الحاشیة علی مدارک الأحکام

هوية الکتاب

المؤلف: محمّد باقر الوحید البهبهانی

المحقق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم

الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم

المطبعة: ستاره

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاریخ النشر : 1419 ه-.ق

ISBN (ردمک): 964-319-169-9

ص: 1

المجلد 1

اشارة

 المکتبة الإسلامیة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

وبه نستعین

الحمد لله رب العالمین ، وصلی الله علی محمّد وآله الطاهرین.

اللهمّ وفّقنی لما تحب وترضی ، واهدنی الطریقة المثلی ، وأیّدنی ، وسدّدنی ، وأعنّی علی إتمامه ، وانفعنی وإخوانی المؤمنین منه من بدوه إلی ختامه ، بمحمّد وآله ، صلواتک علیه وعلیهم.

قوله : واعلم أن المعروف. ( 1 : 9 ).

بل نقل جمع من الفقهاء الإجماع ، مثل العلاّمة فی التذکرة (1) ، والمحقق الشیخ علی (2) ، والشهید الثانی (3).

ویدل علیه - مضافا إلی ما ذکره - أصالة عدم التکلیف ، واستصحاب الحالة السابقة ، والإجماع المنقول ، علی القول بحجیة مثله ، کما هو المشهور والمحقق فی الأصول.

الوضوء واجب

الوضوء واجب غیری

ص: 5


1- التذکرة 1 : 148.
2- نقله عنه فی الذخیرة : 2.
3- روض الجنان : 51.

بل لا یبعد کونه واقعا ، بملاحظة أن المعهود من فقهاء الشیعة ( بل وغیرهم أیضا ) (1) ، فی کل عصر ومصر ، عدم الالتزام والإلزام برفع الحدث الأصغر عند ظن الوفاة ، وعدم أمرهم بالوضوء للمقاربین للاحتضار من المرضی مع المکنة ، والتیمم مع عدمها ، أو أن یوضّأ المحتضرون ، أو ییمّموا. وکذا المشرفون علی الغرق أو القتل أو الحرق وأمثال ذلک. وهذه طریقتهم المستمرة المعروفة بحیث لا یشوبها شائبة ریبة.

مضافا إلی عدم إشارة أحد منهم فی مبحث الاحتضار إلی وضوء أو تیمم للوفاة ، مع ذکرهم لمثل الوصیة ، وذکر الله تعالی ، وحسن الظن ، والتلقین ، وغیر ذلک من آداب أخر.

مع أن رفع الحدث لو کان واجبا لکان ذکره أهم ، سیما مع کثرة الحدث المقتضیة للاهتمام التامّ والمبالغة فی الملاحظة.

بل لم نجد فی الأخبار أیضا إشارة ، مع غایة اهتمامهم بالمستحبّات والآداب ، فضلا عن الواجبات.

وأیضا : لم نجد فی الأخبار ولا کلام أحد من الفقهاء فی مقام ذکر الواجبات ، مثل الصلاة والزکاة وأمثالهما ، ذکرا للوضوء ، بل والغسل أیضا ، فضلا عن التیمم ، بل ادّعی الإجماع علی عدم وجوبه بالخصوص أیضا ، کما سیجی ء ، فهو مؤیّد لعدم وجوب الوضوء أیضا ، لحکایة عموم البدلیّة ، کما سیجی ء (2).

وأیضا : لم نجد إشارة إلی مظنّة الوفاة واعتبارها. وفهمها من مجرّد الأوامر بالوضوء ممّا لا یکاد یتفطّن به الحذّاق الماهرون فضلا عن العوام ، بل

ص: 6


1- ما بین القوسین لیس فی « ه ».
2- یأتی فی ص 17.

سنذکر بطلان الفهم ، فافهم.

قوله : فإنّه مجاز مستفیض. ( 1 : 9 )

فیه : أنّه علی هذا یکون أمره تعالی بالوضوء لأجل خصوص القیام ، دون مثل الرکوع والسجود من أجزاء الصلاة.

إلاّ أن یقول : المراد بالقیام نفس الصلاة.

وفیه : أنّه کیف یصیر المراد من لفظ القیام تارة إرادته مجازا ، إطلاقا لاسم المسبّب علی السبب ، وتارة نفس الصلاة ، إطلاقا لاسم الجزء علی الکلّ؟! علی تقدیر تسلیم کون المجموع مرکّبا حسّیّا وینتفی بانتفاء القیام ( عرفا ) (1) أیضا ، فتدبّر.

وأیضا : لا بدّ حینئذ من عنایة لإدخال صلاة غیر القائم.

وأیضا : یلزم أن یکون قوله تعالی ( إِلَی الصَّلاةِ ) (2) لغوا ، بل لا یتصوّر له حینئذ معنی.

مع أنّ کلامه غیر متلائم ، إذ یظهر من قوله : إطلاقا لاسم المسبّب علی السبب ، أنّ المجاز مرسل ، ومن قوله : بل المراد. ، أنّ المجاز بالحذف ، فتدبّر.

مع أنّه کیف یکون المراد حینئذ : إذا أردتم القیام إلی الصلاة ، کما ذکره؟! بل یکون المراد : إذا أردتم الصلاة ، وأردتم القیام ، معا من العبارة الواحدة.

علی أنّ ما ذکره إنّما یکون إذا کان قوله تعالی هکذا : إذا قمتم فی الصلاة ، أو : إذا قمتم للصلاة ، علی تأمّل فی الأخیر أیضا ، ومعلوم أنّه فرق

بیان المراد من القیام فی قوله تعالی : ( إذا قمتم ... )

ص: 7


1- ما بین القوسین أثبتناه من « و ».
2- سورة المائدة : 6.

بین القیام فی الشی ء ، والقیام إلی الشی ء ، والقیام للشی ء ، فتدبّر.

قوله : والمشروط عدم. ( 1 : 10 ).

هذا مضافا إلی ظهور معنی التجدّد والحدوث فی لفظ « وجب » ، لترتّبه علی المشروط بکلمة « إذا » ، فتدبر.

قوله : ویتوجه علی الأول. ( 1 : 10 ).

فیه : أنّ هذا الإیراد مبنی علی الاشتباه بین القیام إلی الشی ء ، والقیام فی الشی ء ، کما مر ، وغیر خفیّ أنّه لا یقام إلی الشی ء عادة وعرفا إلاّ بعد التمکّن منه من دخول وقت وغیره ، ولا تطلق هذه العبارة إلاّ فی مثل هذه الحالة. مضافا إلی أنّه أقرب إلی الحقیقة.

سلّمنا أنّ المراد من القیام إلی الصلاة القیام فی الصلاة ، ویراد به الإرادة ، لکن نقول : المراد أقرب المجازات ، وهی إرادة متی تحقّقت فکأنّه تحقّق نفس القیام. بل نقول : مجاز المشارفة أولی وأقرب ممّا ذکرت ، والوجوب فی أول الوقت - وإن لم یتحقّق الشرط - یثبت بدلیل آخر ، ولا یضرّ ، کما أنّ الأدلّة الشرعیّة الفقهیّة غالبا أخصّ من المدّعی ، وهو یثبت من أزید من واحد.

علی أنّ اشتراط وجوب الوضوء للصلاة مدّعی - وهو المطلوب فی المقام - ووجوبه بعد دخول الوقت مدعی آخر ، والأوّل ثبت ، ولا یتضرّر دلیلنا هذا بالآخر إلاّ علی القول بعموم مفهوم الشرط ، وهو ممنوع عند الشارح - رحمه الله - وغیر واحد من المحققین.

ولو سلّم فمعلوم أنّ الأمر بالوضوء إنما هو بعد الأمر بالصلاة ، فکأنّه

ص: 8

تعالی قال : أقم الصلاة من الزوال إلی الغروب ، ثمّ قال : إذا قمتم إلی الصلاة فتوضؤوا. فظهر من الأخیر أنّ الوضوء یجب للصلاة ، ومن الأول أنّها فی جمیع الوقت واجبة ، فظهر من المجموع أنّ الوضوء فی جمیع الوقت واجب للصلاة.

والحاصل أنّه تعالی قال : القیام واجب موسّع ، ویجب له الوضوء إذا فعل ، فیلزم کون الوضوء واجبا لغیره بوجوب موسّع ، فمعنی المفهوم : إذا لم تقوموا من حیث إنّه لم یجب لم یجب علیکم کذا وکذا ، لا أنّه مع وجوب القیام أیضا لم یجب الوضوء إذا لم یفعل القیام.

علی أنّ الوضوء واجب للقیام ، فتأمّل.

علی أنّ العموم مخصّص بدلیل آخر ، ولا یلزم منه رفع الید عن حجّیّة نفس المفهوم ، فإنّ العامّ المخصص حجة فی الباقی ، وعموم المفهوم أضعف من نفسه.

علی أنّ « إذا » من أدوات الإهمال ، فلا عموم فی الآیة یقتضی وجوب الوضوء عند إرادة القیام مهما تحققت حتّی یرد أنّ الإرادة تتحقق قبل الوقت وبعده ، والإهمال لا یضرّ المستدلّ ، لأنّ الفرض کون الوجوب للغیر لا غیر ، فتدبّر.

سلّمنا ، لکن کلمة « إذا » من أدوات الإهمال کما قلنا ، ومسلّم عند الشارح - رحمه الله - أیضا ، فلا عموم بحسب اللفظ ، وأمّا بحسب القرینة والفهم العرفی فإنّما هو من حیث عدم رجحان وقت علی وقت ، فتأمّل.

سلمنا ، لکن خرج ما خرج بالوفاة ، إذ لم یقل أحد بالوجوب للغیر قبل الوقت أیضا. مع أنّ الشارح یدّعی القطع بانتفاء وجوب الشرط قبل وجوب (1) المشروط ، کما سیجی ء ، وهو یکفی للتخصیص وعدم الضرر فی إطلاق

ص: 9


1- فی « ا » : وجود.

الحکم وتعمیم اللفظ.

واعترض أیضا بأنّ حجیة المفهوم فیما إذا لم یکن للشرط فائدة سوی تخصیص الحکم بالشرط ، فلعلّها هاهنا بیان أنّه واجب للصلاة وإن کان واجبا لنفسه ، فیکون الغرض نفی الوجوب العارض (1).

ولا یخفی فساده أیضا ، لأنّ هذا الاحتمال یتمشّی فی جمیع المفاهیم ، فیقتضی عدم الحجّیّة إلاّ أن یظهر انتفاؤه ، وهو بعینه قول منکری الحجّیّة ، إذ لا نزاع فی أنّ الفائدة تخصیص الحکم إذا لم تکن فائدة أخری ، بل لا یتصور النزاع ، إنّما النزاع فی أنّ الفائدة هل هی التخصیص إلاّ أن یظهر خلافه أم هو من المحتملات؟ ولا نجد فرقا بین ما نحن فیه وبین قوله : إن جاءک زید فأکرمه ، وإن جاءکم فاسق بنبإ. ، وغیر ذلک.

والحل (2) أنّ المستفاد من ظاهر العبارة أنّ الإکرام المطلق معلّق علی المجی ء ، واستفادة کونه لأجله غیر مانع.

وأیضا : فرق بین وجوب شی ء لأجل شی ء ، ووجوب شی ء بشرط تحقّق شی ء ، وإن کان الثانی یستفاد منه الأول أیضا ، لکن لیس هو هو ، فکیف یجعل الأول فقط مفاد الثانی من دون زیادة مدلول مطلقا؟! فتدبّر.

قوله : وإلاّ لما کان الوضوء. ( 1 : 10 ).

فیه أنّ وجوبه لیس لأجل الإرادة حتی یلزم عدم اعتبار المقارنة ، إذ لو لم یرد یکون علیه واجبا أیضا من دون تفاوت ، مضافا إلی ما مر من الجواب عنه مفصّلا.

ص: 10


1- کذا فی نسخ الحاشیة ، لکن فی ذخیرة المعاد للمحقّق السبزواری : 2 فیکون الغرض متعلّقا بالوجوب العارض ، وهو الأنسب.
2- فی « ب » و « ج » و « د » : والحقّ.

قوله : وعلی الثانی. ( 1 : 10 ).

الواو لیست حقیقة فی المعیّة ، فمقتضاها مشارکة الطهور للصلاة فی الحکم الشرعی (1) ، بل تعلّق أولا بالطهور ، فالصلاة تابعة له فیه.

علی أنّ المقرر عند أهل العربیة أنّ العطف فی قوة تکریر العامل ، وأنّه لاختصار العبارة ، بل المعطوف عندهم فی حکم المعطوف علیه.

مع أنّه یلزم علی ما ذکره عدم الدلالة علی اشتراط الوقت للصلاة أیضا ، وفیه ما فیه.

وإرجاعه لخصوص الصلاة - مع مخالفته لما ذکره - مستلزم للفصل بالأجنبی فی هذا الحکم. مضافا إلی استلزام الاستدراک فیه. وجعل الفائدة بالنسبة إلی ما هو خارج عن الحکم الذی لیس مفاد العبارة إلاّ هو ، فیه ما فیه.

وربما یقال : المنفی بالنسبة إلی الطهور أهمیة الوجوب ، وإلی الصلاة نفسه ، وفیه ما فیه.

أو : الوجوب للغیر خاصّة فیه ، ومطلقا فیها ، ولا یخفی بعده ، مع عدم قائل به ، کما یظهر من کلام القائل بالوجوب لنفسه.

ومما ذکر ظهر الفساد علی تقدیر حمل کلام الشارح علی الاستغراق الأفرادی أیضا (2). مضافا إلی بعده.

قوله : وحکی الشهید. ( 1 : 10 ).

ربما قیل بأنّ القول لیس من علماء الشیعة ، للإجماعات المنقولة (3) ، بل نقل الشهید أیضا الإجماع فی غیر الذکری (4) ، مع أنّه سیجی ء فی

القول بوجوب الطهارات بحصول أسبابها والمناقشة فیه.

ص: 11


1- فی « ب » و « و » : الشرطی.
2- انظر ذخیرة المعاد : 2.
3- راجع ص 6.
4- انظر القواعد والفوائد 2 : 63.

مبحث التیمم نقل الإجماع فیه بخصوصه (1).

ولا یخفی أنّ مقتضی مذهبه أنّ کلّ واحد واحد من الطهارات عقیب کلّ حدث یکون واجبا ، وأنّ المکلّف لو لم یتطهر من أوّل عمره إلی آخره لم یکن تارکا لواجب أصلا بالنسبة إلی الوجوب النفسی إلاّ فی صورة نادرة وهی حصول ظنّ الموت والتمکّن ، فمع الترک فی هذه النادرة علیه عقاب واحد ، ومع الفعل لا عقاب أصلا.

ولو تطهر عقیب کل حدث حدث فبنیّة الوجوب ، لوجوبه علیه ، فیتأتّی واجبات لا تعد ولا تحصی ، کل واحد واحد منها واجب ، ولیس علی ترک واحد منها عقاب أصلا ، ومع ترک الجمیع یکون تارکا لواجب واحد فی صورة واحدة نادرة ، ومع الفعل فیها خاصة لا یکون تارکا أصلا ، کما قلنا.

وأما الوجوب للصلاة فربما یظهر من عبارته الوجوب الشرطی لا الشرعی ، إلاّ أن یکون قائلا بوجوب مقدمة الواجب مطلقا ، أو الشرط الشرعی ، فیجتمع وجوبان : نفسی وللغیر ، ویتأدی أحدهما بالآخر ، ویتضیق الأخیر خاصة بتضیق وقت العبادة.

ولا یخفی أنّ هذا المذهب - مع ما فیه من الفساد ، من أنّ الواجب ما یکون علی ترک نفسه العقاب فی الجملة لا علی ترک نظیره ، ومع ما فیه من القیود وتعدد طریق الوجوب فیها ، وتأدی أحدهما بالآخر ، وغیر ذلک - جعله نفس مدلول الأخبار والظاهر منها فیه ما فیه. سیما مع ما فیها من الإیجابات ، وبلوغها غایة الکثرة.

وجعل تلک الإیجابات الکثیرة بالنسبة إلی کل واحد واحد من الأحداث من أول العمر إلی آخره ، بالنسبة إلی کل واحد واحد من

ص: 12


1- انظر المدارک 2 : 208 و 209.

المکلفین ، بالنسبة إلی أحد الوجوبین خاصة ، وإلی تضیق العبادة بالنسبة إلی الآخر.

وجعل البناء علی أنّ جمیع هذه الإیجابات التی لا عدّ لها ولا حصر من جهة إثم واحد بترک تکلیف واحد فی آخر العمر ، علی فرض نادر غایة الندرة وهو ظنّ الموت حال التمکن من الفعل من دون إشارة إلی نفس الظنّ ولا إلی اعتباره فی خبر من هذه الأخبار ولا غیرها مما أشرنا إلیه ، بل وظهور الأخبار وغیرها فی خلاف ذلک ، کما عرفت. مع أنّ هذه الاخبار متطابقة علی الایجابات علی الإطلاق.

وأمّا بالنسبة إلی الوجوب الآخر فلا یکون أیضا علی الترک عقاب إلاّ عند تضیّقات علی ترک کل واحد واحد عقاب لترک مشروط. هذا مع تأدّی أحدهما بالآخر. لعله لا یخفی فساده. فتأمّل.

وبالجملة : إذا توضّأ محدث للنوم ، أو وطء الحامل ، أو جاریة بعد أخری ، أو مع عزمه علی إحداث حدث بعده قبل أن یصلّی وقبل مظنّة الموت ، أو جزمه بوقوع الحدث بعد وضوئه قبل الصلاة ومظنّة الموت ، أو ظنّه بوقوع الحدث کذلک ، أو شکّه ، فجمیع هذه الوضوءات لا عقاب علی ترکه أصلا وبوجه من الوجوه عند القائل ، مع حکمه بوجوبه وأنّه یفعل بقصد الوجوب ، عجیب.

مع أنّه کیف یمکن لعاقل أن یقصد وجوب فعل معیّن مشخّص مع جزمه بأنّه لا عقاب أصلا ورأسا علی ترک هذا الفعل ، وأنّه لو ترکه لا یکون مؤاخذا بوجه من الوجوه؟!

قوله : ویشهد له إطلاق الآیة. ( 1 : 10 ).

ظاهر الآیة هو الوجوب للغیر ، فکیف ینفع إطلاقه له ، لأنّ الأمر فیها

ص: 13

وإن لم یقیّد بوقت ، إلاّ انّه مقید بإرادة الصلاة ومشروط بها ، وهو فی فساد الوجوب النفسی أظهر ، فیکون المراد من المطلق هو الوجوب (1) المشروط لا المطلق.

وأیضا : ذلک الإطلاق نشأ من أنّ الإرادة تتحقق قبل الوقت وبعده ، وهو فرع التعلیق علی الإرادة ومبتن علیه ، فکیف یمکن التمسک بالفرع علی فساد الأصل ، وبالمبتنی علی بطلان المبتنی علیه؟!.

وأیضا : عدم الوجوب قبل الوقت مطلب للمشهور ، وکون الوجوب للغیر مطلب آخر ، وما نحن فیه هو الثانی ، والإطلاق لو سلّم رجوعه إلی العموم یضر الأول.

والقائل بالوجوب النفسی لم یقل إلاّ أنّ الوضوء واجب بحصول السبب ، ولازم ذلک جواز وجوب الوضوء الذی لأجل حصول السبب قبل الوقت ، لا وجوبه الذی لأجل إرادة الصلاة.

فالآیة تدلّ علی نفس مذهب المشهور المطلوب فی المقام ، ولا دلالة لها علی نفس مذهب القائل ولا علی لازمه ، فکیف یستدلّ بها علی إثبات مذهبه وإبطال مذهبهم؟!.

وأیضا : کما أنّها مطلقة بالنسبة إلی الوقت فکذا بالنسبة إلی حصول السبب.

فإن قلت : لم یقل أحد بهذا الإطلاق.

قلت : لم یقل أحد بالإطلاق الذی ذکرت.

مع أنّ المقامین ناقشوا فیهما : أمّا الأول فسیجی ء فی بحث وجوب الوضوء مع الأحداث وغیره ، وأمّا الثانی ففی وجوب الغسل للصوم.

ص: 14


1- فی « ج » و « د » و « ب » : الواجب.

مع أنّ الفرد الغالب هو الإرادة بعد دخول الوقت ، وأما توطین النفس فعلی القول بالوجوب فمن حین اختیار الإسلام ، وحمل الآیة علیه فیه ما فیه ، فیمنع رجوع الإطلاق إلی العموم.

مع أنّ دلالة الآیة علی أنّ المأمور به هو لأجل الصلاة واضحة.

وعندک (1) أنه لا معنی لوجوب الشرط ولمّا یجب المشروط ، فتدل علی عدم الوجوب قبل الوقت بالالتزام. ولئن تنزلنا نمنع الرجوع إلی العموم ، لمکان احتماله أیضا.

هذا مضافا إلی ما مر فی الحاشیة السابقة بأسرها.

قوله : وکثیر من الأخبار. ( 1 : 10 ).

لا یخفی أنّ الإطلاق ینصرف إلی الافراد الشائعة ، کما سیصرح الشارح مرارا ، والأفراد الشائعة للوضوء المترتب علی الأحداث لا عقاب علی ترکها بالنسبة إلی الوجوب النفسی عند القائل به ، ولیس فیها إلاّ مجرد ترتب الثواب علی الفعل ، وهذا بعینه هو الاستحباب ( النفسی ) (2) الذی یقول به المشهور.

وأمّا العقاب فلیس إلاّ علی ترک النادر ، وهو ما إذا حصل ظنّ الموت مع التمکن من الوضوء وعدم الظن بحصول حدث بعد الوضوء قبل خروج الروح.

فقضیّة لزوم صرف الإطلاق إلی غیر النادر تقتضی حمل الوجوب فی الإطلاقات الکثیرة إمّا علی الاستحباب النفسی أو الوجوب الغیری ، فلا بدّ من أن یرفع الید عن الوجوب أو عن کونه نفسیا ، ولا یجتمعان معا.

ص: 15


1- فی « و » : وعندی.
2- لیس فی « ج » و « د ».

فإن قیل : ما ذکر وارد علی الوجوب الغیری أیضا بعد دخول الوقت ، قلنا : سیجی ء الکلام فیه فی بحث وجوب الغسل للصوم.

ثم نقول - مع قطع النظر عما ذکرنا - : إنّا نمنع تبادر الوجوب لنفسه بالنسبة إلی الأمور التی وجوبها للغیر وشرطیتها له معروفة شائعة حاضرة عند الأذهان ، بل نقول : المطلقات فی مثلها تنصرف إلیه ، کما هو الحال فی مثل الأمر بغسل الثیاب والبدن والظروف وغیرها.

وهذه الأخبار صادرة بعد مدة مدیدة من ظهور الشرع وأحکامه وتأسیسها وانتشارها ، لعموم البلوی وشدة الحاجة. حتی أنّ جمیع آحاد المکلفین الکثیرین غایة الکثرة - بل وغیرهم أیضا - فی کل یوم یحتاجون إلیه غالبا مرات متعددة للصلاة وغیرها أیضا.

هذا کله مع طول المدة ، وکون الاشتراط للصلاة من ضروریات الدین ، بل وأظهر الضروریات. والرواة کانوا یسألون عن إحداث خاصة وقع فی المسلمین شبهة فیها ، وما کانوا یسألون عن کل شی ء ، فأجیبوا بأنّه إذا وقع فتوضأ ، أو أنّه إذا وصل إلی هذا الحد ، أو أنّه لا ینقض إلاّ کذا وکذا.

فظهر من الروایات أنهم کانوا عارفین وما کانوا جاهلین قطعا (1) ، إلاّ أنّه إذا وقع شبهة خاصة سألوا عن حالها. وکذا حالهم فی سائر الأحکام الفقهیة ، کما لا یخفی علی من تتبع الأخبار وتأمل.

وبالتأمّل یظهر أنّه لیس مدّ نظرهم وجوب الوضوء لنفسه أو لغیره ، فحمل الإطلاق علی أزید مما یرفع شبهتهم وصرفه إلی العموم - مع أنه لیس موضوعا له - محل نظر.

علی أنّ الإطلاق إنما یرجع إلی العموم حیث یکون الحمل علی

ص: 16


1- فی « ه » : مطلقا.

بعض دون بعض ترجیحا من غیر مرجّح ، مع کون المقام مقام إفادة حکم تلک الأفراد ، فبعد التسلیم الرجحان ظاهر ، کما عرفت وستعرف.

ومما ینبّه علی ذلک حال زماننا وما تقدّمه إلی زمان الصادق (1) علیه السلام أیضا بالنسبة إلی المستفتین عن الأمور المذکورة ، بل والمفتین أیضا ، إذ نحن فی مقام الجواب لا یخطر ببالنا سوی ما أشرنا ، مع أننا سمعنا القول بالوجوب النفسی ، واشتهر عندنا الخلاف فیه ، بل السائلون أیضا کثیر منهم سمعوا ، ومع ذلک لا یخطر ببالنا وبالهم فی مقام الجواب والسؤال وغیر ذلک من مقامات المحاورات عند الإطلاقات سوی ذلک.

ومما یؤید ، أنهم علیهم السلام فی کثیر من المواضع ذکروا أنّ أمر کذا ناقض من غیر تعرّض لوجوب الوضوء ، وربما یحتمل فی الظن أن الأمر بالوضوء إنما هو کنایة عن الناقضیة ، فتأمّل فی الأخبار.

ومما یؤید أنّهم ربما تعرضوا لذکر الصلاة فی السؤال والجواب بأن قالوا : « ولیتوضأ لما یستقبل » (2) ، یعنی : الصلاة الآتیة ، أو قالوا : « لیتوضأ لصلاة کذا » أو : « یتوضأ » أو : « یصلی » ، إلی غیر ذلک ، فتتبع وتأمل.

وأمّا صحیحة عبد الرحمن ونظائرها فمحمولة علی الاستحباب قطعا ، للإجماع والأخبار علی جواز النوم. مع أنه لو حمل علی الوجوب یلزم الفور أو الوجوب للنوم ، وفیه ما فیه.

بل یمکن أن یقال بمثل ذلک فی باقی ما أورده من الأخبار ، لمکان الفاء ، بناء علی إفادتها الفوریّة ، وعدم تسلیم ما ذکرنا سابقا ، إذ الظاهر حینئذ لیس باقیا علی حاله ، والحاجة إلی الحمل تمنع عن الاحتجاج. إلاّ

ص: 17


1- فی « و » : المعصوم.
2- الوسائل 1 : 317 أبواب أحکام الخلوة ب 10 ح 1.

أن یثبت أقربیة نافعة له ، وفیه إشکال.

وبعد اللتیا والتی ، حمل هذه الأخبار علی ما ذکرنا أولی مما ارتکبه فی حجة المشهور قطعا ، سیما مع المرجحات لها والمبعدات لما ذکر ، لو لم نقل بکون الأول حجة مستقلة ، والثانی مانعا معلوما.

ووردت فی الخبر فی الجنب التی حاضت فی المغتسل : « لا تغتسل ، قد جاءها ما یفسد الصلاة » (1).

وفی غیر واحد من أخبار الاستحاضة : أنها تغتسل لکل صلاتین وتتوضأ لکل صلاة (2) ، وغیر ذلک.

وفی بحث التیمم : « إذا وجد الماء ( فلا قضاء علیه ) (3) ولیتوضأ لما یستقبل » (4).

مع أنّ وجوب الغسل لنفسه أشد إشکالا ، بملاحظة ما ذکرنا ، من أنّ وجوبه حینئذ لا یتضیق إلاّ بظن الموت مع التمکن منه ، إذ مع الظن لا یتمکن منه عادة ، ومع عدم الظن لا عقاب علی الترک قطعا.

وحکایة تضیّقه بتضیّق وقت العبادة قد عرفت حالها ، فتأمّل.

ولا یخفی أنّ النزاع إنما هو فی الوجوب لنفسه ، أما الرجحان لنفسه فوفاقی منصوص علیه فی کلام الفقهاء ، وظاهر من کلام الشارح - رحمه الله - أیضا.

ص: 18


1- الکافی 3 : 83 / 1 ، التهذیب 1 : 370 / 1128 ، وفی 395 / 1224 ، الوسائل 2 : 314 أبواب الحیض ب 22 ح 1 ، بتفاوت یسیر.
2- الوسائل 2 : 371 أبواب الاستحاضة ب 1.
3- بدل ما بین القوسین فی « ب » و « ج » و « د » و « و » : فلا وضوء علیه.
4- الکافی 3 : 63 / 1 ، التهذیب 1 : 192 / 555 ، الاستبصار 1 : 159 / 548 ، وفی 165 / 574 ، الوسائل 3 : 366 أبواب التیمم ب 14 ح 3.

قوله : ویؤیده خلوّ الأخبار. ( 1 : 11 ).

دعوی الخلوّ بأسرها عن تفصیل القوم ، مع ورود صحیحة زرارة وما یؤدی مؤداها ، والتزامه - رحمه الله - عدم الخلوّ عن تفصیل القائل وقیوده ، مع عدم ظهور توسعة منها فضلا عن توسعته ، وغیر ذلک مما عرفت ، فیه ما فیه.

سیما بعد ملاحظة عدم الفرق بحسب الواقع بین الوجوب الموسع الذی یدعیه وما یدعیه القوم من الرجحان النفسی ، فرقا مهما معتدا به فی نظر الشرع ، حتی یجعله مناطا للفعل بعنوان الوجوب وعدمه ، وإلزام المکلف بأحدهما ، مع عدم ظهور تنبیه منه بمحطّ الفرق ومعیاره ، بل وظهور العدم ، کما مر.

وخصوصا بعد ملاحظة طریقته من الأمر الواجب والمستحب معا بصیغة واحدة ، کما ینبه علیه قوله : إن هذا هو السر. ، فبین قولیه لعله تدافع.

مع أنّ ثمرة التفصیل غیر منحصرة فی النیة ، فکان علیه أن ینبه علی موضع الحظر. نعم ربما کان قلة الحاجة صارت منشأ لعدم التنبیه ، فغایة الندرة تصیر منشأ لعدم الاعتداد أولی ، فتأمّل.

قوله : وتدل علیه روایات. ( 1 : 11 ).

الشارح - رحمه الله - ربما یتأمل فی إفادة الجملة الخبریة الوجوب.

ومع ذلک غایة ما یثبت شرطیته للطواف الواجب. إلاّ أن یقال : وجوب الوضوء لأجل الإعادة ظاهر فی الوجوب. ولعل استناده إلی الإجماع فی تتمیم الدلالة.

وقوله : ومتنه مجمل. هاهنا قاعدة سیجی ء ذکرها والکلام فیها.

قوله : مبنی علی القول. ( 1 : 12 ).

وکذا علی القول بأنّ ما لا یتم الواجب إلاّ به واجب مطلقا ، أو إذا کان

وجوب الوضوء للطواف الواجب

وجوب الوضوء لمس القرآن

ص: 19

شرطا شرعیا ، أما القائل بالعدم مطلقا - سوی السبب أو مطلقا - فلعلّ مراده من الوجوب فی شروط الواجبات وأجزائها هو المطلوبیة شرعا ، مع عقاب علی ترکه فی الجملة ، فإن المشروط الخالی عن الشرط لیس مطلوبا ، بل هما مطلوب واحد من قبیل أجزاء الواجب.

ثم المس أعم من أن یکون بالکف أو غیره ، مما تحله الحیاة ومما لا تحله الحیاة ، مثل الظفر والشعر ، احتیاطا إذا صدق علیه اسم المس.

ویجتنب أیضا إذا أتی ببعض الوضوء ، وإن کان بما غسله.

وکذا عن مس أبعاض القرآن فی أیّ موضع کان ، لظهور الشمول.

والصبی لا یحرم علیه. مع احتمال عدم حرمة تمکین الولی ومثل الولی. والأحوط منعهم إیاه عنه ، فتأمّل.

قوله : لأنّ الاستحباب. ( 1 : 13 ).

الحکم شرعی ، وعقلی ، وعادی. والأخیران لا مانع منهما ، بأن یقال : عقلا کذا ، أو عادة کذا ، ولا مانع من متابعتهما ، سیما العقلی. ولذا تری الشارح - رحمه الله - مع حکمه بأن الاحتیاط لیس بدلیل شرعی یأمر به مهما أمکن ، ودیدنه ذلک. وبالجملة : لا مانع من متابعتهما ما لم یدخلهما فی الشرع ، بل أمر بهما ، ونهی عن خلافهما.

وربما قیل بإدخال العقلی فی الشرعی ، بناء علی تطابقهما.

ومنّا من أنکر مع القول بالتطابق.

ولا شک فی اعتبارهما فی موضوع الحکم. نعم لو کان من العبادات فحکمه حکم نفس الحکم.

وهو بعنوان الجزم یتوقف علی دلیل قطعی ، والظن علی الظنیّ ، والاحتمال علی أمارة مورثة له ، مثل الخبر الضعیف متنا أو سندا أو دلالة ، أو تعارض الأدلة ، أو قول الفقهاء - لا إجماعهم - أو فقیه أیضا ، أو حکم العقل

الوضوء المندوب

التسامح فی أدلّة السنن

ص: 20

علی القول الآخر.

فالأول لا شک فی اعتباره ، والثانی من المجتهد إما مطلقا أو إذا کان علیه بخصوصه دلیل شرعی. وأما الثالث فلا مانع له من مجرد القول مطلقا ، وأما العمل فلا مانع منه إذا کان احتیاطا ، ولا شک فی حسنه عقلا ونقلا ، فظهر وجه تسامح القوم فی السنة والمکروه.

مضافا إلی حدیث : « من بلغه شی ء من الثواب علی عمل ، فعمل ذلک التماس الثواب ، أوتیه وإن لم یکن الحدیث علی ما بلغه » (1).

لا یقال : ما ذکر أوّلا یتم فی محتمل الضرر مثل الوجوب والحرمة ، لا ما یفید الاستحباب أو الکراهة ، والحدیث غایة ما یثبت مجرد الثواب لا الاستحباب.

لأنا نقول : الاحتیاط یتحقق عقلا وعرفا فی جانب المنفعة أیضا.

مضافا إلی أنّ ( الْحَسَناتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئاتِ ) .

مع أنّ ثواب الله أعظم من الدرهم والدینار ، ویتحقق فیهما أیضا.

بل من بذل جهده فی جمیع ما هو مطلوب السید ، حتی المحتمل کونه مطلوبه ، فإنه عند العقل والعرف - بل لعله عند الشرع أیضا - لیست مرتبته مساویة لمرتبة المقتصر علی القدر الثابت. وهذا أیضا طریق آخر للمسامحة.

بل من ارتکب مباحا من حیث إنّ السید أباحه ، وانه مباحه ، لعله یصیر حسنا عند السید ، ووسیلة لقربه ، جالبا لمحبته ، فإذا کان ما هو مقطوع عدم رجحانه کذلک فما ظنک بما نحن فیه. وهذا أیضا طریق آخر.

وأیضا ربما یرتکب من حیث إنه نسب إلی السید أنه یحبه ویستحسنه.

ص: 21


1- انظر الوسائل 1 : 80 أبواب مقدمة العبادات ب 18.

وهذا أیضا طریق آخر.

وأما الجواب للحدیث فبأن الطریقة المسلمة المعهودة المقررة أنّهم یحکمون باستحباب الفعل بمجرد أن یرد من الشرع بإزائه ثواب. وذلک إما لأنهم یریدون من المستحب ما یکون بإزائه ثواب ، والثواب الذی فیه یکفی لرجحانه ، أو لأن الثواب عندهم لا یکون إلاّ برجحان فیه ، فلا یکون بغیر رجحان ، لمنافاته الحکمة ، ولزوم الترجیح بلا مرجح ، والمرجح ربما کان وجوها واعتبارات یمکن أن یکون مما أشرنا الیه أو غیره ، مما یمکن أو لا یمکن درکه.

واعترض أیضا أن المراد من العمل هو الراجح شرعا ، وعدم اشتراط صدق الحدیث إنما هو لحکایة الثواب خاصة (1).

وفیه : أنّه تقیید من غیر دلیل.

واعترض أیضا بأن بینه وبین آیة ( إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ ) . (2) تعارضا من وجه ، ویمکن تخصیص کل واحد بالآخر (3).

ویمکن الجواب بأن ظاهر الحدیث أنه تعالی یعطی الثواب بمجرد أن ینسب إلیه أنه یعطی ، کما هو شأن الکریم البالغ فی الکرم ، ولا عنایة له فی صدق النسبة ، بل صریح کلامه عدم اعتبار الصدق ، ومقتضی الآیة العنایة فی صدق النبإ بکونه عن غیر الفاسق ، ویشهد له قوله ( أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ ) (4).

وبالجملة : اشتراط عدم الفسق لا وجه له بعد التصریح بأنه یعطی وإن

ص: 22


1- مشارق الشموس : 34.
2- الحجرات 49 : 6.
3- مشارق الشموس : 34.
4- الحجرات 49 : 6.

کان الحدیث کذبا ولا أصل له مطلقا ، مع أن المستفاد من الآیة کون اشتراط العدالة لأجل عدم الکذب.

سلمنا ، لکن الأظهر تقییدها به ، کما لا یخفی. ولذا فهم الأصحاب کذلک ، ولا یتبادر إلی الذهن إلا ذلک. بل لو لم یسمع هذا الاعتراض لم یلتفت الذهن إلی الاحتمال أبدا.

سلمنا ، لکن بمجرد جواز تخصیص کل بالآخر لا یثبت اشتراط العدالة بالنسبة إلی أدلة السنن ، وهذا القدر یکفی. ولیس دلیل حجیة خبر الواحد هذه الآیة فقط ، بل لعلها لیست دلیلا أصلا. نعم هی دلیل اشتراط العدالة ، وقد عرفت أنه فی الجملة.

ومما ذکر ظهر شمول الحدیث للثواب الصریحی والالتزامی فی المستحب والواجب. نعم الواجب لا یصیر بمجرد الحدیث الضعیف واجبا ، وإن کان ینزل منزلة المستحب. وهذا هو مرادهم من قولهم : لضعف السند یحمل علی الاستحباب.

ومما یؤید الاستحباب (1) ما ورد عنهم : « شهر رمضان فریضة من فرائض الله تعالی ، لا تؤدوه بالتظنی » (2) ، وغیر ذلک.

فإن قلت : الوضوء عبادة ، فیحتمل التشریع.

قلت : بسبب أنه یفعل للاحتیاط لا یتأتی التشریع ، وإلا لینسد بابه جلاّ ، لو لم نقل : کلاّ. بل ربما یتأتی تشریعان أو أکثر لو کان الاحتیاط تشریعا.

ص: 23


1- فی « ب » و « ه » و « و » : الأصحاب.
2- التهذیب 4 : 160 / 451 ، الوسائل 10 : 289 أبواب أحکام شهر رمضان ب 11 ح 10. بتفاوت یسیر.

فإن قلت : منع الشرع من الاعتداد بخبر الفاسق ، والاحتیاط نوع اعتداد به.

قلت : لم یثبت المنع إلی هذا الحد. ولذا لو أخبر فاسق بأن فی الطریق أسدا یقتل ویهلک ، أو قطاع الطریق ، أو أعداء یقتلون وینهبون ، لزم عقلا عدم السفر إلی هذا الطریق مهما أمکن ، بل الشرع أیضا منع.

والأمر بالتبین فی الآیة لیس مجرد تعبد ، بل لعلّة ظاهرة غیر منافیة للاحتیاط ، لأنها فیما إذا کان فی العمل ندم وخطر ، ولا شک فی أنه ربما کان فی ترک العمل ذلک الندم والخطر قطعا أو ظنا ، بل لا نسلم ذلک فیما إذا ساوی الفعل والترک فیهما ، وانسد باب التبین.

مع أن القدماء والوسائط لعلهم تبینوا ، بل هذا هو الظاهر منهم ، فعلی تقدیر أن لا ینفعنا تبینهم فی إثبات التکلیف لا تأمل فی حسن الاحتیاط منه.

ودخول مثل هذه الأخبار فی الآیة محل تأمّل ، فتأمّل.

قوله : کقوله علیه السلام فی صحیحة. ( 1 : 14 ).

لعلّ وجه الاستدلال أنّ المستفاد منها ناقضیّة الحدث للوضوء ، فلا یجتمع معه.

وفیه : أنّه لا نزاع فی النقض ، بل فی أنّ الوضوء المشروع (1) هل یستلزم رفع الحالة المانعة من الصلاة أم لا؟ لا الحدث الصادر ، والحدث مشترک لفظا بین المعنیین. ومع ذلک کونه أمرا واحدا فی الصلاة وغیرها محتاج إلی الثبوت. إلاّ أن یدّعی التلازم بین المعنیین ، وهذا أول الکلام.

أو أنّ الظاهر من قوله : « لا ینقضه إلاّ حدث » أنّه لا یحتاج إلی وضوء آخر ، کما أنّ لازم قوله : ناقض أنّه یحتاج إلی وضوء ، وهذا أیضا محل

هل یجوز الدخول فی العبادة الواجبة بالوضوء المندوب؟

ص: 24


1- فی « ج » و « د » : المشروط.

تأمّل.

قوله : ویؤیده. ( 1 : 14 ).

یمکن المناقشة بأنّ الحدیث لم یبق علی ظاهره علی ما ذکره ، لاستحباب التجدید وغیره ، فلعلّ المراد المنع عن نقض السابق الیقینی بالشک اللاحق ، وإحداث الوضوء من هذه الجهة ، کما یشعر به قوله علیه السلام : « حتی تستیقن. » ، بل وقوله : « إذا استیقنت » سیما العدول عن عبارة : محدث بلفظ « أحدثت » ، فربما ظهر أو احتمل أن یکون المراد أنه متی حصل الیقین یستصحب إلی حصول الیقین ، کما ورد فی الأخبار (1).

ویمکن الاستدلال بالإطلاقات - فلا تتقید إلاّ بدلیل - وأصالة عدم زیادة التکلیف ، وأصالة البراءة ، علی تقدیر جریانهما (2) فی العبادات ، والظاهر جریانهما (3) هاهنا ، لأنّ الوضوء صحیح خارج عن الصلاة جزما. وتمام التحقیق فی مبحث نیة الوضوء.

قوله : بإطلاق الروایات. ( 1 : 15 ).

شمول الإطلاق لها مع عدم صدق الحائض علیها لغة وعرفا فاسد ، لأنّ الظاهر منه ما دامت حائضا. إلاّ أن یکون المستدلّ قائلا بالحقیقة الشرعیّة ( علی وجه یشملها وإن کان من جهة عدم اشتراط بقاء المبدأ ، ولا بدّ من التأمّل.

قوله : وقوّی بعض. ( 1 : 15 ).

مبناه علی عدم حجیة الاستصحاب ، وعدم ثبوت الحقیقة الشرعیّة (4) بالنسبة إلی الحائض.

الغسل الواجب

وجوب الغسل لما یجب له الوضوء

ص: 25


1- الوسائل 1 : 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1.
2- فی « ج » و « د » : جریانها.
3- فی « ج » و « د » : جریانها.
4- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

قوله : لانتفاء التسمیة. ( 1 : 15 ).

ویقربه أنّ الغسل ورفع الحدث به أمران شرعیان ، فلا وجه لاعتبارهما فی اصطلاحهما.

قوله : إلاّ أنّ المشهور. ( 1 : 16 ).

لعل وجه أقربیته ثبوت الحقیقة الشرعیة عنده فیه ، أو أنّه یظهر من الأخبار أنّ منع دخولها من جهة حدثها - کما هو الحال بالنسبة إلی الجنب - لا من الدم.

قوله : قولان. ( 1 : 16 ).

منشؤهما أنه حدث یرتفع بالطهارة فلا تکون مطهّرة ، وأنّ المحدث بالأصغر یحرم علیه ، فبالأکبر بطریق أولی ، ومن أنّ الحدث بالنسبة إلی الصلاة والطواف لا یستلزم أن یکون حدثا بالنسبة إلی غیرهما.

قوله : ما یقتضی اشتراطه. ( 1 : 16 ).

والأحوط مراعاته ، لما مرت الإشارة إلیه عند احتجاج الشارح - رحمه الله - لوجوب الوضوء لنفسه. مضافا إلی التأمّل فی موجبات الوضوء والغسل الذی هو شرط للصلاة ، وکذا التأمّل فی ما سنذکره هاهنا.

قوله : ولا مانع. ( 1 : 16 ).

کون جمیع إطلاقات أوامر الوضوء والأغسال والتیمم وغسل الثیاب والبدن وغیرها محمولا علی الوجوب للغیر - علی حسب ما مر - واستثناء خصوص ما ورد فی المس من بین الجمیع ، وإلحاقه بغسل الجمعة والإحرام المستحب بمقتضی الأدلة والمعروف بین الأصحاب - وإن سلّم وجود قول شاذّ - محل تأمّل.

مع أنّ غسلهما لتحصیل الطهارة فیهما ، وهما وقتان معینان یفوت الواجب بفوتهما ، بخلاف هذا الغسل ، فإنّه لیس بطهارة عنده ، لما مرّ ، ولا

ص: 26

وقت معین له.

مع أنّ المسّ لو لم یکن حدثا کیف یکون موجبا للطهارة ، سیما فی وقت غیر معیّن؟!.

إلاّ أنّ یقال بعدم کونه طهارة أصلا ، بأنّ الغرض إمساس الجسد بالماء ، من غیر أن یکون المقصود منه حصول طهارة ونظافة بوجه من الوجوه.

أو أنّه طهارة من خباثة غیر منافیة للصلاة ولا غیرها ، بل ولا یستحبّ رفعها لهما (1) ، بل ولا اهتمام فی المسارعة فی رفعها کالحدث الأصغر والأکبر ، ومع ذلک یجب رفعها فی أیّام الحیاة.

والاحتمالان لا یخلوان عن غرابة.

ومع ذلک یتوجّه ما قلناه فی الوضوء من أنّه لو کان واجبا لنفسه لزم تحقق واجبات لا تحصی بعقاب واحد ، فی فرض نادر ، بل وأندر ( بل وخلاف العادة ) (2) ، وحمل المطلقات علیه ، مع لزوم الحمل علی الشائع ، وعدم التنبیه فی ما ورد فی الاحتضار وغسل المیت ، وغیر ذلک مما مر.

مع أنّ المفسدة هنا أشدّ ، إذ لا وجوب عند تضیق وقت العبادة هنا.

ولأنّ التمکّن من الغسل حین ظنّ الموت أندر وأندر ، بل وخلاف العادة ، فتدبّر.

قوله : نعم إن ثبت. ( 1 : 16 ).

لأنّه علی هذا حدث ، إذ لا ینقض الوضوء إلاّ الحدث ، ولیس من موجبات الوضوء علی ما یظهر من الأخبار والفقهاء ، ورفعه واجب للأمور.

فظهر أنّ الغسل الوارد فی الاخبار یکون طهورا ، أو أنّه لو توضأ من غیر

ص: 27


1- فی « ج » و « د » : لها.
2- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

غسل فهو محدث أیضا ، إذ لا یتأتّی الصلاة بغیر طهارة ، وهذا الوضوء لا ینفعه ، لأنه حین الاغتسال یجب علیه الوضوء علی ما سیجی ء ، وهو دلیل کونه محدثا ، إذ متی شرع الوضوء کان رافعا للحدث ، علی حسب ما مر ، فتأمّل.

قوله : مع عدم صحّة سنده. ( 1 : 16 ).

السند لا یقصر عن الصحة ، کما بیناه فی الرجال (1) ، ومن المسلمات أیضا أنّ مراسیل ابن أبی عمیر حکمه حکم المسانید ، ویظهر وجهه من الرجال. مضافا إلی الشهرة بین الأصحاب هنا.

قوله : غیر صریح. ( 1 : 16 ).

فیه : أنه یکفی الظهور ، والظاهر ظهور القدر المشترک بین الوجوب الاصطلاحی والشرطی ، وهو یکفی للمستدل. مع أنه لیس بظاهر فی الندب أیضا ، ولعله یکفی للاستدلال ، لمنعهم إحداث الوضوء إلاّ مع تیقّن الحدث (2) ، فأمرهم بالوضوء دلیل التیقن ، خرج ما خرج بالدلیل ، فتأمّل.

ویشهد لما ذکرناه ما ورد من أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام اغتسل حین غسل الرسول صلی الله علیه و آله معلّلا بجریان السنة ، وإلاّ فهو صلی الله علیه و آله کان طاهرا مطهرا (3) ، إذ فیه إشارة إلی کون المس حدثا یحتاج إلی المطهر ، لا أنّ الغسل له مجرد تعبد.

ویظهر من الفقه الرضوی أنّ الوضوء الذی یکون قبل کل غسل إنّما

ص: 28


1- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 275.
2- الکافی 3 : 33 / 1 ، التهذیب 1 : 102 / 268 ، الوسائل 1 : 247 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 7.
3- التهذیب 1 : 469 / 1541 ، الاستبصار 1 : 99 / 323 ، الوسائل 3 : 291 أبواب غسل المس ب 1 ح 7.

هو لأجل الصلاة (1) ، کما هو المشهور عند فقهائنا ، فیلزم أن یکون الغسل أیضا کذلک ، والاحتیاط واضح.

قوله : ومعارض بما هو أصحّ. ( 1 : 16 ).

فیه : أنّ المعارض یتضمن عبارة ، وهی « أیّ وضوء أطهر من الغسل » ، أو « أنقی من الغسل » (2) ، ومقتضی ظاهرها أنه لو کان وضوء مع الغسل لکان منحصرا فی أنه لتحصیل الطهارة ، مع أنها حاصلة بالغسل ، بل أکمل وأشمل ، فمن هذه الجهة لا حاجة إلی الوضوء ، لا أنّ المغتسل قبل اغتساله طاهر فی نفسه لا حاجة له إلی المطهر ، والأمر بالغسل محض تعبّد ، کما یقول به الشارح. مع أنّ جلّ الأغسال الواجبة ومعظمها لأجل التطهیر قطعا ، فکیف یکون محض تعبد؟! فحینئذ الغسل نائب عن الوضوء وأقوی منه وأشمل ، والمس یحتاج إلی الطهور الذی یرفع ما یرفعه الوضوء وما یرفعه الغسل ، ولا یکفی الوضوء ، فضلا عن أن لا یحتاج إلی رافع.

علی أنّه مر عن الشارح - رحمه الله - أنه متی حصل وضوء لا یجامع الحدث الأکبر یترتب علیه جمیع آثاره إلی أن یتیقّن الحدث ، فما ظنک بالمتطهر بالوضوء إذا عرض له المس.

فإذا کان هذا الغسل طهارة لکان داخلا فی عموم قوله : « إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة » (3) ، ویکون مثل سائر الطهارات بالنسبة إلی قوله : « لا صلاة إلا بطهور » (4) ، وغیر ذلک ، فإذن لا یکون تفاوت بینه وبینها ،

ص: 29


1- فقه الرضا : 82 «. فإن اغتسلت ونسیت الوضوء فتوضأ وأعد الصلاة » ، المستدرک 1 : 476 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.
2- الوسائل 2 : 244 أبواب الجنابة ب 33 وفی 2 : 247 ب 34 ح 4.
3- الفقیه 1 : 22 / 67 ، التهذیب 2 : 140 / 546 ، الوسائل 1 : 372 أبواب الوضوء ب 4 ح 1.
4- الفقیه 1 : 22 / 67 ، التهذیب 2 : 140 / 546 ، الوسائل 1 : 372 أبواب الوضوء ب 4 ح 1.

فتأمّل جدّا.

مع أنّ هذه الطهارة طهارة الحدث لا الخبث قطعا ، والحدث لیس إلاّ الحالة المانعة من الصلاة مثلا. وباقی الکلام یأتی إن شاء الله تعالی.

قوله (1) : وکأنّه أراد. ( 1 : 17 ).

لا شک فی أنه أراد الوجوب الاصطلاحی ، وعبارته فی غایة الصراحة والإصرار.

قوله : وإلاّ فالوجوب بالمعنی المصطلح منتف. ( 1 :17 ).

لا یخفی أنه ظهر ممّا ذکره المعاصر - رحمه الله - عدم الانتفاء.

فإن کان منشأ قطعه ما ذکره سابقا من أنه لا یتصور وجوب الشرط لمشروط غیر واجب ، ففیه : أن المشروط واجب وإن لم یکن الآن واجبا ، ویکفی هذا ، وإلاّ لم یتصور وجوبه فی المضیق الذی ذکره المصنف - رحمه الله - أیضا.

فإن قال بأن الظن حاصل بالإدراک حینئذ ، ففیه : أنّ ظن الإدراک غیر وجوب المشروط. مع أنه حاصل من أول اللیل أیضا ، ولا دلیل علی أن المعتبر هو الأقوی ، سیما وأن یکون بحیث یعارض إطلاقات الأخبار وغیرها بل ویترجح علیها ، علی أنه ربما یکون الظن فی أول اللیل أقوی.

فإن قیل : کیف یکون واجبا ولا عقاب علی ترکه فی هذا الوقت؟

قلت : الواجب الموسع کله کذلک ، والاتصاف بالوجوب حینئذ لتحقق امتثال الواجب فیه ، والوجوب للغیر غیر مضرّ بعد کفایة ظنّ الإدراک ، فإن أدرک انکشف الوجوب واقعا ، وإلا انکشف عدمه.

وجوب الغسل لصوم الواجب

ص: 30


1- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».

نعم ، لو أراد الجنابة بعد الغسل أو حصل ظنه بها لا یتأتی منه نیة الوجوب ، لا للغیر ولا للنفس ، وعدم التأتی فی الثانی أظهر ، لأنّ الوجوب النفسی عند القائل به تکلیف واحد شخصی موسع إلی ظنّ الموت ، کما أشرنا سابقا.

وأما الطهور للصلاة فبعد دخول الوقت یجب بالنص وإن لم یقصد به فعل الصلاة ، عند القائل بعدم وجوبه لنفسه علی ما هو المعروف منه ، بأن یقول : بعد دخول الوقت یجب الشرط والمشروط معا وجوبا موسعا ، ولا یسقط وجوب الشرط عند عدم قصد إیقاع المشروط به ، فإذا تحقق المشروط بهذا الطهور فقد تحقق الشرط الواجب ، وإن تحقق بغیره فهو أیضا متصف بالوجوب.

ولا مانع من تحقق واجبات للغیر یجوز ترکها ، لأنّ الواجب للغیر لا یکون عقاب علی ترک نفسه ، بل العقاب علی ترک ذلک الغیر الذی هو مشروطه ، علی قیاس أجزاء الواجب ، فإنّ الجزء واجب لغیره وهو الکل والمجموع ، ولیس علی ترکه عقاب ، بل العقاب علی ترک الکل.

مثلا : لا نزاع فی وجوب الرکوع للصلاة ، ومعنی وجوبه أنه لو ترکه لم تتحقق الصلاة ، فیعاقب بترک الصلاة لا بترکه ، وإلاّ لزم أن یعاقب تارک الصلاة بعقابات لا تحصی ، کل عقاب یکون علی حدة ، مثل أن یعاقب بترک النیة عقابا ، وبترک الألف فی تکبیرة الإحرام عقابا آخر ، وبترک اللام الأول فیها عقابا آخر ، وبترک اللام الثانی عقابا آخر ، وهکذا إلی آخر الصلاة ، حتی أنه بإزاء کل جزء لا یتجزّأ من أجزاء حرکاتها وسکناتها یکون عقاب علی حدة ، وهکذا الحال بالنسبة إلی شروطها وترتیباتها وصفات الأجزاء.

وبالجملة : لا تأمّل عندهم فی أن الواجب للغیر لا یکون عقاب علی

وجوب الغسل لصوم المستحاضة

ص: 31

ترک نفسه ، بل یکون علی ترک ذلک الغیر ، فتأمّل.

قوله : بجهالة المکتوب إلیه. ( 1 : 20 ).

مثل علی بن مهزیار الوکیل الذی هو فی غایة مرتبة من الوثاقة والجلالة لا یکاتب غیر المعصوم علیه السلام ، ولعل طعنه بعنوان الجدل ، إذ یصرح کثیرا بعدم ضرر الإضمار فی أمثال هذه الأخبار.

قوله : بمخالفتها. ( 1 : 20 ).

من عمل بها بناؤه علی أنّ الخلل فی جزء حدیث لا یخرجه عن الحجیة بالنسبة إلی الجزء الذی لا خلل فیه ، کما هو طریقة جماعة.

علی أنّ أکثر الأخبار المعمول بها یحتاج إلی توجیه البتة ، مثل التخصیص وغیره ، وإرادة خلاف الحقیقة أو الظاهر من غیر قرینة خلل ، وظهورها من دلیل آخر لا یرفع الخلل عن نفس هذا الحدیث. نعم مراتب التوجیه متفاوتة قربا وبعدا. ومن أسباب الخلل وهم أحد الرواة أو النساخ أو غیر ذلک ، مما أشرنا إلیه فی رسالتنا فی الاجتهاد والأخبار وغیرها.

فعلی هذا ربما یکون زیادة « ولا » وهما ، أو یکون « ولاء » أی متتابعا ، کما قرئ. ویقربه ما فی مکاتبة الصفار من أنه یقضی عشرة أیام ولاء (1) ، والتقیید به رد علی من زعم أنّ قضاء الصوم یفرق فرقا بینه وبین الأداء ، أو یجمع ستا ویفرق الباقی ، أو غیرهما مما یظهر من الأخبار (2).

والحدیث مکاتبة ، فلعله کتب تحت قوله : « صومها » « تقضی صومها ولاء » وقوله : « صلاتها » « تقضی صلاتها ».

بحث حول مکاتبة علی بن مهزیار

ص: 32


1- الکافی 4 : 124 / 5 ، الفقیه 2 : 98 / 441 ، الوسائل 10 : 340 أبواب أحکام شهر رمضان ب 26 ح 1.
2- انظر الوسائل 10 : 340 أبواب أحکام شهر رمضان ب 26.

وأما المحقّق والشارح ومن وافقهما عندهم أنّ أمثال هذه الخلل ترفع الوثوق عن الحدیث بالمرة ، فالمذاق مختلف.

قوله : بأنّ فیه جمعا. ( 1 : 21 ).

أورد علیه بأنّه اعتراف منه باقتضاء صحیحة أبی حمزة العموم ، فلا یبقی حینئذ تمکن شرعی لاستعمال الماء ، فالشرط متحقّق (1).

وفیه : أن مراده من الجمع الجمع بالإطلاق والتقیید ، لأن المطلق فی نفسه - من دون ملاحظة أمر خارج - یقتضی العموم ، وبعد ملاحظة ما دل علی اشتراط عدم التمکن من المائیة یترجح فی الظن تقییده. بل وانّ الملاحظة المذکورة ترجح کون الإطلاق مبنیا علی الغالب.

ألا تری أنه لما ورد أن التیمم للصلاة فی صورة عدم التمکن ، فمتی لاحظنا موضعا أمروا فیه بالتیمم مطلقا للصلاة یترجح فی فهمنا أنه مبنی علی عدم التمکن ، إذ من هذا الأمر یفهم کون التیمم فی هذا الموضع صحیحا ، ومن الأول کبری کلیة ، والشکل بدیهی الإنتاج. ولیس کل موضع أمروا فیه بالتیمم قیدوه بعدم التمکن من المائیة ، بل جل المواضع غیر مقید ، مع أنه لا تأمل فی التقیید ، فتأمّل جدا.

قوله : فإنّا لم نقف. ( 1 : 21 ).

مراد جده - رحمه الله - من عدم الماء عدم التمکن من استعمال الماء.

ولعل کون الأصل فی التیمم أنه طهارة اضطراریة یظهر من التأمل فی الأدلة.

ومقتضی کلام الشارح جوازه مع التمکن من الماء فی الطواف والمس وغیرهما ، وأنه مخیر بینه وبین الماء فیهما ، وأنه عند عدم التمکن من التیمم والتمکن من الماء یخرج بغیر غسل أیضا ، ولا یخلو جمیع ذلک من غرابة ،

التیمم الواجب

وجوب التیمم لخروج الجنب فی أحد المسجدین

ص: 33


1- ذخیرة المعاد : 11.

سیما الأخیر ، بعد اعترافه بعموم تحریم الکون.

والقول بأن الغسل مشروط بعدم التمکن من التیمم غریب أیضا ، بل أشد غرابة.

قوله : وأیضا فقد ثبت. ( 1 : 21 ).

لم نجد ما ذکره أصلا ، بل الموجود تحریم الدخول والکون اختیارا.وادعاء الإطلاق هنا ومنع الاشتراط السابق لا یخلو من تعجب بالنظر إلی الأدلة.

سلمنا الإطلاق ، لکنه منصرف إلی الافراد الشائعة ، علی ما سیصرح به مرارا ، سیما والنادر یشبه أن یکون مجرد فرض.

علی أن مقتضی عموم تحریم الکون لزوم رفع الجنابة البتة ، لا استباحة المرور جنبا ، وکون الثانی هو المقتضی دون الأول خلاف ما علیه الأصحاب ، ولیس علیه دلیل ، کما سیجی ء.

مع أن إیجاب التیمم لرفع الحدث لعله یقتضی إیجاب الغسل لذلک بطریق أولی ، لأن المکث بقدر فعل التیمم لا بدّ منه ، فلو لم یزد مکث الغسل ولا یلزم مانع آخر أیضا فالغسل أرفع للحدث ، فلو زاد قدر التیمم علیه فالحال أظهر ، فتأمّل.

قوله : بالنص. ( 1 : 21 ).

کونه نصا بالقیاس إلی الفروض النادرة التی لا ینساق الذهن إلیها - سیما مثل هذا الفرض - فیه ما فیه.

قوله : وکما جاز. ( 1 : 21 ).

مجرد الاحتمال یضر العموم ، لعدم ما یدل علیه بالوضع حتی یقال : الأصل أن یکون مستعملا فیه حتی یثبت خلافه ، فمجرد الاحتمال غیر کاف.

ص: 34

مع أنه یتأمّل فی هذا أیضا ، بناء علی أن المدار فی الألفاظ التبادر والظهور ، لا هذا ، فإذا کان حال الوضع کذلک فما ظنک بما لیس موضوعا للعموم ، والأصل فیه عدمه ، وصرفه إلیه لعله یتوقف علی سد باب هذه الاحتمالات.

مع أن هذا الاحتمال لعله أرجح ، لمکان بداهة التعذر غالبا المستلزم لعدم التکلیف کذلک ، وعند التعذر الرجوع إلی التیمم ظاهر أیضا ، لعموم المنع من الکون جنبا ، وعموم بدلیة التیمم.

مع أنّ الاحتمال الآخر أیضا یرجع إلی التعذر ، لأنه سبب للتعذر ، وهو سبب للتیمم ، فما هو بلا واسطة أقرب. مع أنه خلاف الأصل والظاهر ، لعدم الثبوت شرعا ، فظهر ما فی قوله : وقد أطلق.

مع أنّ شمول إطلاقهم لما نحن فیه أیضا محل تأمّل.

قوله : مورد الخبر. ( 1 : 21 ).

عموم تحریم الکون یقتضی رفع الحدث مطلقا ، إما بالغسل ثم التیمم ، أو التیمم علی ما ذکره ، ویعضد الإطلاق أنّ من قال بوجوب التیمم قال مطلقا ، ومن أنکر فکذلک.

وربما یرجح کون التیمم لیس لخصوصیة الاحتلام بملاحظة العمومات المانعة من الدخول ، وخصوص هذا النص مع فتوی الفقهاء ، وما یشعر به فی النص من قوله : « فأصابته جنابة » بعد قوله : « فاحتلم » ثم التفریع بقوله : « فلیتیمم » وإلحاق الحائض فی المرفوعة ، مع ظهور اتحاد الروایتین ، وأنه فی کثیر من أمثال المقام یتعدون من باب تنقیح المناط ، حتی الشارح أیضا ، فتأمّل.

قوله : قیل الحائض. ( 1 : 22 ).

المراد أنها فی الحیض ، أما بعد انقطاع الدم فحکمها حکم الجنب

ص: 35

بغیر احتلام. وقوله : لا سبیل. ، تأیید لضعف الاحتجاج.

قوله : نعم إن لم یکن. ( 1 : 22 ).

فیه : أن الترابیة متعینة عندک ، فکیف یتأتّی التمکن من المائیة حال التیمم؟! فإن قلت : مقتضی العمومات صحة الغسل حینئذ أیضا ، نعم هو مکلف بالتیمم للخروج ، والأمر بالشی ء لا یقتضی النهی عن ضده.

قلت : إنما یتمشی ذلک إذا کان المفسدة فی ترک المأمور به خاصة دون فعل الضد ، بل لا بدّ أن تکون فیه مصلحة ، کالغسل عند اشتغال الذمة بالدین مثلا.

وکون ما نحن فیه من هذا القبیل محل تأمل ، إذ لعل المصلحة فی فعل الضد ، إذ کون الجنب فی المسجد حرام مطلقا ، والغسل لو لم یکن فیه مفسدة ومانع شرعا لرفع الجنابة ، ولو لم یرفع لم یکن متمکنا من استعماله ، لأن التمکن فرع صحته ، ولو کان صحیحا لما عین الشارع علیه التیمم لحصول الإباحة للخروج بالغسل أیضا.

مع أنه رافع للحدث جزما مطلقا ، بخلاف التیمم ، فإن إباحته لخصوص المرور الفوری ، وعلی تقدیر الرفع فیرفع فی الجملة وفی حال الاضطرار ، فلا جرم یکون فی الغسل مفسدة.

علی أنا نمنع أن یکون التمکن علی تقدیر فعل الحرام منشأ لفساد هذا التیمم الصحیح للصلاة ، فتأمّل.

قوله : والاستحباب فیه أولی. ( 1 : 23 ).

لا یخلو من إشکال ، لاستلزامه زیادة الکون غالبا. إلاّ أن یرید الفرد النادر.

قوله : لانتفاء الدلیل. ( 1 : 23 ).

التیمم المندوب

بحث حول التیمم المندوب

ص: 36

یمکن أن یقال : إضافة المنزلة إلی الماء فی الحدیث الآتی تفید العموم. إلا أن یقال : المعهود حکایة الطهوریة ، لکن لا بدّ من تأمّل. ولو ثبت لوجب لمثل مس المیت مما لیس طهورا ، کما مال إلیه الشارح فی المس ، فتأمّل.

قوله : مطلق الطهارة. ( 1 : 24 ).

إن أراد الأعم من الترابیة ففیه ما فیه ، وإن أراد الطبیعة اللابشرط ففیه : أنا لم نقف علی ما ذکرت ، فإن الصلاة تتوقف علی الوضوء فی صورة ، وعلی الغسل فی صورة أخری ، وعلی کلیهما فی صورة أخری علی المشهور ، والمراد من قوله : « لا صلاة إلاّ بطهور » لیس توقفها علیه من دون خصوصیة.

وقوله : وما ثبت. ، فیه : أن النوع الخاص طهارة أیضا ، لتوقف صحة الصوم علیه ، کما صرح به ، بل صرح بأنه طهارة حیث جعله نوعا منها ، والخصوصیة لا تخرجه عن کونه فردا للطهارة ، وهو - رحمه الله - یوجب التیمم للخروج من المسجدین ، کما ورد النص به ، بل ویوجبه لدخول المساجد عموما ، کما سیجی ء فی مبحث التیمم (1) ، بل ولعموم ما یستبیحه المائیّة لذلک.

قوله : أن ینذر الطهارة. ( 1 : 24 ).

النذر إنما یتعلق بالمراد من اللفظ ، والناذر أعرف به. ولعل مراده أن ینذر معنی لفظ الطهارة علی الإطلاق من غیر قرینة ، والأصل فیه الحقیقة ، وأن الصیغة شرط فی صحته ، وهی تؤثر بالقیاس إلی المستفاد من اللفظ إذا کان مقصودا.

فلو کان مما لا یدل علیه لم یصح نذره - والمراد هنا الصحیح - کما لو

مسألة : قد تجب الطهارة بالنذر وشبهه

ص: 37


1- مدارک الأحکام 2 : 249.

نذر وقف حمار ، مریدا به بلیدا من العبید مثلا لم یصح مطلقا ، أو من حیث إنّه لم یأت بقرینة فی الصیغة ، لکن علی هذا لم یستقم قوله : فإن قصد المعنی الشرعی. ، لأن الناذر من المتشرعة ، ومدلول کلامه لیس إلا المعنی العرفی ، وإطلاقه لا ینصرف إلا إلیه.

وإن بنی علی أنّه أیّ معنی حقیقی مخصوص یرید من اللفظ یصح وإن لم یأت بقرینة ، بناء علی أن الشرط مجرد لفظ ، ففیه - بعد تسلیم ذلک - یتعین مراده ، فلا وجه لما ذکره بقوله : والواجب. ، مع أنه لا نزاع فی ثبوت المعنی الشرعی ، فإن اللفظ صار حقیقة فیه علی أی حال ، لکن النزاع فی کونه حقیقة عند الشارع.

وإذا بنی علی أنّه یصح إذا أراد معنی حقیقیا - أیّ حقیقی یکون - وإن کان لم یأت بقرینة علی هذه الإرادة ، ففیه - بعد تسلیم صحته وتسلیم عدم صحة إرادة المعنی المجازی - : أنه لا ینحصر الحقیقة فی ما ذکره ، وأنّه ربما کان اللفظ حقیقة فی معنی باصطلاح ، مجازا فیه باصطلاح ، بل لا شک فی أن لفظ الطهارة کذلک.

وأیضا لا یستقیم قوله : فعلی الأولین یتخیر. ، إذ علی تقدیر الاشتراک لا یتعین المنذور ، فیبطل النذر. إلاّ أن یرید ما یطلق علیه اللفظ حقیقة ، فهو حینئذ معنی مجازی ، ومع ذلک یرجع إلی التواطؤ أو التشکیک.

علی أن التعیین حینئذ بید الناذر ، فلا وجه للبناء علی محل النزاع ، وکذا قوله : إذ الأصل.

وإن أراد أن الناذر إذا أراد من لفظ الطهارة ما یطلق علیه هذا اللفظ حقیقة فی المحاورات - أی محاورة کانت - یکون کذا وکذا ، لا أن یرید منه معناه فی صیغة نذره.

ففیه : أنّه - مع ما فیه من الحزازة الظاهرة - کیف جعل نذر الطهارة علی

ص: 38

الوجه الکلی منحصرا فی هذا الشکل الغریب ، حیث لم یرد من لفظ صیغته معناه الحقیقی فی اصطلاحه ، بل یرید أی حقیقة تکون فی أی محاورة ، ثم عین خصوص محاورة الشرع أو العرف ، من دون معرفته بثبوت الاصطلاح فی الأول ولا بتعینه ، ولا معرفته بالتعین فی الثانی ، حتی یبنی نذره علی الخلافات والترجیح بالأدلة الأصولیة مع عدم ترجیح تحقق مع معرفة الرجحان بأی معنی یکون.

قوله : إذ الأصل. ( 1 : 24 ).

فیه. أنّه أمارة ظنیة للظن بما فی الضمیر ، والناذر یعلم ما فیه ، ولا وجه للتمسک بالظنی إلاّ علی التوجیه الأخیر.

علی أنّ الناذر من المتشرعة ، واستعمل اللفظ مجردا ، فالأصل أن یکون فی معناه الاصطلاحی عنده ، فتأمّل.

قوله : فی الماء المطلق. ( 1 : 26 ).

المطلق العرفی أعم من ان یکون ماء بحتا أو ممزوجا بالمضاف ، بحیث لا یخرجه عن الإطلاق.

ولو کان عدیم الصفات ، کماء الورد المنقطع الرائحة ، فهل المعتبر أکثریة الماء ، ومع التساوی المنع ، أو الجواز ، أو الإطلاق العرفی ، أو تقدیر الصفة والبناء علیه؟ قال بکل قائل.

وإذا لم یکف الماء فهل یجب مزج مضاف لا یخرجه ویحصل الکفایة أم یجوز؟ مقتضی الأدلة الأوّل وقال الشیخ بالثانی (1).

قوله : أو کان ماء بحر. ( 1 : 26 ).

المیاه

الماء المطلق طاهر ومطهّر

ص: 39


1- المبسوط 1 : 9. وفی « ج » و « د » زیادة : وفیه ما فیه.

الظاهر أن الشارح لم یعتن بخلاف نادر (1) من العامة (2).

قوله : ویدل علیه. ( 1 : 27 ).

الأجود الاستدلال بالأخبار ، لظهور الدلالة فیها.

مثل ما ورد : « إن الله جعل التراب طهورا کما جعل الماء طهورا » (3) ، وغیر ذلک.

وما ورد أن بنی إسرائیل کانوا یقرضون النجاسة ، وأنّ الله جعل الماء طهورا لکم ، قد وسع الله علیکم بأوسع ما بین السماء والأرض (4).

وورد : ماء الحمام کماء النهر یطهر بعضه بعضا (5).

وقوله تعالی ( لِیُطَهِّرَکُمْ ) الظاهر منه - سیما بملاحظة شأن نزول الآیة - المطهریة الشرعیة ، ویصلح أن یکون قرینة للآیة الثانیة.

مع أنّها علی القول بثبوت الحقیقة الشرعیة تدل علی الطهارة بالمطابقة ، وعلی القول بالعدم بالالتزام ، لأن إظهار الانعام والامتنان یدل علی جواز الانتفاع غالبا ، والنجاسة تقتضی المنع غالبا.

قوله : علی وجهین. ( 1 : 27 ).

فی القاموس جعل له معنی ثالثا ، وهو الطاهر المطهر (6). وکثیر من

معنی الطهور

ص: 40


1- فی « ج » و « د » : ما ورد.
2- نقله فی المغنی والشرح الکبیر ( 1 : 36 ) وأحکام القرآن لابن العربی ( 3 : 1425 ) عن عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو العاص.
3- الفقیه 1 : 60 / 223 ، التهذیب 1 : 404 / 1264 ، الوسائل 1 : 133 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 1.
4- الفقیه 1 : 9 / 13 ، التهذیب 1 : 356 / 1064 ، الوسائل 1 : 133 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 4.
5- الکافی 3 : 14 / 1 ، الوسائل 1 : 150 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 7.
6- القاموس 2 : 82.

الفقهاء فسر الآیة بذلک (1) ، ونسبه الشیخ إلی أهل اللغة (2) ، وحکی ذلک عن تغلب (3).

قوله : وهذا التوجیه. ( 1 : 27 ).

الاستدلال لا یمکن بالاحتمال ، فضلا عن أن یکون بعیدا أو توجیها ، ولعل مبنی استدلاله هو ما أشرنا ، بضمیمة عدم القول بالفصل بین السماء وغیره ، فیحتاج إلی الإجماع.

وما ارتکبه الصدوق من أن کل ماء من السماء (4) ، یتوقف علی الثبوت.

ومع ذلک المتبادر منه النازل منه الآن ، لا الذی نزل بالأصل ، فالتعدی مشکل ، سیما علی طریقة الشارح.

والتوجیه من بعض العامّة (5) ، ورجحه الشارح - رحمه الله - علی توجیه الشیخ ، وفیه نظر لا یخفی علی من أمعن النظر فی کلامه فی التهذیب ، فإنه لیس علی ما ذکره الشارح هاهنا.

قوله : یتناول الأمرین. ( 1 : 27 ).

ص: 41


1- منهم الشیخ فی التبیان 7 : 496 ، والعلامة فی المنتهی 1 : 4 ، والشیخ البهائی فی مشرق الشمسین ( الحبل المتین ) : 347 ، والفاضل الجواد فی مسالک الأفهام 1 : 89.
2- التهذیب 1 : 214.
3- حکاه عنه فی الکشاف 3 : 284 والمصباح المنیر : 379 ومجمع البحرین 3 : 380 ومعجم مقاییس اللغة 3 : 428 ، وفیه عن ثعلب ، بالمثلثة ، والظاهر أنّه أحمد بن یحیی الشیبانی صاحب الفصیح فی اللغة ، ولقبه مردد بینهما فی کتب التراجم ، ولعل الصحیح أنه بالمثلّثة ، کما فی معجم الأدباء 5 : 102 ، الأعلام للزرکلی 1 : 267 ، الکنی والألقاب 2 : 115 ، وفیه : سمّی الرجل ثعلب لأنّه کان إذا سئل عن مسألة أجاب من هاهنا وهاهنا ، فشبّهوه بثعلب إذا أغار.
4- الفقیه 1 : 6.
5- التفسیر الکبیر للفخر الرازی 24 : 90.

أی الطاهریة والمطهریة للغیر ، فلا بدّ أولا من ثبوت الحقیقة الشرعیة. وثانیا ثبوتها فی الطهور الاسمی ، لأن الغسل - مثلا - یتحقق فیه الحقیقة الشرعیة أو المتشرعیة ، ولم یتحقق فی الغسول وکذا الوضوء. وثالثا ثبوتها بحیث یتناول الأمرین ، بناء علی عدم ثبوت الملازمة بینهما بإجماع أو غیره من الأدلة ، ولا هی من المسلمات ، کما سیجی ء فی بحث الغسالة ومطهریة الأرض وغیرهما. لکن فی الغسالة یظهر منه قبول التلازم.

لا یقال : الحمل علی الفرد الأکمل یغنی عن ثبوت الحقیقة الشرعیة علی الوجه المزبور ، لأن المطهر الطاهر الشرعی هو الفرد الأکمل.

لأنا نقول : لا یصلح ذلک للصرف عن الحقیقی وتعیین المجازی ، إذ الأول هو الأصل ، ولا یعدل عنه بمثل ذلک. ولهذا لا یحمل الآیة وغیرها مما هو فی معرض الامتنان علی أی مجاز یقتضی زیادة الامتنان ، نعم ذلک یصلح لترجیح أحد الاحتمالین.

قوله : والمراد بها اللون. ( 1 : 28 ).

قیل : لم نجد فی الأخبار الخاصیة ما یدل علی ذلک (1).

قلت : روی فی زیادات التهذیب بسنده عن العلاء بن الفضیل عن الصادق علیه السلام ، عن الحیاض یبال فیها ، قال : « لا بأس بها إذا غلب لون الماء لون البول » (2) ، وفی الفقه الرضوی ذکر نجاسة الماء بتغیر اللون مکررا (3).

الماء الجاری

نجاسة الماء الجاری بالتغیّر

ص: 42


1- قاله الشیخ البهائی فی الحبل المتین : 106 ، والمحقق السبزواری فی الذخیرة : 116.
2- التهذیب 1 : 415 / 1311 ، الاستبصار 1 : 22 / 53 ، الوسائل 1 : 139 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 7.
3- فقه الرضا علیه السلام : 91 ، المستدرک 1 : 199 ، 201 أبواب الماء المطلق ب 10 ، 13 ح 2 ، 3.

قوله : من حیث الاستثناء. ( 1 : 29 ).

الاستفادة من هذه الجهة فی غایة الظهور ، نعم الخفاء فی لفظ النجاسة والاستیلاء ، فالأولی أن یقول : الظاهر من النجاسة نجس العین ، والظاهر (1) کونه بالملاقاة.

وعن الشیخ - رحمه الله - تنجسه بتغیره من المتنجس أیضا (2) ، ولعله لعموم النص النبوی ، خرج ما خرج بالوفاق.

إلاّ أن یقال : الحدیث - فی الحقیقة - لیس بحجة ، والمعتبر الأخبار الخاصیة. أو : أن المراد شی ء من نجس العین بقرینة تلک الأخبار ، فتأمّل. أو یقال : إنه نکرة فی سیاق الإثبات فلا یعم ، والإطلاق فی مثله لا یرجع إلیه ، لأن رجوع المطلق إلیه فی صورة لم یفد الکلام بدون الرجوع ، وذکره هنا لبیان حکم آخر لا حکم نفسه ، وببیان ذلک ظهرت الفائدة. وأما کون « ما » نکرة فلکونها موصوفة معناها إلاّ شی ء یغیره ، بقرینة المستثنی منه. مع أنّ الاحتمال کاف. فتدبر.

وقوله : وهو کذلک ، هذا علی تقدیر بقاء الماء علی إطلاقه ، ووجهه :

الأصل ، والعمومات ، وأما إذا خرج عن الإطلاق فسیجی ء حکمه.

قوله : لأن التغیر حقیقة. ( 1 : 29 ).

لفظ التغیر موضع للانتقال من حال إلی حال فی الواقع ، لا مدخلیة للحس فیه ، نعم من شأنه أن یحس إذا کان من قبیل ما نحن فیه ، وظاهر أن هذا هو المراد ، والتقدیری لیس بانتقال حقیقة ، فلیس من شأنه أن یحس ،

هل یشترط فی التغیر أن یکون حسیّاً أم لا؟

ص: 43


1- کما فی « أ » وفی سائر النسخ : والاستیلاء.
2- حکاه عنه فی الذخیرة : 116.

فهو مجاز بدلیل صحة السلب.

لکن هذا إنما یتم لو کان الوارد مجرد لفظ التغیر ، والمستفاد من بعض الأخبار تضمن معنی الغلبة ، فلعل ذلک منشأ اختلاف الفهم ، فلا بدّ للشارح - رحمه الله - إما من منع التضمن أو إثبات عدم ضرره.

ثم اعلم أن اعتبار التقدیر فی مثل المیتة فی ماء البئر وما ماثل المیتة فاسد قطعا ، ولعل فی الجاری والراکد أیضا کذلک ، سیما بملاحظة ما ورد من أن المیتة مع وجود الرائحة لا تنجس إلا إذا غلب علی رائحة الماء (1) ، ولا یکاد یمکن حمل الریح علی التقدیری ، فلعل القائل بالتقدیری مطمح نظره مثل البول الممزوج بالماء.

فعلی هذا نقول : صور المسألة ثلاث :

الأولی : استهلاک النجاسة الماء بحیث یقال : إنّه بول.

الثانیة : عکس ذلک ، وهذه یتمشی فیها النزاع وثمرته.

الثالثة : أن لا یکون بولا فقط عرفا ، ولا ماء فقط ، أعم من أن یکون البول أکثر ، أو الماء ، أو تساویا ، فإذا کان المزج عرفا لا یجوز استعمال ذلک فی الشرب والتطهیر ، حتی الغسل ارتماسا ، لعدم صدق الارتماس فی الماء.

ولو قیل بعدم تحقق مرکب من مائعین ممزوجین : أحدهما نجس والآخر طاهر ، یکون الکل حینئذ نجسا.

بل الأحوط مراعاة التقدیر فی الصورة الثانیة أیضا ، وإن کان الأقوی ما ذکره الشارح ، فتدبر.

ص: 44


1- الوسائل 1 : 137 أبواب الماء المطلق ب 3.

قوله : یحمل علی حقیقته. ( 1 : 29 ).

هذا علی تقدیر بقاء الماء علی إطلاقه ، وعلی تقدیر استهلاکه بحیث یقال عرفا : إنه بول فنجس ، کما قال بعد هذا.

ولم یتعرض لذکر ما لیس هذا ولا ذاک ، ولعل بناؤه - رحمه الله - علی الانحصار فیهما ، وفیه تأمل ظاهر ، ومر فی الحاشیة السابقة. فظهر ما فی قوله : فإن المخالف یقول. ، فتدبر.

قوله : دائر مع الأوصاف. ( 1 : 29 ).

لا یخفی أنها مختلفة ، فلذا قیل باعتبار الأشد (1) ، وقیل باعتبار الأوسط (2) ، وقیل باعتبار الأضعف (3) ، تغلیبا لجانب الطهارة.

قوله : غایة الأمر. ( 1 : 30 ).

قد ظهر مما ذکرناه مراده من الحسی ، لکن یشکل الأمر هنا ، لإمکان أن یقال : لم یتغیر لمانع عنه ، أو أنه بعد بلونه السابق.

وبالجملة : لم یظهر أنه انتقل لونه إلی الحمرة بسبب الدم ، لعدم حصول تفاوت أصلا من جهة الدم. وما ذکره إنما یتم إذا تغیر من الدم ، وعرضته حمرة لاحقة تمنع عن إدراک السابقة. هذا.

فظهر مما ذکره هنا ما فی قوله السابق آنفا ، ویتوجه إلیه ما سبق ، إذ یمکن أن یقال : التغیر حینئذ هناک متحقق ، غایته أنه مستور عن الحس ، فإن ملوحة الماء تمنع مثلا عن ظهوره ، والفرق بین الصفات الطاریة والکائنة من

ص: 45


1- انظر الذکری : 8.
2- قاله المحقق الثانی فی جامع المقاصد 1 : 115.
3- حکاه صاحب الحدائق ( 1 : 185 ) : عن بعض فضلاء متأخری المتأخرین.

قبل النفس لا یخلو من إشکال.

قوله : لأنها مخلوقة. ( 1 : 30 ).

العلامة - رحمه الله - قائل بهذا الأصل بلا شک ، وثبوت عدم قبول الأشیاء الطاهرة بالأصل للنجاسة العارضة ، بهذا الأصل ، محل نظر. نعم یثبت بالاستصحاب ، ولیس بحجة عند الشارح ، - رحمه الله .

إلاّ أن یقال : کلامه إشارة إلی قوله تعالی ( خَلَقَ لَکُمْ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً ) (1) ، وهو فی معرض الامتنان ، فالحمل علی ما هو الأکمل أولی.

لکن إثبات الحکم الشرعی بأمثال ذلک لا یخلو عن مناقشة.

فالأولی التمسک بأصالة البراءة ، لأن النجاسة تکلیف بالتجنب.

وبقوله علیه السلام : « کل شی ء نظیف حتی تعلم أنه قذر » (2) ، وهی موثقة ، فتکون حجة ، کما بیناه فی موضعه ، مع أنّ مضمونها مقبول عند الأصحاب. وهما دلیلان لأصالة طهارة الأشیاء.

مضافا إلی ما یظهر من تتبع تضاعیف الأحادیث والأحکام الواردة فیها ، وطریقة المسلمین فی عملهم فی الأعصار والأمصار ، واتفاق فتاوی فقهائهم.

قوله : وصحیحة حریز. ( 1 : 31 ).

فی الصحة تأمل ، لأنّ الکلینی روی عنه عمن ذکره ، عن الصادق علیه السلام ، وهو أضبط من الشیخ. مع أنّ الراجح السقوط لا الزیادة. ویؤیده ما ذکره یونس من أنه ما سمع عن الصادق علیه السلام إلاّ حدیثین (3). مع أنه

عدم تنجسّ الماء الجاری قلیله وکثیره بالملاقاة
أدلّة القائلین بعدم تنجس الماء الجاری قلیله وکثیره بالملاقاة
إشارة إلی أنّ الکلینی أضبط من الشیخ.

ص: 46


1- البقرة : 29.
2- التهذیب 1 : 284 / 832 ، الوسائل 3 : 467 أبواب النجاسات ب 37 ح 4.
3- رجال النجاشی : 144 / 375.

تحقق الاضطراب المانع عن ثبوت الصحة. وإن کان الأظهر عندی حجیة أمثال هذه الأحادیث.

وقوله : الماء یمرّ به الرجل وهو نقیع.

الأظهر أنّه غیر الجاری. ولعل وجه الاستدلال أن وضع الظاهر موضع المضمر فی قوله علیه السلام : إن کان الماء. ، ظاهر فی أن ما ذکر حکم مطلق الماء.

لکن إن حمل علی ما یعم القلیل یشکل حمله علی خصوص الجاری ، وکذا علی الأعم والبناء علی إرادة خصوص الکثیر بالنسبة إلی الراکد ، والأعم إلی غیره ، لأنّ السؤال کان عن الراکد ، لأن البناء علی أن السؤال لما کان عن الکثیر منه - کما هو الظاهر - صح الحمل المذکور یوجب رفع الوثوق بالنسبة إلی عموم غیره أیضا ، فتأمّل.

قوله : إلی الماء القلیل. ( 1 : 31 ).

لعل الأظهر أنه الراکد ، إذ الغالب فی التعبیر عن الجاری بالعین أو الجاری. مع ندرة تحقق جار یکون مجموعه أقل من الکر ، سیما فی بلاد السائل والمسؤول ، وسیما مع أن یکون - مع کونه أقل منه - یغترف فیه الإناء.

إلاّ أن لا یکون المراد من القلیل هو الأقل ، فیسقط حینئذ عن الاحتجاج.

إلاّ أن یقال : فالجاری بطریق أولی ، أو أنه لم یقل أحد حتی العلامة - رحمه الله - باشتراط الکریة فی خصوص غیر الراکد ، لکنه یتوجه حینئذ أن الشارح - رحمه الله - غیر قائل بطهارة القلیل من الراکد ، إلاّ أن یقول : الحمل علی الجاری أقرب محامله ، وفیه ما فیه ، وسیجی ء الکلام فیه إن شاء الله تعالی.

قوله : جعل العلة فی عدم. ( 1 : 32 ).

لعله الأظهر ، ویؤیده ما سیجی ء فی ماء الحمام.

ص: 47

قوله : أو فی طهارته. ( 1 : 32 ).

علته أنه إذا کانت رافعة للنجاسة فکونها دافعة اولی ، بل لعله یفهم أن وجود المادة مع عدم التغیر سبب للطهارة مطلقا ، فتأمل.

وقوله : والعلة المنصوصة. ، لفهم ذلک عرفا ، فلا یضره المناقشات.

ثم لا یخفی أنه یمکن الاستدلال بما سیجی ء فی ماء الحمام من الاخبار ، ومنها ما سیذکره الشارح ، وما سنذکره أیضا ، مثل : « ماء الحمام کماء النهر یطهر بعضه بعضا » (1) ، لظهور أنه بمجرد الملاقاة وحین تحققها یطهر ، من دون تراخی زمان أصلا ، وهذا فی حکم عدم الانفعال.

مع أن الثمرة متحققة قطعا ، بل لعله کنایة عن عدم الانفعال.

قوله : لفقد اللفظ. ( 1 : 32 ).

ولأنه یکفی لتحقق فائدة الشرط تحقق المخالفة فی الجملة ، ولعدم فهم العموم فی المنطوق ، فلا داعی إلی اعتبار أزید من هذا.

ویمکن أن یستدل علی إفادته العموم بأن عدم الانفعال من حیث هو هو مشروط بالکریة ، کما هو ظاهر العبارة ، لا خصوص ماء ، والمشروط عدم عند عدم الشرط. ولأنّه لو لم یفد العموم لزم خلو حکم المفهوم عن الفائدة ، علی قیاس ما قیل فی المطلق وإفادته العموم.

علی أن غالب ما کان الرواة محتاجین إلیه هو المیاه القلیلة ، لغلبة وجودها عندهم ، فکیف یناسبها الإجمال فی حکمها؟! مضافا إلی أنّهم لما کانوا یسمعون هذه الأحادیث یقنعون ویسکتون.

ویؤیده أیضا أنه لو لم یکن الشرط بالنسبة إلی کل فرد فرد لزم أن لا یکون الکریة فقط شرطا ، بل کون الماء جاریا - مثلا - شرط آخر أو جزء

أدلّة القائلین بتنجس الماء الجاری بالملاقاة والجواب عنها

ص: 48


1- الکافی 3 : 14 / 1 ، الوسائل 1 : 150 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 7.

الشرط ، فلم قال علیه السلام : إن کان کرا لا ینفعل؟! وأیضا فرق بین أن یقال : الماء طاهر ، وأن یقال : الماء لا ینجسه شی ء إن کان کرا ، وکما أن الأول یرجع إلی العموم فکذا الثانی ، فتأمل.

وبالجملة : الظاهر أنه لا وجه للتأمل فی إفادته العموم ، لکن بالنسبة إلی غیر الصورة النادرة ، کما أن الحال فی غالب المنطوقات فی إفادة العموم أیضا کذلک ، لو لم نقل : کلها ، فتأمّل.

ولعله لما ذکرنا ذهب أکثر فقهائنا (1) إلی عموم الانفعال فی الراکد ، وما وجد منهم تأمل فی إفادة المفهوم العموم ، مثل ما وجد من الشارح - رحمه الله - وغیره ممن وافقه علی عدم الإفادة فی أمثال زماننا وما یقرب منه.

ومما ذکرنا ظهر حال جمیع المفاهیم فی إفادة العموم وعدمها.

قوله : تعارضا من وجه. ( 1 : 32 ).

صحیحة محمّد بن إسماعیل تعارضها مع المفهوم وإن کان من وجه لکن کون القیاس المنصوص العلة منطوقا محل تأمل ، وبعد التسلیم کون مثله أقوی من المفهوم محل نظر کیف ومعظم المحققین علی أن المفهوم حجة ، بخلاف المنصوص العلة ، فإن الکثیر لم یذهبوا إلی حجیته.

