء الأخیر والغسل فی الأوّل مع الإبقاء وترک الإبقاء والغسل ثانیا لأنّا نقول الغسل ثانیا لیس فی درجة الإبقاء حتی یکون الشّخص مخیرا بینهما بل هو مترتب علی ترک الإبقاء فهما بمنزلة الصّوم والسّفر فإنّ الشّخص لیس مخیّرا بینهما بأن یکون السّفر أحد فردی المخیّر والصّوم أحد فردیه بل ترک الصّوم مترتب علی السّفر فهو مخیّر بین الإبقاء وعدمه لکن إذا لم یبقه بأن أجنب ثانیا وجب علیه الغسل الجنابة الثّانیة فالوجوب التّخییری غیر معقول بعد فرض أنّ المقدمة هی الطّهارة فی الصّبح نعم لو قلنا إن الواجب رفع الجنابة الشّخصیّة والمکلّف مخیر بین رفعه فی أوّل اللیل أو آخره فلو رفعه فی الأوّل ثم أجنب توجه تکلیف مخیّر آخر بالنسبة إلی رفع الثّانی صح ما ذکروه من التّوسعة لکنّه لا دلیل علیه بل الواجب الکون علی الطّهارة فی الجزء الأخیر فإن لم یتطهر فی الأوّل وجب علیه إحداثه وإن أحدثه أوّلا کان نفلا إلی أن یصل الجزء الأخیر فیصیر إبقاؤه واجبا فیصدق أنّه مجموعه عمل نفل إذ لا ینافی استحباب العمل وجوب إتمامه کالاعتکاف فإنّ استحباب مجموعه یصدق بعدم جواز عدم الدّخول فیه وإنّ لم یخبر قطعه بعد الدّخول وکان إتمامه واجبا عینیّا کالاعتکاف أو تخییرا کالوضوء إذا شرع فیه قبل الوقت ودخل الوقت فی أثنائه فنقول إنّ مجموعه مستحب فینوی الاستحباب عند الشّروع وإن علم بأنّ الوقت یدخل قبل الفراغ منه فإذا دخل الوقت وجب علیه الإتمام بالوجوب التّخییری بینه وبین الوضوء فی الزّمان المتأخّر هذا کله علی القول بوجوب مقدمة الواجب المشروط قبل وجوبه وأمّا علی المختار من عدم صحة ذلک فیمکن أن یقال إنّ الواجب الّذی یکون زمان وجوبه عین زمان عمله لا یمکن القول بوجوب المقدمة فیه بعد حصول الشّرط لأنّه زمان ذی المقدمة فلا محالة یکون زمان الوجوب أوسع من زمان الفعل بقدر إتیان ذلک المقدمة لا أزید بحکم العقل کذا قیل وهو محل الکلام لأنّ العقل لا یفرق بین الجزء الأخیر والأوّل إن ثبت أنّ رفع الجنابة الشّخصیّة مقدمة نعم لو ثبت کون المقدمة الکون علی الطّهارة فی الصّبح أمکن إثبات المضایقة بما مر من أنّه لا یمکن فرض الوجوب التّخییری وقد عرفت وجهه ونزید هنا أنّه کما أن الشّخص الطّاهر فی اللیل لیس مکلفا بأحد الأمرین إبقاء طهارته والغسل إن أجنب بل لیس مکلفا بشیء أصلا کذا الجنب فی أوّل اللیل إذا اغتسل لم یکن مکلفا بإبقاء طهارته تخییرا فإذا دخل الجزء الأخیر وجب إبقاء الطّهارة إن کان متطهرا

ص: 236

وإحداثها إن کان جنبا وتوضیح الکلام فی المقام أن مبنی التّوسعة والضّیق ومقدار زمان التّوسعة أحد الأمرین (أحدهما) أنّ وجوب الغسل یتبع وجوب الصّوم فإذا کان الأمر بالصوم متوجها إلی الشّخص من أوّل اللیل کان التّکلیف بالغسل أیضا متوجها إلیه من أوّل اللیل حتی إنّا لو قلنا إنّ التّکلیف بصوم الشّهر یتوجه إلی المکلّف من أوّل الشّهر جاز نیّة الوجوب فی الغسل نهارا بقصد کونه مقدمة لصوم الغد لکن لما قام الإجماع علی عدم جواز ذلک فهو کاشف عن أنّ التّکلیف إنّما یتوجه فی أوّل اللیل فیکون زمان الغسل موسعا أو فی الجزء الأخیر فیکون مضیقا (والثّانی) أنّ شرط وجوب الصّوم إمّا مطلق التّمکن من إحداثه مطهرا وخصوص التّمکن لیلا أو فی الجزء الأخیر فعلی الأوّل یتوسع زمان الوجوب إلی النّهار أیضا لأنّه متمکن حینئذ فالشرط موجود وعلی الثّانی یتوسع فی خصوص اللیل لوجود الشّرط فیه خاصة وعلی الثّالث یتضیق وقته لعدم وجود الشّرط إلاّ فی الجزء الأخیر لکن لما قام الإجماع علی عدم الأوّل تعین أحد الأخیرین فعلم أنّ مبنی القول بالضیق إمّا عدم توجه الخطاب بالصّوم قبل الجزء الأخیر أو عدم وجود الشّرط قبله لکن یشکل علیهم حینئذ إنّه یلزم أن لا یحرم النّوم إذا کان بقصد عدم الانتباه أیضا لأنّ تفویت شرط الوجوب لیس حراما مع أنّهم حکموا بحرمته اللهم إلاّ أن یقال إنّ الشّرط هو التّمکن فی اللیل فیجب الغسل من أوّل اللیل لکن الواجب هو الغسل عند الجزء الأخیر لأنّه المقدمة کما أن الحج یجب عند حصول الاستطاعة لکن الواجب هو الحج فی ذی الحجة فکما یجب الحج والمشی هناک لئلا یلزم تفویت الواجب فکذا یحرم النّوم هنا والحاصل أنّ مقدمات الصّوم تجب من أوّل اللیل لکن المقدمة هو الغسل فی الجزء الأخیر لأنّه الّذی یفوت الواجب بفواته علی ما ذکر فی وجه التّضییق ولکن مقتضی ذلک أنّه لو علم عدم التّمکن إلاّ فی أوّل اللیل وجب علیه الغسل حینئذ إذ هو حینئذ یفوت الواجب بفواته فإن کان هناک إجماع مرکب علی عدم وجوب الغسل فی أوّل اللّیل علی القول بالضیق حتی علی من یعلم أنّه لا یتمکن منه فی الجزء الأخیر فالأمر مشکل وإلاّ فلا ضرر فی التزام ذلک بل هو مقتضی الدّلیل کما ذکرناه ویمکن التّوجیه بوجه آخر وهو أنّ الصّوم وإن قلنا بتوجه خطابه فی الجزء الأخیر لکن یمکن وجوب الغسل من أوّل اللیل بالوجوب النّفسی الإعدادی لأدلة خارجة وسعة وقت الفعل وضیقه تابع حینئذ لمدلول ذلک الدّلیل والقدر المتیقن مما بأیدینا من الأدلة هو الجزء الأخیر کذا قیل والأولی هو ما ذکرنا فتأمل جدا (الرّابعة) إذا توقف فعل الواجب علی فعل المحرم سقط عن الوجوب المطلق قطعا وإلاّ لزم التّکلیف بالمحال وهو إیجاد الواجب مع ترک مقدمته ولزم التّکلیف بالمتناقضین وهو فعل المقدمة وترکها وفی جواز وجوبه مشروطا بفعل المحرم عصیانا إشکال إذا کان المحرم مقارنا للواجب فی الزّمان کترک الضّد الفوری بالنسبة إلی فعل الضّد الموسع نعم لو اختلفا فی الزّمان جاز بلا إشکال کما لو کان عنده ماء فی الظّرف المغصوب فإنّه لیس مکلفا بالوضوء بالإطلاق لکن إن عصی بإخراج الماء إلی ظرفه وجب علیه

ص: 237

الوضوء وأمّا فی المقارن فلا یمکن ذلک لوجوب تقدم الشّرط علی المشروط ومنعه بعضهم نظرا إلی أنّ ذلک إنّما هو فی الشّرائط العقلیّة وأمّا الشّرائط الشّرعیّة فیجوز تقارنها للمشروط بل تأخرها عنه کالإجازة فی الفضولی لکنّه ظاهر الفساد لأنّ وجوب تقدم الشّرط عقلی سواء کان الشّرط شرعیا أو لا بل الشّرط الشّرعی بعد ثبوت شرطیّته شرعا یصیر شرطا عقلیا ولذا جعل بعضهم الشّرط فی المقام الوصف المنتزع لا نفس ترک الضّد کما عرفت فی بیان الواجب المعلّق وأورد علیه بأنّا سلمنا أن الواجب بالنّسبة إلی الوصف مشروط فنقول إنّه بالنسبة إلی نفس التّرک إمّا مطلق أو مشروط فإن کانت مطلقا لزم التّکلیف باجتماع الضّدین لأنّ مقدمة الواجب المطلق إذا کانت أمرا اختیاریا لزم تحصیلها مع أنّه حرام فی المقام وإن کان مشروطا عاد المحذور وهو مقارنة الشّرط للمشروط وفیه أنّه یختار الشّق الأوّل ویمنع وجوب المقدمة فی مثل المقام لکونه معلقا وأورد علیه أیضا بأنّ الواجب المضیق واجب مطلق ومطلوب علی تقدیر الإطاعة والعصیان فلو کان ضده الموسع أیضا مطلوبا فی حال العصیان لزم التّکلیف بالضدین وأیضا یلزم تعدد العقاب بترک الواجبین المتزاحمین عند کون أحدهما أهم کالغریقین إذا لم یتمکن من إنقاذهما فإنّه یجب علیه إنقاذ الأهم فإن عصی فغیره فإذا عصی ولم ینقذ الآخر فقد ترک واجبین مطلقین فیجب تعدد العقاب مع أنّ الزّمان لم یکن واسعا إلاّ لأحدهما ویمکن الجواب عن الثّانی بالتّسلیم ومنع البطلان وعن الأوّل بأنّه لیس الواجب المضیق مطلوبا علی تقدیر الإطاعة والعصیان لأنّ طلبه علی تقدیر الإطاعة تحصیل للحاصل وعلی تقدیر المعصیة طلب للمحال بل المطلوب نفس تقدیر الطّاعة وترک المعصیة لکن یمکن عدم وقوع المطلوب وتحقق العصیان فهو یرید الضّد مع ترک المطلوب عصیانا ولم یکن مریدا للواجب مع العصیان لأنّه محال بل کان طالبا لنفس ترک العصیان والحاصل أنّ أداء الدین مطلوب لکن إذا عصی کان مکلفا بأن یقارن العصیان بالصلاة ولیس مکلفا بأن یقارن المعصیة بالأداء حتی یلزم الأمر بالضدین ویشکل بأنّ التّکلیف إذا کان بالنسبة إلی الأداء مطلقا وجب جمیع مقدماته ومنها ترک الصّلاة فیجب وحینئذ فکیف یمکن وجوب الصّلاة إلاّ أن یقال ترک الصّلاة إنّما یجب إذا کان للوصول إلی الأداء فعند ترکه لا یجب ترک الصّلاة وهذا إنّما یتم بناء علی القول بوجوب المقدمات الموصلة وهو فاسد لأنّ المراد به إمّا کون فعل الواجب شرطا فی وجوب المقدمة وهو ظاهر الفساد لأنّ المقدمة تجب بوجوب ذی المقدمة لا بفعله وإمّا أن ترک الضّد له قسمان ترک موصل وترک غیر موصل والواجب هو الأوّل وهذا أیضا کسابقه لأنّ ترک الصّلاة لا یتعدد بفعل الأداء وعدمه وإنّما التّوصل وعدمه ینتزع من فعل ذی المقدمة بعده وعدمه وإمّا المراد وجوب التّوصل به إلی ذی المقدمة فهذا عین وجوب ذی المقدمة إذ المراد حینئذ وجوب فعل المقدمة ثم فعل ذی المقدمة إذ لا یمکن أن یکون المراد أن الواجب المقدمی هو التّرک مع فعل الضّد بعده لأنّه مستلزم لصیرورة فعل الضّد واجبا من باب المقدمة لحصول المقدمة وکیف کان وجوب المقدمة الموصلة غیر معقول کذا قیل وسیجیء تحقیق المطلب إن شاء الله (الخامسة)

ص: 238

الواجب إمّا أن یکون الغرض من وجوبه ذاته من غیر ملاحظة شیء آخر کمعرفة الله سبحانه والتّقرب إلیه وقد یکون غیره وهو قسمان أحدهما أن یکون الغرض منه التّوصل إلی واجب آخر کالمشی للحج والثّانی أن یکون الغرض ترتب آثار مقصودة غیر التّوصل کالصّلاة وأمثالها وکل من القسم الأوّل والأخیر یسمی واجبا نفسیّا والوسط غیریا فیعلم أن الواجب للغیر أعم من الواجب الغیری والنّفسی لشموله القسمین الأخیرین فتعریف بعضهم الواجب الغیری بما یجب للغیر غیر مانع وما قیل إن المراد ما یجب لمصلحة فی الغیر فاسد لأنّ الواجب إنّما یجب لمصلحة فی نفسه لکن المصالح مختلفة ومن جملتها التّوصل إلی واجب آخر فالتّعریف حینئذ لا یشمل الغیری أیضا وکیف کان إن علم النّفسیّة والغیریّة فهو وإن شک فیه رجع الشّک إلی شکین أحدهما الشّک فی ذلک الواجب أنّه نفسی أو غیری والثّانی فی الآخر أنّه مطلق أو مشروط بهذا الواجب ولا یخلو إمّا یکون دلیلاهما لفظیین أو لبیّین أو أحدهما لفظیا والآخر لبیا وعلی الأوّل یجب الأخذ بإطلاقهما فیحکم بنفسیّة الواجب وإطلاق الغیر لأنّه المنصرف إلیه الإطلاق وإن کان الأمر حقیقة فی الغیری والمشروط أیضا کما هو الحق وإن کان أحدهما لفظیا والآخر لبیّا عمل بمقتضی إطلاق اللّفظی فلو دل اللّفظ علی وجوب الصّلاة واللب علی وجوب الوضوء مثلا فمقتضی إطلاق اللّفظ إطلاق وجوب الصّلاة ویلزمه نفسیّة الوضوء إذ لو کان غیریا لکان وجوب الصّلاة مقیدا به وهذا وإن کان من قبیل الأصل المثبت إلاّ أنّه حجة فی دلالة الألفاظ الّتی مبناها علی الظّن والظّهور وإن کان کلاهما لبیا وجب الرّجوع إلی الأصول العملیّة فقبل وجوب الغیر الأصل براءة الذّمة من الوضوء مثلا لاحتمال الوجوب الغیری وبعده الأصل البراءة من الصّلاة لمن لم یتمکن من الوضوء لاحتمال الوجوب المشروط ویؤیده أصالة الاشتغال إن قلنا به عند الشّک فی الشّرطیّة والجزئیّة وهذه الوجوه تقتضی الوجوب الغیری ثم إنّ الأصل البراءة من وجوب تقدیمه علی الصّلاة فلو أتی به بعدها لکان ممتثلا وإذا خرج وقتا لواجب فإن لم یکن متمکنا فی وقتها من الوضوء فالأصل البراءة منه للشّک فی أصل تعلّق وجوبه لاحتمال الغیری وإن کان متمکنا فأصالة الاشتغال للقطع بوجوبه والشّک فی سقوطه بخروج الوقت واستصحاب وجوبه الثّابت فی الوقت فی الجملة علی إشکال وهذه الوجوه مما یقتضی الوجوب النّفسی وذکر الوضوء إنّما هو من باب المثال والمراد العمل الّذی شک فی کونه واجبا نفسیا أو غیریا ثم إنّه قد یکون اللّفظ الدّال علی الوجوب کلمة واجب کأن یقال الوضوء واجب مثلا فقیل مقتضی أصالة الحقیقة حمله علی النّفسی المطلق لأنّ المشتق حقیقة فی المتلبس والواجب الغیری أغلب بعد وجوب الغیر وکذا المشروط بعد وجود الشّرط وقد عرفت بطلانه لأنّ الواجب حقیقة فیهما نعم یمکن التّمسک بإطلاق اللّفظ إذ لو کان غیریا أو مشروطا لوجب بیانه ویمکن أن یکون مراد القائل أیضا ذلک بناء علی القول بأنّ استعمال المطلق فی المقید مجاز فتأمل (السّادسة) لا شبهة فی أنّ تارک الواجب

ص: 239

النّفسی مستحق للعقاب عقلا وشرعا وأمّا استحقاق الثّواب علی فعله فمحل کلام کاستحقاقهما فی الواجب الغیری فقیل بعدمهما مطلقا وقیل بثبوتهما کذلک وفصل ثالث بین ما ثبت بالخطاب الأصلی فیترتبان علیه بخلاف ما ثبت بالخطاب التّبعی وقیل باستحقاق الثّواب فقط دون العقاب واستدل الاستحقاق الثّواب علی فعل الواجب مطلقا نفسیا کان أو غیریا بوجوه منها حکم العقل بأنّ إیلام العبد بلا عوض قبیح ومنها أن جعل العوض للتّکلیف مقرب للعبد إلی الطّاعة فهو لطف واجب فی الحکمة ومنها العمومات الدّالة علی ترتب الثّواب علی کل الطّاعات ومن یطع الله ورسوله یدخله جنات تجری من تحتها الأنهار ومنها الأخبار الخاصة الواردة فی خصوص المقدمات کما ورد أنّ من زار الحسین علیه السلام کان له بکل قدم کذا حجة وغیره فإنّ وضع القدم من جملة المقدمات وبعض الآیات أیضا دالة علی ذلک مثل قوله تعالی وَلا یَطَئُونَ مَوْطِئًا یَغیظُ الکُفّارَ وَلا یَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَیْلاً إِلاّ کُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ وأجیب عن الأوّل بالمنع فإنّه قد تقرر أن الأحکام الشّرعیّة تابعة للمصالح والمفاسد الواقعیّة الرّاجعة منفعتها إلی المکلّف لا للآمر لغنائه تعالی وفی مثل ذلک لا یستحق الثّواب علی العمل نظیر أوامر الطّبیب مع أنّه لا یقتضی کون العوض هو الثّواب الأخروی لکفایة العوض کیف کان ولو فی الدّنیا فتأمّل وعن البواقی بأنّها إنّما تفید أصل تحقق الثّواب لا استحقاقه مع أنّ جریانها فی المقدمات ممنوع وأمّا اللّطف فلأنّ ترتبه علی أصل ذی المقدمة کان فی التّقریب وأمّا العمومات فلأنّ صدق الطّاعة علی فعل المقدمة ممنوع نعم یبقی الأخبار الخاتمة ویمکن حملها علی بیان ثواب أصل ذی المقدمة وأنّه فی الکثرة بحیث لو دفع علی المقدمات صار لکل مقدمة کذا حسنة ولو سلم فلا یثبت الاستحقاق کما عرفت ثم إنّه یمکن أن یقال إنّ استحقاق الثّواب علی فعل المقدمة غیر معقول لأنّه فرع الامتثال والمراد به إتیان المأمور به بالعنوان الّذی تعلّق به الأمر بداعی الأمر والعنوان فی الواجب الغیری هو قصد التّوصل إلی الغیر فلا معنی لامتثال الأمر بالوضوء إلاّ إتیانه بقصد التّوصل لا لداعی الأمر بل لا بد أن لا یکون الدّاعی إلاّ التّوصل فلم یفعل بداعی الأمر حتی یمکن فرض الامتثال الموجب لاستحقاق الثّواب ولا ینافی ذلک ترتب الثّواب علی الواجبات النّفسیّة الّتی لا مصلحة فیها إلاّ التّوصل إلی الغیر کإنقاذ الغریق لحفظ النّفس ودفن المیت لحفظ جسده للفرق بین ما إذا کان التّوصل عنوانا فی المأمور به کالواجبات الغیریّة وبین ما إذا کان من الآثار المترتبة علی العمل علی ما سبق فلا یمکن قصد الامتثال فی الأوّل بخلاف الثّانی لمطلوبیّة الفعل بذاته لا بعنوان التّوصل وإن ترتب علیه فإن قیل قد ذکروا أن إتیان المباح بقصد الإطاعة موجب لترتب الثّواب والواجب الغیری لا یقصر عن المباح قلنا مرادهم أنّه إذا کان للشیء عنوانان أحدهما واجب أو مستحب نفسیا والآخر مباح فإتیانه بالعنوان الأوّل موجب لترتب الثّواب کالأکل لتقویة البدن علی العبادة والشهوة فالثواب إنّما ترتب علی الواجب والمستحب النّفسی لا علی المباح ثم إن التّفصیل بین ما لو ثبت وجوب المقدمة بالوجوب الأصلی

ص: 240

أو التّبعی لا وجه له لأنّ الخطاب الأصلی لو تعلق بها فإنّما هو تنبیه علی ما ثبت فی الواقع لا إبداع للوجوب النّفسی کما تقول لعبدک اذهب إلی السّوق واشتر اللّحم ونظائره فإذا لم یمکن الاستحقاق فی الواجب الغیری لم یکن فرق بین ما إذا ثبت بالخطاب الأصلی أو التّبعی وأمّا التّفکیک بین الثّواب والعقاب ففاسد أمّا أوّلا فلما عرفت من عدم إمکان استحقاق الثّواب وأمّا ثانیا فلأنّ الثّواب لو کان فإنّما هو للامتثال وإذا تحقق فرض الامتثال لفعل الواجب الغیری کان ترکه معصیة فیجب ترتب العقاب أیضا وأمّا ثالثا فلأنّه موجب لتسبیع الأحکام کذا قیل ولعل مراده أنّ التّقسیم إلی الأحکام الخمسة إنّما هو باعتبار ترتب الثّواب أو العقاب وعدمه فما یترتبان علیه واجب وحرام وما یترتب علیه الثّواب فقط مستحب ومکروه وما لا یترتب علیه شیء منهما مباح ولا یمکن إدخال الواجب الغیری فی المستحب لأنّه مستفاد من الخطاب الإلزامی مع أنّه یترتب علیه الثّواب فقط فیکون قسما سادسا وکذا المانع یکون ترکه امتثالا وموجبا لترتب الثّواب وفعله لا یترتب علیه عقاب مع أنّه لا یکون مکروها لما عرفت من استفادته من الخطاب الإلزامی فیکون قسما سابعا ولا یمکن الجواب بأنّ التّقسیم المذکور إنّما هو للأحکام الأصلیة دون التّبعیة أو الأحکام النّفسیة دون الغیریة لأنّ الحصر إنّما هو بالنّظر إلی استحقاق الثّواب والعقاب والحصر فیه عقلی لیس باعتبار المعتبر فالأولی عدم ترتب شیء منهما علیه فیدخل فی المباح الذّاتی ولیس إباحته مستفادة من الخطاب الإلزامی حتی لا یدخل فی الإباحة المصطلحة وحینئذ فلو ترکه لم یفعل حراما نعم یعاقب علی ترک ذی المقدمة اللازم من ترک المقدمة وقیل إنّ المقدمة مستحب لأنّ الغزالی قد أفتی باستحبابها وقد ورد أنّ من بلغه ثواب علی عمل فعمله التماس ذلک الثّواب أوتیه وإن لم یکن کما بلغه فإنّه شامل لفتوی الفقیه أیضا وفیه أوّلا أنّ الکلام إنّما هو فی الواقع ونفس الأمر والنّزاع إنّما هو مع أمثال الغزالی وثانیا أنّ فی شمول الخبر لفتوی الفقیه سیما مثل الغزالی نظر ثم إنّه إن سلمنا فی الواجبات والمستحبات النّفسیة استحقاق الثّواب أمکن القول بترتب الثّواب علی الوضوء والغسل من بین المقدمات کما ذکره بعضهم بناء علی القول باستحبابها النّفسی ویشکل بأنّ الاستحباب النّفسی إنّما هو قبل وقت المشروط بالطّهارة وأمّا بعده فهو صرف الواجب الغیری لعدم إمکان اجتماع الوجوب والاستحباب لتقابل الأحکام الشّرعیّة ویمکن الجواب بأنّ ارتفاع الاستحباب فی الوقت لیس لارتفاع المصلحة المقتضیة للاستحباب بل إنّما هو لتأکّدها بعد الوقت فالمصلحة الاستحبابیّة باقیة بعد الوقت وإن لم یکن استحبابا اصطلاحیا ومحض وجود الرّجحان الاستحبابی کاف فی إمکان قصد الفعل للاستحباب وترتب الثّواب علیه ویشکل بأنّ ذلک یقتضی أن لا یترتب علیه الثّواب إذا فعل بقصد المقدمیّة وأن یکون ترتب الثّواب فرعا لإیتانه بقصد الاستحباب مع أنّه خلاف ما اتفقوا علیه ولعلنا نتکلم تمام الکلام فیما سیأتی إن شاء الله (السّابعة) هل یعتبر فی المقدمة قصد ترتب ذی المقدمة أو فعلیّة ترتبه أو لا یعتبر شیء منهما فیه خلاف وربما یظهر من بعضهم أن وجوب المقدمة

ص: 241

مشروط بفعل ذی المقدمة وهو ظاهر الفساد لأنّ المقدمة لیس محلها بعد ذیها حتی یکون شرط وجوبها فعل ذی المقدمة وأمّا اعتبار ترتب ذی المقدمة فهو معنی وجوب المقدمات الموصلة وأمّا اعتبار قصد التّرتب فربما استدل علیه بأنّ غرض الأمر أن یکون ذو المقدمة داعیا للشخص إلی إتیان المقدمة وهو معنی اعتبار القصد وبهذا أشکل الأمر فی کیفیّة وجوب نیة القربة فی الطّهارات الثّلاث فإنّ کون الدّاعی هو ترتب ذی المقدمة مانع عن کون الدّاعی هو الأمر الغیری فلا یمکن تحقق القربة بالنّسبة إلیه وفیه نظر لأنّ ترتب ذی المقدمة إنّما هو داعی الأمر إلی الأمر بالمقدمة لا أن یجعله عنوانا للتکلیف الغیری حتی یعتبر فی تحقق الامتثال قصد الغیر ولکن یبقی الإشکال فی اشتراط صحة المقدمة بقصد القربة کالطّهارات فإنّ الغرض من الوجوب المقدمی التّوصل إلی الغیر فمتی فعل حصل الغرض فلا معنی لاشتراط القربة وربما یجاب بأن حصول المقدمة فی مثل الطّهارات موقوف علی القربة حیث إنّ العبادة مقدمة لا أنّ الأمر المقدمی صار موجبا لصیرورته عبادة حتی یکون غیر معقول وأورد علیه بأنّ الوضوء قبل الأمر الغیری مستحب فعلی ما ذکرت یکون الواجب الوضوء بقصد الاستحباب مع أنّهم حکموا بأنّه یجب نیة القربة بالنّسبة إلی الأمر الغیری وفیه نظر لأنّ الطّلب قبل الوقت وبعده شیء واحد یختلف شدة وضعفا فقبل الوقت لم یکن مانعا هو النّقیض وبعده مانع عن النّقیض فهما شیء واحد فقصد التّقرب إنّما هو بالنّسبة إلی ذات الطّلب وهو بعد الوقت مانع عن النّقیض فحاصل الجواب أنّ الوضوء الرّاجح مقدمة وذات الوضوء لا رجحان فیه إلاّ إذا فعل بقصد الإطاعة ولا یمکن ذلک بدون الأمر فالغرض من الأمر الاستحبابی تمکین المکلّف من إتیان الوضوء بقصد الإطاعة حتی یتوصل إلی ما فیه من الرّجحان وذلک الرّجحان قبل الوقت لم یکن مانعا من النّقیض وبعده بواسطة المقدمیّة صار مانعا عن النّقیض فصار واجبا فقصد القربة فی الوضوء إنّما هو بملاحظة الرّجحان الّذی کان فی الوضوء إذا فعل بقصد الطّاعة واشتد بعد الوقت حتی صار واجبا فإذا لم یأت به بقصد الطّاعة لم یحصل ذلک الرّجحان أصلا فلم یحصل المقدمة بخلاف سائر المقدمات فإنّ ذاتها مقدمات لا إذا أتی بها بقصد الإطاعة ونظیر ذلک لو نذر إتیان صلاة نافلة فإنّه لا ریب أنّه ینوی فیه التّقرب بالأمر الوجوبی مع أنّ الوجوب النّذری لا یحتاج إلی نیة القربة فمن نذر إطعام جماعة برئ بمحض الإطعام ولو لم ینو القربة والأمر الأوّل السّابق علی النّذر کان للاستحباب فکیف ینوی التّقرب بالنّسبة إلی الوجوب وغیر ذلک وکلها من واد واحد ووجهه ما ذکرنا من أنّ رجحان الفعل قبل الوجوب لیس فی ذاته بل فیه إذا فعل بقصد الإطاعة وذلک الرّجحان ضعیف قبل الوجوب وشدید بعده فلا یحصل بدون قصد الإطاعة مطلقا وکیف کان فالتّحقیق عدم اعتبار قصد ذی المقدمة ولذا تری المولی یأمر العبد بالمقدمة ولا یخبره بذی المقدمة إلاّ بعد إتیان المقدمة فکیف یمکن له قصد ذی المقدمة مع عدم علمه بأنّه مقدمة فافهم (الثّامنة) قسّم الواجب إلی أصلی وتبعی وعرف الأول بأنّه مدلول صریح الخطاب

ص: 242

بخلاف الثّانی فیدخل المفاهیم فی الدّلالة التّبعیة ویجتمع کل منهما مع الوجوب النّفسی والغیری أمّا الأصلی النّفسی فظاهر وأمّا الغیری فنحو إذا قمتم إلی الصّلاة فاغسلوا إلی آخره وأمّا التّبعی النّفسی فکالمفاهیم وأمّا الغیری فکوجوب المقدمات عند بعضهم وقد یطلق الأصلی علی ما یکون المقصود إفادته من الخطاب ولو التزاما والتّبعی علی ما یکون لازما قهریا للکلام من دون أن یکون مسوقا لبیانه وهو علی قسمین أحدهما ما یکون الحکم المقصود واسطة فی الثّبوت لذلک الوجوب والثّانی ما یکون واسطة فی العروض له والمراد بالأوّل أن یکون عروضه لشیء علة لعروضه علی آخر فیکون هناک معروضان وعروضان کوجوب الجزء بالوجوب المقدمی فإنّ عروض الوجوب علی الکل علة لعروض الوجوب المقدمی علی الأجزاء علی القول بوجوب المقدمات فالمراد بالثّانی أن یکون هناک معروضان وعروض واحد ویکون نسبته إلی أحدهما بالذّات وإلی الآخر بالتّبع کحرکة جالس السّفینة فإنّها عین حرکة السّفینة وکوجوب الأجزاء لعین وجوب الکل ووجوب ملازمات الواجب کوجوب جعل الکوکب الفلانی بین الکتفین عند وجوب استقبال القبلة ونحو ذلک ویسمی الأول بالوجوب الغیری والثّانی بالوجوب العرضی إذا عرفت ذلک فاعلم أنّه لا نزاع فی الأصلی بالمعنی الأوّل إذ لم یدعه أحد للمقدمة وأمّا بالمعنی الثّانی فربما یظهر من بعضهم أنّ القائلین بوجوب المقدمة قائلون بهذا النّحو من الوجوب وهو فاسد فإنّهم ادعوا الضّرورة علی مطلبهم وعدم کون الکلام مسوقا لبیان وجوب المقدمة ضروری بل ربما نجد من أنفسنا عدم خطور المقدمة بالخیال فکیف یدعی الضّرورة علی أنّ المقصود من الأمر بشیء الأمر بمقدماته أیضا بل ذلک ضروری العدم وأمّا التّبعی العرضی فهو لیس قابلا للنّزاع بل هو ثابت قطعا وإن ظهر من بعضهم أنّه محل النّزاع حیث قارن المقدمات فی محل النّزاع بملازمات الواجب عدم إمکان الوجوب الغیری بالنّسبة إلی الملازمات فالتّحقیق أنّ محل النّزاع هو ثبوت الوجوب الغیری للمقدمات بمعنی أن الأمر إذا طلب شیئا هل یلزم أن یحصل فی نفسه کیفیة نفسانیة بالنّسبة إلی مقدماته وإن ذهل عنها ولم یکن ملتفتا إلیها بحیث لو عبر عنها لعبر عنها بالأمر کما قد یقول المولی لعبده امض إلی السّوق واشتر اللّحم أو لا یلزم ذلک وبهذا یمکن إدخال الأجزاء أیضا فی محل النّزاع ولا یتم ما ذکره بعضهم من أن أجزاء الواجب خارجة عن النّزاع إذ لا معنی لوجوب الواجب إلاّ وجوب أجزائه وذلک لأنّ وجوب الأجزاء یوجب الکل وجوب عرضی والنّزاع إنّما هو فی الوجوب الغیری (التّاسعة) فی ثمرة النّزاع فی هذه المسألة وقد ذکروا وجوها من الثّمر کلها محل النّظر منها برء النّذر بإتیان المقدمة لمن نذر إیتان واجب شرعی علی القول بالوجوب دون العدم وفیه أنّ النّزاع فی المسألة إنّما هو فی ثبوت التّلازم بین الوجوبین وعدمه فثمرة الإثبات وجوب المقدمة عند وجوب ذی المقدمة وعلی القول بالعدم لا

ص: 243

وأمّا برء النّذر فهو متفرع علی الوجوب فهو ثمرة الثّمرة فلا وجه لذکره کما لا یجوز ذکره فی النّزاع فی دلالة الأمر علی الوجوب وقد یورد أیضا بأنّ غرض النّاذر الواجب النّفسی لأنّه المنصرف إلیه الإطلاق وهو ضعیف إذ له أن یخصصه بصورة التّعمیم للواجبات الغیریة ومنها ترتب الثّواب والعقاب علی فعل المقدمة وترکها علی الأول دون الثّانی وفیه ما مر من منع ترتب العقاب علی الواجب الغیری والثّواب لو کان هو تفضل ورحمة لا استحقاق ومنها أنّه علی القول بالوجوب یتصف تارکها بالفسق دون القول بالعدم ویمکن تقریره بوجوه أحدها أنّه إذا کان ذو المقدمة مما یکون ترکه من الکبائر فمحض ترک المقدمة یستحق العقاب علی ترک ذی المقدمة وإن لم یدخل زمانه فتارک المشی مع الرّفقة إلی الحج یستحق العقاب قبل دخول ذی الحجة علی ترک الحج علی القول بالوجوب فیتصف بالفسق حین ترک المشی بخلاف القول بالعدم فینتظر إلی دخول الوقت فحینئذ یحکم باستحقاق العقاب وفیه أن هذه المسألة مبنیة علی أنّ ترک الحج حینئذ هل هو مستند إلی فعل المکلف بترکه المشی أو مستندا إلی عدم دخول زمانه فعلی الأول یستحق العقاب حینئذ بخلاف الثّانی ولا فرق فیهما بین وجوب المقدمة وعدمه والحق فی المسألة هو الأوّل لاستناد التّرک عرفا إلی المکلف ولا یرد أنّ التّرک کان حاصلا قبل وجود المکلف بسبب عدم دخول الزّمان فکیف یستند إلیه لحصوله قبله فنسبته إلی المکلف نسبة تحصیل الحاصل إلیه لأنّا نقول إنّ الکلام إنّما هو فی ترک الحج فی ذلک الحجة فإنّه المستند إلی ترک المقدمة وأمّا ترکه المستند إلی عدم دخول الزّمان فهو ترک الحج فی الزّمان السّابق علی ذی الحجة ولا کلام فیه وبالجملة یصدق علی تارک المشی أنّه فوت الواجب علی نفسه فتأخیر العقاب إلی ذی الحجة سفه إذ لا یترتب علی دخوله شیء بعد العلم بعدم إمکانه بعد فافهم والثّانی أنّه إذا کان ترک ذی المقدمة من الصّغائر فیترک المقدمات یصدق وصف الإصرار علی الصّغیرة علی القول بالوجوب لأنّه ترک واجبات کثیرة دون القول بالعدم لأنّه ترک واجبا واحدا وفیه أوّلا منع کون ترک الواجب الغیری عصیانا وثانیا لا نسلم أنّ الإصرار یتحقق بالمعاصی الغیریة بل مرادهم المعاصی النّفسیة وإلاّ لم یبق فرق بین الصّغائر والکبائر علی القول بوجوب المقدمة لأنّ ترک الواجبات إنّما هو ترک المقدمات ولیس کذلک (والثّالث) أنّ تارک المقدمة عاص علی القول بالوجوب والعاصی فاسق وفیه منع کون ترکها عصیانا کما سلف بل العصیان إنّما هو بترک ذی المقدمة ومنها حرمة أخذ الأجرة علی المقدمات علی القول بالوجوب وجوازه علی القول بالعدم لما ذکره الفقهاء من أنّ أخذ الأجرة علی الواجب حرام وفیه أوّلا أنّ ما ذکره الفقهاء هو حرمة أخذ الأجرة علی تحصیل الواجب وإن کان بإتیان مقدماته ولذا حکموا بحرمة أجرة الحفر الّذی هو مقدمة الدّفن ولم یفرقوا فیه بین وجوب المقدمة وعدمه وثانیا أنّا نمنع حرمة أخذ الأجرة علی الواجب مطلقا إذ لا منافاة بین الوجوب وأخذ الأجرة ذاتا نعم کلما ثبت

ص: 244

من الدّلیل الشّرعی أنّ المکلف لیس مالکا للمنفعة المخصوصة لم یجز أخذ الأجرة علیها وذلک فی التّعبدیات فإنّها ملک لله تعالی فلیس العمل ملکا للعبد حتی یأخذ علیه الأجرة وکذا فی بعض التّوصلیات کالدّفن فإنّ الظّاهر من الأخبار أنّه حق للمیت علی إخوانه المؤمنین وأمّا غیر ذلک فلا دلیل علی الحرمة ولذا حکم بعضهم بجواز أخذ الأجرة علی القضاء بین النّاس مع أنّه من الواجبات الکفائیّة وحکموا بجوازه فی مثل الصّنائع المتداولة فإنّها واجبة کفایة لحفظ النّوع ولکن یمکن منع الأخیر بأنّه لیس أجرة علی الواجب لأنّ الواجب هو حفظ النّوع وهو موقوف علی التّعارض والتّعاوض فأخذ العوض داخل فی الواجب لا أنّه عوض عن الواجب وبالجملة فلا منافاة بین الوجوب وأخذ الأجرة فتفریع حرمة أخذ الأجرة علی القول بالوجوب فاسد ومنها ما قیل من أنّه علی القول بالوجوب لا یحصل الامتثال بالمقدمة الحرام علی القول بعدم جواز اجتماع الأمر والنّهی کالصّلاة فی الدّار المغصوبة فإنّها فرد لکلی الصّلاة ومقدمة له فإذا قیل بوجوبها لزم اجتماع الأمر والنّهی والمفروض امتناعه فیکون المطلوب من الصّلاة غیر ما فی ضمن الغصب فتکون فاسدة بخلافه علی القول بعدم الوجوب إذ لا یلزم الاجتماع حتی یکون المطلوب غیر هذا الفرد بل المطلوب هو الکلی وهو یحصل فی ضمن الفرد الحرام فتکون صحیحة وفیه أنّ المقدمة إن کانت مباینة فی الوجود مع ذی المقدمة کالمشی والحج فلا ریب فی حصول الامتثال بالحج بالمقدمة الحرام وإن قیل بوجوبها فإنّ المشی علی المرکب المغصوب لا یوجب فساد الحج علی أی قول کان وإن کانت مقارنة معه فی الوجود فلا ریب أنّها من جهة اتحادها معه یحصل لها المطلوبیة العرضیة قهرا ویلزم اجتماع الأمر والنّهی سواء قیل بوجوبها الغیری أو لا ویبتنی الصّحة والفساد علی کفایة تعدد الجهة وعدمها لا علی وجوب المقدمة وعدمه فافهم إذا تمهد هذه المقدمات فنقول قد عرفت أنّ محل النّزاع فی المسألة هو التّلازم بین وجوب الشّیء ووجوب مقدماته بمعنی أنّه إذا طلب الشّیء هل یحصل فی النّفس کیفیّة بالنّسبة إلی المقدمات ربما یعبر عنها بالأمر أوّلا أو أنّ حصول الکیفیّة مسلم وإنّما النّزاع فی أنّها طلب أو لا فاعلم أنّ الأصل العملی لا یقتضی فی المسألة شیئا وما یظهر من بعضهم من التّمسک بالأصل فهو فاسد لأنّ المراد بالأصل إمّا أصالة البراءة ولیس هنا مجراها لعدم العقاب علی المقدمة علی القول بالوجوب حتی ینفی بالأصل کما عرفت وإمّا أصالة العدم فهی أیضا کذلک لأنّ التّلازم لو کان فلیس مسبوقا بالعدم حتی یجری فیه الأصل بل هو حکم عقلی وقضیّته شرطیة لو ثبت لکان ثابتا فی الأصل وبالجملة فالأقوال فی المسألة أربعة الوجوب مطلقا والوجوب فی السّبب دون غیره وفی الشّرط الشّرعی دون غیره والحق هو القول الأول واستدل له بوجوه منها أنّه لو لم یجب لجاز ترکه وحینئذ فإن بقی الواجب علی وجوبه لزم التّکلیف بما لا یطاق وإلاّ خرج الواجب عن الوجوب والمراد بالجواز هو الرّخصة الشّرعیّة لا نفی الحرج فإنّه أنسب بمطلب المستدل لا یقال إنّه حینئذ یلزم إشکال آخر علی نافی الوجوب وهو أنّ ترخیص الشّارع للمقدمة سفه بعد إیجابه لما

ص: 245

لا یتم إلاّ بها إذ لا بد له من فعلها لأنّا نقول إنّما یلزم السّفه إن اختص خطاب التّرخیص بمن وجب علیه ذو المقدمة ولیس کذلک فإنّ الشّیء مثلا یجوز التّرخیص له من الشّارع عموما ولا یضر لزومه علی من وجب علیه الحج وکونه لا بد له منه وقوله حینئذ لیس المراد به حین جواز التّرک لأنّ جوازه أو حرمته لا مدخل له فی القدرة ولا حین التّرک إذ لو کان لزوم المحذورات مستندا إلی نفس التّرک کان المحذور مشترک الورود علی الخصم والمستدل بل المراد حین التّرک المستند إلی الجواز وترخیص الشّارع وأجیب عنه أوّلا باختیار الشّق الأول ومنع لزوم التّکلیف بما لا یطاق أو لا للفرق بین المشروطة والحینیّة فالممتنع هو الإتیان بذی المقدمة بشرط ترک المقدمة لا حین ترکها فإنّه غیر ممتنع ولذا یقال إنّ الکافر مکلف بالفروع حال الکفر لا بشرط الکفر ومنع بطلانه ثانیا لأنّ الامتناع بالاختیار لا ینافی الاختیار وفیهما نظر أمّا الأوّل فلأنّ الفرق بین الحینیّة والمشروطة هو أنّ الوصف العنوان معتبر فی موضوع المشروطة فبانتفائه ینتفی الموضوع فلا یمکن الحکم علی ذلک الموضوع بصدد ذلک الحکم فلا یمکن فی مثل کل کاتب متحرک الأصابع بالضّرورة ما دام کاتبا الحکم علی موضوعه بسکون الأصابع لأنّه إن بقی الموضوع بقی وصف الکتابة لاعتبارها فیه ومعها لا معنی للحکم بسکون الأصابع بخلاف الحینیّة مثل کل کاتب متحرک الأصابع حین هو کاتب فیجوز الحکم علی موضوعه بسکون الأصابع لعدم اعتبار الکتابة فی الموضوع فیجوز زوالها وعروض السّکون وأمّا عدم جواز الحکم بالضّد فی حال الوصف فهما مشترکان فیه فإذا کان قضیة حینیّة لم یکن له زمان انتفاء الوصف أصلا لم یخبر الحکم بضده ولذا قیل بأنّ المرتد الفطری لیس مکلفا بناء علی عدم قبول توبته لعدم زمان لانتفاء الوصف إذا علم ذلک فنقول إنّ الکلام فی المقام إنّما هو فی ترک المقدمة إلی مدة لم یمکن فعلها کترک المشی إلی الحج إلی ذی الحجة فبعد دخول ذی الحجة لا معنی لأن یقال إنّه مکلف بالحج حین ترک المشی إذ لا یمکن زوال الوصف حینئذ حتی یحکم فلا فرق حینئذ بین المشروطة والحینیّة وأمّا الثّانی فلأنّ ذلک الکلام إنّما یتم دفعا لشبهة المجبّرة حیث قالوا الشّیء إن وجد علته التّامة وجب وإلاّ امتنع فلا اختیار فیدفع بأنّ الجزء الأخیر للعلة التّامة هو الإرادة فالوجوب بالإرادة والامتناع بها هو عین الاختیار فإنّ معناه أنّ الشّخص إن شاء فعل وإن شاء ترک ولیس المقام کذلک لأنّ بعد فوات زمان المقدمة إن شاء لم یقدر علی الفعل وأمّا ما یقال من أنّ القدرة علی الشّیء أعمّ من القدرة علی أسبابه وإلاّ لم یصدق القدرة بالنّسبة إلی الأفعال التّولیدیّة فلا دخل له بالمقام لأنّا نسلم أنّه کان قادرا علی ذی المقدمة بإتیان المقدمة لکن بعد ما فات زمانها فات القدرة ولم یمکن إثباتها بهذا الکلام وثانیا باختیار الشّق الثّانی وهو عدم بقاء الوجوب ولا یلزم خروج الواجب عن الوجوب لأنّ مناط الوجوب هو ترتب العقاب علی ترکه سواء أبقی الطّلب أو لا والطّلب تارة یسقط بالامتثال وتارة بانقضاء الوقت وتارة بالعصیان فکما لا یلزم فی الأولین خروج الواجب عن الوجوب فکذا فی الثّالث وبالجملة استحقاق العقاب وترتّبه

ص: 246

علی التّرک متفرع علی حدوث الطّلب لا علی بقائه وأجیب عنه أیضا بالنقض بما إذا ترک عصیانا فیقال إذا ترک المقدمة مع وجوبها فإن بقی الواجب علی الوجوب کان تکلیفا بالمحال وإلاّ خرج الواجب عن الوجوب فما کان جوابکم فهو جوابنا إلاّ أن یقال إنّ التّکلیف بما لا یطاق إنّما یقبح إذا لزم بترخیص الشّارع أمّا إذا کان بسوء اختیار المکلّف فلا قبح فیه واعلم أنّه یظهر من المستدلّین بهذا الدّلیل أمور ثلاثة أحدها أنّ التّکلیف بما لا یطاق قبیح مطلقا سواء کان بترخیص الشّارع أو باختیار العبد فإنّه مقتضی إطلاق کلامهم وثانیها أنّ العقاب علی ترک ذی المقدمة إنّما یستحق بعد بلوغ زمانه إذ لو حصل الاستحقاق قبله لم یلزم خروج الواجب المطلق عن الوجوب إذ لا معنی للوجوب إلاّ استحقاق العقاب علی التّرک وقد حصل بخلاف ما لو قیل بالاستحقاق بعد بلوغ الزّمان فإنّه قبل زمانه لا استحقاق وبعد بلوغ الزّمان لا تکلیف فلا استحقاق لأنّه تکلیف بما لا یطاق وثالثها أنّ استحقاق العقاب إنّما هو علی ترک المقدمة لأدائه إلی ترک ذی المقدمة لا علی ترکه لما عرفت فیجب المقدمة وعلی هذا فیرد علی الاستدلال أوّلا أنّ ترک ذی المقدمة إمّا یکون بترکها أو مع وجودها وعلی الأول فلا قبح فیه لعدم تعلق التّکلیف به علی ذلک الفرض لأنّه تکلیف بما لا یطاق وإذا لم یکن فیه قبح ولا عقاب فلا معنی لاستحقاق العقاب علی ترک المقدمة لأدائه إلی ترک ذی المقدمة وثانیا أنّه یجری هذا الکلام فی أجزاء المقدمة بالنّسبة إلیها حرفا بحرف فنقول المقدمة علی فرض الإتیان بها تقع فی زمان قطعا والزّمان غیر قار الذّات وله أجزاء غیر متناهیة إلاّ علی القول بالجوهر الفرد وهو باطل فاستحقاق العقاب علی ترک کل جزء من أجزاء المقدمة إن کان قبل زمانه فلا معنی له وبعده فلا تکلیف لکونه تکلیفا بما لا یطاق کما تقولون فی ذی المقدمة والتّحقیق أنّ مجرد الطلب کاف فی استحقاق العقاب علی ترک ذی المقدمة وإن کان بترک المقدمة حضر الزّمان أو لا ولا دخل لوجوب المقدمة وعدمه وبهذا ظهر أنّ النّقض بصورة الوجوب وارد والجواب عنه ساقط فافهم وقد أفرط المحقق السّبزواری فی وجوب المقدمة حیث قال إنّ کل واجب مشروط بوجودها فلیس واجبا قبل وجود المقدمة وحاصل احتجاجه أنّ کل ما یطلب فی زمان من الأزمنة وله مقدمات فإمّا یطلب علی تقدیر وجودها أو علی تقدیر عدمها أو علی کلا التّقدیرین فإنّ الشّارع إذا طلب الحج فإمّا یطلبه علی تقدیر قطع الطریق أو علی تقدیر عدمه أو علی التّقدیرین ولا ریب فی بطلان الأخیرین فتعیّن الأوّل وفیه أوّلا أنّه مستلزم لنفی الکذب فی کل خبر یکون فإنّ من یقول بأنّ الجزء أعظم من الکل إمّا یرید أنّه أعظم منه علی تقدیر کونه أعظم منه أو علی تقدیر کونه أصغر أو علی کلا التّقدیرین ولا شکّ أنّه لیس مراده الأخیرین فتعیّن الأوّل وهو صادق فإنّ الجزء أعظم من الکل علی تقدیر کونه أعظم منه وثانیا أنّ بین الإیجاب وهو الطلب والوجوب وبقاء الإیجاب فرقا ظاهرا فکل من الإیجاب والوجوب حاصل علی تقدیر وجود المقدمة وعدمها ویکفی فیهما تمکن المکلف وأمّا بقاء الإیجاب فمشروط

ص: 247

بوجود المقدمة فالمطلوب هو الواجب الّذی یتمکن منه المکلف وهو الواجب المقارن للمقدمة لا أنّه مشروط بها هذا وبالجملة إنّ الاستدلال المذکور غیر تمام فالأولی أن یقال إنّ الشّاهد علی الوجوب هو الذّوق السّلیم والفهم المستقیم فإنا إذا رجعنا إلی الوجدان وجدنا أنّ فی نفس الآمر شیئا بالنّسبة إلی المقدمة ربما یعبر عنه بالطّلب کما تقول لعبدک اذهب إلی السّوق واشتر اللّحم وکما فی أوامر الوضوء وغیره من المقدمات الّتی ورد فی الشّرع فیها خطابات مستقلة ویؤیده أنّه لو أمر المولی بشیء ثم صرح بعدم إرادة مقدماته أو رخص فی ترکها عد سفیها وکلامه متناقضا احتج المفصلون بین السّبب وغیره أمّا فی غیر السّبب فعدم الدّلیل وأمّا فیه فبوجوه أقواها وجهان والظّاهر أنّ مرادهم بالوجوب هو النّفسی بمعنی أنّ وجوب السّبب لیس غیریّا توصلیّا وإن کان المصلحة الدّاعیة للطّلب حصول المسبّب کما فی أکثر الواجبات النّفسیّة وقد مر بیان ذلک وحینئذ فیکون خارجا عن محل الکلام لأنّ الظّاهر أنّ النّزاع إنّما هو فی الوجوب الغیری المقدمی أحدهما أنّه إن وجد السّبب وجب المسبّب وإلاّ امتنع فالقدرة لا تتعلق بالمسبّب والأمر به أمر بتحصیل الحاصل أو الممتنع والقدرة أصالة متعلقه بالسّبب وفیه أنّ الوجوب أو الامتناع بالاختیار لا ینافی الاختیار ویکفی فی الاختیار کونه بحیث متی شاء فعل وإن لم یشأ لم یفعل وهو صادق علی المسبّب فیکون اختیاریّا مع أنّه لو تم ذلک ورد شبهة الجبر بنفی الاختیار لأنّ کل سبب فهو سبب أیضا إلی أن ینتهی إلی الواجب جلّ شأنه والثّانی ما ذکره المحقق السّبزواری رحمه الله وهو أنّ المکلّف به یجب کونه فعلا إرادیّا وهو ما یحصل من الحرکة الإرادیّة الّتی تنبعث عن تحریک القوی المنبثة فی العضلات دون الآثار المترتبة علی تلک الحرکة ترتب المعلول علی علته أو ترتب أحد المتقارنین بالآخر علی الخلاف بین المعتزلة والأشاعرة فإنّ الأوّل قائل بثبوت العلیّة فالنّار علة الإحراق عنده والثّانی ینفیها ویقول الإحراق مقارن مع النّار اتفاقا وکیف کان فالاختیاری لا یصدق علی الآثار المترتبة فلا تکون مکلّفا بها ویتعلق التّکلیف بالسّبب مجازا وإن کان متعلقا بالمسبّب علی الظّاهر والصّارف هو العقل والجواب أنّ السّبب والمسبّب إمّا کلاهما من مقولة الفعل أو یکون المسبّب من المقولات الأخر کالکیف مثلا وعلی الأول فإمّا أن یکونا مختلفین بالعنوان متحدین بالذّات أو مختلفین عنوانا وذاتا فالأوّل کتحریک الید وتحریک المفتاح لاتحادهما ذاتا لا عنوانا والثّانی کحرکة الید وحرکة المفتاح لاختلافهما ذاتا أیضا والثّالث کالنّظر والعلم فإنّ العلم من مقولة الکیف فإن کانا من قبیل الثّالث صح ما ذکره من کون الأمر بالمسبّب أمرا بالسّبب لأنّ المسبّب لا یصلح أن یقع مکلفا به لعدم کونه فعلا إلاّ أنّه لا یلزم التّجوّز لأنّ الإیجاد مأخوذ فی مدلول الأمر فیکون معنی اعلم أوجد العلم وإیجاد العلم متحد مع النّظر مصداقا فیمکن أن یکون المراد من اعلم انظر لا بعنوان أنّه نظر حتی یکون مجازا

ص: 248

بل بعنوان أنّه إیجاد للعلم وإذا تعلق الأمر به من جهة هذا العنوان کفی ولا فائدة فی البحث عن وجوبه بالعنوان الآخر أیضا وعدمه وإن کانا من قبیل الأوّلین فعدم التّجوز أوضح أمّا فی الأوّل فلأنّ إیجاد تحریک المفتاح عین تحریک الید فالأمر بإیجاده أمر بتحریک الید عرضا بمعنی أنّه واسطة له فی العروض وأمّا فی الثّانی فلأنّ السّببیّة والمسبّبیّة فیه إنّما هی باعتبار الإیجاد إذ الشّیئان المتغایران لا یمکن کون أحدهما سببا والآخر مسبّبا وإیجاد حرکة المفتاح عین إیجاد حرکة الید والحاصل أنّ المستدل إن أراد أنّ الأمر بالمسبّب أمر بالسّبب مجازا فممنوع لما عرفت وإن کان مراده ما بیّنّا فنعم الوفاق ثم اعلم أنّ السّبب إمّا حقیقی أو إعدادی والأوّل ما یکون الإفاضة منه حقیقة والثّانی ما یکون سببا لاستعداد الشّیء لإفاضة الفیض من الفاعل الحقیقی وبعضهم فرق بینهما والتزم مقالة الخصم فی الثّانی دون الأوّل فلو قال المولی أحرق زیدا فهو أمر بسببه الإعدادی وهو الإلقاء فی النّار مجازا وهو إنّما یتم لو کان المطلوب هو نفس الإفاضة فیقال إنّه لما لم یمکن للمخاطب بالنّسبة إلی الإحراق فیکون المراد هو الإلقاء وأمّا إذا کان المراد الفعل بالمعنی الأعم بمعنی ما یکون للفاعل مدخلیّة فی إیجاده ولو بأسبابه فلا یتم ذلک والتّحقیق أنّ المسبّب إن کان من الأفعال الطّبیعیّة نسب الفعل إلی غیر السّبب فلو ألقاه زید فی النّار یقال أحرقه زید بخلاف غیر الطّبیعیّة فلا یقال لمن ألقی شخصا فی المسبعة أنّه افترس لظهور رکاکته فتأمل جدا واحتج من خص الوجوب بالشّرط الشّرعی دون غیره بأنّه لو لم یجب الشّرط لم یکن شرطا لأنّ الآتی بالواجب بدون الشّرط إمّا آت بتمام المأمور به وهو مناف للاشتراط أو لا وهو خلاف الفرض لأنّ المفروض عدم وجوب الشّرط وفیه أوّلا النّقض بصورة الوجوب فإنّ الشّرط لیس کالأجزاء الدّاخلة حتی یکون له مدخلیّة فی تمامیّة الواجب فالآتی بالفعل من دون الشّرط إمّا آت بتمام المأمور به وهو ینافی الاشتراط أو لا وهو خلاف الفرض لخروج الشّرط عن قوام المشروط وثانیا بالحل وهو أنّ الواجب هو الماهیّة المقیدة بتقارنها بالشّرط بحیث یکون التّقیید داخلا والقید خارجا فالآتی بها بدون الشّرط لیس آتیا بتمام المأمور به ولا یلزم منه وجوب الشّرط ثم إنّ ظاهر هذا التّفصیل أنّه فی مقابل التّفصیل المتقدم فیکون نافیا لوجوب السّبب وحینئذ یرد علیه أنّ من الشّرائط الشّرعیّة ما لیس من مقولة الفعل کالطّهارة الّتی هی الأثر الحاصل فی المکلف بالوضوء مثلا فوجوبه وجوب سببه علی ما ذکرنا سابقا فلا بد له من أحد الأمرین إمّا تعمیم الوجوب فی الأسباب الشّرعیّة أیضا أو نفی وجوب هذا القسم من الشّرائط الشّرعیّة ولکن اعتذر عنه بأنّ وجوب السّبب مطلقا مفروغ عنه وعندهم الکلام إنّما هو فی سائر المقدمات واحتج النّافون مطلقا بالأصل وعدم دلالة الأمر علی ذلک بأحد الدّلالات والجواب أنّ الأصل مرفوع بالدّلیل ودلالة الالتزام ثابت لثبوت اللّزوم البین بالمعنی الأعمّ وهو کاف فی المقام والله أعلم (تذییل) فی مقدمة الحرام ویمکن عنوان المسألة بوجهین الأول

ص: 249

أنّ ترک الحرام واجب وقد مر أنّ مقدمة الواجب واجب فیکون مقدمة ترک الحرام واجبة ومن جملة مقدمات ترک الحرام ترک مقدماته فیکون ترک مقدمة الحرام واجبا فیکون فعلها حراما وترک مقدمة الحرام هو ترک إرادته وتفصیل القول فی المقام أنّ الشّیء إذا ترک علته التّامة من أمور فانتفاء کل واحد من تلک الأمور علة تامة لترکه ثم إن انتفی من العلة جزء معیّن نسب انتفاء المعلول إلی ذلک الجزء وإن انتفی الأجزاء المتعددة فإن انتفت دفعة نسب إلی الجمیع وإن ترتبت فی الانتفاء نسب انتفاء المعلول إلی الأسبق انتفاء فقول وجود الحرام موقوف علی إرادته وترک الأفعال المضادة له وغیر ذلک من الأمور الاختیاریّة فإن انتفی المذکورات انتفی الحرام لکن یسند انتفاؤه إلی انتفاء إرادته لأنّها أسبق الأجزاء الاختیاریّة انتفاء لأنّ من الأجزاء ترک الأفعال المضادة وانتفاؤه إنّما هو بإتیان الفعل المضاد للحرام وإتیان الفعل مسبوق بإرادته وإرادته إمّا مساوق لعدم إرادة الحرام أو مؤخرة عنه کما هو الأظهر لأنّ الشّخص ما لم یکن فیه صارف عن الحرام لا یرید ضده فثبت أنّ مقدمة ترک الحرام هی الصّارف فقط دون الإفعال المضادة للحرام فسقط شبهة الکعبی حیث استدل علی وجوب المباح بأنّه مقدمة لترک الحرام فیکون واجبا لا یقال قد لا یکتفی بعدم الإرادة فی ترک الحرام بل یتوقف علی فعل وجودی کما لو علم الجالس فی بیته أنّه لو لم یخرج وقع فی معصیة الزّنا وینتفی عنه الصّارف الموجود فیجب علیه الخروج لأنّا نقول لا نضایق عن القول بوجوب المباح فی مثل المقام لکنّه لیس لکونه مقدمة لترک الحرام فی ذلک الزّمان بل لکونه مقدمة لإبقاء الصّارف الّذی هو واجب مقدمة أو لترک الحرام فی المستقبل فهو خارج عن محل الکلام لاختلاف زمان ترک الحرام وفعل المباح لأنّه إنّما یخرج فعلا لیترک الزّنا فی المستقبل وبهذا سقط توهم الدّور فیما ذکرنا فترک الحرام فیما بعد متوقف علی فعل المباح فی الحال وهو غیر موقوف إلاّ علی ترک الحرام فی الحال لا علی التّرک فی المستقبل حتی یلزم الدّور ومحل الکلام اتحاد زمان ترک الحرام وفعل المباح (الثّانی) أنّ مقدمة الحرام حرام وقد وقع بهذا العنوان فی کلام بعضهم ونقلوا فیه أقوالا وتکلموا فیه فلا بأس ببسط الکلام فیه وإن کان راجعا إلی الأول إذ لا فرق بین أن یقال مقدمة الحرام حرام أو ترک مقدمته واجب فإنّ ترک مقدمته مقدمة لترکه وقد مر التّحقیق فی ذلک وکیف کان نقلوا فی المقام أقوالا أحدها الحرمة مطلقا والثّانی حرمة السّبب خاصة والأوّلون بین من اعتبر قصد ترتب الحرام فی حرمة المقدمة سواء ترتب علیها أو لا وبین من أطلق ذلک وهو مبنی علی ما سبق فی مقدمة الواجب من أنّ المقصود حقیقة هو ذو المقدمة ووجوب المقدمة إنّما هو للتوصل إلیه فعنوان التّوصل مأخوذ فی عنوان المقدمة فیجب قصده لأنّ الشّیء إذا تعلق به الأمر بعنوان وجب قصده بذلک العنوان إذ لو قصد بعنوان آخر لم یقع المأمور به عن اختیار وقد عرفت تحقیق المسألة هناک ودلیلهم علی حرمة مقدمة الحرام هو الدّلیل علی وجوب مقدمة الواجب لاتحاد مدرک

ص: 250

المسألتین فلا یحتاج إلی التّطویل وأمّا الآخرون فهم بین من صرح بأنّ المراد من السّبب هو إرادة الحرام دون سائر الأسباب وبین من أطلق السّبب فیمکن أن یکون مرادهم السّبب بالمعنی المتقدم فی مقدمة الواجب احتجوا بأنّ وجوب جمیع المقدمات فی المسألة السّابقة إنّما هو لأنّ الواجب لا یحصل إلا بالجمیع وأمّا فی هذه المسألة فلا حاجة إلی ذلک لأنّ الغرض هو ترک الحرام فکل ما کان وجوده موجبا لوجود الحرام فهو حرام وهو السّبب إذ الشّرط لا یلزم من وجوده الوجود فلا حرمة فیه وأیضا المعتبر فی الحرمة تعین التّرک والإرادة مما یتعین ترکه بخلاف سائر المقدمات لأنّ ترک واحد منهما کاف فی ترک الحرام فیکون تخییرا هذا وأنت بعد ما عرفت ما ذکرنا فی العنوان السّابق من أنّ الحرام من المقدمات هو الإرادة لأنّه أسبق الأجزاء انتفاء فیکون ترک الحرام مستندا إلیه فیکون واجبا تعلم عدم الاحتیاج إلی هذا الاستدلال وعدم حرمة غیر الإرادة من الأسباب الأخر وفی الوجه الأخیر مما استدلوا به نظر من وجوه أمّا أوّلا فلأنّ الحرمة لا ینحصر فی التّعیینی بل هو التّخییری لا استبعاد فیه کالأختین فإنّ کل واحدة منهما حرام تخییرا ومعناه حرمة الجمع وأمّا ثانیا فلأنّ ترک الحرام إن کان مستندا ومرتبطا بهذه المقدمات فلا یتعین ترک السّبب وإلا فلا حرمة لها لا تعیینا ولا تخییرا بل هی کالحجر الموضوع فی جنب الکاتب وأمّا ثالثا فلمنع عدم تعیین ترک البواقی بل هو متعیّن عند هذا القائل وما یتراءی من عدم حرمتها عند عدم إرادة الحرام إنّما هو لأنّ مقدمة الحرام هو الفعل بقصد الوصول إلی الحرام فبعد عدم القصد إلی الحرام ینتفی موضوع حرمة الفعل ولذا لا یتصف بالحرمة لکن هذا الجواب یصح علی مذهب من یعتبر القصد فی حرمة المقدمة ووجوبها وحاصل القول فی مقدمة الحرام أنّ المبغوض ما یستلزم المبغوض وما یستلزم الحرام لیس إلاّ الإرادة فترک الإرادة وهو الصّارف واجب دون سائر الأسباب المصطلحة کالإلقاء فی النّار عند النّهی عن الإحراق ویمکن أن یسلم استناده إلی السّبب المصطلح أیضا بتقریب أن یقال کما یترتب أسباب الحرام فی الوجود فیوجد الإرادة ثم الإلقاء فی النّار والإحراق مستند إلی الإلقاء وهو مستند إلی الإرادة فلا ضرر فی ترتب أسبابه فی العدم فیکون ترک الإحراق مستندا إلی ترک الإلقاء ویکون ذلک مستندا إلی ترک الإرادة فالوجوب تعلق أوّلا بترک الحرام ثم بترک السّبب المصطلح ثم بترک الإرادة فتأمّل جدا تنبیه قد یتصف مقدمة الحرام بالحرمة النّفسیّة باعتبار عنوان آخر غیر عنوان المقدمیّة سواء علم ذلک العنوان تفصیلا أو علم ثبوته إجمالا وتوضیح المقام یحتاج إلی ذکر نظائر المسألة فنقول منها تعارض القبیحین وتزاحمهما فإنّ أکل المیتة حرام لکن إذا توقف علیه حفظ النّفس یصیر واجبا بعنوان أنّه موجب لحفظ النّفس ومنها فعل الصّلاة فی أول المغرب فی رمضان فإنّه راجح لکن إذا صارت موجبة لانتظار الرّفقة رجح ترکها والفرق بین المثالین أنّ العنوان الثّانی فی المثال الأول مزیل لحکم العنوان الأوّل بخلاف المثال الثّانی لجواز الصّلاة فی أول الوقت وإن صارت موجبة لانتظار الرّفقة لأنّ کلا من العنوانین

ص: 251

هنا مطلوب ولا یمکن الحکم بتعیّن أحدهما فیحکم بالتّخییر بین الفعل والتّرک ولیس هذا فی الواقع تخییرا بین فعل الواجب وترکه بل هو تخییر بین الواجب وبین عنوان آخر یکشف عن ثبوته الأمر بترک ذلک الواجب وإن لم نعلمه تفصیلا کما أنّ فی کثیر من الأشیاء عنوانا باطنیّة لا نعلمها تفصیلا وبهذا یجاب عن الإشکال الوارد فی العبادات المکروهة حیث اجتمع الوجوب والکراهة ولا معنی لاجتماع الرّجحان وعدمه وحاصل الجواب أنّه مخیر بین فعل الصّلاة فی الحمام مثلا وبین ترکها بالوجه الّذی بیّنّا وسائر الأجوبة الّتی ذکرها القوم غیر تام وسیأتی فی محله إن شاء الله إذا علمت ذلک فنقول من العنوانات الّتی ذکرها القوم هو ما ثبت لقصد الحرام لما ورد فی الأخبار من ترتب العقاب علی إرادة الحرام وما یترتب علیه العقاب هو الحرام النّفسی فلا یکون حرمة القصد بعنوان المقدمیّة بل بعنوان آخر ثابت فی نفس الأمر وإن نعلمه تفصیلا ویرد علیه إشکالان أحدهما أنّ اللازم من هذا تعدد العقاب علی حرام واحد واحد علی قصده والآخر علی فعله وهو خلاف ما هو المتحقق عقلا وعرفا بل وشرعا أیضا والثّانی أنّ حرمة القصد غیر معقول حتی بعنوان المقدمیّة لأنّه أمر غیر اختیاری بل هو من مقولة الکیف ولیس من الأفعال قال فی التّجرید ومنها یعنی ومن الکیفیّات النّفسانیّة الإرادة والکراهة وهما نوعان من العلم ومراده أنّ الإرادة هی اعتقاد النّفع یقینا کان أو ظنا وهی المرجحة لفعل أحد طرفی القدرة عند المعتزلة وقیل إنّ الاعتقاد المذکور هو الدّاعی وأمّا الإرادة فهو میل یعقب ذلک الاعتقاد وکیف کان لیس من مقولة الفعل ومن هنا فسر الإرادة من جعلها من صفات الذّات فی الباری تعالی بالعلم بالأصلح وقیل إنّ الإرادة واسطة بین العلم والعمل والمراد أنّ الإرادة شوق مؤکد ینبعث من القوی المختلفة فی الحیوان شدة وضعفا بخلق الله تعالی علی حسب قضائه وقدره فیکون عبارة عن الشّوق المؤکد المتعقب للمیل المتعقب للتصدیق بالغایة المتعقب لتصور الفعل فلیس اختیاریّا إذ لا یصدر بإرادة وقصد وإلاّ لزم التّسلسل والمناط فی الفعل الاختیاری حصوله عن قصد وأجیب عن الإشکال الأوّل بأنّ العقاب إنّما هو علی المخالفة وهی أمر واحد یمکن انتزاعه من شیء واحد ومن أمور متعددة وبحسب ذلک تختلف شدة وضعفا ولا یلزم تعدد العقاب فإذا قصد الحرام من دون ترتبه انتزع عنوان المخالفة من نفس القصد وإن ترتب علیه الفعل المحرم انتزع منهما وکان أشدّ من السّابق وفیه أنّ فی صورة ترتب الفعل إن انتزع المخالفة من الفعل فقط فلا معنی لحرمة القصد نفسیّا وإن انتزع منهما لم یکن مخالفة واحدة لتعدد منشإ الانتزاع المستلزم لتعدد المنتزع فالتّحقیق فی الجواب أمّا عن الإشکال الأوّل فسیأتی وأمّا عن الإشکال الثّانی فهو أنّ الإرادة لیست من أنواع العلم للفرق الظّاهر بین قولنا علم وبین نوی وقصد وأراد فما یفهم من الأوّل غیر ما یفهم من الأواخر ولا تلازم بینهما أیضا کما یتفق حصول الاعتقاد بالمنفعة فی شیء ولا یتعلق به القصد والإرادة ولا هی عبارة عن الشّوق المؤکد للفرق بینهما معنی وعدم

ص: 252

التّلازم بینهما کما فی أکل بعض المعاجین والأدویة الّتی لا یتعلق بها الشّوق مع تعلق الإرادة به بل الحق أنّها من مقولة الفعل صادرة عن النّفس بواسطة الدّاعی الّذی هو اعتقاد الغایة ویؤیده تعریف النّیّة بأنّها إرادة تفعل بالقلب أو أنّها توجه النّفس نحو ما فیه بعینها وفی الخبر نیّة المؤمن خیر عمله ونیّة الکافر شرّ من عمله خبرا بعد خبر فیدل علی أنّ النّیّة من جملة الأفعال وفی بعض الأخبار ألا وإنّ النّیّة هی العمل ویکفی فی کون الفعل اختیاریّا کونه صادرا بالدّاعی ولا یحتاج إلی إرادة أخری ألا تری أنّ معنی کون فعل الله تعالی اختیاریّا أنّ المرجح لأحد طرفی قدرته هو علمه بالأصلح وهو عین ذاته لا أن یکون علمه سببا لحصول الإرادة أو لا وبه یترجح أحد الطّرفین فبنفس الدّاعی وهو العلم بالأصلح وبعبارة أخری الإرادة الذّاتیّة یترجح أحد الطّرفین والعلم الذّاتی لیس مسبوقا بإرادة أخری وکذا الکلام فی الممکن فإنّ النّفس بعد تصویرها المنافع فی الشّیء واعتقادها حصولها یصیر ذلک الاعتقاد داعیا لصدور القصد إلی الإتیان بالفعل عنها من دون أن یکون القصد المذکور مسبوقا بقصد آخر فلا یلزم التّسلسل وما یری من تقدم الإرادة علی أفعال الجوارح فإنّما هو لأنّ المخاطب بالفعل هو النّفس ولا یمکن حصول الفعل منها إلاّ بتوجهها إلی البدن وبعثه علیه وهو الإرادة وأمّا إذا کان الفعل نفسانیّا فالقصد عین الفعل فجمیع الأفعال صادرة عن النّفس إمّا بالأصالة أو بالواسطة وهذا هو السّر فی وجوب النّیّة فی التّعبدیّات فإنّ المکلف هو النّفس والغرض فی التّعبدیّات هو تکمیل النّفس وتخلیتها عن الرّذائل وتحلیها بالفضائل بل جمیع إرسال الرّسل وإنزال الکتب إنّما هو لهذا الأمر وإتیانها الفعل هو قصدها للفعل وبعث الجوارح علیه وإذا ثبت أنّ القصد من الأفعال فلا وجه لهذا الإشکال ولا مانع من تعلق الحرمة به کما یشهد به العرف والعادة من حکمهم بقبح قصد الحرام مع شهادة الأخبار الکثیرة بذلک کما ورد أنّ نیّة الکافر شر من عمله وقوله علیه السلام إنّما یحشر النّاس علی نیّاتهم وما ورد من تعلیل الخلود فی النّار بعزم الکفار علی الدّوام علی الکفر لو خلدوا فی الدّنیا وما ورد من أنّه إذا التقی المسلمان بسیفهما فالقاتل والمقتول فی النّار قیل یا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال لأنّه أراد قتل صاحبه وغیر ذلک نعم هی معارضة ببعض الأخبار الدّالة علی عدم کتابة السّیئة بقصد الحرام ویمکن حمله علی العفو فی بعض الموارد لا نفی المعصیة سیما بعد ما عرفت من حکم العرف والعادة بقبحه وشهادة الأخبار الکثیرة علیه ودلالتها علی ثبوت العقاب فعلا فی الموارد المذکورة ولا حاجة إلی ما قیل فی الجمع بینهما بأنّ مراتب القصد مختلفة الخطرات ثم القصد المتعقب للحرام وما یترتب علیه العقاب هو الأخیر دون الأوّلین وأن من یقصد الحرام إمّا یرتدع عنه بنفسه فلا یفعله أو لا بل یمنعه عنه مانع خارجی وما یترتب علیه العقاب هو الثّانی دون الأول ومن العنوانات الّتی ذکرها القوم هو

ص: 253

عنوان الإعانة علی الإثم فإنّه موجب لصیرورة مقدمة الحرام حراما نفسیّا وتوضیح المطلب یستدعی بیان موضوع الإعانة وحکمها فی مقامین أحدهما فی موضوعها فنقول اختلفوا فیه تارة فی أنّ المعتبر هل هو الإعانة علی فعل الغیر أو الأعم منه ومن فعل نفس المعین ذهب کاشف الغطاء إلی الثّانی وهو بعید لأنّ إتیان الفاعل بما یعینه علی الحرام لا یعد إعانة علی الإثم عرفا وإنّما المتبادر إعانة الغیر علی الحرام واختلفوا أخری فی أنّ تحققها منوط بقصد حصول الحرام أو بترتب الحرام نظیر من یقول بوجوب المقدمة الموصلة فی المبحث السّابق أو المناط هو الصّدق عرفا ذهب صاحب الکفایة إلی الأول وکثیر من المتأخّرین والفاضل النّراقی إلی الثّانی وهو ممن یحرم قصد الحرام أیضا فلو ترتب الحرام کان القصد حراما نفسیّا وغیریّا من جهة المقدمیّة وجهة الإعانة وإلاّ فمن جهة المقدمیّة فقط والأردبیلی إلی الثّالث قال فی آیات الأحکام علی ما حکی عنه ما معناه أن الإعانة علی الإثم لیس لها ملاک مطرد بل المدار فی صدقها علی العرف فإنّ من اختار التّجارة بقصد أن یؤخذ منه العشر صدق علیه الإعانة بخلاف ما إذا لم یقصد ذلک بخلاف من یناول الظّالم العصا مع علمه بأنه یرید ضرب شخص ظلما فإنّه لا یعتبر فی صدق الإعانة علیه قصد ترتب الضّرب علیه فالمناط هو العرف انتهی والحق هو القول الأول فإنّ قوله تعالی ولا تعاونوا علی الإثم کما یدلّ علی أن المعتبر فی صدق کون الإثم فعلا لغیر المعین کذا یدل علی اعتبار القصد فیها للتّبادر وإلاّ لیصدق علی أفعال الله تعالی عن ذلک وتقدس وسائر الأقوال فاسدة أمّا ما ذهب إلیه النّراقی رحمه الله فلما نری من أنّ التّرتب ملغی فی نظر العرف لصدق الإعانة عرفا بمحض الإتیان بالفعل بقصد التّرتب سواء ترتب أو لا ولذا حکموا بأنّ بیع العنب ممن یعمل خمرا مکروه وبیعه لیعمل خمرا حرام ولعل توهمه إنّما هو لعدم صدق الإثم عند عدم التّرتب فلا یصدق الإعانة وهو مدفوع بأنّ معنی الإعانة علیه إتیان فعل لیتحقق معه الحرام سواء تحقق أو لا وبالجملة لا حاجة فی صدقها إلی ترتب الإثم بل یکفی القصد وما قیل من عدم لزوم القصد أیضا فاسد فکما أن الأول إفراط فهذا تفریط وأمّا مذهب الأردبیلی رحمه الله فغیر ظاهر المراد لأنّه مستلزم لأن یکون الإعانة علی الإثم مشترکا بین المعنیین مع أن لها معنی واحد فإنّ القصد إمّا معتبر فیها أو لا ولا فرق بین الموارد ولعل توهم الفرق نشأ مما ذکر الفقهاء فی کتاب الحدود من أن القتل بما یقتل غالبا عمد وأمّا ما یقتل نادرا فإن قصد به القتل کان عمدا وإلاّ فلا فاعتبر فی الثّانی القصد دون الأول والتّحقیق اعتبار القصد مطلقا والسّر فی عدم اشتراطه فیما هو یقتل غالبا هو عدم انفکاکهما غالبا فلا حاجة إلی الاشتراط فیه لحصول الشّرط بخلاف ما یقتل نادرا وکذا الکلام فیما مثل به فإنّ إیقاع التّجارة بقصد أخذ العشر غیر معهود عرفا فیعتبر العلم بقصده عرفا بخلاف إعطاء العصا فإنّه لا ینفک عن القصد عادة ولذا لا یتقید بتصریحه بالقصد بل یکتفی

ص: 254

بالقصد التّبعی الثّابت من حیث عدم الانفکاک فإنّ قصد أحد المتلازمین قصد الآخر تبعا وإن کان غافلا عنه بحسب الظّاهر ومن هنا یمکن أن یقال إنّه إن أوجد شرط الحرام توقف صدق الإعانة علیه علی قصده بخلاف ما لو أوجد العلة التّامة لو فرض إمکانها فإنّه حینئذ ملازم للقصد فتأمّل فالحاصل أنّ المناط فی صدقها هو قصد ترتب الحرام ویؤیده حکم الفقهاء بکراهة بیع العنب ممن یعمله خمرا وحرمة بیعه لیعمل خمرا لصدق الإعانة علی الثّانی دون الأوّل وللمناقشة فیه بأنّ الأول أیضا إعانة علی الشّراء وهو حرام غیری لکونه مقدمة للتخمیر المحرم أو نفسی من جهة التّجری علی المعصیة فاسد لأنّ الظّاهر من الإثم هو نفس المحرم لا مقدماته وأمّا التّجری فلا ریب أنّ القصد لازم لعنوانه فإن باع بقصد عنوان التّجری من المشتری کان البیع لا محالة بقصد ترتب الخمر فهو إعانة من جهة قصد ترتب الخمر وإن باع لا بقصد حصول عنوان التّجری لم یکن إعانة أصلا فظهر أن صدق الإعانة یدور مدار قصد المحرم النّفسی ولیس له مورد یصدق بالنّسبة إلی المقدمة دون المحرم النّفسی الّذی هو ذو المقدمة وبالجملة فحکمهم بکراهة بیع العنب ممن یعمله خمرا صحیح لا غبار علیه لکن یظهر من الأردبیلی رحمه الله حرمته بعنوان آخر مستدلا بوجوب النّهی عن المنکر فإنّ مقتضاه حرمة فعل ما یستلزم ترکه ترک الحرام إذ لو فعله لم یکن ناهیا عن المنکر وترک النّهی عن المنکر حرام ورد بأنّ وجوب النهی عن المنکر إنّما هو مشروط بالعلم بترتب الفائدة علیه ولا أقل من احتمال الفائدة فلو علم أنّه لو لم یبع منه العنب لاشتراه من غیره فلا یترتب علی ترک البیع ترک الحرام لم یکن وجه لوجوبه والصّواب أن یقال إنّ الغرض من وجوب النّهی عن المنکر إن کان ارتفاع سنخ الحرام صح کلام المورد وإن کان ارتفاع الحرام فی الجملة ولو ببعض أفراده لم یکن للإیراد المذکور وجه فتأمل الثّانی فی حکمها وأنّه الحرمة النّفسیّة الذّاتیّة أو الغیریّة التّبعیّة الحق هو الأول لأنّ المناط فی الخطابات النّفسیّة هو أن لا یکون الخطاب المتعلق بشخص تابعا لخطاب آخر متعلق بهذه الشّخص وإن کان تعلقه لأجل حصول الغیر إذ لا یلزم کونه غایة الغایات وهنا لیس الخطاب المتعلق بالمعین تابعا للخطاب المتعلق بنفسه بل للخطاب المتعلق بالمعان علی الإثم إلاّ علی قول من یعمم الإعانة بحیث یشمل فعل المعین أیضا وهو خلاف التّحقیق فلیس الحرمة المتعلقة بها غیریّة کما فی الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر إذ الظّاهر أنّ وجوبهما نفسی مع أنّ الغرض منهما حصول المعروف وانتفاء المنکر هذا فما عن بعضهم من أن حرمة الإعانة غیریّة ناشئة من تعلق الخطاب بالغیر إلاّ إذا کانت الإعانة مصداقا لعنوان محرم نفسی کالظّلم فیما إذا أعان أحدا علی قتل الغیر فإنّه ظلم علی المقتول وحرام نفسی فی خصوص هذا المورد لا مطلقا فاسد لما عرفت من أنّها حرام نفسی مطلقا وعدم استقلال العقل بالحرمة فی غیر صورة صدق الظّلم مثلا لیس بقادح لکفایة کشف الخطاب الشّرعی عنه کما فی أکثر المحرمات والواجبات الّتی لا یستقل وإنّما یستفاد حکمها من الشّرع فافهم

أصل هل الأمر بالشّیء یقتضی النّهی عن ضده أو لا

فیه أقوال والخوض فی المطلب یستدعی تقدیم مقدمات الأولی الضّد یطلق علی معنیین خاص وعام والمراد بالأول کل واحد من الأفعال الوجودیّة المضادة للمأمور به والثّانی تارة یطلق علی التّرک وتارة علی أحد الأفعال الوجودیّة وإطلاقه علی التّرک مجاز باصطلاح

ص: 255

المعقول فإن الضّدین عندهم أمران وجودیّان یتعاقبان علی محل واحد بینهما غایة الخلاف فیکون إطلاقه علی التّرک مجازا مرسلا بعلاقة المجاورة أو التّلازم لتلازم التّرک مع الأفعال الوجودیّة أو مجاورته معها أو الکلیّة والجزئیّة بأن یکون المراد من الضّد مطلق المنافی أو استعارة بعلاقة الشّباهة ویمکن أن یکون إطلاقه علیه مبنیّا علی اصطلاح جدید للأصولیّین فإنّ معناه عندهم مطلق المنافی فیصدق علی النّقیض أیضا حقیقة ثم إنّ وجه التّسمیة إمّا بالخاص فلأنّه أخص من التّرک لتحقق ترک الصّلاة کلما تحقق الأکل مثلا ولا یلزم تحقق الأکل کلما تحقق ترک الصّلاة لتحققه فی الشّرب أیضا مثلا ومنه علم وجه کون التّرک ضدا عاما فإنّه أعمّ من الضّد الخاص وعلی القول بجواز خلو الجسم عن الأکوان یکون التّرک أعم من العام بالمعنی الثّانی أیضا وهو أحد الأفعال لجواز تحقق التّرک من دون تحقق أحد الأفعال حینئذ وأمّا علی القول بعدم الجواز فبینهما تساو وأمّا وجه تسمیة أحد الأفعال ضدا عاما فلأنه أعم من الضّد الخاص إذ کلما تحقق الأکل تحقق أحد الأفعال ولا عکس الثّانیة اختلفوا فی تعیین محل النّزاع فمنهم من جعله الضّد العام بمعنی التّرک وسکت عن الخاص ومنهم من أطلق لفظ الضّد من غیر تعیین ومنهم من جعله الضّد الخاص ونفی الخلاف فی العام بمعنی التّرک والعنوان الجامع للأقوال أن یقال إنّ النّسبة بین الأمر بالشّیء وبین النّهی عن ضده هل هی بالتّساوی بمعنی أنّهما منتزعان من شیء واحد وعنوانان له أو بالتّلازم بمعنی أنّ النّهی لازم الأمر أو بالتّضمن بمعنی أن یکون الأمر متضمنا للنهی کالنّسبة بین الکل والجزء أو لا نسبة أصلا ولا ربط مطلقا بل هما متغایران مصداقا ومفهوما ولا ارتباط بینهما أصلا کالحجر والإنسان لکن الأخیر لا یجری فی الضّد العام بمعنی التّرک لبعد القول بعدم المناسبة بین الأمر بالشّیء والنّهی عن ترکه نعم یجری فیه سائر الأقوال وأمّا الخاص فیجری فیه الجمیع إلاّ أنّ فی تصویر القول بالتّضمن والعینیّة فیه مشکل وسیأتی بیانه ثم إنّ هذا النّزاع لا یختص بالأمر بل یجری فی مطلق الطّلب وقد عنونها المتکلّمون فی الإرادة والکراهة فقالوا إرادة الشّیء هل تستلزم کراهة ضده أو لا ومن هنا یظهر أنّ المسألة عقلیّة کالمسألة السّابقة وسیأتی تفصیل القول فی هذا الباب إن شاء الله الثّالثة قد یقال إنّ ذکر هذه المسألة بعد المسألة السّابقة لغو لأنّ هذه من جزئیّات تلک المسألة ولذا استدلوا علی الاقتضاء بأنّ التّرک مقدمة وهی واجبة واعتذر عنه بعضهم بأنّ بین المسألتین عموما من وجه فلا تلازم بین وجوب المقدمة واقتضاء الأمر للنّهی عن الضّد لجواز أن نقول بالأوّل دون الثّانی بادعاء أنّ ترک الضّد لیس مقدمة وأنّه یجوز اختلاف المتلازمین فی الحکم وأن نقول بهما إمّا بادعاء کون التّرک مقدمة أو لعدم جواز اختلاف المتلازمین وأن نقول بالثانی دون الأول بادعاء أنّ التّرک لیس مقدمة بل الفعل مستلزم له ولا یجوز اختلاف المتلازمین فی الحکم وفیه نظر فإنّ من یسلم استلزام فعل المأمور به لترک الضّد ولا یجوز اختلاف المتلازمین لا مناص له عن القول

ص: 256

بوجوب المقدمة لأنّ الاستلزام بین الشّیئین إمّا بالعلیّة والمعلولیّة أو بالاشتراک فی العلة وکیف کان ما أثبته بین فعل المأمور به وترک الضّد فهو بعینه ثابت بین ترک المقدمة وترک الواجب وترک الواجب حرام فیکون ترک المقدمة حراما وهو معنی وجوبها نعم لا حرج فی القول بوجوب المقدمة دون الاقتضاء المذکور کما ذکره فالأولی أن یقال إنّ المسألتین مختلفان بالحیثیّة فالکلام هناک إنّما هو فی أنّ توقف المطلوب علی شیء هل هو من المصالح المقتضیة لطلب ذلک الشّیء أو لا وهنا فی أنّ استلزام فعل الضّد لترک المأمور به هل یقتضی حرمته أو لا مع قطع النّظر عن المقدمیّة أو أنّ الکلام هنا إنّما هو فی الصّغری وأنّ ترک الضّد هل هو مقدمة أو لا فتأمل الرّابعة المشهور أنّ ترک کل من الضّدین مقدمة لفعل الآخر نظرا إلی ما ثبت عندهم من أنّ وجود الشّیء یتوقف علی ثبوت المقتضی وفقد المانع والضّد من جملة الموانع فإنّ الضّدین متمانعان وأنکره سلطان العلماء مدعیا أنّهما من المقارنات ولا توقف أصلا إذ لو کان فعل الضّد موقوفا علی ترک الآخر لکان ترک الضّد موقوفا علی فعل الآخر بطریق أولی فیلزم الدّور واستدل له بوجهین أحدهما أن فعل الضّد یستلزم ترک الضّد الآخر بخلاف ترک الضّد فإنّه لا یستلزم فعل الضّد الآخر لجواز خلوّ الشّخص عنهما معا وما یستلزم الشّیء أولی بالمقدمیّة له مما لا یستلزمه والثّانی أن من المحقق أنّه إذا ترکب علة الشّیء من أجزاء متعددة کان ترک کل جزء علة تامة لانتفائه فإذا کان ترک الضّد من أجزاء العلة التّامة لفعل الضّد الآخر لأنّه معنی المقدمة لکان ترک ذلک التّرک علة تامة لترک ذلک الضّد وترک التّرک عین الفعل والعلة التّامة أولی بالمقدمیّة من الشّرط الّذی هو ترک الضّد وأجیب عن الأوّل بأن الاستلزام غیر التّوقف والمناط فی المقدمیّة هو الثّانی لا الأول وهو غیر موجود بالنّسبة إلی فعل الضّد لعدم توقف ترک أحد الضّدین علی فعل الآخر وعن الثّانی بأن انتفاء المعلول مستند إلی سبق أجزاء العلة انتفاء وهو الإرادة فانتفاء أداء الدّین لیس مستندا إلی ترک ترک الصّلاة وهو فعل الصّلاة بل هو مستند إلی انتفاء إرادته لأنّ انتفاء إرادة أداء الدّین إمّا متقدم علی إرادة الصّلاة أو مساوق لها وإرادة الصّلاة متقدمة علیها أو المساوق أو المتقدم علی المتقدم متقدم والتّحقیق أنّ مدعی السّلطان رحمه الله حق وإن کان دلیله فاسدا کما علم وذلک لأنّ المناط والمعتبر فی المقدمیّة أمران السّبق علی ذی المقدمة والمدخلیّة فی وجوده فمع انتفاء أحدهما ینتفی المقدمیّة ومن هذا القبیل ترک الضّد لتقارنه مع الضّد الآخر فی الوجود ولیس سابقا علیه ومجرد التّضاد بینهما لا یوجب السّبق ألا تری أن أهل المعقول صرحوا بأنّ فساد الصّورة النّوعیّة الزّائلة عن المادة مقارن لوجود الأخری بمعنی أنّ کلا منهما مقارن للأخری مع أنّهما ضدان وکذا حال الفصلین المتواردین علی الجنس فانعدام فصل وحدوث الآخر متقارنان

ص: 257

لا سبق بینهما وبالجملة فالتّقدم والتّأخّر بالنّسبة إلی فعل أحد الضّدین وترک الآخر غیر ظاهر وکذا بالنّسبة إلی علتها وهی إرادة أحدهما وعدم إرادة الآخر فإنّهما أیضا متقارنان والکلام فیهما هو الکلام فی نفس الضّدین لأن إرادة أحد الضّدین ضد لإرادة الآخر وأمّا إذا لاحظنا علة العلة وهو الدّاعی ففیه صورتان إحداهما أن یوجد الدّاعی لأحدهما دون الآخر فالدّاعی وعدمه حینئذ متقارنان لا یظهر بینهما سبق والثّانیة أن یکون الدّاعی موجودا لکل منهما ولکن یغلب داعی أحدهما علی الآخر فیکون إرادة هذا وعدم إرادة ذلک متقارنین لکونهما معلولین لعلة واحدة وهی الغلبة ولا یتصور السّبق بین معلولی علة واحدة وأمّا ما یقال من أنّ الغلبة علة لعدم إرادة ضد المأمور به ومجموع الغلبة وعدم الإرادة علة لإرادة المأمور به فعدم إرادة الضّد مقدم علی إرادة المأمور به فهو مصادرة ظاهرة فإن قلت الغالبیّة من مقولة الإضافة ومقابلها المغلوبیّة کالأبوة والبنوّة والإرادة مستندة إلی الأول وعدمها إلی الثّانی فلم یتحد العلة حتی لا یتصور السّبق قلت قد صرح أهل المعقول بأنّ المتضایفین متکافئان فی الوجود لا ترتب بینهما وإن کان بین ذاتیهما ترتب کالأب والابن لکن التّضایف لیس بین الذّاتین بل بین الوصفین ولا ترتب بینهما هذا إن قلنا بأنّ الإضافة تتعدد بتعدد الموصوف کما هو التّحقیق لامتناع قیام العرض الواحد بمحلین ککون الجسم الواحد فی مکانین وأمّا إن قلنا بعدم تعددها وأن المتضایفین أمر واحد بالذّات له نسبتان مختلفتان یتعدد بمجرد الاعتبار بحسبهما فلا وقع للسؤال أصلا لاتحاد العلة حینئذ وبالجملة فلا دلیل علی أن ترک الضّد سابق علی فعل الضّد الآخر إن لم یکن دلیل علی نفیه ویمکن الاستدلال علی منع المقدمیّة بوجه آخر وبیانه أنّ عدم المقدمة مؤثر فی عدم ذی المقدمة ووجودها فی وجوده ومن الضّروریّات أنّ عدم الأثر لا یؤثر فی عدم المؤثر وکذا وجوده فی وجوده بل هو کاشف عنه وحینئذ فلو کان ترک الصّلاة مقدمة لفعل الأداء لکان ترک ذلک التّرک وهو فعل الصّلاة مؤثرا فی ترک الأداء فیکون ترک الأداء من آثار الصّلاة فلا یکون مقدمة لها وإلاّ لزم کون الأثر مؤثرا وکذا نقول فی العکس ترک الأداء لو کان مقدمة لفعل الصّلاة لکان ترک ذلک التّرک وهو فعل الأداء مؤثرا فی ترک الصّلاة فیکون ترک الصّلاة من آثار الأداء فلا یکون مقدمة له وجعل ترک أحد الضّدین مقدمة لفعل الآخر دون ترک الضّد الآخر لفعل الأول ترجیح بلا مرجح فتأمل الخامسة اختلفوا فی جواز اختلاف المتلازمین فی الحکم وعدمه علی أقوال ثالثها تفصیل المعالم بین ما لو کان أحدهما علة والآخر معلولا أو کانا معلولی علة واحدة فمنعه وبین غیرهما فجوزه ورابعها التّفصیل کشریف العلماء بین ما إذا لم یلزم من اختلافهما التّکلیف بما لا یطاق فجوزه وبین ما إذا لزم ذلک فمنعه وأوضحه بأن التّخالف

ص: 258

فی الأحکام الخمسة یتصور بوجوه عشرة یحصل من ملاحظة کل منها مع البواقی وإسقاط المکررات فإنّ بملاحظة الوجوب فی أحدهما والحرمة فی الآخر أو الاستحباب والکراهة والإباحة یحصل أربعة أقسام ومن الحرمة والبواقی ثلاثة أقسام ومن الاستحباب والباقین قسمان فهذه تسعة ومن الکراهة والإباحة قسم واحد تلک عشرة کاملة والمستلزم للتکلیف بالمحال أقسام أربعة فرض الوجوب أو الاستحباب فی أحدهما والکراهة أو الحرمة فی الآخر دون الأقسام الأخر استدل المانعون مطلقا بما استدلوا به علی وجوب المقدمة من لزوم التّناقض أو السّفه علی سبیل منع الخلو فإنّ الحکیم لو أوجب شیئا وأذن فی ترک ملازمه کان تناقضا لأنّ الأمر یقتضی عدم الرّضا بالتّرک والإذن فی ترک ملازمه رضا بترکه وهو مناقض أو سفه لعدم الفائدة فی إباحة ذلک الشّیء مع تحقّق الوجوب فی ملازمه نظیر ما ذکروه فی الاستدلال علی وجوب المقدمة ولذا ذهب المحقق الخوانساری إلی أنّ إیجاب الشّیء یدل علی وجوب لوازمه أیضا کما یدل علی وجوب مقدّماته فکون المتلازمین متحدین فی الحکم أولی والجواب عن الأوّل اشتراط وحدة الموضوع فی التّناقض وهو متحقق فی مسألة المقدمة لأنّ إیجاب ذی المقدمة یقتضی أن یترتّب علی ترک المقدمة مفسدة وهی ترک ذی المقدمة والإذن فی ترک المقدمة یقتضی أن لا یترتّب علی ترکها مفسدة وهذا تناقض ظاهر بخلاف هذه المسألة وذلک لأنّ الحکم أو الطّلب لا یرد علی الشّیء إلاّ مع تحقق المصلحة فی نفس ذلک الشّیء أو فیما یترتّب علیه أو المفسدة کذلک ومع انتفائهما فی نفس الشّیء وکذا فیما یترتب علیه فلا یتعلق به الحکم وإن کان فیما یقارنه فی الوجود فإنّ التّقارن لا یوجب سریان المصلحة والمفسدة من أحد المتقارنین إلی الآخر کما أنّ الخاصیة الموجودة فی الماء لا یقتضی مطلوبیّة القلیل من التّراب الواقع فیه وإن کان مقارنا معه وحینئذ فنقول إنّ المصلحة إذا تحققت فی أحد المتلازمین دون الآخر تعلق به الحکم دون الآخر وإذا کان فی أحدهما مصلحة الوجوب وفی الآخر مصلحة الاستحباب أو الکراهة أو غیرهما فلکل حکمه ولا یلزم التّناقض إذ لم یأذن فی ترک ما فیه المصلحة وإنّما أذن فی ترک الخالی عنها وعن الثّانی أنّ فائدة الإباحة لا تنحصر فی تقویة داعی الشّخص إلی الفعل والتّرک حتی لا یکون فیها فائدة فإنّ فوائدها کثیرة کالإرشاد إلی عدم العقاب علیه وعدم الخوف وعدم الحاجة إلی التّوبة من ترکه وغیر ذلک واستدل صاحب المعالم علی مذهبه وهو عدم الجواز فی العلة والمعلول ومعلولی علة واحدة بأنّ العقل یستبعد تحریم المعلول من دون تحریمه علته وبأنّ انتفاء التّحریم فی أحد المعلولین یستلزم انتفاءه فی علته فیلزم اختصاص المعلول الآخر بالحرمة من دون علته وأیضا لو اختلف المعلولان فی الحکم فإمّا أن یسری الحکمان إلی العلة فیلزم فیه اجتماع الضّدین أو یسری أحد الحکمین إلیه وهو ترجیح بلا مرجح وفیه أنّ سرایة حکم المعلول إلی العلة مسلم إذا کان فیه مصلحة أو مفسدة لأنّهما إذا ترتبا علی المعلول فقد ترتبا علی أثر العلة وقد مر أنّ المصلحة

ص: 259

المقتضیة للحکم تثمر إذا کانت فی نفس الشّیء أو فی آثاره أمّا الإباحة فی المعلول فمعناها عدم ترتب المصلحة والمفسدة علیه وهو لا یقتضی إلاّ عدم تعلق الطّلب من هذه الحیثیّة فلا ینافی ثبوت مصلحة فی نفس العلة مقتضیة للوجوب أو مفسدة مقتضیة للحرمة کما فی صیرورة المستحب النّفسی واجبا غیریّا من حیث توقف الواجب علیه ولا یسری حکم العلة إلی المعلول لعدم سرایة المصلحة والمفسدة منها إلیه وقد یعترض علیه بأمور أخر منها أنّ تسلیمه هنا سرایة حکم المعلول إلی العلة ینافی ما ذهب إلیه فی مقدمة الواجب من عدم وجوب غیر السّبب من المقدمات والشّرائط الشّرعیّة وذلک لأنّ عدم الشّرط علة لعدم المشروط وعدم المشروط حرام فیسری الحرمة من عدم المشروط إلی عدم الشّرط وإذا حرم عدم الشّرط کان وجوده واجبا فیکون مطلق المقدمة واجبا لا خصوص السّبب وفیه أنّا قد بینا أنّ علة الشّیء إذا کانت مرکبة کان انتفاء المعلول مستندا إلی أسبق أجزاء العلة انتفاء وعدم المشروط مستند إلی عدم إرادته لأنّها أسبق الأجزاء انتفاء کما سلف ومراد المعالم من العلة العلة الفعلیّة لا الشّأنیّة حتی یشمل انتفاء الشّرط أیضا ومنها ما ذکره بعضهم من أنّ علقة التّلازم منحصرة فی العلیّة والمعلولیّة والاشتراک فی العلة إمّا بلا واسطة أو بواسطة کعلة العلة ومعلول المعلول وهکذا إذ لو انتفی الأمران کان تقارنهما اتفاقیّا ولم یکن بینهما تلازم ثم إنّ کلا من علقتی التّلازم إمّا عقلی أو عادی فإن أراد من التّلازم الأعم من العقلی والعادی فلا ریب أنّه منحصر فی القسمین لا ثالث لهما حتی یکون غیرهما وإن أراد خصوص العقلی وکان المراد من غیرهما هو التّلازم العادی فالفرق بینه وبین العقلی تحکم فاسد فإنّهما سیّان کما صرحوا فی مقدمة الواجب بتساوی الأسباب العقلیة والعادیة فالتّفصیل لا وجه له وفیه أنّ التّلازم لا ینحصر فی القسمین لأنّ من أقسامه التّضایف کما صرح به المنطقیون ومنهم المحقق الطّوسی رحمه الله فی منطق التّجرید کما نقل عنه والقول بأنّ المتضایفین مشترکان فی العلة لا یتم مطلقا فإنّ التّضایف أقسام ثلاثة أحدها أن یکون فی کل من الطّرفین هیئة مستقرة ینزع منها الإضافة کالعاشقیّة والمعشوقیّة إذ لا بد أن یکون فی العاشق حالة إدراکیّة ینتزع منها العاشقیّة وأن یکون فی المعشوق هیئة مستلذة ینتزع منها المعشوقیّة والثّانی أن یکون ذلک فی أحد الطّرفین کالعالمیّة والمعلومیّة إذ لا بد من حصول هیئة مستقرة فی العالم من المعلوم من دون أن یحصل فی المعلوم شیء وإلاّ لزم اتصاف المعدومات بالأمور الحقیقیّة عند تعلق العلم بها والثّالث أن لا یکون ذلک فی شیء من الطّرفین کالتّیامن والتّیاسر والفوقیّة والتّحتیّة لأنّ انتزاع التّضایف هنا لا یحتاج إلی حصول هیئة مستقرة فی المتضایفین واتحاد العلة إنّما یسلم فی القسم الثّانی لو سلم أمّا الآخران فلا ولا سیما القسم الأوّل فتأمّل والتّحقیق فی التّضایف أن ذات کل من المتضایفین علة لحصول الوصف فی الآخر فتعدد العلة وأمّا التّفصیل بین ما إذا لزم التّکلیف بما لا یطاق وغیره فإن أراد المفصل من عدم جواز الاختلاف فی الصّور الأربع

ص: 260

لزوم اتحادهما فقد عرفت فساده وإن أراد بناء العمل فیهما بنحو لا یلزم التّکلیف بما لا یطاق فإذا کان أحدهما واجبا لم یکن الآخر حراما بل یکون مباحا مثلا فهو کلام متین ونظیره ما قیل إنّ الواجب إن انحصر مقدمته فی المحرم لم یبق بحاله بل إمّا یرتفع الوجوب منه أو ترتفع الحرمة من المقدمة وإلاّ لزم التّکلیف بالمحال ولعل هذا مراد المفصل بقرینة ما اختاره فی الصّور السّتّ الباقیة من جواز الاختلاف فیها فإنّ معناه عدم جواز الاختلاف فی الصّور الأربع لا إثبات الاتحاد فافهم السّادسة ربما یظهر من بعضهم تخصیص محل النّزاع بما إذا کان المأمور به واجبا مضیقا کأداء الدّین والضّد واجبا موسعا کالصّلاة وذکر فی وجهه أنّ الضّد لو لم یکن مأمورا به لکان فاسدا من جهة عدم الأمر ولم یکن حاجة إلی البحث عن تعلق النّهی به فإنّ ثمرة المسألة فساد الضّد وهو ثابت فی المقام وإن لم یقتض الأمر النّهی عن الضّد وأیضا لو لم یکن الأوّل مضیقا والثّانی موسعا فإمّا أن یکونا موسعین أو مضیقین وکلاهما خارجان عن محل النّزاع أمّا الأوّل فلعدم حرمة التّرک قبل ضیق الوقت حتی یحرم أضداده الخاصة ویتبع الفساد للحرمة وأمّا الثّانی فلعدم إمکان تعلق الأمر بهما علی وجه الیقین فإنّه تکلیف بما لا یطاق فإمّا یحکم بالتّخییر أو بتقدیم الأهم وعلی الأوّل لا معنی للنهی عنه لکونه مخیرا فی فعله وعلی الثّانی لا وجه لصحة غیر الأهم لعدم تعلق الأمر به ولا حاجة إلی التّمسک فی نفی الصّحة بتعلق النّهی وإنّما یثمر النّهی فیما یکون صحیحا لو لا النّهی وفیه نظر إذ لا وجه لتخصیص النّزاع بالصّورة المفروضة لإطلاق کلام القوم وأمّا ما ذکره من ظهور الثّمرة فیها دون غیرها ففیه أوّلا أنّه لا یقتضی اختصاص النّزاع بها إذ لا مانع من وقوع النّزاع فی مسألة کلیّة لظهور الثّمرة فی بعض جزئیّاتها وثانیا النّقض بما إذا کان الضّد من المعاملات فلا یتصور الفساد بالمعنی المذکور فیها وهو عدم موافقة الأمر إذا الصّحة فی المعاملات هی ترتب الأثر وحینئذ فیثمر تعلق النّهی بها الفساد بالمعنی المذکور إن قلنا بأنّ النّهی یقتضی الفساد فی المعاملات أیضا وثالثا منع انحصار الثّمرة فیما یکون صحیحا لو لا النّهی لأن من الثّمرات عدم جواز أخذ الأجرة علی الضّد وإن کان من الأفعال المباحة قبل النّهی فلا یجوز أخذ الأجرة علی الخیاطة عند اشتغال الذّمة بأداء الدّین علی القول بالاقتضاء ویجوز علی القول بالعدم وکذا عدم صحة المندوبات وصحتها عند اشتغال الذّمة بالمضیّق یترتب علی القولین ورابعا أنّ الفساد إن کان بمقتضی الأصل لم یعارض الدّلیل الدّال علی الصّحة بخلاف المستفاد من النّهی المدلول علیه بالأمر فالقول بتحقق الفساد بالوجه الثّانی یثمر ما لم یثمره الفساد بالوجه الأوّل وخامسا منع عدم جریان الثّمرة فی الموسعین والمضیقین أمّا الأوّل فلأنّ النّهی المستفاد عن الأمر إنّما هو علی حد الوجوب المستفاد منه فکما أنّ الوجوب فی الموسّع إنّما یعلق بالفعل فی مجموع الوقت فکذلک المنهی عنه هو ما یضاد الفعل فی مجموع الوقت وذلک بأن یشتغل بالضد فی آخر الوقت أو فی أوّل الوقت مع العلم بعدم تمکنه من الفعل بعده فالنّهی یتعلق فی أوّل الوقت بما یضاد الفعل المطلوب فی مجموع الوقت فلو تلبس بالضد فی مجموع الوقت عوقب علی تلبسه به فی المجموع لا أنّ النّهی إنّما یتعلق فی آخر الوقت بالضد ویکون معاقبا علی تلبسه بالتّرک فی الجزء الأخیر حتی یرجع إلی ما ذکروه من الواجب المضیّق وأمّا الثّانی فلأنّ

ص: 261

المضیقین إذا حکم فیهما بالتّخییر فلا ریب أنّ الواجب حینئذ هو المجموع فیکون ضد المجموع منهیّا عنه وکل واحد منهما لیس ضدا للواجب بل الکل نفس الواجب فإنّ الواجب أحدهما علی سبیل البدل لا الفرد الخاص فإن قلت هذا إنّما یصح علی مذهب الأشاعرة فی الواجب التّخییری من أنّ الواجب هو أحد الأبدال لا بعینه وأمّا علی المشهور من وجوب کل منهما علی البدل فلا یصح ذلک إذ یصدق علی کل منهما أنّه ضد الواجب وهو الفرد الآخر مع أنّه لیس بمنهی عنه فلا یکون شیء من الأضداد بمنهی عنه فی هذا القسم وإلاّ لکان تخصیصا فی المسألة من غیر حجة قلنا هذا لیس من التّخصیص فی شیء فإن ما یقتضی النّهی عن الضّد فی الأمر هو اعتبار المعنی الذّی فی مدلوله وهو المنع من التّرک وما یتصور فی الواجب التّخییری من المنع عن التّرک إنّما هو المنع عن مجموع التّرکین لا المنع من کل من التّرکین لا إلی بدل وإلاّ لزم تعدد العقاب عند ترک الجمیع لتحقق کل من التّرکین حینئذ لا إلی بدل وعلی هذا فالنّهی یتعلق بما یضاد هذا المعنی أعنی ما یتحقق به مجموع التّرکین وهو غیر الواجبین فإنّ بکل منهما یتحقق الواجب فلا یکون ضدا حتی یلزم من عدم النّهی تخصیص فی المسألة هذا وإذا حکم فیهما بتقدیم الأهم فالجواب أوضح لأن ما ذکره فی وجهه من کفایة عدم الأمر فی الفساد قد عرفت فساده ثم إنّ ما ذکره من عدم جواز حمل المضیقین علی الوجوب التّعینی قد ناقش فیه بعض الأفاضل فجوز تعلق التّکلیف بهما معا علی التّرتیب بأن یکون وجوب أحدهما مطلقا ووجوب الآخر معلقا علی معصیته فیکون کل منهما واجبا ومأمورا به بهذا الوجه ویکون داخلا فی محل النّزاع وسیأتی تحقیقه مفصلا إن شاء الله إذا تمهدت هذه المقدمات فنقول اختلفوا فی المسألة علی أقوال أربعة الاقتضاء بالعینیّة والتّضمن والالتزام ونفی الاقتضاء رأسا وقبل الشّروع فی المطلب لا بد من تصویر جریان الأقوال المذکورة فی المسألة فنقول هنا إشکالان أحدهما أنّ

القول بالعینیّة والتّضمن کیف یمکن فی الضّد الخاص إذ لا یشک عاقل أن لا تأکل مثلا لیس عین صلّ ولا جزءا له والثّانی أنّ نفی الاقتضاء لا یتصور فی الضّد العام فإنّه ینافی الوجوب إذ لیس الوجوب إلاّ المنع عن التّرک ودفع الأوّل یحتاج إلی بیان أمرین أحدهما أنّ النّهی عن الضّد علی القول به لا یفید الحرمة الغیریّة بأن یکون الضّد حراما للتوصل إلی الغیر کما فی وجوب المقدمة فإنّ ترک الضّد العام لیس مقدمة للفعل لأنّه عینه فلیس واجبا للغیر وأمّا الضّد الخاص فإن قلنا بأنّ النّهی عنه إنّما هو لکون ترکه مقدمة کان حراما غیریّا وإن قلنا بوجوب ترکه من جهة عدم جواز اختلاف المتلازمین فی الحکم فلا لأنّ وجوب أحد المتلازمین لیس توصلیّا وثانیهما أنّ الحکم قد یکون ثابتا للشیء بنفسه سواء کان ذلک الحکم نفسیّا أو غیریّا وقد یکون ثانیا له بواسطة غیره فیکون ذلک الغیر واسطة فی عروض ذلک الحکم لذلک الشّیء نظیر السّفینة لحرکة الجالس فیها ویسمی حکما عرضیّا کوجوب الجزء بوجوب الکل فإنّه وجوب واحد یعرض للکل أصالة وللجزء عرضا والوجوب بهذا المعنی واقع حتی أن بعضهم جعل وجوب المقدمة من هذا القبیل فإنّه تعدی من المقدمة إلی لوازم الواجب