إلاّ أن یکون مراده أنه أقوی من عموم المفهوم لا نفسه ، ولا بدّ من تأمل فیه. مضافا إلی أنّه خلاف ما یظهر من العبارة.

وأمّا غیر الصحیحة فالتعارض بحسب الظاهر لیس من وجه. إلاّ أن یکون مراده أنه مخصص ومختص بغیر الراکد القلیل ، لما سیجی ء من خصوص النصوص الواردة فی انفعال الراکد القلیل ، فیکون المراد من هذه العمومات أن غیر الراکد القلیل لا ینفعل ، والعام المخصص حجة فی

ص: 49


1- فی « ج » و « د » : الفقهاء.

الباقی ، ودلالته من باب المنطوق وإن کان مجازا ، فالمعارضة بینه وبین المفهوم ، لا المعنی الحقیقی ، لکونه غیر مراد.

لکنه یخدشه أنه موقوف علی ثبوت تقدم المنصوص بالخصوص علی المفهوم ، بل لم یوجد إلا عمومات مطلقات وخصوصات کذلک (1) ، وکل واحد ( أعم مطلقا و) (2) أخص مطلقا.

وبالجملة : غایة ما یثبت أن الراکد القلیل خارج منها ، ولا ینافی ذلک خروج غیرها ، نعم لو کان یظهر ذلک لکان الأمر کذلک ، فتأمّل.

ویمکن أن یقال : أقربیة المجازات ترجح عدم الخروج ، إلاّ أنّها لا تقاوم العمومات التی فی الخاص ، ولا توجب تخصیصا ، لأن بقاء هذا العام علی عمومه أقوی من أقربیة المجاز ، وإلا لیفسد الأمر فی العام والخاص المطلقین ، فتأمّل.

إلاّ أن یقول : إن عموم المفهوم ضعیف ، یعارضه ویقاومه الأقربیة ، وتترجح علیه أو تساویه ، وحینئذ یحصل الاحتمال المنافی للاستدلال ، لکن هذا یرد علی الشارح أیضا عند استدلاله بالمنطوقات العامة ، إلاّ ان الشارح التزم بما ذکر علی ذلک التقدیر فقال : عمومان تعارضا.

مع أن عموم المفهوم بالنسبة إلی القلیل الجاری أضعف البتة ، لندرة تحققه فی بلد السائل والمسؤول - وفیما بینهما أیضا - غایة الندرة ، بل غیر ظاهر التحقق. هذا.

والأولی فی الجواب أن یقال : إن اختار العلامة العموم من وجه فالأمر علی ما ذکره الشارح - رحمه الله - وإن اختار العموم المطلق ، کما هو مقتضی

ص: 50


1- فی « ب » و « ج » و « د » زیادة : أی مطلق لا من وجه.
2- ما بین القوسین أثبتناه من « ه ».

استدلاله ، نقول : الخاص مقدم إذا کان دلالته قویة ، بل وأقوی ، لأن عموم المفهوم - علی تقدیر تحققه - لیس بحیث یقاوم المنطوق ، فضلا عن أن یکون أقوی ، سیما مع اعتضاده بأمور کثیرة :

( منها الکثرة ) (1) ، ومنها العلة المنصوصة ، ومنها ما سنذکر فی ماء الحمام ، ومثل نفی البأس أصلا ورأسا فی البول فی الجاری ، کما ورد فی غیر واحد من الأخبار (2) ، سیما بملاحظة الحکم بالکراهة فی الراکد ، ومنها الإجماع المنقول ، ومنها اشتهار الفتوی ، وشذوذ الفتوی بالآخر ، ومنها الأصول المتعددة التی مرت ، ومنها الأوفقیة للشریعة السمحة السهلة ، والإطلاقات فی إزالة الأحداث والأخباث ، وقوله تعالی ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا ) (3) ، ومنها وهن العموم فی المفهوم بما سیجی ء فی مباحث البئر وماء المطر وغیرهما ، ومنها الاعتضاد بظواهر القرآن.

فظهر عدم جواز التخصیص علی المذهب الآخر أیضا ، وهو کفایة المقاومة والمقابلة للخاص مع العام فی مقام التخصیص ، من دون اشتراط کون الخاص أقوی ، لکونه للجمع بین الأدلة. مضافا إلی أن الجمع غیر منحصر فی ما ذکر للعمل به فی الراکد القلیل ، لکونه مرادا علی أی تقدیر.

قوله : وقوة دلالة. ( 1 : 32 ).

فیه : أنّه قد ورد بعض ما دل بالمنطوق ، مثل ما ورد فی الصحیح من أن الدجاجة والحمامة إذا کانت تطأ العذرة وتدخل الماء لا یتوضأ منه إلاّ أن یکون کرا (4).

ص: 51


1- ما بین القوسین غیر موجود فی « ج » و « د ».
2- الوسائل 1 : 143 أبواب الماء المطلق ب 5.
3- النساء : 43 ، المائدة : 6.
4- التهذیب 1 : 419 / 1326 ، الاستبصار 1 : 21 / 49 ، مسائل علی بن جعفر : 193 / 1. الوسائل 1 : 159 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 4.

لکن فی استفادة العموم منه سیما بحیث یقاوم ما أشرنا تأمل ، لأن الظاهر منه غیر الجاری ، لأن السابق إلی الذهن منه أنه الذی وطأته الدجاجة والحمامة ، والجاری غالبا لا یقف ، بل یذهب ویجی ء موضعه غیره ، ویکون کثیرا أزید من کر ، فضلا عن أن یکون أقل منه.

مع أن تحقق الجاری الأقل من الکر فی بلد السائل والمسؤول مما یکاد یحکم بعدمه ، بل ویحکم ، سیما وأن یکون فی الدور والمساکن ، بحیث تطأ الدجاجة والحمامة وتدخله.

ومما ذکر ظهر الوهن فی عموم المفهوم أیضا.

قوله : لو نقص. ( 1 : 33 ).

یعنی الذی یمتزج بالماء بعنوان الدفعة العرفیة ، لو شرطها ، أو مجموع ما بین المتغیر وأصل المنبع ، لو لم یشترط ، فتأمل. والمراد التدافع من قبل المنبع ، وعلی خصوص المتغیر ، فتأمل.

قوله : بجهالة بکر. ( 1 : 34 ).

لا یخفی أن مضمون الروایة لا تأمل فیه ، لما سنذکره ، فلا وجه للقدح فی سندها.

مضافا إلی أن المشایخ ذکروها علی سبیل الاعتماد والاعتداد ، ووافقها غیرها من المعتبرة. مع أن سندها إلی صفوان صحیح ، وهو عن منصور الثقة ، عنه ، وصفوان ممن أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصح عنه ، وکذا ممن لا یروی إلاّ عن ثقة ، کما صرح به الشیخ فی العدة (1).

قوله : وعدم اعتبار. ( 1 : 34 ).

عدم انفعال الجاری إنما هو من جهة أن له مادة متصلة به ، وماء

ماء الحمّام

هل تشترط فی مادّته الکرّیّة أم لا؟

ص: 52


1- عدة الأصول 1 : 386.

الحمام حکم فیها بأنه بمنزلته ، مع أن المتعارف أن له مادة قطعا ، والجواب هو ما سیذکره.

لکن یمکن أن یستدل له بعموم المنزلة ، والظاهر أنّ وجه الاستدلال هو هذا ، وظاهر أنّ الجاری لم یعتبر فیه الکریة أصلا ، ولو کان من الأفراد النادرة. إلاّ أن یمنع الشارح - رحمه الله - عمومها ، وعلی فرض تمشی المنع فهو جواب آخر ، فتأمّل.

وبما قررنا ظهر أنّه لا حاجة إلی اعتبار المادة ، بل یکفی المنزلة ، فتأمّل.

قوله : لما سیجی ء. ( 1 : 34 ).

ما سیجی ء لیس إلاّ المفاهیم - ولا عموم لها عنده - وما ورد فی الموارد الخاصة ، وغیر خفی أنّها ظاهرة فی غیر الحمام ، ولم یثبت إجماع مرکب ینفع المقام حتی یستعین به ، سیما بعد ما اعترف بقوله : والحال یقتضی العکس ، کما صرحوا به ، فکیف یمکن بعده دعوی الإجماع المرکب ، وعدم جواز القول الثالث.

فلا یمکن دعوی تنقیح المناط أیضا ، سیما بعد ورود ظواهر من الأخبار أیضا ، منها ما ذکره ، ومنها ما ورد عنهم : « انّ ماء الحمام کماء النهر یطهر بعضه بعضا »(1).

وروی أیضا فی الصحیح : انّ ماء الحمام الذی فیه الجنب وغیره ینضح علی الرجل ، فقال علیه السلام : « ألیس هو بجار؟ » ، فقیل : بلی ، فقال : « لا بأس » (2).

ص: 53


1- الکافی 3 : 14 / 1 ، الوسائل 1 : 150 ، أبواب الماء المطلق ب 7 ح 7.
2- الکافی 3 : 14 / 3 ، التهذیب 1 : 378 / 1169 ، الوسائل 1 : 213 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 8. بتفاوت یسیر.

وعن أبی یحیی الواسطی (1) ، عن بعض أصحابه ، عن أبی الحسن الهاشمی : عن ماء الحمام یقوم علیه الرجال ، لا أعرف الیهودی من النصرانی ، والجنب من غیر الجنب ، قال : تغتسل منه ولا تغتسل من ماء آخر ، فإنه طهور (2).

وفی الفقه الرضوی : ماء الحمام سبیله سبیل الجاری إذا کان له مادة (3).

بل بعد تأمل لعله لا یبقی فرق معتد به بینه وبین الجاری ، بالنظر إلی الأدلة ، وحکایة عدم اشتراط الکریة ، وما استدل به الشارح - رحمه الله - علیه فی الجاری یمکن أن یستدل به أیضا فی المقام ، وما أورده یمکن أن یرد علیه هنا ، فتأمل.

قوله : ولأن المادة. ( 1 : 34 ).

لا یخلو بحسب الظاهر عن مصادرة ، إلاّ أن یکون مراده أنه کذلک بالقیاس إلی الأدلة والقواعد الشرعیة الممهدة. والفرق بینه وبین السابق أنه إشارة إلی ما یظهر منه المانع عن الانفعال ، والأول إلی ما دل علی الانفعال ، فتأمّل.

قوله : لعموم قوله. ( 1 : 35 ).

یعنی أنه یصدق علی المجموع أنّه قدر کر ، فیشمله العموم ، وإن لم یصدق علیه الوحدة عرفا ، کما سیصرح بذلک. لکن لا نزاع فی العموم ولا شموله لکل ماء واحد حقیقة ، وإنما الکلام فی دخول الکر المتصل فیه ، مع

هل تشترط کریّة ما فی الحیاض؟

ص: 54


1- فی النسخ : أبی الحسن الواسطی : والصحیح ما أثبتناه من المصدر.
2- التهذیب 1 : 378 / 1171 ، الوسائل 1 : 149 أبواب الماء المطلق ، ب 7 ح 6.
3- فقه الرضا : 86 ، المستدرک 1 : 194 ، أبواب الماء المضاف ب 7 ح 2.

عدم صدق الوحدة عرفا ، وسیجی ء الکلام فیه.

قوله : ومن العجب. ( 1 : 35 ).

لم نجد فیه تعجبا ، لأنّ اعتباره الکریة بناء علی ما هو الغالب فیه من النزول من مثل المیزاب ، وقد اعترف الشارح - رحمه الله - بعدم صدق الوحدة ، کما سیجی ء کلامه ، ومقتضی هذا الانفعال عندهم بالنسبة إلی ماء الحمام الذی هو عبارة عما فی الحیاض الصغار ، کما صرح به.

وأمّا عدم استشکاله فی الحمام فللأخبار المعمول بها ، وفتاوی الأصحاب ، بل الإجماع ، إذ لا شک فی عدم انفعال مثل هذا عند کافة المسلمین ، وأنّهم فی الأعصار والأمصار کانوا یتطهرون به. وبهذا یظهر وجه استشکاله [ فی ] انسحابه إلی غیره.

وأمّا تصریحه بتقوّی الأسفل فلعله فی صورة الانحدار ، بناء علی أنّه لما کانت النجاسة لا تسری إلی الفوق فکذا الطهارة.

لکن یرد علیه ما سیورده من انفعال النهر العظیم المنحدر (1). والأظهر أن رأیه تغیر ، وهو غیر عزیز من المجتهدین ، لأنّه شاهد علی تجدد النظر وتکراره والإمعان والدقة ، وعدم المساهلة والتقلید وجمود القریحة. ولذا جعل عدم التغیر قدحا فی الاجتهاد ، لکونه کاشفا عن المسامحة أو شائبة تقلید أو جمود القریحة ، إذ عادة لا یمکن استقرار الرأی مطلقا ، أما عند من اشترط التجدد فظاهر ، وأمّا عند من لم یشترط إذا اتفق التجدد ، مع أنّه لا تأمّل فی حسنه ، فتأمّل.

( ویمکن أن یکون حکمه فی الحمام بکریة المادة بناء علی ما هو المتعارف فیه من أخذ مائه فی استعماله وذهابه علی سبیل التدریج ، فلا یبقی

ص: 55


1- انظر المدارک 1 : 45.

قدر الکر ، وأنّ استعمالاته ربما تغیر شیئا منه ، وأمّا الغدیران فربما حکم فیه بمجرد الملاقاة ، فتأمّل ) (1).

قوله : إنّما هو لصیرورة. ( 1 : 36 ).

کونها علة لعدم قبول الوارد من الخارج ودفعه إیاها لا یستلزم علیتها لعدم قبوله للداخلة ورفعها إیاها ، وهل هو إلاّ قیاس مع الفارق؟! لأن الدفع أهون.

وقوله : امتزاج کل جزء. ، بناء علی أن المطهر لا بدّ أن یماس المطهر حتی یطهر ، إذ لا یکفی مماسة الجار.

وقوله : لعدم العلم. ، مبنی علی استصحاب النجاسة حتی یتحقق العلم بالمزیل ، وأنّ شرط الطهارة المماسة ، فالشک فیها یوجب الشک فیها ، وهو أیضا مبنی علی الاستصحاب ، وإلاّ فالأصل فی الماء الطهارة ، فیکفی الشک فی النجاسة لحصول الطهارة.

اللهمّ الا أن یرید العلم بالعدم ، وفیه منع ظاهر ، إذ ربما یتحقق العلم العادی بالمماسة ، کما فی مثل السکنجبین.

لا یقال : لا بدّ من العلم بالوصول وهو متصل بالمادة.

لأنا نقول : یتحقق بالنسبة إلی الطبقة الأولیة ، ثم بعد طهارة تلک الطبقة یتحقق مزج تلک الطبقة مع ممزوجها بالطبقة الثانیة ، وهکذا. سیما مع أن الأصل فی الماء الطهارة حتی یتحقق العلم بنجاسته.

وقوله : لم یکن. أیضا قیاس مع الفارق ، لأن الاتصال المشوب بالمزج لیس مثل غیر المشوب فی الضعف.

وقوله : بعدم طهارته. أی البعض الأخر ، فیه أنه یلزم القول بعدم

طریق تطهیر ما فی الحیاض

ص: 56


1- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

الطهارة من الحین ، أما بعد مضی قدر استعمل فیه أسباب الخلط وإدخال البعض الأول مع الممزوج به فی هذا الآخر ، فإنه یتحقق العلم بالمزج فی غایة القرب ، لغلبته وکثرته الزائدة ، فتأمّل.

وقوله : انّ المداخلة ممتنعة. ، إن أراد التداخل الحکمی فلا شک فی امتناعه ، کما أنه لا شک فی عدم الداعی إلیه ، وإن أراد دخول البعض فی خلل البعض بحیث یتحقق المماسة التی أشرنا إلیها فلا شک فی عدم امتناعه ، إلاّ أن یرید امتناع العلم ، وفیه ما مر ، وکذا فی قوله : فالمعتبر.

قوله : اعتبار حسن. ( 1 : 36 ).

نبه بذلک علی فساد الأدلة السابقة ، ومع ذلک حسنه موقوف علی ثبوت العموم ، کما سیذکر (1).

قوله : وذلک یقتضی. ( 1 : 37 ).

فیه ما أشرنا فی بحث التغیر التقدیری ، مضافا إلی أصالة بقاء النجاسة ، وأصالة عدم الطهارة ، فتأمّل.

قوله : بأصالة عدم الطهارة. ( 1 : 37 ).

الظاهر أن مراده - رحمه الله - استصحاب النجاسة إلی أن یثبت المزیل ، والشارح غیر قائل بحجیة الاستصحاب ، لکن سیصرح فی زوال التغیر من قبل نفسه بأن مرجع هذا الاستصحاب إلی عموم الأدلة الدالة علی النجاسة وعلی المنع من الاستعمال ، مثل قوله : « کل ماء طاهر حتی تعلم أنّه قذر » (2) ، إذ المستفاد منه أن غایة ما یجوز الحکم بطهارته حصول العلم بالنجاسة ، وأنّ الحکم بها مستصحب إلی ذلک الحین خاصة ، وبعده لا

ص: 57


1- فی « ه » : سنذکره.
2- الوسائل 1 : 133 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 2 ، 5.

یجوز الحکم بها مطلقا ، بل الحکم بالنجاسة مطلقا ، ووجوب التنزه عنه بالمرة رأسا. ویؤیده ما ورد من الأمر بالتنزه عن الإنائین المشتبهین ، وبصب المیاه النجسة (1) ، وغیر ذلک.

علی أن الظاهر أن الطهارة والنجاسة من الأمثلة التی تظهر من تتبع تضاعیف الأحکام الواردة فی الأحادیث وأقوال الفقهاء فی الموارد والمقامات الخاصة أنها مستصحبة إلی أن یثبت خلافها ، بل فی المقام أیضا یظهر اتفاقهم علی الاستمرار إلی أن یثبت خلافها ، حتی أنه لو لم یکن الاتصال مطهرا شرعیا عند القائل به لکان قائلا بالنجاسة البتة ، وکون النجاسة مستصحبة إلی حین الاتصال ، مع عدم کونه مطهرا شرعیا ، خلاف ما یظهر من الأدلة وکلامهم. علی أنه سیظهر لک أن حجیة الاستصحاب قریبة.

ویحتمل أن یکون المراد من الأصل القاعدة ، وهی أن الطهارة الشرعیة تحتاج إلی دلیل شرعی ، ولا عموم للأصل والعمومات حتی یشمل ما نحن فیه ، فتأمّل.

قوله : لکن فی إثبات العموم نظر. ( 1 : 37 ).

استدل علیه بالإطلاقات الواردة فی ان الماء طهور ، ومضی الکلام فی أن المراد منه المطهریة ، ومنع رجوع مثل هذا الإطلاق إلی العموم.

ویمکن أن یستدل علیه بما فی بعض الأخبار من « ان ماء الحمام کماء النهر یطهر بعضه بعضا » (2) ، لإفادة شمول مطهریة الماء لنفسه أیضا ، وأنه بمجرد الملاقاة والاتصال ، حیث لم یشترط فیه المزج ، إذ لو کان شرطا لذکره ، إذ المقام یحتاج إلی ذلک ، ولیس الاستعمال حال الملاقاة بنادر التحقق حتی یقال بکفایة الندرة عن الحاجة إلی ذکر الشرط ، فتأمّل.

ص: 58


1- انظر الوسائل 1 : 150 أبواب الماء المطلق ب 8.
2- الکافی 3 : 14 / 1 ، الوسائل 1 : 150 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 7.

وهذا وإن ورد فی الحمام والجاری إلاّ أنّه یمکن أن یتمم بعدم القول بالفصل ، وما ورد فی بعض الأخبار من قوله علیه السلام : « ألیس هو بجار » (1). فتأمّل.

مضافا إلی عدم ظهور مآخذ القول بالمزج أصلا من الأخبار والأدلة ، إذ ما استدل له ظاهر الفساد ، ولم یدّع إجماع فیه ، ولا استند القائل به علیه. ومجرد الاتفاق هنا یکون إجماعا اصطلاحیا یحتاج إلی تأمّل.

وأیضا لم یعلم القدر المعین منه بحیث یکون هو مناطا للحکم. فتأمّل.

إلاّ أن یؤول کلامه إلی ما ذکرنا فی الحاشیة السابقة عند قوله : إنما هو لصیرورة. فتأمّل.

فإن قلت : ظاهر الخبر الاختصاص بالحمام والجاری ، حیث قال : « ماء الحمام کماء النهر ».

قلت : مفهوم اللقب لیس بحجة علی المشهور ، لما ذکر فی موضعه ، سیما بعد ما أشرنا هنا.

مضافا إلی أنّ منشأ التخصیص والتمثیل کونهما مقرونین مع المطهر ، وکونه من أنفسهما ، فلا یحتاج إلی کلفة ، بخلاف غیرهما ، لاحتیاجه إلی کلفة ، مع مهانة الماء غالبا ، وارتکاب مثل هذه الکلفة فی تحصیل هذا المهین مرجوح فی نظر الشارع ، إذ لا عنایة له بها فیه ، فتأمّل. والاحتیاط مراعاة الامتزاج.

قوله : ویلوح. ( 1 : 37 ).

مشکل ، لما فی ماء الحمام عندهم من الخصوصیة ، هذا مع ما

الماء المحقون

إشارة إلی أنّ مفهوم اللقب لیس بحجّة

ص: 59


1- الکافی 3 : 14 / 3 ، الوسائل 1 : 213 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 8.

ستعرف.

قوله : أطبق علماؤنا. ( 1 : 38 ).

یشعر العبارة بأنّ ابن أبی عقیل ربما یکون مخالفا للإجماع ، ویؤیّده أن الصدوق - رحمه الله - فی خصاله قال : من دین الإمامیة الإقرار بأن الماء کله طاهر حتی تعلم أنه قذر ، ولا یفسد الماء إلاّ ما کانت له نفس سائلة (1) ویؤکده أیضا ما ستعرف.

قوله : والمعتمد. ( 1 : 38 ).

ما دل علی الانفعال نصا أو ظاهرا فی غایة الکثرة ، بل ربما یظهر من ملاحظة مجموع ما ورد فی مباحث المیاه ، مثل مبحث الجاری ، والحمام ، والبئر ، وتعیین الکر والأشبار (2) ، واشتباه الإنائین النجسین (3) ، والغسالة ، ومباحث النجاسات ، وتطهیر الأوانی سیما مبحث الولوغ ، والثیاب ، وإدخال مثل الجنب یده فی الماء القلیل ، ومبحث ماء المطر ، وبحث الوضوء ، وبحث الوضوء والغسل ، وقضاء الصلوات وإعادتها ، والأطعمة والأشربة ، ومتعلقات هذه المباحث ، ونصوصها وأدلتها ، وکذا غیر ذلک من المواضع. والحاصل أن أدلته وأخباره متواترة معنی.

مضافا إلی أن کثیرا منها اشتهر بها الفتوی من القدماء والمتأخرین ، بل ربما لا یظهر له مخالف ، بل ربما صرحوا بالإجماع ، وربما فرعوا تفریعات اعتنی بشأنها القدماء والمتأخرون ، فتتبع وتأمّل.

وصرح جدی العلامة المجلسی - رحمه الله - بما أشرنا إلیه من التواتر

نجاسة الماء القلیل بالملاقاة
أدلة القول بنجاسته

ص: 60


1- لم نعثر علیه فی الخصال ، ووجدناه فی الأمالی : 514.
2- فی « ه » : والأسآر.
3- فی « ه » : النجس.

بالمعنی (1). وممّن صرح بذلک أیضا صاحب المعالم فی معالم فروعه (2). بل وربما صرحوا بأن حدیث : « إذا کان الماء قدر کر لم ینجسه شی ء » من المتواترات.

وأمّا الدلالة علی الانفعال فمن جهة الکثرة ، وتضاعیف الأنحاء ، وتعاضد بعضها ببعض ، مضافا إلی فتاوی الجل بل کاد أن یکون الکل ، صارت بحیث لا مساغ للحمل علی الکراهة بأجمعها ، سیما وأن یکون کراهة بحیث لا مضایقة أصلا ورأسا من الاستعمال ، کما هو مقتضی جل أدلة الخصم وظاهر استدلاله وفتواه ، بل ربما یکون القول بالکراهة ، سیما المغلظة ، کما یرتکبه موافقوه الآن من الأقوال المستحدثة والخارجة عن مقتضی جل أدلة الطرفین ، بل کاد أن یکون الکل ، کما ستعرف ، فتأمّل.

مع أنّ کثیرا من الأخبار لا یکاد یقبل التوجیه ، مثل روایتی الإنائین (3) ، وروایة الولوغ (4) ، سیما بعد ملاحظة ما سیجی ء فی مبحثه.

وروایة عمار فی زیادات التهذیب عن الصادق علیه السلام : الرجل یجد فی الإناء فأرة ، وقد توضأ مرارا وغسل ثیابه واغتسل ، وهی متسلخة ، قال : إن رآها قبل الغسل والوضوء والغسل فعلیه أن یغسل ثیابه ، ویغتسل ، ویغسل کل ما أصابه الماء بعد الوضوء والصلاة. وإن کان رأی بعد ما فرغ فلا یمس من الماء شیئا ، ولیس علیه شی ء ، لأنه لا یعلم متی سقطت ، لعلها سقطت تلک الساعة (5).

ص: 61


1- روضة المتقین 1 : 54.
2- معالم الفقه : 5.
3- الکافی 3 : 10 / 6 ، التهذیب 1 : 248 / 712 ، 1 : 249 / 713 ، الاستبصار 1 : 21 / 48 ، الوسائل 1 : 155 ، 69 أبواب الماء المطلق ب 8 ، 12 ح 14 ، 1.
4- انظر المدارک 1 : 39.
5- التهذیب 1 : 418 / 1322 ، الوسائل 1 : 142 أبواب الماء المطلق ب 4 ح 1 بتفاوت فی العبارات.

وفی الموثق کالصحیح عن محمّد ، عن الصادق علیه السلام : الکلب یشرب من الإناء ، قال : « اغسل الإناء » (1) ، وغیر ذلک من الأخبار ، فتأمّل.

قوله : لنا قوله. ( 1 : 38 ).

لا یقال : لم تثبت الحقیقة الشرعیة.

لأنا نقول : المتحقق فی موضعه أن حال کلام الصادقین علیهماالسلام ومن بعدهما حال المتشرعة. علی أن الحمل علی اللغوی لا یصح ، إذ لا یسأل عنه (2) الجهّال فضلا عن الفقهاء ، وسیما عنهم علیهم السلام .

وأیضا ولوغ الکلب وأمثاله لا دخل له فیه ، وکون الماء قدر کر لا ربط له فی عدمه ، وکذا کونه أقل لا دخل له فی وجوده.

وکون المراد أمرا شرعیا وهو الکراهة ، یأباه أن الصارف عن اللغوی یعین المصطلح علیه ، وهو مسلم عند المنکرین ، وعلیه المدار فی الفقه ، ووجهه القطع بکثرة استعمال الشارع فیه إلی أن وقع النزاع فی صیرورته حقیقة فیه عنده ، وقال به الأعاظم من الفحول ، وکونه حقیقة فی قرب من الزمان وفاقا ، فلیس من قبیل سائر المجازات سیما نادر الاستعمال ، وخصوصا إذا لم یظهر استعماله ولم یثبت.

مع أن القرائن ظاهرة من الأخبار علی أن مراد السائل ما کان السؤال عن الکراهة. مع أنّ غیر واحد من أخبارهم صریحة فی النجاسة ، أو ظاهرة غایة الظهور ، کما أشرنا. مع أن المشهور المعروف عند المسلمین کان

ص: 62


1- التهذیب 1 : 225 / 644 ، الاستبصار 1 : 18 / 39 ، الوسائل 1 : 225 ، أبواب الأسآر ب 1 ح 3.
2- فی « ج » و، « د » : عن.

الإشکال والاختلاف فی الانفعال وعدمه ، ولأجل هذا کان فقهاء أصحابهم : یسألونهم بأن الحق ما ذا ، ویریدون الحق عندهم : ، کما لا یخفی علی المتفطن.

قوله : ما دون الکر. ( 1 : 38 ).

بل نقلوا الإجماع علی حجیة هذا المفهوم بخصوصه (1).

قوله : وهو کنایة. ( 1 : 39 ).

ویؤیده ما ورد عنهم علیهم السلام من المنع عن صب فضلة الماء وعده إسرافا (2) ، وقد ورد الأمر بالإهراق فی ملاقاة النجاسة فی کثیر من الأخبار (3).

قوله : قد تواتر. ( 1 : 39 ).

یشبه أن یکون وقع لابن أبی عقیل اشتباه بین هذا المضمون وبین قولهم : « کل ماء طاهر حتی تعلم أنه قذر » وأمثاله ، إذ لو کان هذا المضمون متواترا عنهم علیهم السلام فی عصره فلم لم یروه أحد ممن عاصره والمقاربین لعصره بطریق واحد فضلا عن التواتر؟ وما أشاروا الی ذلک فی مقام الاستناد والاستدلال ، سیما مع شدة جهدهم فی ضبط روایاتهم ، حتی الشواذ ، وغیر المعمول بها أو بظاهرها ، مع نهایة مهارتهم فیها ، بل بذلوا جهدهم فی ضبط روایات العامة عن النبی صلی الله علیه و آله ، وعلی علیه السلام وغیرهما ، مما یمکن أن یتأید به.

ولذا روی بعضهم هذا المضمون من طریق العامة عنه صلّی الله علیه

أدلّة القول بعدم النجاسة

ص: 63


1- لم نعثر علی ناقله.
2- الوسائل 5 : 51 أبواب أحکام الملابس ب 28.
3- الوسائل 1 : 150 أبواب الماء المطلق ب 8.

وآله (1) ، ولم یشر أحد من الخاصة إلی ورود مثله عن الصادق علیه السلام ، أو غیره من الأئمة علیهم السلام فی موضع من المواضع ، مع أنّهم ربما یذکرون الروایة بهذا المضمون من طریق العامة عن النبیّ صلی الله علیه و آله ، ویظهر من علم الرجال أنه ربما یقع أمثال هذا الاشتباه من الرواة.

ولعل ما ذکرنا هو المنشأ لمخالفة سائر الشیعة من الفرقة الناجیة المعاصرین للأئمة علیهم السلام الکثیرین الخلطة لهم ، الراوین منهم ، الوکلاء عنهم ، وکذا قریبی العهد منهم المطلعین علی رأیهم ، بل وطریقة عملهم وعمل أهلهم وخواصهم ، وابن أبی عقیل لم یصل إلیهم ، ولم یستند إلا إلی أنّه قد تواتر عنهم - وفیه ما قد عرفت - وإلی ما روی عن الباقر علیه السلام ، علی تقدیر أنه هو استند إلیه ، لا أن العلامة ذکر له.

مع أنه یقرب فی الظن أن هذه الروایة مختصرة مضمون روایة زرارة عنهم علیهم السلام ، المتضمنة للنجاسة مع تفسخ المیتة دون عدم التفسخ ، وعدمها إذا کان الماء أکثر من راویة ، مع ضعف السند ، مع أنّ الروایة هکذا : قلت له : راویة من ماء سقطت فیها فأرة ، قال : « إذا تفسخ فلا تشرب ولا تتوضأ ، وإن کان غیر متفسخ فاشرب وتوضأ إذا أخرجتها طریة ، وکذلک الجرة ، وحب الماء ، والقربة ، وأشباه ذلک من أوعیة الماء »(2).

فظهر أن نفس هذه الروایة مضمونها ما ذکرناه ، فهی حجة علی ابن ابی عقیل ، لا أنها حجة له ، سیما بملاحظة قوله علیه السلام : وأشباه ذلک من أوعیة الماء ، إذ قال هکذا ولم یقل : وکذلک کل ماء ، أو کل قدر من الماء ، أو کل وعاء منه.

الجواب عن أدلّة القول بعدم النجاسة

ص: 64


1- سنن ابن ماجة 1 : 174 / 521.
2- التهذیب 1 : 412 / 1298 ، الاستبصار 1 : 7 / 7 ، الوسائل 1 : 139 ، أبواب الماء المطلق ب 3 ح 8. بتفاوت یسیر.

فهی تضرّ ابن أبی عقیل من جهتین :

الأولی : الانفعال من المتفسخ دون غیر المتفسخ ، ولم یقل به هو ولا غیره من الشیعة ، فلعله من مذاهب العامة ، فهذا مضعف آخر للروایة ، مانع عظیم للاستدلال ( ومقام التأویل غیر مقام الاستدلال ) (1).

والثانیة : مفهوم الروایة یدل علی انفعال أقل من القربة وأشباه ذلک ، والدلالة ظاهرة ، بل المفهوم مفهوم الحصر ظاهرا ، وأما منطوقها فهو أیضا لا یدل علی مذهبه ، بل علی عدم انفعال قدر خاص. إلاّ أن یراد النقض (2) ، أو التشبّث بعدم القول بالفصل ، وفیه : أنّه سیجی ء ما یظهر منه القائل به ، فالمناسب أن یؤتی بهذا الخبر فی مبحث قدر الکر ویتکلم فیه لا أن یؤتی به دلیلا لابن أبی عقیل.

مع أن المخالف لیس إلا هو ، فإن کان إجماع فهو مخالف ، وإلاّ فکیف یتأتّی له التشبث به؟! فهذا حال معاصریه والقریبی العهد لهم ، وأمّا فقهاؤنا المتقدمون والمتأخرون مع تبائن سلائقهم واختلاف مشربهم اتفقوا علی الانفعال کل الاتفاق ، بل وربما نسبوا ابن أبی عقیل إلی مخالفة الإجماع ، منه ما أشرنا.

وموثقة عمار وسماعة الواردتان فی أنّه إذا وقع فی أحد الإنائین قذر ولا یدری فیهراقان ویتیمّم (3) ، إذ اتفق الأصحاب علی العمل بمضمونها ، ونقل الاتفاق جمع ، منهم الفاضلان (4) ، ونقل الخلاف من خصوص الشافعی (5).

ص: 65


1- ما بین القوسین لیس فی « د ».
2- فی « أ » و « د » و « و » : النقص.
3- راجع ص 61.
4- المعتبر 1 : 103 ، نهایة الإحکام 1 : 248.
5- حکاه عنه فی الخلاف 1 : 197 وهو فی الأم 1 : 10.

وفی مسألة الولوغ ادعی الشیخ فی الخلاف ، والعلامة فی المنتهی ، والشهید فی الذکری (1) ، الإجماع علی الغسل ثلاثا ، أو لهن بالتراب ، والأصل فیه صحیحة أبی العباس (2) ، وسیجی ء المسألتان مع المباحث والمتعلقات.

وفی بحث قدر الکر نقل الإجماع (3) ، والأصل فیه مرسلة ابن أبی عمیر (4). وفی انفعال غسالة الحمام نقل الإجماع (5). وفی حجیة مفهوم الشرط فی قولهم : إذا کان الماء قدر کر نقل الاتفاق.

وبالجملة : تتبع کثیر من المسائل یشهد بعدم اعتنائهم أصلا بفتواه ، فتأمّل جیدا.

قوله : والجواب. ( 1 : 39 ).

یمکن الاستدلال بأخبار أخر ، إلاّ أن الکل مشترک فی عدم المقاومة ، إما من حیث السند أو الدلالة أو کلیهما ، مع ندرة القائل والمخالفة لما اشتهر بین الأصحاب غایة الشهرة ، لو لم نقل بالإجماع ومظنة اشتباهه.

وأنه لم یستند إلی هذه الأخبار ، ومستنده ، لم یرو فی أصول الشیعة ، ومظنة أن مستنده هی لا غیر ، والمعارضة مع ما هو أکثر بمراتب شتی - لو لم نقل بالتواتر - وأقوی دلالة ، مع صحة السند ، لو لم نقل بالقطع ، کما مر ، والموافقة لمذهب العامة المشهور فی زمان الصدور ، سیما فی الحجاز.

ص: 66


1- الخلاف 1 : 175 ، المنتهی 1 : 187 ، الذکری : 16.
2- التهذیب 1 : 225 / 646 ، الاستبصار 1 : 19 / 40 ، الوسائل 3 : 516 أبواب النجاسات ب 70 ح 1.
3- کما فی المعتبر 1 : 47 ، والغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 551.
4- انظر المدارک 1 : 47 ).
5- السرائر 1 : 91.

مع أن معارضها متضمن للأحکام الشائعة عند الشیعة المعمولة بینهم ، أو المختصة بهم ، مثل حد الکر وغیره.

مع أن عمدة أسباب الاختلاف التقیة.

وربما یؤیدها (1) اختلاف تحدید الکر ، ویضعف التأیید أن الاختلاف فی الجملة لا یخلو عنه الأحکام الفقهیة ، ولم یجعل الاختلاف مرجح عدم اللزوم أول مرة بالبدیهة ، بل المدار علی الترجیح ، ومع الیأس عنه علی الأصول ، وإلاّ لم یوجد حکم فقهی ، والرجحان ستعرفه. ومع الإغماض فخصوص الزائد محمول علی الاستحباب ، کما هو أحد الأقوال.

نعم لو کان الاختلاف من قبیل اختلاف النزح فالظاهر أنه مرجح ، ولو سلم فقد عرفت ما بإزائه من المرجحات.

فإن قلت : صحیحة زرارة عن الصادق علیه السلام ، عن الحبل یکون من شعر الخنزیر ، یستقی به الماء من البئر ، هل یتوضأ من ذلک الماء؟ قال : « لا بأس » (2) ، خالیة عن الوهن سندا ودلالة.

قلت : لیس کذلک ، لأن نجاسة شعر الخنزیر محل کلام ، مع احتمال کون المشار إلیه ماء البئر بقرینة « یستقی » المفیدة للاستمرار ، مع التعرض لذکر قوله : « من البئر » وتقیید یستقی به ، المشعر بمدخلیته فی السؤال.

وموثقة ابنه الحسین عنه ، عن الصادق علیه السلام : شعر الخنزیر یعمل حبلا ویستقی به من البئر التی یشرب منها ویتوضأ؟ ، قال : « لا بأس » (3).

ص: 67


1- فی « ج » و « د » : یؤیّده.
2- الکافی 3 : 6 / 10 ، التهذیب 1 : 409 / 1289 ، الوسائل 1 : 170 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 2.
3- الکافی 6 : 258 / 3 ، الوسائل 1 : 171 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 3.

واحتمال عدم وصول الشعر إلی الماء وإن کان بعیدا ینفع لعدم العلم بالنجاسة ، وهو المعتبر فی موضوع الحکم ، سیما فی الماء عند معظم المحققین ، کما هو مقتضی الدلیل بالنظر إلی موضوع الحکم. وأمّا نفس الحکم فیکفی ظن المجتهد ، کما هو المحقّق والمسلّم ، مع أنّه لا محیص عنهما.

مع أن الأصل فی الأشیاء الطهارة حتی یحصل الیقین بأنه نجسها شی ء - وسیما الماء - بالأخبار الدالة وحکم الاستصحاب.

وسیجی ء التحقیق فی الفرق بین نفس الحکم وموضوعه فی ما ذکر ، فلاحظ.

فإن قلت : فی الحسن : الجنب ینتهی إلی الماء القلیل فی الطریق یرید أن یغتسل ویداه قذرتان؟ ، قال : « یضع یده ویتوضأ ویغتسل » (1) ، الحدیث.

قلت : غیر معلوم أن القلیل أقل من الکر ، ولا أن القذر هو النجس ، لعدم کونهما حقیقتین فیهما ، لا عند الشارع ولا المتشرعة ، ولا قرینة ظاهرة.

مع أنّ قوله : « یتوضأ » یشهد علی البناء علی التقیة ، لظهوره فی المعنی الاصطلاحی ، لثبوت الحقیقة الشرعیة فی کلام الصادقین علیهماالسلام ، کما مر ، مضافا إلی ظهوره من تتبع أحادیثهم ، مع مقارنته مع قوله : یغتسل ، فربما یکون الحدیث من الشواهد علی احتمال التقیة فی ما دل علی الطهارة ، کما مر.

ولعل قوله : لیس علیکم ، مؤید له ، بأن یکون إشارة إلی النجاسة ، وأنّها من جهة التقیة توجب الحرج ، وذلک لأن جواز استعمال النجس

ص: 68


1- الکافی 3 : 4 / 2 ، التهذیب 1 : 149 / 425 ، الاستبصار 1 : 128 / 438 ، الوسائل 1 : 152 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 5 ، بتفاوت فی العبارة.

اضطرارا خلاف الإجماع ، بل والضرورة ، والطاهر لا حرج فیه أصلا ، وإن کان مکروها ، سیما حال الاضطرار ، فالسؤال لیس عن الکراهة وعلاجها حال الاضطرار ، مضافا إلی بعده فی نفسه.

علی أنّه لو کان السؤال عن علاج الکراهة لتعین کون المراد من القذر معناه الحقیقی مع أنّه لا صارف عنه ، فلا دلالة له بوجه من الوجوه. فتأمّل.

قوله : وإمکان تأویلها. ( 1 : 40 ).

وإن کان بعیدا ، بناء علی أن الجمع أولی من الطرح ، حتی مثل الحمل علی التقیة ( بأن کان هناک قرینة یظهر منها ، وبذهابها صار بعیدا ، کما هو الحال فی جمیع الأخبار المؤولة ، مثل تخصیص العموم ، والحمل علی الاستحباب ، وغیرهما. والأقرب الحمل علی التقیة ) (1) لما مر.

لا یقال : کما یمکن تأویله یمکن تأویل مستند المشهور.

لأنا نقول : هذا موقوف علی تکافؤ الدلیلین ، وقد عرفت حاله ، لأن القاعدة المقررة المسلمة المنصوص علیها التی مدار الفقه علیها ، ولولاها لم یحصل الفقه ، أن المتعارضین إن کان أحدهما راجحا یتعین کونه هو الحجة دون المرجوح ، فلا یمکن تخریب الحجة وتأویلها بسبب المرجوح الذی لیس بحجة ، بل العکس متعین.

وأما الجمع مهما أمکن ، فلا دلیل علیه أصلا ورأسا ، بل خلاف المستفاد من النص ، فضلا عن أن یقدم علی تلک القاعدة المسلمة الثابتة من الأدلة العقلیة والنقلیة ، وأولویة الجمع بتأویل المرجوح إنّما هی لإرجاع ما لیس بحجة إلی الحجة ، وصونه عن مخالفة الحجة الموجبة للبطلان والطرح.

فإن قلت : أصل البراءة ، وأصل الطهارة ، والعمومات ترجح الخبرین.

ص: 69


1- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « ج » و « د » و « ه ».

قلت : لا ترجح إلاّ أحد المتکافئین ، إذ مفاد الأصل أنه لو لم یقتض مقتض یکون کذا ، والراجح مقتض ، کما أشرنا ، والعام یخصص بالراجح ، لأنه قرینة ، سیما بملاحظة شیوع التخصیص ، وعلی ما ذکر یکون المدار فی الفقه. علی أنّها لو کانت مرجحات مطلقا لم یحصل التکافؤ أیضا ، کما عرفت.

علی أن روایة الولوغ لا یمکن تأویلها ، بل وربما کان غیرها أیضا کذلک ، سیما بعد ملاحظة الإجماعات المنقولة ، والتفریعات ، والتعاضد ، وکون التواتر بالمعنی ، وغیر ذلک مما مرّ.

مع أنّه لو فرض إمکان الحمل فلا أقل من الوجوب تعبدا ، أو الکراهة المشددة غایة الشدة ، وشی ء منها لم یفت به ابن أبی عقیل ، بل لم یفت بکراهته أصلا ، فلو لم یعتبر وجود فتوی من القدماء ولم یضر المخالفة عندک لفتواهم فما الداعی لمثل هذا التوجیه الرکیک؟! ولم لا تقول بالانفعال فی هذه الموارد الخاصة ، إذ لا معارض لها بالخصوص ، وأمّا العمومات فالخاص مقدم.

مضافا إلی أنّه کما یظهر منها عدم الانفعال کذا یظهر عدم الکراهة ، فضلا عن تلک الکراهة والوجوب التعبدی ، فتأمّل.

ولا عبرة بعموم المفهوم عندک ، سیّما وأن یعارض المنطوق کما اعترفت. ولا ملازمة بین القول بالانفعال فی الموارد والقول بعموم المفهوم.

مع أنه علی تقدیر التسلیم وتسلیم رجحانه علی المنطوق العام أیضا فالخاص مقدم ، فیلزمه القول بعدم الانفعال فی هذا الخاص ، فإن تمسک بنفی القول الثالث فکذلک نتمسک بنفی القول بالکراهة ، سیما أن تکون مغلظة ، فتأمّل.

علی أن حمل قوله علیه السلام : « وإن لم یغلب فتوضأ واشرب » علی الجواز بکراهة شدیدة بعید أیضا ، فیلزم تخریب جمیع الأحادیث من

ص: 70

الطرفین ، وتخریب أحدهما أولی ، بل یلزم تخریب الصحاح وغیرها ، الصراح والقریبة إلی الصراحة ، وظاهرة الدلالة ، المعمول بها عند الفقهاء ، المتعاضدة بما أشرنا فی الحواشی السابقة ، بخلاف ظاهر خبر ضعیف مستجمع لأسباب الضعف الکثیرة ، مما أشرنا إلیها أیضا ، مضافا إلی عدم وجدان قائل به ، بل وربما یظهر العدم ، وفیه ما فیه.

قوله : لکن لا یخفی. ( 1 : 40 ).

ربما یوهم ظاهر کلامه فی هذا المبحث ورود اعتراض علیه ، بأنّک لو قلت بعموم المفهوم فلا وجه لما ذکرت هاهنا ، وإلا فلا وجه لاختیارک مذهب المشهور بخصوص حدیثین فی موردین مخصوصین ، أو ثلاثة فی ثلاثة ، وجعل روایة الباقر علیه السلام من المعارض ، ثم الطعن فی السند وارتکاب التعسف بإرجاعها إلی المشهور.

وجوابه أنّه - رحمه الله - اختار خلاف ابن أبی عقیل ، أی القدر المشترک بین المشهور ورأی الشیخ والسید ، واکتفاؤه بالحدیثین مبنی علی اعتماده علی عدم القول بالفصل ، أی الخارج عن الأقوال المذکورة ، أو علی الإجماع البسیط علی حسب ما أشرنا ، وإلاّ فالقول بعدم الانفعال فی خصوص الفأرة مما لا یجوز أن ینسب إلی مثله ، لمخالفته الإجماع ، بل وضروری الدین.

فالمنفی فی قوله ولا علی انفعاله. العموم الذی یشمل محل نزاع المشهور مع الشیخ ، لا مطلقا ، یظهر ذلک من تضاعیف أقواله فی هذا المبحث. وقوله : وهو متجه ، یشیر إلی ما ذکرنا ، (1) وإلی تأمله فی رأی الشیخ أیضا.

قوله : وقد استثنی الأصحاب. ( 1 : 40 ).

نبه بذلک علی أن الأصحاب قائلون بالانفعال کلیة إلاّ ما استثنوه ،

ص: 71


1- فی « ب » و « و » زیادة : بل.

ولعل مستندهم الإجماع البسیط الذی أشرنا أو المرکب.

وینبّه علی ذلک حالنا وحال الفقهاء فی کل عصر ومصر ، بأنّا بملاحظة حدیث فی موضع خاص ، مثل حدیث الولوغ ، یسبق إلی أذهاننا انفعال القلیل مطلقا من کل نجاسة ، من دون مدخلیة خصوص ولوغ الکلب مثلا ، سبقا لا تأمّل فیه ولا تزلزل ، ولو أطلعنا علی مثل ما روی عن الباقر علیه السلام مثلا یسبق إلی أذهاننا عدم الانفعال کذلک ، من دون مدخلیة موت الفأرة والجرة.

ثم من جهة السبقین یسبق إلی ذهننا التعارض بینهما ، بحیث نضطر إلی بذل الجهد التام فی استحصال المرجحات وحجیة تلک المرجحات ، ونضطرب فی ذلک ، ثم فی الجمع ولو بتعسفات شدیدة ، أو الطرح بعد الیأس بالمرة ، ولا یختلج بخاطرنا احتمال اختصاص کل بمورده ، حتی فی مقام تعسفات الجمع واضطراب القدح والطرح. مع أنّه لا تعارض أصلا ورأسا لو لا ما یرسخ فی الخاطر من الإجماع.

ولذا لا یوجد تفاوت أصلا فی ما ذکرنا بین القائل بحجیة المفهوم ومنکرها والقائل بعمومه ومنکره ، بل ربما لا یخطر بالبال أصلا فی المقامات المذکورة حدیث المفهوم فضلا عن العموم والإشکال ورفعه بتحصیل رجحان ما. مع أن عموم المفهوم لا یقاوم خصوص المنطوق إجماعا ، فضلا عن أن یترجح علیه وفاقا ، وخصوصا أن یحصل الاطمئنان التام (1) الذی أشرنا.

ومما یؤید قول الأصحاب تتبع تضاعیف الأحادیث الواردة فی المقامات الخاصة التی لا تحصی ، إذ بملاحظة جمیعها ربما یحصل العلم العادی بعدم مدخلیة خصوصیة مادة ، مثلا رأینا الشارع قال فی موضع : إذا شهد عدلان فاعتبروا ، وفی موضع آخر قال کذلک ، وهکذا إلی أن قال فی

ص: 72


1- فی « أ » و « و » زیادة : والیقین.

مواضع لا تحصی ، ربما یحکم بأن الشهادة حجة شرعیة کلیة حتی یثبت خلافه ، ولعله لهذا حکم الفقهاء بالکلیة ، فتأمّل.

ویقوّی ما أشرنا عمومات المفاهیم وأقوال الاعلام ، حتی أن الشیخ والسید استدلا لعدم الانفعال بخصوص دلیل تشبثوا به ، بحیث یظهر أنه لولا ذلک لکانا قائلین بالانفعال مطلقا ، وکذا الحال فی استثناء ماء الحمام وغیره ، فلاحظ وتأمّل (1).

ولنختم المبحث بذکر کلمات عن بعض من قال بعدم الانفعال - وإن ظهر مما سبق فسادها - مزیدا فی التوضیح.

الأولی : لو انفعل شی ء من القلیل لاستحال إزالة الخبث مطلقا ، والتالی باطل بالضرورة من الدین. بیان الملازمة : أن کل جزء من أجزائه الواردة علی المحل النجس إذا لاقاه نجس ، وما لم یلاقه لم یطهر ، والفرق بین ورود الماء علی النجاسة وورودها علیه تحکم. إلی آخر ما قال (2).

ولا یخفی ما فیه ، إذ لا یلزم من انفعال شی ء منه العموم حتی یلزم استحالة الإزالة.

مضافا إلی أنّه لو کان مراده أن العام مما لا یمکن تخصیصه ففساده فی غایة الوضوح ، بل بلغ التخصیص إلی حد الشهرة ، وتلقی بالقبول أنه ما من عام إلا وقد خص ، والحال فی المسائل الفقهیة لعله أزید مما ذکر ، کما لا یخفی ، مع أنه من أول الفقه إلی آخره بناؤه علی تخصیص العمومات.

وإن أراد أن المخصص غیر موجود ، ففیه أن ما ذکروه من الضرورة

ص: 73


1- فی « ألف » و « ب » و « و » زیادة : تذنیب : وممّا یرد علی القائل بعدم الانفعال : أنّه إن وقع کلب أو خنزیر فی الماء وخرج یجوز أن یعصر شعره لإخراج الماء الذی رسب فیه ، أو بطنه لإخراج ما دخل فی بطنه من حلقه ، وإن لم یکف ذلک للوضوء والشرب یبول فیه مقدار ما لا یخرج الماء عن کونه ماء - کما إذا دخل فیه ماء الورد وما ماثله ، وسیجی ء أنّه یجب ذلک عند تعذر الماء - ثم یتوضّأ أو یشرب وإن کان الماء موجودا وافرا ، وفیه ما فیه.
2- انظر مفاتیح الشرائع 1 : 82.

یکفی ، سیما والأخبار کثیرة فی الغسل والتطهیر معمول بها بین المسلمین ، بل من المتواترات المقبولة. مضافا إلی عدم تکلیف ما لا یطاق وعدم الحرج لاشتراط الإزالة فی الواجبات والأکل والشرب وغیرهما ، ولا یحصل بغیر الماء بالضرورة.

وإن أراد انه لو انفعل لکان العلة تنجیس النجاسة وقبول الماء لها من دون مدخلیة عدم إزالة الخبث البتة ، ولا یجوز تخلف المعلول عن علته ، ففساده أیضا کما تقدم ، لأنه قیاس حرام عند الشیعة ، بل وفاسد عند العامة أیضا ، لما ظهر من الفارق.

( مع أنّه لو تم لزم انسداد باب تخصیص العموم ، بجریانه فی کل عام وخاص متنافی الظاهر ) (1). مضافا إلی أن العلل الشرعیة یجوز فیها التخلف بالبدیهة ، سیما المستنبطة فی القیاس ، ولذا لا تعارض ما هو أقوی منه عند القائل به ، فکیف تعارض الظاهر (2) وغیرها مما ذکر.

وإن أراد الاستنباط من تتبع التضاعیف علی حسب ما أشرنا ، ففیه : أنه بعد التمامیة لا محیص من القول بالانفعال ، وإلا فلا اعتراض.

إلاّ أن یقال : لو حمل علی ظاهرها یلزم ذلک ، وفیه : أن القدر الثابت - علی القول به - الانفعال بخصوص ورود النجاسة علیه ، وفی غیر الإزالة لعدم استفادة أزید من ذلک من مجموع التضاعیف ، فدعوی حصول القطع بما یشملها (3) أیضا فاسد قطعا ، بل بملاحظة ما أشرنا من أدلة حصول الإزالة یحصل القطع بعدم الشمول.

ثم قوله : إن لاقاه نجس ، ممنوع ، بل مصادرة ، لعدم العموم فی المفهوم عنده وعند غیره ممن شارکه من المحققین ، وخصوصیات الموارد لا

ص: 74


1- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ه ».
2- فی « ا » : الضرورة.
3- فی « أ » و « و » : یشملهما.

شمول لها قطعا ، وضمیمة عدم القول بالفصل فاسد ، أما فی ورود الماء علی النجاسة فلقول السید وغیره أیضا ، وأما فی الإزالة فلقول جمع ، وهم بین قائل بالانفعال بعد الانفصال ، وقائل بعدمه مطلقا ، ومستند القولین عدم العموم. واختص الأولون بالاحتجاج بما ورد من الأمر بغسل المنفصل.

علی أنه لا مانع من القول بالانفعال بالوصول وحصول الإزالة ، کما قال آخرون ، تمسکا فی الانفعال بعموم المفهوم وغیر ذلک مما مر ، وحصول الإزالة بما مر آنفا ، وکون مباحث النجاسة والإزالة من أولهما إلی آخرهما تعبدیة محضة کما لا یخفی ، ولذا صرح بنظیره ، کما فی مطهریة أحجار الاستنجاء والأرض وغیرهما.

وأیضا عنده أنّ المتنجّس لا ینجّس ، (1) فلعل الطهارة تحصل بالغسلة الثانیة ، فیکون الغسالة کالمحل بعدها ، کما هو أحد الأقوال ، ذهب إلیه الشیخ - رحمه الله - فی الخلاف (2) ، محتجا علی نجاسة الغسالة الأولی بأنه ماء قلیل لاقی نجاسة فوجب الحکم بنجاسته ، وعلی طهارة الثانیة بالأصل ، وانتفاء الدلیل علی النجاسة ، وسیجی ء تمام الکلام فیه فی مقامه إن شاء الله. فتدبر.

علی أنه لو تم ما ذکره لزم القول بعدم انفعال الجسم الرطب بالماء ، لأن رطوبته ماء فلا ینفعل ، والجسم فی نفسه لا ینفعل ، فتأمّل.

ویلزمه أیضا إن کان عنده ماء لا یفی بطهارته من الحدث أو الخبث أو شربه أن یبول فیه علی سبیل الوجوب بمقدار لا یخرج الماء عن الإطلاق ویصدق علیه أنه ماء عرفا ، علی قیاس ما قاله الأصحاب فی إدخال الماء المضاف فی الماء لأجل الوفاء للطهارة ، کما سیجی ء ، بل وإن کان ذلک الماء خرج عن حلق الکلب أو الخنزیر أو عن شعرهما بالعصر ، وغسل الیدین

ص: 75


1- انظر المفاتیح 1 : 75.
2- الخلاف 1 : 179.

من العصر من ذلک. بل یلزمه جواز أن یفعل جمیع ما ذکرناه علی تقدیر وجدان الماء الکثیر غایة الکثرة ، وفیه ما فیه.

الثانیة : قال : الأکثر علی نجاسة ما دون الکر ، لمفهومی الصحیحین ، وظاهر الآخرین - إلی أن قال : - لا یعارض المفهوم المنطوق ، ولا الظاهر النص (1). انتهی.

ولا یخفی ما فیه بعد الإحاطة بما سبق ، حیث حصر الأدلة فی الأربعة مع أنها لا تحصی ، إلا أن نظره لما کان مقتصرا علی المدارک ولم یذکر فیه فی المقام غیرها قال ما قال ، وهذا عیب عظیم فی المجتهد.

وأعظم من هذا أنه فی کتابه الحدیثی جمع فی حکمه بعدم الانفعال جمیع ما یمکن أن یستدل له وما یتراءی منه ذلک ، وما لا دخل له فیه ، مثل طهارة ماء الاستنجاء ، وغسالة الغسل وغیر ذلک ، وفی باب القدر الذی لا یتغیر بما یعتاد وروده من النجاسات أتی بقلیل مما دل علی الانفعال بدلالة ضعیفة ، أو محل خدشة (2) ، وأما باقی الأدلة الظاهرة والنصوص فقد شتته تشتیتا لا یعثر علیه طالب أدلة هذه المسألة ، فیظن الجاهل ندرة أدلة الانفعال مع ضعف الدلالة.

وقوله : ولا الظاهر النص ، أراد من أحد الظاهرین صحیحة الفضل فی الولوغ ، وقد عرفت أنه لا یمکن تأویله ، فکیف عده ظاهرا وغیر مقاوم للنص ، وأراد من النص العمومات وروایة الحسن السابقة ، فقد عرفت حالها.

انظر إلیه کیف جعل النص ظاهرا ، مع أن کونه نصا فی غایة الظهور ، بل لا یمکن تأویله کما عرفت سابقا ، وجعل الظاهر - علی تقدیر کونه ظاهرا - نصا. والعمومات لا شبهة فی کونها من الظواهر ، وروایة الحسن أیضا کذلک ، لو سلم الظهور فیها.

ص: 76


1- المفاتیح 1 : 83.
2- الوافی 6 : 15 و 31.

الثالثة : منع عموم المفهوم ، ثم حمله علی الانفعال فی صورة التغیر خاصة (1). ولا یخفی ما فیه ، لأن المراد من « شی ء » فی المنطوق الملاقاة لا التغیر أیضا ( للقطع بنجاسته به مطلقا ، والشرط وقع بالنسبة إلی المراد لا غیر المراد أیضا ) (2) ، فکیف یدخل فی المفهوم ما لیس داخلا فی المنطوق؟! سیما مع عدم إفادة المفهوم العموم عنده. وأعجب من ذلک أن یکون المراد خصوص ما لم یکن داخلا لیس إلاّ ، وفائدة الشرط منحصرة فیه ، فاعتبروا یا أولی الأبصار.

الرابعة : قال : فیکون - أی الکر - تحدیدا للقدر الذی لا یتغیر بالنجاسة غالبا (3).

وفیه : أن النجاسات التی سئل عن حالها فی الملاقاة وصدر الکر فی الجواب ثلاثة أقسام :

منها ما لا دخل له فی التغیر غالبا ، بل ومطلقا ، مثل الولوغ ، والید المساورة ، وغیرهما.

ومنها ما له دخل فی مقام الاستعمال ، إلاّ أن العادة تقضی بعدم الانضباط قطعا ، لبداهة التفاوت فی الاستعمال غالبا ، بل وکلیا ، فی عدد الاستعمال ، والحاجة إلیه ، ومقدار عین النجاسة ، وصفاتها المؤثرة ، وخلوص العین من غیرها مما له دخل فی التغیر ، مثل الوسخ وغیره ، ومشوبیتها به ، وتخلل الاستعمالات ( الطاهرة ) (4) التی لها دخل عظیم فی التأثر والتفاوت فیه وفی الکیفیة والکمیة علی قیاس ما ذکر.

وکذا الحال بالنسبة إلی القابل ، مضافا إلی الأمور الخارجة ، مثل

ص: 77


1- انظر مفاتیح الشرائع 1 : 83.
2- ما بین القوسین غیر موجود فی « ه ».
3- مفاتیح الشرائع 1 : 83.
4- بدل ما بین القوسین فی « و » : الظاهرة.

تفاوت الهواء حارا وباردا ورطبا ویابسا ، إلی غیر ذلک ، ومنه توالی الاستعمالات وتراخیها ، وطول المکث وقصره.

ومنها ما یرد ویقع فی الماء ، مثل الجیفة والدم وغیرهما ، وحاله حال السابق أیضا.

علی أن ما التزمه من أن عدم الانفعال بالملاقاة کان فی عصر صدور الروایات من جملة المعلومات عند کل أحد إلی حد لم یحتج إلی سؤال وجواب قطعا ینادی بفساده مشاهدة الأخبار وحال المسلمین فی الأعصار والأمصار ، سیما الشیعة حیث اتفقوا علی ما اتفقوا فی قرب عهد من الأئمة والرواة وبعده ، لو لم نقل فی زمانهم علیهم السلام أیضا ، بل لا شبهة فی کون زمانهم علیهم السلام کذلک ، فتدبر.

وکذا التزامه بأن الرواة کان سؤالهم عن خصوص التغیر ، من حیث إنهم کانوا یعلمون أنه هو المنجس لا غیر ، والسؤال کان عن أنه هل وقع التغیر أم لا ، یشهد بفساده أیضا الاعتبار ، وما یظهر من الأخبار ، إذ التغیر أمر محسوس یدرکه کل من له حس ، والمعتبر منه الحسی ، کما یدل علیه الأخبار ، وعلیه المعظم. فکیف کان الرواة یرکبون الجمال ویسافرون البعید ویسألون خصوص الإمام علیه السلام أن الماء الذی کان فی وقت فی بیتنا ووقع استعمال النجس هل تغیر أم لا؟! مع أنهم کانوا أصحاب الحواس والعقول.

وکذا جمیع أهل الکوفة ، وسیما ما هو من قبیل صحیحة علی بن جعفر ، فلاحظ. وخصوصا علی ما قاله من أنّهم حینما کانوا یستفهمون هل وقع التغیر أم لا؟ یجابون بأنه إذا کان قدر کر لم ینجسه شی ء ، وأنهم من هذا الجواب ما کانوا یفهمون إلا وقوع التغیر إن لم یکن کرا ، وعدمه إن کان.

علی أن التغیر أمر محسوس فکیف تستقیم الحوالة فیه إلی أمر مجهول موهم لخلاف المقصود ومقتض للاغراء بالجهل.

مع أن المعتبر لو کان التغیر الحاصل من عین النجس خاصة - کما

ص: 78

علیه المعظم وهو مقتضی الأدلة - فمحال تحققه بالاستعمالات الغالبة بالنسبة إلی ما ینقص عن الکر بشی ء یسیر ، سیما وأن یکون إذا لم ینقص هذا الیسیر لا یتغیر عادة أصلا ، فتدبر.

مع أن المتنجس عنده لا ینجس.

علی أن الماء طاهر کله حتی تعلم النجاسة ، فمع الشک یکون طاهرا شرعا ، فکیف یکون السؤال والجواب والسائلون فقهاء ، والأئمة صلوات الله علیهم فی أخبار کثیرة صرحوا بأن مع الشک یکون طاهرا ، بل وحذروا بقولهم : « إیاک أن تنقض الیقین بالشک أبدا » (1) ، وأمثاله.

علی أن أدلة طهارة الماء وطهارة الأشیاء واستصحابها إلی أن یحصل العلم فی غایة الوفور مع الظهور ، فکیف یکون حالهما أخفی عندهم من عدم الانفعال بالملاقاة.

علی أن السؤال علی ما ذکرت یکون عن موضوع الحکم ، وقد عرفت أن المعتبر فیه هاهنا العلم الیقینی ، بل بعض العلماء لم یکتف فیه بالعلم العادی بل اعتبر العقلی ، ومعلوم أن ما یحصل مما یعتاد وروده - علی تقدیر التسلیم - لیس أزید من المظنة. مع أن وقوع ذلک الاشتباه علی تقدیر التسلیم فی غایة الندرة ، فکیف یحمل مثل هذه الأخبار الکثیرة علیه؟! سیما وأن یکون السائلون الفحول من الرواة ، ویکون سؤالهم عنهم علیهم السلام ، فإن السؤال عن الموضوع بأنه هل تحقق التغیر أم لا؟ لا یتأتی من جاهل ، فکیف من مثل هؤلاء الفحول ، وسیما أن یکون یسألون عن المعصوم علیه السلام ، إذ لیس معرفة الموضوع شأن المجتهد والفقیه ، فکیف یسأل عن المعصوم علیه السلام ؟!

مع أنا قد أشرنا إلی أن القطع حاصل بأن السؤال کان عن الطهارة والنجاسة. ولإن تنزلنا فلا شبهة فی أن السؤال کان عن الحکم الشرعی

ص: 79


1- الوسائل 1 : 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1.

بالبدیهة ، وخصوصا أن بناء توجیهک علی أن الاخبار محمولة علی الغالب المتعارف ، مع أنک عرفت ما فیه.

الخامسة : قال : إن اشتراط الکر مثار الوسواس (1).

وفیه : أنّ مثاره الحکم بالنجاسة بمجرد المظنة أو الاحتمال أو الوهم ، وقد عرفت أن الحکم بالنجاسة منحصر فی العلم والیقین ، بل وتأمل بعض فی الاکتفاء بالیقین العادی ، وعلی أیّ تقدیر الیقین اعتباره مسلم ثابت من الأدلة ، فلا محیص عنه ، للزوم الحرج أیضا ، کما لا یخفی علی الملاحظ فی أمر غیر الماء أیضا.

مع أنا لم نجد فرقا بین الماء وغیره من الثیاب ، والبدن ، والأوانی ، وغیرها فی حکایة الوسواس وحال الوسواسین ، بل ربما یوجد حالهم بالنسبة إلی غیر الماء أشد ، فالمناسب علی ما ذکرت عدم انفعال کل شی ء لا خصوص الماء ، لأنه لا ینفع ، بل نفس التکلیف مثاره علی ما توهمت ، فالمناسب أن لا یکون تکلیف بناء علیه.

علی أن الانفعال الذی اخترت أیضا مثاره قطعا ، حیث جعلت نسبة مقدار من النجاسة إلی مقدار من الماء فی التغیر والتأثیر ، ونسبة ضعفه إلی ضعفه کذلک ، وعلی هذا القیاس ، وجعلت الحکم بعدم الانفعال فی صورة الشک مخصوصا بما إذا بلغ کرا ، مع أنک جعلت حد الکر غیر منضبط.

مضافا إلی أن غالب ما کان الرواة وغیرهم یحتاجون إلی معرفة حکمه هو صورة الأقل من الکر ، مع أنه معترف بأنه غالب ما کان فی زمان الرواة الماء القلیل ، فلعل سؤالهم فی الحقیقة یکون عن حال القلیل.

فإن کان الجواب یکون بالنسبة إلی الکر فقط ففیه ما فیه ، وإن کان

ص: 80


1- الوافی 6 : 19.

بالنسبة إلی القلیل أیضا ، بأنه إذا نقص عن الکر ولو یسیرا یکون الحکم فیه عند الشک الانفعال التغیری مطلقا علی خلاف حکم الکر ، فکیف تقضی العادة بالحکمین عند الشک فی التغیر وتقضی عند عدم الشک بالمقایسة بین قدری الماء والنجاسة ، ویکون اختلاف الکر أیضا مبنیا علی ذلک علی ما ذکره ، ولا یخفی ما فیه من التدافع والدور والحزازات. مع أنه کیف یفهم هذه الأمور من المنطوقات والمفهومات؟!

وبالجملة : حکم أولا بانضباط قدر الکر ، بدعوی انضباط ما یرد علیه عادة ، فأوردنا علیه ما أوردنا ، وحکم آخرا بعدم الانضباط بسبب عدم انضباط مقدار النجاسة والماء ، فمع ما فیه من التدافع یلزم أن یکون أیّ قدر من الماء لم یتغیر من النجاسة یکون کرا ، وأی قدر تغیر یکون أقل من الکر.

فمع فساده فی نفسه کیف یجعله الشارع مزیلا لحیرة الراوی بأن قال : إذا کان قدر کر لم ینجسه شی ء ، وإذا لم یکن قدر کر فکذا مع أنه لیس قدرا معروفا ، مع أن الراوی لما سمع قنع وسکت ، فظهر أن قدره کان مضبوطا معروفا عندهم.

وظهر مما ذکر حال استشهاده باختلاف الأخبار فی حد الکر علی کون ما دل علی الانفعال مبنیا علی الکراهة حیث ارتکبه تارة أخری ، وکذا حال جعله نظیر اختلاف النزح. فتأمّل جدا.

قوله : فإنّه یکفی. ( 1 : 40 ).

لعله مجرد دعوی. إلاّ أن یقول بالتطهیر بمجرد الملاقاة ، منضما إلی ما اختاره سابقا فی ماء الحمام من الاکتفاء بکون المجموع من المائین کرا مع الاتصال مطلقا ، وقد ظهر منه بالنسبة إلی الأول تردد وتوقف ، وأمّا الثانی فقد أشرنا إلی وجه استشکال الأصحاب فیه.

وربّما یظهر منه أن حکم العلامة - رحمه الله - بالاکتفاء فی تطهیر الغدیر باتصاله بالکر یکون فی صورة تساوی السطح والانحدار أیضا لا إلقاء

کیفیّة تطهیر الماء القلیل
هل یطهر القلیل بإلقاء کرّ علیه؟

ص: 81

الکر والأنصاب من فوق ، ومن ثم استشکل فی جریان حکم الحمام فی غیره ، ولعل نظر الشیخ علی أیضا إلی ذلک ، لا إلی اعتبار الزیادة عن الکر ، بل لیس نظره إلیه قطعا ، إذ یرید الدفعة لا الزیادة.

وبالجملة : الأول عنده محل تأمّل وعند بعض الأصحاب ، والثانی وإن لم یتأمّل فیه لکن لا یکفی فی الاعتراض علیهم ، وتصریحهم وإن لم یکن حجة بنفسه لکن لا محیص عن اعتباره بناء علی ما اعترف من کون العموم محل نظر ، لأن الوفاق إنما تحقق فیه ، والماء محکوم بنجاسته شرعا ، ولا بد فی طهارته من دلیل شرعی ، فتأمّل جدا.

فإن قلت : لعل البالغ کرا یکفی للقول بالمزج وإن لم یعتبر فیه الدفعة ، بناء علی ما ذکره من أن انفعال الطاهر لیس أولی من طهارة النجس ، فإنه جار فی صورة المزج أیضا.

قلت : یکفی إذا کان الممزوج متصلا بما بقی ، لا مطلقا ، ومن أین یعلم اتصاله به ، ومع ذلک یکفی عند الشارح - رحمه الله - لا غیر ، لأن الاکتفاء بالمزج من غیر اعتبار الدفعة فی خصوص المقام أول الکلام ، وسیجی ء تمام الکلام عن قریب ، فتأمّل.

قوله : والإجماع المنقول. ( 1 : 43 ).

ما یظهر من کلامه لیس الإجماع الاصطلاحی ، بل الإجماع علی الروایة کما فهمه ، أو علی کونها صحیحة کما فهمت ، مع أن ما ذکره المحقق یورث الریبة أیضا فی ما ذکره.

مع أن قوله : ومعنی لم یحمل. ، لا یخلو من تأمّل - وإن صرح الجماعة - للتأمّل فی حجیة مثله. مع أن الانفعال بالملاقاة لیس شیئا یظهر فیه ، والتغیر لا دخل للکر فیه ، کما مر. علی أنه لا دخل له فی المقام ، فلعل معنی لم یحمل لم یقبل ، وهو الأوفق بظاهر العبارة ، وما ورد فی غیر واحد من الأخبار أنه لا ینجسه شی ء.

هل یطهر القلیل بإتمامه کرّاً؟
بحث حول الإجماع المنقول

ص: 82

وقوله : وهو ضعیف. ، فیه : أن نقله الإجماع لا یستلزم وقوعه فی زمانه ، بل عبارته ظاهرة فی خلاف ذلک ، کیف والشارح - رحمه الله - کثیرا ما ینقل الإجماع علی سبیل الاعتداد والاعتماد ، مع أنه قریب العهد.

نعم حجیة مثله محل نزاع معروف ، مع عدم النزاع فی کونه ظنیا ، قال بها من قال بعموم حجیة ظن المجتهد ، أو شمول ما اعتمد علیه من أدلة حجیّة خبر الواحد ، وأنکرها من أنکرهما ، فالعنایة بشأن الإنکار والإقرار لا ما ذکره ، فتأمّل.

وقوله : بدخول المعصوم. فیه : أنه لا حاجة إلی العلم بالدخول ، بل یکفی العلم بکون هذا رأیه ، وهو ممکن فی کل زمان ، وغیر الممکن بعد انتشار الإسلام هو العلم بإجماع کل المسلمین ، لا ما اعتبرناه من اتفاق جمع یحصل به العلم بقول المعصوم علیه السلام ، أو فعله أو تقریره أو رأیه ، وحمل کلامهم علی إرادة الشهرة فیه ما فیه.

وقوله : لانحصار الأدلة. ، لو تم ما ذکره لم یتم جل المسائل الفقهیة ، لأن دلیلها خصوص مورد ، والخاص لا یدل علی العام ، وفهم العموم إنما هو من الإجماع إلا فیما ندر.

مثلا : لم یرد فی نجاسة الأبوال والأرواث من غیر مأکول اللحم علی سبیل العموم سوی حدیث واحد ، وهو قولهم : « اغسل ثوبک من أبوال ما لا یؤکل لحمه » (1) ، غایة ما یثبت منه وجوب الغسل بالنسبة إلی الثوب لا البدن ، والبول لا الروث. مع أن بین نفس وجوب الغسل والنجاسة تفاوتا کثیرا.

مع أنّ تلک الأحادیث الخاصة کثیر منها لیست بصحیحة ، وهی لیست بحجّة عنده ، بل ربما یصرح بأن الشهرة لا یجبرها. مع أن جلها متعارضة

ص: 83


1- الکافی 3 : 57 / 3 ، التهذیب 1 : 264 / 770 ، الوسائل 3 : 405 أبواب النجاسات ب 8 ح 2.

بحیث لا یکون لجمعها أو ترجیحها کتاب أو سنة ، والمرجحات الواردة فی السنة متعارضة بحیث لا یمکن الجمع أو الترجیح بکتاب أو سنة. مع أنه - رحمه الله - لا یمشی علی المرجحات المنصوصة ، بل یمشی علی المظنونة.

مع أن المدار فی تصحیح الأخبار علی الظنون ، بل رجح - رحمه الله - التعدیل علی الجرح بظنون ، ومیز المشترک بظنون ضعیفة ، بل مداره فی ما ذکر وغیره علی الظنون.

علی أن خبر الواحد أیضا ظن من الظنون ، فإن اعتمد علیه بالإجماع ثبت المطلوب ، وإن اعتمد بالمعهود من الأدلة فنسبتها إلیه وإلی الإجماع المنقول بخبر الواحد علی السویة.

وما قیل من أن فی مثل هذه الإجماعات کثیرا ما نری المخالف (1) ، ففیه : أنّ ذلک غیر مضرّ فی إجماع الشیعة ، بل صرحوا بأنه لو خلا عن المائة لم یضر (2). وما قیل من أنه کثیرا ما نری التعارض فیها (3) ، ففیه : أنّ التعارض فی الأخبار أزید منه بمراتب شتی ، ومرجعها لا یجب أن یکون حکم الله الواقعی ، بل یکفی کونه فعلا أو قولا أو تقریرا ، مطابقا لحکم الله الواقعی أو لا.

وأیضا القرائن المجازیة واصطلاح زمان الشارع وأصالة عدم السقط أو التغییر أو غیر ذلک لیس علی حجیتها کتاب أو سنة ، ولو کان فرضا لشمل الإجماع المنقول ، فتأمّل جدا.

وبالجملة : مداره فی الفقه علی عدم القصر علی ما ذکره ، کما لا

ص: 84


1- انظر رسالة الشهید الثانی فی وجوب صلاة الجمعة ( المطبوعة مع عدة من رسائله ) : 91.
2- المعتبر 1 : 6.
3- انظر الحدائق 1 : 37.

یخفی ، فلاحظ من أول المدارک إلی آخره ، وغیره من تألیفاته. بل یصرح کثیرا بأنه لا قائل بالفصل ، منه فی باب نجاسة البول والغائط (1). وکثیرا ما یعتمد علی إجماع یدّعی ، فضلا عن إجماع یدعی هو ، منه فی الباب المذکور ، وباب نجاسة المنی (2) ، وغیر ذلک. والظاهر أن عبارته هنا فیها مسامحة.

وإنما قلنا بإمکان حصول العلم برأی المعصوم فی مثل زمان ابن إدریس أیضا ، لأن تحقق العلم من اجتماع الظنون وتعاضدها غیر عزیز ، کما فی الخبر المتواتر ، والواحد المحفوف بالقرائن وغیرهما ، بل هو فی غایة الکثرة ، ولا ینکره أحد من المسلمین وغیرهم ، إلا نادرا من الکفار ، لشبهته فی مقابل البدیهة.

وحصول الظن من فتوی فقیه ماهر عادل متق ، باذل للجهد فی استحصاله من الأدلة الشرعیة ، مستفرغ للوسع فی ملاحظة جمیع ماله دخل فی الأخذ والفهم ، موص للغیر فی الاحتیاط فی أخذ الحکم غایته ، لا ینکره قلب خال عن الشوائب والمعایب ، سیما إذا کان الفقیه من القدماء ، ثم إذا رأینا فقیها آخر مثله یشارکه حصل ظن آخر من قوله ، وقوة أخری من اجتماعهما ، وهکذا کلما رأینا فتوی حصل ظن منه ، وقوة من انضمامه ، واخری من انضمامین ، وعلی هذا القیاس ، إلی أن یحصل العلم من نفس ذلک.

أو بضمیمة ملاحظة أن أذهانهم مختلفة فی إدراک الأمور واستنباط المسائل ، ومشربهم متفاوت فی تأسیس المبانی وتأصیل الأصول ، ومع ذلک اتفقوا هذا الاتفاق ، وخصوصا بعد التفطن بما أشرنا إلیه آنفا.

وسیما إذا کان الحکم مما یعم به البلوی وتکثر إلیه الحاجة ، وخصوصا

ص: 85


1- المدارک 2 : 258.
2- المدارک 2 : 266.

بعد ملاحظة أن الأحکام الفقهیة عند الرواة وسائر الشیعة ما کانت مقصورة فی ما رووه فی ذلک الزمان ، لأن تلک الروایات وردت بعد ظهور الشرع وانتشاره فی الأقطار وامتداد ذلک فی الأعصار ، بحیث ما کان الرواة جاهلین ولا مستشکلین إلا فی أمور خاصة دعاهم إلی الجهل بها والاستشکال فیها أسباب معینة ، کما هو الحال فی أمثال زماننا. نعم فی أمثال زماننا حصل بعض ما کانت غیر حاصلة فی ذلک الزمان ، وإن خفی بعض ما کانت ظاهرة فیه.

والأئمة علیهم السلام ما کانوا یلقون إلیهم الأحکام من أولها إلی آخرها ، وما کانوا یعترضون علی الرواة حین استشکالهم فی أمر خاص بأن هذا الحکم من أین عرفت؟ ، ولم تسأل عن هذا الأمر الخاصّ دون نفس الأحکام وباقی متعلقاتها؟ ، وما ذکرنا ظاهر علی المتأمّل فی الأخبار.

وأیضا : الکلینی - رحمه الله - ما أتی بجمیع روایات الأحکام المسلمة عند الشیعة ، التی لا تأمّل فی وفاق کل الشیعة علیها ، بل الفقه لو کان مقصورا فی الروایات المرویة فی الکافی خاصة لعله لم یثبت کثیر منه ، وکذا الحال بالنسبة إلی غیر الکلینی - رحمه الله - من القدماء.

وبالجملة : بملاحظة جمیع ما ذکروا وما أشرنا إلیه لعله یحصل ما لا یقصر عن الخبر الواحد المحفوف بالقرائن ، سیما بملاحظة أنه باتفاق جمع من الصیارفة علی کون دینار زیوفا یحصل الیقین عادة مع عدم عدالتهم ، بل وظهور فسقهم ، وکذا الحال فی جمیع الصناعات وجمیع أهل الخبرة حتی العلوم.

وبالجملة : مرجع القطع فی الإجماع إلی الحدس ، فلا مانع من الحصول لبعض دون بعض ، ولا الحصول مع عدم العلم باجتماع الکل ، بل ومع خروج بعض أیضا ، کما صرح به المحقق - رحمه الله - وغیره من

ص: 86

المحققین (1) ، بل ولبعض علی نحو ولآخر علی خلافه ، کما ادعی السید الإجماع علی المنع من العمل بخبر الواحد (2) ، لما صرح به متکلموا الشیعة فی کتبهم الکلامیة ، والشیخ وغیره علی حجیة الخبر الواحد (3) ، لما یظهر من محدثیهم ، وغیر ذلک. بل ولا مانع من الحصول لبعض فی وقت دون وقت ، أو حصول القطع بالخلاف فی المسألة فی وقت آخر ، أو القطع بخلاف ذلک.

فلا یحسن الجرأة فی الاعتراض علی الفقهاء ، ولا توجیه کلامهم بإرادة الشهرة ، لکون ذلک نوع تدلیس منهم لما یظهر من کلماتهم ، حاشاهم عن ذلک. مع أن الحمل علی الشهرة لا یرفع التعارض ، لأن خلاف المشهور لیس بالمشهور.

مع أن أمثال هذه الاختلافات فی العلمیات واردة ، بل وأشد وأزید ، مثل ما ورد فی علم الکلام وغیره ، فلا یحسن حمل کلامهم علی إرادتهم الظن أو الشک أو الوهم من العلم ، فتأمّل.

والحاصل أن ذلک منهم لیس لتسامحهم فی أمر الدین ، لتفاوت الأمارات ظهورا وخفاء فی الأوقات والأحوال. ولیس مثل أدلة أصول الدین ، لکونها فی معرض العثور (4) للمجتهد.

هذا بالنسبة إلی أنفسهم ، وأما بالنسبة إلی حصول الظن لنا فقد عرفت أنه لا خلل ، إلاّ أنه وقع التعارض نادرا غایة الندرة ، وغیر خفی أن أخبار الآحاد وغیرها من الأدلة والأمارات لا یخلو عن التعارض غالبا ، سیما أخبار

ص: 87


1- انظر المعتبر 1 : 31 ، ومعالم الدین : 200.
2- رسائل الشریف المرتضی : المجموعة الأولی : 24 ، فی جوابات المسائل التبانیات ، وأیضا : 203 ، فی جوابات المسائل الموصلیات الثالثة.
3- عدة الأصول 1 : 337 ، مبادئ الوصول : 207.
4- فی « و » : القصور.

الآحاد ، سیّما العام والمطلق ، والأمر والنهی وأمثالها ، والجرح والتعدیل ، وغیر ذلک.

وقد أشرنا إلی أن مرجع الأحکام لیس الحکم الواقعی ، مع أن مرجعه مرجع الکتاب والسنة من دون فرق ، بل مستنده الکتاب والسنة ، کما أشرنا.

ویؤیده أیضا ما ورد عنهم : « أن المجمع علیه لا ریب فیه » (1) ، لأن الظاهر أن علة نفی الریب هی الإجماع.

( ویؤیده أیضا أن کثیرا من الأحکام نحن مطمئنون بکونها عند الشافعی - مثلا - کذا ، بحکم الشافعیة ، فتأمّل ) (2).

ویؤیده أیضا أن جلّ المستحبات ورد الأمر بها أو أشد منه ، ولا یخطر بالبال سوی الاستحباب.

وأیضا ورد الأمر بإعادة الیومیة لنجاسة معینة فی الثوب ، فیفهم البدن أیضا ، وکل نجاسة ، وکل فریضة من الصلاة ، بل وکل نافلة منها ، وقس علی ما ذکرنا سائر الأحکام ، وکون ظواهر القرآن ومظنونات الأخبار - کیفما کان الظهور - حجة ، إلی غیر ذلک ، فتأمّل جدا.

هذا بالقیاس إلی القاعدة ، وإلاّ ففی خصوص الموارد ربما یتحقق خصوصیات مؤکدة موضحة ، مثل طهارة الحدید (3) وغیرها ، فتأمّل.

قوله : لعدم صدق. ( 1 : 44 ).

هذا بإطلاقه لعله محل تأمّل ، کما أن الأولین أیضا بالإطلاق محل مناقشة.

ثم إن فی صورة عدم الصدق یصدق علی کل واحد أنه أقل من الکر ،

الماء الکرّ

هل یعتبر فی عدم انفعال الکرّ تساوی السطوح؟

ص: 88


1- الکافی 1 : 9 ، الوسائل 27 : 112 أبواب صفات القاضی ب 9 ح 19.
2- ما بین القوسین لیس فی « ه ».
3- انظر الوسائل 3 : 528 أبواب النجاسات ب 83.

فیشمله عموم ما دل علی انفعاله ، علی القول بالعموم ، کما هو المشهور بین الأصحاب ، ولعله لذا اشترطوا الدفعة فی إلقاء الکر علی النجس. وأما علی القول بعدمه فدخوله تحت قوله علیه السلام : « إذا کان الماء. » محل تأمّل ، إذ ظاهر الماء الواحد لا المتعدد ، فدخول المتعدد العرفی فیه محل تأمّل ، نعم یمکن أن یقال : تشمله الأصول والعمومات.

ومن هنا یظهر قوة مختار جده ، وکذا رأی الشارح - رحمه الله - من أنه لا یحتاج إلی الدفعة ، لکن مقتضاه عدم الحاجة إلی إلقاء الکر بل یکفی اتصال الکر وإن انقطع فورا ، علی القول بالاتصال ، وعلی القول بالمزج فعلی قدر تحقق المزج وإن انقطع بعده.

فتطهیر المدّ من الماء لا یحتاج إلی مزج الکر ، بل وتطهیر الأزید منه بکثیر أیضا.

فما ظهر من الشارح - رحمه الله - من عدم الحاجة إلی خصوص الدفعة محل تأمّل علی رأیه وعلی رأی المشهور أیضا ، ومخالف لمقتضی الأدلة ، إذ علی القول بعموم مطهریة الماء لا حاجة إلی الإلقاء ، وعلی القول بعدم ثبوت التطهیر إلا من الوفاق یتعین الدفعة البتة.

قوله : وجزم العلامة. ( 1 : 45 ).

إذا کان الأعلی کرا فلا شک فی تقوّی الأسفل به فی ماء الحمام ، للنص والوفاق ، وأما غیر ماء الحمام فمحلّ إشکال عند العلامة ، کما مرّ ، وعند غیره حکمه حکم ماء الحمام ، بناء علی أنّ الظاهر عندهم عدم مدخلیة الحمام ، لقوله علیه السلام : « ألیس هو بجار » (1) وعدم حجیة مفهوم اللقب ، وذکر الحمام لشیوعه وندرة غیره لو تحقق ، مع عدم ظهور تحقّقه.

ص: 89


1- راجع ص 59.

مع أنه لا أقل من الشک فی المدخلیة فیتحقق الشک فی عموم المفهوم بالنسبة إلیه. ولیس دلالته علی العموم من قبیل الصیغ الموضوعة للعموم ، فیکفی الشک ، کما أشرنا سابقا.

مع أنه یمکن أن یقال بالقیاس بطریق أولی ، بأنه مع التساوی یتقوی ، فمع کونه أسفل أولی ، لقوة الأعلی وغلبته ، ولذا فرّقوا بین ورود الماء علی النجاسة وعکسه ، ولعل نظر من قال بتقوّی الأسفل بالأعلی دون العکس إذا کان المجموع کرا إلی هذا. ویمکن إرجاع کلام المحقق الثانی إلی هذا بضرب من العنایة.

قوله : ویلزمهم. ( 1 : 45 ).

فیه : أنّ المنحدر ماء واحد عرفا ، فلا یستشکلون فی دخوله تحت العموم ، وإن أردت المنصبّ فدعوی العلم بالبطلان مع الاعتراف بعدم الوحدة محل نظر. مع أنه لیس الوارد علیهم أزید ممّا ادعاه من الدخول تحت العموم ، فلا یلزمهم أمر معلوم الفساد مضافا إلی ذلک. وظهور شمول قولهم للمنحدر المتصل الذی هو ماء واحد عرفا ظهورا بینا محل تأمّل ، فتأمّل.

قوله : فإن کل ما ثبت. ( 1 : 46 ).

قیل : إنّ غالبه یدوم ، والظن یلحق بالأغلب ، وکل ظن للمجتهد حجة إلا ما ثبت المنع منه بخصوصه ، کالقیاس (1).

ومنع بعضهم هذه الغلبة بأن الدوام مختص بالقار الذات ، وهو غیر غالب. سلمنا ، لکن کون الحکم الشرعی منه ممنوع. مع أن کل دوام لیس علی حد واحد ، بل یتفاوت بتفاوت عادة الله تعالی ، فلا یمکن الحکم به إلی

عدم طهارة الکرّ بزوال التغیّر من نفسه

ص: 90


1- انظر معارج الأصول : 207 ، ومعالم الدین : 230.

أن یثبت خلافه (1). ومنع بعضهم حجّیّة مثل هذا الظن مع تسلیم تحققه (2) ، ولا یبعد تحققه ، بملاحظة أنّ الأحکام الشرعیة غالبها یدوم حتی یثبت خلافها.

واستدل أیضا بما فی غیر واحد من الأخبار من أنه لا ینقض الیقین بالشک أبدا (3) ، بناء علی أن المراد کل یقین وکل شک بعده (4). ومنع الدلالة بعضهم بأن الظاهر وروده فی موضع ثبت دوامه إلی حد معین ، وحصل الشک فی تحقق الحد حتی یتأتی أن یقال : الیقین نقض بالشک ، وإلا فالشک اللاحق لا یجامع الیقین السابق (5) ، وفیه نظر ، إذ الشک فی الحد یوجب رفع الیقین من الحین ، فالعبرة بالسابق.

وقال بعضهم بثبوت الاستصحاب فی موضوع الحکم الشرعی لا نفسه (6) ، یعنی ثبت منه بقاء الموضوع وعدمه لا بقاء الحکم السابق إلی أن یثبت حکم شرعی لشی ء. مثلا إذا لم یعلم أن الشی ء الذی تحقق هل هو ناقض للوضوء أم لا؟ لا یمکن إثبات عدم کونه حدثا بهذا الحدیث ، بل القدر الذی یثبت إثبات عدم تحقق الحدث المعلوم حکمه شرعا ، أی حکم الشارع بأنه یبنی علی عدم حدوثه. وادعی ظهور ما ذکره بتتبع موارد الأحادیث.

وربما منع بأن العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل (7). ولا یخلو عن

بحث فی حجیة الاستصحاب

ص: 91


1- انظر الإحکام للآمدی 1 : 368 ، 369.
2- انظر الفوائد المدنیة : 141.
3- الوسائل 1 : 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1.
4- انظر مشارق الشموس : 76 ، الوافیة للفاضل التونی : 203 ، ملاذ الأخیار 1 : 63.
5- ذخیرة المعاد للسبزواری : 114 ، 115.
6- الفوائد المدنیة : 143.
7- انظر الحدائق 1 : 145 ، الوافیة : 208.

قرب. نعم استصحاب الموضوع أظهر أفراده.