ص: 262

ولا یفرض فیها الوجوب التّوصلی فیعلم أنّ مراده الوجوب العرضی ومن هنا توهم بعضهم فحکم بخروج المقدمات الدّاخلة عن محل النّزاع فی المسألة السّابقة زعما منه أن النّزاع إنّما هو فی الوجوب العرضی وهو لا یقبل الإنکار فی أجزاء الواجب إذا عرفت ذلک فنقول یمکن تصحیح القول بالعینیّة بأن ترک الأکل واجب بعین وجوب الصّلاة بالعرض بمعنی أنّ الأمر یدل علی وجوب الصّلاة ذاتا وعلی وجوب ترک الأکل عرضا ووجوب التّرک عین حرمة الفعل وتصحیح التّضمن فیه بأن معنی الوجوب هو طلب الشّیء مع المنع عن ترکه فالمنع من التّرک جزء للوجوب والتّرک لازم لفعل الضّد فالمنع یرد علیه بالعرض فالمنع عن الضّد الخاص جزء للوجوب لا لمفهومه بل للمراد فالأمر بالشیء یدل علی النّهی عن الضّد الخاص بالتّضمن ولکن جعل النّزاع فی الحکم العرضی یأباه کلام القوم بل لا یصح لأن ینکره أحد إلاّ أن یجعل النّزاع لفظیّا بمعنی أن المثبت یثبت الحکم العرضی والنّافی ینفی النّهی الأصلی وهو أبعد ولبعض المحققین فی بیان الدّلیل علی الاقتضاء فی الضّد الخاص کلام یفید تصور القول بالتّضمن فیه فإنّه قال إنّ معنی الوجوب هو طلب الفعل مع المنع من التّرک والتّرک أمر عدمی لا یتعلق به الحکم من الطّلب والمنع بل یرد الحکم علی منشإ انتزاعه وهو الأفعال الوجودیّة الملازمة له فیکون المنع عن الضّد الخاص جزءا للوجوب وذکر نظیر ذلک فی تقویة شبهة الکعبی من أنّ النّهی عن الزنا معناه طلب ترک الزنا والتّرک لا یکون مطلوبا بل المطلوب الأفعال الملازمة للترک یعنی الأفعال المباحة کما یقوله الکعبی وبالجملة مقتضی کلامه القول بالتّضمن ولا یمکن حمل کلامه علی القول بالعینیّة لأنّ النّهی عن التّرک عنده لیس فیه معنی الطّلب بخلاف الأمر إذ لو اعتبر فیه الطّلب لکان إمّا الطّلب الجنسی الذّی کان فی مدلول الأمر أو غیره والثّانی مستلزم لاستفادة طلبین من أمر واحد وهو فاسد وعلی الأوّل إمّا أن یتعلق بفعل الضّد فیلزم طلب الضّدین أو بترکه فیعود المحذور الذّی فر منه أعنی تعلق الطّلب بالتّرک ولا یرد أن القائلین بالعینیّة فی الضّد العام تمسکوا بأنّ الطّلب الجنسی مأخوذ فی حد النّهی لأنّهم لا یمنعون من تعلق الحکم بالتّرک ولا یخفی علیک ما فی کلام المحقق من التّناقض لأنّه إمّا أن یعتبر الطّلب فی معنی النّهی فیلزم علیه المحذور الذّی فر منه وهو طلب التّرک وإمّا أن لا یعتبر ذلک بل یجعله بمعنی المنع المجرد عن الطّلب فلیجعل مثل لا تزن أیضا منعا مجردا ولا یجعله طلبا حتی لا یتصور تعلقه بالتّرک ویلزم تقویة شبهة الکعبی وأمّا الإشکال الثّانی فدفعه بعض العامة بأن النّزاع إنّما هو فی الاقتضاء بنحو اللّزوم البین بالمعنی الأخص وهو أن یلزم من تصور الملزوم تصور اللازم وهذا الاقتضاء مما یقبل المنع وفیه أن من ینفی الاقتضاء ینفیه مطلقا قبالا لخصمه المثبت له مطلقا إذ لا ریب فی إطلاق کلام المثبتین والنّافی ناف لما یثبته الخصم وإلاّ لم یکن بینهما نزاع وحکی عن بعضهم کلام آخر فی دفعه وهو أن من ینفی الاقتضاء یجوز التّکلیف بما لا یطاق فیجوز الأمر بالشیء مع عدم النّهی عن ترکه بل مع الأمر بترکه إذ غایة ما یلزم منه هو التّکلیف بما لا یطاق وهو جائز عنده وفیه أنّ جواز التّکلیف بما لا یطاق

ص: 263

فی صورة الأمر بالتّرک لا یوجب عدم تعلق النّهی به فإن الأمر بالشیء یقتضی النّهی عن ترکه قطعا فإن أمر بالتّرک لزم الأمر بالتّرک والنّهی عنه وهو تکلیف بما لا یطاق فتجویزه یجتمع مع النّهی أیضا فلا یثمر فی رفعه ویمکن دفع الإشکال بأن یقال لا نزاع فی أن صیغة الأمر مغایرة مع النّهی وکذا فی تغایرهما مفهوما فإن ذلک مما لا یقبل الإنکار بل النّزاع إنّما هو فی حصول الحرمة للضد بالأمر وعدمه وحصول الحرمة للضد یتصور بوجوه ثلاثة أحدها أن یکون الفعل وترک التّرک متحدین مصداقا ویکون الملحوظ فی الطّلب هو عنوان الفعل دون ترک التّرک لکن لاتحادهما مصداقا یصدق علی ترک التّرک أیضا أنّه مطلوب وإذا کان مطلوبا کان التّرک حراما والثّانی أیضا کذلک لکن یلاحظ کل من العنوانین فی الطّلب والثّالث أن یختلفا مصداقا مع تحقق التّلازم بینهما وعدم جواز اختلاف المتلازمین فی الحکم ونافی الاقتضاء یقول باختلافهما مصداقا ویجوز اختلاف المتلازمین فی الحکم أو إنّما ینفی الوجه الثّانی وهو أن یکون العنوانان کلاهما ملحوظا فی الطّلب والمثبت إنّما یثبت الوجه الأوّل فیکون النّزاع بینهما لفظیّا لکن کل هذه الوجوه بعید جدا عن مطارح کلماتهم ولا یبعد أن یقال إنّ الإشکال المذکور إنّما نشأ من خلط القوم فی تحریر محل النّزاع حیث جعلوه اقتضاء الأمر الوجوبی للنهی ضد فتوهم أن النّزاع إنّما هو من حیث فصل الأمر الذّی هو المنع من التّرک فیشکل أن المنع من التّرک جزء للوجوب ومعه کیف یعقل نفی حرمة التّرک والتّحقیق فی تحریر محله ما حرره المتکلّمون من أنّ إرادة الشّیء هل تستلزم کراهة ضده أو لا والظّاهر أنّ من عبر بالأمرین یرید اقتضاء الأمر باعتبار جنسه الذّی هو مطلق الطّلب والإرادة لا الفصل الّذی هو المنع من التّرک ولذا أدخلوا الأمر الاستحبابی بالنّسبة إلی النّهی التّنزیهی عن ضده أیضا فی محل النّزاع ولا ریب فی أن فصل النّدب وهو الإذن فی التّرک لا ینفی مرجوحیّة التّرک بل هی من مقتضیات الطّلب الجنسی علی القول به وإذا کان النّزاع فی الأمر الاستحبابی من حیث اقتضاء الجنس ففی الوجوبی أیضا کذلک لئلا یلزم التّفکیک بینهما مع اتحاد المسألة وحینئذ فیتصور نفی الاقتضاء فی الضّد العام بناء علی عدم استلزام إرادة الشّیء کراهة ضده کما ذهب إلیه السّید رحمه الله فی النّدب فقال بعدم کراهة ترک المندوب فإن ترکه لو کان مکروها لکان جمیع النّاس فاعلین للمکروه مدة عمرهم لترکهم أکثر المندوبات لکن نفی الاقتضاء فی الضّد العام من حیث الجنس فی الأمر الوجوبی لا یثمر عملا لاقتضائه من حیث الفصل قطعا نعم یثمر فی المندوبات وهو کاف ثمرة للمسألة بناء علی هذا التّقریر لمحل النّزاع وعلی هذا القول بالعینیّة والتّضمن فی المسألة أیضا ناش عن الخلط المذکور لظهور تباین إرادة الشّیء وکراهة ضده غایة الأمر تلازمهما فی الخارج إذا عرفت ذلک فلنشرع فی المطلوب ونتکلم تارة بناء علی ما حرره القوم من محل النّزاع وأخری علی ما حرّره المتکلمون فهنا مقامان الأوّل فی تحقیق المسألة علی طریقة القوم فنقول أمّا فی الضّد العام فیمکن أن یقال إنّ الأمر الإیجابی بالشیء عین النّهی عن ترکه وإن

ص: 264

قلنا بترک مفهوم الأمر حقیقة من الطّلب والمنع عن التّرک وذلک لأنّ النّهی معناه طلب التّرک وهو إذا ورد علی التّرک صار طلبا لترک التّرک وهو عین طلب الفعل وأمّا المنع عن التّرک الذّی هو جزء الوجوب فلم یؤخذ فیه الطّلب حتی یکون معناه طلب ترک التّرک ویتحد مع النّهی عن التّرک ویثبت التّضمن بل المنع أمر فی عرض الطّلب ومن مقوّماته وما یری من ذکر الطّلب معه فإنّما هو الطّلب الجنسی الذّی هو موصوفه کما قد یؤخذ الجنس فی تعریف الفصول وبالجملة فالنّهی غیر المنع والطّلب المأخوذ فی النّهی هو الطّلب الجنسی المأخوذ فی الأمر إذ لو کان غیره لزم دلالة الأمر علی طلبین ولیس کذلک فمعنی الأمر هو طلب الفعل مع المنع من التّرک ومعنی النّهی عن التّرک هو طلب ترک التّرک بعین ذلک الطّلب الجنسی فاتحدا مصداقا وإن تغایر بحسب المفهوم فعلم بما ذکرنا دلیل القول بالتّضمن مع إبطاله وأمّا القائل بالاستلزام فاستدل علیه بأنّ الوجوب معنی بسیط هو الطّلب الحتمی الذّی هو مرتبة شدیدة من الطّلب ولازمه المنع من التّرک الذّی هو عین النّهی عن التّرک وفیه أوّلا ما عرفت من أنّ النّهی عن التّرک غیر المنع عن التّرک وثانیا أنّه إن أراد بساطة الوجوب بحسب الخارج فمسلم لکنّه لا یجدی فی المقام لکفایة التّرکب العقلی فی دلالة التّضمن وإن أراد البساطة عقلا وأنّه غیر مرکب من الجنس والفصل فیمکن دفعه بأنّه لا شبهة فی اشتراک الوجوب والنّدب فی مطلق الطّلب فهو جنس لهما وفصل الأوّل هو المنع عن التّرک والثّانی هو الإذن فیه فکل منهما مرکب من الجنس والفصل ویمکن الجواب بأنّ الطّلب لیس جنسا للوجوب والنّدب بل هو بنفسه نوع وکل من الوجوب والنّدب من أفراده وتمیزهما لیس بأمر مقوم ذاتی یکون فصلا بل بالشدة والضّعف والمنع عن التّرک والإذن فیه من العوارض والمشخصات الخارجة اللازمة لا الفصول المقومة وإلیه ینظر کلام المحقق العلامة جمال الدّین الخوانساری رحمه الله فی بیان أنّ الواجب الکفائی إذا قام به من فیه الکفایة أمکن القول بجواز الإتیان به ثانیا بقصد الاستحباب ما لفظه علی أنّه یمکن أن یقال أیضا إنّ الثّابت أوّلا هو الرّجحان مع الذّم علی التّرک فی الجملة والسّاقط بفعل البعض إجماعا هو الذّم المذکور فیبقی الرّجحان لأصالة استصحابه إلی أن یثبت خلافه والقول بأنّ الذّم علی التّرک فصل له والفصل علة للجنس فبعدمه یعدم الجنس فبعد تسلیم ذلک فی الفصل والجنس لا نسلم کون الذّم فصلا لم لا یجوز أن یکون الرّاجح فعله حقیقة محصله ویکون الذّم علی التّرک عارضا ربما یعرض له فبعدمه لا یلزم عدم رجحان الفعل انتهی وفی ذیل کلامه نظر حیث جوز بقاء الطّلب مع انتفاء الذّم لفساده علی ما حقق من أنّ الطّلب مع الذّم مرتبة واحدة من مراتب الطّلب ومع انتفاء الذّم یحصل مرتبة أخری ولا یبقی الطّلب السّابق فتأمّل وتحقیق المسألة أنّه إن اعتبر الطّلب فی النّهی عن التّرک کان عین الأمر وإلاّ فیکون عین المنع عن التّرک فإنّ جعل الوجوب مرکبا صح القول بالتّضمن وإلاّ فالالتزام ولکل وجه وأمّا فی الضّد الخاص فإن جعلنا النّزاع فی النّهی العرفی کان لکل من القول بالعینیّة والتّضمن والالتزام وجه صحة مبنیّة علی أخذ الطّلب فی معنی

ص: 265

النّهی وعدمه وجعل المنع من التّرک جزءا للوجوب وعدمه کما عرفت فی الضّد العام وفیما سبق ولکن جعل النّزاع فی ذلک غیر جید بل یظهر من بعضهم الحکم بالوجوب الغیری المقدمی لترک الضّد حیث حکموا بوجوب ترک الضّد من باب المقدمة وإذا وجب ترکه حرم فعله ومن بعضهم الحکم بالوجوب النّفسی حیث أثبتوا الوجوب للترک من باب عدم جواز اختلاف المتلازمین فی الحکم ویجب تحقیق المقام علی هذین الوجهین فهنا مقامان أمّا الأوّل فنقول إنّ وجوب التّرک من باب المقدمة متوقف علی أمرین أحدهما ثبوت کون التّرک مقدمة والثّانی کون المقدمة مسلم وقد عرفت فیما مضی منع کون التّرک مقدمة ولکن یظهر من بعض الأفاضل تسلیم کون ترک الضّد مقدمة وکون المقدمة واجبة ومع ذلک یقول بعدم حرمة فعل الضّد بل یجوز تعلق الأمر به وبه یصحح الضّد إذا کان من جملة العبادات الموسعة فله فی ذلک مسلک آخر غیر مسلک القوم لأنّهم فی تصحیح الضّد الموسّع یمنعون مقدمیّة التّرک أو وجوب المقدمة أو یجوزون اجتماع الأمر والنّهی وهو من المانعین وبیان کلامه بحیث یظهر مرامه هو أنّ الواجب من المقدمة هو خصوص الموصل منها إلی ذی المقدمة ولا یجب غیر الموصل منها فالوضوء إذا لم یتعقبه الصّلاة لم یتصف بالوجوب وحینئذ فترک الضّد إذا کان مقارنا لفعل المأمور به اتصف بالوجوب لأنّه حینئذ یتصف بوصف الإیصال فالواجب هو التّرک الموصل إلی المأمور به ومن الظّاهر أنّه إذا وجب أحد النّقیضین اتصف الآخر بالحرمة ونقیض التّرک الموصل ترک التّرک الموصل لأنّ نقیض کل شیء رفعه وهو لیس عین الفعل لعدم العینیّة بین الوجود والعدم ولا لازما له لجواز تحقیق ترک التّرک الموصل بغیر فعل الضّد وهو أن لا یشتغل بشیء من الأفعال نعم لو کان مطلق التّرک واجبا کان نقیضه وهو الفعل حراما ولیس کذلک وإذا لم یکن الفعل حراما جاز تعلق الأمر به غایة الأمر لزوم الأمر بالضدین وهو جائز مرتبا وتنقیح المطلب یقتضی بیان أمور الأوّل فی بیان أنّ الواجب من المقدمة هو خصوص الموصلة أو لا والثّانی أنّ وجوب التّرک المقارن هل یستلزم حرمة الفعل أو لا والثّالث أنّ الأمر بضدین یمکن أن یتصور بنحو التّرتیب أو لا (أمّا الأمر الأوّل) فنقول قد قرره بعض الأفاضل بأنّ حکم الشّرع تابع للمصالح والمفاسد ولا مصلحة فی المقدمة إلاّ ترتب ذی المقدمة علیها فإذا لم یترتب لم یکن للأمر داع إلی إیجابها فالواجب هو خصوص المقدمة الموصلة نظیر أجزاء الواجب فإنّ الفاتحة مثلا إذا لم تنضم إلیها سائر أجزاء الصّلاة لم تقع بوصف الوجوب واعترض علیه بأنّ وجوب خصوص الموصلة من المقدمات یتصور بوجوه ثلاثة أحدها أن یکون التّوصل شرطا لوجوب المقدمة ولا ریب فی بطلانه لأنّ وجوب المقدمة متلازم مع وجوب ذی المقدمة وهو حاصل قبل فعله فیجب اتصاف المقدمة بالوجوب قبل فعل ذی المقدمة فلا معنی لکونه شرطا لوجوبها والثّانی أنّ التّوصل شرط لحصول وصف المقدمیّة فمتی لم یحصل التّوصل لم یکن مقدمة حتی یتصف بالوجوب وهذا أفسد من السّابق لأنّه دور ظاهر فإنّ المقدمة هی ما یتوقف علیه الشّیء فحصول الشّیء موقوف علی المقدمة وحصول المقدمیّة متوقف علی حصول ذلک الشّیء فإن قیل حصول الشّیء متوقف

ص: 266

علی ذات المقدمة لا علی وصفها قلت فیکون الذّات مقدمة من دون ملاحظة الوصف لما عرفت أنّ المقدمة هی ما یتوقف علیه الشّیء والثّالث أنّ المقدمة لها فردان موصل وغیر موصل والمتصف بالوجوب هو الفرد الأوّل فترتب ذی المقدمة کاشف عن أنّ المقدمة الواقعة هی الفرد الواجب وعدم ترتبه کاشف عن وقوع الفرد الغیر الواجب واعترض علیه أوّلا بأنّ المقید إذا وجب تحصیل المطلق من باب المقدمة فإذا وجب المقدمة الموصلة فقد وجب ذات المقدمة وثانیا أنّ الموصلیّة أمر اعتباری لا یتعلق بها الأمر إلاّ باعتبار منشإ انتزاعها وهو شیئان ذات المقدمة وذی المقدمة ولا یمکن تعلق الأمر الغیری بهما لأنّه مستلزم لاجتماع الوجوبین فی ذی المقدمة أعنی الوجوب النّفسی والغیری فیکون متعلقا بذات المقدمة وثالثا أنّه قد اعترض علی من صحح الضّد الموسّع بأنّ الواجب هو التّوصل بالتّرک إلی فعل المأمور به لا نفس التّرک بأنّ التّوصل أمر اعتباری لا یتعلق التّکلیف إلاّ بمنشإ انتزاعه کما بینا وبأنّه إذا وجب المقیّد وجب القید فنقول ما الفرق بین وجوب التّوصل بالتّرک ووجوب المقدمة الموصلة ثم إنّ تنظیره بأجزاء الواجب فاسد لأنّ الواجب المرکب إن لم یعتبر الموالاة بین أجزائه صح الجزء المأتی به وإن لم ینضم إلیه الباقی کالغسل التّرتیبی وإن اعتبر فیه الموالاة فوجوب إعادة الجزء المأتی به ثانیا إنّما هو لفوات الموالاة الواجب المراعاة لا لعدم صحة ذلک الجزء إذا وقع غیر منضم إلی سائر الأجزاء فإنّه قد وقع صحیحا لأنّ معنی صحة الجزء أنّه قد وقع بحیث لو انضم إلیه سائر الأجزاء علی الوجه المعتبر حصل الامتثال بالأمر المتعلق بالعمل وقد حصل ذلک وعدم ضم سائر الأجزاء لا یخرج الجزء الواقع عن الصّحة بهذا المعنی ولهذا منعوا من إجراء استصحاب الصّحة فی الصّلاة قبل تمامها لأنّ صحة الأجزاء الواقعة مقطوعة البقاء والشّک إنّما هو فی إمکان ضم باقی الأجزاء وأمّا صحة مجموع العمل فإنّما هی بعد تمامها علی الوجه المعتبر فلا یمکن استصحابها فی الأثناء وأمّا ما ذکره من أنّ الدّاعی إلی الأمر بالمقدمة هو التّوصل فممنوع لجواز کون الدّاعی هو الاستلزام العدمی فإنّ عدم المقدمة مستلزم لعدم ذی المقدمة ولمّا کان ترک ذی المقدمة مبغوضا وجب فی الحکمة مبغوضیّة کل ما یستلزم ذلک المبغوض وصحة ترک المقدمة ومبغوضیّة التّرک هو عین وجوب الفعل فوجب المقدمة وإن لم یتصف بوصف الإیصال هذا تمام الکلام فی النّقض والإبرام ویمکن أن یقال بالتّفصیل بین المقدمات المتقدمة علی ذی المقدمة زمانا کالمشی للحج وبین المقارنة له زمانا وإن تقدمت طبعا کترک الأضداد للفعل المأمور به ویحکم بوجوب خصوص الموصلة فی الثّانی والمطلق فی الأوّل بأن یقال إنّ القاضی بوجوب المقدمة هو العقل والمدرک لوجوبها عنده هو إمّا فعلیّة التّوصل بها إلی ذی المقدمة أو إمکان التّوصل ولیس المراد بالإمکان الإمکان الذّاتی وهو عدم المنافاة الذّاتی بین المقدمة وبین التّوصل بل المراد الإمکان الوقوعی وهو کون المقدمة بحیث یتمکن المکلف بعدها من الإتیان بذی المقدمة فلو لم یکن التّوصل فعلا ولا قوة لم یحکم العقل بوجوب المقدمة کما لو ترک الحج إلی شهر ذی الحجة فإنّه لا یکلف بالمشی لعدم إمکان التّوصل بهذا المعنی

ص: 267

وإن أمکن ذاتا بالمعنی السّابق وحینئذ فنقول إنّ المقدمات المقارنة فی ظرف ثبوتها إن تحقق معها ذو المقدمة فقد تحقق فعلیّة التّوصل الّتی هی المناط فی الوجوب وإن لم یتحقق فلیس هناک إمکان التّوصل بالمعنی المقصود حتی یجب المقدمة بخلاف المقدمات الغیر المقارنة لأنّها فی ظرف ثبوتها متصفة بإمکان التّوصل فإن قیل سلمنا عدم تحقق إمکان التّوصل فی ظرف ثبوتها لکن قبل مجیء ظرف الثّبوت یتصف بأنّه یمکن التّوصل بها بمعنی أن یتحقق معها الواجب فی ظرف ثبوتها وهذا القدر من الإمکان کاف فی وجوبها کما أنّه کاف فی وجوب کل واجب ولو لا کفایته لم یتصف شیء بالوجوب فإنّ وجوب الصّلاة فی ظرف ثبوتها لیس ممکنا بل واجب والإمکان شرط التّکلیف وبالجملة الإمکان قبل ظرف الثّبوت کاف فی الوجوب وهو متحقق فی المقارنات أیضا والموصلیّة أمر اعتباری لا یوجب تکثر الموضوع فی الخارج بل الموجود فی الخارج هو ترک الضّد وفعل الأداء مثلا مکانهما قبل وجودهما یصحح اتصافهما بالوجوب فوجبا فإذا ترک الضّد من دون إتیان الأداء فقد تحقق أحد الواجبین وحصل الامتثال به وإن تحقق العصیان بالنّسبة إلی الواجب الآخر قلت سلمنا أنّ الموصلیّة أمر اعتباری لا یوجب تکثر الموضوع فی الخارج لکن یمکن اعتبار وصف التّقارن فی التّرک بحیث لا یکون مطلوبا بدونه فالتقیید داخل والقید خارج کما فی الشّروط الشّرعیّة علی القول بعدم وجوبها مع عدم صحة الواجب بدونها لا یقال إذا وجب المقدمة بقید التّقارن فقد وجب ذات المقدمة لأنّه إذا وجب المقید وجب المطلق مقدمة وأیضا یلزم أن یکون ذو المقدمة واجبا غیریّا لأنّه مقدمة لحصول وصف التّقارن الواجب لأنّا نقول إنّ المطلق إن کان فی ضمن المقید أعنی حین التّقارن نسلم وجوبه وإلاّ فلا لأنّه حینئذ وإن کان مقدمة لحصول المقید إلاّ أنّه لیس واجبا لعدم تحقق وصف الإیصال حینئذ ولزوم وجوب ذی المقدمة بالوجوب الغیری ممنوع فإنّ ما یجب مقیدا بالتّقارن مع شیء آخر قسمان أحدهما أن یکون واجبا نفسیّا فحینئذ یتصف ذلک الشّیء المحصل لوصف التّقارن بالوجوب الغیری کالصّلاة فإنّها واجبة یقید المقارنة للطهارة فیجب الوضوء مقدمة والثّانی أن یکون واجبا لأجل ذلک الشّیء المحصل للتّقارن کالطّهارة فإنّها واجبة بقید التّقارن مع الصّلاة ولأجل الصّلاة وفی مثل هذا یکفی وجوب الصّلاة بالوجوب النّفسی فی وجوبها وفی وجوب الطّهارة بالوجوب الغیری ولا یلزم اتصاف الصّلاة بالوجوب الغیری هذا تمام الکلام علی وجه المماشاة والمداهنة مع القوم وإلاّ فالحق الحقیق بالتّصدیق هو خصوص وجوب المقدمة الموصلة مطلقا دون غیرها وبیانه أنّ ما یجب للتّوصل إلی شیء آخر قسمان الأوّل أن یکون ما یترتب علیه من قبیل الخاصیة المترتبة علی وجوده من دون احتیاجه إلی إیجاد مستقل کإنقاذ الغریق المترتب علیه سلامة نفس الغریق الثّانی أن یکون مقدمة لفعل مباشری یحتاج إلی إیجاد مستقل بعد تحقق ذلک مثل مقدمات الواجب ولا إشکال فی أنّ الواجب فی القسم

ص: 268

الأوّل خصوص الموصل إلی الخاصیة ومقتضی التّحقیق کون القسم الثّانی أیضا کذلک والذّی یوهم الفرق بأنّ الواجب فی الثّانی أعمّ من الموصل وغیره لا خصوص الموصل هو أنّ الواجب بالنّسبة إلی مقدّماته لیس کالخاصیة المقصودة بالنّسبة إلی القسم الأوّل فإنّ الخاصیة لیس لها إیجاد سوی إیجاد محصلها فلا معنی لتعلق الوجوب بغیر إیجاد محصلها وأمّا الواجب فهو أمر مستقل لا یکفی فی وجوده إیجاد المقدمات بل له إیجاد مستقل تعلق به الوجوب النّفسی غایة الأمر أنّه لما توقف وجوده علی المقدمات تعلق الأمر المقدمی بها أیضا فهنا واجبان مستقلان نفس الواجب ومقدّماته بخلاف القسم الأوّل فإنّ الواجب شیء واحد هو المحصل للخاصیة وفیه أنّ کل معلول یقاس إلی علته فهو مما یمتنع تخلفه عنها سواء کان فعلا اختیاریّا مباشریّا أو غیره غایة الأمر أنّه إذا کان فعلا اختیاریّا کان الجزء الأخیر من علته إرادة الفاعل وهذا لا یقتضی عدم ترتبه علی العلة بعد تمامها فظهر أنّ کل معلول مترتب علی تمام العلة ضرورة ولا ینافی ذلک کونه اختیاریّا إذ یکفی فی کونه اختیاریّا وقوعه بإرادة المکلف وکون الإرادة من أجزاء علته نعم هنا یترتب علی العلة الإیجاد المباشری وفی الأمور التّولیدیّة کسلامة النّفس فی المثال السّابق یترتب علی العلة نفس وجود المعلول بمباشرة العلة وإذا کان الأمر کذلک نقول إن تعلق الأحکام الشّرعیّة بالشیء یتبع الآثار العقلیّة الحسنة والقبیحة والمقدمة من حیث هی مقدمة لیس لها أثر إلاّ ترتب ذی المقدمة علیها فالوجوب المقدمی لا بد أن یلحق ما فیه ذلک الأثر وهو مجموع المقدمات أو کل واحد مع وصف انضمام الباقی وإلاّ فالمقدمة الواحدة إذا لم ینضم إلیها غیرها لا أثر لها من حیث إنّها مقدمة فلا مقتضی للحکم الشّرعی فیها ویشهد بذلک أنّ عنوان المقدمة لم یرد مورد الأمر والنّهی فی خطاب من الخطابات الشّرعیّة ولا هی ملحوظة فی نظر العرف وإنّما العنوان الملحوظ هی الوسیلة والذّریعة والسّبب ونحو ذلک مما یرادفه والمعتبر فی صدق هذه العناوین التّوصل الفعلی فإنّ الوسیلة والوصلة علی ما ذکره أهل اللّغة هو ما یکون بین الشّیء وبین ما یتصل به بعد اتصاله به وهذا لا یکون إلاّ مع التّوصل الفعلی وعلی ما ذکرنا فالموصلیّة فی المقدمة إنّما هی باعتبار اجتماع جمیع ما له دخل فی وجود الشّیء ولیست وصفا مأخوذا فی المقدمة بملاحظة اقتران الواجب بها حتی یرجع إلی معنی مقارنة المقدمة للواجب حتی یرد الإشکال السّابق بل الوصف المزبور معناه اجتماع المقدمات وإذا حصل ذلک ترتب الواجب قهرا کما لا یخفی علی المتدبّر (وأمّا الأمر الثّانی) فقال الفاضل المتقدم فی بیانه ما حاصله أنّ المقدمة لفعل الأداء هو ترک الصّلاة المقارن مع الأداء فالحرام نقیضه وهو ترک التّرک المقارن للأداء وهو لیس غیر الفعل ولا ملازما له فلا یکون فعل الصّلاة حراما وحینئذ فیمکن اتصافها بالوجوب ومعنی وجوبها حرمة ترکها الغیر المقارن للأداء وهذا من جملة ثمرات وجوب خصوص الموصلة من المقدمات قال ولها نظائر کثیرة منها الواجب التّخییری فإنّ ترک کل واحد مقدمة لفعل الآخر ولا یستلزم ذلک حرمة الفعل فإنّ المقدمة هی التّرک الموصل إلی الآخر وهو واجب والفعل أیضا واجب

ص: 269

بمعنی حرمة ترکه الغیر الموصل الآخر فلکل واحد یفرض ترکان أحدهما واجب وهو التّرک الموصل إلی الآخر وهو مقتضی الأمر المتعلق بالآخر والثّانی حرام وهو التّرک الغیر الموصل وحرمته مقتضی الأمر المتعلق بذلک الشّیء إذ لا یلزم فی الواجب حرمة جمیع ما یفرض من تروکه بل یکفی حرمة ترکه فی الجملة ومنها العبادات المکروهة لها ترکان أحدهما مطلوب وهو الموصل إلی الأفضل والآخر مبغوض وهو الغیر الموصل ویکفی فی رجحانها مبغوضیّة التّرک باعتبار الثّانی ومن ثمرات المسألة أنّ من نذر أن یترک السّفر قربة إلی الله بأن یکون التّقرب قیدا للتّرک وجب علیه التّرک متقربا ویحرم علیه ترک هذا التّرک الخاص وهو لیس عین فعل السّفر ولا ملازما له لإمکان ترک التّرک متقربا من دون فعل السّفر بأن یترک السّفر لا للقربة وحینئذ فلا یحرم علیه فعل السّفر ومنها عدم حرمة الأکل فی رمضان بالنّظر إلی الأمر بالصّوم لأنّ الصّوم الإمساک متقربا فیکون ترکه حراما وهو أعمّ من فعل الأکل لإمکان تحققه بالإمساک لا تقربا لکن هو حرام بالنّظر إلی الأمر بمطلق الإمساک هذا غایة البیان لمرام الفاضل المذکور وفیه نظر أمّا أوّلا فلأنّه صرح بأنّ الأمر بالشیء عین النّهی عن الضّد العام بمعنی التّرک لأنّ النّهی هو طلب التّرک فإذا تعلق بالتّرک صار طلب ترک التّرک وترک التّرک عین الفعل مصداقا وإن تغایرا مفهوما فنقول إذا کان الفعل متحدا مع ترک التّرک مصداقا اتحد مع ترک التّرک الموصل أیضا لأنّ ترک التّرک من جملة مصادیق ترک التّرک الموصل لأنّ ترک التّرک الخاص له فردان ترک التّرک وترک الخصوصیّة ولا ریب أنّ مصداق مصداق الشّیء مصداق لذلک الشّیء وأمّا ثانیا فلأنّه سلم أنّه لو کان مطلق ترک الضّد واجبا لزم حرمة الفعل فنقول إنّه إن کان لأجل أنّ نقیضه هو الفعل فلنا منعه بل نقیض ترک الضّد هو ترک ترک الضّد علی ما ذکره وإن کان لأجل اتحاد الفعل مع ترک التّرک مصداقا فلنا منعه أیضا لأنّ الفعل وجودی فلا یتحد مع العدم علی ما ذکره وإن کان لأجل أنّ الفعل لازم لترک التّرک ولازم الحرام حرام فنقول هنا إنّ لازم ترک التّرک الموصل هو کلی له فردان أعنی أحد الأمرین من الفعل والتّرک الغیر الموصل فیکون هذا الکلی حراما من باب الملازمة وإذا حرم الکلی حرمت أفراده وبالجملة ما ذکره لا یتم حجة علی عدم حرمة الفعل بل الأولی له أن یقول إنّ ترک الضّد المجامع للصارف لیس موصلا فلیس واجبا حتی یکون فعله حراما والتّحقیق أن یقال فی بیانه إنّ علة الواجب إذا کانت مرکبة من أمور متعددة وجب الجمیع وحرم ترک الجمیع وترک الجمیع إن وقع دفعة واحدة کان الجمیع حراما وإن ترک الجمیع علی التّعاقب کان الحرام التّرک الأسبق لاستناد ترک الواجب إلیه ولم یحرم باقی التّروک المتأخّرة وعلی هذا فنقول علة وجود المضیّق مرکبة من أمور منها الإرادة ومنها ترک الموسّع وغیر ذلک فیجب الجمیع ویحرم ترک الجمیع ولکن ترک الجمیع هنا لیس دفعة بل أسبق الأجزاء انتفاء هو الإرادة فیکون ترکها وهو الصّارف حراما فقط دون ترک ترک الموسّع

ص: 270

أعنی فعله ولو لا ملاحظة سبق الصّارف لم یتم ما ذکر من أنّ ترک الضّد المجامع للصّارف لیس موصلا فلا یکون واجبا حتی یکون فعله حراما فإنّ هذا الکلام یوجب عدم حرمة ترک شیء من المقدمات لأنّ فعل کل مقدمة مع ترک أخری لیس موصلا فلیست واجبة فلا یحرم ترکها ولیس کذلک وبالجملة فالحق فی الأمر الثانی هو أنّ وجوب التّرک الموصل لا یستلزم حرمة الفعل علی ما بینا لکنّه لا یوجب صحة تعلق الأمر به حتی یکون صحیحا لأنّه مستلزم للأمر بضدین فی آن واحد وسنبیّنه إن شاء الله (وأمّا الأمر الثّالث) فنقول إن تعلق الأمر بالموسّع وصحته موجب لورود إشکالین أحدهما لزوم الأمر بضدین والثّانی أنّ ترک المضیّق مقدمة لفعل الموسّع وهو حرام وقد ذکروا أنّ الواجب إذا توقف علی الحرام خرج عن الوجوب أو لم یبق الحرام علی حرمته وحرمة ترک المضیّق غیر قابلة للزّوال فلا بد من أن یخرج الموسّع عن الوجوب والتّفصی عن الإشکال یحتاج إلی بسط فی المقال فنقول تصویر الأمر بالموسّع والمضیّق یمکن بوجوه ثلاثة الأوّل الأمر بهما فی مرتبة واحدة وفی عرض واحد وهذا مما یرد علیه الإشکالان والثّانی ما ذهب إلیه بعض المحققین من أنّ مطلوبیّة الموسّع مشروطة بترک المضیّق فمخالفة المضیّق شرط فی وجوب الموسّع فلیسا فی مرتبة واحدة ولا یلزم توقف الواجب علی الحرام لأنّ الحرام حینئذ شرط للوجوب وشرط الوجوب لیس واجبا حتی لا یمکن کونه أمرا محرما لکن یرد علیه أنّ الشّرط یجب أن یکون متقدما علی المشروط بضرورة العقل وترک المضیّق مقارن مع فعل الواجب الموسّع فلا یمکن کونه شرطا فی وجوب الموسّع لأنّ وجوب الواجب سابق علی فعله فیلزم تقدم المشروط علی الشّرط والثّالث أن یکون وجوب الموسّع معلقا علی مخالفة المضیّق بأن یکون مشروطا بالوصف المنتزع وهو کون الشّخص ممن یخالف المضیّق وهو حاصل قبل فعل الموسّع فلا یلزم تقدم المشروط علی الشّرط والحاصل أنّ الأمر المضیّق إنّما تعلق بذات الشّخص والأمر الموسّع إنّما تعلق به بشرط کونه ممن یتصف بترک المضیّق وهذا هو الحق فی المقام وعلیه فلا إشکال فإن قلت غایة ما یستفاد من هذا أنّ الأمر الموسّع إنّما هو علی تقدیر معصیة المضیّق وهو غیر مفید لأنّ الأمر المضیّق أیضا موجود حینئذ أیضا لإطلاقه ولظهور عدم سقوط الأمر بعصیانه فاجتمعا حینئذ قلت تعلق الأمر بالموسّع مشروط بمعصیة المضیّق أعنی بالوصف المنتزع منها فالمکلّف هو من تلبس بوصف المخالفة وأمّا التّکلیف بالمضیّق فلا یمکن تعلقه بالشّخص بشرط المعصیة لأنّ التّکلیف بشرط المعصیة تکلیف بالمحال کما أنّه لا یمکن التّکلیف بشرط الطاعة لأنّه تکلیف بتحصیل الحاصل بل التّکلیف به إنّما یتعلق بذات الفعل فنفس تقدیر الطاعة مطلوب وتقدیر المعصیة مبغوض لا أنّ الفعل مطلوب علی تقدیر المعصیة والطاعة وبالجملة فالأمر إنّما یطلب نفس الفعل ولکن قد لا یطیعه المکلف بل یعصیه ویخالفه فهو یقول أیّها المتلبّس بالمخالفة یحرم علیک هذا التّلبس لکن إذا عصیتنی وتلبست بالمعصیة فمع هذا التّلبس أوجد الصّلاة فیکون اشتراط

ص: 271

وجوب الصّلاة بمعصیته الأداء نظیر اشتراط وجوبها بالقدرة والحیاة حال الفعل من الأمور الغیر الاختیاریّة فإنّ المحرم الشّرعی لا یزید علی الأمور الغیر الاختیاریّة فکما أنّ الأمر هناک یطلب الصّلاة ممن اتصف بأنّه یقدر علی إتیان الصّلاة حیّا ولا یوجب ذلک الأمر بتحصیل القدرة والحیاة حتی یقال باستحالة ذلک لعدم کونهما اختیاریین فکذا هنا یطلب الصّلاة ممن اتصف بأنّه یخالف أمر الأداء ولا یلزم من ذلک طلب المخالفة حتی یقال إنّه مستلزم لطلب الحرام ثم إنّ بعض المحققین بعد قوله بوجوب مطلق المقدمة أجاب عن الإشکال هنا بالأمر التّرتیبی وإنّ وجوب الصّلاة مشروط بترک الأداء وهو فاسد أوّلا بما عرفت من أنّ الوجوب المشروط هنا مستلزم لتقدم المشروط علی الشّرط وثانیا أنّه تناقض بین لأنّ وجوب مطلق المقدمة یستلزم حرمة فعل الضّد مطلقا لوجوب ترکه مطلقا حینئذ سواء کان موصلا إلی الأداء أو لا وسواء کان مع الصّارف أو لا وحینئذ فکیف یمکن القول بوجوب فعله بشرط تحقق الصّارف لمطلوبیّة ترکه حینئذ أیضا مع أنّ کلامه فی بیان الأمر التّرتیبی مشعر بوجوب خصوص المقدمة الموصلة حیث قال ما حاصله أنّ دلیل وجوب الصّلاة مطلق وما یخصص منه بحکم العقل هو ما إذا توصل ترکها إلی الواجب المضیّق وأمّا مع وجود الصّارف عن المضیّق فلا یتوصل بترکها إلیه فلا مقتضی لوجوب التّرک وحرمة الفعل بل الإطلاق سلیم عن المعارض هذا وبالجملة فتصحیح الواجب الموسّع بالأمر التّرتیبی متلازم مع القول بوجوب خصوص المقدمة الموصلة وإنّ ترک المضیّق مستند إلی الصّارف فلا یجب ترک الموسّع وقد یورد علیه اعتراض وهو أنّ هذا إنّما یتم إذا کان الصّارف عن المضیّق عدم إرادته وأمّا إن کان الصّارف عنه إرادة الموسّع فلا یتم ذلک لأنّ إرادة الموسّع حینئذ حرام لکونها صارفة عن الواجب المضیّق فإن کان وجوب الموسّع مطلقا بالنّسبة إلی إرادته صارت الإرادة واجبة من باب المقدمة فیلزم اجتماع الوجوب والحرمة فی الإرادة وإن کان مشروطا بالنسبة إلیها لزم إیجاب الشّیء بشرط وجود سببه وهو محال لأنّه أمر بتحصیل الحاصل وأجاب عنه بعض الأفاضل بأنّ وجوب الموسّع مشروط بنفس ترک المضیّق أو بالوصف المنتزع ولا یلاحظ علة التّرک حیث إنّها لیست منحصرة إلی خصوص إرادة الموسّع فلا یجب ملاحظتها ولو لزم ملاحظة العلة لزم فساد ما ذکروه فیما إذا نذر الشّخص ترک رکنین من الصّلاة بشرط بقاء الطهارة إلی العصر أنّ نذره صحیح مع أنّه قد یکون السّبب لإبقاء الطهارة إرادة الصّلاة المنذورة فیلزم المحذور لأنّ وجوب الصّلاة مشروط ببقاء الطهارة وبقاؤها مستند حینئذ إلی إرادة الصّلاة فیکون وجوب الصّلاة مشروطا بإرادتها وهو عین إیجاب الشّیء بشرط وجود سببه ودفعه أنا لا نلاحظ علة بقاء الطهارة ولیست منحصرا فی إرادة الصّلاة لجواز استناده إلی شیء آخر هذا وفی أصل الاعتراض مع الجواب المذکور نظر أمّا الأوّل فلامتناع فرض استناد ترک المضیّق إلی إرادة الموسّع بل هو مستند إلی عدم إرادته أبدا وذلک لأنّه کما أنّ ترک أحد الضّدین مقدمة للآخر عندهم فکذا

ص: 272

ترک إرادة أحد الضّدین مقدمة لإرادة الأخری لأنّ إرادتی الضّدین متضادتان أیضا وحینئذ فعدم إرادة المضیّق سابق علی إرادة الموسّع وبعبارة أخری إذا لوحظ أمران متضادان فإن کان الشّخص مائلا إلی أحدهما دون الآخر کفی فی انتفاء الآخر عدم تعلق المیل به ولم یکن ترکه مستندا إلی میل ضده وإن کان مائلا إلیهما معا فلا یوجد شیء منهما إلاّ بعد غلبة المیل إلی أحدهما فإذا غلب المیل فی أحدهما بحیث تعقبه الفعل فهذا هو المعبّر عنه بالإرادة ولا ریب أنّها إنّما وجدت حین عدم تعلق الإرادة بالآخر وکیف کان فعدم إرادة المضیّق سابق علی إرادة الموسّع ولا أقل من التّقارن فیکون ترک المضیّق مستندا إلیه دائما فلا وقع للاعتراض المذکور وأمّا الثّانی فلأنّ غمض العین عن علة التّرک مما لا معنی له وعدم انحصار الصّارف فی إرادة الضّد لا یرفع الاعتراض فی خصوص المورد الّذی استند إلیه وما ذکره من الفرع المذکور لا ربط له بالمقام لأنّ غایة ما یلزم فیه اشتراط وجوب الصّلاة بإرادتها ولا ریب أنّ هذه الإرادة غیر الإرادة الّتی نتکلم علیها لأنّها المیل السّابق علی الفعل والکلام إنّما هو فی الإرادة الّتی لا تنفک عنها الفعل والأوّل لیس علة ولا سببا حتی یلزم اشتراط وجوب الشّیء بوجود السّبب فافهم فانقدح مما ذکرنا أنّ الضّد إذا کان واجبا موسعا صح الإتیان به ولم یتعلق به نهی مفسد بناء علی جعل التّرک مقدمة وحینئذ فإذا کان علیه دین وشرع فی الصّلاة صحت وهل یجوز إبطالها أو لا التّحقیق أنّه إن أبطلها واشتغل بالمضیّق کشف ذلک عن عدم وجوبها من أوّل الأمر لاشتراطه بکون الشّخص ممن یتلبّس بمعصیة الأداء مقدار الصّلاة فیکون هذا بطلانا لا إبطالا وإن أبطلها من غیر اشتغال به کان حراما هذا بناء علی تصحیحها بما قلنا من وجوب خصوص المقدمة الموصلة وأمّا من صححها بعد تسلیم مقدمیّة التّرک ووجوب المقدمة وحرمة فعل الضّد بجواز اجتماع الأمر والنّهی لتعدد الجهة فیلزمه القول بحرمة الإبطال فیتعارض مع حرمة تأخیر المضیّق فلا بد له من ملاحظة التّرجیح فی تقدیم أحدهما علی الآخر لکن التّحقیق عدم جواز اجتماع الأمر والنّهی کما ستعرفه إن شاء الله فجملة القول فی المقام الأوّل أنّ الأمر بالشّیء لا یقتضی النّهی عن الضّد الخاص بأن یصیر حراما وإنّما یقتضی مطلوبیّة ترکه الموصل من باب المقدمة إن سلم مقدمیّة التّرک ولا یلزم فساده إن کان عبادة بما بینا وأمّا المقام الثّانی أعنی البناء علی جعل محل الکلام فی الوجوب النّفسی لترک الضّد من جهة عدم جواز اختلاف المتلازمین فنقول قد بینا فی المقدمات جواز اختلاف المتلازمین فی مثل المقام إذا لم یلزم منه تکلیف بما لا یطاق فغایة ما یلزم من وجوب الشّیء عدم وجوب ضده لا حرمته کما هو معنی النّهی ولذا ذکر الشّیخ البهائی أنّه لو أبدل عمل النّهی عن الضّد بعدم الأمر به فیفسد لکان أولی وهو تمام إن أراد الأمر بالضّد فی عرض الأمر الأوّل فإنّه مستلزم للأمر بالضّدین وهل یمکن تصویر الأمر التّرتیبی حینئذ أو لا فیه إشکال لأنّ ترک الضّد حینئذ لا یمکن أخذه فی موضوع التّکلیف وهو المکلّف لوجوب تقدم موضوع التّکلیف علی الحکم ولو طبعا وهو ثابت إذا کان التّرک

ص: 273

مقدمة وأمّا إذا کان من المقارنات لفعل الضّد فلا تقدم له طبعا حتی یؤخذ فی موضوع التّکلیف لکن یمکن أن یقال إنّ التّلبس بالصّارف عن المأمور به مأخوذ فی المکلّف فکأنّه قال أیّها المتلبّس بالصّارف عن الأداء صل بشرط التّلبّس ولیس حینئذ تکلیف بالأداء لأنّ مع شرط وجود الصّارف یکون التّکلیف بالأداء تکلیفا بما لا یطاق نعم نفس التّلبّس حرام فیکون نظیر الشّروط الغیر الاختیاریّة کما مر وبالجملة فالصّارف عن الأداء متقدم علی الصّلاة فیمکن أخذه فی موضوع التّکلیف فتأمل وعلی هذا فیجوز تعلق الأمر بالضّد وصحته ولا یدل الأمر بالشّیء علی فساده ولا علی النّهی عنه ولا علی عدم الأمر به سواء قلنا بمقدمیّة التّرک ووجوب المقدمة أو لا هذا تمام الکلام علی عنوان الأصولیّین من جعل النّزاع فی خصوص الأمر الوجوبی والمقام الثّانی فی طریقة المتکلمین وهی أنّ إرادة الشّیء هل تستلزم کراهة ضده أو لا فنقول إنّ هذا العنوان یمکن استفادته من کلمات الأصولیّین أیضا لما مر أنهم ذکروا أن الأمر الاستحبابی هل یقتضی النّهی التّنزیهی عن الضّد أو لا ولا ریب أن فصل الاستحباب وهو الإذن فی التّرک لا یقتضی النّهی عن الضّد قطعا فمحل الکلام استفادة ذلک من الجنس وهو الطلب فیرجع إلی عنوان المتکلمین والحق فیه عدم الاقتضاء مطلقا أمّا فی الضّد العام فلأنّ مطلوبیّة الفعل أعمّ من مکروهیّة التّرک لأنّ المراد من المکروه هو ما یکون مبغوضا للشّخص بحیث یتنفر عنه وینضحر من وجوده ولا یثبت هذا المعنی للتّرک بمحض مطلوبیّة الفعل نعم لو کان فی التّرک منقصة وحزازة فی نفسه کان مکروها لوجود تلک المنقصة لا لاقتضاء الطلب نعم یلزم من مطلوبیّة الفعل عدم مطلوبیّة التّرک بل مرجوحیّته بالنّسبة إلی الفعل لا مبغوضیته وانضجار الطلب من تحققه ولذا اتفقوا علی أنّ ترک المستحب لیس بمکروه کما سبق نقله عن السّیّد وأمّا فی الضّد الخاص فلأن غایة الأمر کون ترکه مقدمة للمطلوب وقد بینا أنّ نفس ترک المطلوب لیس بمکروه فکیف ترک مقدماته فلا یکون ترک ترک الضّد وهو فعله مکروها

تذییل فیه تنبیهان

الأوّل

هل النّهی عن الشّیء تحریما یقتضی الأمر بضده وجوبا أو لا والتّحقیق فی الضّد العام الاقتضاء بالعینیّة لأنّ النّهی معناه طلب التّرک حتما ومعناه وجوب التّرک وأمّا الضّد الخاص فالقول بالاقتضاء فیه هو المنقول عن الکعبی فی منع المباح لأنّه ضد الحرام فیکون واجبا لأنّه سبب لترک الحرام وهو واجب وعلة الواجب واجبة أو لأنّه ملازم مع ترک الحرام ولا یجوز اختلاف المتلازمین وقد عرفت الجواب ومجمله أنّ سبب ترک الحرام هو الصّارف فإنّه مقدم علی فعل المباح وعدم جواز اختلاف المتلازمین ممنوع

الثّانی

کراهة الشّیء هل تستلزم إرادة ضده أو لا التّحقیق فی الضّد العام أیضا هو الاقتضاء عینا إذ لیس کراهة الشّیء إلاّ مطلوبیّة ترکه وأمّا الضّد الخاص فلا اقتضاء کما عرفت بل یرجع إلی إرادة الصّارف فافهم

أصل هل القضاء تابع للأداء أو بأمر جدید

وبعبارة أخری إذا

ص: 274

ورد أمر بفعل فی وقت خاص فهل یقتضی ذلک الأمر وجوبه بعد ذلک الوقت أو لا فالنزاع إنّما هو فی المسألة اللّغویّة أعنی فی دلالة الأمر والمدرک فیها هو أنّ المتبادر من الأمر إیجاب خصوص الأمر المقید أو لا بل إیجاب شیئین متغایرین ذات الفعل مطلقا وخصوصیّة الوقت وأنّ ذکر الخصوصیّة إنّما هو من باب ذکر أحد الأفراد والمطلوب هو الفعل المطلق ولا ریب أنّ المتبادر والظاهر من الأمر هو إیجاب الأمر المقیّد فوجوب الفعل خارج الوقت لا یستفاد من الأمر الأوّل بل یحتاج إلی أمر جدید ولا فرق فیما ذکرنا بین القول بأنّ الجنس الفعل متمایزان فی الخارج وعدمه فما یظهر من العضدی من ابتناء المسألة علی ذلک بتقریر أنّهما إذا کانا متمایزین یکون الجنس واجبا فی نفسه مستقلا والفصل واجبا آخر والمفروض أنّ وجود الجنس غیر وجود الفصل فیکون باقیا بعد ذهاب الفصل فبعد ذهاب الوقت یبقی وجوب الفعل بحاله وأمّا إذا لم یکونا متمایزین فلیس المطلوب إلاّ وجودا واحدا وهو وجود الجنس الّذی هو عین وجود الفصل فبعد ذهاب الفصل لا یبقی المطلوب فاسد جدا لأنّه إن أراد أنّ بسبب تمایزهما وعدم تمایزهما یتفاوت ظهور الأمر فعلی التّمایز ظاهر فی تعدد المطلوب وعلی عدمه ظاهر فی وحدته فیتوجه علیه المنع الظاهر وإن أراد أنّ فی صورة التّمایز یمکن تعدد المطلوب وفی صورة عدم التّمایز لا یمکن تعدده ففیه أوّلا أنّ إمکان التّعدد فی صورة التّمایز لا یوجب تعدد المطلوب بعد ظهور الأمر فی اتحاد المطلوب وثانیا أنّ الفرق بین الصّورتین تحکم لأنّه إن کان خصوصیّة الفصل معتبرة فی مطلوبیّة الجنس فلا ریب فی انتفائه بانتفاء الفصل علی کلا الصّورتین أمّا علی صورة عدم التّمایز فظاهر وأمّا علی صورة التّمایز فلأنّه وإن کان وجود الجنس غیر وجود الفصل لکن وجوده مع کل فصل أیضا غیر وجوده مع الفصل الآخر فإذا کان المطلوب وجوده مع الفصل الخاص فبانتفاء الفصل ینتفی مطلوبیّة لانتفاء وجوده الخاص ووجوده مع فصل آخر غیر وجوده السّابق فإنّ الصّلاة الموجودة فی الوقت غیر الموجودة فی خارجه فبانتفاء الوقت ینتفی الوجود الأوّل والوجود الثّانی یحتاج إلی أمر جدید وإن لم یکن خصوصیّة الفصل معتبرة فی مطلوبیّة الجنس فلا ریب فی بقائه بذهاب الفصل علی الصّورتین لأنّ المطلوب هو الجنس لا بشرط ففی صورة التّمایز الأمر ظاهر وفی غیر صورة التّمایز نقول إنّ الجنس وإن کان عین الفصل فی الوجود ولکن وجوده بوجود کل فصل غیر وجوده بوجود فصل آخر فله وجودات متعددة فإذا لم یکن الخصوصیّة معتبرة یکون المطلوب إیجاد الجنس مع أی فصل کان فإذا انتفی فصل لم ینتف مطلوبیّة الجنس وإلی ما ذکرنا ینظر کلام بعض المحققین حیث رد علی العضدی بأنّ فی صورة التّمایز یمکن إرادة الهیئة الاجتماعیّة فلا یبقی المطلوب بانتفاء الوقت وفی صورة عدم التّمایز یحتمل أن یکون المطلوب هو المطلق ویکون ذکر الخاص من باب المثال لکونه من أحد الأفراد فلا ینتفی المطلوب بانتفاء

ص: 275

الخصوصیّة هذا وقد یقرر النّزاع فی المسألة بوجه آخر وهو أنّه إذا وجب فعل مقیدا بوقت خاص وانتفی فعله فی الوقت فهل یجب فعله بعد الوقت بمقتضی الأصول والقواعد الشّرعیّة أو لا فیکون المسألة فقهیّة ویمکن أن یتوهم أنّ إجراء الأصول والقواعد متوقف علی تمایز الجنس والفصل فی الخارج لأنّ الجنس حینئذ قد ثبت له الوجوب قطعا إمّا مرکبا مع الفصل الخاص أو لا بشرط فبعد انتفاء الفصل یمکن استصحاب وجوب الجنس غایة الأمر أنّ وجوبه مردد بین شیئین الوجوب النّفسی والغیری المقدمی الثّابت لأجزاء المرکب والأمر المردد یجوز استصحابه کما یجوز استصحاب الحیوان المردد بین الفیل والبقّ إلی زمان بقاء الفیل وإن لم یحکم بکونه فیلا وکذا قاعدة ما لا یدرک کله لا یترک کله والمیسور لا یسقط بالمعسور لأنّ مجراها المرکبات الخارجیّة والمفروض أنّ الجنس والفصل متمایزان فی الخارج وأمّا علی عدم التّمایز فلا مجری للاستصحاب للقطع بزوال الموضوع وهو الجنس فلا یبقی شیء یستصحب له الوجوب وکذا القواعد ما عرفت من عدم جریانها فی المرکبات العقلیّة وفیه نظر أمّا أوّلا فلما عرفت من أنّ الجنس والفصل وإن کانا متمایزین لکن وجود الجنس مع کل فصل غیر وجوده مع الفصل الآخر فإن أرید استصحاب وجوب الجنس اللابشرط فهو بما لم یتیقّن له وجوب أصلا أو الجنس الخاص فقد زال قطعا کما أنّه لو وجب علیه ذبح الغنم بالنذر فلو فقد الغنم لم یمکن استصحاب وجوب ذبح الحیوان فی ضمن البقر مثلا ولو قطع النّظر عن هذا جری الاستصحاب فی صورة عدم التّمایز أیضا لأنّ ذات الجنس غیر الفصل قطعا وإن اتحدا وجودا فلیستصحب وجوب ذات الجنس وهو یمکن وجوده بفصل آخر فلیکن واجبا نعم لا یجری فی القواعد لظهورها فی المرکبات الخارجیّة کما ذکرنا وأمّا رأینا فلأنّه لو سلمنا ذلک فی الجنس والفصل فلا یجری فی الموقت والوقت لأنّ الوقت لیس من أجزاء الواجب بل هو من قبیل الشّرائط ومجری القاعدة هو ما کان مرکبا من الأجزاء فلا یجری فی الشّرائط واللّوازم ولذا ذکروا أنّه لا یمکن الاستدلال بهذه القاعدة علی وجوب الاستدامة الحکمیّة فی النّیّة بناء علی أنّ النّیّة الواجبة هی الإخطار بالبال ولازمه عدم قصد الخلاف ولا یمکن استدامة نفس الإخطار فیجب استدامة لازمه وهو عدم قصد الخلاف للقاعدة المذکورة ووجه الفساد ما عرفت ولکن مدرک القاعدة المذکورة لا یختص بقوله صلی الله علیه وآله ما لا یدرک کله لا یترک کله وقوله علیه السلام إذا أمرتکم بشیء فأتوا منه ما استطعتم حتی یقال باختصاصها بالکل والجزء نظرا إلی لفظ الکل فی الأوّل وکلمة من فی الثّانی وذلک لأنّ قوله علیه السلام المیسور لا یسقط بالمعسور بظاهره یشمل الشّرط والمشروط واللازم والملزوم أیضا غایة الأمر خروج ما لا ربط فیه بین المیسور والمعسور کالصّلاة والصّوم مثلا لبداهة عدم السّقوط فیه لکن یبقی فیه کل ما فیه ربط ولو بالتّقیید ولا ینحصر الارتباط فی الجزئیّة وعلیه فیشکل ما ذکرنا من عدم جریان القاعدة فی المقام ولکن یمکن أن یقال إنّ الظاهر من عدم السّقوط بقاء المیسور السّابق بعینه عرفا لا ما یشاکله

ص: 276

وصوم یوم الجمعة لیس عین صوم یوم الخمیس عرفا بخلاف الصّلاة بالنّسبة إلی ستر العورة فإنّها مع السّتر عینها مع عدمه عرفا فیمکن جریان القاعدة فیها ثم لا یخفی علیک أنّ الفقهاء ربما یحکمون فی بعض المواضع بما یتوهم استنادهم فیه إلی القاعدة المذکورة کما یحکمون بوجوب الصّلاة عاریا علی من لیس له ساتر وهنا وإن أمکن الاستناد إلیها لکن لیس یلازم بل للحکم مدرک آخر أیضا فإذا تعلق أمر مطلق بشیء وورد الدّلیل علی تقییده بقید خاص فقد یکون ذلک الدّلیل المقید مطلقا بحیث یشمل بإطلاقه جمیع الحالات فحینئذ یوجب تقیید المطلق کذلک وقد لا یکون مطلقا وحینئذ فیجب الاقتصار علی القدر المتیقّن من التّقیید ویرجع فی الموارد المشکوکة إلی إطلاق الأمر الأول کما أنّه ورد الأمر بالصّلاة ودل الدّلیل علی اشتراط السّتر ولکن لا یفهم من دلیل التّقیید إلاّ شرطیّة السّتر حال التّمکن فیرجع فی حال عدم التّمکن إلی إطلاق الأمر بالصّلاة بل ربما یدعی ذلک ولو کان دلیل التّقیید مطلقا نظرا إلی استفادة أنّ الأصل فی الشّرائط أن تکون علمیّة اختیاریّة عمدیّة فتسقط فی غیرها من قوله علیه السلام رفع عن أمتی تسعة ومنها ما لا یعلمون وما لا یطیقون بناء علی أنّ المراد رفع جمیع الآثار إذا عرفت ذلک فنقول لا یمکن إجراء أمثال ذلک أیضا فیما نحن فیه لأنّ مثل قوله صم یوم الخمیس لا إطلاق فیه حتی یرجع إلیه عند الشّک ویوجب الاقتصار من المقید علی القدر المتیقّن بل هو خطاب واحد متعلق بالمقید فعلم أنّه لا یمکن إثبات وجوب القضاء بالأمر الأوّل ولا بالأصول والقواعد الشّریعة وربما یستدل علی أنّ الأصل فی العبادات مشروعیّة القضاء بقوله تعالی وهو الّذی جعل اللّیل والنّهار خلفه لمن أراد أن یذکر أو أراد شکورا بتقریب أن المراد بالخلفة الخلیفة فهذا نظیر قولهم زید بمنزلة عمرو فیفید العموم لما ثبت فی موضعه من عموم المنزلة والمراد من التّذکّر والشّکور الذّکر والشّکر ولا ریب أنّ قضاء العبادة مشتمل علیهما فیدلّ الآیة علی جواز قضاء عبادة النّهار لیلا وبالعکس وفیه أوّلا أنّه لا یجری فی غیر الصّلاة من سائر العبادات کالصّوم والحج ونحوهما مع أنّها لا تدل علی جواز قضاء صلاة الیوم فی الغد إلاّ بتکلیف بأن یقال إنّه إذا کان اللّیل خلفة عن الیوم کان الغد بمنزلة اللّیل فی کونه خلفة عن الیوم أیضا وثانیا أنّه لا ینحصر معنی الآیة فیما ذکر بل قیل فیها وجهان آخران أحدهما أنّ المعنی أنّه جعل کل منهما فی عقب الآخر عبرة لأولی الأبصار الّذین یذکرون الله قیاما وقعودا الشّاکرین لله علی نعمائه فإنّ منها خلق اللّیل والنّهار فمن أراد التّذکر والشّکر فلینظر بعین التّدبر إلی کیفیّة تعاقب اللّیل والنّهار وولوج أحدهما فی صاحبه فیستدلّ علی أنّ هناک خالقا یولج اللّیل فی النّهار ویولج النّهار فی اللّیل ویشکره علی هذه النّعمة العظیمة فإنّ الشّکر فرع المعرفة الثّانی أنّها بیان لسعة أوقات الطّاعات الغیر الموقتة بوقت خاص والمراد أنّ من أراد الذّکر والشّکر فزمانه وسیع هذا اللّیل والنّهار یتعاقبان فإن أراد ففی النّهار وإن أراد ففی اللّیل ویؤیده أنّ القضاء ما لم یثبت کونه مأمورا به لم یدخل فی عنوان الشّکر لأنّ کون العمل شکرا فرع کونه مأمورا به

ص: 277

فیکون المراد إتیان ما علم کونه مأمورا به لا ما هو مشکوک الأمر وبالجملة فلا دلیل یرکن إلیه النّفس بحیث یدل عموما علی مشروعیّة قضاء کل عبادة نعم ورد فی مثل خصوص الصّلاة والصّوم ونحوهما الأمر بقضاء الفائت منها ولکن لا عموم فیها أیضا بحیث یشمل جمیع المقامات إلاّ أن یقال إنّ ورود الأمر بوجوب قضاء صلاة الظّهر مثلا فی الواقعة الخاصة کاشف عن تعدد المطلوب بالأمر المتعلق بصلاة الظّهر أحدهما الطّبیعة والثّانی خصوصیّة الوقت فهما تکلیفان مستقلان ولذا بقی الأوّل مع انتفاء الثّانی وحینئذ فیدلّ علی وجوب القضاء حتی فی غیر تلک الواقعة وهو مشکل لعدم الملازمة لإمکان کون التّکلیف الأوّل مختصا بخصوص الصّلاة فی الوقت وکون التّکلیف الثّانی تکلیفا مستقلا ورد فی الواقعة الخاصة لا کاشفة عن تعدد المطلوب بالأمر الأوّل نظیر الأمر بالتّیمم فإنّه لا یکشف عن أنّ المطلوب فی الأمر بالوضوء شیئان الطّهارة وخصوص الوضوء فإذا انتفی الثّانی بقی الأوّل فتأمل (تذییل) قد فرّعوا علی المسألة أمورا عدوها من جملة ثمراتها منها إجارة الأعمال فی الأوقات الخاصة والأمکنة المخصوصة کمن آجر نفسه عن المیت فی قضاء الصّلاة فی الشّهر الفلانی أو المسجد الفلانی فإن قلنا فی هذه المسألة باستفادة الطّلبین من الأمر جاز للأجیر فعل الصّلاة فی غیر ذلک الوقت والمکان عند تعذرهما وإلا فلا إذ لا فرق بین الأوامر الشّرعیّة والعرفیّة إذ المناط واحد وهو استفادة الطّلبین وعدمه ومنها الوکالة علی إیقاع عقدی یوم خاص أو مکان خاص بالتّقریب المتقدم ومنها مسألة غسل المیت بماء السّدر والکافور فإن تعذرا وجب بدلهما الغسل بالماء القراح إن قلنا بتعدد المطلوب وإلا فلا فإنّ قوله اغسله بماء السّدر إن فهم منه طلبان أحدهما متعلق بالغسل بطبیعة الماء والآخر بخصوصیّة السّدر والکافور فمع تعدد الثّانی یبقی الأوّل وإلا فلا هذا ما ذکروه أقول قد یراد تفریع ما ذکر علی المسألة بناء علی جعلها لغویّة وقد یراد التّفریع بناء علی جعلها فقهیّة أمّا علی الأوّل فنقول إنّ الکلام فی مثل إجارة الأعمال صحیح لا ضیر فیه وقد تعرض له الفقهاء بعبارة أخری وهی أن المقصود فی مثل هذه المقامات إمّا جعل الثّمن فی مقابل العمل الخاص بحیث یکون الخصوصیّة داخلة فی متعلق الإجارة وإمّا جعل الثّمن فی مقابل طبیعة العمل ویکون الخصوصیّة من قبیل الشّرائط والالتزامات الّتی قد ثبتت فی ضمن العقد فعلی الأوّل لا یستحق الأجرة إن خالف الخصوصیّة بخلافه علی الثّانی لأنّ الشّرط لیس جزءا داخلا فی متعلق الإجارة وإنّما هو التزام یوجب جواز فسخ العقد إن خولف هذا ولکن فی جعله متلازما مع هذه المسألة تأمل لجواز أن یقال إنّ فی الأوامر الشّرعیّة الظّاهر المتبادر فی العرف هو الطّلب والأمر الواحد المتعلق بالشّیء الخاص بخلاف مثل الإجارة إذ الظّن معا مطلوبیّة نفس العمل وإنّما الخصوصیّة أمر زائد من قبیل الشّروط الثّابتة فی ضمن العقد وکذا فی مسألة الوکالة علی احتمال وأمّا مسألة الغسل فلا یتفرع علی ما نحن فیه لأنّا وإن قلنا فی هذه المسألة بتعدد المطلوب لم یکن لنا القول به فی مسألة الغسل لأن مقتضی تعدد المطلوب إجزاء الغسل بالماء القراح بل لا عن السّدر والکافور وإن تمکن منهما

ص: 278

غایة الأمر أنّه حینئذ عاص للأمر المتعلق بالخصوصیّة وهو لا یوجب عدم الإجزاء بالنّسبة إلی الأمر المتعلق بالطّبیعة نظیر من نذر الموالاة فی الوضوء بمعنی التّعاقب لا الموالاة الّتی هی شرطه فإنّه إذا توضأ بدون التّعاقب لم یکن باطلا نعم یکون مخالفا لنذره مع أنّهم اتفقوا علی عدم جواز الغسل بالماء القراح مع التّمکن منهما فهذا کاشف عن وحدة المطلوب ولا یرد مثله فی الصّلاة حیث إنّها مع التّمکن من فعلها فی الوقت لا یجوز فعلها فی خارج الوقت فلا یجتمع مع تعدد المطلوب وذلک لأنّها مع التّمکن من الوقت لا یتصور فعلها خارج الوقت حتی یکون مجزیا أو لا إلا أن یورد فعلها قبل الوقت المحدود فإنّ مقتضی تعدد المطلوب الاکتفاء بها قبل الوقت مع أنّه خلاف الإجماع فیکون نظیر مسألة الغسل وأمّا علی الثّانی وحاصله إجراء القواعد الفقهیّة فیما ذکر فنقول إنّا لم نجد من تعرض لإجراء قاعدة المعسور والمیسور فی إجارة الأعمال لکنهم استندوا إلیها فی کثیر من نظائرها حیث حکموا فیما لو أوصی بصرف ثلثه فی بناء مسجد بطرح مخصوص ولم یف المال بذلک أو تلف بعض المال بأنّه یجب کل ما أمکن ولو بتعمیر مسجد آخر وإن لم یکن ففی مطلق البر عملا بالقاعدة وکما حکموا فی أنّه لو نذر الحج ماشیا فلم یتمکن فلیحج راکبا أو نذر رکعتین من صلاة قائما فلم یتمکن فلیصل قاعدا لأنّ المیسور لا یسقط بالمعسور ولا یختص ذلک بمسألة إجارة الأعمال بل لو تم هنا لجری فی مواضع کثیرة منها تبعض الصّفقة فإنّه لو ضم ما لا یملک إلی ما یملک صح العقد فیما یملک بالقاعدة وکذا لو جعل المهر خمرا أو خنزیرا صح وانتقل إلی القیمة کما ذکره بعضهم ویظهر من الشّیخ حیث حکم بأنّ المقبوض بالعقد الفاسد مضمون بالمثل أو القیمة فإنّ الظّاهر أنّ مدرکه القاعدة المذکورة حیث تعذر المسمی لفساد العقد فالمیسور وهو المثل أو القیمة مضمون وغیر ذلک من الموارد والتّحقیق عدم جریان القاعدة فی أمثال ذلک ولا فیما نحن فیه بل هی إنّما تجری فیما إذا تعلق الأمر بعمل مرکب من حیث إنّه مرکب وحینئذ إذا تعذر أجزاؤه وجب الباقی کالصّلاة فإنّها عبارة عن عمل مرکب وهی اسم لها لا عنوان إذ المراد بالعنوان الوصف المنتزع من ذات الشّیء أو من عوارضه أمّا لو کان متعلق الأمر عنوان بسیط ویکون المحصل لذلک العنوان أمر مرکب فحینئذ إذا تعذر بعض أجزائه لم یجب الباقی لفوات المطلوب أعنی ذلک العنوان بالکلیّة فلیس للمطلوب أجزاء یذهب بعضها ویبقی البعض وما نحن فیه من هذا القبیل فإنّ الأجیر علی العمل الخاص إنّما یجب علیه العمل بعنوان أنّه حق للمستأجر والمحصل للحق هو العمل فی الوقت الخاص فإذا فات الوقت فلا حق حتی یحصل بالعمل وکذا فی تبعض الصّفقة فإنّ البیع إنّما ورد علی الهیئة الاجتماعیّة وهی أمر واحد قائم بالمجموع تفوت بفوات البعض وکذا فی الوکالة لأنّها استنابة فی شیء خاص مع أنّ فیما نحن فیه إن أرید إثبات الحکم التّعبدی بالقاعدة أعنی وجوب العمل علی الأجیر بعد الوقت المحدود من دون استحقاق الأجرة فلم یقل به أحد وإن أرید إثبات استحقاق الأجرة فقد ثبت بالأدلة أنّ استحقاق الأجرة علی العمل الشّخص فرع إذنه فی العمل وهو مفقود فی المقام والقاعدة

ص: 279

لا نثبت إذن المالک فی العمل بعد الوقت المحدود فیتعارض القاعدة مع تلک الأدلة ولا تقاوم تلک الأدلّة أوّلا وثانیا بینهما عموم من وجه فیتساقطان ویبقی أصالة عدم ترتب تلک الأحکام الوضعیّة وکذا الوکالة لأنّ جواز العمل فرع الاستنابة المفقودة فتأمل وأمّا فی مسألة الغسل فلم نجد من تعرض لذلک لکن السّیّد فی الرّیاض لمنعه التّمسک بالقاعدة فی المرکبات التّقییدیّة ذکر أنّه إن کان المقید لوجوب الغسل بماء السّدر والکافور هو المفید لوجوب أصل الغسل بأن کان الخبر هکذا ولیغسل بماء السّدر لم یجب الغسل بماء القراح إن تعذر السّدر لکن إن کان هناک خبران وکان أحدهما مفیدا لوجوب أصل الغسل ومضمون الآخر ولیکن فی الماء شیء من السّدر وجب الماء القراح عند التّعذر لأنّهما تکلیفان إن تعذر أحدهما لم یسقط الآخر وفیه نظر أولا بأنّه لا فرق بین أن یقال اغسله بماء السّدر ویقول ولیکن فی الماء شیء من السّدر بعد الأمر بالغسل بالماء لأن التّکلیف بإلقاء السّدر فی الماء لا یخلو إمّا أن یکون تکلیفا نفسیّا أو یکون تکلیفا مقدمیّا فإنّه إذا کان الواجب الغسل بماء السّدر وجب إلقاء السّدر فیه مقدمة أو یکون إرشادا إلی أنّ المراد بالأمر الأوّل الغسل بماء السّدر والأوّل مخالف الإجماع إذ لو کان تکلیفا نفسیّا لکان الغسل بماء القراح بدلا عن السّدر مجزیا غایة الأمر تحقق العصیان بالنّسبة إلی التّکلیف الثّانی نظیر نذر الموالاة فی الوضوء کما سبق وهو خلاف الإجماع وعلی الأخیرین یکون المکلف به الغسل بماء السّدر نعم لو قال إنّ التّکلیف بالغسل مطلق والتّکلیف الثّانی مقدمیّا کان أو إرشادیّا مقید له فی حال التّمکن فقط لأنّه القدر المتیقّن لکان له وجه وثانیا لا نسلم کون المرکب تقییدیّا فی المقام لأنّه وإن کان فی صورة الإضافة لکن المراد وجوب الغسل بماء فیه السّدر والإضافة لامیّة لمحض أدنی ملابسته فیکون مرکبا انضمامیّا ثم التّحقیق إنّا إن قلنا باختصاص القاعدة بالمرکب الانضمامی ومنعنا جریانها فی الموقت جاز إجراؤها هنا لما عرفت من أنّ المرکب هنا انضمامی وکذا إن قلنا بتعمیمها للتّقییدی أیضا بل جریانها حینئذ أظهر لأنّ وجه المنع فی الموقت إنّما هو عدم بقائه بعد الوقت فلا یصدق عدم سقوط المیسور کما مر وهنا الماء لا یتفاوت بإدخال السّدر فیه وعدمه ویمکن أن یقال إنّا وإن أجرینا القاعدة فی المرکبات التّقییدیّة والانضمامیّة لکن لا تجری فی المقام لأنّ الظّاهر من دلیلها اعتبار ترکب نفس العمل بمقتضی کلمة من فی قوله صلی الله علیه وآله إذا أمرتکم بشیء فأتوا منه ما استطعتم فإنّ ظاهره کون المأتی به جزءا من أصل العمل المأمور به وهنا لیس کذلک فإنّ المأمور به هو الغسل والسّدر والماء من متعلقاته لا أنّهما من أجزاء الغسل فلا یجری القاعدة هنا مع أنّها لو جرت لزم وجوب إلقاء السّدر علی المیت عند تعذر الماء ولیس کذلک ویمکن دفعه بعموم قوله صلی الله علیه وآله المیسور لا یسقط بالمعسور وما لا یدرک کله لا یترک کله لشمولهما لمتعلقات العمل أیضا فالغسل یحصل بماء السّدر وبمطلق الماء فإذا تعسر الأوّل بقی الثّانی وأمّا إلقاء السّدر فقط فلیس غسلا حتی یکون واجبا عند تعذر الماء فتأمل

أصل إتیان المأمور به علی وجهه هل یقتضی الإجزاء

ص: 280

أو لا والمراد بالوجه کل ما یعتبر فی العمل شرطا وجزءا لا خصوص الوجوب والنّدب علی ما هو مصطلح الفقهاء وتحقیق المسألة موقوف علی بیان أمور

الأوّل الإجزاء فی اللّغة

الکفایة وهو فی المسألة من صفات المأمور به فالمراد أن المأمور به إذا فعل بجمیع ما یعتبر فیه شرطا وشطرا هل یجزی أو لا وعرف فی الاصطلاح بوجهین أحدهما ما أسقط التّعبد به فی الجملة وإن لم یسقط القضاء والثّانی ما أسقط القضاء والمراد بالقضاء إتیان الفعل لتدارک خلل واقع فی المأمور به وإن کان فی الوقت وهذا المعنی أخص من الأوّل إذ کل ما أسقط القضاء أسقط التّعبدی أی الامتثال فی الجملة ولا عکس لجواز أن یکون مسقطا للامتثال بالنّسبة إلی أمر ولا یکون مسقطا للقضاء کما سیظهر وقیل بینهما عموم من وجه لأنّ بعض ما یسقط القضاء لا یقتضی الامتثال کصلاة العید الفاسدة فإنّها لا تقتضی الامتثال فلو تبقی وقتها وجب الإعادة ولکن تسقط القضاء إذ لا قضاء لها شرعا وفیه أوّلا أنّا قد بینا أنّ المراد بالقضاء أعمّ من الإعادة فهی لم تسقط القضاء أیضا إذ لو بقی الوقت وجب القضاء بهذا المعنی کما ذکره وثانیا أنّها لا تسقط القضاء المصطلح أیضا إذ المراد بمسقط القضاء العمل الّذی وقع بحیث لو کان له قضاء شرعا لسقط والفاسدة لیست کذلک نعم لو کان المراد ما أسقط القضاء ولو لعدم شرعیّة القضاء له لکان ما ذکر صحیحا لکنّه خلاف المتبادر من إسقاط القضاء بل المتبادر ما أسقط القضاء فعلا بأن یکون له قضاء ویسقطه من حینه ولما کان هذا غیر متصور فی العبادات الموقّتة لأنّها إنّما تسقط القضاء بالنّسبة إلی ما بعد الوقت لا من حینها فالمراد وقوعها تام الأجزاء والشّرائط بحیث لو کان لها قضاء فی الشّرع بعد الوقت لم یکن واجبا وهذا المعنی مفقود بالنّسبة إلی فاسدة العید

الثّانی لا ریب فی أنّ الإجزاء بالمعنی الأوّل لا یقبل الخلاف

لأنّ حصول الامتثال للأمر بإتیان المأمور به تام الأجزاء والشّرائط بدیهی ولا معنی للامتثال عقیب الامتثال فیکون النّزاع فی المعنی الثّانی لکن لا بالنّسبة إلی الأمر الواحد بل بالنّسبة إلی أمرین لأنّ سقوط التّدارک بالنّسبة إلی الأمر الواحد لا یقبل الإنکار وبیانه أنّهم قسموا الأمر إلی أقسام أربعة الشّرعی الواقعی الاختیاری کالصّلاة مع الطّهارة المائیّة والاضطراری مثلها مع التّیمم والشّرعی الظّاهری کالصّلاة مع استصحاب الطّهارة وظابطة الأمر المستفاد من إیجاب الشّارع العمل بمقتضی أمارة ظنیّة والظّاهری العقلی وهو الأمر المستفاد من حکم العقل بوجوب العمل بالمعتقد کما فی الجاهل القاصر إذا اعتقد وجوب الصّلاة قاعدا مثلا ثم لا ریب أنّ إتیان المأمور به یقتضی امتثال الأمر المتعلق به بلا إشکال إنّما الإشکال فی سقوط الأمر الآخر بفعل ذلک وعدمه فلو صلی مع التّیمم حین فقد الماء امتثل بالنّسبة إلی الأمر المتعلق بالصّلاة مع التّیمم وإنّما الإشکال فی سقوط الصّلاة مع الطّهارة المائیّة بفعل ذلک التّکلیف الاضطراری وعدمه وکذا فی الظّاهری بالنّسبة إلی الواقعی کما لو صلی بالطّهارة المستصحبة فهل تجزی عن الصّلاة بالطّهارة الواقعیّة أو لا ومبنی النّزاع فی هذا وهو أنّ الأوامر المذکورة هل هی من الوجوه والکیفیّات للتکلیف الواحد بالنّسبة إلی إمکان وقوعه

ص: 281

علی أنحاء متعددة بحسب أحوال المکلف فالمطلوب هو طبیعة الصّلاة لکن یرید إیجادها مع الوضوء عند القدرة ومع التّیمم عند العذر أو لا بل التّکلیف متعدد بتعدد الحالات وبما ذکرنا علم أنّ النّزاع إنّما هو فی أمر عقلی وهو التّلازم بین إتیان المأمور به بأمر وبین سقوط المأمور به بغیر ذلک الأمر ولکن مدرک النّزاع واستدلال المثبت والنّافی فی مبنی المسألة یمکن أن یکون من طریق اللّغة والعرف والعقل کما أنّهم استدلوا فی مثل الوضوء والتّیمم علی وحدة التّکلیف بأنّ الظّاهر من مجموع قوله تعالی أقیموا الصّلاة وقوله تعالی إذا قمتم إلی الصّلاة فاغسلوا إلی آخره وإن لم تجدوا ماء فتیمموا أنّ المطلوب هو کلی الصّلاة المشترک بین المقارنة للوضوء والتّیمم فإن قوله تعالی وإن عطف علی شرط محذوف تقدیره إذا قمتم إلی الصّلاة فإن وجدتم الماء فاغسلوا وإن لم تجدوا عند قیامکم إلی تلک الصّلاة بعینها فتیمموا فاستندوا فی وحدة التّکلیف إلی الظّهور اللّفظی وکما أنّهم استدلوا علی الإجزاء فی الحکم الظّاهری بأنّ الشّارع إذا سوغ العمل بأمارة ظنیّة مع إمکان الوصول إلی الواقع بالاحتیاط وجب أن یکون فی مقتضی تلک الأمارة مصلحة الواقع بعینها لا ناقصة فإن من یشک فی الحدث بعد تیقّن الطّهارة یتمکن من درک الصّلاة بالطّهارة الواقعیّة بتجدید الطّهارة ومع ذلک رخص الشّارع فی ترکها فلا بد أن یکون فی الصّلاة باستصحاب الطّهارة فوائد الصّلاة بالطّهارة الواقعیّة ومصالحها وإلاّ لزم تفویت المصلحة علی المکلف وإذا ثبت وجود المصلحة ثبت اتحاد التّکلیف لأنّ المناط فیه حصول المصلحة وقد حصلت فاستندوا فی وحدة التّکلیف هنا إلی حکم العقل وبالجملة النّزاع فی أصل المسألة فی الأمر العقلی وهو التّلازم ولکن فی مبنی النّزاع یمکن الاستناد إلی اللّغة والعرف أیضا کما عرفت

الثّالث قد ظهر مما قرّرنا أنّه لا ربط بین هذه المسألة والمسألة السّابقة

لأن النّزاع هنا إنّما هو فی صدق عنوان الفوت فلو کان التّکلیف واحدا لم یکن فوت بعد إتیان المأمور به وبعد التّعدد یصدق عنوان الفوت وحینئذ یأتی النّزاع فی وجوب القضاء بعد الوقت وعدمه وکذا لا ربط بینهما وبین مسألة المرة والتّکرار لتعدد الأمر هنا والنّزاع إنّما هو فی أنّ إتیان مقتضی أحد الأمرین بأی نحو کان من الماهیّة والمرة والتّکرار هل یسقط الأمر الآخر أو لا فالنّزاع هنا یمکن علی القولین

الرّابع

قد عرفت أنّ النّزاع إنّما یتصور عند تعدد الأمر وأنّ الأمر أقسام أربعة فالنّزاع إنّما هو فی مقامات ثلاثة أحدها أنّ امتثال الأمر الظّاهری العقلی هل یسقط الأمر الواقعی الشّرعی أو لا والثّانی أنّ امتثال الظّاهری الشّرعی هل یسقط الواقعی أو لا والثّالث أنّ امتثال الواقعی الاضطراری مسقط عن الاختیاری أو لا فیجب التّکلم فی کل المقامات تحقیقا للمسألة فنقول

المقام الأوّل

فی الظّاهری والعقلی ومثل له بعمل الجاهل الغافل إذا اعتقد خلاف الواقع فعمل بمقتضاه ثم انکشف له الواقع والحق فیه عدم الإجزاء بل هو هنا غیر معقول لعدم تعدد الأمر هنا فإنّ الاعتقاد لا یمکن أن یکون سببا لأمر الشّارع

ص: 282

لأنّه إمّا مطابق للواقع أو مخالف وعلی الأوّل لا ریب أنّ الأمر الواقعی مسبب عن المصلحة الکائنة فی الشّیء مع قطع النّظر عن الاعتقاد والاعتقاد مرآة وطریق صرف إلیه وعلی الثّانی لا یمکن أن یکون سببا لحصول الأمر لأنّ الکلام إنّما هو فی الغافل وتکلیف الشّخص بعنوان فرع علمه بدخوله تحت ذلک العنوان أو الشّخص ما دام جاهلا بالجهل المرکب لا یعلم دخوله تحت عنوان الجاهل حتی یکون مکلفا بالعمل بمعتقده وأمّا صحة عمل ناسی بعض أجزاء الصّلاة فإنّما هو لقیام الدّلیل علی أنّ جزئیّة ذلک الجزء مختصة بحال الذّکر فلیس جزءا حال النّسیان فالمأمور به هو ما تذکره من الأجزاء فیمکن تعلق الأمر به بعنوان کونه ذاکرا للأجزاء وإن لم یمکن أمره بعنوان کونه ناسیا لا یقال إنّ مخالفة ما اعتقده تحتمه تجرّی وحرام فیکون مأمورا به وأیضا إتیان ما اعتقد وجوبه إطاعة ومخالفته معصیة عرفا والإطاعة وترک المعصیة مأمور به عقلا وکل ما حکم به العقل حکم به الشّرع فیتحقق تعدد الأمر ویتحقق الإجزاء لأنّا نقول حرمة التّجری لا توجب ترتب العقاب علی الفعل بل هو إنّما یترتب علی ما یکشف عنه الفعل من سوء سریرة العبد ولا دلیل علی أکثر من ذلک فلا یثبت کون العمل المعتقد وجوبه مأمورا به شرعا وأمّا وجوب الإطاعة فهو إرشادی سواء کان من الشّرع أو من العقل والمراد بالأمر الإرشادی ما لا یترتب علیه شیء سوی ما یترتب علی متعلقه بخلاف الأمر التّشریعی فإنّه ما یترتب علیه الثّواب والعقاب کالأمر بالصّلاة فإنّه یترتب علیه الثّواب والعقاب والأوّل کالأمر بالطّاعة فإنّه لا یمکن کونه تشریعیّا فإنّ معنی الطّاعة إتیان المأمور به فالأمر التّشریعی إن کان سببا لاستحقاق الثّواب والعقاب فلا ریب أنّ نفس الطّاعة مما یترتب علیه الثّواب لأنّه إتیان المأمور به فلا حاجة إلی الأمر بها وإن لم یکن سببا لم یکن الأمر بالطّاعة أیضا سببا له لأنّه لا یزید عن الأمر المتعلق بأصل العمل والحاصل أنّ تطابق العقل والشّرع إنّما هو فی شیء قابل للتشریع کحرمة الظّلم مع أنّ حکم العقل هنا أیضا إرشادی وبالجملة الأمر الإرشادی لیس أمرا فی الحقیقة وإنّما هو إرشاد وتنبیه إلی ما یترتب علی متعلقه سلمنا وجوب الطّاعة شرعا فإثباته بصدق الطّاعة دور ظاهر وصدق الطّاعة عرفا غیر مسلم إذا أرید بالطّاعة إتیان المأمور به وإن أرید بها کون الشّخص منقادا وموطنا علی الامتثال فصدقه مسلم لکن وجوبه عقلا غیر مسلم ولو سلم جمیع ذلک لم یثبت الإجزاء لأنّ غایة الأمر کونه مأمورا بإتیان المعتقد وأمّا کونه من جملة شئون التّکلیف الواحد بحیث یکون المطلوب القدر المشترک بین المعتقد وبین الواقع فیحتاج إلی دلیل آخر وهو مفقود فیبقی الأمر الواقعی بحاله فإن علم به فی الوقت وجب الامتثال وکذا إن علم به خارج الوقت إن قلنا بتبعیّة القضاء وإلاّ فیحتاج إلی أمر جدید

المقام الثّانی

فی الأمر الظّاهری الشّرعی المقتضی للحکم الظّاهری والحکم الظّاهری قد یقال علی الحکم المستفاد من الأصول العملیّة وهی البراءة والاحتیاط والتّخییر والاستصحاب وقد یقال علی الحکم الّذی فی موضوعه الجهل بالواقع وبعبارة أخری الحکم المستفاد من أصل أو أمارة معتبرة شرعا وهذا المعنی أعمّ من الأول لشموله الأدلة الاجتهادیّة أیضا کأخبار الآحاد ونحوها فالحکم الظّاهری قسمان مدلول

ص: 283

الأصل ومدلول الأمارة وکل منهما إمّا فی الأحکام الکلیّة کأصالة البراءة عن وجوب الدّعاء عند رؤیة الهلال وکالخبر الدّال علی وجوب السّورة مثلا وإمّا فی الجزئیّات کأصالة البراءة عن الفائتة الزّائدة عند التّردد بین الأقلّ والأکثر وید المسلم الدّالة علی التّذکیة فهذه أقسام أربعة والأمر الموجود فی کل هذه الأقسام یسمی أمرا ظاهریّا والنّزاع إنّما هو فی أنّ إتیان مقتضاه یجزی عن الواقع أو لا فیه قولان الأول الإجزاء لأنّ الحاکم بالأمر الظّاهری هو الشّرع ومن الظّاهر أن أحکامه تابعة للمصالح والمفاسد فإذا أمر بالعمل بمقتضی أصل أو أمارة محتملة الاختلاف مع الواقع وجب أن یکون فیه مصلحة مثل مصلحة الواقع أو أزید منها وإلاّ لکان الأمر بالعمل بها مع التّمکن من درک الواقع مفوتا للمصلحة علی المکلف وهو قبیح فالصّلاة المستصحبة الطّهارة فیها مصلحة الواقع وإلاّ لم یجز الاکتفاء بها مع التّمکن من الواقع بالاحتیاط وإذا ثبت أنّ فیها مصلحة الواقع ثبت سقوط الواقع بفعلها إذ لیس المقصود من الواقع إلاّ إدراک المصلحة وقد أدرکها فیکون الأمر بالواقع مقیدا ومتعلقا بمن لیس له أمر ظاهری وأمّا بالنّسبة إلیه فیکون تخییریّا لإدراک المصلحة بکل منهما الثّانی عدم الإجزاء وهو الحق لما ثبت فی محله من بطلان التّصویب وأنّ الحکم الواقعی شیء واحد عند أهله لا یختلف بالعلم والجهل من أدرکه فقد أدرکه ومن لم یدرکه فقد أخطأ وذلک الحکم الواقعی ناش من مصلحة واقعیّة لا تختلف بالعلم والجهل وأمّا الحکم الظّاهری فلیس المصلحة فیه أمرا فی عرض مصلحة الواقع بل المقتضی للأمر الظّاهری هو تلک المصلحة الواقعیّة فإنّها مقتضیة لوجوب العمل بالأحکام الظّاهریّة لکون العمل بها مقدمة لإدراک الواقع کالاحتیاط الظّهور أن لیس فیه مصلحة إلاّ مصلحة الواقع فإن قیل إنّ الحکم الظّاهری قد یتخلف عن الواقع فکیف یکون المقتضی لثبوته مصلحة الواقع قلت أوّلا هو نظیر الاحتیاط فإنّه أیضا قد یتخلف عن الواقع کما لو فعل الفعل المحتمل الوجوب مع عدم وجوبه فی الواقع أو حرمته إن لم یکن محتملا فی الظّاهر وثانیا أنّه لما کان درک الواقع فی جمیع الموارد مستلزما لمفاسد کثیرة من اختلال النّظام والعسر والحرج ونحو ذلک وکان مقتضی الأمارات والأصول غالبا مطابقا للواقع اکتفی الشّارع من المکلف بالعمل بها وأوجبه فی کل مقام حفظا لموارد المطابقة لالتباس مواردها وموارد المخالفة فالمقتضی لوجوب العمل بها فی صورة المخالفة أیضا مصلحة الواقع بمعنی أنّ العمل بها حینئذ موجب لحفظ المصلحة عن التّلف فی صورة الموافقة نظیر الأمر بالعدة وغسل الجمعة فإنّ الوصول إلی المصلحة إذا کان أکثر جاز ارتکاب المفسدة القلیلة للوصول إلیها وبالجملة لیس الدّاعی إلی الأمر بالصّلاة المستصحبة الطّهارة الإدراک مصلحة الواقع فإذا انکشف أنّه کان محدثا تبین عدم إدراکها فوجب التّدارک فی الوقت وکذا فی خارجه إن کان هناک أمر جدید والقول بأنّ فیها مصلحة مثل مصلحة الواقع مقتضیة للوجوب باطل لأنّ اجتماع مصلحتین فی شیء واحد بحیث یکون کل منهما مقتضیا لحکم علی حده محال فیجب أن یکون الصّلاة مع السّورة والصّلاة

ص: 284

بدونها نوعین من الصّلاة فی کل منهما مصلحة الوجوب الأوّل فی حق من أدرک الواقع والثّانی فی حق الجاهل فالجاهل بوجوب السّورة مع قیام أمارة أو أصل علی عدم وجوبها لیس مکلفا إلاّ بالصّلاة بغیر سورة وهل هذا إلاّ القول بالتّصویب وهو خطأ ظاهر ووجهه ما عرفت وتوضیحه أنّ المحقق من مذهب العدلیّة هو تحقق الحسن والقبح فی الأفعال ذاتا أو بالاعتبارات وإن حکم الشّارع تابع للحسن والقبح فلا یأمر بالفحشاء ولا ینهی عن العدل والإحسان بل بالعکس وذلک الحسن والقبح داعی ومقتضی للأمر والنّهی بعد فرض سلامته عن معارض فالحسن المعارض بالقبح المساوی له أو أزید لا یقتضی الأمر وبهذا علم أنّه لا یمکن أن یوجد فی الفعل الواحد إلاّ مقتضی واحد للحکم الواحد فیکون الحکم فیه واحدا لعدم المقتضی لغیره وهو ثابت عند النّبی وقد جعل للوصول إلیه طرقا قد تتخلف عنه وقد عرفت وجهه فالقول بأنّه لا حسن ولا قبح فی الأشیاء بل لله أن یحکم فی کل شیء بکل حکم من الأحکام لکنّه حکم فی بعضها وبینه للنّبی وأهمل بعضا ورخص للمجتهدین فی الاجتهاد فکل ما فهمه فهو حکمه بمعنی أنّه لا حکم له قبل الاجتهاد وأنّه إنّما یتحقق به فکل مجتهد مصیب ولا حکم له عدا ما فهمه من الأدلّة کما ذهب إلیه الأشاعرة فاسد وکذا القول بأنّ الحکم الواقعی ثابت فی کل واقعة عند النّبی لکنّه مختص بمن أدرکه دون الجاهل الّذی قام عنده الأمارات علی خلافه کما هو لازم قول مدعی الإجزاء فإنّه یقتضی أن لا یکون للواقعة فی حق الجاهل حکم أصلا قبل الاجتهاد وإن یتعدد الحکم الواقعی فی واقعة واحدة مع ما عرفت من امتناع تعدد المقتضی لا یقال إنّ الموضوع متعدد فالعالم موضوع والجاهل موضوع آخر کالمسافر والحاضر ویجوز تعدد المقتضی بالنّسبة إلی موضوعات متعددة لأنّا نقول أوّلا لا دلیل علی تعدد الموضوع واختلافه بالعلم والجهل بل الظّاهر من الأدلّة الشّرعیّة أنّه لا مدخلیّة لهما فی الموضوع وثانیا أنّه یلزم خلو الواقعة عن الحکم بالنّسبة إلی الجاهل قبل الاجتهاد وقد عرفت فساده وأیضا فما وجه وجوب الاجتهاد والتّفقه علیه إذ لا حکم حتی یجب تعلمه بل لا یمکن تعلمه لأن العلم بشیء تابع لتحققه فی الواقع فإن من البدیهیّات تبعیّة العلم للمعلوم فإذا لم یکن حکم فی الواقع لم یمکن العلم به وهو ظاهر ثم لو سلمنا أنّ هذا لیس تصویبا باطلا وأنّ الباطل منه هو القول بعدم تحقق الحکم الواقعی فی الوقائع الاجتهادیّة أصلا فنقول إنّ فی المسألة صورا متعددة لا یجری الدّلیل المذکور فی جمیعها وذلک لأنّ الأصل أو الأمارة إمّا مطابق للواقع أو مخالف والأوّل خارج عن محل الکلام وعلی الثّانی إمّا لا ینکشف الخلاف أصلا أو ینکشف فعلی الأول یتم الدّلیل إذ لو لم یکن مجزیا لزم التّفویت وعلی الثّانی إمّا ینکشف الخلاف فی الوقت أو فی خارجه فعلی الأوّل لا یتم ذلک لأن مقتضی إطلاق الأمر الواقعی وجوب الإعادة فلا یلزم التّفویت نعم لو کان فی التّعجیل به فی أوّل الوقت مصلحة اقتضی الدّلیل المذکور حصولها بالعمل بالأمارة لا مصلحة ذات العمل فإنّ مقتضی إطلاق الأمر ثبوت الاشتغال به فیترتب علیه آثار الاشتغال بالفریضة من بطلان التّطوع وغیره مما یترتب علی نفس الاشتغال بالواقع وأمّا ما یترتب علی العلم بالاشتغال کالتّطوع

ص: 285

علی وجه فلا یترتب فساده علی الاشتغال الواقعی إذا أتی به حال الجهل بالواقع وعلی الثّانی إمّا نقول بکون القضاء بالأمر الأول أو بأمر جدید فعلی الأول لا یتم إلاّ بالنّسبة إلی مصلحة التّعجیل فی مجموع الوقت لا مصلحة ذات العمل لاقتضاء الأمر الواقعی وجوب القضاء فلا تفویت وعلی الثّانی إمّا لا یوجد أمر جدید بالقضاء أو یوجد فعلی الأول یتم الدّلیل للزوم التّفویت علی فرض عدم الإجزاء وعلی الثّانی قد یتوهم ذلک أیضا بناء علی أنّ وجوب القضاء حینئذ مترتب علی فوت الواقع فیکون التّفویت من الشّارع بناء علی عدم الإجزاء ولکن فیه أنّ فوت الواقع ثابت حینئذ قطعا سواء ظنا بالإجزاء أو عدمه إذ غایة الأمر فی الإجزاء تدارک الواقع بالأمر الظّاهری والقضاء أیضا تدارک فبعد ثبوت الأمر بالقضاء یثبت التّدارک فلا یلزم تفویت المصلحة بناء علی عدم الإجزاء إلاّ أن یقال إنّ مصلحة القضاء أنقص من مصلحة الأداء المترتب بینهما فیلزم تفویت المقدار الزّائد بخلاف ما لو قیل بالإجزاء لتدارک الجمیع لکن هذا لا یلزم منه إلاّ تدارک المقدار الزّائد بالأمر الظّاهری والباقی بالقضاء فتأمّل وقد یستدل للقول بالإجزاء بوجوه أخر منها أصالة البراءة عن وجوب الإعادة والقضاء فإنّ الشّک إنّما هو فی التّکلیف والشّبهة وجوبیّة ولا خلاف هنا فی البراءة ومنها استصحاب عدم وجوب الإعادة والقضاء الثّابت قبل انکشاف الخلاف وفیهما معا أنّ الأصل والاستصحاب لا یقاومان إطلاق الأمر الواقعی الشّامل للجاهل وغیره العامل بالأمارة وغیره ومنها انصراف الإطلاقات إلی غیر من قام له الأمارة وفیه أنّه ممنوع ومنها أنّ الإطلاقات إنّما هی تفید أحکام المشافهین وأمّا الإجماع علی الاشتراک فمفقود فی المقام للخلاف فی الإجزاء وعدمه وفیه أنّه لا خلاف فی الاشتراک عند اتحاد الموضوع للإجماع والأخبار المتکثرة فلو کان الحکم بالنّسبة إلی الحاضرین الإجزاء کان فی الغائبین أیضا کذلک قطعا وإلاّ فلا وحینئذ فنتمسک بالإطلاقات علی عدم الإجزاء بالنّسبة إلی المشافهین مضافا إلی أصالة عدم التّقیید وعدم قرینة المجاز ونحو ذلک وإذا ثبت ذلک فی حقهم ثبت فی حقنا بالإجماع لاتحاد الموضوع والقول بأنّهم لم یکونوا یعملون بالأصول والأمارات ظاهر الفساد لمن تدبر أدنی تدبر وهذا کله إذا انکشف الخلاف قطعا وأمّا إذا انکشف کشفا ظنّیّا ففیه بین القائلین بعدم الإجزاء فی السّابق خلاف وتوضیح المقام أنّه إذا ظهر للمجتهد خلاف ما ظنه أوّلا فلا یخلو من أحد وجهین أحدهما أن یظهر له فساد اجتهاده الأوّل بأن علم أنّه کان ساهیا فیه متوهما غیر الدّلیل دلیلا فهو حینئذ قاطع بأنّه توهم فی الدّلیل لکنّه ظان بالنّسبة إلی الواقع فهذا أیضا کشف ظنی بالنّسبة إلی الواقع وإن کان قطعیّا بالنّسبة إلی فساد الدّلیل فهذا یرجع إلی الظّاهری العقلی إذ لم یکن الحکم السّابق حکما شرعیّا بل توهمه حکما فالکلام هو الکلام فیه الثّانی أن یظهر له خلاف ما ظهر له أوّلا مع فرض صحة الاجتهادین کما رأی العام أوّلا فحکم بمقتضاه بعد الفحص عن المخصّص وعدم وجدانه ثم ظهر له المخصّص وهذا علی أقسام أحدها أن لا یکون بین المظنونین رابطة کما إذا ظن بوجوب الجمعة عینا ثم ظن بوجوب الظّهر وهذا أیضا خارج عن محل النّزاع کما سیظهر والثّانی أن یکون بینهما رابطة ولکن یلاحظه الاجتهادان بالنّسبة إلی وقتین کما إذا ظن یوم السّبت

ص: 286

بوجوب السّورة فی الصّلاة ثم ظن فی یوم الأحد بعدم وجوبها فلا خلاف هنا فی عدم إجزاء الاجتهاد الأوّل بالنّسبة إلی ما بعد الاجتهاد الثّانی والثّالث أن یکون بینهما رابطة ویلاحظان بالنّسبة إلی وقت واحد کما لو ظنّ بوجوب السّورة فصلی الظّهر ثم ظن بعدم وجوبها فهل یجزی ما فعله بالاجتهاد الأوّل أو یجب الإعادة والقضاء فهذا محل النّزاع فنقول إنّ مقتضی ما ذکر سابقا فی صورة القطع بالخلاف من أنّ حجیّة الأمارات إنّما هی من جهة الکشف عن الواقع وأنّه لیس فیها مصلحة إلاّ مصلحة الواقع هو عدم الإجزاء لأنّ الدّلیل الثّانی کاشف عن فساد الدّلیل الأوّل وعدم حصول مصلحة الواقع فیجب الثّانیة فالمقتضی لعدم الإجزاء موجود فلا بد لمدعی الإجزاء إمّا من نفی وجود المقتضی أو إثبات المانع فنقول ذهب بعضهم إلی منع وجود المقتضی وقرر بوجوه أحدها منع کون حجیّة الأمارات من جهة الطّریقیّة والکشف وقد مر فساده الثّانی أنّه لم یثبت حجیّة الأمارات بالنّسبة إلی الأعمال اللاحقة وأمّا بالنّسبة إلی السّابقة فلا دلیل علی حجیتها ولا بدع فی تبعض الحجیّة لجواز تفکک اللّوازم فی الأحکام الظّاهریّة کثبوت المال دون القطع فی السّرقة وثبوت النّجاسة دون الکفر لو دل خبر الواحد علی نجاسة المفوّضة وکفرهم مثلا وغیر ذلک وفیه أنّ هذا إنّما یتم لو کان دلیل حجیّة الأمارات لبیّا وأمّا الأدلّة اللّفظیّة فبإطلاقها یشمل السّابقة واللاحقة لأنّها دالة علی أنّه یجب أن یعمل مع مدلول الأمارة معاملة الواقع والواقع لا یتفاوت لاحقا وسابقا الثّالث أنّ الدّلیل الثّانی ظنی کالأوّل فلا ترجیح له علیه حیث یتعارضان وفیه أن المفروض حجیّة الدّلیل الثّانی ووجوب العدول إلیه وهو کاشف عن فساد الأوّل علی ما هو المفروض فلیس معنی حجیته إلاّ الحکم بفساد الأوّل فهو بمنزلة الوارد علی الأوّل وذهب بعضهم إلی إثبات المانع وقرره بوجوه أحدها لزوم الحرج فإنّ من صلی بلا سورة خمسین سنة أو أکثر ثم ظهر له جزئیّتها فلا ریب أنّ وجوب القضاء علیه حرج عظیم والثّانی أنّه خلاف السّیرة المستمرة بین النّاس من المجتهدین والمقلّدین عند تجدد الآراء فلا یحکمون بوجوب الإعادة والقضاء ونقض آثار الفتوی الأوّل والثّالث أنّه مستلزم للهرج وعدم الوثوق بالشّرع فإن من یرید تزویج امرأة مثلا یحتمل عنده أن یتجدد رأی مجتهده بحیث یوجب بینونتها عنه بلا طلاق فتزوج بآخر ثم یعدل المجتهد فیجب إرجاعها إلی الأوّل ویلزم التّشاجر والمنازعة فلا یقبل التّزویج لارتفاع وثوقه بالشّرع وغیر ذلک من الأمثلة وفی الجمیع نظر أمّا الأوّل فلأنّهم اختلفوا فی أنّ الحرج یرفع التّکلیف شخصا أو نوعا والمراد بالأوّل أنّه إذا کان التّکلیف الخاص بالنّسبة إلی مکلف خاص موجبا للحرج فهو مرفوع عنه لا عن غیره ممن لیس علیه حرج والمراد بالثّانی أنّه یلاحظ نوع المکلفین فإن کان ذلک التّکلیف حرجا بالنّظر إلی الغالب ارتفع عن النّوع جمیعا حتی من لیس علیه عسرا وعلی کل تقدیر لا یتم الاستدلال أمّا علی جعله شخصیّا فلأن صورة انکشاف الخلاف ظنا تتصور وجوها کثیرة لأنّه إمّا یعدل من مطابق الاحتیاط إلی المخالف وهنا لا قضاء وإمّا من المخالف إلی المطابق وحینئذ لا یخلو أعماله السّابقة من أن یکون مطابقة للاحتیاط وعدمه لجواز أن یظن بعدم جزئیّة السّورة مثلا لکن یحتاط

ص: 287

بقراءتها أو لا یحتاط فعلی الأوّل لا قضاء وعلی الثّانی إمّا یمکن له التّفصی من الاجتهاد الثّانی أو لا فالأوّل کأن یکون مقلدا لمن یری عدم جزئیّة السّورة فعدل المجتهد وأفتی بجزئیتها فإنّه یمکن للمقلد أن یقلد غیره ممن لا یری جزئیتها لبطلان تقلیده السّابق له برجوع المجتهد فیجوز له تقلید الغیر والثّانی کأن یکون مجتهدا أو یکون مقلدا لمجتهد منحصر وحینئذ فإمّا قد سبق له أعمال کثیرة یوجب تدارکها الحرج أو لا والثّانی لا یستلزم العسر نعم الأوّل یوجب العسر فیجب الاقتصار علیه حیث إنّ المدار علی العسر الشّخصی وأمّا علی جعله نوعیّا فلأنّ نوع القضاء والإعادة لیس نوعا مستقلا فی التّکلیف بحیث یکون له أفراد متأصّلة بل هو منتزع من أنواع مختلفة من العبادات فیجب ملاحظة غلبة العسر بالنّسبة إلی تلک الأنواع فالصّلاة نوع والحج نوع والصّوم نوع یجب ملاحظة غلبة العسر بالنّسبة إلیها فلو کان إعادة الصّلاة عسرا علی أغلب النّاس ارتفعت بالنّسبة إلی الجمیع ولم یرتفع إعادة الصّوم إذا لم توجب العسر هذا مع أنّک قد عرفت منع غلبة العسر لندرة الصّورة الموجبة فی المکلفین وأمّا الثّانی فلمنع السّیرة بل المحکی عنهم خلاف ذلک کما حکی أن العلامة قضی جمیع عباداته مرارا عدیدة وکذا غیره من العلماء وأمّا الثّالث فلما عرفت من ندوره ذلک الصّورة الموجبة للمذکورات مضافا إلی النّقض بصورة کشف الخلاف قطعا فکل ما أجبت هناک فهو جوابنا هنا تذییل قد عرفت أن مورد النّزاع بدلیّة الحکم الظّاهری عن الواقعی فاعلم أنّه ربما یحکمون فی أبواب الفقه بما یشتبه بالقول بالإجزاء ولیس منه مثل حکمهم بصحة الصّلاة فی الثّوب المحکوم بطهارته للأصل وإن طهر نجاسته وبصحة الصّلاة إلی غیر جهة الکعبة إذا ظنّه جهة الکعبة بالأمارات وبصحة الصّلاة فی الثّوب المحکوم بکونه مزکی شرعا وإن ظهر خلافه ووجه ذلک أن حکمهم فی جمیع ذلک إنّما هو لما ثبت له أنّه لیس شرط الصّلاة إلاّ الطّهارة الظّاهریّة وأنّه یجب استقبال ما ظنّ کونه کعبة وأنّه یکفی فی الثّوب التّزکیة الظّاهریّة فالحکم الظّاهری یداخل المأمور به تحت أفراد المأمور به الواقعی وتسمیته بالظّاهری إنّما هو بالنّسبة إلی کونه خلاف الواقع فی نفسه فالطّهارة الثّابتة بالأصل تدخل الصّلاة المتلبسة بها تحت الصّلاة الواقعیّة وإن کانت الطّهارة فی نفسها غیر متحققة فی الواقع وکذا الظّن بالقبلة ولهذا أسند القائل بوجوب الإعادة عند ظهور اختلاف القبلة إلی أنّ الواجب هو استقبال الکعبة واقعا ولم یحصل والقائل بالإجزاء إلی أنّ الواجب هو استقبال المظنون کونه کعبة وقد حصل فتأمّل ولا تغفل تتمة الحکم المعدول عنه لا تفاوت فیه بین أن یکون فی الأحکام الشّرعیّة الکلیّة أو فی الموضوعات الخارجیّة فالأوّل کالاجتهاد فی عدم وجوب السّورة والثّانی کالاجتهاد فی جهة القبلة فالقول بالإجزاء ثابت فیهما وکذا القول بعده ولا تفصیل فی المسألة إلاّ من ما یظهر من بعض الأفاضل وحاصل مذهبه أنّ الواقعة إن کان مما یتعیّن فی وقوعها شرعا الأخذ بمقتضی الفتوی السّابق کان مجزیا کما لو أفتی بعدم وجوب السّورة ثم ظهر وجوبها وکما لو أفتی بصحة العقد بالفارسیّة وتزوج بها ثم ظهر الخلاف ونحو ذلک وإن لم یکن مما

ص: 288

یتعیّن فی وقوعها شرعا الأخذ بمقتضی الفتوی السّابق لم یکن مجزیا کما لو أفتی بطهارة عرق الجنب الحرام ثم ظهر الخلاف وجب غسل الملاقی وکما لو أفتی بعدم نشر الحرمة بعشر رضعات فتزوجها ثم ظهر الخلاف حرمت علیه وکما لو أفتی بحلیّة حیوان فذکها ثم ظهر حرمته وجب الاجتناب وتوضیح مطلبه أنّ حکم الاجتهاد الثّانی بالنّسبة إلی الأوّل حکم النّاسخ بالنّسبة إلی المنسوخ فإن کان المفتی به مما یکون وقوعه شرعا مناقضا ومنافیا للعمل بالاجتهاد الثّانی کان مجزیا إذ المفروض وقوعه شرعا فإنّ وقوع العقد بالفارسیّة وقوعا شرعیّا لا یمکن أن یجتمع مع العمل بالاجتهاد الثّانی لأنّه حاکم ببطلانه فالحکم بصحته إنّما یمکن إذا عمل فیه بمقتضی الدّلیل الأوّل وقد عمل به فیجری استصحاب آثاره مضافا إلی لزوم الحرج فی عدم الإجزاء فیحکم بالإجزاء وأمّا إذا کان المفتی به یمکن وقوعه شرعا مع العمل بمقتضی الاجتهاد الثّانی لم یکن مجزیا کالتّذکیة فإنّ وقوعها شرعا یجتمع مع حرمة الحیوان أیضا وهنا لا دلیل علی الإجزاء لأنّ الحکم الظّاهری فرع الاجتهاد وبعد زوال الاجتهاد یزول هذا حاصل مراده وفیه نظر إذ لا دلیل علی هذا التّفصیل فإنّ المقتضی للإجزاء فی القسم الأوّل وهو الحرج والاستصحاب موجود فی الثّانی أیضا والمانع عنه فی الثّانی وهو تبعیّة الحکم الظّاهری للاجتهاد موجود فی الأوّل أیضا فالأولی أن یقال الوقائع ثلاثة أقسام أحدها الوقائع المتقدمة الغیر المربوطة بالمتأخرة أصلا فیحکم فیه بالإجزاء والثّانی الوقائع المتأخرة الّتی لا ربط لها بالاجتهاد الأوّل أصلا فیعمل فیها بالاجتهاد الثّانی والثّالث الوقائع الّتی لها جهتان جهة إلی السّابق وجهة إلی اللاّحق فهنا محل الخلاف وکل من قال بالإجزاء قال به فی جمیع مسائلها ومن نفی نفی فی الجمیع والتّفصیل علیل خال عن الدّلیل فتأمّل

المقام الثّالث

فی أنّ الامتثال بالأمر الواقعی الاضطراری مجز عن الاختیاری أو لا ربما یدعی عدم إمکان الإجزاء هنا نظرا إلی أنّ المصلحة فی الاضطراری أنقص من الاختیاری قطعا وإلاّ لجاز إتیان الاضطراری مع التّمکن من الاختیاری أیضا فیلزم تفویت القدر الزائد من المصلحة لو کان الاضطراری مجزیا وهو خلاف اللّطف وفیه أنّه قد یکون تحصیل مقدار خاص من المصلحة مطلوبا لکن إذا حصل المکلف مقدارا من المصلحة أنقص من الأوّل فات محل الأوّل لأنّه مطلوب من حیث المجموع فی المحل الفارغ وقد اشتغل المحل بالمقدار النّاقص ففات محل الزائد من حیث المجموع وخصوص التّفاوت وهو الزیادة لیس مطلوبا فهنا نقول إنّ المطلوب أوّلا هو الطّهارة المائیّة فإذا تعذرت وحصلت التّرابیّة فات محل المائیّة لاشتغال المحل بالمصلحة النّاقصة المانعة عن وقوع المصلحة التّامة بتمامها فی ذلک المحل لاحتیاجها إلی محل فارغ وإذا تحقق إمکان الإجزاء وجب بیان أنّه متحقق فعلا أو لا وقد عرفت فی ابتداء المسألة أنّ مبنی المسألة هو وحدة التّکلیف وتعدده فنقول إنّ فی مسألة الوضوء والتّیمم قد علم وحدة التّکلیف من الآیة الشّریفة وقد سبق الإشارة إلیه وکذا فی مثل أقسام الصّلاة حال الاضطرار غیر حال

ص: 289

التّقیّة وأمّا فیه فتابع لما یستفاد من الدّلیل فإن کان مقتضاه الإذن فی إتیان الصّلاة بطریق التّقیّة ظاهرا فی وحدة التّکلیف وإن کان مقتضاه الأمر بالتّقیّة وحفظ النّفس لم یکن ظاهرا فی ذلک وإن أمکن الحکم بالإجزاء أیضا لا من حیث الأمر الاضطراری بل لعدم عموم فی أدلّة وجوب الجزء المتروک تقیّة بحیث یشمل حال الاضطرار أیضا وکذا فی غیر التّقیّة من وقائع الاضطرار لکنّه خارج عن محل الکلام فافهم

[أصل فی النواهی]

أصل هل النّهی بمادته وهیئته موضوع للتحریم أو لا

والحق هو الأوّل أمّا المادة فللتّبادر عرفا حیث یفهم من قولهم نهی الحرمة بمعنی المنع عن التّرک حتما لا الحرام الذی یستحق فاعله العقاب فإنّه تابع لمرتبة النّاهی وأنّه هل یجب متابعته أو لا وقد یستدل بقوله تعالی ماءاتیکم الرّسول فخذوه وما نهیکم عنه فانتهوا بتقریب أنّ المراد أنّه یجب الانتهاء عن کل ما نهی عنه الرّسول فیجب أن یکون النّهی للتحریم لعدم وجوب الانتهاء عن المکروهات واعترض بوجوه منها أنّه لا یدل علی الوضع شرعا لاحتمال أن یکون النّهی مستعملا فی الطّلب الحتمی والاستعمال أعمّ من الحقیقة وفیه أنّه لا قرینة علی إرادة ذلک إلاّ لزوم الکذب لو أرید مطلق طلب التّرک ویمکن دفع الکذب بتخصیص النّهی وضعا بالطّلب التّحریمی فلا یتعین قرینة لما ذکر مضافا إلی دلالة الآیة بعکس النّقیض علی أنّ کل ما یوجب الانتهاء فلیس بنهی یقول مطلق وهو المطلوب ومنها أنّه لا یدل علی الوضع لغة ویکفی فی رده أصالة عدم النّقل بعد ثبوت الوضع شرعا ومنها أنّه لو کان مقیدا للتحریم لما احتاج إلی الأمر بالانتهاء وفیه أنّ إفادة النّهی للتحریم لا یقتضی بنفسها وجوب الإطاعة وإلاّ لوجب إطاعة کل من صدر منه نهی فالآیة إنّما هی لبیان وجوب ترک ما حرمه الرّسول صلی الله علیه وآله لوجوب إطاعته دون من لا یجب إطاعته فإنّ نهیه وإن أفاد التّحریم لکن لا یجب ترک ما حرمه بالنّهی وأمّا الصّیغة فلصدق النّهی علیها عرفا مجردا عن القرینة وقد أثبتنا أنّ المادة تفید الحرمة ویمکن الاستدلال بالآیة السّابقة أیضا بناء علی أنّ طلب التّرک بالصّیغة داخل فی قوله ما نهاکم لصدق النّهی علیه عرفا فیدل الآیة علی وجوب ترک کل ما طلب ترکه بالصّیغة مجردا عن القرینة فیجب أن تکون موضوعة للتحریم وإلاّ لم یجب الانتهاء عنه مطلقا وبعبارة أخری تدل الآیة علی أنّ کل ما طلب الرّسول صلی الله علیه وآله ترکه بصیغة لا تفعل مجردا عن القرینة فهو واجب التّرک وبعکس النّقیض علی أنّ کل ما لیس بواجب التّرک فهو لیس مما طلب الرّسول ترکه بصیغة لا تفعل مجردة فیخرج المکروهات عن أن تکون مطلوب التّرک بالصّیغة المجردة فیثبت وضعها للتحریم وهو المطلوب وأمّا ما أفادتهما العلو والاستعلاء وعدمها فالکلام هو الکلام فی الأمر وقد مر فراجع

أصل هل المطلوب بالنّهی هو الکف أو نفس أن لا یفعل

ذهب إلی کل فریق احتج الأوّلون بأنّ المطلوب یجب أن یکون مقدورا والعدم غیر مقدور لأنّه أمر ثابت قبل الطّلب وأیضا یجب أن یکون فی المطلوب مصلحة مقتضیة للطلب والعدم لا أثر له حتی یترتب علیه المصلحة والجواب أمّا عن الأوّل فهو أنّ العدم مقدور باعتبار القدرة علی استمراره مع أنّه لا یتم فیما إذا کان المکلف مشغولا بالفعل فإن طلب ترکه منه حینئذ لیس

ص: 290

طلبا لتحصیل الحاصل وأمّا عن الثّانی هو أنّه یکفی فی مطلوبیّة التّرک ترتب مفسدة علی الفعل ولا یجب تحقق مصلحة فی التّرک مع أنّا لا نسلم عدم ترتب الأثر علی الأعدام بالإضافة وإن سلم عدم ترتبها علی العدم المطلق ثم إنّ القول المذکور مع عدم تمامیّة دلیله فاسد من أصله إذ المراد من الکف هو التّرک مع المیل إلی الفعل فإن کان مطلوبیّة التّرک مشروطا بالمیل لزم عدم وجوبه علی من لا میل له إلی الفعل وجواز ارتکابه له وإن کان الکف واجبا مطلقا بالنّسبة إلی مقدمته وهی المیل لزم وجوب تحصیل المیل مقدمة لحصول الواجب وهو الکف کما هو الشّأن فی مقدمات الواجب المطلق ولم یقل بهما أحد فإذا الحق هو القول الثّانی

أصل هل النّهی یقتضی الدّوام أو لا

والکلام فیه یقع فی مطالب أحدها أنّ مراد المثبتین غیر معلوم بل یحتمل وجوها منها أنّ النّهی موضوع لمعنی یلزمه الدّوام بحیث لو أقیمت قرینة علی عدم إرادة الدّوام کان مجازا کما لو استعمل الجملة الشّرطیّة من دون إرادة المفهوم منها ومنها أنّ النّهی وإن لم یکن موضوعا لما یلزمه الدّوام لکن لو أطلق یحکم العقل بإرادة الدّوام منه فلو قید وأرید منه غیر الدّوام لم یکن مجازا ومنها أنّ النّهی المطلق موضوع لنفس الدّوام أو أنّ مطلق النّهی موضوع للدّوام والفرق بینهما أنّه علی الأوّل لو استعمل النّهی المقید فی غیر الدّوام لم یکن مجازا وأمّا علی الثّانی فهو مجاز وأمّا کلام النّافی فیحتمل النّفی لجمیع ما یحتمل کلام المثبت ویحتمل النّفی فی مقابل بعضها ومقتضی التّحقیق أن یقال لا ریب فی بطلان الاحتمال الأخیر لعدم الدّلیل علی وضع النّهی للدوام والوضع توقیفی ومادة النّهی موضوعة للجنس والهیئة لطلب ترکها فأین الدّوام وبهذا علم بطلان احتمال الأوّل أیضا مضافا إلی ما نری من عدم لزوم تنافر ولا تناقض عند تقیید النّهی بما ینافی الدّوام وأمّا الاحتمال الثّانی أعنی کون الدّوام مقتضی إطلاق النّهی فنقول إنّ ترک الطّبیعة قد یکون فی ضمن جمیع الأفراد فی جمیع الأزمان وقد یکون فی ضمن بعض الأفراد أو فی بعض الأزمان وحینئذ فیحتمل فی النّهی وجوه أربعة اقتضاء إطلاقه العموم الأفرادی والزمانی وعدم اقتضائه لشیء منهما واقتضاؤه لأحدهما دون الآخر ذهب بعض المحققین إلی أنّ إطلاق النّهی یقتضی وجوب ترک الطّبیعة بجمیع أفرادها لکن لا فی جمیع الأزمان لصدق ترک الطّبیعة بترک جمیع الأفراد ولو فی آن واحد فلیس الدّوام مقتضی الإطلاق نعم یمکن إثباته بدلیل الحکمة وذهب بعضهم إلی أنّ الإطلاق لا یقتضی شیئا نعم یمکن إثبات العموم الأفرادی والأزمانی بدلیل العقل أمّا الأفرادی فلأنّ ترک فرد واحد من الطّبیعة وإن صدق علیه ترک الطّبیعة لکنّه غیر منفک عن المکلّف ضرورة فإنّه إن اشتغل بفرد منها فقد ترک الفرد الآخر فإرادة ترک فرد واحد إرادة لأمر حاصل قهرا فوجب الحمل علی العموم الأفرادی حذرا من لزوم الأمر بتحصیل الحاصل وأمّا العموم الزمانی فبینوه بوجهین أحدهما أنّ ترک الطّبیعة بجمیع أفرادها فی آن واحد لازم للمکلّف عادة فلا فائدة فی طلبه فیجب أن یکون المطلوب التّرک فی جمیع الأزمان إذ لا تعیین لمقدار خاص والثّانی أنّ الزمان المطلوب التّرک فیه لو کان معینا عند الأمر لزم

ص: 291

الإجمال فی کلام الحکیم فیجب الحمل علی العموم کما یحمل علیه المفرد المحلی باللاّم واعترض علی الأوّل بوجهین أحدهما أنّ الفائدة لا تنحصر فی العموم لحصول الفائدة یکون المراد التّرک المتصل بالنّهی فإنّه لیس لازما للشّخص وبالجملة الفائدة تحصل بجعل النّهی للفور وفیه نظر لتصریحهم بعدم التّلازم بین نفی الدّوام وإثبات الفور وبناء علی ما ذکر یلزم للقائل بنفی الدّوام أن یجعله للفور لئلا یلزم فوات الفائدة ولیس کذلک والثّانی أنّ الفائدة هی تعریض العبد للامتثال فإنّه وإن لزم التّرک قهرا لکنّه لو لم یکن مطلوبا فیه طاعة وامتثال ففائدة النّهی تعریض العبد للطاعة وکسب الثّواب ونوقش بأنّه لم یقل أحد باشتراط قصد القربة فی النّواهی بل هی من المعاملات اتفاقا ویحصل البراءة بمحض التّرک ولو من غیر قصد فضلا عن قصد القربة وفیه أنّه لم یدع اشتراط القربة فی النّواهی وإنّما جعل الفائدة تعریض العبد للطاعة والامتثال وهو غیر اشتراطه بل معناه تمکینه منه وهو فائدة عظیمة إلاّ أن یعترض علیه بأنّ ترک الطّبیعة فی أنّ ما ضروری للإنسان فلیس بمقدور حتی یصح تعلق الطّلب به فتعلق الطّلب من أصله غیر صحیح ویمکن دفعه بمنع کونه ضروریّا بل الغالب فی أغلب المنهیّات عدم الاستغراق بالفعل لا کلیّة کما تری فی مثل الشّرک فإنّه منهی عنه مع أنّه یمکن الاتصاف به دائما فیکون ترکه ولو فی آن واحد قابلا للطّلب واعترض علی الثّانی بأنّه یجوز کون الزمان غیر معین فی الواقع ویکون المکلّف مخیرا فی الیقین کما قال به المستدل فی الأمر واستدل علی أنّ الإطلاق یستلزم العموم الأفرادی بأنّ المراد بقولهم ترک الطّبیعة یصدق بترکها فی ضمن بعض الأفراد وفی ضمن الجمیع أنّا إذا لاحظنا ترک الطّبیعة فی نفسها وجعلناها حکایة عن الطّبیعة المتعلقة للنّهی کان علی التّقدیرین صادقا بمعنی أنّ المطلوب إن کان ترک الطّبیعة المطلقة صدق علیه ترک الطّبیعة وإن کان ترک الطّبیعة فی ضمن فرد صدق أیضا ولکن الطّبیعة المتعلقة للحکم لا یمکن اعتبارها بطریق التّردید بین المطلقة والمقیدة بل المطلوب لا یکون إلاّ أحدهما معیّنا وعلی هذا فنقول إذا علق المتکلّم الحکم علی الطّبیعة وکان مراده الطّبیعة المقیدة کان الواجب بیان القید فإذا لم یبینه علم أنّ المطلقة هی بنفسها تمام متعلق الحکم وحینئذ فیسری الحکم إلی جمیع أفرادها إذ لو لم یسر إلی الجمیع لم یکن الطّبیعة تمام المتعلق للحکم بل کان المتعلق الطّبیعة بانضمام بعض الخصوصیّات دون بعض ثم إنّ بعضهم جعل العموم الزمانی مستفادا من العموم الأفرادی بالتّبعیّة بتقریب أنّ الزّمان من مشخصات الأفرادی فإذا قید النّهی بزمان خاص لزم خروج الأفراد المتأخرة عن ذلک الزمان عن تحت العموم ولزم تخصیص العموم الأفرادی وفیه نظر من وجوه أحدها أنّ تقید النّهی بزمان لا یستلزم تقیید الطّبیعة المطلقة لأنّ الإطلاق والتّقیید اعتباریّان تابعان لنظر المعتبر فاعتبار التّقیید فی زمان الطّلب لا یستلزم اعتباره فی المطلوب غایة الأمر لزوم التّقیید فیه قهرا وهو غیر التّقیید ولذا ذکروا أنّ الظّرف فی قوله علیه السلام دعی الصّلاة أیّام أقرائک إن کان قیدا للنّهی کان الصّلاة منهیّا عنها لنفسها

ص: 292

وإن کان قیدا للصلاة کانت منهیّا عنها لوصفها وقد ذکره المستدل أیضا فإنّه لو کان تقیید النّهی مستلزما لتقیید المنهی لکان الصّلاة منهیّا عنها لوصفها علی کلا التّقدیرین والثّانی أنّه استدل علی الدّوام بإطلاق الطّبیعة فلو لم یکن الدّوام منافیا لإطلاق الطّبیعة مع أنّه أیضا مستلزم لخروج الأفراد المتأخرة عن مدة العمر فلا یکون التّقیید بالزمان أیضا منافیا للإطلاق ویمکن دفعه بأنه لا یقول باستفادة الدّوام من الإطلاق بل مراده أنّ الإطلاق مستلزم لشمول جمیع الأفراد لکن العقل یخصه بالأفراد المقدورة فیخرج الأفراد المتأخّرة عن العمر بحکم العقل ویبقی الباقی تحت عموم الإطلاق لأنّ المطلق إذا قید من بعض الجهات لم یخرج عن الإطلاق من الجهات الأخر والثّالث أنّ هذا القائل لا یمکنه إثبات العموم الأفرادی أیضا بإطلاق الطّبیعة فکیف بالعموم الزمانی وذلک لأنّه ذهب إلی أنّ متعلق الأحکام هو الأفراد وإن کان الأمر واردا علی الطّبیعة لأنّ الأمر هو طلب الإیجاد وهذا وارد علی الطّبیعة والوجوب هو الطّلب وهو متعلق بالإیجاد والإیجاد إذا نسب إلی الموجود کان عین وجوده لأنّه نسبة بین الفاعل والقابل إذا نسب إلی الأوّل فهو الإیجاد وإذا نسب إلی الثّانی فهو الوجود والحسن والقبح والمصالح والمفاسد إنّما هی من لوازم الأشخاص والوجودات دون الطّبائع وإلاّ لزم کون تصور الزّنا حراما لأنّ لازم الماهیّة یوجد معها فی الذّهن أیضا فالحکم متعلق بالأشخاص والأفراد ولیس الفرد إلاّ الطّبیعة الموجودة والوجود إنّما یرد علی الطّبیعة المطلقة فتصیر بسبب ذلک الموجود مقیدة لا أنّها قبل الوجود تصیر مقیدة ثم توجد لأن التّحقیق أنّ التّشخص إنّما هو بالوجود وبالجملة الأمر وارد علی الطّبیعة المطلقة ولکن متعلق الحکم الأفراد فکذا نقول فی النّهی أنّه عبارة عن المنع عن الإیجاد والتّحریم هو المنع فهو وارد علی الإیجاد کالأمر فیکون متعلق الحرمة الأفراد وإن کان متعلق النّهی الطّبیعة وقد عرفت أنّ کون متعلق الحکم الفرد لا یوجب تقیید متعلق النّهی سواء أرید فرد واحد أو جمیع الأفراد لأنّ التّقیید إنّما یرد علی الطّبیعة المطلقة والحاصل أنّ المنع عن الإیجاد یرد علی الطّبیعة المطلقة لما عرفت أنّ الوجود إنّما یعرض علی الطّبیعة المطلقة لا المقیدة وحینئذ فلا تفاوت بین أن یکون المطلوب إیجاد واحد أو جمیع الإیجادات فیکون الطّبیعة مطلقة لا یوجب سرایة الحکم إلی جمیع الأفراد نعم لو کان متعلق الحکم هو الطّبیعة لکان ذلک صحیحا وهو غیر قائل به فالأولی علی مذهبه هو التّمسک بدلیل الحکمة إذ لو کان متعلق الحکم الفرد المعین فی الواقع لزم الإغراء بالجهل لعدم المعین أو کان الفرد الغیر المعین لم یکن فی النّهی فائدة فوجب فی الحکمة إرادة جمیع الأفراد فإن قلت علی ما ذکرت من تعلق الأحکام بالأفراد وأنّ وحدة الفرد وتعدده لا یوجب التّقیید فما معنی الإطلاق والتّقیید هنا قلت المطلوب قد یکون فردا معینا فی الواقع والفرد من حیث إنّه فرد موجود خارجی لا یمکن تعلقه بکنهه ولا بیان تعیینه للمخاطب ولکن لما کان

ص: 293

لکل وجود عوارض مختصة به فإذا أرید تعیین فرد معین لزم تقیید الطّبیعة ببعض عوارضه لیکشف ذلک عن إرادة الفرد المعین وإذا لم یقید کشف عن إرادة جمیع الأفراد علی البدلیّة أو استغراقا ولما لم یکن للعموم البدلی فائدة فی المقام لعدم خلو المکلف عنه وجب إرادة الاستغراق لدلیل الحکمة فافهم والأولی فی الاستدلال علی العموم الأفرادی والزمانی جمیعا أن یتشبث بالتّبادر عرفا وهو بناء العلماء أیضا من القدیم إلی الآن حیث یفهمون من النّواهی المطلقة الدّوام وقد عرفت أنّه لیس من باب الوضع لعدم المنافرة والتّناقض عند تقییده بما ینافی الدّوام کما یلزم فی المجازات فیکون إمّا من باب اللّزوم للإطلاق أو للحکمة أو لغیرها فإن فهم العرف بنفسه معتبر فی باب الدّلالات وإن لم یعلم وجهه تفصیلا فافهم الثّانی اختلفوا بناء علی القول بالدّوام فی أنّه تکلیف مستقل بأن یکون التّکلیف بأصل ترک الطّبیعة مغایرا للتکلیف بالدّوام فیکون التّارک فی بعض الأزمنة دون بعض ممتثلا للتکلیف الأوّل دون الثّانی أو لا بل هناک تکلیف واحد فلا یتمثل إلاّ بالتّرک دائما والظّاهر هو الأوّل ولا ینافیه فتوی بعض الفقهاء بانحلال نذر ترک شیء دائما بفعله مرة بتقریر أن وجهه اتحاد التّکلیف فیتحقق الحنث وإن ترک بعده أبدا إذ لا یحصل مجموع التّروک لتخلل الفعل لأنّه مستند إلی النّصوص الخاصة ولا دخل له بدلالة النّهی الثّالث الظّاهر من الدّوام علی القول به هو الدّوام ما دام العمر لا الأبد لخروج ما بعد العمر بحکم العقل ولا معنی هنا للقول بأن دوام کل شیء بحسبه کما قیل به فی الفور الرّابع کل من یقول بالدّوام یلزمه القول بالفور إذ هو مقتضی دلیله وهو إفادة العموم ولا عکس لجواز أن ینفی الدّوام ویثبت الفور لدلیل آخر أو ینفیهما معا فافهم

أصل اختلفوا فی جواز اجتماع الأمر والنّهی فی الشّیء الواحد الشّخصی مع تعدد الجهة وعدمه

علی أقوال وتحقیق الحق یعلم فی طی مطالب الأوّل قیل إنّ هذه المسألة أشبه بمقاصد الکلام منها بمسائل الأصول وربما یظهر من بعضهم أنّها داخلة فی المبادی اللّغویّة ومن بعضهم أنّها داخلة فی مسائل الأصول والتّحقیق خلاف ذلک کله أمّا عدم دخولها فی الکلام فلأنّ الکلام علی ما عرفوه صناعة نظریّة یقتدر بها علی إثبات العقائد الدّینیّة من إثبات الصّانع وصفاته الّتی یتوقف علیها إثبات النّبی والولی والمعاد بما فیه وحاصله أنّه العلم الباحث عن أحوال المبدإ والمعاد ولا ریب فی عدم ارتباط هذه المسألة بذلک إلاّ بأن یجعل البحث فیها عن حسن صدور الأمر والنّهی المذکور عن الله تعالی وقبحه ولیس العنوان ذلک بل إنّما النّزاع فی أنّ تعدد الجهة هل یوجب تکثّر الموضوع بحیث لا یلزم اجتماع الضّدین فی موضوع واحد أو لا وأمّا عدم دخولها فی المبادی اللّغویّة فلأنّ النّزاع لا ینحصر فی الأمر والنّهی اللّفظیّین بل الکلام فی اجتماع الوجوب والحرمة وإن أثبتنا بالإجماع أو بالعقل وأمّا عدم دخولها فی مسائل الأصول فلأنّ مسألة الأصول هی ما یبحث فیها عن

ص: 294

أحوال دلیل الفقه أی یکون بحیث یتفرع علیه الحکم بلا واسطة وهنا لیس کذلک لأنّ هذه المسألة یتفرع علیها مسألة أصولیّة وهی تعارض الأمر والنّهی بناء علی عدم جواز الاجتماع وعدم تعارضهما بناء علی الجواز ویتفرع صحة الصّلاة فی الدّار المغصوبة وفسادها علی التّعارض وعدمه لا علی هذه المسألة وبهذا یعلم فساد ما ربما یتوهم من دخولها فی الأدلّة العقلیّة من علم الأصول بتقریر أنّ النّزاع إنّما هو فی أنّ العقل یحکم بجواز ذلک أو لا وذلک لأنّ ما یبحث عنه فی الأدلّة العقلیّة أیضا یجب أن یکون مما یتفرع علیه المسألة الفقهیّة وقد علمت أنّ هذه المسألة لیست کذلک فالتّحقیق أنّها داخلة فی المبادی الأحکامیّة الباحثة عن أحوال الحکم ولوازمه کمسألة مقدمة الواجب إذ یبحث هنا عن أنّ من أحوال الوجوب والحرمة عدم جواز اجتماعهما أو جوازه فتأمّل الثّانی المراد بالجواز هنا الإمکان العقلی کما یقال هل یجوز إعادة المعدوم أو لا لا الجواز المقابل للقبح کما یقال هل یجوز لله تعالی تصدیق الکاذب أو لا ولا الجواز بمعنی الرّخصة المقابل للمنع کما سیظهر والظّاهر من العنوان هو توارد الأمر والنّهی بجمیع خواصهما وآثارهما من الإطاعة والعصیان والثّواب والعقاب فالقول بأنّ المنهی عنه سقط عن المأمور به لیس قولا بجواز الاجتماع المتنازع فیه وأیضا الظّاهر منه أن یتوارد الأمر والنّهی أصالة علی شیء واحد فلو تعلق کل منهما بشیء کلی وجمع المکلّف بینهما فهو خارج عن محل البحث فاستدلال بعضهم علی الجواز بأنّ الأمر إنّما تعلق بعنوان الکلی والنّهی بکلی آخر وإنّما جمع المکلّف بینهما بسوء اختیاره خروج عن محل النّزاع ویؤید ما ذکرنا ما سیأتی من أنّ بعضهم أجاب عن الاستدلال علی الجواز بأنّه لو أمر السّید عبده بخیاطة ثوب ونهاه عن الکون فی مکان خاص فخاطه فی ذلک المکان لعد مطیعا عاصیا من جهتین بأنّ ذلک إنّما هو لأنّ الغرض هو حصول الخیاطة فکیف اتفق فإنّ معنی هذا الجواب هو أنّ المثال المذکور خارج عن محل النّزاع لتعلق التّکلیف فیه بالکلی فلو کان محل النّزاع شاملا لصورة تعلقهما بالکلی أیضا لکان الجواب بذلک تحریر الأصل محل الدّعوی وقد یسمی الاجتماع فیما إذا تعلقا بالفرد اجتماعا آمریّا وفیما إذا تعلقا بالکلی مأموریّا والتّحقیق شمول النّزاع لکلا الفرضین ویکون حاصل محل النّزاع جواز اجتماع الوجوب والحرمة فی الفرد الواحد سواء کانا أصلیّین بأن تعلقا بالفرد أصالة أو عرضیّین بأن تعلقا به عرضا عند تعلقهما بالکلی أصالة لاتحاده بالفرد وقد مر فی المباحث السّابقة أنّ لوازم الواجب واجبة بالوجوب العرضی وإن لم نقل بوجوب المقدمة فدخل الصّورتان فی محل النّزاع ولا ینافی ذلک ما أجیب به عن الاستدلال المذکور لاحتمال أن یکون المقصود منه أنّ الواجب فی المثال هو الخیاطة کیف اتفق بمعنی أنّه واجب توصلی یسقط الامتثال به بالحرام الصّرف فالخیاطة فی المکان المذکور حرام فقط ولکن یسقط به الواجب فلا یثبت بذلک جواز اجتماع الأمر والنّهی ثم إنّ تحریر محل النّزاع یتوقف علی بسط فی المقال فنقول إنّ متعلّق الأمر والنّهی إمّا أن تباینا ذهنا وخارجا کالصّلاة والزنا أو یتحدا

ص: 295

کذلک کصل ولا تصل أو مختلفا ذهنا ویتحدا خارجا ولا ریب فی خروج الأوّلین عن محل النّزاع والثّالث علی أقسام أربعة لأنّهما إمّا أن یتساویا فی الخارج کالتّکلّم وترک السّکوت فی نحو تکلم ولا تترک السّکوت أو یکون بینهما عموم مطلق والأمر هو الأخص نحو صل فی الدّار المغصوبة ولا تغصب أو عموم مطلق والنّهی أخص نحو صل ولا تصل فی الدّار المغصوبة أو یکون بینهما عموم من وجه وهذا علی قسمین أحدهما أن یتلازما بسبب العوارض الخارجة کالدّاخل فی الدّار المغصوبة فإنّه مأمور بالخروج ومنهی عن الغصب ولا تلازم بین الخروج والغصب ذاتا لکن امتثال الأمر هنا لا یمکن إلاّ بفعل الغصب بواسطة دخوله الدّار والثّانی أن لا یکون کذلک مثل صل ولا تغصب فهذه أقسام خمسة ولا شبهة فی أنّ القسم الأخیر داخل فی محل النّزاع إنّما الإشکال فی الباقی فقیل بخروجها جمیعا أمّا الأوّل والثّانی والرّابع فللزوم التّکلیف بما لا یطاق لو اجتمعا ولهذا اشترطوا وجود المندوحة للمکلّف فی محل النّزاع وأمّا الثّالث فلأنّه داخل فی المسألة اللاحقة وهی أنّ النّهی فی العبادات هل یستلزم الفساد أو لا فلو دخل هنا أیضا لما کان بینهما فرق ویظهر من بعضهم دخول القسم الرّابع فی المتنازع فیه حیث حکم فیه بالجواز مستدلا بأنّ التّغایر الذّهنی کاف فی الجواز وهو موجود فیه والتّحقیق أنّ الجمیع داخل فی المتنازع فیه لأنّ المراد بالجواز فی العنوان إمّا الإمکان فیکون جهة البحث هی أنّ التّغایر الذّهنی هل هو مکثر للموضوع لیرتفع صدق اجتماع النّقیضین فی شیء واحد أو لا وحینئذ فیمکن القول بالجواز حتی فی صورة التّساوی أیضا وحاصل الجواز أنّه لا یلزم منه اجتماع النّقیضین فلا یلزم منه أن یکون التّکلیف أیضا صحیحا حتی یرد أنّه تکلیف بما لا یطاق فیما لا مندوحة للمکلّف فیه وأمّا المراد بالجواز مقابل القبح فیکون جهة البحث هی أنّه یلزم من نفس اجتماعهما مع قطع النّظر عن الخارج التّکلیف بما لا یطاق لیکون قبیحا أو لا وهذا أیضا یشمل جمیع الصّور لإمکان أن لا یکون اجتماعهما بنفسه موجبا للتکلیف بما لا یطاق ولکن یلزم ذلک بواسطة تلازم المتعلقین ذاتا أو بالعوارض وبالجملة لا وجه لاعتبار المندوحة فی محل النّزاع ولذا لم یعتبروها فی العنوان ویمکن أن یکون الاشتراط المذکور لبیان أنّ ثمرة النّزاع إنّما تظهر فیما یکون للمکلّف مندوحة فإنّه إذا لم یقدر علی امتثال الأمر إلاّ فی ضمن الفرد المنهی عنه لم یجز التّکلیف بهما لکونه تکلیفا بما لا یطاق من جهة تلازمهما ذاتا أو عارضا فلا ثمرة فی النّزاع فی أنّ نفس اجتماعهما أیضا هل یوجب التّکلیف بما لا یطاق أو لا نعم یثمر ذلک فیما لا یکون هناک مانع سوی نفس الاجتماع فیثمر النّزاع حینئذ بقی الکلام فی أنّه إذا کان النّزاع هنا شاملا للعموم المطلق فما الفرق بینه وبین المسألة الآتیة مع أنّ الکلام فیها أیضا أعمّ لتمثیلهم فیها بالصّلاة والغصب فی المنهی عنه لوصفه المفارق المتحد معه فی الوجود ولو سلم اختصاص البحث هنا بالعام من وجه وهناک بالعام المطلق فما وجه التّفرقة بینهما مع اتحاد جهة الکلام فیهما فنقول ذکروا للفرق وجوها منها

ص: 296

أنّه یکفی فی الفرق بینهما کون المسئول عنه بینهما مختلفا وإن ترتّب أحدهما علی الآخر وذلک لأن المسئول عنه هنا هو جواز تعلق الطّلبین بشیء واحد وهناک أنّ النّهی إذا تعلق بشیء فهل یقتضی ارتفاع الأمر المتعلق به فیفسد إن کان عبادة أو لا وهذا غیر الأوّل نعم هو متفرع علیه إذ لو جاز الأوّل لم یکن لارتفاع الأمر وجه ووجه التّفرقة عموم تلک المسألة إذ لا اختصاص لها بالعبادات لشمول الکلام فیهما للمعاملات أیضا ومنها أنّ الکلام هنا إنّما هو من جهة حکم العقل بجواز الاجتماع وعدمه وهناک إنّما هو فی وضع النّهی أو فی فهم العرف وأنّهم هل یفهمون من ورود النّهی تخصیص الأمر بغیر مورد النّهی أو لا ویظهر الثّمرة فی صورة صدور العبادة سهوا فیحکم بالصّحة إن حکم بعدم جواز الاجتماع عقلا لأنّه إنّما هو لعدم جواز اجتماع الحرمة والوجوب وحیث وقع سهوا فلا نهی فلا وجه للفساد ویحکم بالفساد إن لم یفهم التّخصیص لأنّ النّهی حینئذ کاشف عن عدم دخول الفرد المنهی عنه تحت الأمر فلا یکون مطلوبا من أصله لا فی خصوص صورة الحرمة ولکن فیه أنّ الکلام فی تلک المسألة لا یختص بالنّهی اللّفظی بل الکلام فی الأعمّ منه ومن العقلی وغیره مما ثبت بالإجماع ونحوه فهما من هذه الجهة واحدة ولذا یستدلون فی تلک المسألة أیضا بالوجوه العقلیّة فالأولی فی الفرق هو الوجه الأوّل ثم إنّک قد عرفت أنّ اعتبار المندوحة فی محل النّزاع لا وجه له فنقول الوجوب والحرمة المتعلقان بالشیء المذکور قد یکونان تعیینیّین وقد یکونان تخییریّین وقد یکون أحدهما تعیینیّا والآخر تخییریّا والکل داخل فی النّزاع علی ما بینا وأمّا بناء علی اعتبار المندوحة فلا یدخل منها فی النّزاع إلاّ صورة واحدة وذلک لأنّهما إن کانا تعیینیّین لزم التّکلیف بما لا یطاق وکذا إن کان الأمر تعیینیّا والنّهی تخییریّا لأنّ مقتضی کون النّهی تخییریّا الإذن فی ترک کل منهما وحرمة الجمع والإذن فی التّرک ینافی الوجوب عینا وإن کانا تخییریّین جاز قطعا لأن الوجوب التّخییری معناه حرمة ترک الجمیع والحرمة تخییریّا معناها حرمة فعل الجمیع ولا تنافی بینهما فبقی صورة واحدة وهو کون الوجوب تخییریّا والحرمة تعیینیّا کالصّلاة والغصب فإنّ وجوب الصّلاة بالنّسبة إلی أفرادها بحسب الأمکنة تخییری وحرمة الغصب تعیینیّة وهذا هو المتنازع فیه ولیعلم المراد بالتّعیین والتّخییر هو ما یعتبر فی المکلّف به لا بالنّسبة إلی المکلّف أعنی العینی والکفائی فإنّ الصّور المذکورة لا یتفاوت ما ذکرنا فیها سواء کان الحکم بالنّسبة إلی المکلّف عینیّا أو کفائیّا فإذا کان الوجوب والحرمة بالنّسبة إلی المکلّف به تعیینیّین لم یکن جائزا وإن کانا بالنّسبة إلی المکلّف کفائیّین أو أحدهما عینیّا والآخر کفائیّا ولذا وقعوا فی الإشکال فی مسألة وجوب القضاء والحکومة بین النّاس فإنّه واجب تعیینی مع أنّهم حکموا بکراهته فی حق من لا یثق من نفسه ترک المحارم وإن کان القضاء بالنّسبة إلی المکلفین واجبا کفائیّا فإنّه لا یدفع الإشکال ولذا أجابوا عن الإشکال بوجه آخر وهو أنّ ذلک الشّخص خارج عن عموم دلیل الوجوب فلا یجب فی حقه أصلا لا أنّه واجب ومکروه فإنّه غیر جائز

ص: 297

قطعا حتی عند من یجوز اجتماع الأمر والنّهی فی محل النّزاع ثم إنّه لا فرق بین کون الأمر توصلیّا أو تعبدیّا وکذا بین کونهما موسعین أو مضیقین أو مختلفین وإن کان الظّاهر من العنوان الاختصاص ببعض الأقسام ثم إنّک قد عرفت أنّهم خصصوا محل النّزاع بما إذا کان بین المأمور به والمنهی عنه عموم من وجه فاعلم أنّه قد یکون بین متعلق الأمر والنّهی العموم من وجه نحو أکرم العالم ولا تکرم الفاسق والظّاهر منهم خروجه عن محل النّزاع حیث مثلوا فی المسألة بمثل صل ولا تغصب وذکروا فی مسألة التّعادل والتّراجیح أنّه إذا کان بین الدّلیلین العموم من وجه مثل أکرم العالم ولا تکرم الفاسق ففیه قولان التّساقط والتّخییر ولیس هناک قول ثالث فإنّ مقتضی الاتفاق علی القولین عدم جواز الاجتماع فیه وإلاّ لکان مقتضی القول بجواز الاجتماع العمل بهما معا فیکون قولا ثالثا وما یمکن أن یقال فی الفرق وجوه منها أنّ الأمر والنّهی فی مثل صل ولا تغصب قد ورد علی الطّبیعة بخلاف الأمر بالإکرام فإنّه تعلق بأفراد العالم فیصیر الاجتماع فی الثّانی آمریّا وفی الأوّل مأموریّا وفیه أنّ هذا الفرق تحکم إذ لو تعلق الأمر بالطّبیعة تعلق بها فیهما وإلاّ فلا ومنها أنّ الصّلاة غیر الغصب بخلاف الإکرام فإنّه واحد والقول بتعدده بالإضافة إلی العالم والفاسق باطل لأنّ الإضافة أمر اعتباری لا یوجب تکثر الماهیّة والشّاهد علی ذلک رکاکة عطف أحدهما علی الآخر بأن یقال أکرم وأکرم بخلاف مثل صلی وغصب والنّکتة فی ذلک أنّ الإکرام من الأوصاف المتعلقة بالموجود الخارجی ابتداء وإن تعلق بالماهیّة أیضا بالتّعلق العرضی والمفروض أنّ الوجود واحد وهو مورد الاجتماع فیکون الوصف واحدا وفیه أنّ الإضافة توجب تکثر الماهیّة باعتبار الوجود کما أنّ السّجود إذا أضیف إلی الله وجب وإذا نسب إلی الصّنم حرم ولو لا کون الإضافة موجبة لتکثّر الماهیّة لکان الأمر والنّهی مجتمعین فی غیر مورد اجتماع العلم والفسق أیضا لاتحاد ماهیّة الإکرام الّتی هی المتعلق للأمر والنّهی وأمّا رکاکة العطف فإنّما هو لاتحاد اللّفظین والمفهوم المطلق ولذا لو قید بالإضافة جاز العطف بأن یقال أکرم العالم وأکرم الفاسق والنّکتة لا دخل لها بالمقام لأنّها إنّما تجری فی الأوصاف المتعلقة بالموجودات من غیر أن یکون خصوصیّة الماهیّة معتبرة فی الوصف وأمّا إذا کان الوجود واسطة فی ثبوت الوصف للماهیّة فلا تجری تلک النّکتة فإنّ خصوصیّة ماهیّة العالم توجب وصف وجوب الإکرام وکذا خصوصیّة الفاسق والفرد واسطة فی ثبوت الوصف للماهیّة لا للعروض لها والمفروض تعدد الماهیّة فیتعدد الوصف فالتّحقیق عدم الفرق ودخول الجمیع فی محل النّزاع وتمثیلهم بمثل صل ولا تغصب لا یدل علی الحصر واتفاقهم علی القولین هناک إنّما هو علی فرض التّعارض لأنّ کلامهم هناک إنّما هو فی الأدلّة المتعارضة فیکون بعد فرض تحقق الموضوع وهو التّعارض فافهم الثّالث اختلفوا فی أنّ الکلیّین إذا کان بینهما عموم من وجه فهل هما موجودان فی مورد الاجتماع بوجودین مختلفین فی الواقع وإن کان المحسوس وجودا واحدا أو لا بل هما موجودان بوجود واحد ولو کانا مختلفین ذاتا وعلی الأوّل لا شبهة فی جواز الاجتماع لکونه نظیر المتباینین وعلی الثّانی یدخل فی محل النّزاع فقیل بالأوّل وهو إنّهما موجودان بوجودین مستدلا بأنّ

ص: 298

الکلیّین المذکورین لما کان لکل منهما مورد افتراق عن الآخر لم یجز کون أحدهما ذاتیّا للآخر بأن یکون فصلا له ولا أن یکون من الأوصاف اللازمة له بل یجب إمّا أن یکون منزلة کل منهما من الآخر منزلة الوصف الغیر اللازمة من الموصوف أو منزلة العرض المفارق من الموضوع ولا شبهة أنّ وجود الوصف والعرض المذکورین غیر وجود الموصوف والمعروض ولذا یبقی وجوده مع انتفاء الوصف والعرض ویشهد له أنّهم فسروا الوصف المفارق فی المسألة الآتیة بما یکون الموصوف مع عروض ما یقابله باقیا بالعدد أی بشخصه وهو هو بعینه بخلاف الوصف اللازم فإنّ الموصوف لیس قابلا لعروض ما یقابله بحیث یبقی الموصوف بحاله وهو هو بعینه ومثلوا للنّهی عنه لوصفه المفارق بالصّلاة والغصب وللنّهی عنه لوصفه اللازم بالقراءة والجهر والإخفات لعدم بقاء القراءة بحالها عند زوال الجهر والإخفات لاختلافها باختلافهما بخلاف الصّلاة فإنّها لا تختلف بکون المکان مغصوبا ومباحا فعلم أنّ الوصف المفارق هو ما یبقی الموصوف بحاله مع عروض ما یقابل ذلک الوصف علیه ولا یمکن ذلک إلاّ مع فرض اختلاف الوجود وإلاّ لما کان لبقاء الموصوف مع زوال الوصف تعقل لا یقال لو کان الموجود متعددا لما جاز حمل أحدهما علی الآخر لأنّ مقتضی الحمل اتحاد الوجود لکن الحمل جائز قطعا فیقال للصلاة المغصوبة إنّها غصب وبالعکس لأنّا نقول الوجود قسمان أحدهما الوجود فی نفسه کما یقال زید موجود والثّانی علی صفة نحو زید کاتب أی موجود علی وصف الکتابة واتحاد الوجود المعتبر فی الحمل یکفی فیه الاتحاد بأحد الوجهین ولا ریب أنّ الوجود علی صفة هو عین وجود تلک الصّفة فإنّ وجود زید علی وصف الکتابة هو عین وجود الکتابة فحمل الکاتب علی زید إنّما هو بعد اعتبار معنی الکتابة فی زید وإلاّ لم یحمل الکاتب علی زید لأنّه فی نفسه مع قطع النّظر عن الوصف لیس بکاتب وحینئذ فلا ضرر فی أن یکون لزید وجودان أحدهما الوجود فی نفسه وهو مغایر مع وجود الکاتب والثّانی الوجود علی صفة وهو عین وجود الکاتب وهو کاف فی صحة الحمل وکذا نقول فی مثل الغصب والصّلاة أنّ لکل منهما وجودا فی نفسه مغایرا لوجود الآخر ووجودا علی صفة وهو عین وجود الآخر وباعتباره یصح الحمل هذا غایة الکلام فی توجیه القول المذکور ویرد علیه أوّلا أن المشاهد من الصّلاة فی المدار المنصوبة لیس إلاّ الحرکات والسّکنات المتحققة بالوضع الخاص ولا شبهة فی أنّها أمر واحد لا تعدد فی وجوده وهو واجب لکونه صلاة فإن زعمت أنّه أیضا حرام لوقوعه بغیر إذن المالک لزم اجتماع الوجوب والحرمة فی الموجود الواحد فقد أقررت بعد الإنکار وإن قلت إنّه لیس بحرام بل الحرام هو عدم الإذن ففیه أنّه إن أرید من حرمة عدم الإذن حرمته علی المالک بمعنی وجوب الإذن علیه ففساده ظاهر إذ لا یجب علیه الإذن وإن أرید منه حرمة عدم الاستئذان من المالک فلا دخل له بالمسألة بل هو خروج عن محل الکلام لتباین المأمور به والمنهی عنه حینئذ کالصّلاة والنّظر إلی الأجنبیّة والکلام إنّما هو علی فرض کون

ص: 299

الفرد الواحد موردا لاجتماع الکلیّین والصّلاة لیست موردا لعدم الاستئذان أو هذا ظاهر جدا وثانیا أنّ العموم من وجه علی قسمین موردی ومصداقی والضّابط فی الأوّل أن یکون الکلیّان مغایرین فی الوجود ذاتا وخارجا ولکن قد یقترنان فی مورد واحد کالسواد والحلاوة فإنّهما متغایران من جمیع الوجوه ولا یصدق أحدهما علی الآخر أصلا ولکن یمکن اقترانهما بأن یتصف شیء واحد بالسواد والحلاوة والضّابط فی الثّانی أن یصدق الکلیّان معا علی فرد واحد ویکون ذلک الفرد مصداقا لهما معا بالوجود الواحد وهذا إنّما یمکن فی کلیّین یکون فوقهما کلی آخر وهو القدر المشترک بینهما ویکون ذلک الکلی بحیث یمکن أن یلحقه بعض القیود فیحصل أحد الکلیّین وإن یلحقه قید آخر فیحصل الکلی الآخر وإن یلحقه مجموع القیدین فیحصل مجموع الکلیّین وإذا نسب القیدان إلی ذلک القدر المشترک لم یجز أن یکون کل منهما فصلا له لما ثبت فی المعقول من أنّ الفصول متضادة لا یمکن اجتماعها والمفروض إمکان اجتماع القیدین فیجب أن یکون کل منهما عرضیّا أو یکون أحدهما فصلا والآخر عرضیّا کالأسود والحلو فإن فوقهما کلی مشترک بینهما وهو الجسم وهو قد یلحقه السّواد فقط فیحصل الأسود وقد یلحقه الحلاوة فیحصل الحلو وقد یلحقه الوصفان فیحصل الأسود والحلو والجسم الموجود فی مورد الاجتماع أمر واحد موجود بوجود واحد فی نفسه وإن کان وجود کل من الوصفین غیر وجود الآخر واعتباره یتحقق للجسم وجودان آخران علی صفة وهما عین وجودی تلک الصّفتین ولکن الجسم الذی هو مورد الاجتماع لیس إلاّ أمرا واحدا موجودا بوجود واحد ولو لا ذلک بأن یختلف وجود الجسم باعتبار السّواد والحلاوة لم یکن بینهما قدر مشترک یکونان مصداقا له فلا یکون بین القسمین من العموم من وجه فرق مع بداهة الفرق ویکفی فیه عدم صحة الحمل فی الأوّل فلا یقال السّواد حلاوة وصحته فی الثّانی حیث یقال الأسود هو الحلو إذا عرفت ذلک فنقول الصّلاة والغصب کلیّان وفوقهما کلی هو مطلق الکون فقد یلحقه عوارض الصّلاة فیکون صلاة وقد یلحقه عوارض الغصبیّة فیکون غصبا وقد یلحقه العارضان فیکون صلاة وغصبا فوجود وصف الصّلاة غیر الغصب ولکن الکون الموجود معهما الذی هو القدر المشترک أمر واحد موجود بوجود واحد فلا یمکن اجتماع الأمر والنّهی فیه واختلاف وجود وصفی الصّلاتیّة والغصبیّة لا یوجب تعدد وجود الکون الذی هو القدر المشترک فافهم وبما ذکرنا علم فساد ما ذکره بعضهم فی المسألة من أنّ الجهتین المعتبرین فی مورد الاجتماع إن کانتا تعلیلتین لم یجز الاجتماع لوحدة المحل واختلاف التّعلیل لا یوجب تعدد الموضوع وإن کانتا تقییدیتین جاز لأنّ الموضوع باعتبار کل قید غیره باعتبار القید الآخر وذلک لما عرفت من أنّ اختلاف القید فی المسألة لا یوجب تعدد وجود الموضوع فلا فرق بین کون الجهة تعلیلیّة أو تقییدیّة ووجهه أنّ الکلی إذا نسب إلی فرده لم یمکن أن یوجب تقییدا

ص: 300

فی ذلک الفرد بل إنّما یمکن التّقیید إذا نسب الشّیء إلی الکلی الذی فوقه فلا یمکن فی المسألة جعل تعدد الجهتین موجبا لتکثّر الموضوع لأنّ الموضوع فرد لهما ومصداق واحد للقدر المشترک بینهما وقد عرفت أنّ الوجود النّفسی فیه واحد فتأمّل الرّابع قد عرفت أنّ الکلیّین الذین بینهما العموم من وجه یجب أن یکون فوقهما کلی آخر هو القدر المشترک بینهما وهو موجود واحد إذ لو کان متعددا لما کان بینهما اجتماع أصلا کالمتباینین فنقول علی هذا لا حاجة إلی ما ذکره بعضهم من أنّ عدم جواز الاجتماع فی المسألة مبنی علی تعلق الأحکام الشّرعیّة بالأفراد أو بالماهیّة باعتبار الأفراد لأنّ الفرد المشترک موجود بوجود واحد والحکم إنّما یتعلق بالفرد فیجتمع الأمر والنّهی فی الواحد الشّخصی وذلک لأنّه وإن کان الحق تعلق الأحکام بالوجودات لأنّ المصلحة والمفسدة إنّما یثبت فیها دون الماهیّات وإلاّ لزم تحقق الامتثال بتصور الصّلاة والمعصیة بتصور الزنا لأنّ عارض الماهیّة لا تنفک عنها فی الذّهن والخارج بل التّحقیق أنّه لا عارض للماهیّة من حیث هی إلاّ الوجود وجمیع العوارض اللاحقة للماهیّة غیر الوجود فإنّما یعرضها بواسطة الوجود والتّفرقة إنّما هو باعتبار أقسام الوجود إذ قد یکون عارضا للوجود الخارجی وقد یکون عارضا للوجود الذّهنی وقد یکون عارضا لهما والثّالث یسمی عارض الماهیّة اصطلاحا وإلاّ فهو أیضا من عوارض الوجود وبالجملة وإن کان التّحقیق ذلک وأنّ وجود الکلیّین فی مورد الاجتماع واحد لکن المسألة تتم بغیر ذلک ولا تبتنی علیه بل یتم منع صحة الاجتماع وإن قلنا بتعلق الأحکام بالماهیّات وذلک لأنّک قد عرفت من لزوم وجود کلی ثالث یکون واحدا بالذّات ولکن قد یعرضه بعض العوارض فیحصل أحد الکلیّین وإذا علم أنّه واحد علم أنّه لا یجوز تعلق الأمر والنّهی بالکلیّین لا بشرط لأنّه یقتضی کون ذلک الأمر الواحد مأمورا به ومنهیّا عنه مع أنّه واحد مثلا إذا تعلق الأمر بالکون الصّلاتی لا بشرط کان مقتضاه مطلوبیّته وإن وجد معه عارض الغصبیّة أیضا وإذا تعلق النّهی بالکون الغصبی لا بشرط اقتضی مغبوضیّة وإن وجد معه العارض الصّلاتی وحینئذ فیلزم فی مورد الاجتماع اجتماع الأمر والنّهی فی ذلک الکون مع أنّه واحد بالذّات لما عرفت أنّه لو کان متعددا لزم خلاف المفروض أعنی أن یکون بین المأمور به والمنهی عنه عموم من وجه فافهم الخامس قد سبق أنّ العنوان فی کلمات القوم مختلف حیث جعل بعضهم النّزاع فی تعلق الأمر والنّهی بواحد شخصی من جهتین وبعضهم جعل عدم جواز ذلک مفروغا عنه وجعل النّزاع فی أنّه إذا تعلق الأمر والنّهی بکلیّین بینهما عموم من وجه فهل هو مستلزم لتعلقهما بالفرد الذی هو مورد الاجتماع حتی یکون غیر جائز أو لا یستلزم ذلک حتی یکون جائزا ویظهر هذا عن صاحب القوانین والمحقق الشّریف حیث قالوا بأنّ الفرد مقدمة للکلی فوجوب الکلی لا یستلزم وجوبه إلاّ من باب المقدمة ووجوب المقدمة توصلی یسقط الامتثال فیه بالحرام أو أنّه یجوز اجتماعه مع الحرام وبالجملة فالحکم المتعلق بالکلی لا یجب سرایته إلی الفرد ولا بد فی تحقیق هذا المطلب من

ص: 301

بیان أمرین أحدهما أنّ الفرد مقدمة للکلی أو لا والثّانی أنّ حکم الفرد هل هو حکم مقدمی أو لا أمّا الأوّل فیظهر الحق فیه بیان النّسبة بین الکلی والفرد فنقول اختلفوا فی أنّ الکلی الطّبیعی هل هو موجود فی الخارج أو لا وعلی فرض وجوده هل هو عین الفرد أو جزؤه وذهب إلی کل بعض واستدل النّافون لوجوده بأنّه لو کان موجودا لکان إمّا عین الأفراد أو جزءا منها أو خارجا عنها لا سبیل إلی الثّالث لأنّه قدر مشترک ذاتی للأفراد فلا معنی لکونه خارجا عنها وأمّا الأوّل والثّانی فباطلان إذ لو کان عینا للأفراد لزم کون بعض الأفراد أیضا عینا للبعض الآخر لأنّه عین الکلی والکلی عین الفرد الآخر فهو عین الفرد الآخر لأنّ عین عین الشّیء عین ذلک الشّیء ولو کان جزءا لها لزم تقدم الکلی علی الفرد فی الوجود ضرورة وجوب تقدم الجزء علی الکلی مع أنّه فاسد ضرورة فظهر أنّ الکلی لا وجود له فی الخارج وإنّما الموجود هو الفرد والکلی شیء منتزع منه عقلا والتّحقیق أنّ الکلی موجود فی الخارج وجزء للفرد وذلک لأنّ الکلی الطّبیعی وهو الماهیّة إذا اعتبر معها الوجود الخارجی کانت عین الفرد إذ لیس الفرد عبارة إلاّ عن الماهیّة الموجودة فالوجود إذا عرض علی الماهیّة تحقق الفرد فهی مع اعتبار الوجود معها عین الفرد ومع قطع النّظر عن الوجود جزء للفرد لأنّ الفرد مرکب من الماهیّة والوجود بالجملة الماهیّة إذا لوحظ معها الوجود الخاص تحقق الفرد المخصوص ولا یلزم من ذلک اتحاد الأفراد لاختلاف الوجودات بالذّات فالماهیّة مع کل وجود خاص عین الفرد الموجود بذلک الوجود ولا یلزم من ذلک اتحاد ذلک الفرد مع الفرد الآخر لأنّ الماهیّة إذا لوحظت مع وجود الفرد الأوّل لم یکن عین الفرد الآخر حتی یلزم اتحاد الفردین وأمّا لزوم تقدم الجزء علی الکل فممنوع کلیّة والمسلم منه إنّما هو فی المرکب من الأجزاء الّتی کل منها معروض الوجود کان یکون کل منها ماهیّة وأمّا المرکب من أجزاء بعضها نفس وجود باقی الأجزاء فلا یجب فیه تقدم الجزء وجودا علی الکل کما نحن فیه فإنّ الفرد مرکب من الماهیّة والوجود العارض لها فالماهیّة إذا وجدت تحقق الفرد فلا یلزم وجود الماهیّة أو لا ثم وجود الفرد إذا ظهر هذا تبین أنّ الفرد لیس مقدمة للکلی بل هو عینه بحسب الوجود الخارجی ولا تمایز بینهما خارجا وأمّا الأمر الثّانی فقد ظهر مما قرّرنا لأنّ الفرد إذا کان عین الکلی فی الخارج لزم کونه متعلقا لعین الحکم المتعلق بالکلی بأی نحو کان نفسیّا وعینیّا وتعیینیّا وغیر ذلک لأنّه عین الکلی الموجود وعلی هذا ربما یشکل الأمر فی مثل الواجبات التّعیینیّة کالصّلاة مثلا فإنّ مقتضی کون وجوب الفرد عین وجوب الکلی أن یکون کل فرد منها واجبا نفسیّا وحینئذ یلزم أن لا یحصل الامتثال بأحد الأفراد وإن یتعین الإتیان بالجمیع ودفعه ظاهر لأنّ الوجوب المتعلق بالفرد هو عین ما تعلق بالکلی ومعنی وجوب الصّلاة تعیینیّا أنّ الإتیان بماهیّة أخری غیر الصّلاة کالزّکاة مثلا لا یجزی عنها فهذا ثابت فی أفرادها أیضا لعدم سقوطها بإتیان فرد من ماهیّة أخری وهذا لا ینافی التّخییر بین نفس أفراد تلک الماهیّة فافهم السّادس قد عرفت ما ذکره بعضهم من أنّ حکم الکلی لا یسری إلی الفرد بل الفرد مقدمة للکلی فیمکن کون الفرد حراما صرفا مسقطا

ص: 302

عن الامتثال بالکلی وکذا یمکن کون الفرد واجبا مقدمیّا وحراما لجواز اجتماع الواجب التّوصلی مع الحرام وأقول علی ما ذکرنا من أنّ الکلی فی الوجود عین الفرد وأنّ التّشخص إنّما هو بالوجود ظهر أنّه لا معنی لکون الفرد مقدمة بل هو عین الکلی الموجود ونزید هنا أنّه ولو سلمنا أنّ التّشخص إنّما هو بغیر الوجود بل یحصل بشیء نسبته إلی النّوع کنسبة الفصل إلی الجنس وأنّ الفرد مرکب من الماهیّة والتّشخص فنقول لا ریب فی فساد القول بأنّ الفرد حرام ومسقط عن الواجب بیان ذلک أنّه یمکن أن یتحقق فی شیء واحد عنوانان یکون ذلک الشّیء بأحد العنوانین مقدمة لنفسه بالعنوان الآخر ولیس المراد أنّه متقدم علی نفسه فی الزمان بل المراد بالمقدمیّة الأحقیّة فی نسبته الوجود کالفصل بالنّسبة إلی الجنس فإنّ المراد من کونه مقدمة له هو أنّ نسبة الوجود إلی الفصل أولی من نسبته إلی الجنس لأنّ نسبة الوجود إلی الخاص وإلی من نسبته إلی العام مثال ذلک المقدمات العلمیّة کالصّلاة إلی الجهات الأربع فإنّها واجبة لأن تحصیل العلم واجب فإذا لوحظ مجموع الصّلوات الأربع کان فیها عنوانان أحدهما عنوان تحصیل العلم إذ لیس معنی تحصیل العلم إلاّ إتیان الصّلاة الأربع والثّانی عنوان الصّلاة إلی الجهات وهی بالعنوان الثّانی مقدمة لها بالعنوان الأوّل وحینئذ فنقول فی مثل هذا الشّیء إذا ثبت الوجوب له بأحد العنوانین اتصف بالوجوب ولزم الإتیان به ولا ثمرة فی البحث عن أنّه هل یجب بالعنوان الآخر هو أو لا والعنوان الآخر لو لم یکن واجبا فلا ریب أنّه لا یمنع عن وجوبه بالعنوان الأوّل وإلاّ لزم عدم وجوب شیء من الواجبات لوجود العناوین الغیر الواجبة فی جمیعها کالصّلاة فإنّ فیها عناوین تحریک البدن والاستقامة والانحناء وأمثال ذلک إذا عرفت هذا فنقول لا ریب أنّ الماهیّة والتّشخص لا تمیز بینهما بحسب الخارج بل الموجود فی الخارج شیء واحد هو الفرد قد جمع فیه عنوانان أحدهما الماهیّة والآخر عنوان التّشخص والمفروض وجوب عنوان الماهیّة لا بشرط شیء فعنوان التّشخص غیر مانع عنه نعم لو اعتبر فی المطلوب بعض الخصوصیّات کان غیره من الخصوصیّات مانعا عن مطلوبیّة الماهیّة الموجود معه لعدم وجود عنوان المطلوب فیه ولیس المفروض هنا ذلک إذ الفرض وجوب الماهیّة لا بشرط شیء وحینئذ فالفرد یکون واجبا بعین وجوب الماهیّة فالقول بأنّه حرام صرف خارج عن المفروض ومع التّنزل وتسلیم أنّ مقصوده هو أن مطلوبیّة الماهیّة مشروطة بغیر خصوصیّة الفرد المحرم نقول إنّه لا معنی حینئذ لسقوط الامتثال بذلک الفرد مع عدم کونه مطلوبا أصلا لا نفسیّا ولا مقدمیّا إذ مع اعتبار غیره من الخصوصیّات لا یحصل التّوصل به إلی المطلوب فإذا هو غیر مطلوب أصلا ولا یحصل التّوصل به إلی المطلوب فما معنی الإسقاط مع عدم حصول الغرض والمطلوب فافهم السّابع فی أنّ مقتضی الأصل فی المسألة هل هو الجواز أو عدمه قال بعضهم إنّ مقتضی الأصل العقلی والأصل اللّفظی هو الجواز أمّا العقلی فلأنّ المراد بالجواز هو الإمکان ومعناه تساوی طرفی الوجود والعدم والامتناع معناه رجحان طرف العدم کما أنّ

ص: 303

الوجوب رجحان طرف الوجود ومقتضی الأصل تساوی الطّرفین لأنّ الرّجحان زیادة تنفی بالأصل ولذا ذکر الرّئیس أنّ کل ما قرع سمعک فذره فی بقعة الإمکان ما لم یزدک عنه قائم البرهان وأیضا الممکن أکثر فیجب إلحاق المشکوک به وأمّا الأصل اللّفظی فلأنّ الجواز هو مقتضی ظاهر الخطابین لتعلق کل منهما بطبیعة غیر ما تعلق به الآخر وهو لا یستلزم أمرا محالا غایة الأمر أنّ المکلّف یجمعها فی مورد واحد بسوء اختیاره وفیه نظر لأنّ مقتضی العقل فی مقام الشّک فی الإمکان هو التّوقف لا الحکم بالإمکان وأصالة عدم الرّجحان فاسد لأنّ الامتناع علی فرض ثبوته لیس مسبوقا بالعدم حتی یجری الأصل فیه کما سبق بیانه فی مبحث المشترک وبالجملة العقل یحکم بالتّوقف والمراد من کلام الرّئیس هو أنّ کل ما قرع سمعک فاجعله أمرا محتملا ولا تحکم بامتناعه بلا دلیل ولا بإمکانه أیضا ولذا ذکر أنّ کل من حکم فی واقعة بحکم من دون أن یثبت عنده بالدّلیل فهو خارج عن فطرة الإنسان ووجهه ظاهر وأمّا جهة الإلحاق بالأکثر ففسادها غیر خفی لأنّ الممتنع لا یمکن وجوده حتی یکون الممکن أکثر منه وإن لوحظ الکثرة بالنّسبة إلی المفهومات الممکنة والممتنعة فأکثریّة الممکنة ممنوعة وأمّا الأصل اللّفظی فلا یظهر منه الجواز أمّا أوّلا فمنع تعلق الطّلبین بالطّبیعة بل الطّلب متعلق بإیجادها وهو الأفراد وحینئذ فظاهر الطّلبین اجتماعهما فی مورد الاجتماع وهو غیر جائز وأمّا ثانیا فلما ذکرنا أنّه یجب أن یکون بین الکلیّین لا محالة قدر مشترک لیوجدا معا فی مورد الاجتماع والطّلبان یتعلقان بذلک القدر المشترک الذی هو أمر واحد شخصی فی مورد الاجتماع وهو محال فعلم أنّ ظاهر الخطابین لیس أمرا جائزا عقلا اللهم إلاّ أن یرید من ذلک أنّ مقتضی ظاهر الطّلبین هو اجتماعهما فی مورد واحد فإنّه مسلم لکنّه غیر مسألة جواز الاجتماع الذی کلامنا فیه إذ الکلام إنّما هو أنّ مقتضی الخطابین هل هو أمر جائز عقلا أو لا وقد عرفت عدم جوازه سواء قلنا بتعلّق الأحکام بالأفراد أو بالطّبائع فتأمّل إذا تمهدت هذه المقدمات فنقول اختلفوا فی المسألة علی أقوال الجواز مطلقا والمنع مطلقا والجواز عقلا لا عرفا استدل المجوزون بوجوه أحدها عدم المقتضی للمنع لأنّ وجه المنع إمّا لزوم اجتماع الضّدین فی محل واحد أو لزوم التّکلیف بما لا یطاق وکلاهما ممنوعان أمّا الثّانی فلاعتبار المندوحة أی القدرة علی الامتثال المنفک عن المعصیة وأمّا الأوّل فیقرر بوجهین أحدهما أنّ المأمور به والمنهی عنه لما کان بینهما عموم من وجه وجب تغایرهما ذاتا ووجودا فهما موجودان بوجودین فلا فرق بین الصّلاة والغصب وبینهما وبین النّظر إلی الأجنبیّة إلاّ أنّ تغایر الموجودین فی الثّانی ظاهر علی الحس دون الأوّل وإذا تغایر الوجودان والذّاتان لم یلزم اجتماع الضّدین فی محل واحد وثانیهما أنّ اتحاد الوجودین مسلم لکن تغایر الذّاتین کاف فی المطلوب لأنّهما إنّما تعلقا بالطّبیعتین من غیر اعتبار الوجود فلا دخل للوجود فی الطّلب فلا یلزم اتحاد المطلوب والمبغوض لا یقال إنّ الفرد لما کان مقدمة للطبیعة لزم سرایة الحکم إلیه من

ص: 304

باب المقدمة مع أنّ النّهی عن الطّبیعة نهی عن جمیع أفرادها فیلزم اجتماع الحکمین فی الفرد من باب المقدمة أو الأمر المقدمی والنّهی النّفسی لأنّا نقول لا نسلم أوّلا وجوب المقدمة وثانیا نسلم وجوبها التّوصلی وهو یجوز اجتماعه مع الحرام وثالثا نقول إنّ الفرد حرام صرف لکنّه یسقط الواجب لحصول الطّبیعة فی ضمنها هذا حاصل التّقریر وهو متوقّف علی مقدمیّة الفرد وعدم وجوب المقدمة وجواز اجتماع الوجوب التّوصلی مع الحرام وجواز کون الحرام مسقطا والجمیع فی معرض المنع ویمکن تقریر الدّلیل بطریق لا یتوقّف علی تلک المقدمات الممنوعة بأن یقال إنّ وجوب الطّبیعة لا یستلزم وجوب الفرد بل لا حکم للفرد أصلا إذ ما یتصور حکما له إمّا الوجوب المقدمی وهو فرع کون الفرد مقدمة وهو ممنوع أو الوجوب النّفسی وهو أیضا باطل إذ المراد به إمّا النّفسی العینی أو التّخییری الشّرعی أو التّخییری العقلی والأوّل مستلزم لعدم حصول الامتثال ببعض الأفراد والثّانی فرع تعلق الخطاب الشّرعی بالأفراد تخییرا وهو مفقود والثّالث إن أرید به إنشاء العقل الوجوب التّخییری للأفراد فممنوع وإن أرید به حکمه وتصدیقه بأنّ الإتیان بأحد الأفراد مسقط للتّکلیف لحصول الطّبیعة فی ضمنه فمسلم لکنّه لیس بالوجوب الشّرعی الذی هو ضد الحرمة فلم یلزم اجتماع الضّدین فی محل واحد هذا غایة ما یمکن أن یقال فی تقریر الدّلیل العقلی للمجوزین وبما أسلفنا فی المقدمات تعلم فساد جمیع ذلک أمّا اعتبار المندوحة فلأنّه لا یوجب دفع المحذور وهو لزوم التّکلیف بما لا یطاق إذ لیس علة قبح التّکلیف بما لا یطاق کونه إلزاما بما لا یمکن إتیانه حتی لا یجری فی الواجب التّخییری بل العلة هی أنّ الطّلب من المکلف لما لا یتمکن من امتثاله قبیح فلو أراد إتیان الصّلاة فی الدّار المغصوبة وترکها کان قبیحا لأنّه إرادة ما لا یمکن امتثاله وأمّا منع لزوم اجتماع الضّدین بالوجوه المذکورة فلفساد جمیع الوجوه أمّا الأوّل فلما سبق أنّه لا یمکن فرض العموم من وجه إلاّ بأن یکون بین الکلیّین قدر مشترک هو الموجود فی مورد الاجتماع فالوجود واحد کما أنّ الموجود بالوجود النّفسی أیضا واحد وأمّا الوجه الثّانی فلأنّه مبنی علی تعلق الأحکام بالماهیّات وکون الفرد مقدمة وجواز اجتماع الواجب التّوصلی مع الحرام أو کون الحرام مسقطا والتّحقیق خلاف ذلک کله بل الأحکام متعلقة بالوجودات الخارجیّة لأنّها المتصفة بالمصالح والمفاسد ولو قلنا بتعلقها بالماهیّة أیضا تم المطلوب لأنّ الماهیّة مع قطع النّظر عن وجودها الذّهنی والخارجی عدم صرف لا یمکن کونها متعلقة للطلب فإنّ المطلوب یجب أن یکون مما له ثبوت ولو فی ظرف الذّهن فیکون الماهیّة الثّابتة مطلوبة والوجود سواء کان فی الذّهن أو فی الخارج لیس مغایرا للماهیّة کالأوصاف الخارجیّة من السّواد أو البیاض ضرورة تأخّر الصّفة وجودا عن الموصوف ولا یمکن تقدم الماهیّة وجودا علی الوجود فهما متحدان ذهنا وخارجا وتغایرهما إنّما هو فی التّصور بمعنی أنّه یمکن للذّهن أن یتصور الماهیّة مرة ویتصور لها الوجود بتصور آخر مع أنّها بالتّصور الأوّل أیضا موجودة ذهنا لکن الذّهن لا ینظر إلی ذلک الوجود فتغایرهما إنّما هو بالتّصور ولذا قال بعضهم إنّ الوجود

ص: 305

عارض الماهیّة تصورا واتحدا هویّة وإذا علم مطلوبیّة الماهیّة الثّابتة فإمّا یراد الثّابتة فی ذهن الطّالب وهو محال لعدم قدرة المکلّف علی التّصور الذی هو فعل ذهن الطّالب أو الثّابتة فی ذهن المکلّف وهو مستلزم لحصول الامتثال بتصور الصّلاة کما سلف فإذا لا یکون المطلوب إلاّ الماهیّة الثّابتة فی الخارج وقد عرفت عدم التّمایز بینها وبین الوجود فیلزم اجتماع الطّلبین بالنّسبة إلی الوجود الواحد وهو معنی اجتماع الضّدین وأمّا ما ذکره المستدل المذکور فی آخر کلامه من أنّه لا استحالة فی أن یقول الحکیم هذه الطّبیعة مطلوبتی ولا أرضی بإیجادها فی ضمن هذا الفرد أیضا ولکن لو عصیتنی وأوجدتها فیه أعاقبک لما خالفتنی فی کیفیّة الإیجاد لا لأنّک لم توجد مطلوبی لأنّ ذلک الأمر المنهی عنه خارج عن العبادة فهذا معنی مطلوبیّة الطّبیعة الحاصلة فی ضمن هذا الفرد لا أنّها مطلوبة مع کونها فی ضمن الفرد فما لم نحصل معناه فإنّ الکون الصّلاتی فی المکان المغصوب أمر واحد متصف باقترانه بعدم إذن المالک وقد عرفت اتحاد وجوب الغصب والصّلاة فیه فإن أراد بما ذکر أنّ ذلک الکون مطلوب صرف والاقتران مبغوض وهو أمر خارج عن العبادة فمع أنّه خروج عن محل البحث وهو العموم من وجه المصداقی وأنّ حرمة الاقتران بعدم الإذن غیر معقول لا یجامع قوله لا أنّها مطلوبة مع کونها فی ضمن الفرد وقوله بکون الفرد حراما مسقطا عن الواجب وإن أراد أنّ ذلک الکون حرام لاقترانه بعدم الإذن حصل الاجتماع لوحدة الوجود کما عرفت والظّاهر أنّه قد خلط علیه اجتماع جهتی الحسن والقبح بالمطلوبیّة والمبغوضیّة والواجب التّوصلی بالتّعبدی فإنّ اجتماع الأوّلین ممکن لکن مطلوبیّة الشّیء إنّما هی بعد ملاحظة جمیع مصالحه ومفاسده فإن کان فیه المصلحة السّلیمة عن معارضة المفسدة کان مطلوبا أو المفسدة السّلیمة عن مزاحمة المصلحة کان مبغوضا وإلاّ فمباحا ولا یمکن اجتماع المطلوبیّة والمبغوضیّة فی شیء واحد کما یمکن اجتماع العلم والفسق فی زید مع أنّ الأوّل جهة الکمال والثّانی جهة النّقص لکن لا یمکن أن یقال إنّ زیدا کامل وناقص نعم فی الواجب التّوصلی یمکن کون الحرام مسقطا لحصول الغرض لا فی المقام لعدم حصوله کما عرفته فی المطلب السّادس وأمّا جواز اجتماع الوجوب التّوصلی مع الحرمة ففساده ظاهر لأنّ معنی الوجوب لا یتفاوت بکون المصلحة فی نفس الواجب أو فی غیره بل الوجوب مرتبة من الطّلب مانعة من النّقیض فاجتماعه مع الحرمة اجتماع الضّدین مطلقا وأمّا کون الفرد مقدمة فقد ظهر لک فساده وکذا فساد منع وجوب المقدمة وأمّا الوجه الثّالث فلأنّا نختار الوجوب العینی ولکن علی نحو ثبوته للکلی وهو معناه عدم سقوطه بإتیان طبیعة أخری کما سبق فتلخص مما ذکرنا أنّ اجتماع الأمر والنّهی أعنی المطلوبیّة والمبغوضیّة فی شیء واحد من جهتین مستلزم للتکلیف بما لا یطاق سواء اعتبرت المندوحة أو لا ومستلزم لاجتماع الضّدین فی محل واحد سواء قلنا بتعلّق الأحکام بالوجودات أو بالماهیّة الثّابتة ولا ثالث بینهما وأنّ الفرد الحرام لا یمکن کونه مسقطا للواجب لما عرفت أنّ حرمة الفرد معناها مطلوبیّة الطّبیعة الموجودة فی ضمن غیر ذلک الفرد فبذلک الفرد لا یحصل المطلوب أصلا ولا معنی للسّقوط مع عدم حصول الغرض فالتّحقیق

ص: 306

عدم جواز الاجتماع عقلا وإذا لم یجز عقلا وجب تأویل کل ما یخالفه من الأدلّة النّقلیّة کما سیأتی الثّانی من أدلّة المجوزین الوقوع شرعا فإنّه کاشف عن الإمکان الذی هو المراد بالجواز فی المسألة کالعبادات المکروهة بحسب المکان کالصّلاة فی الحمام ونحوه أو بحسب الزّمان کالصّوم یوم عرفة علی بعض الوجوه وتقریب الاستدلال أنّ مناط البحث فی اجتماع الأمر والنّهی هو أنّ تعدد الجهة هل یوجب تکثر الموضوع حتی لا یلزم اجتماع الضّدین فی محل واحد أو لا وکما أنّ الوجوب والحرمة ضدان کذا الوجوب والکراهة أیضا ضدان فلو لم یکن تعدد الجهة مجدیا فی الأوّل لزم عدم جواز اجتماع الأخیرین أیضا مع أنّهم اتفقوا علی صحة العبادات المکروهة ولیس معنی الصّحة فی العبادة إلاّ موافقة الأمر فیعلم من ذلک وجود الأمر والنّهی التّنزیهی أیضا موجود وإلاّ لم تکن مکروهة فقد ثبت الاجتماع وهو المطلوب وأیضا قد ورد فی الشّرع اجتماع الحکمین المتماثلین فی محل واحد من جهتین کالغسل الواحد للحیض والجنابة أو للجمعة والجامعة لاجتماع الوجوبین فی الأوّل والاستحبابین فی الثّانی من جهة السّببین فلو لم یجد تعدد الجهة فی تکثر الموضوع لامتنع اجتماع المثلین أیضا مع وقوعه هذا غایة تقریر الدّلیل وأنت بعد ما عرفت من استحالة الاجتماع عقلا علمت وجوب التّأویل فی الظّواهر النّقلیّة إذ لا یحصل منها العلم باجتماع الحکمین غایة الأمر الظّهور فی ذلک وهو لا یعارض البرهان العقلی وحینئذ فنقول للمانعین فی تأویل تلک الظّواهر مسالک عدیدة ولنقدم ما ذکروه فی العبادات المکروهة فنقول مرجع کل ما یذکر فی التّأویل أحد الأمرین وذلک لأنّ الإشکال إنّما نشأ من کون العبادة مطلوب الفعل للأمر ومطلوب التّرک للنّهی وطلب الفعل والتّرک ضدان فدفع الإشکال بناء علی القول بالمنع إنّما یکون برفع التّضاد بین طلب الفعل والتّرک فیها بتقیید التّرک المطلوب بما یخرجه عن کونه نقیضا للفعل المطلوب أو یمنع کون النّهی فیها بمعنی طلب التّرک فهنا وجهان أحدهما ما ذهب إلیه بعض الأفاضل وتقریره من وجهین الأوّل أنّ وجه امتناع مطلوبیّة الفعل والتّرک هو امتناع اتصاف وجود الشّیء وعدمه بحکم واحد من المطلوبیّة والمبغوضیّة لکون الوجود والعدم متناقضین فیمتنع کونهما معا مطلوبین أو مبغوضین وحینئذ فلو قید عدم الشّیء بما یخرجه عن کونه نقیضا له لم یکن مانع من اجتماعهما فی الحکم الواحد کما فی العبادات المکروهة وذلک لأنّ فعل العبادة بقصد القربة مطلوب ونقیض هذا هو ما لا یمکن رفعه معه وهو ترکه المطلق فلا یمکن کونه أیضا مطلوبا وأمّا ترکه المقید بقصد القربة فلیس نقیضا لفعله المعتبر معه قصد القربة لإمکان ارتفاعهما معا بأن یترک العمل من دون أن یکون التّرک بقصد القربة وحینئذ فلا مانع من کون التّرک المقید بالقربة مطلوبا أن فعله المقید بالقربة أیضا مطلوب لکن یجب أن لا یکون الطّلب عینیّا لا لاجتماع الضّدین فی محل واحد لما عرفت من تغایر المحلین بل للزوم التّکلیف بما لا یطاق لو تعین علیه الفعل بقصد القربة والتّرک کذلک وأمّا الطّلب التّخییری فلا ضرر فیه بل له نظائر عدیدة فی

ص: 307

الشّرع قد خیر الشّارع فیها بین شیء وجودی وبین ترک شیء آخر کالعتق والصّوم فی الکفارة لأنّ الصّوم معناه ترک الأکل بل خیر فی بعض الموارد بین فعل شیء وترکه المقید بغیر القربة من القیود کالصّوم المندوب وترکه المقید بإجابة المؤمن فی الإفطار بل الأمر کذلک فی جمیع الواجبات التّخییریّة لأنّ ترک کل واحد مقدمة للآخر فیکون مطلوبا بقید التّوصل إلیه مخیرا فالمکفّر مخیّر بین العتق وترکه المقید بالإیصال إلی الطّعام أو الصّوم غایة الأمر أنّ الطّلب بالنّسبة إلی التّرک هنا غیری مقدمی وهو غیر قادح وبالجملة إذا جاز مطلوبیّة الفعل نفسیّا ومطلوبیّة التّرک المقید بغیر القربة فما وجه الاستبعاد فی جواز مطلوبیّة الفعل والتّرک المقید بالقربة نفسیّا کان أو غیریّا لعدم تفاوت حقیقة الطّلب بالنّفسیّة والغیریّة کما مر وفیه أوّلا ما عرفت سابقا من أنّه لا یمکن جعل قصد القربة قیدا للمطلوب لأنّه مستلزم للدور لتوقف القربة علی الأمر وثانیا أنّ قصد القربة بفعل شیء وبترکه أیضا غیر معقول والتّخییر فی المثال السّابق لیس بین فعل الصّوم وترکه بل إنّما هو بین الفعلین الصّوم والإجابة وثالثا أنّ فیما یکون بین المأمور به والمنهی عنه عموم من وجه مثل صل ولا تکن فی مواضع التّهم یلزم علی ما ذکرت استعمال النّهی فی المعنیین أعنی الطّلب التّعیینی بالنّسبة إلی غیر مورد الاجتماع والتّخییری بین الفعل والتّرک بالنّسبة إلی مورد الاجتماع وکذا فی صورة العموم المطلق یلزم استعمال الأمر فی المعنیین أعنی الطّلب التّخییری بین الأفراد الرّاجحة والطّلب التّخییری بین الفعل والتّرک بالنّسبة إلی الأفراد المکروهة فافهم الثّانی أنّ ترک العبادات مطلوبة علی تقدیر التّوصل به إلی الأفضل وفعلها مطلوب علی تقدیر عدم التّوصل بترکها إلی الأفضل وبالجملة فالتّرک الموصل مطلوب وهو لیس نقیضا للفعل لإمکان رفعهما معا فی ضمن التّرک الغیر الموصل وفیه أیضا نظر أمّا أوّلا فلاستلزامه فی صورة العموم من وجه إرادة المعنیین من النّهی بأن یکون قوله لا تکن فی مواضع التّهم مستعملا فی النّهی التّوصلی بالنّسبة إلی مورد الاجتماع وفی النّهی النّفسی بالنّسبة إلی غیره وأمّا ثانیا فلأنّه لا معنی له فیما لا بدل له من العبادات کالتّطوع وقت طلوع الشّمس إذ لا معنی لمطلوبیّة ترکه للتّوصل إلی بدله إذ لا یفرض له بدل من نوعه وهو المراد بالبدل لا نوع آخر وإلاّ لزم کراهة کل عبادة کان فوقها ما هو أرجح منها ولو من غیر نوعها وأمّا ثالثا فلأنّ ظاهره أنّ سبب الکراهة هو محض حصول التّوصل بترکها إلی الأرجح وعلی هذا فیلزم کراهة الصّلاة فی مسجد السّوق لمطلوبیّة ترکها للتّوصل إلی مسجد الجامع مثلا وأمّا رابعا فلأنّ حاصل الجواب هو أنّ العبادة باقیة علی رجحانها الذّاتی غایة الأمر مطلوبیّة التّرک للتّوصل إلی الأفضل وهذا ینافی الأخبار الواردة فی الباب لدلالتها علی وجود منقصته فی أصل تلک العبادة بل دل بعض الأخبار علی کونها معصیة تأکیدا للکراهة وبالجملة فالجواب بإبقاء النّهی علی ظاهره من طلب التّرک بالوجهین المذکورین غیر تمام فتأمّل ثانیهما أن لیس المراد بالنّهی فی هذه الموارد طلب التّرک بل المراد منه الإرشاد إلی أقلّیّة الثّواب لیترک ویؤتی بالفرد الأفضل وبیانه أنّ الأمر المتعلق بالماهیّة یستفاد منه التّرخیص فی إتیان

ص: 308

أی فرد أراد المکلف وحصول الامتثال بأی فرد کان وتساوی الأفراد فی الثّواب فإذا تعلق النّهی ببعض الأفراد فإن کان تحریمیّا کان ناظرا إلی رفع الأولین أی التّرخیص والامتثال کما سیأتی فی المسألة الآتیة وإن کان تنزیهیّا کان ناظرا إلی رفع التّساوی فی الثّواب ومبینا لقلة ثواب ذلک الفرد عن ثواب أصل الطّبیعة بواسطة وجود خصوصیّة فی ذلک الفرد موجبة للنّقص وذلک لأنّ أصل الطّبیعة له مقدار معین من الثّواب فقد یزید بواسطة بعض الخصوصیّات وهو المستحب کالصّلاة فی المسجد وقد ینقص بواسطة بعض الخصوصیّات وهو المراد بالمکروه کالصّلاة فی الحمام وقد یبقی بحاله کالصّلاة فی البیت مثلا فارتفع الاعتراض بأنّه یلزم علی هذا کراهة أکثر العبادات الّتی ثوابها أقل من عبادة أخری کالصّلاة فی مسجد الکوفة لأنّها أقل ثوابا من الصّلاة فی المسجد الحرام وکذا یلزم استحباب العبادات الّتی ثوابها أکثر من عبادة أخری کالصّلاة فی البیت بالنّسبة إلی الصّلاة فی الحمام مع أنّه یلزم فی الجمیع اجتماع الاستحباب والکراهة بالنّسبة إلی ما هو أقل منها ثوابا وإلی ما هو أکثر ووجه ارتفاعه أنّ قلة الثّواب وکثرته فیما ذکرت من الأمثلة إنّما هی لعدم وجود الخصوصیّة الموجبة للزیادة أو الموجبة للنّقص لا لوجود خصوصیّة موجبة لهما فإنّ الصّلاة فی البیت ثوابها أکثر من الصّلاة فی الحمام لا لخصوصیّة أوجبت ذلک بل لعدم وجود الخصوصیّة المنقصة فیها وکذلک قلة الثّواب فی الصّلاة فی مسجد الکوفة لیست لوجود منقصة فیها بل لعدم وجود الصّفة الموجودة فی المسجد الحرام فیها ثم إنّه قد علم بما ذکرنا أنّه یجب أن یکون ثواب الطّبیعة زائدا عن کفایة الوجوب لیبقی فی الفرد المکروه ثواب کاف فی الوجوب وإلاّ لم یکن معنی لبقائه علی الوجوب والمطلوبیّة والحاصل أنّه لما قام الإجماع علی صحة الفرد المکروه وقام الدّلیل العقلی علی عدم بقاء النّهی علی حقیقته وجب حمله علی الإرشاد ولازمه بالتّقریر المذکور کون ثواب أصل الطّبیعة زائدا عن کفایة الوجوب وحینئذ فلا یرد أنّ الوجه المذکور مبنی علی ثبوت أنّ ثواب أصل الطّبیعة زائد عن مقدار کفایة الوجوب وهو موقوف علی إثباته بالدّلیل واعترض علی الجواب المذکور بأنّه لا یتم فیما لا بدل له من العبادات کالتّطوع فی وقت طلوع الشّمس مثلا فإنّ کل زمان یسع فیه رکعتان من الصّلاة فهی مستحبة فیه وحینئذ فلا معنی للإرشاد إلی قلة الثّواب طلبا للتّوصل إلی الأفضل إذا الأفضل لا یقوم مقام الأوّل إلاّ إذا علم عدم تمکّن المکلّف من إتیانها معا فیجوز الإرشاد وحینئذ إلی إتیان الأفضل وتخصیص النّواهی بهذه الصّورة بعید جدا هذا إذا أراد من جعل النّهی للإرشاد بقاءه علی معنی الإنشاء بأن یکون حاصله طلب التّرک إرشادا إلی الأکثر ثوابا وأمّا إن أخرجه عن معنی الطّلب وجعله للإخبار بقلة الثّواب من غیر قصد الإرشاد إلی الأفضل لم یرد علیه ما ذکر لکن یستلزم ذلک فی ما یکون بین المأمور به والمنهیّ عنه عموم من وجه استعمال النّهی فی معنیین إنشاء طلب التّرک بالنّسبة إلی غیر مورد الاجتماع والإخبار عن قلة الثّواب بالنّسبة إلی المورد وقد یجاب بوجه ثالث وحاصله أنّ النّهی مستعمل فی طلب التّرک لکن لا بعنوان أنّه ترک للمستحب حتی یلزم منه مطلوبیّة الفعل والتّرک

ص: 309

واتصاف طرفی النّقیض بالمطلوبیّة بل بعنوان آخر متحد مع التّرک فی الوجود أو مقارن معه نظیر الواجبین المتزاحمین کإنقاذ أحد الغریقین فإن فعل کل منهما مطلوب وترکه بعنوان أنّه مقارن لإنقاذ الآخر أیضا مطلوب لا بعنوان أنّه ترکه حتی یلزم الحذور وهنا أیضا کذلک فإنّ فعل الصّوم مطلوب والإفطار أیضا مطلوب لا بعنوان أنّه ترک للصّوم بل بعنوان أنّه متحد مع الإجابة لدعوة المؤمن فیکون الشّخص حینئذ مخیرا بین الفعل والتّرک المعنون بذلک العنوان والتّرک أرجح کما فی أحد فردی الواجب التّخییری إذا کان أفضل وحینئذ إذا علم العنوان المتحد مع التّرک أو المقارن معه فلا إشکال وإلاّ فنقول إنّ النّهی کاشف عن وجود العنوان فی الواقع إجمالا وإن لم نعلمه تفصیلا لا یقال لا یخلو الشّخص من الفعل والتّرک قطعا فما فائدة الطّلب لأنّا نقول الفائدة حصول الثّواب بواسطة الامتثال أنّه لا یمکن الامتثال بدون الطّلب فإن قیل علی هذا یلزم الحکم بکراهة کل عبادة کان ترکها معنونا بعنوان مطلوب بالطّلب الأرجح من طلب الفعل کالصّلاة فی مسجد الکوفة إذا تحقق ترکها مقارنا للصلاة فی الحرم المطهر علی ساکنه السّلام فیلزم کونها مکروهة قلنا بعد تسلیم إمکان مقارنة ترکها لفعل الأفضل لا یخفی أنّ ترکها بعنوان أنّه فعل الأفضل أفضل من فعلها فلا ضرر فی الحکم بالکراهة بهذا المعنی کما ذکروا أنّ حکمهم بکراهة الصّوم عند الدّعوة للإفطار ولیس لتعلق النّهی بالصّوم بل لورود الخبر رجحان الإفطار للإجابة فإذا کان هذا موجبا للحکم بالکراهة فلیکن الخبر الوارد برجحان الصّلاة فی الحرم علی الصّلاة فی المسجد موجبا لکراهة الصّلاة فی المسجد وإلاّ فما الفرق فإن قلت علی هذا یلزم استعمال النّهی فی التّعیین والتّخییر إذا کان المنهی عنه أعمّ من المأمور به من وجه لأنّ المطلوب منه التّرک معینا فی غیر مورد الاجتماع ومخیرا فی المورد قلت هذا لیس جمعا بین المعنیین لأنّ النّهی حقیقة فی الأعمّ من التّعیین والتّخییر کالأمر علی ما سبق تحقیقه فی مبحث الأمر فتأمّل ولیعلم أنّ الإشکال فی العبادات المکروهة لا یختص بمن لا یجوز الاجتماع بل هو وارد علی المجوزین أیضا بالنّسبة إلی ما لا بدل له منها فإنّ الأمر فیها قد تعلق بالفرد عینا ولا یمکن امتثاله فی ضمن فرد آخر لأنّه مأمور به بأمر آخر وعلی هذا فیلزم فیه اجتماع الأمر والنّهی فی المحل الواحد والتّکلیف بما لا یطاق لعدم المندوحة نعم فیما له بدل یمکن لهم التّفصی بأنّ المأمور به کلی والمنهی عنه کلی آخر علی ما سبق والعجب من بعض المحققین حیث رام تصحیح الاجتماع فیما لا بدل له أیضا بالوجه الذی ذکروه فیما له بدل وقد أتی فی بیانه بما یقتضی منه العجب کما یظهر لمن رجع إلی القوانین وهو أعلم بما قال هذا تمام الکلام فی العبادات المکروهة وأمّا مسألة تداخل الأغسال فالکلام فیها من وجهین أحدهما فی اجتماع المتضادین فیها إلی الواجب والمستحب کالجمعة والجنابة والثّانی فی اجتماع المثلین أی الواجبین کالجنابة والحیض والجمعة والزیارة وأمثالها فنقول قد أجاب بعض المحققین فی الأوّل بأنّه لا تضاد بین الوجوب والاستحباب حتی یمتنع اجتماعهما بل الاستحباب عبارة عن الطّلب الغیر المانع عن النّقیض والوجوب هو الطّلب المانع عنه ولا تنافی بین ما یقتضی المنع وما لا یقتضیه نعم لو کان

ص: 310

الاستحباب مقتضیا للإذن لامتنع الاجتماع وما یری من تعریف الاستحباب بقولهم هو طلب الفعل مع الإذن فی التّرک لیس لاعتبار الإذن فی مفهوم الاستحباب بل إنّما هو باعتبار أنّ المستحب اصطلاحا إنّما یطلق علی ما لا یقتضی المنع أصلا بأن لا یکون فی الشّیء عنوان یقتضی المنع من التّرک ولازم ذلک تحقق الإذن فی التّرک وأمّا مع قطع النّظر عن الاصطلاح فیصدق المستحب علی المطلوب بالطّلب الغیر المقتضی للمنع وإن قارنه عنوان مطلوب بالطّلب المانع عنه وفیه نظر لأنّ الطّلب الاستحبابی وإن لم یعتبر فیه الإذن فی التّرک لکن لا شبهة فی أنّه مرتبة خاصة من الطّلب غیر مرتبة الوجوب فحاله بالنّسبة إلیه حال الظّن بالنّسبة إلی العلم فکما لا یمکن اجتماعهما بالنّسبة إلی متعلق واحد فکذا الطّلب الاستحبابی والوجوبی فالأولی فی الجواب عن الوجهین أن یقال أوّلا إنّ الإشکال وارد علی المجوزین أیضا فی مسألة تداخل الأسباب الواردة لعمل واحد کالوضوء بالنّسبة إلی الغایات الواجبة والمندوبة فإنّ الظّاهر من الشّرع أنّ الوضوء طبیعة واحدة متی تحققت بالوجه الشّرعی ترتب علیها جمیع الآثار والغایات فلیس هناک عنوانان یتعلق الوجوب بأحدهما والاستحباب بالآخر یجمعهما المکلف فی فرد واحد فإنّ الوضوء للصلاة المکتوبة والمندوبة أمر واحد لأنّه بالنّسبة إلی الأوّل نوع وبالنّسبة إلی الثّانی نوع آخر کغسل الجمعة والجنابة فعلی هذا یلزم اجتماع الضّدین لعدم تعدد الجهة التّقییدیّة وثانیا أنّ الأمر الوجوبی والاستحبابی والأمران الوجوبیان إذا تعلقا بشیء واحد فمقتضاهما فی حال الاجتماع غیر مقتضاهما فی حال الانفراد فمقتضی الأمرین الوجوبین مرتبة واحدة من الوجوب أشد منها حال الانفراد لا وجوبان ومقتضی الأمرین الاستحبابیین مرتبة واحدة من الاستحباب أشد منها حال الانفراد لا استحبابان وکذا فی الوجوبی الاستحبابی یثبت الوجوب الأشد من الثّابت من الأمر الوجوبی حال الانفراد إذا تحقق هذا فنقول إن أردت من اجتماع المتضادین والمتماثلین هنا اجتماع الطّلبین فغیر لازم بل هناک طلب واحد کما بینا وإن أردت منه صدق عنوان الاستحباب أو الوجوب مثلا باعتبار تحقق الاستحباب أو لا ثم اشتد فتحقق الوجوب فلا ضرر فیه لأنّ تحقق الوجوب لیس دافعا للاستحباب وإنّما هو استحباب مع شیء زائد وقد أشرنا إلیه فی مبحث تداخل الأسباب ولا یلزم من ذلک اجتماع الضّدین لیس هنا إلاّ طلب واحد فتأمّل ثم إنّ فی المسألة تفصیلین عن بعض المحققین الأوّل التّفصیل بین العقل والعرف فیما إذا کان بین المأمور به والمنهی عنه عموم من وجه فحکم بجواز الاجتماع عقلا ومنه عرفا ولا نعرف وجهه إذ المقصود من تفکیک العقل والعرف إمّا یکون بعد فرض اتحاد الموضوع بمعنی أنّه إذا ورد الأمر والنّهی علی کلیّین أو تعلقا معا بالأفراد فالعقل حاکم بالجواز دون العرف وإمّا یکون بعد فرض اختلاف الموضوع بمعنی أنّ العقل یحکم بجواز تعلقهما بکلیّین بینهما عموم من وجه لکن یفهم العرف منهما طلب الأفراد فیکون ممتنعا أمّا الأوّل فبین الفساد إذ العرف إنّما یحکم بمقتضی عقله فکیف یمکن تجویز العقل ومنع العرف وأمّا الثّانی فمع أنّه علی فرض تعلق التّکلیف بالطّبیعة أیضا یمتنع الاجتماع عقلا علی ما عرفت

ص: 311

یطابق مذهب القائل حیث ذهب إلی أنّ المتبادر من الأمر طلب الطّبیعة لا الأفراد وبذلک أثبت وضعه لذلک وحینئذ فنقول إذا کان الأمر موضوعا لطلب الطّبیعة وهو المتبادر منه عرفا فما وجه فهم العرف طلب الأفراد فإن کان لأجل امتناع اجتماع الأمر والنّهی فی الطّبیعتین فقد حکمت بجوازه وإن کان لقرینة حالیّة أو مقالیّة فلم تظهر لنا بعد بل یجب أن تبین فتأمّل الثّانی التّفصیل فیما إذا کان المنهی عنه أخص من المأمور به مطلقا بین المنهی عنه لوصفه اللازم فمنعه عقلا وعرفا وبین المنهی عنه لوصفه المفارق فجوزه عقلا ومنعه عرفا علی احتمال فی الجواز أیضا مثال الثّانی قوله صل ولا تصل فی الدّار المغصوبة فإنّ النّهی إنّما تعلق بالصّلاة باعتبار وصف الغصب وهو وصف مفارق للصّلاة لأنّ الصّلاة لا یختلف شخصها باختلاف المکان لأنّ نسبة المکان إلی الأفعال کنسبته إلی الأجسام فالمنهی عنه وهو الوصف المفارق مغایر للمأمور به ذاتا ووجودا ولیس من مقوماته ومشخّصاته ولو سلم اختلاف الصّلاة بحسب اختلاف المکان فنقول إنّما هو إذا فرض اختلاف المکان بذاته وأمّا المکان بوصف کونه غصبا فلیس من المشخّصات جزما فلو فرض زوال الغصبیّة للمکان المفروض لم یلزم مغایرة الصّلاة فیها حینئذ لها حال ثبوت الغصبیّة فثبت فی ذلک الجواز عقلا لعدم المانع ومثال الأوّل قوله اقرأ ولا تقرأ جهرا أو اغتسل ولا تغتسل ارتماسا فی نهار رمضان فإنّ النّهی قد تعلق بالقراءة والغسل باعتبار وصفهما اللازم أی الجهر والارتماس لاختلاف القراءة بالجهر والإخفات والغسل بالارتماس والتّرتیب والوصف فی مثل ذلک من جملة المشخّصات والمقوّمات وحینئذ فلا معنی للاجتماع لأنّ الفرد الخاص إذا کان منهیّا عنه فالمأمور به إمّا الکلی بشرط غیر ذلک الفرد أو بشرط ذلک الفرد أو لا بشرط فعلی الأوّل ثبت المطلوب وهو عدم کونه مأمورا به وعلی الثّانی یلزم الاجتماع الآمری وکذا علی الثّالث لأنّ مقتضی مطلوبیّة الطّبیعة لا بشرط مطلوبیّة جمیع الأفراد هذا حاصل کلامه وأنت بعد ما أسبقنا لک فی المقدمات من المطالب تعلم فساد هذا التّفصیل أمّا أوّلا فبأنّ المحسوس من الصّلاة فی الدّار المغصوبة هو إیقاع الحرکات فیها بالوجه الخاص فإن کان هو منهیّا عنه فأی شیء یبقی مطلوبا وإن کان المنهی عنه هو المقارنة لعدم الإذن فقد مر أنّه یرجع إلی حرمة عدم الاستئذان من المالک أو عدم إذن المالک وکلاهما خارج عن محل الکلام کما عرفت وأمّا ثانیا فبأنّه علی القول بمطلوبیّة الطّبیعة کما هو مذهب المفصل لا وجه للفرق بین الوصف اللازم والمفارق فإنّ الوصف اللاّزم لیس مقوما لأصل الطّبیعة الجنسیّة بل هو مقوم للفرد کالفصل بالنّسبة إلی الجنس فإنّه مقسم له وخارج عن حقیقته وإن کان بالنّسبة إلی النّوع مقوما فیکون حاله بالقیاس إلی المطلوب وهو الکلی حال الوصف المفارق وهو ظاهر فتأمّل

تذنیبان

الأوّل

قد مضی الإشارة إلی أنّ ثمرة هذه المسألة هی المسألة الأصولیّة أعنی ثبوت التّعارض بین الأمر والنّهی ویتفرع علیها مسألة فقهیّة هی صحة الصّلاة فی الدّار المغصوبة وعدمها فإن قلنا بعدم التّعارض کان

ص: 312

العمل صحیحا وحراما وإن قلنا بالتّعارض فیجب ترجیح الأمر أو النّهی وإن لم یمکن فالتّساقط والرّجوع إلی الأصول العملیّة فهاهنا مقامان أحدهما فی مقتضی الأصل عند التّساقط فنقول الأصل إباحة العمل لدوران الأمر بین الجواز والحرمة إذ الکلام فی صورة وجود المندوحة فالفرد الّذی هو مورد الاجتماع یجوز ترکه فالأمر دائر بین جواز فعله وحرمته فالأصل هو البراءة هذا فی الحکم التّکلیفی وأمّا الحکم الوضعی فقد یتوهم أنّه الصّحة إذ لا مقتضی للفساد ولا مانع عن الصّحة إلاّ حرمة العمل وبعد ما ثبت إباحته لم یبق مانع عن صحته وفیه نظر إذ الإباحة الثّابتة فی المقام هی الإباحة الظّاهریّة وهی لا تقتضی مطلوبیّة العمل للشّارع واقعا کما هو معنی الصّحة الّتی هی عبارة عن موافقة الأمر بل المفروض انتفاء الأمر عند التّساقط فلا معنی للصّحة لا یقال لا یمکن تفکیک عدم الحرمة عن الإباحة الواقعیّة المستلزمة للصحة لتلازمهما ولا یجوز تفکیک اللاّزم عن الملزوم لأنّا نقول إثبات کل من اللاّزم والملزوم بحسب الظّاهر لا یستلزم إثبات الآخر لجواز التّفکیک فی الأحکام الظّاهریّة کالمائع المشکوک کونه بولا أو ماء حیث یحکم بطهارته لأصالة الطّهارة ولا یحکم بکونه ماء مع تلازمهما واقعا وغیر ذلک من الموارد فالتّحقیق أن یقال إنّ مقتضی القول بالاشتغال عند الشّک فی المکلّف به هو الفساد ومقتضی القول بالبراءة الصّحة بأن یقال إنّ الأمر باق فی المقام والشّک إنّما هو فی شرطیّة إباحة المکان وبعبارة أخری الشّک إنّما هو فی أنّه هل یشترط کون الصّلاة مؤداة فی غیر المکان المغصوب أو لا فالأصل البراءة إذ الأصل کما یجری فی الشّبهة الوجوبیّة یجری فی الشّبهة التّحریمیّة أیضا سواء کان الشّک فی الشّرطیّة أو الجزئیّة أو غیرهما ویمکن المناقشة فیه بأنّ الأصل المذکور معارض بأصالة عدم إطلاق الأمر بمعنی أصالة عدم کونه لا بشرط لکنّا لسنا بصدد بیان صحة الأصل المذکور وفساده بل المقصود بیان مقتضی الأصل عند کل قوم حسب مذاقه وهو کما ذکرنا فتأمّل وثانیهما فی ترجیح الأمر علی النّهی وبالعکس والمراد بالمرجح هو المرجح الکلی النّوعی لا الجزئی الموجود فی خصوص الموارد فإنّه تابع لنظر المجتهد فنقول قیل بترجیح النّهی علی الأمر وجوه منها أنّ النّهی بالنسبة إلی الأمر کالدلیل بالنسبة إلی الأصل وذلک لأنّ دلالة النّهی علی العموم إنّما هی بالوضع ودلالة الأمر بالإطلاق والأوّل مقدم علی الثّانی لأنّ دلالة الإطلاق علی العموم البدلی متوقفة علی عدم بیان القید حتی یحکم العقل بإرادة الطّبیعة اللاّبشرط السّاریة فی جمیع الأفراد ودلالة النّهی علی العموم بالوضع فلا تتوقف علی شیء وهو صالح لتقیید الأمر ومع بیان القید لا یبقی للعقل حکم بالعموم نظیر الأدلّة الشّرعیّة بالنسبة إلی أصالة البراءة ولذا تراهم یقدمون التّقیید علی المجاز فإنّ الأمر بالمقیّد إذا کان للاستحباب لم یکن بین المطلق والمقیّد تعارض بل هو من باب أفضل الأفراد ومع ذلک فلا یحکمون بإرادة النّدب من الأمر المتعلق بالمقید بل یحکمون بالتّقیید وذلک لأنّ بیان القید یوجب ارتفاع موضوع العموم الإطلاقی أعنی عدم بیان القید فلا یلزم بسبب التّقیید مجاز کما سبق فی محله مفصلا وفیه نظر

ص: 313

لأنّ النّهی أیضا کالأمر فی اقتضائه العموم بالإطلاق لا بالوضع غایة الأمر استفادة العموم الاستغراقی فی النّهی والبدلی فی الأمر بواسطة النّفی والإثبات وهو لا یوجب الفرق المذکور نعم یمکن القول بأنّ النّهی أصرح دلالة من الأمر فلتقدمه علیه ظهور عرفی لا یقال یلزم حینئذ حرمة بطلان الفرد الّذی هو مورد الاجتماع علی النّاسی والسّاهی والجاهل بالغصبیّة ونحوهم ممن لا یحرم علیه الصّلاة فیها إذ لو تقدم النّهی علی الأمر بحسب فهم العرف لقدم مطلقا لأنّا نقول تقیید الأمر بالنهی یثبت بمقدار دلالة الخطاب فمتی وجد النّهی الدّال علی الحرمة علم عدم شمول إطلاق الأمر وحیث لم یوجد النّهی بقی الأمر علی شموله نعم لو کان النّهی متعلقا ببعض أفراد المأمور به نحو صل ولا تصل فی الدّار المغصوبة کشف عن وجود مفسدة فی ذاتها مانعة عن الطّلب ثابتة عند عدم الحرمة أیضا ومنها أنّ العمل بمدلول النّهی أرجح من العمل بمدلول الأمر وقرر بوجوه ثلاثة أحدها أسهلیّة العمل بالنهی لأنّ المطلوب به هو التّرک وهو أسهل من الفعل وفیه منع ذلک کلیّة بل قد یکون امتثال النّهی أصعب الثّانی أنّ العمل بالأمر جلب للمنفعة والعمل بالنهی دفع للمفسدة والثّانی أولی من الأوّل لأنّ جلب المنفعة إنّما هو طلب التّرقی ودفع المفسدة إنّما هو لدفع التّنزل ولا ریب أنّ دفع التّنزل أشدّ فی نظر العاقل من طلب التّرقی وفیه منعه کلیّة إذ ربما یکون المنفعة قویّة والمفسدة ضعیفة فیقدم جلب الأوّل علی دفع الثّانی مع أنّه قد یکون العمل بالأمر دفعا للمفسدة والعمل بالنهی جلبا للمنفعة مضافا إلی أنّه یلزم علی ما ذکرت کون فعل أصغر الصّغائر أبغض من ترک أعظم الواجبات لأنّ الأوّل موجب للتنزل والثّانی موجب لعدم التّرقی ولیس کذلک قطعا الثّالث الاستقراء فإنّ الغالب فی موارد الاجتماع تقدیم جانب الحرمة والظّن یلحق الشّیء بالأعمّ الأغلب ولنذکر منها موردین أحدهما الحیض فإنّهم حکموا بأنّ ذات العادة إذا رأت الدّم وجب علیها ترک العبادة لاحتمال کونه حیضا فرجحوا جهة الحرمة وکذا فی المبتدئة عند جماعة وأیضا حکموا فی ذات العادة إذا تجاوز الدّم عن المعتاد بأنّها تترک العبادة إلی بلوغ العشر فإن تجاوزه قضاها والثّانی الماء الطّاهر المشتبه بالنجس فی الإناءین المشتبهین فحکموا بوجوب الاجتناب عنهما معا ووجوب التّیمّم ولیس ذلک إلاّ لترجیح جهة حرمة التّطهیر بالنجس وفیه نظر لمنع الغلبة لانحصار التّرجیح فی موارد محصورة مع أنّه لا دلیل فیها علی ترجیح جانب الحرمة أمّا فی الحیض لاحتمال کون التّرجیح لقاعدة الإمکان فإنّ کل ما أمکن کونه حیضا فهو حیض ولاستصحاب الحیض بعد التّجاوز عن العادة مع أوفقیّته بطبیعة النّساء إذ الاستحاضة إنّما تحصل بسبب حدوث المرض المخرج لها عن الحالة الطّبیعیّة کما نطق به بعض الأخبار فالأصل عدمه فلا یتعین کون الحکم بالحیضیّة لترجیح جانب الحرمة وأمّا فی الإناءین فإمّا یکون حرمة الطّهارة بهما بدعیّة أو ذاتیّة وعلی الأوّل لا وجه لترجیحه إذ لا ینافیه ترجیح الوجوب لأنّ العمل به حینئذ بقصد الاحتیاط لیس تشریعا فیرتفع موضوع البدعة وعلی الثّانی مع أنّه لا دلیل علیه یحتمل

ص: 314

أن یکون ترجیح الاجتناب عن کلیهما لأمر آخر مثل وجود البدل للوضوء فلا یتم الاستدلال لقیام الاحتمال

التّذنیب الثّانی

قد ذکرنا أنّ المناط فی جواز اجتماع الأمر والنّهی وعدمه هو کون تعدد الجهة مجدیا ومکثرا للموضوع وعدمه فإن قلنا بأنّه لیس بمکثر للموضوع لم یجز الاجتماع لکونه اجتماع المتضادین وإن قلنا بأنّه مکثر للموضوع لم یمتنع الاجتماع من جهة التّضاد لتعدد الموضوع لکن یمکن امتناعه من جهة أخری مثل استلزامه التّکلیف بما لا یطاق فإذا ثبت عدم الامتناع من هذه الجهة أیضا فلا إشکال فی الجواز واعتبار المندوحة فی المسألة لیس لأنّ المناط فی البحث هو لزوم التّکلیف بما لا یطاق وعدمه بل لرفع موانع الجواز من جمیع الجهات ومن اعتبر المندوحة إنّما اعتبرها إذا لم یکن عدمها مستندا إلی سوء اختیار المکلف وأمّا إذا کان مستندا إلی سوء اختیاره ففی جواز الاجتماع خلاف بین المجوزین ومثلوا له بالمتوسط فی الدّار المغصوبة ومحل الکلام فیه هو الخروج حیث اجتمع فیه عنوانان أحدهما التّخلص عن الغصب وهو واجب والثّانی الغصب وهو حرام وفیه بینهم أقوال أحدها أنّه مأمور به ومنهی عنه من جهتین والتّکلیف بالمحال إذا کان بسوء اختیار المکلف جائز الثّانی أنّه مأمور به ولیس منهیّا عنه ولا عقاب علیه والثّالث أنّه مأمور به فقط لکونه معاقب علیه أقول التّحقیق أنّ هذه المسألة لیست من جزئیات مسألة اجتماع الأمر والنّهی لأنّ حاصل ما قیل فی وجهه هو أنّ متعلق الحکم هو کلی التّخلص والغصب وانحصر فی الفرد وذلک لا یوجب ارتفاع العموم من وجه بینهما فإنّ التّخلص عن الغصب قد یجتمع مع الغصب وقد یوجد الأوّل دون الثّانی کما لو استأذن عن المالک فی الخروج وقد یوجد الثّانی دون الأوّل فیکون المثال من جزئیات المسألة وهو فاسد إذ لا خطاب هناک إلاّ النّهی بقوله لا تغصب مثلا وهو بعمومه یشمل جمیع أفراد الغصب من البقاء والدّخول والخروج فلو توسط فی الدّار لم یمکن الحکم بحرمة البقاء والخروج کلیهما لأنّه تکلیف بالمحال والخروج أقلّ قبحا من البقاء فیحکم العقل بوجوبه تخلّصا عن البقاء الّذی هو أقبح وبالجملة لیس هناک أمر ونهی بحیث یدخل فی تلک المسألة هذا وأمّا الأقوال المذکورة فالحق فیها عدم جواز الاجتماع وإن قلنا فی غیره بالجواز إذ لا فرق فی قبح التّکلیف بالمحال بین أن یکون مستندا إلی سوء اختیار المکلف وعدمه إذ الغرض من التّکلیف إمّا بعث المکلف علی الامتثال أو للامتحان الأوّل قبیح عقلا عند عدم قدرة المکلف والثّانی لا یمکن إلاّ مع جهل المکلف بعجز نفسه لیتمکن من التّوطین وإلاّ فهو کتکلیف الإنسان بالطیران من باب الامتحان وأمّا ترتب العقاب فاستدلوا علیه بأنّه قبل الدّخول کان منهیّا عن جمیع التّصرفات من الدّخول والخروج وغیرهما وبواسطة الدّخول ارتفع عنه النّهی بالنسبة إلی الخروج لکن یصدق أنّه عصی النّهی الثّابت المتعلق بالخروج فإنّه کان متمکنا من امتثاله نظیر المتقاعد عن قطع الطّریق إلی ذی الحجة فإنّه لیس مأمورا به حینئذ لکنّه معاقب علی ترک الحج لتمکّنه من الامتثال وتفویته بنفسه ویشکل بأنّ نهیه عن الخروج وإن فرض قبل الدّخول مستلزم

ص: 315

لاجتماع الأمر والنّهی فیه لأنّ الخروج شیء واحد قد نهی عنه قبل الدّخول وأمر به بعده واختلاف زمان الأمر والنّهی لا یوجب تعدد المطلوب منهما ذاتا وإن هو إلاّ نظیر النّسخ قبل حضور وقت العمل وبالجملة الخروج متوقف علی الدّخول فالنهی عنه نهی عن الخروج المحقق بعد الدّخول والمفروض أنّه بعینه مأمور به لکونه تخلصا عن الغصب وعلی هذا فلا یمکن کون الخروج منهیّا عنه وحیث لا نهی فلا عقاب ویمکن دفعه بأن یقال إنّ کل ما یمکن من التّصرفات المفروضة فی الغصب فهو منهی عنه فیجب ترک کل من الدّخول والبقاء والخروج منضما بعضها إلی بعض لکنّه إذا عصی بالدخول فقد خالف النّهی واستحق العقاب لکنّه حینئذ یؤمر بالخروج ولیس ترکه حینئذ مطلوبا لفوات وصف الانضمام والحاصل أنّ الخروج یتصور ترکان أحدهما ترکه مع ترک الدّخول والثّانی ترکه بعد الدّخول والواجب هو الأوّل فیستحق العقاب بمحض الدّخول لأنّه موجب لتفویت الواجب والحرام هو الثّانی ولذا یجب علیه الخروج بعد الدّخول وهذا نظیر بعض المستحبات الّذی یجب إتمامه بالشروع کالاعتکاف والحج المستحب وأمثالهما فإنّه بحسب الظّاهر مشکل لأنّ المستحب هو ما یجوز ترکه فإذا جاز ترک المرکب جاز ترک أجزائه فما معنی وجوب بعض الأجزاء ودفعه أنّ ترک تلک الأجزاء قد یکون مع ترک الأجزاء الباقیة وقد یکون مع إتیانه فإنّ ترک الصّوم فی الیوم الثّالث من الاعتکاف قد یکون مع ترکه فی الیومین أیضا وقد یکون مع فعله فیهما والأوّل جائز وبه یصدق الاستحباب لأنّ المستحب هو ما یجوز ترکه فی الجملة والثّانی حرام فلا إشکال فافهم