ویؤید ما ذکرناه ما أشرنا إلیه من غلبة الأحکام الفقهیة فی البقاء ، وطریقة الفقهاء أنهم إذا ثبت حکم شرعی یحتاجون فی حکمهم بخلاف ذلک إلی دلیل شرعی ، وأمرهم مقصور علی ذلک ، ولا یقولون فی موضع بعد تحقق حکمه أن هذا الآن حکمه کذا فقط ، وبعد ذلک الأصل عدمه ، فلیلاحظ کتبهم الاستدلالیة والفقهیة ، بل البقاء رسخ فی أذهان المتشرعة بحیث یصعب علیهم فهم خلافه.

نعم عند تغیر الموضوع بتغیر العلة أو الوصف المشعر بالعلیة یتأملون فی البقاء حینئذ ، مع أن ظاهر أکثرهم البقاء حینئذ أیضا ، فتأمّل.

وممّا ذکرنا لعله یظهر التأمّل فی فهم العموم من الأدلة الدالة علی النجاسة بالتغیر من حیث دلالة اللفظ ، فإن قوله علیه السلام : « فإذا تغیر الماء فلا تتوضأ » یحتمل أن یراد منه ما دام متغیرا. ورجوع الإطلاق إلی العموم الذی لیس ممّا وضع اللفظ له أزید مما ذکر لعله یحتاج إلی إثبات ، إذ لو قال : إذا فقدت الماء فتیمم وصل بذاک التیمم ، لا یفهم منه أن بعد وجود الماء بعد ذلک التیمم یجوز الصلاة به أیضا ، فتأمّل.

وبالجملة : لا بدّ من ملاحظة الأمثلة الشرعیة والعرفیة وغیرها والتأمّل فیها.

نعم ربما أمکن الفرق بین زوال العلة المؤثرة ، وما هو شرط فی تأثیر العلة ، کالقلة فی الانفعال بالملاقاة ، فإن زواله لا یوجب انتفاء المعلول ، لأنه لیس علة بل هو شرط لحصول التأثیر ، وقد حصل فهو متأثر مطلقا ، فتأمّل.

نعم قوله علیه السلام : « کل ماء طاهر حتی تعلم أنه قذر » ظاهر العموم فی نجاسة الماء بعد العلم بها ، کما بیّنّاه.

ص: 92

قوله : کأصالة البراءة. ( 1 : 47 ).

جعله إیاها من الأدلة العقلیة خاصة محل تأمّل ونظر ، للنصوص الکثیرة الواردة فیها (1) ، مضافا إلی الإجماعات المنقولة (2) ، بل جعلها الصدوق من عقائد الإمامیة (3) ، وقد کتبنا فیها رسالة مبسوطة.

مع أن الاستصحاب هو أصالة عدم التکلیف ، وهی مما یقتضی براءة الذمة ، لا أنها هی هی ، وأصالة العدم تجری فی جمیع الأحکام ، أی عدم البروز من الشارع ، وأما أصل البراءة فإنما هو فی الواجب والحرام ، ودلیله لیس عدم التکلیف فقط ، بل الإجماع والنصوص أیضا.

ثم إنه - رحمه الله - یحکم بهذا الأصل فی الأحکام الشرعیة ، وعده سابقا أیضا من جملة الأدلة الشرعیة ، فلعل بناءه - رحمه الله - علی أن الشرع یثبت بأمثال هذه الأدلة العقلیة ، ولهذا یحکم بالاحتیاط کثیرا مع تصریحه بأنه حکم عقلی. فتأمّل.

قوله : الإجماع. ( 1 : 47 ).

قد مر ما فیه فی الکر المتمم ، فراجع (4).

قوله : لإرسالها. ( 1 : 47 ).

قد بسطنا الکلام فی الرجال فی أن مراسیله کالمسانید الصحیحة ، کما هو المشهور ، لأن المدار فی الصحة علی الظن ، وهو هنا حاصل البتة ، إذ احتمال کونه الضعیف عندنا خلاف الظاهر (5) ، فتأمّل.

بحث حول أصالة البراءة
إشارة إلی أنّ مراسیل ابن أبی عمیر کالمسانید

ص: 93


1- انظر الوسائل 15 : 369 أبواب جهاد النفس ب 56 ، وعقد السید شبّر فی الأصول الأصلیة : 212 بابا فی الآیات والروایات الواردة فی حجیة أصالة البراءة.
2- منها ما نقله المحقق فی معارج الأصول : 205.
3- انظر اعتقادات الصدوق : 107 ، المطبوعة مع شرح باب الحادی عشر.
4- راجع ص ، 81 - 82.
5- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 275.

قوله : علی الأشهر. ( 1 : 47 ).

لظاهر خبر إبراهیم بن محمّد الهمدانی (1) ، وما نقل عن الفقه الرضوی (2) ، وقیل : مائة وثمانیة وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم مطلقا ، وذهب إلیه جماعة منهم العلامة - رحمه الله - فی نصاب الزکاة خاصة (3).

قوله : لعموم قوله علیه السلام . ( 1 : 48 ).

نظرا إلی الحکم الظاهری ، لا أن المراد من الحدیث بیانه واقعا.

قوله : متیقن. ( 1 : 48 ).

أی متیقن اعتباره واشتراطه فی عدم الانفعال. والأصل إما عدم اشتراط الزائد ، وهو استصحاب حال العدم ، ولا یخفی أنه فرع حجّیّته ، وإما براءة الذمة ، بناء علی أنّ النجاسة تکلیف ، فیجب الطهارة به عند عدم غیره ، لعدم القول بالفصل ، لکن هذا الأصل لدفع التکلیف دائما لا لإثباته ، فتأمّل.

قوله : الصحیحة. ( 1 : 48 ).

سیناقش فی صحتها ، مع أن المدنی یناسب مستند المشهور ، أعنی خبر أبی بصیر.

قوله : بحملها. ( 1 : 48 ).

بأن یکون السؤال فی مکة فضبط الخبر علی ما صدر احترازا عن النقل

بیان مقدار الکرّ وزناً
اختلاف الأصحاب فی تعیین الأرطال

ص: 94


1- الکافی 4 : 172 / 9 ، الفقیه 2 : 115 / 493 ، التهذیب 4 : 83 / 243 ، معانی الأخبار : 249 / 2 ، عیون أخبار الرضا 1 : 241 / 73 ، الوسائل 9 : 340 أبواب زکاة الفطرة ب 7 ح 1.
2- فقه الرضا « ع » : 210 ، مستدرک الوسائل 7 : 143 أبواب زکاة الفطرة ب 7 ح 1.
3- التحریر 1 : 62 ، المنتهی 1 : 497.

بالمعنی ، إذ کان مشکلا عندهم ، کما یظهر من ملاحظة الأخبار ، واعتمادا علی القرینة ، وقد ذهبت من تقطیع الأحادیث أو غیره ، أو اتکالا علی فهمها بالقراءة علی الشیخ وأخذ الإجازة منه ، کما لا یخفی علی المطلع علی الرجال وغیره.

وربما یقربه أن ابن أبی عمیر روی عن ابن المغیرة یرفعه إلی أبی عبد الله علیه السلام : « أن الکر ستمائة رطل » (1) ، وصحیحة ابن مسلم - تلک - عن ابن المغیرة ، عن الخزاز ، عن محمّد بن مسلم الغدیر فیه ماء مجتمع تبول فیه الدواب ، وتلغ فیه الکلاب ، ویغتسل فیه الجنب؟ ، قال : « إذا کان قدر کر لم ینجسه شی ء ، والکر ستمائة رطل » (2) ، فظهر أن الروایتین واحدة ، وأن ابن أبی عمیر رواها أیضا ، فلعله رواها تارة باللفظ ، وأخری بالمعنی ، فتدبر.

ولعل قوله فی الصحیحة : الغدیر فیه ماء مجتمع. یؤیّده أیضا ، لأن الغالب الاحتیاج إلی معرفة حاله فی الأسفار ، وأن الغالب تحققه فیها وفی الصحیح عن صفوان قال : سألت الصادق علیه السلام عن الحیاض التی بین مکة والمدینة تردها السباع ، وتلغ فیها الکلاب ، ویغتسل فیها الجنب (3)؟ الحدیث.

ص: 95


1- التهذیب 1 : 43 / 119 ، الاستبصار 1 : 11 / 16 ، الوسائل 1 : 168 أبواب الماء المطلق ب 11 ح 2.
2- التهذیب 1 : 414 / 1308 ، الاستبصار 1 : 11 / 17 ، الوسائل 1 : 159 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 5 ، وذیل الحدیث : « والکر ستمائة رطل » فی الوسائل 1 : 168 أبواب الماء المطلق ، ب 11 ح 3.
3- الکافی 3 : 4 / 7 ، التهذیب 1 : 417 / 1317 ، الاستبصار 1 : 22 / 54 ، الوسائل 1 : 162 ، أبواب الماء المطلق ب 9 ح 12. بتفاوت.

قوله : لیس بدلیل. ( 1 : 48 ).

ورد من الشرع الأمر بالاحتیاط کلیة ، نعم هو مبنی علی الاستحباب عند المجتهدین. مع أنّ الأصل عنده أیضا حکم عقلی ، ویحکم به فی الفقه کثیرا.

ویمکن أن یکون مراده - رحمه الله - أن الاحتیاط لا یصیر دلیلا علی تعیین قدر الکر شرعا ، بل المدار فیه علی العمل بما هو أوثق ، ویتفاوت بتفاوت المواضع ، فربما یکون الأحوط الأکثر ، وربما یکون الأقل. سلمنا ، لکنه معارض بمثله وإن کان أقل تحققا منه.

قوله : ولا یبعد. ( 1 : 48 ).

هذا هو الظاهر ، لأن مشایخه ما کانوا من أهل المدینة ، کما هو الظاهر. مع أنه أثبته فی أصله لأهل العراق وللرواة عنه مع عدم التنبیه علی المراد. مع أن الاحتمال یکفی لمنع الاستدلال.

قوله : مجهول. ( 1 : 49 ).

الظاهر أن ابن یحیی زیادة ، کما یشهد به الکافی والاستبصار ، وهو ابن عیسی. ویحتمل أن یکون یحیی مصحف عیسی ، وعثمان أخباره معمول بها عند الشیعة ، کما یظهر من الکشی والعدة (1). مع أنه تاب ولم یمنع من روایاته. وأبو بصیر مشترک بین ثلاث ثقات ، کما حققناه. هذا مضافا إلی أن الشهرة جابرة.

وبالجملة : لا ینبغی القدح فی تلک الروایة من حیث السند.

لکن فی دلالتها علی المذهب المشهور نظر من حیث إهمال البعد الثالث. ولیس هو من قبیل قولهم : ثلاثة فی ثلاثة ، لشیوع الإطلاق وإرادة الضرب فی الأبعاد الثلاثة ، لوجود الفارق ، وهو عدم ذکر شی ء من الأبعاد

بحث رجالی حول عثمان بن عیسی وأنّ أبا بصیر مشترک بین ثلاث ثقات

ص: 96


1- اختیار معرفة الرجال 2 : 830 ، عدة الأصول 1 : 381.

بالخصوص فی المثال ، بخلاف الروایة ، حیث صرح ببعد العمق ، فیکون البعد الآخر هو القطر ، ویکون ظاهرا فی الدوری.

ویؤیده أن الکر مکیال ، کما هو الظاهر ، وفی القاموس : الکر مکیال للعراق (1) انتهی ، والمعهود منه هو الدوری. وکذا روایة ابن حی الواردة فی الرکی (2) ، إذ لا قائل بتفاوت الکرین ، فیکون الحاصل منهما کون الکر ثلاثة وثلاثین شبرا ( ونصفا وثمنا ونصف ثمن ) (3) ، ولا قائل به بخصوصه. مع أن الشیخ حمل روایة ابن حی علی التقیة ، فیترجح کون هذه الروایة أیضا علی التقیة ، فتبقی روایة إسماعیل بن جابر سالمة عن المعارض.

قوله : إلی من یدعی. ( 1 : 49 ).

هو ابن زهرة علی ما قیل (4).

قوله : قول القمیین. ( 1 : 49 ).

هذا هو الأظهر ، لصحة مستندهم ، وقوة دلالته ، وظهوره فی المربع کما مر ، وتقاربه من الخبر الآخر الآتی الظاهر فی الدوری ، لما أشرنا إلیه ، ولإشعار لفظة السعة أیضا ، فإنّه یکون علی هذا ثمانیة وعشرین شبرا وسبعی شبر ، ویکون نقل أحد الخبرین بالمعنی ، واقترابه أیضا من خبر أبی بصیر وابن حی علی ما ذکرنا.

فیکون الزائد مبنیا علی الاحتیاط ، أو علی أن الکر علی ما هو الظاهر تقریبی لا تحقیقی ، کما هو أحد القولین ، لاختلاف المیاه ثقلا وخفة ، وکذا الأشبار وما حددت به خلقة ومساحة ، ومن هنا اختلف الأخبار فی تحدیده.

بیان مقدار الکرّ مساحةً

ص: 97


1- القاموس المحیط 2 : 130.
2- الکافی 3 : 2 / 4 ، التهذیب 1 : 408 / 1282 ، الاستبصار 1 : 33 / 88 ، الوسائل 1 : 160 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 8.
3- بدل ما بین القوسین فی « ب » و « ج » و « د » : وخمسة أثمان ونصف.
4- قاله المحقق السبزواری فی الذخیرة : 122 ، وهو فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 551.

ولو کان تحقیقا لشاع وذاع ، ولکان فی کل بلد وفی کل قریة بل لکل مکلف خصوصا فی الأسفار کر محدود معین موروث خلفا عن سلف ، وهو ظاهر البطلان. فتدبر.

قوله : لروایة إسماعیل. ( 1 : 50 ).

وفی بعض النسخ : لصحیحة إسماعیل ، ولعله الصحیح بعد ملاحظة قوله بعد : نعم یمکن المناقشة. ، وقوله : وضعفها المصنف.

قوله : ولا یخفی. ( 1 : 50 ).

هو ظاهر ، وقیل فی توجیهها أن ضمیر مثله راجع إلی ما دل علیه قوله :

ثلاثة أشبار ونصفا ، أی فی مثل ذلک المقدار ، إذ لا محصل فی إرجاعه إلی الماء ، وکذا ضمیر فی عمقه (1). وقیل فیه تکلف واضح. علی أنه لا یفید اعتبار ذلک المقدار فی العمق (2).

قوله : والجواب واحد. ( 1 : 50 ).

لیس کذلک ، لما أشرنا إلیه.

قوله : والذی یظهر. ( 1 : 50 ).

وهذا هو الظاهر ، ونبه علیه فی المنتقی أیضا (3).

قوله : ضعیفة. ( 1 : 50 ).

لیس کذلک ، لأنّ محمّدا ثقة ، وفاقا لجماعة منهم العلامة فی المختلف (4) ، وقد حققناه فی الرجال (5).

إشارة إلی أنّ محمد بن سنان ثقة

ص: 98


1- الحبل المتین : 108.
2- الذخیرة : 122.
3- منتقی الجمان 1 : 51.
4- مختلف الشیعة 7 : 31.
5- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 298.

قوله : إذ معنی. ( 1 : 51 ).

الظاهر أن هذا المعنی لیس له معنی ، بل هو وارد فی الدوری أیضا ، کما مر.

قوله : فی المعتبر. ( 1 : 51 ).

لکن لم یظهر بعد أنه فرضه فی المربع ، فتدبّر.

قوله : لم یعتبر التکسیر. ( 1 : 51 ).

لا یخفی ما فیه من التفاوت ، إذ ربما یصل إلی حد المشهور ، وربما یبعد عنه غایة البعد. وفرضها بعض المحققین علی ما یظهر من کلامه فیما لو کان طوله تسعة أشبار ، وعرضه شبرا ، وعمقه نصف شبر ، فإن مساحته أربعة أشبار ونصف ، إذ قال بعد ذلک ، فما ذکره الشارح الفاضل من أن أبعد الفروض عنها ما لو کان کل من عرضه وعمقه شبرا وطوله عشرة أشبار ونصفا محل تأمّل. مع أن المناسب أن یذکر فرضا لا یزید مجموع الأبعاد فیه علی عشرة ونصف ، ولیس ما ذکره کذلک (1).

قلت : وفی کلام المتأمّل أیضا تأمّل ، إذ المفروض فرض أبعد الفروض ، و [ أبعد ] (2) منه ما لو کان طوله عشرة ، وکل من عرضه وعمقه ربع شبر ، فالمساحة نصف شبر وثمنه.

قوله : وعن ابن الجنید. ( 1 : 52 ).

ما أشد التباین بین تحدیده هنا وفی الوزن ، حیث قال بالقلتین وفاقا للشافعی والحنبلی (3) ، وحد بالخمسمائة رطل ، ولعل ما هنا یبعد من تحدید أبی حنیفة أیضا ، حیث قال بعشرة فی عشرة بذراع الکرباس ، فی عمق لا یظهر الأرض بالاغتراف ، إذ یتأتی ذلک العمق فیما لو کان نصف شبر أو أقل ،

قال ابن الجنید : الکرّ ما بلغ تکسیره مائة شبر والمناقشة فیه

ص: 99


1- الذخیرة : 123.
2- أضفناه لاستقامة العبارة.
3- الشافعی فی الأم 1 : 4 ، وانظر المغنی والشرح الکبیر 1 : 52.

فلعل مستنده مستنده.

قوله : بکل ما روی. ( 1 : 52 ).

الظاهر أنه أراد الروایات المعلومة المعمولة بها ، فتأمّل.

قوله : وکأنه یحمل. ( 1 : 52 ).

فیه إشارة إلی احتمال وجه آخر ، ولعله اللزوم التخییری ، ویکون التعیین باختیار المکلف ، کما قیل فی بعض موارد النزح ، ومواضع التخییر بین القصر والإتمام ، فتأمّل.

قوله : إذا صح. ( 1 : 52 ).

فیه : ما أشرنا إلیه فی أوائل الکتاب من التسامح فی أدلة السنن.

قوله : عملا بالعمومات الدالة. ( 1 : 52 ).

وربما منع العموم ، لفقد ما یدل علیه ، فإن المفرد المحلی لیس موضوعا له ، بل اللام فی المقام إما مشترک بین الجنس ، والاستغراق ، والعهد الخارجی ، والذهنی ، أو مختص بالجنس ، لأنه موضوع للإشارة والتعریف ، ومدخولة موضوع واسم للجنس. ویمکن إثبات العموم علی التقدیرین.

أما علی الثانی - وهو الأظهر - : فلأن الحکم تعلق بالجنس فیدور معه ، کما تقول : التمر حلو ، والرجل خیر من المرأة ، وغیر ذلک. وظهور العموم بهذا النحو عرفا لعله لا تأمّل فیه.

وأمّا علی الأول : فلأنّ العهد الخارجی موقوف علی معهود مسبوق حینئذ ، والذهنی لا یفید فیخرج کلام الحکیم عن الفائدة ، مع أن الرواة بمجرد استماع اللفظ کانوا یقنعون ویسکتون ، فانحصر فی المعنیین الآخرین. فکیف کان تفید العموم.

ومن قال بأن الأحکام لا تتعلق بالطبائع إما یجعل ما ذکر قرینة علی إرادة الاستغراق وتعیینه ، أو إرادة عموم من دون کونه مما وضع اللفظ بإزائه ،

تساوی میاه الغُدران والحیاض والأوانی فی الحکم

ص: 100

فیقتصر فیه علی القدر السابق إلی الذهن ، الحاضر لدیه ، کما مر الإشارة إلیه مکررا.

لکن التعمیم بهذا النحو ربما یخدشه عدم معهودیة کون الإناء یسع کرا ، وهو علیه السلام قال : إذا کان کرا. فتأمّل.

ویمکن أن یکون مراد الشارح - رحمه الله - ما یعم قوله علیه السلام : کل ماء طاهر حتی تعلم أنه قذر ، فتأمّل. والأصول تقتضی العموم.

قوله : وهو ضعیف جدا. ( 1 : 52 ).

لأن شموله للکر بعید جدا ، لکونه خلاف ما یظهر من الأخبار. مضافا إلی ندرة وجوده ، لو لم نقل بعدمه عادة ، مع أنّ الأخبار تحمل علی الأفراد الشائعة دون النادرة ، سیما مثل ما نحن فیه ، إذ لعله مجرد فرض أو فی غایة الشذوذ. مع أنه لا وجه للتعمیم بالنسبة إلی الحیاض ، خصوصا مع القول بعدم الانفعال فی الغدران ، فتأمّل.

مع أنّه علی تقدیر التسلیم ، کون الإطلاق بحیث یقاوم العمومات محل نظر ، فضلا عن أن یقدم علیها ، بل الأمر بالعکس ، کما ظهر وجهه مکررا. فتدبر.

علی أنه ورد النص فی الحیاض الملاقیة لولوغ الکلب وغیر ذلک أنه لا بأس باستعماله إذا کان کثیرا (1). نعم ورد فی بعض المنع من استعمال الکر (2). وحمل علی الاستحباب ، فلیلاحظ.

قوله : والحق أن مرادهما. ( 1 : 52 ).

لکن عبارة المقنعة لا تکاد تقبل هذا التوجیه ، نعم ربما یظهر من

ص: 101


1- الوسائل 1 : 158 أبواب الماء المطلق ب 9.
2- التهذیب 1 : 40 / 110 ، الاستبصار 1 : 8 / 8 ، الوسائل 1 : 139 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 5.

الشیخ بناء عبارته علیه (1) ، وقیل : إنّه أعرف بمقصود أستاده. فتأمّل.

قوله : إن ثبتت. ( 1 : 53 ).

بأن قال الشارع : وضعت هذا اللفظ بإزاء هذا المعنی ، وحیث استعمله أرید ذلک منه. لکن الظاهر أنّه لم یقع ذلک منه ، بل یمکن القطع بذاک ، لاقتضاء العادة تواتر مثل ذلک ، ولم یصل خبر واحد حتی بالنسبة إلی القریبین إلی عهده.

أو أنه نقل أول مرة إلی المعانی الحادثة إلا أنه أفهمها بالتردید بالقرائن ، فمقتضی ظاهر ذلک أنه لم یستعمله إلا فیها بمعونة القرائن حتی حصل التفهیم ، ثم استعمل بغیر قرینة أو بقرینة فی غیرها ، وقبل حصول التفهیم ما استعمل فی غیرها لا بقرینة ولا بغیر قرینة ، وإلا لاستحال التفهیم ولاحتاج إلی التنصیص. ولو فعل نادرا ولم یضر التفهیم لا یضر الحمل علی الحقیقة الشرعیة ، لأنه لا بدّ من أن یکون نادرا غایة الندرة ، لو سلم عدم ضرره ، والظن یلحق بالأغلب.

لکن هذه الطریقة أیضا بعیدة جدا لو لم نقل بالعلم بالعدم. نعم لو کانت فإنما تکون باستعماله وغلبته إلی أن یصیر حقیقة فی زمانه ، فالفرق بینه وبین عرف زمانهم أنه صارت حقیقة بسببهم علیهم السلام دون عرف زمانهم. إلاّ أن الحمل علیها علی تقدیر الثبوت أیضا مشکل ، لعدم معلومیة التاریخ (2).

ولعل هذا الإشکال بالنسبة إلی کلام الأئمة علیهم السلام - سیما الصادقین علیهماالسلام ومن بعدهما - غیر وارد ، کما أشرنا. نعم بالنسبة إلی القرآن وکلامه صلی الله علیه و آله یمکن أن یقال بأن الرواة والمفسرین

ماء البئر

بحث فی الحقیقة الشرعیة واللغویّة

ص: 102


1- انظر التهذیب 1 : 218 ، 229.
2- فی « ب » و « ج » و « د » زیادة : بل لعل هذا الإشکال وارد بالنسبة إلی الاحتمال الأول أیضا.

لما لم ینبهوا علی أن المراد المعنی المهجور ربما یظهر منه أن المراد هو غیر المهجور. فتأمّل.

قوله : فعلی عرف زمانهم. ( 1 : 53 ).

أعم من أن یکون عرفا عاما أو عرفا خاصا ، إن علم یقینا ، کالماء والضرب ، أو ظنا ، کالدرهم وأمثاله ، وإن لم یعلم فعلی اللغویة ، وإلا فعلی العرف العام وإن لم یعلم کونهما عرفه بخصوصه ، لأصالة عدم الوضع وعدم النقل.

ویمکن حمل العلم علی معناه الحقیقی وجعله بإزاء الأصل الذی هو ظنی ، ولعل الأول أولی (1). فتأمّل.

قوله : فعلی الحقیقة اللغویة. ( 1 : 53 ).

فی تقدیم اللغویة علی العرف العام تأمّل ، إذ ربما یظهر من ملاحظة الأحادیث أن طریقتهم طریقة أهل العرف. مضافا إلی استبعاد التغیر فی ألسن جمیع أهل العرف العام فی هذه المدة ، فتأمّل.

ومنشأ تقدیم اللغة أصالة تأخر الحادث ، وهو استمرار العدم الثابت إلی أن یثبت خلافه.

قوله : ولما لم یثبت. ( 1 : 53 ).

أقول : من عرف جمیع ما ذکره وعرف معناه فی العرف العام فلا حاجة له إلی التعریف ، وإلا فلا ینفع ما ذکره لدفع الإیراد علی التعریف.

مع أن ما ذکره إنما هو لفهم کلام الشارع ، والإیراد إنما هو علی التعریف ، وهو غیر کلام الشارع ، بل ولیس تعریفا لکلام الشارع ، بل تعریف لکلام الفقیه ، وکون اصطلاحهما واحدا محل تأمّل.

أما عند من أنکر الحقیقة الشرعیة فظاهر ، وأما عند من قال بها فإن

ص: 103


1- فی « د » : ولعله أولی.

اصطلاح الفقهاء لا یلزم أن یکون حقیقة عند المتشرعة ، بل کثیر من اصطلاحاتهم لیس کذلک ، منها اصطلاحاتهم فی العقود والإیقاعات وغیرها ، ولذا یثبت تلک الأمور بقیودها من مجرد الألفاظ الواردة فی النصوص ، فتأمّل.

إلاّ أن یقال : اصطلاحهما فی المقام واحد ، لکن لا بدّ من التنبیه علی ذلک. إلا أن یقال : الأصل الموافقة إلی أن یظهر المخالفة. علی أنه کان التعریف علی ما ذکره هو أنّ المراد من البئر المعنی العرفی فلا حاجة الی التطویل.

والأولی فی الجواب أن یقال : إنّ المتبادر من لفظ العرف مطلقا ومن دون ضمیمة هو العرف العام ، کما لا یخفی علی المطلع علی رویة القوم ، والتطویل لرفع التوهم. وذلک لأنه لما کان یطلق فی الشام والمشهد الغروی مثلا علی آبارهم لفظ البئر فلعله یتوهم متوهم جریان أحکام الفقهاء فیهما أیضا ، فقیّد للإخراج ، فدعی ذلک إلی القید الآخر ، إذ لعله یتوهم أن اصطلاح الفقهاء فی البئر سوی اصطلاح العرف ، لکون العیون التی لا تجری غالبا عندهم من أفراد بئرهم.

بل یمکن أن یقال : إنّه لما کان ظاهرا أنّ مثل هذه العیون لا تسمی بئرا فی عرف قال : عرفا ، من غیر تعیین ، فعلی هذا یکون کل واحد من القیود الثلاثة لا بدّ منه فی التعریف متمما له. فتأمّل.

قوله : وهو المشهور. ( 1 : 54 ).

بل نفی ابن إدریس الخلاف بین الفقهاء فی ذلک (1) ، وابن زهرة ادّعی الإجماع علی ذلک (2).

هل ینجس ماء البئر بملاقاة النجاسة؟

ص: 104


1- السرائر 1 : 69.
2- الغنیة ( الجوامع الفقهیّة ) : 551.

قوله : ذهب إلیه العلامة. ( 1 : 54 ).

لعل رأیه مخالف (1) للتهذیب من المنع من الاستعمال قبل النزح ، مع احتمال تجویزه الاستعمال أیضا قبله ، وأن النزح لا بدّ أن یتحقق فی وقت من الأوقات عینا أو کفایة ، لکنه بعید.

قوله : فإنّه قال : لا یجب. ( 1 : 54 ).

هذا محمول علی صورة الجهل ، کما یشیر إلیه کلامه فی الاستبصار (2) ، أو یکون النهی عنده غیر مقتض للفساد ، لأن مآله إلی النهی عن الخارج عن العبادة عنده أو مطلقا ، فتأمّل.

قوله : کما ذکره جدی ، رحمه الله . ( 1 : 54 ).

قیل : إنّ الشیخ صرح بالنجاسة فی باب الزیادات (3).

أقول : لعل مراده من النجاسة المنع عن الاستعمال قبل النزح ، والطهارة رفع المنع ، یشیر إلی ذلک کلامه فی منع ارتماس الجنب فی الراکد (4) ، وفی منع الطهارة بالماء المستعمل فی الحدث الأکبر (5) ، وکلام شیخه أیضا ، وکذا فی النزح لارتماس الجنب (6) ، وغیره مما هو ظاهر عندهما ، وکلام شیخه فی آخر باب النزح ، وهو قوله : لأن المتوضی والمغتسل (7). ، والشیخ قرره ، وکلامه فی باب تطهیر المیاه ، وهو قوله : والذی یدل علی ذلک أنه مأمور (8). ، وغرضه الاستدلال علی نجاسة

بیان الأقوال فی المسألة

ص: 105


1- کما فی « ه » ، وفی سائر النسخ : موافق.
2- الاستبصار 1 : 32.
3- قاله المحقق السبزواری فی الذخیرة : 127 ، وهو فی التهذیب 1 : 408.
4- التهذیب 1 : 149.
5- التهذیب 1 : 221.
6- التهذیب 1 : 243.
7- التهذیب 1 : 247.
8- التهذیب 1 : 232.

المتغیر خاصة ، کما لا یخفی علی من أمعن النظر فیه وفی ما قبله.

وأیضا : القدماء ربما کانوا یذکرون لفظا علی طبق ما ورد فی الحدیث ، أو وفقه ، مریدین منه ما أراد المعصوم علیه السلام لا المصطلح عند المتشرعة ، کما لا یخفی علی من لا حظ کلام الصدوق والکلینی - رحمهما الله - وغیرهما.

وبالجملة : الظاهر أن مراده عدم جواز الاستعمال قبل النزح مع العلم بالملاقاة ، علی ما یستفاد من کلامه فی الاستبصار. فتأمّل.

قوله : إن بلغ ماؤه کرا. ( 1 : 54 ).

فی الفقه الرضوی : « کل بئر عمق مائها ثلاثة أشبار ونصف فی مثلها سبیلها سبیل الماء الجاری ، إلا أن یتغیر لونها أو طعمها أو ریحها ، فإن تغیرت نزحت حتی تطیب» (1).

قوله : فی مطلق الجاری. ( 1 : 55 ).

لا یخلو من تأمّل ، حیث أطلق القول بالطهارة هنا وشرط الکریة فی الجاری ، وکونه من أنواعه فیه ما فیه. نعم یمکن أن یقال : مقتضی دلیله ذلک ، بل اشتراط الکریة فی الجاری یستلزم الاشتراط فی البئر بطریق أولی ، بملاحظة الأدلة ، فتأمّل فیه.

قوله : مضافا إلی الأصل. ( 1 : 55 ).

أقول : بل الأصول ، کما تقدم.

قوله : والعمومات الدالة. ( 1 : 55 ).

علی حسب ما تقدم الإشارة إلیها فی صدر مبحث المیاه ، ومبحث الجاری ، وغیرهما.

ص: 106


1- فقه الرضا « ع » : 91 ، المستدرک 1 : 201 أبواب الماء المطلق ب 13 ح 3.

قوله : علی وجه العموم. ( 1 : 55 ).

لشمول لفظ « شی ء » للنجس شرعا ، أی حتی المتنجسات ، أو لأن الإطلاق ینصرف إلی العموم ، فتأمّل.

قوله : کما یقتضیه المقام. ( 1 : 55 ).

لأن الظاهر أن الشارع یرید حکما شرعیا ، وأنه النجاسة ، بناء علی ما اشتهر وظهر من أن البئر هل ینجس بالملاقاة أم لا ، ویعیّن ذلک بتتبع الأحادیث فی مبحث البئر ، ویعیّنه أیضا استثناء التغیر ، وأما الروایة الثانیة فأظهر دلالة فی المعنی.

قوله : والوصف بالسعة. ( 1 : 55 ).

لظهور أن المراد منه أمر شرعی ، والسعة شرعا ظاهرة فی عدم الضیق والتکلیف شرعا ، فیظهر منه الطهارة ، فتدبر.

قوله : قال : ماء البئر واسع. ( 1 : 55 ).

فیها تأکیدات : الوصف بالسعة ، والنکرة فی سیاق النفی ، والحصر فی التغیر ، والنزح إلی أن یذهب التغیر خاصة ، والتعلیل بأن له مادة ، وهذه التأکیدات تشهد علی کون الحکم بحسب الواقع لا التقیة ، ولا أمر آخر مثل ما ذکره الشیخ فی التوجیه ، ولعل عدم الانفعال فی نفسه مخالف للتقیة.

قوله : لأن له مادة. ( 1 : 55 ).

قد مر فی مبحث الجاری الکلام فیه ، وأنه علی أی تقدیر یدل علی عدم الانفعال.

قوله : فیما یجب فیه ذلک قطعا. ( 1 : 56 ).

الحکم القطعی لعله لا یخلو عن مناقشة ، فالأولی أن یقال : بطریق أولی ، فتأمّل.

ص: 107

قوله (1) : لا یجوز الانتفاع. ( 1 : 56 ).

بل قال : ینزح حتی یزول التغییر ، وأنه یکفی مطلقا.

قوله : عند القائلین بالتنجیس. ( 1 : 56 ).

لا شک فی أن الشیخ کان یعرف هذا ، بل هو عین مذهبه فی منع الاستعمال أو النجاسة ، فمراده أنه مخصص من دلیل من الخارج ، والعام المخصص حجة ، سیما وأن المخصص قلیل جدا فی جنب غیره ، وکلامه فی توجیه الحدیث ، لا الاستدلال لمذهبه منه.

قوله : کما أنه قد یجوز. ( 1 : 56 ).

فیه : أن الظاهر أن مراد الشیخ من المستثنی بیان حکم تغیر الجمیع ، وأنّه فهم کذلک (2) ، وهو محتمل من الحدیث ، لإضافة الریح أو الطعم إلی نفس البئر ، وعلی تقدیر فهمه العموم وبنائه علیه هو قائل به لا محالة ، فلا نقض علیه.

فالأولی فی النقض علیه أن ظاهر قوله : ینزح حتی یطیب یقتضی جواز الاستعمال إذا طاب بنزح بعض منه. فتأمّل.

ثم لا یخفی أن النقض علی قول الشیخ بأن القائل بالتنجیس لا یجوز الانتفاع فی کثیر من النجاسات فیه ما فیه ، إذ الشیخ غیر قائل بالتنجیس علی ما ظهر مما ذکر فی محل النزاع.

علی أن الظاهر أن رأیه فی الاستبصار بعینه هو رأیه فی التهذیب ، بل صرح فی الاستبصار بأن جوابه ذلک إنما هو علی ما بینه فی کتاب تهذیب الأحکام ، بل ما فی الاستبصار أدل علی وجوب النزح من دون الحکم بالنجاسة ، هو قرینة علی أن ما فی التهذیب أیضا کذلک.

ص: 108


1- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و ».
2- فی « ج » و « د » : وأنهم فهموا کذلک.

قوله : والخاص مقدم. ( 1 : 56 ).

تقدیمه إنّما یکون إذا کان أقوی من العام دلالة ، علی الأصح ، أو التساوی ، علی غیر الأصح ، ولیس ما نحن فیه کذلک ، فإن دلالة العام فی غایة القوة ، کما عرفت ، والخاص فی غایة الضعف ، کما ستعرف.

نعم ربما یکون السند مکاتبته إلی المعصوم علیه السلام ، لورود الروایة عن محمّد بن إسماعیل بهذا المتن مکاتبة ، لکن الظاهر أنها غیر مضرة لحصول الظن.

هذا مع أن القول بالتفصیل بین النجاسات فی التنجیس وعدمه من جهتها منفی فی المسلمین.

قوله : فإنّ الحصر المستفاد. ( 1 : 56 ).

هذا مشترک الورود فی غالب ما ورد من الأخبار الخاصیة فی انفعال الماء بالتغیر ، ولم یجعل ذلک قدحا بالنسبة إلی شی ء منها ، فکأنه صار المتعارف التعبیر عن التغیر المنجس شرعا بذکر الوصفین ، ولعله علی سبیل المثال ، من جهة أن الغالب التغیر بالجیف ، والغالب فیه التغیر بالریح والطعم ، ولما کان الریح أغلب اقتصر فی بعض الأخبار بذکره ، وصار ذکر أغلب الأفراد وأظهرها کنایة عن نفس التغیر ، وهو متعارف.

وبالجملة : هذا لیس مخصوصا بالمقام ، بل متحقق فی المقامات المسلمة عند الخصم ، ولم یحکم فیها بمتروکیة الظاهر بسببه ، بل لم یجعل ذلک حزازة أصلا ورأسا.

قوله : وعلیه یحمل. ( 1 : 57 ).

لعل مراده أنه وإن کان ظاهرا فی النجاسة إلا أنه محمول علی ما ذکرنا ، بالسبب الذی سیأتی ، فلا یکون هو أیضا دالاّ علی النجاسة ، لکن لا وجه للتخصیص بروایة علی بن یقطین ، ولا التزام کلفة إنکار الدلالة فی

ص: 109

النزح ، إذ کیفما کان لا دلالة له علی حسب ما ذکر فی التطهیر ( بأنه لا یدل علی کون المحل نجسا ، کما تقدم بیانه فی کلام الشیخ ) (1).

قوله : ومع ثبوت الملازمة. ( 1 : 57 ).

یمکن أن یقال : الاحتمال کاف لا یحتاج إلی الثبوت ، إذ الخبر الصحیح حجة ، ولم یثبت ما یخرجه عن الحجیة بل الاحتمال المرجوح أیضا لعله یکفی ، کما مر فی مسألة وجوب الغسل لصوم المستحاضة. لکن یلزم من الملازمة کون ذکر اللون لغوا ، والمستفاد من کلام الأصحاب أن کل واحد من التغیرات لخصوصیاتها مدخلیة فی النجاسة ، کما سنشیر إلیه. إلاّ أن یکون مراده التلازم غالبا ، والخبر ورد مورد الغالب ، کما هو الشأن فی غالب الأخبار. فتأمّل.

قوله : لأنّه أظهر فی الانفعال. ( 1 : 57 ).

لا یخفی أن الانفعال من حیث هو انفعال لا یقتضی النجاسة ، وإلا لزم النجاسة بتغیر الصفات الأخر ، وقد مر أنه لیس کذلک ، بل وخصوصیة الانفعال وکونه بحسب الصفات الثلاثة سبب للنجاسة ، ولها دخل فیها ، فتأمّل.

قوله : بأنا لم نقف. ( 1 : 57 ).

قد أشرنا إلی الحدیث الذی یدل ، وسنده وإن لم یکن صحیحا إلاّ أنّ اتفاق العمل والفتوی من الأصحاب یکفی. مضافا إلی ما نقلناه عن الفقه الرضوی (2) ، ومع ذلک تأمله فی هذا الحکم ومناقشته لیس بمکانه ، للإجماع من المسلمین کافة ، کما اعترف مکررا.

ص: 110


1- ما بین القوسین لا یوجد فی « ب » و « ج » و « د » و « ه ».
2- راجع ص 42.

قوله (1) : بئر وقع فیها زنبیل. ( 1 : 57 ).

روی عمار فی الموثق عن الصادق علیه السلام : البئر تقع فیها زنبیل عذرة یابسة أو رطبة ، فقال : « لا بأس إذا کان فیها ماء کثیر » (2).

قوله : إلا أن المراد. ( 1 : 58 ).

لا یخفی أنه فی الطاهر أظهر ، لأن المتعارف سرقین مثل الحمار ، والبغل ، والخیل ، والأنعام. وسیجی ء فی مبحث النجاسات ما یدفع هذا الاستبعاد ، حیث قال جمع بنجاسة بول الدواب ، واحتمل الشارح نجاسة سرقینهم أیضا (3). نعم سأل عن صلاحیة الوضوء ، وکونه فقیها بحیث ما کان له إشکال أصلا فی صلاحیة الوضوء لا بدّ من ثبوته ، لأن الفقه لهم ولنا إنما حصل من سؤالهم عن المعصوم ، ولم یکونوا مفطورین علی الفقه ، فالأولی أن یقال : الدلالة من جهة العذرة ، وهی تکفی ، أو یقال : ترک الاستفصال یفید العموم ، لکن هذا فرع عدم الأظهریة.

قوله : یستلزم وصول ما فیه. ( 1 : 58 ).

سیما مع کون العذرة رطبة ، کما سأله عنها ، وخصوصا أن الرطبة أعم من اللینة ، ولم یستفصل فی الجواب.

قوله : من تأخیر البیان. ( 1 : 58 ).

بناء علی أنّ الظاهر أنّ وقت السؤال هو وقت الحاجة. لکن لا یخفی أن الحال فی جمیع الأخبار التی أولها الشارح وغیرها ووجوهها مثل ما نحن فیه. والمعترض یدری أن أمثال هذه الأجوبة احتمالات مخالفة للظاهر ، إلاّ أنه لما ترجح عنده ما دل علی النجاسة شرع فی توجیه المعارض بالحمل

ص: 111


1- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».
2- التهذیب 1 : 416 / 1312 ، الاستبصار 1 : 42 / 117 ، الوسائل 1 : 174 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 15.
3- انظر المدارک 2 : 303.

علی خلاف الظاهر رفعا للتعارض.

وهذه هی الطریقة المقررة المسلمة عند الفقهاء من أول الفقه إلی آخره ، فمآل التوجیهات إلی أن وقت السؤال ما کان وقت الحاجة ، أو کان فی الأخبار قرائن حالیة أو مقالیة انعدمت من تقطیع الأحادیث أو غیره من السوانح ، أو ان الخبر الواحد یمکن أن یکون المراد منه معناه الظاهری بالنسبة إلی السائل ، وخلاف الظاهر بالنسبة إلی المطلع علی الصارف والقرینة ، ویکون ذلک أقرب إلی الصواب ( بل حکم الله الواقعی ، والأول الظاهری ، کما هو الشأن بالنسبة إلی المجتهدین والفقهاء ومقلدیهم ) (1).

فحقیقة الجواب أن توجیه المعارض بالحمل علی الکراهة واستحباب النزح أولی وأقرب ، وعلی تقدیر التساوی یترجح ایضا ذلک بموافقة الأصول وغیرها.

أو یقال : ما دل علی عدم الانفعال أرجح ، لموافقته الأصول والعمومات ، علی حسب ما أشرنا ، وکذا موافقته للشریعة السهلة ، وغیر ذلک ممّا أشرنا إلیه فی بحث عدم اشتراط کریة الجاری ، وتعیین الکر ، وغیرهما ، وللمرجحات التی سنذکر.

فإذا کان أرجح یتعین أن یکون هو الحجة ، فیتعین أن یکون التوجیه فی مخالف الحجة ، کما مر ، وغیر خفی تحقق الأمور الثلاثة جمیعا فی المقام ، وهی أقربیة التوجیه فی التعارض ، وأرجحیته ، وأرجحیة ما دل علی عدم الانفعال ، فی کونه حجة ، بل وتعینه فیها.

قوله : هو ابن عیسی الثقة ( 1 : 58 ).

الظاهر أنه عند المحقق أیضا ظاهر فی الثقة ، ولهذا لا یقدح فیه إلا

حمّاد بن عیسی ثقة

ص: 112


1- ما بین القوسین لا یوجد فی « ه ».

فی مقام التوجیه ، دفعا للتعارض.

قوله : کما یظهر للمتتبع. ( 1 : 59 ).

ولأن المطلق ینصرف إلی الکامل المشهور المعروف ، وهو إما ابن عیسی أو ابن عثمان الثقتان الجلیلان ، وهذه هی الطریقة المتعارفة سیما (1) فی سند الأحادیث.

قوله : وهو لا یعلم. ( 1 : 59 ).

ویؤیده أنه لو کانت خرجت ولم تمت فیها لکان یذکر ، ولما اکتفی بذکر الوقوع خاصة ، کما هو المناسب لمقتضی المقام. علی أن ترک الاستفصال فی مقام الاحتمال یفید العموم.

وفی الصحیح عن أبان عن الصادق علیه السلام ، عن الفأرة تقع فی البئر لا یعلم بها إلا بعد ما یتوضأ منها ، إیعاد الوضوء؟ فقال : « لا » (2) ، وأبان ممن أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصح عنه ، بل الظاهر أنه من الثقات الأجلة ، کما ذکرنا فی الرجال (3). ولذا حکم الشارح بصحة روایة أبی أسامة وأبی یوسف مع أن الراوی عنهما أبان ، لکن لم یظهر وجه عدم ذکره لهذه الروایة.

وفی الصحیح عن جعفر بن بشیر الذی یروی عن الثقات ویروون عنه ، عن أبی عیینة عن الصادق علیه السلام ، عن الفأرة تقع فی البئر ، فقال : « إذا خرجت فلا بأس ، وإن تفسخت فسبع دلاء » ، قال : وسئل عن الفأرة تقع فی البئر ، فلا یعلم بها أحد إلا بعد ما یتوضأ منها ، أیعید وضوءه وصلاته ویغسل

ص: 113


1- لیس فی « ج ».
2- التهذیب 1 : 233 / 672 ، الاستبصار 1 : 31 / 82 ، الوسائل 1 : 173 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 11.
3- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 18.

ما أصابه؟ فقال : « لا ، فقد استقی أهل الدار منها ورشوا » (1). وهذه قرینة أخری علی أن المراد فی الصحیحین السابقین الفأرة المیتة. وربما یظهر من العلة أن تنجس البئر بالملاقاة ربما یکون سببا للحرج المنفی.

وفی الموثق عن الصادق علیه السلام ، أنه قال له : بئر یستقی منها ویتوضأ به ویغسل منه الثیاب ویعجن به ، ثم یعلم أنه کان فیه میتة؟ قال : فقال : « لا بأس ولا یغسل منه الثوب ولا یعید منه الصلاة » (2). وورد بعض الأخبار الصریحة فی الطهارة ، وبعض آخر ظاهرة (3).

قوله : والترجیح فی جانبها. ( 1 : 60 ).

وبما أشرنا إلیه من المرجحات ، ومما یرجح بل یدل ما فی کثیر من الأخبار من الأمر بنزح دلاء ، ودلاء یسیرة (4) ، مما یدل بظاهره علی المسامحة ، وکذا الاختلاف الفاحش فی مقادیر النزح ، والجمع بین الطاهر والنجس فی مقداره فی غیر واحد من الأخبار ، وورود الأمر بالنزح للأمور الطاهرة ، ووروده للأمور النجسة ، وورود التخییر بین مقادیر النزح فی کثیر من الأخبار ، وعدم انضباط الدلو عند القائل بالتنجیس ، وکذا فی الأخبار ، وإن ضبط فی الفقه الرضوی بأنه الذی یسع ثلاثین رطلا (5) ( علی ما هو ببالی ) (6).

ص: 114


1- التهذیب 1 : 233 / 673 ، الاستبصار 1 : 31 / 82 ، الوسائل 1 : 174 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 13 وفی النسخ : استسقی أهل الدار.
2- التهذیب 1 : 234 / 677 ، الاستبصار 1 : 32 / 85 ، الوسائل 1 : 171 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 5. بتفاوت یسیر.
3- انظر الوسائل 1 : الباب 14 و 16 و 17 من أبواب الماء المطلق.
4- الکافی 3 : 6 / 8 ، التهذیب 1 : 409 / 1288 ، الوسائل 1 : 193 أبواب الماء المطلق ب 21 ح 1.
5- الموجود فی فقه الرضا « ع » : 92 ، والمستدرک 1 : 204 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 2 : أربعون دلوا.
6- لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

وممّا یؤید أیضا أنّه لا یکاد یتحقق روایة فی النزح لا تکون مشتملة علی ما یقول به القائل بالانفعال أو وجوب النزح. وأیضا الحکم بنجاسة الدلو والرشا وما یسقط من الدلو ثم الطهارة لعله لا یخلو عن التأیید لعدم الانفعال. ویؤیده أیضا أن الکر من الماء لا ینفعل قطعا ، فالکر منه مع انضمام المادة ( کیف ینفعل؟! ) (1). مع أنه لا یخلو عن الحرج غالبا کما مرّ الإشارة. ویؤید الطهارة أیضا عدم أمرهم بکون الدلو خالیا عن النقوب والثقوب والتمزق ، مع عدم خلو الدلو عنها غالبا. ویؤید أیضا عدم أمرهم بالاحتیاط مهما أمکن فی النزح ، بأن لا ینصب منه فی البئر ، مع أن کیفیة النزح مختلفة فی هذا المعنی. فتأمّل.

قوله : علی المعنی اللغوی. ( 1 : 60 ).

الحمل فاسد قطعا ، لأن اللغوی یعرفه کل أحد ، لا أنه لا یعرفه سوی المعصوم ، ولذا لم یعرفه الراویان الجلیلان ولا من بحضرتهما ولا أهل بلدهما ولا غیرهم ، ولذا اقتصر فی السؤال عن المعصوم وبعث المکتوب إلی بلد بعید ، مع أن النزح لا دخل له فیه ، فضلا عن خصوص نزح.

وأیضا المنع الشرعی کان معهودا معروفا بین جماعة من المسلمین ، بل وأکثرهم ، فلا شبهة فی أن السؤال کان عن هذه الجهة.

قوله : احتج الموجبون. ( 1 : 61 ).

الظاهر أن منشأ ترجیحهم هو الشهرة بین القدماء.

قوله : وحجة القول الرابع. ( 1 : 61 ).

مر موثقة عمار الظاهرة فی هذا القول ، وروایة الحسین بن صالح بن

ص: 115


1- کما فی « أ » و « و » ، وبدل ما بین القوسین فی « ه » : ینفعل بعید جدّا ، والعبارة فی سائر النسخ مغلقة.

حی فی مبحث الکر (1) ، وعبارة الفقه الرضوی (2) ، والاستبعاد الذی أشرنا هاهنا ، والقدماء یعملون بأمثال هذه الاخبار ، سیما مع تأییدها بما أشرنا.

وربما یؤیده أیضا أن الأغلب فی البئر عدم القصور عن الکر ، فربما یؤید جمیع ما ذکر عموم المفهوم وشموله لما نحن فیه ، إلاّ أنّه یبعده العلة المنصوصة ، وترک الاستفصال بالمرة ، وما أشرنا إلیه من المرجحات الکثیرة ، مضافا إلی الأصول ، فبهذا یظهر استبعاد جعل هذا المذهب وجه جمع بین الأخبار ، مضافا إلی بعده فی نفسه ، فتأمّل.

قوله : بنزح جمیعه. ( 1 : 62 ).

نقل ابن زهرة (3) وابن إدریس (4) الإجماع علی ذلک.

قوله : عشرین دلوا. ( 1 : 63 ).

وفی روایة کردویه ورد « ثلاثین دلوا » (5).

قوله : وبین سائر المسکرات. ( 1 : 63 ).

لعل بعض الفقهاء اعتقد أن الخمر حقیقة فی کل مسکر ، کما هو عند بعض اللغویین (6) ، ولعل نظر من احتج بالإطلاق علیه فی الأخبار إلی ذلک أیضا ، بأنه حقیقة فی کل مسکر بالاشتراک المعنوی ، بأنّ الأصل عنده فی الإطلاق الحقیقة ، وأن المجاز والاشتراک کلاهما خلاف الأصل ، واستعمال اللفظ الکلی فی فرده حقیقة جائز بل شائع.

منزوحات

البئر ما ینزح لوقوع المسکر فیها

ص: 116


1- راجع ص 81 - 82.
2- راجع ص 54.
3- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 552.
4- السرائر 1 : 70.
5- التهذیب 1 : 241 / 698 ، الاستبصار 1 : 35 / 95 ، الوسائل 1 : 179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 2.
6- انظر إیضاح الفوائد 4 : 156 ، والقاموس المحیط 2 : 32.

ولو قال بالاشتراک اللغوی اللفظی فلا یمکنه الاحتجاج ، لأن الجمع بین معنیی المشترک فی إطلاق واحد غیر جائز علی الأصح ، فضلا عن أن یکون ظاهرا فیهما ، وخصوصا فی ما نحن فیه ، لأن بین المعنیین عموما وخصوصا مطلقا ، فتأمّل.

ویمکن أن یکون مراده الإطلاق مجازا ، کما هو ظاهر قولهم ، فیثبت له حکمه ، وذلک لأن العلاقة لیست إلا الحکم الشرعی ، کما هو ظاهر ، فحیث لم یعین تکون العلاقة جمیع الأحکام الشرعیة ، مثل حرمة الشرب ولزوم الحد علی الشارب ، وشدة التحریم ، ونزح البئر ، وغیرها ، مثل حرمة التداوی وغیرها.

نعم یمکن أن یقال : حرمة الشرب هی المتداول ، بل وشدة التحریم أیضا ، وذلک لأن المشبه به إذا اشتهر فی حکم من الأحکام یکون ذلک منساقا إلی الذهن فقط ، فلا داعی إلی التعمیم ، وإلا فلعل التعمیم له وجه ، کما هو الحال فی المطلقات وحکایة المنزلة ، فتأمّل.

ولعل الظاهر من القدماء التعمیم مطلقا ، مع أن القائل بانفعال البئر بالملاقاة ربما یستدل بما سننقل عن المحقق فی المنی وغیره.

قوله : فإن الإطلاق أعم من الحقیقة. ( 1 : 63 ).

لا یقال : قد مرّ عن الشارح أن اللفظ یحمل علی الحقیقة.

لأنا نقول : ذلک فی موضع عرف الحقیقة من المجاز ، واستعمل اللفظ مجردا عن القرینة ، ولا یعلم أنه مستعمل فی الحقیقی أم المجازی ، فإنه یحمل حینئذ علی الحقیقی قطعا ووفاقا ، وبرهن علی ذلک بأربع حجج فی موضعه. وأمّا إذا علم الاستعمال ولم یعلم أن المستعمل فیه حقیقة أو مجاز ففیه مذاهب : الأول : أنّه حقیقة بناء علی أنّ الأصل الحقیقة ، وغیر مرضی هذا عند المحققین المتأخرین وجمع من القدماء ، وهذا الأصل عندهم لا أصل له إما مطلقا أو إذا تعدد المستعمل فیه ، لأن المجاز عندهم خیر من

الاستعمال أعم من الحقیقة

ص: 117

الاشتراک ، ومما ذکر ظهر المذهب الثانی والثالث. والرابع : أنه مجاز ، لأنه الأصل فی کلام العرب ، بمعنی أنه الظاهر ، لأن الغالب فی معانیهم المجاز.

قوله : تمسکا بمقتضی. ( 1 : 65 ).

کان الأولی أن یقول فیه أیضا مثل ما قال فی قطرة الخمر ، وما نقل فی المسکر والفقاع وارد فی العصیر أیضا ، بل وأشد ، یظهر ذلک من الأخبار الواردة فی علة (1) حرمة الخمر ، فلاحظ الکافی وغیره (2). وسیجی ء الکلام فیه إن شاء الله تعالی.

قوله : أو منی. ( 1 : 65 ).

نقل ابن زهرة وابن إدریس الاتفاق من الأصحاب علیه (3). واستدل المحقق بأنه ماء محکوم بنجاسته ولم یثبت طهارته ، فیجب نزح الجمیع (4) ، وهذا یناسب القائل بالتنجیس.

قوله : علی قول مشهور. ( 1 : 65 ).

نقل ابن زهرة الإجماع ، وابن إدریس الوفاق ، واحتج فی المختلف بمثل ما مر عن المحقق فی المنی (5).

قوله : ثور أو نحوه. ( 1 : 66 ).

فی شموله للبقرة تأمّل ، إذ لو کان المراد ما یعمها لکان یقول : إن مات فیها البقر ، فتأمّل.

ما ینزح لوقوع الفقاع فیها
ما ینزح لوقوع المنی أو أحد الدماء الثلاثة فیها
ما ینزح لموت البعیر فیها

ص: 118


1- لیست فی « أ » و « و ».
2- الکافی 6 : 393 ، علل الشرائع : 475 ، الوسائل 25 : 282 أبواب الأشربة المحرمة ب 2.
3- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 552 ، السرائر 1 : 70.
4- المعتبر 1 : 59.
5- المختلف 1 : 35.

قوله : ثم یقام. ( 1 : 67 ).

قیل : هو بفتح الثاء ، وقیل : هو زائد ، ویؤیده أن المحقق لم یأت به عند ذکر الروایة (1) وربما یکون المراد تقدیر کلمة « قال » بعد « ثم » ، بل ورد فی بعض النسخ ذکر هذه الکلمة بعده صریحا ، وهو الأظهر. ویمکن أن یکون المراد الترتیب الخارجی ، وأن یکون من کلام عمار ، کما هو دأبه فی ازدیاد أمثال هذه ، سیما لفظ ثم بخصوصه ، فلیتتبع روایاته ولیتأمّل.

وبالجملة : بعد اتفاق الأصحاب علی الفهم وعدم تأمّل أحد منهم ، مع أنهم هم الماهرون المطلعون الشاهدون ، لا وجه للتأمل من هذه الجهة. فتأمّل.

قوله : أعیان مخصوصة. ( 1 : 67 ).

لم یقل أحد بالاختصاص ، وربما کان خلاف الإجماع لو لم یحتمل مخالفة الظاهر.

وبالجملة : حال المقام حال سائر المقامات التی یتعدی الشارح - رحمه الله - من خصوص المورد. مع أنهم حملوها علی صورة التغیر من تلک الأعیان ، جمعا بین الأخبار ، وعلما منهم بأن نزح الجمیع لموت الفأرة - بل ومثل الکلب أیضا - فاسد. وتعدیهم فی التراوح عن صورة التغیر بناء علی القیاس بطریق أولی ، وعدم القائل بالفصل.

قوله : بروایته وأمثاله. ( 1 : 68 ).

ویؤیده اشتهار العمل بخصوص هذه بین الأصحاب ، بل وعدم الخلاف بین القائلین بالتنجیس ، فتأمّل.

قوله : من القائلین بالتنجیس. ( 1 : 68 ).

بل ونری القائلین بالطهارة أیضا حکموا به.

ص: 119


1- المعتبر 1 : 59.

قوله : ولا بأس به. ( 1 : 68 ).

فیه تأمّل ، لأن مسألة التراوح حکم شرعی ، فلا دخل لمعرفة العرف ، وظاهر الخبر أنه یمتد النزح إلی اللیل ، والغالب فیه جانب التعبد ، ولذا لا یکفی نزح اللیل ، ولا لیلا ونصف الیوم ، واعتبر کون النازح اثنین ، وأنه لا بدّ من تراوحهما.

قوله : وهو حسن. ( 1 : 68 ).

هذا أیضا لا یخلو من تأمّل ، لما عرفت.

قوله : فی المنتهی الإجزاء. ( 1 : 69 ).

هذا أیضا محل نظر ، لما عرفت.

قوله : کما هو المتعارف. ( 1 : 69 ).

لعل الأولی أن یقول : کما هو ظاهر الخبر ، من أن الاثنین ینزحان ، إذ لم یوجد تعارف فی نزح البئر بمتعدد. ولعل مراده أنه بعد اعتبار التعدد ووقوعه یکون المتعارف کذلک. وکیف کان ، الأجود ما ذکرناه.

ومقتضی ما ذکره أنه مع عدم الحاجة إلی الاثنین یکفی الواحد ، إذ فی الصورة النادرة ربما لا یمکن الإعانة ( لضیق الموضع ، أو یمکن لکن یتحقق ببطء معتد به لذلک ، مع أن المتعارف عدم الحاجة إلی الاثنین فی الإعانة ، بل ) (1) وربما یحصل منه بطء ، بل لعله الغالب. ولعله لذا ذکر جده ما ذکر ، فتأمّل.

قوله : ولم أقف له. ( 1 : 69 ).

لعل مستنده روایة عمرو بن سعید الآتیة (2) ، کما ستعرفه.

ما ینزح لموت الدابة فیها

ص: 120


1- ما بین القوسین لیس فی « ه ».
2- انظر المدارک 1 : 74.

قوله : بدخولها. ( 1 : 69 ).

لا یخفی أنهم ما عملوا بهذه الصحیحة ، ولهذا ألحقه بما لا نص فیه.

قوله : فیبقی الباقی. ( 1 : 70 ).

أی استثنیا من هذا الحکم الإبل والثور ، ویرید (1) مع ذلک الفأرة والکلب والطیر أیضا ، بدلیل من کلام أو قرینة ذهبت من تقطیع الأحادیث أو غیره من السوانح ، والمعارض کاشف عنه ، أو ما کان مقام السؤال مقام الحاجة.

والمراد من قوله : أیضا المساواة. ، أنهما سوّیا بین ما ذکر بإرادة نزح مطلق الدلاء بالنسبة إلی هؤلاء الرواة ووقت سؤالهم ، بناء علی أنه کان وقت الحاجة لهم ، إلا أنهم کانوا یریدون الکثرة بالنسبة إلی بعض ما سأل عنه ، والقلة بالنسبة إلی بعض آخر ، لکن ما بینوا لهم وقت سؤالهم ، لوجود مصلحة ، وبینوا بعد ذلک لهم أو لغیرهم ، فکان الحکم الظاهری فی حقهم وحق من لم یطلع علی البیانات التسویة ، والحکم الواقعی فی حق المطلع التفصیل. فالمراد بالإرادة الأولی إرادة الحکم الظاهری ، والثانیة الحکم الواقعی ( أو لم یکن المقام مقام الحاجة ، أو ذهبت القرینة ) (2) ، وقد عرفت أن الوجوه الثلاثة هی الوجوه فی اختلاف الأخبار ، والمصحح للجمع بینها ، فتدبر.

قوله : لا یقال. ( 1 : 70 ).

دفع إیراد لأجل تصحیح معنی الحدیث بحسب الواقع لا بحسب تمحله الذی ارتکبه ، لأن إرادة الکر من الدلاء یوجب کون المراد من الدلاء معنی مجازیا ، فکیف یتحقق الجمع بین الحقیقة والمجاز؟! وتخصیص

توضیح ما قاله العلاّمة فی المقام

ص: 121


1- فی « ب » و « ج » و « ه » : أو یرید ، وفی « د » : أو یزید.
2- ما بین القوسین أثبتناه من « أ » و « و ».

الإیراد بصورة کون الحقیقة هی القلة ، والمجاز الکثرة ، فاسد من وجوه ظاهرة علی الفطن. مع أنه کما ورد المقید فی جانب الکثرة کذا ورد فی جانب القلة ، بل هو أقوی وأظهر.

وممّا ینادی علی ما ذکرناه من أن التصحیح بحسب الواقع لا بحسب التمحل ، قوله : لکن إن حمل. ، فإن إرادة مطلق الجمع تنافی إرادة خصوص الکر ، وأیضا لا ربط له بحکایة الافتراق بالقلة والکثرة.

فإن قلت : لعل مراده من مطلق الجمع مجموع جمع القلة والکثرة ، علی أن یکون کل واحد منهما بخصوصه مرادا ، کما فهمه الشارح فأورد علیه بما أورد.

قلت : هذا فاسد من وجوه :

الأول : أن إرادة کل واحد منهما بخصوصه هی التی استحالها ( المعترض فمنع استحالتها ) (1) ، فکیف یقول بعد تسلیم استحالتها إن حمل علی إرادته لم یلزم ما ذکرتم؟! إذ الاستحالة ظاهرة ، واللزوم واضح ، بل هو هو بعینه.

الثانی : أن لفظ مطلق الجمع ظاهر بل حقیقة فی الجمع من حیث إنه جمع ، من غیر قید خصوصیة وملاحظة ذلک القید.

الثالث : أن قوله : علی أن لنا فی کون. ، ظاهر فی أن المراد إثبات مطلق الجمع ، لا مجموع الجمعین علی ما ذکره الشارح.

الرابع : قد عرفت مما ذکرناه أنه غیر خالص من الاعتراض السابق ، من أنه لا یتحقق هنا معنی حقیقی ، فتأمّل.

الإیراد الذی أورده الشارح ، بأن إطلاق الأرض علی مجموع السماء والأرض فی غایة الشناعة والفظاعة ، لا یرتکبه مرتکب له فی العلم نصیب ،

ص: 122


1- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

بل ولو لم یکن له نصیب ، فإن العوام أیضا یشمئزون منه.

قوله : وکلام الجوهری. ( 1 : 71 ).

فیه نظر ، لأن الجوهری قال : اسم لکل ما یرکب ، وظاهر لفظ الاسم کونه حقیقة ، إذ المجاز لا یقال له : اسم للمعنی المجازی ، والأسد لیس اسما إلا للحیوان المفترس ، وإطلاقه علی الرجل الشجاع مستعار.

( ویؤیده أنه لا تأمّل فی کون ما یدبّ علی الأرض معنی حقیقیا لغة ، فیظهر أن المراد بالاسم هو المعنی الحقیقی. وأیضا : الجمع بین ما یرکب وما یدب بعبارة واحدة ونسق واحد یؤید کون ما یرکب معنی حقیقیا لما یدب ، بل قال فی القاموس : الدابة ما دب من الحیوان ، وغلب علی ما یرکب (1) ، فیظهر منه أنه عند الإطلاق یحمل علی ما یرکب.

ثم لا یخفی أن الشارح دیدنه التمسک قول اللغوی ومجرد إطلاقه ، کما لا یخفی علی المتتبع ، فکیف یتأمّل مع التصریح بأنّه اسم لکذا ، بل ومع تکراره وعدم الاکتفاء بالعطف ) (2).

قوله : فإنّ الإطلاق. ( 1 : 71 ).

لا یخفی أن ذلک لیس من المسلمات عند الفقهاء سیما القدماء ، بل لعل الظاهر من أکثرهم - لو لم نقل بالکل - أن الأصل فی الإطلاق الحقیقة.

سلمنا ، لکن یظهر من کلام الجوهری أن المعنی منحصر فی المعنیین ، موافقا لما فی القاموس ، فإذا کان قرینة صارفة عن أحدهما یتعین الثانی ، کما هو الشأن والطریقة فی تعیین المعانی اللغویة وغیرها عند الفقهاء وغیرهم من العلماء ، وهی الطریقة الشائعة المتعارفة فی فهم المعانی والاستدلال بالألفاظ علیها.

ص: 123


1- القاموس المحیط 1 : 67.
2- ما بین القوسین أثبتناه من « ه » و « و ».

علی أنک قد عرفت فیما سبق أنه إذا تعذر الحقیقة فالمجاز المشهور المعروف متعین ، وعرفت وجهه فلاحظ.

قوله : مع أنه قد اشتهر. ( 1 : 71 ).

فیه : أنه قد تقدم منه فی صدر مبحث البئر أن اللغة تقدم علی العرف (1) ، ( وربما کان رأی کثیر من الفقهاء ذلک ، بل وربما یظهر ذلک من طریقة القدماء ، والدلیل ما أتی به لهم ) (2) ، وحمل الألفاظ علی المتعارف لیس مسألة وفاقیة ، بل ربما یظهر من القدماء الحمل علی جمیع ما یصدق علیه ما وضع له حقیقة.

وغرض العلامة أن المشهور من القدماء هو نزح الکر ، فلعل نظرهم إلی ذلک ، أی الذی أتی به لهم ، بناء علی أن ذلک یکون مذهبا لهم ، کما لا یخفی علی من اطلع علی طریقة العلامة فی التشبث لأحکام الفقهاء بما یمکن أن یکون نظرهم إلیه ، وإن لم یکن مرضیا عنده. وقوله : أن لقائل. ، وقوله : ویمکن التمحل. یشهدان علی ما ذکرنا ، وکذا قوله : فإما أن تکون للعموم. ، إذ القدماء یبنون علی العموم جزما ، فلعل رأیهم رأی الجبائیین ، فتأمّل.

ثم لا یخفی أن ما ذکره الشارح هنا سد لباب التمسک بقول اللغوی مطلقا ، إذ لا یصرحون بأن المعنی الحقیقی ما ذا ، بل ولا یظهر منهم أیضا ذلک بوجه من الوجوه ، بعد منع دلالة مثل لفظ « اسم لکذا » علی الحقیقة ، وصرح بأن المجاز لیس بحجة ، والإطلاق أعم من الحقیقة والمجاز ، بل غالب إطلاقاتهم المجاز ، فما أدری بأی عذر یتمسک هو وغیره بقولهم وما ذکروه فی کتبهم ، من دون أن یثبت من الخارج کونه حقیقة؟! بل ومع الثبوت

ص: 124


1- مدارک الأحکام 1 : 53.
2- ما بین القوسین أثبتناه من « ه » و « و ».

من الخارج لعله لا یحتاج إلی کتبهم وأقوالهم ، فتأمّل.

قوله : علی المعنی المتعارف. ( 1 : 71 ).

ربما یقال : إنه من باب تقدیم العرف علی اللغة ، وقد مر الکلام فیه.

وأما الجوهری فلعل مراده ما یرکب وإن رکب نادرا ، کالدابة ، لا أنّه اسم لما یرکب متعارفا ، کما أن الدابة لیس اسما لما یدب متعارفا ، بل مطلق ما یدب ( بالقیاس إلی المعنی الأول ، فإنه لا یخرج عن مفهومها ) (1) ، فتأمّل.

قوله : لو تم ما ذکره لاقتضی. ( 1 : 71 ).

لا یخفی أن مراده أن لفظ الدابة اسم لجنس ما یرکب ، وهو ظاهر ، والألف واللام وضع للتعریف ، فیکون المراد تعریف الجنس والإشارة إلیه ، فیکون حقیقة فی الجنس. وهذا هو المذهب الحق ، کما حقق فی موضعه.

فعلی هذا إذا علق حکم علی الجنس والطبیعة مثل أن یقال : البیع حلال ، لا جرم یکون المراد أن هذه الطبیعة من حیث هی هی حلال ، علی ما هو المذهب الحق من أنّ الطبائع تصیر متعلقة للأحکام ، فإذا کان متعلق الحکم الطبیعة من حیث هی هی یکون فی کل فرد یتحقق الطبیعة یتحقق الحکم ، فلو تحقق فرد لم یکن فیه الحکم یلزم منه أن لا یکون الطبیعة متعلق الحکم ، لوجودها بدونه ، والمفروض أنّ الحکم تعلق علیها حیث قال : الطبیعة حلال ، مثلا.

وهذه الطریقة ( هی الحق ) (2) فی إفادة المفرد المحلی باللام للعموم. ونفس الإفادة مسلمة بین الفقهاء ، إلا أنهم یختلفون فی وجه الإفادة ، کما أشرنا إلیه سابقا.

ص: 125


1- ما بین القوسین لیس فی « أ ».
2- ما بین القوسین لیس فی « ب ».

لکن لا یقتضی الإفادة مطلقا ، فلو قال المولی لعبده : أوجد البیع ، أو افعل البیع ، أو بع ، لا یلزم منه أن یکون الواجب علیه الإتیان بجمیع أفراد البیع ، بل یکفی إیجاد الطبیعة فی ضمن فرد مّا ، کما هو المحقق عند معظم المحققین.

والفرق بین ذلک وبین المقام ظاهر واضح ، لأن الطبیعة تکون متصفة بوصف متعلقة لحکم ، وإذا کانت کذلک تقتضی أن لا تنفک عن الوصف أینما وجدت ، وإلاّ لم تکن من حیث هی هی متعلقة الحکم ، بل یکون لأمر آخر مدخلیة وسببیة فی تحقق الحکم فی الطبیعة ، وهو مثل خصوصیة تشخص فرد ، أو فصل ، أو نوع ، أو ممیز صنف ، أو فصل أنواع ، أو ممیز أصناف ، فلا یکون حینئذ الطبیعة من حیث هی هی متعلقة الحکم ، بل بشرط وجودها فی فرد ، أو نوع ، أو أصناف ، أو أفراد. فیکون المراد من العلیة ما أشرنا إلیه.

وأیضا : تعلیق الحکم علی الوصف ظاهر فی علیة الوصف ودورانه معه ، فکذا تعلیقه علی الماهیة یقتضی علیتها ودورانه معها ، مثلا : إذا قال : الإبل السائمة فیها الزکاة یقتضی أن یکون کل سائمة فیها الزکاة ، وإذا قال : الإبل فیها الزکاة یقتضی أن یکون کل إبل فیها الزکاة.

وأیضا : معنی تعلیق الحکم علی الماهیة أنه منوط بها ، فالماهیة مناط ، والمراد من العلة هو المناط.

وبالجملة : لا شبهة فی حقیة ما قال ، وهو مختار معظم المحققین ، وظهر أیضا أن إفادة العموم لیست علی الإطلاق ، علی حد الصیغ الموضوعة للعموم ، وهو - رحمه الله - ینکر هذا ، لا أنها لا تفید العموم فی أمثال المقام ، کیف والاستدلال بالعموم فیها طریقته وطریقة غیره من الفقهاء.

قوله : علی حکم الثور. ( 1 : 71 ).

لا یخفی أن الأصحاب أعرضوا عن حکم نحو الثور بالمرة ، فکیف

ص: 126

یجعله مخرجا ، والبناء فی باب النزح قد عرفت ، فتأمّل.

قوله : علی حکم مثله. ( 1 : 71 ).

فیه : ما أشرنا من أن شمول نحوه لمثل البقرة محل تأمّل ، ولذا ما فهم الأصحاب الشمول ، وما بنوا الأمر علیه ، علی أنا قد أشرنا إلی أن مراده الإتیان بما یحتمل أن یکون مستمسکهم ، ولا شک أن الأصحاب لم یقولوا بالشمول لداع دعاهم إلی ذلک قطعا ، کما أن قولهم بالکر فی البقرة لداع عندهم وفی معتقدهم قطعا ، فیحتمل أن یکون هو الذی ذکره ، لأن بعض مقدماته حق ، ( وبعضها حق عندهم ) (1) ، وبعضها حق عند بعض الفقهاء ، ولعل رأیهم رأیه ، فتأمّل.

قوله : من الألفاظ العامة. ( 1 : 72 ).

فی الغالب کذلک لا مطلقا ، وبحسب اللغة یصدق علی خروج بعض أجزاء الحدیث واستثنائه ، ولم یثبت اصطلاح ووضع جدید ، کیف والمستثنی هو المخرج من متعدد. سلمنا ، لکن القرینة هاهنا واضحة ، ولا مشاحة فی الاستعمال ولا مانع منه ، فتدبر.

قوله : والأمور المتعددة. ( 1 : 72 ).

فیه : أنه لا شک فی صحة الاستثناء فی الجواب بأن یقال : ینزح دلاء إلا للکلب فینزح أربعون ، وصحته من أمارات العموم. علی أنه لا شبهة فی أن الحکم لم یتعلق بکل واحد علی انفراده نصا ، والمطابقة بین السؤال والجواب لا یقتضی أزید من الظهور ، فلا یمتنع من الاستثناء متصلا أو منفصلا إذا وجد.

ص: 127


1- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « ه ».

قوله : تعارض الخبران. ( 1 : 72 ).

لا یخفی أن طریقة الشیخ وغیره أیضا أنه إذا حصل المانع عن العمل ببعض أجزاء الخبر لا یخرج بمجرد هذا عن الحجیة أصلا ورأسا ، بل یعملون بالباقی ، وقد أشرنا فی مسألة الغسل لصوم المستحاضة (1) وغیره إلی ذلک. علی أن طریقة الکل فی حکایة النزح ذلک ، بل لیس عمل القدماء فیه إلا ذلک ، کما لا یخفی علی المتتبع المتأمّل.

قوله : لزم الإغراء بالجهل. ( 1 : 72 ).

لا یخفی أن المدار فی الجمع بین الأخبار حمل ماله ظاهر علی خلاف الظاهر ، فعلی ما ذکره لزم أن لا یکون توجیه آیة ولا حمل خبر جائزا أصلا ، وهو خلاف ما اتفق علیه جمیع العلماء (2).

وهو - رحمه الله - من أول الکتاب إلی آخره شغله وطریقته ذلک ، وقد أشرنا إلی وجه الجواز ( ومبناه فلاحظ ) (3).

قوله : یلحق بالهذر والهذیان. ( 1 : 72 ).

لا یخفی أنه - رحمه الله - صرح بأنه تمحل ، وما ذکره الشارح هو وجه کونه تمحلا ، فلا وجه للاعتراض علیه بوجه من الوجوه ، سیما بهذا الوجه الذی لا یناسب الأدب.

علی أن الدلاء جمع کثرة ، وصیغة الجمع موضوعة للثلاثة فما فوقها بلغ ما بلغ ، أو الأزید من العشرة کذلک ، ولا یجب أن یکون استعماله منحصرا فی أقل مرتبة من مراتبه ، بل کل مرتبة من مراتبه تکون معنی حقیقیا

ص: 128


1- راجع ص 32.
2- فی « ب » و « ج » و « د » : الفقهاء.
3- ما بین القوسین لیس فی « ه ».

لها وإن بلغت ما بلغت ، فیقتضی ذلک جواز الاستعمال فی کل مرتبة قطعا ، غایة الأمر أن إفادة تلک المرتبة بخصوصها تحتاج إلی القرینة ، والمقید الذی ادعاه یکفی لکونه قرینة ، کما اعترف به ، وإن أراد أنه کذلک إن ثبتت القرینة فهذا بعینه هو ما ذکره بقوله : ومع ذلک کله فالمقید. ، فلا وجه لإیراد آخر ، ولا ما قاله بقوله : ومع ذلک کله. ، ومع ذلک سنشیر إلی مقیده.

ثم ما ذکره بقوله : یکاد أن یلحق. ، إن أراد أنه مع القرینة أیضا لا یجوز الإرادة ففساده قد عرفت ، وإن أراد أنه بلا قرینة لا یجوز ، ففیه : أنّه تعالی تکلم بالمتشابه ، کما صرح بقوله ( مِنْهُ آیاتٌ مُحْکَماتٌ ) . (1) ، الآیة ، وکذلک الحجج صلوات الله علیهم ، کما ورد فی الحدیث : « إنّ أحادیثنا فیها محکم کمحکم الکتاب ، ومتشابه کمتشابهه » (2) ، الحدیث ، والتتبع أیضا کاشف عن ذلک ، والحکماء أیضا یتکلمون بالمتشابهات علی حسب المصالح ، بل أکثر الآیات القرآنیة کذلک ( مع أن جمیع الأحکام فی القرآن ولا نعرفه منه ) (3) ، فالقول بأنه یکاد یلحق بالهذر والهذیان فیه ما فیه.

وأیضا : إن أراد أن القرینة لا بدّ أن تکون موجودة فی نفس الحدیث ففساده واضح وقد أشرنا إلیه ، وإن أراد أنّه لا بد أن تکون قرینة حالیة أو مقالیة للمخاطب ولیس فی ما نحن فیه ، ففیه : أن عدم الوجدان لا تدل علی العدم واقعا. والحکم بمجرد أصالة العدم بکون الکلام هذرا وهذیانا ، فیه ما فیه ، وغایته أنا لسنا مکلفین بما لا نفهم الآن لو انسد باب الفهم من الأخبار وکلام

ص: 129


1- آل عمران : 7.
2- عیون الأخبار 1 : 226 / 39 ، الوسائل 27 : 115 أبواب صفات القاضی ب 9 ح 22.
3- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و ».

القدماء ، والقدماء فهموا من روایة عمرو بن سعید (1) کون الکر لخصوص الحمار ، لمعارضة أخبار أخر ، وطریقتهم فی أخبار النزح کذلک ، کما أشرنا ، والشیخ صرح بما ذکرنا.

ولما کان الحمار مما یرکب یمکن أن یکونوا جعلوا حکمه قرینة معینة علی إرادة الکر من الدلاء للدابة ، وإن کان هذا تمحلا عند العلامة أیضا ، إلا أنه - رحمه الله - لما لاحظ طریقتهم فی حکایة النزح ، وأن بناءهم علی التفریق بین المجتمع فی الحدیث ، والجمع بین متفرق فی الأحادیث ، وجعل بعضها شاهدا علی بعض ، ومانعا وصارفا عن بعض ، ومع ذلک حکموا فی البقرة بنزح الکر ، فیشبه أن یکون حکمهم هذا من جملة أحکامهم ، فلذا ذکر - رحمه الله - ما ذکر ، فتدبر.

وبالجملة : أقصی ما یرد فی هذا الاعتراض أن المقید الذی یکون خالصا عن جمیع الإیرادات سالما من جمیع الوجوه ، تحققه فی المقام غیر معلوم علی الشارح وأمثاله ، والعلامة - رحمه الله - یظهر من کلامه أنّ الأمر کذلک ، حیث صرح بالتمحلیة ، فلا وجه للإیراد الذی أورده ، سیما مع التطویل والتشدید ، بعبارات رکیکة غیر مناسبة إلی الأقل من العلامة - رحمه الله - آیة الله فی العالمین ، فضلا عنه ، خصوصا مع کون ما ذکره ظاهر الفساد علی حسب ما عرفت.

نعم یتوجه علیه أنه إذا عرفت أنه تمحل فلا وجه للاستدلال لهم ثم التصریح بأنه تمحل ، لکن قد عرفت وجه اندفاع هذا الإیراد أیضا عنه ، مع أنه لعله ظهر له أنهم تمسکوا بمثل هذه الروایة فی حکم البقرة.

ص: 130


1- التهذیب 1 : 235 / 679 ، الاستبصار 1 : 34 / 91 ، الوسائل 1 : 180 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 5 ، وانظر المدارک 1 : 74.

قوله : وفیه بحث. ( 1 : 73 ).

فلا وجه للاعتراض علیه ( بل لا وجه لهذا الاعتراض علیه ) (1) أیضا ، وقد أشرنا إلی وجهه.

قوله : وتمام تحقیق المسألة. ( 1 : 73 ).

لا یخفی ما فیه ، لأن مطلق الجمع جزء جمع القلة والکثرة ، وکلی بالنسبة إلیهما ، فهو من قبیل استعمال لفظ الکل وإرادة الجزء ، بل الفرد وإرادة الکلی ، بل ما ذکره العلامة - رحمه الله - هو بعینه عموم المجاز الذی صرح الأصولیون بجوازه فی المسألة المزبورة ، وعدم نزاع فیه منهم أصلا.

قوله : فی المعتبر. ( 1 : 74 ).

لفظ البغل موجود فی بعض نسخ التهذیب بعنوان النسخة ، فلیلاحظ.

قوله : أما أولا. ( 1 : 74 ).

أما علی القول باستحباب النزح - وهو الأظهر - فلا وجه لأمثال هذه الإیرادات ، من جهة تسامحهم وقد عرفت الجهة (2) ، وأما علی القول بالوجوب فلعل الشهرة فی الفتاوی تجبره ، فتأمّل. مع أن أمثال هذه الاعتراضات غیر واردة علی القدماء أصلا ، کما لا یخفی.

قوله : من إیجاب النزح. ( 1 : 75 ).

وإیجاب السبع لما بین السنور إلی الشاة ، بل وما بین الفأرة إلی السنور أیضا.

ما ینزح لموت الحمار أو البقرة فیها

ص: 131


1- ما بین القوسین لیس فی « ه ».
2- راجع ص 114 ، 115.

قوله : غیر معقول. ( 1 : 75 ).

فیه ما أشرنا إلیه فی بحث وجوب الغسل لصوم المستحاضة (1) ، وفی المبحث السابق بتمامه.

قوله (2) : دون الجمل. ( 1 : 75 ).

فیه تأمل نبهنا علیه هناک.

قوله : والأجود إلحاق البقرة. ( 1 : 75 ).

أقول : قوله : حتی بلغت الحمار والبغل ، بعد قوله : ففی کل ذلک یقول : سبع ، شاهد علی أنه کان یسأل عن حیوان حیوان بترتیب الجثة فی الصغر والکبر ، فیکون قوله : حتی بلغت الحمار والبغل ، فی قوة أن یقال : حتی بلغت إلی هذه الجثة ، ولعله لذلک فهم الثلاثة الکر فی البقرة أیضا ، کما یظهر من الشیخ - رحمه الله - ذلک ، فلاحظ.

قوله (3) : لاندراجهما. ( 1 : 75 ).

فیه أیضا تأمّل.

قوله : وإلا فللتوقف. ( 1 : 75 ).

لعله لیس فی موضعه ، لما حققناه فی الرجال (4) ، مضافا إلی ما مر آنفا.

قوله : فتکون للاستغراق. ( 1 : 75 ).

یمکن المناقشة فی تبادر الشمول للکافر ، بل ویدعی تبادر المسلم ، کما أن المتبادر من لفظ الجنب الذی یقع فی البئر أو یغتسل فیه هو المسلم ،

ما ینزح لموت انسان فیها
عدم الفرق بین المسلم والکافر فی النزح

ص: 132


1- راجع ص 121.
2- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».
3- هذه الحاشیة توجد فی « ه » فقط.
4- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 6 ، 11 ، 243.

مع أنّ الیهود والمجوس والصابئ وغیرهم أیضا یغتسلون. والأصحاب أیضا ظاهرهم عدم الاکتفاء بسبع دلاء للکافر.

قوله : وخالف فی ذلک ابن إدریس. ( 1 : 76 ).

لا شک فی تناول الإنسان للجنب والملوث بالنجاسة کالمنی والعذرة ، وظاهر أنهم لا یقولون بالاجتزاء فیها وإن قال بعضهم بالتداخل.

قوله : فلا یزول. ( 1 : 76 ).

وله أن یتمسک باستصحاب نفس النجاسة ، فتدبر.

قوله : منصوص مدفوع. ( 1 : 76 ).

لا شک فی أن نجاسة الکفر أمر علی حدة ، ونجاسة الموت أمر علی حدة ، بل بینهما تبائن کلی ، وقصاری ما یتوهم العموم من وجه ، والمعصوم علیه السلام تعرض لحکم نجاسة الموت خاصة ، فکیف یتأتی أن یقال : إنّه تعرض لحکم نجاسة الکفر أیضا ، ویجعل داخلا فی المنصوص خارجا عما لا نص فیه ، ولذا لو تعرض لحکم نجاسته وصرح بأن حکمها نزح الجمیع لم یعد الکلامان والحکمان متنافیین أصلا ، لا بحسب الظاهر ولا بحسب الواقع ، وإن قال ذلک فی موت الکافر فی البئر.

علی أنّا نقول : أهل العرف لا یفهمون من الحکم المعلّق علی الطبیعة أزید من أنه حکم الطبیعة من حیث هی هی ، أینما وجدت وفی أی فرد معین تحققت ، فتدبر.

قوله : وإذا ثبت الاکتفاء. ( 1 : 76 ).

یمکن لابن إدریس أن یقول : المستفاد من النص أن السبعین للنجاسة الموتیة للإنسان من حیث هو إنسان ، وأما النجاسات الأخر فلا یظهر منه ،

ص: 133

ولذا لو کان متلوثا بالمنی أو غیره (1) لم یظهر من النص نفی مقدرة حینئذ ، مع أن استفادة العموم بحیث یشمل الکافر لا یخلو من تأمّل أشرنا إلی وجهه.

قوله : وظاهر کلام العلامة. ( 1 : 76 ).

لیس کذلک ، بل کلامه صریح فی کون محل النزاع موت الکافر فی البئر ، نعم هو حقق تحقیقا من قبل نفسه وعمم التحقیق ، ووجه التعمیم أن الفقهاء عندهم بحسب الظاهر أنه لا فرق بین الموت فی البئر ووقوع المیت ، لأن علة النجاسة هی الموت ، فتأمّل ( کلامه ) (2).

قوله : وأما ثانیا. ( 1 : 77 ).

الجمع بین هذا الاعتراض وما سبق لیس بجید ، إذ لو کان محل النزاع الوقوع میتا لا جرم یکون احتجاجه بمفهوم الموافقة. إلاّ أن یقال : مع قطع النظر عن کون محل النزاع الوقوع حیا احتجاجه فی غایة الظهور ، لکن العلامة صرح بأن دلیل ابن إدریس هو الملاقاة حال الحیاة ، وعدم اقتضاء الموت التطهیر ، ومنعه نجاسته للکفر ، بناء علی ما حققه ، کما أشرنا.

قوله : مرجعه إلی الأدلة. ( 1 : 77 ).

أی ما دل علی نجاسة الکافر ، لکن هذا علی القول باشتراط بقاء المبدء فی صدق المشتق فاسد ، وعلی القول الآخر موقوف علی کون الکافر المیت من الأفراد الشائعة المتبادرة من لفظ الکافر ، مضافا إلی أن المعتقد هو الروح ، ولعله لذا أمر بالتأمّل.

قوله : ویمکن. ( 1 : 78 ).

فیه إشارة إلی أنه - رحمه الله - یأتی بالنکتة لاختیارهم خصوص

ما ینزح لوقوع العذرة إذا ذابت

ص: 134


1- فی « ب » و « ج » و « د » زیادة : کما إذا کان جنبا غیر متلوث.
2- لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

الخمسین فی فتواهم ، وهی أنهم یختارون الأکثر للاحتیاط وتحصیل البراءة الیقینیة ، ولا یخفی علی المتأمّل أن هذه طریقتهم فی حکایة النزح ، ومراعاة ما ذکره - من أنّ التخییر بین الأقل والأکثر یقتضی عدم وجوب الزائد - تحقق مذهب الشارح - رحمه الله - من أن البناء علی الاستحباب مطلقا ، إذ ما یقتضی عدم وجوب الزیادة غیر مختص بالخصوصیة التی ذکرها ، بل هی منها ، بل شدة اختلاف الأخبار والحکم بنزح دلاء علی الإطلاق وغیر ذلک مما أشرنا إلیه فی ترجیح عدم انفعال البئر أیضا یقتضی الاستحباب ، بل وأظهر من الاقتضاء. مع أن هذا التخییر أیضا غیر مختص بالمقام.

وبالجملة : مراعاة ما ذکره یهدم بنیان بنائهم من الأساس ، فلا یناسب جعله اعتراضا فی خصوص المقام. فتأمّل.

قوله : إیجاب أحدهما. ( 1 : 78 ).

لعل مراده أن إیجاب أحدهما فی الواقع یستلزم إیجاب الأکثر بحسب الحکم الظاهری ، لأنه مقتضی الدلیل ، لأن النجاسة ثابتة حتی یثبت المطهر ، وبالاحتمال لا یثبت ، والتردید لعله لأجل مصلحة اقتضاها المقام.

وکون المراد إیجاب أحدهما تخییرا فی الواقع یأباه أن الواجب التخییری عند الشیعة مجموع الأمرین من حیث المجموع ، إلاّ أنّه بفعل أحدهما یسقط الآخر ، وأما وجوب أحدهما مبهما فهو رأی الأشاعرة ، وقد أبطلته الشیعة والمعتزلة ، وزیفوه ، وشنعوا علیهم ، کما قرر فی محله.

وأیضا : هذا التوجیه إنما ذکره العلامة لأجل القائلین بأن النزح لیس إلا لرفع النجاسة أو للوجوب تعبدا ، فلا معنی للتخییر فی ذلک بین الأقل والأکثر ، والحمل علی ما ذکره الشارح یناسب مذاقه لا مذاقهم والتوجیه لهم ، لأن العلامة - رحمه الله - أیضا موافق للشارح ، وعلی تقدیر المناسبة ما ذکره العلامة أنسب لمذاقهم ، وعلی تقدیر التساوی ما ذکره - رحمه الله - لازم

ص: 135

علیهم أیضا ، وعلی تقدیر رجحان ما لعلهم ما قنعوا بمجرده فی مقام تحصیل البراءة ، ولیس ذلک ببعید عن القدماء ، فتأمّل.

قوله : واختلاف الآبار. ( 1 : 79 ).

لا یخلو عن بعد ، لعدم الاستفصال ، والجمع بین المختلفات فی روایة واحدة ، والمسامحة فی تعیین مقدار النزح ، وغیر ذلک مما هو أمارة الاستحباب ، ولو تم ما ذکره لم یکن الاختلاف دلیلا علی الاستحباب.

قوله : قلت بول الرجل. ( 1 : 82 ).

الشیخ ادعی إجماع الإمامیة علی العمل بروایة علی بن أبی حمزة (1) ، مضافا إلی أن هذه الروایة منجبرة بالشهرة ، وعلی القول باستحباب النزح لا کلام ولا ضرر أصلا ، ولعل غرض المحقق أنّ الأصحاب یعملون بروایته ، مع أن عادتهم عدم الاتفاق علی العمل بروایة من أنکر الحق عنادا ، وأکل أموال الکاظم علیه السلام ظلما وعدوانا (2) ، فالظاهر أنهم أخذوا الروایة عنه قبل أن یصدر عنه ما صدر ، فتأمّل.

قوله : وأکثر عدد. ( 1 : 83 ).

هذا علی ما فهمه المحقق فاعترض علیه أن الثلاثة إلی العشرة تمییزها بالجمع المجرور ، وما فوقها بالمفرد المنصوب. وربما اعترض علیه أیضا بأن کلامه مبنی علی أن الدلاء جمع قلة ، لکن فی الاستبصار صرح بأنه جمع کثرة ، وهو ما زاد علی العشرة ، فی ما ورد فی الکلب من أنه ینزح له دلاء (3).

ویمکن توجیه کلامه بأن الدلاء وإن کان جمع کثرة إلاّ أنّ تقییده هنا بلفظ

ما ینزح لوقوع بول الرجل فیها
ما ینزح لوقوع قلیل الدم فیها

ص: 136


1- عدة الأصول 1 : 381.
2- انظر اختیار معرفة الرجال 2 : 705.
3- الاستبصار 1 : 37 / 100 ، 101.

« یسیرة » الذی یؤدی مؤدی القلة قرینة علی إرادة القلة منه هاهنا ، وربما یؤیده قوله : هذا الجمع.

وأما ما ذکره من أن أکثر عدد ینسب إلی هذا الجمع عشرة فلما ظهر لک فیما سبق آنفا ، فتأمّل. ولعله لهذا لم یعترض علیه المحقق بمنع أن یؤخذ بالأکثر.

وبما ذکر یظهر ما فی قول الشارح - رحمه الله - اعتراضا علی العلامة بأنه لا یلزم من عدم التقدیر تأخیر البیان.

قوله : وإلا لزم تأخیر البیان. ( 1 : 83 ).

بناء علی رأی الموجبین للنزح ، علی حسب ما أشرنا إلیه ، فتأمّل.

قوله : هی أقل ما یصلح. ( 1 : 83 ).

هذا لا یناسب قول الشیخ ، لأنه جعل العشرة أکثر عدد یضاف. إلاّ أن یکون مراده تتمیم الإیراد علی المحقق ، فتأمّل.

قوله : وفیه نظر. ( 1 : 84 ).

أقول : مراده رفع الإیراد الذی أورده المحقق علی الشیخ ، لا أنه لا یرد علی الشیخ إیراد أصلا ، کیف وهو - رحمه الله - رأیه مخالف لرأی الشیخ فی وجوب النزح ، وإن فرض کونه موافقا فی المقدار ، بناء علی تسامحه فی أدلة السنن ، وأما المحقق فرأیه موافق للشیخ فی الأمرین ، ومع ذلک لم یورد علیهم بهذا الإیراد ، وکان إضافة العشرة مسلمة عنده علی تقدیر لزوم الإضافة.

والحاصل أن المحقق لما سلم الأخذ بالأکثر أخذا بالمتیقن - أی تحصیلا للبراءة الیقینیة - وسلم عدم جواز الأخذ بالأقل لعدم الدلیل ، کما

ص: 137

أشرنا من أنه الظاهر من کلامه ، إلا أنه منع تحقق البراءة بالعشرة فی المقام ، لأن قول القائل : عندی دراهم لا یعلم منه أنه لا یخبر عن زیادة عن العشرة ، إنما کان ذلک إذا کان إضافة ولیس فی المقام إضافة ، أجاب العلامة - رحمه الله - بأن البناء علی عدم الإضافة یوجب الإجمال ، لعدم تحقق حد فی جانب الأکثر ینتهی إلیه ویجعل محصلا للبراءة الیقینیة ، فیلزم علی هذا تقدیر الإضافة حتی لا یتحقق تأخیر البیان ، والعشرة هی أقل ما یصلح تقدیره ، بناء علی وجوب الأخذ بالأکثر فی الدلاء المجردة.

وفی بعض نسخ المنتهی لفظ « الأکثر » موضع الأقل ، فلا إشکال ، وقوله : وحوالة علی أصالة البراءة ، تأیید لتقدیر الإضافة وتعیین المجهول ، وما ذکرنا هو الظاهر من المنتهی ، فلاحظ.

لا یقال : فی المنتهی قائل بوجوب النزح ، فکیف قلت : رأیه مخالف؟

قلت : لا یظهر منه مخالفة لرأیه فی غیر المنتهی ، بل ربما تظهر الموافقة ، مع أن رأیه فی المنتهی مخالف لرأی الشیخ فی نزح العشرة ، بل اختار رأی الصدوق فی نزح دلاء یسیرة ، وجعله خلاف رأی الشیخ.

قوله : مع أن فی ثبوت ما ذکره. ( 1 : 84 ).

هذا بعینه ( کلام العلامة ) (1) - رحمه الله - وقد مر فی بحث الدابة (2) وهنا فی مقام التوجیه للشیخ ، وقد عرفت أنه مصرح بالفرق ، فلا وجه لهذا الإیراد علی العلامة ، رحمه الله .

قوله : فی وقوع الفأرة. ( 1 : 85 ).

لا یخفی أن الصحیحتین المذکورتین هکذا : « ینزح منه ثلاث دلاء » ، فلفظ الثلاث مذکور فیهما صریحا ، لکن لا یظهر منهما موته فیها ، فیمکن

ما ینزح لموت الفأرة إذا انتفخت أو تفسخت

ص: 138


1- بدل ما بین القوسین فی « و » : کلامه.
2- مدارک الأحکام 1 : 70.

الحمل علی عدم الموت. ویومئ إلیه روایة هارون بن حمزة الغنوی (1).

وعلی تقدیر الحمل علی الموت وشمولها لحالتی التفسخ والانتفاخ لا یقاوم دلالتهما علی هذا العموم دلالة ما دل علی السبع ، مثل روایة سماعة حیث قال علیه السلام فیها : « إن أدرکته قبل أن ینتن نزحت منها سبع دلاء » ، فإنها أظهر شمولا لحالتی الانتفاخ والتفسخ ، سیما بعد ملاحظة روایة أبی عیینة المذکورة ، وروایة أبی سعید المکاری عن الصادق علیه السلام : « الفأرة إذا وقعت فی البئر فتسلخت - علی نسخة - أو تفسخت - علی نسخة اخری - فانزح منها سبع دلاء » (2) ، فالجمع بإدخال ما دل علی السبع أولی وأظهر ، ولعل هذا مستند إلحاق الانتفاخ.

والقائلون بالنجاسة أو وجوب النزح تعبدا یحملون مثل الصحیحتین علی الموت البتة ، ووجهه ظاهر.

قوله : لدلالة الأخبار. ( 1 : 88 ).

لعل المتبادر من النزول والدخول للجنب أنه لأجل اغتساله.

قوله : والمطلق یحمل علی المقید. ( 1 : 88 ).

یمکن أن یکون حمله لیس من جهة التعارض ، بل من جهة أنه لما رأی الأمر بنزح سبع للوقوع ، وهو فی نفسه لا وجه لأن یصیر منشأ للنزح ، وسیعترف به فی قوله : والحق أن إجراء هذه الأخبار علی ظاهرها مشکل (3) ، ووجد هذا الحکم بعینه لاغتسال الجنب ، وهو یصلح لأن یکون منشأ ، ووجد

ما ینزح لاغتسال الجنب فیها

ص: 139


1- التهذیب 1 : 238 / 690 ، الاستبصار 1 : 41 / 113 ، الوسائل 1 : 188 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 5.
2- التهذیب 1 : 239 / 691 ، الاستبصار 1 : 39 / 110 ، الوسائل 1 : 187 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 1.
3- المدارک 1 : 91.

أنه لم یصر سببا لتفاوت أصلا ، ووجد غالب ورود الجنب فی الماء لأجل الاغتسال ، ترجح فی نظره أن نزح سبع للاغتسال مطلقا. ولعله لهذا فهم المحقق أیضا کذلک ، بل وغیره أیضا.

والحاصل : أن الشهید الثانی - رحمه الله - ومن وافقه ممن حصل له من تتبع تضاعیف ما ورد فی نزح البئر أن النزح لا یکون تعبدا ، بل لا بدّ من تأثیر وتأثر فی الماء ، ووجدوا ما ورد من المنع عن غسالة الجنب ، ولم یجدوا ما یصلح للتأثیر فی مجرد مباشرة جسد الجنب ، ووجدوا هذا الحکم من دون تفاوت أصلا فی اغتسال الجنب ، مضافا إلی وجدان غلبة ورود الجنب لأجل الاغتسال ، ووجدوا أن أبا بصیر سأل هکذا : الجنب یدخل فی البئر فیغتسل منها ، وهذا ربما یشعر بأن الراوی یعتقد بأن حکم الاغتسال غیر حکم مجرد الدخول ، والمعصوم ربما یظهر أنه قرره علی معتقده حیث لم یقل : لم فرقت بین الأمرین؟ ولم یأمر بنزح سبع بمجرد الدخول اغتسل أو لم یغتسل.

لعله بملاحظة المجموع ترجح عندهم ما ترجّح ، ویکون هذا من باب القرینة ، فلا یجب أن یتحقق تعارض ، فتأمّل.

قوله : والعلامة فی المختلف. ( 1 : 88 ).

لیس مذهبهما سلب الطهوریة ، بل ذکرا ذلک نکتة لغیرهم ، إذ مرادهم سلب کمال الطهوریة.

وبالجملة : ما ادعوا أن وجوب النزح یدل علیه ، بل من الخارج.

قوله : من عدم الطهوریة. ( 1 : 88 ).

وهو وإن کان کذلک إلاّ أن ملاحظة ما ورد من المنع عن غسالة الجنب وفتاوی القدماء ربما یشعر بأن العلة هی عدم الطهوریة علی القول به ، أو الکراهة علی القول بها ، لا أنه مجرد تعبد ، فتأمّل.

ص: 140

قوله : قد حقق فیما سبق. ( 1 : 90 ).

فیه تأمّل أیضا ، إذ مراده الوقوع الواقع فی ما دل علی نزح سبع دلاء لا (1) مطلقا ، ولا ملازمة ، والفرق واضح.

قوله : إلیه خاصة. ( 1 : 90 ).

لا یخلو من تأمل بعد ملاحظة النهی بسبب الإفساد ، فتأمّل.

قوله : ولیس بعد تحققه. ( 1 : 90 ).

لو تم ما ذکره لزم أن لا یتحقق تکلیف بمسبب أصلا ، بل یکون التکلیف بسببه ، وهو فاسد ، کما حقق فی محله. وأیضا لو تم ما ذکره لعله یلزم أن لا یتعلق التکلیف بترک شی ء ، وهو أیضا خلاف التحقیق.

قوله : مع نفس الوقوع. ( 1 : 90 ).

مجرد المعیة غیر مضر ، وکون نفس الغسل أو جزئه شخصا من أشخاص الوقوع المنهی عنه مما لا یکاد یتحقق ، إذ فی أیّ صورة اتفق الوقوع یتحقق المنهی عنه قبل تحقق الغسل أو جزءه ، ولعله لهذا أمر بالتأمّل ، فتأمّل.

قوله (2) : واعترض علیه. ( 1 : 91 ).

شناعة هذا الاعتراض علی العلامة - رحمه الله - واضحة ، لأنّه صرح بأن علة عدم الاشتراط عدم وجوب شی ء عنده فی ما لا نص فیه من جهة عدم الدلیل ، وعنده وعند غیره أن الأصل العدم ، ولازم هذا کون السبع لمجرد دخول الجنب للاغتسال. ومما ذکر ظهر ما فی قول الشارح - رحمه الله - وجوابه ، إذ ما سبق منه مع فساده - کما عرفت - لا یلائم کلام العلامة ، بل

ص: 141


1- لیس فی « ب » و « ج » و « د » و « ه ».
2- هذه الحاشیة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».

وینافیه ، فکیف یصیر جوابا له! فتدبر.

قوله : وهذا أقرب. ( 1 : 91 ).

فیه تأمّل ظاهر ، إذ خصوص کون سبع دلاء یزیل ثوران الحمأة فی کل ثوران فی کل بئر فاسد ، بل ربما یکون النزح مزیدا للعلة موجبا لزیادة الثوران.

علی أنه لو تم ما ذکره لزم أن لا یکون لخصوصیة الجنب مدخل فی وجوب نزح السبع أو استحبابه ، بل کل من نزل فی البئر أو کل شی ء وقع فی البئر ینزح له سبع ، کما أنّه لو لم یقع ثوران من نزول الجنب لم یحتج إلی نزح أبدا ، فتأمّل.

قوله : ولم أقف علی نص. ( 1 : 92 ).

الظاهر أن المفید - رحمه الله (1) - ومثله ممن حکم بهذا الحکم کان لهم نص ، إلاّ أن الشیخ - رحمه الله - لم یتفطن ، کما ینبه علیه ما سنذکر فی بول الصبی (2) ونجاسة عرق الجنب من الحرام (3) وغیرهما.

قوله : بعدم ورود. ( 1 : 93 ).

روی عمار عن الصادق علیه السلام : أن کل شی ء وقع فی البئر ولیس له دم سائل فلا بأس به (4).

قوله : والأجود قصر الحکم. ( 1 : 93 ).

لعل فی الروایة ما یشیر إلی ما فهمه القوم ، من أن المراد العصفور وما

ما ینزح لذرق الدجاج الجلال
ما ینزح لموت الحیّة فیها
ما ینزح لموت العصفور فیها

ص: 142


1- المقنعة : 68.
2- فی ص 143.
3- فی ص 205 - 207.
4- التهذیب 1 : 230 / 665 ، الاستبصار 1 : 26 / 66 ، الوسائل 1 : 241 أبواب الأسار ب 10 ح 1 ، بتفاوت فی العبارة.

أشبهه فی الجثة ، فلیلاحظ.

ونقل عن الراوندی استثناء الخفاش عن هذا الحکم (1) ، ولعله لما فی بعض الأخبار من أنه مسخ (2) ، لکن إن قال بنجاسة المسوخ فله وجه وإلا فلا ، فتأمّل.

قوله : اختلف الأصحاب. ( 1 : 94 ).

بعد اختلافهم الشدید فی تفسیر هذا الصبی ، ففسره بعضهم بمن لم یأکل بعد (3) ، وآخر بمن یغتذی باللبن فی الحولین أو یغلب علیه (4) ، وبعضهم بمن لم یغتذ بالطعام فی الحولین اغتذاء غالبا أو مساویا (5) ، وبعضهم بمن کان فی الحولین مطلقا (6) ، وبعضهم قید الرضیع بکونه ابن المسلم (7).

قوله : والظاهر أنه - رحمه الله . ( 1 : 94 ).

لعل استدلاله بها بناء علی حمل الصبی الفطیم علی معناه المجازی ، وهو المشارف للفطام ، جمعا بینها وبین روایة منصور المتقدمة (8) فی حکم بول الصبی المفسر بالمفطوم ، المفتی بها بین الأصحاب ، المتضمنة لسبع دلاء ، کما أنهم یحملون اللفظ الذی هو حقیقة فی الوجوب علی الاستحباب ، بسبب معارضة خبر ، ویستدلون به علی الاستحباب ،

ما ینزح لبول الصبی الذی لم یغتذ بالطعام

ص: 143


1- نقله عنه فی المعتبر 1 : 74.
2- الوسائل 24 : 109 ، 111 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2 ح 12 ، 15.
3- کالشیخ فی المبسوط 1 : 12.
4- کالشهید فی الذکری : 11.
5- کالشهید الثانی فی روض الجنان : 155.
6- کابن إدریس فی السرائر 1 : 78 ، لکنه عبر بالرضیع ، وکذا عبارة المبسوط والذکری.
7- کالشهید فی البیان : 100.
8- المدارک 1 : 86.

وکذا الحال فی جل وجوه الجمع ، فإنهم یحملون علی المجاز ویستدلون ، والحمل علی تفاوت مراتب الاستحباب لا یلائم طریقتهم ، لقولهم بالوجوب ، ولذا فعلوا فی باب النزح ما فعلوا.

مع أن الأخبار الواردة فیها فی غایة الاضطراب ، وحمل هذه علی الوجوب وتلک علی الاستحباب وإن کان ممکنا لکنه أیضا لا یوافق طریقتهم المسلوکة فی سائر أخبار هذا الباب غالبا ، بناء علی أن المنع من الاستحباب یقینی عندهم ، فجواز الاستعمال موقوف علی دلیل ثابت ، ومجرد الاحتمال لا یکفی.

( وکون الجمع بالحمل علی الاستحباب مجرد احتمال عندهم ، إذ لیس علیه دلیل شرعی وإن شاع ذلک بین فقهاء أمثال زماننا ، بحیث صارت من المتعینات عندهم ) (1).

وما ذکرناه یظهر من کلام الشیخ فی التهذیب وغیره (2) ، فتأمّل.

هذا ، لکن فی الفقه الرضوی : « وإن بال الصبی وقد أکل الطعام استقی منها ثلاثة دلاء ، وإن کان رضیعا استقی منها دلو واحد » (3) ، وهذا هو مستند المفید - رحمه الله - البتة ، وإن کان الشیخ استدل بالروایة المذکورة ، لأنه - رحمه الله - حین التألیف لم یکن متفطنا لأصل المستند ومتذکرا له ، فأتی بها له ، کما وقع منه - رحمه الله - مکررا ، کما لا یخفی علی المطلع.

ص: 144


1- ما بین القوسین لیس فی « د ».
2- التهذیب 1 : 243 ، الاستبصار 1 : 34.
3- فقه الرضا « ع » : 94 ، 95 ، المستدرک 1 : 203 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 2 ، بتفاوت یسیر.

قوله (1) : ولم أقف لهما. ( 1 : 94 ).

ادعی ابن زهرة إجماع الأصحاب علیه.

قوله (2) : فی بول الصبی. ( 1 : 94 ).

ربما حمل علی صورة التغیر ، وفیه تأمل ، لکن مر فی بول الرجل ما یأبی عن العمل بظاهرها علی سبیل الوجوب (3).

قوله : وإن کانت مبخرة. ( 1 : 95 ).

بضم المیم وکسر الخاء ، أی منتنة ، أو بفتحهما ، أی مکان البخر ، کذا عن الشهید (4) - رحمه الله - ولعل ضمیر « کانت » راجع إلی الأمور المذکورة ، أی الواقعة فی الماء ، فتأمّل ، أو یکون راجعا إلی البئر ، ولا یضر ، لعدم معلومیة کون البخر من خصوص النجس ، فتدبّر.

قوله : وهو کردویه. ( 1 : 95 ).

إلاّ أن الراوی عنه هو ابن أبی عمیر ، وهو ممن أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصح عنهم ، بل هو ممن لا یروی إلاّ عن الثقات ، کما فی عدة الشیخ (5) ، بل دائما هو یروی عن کردویه ، وفیه شهادة واضحة علی وثاقته ، مضافا إلی حکایة إجماع العصابة. مع أنه علی القول بالاستحباب تسامح فی الحکم ، کما عرفت ، فتأمّل.

قوله : غیر موثق. ( 1 : 95 ).

إلاّ أنه من الحسان علی المشهور ، والشارح یعمل بالحسان. وحسنه

ما ینزح لماء المطر وفیه البول و
بحث رجالی حول کردویه

ص: 145


1- هذه الحاشیة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».
2- هذه الحاشیة لیست فی « ج » و « د ».
3- انظر المدارک 1 : 82.
4- انظر غایة المراد 1 : 78.
5- عدة الأصول 1 : 386.

لا تأمّل فیه عندهم ، وعند الشارح أیضا لعله کذلک.

قوله : إلی العرف العام. ( 1 : 96 ).

العرف فی ذلک غیر منضبط ، بل لکل بئر دلو (1) ، وکذا فی کل بلدة عادة. نعم لم تجر العادة بدلو یسع مثقالا أو مثاقیل قلیلة ، ولعله لا یسمی مثله دلوا ، نعم الغالب فی الدلاء أنها تسع قدرا معتدا به فی الجملة ، ولعله مراد الشارح - رحمه الله - فتأمّل. لکن کونه مخالفا لما ذکره المصنف محل تأمّل ، فتدبر.

قوله : المراد بالدلو. ( 1 : 96 ).

لعله مأخوذ من الفقه الرضوی (2). ویمکن التأیید بأن الأحکام وألفاظها أنما ترد بالقیاس إلی اصطلاح بلد حاکم الشرع ، کما هو العادة عند الإطلاق فی المحاورات ، أو أنّ حمله علی بلد السائل یوجب عدم انضباط الحکم ، ( ومع ذلک ربما یشکل الاستناد إلیه ، بل ظاهر الأخبار خلافه ، فتأمّل ) (3).

قوله : القدر من الماء. ( 1 : 96 ).

سیما (4) مع أمنه من انصباب الماء النجس عن الدلو فی البئر إلاّ نادرا ، والأمر بالعدد وارد مورد الغالب ، فتأمّل.

قوله : ولأن الحکمة. ( 1 : 96 ).

لعل مراده أن الحکمة فی زوال النجاسة تعلقت بالعدد البتة ، وحصول تلک الحکمة بالعدد الحقیقی معلوم ، وأمّا حصولها بالعدد الحکمی فغیر ظاهر ، فالحکم باق ، لعدم ثبوت المطهر شرعا ، فتدبر.

بیان المراد من الدلو التی ینزح بها

ص: 146


1- لیس فی « أ » و « ه ».
2- فقه الرضا « ع » : 92 ، المستدرک 1 : 204 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 2.
3- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
4- لیس فی « ه ».

ویؤید المحقق أنهم أمروا بنزح العدد من غیر تفصیل بین الدلو الصغیر والکبیر ، مع أن الغالب التفاوت بین الدلاء بکثیر ، فتأمّل.

قوله : لأن الظاهر. ( 1 : 96 ).

لا یخفی أن ما ذکره لا کلام فیه ، وإنّما الکلام والشبهة فی أنه إذا کان الماء سابقا علی الغور نجسا لا جرم یکون الملاقی له من أرض البئر متنجسا ، والمعروف من القائلین بالتنجیس انفعال الماء من أی نجس یکون ، ولو کان متنجسا ، إذ لم یفرق بین الأمرین عند الفقهاء.

مع أن الرطوبة لم تنعدم بالمرة ، إذ لم یعلم انعدامها ، والأصل بقاؤها حتی یعلم الانعدام ، إلاّ أن یکون مفروض المسألة العلم بالانعدام والزوال عن أرض البئر مطلقا ، لکن الفرض لعله بعید ، مضافا إلی البعد عن ظاهر العبارة.

وکیف کان لا تنحسم مادة الشبهة ، لما عرفت.

إلاّ أن المنقول عن دلیل المصرحین بالطهارة بالغور لیس مقصورا فی ما ذکره الشارح ، بل له مقدمة أخری (1) حذفها الشارح لعله لعدم اعتقاده بها ، وهی أن المقتضی للطهارة لیس إلاّ ذهاب الماء ، وهو یحصل بالغور کما یحصل بالنزح ، یعنی أن الغرض هو إخراج الماء ، وهو کما یحصل بالإخراج من الفوق کذا یحصل بالإخراج من التحت ، مثل أن تنقب البئر من التحت بعنوان قناة أو غیره فیخرج الماء من النقب ، وخصوصیة کون الإخراج من جهة الفوق لا یعقل أن یکون لها مدخل فی التطهیر ، بل إنما وردت مورد الغالب ، علی قیاس ما ذکره العلامة - رحمه الله - فی النزح بإناء عظیم ، وکذا علی قیاس ما مر عن العلامة وغیره من الاکتفاء بنزح النساء فی التراوح ونزح ما دون

ص: 147


1- نقلها عنهم فی الذخیرة : 137.

الأربعة فاستحسنها الشارح (1).

ثم لا یخفی أنه لا فرق بین الإخراج والخروج ، لأن النیة غیر معتبرة فی المقام اتفاقا من الفقهاء.

إذا عرفت هذا فاعلم أنه لو سلمت تلک المقدمة یکون دلیلهم تماما وافیا بمطلوبهم ، وإلاّ فلا ، فحذف الشارح إیاها لا فائدة فیه ( بل ضرره أعظم ، لما عرفت من أن ما ذکره لا ربط له لدفع الشبهة ، إذ لیس الشبهة فی المقام إلا ما أشرنا إلیه ، فتأمّل ) (2).

وتحقیق ذلک سیصرح الشارح - رحمه الله - فی بحث ما لا نص فیه (3) من أن مطهر نفس البئر هو الإجماع ، جوابا للاعتراض بأن نزح الجمیع غیر مقتض للقطع بجواز الاستعمال ، فتأمّل.

قوله : فروع ثلاثة. ( 1 : 97 ).

وتتمّ بفروع أخر :

الأوّل : لا یعتبر فی النزح النیة ، وظاهرهم الاتفاق علیه ، فلو اتفق وقوعه لا بنیة التطهیر بل بقصود أخر یکفی ، کما أنه لا یحتاج إلی قصد القربة ، نعم هو شرط ترتب الثواب.

الثانی : لا یعتبر بلوغ النازح ولا عقله ولا إسلامه لو لم یباشر الماء ، بل لا یعتبر کونه إنسانا ، فلو نزح الدلاء بثور ونحوه یکفی ، نعم حکایة التراوح أمر آخر وقد مرّ.

الثالث : یجب إخراج النجاسة قبل الشروع فی النزح ، والظاهر أنه اتفاق بین القائلین بالتنجیس ، بل لعله عند القائلین بعدمه أیضا کذلک.

فروع

عدم اعتبار النیّة فی النزح
عدم اعتبار بلوغ النازح ولا عقله ولا إسلامه
وجوب إخراج عین النجاسة قبل النزح

ص: 148


1- المدارک 1 : 68 ، 69.
2- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».
3- المدارک 1 : 99.

وأمّا الشعر فإن کان من نجس العین فکذلک علی القول بنجاسته ، کما هو المشهور والحق.

قال فی الذکری : نزح الماء حتی یظن خروجه ، فإن استمر الخروج استوعب ، فإن تعذر لم یکف التراوح ما دام الشعر ، لقیام النجاسة ، والنزح بعد خروجها أو استهلاکها ، وکذا لو تفتت اللحم ، وأما شعر طاهر العین فأمکن الإلحاق بمجاورته النجس مع رطوبته ، وعدمه لطهارته وأصله (1). انتهی کلامه.

الرابع : هل طریق التطهیر منحصر بالنزح أم یجوز تطهیرها بإلقاء الکر ، أو ممازجة الجاری ، أو نزول الغیث؟ یظهر من کلام المصنف فی المعتبر (2) الأوّل ، بل ظاهر هذا الکتاب أیضا ذلک ، بل الظاهر أنه هو الظاهر من فقهائنا ، وخالفهم فی ذلک العلامة (3) ، والشهید أیضا علی تفصیل (4) ، ولا یخفی أن ظاهر الأخبار هو الأول ، فتأمّل.

هذا علی القول بانفعال البئر ، وأمّا علی القول بوجوب النزح تعبدا فلعله لا وجه للتأمّل فی الانحصار ، فتأمّل ، وأما علی القول باستحباب النزح فالظاهر أنه أیضا کذلک ، فتأمّل.

الخامس : یحکم بطهارة جوانب البئر التی أصابها الماء فی حال النزح عند مفارقة آخر الدلاء. والمتساقط من الدلو الأخیر معفو عنه للمشقة العظیمة ، ولأن الطهارة معلقة علی النزح وقد حصل.

لکن الظاهر أن المعفو عنه هو المتساقط العادی ، فلو خرج عن العادة

هل طریق التطهیر منحصر بالنزح؟
طهارة جوانب البئر التی أصابها الماء فی حال النزع

ص: 149


1- الذکری : 11.
2- المعتبر 1 : 79.
3- المنتهی 1 : 18 ، التحریر 1 : 5 ، القواعد 1 : 6.
4- الذکری : 10 ، الدروس 1 : 120.

مثل أن یکون فی الدلو خرق ومزق بما یزید عن العادة لم یکن معفوا عنه ، بل لم یکن الدلو محسوبا من العدد. وکذا لو تحرک الدلو بما هو زائد عن المعتاد فانصب منه کثیر.

علی أن فی مطلق الخرق والتمزق إشکالا ، لأنّ المتبادر من الدلو هو الصحیح السالم. نعم ما یخرج من مسلمات (1) الدلو ومخارق الإبر لا یضر إذا کان الدلو من الدلاء المتعارفة.

السادس : الظاهر عندهم أن الدلو والرشاء وید المستسقی حالها حال جوانب البئر.

السابع : لو لم یکن دلو وکان سطل أو غیره مما هو مثل الدلو هل یکفی النزح به؟ الظاهر نعم ، بل الظاهر الاکتفاء به مع وجود الدلو أیضا ، فتأمّل.

الثامن : صرح بعض الفقهاء بأن طهارة جوانب البئر والدلو والرشاء وید النازح عند مفارقة آخر الدلاء من أمارات عدم انفعال البئر بالملاقاة (2).

وهذا یقتضی أن لا یکون الحکم فی صورة التغیر کذلک ، کما هو الحال فی غسالة الاستنجاء وما ماثلها ، فإن الدلیل وإن اقتضی بظاهره العفو مطلقا إلاّ أنه یتقید بصورة عدم التغیر ، لأن المتغیر نجس بالضرورة من الدین ، فکیف یناسبه العفو ، مع أنه متغیر. ومجرد هذه الظواهر لا یکفی لمقاومة ما هو ضروری ، بل فی بعض الصور عین النجس موجودة.

فعلی هذا یمکن أن یقال : یکفی لطهارة الجوانب سقوط القطرات من الدلاء الطاهرة علیها ، لأنّها تغسلها ، فلا یمکن الحکم بنجاسة ما یلاقی تلک الجوانب. وأما فی غیر الجوانب من الأمور المذکورة فیغسل إن لم یتحقق

ص: 150


1- السمّ : الثقب. ومسامّ الجسد : ثقبه. القاموس 4 : 133.
2- انظر : مجمع الفائدة 1 : 258.

جریان علیها بحیث یغسلها ، وإن کان أقل جریان من الدلو الأخیر ، فتأمّل.

التاسع : یکفی فی الدلو المعتبر ملؤه العادی ، وهل یکفی نصفاه - مثلا - عن واحد؟ محتمل ، لکن الأحوط عدم الکفایة.

العاشر : فی صورة نزح العدد لو صب أحد الدلاء فی الماء ینزح عوضه ، ولا یوجب ذلک زیادة نزح عن العدد. والعلامة - رحمه الله - استوجه إلحاق صب الدلو الأخیر بما لا نص فیه ، لأن البئر بعد انفصاله یطهر (1). وفی الفرق تأمّل.

قوله : أو البولیة موجودة. ( 1 : 97 ).

لعله قاس ذلک علی النجاسات الواردة علی مثل الثوب والبدن ، وفیه تأمّل ظاهر ، فتأمّل. مع أنّه لا یلائم مختاره فی عدم الإجزاء فی مسألة النزح بإناء عظیم وأمثالها ، لکن المنقول عن المعتبر أنه لیس علی ما ذکره الشارح ، بل ذکر ذلک لأحد شقی تردیده ، فإنه متردد فیه أیضا ، فتأمّل.

قوله : لامتثال الأمرین. ( 1 : 98 ).

لعله لا یخلو عن المصادرة ، إذ تحقق الامتثال العرفی غیر ظاهر ، کما لا یخفی علی من راجع الأمر فی ذلک إلی أهل العرف. وتنظیره علی الأغسال والغسلات لعله لا یخلو عن قیاس ، فتأمّل.

قوله : فیجب القطع. ( 1 : 98 ).

هذه الدعوی مشکلة بالنسبة إلی بول رجال متعددة کثیرین ، نعم یمکن دعوی الظن فی بول رجل واحد إذا قطعه فی الأثناء ثم خلاه فی موضعه ، أما دعوی القطع فمحتملة أیضا ، مع أنها أیضا لا تخلو عن إشکال ، فتأمّل.

اختلاف أنواع النجاسة موجب لتضاعف النزح

ص: 151


1- المنتهی 1 : 18.

قوله : فلا ریب فی. ( 1 : 98 ).

فیه ما عرفت وستعرف.

قوله : لا ریب فی عدم زیادة. ( 1 : 98 ).

هذا أیضا محل إشکال ، إذ لا نری دلیلا غیر القیاس بطریق الأولویة ، فلعل مثل المقام یتحقق العلم بالمناط ، وکونه فی الفرع أولی ، لأن الشارح یشترط ما ذکر فی حجیة القیاس بطریق أولی ، ومر أن بناء البئر علی جمع المتباینات وتفریق المتماثلات ، واستجوده الشارح إذا کان النص صحیحا (1).

ولا یستحیل فی نظرنا ورود نص صحیح علی أن مثل الهرة المیتة المضمحلة المتفرقة الأجزاء التی تظهر بالاضمحلال ما فی أمعائها من عذراتها وما فی جوفها وعروقها من دمائها وقروحها وصدیدها وتکون جائفة إذا وقعت فی البئر ، أن یزید نزحها عن نزح الهرة التی وقعت فی البئر فماتت فیها.

بل لا یحصل القطع بعدم التفاوت بین الحی الواقع فیموت فی البئر وبین المیت خارجا فیقع ، بل مر عن الشارح - رحمه الله - التأمّل فی اتحاد حکمهما شرعا (2) ، فکیف یدعی هنا هذا القطع ، إذ ما ذکره بقوله : لا یعقل. إنّما یتم إذا کان حکم المیت خارجا ثم وقع حکم الحی الواقع ثم یموت قطعا ، وقد عرفت أن الشارح - رحمه الله - متأمّل فی ذلک ، نعم الظاهر عند الفقهاء الاتحاد ، لاستنباطهم أن الظاهر أن العلة هی الموت ، فتأمّل.

قوله : إذ لا یعقل زیادة. ( 1 : 98 ).

فیه - مضافا إلی ما سبق - أن [ فی ] (3) بعض الأحکام الشرعیة ربما

حکم سقوط أبعاض المقدّر لها

ص: 152


1- مدارک الأحکام 1 : 95 ، 77.
2- مدارک الأحکام 1 : 95 ، 77.
3- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.

تتحقق زیادة حکم الجزء علی الکل ، مثل أحکام الدیات ، وأحکام الصید فی الإحرام أو الحرم ، وغیر ذلک.

قوله : والمفروض عدمه. ( 1 : 99 ).

المفروض عدمه علی سبیل الخصوص لا مطلقا ، کیف والفریقان الأخیران یتمسکون بالنص ، سیما والقائلون بالاستحباب یسامحون فی دلیله ، والقائل بوجوبه تعبدا الشیخ والعلامة - رحمهما الله - وهما یتمسکان بالنص.

علی أن الحکم بعدم الجریان بالاستدلال فیه تأمّل ، إذ لعلهم یقولون بها بدلیل غیر ورود الأمر ، وإن کان مدخولا ، فتأمّل.

قوله : ویمکن دفعه ( 1 : 99 ).

یظهر منه تأمله فی هذا الجواب أیضا ، وأین هذا مما ذکره سابقا بقوله :

ولو غارت. (1) ، إذ لم یذکر ذلک إلا للقائلین بالنجاسة ، وکذا أین هذا من قوله : وأما فیها فلا ریب فی التداخل. (2) ، وهو - رحمه الله - کثیرا ما یتأمّل فی هذه الإجماعات ، ولم یدع أحد فی مسألة الغور ولا فی مسألة التداخل الإجماع ، ولم یظهر الوفاق ، بل الظاهر خلاف ذلک ، فتأمّل.

قوله : فظاهر الفساد ( 1 : 100 ).

دعوی ظهور الفساد محل تأمّل ، إذ دعوی القطع بعدم حصول ظن أصلا مما ذکر محل تأمّل ، سیما دعواه بالنسبة إلی کل الفقهاء.

فإن قلت : لعله لا یمنع حصول ظن منه إلاّ أنه یمنع حجیة مثله.

قلت : عندهم أن ظن المجتهد حجة ، واستدلوا علی ذلک ، والشارح أیضا یحصّل الظن ویعتمد علیه ، فکیف یمکنه دعوی ظهور القطع بعدم

حکم النجاسات التی لم یقدر لها

ص: 153


1- مدارک الأحکام 1 : 96 ، 98.
2- مدارک الأحکام 1 : 96 ، 98.

الحجیة ، فتأمّل.

فإن قلت : لما کان من المسلمات عندهم ثبوت عدالة الراوی ولم یثبت هنا ادعی الظهور.

قلت : العادل أخبر بأنّ الشارع قال کذا ، فلا ینبغی التثبت.

فإن قلت : من المسلمات عندهم عدم حجیة مراسیل العدول.

قلت : أما القدماء فبناء عملهم علی القرائن ، والصحة عندهم غیر مقصورة علی العدالة ، ولا یخفی ذلک علی أحد ممن له أدنی فهم.

وأما المتأخرون فمن لم یعمل بأمثال هذه المراسیل فعدم عمله إنما هو فی غیر المستحبات ، وأما فیها فیعملون بأدنی منها وأخس ، لتسامحهم ، وقد مر وجهه.

فالاعتراض غیر وارد أصلا. إلاّ أن یکون اعتراضه علی خصوص من تمسک بأن الشیخ ثقة ثبت. ، لکن من قال ذلک یعتمد علیه فلا اعتراض علیه ، کما أشرنا. بل یحکم بأن المرسل من ثقة أقوی من المسند ، لأنه فی مقام الإرسال کان فی غایة الاطمئنان ، ولأجل ذلک أسند إلی الشارع من غیر تأمّل ولا تزلزل ، وأما فی مقام الإسناد فاعتماده علی السند ، ولذا جعل الحوالة إلیه ، فتأمّل.

وبالجملة : دعوی ظهور الفساد فی أمثال هذه المسائل الخلافیة محل تأمّل.

قوله : فیثبت الأربعون. ( 1 : 100 ).

قیل : إنّ الأقوال منحصرة فی الثلاثة ، فإذا بطل الأول تعین الثانی ، لأن النجاسة ثابتة شرعا یحتاج الحکم برفعها إلی دلیل شرعی ، ولم یثبت فی الثلاثین فتعین الأربعون ، إذ علی أی تقدیر یحصل الطهارة جزما ، بخلاف الاکتفاء بالثلاثین. واحتمال الأزید من الأربعین الذی لم یکن نزح الجمیع

ص: 154

خلاف المتفق علیه بین الشیعة ، فتأمّل.

ویرد علیه أن بطلان الأوّل غیر ظاهر ، إما لأن القائل بالتنجیس لا یکتفی بزوال التغیر ، أو یکتفی لکن لا یقول بالقیاس بطریق الأولویة التی ادعیت ، لأن بانصباب الخمر مثلا یحکم بوجوب نزح الجمیع ، والمذاهب المنقولة عنهم متفقة فی عدم الاکتفاء ، فلاحظ. ولعله إلی ما ذکرنا أشار بقوله : وفیه ما فیه ، فتأمّل.

قوله : ویطیب الطعم. ( 1 : 100 ).

لا یخفی أنها ظاهرة فی عدم انفعال البئر ، ولذلک استدل الشارح بها له ، وأقوی أدلته هی ، فکیف یتمسک بظاهرها للقائل بالتنجیس ، سیما وهم متفقون علی عدم الاکتفاء بزوال التغیر ، فتدبر.

وفی الفقه الرضوی : « وإن تغیر الماء وجب أن ینزح الماء کله ، فإن کثر أو صعب نزحه وجب أن یکتری علیه أربعة رجال یستقون منها علی التراوح من الغدوة إلی اللیل»(1).

قوله : والأقوی تفریعا. ( 1 : 101 ).

أشار بقوله : الأقوی. إلی احتمال وجوب نزح الجمیع حینئذ أیضا ، لوروده فی الأخبار (2) ، ولأنّه ماء محکوم بنجاسته یقینا ، فلا بدّ للحکم بالطهارة من دلیل تام مثبت لا تأمّل فیه ، والاکتفاء بنزح ما یزول به التغیر لعله لا یخلو عن إشکال ، لمکان التعارض وعدم ترجیح یرتفع به الیقین بشغل الذمة ووجه کونه أقوی عند الشارح ظاهر ، کما لا یخفی علی المطلع بطریقته ، والظاهر أن الأمر کما ذکره ، وإن کان نزح الجمیع لا یخلو عن

حکم البئر إذا تغیر أحد أوصاف مائها بالنجاسة

ص: 155


1- فقه الرضا « ع » : 94 ، المستدرک 1 : 207 أبواب الماء المطلق ب 22 ح 4.
2- الوسائل 1 : أبواب الماء المطلق الباب 14 ح 10 وب 19 ح 4 وب 22 ح 7 وب 23.

احتیاط ، وأما کونه مطلوبا فیظهر من الأخبار صریحا ، فتأمّل.

قوله : فإنها صریحة. ( 1 : 101 ).

وأمّا استیفاء المقدر وجوبا أو استحبابا فیحتمل أن یکون باقیا علی حاله ، ویحتمل التداخل بنزح أکثر الأمرین من استیفاء المقدر وما یزول به التغیر ، جمعا بین الواجب والمستحب ، فتأمّل.

قوله : ویحتمل قویا. ( 1 : 101 ).

هذا الاحتمال أکثر القائلین بالتنجیس عنه متحاشون ، والتعلیل بقوله :

لأن الخروج عنه. علیل ، لأن عدم الخروج عنه یوجب القول بعدم الانفعال ، وهم لا یرضون به بالسبب الذی مرّ.

ومذاهبهم فی المقام ثمانیة :

الأوّل : وجوب نزح الجمیع ، ومع التعذر التراوح (1).

الثانی : نزح الجمیع فإن تعذر فما یزول به التغیر ، وهو مذهب الشیخ - رحمه الله - (2) ، لکن الظاهر أنه قائل بعدم الانفعال.

الثالث : النزح حتی یزول التغیر ، إن کان القائل قائلا بعدم الانفعال (3).

الرابع : نزح أکثر الأمرین من المقدر وزوال التغیر (4).

الخامس : نزح أکثر الأمرین من المقدر وزوال التغیر إن کان له مقدر ،

ص: 156


1- ذهب إلیه الصدوق فی الفقیه 1 : 13 ، والشیخ فی التهذیب 1 : 242.
2- النهایة : 7 ، المبسوط 1 : 11.
3- ذهب إلیه العلاّمة فی القواعد 1 : 6 ، والمختلف 1 : 28 ، والمنتهی 1 : 17.
4- هو مذهب ابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 552 ، وابن إدریس فی السرائر 1 : 70 ، ویحیی بن سعید فی الجامع للشرائع : 19 ، والشهید فی الذکری : 9.

وإلا فالجمیع ، ومع التعذر فالتراوح (1).

السادس : نزح الجمیع ، فإن غلب فأکثر الأمرین من المقدر وزوال التغیر (2).

السابع : نزح ما یزول به التغیر أوّلا ، ثم نزح المقدر ، وإلا فالجمیع ، فإن تعذر فالتراوح (3).

الثامن : أکثر الأمرین إن کان له مقدر وإلاّ فزوال التغیر (4).

قوله : علی المختار. ( 1 : 102 ).

مراده من المختار القول بعدم الانفعال ، وأنه مع التغیر یکفی ما یزول به التغیر ، ومراده من القول الآخر ما یقابله من القول بالانفعال أو عدم الانفعال ، إلاّ أنه لا بدّ من نزح الجمیع فی صورة التغیر.

ویحتمل أن مراده من المختار خصوص کفایة نزح مزیل التغیر ، وغیر المختار وجوب الجمیع ، أعم من القول بالانفعال أو عدمه ، فتأمّل.

وکیف کان علی مختاره أیضا یحتمل نزح الجمیع ، لعدم الأولویة ، أو ما یزول به التغیر علی تقدیر بقائه ، وذلک لأن الشارع حکم بأن طهارته بنزح ما یزول به التغیر ، ولم یوجد ، فتأمّل.

قوله : لمکان المادة ( 1 : 102 ).

ولعله لا یخلو عن إشکال ، أما علی القول بأنه لا بدّ من المزج وعدم کفایة الملاقاة فظاهر ، وأمّا علی القول الآخر فلأنّ المستفاد من الأخبار أنّ تطهیر البئر عن التغیر یحتاج إلی النزح ، وأن التطهیر ینحصر فیه ، والأخبار

حکم ما لو زال تغیر البئر بغیر النزح ونحوه من المطهرات

ص: 157


1- ذهب إلیه الشهید الثانی فی المسالک 1 : 3.
2- ذهب إلیه المحقق فی المعتبر 1 : 76 ، والشهید فی الدروس 1 : 120.
3- نقله الشیخ حسن فی معالم الفقه : 88 عن بعض مشایخه المعاصرین.
4- اختاره السبزواری فی الذخیرة : 126.

ظاهرة فی هذا المعنی کادت أن تبلغ حد التواتر ، وربما یکون ما ذکره اجتهادا فی مقابل النصوص ، فتأمّل.

وأیضا لا شک فی أنّه حال التغیر حکم بنجاسته شرعا ، فلا بدّ فی الحکم بالطهارة من دلیل شرعی ولم یثبت غیر النزح.

ولأنه حال التغیر حکم بأن مطهره النزح ، وأنه ما لم ینزح لم یطهر ، فما الذی أزال هذا الحکم بعد زوال التغیر؟! أمّا علی القول بالاستصحاب فظاهر ، وأما علی القول بعدم الاستصحاب فلإطلاق وعموم الأدلة.

ولأنّه لو کان مجرد زوال التغیر کافیا لکان المعصوم علیه السلام یقول فی الأخبار - ولا أقل فی خبر واحد وموضع من المواضع - : إنّ المطهر زوال التغیر ، ولم یقل أبدا ، مع أنه أخصر ، وأظهر ، وأعم ، وأسهل علی المکلفین ، وأوسع من خصوص ذکر النزح ، مع ما فیه من المشقة الشدیدة ، لأن ماءه المنزوح المتغیر نجس إجماعا ، بل بالضرورة من الدین وثابت من الأخبار علی النص والیقین ، فیستلزم نجاسة المواضع التی یلاقیها ویسری فیها وما یلاقی ما یلاقیها ، فتأمّل.

ومما یؤید ما ذکرنا من التأمّل أنّه وقع النزاع بین الفقهاء فی أنّه هل ینحصر طریق تطهیر البئر فی النزح حیث یحکم بنجاستها أم تشارک غیرها من المیاه فی الطهارة بممازجة الجاری وإلقاء الکرّ ونزول الغیث ، فبعضهم ذهب إلی الانحصار ، وبعضهم إلی المشارکة فی الأمور المذکورة (1) ، ورجّح الأول بأنّ ظاهر الأخبار هو الانحصار. علی أنّ الذی ظهر من السابق تأمّله فی کون مجرد الملاقاة مطهرا.

فإن قلت : حکم الشارح فی المقام لیس من اختیار المطهریة بمجرد

ص: 158


1- راجع ص 147.

الملاقاة ، بل للعلة المنصوصة ، وهی قوله : « لأنّ له مادّة ».

قلت : علی تقدیر تسلیم ثبوت کون العلة کفایة النزح حتی یزول التغیر لم یکن علة منصوصة لأجل عدم الحاجة إلی النزح لحصول التطهیر ، کما لا یخفی علی المتأمّل ، فتأمّل. وعلی تقدیر التسلیم کونها بحیث تقاوم المنطوقات وترجح لا بدّ من التأمّل فیه ، فتأمّل.

وبالجملة : لیس البئر بأقوی من الجاری البتة ، وقد مرّ عن الشارح - رحمه الله - فی الجاری ما مر (1) ، ومر فی بحث أنه هل یشترط الامتزاج أم یکفی الملاقاة فی التطهیر عن الشارح التردد بل والمیل إلی اشتراط المزج (2) ، کما لا یخفی علی المتأمّل.

وبالجملة : الجاری لیس بأضعف من البئر قطعا لو لم یکن أقوی منه. قال فی الذخیرة : تتوقف طهارة الجاری من نفسه علی تدافع المیاه وتکاثره علیه حتی یستهلکه إن اعتبرنا الامتزاج ، وأما علی القول بالاکتفاء بالملاقاة فالمنقول عن ظاهر بعضهم توقفه علی ذلک أیضا ، لأن الاتصال المعتبر فی التطهیر هو الحاصل بطریق العلو علی النجس أو المساواة ، والمادة هنا لا یکون إلاّ الأسفل منه ، ویظهر من کلام العلامة - رحمه الله - أن النزح متعین وإن أمکن إزالة التغیر بغیره (3) ، فتأمّل.

قوله : ویحتمل الاکتفاء. ( 1 : 102 ).

هذا الاحتمال ضعیف عند القائل بالنجاسة کما مر ، فتدبر ، ولعل المناط فی التقدیر منحصر فی العلم والیقین.

قوله : من باب مفهوم الموافقة. ( 1 : 102 ).

کونه من باب القیاس بطریق أولی لا إشکال فیه ، وأمّا کونه من باب

ص: 159


1- انظر المدارک 1 : 33 ، 37.
2- انظر المدارک 1 : 33 ، 37.
3- الذخیرة : 120.

مفهوم الموافقة ربما یحتاج إلی تأمّل ، وعندی فرق بین المقامین ، فتأمّل.

قوله : مع مهب الشمال. ( 1 : 103 ).

وذلک لأن الشمال مشرف علی الجنوب بحسب وضع الأرض ، لأن کرة الأرض واقعة فی البحر ، وثلثاها فی الماء ، وثلثها خارج ، وقبة الأرض ورأسها محاذ للقطب الشمالی ، فالماء بالطبع یمیل إلی الجنوب ، سواء کان فوق الأرض أو ساریا فی أعماق الأرض ، وکیفما کان مائل إلی مرکزه ، ومرکزه فی طرف الجنوب ، ولو کان خلاف ذلک فمن القاسر ، والکلام إنما هو بحسب الأصل ما لم یظهر خلافه ، فتأمّل.

وفی روایة قدامة ذکر عقیب ما نقله الشارح : ثم قال : « الماء یجری إلی القبلة إلی یمین ، ویجری من القبلة إلی یسار القبلة ، ویجری من یسار القبلة إلی یمین القبلة ، ولا یجری من القبلة إلی دبر القبلة » (1) ، فتأمّل.

( والمراد من قوله : إلی القبلة إلی یمین ، أن القبلة یعنی قبلة أهل العراق الذین هم الرواة یمین الجنوب بشی ء یسیر ، واعتبارهم القبلة لمعروفیتها عند عامة الناس مع عدم تفاوت مضر. فالمراد أن الماء من جهة میله إلی مرکزه شغله المیل إلی الجنوب ، لأنّ البحر فی الجنوب ، فإلی أی جهة یمیل یصل إلی البحر ، إلی القبلة أو یمینها أو یسارها ، بخلاف دبر القبلة ، فإنه لا یمیل إلی خلاف المرکز ، فتأمّل ) (2).

قوله : یجری البول. ( 1 : 105 ).

ربما یظهر أن السؤال وقع فی مکة المشرفة ، وأنّ المقام مقام یظهر من

المسافة التی تکون بین البئر والبالوعة

ص: 160


1- الکافی 3 : 8 / 3 ، التهذیب 1 : 410 / 1291 ، الوسائل 1 : 198 أبواب الماء المطلق ب 24 ح 2.
2- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

القرینة وصول النجاسة إلی الماء بالملاقاة بعنوان السرایة فی الأرض والنشر فیها فی الصورة المنهی عنها ، فتکون الروایة من جملة أدلة انفعال البئر بالملاقاة. ویمکن حملها علی صورة یظهر تغیر الماء عادة ، وإن کان تغیر بعض البئر بسبب امتداد الزمان وطول المدة ، فتأمّل.

قوله : ولو اشتبه. ( 1 : 107 ).

فی الفقه الرضوی : « وإن کان إناءان وقع فی أحدهما ما ینجس الماء ولم یعلم فی أیهما وقع فلیهریقهما جمیعا ولیتیمم » (1).

قوله : وهی ضعیفة السند. ( 1 : 107 ).

وفیه ما عرفت مرارا أنّ الصحة والضعف عند القدماء لیس مما ذکره ، فلا اعتراض علیهم ، وأمّا المتأخرون فمن قال بحجّیة الموثق فلا اعتراض علیه أیضا ، ومن لم یقل بها یقول بحجیة أمثال هذه الأخبار المنجبرة بالشهرة بین الأصحاب سیّما مثل هذه الشهرة ، بل الشارح اعترف بأنّه مذهب جمیع الأصحاب ، فإنّ فروع هذه المسألة مشتهرة بین القدماء والمتأخرین ، فضلا عن نفسها.

وغیر خفی أنّ فتوی القدماء إنّما هی من هذه الروایة ، وروایة سماعة أیضا (2) المتضمنة لهذا الحکم ، والفقه الرضوی ، بل ظاهر المتأخرین أیضا کذلک ، بل صرح العلامة بذلک فی المنتهی (3).

ونقل الإجماع فی هذه المسألة غیر واحد من الفقهاء ، منهم

إشارة إلی اختلاف القدماء والمتأخرین فی الخبر الصحیح

ص: 161


1- فقه الرضا « ع » : 93 ، المستدرک 1 : 196 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 3.
2- الکافی 3 : 10 / 6 ، التهذیب 1 : 249 / 713 ، 229 / 662 ، الاستبصار 1 : 21 / 49 ، الوسائل 1 : 151 ب 8 ح 2.
3- المنتهی 1 : 29.

الفاضلان (1) ، بل ما نقلوا خلافا إلاّ عن الشافعی بأنه قال : یجتهد المکلف فی تحصیل الأمارات المرجحات ، ومع العجز یجتنب (2) ، فالظاهر أنها وفاقی بین المسلمین جمیعا ، ومع ذلک مضمونها موافق للأصول ، کما ستعرف.

قوله : مع تحققه. ( 1 : 107 ).

لا یخفی أن النجاسة الشرعیة لیست إلاّ تکلیف الشارع بالاجتناب والتنزه وغسل الملاقی مثلا ، ولم یعرف من الشارع إلاّ أمثال ما ذکر ، وسیجی ء عن الشارح فی مبحث النجاسات (3) الاعتراف بما ذکر ، بل نقول : نجاسة الماء لا تثبت غالبا إلا من النهی عن الوضوء والشرب والأمر بالصب مثلا ، ومقتضی ذلک أن النجس یحرم الوضوء والشرب منه مثلا ، فعلی هذا حکم الشارع بالنجاسة وعدم وجوب الاجتناب کما تری ، بل لعله تناقض.

وأیضا إن کان العلم الإجمالی کافیا فی وجوب الاجتناب فالأمر کما ذکره العلامة ، وإن کان شرط الوجوب تحقق العلم بعینه کما ذکره فلا یجب اجتناب واحد منهما مطلقا وإن استعمل أحدهما أولا ، لأن استعمال الثانی یوجب العلم باستعمال النجس الإجمالی ، لا أن الثانی بعینه نجس.

فإن قلت : یمکن أن یکون مراده أن المحکوم بالنجاسة هو أحد الإناءین ، والمحکوم بعدم وجوب الاجتناب هو کل واحد منهما بعینه.

قلت : إن أراد أن النجس هو أحدهما لا بعینه ، وغیر النجس هو کل واحد منهما بعینه ، فیکون تعیین النجس باختیار المکلف ، ففساده ضروری ، لمخالفته لضروری الدین ومقتضی دلیل النجاسة ، لأن الدلیل هو

حکم الإناءین المشتبهین

ص: 162


1- المعتبر 1 : 103 ، التذکرة 1 : 89 ، المختلف 1 : 81.
2- حکاه عنه فی الناصریات ( الجوامع الفقهیة ) : 180 ، والخلاف 1 : 197 ، وانظر الأم 1 : 11.
3- انظر المدارک 2 : 259.

وقوع النجس فی أحد الإناءین بعینه ، فإن صار نجسا یکون النجس متعینا ، وإلاّ فلا نجاسة.

وإن أراد أن النجس - یعنی ما أمرنا بالاجتناب عنه - هو أحدهما بعینه فی الواقع ، وغیر النجس - أعنی الذی ما أمرنا الشارع بالاجتناب عنه بل وجوز لنا المباشرة والطهارة به - هو کل واحد منهما بعینه بحسب الظاهر عندنا ففیه من التدافع ما لا یخفی ، لأنّا لو کنّا مأمورین بالاجتناب عن خصوص النجس المعین المشخص فی الواقع لکان الواجب عینا الاجتناب عنهما جمیعا ، إذ لو باشرنا واحدا منهما لعله یکون هو الذی أمرنا بالاجتناب عنه ، فلا یتحقق الامتثال ، فإذا کان حال مباشرة أحدهما کذلک فکیف یکون حال مباشرة کل واحد منهما بخصوصه علی حدة.

وبالجملة : حال النجاسة فی هذا التقدیر حال السمّ المهلک الواقع فی أحد الإناءین المشتبهین ، ولم یأمر الشارع باجتناب الإناءین فیه بخصوصه ، بل أمر بحفظ النفس عن التهلکة ، فتدبّر.

وإن أراد أنّ ما أمرنا بالاجتناب عنه هو خصوص المعین المشخص الواقعی إلاّ أنّه ما أمرنا بالاجتناب عنه مطلقا بل أمرنا بالاجتناب عنه إذا عیّن وشخّص ، فنجاسته الشرعیة بالفعل إنما هو فی صورة التشخیص ، فقبلها نجاسة بالقوة وطهارة بالفعل ، فجوز المباشرة والطهارة منه ، والتشخیص لا یتحقق إلاّ بمباشرة جمیع ما وقع فیه الاشتباه ، وهو الظاهر من کلامه ، لکن یرد علیه : أنه قبل حصول الاشتباه کان مشخصا ، إذ حین ملاقاة النجاسة کان معلوما ، والاشتباه حصل بعدها ، فحینما کان معینا تعلق به الحکم بوجوب الاجتناب ، وبحصول الاشتباه بعد ذلک کیف یرفع الحکم الثابت المتیقن؟! فإن قلت : الشارح لا یقول بالاستصحاب.

ص: 163

قلت : عموم قولهم علیهم السلام : « لا تنقض الیقین بالشک » (1) فإن الشارح ربما یتمسک به ، مع أنه یقول بالعموم والإطلاق.

فإن قلت : لعله یمنع العموم أیضا ، بادعائه أن المراد ما دام معلوما ، بناء علی أن الأصل والعمومات الأخر مثل « کل ماء طاهر حتی تعلم أنّه قذر » (2) یقتضیان حصول العلم للحکم بالنجاسة.

قلت : لو تم ذلک لم یکن للشارح إثبات بقاء النجاسة فی موضع من المواضع الخلافیة ، مثل الکر المتغیر بالنجاسة إذا زال تغیره بنفسه ، والماء القلیل النجس إذا صار کرا بالقلیل النجس الآخر أو مطلقا ، إلی غیر ذلک.

بل لا یمکنه إثبات بقائها فی موضع لم یتحقق فیه إجماع ، بل لا یمکنه إثبات البقاء من عموم الأدلة أصلا ، وقد صرح - رحمه الله کثیرا بالإثبات منه.

مع أنه فی نفسه غلط ، لأن الأصل لا یعارض العموم ، ومثل کل ماء طاهر. یؤید العموم ، بل ویوافقه فی الدلالة ، لأن الظاهر منه أن منتهی الحکم بالطهارة حصول العلم بالنجاسة ، وبعده یکون نجسا مطلقا.

( مع أن الکلام إنما هو فی کون النجس الشرعی هو عین ما وقع فیه النجاسة ، فیکون مأمورا بالاجتناب عنه بخصوصه ، إلاّ أنّه لا یتم الاجتناب عنه إلاّ بالاجتناب عن الکل ، ومقدمة الواجب المطلق واجب عند الشارح (3) ، مع أن لزوم ارتکابهما (4) لا نزاع فیه ، فتأمّل جدا ) (5).

فإن قلت : لعل الشارع یمنع العموم فی المقام.

ص: 164


1- التهذیب 1 : 8 / 11 ، الوسائل 1 : 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1.
2- الوسائل 1 : 134 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 5.
3- فی « أ » و « ه » : المشهور.
4- فی « ه » : ارتکابها.
5- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

قلت : هذا فاسد ، لأن دلیل الانفعال فی المقام لیس إلاّ ما دل علی انفعال القلیل بالملاقاة أو بالتغیر ، فکیف یمکنه إنکار عمومه ، مع أنه دائما یدعیه ، مضافا إلی ظهوره ، مع أنه لو لم یدع عموما فمن أین یقول بالنجاسة فی صورة التشخیص؟ بل لا وجه لحکمه ببقاء نجاسة أصلا ، فیکون الإناءان طاهرین مطلقا ، لأن أقوال الفقهاء بالنجاسة ووجوب اجتنابهما معا مطلق ، فتأمّل.

فإن قلت : لعل کلام الشارح فی صورة یکون الاشتباه متحققا حین الملاقاة ، کما یومئ إلیه قوله فی البحث الأوّل ، مع تأمّل فیه أیضا ، لأنه جعله من المحتمل.

قلت : ذلک لعله یکون نادرا ، وتخصیص کلام الفقیه بصورة غیر الشائع ثم الاعتراض علیه بما لا خصوصیة له بصورة النادر فیه ما فیه.

ومع ذلک نقول : حین وقوع النجاسة إما أن یکون تعلق به الحکم بالنجاسة أو لا ، والثانی باطل بالضرورة ، والأول إمّا أن یکون تعلقه بخصوص ما وقعت فیه أو لا بخصوصه ، والثانی باطل بالضرورة وقد عرفت ، والأوّل إمّا أن یکون تعلقه تعلقا مطلقا أو مقیدا بصورة العلم والتشخیص ، والثانی باطل ، لما عرفت من أن دلیل النجاسة والمقتضی لوجوب الاجتناب إما قول الفقهاء أو الأخبار الدالة علی الانفعال ، ولیس فی شی ء منهما ذلک التقیید ، وقول الفقهاء وجوب اجتنابهما معا ، والأخبار مطلقة ، ومطلقها عام ، ولو لم تکن مطلقة أو لم ینفع إطلاقها یلزم طهارة ذلک مطلقا ، فتأمّل جدا.

فإذا کان واجب الاجتناب مطلقا لزم ما ذکره العلامة - رحمه الله - فیکون حکمه حکم ذی السم القاتل ، ولا خصوصیة لوجوب المقدمة بصورة الاستصحاب ، والکلام مبنی علی وجوبها.

فإن قلت : الأمر وإن کان علی ما ذکرت إلاّ أنّ عموم مثل قوله

ص: 165

صلی الله علیه و آله : « رفع عن أمتی. ما لا یعلمون » (1) شامل لأحدهما بعینه ، فتجوز المباشرة وتصح الطهارة إلی أن یتحقق العلم بالمنع ، وهو ما إذا باشر الجمیع.

قلت : شموله للتکلیف المعلوم المتردد بین احتمالین لا ترجیح لأحدهما علی الآخر بوجه من الوجوه لا شرعا ولا عقلا ، والمکلف به یکون واحدا مشخصا معینا لا تخییر فیه أصلا ، ممنوع.

علی أن من قال بوجوب مقدمة الواجب یقول بثبوت العلم بوجوب اجتنابهما معا ، فیکون خارجا من العموم البتة ، والکلام مبنی علی وجوبها ، کما مرّ.

قوله : وقد ثبت نظیره. ( 1 : 108 ).

لا یخفی ما فیه ، لأن التکلیف فی الإناءین ثابت بالنص والإجماع ، بخلاف واجدی المنی ، فإنه لا تکلیف أصلا بالنص والإجماع.

قوله : فی غیر المحصور. ( 1 : 108 ).

قد عرفت أنّ النجاسة تکلیف بالاجتناب ، وهو محال بالنسبة إلی کثیر من غیر المحصور وحرج بالنسبة إلی کثیر ، والله لا یکلف بما لا یطاق ولا بما هو حرج ، هذا مضافا إلی الإجماع بل وضروری الدین فی غیر المحصور ، وطریقة المسلمین فی الأعصار والأمصار وما یظهر من الأخبار (2) ، فما ذکره من عدم الوضوح غیر واضح ، فتأمّل.

قوله : لم ینجس الماء. ( 1 : 108 ).

فیه ما ذکرنا فی واجدی المنی من عدم التکلیف بالنص والإجماع.

ص: 166


1- الفقیه 1 : 36 / 132 ، الخصال : 417 / 9 ، الوسائل 8 : 249 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 30 ح 2.
2- انظر الوسائل 25 : 117 أبواب الأطعمة المباحة ب 61.

قوله : هنا أبحاث. ( 1 : 108 ).

الأوّل : لا فرق بین الإناءین وأکثر منهما ، صرح بذلک الشیخان والفاضلان (1) ، والحدیثان وردا فی الإناءین إلاّ أنه لا فرق کما عرفت من الضابطة ، مضافا إلی أن الظاهر أن الإجماع غیر مخصوص بالأوّل ، مع أن الظاهر دلالة الحدیثین علی الثانی أیضا من باب تنقیح المناط ، فتدبر.

الثانی : نقل عن الشیخین والصدوقین وجوب إهراق الماء (2) ، کما هو مورد الحدیث ، والظاهر أن مستندهم الحدیث.

وقال بعضهم بوجوب الإراقة لیصح التیمم (3) ، وفیه ما فیه.

وقال ابن إدریس والفاضلان بعدم وجوب الإراقة (4) ووجه الحدیث فی المعتبر بأن الأمر بالإراقة کنایة عن النجاسة تفهیما للمنع (5) ، کما ورد الأمر بها فی کثیر من الأخبار (6) ، مع أنه لم یقل بالوجوب فیهما أحد.

الثالث : لو انقلب أحد المشتبهین ثم اشتبه الآخر بمتیقن الطهارة حکم العلامة - رحمه الله - بوجوب الاجتناب حینئذ أیضا (7) ، واستشکل

فروع فی الإناءین المشتبهین

ص: 167


1- المقنعة : 69 ، المبسوط 1 : 8 ، المعتبر 1 : 104 ، التحریر 1 : 6.
2- حکاه عنهم فی معالم الفقه : 160 ، وانظر المقنعة : 69 ، النهایة : 6 ، الفقیه 1 : 7.
3- حکاه عن ظاهر الصدوقین فی معالم الفقه : 160.
4- السرائر 1 : 85 ، المعتبر 1 : 104 ، المنتهی 1 : 29.
5- المعتبر 1 : 104.
6- انظر الوسائل 1 : 152 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 2 ، 4 ، 7 ، 10 ، 11 ، 14.
7- المنتهی 1 : 30.

بعضهم ذلک (1) ، وبالتأمّل لما ذکرنا یظهر الحال.

الرابع : هل المظنون النجاسة حکمه حکم متیقن النجاسة أم لا؟

قیل : نعم مطلقا (2) وقیل : لا مطلقا (3) ، وهو الظاهر من أخبار کثیرة (4) ، واضحة الدلالة ، فلا یعارضها دلیل القول الأول من أن الفقه ظنیات ، وأن ترجیح المرجوح علی الراجح باطل.

وقیل بقبول شهادة عدلین (5) ، وقیل بقبول شهادة عدل واحد (6) ، وقیل بقبول قول المالک وإن کان فاسقا (7) ، وقیل بقبول قول ذی الید کذلک (8) ، واشترط بعضهم قبول شهادة العدلین بذکرهما سبب الحکم بالنجاسة لوقوع الخلاف ، إلاّ أن یعلم الوفاق (9) ، وجماعة منهم قیدوا الحکم بقبول إخبار الغیر بنجاسة مائه إذا کان الإخبار قبل الاستعمال ، (10) فلو کان بعده لم یقبل بالنظر إلی نجاسة المستعمل له ، فإنه فی الحقیقة إخبار بنجاسة الغیر ، ولا یکفی فیه الواحد وإن کان عدلا ، ولا بخروج الماء عن ملکه بالاستعمال.

ص: 168


1- معالم الفقه : 162.
2- انظر نهایة الشیخ : 96 ، والکافی فی الفقه : 140.
3- المهذب 1 : 30 ، جواهر الفقه : 9.
4- انظر الوسائل 1 : 142 أبواب الماء المطلق ب 4 ، و 3 : 466 أبواب النجاسات ب 37 ، و 3 : 521 أبواب النجاسات ب 74 ح 1.
5- السرائر 1 : 86 ، المعتبر 1 : 54.
6- انظر نهایة الإحکام 1 : 252.
7- کشف الالتباس 1 : 117.
8- کشف الالتباس 1 : 117.
9- التذکرة 1 : 93 ، معالم الفقه : 163.
10- التذکرة 1 : 24.

والمشهور بین المتأخرین قبول شهادة العدلین ، لأنّهما حجة شرعیة ، وکذا قبول قول ذی الید.

قوله : والفرق بینهما. ( 1 : 108 ).

إن أراد مجرد الاحتمال یتوجه علیه جمیع ما أوردنا علیه سابقا ، وإن أراد الظهور لم یرد علیه إلا ما أوردنا علیه فی شق حصول الاشتباه من حین العلم بوقوع النجاسة ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : الناقل عنه. ( 1 : 108 ).

غایة ما ثبت من الاستصحاب وجوب الاجتناب عن خصوص ما وقع فیه النجاسة ، وأمّا کونه معلوما بعینه فلا ، وهذا بعینه متحقق فی الصورة الأولی ، لما عرفت من أن المحکوم بالنجاسة شرعا لیس إلا خصوص ما وقع فیه النجاسة فیکون هو المأمور بالاجتناب عنه.

وبالجملة : ما ذکرت من أنّ الاجتناب لا یجب إلا مع تحققه بعینه ، إن أردت التحقق عندنا فهو غیر حاصل فی الصورة الثانیة أیضا ، لأن الاستصحاب لا یحققه بعینه ، وإن أردت فی نفس الأمر فهو متحقق فی الأولی أیضا ، فتأمّل.

قوله : أن المشتبه بالنجس. ( 1 : 109 ).

لعل دلیل العلاّمة - رحمه الله - أن الشارع أمرنا بالتجنب عن خصوص ما وقع فیه النجاسة وحکم بأنه نجس ، فإذا کان التکلیف بذی المقدمة تکلیفا بالمقدمة - کما هو المشهور - لا جرم یکون حال المقدمة حال ذی المقدمة فی جمیع التکلیفات التی تعلقت بذی المقدمة وأرید امتثالها ، ولم یتحقق الامتثال إلاّ بالمقدمة.

( وذو المقدمة هنا اجتنابات کثیرة ، وهی الاجتناب فی الشرب والطهارات وغیرهما ، ومنها اجتناب الملاقی ، والتکلیف هنا هو الأمر بتلک الاجتنابات ،

ص: 169

والامتثال کما یتوقف علی المقدمة بالنسبة إلی الشرب کذلک یتوقف بالنسبة إلی الملاقی ، کما هو الحال فی الإناءین إذا وقع فی أحدهما سم قاتل وقال المولی لعبده : اجتنب السم من الإناءین وما یلاقی السم أیضا ، کان علی العبد اجتناب ما وقع فی أحد الإنائین أیضا)(1).

ومن المعلوم أنه لو وقع فی عین ما هو نجس طاهر یصیر فی الواقع نجسا.

وبالجملة : المنجسیة أیضا من أحکام ذی المقدمة کالنجاسة من دون تفاوت ، فإذا کان تکلیف الشارع بذی المقدمة تکلیفا بالمقدمة أیضا لزم مراعاة ما اعتبر فی ذی المقدمة أیضا.

والحاصل : أن حکم الشارع بالنجاسة التی من أحکامها المنجسیة للغیر إنما تعلق بعین ما وقع فیه النجاسة من غیر مدخلیة علم المکلف أو جهله فیه ، کما مرّ.

وأیضا إذا عرف بعینه یکون منجسا للغیر جزما ، ولیس ذلک إلاّ بحکم الشارع بأنه نجس ، وهذا الحکم بعینه من دون تفاوت موجود فی ما نحن فیه ، بل هو هو بعینه ، فتأمّل جدا.

ووجوب المقدمة لو کان حکما شرعیا لم یعارضه الاستصحاب ، لأن الحکم مستصحب ما لم یثبت خلافه شرعا ، وإن لم یکن حکما شرعیا أو لم یکلف بذی المقدمة لتطرق الإشکال فی مباشرة أحد الإناءین أیضا ، کما مر عن الشارح - رحمه الله - (2) لأنه کان طاهرا قطعا قبل عروض الاشتباه.

فإن قلت : المستفاد من الأخبار أن الأصل الطهارة حتی یستیقن

ص: 170


1- ما بین القوسین أثبتناه من « ه ».
2- فی قوله : وفیه نظر. 1 : 107.

النجاسة.

قلت : یرد ذلک فی أحد الإناءین أیضا ، ( فلا مانع من أن یکون طاهرا وواجب الاجتناب من باب المقدمة ، فإنّ أحد الإناءین طاهر جزما ) (1) فتأمّل.

ویمکن أن یقال بأن المشتبه بالنجس فی حکم النجس من حیث المنع من المباشرة برطوبة عالما عامدا مختارا (2) ، لکن لا یصیر الملاقی نجسا ، لأصالة طهارته وعدم العلم بانفعاله ، ( ومقتضی الطهارة عدم وجوب الاجتناب ، ووجوب الاجتناب عن الملاقی للنجس إنما هو من جهة الحکم بنجاسته بتحقق کونه ملاقیا للنجس ، ودخول اجتناب الملاقی فی اجتناب النجس المعلوم غیر المعین مسلم ، لکن تحقق الملاقی من أین؟! ) (3) فتأمّل.

قوله : عند الأصحاب. ( 1 : 109 ).

وهو المستفاد من ظاهر موثقتی عمار وسماعة. إلاّ أن یقال : هما محمولان علی الصور الشائعة ، وما نحن فیه من الفروض النادرة ، ولا بدّ من تأمّل.

قوله : وفیه ما فیه. ( 1 : 109 ).

ویمکن أن یقال : یلزم ارتکاب الصلاة بغیر طهور یقینا ، وکذا مع النجاسة ، وهو حرام ، وفیه تأمّل.

قوله : هو ما علم کونه ماء مطلقا. ( 1 : 109 ).

لا یخفی أن المأمور به هو الوضوء بالماء ، أی ما هو ماء واقعا ، والعلم

اشتباه المضاف بالمطلق

ص: 171


1- ما بین القوسین أثبتناه من « ه » ، بدله فی سائر النسخ : لکن بعد محل تأمل.
2- لیس فی « أ » و « ه ».
3- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

وعدمه لا دخل لهما فی المعنی الحقیقی للماء ، ولا مانع فیه من التکلیف به ما أمکن امتثاله ، ولو بارتکاب مقدمة ، وشغل الذمة الیقینی یستدعی البراءة یقینا.

علی أن الامتثال العرفی لا بدّ منه قطعا ، لأنا مکلفون بالإطاعة ، وهی امتثال الأمر ، والمرجع فیه إلی العرف ، ولا شک فی عدم تحققه إلاّ بارتکاب الوضوءین أو الوضوء والتیمم ( للأمر بالطهور للصلاة ) (1) ، و (2) لأن الطهور شرط لصحة الصلاة ، والشک فی الشرط یستلزم الشک فی المشروط.

ولا یمکن الاستناد إلی مثل « رفع عن أمتی ما لا یعلمون » ، لتحقق العلم ، مضافا إلی عدم شموله لمثل ما نحن فیه ، لاستلزامه إما رفع التکلیف بالمرة ، أو الحکم بالترجیح بلا مرجح شرعی فی التعیین شرعا ، وکلاهما فاسدان ، أو رجوع الواجب المعین إلی المخیر ، وهو خلاف مقتضی الدلیل.

علی أنه لو کان الماء الذی یجب استعماله هو ما علم کونه ماء مطلقا یلزم من ذلک أنه لو کان المستعمل متیقنا بکون شی ء ماء ولهذا توضأ به ثم انکشف له أنه لم یکن ماء یکون وضوؤه ذلک صحیحا مجزیا لصحة الصلاة ، لأنه حین وضوئه کان عنده أنه معلوم المائیة ، ولا یخفی فساده.

وأما الإجزاء لو لم ینکشف إلی یوم القیامة فلأجل أنه عنده ماء واقعا ( ولا تقصیر له فی ذلک ، و ( لا یُکَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها ) ، فالإجزاء إنما هو لأجل أنه عنده ماء واقعا ) (3) لا لأجل أن الماء هو معلوم المائیة.

لا یقال : لعل وجوب الإعادة یکون لظهور عدم المطابقة التی هی

ص: 172


1- ما بین القوسین أثبتناه من « أ » و « ه ».
2- أثبتناه من « ه ».
3- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « د ».

مأخوذة (1) فی مفهوم العلم.

قلت : لا شک أن اتفاق المطابقة وعدمه لیسا تحت اختیار المکلف حتی یکون مکلفا بهما ، فالمعتبر هو اعتقاد المطابقة ، فاللازم أن یکون هو مناط التکلیف ( مع أنه علی هذا یرجع إلی ما ذکرنا من أن المراد ما هو ماء واقعا ) (2).

قوله : کما هو واضح. ( 1 : 109 ).

لعل حکمة المراعاة حکایة الضیق فی وقت التیمم ، کما هو الشأن فی غیر هذه المواضع ، فتأمّل.

قوله : ولنا علیه وجوه. ( 1 : 110 ).

ویمکن الاستدلال أیضا بأن الطهارة شرط للصلاة ، والشک فی الشرط یستلزم الشک فی المشروط.

قوله : وفیه نظر. ( 1 : 111 ).

لا یخفی أن الاستدلال بأمثال ما ذکر إنما هو لأجل التقویة ، کما هو طریقة غیره أیضا فی المقامات الکثیرة ، ومنهم الشارح فإنه کثیرا ما یفعل ذلک ، کما مر منه فی بحث عدم اشتراط الکریة فی الجاری (3) ، وغیره سیجی ء أیضا کثیرا.

قوله : أن التخصیص بالذکر. ( 1 : 111 ).

لا یخفی أن نظره لیس إلی حجیة مفهوم الوصف ، لأنه غیر قائل بها ، ولأجل هذا تمسک بحکایة معرضیة الامتنان ، وأولویة العموم ، وهو مسلم عند الشارح ، لأنه کثیرا ما یستدل هکذا ، وقد عرفت الوجه.

الماء المضاف

الماس المضاف طاهر لا یزیل حدثاً

ص: 173


1- الموجود فی النسخ : الذی هو مأخوذ.
2- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
3- مدارک الأحکام 1 : 30.

قوله : وهو ضعیف. ( 1 : 111 ).

هذا الاعتراض غیر وارد علی الصدوق وغیره من القدماء الذین کان مدارهم فی الأخبار علی القرائن وصحة الأصول عند الشیعة والمعمولیة عندهم ، وأما غیرهم فربما یرد علیه لو کان قائلا بضعفه وضعف روایة محمّد ابن عیسی عن یونس ، وأما من لم یقل بهما فلا ، وقد بیّنّا فی الرجال عدم الضعف بشی ء منهما (1) ، فلاحظ.

قوله : وهو عامی. ( 1 : 111 ).

فیه توهم ظاهر ، والظاهر أنه من الناسخ أو من سهو القلم.

قوله : بشذوذ هذه الروایة. ( 1 : 112 ).

هذا هو الحق فی الجواب.

قوله : بأن یکون المراد. ( 1 : 112 ).

ربما وجه بأنّ المراد ماء الورد ، أی النوبة ، وهی النصیب من الماء ، وهو أیضا لا یخلو من بعد.

قوله : من المائعات. ( 1 : 112 ).

أقول : إنّ الشهید فی الذکری نبه علی أن الظاهر من ابن أبی عقیل تجویز استعمال غیر الماء من المائعات عند الضرورة (2) ، فلاحظ.

قوله : المرتضی. ( 1 : 112 ).

أقول : نسب إلی ابن أبی عقیل أیضا التجویز اضطرارا (3).

قوله : لورود الأمر. ( 1 : 112 ).

وکذا فی غسل مخرج البول ، والجسد ، والظروف ، والأرض ، وغیر

إشارة إلی حال سهل بن زیاد
الماء المضاف لا یزیل خبثاً

ص: 174


1- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 176 و 313.
2- الذکری : 7.
3- نقله عنه فی المختلف 1 : 57.

ذلک ، بل وفی بعضها تصریح بعدم إجزاء غیر الماء ، مثل قولهم علیهم السلام : « ولا یجزی من البول إلاّ الماء » (1) ، وقولهم علیهم السلام : « کیف یطهر من غیر ماء » (2) ، وبعضها له ظهور تام ، مثل حکایة الولوغ (3).

وفی الصحیح عن الحلبی عن الصادق علیه السلام ، عن رجل أجنب فی ثوب ولیس معه غیره ، قال : « یصلی فیه إلی حین وجدان الماء » (4). إلی غیر ذلک ، فلاحظ.

ویمکن الاستدلال أیضا بأن النجاسة مستصحبة إلی أن یثبت المطهر شرعا ، ولا یثبت فی غیر الماء.

وأیضا : إطلاق المنع بالنجاسة مقید بالغسل بالماء ، ولم یثبت القید الآخر.

وأیضا : طهارة الثوب والبدن شرط فی الصلاة مثلا ، والشک فی الشرط یستلزم الشک فی المشروط.

وأیضا : ورد أن الماء یطهر (5) ، وهو مشعر بأن الطهارة مختصة به ، فتأمّل.

وأیضا : قال تعالی ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ ) إلی أن قال : ( فَإن لَمْ

ص: 175


1- التهذیب 1 : 50 / 147 ، الاستبصار 1 : 57 / 166 ، الوسائل 1 : 316 أبواب أحکام الخلوة ب 9 ح 6.
2- التهذیب 1 : 273 / 805 ، الاستبصار 1 : 193 / 678 ، الوسائل 3 : 453 أبواب النجاسات ب 30 ح 7.
3- انظر الوسائل 1 : 226 ، أبواب الأسآر ، الباب 1 ح 5.
4- الفقیه 1 : 40 / 155 ، الوسائل 3 : 484 أبواب النجاسات ب 45 ح 1 بتفاوت یسیر.
5- الکافی 3 : 1 / 1 ، الفقیه 1 : 6 / 2 ، التهذیب 1 : 215 / 618 ، الوسائل 1 : 133 ، 134 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 3 ، 6.

تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا ) (1) ، وفیه إشعار بأن الغسل إنما یکون بالماء.

وأیضا : ورد فی أخبار کثیرة أنّ الثوب النجس مثلا یصلی فیه إلی أن یتمکن من الماء فیغسله (2) ، منها صریح ومنها ظاهر ، فلاحظ وتتبع.

مع أن المکلف متمکن من البصاق وغیره من المائعات غالبا وغیر غالب ، بل ورد : « امسح ذکرک بریقک ، فإذا وجدت بلة فقل : هذا من ذاک » (3) ، إلاّ أن یکون المراد غیر مثل الریق من المیاه المضافة ، لکن المستفاد من الأدلّة وأقوال الفقهاء أن المراد هو الأعم.

ومع ذلک ترک الاستفصال یفید العموم ، ومجرد الندرة لا یکفی لعدم الاستفصال ، لأن السائلین کانوا جاهلین بالمسائل ، فلعلهم کانوا متمکنین من المضاف ، مع أن ولایة الحجاز کثیرا من الأوقات ما کانوا متمکنین من الماء فی وقت البول والغائط وأمثال ذلک ، مع أن فی بیوتهم کان الخل وماء الورد وأمثالهما ، أو فی بلادهم کانت ، ومن ذهب إلی مکة المشرفة تنکشف له حقیقة ما ذکرنا ، مع أن أمثال زماننا قد کثر إحداث المبرک وغیره فی مکة والمدینة وغیرهما ، فتأمّل.

وأیضا : ربما کان منشأ الصلاة فی النجس التضرر من الاستعمال وهو لا یحصل من بعض المضافات ، فتأمّل.

وأیضا : ربما یکون الغسل بالماء لا یزیل النجاسة إلاّ بتعب شدید أو بواسطة مثل الصابون وغیره ، بخلاف الإزالة من بعض المضافات ، مع أنه مشهور زوال الدم بالبصاق ، فتأمّل.

ص: 176


1- المائدة : 6.
2- الوسائل 3 : 484 أبواب النجاسات ب 45.
3- الکافی 3 : 20 / 4 ، الفقیه 1 : 41 / 160 ، التهذیب 1 : 348 / 1022 ، الوسائل 1 : 284 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 7.

ومما یدل علی ذلک ما ورد فی الصحیح عن الصادق علیه السلام :

« أن بنی إسرائیل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم ، وقد وسع الله علیکم بأوسع ما بین السماء والأرض وجعل لکم الماء طهورا فانظروا کیف تکونون » (1). فلو کان کل مائع مطهرا لما خص الماء بالذکر البتة ، مع ما فی الروایة من التوکید فی التوسعة ، فتدبر.

وأیضا : ورد عن زرارة : علمت أثره إلی أن أصیب الماء (2) ، والمعصوم علیه السلام قرره ، مع أنه کان فقیها.

وأیضا : ورد فی کیفیة تطهیر الإناء إنه یصب فیه الماء ، إلی أن قال : « وقد طهر » (3) ، فتأمّل.

قوله : کما هو مقرر فی الأصول. ( 1 : 112 ).

اعترض علیه فی الذخیرة أنه کما یمکن الجمع بحمل المطلق علی المقید کذا یمکن بالحمل علی الاستحباب ، أو علی ما هو الغالب من أنه لا یستعمل فی الإزالة غیر الماء ، یعنی یکون قید الماء واردا مورد الغالب ، فلا یکون مفهومه معتبرا ، فلا بدّ فی الترجیح من مرجح (4).

والجواب عنه أنه بعد تسلیم أن الغالب فی الاستعمال هو الماء لا یبقی للمطلق عموم حتی تحصل المعارضة ، لأن المطلق ینصرف إلیه ، کما هو

بحث أصولی فی المطلق والمقیّد

ص: 177


1- الفقیه 1 : 9 / 13 ، التهذیب 1 : 356 / 1064 ، الوسائل 1 : 133 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 4. بتفاوت یسیر.
2- التهذیب 1 : 421 / 1335 ، الاستبصار 1 : 183 / 641 ، علل الشرائع : 361 ب 80 ، الوسائل 3 : 402 أبواب النجاسات ب 7 ح 2.
3- التهذیب 1 : 284 / 832 ، الوسائل 3 : 497 أبواب النجاسات ب 53 ح 1.
4- الذخیرة : 112.

المسلم عند المعترض وجماعة من المحققین.

إلاّ أن یکون مراده أنه کما یضر المطلق یضر المقید أیضا ، فلا بدّ فی إثباته من دلیل.

لکن یرد علیه أن النجاسة کانت ثابتة ولا بدّ من ثبوت المطهر شرعا ، ولا یثبت ، وکذا لا یثبت تحقق المشروط.

مضافا إلی ما عرفت من کمال الظهور فی القید - بل والصراحة - بأنه لا یجزی غیر الماء ، ولا قائل بالفصل ، مع أن السیّد غیر قائل بالفصل ، ویکفی الدلیل ردا علیه.

( ولو تأمّل أحد لزمه التأمّل فی اشتراط رفع الحدث بالماء أیضا ) (1) ، مع أن الظاهر من عمل المسلمین وطریقتهم فی الأعصار والأمصار الاقتصار فی التطهیر الشرعی علی الماء ، سیّما مع ما أشرنا إلیه من أنه فی بعض الأوقات یکون المضاف أسهل تحققا من الماء ، أو أسهل إزالة منه ، أو خالیا من الضرر الذی یکون فی الماء ، مع أن الجمیع مجتمع فی البصاق ، وهذا یرجح الحمل علی التقیید.

مضافا إلی أن المدار فی الفقه غالبا علی تقیید المطلق واختیار هذا الجمع ، وإن أمکن بغیره ، فظاهرهم ترجیحه علی غیره ، ومع المانع أو المرجوحیة یرجعون إلی غیره ، مع أنه لعله یرجع إلی تخصیص العام ، ولا شک فی رجحانه بالنسبة إلی غیره ، بل وتعیینه عند الفقهاء بسبب غلبة شیوعه إلی أن قالوا : وما من عام إلاّ وقد خص ، ولأنه الظاهر عند معاملات أهل العرف ، فتأمّل.

وأیضا : رجوع المطلق إلی المتعارف لیس بحمل ولا توجیه أصلا ، إذ

ص: 178


1- ما بین القوسین لا یوجد فی « ب » و « ج » و « د ».

لیس مقتضی المطلق أزید من ذلک ، إذ لا عموم فیه لغة ولا عرفا ولا من القرینة سوی ما أشرنا إلیه ، وهذا بخلاف القول بأن القید وارد مورد الغالب أو محمول علی الاستحباب ، إذ الثانی لا شک فی أنه توجیه وتأویل وارتکاب خلاف الظاهر ، وأما الأول فالظاهر أیضا أنه کذلک ، للزوم کون القید لغوا محضا لا فائدة فیه أصلا فی کلام الحکیم ، سیما مع ما اشتهر عند أهل العلوم اللغویة من أن النفی والإثبات والحکم راجعة إلی خصوص القید ، ولعله الظاهر أیضا من محاورات أهل العرف ، فتأمّل.

هذا مضافا إلی ما مر من المرجحات الأخر ، فتدبر.

ومما یرجح أن النجاسات من الأمور التی تعم بها البلوی غایة العموم ، إذ منه البول الذی فی الیوم الواحد یصدر مرات متعددة من الرجال والنساء والأطفال وغیرهم ، فلو کان التطهیر بغیر الماء جائزا شرعا لشاع وذاع ووصل إلی حد لا یکاد یقبل الاستتار بمقتضی العادة ، فکیف وقد حصل الاقتصار علی الماء فی الأعصار والأمصار بحیث لا یکاد یقبل الاستتار ، فتدبر.

قوله : لا تلحقه عبادة. ( 1 : 113 ).

یعنی أن العبادات لما کانت توقیفیة لا ترجع ألفاظها إلی اللغة والعرف ، لعدم فهمهم لمعانیها وحقائقها من غیر جهة الشرع ، بخلاف غیر العبادات مثل الأمر بالغسل والقیام والقعود ، فإن معرفة أهل العرف وتحقق الصدق العرفی یکفی ، فتدبر.

وبالجملة : مقتضی الأصل والقاعدة الرجوع فی معرفة معانی الألفاظ إلی اللغة والعرف إلی أن یمنع مانع ، ولم یثبت المانع فی ما نحن فیه.

قوله : بالمنع. ( 1 : 113 ).

کونه مانعا مع کونه مستدلا بناء علی أن الأصل الحقیقة ، والتخصیص

ص: 179

لا بدّ له من دلیل ، فقوله : ولو کان کذلک. سند لمنعه ، فتأمّل.

قوله : من تساوی المفهومین شرعا. ( 1 : 113 ).

لا یخفی ما فیه ، إذ من الأصول الظاهرة والقواعد المسلمة من الکل أن الألفاظ مرجعها إلی العرف واللغة ، وهما الحکم عند وقوع النزاع إلی أن یمنع مانع ، مثل ما علم أن المعنی اللغوی (1) غیر مراد البتة ، کما فی العبادات مثل الوضوء والصلاة ، لأنها وظیفة الشارع.

ولا شبهة أن الطهارة العرفیة حاصلة ولم یثبت اعتبار غیر ذلک ، فما ثبت من اعتبار قید أو شرط یتعبد به ، وما لم یثبت فالأصل عدمه ، کما هو الحال فی غیر العبادات من المعاملات وغیرها ، مثل غسل الوجه فی الوضوء والقیام فی الصلاة وغیر ذلک ، فمنعه لیس فی موضعه.

قوله : وقد اشترط هو ، رحمه الله . ( 1 : 113 ).

لا ضرر فیه أصلا. نعم یمکن منع کون المراد فی قوله تعالی :

( وَثِیابَکَ فَطَهِّرْ ) (2) الغسل ، بل ورد فی الأخبار أن المراد قصر الثوب (3).

ویمکن المنع أیضا للقائل بثبوت الحقیقة الشرعیة ، فتأمّل.

قوله : أجمع علماؤنا. ( 1 : 113 ).