تنبیه

قد أفتی الفقهاء بصحة الصّلاة عند الخروج من الغصب ماشیا فی ضیق الوقت وهو بحسب الظّاهر ینافی ما حکموا به من بطلان صلاة الجاهل بحرمة الغصب أو بکونه مبطلا إذا کان مقصرا فی ابتداء الجهل وإن صار بعد ذلک غافلا وکذا ناسی الغصبیّة أو ناسی الحکم إذا استند النّسیان إلی تقصیره فإنّ صحة الصّلاة حال الخروج إن کانت من جهة قبح التّکلیف بما لا یطاق مطلقا وإن کان مستندا إلی سوء اختیار المکلّف فلیس الخروج منهیّا عنه فظاهر أنّ هذا الوجه جار فی الجاهل الغافل والنّاسی لقبیح تکلیفهما وإن استند إلی التّقصیر فیجب الحکم بصحة صلاتها أیضا وإن کان بطلان صلاتهما من جهة جواز التّکلیف بما لا یطاق إذا استند إلی تقصیر المکلف فظاهر أنّه جار فی الخارج عن الغصب فیجب الحکم ببطلان صلاته ویمکن الجواب بأن یقال یکفی فی بطلان العبادة کونها معصیة وإن لم تکن منهیّا عنها حال الفعل فمن أوقع نفسه من شاهق فی الماء فی نهار رمضان لم یصح منه الغسل ارتماسا وإن ارتفع عنه النّهی عن الارتماس لعدم تمکنه من ترکه لأنّ الارتماس معصیة فلا یمکن أن یکون مطلوبا بل الکلام جار فی کل فی فعل منهی عنه لارتفاع النّهی حال وجود العلة التّامة الّتی من جملة أجزائها الإرادة وحینئذ فنقول إنّ صلاة الجاهل الغافل المقصر فی الغصب لیست منهیّا عنها لغفلته لکنّها معصیة فلا یمکن کونها مطلوبة وأمّا الخروج عن الغصب فلیس معصیة إذ لم یتعلق به نهی أصلا أمّا بناء علی ما قیل من لزوم التّکلیف بما لا یطاق لو تعلق به نهی ولو قبل الدّخول لاتحاد موضوع الأمر والنّهی وإن اختلف زمانهما فظاهر وأمّا علی ما ذکرنا من کونه نظیر إتمام

ص: 316

المستحب فلأنّ المطلوب بالنهی هو ترک الخروج المستند إلی ترک الدّخول وقد جعل معصیته بالدخول وأمّا الخروج المتعقب بالدخول فلیس ترکه مطلوبا أصلا لکن یشکل حینئذ بأنّه یلزم علی هذا صحة صلاة الخارج ماشیا ولو فی سعة الوقت ویدفع بأنّ بطلانها إنّما هو لفوات الشّرائط والأجزاء من الاستقرار والسّجود والرّکوع وأمثالهما فافهم

أصل تعلق النّهی بشیء هل یستلزم فساد المنهی عنه أو لا

والمراد من النّهی هو التّحریمی وإن جری الکلام فی النّهی التّنزیهی أیضا لکنّهم جعلوا الکلام فیه من لواحق المسألة ثم إنّ الکلام یعم النّهی الأصلی والتّبعی إذ المناط فی البحث هو أنّ کون الشّیء مبغوضا هل یوجب فساده أو لا والمبغوضیّة أعمّ من أن تکون مستفادة من الخطاب قصدا أو تبعا بدلالة الإشارة فقول بعضهم إنّ النّهی التّبعی لا یقتضی الفساد عندهم وتفریعه علی ذلک کون النّزاع فی اقتضاء الأمر بالشیء النّهی عن ضده مختصا بالنهی الأصلی دون التّبعی لحکمهم بفساد الضّد الموسع بناء علی القول بالاقتضاء فاسد أمّا أوّلا فلما ذکرنا من عموم مناط البحث وأمّا ثانیا فلأنّ القائلین بالاقتضاء فی تلک المسألة استدلوا بالضرورة والبداهة ولا ریب أنّ دعوی الضّرورة علی الدّلالة المقصودة مما لا یصدر عن ذی مسکة لغلبة الغفلة عن الضّد فکیف یکون قصد النّهی عنه ضروریا فهذا دلیل علی أنّ کلامهم إنّما هو فی النّهی التّبعی فحکمهم بالفساد شاهد علی أنّ الکلام هنا فی الأعمّ من النّهی الأصلی والتّبعی فافهم وتحقیق الحق فی المسألة یتم ببیان مطالب الأوّل العبادة فی اصطلاحهم لها معنیان أحدهما فعل الشّیء بقصد الامتثال سواء کان قصد الامتثال شرطا فی صحة ذلک الشّیء کالتّعبدیّات أو لا کالواجبات التّوصلیّة لإمکان فعلها بقصد القربة الثّانی ما تعلق الأمر به لأجل التّعبد والامتثال فیخرج الواجبات التّوصلیّة فهذا المعنی أخصّ من الأوّل والمعاملة مقابلة للعبادة بالمعنیین فعلی الأوّل للمعاملة فعل الشّیء لا بقصد الامتثال سواء لم یکن قابلا للامتثال کالمحرم والمکروه أو قابلا کالواجبات التّوصلیّة وعلی الثّانی یکون المعاملة ما لم یتعلق به الأمر لأجل الامتثال فیدخل فیها الواجبات التّوصلیّة وقد یعرف العبادة بالمعنی الأخصّ بما یتوقف صحته علی قصد القربة واعترض علیه بأنّه إن کان المراد بالصّحة حصول الامتثال دخل الواجبات التّوصلیّة لتوقف حصول الامتثال فیها علی قصد القربة وإن کان المراد إسقاط القضاء لزم الدّور لأنّ إسقاط القضاء من آثار العبادة بالمعنی الأخصّ فتعریفها به دور وفیه أنّه یختار الشّق الثّانی ولا یلزم الدّور لأنّ إسقاط القضاء من آثار ماهیات العبادة لا من آثار مدلول لفظ العبادة من حیث إنّه مدلول والتّعریف إنّما هو للمدلول وبعبارة أخری هناک ماهیات خارجیّة معلومة کالصّلاة والصّوم ونحوهما والصّحة فیها وهی عبارة عن إسقاط القضاء موقوفة علی قصد القربة فإذا لم یعلم أنّ لفظ العبادة موضوع لأیّ معنی أمکن تعریفه بأنّه موضوع لما کان إسقاطه القضاء مشروطا بالقربة وهی تلک الماهیات الخارجیّة والقرینة علی إرادة هذا المعنی من لفظ الصّحة أنّه تعریف ذکره الفقهاء والصّحة فی اصطلاحهم عبارة عن إسقاط القضاء کما سیأتی ثم إنّ الظّاهر من کلماتهم هو أنّ الکلام فی المسألة علی ما سیأتی إنّما هو فی العبادة بالمعنی

ص: 317

الأخصّ لکن یظهر عند التّحقیق أنّ الکلام یجری فی المعنی الأعمّ فیشمل الواجبات التّوصلیّة أیضا إلاّ أنّ الفساد فیها معناه عدم حصول الامتثال لا عدم حصول الأثر أصلا کما سیظهر وأمّا المعاملة فهی مقابل العبادة فالمراد بها فعل الشّیء لا بقصد الامتثال وذلک الشّیء أعمّ من العقود والإیقاعات وغیرهما ولکن المراد بها فی المسألة الفعل المقابل للاتصاف بالصّحة والفساد فإنّ المعاملة بالمعنی المذکور أقسام أحدها ما یقبل الاتصاف بالصّحة والفساد وإن لم یکن من العقود والإیقاعات کالاستنجاء بالحجر فقد حکم بعضهم بفساده إذا وقع بالمطعوم المنهی عنه فی الأخبار ولم یعترض علیه غیره بخروجه عن المسألة نعم اعترض علیه بعدم دلالة النّهی علی الفساد فی مثل ذلک والثّانی ما لا یقبلهما لکن له آثار فی الشّرع کالغصب فإنّه لا یتصف بالصحة والفساد لکن له آثار شرعیّة کالضمان ووجوب الرّد ونحوهما والثّالث لا ما یقبلها ولیس له أثر شرعا کشرب الماء مثلا ولا ریب فی خروج القسمین الأخیرین عن محل النّزاع کما یشهد له العنوان فی المسألة بل النّزاع إنّما هو فی القسم الأوّل وأمّا الأعیان المتعلّقة للحرمة نحو حرمت علیکم المیتة والدّم وحرمت علیکم أمهاتکم فهی علی ما ذکرنا خارجة عن محل النّزاع لعدم قابلیتها للصّحة والفساد بالمعنی المتنازع فیه وربما یظهر من بعضهم دخولها فیه ولعل وجهه أنّ التّحریم وإن ورد علی الأعیان لکن المحرم فی الحقیقة هو الأفعال المقصودة من الأعیان وعلی هذا یتّجه ما ذکره بعضهم من التّفصیل بین ما لو کان الفعل المقصود من ذلک العین قابلا لهما فیدخل فی النّزاع کالوطی فی مثل تحریم الأمهات وبین ما لو لم یکن قابلا فیخرج کالأکل فی مثل تحریم المیتة وفصل بعضهم بین ما لو کان الفعل المقصود معاملة کالعقد فی مثال تحریم الأمهات إن قدرنا العقد فیدخل فی النّزاع وبین ما لو کان أثر معاملة سابقة کالوطی للأمهات لو قدرناه فإنّه من آثار العقد فیخرج عن محل النّزاع بل التّحریم فیه یدل علی فساد تلک المعاملة التزاما وفیه نظر لأنّ حرمة الوطی وإن استفید منها فساد العقد لکن لا یلزم خروجه عن النّزاع بالنظر إلی آثاره المترتبة علیه من الإلحاق فی النّسب ولزوم المهر ونحوهما فالمتّجه هو التّفصیل الأوّل فتأمّل الثّانی فی بیان معنی الصّحة والفساد الصّحة لها معنیان بالنسبة إلی العبادات والمعاملات أمّا فی العبادات فالمتکلّمون عرفوها تارة بموافقة الأمر وتارة بموافقة الشّریعة لتوهم فساد التّعریف الأوّل من جهة عدم شموله للصّحة فی المندوبات لظهور الأمر فی الوجوبی واعترض علی الثّانی بأنّه یشمل المباح أیضا لموافقته للشریعة وأجیب بأنّ المراد موافقة العبادة للشریعة والمباح یخرج بقید العبادة والفقهاء عرفوها بإسقاط القضاء والمراد به علی ما عرفت فی مسألة الإجزاء أعمّ من التّدارک فی الوقت وخارجه وأنّ المراد وقوع العمل بحیث لو کان له قضاء لم یجب علی المکلف فلا ینتقض بفاسدة العیدین قالوا إنّ الصّحة بتفسیر الفقهاء أخصّ منها بتفسیر المتکلّمین لأنّ الصّلاة باستصحاب الطّهارة موافقة للشریعة ولیست مسقطة للقضاء أقول لا ریب أنّه یجب أن یعتبر فی الأخصّ القیود المعتبرة فی الأعمّ مع زیادة ومن المعلوم أنّ إسقاط القضاء

ص: 318

لازم لموافقة الأمر وموافقة الأمر مستلزم لسقوط القضاء بالنّسبة إلی ذلک الأمر فکل منهما لازم للآخر ولا عموم فی البین إلاّ أن یقال إنّ الأمر الّذی اعتبر موافقته فی الصّحة قد یراد به الأعمّ من الواقعی والظّاهری وقد یراد به خصوص الأمر الواقعی فمراد المتکلّمین موافقة الأمر فی الجملة أعمّ من الظّاهری والواقعی فیصدق علی الصّلاة باستصحاب الطّهارة ومراد الفقهاء إسقاط القضاء بالنّسبة إلی خصوص الأمر الواقعی فلا یصدق علیها لوجوب التّدارک بعد انکشاف الخلاف ثم إنّ الظّاهر أنّ المراد سقوط القضاء بالنسبة إلی الواقعی فی الجملة أعمّ من الواقعی الاختیاری والاضطراری إذ لو أرید سقوطه بالنسبة إلی الاختیاری فقط لزم أن یحکموا بفساد الصّلاة مع التّیمّم علی القول بوجوب الإعادة لو تمکن من الماء ولیس کذلک إذا عرفت معنی الصّحة فنقول إنّ الفساد مقابل لها فمعناه فی العبادات عند الفقهاء عدم إسقاط القضاء عند المتکلّمین عدم موافقة الشّریعة ولا بأس بإیراد کلام فی المقام لارتباطه بالمرام فنقول ذکر بعض المحققین أنّ الأصل فی العبادات والمعاملات هو الفساد وفیه نظر بالنّسبة إلی العبادات لأنّ الکلام قد یفرض فی العبادة الّتی تعلق بها أمر ظاهری فیشکّ فی إسقاطها القضاء بالنسبة إلی الواقعی أو تعلق بها الأمر الواقعی الاضطراری فیشکّ فی إجزائه بالنسبة إلی الواقعی الاختیاری وحکمه بأصالة الفساد هنا ینافی ما اختاره فی مسألة الإجزاء من أنّ المکلف به أمر واحد هو الکلی والطّبیعة والفرد الظّاهری أو الاضطراری أیضا من أفراده وفرع علیه لثبوت الإجزاء هناک فکیف یحکم بأنّ الأصل هو الفساد ومع قطع النّظر عن ذلک نقول لا أقل من الشّک فی أنّ المکلف به هو القدر المشترک بینهما أو هو خصوص الواقعی الاختیاری فإن ارتفع العذر فی الوقت أمکن دعوی عدم سقوط القضاء لإطلاق الأمر الواقعی لکن هذا أیضا ینافی ما ذکره من أنّ إطلاق الأمر غیر معلوم للشّکّ فی أنّه مطلوب مطلقا أو ما دام لم یأت بمقتضی الأمر الظّاهری أو الاضطراری ومع الشّکّ فی الإطلاق فالأصل هو البراءة وإن ارتفع العذر خارج الوقت فعلی القول بتبعیّة القضاء للأداء یجری الکلام المذکور بعینه وعلی القول بعدمه فلا وجه للحکم بوجوب القضاء للشّکّ فی صدق عنوان الفوت الّذی هو شرط وجوب القضاء إلاّ أن یقال إنّ الفوت أمر عدمی یمکن إحرازه بالأصل لأنّه عبارة عن عدم حصول مطلوب الشّارع وقد سبق القول فی ذلک وقد یفرض الکلام فی العبادة الّتی تعلق بها النّهی کالصّلاة فی الدّار المغصوبة للشّکّ فی أنّ الامتثال الکلی الصّلاة هل یحصل بهذا الفرد أو لا فلا ریب أنّ الشّک هنا یرجع إلی أنّه هل یشترط فی صحة الصّلاة عدم وقوعها فی المکان المغصوب أو لا وحکمه بأصالة الفساد هنا ینافی ما ذهب إلیه من القول بأصالة البراءة عند الشّک فی شرطیّة شیء للعبادة أو جزئیّته لها وعدمه وقد یفرض الکلام فیما لا أمر به ظاهرا وحینئذ فلا شکّ فی المقام حتی یرجع إلی الأصل إذ قد یعلم عدم الأمر قطعا وحینئذ فلا ریب فی أنّ وجودها کالعدم وقد یشکّ فی ثبوت الأمر وحینئذ فإن فعل بقصد

ص: 319

المشروعیّة کانت بدعة محرمة فاسدة قطعا وإن فعلها بقصد الاحتیاط فإن اتفق ثبوت الأمر فی الواقع کان صحیحا مسقطا للقضاء قطعا وإلاّ فهی کالعدم إذ لا أمر حتی یوافقه أو لا فأین مورد إجراء الأصل وأمّا کلامه فی المعاملات فصحیح ووجهه أنّ الصّحة فی المعاملة معناها ترتّب الأثر وهو موقوف علی کون المعاملة سببا ومتی شکّ فی السّببیّة فالأصل عدمها مع أنّ نفس الشّک فی التّأثیر کاف فی حرمة ترتیب الآثار وهذا مقتضی الأصل الأولی ولکن ربما یستدل بأصالة الصّحة فی بعض المقامات نظرا إلی الأصل الثّانوی الثّابت بالعمومات والإطلاقات فی بعض المعاملات وکذا فی بعض الشّبهات الموضوعیّة منها وقد یتمسک لإثبات أصالة صحة المعاملات بأصالة الإباحة والبراءة نظرا إلی أنّ ترتیب الآثار علی المعاملة المشکوکة الصّحة وکذا إجراء نفس الصّیغة عمل مشکوک الحرمة فالأصل الإباحة کإثبات صحة البیع بقوله تعالی أحلّ الله البیع وفیه أنّه إن أراد رفع الحرمة الذّاتیّة لا بأصل فلا کلام فیها وإن أراد رفع الحرمة البدعیّة ففاسد لأنّ المعاملة متی لم یثبت صحتها بالأدلّة الشّرعیّة فیترتب الآثار الشّرعیّة علیها بدعة محرمة قطعا ولا شکّ فی ذلک حتی یجری أصالة البراءة والإباحة وإلاّ لجرت فی العبادات المشکوکة أیضا ورده بعضهم بوجه آخر وهو أنّ أصالة الإباحة أو البراءة إنّما تجری فی الأفعال المقدورة والمعاملة ما لم تثبت صحتها لا یقدر الشّخص علی ترتیب الآثار الشّرعیّة علیها وبالجملة الأصل إنّما یثبت إباحة المعاملة الصّحیحة فلا یثبت صحة المعاملة المشکوکة ومراده غیر واضح والّذی یمکن أن یوجه به کلامه هو أنّ المعاملات العرفیّة منها ما هو سبب فی النّقل واقعا ومنها ما لیس کذلک وإمضاء الشّارع کاشف عن السّببیّة الواقعیّة لا أنّه جاعل للسّببیّة وعلی هذا فإذا لم یعلم إمضاء الشّارع لم یعلم السّببیّة الواقعیّة فلا یقدر علی إیجاد الأثر به ولیس ذلک إلاّ کإیجاد الإحراق بما لم یعلم کونه نارا وهو محال فقوله تعالی أحل الله البیع لیس بنفسه جاعلا للسّببیّة حتی یلزم الدّور بإرادة الصّحیح من البیع بل کاشف عن الواقع ویمکن المناقشة فیه بأنّه لا دلیل علی ثبوت السّببیّة الواقعیّة مع قطع النّظر عن إمضاء الشّارع بل نقول إنّ للمعاملات فی العرف آثارا مختلفة أمضی الشّارع بعضها فصار صحیحا شرعا ولم یمض بعضها ففسد فثبت صحة البیع بنفس قوله تعالی أحل البیع فلا یمکن أن یکون المراد بالبیع البیع الصّحیح بل المراد طبیعة البیع وحینئذ فلا یکون ما ذکره ره مانعا عن إجراء أصالة الإباحة بل الجواب هو ما ذکرنا فتأمّل الثّالث قسموا المنهی عنه إلی أقسام سبعة المنهی عنه لنفسه ولجزئه ولشرطه ولوصفه اللاّزم ولوصفه الفارق ولأمر خارج متحد معه فی الوجود أو مفارق ومثلوا للأوّل فی العبادات بصلاة الحائض نظرا إلی أنّ الحائض منهیّة عن طبیعة الصّلاة لا أنّ المرأة منهیّة عن الصّلاة الواقعة فی أیّام الحیض لتدخل فیما یکون منهیّا عنه لوصفه وفی المعاملات بنکاح الخامسة نظرا إلی أنّ من عنده أربع نساء منهی عن طبیعة النّکاح والمراد بالمنهی عنه لجزئه أن یتعلق النّهی بالعمل

ص: 320

بواسطة تعلقه بالجزء وکذا المنهی عنه لشرطه ولا فرق حینئذ بین أن یکون متعلق النّهی نفس العمل کأن یقول لا تصل مع أن تقرأ العزیمة أو الجزء کأن یقول لا تقرأ العزیمة فی الصّلاة لسرایة المنهی فی الثّانی إلی الکل أیضا عرضا ومثال المنهی عنه لجزئه فی العبادات ما عرفت ومثل بعضهم له فی المعاملات ببیع الغاصب مع جهل المشتری بتقریب أنّ البیع مرکب من الإیجاب والقبول والإیجاب فی المثال حرام دون القبول فالبیع المرکب منهما منهی عنه لجزئه قال وعلی القول بأنّ البیع هو النّقل فالأمثلة کثیرة واضحة وفیه نظر لأنّ النّهی عن الإیجاب فی المثال لا یسری إلی الکل لأنّ الجزء الآخر فعل لغیر الغاصب مع أنّ حرمة الإیجاب أیضا محل کلام نظر إلی عدم حرمة بیع المغصوب وله محل آخر وإن فرض أنّ الغاصب قبل أیضا وکالة عن المشتری فهو أیضا لیس مثالا للمطلب إذ لو قلنا بحرمته مثل هذا التّصرف فلا ریب أنّ البیع بتمامه حینئذ حرام وإلاّ فلا حرام فی البین وأمّا قوله فالأمثلة کثیرة فکان علیه بیان مثال واحد فإنّا لم نجد له مثالا أصلا وأمّا ما ذکره بعضهم من التّمثیل ببیع ما یملک وما لا یملک بصیغة واحدة ففاسد لأنّ النّقل أمر بسیط لا یقبل التّجزی والتّجزی فی المثال إنّما هو فی المنقول لا فی النّقل هذا وذکر بعضهم أنّ المراد بالمنهی عنه لجزئه ولشرطه هو المنهی عنه لفقد الجزء والشّرط وهو باطل لأنّه حینئذ خارج عن محل النّزاع فإنّه إذا فقد الشّرط والجزء فلا ریب فی فساد العمل وقال بعضهم إنّ ذکر المنهی عنه لشرطه لغو لأنّ النّهی إذا تعلق بالشرط فإن کان عبادة وقلنا بفسادها بالنّهی صار العمل منهیا عنه لفقد الشّرط ولا ریب فی فساده وإن لم نقل بفسادها أو کان معاملة لم یسری النّهی إلی أصل العمل کما لو قال لا تستر العورة بلباس النّساء فإنّ السّتر من المعاملات ولا یفسد بالنّهی ولا یسری النّهی إلی الصّلاة لاختلافهما فی الوجود نعم لو کان الشّرط المنهی عنه متحدا مع العمل فی الوجود سری النّهی إلیه لکنّه حینئذ داخل فی المنهی عنه لوصفه کالصّلاة فی الدّار المغصوبة وفیه أنّ محل الکلام أعمّ من أن یتعلق النّهی بالعمل بواسطة الشّرط أو بالشرط ویسری إلی العمل والکلام من باقی الجهات مجمل ولعله یفید فی بعض الموارد فائدة کما سیظهر إن شاء الله والفرق بین الوصف اللاّزم والمفارق أنّ الأوّل من مشخصات الموصوف کالجهر والإخفات للقراءة بخلاف الثّانی کالغصب للصلاة کما مر فی المسألة السّابقة والظّاهر أنّ المراد بالمنهی عنه لوصفه أن یتعلق النّهی بالعمل مقیدا بذلک الوصف کأن یقول لا تقرأ جهرا ولا تصل فی الدّار المغصوبة لیمکن التّفریق بینهما بأن یقال إنّ المطلوب فیهما هو الشّخص الخاص والشّخص فی الأوّل یتغیر بتغیر الوصف بخلاف الثّانی وأمّا إذا کان النّهی متعلقا بالوصف کما یقول لا تجهر أو لا تغصب فلا وجه للتّفریق بینهما حیث إنّ المنهی عنه فی کل منهما أخص من المأمور به من وجه ویشعر بما ذکرنا تسمیة الأوّل بالوصف اللاّزم إذ لو ورد النّهی علی الوصف وکان المأمور به مطلقا لم یکن الوصف لازما فإنّ الجهر لیس لازما للقراءة لاتصافها بضده وهو الإخفات بخلاف ما لو اعتبر قیدا فی المنهی عنه کأن یقول لا تقرأ جهرا فإنّ الجهر

ص: 321

لا ینفک عن القراءة الجهریّة فتأمّل وأمّا القسمان الآخران فزادهما بعض المتأخرین والمراد أن یتعلق النّهی بأمر خارج عن العمل متحد معه وجودا کقوله لا تغصب أو غیر متحد معه لکن یجب حینئذ تقیید النّهی بحالة الصّلاة کأن یقول لا تکتّف فی الصّلاة إذ لو لم یقید حینئذ بالصّلاة لم یکن لسرایة النّهی إلیها وجه أصلا ثم إنّ المنهی عنه لنفسه قد یراد منه ما إذا کان العبادة أو المعاملة منهیا عنها بعنوان العبادة والمعاملة کصلاة الحائض والبیع الرّبوی والنّکاح فی العدة وهو بهذا المعنی مقابل للمنهی عنه لأمر خارج فلا ینافیه کونها منهیا عنها مقیدا بوصف وقد یراد منه ما تعلق النّهی به غیر مقید بشیء أصلا فی مقابل المنهی عنه لوصفه ولشرطه ولجزئه وغیرها وحینئذ فالبیع فی وقت النّداء خارج عن المنهی عنه لنفسه وإن کان النّهی فی الآیة واردا علی نفس البیع وذلک لأنّه لیس منهیا عنه بعنوان أنّه بیع بل بعنوان کونه تفویتا للجمعة وکذا بیع العبد من دون إذن السّید منهی عنه بعنوان کونه مخالفة للسّیّد ولهذا مثلوا بهما للمنهی عنه لوصفه لا لنفسه فتأمّل ثم إنّ الأقسام المذکورة تجری فی المنهی عنه لجزئه أیضا لأنّ الجزء إمّا منهی عنه لنفسه أو لجزئه إلی آخره وکذا فی باقی الأقسام وأقسام الأقسام إلی أن ینتهی الجمیع إلی المنهی عنه لنفسه فافهم ولا بأس بالإشارة إلی الأمثلة الّتی ذکروها للأقسام لما یترتب علیها من الثّمرات فالعبادة المنهی عنها لنفسها کصلاة الحائض وصوم یوم النّحر عند بعضهم والمعاملة کذلک کنکاح الخامسة والعبادة المنهی عنها لجزئها مع ورود النّهی علی العبادة أو علی الجزء کالصّلاة مع العزیمة والمعاملة کذلک کبیع الغاصب مع جهل المشتری وکبیع ما یملک وما لا یملک وقد عرفت ما فیه والعبادة المنهی عنها لوصفها اللاّزم کالقراءة جهرا فی الظّهر وکصوم یوم النّحر علی قول ولوصفها المفارق کالصّلاة فی الدّار المغصوبة والمعاملة المنهی عنها لوصفها اللاّزم کبیع الحصاة وذبح الذّمی کذا قیل وفسر بیع الحصاة بوجوه أحدها ما إذا کان یتعین المبیع برمی الحصاة کأن یقول بعتک ثوبا والمبیع ما وقع علیه الحصاة والثّانی ما إذا کان لتحدید مقدار المبیع کأن یقول بعتک الأرض من هنا إلی ما یقع علیه الحصاة والثّالث ما إذا کان غایة لانقضاء زمان الخیار یقول بعتک هذا ولی الخیار إلی أن أرمی الحصاة والرّابع أن یکون رمی الحصاة نائبا عن الصّیغة بأن یقصد به البیع ابتداء کأن یخبره أو لا بأن المبیع هو ما یقع علیه الحصاة ثم یرمیها قاصدا به البیع أمّا بالتّفسیر الأخیر فهو منهی عنه لنفسه وأمّا بالتّفسیر الثّالث فإن قلنا إنّ الشّرط من جملة القیود فهو منهی عنه لوصفه اللاّزم وإن قلنا إنّه التزام مستقل فلا یتعلق النّهی بالبیع أصلا أو یتعلق لأمر خارج فتأمّل وأمّا علی التّفسیرین الأوّلین فقالوا إنّه منهی عنه لوصفه اللاّزم لأنّ المنهی عنه هو بیع ما یکون تعیینه شخصا أو مقدارا برمی الحصاة وهذا الوصف من مشخّصات البیع وقیل إنّ النّهی فیه إنّما هو لکون البیع مجهولا فیکون منهیّا عنه لوصفه الغیر اللاّزم وأمّا ذبح الذّمی فقیل إنّه محتمل لوجوه

ص: 322

أحدها أن یکون المراد أنّ الذّمی منهی عن طبیعة الذّبح وإن کان علی طریق الإسلام والثّانی أنّ المسلم منهی عن الذّبح بطریق أهل الذّمة والثّالث أنّ الشّخص منهی عن الذّبح الواقع حال الذّمیّة وعلی الأوّل یکون منهیّا عنه لنفسه وعلی الأخیرین لوصفه وفیه نظر لأنّ المستفاد من الأخبار هو النّهی عن ذبیحة الذّمی ونهی المسلمین عن أن یذبح لهم الذّمی ولا ریب أنّه لا دخل لهما بما ذکره من الاحتمالات وعلی الأوّل المنهی عنه هو الأکل فالنّهی قد تعلق بأثر الذّبح فیدل علی فساده التزاما کما مر فی صدر المسألة وعلی الثّانی یرجع النّهی إلی حرمة ذبح الذّمی علی المسلم بمعنی تسبیبه فیه ولکنه منهی عنه لوصفه المفارق إذ لا یختلف تشخیص الذّبح بکون الذّابح مسلما أو ذمیا إذا ذبح بطریق المسلمین والعبادة المنهی عنها لحرمة الشّرط أو لفقد الشّرط کالصّلاة مع السّتر بالحریر أو بلا طهور والمعاملة کذلک کبیع الملاقیح فی الأطفال فی الأرحام لعدم إمکان التّسلیم والمنهی عنه لأمر مفارق متحد فی الوجود کالصّلاة فی الغصب والبیع مع التّکلم مع الأجنبیّة أو غیر متحد فی الوجود لکن مع تقیید النّهی بتلک العبادة أو المعاملة نحو لا تکتّف فی الصّلاة أو لا تنظر إلی السّماء حالة البیع مثلا ثم إذا عرفت الأقسام وأمثلتها فی الجملة نقول لا ریب أنّ العبارة النّهی عنها لنفسها خارجة عن محل النّزاع لأنّه إذا تعلق النّهی بطبیعة العبادة فلو بقی الأمر لزم اجتماعهما من جهة واحدة والمنهی عنه لفقد الجزء أو الشّرط خارج أیضا عبادة کان أو معاملة إذ لا شبهة فی انعدام المشروط والکل بفقد الشّرط والجزء وأیضا إذ تعلق النّهی بأمر مفارق غیر متحد فی الوجود ولا مقید بذلک العمل کان خارجا أیضا بل لا شبهة فی عدم الدّلالة علی الفساد حینئذ وأمّا سائر الأقسام فهی قابلة للنّزاع إذا تمهد هذه المقدمات فنقول لا ریب فی اقتضاء النّهی للفساد فی العبادات بجمیع الأقسام سوی المنهی عنهما لحرمة الشّرط والمنهی عنه لأمر مفارق وغیر متحد فی الوجود فإنّ فیهما کلاما سیأتی إن شاء الله ووجهه ظاهر لأنّ الصّحة فی العبادات فرع الأمر وبعد وجود النّهی یرتفع الأمر لعدم جواز اجتماعهما کما مر ولا إشکال فی ذلک إنّما الکلام فی أنّ الحرمة متفرعة علی الفساد أو أنّ الفساد متفرع علی الحرمة بمعنی أنّ النّهی هل هو الإرشاد إلی خروج المنهی عنه عن تحت المأمور به فالإذن المستفاد من الأمر یرتفع عن هذا الفرد فیلزمه الفساد لعدم الأمر ولازمه الحرمة البدعیة أو لا بل النّهی مستعمل فی التّحریم من غیر إفادة الإرشاد ولازم التّحریم عدم الأمر فیکون فاسدا یظهر الثّمرة فیما لو أتی بالفرد المنهی عنه جهلا بالموضوع أو بالحکم أو سهوا بحیث یرتفع النّهی فعلی الأول هو فاسد لعدم المطلوبیّة وعلی الثّانی صحیح لأنّ الموجب للفساد هو الحرمة وبعد انتفائها لا وجه للفساد فنقول لا ریب فی تحقق القسمین المتلازمین فی نواهی الشّریعة فمتی علم کون النّهی من أحد القسمین فلا إشکال کالمنهی عنه لأمر مفارق کقوله لا تغصب فإنّه لیس ناظرا إلی قوله صل فی نظر العرف قطعا بل لا یمکن جعله

ص: 323

قرینة علی تقیید الأمر فهو من قبیل الثّانی وأمّا إذا شک فی ذلک کقوله لا تصل فی الدّار المغصوبة فهل الأصل کونه من قبیل الأوّل أو الثّانی فقیل إنّ الأصل حمل النّهی علی التّحریم لأنّه موضوع له ولا وجه للعدول عنه إلی الإرشاد وأصالة حمل اللّفظ علی المعنی الحقیقی سلیم عن المعارض وما یقال من وجود الحرمة البدعیّة فی صورة الحمل علی الإرشاد فلا یلزم التّجوز فاسد لأنّ ثبوت الحرمة البدعیّة متفرع علی إخراج النّهی عن ظاهره بإرادة الإرشاد لا أنّ النّهی مستعمل فیها حتی لا یلزم التّجوز هذا ویمکن أن یقال إنّ المنهی عنه إذا کان أخص من المأمور به مطلقا کان النّهی ناظرا فی نظر العرف إلی رفع الإذن المستفاد من الأمر فی الإتیان بأی فرد کان فی مقام الامتثال وأنه یحصل به الامتثال کالأمر الوارد عقیب الحظر ومحض وقوعه عقیب الأمر قرینة علی إرادة الإرشاد عرفا فلا یبقی لأصالة الحقیقة مجری مع وجود القرینة وأمّا لو تعلق النّهی بأمر مفارق للعبادة غیر متحد معها مع تقیید النّهی بها فنقول إن استفید من النّهی کون ذلک الأمر مانعا فلا ریب فی الفساد وإن استفید منه محض التّحریم فلا ریب فی عدمه إذ لیس التّحریم حینئذ موجبا لاجتماع الأمر والنّهی إنّما الشّأن فی استفادة أحد الأمرین من النّهی فنقول إن ورد النّهی صریحا علی ذلک الأمر مقیدا کان ظاهرا فی بیان المانعیّة کأن یقال لا تکتّف فی الصّلاة لأنّ بناء الشّارع غالبا علی بیان الموانع بالنّهی فیحمل علی الغالب وإلاّ بأن استفید النّهی من العمومات کاستفادة النّهی عن ترک التّکتّف من حکمهم بوجوب التّقیّة وحرمة ترکها فلا یستفاد المانعیّة فلا وجه للفساد حینئذ ولذا حکم جماعة بالصّحة لو ترک التّکتّف فی حال التّقیّة وأمّا العبادة المنهی عنها لحرمة الشّرط فإن کان الشّرط عبادة اقتضی النّهی فیه الفساد فیفسد العمل لفقد الشّرط وإن کان معاملة قیل بعدم الفساد لأنّ الشّرط لا یفسد بالنّهی فلا وجه لفساد العمل والأولی أن یقال إنّه لو تعلق النّهی بالعبادة مقیدة بذلک الشّرط اقتضی الفساد کأن یقول لا تصل مع السّاتر المغصوب لأنّه من قبیل المنهی عنه لوصفه ولو تعلق النّهی بأصل الشّرط فإن اعتبر تقییده بالعبادة اقتضی الفساد کأن یقول لا تلبس الحریر فی الصّلاة لظهور النّهی فی الإرشاد إلی مانعیّة ذلک کما مر وإن لم یعتبر التّقیید کأن یقول لا تلبس لباس النّساء فهذا محل الإشکال والظّاهر فیه أیضا هو الفساد سواء قلنا باستفادة المانعیّة من النّهی أو التّحریم أمّا علی الأول فظاهر وأمّا علی الثّانی فلأنّ الشّرط قید فی المشروط فطلب المشروط طلب للشرط إذ الکلام فی شرائط وجود الواجب المطلق وحینئذ فالسّاتر الّذی هو شرط للصّلاة یکون مطلوبا فی ضمن الأمر بالصّلاة ویکون قیدا للمطلوب وإذا کان بعض أفراده حراما لم یکن مطلوبا فیکون الصّلاة المطلوبة من الرّجال هی الصّلاة المشروطة أی المقیدة بالسّاتر الّذی لا یکون لباس النّساء فإذا لبس لباس النّساء فی الصّلاة لم یأت بالعبادة المطلوبة والقول بأن السّتر واجب توصلی یسقط بالحرام یحتاج إلی الدّلیل إذ لیس کل واجب توصلی مما یسقط بالحرام فإنّ أداء الدّین

ص: 324

واجب توصلی لا یسقط بالحرام أعنی الأداء من مال الغیر بغیر إذنه مثلا وقیل بعدم اقتضاء الفساد من هذه الجهة نظرا إلی تعلق النّهی بالأمر الخارج بل الفساد ثابت من جهة أخری فی بعض الأوقات وذلک لأنّ الصّحة فی العبادة والمعاملة یحتاج إلی ثبوت الدّلیل وذلک الدّلیل قد یکون مثبتا للحکم التّکلیفی نحو أحلّ الله البیع ویجب الوضوء للصّلاة وقد یکون مثبتا للحکم الوضعی نحو البیّعان بالخیار ما لم یفترقا ولا صلاة إلاّ بستر العورة مثلا فعلی الأوّل إذا تعلق النّهی بفرد منها دل علی فساده لارتفاع ذلک الحکم المقتضی للصّحة فیثبت الفساد بمقتضی الأصل وعلی الثّانی لا یدل علی الفساد فی المعاملة لعدم منافاة الحرمة مع الصّحة فیها ولا یرتفع الحکم الوضعی بالنّهی هذا ولکن الأدلّة الواردة فی إثبات صحة المعاملات غالبا یقصد منها إثبات الحکم الوضعی وإن کانت بصورة الحکم التّکلیفی وحینئذ فالنّهی فیها لا یقتضی الفساد وسیأتی الکلام تفصیلا إن شاء الله فالحاصل أنّ الفساد فی العبادة المنهی عنها لشرطها مستند إلی أحد وجوه منها کون النّهی إرشادا إلی المانعیّة وهذا فی صورة تقیید النّهی بالعبادة ومنها کونه موجبا لتقیید العبادة المطلوبة بالشرط المباح لا الحرام ومنها کونه موجبا لرفع دلیل صحة الشّرط فیبقی علی أصالة الفساد فیفسد العبادة لفقد الشّرط ومنها لزوم اجتماع الأمر والنّهی فی بعض الموارد نحو الصّلاة مع السّاتر المغصوب لأنّ الحرکات الرّکوعیّة والسّجودیّة تتحد مع الغصب حینئذ فإن تم أحد الوجوه ثبت الفساد وإلاّ فلا وأمّا المعاملات فالنّهی الوارد فیها علی أقسام أحدها أن یتعلق بالمعاملة لا من حیث إنّها معاملة بل من حیث إنّها فعل من الأفعال کالنّهی عن البیع فی وقت النّداء من حیث إنّه تفویت للجمعة وعن البیع مع الأجنبیّة من حیث إنّه تکلم معها ونحو ذلک ولا ریب فی عدم اقتضائه الفساد والثّانی أن یتعلق النّهی بالمعاملة من جهة مبغوضیّة أثرها کالنّهی عن بیع المسلم من الکافر فإنّ الغرض من النّهی مبغوضیّة تملّک الکافر للمسلم فإن قلنا إنّ المعاملات أسباب واقعیّة لم یکن وجه للفساد بل النّهی حینئذ یدل علی الصّحة لأنّ مقتضی أصالة الحقیقة حمل النّهی علی التّحریم والمفروض أنّ الحرمة غیریّة بمعنی أنّ البیع أنّما حرم لئلا یلزم المبغوض فلو لم یکن البیع فی مثل ذلک مؤثرا لم یکن التّحریم مفیدا لشیء وهذا نظیر قولک لا تضرب زیدا بالسّیف لئلا یلزم قتله المبغوض إلاّ أن یحمل النّهی علی الإرشاد إلی عدم السّببیّة الواقعیّة وهو خلاف الأصل وإن قلنا إنّها أسباب شرعیّة أمکن أن یقال إنّ جعل الشّارع شیئا مؤثرا فی خصوص مبغوضه خلاف اللّطف کما ذکره بعضهم فی المنهی عنه لذاته من أنّ جعل الشّیء المبغوض سببا مؤثرا قبیح وحینئذ فیکون هذا قرینة علی حمل النّهی علی الإرشاد وفیه أنّ اللّطف أنّما یلزم خلافه لو لم یکن السّبب محرما وأمّا مع فرض حرمته فلا یلزم نقض الغرض لاحتمال وجود الحکم فی جعل السّببیّة له کما جعل الله تعالی السّیف سببا للقتل مع أنّه مبغوض له فی بعض المواضع ومن هنا حکم جمع بفساد بیع المسلم بل الکافر لا من تلک الجهة بل من جهة قوله تعالی ولن یجعل الله للکافرین

ص: 325

علی المؤمنین سبیلا حتی اعترض علیه بعضهم بأنّ الملک الآنی الذی یکون معه محجورا عن التّصرف فیه إلاّ بالبیع لیس سبیلا والثّالث أن یتعلق النّهی بالآثار المترتبة علی المعاملة کالنّهی عن أکل ثمن الکلب والخنزیر ونحو ذلک ولا ریب فی اقتضاء الفساد إذ لو ترتب الأثر علیه لم یکن للنّهی عن ترتیبها معنی وفی الحقیقة هذا القسم خارج عن محل الکلام لعدم تعلق النّهی بالمعاملة والرّابع أن یتعلق النّهی بالمعاملة من حیث إنّها معاملة وهذا علی وجهین لأنّ النّهی قد یکون ناظرا إلی دلیل الصّحة وقد یکون إرشادا إلی خروجها عن تحتها کالنّهی عن بیع الملاقیح وعن النّکاح فی العدة ولا ریب فی اقتضائه الفساد وقد یکون لمحض تحریمها من غیر نظر إلی شیء وهذا محل الکلام ولا ریب أنّ الحرمة فی المعاملات لا تنافی عقلا ترتب الأثر علیه ویمکن دعوی أنّ النّهی فی الشّرع ظاهر فی الفساد هنا لما یری من بناء الشّارع علی بیان فساد المعاملات بالنّهی ومن هنا لا زال یستدل الفقهاء فی الأعصار والأمصار علی فساد البیوع والأنکحة بالنّهی ویشهد لذلک ما ورد من صحة نکاح العبد بدون إذن السّید إذا تعقبه الرّضا معللا بأنّه لم یعص الله وإنّما عصی سیده فإنّه لما لم یمکن التّفکیک بین معصیة الله ومعصیة السّید وجب أن یکون المراد بعدم کونه معصیة لله أنّه لم یکن منهیّا عن النّکاح من حیث إنّه نکاح بل من حیث مخالفة السّید فیدل علی أنّ النّهی لو تعلق بالمعاملة من جهة عنوان آخر لم یقتض الفساد وإن تعلق بها من حیث إنّها معاملة اقتضی الفساد کالنّکاح فی العدة وقیل إنّ المراد أنّه لم یعص الله بمعنی أنّه لم یصدر منه فعل لا یکون فیه الإذن من الله من جهة العمومات بل فعل لیس فیه إذن من سیده فیدل علی فساد المعاملة إذا لم یکن لها مقتضی الصّحة من عموم أو إطلاق بل الحدیث شاهد علی الصّحة فی المقام لحکمه بالصحة مع أنّه معصیته لله لحرمة مخالفة السّید شرعا ویؤیّده صدر الخبر حیث سئل عن النّکاح بغیر إذن السّید لا مع نهی السّید فیکون حاصل الخبر أنّ الحرمة فی المقام غیر مانعة من الصّحة وإنّما یقع العقد معلقا لفوات شرطه الذی هو إذن السّید وهو فاسد أمّا أوّلا فلأنّ حمل العصیان علی معنی الصّدور من غیر إذن مجاز والتّفکیک لیس قرینة علیه لاحتمال المعنی الذی ذکرنا ولا یلزم علیه المجاز وإنّما یلزم التّقیید لأنّ المعنی أنّه لم یعص الله من حیث ذات النّکاح بل من جهة عنوان مخالفة السّید وهو أرجح من المجاز والمراد من عدم إذن السّید هو صورة النّهی لغلبة استعمال تلک العبارة فی ذلک مع أنّ تصرف العبد فی نفسه بالنّکاح وأمثاله من غیر إخبار السّید منهی عنه من جانب السّید عموما کما لا یخفی وأمّا ثانیا فلأنّه علی ما ذکره یلزم أن یکون المراد من معصیة الله عدم الإذن الوضعی بمعنی عدم جعله سببا لأنّه المقتضی للفساد عنده لا عدم الإذن التّکلیفی وهو الحرمة لأنّها لامتنع الصّحة عنده والمراد من معصیة السّید عدم الإذن التّکلیفی إذ لیس الإذن الوصفی بید السّید فیکون معنی الحدیث أنّه لم یفعل ما لم یجعله الشّارع سببا بنوعه بل فعل ما حرمه السّید فیکون هذا تفکیکا بین معنی المعصیتین ولا یخفی رکاکته وأمّا ثالثا

ص: 326

فلأنّه لو کان المراد بالمعصیة ما لا یکون فیه مقتضی الصّحة لم یکن للتّمثیل بالنّکاح فی العدة وجه لوجود المقتضی للصّحة فیه وأقله عموم أوفوا بالعقود وغیر ذلک فتأمّل وإذا فالتّحقیق هو اقتضاء الفساد

تنبیهات

أحدها قد عرفت أنّ النّهی فی المعاملات إمّا یتعلق بها بعنوان آخر وإمّا یتعلق بها لمبغوضیّة أثرها وإمّا یتعلق بنفس الأثر وإمّا یتعلق بها إرشادا إلی فسادها وإمّا یتعلق بها لذاتها فإن علم کون النّهی من أحد الأقسام فلا کلام وأمّا إذا اشتبه الأمر فهل یحمل النّهی علی أی الوجوه فنقول أمّا الوجه الثّالث فهو لا یشتبه أصلا لتعلّق النّهی بالأثر فهو خارج عن محل الکلام وأمّا بقیّة الأقسام فالوجه الأوّل والثّانی خلاف ظاهر النّهی لأنّ الظّاهر منه إذا تعلق بالمعاملة أن یکون ذات المعاملة متعلقا له لا عنوان آخر وأیضا الظّاهر عدم کونه نهیا غیریا بواسطة مبغوضیّة الأثر وأمّا الوجهان الآخران فلا ثمرة فی تعیین أحدهما بالنّسبة إلی الفساد بعد ما ثبت من دلالة کلیهما علی الفساد ولکن یثمر فی کیفیّة الحرمة فإنّها علی الأوّل بدعیّة وعلی الثّانی ذاتیّة ولکن مقتضی أصالة الحقیقة حمل النّهی علی التّحریم إلاّ أن یدعی غلبة استعماله فی الإرشاد وهو فی المعاملات ممنوع

الثّانیة ذهب أبو حنیفة إلی أنّ النّهی یدل علی صحة المنهی عنه لأنّه موضوع للصحیح ویجب کون المنهی عنه مقدورا فیدل علی قدرة الشّخص بعد النّهی علی الإتیان بالمنهی عنه صحیحا وفساده ظاهر أمّا أوّلا فلأنّ الکلام فی هیئة النّهی والصّحة فیما ذکره لو تمت فإنّما هی من جهة المادة وأمّا ثانیا فلأنّ کلامه فی العبادات لا یتم بوجه لمنع کونها أسامی للصحیح ولو سلم کما هو المحقق فإن أراد من دلالة النّهی علی صحته أنّه موافق للأمر فظاهر البطلان لامتناع اجتماع الأمر والنّهی مطلقا خصوصا فی المنهی عنه لذاته فیکون هذا قرینة علی إرادة الأعمّ لا الصّحیح وإن أراد أنّه تام الأجزاء والشّرائط فنقول إنّ النّهی لا یمکن أن یتعلق بما یکون تام الأجزاء والشّرائط لأنّه مأمور به فهذا قرینة علی نقصان بعض الشّروط والأجزاء فیکون مستعملا فی الأعمّ مجازا أو أنّ ذلک قرینة علی إرادة الإرشاد إلی عدم المقدوریّة نظیر قوله إذا لم تستطع أمرا فدعه لا یقال إنّ الصّلاة فی الدّار المغصوبة مأمور بها نسیانا محرمة عمدا مع أنّ شرائط الصّلاة وأجزاءه لا یختلف بتذکّر الغصب أو نسیانه فقد تعلق النّهی بعین ما تعلق به الأمر لأنّا نقول الغصب هو الاستیلاء علی مال الغیر عدوانا وعند النّسیان یرتفع العدوان فیرتفع الغصبیّة فلم یتحد مع المنهی عنه وأمّا فی المعاملات فإنّما یتم کلامه لو قلنا بوضعها للصحیح الشّرعی وهو ممنوع

الثّالثة لا ریب أنّ الفساد والصّحة لا یتبعضان بالنّسبة إلی طرفی المعاملة فإذا فسد المعاملة إیجابا أو قبولا فسد من الجانب الآخر هذا بحسب الواقع وأمّا بحسب الظّاهر فیمکن التّبعض کما لو اعتقد الموجب فساد العقد بالفارسیّة ومع ذلک عقد بها مع من یعتقد صحتها فإنّ العقد الصّحیح بالنّسبة إلی القابل فی الظّاهر بمعنی أنّه یترتب علیه أحکام الصّحیح وفاسد بالنّسبة إلی الموجب وذلک لأنّ من اعتقد صحة ذلک فهو صحیح عنده وإن صدر ممن اعتقد الفساد لأنّ اعتقاد الفساد

ص: 327

لا یوجب فساد المعاملة فی الواقع لأنّ الصّحة حکم وضعی لا یتغیّر بحسب الاعتقاد فإذا اعتقد الصّحة لزمه الالتزام بآثارها بخلاف من اعتقد الفساد وأمّا حرمة المعاملة من أحد الطّرفین فهل یستلزم حرمتها من الطّرف الآخر أو لا مثل قوله تعالی حرمت علیکم أمهاتکم فإنّه حرم الأمهات علی الأبناء فهل یستلزم ذلک تحریم الأبناء علی الأمهات مثلا أم لا قیل نعم لأنّ العقد أمر واحد ذات إضافة لا یمکن اجتماع الحرمة والإباحة فیه وهذا فاسد إذ لو أراد بالعقد الإیجاب والقبول فلا ریب فی تعددهما وإن أراد منه الوطی فهو أیضا مختلف بالإضافة إلی الفاعل والقابل فإنّه باعتبار الفاعل معناه الواطئیّة وباعتبار القابل الموطوئیّة وقیل إنّه یستلزم حرمة الآخر لکونه إعانة علی الإثم وفیه أنّ الکلام أنّما هو فی الحرمة الذّاتیّة الثّابتة للطرف المحرم ویثمر فیها وصدر ذلک عنه جهلا بالحرمة أو نسیانا فإن قلنا بالحرمة من جهة کونه إعانة ارتفعت حینئذ إذ لا إثم حتی یکون ذلک إعانة وإن قلنا بالحرمة الذّاتیّة لم ترتفع والأولی أن یقال إنّ الحرمة إن کانت للمعاملة من أحد الجانبین ذاتا أی من حیث إنّها معاملة حرم الآخر أیضا لاقتضاء الحرمة بهذا النّحو الفساد والفساد لا یتبعض فیفسد من الجانب الآخر أیضا فیکون حراما بدعیا وإن کانت الحرمة باعتبار عنوان آخر کالبیع فی وقت النّداء مع من لا یجب علیه الجمعة لم یحرم علی الآخر إلاّ باعتبار الإعانة علی الإثم فافهم

أصل فی المفهوم والمنطوق

وتحقیق الکلام فیه فی ضمن مطالب

الأوّل فی بیان منابطهما

فنقول قسموا الدّلالة الوضعیّة أعنی ما للوضع مدخل فیه إلی المطابقة والتّضمن والالتزام وذکروا أنّ المطابقة والتّضمن داخلان بأسرهما فی المنطوق وأین الالتزام قسمان فمنه منطوق ومنه مفهوم والمدار فیهما علی ذکر الموضوع وعدمه فالمنطوق هو الحکم أو الحال الثّابت لأمر مذکور والمفهوم هو الثّابت لأمر غیر مذکور وإلی هذا یرجع التّعریف المشهور وهو أنّ المنطوق ما دل علیه اللّفظ فی محل النّطق والمفهوم ما دل علیه اللّفظ إلاّ فی محل النّطق بناء علی جعل محل النّطق عبارة عن نفس الموضوع لأنّه لو کان مذکورا صدق علیه أنّه محل للنطق کما أنّه محل للحکم وإلاّ فلیس فی محل النّطق فالمعنی أنّ المنطوق هو الحکم الثّابت فی موضوع هو محل النّطق أی مذکور ومنه یعلم معنی تعریف المفهوم بالمقایسة وهذا أولی مما ارتکبوه فی التّعریفین لإرجاعها إلی ما ذکرنا من المحتملات حیث جعلوا محل النّطق ظرفا للموضوع فاحتاجوا فی جعله حالا من الضّمیر المجرور الرّاجع إلی المدلول إلی ارتکاب الاستخدام وکیف کان فنقول قد اعترض علی الضّابط المذکور بأنّه منقوض من الطّرفین لأنّ مثل قوله صلی الله علیه وآله رفع عن أمتی تسعة حکم لموضوع غیر مذکور وهو الآثار أو المؤاخذة مع أنّهم عدوه من المنطوق الغیر الصّریح وکذا قوله تعالی ولا تقل لهما أفّ فإنّ حرمة الضّرب معدودة فی أقسام المفهوم مع أنّ الموضوع هو الوالدان المذکوران ومفهوم الشّرط نحو إن جاء زید فأکرمه الموضوع فیه زید وهو مذکور وکذا مفهوم الغایة صم إلی اللّیل الموضوع هو

ص: 328

الصّوم المذکور والقول باعتبار الحیثیّة لغو ومستبعد بل تکلف وتعسف ولذا تفرق القوم فی بیان الضّابط إلی أقوال منها ما ذکره السّید الکاظمینی وهو أنّ المدلول المطابقی والتّضمنی بأسرهما داخل فی المنطوق والالتزامی بأسره فی المفهوم غایة الأمر أنّ الالتزام قد یکون بینا بالمعنی الأخص أو الأعمّ کما فی المفهوم الموافقة ومفهوم الشّرط وقد یکون غیرهما کما فی المدلول بدلالة الاقتضاء نحو رفع عن أمتی تسعة واعترض علی القوم فی جعلهم ذلک من المنطوق الغیر الصّریح بأنّه مما لا یفهم إلاّ بعد تمهید مقدمات عقلیّة من لزوم الصّدق علی النّبی وعدم ارتفاع نفس المذکورات وغیر ذلک مما لا یتمکن من إعمالها إلاّ العلماء فکیف یجعل ذلک منطوقا ویجعل مثل مفهوم الشّرط والغایة الذی یفهمه کل النّاس داخلا فی المفهوم وفیه أنّه إن أراد بذلک بیان مصطلح القوم فهو خلاف منطوق کلماتهم وإن أراد تجدید الاصطلاح فلا کلام لنا فیه ومنها ما ذکره بعضهم من أنّ المنطوق هو ما أرید من اللّفظ من غیر توسط المعنی وإن احتیج فی فهمه إلی القرینة کما فی المجاز والمفهوم هو ما استعمل فیه اللّفظ وأرید من اللّفظ بتبعیّة المعنی ویمکن إرجاع التّعریف المشهور إلی ذلک بجعل الظّرف متعلقا بالفعل أعنی دل أی دلالة فی محل النّطق وفیه أنّه حینئذ یخرج دلالة التّنبیه والإشارة عن المنطوق ضرورة عدم استعمال اللّفظ فی المدلولین وکذا یدخل الکنایة فی المفهوم لأنّ إرادة المعنی الکنائی أنّما هو بالتبعیّة وهو خلاف ظاهر کلماتهم ومنها ما ذکره بعضهم من أنّ المفهوم مشترک لفظی بین الموافق والمخالف فالموافق هو ما فهم من اللّفظ الأولویّة والمخالف هو ما فهم منه مع المخالفة فی الإیجاب والسّلب وغیرهما هو المنطوق وهذا أیضا خلاف ظاهر کلماتهم بل هو عجز عن تأسیس الضّابطة والذی یمکن أن یقال هو أنّ ما یقصده المتکلّم باللّفظ علی قسمین أحدهما أن یکون ذلک مقصودا له من اللّفظ والثّانی أن یکون قصده له للملازمة الخارجیّة بینه وبین المستعمل فیه اللّفظ بحیث ینتقل منه إلیه وإن قطع النّظر عن اللّفظ الثّانی مثل بعض المدالیل الالتزامیّة کوجوب المقدمة والنّهی عن الضّد والکنایة علی القول بأنّ اللّفظ فیها مستعمل فی الملزوم لینتقل منه إلی اللازم وهذا القسم خارج عن المنطوق والمفهوم وأمّا الأوّل وهو ما یکون مقصودا من اللّفظ فهو علی قسمین أحدهما أن یکون مقصودا من اللّفظ ابتداء والثّانی أن یکون مقصودا تبعا لمعنی آخر بحیث یکون التّلازم بین إرادة المستعمل فیه وإرادة ذلک المعنی لا بین وجودهما فی الخارج الثّانی هو المفهوم فإنّ مثل قولک أکرم زیدا العادل یدل علی عدم وجوب إکرام زید الفاسق لا للتّلازم الخارجی بین وجوب إکرام العادل وعدم وجوب إکرام الفاسق بل لأنّ إیجاب إکرام العادل لا ینفک فی إرادة المتکلّم غالبا عن إرادة عدم إکرام الفاسق وکذا فی مفهوم الموافقة والشّرط وغیرهما والأوّل وهو ما یکون مقصودا ابتداء هو المنطوق وهو علی أقسام لأنّ ذلک المعنی المقصود إمّا عین المقصود الابتدائی وهو

ص: 329

المطابقة أو جزؤه وهو التّضمنی أو یکون عنوانا للمقصود الابتدائی کالمدلول بدلالة التّنبیه فإنّ قوله علیه السلام کفّر عقیب قول الأعرابی هلکت وأهلکت إلی آخره یقصد منه ابتداء وجوب الکفارة لکن بعنوان کونها جزاء للوقاع والدّال علی هذا العنوان هو بعد اقترانه بالسؤال لولاه وکون الکفارة مسببا عن الوقاع هو المدلول علیه بدلالة التّنبیه أو یکون من المحتملات فی ضمن المقصود الابتدائی کالمدلول علیه بدلالة الإشارة فإنّ قوله تعالی حمله وفصاله ثلثون شهرا یقصد منه ابتداء بیان مجموع الزّمانین ویحتمل فیه ضمنا أن یکون مدة الحمل ستة أشهر والباقی للفصال فیکون مرادا ابتداء ثم یتعیّن هذا المحتمل بملاحظة قوله تعالی والوالدات یرضعن أولادهن حولین کاملین فتأمّل أو یکون المقصود ابتداء بیانه لکن یذکر فی الکلام ملزومه توطئة للانتقال إلیه کالکنایة علی القول بأنّ المقصود الابتدائی هو اللازم وذکر الملزوم إنّما هو لمحض التّوطئة ولکن الإنصاف أنّ هذا الضّابط أیضا لا یخلو عن تکلف وأنّه لا ضابط فی المقام أصلا فالأولی صرف الکلام إلی المطالب الأخر

الثّانی قسموا المنطوق إلی الصّریح وغیره

فالأوّل هو المطابقة والتّضمن والثّانی من جملة دلالة الالتزام لأنّ اللازم کثیرا ما یخفی علی السّامع ولذا یطلق الکنایة علی ذکر الملزوم وإرادة اللازم لخفاء اللازم والکنایة هی السّتر ثم قسموا المنطوق الغیر الصّریح إلی أقسام الإشارة والتّنبیه والاقتضاء ووجه الضّبط أنّ المدلول إمّا یکون مقصودا من الکلام بعنوانه ووجهه أو لا الثّانی هو دلالة الإشارة کدلالة الآیتین علی أقل الحمل فإنّه لیس الغرض من شیء منهما بیانه والأوّل إمّا یتوقف صدق الکلام أو صحته علیه أو لا یتوقف علیه شیء منهما ولکن الکلام قد اقترن بشیء یبعد اقترانه به لو لا ذلک المدلول الثّانی هو التّنبیه کقول الإمام علیه السلام کفّر بعد قول الأعرابی هلکت وأهلکت واقعت أهلی فی نهار رمضان فإنّه لو لا علیّة الوقاع للکفارة لبعد الجواب بقوله علیه السلام کفّر والأوّل هو دلالة الاقتضاء وهو علی أقسام منها أن یتوقف علیه صدق الکلام نحو قوله صلی الله علیه وآله رفع عن أمتی تسعة أی مؤاخذتها وإلاّ لزم الکذب ومنها أن یتوقف علیه صحته عقلا نحو واسأل القریة أی أهلها لعدم صحة السّؤال عن الجدران عقلا ومنها أن یتوقف علیه صحته شرعا نحو قوله أعتق عبدک عنّی بألف أی مملکا إیاه قبل العتق إذ لا عتق شرعا إلاّ فی ملک قال بعض الأفاضل مقتضی تمثیلهم فی دلالة الاقتضاء بالأمثلة المذکورة اختصاصها بمجاز الحذف أو بالمجاز الذی یکون قرینته عقلیّة نحو واسأل القریة إن قلنا إنّ المراد بالقریة هو الأهل فیبقی المجاز الذی یکون قرینة اللّفظ خارجا عن الأقسام لعدم دخوله فی المنطوق الصّریح لانحصاره فی المطابقة والتّضمن ولا فی غیر الصّریح لأنّ القابل لذلک هو دلالة الاقتضاء ومقتضی أمثلتهم خروجه عنها وفیه نظر لأنّهم إنّما مثلوا بمثل واسأل القریة بتقریب أنّ المراد هو السّؤال عن الأهل ولم یتعرضوا لأنّه هل هو من المجاز فی الحذف أو فی الکلمة وکلاهما

ص: 330

محتمل فیه وعلی الثّانی فالقرینة لفظیّة وهو السّؤال إذ لا فرق بینه وبین یرمی فی قولک رأیت أسدا یرمی فإنّ الحکم بإرادة الرّجل الشّجاع إنّما هو من جهة أنّ الرّمی عقلا لا یتحقق من الحیوان المفترس فالقرینة فی کلیهما هو اللّفظ بضمیمة العقل بل الکلام فی جمیع القرائن هو هذا وبالجملة فدلالة القرینة فی جمیع أقسام المجازات علی إرادة المعنی المجازی دلالة التزامیّة اقتضائیّة ولا إشکال فی ذلک إنّما الإشکال فی أنّ دلالة اللّفظ علی المعنی المجازی کدلالة الأسد علی الرّجل الشّجاع داخلة فی أی قسم من الأقسام وهو موقوف علی فهم معنی المطابقة والالتزام فنقول قد عرفت المطابقة بدلالة اللّفظ علی تمام ما وضع له والتّضمن علی جزئه والالتزام علی لازمه فإن کان المراد بالموضوع له الموضوع له بالوضع الحقیقی دخل المجاز فی دلالة الالتزام ولو أرید إدخاله فی المطابقة لزم تعمیم الموضوع له بحیث یشمل الموضوع له بالوضع النوعی المجازی لکنّه لا یجتمع مع تعریف الالتزام بدلالة اللّفظ علی الخارج اللازم للموضوع له إذ لیس هناک أمر خارج عن الموضوع له بالوضع الأعم إذ کل خارج لازم للموضوع له فهو داخل فی تمام الموضوع له بالوضع النوعی إلاّ نادرا وهو صورة عدم المصحح للمجازیّة فیه فیبعد حمل التّعریف علی هذا فالظّاهر من القوم إدخاله فی دلالة الالتزام ویؤیّده أنّهم اختلفوا فی أنّ الدّال علی المعنی المجازی هل هو اللّفظ بشرط القرینة أو اللّفظ مع القرینة أو القرینة فقط والمعروف هو الأوّل ولا ریب أنّه لیس هناک إلاّ دلالة واحدة والمفروض أنّ دلالة القرینة دلالة التزامیّة کما ذکرنا فیکون دلالة اللّفظ المجاز أیضا کذلک لأنّها هی بعینها والفرق اعتباری ویؤیّده أیضا أنّهم إنّما أدخلوا دلالة الاقتضاء والتّنبیه والإشارة فی المنطوق الغیر الصّریح من جهة کونها دلالة التزامیّة ناشئة من اللّزوم واللّزوم أمر مخفی بسببه یدخل الدّلالة فی غیر الصّریح ولا ریب أنّ الدّلالة فی المجاز أنّما هی من جهة اللّزوم فیناسب إدخالها فی غیر الصّریح فلا یمکن جعلها مطابقة لدخول المطابقة فی أقسام المنطوق الصّریح فافهم ثم إنّا لو أردنا إدخال المجاز فی المطابقة لم یمکن إلاّ بأحد الأمور أحدهما أن نعمّم الموضوع له فی تعریف المطابقة بحیث یشمل الوضع النوعی الثّابت فی المجاز وقد عرفت فساده والثّانی أن یعرف الدّلالات بوجه آخر وهو ما ذکره بعضهم من أنّ دلالة اللّفظ علی تمام المراد مطابقة وعلی جزئه تضمن وعلی لازمه التزام فیدخل المجاز فی المطابقة لدلالته علی تمام المراد لکن ینتقض هذه التّعاریف بعضها ببعض فإنّ دلالة الجملة الشّرطیّة علی مجموع المنطوق والمفهوم یدخل فی المطابقة وعلی کل واحد من المنطوق والمفهوم فی التّضمن لأنّ کلا منهما جزء المراد ویدخل دلالة العمی علی البصر فی دلالة التّضمن لکونه جزء المراد وإن کان خارجا عن ماهیّة العمی بل یختص الالتزام حینئذ بما إذا لم یکن اللازم مرادا أصلا فیخرج ما إذا کان اللازم أیضا مرادا بالتّبع مع أنّه داخل فی الالتزام قطعا ویمکن دفع الجمیع بتقیید المراد بکونه مرادا

ص: 331

ابتداء ولکن یدخل الکنایة فی المطابقة وهو خلاف کلماتهم والثّالث أن یعرف الدّلالات وهکذا دلالة اللّفظ علی تمام المستعمل فیه مطابقة وعلی جزئه تضمن وعلی لازمه التزام فیدخل المجاز فی المطابقة والکنایة فی الالتزام علی القول بأنّ اللّفظ أنّما یستعمل فی الملزوم ولینتقل منه إلی اللازم هذا ولکن ظاهر القوم إدخال المجاز فی الالتزام بالتّعریف السّابق وهو أظهر فتأمّل

الثّالث قسموا المفهوم إلی قسمین

أحدهما مفهوم الموافقة والثّانی مفهوم المخالفة لأنّ الحکم المستفاد من اللّفظ التزاما إمّا یکون موافقا للمنطوق ویکون مستفادا منه بالأولویّة فهو مفهوم الموافقة کدلالة حرمة التّأفیف علی حرمة الضّرب وإمّا یکون مخالفا له فهو مفهوم المخالفة وحصر بحکم الاستقراء فی الشّرط والوصف والغایة والحصر واللّقب والعدد والزّمان وقبل الخوض فی الأقسام المذکورة یجب تمهید کلام فی بیان الضّابط فی المدالیل الالتزامیّة وحجّیّتها فإنّ المفاهیم من جملتها کما عرفت فنقول قیل بعدم حجّیّة المدالیل الالتزامیّة مطلقا لوجوه أحدها أنّ المدلول الالتزامی یجب فیه تحقق اللّزوم بینهما بمعنی عدم انفکاکه عن الملزوم فی التّصور فیکون استفادته قهریّا واضطراریّا وما هو کذلک لیس قابلا للنّفی والإثبات فلا معنی لکونه حجّة الثّانی أنّه لو کان دلالة الالتزام معتبرة لما احتاج الکنایة إلی القرینة لأنّها عبارة عن ذکر الملزوم وإرادة اللازم والثّالث أنّها لو کانت معتبرة لدخل حیطان البیت فی بیع سقفه لدلالة السّقف التزاما علی الحیطان والرّابع أنّ الدّلالة أعمّ من الإرادة فإن حصل القطع بالإرادة فلا ریب فی اعتباره وأمّا إذا کانت مظنونة کما هو الغالب فلا دلیل علی اعتبار الظّن فی المراد والتّحقیق أن یقال إنّ دلالة الالتزام إمّا لفظیّة أو لا والمراد من الأوّل هو أن یکون الغالب عرفا ذکر ذلک اللّفظ لإفادة ذلک اللازم وإن کان بتبعیّة المعنی المطابقی ولا ریب فی حجّیّة هذا النحو من الدّلالة وإن کان الإرادة مظنونة لما مر من کفایة الظّن المطلق فی مدالیل الألفاظ والمراد من الثّانی غیر ذلک بأن یکون بین الملزوم واللازم تلازم بحسب الوجود الخارجی لا فی الإرادة من اللّفظ وهو علی أقسام لأنّ التّلازم إمّا عقلی کوجوب ذی المقدمة ووجوب المقدمة أو شرعی کدلالة صحة البیع علی تحقق الملک لما ثبت شرعا أنّه لا بیع إلاّ فی ملک أو عرفی کما إذا کان الغالب فی العرف أنّ من یوجب شیئا یوجب مقدمته أیضا مثلا فالأوّل حجّة إن کان اللّزوم قطعیّا وکذا الثّانی إن کان المتکلّم متشرعا للقطع بإرادته فیهما وأمّا الثّالث فإن أفاد القطع فلا کلام فیه وإن أفاد الظّن فإن قلنا بحجّیّة الظّن المطلق فی الأحکام کان حجّة لأنّ الظّن بالإرادة یوجب الظّن بالحکم وإلاّ فلا وعلی هذا فلا فرق بین کون اللازم بیّنا بالمعنی الأخصّ أو الأعمّ أو غیرهما بل الضّابط ما عرفت وبما ذکرنا علم الجواب عن تلک الأدلّة الأربعة أمّا الأوّل فغیر مفهوم المراد کما لا یخفی إذ لا یمنع کون المدلول اضطراریّا من إرادته فإنّ فهم المنطوق

ص: 332

أیضا اضطراری بالنّسبة إلی العالم بالوضع وأمّا الثّانی فلأنّ اللّزوم فی الکنایة إن کان خطابیّا فنحن أیضا نقول بعدم الحاجة إلی القرینة بل القرینة إنّما یحتاج إلیها فیما إذا کان اللّزوم بحسب الوجود ولا یکون إرادته مقطوعا بها وأمّا الثّالث فلأنّ التّلازم بین السّقف والحائط وجودی لا خطابی وأمّا الرّابع فلقیام الدّلیل علی اعتبار الظّن المطلق فی مدالیل الألفاظ نعم لو لم یکن اللّزوم خطابیّا توقف حجّیّة الظّن فیه علی حجّیّة الظّن المطلق فی الأحکام فتأمّل

إذا عرفت هذا

فلنشرع فی ذکر الأقسام وبیانها فی طی مباحث

الأوّل فی مفهوم الشّرط

وتحقیق القول فیه یظهر فی ضمن أمور أحدها الأولی فی تحریر محل النّزاع أن یقال إنّ تقیید الحکم بشیء بکلمة إن وأخواتها هل یدل علی انتفاء ذلک الحکم عند انتفاء مدخولها أو لا لا ما قیل فی التّحریر من أنّ مفهوم الشّرط حجّة أو لا إذ الظّاهر منه الاتفاق فی تحقق المفهوم والنّزاع فی حجّیّته ولیس کذلک بل المتنازع فیه هو تحقّق المفهوم وعدمه وأیضا إن أرید من الشّرط الأصولی فهو فاسد لأنّ الشّرط الأصولی عبارة عما یلزم من عدمه العدم وهو معنی المفهوم فکیف یتنازع فی ثبوت المفهوم له وإن أرید منه الشّرط النحوی ففاسد أیضا لأنّه عبارة عن مدخول کلمة المجازاة ولا مفهوم له قطعا بل المفهوم لو کان فإنّما هو لمجموع الشّرط والجزاء ولا ما قیل فی التّحریر من أنّ تعلیق الحکم علی شیء إلی آخره لأنّ التّعلیق معناه إیقاف شیء علی شیء وتوقف الشّیء علی غیره یستلزم انتفاءه بانتفائه فکیف یتنازع فی أنّه یستلزم الانتفاء أو لا فتأمّل الثّانی من البیّن أنّ الظّاهر من الجملة الشّرطیّة هو اللّزومیّة بمعنی أن یکون بین المقدم والتّالی علقة توجب عدم الانفکاک بینهما فی الخارج فالاتفاقیّة خلاف الظّاهر بل هو مجاز بعلاقة التّشبیه أعنی تشبیه التّقارن فی الوجود بالتّلازم أو غیر التّشبیه وکذا موارد استعمال کلمة إن الوصلیّة نحو أکرم الضّیف وإن کان کافرا فإنّ الکفر لیس سببا للإکرام لکن نزل غیر السّبب منزلة السّبب تنبیها علی سببیّة ضد الکفر للإکرام بطریق أولی ونحو ذلک من المناسبات ثم إنّ علقة اللّزوم بینهما قد تکون بعلیّة الأوّل للثّانی وقد تکون بالعکس وقد تکون بکونهما معلولی علة ثالثة وقد تکون بالتّضایف ولا ریب أنّ ثبوت المفهوم وهو الانتفاء عند الانتفاء یتوقف علی کون المراد علیه الأوّل للثّانی علة تامة منحصرة ولهذا حکموا بأنّه الظّاهر من الجملة الشّرطیّة بل استعمالها فی موارد معلولیّة الأوّل خلاف الظّاهر نحو إذا نزل الثّلج فالزّمان شتاء وأرجعه بعضهم إلی الأوّل بأن جعل التّالی فیه الحکم بأنّ الزّمان شتاء لا نفس کونه شتاء وفیه نظر لأنّ الحکم المذکور مسبّب عن العلم بنزول الثّلج لا عن نفس نزوله وکیف کان فالظّاهر اتفاقهم علی أنّ الظّاهر من الجملة الشّرطیّة هو العلیّة التّامة المنحصرة للأوّل بالنّسبة إلی الثّانی واختلفوا فی أنّ هذا الظّهور مستند إلی الوضع أو لا فقیل بالأوّل لأنّ الأصل فی التّبادر أن یکون وضعیّا ورده الآخرون بأنّه لو کان الظّهور وضعیّا لکان استعمال الشّرطیّة فی معلولیّة الأوّل للثّانی موجبا للتنافر کما فی المجازات ولیس کذلک بل الطّهور مستندا إلی شیء

ص: 333

آخر وقرر بوجوبها أنّ الظّهور من باب انصراف المطلق إلی الفرد الکامل نظرا إلی أنّ الشّرطیّة موضوعة لمطلق اللّزومیّة والفرد الکامل منها هو العلیّة والمعلولیّة فلهذا ینصرف الشّرطیّة إلیها وفیه نظر أمّا أوّلا فلأنّ وضع الحروف شخصی والموضوع له فیها جزئی لا فرد له حتی ینصرف إلیه وأمّا ثانیا فلأنّ انصراف المطلق إلی الفرد الکامل غیر مسلم ما لم یکن شائع الاستعمال فیه وشیوع الاستعمال فی المقام غیر مسلم لکثرة استعمال الشّرطیّة فی الاتفاقیّات والوصلیّات وموارد معلولیّة الأوّل للثّانی وأمّا ثالثا فلأنّ کون علقة العلیّة أکمل لا یوجب إلاّ ظهور تحقق العلیّة بین المقدم والتّالی فما وجه الحکم بعلیّة الأوّل للثّانی دون العکس ومنها أنّ الظّهور المذکور من جهة إطلاق لفظ الشّرط فإنّ قوله إن جاء زید فأکرمه یقتضی بإطلاق لفظ جاء أنّ المجیء مستقل فی السّببیّة إذ لو کان هناک شرط آخر وجب ذکره وفیه أنّه إن أراد من الاستقلال فی الشّرطیّة أنّ الشّرط لیس أمرا مرکبا من أمور یکون المجیء جزءا منها بل هو مستقل فی الشّرطیّة کنفس الوضوء للصلاة ولیس من قبیل أجزاء الوضوء مثلا فمسلم لکن لا ینافی ذلک وجود شرط مستقل آخر فإنّ الوضوء شرط مستقل للصّلاة ولا ینافی کون ستر العورة أیضا شرطا وإن أراد أنّه سبب تام بحیث لا مدخلیّة لشیء آخر فی الشّرطیّة فاقتضاء إطلاق الشّرط لذلک ممنوع بل نقول إنّ إطلاق الشّرط لا یفید الاستقلال بالمعنی الأوّل أیضا نعم یمکن استفادة ذلک من إطلاق الجملة الشّرطیّة مع إطلاق الجزاء إذ لو کان هناک شرط آخر لکان ترتیب الجزاء علی الشّرط مطلقا غلطا ولکن لا یفید ذلک إلاّ تحقق وجود الجزاء عند وجود الشّرط وأمّا کون الأوّل علة تامة فلا لإمکان کونه جزء الأخیر من العلة أو کونه مع الجزاء معلولی علة واحدة أو کون الجزاء دائم الثّبوت حال وجود الشّرط وعدمه فالأولی هو إسناد الظّهور إلی الوضع لا لأصالة کون التّبادر وضعیّا لأنّ حجّیّة الأصل فی اللّغات من باب الظّن واستفادة الظّن منه فی المقام غیر معلوم بل لأنّ الظّهور لا یخلو إمّا أن یکون للوضع أو لغلبة الاستعمال ولا ریب أنّه لو کان من جهة الغلبة لاحتاج المخاطب فی فهم الظّاهر إلی ملاحظة الغلبة کما فی المجاز المشهور ولکنّا إذا راجعنا أنفسنا نری أنّا نفهم التّعلیق من الجملة الشّرطیّة من غیر التفات إلی أنّ ذلک هو المعنی الغالب الاستعمال بل قد علمت أنّ فی أصل غلبة هذا الاستعمال منعا ظاهرا فکیف یستند الظّهور إلیها ثم إنّ المستفاد من التّعلیق هو توقف الجزاء علی الشّرط وانتفائه بانتفائه ومقتضی المنطوق ووجوده عند وجوده ولکن لا یستفاد من ذلک کون المقدم علة تامة لاحتمال کونه جزء الأخیر أو کونهما معلولی علة واحدة أو کونهما متضائفین أو یکون شیء آخر علة لکن یتوقف تأثیره علی وجود المقدم نحو إن لقیت صدیقی فسلّم علیه فإنّ اللّقاء لیس علة للسلام بل العلة هی الصّداقة ولکنّها لا تؤثر فی وجوب السّلام إلاّ حال اللّقاء وبالجملة فیکفی فی تحقق المفهوم استفادة التّوقیف والتّعلیق من الشّرط وأن یثبت العلیّة التّامة فافهم فقد علم بما ذکرنا أنّ الحق هو ثبوت المفهوم لأنّ المتبادر من الجملة الشّرطیّة هو التّعلیق ولازمه ثبوت المفهوم کما عرفت وبهذا یعلم دفع ما یتوهم

ص: 334

من التّناقض بین حکمهم بثبوت المفهوم وبین حکمهم بعدم تکرر والحکم عند تکرر الشّرط إذ لو کان الشّرط علة تامة لوجب تکرر المشروط بتکرره واستدل لمنع ثبوت المفهوم بأنّ للجملة الشّرطیّة استعمالات ثلاث أحدها أن تستعمل فی سببیّة الأوّل للثانی نحو إن کانت الشّمس طالعة فالنّهار موجود وهذا یفید المفهوم والثّانی أن تستعمل فی تلازمهما مع قصد الاستدلال بانتفاء التّالی علی انتفاء المقدم نحو لو کان فیهما آلهة إلاّ الله لفسدتا والثّالث أن تستعمل فی تلازمهما من دون القصد المذکور نحو إن کان هذا إنسانا کان حیوانا ومع ثبوت هذه الاستعمالات یجب الحکم بوضعها للقدر المشترک وهو مطلق التّلازم حذرا من الاشتراک والمجاز وحینئذ فلا دلالة لها علی المفهوم وفیه نظر أمّا أوّلا فلما عرفت من تبادر التّعلیق من الجملة الشّرطیّة وهو علامة الحقیقة کما عرفت تقریره وأمّا ثانیا فلأنّ المعنی الثّانی والثّالث معنی واحد فإنّ لازم التّلازم هو إمکان الاستدلال بانتفاء اللازم علی انتفاء الملزوم ومن وجود الملزوم علی وجود اللازم وفعلیّة القصد المذکور وعدمه لا یوجب اختلاف المستعمل فیه وحینئذ فالمستعمل فیه معنیان السّببیّة والتّلازم ولا ریب أنّ السّببیّة لیست مقصودة بنفسها فی الاستعمال الأوّل بل المراد فیه هو التّعلیق ویستفاد منه السّببیّة وبالجملة فالمستعمل فیه أمّا التّعلیق أو التّلازم ولیس بینهما قدر مشترک یکون هو الموضوع له کما ذکره والقول بأنّ القدر المشترک هو مطلق التّلازم غیر مفهوم إذ لیس مطلق التّلازم إلاّ عبارة عن المعنی الثّالث الذی جعله مقابل الأوّلین فکیف یکون مشترکا بین نفسه وقسیمیه ویمکن دفع هذا بأنّ مراده من القدر المشترک هو المعنی الثّالث فیکون حاصله أنّ لها استعمالات ثلاث السّببیّة والتّلازم الخاص والقدر المشترک بینهما وهو مطلق التّلازم وحینئذ فیرد علیه ما سبق خاصة وأمّا ثالثا فلأنّ حکمه بثبوت المفهوم للقسم الأوّل لا وجه له لاحتمال وجود سبب آخر إذ لم یدع الانحصار بل لو ادعاه لکان فاسدا إذ لا یستعمل الجملة فی السّببیّة المنحصرة بقید الانحصار قطعا فالقول بتحقق المفهوم لا یتم إلاّ علی فرض استعمالها فی التّعلیق إذ لولاه لکان المراد إمّا السّببیّة وقد عرفت عدم استلزامه للمفهوم أو الشّرطیّة الأصولیّة وهو فاسد لاستلزامه کون المفهوم منطوقا إذ یکون معنی إن جاء زید فأکرمه أنّ الشّرط الأصولی فی وجوب الإکرام هو المجیء ومعنی الشّرط الأصولی هو ما یستلزم انتفاؤه انتفاء المشروط وأمّا التّلازم وعلیه فعدم ثبوت المفهوم ظاهر فالأولی فی الإیراد أن یقال إنّ الجملة الشّرطیّة لا ینحصر استعمالها فی التّعلیق بل کثیرا ما تستعمل فی التّلازم کما فی کلام المنطقیّین بل لا یوجد استعمالها فی التّعلیق فی کلامهم حیث حکموا بأنّ انتفاء التّالی موجب لانتفاء المقدم دون العکس وهذا ینافی التّعلیق والجواب أنّ کلام المنطقیّین لیس فی دلالة الجملة الشّرطیّة وإنّما شأنهم بیان طرق الاستدلال ومن جملة الطّرق هو التّلازم ولا ریب أنّ اللازم یجوز کونه أعمّ من الملزوم فانتفاؤه یدل علی انتفاء الملزوم کلیّا من دون العکس ومن شأن قواعد المیزان أن تکون مطردة ولذا یحکمون بأنّ رفع التّالی یدل علی رفع المقدم دون العکس أی کلیّا ولیس کلامهم فی دلالة الجملة الشّرطیّة فهو لا ینافی ما ذکرنا من تبادر التّعلیق منها عرفا مع قطع النظر

ص: 335

عن ملاحظة غلبة الاستعمال وغیرها الذی هو علامة الحقیقة فتأمّل الثّالث إذا بینا علی الشّک فی ثبوت المفهوم وعدمه بحسب الأدلّة فهل الأصل یقتضی المفهوم أو لا قیل إنّ مقتضی الأصل انتفاء المفهوم لوجوه منها أنّ ثبوت المفهوم یتوقف علی التفات الواضع حین الوضع إلیه والأصل عدم الالتفات وفیه أنّ المفهوم من لوازم وضع حرف الشّرط للتّعلیق ولا یتوقف علی الالتفات ودعوی أنّ الأصل عدم الوضع للتّعلیق معارضة بأنّ الأصل عدم الوضع لغیره ومنها أنّه لو کان الحکم الثّابت فی المنطوق موافقا للأصل فلو تحقق المفهوم لکان مخالفا للأصل فالأصل عدمه کما لو قال إن جاء زید کان لک الماء مباحا فإنّ المفهوم هو حرمة الماء عند عدم المجیء والأصل البراءة عن الحرمة ومنها أنّه لو کان موجبا لتخصیص عام أو لتقیید مطلق کان مقتضی أصالة العموم والإطلاق عدم ثبوت المفهوم کقوله صلی الله علیه وآله إذا بلغ الماء قدر کر لم ینجسه شیء فإنّ المفهوم هو نجاسة الماء القلیل بالملاقاة وهو یوجب تخصیص عموم قوله کل ماء طاهر وتقیید إطلاق قوله خلق الله الماء طهورا مثلا واعترض علیه بأنّ ثبوت المفهوم فی هذه الموارد لا ینافی أصالة الإباحة ولا بقاء العام والمطلق علی حاله لأنّ المفهوم إنّما هو رفع الإباحة الخاصة المسببة عن مجیء زید فارتفاعها بارتفاع المجیء لا ینافی ثبوت الإباحة العامة بأصالة الإباحة وکذا ارتفاع الطّهارة الخاصة المسببة عن الکریّة بارتفاع الکریّة لا ینافی ثبوت الطّهارة الثّابتة لطبیعة الماء بقوله کل ماء طاهر فی الماء القلیل وفیه أوّلا أنّ ارتفاع الإباحة الخاصة والطّهارة الخاصة فرع ثبوت کون المقدم سببا للتالی وهو أوّل الکلام فلا یعلم أنّ المراد بالإباحة أو الطّهارة فی التّالی هل هی الخاصة المسببة حتی یرتفع بارتفاع السّبب أو العامة حتی تبقی وإذا فلا یمکن الحکم بثبوت المفهوم من هذه الجهة أیضا والقول بأنّ الطّهارة العامة لا معنی لترتیبها علی خصوص الکریّة باطل لجواز إثبات الحکم لفرد من أفراد الطّبیعة مع اشتراک الباقی معه فیه لکونه محل الحاجة فذکر خصوص الکر فی المثال لا ینافی ثبوت الحکم لغیره أیضا وثانیا أنّا سلمنا ارتفاع الإباحة والطّهارة الخاصة بانتفاء الشّرط لکن بهذا لا یصدق تحقق المفهوم بل لا یصدق إلاّ بانتفاء مطلق الإباحة والطّهارة عند انتفاء المقدم کما سیظهر إن شاء الله وبالجملة فظهر أنّ المفهوم إذا کان مخالفا للأصل فالأصل عدمه نعم لو کان موافقا للأصل کان مقتضاه ثبوته والله یعلم فوائد أحدها لا ریب أنّ الحکم إذا ثبت لموضوع خاص بجعل خاص انتفی بانتفاء موضوعه بمعنی أنّ ذلک الخطاب لا یقتضی ثبوت الحکم لغیر ذلک الموضوع فلو قال أکرم زیدا لم تقتض وجوب إکرام عمرو بهذا الخطاب ولکن انتفاء هذا الخطاب عند انتفاء الموضوع لیس للمفهوم وأیضا لو کان الحکم المنجعل لذلک الموضوع غیر قابل لجعل آخر بالنّسبة إلی الموضوع الآخر فانتفاؤه عن غیر ذلک الموضوع لیس مفهوما کما لو قال وقفت الدّار علی الفقراء فعدم صحة وقفها علی غیرهم إنّما هو لعدم إمکان وقف ما هو وقف لا لاقتضاء المفهوم بل المفهوم إنّما هو انتفاء نوع ذلک الحکم عن غیر ذلک الموضوع بأن لا یمکن ثبوته له ولو بخطاب آخر

ص: 336

مع کون ذلک مستفادا من اللّفظ لا من جهة عدم إمکان الجعل ثانیا ولهذا اتّفقوا فی أنّ الوصف یفید التّخصیص مع اختلافهم فی ثبوت مفهومه فإنّ معنی التّخصیص هو عدم ثبوت الحکم بالخطاب الخاص لغیر الموصوف الخاص وأمّا جواز ثبوته للغیر وعدمه بخطاب آخر فیبتنی علی وجود المفهوم وعدمه وحینئذ فیقع الإشکال فیما إذا کان الجزاء طلبا کالأمر فی مثل إن جاء زید فأکرمه من جهة أنّ الأمر موضوع للطّلب الخاص الجزئی الموجود فی ذهن الطّالب فهو معلق علی الشّرط وینتفی بانتفائه بمقتضی التّعلیق فلا ینافی وجود طلب آخر مماثل لذلک الطّلب بوجود آخر بالنّسبة إلی الإکرام فیلزم أن لا یکون له مفهوم بخلاف الإخبار فإنّ المعلق فیها هو الحکم الکلی المستفاد من الجملة الخبریّة وقد أجیب عنه بوجوه منها منع کون الأمر موضوعا للطّلب الجزئی بل نقول إنّه موضوع للطّلب الکلی ولکن استعماله فیه مشروط بکونه موجودا ومتشخّصا فی ذهن الطّالب واشتراط شیء فی الاستعمال لا یوجب کون الموضوع له جزئیّا والتّعلیق إنّما هو بالنّسبة إلی الموضوع له وقد سبق الإشارة إلی هذا الجواب ومنها أنّ الطّلب الجزئی ینتفی بانتفاء موضوعه فلو قال أکرم زیدا عند مجیئه لانتفی الطّلب الخاص بانتفاء المجیء فلو کان هذا مرادا لم یکن فی جعل المجیء علة فائدة فمن جعله علة یستفاد أنّه علة لمطلق الطّلب لا للطّلب الخاص وهذا الجواب مبنی علی استفادة العلیّة من الشّرط والأولی فی الجواب أن یقال إنّه کما یتبادر التّعلیق عرفا من أداة الشّرط کذلک یتبادر تعلیق نوع الطّلب الخاص لا خصوص الطّلب الموجود فی ذهن الطّالب حال الطّلب وهو یکفی فی المطلوب ولا یلزمنا دعوی کون الموضوع له أیضا هو الکلی أو الجزئی وغیر ذلک فتأمّل الثّانیة إذا کان الحکم المعلق علی الشّرط واردا علی طبیعة مطلقة ففی إفادة المفهوم للعموم وعدمه خلاف وکذا إذا کان فی الحکم المنطوق عاما فهل یقتضی المفهوم سلب العموم أو عموم السّلب فیه إشکال والأوّل نحو إن جاء زید فأعتق رقبة والثّانی نحو إذا بلغ الماء قدر کرّ لم ینجّسه شیء فهل المفهوم أنّ غیر الکر ینجّسه شیء أو ینجسه کل شیء وقد استشکلوا فیما إذا کان الجزاء خبرا فی معنی الطّلب نحو إذا جاء زید فهو یکرم فحکم بعضهم بأنّ عموم المفهوم یقتضی بحرمة إکرامه عند عدم المجیء نظرا إلی أنّ الإکرام المطلوب فی المنطوق هو الطّبیعة ففی المفهوم یرد علیها النّفی ونفی الطّبیعة یقتضی نفی جمیع أفرادها ونفی جمیع أفراد الإکرام عند عدم المجیء یراد منه الطّلب کما فی المنطوق فیکون المفهوم طلب عدم إیجاد شیء من أفراد الإکرام وهو معنی الحرمة وکذلک استشکلوا فیما إذا کان الثّابت فی المنطوق نوعا خاصا من الوجوب کالعینی أو التّخییری والنّفسی أو الغیری فهل المفهوم انتفاء ذلک النّوع أو انتفاء نوع الوجوب فمفهوم قوله إذا دخل الوقت وجب الطّهور والصّلاة هو انتفاء الوجوب الغیری للوضوء بانتفاء الوقت فلا ینافی ثبوت الوجوب النّفسی له أو انتفاء وجوبه مطلقا فنقول التّحقیق فی الضّابط أن یقال إنّ ثبوت المفهوم إمّا من جهة استفادة العلیّة من الشّرط أو التّعلیق کما عرفت وکیف کان لا یقتضی إلاّ انتفاء المعلول والمعلق

ص: 337

بجمیع ما اعتبر فیهما من القیود واللّواحق فمفهوم قولنا إن جاء زید فأکرمه غدا انتفاء وجوب الإکرام غدا لا مطلق الإکرام وبالجملة المنفی فی المفهوم هو بعینه ما یثبت فی المنطوق ولا فرق بین المفهوم والمنطوق إلاّ فی النّفی والإیجاب نعم قد یکون للنّفی لوازم فیترتب علیه فإنّه لو کان الحکم واردا علی المطلق فی الإثبات اقتضی المفهوم نفیه عن المطلق ولازم النّفی عن المطلق هو النّفی عن جمیع الأفراد وإلاّ لم یصدق انتفاء الحکم عن المطلق وبهذا الاعتبار یکون مفهوم القضیّة المطلقة أعنی ما سبق فی القسم الأوّل مفیدا للعموم وبما ذکرنا علم أنّ الحکم بأنّ مفهوم قولنا إن جاء زید فهو یکرم حرمة الإکرام عند عدم المجیء باطل وما ذکر فی تقریره فاسد وذلک لأنّ المعلول والمعلق فی المنطوق لیس طبیعة الإکرام حتی یرد علیه النّفی فی المفهوم بل هو طلب الإکرام وإن ذکر بصیغة الخبر وحینئذ فیرد النّفی فی المفهوم أیضا علی طلب الإکرام فیقتضی نفی وجوبه لا نفی طبیعة ویکون مفهومه مفهوم قولنا إن جاء زید فأکرمه وأیضا علم بما ذکرنا جواب الإشکال الثّانی أیضا وبیانه أنّه إن کان الحکم الثّابت فی المنطوق مترتبا علی الإطلاق کالوجوب العینی والنّفسی لما عرفت من أنّ الوجوب حقیقة فی جمیع الأقسام المذکورة لکونه طبیعة واحدة إلاّ أنّه إذا لم یبیّن التّخییر أو الغیریّة أو الکفائیّة وجب الحکم بإرادة التّعیینی النّفسی العینی بمقتضی الإطلاق فحینئذ لا ریب أنّ المفهوم یفید العموم لأنّ الوجوب الثّابت فی المنطوق مطلق فإذا ورد علیه النّفی فی المفهوم أفاد العموم وإن کان الحکم مترتبا علی التّعلیق کما فی قوله إذا دخل الوقت وجب الطّهور والصّلاة فنقول إنّ مفهومه أیضا یقتضی العموم وذلک لأنّه لما تحقق من الأدلّة أنّ الوجوب النّفسی لو ثبت للوضوء لم یکن معلقا علی دخول وقت الصّلاة حکمنا بأنّ الوجوب فی الخبر وجوب غیری لتعلیقه علی دخول وقت الصّلاة فاستفادة کون الوجوب غیریّا إنّما هی من التّعلیق علی دخول الوقت والوجوب فی نفسه لم یعتبر کونه غیریّا قبل التّعلیق حتی یکون المعلق هو الوجوب الغیری لیرد النّفی فی المفهوم علیه بل المعلق هو طبیعة وجوب الوضوء إلاّ أنّ لازم تعلیقه کونه غیریّا وإذا کان المعلق هو الطّبیعة ورد النّفی فی المفهوم علیها واقتضی العموم کما بیّنا وأمّا إذا کان المنطوق عاما فالضابط فی إفادة المفهوم العموم وعدمه هو أنّ العموم فی المنطوق إن اعتبر جزءا للموضوع وقیدا ورد النّفی فی المفهوم علیه فاقتضی سلب العموم نحو قولک إن شفی الله ولدی فله علی أن لا أشتم أحدا لظهور أنّ المراد تعلیق عموم عدم الشّتم علی الشّفاء فینتفی العموم بانتفاء الشّفاء وإن اعتبر آلة لملاحظة الأفراد فی الحکم بحیث یراد تعلیق الحکم فی کل فرد فرد علی الشّرط اقتضی المفهوم انتفاءه عن کل فرد وعلی ما ذکرنا یظهر لک التّحقیق فی مفهوم قوله علیه السلام کل ما یؤکل لحمه یتوضأ من سؤره ویشرب وکذا قوله علیه السلام إذا بلغ الماء قدر کرّ لم ینجسه شیء إذ لو کان الغرض جعل العموم موضوعا اقتضی المفهوم سلب العموم وإلاّ فعموم السّلب ثم إنّ حصل العلم بأنّ المراد أی المعنیین فهو وإلاّ ففی الحمل علی جعله موضوعا أو آلة للملاحظة إشکال ودعوی غلبة

ص: 338

الثّانی لیست بعیدة عن الصّواب فتأمّل هذا إذا کان العموم والإطلاق فی الجزاء وأمّا إذا کان العموم فی الشّرط نحو إن جاءک العلماء فأکرم زیدا فهل المفهوم انتفاء الجزاء بانتفاء مجیء مجموع العلماء فلو جاء بعض دون بعض انتفی الجزاء لصدق انتفاء عموم الشّرط أوّلا بل المفهوم انتفاؤه بانتفاء مجیء أحد من العلماء فلو جاء البعض لم ینتف الجزاء والضّابط هو أنّ العموم إن اعتبر موضوعا فی الشّرط ترتّب انتفاء الجزاء علی انتفاء العموم وإن اعتبر سورا وآلة للملاحظة وکان کل فرد موضوعا للتّعلیق ترتّب انتفاء الجزاء علی انتفاء الجمیع والظّاهر فی المثال هو الأوّل هذا إذا کان الجزاء حکما لغیر العام وأمّا لو کان حکما له نحو إن جاءک العلماء فأکرمهم فالظّاهر منه عرفا هو التّوزیع فوجوب إکرام کل منهم معلق علی مجیئه وینتفی بانتفائه ولا ینتفی بانتفاء مجیء غیره وأمّا لو کان الشّرط مطلقا فالمفهوم انتفاء الجزاء بانتفاء المطلق ولازم انتفائه انتفاء جمیع أفراده کما عرفت ثم إنّه لو کان الجزاء مقیدا بقیود عدیدة ورد النّفی علی القیود إذا ثبت کونها قیدا من الخارج لا من نفس التّعلیق کما أشرنا إلیه ولا فرق فی القیود الخارجیّة بین المتصل منها والمنفصل لأنّ المنفصل أیضا منوی مع المطلق وإنّما أخر بیانه فالمراد من الجزاء هو القید فیکون هو المنتفی بانتفاء الشّرط لا المطلق تنبیه قد عرفت أنّ النّزاع فی أنّه إذا کان الشّرط أو الجزاء عاما کان فی المفهوم عموم السّلب أو سلب العموم مرجعه إلی أنّ الشّرط والجزاء أیّ شیء فإنّ الجزاء إن کان عموم الحکم کان المفهوم سلب العموم وإن کان نفس الحکم عموما کان المفهوم عموم السّلب وکذا إن کان الشّرط هو العموم انتفی الجزاء بانتفاء العموم وإن کان الشّرط کل فرد فرد انتفی بانتفاء الجمیع علی ما عرفت تحقیقه فاعلم أنّ ذلک النّزاع غیر النّزاع فی أنّ المفهوم یعمّ أوّلا فإنّ مرادهم أنّه بعد إحراز الشّرط والجزاء فهل المفهوم هو انتفاء الجزاء فی جمیع أحوال انتفاء الشّرط أو لا بل المفهوم انتفاؤه عند انتفائه فی الجملة فیمکن ثبوت الجزاء فی بعض أحوال انتفاء الشّرط وهذا النّزاع یجری علی کل من القولین السّابقین وبالعکس فإنّ قولنا إن جاء زید فأکرم العلماء إن قلنا إنّ الجزاء وجوب إکرام العموم کان المفهوم منه سلب العموم فیقع النّزاع فی أنّ هذا أعنی سلب العموم ثابت فی جمیع صور انتفاء المجیء أو لا بل یکفی تحققه فی بعض الصّور مثل صورة کونه قاعدا مثلا وکذا إن قلنا إنّ الجزاء وجوب إکرام کل فرد فرد کان المفهوم عموم السّلب فلا یجب إکرام أحد من العلماء عند انتفاء المجیء فیقع النّزاع فی أنّه ثابت فی مجموع صوره أو بعضها وکذا لو کان الشّرط هو العموم انتفی الجزاء بانتفاء العموم فیقع النّزاع فی انتفائه فی جمیع صور انتفاء الجمیع أو بعض صوره وبالجملة الفرق بین المسألتین ظاهر ونزاعهم فی مفهوم قوله علیه السلام إذا بلغ الماء قدر کرّ لم ینجّسه شیء إنّما هو فی تشخیص الجزاء أنّه عموم الحکم أو نفس الحکم وفی قوله علیه السلام کلما یؤکل لحمه یتوضأ من سؤره ویشرب إنّما هو فی عموم المفهوم وعدمه بمعنی أنّ انتفاء جواز الوضوء والشّرب هل هو ثابت فی جمیع موارد عدم حلیّة اللّحم وجمیع صوره أو لا بل یختص ببعض الصّور وقد خلط بعض المحققین بین المسألتین وجعلهما من واد واحد والتّحقیق

ص: 339

ما عرفت ثم إنّ الحق فی المسألة الثّانیة هو عموم المفهوم التّبادر عرفا فإن المتبادر عند الإطلاق هو التّعلیق بالنّسبة إلی جمیع الصّور والأحوال وقد عرفت أنّ مقتضی التّعلیق الانتفاء عند الانتفاء ففی کل صورة انتفی الشّرط انتفی الجزاء وقیل بعدم العموم نظرا إلی أنّ الانتفاء فی بعض الصّور کاف فی خروج الکلام عن کونه لغوا ولا دلیل علی ثبوت المفهوم إلاّ لزوم کون التّعلیق لغوا لولاه وفیه أوّلا ما عرفت من التّبادر وثانیا أنّ التّعلیق لما کان ظاهرا فی جمیع الصّور والأحوال فلو ثبت الجزاء فی بعض صور وجود الشّرط کان التّعلیق بالنّسبة إلی تلک الصّورة لغوا وإن کان مفیدا بالنّسبة إلی سائر الصّور وهو کاف فی المقصود فوائد أحدها إذا کان الجزاء عاما واستثنی منه شیء فهل یجری التّعلیق بالنّسبة إلی المستثنی أو لا فلو قال إن جاء زید فأکرم العلماء إلاّ الفساق فإن المنطوق هو وجوب إکرام العدول وعدم وجوب إکرام الفسّاق عند المجیء فهل المفهوم هو عدم وجوب إکرام العدول ووجوب إکرام الفسّاق عند عدم المجیء أو لا بل هو محض عدم وجوب إکرام العدول وأمّا إکرام الفسّاق فسکوت عنه الحق هو الثّانی لعدم انفهام التّعلیق عرفا إلاّ بالنّسبة إلی ما بقی تحت المستثنی منه وأمّا بالنّسبة إلی المستثنی فلا تعلیق عرفا وقد عرفت أنّ ثبوت المفهوم أنّما هو من جهة فهم التّعلیق فکل ما فهم التّعلیق بالنّسبة إلیه انتفی بانتفاء الشّرط وما لا فلا الثّانیة إذا ورد قضیّتان شرطیّتان متحدتان فی الجزاء مختلفتان فی الشّرط کما لو قال إذا خفی الأذان وجب القصر وإذا خفی الجدران وجب القصر تعارض منطوق کل منهما ومفهوم الآخر لأنّ مفهوم الأوّل عدم وجوب القصر عند عدم خفاء الأذان سواء خفی الجدران أو لا وکذا مفهوم الثّانی عدم وجوب القصر عند عدم خفاء الجدران سواء خفی الأذان أو لا وفی الجمع بینهما وجوه أحدها تقیید منطوق کل منهما بمفهوم الآخر فیکون منطوق الأوّل خفاء الأذان عند خفاء الجدران یوجب القصر فلو لم یخف الجدران لم یوجبه وهو مقتضی مفهوم الثّانی ویکون منطوق الثّانی أنّ خفاء الجدران عند خفاء الأذان یوجب القصر فلو لم یخف الأذان لم یوجبه وهو مقتضی مفهوم الأوّل فمقتضی هذا الجمع هو جعل المجموع سببا لوجوب القصر فینتفی وجوب القصر بانتفاء المجموع ولو بانتفاء بعضه ویوجد بوجود المجموع فقد استعمل أداة التّعلیق فی معناه وهو التّلازم فی الوجود والعدم والتّقیید إنّما هو فیما اقتضاه إطلاق الشّرط من کونه سببا علی الاستقلال وهذا لا یوجب التّجوز فی أداة التّعلیق الثّانی أن یقید منطوق کل منهما بعدم الآخر فیحکم بأنّ خفاء الأذان سبب عند عدم خفاء الجدران وکذا خفاء الجدران عند عدم خفاء الأذان وأمّا عند خفائهما فالمجموع سبب واحد وهذا أیضا مستلزم لتقیید إطلاق الشّرط وإلاّ فالمفهوم بحاله لأنّ خفاء الأذان عند عدم خفاء الجدران یلزم من وجوده وجوب القصر ومن عدمه وکذا خفاء الجدران عند عدم خفاء الأذان الثّالث أن یجعل کل منهما

ص: 340

سببا لا من حیث الخصوص بل من حیث کونه فردا للقدر المشترک الذی هو سبب الوجوب فیکون التّصرف فی الشّرط أیضا وعلی هذه الوجوه الثّلاثة لا یلزم تجوز فی المنطوق وإن قلنا بوضع الأداة للتّعلیق فی الوجود والعدم الرّابع أن یجعل کل منهما شرطا أصولیّا لوجب القصر بحیث یلزم من عدمه العدم فلا یستفاد منهما کفایة الوجود فی الوجود حتی حال اجتماع الخفاءین أیضا فإن قلنا إنّ أداة التّعلیق موضوعة لإفادة التّلازم مع إفادة التّوقف لزم التّجوز حینئذ حیث لم تستعمل فی التّلازم بل استعملت فی التّوقیف فقط وإن قلنا إنّها موضوعة للتّوقیف فقط وإنّ استفادة السّببیّة إنّما هی من إطلاق الشّرط لم یلزم التّجوز الخامس أن یقید مفهوم کل منهما بمنطوق الآخر فیکون مفهوم الأوّل إذا لم یخف الأذان لم یجب القصر إلاّ إذا خفی الجدران فیجب القصر وإن لم یخف الأذان وهذا منطوق الثّانی ویکون مفهوم الثّانی إذا لم یخف الجدران لم یجب القصر إلاّ إذا خفی الأذان فیجب القصر وإن لم یخف الجدران وهو منطوق الأوّل فیکون مقتضاهما وجوب القصر بوجود أحدهما وانتفاؤه بانتفاء المجموع ولا یخفی أنّ تقیید المفهوم لا یمکن إلاّ بالتّصرف فی المنطوق إذ لو کان مقتضی منطوق الأوّل توقف وجوب القصر علی خصوص خفاء الأذان کما هو معنی التّعلیق وأبقی علی ظاهره اقتضی انتفاء الوجوب عند عدم الخفاء مطلقا وإلاّ لم یصدق التّوقف علی الخصوص وحینئذ فیجب أمّا القول بأن لیس مقتضی المنطوق التّوقف علی الشّرط بالخصوص بل التّوقف علیه إنّما هو من حیث کونه أحد أفراد القدر المشترک حتی یرجع إلی الوجه الثّالث والقول بعدم المفهوم فیهما رأسا لأنّ المفهوم لا یقاوم المنطوق إذا تعارضا بل یقدم المنطوق فیکون کل منهما سببا علی التّخییر وعلی الأوّل لا تجوز کما عرفت فی الوجه الثّالث وعلی الثّانی أعنی طرح المفهوم یلزم التّجوز علی التّحقیق من کون التّعلیق ثابتا لأداته بحسب الوضع إلاّ أن یکون مستفادا من الإطلاق إذا عرفت الوجوه المذکورة وما یترتب علیها من التّقیید والتّجوز فاعلم أنّه وإن کان مقتضی القواعد ترجیح التّقیید علی المجاز ولکن نحن مستغن عن إجراء القاعدة فی المقام لنحتاج إلی ترجیح ملاحظة ترجیح آخر بین الوجوه المستلزمة للتّقیید بل نقول الظّاهر من القضیتین المذکورتین فی العرف کون القدر المشترک سببا وانتفاء الجزاء بانتفاء الجمیع وثبوته بثبوت أحدهما والمرجع فی دلالة الألفاظ إلی الظّهور العرفی وإذا فالأظهر هو الوجه الثّالث وأمّا ما ذکره بعضهم من تقیید القضیّة الأولی منطوقا ومفهوما بمنطوق الثّانیة ومفهومها دون العکس فیکون خفاء الأذان سببا عند خفاء الجدران وعدمه مستلزما للعدم عند عدم خفاء الجدران دون العکس فهو فی الحقیقة طرح للقضیّة الأولی لا جمع بل یکون خفاء الأذان بالنّسبة إلی وجوب القصر کالحجر الموضوع فی جنب الکاتب بالنّسبة إلی الکتابة فافهم الثّالثة یجری النّزاع المذکور فی کل ما استفید منه معنی إن الشّرطیّة مثل من الشّرطیّة وسائر ما یشعر بالتّعلیق ولو مجازا ولذا استدل بقوله تعالی فمن لم یستطع منکم طولا إلی قوله

ص: 341

فما ملکت أیمانکم علی أنّ من استطاع علی مهر الحرّة لا یجوز له تزویج الأمة وکذا الفعل الواقع للطّلب نحو ادعونی أستجب لکم وأوفوا بعهدی أوف بعهدکم ونحو ذلک الرّابعة إذا کان الجزاء فی المنطوق مجملا کان المفهوم أیضا مثله کما لو قال إذا توضأت فصلّ وفرض اشتراک الأمر بین الوجوب والإباحة کان المفهوم مردّدا بین انتفاء الوجوب وانتفاء الإباحة ثم إذا تعقب الجملة المذکورة جملة أخری محتملة لأن تکون مذکورة للتّصریح بذلک المفهوم المجمل وأن تکون مستقلة بالإفادة وکانت مع فرض الاستقلال ظاهرة فی معنی فهل تحمل علی ظاهرها أو لا کما قال بعد المثال المذکور إن لم یکن وضوء فلا صلاة فإن مثل هذه العبارة إن ذکرت مستقلة کانت ظاهرة فی نفی المشروعیّة عند عدم الوضوء أمّا علی قول الصّحیحیّة فلإفادتها نفی الذّات وأمّا علی قول الأعمّیّة فلأنّ نفی المشروعیّة أقرب إلی الذّات من نفی الوجوب ولکنّها لما وقعت عقیب قوله إن توضّأت فصّل احتمل کونها تصریحا بذلک المفهوم فتکون مجملة کالمفهوم إذ لیس الظّهور فیها علی حدّ یوجب بیان المفهوم کما فی العام إذا تعقبه ما یحتمل کونه مخصّصا وغیر مخصّص فإن ظهور العام یوجب حمله علی غیر المخصص وأمّا فیما نحن فیه فلیس الظّهور بهذا النّحو ولاحتمال کونها مستقلة فیزاد منها ظاهرها وهو نفی المشروعیّة وهذا لا یوجب بیان المفهوم لأنّ المفهوم لو کان نفی الوجوب لم یناف نفی المشروعیّة حتی یتعارض مع القضیّة الثّانیة لتحمل علی کونها بیانا والمرجع فی استفادة کونها تصریحا بالمفهوم وعدمه هو فهم العرف ولا یبعد دعوی حملها علی الاستقلال واستدل بعضهم علیه بأنّ التّأسیس أولی من التّأکید إذ لو کانت تصریحا بالمفهوم لزم التّأکید وفیه نظر إذ لو جعلت مستقلة لم ینتف احتمال التّأکید أیضا ولم یتعیّن التّأسیس لاحتمال کون المفهوم فی الواقع هو ما اقتضاه ظاهر القضیّة الثّانیة أعنی نفی المشروعیّة نعم لو ثبت حملها علی ظاهرها أمکن دعوی کون المراد من المفهوم غیر ما اقتضاه ظاهرها حذرا من التّأکید لکنّه أوّل الکلام مع أنّه غیر مراد المستدل فتأمّل

المبحث الثّانی فی مفهوم الوصف

وتحقیق الکلام فیه یظهر ببیان أمور الأوّل المراد من الوصف لیس خصوص الوصف النّحوی وهو التّابع الدّال علی معنی فی متبوعه ولا خصوص المشتقات بل المراد به ما إذا اعتبر فی الحکم ذات باعتبار بعض صفاته سواء صرّح بالقید نحو أکرم الرّجل العالم أو لا بل ذکره فی ضمن إیراده مشتقا نحو إن جاءکم فاسق أو ذکره کنایة والتزاما نحو لأن یمتلأ بطن الرّجل قیحا خیر من أن یمتلأ شعرا فإنّه کنایة عن قبح الشّعر الکثیر بل لا یبعد دعوی عدم الاختصاص باعتبار الصّفة مع الذّات بل یعم الکلام ما إذا اعتبر الذّات مقیدا سواء کان التّقیید بالصفة أو غیرها فیدخل فی مفهوم الوصف مفهوم العدد والزّمان وأمّا إذا قید الحکم بالمفعول والحال فهما وإن خرجا عن تقیید الذّات لأنّ التّقیید فیهما وارد علی الفعل لا الموضوع لکن مناط البحث فی الجمیع واحد کما سیظهر بل التّقیید فیها راجع إلی الموضوع أیضا والقول بخروج التّقیید بالمفعول له