لا یخفی أنه استدل بروایة غیاث عن الصادق علیه السلام ، قال : « لا بأس بغسل الدم بالبصاق » (4). وأجاب المحقق أنها ضعیفة ، ولو صحت نزلت

ص: 180


1- فی « أ » و « ب » و « ه » زیادة : والعرفی.
2- المدثر : 4.
3- الکافی 6 : 457 / 10 ، الوسائل 5 : 39 أبواب أحکام الملابس ب 22 ح 5 ، ومجمع البیان 5 : 385 ، الوسائل 5 : 41 أبواب أحکام الملابس ب 22 ح 10.
4- التهذیب 1 : 425 / 1350 ، الوسائل 1 : 205 أبواب الماء المطلق ب 4 ح 2.

علی جواز الاستعانة بالبصاق ، ویظهر من الاستدلال والجواب أن السید - رحمه الله - قائل بالتطهیر به. علی أن ابن الجنید نسب إلیه صریحا أنه قائل بتطهیر الدم بالبصاق (1). سلمنا ، لکن یرد علی الشارح ما سیورد علی السید بقوله : لم یقدح. ، فتدبّر.

قوله : علی ألسنة أهل العرف. ( 1 : 114 ).

بناء علی أنّ تتبع الأحادیث کاشف عن أنّ طریقة مخاطبات الشرع طریقة العرف ، والعرف ینصرف إلی المعتاد. أو أنّ الأصل إنما یعتبر لو لم یخالف المتبادر.

قوله : قال المصنف فی المعتبر. ( 1 : 114 ).

أقول : وکذا العلامة - رحمه الله - فی التذکرة والمنتهی ، والشهیدان (2).

قوله : موجبة لنجاسة ما لاقته. ( 1 : 114 ).

إن کان من جهة الرطوبة التی هی شرط فی انفعال شی ء بملاقاة النجاسة ، فمع أنّ مستنده الإجماع أیضا إلاّ أنه إجماع آخر ، یلزم سرایة النجاسة فی غیر المائعات أیضا ، مثل السمن الجامد ، والبطیخ المکسور ، وأمثال ذلک ، فهو فاسد بإجماع الشیعة ، وإن کان من جهة میعانه فلعله مصادرة ، إلا أن یستند إلی الإجماع فیکون هو الدلیل ، وما ذکره من فروعات المسألة. هذا مضافا إلی ما مر فی تطهیر الماء القلیل.

قوله : وصیرورته. ( 1 : 114 ).

تغیر بالمضاف أم لا ، علی المشهور ، خلافا للشیخ فی الأول (3) ، وقد

نجاسة الماء المضاف بملاقاة النجاسة

ص: 181


1- نسبه إلیه الشهید فی الذکری : 16.
2- التذکرة 1 : 33 ، المنتهی 1 : 22 ، الذکری : 7 ، روض الجنان : 133 ، الروضة 1 : 45.
3- المبسوط 1 : 5.

مرّ الکلام فی ذلک فی صدر الکتاب.

والمستفاد من کلام الشارح - رحمه الله - أنه ما لم یصر ماء مطلقا یکون نجسا ، فیکون المجموع نجسا ، لخروجه عن الإطلاق وصیرورته ماء مضافا ، ودلیله استصحاب نجاسة المضاف ، وعدم ثبوت المطهر الشرعی.

وربما قیل بالطهارة (1) ، لأنّ الماء کان طاهرا ولم یثبت نجاسته شرعا ، إذ لعله طهر المضاف قبل أن یصیر مضافا.

وفیه : أنّ الحکم بطهارة الماء ، بالاستصحاب إنما هو ما دام کونه ماء مطلقا ، فإذا خرج منه فلا یبقی للاستصحاب أثر ، ولذا یحکم بأنّ الاستحالة من المطهرات للنجس ، وأما المضاف النجس فهو بعد علی طبیعته وحقیقته. سلمنا ، لکن نقول : غایة الأمر أنه تعارض الاستصحابان ، فیبقی الحکم بمطهریة النجس شرعا من غیر دلیل ، فالأصل عدمه ، فتأمّل.

مع أن العادة تحکم بأنّ سریان الماء فی أعماق المضاف بحیث یبقی علی ماهیته حتی یطهر محال ، سیما مع اشتراط اتصال أجزائه ، لأنه شرط فی الطهارة والمطهریة ، فتأمّل.

قوله : من اعتبار الاسم. ( 1 : 115 ).

لا یخلو تحققه من إشکال ، فإنّ إطلاق الجاهل بالحال لا عبرة به ، والعالم به لم نجد له فی العرف ضابطة معرفة لصحة الإطلاق. نعم حال الاستهلاک لا شبهة فیه ، فتأمّل.

قوله : لا تعودی. ( 1 : 116 ).

بتخفیف الواو ، من العود ، أو بتشدیدها ، من الاعتیاد ، وکیف کان ،

لو مُزج المضاف بطاهر
کراهة الطهارة بالماء المسخن بالشمس

ص: 182


1- قال به فی المنتهی 1 : 22 ، والقواعد 1 : 5.

دلالتها علی المطلوب یحتاج إلی التأمّل ، ومع ذلک فهی فی غایة الظهور فی عدم الحرمة سیما إذا کانت مشددة ، فقوله بعد ذلک : وحملها الأصحاب. ، فیه ما فیه.

قوله : لضعف سندهما. ( 1 : 117 ).

مرّ فی صدر الکتاب وجه الحمل ومعنی الحمل (1) ، فتأمّل.

قوله : ولما روی عن الصادق علیه السلام . ( 1 : 117 ).

وقد عرفت أنّ روایة إبراهیم تدل علی الحرمة ، فهی أیضا سبب للحمل علی الکراهة.

قوله : وسواء کانت الآنیة. ( 1 : 117 ).

أقول : وسواء کان قلیلا أو کثیرا ، وسواء کان بإشراق الشمس أو الوضع قریبا منها ، إلاّ أن یدعی الظهور فی الأوّل ، والظاهر الظهور فی الأول فی المسألة الأولی أیضا ، لأنّ الروایة وردت عن رسول الله صلی الله علیه و آله ، والماء الکثیر کان فی ذلک الزمان نادرا.

قوله : سواء قصد إلی. ( 1 : 117 ).

والروایة علی ما نقلها لا ظهور لها فی هذا العموم ، نعم هی فی کتب الأخبار رویت کذلک : « الماء الذی تسخنه الشمس لا یتوضأ به » (2) ، وهی دالة علی العموم ، فتأمّل. وربما یظهر منه عموم آخر ، وهو أعم من أن تکون السخونة باقیة أم لا ، وإن قلنا بأنّ المشتق لا بدّ فی صدقه من بقاء مبدأه ، لأن هاهنا فعل مضارع ، ویؤیده الاستصحاب.

ص: 183


1- راجع ص 20 - 21.
2- الکافی 3 : 153 / 5 ، علل الشرائع : 281 ب 94 ح 2 ، الوسائل 1 : 207 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 2 ، وفیها : « لا تتوضؤوا به ».

قوله : واعلم أن المراد بالمکروه. ( 1 : 117 ).

هذا ینافی ما اختاره من أن الشی ء لا یمکن أن یصیر مأمورا به ومنهیا عنه ، لأن التضاد لیس منحصرا بین الواجب والحرام ، بل الأحکام الخمسة کلها متضادة ، وسیجی ء عن الشارح فی مکان المصلی بسط الکلام فی الجملة ، وامتناع الاجتماع بین الأولین (1) ، ومراد من قال بأنها بمعنی أقلیّة الثواب أنها أقلّ ثوابا من الثواب المقرر علی العبادة من حیث هی ، لا الثوابات العارضة الخارجیة ( لأنها لیست ثواب العبادة ، بل ثواب الأمور العارضة ) (2) فتأمّل. مع أنّ الفقهاء کثیرا ما یطلقون الکراهة علی خلاف المستحب أیضا ، فتأمّل.

وما قیل من أن الکراهة راجعة إلی الوصف الخارج عن ذات الفرد بخلاف الحرمة فیه ما فیه ، ونحن صححنا المقام فی الفوائد الحائریة ، من أراد الاطلاع فلیرجع إلیها (3).

قوله : ولو خشی. ( 1 : 118 ).

فی الفقه الرضوی : « ولا یسخن له الماء إلاّ أن یکون الماء باردا جدا ، فتوقّی المیت بما توقّی به منه نفسک ، ولا یکون حارا شدیدا ، ولکن یکون فاترا » (4).

قوله : وهو قوی. ( 1 : 119 ).

فی المراد من المکروه
کراهة تغسیل الأموات بالماء المسخن بالنار

ص: 184


1- انظر مدارک الأحکام 3 : 217.
2- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
3- انظر الفوائد الحائریة القدیمة ، الفائدة الرابعة عشرة ( المخطوطة ).
4- فقه الرضا « ع » : 167 ، المستدرک 2 : 174 أبواب غسل المیت ب 10 ح 1.

قال فی المعالم : وظاهر الشهید فی الذکری ، ووالدی فی شرح الإرشاد المیل إلی الطهارة ، وصرح باختیاره الشیخ علی ما فی بعض فوائده ، ویعزی إلی جماعة من متقدمی الأصحاب المصیر إلیه أیضا (1).

قوله : ولم أقف. ( 1 : 119 ).

لکن فی المعالم نسب إلی ابن إدریس موافقته للمرتضی (2).

قوله : کما بیناه فیما سبق. ( 1 : 120 ).

أی من منع العموم فی المفهوم (3) ، وأمّا المنطوق فلم یرد بعنوان العموم ، نعم یظهر من بعض المنطوقات النجاسة فی حال الغسل ، مثل إدخال الید النجسة فی الماء (4) ، فلو کان إجماع مرکب یلزم منه العموم لکان معارضا بما هو أقوی دلالة ، وهو جواز غسل الثوب النجس فی المرکن (5) ، إلاّ أن یقولا (6) : لا دلیل علی أن النجس لا یطهر مطلقا ، وسیجی ء الخلاف فی بحث مطهریة الأرض وغیرها ، مثل حجر الاستنجاء ، فإنه یطهر مع انفعاله بالملاقاة ، سیما علی القول بالاکتفاء بمجرد النقاء ، کما اختاره الشارح (7).

وبالجملة : العقل لا طریق له فی أمثال هذه الأحکام ، والنقل منحصر فی الإجماع والآیة والحدیث ، ولا إجماع ولا کتاب ولا سنة یثبت بها

الماء المستعمل

حکم الماء المستعمل فی رفع الخبث

ص: 185


1- معالم الفقه : 123.
2- معالم الفقه : 123.
3- إشارة إلی منع عموم المفهوم فی قوله علیه السلام : « إذا کان الماء قدر کر لم ینجسه شی ء ».
4- انظر الوسائل 1 : الباب 8 من أبواب الماء المطلق الأحادیث 3 ، 4 ، 7 ، 10 ، 11.
5- الوسائل 3 : 397 أبواب النجاسات ب 2 ح 1.
6- أی المحقق والعلامة ، وفی « ا » : نقول.
7- انظر مدارک الأحکام 1 : 165.

الحکم ، وما بقی فی الثوب بعد العصر عفو مطلقا وإن لاقی شیئا آخر.

وفیه أن الظاهر من لفظ النجس أنه یجب التنزه عنه ، فکیف یجتمع هذا مع العفو مطلقا. إلاّ أن یقال : الإجماع اقتضی الطهارة والعفو المطلق ، وفی تحققه فی المرکن تأمّل.

قوله : وأمّا الروایتان. ( 1 : 120 ).

أمّا الکلام فی السند فقد مرّ مکررا ، وأما قصور الدلالة فالظاهر أنّ الجملة المثبتة (1) دلالتها ظاهرة سواء رجعت إلی الأمر أم لا ، لأنّ الظاهر أن المراد أن الحکم الشرعی فیه أنه یغسل ، نعم ما یثبت من الروایة هو النجاسة بعد الانفصال ، کما هو أحد الاحتمالات فی هذه المسألة ، ( وسیجی ء ذلک عن الشارح ) (2) فی مسألة غسل الثیاب ، قائلا أنّ القدر الذی یثبت من الروایات المنع من الاستعمال بعد ملاقاة النجاسة خاصة لا حال الملاقاة (3) ، وسینبه علیه الآن أیضا.

قوله : لأن النجس لا یطهر. ( 1 : 121 ).

لا یخفی أنّ دلیله أعم من مدعاه ، إذ غایة ما یثبت منه جواز الغسل بالقلیل ، أمّا أنه لا بدّ من أن یکون بعنوان ورود الماء علی النجاسة وأنه شرط فلا یظهر منه بوجه من الوجوه. إلاّ أن یقال : التطهیر بعنوان الورود علیها یثبت من هذا الدلیل ، وأمّا أزید منه فلا ، لتأدی الفرض وعدم بقاء أمر یوجب العلم بعد ذلک ، وفیه ما لا یخفی.

قوله : لأن ذلک یقتضی. ( 1 : 121 ).

لا یخفی أنه ما أظهر أنّ العلة ما هی حتی یعترض علیه بذلک.

ص: 186


1- فی « ج » و « د » : الفعلیة.
2- بدل ما بین القوسین فی « ه » : وسیجی ء خلاف ذلک عن الشهید.
3- انظر مدارک الأحکام 2 : 330.

فإن قلت : السیّد - رحمه الله - صرح بأنه لو تنجس حال الملاقاة لزم عدم تطهیر الثوب ، فمنع الملازمة لا یکون إلاّ أن یحکم بالانفعال حال الملاقاة وتطهیر الثوب ، لکن لما قال : والنجاسة فی الماء بعد انفصاله عن المحل ، لزم منه ذلک الاقتضاء.

قلت : لو تمّ ما ذکرت لزم التناقض فی کلامه ، وأنّ الإیراد علیه هو لا ما ذکرت ، وغیر خفی أنه ما منع الملازمة الأخیرة ، بل الظاهر أنها مسلمة عنده ، لتقییده النجاسة بما بعد الانفصال ، بل منع الملازمة الأولی التی هی نفس الدلیل ، وذلک لأنه استدل هکذا : لو حکمنا بنجاسة القلیل الوارد علی النجاسة لأدی إلی عدم التطهیر بالقلیل ، ولم یقید بکونه حال الملاقاة ، بل الظاهر منه الحکم فی الجملة ، والظاهر منه أخذ التنافی بین الانفعال فی الجملة والتطهیر.

بل لعله لا یمکن حمل کلامه إلا علی هذا ، لأن مطلوبه عدم الانفعال حال الورود مطلقا ، فنقیضه الانفعال فی الجملة لا الانفعال مطلقا ، ولذا نسب الشارح وغیره إلیه القول بعدم الانفعال مطلقا حال ورود الماء علی النجاسة ، ولذلک منع العلامة - رحمه الله - ، بأنه لا مانع من الحکم بالتطهیر والانفعال فی الجملة ، وهو ما إذا کان بعد الانفصال.

فإن قلت : التقیید فی الملازمة الثانیة کاشفة عن التقیید فی الأولی أیضا ، لأنها بیانها.

قلت : فرق بین البیان والمبین ، فلو کان الأمر علی ما ذکرت لکانت الثانیة راجعة إلی الأولی.

والحاصل أن السید - رحمه الله - لما کان معتقدا انحصار العلة فی الملاقاة وعدم جواز تخلف مثل هذه العلة أیضا عن المعلول بین الملازمة العامة بالملازمة الخاصة. فعلی هذا ، منع العلامة الملازمة الأولی لا یرجع

ص: 187

إلی منع الثانیة ، سیما مع ما عرفت من تقییده النجاسة بخصوص کونها بعد الانفصال.

وبالجملة : کلامه یرجع إلی ما ذکره الشارح بقوله : نعم یمکن.

ومعلوم أن المجیب لا یجب أن یکون جوابه موافقا لمذهبه ، بل ولا لمذهب ، ما لم یخالف الإجماع.

وأولی من ذلک أنّ منعه قدر مشترک بین منع انحصار العلة ، ومنع عدم جواز تخلف معلول أمثال هذه العلل التی هی من باب الأمارات ، ومنع أن کون الشی ء نجسا یجب أن یکون جمیع أحکام النجاسات موجودة فیه علی حسب ما مر ، وأما منع انحصار العلة فسنده الروایة التی مرت ، بل الروایتان عند العلاّمة.

قوله : لا تتناول ذلک صریحا. ( 1 : 122 ).

لیس کذلک ، بل تتناوله ، کما أشرنا. إلاّ أن یقال : إنه بسبب التعارض لا یبقی المعارض سالما ، إن وقع التعارض.

قوله : ولا بأس به. ( 1 : 122 ).

فیه : أنه مخالف لما ذکره آنفا ، من أن الروایات لا تتناول ذلک. إلاّ أن یکون مراده خصوص الموضع الذی حکم الشیخ بالطهارة ، ولکن یبقی التأمّل فی التخصیص بعد ملاحظة ما ذکرناه فی منع کلیة الکبری. إلاّ أن یکون مراده الإثبات فیه لا النفی فی غیره ، کما یظهر من قوله : وربما ظهر. ، فتأمّل.

قوله : وهو مشکل. ( 1 : 122 ).

فیه ما لا یخفی ، لأنّه إذا مال إلی الطهارة مطلقا واستوجه عدم اعتبار الورود یلزم من ذلک عدم النجاسة مطلقا فی صورة الغسل.

ص: 188

قوله : علی ما نقله المصنف. (1).

غایة ما یثبت منه الظن ، فالحکم بالقطع فیه ما فیه. مع أنه - رحمه الله - متأمّل فی مثل هذه الإجماعات ، بل ونسب إلی الشهید ظهور الخلاف فی ذلک. ولعله لذلک وجد فی بعض النسخ الضرب علی ما ذکر ، والکتابة موضعه : ان المحقق فی المعتبر نقل الإجماع علی عدم رفع الحدث.

قوله : أو تلاقیه. ( 1 : 123 ).

کلمة « أو » هاهنا بمعنی : إلی أن ، أو : إلاّ أن ، وإنما فعل المصنف کذلک تنبیها علی الفرق بین القیدین ، بأن القید الثانی خارج عن المسألة وأجنبی بالنسبة إلیها ، لأن مفروضها حکم الغسالة من حیث أنها غسالة ، بأنها هل تنجس بسبب النجاسة التی هی غسلتها وإزالتها أم لا؟ ولهذا وقع النزاع فی نجاسة غسالة الأخباث ، مع أنه لا نزاع بینهم إذا وصلتها النجاسة من الخارج فتدبر (2).

قوله : ماء الاستنجاء من الحدثین. ( 1 : 123 ).

الاستنجاء لعله حقیقة لغة فی تطهیر موضع النجو ، ویظهر من بعض الأخبار الإطلاق علیه ، مثل صحیحة زرارة (3) ، لکن لعله تحقق حقیقة شرعیة ، أو سببه أن الظاهر من الأخبار وقوع غسالة البول أیضا ، لبعد انفکاک غسالة الغائط عنها ، فتأمّل.

قوله : لما فی إیجاب. ( 1 : 123 ).

حکم الماء الاستنجاء

ص: 189


1- فی « أ » و « ه » و « و » : کما نقله. ولم نعثر علی هذه العبارة فی المدارک.
2- لیس فی « ج ».
3- التهذیب 1 : 49 / 144 ، و 209 / 605 ، الاستبصار 1 : 55 / 160 ، الوسائل 1 : 315 أبواب أحکام الخلوة ب 9 ح 1.

لعل أمثال هذه الاستدلالات منهم من باب التأیید ، کما لا یخفی علی الفطن المطلع بأحوالهم ، فتأمّل.

قوله : وأنا جنب. ( 1 : 123 ).

قیل : فی قوله : وأنا جنب دلالة علی أن استنجاءه کان من المنی أو منه ومن غیره [ ویحتمل أن یکون مختصا بغیره ] وذکر الجنابة لتوهم سرایة النجاسة الحدثیة إلی الماء ، انتهی (1).

والاستنجاء حقیقة فی غسل المخرجین من الحدثین ، فحمله علی غیره یحتاج إلی قرینة واضحة ، ومجرد ذکر ذلک لیس قرینة ، فالحمل الأخیر متعین ، فتأمّل.

قوله : وشرط المصنف. ( 1 : 124 ).

لیس المراد بالشرطیة معناها المعروف ، لأن الشک فی الشرط یوجب الشک فی المشروط ، فیلزم ندرة الغسالة الطاهرة ، بل المراد أنه إن علم التغیر أو غیره مما ذکر ینجس ، ولا یجوز حمل الأخبار وکلام الأخیار (2) علی الفروض النادرة ، سیما فی ما نحن فیه ، بل نقول : لا یظهر من کلام المحقق الاشتراط ، فتأمّل.

قوله : وإن کان للتوقف فیه. ( 1 : 124 ).

واشترط بعضهم (3) عدم وضع الید علی النجاسة قبل الماء فی الغسل ، لأنه یصیر حینئذ من قبیل النجاسة الخارجیة ، وفیه ما فیه ، لأن الملاقاة لازمة علی أی حال ، والنص مطلق ، وکلام الأصحاب أیضا کذلک ، نعم بغیر قصد الغسل لو وضعه لکان الأمر کما قال.

ص: 190


1- الوافی 6 : 24 وما بین المعقوفین أضفناه من المصدر
2- فی « ه » : الفقهاء.
3- کالفاضل الهندی فی کشف اللثام 1 : 32.

قوله : کالتغیر. ( 1 : 124 ).

لا نفس التغیر ، فإن هذا التغیر عندهم غیر معتبر ، ولعل وجهه أن الزیادة تدل علی وجود عین النجاسة ، وفیه ما فیه ، أو تدل علی مقهوریته ، وهذا أوفق بعبارته ، مع أنه أیضا فیه ما فیه.

قوله : ویدل علی الطهارة. ( 1 : 125 ).

دلالة روایة عبد الملک علی الطهارة ظاهرة ، سواء قلنا بثبوت الحقیقة الشرعیة أم لا ، لما مر ، وأما روایة الأحول فلعلها من أن البأس المنفی (1) نکرة فی سیاق النفی ، وهذا لا یخلو عن تأمّل ، أو لأنّ المتبادر من أمثاله فی أمثال المقام الطهارة ، وفیه تأمّل.

قوله : ویشهد له. ( 1 : 127 ).

فی شهادته تأمّل ، بل ربما کان شهادته علی الخلاف أشبه ، فتأمّل.

نعم تدل علیه صحیحة علی بن جعفر المرویة فی التهذیب ، حیث قال فی آخرها : « فإن کان فی مکان واحد وهو قلیل لا یکفیه لغسله فلا علیه أن یغتسل ویرجع فإن ذلک یجزیه » (2). إلاّ أنّ الصحیحة متضمنة لبعض أحکام یکون محلا للتأمّل ، بل یشکل الأمر فیها ، فلاحظ.

قوله : وأشباهه. ( 1 : 127 ).

إما عطف علی أن یتوضأ ، أو علی ضمیر منه علی القول بجواز ذلک ، أو منصوب ، وکیف کان یحتاج التقریب والتتمیم إلی التمسک بعدم القول بالفصل ، لکن فی ذیل الروایة ما یشیر إلی کونه منصوبا ، أو کونه معطوفا علی

حکم الماء المستعمل فی رفع الحدث الأکبر

ص: 191


1- لیس فی « ج » و « د ».
2- التهذیب 1 : 416 / 1315 و 1 : 367 / 1115 ، قرب الاسناد : 181 / 667 ذیل الحدیث ، الوسائل 1 : 216 أبواب الماء المضاف ب 10 ح 1 ، بتفاوت یسیر.

الضمیر ، حیث قال علیه السلام : « وأما الماء الذی یتوضأ به الرجل فیغسل وجهه ویدیه فی شی ء نظیف فلا بأس بأن یؤخذ ویتوضأ ».

إذ التعرض لخصوص هذا وعدم التعرض لغسالة الحیض ومثله شاهد علی ذلک ، ولو کان المنع مختصا بغسل الجنب لکان التعرض لها أولی بل وأهم ، فالحدیث یدل علی العموم فی کل حدث أکبر ، مضافا إلی عدم القول بالفصل.

قوله : وقد تقدم. ( 1 : 127 ).

وقد تقدم الکلام فی هذا الطعن مرارا ، فلاحظ. مع أن مضمونها موافق لأخبار متعددة ، مثل ما ورد فی الصحیح فی ماء الحمام : « ولا یغتسل من ماء آخر ، إلاّ أن یکون فیهم جنب ، أو یکثر أهله فلا یدری فیهم جنب أم لا » (1).

وما ورد فیه أیضا : « ولا یغتسل فی البئر التی یجتمع فیها ماء الحمام ، فإنّه یسیل فیها ماء یغتسل الجنب وولد الزنا والناصب لنا » (2).

وما رواه أبو بصیر عن الصادق علیه السلام : عن الجنب یحمل الرکوة فیدخل فیه إصبعه - إلی أن قال - : « فلیغتسل منه ، هذا مما قال الله تعالی :

( ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) (3) ». فلو لا المنع من مستعملة لم یکن لقوله : لیس علیکم من حرج وجه ، وغیر ذلک من الأخبار :

منها ما یظهر منه النجاسة (4) ، مع أنّه طاهر بإجماع الأصحاب ، علی ما

ص: 192


1- التهذیب 1 : 379 / 1175 ، الوسائل 1 : 149 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 5.
2- التهذیب 1 : 373 / 1143 ، الوسائل 1 : 218 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 1.
3- التهذیب 1 : 38 / 103 ، الوسائل 1 : 154 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 11 والآیة فی الحج : 78.
4- انظر الوسائل 1 : 218 أبواب الماء المضاف ب 11.

حکاه المصنف ، والعلاّمة ، وابن إدریس (1) ، فلا یکون الوجه إلاّ سلب الطهوریة.

ومنها ما ورد من الأمر بالنزح لاغتساله فی البئر (2).

وبالجملة : بملاحظة مجموع أخبار کثیرة یظهر أن فی مستعملة منع البتة ، وأنه لیس بحیث یؤثر فیه استعماله أصلا ، کما هو مذهب المرتضی وغیره ، ویؤیده اشتهار ذلک بین قدماء الأصحاب الذین هم أعرف وهم الشهود ، ویظهر الاشتهار من خلاف الشیخ حیث نسبه إلی أکثر الأصحاب (3) ، فتأمّل.

وربما یجاب بأن قوله : « لا یجوز » محمول علی الکراهة ، لأن الماء الذی یغسل به الثوب أعم من أن یکون الثوب نجسا أم لا ، والماء أعم من القلیل والکثیر.

وهذا الجواب لیس بشی ء ، لأن صدر الروایة أنه علیه السلام قال : « لا بأس أن یتوضأ بالماء المستعمل » ، وأیضا لم یقل أحد بالکراهة فی الثوب الطاهر أو الکثیر ، والتسویة بینه وبین النجس والقلیل ، ولم یفهم أحد منها الکثیر ، لظهورها فی القلیل.

ویمکن الجواب بالحمل علی الجنب الذی یده نجسة حملا علی الغالب ، لکن ذیل الروایة ربما یأبی عن ذلک حیث قال علیه السلام : « وأما الذی یتوضأ به الرجل ویغسل وجهه ویده فی شی ء نظیف فلا بأس أن یأخذه غیره ویتوضأ به ».

وأما الأخبار الأخر فبعضها لیس دالا علی المنع التحریمی ، وبعضها له معارض ، مثل ما ورد فی جواز الغسل بماء الحمام الذی یغتسل به

ص: 193


1- المعتبر 1 : 86 ، المنتهی 1 : 22 ، السرائر 1 : 163.
2- الوسائل 1 : 195 أبواب الماء المطلق ب 22.
3- الخلاف 1 : 172.

الجنب (1) ، مع إمکان الجمع بحمل المانع علی ما إذا لم یکن المستعمل متصلا بالمادة وجاریا ، کما یشعر به قولهم علیهم السلام : « هو بمنزلة الجاری » (2) ، وأنّه « یطهر بعضه بعضا » (3) ، و « ألیس هو بجار؟ » (4) ، ویؤیده ظهور عدم البأس ، أصلا ورأسا فی هذه الصورة.

وبالجملة : لا شک أن الاحتیاط التجنب ، وإن کان الحکم بسلب الطهوریة لا یخلو من إشکال.

قوله : بعد تمام ارتماسه. ( 1 : 127 ).

لا وجه لهذا القید ، لأن غسل الارتماس لا یتحقق إلا دفعة ، کما سیجی ء فی مسألة وقوع الحدث فی أثناء الغسل (5) ، فما لم یتحقق من الغسل شی ء لا یصیر الماء مستعملا فیه ، فتدبر.

قوله : وهو غیر جید. ( 1 : 128 ).

الظاهر أن مرادهم أن السؤر المبحوث عنه فی کتب الفقهاء فی المقام هو ماء قلیل باشره جسم حیوان ، وربما یظهر ذلک من کتب الفقهاء فی فتاویهم واستدلالاتهم ، بل ومن بعض أدلتهم ، مثل موثقة العیص بن القاسم : قال : سألت الصادق علیه السلام عن سؤر الحائض ، قال : « توضأ منه وتوضأ من سؤر الجنب إذا کانت مأمونة ، وتغسل یدها قبل أن یدخلها

الأسئار

تعریف السؤر

ص: 194


1- الوسائل 1 : 148 أبواب الماء المطلق ب 7.
2- التهذیب 1 : 378 / 1170 ، الوسائل 1 : 148 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 1.
3- الکافی 3 : 14 / 1 ، الوسائل 1 : 150 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 7.
4- الکافی 3 : 14 / 3 ، التهذیب 1 : 378 / 1169 ، الوسائل 1 : 213 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 8.
5- یأتی فی ص 345.

الإناء ، وقد کان رسول الله صلی الله علیه و آله یغتسل هو وعائشة فی إناء واحد » (1) ، فتأمل ذلک وغیر ذلک.

قوله : فی التعلیل إشعار. ( 1 : 131 ).

أقول : وإیماء إلی أن الأمر فی السباع لیس کذلک ، فلعله الکراهة ، کما یظهر من أخبار متعددة وسنشیر إلیها.

قوله : وضعفها بالإرسال. ( 1 : 131 ).

فیه ما عرفت مرارا من أنه لا بأس بالتسامح فی أمثال المقام.

ویؤیده أیضا ما رواه الکلینی بسند لا یقصر عن الصحیح - بل فی الحقیقة صحیح - عن الصادق علیه السلام : قال : « لا بأس أن یتوضأ مما یشرب منه ما یؤکل لحمه » (2).

وما رواه فی الموثق عن سماعة ، قال : سألته هل یشرب من سؤر شی ء من الدواب ویتوضأ منه؟ فقال : « أما الإبل والبقر والغنم فلا بأس » (3).

وما رواه الشیخ بسنده عن رسول الله صلی الله علیه و آله ، وما رواه الصدوق عنه علیه السلام : أنه قال : « کل شی ء یجترّ فسؤره حلال ولعابه حلال » (4).

کراهة سؤر الجلال وما أکل الجیف

ص: 195


1- الکافی 3 : 10 / 2 ، التهذیب 1 : 222 / 633 ، الاستبصار 1 : 17 / 31 ، الوسائل 1 : 234 أبواب الأسآر ب 7 ح 1 ، بتفاوت یسیر.
2- الکافی 3 : 9 / 1 ، الوسائل 1 : 231 أبواب الأسآر ب 5 ح 1.
3- الکافی 3 : 9 / 3 ، الوسائل 1 : 232 أبواب الأسآر ب 5 ح 3.
4- التهذیب 1 : 228 / 658 ، الفقیه 1 : 8 / 9 ، الوسائل 1 : 232 أبواب الأسآر ب 5 ح 5. وقوله : یجترّ هو من الاجترار ، وهو أن یجرّ البعیر من الکرش ما أکل إلی الفم فیمضغه مرة ثانیة ( مجمع البحرین 3 : 244 ).

وموثقة عمار الآتیة ، ورواه الشیخ فی الموثق ، والصدوق - رحمه الله - عنه عن الصادق علیه السلام : أنه قال : « کل ما یؤکل لحمه فلیتوضأ من سؤره ویشرب » (1) ، ( بل ربما یحصل الدلالة بملاحظة تعاضد الأخبار الکثیرة ، فتأمّل ) (2) ، لکن الطیر مستثنی فیها.

قوله : فی کتابی الأخبار. ( 1 : 131 ).

فی ظهور ذلک منه نظر ، کیف وظهر منه خلاف ذلک فی مواضع متعددة ، هذا علی فرض أن یکون یظهر منه ( فی الکتابین ) (3) فی أمثال هذه المواضع مذهب ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : فإن الأدلة علی ذلک. ( 1 : 132 ).

الأدلة هی آیة ( إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ ) (4) ، وآیة ( فَلَوْ لا نَفَرَ ) (5) ، والإجماع وانسداد باب العلم.

والأولی موقوفة علی حجیة مفهوم الصفة ، أو کون المفهوم مفهوم الشرط ، وموقوفة علی عموم المفهوم ، والأخیر غیر مسلم عند الشارح.

والثانیة موقوفة علی کون ما نحن فیه داخلا فی التفقه ، إذ لا کلام فی رجوع العامی إلی الفقیه ، والفقاهة تتفاوت فی الأزمنة بحسب الحاجة إلی الشروط ، وبحسب العلم والظن.

والدلیل الرابع لعل المحقق لا یرضی به ، لتوقفه علی انسداد باب

طهارة الأسئار إلاّ سؤر نجس العین

ص: 196


1- الفقیه 1 : 10 / 18 ، التهذیب 1 : 284 / 832 ، الوسائل 1 : 231 أبواب الأسآر ب 4 ح 4.
2- ما بین القوسین لیس فی « ب » « ج » « د » « ه ».
3- ما بین القوسین لیس فی « ب » « ج » « د » « ه ».
4- الحجرات : 6.
5- التوبة : 122.

العلم.

والإجماع علی حجیة خبر الواحد موجود ، ولعل مراده من عمل الأصحاب هو الإجماع ، لأنه ربما یقرره به ، وربما یصرح بأن دلیل حجیة خبر الواحد هو الإجماع والتتبع الکاشف عن أن الشیعة کما کانوا یعملون بأخبار العدول کذلک یعملون بأخبار هؤلاء ، لکنه ربما کان فی موضع آخر - ردا علی الشیخ القائل بحجیة هذا الإجماع - صرح بعدم معلومیة عمل الأصحاب بأخبار هؤلاء کما ذکره الشارح ، لکن تجدد الرأی من المحقق وأمثاله غیر عزیز ، مع أنه یحتمل أن یرید من هؤلاء رواة الروایتین ، علی بعد ، فتأمّل.

قوله : کما قرره. ( 1 : 132 ).

ما قرره أنه لیس بحجة فی نفسه ، أما أنه لا یصیر منشأ لحجیة الخبر فلا ، قال الصادق علیه السلام : « خذ بما اشتهر بین أصحابک » (1) ، فتدبر.

وأیضا : الظاهر أنه نوع تثبت بل أقوی أنواعه.

قوله : والقرائن. ( 1 : 132 ).

هی قرائن علی حقیة الخبر فکیف یستغنی عنه.

قوله : وإلاّ فلا فائدة. ( 1 : 132 ).

فیه : أنّ الفائدة حصول الوثوق.

قوله : التعبد به. ( 1 : 133 ).

لم یقل : إنّ التعبد محال ، بل قال : العقل یمنع من حیث إنّه یحتمل الخطاء ، فربما کان الخطاء أمرا لا یرضی به العقل أو الشرع ، فیحصل من

ص: 197


1- عوالی اللئالی 4 : 133 / 229 ، مستدرک الوسائل 17 : 303 أبواب صفات القاضی ب 9 ح 2.

الشارع ضرر ، ولا یرضی به العقل أیضا ، فتأمّل.

قوله : بروایة هؤلاء. ( 1 : 133 ).

لعل مراده بروایة هؤلاء فی موارد خاصة لا مطلقا ، وإن کان خلاف الظاهر ، صونا لکلامه عن التنافی ، فتأمّل.

قوله : من السباع طهارتها. ( 1 : 133 ).

غایة ما یظهر منها أنها لا ینجس الغیر بمجرد زوال العین ، إلاّ أن ینضم إلیه أن المتنجس ینجس قطعا فی کل موضع ، لکن الظاهر أنه لا دلیل علی هذه الکلیة سوی الإجماع ، وقد مر عن الشیخ الخلاف فی بعض الموارد ، إلاّ أن یقال : إنّهم فی هذا الموضع متفقون ، أو إنّ الشیخ خارج معلوم النسب ، فتأمّل.

قوله : لأنها لا تکاد تنفک. ( 1 : 133 ).

لا یخفی أن الفأرة تبول وتروث قطعا بالبدیهة ، ومع ذلک فی أخبار کثیرة أنها إذا وقعت فی دهن أو غیره ثم خرجت حیة فهی لا تنجس الدهن وأمثاله (1) ، فتدبر.

قوله : إلی الفرد النادر. ( 1 : 133 ).

مضافا إلی أن ترک الاستفصال فی أمثال هذه المقامات یفید العموم ، ویدل علیه موثقة عمار أنه سأل الصادق علیه السلام عن ماء تشرب منه الدجاجة ، قال : « إن کان فی منقارها قذر لم یتوضأ منه ولم یشرب ، وإن کان لم یعلم أن فی منقارها قذرا فتوضأ منه واشرب » إلی أن قال : وعن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب (2) ، إلی آخر الحدیث ، وقد مرّ آنفا ، فتدبر.

ص: 198


1- انظر الوسائل 1 : 238 أبواب الأسآر ب 9.
2- الغیبة 1 : 10 / 18 ، التهذیب 1 : 284 / 832 ، بتفاوت یسیر ، الوسائل 1 : 231 أبواب الأسآر ب 4 ح 4.

قوله : للأصل وعدم ثبوت. ( 1 : 134 ).

بناء علی عدم حجیته الاستصحاب ، وعدم إطلاق یشمل صورة الزوال ، إلا أن الأول خلاف ظاهر الأصحاب فی أمثال المقامات ، والثانی خلاف طریقته ، کما عرفت سابقا ، فلیتأمل. والظاهر أن دلیلهم هو ما ذکره بقوله مقتضی الأخبار

قوله : وهو مشکل

إن کان وجه الإشکال استصحاب الحکم بالنجاسة أو الإطلاق ، والإطلاق شامل لهذا الحال ، فیتوجه علیه أن الحال فی غیر الآدمی أیضا کذلک ، مع أنک استندت هناک بالأصل ، وإلاّ فلا وجه للإشکال هنا أیضا ، فتأمّل.

قوله : لنا أن فیه جمعا. ( 1 : 134 ).

ورد فی بعض الأخبار عبارة « لا أحب » (1) ، وهی ظاهرة فی الکراهة.

قوله : ویشهد لما ذکرناه. ( 1 : 135 ).

جعلها شاهدة لا حجة لیس من جهة السند ، لأن الأخبار السابقة لیست بصحاح ، بل من حیث الدلالة ، فإنّ فضل الوضوء مغایر للسؤر.

ولکن یتوجه علیه أنه - رحمه الله - لا یعمل بالأخبار الموثقة ، مع أنّ موثقة عنبسة لیست بموثقة ، بل هی موثقة إلی عنبسة ، وهو ضعیف ، ولا یسامح فی أدلة السنن وغیرها ، وبعد تسلیم العمل والحجیة لا وجه لما ذکر من الجمع ، لأن موثقة العیص مضطربة ، بل الظاهر أن ما فی الکافی أصح عبارة ، مضافا إلی أن الکلینی أضبط ، کما لا یخفی علی المطلع.

ویؤیده أن فی التهذیب نقلها مرة أخری بذلک السند موافقا للکافی ،

کراهة سؤر الحائض غیر المأمونة

ص: 199


1- التهذیب 1 : 222 / 637 ، الوسائل 1 : 238 أبواب الأسآر ب 8 ح 8.

علی ما قیل (1) ، وبعد اللتیا والتی لا یظهر منها القید أصلا. وموثقة ابن یقطین ظهر حالها ، مضافا إلی أن المقید لا بدّ أن یکون أقوی من المطلق حتی یقدم علیه ، وفی المقام الأمر بالعکس ، لأنه أضعف دلالة ، بل وسندا أیضا ، لأن ما فی الکافی یقرب من الصحة ، مضافا إلی أنه یظهر منها أن القید غیر معتبر فی الحائض بل معتبر فی الجنب ، فتدبر.

مع أن روایة الحسین وردت بطریقین : أحدهما صحیح إلی الحسین ، والآخر موثق کالصحیح ، والحسین من الأجلة ، وربما یعد من الثقات. نعم موثقة ابن یقطین علی ما فی التهذیب لیس فیها لفظ الوضوء ، فالظاهر منها السؤر أو ما یشمله.

لکن الظاهر من بعض الأخبار اتحاد حکم السؤر وفضله فی الطهارة ، حیث استشهد فیه لعدم البأس عن سؤر الحائض بأن رسول الله صلی الله علیه و آله وعائشة اغتسلا من إناء واحد (2) ، بل ربما یشعر هذا بأن السؤر فی المقام هو ما باشره جسم حیوان ، کما عرّفه الشهید - رحمه الله - ومن تأخر عنه (3) ، مضافا إلی ملاحظة حال الفقهاء فی هذا المقام فی فتاویهم واستدلالاتهم ، فتأمّل.

وفی البیان ألحق بالحائض المتهمة کل متهم ، واختاره الشهید الثانی وغیره من بعض المتأخرین (4) ، ولا بدّ من تأمّل ، لا (5) ما ذکره الشارح من أنه غیر جید ، فتأمّل.

ص: 200


1- لم نعثر علی نقلها فی التهذیب ولا علی قائله.
2- راجع ص 195.
3- انظر المدارک 1 : 128.
4- البیان : 101 ، الروضة 1 : 47 ، کشف اللثام 1 : 31.
5- فی « و » : إلی.

قوله : فی ضمن من لا یعلم. ( 1 : 136 ).

عد من لا یعلم حالها فی جملة غیر المأمونة ربما یکون محل تأمل بملاحظة طریقة الشرع ، فتأمّل.

قوله : نحن نطالبهم. ( 1 : 136 ).

قد مرّ ما یتعلق بالمقام (1).

قوله : فانضحه بالماء. ( 1 : 137 ).

ربما یظهر منه الکراهة لا أقل ، وأمّا النجاسة فلا ، لمعارضة أخبار أخر دالة علی الطهارة.

قوله : والأظهر عدم الکراهة. ( 1 : 137 ).

هذا مخالف لما اختاره من أن السؤر بقیة المشروب ، ومع ذلک ما سیجی ء منه فی العقرب والوزغ ، مع أن الکراهة من حیث الطب ربما تدل علی کراهة سؤر الحیة أیضا ، سیما إذا کان المراد من السؤر البقیة.

ومستند الشیخ وأتباعه روایة أبی بصیر : عن حیة دخلت حبّا فیه ماء فخرجت منه ، قال : « إن وجد ماء غیره فلیهرقه » (2) ، ومثل هذا الحدیث حجة عندهم سیما مع تسامحهم فی أدلة السنن ، فتأمّل.

قوله : بکراهة سؤرها. ( 1 : 138 ).

أقول : المعنی بذلک والمنصوص هو ما مات فیه أحدهما ، وهو غیر السؤر قطعا ، وإن قلنا بأن السؤر ما باشره جسم حیوان ، لأن الموت فیه أمر زائد علی ذلک.

حکم سؤر البغال والحمیر والفأرة

حکم سؤر الحیّة وحکم ما مات فیه الوزع والعقرب

ص: 201


1- راجع ص 195.
2- الکافی 3 : 73 / 15 ، التهذیب 1 : 413 / 1302 ، الاستبصار 1 : 25 / 63 ، الوسائل 1 : 239 أبواب الأسآر ب 9 ح 3 ، باختلاف یسیر.

ومن ذلک ظهر أنه لا معارضة بین ما ورد من النهی منه وصحیحة علی ابن جعفر ، بل ربما یشعر بأن حالة الموت غیر حالة الحیاة ، حیث قید مثل علی بن جعفر الفقیه بعدم الموت وأقرّه المعصوم علیه السلام ، ولم یقل : لا فرق بین ما قیدته وغیره ، فإنهم ربما یعتبرون مفهوم مثل هذا ، مثل ما رواه علی بن جعفر فی العصیر الزبیبی الذی غلی حتی ذهب ثلثاه (1) ، فتأمّل.

قوله : موضع وفاق. ( 1 : 138 ).

أقول : فی هذا الکلام أیضا إشعار بأن الشارح نسب ابن أبی عقیل إلی مخالفة الإجماع ، کما مر فی بحث أنّ القلیل ینفعل بالملاقاة (2) ، فتأمّل.

قوله : لا یکاد یدرکه. ( 1 : 139 ).

أقول : حمل کلام الشیخ والروایة علی ذلک علی تقدیر شمولها لا یخلو من إشکال ، لأن الظاهر منها عدم الدرک مطلقا ، فلعله یصل من غایة الصغر إلی حد لم یدرکه البصر فی الماء ، وإن کان له لون.

هذا مع أن مفروض المسألة أن الطرف لم یدرکه مع العلم بالدخول فی الماء ، وان کان الفرض فی غایة البعد ، فتأمّل.

قوله : کما فی الإنائین المشتبهین. ( 1 : 140 ).

لا یخفی أن منشأ وجوب اجتناب الإنائین هو القطع بوجوب اجتناب أحدهما ، وانه لا یتم إلاّ باجتنابهما معا ، بالتقریر الذی مر ، وما نحن فیه غیر معلوم أنّه من قبیل الإنائین ، لأن نجاسة الظرف ووجوب اجتنابه قطعی علی

حکم ما لا یدرکه الطرف من الدم

ص: 202


1- الکافی 6 : 421 / 10 ، الوسائل 25 : 295 أبواب الأشربة المحرمة ب 8 ح 2.
2- مدارک الأحکام 1 : 38.

أیّ تقدیر ، فوجوب اجتنابه بخصوصه قطعی ، والتکلیف به یقینی ، والأصل عدم زیادة التکلیف. وغیر معلوم أن بعد تحقق هذا التکلیف الیقینی یبقی تکلیف آخر غیره ویکون زائدا عنه ، حتی یقال إنّه لا یتم هذا التکلیف الزائد إلاّ باجتناب الماء والإناء معا ، فیکون هناک ثلاثة تکالیف : أحدها بالأصالة وبالخصوص ، والثانی بالأصالة لا بالخصوص ، والثالث من باب المقدمة ، فتدبر.

قوله : لما لم یکن. ( 1 : 140 ).

أقول : یعنی أن السائل لم یسأل إلاّ عن العلم بالوصول إلی الإناء ، أعنی القدر المشترک بین الوصول إلی الماء والظرف ، أما العلم بالوصول إلی خصوص الماء فلم یتعرض له أصلا ، فالجواب إنّما هو بالنسبة إلی الذی سأل الراوی لا الذی لم یسأل ، مع أن الأصل عدمه.

وجواب المعصوم وإن کان مطلقا ، والمطلق یرجع فی الأحکام الشرعیة إلی العموم ، والعبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل ، إلاّ أن المطلق ینصرف إلی الغالب الشائع المتعارف ، والغالب أنّه إذا وقع الدم فی الماء یدرکه البصر ، وإذا لم یدرکه لم یکن واقعا فی الماء ، لشدة حمرة الدم وصفاء لون الماء ، والدم الذی یعلم وقوعه فی الماء ولا یدرکه البصر علی فرض وجوده یکون نادرا ، وحمل المطلق وصرفه إلی ما یعم الفروض النادرة فیه ما فیه.

ومما ذکرنا ظهر ما فی قول الشارح : ولقائل أن یقول.

قوله : ولقائل أن یقول. ( 1 : 140 ).

أقول : لو تم ما ذکره أوّلا لم یبق لهذا القول مجال ، وإلاّ فلا وجه للجواب الأول ، والحق أنه بملاحظة الأخبار الدالة علی انفعال القلیل

ص: 203

بالملاقاة ، والأخبار الدالة علی نجاسة النجاسات ومنجسیتها من دون فرق بین الصغیرة والکبیرة ، وکذا أقوال الفقهاء وطریقة الشرع فی عدم القول بالفصل فی أمثال المقام جمیعا غیر هذا الموضع ، یترجح ما قال أولا ، ویبعد ما قال ثانیا.

وبالجملة : لیس دلالتها علی حسب ما ذکره بحیث یقاوم ما أشرنا إلیه ویغلب علیه ، فالأقوی القول بالنجاسة ، کما هو أحوط. هذا علی تسلیم دلالتها ، وقد عرفت الکلام فیها.

قوله : ومقتضی الروایة أن الریح. ( 1 : 142 ).

أقول : یمکن أن تکون محمولة علی الوسواس ، بقرینة الروایة السابقة وغیرها ، وأفهام الفقهاء والإجماع الظاهر من کلامهم وفتاویهم وعدم نقل خلاف أصلا. مع غایة ظهور الأخبار فی العموم ، منه روایة زرارة الصحیحة التی سنذکرها فی بحث ناقضیة النوم (1) ، والروایة التی سنذکرها عن العلل فی بحث ناقضیة الجنون والسکر (2) ، فتدبر.

مع أن القیدین ربما واردین مورد الغالب وخارجین مخرجه ، فلا عبرة بمفهومهما. أو یکون الفائدة ثبوت خروج الریح وتیقنه وعدم کفایة المظنة فی المقام. مع أن الشارح لا یقول بحجیة مفهوم القید حتی یتحقق المعارضة بین هذه الروایة وغیرها من العمومات والإطلاقات. مع أنه علی تقدیر حجیة مثل هذا المفهوم ففی مقاومته للمنطوقات من العمومات والإطلاقات المطابقة لفتاوی الأصحاب نظر. وکون ما نحن فیه مفهوم الحصر محل نظر بعد ملاحظة ما ذکرناه ، فتأمّل.

نواقض الوضوء

خروج البول والغائط والریح

ص: 204


1- انظر ص 207.
2- انظر ص 209.

مع أن الأحوط مراعاة فتوی الأصحاب إلاّ فی صورة عدم وجدان الطهور.

وفی الفقه الرضوی : « فإن شککت فی ریح أنها خرجت منک فلا تنقض من أجلها الوضوء ، إلاّ أن تسمع صوتها أو نجد ریحها ، وإن استیقنت أنها خرجت منک فأعد الوضوء سمعت وقعها أو لم تسمع ، وشممت ریحها أو لم تشم » (1). انتهی ، وهذه مع قوتها فی نفسها ومطابقتها لفتاوی الأصحاب والعمومات والإطلاقات صریحة الدلالة ، فلا یعارضها الروایتان ، لاحتمال ما ذکرناه ، أو أن المراد ما من شأنه أن یسمع ویشم ، للعلة المذکورة ، فتأمّل.

قوله : بإطلاقها. ( 1 : 144 ).

أقول : الاعتماد إنما هو علی الوفاق ، وإلاّ فالإطلاق محمول علی الشائع المتعارف ، کما صرح به مرارا ، فتدبر.

قوله : وفیه نظر. ( 1 : 145 ).

وسیجی ء منا کلام ، فلاحظ.

قوله : ونقل عن أبیه. ( 1 : 145 ).

لکن ( الشیخ ادعی فی التهذیب إجماع المسلمین علی ناقضیة النوم فی الجملة (2) ، والصدوق (3) ذکر فی الأمالی (4) : أن من دین الإمامیة الإقرار بأنه لا ینقض الوضوء إلاّ ما خرج من الطرفین من بول أو غائط أو ریح أو منی ، والنوم الغالب علی الحاستین : السمع والبصر ، ومزیل العقل (5) ، انتهی.

النوم الغالب علی الحاستین

ص: 205


1- فقه الرضا « ع » : 67 ، المستدرک 1 : 227 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 2.
2- التهذیب 1 : 5.
3- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
4- کما فی « ه » ، وفی سائر النسخ : الخصال.
5- أمالی الصدوق : 514.

ومنه یظهر عدم الخلاف منه ولا من أبیه ، کما لا یخفی علی من لاحظ ما ذکره فی الأمالی (1) وما ذکره فی دیباجة الفقیه (2) ، واعتقاده بالنسبة إلی فتاوی أبیه.

( وینادی لما ذکرنا من أن الصدوق - رحمه الله - معتقد بأن النوم المذهب للعقل ناقض أنه قال فی الفقیه أیضا : باب ما ینقض الوضوء : سأل زرارة أبا جعفر وأبا عبد الله علیهماالسلام عما ینقض الوضوء - إلی أن قال - : « والنوم حتی یذهب العقل » ثم قال بلا فصل : « ولا ینقض الوضوء ما سوی ذلک من القی ء » (3) ، إلی آخر ما قال ، ثم ذکر الخبرین المذکورین ، فغایة ما یظهر منه أنه جعل مضمونها من جملة ما سوی ذلک ، نظیر القی ء والقلس وغیره ) (4).

وربما یظهر منه الخلاف فی کون السمع أعم الحواس ، مع تأمّل فیه أیضا ، إذ ربما یعتقد أن السمع حینئذ یکون باقیا ، وعلی تقدیر التسلیم لا یکون الخلاف حینئذ منحصرا فیه ، بل الشارح أیضا مخالف ، وکذا غیره ممن اعتبر ذهاب العقل وعبر الناقض بمذهب العقل ، منهم الشیخ ، فإنّه حمل الخبرین علی نوم لا یغلب العقل ، ونفی عنه البعد فی الذخیرة (5) ، لأنّه الغالب فی حال القعود. واستشهد الشیخ لحمله بما رواه عن الکنانی عن الصادق علیه السلام : الرجل یخفق فی الصلاة ، فقال : « إن کان لا یحفظ حدثا منه - إن کان - فعلیه الوضوء وإعادة الصلاة ، وان کان یستیقن أنه لم یحدث

ص: 206


1- فی النسخ : الخصال ، والصحیح ما أثبتناه.
2- الفقیه 1 : 3.
3- الفقیه 1 : 37.
4- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
5- الذخیرة : 14.

فلیس علیه الوضوء والإعادة » (1) ، لکن الحمل علی التقیة لعله أولی.

والظاهر عدم الخلاف بین من جعل الحد ذهاب العقل ، ومن جعله ذهاب السمع والبصر ، کما سنذکر ، فتأمّل.

قوله : لجواز أن یراد بعضها. ( 1 : 147 ).

إن أراد بعضها بعنوان الخصوص فهو خلاف ما یظهر من الخبر ، کما سیعترف به ، وإن أراد لا بالخصوص فهو متحقق فی النوم.

والحاصل : کما أن الحدث طبیعة کلیة کذلک فرد من الحدث أیضا طبیعة کلیة ، والمستفاد من الخبر هو هذا ، وهذا ربما یرجع إلی المحصورة بنوع من الاعتبار ، ویصیر قضیة کلیة ، فیرجع إلی ما ذکره الشارح بقوله :

ویمکن أن یقال. ، وربما لا یرجع إلی المحصورة ، بل یقال : إنّ المستفاد أن الناقض وما هو سبب النقض کونه فردا من الحدث ، وهذا موجود فی النوم أیضا ، إذ خصوصیات الأفراد لیست فردا من الحدث ، فلا مدخل لها فی العلة ، لأصالة عدم مدخلیتها. مع أن الحکم المعلق علی الفرد ربما کان من جهة الطبیعة من حیث هی ، فیرجع إلی ما ذکره العلامة - رحمه الله - بنوع من التوجیه ، فتأمّل.

قوله : واعلم أن المستفاد. ( 1 : 148 ).

فیه : أن المستفاد من معتبرة اخری تعلیق الحکم بذهاب السمع ، مثل صحیحة معمر بن خلاد الآتیة ، وما رواه الشیخ فی الصحیح عن زرارة ، قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : ما ینقض الوضوء؟ فقال : « ما یخرج من طرفیک الأسفلین من الذکر والدبر من الغائط والبول أو منی أو ریح ، والنوم

ص: 207


1- التهذیب 1 : 7 / 8 ، الاستبصار 80 / 250 ، الوسائل 1 : 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 6. بتفاوت یسیر.

حتی یذهب العقل ، وکل النوم یکره إلاّ أن یکون یسمع الصوت » (1).

ومنه یظهر وجه الجمع أیضا ، فإن ذهاب العقل یظهر من ذهاب السمع ، مضافا إلی أن ذهاب العقل یحتاج معرفته إلی معرف عند عامة الناس.

ومما یدل علی اعتبار ذهاب السمع الموثق کالصحیح عن ابن بکیر ، وهذا هو الذی احتج به الشارح فی المقام ، إذ فی آخره : قلت : ینقض النوم الوضوء؟ قال : « نعم إذا کان یغلب علی السمع ولا یسمع الصوت ».

وما رواه الکلینی - رحمه الله - بسنده الصحیح عنده ، والضعیف عند المشهور ، عن سعد ، عن الصادق علیه السلام : قال : « أذنان وعینان ، تنام العینان ولا تنام الأذنان ، وذلک لا ینقض الوضوء ، فإذا نامت العینان والأذنان انتقض الوضوء » (2).

وفی الصحیح عن زرارة ، قال : « یا زرارة ، قد تنام العین ولا ینام القلب والأذن ، فإذا نامت العین والأذن والقلب وجب الوضوء » (3) ، وفی قوله : « قد تنام العین ولا ینام القلب والأذن » شهادة واضحة علی أن الأذن والقلب متلازمان. ثم قال : قلت : فإن حرک شی ء علی جنبه ولم یعلم به؟ قال : « لا حتی یستیقن أنه قد نام ، حتی یجی ء من ذلک أمر بین ، وإلاّ فإنّه علی یقین من وضوئه ، ولا ینقض الیقین بالشک ، ولکنه ینقضه بیقین آخر » ، وفیه دلالة علی ما سینقله عن التذکرة ، ویدل علیه أخبار أخر أیضا.

ویدل علی تعلیق الحکم بالسمع الإجماع الذی ظهر من کلام

ص: 208


1- التهذیب 1 : 9 / 15 ، الوسائل 1 : 249 أبواب نواقض الوضوء ب 2 ح 2. وفیهما عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام وبتفاوت یسیر.
2- الکافی 3 : 37 / 16 ، الوسائل 1 : 247 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 8.
3- التهذیب 1 : 8 / 11 ، الوسائل 1 : 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1.

الصدوق - رحمه الله - فی أمالیه ، کما مر (1). وأما ذکر الفقهاء البصر أیضا فلبنائه علی أن النوم أولا وبالذات یتعلق بالبصر فیصیر مقهورا بأدنی نوم ، فالمعتبر هو السمع ، لأن النوم بغیر مغلوبیة البصر لا یتحقق ، فتدبر.

قوله : بالإغماء والسکر بطریق أولی. ( 1 : 149 ).

أقول : الظاهر أن مستنده واعتماده علی فتاوی الأصحاب والإجماع المنقول ، وما مر عن الصدوق فی کتاب الأمالی أن من دین الإمامیة أن مذهب العقل ناقض مطلقا ، وإلاّ فمثل هذا القیاس بطریق أولی غیر حجة عند غیره فضلا عنه ، إذ الظاهر منه ومن غیره ومن الأخبار أن النوم فی نفسه حدث لا من جهة احتمال الحدث ، مع أن احتمال الحدث غیر ناقض بالوفاق والنصوص ، ومنها ما مر فی خصوص النوم ، مع أن الأولویة أیضا موضع نظر ظاهر ، سیما بالنسبة إلی کثیر من أفراد السکر بل أکثرها وبعض أفراد الإغماء.

نعم ، روی فی عیون أخبار الرضا علیه السلام فی جملة علل الفضل : فإن قال : فلم وجب الوضوء ممّا خرج من الطرفین خاصة ومن النوم دون سائر الأشیاء ، قیل - إلی أن قال : - وأمّا النوم فإن النائم إذا غلب علیه النوم ینفتح کل شی ء منه ، وکان أغلب الأشیاء فی الخروج عنه الریح ، فیجب علیه الوضوء لهذه العلة (2) ، ویؤیده روایة الکنانی التی ذکرناها عند قول المصنف : والنوم الغالب علی الحاستین (3) ، وکذا ما ورد فی الأخبار من قولهم علیهم السلام :

ما أزال العقل من الجنون والإغماء

ص: 209


1- راجع ص 205.
2- عیون أخبار الرضا « ع » 2 : 103 ، الوسائل 1 : 255 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 13 ، بتفاوت یسیر.
3- راجع ص 205 ، 205.

« والنوم حتی یذهب العقل » وما یؤدی مؤدّاه ) مما مر ، فتأمّل. ویمکن أن یکون استدلال الشارح (1) أیضا راجعا إلی هذا ، فتأمّل.

قوله : ومن المذی. ( 1 : 151 ).

أقول : قال ابن الجنید : المذی علی قسمین قسم بحسب الخلقة ، وقسم عقیب الشهوة (2).

قوله : فأمرنی بالوضوء. ( 1 : 151 ).

أقول : هذه الروایة بحسب ظاهرها تشیر إلی عدم اشتراط قصد الوجوب أو الندب ، أو أنه لا یضر إتیان المستحب بقصد الوجوب. ویمکن أن یکون المراد من الوضوء معناه اللغوی ، فلا یکون فیه إشارة ، لکن فیه بعد.

قوله : یحکم علی المطلق. ( 1 : 152 ).

أقول : فیه : أن تحقق المذی من غیر شهوة غیر ظاهر ، وعلی تسلیمه ففی غایة الندرة ، وحمل المطلقات الکثیرة المخالفة لمذهب العامة (3) علی الفروض النادرة فیه ما فیه ، سیما مثل هذا الخبر الموافق لمذهب العامة. مع أن الراوی علی بن یقطین ، والمناسب بالنسبة إلیه الاتقاء.

مع أن روایات الکاظم علیه السلام أقرب إلی التقیة من روایات الباقر والصادق علیهماالسلام ، کما حققنا ، وسیجی ء فی بحث الجهر والإخفات فی القراءة وغیره (4) ، بل ومثل الرضا علیه السلام ومن بعده أیضا.

عد ناقضیة المذی

ص: 210


1- کما فی « و » ، وفی سائر النسخ : الشیخ.
2- حکاه عنه فی المختلف 1 : 304.
3- انظر المغنی والشرح الکبیر 1 : 191 ، 194 ، ونیل الأوطار 1 : 62.
4- یأتی فی ج 3 : 53 - 57.

مع أن المطلقات أوفق للإطلاقات والعمومات ، مع أن روایة ابن أبی عمیر عندنا صحیحة ، سیما مثل هذه ، بل وأصح من کثیر من الصحاح ، لأنها أقوی منها بمراتب. والاعتماد عندی وعند المتأخرین والقدماء علی الاعتداد والاعتماد والوثوق ، کما أثبتناه فی تعلیقاتنا علی رجال المیرزا (1).

نعم ، العدالة عندهم طریقة اعتماد علی سبیل القاعدة.

هذا مع ما عرفت من فتاوی الأصحاب ، ونقل علیه الإجماع.

وحمل هذه الأخبار علی الشهوة الزائدة یوجب الخروج عن ظاهرها ، وظاهرها هو الحجة ، مع أن ابن الجنید لا یقول بهذا ، کما أشرنا ، فتأمّل.

وفی صحیحة یعقوب بن یقطین عن الکاظم علیه السلام : « أن المذی منه الوضوء ، خرج بشهوة أو غیر شهوة (2) ، وحمل علی الاستحباب أو التقیة أو التعجب ، وخیرها أوسطها.

قوله : وهو غیر ناقض. ( 1 : 152 ).

إذا حصل قبل الوضوء استبراء ، جمعا بین هذه الروایات وصحیحة عبد الله بن سنان عن الصادق علیه السلام : « إنّ الودی منه الوضوء لأنه یخرج من دریرة البول ، والمذی لیس فیه وضوء ، إنّما هو بمنزلة النخامة » (3) ، وغیرها من الأخبار المرویة فی الاستبراء وحکمه (4) ، وسیجی ء تمام الکلام فیه

عدم ناقضیة الودی

ص: 211


1- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 275.
2- التهذیب 1 : 21 / 53 ، الاستبصار 1 : 95 / 306 ، الوسائل 1 : 281 أبواب نواقض الوضوء ، ب 12 ح 16 ، بتفاوت فی العبارة.
3- التهذیب 1 : 20 / 49 ، الاستبصار 1 : 94 / 302 ، الوسائل 1 : 281 أبواب نواقض الوضوء ، ب 12 ح 14 ، بتفاوت یسیر.
4- انظر الوسائل 1 : 282 أبواب نواقض الوضوء ب 13 و 1 : 320 أبواب أحکام الخلوة ب 11.

فانتظر.

قوله (1) : بروایة أبی بصیر. ( 1 : 154 ).

هذه الروایة لا تصیر مستندهما ، لأن مقتضاها أن مس الفرج ناقض لا باطن الفرج ، نعم موثقة عمار الساباطی صریحة فی مس باطن الفرجین ، فقوله : وقریب منها روایة عمار ، فیه ما فیه ، فتأمّل.

قوله : العورة عورتان. ( 1 : 156 ).

نعم ، ورد فی بعض الأخبار (2) أنهم علیهم السلام کانوا یستترون من السرة إلی الرکبة فی الحمام وحال التنوّر ، وأمروا الراوی أن یفعل کذلک ، وحمل علی الاستحباب ، ولا شک فی أولویته ، لأنه أقرب إلی الحیاء ، بل والمروءة أیضا.

قوله : وهذه الأخبار کلها. ( 1 : 158 ).

هذا الإیراد غیر متوجه علی القدماء ، لأنّ الصحیح عندهم لیس هو الصحیح عند المتأخرین ، فأما المتأخرون فالظاهر منهم اشتهار الفتوی بالتحریم بین الفقهاء ، والشهرة عندهم جابرة للضعف ، مع أن الشارح لا یتسامح فی أدلة السنن والمکروهات ، فلا وجه للحمل عنده أیضا.

وأما إشعار الروایتین ففیه أیضا إشکال ، لأن ذکر الواجب فی جملة المستحبات ، والمکروه فی المحرمات ، فی الآیات والأخبار من الشیوع بمکان لعله لا یکاد یقبل الإحصاء ، مثل ما ورد فی تکبیرات الصلاة ، وذکر الرکوع والسجود. وکذا بالنسبة إلی باقی أفعال الصلاة ، وکذا الزکاة والصوم

عدم ناقضیة مسّ الذکر والدُبر والقبل

أحکام الخلوة

وجوب ستر العورة

حرمة استقبال القبلة واستدبارها حال التخلّی

ص: 212


1- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « ب » و « ج » و « د ».
2- الکافی 6 : 501 / 22 ، الوسائل 2 : 35 أبواب آداب الحمام ب 5 ح 1 ، و 2 : 67 أبواب آداب الحمام ب 31 ح 1.

والحج والغسل وغیر ذلک ، بل کثیرا ما ورد الواجب والمستحب بلفظ واحد ، مثل : « کبر سبع تکبیرات » (1) ، و « سبح ثلاث تسبیحات » (2) ، و « صلّوا کما رأیتمونی أصلی » (3) ، وغیر ذلک ، فتأمّل.

وبالجملة : هذا الإشعار الذی ادعاه والذی ذکره بعد ذلک کونهما بحیث یفیان بحمل ما هو حقیقة فی الوجوب والحرمة علی خلافه محل نظر ، وقد تقدم الکلام فیه.

مع أن تخصیص ذکر الثواب بمن بال ناسیا ربما یکون فیه إیماء إلی أن فعل ذلک لا ینبغی أن ینسب إلی عامد ، تفخیما لقبحه ، فتأمّل.

قوله : من غیر انحراف. ( 1 : 159 ).

وإن کان مشعرا بذلک لکن لا یکفی ذلک لتخصیص العمومات ، مع أن قوله علیه السلام : إذا دخلت المخرج فی الروایة الأولی التی هی الأصل فی هذا الباب ظاهر فی البنیان.

مع أن فی الإشعار المذکور إشکالا من حیث إنّهم علیهم السلام حثوا ما حثوا وأکدوا ما أکدوا فی تعظیم القبلة فی غیر المقام فضلا عن المقام ، حتی منعوا من لبس السراویل (4) ، والجماع (5) الذی هو من المستحبات الأکیدة وغیر ذلک (6) ، وفی المقام أکدوا فی حال النسیان أیضا ، سیما بالنحو

ص: 213


1- انظر الوسائل 6 : 20 أبواب تکبیرة الإحرام ب 7.
2- الوسائل 6 : 299 أبواب الرکوع ب 4.
3- عوالی اللآلی 1 : 197 / 8 ، صحیح البخاری 1 : 162.
4- مکارم الأخلاق 1 : 226 / 663 ، الوسائل 5 : 109 أبواب أحکام الملابس ، ب 68 ح 4.
5- الوسائل 20 : 137 أبواب مقدمات النکاح ب 69.
6- مثل ما روی فی حدیث الأربعمائة : « لا یتفل المؤمن فی القبلة » الخصال : 613 ، الوسائل 6 : 352 أبواب السجود ب 7 ح 9.

الذی نبهنا علیه ، وکذا فی حال الاستنجاء أیضا ، فکیف مع جمیع ذلک کانوا یبولون ویتغوطون هم وجمیع أهالیهم وخدمهم وحشمهم مواجهین للقبلة دائما علی طریقة الاستمرار.

وحاشاهم من أن یأمروا الناس بالبر ویفعلوا خلاف ذلک ، سیّما وأن یأمروا کذلک ویفعلوا کذلک ، وکیف کانوا یقولون ما لا یفعلون؟! إلی غیر ذلک من التهدیدات والتشنیعات الکثیرة الواردة عن الله تعالی وعنهم علیهم السلام .

ولعل المنزل لم یکن منهم علیهم السلام ، بل کان نازلا فیه من جدید فی سفر أو غیره ، مثل سفر خراسان ، ویشعر لفظ المنزل بذلک. وربما کان محمّد بن إسماعیل متوهما ، والله یعلم.

قوله : فی جمیع أبواب الفقه. ( 1 : 159 ).

یظهر من الأخبار أن عدم الاستقبال والاستدبار إنما هو تعظیما للقبلة ، فکل ما ینافیه لعله داخل ، فلو کان مستقبل الشرق أو الغرب بالبدن لکن یبول أو یتغوط إلی سمت القبلة لعله منافاة التعظیم فیه تکون أزید. مع أن قوله علیه السلام : ولا تستقبل القبلة بغائط ولا بول فی تلک الروایة ربما یکون ظاهرا فی ما ذکره ، فتدبر. ولعل الأولی أن لا یواجه القبلة بالبدن ، ولا بالعورة ، ولا برأس الذکر حال التخلی ، والله أعلم.

قوله : فلقصور الروایة. ( 1 : 160 ).

لا یخفی أنّه لا وقع لهذا الطعن بعد ما طعن به أوّلا ، لأن الکلام مبنی علی حجیة هذا الخبر ، وأنّه إذا کان حجة یکون مقتضاه وجوب التشریق والتغریب أیضا (1) ، لا الفرق بین الأمرین وتخصیص التحریم بالاستقبال

یراد بالاستقبال والاستدبار ما هو المتعارف

استحباب التشریق أو التغریب حال التخلّی

ص: 214


1- لیس فی « ج » و « د » و « ه ».

والاستدبار ، دون عدم الکون علی المشرق والمغرب ، مع أنّک عرفت أن هذا الخبر حجة عندهم بسبب الاشتهار المذکور ، والمفید قد أفتی بمضمون هذا الخبر جزما (1) ، وإن لم یعلم أن بناءه علی الحرمة أو الکراهة ، ولعل هذا القدر کاف عند هذا المحقق ، أو اعتقد أن فتواه بعنوان الحرمة ، وعبارته قابلة.

ونسب إلی المفید القول بالتحریم بسبب هذه العبارة العلامة فی المنتهی والتذکرة ، والمحقق فی المعتبر ، والشهید فی الدروس (2) ، فتأمّل.

علی أنّه سیجی ء فی کتاب الصلاة فی مسألة فاقد العلم والظن بالقبلة ما یظهر أن اتساع القبلة یصل إلی ربع الدائرة وأزید عند الفقهاء ، وهو الظاهر من الخبر المعمول به عندهم أیضا ، فإذا کان استقبال القبلة واستدبارها حراما یلزم منه وجوب استقبال جهة المشرق والمغرب ، فإن اتساع هاتین الجهتین یکون أیضا إلی ربع الدائرة ، لعدم الفرق ، والجهات عندهم أربع ، والظاهر من کلام هذا المحقق أن مراده هو هذا.

علی أنّه سیجی ء من الشارح القول بأن اتساعها هو ما بین المشرق والمغرب (3).

فقوله : وأمّا ثالثا. فیه ما فیه.

مضافا إلی أنّ الروایة لا تأمل فی صحتها ، لأن الصدوق - رحمه الله - رواها بطریق صحیح (4).

ص: 215


1- المقنعة : 39.
2- المنتهی 1 : 39 ، التذکرة 1 : 118 ، المعتبر 1 : 122 ، الدروس 1 : 88.
3- انظر المدارک 3 : 137.
4- یعنی روایة : ما بین المشرق والمغرب قبلة.

وقوله فی الروایة : « ولکن شرقوا أو غربوا » بلفظ « لکن » الظاهر فی الاستدراک یشعر بما ذکره هذا المحقق من أن المنهی عنه هو استقبال القبلة المتسعة التی إذا انحرف عنها یصیر الإنسان مواجها للمشرق والمغرب ، فتأمّل.

وبالجملة : لا شک فی أن الأحوط هو ما ذکره هذا المحقق ، والله یعلم.

قوله : وهو قریب. ( 1 : 160 ).

فیه تأمّل ظاهر.

قوله : أجمع علماؤنا. ( 1 : 161 ).

سواء قلنا بأن الغسل منحصر بالماء ، کما هو المشهور ، أو أنه یتحقق بالماء المضاف أیضا ، کما هو رأی السید. هذا وما ذکره بعد ذلک بقوله : إذ الإجماع منعقد علی عدم طهارة المحل ، ربما یفید أن السید - رحمه الله - فی هذا المقام یقول بعدم إجزاء غیر الماء ، لکن ما تقدم فی باب المضاف یدل علی خلاف ذلک (1) ، وأنّه یکتفی بالمضاف مطلقا. وعلی هذا روایة برید ابن معاویة وغیرها حجة علیه. وقد أشرنا إلی هذا فی ذلک الباب ، فتأمّل.

ویمکن أن یکون مراده أن السید خارج عن الإجماع ، لکنه بعید.

قوله : أو أن المراد نفی کون. ( 1 : 162 ).

لا یخفی أنه إن وقع الاستبراء فلا یکون ناقضا مطلقا ، فلا حاجة إلی مسح الذکر بالریق ، ولا قول : إنّ هذا من ذاک ، وإن لم یقع الاستبراء فلا ینفع المسح والقول ، بل لا بدّ من الأمر بالاستبراء ، کما یظهر من التأمّل فی

الاستنجاء

وجوب غسل مخرج البول بالماء

ص: 216


1- انظر المدارک 1 : 112.

الأخبار الواردة فی الاستبراء (1) ، وفتاوی الفقهاء فیه. وکیف کان ، کان الأولی أن یأمره بالاستبراء بدلا عن المسح والقول.

علی أنّه لو کان مجرد المسح کافیا عن الاستبراء ویکون البناء علی التخییر بینهما لکان فی صورة وجود الماء وغسل المحل لا حاجة إلی الاستبراء أصلا ، ولا إعادة الوضوء ، ولا غسل المحل مطلقا ، إذ یکفی أن یقول : هذا من ذاک. والبناء علی أنه فی صورة الغسل لا یکفی ، وفی صورة عدم الغسل یکفی الرطوبة بدلا عن الاستبراء ، فیه ما فیه. مع أن التخییر خلاف فتوی جمیع (2) الفقهاء.

والظاهر أنّ المراد مسح غیر مخرج البول بالریق ، حتی لو أحس ببلل یقول : هذا من ذاک ، لأن الرطوبة الخارجة من الإحلیل ینجس البدن والثوب ، فیشتد ذلک علی الرجل ، فتأمّل.

والروایة دالة علی أن المتنجس ینجس ، وأن الریق لا یطهر النجاسة ، وأن غیر الماء أیضا لا یطهرها ، وأنّه لا یحصل التکلیف بالتجسس فی استکشاف تحقق النجاسة بوجود أمارة مورثة للتهمة واحتمال تحققها فیدل علی عدم وجوب معرفة حصول النجاسة والبحث والفحص عنه ، وجواز الحیلة فی منع ظهورها علی المکلف.

ومما ذکر ظهر أنّ الحمل علی التقیة أیضا غیر جید.

قوله : إلی ما ذکره. ( 1 : 162 ).

ربما یظهر ذلک من کلام الشیخین أیضا (3).

ص: 217


1- الوسائل 1 : 282 أبواب نواقض الوضوء ب 13 و 1 : 320 أبواب أحکام الخلوة ب 11.
2- لا توجد فی « و ».
3- المقنعة : 61 ، التهذیب 1 : 48 ، المبسوط 1 : 17.

قوله : وتخفیف النجاسة. ( 1 : 162 ).

نعم ، لو کان عدم التخفیف والتجفیف موجبا لنجاسة المواضع الطاهرة أمکن الحکم بالوجوب من هذه الجهة.

ونظر المحقق إلی ما روی عن الرسول صلی الله علیه و آله : « إذا أمرتکم بشی ء فأتوا منه ما استطعتم » (1).

وعن علی علیه السلام : « المیسور لا یسقط بالمعسور » (2) ، و « ما لا یدرک کله لا یترک کله » (3). وهی منجبرة بالشهرة وتلقی الفحول بالقبول ، لکن الشأن فی دخول المقام فیها ، فتأمّل.

قوله : واختلف الأصحاب. ( 1 : 163 ).

فیه إشعار بأن هذه الروایة معمول بها عندهم ، فیکون ضعفها منجبرا بهذا.

قوله : مع أن راوی هذه الروایة. ( 1 : 163 ).

یعنی أنه علی تقدیر ان یکون المراد بالغسل بالمثلین الغسل مرتین - کما ادعاه هذا القائل - یتحقق التعارض بین روایتیه ، وإلا فالظاهر أن الغسل بالمثل لا یتحقق کما ذکره ، فیتعین التأویل فی هذه الروایة (4).

فیمکن أن یکون وقع الاشتباه للکتّاب بخفاء مرکز الیاء ، وکتبوه کذا سهوا من قلمهم ، أو أن المراد عدم الحاجة إلی الدلک وغیره ، بل یکفی صب الماء ، لأن البول ماء ، کما ورد هذا المضمون فی بعض الأخبار ، حیث سأله

بیان أقل ما یجزی من الماء فی إزالة البول

ص: 218


1- عوالی اللآلی 4 : 58 / 206 ، سنن البیهقی 1 : 215 ، بتفاوت یسیر.
2- عوالی اللآلی 4 : 58 / 205 ، وفیه : قال النبی صلی الله علیه و آله : « لا یترک المیسور بالمعسور ».
3- عوالی اللآلی 4 : 58 / 207.
4- فی هامش « ه » : أی الروایة الثانیة.

علیه السلام عن البول یصیب الجسد ، فقال : « صب علیه الماء مرتین فإنما هو ماء » (1).

أو أنه رفع توهم وجوب الجمع بین الماء والأحجار مثلا ، أو توهم انحصار الفضل فی الجمع ، بل یجزی فی الفضل أن یغسل بالماء خاصة.

أو أنّه سقط کلمة « لا » بأنه کان « لا یجزئ » موافقا لما فی روایته الأولی ، ومثله غیر عزیز فی الأخبار ، منه ما مر فی کراهة سؤر الحائض (2) ، أو أنه استفهام إنکاری ، أو أنّ المراد بالمثل ما یقاربه فی المقدار ، وهو أقل ما یتحقق به الجریان والاستیعاب ، والله یعلم.

قوله : والخروج من الخلاف. ( 1 : 164 ).

ولما ورد فی غسل البول من الجسد أنّه یصبّ علیه الماء مرّتین.

والظاهر من المصنف نقل الإجماع علی ذلک ، کما سیجی ء فی مبحث النجاسات (3) ، ولعدم قوة دلالة الإطلاقات ، ولا حسنة ابن المغیرة ، لأن فیها بعد ما ذکره الشارح منها : قلت : فإنه ینقی ما ثمة ویبقی الریح ، قال : « الریح لا ینظر إلیها » إذ بملاحظته ربما لا یبقی وثوق بشموله للبول ، مضافا إلی أن الاستنجاء لغة تطهیر مخرج النجو ، ویظهر ذلک من النص أیضا ، مثل صحیحة زرارة السابقة (4) ، ولذلک قال الشارح : ویشهد له إطلاق.

قوله : لا یوجد. ( 1 : 165 ).

کلام حق لا غبار علیه.

ص: 219


1- الکافی 3 : 55 / 1 ، التهذیب 1 : 249 / 714 ، الوسائل 3 : 395 أبواب النجاسات ب 1 ح 4.
2- مدارک الأحکام 1 : 134.
3- مدارک الأحکام 2 : 336.
4- راجع ص 189.

قوله : لم یشترط الفصل قطعا. ( 1 : 165 ).

ووجهه أنّه إذا کان عوض الفصل الذی هو عدم الغسل غسلا فلا معنی لأن یکون الغسل سببا لعدم طهارة المغسول ، وعدم الغسل یصیر سببا للطهارة ، إذ غایة الأمر مساواة الغسل وعدمه فی الحکم.

قوله : دلیل علی وجود العین. ( 1 : 165 ).

غایة ما یثبت مما ذکرت وجود الأجزاء الجوهریة ، ولا یلزم منه وجود العین یعنی الغائط ، إذ لا نسلم أن کل جزء جوهری حکمی یکون مسمّی بالغائط لغة وعرفا ، بل لا نسلم کونه فی الحقیقة غائطا ، فتأمّل.

قوله : کما فی الرائحة. ( 1 : 165 ).

وهم یقولون بذلک بالنسبة إلیها.

قوله : وهو غیر واضح. ( 1 : 165 ).

ما ذکره - رحمه الله - غیر واضح ، لأن الاعتبار شاهد علی أن المسح والتنشیف وإن بولغ فیه غایة المبالغة یبقی بعد ذلک أثر لو غسل بعد ذلک بالماء یعلم بقاء هذا الأثر فیه غالبا ، ولا أقل فی بعض الموارد والأوقات فی الخلل والفرج. ومعلوم من عدم وجوب الغسل علی التعیین ، وکون البناء علی التخییر مطلقا ، أن بقاء هذا الأثر عند المسح معفو عنه مطلقا ، وأنه لو اختار الغسل لا یکفی للطهارة ذهاب القدر الذی یذهب بالمسح مع بقاء الأثر أی القدر الذی لا یذهب بالمسح أصلا ، بل ولا بدّ من ذهاب الجمیع حتی یحصل نقاء ما ثمة عرفا وعندهم ، یشیر إلی ذلک ما سنذکره من قوله صلی الله علیه و آله : « مری نساء المؤمنین یستنجین بالماء فإنه مطهرة للحواشی » (1).

ومما ذکر ظهر أن مرادهم من الأثر هو هذا المعنی لا غیر. وفی

وجوب غسل مخرج الغائط حتّی یزول العین والأثر

ص: 220


1- انظر ص 109.

المصباح المنیر : استنجیت : غسلت موضع النجو ، أو مسحته بحجر أو مدر ، والأول مأخوذ من استنجیت الشجر ، إذا قطعته من أصله ، لأن الغسل یزیل الأثر ، والثانی مأخوذ من استنجیت النخلة ، إذا التقطت رطبها ، لأن المسح لا یقطع النجاسة بل یبقی أثرها (1). انتهی.

وبالجملة : المراد بالأثر الأجزاء اللطیفة العالقة بالمحل التی لا تزول إلا بالماء ، کما قیل (2). وهو موافق لما نقله الشارح ، کما لا یخفی ، فتدبر.

ووضوح إرادة ذلک أیضا غیر خفی ، لأنهم إذا قالوا فی المقام : بقی أثره ، أو لم یذهب أثره بالمرة ، یریدون هذا. مع أن صحة المأخذ وظهور الحکم قرینة واضحة علی الإرادة ، کما أن ذلک قرینة فی سائر کلماتهم فی الفقه ، فتأمّل.

ثم إن سلار قال : حد الاستنجاء حصول الصریر فی الموضع (3) ، والظاهر أن مراده أن حصول النقاء فی الاستنجاء حده الصریر ، فإن کان نظره إلی الغالب فالأمر کما ذکره ، وإن کان مراده أنه مطلقا حده کذا فمحل نظر ظاهر ، لاختلاف المیاه والفصول وحال الموضع فی حصول الصریر ، فربما یحصل قبل النقاء ، وربما یحصل بعده ، وربما لا یحصل ، فتأمّل.

قوله : إن کان محلها. ( 1 : 166 ).

وإن لم یعلم شی ء من الأمرین کما هو الغالب والمتعارف فالأصل الطهارة وبراءة الذمة ، ولعله لهذا ورد النص والفتوی بالعفو مطلقا ، سیما بعد ما مضی من أنّه لا یجب تحصیل معرفة حصول النجاسة والتجسس عن

عدم وجوب إزالة الرائحة

ص: 221


1- المصباح المنیر : 595.
2- انظر المسالک 1 : 5.
3- حکاه عنه فی المعتبر 1 : 129.

استکشافه (1) ، بل ورد فی بعض الأخبار المنع عنه (2) ، فتدبر.

قوله : إشعار بذلک. ( 1 : 167 ).

یدل علی ذلک بعض الاخبار ، مثل قوله صلی الله علیه و آله : « مری نساء المؤمنین أن یستنجین بالماء ، فإنه مطهرة للحواشی ومذهبة للبواسیر » (3).

وفی بعض الأخبار أیضا أن الله تعالی قد أکثر الثناء علی الأنصار بسبب استنجائهم بالماء (4) ، ولیس متن الحدیث ببالی. وکذا ورد أن الاستنجاء بالماء خلق کریم فأمر به رسول الله علیه وآله ، وأنزل فیه آیة ( إِنَّ اللهَ یُحِبُّ التَّوّابِینَ وَیُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِینَ ) (5).

قوله : فإن أرید. ( 1 : 167 ).

لعله یقول بأن قید الحیثیة مأخوذ فی التعاریف ، وهاهنا اجتمع تکلیفان متغایران لکل منهما حکم فی نفسه ، فمن حیث الاستنجاء العینی یجوز ترکه لا إلی بدل ، وإن کان من حیث الوجوب لا یجوز ترکه کذلک.

قوله : وصحیحة زرارة. ( 1 : 169 ).

فی الاستدلال بها نظر ، إذ لا دلالة فیها علی أنه کیف کان یتمسح ،

التخییر بین الماء والأحجار إذا لم تتعدّ النجاسة المخرج
لا یجزی فی الاستنجاء أقلّ من ثلاثة أحجار

ص: 222


1- راجع ص 217.
2- انظر الوسائل 24 : 70 أبواب الذبائح ب 29 ح 1 ، 24 : 161 أبواب الأطعمة المحرمة ب 25 ح 1 ، 24 : 179 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 1.
3- الکافی 3 : 18 / 12 ، الفقیه 1 : 21 / 62 ، علل الشرائع : 286 / 2 ، التهذیب 1 : 44 / 125 ، الاستبصار 1 : 51 / 147 ، الوسائل 1 : 316 أبواب الاستنجاء ب 9 ح 3 وفی المصادر :. أن یستنجین بالماء ویبالغن.
4- الوسائل 1 : 354 أبواب أحکام الخلوة ب 34 ، الآیة : البقرة : 222.
5- الوسائل 1 : 354 أبواب أحکام الخلوة ب 34 ، الآیة : البقرة : 222.

فضلا عن أن یکون اکتفی بأقل من الثلاثة ، سیما بعد ما ذکر من أن الثلاثة محمولة علی أن الغالب لا یحصل النقاء بأقل منها ، بل (1) وما ذکر من الحمل علی الاستحباب.

قوله : ویمکن. ( 1 : 169 ).

هذا الحمل بعید جدا ، إذ یوجب صرف الحدیث إلی الفروض النادرة ، إذ غالبا لا یتحقق النقاء بأقل من ثلاثة حتی یحمل الثلاثة علی الاستحباب.

فالأولی الحمل الثانی ، لکن یخدشه أن کیفیة المسح متفاوتة فی حصول النقاء تفاوتا فاحشا ، بالزیادة والنقصان من جهة الحجر ، وقدر استعماله ، والقوة فی وضعه علی الموضع ، وغمضه ، وخشونة الحجر وملاسته ، والمبالغة فی أخذ النجاسة به والمسامحة فیه ، والاحتیاط وعدمه حال إدارته ، ولزوجة النجاسة وعدمها ، وغلظتها وعدمها ، والمسارعة إلی الرفع وعدمها ، ومقدار الممسوح ، سیما علی ما اختاره المصنف من إجزاء التوزیع ، وکذا حال کیفیة شرح الدبر بحسب العکنة (2) والخشانة والملاسة.

وربما یؤید ذلک ما رواه العامة عن النبی صلی الله علیه و آله : « لا یستنجی أحدکم دون ثلاثة أحجار » (3) ، فتأمّل.

إلاّ أن یقال : المراد أنه فی تحقق المبالغة بالمسح یکفی ثلاثة أحجار غالبا ، ولا یحتاج إلی أزید منها ، بأن بالثلاثة یذهب عین القذر ورطوبته ، ویظهر نقاء المحل فی الثالث ، أو أن أواسط الأمور المذکورة هو الفرد الشائع

ص: 223


1- لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
2- العکنة : بالضمّ والسکون : الطیّ فی البطن من السمن ، مجمع البحرین 6 : 282.
3- سنن النسائی 1 : 44 ، سنن البیهقی 1 : 103.

الغالب ، وأنه یحصل النقاء بثلاثة أحجار ، لکن لا بدّ من ملاحظة ما ذکروا والتأمّل فیه.

ویمکن أن یقال : المطهر هو النقاء واقعا ، إلاّ أنه لا یمکن العلم به عادة ، بل غایة ما یحصل الظن بتحققه ، لأنه لا یمکن للمکلف أن یری مقعده ، نعم یری الحجر نقیا لیس علیه شی ء من أجزاء النجاسة ، ولا یحصل من هذا قطعه بزوال النجاسة بالمرة وحصول النقاء ، إذ لعله یکون بعد متلوثا یابسا ، ولعل الشارع لا یرضی بکل ظن یکون ، بل بالظن الحاصل بعد الأحجار ، کما أنه لا یرضی فی کثیر من المواضع إلاّ بشهادة عدلین مثلا ، فتأمّل. وحسنة ابن المغیرة سیجی ء الجواب عنها وطریق حملها.

قوله : أنّها واردة فی صورة. ( 1 : 169 ).

فیه : أنه لا قائل بالفصل ، وطریقة الشارح دائما التمسک بعدم القول بالفصل فی نظائر ما نحن فیه ، فتأمّل.

مع أن ازالة النجاسة حکم شرعی یتوقف علی الثبوت ، ولم یثبت فیما دون الثلاثة ، فلو استند فی ذلک إلی العموم یلزم جواز ذلک فی الحجر أیضا ، وإخراج الحجر من العموم یوجب صرف الحدیث إلی الفرد الغیر الغالب ، لأن الغالب هو استعمال الحجر ، إذ هو أغلب استعمالا من الثوب.

مع إمکان الجمع بحمل الحسنة علی الاستنجاء بالماء. هذا علی تقدیر معارضة الحسن للصحیح ومقاومته له. ویقرب الجمع المذکور أن الراوی سأل عن حال بقاء الریح مع أنه أقل ما یبقی الریح ، ویصعب الاطلاع علیه ویسهل الإشکال فیه.

بل لعله لا یبقی إشکال بعد حکمه أن حد الاستنجاء أن ینقی ما ثمة ، إذ الظاهر أن المراد نقاء العین ، بل الراوی أیضا فهم کذلک حیث قال : فإنه ینقی ما ثمّة ویبقی الریح ، ومع جمیع ذلک سأل عن حال الریح ولم یسأل

ص: 224

عن حال بقاء الأجزاء اللطیفة العالقة التی لا شک فی بقائها غالبا ، لو لم نقل : کلیا ، ویطلع علیه البتة بالعرق ووصول الماء إلیه ، ویصعب الإشکال فیه ، لأنّه من تتمة العین ، فلم یتحقق النقاء من العین والأثر بالمرة وحقیقة.

مع أنّ الاطلاع بالنقاء علی سبیل العلم صعب ، بل غایة ما یکون خروج الحجر نقیا ، فکیف یحکم بالنقاء ویستشکل الأمر فی بقاء الریح ، ولا یسأل عن أن مجرد خروج الحجر نقیّا یستلزم نقاء الموضع واقعا أم لا ، مع أنّه فی مقام السؤال عن حد الاستنجاء؟ فتأمّل.