ص: 342

عن محلّ النّزاع کقوله تعالی ولا تقتلوا أولادکم خشیة إملاق من جهة أنّه علّة للحکم فاسد إذ لو أرید أنّه علّة للّنهی فممنوع کما لا یخفی وإن أرید أنّه علّة للقتل فهو لا یوجب عدم کونه قیدا فالحق دخوله فی محلّ النّزاع الثّانی الوصف إمّا مساو للموصوف فی العموم والخصوص ولا ریب فی انتفاء المفهوم حینئذ بل یکون الوصف حینئذ موضحا أو مؤکدا أو غیرهما وإمّا یکون أخصّ منه مطلقا وهو داخل فی النّزاع جزما أو یکون أخصّ منه من وجه نحو فی الغنم السّائمة زکاة ولا ریب فی دخوله فی محلّ النّزاع بالنّسبة إلی الغنم الغیر السّائمة أعنی مورد الافتراق من طرف الغنم وأمّا بالنسبة إلی السّائمة من غیر الغنم فهل یدل علی انتفاء الحکم بانتفاء السوم قیل إنّه داخل فی النّزاع من جهة أنّ بعض العامة حکم بثبوت المفهوم فیه وفیه نظر إذ یعتبر فی المفهوم والمنطوق أن لا یکون بینهما فرق إلاّ من جهة النّفی والإثبات ووجود الشّرط والوصف وعدمه فیشترط اتحاد الموضوع فیهما والموضوع فی المثال هو الغنم فالمفهوم هو انتفاء الحکم عن الغنم المعلوفة لا عن الإبل بل الانتفاء عن الإبل المعلوفة یتوقّف علی ثبوت کون السوم علة منحصرة للزّکاة فی مطلق الحیوان ولو ثبت ذلک فلیس لمفهوم قولنا فی الغنم السّائمة زکاة بل لدلیل خارجی کما هو ظاهر ثم إنّ بعض أقسام الوصف خارج عن محل النّزاع قطعا منها الوصف العدمی کما لو قال أکرم الرّجل الّذی لیس بجاهل إذا الظاهر منه عرفا کون الجهل مانعا عن وجوب الإکرام ومنها الأوصاف المذکورة فی الحدود نحو الکلمة لفظ وضع لمعنی مفرد لا لظهور الوصف فی الاحتراز لأنّه غیر المراد من المفهوم فإنّ الاحتراز إنّما یستلزم انتفاء الحکم الخاص بانتفاء الوصف لا مطلق الحکم کما هو معنی المفهوم بل لأنّ ظاهر من یذکر الحد إیراد الحد المساوی للمحدود أعنی الجامع المانع فلو کان یصدق المحدود علی غیر المتّصف بتلک الأوصاف لما کان الحد مانعا وهو خلاف ظاهر المحدد الثّالث قیل النّزاع فی ثبوت مفهوم الوصف لیس بحسب الوضع اللّغوی لأنّ الوضع للتّلازم والتّوقیف علی الوصف کما هو معنی المفهوم إمّا یدعی ثبوته للوصف فقط وهو ظاهر البطلان أو لهیئة ترکیبه مع الموصوف وهو أیضا فاسد لأنّها لا تقتضی إلاّ اتصاف الموصوف بتلک الصفة ولذا عرف النّعت بأنّه التّابع الّذی یدل علی معنی فی متبوعه أو یقول إنّ هیئة تعلیق الحکم علی الوصف موضوعة للتّوقیف المذکور وهو خلاف ظاهرهم إذ لم یقیموا فی المسألة دلیلا یقتضی ذلک والأصل عدم الوضع بل الظاهر أنّ النّزاع إنّما هو فی ظهور الهیئة المذکورة فی التّوقیف عرفا إمّا بدعوی انصرافها عرفا إلی معنی التّلازم والتّوقیف أو من جهة أنّه إذا لم یکن للوصف فائدة سوی المفهوم وجب إرادته لئلا یلزم کونه لغوا والحق أنّ النّزاع إنّما هو فی أصل الدّلالة أعمّ من الوضع والانصراف العرفی لأنّ استدلالهم فی المسألة بأنّ الوصف تارة یراد منه المفهوم وتارة لا یراد فیجب کونه قدر المشترک حذرا من المجاز والاشتراک إنّما هو فی مقابل القول بالوضع لا بالانصراف واستدلالهم بلزوم اللّغو لو لم یکن هناک فائدة سوی المفهوم إنّما هو فی مقابل

ص: 343

من یدعی نفی الانصراف فیعلم أنّ النّزاع إنّما هو فی أصل الدّلالة وإن اختلفوا فی کیفیّتها أیضا ویظهر الثّمرة بین القول بالانصرافی وبین القول بالوضع مع لزوم المجاز علی الثّانی عند عدم إرادة المفهوم دون الأوّل فی الوصف المؤکدة والموضحة نحو نفخة واحدة فإنّ تعلیق الحکم علی مثل ذلک یفید المفهوم علی القول بالوضع دون الانصراف لأنّ الانصراف أنّما هو فیما إذا لم یکن فائدة سوی المفهوم وهذا غیر جار فیه لأنّ التّأکید من أظهر الفوائد فی مثله فإذا تمهدت هذه المقدمات فنقول استدلوا علی ثبوت المفهوم بوجوه منها اتفاق العلماء علی وجوب حمل المطلق علی المقید إذا کانا إثباتین ولو لم یکن قوله أعتق رقبة مؤمنة مفیدا لانتفاء الوجوب عن عتق غیر المؤمنة لم یکن بینه وبین قوله أعتق رقبة تعارض ومنافاة حتی یلزم الحمل ومن هنا نشأ الإشکال حیث اتفقوا هناک علی الحمل المذکور واختلفوا فی ثبوت المفهوم بل المشهور علی عدمه وهذا تناقض بیّن وفیه نظر لأنّ حکمهم بالحمل هناک لیس من جهة المفهوم بل لأنّ کلامهم هناک إنّما هو فیما إذا اتحد سبب الحکم فی المطلق والمقید واتحاده یکشف عن وحدة التّکلیف ومع وحدته یقع التّعارض بین منطوق المطلق والمقید من جهة ظهور الأوّل فی الوجوب التّخییری فی الأفراد وظهور الثّانی فی الوجوب العینی للمقیّد فإن قلنا إنّ المطلق لا یصیر مجازا بالتّقیید لأنّ الإطلاق أنّما هو من جهة حکم العقل بإرادة الطبیعة اللابشرط عند عدم بیان القید کان حمل المطلق علی المقید من جهة ارتفاع موضوع حکم العقل بواسطة الخطاب بالمقید إذ بعد بیان القید لا یبقی للعقل حکم بإرادة الإطلاق والحمل حینئذ لیس من جهة التّعارض وإن قلنا إنّ التّقیید یوجب التّجوز فی المطلق لکونه موضوعا للطّبیعة المعراة عن القیود دار الأمر حینئذ بین التّقیید فی المطلق وحمل الأمر علی الوجوب التّخییری أو الاستحباب ولا ریب أنّ ظهور الأمر فی الوجوب العینی أقوی من ظهور المطلق فی الإطلاق فیقدم علیه وبالجملة لیس الحمل من جهة المفهوم کیف ولو قطع النّظر عن وحدة التّکلیف لم یکن للحمل المذکور وجه وإن قلنا بثبوت المفهوم للوصف وذلک لأنّا إن قلنا إنّ الحکم المرتفع فی المفهوم هو الثّابت فی المنطوق کان المرتفع فی المثال المذکور الوجوب العینی عن غیر المؤمنة وهو لا ینافی ثبوت الوجوب التّخییری له کما هو مقتضی المطلق وإن قلنا إنّ المرتفع هو الحکم کلیّة فإن قلنا بأنّ التّقیید مجاز لزم تعارض الظاهرین ظهور المطلق فی الإطلاق وظهور الوصف فی المفهوم والتّرجیح الأوّل لأنّ ظهور المنطوق مقدم علی المفهوم نعم لو قلنا إنّ التّقیید لا یوجب التّجوز وجب تقدیمه علی ترک المفهوم ولکن المسألة خلافیّة أعنی کون التّقیید موجبا للتّجوز وعدمه مع أنّهم اتفقوا علی الحمل المذکور فیعلم أنّه لیس من جهة المفهوم لابتناء صحّته حینئذ علی أمور غیر متفق علیها کما عرفت ولذا تراهم لا یحکمون بوجوب حمل العام علی الخاص المثبتین نحو أکرم البصریین وأکرم علماءهم مع أنّه لو کان للوصف مفهوم کان الخاص معارضا للعام فعدم الحکم بذلک إنّما هو من جهة أنّ مقتضی العام هو الوجوب

ص: 344

العینی بالنسبة إلی کل فرد فلا ینافی مدلول الخاص وهو الوجوب العینی بالنّسبة إلی الفرد بخلاف المطلق والمقیّد لأنّ مقتضی المطلق وجوب الأفراد تخییرا فینافی عینیّة الفرد کما یقتضیه المقید فلذا یحکمون بحمله علیه وبهذا علم دفع الإشکال أیضا ومنها اتفاقهم علی أنّ الوصف یوجب التّخصیص وقد علمت جوابه وهو أنّ التّخصیص أنّما هو فی الحکم الخاص لا مطلق الحکم ومنها أنّ الوصف إذا کان له المفهوم کان أفید إذ یستفاد منه حکمان مفهوما ومنطوقا وهو إثبات اللّغة بالاستحسان ومنها فهم أهل اللّسان کما نقل أنّ أبا عبیدة فهم من قوله صلی الله علیه وآله لی الواجد یحل عقوبته وعرضه أنّ لی غیر الواجد لیس کذلک واعترض علیه بأنّه لعله کان ذلک عن اجتهاده لا عن نقله واجتهاده لا عبرة به وأیضا هو معارض بقول الأخفش حیث نفی المفهوم وأجیب عن الأوّل بأنّ اجتهاده حجة إذا حصل منه الظّنّ ولیس هذا تقلیدا له بل هو مدرک للظّنّ کما أنّ اجتهاد علماء الرّجال فی التّعدیل والجرح معتبر لاستفادة الظّنّ منه وعن الثّانی بأنّ الأخفش ناف والمثبت مقدم علی النّافی فی اللّغات لاستناد دعوته إلی مشاهدة الاستعمال والنّافی یدعی عدم المشاهدة ولا حجة له علی مدعاها وفیهما نظر أمّا الثّانی فلأنّ تقدیم المثبت غیر مسلم کلیّة بل فیه تفصیل سبق فی ابتداء الکتاب وهنا نقول إنّه إن کان المثبت یدعی الوضع والنّافی ینفیه قدم النّافی لاستناد المثبت إلی مشاهدة الاستعمال وعدم العلم بالقرینة والنّافی یدعی وجود القرینة نعم لو کان الکلام فی الانصراف العرفی قدم المثبت لاستناده إلی وجود القرینة الموجبة للانصراف والنّافی إلی عدمها وأمّا الأوّل فلأنّ اجتهاد المجتهد إنّما یکون حجة إذا انحصر مدرک الحکم فیه وإذا علم مدرکه وجب النّظر فیه ولا یجوز العمل باجتهاده وقول علماء الرّجال إنّما یعتبر إذا لم یعلم مستندهم مثل الکشی وأمثاله من المتقدمین الّذین لا یعلم مستندهم وأمّا العلاّمة وأمثاله من المتأخّرین فیعلم أنّ مستندهم هو قول الکشی وأمثاله فلا یجوز العمل باجتهاده فی تصحیح الخبر بل یجب النّظر فی مدرکه وهنا أیضا کذلک لأنّ العرف مدرک فی أمثال ذلک فیجب الرّجوع إلیهم وکل ما ثبت عرفا ثبت لغة بضمیمة أصالة عدم النّقل فإن عارضه قول اللّغوی کان المعتبر أقوی الظّنّین أعنی الظّنّ الحاصل من العرف بضمیمة الأصل والظّنّ الحاصل من قول اللّغوی بل من نقله أیضا والعرف لا یحکمون باستفادة العلیّة من الوصف أصلا ولو سلم انفهام العلیّة فلا ریب فی عدم انفهام العلیّة المنحصرة قطعا ولذا لا یحکمون بالتّنافر لو قال أکرم العالم والجاهل ولو استفید المفهوم من العالم لکان ذکر الجاهل موجبا للتنافر مع أنّ المشهور عدم حجّیّته بین القوم والقول بها نادر جدا ولذا تراهم یقولون تعلیق الحکم علی الوصف مشعر بالعلیّة والإشعار غیر الدّلالة تنبیهات أحدها المعروف أنّ الوصف أو الشّرط إذا کان واردا مورد الغالب لم یدل علی انتفاء الحکم نحو قوله تعالی ولا تقتلوا أولادکم خشیة إملاق لأنّ القتل غالبا إنّما یتحقق خشیة

ص: 345

الإملاق وقوله تعالی وربائبکم اللاّتی فی حجورکم واختلف فی وجه عدم المفهوم فی ذلک فقال بعض المحققین إنّ وجه ذلک هو أنّ الفرد النّادر هو الّذی یحتاج بیان حکمه إلی التّنبیه لانصراف المطلق إلی غیره والفرد الشّائع لا یحتاج بیان إرادته إلی التّنبیه فالمطلق فی نفسه ینصرف إلی الفرد الشّائع ولا یشمل النّادر فتقییده بالفرد الشّائع لا یمکن أن یکون للتّنبیه علی عدم إرادة النّادر إذ مع عدم التّقیید بذلک أیضا لم یشمله المطلق فلیس الوصف فی ذلک مخصّصا بل یجب أن یکون له فائدة أخری غیر التّخصیص ثم ذکر بعض الفوائد واعترض علیه بعضهم بأنّ عدم انصراف المطلق إلی النّادر لا یوجب عدم إرادة المفهوم من الوصف الشّائع للفرق بین عدم إرادة النّادر من المطلق حتی یکون مسکوتا عنه وبین نفی ثبوت الحکم فیه کما هو مقتضی المفهوم قال فالأولی فی الوجه أن یقال إنّه لمّا لم یکن المطلق شاملا بحسب العرف للفرد النّادر کان الوصف الشّائع وصفا موضحا لتساویه مع الموصوف فی الأفراد والوصف الموضح لا یفید المفهوم واعترض علیه بعض الأفاضل أوّلا بأن یکون الوصف موضحا إنّما هو فی صورة کون الانصراف علی نحو یقطع بعدم إرادة النّادر منه وأمّا لو کان موجبا للإجمال وکان الحمل علی الشّائع لکونه متیقّنا فلا یتم ذلک لجواز کون الوصف حینئذ موجبا لرفع الإجمال بنفی الحکم عن النّادر من جهة المفهوم وثانیا بمنع کون الوصف الموضح فی مثل المقام غیر مقید للمفهوم بل هو أولی بالإفادة من الوصف المخصّص لوجود فائدة التخصیص فی الوصف المخصّص بخلاف الموضح فلو لم یکن له مفهوم لکان ذکره لغوا فحینئذ الأولی التّفصیل بین الشّرط والوصف وأنّ الثّانی لا فرق فیه بین الورود فی مورد الغالب وعدمه بناء علی القول بثبوت المفهوم للوصف فیفید المفهوم فی کلیهما علی القول بإفادته بل یجب الحکم بإفادته حینئذ فی مثل الآیة یعنی وربائبکم إلی آخره لتعقبه بقوله تعالی من نسائکم اللاّئی دخلتم بهن فإنّه یفید المفهوم قطعا وإذا ترتب وصفان واستفید من أحدهما المفهوم استفید من الآخر أیضا عرفا فالحکم بعدم المفهوم فی الآیة بخصوصها باطل وإن سلّمنا أنّ الوصف لا یفید المفهوم لو ورد مورد الغالب وأمّا الشّرط فالتّحقیق فیه عدم المفهوم لو ورد مورد الغالب نحو إن جاء زید فأکرمه إن کان الغالب من أحواله المجیء لفهم العرف حیث لا یفهمون من ذلک إلاّ وجوب الإکرام کلیّة لا عند خصوص المجیء وکذا الوصف علی القول بنفی المفهوم بل یفهم من الشّرط والوصف کلیّة الحکم أیضا لا کون النّادر مسکوتا عنه وحکمة التّعلیق إنّما هی بیان کون الملاقاة فی المثال المذکور شرطا فی الوجوب فلا یجب تحصیله من باب المقدمة فالشرط حقیقة هو الملاقاة وأمّا ذکر المجیء فإنّما هو لکونه غالب أفراد الملاقاة الّذی هو شرط جعل کنایة عن اشتراط الملاقاة نحو قوله تعالی إذا نودی للصّلوة من یوم الجمعة فاسعوا إلی ذکر الله لوجوب الجمعة لو ترک النّداء أیضا لکن التّعلیق إنّما یفید کون دخول الوقت شرطا وکذا النّداء کنایة عن دخول الوقت وذکر ذلک لکونه ملازما لدخوله غالبا هذا حاصل ما ذکره فی المقام وأقول أمّا التّمثیل بقوله تعالی وربائبکم فظاهر الفساد لأنّه جمع مضاف یفید

ص: 346

العموم من المقرر عندهم عدم انصراف العام إلی الفرد الشّائع فجعل الوصف موضحا فاسد وأمّا دعوی الانصراف إلی الشّائع فلا یتم کلیّة إذ لو أرید من الفرد الشّائع الفرد الشّائع فی الوجود دون الاستعمال فهو لا یوجب الانصراف کما مر وإن أرید الشّائع فی الاستعمال فلا ریب أنّه یختلف بحسب الأحکام فإنّ الماء یستعمل فی الماء الحلو غالبا عند الأمر بالشرب وفی الماء المالح غالبا فی أمثال هذه الأماکن المتبرکة عند الأمر بالاستعمال وبالجملة یختلف شیوع الاستعمال فی الفرد بحسب الموارد والأحکام والأماکن فالحکم بالانصراف کلیّة عند شیوع الاستعمال لا وجه له وغلبة استعمال ربائب فی مقام تحریم النّکاح فی الرّبائب الّتی فی الحجور ممنوعة ثم إنّ الانصراف إلی الغالب فی الشّرط غیر معقول المراد خصوصا فی مثل إذا جاء زید فأکرمه حیث یکون الموضوع مشخصا معیّنا إذ لو أرید انصراف زید إلی الغالب لشیوع استعماله فی زید الجائی فلا یخفی سخافته وإن أرید أنّ المجیء منصرف إلی الغالب فلا ریب أنّه لیس له فردان غالب وغیره وبالجملة فلا یتعقل الانصراف إلاّ فی الحکم الّذی تعلق بالمطلق الّذی شاع استعماله فی فرد خاص فی سیاق ذلک الحکم ففی مثل هذا الموضع لو تعقبه الوصف الشّائع کان موضحا وأمّا غیر ذلک فلا نعلم جهة الانصراف بل لا یتعقل فی بعض الموارد کالشرط علی ما بیّنا ثم إنّ الظاهر من المحقق القمی رحمة الله علیه أنّ الوصف إذا ورد مورد الغالب لم یفد المفهوم لکن الحکم یختص بالفرد الشّائع لنفس الانصراف فإنّه مثل الأمر بالتیمّم لمن منعه زحام الجمعة عن الخروج فإنّ الغالب عدم وجدانه الماء فی المسجد فلا یجری الحکم بالنسبة إلی واجد الماء وظاهر الفاضل الشّریف رحمة الله علیه أنّ الوصف الوارد مورد الغالب یوجب تعمیم الحکم إلی الفرد النّادر أیضا وکذا الشّرط نحو إذا نودی للصّلوة من یوم الجمعة والتّحقیق أنّه إذا کان للمطلق أفراد شائعة فقد یعبرون فی العرف عن الحکم الثّابت للمطلق بالأفراد الشّائعة فیقال أکرم المتلبس بالعمامة ویراد منه إکرام الطلاب وإن خلوا عن الوصف وقد یعبرون عن الحکم الثّابت للأفراد الشّائعة بلفظ المطلق فیقال اسقنی الماء ویقصد الماء الحلو وهذا شائع فی العرف جدّا ثم إنّ الوصف إمّا من المشتقّات کما یقال أکرم العالم أو لا بل هو وصف نحوی وبعبارة أخری إمّا أن یکون الموضوع فی الحکم هو الوصف المشتق من دون ذکر الموصوف أو یکون الموضوع هو المطلق ویذکر بعده النّعت النّحوی والمناط فی عدم تعمیم الحکم الصورة انتفاء الوصف کون الغرض منه التّخصیص وکونه موضوعا للحکم الثّابت فی الکلام والمناط فی استفادة المفهوم کون الغرض من ذکره تعلیق الحکم علیه وإناطته به والمناط فی استفادة العموم کون الموضوع هو المطلق إذا لم یکن له فرد شائع الاستعمال ویکون ذکر الوصف لغیر التّخصیص والإناطة إذا عرفت هذا فنقول إنّ الوصف الوارد مورد الغالب لیس الغرض منه الموضوعیّة فی الحکم ولا التّعلیق والإناطة بل وجوده بالنّسبة إلی الحکم کالعدم عرفا وإنّما یذکر لفائدة أخری ویکون الموضوع هو الموصوف فإذا کان الوصف

ص: 347

من المشتقات کان الموضوع هو الذّات فیعم صورة انتفاء الوصف أیضا وإن کان نعتا نحویّا فالموضوع هو ذات الموصوف فإن کان عاما عم الحکم صورة انتفاء الحکم للوصف أیضا نحو ربائبکم وإن کان مطلقا فإن کان شائع الاستعمال فی ذلک الوصف اختص الحکم به لا من جهة الوصف المذکور بل من جهة انصراف المطلق إلیه عرفا وکونه من قبیل التّعبیر عن حکم الفرد الشّائع بالمطلق وإن لم یکن شائع الاستعمال بل کان محض الشّیوع الوجودی عم الحکم صورة انتفاء الوصف أیضا ویکون علة ذکر الوصف کونه موضع الحاجة وکذا الکلام فی الشّرط نحو وإن کنتم علی سفر ولم تجدوا کاتبا فرهان مقبوضة إذ لیس الغرض من الشّرط التّعلیق ولا بیان الموضوع بل الموضوع هو الشّخص والتّقیید إنّما هو لکون الغالب فی موارد الحاجة إلی الارتهان حالة السفر وعدم الکاتب والآیة للإرشاد إلی کیفیّة العمل فی موضع الحاجة ولکن الحکم عام لعموم موضوعه وبما ذکرنا علم أنّ کلام المحقق القمی رحمه الله معناه اختصاص الحکم بالمتصف بالوصف من جهة کون الموضوع هو المطلق وهو منصرف إلی الشّائع لا من جهة استفادة التّخصیص من الوصف ولکنه لا یتم فی العام مثل ربائبکم ولا فی المطلق الّذی لیس شائع الاستعمال فی الفرد نعم یتم فی المطلق الّذی شاع استعماله فی الفرد کما عرفت وکذا کلام الفاضل الشّریف من دعوی العموم مطلقا فإنّه لا یتم فیما شاع استعماله فی الفرد نعم یتم فی غیر ذلک وما ذکرنا لا شبهة فیه إنّما الإشکال فی تمیز الوصف الّذی یکون الغرض منه التّخصیص والموضوعیّة والإناطة عما لا یراد منه شیء منهما وکذا الشّرط والظّاهر أنّه إذا وردا مورد الغالب لم یفهم منهما إناطة الحکم عرفا وأمّا فهم الموضوعیّة فیختلف بحسب الموارد ولا ضابط کلیّا فی المقام نعم متی شکّ فی الموضوعیّة وعدمها وجب الاقتصار علی المتصف بالوصف الثّانی إذا کان تحقق الحکم فی صورة انتفاء الوصف أولی لم یفد المفهوم وکذا الشّرط نحو لا تقتلوا أولادکم خشیة إملاق لأنّ الحکم بحرمة القتل فی صورة انتفاء الخشیة أولی والظاهر أنّ هذا أیضا داخل فی انصراف المطلق إلی الشّائع لأنّ الغالب من القتل إنّما هو فی صورة خشیة الفقر فالموضوع هو ذات القتل وذکر القید لنکتة أخری غیر التّخصیص ولذا مثلنا بالآیة فی التّنبیه السابق أیضا الثّالث قد اشترطوا فی استفادة المفهوم من الشّرط أو الوصف عدم ذکره فی السؤال وإلاّ لم یکن الجواب مفیدا للمفهوم کما لو قیل هل فی السّائمة زکاة فقال صلی الله علیه وآله لیس فی السائمة زکاة إذ لعل التّقیید إنّما هو لمطابقة السؤال وأیضا اشترطوا کونه فی کلام من لا یحتمل فیه الجهل وإلاّ لم یجز الحکم بإرادة المفهوم لاحتمال أنّ تخصیص المتصف بالشرط أو التّقیید من جهة جهله بحکم صورة انتفائه ولهذا لو ذکر التّقیید المذکور فی کلام الفقیه لم یمکن الحکم بإرادة المفهوم لاحتمال أنّه أنّما اجتهد فی حکم من یوجد فیه القید فعلمه دون فاقده ومرجع هذه الوجوه المذکورة هو أنّ الضّابط فی استفادة المفهوم کونه ظاهرا فیه من جهة الوضع أو الانصراف ولا یکون فی المقام ما یوجب ظهوره فی عدمه کالغلبة والأولویّة وغیرها من الوجوه

ص: 348

المذکورة أو غیرها وأمّا علی القول باستفادة المفهوم من الوصف من جهة خلوه عن الفائدة فمتی احتمل أحد هذه الوجوه کفی فی الخروج عن اللّغویّة ولم یمکن معه إثبات المفهوم وإن لم یکن علی حد الظّهور العرفی

المبحث الثّالث فی مفهوم الغایة

وتحقیق المطلب فیه یظهر فی طی أمور الأوّل النّزاع فی هذا الأصل إنّما هو فی أنّ تحدید الحکم بغایة هل یدل علی انتفائه عما بعد الغایة بحیث لو دل دلیل آخر علی ثبوته فی ما بعدها لعارضه أو لا وأمّا انتفاء نفس الحکم الخاص عن ما بعد الغایة فلا نزاع فیه وللغایة إطلاقات منها النّهایة ومنه العلل الغائیّة لأنّ غایة العمل نهایة له فی الجملة ومنها المسافة کقولهم من لابتداء الغایة إذ لیس للنّهایة بدایة وإنّما النّهایة والبدایة کلاهما للمسافة وهی حقیقة فی المعنی الأوّل وإطلاقها علی الثّانی مجاز بعلاقة الجزء والکل لأنّ النّهایة جزء المسافة کما قیل واعترض علیه بأنّ نهایة الشّیء ضد له لأنّها حده والحد خارج عن المحدود فالأولی أن یقال إنّه تجوز بها عن الجزء الأخیر من المسافة لمجاورته مع النّهایة ثم تجوز به عن المسافة بعلاقة الکل والجزء فیکون من قبیل سبک مجاز عن مجاز وفیه نظر إذ لا نسلم کون نهایة الشّیء ضدا للشّیء بل البدایة والنّهایة أمران منتزعان من الشّیء باعتبار انقطاعه من أحد الجانبین فهما صفتان عارضتان للشّیء منتزعتان منه فیمکن التّجوز بهما عن الشّیء بحیث لا یلزم سبک المجاز عن المجاز ومنها مدخول الأدوات الدّالة علی التّحدید مثل إلی وحتی وهو المراد فی قولهم هل الغایة داخلة فی المغیّا أو لا إذ لیس المراد هو النّهایة إذ النّهایة إمّا عبارة عن الحد فهو خارج عن المحدود جزما أو عن الجزء الأخیر وهو داخل قطعا بل النّزاع إنّما هو فی أنّ مدخول حتی مثلا داخل فی المغیّا حتی یثبت حکمه من المنطوق أو لا حتی یخرج وإذا حکم بخروجه جری النّزاع فی ثبوت المفهوم بالنّسبة إلیه وعدمه وکذا بالنّسبة إلی ما بعده سواء قیل بدخوله فی المغیّا أو خروجه وقیل إنّه إذا قیل بخروج المدخول عن المغیّا فخروج ما بعده عنه أولی فلا معنی للنّزاع فی ثبوت المفهوم حینئذ فاسد لأنّ الخروج عن المنطوق إنّما یوجب کونه مسکوتا عنه وأمّا نفی الحکم عنه فیتوقف علی استفادة المفهوم ثم إنّ المراد بالغایة فی محل النّزاع إمّا مدخول الأدوات فیکون حاصل النّزاع أنّ الحکم المذکور هل یدل علی انتفاء الحکم عن ما بعد مدخول الأدوات وإمّا نفس المدخول فإن قیل بدخوله فی المنطوق فهو وإن قیل بخروجه لم یدخل فی هذا النّزاع بل یحتاج إلی نزاع آخر أو المراد بالغایة هنا هو النّهایة فیکون النّزاع فی أنّ تحدید الحکم بنهایة هل یدل علی انتفاء الحکم عما بعد تلک النّهایة أو لا ویکون النّزاع فی تلک المسألة فی أنّ مدخول الأدوات هل هو نهایة للحکم بنهایته حتی یدخل فی المنطوق لأنّ نهایته حینئذ حد للحکم أو بابتدائه فیدخل فی المفهوم لکونه ما بعد النّهایة حینئذ وهذا هو الصّواب فی محل النّزاع لئلا نحتاج فی صورة الحکم بخروج المدخول عن المنطوق إلی نزاع مستقل والحاصل أنّ النّزاع هنا فی حکم ما بعد النّهایة من حیث المفهوم وهناک فی تحدید النّهایة وأنّها ابتداء المدخول أو انتهاؤه فافهم الثّانی اختلفوا فی أنّ الغایة أعنی مدخول الأدوات کحتی

ص: 349

وإلی داخلة فی المغیّا أو لا عند عدم القرینة علی أقوال ثالثها التّفصیل بین إلی وحتی فیدخل فی الثّانی ویخرج فی الأوّل أو بالعکس ورابعها التّفصیل بین کون المدخول من جنس المغیّا فیدخل وبین غیر ذلک فیخرج وقیل إنّ الأداة إنّما وضعت للدّلالة علی کون مدخولها جزءا حقیقیّا لما قبلها ویکون المدخول مما ینتهی به الشّیء نحو أکلت السّمک حتی رأسها فإنّ الرّأس جزء حقیقی للسّمک وینتهی به السّمک فإذا استعملت فیما لیس جزءا أخیرا حقیقة بل هو مما یلی الجزء الأخیر کانت مجازا نحو سلام هی حتی مطلع الفجر فإنّ طلوع الفجر لیس جزءا للّیل بل هو مما یلی الجزء الأخیر وحینئذ فإذا استعملت فی الجزء الأخیر کان داخلا فی الحکم لدخوله فی ما قبلها إجمالا فإنّ قوله أکلت السّمک یشمل الرّأس إجمالا فذکر حتی رأسها یکون تفصیلا للإجمال ولأنّ المتبادر من هذا القسم کون المدخول مما ینتهی به الحکم لا ما ینتهی عنده وأمّا إذا استعملت فیما یلی الجزء الأخیر کالآیة فالمتبادر عرفا عدم الدّخول ولم یکن داخلا فی ما قبلها إجمالا حتی یکون الأداة للتفصیل وحینئذ فإذا علم أنّه جزء أخیر حقیقة حکم بالدخول وإن علم عدمه حکم بالخروج وإن شکّ فی أنّه جزء أخیر أو لا حکم بالدخول حملا لأداة علی المعنی الحقیقی وهو أن یکون مستعملا فی الجزء الأخیر الحقیقی والتّحقیق عدم الفرق بین القسمین والعرف حاکم فی الجمیع بعدم الدّخول فی الحکم حیث یتبادر عندهم تحدید الحکم بمدخول الأدوات وخروج الحد عن المحدود ووضع الأدوات لما کان جزءا أخیرا حقیقیّا ممنوع بل إنّما وضعت لتحدید شیء بشیء ودعوی تبادر الدّخول من حتی رأسها إنّما هو لا شیئا حتی العاطفة بالجارة فالحکم فی الأوّل کذلک بخلاف الثّانی ولهذا لو أبدلت بإلی تبادر عدم الدّخول ولو سلم الوضع لذلک فدعوی الدّخول فی الحکم إجمالا ممنوعة لجواز نسبة الحکم إلی الکل باعتبار ثبوته للبعض ولو سلم فتحدیده بالحد الخاص یخرجه عن الحکم کالاستثناء للتّبادر عرفا نعم فیما إذا قوبلت بمن فی مقام إفادة عموم الحکم شمل الحکم للمدخول أیضا نحو قرأت القرآن من أوله إلی آخره فیشمل الآخر أیضا والظّاهر فی أدوات الابتداء أیضا هو عدم الدّخول فیکون المبدأ هو منتهی المدخول نحو سرت من البصرة إلی الکوفة إذ لا یجب کون المبدإ أوّل البصرة کما أنّه لیس النّهایة منتهی الکوفة بل مبدؤها فتأمّل الثّالث قد عرفت خروج الغایة عن الحکم الثّابت للمغیّا لتبادر التّحدید من الأدوات عرفا وبذلک علم ثبوت المفهوم للغایة بمعنی أنّ مقتضی التّحدید انتفاء مطلق الحکم عما بعد الغایة لا انتفاء الحکم الخاص لأنّه لیس معنی المفهوم کما عرفت مرارا ووجهه ظاهر وحاصله أنّ المتبادر من تحدید الحکم بغایة نفیه عما بعدها وقال بعض الأفاضل إن کان المراد بمفهوم الغایة انتفاء الحکم الخاص عما بعد الغایة فهو مسلم وإن کان المراد انتفاء مطلق الحکم فلا أمّا الثّانی فلأنّ الغایة فی الحقیقة غایة للمطلوب لا للطلب سیما علی التّحقیق فی وضع هیئة الأمر فإنّها موضوعة للطلب الکلی الذی یلزمه التّشخص فی الاستعمال والهیئة معنی حرفی لا یقبل التّحدید فالتّحدید إنّما هو للمادة فالصوم یقید أوّلا

ص: 350

بکونه مغیّا بالغایة الکذائیّة وهی اللّیل ثم یرد علیه الأمر فیکون الغایة بمنزلة صفة من صفات المطلوب فطلب شیء موصوف بوصف خاص لا ینافی طلب غیره بخطاب آخر أعنی الصّوم فی اللّیل مثلا وأمّا الأوّل فلأنّه إذا قال صم اللّیل فظاهر الأمر کون متعلقه واجبا نفسیّا وکون اللّیل بتمامه غایة لا بجزئه الأخیر لیدخل بنفسه فی المنطوق وحینئذ فإن کان الصّوم فی اللیل أیضا مطلوبا بهذا الطّلب لزم أمّا کون الأمر مستعملا فی الطّلب الغیری لأنّ جزء المطلوب مطلوب بالطلب الغیری وأمّا کون اللّیل بجزئه الأخیر غایة وکلاهما خلاف ظاهر الخطاب فإن قیل فما الفرق بین الغایة والصّفة بعد اشتراکهما فی ارتفاع الحکم الخاص عن ما انتفی فیه الغایة أو الوصف وعدم الدّلالة علی ارتفاع مطلق الحکم ولم نفیت المفهوم فی الوصف وفصلت فی الغایة قلنا بینهما فرق وذلک لأنّ التّکلیف ربما یکون واحدا فحینئذ لو قال صم إلی الغروب وصم إلی المغرب تعارض الخطابان لأنّ ظاهر الأوّل أنّ المکلف به بالتّکلیف النّفسی هو الصّوم المحدد بالغروب ومقتضی الثّانی أنّه المحدد بالمغرب بخلاف الوصف فإن ورد الحکم علی موصوف لا ینافی وروده علی غیره أیضا هذا حاصل کلامه وفیه نظر من وجوه أحدها أنّ جعل الغایة غایة للمادة لا یتم فی مثل ولا تقربوهن حتی یطهرن إذ لیس المنهی عنه القرب الممتد المحدود بالطهر وکذا فی مثل کلوا واشربوا حتی یتبین لکم الخیط إذ لیس المأمور به الأکل الممتد المحدود بطلوع الفجر فالتّحقیق أنّ الغایة أنّما هی للفعل من حیث کونه متعلقا للطّلب لا للفعل مع قطع النّظر عن الطّلب حتی یکون الطّلب واردا علی الفعل المقید والقول بأنّ الطّلب من المعانی الحرفیّة ولا یمکن تحدیده مدفوع بأنّ التّحدید حقیقة للفعل باعتبار الطّلب لا للطلب نفسه والتّحدید بهذا النّحو یصدق بکون المطلوب الفعل الواحد المستوعب للوقت ویکون المطلوب الفعل المستوعب له بطریق التّکرر وبکون المطلوب الفعل مخیرا فی أجزاء الوقت المحدود فمثل قوله تعالی أقم الصّلاة لدلوک الشّمس إلی غسق اللّیل یدل علی طلب فعل محدود باعتبار الطّلب بالوقت الخاص وذلک بالتّخییر فی إیقاعه فی أی جزء أراد وأمّا لو کان تحدیدا للفعل المطلوب لکان المطلوب الصّلاة الممتدة المستوعبة لذلک الوقت ولا یخفی فساده مع أنّ الوجه المذکور لا یجری فی الإخبار المقابل للإنشاء وهو ظاهر والثّانی أنّ مقتضی کلامه أنّه لو لا ظهور الأمر فی الواجب النّفسی لما صح القول بانتفاء الحکم الخاص أیضا وهو فاسد لأنّ الحکم الخاص نفسیّا کان أو غیریّا إنّما تعلق بالموضوع الخاص فبانتفائه ینتفی جزما حتی لو قلنا بظهور الأمر فی الواجب الغیری لکان الوجوب الغیری حینئذ منتفیا عن الموضوع الخاص نعم یجوز إثبات وجوب آخر بخطاب آخر نفسیّا أو غیریّا للموضوع الآخر کما لا یخفی والثّالث أنّ اتحاد التّکلیف لا یختص فرضه بالغایة بل یمکن فرضه فی الصّفة أیضا ولا ربط له بإثبات المفهوم بل هو موجب لحصول التّعارض بین المنطوقین کما عرفت سابقا فإنّا لو علمنا أنّ فی الغنم لیس إلاّ تکلیف واحد فورد أنّ فی السّائمة زکاة وفی مطلق الغنم زکاة وقع التّعارض بین المنطوقین لاستفادة الوجوب العینی

ص: 351

من الأوّل والتّخییری من الثّانی کما مر فإن قلت سلمنا أنّ التّحدید أنّما هو للحکم لا للمادة لکن لا یتم ذلک إلاّ فی الزّمان وأمّا المکان فلا یمکن کونه غایة للحکم إذ لا یمکن وقوعه فی المکان ففی مثل سر إلی الکوفة یکون التّحدید للسیر لا للطلب فیتم المطلوب قلت لا فرق بین الزّمان والمکان فیما ذکرنا فإنّ المحدود هنا أیضا هو السّیر باعتبار کونه مطلوبا کما أنّ المحدود باللّیل هو الصّوم باعتبار کونه مطلوبا والحاصل أنّ النّوع السّیر الواجب هو السّیر المحدود بالحد الخاص فینتفی نوع المطلوب عند انتفاء الغایة لا أنّ شخص السّیر المطلوب هذا الخطاب محدود حتی ینتفی الشّخص دون النّوع فتأمّل

تذنیب

اختلفوا فی أنّ التّحدید بکلمة إلی أو من أو هما معا هل یدل علی التّرتیب أو لا وثمرة الاختلاف یظهر فی وجوب النّکس فی غسل الید إلی المرفق وعدمه لقوله تعالی فاغسلوا وجوهکم وأیدیکم إلی المرافق ومنشأ النّزاع هو أنّ التّحدید تحدید لکیفیّة الغسل أو لکمیّة المغسول فعلی الأوّل یدل علی التّرتیب دون الثّانی قیل الظّاهر کونه حقیقة فی تحدید الکیفیّة للتبادر وغلبة الاستعمال وهما علامتان للحقیقة ولأنّه لو کان لتحدید الکمیّة وجب تقدیر متعلق له فی الآیة مثل الماهیّة إلی المرافق ونحوها إذ لو تعلق بالغسل لکان لتحدید الکیفیّة وفیه نظر إذ یمکن تعلیقه باغسلوا مع کونه لتحدید الکمیّة لأنّ للغسل أیضا باعتبار المحل کمّا مخصوصا فهو بمنزلة أن یقال أوجد غسلا محدودا بالحد الفلانی وظاهر أنّه لا یقتضی التّرتیب وأمّا التّبادر والغلبة فممنوعان ولو سلم جمیع ذلک فالنّص عن الأئمة الأطهار علیهم السلام أوجب حمل الآیة علی تحدید المغسول وإن کان مجازا فافهم

المبحث الرّابع فی مفهوم الحصر

وتحقیق الکلام فیه یظهر فی طی أمور الأوّل الحصر قد یکون بالمادة کالحصر بالاستثناء وبإنّما وبل ولا وقد یکون بالهیئة کالحصر بتقدیم ما هو حقه التّأخیر أمّا الاستثناء فاستفادة الحصر منه مبنی علی المشهور من أنّ الاستثناء من النّفی إثبات وبالعکس وأنکره أبو حنیفة وقال بأنّ المستثنی مسکوت عنه ویمکن اشتراکه مع المستثنی منه فی الحکم واستدل بمثل لا صلاة إلاّ بطهور إذ لو کان الاستثناء موجبا لإثبات الحکم هنا لزم الحکم بتحقیق الصّلاة بمحض الطّهور مع أنّها تتوقف علی أمور أخر وأجیب بأنّ الحصر هنا إضافی بالنسبة إلی صورة کونها جامعة لجمیع الشّرائط والأجزاء سوی الطّهور بحیث لو وجد الطّهور لکانت صحیحة أو أنّ المراد لا صلاة ممکنة الصّحة إلاّ بطهور فیثبت إمکان صحتها عند وجود الطّهور بضم سائر الشّرائط أیضا واستدل المشهور بالتّبادر عرفا فإنّ الظّاهر عرفا منه مخالفة المستثنی للمستثنی منه وأیضا لولاه لم یکن لا إله إلاّ الله کلمة التّوحید لأنّ معنی التّوحید نفی الغیر وإثبات الواحد واعترض علی المشهور بأنّه لا یفیده علی مذهبهم أیضا لاحتیاج لا إلی الخبر فإن قدر موجود لم یثبت الامتناع للشریک وإن قدر ممکن ثبت الإمکان للواحد لا الوجود والتّوحید مرکب من إثبات الوجود للواحد وإثبات امتناعه لغیره وأجیب بأنّ لا لا یحتاج إلی الخبر لأنّه کما أنّ الوجود قسمان وجود هو المحمول کما فی قولک زید موجود ووجود

ص: 352

هو الرّابطة کقولک زید موجود قائما فکذلک العدم نحو زید معدوم وزید لیس بقائم والمقصود فی کلمة التّوحید من نفی الإله هو العدم المحمول فهو کقولک الإله معدوم إلاّ الله فیثبت العدم للشریک والوجود للواجب وفیه مع أنّه موجب لترکیب الکلام من الحرف والاسم یرد علیه أنّ إثبات العدم للإله إن کان بالفعل لم یثبت الامتناع وإن کان بالإمکان لم یثبت نفی الوجود أیضا وإن کان بالضرورة یرتفع ضرورة العدم عن الله ولا یثبت الوجود فضلا عن الوجوب والأولی أن یقدر الخبر موجود فیقتضی نفی وجود الشّریک فعلا ولازمه إثبات الامتناع إن کان المراد بالإله واجب الوجوب لأنّه إن لم یکن موجودا فهو ممتنع بالضرورة وإن کان المراد المعبود بالحق لم یلزمه عقلا الامتناع ولکنه لازم أذهان العرف فإنّ کل من اعتقد نفی وجود المعبود فعلا غیر الله لا یخطر بباله إمکان وجوده فیما بعد أو کونه فیما سبق بل یعتقد أنّ من کان مستحقا للعبادة یجب کونه مخالفا للممکنات ویکون قدیما أزلیّا دائما أبدیّا کما لا یخفی فتأمّل وکیف کان فلا ریب فی أنّ الاستثناء یفید الحصر وأمّا کلمة بل فاستفادة الحصر منها وعدمه إنّما یظهر ببیان معناها فنقول إنّها إمّا تقع بعد الإثبات إخبارا کان أو إنشاء وإمّا تقع بعد النّفی والنّهی أمّا الأوّل فلا شبهة فی أنّه یثبت الحکم السّابق لمدخوله نحو قام زید بل عمرو فیثبت القیام لعمرو وهل یدل علی انتفائه عن زید حتی یفید حصره فی عمرو بالإضافة إلی زید أو لا بل یجعله مسکوتا عنه فیه خلاف وأمّا الثّانی فی نحو ما قام زید بل عمرو ففی إثبات القیام لعمرو مع بقاء النّفی عن زید لیفید الحصر الإضافی أو نفیه عن عمرو مع بقائه عن زید لیتفقا فی الحکم أو جعل زید مسکوتا عنه مع إثبات القیام لعمرو أو نفیه عنه أقوال ولا یستفاد الحصر إلاّ علی القول الأوّل وهو الحق لأنّ المتبادر عرفا من قولنا ما قام زید بل عمرو هو نفی القیام عن زید وإثباته لعمرو یتأکد النّفی لو أدخل علیها لا نحو ما ضرب زید لا بل عمرو فلا إشکال فی استفادة الحصر منه حینئذ وأمّا الإثبات فمع دخول لا یفید الحصر قطعا نحو جاءنی زید لا بل عمرو وأمّا بدون لا ففیه إشکال إذ قد یستعمل تارة فی نفی الحکم عن ما قبله ویکون لتدارک الغلط ادعاء أو حقیقة نحو حبیبتی قمر بل شمس ورأیت زیدا بل حمارا وقد یستعمل فی إثباته لهما نحو تحیر فیک العلماء بل الأنبیاء ویدرک الزّکی ذلک بل البلید ولکن یمکن إرجاع هذا أیضا إلی نفی الحکم عن السّابق بوجه اعتبار ونکتة وهی دعوی إثبات الحکم له بالأولویّة لا بالنحو الثّابت فی الکلام فتأمل وأمّا کلمة إنّما فاختلف فی إفادتها الحصر وعدمها فقیل نعم لوجوه منها اتفاق المفسرین علی أنّ معنی قوله تعالی إنّما حرم علیکم المیتة ما حرم علیکم إلاّ المیتة ومنها فهم الفقهاء من قوله علیه السلام إنّما الأعمال بالنّیّات توقف کل عمل علی النّیّة ولیس إلاّ لاستفادة الحصر وکذا من قوله علیه السلام إنّما الولاء لمن أعتق أنّه لا ولاء لغیر المعتق ومنها نقل أهل اللّغة ومنها التّبادر عرفا ومنها فصل الضّمیر بعدها فی قوله وإنّما یدافع عن أحسابهم أنا أو مثلی ولا موجب له سوی الحصر وأجیب عن الأوّل بأنّ

ص: 353

اتفاقهم إنّما هو عن اجتهادهم ولا دلیل علی اعتباره وبه یجاب عن الثّانی والثّالث مع عدم الاتفاق علیه لذهاب جماعة إلی الخلاف مع أنّ فهم الحصر من الحدیثین إنّما هو من تعریف المسند إلیه باللام وعمومه لدلالته علی أنّ صحة کل عمل مسببة عن النّیّة فلا یمکن صحة البعض بدونها وإلاّ لم یصدق الکلیّة وکذا فی إنّما الولاء لمن أعتق مع أنّ الحصر إنّما هو بالنسبة إلی الولاء المغایرة لولاء المعتق ولا ینافی اشتراک الولاء الواحد بینه وبین غیره إلاّ من جهة ظهور الکلام فی استقلال المعتق بالولاء کما لو کان الدّار مشترکة بین زید وعمرو صح أن یقال ملک جمیع الدّار لزید ولعمرو إلاّ أنّه ینافی ظهور الکلام فی الاستقلال لا من جهة استفادة الحصر وعن الرّابع بأنّه إنّما ینفع لو کان فی عرف العرب إذ لا مرادف له فی عرف العجم بحیث یستفاد منه الحصر بل إنّما یستفاد منه تأکید الکلام وأنّه صادق لا کاذب کما لا یخفی والتّبادر فی عرف العرب غیر معلوم وعن الخامس بأنّ غایة ما یدل علیه الفصل کون المراد بها الحصر لا وضعها له لاحتمال کون الفصل قرینة ودفعه بالأصل غیر ممکن وظاهر وقد استعملت فی غیر الحصر أیضا نحو إنّما المؤمنون الذین إذا ذکر الله وجلت قلوبهم لعدم الانحصار فیهم واعترض علیه بأنّ المراد حصر المؤمنین الکاملین لا مطلقا والتّحقیق أنّ المناط فی أمثال ذلک علی الظّن المطلق کما مر فی صدر الکتاب فإن حصل الظّن بإفادة الحصر من جهة نقل النّقلة أو اتفاق المفسرین أو نحو ذلک فهو وإلاّ فمشکل بل یجب التّوقف والرّجوع فی مقام العمل إلی الأصول فتأمّل الثّانی هل الحصر فی المذکورات مفهوم أو منطوق والتّحقیق أنّه إن کان المراد بالحصر إثبات الواحد ونفی ما عداه کان منطوقا وإن کان المراد الانحصار الذی هو لازم النّفی والإثبات أمکن جعله مفهوما لأنّه مدلول التزامی یجری فیه المفهوم والمنطوق بخلاف الأوّل فإنّه حینئذ مدلول مطابقی أو تضمنی وکلاهما من المنطوق کما مر الثّالث مما جعلوه مفیدا للحصر تعریف المسند إلیه وربما عبر عنه بتقدیم الوصف علی الموصوف الخاص خبرا له وربما قیل إنّ مطلق تقدیم ما من حقه التّأخیر یفید الحصر ویظهر من الأوّل أنّ نفس تعریف المسند إلیه یفید الحصر ویظهر من بعض أدلّتهم فی المقام أنّ کون الموضوع هو الأمر المخصوص یقتضی الحصر کما ذکر ولأنّ جعل الموضوع جنسا لما کان یقتضی اتحاده مع الفرد لزمه إفادة الحصر ویظهر من الأخیر أنّ محض خلاف التّرتیب یوجب الحصر ویمکن الجمع بینهما بأنّه لما قدم النّکرة وجب تعریفها لئلا یلزم الابتداء بالنکرة فلما عرف صار الموضوع هو الأمر المخصوص المفید للحصر وبهذا الاعتبار جاز نسبة الحصر إلی التّقدیم وإلی التّعریف وإلی جعل الموضوع هو الأمر المخصوص ثم إنّ مقتضی العبارة الثّانیة اختصاص الکلام بصورة کون الموضوع وصفا والمحمول أخص منه مطلقا ولکن أکثر أمثلتهم یقتضی کون الکلام أعم من کون المسند إلیه وصفا وکونه اسم جنس وکون المحمول أخص مطلقا أو من وجه نحو المنطلق زید والکرم فی العرب والأئمة من قریش بل یجری الکلام فیما إذا کان المحمول أعم مطلقا مثل الإنسان

ص: 354

حیوان والأولی ذکره فی لواحق المسألة لاختصاصها بما لو کان المحمول أخص ولو من وجه ولنجعل الکلام فی بعض الأمثلة لیقاس علیه الباقی فنقول ما مثلوا به للمسألة هو مثل المنطلق زید واستفادة الحصر منه بأنّ اللام إمّا للاستغراق فیقتضی اتحاد جمیع الأفراد مع زید فیجب أن لا یکون هناک فرد غیره وإلاّ لزم الکذب وإمّا للجنس فیقتضی اتحاد الطّبیعة مع زید فیجب أن لا یکون لها فرد آخر غیره واعترض علیه بأنّ هذا الکلام جار فی صورة تعریف السّند أیضا نحو زید المنطلق حرفا بحرف فلا دخل للتقدیم فی ذلک بل لا مدخلیّة للتعریف أیضا لجریانه فی الخبر المنکر مثل زید منطلق إذ المراد من الحمل هو الاتحاد فإن أرید اتحاد الجنس مع الفرد ذاتا أو أرید اتحاد جمیع الأفراد معه أفاد الحصر وإن أرید بیان اتحاد الجنس معه فی الوجود فلا حصر وهذا الکلام لا فرق فیه بین المسند المعرفة والنّکرة والمقدّم والمؤخّر وما یقال من أنّ المسند إذا کان نکرة فالمراد به الفرد لا الجنس فاسد ضرورة أنّ المراد بالمحمول هو المفهوم لا المصداق بل الفردیّة لازمة للحمل فإنّ معنی قولنا زید قائم لیس أنّه فرد للقائم لأنّه أیضا کلی فیکون المعنی أنّه فرد لفرد القائم وهکذا فیلزم التّسلسل والقول بأنّه فی صورة التّعریف یکون للمقصود الحمل الذّاتی وفی صورة التّنکیر الحمل المتعارفی یحتاج إلی دلیل ولا دلیل فی المسألة إلاّ أمور إن تم بعضها ثبت المطلوب وإلاّ فلا منها أنّه لو کان المستفاد فی صورة التّعریف والتّنکیر أمرا واحدا لضاع التّعریف لکونه لغوا أو فیه أنّه لا ینحصر فائدته فی ذلک فلعلها شیء آخر ومنها أنّ اللام فی مثل المنطلق زید یتعین للاستغراق لأنّ مقتضی الحمل صدق المحمول علی الموضوع ویمتنع صدق زید علی الجنس إلاّ ادعاء وإرادته خلاف الأصل فیجب إرادة الأفراد من الموضوع لیمکن صدق زید علیها بعد فرض الانحصار وأمّا مع عدم الانحصار فیکون الکلام کذبا فصرف الکلام عن الادعاء والکذب یوجب الحمل علی إرادة الحصر وفیه أوّلا أنّ المعتبر فی الحمل صدق واحد من الموضوع أو المحمول علی الآخر لا صدق المحمول علی الموضوع إذ لا دلیل علیه وثانیا أنّ إرادة بعض الأفراد ممکن معینا أو غیر معین فلا یتعیّن الاستغراق ومنها أنّ اللام لیس للاستغراق لقبح قولنا زید کل فرد من أفراد الإنسان بل هی للجنس لکن بالنظر إلی تحصله فی الخارج عموما وکمالا فمعنی الصّدیق زید أنّه کل هذه الطّبیعة وتمامها فلو کان هناک صدیق غیره لما کان هو تمام الطّبیعة وفیه أوّلا أنّه لا دلیل علی کون المراد هو جمیع التّحصلات بل هو أوّل الدّعوی بل لا دلیل علی کون المراد الجنس باعتبار الوجود واللام لا یقتضی إلاّ تعریف المدخول ویکفی فیه کون الجنس معهودا بنفسه ولا یلزم أن یلاحظ فیه الوجود حتی یحتاج التّعیین إلی إرادة جمیع الأفراد وثانیا أنا لا نری فرقا بین ما ذکره وبین الاستغراق الذی جعله قبیحا إذ لیس الاستغراق إلاّ عبارة عن الجنس باعتبار وجوده فی ضمن جمیع الأفراد فالتعبیر بالتحصیل دون الوجود لا یوجب المغایرة کما لا یخفی فتأمل والأولی أن یحال فهم الحصر إلی العرف فإنّه متبادر قطعا من قولک المنطلق زید بل من العکس أیضا وإن لم یعلم وجهه وقیل إنّ تعریف المسند إلیه لا یفید الحصر وإلاّ لا فائدة تعریف المسند أیضا وهو

ص: 355

فاسد وجه الملازمة اشتراک الدّلیل وهو أنّ إرادة الجنس فاسدة کما مر فیجب إرادة جمیع الأفراد وحملها علی الفرد لحمل الفرد علیها من غیر فرق فعدم الاستفادة فی العکس شاهد علی فساد الدّلیل المذکور وأیضا الفرق بینهما یوجب القول باختلاف معنی المفردات بالتقدیم والتّأخیر وهو غیر معهود وأجیب تارة بالقول بالموجب وعدم الفرق بین الصّورتین کما صرح به علماء المعانی وأنّ تعریف المسند أیضا یفید الحصر وأخری بإبداء الفارق وحاصله أنّ المراد بالمعرف فی صورة التّقدیم هو الذّات المتصفة بالوصف العنوانی وفی صورة التّأخیر المراد به ذات متصفة بالوصف العنوانی کما فی النّکرة وهذا من عوارض الذّات المتصف بالوصف العنوانی فالأوّل یقتضی اتحاد الذّات المتصفة مع زید فیفید الحصر والثّانی لا یفید إلاّ اتحاد زید مع ذات متصفه الذی هو عارض من عوارض الذّات المتصفة واتحاده مع عارض من عوارض الذّات لا ینافی اتحاد غیره معه أیضا واعترض علیه بأنّ المراد بالمعرف مطلقا هو الذّات المتصف بالوصف العنوانی سواء أخر أو قدم فیفید الحصر فی الصّورتین نعم المراد من المنکر ذات متصف به ولذا لا یفید الحصر ورد بأنّ المحمول یجب أن یراد به المفهوم مطلقا معرفا کان أو منکرا ولا یمکن أن یراد به الذّات بل المراد من الموضوع هو الذّات فالفرق بین صورتی التّقدیم والتّأخیر ظاهر نعم لو کان المحمول معرفا باللام الموصولة کان المراد به الذّات المتصف بالوصف العنوانی وأفاد الحصر دون المعرف بلام التّعریف والظّاهر أنّ المورد المذکور توهم أنّ المراد بالذات فی کلام المجیب والمعترض هو ما یقابل المفهوم ولیس کذلک بل المراد من الذّات فی کلام المجیب هو الطّبیعة ومن ذات ما هو الفرد فإنّه عارض للطّبیعة باعتبار عروض الفردیّة فحاصل مراد المجیب أنّ المعرف باللام فی صورة التّقدیم یراد به الطّبیعة باعتبار جمیع أفرادها لفساد إرادة الجنس کما مر وأمّا فی صورة التّأخیر فیراد به الفرد لأنّ حمل الطّبیعة علی الشخص معناه صدقها علیه وکون الموضوع من أفرادها ولا ینافی ذلک وجود فرد آخر فیجب حمل کلام المعترض علی إرادة أنّ المعرف سواء قدم أو أخر فالمراد به الذّات والطّبیعة لا الفرد نعم المراد فی المنکر هو الفرد إذ لو حمل علی إرادة الذّات المقابل للمفهوم لکان مع فساده فی نفسه کما ذکره المورد غیر مربوط بکلام المجیب إذ کون المحمول ذاتا بهذا المعنی لا ینافی کون المراد به الفرد کما هو مراد المجیب وأنت بعد ما قررنا کلام المجیب تعلم عدم ورود الاعتراض علیه وذلک لأنّ غرضه هو أن ما یدل علی إفادة الحصر فی صورة التّقدیم هو أنّ اللام لا یمکن کونها للجنس وإلاّ لزم صدق المحمول علیه مع استحالة صدق الشخص علی الجنس فیجب حملها علی الاستغراق فیفید الحصر وهذا الوجه غیر جار فی صورة التّأخیر لجواز کون المراد هو الجنس لإمکان صدقه علی الموضوع ولا یوجب ذلک إلاّ کون الموضوع من أفراد ذلک المحمول ولا ریب أنّ هذا لا یفید الحصر نعم یرد علیه منع لزوم صدق المحمول علی الموضوع بل الحمل إنّما یقتضی صدق أحدهما علی الآخر فإذا کان الموضوع جنسا والمحمول شخصا جاز وکفی صدق الموضوع علی المحمول لکونه من أفراده وحینئذ فیکون

ص: 356

صورة التّقدیم کصورة التّأخیر من غیر فرق والتّحقیق استفادة الحصر فی الصّورتین للتّبادر عرفا کما مر وإن لم یمکن إثباته بالدّلیل بل یمکن الإثبات فی صورة تقدیم المعرف من جهة ظهور الحمل فی کون الموضوع بحیث متی وجد وجد المحمول فإنّ قولک زید قائم معناه وجود القائم کلما وجد زید فقولک المنطلق زید معناه وجود زید کلما وجد المنطلق وهذا معنی الحصر وکیف کان ففی صورة تقدیم المعرف یستفاد حصر الموضوع فی المحمول وفی صورة التّأخیر حصر المحمول فی الموضوع وإذا کان کل منهما معرفا نحو الکرم التّقوی والعلماء الخاشعون فقیل یستفاد منه حصر اللام فی الأخص لما مر فی مثل المنطلق زید وعکسه فینحصر الکرم فی التّقوی هذا إذا کان أحدهما أعم مطلقا وإلاّ نحو العلماء الخاشعون ففی حصر کل منهما فی الآخر أو التّوقف لعدم التّرجیح وجهان وفیه إشکال ومقتضی ما ذکرناه فی مثل المنطلق زید أن یکون مفاد المثالین حصر المبتدإ فی الخبر فتأمل ثم إنّ طریقة استفادة الحصر لا تنحصر فی التّبادر بل یلزم بإلاّ أمّا وفی مثل الماء طاهر مما جعل فیه الموضوع للحکم مفردا معرفا من جهة أنّ الحکم إمّا یتعلق بالطبیعة باعتبار الأفراد فإن کان المراد الفرد المعیّن وجب بیانه والفرد الغیر المعیّن خلاف الامتنان فیکون المراد جمیع الأفراد وإمّا یتعلق بالطّبیعة ومقتضی إطلاقها عدم اعتبار بعض الخصوصیّات فیقتضی وجود الحکم فی جمیع الأفراد وإلاّ لکان لبعض الخصوصیّات مدخلیّة فی الحکم وهو خلاف الإطلاق ثم إنّ الحصر الذی یستفاد من الهیئة مفهوم قطعا لا منطوقا وإن کان من جهة التّبادر وإمّا إن کان من جهة دلیل الحکمة فیحتمل کونه مفهوما من اللّفظ بقرینة العقل ویحتمل کونه لازما عقلیّا غیر المفهوم والمنطوق کوجوب المقدمة مثلا

المبحث الخامس فی مفهوم اللّقب

والمراد باللّقب هو ما یجعل رکنا من أرکان الکلام مسندا أو مسندا إلیه أو غیرهما مما یکون مقصودا مستقلا سواء کان علما أو غیره والنّزاع إنّما هو فی أنّ محض جعل ذلک شیئا خاصا هل یقتضی انتفاء الحکم عن غیره أو لا والحق عدمه لانتفاء الدّلالة عرفا ولا ینافی ذلک استفادة الحصر من کونه موصوفا بوصف أو نحو ذلک فی بعض الموارد إذ الکلام إنّما هو من جهة جعله رکنا فی الکلام لا فی جهة أخری فقولنا السّائمة فیه الرّبوة لا یقتضی نفیها عن غیر السّائمة من جهة کونها موضوعا وإن قلنا باقتضائها ذلک من جهة کونها صفة ویثمر فی مثل زید جاء فلا یقتضی عدم مجیء غیره وتخصیصه بالذکر لأنّه محل الحاجة دون غیره وأیضا لو أفاد الحصر لکان قولک زید موجود ومحمد نبی الله صلی الله علیه وآله مستلزما لنفی الصّانع ونبوّة سائر الأنبیاء

المبحث السّادس فمفهوم العدد

والمراد أنّ إثبات حکم لعدد هل یدل علی انتفائه عن الزّائد والنّاقص أو لا فیه أقوال الدّلالة مطلقا وعدمها کذلک والتّفصیل بین إثبات الحکم ونفیه فیقتضی فی الأوّل دون الثّانی فلو قال أکرم عشرین عالما دل علی عدم وجوب إکرام الزّائد ولذا یخصص به لو قال سابقا أکرم العلماء بخلاف ما لو قال لا یجب إکرام العلماء ثم قال لا یجب

ص: 357

إکرام عشرین عالما والحق أنّ إثبات الحکم لعدد أو نفیه بنفسه لا یقتضی انتفاءه عن الزّائد والنّاقص لعدم مساعدة العرف علی فهم ذلک نعم ربما یدل علی ذلک بقرائن الحال أو المقال کأن یکون فی مقام البیان لکونه محل الحاجة ولذا یستفاد المنافاة بین أخبار المنزوحات وکأن یقول أکثر الحیض عشرة وأقله ثلاثة فإنّه فی مقام التّحدید وذکر الأکثر والأقل یقتضی انتفاء الحکم عن الزّائد والنّاقص هذا وأمّا حکم الزّائد والنّاقص فالضّابط فیه أنّ جعل العدد متعلق الحکم إمّا یعلم کونه لا بشرط الزّیادة والنّقیصة أو یعلم کونه بشرط عدم الزّیادة والنّقیصة أو یعلم کونه بشرط عدم الزّیادة لا بشرط عدم النّقیصة أو بالعکس أو لا یعلم الاشتراط وعدمه وهذا فی حکم العلم بعدم الاشتراط لما ذکرنا من أنّ اللّفظ لا یقتضی إلاّ ثبوت الحکم لذلک العدد فما لم یعلم الاشتراط یحکم بعدمه وحینئذ فنقول إن علم عدم الاشتراط فهو قسمان لأنّ الحکم إمّا وجوب واستحباب أو تحریم وکراهة وبعبارة أخری إمّا نفی أو إثبات فإن کان وجوبا مثلا نحو صم ثلاثین یوما فلا ریب أنّ الزّیادة لا تتصف بالوجوب ولو صام أزید من ثلاثین حصل الامتثال بثلاثین لکونه لا بشرط وأمّا وجوب الأقل فإن کان اللّفظ ظاهرا فی وجوب المجموع کان الأقل مقدمة للواجب وحینئذ ففی وجوبه تبعا مطلقا أو إذا قصد به التّوصل مطلقا وإذا حصل به التّوصل مطلقا وجوه یتفرع علی الأقوال فی وجوب المقدمة وإن کان اللّفظ ظاهرا فی وجوب الجمیع کان کل واحد مطلوبا وواجبا بالاستقلال وإن کان الحکم تحریما مثلا کأن یقول لا تضربه عشرین سوطا فحرمة الأقل تتوقف علی استفادة الاستقلال لکل واحد أو حرمة مقدمة الحرام بالتفصیل إن کان المقصود المجموع من حیث المجموع وأمّا الزّائدة فقیل یثبت فیه الحکم بطریق أولی لکن إذا کان ذلک العدد علة للحکم کأن یقول قلتان من الماء لا یحمل خبثا فإذا بلغ ثلاث قلل فبطریق أولی وهو حسن إذا علم کونه علة لا بشرط لکن ثبوت الحکم فی الزّائد حینئذ إنّما هو لثبوت العلة لا للأولویّة وقیل إنّه حینئذ یقتضی نفی الحکم عن الأقل لانتفاء المعلول بانتفاء العلة وفیه أنّ کونه علة لا ینفی علّیّة غیره إلاّ إذا ثبت کونه علة منحصرة لا مطلقا واللّفظ لا یدل علی شیء نعم إن ثبت من الخارج الانحصار انتفی وإلاّ فلا یقتضی الانتفاء وأمّا إن علم اشتراط عدم الزّیادة والنّقیصة فهو أیضا قسمان کالسابق فإن کان وجوبا کالمثال السّابق لم یحصل الامتثال أصلا لو زاد علی ذلک العدد وکذا لو نقص وإن کان تحریما نحو لا تضربه عشرین سوطا وعلم أنّ المحرم ضرب عشرین خاصة لم یحرم الأقل قطعا ولا الأکثر فلو زاد لم یعص أصلا إذا فعل الجمیع دفعة وأمّا إذا فعل تدریجا فإن قصد من أوّل الفعل إتیان الزّائد وفعل فلا إشکال فی عدم العصیان وإن قصد خصوص العشرین لکن بعد ما وصل إلیه تجاوز فالعمل لم یقع محرما نعم یمکن القول بحرمة قصده الأوّل إن قلنا بحرمة التّجری وإن قصد الجمیع مع الزّائد أوّلا ثم بعد ما وصل إلی عشرین توقف لم یلزم حرمة ما فعله لأنّه لم یفعله بقصد المحرم وإن کان توقفه موجبا

ص: 358

لتحقیق الحرام الواقعی فهو نظیر من شرب الخمر الواقعی باعتقاد کونه ماء ففعله لم یقع محرما علیه ولا یستحق العقاب علیه وفی حرمة توقفه توقف فتوقف وکذا الکلام فی صورة الوجوب فإن قصد الزّائد من أوّل الأمر وتجاوز لم یمتثل وإن لم یتجاوز حصل الامتثال فی غیر العبادات وإن قصد خصوص العشرین فإن لم یتجاوز حصل الامتثال وإلاّ فلا مطلقا وإن علم کونه بشرط عدم الزّیادة لا بشرط عدم النّقیصة فالکلام فیه هو الکلام فی صورة کونه بشرط عدمهما وإن علم کونه بشرط عدم النّقیصة لا بشرط عدم الزّیادة فالکلام فیه هو الکلام فی صورة کونه لا بشرط فیهما فإنّ کونه بشرط عدم النّقیصة أو لا بشرط لا فرق بینهما بعد کون المتعلق هو العدد المعیّن فإنّ مقتضی المنطوق هو عدم الاکتفاء بالأنقص فلا فرق بین اعتبار عدم النّقیصة وعدم اعتباره فتأمّل جدا

أصل فی العموم والخصوص

العام علی ما عرّفه البهائی هو اللّفظ للموضوع للدلالة علی استغراق أجزائه أو جزئیّاته واحترز بالقید عن المثنی والجمع المنکر والجمع المعهود والعدد لأنّها دالة علی المستغرق لا الاستغراق کذا وزیادة قید الأجزاء لیشمل الجمع المعرف بالنّسبة إلی الأفراد علی القول بکونه موضوعا لاستغراق الجماعات لأنّ الأفراد حینئذ من أجزائه لا من جزئیّاته ولم یکتف به عن الجزئیّات لیشمله بالنّسبة إلی دلالته علی استغراق الجماعات وکذا علی القول الجمع بکونه موضوعا لاستغراق الأفراد واعترض علیه بأنّ قید الوضع للدلالة مستدرک بل محل لخروج ما یدل علیه من غیر وضع کالنّکرة المنفیّة لأنّ دلالتها علی العموم إنّما هی من جهة ورود النّفی علی الجنس وهو یقتضی بحکم العقل انتفاء جمیع الأفراد وکذا الجمع المعرف علی القول بأنّ استفادة العموم منه إنّما هی من جهة أنّ اللام إنّما وضعت للإشارة إلی شیء معین فردا کان أو جنسا فلما دخلت علی الجمع انتفی احتمال إرادة الجنس فوجب الحمل علی عموم الأفراد حیث لا یتعین لبعضها فالأولی أن یعرّف بأنّه اللّفظ المستغرق لأجزائه أو جزئیّاته فیخرج المثنی لأنّه لیس مستغرقا لأفراد مفهوم المثنی إذ لا یشمل رجلان کل رجلین رجلین ولا لأجزائه إذ لا أجزاء للمثنی بل له جزءان ویخرج الجمع المنکر لعدم شموله للأفراد ولا للأجزاء إذ لیس أجزاء الجمع إلاّ الأفراد المعتبرة بهیئة الانضمام فکل فرد من أفراد الرّجل یصلح لکونه معتبرا من أجزاء رجال کما یصلح لکونه من أفراده وبالجملة کلما یصلح لکونه مرادا من الجمع المنکر لا یدل اللّفظ علی إرادته کما هو معنی الاستغراق وکذا یخرج الجمع المعهود إذ لا یراد منه کل ما یصلح إرادته منه وأمّا العدد نحو عشرة مثلا فهو وإن دل علی استغراق الأجزاء ولکن الملحوظ فیه هو المجموع من غیر نظر إلی الأفراد بخلاف العام إذ یجب فیه ملاحظة الأفراد ولو إجمالا ویرد علیه أنّه إن أراد أن الأفراد لا یلاحظ فی العدد أصلا ولو إجمالا فی ضمن ملاحظة هیئة الاجتماع بخلاف العام فهو ظاهر الفساد إذ العشرة لیست إلاّ الآحاد المنضمة وإن أراد أنّها لیست ملحوظة استقلالا بل فی ضمن الهیئة بخلاف العام فإنّ الأفراد فیه ملحوظة استقلالا ولو بملاحظة واحدة لا فی ضمن الهیئة ففیه أنّه لا یتأتی ذلک فی الجمع المعرف باعتبار

ص: 359

العموم المجموعی بل الأفرادی أیضا إذ الملحوظ فیه جمیع الأفراد بملاحظة واحدة إلاّ أن یقال إنّ الانضمام فی العدد معتبر فی اللّحاظ فیعتبر آحاد المنضمة ویضع اللّفظ لها بوصف الانضمام بخلاف العام فإنّ الملحوظ فیه هو نفس الآحاد لکن لما کان ذلک بلحاظ واحد لزمه الانضمام فی التّصور کما فی المشترک عند إرادة المعنیین بإرادة واحدة کما هو محل النّزاع فإنّه غیر إرادتهما بوصف الانضمام وإن لزمه الانضمام لاتحاد الإرادة وذلک نظیر قول الصّحیحیین والأعمیین فیما سبق فإنّ المطلوب عند کل منهما هو الصّحیح لکن الصّحة معتبرة فی المطلوب عند الأولین ولذا یکون اللّفظ مجملا ومترتبة علی الطّلب عند الآخرین ولذا یکون جمیع الأفراد صحیحا ولا إجمال حینئذ وبالجملة یلاحظ الأفراد فی العام بلحاظ واحد لا بهیئة الانضمام وإن ترتب الانضمام علی وحدة اللّحاظ عقلا فی العموم فإنّ الانضمام ملحوظ فیه هذا فی العموم الأفرادی ظاهر وکذا المجموعی سواء کان مثل لفظ جمیع وکافة وقاطبة أو مثل الجمع المعرف بناء علی کون عمومه مجموعیّا أمّا الأولی فلأنّها موضوعة لإفادة الشمول فی شیء آخر کما فی قولک جمیع القوم فیلزم فیه ملاحظة استغراق الآحاد ولازم الاستغراق ثبوت الانضمام فی التّصور وأمّا الثّانی فلأنّ الجمع المعرف إنّما یستعمل فی مقام شمول أفراد غیر منحصرة إذ لیس لها جامع یضبطها سوی أمر یفید الشمول نحو العلماء إذ لیس أفراده منحصرة فی العشرة والعشرین ونحو ذلک فلیس شیء یجمعها فی التّصور إلاّ العنوان العام وهو الجمع المعرف فالملحوظ فیه ابتداء هو الآحاد ولازمها الانضمام هذا غایة ما یمکن من توجیه الکلام المذکور ولکنه بعد محل نظر مع أنّه لا یوجب صحة التّعریف بالوجه المذکور کما لا یخفی وقیل الأولی فی التّعریف أن یقال إنّه اللّفظ المستغرق لجزئیّات مفهومه وضعا والمراد بمفهوم لیس مفهوم مجموع ذلک اللّفظ بل مفهوم ما یشتمل علیه اللّفظ ولو فی الجملة فدخل الجمع المعرف باعتبار العموم الجمعی لأنّه دال علی استغراق جزئیّات مفهوم الرّجل المشتمل علیه الرّجال وإن کانت تلک الجزئیّات أجزاء بالنّسبة إلی مفهوم الجمع وخرج المثنی إذ لا یشمل أیضا جمیع جزئیّات المفرد ولا المثنی وهو ظاهر وکذا العدد فإن عشرة لیست مشتملة علی مفهوم حتی یستغرق اللّفظ جزئیّاته ولو تکلف بالقول بشموله علی مفهوم واحد قلنا إنّه لا یستغرق جمیع جزئیّات الواحد وأمّا الجمع المعهود فهو داخل فی العام لأن المفهوم الذی یعتبر استغراق اللّفظ لجزئیّاته لا یشترط کونه مطلقا بل هم أعم من کونه مطلقا ومقیدا فقوله جاءنی العلماء مریدا منهم العدول یعتبر فیه أوّلا تقیید العالم بالعادل فیرید بالجمع استغراق أفراد العالم العادل فالوصف من قبیل المقیدات لا المخصصات ألا تری أنّهم حکموا بأنّ الجمع المضاف من ألفاظ العموم نحو علماء البلد وهو إنّما یتم علی ما ذکرنا وإلاّ فلا وجه له فإنّه لا یشمل جمیع أفراد العالم وهو ظاهر ومنه یظهر أنّ الاستغراق العرفی لیس مغایرا للاستغراق الحقیقی بل هو هو إلاّ أنّ العرف شاهد علی إرادة التّقیید فقولک جمع الأمیر الصّاغة بمنزلة قولک جمع جمیع صاغة البلد فکما أنّه یفید الاستغراق الحقیقی لأنّ

ص: 360

التّقیید إنّما لوحظ قبل ملاحظة العموم فورد العموم علی المقید فکذا ما بمعناه وفیه أنّ الفرق بین الجمع المضاف وبین الجمع المعهود أو الموصوف ظاهر وذلک لأنّ الاستغراق فی المضاف إنّما یستفاد من نفس الإضافة لکونها للإشارة إلی معین فلا یمکن إرادة بعض الأفراد لعدم التّعیین ولا الجنس لکونه جمعا فیجب إرادة جمیع الأفراد نحو علماء البلد بخلاف الجمع المعهود والموصوف فإنّه یفید الاستغراق مع قطع النّظر عن العهد والوصف وهما یوجبان نقصا للشّمول المستفاد منه إن قلنا إنّ اللام إنّما تدخل علی المطلق ثم یقید بالوصف ونحوه نعم إن قلنا بأنّها تدخل بعد ورود القید أفادت استغراق المقید کما ذکره فکون الجمع المعهود مفیدا للعموم والاستغراق مبنی علی دخول اللام بعد ملاحظة القید بخلاف الجمع المضاف فإنّ إفادته للاستغراق إنّما هی من جهة نفس الإضافة فظهر الفرق هذا بحسب اللّغة إذ لا یبعد تسمیة استغراق المقید استغراقا فعلیه یمکن عد الجمع المعهود من صیغ الاستغراق بناء علی دخول اللام بعد القید وأمّا بحسب الاصطلاح فالظّاهر فی صدق الاستغراق کون اللام داخلة علی المطلق فلو قید کان تخصیصا ولذا تراهم یسمون الوصف مخصصا والاستغراق العرفی خارجا عن الاستغراق الحقیقی وعلیه فیجب إخراج الجمع المعهود عن تعریف العام لعدم إفادته العموم اصطلاحا وإن قلنا بإفادته للاستغراق اللّغوی فتأمّل ثم إنّه ینتقض ما ذکره من التّعریف مثل اشتریت کل العبد فإنّ کل من ألفاظ العموم مع أنّه لیس مستغرقا لجزئیّات العبد وبالجملة فتعریفاتهم للعام غیر سالمة عن المناقشة وما یوجب الإشکال هو الفرق بین العام وبین أسماء العدد ویمکن بیانه بوجوه أحدها أنّ الحکم علی أمور متعددة تارة یکون بملاحظة کل واحد منها تفصیلا بعنوانه الخاص کأن یقول أکرم زیدا وعمرا وخالدا وبکرا إلی غیر ذلک من الأفراد ویسمی الملاحظة التّفصیلیّة وتارة یکون بملاحظة کل واحد تفصیلا لکن بعنوان واحد صادق علی الجمیع کأن یقول أکرم کل واحد من الرّجال فإنّ الحکم یتعلق بکل فرد فرد علی الاستقلال فی اللّحاظ وإن کان اللّفظ واحدا وهذا هو العموم الأفرادی نحو کل رجل وتارة یکون بملاحظة الجمیع بملاحظة واحدة بحیث یکون کل منها فی عرض الآخر أمّا مع وصف الاجتماع کما فی أسماء العدد أو بدونه کما فی العموم المجموع والتّثنیة والجمع فإن الجمع إنّما وضع لنفس الآحاد لا بملاحظة وصف الاجتماع وکذا التّثنیة ولذا جعلوا النّزاع فی استعمال المشترک فی أکثر من معنی واحد فی المثنی والجمع أیضا کالنّزاع فی المفرد مع أن النّزاع فی المفرد إنّما هو فی جواز الاستعمال فی المعنیین بالاستقلال من غیر ملاحظة وصف الانضمام فلو کان التّثنیة موضوعا للاثنین مع الانضمام لکان محل النّزاع فیه مخالفا لمحل النّزاع فی المفرد ولیس کذلک وکذا الکلام فی الجمع فالحاصل أنّ العام لا یعتبر فیه هیئة الانضمام بخلاف أسماء العدد فیکون دلالة العدد علی جزئه دلالة تضمنیّة بخلاف دلالة العام علی بعض الأفراد فإنّه لیس

ص: 361

مطابقة لعدم کونه تمام الموضوع له ولا تضمنا لعدم اعتبار هیئة الانضمام حتی یکون جزءه ویشکل جعله التزاما أیضا وکیف کان فهذا الوجه قد مر الإشارة إلیه إجمالا عند ذکر التّعریف الثّانی لکنّه لا یدفع الإشکال الوارد علی ذلک المعرف لأنّه یجعل دلالة العام علی أفراده دلالة تضمنیّة فیکون العام عنده دالا علی الأفراد بوصف الانضمام کالعدد وأیضا یجعل عموم الجمع المعرف والنّکرة المنفیّة مستفادا من العقل لا اللّفظ فیلزم خروجهما عما ذکره من التّعریف فتذکر الثّانی أنّ ألفاظ العموم بأسرها موضوعة للعموم الأفرادی لا للعموم المجموعی والفرق بینهما أنّ فی الأوّل یکون کل فرد علی الاستقلال مناطا للحکم نفیا وإثباتا بخلاف الثّانی فإنّ المناط فیه هو المجموع کما فی العدد وهذا هو الفارق لکن الشّخص الحاکم علی أفراد العام ربما یلاحظ الأفراد فی مقام الحکم بوصف الاجتماع وذلک لا یوجب اعتباره فی الموضوع له کما لو قال أکرم زیدا وعمرا معا مثلا فإن اعتبار اجتماعهما فی مقام الحکم لا ینافی ملاحظة زید مستقلا وکذا عمرو والثّالث أنّها بأسرها موضوعة للعموم المجموعی کالعدد ویکون دلالتها علی الفرد بالتّضمن ولکن الحاکم فی مقام الحکم ربما یلاحظ الأفراد علی الاستقلال فی العام دون العدد وأنت خبیر بضعف الوجه المذکورة وعدم مساعدة الدّلیل علی شیء منها فالأولی فی التّعریف أن یقال إنّ العام هو اللّفظ المستعمل لاستغراق جزئیّاته أو أجزائه فعلا حقیقة أو ادعاء فدخل فیه الجمع المعرف والنّکرة المنفیّة والمعرف باللاّم المستعمل فی مقام الامتنان واللّفظ الواقع فی جواب السّؤال مع ترک الاستفصال ونحو ذلک مما یشکل دعوی وضعه للاستغراق بل یستعمل لغرض الاستغراق وإن کان القرینة علی الاستغراق حکم العقل من جهة الحکمة ونحوها ودخل فیه اشتریت کل العبد وخرج ما لم یستعمل للاستغراق فعلا وإن کان له شأنا کالجمع المعهود بناء علی ما ذکرنا من أنّ المعتبر فی العموم کونه لاستغراق المعنی مطلقا لا بعد التّقیید فإنّه حینئذ لیس للاستغراق فعلا نعم لو قلنا بأنّ المعتبر فیه هو استغراق المعنی ولو مقیدا لکان حینئذ للاستغراق فعلا فکان داخلا فی التّعریف ولکن الظّاهر هو الأوّل ودخل فیه ما یستعمل للاستغراق ادعاء بأن ینزل بعض الأفراد منزلة المعدوم فیسند الحکم إلی الجمیع بادعاء انتفاء ما لا یثبت الحکم فیه کأن یقول أکلت کل رمان فی البستان مع أنّه لم یأکل واحدا منها فهو ینزل غیره المأکول منزلة المعدوم ویسند الحکم إلی الجمیع ادعاء فهذا مستعمل فی العموم حقیقة علی سبیل الادعاء ولا مجاز فیه بناء علی کونه موضوعا للاستغراق کما فی مثل قوله صلی الله علیه وآله لا صلاة لجار المسجد إلاّ فی المسجد فإنّ کلمة لا مستعملة فی معناها الحقیقی وهو نفی الجنس لکن علی سبیل المبالغة فلا مجاز نعم لو استعمل لفظ کل فی المأکول خاصة لکان مجازا کما لو استعمل کلمة لا فی نفی الکمال وأمّا الاستغراق العرفی أعنی استغراق المعنی المقید الّذی یکون العرف قرینة علی تقییده فکونه عاما وعدمه مبنی علی اعتبار کون المعنی مطلقا وعدمه کما عرفت وأنّ الظّاهر هو الأوّل بحسب الاصطلاح لعدهم الوصف من المخصّصات دون المقیّدات فینبغی تقیید الجزئیّات والأجزاء

ص: 362

فی التّعریف بجزئیّات المعنی المطلق وأجزائه لیخرج هذا عنه نعم لا یبعد کونه عاما بحسب اللّغة کما أشرنا إلیه إذا عرفت تعریف العام فی الجملة فهنا مطالب الأوّل العام علی قسمین أفرادی وهو الّذی یکون کل واحد من أفراده مرادا من اللّفظ استقلالا مثل کل واحد وکل رجل ونحو ذلک ومجموعی وهو أن یکون المراد منه مجموع الأفراد بملاحظة واحدة کلفظ جمیع ومجموع والجمع المعرف علی قول وکل منهما قد یتعلق به الحکم بهیئة الاجتماع وقد یتعلق بکل فرد مستقلا لأنّ استقلال کل فرد فی القسم الأوّل إنّما هو من حیث الإرادة من اللّفظ فلا ینافی تعلق الحکم به من حیث الاجتماع وکذا عدم الاستقلال فی القسم الثّانی إنّما هو من حیث الإرادة من اللّفظ فلا ینافی تعلق الحکم بکل واحد علی الاستقلال فإنّه لا یوجب استعمال اللّفظ فی العموم الأفرادی ألا تری أنّ قوله تعالی إنّ الله یحب المحسنین تعلق الحکم بکل فرد من المحسن مع أنّه لم یستعمل لفظ المحسنین إلاّ فی الجمیع هذا بحسب أصل الوضع لکن یمکن دعوی ظهور اللّفظ فی مقام الحکم فی إرادة العموم الأفرادی فیکون کل فرد مستقلا فی الإرادة هذا فی الکلام المثبت أمّا المنفی فقد قیل إنّه إذا دخل النّفی علی العام المجموعی أفاد سلب العموم وإذا دخل علی العام الأفرادی أفاد عموم السّلب تارة وسلب العموم أخری نحو إنّ الله لا یحب کل مختال فخور وقوله ما کل ما یتمنی المرء یدرکه واعترض علیه بأنّه إذا أفاد سلب العموم خرج اللّفظ عن إفادة العموم الأفرادی لأنّ المراد به کون الأفراد بأسرها متعلقا للحکم علی الاستقلال إثباتا کان أو نفیا والمؤدی لهذا المعنی فی الإثبات هو کلمة کل واحد وفی النّفی هو کلمة لا شیء من الأفراد وفیه ما عرفت من أنّ اعتبار العموم الأفرادی والمجموعی إنّما هو بالنّظر إلی الإرادة من اللّفظ لا بالنّظر إلی الحکم فتعلق الحکم ببعض الأفراد أو بالمجموع لا ینافی کون المراد من اللّفظ کل الأفراد مستقلا فلا یلزم خروجه عن العموم الأفرادی إذا ورد السّلب علی العموم ثم التّحقیق أمّا فی العام المجموعی فهو أنّه کما یجوز تعلق الحکم الإثباتی بالأفراد استقلالا ومجتمعا کذا یجوز تعلق النّفی بالجمیع علی الاستقلال أو بهیئة الاجتماع ألا تری أنّ المراد بقوله تعالی إنّ الله لا یحب المفسدین أنّه لا یحب أحدا منهم مع أنّ لفظ المفسدین عام مجموعی لم یستعمل إلاّ فی معناه ونظیره فی القرآن أکثر من أن یحصی بل لا یبعد دعوی ظهور النّفی کالإثبات فی تعلق الحکم بکل واحد وأمّا العام الأفرادی فله أیضا استعمالان فتارة یتعلق النّفی فیه بالعموم وتارة یتعلق بکل فرد فمن الأوّل قوله ما کل ما یبتنی المرء یدرکه ومن الثّانی قوله تعالی إنّ الله لا یحب کل مختال فخور وکل من الاستعمالین لا یوجب استعمال اللّفظ فی غیر معناه الّذی هو العموم الأفرادی لأنّ اعتبار الاجتماع إنّما هو فی الحکم وأمّا النّکتة فی اختلاف المعنی فی هذین الاستعمالین فهی أنّ لفظ کل فی الإثبات قد یعتبر موضوعا للحکم فإذا ورد النّفی علیه ورد علی العموم فلا یقدح فیه ثبوت الحکم لبعض الأفراد وقد یعتبر سورا فی القضیّة وآلة الملاحظة أفراد الموضوع فإذا ورد النّفی علی الموضوع ورد علی جمیعها وصار الکل حینئذ آلة الملاحظة موضوع الحکم السّلبی فاقتضی عموم السّلب وأمّا ظاهر اللّفظ فقد یدعی أنّه سلب العموم وقد یدعی أنّه عموم السّلب

ص: 363

وقد یفصل بین تقدم العام علی النّفی فعموم السّلب وبالعکس فسلب العموم وقیل إنّ النّکتة فی الاستعمالین فیما إذا ورد النّفی علی اللّفظ العام هی ما مر وأمّا إذا ورد النّفی علی فعل متعلق بالعام مثل إنّ الله لا یحب کل مختال فخور النّکتة فیه أنّ الإسناد إمّا یعتبر تحققه قبل دخول النّفی فیرد النّفی علی الفعل المتعلق بالعام فیقتضی سلب العموم وإمّا یعتبر تحققه بعد دخول النّفی فیتعلق الفعل المنفی بالعموم فیکون بمنزلة قولک کل مختال غیر محبوب معناه عموم السّلب وفیه نظر لأنّ المتعلق بالمفعول هو نفس الفعل لا الفعل مع حرف النّفی والنّفی إنّما یرد علی الفعل المتعلق وإلاّ لما کان فرق بین القضیّة المعدولة والسّالبة والحق أنّ النّکتة هنا أیضا هی الّتی أشرنا إلیها من أنّ أداة العموم قد تعتبر فی الموضوع فیرد النّفی علیها وقد تعتبر آلة الملاحظة أفراده فیرد النّفی علی الجمیع وأمّا ظاهر اللّفظ ففی العام المجموعی ما عرفت وفی العام الأفرادی مختلف بحسب المقامات وقال بعض الأفاضل إن کان العام من قبیل لفظ کل وجمیع وعام وأمثالها کان النّفی ظاهرا فی سلب العموم وإن کان من قبیل الجمع المعرف کان نفیه ظاهرا فی عموم النّفی لأنّه اسم للأفراد ولیس لها هیئة انضمام فی الملاحظة وإنّما الانضمام شیء ینتزع من الأفراد فی مثله فالأصل عدم اعتباره فی مقام النّفی وفیه أنّه لا یجتمع هذا مع دعوی ظهور الجمع المعرف فی تعلق الحکم بمجموع الأفراد من حیث المجموع لأنّ مقتضاه یعنی النّفی بالمجموع من حیث المجموع وهو معنی سلب العموم والظّاهر فساد هذه الدّعوی وأمّا کلامه الأوّل فغیر بعید المطلب الثّانی فیما یدل علی العموم مادة أو هیئة وفیه مقامان الأوّل فیما یفید بمادته وهو أمور کلفظ کل وجمیع وما یتعلق به کأجمع وجمعاء وأجمعین وجمع وما یلحق به کأکتع وأبتع وأبصع ولفظ عامة وقاطبة وکافة وحذافیر وتمام وأسره وسائر وغیر ذلک ولا إشکال فی إفادتها العموم فی الجملة وإنّما الکلام فی إفادتها العموم الأفرادی أو المجموع فنقول أمّا کلمة کل ففصلوا فیها بین صورتی إضافتها إلی المعرفة والنّکرة فتفید العموم المجموعی فی الأولی نحو اشتریت کل العبد والعموم الأفرادی فی الصّورة الثّانیة والأولی أن یقال إنّها إن أضیفت إلی المفرد النّکرة أو إلی الجمع مطلقا أو إلی الموصول أو لم تضف أصلا أفادت العمومی الأفرادی نحو کل رجل وکل رجال وکلهم آتیه یوم القیامة فردا وکل من رأیت وکل فی فلک وإن أضیفت إلی المعرفة الشّخصی کالعلم والإشارة ونحوها أفادت العموم المجموعی نحو کل زید وکل هذا الرّجل وکل العبد وقیل إنّها بعد الإثبات للعموم الأفرادی وبعد النّفی للعموم المجموعی وقد مر فساده وأنّه لا فرق بینهما هذا فی کلمة کل وأمّا البواقی فالظّاهر منها هو العموم المجموعی مطلقا کل ذلک للتّبادر ومنها من وما الاستفهام متباین نحو من زارک وما صنعت والمقصود من إفادتهما العموم أنّهما إنّما وضعتا لأن یستفهم بهما عن کل من اتصف بالمدخول فالمثالان فی المعنی بمنزلة أن یقال بین لی کل من زارک وکل ما صنعت والدّلیل علی ذلک التّبادر وأنّه لو ذکر البعض فی الجواب لقیل له ما أجبت بالتّمام وأنّه یصح الجواب بلفظ کل بأن یقال کل النّاس مثلا ولیس زائدا عن محل السّؤال وأنّه لو لا العموم لوجب السّؤال عنه أنّه هل استفهم لبیان الجمیع أو البعض لیجاب بمقتضی سؤاله ولم یجز الجواب قبل

ص: 364

الاستفصال لیس کذلک وما یقال من أنّه لو أفاد العموم لکان بمنزلة أکل الناس ذلک فیمکن أن یکون الجواب بنعم أو لا بتعداد الزائرین فاسد جدا إذ لیس الاستفهام هنا لطلب التّصدیق بل الطّلب التّصور فعمومه إنّما هو بمنزلة قولک بین لی کل من زارک کما ذکرنا فافهم ومنها من وما الشّرطیّتان نحو من تضرب أضرب وما تصنع أصنع فالمتبادر منهما العموم وقد یستدل علیه بأنّ مقتضی الشّرطیّة سببیّة الأوّل للثّانی ویجب تحقق المسبب کلما تحقق السّبب فیکون المضروبیّة للمخاطب سببا للضرب فیتحقق الثّانی کلما تحقق الأوّل وهو معنی العموم وفیه الطّلب إذ لا نسلم استفادة السّببیّة غایة الأمر الملازمة فی الجملة ولو سلم فلا یستفاد فیه إلاّ السّببیّة فی الجملة لا مطلقا ولذا ذهب جماعة إلی عدم تکرر المشروط بتکرر الشّرط لاحتمال کون الشّرط سببا فی ابتداء وجوده لا مطلقا ولا ینافی ذلک انتفاء الحکم بانتفائه کما هو معنی المفهوم لأنّ الوجود عند الوجود کما هو معنی السّببیّة المطلقة غیر الانتفاء عند الانتفاء وهو ظاهر ومنها من وما الموصولتان نحو أکرم من یأتیک وافعل ما بدا لک فالمتبادر منهما العموم سواء تضمنا معنی الشّرط أو لا وتخصیصه بالأوّل ضعیف ویشهد لما ذکرنا فهم ابن الزّبعری من قوله تعالی إنّکم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم العموم وتقریر النّبی له علی ذلک بالنّسبة إلی غیر ذوی العقول وقد یقال إنّ الموصول إنّما وضع لمن یعتقد المتکلم أنّ المخاطب یعرفه بالصّلة فتارة یطلق علی المعین الشّخصی نحو أکرم من کان معنا أمس وقد کان معهما شخص معین وتارة یطلق علی العموم نحو أکرم من قلت لک أکرمه وقد قال له أکرم کل عالم فلا یجوز حمله علی العموم مطلقا وفیه نظر لأنّ المراد بإفادتهما العموم هو ثبوت الحکم لکل من یعتقد المتکلم أنّ المخاطب یعرف اتصافه بالصّلة وإن کان هذا الکلی منحصرا فی الفرد ففی قوله أکرم من کان معنا أمس یراد به کل من کان معنا غایة الأمر انحصاره فی الفرد وهذا لا یوجب استعمالا فی الخاص ألا تری أنّ قوله من أبوک استفهام یطلب ببیان کل من اتصف بکونه أبا للمخاطب فهو یفید العموم بحسب المفهوم ولا ینافی انحصاره فی الفرد بحسب الخارج ولذا لو قال أکرم من کان معنا أمس وکان معه عشرة فلم یکرم إلاّ واحدا إلی تسعة لعد عاصیا فی ترکه إکرام الباقی وهو ظاهر وهل العموم فی هذه المذکورات أفرادی أو مجموعی الظّاهر هو الأوّل للتّبادر ولو سلم وضعها للعموم المجموعی فلا ریب أنّ الحکم إنّما یتعلق بالأفراد استقلالا وحینئذ فلا ثمرة فی کون مفاد اللّفظ الآحاد أو المجموع وما ذکرنا لا فرق فیه بین النّفی والإثبات لما ذکرنا من التّبادر والقول بأنّها فی سیاق النّفی تفید نفی العموم ضعیف فإن قولک لا تکرم من یدخل الدّار فی معنی قولک لا تکرم أحدا من الدّاخلین کما لا یخفی ومنها سائر أسماء الاستفهام والشّرط والموصولات کمهما ومتی وأیّان وحیثما وأین وغیرها والّذین والّذی والّتی وأی فی الاستفهام والشّرط والصّلة لکن فی عموم

ص: 365

أی خلاف هل هو العموم البدلی أو الشّمولی فقیل بالأوّل وقیل بالثّانی وقیل بالأوّل فی أی الاستفهامیّة والثّانی فی الشّرطیّة والموصولة والحق أنّه یفید العموم الشّمولی مطلقا والّذی نشأ منه توهم العموم البدلی فی الاستفهامیّة هو أنّ السّؤال به عن التّعیین والغالب فی المسئول عنه به عدم صلاحیّته لأکثر من واحد نحو أینا أقل مالا وأیهم أفضل ونحو ذلک وقد عرفت أنّ الانحصار فی الفرد بحسب الخارج لا یوجب انتفاء العموم ألا تری أنّه لو قال أیّهم أخوک وکان الآخر متعددا لوجب تعدادهم ولم یجز الاکتفاء بذکر واحد هذا فی الاستفهام وأمّا عموم الشّرطی والموصول فشمولی بلا ریب فلو قال أکرم أی رجل دخل الدّار کان بمعنی أکرم کل رجل دخلها وأمّا علی القول بالعموم البدلی فإن دخل واحد من الرّجال تعیّن إکرامه فإن أکرمه سقط التّکلیف لحصول الامتثال وإن لم یکرمه حتی دخل آخر ففی تعیین الأوّل من جهة الاستصحاب أو التّخییر بینهما کما لو دخلا دفعة وجهان والأقوی الثّانی لأنّ تعیّن الأوّل لم یکن بتعیین الآمر بل إنّما عیّن لانحصار المطلوب فی الفرد وقد زال الانحصار بدخول الثّانی فیعود التّخییر فلا وقع للاستصحاب لارتفاع الموضوع وهذا نظیر ما قیل فی وجوب تقلید الأعم من أنّه إذا انحصر المجتهد فی واحد تعیّن علی العوام تقلیده فإذا وجد حینئذ مجتهد آخر مفضول بالنّسبة إلیه لم یجز العدول إلیه استصحابا لتعیین الأوّل وفساده یعلم مما ذکرنا فإن تعین الأوّل لم یکن لتعیین الشّارع بل إنّما هو لانحصار فرد العالم المأمور بالرّجوع إلیه فإذا وجد فردا آخر زال الانحصار وعاد التّخییر فافهم الثّانی فیما یدل علیه بالهیئة وهو أمور منها النّکرة فی سیاق النّفی وإفادتها للعموم فی الجملة مما لا إشکال فیه إنّما الکلام فی جهات أحدها أن استفادة العموم منها هل هی بالمطابقة أو بالالتزام فقیل بالثّانی لأنّ قولک لا رجل فی الدّار یفید العموم قطعا وکلمة لا موضوعة لنفی مدخولها ورجل موضوع للطّبیعة والمرکب موضوع بالوضع النّوعی للرّبط بین المفردات ومقتضی ذلک أن یکون المدلول المطابقی هو نفی الطّبیعة ولازمه نفی جمیع الأفراد باللّزوم العقلی هذا بحسب وضع المفردات فمن یدعی الدّلالة علی العموم مطابقة فعلیه إقامة الدّلیل علی ثبوت الوضع الجدید بحسب الهیئة للعموم إذ الأصل عدمه وقیل بالأوّل وهو المطابقة للتّبادر إذ لا ریب أنّ المتبادر من قولک لا رجل فی الدّار هو العموم والأصل فی التّبادر أن یکون وضعیّا وأیضا لو کان الدّلالة بالالتزام لکان فهم العموم متأخّرا عن الالتفات إلی نفی الطّبیعة ضرورة أن الالتفات إلی اللازم تابع للالتفات إلی الملزوم وأیضا لو کان المدلول المطابقی هو نفی الطّبیعة لما جاز استثناء الفرد متصلا فی مثل لا إله إلاّ الله لأنّ

ص: 366

الفرد لیس من جنس الطّبیعة فیکون الاستثناء منقطعا ولیس کذلک وفی الجمیع نظر أی لا نسلم أنّ الأصل فی التّبادر أن یکون وضعیّا مطلقا إذ الدّلیل علیه إمّا أصالة عدم القرینة أو غلبة استناده إلی الوضع والأوّل لا یجری فیما إذا وجد فی الکلام ما یحتمل کونه قرینة إذ لا یجری حینئذ أصالة عدم کونه قرینة إذ لیس ذلک مسبوقا بالعدم القطعی حتی یجری فیه الأصل وهنا من هذا القبیل لاحتمال کون العموم مستفادا من نفی الطّبیعة الّذی هو مقتضی وضع المفردات ویؤید بأصالة عدم الوضع الجدید والثّانی ممنوع لانصراف المطلقات إلی الأفراد الشّائعة ولیس مسندا إلی الوضع کما مضی وأمّا لزوم تأخّر الالتفات إلی العموم عن الالتفات إلی نفی الطّبیعة فممنوع لأنّ اللّزوم بین شیئین قد یکون بینا جدا بحیث یکون الالتفات إلیه کأنّه فی عرض الالتفات إلی الملزوم ومن هنا توهم بعضهم کون مفهوم الشّرط مدلولا تضمنیّا حیث خفی علیهم ترتبه علی المنطوق فزعموا أنّه فی عرضه وأمّا صحة الاستثناء المتصل فوجهها أنّ النّفی إنّما یرد علی الطّبیعة لکن لا من حیث هی هی بل من حیث الوجوه وبهذا الاعتبار یکون الفرد متحدا معها فی الجنس فتأمل ثانیها أنّ جمیع أقسامها یفید العموم أو لا فقیل إنّ النّکرة إن وقعت بعد لاء النّافیة للجنس أو کانت مما یختص بالنّفی کأحد ودیار وبد أو کانت مدخولة لمن أو کانت مما یصدق علی القلیل والکثیر کلفظ الماء والخبز أفادت العموم وإلاّ فلا لأنّه یصح فی مثل لیس فی الدّار رجل الإضراب بقولک بل رجلان أو رجال ولو کانت تفید العموم لما صح الإضراب بذلک کما لا یصح فی لا رجل فی الدّار والحق أنّها تفید العموم مطلقا للتّبادر وأمّا صحة الإضراب فی المثال المذکور بقوله بل رجلان فإنّما هو لأنّ التّنوین الدّاخلة علی النّکرة قد یکون للتّمکن نحو أسد علی وفی الحروب نعامة وقد یکون للتّنکیر فعلی الأوّل یراد بها الجنس فالنّفی الدّاخل علیها یلزم العموم وعلی الثّانی یراد بها الواحد من الجنس إمّا لا بشرط أعنی الوحدة المطلقة وإمّا بشرط لا أی الوحدة العددیّة فعلی الأوّل یکون مقتضی نفیها عموم النّفی لکل واحد وعلی الثّانی یکون مقتضاه نفی الوحدة فلا ینافی ثبوت الأکثر وحینئذ فنقول إنّها ظاهرة فی العموم لظهورها فی إرادة الجنس أو إرادة الوحدة المطلقة والأحزاب المذکور یکون قرینة علی إرادة الوحدة العددیّة فافهم لا یقال إن وحدة الشّیء عبارة عن کونها ملحوظة بالانفراد بحیث یکون غیر قابلا للانقسام فی جهة الملاحظة وکل ما کان غیره یکون خارجا عن ملاحظة فإذا قلت لیس فی الدّار رجل بإرادة الوحدة من التّنوین وجب أن لا یکون فی الدّار أحد وإلاّ لصدق وجود الواحد ولو فی ضمن الکثیر إذ لیس الکثیر إلاّ عبارة عن الوحدات

ص: 367

المنضمة وکل منها ملحوظة بالاستقلال غیر قابلة للقسمة من حیث هو شخص فلا فرق بین کون الوحدة مطلقة أو عددیّة لأنّا نقول الشّیء قد یلاحظ منفردا من حیث هو شخص وفی جهة تشخصه ولا ریب فی اتصاف الواحد بهذا الوصف فی ضمن الکثیر وقد یلاحظ منفردا فی وصف من الأوصاف بحیث یعتبر عدم مشارکة غیره له فیه کالکون فی الدّار حیث یعتبر الرّجل منفردا فی وصف کونه فی الدّار ثم یرد النّفی علی الرّجل الموصوف بالوحدة الوصفیّة فیتعلق النّفی بالوصف ولا ریب أنّه إذا کان فی الدّار أکثر من رجل لا یصدق علی کل منهم أنّه منفرد فی الکون فی الدّار وإن کان منفردا فی جهة تشخصه والمراد بالوحدة المطلقة وحدة الشّیء فی اللّحاظ من جهة شخصه ولذا یقتضی نفیه نفی جمیع الأفراد وبالوحدة العددیّة وحدته فی وصف من الأوصاف فلا یقتضی نفیه نفی الوصف الأکثر وثالثها أنّ جمیع أقسامها نص فی العموم أو لا الحق هو الثّانی لأنّ بعضها ظاهر فیه کمدخول لیس وما یشابهها مع عدم کونه مدخول من ولا لفظ أحد وما شاکله وذلک لاحتمال کون المراد منه الوحدة العددیّة کما تقدم وقیل بإلاّ ونظرا إلی أنّ قولک لیس فی الدّار رجل بل ورجلان أیضا مفید للعموم بالنّسبة إلی أفراد الوحدة العددیّة الّتی هی مدخول النّفی ولذا لا یصح الإضراب بقولک بل زید وبالجملة النّفی الوارد علی النّکرة یفید نفی جمیع أفراد مدخوله سواء کان دالا علی الجنس أو علی الوحدة المطلقة أو العددیّة وفیه نظر لأنّ أفراد الوحدة العددیّة لا تتعدد إلاّ بملاحظة الموضوعات مثل زید فقط وعمرو فقط وخالد فقط مثلا ولا ریب أن لیس الغرض فی المثال إیراد النّفی علی هذه الأفراد إنّما الغرض أنّ الموجود فی الدّار لیس واحدا بل متکثرا وهذا لا یفید العموم قطعا کما أنّ قولک الموجود فیها لیس بشرا بل واحدا لا یفیده فتأمل رابعها لا فرق فی استفادة العموم والنّکرة حینئذ بین النّکرة الواحدة والنّکرات المتعددة فقولنا ما ضربت أحدا یوم جمعة أمام أمیر یفید انتفاء وقوع الضّرب فی جمیع أفراد یوم الجمعة أمام جمیع أفراد الأمیر وکذا لا فرق بین النّکرة المفردة والمثنیات والمجموع إلاّ أنّ عموم المفرد أشمل لأنّ قولنا ما جاءنی رجال لا ینافی ثبوت المجیء لرجل أو رجلین خاصها النّفی الدّاخل علی الفعل یقتضی العموم أیضا فقولک ما ضرب معناه انتفاء جمیع أفراده ومثله النّهی الدّاخل علیه ولا إشکال فی ذلک فی شیء من أقسام الفعل سوی ما یدل علی المساواة کقولنا لا یستوی زید وعمرو فاختلفوا فی اقتضائه انتفاء المساواة فی شیء من الأشیاء أو انتفاءه فی الجملة ولو فی بعض الصّفات ویجری النّزاع المذکور فی غیر الفعل من هذه المادة أیضا کقوله لیسوا سواء فقیل بأنّه کسائر الأفعال والنّکرات موضوع للماهیّة ونفیها یقتضی نفی جمیع أفرادها بالاستلزام

ص: 368

کما أنّ إثباتها لا یقتضی إلاّ إثبات بعض الأفراد وقیل إنّ إثبات المساواة بین شیئین یقتضی عموم المساواة فی الصّفات ونفیه یکون نفی العموم لا عموم النّفی أمّا الأوّل فلأنّ التّساوی لو کان یصدق بمحض الاشتراک فی بعض الصّفات لکان الإخبار بمساواة شیء لشیء عاریا عن الفائدة لکونه إخبارا بالبدیهی ضرورة ثبوت التّساوی فی بعض الصّفات حتی المتناقضین لتساویهما فی صفة التّناقض أو فی الشّیئیّة أو نحو ذلک أمّا الثّانی فلأنّه مقتضی ورود النّفی علی العام مع أنّه لو کان مقتضی عموم النّفی لکان نفی التّساوی بین الشّیئین کذبا ضرورة ثبوت التّساوی فی الجملة کما بینا وفیه نظر لأنّ من یدعی عموم النّفی إنّما یدعیه بالنّسبة إلی ما یمکن عقلا أو عرفا وکذا یحمل الإثبات علی غیر ما یعلم بالبدیهة فیحصل الفائدة وینتفی الکذب وما یقال من أنّ إثبات نفی التّساوی تارة یستعمل فی التّساوی من جهة وأخری فیه من جمیع الجهات فیکون موضوعا للقدر المشترک فمع تسلیمه لا ینافی العموم فی النّفی بالاستلزام إذ غایته نفی کونه موضوعا للعموم هذا فی ما إذا لم یذکر المتعلق وأمّا إذا ذکر کقوله زید یساوی عمرا فی العلم أو لا یساویه فیه فهل یقتضی الأوّل إثبات المساواة فی جمیع المراتب أو فی الجملة والثّانی انتفاؤه فی الجمیع أو فی الجملة إشکال ویمکن أن یقال إنّ إثبات التّساوی فی العلم قد یراد به التّساوی فی أصل الطّبیعة فلا ینافی الاختلاف فی المرتبة وقد یراد به التّساوی فی المرتبة فینافیه وحینئذ فنفی التّساوی علی الأوّل یقتضی انتفاء طبیعة العلم فی أحدهما وعلی الثّانی یقتضی اختلاف المرتبة فتأمّل جدا سادسها النّکرة بعد الإثبات لا تقتضی العموم الاستغراقی نعم یقتضی العموم علی نحو البدلیّة ولا فرق فی ذلک بین وقوعها بعد الإخبار أو الإنشاء کالاستفهام مثل هل رأیت رجلا فإنّه استفهام عن وقوع الرّؤیة علی أفراد الرّجل بنحو البدلیّة فلو قال فی الجواب نعم لم یقتض العموم وإنّما أفاد وقوع الرّؤیة علی فرد ما منه نعم لو قال إلاّ أفاد العموم من جهة أنّه فی المعنی ما رأیت رجلا فیکون النّکرة فی الجواب واقعة فی سیاق النّفی وأمّا النّکرة الواقعة فی سیاق الشّرط ففی استفادة العموم منها وعدمه إشکال فقیل إنّ الحکم إن تعلق بنفس النّکرة الواقعة فی غیر الشّرط أو بمتعلقاته أفادت العموم نحو إن جاءک رجل فأکرمه وإن جاءکم فاسق بنبإ فتبیّنوا إذ المعنی تبینوا عن خبره وإن تعلق بغیرهما فلا نحو إن جاءک رجل فأکرم زیدا وقیل فی تقریب التّفصیل المذکور أنّ الحکم فی الجزاء معلق بالشّرط والنّکرة شاملة لجمیع الأفراد علی البدلیّة فیعلق الجزاء علی الجمیع فیکون قوله إن جاءک رجل بمنزلة إن جاءک زید عمرو بکر وهکذا والجزاء فی الجمیع هو قوله

ص: 369

فأکرمه فیجب إکرام الجمیع وضعفه ظاهر لأنّ هذا إخبار فی الصّورة الأخیرة أیضا وحله أنّ شمول النّکرة لجمیع الأفراد علی البدلیّة لا یقتضی إلاّ تعلق الحکم بالجمیع علی البدلیّة لا الشّمول کما هو المدعی ثم إنّ هذا المفصل قائل بعدم تکرر الحکم بتکرر الشّرط والصّفة وهو ینافی حکمه هنا بالعموم فی الصّورتین الأولیین والجواب بأنّ العموم أنّما هو بالنّسبة إلی أفراد الرّجل والتّکرر إنّما هو بالنّسبة إلی تکرر المجیء من رجل واحد فلا ینافی الدّلالة علی الأوّل عدم الدّلالة علی الثّانی المذکورتین صحیح لکنّه لا ینفع للمفصل لأنّه یقول فی الصّورتین المذکورتین بتکرر الجزاء بالنّسبة إلی أفراد المجیء ولو صدرت من شخص واحد اللهم إلاّ أن یقال إنّه إنّما ینفی دلالة التّعلیق علی التّکرار کما ادعاه بعضهم فلا یقدح استفادة التّکرر من دلیل آخر کفهم العرف فی بعض المقامات فالضّابط أنّ التّعلیق علی الشّرط بنفسه لا یقتضی إلاّ تقید حکم الجزاء وکونه مؤثرا فی الجزاء ولو باعتبار بعض وجوداته فلا یدل علی تحقق الجزاء متی تحقق الشّرط نعم قد یستفاد من دلیل آخر أنّ المراد کون الجزاء مما یترتب علی الشّرط المذکور وحینئذ فیتکرر ولعله رأی استفادة هذا المعنی من الصّورتین الأولیین دون الأخیرة والتّحقیق أن یقال إنّ النّکرة إن وقعت بعد أداة الشّرط المفیدة للعموم کمهما ومتی وکلما أفادت العموم کقوله کلما جاءک رجل فأکرمه والقول بأنّها إنّما تفید العموم بحسب الزّمان فلا یستلزم العموم الأفرادی کما فی قوله کلما جاءک زید فأکرمه مدفوع بأنّه یستلزم العموم بالنّسبة إلی کل مجیء رجلا لاختلاف أشخاص المجیء باختلاف الزّمان لأنّه من مشخصات الأفعال فکلما تحقق المجیء من أی رجل کان ترتب الجزاء سواء تکرر المجیء من واحد أو صدر من متعدد علی التّعاقب أو علی الاجتماع إذ الظّاهر إرادة الواحد اللابشرط لا بشرط لا وإلاّ لم یجب الجزاء فی صورة الاجتماع وإن وقعت بعد ما لا یفید العموم کإذا وإن فلا تفید العموم سابعها النّکرة فی سیاق الطّلب الوجوبی أو الاستحبابی لا تفید العموم الشّمولی بل یحصل الامتثال بأحد الأفراد علی وجه التّخییر ولا إشکال فی ذلک لفهم العرف وهل هو تخییر عقلی أو شرعی فقیل إنّ النّکرة موضوعة للفرد الواحد المهم الصّادق علی کل واحد من الأفراد لأنّ الإبهام إنّما هو من جهة عدم اعتبار التّعیین لا اعتبار عدمه وعلی هذا فمعنی النّکرة کلی تعلق به الطّلب فإن قلنا إنّ الطّلب یرد علی الطّبیعة من حیث هی والأفراد مقدمات کان التّخییر عقلیّا وإن قلنا إنّ الطّلب یتعلق بالطّبیعة باعتبار وجوداتها والمطلوب حقیقة هو الأفراد علی البدلیّة کان التّخییر شرعیّا وقیل إنّه لو قلنا بأنّ الطّلب

ص: 370

یرد علی الطّبیعة أیضا یمکن النّزاع المذکور من جهة أنّ معنی النّکرة وهو الطّبیعة المقیّدة بالوحدة المبهمة إن کان کلیّا بأن کان القید هو مفهوم الواحد الغیر المعین الّذی هو کلی وضم الکلی إلی الکلی لا یوجب التّشخص والجزئیّة کان التّخییر عقلیّا لورود الأمر علی الکلی فیحکم العقل بین أفراده بالتّخییر وإن کان معنی النّکرة جزئیّا بأن کان القید هو کل واحد من جزئیّات مصداق الواحد المبهم علی وجه التّردید کان التّخییر شرعیّا ولعل الثّانی أظهر وهو المراد بقولهم إنّ النّکرة جزئی مردد وفرق بعضهم فی المطلق بین الأمر الوجوبی والاستحبابی فحکم فی الأوّل بما ذکرنا وفی الثّانی بسریان الحکم إلی جمیع أفراد الطّبیعة شمولا کالعام فحکم بعدم جواز حمل المطلق علی المقیّد فی الحکم الاستحبابی لعدم التّعارض بینهما کالعام والخاص المتوافقی الظّاهر فإنّ مقتضی المطلق استحباب جمیع الأفراد عینا فلا ینافی مقتضی المقید وهو استحباب الفرد الخاص عینا بخلاف الحکم الوجوبی فإنّ مقتضی تعلقه بالمطلق تخییر المکلف فی الأفراد فینافی کون الفرد الخاص واجبا عینیّا کما هو مقتضی المقید والتّحقیق ما ذکرنا إذ لا فرق بین الحکمین کما لا فرق فیما ذکرنا بین المطلق والنّکرة ثامنها النّکرة فی سیاق الحکم الوضعی أو فی مقام الإخبار لا تحمل علی العموم البدلی قطعا ولا علی الفرد المبهم بنحو التّخییر بل یجب الحمل علی المعین الواقعی وحینئذ فإن کانت فی مورد البیان أو فی مقام الامتنان حملت علی العموم الشّمولی أمّا فی مقام البیان فظاهر إذ لا یحصل بإرادة بعض الأفراد وأمّا فی مقام الامتنان فقد أطلقوه ویجب تقییده بما إذا توقف الامتنان علی الشّمول بأن لا یکون تعلق الحکم ببعض الأفراد موجبا للامتنان فالتّمثیل بقوله تعالی وأنزلنا من السّماء ماء طهورا لذلک مشکل لإمکان الامتنان بإنزال بعض المیاه نعم إذا ضم إلیه کونه فی مقام البیان صح الحکم بالعموم لذلک لا لمحض الامتنان إلاّ أن یقال إنّ الامتنان لا یحصل إلاّ بالبیان إذ لا فائدة فی کون بعض المیاه تظاهرا علی الإجمال فکونه فی مقام الامتنان یکشف عن کونه فی مقام البیان المستلزم للعموم ثم إنّ العموم عند کونه فی مقام البیان یختلف بحسب الموارد لأنّ الموجب للحمل علیه أنّ الحمل علی بعض الأفراد دون بعض ترجیح بلا مرجح فإذا کان اللّفظ شائع الاستعمال فی بعض الأفراد بحیث کان ظاهرا فیه عند الإطلاق وجب حمله علیه ویختلف ذلک بحسب الأحکام کما أنّ العبد فی مقام الاشتراء ظاهر فی السّلیم دون المعیب وفی مقام العتق بالعکس فلا ینبغی عن الغفلة عن ذلک فتنبه ومنها المفرد المعرف والجمع المعرف فقد اختلفوا فی دلالتهما علی العموم وفی کیفیّة الدّلالة أنّها وضعیّة أو لا وقیل الخوض فی المقصود ینبغی بیان أمور

ص: 371

أحدها بیان الألفاظ الّتی تذکر فی طی المبحث فنقول إنّ من جملتها لفظ الجنس وهو عبارة عن الماهیّة من حیث هی هی وقیل إنّه المعنی الکلی الّذی یستفاد من جوهر اللّفظ مع قطع النّظر عن اللّواحق فیخرج عنه الأعلام الشّخصیّة لجزئیّة ما یستفاد من اللّفظ فیها وکذا یخرج المثنی والمجموع لکن بالنّسبة إلی المعنی المستفاد من المفرد لأنّ معنی التّثنیة أو الجمع لا یستفاد من جوهر اللّفظ مع قطع عن اللّواحق نعم یمکن إدخاله فی التّعریف من جهة المعنی المستفاد من مجموع الملحوق واللاحق فإنّه أیضا کلی یمکن فیه اعتبار الوحدة والتّعدد أو الجمع والتّعریف والتّنکیر وتفصیل القول أن کلاّ من المثنی والمجموع یحتمل فی وضعه وجوه ثلاثة أحدها أن یکون موضوعا لمفهوم الجماعة فیکون المعنی المستفاد منه کلیّا فیدخل فی التّعریف وإلی هذا نظر من أجری الجنسیّة فی الجمع أیضا والثّانی أن یکون موضوعا بالوضع العام لجزئیّات مفهوم الجماعة فیکون الموضوع له خاصا والثّالث أن یکون موضوعا لنفس تلک الجزئیّات علی نحو التّردید کالمفرد المنکر نظیر الواجب التّخییری کما اختاره بعض الأفاضل وعلی الثّانی فلا یکون جنسا من حیث المعنی الجمعی لکونه موضوعا للجزئیّات نعم کل واحد من تلک المراتب الجزئیّة جنس باعتبار کونه کلیّا من جهة أخری قابلا للتّقیید بالوحدة والتّعدد والتّعریف والتّنکیر فإنّ مثل الثّلاثة جزئی من جزئیّات مفهوم الجماعة لکنّه کلی باعتبار شموله لکل ما صدق علیه أنّه ثلاثة وعلی الثّالث لا یکون جنسا أیضا وزاد بعضهم احتمالا رابعا وهو أن یکون موضوعا للوحدات کائنا ما کان قال فهو حینئذ یکون جنسا لکونه کلیّا لأنّ الرّجال مثلا موضوع لطبیعة الرّجل مقیدة بالوحدات فیصدق علی الثّلاثة والأربعة فصاعدا وزعم أنّ هذا هو التّحقیق فی معنی الجمع وأنّه غیر الاحتمالات السّابقة وفیه أنّ المراد بالوحدات الّتی اعتبر تقیید الطّبیعة بها أمّا المفهوم فیکون راجعا إلی الاحتمال الأوّل لأنّ الطّبیعة المقیدة بمفهوم الوحدات لیست إلاّ مفهوم جماعة الرّجال أو المراد مصداق الوحدات وحینئذ فإمّا یکون المراد جمیع الآحاد فیلزم کون الجمع موضوعا للعموم ولم یقل به أو المراد آحاد کل مرتبة مرتبة من مراتب ما فوق الاثنین ویکون الجمع موضوعا لها بوضع واحد فیکون راجعا إلی الاحتمال الثّانی أو المراد أنّه موضوع لتلک المراتب علی نحو التّردید کما فی المفرد المنکر فیکون راجعا إلی الاحتمال الثّالث ولا یکون جنسا علی هذه من الاحتمالین کما بیناه

أصل فی المطلق والمقید

عرف المطلق تارة بأنّه ما دل علی شائع فی جنسه وأخری بأنّه الماهیّة من حیث هی هی أمّا التّعریف بالوجه الأوّل فبینوه بأنّ المراد أنّ المطلق هو اللّفظ الدّال علی حصة محتملة للحصص الکثیرة مما یتدرج تحت أمر مشترک والمراد بالحصة هی الطّبیعة

ص: 372

بقید الإضافة إلی قید وبالحصص ما یکون حصة من تلک الطّبیعة المضافة فیعتبر فی تلک الحصص قید زائد عن القید الملحوظ إضافة الطّبیعة إلیه فیکون المراد بالحصص حصص تلک الحصة والأمر المشترک عبارة عن نفس تلک الطّبیعة المضافة مع التّجرد عن قید الإضافة فالمراد مما دل هو اللّفظ ومن الشّائع الحصة فإنّها شائعة فی الحصص الّتی هی من جنس تلک الحصة أی داخلة تحت جنسها فدخل فی التّعریف النّکرة المقابلة لاسم الجنس وخرج الأعلام الشّخصیّة لعدم الشّیوع وکذا ألفاظ العموم لأنّ المراد بالاحتمال الصّدق علی نحو البدلیّة لا الشّمول لکن یبقی فی التّعریف الألفاظ الدّالة علی العموم البدلی مثل من وما الاستفهامیّتین أو الموصولتین فینبغی إخراجهما بتقیید الشّیوع بالشّیوع الحکمی لیخرج الوضعی کذا قیل ویمکن أن یقال إنّهما یخرجان بقید فی جنسه بناء علی أنّ المراد أن یکون اللّفظ دالا علی الجنس باعتبار القید الملحوظ فیه ومن الموصولة إنّما وضعت لنفس المصادیق علی البدلیّة لا للجنس باعتبار الإضافة وما یقال من أنّها موضوعة لمن یعقل إنّما هو بیان للضّابط لتلک المصادیق لئلا یتعدی عند الاستعمال عن حد الوضع لا أنّ هذا المفهوم معتبر فی الوضع وکذا الکلام فی الاستفهامیّتین فإن قلت إنّ التّعریف شامل للمطلق المنصرف إلی الأفراد الشّائعة لأنّه شائع فی الحصص الشّائعة مع أنّه مقید قلت فلا یجتمع الجهتان فی لفظ کما فی مثل رقبة مؤمنة فإنّه مطلق باعتبار شیوعه فی جنس الرّقبة المؤمنة ومقید بملاحظة أنّ الرّقبة لوحظ معها قید المؤمنة ودخولها فی التّعریف إنّما هو بالاعتبار الأوّل وهو مطلق بذلک الاعتبار وأمّا بالاعتبار الثّانی فهو خارج عن التّعریف ولا یوجب القدح فیه لأنّه بهذا الاعتبار مقید ولا فرق بین کون التّقیید لفظیّا کالمثال المذکور بین کونه لبیّا کالمطلق المنصرف إلی الأفراد الشّائعة فإنّ إطلاقه إنّما هو بملاحظة شیوعه فی الحصص المتحصلة بعد الانصراف وهو بهذه الملاحظة داخل فی الحد نعم هو بملاحظة تقییده بالأفراد الشّائعة مقید ولیس داخلا فی الحد من هذه الحیثیّة حتی یقدح فیه وبما ذکرنا ظهر ما فی کلام بعض الأفاضل فإنّه بعد ما ذکر أنّ المراد بالشّائع الحصة المحتملة لحصص الجنس قال وخرج المطلق المقید لأنّه وإن دل علی حصة شائعة إلاّ أنّها غیر شائعة بین جمیع ما یتناوله اللّفظ عند التّجرد عن القید کما هو الظّاهر من إطلاق الحد ثم قال وإنّما لم یعتبر الشّیوع فی جمیع حصص الجنس لئلا یخرج المطلقات المنصرفة إلی أفرادها الشّائعة فإنّها تعد مطلقات وإن لم یتحقق لها الشّیاع

ص: 373

المذکور وذلک لأنّ الظّهور الّذی ادعاه من التّعریف یغنی عن استدراک کلمة جمیع والمطلق المنصرف أیضا یخرج بالظهور المذکور إذ لیس شائعا فی جمیع ما یتناوله اللّفظ عند التّجرد عن القید الّذی هو شیوع الاستعمال أو الوجود والحاصل أنّ المطلق المقید إن أرید إخراجه لعدم شیوعه فی جمیع أفراد المطلق فالمطلق المنصرف أیضا کذلک وإن أرید إدخال المطلق المنصرف لشیوعه فی جمیع ما یتناوله اللّفظ بضمیمة الانصراف فالمطلق المقید أیضا کذلک فالفرق بین القید اللّفظی واللّبی لا وجه له ثم إنّ الفرق بین النّکرة ومن وما الموصولتین حیث قلنا بدخولها وخروجهما ظاهر علی القول بکلیّة النّکرة إذ یمکن فرض الحصص تحتها حینئذ وإنّما علی القول بجزئیّتها فمشکل وعلی ما ذکرنا من إخراج الموصول بقولهم فی جنسه یظهر الفرق لأنّ النّکرة دالة علی الجنس مع أحد التّشخصات علی التّردید وهذا المعنی حصة من الجنس وتحتها حصص کثیرة أی کل واحد من التّشخصات علی نحو التّعیین لأنّ التّعیین أمر زائد عن التّردید بخلاف الموصول إذ لا دلالة فیه علی الجنس أصلا وأمّا علی ما قیل من خروج الموصول بزیادة قولنا شیوعا حکمیّا فیشکل دخول النّکرة حینئذ لأنّ شیوعها بالنّحو الّذی ذکرنا وضعی عند القائل المذکور إلاّ أن یقال إنّ المعتبر فی الوضع وضع جوهر اللّفظ لا لواحقه وشمول النّکرة للجزئیّات مستند إلی وضع التّنوین لا إلی جوهر اللّفظ بخلاف الموصول ولکن یخرج عن التّعریف المقرر المعرف وکذا الماهیّة من حیث هی إذ لا یصدق علیها الحصة ومن الظّاهر إطلاق المطلق علیهما فی الاصطلاح فالتّعریف المذکور غیر جامع وأمّا التّعریف الثّانی أی ما دل علی الماهیّة من حیث هی فهو یصدق علی جنس الأجناس قطعا وعلی الأنواع والأجناس المتوسطة کالجسم والنّامی والحیوان والنّوع السّافل کالإنسان لأنّ کل واحد منها ماهیّة من الماهیّات قابلة للشرائط واللّواحق فإذا اعتبر مجردا عنها کان داخلا فی الحد وکذا الأصناف إذ لیس المراد بالماهیّة ما یکون ذاتیّا لأفراده بل الأعم منه ومما یکون عرضیّا وکذا دخل المطلق المقید مثل رقبة مؤمنة لأنّ المجموع أیضا ماهیّة من الماهیّات قابلة لشروط أخر کالسّواد والبیاض والطّول وغیرها ولا فرق بین التّعبیر عن الماهیّة بلفظ مفرد کالإنسان أو مرکب کالحیوان النّاطق لکن یخرج عنه النّکرة أی الفرد المنتشر لأنّ التّشخص إذا اعتبر فی الماهیّة لم یطلق الماهیّة علی المجموع مع أنّه یطلق علیها المطلق فی الاصطلاح فانقدح عکس هذا التّعریف أیضا وقد یعترض علی عکس الحدین بخروج إطلاق الأمر وفیه نظر لأنّ إطلاقه إمّا راجع إلی المادة

ص: 374

وهی من الماهیّات بل یفرض فیها الحصة أیضا وإمّا راجع إلی الهیئة أعنی الوجوب أو النّدب مثلا وهو أیضا داخل فی الماهیّة فلا وجه لتوهم الإخراج ثم إنّ التّحقیق أنّ المطلق فی الاصطلاح عبارة عن الشّیء المرسل عن القیود الّتی یصلح لحوقها به من حیث هو کذلک وهذا یصدق علی الماهیّة وعلی النّکرة وعلی المطلق المقید وعلی الأعلام الشّخصیّة والمعرف الخارجی ولکن بالنّسبة إلی جهة إرسالها عن اللّواحق والمقید بخلافه من حیث هو کذلک والغالب اجتماعهما فی الموارد بتعدد الحیثیّة ولا خفاء فی هذا إنّما الکلام فی مطالب الأوّل هل المطلق الّذی أرید به المقید حقیقة أو مجاز اختلفوا فیه علی أقوال فقیل إنّه مجاز مطلقا وقیل مجاز إن کان القید غیر لفظی بل علم من دلیل خارج وحقیقة إن کان لفظیّا وقیل مجاز إن أرید معنی القید من لفظ المطلق وإمّا إن أرید من القید ولوحظ انضمامه بمعنی المطلق فحقیقة ویظهر الثّمرة فیما إذا ورد أمر مطلق ثم أمر مقید کقوله أعتق رقبة وأعتق رقبة مؤمنة فإن کان إرادة المقید من المطلق حقیقة قدم علی حمل أمر المقید علی الاستحباب عملا بأصالة الحقیقة فی الأمر من غیر معارض وإن کان مجازا وجب ملاحظة التّرجیح فی تقدیم التّقیید علی المجاز والحق هو القول الأخیر واعلم أوّلا أنّ المطلق بحسب المفهوم عبارة عن الشّیء الّذی اعتبر تجرده عما یقبله من اللّواحق کما عرفت وهذا المفهوم له مصادیق بحسب الخارج کالإنسان والرّجل ونحوهما والنّزاع إنّما هو فی استعمال تلک المصادیق فنقول لا ریب فی أنّ الإنسان مثلا إنّما وضع لنفس الطّبیعة من حیث هی هی القابلة لکونها مطلقة ومقیدة فکل من الإطلاق والتّقیید خارج عنها لاحق لها فمعنی کونها مطلقة أنّه أرید من اللّفظ نفس الطّبیعة المجردة عن القید بمعنی أنّه لم یعتبر معها انضمام لاحق من اللّواحق ومعنی کونها مطلقة أنّه أرید من اللّفظ نفس الطّبیعة المجردة عن القید بمعنی أنّه لم یعتبر معها انضمام لاحق من اللّواحق ومعنی کونها مقیدة إرادتها بضمیمة القید فالمتکلم القاصد للحکم قد یرید التّعبیر عن تمام مراده بلفظ الإنسان ویکون مراده الطّبیعة المطلقة وقد یرید التّعبیر عن بعض مراده بذلک وعن البعض الآخر بأمر آخر هو القید فیکون مراده الطّبیعة المقیدة لکنه لم یستعمل لفظ المطلق فی تمام مراده ففی هذین الصّورتین لا وجه للتّجوز إذ لم یستعمل لفظ الإنسان إلاّ فیما وضع له وضم شیء آخر إلیه فی الإرادة لا یوجب تجوزا لأنّ التّجرد عن انضمام اللّواحق لیس معتبرا فی وضع الإنسان للماهیّة قطعا کما هو المشاهد فی الأوضاع الشّخصیّة من الأعلام وغیرها ودعوی أنّ الوضع فی حال

ص: 375

التّعریة متیقن دون غیره فاسدة کما أشرنا إلیه فی مبحث المشترک نعم لو أراد المتکلم التّعبیر عن تمام مراده بلفظ الإنسان مع کون المراد الفرد کان مجازا لکن الاستعمال بهذا النّحو غیر متحقق فی موارد إرادة الفرد من الکلی ولا فرق فی عدم المجازیّة حین إرادة التّعبیر عن بعض المراد بلفظ المطلق بین التّعبیر عن القید باللّفظ المتصل أو المنفصل أو الحال أو العقل أو الانصراف أو غیر ذلک فلا تجوز فی شیء من هذه الموارد ومما یشهد علی ذلک کثرة المطلقات المقیدة بالنّسبة إلی بعض الأشخاص دون بعض فلو کان التّقیید مستلزما للتّجوز لزم فی مثل ذلک استعمال اللّفظ فی معنییه الحقیقی والمجازی وهو غیر جائز علی ما سبق وفصل بعضهم بین الإنشاء والإخبار فحکم فی الأوّل بالتّجوز دون الثّانی نظرا إلی أنّ المتکلّم فی مقام الإنشاء لا بد له من تعیین متعلق الحکم لامتناع إنشاء الحکم للطّبیعة علی وجه الإبهام فیجب أن یکون مراده التّعبیر بلفظ المطلق عن تمام مراد مع أنّ مراده المقید بخلاف الإخبار لجواز الإخبار عن الشّیء علی وجه الإبهام وفیه ما لا یخفی لأنّ امتناع إنشاء الحکم المبهم لا یقتضی وجوب التّعبیر عن المقید بلفظ المطلق لإمکان الإنشاء للمقید فی الضّمیر ثم إبرازه بلفظین یدل کل منهما علی بعض المراد أو بلفظ وغیره ولا یقدح نسبته إلی الطّبیعة أوّلا لأنّ الحکم الثّابت للمقید ثابت للمطلق أیضا لاتحاده معه وجودا فافهم الثّانی قد عرفت أنّ کلا من الإطلاق والتّقیید أمر خارج عن الموضوع له لاحق له فنقول إنّ حمل اللّفظ علی إرادة المقید ینشأ من بیان ما یصلح کونه تقییدا وأمّا الحمل علی إرادة الإطلاق الّذی مرجعه إلی کون مدلول اللّفظ تمام المراد فمتفرع علی أمرین أحدهما عدم الاقتران بما یصلح للتّقیید فلو اقترن بذلک لم یجز الحمل علی الإطلاق لانتفاء المقتضی لا لوجود المانع وذلک لأنّ اللّفظ فی نفسه قابل لإرادة تمام المراد منه وبعضه والحمل علی تمام المراد إنّما هو لحکم العقل وهو فرع عدم وجود ما یصلح للتّقیید ذیل وجوده لا حکم للعقل وبما ذکرنا عرفت وجه عدم معارضة الإطلاق لشیء من الأصول اللّفظیّة کأصالة عدم التّخصیص وأصالة الحقیقة فلو توقف کون شیء قرینة للتّقیید علی إجراء أصالة الحقیقة لم یزاحم إجراؤها أصالة عدم التّقیید کما أشرنا إلیه عند حمل المطلق علی المقید مع احتمال کون أمر المقید للاستحباب الأمر الثّانی کون المطلق واردا فی مقام بیان تمام المراد فإنّ العقل یحکم حینئذ بأنّه لو لم یکن الطّبیعة تمام المراد والمفروض عدم ذکر ما یصلح للتّقیید لکان الاقتصار علی ذلک اللّفظ نقصا للغرض الّذی هو بیان تمام المراد وأمّا لو لم یکن کذلک

ص: 376

فلا یحکم العقل بالإطلاق لعدم المقتضی أیضا ثم إن علم وجود الشّرطین أو انتفاء أحدهما فهو وإن شک فیه فإن کان فی وجود القرینة جاز دفعه بأصالة عدم القرینة وإن کان فی الشّک فی کونه فی مقام البیان جاز إثباته بالأصل نظرا إلی أنّ الطّبیعة لو کانت جزءا للمراد لکان بیان الجزء الآخر بلفظ آخر والأصل عدم بیان جزء آخر والأصل المثبت معتبر فیما یرجع إلی أحوال الألفاظ مضافا إلی غلبة کون المطلق فی مقام البیان سیما فی خطابات الشّارع المبین للأحکام فیحمل علیه عند الشّک وإلی ما ذکرنا من الشّرطین یرجع الشّرطان اللّذان ذکرهما القوم لحمل المطلق علی العموم أحدهما عدم انصرافه إلی الفرد الشّائع وهذا یرجع إلی الأمر الأوّل لأنّ الانصراف یصلح للتّقیید والثّانی عدم وروده فی مورد حکم آخر وهذا راجع إلی الثّانی لأنّ حاصله أنّ المطلق فی هذا المقام إنّما قصد به البیان بالنّسبة إلی غیر جهة النّزاع فلا یعم بالنّسبة إلیها کقوله تعالی کلوا مما أمسکن علیکم فإنّه وارد لبیان الحکم من جهة التّذکیة فلا من جهة الطّهارة والنّجاسة لیعم جهة عض الکلب أیضا ولا فرق فیما ذکرنا بین حمل المطلق علی العموم من جهة السّرایة أو من جهة الحکمة أمّا الأوّل فقد مر وجهه من أنّ الحکم بالعموم فرع تحقق کون الطّبیعة تمام متعلق الحکم وهو موقوف علی الشّرطین المتقدمین وأمّا الثّانی فلأنّه مبنی علی کون الحکم متعلقا بالأفراد والحمل علی العموم متوقف علی کونه فی مقام البیان وعدم وجود ما یصلح للتّعیین کالانصراف إلی الشّائع فإنّه صالح للتّقیید بالاتفاق فی الجملة وإن اختلفوا فی الشّیوع الوجودی وقد سبق تحقیقه نعم للسید المرتضی رحمه الله تفصیل لا بأس بالإشارة إلیه لارتباط له فی الجملة وهو أنّه إذا قام الإجماع علی جریان حکم المطلق فی بعض الأفراد النّادرة وجب حمل المطلق علی العموم وجری الحکم فی غیر مورد الإجماع من سائر الأفراد النادرة أیضا وعلیه فرع جواز الغسل بالماء المضاف لقیام الإجماع علی جواز الغسل بماء النّفط والکبریت وهما من الأفراد النّادرة فهذا الإجماع یکشف عن إرادة طبیعة الغسل من الأمر وهو یصدق بماء المضاف وفیه أنّ الإجماع إنّما هو علی الإلحاق فی الحکم لا علی الإرادة من اللّفظ ولو فرض الاجتماع علی الإرادة کما إذا کان مستند المجمعین إطلاق اللّفظ لم یجز التّعدی عن مورد الإجماع لجواز تبعض اللّفظ فی الإطلاق والتّقیید فالإجماع کاشف عن وجود قرینة موجبة لبقاء الإطلاق بالنّسبة إلی مورده فما الوجه فی التّعدی إلی سائر الموارد مع وجود المانع عن الإطلاق بالنّسبة إلیها وهو الانصراف ثم إنّ ما ذکرنا من أنّ الإطلاق من جهة فرع کونه فی مقام البیان بالنّسبة

ص: 377

إلی تلک الجهة دون سائر الجهات إنّما هو عند عدم التّلازم بینها فلو کان بین جهة البیان تلازم مع غیرها حکم بالعموم مطلقا کما إذا ورد الحکم بجواز الصّلاة مع حمل جزء ما لا یؤکل لحمه جهلا وکان فی مقام البیان بالنّسبة إلی جهة نجاسته حکم بالعموم بالنّسبة إلی جهة کونه من أجزاء ما لا یؤکل لحمه أیضا لعدم التّفکیک بینهما فلو حمل علی العموم بالجهة الأولی دون الثّانیة لزم کون الحکم لغوا ومن هنا قیل بأنّ زوال العین مطهر للحیوان لما ورد من طهارة أسئارها مع عدم انفکاکها غالبا عن ملاقاة النّجاسة وکذا قیل بحلیّة أطراف الشّبهة الغیر المحصورة لما ورد من حل الشّبهة الابتدائی نظرا إلی أنّه لا یخلو عن العلم الإجمالی بملاحظة النّوع فلو لم یکن المشتبه فی غیر المحصور حلالا لزم عدم حلیّة المشتبه الابتدائی لعدم الانفکاک فیکون الحکم بحلیته لغوا ونحو ذلک الثّالث إذا ورد مطلق ومقید فإن اختلف المحکوم به فیهما لم یحمل أحدهما علی الآخر نحو أکرم عالما وأطعم عالما عادلا أو لا نطعم عالما عادلا نعم لو توقف أحدهما علی الآخر وجب حمل المطلق علی المقید نحو أعتق رقبة ولا تملک رقبة کافرة لتوقف العتق علی الملک فیکون قوله أعتق رقبة بمنزلة قوله تملک رقبة فوجوب الحمل إنّما هو لرجوعه إلی ما اتحد فیه المحکوم به وإن اتحد المحکوم به فإن اختلف سبب الحکم لم یحمل أیضا نحو إن ظاهرت فأعتق رقبة وإن فطرت فأعتق رقبة مؤمنة وإن اتحد السّبب أیضا فإمّا أن یکونا موجبین أو منفیین أو مختلفین فإن کانا موجبین نحو إن ظاهرت فأعتق رقبة وإن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة وجب حمل المطلق علی المقید بمعنی الحکم بأنّ المراد من الحکم علی المطلق هو الحکم علی المقید وقیل فی وجه ذلک أنّ الحمل علی المقید جمع بین الدّلیلین والجمع أولی من الطّرح وأنّ الحمل علیه مقتضی قاعدة الاشتغال للشّکّ فی البراءة بإتیان غیر المقید من أفراد المطلق ویرد علی الثّانی أنّ قاعدة الاشتغال لا تعین إرادة المقید من المطلق ویظهر الثّمرة عند عروض عدم التّمکن من المقید بعد التّمکن منه فإنّ مقتضی قاعدة الاشتغال وجوب فعل فرد آخر من المطلق وبالجملة قاعدة الاشتغال فرع إجمال اللّفظ فلا یوجب تعیین المراد واعترض علی الأوّل بأنّ الجمع لا ینحصر فی الحمل بل یمکن بحمل أمر المقید علی الاستحباب أو حمله علی التّخییر وفیه أنّ حمل المطلق علی المقید أظهر من حمل الأمر علی الاستحباب أو حمله علی التّخییر إن أرید من التّخییر کون الأمر بالمقیّد أمرا مقدمیّا لتحصیل الطّبیعة وأمّا إن أرید به حمل کلا الأمرین علی التّخییر لیرجع إلی التّخییر بین المطلق والمقید ففساده ظاهر فإن معنی التّخییر جواز ترک أحدهما إلی الآخر ولا یعقل ترک

ص: 378

المطلق فلا معنی للتّخییر بینه وبین المقید ویظهر من بعضهم أنّ وجه الحمل هو تعارض مفهوم الوصف فی المقید مع إطلاق المطلق فإنّ مفهوم قوله أعتق رقبة مؤمنة عدم وجوب عتق الکافرة وهو ینافی فی المطلق وفیه أوّلا أنّه لا مفهوم للوصف کما حقق سابقا وثانیا أنّه أضعف من غیره بمراتب فما وجه تقدیمه علی الإطلاق وثالثا أنّه لا تعارض بینهما لأنّ المفهوم نفی الوجوب العینی عن غیر المقید وذلک لا ینافی ثبوت الوجوب التّخییری کما هو مقتضی المطلق کذا قیل والحق أنّ المفهوم هو نفی سنخ الوجوب کما قررناه فی المفاهیم والتّحقیق أنّ هذه الوجوه فی الحمل غیر موجه بل الوجه فیه أنّ التّعارض البدوی إنّما هو بین المنطوقین بملاحظة وحدة التّکلیف لأنّ مقتضی المقید وجوبه عینا ومقتضی المطلق وجوب الطّبیعة اللابشرط المقتضی لوجوب الأفراد تخییرا ولا یمکن اجتماعهما مع وحدة التّکلیف ولکن لما کان حمل المطلق علی الطّبیعة اللابشرط موقوفا علی عدم بیان القید والأمر بالمقید بیان ولو بضمیمة أصالة الحقیقة لم یکن هناک مقتض للإطلاق کما عرفت ثم إنّ وحدة التّکلیف هل یتوقف علی أمر خارج مثل ملاحظة وحدة السّبب مثلا لکون تعدد الأمر موجبا لتعدد التّکلیف فیحتاج نفی التّعدد إلی الدّلیل أو لا بل تعدد الأمر لا یقتضی التّعدد فیحتاج إثبات التّعدد إلی الدّلیل وبدونه ینفی بالأصل الحق هو الثّانی سواء کان الأمران متعلقین بطبیعة واحدة أو أحدهما بالطّبیعة المطلقة والأخری بالمقیدة أمّا فی الأوّل فلأنّ کون الکلام تأکیدا أو تأسیسا خارج عن نفس اللّفظ وإنّما یتفرع علی دواعی الأمر فإن کان الدّاعی فی الکلام بیان حکم جدید کان تأسیسا وإن کان الدّاعی تقریر حکم معلوم کان تأکیدا ولو کان التّأسیس والتّأکید داخلین فی معنی اللّفظ لکان ذکر العام بعد الخاص مستلزما لاستعماله فی المعنیین لکونه تأکیدا بالنّسبة إلی مورد الخاص تأسیسا بالنّسبة إلی غیره من الأفراد وإذا کانا خارجین عن اللّفظ فتعدد الأمر المتعلق بطبیعة واحدة کما یحتمل کونه تأسیسا کذا یحتمل کونه تأکیدا ودعوی غلبة التّأسیس ممنوعة فإذا شک فی اقتضائه لتعدد التّکلیف وعدمه وجب الرّجوع إلی الأصل وهو یقتضی البراءة وأمّا فی الثّانی فلما مر من أنّ المطلق لا یعلم کونه تمام متعلق الحکم إلاّ بعدم بیان القید وبعد بیانه لا یعلم ذلک فیشک فی وحدة التّکلیف وتعدده فیرجع إلی الأصل فثبت أنّه لا حاجة إلی دلیل خارج فی إثبات وحدة التّکلیف بل عدم ثبوت الدّلیل علی التّعدد کاف فی الحکم بالوحدة بضمیمة الأصل وحینئذ فإن اتحد السّبب کان مؤکدا للوحدة وإن ثبت التّعدد من الخارج کان ذلک کاشفا عن کون الطّبیعة تمام المتعلق فی الأمر بالمطلق ومثله ما لو قلنا بأنّ الإطلاق

ص: 379

مأخوذ فی مدلول اللّفظ فإنّ المطلق حینئذ ظاهر فی الطّبیعة اللابشرط فیقتضی تعدد التّکلیف وعلیه فیجب فی الحکم بالاتحاد من وجود دلیل خارجی ومنه وحدة السّبب إن قلنا بظهورها فی وحدة التّکلیف وفیه إشکال والحاصل أنّه علی المختار من عدم اعتبار الإطلاق فی مدلول اللّفظ ینبغی الحمل علی وحدة التّکلیف سواء لم یذکر سبب أصلا أو اتحد السّبب والحمل علی تعدده بتعدد السّبب أو وجود دلیل آخر علی التّعدد وعلی القول باعتبار الإطلاق فی المدلول ینبغی الحکم بالتّعدد فی صورة عدم ذکر السّبب وصورة تعدّده والحکم بالوحدة فی صورة اتحاد السّبب علی إشکال أو وجود دلیل علی الوحدة فالثّمرة إنّما تظهر عند عدم ذکر سبب أصلا وعدم وجود دلیل من الخارج علی الوحدة أو التّعدد وقد عرفت التّحقیق وإن کانا منفیین فالمعروف عدم حمل أحدهما علی الآخر سواء اتحد السّبب أو اختلف نحو لا تعتق رقبة ولا تعتق رقبة کافرة وقیل فی وجهه إنّ النّفی إذا ورد علی الطّبیعة اقتضی نفی جمیع الأفراد شمولا وذلک لا ینافی نفی خصوص المقید أیضا غایة الأمر أنّه یکون تأکیدا وقد عرفت أنّه لیس أمرا راجعا إلی اللّفظ بل هو لازم علی فرض الحمل أیضا وبالجملة هو نظیر العام والخاص الغیر المتنافی الظّاهر إذ لا تخصیص حینئذ قطعا والتّحقیق أنّه لا فرق بین المثبتین والمنفیین فکما یحمل المطلق علی المقید فی المثبتین ولا یقتضی اللّفظ تعدد التّکلیف فکذا فی المنفیین وذلک لما عرفت أنّ مدلول اللّفظ هو نفس الطّبیعة والإطلاق والتّقیید خارجان عنه عارضان له بملاحظة عدم ذکر القید وذکره ونفی الطّبیعة کما یصدق بنفی جمیع الأفراد کذا یصدق بنفی البعض أیضا نعم نفی الطّبیعة اللابشرط یقتضی نفی جمیع الأفراد وحینئذ فنقول إنّ استفادة العموم من المطلق المنفی فرع کون المراد منه الطّبیعة اللابشرط وهو متوقف علی عدم بیان القید فإذا بین القید لم یکن مقتضی للإطلاق کما قررناه فی الموجبین حرفا بحرف فالأمران لا یوجبان إلاّ تحریم المقید فیرجع فی حکم سائر الأفراد إلی الأصل ولا فرق فی ذلک بین ورود النّفی علی المحکوم به کما فی المثال المذکور أو وروده علی الحکم کأن یقول لا یجب عتق الرّقبة ولا یجب عتق الرّقبة الکافرة فلا یقتضی الخطابان إلاّ نفی وجوب عتق الکافرة فیرجع فی المؤمنة إلی أصالة عدم الوجوب وذلک وإن وافق حکم المطلق فی هذا المقام لکنّه یثمر فیما إذا قام دلیل آخر علی وجوب عتق المؤمنة فإنّه لا معارض له علی ما ذکرنا بخلاف ما لو قلنا بعدم الحمل فإنّه یعارض الخطاب المطلق فافهم هذا ولقائل أن یقول إنّ المستند فی عدم الحمل لیس هو ما سبق لیرد علیه الاعتراض المذکور بل

ص: 380

المستند هو بناء العرف فی مثل المقام علی عدم الحمل فإن تم ذلک فهو وإلاّ فالحکم ما ذکرنا وإن کانا مختلفین فإن کان المنفی هو المقید فلا یخلو إمّا أن یرد النّفی علی الحکم أو علی المحکوم به أمّا الأوّل نحو یجب عتق رقبة ولا یجب عتق الکافرة فإن قلنا إنّ المستفاد من الخطاب المقید نفی مطلق الوجوب من العینی والتّخییری الأصلی والمقدمی حمل المطلق علی المقید لتنافیهما حینئذ لأنّ مقتضی المطلق وجوب المقید تخییرا مقدمیّا لحصول الطّبیعة فی ضمنه ومقتضی المقید نفیه فیقید المطلق بغیر هذا الفرد وإن قلنا إنّ المستفاد منه هو نفی الوجوب الأصلی العینی فلا حمل إذ لا منافاة بین انتفاء الوجوب الأصلی وثبوت الوجوب المقدمی فیحصل امتثال الخطاب المطلق بفعل المقید أیضا وأمّا الثّانی نحو یجب عتق الرّقبة ویجب ترک عتق الکافرة أو یحرم أو أعتق الرّقبة ولا تعتق الکافرة فإن قلنا إنّ النّهی یقتضی الفساد وجب التّقیید لأنّ إبقاء المطلق علی الإطلاق یقتضی حصول الامتثال بأی فرد فرض من الأفراد فإذا ثبت بمقتضی الخطاب المقید عدم حصول الامتثال بفرد لزم إخراجه عن تحت الخطاب المطلق وإن قلنا إنّه لا یقتضی الفساد بل إنّما یوجب الحرمة فقط فإن قلنا بعدم جواز اجتماع الأمر والنّهی ولو من جهتین وجب التّقیید أیضا وإلاّ لزم الاجتماع فی الفرد وإن قلنا بجوازه فلا مقتضی للحمل فیحصل امتثال المطلق وعصیان المقید بفعل الفرد المنهی عنه قیل إنّهم اتفقوا فی صورة کون المطلق مثبتا والمقید منفیّا علی وجوب التّقیید وهذا ینافی اختلافهم فی دلالة النّهی علی الفساد وجواز اجتماع الأمر والنّهی فإنّه بعد الحمل علی المقید لا یبقی أمر بالنّسبة إلی الفرد المنهی عنه فیفسد ولا معنی للخلاف فی الفساد والاتفاق علی الحمل وکذا بالنّسبة إلی امتناع الاجتماع إذ بعد جوازه لا داعی علی الحمل قلت یمکن أن یکون اتفاقهم علی الحمل مبنیّا علی اقتضاء الفساد کما ذکرنا لأنّ کلامهم هنا إنّما هو علی فرض منافاة المقید مع المطلق ولا یکون هذا إلاّ إذا فرض اقتضاء النّهی للفساد وعدم جواز اجتماع الأمر والنّهی وکلامهم هناک إنّما هو فی تحقق المنافاة وهو أنّه هل یقتضی الفساد وهل یمتنع اجتماع الأمر والنّهی لتحقق المنافاة أو لا فلا منافاة وإن کان المنفی هو المطلق نحو لا تعتق الرّقبة وأعتق المؤمنة أو لا یجب عتق الرّقبة ویجب عتق المؤمنة لزم التّقیید سواء کان المطلق فی مقام البیان أو لا أمّا الأوّل فلأنّه یکون عاما فیخصص بالخطاب المقید وأمّا الثّانی فلأنّه یکون قضیّة مهملة وهی فی قوة الجزئیّة ولا تنافی بین الجزئیّتین فیحمل علی إرادة غیر المقید وهو أیضا تقیید إذ لا نعنی بالتّقیید إلاّ عدم بقائه علی الإرسال کما تقدم

تذنیبات

أحدها

یستثنی من صورة حمل المطلق علی المقید عند

ص: 381

الاتحاد فی الحکم صورتان أحدهما کون الحکم استحبابا فلا یحمل المطلق علی المقید ووجهه مع جریان ما ذکرناه فی الحکم الوجوب هنا أیضا أمران أحدهما استقراء موارد ورود الاستحباب علی المطلق فإنّ المطلق فیها وارد فی مقام البیان فیحمل علی إرادة الطّبیعة اللابشرط والثّانی أنّ الطّبیعة الواحدة قابلة للاتصاف باستحبابات متعددة بتعدد المراتب الموجودة فی الأفراد بخلاف الوجوب وذلک لأنّ المصلحة فی الوجوب مصلحة واحدة تحصل بکل من أفراد الطّبیعة ولهذا إذا تعلق الوجوب بالطّبیعة لم یجب إلاّ أحد الأفراد علی البدل بخلاف الاستحباب فإنّه یجوز أن یکون المصلحة الموجبة للاستحباب فی کل فرد غیر المصلحة الموجبة له فی الفرد الآخر ولهذا حکموا بسرایة الاستحباب المتعلق بالطّبیعة إلی جمیع الأفراد علی سبیل الشّمول والاستغراق مضافا إلی الانفهام العرفی وحینئذ فیکون المطلق فی مقام الاستحباب فی حکم العام وقد تحقق أنّ العام لا یحمل علی الخاص عند عدم التّنافی فی الظّاهرین الثّانیة أن یکون الحکم وضعیّا فقوله خلق الله الماء طهورا لا یحمل علی قوله ماء البئر طاهر وذلک أیضا للأمرین المذکورین فی الحکم الاستحبابی بالتّقریب المتقدم

الثّانی

ربما یحمل المطلق فی مقام الاختیار علی فرد لدعوی انصرافه إلیه ومع ذلک یتمسک بالإطلاق فی مقام عدم التّمکن من ذلک الفرد علی وجوب فرد آخر کما حکموا بوجوب المسح بباطن الکف عند التّمکن لدعوی انصرافه إلیه ومع ذلک حکموا علی العاجز عنه بوجوب المسح بظاهر الکف للإطلاق وهذا فی الظّاهر مشکل لأنّ الانصراف إن کان سببا للحمل علی الفرد الشّائع وجب الحکم بإرادة الفرد الشّائع من المطلق فلا یبقی الإطلاق حتی یتمسک به فی حال العجز وإن لم یکن سببا للحمل وجب الحکم بإجزاء الظّهر فی حال الاختیار أیضا ومثله ما إذا ورد الدّلیل علی التّقیید فی بعض الأحوال فیحکمون بالإطلاق فی غیره کما إذا دل الدّلیل علی وجوب السّورة فی الصّلاة فیحکمون بوجوبها علی المختار تقییدا لإطلاق الصّلاة المأمور بها ومع ذلک یحکمون بوجوب الصّلاة الخالیة عنها علی العاجز عن تعلم السّورة لضیق الوقت ونحوه فإن الإشکال المذکور جار فیه ویمکن الذّبّ عنه علی المختار من أنّ الإطلاق لیس مأخوذا فی مدلول اللّفظ وإنّما یعرضه باعتبار عدم بیان القید وقد سبق أنّ المطلق یجوز تقییده بحسب جهة دون أخری لکونه فی مقام بیان الثّانیة دون الأولی وذلک لا یستلزم الجمع بین المعنیین فنقول إنّ المطلق فی مقام الاختیار ینصرف إلی خصوص الفرد الشّائع وأمّا فی حال الاضطرار فلا انصراف فیراد منه بالنّسبة إلی الحالة الأولی خصوص المقید وبالنّسبة إلی الثّانیة الطّبیعة اللابشرط وکذا لو ثبت التّقیید فی حال

ص: 382

الاختیار بدلیل لفظی غیر الانصراف نعم هذا الإشکال وارد علی من یقول بمجازیّة المطلق المقید کما أشرنا إلیه

الثّالث

إذا ورد أمر بمطلق ثم ورد التّقیید بمطلق آخر ثم بمقید نحو قوله صل ویشترط ستر العورة فی الصّلاة ویشترط ستر العورة بغیر الحریر فهل یحکم بتقیید المطلق الثّانی أوّلا ثم یجعل المقید قیدا للمطلق الأوّل فیفید إطلاق شرطیّة السّتر بقید غیر الحریر ثم یجعل مجموع المقید وهو السّتر بغیر الحریر شرطا للصّلاة أو لا بل یجعل المطلق شرطا والمقید شرطا آخر ویظهر الثّمرة سیما إذا لم یتمکن من غیر الحریر وقلنا بعد سقوط المشروط بانتفاء الشّرط أو بتقیید الشّرطیّة بحال الاختیار فإنّه حینئذ یحکم علی الأوّل بوجوب الصّلاة عاریا لانتفاء الشّرط الّذی هو السّتر بغیر الحریر وعلی الثّانی یحکم بوجوب السّتر بالحریر لأنّ سقوط الشّرط المقید لعدم إمکانه لا یقتضی سقوط الشّرط المطلق وهو السّتر والتّحقیق فی المثال هو الثّانی لأنّ الشّرطیّة من الأحکام الوضعیّة وقد سبق أنّ المطلق لا یحمل علی المقید فی الأحکام الوضعیّة

الرّابع

إذا ورد أمر بمطلق ثم ورد الحکم فی المقید علی الفرد النّادر کأن یقول أعتق رقبة ثم یقول أعتق رقبة ذات رأسین فهل یحمل المطلق علی المقید أو یحکم بتعدد التّکلیف أو یجعل المقید کاشفا عن إرادة الطّبیعة اللابشرط من المطلق دون خصوص الشّائع وجوه أوسطها الوسط لأنّ الأخیر لا وجه له إذ لا دلالة فی الأمر بالمقید علی إرادة الطّبیعة اللابشرط من المطلق بشیء من الدّلالات وقد أشرنا إلیه سابقا فی الکلام علی ما ذهب إلیه السّید المرتضی رحمه الله وأمّا الوجه الأوّل فهو وإن کان مقتضی ما قررناه سابقا فی المطلق المقید بغیر الفرد النّادر نظرا إلی أنّ مدلول المطلق لیس إلاّ الطّبیعة والإطلاق متوقف علی عدم بیان القید لکن ذلک إنّما یجری فی التّقیید بالفرد الشّائع وأمّا فی ما نحن فیه فلا وذلک لأنّ المراد من المطلق هنا بقرینة الانصراف إلی الأفراد الشّائعة هو خصوص الشّائعة فیکون الخطاب المطلق والمقید بمنزلة خطابین تعلقا بموضوعین متباینین مقتضاهما تعدد التّکلیف نعم لو ثبت من الخارج وحدة التّکلیف أو الأمر بین ارتکاب خلاف الظّاهر فی المطلق بحمله علی الفرد النّادر وبین حمل الأمر بالمقید علی الاستحباب ونحوه فیجب ملاحظة التّرجیح بین الظّاهرین هذا إذا کانا مثبتین وأمّا إذا کانا منفیین نحو لا تعتق رقبة ولا تعتق رقبة ذات رأسین فلا حمل قطعا لأنّ المراد من المطلق إمّا العموم فیکون المقید تأکیدا وإمّا خصوص الأفراد الشّائعة فیکونان حکمین علی موضوعین وإذا کان المطلق مثبتا والمقید منفیّا کان المقید تقریرا لما یستفاد من المطلق بقرینة الانصراف

ص: 383

من عدم وجوب الفرد النّادر وإذا کان المطلق منفیّا والمقید مثبتا نحو لا تعتق رقبة وأعتق ذات رأسین فإن حمل المطلق علی العموم کان المقید مخصصا وإن اختص بالفرد الشّائع کانا حکمین علی موضوعین ویکون المقید تقریرا لما یستفاد من المطلق من عدم حرمة الفرد النّادر فافهم

الخامس

إذا ورد مطلق ثم ورد مقیدان مختلفان نحو أعتق رقبة أعتق رقبة مؤمنة أعتق رقبة کافرة ففیه وجوه أحدها تساقط التّقییدین فیؤخذ بالإطلاق والثّانی حمل التّقیید علی کونه لبیان الإطلاق فیؤخذ بالإطلاق أیضا ویحمل أمر المقید علی التّخییر المقدمی الثّالث التّخییر بین المقیدین فی الأخذ لأنّهما دلیلان تعارضا فیحکم بالتّخییر الرّابع حمل الأمر فی المقید علی الوجوب العینی والتّقیید بکلیهما الخامس إجمال الکلام فیرجع إلی الأصل العملی والتّحقیق أنّه لا وجه للأخذ بالإطلاق والحکم بتساقط القیدین للقطع بالتّقیید والشّک إنّما هو فی المقید فلا وجه للأخذ بالإطلاق وأمّا حمل الأمر علی التّخییر بین الفردین فهو خلاف ظاهر الأمر فالحق أنّه إن لم یقم دلیل علی وحدة التّکلیف حکم بتعدده بمعنی وجوب الإتیان بکلا الفردین لأنّه مقتضی ظاهر الأمرین ولا یلزم التّجوز فی المطلق لما عرفت من خروج الإطلاق عن مدلول اللّفظ وإن قام الدّلیل علی وحدة التّکلیف تعارض المقیدان فإن قلنا بالتّخییر عند تعارض الدّلیلین حکم بالتّخییر وإلاّ فبالإجمال والرّجوع إلی الأصول العملیّة ولا فرق فیما ذکرنا بین کون المقیّدین مستوعبین لأفراد المطلق بأن لا یکون بینهما واسطة أو لا لکن قد یثمرانه إذا لزم بناء علی تعدد التّکلیف بالمقیدین تقیید المطلق بالنّسبة إلی القیدین فلو لم یتمکن منهما لم یجب الواسطة بخلاف ما إذا لم نقل بالتّقیید بل حملنا الأمر فی المقید علی بیان الإطلاق فإنّه حینئذ یجب إتیان الواسطة هذا فی غیر المستوعب وأمّا فیه فلا فرق بین التّقیید والإطلاق من هذه الجهة أعنی عند عدم التّمکن من المقیدین إذ لا واسطة حتی یجب إتیانها لو حمل علی الإطلاق والمثال الفقهی للمسألة ما ذکروه فی غسل الإناء من ولوغ الکلب حیث ورد الأمر المطلق بالغسل بالتّراب فی إحدی الغسلات وورد التّقیید فی الغسلة الأولی والتّقیید فی الغسلة الأخیرة والتّحقیق لو لا الدّلیل الخارجی علی عدم لزوم تعدد الغسل بالتّراب من الإجماع ونحوه هو الحکم بالتّعدد لظهور الأمرین فی تعدد التّکلیف ولا یقدح فی ذلک عدم قابلیّة المطلق للتّقیید بهما معا لعدم صدق إحداهن علی غسلتین وذلک لأنّا نجعل إحداهما تقییدا للمطلق والآخر تکلیفا مستقلا ولا یجوز إبقاء المطلق علی إطلاقه والأخذ بالمقیدین

ص: 384

أیضا مستقلا لما عرفت سابقا من أنّ الأمر بالمطلق والمقید لا یستفاد منه إلاّ تکلیف واحد بخلاف الأمر بالمقیدین فیجمع هنا بین الحقین فیحکم بتقیید المطلق بأحد القیدین علی التّخییر ویجعل الآخر تکلیفا آخر وإن کان ثمرة الإبقاء علی الإطلاق منتفیة فی المثال بعد ثبوت التّقیید إذ لو لم یتمکن من التّراب فی الغسلة الأولی أو الأخیرة لم ینفع الوسط فی التّطهیر إذ لا یسقط اعتباره فیها بعدم التّمکن هذا ولکن الظّاهر فی المقام قیام الدّلیل علی الاتحاد فیقع التّعارض بین المقیدین فإمّا نقول بالتّخییر کما هو التّحقیق أو بالإجمال والرّجوع إلی الأصل العملی من استصحاب النّجاسة إلی أن یتحقق الرّافع أو أصالة البراءة أو نحوهما فتأمّل

أصل فی المجمل والمبین

عرف المجمل بأنّه ما لم یتضح دلالته ونقض طرده بالمهملات لأنّها غیر واضحة الدّلالة وفیه أنّ المراد بالموصولة ما کان موضوعا أو أنّ الظّاهر من السّالبة کونها موجودة الموضوع ونقض أیضا یزید المسموع من وراء الجدار لدلالته علی وجود اللافظ مع أنّه غیر واضح لعدم تعیّنه ویمکن دفعه بأنّ الظّاهر اعتبار الدّلالة الوضعیّة دون العقلیّة والطّبعیّة ویشکل بأنّهم جعلوا الفعل من أقسام المجمل مع أنّه غیر موضوع بل دلالته علی الجهة الّتی یراد الاستدلال بها عقلیّة کما یستدل بفعل النّبی صلی الله علیه وآله علی کونه مشروعا وینتقض أیضا بالمشترک لأنّ دلالته علی المعنی واضحة بعد العلم بالوضع وإن اعتبر الدّلالة علی المراد انتقض بالفعل إذ لا دلالة له علی المراد بل لا یصدق المراد فیه مع أنّه یلزم کون اللّفظ المراد به المعنی المجازی مع انفصال القرینة مجملا فی الواقع وکذا العام المخصص والمطلق المقید عند تأخیر المخصص والمقید والظّاهر خلافه والأولی أن یقال إنّ المجمل هو ما یحتمل احتمالین متساویین فصاعدا سواء کان الاحتمال من جهة عدم العلم بالوضع أو من جهة تعدد الوضع کالمشترک أو من جهة الجهل بالمراد کما لو نصبت قرینة صارفة عن المعنی الحقیقی مع تعدد المجازات وخرج العام المخصص وأمثاله لعدم تساوی الاحتمالین لأنّه قبل بیان المخصص ظاهر فی العموم وبعده یظهر الخصوص فلا احتمال أصلا وإطلاق البیان علی المخصص لا یستلزم کون العام مجملا إذا المراد بکونه بیانا أنّه یبین مورد الحکم المتعلق ظاهرا بالعام ثم المجمل إمّا قول أو فعل والقول إمّا مفرد أو مرکب وإجمال المفرد إمّا من جهة اللّفظ أو المعنی وکل منهما إمّا بالذات أو بالعارض فالذّاتی فی اللّفظ کلفظ إنّ لاشتراکه بین الحرف والفعل وکل منهما یختص بمعنی واحد والعرضی فی اللّفظ کلفظ مختار لاشتراکه بین اسم الفاعل والمفعول بسبب الإعلال والذّاتی فی المعنی کلفظ عین المشترک بین المعانی

ص: 385

الکثیرة والعرضی فی المعنی کاللّفظ الّذی تعددت مجازاته عند نصب القرینة الصّارفة عن المعنی الحقیقی وإجمال المرکب إمّا لوقوع لفظ فیه موجب للإجمال فی خصوص ذلک المرکب نحو قول بعضهم حیث سألوه عن الإمام بعد النّبی صلی الله علیه وآله فقال من بنته فی بیته لاحتمال إرجاع الضّمیر الأوّل إلی النّبی صلی الله علیه وآله والثّانی إلی الموصول کما هو مراد القائل أو إرجاع الضّمیر الثّانی إلی النّبی والأوّل إلی الموصول کما فهمه السّائل إذ لا إجمال فی شیء من المفردات بل المنشأ للإجمال وقوع الضّمیر بعد شیئین یحتمل کل منهما أن یکون مرجعا وإمّا یکون الإجمال لمجموع المرکب ومثلوا له بقوله تعالی وإن طلّقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فریضة فنصف ما فرضتم إلاّ أن یعفون أو یعفو الّذی بیده عقدة النّکاح لاحتمال کون المراد بالّذی بیده عقدة النّکاح الأزواج أو ولی الزّوجة وفیه نظر أمّا أوّلا فلأنّ الإجمال لو کان فإنّما هو فی الموصول باعتبار أنّه لم یتعین بالصّلة المذکورة له فهو کالإجمال فی الضّمیر باعتبار عدم تعینه بالمرجع وأمّا ثانیا فلأنّ الموصول إن کان صالحا لهما معا فما وجه الاختصاص بأحدهما فلیحمل علیهما معا فلا إجمال والتّحقیق أن یحمل علی خصوص ولی الزّوجة دون خصوص الزّوج ودون الجمیع ولا إجمال وذلک لأنّ الظّاهر من نصف الفریضة المتقدم فی الکلام هو النّصف الّذی تستحقه الزّوجة والمستثنی الأوّل مستثنی من منطوقه فإذا حمل الموصول علی ولی الزّوجة کان أیضا مستثنی من المنطوق وأمّا إذا حمل علی الزّوج لزم أن یکون مستثنی من المفهوم أعنی رجوع النّصف الآخر إلی الزّوج فیلزم التّفکیک وکذا إن حمل علیهما معا فإنّه باعتبار إرادة الزّوج یکون مستثنی من المفهوم وباعتبار إرادة ولی الزّوجة یکون مستثنی من المنطوق وهذا مع أنّه تفکیک عن المستثنی الأوّل جمع بین المعنیین ولا یجوز حمل النّصف المذکور علی النّصف الرّجوع إلی الزّوج لأنّه خلاف الظّاهر مع أنّه یلزم حینئذ استثناء قوله إلاّ أن یعفون من المفهوم إذ المراد هو الزّوجات بقرینة عدم حذف النّون مع النّاصب فیلزم التّفکیک أیضا نعم لو جعل النّصف المذکور عبارة عن النّصفین جمیعا بأن یکون قوله فنصف ما فرضتم بمعنی فلینصف المهر بینهما صح إرادة الزّوج من الموصول لکنّه تعسف بعید فتعین کون المراد أولیاء الزّوجة ولا إجمال والله أعلم وأمّا الفعل المجمل فکما إذا صدر من الإمام علیه السلام فعل ولم یعلم کونه علی وجه الوجوب أو الاستحباب ثم إنّ المبین مقابل المجمل فهو ما لم یحتمل احتمالین فصاعدا مع التّساوی إذا عرفت تعریف المجمل والمبین فهنا مطالب أحدها إذا ورد مجمل ومبین فإن اتحد المحکوم به والسّبب والحکم وکان إیجابا حمل المجمل

ص: 386

علی المبین کقوله إن جاء زید فتصدق بعین وإن جاء زید فتصدق بذهب مثلا فیحمل العین علی الذّهب لما مر فی وجه حمل المطلق علی المقید إذ لا یقتضی الخطابان أکثر من تکلیف واحد لاحتمال کون المراد من العین هو الذّهب فلا یکون تکلیف زائد فالأصل هو البراءة وکذا لو کان الحکم نفیا نحو لا تتصدق بعین ولا تتصدق بالذهب لعین ما ذکر فی الإیجاب ولا یجری هنا ما سبق فی المطلق والمقید من الحمل علی العموم إذ لو حمل علی العموم بالنّسبة إلی معنی واحد لم ینفع وإن حمل علی نفی جمیع المعانی لزم استعماله فی الأکثر من معنی واحد وهو غیر جائز وإذا کانا مختلفین نحو تصدق بعین ولا تتصدق بالذّهب أو بالعکس حمل المجمل علی ضد المبین فإن کان متحدا حصل البیان مطلقا وإن تکثر الضّد بقی الإجمال بالنّسبة إلیها وهو ظاهر وبما ذکرنا تبین أنّ حمل المجمل علی المبین فی المثبتین والمنفیین إنّما هو فی مقام الحکم لا الإرادة بمعنی أنّه لا یوجب کون المراد من المجمل هو المبین بل لما کان ذلک محتملا أوجب الشّک فی وحدة التّکلیف وتعدده الموجب للرّجوع إلی أصالة عدم التّعدد وأمّا فی المختلفین فالحمل إنّما هو فی مقام الإرادة حذرا من لزوم التّناقض وأمّا حمل القرء فی العدة علی الحیض للخبر الدّال علی کون العدة بذلک فإنّما هو لما ثبت فی الخارج من أنّ العدة لیست إلاّ بالطّهر أو بالحیض وکذا حمل ما ورد من أنّ المسافر إذا أقام مترددا فی بلد شهرا أتم علی إرادة العددی لما ورد من الخبر الدّال علی أنّه إذا أقام ثلاثین یوما مترددا أتم فإنّما هو أیضا الثّبوت عدم اعتبار المجموع العددی والهلالی والحاصل أنّه إذا ثبت اتحاد التّکلیف من دلیل خارجی حمل المجمل علی المبین فی مقام الإرادة أیضا دون ما لو ثبت الاتحاد بالأصل فإنّه لا یعین المراد وکذا یحمل علی المبین إذا کان عدم حمله علیه مستلزما للّزوم مخالفة الظّاهر فی الخطاب فإنّ أصالة عدم مخالفة الظّاهر موجبة لحمله علیه کما لو قال أکرم العلماء ثم قال لا تکرم زیدا وکان زید مشترکا بین العالم والجاهل فإنّ أصالة عدم التّخصیص مبیّنة لإرادة الجاهل منه وکذا لو کان الإجمال فی الحکم کما ذکروا الإجماع علی جواز بیع المأخوذ بالمعاطاة فإنّه مجمل لاحتمال کونه حکما تعبدیّا فی مورده ویحتمل کونه لأجل إفادة المعاطاة للملک وأصالة عدم التّخصیص فی قوله لا بیع إلاّ فی ملک یبین أنّ وجه الحکم هو الاحتمال الثّانی وکالحکم بجواز التّطهیر بالماء القلیل لاحتمال نجاسة الماء بالاستعمال فیکون مخرجا عن عموم القاعدة وهی أنّ النّجس لا یطهر واحتمال عدم النّجاسة فلا یلزم التّخصیص وأصالة عدم التّخصیص یعین الثّانی إن لم یعارض بلزوم التّخصیص علی الثّانی للقاعدة أیضا أعنی نجاسة الماء القلیل بالملاقاة وأمثال

ص: 387

ذلک کثیرة جدا الثّانی إذا تردد اللّفظ بین احتمالین یلزم من أحدهما کونه مجملا ومن الآخر کونه مبینا فهل هو مجمل أو لا نحو قوله تعالی وأحل لکم ما وراء ذلکم أن تبتغوا بأموالکم محصنین غیر مسافحین فإنّ الإحصان مردد بین احتمالین أحدهما أن یکون المراد التّزویج فلا إجمال والثّانی أن یکون المراد التّعفف وهو مجمل إذ لا یعلم أنّ التّعفف یحصل بأی شیء والتّحقیق أن یحمل علی المعنی الأوّل لغلبة البیان فی کلام الشّارع فحمله علی المعنی الموجب للاحتمال حمل علی خلاف الغالب وهو غیر جائز الثّالث المجمل إمّا ذاتی أو عرضی فالذّاتی هو الّذی لم یقترن بالبیان أصلا والثّانی هو الّذی اقترن بالبیان ولکن عرض اختفاء المبین بسبب الحوادث وطول العهد وأکثر المجملات الموجودة فی الأخبار الیوم من هذا القبیل ومحل علاجه مبحث البراءة والاحتیاط وأمّا الإجمال الذّاتی فاختلفوا فی أنّه هل یجوز أن یقع فی کلام الشّارع من غیر أن یذکر له بیان أصلا ولو فی زمان الحاجة أو لا فقیل بعدمه لوجهین الأوّل أنّ الشّارع إذا ذکر المجمل فإن لم یکن غرضه الإفهام کان عبثا وسفها وإن قصد الإفهام فإن کان من غیر قرینة کان قاصدا للحال وإن کان مع القرینة کان تطویلا بلا طائل وهذا الاستدلال لو تم لدل علی عدم جواز الخطاب بالمشترک ولو مع القرینة وفساده ظاهر أمّا أوّلا فلأنّه إن أراد من الإفهام الإفهام الإجمالی بدون القرینة فکونه محالا ممنوع لأنّ المخاطب یفهم أنّ المراد أحد المعنیین وهذا هو ما قصده المخاطب بالإفهام وإن أراد الإفهام تفصیلا فانتفاؤه لا یستلزم العبث إذ ربما یتعلق غرض المولی باختبار العبد أنّه فی أی مقام من الطّاعة فیخاطبه بالمجمل لیری أنّه هل ممتثل بإتیان جمیع المحتملات أو لا وأمّا ثانیا فلأنّ الإفهام مع القرینة لیس تطویلا إذ ربما یترتب علی ذکر القرینة فائدة لا یترتب عند فقدها الثّانی أنّ التّکلیف بالمجمل تکلیف من غیر بیان وهو قبیح وفیه أنّ انتفاء البیان إنّما یکون موجبا لقبح التّکلیف إذا کان بحیث لا یتمکن المکلف من الامتثال بإتیان المحتملات احتیاطا وأمّا مع إمکانه فلا یقبح التّکلیف عقلا وما یقال من أنّه قبیح عرفا لأنّ المولی إذا أمر العبد بمجمل وترک العبد الاحتیاط معتذرا بعدم البیان فعاقبه المولی عد قبیحا فی العرف مدفوع بعدم التّسلیم بل لا یبعد بناء العرف علی ذم العبد التّارک للامتثال سیما إذا کان عدم البیان من المولی لعذر فافهم قال بعض الأفاضل ما ذکره بعضهم من جواز التّکلیف بالمجمل ینافی ما تقرر عندهم وأقر به ذلک البعض من قبح تأخر البیان عن وقت الحاجة وذلک لأنّه أعم من أن یکون المجمل نفس التّکلیف أو المکلف به فالجمع بین القولین تناقض وفیه أنّ المراد من وقت الحاجة هو وقت الاحتیاج إلی البیان لا وقت الفعل

ص: 388

ولا وقت یصح الفعل وحینئذ فارتفع التّناقض فهنا دعویان أحدهما أنّ المراد بوقت الحاجة هو وقت الحاجة إلی البیان والثّانیة ارتفاع التّناقض حینئذ أمّا الثّانیة فظاهر لأنّ قبح تأخیر البیان عن وقت الحاجة وذلک إلیه لا یعین وقت الحاجة فیجب تعیینه من الخارج فنقول أمّا الإجمال فی التّکلیف فوقت الحاجة إلی البیان فیه وقت الخطاب أو وقت العمل علی اختلاف القولین وکیف کان فالاحتیاج فیه ثابت قطعا إمّا لأنّ الغرض من التّکلیف حمل المکلف علی إتیان الفعل بعنوان الطّاعة وهذا غیر حاصل عند عدم البیان فالتّکلیف بدونه عبث وأمّا استقلال العقل وبناء العقلاء علی استقباح المولی إذا عاقب العبد علی مخالفة التّکلیف الّذی لم یتمکن العبد من تحصیل العلم به ولو إجمالا وغیر ذلک من الوجوه المذکورة لأصالة البراءة عند الشّک فی التّکلیف وأمّا الإجمال فی المکلف به فالحاجة إلی البیان فیه ثابت فی مقامین أحدهما کون المکلف به ماهیّة مرکبة مخترعة بحیث لا یصل إلیه العقل کالصّلاة والحج مثلا فالتّکلیف به قبیح من دون بیان ثانیهما کونه مرددا بین أمور غیر محصورة لا یتمکن المکلف من إتیانها جمیعا فالتّکلیف به أیضا قبیح وأمّا إذا کان مرددا بین أمور محصورة یتمکن المکلف من إتیانها فلا قبح فی التّکلیف به من غیر بیان ولا حاجة فیه إلی البیان کما یحکمون بذلک فی الإجمال العرضی وهو الحاصل باختفاء البیان بسبب الحوادث وبالجملة لا یعتبر فی التّکلیف إلاّ التّمکن من العلم بالتّکلیف ولو إجمالا والتّمکن من الامتثال ولو بالاحتیاط ومن یجوّز التّکلیف بالمجمل إنّما یجوّزه مع وجود هذین الأمرین لا مطلقا ومع وجود الأمرین لیس هناک وقت الحاجة إلی البیان حتی یقبح تأخیر البیان عنه فلا تناقض وأمّا الأولی فلأنّه لا وجه لقبح تأخیر البیان عن وقت الفعل أو عن وقت یصح فیه الفعل أمّا الأوّل فلأنّه لا یقبح تأخیره عن وقت نفس الفعل المطلوب إذ الفعل المجهول إن أمکن إتیانه فلا وجه لقبح تأخیر البیان وإن لم یمکن فکیف یتحقق الفعل حتی یتأخر عنه البیان وأمّا الثّانی أعنی عن وقت یصح فیه الفعل فلأنّه ربما یکون المکلف عاصیا لا یکون بصدد الامتثال فلا وجه لقبح تأخیر البیان فی حقه وکذا لا یتم فی الواجب الکفائی إذا أتی به من فیه الکفایة وکذا فی الواجب التّخییری إذا تمکن الشّخص من بدله فلا قبح فی تأخیر بیان المجمل عن وقت یصح فیه العمل فی شیء من هذه المقامات ولیس ذلک إلاّ لعدم کونه وقت الاحتیاج إلی البیان فتأمل

تنبیهات

أحدها

اختلفوا فی أنّ العام الوارد فی مورد المدح أو الذّم مجمل فلا یجوز التّمسک بعمومه أو مبین ذکروا فی ذلک فی قوله تعالی

ص: 389

قد أفلح المؤمنون إلی قوله والّذین هم لفروجهم حافظون إلاّ علی أزواجهم أو ما ملکت أیمانهم فإنّه وارد فی مورد مدح المؤمنین فقیل لا یمکن التّمسک بعموم المستثنی منه علی عدم جواز أمر ثالث غیر التّزویج وملک الیمین فلا یضر جعل التّحلیل شقا ثالثا ولا یوجب زیادة التّخصیص بل العام فیه مجمل لشیوع ذکر العام فی مقام المدح فی العرف والعادة من باب المبالغة والادعاء کقوله وأخفت أهل الشّرک حتی أنّه لتخافک النّطف الّتی لم تخلق وشیوع ذلک قادح فی ظهور العام فی العموم الحقیقی حینئذ کما أنّ شیوع استعمال الأمر عقیب الحظر فی رفع الحظر مانع عن ظهوره فی الوجوب فی ذلک المقام وقیل بل لا إجمال بل یحمل علی العموم الحقیقی لأنّ مثل ذلک مبالغة مردودة لا تقع فی کلام من لا یجوز علیه الإغراق والکذب بل لا یقع المبالغة فی کلامه إلاّ المقبولة کقوله تعالی یکاد زیتها یضیء والشّیوع المذکور إنّما هو فی کلمات الشّعراء وأمثالهم لا فی العرف والعادة لیمکن تنزیل کلام الشّارع علیه وهذا أقوی ولو سلم فالحصر مستفاد فی الآیة من قوله تعالی فمن ابتغی وراء ذلک فأولئک هم العادون

الثّانی

اختلفوا فی أنّ قوله تعالی وامسحوا برءوسکم وأرجلکم إلی الکعبین مجمل أو لا فقیل مجمل نظرا إلی أنّ الباء للتّبعیض ولا یعلم أنّ المراد أی بعض من الأبعاض أو أنّه للإلصاق فیکون مرددا بین إرادة مسح کل الرّأس أو البعض وفیه نظر أمّا علی الإلصاق فلأنّه إمّا ظاهر فی اقتران المسح بکل الرّأس أو ظاهر فی الأعم منه ومسح البعض فیحصل الامتثال بکل منهما ولا إجمال علی التّقدیرین وإمّا علی التّبعیض فلظهوره حینئذ فی البعض المطلق فیحصل الامتثال بأی بعض کان لو لا المعین الخارجی والتّحقیق أنّ الباء فی الآیة للتّبعیض لتصریح أهل اللّغة بوروده له لغة ولا عبرة بإنکار سیبویه لأنّ المثبت مقدم علی النّافی وکل من قال بوروده للتّبعیض لغة قال بأنّه المراد فی الآیة ولما ورد فی الرّوایة عن زرارة حیث سأل الصّادق علیه السلام من أین علمت أنّ المسح ببعض الرّأس فقال علیه السلام لمکان الباء إذ لو کان الباء للإلصاق لما کان الاکتفاء بالبعض أو تعیینه مستندا إلیه وهو الظّاهر وبذلک یندفع اعتراض العامة علی الشّیعة فی تعیین الکعب بیانه أنّ الکعب عند الشّیعة إمّا قبة القدم أو المفصل بین السّاق والقدم وعند العامة الکعبان هما المعظمان الثّابتان فی طرفی القدم واعترضوا علی الشّیعة بأنّ المراد بأرجلکم إمّا أفراد الرّجل أو مجموع الأرجل وعلی الأوّل یجب أن یقال إلی الکعب لأنّ لکل رجل کعب عندکم لا کعبان وعلی الثّانی یجب أن یقال إلی الکعبان وهو ظاهر ووجه دفعه أنّ أرجلکم معطوف علی مدخول الباء فیکون

ص: 390

المراد البعض فیدور الأمر بین إرادة بعض کل رجل وبعض مجموع الأرجل بأن یمسح کل أحد تمام أحد رجلیه فإنّه یصدق أنّهم مسحوا بعض الأرجل فلو قال إلی الکعب أو إلی الکعاب لم یعلم أنّ المراد مسح البعض من کل رجل فتثنیة الکعب قرینة علی أنّ المراد مسح الرّجلین أی البعض من کل منهما وهذا بخلاف مسح الرّأس إذ لا یفرض التّبعیض بالنّسبة إلی مجموع الرّءوس إلاّ بأن یجب علی الشّخص المسح برأس غیره لا یقال إنّ المراد أن یمسح کل أحد تمام رأسه ورأسه بعض الرّءوس لأنّا نقول لا یصدق حینئذ أنّ المسح وقع ببعض الرّءوس فإنّه إذا مسح کل مکلف رأسه فقد وقع المسح بکل رأس بخلاف الرّجل إذ لو مسح کل أحد أحد رجلیه لم یصدق أنّه وقع المسح بکل رجل وهذا هو النّکتة فی تثنیة الکعب ولانتفاء التّبعیض فی الیدین لم یأت بالتّثنیة فی المرفق بل قال إلی المرافق وحینئذ فیرد الاعتراض علی العامة أنّه لو کان فی کل رجل کعبان فلا یکون دلالة فی الآیة علی وجوب مسح الرّجلین بل لو اکتفی بمسح رجل واحد إلی الکعبین صدق مسح بعض الأرجل لما عرفت من أنّ التّحقیق کون الباء للتّبعیض إلاّ أن یمنع کون العطف علی الرّءوس بل هو معطوف علی الوجوه ویکون الجر للجوار وفیه تکلف ظاهر هذا کله بناء علی قراءة الجر وأمّا علی النّصب فهو معطوف علی محل الرّءوس ولا یدخل علیه التّبعیض فنجیب عن الاعتراض المذکور بأنّ الکعبین عبارة عن مجموع قبّة القدم والمفصل والمراد انتهاء حد المسح بهذه المسافة ویأتی الکلام فی أنّ المنتهی أوّل المسافة أو آخرها وبعبارة أخری المنتهی هو الکعب الأوّل أو الأخیر والحاصل أنّا نسلم أنّ فی کل رجل کعبین لکنّهما غیر العظمین النّائبین فالإعراض مدفوع رأسا فتأمّل

الثّالث

إذا تعلق الحکم باسم فهل هو ظاهر فی التّعلق بجمیع أجزاء المسمی أو ظاهر فی الأعم من الکل والبعض أو مجمل نحو قوله تعالی اغسلوا وجوهکم ونحو ولیتراوح علیه أربعة یوما فقیل إنّ الاسم الموضوع للکل إنّما هو موضوع له فی حالة الأفراد وأمّا فی حالة التّرکیب فهو موضوع بوضع آخر لکل جزء من الأجزاء إمّا بطریق الاشتراک المعنوی أو الاشتراک اللّفظی فالیوم فی حالة الأفراد موضوع للمقدار الخاص ما بین طلوع الفجر أو الشّمس إلی الغروب وأمّا فی حالة التّرکیب فموضوع لکل بعض من أبعاض الیوم ولهذا یغتفر فی یوم الأجیر مضی مقدار من طلوع الشّمس أیضا والتّحقیق أنّه لا یختلف وضع الاسم أفرادا وترکیبا بل هو موضوع لمجموع الأجزاء مطلقا ویکفینا أصالة عدم تعدد الوضع مع أنّ الاشتراک المعنوی بین الأقل والأکثر غیر معقول لانتفاء القدر المشترک بینهما لأنّ المقدار

ص: 391

الزّائد عن الأقل إن کان معتبرا فی الموضوع له خرج الأقل عن أفراده وإن لم یعتبر خرج الأکثر هذا ولکن نسبة الحکم إلی الاسم المذکور تختلف باختلاف المقامات ففیما إذا جعل الزّمان مقدارا لشیء فظاهر النّسبة التّقدیر بمجموع الزّمان کما فی التّراوح وفی أقل الحیض وأمثاله وإذا جعل ظرفا لشیء فهو أعم من البعض والکل بل فی مقام التّقدیر أیضا ربما یتعارف إرادة التّقدیر بالبعض کیوم الأخیر فتحمل النّسبة علیه وأمّا غیر الزّمان فهو أیضا یختلف باختلاف المتعارف فإذا قال اغسل جسدک فالظاهر تمام الجسد وإذا قال اغسل یدک فالظاهر غسله من الزّند مثلا لا إلی الکتف کل ذلک للتّعارف فی النّسبة ولیس فی شیء من ذلک تصرف فی معنی الاسم وما ذکروه من الأمثلة لإطلاق الاسم علی بعض الأجزاء کلها محمولة علی التّصرف فی النّسبة کما فی قوله تعالی وأیدیکم إلی المرافق فلم یطلق الید علی بعض العضو بل الحکم إنّما تعلق بالبعض ولا ینافی ذلک کون إلی غایة للمغسول لا للغسل کما هو مذهب الخاصة وذلک لأنّ الغسل إذا تعلق بالبعض الخاص حصل له بتبعیّة مسافة المغسول مسافة موهومة نظیر الحرکة بمعنی القطع الّتی تنتزع من نسبة الحرکة بمعنی التّوسط إلی أجزاء المسافة وحینئذ فیکون کلمة إلی بیانا لمقدار مسافة الغسل لا بیانا لکیفیّة الغسل حتی یلزم النّکس فی الوضوء

أصل المبین نقیض المجمل

فهو ما لیس فیه احتمالان فصاعدا علی وجه التّساوی إمّا فی نفسه أو بواسطة کونه مبینا بأمر خارج وإطلاقه علی الأوّل من قبیل قولهم ضیق فم الرّکیّة أی أوجده ضیقا وهو أیضا قد یکون لفظا وقد یکون فعلا والمبین بالکسر یطلق علی اللّفظ الّذی یحصل به بیان المجمل أو الفعل کذلک وهکذا البیان لکنّه قد یطلق علی ما یحصل به بیان المجمل وقد یطلق علی ما یبین به إرادة خلاف الظّاهر کقرینة المجاز والتّخصیص بالنّظر إلی العام إذا عرفت ذلک فهنا مطالب أحدها لا إشکال فی اعتبار ظواهر الألفاظ فی مقام البیان وغیره وإن لم یفد سوی الظّن وهل یکتفی بالظّنّ بکون اللّفظ واردا لبیان المجمل أو لا بل لا بد من العلم بذلک أو تصریح المتکلم بلفظ آخر دال بظاهره علی أنّه فی مقام البیان الحق أنّه إذا ظهر بسبب حال المتکلم أنّه فی مقام البیان کان کافیا ولا یلزم العلم بذلک ولا لفظ آخر وذلک لأنّ کون المتکلم قاصدا لمعنی من المعانی من اللّفظ من الحقیقة أو المجاز أو الکنایة أو المبالغة أو التّأکید أو نحو ذلک لیس أمرا مستفادا من نفس اللّفظ ولا منه مع العلم بالوضع أو القرینة بل لا بد فی ذلک من ضم مقدمات عدیدة راجعة إلی ملاحظة حالة المتکلم مثل أنّه حکیم لا یفعل العبث ولا القبیح بعدم إرادة المعنی أو إرادة

ص: 392

معنی لا یستفاد من اللّفظ وأنّه فی مقام بیان ما فی ضمیره وغیر ذلک ففی کل مقام من المقامات یحتاج الحکم بإرادة المعنی المستعمل فیه من اللّفظ إلی ملاحظة هذه المقدمات فلو لا الاکتفاء فیها بالظهور لما کان للإجماع علی حجّیّة ظواهر الألفاظ فائدة بعد ظنّیّة هذه المقدمات غالبا بل لو تأملت لوجدت الإجماع علی حجّیّة هذا الظّهور أظهر من الإجماع علی حجّیّة الظّواهر کما یظهر من ملاحظة المحاورات المتعارفة ولا معنی للحکم بلزوم بیان القصد المذکور بلفظ آخر بل ذلک مستلزم للتّسلسل لأنّ کونه قاصدا به المعنی أیضا یتوقف علی بیانه بلفظ آخر حینئذ لکن لا ینبغی التّعدی عن الظّهور الناشئ من قرینة الحال إلی سائر الأمور الخارجة کما سیظهر إن شاء الله الثّانی قد عرفت عدم الإشکال فی اعتبار ظهور کون اللّفظ فی مقام البیان کاعتبار نفس ظاهر اللّفظ وهل یکتفی فی الفعل أیضا بظهوره فی مقام البیان أو لا بد من العلم بذلک وبعد العلم بکونه للبیان هل یکتفی بالظن الحاصل منه کالظّهور اللّفظی أو لا بد من العلم وأیضا هل یحصل البیان بالأمر الّذی لم یثبت حجّیّته شرعا أو لا إشکالات ربما یظهر من بعضهم اختیار الشّق الأوّل فی کل من المسائل الثّلاث لوجهین أحدهما أنّ البیان لیس فی عرض سائر الأدلة وإنّما هو قرینة علی تعیین معنی المجمل والمدار فی القرائن علی الکشف عن المعنی ولو ظنا ولا یعتبر فی القرینة الکشف القطعی ولا کونها حجّة بنفسها فإن الغلبة قد تکون قرینة علی تعیین معنی المشترک مع أنّها غیر قابلة لإثبات الأحکام وکذا قرینة الحال قد تصیر سببا لتعیین المراد مع أنّها غیر معتبرة بنفسها ولهذا لم یکتف جماعة بشهادة الحال بجواز التّصرف فی المال الموضوع إلاّ إذا أفادت العلم وثانیهما أنّ الظّهور اللّفظی حجّة إجماعا واللّفظ المجمل بعد اقترانه بهذه الأمور یصیر ظاهرا فی أحد المعنیین فیکون حجّة ولا یدع فی صیرورة الأمر الغیر المعتبر سببا لحدوث وصف الاعتبار فی شیء ألا تری أنّ الشّهرة فی نفسها لیست بحجّة مع أنّها تصیر سببا لاعتبار الخبر الضّعیف بناء علی القول بحجّیّة الظّن الخبری مطلقا وذلک لأنّ الشّهرة توجب حدوث الظّن بمضمون الخبر المذکور ویکون معتبرا وحینئذ فیتم المطالب الثّلاثة لأنّ الظّن بکون الفعل بیانا أو ظهوره فی المعنی أو الأمر الغیر المعتبر کل منها سبب لحدوث وصف الظّهور فی المجمل والظّاهر حجّة وفیهما نظر أمّا الأوّل فلأنّا نسلم أنّ المدار فی القرینة علی الکشف ولو ظنا ولکن فی الجملة لا مطلقا بل یعتبر فی القرینة کونها مما یمکن اتکال المتکلم علیه عرفا فی إفادة مراده ولذا تسمعهم یقولون إنّ الشّهرة لا تصلح جابرة لدلالة الخبر لعدم إمکان اتکال الإمام علیه السلام فی إفادة مراده علی الشّهرة الّتی تحدث بعد سنیین کثیرة ولا دلیل علی اعتبار هذه الأمور أمّا الثّانی فلأنّ محض الظّن بکون المراد من المجمل أحد المعنیین

ص: 393

بسبب هذه الأمور لا یوجب حدوث وصف الظّهور اللّفظی الّذی هو حجّة لأنّ المناط فی الظّهور المعتبر کون الکلام مع ما یکتنفه من اللّواحق المعتبرة عرفا ظاهرا فی شیء وهنا لیس کذلک فالتّحقیق عدم اعتبار شیء من هذه الأمور إلاّ علی القول باعتبار مطلق الظّن فی الأحکام الشّرعیّة وأمّا بناء علی حجّیّة الظّنون المخصوصة فلا دلیل علی شیء منها نعم ظهور الفعل إذا کان مستندا إلی وضع الواضع لم یکن فی اعتباره إشکال کالخطوط أو العقود والإشارات ونحوها لأنّ الظّواهر الوضعیّة لا فرق فیها بین الألفاظ وغیرها وأمّا غیره فلا الثّالث هل یعتبر فی البیان کونه أقوی من المبین من حیث السّند ومن حیث الدّلالة أو لا الحق أنّه إن کان بیانا للمجمل فلا یعتبر فیه إلاّ کونه حجّة فی نفسه إذ لا تعارض بینه وبین المبین لیرجع إلی المرجح وإن کان قرینة لصرف المبین عن ظاهره اعتبر فیه کونه أظهر دلالة من المبین لیوجب صرفه عن ظاهره ولا یعتبر کونه أقوی سندا بعد فرض کونه حجّة فیجوز تخصیص الکتاب بخبر الواحد فإنّ الجمع متی أمکن بالوجه المتعارف فالرّجوع إلی المرجحات السّندیّة باطل نعم لو کان قوة السّند فی المبین سببا لخروج البیان عن الحجّیّة لم یجز صرفه عن ظاهره وهو خارج عن محل الکلام کالعام الموافق للمشهور فإنّه لا یخصص بالخاص المخالف له لخروج الخاص بإعراض المشهور عن الاعتبار بناء علی کون مخالفة الشّهرة موهنة فافهم واغتنم قد وقع الفراغ من تسوید المجلد الأوّل من کتاب غایة المسئول فی علم الأصول علی ید مؤلفه الجانی محمد حسین بن محمد علی بن محمد حسین الموسوی الحسینی الشّهرستانی 1281 کتبه العبد الآثم الجانی ابن محمد علی محمد حسن الگلپایگانی

ص: 394

بسم الله الرّحمن الرّحیم وبه ثقتی

الحمد لله رب العالمین ونشهد أن لا إله إلاّ الله مخلصین ونصلی علی محمد خاتم النّبیین وآله أمناء الدّین المبین سیما علی أمیر المؤمنین صلوات الله علیهم أجمعین وبعد یقول العبد البائس الفانی محمد حسین محمد بن علی الموسوی الحسینی الشّهرستانی إنّ هذا هو المجلد الثّانی من کتاب غایة المسئول ونهایة المأمول وهو مشتمل علی جملة من مسائل الأصول کحجّیّة الظّن بإطلاقه أو بخصوص بعض أقسامه وبعض الأصول العملیّة وقع التّشاجر والتّنازع فیها بین الأکابر الفحول وبالله أستعین فإنّه خیر مأمول

أصل اختلفوا فی التّعبد بالظّنّ هل هو ممکن عقلا أو لا وعلی الأوّل هل هو واقع شرعا أو لا

والحق فی المقامین هو الثّبوت بل إثبات الوقوع یغنی عن إثبات الإمکان وقد ثبت بالأدلة القطعیّة حجّیّة أمور لا تفید إلاّ الظّن فی هذه الأزمان کما سیأتی تحقیقه إن شاء الله ووافقنا فی حجّیّة تلک الأمور بعض الأخباریّة من الشّیعة ومع ذلک ادعوا عدم حجّیّة شیء من الظّنون وعدم وقوع التّعبد بها فی الشّریعة فاعترفوا بحجّیّة أخبار الآحاد ومع ذلک ادعوا العمل بالعلم وطعنوا علی المجتهدین فی العمل بالظّنّ وهم فی الدّعوی المذکورة فرق عدیدة فمنهم من زعم أنّ الحکم الواقعی هو مدلول الأخبار لا حکم فی الواقع غیره وهو علمی فلا عمل إلاّ بالعلم وذلک إمّا لقبح التّکلیف بما لا سبیل إلیه علما فیکون المکلف به هو ما یکون السّبیل إلیه علما ولیس إلاّ مدلول الأخبار فیکون هو المکلف به وإمّا لأنّ المفروض أنّ الشّارع خاطب بتلک الألفاظ فی مقام إفادة الحکم الواقعی والخطاب بما له ظاهر وإرادة خلافه قبیح فلا یصدر من الحکیم تعالی فالحکم الواقعی لیس إلاّ مدلول الخبر وهو وإن کان ظنّیّا مع قطع النّظر عن المقدمة المذکورة لکنّه علمی بعد ملاحظتها ومنهم من زعم أنّ الحکم الواقعی فی کل واقعة واحد ثابت عند الإمام علیه السلام لا یختلف باختلاف الأفهام وأنّ النّاس مکلفون بطلب ذلک الحکم من الأخبار المعتبرة فإذا اجتهد الشّخص وفهم من

ص: 395

الخبر حکما فهو وإن کان ظنا لاحتمال کونه مخالفا للواقع لکنّه یکون علما بملاحظة أنّ الإمام علیه السلام یجب علیه من باب اللّطف ردع من خطأ فی الاجتهاد من العلماء وإلاّ لانتفی وجه الحاجة إلیه وقد ورد فی الأخبار أیضا أن من شأن الإمام علیه السلام رفع ما یقع فی الّذین من زیادة أو نقیصة وحکایة المفید رحمه الله وقول الإمام علیه السلام له منک الخطأ ومنّا التّشدید مشهور وحینئذ فإذا لم یرد ردع علی المجتهد علم أنّ ما فهمه هو الحکم المطلوب منه واختلافه مع الحکم الواقعی إن کان فهو لا یضر لأنّه بحسب ما یراه الإمام علیه السلام من المصلحة قد انطبع الواقع فی ذهن المکلف بصورة أخری مطابقة للمصلحة فالاختلاف إنّما هو فی الصّورة وإلاّ فالحقیقة واحدة کالبیاض المشاهد من وراء منظرة خضراء یری أخضر مع أنّه بیاض فالبیاض هو الّذی ظهر بصورة الخضرة لا أنّ الحقیقة قد تبدلت هذا حاصل ما ذهب إلیه طوائف الأخباریّة والکل ظاهر الفساد أمّا ما ذهب إلیه الفرقة الأولی فیدفعه أوّلا ما ورد فی الأخبار المتواترة واتفقت علیه الإمامیّة من اتحاد الحکم الواقعی وعدم اختلافه باختلاف الظّنون والآراء فإنّهم إن أرادوا بالمدلول المدلول الواقعی فیکون هو المکلف به فلا ریب فی أنّ الطّریق إلیه هو الظّن لاختلاف المجتهدین فیه والکل لیس مدلولا واقعیّا فعاد المحذور وهو التّعبد بالظّنّ طریقا وإن أرادوا بالمدلول ما یظن المجتهد أنّه مدلول فهو المکلف به فلازمه أنّ الظّن به شرط التّکلیف وموضوع له فهذا هو عین مذهب التّصویب بل أدون منه لأنّ الظّن عند المصوّبة یلحظ بالنّسبة إلی الواقع فیکون الظّن بالواقع موضوعا للحکم عندهم وعند هؤلاء بالنّسبة إلی مدلول الدّلیل وکلاهما مشترکان فی القول بتبعیّة الحکم الظّن المجتهد من غیر جعله حجّیّة من باب الطّریقیّة إلی الحکم الواقعی الأوّل کما یقوله المجتهدون وفساده ظاهر وثانیا أنّ ما ذکروه فی وجه الاستدلال من قبح التّکلیف بما لا سبیل إلیه علما مسلم لکن لا یلزم منه کون المکلّف به فی الواقع هو مدلول الخبر ضرورة أنّ التّکلیف یتبع المصلحة وانسداد باب العلم إلی ما فیه المصلحة المقتضیة للتّکلیف حدوث المصلحة فیما یمکن تعلق العلم به وهو ظاهر وأیضا لا نسلم کون مدلول الخبر علمیّا ضرورة کونه مما یحتمل فیه إرادة خلاف الظّاهر فلا یتم الوجه الأوّل بضمیمة الوجه الثّانی من قبح إرادة خلاف الظّاهر بلا قرینة وهو أیضا لا یثبت المدعی أعنی العمل بالعلم وذلک لأنّ الإرادة من اللّفظ فرع صدور اللّفظ من الحکیم وهو غیر معلوم غایة الأمر ثبوت حجّیّة تلک الأخبار بالقطع حتی عند الأصولیین من غیر حاجة إلی تلک المقدمة وهی لا توجب قطعیّة صدور اللّفظ من الإمام علیه السلام حتی یکون مدلوله قطعیّا بالنّسبة إلی الحکم الواقعی نعم یکون لزوم العمل به قطعیّا وأمّا أنّه نفس الواقع أو بدله أو شیء آخر فلا یعلم من ذلک ثم إنّ ذکر تلک المقدمة حینئذ مستدرک إذ لا ربط لها بإثبات هذا المطلب نعم لو

ص: 396

أرید إثبات حجّیّة الخبر بآیة النّبإ مثلا صح إتمامه بالمقدمة المذکورة علی إشکال فیه أیضا وکذا من ادعی قطعیّة صدور الأخبار المجموعة فی الکتب الأربعة وهم فرقة ثالثة من الأخباریّة أمکنه التّمسک بالمقدمة المذکورة لإثبات کون المدلول علمیّا بالنسبة إلی الواقع لکن یرد علیه الإیراد الأوّل مع فساد دعواهم رأسا فی القطعیّة لما حقّقناه فی تحقیق الأدلّة وسیأتی تفصیله إن شاء الله وأمّا ما ذهب إلیه الفرقة الثّانیة فیدفعه أنّهم إن أرادوا أنّ الظّن بسبب ملاحظة لزوم التّسدید یکون علما بالنظر إلی الحکم الواقعی بعد ثبوت حجّیّته بدلیل آخر فلا ریب فی أنّ تجویز مخالفته للواقع حتی بعد التّسدید حینئذ فاسد لأنّ العلم لا یحتمل فیه المخالفة والقیاس علی المنظرة فاسد لأنّ المعلوم فی المقام هو الحکم الخاص کالوجوب مثلا وقضیّة مطابقة العلم للمعلوم أن یکون الواقع أیضا هو الوجوب وإلاّ لم یکن علما بل جهلا مرکبا فلا یمکن أن یکون الواقع هو الحرمة ویحصل العلم بأنّه الوجوب والقول باتحاد الحقیقة لا ینفع لأنّ المفروض تعلق العلم بالکیفیّة لا بالحقیقة فلا یجوز اختلاف الکیفیّة أیضا وأمّا مثال المنظرة فالمشاهد فیه إنّما هو الجسم متلبسا بلون الخضرة وکون الخضرة لونا للجسم المرئی لیس مشاهدا وإنّما هو توهم نشأ من اقتران لون المنظرة بلون الجسم فتوهم أنّها لون الجسم ولیس المقام من هذا القبیل لعدم إمکان تخلف العلم عن المعلوم ولا موجب للوهم ولا مدخل له فی المقام أصلا مع أنّ المحقق فی محله تضاد الأحکام الشّرعیّة ودعوی اتحاد الحقیقة غیر مسموعة مضافا إلی أنّ کل ذلک عرفان واستحسان لا وقع له عند أرباب الحقیقة والإتقان وإن أرادوا أنّ الظّن بسبب لزوم التّسدید یکون معلوم الحجّیّة ففیه أنّ حجّیّة الظّنّ لا بد أن تنتهی إلی دلیل قطعی حتی عند الأصولیین غایة الأمر أنّهم یثبتونها ببرهان الانسداد أو أنتم بدلیل التّسدید وهذا لا یوجب الطّعن مع أنّ دلیل التّسدید علیل فی إثبات هذا المطلب ضرورة أنّ لزوم التّسدید إنّما هو فرع کون الشّخص مکلفا بالعمل بالظّنّ وأمّا مع عدمه فلا دلیل علی لزوم الرّدع ولهذا لو حصل الظّن من القیاس لم یجب علی الإمام علیه السلام التّسدید حیث أنّه لم یثبت حجّیّته فافهم هذا مع أنّ لزوم التّسدید حتی عند ثبوت حجّیّة الظّن أیضا فاسد لوقوع خلافه فی الخارج ضرورة اختلاف الظّنون فی مسألة واحدة والمفروض اتحاد الحکم الواقعی فلو کان الرّدع لازما لزم کون غیر واحد من المجتهدین مقصرا فی عدم الارتداع عن ردع الإمام علیه السلام وهو خلاف مذهبهم إلاّ أن یدعو اختلاف المصلحة حیث تعلق الظّن بخلاف الواقع بحیث صار المظنون واقعیّا ثانویّا نظیر لزوم الغسل حال التّقیّة فهو وإن کان ظنا بالنّظر إلی الحکم الواقعی لکن عدم الرّدع منه مع جعله حجّة سبب للعلم بأنّه الحکم المطابق للمصلحة بالنّسبة إلی هذا الظّان بحیث لو سئل الإمام علیه السلام حال حضوره لأجابه بالحکم المذکور وهذا دعوی أخری لا اختصاص لها بالأخباریین بل القائل بها موجود من الأصولیین أیضا لکن من وجه آخر

ص: 397

وحاصله أنّ تعلق الظّن المعتبر بحکم مخالف للحکم الواقعی یوجب حدوث مصلحة فی ذلک الحکم یتدارک بها المصلحة الفائتة الثّابتة فی الحکم الواقعی وإلاّ لزم تفویت المصلحة الواقعیّة من إیجاب العمل بالظّنّ وعندنا أن شیئا منهما غیر لازم لجواز کون السّبب لجعل الظّن حجّة هو التّحفظ علی مصلحة الواقع بقدر الإمکان فإنّهم لما صاروا بأنفسهم سببا لانسداد باب العلم وغیبة الإمام علیه السلام دار الأمر بین ارتفاع التّکلیف رأسا وتفویت جمیع المصالح وبین التّکلیف بمقدار یساعده الأمور الظّنیّة المطابقة للواقع غالبا ولا ریب فی أنّ مقتضی اللّطف هو الثّانی فوجب فی الحکمة إیجاب العمل بمقتضی تلک الظّنون المطابقة للواقع ولما کان موارد المطابقة مشتبهة غیر ممتازة عن موارد التّخلف وجب العمل بالجمیع تحفظا علی موارد المطابقة لحفظ المصلحة الواقعیّة بقدر الإمکان نظیر أوامر الاحتیاط عند الشّک فی المکلف به إذ لیس فیها مصلحة إلاّ مصلحة الواقع وهو ظاهر ولو سلم فلیس هذا مما یجعل محلا للنّزاع ومحلا للطّعن واللّعن کما لا یخفی هذا مضافا إلی الأخبار الواردة فی أصالة البراءة عند الشّک فی التّکلیف مما فیه تجویز مخالفة الواقع عند الجهل به فلو کان التّسدید واجبا لکونه لطفا فی التّکلیف لم یکن مورد للجهل حتی یحتاج إلی أصالة البراءة وهکذا الاحتیاط وسائر الأصول المعتبرة عند التّحیّر والشّک وأمّا ما ورد فی الخبر من لزوم رفع الزّیادة والنّقیصة فلیس فیه دلالة علی کیفیّة الرّفع وأنّه بنحو الإلهام أو بالطّریق المتعارف الّذی یعتبر فیه التّمکن وعدم الخوف کما هو شأن الأئمة علیهم السلام فی زمان حضورهم علیهم السلام إذ لا فرق بین حضورهم علیهم السلام وغیبتهم علیهم السلام ولا ریب أنّ ردعهم فی زمان الحضور لم یکن خارجا عن الطّریق المتعارف وکان متوقفا علی عدم الخوف والتّقیّة ونحوهما فکذا فی زمان الغیبة وبالجملة فساد هذه الأقوال أظهر من أن یحتاج إلی بیان أو أن یتوقف علی برهان سیما الأخیر فإنّ لزوم التّسدید بالنّسبة إلی المجتهدین المختلفین فی الحکم بسبب اختلافهما فی فهم دلالة الخبر مثلا یوجب نسبة الإضلال إلی الإمام علیه السلام وذلک أنّ اللّفظ لیس له فی الواقع دلالة تامة إلاّ علی حکم واحد والآخر أخطأ فی فهم الخبر حیث زعم غیر المدلول مدلولا وهم یقولون إنّ ذلک من جهة أنّ الإمام علیه السلام أوقع هذا المعنی فی فهم ذلک المجتهد لکون ما فهمه منه هو الحکم له بحسب مصلحته واستعداده ولا ریب أنّ الفهم المذکور خطأ قطعا فالإمام علیه السلام هو الّذی أوقعه فی الخطإ فهو تضلیل مقدمة للإرشاد ونسبة ذلک إلی الإمام علیه السلام لیس إلاّ من الإلحاد مع عدم المقتضی لهذه التّکلّفات إلاّ العجز عن شبهة اعترض بها العامة علی الإمامیّة حیث أوجبوا العصمة الإمام علیه السلام بأنّکم تجوزون الخطأ علی المجتهدین الّذین هم الوسائط فلم لا تجوزونه فی الإمام علیه السلام فالعجز عن الجواب ألزمهم إیجاب عصمة المجتهدین أیضا مع أنّ الجواب ظاهر لأنّ الوجه فی وجوب العصمة لیس هو وصول کل أحد إلی الواقع علما ولو بغیر النّحو المتعارف وإلاّ لوجب عصمة جمیع الخلق بل الوجه فی عصمة الإمام علیه السلام

ص: 398

وهو قطع النّزاع وعدم إمکان الاعتراض علیه بوجه حتی من مجتهد آخر ولو لم یکن معصوما لکان لغیره القدح فی فتواه ورمیه بالخطإ والشّهود دعوی العلم بخلاف ما یفتی به وأمّا المعصوم فلا یمکن ذلک بالنّسبة إلیه وأمّا عدم وصول الواقع إلی الخلق فإنّما هو لعدم وجوب التّکلیف مطلقا حتی مع عدم وجود الطّریق العلمی بالأسباب المتعارفة بل الواجب فی اللّطف هو التّکلیف فیما یکون طریق العلم إلیه موجودا بالأسباب المتعارفة وهو مما یفتقر إلی البعث ونصب الإمام علیه السلام وتکلیف الخلق بالاستعلام منه ونقل الحاضرین إلی الغائبین والواجب من هذه الأمور علی الله تعالی من باب اللّطف هو بعث الرّسول ونصب الإمام علیه السلام وتکلیف الخلق بالأخذ منه وأمّا عدم منع الإمام علیه السلام من التّبلیغ والاستعلام منه والنّشر فی البلاد فإنّما یجب علی الخلق فإذا قصروا فی ذلک وکانوا سببا لغیبة الإمام علیه السلام وانسداد الطّریق العلمی فلا نسلم وجوب التّکلیف حینئذ علی إطلاقه بل إنّما یجب حسب ما یساعده الطّریق الظّنّی الّذی ربما یطابقه وحیث لم یکن موارد المطابقة معینة حکم بلزوم العمل بالکل مقدمة لما أشرنا إلیه هذا کله مع أنّ التّسدید لو کان فإنّما یتعقل فی المجتهدین وأمّا فی المقلدین المخیرین فی تقلید أیهم شاءوا فلا معنی لتسدیدهم إلاّ أن یلهمهم الإمام علیه السلام تقلید من یطابق فتواه الحکم الواقعی المطابق لمصلحة ذلک المقلد ظهورا وانکشافا فی ذهن المجتهد وهذا معنی عصمة الخلق طرا وهو أظهر فسادا من التّصویب الّذی ذهب إلیه العامة فافهم وهناک فرقة أخری من الأخباریّة ادعوا العمل بالعلم من جهة دعوی قطعیّة الأخبار المودعة فی الکتب الأربعة دلالة وسندا فیکون العمل بها فی هذا الزّمان کالعمل بما یسمع من لفظ الإمام علیه السلام فکما أنّه علمی بمعنی أنّه الحکم المطلوب من المکلف المطابق للمصلحة الواقعیّة فکذا العمل بهذه الأخبار أمّا قطعیّة الدّلالة فبما تقدم سابقا من قبح الخطاب بما له ظاهر وإرادة خلافه وأمّا قطعیّة السّند فتبینوها بوجهین أحدهما ما سبق الإشارة إلیه من أنّ فائدة الإمام المعصوم سد الخلل الواقع فی الشّرع وإیصال العباد إلی الأحکام الواقعیّة فلو کان تلک الأخبار مع وجوب العمل بها اتفاقا موضوعا ومجعولا لکان علی الإمام علیه السلام الرّدع والبیان وحیث لم یکن ذلک فهی صحیحة قطعا والجواب ما تقدم من أنّ لزوم الإمام علیه السلام المعصوم إنّما هو لکونه لطفا من جانب الله تعالی لیکون رادعا عن الخطإ بحسب الأسباب المتعارفة الّتی لا تنافی اختیار العباد لأنّ اللّطف هو التّقریب إلی الطّاعة من غیر الوصول إلی حد الإلجاء وأمّا وجوب التّصرف والرّدع فعلا فهو مشروط بعدم المانع من جانب الخلق وحیث تحقق المانع فلا یجب الرّدع بما یخرج عن الطّریق المتعارف وهذا مراد من قال إنّا نعمل بهذه الأخبار إذا کان هناک إمام معصوم من شأنه سد الخلل بالنحو المتعارف وأمّا مع فقده فلا یجوز العمل بها لإمکان أن یقع فیها خلل یمکن سدها بالنحو المتعارف فعدم نصب من یسدها مناف

ص: 399

للّطف الواجب علی الله تعالی من باب الحکمة فلو فرض عدم النّصب لکان التّعبد بهذه الأخبار قبیحا ونقضا للغرض ومع ذلک فینتفی التّکلیف لفقدان الطّریق وهو أیضا خلاف اللّطف فحیث لزم التّکلیف لزم نصب الإمام علیه السلام ثم التّعبد بالأخبار فلا یرد حینئذ إیراد العامة بأنّه إذا جاز خطأ الوسائط جاز خطأ کلها فلا یجب نصب الإمام علیه السلام بل یکفی الوسائط عن النّبی صلی الله علیه وآله ولا حاجة إلی التزام وجوب سد الخلل فعلا علی الإمام علیه السلام ولو بغیر النّحو المتعارف إذا منعوه من النّحو المتعارف باختیارهم لعدم الدّلیل علیه عقلا ولا نقلا لأنّ ما ورد من أنّ الإمام علیه السلام یرفع الزّیادة والنّقیصة ویسد الخلل إنّما المراد به ما کان ممکنا بالنّحو المتعارف وأنّه شأنه ذلک لو لا الموانع الاختیاریّة الصّادرة عن العباد عصیانا وظلما ولو أنّهم أقاموا التّوراة والإنجیل وما أنزل الله إلیهم لأکلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ولو أنّهم ردوه إلی الرّسول وإلی أولی الأمر منهم لعلمه الّذین یستنبطونه منهم والثّانی احتفاف تلک الأخبار بقرائن کثیرة توجب العلم بصحتها وصدورها عن المعصوم علیه السلام ومرجع ما ذکروه طرا إلی مقدمات ثلاثة قطعیّة بزعمهم أحدها تواتر الکتب الأربعة عن المحمدین الثّلاثة بحیث لیس هناک شک لأحد فی کونها منهم والثّانیة أنّ المحمدین الثّلاثة صرحوا بأنّ أخبار کتبهم مأخوذة عن الأصول المعتبرة الأربعمائة وشهدوا بذلک حتی أنّ الکلینی جعل أخبار کتبه حجّة بینه وبین ربه ونحن نعلم قطعا أنّهم لم یتعمدوا الکذب فی ذلک ولیس الخطأ فی المحسوسات مما یعتنی باحتماله عند أحد من العقلاء والثّالثة أنّ تلک الأصول کلها أخبار صحیحة یقطع بصدورها عن المعصوم علیه السلام سیما ما انتخب منها وأثبت فی الکتب الأربعة وهذه الدّعوی لا تختص بالأخباریین بل وافقهم فی ذلک جماعة من الأصولیین واستظهروها من ملاحظة کیفیّة ورودها إلینا وکیفیّة اهتمام أرباب الکتب الأربعة ومن تقدم علیهم فی تنقیح ما ودعوه فی کتبهم وعدم الاکتفاء بمحض وجدان الرّوایة فی کتاب وإیداعها فی کتبهم حذرا من کون ذلک الکتاب مدسوسا فیه من بعض الکذابین بل کان مدارهم علی إیداع ما سمعوه من صاحب الکتاب أو ممن سمعه منه مع الاطمئنان التّام بالوسائط وشدة وثوقهم بهم حتی أنّهم ربما کانوا یتبعونهم فی تصحیح الحدیث ورده کما اتفق للصّدوق بالنّسبة إلی شیخه محمد بن الحسن بن الولید رحمه الله وقد حکی عن جماعة منهم التّحرز عن الرّوایة عمن یروی من الضّعفاء ویعتمد المراسیل وإن کان ثقة فی نفسه بل عمن کان یعمل بالقیاس مع أنّ عمله لا یقدح فی الرّوایة وکانوا یتوقفون فی روایات من کان علی الحق فعدل عنه وإن کانت حال استقامته حتی أذن لهم الإمام علیه السلام مضافا إلی أنّ الدّاعی إلی شدة الاهتمام موجود وهو کون تلک الرّوایات أساس الدّین وبها قوام الشّرع المتین وقد وقع الحث الأکید من النّبی صلی الله علیه وآله والأئمة الطّاهرین عصرا بعد عصر علی ضبط الأخبار و

ص: 400

تدوینها ونشرها وحفظها لتکون مرجعا لمن یأتی بعدهم حذرا من تضییع من فی الأصلاب هذا مع أنّ جملة من تلک الأصول قد عرضت علی الأئمة علیهم السلام فصححوها فما ورد من الکذب والوضع والدّسیسة لا یقدح فی القطعیّة لأنّها إنّما کانت قبل النّقد والانتخاب کیف وقد کان الأصحاب شکر الله تعالی سعیهم من زمان الصّادقین علیه السلام إلی زمان أرباب الکتب مما یقرب من ثلاثمائة سنة فی غایة الاهتمام فی تنقیح الأخبار وتهذیبها وحفظها حتی حکی أنّ محمد بن مسلم حفظ ثلاثین ألف حدیثا عن الباقر علیه السلام وستة عشر ألفا عن الصّادق علیه السلام ویونس بن عبد الرّحمن ألف مائة کتاب فی رد العامة وجابر بن یزید حفظ سبعین ألفا مما أمر بنشره وروایته وسبعین ألفا مما أمر بکتمانه ونقل عن الحسن بن علی الوشاء أنّه قال إنّی أدرکت فی هذا المسجد مائة شیخ کل یقول حدثنی جعفر بن محمد علیه السلام وقد حکی أنّ الرّواة عن الصّادق علیه السلام تبلغ إلی أربعة آلاف وأیضا من المعلوم أنّ الأصول الأربعمائة تشترک فی أحادیث کثیرة ولا ریب فی أنّ الخبر إذا کان مرویّا بأربعمائة طریق یکون قطعیّا ولهذا حکی عن بعضهم أنّ التّدوین فی الکتب الأربعة أوجب خروج تلک الأخبار عن التّواتر لإسقاط الطّرق والاقتصار علی طریق واحد للاختصار ویؤید ذلک تصریح السّید المرتضی وابن إدریس ومن عاصرهما بأنّ جل الفقه یستفاد من الأخبار المتواترة فکان تواتر الأخبار من المسلمات عندهم وکیف یخفی مثل هذا الأمر علی السّید ونظرائه وغیر ذلک من القرائن والأمارات الّتی یحصلها المتتبع فی الآثار والمنتقد للأخبار هذا مع أنّ أصحاب الکتب الأربعة علی وثاقتهم وعلو شأنهم شهدوا بقطعیّة أخبار کتبهم مع الإذعان بکونها مأخوذة من کتب الأصول وهذا هو شهادة بقطعیّة الأصول ألا تری إلی الفقیه حیث قال فی أوّل کتابه ما هذا حاصله أنّی لم أجر فی کتابی هذا علی طریقة المصنفین فی ذکر کل ما رووه من الأخبار بل اقتصر علی ذکر ما أقطع علی صحته وأفتی به وجمیعها مذکورة فی الکتب المشهورة الّتی إلیها المرجع وعلیها المعول فإنّ الصّحة عند القدماء یطلق علی معان ثلاثة أحدها ما یقطع علی صدوره والثّانی ما یقطع علی صدوره ووجوب العمل به لعدم معارض أقوی والثّالث ما یقطع بصحة مطابقته للواقع والضّعیف مقابلها وکیف کان یثبت قطعیّة الأخبار بإحدی المعانی وهو کاف فی المقام واعترض علیه بأن تصریح الصّدوق بأنّه لیس بناؤه علی طریقة سائر المصنفین یدل علی أنّ بناء المصنفین ذکر ما لا یعتمد علیه من الأخبار أیضا ولا ریب فی دخول أصحاب الأصول فی المصنفین فیدل علی عدم قطعیّة أخبار الأصول ولما صرح أن أخبار کتابه مأخوذة منها دل علی عدم قطعیّتها أیضا وأجیب أوّلا بأن المراد غیر أصحاب الأصول لتصریحه بالتعویل علی الأصول والاعتماد علیها وثانیا بأنّ مراده من طریقة المصنفین هو ذکر ما یعمل به لا لعدم صدوره قطعا بل لوجود المعارض الأقوی فهو لا یذکر إلاّ ما یعمل به لقوله وأفتی به وثالثا