وأمّا موثقة یونس فالموثق عند الشارح - رحمه الله - لیس بحجة فضلا عن أن یقاوم ویرجح علیه ، مع أنّ دلالة الموثقة لیست بمرتبة دلالة الصحیحة ، فضلا عن أن ترجح علیها ، فتأمّل.

وکیف کان فالأحوط والأولی عدم الاکتفاء بأقل من ثلاثة ، حجرا کان أم غیره ، سیما بعد ملاحظة بقاء الأثر جزما ، فکیف یکتفی لعفوه بدلیل مشوب بالشبهة؟! مضافا إلی بقاء النجاسة شرعا إلی أن یثبت خلافه ، ( وأنّ استعمال الحجر ومثله مخالف للأصل ، ورخصة ، فیقتصر علی مورد الثبوت. فتأمّل ) (1).

قوله : إلاّ بعد قطعه. ( 1 : 169 ).

الفرق بین الثوب المتصل والحجر المتصل فی الاستبعاد المذکور مستبعد جدا ، مع أنه فی المقام بصدد إثبات عدم الحاجة إلی تثلیث المسحات مطلقا ، لا أنّه یکفی ذو الجهات ، فتأمّل.

هذا مع أن الحجر مع ما فیه من الصلاة إذا کان لا یکفی للتطهیر حتی

ص: 225


1- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

یتحقق ثلاث مسحات فکیف یکفی أقل من ثلاثة فی مثل الثوب مع ما فیه من الرخاوة؟! فتأمّل.

ویؤیده ما روی عن النبی صلی الله علیه و آله من الأمر بثلاث مسحات (1).

قوله : إذ لا دلیل. ( 1 : 170 ).

لا یخفی أنه علی تقدیر العمل بروایات الأحجار الثلاثة ، والبناء علی الوجوب ، ظاهرها استیعاب المحل بالنحو المتعارف ، والتوزیع المذکور لا شک فی أنه من الأفراد النادرة ، بل الأمور المفروضة للفقهاء ، وحمل الأخبار علی ذلک فیه ما فیه. نعم علی القول بمجرد النقاء یکفی ذلک ، لکن لا فرق حینئذ بین ما إذا کان الحجر ثلاثا أو أزید أو أنقص.

قوله : قد عرفت. ( 1 : 170 ).

قد عرفت أن المراد من الأثر ما ذا ، وأنه یکفی حینئذ زوال العین دون الأثر.

قوله : والغالب. ( 1 : 172 ).

ربما یخدشه ما اختاره الشارح فی مبحث التراوح وغیره ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : علی المشهور. ( 1 : 172 ).

فیه تنبیه علی أن منشأ الإشکال فی کفایة ذی الجهات هو هذا ، ولولاه لأمکن دعوی العلم بعدم الفرق بین المتصل والمنفصل ، فیکون هذا قرینة علی أن المراد ثلاث مسحات مطابقا لظاهر الحدیث النبوی ویصیر موافقا لما شبه به من عشرة أسواط ، لکن هذا حق لو قیل بأن وجوب الإکمال لأجل

وجوب إمرار کلّ حجر علی موضع النجاسة وکفایة زوال العین
حکم استعمال الحجر الواحد من ثلاث جهات

ص: 226


1- عوالی اللآلی 2 : 185 / 59 ، مجمع الزوائد 1 : 211.

حصول الطهارة فی الواقع ، أما لو قیل بأنه لأجل حصول الظن المعتبر شرعا فلا یمکن التوجیه ، وکیف کان ، الأحوط عدم الاکتفاء.

ونظیر ذی الجهات ما لو استعمل حجرا ثم کسر ما نجس منه أو حکّه. أما لو استجمر ثم کسر ثم استجمر ثم کسر ثم استجمر بحیث خرج الحجر عن اسم الواحد ودخل فی الثلاث فالظاهر الاکتفاء ، مع احتمال احتیاط فیه أیضا.

قوله : تمسکا بالعموم. ( 1 : 172 ).

فیه ما مر ، فتذکر.

قوله : بل الأظهر. ( 1 : 172 ).

إذا تحقق عدد الثلاثة علی الرأی المشهور ، ومطلقا علی الرأی الآخر.

قوله : إذا کان طاهرا. ( 1 : 172 ).

واشترط العلامة فی کتبه جفاف الحجر وإدارته کی لا تتعدی النجاسة من موضع إلی موضع ، وعدم وضع الحجر علی النجاسة ، بل یوضع فی محل طاهر قریبا من النجس ، ثم ذکر کیفیة الإدارة وجعلها أحسن وأحوط (1).

ولم نجد شیئا من ذلک فی شی ء من النصوص ، بل هی - علی ما تری - مطلقة ، وشی ء من هذه القیود لیس مما یتیسر للعالم أن یتفطن له ، فضلا عن العوام ، فضلا عن الأعراب وأهل البوادی ، وفضلا عن النساء وغیرهم ممن کلف بالمسح بالأحجار.

نعم ، إذا کان البلل کثیرا یمکن الاستشکال فی المطهریة ، لعدم کونه من الأفراد الشائعة ، ولانفعال القلیل بالملاقاة ، ولعدم الاطمئنان بإزالة النجاسة ، بل ربما یوجب زیادة التلویث والانتشار ، والله یعلم.

حکم استعمال الحجر المستعمل

ص: 227


1- انظر نهایة الإحکام 1 : 88 ، 92 ، والتذکرة 1 : 130.

قوله : ویدل علیه. ( 1 : 172 ).

فی الدلالة تأمّل ، سیما علی رأی القائل بکفایة مجرد النقاء ، مثل الشارح - رحمه الله - وخصوصا علی القول بجواز المستعمل الطاهر. إلاّ أن یدعی تبادر الطاهر من لفظ البکر ، فتأمّل.

قوله : بملاقاة الحجر. ( 1 : 172 ).

لعل مستنده الإجماع ویمکن أن یقال أیضا : إنّ التطهیر حکم شرعی یتوقف علی الثبوت ، ولا یثبت من الإطلاقات جواز النجس أیضا ، لعدم انصراف الذهن إلیه ، فتأمّل.

وعلی تقدیر الاستعمال ففی حکم المحل احتمالات :

أحدها : تحتم الماء ، والثانی بقاء المحل علی حاله ، والثالث إذا کان النجاسة بغیر الغائط تعین الماء ، وإلاّ فلا ، قال بکل قائل (1).

ووجّه الأول بأن الاستجمار رخصة فلا یتعدی عن مورد النص. ووجه الثانی أن (2) النجس لا یتأثر بالنجاسة. ووجه الثالث ظاهر.

لکن الإشکال فی ما وجه به الأول ، لأن القائل بعدم تحتم الماء یقول بالدخول تحت مورد النص ، ولعل المراد أنه لیس من الأفراد الشائعة ، ویجب قصر النص علیها.

ومما ذکر ظهر حال عروض النجاسة للمحل مطلقا بحیث لا یتعداه ، وإن کان دم القروح والبواسیر. إلاّ أن یدعی الدخول تحت الأفراد الشائعة بالنسبة إلی البواسیر ، لکن لا بدّ من تأمّل ، فتأمّل.

ص: 228


1- قال بالأول الشهید فی الذکری : 21 ، واحتمل الثانی العلامة فی النهایة 1 : 88 ، وقال بالثالث فی القواعد 1 : 4.
2- فی « ا » : بأن.

قوله : ولا الروث. ( 1 : 172 ).

الظاهر من العبارة أنه یکفی ویجوز کل شی ء یزیل النجاسة سوی ما استثنی ، وهو رأی الشیخ ومن تبعه ، وادعی فی الخلاف الإجماع علیه (1) ، وکذا ابن زهرة (2) ، والمحکی عن سلار أنه لا یجزئ إلاّ ما کان أصله الأرض (3).

وعن ابن الجنید : إن لم یحضر الأحجار یمسح بالکرسف وما قام مقامه ، ثم قال : ولا اختار الاستطابة بالآجرّ والخزف إلاّ إذا لابسه طین أو تراب یابس (4). ولعل نظره إلی قوله صلی الله علیه و آله : « جعلت لی الأرض مسجدا وترابها طهورا » (5).

وعن المرتضی - رحمه الله - أنه جوز بالأحجار وما قام مقامها من المدر والخزف (6). ولعل نظره إلی أن الوارد فی الأخبار هو هذه الثلاثة.

ومستند المشهور بعد الإجماع المنقول من الفقیهین موثقة یونس بن یعقوب ، وروایة لیث المرادی ، لأنه قال علیه السلام : « وأما العظم والروث فطعام الجن » ، إذ لو کان منحصرا فی الشرع فی الحجر والکرسف والمدر لما أجاب بما أجاب.

قوله : بما یحصل النقاء. ( 1 : 173 ).

حکم الاستنجاء بالروث والعظم والمطعوم
حکم الاستنجاء بصیقل یزلق عن النجاسة

ص: 229


1- الخلاف 1 : 106.
2- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 549.
3- المراسم : 32.
4- انظر الذکری : 21 ، والذخیرة : 18.
5- عوالی اللآلی 2 : 13 / 26 و 208 / 130 ، المعتبر 2 : 116 ، الوسائل 5 : 118 أبواب مکان المصلی ب 1 ح 5 ، المستدرک 2 : 530 أبواب التیمّم ب 5 ح 8.
6- حکاه عنه فی المعتبر 1 : 131 ، وفیه وفی « ا » : « الخرق » بدل « الخزف ».

هذه العبارة تشعر بأن مراده حسنة ابن المغیرة ، وفی دلالتها نظر ، لمکان کلمة « حتّی » فتدبر.

نعم ، ظاهر موثقة یونس ذلک حیث اکتفی فیها بإذهاب الغائط مطلقا ، إن لم یناقش بأنها محمولة علی الأفراد الشائعة ، لکن ظاهر روایة لیث المرادی حصول الطهارة ، لأنه علل فیها بکونهما طعام الجن ، وأنه لذاک لا یصلح ، فلو کانا غیر مطهرین شرعا لکان التعلیل بعدم التطهیر أولی.

وبالجملة : لما لم یظهر عدم التطهیر وعلل بما علل یظهر فی النظر ما ذکرناه ، فتأمّل.

إلاّ أن ابن زهرة ادعی الإجماع علی عدم إجزاء العظم والروث والمطعوم ، فلعل الأحوط عدم الاکتفاء.

وأما الصیقل فلو اتفق حصول النقاء به یطهر ، لأن المانع لم یکن إلا عدم الإذهاب والإنقاء ، وهو العلة فی المنع ، فتأمّل.

قوله : قال فی المعتبر. ( 1 : 174 ).

علل فی المعتبر تقدیم الیمنی فی دخول المسجد والیسری فی الخروج بأن الیمنی أشرف فیدخل بها إلی المواضع الشریفة ، وبعکسه الیسری ، وربما علل بعض ما نحن فیه بکونه عکس المسجد.

قوله : والأصح اختصاصه. ( 1 : 175 ).

وأثبته جماعة للأنثی (1) ، فتستبرء عرضا ، ونفاه العلامة للأصل (2) ، فلا

مندوبات التخلّی

تغطیة الرأس
الاستبراء

ص: 230


1- أثبت ابن الجنید التنحنح للأنثی ، علی ما حکاه عنه فی الذکری : 20 ، ونسب فی کشف اللثام 1 : 22 تعمیم الاستبراء لها إلی العلامة فی المنتهی 1 : 42 ، ونهایة الإحکام 1 : 81.
2- انظر القواعد 1 : 4 ، والتحریر 1 : 7.

حکم للخارج المشتبه منها ، للأصل ، وتأمل فی ذلک بعض المحققین (1) ، ولعل تأمّله لیس فی موضعه ، لأن الأصل فی الأشیاء الطهارة حتی یحصل العلم ، فمع الاشتباه لا یحصل البتة ، وقیاسها علی الرجل لعله قیاس مع الفارق. مع أنّ الأمر عام البلوی ، فالسکوت عنه بالمرة یؤید ذلک ویشیر إلیه ، فتأمّل.

قوله : واتباع الأصحاب. ( 1 : 175 ).

هذا یخالف طریقته ، إلاّ أن [ یکون ] (2) مراده متابعتهم بحسب الفعل والعمل لا الفتوی ، ویکون مراده من الحسن الحسن العقلی لا الشرعی ویبنی علی انفکاک العقلی عن الشرعی فی أمثال المقام. ولا یخفی التکلف. فالأظهر المسامحة فی أدلة السنن ، کما هو المشهور ، وقد سبق فی أول الکتاب الکلام فی ذلک (3) ، فراجع.

قوله : لأن المرفوعة. ( 1 : 176 ).

فیه تنبیه علی أن الکراهة إذا کان الموضع مملوکا أو مباحا لا ملکا لغیره ، فإنه لا یجوز بغیر إذنه ، ومع الإذن یکون مکروها أیضا ، وهذا بالنسبة إلی جمیع المواضع المکروهة.

لکن لا یخفی أن الأخبار التی استدلوا بها علی الکراهة ظاهرها الحرمة ، للفظ النهی ، والجملة الخبریة ، ولفظ الأمر. ولعل حملهم علی الکراهة للإجماع. لکن الصدوق قال : لا یجوز التغوط فی فی ء النزال ، وتحت الأشجار المثمرة (4) ، ویؤید الحرمة أن ذلک أذیة للمؤمنین ، فتأمّل.

تقدیم الیمنی عند الخروج

مکروهات التخلّی

الجلوس فی الشوارع والمشارع
الجلوس تحت الأشجار المثمرة

ص: 231


1- الذخیرة : 21.
2- أضفناه لاستقامة العبارة.
3- راجع ص 20.
4- الهدایة : 15.

إلاّ أن یقال : لیس بأذیة بالفعل والنیة ، بل ربما یکون أذیة ، وأنه لهذا حمل الأصحاب علی الکراهة ( لکن لا بدّ من تأمّل ) (1).

قوله : مواضع اللعن. ( 1 : 176 ).

لعل المراد لعن أصحاب الدور ، لا لعن الملائکة أو الله تعالی أیضا ، لأنه دلیل علی الحرمة البتة ، فتأمّل.

قوله : بل من شأنها ذلک. ( 1 : 176 ).

لا یخفی أنه ما علل بذلک فقط ، بل قال : لإطلاق الخبر ، ولأن المشتق. ، ولا یتمسک بالإطلاق إلاّ بالنسبة إلی الافراد الحقیقة ، والمشتق فی ما سیأتی مجاز اتفاقا.

وأشار بإطلاق الخبر إلی ما ورد فی بعض الأخبار من النهی عن تحت الأشجار المثمرة (2) ، وهذا عند الشیعة والمعتزلة شامل لما أثمرت فی الماضی ، وما یکون الثمر فیها بالفعل فقط ، علی ما صرحوا فی علم الأصول حین ضربوا المثل بهذا الخبر ، بل التعلیل بذلک أیضا شاهد ، لقوله : بقاء أصله ، لأن البقاء لا یتحقق ما لم یتحقق المبدء. ولأن التعلیل ورد لصدقه علی الماضی خاصة ، کما فی علم الأصول ، ولا شک فی أنّ ما ذکره فی المقام إشارة إلی ما ذکروه فی الأصول.

وما ذکره من أن مقتضی هذه. ، فیه : أنّ مفهوم الوصف لیس بحجة عند المشهور ، وعلی تقدیر الحجیة فمعارضتها للمنطوق محل إشکال. إلاّ أن یقال : یکون مثل هذا المفهوم أقوی من مثل ذلک المنطوق ، فتأمّل.

ص: 232


1- ما بین القوسین لیس فی « ه ».
2- الفقیه 4 : 2 / 1 ، أمالی الصدوق : 344 / 1 ، الوسائل 1 : 327 أبواب أحکام الخلوة ب 15 ح 10.

وبالجملة : عموم الکراهة محتمل ، بل ومتعین علی طریقة الشارح وغیره من المتأخرین من أن الخبر غیر الصحیح لا یعارض الصحیح ، وسیما علی طریقة الشارح من عدم التسامح فی أدلة السنن والکراهة ، إذ خبر عاصم بن حمید صحیح ، ومضمونه المنع من تحت الأشجار المثمرة ، فتأمّل.

قوله : ویشهد أیضا ما رواه الصدوق. ( 1 : 177 ).

هذا بعد ما قال : إنّه لا یجوز التغوط فی فی ء النزال وتحت الأشجار المثمرة ، ولعل مراده من عدم الجواز ما یشمل الکراهة ، فتأمّل.

قوله : ویمکن أن یراد. ( 1 : 177 ).

بأن یکون ذکر أبواب الدور علی سبیل المثال ، وربما وقع نظیر ذلک فی الأخبار.

قوله : واستقبال الشمس. ( 1 : 178 ).

المفید فی المقنعة قال : لا یجوز استقبال قرصیهما فی بول ولا غائط (1).

قوله : بالنسبة إلی الحدثین وإلی. ( 1 : 179 ).

موافقا لما صرح به غیره (2) ، وفی الفقیه : وسئل الحسن علیه السلام : ما حد الغائط؟ فقال : « لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولا تستقبل الریح ولا تستدبرها » ، وفی خبر آخر قال : « ولا تستقبل الهلال ولا تستدبره » (3).

ویؤیده المساواة فی عدم الاحترام لو فعل ، والاحترام لو لم یفعل ،

الجلوس فی مواطن النزال ومواضع اللعن
استقبال الشمس والقمر بفرجه
استقبال الریح بالبول

ص: 233


1- المقنعة : 42.
2- کالشهید الثانی فی الروضة 1 : 85.
3- الفقیه 1 : 18 / 47 ، 48 ، الوسائل 1 : 301 أبواب أحکام الخلوة ب 2 ح 2.

( ولذا احتمل الشهیدان کراهة استدبارها أیضا (1) ، إلاّ أن یقال : الاستدبار فی البول لا ینافی الاحترام ) (2) ، ولذا لم یرد فی خبر ، فلیتأمّل ، لأن المراد بالغائط فی خبر الحسن بن علی أعم من البول والغائط ، علی حسب ما یقول به الشارح وفهمه الأصحاب ، حیث حکموا بکراهة البول مستقبل الریح ، والظاهر أن مستندهم هو هذا الخبر ، ولأن (3) المنع عن استقبال الریح یناسب البول غالبا ، فتدبر.

قوله : تعمد إلی مکان مرتفع. ( 1 : 179 ).

لعل ارتفاعه قلیل حتی لا ینافی ما ورد من النهی عن تطمیح البول.

قوله : ولأنه لا یؤمن. ( 1 : 179 ).

هذه العلة تقتضی المنع عن التغوط أیضا.

قوله : فقد حکی. ( 1 : 179 ).

تفریعه (4) علی ما تقدم لا یخلو من تأمّل ، فلعل المراد ما یشمل الجن الذی یظهر فی صورة حیوان ، ولذا قیل : إنها مساکن الجن (5) ، فتأمّل.

قوله : أن سعد بن عبادة. ( 1 : 179 ).

هذا من الشارح عجیب ، حیث اعتقد بهذه الحکایة ، حتی أنه ذکرها فی المقام ، ولا شک فی کذب الحکایة ، وأنها مجعولة ممن قتل سعدا بتحریک بعض حتی یهدر دمه ولا یتحقق فتنة ، حتی ابن ابی الحدید أیضا صرح بأن قاتله لم یکن من الجن ، بل کان من الإنس ، وأنّ الحکایة لا أصل

إشارة إلی حکایة قتل سعد بن عبادة

ص: 234


1- الذکری : 20 ، روض الجنان : 26.
2- ما بین القوسین لا یوجد فی « ا ».
3- کما فی « أ » ، وفی غیره : لأن.
4- الموجود فی النسخ : فی تفریعه.
5- قاله من العامة ابن قدامة فی المغنی 1 : 188.

لها (1).

وبالجملة : ما ذکرناه محقق فی موضعه ، فلیلاحظ.

قوله : لورود النهی عنه. ( 1 : 180 ).

وعن ظاهر علی بن بابویه عدم الکراهة فی غیر الراکد (2) ، وورد فی کثیر من الاخبار عدم البأس مع البأس فی الراکد (3) ، لکن ورد فی الجاری أیضا النهی عن البول فیه إلاّ لضرورة ، معللا بأن للماء أهلا.

قوله : بأن للماء أهلا. ( 1 : 180 ).

ربما یقتضی هذا التعلیل النهی عن التغوط أیضا ، کما قال به بعض الأصحاب ، واستدل بأن النهی عن البول یقتضی النهی عن الغائط بطریق أولی (4) ، وفیه تأمّل. وربما یتوهم عدم الکراهة إذا بال الإنسان فی ظرف ثم یصب فی الماء ، وفیه إشکال ، فتدبر.

فرع : فی بعض الروایات ورد المنع عن البول قائما ، وفی بعض آخر المنع من تطمیح البول من السطح ، أو من الشی ء المرتفع (5) ، وفی بعض آخر التغوط فی أفنیة المساجد ، بل وربما یعم البول أیضا (6) ، وبعض الأصحاب کره أفنیة الدور (7).

البول فی الماء الجاری والراکد

ص: 235


1- انظر شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 2 : 540 ، الجزء 10.
2- حکاه عنه فی الذکری : 20.
3- الوسائل 1 : 143 أبواب الماء المطلق ب 5 ح.
4- الذکری : 20.
5- الوسائل 1 : 351 أبواب أحکام الخلوة ب 33.
6- الکافی 3 : 16 / 5 ، الوسائل 1 : 324 أبواب أحکام الخلوة ب 15 ح 2.
7- المفید فی المقنعة : 41.

قوله : لآکلها إذا خرجت. ( 1 : 180 ).

ربما یظهر منه الکراهة فی بیت الخلاء مطلقا ، فتأمّل.

قوله : السواک علی الخلاء. ( 1 : 181 ).

ربما یظهر منه حال الجلوس علی الخلاء ، فتأمّل.

قوله : ولا یدخل المخرج. ( 1 : 181 ).

قال الصدوق - رحمه الله - : ولا یجوز أن یدخل الخلاء ومعه خاتم علیه اسم الله أو مصحف فیه القرآن (1).

قوله : وهو حسن. ( 1 : 181 ).

لکن فی بعض الأخبار کراهة الدخول وعلیه خاتم فیه اسم الله تعالی ، وعدم الکراهة إذا کان اسم محمّد صلی الله علیه و آله (2) ، فتدبر.

واعلم أنه یکره طول الجلوس فی الخلاء ، وورد أنه یورث الباسور (3).

قوله : الأول النیة. ( 1 : 184 ).

ادعی الشیخ فی الخلاف الإجماع ، وکذا العلامة فی التذکرة ، وابن زهرة فی الغنیة (4).

قوله : ولم أعرف لقدمائنا. ( 1 : 184 ).

قاعدتهم أنّهم یذکرون لزوم النیة ووجوب کون العمل لله تعالی خالصا

الأکل والشرب والسواک حال التخلّی
الاستنجاء بالیسار وفیها خاتم علیه اسم الله سبحانه

کیفیة الوضوء

فروض الوضوء

النیّة

ص: 236


1- الفقیه 1 : 20.
2- التهذیب 1 : 32 / 84 ، الاستبصار 1 : 48 / 135 ، الوسائل 1 : 332 أبواب أحکام الخلوة ب 17 ح 6.
3- الوسائل 1 : 336 أبواب أحکام الخلوة ب 20.
4- الخلاف 1 : 71 ، التذکرة 1 : 139 ، الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 552.

فی موضع واحد علی سبیل القاعدة الکلیة ، وبالنسبة إلی جمیع الأعمال ، لا إلی کل عمل عمل.

قوله (1) : إنّما الأعمال بالنیات. ( 1 : 184 ).

فإن قیل : کما یمکن حمل النفی علی نفی الصحة لأنه أقرب إلی الحقیقة ، کذا یمکن الحمل علی نفی الکمال ، والأول وإن کان أقرب المجازات إلاّ أنّه یوجب التخصیص فی الأعمال ، وبقاء العام علی العموم الذی هو حقیقته أولی من ارتکاب أقرب المجازات.

قلت : ( قوله علیه السلام فی تلک الروایة : ولا عمل إلاّ بإصابة السنة یمنع من الحمل علی نفی الکمال ، وأیضا ) (2) لما کان الکلام من الشارع عرفنا أن مراده نفی الحکم الشرعی والأمر الشرعی ، فالظاهر منه نفی حقیقة ذلک الحکم والأمر ، أی الأمر الذی هو منصب الشرع ووظیفته ، وهذا فی النظر مرجح للتخصیص فی الأعمال ، لأنه قرینة مخصصة ، سیما مع شیوع التخصیص إلی أن قیل : ما من عام إلاّ وقد خص.

مضافا إلی أن التخصیص ضروری وقطعی عند آحاد المخاطبین ، سیما المخاطبین بتلک الأخبار ، فکان حاضرا لدیهم عند سماعهم الأخبار ، فلا حاجة إلی العنایة فی تقدیر القرینة.

وأیضا هذه العبارة وأمثالها من الشارع شائعة فی نفی الحکم الشرعی رأسا ، وهی أیضا من المرجحات ، ولعله لهذا فهم الفقهاء نفی الصحة ، ولم یتفطن أحد إلی هذا الاحتمال ، سیما وأن یجعله مساویا ، وخصوصا أن یجعله أولی. نعم بعض المحققین ممن قارب عصرنا أتی بهذه الشبهة (3).

أدلّة وجوب النیّة

ص: 237


1- الظاهر أنّ هذه الحاشیة متعلقة بقوله : « لا عمل إلاّ بنیّة ».
2- ما بین القوسین لا یوجد فی « ا ».
3- انظر الذخیرة : 23.

ومما یقرب ما ذکرنا أیضا أن العبادة لا شبهة فی احتیاجها إلی النیة وتوقفها علیها کما ستعرف ، ومعلوم أن العبادات فی الشرع فی غایة الکثیرة.

وبالجملة : احتمال نفی الکمال مما لا یتفطن به أهل العرف والفقهاء ، ولا یخطر بخاطر إلا بعد الاطلاع بما ذکره ، فتأمّل.

هذا کله علی القول بأن لفظ العبادة اسم للأعم من الصحیحة ، أما علی القول بأنه اسم لخصوص الصحیحة فلا وجه للإیراد المذکور أصلا ، کما لا یخفی.

قوله : واعلم أن الفرق. ( 1 : 184 ).

لا یخفی أن الواجب ما یکون علی ترکه العقاب ، فإن کان عبادة فیکون علی فعله الثواب أیضا ، وإلا فلا. والعبادة إما أن تکون بالذات عبادة أو بواسطة النیة.

والأول مثل الصلاة والصوم ، والعبادة فی اصطلاح الفقهاء عبارة عن هذا القسم ، وربما یعرفونه بالذی لا یصح فعله بغیر النیة ، وهذا لا تعرف ماهیته إلا من الشرع ، کما لا تعرف شرائطه وأحکامه الشرعیة إلا منه ، وکذا لا تعرف المصلحة فی إیجابه بصورته المخصوصة وشرائطه المخصوصة.

والقسم الثانی مثل إنقاذ الغریق وإطفاء الحریق ونظائرهما من الواجبات العینیة أو الکفائیة ، ومن الواجبات العینیة والکفائیة فی هذا القسم الصناعات والتجارات والزراعات ونظائرها مما یتوقف علیه انتظام العالم ، وربما صارت عینیة أیضا ، وربما کان واجبا للغیر مثل قطع الطریق للحج ، سواء قلنا بوجوبه شرعا أو عقلا ، ومثل غسل النجاسات من الظروف والثیاب وغیرهما للإجماع علی عدم الوجوب لنفسه ، بل للصلاة والأکل وغیرهما.

وهذا القسم لا یتوقف صحته علی النیة ، نعم صیرورته عبادة تتوقف علیها ، إذ لو أخرج الغریق أو أنقذ لا لقصد الامتثال بل لأنه ابنه أو غریمه أو غیر

بیان المراد من الوجب

ص: 238

ذلک ، من دون نیة إطاعة الله تعالی أصلا ورأسا ، یکون صحیحا مؤدیا للواجب خارجا عن العهدة ، ولا یجب علیه أن یغرقه ثانیا لأن ینقذه لله تعالی ، بل هو حرام.

بل لو أنقذ لقصد حرام أو وجه حرام مع التمکن من غیره لکان صحیحا أیضا وإن کان معاقبا من جهة الحرام. وهذا یجتمع فیه الأمر والنهی عند المعتزلة والشیعة أیضا ، لأنّ إیجابه لیس إلاّ للتوصل إلی مصلحة مسببة عنه کقطع المسافة للحج علی القول بوجوب مقدمة الواجب ، للاتفاق علی عدم وجوب الإعادة لو وقع بوجه منهی عنه.

والفرق أن الأمر تعلق بنفس الإنقاذ ، وفی الحج تعلق بالحج وبمقدمته للتوصل إلیه ، وهذا بخلاف القسم الأول فإن إیجابه لیس بمحض التوصل إلی مصلحة مسببة بل لکونه فی نفسه مطلوبا محبوبا ، والمصلحة تکون فیه.

وظاهر أنّ الأمر بإزالة النجاسة من القسم الثانی من قبیل قول الشارع : اقطع الطریق حتی تصل إلی الحج ، إذ مع قطع النظر عن الإجماع وعمل المسلمین فی الأعصار والأمصار نقول : إذا قال : أزل النجاسة ، نعرف معناها جزما ، لأن الإزالة معناها معلوم لغة وعرفا ، فنحکم بکفایة المعنی العرفی ، فإن شرط شرطا نحکم باعتباره شرعا ، وإن لم یشترط نحکم بعدم اعتباره.

ثم إن الإجماع واقع علی عدم وجوبها لنفسها ، بل کونه لغیرها مثل الصلاة ، وبعد ما لاحظنا الصلاة نجد أنّ المعتبر فیها أن لا تکون نجاسة معلومة للمصلی حال الصلاة ، علمنا من ملاحظة المجموع أن إیجاب الإزالة لیس إلاّ للتوصل إلی مصلحة هی انعدام النجاسة المعلومة فی الواقع أعمّ من أن یکون ذلک الانعدام من جهة صاحب الثوب المصلی أو غیره ، حتی أنّه لو انعدم بالمطر أو لوقوعه فی الکر أو الجاری من غیر مباشرة أحد لکفی.

ص: 239

وأمّا الوضوء والغسل والتیمم فهی عندهم من القسم الأوّل تحتاج إلی النیّة ، لعدم معلومیة الماهیة إلاّ من الشرع ، وعدم معرفة المصلحة فی الإیجاب بالخصوصیة المعلومة ، وعدم ظهور کون الإیجاب لمحض التوصل إلی أمر معلوم ، إذ لا نعرف أنّ الحدث ما ذا؟ وأنّ الرفع بأیّ نحو؟ وماهیة الرافع ما هی؟ فضلا عن شرائطه. بل ظاهر الأمر أنّه واجب شرعا وإن کان الواجب لغیره ، فالمطلوبیة والمصلحة إنما تتحققان فیه نفسه وإن کانتا للغیر.

وفرق بین هذا وبین ما لو علم أن وجوبه لمحض التوصل إلی مصلحة خارجة ، وهذا حاله حال مثل الصلاة والصوم ، وإن الفارق بینهما هو الوجوب للنفس والوجوب للغیر ، لکن کلا الوجوبین شرعیان ، فتأمّل جدا.

والله تعالی أوجب علینا إطاعته وإطاعة رسوله ، والإطاعة الواجبة هی امتثال الأمر ، والمرجع فی هذا اللفظ العرف کسائر الألفاظ ، فما یکون فی العرف امتثالا یکون الواجب هو لا غیر ، والامتثال العرفی لا یتحقق إلاّ بقصد ما هو مطلوب للآمر وارتکابه لأجل أن الآمر أمر ، لا بشهوة نفسه أو شهوة غیر الآمر.

مثلا : لو أمر السید عبده بإتیان أمر ، وقال آخر للعبد : لو أتیت بمطلوب سیدک لقتلت سیدک ، فأتی العبد ذلک المطلوب لا لأجل أن السیّد طلب بل لأجل أنّ السیّد یقتل لا شک فی کونه عاصیا وإن أتی بما هو مطلوب السیّد ، وکذا لو أتی به بشهوة نفسه لا لشهوة سیده. والبیان الوارد فی الطهارات مثل البیان الوارد فی الصلاة لا یظهر کونه بیانا لتمام ماهیتها وشرائطها ، بل الظاهر خلاف ذلک ، ولا ینفع التمسک بالأصل بعد العلم بوجوب الإطاعة والامتثال.

ومما یدل علی کون الطهارة مثل الصلاة فی کونها فی نفسها عبادة قوله

ص: 240

علیه السلام : « الصلاة ثلث طهور ، وثلث رکوع ، وثلث سجود » (1) وأنّه ورد الأجر العظیم فی فعلها حتی فی قطرات مائها وبقاء بللها وغیر ذلک ، وسنذکر بعضا ، فتأمّل.

ومما یشهد أیضا أنه إذا دخل الوقت وجب الطهور ، مع أنّه قبل الوقت صحیح وسنة ، فظهر أنّ وجوبها لیس بمحض تحقق الصلاة عقیبها ، فتأمّل.

قوله : ملتبس جدا. ( 1 : 185 ).

قد ذکرنا فرقا ونذکر أیضا فرقا آخر ، وهو أنّ العبادة لا بدّ فیها من قصد الفعل للمعبود المعین المعلوم ، وإلاّ لم تکن عبادة له ، ووقع الإجماع علی وجوب النیة فی العبادات ، والأخبار کثیرة فی لزوم فعلها لله تعالی ، والإخلاص وترک الشرک بالله وحرمة الریاء ، والقرآن أیضا دالّ ، ولذا لم یتأمّل أحد فی الوجوب للصلاة ونظائرها.

وکون الوضوء عبادة یظهر من الحدیث ، مثل قول الرضا علیه السلام حین منع من صب الماء : « تؤجر أنت وأوزر أنا » (2). واستشهد بقوله تعالی : ( فَمَنْ کانَ یَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْیَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا یُشْرِکْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (3) ، لکن فیه تأمّل ، إذ ربما یظهر منه خلاف ذلک ، فلاحظ وتأمّل.

ومما یفرق أیضا الإجماع فی إزالة النجاسة بعدم اشتراط النیة بالتقریب الذی مر فی الحاشیة ، والإجماع فی الطهارات بالاشتراط لما

ص: 241


1- الکافی 3 : 273 / 8 ، التهذیب 2 : 140 / 544 ، الفقیه 1 : 22 / 66 ، الوسائل 6 : 310 أبواب الرکوع ب 9 ح 1.
2- الکافی 3 : 69 / 1 ، التهذیب 1 : 365 / 1107 ، الوسائل 1 : 477 أبواب الوضوء ب 47 ح 1.
3- الکهف : 110.

نقلنا. مضافا إلی عمل المسلمین فی الأعصار والأمصار ، فلیتأمّل.

قوله : وأنّ المعتبر فیها تخیل المنوی. ( 1 : 185 ).

إن أراد مجرد تخیل المنوی فهو مناف لما سیذکره من اعتبار قصد القربة والإخلاص ، وإن أراد مع قصدها ففی الحکم بسهولة الخطب مطلقا تأمّل لا یخفی علی من لاحظ الأخبار وکلام المحققین فی مقام تخلیص العمل عن الریاء وغیرها من الدواعی المنافیة للإخلاص.

وما ذکره بعض الفضلاء لیس هذه النیة قطعا ، لأنه لا یمکن التکلیف به کما اعترف به ، وهذه النیة واجبة یمکن (1) تخلّفها قطعا ، بل وربما یکون من أصعب الواجبات والتکلیفات کما أشرنا. فتأمّل.

قوله : علی أن الأمر المذکور. ( 1 : 187 ).

أی مضافا إلی الاستصحاب ، إذ لم یثبت نسخ الجمیع ، بل نسخ البعض ، بل الثابت عدم نسخ الجمیع لما یظهر من الآیات والأخبار : منها هذه الآیة ، ومنها ما یدل علی متابعة ملة إبراهیم وبقائها فی الجملة ، ومنها ما ذکر فی الأمم السابقة مدحا وترغیبا لهذه الأمّة ، ومنها ما یدلّ علی أنّ بعض الأفعال فی نفسه حسن ممدوح لا دخل للزمان وغیره فیه ، فتأمّل جدّا بعد ملاحظة المآخذ.

قوله : فهذا الاستدلال لا محصّل له. ( 1 : 188 ).

ولا یخفی أنّ قوله فی ما سبق : لا یتم إلاّ بذلک ، إشارة إلی أنّ قصد الوجوب أو الندب مقدمة لحصول المطلوب الشرعی الذی هو عبادة وتوقیفیة ، فلعل قصد التعیین شطره أو شرطه شرعا ، والواجب علینا أن نأتی بالفعل علی الوجه المطلوب ولا یتم ذلک إلاّ بقصده ، إذ بدون ذلک لا یعلم

اشتراط القربة فی النیّة
اشتراط قصد الوجوب أو الندب

ص: 242


1- فی غیر « أ » : لا یمکن.

حصول المطلوب ، إذ لیس هو أمرا عقلیا أو عرفیا أو أمثال ذلک ، حتی یرجع إلیها فی معرفته.

وأمّا الشرع فلا إجماع ولا نص ینفع ، إذ مثل قوله تعالی ( إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ ) . (1) لم یذکر فیه إلاّ نفس الأجزاء المختصة بالوضوء ، أمّا الکیفیة المخصوصة والأمور العامة المشترکة بینه وبین جمیع العبادات سواء أنّها أیضا أجزاؤه أو شروطه مثل النیة والإیمان وعدم الغصب وغیر ذلک فلم یذکر فیه ، بل لم یرد فی نص من النصوص الواردة فی بیان کیفیة عبادة من العبادات ذکر أمر من الأمور العامة ، بل تلک الأمور ثابتة فی مقام آخر بعنوان الضابطة الکلیة والقاعدة العامة من غیر خصوصیة بمکان دون مکان.

ولذا قدماؤنا أیضا لم یذکروا فی عبادة من العبادات أمرا من الأمور العامة لما أثبتوها فی موضعه المختص به. وأمّا المتأخرون فهم أیضا لم یذکروا سوی النیة ، وربما یذکر بعض منهم بعضا آخر مثل عدم الغصبیّة.

ومعلوم أن النزاع فی کیفیة النیة بعد فرض وجوب أصلها وتسلیمه ، فعلی هذا نقول : کیف یثبت من مجرد قوله تعالی ( إِذا قُمْتُمْ ) - الآیة - مثلا عدم دخول قصد الوجوب والندب فی النیة التی هی من الأمور العامة جزما ، وغیر مختصة بالوضوء أصلا ، وثابتة من الدلیل الخارج قطعا سیما ومن أدلتها « لا عمل إلاّ بنیة » (2) ، وأمثالها الدالة علی اشتراط مطلق النیة ، والشک فی الشرط یستلزم الشک فی المشروط. مع أنّ من الأدلة قوله علیه السلام : « إنما لکل امرئ ما نوی » (3) وربما یظهر منه أن ما لم ینو لیس له ، فتأمّل ، إلاّ أن یثبت الشارح

ص: 243


1- المائدة : 6.
2- انظر الوسائل 1 : 46 أبواب مقدمة العبادات ب 5.
3- أمالی الطوسی : 629 ، الوسائل 1 : 48 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 10.

عدم الدخول وعدم الحاجة إلی المقدمة لتحصیل العلم بالبراءة بالأصل ، وجریانه فی العبادات معرکة لآراء الفقهاء.

ومع ذلک ، الشارح أیضا ربما لا یعتدّ بالأصل فی العبادات ولا یثبت کیفیتها به ، إلاّ أن یثبت أنّ النیة خارجة عن ماهیة العبادات ، وهو خلاف المشهور ، ویثبت أیضا أنّ معرفة ماهیة النیة من باب معرفة غیر العبادات.

ومع ذلک لما کان الشارح من المنکرین للحقیقة الشرعیة وبمجرد الصارف عن المعنی اللغوی لا یکتفی بالرجوع إلی الحقیقة عند المتشرعة ربما یشکل الأمر بالنسبة إلیه من هذه الجهة أیضا.

ومع ذلک قوله : هذا الاستدلال لا محصل له ، فیه ما فیه ، لأنّه تمام علی قاعدة جماعة کثیرة من الفقهاء. فتأمّل.

ویمکن أن یقال : إنّ النیة من الأمور التی یعم بها البلوی ویکثر إلیها الحاجة وتشتد ، لأنّ أقسام العبادات من الواجبات والمستحبات بالأصالة أو بالعرض فی غایة الکثرة ، وجمیع المکلفین یحتاجون ، والاحتیاج فی غایة الکثرة ، بل فی الیوم مرات کثیرة بالنسبة إلی مثل مستحبات الخلاء والوضوء ومستحباته ، والصلاة من الأذان إلی آخرها ، والتعقیبات وأدعیة الساعات ، وقراءة القرآن إلی غیر ذلک ، فلو کان قصد الوجوب أو الندب معتبرا فیها لأکثر الشارع من الأمر بالعمل والتعلیم والتعلم ( وکثر العمل والتعلیم والتعلم ) (1) ، وشاع فی الأعصار والأمصار ، واشتهر غایة الشهرة ، ومع ذلک لم یصل خبر ولا أثر ، بل وربما وصل ما یفید خلاف ذلک ، مثل أنهم صلوات الله علیهم ربما أمروا بفعل أمور بعضها واجب وبعضها مستحب ، مثل کبّر سبع

ص: 244


1- ما بین القوسین لیس فی « و » و « ج » و « د ».

تکبیرات ، وسبّح ثلاث تسبیحات (1) وغیر ذلک ( ولم یأمروا بقصد التعیین.

ویؤیده أیضا أنهم کثیرا ما أمروا الواجب والمستحب بلفظ افعل ، وما ورد من أنّ غسل الجمعة یصیر عوضا عن غسل الجنابة فی ناسی غسلها فی الصوم الواجب (2).

ویؤیده أیضا الأدلة الدالة علی أصالة البراءة ما لم یثبت التکلیف.

ویؤیده عدم إشارة إلی أنّ المکلف فی صورة لم یعلم خصوص الوجوب أو الندب ما ذا یصنع.

نعم ، ببالی أنّه ورد فی بعض الأخبار ما یشیر إلی اعتبار قصد الوجوب أو الندب مثل من دخل فی الصلاة وشکّ أنّه هل نوی النافلة أو الفریضة (3) وغیر ذلک ) (4) وسیجی ء من الشارح ما یظهر منه أنّه أیضا اعتبر فی أمثال المقامات ، لکن ربما کان جمیع ذلک منحصرا فی صورة یکون کل واحد من الوجوب والندب من مشخصات الفعل وممیزاته ، ویکون حینئذ اعتبارهما من جهة لزوم قصد التعیین لتحقق الإطاعة والامتثال کما مر ، وسیجی ء فی الحاشیة الآتیة أیضا.

والاتفاق واقع فی لزوم قصد التعیین مضافا إلی الأدلة التی مرت الإشارة إلیها ، مثل عمل کافة المسلمین فی الأعصار والأمصار ، وأن کلّ أحد یعلم أنّه لا بدّ من الإطاعة ، وأنّها لا تتحقق إلاّ بقصد المطلوب ، وأنّ المکلّف أمر ولأجله أفعل ، وغیر ذلک مما مر وسیجی ء.

ص: 245


1- انظر الوسائل 6 : 20 أبواب تکبیرة الإحرام ب و: 299 أبواب الرکوع ب 4.
2- الوسائل 10 : 238 أبواب من یصح منه الصوم ب 30 ح 2.
3- الوسائل 6 : 6 أبواب النیة ب 2.
4- ما بین القوسین لیس فی « ه ».

ولکن الأحوط قصد الوجوب أو الندب أیضا ، لما مر وسیجی ء ، وإن کان الظاهر عدم الوجوب ، لکن الاحتیاط فی موضع یعلم الوجوب أو الاستحباب ، أمّا إذا لم یعلم مثل الوضوء فی الوقت المشکوک فیه وغسل الجمعة بالنسبة إلی من لم یعلم الوجوب أو الاستحباب ومتحیّر فیهما فلا حاجة إلی الاحتیاط أیضا ، نعم لعلّ الأحوط قصدهما حینئذ علی سبیل التردید.

ومع ذلک (1) یکفی قصد الوجوب الوصفی والقیدی ولا یحتاج إلی قصد التعلیل بأن یقول : لوجوبه ، إلاّ أن یرید الاحتیاط عما ذکره العدلیة فی کتبهم الکلامیة (2) ، فتدبر. والله أعلم بحقائق أحکامه.

هذا ، ویمکن أن یجعل مراد المستدل أنّ العبادة تقع علی وجوه متعددة : الوجوب ، والندب ، والکراهة ، والحرمة ، فإن قصد وجها معیّنا وکان هو المطلوب ثبت المطلوب ، وإن کان غیره لم یتحقق الامتثال ، لأنّه الإتیان بالمطلوب ، وإن قصد غیر المعیّن لم یتحقّق الامتثال أیضا ، لأنّ غیر المعیّن یتحقّق فی ضمن کلّ فرد ، وجمیع الأفراد متساویة فیه ، فلا خصوصیة له بالمطلوب ، وحینئذ یکون الفرق بین هذا الدلیل والدلیل الثانی أنّه أعمّ منه.

قوله : کما ذکره المتأخرون. ( 1 : 188 ).

یمکن أن یکون مراده أنّه یمکن للمکلف أن یوقع الفعل علی وجه الوجوب تارة وعلی الندب أخری ، بأنّه عنده کذلک وإن لم یکن فی الواقع ، إذ لا بدّ أن یمتثل هو ویعلم أنه ممتثل ، ولو لم یعلم لم یکن بعد ممتثلا عرفا لأنه اعتقد أنّه غیر ممتثل ولا یرید الامتثال ولم یقصد إتیان ما طلب منه ،

ص: 246


1- فی « و » : بل ومع ذلک.
2- انظر الاقتصاد : 109 ( للشیخ الطوسی ) ، وکشف المراد : 407.

فکیف یکون ممتثلا؟! فإذا علم أنّه عبادة والعبادة لا تخلو عن الرجحان وتوهم أنه علی قسمین أو جاز ذلک عنده فلا بدّ أن یأتی بالممیز.

هذا حال الجاهل أو المتوقف فی عدم جواز الاجتماع کالشارح ، وأمّا المعتقد له لتمکنه أن یقصد مستحبا فی مقام الواجب وبالعکس - وإن لم یکن مشروعا کقصد الریاء والتبرید محضا وأمثالهما - فیجب علیه عدم قصد المخالف للحق ، لما عرفت.

وقصد التعیین واجب قطعا ، لأنّه یکون به ممتثلا کما عرفت ، وهو إمّا قصد الوجوب أو الندب أو قصد الوضوء الذی ذمتی مشغولة بما یتوقف علیه أو فارغة عنه وهما یستلزمان الوجوب والندب عادة ، بل ربما کانا رجعا إلیهما فی المعنی.

نعم إن نوی ما أراده الشارع منه ، بعد أن یعتقد أنه لیس إلاّ واحدا معینا ، ولم یتذکر أیهما هو فالظاهر أنّه یکفی ، لکن لعله من الفروض النادرة ، فتأمّل.

قوله : لکن امتثال الأوامر. ( 1 : 188 ).

لا یخفی أن الإطاعة لا تتحقق عرفا إلا بقصد تعیین المطلوب فیما إذا کان المطلوب أمرین متغایرین یتمیز أحدهما عن الآخر فی نظر المأمور أیضا ، فإذا أتی بأحدهما فلا بدّ من تعیینه بملاحظة ما به الامتیاز.

مثلا : عند الصبح مکلف برکعتین فریضة ، ورکعتین نافلة ، فلا بدّ للمکلف من أن یعین أحدهما حتی یکون ممتثلا ، سیما إذا أراد امتثال أحدهما معینا ، فلو صلی رکعتین من دون تعیین کونهما فریضة أو نافلة لا یعد ممتثلا ، لا بالنسبة إلی الفریضة ، ولا بالنسبة إلی النافلة.

نعم ، إذا تمیز الفریضة عن النافلة بالماهیة أو بلازم آخر سوی الوجوب أمکن الاکتفاء بقصد الماهیة أو اللازم الآخر ، ومعلوم أنّ ما نحن فیه لیس

ص: 247

کذلک.

مع أنّ الحکم بوجوب الطهور إذا دخل الوقت لا بدّ له من ثمر یثمر بالنسبة إلی المکلف ، إذ بمجرد دخول الوقت لا یترتب العقاب علی ترکه ، والصحة والمشروعیة کانت حاصلة قبل الوقت أیضا ، وکونها شرطا لصحة الصلاة لا دخل له فی دخول الوقت ، فضلا عن الوجوب ، للإجماع علی صحّة الصلاة بالوضوء المندوب مثلا ، والحاصل قبل دخول الوقت ، واشتراطها للصلاة لا یفهم من هذا الخبر ، بل لا بدّ من أن یکون مفهوما من الخارج ، وکونها واجبة بالأصالة بعد دخول الوقت باطل قطعا ، ومرّ أنّ ثمرة النزاع فی الوجوب للغیر والوجوب للنفس تظهر فی نیة الوجوب والاستحباب ، فتأمّل.

ویؤیده ما ذکره العدلیة فی کتبهم الکلامیة من أنه یشترط فی استحقاق الثواب علی فعل الواجب أن یوقع بوجوبه أو وجه وجوبه ، وفی المندوب أیضا کذلک.

قوله : ولم تکن النیة. ( 1 : 189 ).

لا شبهة فی أنّ الناوی کذلک مخطئ علی أی حال ، بل وفاعل حرام لو قصد کونه کذلک شرعا أو اعتقد ، إنّما الکلام فی أنّه هل یؤثّر فی قبح الفعل أم لا ، فإذا سلّم أن له حقیقة فلا وجه لتأمّله فی قبح وضوئه ودعوی کونه مخطئا فی نیته فقط ، فتأمّل.

قوله : فی غایة الجودة. ( 1 : 189 ).

جیّد فی صورة نوی الذی أراده الله تعالی منه فی الوقت الذی یفعله ، وکان ما أراده واحدا معینا ، وأمّا إذا کان متعدّدا متمیزا وما به التمییز خصوص الوجوب والندب فقد عرفت حاله ، وکذا إذا لم یکن متعددا لکن المکلّف یزعم التعدد ونوی غیر الذی أراده الله تعالی منه ، فهو بالنسبة إلی المجتهد

ص: 248

یمکن أن یکون حکما ظاهریا صحیحا بالنسبة إلی ما یزعم تحققه لا بالنسبة إلی المتحقق ، فتأمّل.

وکذا یشکل الحکم فی غیر المجتهد ، لأنّ خطاءه غیر معذور ولا معفوّ عنه ، فتأمّل جدا.

وبالجملة : یکون ممتثلا إذا نوی الذی أراده الله تعالی وعیّنه بوجه من الوجوه ، فلا یضرّ خطاؤه فی اعتقاده باتصافه بالصفة التی لیست فیه ، بل ویکون ضدّها فیه.

قوله : واحتج علیه المشترط. ( 1 : 189 ).

استدلاله لیس کذلک ، بل قال : إنّ المفهوم وجوب إیقاع الغسل والمسح لأجل الصلاة ، ولا معنی لهذا إلاّ أنّه لأجل أن یبیح له فعل الصلاة ، کما أنّ المفهوم فی المثالین کذلک.

ولذا لو قال المولی لعبده : إذا لقیت الأمیر فخذ أهبتک ، فأخذ العبد الأهبة لا لأجل لقاء الأمیر بل وصرّح العبد بأنّی لم آخذ تهیأ للقاء الأمیر بل لأمر آخر لا یکون ممتثلا ومطیعا للمولی فی ما أمره به ، سیما إذا صرّح العبد بأنّه لو لا الأمر الآخر ما کنت آخذ الأهبة أبدا.

وکذا الحال فی قوله لعبده : أعط الحاجب درهما لیأذن لک ، إذ لم یجوّز تحصیل إذنه بغیر الدرهم ، حتی یصیر شرطا شرعیا ، وأمّا إذا کان مراده تحصیله کیف کان - والدرهم مقدمة عقلیة کما هو الظاهر من القرینة - فلا دخل له فی ما نحن فیه ، ولذا لو رضی الحاجب بغیر درهم یکون العبد ممتثلا وإن لم یعط درهما أصلا ، بل ربما کان عاصیا إن اعطی.

وکذلک الحال فی المثالین الآخرین لو ادعی قرینة علی مراد المولی ، بأنّ مراده کون العبد مع الهبة أو السلاح حین اللقاء کیف کان ، نظیر طهارة الثوب والبدن للصلاة.

اشتراط نیّة الرفع أو الاستباحة

ص: 249

وبالجملة : فرق بین أن یقال : لا بدّ من الوضوء حین الصلاة وأمثال هذه العبارة وأن یقال : اغسل وجهک للصلاة ، ولذا لم یستدل المستدل بمثل : « لا صلاة إلا بطهور » (1) مع صراحة دلالته علی الاشتراط.

ومما ذکرنا یشکل ورود الإیراد الذی أورد فی الذخیرة علی المستدل : بأنّ غایة ما یلزم من الدلیل کون الوجوب لأجل الصلاة علی أن یکون الظرف قیدا للوجوب لا وجوب الوضوء لأجل الصلاة علی أن یکون قیدا للوضوء. انتهی (2).

وذلک لأنّه إن أراد الوجوب الشرطی ففیه أنّه معنی مجازی للأمر ، وإن أراد الشرعی فعلی تقدیر تصحیح خلو الظرف عن الوضوء الذی هو غسل الوجه. یتم دلیل المستدل أیضا ، کما ذکره ، فتأمّل جدّا.

قوله : لا یقتضی وجوب إحضار النیة. ( 1 : 189 ).

فیه : أنّ الأدلة التی استدل بها علی وجوب نیة القربة لا تدل علی وجوب إحضارها عند فعلها ، وبالجملة کون النیة هی المخطر بالبال أو الداعی علی الفعل کلام آخر لیس المقام مقامه ، فتأمّل.

قوله : فإنّه یکفی إعطاؤه. ( 1 : 189 ).

فیه اعتراف بأنّ وجوب الإعطاء توصلی لا شرط شرعی ، فلا وجه لتمسّکه به وجعله مماثلا لوجوب الغسل والمسح الذی هو عبارة عن وجوب الوضوء ، فتأمّل.

قوله : لعدم الأولویّة. ( 1 : 191 ).

هل یصح الوضوء لو ضمّ إلی نیّة التقرب إرادة التبرّد أو غیر ذلک فیه أم لا؟

ص: 250


1- التهذیب 1 : 49 / 144 ، الاستبصار 1 : 55 / 160 ، الوسائل 1 : 365 أبواب الوضوء ب 1 ح 1.
2- ذخیرة المعاد : 24.

لو کان کل واحد منهما علة مستقلة للفعل وتداخل لأمکن القول بالصحة ، أما لو کان جزء العلة له وکان لو لم ینضم الآخر لما فعل لبطل کما قال ، لکن یشکل الأمر فی ضم الراجح أیضا ، فإن من صام شهر رمضان بضم الحمیة بحیث لو لم یکن الحمیة لما صام لا یعد ممتثلا لصوم شهر رمضان ومطیعا لله تعالی فی ذلک عرفا ، فتأمّل.

قوله : ومتی أخلّ بالاستدامة. ( 1 : 192 ).

لا یخفی أنّ النیة علی المشهور هی صورة مخطرة بالبال ، لأنها الداعیة علی الفعل ، فلا بدّ أن تکون موجودة فی الذهن بحیث تؤثر فی الإیجاد ، فلو لم تکن موجودة لا تؤثر قطعا ، فکذا لو کانت فی الحافظة ، إذ حال النسیان لا تؤثر قطعا.

والذی دعاهم إلی ذلک ما عهد من حصر القوی الباطنة فی الخمسة المشهورة المعهودة ، ولهذا شرطوا المقارنة للوضوء والصلاة وغیرهما ، لتحقق مفاد التلبس المستفاد من الأدلّة.

وکذا اعتبروا الاستدامة الحکمیة دون الفعلیة لتحقق الحرج مطلقا والتعذر فی بعض الأحیان ، إذ ( ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَیْنِ فِی جَوْفِهِ ) ، فإذا توجه إلی إحضار الصورة فکیف یتأتی أن یتوجه إلی إصدار الفعل.

والحق أنّ المؤثر غیر منحصر فی المخطر علی ما نشاهد فی وجداننا ، فإنّا کثیرا ما نفعل الأفعال الاختیاریة من غیر إخطار ، بل ومع غایة توغل النفس فی الأفکار ، أو المکالمات والمخاصمات ، أو الصناعات والحرف ، أو المشی ، أو غیر ذلک.

ولذا بعد الصلاة بلا فصل نشتغل بالأوراد والأدعیة والقرآن ، سیما وکل واحد واحد مغایر للآخر غایة المغایرة نأتی بالکل من دون إخطار أصلا بالنسبة إلی کل واحد واحد ، ولا بالنسبة إلی المجموع ، بل والفکر فی غایة التوغل

ص: 251

فی أمور أخر ، کما هو حال صلاتنا ، مع أنّ کل واحد واحد من أفعال الصلاة یصدر عنا ، سیما مع مضادّتها وکمال مغایرتها مع الآخر. ومن البدیهیات أنّ الفعل الاختیاری لا یمکن صدوره من غیر قصد وداع.

فالحق ما قاله الشهید من اعتبار الاستدامة الفعلیة ، لأنّ العدم لا یؤثر قطعا ، ونحن نرکع ونسجد مثلا علی قیاس ما نقرأ الدعاء فی التعقیب والأوراد من دون تفاوت أصلا ، وحکایة انحصار القوی غیر مضرّة ، إذ لا شکّ فی أنّ مراتب القوة الحافظة ودرجاتها متفاوتة ، فلعل أوائل الحافظة تکون بحیث تؤثر ، بل المدرک بالوجدان أنّ الأمر کذلک ، فتدبر.

قوله : وفی البناء نظر. ( 1 : 192 ).

لجواز التمسک بمجرد الاستدامة الحکمیة من دون اعتبار لفعلیة النیة فی الاستدراک ، فتأمّل.

قوله : لکن تحققه مشکل. ( 1 : 192 ).

إذ کیف یفعل البعض بقصد القربة مع عدم انضمام البعض الآخر ، وعدم اعتباره وملاحظته ، مع أنّه لیس بعبادة إلاّ بانضمامه واعتباره معه ، فتأمّل.

قوله : هو بعینه معنی الاستدامة الفعلیة. ( 1 : 193 ).

فإنّه - رحمه الله - قال : مقتضی الدلیل الاستدامة ، لکن لمّا تعسّر ذلک أو تعذّر اکتفی بالاستدامة الحکمیة ، ثم فسرها بالبقاء علی حکمها والعزم علی مقتضاها ، والذی نفاه أوّلا هو الأمر الذی تعذّر أو تعسّر استدامته ، کما صرّح به ، وهو مرکّب من صور متعددة مترتبة ، کل واحدة منها مخطرة بالبال ، والذی أثبته هو الأمر البسیط الإجمالی ، وهو مجرد العزم علی ما قصد أوّلا.

ولعلّ مراده أنّه لیس مخطرا بالبال ، لأنّ استدامة إخطاره متعذّر أو متعسّر أیضا ، بل هو فی أوائل الحافظة ، کما أشرنا ، فبین المنفی والمثبت

ص: 252

فرق من وجهین : الإجمال والتفصیل ، والمخطریة وعدمها ، بل وکون المنفی العزم علی نفس العبادة ، والمثبت العزم علی ما عزم به أوّلا ، فتأمّل.

واعترض علیه بأنّه لا دلیل علی الاستدامة الفعلیة ، إذ القدر الثابت أنّ العبادة لا بدّ أن تکون متلبسة بالنیة فی الجملة (1).

وهذا الاعتراض فی غایة السخافة ، إذ لا شبهة فی أنّ مقتضی الأدلّة کون العمل بجمیع أجزائه لا بدّ وأن یکون خالصا لله ، وأن یکون بالنیة ، وأن یکون المکلف ممتثلا فیه.

لکن یرد علیه أنّ مقتضی الدلیل إن کان مراعاة الاستدامة الفعلیة ، فإذا تعذرت أو تعسرت فأیّ دلیل یدل علی الاکتفاء بالحکمیة ومراعاتها ووجوب اعتبارها؟ إلاّ أن یقال : المرتبة الإجمالیة جزء المرتبة التفصیلیة ، أو یتحقق فیها ما هو جزؤها ، و « المیسور لا یسقط بالمعسور » (2) و « ما لا یدرک کله لا یترک کله » (3) ، وهما مرویّان عن علی علیه السلام ، وللاستصحاب ، فتأمّل.

نعم یتوجه علیه أنّه لا وجه لجعل النیة خصوص المرکب التفصیلی دون البسیط الإجمالی ، إذ لا دلیل علی وجوب التفصیل وتعین هذا الوجودی دون الوجودی الآخر ، وجعل الوجودی بدلا اضطراریّا.

واعلم أنّ بین المخطر بالبال والداعی علی الفعل عموما من وجه ، إذ ربما یکون الداعی سوی ما یخطر صورته غفلة.

ص: 253


1- ذخیرة المعاد : 25.
2- انظر عوالی اللآلی 4 : 58 / 205 و 207.
3- انظر عوالی اللآلی 4 : 58 / 205 و 207.

قوله : عبادة الذاهل. ( 1 : 193 ).

إن أراد الذهول عن صورة العزم ونقشه فلیس ذلک بمقتض لبطلان عبادة هذا الذاهل قطعا ، وإن أراد عدم عزمه لفعل ما بقی لله تعالی ولم یفعل الباقی بقصد القربة والإخلاص وعزم الامتثال ، فدعوی قطعیة البطلان باطلة ، سیما بملاحظة ما ذکره ابن زهرة من أنّ الفرض الثالث استمرار حکم النیة إلی حین الفراغ ، وذلک بأن یکون ذاکرا لها غیر فاعل لنیة تخالفها ، بالإجماع (1). انتهی.

قوله : الثالث أنّ ما ذکره. ( 1 : 193 ).

لم أفهم کلام الشهید - رحمه الله - بأن مراده من الباقی والمؤثر ما ذا ، والاحتیاج فی أی شی ء حتی أفهم اعتراض الشارح ، وأنه وارد علیه أم لا.

والذی یظهر من کلامه أن مراده من الباقی هو أجزاء العبادة التی یرید المکلف أن یأتی بها بعد النیة ، ومراده من المؤثر هو النیة التی هی علة غائیة فی وجودها.

وهو فی غایة الفساد ، لأنّ الأجزاء لم تکن موجودة ولا تکون باقیة بالبدیهة ، وما ادّعی أحد ولا توهم متوهم ولا یمکن أن یتوهم ، لأنّها معدومة حال النیة بالبدیهة ، تحدث شیئا فشیئا بعد النیة وتخرج من العدم إلی الوجود ، وبعد الوجود تعدم ولم یکن لها بقاء أصلا حتی یقال : إنّها فی حال الوجود یحتاج إلی المؤثر دون حال البقاء ، فتأمّل.

والأظهر أنّ مراده من الباقی أثر النیة أعنی الصحة. وفیه : أنّه لم یظهر بعد (2) نفس الأثر فکیف بقاؤه ، مع أنّه - رحمه الله - اعترف بأنّ مقتضی الدلیل اعتبار الاستدامة الفعلیة ، وهذا یقتضی أن یکون بدونها غیر

ص: 254


1- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 553.
2- لیس فی « ه ».

صحیحة ، فتأمّل.

قوله : والوجه فیه صدق الامتثال. ( 1 : 193 ).

فیه تأمّل ، لأنّ مقتضی الدلیل أنّ کلا من [ الأحداث ] (1) علّة مستقلة ، وأهل العرف لا یفهمون من مثل هذا کون المعلول واحدا إذا وقع عقیب علل متعددة حتی یحکم بتحقق الامتثال عندهم ، بل لا یبعد أن یقال : إنّ الظاهر عندهم التعدد إلاّ أن یصرح الآمر بکفایة الواحد ، وإن شئت معرفة صدق ما قلناه بدّل الحدث والوضوء بأمر عرفی ثم تأمّل.

نعم ، المتشرعة یفهمون کما ذکره ، بل ویوجبون کون الوضوء واحدا ولا یرضون بالوضوء لکل حدث علی حدة ، ولیس ذلک إلاّ من وقوع الإجماع کذلک ، بخلاف الغسل کما سنذکر ، مع أن مفهوم العبارة بحسب العرف فی الوضوء والغسل واحد ، بل وغیرهما من الأمور التی لا تأمل لأحد فی ظهور التعدد ، فتأمّل.

قوله : إلی صدق الامتثال. ( 1 : 194 ).

فیه - مضافا إلی ما سبق - : أن التداخل عبارة عن صیرورة شی ء أو أشیاء شیئا واحدا ، أو کفایة شی ء عن شیئین أو عن أشیاء ، ولا شک فی کون هذا خلاف الأصل ، فلا یمکن أن یقال به إلاّ بدلیل ، وصدق الامتثال العرفی کیف یجوز أن یصیر دلیلا؟ لأن أهل العرف کیف یمکنهم أن یحکموا بصیرورة شیئین شرعیین شیئا واحدا وکفایة واحد شرعی عن متعدد شرعی؟! إلاّ أن یرید من التداخل کون المکلف به شیئا واحدا لا تعدد فیه أصلا وإن کانت أسبابه متعددة ، لأنها من قبیل الأمارات والمعرّفات ، لکن قد عرفت أن الظاهر من الأدلة تعدد المسببات وإن کانت من قبیل المعرفات

- کفایة وضوء واحد بنیّة التقرب عن أسباب متعددة
تداخل الأغسال الواجبة

ص: 255


1- فی النسخ : الحدث ، والأنسب ما أثبتناه.

یجوز اجتماعها علی معلول واحد ، لأن الجواز لا کلام فیه ، وإنما الکلام فی الظهور ، إذ لا نسلم الظهور فی الواحد بل ندعی الظهور فی التعدد کما مر.

بل الأخبار التی یستدل بها هاهنا أیضا ظاهرة فی التعدد ، حیث قال : « إذا اجتمعت علیک حقوق » فإن الحقوق ظاهر بل صریح فی التعدد ، وکذا قوله علیه السلام : « أجزأک عنها » لأنه صریح فی الکفایة عن المتعدد ، لا أنه لا تعدد أصلا ، فإن حجة الإسلام مثلا تکلیف واحد لا یمکن أن یقال یجزئ عن حجتین للإسلام أو ثلاث حجج ، إذ لا تعدد فی حجة الإسلام أصلا.

وأیضا : غسل الجنابة له ثواب خاص ، وهو من الفرائض ویرفع الحدث الأکبر والأصغر قطعا ولا یجوز معه الوضوء ، وغسل مس المیت له ثواب خاص ، ووجوبه من السنة ، وغیر معلوم أنه یرفع الحدث الأصغر ، بل الشارح - رحمه الله - ادعی أن مسّ المیت لیس بحدث أصلا (1) ، ومع ذلک یجوز معه الوضوء ، بل ویجب الوضوء مع غسل الحیض ومعه أیضا.

فکیف یمکن أن یقال : جمیع الأغسال الواجبة شخص واحد لا تعدد فیه أصلا ، وأنّ المکلف لا یثاب إلا بثواب شخص واحد؟ إذ لا شک فی بطلانه إذ مع التداخل أیضا یثاب المکلف بثواب الأغسال التی کانت علیه.

ودعوی اتحاد الأغسال المستحبة أظهر فسادا منها ، وأظهر فسادا منهما دعوی اتحاد الواجب والمستحب سیما الواجبات والمستحبات.

وهذا أیضا ینافی استشکاله فی صورتی التعیین وتفریقه بین صورتی التعیین وبین غیرهما ، بل یلزم منه عدم التفاوت أصلا بین من قصد امتثال جمیع الأغسال وبین من لم یقصد امتثال الجمیع ومن قصد عدم الامتثال بالنسبة إلی بعضها ، بل ومن بنی علی العصیان بالنسبة إلی البعض ، فتأمّل.

تداخل الأغسال المستحبّة

ص: 256


1- انظر مدارک الأحکام 1 : 16.

قوله : والأظهر التداخل. ( 1 : 194 ).

الامتثال إذا تحقق فی عبادة اقتضی استحقاق ثوابها والاستئهال له ، فإذا لم یکن مقصود المکلف الإتیان بتلک العبادة أصلا ولم یرد إطاعة الله فیها مطلقا بل وربما أعرض عنها صفحا کیف یکون مستحقا لثوابها؟ بل قد مرّ أن الامتثال فی العبادات یتوقف علی قصد التعیین والإطاعة ، وغیر العبادة لا یتوقف ، ومن جملته الواجبات الشرطیة التی لیست بعبادة ، وبعض الأغسال وإن کان شرطا للعبادة إلاّ أنه فی نفسه عبادة.

فعلی هذا نقول : الغسل من حیث هو هو لیس بمستحب ، بل إنما استحب لفعل خاص أو زمان خاص أو مکان خاص عیّنه الشارع ، فلو لم یقصد سوی الغسل من حیث هو هو کیف یکون آتیا بالمستحب؟.

اللهمّ إلاّ أن ینوی الغسل الذی أراده الشارع أی بهذا العنوان ، وهذا علی صور ثلاث : قصد العموم ، والخصوص ، ولا هذا ولا ذاک ، والأولی صحیحة مجزیة للامتثال ، ومثلها قصد التداخل شرعا ، والثانیة صحیحة بالنسبة إلی الخاص المعین دون غیره ، لعدم إرادة إتیانه وامتثاله ، أو لإرادة عدم إتیانه وإطاعته ، والثالثة صحتها لا تخلو عن الإشکال ، لاشتراط قصد التعیین فی الامتثال ، کما قلنا.

ثم إن استحباب الغسل لفعل أو زمان أو مکان ورد فی الأخبار علی صورتین : الأولی : الأمر بفعله له ، وهذه حکمها مر. والثانیة : افعل ذلک الفعل وأنت علی غسل ، أو ذلک الفعل شرطه أن یکون مع الغسل ، وأمثال هذین ، وهذه یتحقق الامتثال فیها بتحقق الفعل مع الغسل مطلقا ، سواء قصد حین الاغتسال أم لا.

نعم ، لا بدّ أن یکون الغسل فی نفسه متحققا بإحدی الصور الصحیحة التی أشرنا إلیها ، مضافا إلی أن فاعل ذلک لا بدّ أن یکون عالما

تداخل الأغسال المستحبّة

ص: 257

بالمسألة وعالما بأنه علی غسل ، علی الرأی المشهور من عدم صحة عبادة الجاهل وإن وافقت الواقع ، وسیجی ء الکلام فیه إن شاء الله ، وقس علی الفعل حال الزمان والمکان ، وعلی الأغسال المستحبة الأغسال الواجبة ، أو التی بعضها واجب وبعضها مستحب.

فإن قلت : الإمام علیه السلام لم یتوجه فی الأخبار الدالة علی التداخل إلی قصد التعیین مطلقا.

قلت : لم یتوجه فی تکلیف من التکالیف إلیه ولا إلی قصد الامتثال والقربة ، فالدلیل المقتضی لاعتبارهما یشمل ما نحن فیه ، فتأمّل.

ثم اعلم أن ما ذکرناه إنما هو بالقیاس إلی حصول الثواب ، وأما استباحة الفعل المشروط بالغسل ، فهی حاصلة وإن لم یقصد إلاّ رفع بعض الأحداث ، بناء علی أن الحدث معنی واحد ، بل وإن لم یقصد الرفع ولا الاستباحة ، بناء علی عدم وجوب قصدهما ، ویظهر ذلک من الأخبار ، مثل مرسلة جمیل (1) وما رواه ( الصدوق فی ) (2) الفقیه (3) وغیرهما ، وفی دلالة المرسلة إشکال ، وإذا قصد رفع بعض وعدم رفع بعض فمشکل صحة مثله.

ثم اعلم أیضا أن المطابق لقواعدهم أنه إن قصد الجنابة لا یتوضأ مع الغسل ، وإن قصد الحیض یتوضأ ، وإن قصدهما لا یتوضأ ، والأحوط والأولی قصد الجمیع ، إلاّ أن یکون غافلا أو جاهلا ویکون بحیث لو لم یکن غافلا أو جاهلا لأتی بما غفل عنه أو جهله ، فلا یبعد أن یقال : إنه تعالی یعطیه ثوابه أیضا ، ویکون داخلا فی التداخل ، فتأمّل.

ص: 258


1- الکافی 3 : 41 / 2 ، الوسائل 2 : 263 أبواب الجنابة ب 43 ح 2.
2- بدل ما بین القوسین فی « ج » و « د » : فی الکافی و.
3- الفقیه 1 : 44 / 173 ، و: 93 / 25.

قوله : وقد ذکر فی أوّل الکتاب. ( 1 : 197 ).

لا یخفی أنّ الحدیث الغیر الصحیح لیس بحجة عند الشارح وإن انجبر بفتوی الأصحاب ، ویقول : فتاویهم إن وصلت إلی حدّ الإجماع فهی حجة ولا حاجة إلی الخبر (1) ، وإلا فلا فائدة. فکیف یکتفی بفتوی واحد منهم ، فإذا اجتمع فتاوی سائر الفقهاء مع فتواه یخرج عن الاعتداد جمیعها ، وإن انفرد فتواه ولم یوافقه سائر الفقهاء یصیر حجة ومفیدا؟! وهذا من العجائب.

( مع أن انجبار الحدیث بفتاوی الأصحاب أمر ظاهر ، لأنه نوع من التبین المأمور به فی الآیة بالنسبة إلی خبر الفاسق ، بل أقوی أنواعه ، بل به یتبین حقیة خبره ، لأن التبیّن تجسّس الأمر إلی ظهور الحال ، مع أن الظن کما یکفی فی العدالة المعتبرة کذا یکفی فی التبین ، لاتحاد الحال ووحدة المقتضی والمانع فیهما ) (2).

( هذا مع أن البقاء علی الجنابة عمدا غیر مضر عند الصدوق (3) ، وأما باقی الفقهاء فلا یضر عندهم البقاء علی الجنابة نسیانا ، بل المضر هو البقاء عمدا ) (4).

قوله : إن زاد علیه. ( 1 : 197 ).

أی بغیر قصد التشریع.

قوله : وإن نقص منه أثم. ( 1 : 197 ).

ای وإن کان باطلا أیضا.

غسل الوجه
حدّ الوجه الذی یجب غسله

ص: 259


1- فی « ج » و « د » : الجبر.
2- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
3- انظر المقنع : 60 ، وفی « و » و « ه » زیادة : علی ما مضی.
4- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

قوله : أنه لا إجمال. ( 1 : 200 ).

لم یرد أنه بیان للغسل ، بل أراد أنه بیان للوضوء ، ولا شک فی أنه مجمل فی أعلی درجات الإجمال ، لأنه عبادة توقیفیة ، ووظیفة الشارع بیانها ، لأنها کیفیة استحدثها الشارع.

إلا أن یدعی الشارح أنه لم یقع التکلیف بالوضوء إلاّ من قوله تعالی : ( إِذا قُمْتُمْ ) . وإن ثبت بعض الأجزاء الأخر وبعض واجباته من دلیل آخر ، مثل الترتیب والموالاة وغیرهما. لکن هذا محل نظر ، لأنّ الوضوء کان واجبا قبل نزول هذه الآیة فی أول بعثته صلی الله علیه و آله ، والآیة نزلت فی آخر عمره صلی الله علیه و آله ، فلا یمکن أن یدعی أن هذه الآیة بیان للوضوء. مع أن البیان یستوفی جمیع ما هو جزء وداخل فی الکیفیة ، والآیة لیست کذلک.

وأیضا زرارة ونظراؤه کانوا من الفقهاء والعارفین بمدلول عبارات الآیة ، فلو کان الأمر علی ما ذکرت فلم کانوا یسألون عن وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله دون أمیر المؤمنین أو غیره من الأئمة علیهم السلام ، ولم أجیبوا بالإتیان بجمیع الواجبات دون المستحبات مثل المضمضة والاستنشاق وغیرهما؟! فتأمّل.

ومما ذکر ظهر أنّه یمکن الاستدلال علی الوجوب أیضا بتوقف حصول الامتثال العرفی علی الغسل من الأعلی ، وبأن شغل الذمة یقینی وهو مستصحب حتی یثبت خلافه وهو البراءة ، ولقوله علیه السلام : « لا تنقض الیقین إلاّ بیقین مثله » (1) وقوله علیه السلام « دع ما یریبک إلی ما لا یریبک » (2).

وجوب غسل الوجه من الأعلی إلی الأسفل

ص: 260


1- ورد مؤداه فی التهذیب 1 : 8 / 11 ، الوسائل 1 : 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1.
2- جوامع الجامع 1 : 13 ، الوسائل 27 : 167 أبواب صفات القاضی ب 12 ح 43.

ویمکن الاستدلال أیضا بأنه ثبت وجوب البدأة من الأعلی فی الید ، کما ستعرف ، فکذا الوجه ، لعدم القول بالفصل ، ویؤیده الشهرة العظیمة ، بل ربما صار شعارا للشیعة ، کما أنّ المنکوس صار شعارا للعامّة ، فربما یشمله العمومات الدالة علی الأخذ بما خالفهم ، وأن الرشد فی خلافهم ، وغیر ذلک ، فتأمّل.

قوله : مع أن أکثر الأخبار. ( 1 : 200 ).

لا یخفی أن عدم الذکر فی بعضها لا یعارض الذکر فی بعضها ، وإن أراد أن هذا مشعر بعدم فهم راوی البعض الوجوب أو کونه أمرا لا یهم به ففیه أیضا نظر ، لأن المقامات مختلفة.

قوله : فمرسل. ( 1 : 200 ).

لکن نقله الصدوق فی الفقیه مع أنه قال فی أوّل الفقیه ما قال ، وربما یظهر من الشارح الاعتماد علیه ، منه ما مرّ فی بحث التداخل فی الأغسال (1) ، مع أن موافقته لما اشتهر بین الأصحاب یکفی لانجباره ، فتأمّل.

قوله : والمستند فی ذلک. ( 1 : 202 ).

فیه : أن الغرفة الواحدة تجزی للغسل فی غسل الرأس فکیف لا تجزئ فی الوضوء؟! والأولی الاستدلال عوض هذا بصدق الامتثال العرفی ، وأصالة عدم زیادة التکلیف.

وفی کشف الغمة فی ما کتب الکاظم علیه السلام إلی علی بن یقطین اتقاء : « اغسل وجهک وخلل شعر لحیتک. » ، ثم کتب إلیه : « توضأ کما أمر الله : اغسل وجهک مرة فریضة واخری إسباغا » إلی أن قال : « فقد زال ما

عدم وجوب تخلیل اللحیة

ص: 261


1- المدارک 1 : 197.

کنا نخاف علیک » (1) ، ولم یتعرض فی هذه المرتبة إلی تخلیل الشعر ، وفیه شهادة علی کونه من بدع العامة.

قوله : نظرا إلی أن المواجهة. ( 1 : 203 ).

لم أفهم هذا ولا اعتراض الشارح ، فتأمّل.

قوله : وأیدیکم إلی المرافق. ( 1 : 203 ).

ذکر الشیخ فی الخلاف أنه ثبت عن أهل البیت أن « إلی » بمعنی « مع » هنا (2).

قوله : وهو مذهب أهل البیت. ( 1 : 204 ).

ویظهر من العلامة فی المنتهی أن وجوب غسله بالأصالة إجماعی عند الشیعة ، وما نقله الشارح من المنتهی خلاف ما فی المنتهی (3) ، فلاحظ.

قوله : توفیقا بین الآیة والأخبار. ( 1 : 204 ).

فی کشف الغمة عن الکاظم علیه السلام : « الوضوء کما أمر الله تعالی : اغسل وجهک مرة فریضة وأخری إسباغا ویدیک من المرفقین کذلک » (4) الحدیث ، وورد أیضا أن الآیة هکذا ، أی من المرافق (5) ، وضعف السند غیر مضر بعد عمل الأصحاب بمضمونه ، مع أن ما فی کشف الغمة لا تأمّل فی صحته ، فتأمّل.

قوله : للأصل. ( 1 : 205 ).

غسل الیدین
ما یجب غسله من الیدین
وجوب الابتداء من المرفق فی غسل الیدین

ص: 262


1- إرشاد المفید 2 : 227 ، کشف الغمة 2 : 226 - 227 ، الوسائل 1 : 444 أبواب الوضوء ب 32 ح 3.
2- الخلاف 1 : 78.
3- قال فی المنتهی ( 1 : 58 ) : یجب غسل الیدین بالإجماع والنص ، وأکثر أهل العلم علی وجوب إدخال المرفقین فی الغسل ، خلافا لبعض أصحاب مالک ، وابن داود ، وزفر.
4- کشف الغمة 2 : 226.
5- الکافی 3 : 28 / 5 ، الوسائل 1 : 405 أبواب الوضوء ب 19 ح 1.

لعل مراده من الأصل القاعدة الناشئة من قوله صلی الله علیه و آله : « إذا أمرتکم بشی ء فأتوا منه ما استطعتم » (1) ، وقول علی علیه السلام : « المیسور لا یسقط بالمعسور » (2) ، وقوله : « ما لا یدرک کله لا یترک کله » (3).

وروایة رفاعة مع عدم الصحة لا دلالة لها علی ما نحن فیه ، بل ظاهرها أن من قطعت یده من المفصل أو رجله من الکعب یغسل موضع القطع ، وهو مذهب الشافعی ، ولعله للتقیة قال : یغسل ذلک المکان. مع احتمال أنه علیه السلام ما أجاب عن المسح بل بنی الأمر علی المعلومیة بالمقایسة.

وأما روایة ابن مسلم فمع الضعف قال : « یغسلهما » ، وهو فی غایة الوضوح فی وجوب غسل موضع المسح ، ففی الاستدلال به إشکال واضح ، وإن کان الضعف منجبرا بعمل الأصحاب ، فالدلیل فی الحقیقة هو الإجماع ، والاستصحاب والقاعدة.

قوله : وهو حسن. ( 1 : 206 ).

لعل تحسینه بناء علی عدم ظهور الوجوب ، وفیه تأمّل ، وإنما قلنا ذلک لبعد ذلک من طریقة الشارح.

وبالجملة : لا تأمّل فی أن الاحتیاط غسله ، بل یشکل الاکتفاء بغیر غسله.

قوله : وفی الثالث إلی قوله : یسقط غسله. ( 1 : 206 ).

هذا علی تفسیره المرفق بما فسره مشکل ، ولعل حکم المصنف بسقوط فرض غسلها بناء علی هذا.

نعم ، لا إشکال فیه علی التفسیر الآخر ، وهو أنه العظمان المتداخلان ، فظاهر أن المراد رأسهما ، فإذا ذهب أحدهما وجب غسل

حکم من قطع بعض یده

ص: 263


1- عوالی اللآلی 4 : 58 / 206 ، 205 ، 207.
2- عوالی اللآلی 4 : 58 / 206 ، 205 ، 207.
3- عوالی اللآلی 4 : 58 / 206 ، 205 ، 207.

الآخر ، لما ذکر فی غسل بعض ید الأقطع.

قوله : لأنه کالجزء من الید. ( 1 : 206 ).

لعل مراده أنّ تحت هذه الأشیاء أجزاء من الید یجب غسل ظواهرها ، وظاهرها صارت الآن ظواهر هذه الأشیاء.

قوله : لم یجب غسلها قطعا. ( 1 : 207 ).

لأن ما أمر الله بوجوب غسله من الأیدی هو الذی یکون له مرفق ، ووجوب غسل الید الأصلیة وان لم یکن لها مرفق إنما هو بالإجماع ، فتأمّل.

قوله : احتج العلامة فی المختلف. ( 1 : 208 ).

وفی الکشی ، فی ترجمة حریز بن عبد الله - فی الصحیح عن یونس بن عبد الرحمن - قال : قلت لحریز یوما : یا أبا عبد الله کم یجزیک أن تمسح من شعر رأسک فی وضوئک؟ قال : بقدر ثلاث أصابع ، وأومأ بالسبابة والوسطی والثالثة (1).

قوله : واحتجوا علیه. ( 1 : 210 ).

الحدیث فی الکافی فی باب علة الأذان حدیث صحیح طویل فی آخره : « ثم أوحی الله تعالی إلیّ : یا محمّد ، ادن من صاد فاغسل مساجدک وطهرها وصل لربک ، فدنی رسول الله صلی الله علیه و آله من صاد ، وهو ماء یسیل من ساق العرش الأیمن » إلی أن قال : « ثم امسح رأسک بفضل ما بقی فی یدیک من الماء ، ورجلیک إلی کعبیک » (2).

وفی کشف الغمة أن الکاظم علیه السلام کتب إلی علی بن یقطین :

حکم من کان له ذراعان أو کان له ید زائدة
مسح الرأس
الواجب فی المسح مسمّاه
اشتراط کونا لمسح بنداوة الوضوء

ص: 264


1- رجال الکشی 2 : 627 / 616 ، المستدرک 1 : 316 أبواب الوضوء ب 22 ح 1.
2- الکافی 3 : 482 / 1 ، الوسائل 1 : 390 أبواب الوضوء ب 15 ح 5.

« توضأ ثلاثا ثلاثا » ، ثم کتب إلیه : « توضأ کما أمر الله ، اغسل وجهک واحدة فریضة واخری إسباغا ، وکذلک المرفقین ، وامسح بمقدم رأسک وظاهر قدمیک من فضل نداوة وضوئک فقد زال ما کنا نخاف علیک » (1).

وفیه أیضا عنه علیه السلام : أنّه کتب إلیه أن أصحابنا اختلفوا فی مسح الرجل ، بعضهم روی أنه من الأصابع إلی الکعب ، وبعضهم روی بالعکس ، فکتب علیه السلام إلیه : « توضأ کما أمر الله ، اغسل وجهک مرة فریضة واخری إسباغا ، ویدیک من المرفقین کذلک ، وامسح بمقدم رأسک وظاهر قدمیک بنداوة وضوئک » (2).

وفی الفقه الرضوی : « وروی أن جبرئیل علیه السلام هبط إلی رسول الله صلی الله علیه و آله بغسلتین ومسحتین : غسل الوجه والذراعین بکف کف ، ومسح الرأس والرجلین بفضل النداوة التی بقیت فی یدیک من وضوئک » (3).

وتدل علی ذلک أیضا روایة مالک بن أعین عن الصادق علیه السلام : « من نسی مسح رأسه ثم ذکر ، إن کان فی لحیته بلل فلیأخذ ویمسح به ، وإلاّ فلینصرف ولیعد الوضوء » (4) إذ الظاهر منها أنه لو لم یکن بلل یأخذ ویمسح به یعید الوضوء ، أعم من أن لا یکون بلل أصلا ، أو یکون لکن لیس بحیث یؤخذ ویمسح به الرأس والرجلان.

وتدل علیه أیضا مرسلة خلف بن حماد عن الصادق علیه السلام :

جواز مسح الرأس مدبرا

ص: 265


1- راجع ص 261.
2- راجع ص 261.
3- فقه الرضا : 80 ، المستدرک 1 : 302 أبواب الوضوء ب 15 ح 2.
4- التهذیب 2 : 201 / 788 ، الوسائل 1 : 409 أبواب الوضوء ب 21 ح 7 ، بتفاوت فی العبارة.

الرجل ینسی مسح رأسه وهو فی الصلاة ، قال : « إن کان فی لحیته بلل فلیمسح به » قلت : فإن لم یکن له لحیته ، قال : « یمسح من حاجبیه ، أو من أشفار عینیه » (1) فإن الظاهر منها انحصار وجوب المسح ببقیة البلل ، والظاهر منها أنه لو لم یکن بلل یعید ، فلا ینفعه هذا الوضوء ، فلو جاز المسح بالجدید لنبّه علیه السلام علی ذلک.

وتدل علیه أیضا روایة زرارة القویة عن الصادق علیه السلام فی نسیان مسح الرأس : أنه إن کان فی لحیته بلل فلیفعل (2).

وروایة أبی بصیر عنه علیه السلام فی ذلک : أنه علیه السلام أمر بالمسح من بلّة لحیته (3).

وما رواه فی الفقیه مرسلا عنه علیه السلام (4) ، وهی صریحة ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : إذ من الجائز. ( 1 : 210 ).

لعلّه لا یخلو عن بعد ذکرنا وجهه فی حاشیتنا علی الذخیرة ، فلیلاحظ ، مضافا إلی أن العبادات توقیفیة لا یمکن الاکتفاء فیها بلیت ولعل ، بل لا بدّ فیها من الاقتصار علی المنقول من فعله ، کما سیصرح به الشارح مرارا. مع أن البیان القولی مفقود ، کما عرفت ، فانحصر فی الفعلی. مع أن جمیع المواضع التی اعترف الشارح بوجوب الاقتصار فیها علی المنقول من

ص: 266


1- التهذیب 1 : 59 / 165 ، الاستبصار 1 : 59 / 175 ، الوسائل 1 : 407 أبواب الوضوء ب 21 ح 1.
2- التهذیب 1 : 89 / 235 ، الوسائل 1 : 408 أبواب الوضوء ب 21 ح 3.
3- الفقیه 1 : 36 / 135 ، الوسائل 1 : 410 أبواب الوضوء ب 21 ح 9.
4- الفقیه 1 : 36 / 134 ، الوسائل 1 : 409 أبواب الوضوء ب 21 ح 8.

فعله وردت فیها إطلاقات ، مثل « کبّر » فی تکبیرة الإحرام ، وغیر ذلک.

قوله : فإن الجملة الخبریة. ( 1 : 211 ).

فیه نظر ، لأن الظاهر أن قوله : « وتمسح » عطف علی « ثلاث غرفات » ومثل هذا العطف شائع. وکونه أمرا عطفا علی الخبر بعید ، کما لا یخفی ، وکذا کون الواو للاستئناف. مع أنه یلزم أن یکون من واجبات الوضوء المسح ببقیة بلة الیمنی بالیمنی ، والیسری بالیسری ، ولم یظهر فتاویلهم بذلک ، سیما الشارح لکن تقدیر « أن » مخالف للأصل ، وکذا کون الواو بمعنی « مع » وعطفا فاسد ، ومع قطع النظر عن المعیة یفسد المعنی ، لأن قوله : « فقد یجزیک » متفرع علی کون الله وترا یحب الوتر ، وکون المسح ببقیة البلة کیف یتفرع علی کون الله وترا یحب الوتر ، مع أن الإجزاء یستعمل فی أقل الواجب ، ویشعر بأن غیره أولی ، ولیس کذلک عند ابن الجنید ، بل ظاهر کلامه کون الأمر بالعکس ، فتأمّل ) (1).

قوله : إنهم معترفون بصحة. ( 1 : 212 ).

ویمکن أن یکون مراد المعصوم علیه السلام من إشارته أن لا یسأل الراوی أمثال هذه السؤالات ، لکون المقام مقام التقیة ، فلم یتفطن الراوی ، وتوهم أن المراد النهی عن المسح ببقیة البلل ، فسأل ثانیا ما سأل فأجاب علیه السلام : « نعم » ، لکونه مناسبا لمذهبهم ، فتأمّل.

قوله (2) : للأصل. ( 1 : 212 ).

الأصل لا یجری فی ماهیة العبادات ، لکونها توقیفیة موقوفة علی النص لا علی الأصول والأدلة ، وهو ظاهر ، وحققناه فی الفوائد الحائریة (3) ،

ص: 267


1- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
2- هذه الحاشیة والتی بعدها لیست فی « ا ».
3- مخطوطة.

والإطلاقات تنصرف إلی المتبادر الشائع الغالب المطابق لأصل العدم.

مع أن الأمر إنما هو بالمسح ببقیة البلل ، والمتبادر البقیة خاصة لا ممزوجة ، کقول المولی : ائتنی بالعسل ، فالمتبادر منه غیر الممزوج بالخل أو غیره ، فلا یتحقق الامتثال بالسکنجبین ، فلذا لو مزج ماء الوضوء بالماء الجدید لا یکون ممتثلا بلا تأمّل ، ولو تحقق به الامتثال لصح مسح العامة لأنهم یصبون علی أیدیهم الماء الجدید ، وأیدیهم لا تنفک عن ماء الوضوء ، وإن کان الغالب الماء الجدید ، بل هذا أولی مما ذکره من المسح علی الرجلین وهو فی الماء.

قوله : وفیه منع. ( 1 : 213 ).

مرادهما أن المسح بالممزوج بالماء الجدید ، وبقیة البلل غیر الممزوج مع الجدید ، لأن المرکب من الداخل والخارج خارج ، کالعسل والسکنجبین ، وبقیة البلل غیر الممزوج من البقیة والجدید ، وفرق بین المسح ببقیة البلل والمسح بشی ء فیه بقیة البلل.

هذا ، ویحتمل أن یکون مرادهما أنه یصدق علیه المسح بماء جدید کما یصدق علیه المسح بالبقیة من غیر ترجیح ، فالحکم بأنه مسح بالبقیة ولیس مسحا بالماء الجدید تحکم ، بل المرکب من الداخل والخارج خارج ، ومسح العامة کذلک.

قوله : وهو حسن. ( 1 : 213 ).

والأحوط الاجتناب مطلقا ، إلاّ أن یکون مجرد نداوة لا یتحقق الامتزاج بسببها ( لأن الغلبة تفید الصدق المجازی ، إلاّ أنّ مراده الاستهلاک ، لتحقق الصدق الحقیقی العرفی ) (1) فتأمل.

ص: 268


1- ما بین القوسین لا یوجد فی « ا ».

قوله : غیر واضح. ( 1 : 213 ).

لا یخلو عن إشکال ، لأن مجرد الغمس یتحقق بسببه الغسل من غیر توقف علی الخروج ، بل والبقاء بعده آنا ما ، فربما یصدق عرفا أنه مسح بماء غیر ماء الغسل ، فتأمّل.

قوله : والتعلیق. ( 1 : 213 ).

ظاهر التعلیق عدم کونه لأجل الخروج مخرج الغالب ، کما اقتضاه دلیلهم وطریقتهم ، مع أنه لا معنی للخروج مخرج الغالب فی المقام إذا کان الأخذ مطلقا جائزا ، والرخصة من الشرع حاصلة کذلک ، فتأمّل جدا.

قوله (1) : مخرج الغالب. ( 1 : 213 ).

هؤلاء لیس عادتهم نقل متون الأخبار ، بل التحقیق والإفتاء بما حققوا ، فلو کان الظاهر علیهم عدم اشتراط الجفاف لصرحوا بذلک وأفتوا کذلک ، لا أن تکون عبارتهم صریحة فی الاشتراط ، سیما فی العبادات التوقیفیة ، لتوقفها علی بیان الشارع ، فإن کان بیانه بما ذکره من الأدلة علی وجوب کون المسح ببقیة البلة لتعین وجوب کون المسح بخصوص ما بقی فی الید لا غیر ، وما دل علی الأخذ من مثل اللحیة مشروط بالجفاف ، فلا وجه لما ذکره من الخروج مخرج الغالب ، وکذلک الحال فی أکثر ما ذکرنا من الأخبار ، نعم فی نادر منها المسح بنداوة الوضوء ، وکیف یغلب الغالب مع کونه مطلقا والغالب مقیدا.

علی أنه کما یجوز ما ذکره کذا یجوز ما ذکرنا ، ومجرد الاحتمال لا یکفی فی بیان ماهیة العبادة ، فکیف تحکم بما ذکرت فی عبارات الأصحاب مع ما عرفت من الأدلة والأخبار أیضا.

ص: 269


1- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».

قوله : لا بأس. ( 1 : 214 ).

ربما تکون هذه الروایة متحدة مع الروایة الآتیة فی مسح الرجلین عن حماد بن عثمان (1) ، فتأمّل جدا.

قوله : وهو ضعیف. ( 1 : 214 ).

فیه : أنّ حال المقام حال وجوب البدأة بالأعلی والمرفق فی الغسل وأنه لا ضعف أصلا فی ما ذکراه ، لأنّ الامتثال هو الإتیان بما أمر به ولا یتحقق إلاّ أن یعلم أنه أتی به ، وللاستصحاب ، وقولهم علیهم السلام : لا تنقض الیقین إلاّ بیقین مثله (2) ، وغیر ذلک ، والعلم لا یتحقق فی موضع الخلاف ، ومعلوم بالضرورة أنه لا یوجد نص یبین مجموع ماهیة الوضوء ، وماهیة العبادة توقیفیة ، وکون ماهیة المسح معلومة لا یکفی لمعلومیة ماهیة الوضوء ، کما أنّ معلومیة ماهیة الغسل لا یکفی ، ومن قال بوجوب البدأة لا یقول بأنه داخل فی ماهیة الغسل والمسح ، بل یقول : داخل فی الوضوء ، کالترتیب وغیره ، والتمسک بأصل العدم موقوف علی حجیة الاستصحاب ، لأنه نوع منه ، والشارح لا یقول به. ومع ذلک جریانه فی ماهیة العبادات خلاف ما حقق فی محله.

قوله (3) : لا نفس الخلاف. ( 1 : 214 ).

نعم ، الخلاف یورث شبهة ، والتجنب عن الشبهة مستحب ، وارتکابها مرجوح.

قوله : والأظهر. ( 1 : 215 ).

فیه إشکال یظهر علی من لاحظ الأخبار ، وکلام الأصحاب ، والنزاع

عدم جواز غسل موضع المسح

ص: 270


1- انظر المدارک 1 : 221.
2- التهذیب 1 : 8 / 11 ، الوسائل 1 : 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1 ، بتفاوت.
3- هذه الحاشیة أثبتناها من « ه ».

العظیم الذی بینهم وبین العامة.

ویظهر من بعض الأخبار أن من غسل رجله وأضمر أنه مفروض لم یقبل وضوؤه (1) ، یظهر منه فساد وضوئه لو قصد وجوب الغسل ، ویظهر من مفهومه أنه لو قصد أن الغسل غیر واجب وتحقق المسح یکون وضوؤه صحیحا.

وهذا یصحح التعلیل الذی ذکره الشهید - رحمه الله - أخیرا ، مع صحته فی نفسه ، لأن الأعمال بالنیات ، فإذا لم یکن الغسل مقصودا بل یکون المقصود هو المسح فلا مانع من الصحة ، کما إذا مسح ببقیة النداوة القلیلة الغیر الجاریة أصلا إلاّ أنه یمطر علی الموضع مطر أو یصل ماء من الخارج من غیر أن یقصد الإیصال والإجراء علی الموضع.

کما أن المسح فی الغالب یدخل فی غسل الأعضاء ، للاستعانة فی الجریان من غیر قصد کونه معتبرا (2) أو داخلا فی الوضوء وجزءا منه ، فلو نوی المکلف کونه جزءا ، بأن المطلوب فی غسل الوجه - مثلا - الغسل والمسح معا أثم ، وإن نوی أن المطلوب هو الغسل خاصة امتثل ، فتأمّل جدا.

فهذا یؤکد التباین ویصححه لا العموم من وجه ، فتأمّل.

قوله : ونقل علیه المرتضی. ( 1 : 216 ).

وهکذا نقل الإجماع الشیخ الطبرسی (3) وابن زهرة (4) ، وأسند ذلک ابن

مسح الرجلین
تحقیق معنی الکعبین لغةً وشرعاً

ص: 271


1- انظر الکافی 3 : 31 / 8 ، التهذیب 1 : 65 / 186 ، الوسائل 1 : 420 أبواب الوضوء ب 25 ح 12.
2- فی « ه » : معتبرا فی غسل الأعضاء وداخلا.
3- مجمع البیان : 2 : 167.
4- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 553.

الأثیر إلی الشیعة (1) ، وکذا غیره من العامة (2) ، والعلامة - رحمه الله - أیضا فی المنتهی فسّره کذلک ناقلا اتفاق الأصحاب علیه (3).

قوله : والظاهر أنه رحمه الله . ( 1 : 217 ).

لا یخفی بعده ، بل الظاهر أنه فهم منه ما نسبه إلی فقهاء أهل البیت علیهم السلام ، لا ما یخالف مذهبهم ، کما أنّ الشیخ - رحمه الله - أیضا فهم کذلک (4) ، وکذا الشهید فی الذکری (5) ، وقال ابن أبی جمهور فی کتاب الغوالی عند ذکر هذا الحدیث : وهذا یدل علی أن الکعب هو مفصل القدم الذی عند وسطه فی قبة القدم (6). انتهی.

بل وربما کان غیرهم أیضا فهم کذلک. والذی یشهد علی صحة فهمهم أن قول الراویین : دون عظم الساق ، بعد قولهما : یعنی المفصل ، شاهد واضح علی أن المراد من المفصل لیس المفصل بین الساق والقدم إذ عظم الساق متصل بنفس القدم من غیر أن یکون بینهما واسطة وحیلولة وامتداد ، فمفصل العظم وسطحه المتصل بالقدم لیس بینهما مغایرة وتفاوت بحیث یکون الإشارة إلی أحدهما دون الإشارة إلی الآخر فی مثل المقام حتی یقول : الکعب لیس سطح العظم بل مفصل ذلک السطح عن القدم ، مع أنه إذا بلغ المسح إلی المفصل فقد بلغ إلی عظم الساق قطعا ، والمطلوب أن حد المسح إلی أین؟.

ص: 272


1- النهایة 4 : 187.
2- کالفیومی فی المصباح المنیر : 535.
3- المنتهی 1 : 64.
4- انظر الخلاف 1 : 92.
5- الذکری : 88.
6- عوالی اللآلی 2 : 196.

ومما یشهد علی ما ذکرناه أیضا أن فی الکافی بعد هذا الکلام قال علیه السلام : « والکعب أسفل من ذلک » قال هذا عقیب قوله : « هذا عظم الساق » (1) جوابا عن سؤالهما عنه ، فعلی هذا لعل مرادهما من المفصل المفصل الشرعی الذی منه یقطع السارق.

وروی الشیخ فی التهذیب والکلینی فی الکافی بسندهما عن سماعة عن الصادق علیه السلام : « إذا أخذ السارق قطعت یده من وسط الکف ، فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم» (2).

وفی الفقیه بسنده الصحیح عن زرارة عن الباقر علیه السلام قال : « کان أمیر المؤمنین علیه السلام إذا قطع الید قطعها دون المفصل ، وإذا قطع الرجل قطعها من الکعب » (3).

وفی الکافی ، والفقیه ، والتهذیب بسندهم عن الصادق علیه السلام : قلت له أخبرنی إلی أن قال : وکیف یقوم وقد قطعت رجلیه؟ فقال علیه السلام : « إن القطع لیس من حیث رأیت ، إنما یقطع الرجل من الکعب ، ویترک له من قدمه ما یقوم علیه یصلی ویعبد الله » (4) الحدیث.

وفی الفقه الرضوی : « یقطع من المفصل ویترک العقب یطأ علیه » (5).

ص: 273


1- الکافی 3 : 25 / 5 ، التهذیب 1 : 76 / 191 ، الوسائل 1 : 388 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.
2- الکافی 7 : 223 / 8 ، التهذیب 10 : 103 / 400 ، الوسائل 28 : 252 أبواب حد السرقة ب 4 ح 3.
3- الفقیه 4 : 46 / 157 ، الوسائل 28 : 254 أبواب حد السرقة ب 4 ح 8.
4- الکافی 7 : 225 / 17 ، الفقیه 4 : 49 / 171 ، التهذیب 10 : 103 / 401 ، الوسائل 28 : 257 أبواب حد السرقة ب 5 ح 8.
5- لم نعثر علیه فی الفقه الرضوی ، ورواه فی البحار 76 : 192 عن نوادر الحسین بن سعید عن أبی عبد الله علیه السلام .

وقال الشیخ فی المبسوط والخلاف : القطع عندنا فی الرجل من معقد الشراک من عند الناتئ علی ظهر القدم ویترک ما یمشی علیه ، وعندهم المفصل الذی بین الساق والقدم (1).

وقال المرتضی : یقطع من صدر القدم ویبقی له العقب ، وخالف باقی الفقهاء (2).

وقال أبو الصلاح : یقطع مشط رجله من المفصل دون مؤخر القدم والعقب (3).

وقال ابن حمزة : من الناتئ فی ظهر القدم ویترک العقب (4).

ویظهر من الشیخ فی الاستبصار أیضا عدم الخلاف فی هذه المسألة (5) أی مسألة قطع الرجل ، وکذا یظهر من غیر واحد من المتأخرین ، فما یظهر من الشیخ وشیخه المفید - رحمهما الله - فی بعض کتبهما (6) من أنه یقطع من أصل الساق ویترک العقب لعله محمول علی ما یوافق ما ذکرناه ، فتأمّل.

وحکی عن صدر الأفاضل من العامة : الکعب فی روایة هشام ، عن محمّد هو المفصل الذی فی وسط القدم عند معقد الشراک (7).

ص: 274


1- المبسوط 8 : 35 ، الخلاف 2 : 469.
2- الانتصار : 262.
3- الکافی فی الفقه : 411.
4- الوسیلة : 420.
5- لأنّه ألّف الاستبصار فی ما اختلف من الأخبار ، ولم یذکرها فیه.
6- الشیخ فی النهایة : 717 ، والمفید فی المقنعة : 802.
7- انظر الذخیرة : 32.

وربما یؤکد ما ذکرناه الإجماعات التی ذکرها الشارح - رحمه الله - وذکرناها أیضا ، وکذا اتفاق سائر أحادیث أهل البیت علی ما یظهر منه أنه العظم الناتئ فی وسط القدم ، والتأویلان الآتیان عن الشارح - رحمه الله - بعیدان ، فتدبر.

ومما یؤکد ، ( بل ویعین ) (1) ، قوله علیه السلام : « والکعب أسفل من ذلک » لأن مفصل عظم الساق الذی یمسح علیه لیس بأسفل قطعا ، بل هو أعلی ، کما لا یخفی.

وبالجملة : إن أرید من المفصل خصوص القدر الذی فی وسط القدم ومن عظم الساق خصوص الظنبوب فمع أنه خلاف مقتضی إطلاق اللفظین لا یلائمه ما ذکرنا من قوله : « والکعب أسفل منه » وإن أرید منهما مقتضی إطلاق لفظهما لا تلائمه الإشارة إلی أحدهما دون الآخر ، وجعل حکمهما متعددا ، سیما وأن یکون نزاعا عظیما بین الخاصة والعامة ، فتأمّل.

وجعل النزاع خصوص الاکتفاء فی المسح بالوصول إلی جزء الکعب الذی هو فی ظهر القدم لا النزاع فی نفس الکعب ، فمع فساده لا یلائمه ظاهر الروایتین.

ومما یؤید ما ذکر أن أهل اللغة والعرف لا یقولون بکون هذا المفصل کعبا ، وسیجی ء اعتراف العلامة - رحمه الله - بالنسبة إلی اللغة ، بل والعرف أیضا ، وما قیل من أن أهل اللغة ذکروا إطلاق الکعب علی المفصل فمدخول ، یظهر ذلک بمطالعة الذخیرة وشرح الدروس للمحقق الخونساری (2).

ص: 275


1- بدل ما بین القوسین فی « ب » : ویبین.
2- الذخیرة : 32 ، مشارق الشموس : 119.

قوله : بما رواه الشیخ. ( 1 : 217 ).

وجه دلالة الصحیحة أن الغایة خارجة عن المغیّا ، کما حقق فی محله وظاهر من العبارة ، مع أن التعبیر عن المفصل بظهر القدم فیه ما فیه ، سیما وأن یکون هو ظهرا دون الظنبوب ، إذ لا فرق بینهما فی الظهریة وعدمها. مع أنّه إذا وصل المسح إلی المفصل فقد وصل إلی الظنبوب قطعا علی تقدیر الاستیعاب العرضی ، إذ فی هذه الروایة عقیب ما ذکر : قلت : جعلت فداک ، لو أنّ رجلا قال : بإصبعین من أصابعه هکذا؟ قال : « لا إلاّ بکفه » وعلی تقدیر عدم الاستیعاب العرضی أیضا ظاهر أن المفصل لیس خصوص القدر الذی فی الفوق دون القدر الذی فی الجانبین.

ووجه دلالة الحسنة ظهر مما ذکر.

مضافا إلی أن کلمة « فی » ظرفیة ، فیظهر منه کون ظهر القدم محیطا بالکعب وهو فی وسطه ، وظاهر أن المفصل خارج عن القدم ، لأنه موصل القدم بالساق ، ولهذا لا خصوصیة له بالقدم ، ونسبته إلیه وإلی الساق علی سواء ، ومع ذلک لا خصوصیة بالظهر دون الجانبین والخلف.

ومما ذکر ظهرت دلالة الروایة الأخری ، فإن التصریح بالفرق بینه وبین الظنبوب وکونه أسفل العرقوب صریح فی أن الکعب لیس إلا ظهر القدم لا منتهی القدم ، ومع ذلک لا خصوصیة للمفصل بالظهر ، ومع ذلک لا فرق بین المفصل والظنبوب فی الظهریة وعدمها ، إلی غیر ذلک مما عرفت.

قوله : ویؤیده الأخبار. ( 1 : 218 ).

بل هی أدلة حقیقة ، لما ستعرف من ظهور وجوب الاستیعاب الطولی ، وعلی تقدیر عدم الظهور فالتأیید أیضا محل مناقشة ، إلاّ أن یقال : العلاّمة - رحمه الله - قائل بوجوب الاستیعاب ، ویستثنی الشراکین وهو بعید ، فتأمّل.

قوله : وذهب العلاّمة - رحمه الله . ( 1 : 218 ).

ص: 276

قال - رحمه الله - فیه : والمراد من الکعبین هنا المفصل بین الساق والقدم (1) ، تنبیها علی أن الکعب فی الوضوء غیر الکعب فی غیره ، وهو خلاف ما ثبت من الأخبار ، کما لا یخفی.

قوله : وهو المفصل الذی قدام العرقوب. ( 1 : 218 ).

قیل : هذه العبارة صریحة فی مدعی العلامة - رحمه الله - (2).

وفیه تأمّل ، إذ جعل الضمیر راجعا إلی الکعب لا یلائم ما ذکره من أنه فی ظهر القدم ، لأنه إن أراد أنه فی ظهره لا فی طرفه - کما یقول العامة - فلا یناسب تحدیده بأنه قدام العرقوب ، لأن الذی فی الطرفین قدّام العرقوب قطعا ، وخصوص مفصلهما - أی الذی تحتهما - لیس کعبا قطعا ، ولا فی ظهر القدم البتة ، وإن أراد مجموع المفصل - أی من الظهر إی تمام ما تحت الناشزین فی الطرفین الذین هما الکعب عند العامة - فلا وجه لجعل المجموع فی ظهر القدم ، مع أن العظم فی الطرفین ، إذ من ابتداء العرقوب إلی ابتداء ظهر القدم من کل طرف ما هو أکثر منه مما هو فی الظهر.

ومع ذلک ، الحکم بکون المجموع کعبا - أی حتی إلی العرقوب - لعله یرفع النزاع بین العامة والخاصة ، إذ بالوصول إلی مفصل الناشزین یتحقق الوصول إلیهما البتة ، سواء کان من التحت أو من طرف الظهر ، إلاّ أن یقال : نزاعهم فی الاکتفاء بجزء المفصل الذی هو فی وسط الظهر خاصة ، وهو بعید.

ففی العبارة المذکورة حزازة ، ولعلّ لفظ « المفصل » سهو من قلم

ص: 277


1- المختلف 1 : 125.
2- انظر الحبل المتین : 19 ، ومشارق الشموس : 122.

العلامة - رحمه الله - أو من النساخ ، لأن العلامة - رحمه الله - أتی بعبارته فی جملة العبارات التی هی ظاهرة فی خلاف مطلوبه ، ومفیدة للاشتباه علی غیر المحصل فی ظنه ، ولذا وجد أثر النسخة ورمزها علیه. ویمکن أن یکون الضمیر راجعا إلی عظم الساق بضرب من التجوز ، ذکره تنبیها علی أن المراد من عظم الساق الرأس المتصل بالمفصل ، فتأمّل.

وقیل : إن قوله : وهو المفصل من کلام المصنف لا أنه تتمة ، ولذا لم یذکره الشهید (1). وهو أیضا بعید ، إلاّ أنه لعله أولی من جعله تتمة ، والأظهر أن العبارة لا تخلو عن سقم.

قوله : ویمکن حمل. ( 1 : 219 ).

لا یقال : کما یمکن حمل ذلک کذا یمکن حمل مستند المشهور.

لأنا نقول : لیس کذلک ، لأن مستندهم راجح بکثرة العدد ، وعلو السند ، وقوة الدلالة ، والشهرة بین الأصحاب - لو لم نقل بالإجماع - والموافقة لقول اللغویین ، وغیر ذلک ، فتعین أن یکون حجة ، وانحصرت الحجیة فیه ، لأن : الطرف المقابل یصیر مرجوحا ، والمرجوح موهوم ، فلا یمکن أن یصیر حجة ، وفی الحمل یجب إرجاع ما لیس بحجة إلی ما هو حجة لا العکس ، إذ لا شک فی حرمته وعدم جوازه.

ومن مضعفات الذی فهم العلامة والشارح - رحمهما الله - من روایة زرارة أن الباقر علیه السلام أشار حیث قال : « هاهنا » ، فلعلّ الراوی توهّم لأنّ الإشارة إلی أمرین متقاربین جدا کثیرا ما یصیر موردا للتوهم.

وأیضا الأقل متیقن ، والزائد مشکوک فیه فیجب نفیه بالأصل ، فتأمّل.

ص: 278


1- الذخیرة : 32.

وصرح ابن أبی جمهور فی الغوالی بأن المفصل الذی ذکر فی روایة ابن بکیر هو مفصل القدم الذی عند وسطه فی قبة القدم.

قوله : بالمنع من دلالتها (1). ( 1 : 219 ).

فی صحیحة زرارة فی نسیان المسح : « فإن أصبت فی لحیتک بللا فامسح بها علیه ، وعلی ظهر قدمیک » (2) فتأمّل. وفی صحیحة زرارة أیضا :

« وتمسح ببلة یمناک رأسک ، وما بقی ظهر قدمک الیمنی ، وببلة یسراک ظهر قدمک الیسری » (3).

قوله : ومع التعارض. ( 1 : 219 ).

لا یخفی أن جعله معارضا بعید جدا ، إذ غایة الأمر عدم ظهور الاستیعاب لا ظهور العدم ، بل الظاهر الاستیعاب ، کما لا یخفی علی المتأمّل ، إذ علی تقدیر أن لا یکون کلمة « ما » بدلا عن « شی ء » یکون ظاهرا أیضا فی الاستیعاب ، لأن التعرض له فی الرجلین مع عدم التعرض لمثله فی الرأس قرینة علی ما ذکرنا ، إذ المعنی : شی ء من رأسک أیّ شی ء یکون أو شی ء من قدمیک لکن لا مطلقا بل ما یکون بین الکعبین إلی أطراف الأصابع ، وعبّر بلفظ : « إلی » ولم یقل أطراف أصابعک ، مع أن الرأس أولی بذکر موضع مسحه ، لظهور الخلاف من العامّة ، ووقوع الإشکال عند الشیعة بسببه ، کما یظهر من سؤالاتهم.

ص: 279


1- فی نسخة فی « و » : لکنها معارضة.
2- الکافی 3 : 33 / 2 ، التهذیب 1 : 100 / 261 ، الوسائل 1 : 469 أبواب الوضوء ب 42 ح 1.
3- الکافی 3 : 25 / 4 ، الوسائل 1 : 387 أبواب الوضوء ب 15 ح 2 ، بتفاوت.

علی أنّه فی المقام فی مقام ذکر الاکتفاء بشی ء فی المسح ، فلم یکن المقام مقام الذکر إلی الکعبین ، بل لا یناسب ، لأنه یوهم خلاف المقصود.

وبالجملة : یظهر مما ذکرنا أن « ما بین. » قید للمسح لا (1) للممسوح إظهارا للفائدة.

وفی حسنة ابن أذینة - رواها الکلینی فی علة الأذان ، بل (2) وهی صحیحة عند الشارح - قال : « ثم امسح بفضل ما بقی فی یدیک من الماء رأسک ورجلیک إلی الکعبین » (3) الحدیث.

وصحیحة ابن أبی نصر المذکورة أیضا ظاهرة فی الاستیعاب ، إلاّ أن یقال : تتمة الصحیحة محمولة علی الاستحباب ، وهی الأمر بمسح کلّ الکف ، ومرّ الکلام فی نظیره مرارا ، فتأمّل ، وسیجی ء عن الشارح ما یشیر إلی الالتزام به ، بل إلی القول بوجوبه.

هذا ، والعلامة - رحمه الله - ادعی الإجماع علی الاستیعاب الطولی (4) ، والمحقق نسبه إلی فتوی الأصحاب (5).

بل مما ذکرنا ظهر أنّ الآیة الشریفة أیضا ظاهرة ، بل وبعید غایة البعد أنه تعالی یتعرض لذکر أحد حدّی مسح موضع الرجل ولم یتعرض للحدّ الآخر ، ولم یتعرض لحدّ موضع مسح الرأس أصلا وقطعا ، مع أن موضعه أیضا محدود

ص: 280


1- کما فی « أ » و « و » ، وفی سائر النسخ : « أو » بدل « لا ».
2- بدلها فی « أ » و « و » : قیل.
3- الکافی 3 : 482 / 1 ، الوسائل 1 : 390 أبواب الوضوء ب 15 ح 5 ، بتفاوت یسیر.
4- المنتهی 1 : 563.
5- المعتبر 1 : 150.

معین.

فظهر أنه لما ذکر المسح بالباء ذکر قوله : « إلی الکعبین » إظهارا لغایة الاعتناء بالاستیعاب ، وعدم جعله مثل مسح الرأس ، فتأمّل.

وشغل الذمة بالعبادة التوقیفیة أیضا یرشد إلیه ، والطریقة المستمرة بین الماسحین فی الأعصار والأمصار ربما (1) تعضده ، لأن الوضوء مما تعمّ به البلوی وتکثر الحاجة إلیه ، فلو کان الاستیعاب غیر واجب لشاع بمقتضی العادة ، لا أنه یکون الأمر علی خلافه فتوی من الفقهاء وعملا من المسلمین ، وظاهر أن النبیّ صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام أیضا ما کانوا یکتفون بغیر الاستیعاب ، فتأمّل.

وأیضا ما ورد من أن أمیر المؤمنین علیه السلام مسح ولم یستبطن الشراکین (2) ، وأمثال ذلک ظاهرة فی الاستیعاب ، إذ لو لم یکن لازما لما کان لذکرها فائدة ، فتدبر.

ویمکن حمل کلام الشارح علی نفی وجوب الاستیعاب العرضی ، فتأمّل.

قوله : وإن ادعی العامّة. ( 1 : 220 ).

والمستفاد من مجموع أحادیث أهل البیت حتی صحیحة الأخوین (3) التی هی مستند العلامة - رحمه الله - تکذیب العامة فی دعواهم ، وأن ما

ص: 281


1- بدلها فی « ا » : مما.
2- انظر المدارک 1 : 218.
3- فی بعض النسخ : الآخرین ، وفی بعضها : الآخرتین ، والصحیح ما أثبتناه ، کما عبر به فی المدارک 1 : 221 ، والمراد صحیحة ابنی أعین المذکورة فی المدارک 1 : 217.

ادعوه لیس کعبا أصلا لا أنه أحد المعانی ، والظاهر منها أنه لیس کعبا فی العرف واللغة ، بل الظاهر منها أنّ الکعب لیس له إلاّ معنی واحد ، لا أنّ الکعب فی الوضوء کذا وإنّ کان فی غیر الوضوء شیئا آخر ، وهو ظاهر علی من له أدنی تأمّل.

ومن التأمّل فی ما ذکر هاهنا منضما إلی ما ذکرنا سابقا یتضح غایة الاتضاح أن المفصل فی صحیحة الأخوین (1) هو المفصل الشرعی ، مع احتمال توهم منهما أو تجوز ، ولا یخفی علی المتأمل المنصف أنّ الأول أظهر ، فتدبر.

قوله : فیه وجهان. ( 1 : 220 ).

علی تقدیر أن یکون الممسوح ظاهره کون المجموع ممسوحا لا شی ء منه ، کما هو الحال فی الیدین ، فظاهره أیضا الإیصال والاستیعاب ، هذا مضافا إلی ما مر فی الحاشیة السابقة المکتوبة علی قوله : لکنها معارضة بما رواه الشیخ (2) ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : لصحة الخبر وصراحته. ( 1 : 221 ).

ربما لا یلائم هذا ما ذکره سابقا فی بحث مسح الرأس ، من أنه هل یکفی المسمی أم لا بدّ من مقدار ثلاث أصابع ، حیث قال : یجوز حمل المطلق علی المقید ویجوز حمل المقید علی الاستحباب ، ثم رجح الثانی بقوة دلالة المطلق علی الاکتفاء بالمسمی (3) ، وهنا یقول بإجمال دلالته وصراحة دلالة المعارض ، مع أن دلالته لیست إلا بالنهی ، وهو ظاهر فی

ص: 282


1- راجع ص 281 رقم (3).
2- راجع ص 279.
3- المدارک 1 : 209.

الحرمة لا صریح فیها ، مع أنّه ورد فی أخبار أهل البیت علیهم السلام الکراهة إلی حدّ تأمل متأمّل فی الحمل علی الحرمة ، والتأمّل وإن کان لیس فی موضعه ، إلاّ أنّ حصول الوهن فی الجملة لا شبهة فیه ، بل نقول استعمال الإجزاء فی أقل المستحب أقل من استعمال النهی فی الکراهة بمراتب شتّی ، فتأمّل ، هذا مع تأیّد الکراهة بالأصل ، فتأمّل.

قوله : جواز المعیة. ( 1 : 222 ).

لورود خبر فی ذلک ، وهو فی الاحتجاج - علی ما أظن - فی التوقیعات الواردة عن القائم علیه السلام (1).

قوله : فی الصحیح. ( 1 : 222 ).

حکم فی مسح الرأس بحسنه ، وفی المقام بصحته ، ومع ذلک معارض لظاهر الآیة والأخبار الکثیرة (2) الظاهرة فی عدم الترتیب ، وبعض الأخبار الصریحة فی عدم هذا الترتیب ، ومرّت صحیحة البزنطی (3) التی هی فی غایة الظهور ، فتأمّل.

قال المصنف : وإذا قطع بعض موضع المسح مسح علی ما بقی

أقول : لما ورد عن الرسول صلی الله علیه و آله : « إذا أمرتکم بشی ء فأتوا منه ما استطعتم » (4) ، وعن أمیر المؤمنین علیه السلام : « ما لا یدرک کله لا یترک کله » (5) ، وعنه علیه السلام : « المیسور لا یسقط بالمعسور » (6) وللأصل (7).

عدم التریب بین الرجلین

ص: 283


1- الاحتجاج : 492 ، الوسائل 1 : 450 أبواب الوضوء ب 34 ح 5.
2- انظر الوسائل 1 : 387 أبواب الوضوء ب 15.
3- المدارک : 1 : 217.
4- عوالی اللآلی 4 : 58 / 205 ، 206 ، 207.
5- عوالی اللآلی 4 : 58 / 205 ، 206 ، 207.
6- عوالی اللآلی 4 : 58 / 205 ، 206 ، 207.
7- لیس فی « أ » و « و ».

قوله : قال فی التذکرة. ( 1 : 223 ).

لا یخفی أنّ أصل الحکم فاسد ، فضلا عن الفرع ، لأنّ مقتضی الآیة والأخبار المتواترة کون المسح علی الرجل لا علی شی ء آخر ، والشراک لیس برجل قطعا بل هو شی ء آخر ، بلا شبهة. وما ورد فی بعض الأخبار من عدم استبطان الشراک لعل المراد إظهار عدم وجوب استیعاب عرض الرجل فی المسح ، فإنّ الشراک کما هو حائل فی الطول کذلک حائل فی العرض أیضا.

ویحتمل أن یکون المراد إظهار عدم وجوب مسح نفس الکعب ، دفعا لتوهم من توهم وجوبه ، أبناء علی اعتقاده بدخول الغایة فی المغیا ، أو کون « إلی » بمعنی « مع » ، علی النحو الذی مرّ فی غسل المرفق ، ولا دلالة فیه علی أنّه علیه السلام مسح علی الشراک ، لأنّ النعلین غیر الشراک.

مع أنّ الوجوب غیر ظاهر ، لاحتمال الاستحباب ، أو الوقوع اتفاقا ، لأنّ تحقق استیعاب المسح بدون مسح الشراک لعله لا یخلو عن صعوبة مّا ، مع أنّه لا شک فی کونه أسهل ، فلعله لهذا کان علیه السلام یفعل ، لعدم منع أصلا.

وبالجملة : لا دلالة فی بعض الاخبار علی ما ذکره ، فضلا عن أن یکون مقاوما للآیة والأخبار المتواترة ، وخصوصا أن یترجح علیها فیحکم بسببه بتقدیمه علیها.

ومما ذکرنا ظهر وجه ما ذکرنا سابقا من أن أمثال هذه الأخبار حجة علی العلامة - رحمه الله - وأدلّة ( حقیقة علی فساد ) (1) ما ذهب إلیه من کون الکعب المفصل ، فتأمّل.

قوله : لا أتقی فیها أحدا. ( 1 : 223 ).

وجوب المسح علی بشرة القدمین
جواز المسح علی حائل عند التقیة والضرورة

ص: 284


1- بدل ما بین القوسین فی « ج » و « د » : علی حقیقة فساد.

إما أنّه علیه السلام ما کان یتقی فیها ، أو أنّ الغالب لا تقیة فیها.

قوله : واستدلوا علیه. ( 1 : 224 ).

فی الفقه الرضوی (1) أیضا ما یوافق هذه الروایة ، وعمل الأصحاب جابر للضعف ، مع أنّ فی الطریق من أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصحّ عنه (2) ، مع أنّ أبا الورد لعلّه من الحسان.

قوله : محتمل ، لتعذر. ( 1 : 224 ).

لا یخفی أنّ هذا موقوف علی ثبوت کبری کلیة لا بدّ من بیانها ، مع أنها لو ثبتت یلزم منها أنّ مقطوع موضع المسح ینتقل إلی التیمم ، لا أنه یکتفی بما بقی ، سیما من قطع من الکعب ، وهو خلاف ما صرح به فی المبحث المتقدم ، فتأمّل.

إلاّ أن یقول : الأخبار تدل فی أقطع الرجل ، لکن قد عرفت أنها تدل علی غسل الرجل المقطوعة ، إلاّ أن یستند إلی الإجماع ، فتأمّل.

قوله : یقتضی الإجزاء. ( 1 : 224 ).

إن أراد الأجزاء حال الاضطرار فمسلّم ، وإن أراد حال الاختیار أیضا فالمنع ظاهر.

قوله : فإن ذلک محل النزاع. ( 1 : 224 ).

الظاهر مما ذکرت فی قول المصنف : ویجب المسح علی بشرة القدمین ، وأشرت إلیه من الأخبار التی کادت تبلغ حد التواتر عدم صحة هذه الطهارة ، وعدم جوازها لصلاة من الصلوات مثلا ، خرج منها ما أجازوا

ص: 285


1- فقه الرضا علیه السلام : 68 ، مستدرک الوسائل 1 : 331 أبواب الوضوء ب 33 ح 1.
2- وقع فی طریق الروایة حماد بن عثمان وفضالة بن أیوب ، والأوّل من أصحاب الإجماع وکذلک الثانی علی قول بعضهم ، راجع رجال الکشی 2 : 673 / 705 و 830 / 1050.

للضرورة والاضطرار ، وبقی الباقی ، ولا یظهر مما أجازوا أزید من حال الاضطرار ، بل ربما کان الظاهر منه الاختصاص بحال الاضطرار.

ومما ذکرنا ظهر ما فی قوله : والإعادة علی خلاف الأصل ، مضافا إلی أنه لا یقول بحجیة الاستصحاب ، فتأمّل.

قوله : والأصل عدمه. ( 1 : 228 ).

قد مر أن التکلیف إذا کان بالوضوء الذی هو توقیفی یشکل التمسک فیه بالأصل ، فتأمّل.

قوله : والجواب. ( 1 : 228 ).

فیه أیضا ما عرفت ، نعم الإجماع المنقول لیس بحجة علی من لا یقول به من القدماء ، وأمّا نحن فربما تحصل لنا الریبة بملاحظة کلماتهم وربما لا تحصل ، فیصیر من قبیل خبر واحد یعارضه الخبران الصحیحان المتقدمان ، والمعارضة واضحة ، فیترجحان فی النظر ، وکذا الکلام فی الجواب عن الثانی فتأمّل جدا.

قوله : [ لأن الأخبار الواردة ] (1) إلی قوله : وضوئی. ( 1 : 230 ).

یلزم صحة وضوء من غسل وجهه - مثلا - قبل طلوع الشمس ، ثم جفّفه تجفیفا تاما ، ثم غسل یده الیمنی نصف اللیل أو بعد ذلک ، ثم جففها تجفیفا تاما ، ثم غسل الیسری من الغد أو بعد ذلک ، ما لم یتحقق حدث ، إلاّ أن یقول بالمقدر التقدیری ، أو یلتزم صحة ذلک وفیه بعد شدید ، فتأمّل.

قوله : فما ذکره الشهید. ( 1 : 230 ).

إنّ الظاهر أنّه - رحمه الله - فهم من الأخبار أن المضر للوضوء هو

الموالاة

ص: 286


1- فی النسخ : لأن مورد الأخبار.

الجفاف ، ولیس ببعید ، فتأمّل مجموع الأخبار الواردة فی بطلان الوضوء عند جفاف الجمیع.

قوله : لعدم المطابقة. ( 1 : 231 ).

أی عدم المطابقة بین نیته وفعله ، وکان الذی فعل فعل بغیر نیة ، ونیته تحققت بغیر فعل.

لکن لا یخفی ما فیه ، إذ مجرّد أن لا یفعل التتابع لا یقتضی أن یکون فعله بغیر نیة ، إذ لو کان کذلک لزم بطلان صلاة من نوی الفریضة الکاملة أی المستجمعة لجمیع المستحبات المعروفة إذا نسی المستحبات أو شیئا منها ولو کان واحدا ، وهو فاسد قطعا.

بل نقول : لو ترک کل المستحبات عمدا کانت صلاته صحیحة بلا شبهة ، لأنه وإن کان قصد حین الدخول الإتیان بالکاملة ، إلاّ أنه بدا له ، وهذا غیر مضر بلا تأمّل ، فکذلک الحال فی صورة النذر ، لأن الوضوء المتتابع لا یصیر منذورا إلا أن یکون فی نفسه مع قطع النظر عن النذر راجحا شرعا ، إذ لو لم یکن راجحا لم ینعقد نذره ، فبمجرد الإخلال بالتتابع لا یخرج عن الرجحان النفسی ، وکذا مع قصد المتتابع ، والإخلال به عمدا أو سهوا لا یخرج عن الرجحان ، ولا یکون بلا نیة ، لأن المعتبر منها قصد التقرب والتعیین ، والأول موجود قطعا ، وکذا الثانی ، لأنه ترک شیئا من المعین لا یضر ترکه ولا یضر صیرورته بسبب ذلک فردا آخر ، کما هو الحال فی مستحبات الفرائض ، فتأمّل جدا.

قوله : ونقل علیه ابن إدریس الإجماع. ( 1 : 231 ).

وکذا یظهر من المرتضی فی الانتصار (1) ، وابن زهرة أیضا (2) ، وخروج

عدد الغسلات

ص: 287


1- الانتصار : 28.
2- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 554.

معلوم النسب غیر مضر للإجماع عندنا ، فلا یضر الإجماع المنقول بخبر الواحد ، فعلی تقدیر حجیته لا إشکال ولا کلام.

وعلی تقدیر القول بعدم حجیته نقول : لا تأمل فی کونه مشهورا ، کما قال الشارح - رحمه الله - وغیره : إنه قول معظم الأصحاب ، والشهرة تجبر عدم صحة الأخبار الکثیرة الصریحة الدلالة فی الاستحباب ، أو الواضحة الدلالة ، وسنذکر کثیرا منها ، مع انجبار تلک الأخبار بأمور أخر أیضا ، منها موافقتها لظواهر الصحاح ، ( ومنها کثرتها وتعاضد بعضها ببعض ، ومنها استبعاد کون جزء العبادة متصفا بالإباحة ) (1) ومنها قوة السند فی کثیر منها من الجهات التی تظهر علی من لاحظ وتأمّل ، سیما علی (2) من لا حظ ما کتبناه فی علم الرجال ، ومنها موافقتها للأخبار الکثیرة الواردة فی أن الوضوء بمدّ والغسل بصاع (3) ، وتلک الأخبار متفق علیها عند جمیع الفقهاء والمحدثین ، ومنها ورود مضمونها فی کتب العامة ، رووه عن النبیّ صلی الله علیه و آله (4) ، وإن اتفقوا علی ترک العمل به لأنهم ینکرون أخبار التثنیة ، ولعلهم لا ینکرون أخبار الوحدة حملا لها علی الفریضة.

ومن هذا ظهر فساد الحمل علی التقیة ، کما احتمله بعض (5) ، بناء علی أنّ العامة یروون وإن کانوا متفقین علی الرد ، کیف والعامّة ذکروا الروایات الدالة علی حقیة ما هو مذهب الشیعة أصولا وفروعا ، إلی أن لا یکاد یتحقق مذهب منهم إلاّ وحقیته مرویة فی کتبهم ، ومع ذلک کان اللازم علی الشیعة

ص: 288


1- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
2- أثبتناه من « و ».
3- انظر الوسائل 1 : 481 أبواب الوضوء ب 5.
4- صحیح البخاری 1 : 62.
5- راجع منتقی الجمان 1 : 148.

التقیة منهم ، وکانوا یتقون البتة ، فکیف یکون الأمر بالعکس؟!

هذا مضافا إلی [ أنّ ] (1) الأخبار الدالة علی التقیة أکثرها فی غایة الظهور فی خلاف التقیة ، کما لا یخفی علی المتأمّل ، هذا وأمّا الأخبار التی تعارضها فمتفقة فی ( عدم الصحة و) (2) عدم الصراحة وعدم وضوح الدلالة ، لأن کون وضوء رسول الله - صلی الله علیه و آله - مرة مرة کیف یقاوم تصریحهم باستحباب الزیادة بالنسبة إلینا أو وضوح الدلالة ، بل ویظهر من بعضها أن التثنیة بالنسبة إلی غیرهم علیهم السلام ، کما ستعرف ، مضافا إلی ما ستعرف ، فتأمّل.

هذا مع المضعفات الأخر التی تظهر مما ذکرنا وسنذکر ، فتأمّل.

ومن المقویات للاستحباب والمضعفات لعدمه ما ذکرناه فی صدر الکتاب فی إثبات التسامح فی أدلة السنن ، فلاحظ ، بل بملاحظته یتعین ما ذکرنا.

قوله : هذا وضوء من لم یحدث حدثا. ( 1 : 232 ).

لا یخفی أن الوضوء لما کان من الفرائض کان کثیرا ما یطلق ویراد منه ما هو الفرض ، إذ المراد من الحدث خصوص بدع العامة ، لا أنّه لا یجوز التعدی عن الکیفیة التی فعلها أصلا ، بأن لا یتمضمض ، ولا یستنشق ، ولا یقول بسم الله وغیرها من الأدعیة ، ولا یصب غرفتین أصلا ، ولا یغسل عضوا بعنوان التبعض وغیر ذلک.

وبالجملة : لا یعارض ذلک ما ذکرناه وما سنذکره.

ویظهر من کثیر من الأخبار أنّ المضمضة والاستنشاق من الوضوء ،

ص: 289


1- أضفناه لاستقامة العبارة.
2- ما بین القوسین لا یوجد فی « د ».

فمعارضها محمول علی أنهما لیسا من فرائضه ، لعین ما ذکرنا ، فتأمّل.

قوله : وعندی فی هذا الجمع نظر. ( 1 : 233 ).

ستعرف دفع النظر ، مضافا إلی أن الإمام ربما کان یترک المستحب لغرض ، کما ورد فی صوم یوم عرفة (1).

قوله : أخذ بأحوطهما. ( 1 : 233 ).

هذا مخالف لما یظهر من أحواله صلی الله علیه و آله فی عباداته ودعواته وغیرها ، بل کان کثیرا ما یقتصر علی الواجبات توسعة أو لغرض آخر ، وإن کان صلی الله علیه و آله فی جمیع أوقاته مستغرقا فی ذکره تعالی ومحبته وشوقه.

قوله : قال الصدوق. ( 1 : 233 ).

وصرح فی الأمالی بجواز المرتین ، ونسبه إلی عقائد الإمامیة (2) ، فما نسب إلیه من القول بالمنع فاسد (3).

قوله (4) : ومقتضی کلام. ( 1 : 233 ).

فظهر من کلام هؤلاء أیضا کون الثانیة غیر حرام إن کانت جزءا للوضوء وغیر خارجة عنه ، فیقتضی کونها مستحبة ، إذ لا معنی لکون جزء (5) العبادة جائزا ، کما ستعرف ، فظهر من اتفاق الجمیع علی عدم الحرمة ، ومما ذکرنا عن الأمالی ، ومن الأخبار الکثیرة التی سنذکرها ، ومما أشرنا فی الحاشیة السابقة الطویلة ، والإجماعات عدم إمکان حمل أخبار التثنیة علی التقیة.

قوله : وعلی هذا فیمکن. ( 1 : 233 ).

ص: 290


1- انظر الوسائل 10 : 464 أبواب الصوم المندوب ب 23.
2- أمالی الصدوق : 515.
3- نسبه إلیه فی السرائر 1 : 100.
4- هذه الحاشیة لیست فی « د ».
5- هذه الحاشیة لیست فی « د ».

فیه نظر من وجوه :

الأول : أن الحمل إنما هو بعد مقاومة المعارض بحسب السند ، وهی مفقودة ، لأن النصوص التی ذکرها لیس فیها صحیح یقاوم أحد الصحاح ، فکیف یقاوم الصحاح ، سیما علی طریقته - رحمه الله -؟!

الثانی : أنّ فی بعضها : « الوضوء مثنی مثنی ، من زاد لم یؤجر علیه ».

وقال ابن أبی عقیل : السنة إتیان الماء علی الأعضاء مرتین ، الفرض من ذلک مرة ، والاثنتان سنة ، ولئلا یکون قد قصر ( المتوضئ فی المرة ، فیکون یأتی (1) علی تقصیره ، فإن تعدی المرتین لا یؤجر علی ذلک ، بذلک ( جاء التوقیع ) (2) عنهم علیهم السلام ، وصرح بمضمون فتواه ابن الجنید والمفید (3).

وسند الحدیث وإن کان فیه القاسم بن عروة إلا أنه یجبره ما ذکرناه ، مضافا إلی أن حدیث القاسم قوی ، کما حققناه فی الرجال (4) ، مع أنک قد عرفت أن المعارض لیس بصحیح ، وتلک الزیادة لا تلائم ما ذکره من الحمل ، مضافا إلی بعده فی نفسه ، بل ومستبعد جدّا بملاحظة أن جزء العبادة کیف یتصف بالإباحة؟! إذ المقصود أن الغسل الثانی جزء للوضوء ویفعل بقصد الوضوء لا بقصد عدم الوضوء بل للاستبراد أو لغوا أو غیر ذلک ، إذ مع کون ذلک غیر مورد المسألة لا مانع فیه أصلا وإن زاد علی المرتین عندهم ( سوی کون المسح بغیر نداوة الوضوء وهو مشترک بین المرتین - لو

ص: 291


1- فی « ب » و « ج » و « د » : الثانی.
2- فی « ا » : جاء التوقیف ، وفی « و » : جاز التوقیف.
3- انظر المختلف 1 : 118 ، والمقنعة : 48.
4- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 263.

کان إحداهما خارجة - وما زاد عن المرتین ) (1).

والخبر المذکور محمول علی أن الزیادة عن الاثنین خارجة عن الوضوء البتة ، ولذا ورد أیضا أنها بدعة ، ویصدق علیها أنها لا یؤجر علیها ، بل عدم الأجر فی العبادة کنایة عن البدعة ، إذ العبادة لا تخلو عن الأجر کما نبهنا.

وأیضا : الغسل الثانی لا بدّ أن یکون بقصد القربة والامتثال وهو فرع الرجحان ، أو هوی النفس فلا یلائمه قوله تعالی ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِیَعْبُدُوا اللهَ ) (2) الآیة ، وغیر ذلک من الأدلة.

وأمّا مرسلة ابن أبی عمیر فمحمولة علی ما ذکره الشارح ، لما ذکره ، وأما مع عدم استیقان أن الواحدة تجزی فلعله یحبط أجره ، لا أنه لیس بمستحب ، کیف والمفهوم یدل علی أن مع الاستیقان یؤجر دلالة لائحة غیر خفیة علی الفطن ، وهذا من جملة ما یدل علی صحة الحمل المشهور ، واستحباب الغسل الثانی.

ویدل علیها أیضا ما ورد من أن المرتین إسباغ (3) ، ویظهر من الأخبار رجحان الإسباغ (4) ، ویدل أیضا دلالة صریحة الروایتان اللتان ذکرناهما فی مبحث کون المسح بنداوة الوضوء (5).

وفی عیون أخبار الرضا علیه السلام فی ما کتبه من محض الإسلام :

ص: 292


1- ما بین القوسین أثبتناه من « أ » و « و ».
2- البینة : 5.
3- انظر الوسائل 1 : 439 ، 440 أبواب الوضوء ب 31 ح 20 و 23.
4- انظر الوسائل 1 : 487 أبواب الوضوء ب 54.
5- راجع ص 264 ، 265.

« الوضوء مرة مرة فریضة واثنتان إسباغ » (1) ، وما کتبه علیه السلام کله محض الحق.

وفی رجال الکشی فی داود بن زربی : قال : قلت للصادق علیه السلام : کم عدة الطهارة؟ قال علیه السلام : « ما أوجبه الله تعالی فواحدة ، وأضاف إلیها رسول الله أخری لضعف الناس ، ومن توضأ ثلاثا فلا صلاة له » - إلی أن قال - : « یا داود توضأ مثنی مثنی ، ولا تزیدن (2) علیه » (3).

وفی ما کتب القائم علیه السلام إلی العریضی من أولاد الصادق علیه السلام : الوضوء کما أمر الله تعالی غسل الوجه والیدین ومسح الرأس والرجلین واحد ، واثنان إسباغ الوضوء ، وإن زاد علی الاثنین أثم (4).

( وفی ما کتب الرضا علیه السلام إلی المأمون : واحد فریضة والثانی استحباب ، ومن زاد علی الاثنین أثم ) (5).

ومما ذکرناه عن الکشی یظهر وجه الجمع بین ما ورد من أن وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله وأمیر المؤمنین علیه السلام کان واحدة واحدة ، وبین ما دل علی أنّ المرتین مستحب ، وفیه إشارة إلی ما ذکره ابن أبی عقیل : ولئلا یکون قد قصر. فإنهما علیهماالسلام کانا منزهین عن الضعف والتقصیر ، وإن احتمل أن الرسول صلی الله علیه و آله ربما توضأ مرتین مرتین

ص: 293


1- عیون أخبار الرضا 2 : 125 / 2 ، الوسائل 1 : 440 أبواب الوضوء ب 31 ح 23.
2- فی النسخ : ولا تزدنّ ، والصحیح ما أثبتناه من المصدر.
3- رجال الکشی 2 : 600 / 564 ، الوسائل 1 : 443 أبواب الوضوء ب 32 ح 2.
4- لم نعثر علیه.
5- انظر تحف العقول : 311. وما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».

لاقتداء الناس ، لما رواه عمرو بن أبی المقدام عن الصادق علیه السلام : « إنی لأعجب ممن یرغب أن یتوضأ اثنین اثنین » (1).

وحمل الصدوق - رحمه الله - هذه علی التجدید بعید لا یلائمه تکرر لفظ اثنین ، وسیما مرتین ، مع أن کون التجدید منحصرا فی مرة واحدة خلاف ما یظهر من الأخبار ، مع أن المقام لیس مقام التوجه إلی ذکر الانحصار ، مع أن الراغب عن التجدید غیر مأنوس من ملاحظة الأخبار ، وما ورد من أن وضوءه صلی الله علیه و آله ما کان إلا مرة مرة لعله محمول علی عادته الجاریة فی وضوئه ، وهذه الروایة علی أنه توضأ نادرا لأجل ترغیب الناس وعدم تنفرهم ، علی ما یومئ إلیه لفظة الماضی المؤکدة بلفظ « قد » ، فتفطن.

وممّا یدل أیضا علی مذهب المشهور وحملهم : ما رواه الصدوق - رحمه الله - فی الفقیه عن الصادق علیه السلام : « فرض الله الوضوء واحدة واحدة ، ووضع رسول الله صلی الله علیه و آله للناس اثنتین اثنتین » (2) ، وحمل الصدوق علی الإنکار فاسد.

وهذا الخبر یشیر إلی أن الخبر المتقدم وارد فی تکرار الغسل لا فی التجدید ، وهذا الخبر مضمونه مضمون ما رویناه عن الکشی ، وقال فی الفقیه : وروی فی المرتین أنه إسباغ (3) ، وفی التهذیب فی الصحیح عن الصادق علیه السلام : « أسبغ الوضوء إن وجدت ماء » (4).

ص: 294


1- الفقیه 1 : 25 / 80 ، الوسائل 1 : 439 أبواب الوضوء ب 31 ح 16.
2- الفقیه 1 : 25 / 77 ، الوسائل 1 : 439 أبواب الوضوء ب 31 ح 15.
3- الفقیه 1 : 25 / 80 ، الوسائل 1 : 439 أبواب الوضوء ب 31 ح 20.
4- التهذیب 1 : 138 / 388 ، الوسائل 1 : 485 أبواب الوضوء ب 52 ح 4.

هذا کله مضافا إلی ما ذکرناه فی الحواشی السابقة.

قوله : ویشهد له صحیحة زرارة. ( 1 : 233 ).

هذا الاستشهاد لا یخلو من غرابة سیما بعد ملاحظة ما سنذکره من عدم تحریم الغرفة الثانیة ، وأن المحرم هو الغسلة الثالثة.

قوله : والأخبار إنما تدل. ( 1 : 234 ).

فیه تأمل ظاهر علی من لاحظ الأخبار وتأمل فیها ، سیما التی ذکرناها فی الحاشیة.

قوله : من لم یستیقن. ( 1 : 234 ).

فیه دلالة علی استحباب الثانیة ، کما نبهنا.

قوله : ولا ریب فی تحریم الغسلة الثالثة. ( 1 : 234 ).

هذا الحکم علی طریقة الشارح - رحمه الله - لا یخلو عن إشکال ، لورود ما ذکره فی العنوان السابق فیه وهو صدق الامتثال مع عدم دلیل علی الحرمة علی طریقته ، ویظهر من طریقته فی العنوان أن حال المرتین حال الثالثة ، فتأمّل.

وبالجملة : هو لا یعمل بالأخبار المرسلة وغیر الصحیحة ، ولا یعتمد علی أمثال هذه الاتفاقات من الفقهاء ، وتحقق الامتثال بالمرة یقتضی کون الثانیة أیضا بدعة ، ولم یظهر خلاف ذلک منه فی العنوان السابق ، فتأمّل فیه.

ونقل فی المختلف عن ابن الجنید وابن ابی عقیل والمفید - رحمهم الله - تجویز الثالثة وعدم کونها بدعة ، وعن المشهور کونها بدعة ، وعن أبی الصلاح بطلان الوضوء أیضا ، واستقربه (1) ، وهو جید یظهر وجهه من ملاحظة ما ذکرناه فی الحاشیة السابقة الطویلة ، فراجع.

الغسلة الثالثة بدعة

ص: 295


1- المختلف 1 : 118 ، وانظر المقنعة : 48 - 49 ، والکافی فی الفقه : 133.

قوله : تمسکا بالإطلاق. ( 1 : 235 ).

هذا مناف لما ذکره سابقا من أن نهایة الجواز الغرفة الثانیة ، واختیاره فی الجمع بین الأخبار.

قوله : أجمع. ( 1 : 235 ).

لولا الإجماع لکان ذلک محل تأمّل ، لعموم ما دل علی التکرار ، لکن ما ورد فی أنه إسباغ ، وأنه زید لضعف الناس وأمثالهما یشعر بکون المراد الغسل ، لأن المطلوب فی المسح تقلیل الماء مع عدم الاستیعاب ( فیه ، فتأمّل.

مع أن ما ذکرناه فی کون المسح بنداوة الوضوء فی غایة الظهور فی عدم التکرار فی المسح ، وکون هذا مستند الإجماع یکفی ، سیما مع الإشعار الواضح ، بل الظاهر الدلالة ، بل لو لم یکن الإجماع أیضا یکفی ) (1).

قوله : وقد یقال : إنه لا مانع. ( 1 : 235 ).

إن أراد أنه لا مانع من أن یقال : لا یجب تحقق الغسل فی الوضوء ، بل یکفی المسح فی المغسول والممسوح جمیعا فلا یخلو عن غرابة ، لمخالفته للإجماع ، بل والضرورة وکذا مخالفته للمستفاد من الأخبار المتواترة بعد الآیة ، سیما ما ورد من أن الوضوء مسحتان وغسلتان.

وإن أراد أن الغسل لا یحتاج فی تحققه إلی جریان بل یکفی فی تحققه إمرار الید برطوبة مّا فهو أیضا غریب ، لأن الغسل عرفا ولغة لا یتحقق بغیر جریان مّا.

وأعجب من ذلک أن الشارح - رحمه الله - تأمل فی تحقق الغسل

لا تکرار فی المسح
إجزاء ما یسمّی به غاسلاً فی الوضوء

ص: 296


1- ما بین القوسین أثبتناه من « و ».

العرفی بجریان مّا ، فکیف إذ لم یتحقق جریان أصلا ، مع أنه علی هذا لا یتحقق فرق بین الغسل والمسح ، وهو مخالف لما ذکرناه من الإجماع والآیة والأخبار.

وبالجملة : حمل هذه الأخبار علی ما ذکره جده - قدس سره - من کونه علی جهة المجاز مبالغة فی الاجتزاء بالجریان القلیل متعین.

قوله : وتشهد له. ( 1 : 236 ).

هذا لا یخلو من غرابة ، إذ لا شهادة فیها أصلا ، مضافا إلی دلالة الأخبار المعتبرة علی أفضلیة الإسباغ.

قوله : وهو ضعیف. ( 1 : 237 ).

فیه تأمّل ، فتأمّل ، وإن کان الأحوط إزالته.

قوله : استظهارا للعبادة. ( 1 : 237 ).

إن لم یحصل العلم بالوصول فلا بدّ من التحریک أو النزع تحصیلا للعلم بالامتثال والبراءة الیقینیة ، لعدم ثبوت حجیة الظن فی هذا الموضع مع تیسر العلم وحصوله بلا حرج ، وإن حصل العلم فکیف یتأتی الاستظهار. إلاّ أن یقال : مرتبة العلم متفاوتة ، وحصول الأقوی أولی لکونه أوثق وأحوط ، لکن هذا لا یلائم طریقة الشارح - رحمه الله - لأنّه لا یجوّز التسامح فی أدلة السنن ، ولا یجعل نفس الاحتیاط دلیلا شرعیا ، فضلا من الأحوطیة ، فضلا عن مثل هذه ، فتأمّل.

قوله : ویدل علیه (1).

وفی الصحیح عن کلیب الأسدی ، عن الصادق علیه السلام : عن الرجل

وضوء الجبیرة

ص: 297


1- لم نعثر علی هذه العبارة فی المدارک ، ولعلّها عبارة أخری عن قوله : وقد ورد بذلک روایات 1 : 237.

إذا کان کسیرا کیف یصنع بالصلاة؟ قال : « إن کان یتخوف علی نفسه فلیمسح علی جبائره ولیصل » (1) ، وحمل هذه علی الاستحباب بعید جدا.

وکذا حسنة الوشاء ، عن أبی الحسن علیه السلام : إذا کان الدواء علی یدی الرجل أیجزیه أن یمسح علیه؟ قال : « نعم یجزیه أن یمسح علیه » (2) ، والإجزاء ظاهر فی الوجوب.

وعن عبد الأعلی ، عن الصادق علیه السلام : انقطع ظفری فجعلت علی إصبعی مرارة ، فقال علیه السلام : « ( ما جَعَلَ ) الله ( عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) ، امسح علیه » (3).

وأما صحیحة ابن الحجاج فلا تدل إلاّ علی أنه لا یجب غسل ما لا یستطیع غسله ، لا أنّه لا یجب مسحه أیضا ، وإن کان ظاهرها ذلک ، إلاّ أنّ هذا الظاهر یکون مقاوما للأدلة الدالة علی الوجوب المعتضدة بفتاوی الأصحاب لا یخلو عن الإشکال ، بل الظاهر عدم المقاومة والرجحان. وعلی تقدیر عدم الإجماع أیضا یکون الأمر کما ذکرنا. مع أنّ القول بالاستحباب لا وجه له إلاّ بعد دعوی الإجماع علی عدم الفرق بین القرحة وغیرها ، ولعله لا یعرف إلاّ من فتاوی الفقهاء بوجوب غسل ما حولهما ، والمسح علی جبیرتهما ، ( وفیه ما فیه ) (4) ، فتأمّل.

ص: 298


1- التهذیب 1 : 363 / 1100 ، الوسائل 1 : 465 أبواب الوضوء ب 39 ح 8.
2- التهذیب 1 : 364 / 1105 ، الوسائل 1 : 465 أبواب الوضوء ب 39 ح 9 ، بتفاوت یسیر.
3- الکافی 3 : 33 / 4 ، التهذیب 1 : 363 / 1097 ، الاستبصار 1 : 77 / 240 ، الوسائل 1 : 464 أبواب الوضوء ب 39 ح 5.
4- ما بین القوسین أثبتناه من « و ».

و (1) یعضد الإجماع وفتاوی الأصحاب والتصریح بالوجوب فی الأخبار الکثیرة ما ورد عن علی علیه السلام : « ما لا یدرک کله لا یترک کله » و « المیسور لا یسقط بالمعسور » (2) ، وعن الرسول صلی الله علیه و آله : « إذا أمرتکم بشی ء فأتوا منه ما استطعتم » (3).

بل احتمل العلامة فی النهایة وجوب أقلّ مسمی الغسل فی المسح (4) ، بل ربما کان هذا هو الظاهر من الأخبار ، بل وکلام الفقهاء أیضا ، لأنّ المسح هو إمرار الید مع الرطوبة من غیر قید عدم الجریان ولو خفیفا ، کما مر من أنّ بین الغسل والمسح عموما من وجه ، سیما المسح الوارد فی هذه الأخبار ، إذ الظاهر أنّ مراد المعصوم علیه السلام أنّه إن لم یمکنه إمرار الید حال الغسل علی ما تحت الجبیرة یمرّ یده علی ما فوقها دفعا للحرج ، لا أنّه تجفف کفّه الماسحة حتی لا یتحقق جریان أصلا.

نعم ، لو کان الجریان یضرّه یجفّف من هذه الجهة ، وهذا أمر یظهر من الخارج لا من الأخبار.

ومما ذکر ارتفع التعارض بین صحیحة عبد الرحمن وما ذکرنا من الأخبار ، لجواز أن یکون المراد من قوله علیه السلام : « ما وصل إلیه الغسل » أعمّ من البشرة وما فوق الجبیرة ، بل هذا أنسب إلی کلمة « ما » المفیدة للعموم بلا تأمّل ، بل وأنسب إلی قوله : « وصل الیه الغسل » ، إذ لو کان المراد ما ذکره الشارح کان یقول : یغسل ما حولها ، فالعدول منه إلی ما ذکر ظاهر فی ما

ص: 299


1- من هنا إلی آخر هذه الحاشیة أثبتناه من « و ».
2- انظر عوالی اللآلی 4 : 58 / 207 ، 205.
3- عوالی اللآلی 4 : 58 / 206 ، سنن البیهقی 1 : 215 ، بتفاوت فی العبارة.
4- نهایة الأحکام 1 : 65.

ذکر ، یعنی أنّ کلّ شی ء یصل إلیه ماء الغسل عند إمراره یده علیه علی طریقة غسله المتعارف من صبّ الماء وإمرار الید علی الباقی یجب غسله بصب الماء وإمرار الید علی البشرة ، وعلی الجبیرة موضع البشرة ، فتأمّل.

قوله : واعلم أنّ فی کلام الأصحاب. ( 1 : 238 ).

ربما یظهر من کلامهم فی مبحث التیمم أنه طهارة اضطراریة لا یصح ولا یتحقق إلاّ بعد العجز عن الطهارة المائیة ، فإذا ظهر من کلامهم فی المقام بل وتصریحهم أنّ الوضوء بغسل ما حول الجبیرة والمسح علیها صحیح قطعا ، بل ویظهر منهم فیه وجوبه وتعیینه یظهر من ذلک أنّ ما ذکروه فی باب التیمم إنّما هو بعد العجز عن هذا الوضوء الصحیح ، بل الواجب والمعین ، فتأمّل.

قوله : أو بالتخییر. ( 1 : 239 ).

فی البناء علی التخییر إشکال ، لأنّ شغل الذمة الیقینی یستدعی (1) البراءة الیقینیة ، أو الظنیة المعتبرة الاجتهادیة ، وشی ء من ذلک غیر متحقق بمجرد الاحتمال ، ولو قلنا بأنّه غیر مرجوح بل مساو. مع الإشکال فیه أیضا ، لما ذکرنا فی صدر الکتاب فی مسألة تیمم الجنب للخروج عن المسجدین من أنّ التیمم بدل اضطراری عن الطهارة المائیة (2) ، فحیث ثبت من الأخبار وکلام الأصحاب ( ووفاقهم ) (3) صحة الطهارة المائیة قطعا ، بل ووجوبها عینا - علی الظاهر منها - یکون ذلک قرینة واضحة علی الجمع الأول وتعیینه (4) ، فتدبر.

ص: 300


1- فی « أ » و « و » : یقتضی.
2- راجع ص 15.
3- بدل ما بین القوسین فی « ب » : وورد.
4- فی « ب » و « ج » و « د » : بعینه.

وأشکل مما ذکر الاکتفاء بالتیمم علی الجبیرة مع التمکن من الوضوء بغسل ما حولها أو المسح علیها. بل مع قطع النظر مما ذکرنا یبعد حمل الأخبار الواردة بالتیمّم علی التیمم علی الجبیرة ، فتأمّل.

قوله : الأظهر. ( 1 : 240 ).

فیه ما ذکرنا فی المسح علی الخفین ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : وتتعلق النیة. ( 1 : 240 ).

فیه : أنّ الحاجة إلی النیة إنما هی من جهة کون الفعل عبادة مطلوبة من الفاعل ، ولا شکّ فی أنّ الوضوء لیس وضوء المباشر ، فلا یمکن أن یصلی به أو یطوف مثلا ، بل الوضوء وضوء الآمر بلا شبهة ، والعبادة عبادته ، وهو مطلوب منه لا من المباشر ، بل المباشر من قبیل الآلة لتحقق المطلوب ، فلا وجه للحکم بتعلق النیة به ، وخصوصا مع عدم التعلق بالآمر ، والظاهر أنّ المباشرة غیر واجبة إلاّ علی المملوک والأجیر ، لأصالة البراءة ، ووجوبها علی المملوک والأجیر لیس من قبیل العبادات بل هو من باب المعاملات ، وعلی تقدیر کونه من العبادات یکون علیهما النیة من جهة تکلیفهما لا من جهة التکلیف بالوضوء ، فتأمّل.

قوله : وتمکین غیره منها کان أولی. ( 1 : 240 ).

( بل هو متعین ) (1) ، بل هو أولی بالنیة من ( المباشر ، لأنّ العبادة عبادته ، فتأمّل.

قوله : إذا قلنا : إنّ الضمیر عائد إلی القرآن. ( 1 : 241 ).

ربما یکون أقرب بقرینة ( لا یَمَسُّهُ ) ، إذ المسّ (2) حقیقة فی

عدم جواز تولیة الغیر أفعال الوضوء اختیارا
حرمة مس المحدث کتابة القرآن

ص: 301


1- هذه الحاشیة لیست فی « ج » و « د » ، وما بین القوسین لیس فی « ب ».
2- فی النسخ زیادة : لیس ، حذفناها لاستقامة المعنی.

الإمساس الجسدی البدنی ، مضافا إلی أنّه تعالی فی مقام وصف القرآن وأحواله. مع أنّ قوله تعالی ( تَنْزِیلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِینَ ) صفة القرآن ، فلا وجه للفصل بأجنبیّ. مع أنّ قوله ( مَکْنُونٍ ) مطلق ، فالظاهر أنّه مکنون مطلقا ، لظهور بقاء المطلق علی إطلاقه ، وأصالة عدم التقیید ، وعدم تعلق الاستثناء به.

وأیضا نقل عن الشیخ والطبرسی - رحمهما الله - أنّهما قالا فی التبیان ومجمع البیان : وعندنا أنّ الضمیر یعود إلی القرآن (1).

وأیضا یظهر من أخبار متعددة عن الأئمة علیهم السلام أنّ الضمیر راجع إلی القرآن (2).

ومما ذکرنا یظهر أیضا أنّ الجملة الخبریة بمعنی النهی ، کما لا یخفی علی من تأمّل أدنی تأمّل.

وأما المطهّر فعلی تقدیر ثبوت الحقیقة الشرعیة فظاهر رجحانه فی الطهارة الرافعة ، وعلی تقدیر عدم الثبوت فالحمل علی المعنی اللغوی أی الحقیقی منه فی المقام بعید ، بل لم یقل به أحد بعد ملاحظة کون الجملة بمعنی النهی ، والإمساس بمعناه الحقیقی ، فتعین أن یکون المراد غیره. فبعد القرینة الصارفة یتعین المعنی الاصطلاحی ، لکثرة استعمال الشرع فیه إلی أن وقع النزاع فی صیرورته حقیقة عنده وفی اصطلاحه.

ولورود الأخبار الکثیرة فی المنع عنه ، وکذا فتاوی الفقهاء.

وأمّا النهی عن غیره فغیر معروف من الأخبار وکلام الأخیار ، بل ویظهر من بعض أخبار الأئمة تفسیرها بالطهارة الرافعة ، مثل ما روی فی القویّ عن

ص: 302


1- التبیان 9 : 510 ، مجمع البیان 5 : 226.
2- راجع الوسائل 1 : 384 أبواب الوضوء ب 12.

أبی الحسن علیه السلام : « المصحف لا تمسّه علی غیر طهر ، ولا جنبا ، ولا تمسّ خطه (1) ، ولا تعلقه ، إنّ الله تعالی یقول ( لا یَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (2).

إلاّ أن یقال : یظهر منه دخول التعلیق مثلا فیه أیضا ، ولم یقل أحد بحرمته أیضا ، لکن سیجی ء فی مبحث الجنابة أنّ السید - رحمه الله - عامل بمضمون هذه الروایة (3).

مع أنّه غیر مضرّ ، لأنّ الغرض هنا إثبات کون الطهارة بالمعنی الاصطلاحی ، لا الدلالة علی الحرمة أیضا ، إذ بملاحظة الأدلة الخارجة یظهر أنّ النهی هنا مستعمل فی القدر المشترک.

وأمّا الآیة فیظهر من الأدلّة - مضافا إلی ظاهرها - الحرمة ، فیمکن أن یکون التعلیل فی الخبر بالنسبة إلی مس القرآن ، لا مثل التعلیق ، کما هو المستفاد من قوله ( لا یَمَسُّهُ ) . أو یکون التعلیق من بطون القرآن ، فلا یمنع التمسک بالظاهر ، فتدبّر.

قوله : ویتوجه علی الروایتین. ( 1 : 241 ).

هاتان الروایتان وإن کانتا مطعونا فی سندهما إلاّ أنّ مضمونهما منجبر بعمل الأصحاب ، کما عرفت مرارا.

مع أنّ الروایة الأولی لیس فیها إلاّ الحسین بن مختار ، وقد وثقه المفید فی إرشاده (4) ، وعلی بن الحسن بن فضال علی ما نقله ابن عقدة (5) ، وقال

إشارة إلی أن حسین بن مختار ثقة وإشارة إلی مقبولیّة مراسیل حماد بن عیسی

ص: 303


1- فی بعض نسخ المصادر : خیطه.
2- التهذیب 1 : 127 / 344 ، الاستبصار 1 : 113 / 378 ، الوسائل 1 : 384 أبواب الوضوء ب 12 ح 3.
3- المدارک 1 : 287.
4- الإرشاد 2 : 248.
5- انظر الخلاصة : 215.

الصادق علیه السلام له : « رحمک الله » (1) ، إلی غیر ذلک مما ذکرناه فی تعلیقتنا علی رجال المیرزا (2). وأما أبو بصیر فمشترک بین ثقات لیس إلاّ ، کما حقّقناه فیها (3).

والثانیة فیها حماد بن عیسی ، وهو ممن أجمعت العصابة. فلا یضر الإرسال الذی بعده ، کما حقّقناه أیضا (4) ، مع أنّ الظاهر أنّ حمادا أخذه من کتاب حریز ، وکتابه معتمد معتبر لا تأمّل فیه ، ویظهر من روایة حماد (5) المشهورة فی کیفیة الصلاة اعتباره.

قوله : عدم الدلالة علی المدعی صریحا. ( 1 : 241 ).

فیه ، إشارة إلی دلالة مّا ، وهو کذلک ، لأنّ الکتابة لا تکاد تنفک عن المماسة غالبا ، والأخبار واردة مورد الغالب.

ومع الإغماض عن الدلالة لا شک فی أنّ الحمل علی ذلک أولی وأقرب من الحمل علی الکراهة ، سیّما مع موافقته لغیره من الأخبار الظاهرة فی الحرمة.

وکذا ظاهر الآیة علی حسب ما مرّ ، فتدبر.

وفی الفقه الرضوی : « ولا تمس القرآن إذا کنت جنبا أو علی غیر وضوء ، ومس الورق » (6).

إشارة إلی أن حسین بن مختار ثقة وإشارة إلی مقبولیّة مراسیل حماد بن عیسی

ص: 304


1- الکافی 1 : 67 / 8.
2- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 116 و 371 و 6.
3- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 116 و 371 و 6.
4- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 116 و 371 و 6.
5- الکافی 3 : 311 / 8 ، الوسائل 5 : 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
6- فقه الرضا علیه السلام : 85 ، مستدرک الوسائل 1 : 464 أبواب الجنابة ب 11 ح 1.

قوله : وإمکان حملها. ( 1 : 241 ).

لا یخفی أنّ الشارح اختار کون الحدیث الصحیح حجة وإن لم یوجد بمضمونه قائل ، ولا یشترط فی حجیته ذلک ، وصرح بذلک.

قوله : وهو متّجه. ( 1 : 242 ).

فیه : أنّه إذا لم یکن دلیل فلا وجه للحکم فی الکراهة أیضا.

نعم ، لو بنی علی التسامح فی أدلة الکراهة والسنة لأمکن ، لکنه خلاف رأی الشارح ، وإن کان الحق التسامح ، کما حققناه فی أوّل الکتاب ، فلاحظ.

قوله : لکل صلاة ، مراعاة. ( 1 : 242 ).

هذا موقوف علی أحکام ثلاثة :

الأول : کون الصلاة واجبة علیه فی هذه الحالة.

الثانی : أنّ الطهارة شرط حینئذ أیضا ، لأنّها شرط مطلقا بمقتضی النص.

الثالث : أنّ فعل الطهارة فی أثناء الصلاة مبطل لها ، فإنّ الحدث إذا کان ناقضا مطلقا ، والطهارة تکون شرطا مطلقا یقتضی ذلک سقوط الصلاة.

نعم ، إذا ثبت أنّها لیست بساقطة یکون الأمر کما ذکره ، والظاهر أنّ عدم السقوط إجماعی.

قوله : وظاهر کلامه أنّ البول. ( 1 : 242 ).

لا مطلقا ، بل الذی یخرج قطرة قطرة من غیر قصد وإرادة ، أمّا غیر ذلک فلا ، فلعل نظره إلی عدم عموم فی الأخبار الدالة علی النقض بحیث یشمل الفروض النادرة ، فتأمّل.

حکم المبطون والمسلوس

ص: 305

وموثقة سماعة أو مضمرته : عن رجل أخذه تقطیر من فرجه ، إمّا دم وإمّا غیره ، قال : « فلیصنع خریطة ولیتوضأ ولیصلّ ، فإنّما ذلک بلاء ابتلی به ، فلا یعیدن إلاّ من الحدث الذی یتوضأ منه » (1) ، فتأمّل.

قوله : فإنّ الجمع بین الفریضتین. ( 1 : 243 ).

سیما فی المقام ، لأنّه فی صدد الإشکال فی حکایة دوام الحدث المانع من الطهارة ، فتدبر.

قوله : وأنّ العمل بها. ( 1 : 243 ).

والصدوق - رحمه الله - روی هذه الروایة بطریق فیه علی بن أحمد بن عبد الله البرقی ، وأبوه أحمد (2) ، فلعل الشهید بنی علی ما ذکر فی علم الرجال من أنّه رجع عن القول بعبد الله کل الشیعة إلاّ عمار وطائفته (3) ، أو بنی علی حکایة إجماع العصابة (4) ، أو علی تصحیح العلاّمة - رحمه الله - هذه الروایة (5) ، فتأمّل.

قوله : وهو مصادرة. ( 1 : 243 ).

لیس فیه مصادرة ، لأنّه یثبت فی مقامه اشتراط الاستمرار بالأخبار وغیرها ، وعلی تقدیر المناقشة فی دلیله لا یقال : إنّه مصادرة.

ص: 306


1- التهذیب 1 : 349 / 1027 ، الوسائل 1 : 266 أبواب نواقض الوضوء ب 7 ح 9.
2- الکافی 3 : 482 / 1 ، الوسائل 1 : 390 أبواب الوضوء ب 15 ح 5.
3- انظر رجال الکشی 2 : 565 / 502 ، والإرشاد 2 : 223.
4- انظر رجال الکشی 2 : 673 / 705.
5- کما فی المختلف : 28.

وبالجملة : أنّه مبنی علی مقدمة مسلّمة عند الأکثرین ، کما سیجی ء وسیجی ء استدلالهم علیها ، وهی أنّ الطهارة شرط ، ومع زوال الشرط یزول المشروط ، وأنّ الإجماع حاصل علی أنّ الفعل الکثیر مبطل ، وبروایتین ستذکران ، استدلوا بذلک ردّا علی من قال : إن الحدث سهوا لا یبطل الصلاة ، فلو تمّ أدلّتهم علیه للزمهم القول بالبطلان هنا لو قالوا بأنّه حدث ، فالنقض منه وارد علی المعظم ، مع أنّه یعتقد تمامیة الدلیل مثلهم ، فلا وجه للحکم بالمصادرة بوجه من الوجوه ، فتأمّل.

قوله : فی موضع النزاع. ( 1 : 243 ).

النزاع لا ینافی الإجماع عندنا (1) ، مع أنّ ضروری المذهب مثل حرمة القیاس وقع فیه النزاع ، فما ظنک بالإجماع ، وسیما المنقول بخبر الواحد ، فإن قال بحجیته فلا وجه للمنع وإلاّ فلا وجه لمنع الإجماع أصلا ، ولا للاستناد إلی النزاع ، بل الوجه علی هذا أن یمنع حجیته خاصّة ، ومع ذلک ، المنع غیر المصادرة ، وعدم ثبوت الإجماع عند الشارح - رحمه الله - لا یضر المستدل ، فتأمّل.

قوله : المعتضدة بالأصل. ( 1 : 244 ).

لا بدّ من التأمّل فی هذا الأصل ، إذ لم نجد له أصلا ، بل لم نجد العمومات أیضا ، إذ العبادة ماهیتها غیر معلومة إلاّ من الشرع ، وثبوت کون مثل هذه الصلاة من جملة ما أمر الله تعالی به محل تأمّل ، سیما بعد ملاحظة قوله صلی الله علیه و آله : « صلّوا کما رأیتمونی أصلّی » (2) وأنّه صلّی الله علیه

ص: 307


1- لیس فی « أ » و « ج » و « د ».
2- عوالی اللآلی 1 : 197 / 8 ، السنن الکبری للبیهقی 2 : 124.

وآله ما صلّی کذلک قطّ ، وکذا ملاحظة « لا صلاة إلاّ بطهور » (1) ، لأنّه من قبیل : لا صلاة إلاّ بطهارة الثوب ، أو طهارة الجسد ، فإنّ الظاهر منه کون مجموع الصلاة من أوّلها إلی آخرها کذلک ، وکذا ملاحظة الإجماع والأخبار الواردة فی إبطال الفعل الکثیر ، فتأمّل.

وبالجملة : العمدة ما ذکره من اعتبار السند وعمل الأصحاب ، وهذا القدر یکفی لإثبات الحکم.

قوله : أمکن فی الاستعمال. ( 1 : 244 ).

لو تم هذا لاقتضی استحباب الوضع علی الیسار أیضا فی بعض الأوانی ، مع أنّ کون مثل هذا دلیلا علی الاستحباب الشرعی محل تأمّل.

قوله : وهو حسن. ( 1 : 244 ).

لو تمّ الدلیلان لعمّا غیر ما نحن فیه من جمیع الأمور ، ولم یفت الأصحاب فی غیر الوضوء حتّی الغسل وغسل النجاسة ونظائرهما ، نعم ، فی حسنة ابن أذینة التی رواها الکلینی فی علة الأذان ، وهی صحیحة أو کالصحیحة ، سیما عند الشارح - رحمه الله - مع أنّ المقام مقام الاستحباب ، مع أنّها منجبرة بعمل الأصحاب ، ومضمون الحسنة أنّه علیه السلام قال : « فتلقی رسول الله صلی الله علیه و آله الماء بیده الیمنی ، فمن أجل ذلک صار الوضوء بالیمین - فی نسخة - وبالیمنی - فی نسخة - » (2) فتأمّل جدّا.

قوله : والاغتراف بها. ( 1 : 245 ).

سنن الوضوء

وضوء الإناء علی الیمین والاغتراف بها

ص: 308


1- التهذیب 1 : 49 / 144 و 209 / 605 ، الوسائل 1 : 365 أبواب الوضوء ب 1 ح 1 و 6.
2- الکافی 3 : 482 / 1 ، الوسائل 1 : 390 أبواب الوضوء ب 15 ح 5.

أی لغسل الجمیع لا لغسل الوجه والید الیسری خاصة. والأولی أن یستدل الشارح بالخبر المتضمن للاغتراف صریحا ، وکذا الغمس ، کما مر.

قوله : إذا وضعت. ( 1 : 245 ).

ویظهر من بعض الأخبار (1) استحباب التسمیة عند صب الماء علی الوجه أیضا.

قوله : منعنا ذلک. ( 1 : 246 ).

فیه ما فیه ، لأنّ الأصحاب کانوا یعملون ، ویظهر من ذلک اعتبارها عندهم ، وهذا لا یقصر عن الصحیح ، لو لم یکن أحسن منه ، وتمام التحقیق فی ما کتبناه فی الرجال (2).

قوله : مقتضی الروایتین. ( 1 : 247 ).

هذا الحصر بالنسبة إلی الثانیة محل تأمّل ، لمکان التعلیل ، فتأمّل.

قوله : وجزم الشارح رحمه الله . ( 1 : 247 ).

یعنی أنّ الشارع طلب غسل الید من الأمور المذکورة ، مطلقا من غیر تقیید بکون الید مظنونة النجاسة أو متهمة النجاسة ، ولذلک أفتی الأصحاب کذلک ، فعلم أنّ الغسل لیس إلاّ للتعبد المحض ، فهذا یناسب التعمیم ویقتضیه ، إذا کان طلبه مطلقا غیر مقید أو مشروط بشی ء ، وهو کذلک ، کما ستعرف.

قوله : وهو ضعیف. ( 1 : 247 ).

لا یخفی أنّ نظره - رحمه الله - إلی ما رواه الشیخ فی الصحیح - أو

التسمیة والدعاء بالمأثور
غسل الیدین قبل إخالهما الإناء

ص: 309


1- الکافی 3 : 25 / 4 ، الوسائل 1 : 378 أبواب الوضوء ب 15 ح 2.
2- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 275.

کالصحیح - عن الباقر علیه السلام ، قال : « یغسل الرجل یده من النوم مرة ، ومن الغائط والبول مرتین ، ومن الجنابة ثلاثا » (1).

وما رواه فی الفقیه عن الصادق علیه السلام : « اغسل یدک من البول مرة ، ومن الغائط مرتین ، ومن الجنابة ثلاثا » وقال : « اغسل یدک من النوم مرة » (2).

ولا تعارضهما صحیحة الحلبی ، لأنّ قید الإناء کان فی کلام الراوی ، وإثبات الحکم فی ما سأله لا ینفی الحکم فی ما عداه ، ولا یقتضی تقییدا فیه ولا اشتراطا.

ومثله الکلام فی روایة عبد الکریم مع ضعف سندها ، والتعلیل المذکور فیها لا یقتضی التخصیص والتقیید ، لأنّه إنما هو بالنسبة إلی ما سأله ، ولا یقتضی أن یکون علة الحکم مطلقا هو ما ذکر ، کیف وهذه إنّما هی للوضوء من النوم فقط دون البول وغیره ، مع أنّ هذه الروایة رواها فی التهذیب هکذا : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یبول ولم یمس یده الیمنی [ شی ء ] (3) ، أیدخلها فی وضوئه قبل أن یغسلها؟ قال : « لا ، حتی یغسلها » ، قلت : فإنه استیقظ من نومه ولم یبل ، أیدخل یده فی وضوئه (4)؟. إلاّ أن یدعی تبادر القلیل من الوضوء ، لکن لا شبهة فی اختصاص التعلیل بالنوم فی الصورة المسؤولة عنها ، فتأمّل.

قوله : ولو تداخلت. ( 1 : 247 ).

ص: 310


1- التهذیب 1 : 36 / 97 ، الاستبصار 1 : 50 / 142 ، الوسائل 1 : 427 أبواب الوضوء ب 27 ح 2.
2- الفقیه 1 : 29 / 91 و 92 ، الوسائل 1 : 428 أبواب الوضوء ب 27 ح 4 و 5.
3- ما بین المعقوفین أثبتناه من المصدر.
4- التهذیب 1 : 39 / 106.

نظره فی ما ذکره إلی ما ذکره فی بحث تداخل الوضوء والغسل ، وقد عرفت أنّه محل تأمّل (1) ، نعم یمکن أن یستند هنا إلی الصحیحة التی ذکرناها عن الباقر علیه السلام ، بضمیمة عدم القول بالفصل ، لکنه أیضا یحتاج إلی التأمّل.

قوله (2) : اقتصارا علی المتیقن. ( 1 : 247 ).

لکن فی الجنابة ورد استحباب غسل بعض الذراع أیضا (3) ، وفی بعض الروایات کل الذراع (4) ، علی ما هو ببالی.

قوله : والمضمضة. ( 1 : 247 ).

نقل عن الشیخ فی المبسوط : ولا یلزم أن یدیر الماء فی لهواته ، ولا أن یجذبه بأنفه (5).

قوله : والاستنشاق. ( 1 : 247 ).

قال الشارح الفاضل : ولیکونا بالیمین ویجذب الماء بخیاشیمه إن لم یکن صائما ، والأفضل مجّ الماء من فیه ، وإن ابتلعه کان جائزا (6) ، انتهی.

قوله : لم أقف له علی شاهد. ( 1 : 248 ).

وفی ما کتب أمیر المؤمنین علیه السلام إلی أهل مصر مع محمّد بن أبی بکر : « المضمضة ثلاثا والاستنشاق ثلاثا » (7) فلاحظ (8).

المضمضة والاستنشاق والدعاء عندهما

ص: 311


1- راجع ص 255.
2- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
3- التهذیب 1 : 132 / 364 ، الوسائل 2 : 231 أبواب الجنابة ب 26 ح 8.
4- التهذیب 1 : 131 / 363 ، الاستبصار 1 : 123 / 419 ، الوسائل 2 : 230 أبواب الجنابة ب 26 ح 6.
5- المبسوط 1 : 20.
6- روض الجنان : 42.
7- الغارات 1 : 244 ، مستدرک الوسائل 1 : 305 أبواب الوضوء ب 15 ح 8.
8- لیس فی « أ ».

وفی کشف الغمة أنّ الکاظم علیه السلام کتب إلی علی بن یقطین :

« تمضمض ثلاثا ، ثم استنشق ثلاثا ، وتغسل وجهک ثلاثا » إلی أن قال : ثم کتب : « توضأ کما أمر الله تعالی : اغسل وجهک واحدة فریضة واخری إسباغا ، وکذلک المرفقین ، وامسح مقدم رأسک وظاهر قدمیک بفضل نداوة وضوئک ، فقد زال ما کنا نخاف علیک » (1) ، فإنّ تغییر خصوص غسل الوجه والیدین وإبقاء المضمضة والاستنشاق بحالهما دلیل علی استحباب التثلیث ، کما أفتی به الأصحاب.

وفی الکافی عن الصادق علیه السلام فی من نسی الاستیاک ، قال : « یستاک ، ثم یتمضمض ثلاث مرات » (2).

وفی الفقه الرضوی : وقد روی أن یتمضمض ویستنشق ثلاثا ، وروی مرة مرة یجزئه ، وقال : الأفضل الثلاثة (3).

قوله : والکل حسن. ( 1 : 248 ).

بل الأولی تقدیم المضمضة مطلقا علی الاستنشاق ، لما ظهر من بعض الأخبار ، بل الأحوط الاقتصار علیه لذلک.

قوله : والدعاء. ( 1 : 248 ).

فی الفقه الرضوی : « أیما مؤمن قرأ إنّا أنزلناه فی وضوئه خرج من ذنوبه کهیئة ولدته امّه » (4) انتهی ، وفی الأخبار ورد بعد تمام الوضوء (5) ، فتأمّل.

ص: 312


1- کشف الغمة 2 : 226.
2- الکافی 3 : 23 / 6 ، الوسائل 2 : 18 أبواب السواک ب 4 ح 1.
3- فقه الرضا علیه السلام : 81 ، المستدرک 1 : 468 أبواب الجنابة ب 6 ح 1.
4- فقه الرضا علیه السلام : 70 مستدرک الوسائل 1 : 320 أبواب الوضوء ب 24 ح 4.
5- راجع البحار 77 : 328.

قوله (1) : من الفرق بین الغسلة الأولی والثانیة. ( 1 :249 ).

موافق للشیخ فی المبسوط (2) ووافقهما العلاّمة (3) أیضا ، ولعل نظرهم إلی أن غسل خصوص الظاهر من دون شی ء من الباطن حتی یتحقق الابتداء بغسله مما لا یکاد یتحقّق ، لأن بصب الماء علی الظاهر یغسل من الباطن أیضا قدر معتد به ، لجریان الماء إلیه بالقدر المذکور عادة ، ومع ذلک غسل جمیع الظاهر بحیث لا یشذ عنه شی ء مقدما علی الباطن یتوقف علی اهتمام تام ، ولعله خلاف ظواهر الأخبار الواردة فی بیان الوضوء ، وخلاف الطریقة المتعارفة بین الشیعة.

وحمل الحدیث علی أن المراد من الغسل قصد الغسل لا نفسه بعید ومخالف للفتاوی ، فلا جرم یکون المراد الابتداء بالصبّ ، مع أن لفظ الغسل غیر موجود فی الحدیث والصب غسل بعنوان خاص ، فإذا کان ما فیه من الخصوصیة متعلق الابتداء لا جرم ذلک القید یکون متعلق الانتهاء ، فإذا کان المراد الابتداء بالصب لا جرم منه یتحقق صب آخر مغایر للأول حتی یکون مؤخرا عنه ونهایة له ، ولا ریب فی عدم تحققه إلاّ فی الغسلة الثانیة فیصیر مؤخرا فی الظاهر ، کما أن یکون الرجل ابتداء صبه بالظاهر ومؤخره بالباطن ، فتأمّل.

لکن عبارة المحقق ربما لا یلائمها ما ذکرنا ، لأنه قال : وأن یبدأ فی الأولی بغسل ظاهر ذراعیة فإنه أیضا ظاهر فی غسل مجموع خصوص الظاهر

ابتداء الرجل بظاهر الذراع والمرأة بباطنه

ص: 313


1- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و ».
2- المبسوط 1 : 20.
3- کما فی القواعد 1 : 11 ، والتذکرة 1 : 202 ، ونهایة الأحکام 1 : 57.