ص: 401

سلمنا أنّ طریقة أصحاب الأصول ذکر الأخبار الصّحیحة والضّعیفة لکن لا علی وجه یشتبه الأمر بل إنّما ذکروا الضّعیفة مع التّصریح بضعفها لئلا یختلط الأمر فالصدوق ترک ذلک واقتصر علی الصّحیحة ولا یقدح ذکر الضّعیفة ممتازة فی قطعیّة الصّحاح وانظر إلی ما ذکره الشّیخ فی التّهذیب بعد أن بین وجه التّصنیف حیث قال ما لفظه وسألنی أی بعض الأصدقاء أن أقصد إلی رسالة شیخنا أبی عبد الله أی المفید ره المسماة بالمقنعة إلی أن قال وأذکر مسألة مسألة فأستدل علیها إمّا من ظاهر القرآن عن صریحه أو فحواه أو دلیله أو معناه وإمّا من السّنة المقطوعة بها من الأخبار المتواترة أو الأخبار الّتی تقترن إلیها القرائن الّتی تدل علی صحتها وإمّا من إجماع المسلمین إن کان فیها أو إجماع الفرقة المحقة ثم أذکر من بعد ذلک ما ورد فیه من أحادیث أصحابنا المشهورة فی ذلک وأنظر ما ورد بعد ذلک مما ینافیها ویضادها وأبین الوجه فیها إمّا بتأویل أجمع بینها وبینها أو أذکر وجه الفساد فیها إمّا من ضعف فی أسنادها أو عمل العصابة بخلاف متضمنها إلی آخر ما قال فإنّه صریح فی أنّ الأخبار الّتی عمل بها الشّیخ کلها مقطوع بها من تواتر أو احتفاف بقرائن القطع وقال أیضا فی الإستبصار والعدة ما حکی عنهما من أنّ الأخبار عندهم علی وجوه أربعة منها المتواتر ومنها المحفوف بقرائن القطع ومنها ما أجمع الأصحاب علی روایته ومنها ما أجمعوا علی صحته والعمل به وهذا أیضا صریح فیما قلناه وأنظر إلی ما ذکره الشّیخ الجلیل الکلینی رحمه الله فی دیباجة الکافی فإنّه کاف فی المطلوب حیث قال والشّرط من الله جل ذکره فیما استعبد به خلقه أن یؤدوا جمیع فرائضه وبعلم ویقین وبصیرة لیکون المؤدی بها محمودا عند ربه إلی أن قال وذکرت أن أمورا قد أشکلت علیک لا تعرف حقائقها لاختلاف الرّوایة فیها وإنّک تعلم أن اختلاف الرّوایة فیها لاختلاف عللها وأسبابها إلی أن قال وقلت إنّک تحب أن یکون عندک کتاب کاف بجمیع فنون علم الدّین ما یکتفی به المتعلم ویرجع إلیه المسترشد ویأخذ منه من یرید علم الدّین والعمل به بالآثار الصّحیحة عن الصّادقین علیهم السلام والسّنن القائمة الّتی علیها العمل وبها یؤدی فرض الله عز وجل وسنة نبیه صلی الله علیه وآله إلی أن قال وقد یسر الله وله الحمد تألیف ما سئلت وأرجو أن یکون بحیث توخیت انتهی فقد ذکر أولا أن الشّرط من الله علی العباد أن یؤدوا جمیع فرائضه بعلم ویقین ثم ذکر أنّک سألت تألیف ما یأخذ منه من یرید علم الدّین والعمل به من الآثار الصّحیحة الّتی یؤدی بها فرض الله ولازم ذلک أن یکون العامل بتلک الآثار عاملا بالعلم والیقین بحسب الشّرط المتقدم ثم ذکر أنّ الله یسر تألیف ما سئلت ولازمه أن یکون الأخبار المجموعة فی کتابه کلها قطعیّة من الآثار الصّحیحة الّتی یؤدی بها فرض الله تعالی وهو المطلوب مضافا إلی ما مر من أنّ معنی

ص: 402

الصّحیح عند القدماء هو المقطوع به بأحد المعانی المتقدمة هذا غایة ما یمکن أن یقال فی تقریب هذا القول وکله یرجع إلی مقدمتین إحداهما أنّ بناء القدماء إنّما هو علی الاقتصار علی الأخبار القطعیّة دون غیرها والثّانیة أنّ حصول القطع لهم یستلزم حصوله لنا أیضا أمّا المقدمة الأولی فممنوعة بل الّذی یظهر من مراجعة کلماتهم أنّ بناءهم علی العمل بالأخبار الّتی یعتمد صدورها وإن لم تکن مقطوعة الصّدور فما یدل علی ذلک ما ذکره الشّیخ رحمه الله فی العدة حیث قال وأمّا ما اخترته من المذهب فهو أنّ الخبر الواحد إذا کان واردا من طریق أصحابنا القائلین بالإمامة وکان ذلک مرویا عن النّبی أو عن أحد الأئمة علیهم السلام ولا یکون ممن یطعن فی روایته ویکون سدیدا فی نقله ولم یکن هناک قرینة تدل علی صحة ما تضمنه الخبر جاز العمل به والّذی یدل علی ذلک إجماع الفرقة المحقة فإنّی وجدتها مجمعة علی العمل بهذه الأخبار الّتی دونوها فی أصولهم إلی أن قال فإن قیل یحتمل أنّ عملهم إنّما کان لأجل احتفافها بقرائن الصّحة قلنا القرائن منحصرة فی أمور مخصوصة کالکتاب والسّنة والإجماع والتّواتر ونحن نعلم أنّه لیس فی جمیع المسائل الّتی استعملوا فیها أخبار الآحاد ذلک لأنّها أکثر من أن تحصی ولا یوجد تلک القرائن إلاّ فی نادر منها ومن قال عند ذلک إنّی متی عدمت شیئا من القرائن حکمت بما کان یقتضیه العقل یلزمه أن یترک أکثر الأخبار وأکثر الأحکام ولا یحکم فیها بشیء ورد الشّرع به وهذا أحد یرغب أهل العلم عنه ومن صار إلیه لا یحسن مکالمته لأنّه یکون معولا علی ما یعلم ضرورة من الشّرع خلافه انتهی ملخصا فانظر إلیه حیث ادعی إجماع الإمامیّة قدیما وحدیثا علی العمل بخبر الواحد المعری عن قرائن الصّحة وادعی خلو أکثر الأخبار عن قرائن الصّحة إذ لو کانت الأخبار الغیر القطعیّة نادرة لم یلزم من طرحها خلو أکثر الأحکام عن الدّلیل لیلزم من طرحها والرّجوع إلی حکم العقل مخالفة الضّرورة ومما یدل علی ذلک أیضا ما ذکره الصّدوق فی کتبه مما یدل علی اعتماده علی أمور لا توجب القطع لمن کان من أهل الفطانة منها ما حکی عن عیون الأخبار أنّه روی فیه روایة عن محمد بن عبد الله المسمعی ثم قال کان شیخنا محمد بن الحسن بن الولید سیئ الرّأی فی محمد بن عبد الله راوی هذا الحدیث وأنا أخرجت هذا الخبر فی هذا الکتاب لأنّه کان فی کتاب الرّحمة لسعد بن عبد الله الأشعری وقد قرأته علیه فلم ینکره ورواه لی انتهی فإنّه اعتمد علی الخبر بمحض عدم إنکار الشّیخ ومنها ما ذکره فی الفقیه فی باب ما یصلی فیه وما لا یصلی فیه من الثّیاب حیث قال سمعت مشایخنا یقولون لا یجوز الصّلاة فی العمامة الطّابقیّة إلی آخره فإنّ ظاهره عدم القطع بکون هذا الحکم صادرا عن المعصوم علیه السلام ومنها ما ذکره فی باب الزّراعة والإجارة وسألت شیخنا محمد بن الحسن رحمه الله عن رجل آجر ضیعته هل له أن یبیعها قال لیس له بیعها قبل انقضاء مدة الإجارة إلاّ أن یشترط علی المشتری الصّبر إلی انقضائها وظهوره فی عدم

ص: 403

القطع ظاهر لاستناد فتواه إلی فتوی شیخه ومعلوم أنّه لا یفید القطع غایة الأمر إیراث الاطمئنان لکثرة الوثوق ومنها ما ذکره فی باب الوصی یمنع الوارث ماله فیزنی الوارث بعد بلوغه فذکر فیه روایة علی أنّ ثلثی الإثم علی الوصی ثم قال ما وجدت هذا الخبر إلاّ فی کتاب محمد بن یعقوب وما رویته إلاّ من طریقه فکیف یدعی العاقل تواتر مثل هذا الحدیث الّذی لم یکن فی شیء من الأصول إلاّ أن یقال لم یکن عند الصّدوق من تلک الأصول ما کان فیه هذا الحدیث وهو کما تری ومنها الرّوایات الّتی یذکرها ثم یقدح فی سندها بالإرسال والقطع ومع ذلک یفتی بها منها ما ذکره فی باب مقدار الماء للوضوء فإنّه روی حدیثا ظاهره استحباب تثنیة الغسل فطعن فیه بانقطاع الإسناد ومع ذلک أفتی به بناء علی أنّ المراد منه تجدید الوضوء فإنّ ملاحظة ترجیح السّند لا یکون فی القطعیّات ومنها ما ذکره فی باب الصّلاة فی شهر رمضان وممن روی الزّیادة فی التّطوع فی شهر رمضان زرعة عن سماعة وهما واقفیان قال سألته عن شهر رمضان إلی أن قال وإنّما أوردت هذا الخبر فی هذا الباب مع عدولی عنه وترکی لاستعماله لیعلم النّاظر فی کتابه هذا کیف یروی ومن رواه ولیعلم من اعتقادی أنی لا أری بأسا باستعماله ومنها ما ذکره فی باب ما یصلی فیه وما لا یصلی فیه من الثّیاب وأمّا الحدیث الّذی روی عن أبی عبد الله علیه السلام أنّه قال لا بأس أن یصلی الرّجل والنّار والسّراج والصّورة بین یدیه إلی أن قال فهذا حدیث یروی عن ثلاثة من المجهولین بإسناد منقطع یرویه الحسن بن علی الکوفی وهو معروف عن الحسین بن عمرو عن أبیه عن عمر بن إبراهیم الهمدانی وهم مجهولون یرفع الحدیث قال قال أبو عبد الله ذلک ولکنّها رخصة اقترنت بها علة صدرت عن ثقات ثم اتصلت بالمجهولین والانقطاع فمن أخذ بها لم یکن مخطأ بعد أن یعلم أنّ الأصل هو النّهی وأنّ الإطلاق رخصة والرّخصة رحمة إلی آخره فلو کان هذا الحدیث قطعی الصّدور لما کان یطعن فی سنده بالنّحو المذکور ثم یقبلها من جهة القرائن المذکورة ثم إنّ ذیل عبارة الصّدوق لا یخلو عن إشکال فقد نقل فی معناه وجوه أحدها أنّ المراد نفی البأس فی الخبر رخصة اقترنت بها علة أی الاضطرار فی أصل المبدإ وکانت تلک العلة صادرة عن الثّقات ثم لما اتصلت بالمجهولین والانقطاع حذفوا العلة المذکورة فالعمل بالخبر فی صورة الاضطرار رخصة والأصل هو النّهی نسب هذا المعنی إلی المجلسی رحمه الله الثّانی أنّ المراد أنّها رخصة اقترنت بها علة وهی التّعلیل المذکور فی الخبر وهذه الرّوایات صدرت عن الثّقات وهم الوسائط بین الصّدوق وبین الحسن بن علی الکوفی ثم اتصلت بالمجهولین إلی آخره وهذا المعنی لا یناسب ذیل الکلام الثّالث وهو الّذی ظهر فی النّظر القاصر وحکی عن المحقق القمی رحمه الله أنّ المراد أنّها رخصة اقترنت بها علة وهی العلة المذکورة فی الخبر صدرت تلک العلة عن الثّقات فی غیر مورد الخبر وهو الخبر الوارد فی الصّلاة

ص: 404

مع مرور النّاس بین یدی المصلی فقد روی نفس البأس فیه معللا بأنّ الّذی یصلی له أقرب إلیه من حبل الورید ثم اتصلت هذه العلة بالمجهولین والانقطاع فمن عمل بها نظرا إلی عموم العلة فی تلک الأخبار الّتی هی قرینة صدق هذا الخبر لم یکن مخطأ لکن یجب علیه أن یعتقد أنّ الأصل الّذی ینبغی البناء علیه هو النّهی للأخبار المتضمنة له وأنّ الإذن رخصة وحاصله حمل أخبار النّهی علی الکراهة والحاصل أنّه یظهر من کلمات هذه الشّیوخ الأجلة أنّهم کانوا یعتمدون فی قبول الأخبار علی ما لا یحصل منه العلم عادة ویقدحون فی بعضها بما لا یکون انتفاؤه موجبا لحصول العلم ککون الراوی مجهولا مثلا فإنّ معنی کونه قادحا أنّه لو لم یکن مجهولا کان مقبولا ومن المعلوم أنّ معلومیّة الراوی لا یوجب حصول العلم من قوله هذا مع أنّ المشایخ کثیرا ما یطعن بعضهم علی ما عمل به الآخر فلا یمکن کونه مقطوعا به عندهما معا ألا تری أنّ الصّدوق رحمه الله أورد فی کتاب الصّوم فی باب النّوادر الأحادیث الدّالة علی أنّ شهر رمضان لا ینقص أبدا مثل روایة حذیفة بن منصور بطریقین وروایة محمد بن إسماعیل عن محمد بن یعقوب بن شعیب عن أبیه ثم قال من خالف هذه الأخبار وذهب إلی الأخبار الموافقة للعامة اتقی کما یتقی من العامة مع أنّ الشّیخ بالغ فی الطّعن علی حدیث حذیفة بأنّه لا یصح العمل به من وجوه أحدها أنّ متن هذا الحدیث لا یوجد فی شیء من الأصول المصنّفة وإنّما هو موجود فی شواذ من الأخبار ومنها أنّ کتاب حذیفة عری عنه والکتاب مشهور معروف ولو کان هذا الحدیث صحیحا لضمنه کتابه ومنها أنّ هذا الخبر مختلف الألفاظ مضطرب المعانی ألا تری أنّ حذیفة تارة یرویه عن معاذ بن کثیر عن أبی عبد الله علیه السلام وتارة عن أبی عبد الله علیه السلام بلا واسطة وتارة یفتی به من قبل نفسه وهذا الضّرب من الاختلاف مما یضعف الاعتراض به والتّعلق بمثله ومنها أنّه لو سلم من جمیع ما ذکرناه لکان خبرا واحدا لا یوجب علما ولا عملا إلی آخره والشّیخ المفید طعن علی روایة حذیفة بالشذوذ وعلی روایة محمد بن إسماعیل عن محمد بن یعقوب بالشذوذ أیضا بأنّ محمد بن یعقوب لم یرو عن أبیه حدیثا غیر الحدیث وبأنّ لیعقوب هذا أصلا قد جمع فیه جمیع ما رواه عن الصّادق علیه السلام لیس هذا الحدیث منه وعلی روایة محمد بن إسماعیل عن بعض أصحابه الّتی فیها أنّه لا یکون فریضة ناقصة إنّ الله یقول ولتکملوا العدة ولتکبروا الله بأنّها شاذة مجهول الأسناد مع أنّها مخالفة للکتاب والسّنة وإجماع الأمّة ولا یصح علی حساب ملی أو ذمی ولا مسلم أو منجم ومن عول علی مثل هذا الحدیث فی فرائض الله تعالی فقد ضل ضلالا بعیدا وبعده فالکلام الّذی فیه بعد لیس من کلام العلماء فضلا عن أئمة الهدی علیهم السلام لأنّه قال فیه لا یکون فریضة ناقصة وهذا مما لا معنی له لأنّ الفریضة بحسب ما أدیت علی التّثقیل والتّخفیف لم تکن ناقصة انتهی ملخصا وما ذکره الشّیخ فی آخر کلامه من أنّه خبر واحد لا یوجب علما ولا عملا ولا یجوز أن یعارض

ص: 405

بها الکتاب والأخبار المتواترة لا ینافی ما ذکرنا أمّا أوّلا فلأنّ اعتبار خبر الواحد له شرائط ولعلها کانت مفقودة فی ذلک الخبر فلهذا کان مما لا یوجب العمل وأمّا ثانیا فلأنّ الخبر الواحد لا یعارض القرآن بالتباین بل یجب طرحه حینئذ وکذا لو عارضه بالعموم والخصوص عند الشّیخ فلهذا لم یوجب عملا عنده لا أنّ کل أخبار الآحاد هکذا ثم إنّ ما ذکره الشّیخ رحمه الله من أنّ حذیفة هو الّذی یفتی به من قبل نفسه خطأ لأنّه إنّما نقل الفتوی عن المعاذ بن کثیر ولیس حذیفة فی الخبر إلاّ راویا وهذا أیضا یؤید ما ذکرنا من عدم القطعیّة لأنّه إذا وقع مثل هذا الخطأ فی النّقل من مثل الشّیخ علی جلالة شأنه فمن غیره بالأولویّة وأیضا قد أورد الصّدوق رحمه الله حدیث سهو النّبی صلی الله علیه وآله وحکم بصحته وجواز صدور السّهو عنه فی غیر مقام التّبلیغ وأنّ أوّل مراتب الغلو نفی السّهو عنه ووعد أنّه إن وفق الله له بالبقاء أن یکتب فی ذلک رسالة ومع ذلک طعن فیه الشّیخ والمرتضی والمفید فی رسالته وأنّه مما لم یعمل به سوی الحشویّة أو النّاصبة ونسب العامل به إلی التّقلید فلو کان قطعیا لم یکن لهذا الطّعن وجه وأیضا قد أورد الکلینی رحمه الله فی باب الرّجلین یوصی إلیهما فینفرد کل منهما بنصف التّرکة حدیثا بأن الراوی سأل الإمام علیه السلام عن رجل أوصی إلی رجلین فقال أحدهما لصاحبه لی نصف التّرکة ولک الباقی فأبی الآخر قال الإمام علیه السلام لا بأس به وقال الصّدوق وفی کتاب محمد بن یعقوب الکلینی رحمه الله عن أحمد بن محمد ونقل الحدیث إلی آخره ثم قال لست أفتی بهذا الحدیث بل أفتی بما عندی بخط الحسن بن علی علیه السلام من أنّهما لا یخالفان الموصی ولو صح الخبران جمیعا لکان الواجب الأخذ بالقول الأخیر فإنّ ظاهره نفی صحة ما أورده الکلینی رحمه الله واعترض الشّیخ علی الصّدوق بأنّه لا منافاة بین الخبرین حتی یؤخذ بالأخیر أو یطرح الأوّل بعدم الصّحة لجواز کون نفی البأس فی الخبر الأوّل راجعا إلی قوله فأبی الآخر فیطابق مضمونه مضمون الخبر الثّانی کما لا یخفی فهذه الوجوه وغیرها مما یظهر للمتتبع تدل علی أنّ مرادهم فی الحکم بصحة الأخبار لیس قطعیّة الصّدور بل المراد الاعتماد علیه بحسب القرائن والأسباب وکان الخبر المعتمد الصّدور حجّة عندهم بالدلیل کما نثبت نحن أیضا حجّیّة فیما بعد إن شاء الله وأین هذا من قطعیّة الصّدور فافهم فتبین مما ذکرنا عدم قطعیّة تلک الأخبار عند أصحاب الکتب الأربعة وظهر أیضا فساد ما ذکروه فی المقدمات الثّلاث المتقدمة من تواتر الکتب الأربعة عن مصنفیها وأنّ تلک الکتب مأخوذة عن الأصول الأربعمائة وأنّ تلک الأصول متواترة أمّا الأوّل فلمنع تواتر تلک الکتب بتفاصیلها لاختلاف النّسخ غالبا وأمّا الثّانی فلتصریح المصنفین بأنّ بعض ما یشتمل علیها تلک الکتب غیر موجودة فی شیء من الأصول کما عرفت من روایة حذیفة بن منصور وأمّا الثّالث فلما عرفت من تصریح أصحاب الکتب الأربعة بما یظهر منه عدم قطعیّة أخبار کتبهم مع تصریحهم بأن کتبهم مأخوذة من الأصول المشهورة ویلزمه عدم

ص: 406

قطعیّة الأصول عندهم فکیف یکون قطعیّا عندنا مع أنّ ظاهر لفظ الصّدوق حیث قال من کتب مشهورة عدم تواتر تلک الکتب عن مصنفیها أیضا بل هی مشهورة عنهم فإنّ شهرة انتساب الأصل إلی رجل لا یدل علی تواتر أخباره عنه وکونه مرجعا ومعولا لا یدل إلاّ علی وثاقة صاحب الأصل حیث یعتنی بأصله ویرجع إلیه فی النّقد والانتخاب ولا یدل علی قطعیّة أخباره طرا بحیث لا یحتاج إلی ملاحظة السّند کما ادعاه الأخباریّة فإنّ أصحاب الأصول منهم من لا یوثق به لکونه کذوبا غیر معتمد القول کما ذکروه فی یونس بن ظبیان ومحمد بن سنان ووهب بن وهب القرشی ومحمد بن موسی الهمدانی وعبد الله بن محمد البلوی ومحمد بن علی الصّیرفی ونظرائهم حیث نسبوهم إلی الکذب ووضع الأحادیث ولهذا کان أصولهم من الأصول الغیر المشهورة وغیر ما یعول علیه بخلاف أرباب الأصول من الثّقات فإنّ أصولهم معتمد علیها فی الرّجوع إلیها فی انتخاب الأخبار کما هو الحال فی هذا الزّمان بالنّسبة إلی الکتب الأربعة وهذا لا یقتضی قطعیّة تلک الأخبار ولو کان القطعیّة لکون صاحب الأصل نفسه لم یختص ذلک بالأصول بل لکان اللازم حینئذ الحکم بقطعیّة کل خبر رواه ثقة وهو کما تری فتحقق مما سطرنا أنّ مراد القدماء من صحة الأخبار لیس ما توهمه الأخباریّون من قطعیّة الصّدور لما عرفت من شواهد ظنیتها عندهم فیکون مرادهم بها کونها معتمد الصّدور بحیث یجوز التّعویل علیها ومرجعه إلی قطعیّة الاعتبار لا قطعیّة الصّدور وبینهما بون بعید وأمّا المقدمة الثّانیة أعنی استلزام القطعیّة لهم القطعیّة لنا ففساده أظهر من أن یبین لأنّ قطعهم بذلک لو کان مستندا إلی الحس لم یکن مستلزما لحصوله لنا لعدم اجتماع التّواتر کیف ولیس مستندا إلی الحسن بل إلی الحدس ومقدمات ظنیّة یغلب علیها الخطأ کما یظهر من تصحیح الصّدوق بسبب تصحیح شیخه ابن الولید ونحو ذلک ومما ذکرنا تبین فساد ما یقال إنّا لا نحتاج فی دعوی انفتاح باب العلم إلی إثبات قطعیّة صدور الأخبار بل یکفینا قطعیّة اعتبارها بالخصوص وهی ثابتة بشهادة أصحاب تلک الکتب وجه الفساد أنّ شهادتهم علی قطعیّة الاعتبار لا تفید قطعیّتها عندنا لعدم استناده إلی الحس بل إلی الاجتهاد والحدس ومثل هذه الشّهادة لیست بحجة تعبدا أیضا فضلا عن استلزامه القطع لا یقال إنّها لا تقصر عن شهادة علماء الرّجال بعدالة الرّواة أو بتصحیح السّند بل هی فی الحقیقة شهادة علی صحة سند جمیع تلک الأخبار إجمالا فکما أنّک تعتمد علی ذلک فاعتمد علی هذا أیضا لأنّا نقول إنّ الرّجوع إلی هذه الطّریقة فرع بطلان طریقة الأخباریین لأنّه بعد ما ثبت عدم القطعیّة وجب الرّجوع إلی الدّلیل الدّال علی

ص: 407

حجّیّة الخبر الواحد الظّنی فإذا اقتضی حجّیّة الخبر المظنون الصّدور أو المعتمد الصّدور مثلا فبالرّجوع إلی قول علماء الرّجال یحصل الاعتماد أو الظّن ولهذا یعمل به وحینئذ فلا بأس بالأخذ بقول أرباب الکتب فی الحکم بصحتها إذا استلزم الاعتماد أو الظّن بالصّدور ولا کلام فی ذلک إنّما الکلام فی جعل نفس شهادتهم دلیل علی قطعیّة الخبر صدورا واعتبارا وقد عرفت فساده بما لا مزیّة علیه هذا تمام الکلام علی ما ادعته الأخباریّة من قطعیّة الأخبار سندا وأمّا ما ادعوه من قطعیّتها دلالة فیدل علی فساده أنّ المقصود من أهل هذا الزّمان هو العمل بما کان ظاهرا فی العصر الأوّل لا ما هو الظّاهر عندهم وإن قلنا بشمول الخطاب لغیر المشافهین وذلک لأنّ المقصود من الخطاب لا یمکن أن یکون بالنّسبة إلی کل شخص ما هو الظّاهر عنده لعدم جواز استعمال اللّفظ فی أکثر من معنی واحد ولأدلة اشتراک الکل فی التّکالیف ولا یجوز أن یکون المراد من الحاضرین ما هو الظّاهر عند المعدومین وهو بدیهی فتعین أن یکون المراد من الجمیع ما هو الظّاهر عند الحاضرین ولا ریب فی أنّ تشخیصه بالنّسبة إلی هذا الزّمان یحتاج إلی إعمال ظنون شیء کالتبادر والرّجوع إلی اللّغویین فی إثبات أصل الظّاهر ثم إثبات إرادته من الحاضرین بأصالة عدم القرینة ولیس شیء من ذلک مما یفید القطع ولا ینفع المقدمة المتقدمة من قبح الخطاب بما له ظاهر وإرادة خلافه من غیر قرینة فی إثبات قطعیّة إرادة ما هو الظّاهر عندنا لما بینا من أنّ المراد منا ما هو الظّاهر عند المشافهین ولا یمکن تشخیصه إلاّ بالظّنّ فثبت أن مدعی انفتاح باب العلم فی هذا الزّمان مکابر فی دعواه بل یقول کلاما من غیر قصد إلی معناه فلنعطف عنان القلم نحو إثبات حجّیّة الخبر بناء علی عدم قطعیّة الصّدور فإنّه میدان المسابقة والمصارعة ومضمار المبارزة والمقارعة فنقول وبالله التّوفیق إنّ بعض الأخباریین لما تفطن لفساد دعوی قطعیّة الأخبار حاول تأویل کلماتهم بما یدفع الطّعن عنهم فقال إنّ مرادنا یکون الأخبار معلوم الصّدور العلم العادی الّذی هو المعتبر فی الشّرعیات وهو ما کان احتمال الخلاف فیه فی غایة الضّعف بحیث لا یوجب تزلزل النّفس واضطرابه ویقابله العلم العقلی الّذی لا یحتمل فیه الخلاف أصلا ووافقه بعض الأصولیین فی دعوی القطعیّة بهذا المعنی إلاّ أنّه فسر العلم العادی بما یجوز فیه الخلاف لا ما یحتمل فیه الخلاف وفرق بعضهم بین الوجهین بأنّ تجویز الخلاف معناه الإمکان بمعنی أنّه لا یلزم من فرض خلافه محال بخلاف العلم العقلی البرهانی فإنّه ما یلزم من فرض خلافه المحال وکلاهما مشترک فی اعتبار الجزم وعدم احتمال الخلاف وهذا بخلاف ما لو فسر بما یحتمل فیه الخلاف ضعیفا والتّحقیق أنّ العلم عبارة عن الجزم الّذی لا یحتمل فیه الخلاف أصلا و

ص: 408

دعوی أنّ العلم الشّرعی أعم من هذا فاسده لأنّ المراد بالعلم الشّرعی ما علم تنزیله شرعا منزلة العلم کالشّهادة والید ونحوهما ولا ریب أنّه لیس الملحوظ فیها جهة المرآتیّة لیحتمل فیها الخلاف أو لا بل لو لم یحصل الظّن الضّعیف أیضا من الشّهادة لم یقدح ذلک فی کونها علما شرعیّا فجعل العلم الشّرعی عبارة عن الظّن المتاخم للعلم فاسد جدا ثم إنّ العلم العادی الّذی یجامعه احتمال الخلاف لیس مما یکون حجّة بنفسه کالقطع بل یحتاج إثبات حجّیّته إلی الدّلیل فدعوی علمیّة الأخبار بهذا المعنی لا یغنی عن إقامة الدّلیل علی حجّیّتها بیان ذلک أنّ العلم العقلی الّذی لا یحتمل فیه النّقیض حجّة بنفسه بمعنی أنّه لا یحتاج فی ترتیب آثار معلومة إلی دلیل زائد علی الدّلیل الدّال علی ثبوت ذلک الأثر لذلک المعلوم فإنّه إذا علم خمریّة شیء ثبت له الحرمة بنفس دلیل حرمة الخمر فیقال هذا خمر وکل خمر حرام فهذا حرام أمّا الصّغری فثابتة علما وأمّا الکبری فثابتة بالدلیل فلو قال الشّارع لا تعمل بهذا العلم کان مناقضا لحکمه بحرمة کل خمر والحاصل أنّ العلم إذا أخذ طریقا إلی متعلقه فترتب حکم متعلقه لا یحتاج إلی قیام الدّلیل علی اعتبار العلم وما یقال من وقوع الخلاف فی حجّیّة العلم شرعا فلیس معناه الخلاف فی هذه الجهة بل الاختلاف إنّما هو فی أنّ القطع هل هو حجّة شرعیّة فی إثبات متعلقة واقعا لیترتب علیه آثار الواقع وإن کان مخالفا للواقع أو لا بل إنّما یترتب علیه ما یترتب علی الواقع إن طابقه وإلاّ فلا ویظهر الثّمرة فیما لو قطع بخمریّة ماء مثلا فشربه فعلی الأوّل یستحق العقاب المترتب علی شرب الخمر الواقعی وعلی الثّانی فلا عقاب وهذا هو المسألة المشهورة بین القوم بمسألة التّجری وأنّه یترتب علیه أثر فی صورة انکشاف الخلاف أو لا ولا دخل له بمسألة اعتبار العلم من حیث کونه طریقا إلی الواقع الّذی هو المتعلق له فإنّه لیس قابلا للجعل الشّرعی حسب ما بیناه ولا قابلا للفرق بین أقسامه المختلفة بحسب أسباب الانکشاف وهذا بخلاف الظّن وإن فرض کونه متاخّما للعلم فإنّ ثبوت آثار الواقع للمظنون یفتقر إلی دلیل آخر غیر دلیل ثبوته للواقع فإنّ دلیل حرمة الخمر لا یدل علی ثبوت الحرمة لما هو مظنون الخمریّة إذ لا یجوز أن یقال هذا خمر وکل خمر حرام لعدم ثبوت الصّغری إلاّ ظنا فلا ینتج إلاّ الظّن ولا یمکن معه الحکم الجزمی بثبوت ذلک الحکم لهذا الشّیء بل یحتاج إلی إثبات ذلک إلی دلیل علمی یکون مؤداه أنّ مظنون الخمریّة أیضا حرام فحینئذ بالظّنّ یثبت الصّغری جزما ویتصل بهذه الکبری فینتج القطع وبما ذکرنا علم فساد ما ذکره بعضهم من الفرق بین أقسام القطع فی الاعتبار وأنّه لا عبرة بقطع القطاع وکذا ما ذکره بعضهم من الفرق بین ما یزول بالالتفات کالتّقلید للآباء فی العقائد فلیس حجّة وبین ما لا یزول به فهو حجّة ووجه الفساد ما عرفت من أنّ القطع حیث یعتبر طریقا للحکم

ص: 409

لا یمکن عقلا الفرق بین أقسامه وأمّا ما ورد من ذم الکفار علی تقلیدهم فلا نسلم أوّلا کونهم قاطعین بل صریح الآیات أنّهم ما لهم به من علم إن هم إلاّ یظنون وثانیا أنّ الذم راجع إلی تقصیرهم فی الاعتماد علی التّقلید وتحصیل الجزم منه وهو فی تنبیه لهم لیزول عنهم القطع الفاسد فلنرجع إلی ما کنا فیه نقول قد عرفت بما ذکرنا أنّ الظّن فی أی مرتبة کان یحتاج إثبات حجّیّته إلی دلیل قطعی ولا ینفع دعوی کون الأخبار معلومة الصّدر بالعلم العادی بالمعنی الرّاجع إلی الظّن فی سقوط البحث عن حجّیّته فالشأن إنّما هو فی بیان الدّلیل علی حجّیّته الظّن فنقول إنّ من الظّنون ما لا نزاع فی حجّیّته کظواهر الکتاب والأخبار المتواترة ومنها ما لا نزاع فی عدم حجّیّته کالقیاس والرّمل والجفر والنّجوم ونحوها ومنها ما هو محل النّزاع کخبر الواحد والإجماع المنقول والشّهرة والاستقراء وأمثالها والنّزاع فی هذا القسم تارة یقع باعتبار الظّان بمعنی أنّ الظّن حجّة إذا کان للمجتهد المطلق أو للمتجزی أیضا أو للمقلد أیضا والمتکفل لبیان هذا المرام مبحث الاجتهاد والتّقلید وتارة یقع من حیث السّبب من أنّه الحاصل بخبر الواحد فقط أو بالشهرة أیضا ونحوها وأخری یقع من حیث المتعلق من أنّه حجّة فی الأحکام فقط أو فی الموضوعات أیضا وعلی الأوّل فهل یختص بالأحکام الفرعیّة أو الأصولیّة العملیّة أو یجری فی الأصول العقائد أیضا وعلی الثّانی فهل یختص بالموضوعات المستنبطة أو یجری فی الموضوعات الصّرفة أیضا وأخری یقع من حیث المرتبة من أنّه حجّة بأدنی مراتبه أو یعتبر المرتبة الأعلی من الظّن من حیث یعتبر وهو الظّن الاطمئنانی فهذه مقامات ثلاثة یجب التّکلم فیها تحقیقا للحق الحقیق بالتحقیق وقبل الخوض فی المطلب ینبغی تأسیس الأصل فی أنّ الظّن حجّة أو لا فنقول وبالله التّوفیق إنّ العمل بالظّنّ تارة یتصور بالعمل علی طبق الظّنّ من غیر أن ینسب المظنون إلی الشّارع ویتدین به ویحکم بثبوته شرعا وأخری بالتدین به وجعله حجّة مثبته للحکم ونسبته المظنون إلی الشّارع أمّا الأوّل فالأصل فیه الجواز لأنّه فی الحقیقة لیس عملا به بل إنّما هو عمل علی طبقه وهو جائز إذا لم یلزم منه مخالفة لدلیل معتبر بل القائلون بعدم حجّیّته الظّنّ أصلا ربما یعملون بالظّنّ بهذا المعنی کما لو شکّ فی حرمة شیء وإباحته فظن الحرمة فإنّ الأخباریین یبنون عملهم علی الحرمة فیطابق الظّنّ لکن لیس عملهم من کونه مظنونا بل إنّما هو من جهة الاحتیاط فی محتمل الحرمة وهذا مراد من استدل علی حجّیته الظّنّ بأنّ دفع الضّرر المظنون لازم فإنّ اللازم منه إنّما هو محض تطبیق العمل علیه لا جعله حجّة شرعیّة فی إثبات الحکم نعم لو کان مخالفا لدلیل معتبر لم یجز العمل علیه بهذا المعنی أیضا کما لو ظن إباحة وطی الحائض بعد انقطاع الدّم قبل الغسل فإنّه لا یجوز تطبیق العمل علیه للزوم

ص: 410

طرح الاستصحاب المعتبر شرعا بناء علی حجّیّته فی المقام وأمّا الثّانی فهو محل الکلام فی المقام إذ الأوّل لیس من جهة حجّیّة الظّن فی شیء فنقول قد یقال إنّ الأصل الأوّلی فی الظّن الحجّیّة بمعنی جواز نسبته المظنون إلی الشّارع والتّدین به لأصالة الإباحة وأصالة الحل وهذا نظیر تمسکهم فی حلیّة المتعة بأصالة الإباحة وفی أنّ الأصل فی العقود الصّحة بأصالة الحل والإباحة ورد بأنّ أصالة الإباحة إنّما تجری فی ما یشک فی حرمته والتّدین بالظّنّ لیس مشکوک الحرمة بل هو مما یحکم العقل جزما بقبحه فلا یبقی مورد للأصل واعترض علیه بأنّ أصل تطبیق العمل علی الظّنّ یحکم بإباحته من جهة أصالة الإباحة وإذا ثبت إباحته شرعا لزم التّدین به کما لو أباح الشّارع صریحا العمل بظن خاص وکذا نقول فی البیع المشکوک صحته إنّ ذات البیع مباح بالأصل فثبت صحته کما لو ثبت الإباحة بقوله تعالی أحل الله البیع وأجیب عن هذا بأنّ البیع لا یکون مباحا إلاّ إذا ثبت القدرة علیه ولا یثبت القدرة إلاّ بعد ثبوت الصّحة فإثبات الصّحة بالإباحة دور ظاهر وفیه نظر لأنّ البیع عبارة عن الأمر العرفی الثّابت عندهم وصحته عبارة عن إمضاء الشّارع له فکل نقل وانتقال أمضاه الشّارع صح وإلاّ فلا ولیس البیع عبارة عن النّقل الشّرعی لیتوقف القدرة علیه علی الصّحة والتّحقیق فی الجواب عن الإشکال فی المقامین أن یقال إنّه قد ذکرنا أنّ للعمل بالظّنّ معنین أحدهما محض تطبیق العمل علیه بإتیان مظنون الوجوب وترک مظنون الحرمة والثّانی التّعبد به بمعنی إتیان مظنون الوجوب علی أنّه واجب شرعا وترتیب آثار الواجب علیه أمّا المعنی الأوّل فقد عرفت أنّ الأصل فیه الجواز بمعنی أنّه إذا ظن وجوب الفعل جاز شرعا إتیان ذلک الفعل لا لأنّه مظنون الوجوب بل لأنّه لم یثبت فیه التّکلیف شرعا وکل ما کان کذلک کان مباحا فی الظّاهر فالإباحة إنّما تعلقت بإتیان ذات العمل حین کونه مشکوک الوجوب ولیس هذا من حجّیّة الظّن فی شیء وأمّا المعنی الثّانی فالأصل فیه الحرمة لحکم العقل بأنّه متی لم یثبت حجّیّة الظّن فالتّدین بمؤده علی أنّه من الشّارع بدعة وقبیح فإذا ظن بوجوب شیء فالإتیان به علی أنّه واجب وترتیب آثار الواجب علیه قبیح ما لم یثبت حجّیّة ذلک الظّن شرعا فموضوع أصالة الإباحة هو ذات العمل المشکوک وجوبه من حیث إنّه مشکوک وموضوع الحکم بالحرمة فهو إتیان العمل المشکوک وجوبه علی أنّه واجب شرعا فجریان أصالة الإباحة فی موضوعها لإثبات إباحة ذات العمل المشکوک وجوبه لا یوجب ثبوت الوجوب الذّات العمل شرعا لیرتفع موضوع حکم العقل بالحرمة البدعیّة بل یوجب تأکد حکم العقل بالحرمة البدعیّة لأنّه قبل إجراء أصالة الإباحة کان الإتیان به إدخالا لما یشک فی وجوبه فی الواجب الشّرعی وبعد إجراء الأصل یکون إدخالا لما یقطع بکونه مباحا فی الظّاهر فی الواجب الشّرعی والثّانی أقبح من الأوّل فإن قلت نحن لا نجری أصالة

ص: 411

الإباحة فی ذات العمل لیکون إثباته بوصف الوجوب بدعة بل لما شککنا فی أنّ التّدین بالظّنّ حرام أو لا حکمنا بإباحته للأصل قلت لیس لنا شک فی حرمة التّدین بالظّنّ ما لم یرد فیه الإذن فلا مجری لأصالة الإباحة وبهذا علم الفرق بین إثبات الإذن فی العمل بالظّنّ بالدلیل الخاص وبین إثباته بأصالة الإباحة فإنّ الإذن المستفاد من الدّلیل إنّما یرد علی التّدین بالظّنّ الفلانی من حیث هو وبعد ورود الإذن یرتفع موضوع حکم العقل بالحرمة وأمّا الإذن المستفاد من الأصل فإنّما یرد علی التّدین بالظّنّ إذا کان مشکوک الجواز فیجب أو لا إحراز الشّکّ فی الجواز حتی یجری الأصل ونحن نعلم بالعقل المستقل أنّ التّدین بالظّنّ حرام ما لم یرد فیه الإذن الخاص فیرتفع الشّک الّذی هو موضوع الأصل فلا یجری أصل الإباحة حتی یستفاد منه الإذن لیرتفع موضوع البدعة ولو لا ما ذکرنا لجاز التّعبد بالشّکّ والوهم أیضا بل لم یتحقق للبدعة موضوع أصلا إلاّ فی ما قطع بعدمه ولیس کذلک وکذا نقول فی مثال البیع الفرق ظاهر بین إثبات الحل بقول الله تعالی أحل الله البیع وبین إثباته بأصالة الإباحة فإنّ الأوّل إنّما یرد علی ذات البیع فیقتضی إمضاءه ویرتفع الشّک رأسا ویترتب علیه الصّحة وأمّا الثّانی فإنّما یرد علی البیع من حیث إنّه مشکوک الصّحة فلا یوجب ارتفاع الشّک فی الصّحة فیبقی أصالة عدم ترتب الأثر بحالها والحاصل أنّ أصالة الإباحة وأصالة عدم ترتب الأثر کلاهما واردان علی موضوع واحد هو البیع المشکوک الصّحة فلا یرتفع موضوع أحدهما بالآخر واللازم کون الأصل رافعا لموضوع نفسه وهو محال وکذا الکلام فی إثبات حلیّة المتعة بالأصل فإنّه إنّما یثبت حلیته المتعة من حیث إنّها مشکوکة الصّحة فلا توجب ارتفاع الشّک فی الصّحة فتجری أصالة عدم ترتب الأثر لأنّ مجراها الشّک فی الصّحة وهو موجود لم یرتفع بأصالة الإباحة بخلاف ما لو قال الشّارع المتعة حلال فإنّه یرد علی ذات المتعة لا من حیث إنّها مشکوکة الصّحة وإذا ثبت الحلیّة لذات المعاملة ترتب علیها الآثار فکانت صحیحة ولا یجری حینئذ أصالة عدم ترتب الأثر لارتفاع موضوعها وهو الشّک فافهم وقد یتمسک لإثبات أصالة حرمة العمل بالظّنّ بأصالة عدم الحجّیّة واعترض علیه الفاضل الأنصاری رحمه الله بأنّ الحکم بالحرمة لا یتوقف علی ثبوت عدم الحجّیّة لیتمسک فی إحرازه بالأصل بل محض الشّکّ فی الحجّیّة کاف فی حکم العقل بحرمة العمل من غیر حاجة إلی إحراز عدم الحجّیّة وحاصله أنّ أصالة عدم الحجّیّة لا یترتب علیها حکم فی المقام لأنّ الحکم بالحرمة وارد علی نفس

ص: 412

الشّکّ فی الحجّیّة وهو یقینی الثّبوت مع قطع النّظر عن الأصل فلا فائدة فی الأصل المذکور ونظیر ذلک ما قیل من أنّ الاستصحاب إنّما یجری فیما لو أرید إثبات الحکم لموضوع متیقن فی السّابق مشکوک فی اللاحق فیحکم بثبوت ذلک الموضوع فی اللاحق لیترتب علیه حکمه وحینئذ فلو کان هناک حکم وارد علی نفس الشّکّ فی ثبوت ذلک الموضوع لم ینفع الاستصحاب فی إجرائه لتحقق موضوعه مع قطع النّظر عن الاستصحاب فنقول فی المقام إنّه لو قطع النّظر عن کون عدم الحجّیّة متیقنا فی السّابق فالعقل قاطع بالحرمة لوجود موضوعها وهو الشّک فی الحجّیّة ونظیر ذلک الحکم بوجوب تحصیل البراءة الیقینیّة بعد الیقین بالاشتغال وعدم الاکتفاء بالشّکّ فی البراءة فإنّه لا فائدة فی استصحاب الاشتغال فی الحکم بوجوب تحصیل القطع بالبراءة لکن بین المقامین فرق وهو أنّ الحکم فی مسألة الاشتغال إنّما هو وارد علی نفس الیقین السّابق فإنّ من أحکامه العقلیّة وجوب تحصیل القطع بالبراءة فمتی تحقق موضوعه ترتب علیه الحکم من غیر حاجة إلی استصحاب الاشتغال فی حال الشّکّ فی البراءة بل لا فائدة فی استصحابه وفی هذه المسألة إنّما یرد الحکم علی نفس الشّکّ فی الحجّیّة مع قطع النّظر عن کونها متیقن العدم فی السّابق والحاصل أنّه متی کان الحکم واردا علی نفس الیقین السّابق أو علی نفس الشّکّ اللاحق فلا مسرح فیه للاستصحاب للقطع بالحکم بعد القطع بموضوعه ومسألة الاشتغال من قبیل الأوّل وهذه المسألة من قبیل الثّانی وما ذکره الفاضل المذکور من أنّ مسألة الاشتغال أیضا من قبیل الثّانی لأنّ نفس الشّک فی البراءة کاف فی الحکم بوجوب تحصیل القطع بها غیر صحیح إذ لو صح ذلک لوجب الاحتیاط عند الشّک فی التّکلیف أیضا لوجود الشّک فی البراءة فالتحقیق ما عرفت من أنّ جریان استصحاب الاشتغال إنّما هو لکون وجوب تحصیل القطع بالبراءة إنّما هو من أحکام نفس الیقین السّابق وهو متیقن الثّبوت فیکون حکمه ثابتا من غیر حاجة إلی إحراز الاشتغال فی الزّمان الثّانی ونظیر ذلک ما لو نذر أنّی متی تیقنت وجود زید فی یوم الجمعة أتصدق علی الفقراء بدرهم ثم حصل الیقین بوجوده فی یوم الجمعة ثم شک فی وجوده یوم السّبت فالحکم بوجوب الصّدقة لا یتوقف علی استصحاب وجوده إلی یوم السّبت بل لا فائدة فی الاستصحاب المذکور فی ذلک الحکم أصلا فتأمّل وهل الحکم فی المعاملات أیضا کذلک فلا یحتاج إثبات الفساد إلی أصالة عدم الصّحة بل نفس الشّک فی الصّحة کاف فی الحکم بالفساد أو لا بل یحتاج إلیها ربما یتوهم الأوّل نظرا إلی أنّ الشّک فی الحرمة لما کان کافیا فی الحکم بالحرمة کان کافیا فی الحکم بالفساد أیضا ولیس کذلک لأنّ الشّکّ فی الحرمة کاف فی الحکم بالحرمة التّشریعیّة ولا یثبت الحرمة الذّاتیّة بل لو ثبت الحرمة الذّاتیّة أیضا لم یدل علی الفساد لعدم التّلازم بین الحرمة والفساد وحینئذ فلا بد من إثبات الفساد بالأصل ویثبت

ص: 413

بقوله تعالی ولا تأکلوا أموالکم بینکم بالباطل وقد یتمسک لعدم الحجّیّة بقاعدة الاشتغال من وجهین أحدهما أنّ التّکلیف بتحصیل الاعتقاد فی الأحکام متیقن والأمر دائر بین مطلق الاعتقاد وخصوص الاعتقاد العملی ومتی دار الأمر بین المطلق والمقید کان مقتضی قاعدة الاشتغال عدم الاکتفاء فی الامتثال بالمطلق والثّانی أنّ العلم الإجمالی بوجود التّکالیف الواقعیّة حاصل ومقتضی ذلک وجوب الإتیان بکل ما یحتمل الوجوب دون الحرمة وترک ما یحتمل الحرمة دون الوجوب والتّخییر لو دار الأمر بین الاحتمالین وحینئذ فربما یکون العمل مطابقا للظّنّ کما لو ظن الوجوب وقد یکون مخالفا کما لو ظن الإباحة واحتمل الوجوب فیجب الإتیان للاحتیاط فلو کان الظّن حجّة لوجوب الاقتصار فی الامتثال علی الظّن وهو ینافی قاعدة الاشتغال الحاکمة بعدم جواز الاقتصار فی الامتثال علی الظّنّ ومما ذکرنا یظهر فساد ما توهم من أنّ قاعدة الاشتغال تثبت حجّیّة الظّنّ لعسر الاحتیاط بالإتیان بجمیع المحتملات فیقتصر علی الظّن لقبح ترجیح الوهم علیه وجه فساده أنّ الاقتصار علی الاحتمال الظّنّی من جهة العسر لیس من حجّیّة الظّنّ فی شیء وإنّما هو تبعیض فی الاحتیاط لعسر الاحتیاط الکلی واعترض علی الوجه الأوّل بأنّ الحاکم لا یجوز له الجهل بموضوع حکمه والحاکم بلزوم تحصیل الاعتقاد هو العقل فلا یجوز دوران الأمر عنده بین المطلق والمقید لیجب الأخذ بالمقید من باب قاعدة الاشتغال وفیه نظر لأنّ مبنی هذا الوجه إنّما هو علی کون لزوم تحصیل الاعتقاد شرعیّا لا عقلیّا والحاکم بالاشتغال هو العقل ویجوز جهل العقل بموضوع الحکم الشّرعی کما فی سائر مجاری القاعدة المذکورة فافهم وقد یتمسک لأصالة عدم الحجّیّة بالآیات النّاهیة مثل قوله تعالی وما یتبع أکثرهم إلاّ ظنا إنّ الظّن لا یغنی عن الحق شیئا سبحانه علی متابعة مطلق الظّن فیکون الأصل فیه عدم الحجّیّة واعترض علیه بوجوه منها أنّه یلزم من العمل بها عدم العمل بها لأن مدلولها ظنی أیضا فیشمل نفسه وما یلزم من وجوده عدمه فهو محال وأجیب عنه بوجهین أحدهما أنّ مدلولها عدم حجّیّة الظّنون المشکوکة الاعتبار والظّن الکتاب مقطوع الاعتبار وفیه أنّ ظاهر الآیة العموم لکل ظن وحینئذ فیقع الإشکال فی صیرورتها قطعیّة الاعتبار مع أنّ مضمونها عدم حجّیّة نفسها إذ قطعیّة الاعتبار ولا یخرجها عن ظنّیّة الدّلالة نعم لو استفید منها القطع بالحکم لم یلزم المحذور والثّانی أنّها غیر منصرفة إلی نفسها وفیه أنّه أنّما هو لضیق العبارة عن شموله وإلاّ فیعلم أنّ المناط هو الظّن من غیر خصوصیّة وذلک نظیر قول السّید بعدم حجّیّة خبر الواحد ونقله الإجماع علیه فإنّه لا یشمل نفسه لکن لو سئل السّید إن نقل لنا إجماعک لخبر الواحد فهل هو حجّة لنا فلیس له بد من أن یقول لا فیلزم من حجّیّة قوله عدمه ومنها أنّ الآیة موردها أصول الدّین

ص: 414

فلا تشمل مطلق الظّن فإنّ العموم المستفاد من المطلق بدلیل الحکمة مشروط بعدم کون بعض الأفراد متیقن الإرادة وإلاّ لم یجر دلیل الحکمة کما هنا للقطع بإرادة الظّن فی أصول الدّین لأنّه مورد الآیة فلا داعی للحمل علی غیره سیما فی المسبوق بالمنکر فإنّه قرینة علی حمل اللام علی العهد الذّکری وإن قلنا بمجازیّته هذا مع أنّه أولی من التّخصیص اللازم من الحمل علی العموم لخروج کثیر من الظّنون عن تحت الآیة وما یقال من أنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص المورد إنّما هو فی العموم الوضعی لا فی الإطلاقی والجواب أنّ المناط فی استفادة العموم حکمة إنّما هو کون اللّفظ بحیث لو عرض علی العرف لم یکن هناک عندهم قرینة معیّنة لبعض الأفراد فحینئذ یحمل علی العموم حکمة ونحن إذا عرضنا هذه الآیة علی العرف نراهم لا یفهمون التّخصیص بخصوص المورد بل إنّما یفهم عندهم أنّ المناط فی الذّم علی متابعة الظّنّ فی الأصول إنّما هو کونه اتباع الظّنّ مذموم فیکون نظیر قول الطبیب لمن یأکل الرّمان هذا یأکل حامضا وأکل الحامض مضر فلا یفهم منه اختصاص المضرة بحموضة الرّمان وهذا ظاهر جدا والجواب عن الاعتراض الأوّل أنّه إمّا یسلم قیام الدّلیل القطعی علی حجّیّة الظّن الکتابی أو لا فعلی الثّانی لا یصح الاستدلال من رأس لأنّه استدلال علی عدم حجّیّة الظّنّ بالظّنّ وعلی الأوّل یجب تخصیص مضمون الآیة بذلک الدّلیل القطعی ووجهه ظاهر وقد یقال إنّه لیس تخصیصا بل هو من باب التّخصیص نظرا إلی أنّ العمل بالظن الکتابی لیس عملا بالظّنّ بل هو عمل بذلک الدّلیل القطعی الموجب لحجّیّة ظاهر الکتاب أو من جهة أنّ قیام ظاهر الکتاب علی شیء سبب شرعا لثبوته علی المکلف واقعا وإن لم یفد الظّن کسائر الأسباب الشّرعیّة من الید والفراش ونحوهما فلیس فیه عمل بالظّنّ لکنّه فاسد جدا لأنّ قیام الدّلیل القطعی علی حجّیّة الظّن لا یوجب خروج الموضوع عن کونه عملا بالظّنّ بل هو عمل بالظّنّ غایة الأمر جوازه بالدلیل القطعی فیلزم تخصیص ما دل علی حجّیّة الظّن کلیّة وحجّیّة الأمارات فی الأحکام لیست من جهة السّببیّة علی التّحقیق بل من جهة الکشف عن الواقع فحینئذ یکون عملا بالظّنّ فالتحقیق أنّه من باب التّخصیص کما عرفت فثبت مما ذکرنا أنّ الأصل الأوّلی هو عدم حجّیّة الظّنّ ویکفی فی ذلک حکم العقل ولا حاجة إلی سائر الوجوه فحینئذ یجب بیان ما ادعی خروجه عن هذا الأصل بالخصوص أعنی خبر الواحد فإنّ المعروف حجّیّته بالخصوص فی الجملة والمراد به أنّه هل یثبت السّنة بنقل الواحد أو لا فنقول قد استدلوا علی حجّیّته بوجوه من العقل والنّقل أمّا العقل فمن وجوه أحدها أنّ قیام الخبر علی التّکلیف موجب للظّنّ بترتب الفرد علی ترکه ودفع الضّرر المظنون واجب وفیه أوّلا أنّه لا یختص بالخبر بل یشمل مطلق الظّنّ وثانیا أنّه إن فرض عند التّمکن من العلم ففیه أنّ الضّرر حینئذ فی الاقتصار علی الظّن لاحتمال مخالفة الواقع

ص: 415

وإن فرض عند عدم التّمکن منه ففیه أنّه إن أراد من الضّرر العقاب فالصغری ممنوعة لقبح العقاب بلا بیان فلا ملازمة بین الحکم الواقعی وبین العقاب لیلزم من النّص بالحکم الظّن بالعقاب بل قبح العقاب بلا بیان یوجب القطع بعدم العقاب ما لم یثبت الحکم بالعلم أو بالعلمی والقول بأنّ قاعدة وجوب دفع الضّرر المحتمل کاف فی البیان فلا یقبح العقاب فاسد جدا لأنّ تلک القاعدة فرع احتمال العقاب فی المقام فلا تکون هی بنفسها بیانا ومصححة للعقاب وبعبارة أخری قبل البیان لا یحتمل الضّرر بحکم العقل فلا یجری للقاعدة حتی یحصل البیان نعم هی تجری عند الشّک فی المکلف به مع العلم الإجمالی فإنّه کاف فی البیان فیحتمل الضّرر فی کل من طرفی الشّک فیجب دفعه وأمّا عند الشّکّ فی التّکلیف فلا لا أن یقال بعدم قبح التّکلیف بلا بیان وإنّما یسلم قبح تکلیف الغافل لعدم تمکنه من الاشتغال وأمّا الشّاک فلا یقبح تکلیفه وعقابه وحینئذ فیکون الأصل عند الشّکّ هو الاحتیاط إلاّ أن یقوم الدّلیل النّقلی علی عدم التّکلیف عند الشّکّ فیه لکن هذا فاسد جدا لتقبیح العقلاء للمولی إذا عاقب عبده بأنّک جوزت أن أکون طالبا منک کذا وکنت قادرا علی إتیانه فلم لم تفعل وعدوا ذلک ظلما وعدوانا ولیس هذا إلاّ لاشتراط البیان فی صحة العقاب هذا وإن أرید من الضّرر الضّرر الدّنیوی فالصغری مسلمة بناء علی تبعیّة الأحکام للمصالح والمفاسد فالظّنّ بالحرمة ظن بتحقق المفسدة فی الفعل لکن نقول إنّ حکم العقل بوجوب دفع الضّرر الدّنیوی معلق علی عدم انجبار ذلک الضّرر والکاشف عن الانجبار هو خطاب الشّرع الشّامل بعمومه أو إطلاقه لأحوال الضّرر فلا یمکن تخصیصه أو تقییده بحکم العقل وذلک لکشف الخطاب عن انجبار الضّرر فلا یبقی للعقل حکم بلزوم الدّفع وما یری من حکم الفقهاء بسقوط التّکلیف عند ظن الضّرر فلیس لحکم العقل بل إنّما هو لقوله علیه السلام لا ضرر ولا ضرار فی الإسلام فإنّه حاکم علی العمومات ومخصص لها بصورة انتفاء الضّرر فإن قلت مقتضی الخبر خروج ما فیه ضرر فی الواقع عن تحت الخطابات فیکون العام منقسما إلی قسمین ما فیه ضرر فهو خارج عنه وما لیس فیه ضرر فهو داخل فیه فإذا لم یعلم فرد أنّه مما فیه ضرر أو لا هو صورة الشّک فی الضّرر فینبغی أن لا یتمسک فیه بالعام لعدم العلم بدخول هذا الفرد فیه مع حکمهم فی صورة الشّک بثبوت التّکلیف قلت قد أجیب عن هذا الإشکال بأنّ الضّرر إن کان منجبرا فلیس ضررا أصلا إنّما الضّرر هو ما لم ینجبر وحینئذ فلا تعارض بین قوله لا ضرر وبین العمومات لکشفها عن الانجبار واعترض علیه بأنّه یلزم علی هذا أن لا یسقط التّکلیف عند القطع بالضرر أیضا لثبوت الانجبار بالتّکلیف وأیضا یلزم کون الخبر لغوا لا یترتب علیه ثمرة فی الفقه وإنّما یکون إخبارا بأنّ الأحکام لیس فیها ضرر بلا عوض فإن کان ضرر الخبر بالعوض وهو خلاف ما یفهم منه عرفا بل خلاف ما فهم منه العلماء قدیما

ص: 416

وحدیثا وأجیب بأنّ التّکالیف إنّما نکشف عن انجبار الضّرر المترتب علی نوع التّکلیف دون المترتب علیه فی خصوصیات الموارد وحینئذ فیتمسک فی نفی التّکلیف فی الخصوصیات بالخبر لعدم ثبوت الانجبار وفیه أنّه إذا لم یثبت الانجبار حینئذ فلم لا یتمسک فی نفیه بحکم العقل والحق أنّ الضّرر لا یخرج بالانجبار عن عنوان الضّرر والتّکالیف إنّما نکشف عن انجبار الضّرر فی ولو فی الآخرة وهو کاف فی رفع حکم العقل بالدفع لکن لا یرتفع بالانجبار الأخروی صدق الضّرر الدّنیوی وإن سلم ارتفاع صدقه بالانجبار الدّنیوی وحینئذ فإذا تحقق الضّرر الدّنیوی حکم برفع التّکلیف فیه بمقتضی الخبر لأنّه حاکم بأنّ التّکالیف لیست بحیث یترتب علیها ضرر فی الدّنیا فإذا ترتب الضّرر علی شیء فلا تکلیف فیه بخلاف حکم العقل فإنّه یرتفع بکشف الخطاب عن الانجبار الأخروی أیضا وذلک نظیر الإکراه فإنّه لا یصدق بالإیعاد علی العذاب الأخروی وإلاّ لکان إتیان العبادات إکراها ولا إکراه فی الدّین والتّحقیق أن یقال إنّ الخطابات لا تکشف عن الانجبار وخبر نفی الضّرر حاکم بنفی الضّرر الواقعی وموجب لانحلال العام إلی قسمین کما ذکرناه أوّلا والضّرر المنجبر أیضا ضرر وحینئذ فنقول إن علم تحقق الضّرر فی شیء علم عدم التّکلیف فیه بمقتضی الخبر وإلاّ کان مقتضی حکم العقل بوجوب دفع الضّرر وجوب دفعه عند الشّک أیضا لکن نقول إنّ مقتضی أدلة الأصول العملیّة من البراءة والاستصحاب ونحوهما انجبار الضّرر المحتمل الّذی لم یقم الدّلیل الشّرعی علی التّکلیف فیه فإنّ الشّک فیه من جهتین إحداهما من جهة التّکلیف الشّرعی والثّانیة من جهة الشّکّ فی ثبوت الضّرر أمّا الجهة الأولی فهی من مسائل الشّکّ فی التّکلیف فی الشّبهات الموضوعیّة والأصل فیه البراءة اتفاقا وأمّا الجهة الثّانیة فیعمل فیها بأصالة عدم الضّرر وحینئذ فیثبت التّکلیف الثّابت لما لیس فیه ضرر فی الواقع لهذا الموضوع الّذی ثبت عدم الضّرر فیه بالأصل ولو کان فیه ضرر فی الواقع کان منجبرا بمقتضی أدلة حجّیّة الأصل ومقتضی هذا الوجه الاقتصار فی تخصیص العمومات علی صورة القطع بالضرر لکن قد قام الإجماع علی حجّیّة الظّن فی مسألة الضّرر إثباتا ونفیا فلا ینظر فیه إلی مقتضی الأصل نعم فی حالة الشّک یجب النّظر إلی مقتضی الأصل فإن کان الحالة السّابقة هی وجود الضّرر کان الضّرر مستصحبا فیکون مثل صورة الظّن بالضرر وإن کانت عدم الضّرر کان مستصحبا فکان کالظن بعدمه فلا یجوز الحکم بثبوت التّکالیف عند الشّکّ فی الضّرر مطلقا ولا بنفیها کذلک لکن یرد علی هذا الوجه أنّه إذا کان إثبات التّکلیف فی موارد الظّن بعدم الضّرر واستصحاب عدمه بسبب الأصل وکان المناط فی حجّیّة الظّن هنا هو کونه طریقا إلی الواقع وکذا الأصل إنّما یجری عند الجهل بالواقع فیکون ثبوت التّکلیف فی المورد من الأحکام الظّاهریّة مع أنّهم حکموا فیمن یتیمم بظن الضّرر ثم ظهر عدم

ص: 417

الضّرر لم یجب علیه إعادة الصّلاة وهذا هو الإجزاء الّذی منعوا ثبوته فی الأحکام الظّاهریّة وهذا یعطی أنّ الحکم فی موارد الضّرر حکم واقعی لا ظاهری فکیف یجتمع هذا مع هذا الوجه الّذی عرفت أنّ مقتضاه کونه حکما ظاهریّا ویمکن الجواب عنه بأنّ رفع الشّارع للحکم فی موارد الضّرر لیس لمنقصة فی ذات الحکم مانعة عن جعله بل المانع منه إنّما هو محض التّفضل علی العباد کما یظهر من سیاق قوله علیه السلام لا ضرر ولا ضرار فی الإسلام وحینئذ فإذا اعتقد المکلف انتفاء الضّرر علما أو بالأصل الشّرعی فهو لا محالة یأتی بذلک الفعل ویوقع نفسه فی الضّرر وحینئذ فلا ریب أنّ مقتضی التّفضل حینئذ جعل الحکم لیتدارک به ذلک الضّرر لا رفعه کما لا یخفی أو نقول إنّ دلیل حجّیّة الأصل کاشف عن وجود مصلحة یتدارک بها مفسدة الوقوع فی الضّرر فلا یبقی مانع عن جعل الحکم فی الواقع إذ المانع عنه إنّما هو مفسدة الضّرر فإذا ارتفعت بالتدارک لم یبق مانع بعد فرض وجود المصلحة فیه وعدم حدوث منقصة فیه إلاّ مزاحمة المفسدة فتحقق مما ذکرنا فرق آخر بین قاعدة نفی الضّرر المستفادة من العقل وبین حدیث نفی الضّرر والضّرار وهو أنّ القاعدة أنّما أثبتت حکما شرعیّا کوجوب العمل بالظّنّ فی المقام أو حرمة ارتکاب ما یحتمل الضّرر بخلاف الحدیث فإنّه إنّما ینفی جعل حکم متضمن للضرر ولیس بنفسه جاعلا للحکم الشّرعی ولهذا لم یتمسک به أحد فی مقامنا هذا أعنی مقام حجّیّة الظّن وکیف کان فلنرجع إلی ما کنا فیه ونقول إنّ وجوب دفع الضّرر الدّنیوی موقوف علی عدم وجود الکاشف عن الانجبار وهو موجود أعنی أدلة الأصول الدّالة علی انتفاء التّکلیف عند الجهل به لکن لا یخفی أنّ هذا إنّما یتم لو ثبت حجّیّة الأصل بالسمع القطعی دون ما لو ثبت بالظّنّی أو بالعقل أمّا الأوّل فلأنّ غایة الأمر حصول الظّنّ بالتدارک وهو لا یوجب رفع احتمال الضّرر الّذی هو موضوع حکم العقل إلاّ أن یمنع من وجوب دفع غیر المظنون وأمّا الثّانی فلأنّ حکم العقل بالبراءة إنّما یثمر دفع احتمال العقاب بلا بیان وهو لا ینفع فی المقام لأنّ العقل إذا حکم بوجوب دفع الضّرر الدّنیوی المحتمل حکم به الشّرع أیضا لأنّ العقل من أدلة الشّرع فحصل البیان فی ذلک فجاز العقاب وارتفع موضوع الأصل أعنی عدم البیان فافهم وعلی هذا فیکون الأصل الأوّلی فی الأشیاء هو الخطر لاحتمال الضّرر الدّنیوی المترتب علی احتمال التّکلیف وأمّا استدلالهم علی أصالة الإباحة ببناء العقلاء ففیه أنّ بناء العقلاء إنّما هو علی الإباحة قبل ورود الشّرع وذلک لدوران الأمر حینئذ بین الضّررین فی کل من الفعل والتّرک ولهذا یحکم بالإباحة أو من جهة عدم إدراک العقل للمفاسد الخفیّة الّتی یکشف عنها التّکالیف الشّرعیّة ولا نسلم أنّ العقل بعد ملاحظة وجود الشّرع یحکم بالإباحة نعم قد ثبت ذلک بالسمع القطعی ولا کلام فیه وهو کاف فی بطلان الدّلیل المذکور مع أنّه لو تم فلا یدل علی حجّیّة الظّن أیضا وإنّما یدل علی لزوم تطبیق العمل علی الظّن بالتکلیف احتیاطا وهذا غیر حجّیّة الخبر والظّن

ص: 418

کما لا یخفی الثّانی أنّه إذا دل خبر الواحد علی وجوب شیء حصل الظّن به فکان راجحا وخلافه مرجوحا وترجیح الرّاجح علی المرجوح قبیح عقلا وحاصله أنّه لما کان المقصود هو الوصول إلی الأحکام الواقعیّة فکل ما ترجح فی النّظر أنّه الواقع فهو أقرب إلی المقصود فترجیح الموهوم علیه نقض للغرض وهو الوصول إلی الواقع فیکون قبیحا والجواب أنّ تمامیّة هذا الدّلیل موقوف علی ثبوت التّکلیف بالنّسبة إلی الواقع وعدم وجود العلم وعدم التّمکن من الاحتیاط وإلاّ فإن قلنا بانصراف التّکلیف من الواقع إلی مؤدی الطرق الشّرعیّة کان اللازم هو العمل بالظن فی الطریق لا فی الواقع لأنّه أقرب إلی المقصود وإن قلنا بوجود الطریق العلمی أو التّمکن من الاحتیاط لم یجز اختیار الرّاجح وترک المرجوح بل کان اللازم أوّلا الاقتصار علی العلم وثانیا العمل بالراجح والمرجوح معا لأنّه أقرب إلی الواقع من اختیار الرّاجح فقط مثلا لو ظن الإباحة وتوهم الوجوب فلا ریب فی أنّ الإتیان به أقرب إلی الواقع لأنّه إدراک له علی جمیع الاحتمالات بخلاف ما لو طرح الوهم ولم یأت بالفعل فیحتمل کونه تارکا للواجب حینئذ وقد یقرر الدّلیل المذکور بوجه آخر وهو أنّ العمل بالظن راجح أی حسن عقلا یثاب فاعله والعمل بالوهم مرجوح وقبیح عقلا یذم فاعله ویعاقب لأنّ الوهم کذب حقیقة وفیه أنّ الظّن أیضا إن لم یقم دلیل علی حجّیّته کان العمل به والتّدین به قبیحا کالوهم من غیر فرق وإن قام الدّلیل علی حجّیّته کان المتبع هو الدّلیل وإن فرض قیامه علی الوهم وجب اتباعه فلا فرق بین الظّنّ والوهم من هذه الجهة ثم إنّ هذا الدّلیل أیضا کسابقه لا یدل علی فرض تسلیمه إلاّ علی لزوم تطبیق العمل بالظن من باب الاحتیاط وإدراک الواقع لا حجّیّة الظّنّ ووجوب التّدیّن به فضلا عن حجّیّة الخبر کما لا یخفی الثّالث أنّ الرّسول صلی الله علیه وآله مبعوث إلی کافة الأنام بلا کلام فیجب علیه تبلیغ الأحکام ومقتضی هذین المطلبین صدور التّبلیغ من النّبی صلی الله علیه وآله فنقول إنّ التّبلیغ الصّادر منه إمّا أن یکون بنفسه وهو منتف فرضا بل غیر ممکن عادة وإمّا أن یکون بعدد التّواتر وهو أیضا کذلک أو بالآحاد المقرونة بقرائن القطع وهو کسابقیه فلم یبق من طرق التّبلیغ إلاّ الواحد فیکون تبلیغه الصّادر منه إنّما هو بخبر الواحد ثم نقول إنّه لو لم یجعل خبر الواحد حجّة تعبدیّة لم یمکن التّبلیغ به إذ یجب فی التّبلیغ أن یکون بحیث لا یبقی عذر للمکلفین والخبر لما کان غیر مفید للعلم لم یکن قاطعا للعذر إلاّ إذا جعله الشّارع حجّة تعبدیّة فإذا دل الدّلیل المذکور علی ثبوت التّبلیغ بالخبر دل علی أنّ الخبر حجّة تعبدیّة شرعیّة وهو المطلوب وفیه أنّ غایة ما یستفاد من هذا الوجه هو وجود طریق تعبدی وأمّا أنّه الخبر مطلقا أو بعض أقسامه أو شیء آخر معه فلا یستفاد منه فلا فائدة فی نتیجة بل لا یتم هذه النّتیجة المحتملة أیضا إلاّ بعد إثبات عدم وجوب الاحتیاط لأنّ تبلیغ الأحکام المجعولة بنحو العلم ممکن غالبا فلم لا یجوز أن یکون هذا کافیا فی التّبلیغ لتمکن المکلفین من الامتثال بالاحتیاط فیکون هذا الدّلیل مفتقرا إلی مقدمات دلیل الانسداد بل راجعا إلیه فی الحقیقة کما یظهر عند التّأمل وأمّا النّقل فأمور منها

ص: 419

قوله تعالی یا أیها الّذینءامنوا إن جاءکم فاسق بنبإ فتبینوا وجه الاستدلال أمران أحدهما أنّه تعالی علق وجوب التّبین علی مجیء الفاسق بالخبر فینتفی عند انتفائه وإذا لم یجب التّبین عند مجیء غیر الفاسق فإمّا أن یجب القبول وهو المطلوب أو الرّد فیلزم أن یکون العادل أسوأ حالا من الفاسق أو نقول إنّ المراد لیس وجوب التّبین بنفسه بل عند إرادة العمل بقوله فإذا انتفی وجوب التّبین بهذا المعنی فی خبر العادل کان مقتضاه جواز العمل من غیر تبین وهذا معنی الحجّیّة الثّانی أنّه علق وجوب التّبین علی فسق المخبر فینتفی بانتفائه ومفهوم الوصف وإن لم یکن حجّة مطلقا لکنّه حجّة قد یکون حجّة بالقرائن کما هنا لأنّ وصف کونه خبر الواحد ذاتی ووصف کونه خبر الفاسق عرضی وتعلیق الحکم علی الوصف العرضی مع کون المناط فیه هو الوصف الذّاتی قبیح فیکون المناط هو الوصف العرضی واعترض علیه بأمور أحدها أنّ مفهوم الشّرط فی الآیة هو أنّه إذا انتفی مجیء الفاسق بالخبر ینتفی وجوب التّبیّن عن خبر الفاسق لأنّه الثّابت فی المنطوق وإنّما ینتفی فی المفهوم عین الحکم الثّابت فی المنطوق لا شیء آخر غیر وفیه أنّ تقیید النّبإ بالفاسق إنّما استفید من الشّرطیّة ومثل هذا القید لا یعتبر فی الموضوع وإلاّ لکان مفهوم قولنا إن جاء زید فأکرمه إن لم یجئ زید فلا تکرم زید الجائی لأنّه الموضوع فی المنطوق فلا ینافی وجوب إکرام زید الغیر الجائی وهذا یوجب انسداد باب المفاهیم الثّانی أنّ مورد الآیة هو إخبار الولید بارتداد بنی المصطلق وخبر العادل الواحد لیس حجّة فی الارتداد اتفاقا فلیس للآیة مفهوم بالنّسبة إلی موردها والقول بإرادة المفهوم بالنّسبة إلی غیر المورد موجب لتخصیص المورد وهو مستهجن واعترض علیه بأنّ هذا لیس تخصیصا للمورد أمّا أوّلا فلأنّ المورد هو المنطوق ولم یتصرف فیه بشیء وأمّا ثانیا فلأنّه تقیید للمورد لا تخصیص لأنّ الخبر العدل الواحد فی الارتداد أیضا حجّة کما هو مفهوم الآیة لکن بشرط انضمامه إلی عدل آخر فلم یلزم إخراج العدل الواحد رأسا فی مورد الآیة لیلزم التّخصیص وأجیب عن الثّانی بأنّ الحجّة فی الارتداد هو مجموع الشّاهدین لا کل واحد وحینئذ فلو شمل الآیة للارتداد لکان المراد بمفهومها إثبات حجّیّة کل واحد فی غیر الارتداد وکل اثنین فی الارتداد وهذا جمع بین المعنیین فإمّا تحمل علی إرادة کل اثنین فلا تدل علی حجّیّة خبر الواحد وتحمل علی إرادة کل واحد وخروج الارتداد عن المفهوم وهو تخصیص للمورد لا تقیید والتّحقیق فی وجه الإیراد أن یقال إنّ إرادة الشّرط موضوعة للتعلیق وظاهر الکلام تعلیق وجوب التّبین فی النّبإ علی الفسق مطلقا سواء کان فی الموضوعات أم فی أحکام أو غیرها مع أنّه لیس کذلک لأنّ التّبین فی الارتداد لیس معلقا علی الفسق بل إمّا علی الفسق أو علی وحدة العدل وحینئذ یجب عدم إرادة التّعلیق بالنّسبة إلی المورد فإن أرید بالنّسبة إلی غیره لزم استعمال الأداة فی المعنیین ولا فرق فی هذا بین أن یکون الحجّة کل واحد من العدلین بشرط الانضمام أو المجموع من حیث المجموع وإذا لم یجز الجمع بین المعنیین وجب عدم إرادة التّعلیق رأسا أو إرادة تعلیق إطلاق

ص: 420

التّبین علی الفسق فیکون المعنی أنّه لا یعتنی بالخبر أصلا ومطلقا إذا کان المخبر فاسقا أو إذا کان عادلا فلیس کذلک بل مخبره إمّا بلا اشتراط کما فی الأحکام أو بشرط الانضمام کما فی الارتداد ولکن لا یمکن التّمسک بالآیة حینئذ علی حجّیّة خبر العادل فی موارد الشّک لأنّ المهملة لا حجّة فیه علی الخصم نعم یمکن التّمسک علی الحجّیّة فی الأحکام إذا لم یقل أحد باشتراط تعدد العدل فیها فمتی ثبت اعتبار قول العدل فیها فی الجملة ثبت مطلقا بالإجماع المرکب فتأمل الثّالث أنّ ذکر الشّرطیّة فی الآیة إنّما هو لبیان موضوع الحکم فلا یکون لها مفهوم کما فی قولنا إن مات زید فادفنه وإن رکب فخذ رکابه وذلک لأنّ التّبین عن النبإ لا یمکن إلاّ عند المجیء به ویمکن الجواب عنه بأنّ الشّرط لیس مطلق المجیء بل مجیء الفاسق ولا ریب فی أنّ إمکان التّبین عن النّبإ لا ینحصر فی صورة مجیء الفاسق به لإمکان تحققه عند انتفاء هذا الشّرط أعنی مجیء العادل فلا یکون الشّرط لبیان تحقق الموضوع الرّابع أنّ مفهوم الآیة معارض بمنطوق التّعلیل المذکور فی ذیلها حیث یقتضی عدم اعتبار غیر العلم وبینهما عموم من وجه لأنّ المفهوم یقتضی حجّیّة خبر العادل أفاد العلم أم لا والتّعلیل یقتضی عد حجّیّة غیر العلم سواء کان خبر العادل أم لا ولا مرجح لتخصیص أحدهما بالآخر فالمرجع أصالة عدم حجّیّة الظّن وأجیب عنه بأنّ المفهوم أخص مطلقا من التّعلیل لاختصاصه بخبر العدل الغیر العلمی لأنّ المفهوم یجب اتحاده مع المنطوق موضوعا ولا ریب فی أنّ الموضوع فی المنطوق هو الخبر الّذی لا یفید العلم وإلاّ لم یجب التّبین فیکون المفهوم مختصا به أیضا فالأولی فی تقریر الاعتراض أن یقال إنّ تعلیل الحکم بشیء یوجب تبعیّة الحکم للعلة فی العموم والخصوص کقول الطبیب لا تأکل الرّمان لکونه حامضا فیتعدی إلی کل حامض کما یقتصر من الرّمان علی خصوص الحامض هذا فی غیر الجملة الشّرطیّة وأمّا فیها فلما کانت هی ظاهرة فی المفهوم وقع التّعارض بین الظّهورین ظهور الجملة فی المفهوم وظهور التّعلیل فی العموم فلا بد من ترجیح أحد الظّهورین وطرح الآخر فإنّ رجحان التّعلیل طرحنا المفهوم وبالعکس وحیث لا ترجیح فالمرجع هو الأصل وأجیب بأنّ المراد بالجهالة هو السّفاهة فیکون العلة هی إصابة القوم بسفاهة وهذه هی العلة فی وجوب التّبین عن خبر الفاسق وهذه العلة منتفیة فی خبر العادل لأنّ العمل بقوله لیس سفاهة بحسب العرف لبناء العقلاء علیه ویشکل بأنّ العمل بخبر الفاسق قبل التّبین العلمی إن کان سفاهة لم یکن یصدر من الصّحابة لأنّهم عقلاء فلا معنی لنهیهم عنه بل الظّاهر أنّهم لم یکونوا یعملون به إلاّ بعد حصول الظّن لهم ومعه فلیس العمل به سفاهة فالأولی أن یقال إنّ الغرض من ذلک تنبیهم علی أنّ الفاسق لیس أهلا للاطمئنان من جهة عدم وجود الرّادع عن الکذب فیه فحصول الظّن بقوله ظن بدوی فلا ینبغی أن یلتفت إلیه وهذه العلة منتفیة فی خبر العادل فإذا حصل الاطمئنان بقوله فلا جهالة فی العمل به فتدل الآیة علی حجّیّة

ص: 421

الاطمئنان المستقر من أی شیء حصل وعلی هذا فیکون المراد بالجهالة خلاف الاطمئنان والمراد من التّبیّن طلب ظهور الحال أعم من العلمی أو الظّنی غایة الأمر تقییده فی المورد بخصوص العلمی وهو غیر قادح وقد یقال إنّ الجهالة معناها خلاف العلم والمراد من التّبین هو خصوص العلمی ومع ذلک فلیست العلة مشترکة وذلک لأنّ الجهالة تارة یراد بها عدم العلم أی الاعتقاد الجازم المطابق فیصدق علی الشّکّ والظّنّ المطابق وغیر المطابق والجزم غیر المطابق وهذا المعنی غیر مراد لأنّ العمل بالظّنّ المطابق لا یورث النّدم وقد تطلق علی الاعتقاد الغیر المطابق وهو المراد لأنّه الّذی یورث النّدم بسبب انکشاف خطائه ثم إنّ حصول اعتقاد الخطإ من خبر الفاسق تارة یکون من جهة سهوه وغفلته وأخری من جهة تعمده للکذب والّذی یناسبه وصف الفسق هو الثّانی وحینئذ فیکون وجوب التّبین العلمی عن خبر الفاسق من جهة کونه سببا للوقوع فی اعتقاد الخطإ من جهة احتمال تعمده الکذب بحسب النّوع فهذا هو الباعث لعدم جواز الرّکون إلیه والعمل بخبره وهذه العلة منتفیة فی خبر العادل لانتفاء احتمال تعمد الکذب غالبا فی حقه فهو من هذه الجهة لا یوقع فی الخطإ وإن أوقع فیه من جهة احتمال السّهو والنّسیان لکنّه لیس علة لوجوب التّبین فی خبر الفاسق حتی یقال بثبوت هذه العلة فی العادل أیضا وحینئذ فلا تعارض بین المفهوم والعلة أصلا والحاصل أنّ الآیة أنّما تدل بحسب المفهوم علی عدم الاعتناء باحتمال تعمد الکذب فی العادل لأنّ فیه رادعا عنه بحسب الأغلب بخلاف الفاسق والأحکام الشّرعیّة تتبع الحکم الغالبة فلا یلزم فیه الاطراد وأمّا احتمال الخطإ والسّهو فالآیة ساکتة عن نفیه وإثباته وإنّما یرجع فیه إلی أمر خارج ولهذا نقول بعدم الاعتناء به فی المحسوسات لبناء العقلاء دون الحدسیّات وکذا نقول باشتراط کونه ضابطا لأنّ أصالة عدم السّهو والنّسیان لا یجری فی غیره فافهم ویحتمل فی الآیة وجه آخر وإن کان ضعیفا وهو أن یکون المراد بالجهالة جهالة الفاسق المخبر فالمعنی تبینوا مخافة أن تصیبوا قوما بسبب الجهالة الثّابتة للفاسق حیث أخبرکم کذبا فیکون أصابتکم للقوم مستندا إلی جهالته وهذه العلة منتفیة فی خبر العادل لأنّه لیس له جهالة بهذا المعنی غالبا والله العالم الخامس أنّ الآیة ظاهرة فی الإخبار بلا واسطة فلا تشمل أخبارنا الموجودة لکثرة الوسائط فیها بیننا وبین المعصوم وأجیب بأنّ کل واحد من تلک الوسائط یحکی خبرا بلا واسطة لأنّ إخبار الأخیر إنّما هو عن إخبار سابقه وهو بلا واسطة وهکذا إخباره عن إخبار سابقه فیدخل الجمیع فی عنوان الإخبار من غیر واسطة فیکون الجمیع حجّة والأولی فی تقریر الاعتراض أن یقال إنّ المراد من حجّیّة الخبر هو ترتیب آثار المخبر به علیه فحجّیّة الأخبار بالعدالة معناها وجوب ترتیب آثار العدالة الواقعیّة علی الإخبار بها فیجب أن یکون للعدالة حکم واقعی قبل ذلک لیجب ترتیبها بدلیل الحجّیّة وهذا المعنی مفقود فی الإخبار الثّانی فإنّ حجّیّة إخبار زرارة عن محمد بن مسلم مثلا معناها

ص: 422

وجوب ترتیب آثار إخبار محمد بن مسلم علی إخبار زرارة فیجب أن یکون لإخبار محمد بن مسلم حکم واقعی مع قطع النّظر عن الآیة لیجب ترتیبها علی إخبار زرارة بدلالة الآیة وحجّیّة خبر محمد بن مسلم وإن کانت من الأحکام الواقعیّة الثّابتة له إلاّ أنّ ثبوتها له إنّما هو بهذه الآیة وبتقریر آخر إذا تعلق الحکم بعام وجب أن یکون أفراده متساویة فی تعلق الحکم بها فإذا فرض وجود فرد له بسبب ثبوت حکم العام لفرد آخر لم یمکن شمول الحکم لذلک الفرد لوجوب تقدم الموضوع علی الحکم والمفروض فی المقام أنّ ثبوت خبر محمد بن مسلم ودخوله فی أفراد الخبر موقوف علی ثبوت حکم العام لخبر زرارة إذ لو لا حجّیّة خبر زرارة لم یکن لمحمد بن مسلم خبر حتی یشمل حکم العام کذا قرره الفاضل الأنصاری ره وأجاب عنه بوجوه أحدها النّقض بالإقرار بالإقرار حیث حکموا بثبوت المقر به وترتبه علیه بنفس قوله علیه السلام إقرار العقلاء علی أنفسهم نافذ مع أنّ الإقرار الثّانی لیس ثابتا إلاّ بنفوذ الإقرار الأوّل والثّانی أنّ ترتب أفراد العام فی الوجود وکون بعض الأفراد علة لبعض لا ینافی تساوی إقدامها فی الحکم فی نظر الحاکم والثّالث أنّ حکم العام وإن لم یشمل هذا الفرد الثّانی لقصور العبارة لکنّه معلوم بتنقیح المناط للعلم بعدم الفرق بین أفراد الخبر فی هذا الحکم أقول أمّا الجواب الثّانی فضعفه ظاهر إذ لیس التّرتب فی المقام بین نفس الأفراد بل التّرتب إنّما هو بین ثبوت الحکم لفرد وبین وجود فرد آخر ومثل هذا مانع عن تساوی الإقدام لاستلزام شمول الحکم للفرد الثّانی تقدم الحکم علی ثبوت الموضوع والجواب النّقضی لا یدفع الإشکال وأمّا الآخر فلا یتم الجواب به إلاّ علی التّقریر الثّانی وهو فاسد جدا لأنّ معنی حجّیّة الخبر لیس إثبات نفس المخبر به فی مرحلة الظّاهر لیترتب علیه الحکم الواقعی بدلیله فلو أخبر بطهارة الماء مثلا فلیس معنی حجّیّة الحکم بکون هذا الماء طاهرا فثبت له الحکم بقوله صلی الله علیه وآله کل ماء طاهر فهو مطهر للحدث والخبث بأن یکون دلیل الحجّیّة مثبتا للصغری وینضم إلیه الکبری الثّابتة بدلیلها وذلک لأنّ الحکم فی الکبری إنّما یرد علی الأفراد الواقعیّة ودلیل الحجّیّة إنّما یثبت الفردیّة الظّاهریّة فبضمها إلی الکبری لا ینتج ثبوت الحکم بل معنی حجّیّة الخبر وجوب ترتیب الآثار الواقعیّة الثّابتة للمخبر به الواقعی علی الإخبار فهذا الخطاب بنفسه جاعل لأحکام العدالة الواقعیّة للإخبار بالعدالة لأنّ دلیل حجّیّة الخبر یثبت کون المخبر بعدالته عادلا فیثبت له أحکام العادل بدلیله لما عرفت وحینئذ ظهر لک بطلان التّقریر الثّانی لأنّ معنی حجّیّة خبر زرارة لیس أنّ خبر محمد بن مسلم فیثبت له حکم الخبر بالخطاب العام لیرد أنّ الأفراد یجب تساویها فی الإقدام وذلک لأنّ الخطاب العام لا یشمل إلاّ الأفراد الواقعیّة للخبر دون الأفراد الظّاهریّة فجعله خبرا فی الظّاهر لا ینفع فی إثبات حکم العام بل معنی حجّیّة خبر زرارة بإخبار محمد بن مسلم هو وجوب ترتیب الآثار الواقعیّة النّائبة لخبر محمد بن مسلم فی الواقع علی إخبار زرارة ومنه یظهر قوة التّقریر الأوّل وعدم صحة الجواب عنه بهذه الوجوه وکذا نقول فی مسألة الإقرار بالإقرار فإنّ معنی نفوذ الإقرار هو ترتب الأحکام الواقعیّة الثّابتة للمقر به علی الإقرار فی الظّاهر فیجب أن یکون ذلک الحکم الواقعی ثابتا للمقر به

ص: 423

مع قطع النّظر عن دلیل نفوذ الإقرار لأنّ الحکم الواقعی والظّاهری لا یمکن إثباتهما بخطاب واحد إذ لیس معنی الحکم الظّاهری إلاّ إثبات الأحکام الواقعیّة ظاهرا فهذا الخطاب یکون متأخرا بالطبع عن الخطاب الدّال علی الحکم الواقعی فلا یمکن إثباتهما بخطاب واحد فالإقرار المتقدم من أحکامه الواقعی هو النّفوذ وهذا قد ثبت بالخبر فهذا الحکم لا یمکن ترتیبه علی الإقرار الثّانی لأنّه فی هذه المرحلة یکون ظاهریّا مترتبا علی الإقرار الثّانی فیکون الخبر دالاّ علی الحکم الواقعی والحکم الظّاهری معا وهو فاسد ولا یمکن أن یقال إنّ فردیّة الإقرار الثّانی إنّما هی بعد ثبوت النّفوذ للإقرار الأوّل کما هو معنی التّقریر الثّانی لما عرفت من أنّه لیس معنی النّفوذ هو کون نفس المقر به ثابتا فی الظّاهر لیثبت له الحکم بدلیله فإنّ نفوذ الإقرار بالدّین لیس معناه الحکم بثبوت الدّین فی الظّاهر لیثبت له وجوب الأداء بما دل علی وجوب أداء الدّین لما عرفت من أنّ الحکم فی الکبری إنّما ورد علی الأفراد الواقعیّة دون الظّاهریّة بل معنی النّفوذ هو الحکم بثبوت أحکام الدّین الواقعی للإقرار بالدّین فیسقط التّقریر الثّانی رأسا نعم یبقی الإشکال الأوّل فی المسألة وفی مسألة الإقرار بالإقرار وفی مسألة الشّهادة علی الشّهادة فإنّ حجّیّة شهادة الأصل علی فرض تحققها فی الواقع إنّما تثبت بدلیل حجّیّة الشّهادة فلا یمکن ترتیبها علی شهادة الفرع ظاهرا بنفس ذلک الدّلیل وإلاّ لکان مثبتا للحکم الواقعی والظّاهری معا وهو باطل حسب ما عرفت وقد ظهر ذلک بما قررنا أنّ التّقریرین متناقضان لأنّ مقتضی التّقریر الثّانی هو أنّ ثبوت الحکم للخبر السّابق موقوف علی ثبوته للخبر اللاحق إذ لو لم یثبت اللاحق لم یکن السّابق خبرا حتی یکون حجّة ومقتضی التّقریر الأوّل هو أنّ ثبوت الحکم للخبر اللاحق موقوف علی ثبوته للخبر السّابق إذ لو لم یثبت الحجّیّة للخبر السّابق لم یکن له أثر شرعی حتی یترتب علی حجّیّة الخبر اللاحق فلم یکن لحجّیّته معنی فحجّیّة اللاحق موقوفة علی حجّیّة السّابق والحاصل أنّ الخبر اللاحق طریق بالنّسبة إلی الخبر السّابق فإذا لم یکن للسابق حکم لم یعقل جعل الطریق له وهذا هو عدم جواز إثبات الحکم الظّاهری والواقعی بخطاب واحد لأنّ جعل الطریق وذی الطریق مترتبان لا یمکن إنشاؤهما بخطاب واحد فعلم أنّ جعل التّقریر الثّانی عبارة أخری عن التّقریر الأوّل لا وجه له أصلا وعلمت أنّ الحق فی تقریر الاعتراض هو الأوّل والشّأن إنّما هو فی الجواب عنه وقد یجاب عنه بأنّ الأفراد إذا کانت مترتبة فی الوجود فلا ضرر فی تقدم بعضها علی بعض فی ثبوت الحکم وهنا کذلک فإنّ الخبر الثّانی مترتب علی الخبر السّابق فیدخل الخبر السّابق الثّابت واقعا تحت حکم العام قبل الخبر الثّانی المترتب علیه ثم یدخل الخبر الثّانی وهذا المقدار من التّقدم کاف بالنّسبة إلی الحکم الواقعی والظّاهری وکذا فی مسألتی الإقرار بالإقرار والشّهادة بالشّهادة فإنّ الشّهادة السّابقة متقدمة بالوجود دائما علی الشّهادة اللاحقة فحکم وجوب القبول یلحق السّابقة أولا فیثبت لها حکم وجوب القبول واقعا ثم یلحق اللاحقة ومعنی وجوب قبولها وجوب ترتیب آثار السّابقة علیها ومنها وجوب القبول فافهم

ص: 424

فإنّه دقیق ویمکن الجواب بتنقیح المناط فإنّا نعلم عدم الفرق بعد وجوب ترتیب الآثار علی المخبر به بین الآثار الثّابتة بنفس هذه الآیة وبین غیرها من الآثار فإذا ثبت وجوب ترتیبها بهذه الآیة ثبت هذا الأثر أیضا بتنقیح المناط القطعی وقد یقرر أصل الاعتراض بوجه آخر وهو أنّ المراد بالبناء فی الآیة هو الخبر الّذی یکون مقصودا بالبیان بالأصالة کالارتداد فی موردها وأمّا إخبار الواسطة فلا یقصد الإخبار به أصالة بل هو واسطة فی الإخبار بالمطلوب فإذا ضم إلی ذلک ظهور فیما لا یکون له واسطة تم الاعتراض ولا یمکن الجواب السّابق بأنّ کل راو إنّما یحکی خبرا بلا واسطة وذلک لأنّه لیس خبرا مقصودا بالأصالة نعم یمکن منع اعتبار کونه مقصودا بالأصالة وله وجه السّادس أنّ المراد بالفاسق کما یظهر من اللّغة هو مطلق الخارج عن طاعة الله سواء کان بالصغائر أو الکبائر أو من ارتکب کبیرة وکل ذنب کبیرة وهو موضوع للفاسق الواقعی وأعم ممن کان فاسقا قبل الخبر أو صار فاسقا بالکذب فی هذا الخبر وحینئذ فلا یکون الحجّة إلاّ خبر من یعلم منه الاجتناب عن جمیع الذّنوب حتی الصّغائر فی الواقع وحتی فی نفس هذا الخبر ولا یعلم ذلک إلاّ فی خبر المعصوم فإنّ غیره لا یخلو من ارتکاب الصّغائر أو احتماله فی حقه احتمال الکبیرة ولو بالکذب فی هذا الخبر فیدل الآیة علی حجّیّة خبر المعصوم ولا کلام فیه وأجیب عنه بأنّ احتمال إرادة الفاسق بنفس هذا الخبر بعید جدا إذ الظّاهر من الآیة أنّ من کان فاسقا قبل هذا الخبر تبین عن خبره وهو ظاهر وأمّا تعمیم الفسق بالنّسبة إلی مرتکب الصّغائر فهو أیضا فاسد بل هو عبارة عن کل مرتکب للکبیرة والقول بأنّ کل ذنب کبیرة أیضا فاسد ویدل علی فساد کلتا الدّعویین الصّحیحة الواردة فی تحدید العدالة حیث قال بم یعرف عدالة الرّجل فقال علیه السلام ما حاصله أنّها تعرف باجتناب الکبائر فلو کان کل ذنب کبیرة لقال علیه السلام باجتناب الذّنوب مضافا إلی قوله تعالی إن تجتنبوا کبائر ما تنهون عنه نکفر عنکم سیئاتکم إذ لو کان کل ذنب کبیرة لم یبق بعد اجتناب الکبائر سیئة حتی تکفر وقد دلت الصّحیحة علی أنّ العدالة هی اجتناب الکبائر وهو ضد للفسق لا یمکن اجتماعهما فی الشّخص فلو کان ارتکاب الصّغائر فسقا لزم کون مرتکبها وتارک الکبائر عادلا وفاسقا معا وهو محال فدلت الصّحیحة علی أنّ الفسق هو ارتکاب الکبائر ومن الظّاهر أنّ المراد من الصّحیحة بیان العدالة الّتی هی الموضوع للأحکام الشّرعیّة وحینئذ فلا تفاوت بین أن یقال إنّ هذا هو المعنی اللّغوی أو الشّرعی أو غیرهما إذ لا یتعلق غرض بالبحث عن ذلک وکیف کان فلا یعتبر فی العدالة الّتی هی الموضوع للأحکام الشّرعیّة إلاّ ما ذکر فی الصّحیحة نعم العدالة فی اصطلاح علماء الأخلاق ملکة یقتدر بها العقل العملی علی إدخال القوی النّفسانیّة تحت العقل النّظری أو ملکة تقتدر بها علی الاقتصاد والتّحفظ عن الوقوع فی طرفی التّفریط والإفراط ویقابلها الجور باصطلاحهم وهذا المعنی لا یعتبر فی العدالة الشّرعیّة لعدم وجوده فی غیر المعصوم غالبا نعم نسلم کون الفاسق اسما للفاسق الواقعی فیثبت من الآیة أنّ خبر من لا

ص: 425

یکون مرتکبا للکبائر واقعا مع قطع النّظر عن هذا الخبر حجّة وهذا کثیر فی الأخبار وأمّا معرفة کون هذا الرّاوی متصفا بعدم اجتناب الکبائر فهو أمر خارج عما نحن بصدده وسیأتی الکلام فیه فی شرائط الخبر وأنّ العدالة تثبت بأی شیء وأنّها شرط أو الفسق مانع ونحو ذلک من المباحث إن شاء الله ومن الآیات قوله تعالی فی سورة البراءة وما کان المؤمنون لینفروا کافة فلو لا نفر من کل فرقة منهم طائفة لیتفقّهوا فی الدّین ولینذروا قومهم إذا رجعوا إلیهم لعلهم یحذرون أوجب الحذر عند إنذار المتفقّهین الّذین هم طائفة من کل فرقة من غیر تقیید بکونه مفیدا للعلم فیکون إخبارهم حجّة مطلقا وهو المطلوب أمّا کون الحذر واجبا فلوجهین أحدهما أنّه جعل غایة للإنذار الّذی هو غایة للتفقّه الّذی هو غایة للنفر الواجب بمقتضی کلمة التّندیم لکن هذا الاستدلال یتوقف علی حمل لعل بمعنی کی التّعلیلیّة کما هو أحد معانیها حتی یتحقق کون الحذر غایة وأیضا یتوقف علی کون المراد من المتفقّهین هم النّافرین لیثبت کون التّفقه غایة للنفر وأمّا علی التّفسیر الآخر للآیة وهو کون المراد تفقّه المتخلفین لإنذار النّافرین بعد رجوعهم فیقرر بوجه آخر وهو أنّ التّندیم فی الحقیقة حینئذ راجع إلی نفر الجمیع ومقتضاه وجوب تخلف البعض والتّفقه غایة لهذا الواجب المستفاد من التّندیم ضمنا الثّانی أنّ کلمة لعل لا یمکن استعمالها فی التّرجی الّذی هو ارتقاب الشّیء الّذی لا یوثق بحصوله فإنّ هذا المعنی مستحیل بالنّسبة إلی العلیم الخبیر فتکون مستعملة فی الطلب فیکون الحذر عند الإنذار مطلوبا فحینئذ نقول إنّ الحذر إن کان المراد به العمل بالخبر والتّدین بمضمونه ثبت المطلوب وهو الحجّیّة لأنّ جواز التّدین بما لم یثبت حجّیّة باطل قطعا لأنّه تشریع محرم عقلا ونقلا فیکشف جواز العمل بشیء عن کونه حجّة وإن کان المراد به محض تطبیق العمل فنقول ظاهر الحذر هو الحذر عن العقاب الأخروی واستحبابه غیر معقول لأنّه إن کان بعد قیام الحجّة علی التّکلیف کان واجبا وإن کان قبل قیام الحجّة کان العقاب مقطوع العدم فلا معنی للحذر عنه فلا ینفک رجحان الحذر من العقاب عن وجوبه الکاشف عن قیام الحجّة فیثبت کون الخبر حجّة وهو المراد واعترض علیه بوجوه أحدها أنّ المراد بالتّفقه هو استنباط الأحکام عن الأدلة والحکم المستفاد منها إنّما یکون حجّة علی المقلد لا مجتهد آخر ولا یشمل التّفقه استعلام الخبر وروایته وفیه أنّ التّفقّه بهذا المعنی اصطلاح جدید وإلاّ فالمراد به استعلام المسائل الدّینیّة فیکون الإنذار عبارة عن نقل ما استعمله من المسائل وإن کان بطریق الرّوایة الثّانی أنّه لا داعی لإخراج کلمة لعل عن معناها وهو الارتقاب واستحالته من الله لا یوجب ذلک لإمکان حمله علی ارتقاب المخاطب کما أنّ أو یحمل علی تشکیک المخاطب فیکون المعنی لینذروا مرتقبین حصول الحذر مع عدم الوثوق بحصوله لکون حصوله موقوفا علی حصول العلم بقول المنذر وعدم المانع عن العمل ولما کان کلا الأمرین غیر موثوق الحصول بالإنذار کان حصول الحذر مرتقبا

ص: 426

فلا تدل الآیة علی وجوب حصول الحذر مطلقا بل یکون احتمال حصوله بحصول العلم وفقد الموانع غایة للإنذار الواجب کما أنّ احتمال حصول العلم للحاکم بقول الشّاهد الواحد یکفی فی وجوب الإقامة علیه هذا مع عدم اطراد إتیان لعل بمعنی کی التّعلیلیّة أو بمعنی الطلب حتی فی کلام الله تعالی لانتقاض الأوّل بقوله تعالی وما یدریک لعله یزکی والثّانی بقوله تعالی وما یدریک لعل السّاعة قریب بل الأوّل به أیضا وإنّما المناسب فیهما هو المعنی الّذی ذکرنا الثّالث أنّ المراد بالتفقّه هو استعلام الأحکام الواقعیّة الثّابتة فی الشّریعة فیکون المراد من أنّ الإنذار تبلیغ تلک الأحکام الواقعیّة والمراد بالحذر العمل بتلک الأحکام الواقعیّة المستعملة المنقولة فإذا لم یعلم المنقول له أنّ ذلک إنذار بالحکم الواقعی لم یجب العمل علیه ولا یعلم ذلک إلاّ بعد العلم بصدق المخبر والحاصل أنّ الغرض من الآیة وجوب العمل بالأحکام الواقعیّة لا وجوب العمل بکل ما یقال إنّه الحکم الواقعی لیثبت حجّیّة الخبر الرّابع أنّ الإنذار هو الإبلاغ مع التّخویف والحذر هو التّخویف الحاصل بعد التّخویف ولا ریب أنّ التّخوف عند التّخویف لا یجب إلاّ علی المقلد عند إنذار المجتهد وأمّا المجتهد فلا یجب علیه التّخوف بمحض تخویف الراوی بل یجب علیه ملاحظة معنی الرّوایة وأنّها دالة علی ما یوجب الخوف أو لا فإیجاب التّخوف بمحض التّخویف قرینة علی إرادة وجوب التّقلید علی العامی لا علی وجوب تصدیق الراوی علی المجتهد ویشهد له استدلالهم بالآیة علی حجّیّة الفتوی علی المقلد والجواب عن الأوّل منع انحصار التّفقه فی الاستنباط الظّنی بل استعلام الخبر تفقه ونقله إنذار بل لم یکن التّفقه والإنذار فی زمان النّبی صلی الله علیه وآله إلاّ بهذا الطریق کما لا یخفی وعن الثّانی أنّ الظّاهر من الآیة هو کون الحذر مطلوبا عقیب الإنذار ومقتضاه کون الإنذار علة مستقلة لطلب الحذر من غیر واسطة شیء ولو توقف طلبه علی حصول العلم بالإنذار لکان المعنی لینذروا قومهم لعلهم یعلمون فیحذرون وهو خلاف الظّاهر المتبادر من الآیة عرفا واحتمال کون التّردید من جهة انتفاء المقتضی فی بعض الأوقات خلاف الظّاهر ولا یعتنی به عرفا وعن الثّالث أنّ کون التّفقه هو استعلام الواقع مسلم لکن وجوب کون الإنذار بنفس الواقع ممنوع بل یجب الإنذار ربما اعتقده واقعا لأنّ التّکلیف بالإنذار بنفس الواقع تکلیف بما لا یطاق لعدم تمیز الاعتقاد المطابق للواقع عن غیر المطابق فی نظر المعتقد فتکلیفه بالإنذار بخصوص المطابق غیر جائز فلیس المطلوب إلاّ الإنذار بما یعتقده المنذر بالکسر أنّه الواقع والمفروض وجوب الحذر والعمل بتلک الأحکام الّتی وقع بها الإنذار فإذا تفقه الشّخص واعتقد حکما هو الحکم الواقعی فأنذر به وجب علی المنذر بالفتح العمل بذلک المعتقد لأنّه الحکم المنذر فلا یشترط فیه علمه بکونه الحکم الواقعی نعم یعتبر علمه بکونه هو الحکم المعتقد للمتکلم وهو یحصل من نفس إخباره عادة فتأمل وعن الرّابع أنّ الإنذار یصدق بنقل ألفاظ الخبر الدّال علی التّکلیف وإن استند الخوف إلی فهم نفس المنذر بالفتح لا یجب فی صدقه کون الخوف مستندا إلی فهم المنذر بالکسر

ص: 427

حتی ینحصر المورد فی الإفتاء بل لیس مضمون الآیة إلاّ نظیر أن یقول المجتهد لمقلدیه لو لا نفر منکم طائفة لیتعلموا مسائلهم منی ثم ینذروا العوام لعلهم یحذرون أتری أنّ ذلک إیجاب لتقلید العوام للوسائط بینهم وبین المجتهد فالحق أنّ الآیة شاملة لنقل الخبر والإفتاء ویشهد لما ذکرنا من أنّ الإنذار یصدق بنقل ما یتضمن التّخویف قوله تعالی وأوحی إلی هذا القرآن لأنذرکم به ومن بلغ حیث نسب الإنذار بنقل القرآن إلی نفسه صلی الله علیه وآله ولیس ذلک إلاّ لکونه ناقلا للآیات المتضمنة للتخویف وإن کان حصول الخوف مستندا إلی فهم السّامعین لا إلی تفسیر ومن الآیات قوله تعالی فی سورة البقرة إنّ الّذین یکتمون ما أنزلنا من البیّنات والهدی من بعد ما بیناه للناس فی الکتاب أولئک یلعنهم الله ویلعنهم اللاعنون أوجب علی العلماء بیان ما یعلمونه من الهدی ومنه الأخبار المسموعة عن النّبی والأئمة علیهم السلام وحرم علیهم الکتمان ویلزمه إیجاب القبول وإلاّ لکان الإظهار لغوا واعترض علیه بوجوه أحدها أنّ حرمة الکتمان لا تستلزم وجوب القبول مطلقا ولا یلزم اللّغو لأنّه ربما أوجب حصول العلم فیجب الإظهار طلبا لحصول العلم کما أنّ حرمة کتمان الشّهادة لا تدل علی وجوب قبول شهادة الواحد ویؤید ذلک أنّ الآیة واردة فی کتمان أهل الکتاب علائم النّبی صلی الله علیه وآله الموجودة فی کتبهم مع أنّ إظهارهم لیس حجّة إذا لم یفد العلم لکونه من أصول الدّین الثّانی أنّ وجوب القبول فرع العلم بأن ما أظهره النّاقل هو الهدی الواقعی لأنّه الّذی یحرم کتمانه فمتی لم یعلم صدقه لا یجب علیه القبول لاحتمال أنّه قد کتم الهدی وأظهر الضّلال فلا یجب القبول منه الثّالث أنّه مقید بالهدی المبین للناس فی الکتاب فیدل علی وجوب قبول الخبر الّذی مضمونه کان موجودا فی الکتاب وهو غیر نافع فإنّ مضمون الخبر إذا کان قطعیّا لم یثمر النّزاع فی حجّیّته شیئا وإنّما النّزاع فی الخبر الّذی لم یقطع بصدق مضمونه من دلیل آخر والجواب عن الثّانی هو ما تقدم فی آیة النّفر من أنّ التّکلیف بإظهار الحق الواقعی غیر جائز بل المکلف به هو إظهار ما یعتقد کونه حقا فیکون الواجب هو قبول ما یعتقده المخبر حقا لا الحق الواقعی وعن الأخیر أنّ جمیع الأحکام مبین فی الکتاب علی ما ورد فی الأخبار غایة الأمر عدم تمکن غیر الأئمة من استنباطها وهو غیر قادح لکن الإیراد الأوّل موجه إلاّ أنّ الأولی فی تقریره أن یقال إنّ الکتمان عبارة عن السّتر والإخفاء وحرمته لا تدل علی وجوب القبول وإن سلمنا وجوب القبول عند وجوب الإظهار للفرق الظّاهر بین وجوب الإظهار وبین حرمة الکتمان فإنّ الأوّل یدل عرفا علی وجوب القبول بخلاف حرمة الکتمان فإنّ کتمان الحق فی نفسه أمر قبیح دال علی خبث سریرة فاعله فیجوز أن یکون حراما بنفسه بخلاف ترک الإظهار فإنّه لا یدل علی خبث الباطن فلا یکون حرمته إلاّ من جهة وجوب القبول وإلاّ لکان وجوب الإظهار لغوا فی نظر العرف فتأمل ومن الآیات قوله تعالی فاسئلوا أهل الذّکر إن کنتم لا تعلمون أوجب السّؤال من أهل الذّکر عند عدم العلم وظاهره أنّ محض

ص: 428

الجواب هو العلم فیکون الجواب علما شرعیّا حیث لا یکون علما حقیقیّا وهو معنی الحجّیّة أو یقال إنّه إذا لم یکن الجواب حجّة لکان السّؤال لغوا واعترض علیه أوّلا بأنّ الظّاهر من تعلیق السّؤال علی فقد العلم أنّ الغرض منه تحصیل العلم والظّاهر منه العلم الحقیقی فلا یدل علی حجّیّة الجواب تعبدا وثانیا بأنّ سوق الآیة شاهد علی أنّ المقصود هو السّؤال عن بشریّة الأنبیاء من أهل الکتاب لیحصل العلم من قولهم فالمسئول عنه أمر مخصوص وأهل الذّکر أشخاص مخصوصون فلا یعم وثالثا أنّ الأمر دائر بین تقیید السّؤال بالسؤال المخصوص أعنی السّؤال عن بشریّة الأنبیاء لغرض تحصیل العلم وبین إبقائه علی إطلاقه وتخصیص أهل الذّکر بالمجتهدین أو الرّواة الجامعین للشرائط من العلم والعدالة والضّبط وتخصیص المسئول عنه الّذی هو عام مقدر حینئذ بخصوص من الأحکام الفرعیّة لعدم حجّیّة الظّن فی الأصول ولا ریب أنّ التّقیید مقدم علی التّخصیص تقدیما لأصالة الحقیقة فی العام الّتی هی الدّلیل بالنّسبة إلی أصالة الإطلاق الّتی هی حکم العقل المستند إلی انتفاء الدّلیل علی التّقیید کما قرر فی محله ورابعا أنّه لو قطع النّظر عما ذکر فالظّاهر من الآیة أنّ السّؤال عن أهل الذّکر إنّما یکون للعلم وکون الشّخص من أهل الذّکر مدخل فیه وهو الفتوی والحکم الواقعی دون سماع ألفاظ الخبر من الإمام علیه السلام فإنّه لا مدخلیّة لکون الشّخص من أهل الذّکر فی ذلک لإمکان صدوره من کل أحد فیکون تعلیق السّؤال عن سماع الألفاظ علی أهل الذّکر نظیر أن یقال سل الطبیب هل قدم زید من السّفر أو لا فإنّه قبیح فی العرف کقبح أن یقال سل العطار عن قیمة البطیخ والفقیه عن سعر الحنطة والشّعیر ونحو ذلک وحینئذ فینحصر مورد الآیة فی الأمر بالتّقلید کما استدلوا بها علیه دون الرّوایة ونقلها وخامسا أنّها لا تدل علی وجوب قبول الخبر ابتداء بل بعد السّؤال فلا تعم المدعی والجواب عن الأوّل أنّ الظّاهر من هذا الکلام أنّ وظیفة الجاهل إنّما هو السّؤال عن أهل العلم فکأنّه إرشاد إلی ما ارتکز فی الأذهان من اعتبار قول الثّقة إذا کان من أهل الخبر فی کل ما یعد فیه من أهل الخبرة کما یقال إذا جهلت الطریق فاسأل الطائفة الفلانیّة فلا یراد من مثل هذا اشتراط العمل بقولهم بحصول العلم کما لا یخفی وعن الثّالث أنّ أولویّة التّقیید علی التّخصیص بحسب استنادها إلی الظّهور العرفی ولا یخفی أنّه مع قطع النّظر عن سوق الآیة لا ریب فی أولویّة التّخصیص هنا علی مثل هذا التّقیید وعن الرّابع أنّ الراوی کما أنّه سامع للألفاظ عن الإمام فلا ریب فی أنّه عالم بالحکم من نفس الرّوایة فإذا وجب الرّجوع إلیه فی استعلام الحکم فإذا أجاب بما یعلم منه الحکم وجب العمل به سواء أجاب بنفس علمه وهو الإفتاء أو بطریق علمه وهو الرّوایة فتشمل الآیة الفتوی والرّوایة معا غایة الأمر اختصاص کل منهما بطائفة من الخارج أعنی المقلد والمجتهد ولا ضیر فیه وعن الخامس أنّ حجّیّة القول هو الدّاعی إلی وجوب السّؤال لأنّ السّؤال یوجب حجّیّة الجواب وهو ظاهر نعم الإیراد الثّانی متجه وهو أنّ سیاق الآیة مناف للحمل علی العموم بل یفهم

ص: 429

عرفا من مثل هذا خصوص السّؤال المعین لکن یمکن دفعه بما ذکر فی الجواب عن الأوّل من أنّ الغرض منه التّنبیه علی ما ارتکز فی الأذهان من قبول قول الثّقة فی ذلک والعمل به إذا أفاد الاطمئنان والله العالم ومنها قوله تعالی فی سورة البراءة ومنهم الّذین یؤذون النّبی ویقولون هو أذن قل أذن خیر لکم یؤمن بالله ویؤمن للمؤمنین ورحمة للذینءامنوا منکم والّذین یؤذون رسول الله لهم عذاب ألیم مدحه الله تعالی علی تصدیقه للمؤمنین ولیس التّصدیق إلاّ عبارة عن ترتیب آثار المخبر به علی الخبر ویؤیّده الخبر الوارد فی حکایة إسماعیل حیث أراد إعطاء الدّنانیر لرجل فقال له الصّادق علیه السلام أما بلغک أنّه یشرب الخمر قال سمعت النّاس یقولون فقال علیه السلام إذا شهد عندک المؤمنون فصدقهم واستشهد بهذه الآیة فلو لا أنّ المراد ترتیب الآثار لم یکن للاستشهاد وجه واعترض علیه بأنّ الآیة واردة فی الجواب عما ذکره المنافقون من أنّه صلی الله علیه وآله أذن والمراد به سریع الاعتقاد بشیء فیکون المدح علی أنّه صلی الله علیه وآله حسن الظّن بالمؤمنین فیعتقد کلما یقولون فلا تدل علی العمل تعبدا بل بعد الاعتقاد وأجیب عنه بأنّ الحمل علی هذا المعنی غیر ممکن بعد ملاحظة مورد الآیة حیث ذکر فی تفسیرها أنّها نزلت فی نمام کان من المنافقین فأخبر جبرئیل بخبره فأحضره النّبی صلی الله علیه وآله وأخبره بذلک فأنکر وحلف علیه فصدقه النّبی صلی الله علیه وآله وخرج وذکر لأصحابه أنّه صلی الله علیه وآله أذن أخبره جبرئیل بأنّی أنم علیه فقبل وأخبرته بعدمه فقبل منی فنزلت الآیة فی رده ولا ریب أنّه صلی الله علیه وآله لم یکن یعتقد صدق خلاف ما أخبر به جبرئیل وحینئذ فلیس المراد حصول الاعتقاد فیندفع هذا الاعتراض نعم یرد اعتراض آخر وهو أنّه لیس المراد أیضا القبول تعبدا لمنافاته المورد مع أنّه لا یمکن العمل بقول جمیع المؤمنین حذرا من التّناقض مع أنّ کون المراد ترتیب الآثار ینافی کونه رحمة لجمیع المؤمنین کما فی ذیل الآیة إذ ربما أخبر بارتداد طائفة منهم فترتیب الآثار علیه یوجب إیذاءهم وقتلهم وهو ینافی الرّحمة العامة فیکون المراد به التّصدیق الصّوری أی لا ینکر علیهم قولهم وأمّا ترتیب الآثار فهو أمر آخر نعم ربما یوجب الخبر فی مورد لزوم الاحتیاط والحذر کما فی حکایة إسماعیل لا لأنّه ترتیب للآثار علی الخبر ولعل هذا هو السّر فی التّفریق بین الإیمان بالله والمؤمنین فی تعدیة الأوّل بالباء والثّانی باللام ویمکن أن یقال إنّ للتصدیق مراتب ثلاث أحدها التّصدیق الواقعی أعنی الاعتقاد والثّانی التّصدیق الظّاهری وهو القبول التّعبدی أو ترتیب الآثار والثّالث التّصدیق الصّوری وعدم الإنکار والکل مذکور فی الآیة الشّریفة فالأوّل هو قوله یؤمن بالله والثّانی قوله یؤمن للمؤمنین والمراد المؤمن الحقیقی والثّالث قوله ورحمة للذینءامنوا منکم والمراد المؤمن الصّوری ویکون هذا هو الجواب عن قوله هو أذن لئلا یلزم التّکرار فی الآیة وحینئذ فیدل الآیة علی لزوم قبول قول المؤمن الحقیقی تعبدا ویتم الاستدلال وأمّا الفرق بالباء واللام فإنّما هو لکون المراد بالأوّل التّصدیق بالوجود والثّانی غیره مما هو غیر مذکور فی الآیة أقول لا یخفی أنّ المراد بقوله یؤمن للمؤمنین أمّا الاعتقاد

ص: 430

الحقیقی وهو غیر نافع فی الاستدلال سواء أرید المؤمن الحقیقی أو الصّوری کما علم فی الاعتراض الأوّل وأمّا التّصدیق الصّوری وهو أیضا غیر نافع کما مر وأمّا التّصدیق التّعبدی والحمل علیه مشکل إلاّ أن یراد إخبارهم فی الموضوعات الخارجیّة مع تعدد المخبر وهو الشّهادة وذلک لأن وجوب قبول قول المؤمنین علی النّبی صلی الله علیه وآله لم یکن فی الأحکام الشّرعیّة قطعا ولا فی الموضوعات من غیر تعدد وحینئذ فإذا لم یکن ذلک ثابتا فی حقه لم یمکن جعل المراد فی الآیة التّصدیق فی کل خبر حتی ینفعنا فی الاستدلال ومتی لم یثبت الحکم فی مورد الآیة کیف یتعدی منه إلی غیره فافهم وأمّا حدیث إسماعیل فقد یستدل به علی حجّیّة شهادة العدل مطلقا إلاّ ما خرج بالدلیل نظرا إلی أنّ المراد بالمؤمنین فیه هو الجنس والمقصود منه من اتصف بالإیمان ویرد علیه أنّه یلزم حینئذ إخراج الموارد الّتی لیس الحجّة فیها إلاّ شهادة العدلین لأنّ إرادة الواحد والمتعدد جمع بین المعنیین ولیس بینهما قدر مشترک یحمل علیه وحینئذ یلزم إخراج المورد لأنّه الشّرب الّذی لا یثبت بخبر الواحد وهذا الاعتراض یرد لو حمل المؤمنون علی الاستغراق أیضا بإرادة التّوزیع لا أن یکون موضوع وجوب التّصدیق هو شهادة الجمیع بل الحکم هو وجوب تصدیق کل واحد عند شهادته فیرد علیه لزوم إخراج المورد ولهذا قیل الأولی حمل المؤمنین علی الاستغراق العرفی فیکون الخبر دلیلا علی حجّیّة الشّیاع مطلقا إلاّ ما خرج بالدلیل ولا نسلم عدم حجّیّته فی المورد لیلزم التّخصیص به أقول الاستغراق العرفی یتصور بوجهین أحدهما الاستغراق الحقیقی بالنسبة إلی موضوع یحکم العرف بکونه مقیدا کما لو قیل جمع الأمیر الصّاغة فإنّ العرف یقیدها بصاغة البلد ویکون المراد الاستغراق الحقیقی بالنّسبة إلی صاغة البلد والثّانی شمول الحکم لأکثر الأفراد بحیث ینزل الباقی منزلة العدم فی نظر العرف وشیء من المعنیین لا یناسب الخبر إذ لیس المراد أکثر أفراد المؤمنین ولا المراد جمیع مؤمنین بلد المخاطب ولو سلم فلیس شیء منهما معنی الشّیاع إذ قد یکون جمیع مؤمنین البلد ثلاثة أو أربعة ولا یحصل منهما الشّیاع وقد یکون أکثرهم ثلاثة مثلا وهو لیس بشیاع فالأولی هو الحمل علی المعنی الأوّل أعنی الجنس وإنّما یلزم تخصیص المورد إن قلنا فی شهادة العدلین بأنّ الحجّة هو المجموع وأمّا إن قلنا إنّ الحجّة هو کل منهما بشرط الانضمام فلا یلزم شیء فنقول إنّ الخبر یشمل شهادة کل عدل غایة الأمر ثبوت شرط للحجّیّة فی موارد شهادة العدلین ومنها مورد الآیة ویبقی الباقی تحت الإطلاق وتقیید المطلق بالنّسبة إلی مورد دون آخر لا یستلزم الجمع بین المعنیین لأنّ الإطلاق خارج عن مدلول اللّفظ کما قررناه فی محله وأمّا الإجماع فقد قرر بأنّ نقل الإجماع علی عمل الطائفة بأخبار الآحاد فی الجملة مستفیض فی کلمات الأصحاب بحیث یحصل من مجموعها العلم بأنّ ذلک قد کان طریقة للشّیعة سلفا وخلفا منها ما تقدم نقله عن الشّیخ فی العدة من أنّ الطائفة مجمعة علی العمل بخبر الواحد إذا کان من طرق أصحابنا وکان

ص: 431

الرّاوی سدیدا فی النّقل غیر مطعون فیه ومنها ما نقل عن العلامة من أنّ الأخباریّة من الشّیعة لم یعولوا فی أصول الدّین ولا فروعه إلاّ علی أخبار الآحاد والأصولیون عملوا بها فی الفروع ولم ینکره سوی المرتضی واتباعه لشبهة حصلت لهم ومنها ما نقل عن المحقق من أنّ الحشویّة قد عملوا بکل خبر وخصه طائفة بما إذا کان الرّاوی سدیدا فی النّقل وکلاهما فاسد فإنّ الکذوب قد یصدق وما من مصنف إلاّ ویعمل بأخبار الآحاد وإن لم یتصف الرّاوی بالسداد بل الحق العمل بکل خبر کان مقبولا عند الطائفة معمولا لآیة عندهم ومنها ما نقل عن عن ابن طاوس ومنها ما ذکره صاحب المعالم رحمه الله من ادعاء إطباق الأصحاب علی نقل الأخبار وتدوینها والبحث عن رجالها ولیس ذلک إلاّ لعلمهم بها وکیف کان فنقل الإجماع علی عمل الطائفة بأخبار الآحاد فی الجملة مستفیض فی کلامهم والکلام یقع فی مقامین أحدهما فی أنّ هذا النّقل هل له معارض من جنسه أو لا والثّانی أنّه علی فرض عدم المعارض المعتبر وکونه مفیدا للعلم هل یدل هذا الإجماع علی المطلوب وهو حجّیّة الخبر من حیث إنّه خبر أو لا بل هو مجمل لا یثبت الحجّیّة أمّا المقام الأوّل فنقول فیه قد یقال إنّ الإجماع المذکور معارض بما نقله السّید المرتضی رحمه الله من إجماع الشّیعة علی عدم جواز العمل بأخبار الآحاد وعدم الاعتناء بها فی الأحکام وجری منعهم عنها مجری منعهم عن العمل بالقیاس فکما أنّ ذلک معلوم من مذهبهم ضرورة یعرفهم به کل مخالط لهم فکذا هذا وقد صار ذلک شعارا للشیعة قدیما وحدیثا واشتهر بینهم بحیث لا یقبل الإنکار وأجیب عن ذلک بوجوه یرجع أکثرها إلی أمرین أحدهما أن السّید مخطئ فی الدّعوی المذکورة وقرر بوجوه ثلاثة أحدها أنّه یظهر من کلماته أنّ حکمه بذلک إنّما ینشأ مما رأی من اتفاقهم علی حرمة العمل بما لا یفید العلم کالقیاس فجعل ذلک کبری مجمعا علیها وهی حرمة العمل بکل ما لا یفید العلم واستنبطها من حکمهم بحرمة العمل بالقیاس وتعلیلهم له بکونه مما لا یفید العلم وضم إلیه الصّغری المستنبطة باجتهاده وهی أنّ خبر الواحد لا یفید العلم فادعی الإجماع علی النّتیجة نظرا إلی کون الکبری موردا للإجماع وکم له من نظیر فی کلامه ثانیها أنّه لأنسه بطریقة المتکلمین ونظره إلی إطباقهم علی منع العمل بخبر الواحد فی العقائد حسب أنّ ذلک مطرد فی الفرعیّات أیضا ثالثها أنّه لکونه من المتکلمین والمقرر عندهم اقتضاء دلیل اللّطف انفتاح باب العلم وعدم جواز التّعبد بغیره کما حکی عن ابن قبة ادعی الاتفاق علی ذلک غفلة عن طریقة أصحاب الحدیث وعدم تمامیّة دلیل اللّطف فی إثبات هذا المطلب وعدم منافاته لحجّیّة الطرق الظّنّیّة والثّانی أنّ السّید لم یخالف القوم فی نقل الإجماع فإنّ مراده من العلم فی کلامه ما یعم الوثوق والاطمئنان ولم یظهر من کلام الشّیخ وغیره نقل الإجماع إلاّ علی حجّیّة الخبر المفید للاطمئنان ولا منافاة بینهما بوجه من الوجوه هذا آخر ما أمکن تحریره وقدر تقریره علی ید الأقل الجانی محمد حسین الشّهرستانی عفا الله عن سیئاته بحق موالیه وساداته أنّه علی کل شیء قدیر

ص: 432

أصل الدّلیل العقلی للحکم الشّرعی حکم عقلی یتوصل به إلی حکم شرعی

إثباتا أو نفیا دون الدّلیل الّذی یتوصل به إلی ذلک الحکم العقلی کما توهمه فی الخزائن وإلاّ لخرج الحکم العقلی الضّروری عن الأدلة العقلیّة ومناط حکم العقل إمّا الحسن والقبح أو التّلازم بین الشّیئین کوجوب المقدمة والکلام هنا فی القسم الأوّل فنقول من جملة الأدلة العقلیّة أصالة البراءة من التّکلیف والمراد بها حکم العقل بقبح العقاب علی التّکلیف عند عدم قیام الحجّة علیه ولا حاجة فی مجراه إلی استصحاب البراءة عن التّکلیف واقعا لأنّ عدم استحقاق العقاب لیس مترتبا علی العدم الواقع حتی یترتب علی استصحابه مع أنّه لیس من الأحکام القابلة للجعل أو الرّفع الشّرعی وإنّما موضوعه عدم الحجّة علی التّکلیف وهو معلوم فالحکم قطعی لا ظنی کما فی الاستصحاب ونظیره قاعدة الاشتغال فإنّ الموضوع فیها القطع باشتغال الذّمة واحتمال الفراغ فإنّ العقل یحکم حینئذ بوجوب تحصیل القطع بالفراغ بإتیان المحتملات لا لاستصحاب التّکلیف إذ الحکم بوجوب تحصیل الیقین بالفراغ لیس مترتبا علی نفس التّکلیف حتی یترتب علی استصحابه بل هو من أحکام العلم بالتّکلیف آنا ما والشّک فی الفراغ وهما ثابتان جزما من غیر شک فلا معنی للاستصحاب هذا مع أنّه من الأحکام العقلیّة الغیر القابلة للجعل کما عرفت ومن ذلک علم اختلاف مجاری الأصول الثّلاثة العملیّة أعنی الاستصحاب وقاعدة البراءة والاشتغال وأمّا قاعدة التّخییر فمجراها هی مجری قاعدة الاشتغال مع عدم التّمکن من الاحتیاط أو أعم منه لجریانها عند دوران الأمر بین کل المحذورین مطلقا کدوران الأمر بین الوجوب والحرمة وغیره فتأمل ثم إنّه کل ما کان ثبوت التّکلیف ملزوما لوجود الدّلیل علیه بحیث لو تفحص المجتهد عنه فی مظانّه لعثر علیه فإذا فحص ولم یعثر علیه یعلم عدم التّکلیف واقعا إن کان الملازمة بین الواقع والدّلیل المفروض وإلاّ فظاهر القبح التّکلیف بلا بیان ولعل هذا هو المراد مما نقل عن المحقق من جعله عدم وجدان الدّلیل علی التّکلیف دلیلا علی عدمه وهو أعم من أصالة البراءة لأنّها ناظرة إلی الظّاهر فقط بخلاف قاعدة عدم الدّلیل فإنّها فرع الملازمة حسب ما عرفت ثم إنّ أصالة البراءة یعتبر فی مجراها الشّک فی التّکلیف فإنّ الشّک ابتداء إمّا یتعلّق بالتّکلیف بأن لا یکون نوع الحکم الشّرعی فی المحل معلوما وإمّا یتعلق بالمکلّف به بأن یکون التّکلیف معلوما کذلک وکلاهما فی الشّبهة الوجوبیّة أو التّحریمیّة أو هما فهذه ستة أقسام والثّانی إمّا فی المتباینین أو الأقل المرتبط بالأکثر أو المستقل عنه فهذه اثنا عشر قسما والشّبهة فی الجمیع إمّا موضوعیّة أو حکمیّة ومنشأ الثّانیة إمّا فقد النّص أو إجماله أو تعارض الأدلة فالأقسام ثمانیة وأربعون والحق فی الشّک فی التّکلیف هو البراءة مطلقا موضوعیّة کانت أو حکمیّة لقبح العقاب بلا بیان عقلا ونقلا وقیل بالاحتیاط دفعا للضرر المحتمل وفیه منع الاحتمال لما بینا مع أنّ الغرض من التّکلیف هو بعث المکلف علی العمل ولا یحصل مع الجهل لا یقال إنّ الاحتمال یکفی فی البعث فلا حاجة إلی العلم لأنّا نقول إن قام الدّلیل علی

ص: 433

اعتبار الاحتمال کان هو المصحح للعقاب وإلاّ فلا یکفی الاحتمال فی تصحیح التّکلیف الواقعی من حیث الغرض إذ لا ربط بین الاحتمال والواقع لعدم الملازمة فی شیء من الطرفین فلا یعقل فی صحة التّکلیف کون الغرض منه کون الاحتمال باعثا للمکلف وهو ظاهر ویمکن المناقشة بمنع کون ذلک غرضا من الحکم الواقعی بل هو وصول المکلف إلی المصالح الواقعیّة وإنّما هو غرض من الإلزام المنجز ویکفی فی حصوله فی حکم العقل بالإلزام ولو من جهة احتمال الحکم الواقعی کما یکفی فی حصول الغرض الإلزام العقلی بإتیان ما یدرک العقل حسنه بحیث یکون دلیلا للشّرع فتأمل فإنّ مسألة الاحتیاط من حیث لزوم دفع الضّرر المحتمل غیر قابل للخطاب الشّرعی إلاّ من باب الإرشاد وهو غیر کاف فی تصحیح العقاب لترتبه علی صحة العقاب فافهم ثم إنّه یشکل الأمر بالنّسبة إلی الشّبهة فی الموضوع إذ لا قبح فی ترتب العقاب علی الفرد المشتبه بعد بیان الشّارع للحکم فی کلّیّه وهو الّذی یقتضیه شأن الشّارع وأمّا بیان المصادیق فلیس من شأنه فلا مناص فی الحکم بالبراءة فیها من الرّجوع إلی الأدلة النّقلیّة وهی کما تدل علی ذلک تدل علی نفی التّکلیف فی الشّبهة الحکمیّة أیضا وهی کثیرة فمن الکتاب قوله تعالی وما کنا معذبین حتی نبعث رسولا أی حتی نقیم الحجّة أو المورد خصوص غیر المستقلات العقلیّة ویمکن حملها علی العموم ویحمل علی نفی فعلیّة العقاب وهو لا ینافی الاستحقاق بالذّات نعم لا قائل بالفصل فی مجاری البراءة فیمکن التّمسک بها فیها کما صدر عن بعض الأعاظم أو یمکن استفادة القبح العقلی من الآیة لأنّ المتبادر نفی لیاقة العذاب ومنافاته للحکمة ومنه قوله تعالی لا یکلف الله نفسا إلاّ ما أتاها أی ما أعلمها وما أقدرها علیه ویحتاج فی الاستدلال علی المعنی الثّانی إلی بیان أنّ التّکلیف بالمجهول تکلیف بغیر المقدور وهو فی الغافل المحض ظاهر وأمّا فی الملتفت فیمکن تقریره بأنّ الغرض وهو کون التّکلیف باعثا وداعیا له إلی الامتثال غیر مقدور کما تقدم ومنه قوله تعالی لا یکلف الله نفسا إلاّ وسعها بالتّقریب المذکور ومنه قوله تعالی وما کان الله لیضل قوما بعد إذ هداهم حتی یبین لهم ما یتقون ونفی الخذلان یستلزم نفی العقاب ومنه قوله تعالی ذلک إن لم یکن ربک مهلک القری بظلم وأهلها غافلون سواء فسر بظلم العباد أو بظلم المهلک وعلی الأوّل فهو دلیل علی نفی العقاب فی المستقلات العقلیّة أیضا مع الغفلة إلی غیر ذلک من الآیات الجاریة فی الشّبهات الحکمیّة وإجرائها فی الموضوعیّة یتوقف علی التّکلف ومن السّنة قوله صلی الله علیه وآله رفع عن أمتی تسعة الخطأ والنّسیان وما لا یعلمون وما لا یطیقونه وما اضطروا إلیه ومما استکرهوا علیه والحسد والطیرة والتّکفر فی الوسوسة فی الخلق ما لم ینطقوا بشفة بتقریب أن لیس المراد رفع أعیان التّسعة لأنّه کذب فالمراد إمّا رفع خصوص المؤاخذة أو جمیع الآثار ومنها المؤاخذة فیدل علی عدم المؤاخذة فیها فیما لا یسلمون وهو المطلوب ویشکل بأنّ رفع المؤاخذة عن الخطإ والنّسیان وما لا یطاق والمجهول الصّرف عقلی لأن العقاب قبیح فکیف یختص بهذه الأمة وأجیب بوجوه

ص: 434

منها أنّ المراد رفع الجمیع عن مجموع الأمّة لوجود المعصوم فیهم بعد بعث النّبی صلی الله علیه وآله بخلاف سائر الأمم بعد بعثه نبینا صلی الله علیه وآله لعدم وجود المعصوم فی باقی الأمم حینئذ وفیه نظر إذ لا معنی لذلک فیما اضطروا إلیه وما استکرهوا علیه لإمکان الاضطرار والإکراه فی المعصوم وأیضا لا یناسبه التّقیید بما لم ینطقوا بشفة وأیضا لا یدل حینئذ علی حجّیّة أصالة البراءة کما لا یخفی ومنها أنّ المراد رفع المؤاخذة عن المجموع من حیث المجموع وهو لا ینافی عدم اختصاص البعض وفیه أنّه أیضا خلاف المتبادر ومنها أنّ المراد مطلق الخطإ والنّسیان ورفعه یمکن فیه التّخصیص لأنّ منهما ما یستند إلی عدم مبالاة المکلف به وهو مما لا یقبح المؤاخذة علیه فیمکن عدم رفعه فی سائر الأمم والمراد مما لا یطیقون هو ما یشق علیهم مشقة لا تتحمل لا غیر المقدور الصّرف وهو أمر قابل لعدم الرّفع وقد کان ثابتا فی الأمم الماضیة کما ورد فی الآثار ویبقی الکلام فیما لا یعلمون وقیل فی وجه الاختصاص فیه أنّ المراد منه رفع وجوب الاحتیاط فی صورة عدم العلم بالواقع وإذا لم یجب الاحتیاط فلا مؤاخذة بخلاف سائر الأمم لإمکان أن یجب علیهم الاحتیاط فیترتب علی ترکه المؤاخذة فیما لا یعلمون وفیه نظر إذ المؤاخذة علی الاحتیاط الّذی علم وجوبه شرعا لیست مؤاخذة علی غیر المعلوم بل مؤاخذة علی المعلوم الّذی هو وجوب الاحتیاط ولو أرید من المؤاخذة الثّابتة بعد الأمر بالاحتیاط المؤاخذة علی نفس مخالفة الواقع المجهول قول بجواز العقاب علی المجهول وکلامنا علی فرض تسلیم قبحه نعم لو قیل بجوازه عند الاحتمال لم یکن مانع من تخصیص رفعه بهذه الأمة ویمکن دفع الإشکال بجواز المؤاخذة علی المخالفة فی الشّبهات الموضوعیّة کما أشرنا إلیه وحینئذ فیمکن تخصیص رفعها فی ذلک بهذه الأمة ومنه یتجه حینئذ تخصیص رفع المؤاخذة عن مطلق ما لا یعلمون بهذه الأمة لعدم ثبوت هذا الإطلاق فی سائر الأمم ضرورة إمکان مؤاخذتها فی الموضوعیّات فتأمّل ویمکن الجواب أیضا بأنّا إذا حملنا ما لا یعلمون علی الموضوعات المشتبهة بقرینة السّیاق أمکن تصحیح المؤاخذة علیها بإیجاب الاحتیاط شرعا فإذا کان مرفوعا عن هذه الأمة کان فی المعنی رفع وجوب الاحتیاط بخلاف سائر الأمم لإمکان المؤاخذة فیها علی الموضوعات المشتبهة بإیجاب الاحتیاط وصیرورة وجوب الاحتیاط معلوما لا یوجب رفع الاشتباه فی الموضوع حتی لا یصدق أنّ العقاب علی ما لا یعلمون کما مر فی رد الجواب المتقدم وأجاب بعض المحققین عن الإشکال هنا بمنع حکم العقل علی المشتبه بعد تفطن المکلّف لاحتمال التّکلیف وهذا لا یجامع استدلاله علی أصالة البراءة فی الحکم والموضوع بالدلیل العقلی فتأمل ثم فی الخبر المذکور وجوه آخر من الإشکال منها أنّه لا یصح حمل الخبر علی رفع المؤاخذة لأنّها من الأمور العقلیّة اللازمة للتکلیف المنجز عقلا والخبر ظاهر فی رفع الآثار الشّرعیّة دون العقلیّة ومنها أنّ التّمسک بالخبر المذکور علی رفع جمیع الآثار الشّرعیّة بحیث یترتب علیه صحة صلاة ناسی النّجاسة أیضا مشکل لأنّ وجوب الإعادة وإن کان حکما

ص: 435

شرعیّا لکنّه مترتب علی الإخلال بالمأمور به وهو لازم عقلی للصلاة فی النّجاسة من حیث استلزامها فوات الشّرط الّذی هو طهارة السّاتر مثلا فإذا لم یرتفع الأمر العقلی بالخبر لم یرتفع الأثر الشّرعی المترتب علی ذلک الأمر العقلی أیضا وأجیب عن الإشکال الأوّل بأنّ المراد رفع أصل التّکلیف فی حال النّسیان مثلا فیرتفع المؤاخذة قهرا برفع ملزومها الشّرعی وعن الثّانی بأنّ المراد رفع شرطیّة الطهارة فی حال النّسیان فیرتفع الإخلال بالمأمور به قهرا فیرتفع وجوب الإعادة وقد یقرر الإشکال الثّانی بأنّ الصّحة أیضا من الآثار الشّرعیّة کوجوب الإعادة فلو کان المراد رفع جمیع الآثار لزم التّناقض إذ یرتفع الفساد والصّحة معا حینئذ وهو محال والجواب إذ لیس المراد رفع جمیع الأحکام فی حال النّسیان بل المراد رفع الآثار الثّابتة لنفس الفعل فی حال العمد مثلا فهذه الآثار مرتفعة فی حالة النّسیان ویلزم من رفعها آثار أحکام أخر وهی لا ترتفع بالخبر حتی یلزم التّناقض وقد یقال بناء علی أنّ المراد رفع المؤاخذة أیضا یمکن الاستدلال بالخبر علی نفی الجزئیّة والشّرطیّة فی حال النّسیان بحیث یترتب علیه صحة المأتی به وهو مشکل علی إطلاقه لأنّ غایة ما یقتضیه رفع المؤاخذة هو عدم تحقق العقاب بالعمل النّاقص ولا یلزم منه کونه مطلوبا بالأمر الأوّل ولا بأمر آخر فالأولی أن یفصل بین الشّرائط فما کانت ثابتة بالخطابات التّکلیفیّة بحیث کانت الشّرطیّة متفرعة علی الأمر المنجز بالشرط کشرطیّة إباحة المکان حیث أنّ المانع هو النّهی عن الغصب فما دام النّهی موجودا یکون العمل حراما فلا یکون صحیحا وکستر العورة فإنّه ما دام واجبا فی حال الصّلاة یکون الصّلاة بدونه باطلا فیقید إطلاق أوامر الصّلاة فی هذا القسم بقدر ما اقتضاه الأمر بالشرط فإذا قیدنا أمر الشّرط بحال الذّکر والعلم بقی حال النّسیان والجهل تحت إطلاق الأوامر فالمقتضی للصحة حقیقة هو الإطلاق وحدیث الرّفع إنّما هو لرفع مزاحمة المقید وأمّا الشّرائط الثّابتة بالخطابات الوضعیّة کالطّهارة من الحدث من قوله صلی الله علیه وآله لا صلاة إلاّ بطهور فمقتضاها تقیید الإطلاقات مطلقا لأنّ رفع المؤاخذة لا یقتضی رفع الشّرطیّة الّتی هی من الوضعیّات فلا یکون فی حال النّسیان مقتضی للصحة ومثله القول فی الشّرائط الثّابتة بالأوامر أو النّواهی الإرشادیّة الکاشفة عن تقیید المأمور به واقعا لا باعتبار الخطاب الفعلی بتلک الشّرائط ففیها أیضا لا ینفع حدیث الرّفع فی الحکم بصحة فاقد الشّرائط ناسیا أو جاهلا إلاّ إذا قلنا بارتفاع جمیع الآثار حتی مثل الشّرطیّة والجزئیّة وأمّا محض رفع المؤاخذة فلا یترتب علیه صحة العمل فی هذا القسم فتأمل وقد یقال لا یمکن حمل الخبر علی إرادة رفع الآثار المترتبة علی أضداد المذکورات کالعمد والذّکر والعلم والاختیار لارتفاعها بارتفاع موضوعها فلا حاجة فیها إلی الرّفع ویمکن دفعه بأنّ الرّفع بالدلیل غیر الارتفاع بالأصل نعم یعتبر فی صدق الرّفع وجود المقتضی لثبوت الحکم فی هذه الأحوال وإن لم یشملها الدّلیل هذا ولقائل أن یقول یشمل الحدیث جمیع الآثار المترتبة علی ذات الفعل مطلقا وعلیه مقیدا بالمذکورات أو بأضدادها بأن یحمل علی رفع أعیان المذکورات ادعاء

ص: 436

بمعنی أنّ الفعل أو التّرک الصّادر سهوا کأنّه لم یقع ولا شک أنّه مع عدم وقوعه لا یترتب علیه شیء من الأحکام المذکورة وحینئذ فإذا شک فی مورد فی وجوب سجدتی السّهو أمکن دفعه بالحدیث المذکور إلاّ أن یقوم علیه دلیل خاص بالنّسبة إلی الحدیث فیخصص به کما قام فی بطلان العمل بزیادة الأرکان سهوا أو نقصانها وغیر ذلک فافهم ثم إنّ الظّاهر من الحدیث علی ما قررنا هو رفع جمیع الآثار وأمّا بناء علی حذف المضاف فقیل إنّ المتیقن حینئذ هو رفع المؤاخذة فإن أراد أنّ ذلک یجعل الحدیث ظاهرا فی رفع المؤاخذة ففاسد لأنّ کونه متیقنا لا یلازم الظّهور وإن أراد أنّ تقدیر جمیع الآثار یستلزم التّصرف فی الخطابات المطلقة المبنیّة للشرائط والأجزاء بالتقیید والأصل عدمه فله وجه بل یمکن دعوی أنّ ظهور تلک الخطابات فی الإطلاق یرفع الإجمال عن هذا الحدیث ویجعله ظاهرا فی إرادة رفع المؤاخذة لما قرر من وجوب حمل المجمل علی المبین لکن ما ذکرنا من ظهور رفع جمیع الآثار بضمیمة استدلال الإمام علیه السلام به علی عدم ترتب الأثر علی الحلف المکره علیه کاف فی حمله علی إرادة رفع جمیع الآثار ویؤیده استدلال الفقهاء به فی جملة من الموارد علی ذلک وأمّا شموله للشّبهة الحکمیّة والموضوعیّة معا بالنّسبة إلی ما لا یعلمون فقد نوقش فیه بأنّ وروده فی سیاق النّظائر شاهد علی اختصاصه بالموضوعات المجهولة مع أنّا لو قدرنا المؤاخذة لم یصح إضافتها إلی الحکم لأنّ المؤاخذة إنّما هی علی مخالفة الحکم فی الموضوع لا علی نفسه وفیه منع ظهور السّیاق بحیث یصلح لتقیید العموم ومنع عدم صحة الإضافة إذ یکفی فیها أدنی ملابسة وهی حاصلة بین الحکم والمؤاخذة لأنّه سبب لها فی الجملة ولو باعتبار المخالفة فتأمّل ومن السّنة قوله علیه السلام کل شیء فیه حلال وحرام فهو لک حلال حتی تعرف أنّه حرام وقد استدل به علی حلیّة المشتبه حکما أو موضوعا بتقریب أنّ المراد کل ما احتمل فیه الحل والحرمة وکان قابلا للاتصاف بهما إمّا فی الواقع أو فی نظر المکلف فهو حلال وأورد علیه بأنّه موجب للاستعمال فی المعنیین باعتبار إرادة القابلیّة والفعلیّة معا ویدفعه أنّ المراد هو الاحتمال وبه یخرج غیر القابل أیضا وأورد أیضا بأن المعرفة فی الأحکام بالأدلة وفی الموضوعات بشیء آخر فیلزم فیها الجمع بین المعنیین ویدفعه أنّ اختلاف أسباب المعرفة لا یوجب تعددها معنی وأورد أیضا أنّ جعل القید للاحتراز موجب لجعل السّالبة منتفیة الموضوع فی جانب المفهوم لأنّ المفهوم حینئذ کل ما لا یحتمل الحل والحرمة فمجهوله لیس بحلال لعدم تحقق المجهول فیه ویدفعه أنّ الموضوع فی المنطوق هو المجهول والحکم هو الحلیّة الظّاهریّة والمفهوم أنّ غیر المشتبه لیس بحلال ظاهری وهو صحیح إلاّ أن یقال إنّ التّقیید بالظّاهری إنّما نشأ من تقیید المنطوق بالاحتمال لا أنّه المراد من لفظ الحلال بل المراد به الحلال بقول مطلق ونفیه علی الإطلاق فی جانب المفهوم عند انتفاء القید غیر صحیح إلاّ بفرض تقییده بالموضوع المشتبه فیکون انتفاؤه بانتفاء الموضوع وبعبارة أخری المفهوم هو أنّ غیر المشتبه لیس بحلال وهو غیر صحیح لأنّه قد یکون حلالا معلوما إلاّ بأن یکون المراد أنّه لیس بحلال حیث الاشتباه فیرجع إلی انتفاء الموضوع هذا لو حملنا الشّیء علی الجزئی الخارجی المشتبه حکما أو موضوعا وکذا

ص: 437

لو جعلنا المراد به الکلی الّذی فیه احتمال الحل والحرمة حکما أو من المشتبه فالحکم إنّما هو علی هذا الکلی بأنّه حلال بقول مطلق إلاّ إذا علم کونه حراما شرعیّا أو فی ضمن فرده المعلوم الحرمة فإنّ الموضوع للحکم بالحلیّة حینئذ لیس هو الکلی بجمیع أفراده لأنّ المعلوم الحلیّة لا یغنی حلیته بشیء فالموضوع من أفراده حینئذ هو المشتبه فیرجع المفهوم إلی منتفیة الموضوع والعجب من بعض الأفاضل أنّه مع جعله الشّیء عبارة عن الکلی المشتمل علی النّوعین لم یعترف بصیرورة المفهوم سالبة منتفیة الموضوع ولا وجه له وکیف کان فالحدیث ظاهر فی الشّبهة الموضوعیّة لأنّ الشّبهة فی الحکم لا تناط بالعلم باشتمال الکلی علی النّوعین ولا یغنی حکمها بمعرفة النّوع الحرام وهو ظاهر مع أنّه یمکن دعوی أنّ المراد بالشیء فی الحدیث هو الجزئی الخارجی الّذی علم اشتمال أمثاله علی الحلال والحرام کاللّحم الموجود فی السّوق فإنّا نعلم أنّ فی نوعه حلالا خارجیا هو المذکی یعنی ما تحقق فیه التّذکیة وحراما خارجیا هو المیتة لا بمعنی الشّبهة المحصورة أو غیر المحصورة بل بمعنی أنّه شیء یتحقق فیه هذان الوصفان فی الخارج لا فی عنوان الشّرع فهذا الشّیء حلال ما یتشخص کونه من الحرام الموجود وهذا هو المتبادر من الحدیث دون ما قیل من أنّ المراد کل کلی کان له نوعان شرعا حلال وحرام فهو یعنی مصداق المشتبه حلال ودون ما قیل إنّ المراد کل جزئی خارجی کان له عنوانان فی الاحتمال حلال وحرام بأن احتمل دخوله فی کل منها فهو حلال ودون ما قیل إنّ المراد کل جزئی کان فی نوعه حلال وحرام شرعا کاللّحم الخاص فإنّ فی نوع اللّحم عنوانا محللا ومحرما شرعا کالمذکی والمیتة فهو حلال عند الاشتباه فإنّ علة اشتباه الحکم فی الموضوع هو تحقق النّوعین فی الخارج لا اشتمال النّوع علی العنوانین شرعا فالمتجه هو ما ذکرنا وهذه المعانی کلها خلاف المتبادر ثم إنّ الحدیث هل یشمل الشّبهة المقرونة بالعلم الإجمالی أو لا الحق هو الثّانی

أصل الاستصحاب

هو الحکم ببقاء ما کان ثابتا عند الشّک واختلفوا فی اعتباره من جهة العقل أو الشّرع نفیا وإثباتا بالإطلاق والتّفصیل علی أقوال ثم إنّه إذ أخذ من العقل فالمراد به حکم العقل الظّنی بالبقاء ویلزمه حکم الشّرع إمّا لدلیل الانسداد أو للأخبار ویکون أمارة اجتهادیّة ناظرة إلی الواقع مقدمة علی الأصول العملیّة ویکون البحث عنه مسألة أصولیّة کالبحث عن حجّیّة الأخبار والمدرک لحصول الظّن إمّا قاعدة أنّ ما ثبت یدوم أو أنّ الممکن إذا کانت الرّاجح عند العقل بقاؤه أو الغلبة فی الممکنات القارة أو المشکوکة البقاء أو بناء العقلاء الکاشف عن تقریر المعصوم علیه السلام أو عن حکم العقل کسیرة المتدینین الکاشفة عن رأی صاحب الدّین أو لأنّ المقتضی مفروض الثّبوت واحتمال المانع مدفوع باحتمال عدمه فیعمل المقتضی عمله أو غیر ذلک والکل ضعیف لمنع اقتضاء الثّبوت الدّوام ومنع الرّجحان کلیّة والغلبة إنّما تنفع بعد استعلام مناط اللّحوق وهو غیر ممکن فی الأحکام عند الشّک فی المقتضی لعدم انضباط أغراض الحاکم والشّک فی الرّافع یختص مورده

ص: 438

بالنّسخ المجمع علی أصالة عدمه عند الشّکّ وغلبة بقاء المشکوکات بوصف الشّک ممنوعة وعند زواله یرجع إلی ما سبق مع أنّ الغلبة إنّما تفید الظّنّ الفعلی ولا عبرة به عندهم مع أنّه لا دلیل علی حجّیّة هذا الظّن سیما فی الموضوعات ومن هنا عدل المتأخرون إلی جعله حجّة من جهة الأخبار تعبدا وحینئذ فیکون قاعدة فقهیّة نظیر قاعدة الطّهارة والحلیّة ونحوهما تجری فی الأحکام والموضوعات وجریانها فی الأوّل یتوقف علی الفحص ولهذا اختص إعماله بالمجتهد ولا یوجب ذلک دخوله فی قواعد الأصول ثم إنّ المناط فیه الشّکّ فی بقاء شیء لموضوع ثابت فی حال الشّک علی نحو ثبوته فی الزّمان السّابق موضوعا حتی یصدق علی ترک البقاء أنّه نقض الیقین السّابق ولا فرق بعد ذلک بین أن یکون الثّابت فی السّابق حکما شرعیّا أو عقلیّا أو وصفا خارجیّا أو اعتباریّا وما یقال من منع جریانه فی العقلی من جهة أنّه إذا شکّ فی بقاء حکمه رجع الشّکّ إلی بقاء الموضوع لأنّ کل ما یعتبر فی حکم العقل مأخوذ فی موضوعه مدفوع أوّلا بالنقض بالحکم الشّرعی لأنّه أیضا یرد علی الموضوع العقلی وثانیا أنّه یمکن أن یحکم العقل علی موضوع یحکم حین اتصافه بوصف لا بشرط الوصف من غیر أن یظهر له أنّ علة الحکم هو حدوث الوصف أو بقاؤه ومن جهة یشک فی البقاء بعد زوال الوصف فیصدق علی ذلک الموضوع أنّ ثبوت الحکم الشّرعی له کان متیقنا من جهة ملازمة الشّرع للعقل وزواله مشکوک فلا ینقض الیقین بالشّکّ فافهم ثم إنّهم استدلوا لاعتباره تعبدا بأخبار الأوّل صحیحة زرارة عنه علیه السلام فی الرّجل ینام وهو علی وضوء أیوجب الخفقة والخفقتان علیه الوضوء إلی أن قال فإن حرک إلی جنبه شیء وهو لا یعلم به قال لا حتی یستیقن أنّه قد نام حتی یجیء من ذلک أمر بین وإلاّ فإنّه علی یقین من وضوئه ولا ینقض الیقین بالشّکّ أبدا ولکن ینقضه بیقین آخر الخبر وظهور الیقین والشّکّ فی العموم غیر قابل الإنکار سیما وهو بمنزلة کلیّة الکبری للاستدلال علی الجواب المقدر ودلالتها علی الاستصحاب ظاهرة وأمّا حملها علی عدم العبرة بالشّکّ السّاری إلی الیقین السّابق لتکون دلیلا علی قاعدة الیقین بقرینة ظهور اتحاد متعلقی الیقین والشّکّ المختص بمورد القاعدة بخلاف مورد الاستصحاب حیث إنّ متعلق الشّک فیه هو البقاء دون الثّبوت وظهور لفظ النّقض فی ذلک أیضا وظهور قوله فإنّه علی یقین من وضوئه لأنّ العبرة فی الاستصحاب بالثّبوت فی السّابق لا بالیقین به سابقا فلو أرید الاستصحاب لقیل فإنّه کان علی وضوئه یقینا فباطل إذ لو أرید التّخصیص بها لکان الجواب خارجا عن مورد السّؤال وإن أرید التّعمیم للقاعدتین ففیه جمع بین المعنیین لأنّ معنی عدم نقض الیقین بالشّکّ الطاری معناه الحکم ببقاء ما ثبت مع عدم النّظر إلی ثبوته وبالشّکّ السّاری معناه الحکم بالثّبوت فی الزّمان الأوّل مع عدم النّظر إلی بقائه فالجمع بینهما غیر جائز لعدم الجامع وبعبارة أخری لما کان مقتضی ظاهر لفظ النّقض اتحاد متعلقی الیقین والشّک کان اللازم عند إرادة الشّک السّاری من لفظ الشّک أن یراد من الیقین الیقین بالثّبوت

ص: 439

فی الزّمان الأوّل لأنّه متعلق الشّک السّاری عند إرادة الشّک الطاری أن یراد من الیقین الیقین بأصل الثّبوت مع قطع النّظر عن الزّمان الأوّل لیتحد مع متعلق الشّک الّذی هو البقاء باعتبار کونه أیضا شکا فی الثّبوت وإرادة الیقین بالثّبوت المقید بالزّمان الأوّل والیقین المطلق جمع بین المعنیین لا یقال إنّ هذا الاختلاف إنّما نشأ من تعلیق الحکم علی العام المختلف الأفراد فی اللّوازم فإنّ الیقین والشّک عامان بالنّسبة إلی الیقین بالثّبوت المطلق والمقیّد والشّک عام فی السّاری والطاری وتعلق حرمة النّقض بعموم الیقین بالنّسبة إلی عموم الشّک یلزمه عدم نقض الیقین الأوّل بشیء من الشّکین ولازم عدم نقضه بالشّکّ السّاری الحکم بثبوته فی الزّمان الأوّل وفی الشّک الطاری ببقائه فی الزّمان الثّانی ولیس فیه جمع بین المعنیین أو أنّه من قبیل التّوزیع فی العمومین فلا ینقض الیقین بالثّبوت المقید بمقابله من الشّک السّاری والمطلق بمقابله من الطاری لأنّا نقول لیس هناک فردان متحققان من الیقین فی الخارج مختلفان فی اللازم بل المتحقق هو الفرد الشّخصی من الیقین المتعلق بالثّبوت المقیّد فی الزّمان الأوّل غایة الأمر صدق الیقین بالثّبوت المطلق علیه أیضا قضیّة صدق العام علی الخاص فلا تعدد لهما إلاّ فی الملاحظة فإن أرید من اللّفظ شخص الیقین الموجود فلا یمکن إرادة المطلق أیضا إلاّ بإرادة أخری وهو الجمع بین المعنیین فی لفظ الیقین ولا ینفع فی ذلک تعدد الشّک حقیقة لأنّا ندعی الجمع المذکور فی لفظ الیقین لا فی لفظ الشّک کذا قیل ویمکن دفعه بإمکان حمل لفظ الیقین علی الیقین بأصل الثّبوت الّذی یصدق علی الیقین المقید أیضا الّذی یقابله الشّک السّاری ویکون هو القدر المشترک المراد من لفظ الیقین عند حمله علی مورد الشّکین وحینئذ یکون معناه أنّه إذا تعلق الیقین بثبوت شیء فلا ینقض بشیء من أفراد الشّک ساریا کان أو طارئا بالنّسبة إلی زمان الشّک فاللازم فی السّاری الحکم بالثّبوت فی الزّمان الأوّل وفی الطاری الحکم بالبقاء فی الزّمان الثّانی لأنّه زمان الشّک وإن اجتمع الشّکّان کما لو سری الشّک إلی الیقین وکان علی فرض الثّبوت أیضا محتمل الزّوال فیحکم بالثّبوت والبقاء معا نعم لو کان علی فرض الثّبوت متیقن البقاء لم یحتج إلی الاستصحاب بل کان أصل الحکم بالثّبوت کافیا فی الحکم بالبقاء من جهة الملازمة وبعبارة أخری قد یکون الشّک بالبقاء فقط وهو مجری قاعدة الاستصحاب فقط وقد یکون الشّک فی الثّبوت فقط ویکون البقاء متیقنا علی فرض الثّبوت فهو مجری القاعدة فقط ویحکم بالبقاء ملازمة وقد یکون الشّک فیهما وهو مجری القاعدتین وقد یقال فی دفع الجمع بین المعنیین بأنّ المراد من الخبر هو خصوص الیقین بالثّبوت المقید والشّک فی البقاء ومع ذلک یشمل القاعدة أیضا نظرا إلی أنّ الشّک فی البقاء أعم من أن یکون سببا عن الشّک فی الثّبوت کما فی موارد الشّک السّاری أو لا کما فی الطاری وإذا حکم بالبقاء فی المقامین دل بالالتزام علی الحکم

ص: 440

بالثّبوت أیضا إذ لو لا الثّبوت لما کان وفیه نظر بقی الکلام فی دعوی ثبوت البقاء بالملازمة بناء علی اختصاص الخبر بالقاعدة فی صورة تکون البقاء علی فرض الثّبوت متیقنا فقد یورد علیه بأنّ مقتضی الخبر إنّما هو جعل المتیقن ثابتا فی زمان الشّک ویلزمه جعل الآثار الشّرعیّة دون العقلیّة والعادیة والبقاء لیس من الآثار الشّرعیّة لینجعل بجعل الثّبوت فی الزّمان الأوّل وفیه أنّه قد یکون البقاء من جملة الأحکام الشّرعیّة کبقاء النّجاسة ما لم یصادفها المطهر فإنّه من أحکام نجاسة الشّیء فإذا حکم بانجعال النّجاسة فی زمان لزمه انجعال البقاء أیضا ما لم یصادفها المطهر وإلاّ لم یمکن الحکم ببقاء النّجاسة المستصحبة فی الزّمان الثّانی من أزمنة الشّک إذ لا یترتب علی الاستصحاب أیضا إلاّ الآثار الشّرعیّة إلاّ أن یقال إنّ البقاء فی الزّمان الثّانی أیضا هو البقاء بحکم الاستصحاب کبقائها فی الزّمان الأوّل من أزمان الشّک لا أنّه بقاء مترتب علی استصحاب النّجاسة فی الزّمان الأوّل فافهم بل لنا أن نقول هنا کما أنّ نفس النّجاسة قد کانت متیقنة فی الزّمان السّابق فکذا بقاءها أیضا قد کان یقینیّا فإذا کان مقتضی قاعدة الیقین الحکم بصحة الیقین السّابق وجب الحکم بالبقاء أیضا لأنّه بنفسه متعلق للیقین السّابق لا لکونه من لوازم النّجاسة المتیقنة وهذا بخلاف موارد الأصل المثبت فإنّ وجود اللازم مقطوع العدم فی الزّمان السّابق لأنّه من لوازم وجوده فی الزّمان الثّانی فلیس اللازم هناک موردا للیقین لیجری فیه الاستصحاب فإذا أرید الحکم بثبوته فی الزّمان الثّانی فإنّما هو لمحض استصحاب المتیقن السّابق فیکون أصلا مثبتا لا حجة فیه لأنّ الظّاهر من أدلة الاستصحاب إنّما هو جعل آثار نفس المتیقن وإنّما ینجعل به الآثار القابلة للجعل دون الأمور العقلیّة والعادیة وأمّا ما نحن فیه فهو نظیر ما إذا قام أمارة معتبرة علی بقاء شیء فی الزّمان الثّانی فیترتب علیه لوازم البقاء أیضا وإن کانت عادیة لأنّ الأمارة کما تحکی الملزوم تحکی اللازم أیضا فجریانها فی اللّوازم إنّما هو لکونها مؤدی الأمارة ولو تبعا لا لانجعالها بانجعال حکم للملزوم وبهذا ظهر الفرق بین قیام الأمارة علی حیاة زید بعد تسعین سنة وبین استصحابها بعده حیث ذکروا أنّ الأوّل یترتب علیه أحکام بیاض اللّحیة اللازم للبقاء بخلاف الثّانی ونظیر ما نحن فیه أیضا ما إذا قامت البینة علی نجاسة شیء سابقا وعلم عدم المزیل لها فإنّ الحکم بالبقاء حینئذ لیس للاستصحاب لعدم الشّک فی البقاء علی فرض الثّبوت بل لأنّه من لوازم النّجاسة فالإخبار بها إخبار به أیضا فیشمله أدلة حجّیّة البینة أیضا فتأمل فإنّ بقاء النّجاسة ما لم ترفع برافع لیس من الموضوعات الّتی یمکن إثباتها بالبیّنة بل هو من أحکام النّجس الواقعی ولیس مشکوکا أیضا حتی فی الزّمان الثّانی والبیّنة غیر نافعة فی إثبات الأحکام فلا محالة یکون ترتیبه علی البیّنة من جهة الملازمة لا لکونه من جملة ما أخبر به البینة کبیاض اللّحیة ولکن لما کانت الملازمة شرعیّة لم یقدح فیما نحن فیه بصدده فالحاصل أنّ اللازم إن کان من الآثار الشّرعیّة کان ترتبه علی الأمارة کترتبه علی الاستصحاب یعنی من جهة

ص: 441

الملازمة نعم یفترقان فی اللّوازم العادیة والعقلیّة فترتب علی الأمارة إذا وقعت محکیّة لها لشمول دلیل حجّیّتها لجمیع المدالیل المطابقیّة وغیرها ولا تترتب علی الاستصحاب کما تقدم فالحق فی الجواب هنا هو الجواب الأوّل فتأمل قیل إنّه لو حمل الخبر علی قاعدة الیقین لزم مناقضة لنفسه لشموله للاستصحاب جزما فإذا سری الشّک إلی زمان الیقین لزمه استصحاب الحالة السّابقة علی زمان الیقین السّابق لصیرورته مشکوک الزّوال وهو مناقض للحکم بصحة الیقین الّذی سری إلیه الشّک مثاله إذا کان زید محدثا ثم تیقن بالطّهارة ثم شک فیها ساریا إلی الزّمان الأوّل صدق علیه أنّه متیقن فی کونه محدثا فی الزّمان السّابق وشاک فی ارتفاع حدثه فیجب علیه استصحاب الحدث إلی هذا الزّمان ومقتضی الحکم بصحة یقینه بالطّهارة وعدم انتقاضه بالشّکّ السّاری الحکم بارتفاع الحدث السّابق فی زمان الشّک وهما متناقضان ویمکن دفعه بأنّه کشمول الخبر لاستصحاب نجاسة الید واستصحاب طهارة ملاقیها فکما یقدم الأوّل لکونه مزیلا للشّکّ الّذی هو موضوع الثّانی فلیقدم القاعدة هنا لأنّ الحکم بصحة الیقین الثّانی موجب لنقض الیقین الأوّل بالیقین دون العکس أو نقول إن الحدیث لا یشمل استمرار النّقض المستند إلی الیقین الثّانی وإن صدق علیه أنّه نقض بالشّکّ بل إنّما یمنع من إحداث النّقض بالشّکّ فتأمل لکن الإنصاف اختصاص الخبر بخصوص الشّکّ الطّاری لظهور قوله علیه السلام فإنّه علی یقین من وضوئه فی أنّه کذلک حین الشّک وهذا لا یتحقق فی الشّک السّاری فافهم ثم إنّ شمول الخبر للشّکّ فی وجود المانع مع استمرار المقتضی مما لا إشکال فیه وإنّما الکلام فی أمور منها أنّه هل یشمل صورة الشّک فی مانعیّة الموجود أو لا فقیل بعدمه لظهور الخبر فی حرمة النّقض المستند إلی الشّک استناد المعلول إلی العلة التّامة أو إلی الجزء الأخیر منها والنّقض فی المفروض مستندا إلی الیقین بوجود المشکوک فیه لسبق الشّک فی المانعیّة علی تحققه الّذی هو سبب النّقض وفیه أنّ معنی الشّک فی مانعیته قبل تحققه أنّه شیء لو تحقق فی الخارج لحصل الشّک فی بقاء الممنوع عنه فالشّکّ فی البقاء فعلا متأخر عن الیقین والنّقض مستند إلیه لا إلی الیقین لعدم المعارضة بین الیقینین وهو ظاهر ومنها أنّه هل یشمل صورة الشّک فی بقاء المقتضی أو یختص بالشّکّ فی الرّافع فقیل بالثّانی ونسب إلی المحقق الخوانساری ره ولکن عبارته المحکیّة عنه تقتضی مذهبا آخر أعم من ذلک من وجه فإنّ حاصله أنّه إذا ثبت حکم إلی غایة واقعیّة غیر مشروطة بالعلم فشکّ فی تحققها فی الخارج وجب إبقاء الحکم المذکور إلی أن یعلم تحقق الغایة دون غیر ذلک وهذا أعم من أن یکون الغایة غایة للمقتضی بالکسر أو مانعا عن تحقق المقتضی بالفتح کما أنّ من یقول بجریانه فی الشّک فی المانع یعمم الحکم إلی صورة لم یکن هناک دلیل یدل علی الاستمرار إلی الغایة الواقعیّة الغیر المشروطة بالعلم بل یقول بجریانه فی کل حکم ثبت أنّه أمر مستمر لو لا القاطع ویکون الشّکّ فی انقطاعه بشیء مطلقا وکیف کان فاحتج المحقق الخوانساری رحمه الله علی مذهبه بوجهین أحدهما قاعدة الاشتغال بعد فرض القطع

ص: 442

بالحکم والشّکّ فی امتثاله الثّانی الأخبار السّابقة ثم اعترض بأنّ تلک الأخبار جاریة فی غیر الصّورة المفروضة أیضا وأجاب عنه بمنع ذلک لأنّ مقتضی تلک الأخبار المنع عن نقض الیقین بالشّکّ والنّقض بالشّکّ لا یتحقق إلاّ فی صورة التّعارض ومعنی التّعارض أن یکون هناک شیء یوجب الیقین لو لا الشّک وفیما فرضه القوم لیس کذلک لأنّ قیام الدّلیل علی ثبوت الحکم فی زمان لیس مما یوجب الیقین به فی زمان آخر لو لا الشّک انتهی وحاصله أنّ التّعارض إنّما هو بین العمل فی زمان الشّکّ بخلاف الحکم السّابق وبین دلیل الیقین فإنّ دلیل الیقین السّابق إذا کان شاملا لزمان الشّک فی الواقع فالعمل بخلافه فی زمان الشّکّ نقض احتمالی لذلک الدّلیل وهو معنی النّقض بالشّکّ وبعبارة أخری یعتبر عنده فی تحقق النّقض أن یکون الشّک فی الزّمان الثّانی فی الموضوع بعد معلومیّة الحکم بحیث لو فرض ارتفاع الشّک وعلم اندراجه تحت الموضوع الخاص لکان الدّلیل الدّال علی حکمه هو الدّلیل الأوّل واعترض علیه بعض المحققین بأنّ ظاهر کلامه هو أنّ المقتضی للیقین هو الدّلیل السّابق فقط والشّکّ مانع ولیس کذلک لأنّ ثبوت الحکم فی الزّمان المشکوک لو لا الشّکّ مستند إلی مقدمتین هی أنّ هذا الزّمان نهار والنّهار یجب إمساکه مثلا لا إلی الثّانیة فقط فعدم الشّک الّذی هو عبارة عن تشخیص الصّغری جزء لمقتضی الیقین لا أنّ الشّکّ مانع وحینئذ فلیس المقتضی للیقین حال الشّک عین المقتضی له فی الزّمان السّابق لاختلاف الصّغری الموجب لاختلاف المقتضی کما أنّ فی ما فرضه القوم أیضا المقتضی مختلف باختلاف الکبری أو باختلاف المقدمتین وأجیب عنه بأنّ معنی فرض عدم الشّک فیما فرضه المحقق المذکور هو ملاحظة الزّمان المذکور بعنوان أنّه نهار ولا ریب أنّ ثبوت الحکم له بهذا العنوان مستند إلی الکبری فقط لا إلی المقدمتین المذکورتین فإنّ النّتیجة فیهما هی ثبوت الحکم لذلک الزّمان من حیث هو لا بعنوان أنّه نهار وإن شئت فقل إنّ المتعارف فی کلمات العلماء نسبة الحکم إلی الدّلیل الّذی هو الکبری دون مجموع المقدمتین کما یقال إنّ الدّلیل علی نجاسة الغسالة هو مفهوم قوله إذا بلغ الماء قدر کر لم ینجسه شیء مع أنّ الدّلیل فی الحقیقة هو أنّ الغسالة ماء قلیل وکل ماء قلیل ینجس بالملاقاة والثّانی هو مؤدی المفهوم المذکور وأمّا ما ذکره من جریان ذلک فی استصحاب القوم فیرد علیه أنّ مراد المحقق هو أنّ الدّلیل علی الحکم علی فرض عدم الشّک لا بد أن یکون هو الدّلیل المثبت له فی الزّمان الأوّل لا مطلقا وهذا لا یتحقق عند الشّک فی الکبری إذ لو فرض عدم الشّک لکان الحکم ثابتا لکن بدلیل آخر لا بالدلیل الأوّل إذ المفروض اختصاصه بالزّمان الأوّل وقد یورد علی المحقق المذکور بأنّه یمکن فرض ما ذکره فی صورة ثبوت استمرار الحکم فی الجملة أیضا کما فی مثاله الّذی ذکره من أنّ وجوب الاجتناب عن محل النّجو ثابت قبل استعمال الحجر الواحد وأمّا بعده فمحل شکّ لا من جهة الشّکّ فی حصول الغایة المعلومة بل فی کون ذلک غایة أیضا وفی مثله لا یجری الاستصحاب فیقال هنا أیضا قد ثبت وجوب الاجتناب عن النّجاسة قبل

ص: 443

حصول المطهر الشّرعی إجماعا والشّکّ فی زوالها بالحجر الواحد شکّ فی حصول المطهر الشّرعی فیکون شکا فی تحقق الغایة المعلومة وفیه أنّه لیس هناک خطاب بهذا العنوان فی الشّرع حتی یکون الشّکّ فی تحققه فی الخارج وإنّما هو أمر منتزع من الأمر بالاجتناب عن جملة من الأشیاء وزوال هذا الحکم بجملة من الأمور فانتزع عنوان النّجاسة من الأوّل والمطهر من الثّانی فإذا دل الدّلیل علی ثبوت وجوب الاجتناب إلی زمان خاص فنقول إنّه محکوم بالنّجاسة إلی ذلک الزّمان ولا دلیل علی النّجاسة بعده فیثبت الطهارة بالقاعدة سواء سمی وصول ذلک الزّمان مطهرا أو لا وهذا نظیر ما یقال من أنّه لا یمکن التّمسک بعموم قوله تعالی أوفوا بالعقود علی اللّزوم ولا الصّحة فی العقد المشکوک للقطع بخروج العقود الجائزة والفاسدة عنها فالشّکّ إنّما هو فی صدق المخصص وإجماله یسری إلی العام ودفعه ظاهر إذ لم یرد مخصص بهذا العنوان حتی یوجب إجماله العام بل مقتضی العموم الحکم بصحة جمیع أفراد العقود ولزومها فکل ما دل الدّلیل علی خروجه بالخصوص عن العموم حکم بفساده أو جوازه وما شک فیه فإنّما هو الشّک فی خروجه وعدمه وأصالة عدم التّخصیص تقتضی العدم ولو أمکن هذا الکلام لأمکن أن یقال فی جمیع العمومات إنّها مخصصة عقلا بعنوان الخارج الواقعی فیرجع الشّک فی خروج شیء إلی الشّکّ فی المخصص لا التّخصیص فیسقط أصالة عدم التّخصیص عن الاعتبار وفساده غنی عن البیان وأمّا ما ذکره من إجراء قاعدة الاشتغال فی المقام مع إجراء الاستصحاب فتحقیقه موقوف علی فهم الفرق بینهما والنّسبة فنقول معنی القاعدة حکم العقل عند الیقین بالتّکلیف بوجوب تحصیل الیقین بالإطاعة حذرا من الوقوع فی ضرر العقاب المترتب علی مخالفة الواقع فلیس فی مجراها حکم سوی الواقع ولا عقاب إلاّ علی مخالفة الواقع وأمّا الاستصحاب فمعناه حکم الشّارع ببقاء المتیقن السّابق فی الزّمان الثّانی لیترتب علیه أحکامه الثّابتة له فی حال الیقین فالفرق بین المفهومین من وجوه ثلاثة أحدها أنّ الحکم بالاحتیاط مترتب علی نفس الیقین السّابق من غیر حاجة إلی إحراز بقاء المتیقن فی الزّمان المتأخر الثّانی أنّ موضوع حکم القاعدة هو محض احتمال بقاء التّکلیف لا نفس البقاء بخلاف الاستصحاب الثّالث أنّه لا یترتب علی مخالفتها إلاّ الضّرر الواقعی لو فرض ترک الواقع بترک الاحتیاط بخلاف الاستصحاب فیترتب علی مخالفته العقاب وإن فرض تخلفه عن الواقع وأمّا بحسب المورد فقد یقال بأنّ النّسبة عموم من وجه فیجری القاعدة فقط عند دوران الحکم بین الأقل والأکثر الارتباطی عند ضیق الوقت إذ لا مجری للاستصحاب بعد إتیان الأقل لخروج الوقت والاستصحاب فقط فی مثل حرمة وطی الحائض بعد انقطاع الدّم لعدم ثبوت الاشتغال الیقینی إلاّ بالتحریم قبل الانقطاع ویجریان معا عند الشّک فی إتیان صلاة الظّهر مثلا بعد الیقین بتعلق التّکلیف فوجوب إتیانها ثابت للاستصحاب ولتحصیل الیقین بالامتثال وقد یناقش فی ذلک بأنّه لا وجه لتخصیص الفرض الأوّل بصورة ضیق الوقت بل کل ما فرض دوران الأمر بین شیئین فی المکلف به فهو

ص: 444

مجری القاعدة دون الاستصحاب إذ لو کان وجوب الاحتیاط من لوازم التّکلیف المعلوم بالإجمال فهو ثابت بنفس الیقین السّابق فلا معنی لترتبه علی استصحاب ذلک التّکلیف وإن لم یکن من آثاره فلا ینفع إبقاؤه فی الحکم بوجوب تحصیل الیقین بالامتثال وإن أرید الحکم بأنّ الواجب الواقعی هو ما لم یفعل أولا من جهة استصحاب التّکلیف بعده فهو أصل مثبت لا اعتبار به وکذا لا وجه لجعل الصّورة الأخیرة من مجری القاعدتین بل هناک أیضا لا یجری إلاّ قاعدة الاشتغال لکفایة الیقین السّابق فی الحکم بوجوب تفریغ الذّمة فلا یترتب علی الاستصحاب وقد یقال بل لأنّه لا یترتب علی استصحاب التّکلیف وجوب الإطاعة لأنّه من الأحکام العقلیّة الغیر القابلة للجعل بالاستصحاب وفیه أنّ الجعل الاستصحاب إذا تعلق بالموضوع الخارجی کان معناه جعل الأحکام أو الآثار فیختص بالأحکام القابلة بخلاف الاستصحاب الحکمی فإنّ المنجعل فیه هو نفس الحکم الشّرعی فی مرحلة أیضا فیترتب علیه وجوب الإطاعة عقلا لثبوت موضوعه واقعا لا لثبوت نفسه بالاستصحاب فافهم وعلی هذا فیکون بین القاعدتین التّباین الکلی وفیه نظر لأنّا وإن سلمنا ثبوت وجوب الامتثال بالقاعدة لکنّه لا یمنع من إثبات بقاء الوجوب الشّرعی بالاستصحاب ویترتب علیه ترتب العقاب علی ترک الإتیان وإن فرض کونه إتیانه فی الواقع بخلاف الوجوب الثّابت بالقاعدة فإنّه حکم إرشادی عقلی لا یترتب علی مخالفته شیء إلاّ الوقوع فی مفسدة ترک الواقع وکذا یترتب علی الاستصحاب عدم جواز الاشتغال بالتّطوع لثبوت بقاء الخطاب شرعا ولا یترتب ذلک علی القاعدة لعدم ثبوت الوجوب الشّرعی وهذه الفائدة تثبت فی صورة دوران الأمر بین الأمرین أیضا کما لا یخفی ثم إنّ المحقق المذکور قد ذکر جریان قاعدة الاشتغال عند ثبوت الحکم إلی غایة معینة فی الواقع مطلقا فی الوضعی والاقتضائی والتّخییری وذکر أنّ الأوّل راجع إلی الثّانی وأنّ الحکم فی الثّالث أوضح واعترض علیه بعضهم بأنّ الحکم التّکلیفی المستمر إلی غایة إمّا أمر أو نهی ففی الأمر یتم إجراء القاعدة عند الشّکّ فی الغایة مطلقا وأمّا النّهی فلا وذلک لأنّ التّحریم المستمر إلی غایة إمّا یفرض متعلقه أمرا مستمرا إلی الغایة أو أمورا متعددة فعلی الثّانی یرجع الشّکّ فی الغایة إلی الشّکّ فی التّکلیف والأصل فیه البراءة وعلی الأوّل إمّا یقال بحرمة التّلبس أو بحرمة المجموع فعلی الأوّل المتیقن هو الأقل فهو الحرام دون الأکثر وعلی الثّانی المتیقن هو الأکثر لأصالة عدم تحقق المعصیة بالأقل للشّکّ فی صدق المحرم علیه وفیه نظر لأنّه إذا تعلق النّهی بأمر مرکب وشکّ فی مصداقه وجب اجتناب کل ما یحتمل أن یکون مصداقا له إذا دار بین أمور محصورة لتحصیل الامتثال القطعی وکون الأکثر متیقنا إن أراد أنّه من جملة المصادیق یقینا فممنوع لاحتمال کون المصداق هو الأقل وحینئذ فلا یکون الأکثر مصداقا بل هو مشتمل علی المصداق فإنّ الإمساک المستمر إلی نصف اللّیل لیس مصداقا للصّوم بل هو مشتمل علی مصداق الصّوم الّذی هو الإمساک

ص: 445

إلی الغروب وإن أراد أنّه یقینی الحرمة لأنّه إمّا مصداق أو مشتمل علیه ففیه أنّ ترکه حینئذ إنّما یوجب انتفاء المخالفة القطعیّة وهو غیر کاف بل اللازم هو الامتثال القطعی ولا یحصل إلاّ بترکهما معا فالحائض إذا علمت بحرمة الصّلاة علیها وشکّت فی جزئیّة السّورة للصّلاة وقلنا بأنّ اللازم هو ترک مجموع الصّلاة لا ترک التّلبس فحینئذ یجب علیها ترک الصّلاة مع السّورة وبدونها ولا یجوز لها فعلها بلا سورة لاحتمال کونها مصداق الصّلاة المنهی عنها کاحتمال کون المصداق الصّلاة مع السّورة فیجب علیها ترکها معا ولا یجوز الرّجوع فی الأقل إلی أصالة عدم تحقق المعصیة وإلاّ لجری بالنّسبة إلی ارتکاب بعض أطراف الشّبهة المحصورة مع أنّه لا یجوز ارتکابه فافهم ثم إنّ ما ذکره المحقق من أنّ الأمر فی التّخییری أوضح إن أراد به إثباته عند الشّک فی الغایة بقاعدة الاشتغال فهو باطل لأنّها لا تجری إلاّ فی التّکلیف الثّابت لا فی الإباحة وتوجیهه بوجوب الاعتقاد بکونه مباحا إلی الغایة الواقعیّة غیر نافع لإثبات وجوب اعتقاد کونه مباحا فی زمان الشّک لأنّه فرع ثبوت موضوعه والمفروض أنّه مشکوک مع أنّه قد یکون الفعل بعد الغایة حراما أو واجبا فیجب تبدیل الاعتقاد فی زمان الشّک إلی الحکم المتأخر بقاعدة الاشتغال حسب ما قرره إذ لا مرجح للحکم السّابق ومع التّساوی فالواجب هو التّوقف عن الحکم الشّرعی والإذعان بالحکم الکلی وهو حاصل بعد الغایة أیضا وإن أراد إثباته عند الشّک بحکم العقل ولو بغیر قاعدة الاشتغال کأصالة البراءة أو الإباحة فهو متجه لکن قد أورد علیه أنّه قد یکون حکم ما بعد الغایة الحرمة مثلا فیجب فی زمان الشّکّ الحکم بالحرمة لقاعدة الاشتغال بالنّسبة إلی ذلک التّکلیف کما إذا ثبت إباحة الأکل مستمرا إلی طلوع الفجر الواقعی فی رمضان فإذا شک فی طلوع الفجر کان أصالة إباحة الأکل معارضة بقاعدة الاشتغال بالصّوم إذ لو أکل حینئذ احتمل وقوعه فی الصّبح فلا یحصل الامتثال لخطاب صم من الفجر إلی اللّیل مع تسلیم تعلقه بالمکلف فی اللّیل والثّانی مقدم لأنّ الإباحة الذّاتیّة تجتمع مع الحرمة المقدمیّة هذا مع أنّ أصالة الإباحة لا تجری فی الإباحة المستفادة من خطاب الوضع کإباحة التّصرف فی مال الغیر المستفادة من إذنه فی التّصرف إلی غایة واقعیّة فعند الشّک فی تحققها لا یجوز إجراء أصالة الإباحة لأنّها لا تثبت إذن المالک فی زمان الشّکّ ومتی شک فی الإذن حرم التّصرف بالعقل والنّقل فلا ینفع هنا إلاّ استصحاب الإذن إن کان جاریا فافهم ثم إنّ ما ذکره من رجوع الأحکام الوضعیّة إلی الشّرعیّة هو أحد القولین فی المسألة ولا بأس بتنقیح القول فیه فنقول إنّ الحکم الوضعی عبارة عن النّسب الشّرعیّة الّتی من شأنها أن تؤخذ من الشّارع ولا یکون طلبا ولا تخییرا کالشّرطیّة والمانعیّة والسّببیّة للأحکام أو للمطلوبات والجزئیّة والصّحة والفساد والطهارة والنّجاسة والحدث والجنابة والضّمان والملکیّة والزّوجیّة والحریّة والرّقیّة ولا نزاع فی أنّ مفاهیم هذه

ص: 446

الأمور غیر مفهوم الطلب ولا فی أنّ من شأنها أن تؤخذ من الشّارع ولا فی أنّ هناک خطابات فی الشّرع متعلقة ببیان هذه الأمور بل النّزاع إنّما هو فی أنّها منجعلة تبعا لجعل الأحکام التّکلیفیّة أو لا بل هی مجعولة أصالة فقیل بالأوّل لوجوب جعل التّکلیف عقلا وشرعا وهذه الأمور تنجعل قهرا بجعل التّکالیف الواقع علی أنحاء شتی من إطلاق الطلب وتعلیقه علی حال أو وصف أو زمان وإطلاق المطلوب أو تقییده بوجود شیء أو عدم شیء أو کونه بسیطا أو مرکبا فینتزع الشّرطیّة والمانعیّة والسّببیّة للطلب من تعلیق الطلب معلقا للمطلوب بتعلیق الطلب بأمر مع اعتبار التّقیید بما ذکر والجزئیّة بتعلقه بأمر مرکب وإذا انجعلت قهرا فلا وجه لجعلها مستقلا فإنّه تحصیل للحاصل مع أنّا لا نتعقل من إنشاء شرطیّة شیء للطلب إلاّ إنشاء الطّلب عند حصوله وکذا من شرطیّته للمطلوب إلاّ إنشاء طلب وارد علی أمر مقید وکذا البواقی مضافا إلی ملاحظة العرف والعادة فإنّا نراهم لاحظون فی خطاباتهم وإنشاءاتهم إلاّ أمورا تکلیفیّة ینجعل بها هذه الأمور تبعا نعم بعض تلک الأمور خارجیّة مستأصلة لا مدخل لإنشاء الشّرع فیها لکن لما کان وجودها وأسبابها الواقعیّة ربما یخفی علی المکلفین بینها لهم الشّرع کالحدث والطهارة وأسباب الملک والزّوجیّة ونحو ذلک فلیس فیها إنشاء من الشّرع أصلا حتی یکون طلبا أو أمرا آخر وقیل بالثّانی نظرا إلی ثبوت الوضعیّات فی موارد انتفاء التّکلیفی فإنّ الصّغیر إذا بال یکون محدثا إذا تلف مال غیره فهو له ضامن وإذا باع له الولی صار مالکا ولا تکلیف بالنّسبة إلیه وأجیب بأنّها أیضا منتزعة من التّکالیف غایة الأمر عدم تعلقها بالصّبی وهو غیر قادح إذ یکفی انجعالها بتعلق التّکلیف بالولی بأداء قیمة المال المتلف من أمواله وحفظ الثّمن له أو بتعلقه بالصّبی بعد البلوغ فإنّه لما دل الخطاب التّکلیفی علی أنّ البالغ الّذی بال قبل بلوغه یجب علیه الوضوء انتزع منه أنّ الصّبی یکون محدثا بالبول وهکذا وأمّا الملکیّة فهی من الأمور الواقعیّة کما سبق ویمکن دعوی ذلک فی مثل الحدث والضّمان أیضا علی إشکال فی الأخیر أقول إن أراد القائل بالانتزاع أنّها منتزعة من نفس التّکالیف فباطل جدا لأنّ الشّرطیّة غیر الوجوب مفهوما وذاتا وإنّما أمر منتزع من تعلیق الوجوب أو تقیید الواجب والأوّل حاصل مع الوجوب والثّانی قبله لاعتباره فی متعلقه والتّعلیق والتّقیید اعتباران حادثان زائدان علی نفس الوجوب فإن أراد القائل بالجعل الأصلی هذا المعنی فهو الحق الّذی لا مناص عنه وإن أراد أنها أمور ملحوظة بمفاهیم مستقلة مجعولة فهو غیر لازم قیل ویظهر الثّمرة عند الشّک فی الشّرطیّة والجزئیّة فعلی القول بالجعل المستقل یجری أصالة عدمه وعلی القول بالتبعیّة یرجع الشّکّ إلی تعلق الطلب بالمطلق أو بالمقید وبالبسیط أو المرکب ولا یتعین شیء منهما بالأصل أقول ویظهر من ذلک قوة القول بالاستقلال بالوجه الّذی قررناه لأن أصالة عدم التّقیید من الأصول الاتفاقیّة ویلزم علی القول

ص: 447

بالتبعیّة عدم جریانها لأنّها مثل أصالة عدم الشّرطیّة بل هی هی إلاّ أن یقال إنّ ذلک من الأصول اللّفظیّة الّتی مرجعها إلی أصالة عدم ذکر القید فی کلام المطلق فیحمل المطلق علی الإطلاق إمّا لأصالة الحقیقة أو لقبح التّکلیف بلا بیان فلا دخل له بما نحن فیه لکن یمکن أن یقال إنّه لا شبهة فی جریانه فی مقام فقد اللّفظ المطلق أیضا غایة الأمر أنّه من الأصول المثبتة لأنّ تعلق التّکلیف بالمطلق من اللّوازم العقلیّة لعدم ملاحظة القید وهذا غیر أنّه من مسألة الشّکّ فی الحادث الّذی لا یجری فیه الأصل أصلا فتأمل جدا وقد یقال تحقق الثّمرة أیضا فی نفی الجزئیّة والشّرطیّة فی حالة السّهو والنّسیان أو الجهل بحدیث الرّفع فإنّ المراد منه رفع الأمر الشّرعی القابل للجعل والرّفع دون الأمور العقلیّة والشّرعیّة المترتبة علیها فإن قلنا بأنّ الجزئیّة مجعولة للشارع أمکن دعوی رفعها عن النّاسی وأخویه وإن قلنا بأنّها انتزاعیّة عقلیّة فلا معنی لرفعها إلاّ رفع الحکم التّکلیفی المتعلق بالمرکب فی حالة العذر وهو مسلم لقبح تکلیف الغافل لکنّه لا یجدی فی مطلوبیّة العمل النّاقص بخلافه علی الأوّل فتأمل هذا تمام الکلام فیما یتعلق بما ذکره المحقق الخوانساری رحمه الله غیر أنّه بقی الکلام فی النّظر فیما ذکره من معنی النّقض وأنّه مختص بما فرضه دون استصحاب القوم أو لا فنقول إنّ حاصل ما ذکره هو فی معنی النّقض هو أنّ المراد بنقض الیقین هو مخالفة الیقین السّابق أی العمل بخلاف مقتضی الدّلیل الأوّل ولما کان معنی النّقض هو رفع الید عن الشّیء الثّابت فعلا وهذا المعنی لا یمکن تحققه فی زمان الشّکّ بنحو القطع وجب أن یقال بکونه مستعملا فی مطلق رفع الید عن الشّیء فی زمان الشّکّ فی بقائه إذا احتمل کونه مخالفة للدلیل الأوّل واقعا وذلک لأنّه نقض فی کثیر من الأحوال فأطلق اسم النّقض علیه باعتبار الغالب فرضا لوجود الوصف فی الفاقد أو لتنزیل الفاقد منزلة عدمه وهذا باب شائع فی المحاورات وهو السّر فی حکمهم بأنّ الوصف الوارد مورد الغالب لا یوجب تخصیص الحکم بواجد الوصف کقوله تعالی وربائبکم اللاتی فی حجورکم واعترض علیه بعضهم بأنّ إرادة هذا المعنی من النّقض وهو رفع الید عن الشّیء المحتمل الثّبوت لا یتصور بالنّسبة إلی نقض الیقین بالیقین لعدم احتمال ثبوت المتیقن السّابق حینئذ ولا وجه للتفکیک بین النّقضین فیجب حمل النّقض علی معنی یشملهما بحیث یکون قریبا من المعنی الحقیقی وهو لیس إلاّ رفع الید عن الشّیء الّذی من شأنه الثّبوت ویکون الشّک حینئذ فی خصوص الرّافع فإنّ رفع الید فی مثل ذلک لا یجوز بالشّکّ فی الرّافع ویجوز بالیقین به فیکون مفاد الخبر الاستصحاب فی خصوص موارد الشّک فی الرّافع دون وهذا أحد الأقوال فی مسألة الاستصحاب أقول والتّحقیق أنّ ما ذکره المحقق الخوانساری رحمه الله غیر صحیح مضافا إلی ذلک من جهة أنّ النّقض لیس معناه مخالفة الیقین بل المراد به هدم البناء الّذی عقده الشّخص بسبب الیقین وهذا البناء أمر یستمر فعلا لو لم ینقضه الشّخص بنفسه ولما کان قید

ص: 448

الزّمان غیر ملحوظ فی مورد الیقین والشّکّ صدق توارد الیقین والشّکّ علی موضوع واحد ویکفی ذلک فی تحقق معنی النّقض کنقض العهد فهو مستعمل فی معناه الحقیقی والمراد بالیقین إمّا المتیقن مجازا أو بحذف المضاف أی متعلق الیقین والمراد بالخبر أنّه إذا بنی المکلف علی شیء بسبب الیقین فلا یهدم ذلک البناء بالشّکّ فی بقائه فلا وجه لحمل النّقض علی المخالفة لیختص مورده بصورة شمول الدّلیل الأوّل لحال الشّکّ بعنوان کلی کما یقوله الخوانساری ره ولا لحمله علی رفع الید عن الأمر الثّابت استمراره شأنا لیختص بالشّکّ فی الرّافع فإنّ جمیع ذلک موجب للتّخصیص فی لفظی الیقین والشّکّ بلا ضرورة داعیة إلیه ولو سلم کون ما ذکرنا من معنی النّقض خلاف ظاهره فلا ریب أنّ تخصیص متعلق النّقض أیضا خلاف الظّاهر وإذا دار الأمر بین التّصرف فی الفعل أو فی المتعلق فمقتضی نظائره تقدیم الأوّل کقوله تعالی ولا تأکلوا أموالکم فإن حمل أموالکم علی العموم سبب لحمل الأکل علی معنی التّصرف ولا یوجبون ظهور الأکل فی معناه سببا لتخصیص الأموال بالمأکولات فتأمل جدا ومنها أنّه هل یختص مفاد الخبر بالأحکام أو یجری فی الموضوعات أیضا الحق هو الثّانی للعموم وقد یقال باختصاصه بالأوّل لأنّ بیان الموضوعات لیس من شأن الشّارع ویدفعه أوّلا أنّه إن أراد بالموضوعات ما یقابل بالأحکام الکلیّة فلا ریب أنّه مستلزم لتخصیص مورد الخبر فإنّه الشّکّ فی بقاء الطّهارة الجزئیّة وإن أراد ما یقابل مطلق الأحکام فیرد علیه النّقض بالأحکام الجزئیّة فإنّ بیانها أیضا لیس من وظیفة الشّارع وثانیا أنّ بیان أنّ الحکم فی صورة الشّک فی بقاء الموضوع هل هو البناء علی الحالة السّابقة أو نقضها لیس إلاّ وظیفة للشّارع وهو ظاهر ومنها أنّه هل یختص مفاده بغیر الأحکام الکلیّة أو لا قد یقال الأوّل إمّا لأنّ الشّکّ فی الحکم الکلی إنّما یجری فیه أخبار التّوقف والاحتیاط کما یظهر من الأخباریین وإمّا أن الشّک فی بقاء الحکم لیس إلاّ من جهة تبدل حالة أو وصف یحتمل مدخلیّته فی ثبوت الحکم وهو معتبر فی الموضوع فیکون الشّکّ راجعا إلی بقاء الموضوع فلا یتحقق نقض الیقین بالشّکّ ولا یکون الحکم بثبوت الحکم للموضوع الثّانی إبقاء للحکم الأوّل حقیقة ودعوی کفایة الوحدة العرفیّة ممنوعة لأنّها وحدة تسامحا وهی إنّما توجب صدق النّقض تسامحا والمنهی عنه إنّما هو النّقض الحقیقی وهو لا یفرض إلاّ فی صورة الشّک فی الرّافع لأنّه إنّما یرفع الحکم بعد تحققه لموضوع عن ذلک الموضوع بعینه فیکون نقضا ولیس عدم الرّافع معتبرا فی الموضوع وإلاّ لتبدل الموضوع بوجوده فلا یکون الرّافع رافعا هذا خلف وفی الجمیع نظر أمّا الأوّل فلمنع جریان أخبار التّوقف فی مجاری الاستصحاب کما قرر فی محله وأمّا الثّانی فلمنع مدخلیّة الأوصاف والأحوال فی الموضوع بل الموضوع ربما یکون ذات الشّیء والحالات والأوصاف إنّما تعتبر علة أو زمانا لثبوت الحکم للموضوع فإذا شک فی کونها علة أو ظرفا للحدوث فقط أو له وللبقاء یتحقق الشّکّ بعد زوالها فی بقاء

ص: 449

الحکم لذلک الموضوع بعینه فیصدق النّقض حقیقة لا تسامحا وأمّا أنّ الموضوع ما ذا فالمرجع فیه ظاهر الخطابات الشّرعیّة أو نظر العرف ولا یوجب ذلک کون الوحدة مسامحة عرفیّة حتی یقدح فی صدق النّقض حقیقة وبهذا التّقریر یتضح إمکان جریان الاستصحاب فی الأحکام العقلیّة أیضا کما أشرنا إلیه سابقا بل لنا أن نقول بأنّ ظاهر الخبر المنع عن کل ما یکون نقضا عرفا کما هو الشّأن فی مدالیل الألفاظ ویکفی فی صدقه عرفا الوحدة العرفیّة فلا حاجة إلی تحصیل الوحدة الحقیقة بالوجه الّذی قررناه ومن هنا یتجه استصحاب الکریّة فی الماء بعد أخذ مقدار منه مع فقد الوحدة الحقیقة هنا قطعا ومنها هل یجری فی مطلق الأحکام الشّرعیّة أو یختص بالوضعیّات قد یتوهم الثّانی نظرا إلی عدم تحقق الشّک فی البقاء بالنّسبة إلی التّکلیفیّات وضعفه ظاهر کما بیناه مفصلا فی الرّسالة الاستصحابیّة ومنها أنّه هل یختص بالمنجزات أو یجری فی المعلقات أیضا الحق هو الثّانی للعموم فیجری استصحاب کون العصیر مما ینجس بالغلیان فی عصیر الزّبیب بعد ثبوت هذا الحکم له حال کونه عنبا فیحکم بنجاسته للاستصحاب ویقدم هذا الاستصحاب علی استصحاب طهارته الثّابتة له قبل الغلیان کما یقدم استصحاب نجاسة الثّوب علی استصحاب طهارة ملاقیه وهو ظاهر وسیأتی تحقیقه فیما بعد إن شاء الله ومنها هل یجری فی الوجودیّات والعدمیّات أو لا الحق هو الأوّل للعموم وقد یقال بأنّه مختص بالعدمیّات والوجودیّات الّتی یکون الشّک فی بقائها ناشئا عن الشّک فی الواقع والمانع نظرا إلی عدم النّقض إلاّ فیما إذا کان المتیقن مستمرا لو لا الرّافع وهذا هو المتحقق فی العدمیّات مطلقا وفی القسم المذکور من الوجودیّات مضافا فیه إلی أنّ الشّک فی المانع مع تحقق المقتضی لا یعتنی به عند العقلاء وقد قال الرّئیس کل ما قرع سمعک فذره فی بقعة الإمکان ما لم یذدک عنه قائم البرهان فإنّ وجود المانع موجب لعدم إمکان المقتضی بالفتح فمقتضی قاعدة الإمکان الحکم بعدمه فیؤثر المقتضی أثره وفیه منع توقف صدق النّقض علی ذلک والسّند قد تقدم وما ذکره من قاعدة الإمکان لیس المراد به ما ذکره بل المراد به الحکم بالإمکان فی مقابل الوجوب والامتناع الذّاتیین دون الإمکان الفعلی فی مقابل الامتناع الفعلی کیف وهذا مما لم یقم علیه دلیل أصلا وقد حمل کلام الرّئیس علی أنّ المراد الحکم بالاحتمال فی مقابل الجزم بأحد الطرفین من غیر دلیل وکیف کان فلا ربط له بمسألة الاستصحاب ولو تم لاقتضی الحکم بوجود المقتضی بالفتح عند الشّکّ فی المانع مطلقا وإن لم یکن له حالة سابقة ثم إنّ القول بجریانه فی مطلق العدمیّات یستلزم القول بجریانه فی الوجودیّات أیضا بمعنی أنّه یترتب الأمر الوجودی المتیقن سابقا علی استصحاب عدم أضداده فلا فائدة فی منعه فی الوجودی بعد تسلیمه فی العدمی سیما علی القول باعتباره من باب الظّن نعم علی القول بالتعبد قد یثمر فیما إذا لم یکن الوجودی من الآثار الشّرعیّة للعدم السّابق فإنّ استصحابه لا ینفع فی ترتیبه علی التّحقیق من عدم اعتبار الأصول

ص: 450

المثبتة وسیأتی زیادة تحقیق لهذه الأمور إن شاء الله الثّانی من الأخبار الواردة فی المضمار روایة أخری لزرارة أیضا صحیحة قال قلت له علیه السلام أصاب ثوبی دم رعاف أو غیره أو شیء من المنی فعلمت أثره إلی أن قال فإن ظننت أنّه أصابه ولم أتیقن ذلک فنظرت ولم أر شیئا فصلیت فیه فرأیت فیه قال علیه السلام تغسله ولا تعید الصّلاة قلت ولم ذلک قال لأنّک کنت علی یقین من طهارتک فشککت ولیس ینبغی لک أن تنقض الیقین بالشّکّ الحدیث ودلالتها علی اعتبار الاستصحاب واضحة والکلام فی عموم الیقین والشّکّ وعموم النّقض ما تقدم فی الخبر السّابق ولإضمار فیه غیر قادح کالسّابق لجلالة شأن الرّاوی وطریقة السّؤال والجواب قیل ویستفاد منها مع حجّیّة الاستصحاب أمران أحدهما أنّ الأمر الظّاهری الناشئ من الاستصحاب مفید للإجزاء وإلاّ لما کان وجه لترک الإعادة بعد حصول الیقین بسبق النّجاسة الکاشف عن مخالفة العمل للواقع والثّانی صحة عمل الجاهل الدّاخل فی العمل مع جهله بأنّه مطلوب منه واعترض علی الأوّل بأنّه لو کان المراد ذلک لقال وما کان ینبغی لک أن تنقض الیقین بالشّکّ حتی یکون ترک الدّخول نقضا إذ لیس الإعادة بعد الیقین یسبق النّجاسة نقضا للیقین إلاّ بالیقین لا بالشّکّ کما فی الخبر فیکون هذا الکلام شاهدا علی أنّ مورد السّؤال هو رؤیة النّجاسة بعد الفراغ مع احتمال طروها حینئذ فإنّ الإعادة حینئذ نقض للیقین بالشّکّ ویمکن دفعه بأنّ المراد أنّ الإعادة ملزومة لعدم الإجزاء وهو ملزوم لعدم الأمر الظّاهری لأنّ الأمر یلزمه الإجزاء عدم الإجزاء لا یکون إلاّ لعدم الأمر وعدم الأمر لیس إلاّ بتجویز نقض الیقین بالشّکّ فیکون الإعادة بضمیمة تسلیم أنّ الأمر الظّاهری یلزمه الإجزاء یکون نقضا للیقین بالشّکّ وحیث إنّ ظاهر السّؤال حصول الیقین بسبق النّجاسة فلا مناص عن التزام التّسلیم المذکور لیتجه التّعلیل فالأولی فی الاعتراض أن یقال إنّ عدم الإعادة یحتمل أن یکون من جهة تحقق الطّهارة الشّرعیّة الّتی هی شرط واقعی للصّلاة ویکون التّعلیل من جهة أنّ الإعادة یستلزم منع وجود الطّهارة الشّرعیّة حال الصّلاة وهو معنی نقض الیقین بالشّکّ فلا یتعین حمل الخبر علی کون الأمر الظّاهری للإجزاء کما لا یخفی واعترض علی الثّانی بأنّه سؤال عن واقعة مفروضة لا محققة حتی یدل علی کفایة عمل الجاهل والأولی أن یعترض بأنّه إنّما سئل عن صحة العمل بعد انکشاف وجود النّجاسة حال الصّلاة فلا دلالة فی الجواب ولا فی السّؤال علی أنّه کان جاهلا بجواز الدّخول فی العمل باستصحاب الطّهارة اللهم إلاّ مع التّوجیه الّذی ذکرنا من أنّ السّؤال إنّما یرجع إلی أنّه هل کان مأمورا بالدّخول أو متطهرا شرعیّا حتی لا یجب الإعادة لموافقة الأمر الظّاهری أو لوجود الشّرط الواقعی أو لا والجواب راجع إلی إثبات ذلک وإلاّ لزم نقض الیقین بالشّکّ وحینئذ فیکون فی السّؤال دلالة علی جهله بالأمر فی الأوّل وبوجود الشّرط شرعا فی الثّانی وعلیها فیثبت المطلوب فتأمل وهناک أخبار أخر قد تمسکوا بها فی مسألة الاستصحاب وفیما ذکرنا کفایة وهنا فوائد أحدها مقتضی الصّحیحتین وغیرهما من أخبار الباب جریان الاستصحاب فی صورة الظّن بالبقاء والشّکّ فیه والظّن بالارتفاع جمیعا لوجوه منها أنّ الشّکّ لغة خلاف الیقین

ص: 451

فیشمل الصّور الثّلاث ومنها قوله فی الخبر الأوّل فإن حرک إلی جنبه شیء فإنّه من أمارات النّوم ومنها قوله علیه السلام لا حتی یستیقن أنّه قد نام حتی یجیء من ذلک أمر بین ومنها قوله علیه السلام ولکن ینقضه بیقین آخر ومنها قوله فی الخبر الثّانی فإن ظننت أنّه إضافی مضافا إلی عدم ظهور القول بالفصل بین القائلین باعتباره من جهة الأخبار والمراد بالظّنّ بالارتفاع الظّنّ الغیر المعتبر وأمّا الظّن الّذی قام الدّلیل علی حجّیّته فیقدم علی الاستصحاب وینقض به الیقین السّابق لحکومة دلیله علی دلیل الاستصحاب وسیأتی بیانه إن شاء الله الثّانیة مقتضی إطلاق الأخبار السّابقة حجّیّة الاستصحاب مطلقا فی الحکم والموضوع ومعناه فی الحکم جعله بنفسه ظاهرا عند الشّکّ ویترتب علیه آثار ثبوت الحکم الشّرعی من وجوب الإطاعة وشبهه بأدلة ثبوته لا بدلیل الاستصحاب ومعناه فی الموضوع جعل آثاره ولوازمه الشّرعیّة ظاهرا وهذا الفرق هو لازم معنی عدم نقض الیقین بالشّکّ فی الموضعین فلا یستلزم استعمال اللّفظ فی معنیین وأمّا اللّوازم العقلیّة والعادیة وآثارهما الشّرعیّة والملزومات مطلقا وکذا الملازمات والأمور المقارنة للمستصحب اتفاقا بحسب خصوصیّة المقام فلا یترتب شیء منها علی الاستصحاب کاستصحاب طهارة الإناء المردد بین البول والماء فإنّها لازمة شرعا لکونه ماء رافعا للحدث والخبث ورافعیّته للحدث ملازمة للطّهارة واستصحاب عدم المانع یلزم عادة وصول الماء إلی البشرة بالارتماس واستصحاب طهارة أحد الإناءین یقارنها نجاسة الآخر بعد العلم الإجمالی بنجاسة أحدهما فإنّ شیئا من ذلک لا یثبت بالاستصحاب علی التّعبد وکذا علی الظّن إلاّ اللّوازم العقلیّة والعادیة فإنّها تترتب علی استصحاب للملزوم بناء علی الظّن لأنّ الظّن بالملزوم یلزمه الظّن باللازم ولا یعارض بالعکس لأنّه من التّوابع کذا قیل وفیه نظر وأمّا فی المقارنات فلا یجری مطلقا إلاّ إذا کان نفس المقارن متیقنا فی الزّمان السّابق فیستصحب بنفسه مطلقا وکذا لو لم یکن له حالة سابقة أصلا فیمکن ترتیبه بناء علی الظّن وکذا فی البواقی وکیف کان فلا یثبت بالاستصحاب علی المختار من حجّیّة علی وجه التّعبد إلاّ الآثار الشّرعیّة الثّابتة للمستصحب بلا واسطة دون اللّوازم العادیة والعقلیّة وآثارهما وهذا هو المراد بعدم اعتبار الأصل المثبت لأنّ المتبادر من الأخبار تنزیل واحد لا تنزیل فی تنزیل وذلک التّنزیل إنّما هو فی الآثار الثّابتة أصالة إلاّ بواسطة شیء آخر أعنی الواسطة فی الثّبوت فلا یقدح الواسطة فی العروض کاستصحاب عدم الدّین المترتب علیه وجوب الحج لواجد المال لثبوت الاستطاعة الشّرعیّة الّتی هی واسطة فی عروض الحکم لعدم الدّین لأنّه جزء معنی الاستطاعة فهذا لیس بأصل مثبت ولا فرق فی الآثار الشّرعیّة الثّابتة للشیء بین المنجزة والمعلقة کما سبق فلا یقدح استصحاب التّنجس بالغلیان للعصیر بعد صیرورة العنب زبیبا بخلاف استصحاب صحة الغسل بالارتماس الثّابتة عند عدم المانع لأنّها لیست من آثار عدم المانع أصلا بل هی من آثار وصول الماء إلی البشرة وهو موضوع آخر بخلاف استصحاب کون الشّیء منجسا بالملاقاة فإنّه من

ص: 452

أحکام النّجس لا من أحکام الملاقاة فافهم وقد یقال إنّ مقتضی الأخبار فرض المشکوک متیقنا وترتب الآثار علیه مطلقا من غیر فرق بین الآثار اللاحقة له من حیث الیقین السّابق أو من جهة الأمور الخارجة وهو ممنوع ویترتب علی ذلک عدم حجّیّة أصالة تأخر الحادث الّتی مرجعها إلی أصالة عدم الحادث فی السّابق فلا یترتب علیها أحکام تأخره عن شیء آخر لأنّه موضوع آخر ولیس من الآثار الشّرعیّة للمتیقن نعم لو کان لأصل العدم السّابق حکم ترتب علی استصحابه کما یترتب الأحکام الوجود اللاحق فی الزّمان الثّانی للیقین وأمّا أحکام الحدوث الّذی هو ابتداء الوجود فهل یترتب علی الأصل نظرا إلی أنّ الوجود متیقن والعدم قبله مستصحب فیثبت کونه حدوثا ومن أنّ ذلک من اللّوازم العقلیّة وجهان والحق أنّ الحدوث عبارة عن الوجود المسبوق بالعدم فهو کالاستطاعة الّتی تحصل بأمرین وجودی وعدمی فإذا ثبت أحد جزأیه بالوجدان والآخر بالأصل ترتب علیه الأحکام ولذا یترتب أحکام أوّل الشّهر علی استصحاب عدمه فی الیوم الماضی أو علی استصحاب الشّهر السّابق فی یوم الشّکّ ولیس ذلک بأصل مثبت الثّالثة قد یستصحب الصّحة فی العبادات عند الشّکّ فی جزئیّة شیء أو شرطیّته أو مانعیّته أو ناقضیّته إذا ترک نسیانا أو فعل کذلک ویترتب علیه نفی الجزئیّة والشّرطیّة والمانعیّة والنّاقضیّة واعترض علیه بأنّ الصّحة المستصحبة إن کانت صحة المرکب فهی غیر متحققة قبل إتمام العمل حتی تستصحب وإن کانت صحة الأجزاء السّابقة فلا یترتب علیها صحة المرکب لأنّها من آثار إتیان المرکب بجمیع ما یعتبر فیه من الأجزاء والشّرائط وهو مشکوک ونفی جزئیّة المشکوک وشرطیّته باستصحاب صحة الأجزاء السّابقة باطل لأنّه لیس من لوازمه الشّرعیّة فالأصل بالنّسبة إلیه مثبت کذا قرره بعض الأفاضل وناقش بعضهم فی الاستصحاب المذکور بوجه آخر وهو أنّه لا مجری لاستصحاب صحة الأجزاء السّابقة أصلا لأنّ صحة الجزء لیست إلاّ وقوعه جامعا لما یعتبر فیه بنفسه بحیث لو ضم إلیه باقی أجزاء المرکب بالشّرائط والآداب لحصل امتثال الکل وهی هنا غیر مشکوکة إنّما الشّکّ فی انضمام باقی الأجزاء فلا وجه للاستصحاب نعم لو حصل الشّکّ فی انقطاع الهیئة الاتصالیّة المعتبر فی العمل شرعا ببعض النّواقض أمکن استصحاب تلک الهیئة ویترتب علیه عدم ناقضیّته المشکوک ولیس ذلک بأصل مثبت أقول لیس المراد بالهیئة الاتصالیّة الهیئة القائمة بأجزاء المرکب لأنّها أمر ربطی لا تحقق لها إلاّ بتحقق الجزء السّابق واللاحق فقبل تحقق الجزء اللاحق لم یتحقق بینه وبین السّابق اتصال حتی یشک فی انقطاعه بل المراد الهیئة الّتی اعتبرها الطّالب بین الأجزاء فی ذهنه بالکیفیّة المخصوصة وإذا شرع المکلف فی ذلک العمل فقد دخل فی العمل وصدق علیه أنّه متلبس بالعمل إلی أن یخرج منه فإذا شک فی أنّه هل خرج منه بالفراغ أو بأمر مناف لما اعتبره الآمر استصحب التّلبس المذکور الّذی هو أمر واحد مستمر موجود من المبدإ إلی المنتهی لو لا القاطع ثم إنّ غرضه من الفرق بین الشّکّ فی القاطع والمانع مع اشتراکهما فی الشّکّ

ص: 453

فی الانقطاع أنّه فی الأوّل لیس الشّکّ فی جامعیّة العمل للأجزاء والشّرائط فإنّ الجمیع متحقق إنّما الشّکّ فی بقاء التّلبس وعدمه فلا مانع من استصحابه بخلاف الثّانی لأنّ الشّکّ فی التّلبس وعدمه ناش من الشّکّ فی الإتیان بما یعتبر فی العمل جزءا أو شرطا فاستصحاب التّلبس غیر نافع بعد عدم إمکان نفی الجزئیّة أو الشّرطیّة وعدم إحراز کون العمل جامعا للأجزاء والشّرائط ولکن لقائل أن یقول بإمکان نفی الشّرطیّة باستصحاب الصّحة لکن بتقریر آخر بأن یقال إذا دخل فی العمل علی وجه الصّحة یقینا ثم فقد المشکوک الشّرطیّة أمکن أن یقال إنّ الأجزاء السّابقة قد کانت قبل فقد المشکوک متصفا بصفة وهی أنّها لو اتصلت بها الأجزاء اللاحقة لحصل المرکب وسقط الأمر وبعد فقده یشکّ فی بقاء هذه الصّفة لها فتستصحب لها هذه الحالة وبعبارة أخری یجعل حال وجود الأمر المشکوک ظرفا لثبوت الحکم لا قیدا للمحکوم به حتی یقدح الشّکّ فیه فی الاستصحاب بأن یقال قد کانت الأجزاء السّابقة بحیث لو ضم إلیها الأجزاء الباقیة حال وجود ذلک المشکوک لکان العمل مجزیا فإذا فقد ذلک الشّیء لم ینفع الاستصحاب فی شیء ولکن ذلک الکلام لا یجری فی الجزء المشکوک کما لا یخفی فتأمل الرّابعة الاستصحاب العرضی لیس بحجّة والمراد به کون الحکم المتیقن السّابق ثابتا من جهة غیر الجهة المشکوکة البقاء کالحیوان المشکوک کونه نجس العین فإنّ نجاسته حال ولادته متیقنة لتلطّخه بالدم فإذا زال العین بمطهر أو مطلقا شک فی بقاء النّجاسة لاحتمال کونه نجس العین ولا یجوز استصحاب النّجاسة لأنّ العرضیّة قد زالت والذّاتیّة غیر ثابتة فی السّابق والجهتان هنا تقییدیتان یختلف بهما الموضوع وأمّا مع اتحاد الحکم وتعدد الجهة التّعلیلیّة فلیس الاستصحاب فیه عرضیا نعم قد لا یجری من جهة أخری کما إذا کان الجهة السّابقة علة للحدوث والبقاء معا فإنّه مع العلم بزوالها لا یمکن استصحاب الحکم إلاّ مع فرض احتمال قیام علة أخری مقام العلة الزّائلة ولکن أصالة عدم تلک العلة حینئذ واردة علی استصحاب المعلول إلاّ إذا فرض کون ترتب ذلک المعلول علی عدم علته عقلیّا أو عادیا فلا ینفع أصالة عدم العلة فی ترتیب عدم المعلول شرعا وحینئذ فیبقی الشّکّ فی بقاء المعلول فیمکن استصحابه ومما ذکرنا علم عدم جریان استصحاب الوجوب العینی لتقلید شخص کان المجتهد منحصرا فیه ثم وجد مجتهد آخر مفضول بالنّسبة إلی الأوّل فیقال مقتضی الاستصحاب المذکور وجوب تقلید الأعلم وذلک لأنّ علة العینیّة هی الانحصار وقد زالت والجهة الأخری أعنی الأعلمیّة غیر معلوم العلیّة ابتداء وکذا فی صورة تساوی المجتهدین ثم عروض الأعلمیّة لأحدهما لا یمکن استصحاب التّخییر وبه یدفع وجوب تقلید الأعلم لأنّ علته التّساوی وقد زالت فافهم وکذا لا یمکن استصحاب النّجاسة فی الجاری الّذی تغیر لونه مع الشّکّ فی تغیر طعمه إذا زال تغیر لونه مع الشّکّ فی بقاء نجاسته لاحتمال بقاء تغیر طعمه وذلک لأنّ الأصل عدم تغیر طعمه ابتداء والمفروض زوال تغیر لونه فلا یکون ماء متغیرا فیکون طاهرا شرعا وهذا الأصل

ص: 454

مقدم علی الاستصحاب وارد علیه الخامسة قد عرفت أنّ الاستصحاب لیس حجّة عند سرایة الشّکّ إلی الیقین السّابق وأمّا حکم المسألة فقد یقع الکلام فیه تارة من حیث العمل السّابق وتارة من حیث الأعمال اللاحقة ومتعلق الیقین قد یکون حکما وقد یکون موضوعا ولیعلم أنّه لا إشکال فی صحة الأعمال السّابقة الّتی موضوع الصّحة فیها الاعتقاد واقعا نعم لو کان الموضوع الاعتقاد المستمر وجب الحکم بالبطلان وأمّا لو کان الموضوع هو الواقع أو الواقع المعتقد فمقتضی الأصل الأوّلی عند زوال الاعتقاد الحکم بفساد کل عمل ترتب علی ذلک الاعتقاد سابقا ولاحقا للأصول المتعددة إنّما الکلام فی المخرج عن هذا الأصل فنقول قد یقع الکلام فی الحکم بصحة الأعمال السّابقة وقد یقع فی الحکم بصحة الاعتقاد وموافقته للواقع لیحکم بثبوت المعتقد واقعا حتی بالنّسبة إلی الأعمال اللاحقة أمّا الأوّل فقد یقال إنّ مقتضی أدلّة الشّکّ بعد التّجاوز والفراغ الحکم بصحة ما مضی من الأفعال والحق فیه التّفصیل لأنّ المعتقد إمّا حکم أو موضوع وعلی التّقدیرین إمّا یکون صورة العمل معلوما أو لا والمتیقن من مجاری الشّکّ بعد الفراغ هو الشّبهة الموضوعیّة مع عدم کون صورة العمل معلوما کما إذا لم یعلم أنّه هل قرأ السّورة فی العمل أو لا مع علمه بأن کان معتقدا لقراءتها فی محلها لیدخل فی محل الکلام وإلاّ فهذا العلم غیر شرط فی جریان القاعدة فحینئذ لا یعتنی بهذا الشّکّ بعد التّجاوز لأنّه حین الفعل أذکر وأمّا مع علمه بأنّه ترک السّورة معتقدا عدم وجوبها ثم شک فی الوجوب فلا مجری لأدلة الشّکّ بعد الفراغ وکذا فی الشّبهة الموضوعیّة مع العلم بصورة العمل کما لو علم أنّه لم یحرک الخاتم حال الغسل ثم شک أنّه هل تخلله الماء بنفسه أو لا وقد یدعی شمول العمومات لجمیع أقسام الشّبهة الموضوعیّة ولا یخصصها التّعلیل بالأذکریّة فی بعض الأخبار وأمّا الشّبهة الحکمیّة فلا وکذا الکلام لو تمسک بقاعدة حمل فعل المسلم علی الصّحة بناء علی جریانها فی أعمال نفس الحامل وأمّا الثّانی فقد یقال بأنّ مقتضی أصالة الصّحة فی أفعال المسلمین هو الحکم بصحّة الاعتقاد أیضا لأنّه عمل القلب ویلزمه الحکم بثبوت المعتقد فی الواقع لأنّه معنی صحة الاعتقاد مع إمکان الحکم بثبوته من جهة الحکم بصحة الأعمال السّابقة المبتنیة علی وجود ذلک المعتقد فإنّ الحکم بصحتها مع عدم ثبوت المعتقد الّذی هو شرط للصّحّة غیر ممکن ومن هنا ادعی الشّهرة بل نفی الخلاف علی عدم وجوب تجدید النّظر علی المجتهد إذ لیس له مبنی إلاّ الحکم بصحة الاعتقاد السّابق وثبوت المعتقد مع زوال الاعتقاد فی الزّمان الثّانی لنسیان المدرک والشّکّ فی صحته وقد یجری أصالة الصّحة فی الاستناد إلی المدرک وذلک مخصوص بصورة نسیان المدرک بخلاف أصالة الصّحة فی الاعتقاد فإنّها جاریة حتی مع القطع بفساد المدرک والتّحقیق أن یقال إنّ قاعدة الحمل علی الصّحة لا تنفع فی تصحیح الاعتقاد الّذی فرضنا کونه طریقا إلی إثبات المعتقد لأنّ الحکم بثبوت المعتقد دائر مدار وجوده فمتی زال الاعتقاد کیف یحکم بثبوت المعتقد من غیر طریق ولا فرق فی ذلک بین العلم والظّنّ المطلق نعم لو

ص: 455

کان المدرک هو الدّلیل التّعبدی ونسیه فی الزّمان الثّانی ثم شک فی صحة الاستنباط منه والرّکون إلیه أمکن التّمسک بالقاعدة وأمّا مع تذکره والشّکّ فی اعتباره فلا تنفع فیه القاعدة أیضا کما عرفت وأمّا الحکم بثبوت المعتقد من جهة الملازمة مع صحة العمل فباطل جدا لأنّ الحکم بصحّة العمل من حیث وقوعه من المسلم أو مضی محله حکم ظاهری وما یلزمه ثبوت المعتقد هو الصّحة الواقعیّة وهی غیر معلومة حتی یترتب علیها ثبوته وتوافق الحکم الظّاهری مع الواقعی فی کل شیء حتی فی اللّوازم العقلیّة والعادیة ممنوع وأمّا حکمهم بعدم وجوب تجدید النّظر علی المجتهد ففیه تفصیل وذلک لأنّ المجتهد إذا التفت ثانیا إلی المسألة فإمّا أن یتذکر المدرک أو لا وعلی الأوّل فإمّا یقطع بفساده أو یشک فیه والحکم مع القطع بفساد المدرک هو تجدید النّظر بلا إشکال ومع الشّکّ فیه هو محل الکلام فی المقام وقد عرفته نعم لو نسی المدرک أو ذکره واحتمل أنّه لو جدد النّظر فیه لحصل له رأی آخر لزیادة القوة فی الاستنباط فهذا هو الّذی یظهر منهم القول بعدم اللّزوم لا لأصالة الصّحة بل للزوم العسر والحرج لعدم وقوعه علی حد مخصوص لأنّه فی ازدیاد القوة کل یوم مع عدم الدّلیل علی وجوب الاجتهاد فی کل مسألة أکثر من مرة لمحض ازدیاد القوة فتأمل هذا آخر ما تیسر من تحریر ما أفاده الأستاذ العماد والعلم السّناد شیخ الإسلام وفقیه أهل البیت علیهم السلام العالم الرّبانی المولی محمد حسین الأردکانی أعلی الله مقامه فی غرف الجنان وأنزل علیه سحائب الغفران الأحقر العبد الجانی الفانی محمد حسین بن محمد علی الحسینی الشّهرستانی عفا الله عنهما ووقع الفراغ من هذه النّسخة فی یوم الخمیس ثالث عشر من رجب المرجب سنة ألف وثلاثمائة وثمان من الهجرة الشّریفة والحمد لله.

ص: 456

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.