فیکون مورد الاعتراضین.

نعم ، عبارة العلاّمة - رحمه الله - لا تأبی عما ذکرناه ، لأنه قال : وبدأة الرجل بظاهر ذراعیه فی الأولی والباطن فی الثانیة. إذ کون الابتداء فی الغسلة الأولی بالظاهر لا یقتضی کون غسل مجموع الظاهر مقدما علی الباطن حتی یتوجه الإیرادان ، بل فی تلک الغسلة یکون الابتداء والشروع بظاهر الذراع ، فتأمّل جدا.

ویمکن أن یکون مراد المحقق أیضا ذلک إلاّ أنه وقع فی عبارته مسامحة أو غفلة ، لکن یمکن أن نقول : المراد من الحدیث ربما یکون هذا المذکور من دون حاجة إلی تقدیر الصب فی الکلام بحیث یظهر بالدلالة الالتزامیة وجود صب آخر حتی یثبت ما ذکروا.

لا یقال : إن أردت أنّ غسل ابتداء ظاهر المرفق یکفی ففیه أنّ الشروع بعد ذلک بغسل مجموع الباطن من غسل ما بعد المرفق من الظاهر خلاف فتوی الفقهاء ودلیلهم ، وإن أردت أن الظاهر مقدم فی الغسل علی الباطن یعود المحذوران.

لأنا نقول : نرید الثانی ونقول الابتداء بالظاهر علی قسمین :

الأول : أن یکون الظاهر یغسل ابتداء ، وبعد یشرع فی غسل الباطن ، وفیه المحذوران.

والثانی : أن یکون کل جزء من الظاهر مقدم علی ما یوازیه وما یحاذیه من الباطن ، وهذا لیس فیه شی ء من المحذورین أصلا ، فتدبر.

قوله : وفی السند إسحاق بن إبراهیم. ( 1 : 250 ).

هو أخو علی بن إبراهیم ولعله من مشایخ الإجازة فیکون الحدیث قویا.

إشارة إلی أنّ إسحاق بن إبراهیم من مشایخ الإجازة

ص: 314

مع أن ابن بابویه رواها فی الفقیه مرسلا (1) وفیه أیضا شهادة علی القوّة والاعتبار ، مضافا إلی الاشتهار بین الأصحاب ، فینجبر الضعف ، ولعل عملهم بها للتسامح ، فیکون الفرض محمولا علی الاستحباب ، لا أن المراد منه الاستحباب ، بل ینزل حکمه منزلة الاستحباب کما مرّ فی صدر الکتاب ، وللإجماع حملوا علی أنّ المراد شدة الاستحباب ، وبملاحظة تتبع تضاعیف الأخبار الکثیرة الواردة فی مقام البیان وجواب سؤال السائلین عن الوضوء ، حتی أنهم تعرضوا لکون الابتداء من المرفق وغیره ولم یتعرضوا لوجوب الابتداء من الظهر أو البطن مع أنّه أخفی ، فلاحظ وتأمّل. وسیجی ء عن الشارح فی مبحث استحباب البول للجنب نظیر هذا (2).

قوله : قال الشهید فی الذکری. ( 1 : 250 ).

قال بعض المحققین : هذا إنّما یتمشّی علی القول بعدم استحباب الغسلة الثانیة ، وعدم کون المضمضة والاستنشاق من الوضوء الکامل ، وأمّا علی القول بذلک فلا (3). وصدّقه غیره من المحققین أیضا (4).

قوله : والمستند فیه. ( 1 : 252 ).

لا یخفی أنّ التشبّه بالعامة لعله أمر مکروه عندهم صلوات الله علیهم ، والخبر منجبر بعمل الأصحاب ، والمخالف غیر معلوم صریحا ، وقول الشیخ لا بدّ من ملاحظته.

قوله : ویشهد له. ( 1 : 253 ).

الوضوء بمدّ

مکروهات الوضوء

التمندل بعد الوضوء

ص: 315


1- الفقیه 1 : 30 / 100.
2- انظر المدارک 1 : 298.
3- الحبل المتین : 27.
4- ذخیرة المعاد : 42.

وجه الشهادة وعدم الدلالة أنّ عدم البأس لا ینفی الکراهة ، سیما إذا کان مرادهم ترک المستحب ، مع أنّ حکایة الوضوء غیر مذکورة.

وفی زیادات التهذیب ، فی الموثق عن إسماعیل بن الفضل أنّ الصادق علیه السلام توضّأ ثمّ مسح وجهه بأسفل قمیصه ، ثم قال : « یا إسماعیل افعل کذا ، فإنّی أفعل کذا » (1).

وفیه : أنّه إن کان الأمر محمولا علی ظاهره فالأظهر التقیّة ، وإن کان المراد نفی الحظر فلا ینافی الکراهة ، سیما بالمعنی المذکور ، فتأمّل.

مع أنّ المسح بالقمیص لعله ورد ذمّه فی الأخبار (2).

قوله : وقد توضأ. ( 1 : 253 ).

هذا أیضا لا ینافی الکراهة ، سیما إذا کان مرادهم خلاف الاستحباب ، مع أنّه لعله کان هناک عذر.

قوله : وهو قوی. ( 1 : 253 ).

بل ضعیف ، إذ یظهر من الأخبار استحباب بقاء الرطوبة ، وأنّها متی کانت باقیة یکون المتوضئ یعود إلیه الثواب ، وقوله علیه السلام « حتی یجف » إشعاره بمکانه.

قوله : لا ینافی الشک. ( 1 : 253 ).

إذا اعتبرت کون زمان الطهارة بعد زمان الحدث فلا مانع من أن یجعل الحدث بمعنی الأثر الحاصل البتة ، کیف وهذا المعنی لازم للمعنی الأول لا ینفک عنه إلی أن تتحقق الطهارة ، فالإیراد من أصله فاسد ، فإن قولک :

أحکام الوضوء

حکم من تیقن الحدث وشکّ فی الطهارة

ص: 316


1- التهذیب 1 : 357 / 1069 ، الوسائل 1 : 474 أبواب الوضوء ب 45 ح 3.
2- انظر البحار 73 : 315 و 317 و 321 و 323.

فی زمان واحد ، إن جعلته متعلقا بقولک : وجود ، فهو فاسد قطعا ، وإن جعلت الحدث بالمعنی الأول ، لأنه أیضا مناف للطهارة قطعا یمتنع اجتماعهما فی زمان واحد ، وإن جعلته متعلقا بقولک : اجتماعهما ، فلا مانع أصلا ، لأن الحدث المتیقن مقدم علی الطهارة المشکوک فیها قطعا ، فتدبر.

قوله : أو تیقنهما. ( 1 : 254 ).

وفی الفقه الرضوی : « وإن کنت علی یقین من الوضوء والحدث ولا تدری أیهما أسبق فتوضأ » (1) ، انتهی. وأیضا الوضوء شرط لصحة الصلاة ، والشک فی الشرط یستلزم الشک فی المشروط ، فلا یتحقق الامتثال الیقینی بل العرفی أیضا.

قوله : فإن عبارته. ( 1 : 256 ).

بل صرح بهذا الجواب حینما اعترض البیضاوی علی عبارته فی القواعد (2) : ولو تیقنهما. إلی قوله : استصحبه ، بأن الاستصحاب انقطع یقینا ، فالموافق للقواعد مراعاة الیقین الحاصل المضاد للحالة السابقة لا الحالة السابقة ، فأجاب بأنی ما استدللت بالاستصحاب ، إلی آخر ما أجاب (3).

وما أورد علیه الشارح أیضا غیر وارد ، لأن المسألة تتصور بصورتین :

الأولی : أن یکون الحدث الناقض والطهارة الرافعة الواقعة کل واحد منهما واحدا غیر متعدد علی الیقین.

حکم من تیقنهما وشکّ فی المتأخّر

ص: 317


1- فقه الرضا علیه السلام : 67 المستدرک 1 : 342 أبواب الوضوء ب 38 ح 1.
2- قواعد الأحکام 1 : 12.
3- انظر ریاض العلماء 1 : 382.

والثانیة : وقوع کل واحد منهما علی الیقین فی الجملة بأن القدر المتیقن واحد مع احتمال الزیادة ، باحتمال أن یکونا متحدین أو متعددین لا یقین فی واحد منهما.

فکأنّ الشارح حمل عبارته فی المختلف علی الصورة الأولی ، وغفل عن أنّه یلزم علی هذا أن یکون قوله - رحمه الله - : ونقض الطهارة الثانیة مشکوک فیه ، فلا یزول الیقین بالشک ، وکذا قوله : والطهارة بعد نقضها مشکوک فیها ، لغوا محضا ، بل ویفیدان خلاف المطلوب ، لأنّ القولین صریحان فی التمسک بالاستصحاب.

وغیر خفیّ أن مراده هو الصورة الثانیة ، والیقین الحاصل بوقوع حدث ناقض فی الجملة وطهارة رافعة کذلک لا ینفع إلاّ بضمیمة الاستصحاب ، کما لا یخفی علی المتأمّل ، ویکون ما ذکره - رحمه الله - قولا فی أصل المسألة بالقیاس إلی أحد شقوقها ، فتأمّل.

قوله : فسرها بالمتابعة. ( 1 : 256 ).

لم یفسرها أحد بالمتابعة فی حال عدم الاختیار أیضا ، بل من فسرها إنما فسرها بها فی حال الاختیار ، خاصة وما نحن فیه من أقوی أنواع عدم الاختیار ، ولذا لم یقل أحد بالبطلان بفواتها.

قوله : فإذا قمت وفرغت. ( 1 : 256 ).

الظاهر أنّه عطف تفسیری ، والحال الأخری أعم من الجلوس لغیر الوضوء ، والسکون الذی هو خارج عنه وواقع بعد الفراغ منه ، إذ لا بدّ أن یکون المکلف مشتغلا بکون ، فتأمّل.

قوله : قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة. ( 1 : 257 ).

وورد أیضا أنّه قیل لواحد من الأئمة علیهم السلام - ولعله الصادق علیه السلام - : إن فلانا رجل عاقل إلاّ أنه مبتلی فی طهارته ، فقال : کیف یکون

حکم من تیقّن ترک غسل عضو أو مسحه
حکم من شکّ فی شیء من أفعال الوضوء قبل فوات المحل

ص: 318

عاقلا وهو یعلم أنّه مطیع للشیطان ، فقیل له کیف یعلم أنّه مطیع له؟ قال علیه السلام : لأنّه لو سئل عنه : لم تفعل کذلک؟ یقول هو من الشیطان لا یخلینی (1) ، ومتن الروایة لیس ببالی.

قوله : والأولی تدارکه. ( 1 : 258 ).

بل متعین ، لعدم الامتثال الیقینی بدونه ، بل العرفی أیضا ، فیبقی تحت العهدة.

قوله : فلأن نیتها إنما تکون. ( 1 : 260 ).

لا یخفی أن هذا الشرط خلاف مقتضی دلیل اعتبارها ، وخلاف إطلاق قول القائل به ، فلا وجه لما ذکره ، ولم یظهر من الشیخ فی المبسوط أنّه یقول بما ذکره الشارح ، إذ لعل بناءه علی أن هذا الشک داخل فی الشک بعد الفراغ أو غیر ذلک ، وهذا أنسب بکلامه حیث اعتبر فی النیة الرفع أو الاستباحة مطلقا ، مع أنّه لو قال بما ذکره لکان موردا للاعتراض بأنّ الدلیل لو تم لاقتضی الاعتبار مطلقا وإلاّ فلا مطلقا ، فتأمّل.

قوله : ولأن الظاهر. ( 1 : 260 ).

لو تم هذا بحیث یجعل مستند حصول البراءة الیقینیة أو الامتثال العرفی بالنسبة إلی شغل الذمة الیقینی ، لکان دلیلا علی عدم لزوم الإعادة لا علی عدم لزومها علی تقدیر القول باعتبار الاستباحة مع القول بفساد هذا القول ، والکلام إنما هو علی تقدیر القول بهذا الفاسد ، فلا وجه للتمسک بدلالة الأخبار ، مع أن فی الدلالة أیضا تأمّل.

وبالجملة : علی فرض تمامیتها تکون دالة علی أن قصد الاستباحة

حکم من جدّد وضوءاً بنیّة الندب وذکر أنّه أخلّ بعضو من إحدی الطهارتین

ص: 319


1- الکافی 1 : 12 / 10 ، الوسائل 1 : 63 أبواب مقدمة العبادات ب 10 ح 1.

لیس بشرط علی ما یقول القائل به ، لا أنّه علی هذا القول أیضا لا یجب الإعادة ، فتأمّل.

قوله : تلافیا لما عساه. ( 1 : 260 ).

استشهاده بأمثال ما ذکره ، واستناده إلیها لتحصیل البراءة الیقینیة أو العرفیة فی ما نحن فیه فی غایة الغرابة ، فتأمّل.

قوله : مع احتمال الصحة. ( 1 : 261 ).

هذا الاحتمال لیس بشی ء ، لأن الدلیل الذی استدل به علی اعتبار قصد الوجه لو تم لاقتضی الوجه الذی لم یظهر علی المکلف خلافه ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : الرابعة. ( 1 : 262 ).

ولو توضأ قبل دخول الفریضة ندبا ثم دخل وقت الفریضة فصلّی ثم ذهل عن الوضوء فتوضأ ندبا للتأهب لفریضة أخری ففیه إشکال ینشأ من أنه لو کان الخلل فی الوضوء الأول لم تبرأ ذمته عن الصلاة الواجبة التی صلی به فلم یکن الوضوء الثانی مشتملا علی الوجه الواقعی ، من اشتماله علی الوجه الذی أعتقده.

قوله : لصدق الامتثال. ( 1 : 263 ).

فإن قصد التعیین إنما اعتبر لتحقق الامتثال العرفی ، وهو متحقق فی قصد ما هو معین فی الواقع ، وإن کان مترددا فیه عند المکلف ، فلا یحتاج الامتثال هنا إلی صلاة أخری تکون مقدمة له.

لکن یشکل الأمر من جهة الجهر والإخفات علی القول بوجوبهما ومن طرف الدلیل المقتضی له ، فعلی هذا یحتاج إلی صلاة أخری تحصیلا للبراءة. والمشهور قائلون بوجوبهما ، ومنهم المصنف.

قوله : وفی هذا نظر. ( 1 : 264 ).

حکم من أحدث عقیب طهارة منهما ولم یعلمها بعینه

ص: 320

یعنی أن العلة لم تظهر أنها ما هی ، فضلا عن أن تکون یقینیة ، حتی یصیر تنقیح المناط الذی هو حجة عند الشیعة أیضا. إلاّ أن یقال : العلة صدق الامتثال بالتردید ، فیرجع إلی الدلیل الأول.

ویمکن أن یکون المنقح هو الإجماع المرکب ، بأن من قال بالخمس قال هنا بالصلاتین ، ومن اکتفی بالثلاث اکتفی هنا بواحدة. ویمکن أن یتمسک به من أول الأمر من دون توسیط تنقیح العلة ، لکن لا بدّ من التأمّل فی ثبوت الإجماع.

قوله : والامتثال یقتضی الإجزاء. ( 1 : 264 ).

لو تم ما ذکره لزم عدم وجوب الإعادة فی صورة من صور المسألة ، مع أنّه - رحمه الله - علّل وجوب الإعادة بتحصیل الیقین بالبراءة.

وبالجملة : لا دلیل علی کون مثل هذا الامتثال مقتضیا للإجزاء والخروج عن العهدة مع الکشف عن کون المکلف به لیس هذا بل غیره فی الواقع.

إلاّ أن یکون نظره إلی ما ذکره سابقا من احتمال کون المکلف به قصد الوجه فی الجملة ، وکون المکلف مأمورا بإیقاع الطهارة علی ذلک الوجه بحسب الظاهر عنده ، لکن قد عرفت ما فیه ، فتأمّل.

قوله : ویتخیر فی الفریضة. ( 1 : 265 ).

فیه إشکال ظهر وجهه مما ذکرناه سابقا ، إذ لم نجد دلیلا علی الاکتفاء بواحدة عن ثلاث سوی صدق الامتثال بالتردید ، وهو لا یتم بالقیاس إلی الجهر والإخفات ، نعم فی صورة النسیان یکون الأمر کذلک ، لورود النص المنجبر بالشهرة ، ومقتضی ذلک النص التخییر ، فتأمّل.

قوله : وبین الأداء والقضاء. ( 1 : 265 ).

لا یتصور التخییر بینهما ، بل غایته النیة المرددة علی تقدیر وجوب

حکم من صلی الخمس بخمس طهارات وتیقن أنّه أحدث عقیب أحدهما

ص: 321

قصد الأداء والقضاء ، وهو غیر واجب ، کما سیجی ء (1).

قوله : وتدل علیه. ( 1 : 266 ).

فی استدلاله بهذه الأخبار علی العموم المذکور نظر ، إذ العموم لو کان فإنما هو بالنسبة إلی الأفراد الشائعة ، کما اعترف الشارح وصرح مرارا ، مع أن بعضها لا عموم فیها ، فتأمّل.

إلاّ أن الحکم إجماعی بل الظاهر أنّه ضروری.

قوله : لأنها صفات لازمة. ( 1 : 266 ).

یتوجه علی دلیله هذا ما ذکره - رحمه الله - ردّا علی جماعة من الأصحاب من جواز عموم الوصف ، إلاّ أن یدعی الیقین بکون هذه الصفات من خواص المنی ، لکن یتوجه علیه صورة فقدها ، فتأمّل.

قوله : وهو مشکل. ( 1 : 267 ).

لا شبهة فی أن الغالب اتصاف المنی بالوصفین المذکورین ، فیحصل المظنة من جهتهما.

نعم ، فی اعتبار المظنة إشکال ، بل مقتضی الأدلة عدم اعتبارها مطلقا إلاّ أن یدل علی اعتباره دلیل شرعی ، وإن کان مقتضی الدلیل الأول الذی ذکره الشارح اعتبارها عند الاشتباه. والحق أنه لیس بدلیل ، بل الدلیل هو صحیحة علی بن جعفر ، نعم هو یصلح للتأیید.

وما اشتهر من أن المرء متعبد بظنه لم نجد له أصلا بعنوان الإطلاق والکلیة ، نعم ظن المجتهد حجة ، ولیس هذا منه ، لأنه من ظنون المکلفین من حیث هم مکلفون لا من ظنون المجتهدین من حیث هم مجتهدون ، والفرق بینهما واضح ، والدلیل الذی یدل علی حجیة ظن المجتهد لا یشمل

غسل الجنابة

لغسل الجنابة سببان

الأول : الإنزال
صفات المنی

ص: 322


1- انظر المدارک 3 : 311.

هذا ، لأنه یدل علی أن التکلیف بشی ء إذا کان یقینیا وذلک الشی ء غیر متیقن أنه ما ذا ، وطریق العلم به یکون مسدودا والطریق إلی معرفته یکون منحصرا فی الظن من حیث هو ظن ، وأین هذا مما نحن فیه ، لأن التکلیف لیس بیقینی ، والأصل براءة الذمة ، والطهارة السابقة مستصحبة ، فتأمّل جدا.

قوله : مع التحقق. ( 1 : 269 ).

أی مع تحقق أنه منی ، ومقتضی کلام العلاّمة - رحمه الله - أن المنی لا یصیر منیا حتی یستحیل من مرتبة کونه دما إلی مرتبة کونه منیا ، فمقتضی کلامه - رحمه الله - أیضا أن مع تحقق کونه منیا یجب فیه الغسل ، إلاّ أنّه ما دام هو علی لون الدم لم یصر منیا.

ونقل الشارح الإجماع علی وجوب الغسل إذا تیقن أن الخارج منی ، فالواجب فی ما نحن فیه الرجوع إلی العرف ، ومراعاة أمارات الحقیقة والمجاز.

والأحوط الغسل مع حصول الاشتباه بعد الرجوع والمراعاة ، وإن کان الأصل براءة الذمة عنه حینئذ وعدم الوجوب.

قوله : ولا بأس به. ( 1 : 271 ).

اختار هنا جواز الاحتیاط ، وفی مبحث الوضوء اختار عدمه (1) وحالهما متقارب بالنظر إلی الأدلة ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : ویمکن الاکتفاء. ( 1 : 272 ).

لیس بشی ء ، لأن الصحیحة محمولة علی الغالب ، کما مر وجهه مرارا ، سیما مع کونها مقیدة بالأخبار والإجماع فتأمّل. نعم الأحوط مراعاته.

قوله : والمسألة محل تردد. ( 1 : 274 ).

کفایة الشهوة وقتور الجسد فی المریض
الثانی : الجماع
حکم من جامع فی الدبر

ص: 323


1- انظر المدارک 1 : 257.

لا یخفی أن الأصل براءة الذمة ، وعدم الوجوب ، وبقاء الطهارة السابقة ، فإن کان دلیل الوجوب محل نظر عنده فکیف یقرب الوجوب؟! إلاّ أن یقول : النظر ضعیف ، وهو کذلک ، لأن الخبر وإن کان مرسلا إلاّ أنّه منجبر بالشهرة ، والإجماع المنقول ، والآیة تؤیده ، وکذا ما ذکره من الأخبار هذا مع أنّ الشیخ رجع عن قوله (1) ، لأنّ باقی تصانیفه متأخرة عن النهایة والاستبصار ، فتأمّل.

قوله : وهذا مما لا سبیل إلیه. ( 1 : 275 ).

لا یخفی علی المطلع أنّ الشارح - رحمه الله - والشهید والمحقق وغیرهم من الفقهاء فی کثیر من المسائل یتمسکون بالإجماع علی وجه الاعتماد والاعتداد ، بحیث لا یبقی شبهة ولا ریبة ولا تأمّل أصلا علی الملاحظ ، والکثرة بمکان لا یمکن التعداد.

مع أنّ أمثال ما ذکروه شبهة فی مقابل البدیهة ، کما حقق فی الأصول ، وکیف لا یکون کذلک مع أن ضروری الدین والمذهب لا یحصل العلم بهما من حیث الفطرة ، لأنّهما لیسا من الفطریات قطعا بل حصوله بملاحظة حال المسلمین والمؤمنین قطعا من غیر شک وشبهة ، مع أن أمثال ما ذکر من الشبهات واردة فیه أیضا.

وبالجملة : إذا کان منشأ العلم هو الحدس فکما یحصل بالضرورة من دون مصادمة الشبهة کذا یجوز حصوله من الکسب من دون المصادمة ، بل بطریق أولی. نعم فی کثیر من المواضع لا یحصل العلم بل یحصل الظن ،

حکم من وطأ غلاماً

ص: 324


1- المبسوط 4 : 243 ، وانظر المبسوط 1 : 27 ، والخلاف 1 : 116 ، والتهذیب 4 : 319.

فما دل علی حجیة ظن المجتهد علی سبیل العموم یشمل هذا. والتزام أن کل واحد واحد من الظنون التی یعتمدون علیها علیه دلیل قطعی بخصوصه سوی أمثال ما نحن فیه لعله جزاف وخروج عن الإنصاف ، وغیر خفی علی الملاحظ المتأمّل الفطن ، فتأمّل.

قوله : بأن ذلک یخرج الخبر. ( 1 : 275 ).

دخوله فی المرسل إنما یکون إذا کان الناقل للإجماع لا یکون هو مطلعا علی الإجماع وعالما به وإنما نقله بواسطة أو وسائط وأسقط الواسطة ، ولیس کذلک ، بل عبارات الناقلین فی غایة الوضوح فی دعواهم الاطلاع ، لا أنّه لا اطلاع لهم ، بل أخبرهم مخبر عن مخبر لم یذکروه وأخبروا علی سبیل الخبر وکون العهدة علی المخبر ، بل هذا فاسد قطعا.

ودعوی عدم إمکان حصول الاطلاع لهم فی غایة الفساد ، کیف ونحن الآن فی کثیر من المسائل حصل لنا العلم والاطلاع ، وادعی الشارح - رحمه الله - الإجماع فی کثیر من المواضع علی سبیل الاستناد والاحتجاج ، کما لا یخفی علی المطلع ، منها فی بحث نجاسة المنی (1) وغیر ذلک مما لا یحصی کثرة.

والناقلون للإجماع أقرب عهدا من الشارح وأعرف وأشدّ مهارة وأزید اطلاعا بمراتب ، بل العوام حصل لهم الیقین بوجود « رستم » وأمثاله مع أنهم ما سمعوا وجودهم إلاّ من قلیل من الناس ، وما اطلعوا علی ذلک إلاّ من نادر من الکتب من دون أن یطلعوا علی أن الناقلین ممن سمعوا ، فضلا عن أن یطلعوا علی أن من سمعوه منه کان بعدد التواتر ، وهکذا إلی زمان رستم ، بل طریق علمهم التظافر والتسامع والتحدس والتفرس ، فلو أخبر العامی بوجود

بحث فی الإجماع المرکب

ص: 325


1- انظر المدارک 2 : 266.

رستم مثلا لا یکون خبرا مرسلا ، کما لو أخبر بوجود الرسول صلی الله علیه و آله ، وکذا فی ادعائه الرسالة وأمثال ذلک.

علی أن الوسائط فی نقل الإجماع لو کانت فإنما هم الفقهاء الفحول والأجلة ، ولیس هذا شأن غیرهم بلا شبهة ، فالخبر فی حکم المسند الصحیح.

مع أنّه أی فرق بین أمثال زماننا وزمان الحضور فی حصول العلم بقول کل مجتهد مجهول ، مع أن الشیعة لم یعتبروا کون الاتفاق فی عصر واحد فی تحقق الإجماع.

مع أن فی الضروری یحصل العلم بقول کل مجهول ، فأی مانع فی النظری؟ مع أن الناقل یمکن أن یکون مراده الإجماع الضروری ، إذ ربما یکون ضروریا عند الأولین نظریا عند الآخرین ، ولا هذا ولا ذاک عند بعض ، مع أنّا حققنا أنّه لا یحتاج فی العلم بالإجماع إلی قول مجهول النسب ، فتأمّل.

قوله (1) : ما شاءا إلاّ السجدة. ( 1 : 278 ).

لا یخفی أن السجدة بنفسها لا تقرأ ، لأنها وضع الجبهة ، فلا تمکن إرادة نفسها. فإما أن یراد منها سببها وموجبها من قبیل إطلاق السبب علی المسبب ، أو یضمر لفظ العبارة والکلام ونحوهما ، أو یکون المراد منها سورة السجدة ، کما یقال : أقرأ البقرة ، أو آل عمران ، أو الأنعام ، أو الحمد ، أو الرحمن أو الواقعة ، إلی غیر ذلک ، کما هو الحال فی جمیع سور القرآن من أولها إلی آخرها أنه یطلق اللفظ الذی ذکر من السورة ویراد منه نفس السورة إذا کانت تلک السورة تعرف بذلک اللفظ المذکور فیها.

أحکام الجنب

المحرمات
قراءه سورة العزائم

ص: 326


1- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و ».

مثلا سورة البقرة تذکر بلفظ البقرة علی الإطلاق کما تذکر بإضافة لفظ السورة إلیها ، فإذا قیل : لا تقرأ البقرة ، لیس المراد خصوص قوله تعالی : بقرة فی قوله تعالی ( إِنَّ اللهَ یَأْمُرُکُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) ، وکذلک قوله لا تقرأ الحمد أو آل عمران وغیرهما.

وکذلک السجدة لیس المراد نفس السجدة المذکورة فی الأمر بها بل سورتها ، کما یراد من لفظ سورة السجدة ، فإذا قیل : لا تقرأ السجدة یکون المراد سورة السجدة ، کما یقال : لا تقرأ سورة السجدة ، فإن المتعارف المعهود بین المتشرعة إرادة سورة السجدة من إطلاق السجدة ، کما هو الحال فی ما ذکرنا من السور إلی آخر القرآن ، مثل الفیل ، وقریش ، والکافرون ، والفتح ، إلی غیر ذلک ، فإذا قیل : اقرأ القرآن إلاّ الکافرون لیس المراد فی لفظ قل یا أیها الکافرون.

قوله : ولیس فی هاتین الروایتین. ( 1 : 278 ).

فی الفقه الرضوی : « ولا بأس بذکر الله وقراءة القرآن وأنت جنب إلا العزائم التی تسجد فیها ، وهی ألم تنزیل ، وحم السجدة ، والنجم ، وسورة اقرأ ، ولا تمس القرآن إذا کنت جنبا أو علی غیر وضوء ومسّ الأوراق » (1) ، انتهی.

قوله : لا تخلو من ضعف. ( 1 : 279 ).

فیه ما ذکرنا فی مبحث الوضوء (2).

قوله : مع أن أبا الربیع. ( 1 : 280 ).

مس کتابة القرآن أو شیء علیه اسم الله

ص: 327


1- فقه الرضا علیه السلام : 84 ، المستدرک 1 : 465 أبواب الجنابة ب 12 ح 1.
2- راجع ص 303.

یمکن الجمع بحمل هذه علی مسّ غیر الاسم ، علی ما یومئ إلیه قوله : وفیها اسم الله ، فتأمّل.

قوله : لنا قوله تعالی. ( 1 : 280 ).

فی الاستدلال به إشکال ظاهر.

قوله : والضرائح المقدسة. ( 1 : 282 ).

ورد فی بعض الأخبار فی المنع عن دخول بیوت الأئمة علیهم السلام جنبا ، فلاحظ ، حیث قال للراوی معترضا علیه : أهکذا تدخل بیوت الأنبیاء (1)؟ ، علی ما هو ببالی ، فلاحظ.

قوله : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الجنب. ( 1 : 282 ).

وفی الفقه الرضوی : « ولیس للحائض والجنب أن یضعا فی المسجد شیئا ، لأنّ ما فیه لا یقدران علی أخذه من غیره ، وهما قادران علی وضع ما معهما فی غیره » (2).

قوله (3) : وروی أن الأکل. ( 1 : 283 ).

وروی الحلبی عن الباقر علیه السلام : « إذا کان الرجل جنبا لم یأکل ولم یشرب حتی یتوضأ » (4).

قوله : علی کراهة الأکل. ( 1 : 284 ).

دلیل الکراهة هو الخبران المذکوران عن الصدوق ، المنجبران بعمل

الجلوس فی المساجد ووضع شیء فیها
المکروهات
الأکل والشرب

ص: 328


1- رجال الکشی 1 : 399 / 288 ، الوسائل 2 : 212 أبواب الجنابة ب 16 ح 5.
2- فقه الرضا علیه السلام : 85 ، المستدرک 1 : 463 أبواب الجنابة ب 10 ح 1 ، بتفاوت یسیر.
3- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».
4- الفقیه 1 : 47 / 181 ، الوسائل 2 : 219 أبواب الجنابة ب 20 ح 4.

الأصحاب ، مضافا إلی المسامحة فی أدلة السنن والمکروهات ، وقد مر وجهها فی صدر الکتاب ، والصحیحان المذکوران یؤیدان أیضا.

وفی الموثق کالصحیح عن الصادق 7 : « الجنب یأکل ویشرب ویقرأ ویذکر الله تعالی ما شاء » (1).

قوله : لضعف سند الروایة. ( 1 : 287 ).

لیس فی سندها إلاّ ضعیف واحد مشارکا مع مجهول ، فانضمامهما معا یوجب قوة ، مع أن السید الذی لا یقول بحجیة أخبار الآحاد إذا قال بحجیتها یظهر منه کونها من الأخبار المتواترة ، أو المحفوفة بالقرینة القطعیة ، ویحصل من هذا ظن فی غایة القوة ، والمدار عند الشارح أیضا فی تصحیح الأخبار علی الظنون ، بل والظنون الضعیفة ، کما لا یخفی علی ( المطلع ، فتأمّل )(2).

قوله : فإن الحدث الذی یمکن. ( 1 : 290 ).

سیجی ء فی مبحث التیمم فساد ما ذکره الشارح (3) ، فلاحظ.

قوله : أنه یجب تخلیل الشعور. ( 1 : 291 ).

فی الفقه الرضوی : « ومیز شعرک بأناملک عند غسل الجنابة ، فإنه روی عن النبیّ صلی الله علیه و آله أن تحت کل شعرة جنابة ، فبلغ الماء تحتها فی أصول الشعر کلها ، وانظر أن لا یبقی شعرة من رأسک ولحیتک إلاّ وتدخل تحتها الماء » (4).

مسّ المصحف والنوم ما لم یتوضّأ

واجبات غسل الجنابة

النیّة
غسل البشرة

ص: 329


1- الکافی 3 : 50 / 2 ، الوسائل 2 : 215 أبواب الجنابة ب 19 ح 2.
2- بدل ما بین القوسین فی « ا » : المتأمّل.
3- راجع ج 2 : 123 ، 124.
4- فقه الرضا علیه السلام : 83 ، المستدرک 1 : 479 أبواب الجنابة ب 29 ح 3.

قوله : ونقل الشیخ فی الخلاف فیه الإجماع. ( 1 :293 ).

وکذا المرتضی ، وابن زهرة ، وابن إدریس والعلاّمة (1).

قوله (2) : وروایة زرارة. ( 1 : 294 ).

لکن تدل علی أن أجزاء الغسل ثلاثة : صبّ علی الرأس ، وصبّ علی المنکب الأیمن ، وصب علی المنکب الأیسر ، لا أن له جزئین : صبا للرأس ، وصبا للجسد ، بل تدل علی أن کل واحد من الأجزاء الثلاثة یجب تحققه لتحقق ماهیة الغسل للأمر بکل واحد منها فی مقام بیان الغسل ، لا أن الواجب هو الصب علی الرأس والصب علی مجموع الجسد ، کما نسب إلی الشاذّ منا ، فیثبت المطلوب بضمیمة عدم القول بالفصل.

مضافا إلی أن الواجبین الآخرین لا یمکن تحققهما دفعة ، بل لا بدّ من تقدم أحدهما وکونه المتحقق عقیب الواجب الأول.

فإمّا أن یکون نسبة هذا المعنی إلی کل واحد منهما علی السواء من دون رجحان أصلا ، أو یکون الرجحان لوجوب الصب علی الأیمن ، والثانی هو الأرجح والأظهر بحسب فهم العرف.

فإن الظاهر والمتبادر من قوله علیه السلام : « ثم صب علی منکبه الأیمن » بعد قوله : « ثم صب علی رأسه » بلا فصل ، کون الصب علی الأیمن بعد الصب علی الرأس وکذلک المتبادر من قوله : « وعلی منکبه الأیسر » بعد ذکر قوله : « علی منکبه الأیمن » فی ضمن السیاق المزبور کون الصب علی الأیسر بعد الصب علی الأیمن ، سیما بعد ملاحظة ما ورد من أنّ الله تعالی

الترتیب

ص: 330


1- الانتصار : 30 ، الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 554 ، السرائر 1 : 135 ، التذکرة 1 : 231.
2- هذه الحاشیة لیست فی « أ ».

یحب التیامن فی کل شی ء (1) ، وما ورد من أنّ النبیّ صلی الله علیه و آله کان إذا اغتسل بدأ بمیامنه (2).

مضافا إلی أن فعله علیه السلام فی مقام بیان ماهیة العبادة ومعرفتها حجة ، کما حقق.

مع أن الترتیب الذکری فی مقام بیان الأمور التوقیفیة یرجح فی نظر العرف کون الفعل بذلک الترتیب ، فلاحظ طریقة فهمهم ومکالمات الأطباء فی مقام المعالجة وأمثال ذلک حتی یظهر علیک.

ومثل الحسنة المزبورة موثقة زرارة کالصحیحة عن الباقر علیه السلام : سألته عن غسل الجنابة؟ فقال : « أفض علی رأسک ثلاث أکف ، وعن یمینک ، وعن یسارک ، إنما یکفیک مثل الدهن » (3).

مضافا إلی أن الإفاضة علی الرأس مقدمة علی الإفاضة علی الیمین قطعا ، فیظهر من السیاق أن الإفاضة علی الیمین أیضا مقدمة علی الإفاضة علی الیسار ، سیما بملاحظة قوله علیه السلام : « إنما یکفیک » ، لأن الظاهر منه أنّه علیه السلام فی صدد بیان أقل ما یتحقق به الغسل ، ومع ذلک أمر بالإفاضة علی الیمین علی حدة ، وبالإفاضة علی الیسار علی حدة. ومثل هذا الکلام فی قوله علیه السلام : « فما جری » فی حسنة زرارة.

قوله : لورودها فی مقام البیان. ( 1 : 295 ).

لعل المراد أن اشتراک المجموع فی عدم بیان الترتیب بین الجانبین یدل علی عدم اشتراطه ووجوبه ، لکن لا یخفی أن الأخبار التی هو أتی بها

ص: 331


1- عوالی اللآلی 2 : 200 / 101.
2- صحیح مسلم 1 : 256 / 43.
3- التهذیب 1 : 137 / 384 ، الوسائل 2 : 241 أبواب الجنابة ب 31 ح 6.

ظاهرة فی عدم الترتیب مطلقا ، والأخبار الأولة فی وجوبه بین الرأس والبدن ، وکیف التعارض فی مقام البیان! فظهر أن ما أتی به لیس فی مقام البیان البتة ، لمنافاته الإجمال. مع أن الظاهر منها - خصوصا الآخرین - أن المراد بیان أنّه لا وضوء فیه ، کما یقول به العامة (1) ، کما لا یخفی علی المتأمّل المنصف.

ومما یومئ أنّه توجه علیه السلام فی أوله إلی الآداب والمستحبات ، إلی أن وصل إلی نفس الغسل ، فلم یذکر إلاّ أنّه یغسل جسده ولا وضوء فیه ، من غیر توجه إلی مستحبات وآداب مع أن فیه آداب ومستحبات البتة.

وأهم من ذلک عدم ذکر تقدیم الرأس ، إذ لا أقل من أنّه مستحب فی غایة الشدة ونهایة التأکید.

ثم لا یخفی أن غرض الشارح إن کان نفی ثبوت الترتیب بین خصوص الجانبین ، وإن وجب بین الرأس والجسد ، کما یظهر من قوله : بین الجانبین ، ففیه ما عرفت وستعرف ، وإن کان نفی الترتیب مطلقا فمع کونه خلاف ظاهر کلامه - مضافا إلی ما عرفت أیضا - أنّه إحداث قول ثالث ، والشارح بأضعف من هذا ربما یتمسک ، فتأمّل.

وبالجملة : الأخبار الأخیرة هو لا یقول بمضمونها ، والأولة لم یقل به أحد من الفقهاء بما یظهر منها علی تقدیر تسلیم ظهور التفصیل ، بل إما حملت علی الاستحباب ، أو طرحت ، أو قیل بأن المراد منها وجوب الترتیب مطلقا ، سکت المعصوم علیه السلام عن التنصیص بالنسبة إلی الجانبین ، بناء علی ظهور أن الترتیب هو کذلک ، وکانوا یعرفون من الطریقة المستمرة بین المسلمین ، فتأمّل.

ص: 332


1- انظر بدایة المجتهد 1 : 44 ، والمغنی لابن قدامة 1 : 249.

مع أنّه ورد فی الأخبار الکثیرة أنّ غسل المیت یترتب بین الجانبین.

وروی فی الاستبصار حدیثا ظاهره الصحة ، عن محمّد بن مسلم ، عن الباقر علیه السلام ، قال : « غسل المیت ) (1) مثل غسل الجنب » (2). ویؤیده أیضا ما فی الأخبار من أن غسل المیت من جهة أنّه یخرج منه النطفة التی خلق منها (3). ویعضده أیضا أنّ المیت الجنب یغسل غسلا واحدا (4) ، فتأمّل ، بل صرح علیه السلام فی بعضها أنّه یغسل غسل الجنابة (5).

وفی کتاب العلل فی الصحیح إلی ابن أبی نصر - وهو ممن أجمعت العصابة ، وممن لا یروی إلاّ عن ثقة - عن عبد الرحمن بن حماد عن الکاظم علیه السلام ، عن المیت لم یغسل غسل الجنابة؟ قال : « إن الله. » (6) ، وذکر وجهه.

ومرّ الإجماعات التی نقلناها مع عدم ظهور مخالف وثبوته ، مع أنّه علی تقدیر الثبوت خروج معلوم النسب ضرره غیر ظاهر.

وربما کان فی حسنة زرارة أیضا إیماء إلی ذلک.

وبالجملة : مع ملاحظة جمیع ما ذکرنا - مضافا إلی أنّ العبادة توقیفیة - ربما یشکل الاکتفاء بترتیب الرأس دون الجانبین ، سیما مع مشاهدة عمل المسلمین فی الأعصار والأمصار من عدم الاقتصار علی ترتیب الرأس ، ولعله غیر مأنوس من طریقتهم ، مع أن الغسل من الأمور التی یعم بها البلوی ، فلو

ص: 333


1- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
2- الاستبصار 1 : 208 / 732.
3- انظر الوسائل 2 : 486 أبواب غسل المیت ب 3.
4- انظر الوسائل 2 : 539 الباب 31 من أبواب غسل المیت ب 31.
5- انظر الهامش 3.
6- علل الشرائع : 300 / 5 ، الوسائل 2 : 488 أبواب غسل المیت ب 3 ح 8.

کان خصوص هذا الترتیب واجبا دون غیره لشاع ذلک ، ولا أقل من أن یکون مذهبا شائعا من المذاهب ، بل ولا أقل من أن یکون مذهبا معروفا من أحد من القدماء ، بل ولم نجد من المتأخرین أیضا من یفتی بذلک ، فکیف یخفی مثل هذا العام البلوی ، الکثیر الحاجة ، المتوفر الدواعی علی المعرفة والضبط علی جمیع الفقهاء من المتأخرین والقدماء؟! فتأمّل.

وأیضا (1) : کما أنّ الوضوء ماهیة واحدة فکذلک الغسل ، ولذا وردت وضوءات کثیرة واجبة ومستحبة ولم یتأمّل أحد فی ماهیة واحد منها وأنها بأی هیئة ، وکذلک الغسل ، فإنّ الأغسال الواجبة کثیرة والمستحبة أکثر وأکثر ، ولم یتوقف أحد فی واحد منها بأنها بأی کیفیة ، ولم یرد فی خبر من الأخبار لا کیفیة الواجب ولا المستحب أصلا سوی غسل الجنابة ببعض الوجوه وغسل المیت ، وأما باقی الأغسال فلم یذکر ماهیتها أصلا ورأسا ، والبناء لیس إلاّ علی کون الکل بهیئة واحدة ، وعرفت أن غسل المیت ورد فیه الترتیب بین الیمین والیسار کثیرا بحیث لم یبق مجال التوهم فیه ، ولا أقل فی کون الغسل المذکور ( فی موضع من المواضع الواجبة والمستحبة ) (2) هل هو بهیئة غسل الجنابة أو بهیئة غسل المیت ، إذ لم یتوقف أحد فی ذلک قطعا.

علی أن الشارح فی مبحث تداخل الأغسال اختار وحدة الجمیع من جهة صدق الامتثال (3) ، ولیس هذا إلاّ من جهة أن جمیع الأغسال بهیئة واحدة لا تفاوت فیها أصلا.

وأیضا : ترتیب الغسل وارتماسه وعدم وجوب الموالاة فیه وغیر ذلک

ص: 334


1- من هنا إلی آخر الحاشیة لیس فی « أ ».
2- ما بین القوسین لیس فی « و ».
3- أنظر المدارک 1 : 194.

إنّما ورد فی الأحادیث فی خصوص غسل الجنابة فقط ، مع أنّه یفهم منه أن جمیع الأغسال هکذا ، واتفقت الفتاوی والأفهام علی ذلک ، ولیس ذلک إلاّ من بداهة اتحاد الهیئة ، وفی غسل المیت اتفق الأفهام والفتاوی والأخبار علی الترتیب بین الیمین والیسار.

قوله : ولو قیل بسقوط الترتیب بالمرة. ( 1 : 296 ).

کما یقول به المشهور ، والمراد هنا إظهار الفائدة بین قول المشهور وقول القائل ، وکذا فی قوله : وفیما لو نذر. ، فإنّه یبرأ علی قول القائل بمجرد الارتماس ( لا الارتماس ) (1) الذی یجعله بالقصد مرتبا.

وإنما قیده کذلک لإظهار الفائدة والفرق بین المعنیین أیضا ( وبأنه کما تظهر الفائدة بین المشهور وبین القائل تظهر الفائدة بین المعنیین أیضا ) (2).

وقوله : لأنّه ذکره. تعلیل لحصول تلک الفائدة إذا کان مراد القائل المعنی الآخر الذی تحت لفظ عبارته ، وحصول الترتیب فیه حکما وکونه فی حکم المترتب واحد لا فرق بینهما ، فتأمّل.

قوله (3) : لعدم الوحدة المذکورة. ( 1 : 296 ).

الظاهر اتفاق الأصحاب علی اشتراط الوحدة المذکورة فی الارتماس کاتفاقهم علی اشتراط الترتیب فی الترتیبی ، والشرط المذکور شرط للصحة والإجزاء ، أو تحقق الماهیة علی القول بکون ألفاظ العبادات أسامی للصحیحة منها.

والدلیل علی الشرط المذکور ما ورد فی الأخبار : « إذا ارتمس ارتماسة

سقوط الترتیب فی الغسل الارتماسی

ص: 335


1- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د » و « و ».
2- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
3- هذه الحاشیة لیست فی « أ ».

واحدة أجزأه عن غسله » ، فما لم یتحقق الشرط لم یتحقق الإجزاء والصحة ، فیکون باطلا.

وأیضا : الترتیب شرط ، کما ثبت ، فلو لم یتحقق فی الترتیبی بطل ، وإذا ارتمس بالوحدة المذکورة أجزأ عن الترتیب ، فلو لم یتحقق تلک الوحدة بطل قطعا ، لعدم تحقق الترتیب ولا ما هو مسقط للترتیب.

بل الأصحاب یجعلون الأصل فی الغسل هو الترتیبی ، لأنهم یذکرون أنّ من شرائط الغسل هو الترتیب ، ثم یذکرون أنّه إذا ارتمس ارتماسة واحدة أجزأه عن الترتیب وسقط ، والسقوط لا یکون إلاّ فی ما هو ثابت ، والإجزاء لا یکون إلاّ بالنسبة إلی ما هو أصل ، بل فی الأخبار أن الارتماسة الواحدة تجزئ عن غسله.

ویظهر من الأخبار أن المتعارف فی ذلک الزمان کان هو الترتیبی ، مع أن فی تلک الروایة أنّه أجزأه ما جری الماء قلیله وکثیره ، وفیه شهادة علی إرادة الترتیبی ، إذ لا مناسبة لقلة الماء وکثرته فی الماء الجاری علی جسده فی الارتماسی ، مع أن الظاهر الإجزاء عن الدلک ، کما ستعرف ، ولا دلک فی الارتماسی ، فتأمّل.

ومما ذکر ظهر فساد ما اختاره فی القواعد ، من کفایة غسل تلک اللمعة المغفلة فی الارتماسی (1) ، وجعله أوسع من الترتیبی ، من جهة أن الترتیبی یجب فیه غسل تلک اللمعة مع ما بعدها إن لم تکن فی طرف الیسار. والظاهر أنّه استند فی حکمه فی الارتماسی إلی قول الصادق علیه السلام : « الجنب ما جری علیه الماء من جسده قلیله وکثیره فقد أجزأه » (2).

ص: 336


1- قواعد الأحکام 1 : 14.
2- الکافی 3 : 21 / 4 ، التهذیب 1 : 137 / 380 ، الاستبصار 1 : 123 / 416 ، الوسائل 2 : 240 أبواب الجنابة ب 31 ح 3.

وفیه : أن المطلق ینصرف إلی الشائع المتعارف ، وهو الترتیبی ، کما عرفت ، مع أن المطلق یحمل علی المقید ، وقد عرفت أنّ الارتماسی شرطه الوحدة المذکورة ، وأنّ هذا الشرط موضع الترتیب فی الترتیبی ، وأنّه مسقط للترتیب الذی هو شرط للصحة إجماعا ، ولذا لو غسل من الیمین شیئا قبل غسل الرأس یکون باطلا عندهم قطعا ، بل الظاهر البطلان واقعا ، کما عرفت ، وهذا کیف یجتمع مع ما ذکره من الإجزاء فی الأجزاء من دون تحقق الوحدة التی هی شرط نصا ووفاقا ، بل هما متنافیان بالبدیهة فکیف یجتمعان؟! ولا یمکن منع اشتراط الوحدة المذکورة أیضا.

مع أنّه لم یرض بکونه ترتیبا حکما فکیف رضی بما ذکر؟! لأن إجزاء بعض الأجزاء قبل بعض ترتیبی حقیقی ، فإن أکثر الأجزاء تطهّر ، وغسل ، وأجزأه غسله مع عدم غسل اللمعة وعدم الإجزاء فیها ، بل یصیر ترتیبیا بترتیبات لا یمکن عدها من الکثرة ، بل بعکس ترتیب الترتیبی ، لأن العادة فی الارتماس بتأخیر الرأس عن الجسد ، والإطلاق ینصرف إلی ما هو المعتاد والمتعارف ، فیصیر هذا المعتاد والمتعارف شرطا ، لأنهم علیهم السلام جعلوه شرطا بقولهم : « إذا ارتمس » ، إذ کلمة « إذا » لیست من أدوات العموم فیکون المطلق باقیا علی إطلاقه ، فتأمّل جدا.

علی أن ظاهر قوله علیه السلام : « فما جری علیه الماء » فاسد ، لأن الضمیر فی أجزأه یرجع إلی الجنب ، فیصیر المعنی أنه أیّ قدر من جسده جری علیه الماء أجزأه فی غسله ولا یحتاج إلی أمر آخر ، وفیه ما فیه. وتأویله بما أراده لیس بأولی من تأویله بأن المراد : إذا جری فی جسده الماء سواء کان قلیل الماء أو کثیرة أجزأه عن الدلک ، کما یظهر من غیره من الأخبار.

ص: 337

علی أن ما أراده - علی فرض ظهوره - لیس بحیث یقاوم ما ذکرنا من الأخبار والوفاق ، فضلا عن أن یغلب علیهما ، سیما وأن یکتفی فی مقام تحصیل البراءة الیقینیة لشغل الذمة الیقینی.

هذا مضافا إلی ما ستعرفه فی مبحث وقوع الحدث فی الأثناء.

ولما ذکرنا اعتبر المحقق الشیخ علی قصر الزمان فی غسل اللمعة ، وأنّه لو طال یجب علیه الإعادة (1) ، والظاهر أن ما اعتبره لأجل الوحدة التی هی شرط.

لکن إن کان مراده غسلها تحت الماء حال الارتماس فلا فرق بین الطول والقصر وخرج عن محل النزاع ، وإن أراد بعد ما خرج عن الماء ففیه منع تحقق الوحدة العرفیة علی سبیل الحقیقة لا المجاز ، سیما بملاحظة أنّه علیه السلام قال : « إذا ارتمس أجزأ » والارتماس هو الدخول تحت الماء ، فمقتضاه تحقق الإجزاء حین ما هو داخل ولم یخرج ، لا أنّه لم یتحقق الإجزاء إلاّ بعد الخروج وبعد غسل اللمعة بعد ما خرج ، وأین هذا من ذاک ، فکیف یکون داخلا فی الأخبار الدالة علی إجزاء الارتماسة الواحدة؟!.

ومما ذکر ظهر فساد ما قاله فی الذخیرة (2) من کفایة الارتماسة الواحدة وإن لم یتحقق شمول الماء لجمیع الجسد إلا بعد ما خرج ، وغسل تلک اللمعة خارجا عن الماء وإن طال الزمان أیضا.

قوله : لا علی معنی الاعتقاد المذکور. ( 1 : 296 ).

یعنی أنّه بمجرد الارتماس یصیر بریئا وإن لم یصدر منه الاعتقاد

ص: 338


1- جامع المقاصد 1 : 280.
2- الذخیرة : 57.

المذکور ، لأن القائل ذکره. ، یعنی أن مقتضی کلامه أن الغسل الارتماسی غسل ترتیبی حکما وإن لم یکن ترتیبیا فعلا ، والناذر نذر الغسل مرتبا بحسب الشرع من غیر تقیید بالفعلی. أما لو کان مراده أنّه یعتقد الترتیب حال الارتماس فلا یبرأ إلاّ بعد الاعتقاد ، وبغیر الاعتقاد لا یصیر ترتیبیا.

هذا علی ما أفهمه مما نقله فی هذا الکتاب ، ولیس عندی الذکری. وعدم الفرق بین ما هو فی حکم الترتیب وما هو ترتیبی حکما (1) یحتاج إلی التأمّل ، سیّما فیما إذا نذر الاغتسال مرتبا ، فإن الظاهر منه الترتیب الفعلی إلاّ أن یکون ناویا المعنی الأعم ، فتأمّل.

مع أن کون الفائدة ما ذکره فی وجود اللمعة أیضا محل نظر ظاهر (2).

قوله : لما فیه من الاستظهار. ( 1 : 298 ).

وهو مستحب ، لقوله علیه السلام : « دع ما یریبک إلی ما لا یریبک » (3) ، وأمثاله ، هذا علی تقدیر تحقق الامتثال العرفی بدونه ، وإلاّ فهو واجب ، فتأمّل.

قوله : وإن لم یدلک جسده. ( 1 : 298 ).

فی دلالته علی استحباب الدلک فی صورة وصول الماء بدونه نظر ، وأما فی صورة عدم الوصول بدونه فلا شبهة فی الوجوب ، والدلیل علی استحباب الإمرار هو اتفاق الأصحاب ، کما نقله بعض (4).

مسنونات غسل الجنابة

إمرار الید علی الجسد
البول أمام الغسل

ص: 339


1- فی « د » زیادة : لا.
2- لیس فی « ب ».
3- عوالی اللآلی 1 : 394 / 40 ، 3 : 330 / 214.
4- انظر المعتبر 1 : 185.

قوله : لما فیها من الإسراع. ( 1 : 298 ).

ولأن البقاء علی الجنابة مکروه شرعا إلاّ فی صورة قصد الإعادة ، مع أنّ الظاهر من الأخبار استحباب عدم البقاء حینئذ أیضا.

ومن جملة الأدلة علی استحباب الموالاة الأسوة بالنبیّ والأئمة صلوات الله علیهم ، فإنها هی المعروفة عنهم.

قوله : ولا بأس بالوجوب. ( 1 : 298 ).

أی البناء فی العمل علیه ، نظیر ما سیذکره الشارح فی الاستبراء (1) ، ولقوله : لا بأس ، فتأمّل. وکذا لما یظهر من أدلته ، فتأمّل ولعل مراد الشیخ من الوجوب أیضا ذلک ، فتأمّل.

قوله : وهو خلاف المدعی. ( 1 : 299 ).

بل یدل علی عدم الوجوب ، من جهة أنهم علیهم السلام ما أنکروا علی السائلین فی ترک البول ، مع أنّه یظهر من تلک الروایات أن المغتسلین کانوا یترکون البول علی عدم وجوبه علیهم ، فهم علیهم السلام قرروهم علی اعتقادهم ، فلاحظها حتی یظهر علیک ما قلناه.

قوله : وخلو الأخبار. ( 1 : 299 ).

لم یدّع أحد أنه داخل فی ماهیة الغسل ، فالأخبار الواردة فی بیان ماهیة الغسل وکیفیته لا دخل لها فی عدم وجوبه ، وأمّا عدم الصراحة فغیر مضر بعد تسلیم الظهور ، کما یشعر به کلامه هنا ، وصرح به مرارا لأن الظهور یکفی ، مضافا إلی أنّه فی مقام بیان الغسل.

ولعل مراده أنّه وإن کان ظاهرا فیه إلاّ أن خلو الأخبار فی بیان الغسل ظاهر فی خلافه ، وقد عرفت حالها.

ص: 340


1- المدارک 1 : 300.

فالأولی أن یقول : « تغسل یدک » مبنی علی الاستحباب قطعا ، فلا یبقی وثوق فی الدلالة علی الوجوب فی قوله : « وتبول. » ، والأخبار المتضمنة للإعادة تدل علی الاستحباب أیضا ، وکذا ما رواه عن النبیّ صلی الله علیه و آله والأخبار الواردة فی بیان الغسل مؤیدة ، فتأمّل.

قوله (1) : وهو اختیار المصنف فی النافع. ( 1 : 300 ).

ووافقهما علی ذلک ابن بابویه ، وابن زهرة ، وابن حمزة ، وابن إدریس ، والمفید إلاّ أنه قال : تمسح مرة أو مرتین أو ثلاثا (2).

وقال فی الذخیرة : إن ما ذکره فی المبسوط أیضا قریب مما ذکره فی النهایة (3).

أقول : الظاهر عدم المخالفة بین ما ذکره القدماء والمتأخرون ، لأن مرادهم إخراج بقیة البول بمسح ما بین المقعدة إلی الذکر ثلاثا ، ومن أول الذکر إلی آخره ثلاثا ، والمتقدمون جعلوا الغایة داخلة فی المغیا ، فیصیر المسح ستا ، والمتأخرون جعلوها خارجة ، فیصیر تسعا ، وهذا القدر من التفاوت لعله سهل. مع أن طریقة المتأخرین أسهل ، وغرض الکل إخراج البول من الذکر.

ویمکن أن یکون مراد المرتضی أیضا ذلک ، بأن جعل أصل الذکر من المقعدة إلی الأنثیین ، کما یومئ إلی ذلک کلام ابن زهرة ، وحدیث ابن مسلم بالنحو الذی رواه فی التهذیب والاستبصار ، من جهة أن الغرض إخراج بقیة

الاستبراء

ص: 341


1- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».
2- انظر الهدایة : 16 ، والغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 549 ، والوسیلة : 47 ، والسرائر 1 : 96 ، والمقنعة : 40 ، وفی نسخة منها : مرتین أو ثلاثا.
3- الذخیرة : 20.

البول مهما أمکن ، وهو لا یتحقق إلاّ بمسح ما بین المقعدة إلی الأنثیین أیضا ، لأنّه من قبیل القضیب المدور المجوف یخرج منه البول والمنی ، وهو ممرّهما ، وکثیرا ما یبقیان فیه وبأدنی حرکة یخرج قطعا ، ولذا ورد فی الأخبار صریحا خرط بین المقعدة والأنثیین ، والأصحاب اتفقوا علی الفتوی به :

فقد روی فی الصحیح عن ابن أبی عمیر - وهو ممن أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصح عنه ، وممن لا یروی إلاّ عن الثقة - عن جمیل بن صالح ، عن عبد الملک بن عمرو ، عن الصادق علیه السلام : فی الرجل یبول ، ثم یستنجی ، ثم یجد بللا بعد ذلک ، فقال : « إذا بال فخرط ما بین المقعدة والأنثیین ثلاثا ، وغمز ما بینهما ، ثم استنجی ، فإن سال حتی یبلغ السوق فلا یبالی » (1).

والشیخ روی حسنة ابن مسلم فی التهذیب والاستبصار کما ذکره الشارح ، وهذه أیضا ظاهرة فی ما ذکرنا ، ومعلوم قطعا أن الغرض لیس جمع الماء فی الإحلیل وجرّه مما بین المقعدة والإحلیل ، وإبقاؤه فی الإحلیل ، بل لا شک فی لزوم الإخراج ، للقطع بأن الغرض إخراج بقیة البول ثم الاستنجاء ، لا الجمع فی الإحلیل ثم الاستنجاء ، لأنّه حینئذ یکون أسرع خروجا ، وعدم الخرط یکون أولی.

فیکون المراد من قوله علیه السلام : « إلی [ طرف ] (2) ذکره » تمام ذکره ، بجعل الغایة داخلة فی المغیا ، کما هو أحد الأقوال ، أو مجازا علی القول بعدم الدخول ، لعدم النزاع فی تحقق الاستعمال ، مضافا إلی القرینة التی أشرنا

ص: 342


1- التهذیب 1 : 20 / 50 ، الاستبصار 1 : 94 / 303 ، الوسائل 1 : 282 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 2.
2- ما بین المعقوفین أثبتناه من التهذیب وفی الاستبصار : رأس.

إلیها.

ولقوله علیه السلام بعد ذلک : « وینتر طرفه » ، ولعل المراد النتر ثلاثا ، ولم یقید به اکتفاء بقرینة المقایسة (1) ، لأن الغرض لیس إلاّ الإخراج ، ولا فرق بین الإخراج من الطرف والإخراج من الأصل.

ولقوله علیه السلام فی صحیحة حفص : « ینتره ثلاثا » ، ولا شک فی دخول الرأس فیه. والحمل علی التخییر فاسد قطعا ، لأن الغرض إخراج البقیة قطعا ، فلا معنی له.

وقس علی ما ذکرناه فی الحسنة روایة عبد الملک ، فإن المراد مما بینهما هو الذکر ، وهو مجموعه من حیث المجموع ، ولم یصرح باسمه لقبح ذکره بالاسم. مع أن التأسیس هو الأصل والتأکید خلافه ، لما عرفت من أنّه لا معنی لجمع الماء فی الإحلیل فی مقام تحصیل القطع بأن الغرض إخراجه لا إبقاؤه وجعله فی معرض الخروج ، إذ هو ضد الغرض قطعا. وکذا الکلام فی کون المراد ثلاث غمزات.

علی أنا نقول : الأخبار متعارضة ، والجمع بینهما ممکن ، ووجه الجمع أیضا ظاهر ، والبناء علی التخییر مقطوع بفساده ، وجل الأحکام الفقهیة من الجمع بین الأخبار ، وروایة عبد الملک غیر قاصرة عن أکثر الصحاح عند الفقهاء المشهورین ، کما حققناه فی موضعه ، وکذا حسنة ابن مسلم. علی أن الغرض لما کان إخراج البقیة قطعا أخذ الفقهاء جمیع ما ورد فی الأخبار مما هو سبب للإخراج ، فحکموا به ، سیما والمقام مقام الاستحباب ، والأخذ بما هو أکمل ، فتأمّل.

قوله : وما رواه الکلینی. ( 1 : 301 ).

ص: 343


1- فی « ج » و « د » : المقام.

جعله دلیلا للسید محل نظر.

قوله : البیان المنافی للإجمال. ( 1 : 301 ).

فیه - مضافا إلی ما عرفته - : أن الحسن لا یقاوم الصحیح عندک. مع ذلک ، التخییر أیضا مناف للتعیین ، وما ورد فی مقام البیان هو المعین ، والجواب بعدم الضرر فیه إذا کان لمصلحة مشترک. مع أنک قد عرفت فساد التخییر فی هذا المقام.

قوله : لما فیه من المبالغة. ( 1 : 301 ).

جعله دلیلا لخصوص التسع محل نظر وتأمّل ، ولا إجماع علی عدم الزیادة ، للقول بالتنحنح مطلقا أو ثلاثا عن سلار ، والعلاّمة ، والشهید ، والصبر هنیئة عن العلاّمة (1).

قوله : وهو جید. ( 1 : 305 ).

علی تقدیر الصحة أیضا مشکل ، للمخالفة للقاعدة الشرعیة الثابتة من الأدلة الکثیرة الموافقة لطریقة المسلمین فی الأعصار والأمصار ، فتأمّل ، ولمخالفتها للأخبار الصحیحة الکثیرة التی أفتی الفقهاء بمضمونها ، ولأخبار کثیرة لم یفتوا بمضمونها.

قوله : بإطلاق روایتی. ( 1 : 305 ).

إطلاق هذه وما وافقها غیر نافع ، لأن الظاهر منها عدم الاستبراء أیضا ، إذ لو کان استبراء لکان یذکر عند السؤال ، لأنه أوقعه من جهة إخراج البقیة ، فکیف لا یذکره فی هذا المقام ویکتفی بذکر أن یبول خاصة؟!

مضافا إلی أن الأصل العدم ، نعم صحیحة ابن مسلم نافعة ، لأن

أحکام الجنابة

حکم البلل الخارج بعد الغسل

ص: 344


1- المراسم : 32 ، التذکرة 1 : 131 ، الدروس 1 : 89.

الظاهر منها الحصر ، فتأمّل.

قوله : وهذه الروایة. ( 1 : 306 ).

نعم ، تدل علیه روایة أخری ، وهی ما رواه أحمد بن هلال : قال سألته عن رجل اغتسل قبل أن یبول؟ ، فکتب : « إن الغسل بعد البول ، إلاّ أن یکون ناسیا ، فلا یعید منه الغسل » (1) ، رواها الشیخ أیضا.

قوله : وهو مجهول. ( 1 : 306 ).

أقول : بل هو ثقة - علی ما حقق - فالأولی أن یقال : ( إنّ هذه الأخبار لا تعارض الأخبار الصحیحة من جهة قبول الفقهاء أو المشهور منهم ، وکثرتها مع الصحة ، وموافقتها للإجماع المنقول ، ولأخبار أخر قویة ومعتبرة.

قوله : فی حسنة حفص. ( 1 : 306 ).

أقول : هو سهو ، لأنّها صحیحة قطعا ، کما نقلها سابقا (2) ، ودلالتها علی ما نحن فیه محل تأمّل.

قوله : أما وجوب الإتمام فلأن. ( 1 : 307 ).

فیه : أن هذا إنما یتم لو ثبت من الأدلة وجود غسل للجنابة یرفع الأکبر دون الأصغر ، وأن غسل الجنابة علی ضربین : ضرب یرفع الأکبر والأصغر معا بدون وضوء ، بل وانضمام الوضوء معه حرام ، وضرب یرفع الأکبر خاصة ، وانضمام الوضوء معه لیس بحرام ، بل واجب لرفع الأصغر.

وثبوت ما ذکر من الأدلة لا یخلو من الإشکال ، إذ المستفاد من الأدلة والظاهر منها أن غسل الجنابة یرفع الحدثین من دون حاجة إلی الوضوء ، بل

حکم من أحدث أثناء الغسل
علی بن سندی ثقة

ص: 345


1- التهذیب 1 : 145 / 410 ، الاستبصار 1 : 120 / 407 ، الوسائل 2 : 252 أبواب الجنابة ب 1236.
2- انظر المدارک 1 : 300.

ومع المنع منه. فلو بنی علی أن الإطلاق والعموم منصرفان إلی المتبادر - وهو ما إذا لم یقع فی الأثناء حدث ، وأمّا إذا وقع فیه الحدث فغیر ظاهر حکمه منهما - ففیه : أنّ جمیع الإطلاقات الواردة حکمها کذلک ، فمن أین أثبت وجود غسل یرفع الأکبر خاصة؟.

فعلی هذا نقول : القدر الذی فعله من الغسل قبل الحدث لا یرفع الجنابة قطعا ، والجنابة باقیة محتاجة إلی رافع البتة ، فالرافع للأکبر إن کان رافعا للأصغر فالأمر کما اختاره ابن إدریس ومن وافقه ، وإلا فالحکم برفع الأکبر یحتاج إلی دلیل یطمئن إلیه النفس ، وما ذکر ذلک الدلیل ولا أشار إلیه.

ولا یخفی أن الحکم برفع الحدثین علی وجه یطمئن به النفس إنما یتحقق بإعادة الغسل ، وضم الوضوء معه لحصول الشک فی وجود غسل جنابة یرفع الأکبر خاصة ، والشک فی وجود جزء غسل للجنابة یرفع الحدثین معا ، والشک فی أن الغسل الذی وقع فی أثنائه الحدث یرفع شیئا من الحدثین بدون الإعادة ، کما سنشیر ، فتأمّل.

قوله : لیس موجبا للغسل. ( 1 : 307 ).

لم یدّع أحد أنّه موجب للغسل ، بل یدّعون أنّه مبطل له ، ودعوی القطع بعدم الإبطال فاسد قطعا. والاستناد إلی أصالة العدم - مع أنّها ظنیة - موقوفة علی جریانها فی ماهیة العبادات أیضا ، ومع ذلک یعارضها أصالة عدم رفع الحدث بمثل هذا الغسل ، وأصالة بقاء الجنابة ، وأصالة عدم زیادة التکلیف بالوضوء.

قوله : وهو إما الغسل بتمامه. ( 1 : 307 ).

هذا الحصر مصادرة ، فإن بنی علی أنّ القدر الثابت هو أحد الأمرین خاصة وغیرهما لم یثبت ، ففیه : أنّ القدر الثابت هو رفع الأکبر بغسل لم یقع فی أثنائه حدث ، وإن استند إلی العموم والإطلاق فی الأخبار ففیه : أن الظاهر

ص: 346

منها عدم الحاجة إلی الوضوء أصلا ، والبناء علی عدم العموم من هذه الجهة والعموم من تلک الجهة فیه ما فیه.

ویمکن أن یستدل لعدم وجوب الإعادة بما ورد فی الأخبار الواردة فی کیفیة الغسل : « ما جری علیه الماء فقد طهر » (1) ، وما ورد : « کل شی ء أمسسته الماء فقد أنقیته » (2) ، وأن یستدل لخصوص قول ابن إدریس ومن وافقه بإطلاق ما ورد فی جواز تفریق أجزاء الغسل وعدم موالاتها (3) ، فلاحظ وتأمّل ، إلاّ أن الأحوط ما ذکرناه ، لما مرو یأتی ، فتأمّل.

قوله : وهو باطل. ( 1 : 308 ).

الحکم به إن کان من جهة الإجماع ، ففیه : أنّه لا إجماع ، وإن کان من جهة الأخبار ، ففیه : أنّه لا فرق بین القلیل والکثیر بالنسبة إلیها ، وإن کان من جهة العقل ، ففیه : أنّه لا طریق للعقل إلی أمثال هذه التعبدیات ، کیف والعبادات توقیفیة ووظیفة الشرع وفاقا ، فتأمّل.

قوله (4) : ففساده ظاهر. ( 1 : 308 ).

فیه : أن المستدل استدل بالأولویة ، ومنعها مکابرة ، لأنّه یلزم أن یکون من یغسل من رأسه فی غسله مقدار شعرة فقط من أول عمره ، ولم یغسل الباقی إلی آخر عمره ویصدر منه الأحداث التی لا تعد ولا تحصی فی هذه المدة ، أن لا یرفع جمیع هذه الأحداث أثر ذلک المقدار القلیل غایة القلة ، ثم بعد إتمام غسله یصدر منه مقدار رأس شعرة ریح أو بول فیبطل أثر الجمیع

ص: 347


1- الوسائل 2 : 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 1 ، وتقدم فی المدارک 1 : 291 و 293.
2- الوسائل 2 : 230 أبواب الجنابة ب 26 ح 5.
3- الوسائل 2 : 237 أبواب الجنابة ب 29.
4- هذه الحاشیة لیست فی « أ ».

فی استباحة الصلاة وأمثالها ، ورفع الحدث منها.

فکیف یکون جمیع الأحداث التی لا تحصی لا ترفع أثر مقدار شعرة من الغسل ، ویکون مقدار رأس شعرة من الریح مثلا یرفع أثر جمیع هذه الغسلات التی هی بالنسبة إلی مقدار شعرة من قبیل القطرة بالنسبة إلی البحار؟!

ولو لم یف مجموع الأحداث التی لا تحصی لرفع أثر شعرة من الغسل فکیف یفی شعرة من الحدث لرفع أثر مجموع الشعرات من الغسل التی لا یمکن عدها ولا یحصیها إلاّ الله تعالی؟! مع أنّ البعض أضعف من الکلّ ، سیما فی المقام ، لعدم استحالة رفع أثر البعض من الحدث فی الأثناء ، بحیث یعود إلی الجنابة فیحتاج إلی إعادة الغسل ، کما اختاره جماعة ، بل الأکثر ، بل المشهور ، کما قاله المحقق الشیخ علی فی شرح الألفیة (1) ، وورد فی الخبرین ، واقتضاه الأصل والقاعدة من بقاء الجنابة حتی یثبت الرافع ، واقتضاه الأولویة المذکورة وغیر ذلک ، ولا کذلک الحدث الواقع بعد کمال الغسل ، للقطع برفع الجنابة بالمرة إلاّ أنّه یرتفع خصوص الاستباحة ، ولیس ذلک إلاّ من جهة أن الجزء والبعض أضعف من الجمیع بالبدیهة.

بل الجماعة الذین یقولون بوجوب الوضوء یکون الجزء عندهم أضعف من الکل بالبدیهة ، لقطعهم بارتفاع حدث الجنابة والحدث الأصغر جمیعا بالمرة بالغسل من دون وضوء ، وارتفاع الاستباحة بالمرة بالحدث الواقع بعد الغسل ، وظنهم ببقاء الحدث الأصغر وارتفاع الأکبر بالحدث فی الأثناء وأنّه ما لم یتوضأ لم یرتفع الأصغر.

بل عند ابن إدریس ومن وافقه أیضا لا یکون الجزء بقوة الکل ، إذ

ص: 348


1- شرح الألفیة ( رسائل المحقق الکرکی 3 ) : 203.

بمجموع الغسل وکماله یحصل القطع عندهم أیضا بارتفاع الأکبر والأصغر إلی أن یحدث الأصغر ، فیحصل المنع من جهته بما هو مقتضاه ، وأما إذا حصل الجزء فلا یحصل الرفع والاستباحة یقینا ، بل له مدخلیة فیهما ، وأین المدخلیة من التمام والکمال! ومع ذلک لیس إلاّ بظن اجتهادی ، فعلی هذا إذا ارتفع أثر المجموع والأقوی فی الاستباحة فارتفاع الأضعف بطریق أولی.

هذا ، مع أنّ الرفع والاستباحة موقوفان علی الکمال ، وقبله لم یتحققا ، وعدم تحققهما مستصحب حتی یثبت خلافه ، وثبوته من الوضوء بعد إتمام الغسل - کما قال السید رضی الله عنه - غیر ظاهر ، لعدم الدلیل ، بل ظهور العدم ، إذ ظهر ارتفاع الاستباحة مما تقدم علی الحدث فلا عبرة به شرعا ولا یرتفع الحدث من الجنابة ولا یحصل الاستباحة من جهتها إلاّ بالغسل جزما ، والأجزاء السابقة یسقط اعتبارها شرعا من الأصل والقاعدة والقیاس (1) بطریق أولی.

فالعبرة بما تأخر عن الحدث بحسب الشرع ، فلا بدّ من الإعادة ، فابتداء الغسل من الشروع فی الإعادة ، والعبرة به شرعا لا یکون إلاّ بما أعاده ، فهو الغسل الرافع للجنابة ، فلا یجوز معه الوضوء ، لورود النهی فی الأخبار (2) ، وللإجماع ، وهو موافق لمضمون الخبرین ، ویجبر سندهما - مضافا إلی الشهرة وغیرها - بما تقدم.

قوله : لمنع کونه ناقضا. ( 1 : 308 ).

لا یخفی أن مجرد المنع لا یکفی لحصول الطهارة حتی یثبت بدلیل ، فإن کان استناده إلی العموم والإطلاق فقد أشرنا إلی ما فیهما ، فتأمّل ، سیما

ص: 349


1- لیس فی « و ».
2- الوسائل 2 : 246 أبواب الجنابة ب 34.

مع وجود مثل هذه الروایة التی اعتمد علیها جماعة من فحول الفقهاء الماهرین فی معرفة الأحادیث ، فتأمّل.

قوله (1) : إلی أن یتّضح السند. ( 1 : 308 ).

لا یخفی أنها منجبرة بأمور : منها الأوفقیة إلی القاعدة الشرعیة ، کما عرفت. ومنها الموافقة للفقه الرضوی (2) ، فإنّه أیضا صریح فی ذلک ، وقد عرفت اعتباره فی الجملة. ومنها الموافقة للشهرة ، فإن المحقق الشیخ علی ادعی الشهرة فی هذا (3). ومنها الموافقة لما ذکر من أنّ ناقض المجموع ناقض للأبعاض بطریق أولی ، بل المجموع لیس إلاّ کل واحد واحد من الأبعاض ، إلاّ أنّه إذا خلا عن الجنابة بالمرة یجب الوضوء ، وأمّا مع بقاء الجنابة البتة فحینئذ یکون الوضوء رافعا غیر ظاهر ، مع ما عرفت من الحاشیة الأولی ، وما ورد فی الأخبار أن من لم یتمکن من الغسل وهو متمکن من الوضوء لا یتوضأ ، لأن الله جعل علیه نصف الوضوء ، یعنی التیمم (4) ، فتأمّل.

قوله : ویتصور ذلک فی غسل الارتماس. ( 1 : 309 ).

لا مدخلیة للنیة هنا ، لأن الحدث لو تحقق بینها وبین الغسل تجب إعادتها ، لوجوب المقارنة عندهم ، ولا ربط لهذا النزاع به ، بل لیس إلاّ فی وقوع الحدث فی أثناء غسل الأعضاء ، فتأمّل.

فعلی هذا نقول : إن وقع فی الارتماس امتداد - بناء علی ما ذکره من أن الارتماس شمول الماء للبدن دفعة بالدفعة العرفیة - وتخلل الحدث بین

إشارة إلی الأشیاء التی تنجبر بها ضعف السند

ص: 350


1- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».
2- فقه الرضا علیه السلام : 85 ، المستدرک 1 : 474 أبواب الجنابة ب 21 ح 1.
3- راجع ص 348.
4- الوسائل 3 : 386 أبواب التیمم ب 24 ح 1.

غسل الأعضاء ، فربما یخدش هذا صدق الوحدة العرفیة ، إذ یصدق عرفا أن بعض غسل الأعضاء قبل الحدث وبعض آخر بعده ، فوقع بینهما ترتیب عرفی ، فهو ینافی الدفعة المعتبرة ، فتأمّل.

وإن لم یقع فیه امتداد ، کما هو الظاهر من الشهید - رحمه الله - فلا یتحقق حینئذ وقوع الحدث فی الأثناء.

مع أن ما اختاره الشارح أشد إشکالا من جهة أنّه لم یرد الغسل الارتماسی إلاّ فی حدیثین متضمنین إجزاءه عن الغسل ، فإن هذا الغسل إن کان یجزئ عن الوضوء فالحق مع ابن إدریس.

وإن بنی علی أنّه لا عموم فیهما یشمل محل النزاع فمن أین یثبت کون محل النزاع داخلا فی الارتماسی ومجزیا؟ سیما وتحقق الارتماسی الذی هو محل النزاع فی غایة الندرة ، بل لا یکاد یتحقق ، وعلی تقدیر إمکان التحقق فجعله داخلا فی إطلاق الحدیثین غیر داخل فیه أشد فسادا.

وإن کان هذا الغسل لا یجزئ عن الوضوء یلزم صرف الحدیث عن الفروض المتعارفة الشائعة إلی الفرض النادر ، سیما مثل هذه الندرة ، وفیه ما فیه ، والظاهر المتبادر أنّه مجز عن الغسل المتعارف الغالب ، وأنّه لا یحتاج معه إلی وضوء للصلاة ، فتأمّل.

قوله : الحکمی القصدی. ( 1 : 309 ).

إن أراد أنه یقصد أولا رأسه ثم بعده یمینه ثم بعده یساره فما ذکره صحیح ، لکن حمل کلامه - رحمه الله - علیه بعید ، بل ربما یکون هذا ترتیبا فعلیا ، وإن أراد ما هو الظاهر من کلامه ففیه نظر ، فتدبر.

قوله : اطرد الخلاف وإلاّ تعین إتمامه. ( 1 : 309 ).

فیه تأمل ، لجریان کلام القائل بالإعادة هنا أیضا من دون تفاوت ، نعم القول بالاکتفاء بمجرد الإتمام لا یجزئ هنا ، بل معلوم أنّه غیر قائل هنا ،

ص: 351

لصراحة کلامه ودلیله فی أنّه فی خصوص غسل الجنابة.

قوله : فالحیض هو الدم. ( 1 : 311 ).

لا یخفی أن دم الحیض لیس من الأمور التی بمحض اعتبار الشرع وإحداثه ، بل هو من الأمور العادیة الواقعیة ، مثل البول والغائط والمنی ، خلقه الله تعالی فی المرأة عند بلوغها أو بعده ، لأجل تکوّن الولد کالمنی ، بل تکوّنه من الحیض أکثر منه بمراتب.

وشی ء منه یصیر لبنا وغذاء له ، وشی ء منه یجتمع فی الرحم حول الولد یصیر حامیا له من ملاقاة المصادمات.

وهو یجتمع فی الرحم شیئا فشیئا ، ثم تعتاد قذفه فی کل شهر غالبا.

وله أقل معروف وأکثر معروف عند الأطباء أیضا ، وإن وقع الاختلاف بینهم.

ولیس کل دم فی المرأة فیه تلک الخواص ، أو خاصیة واحدة منها. وفساده یداوی عند الأطباء ، ویحصل منه المفاسد ، وهو عیب یوجب الرد شرعا.

والشارع اعتبر له أحکاما کثیرة : منها ما ذکر فی هذا الباب ، ومنها ما سیجی ء فی کتاب النکاح والطلاق ، مثل أنّه سبب براءة الرحم ، وموجب لانقضاء العدة إلی غیر ذلک ، مثل ما سیجی ء فی مبحث النجاسات من عدم العفو عنه ، وفی باب الصیام والصلاة وغیرهما.

وکل لغة تعبر عنه بلفظ ، فالعرب بلفظ دم الطمث والقرء والحیض ، أما الأولان فلا شک فیهما ، وأمّا الأخیر فبملاحظة العرف العام واللغة أیضا :

ففی المجمل : الحیض حیض المرأة (1). وفی المغرب : حاضت المرأة حیضا ومحیضا خرج الدم من رحمها (2). وفی القاموس : حاضت المرأة

الحیض

تعریف دم الحیض

ص: 352


1- المجمل 2 : 127.
2- المغرب 1 : 145.

إذا سال دمها (1). وقال الجوهری : حاضت المرأة تحیض حیضا (2).

والظاهر أن لفظ الطمث والقرء والحیض حقیقة فی خروج هذا الدم عرفا ولغة ، أما العرف فغیر خفی ، وأما اللغة فیظهر بالتأمّل فی ما أشرنا وما ذکروا ، وإن کان أکثر اللغات مجازات ، فتأمّل.

وکیف کان فلا شک فی أن الوارد فی عبارة الشارع والفقهاء لیس إلاّ هذا المعنی. ولذا متی قال الشارع : لا تجامعوا الحائض ، والحائض لا تصلی ولا تصوم ولا تدخل المساجد والمسجدین ، إلی غیر ذلک من الأحکام الکثیرة الصادرة عنه فیها ، کان الرواة والسامعون لهذه الأحکام یعرفون المراد من الحیض والحائض بلا تأمّل وریبة ، وما کانوا یسألون أبدا أن الحیض ما ذا؟ والحائض من هی؟ وأن الحیض بأی کیفیة؟ کما کانوا لا یسألون عن المنی والبول وغیرهما عند استماع الأحکام الواردة فیها بأن المراد من البول والمنی مثلا ما ذا؟ وأنهما بأی شی ء یتحققان أو یعرفان.

نعم ، ربما یحصل الاشتباه مثلا بسبب التعدی عن الأحکام المعهودة المعتادة أو غیر ذلک ، فکانت النساء یسألن عن علاج الاشتباه شرعا فأجبن بما أجبن ، فکنّ یقلن : لو کان امرأة ما زاد علی هذا ، أو یقلن : أفرأیت کان امرأة مرّة ، أو غیر ذلک ، فهذه صریحة فی أنهن کن عارفات بالحیض وصفاته ، فالصفات معتبرة فی حالة الاشتباه کاعتبار صفات المنی حالة الاشتباه ، والبول بالاستبراء وعدمه ، کما مرّ فی الجنابة والبول ، فتأمّل.

ومما ینبه إلی ما أشرنا أن الیهود یعتزلون الحائض بالمرة ، والنصاری یباشرونهن ویجامعونهن ، والمجوس یفعلون ما هو المعهود منهم من ترک

ص: 353


1- القاموس 2 : 341.
2- الصحاح 3 : 1073.

الاشتغال وغیر ذلک حال حیض نسائهم ، فتأمّل.

قوله : لأن الحمرة. ( 1 : 312 ).

الإتیان بلفظ التعلیل یوهم انحصار فائدة القید فی ما ذکره ، ولیس کذلک ، کما لا یخفی علی المتأمّل فی ما سیجی ء ، مضافا إلی ما ذکرناه فی الحاشیة السابقة ، فتأمّل.

قوله : أن هذه الأوصاف. ( 1 : 313 ).

فیه تأمّل من وجوه :

الأول : أن الروایات المذکورة فی الأوصاف مختلفة جدا ، فبعضها اکتفی فیه بالحرارة ، وبعضها الحرارة والحرقة ، وبعضها اللون أیضا ، وفی بعضها السواد ، وفی بعضها الحمرة ، إلی غیر ذلک من الاختلاف ، فلیلاحظ الکل ، ولیتأمّل فیها. والبناء علی تقیید کل واحد بالآخر فی غایة البعد ، بل لعله لا یمکن ، والبناء علی أن کل واحد من الأوصاف یستلزم الآخر ، فلأجل هذا اقتصر فی البعض بذکر البعض واکتفی بواحد بدلا عن الآخر ، ففیه : أنّه علی هذا لم تکن الصفات خاصة مرکبة ، مضافا إلی أنّ فی بعضها تضادّا ، وأنّ الظاهر عدم التلازم أیضا.

الثانی : الخاصة عبارة عن صفة واقعیة مختصة غیر مشترکة ، وغیر خفی أن الصفات یتحقق فی غیر الحیض کثیرا ، مثل دم النفاس والقروح والجروح ، وما تراه قبل التسع وبعد الیأس ، وما تراه أقل من ثلاثة وأکثر من عشرة ، وما لیس بینه وبین الحیض أقل الطهر ، وما خرج من الجانب الأیمن أو الأیسر علی الخلاف ، وفی حال الحمل علی الخلاف ، ودم العذرة وغیر ذلک.

وأیضا : إذا کانت خاصة شاملة فلا وجه لتخلفه ، وإذا کانت غیر شاملة فلا وجه للحکم بأنّه متی وجدت حکم بکونه حیضا إلاّ أن یمنع مانع.

صفات دم الحیض

ص: 354

وبالجملة : المستفاد من الأدلة أن الصفات لیست بصفات الحیض إلاّ بشروط کثیرة ، مثل کونه بعد التسع وقبل الیأس ، ولا یکون فی أیام العادة ولا فی أیام النفاس ، ولا أقل من ثلاثة ، إلی غیر ذلک مما یظهر مما أشرنا ، فکیف یعبر عنها بالخاصة ، سیما والشک فی الشرط یوجب الشک فی المشروط ، بل الأصل العدم إذا کان الشرط من الأمور الحادثة ، فتدبر.

الثالث : إن قلت : إنّ الحیض أمر واقعی والصفات صفاته فی الواقع ففیه - مضافا إلی ما مر - : أن معرفة أیام الحیض والعادة وضبطها کیف یصیر منشأ لتحقق الحیض بغیر الصفات ، وعدم المعرفة والضبط منشأ لعدم تحققه بغیر الصفات واقعا؟ وقس علی الوقوع فی أیام العادة وعدمه حال غیره وتأمّل جدا ، وإن أردت أن الحیض أمر اعتبره الشارع ، فلذا جعل لما اعتبره قاعدة أنه کذا وکذا إلاّ ما أخرجه دلیله ، فقد عرفت فی الحاشیة السابقة فساد ذلک.

ویزیده بیانا : أنّ الظاهر من قوله علیه السلام : « أقل الحیض ثلاثة وأکثره عشرة » أن أقل الحیض واقعا ثلاثة ، وأکثره واقعا عشرة ، لا أنه وإن أمکن أنه أقل من ثلاثة واقعا إلاّ أنی لا اعتبره حتی یکون ثلاثة.

وکذا الحال فی الأکثر من عشرة ، حتی أنّه علیه السلام صرح بأن ما زاد عن العشرة أو عن أیام العادة فهو من عرق ، أو من آفة أو من قرح أو من رکضة الشیطان ، ولیس بحیض.

وکذا یدل علیه قوله علیه السلام : « دم الحیض لیس به خفاء » ، وقوله علیه السلام : « الحیض والاستحاضة لیس یخرجان من مکان واحد » ، إلی غیر ذلک مما یحصل من تتبع الأخبار.

وأیضا : الظاهر من قوله علیه السلام : « قبل التسع لا تری الحیض ، وکذا بعد الیأس » أنّه لیس بحیض واقعا ، لا أنّی لا اعتبره حیضا ، إلی غیر ذلک ، فتتبع وتأمّل.

ص: 355

وبالجملة : الأمور التوقیفیة علی الشرع إما نفس الأحکام الشرعیة أو موضوعاتها إذا کانت عبادة ، وأمّا غیرها فلیس بتوقیفی ، بل یرجع فیه إلی اللغة أو العرف أو غیرهما ، إلاّ أن یقع من العرف اشتباه أو شبهة أو اختلاف ، فیرفع الشرع جمیع ذلک.

ومعلوم أن الحیض لیس بحکم شرعی ولا من العبادات ، بل من القسم الثالث ، والشرع لرفع الاختلاف مثلا قال : أقل الحیض ثلاثة وأکثره عشرة ، ولرفع الشبهة والاشتباه قال : دم الحیض لیس به خفاء ، هو دم حارّ. ، علی أن غالب الحیض لما کان بالصفات المتلازمة بعضها مع بعض - إلا ما شذّ وندر - اعتبرها ، لأن الغلبة مظنة وأمارة مرجحة ، وکم من أمارات ظنیة اعتبرها الشرع فی أبواب الفقه ، ومنها وقوع الدم فی أیام العادة وإن کان أصفر باردا ، بل وکدرة ، فإن المظنون کونه حیضا ، بل هو أقوی من الصفات فی الاعتبار والشرع ، کما سیجی ء.

ومنها خروجه من الجانب الأیسر ، علی الأظهر کما ستعرف ، بل لعل الغالب والراجح والظاهر أنّ المرأة التی بلغت مبلغ النساء فی الحیض وشرعت فی رؤیة الدم أنّه حیض ، لأنه الأمر العادی الخلقی الغالب فی النساء ، وأما الدماء الأخر فهی علی خلاف ذلک ، بل وموقوفة علی حوادث ، والأصل عدمها ، إلاّ أن تکون أمارة دالة علیها.

ولعله لما ذکرنا ذهب الأصحاب إلی أن ما أمکن أن یکون حیضا فهو حیض وادعوا الإجماع. ویؤیده ملاحظة کثیر من الأخبار حیث رجح الشارع طرف الحیض فی ما احتمله وغیره ، ولم یکن أمارة علی غیره. بل وربما یعلل للحکم بکون الدم حیضا باحتمال التقدم والتأخر ، کما سنشیر.

ولعله لما ذکرنا أیضا ما اعتبروا هذه الصفات إلا فیما إذا استمر الدم ، إذ لا یمکن الحکم بأن المجموع حیض.

ص: 356

قوله : ومتی انتفت انتفی. ( 1 : 313 ).

هذا فرع عموم المفهوم ، والشارح لا یقول به ، مع أنّه لا یقول بحجیة مفهوم الوصف ، فکیف یتمسک به ثم بعمومه؟! فتدبر.

قوله : إلا بدلیل. ( 1 : 313 ).

فیه - مضافا إلی ما سبق : - أن الشارع قال : دم الحیض حارّ أسود مثلا ، ولم یقل : إنّ کل دم حارّ أسود فهو حیض.

فإن قلت : اعتبرت الصفات لأجل التمیز.

قلت : نعم اعتبرها لأجل التمیز بینه وبین خصوص الاستحاضة فیما إذا دار الاحتمال بینهما خاصة ، ولذا فی کل حدیث قال ذلک ضم إلیه قوله :

« ودم الاستحاضة بارد » أو قوله : « لیس یخرجان من مکان واحد » مثلا.

وبالجملة : لا یخفی ذلک علی من أمعن النظر فی الأخبار وتحقق ذلک أیضا أن کل موضع وقع الالتباس بین الحیض وغیر الاستحاضة مثل القرحة والعذرة لم یعتبر الصفات أصلا ، بل اعتبر ممیزا آخر ، لو کان ، والأغلب جانب الحیض ، کما لا یخفی علی من أمعن النظر ، فتأمّل جدا.

فاللام فی قوله : « فإذا کان للدم حرارة » لم یثبت إفادته العموم ، لأنه یفید حیث لا عهد ، وظاهر أن المراد الدم المسؤول عنه ، فتأمّل.

قوله : لاعتبار سند الخبرین. ( 1 : 314 ).

هذا التعلیل لا یخفی ما فیه ، وکذا قوله : ومطابقتهما. ، فإن بنی علی أنّ الظاهر من السائل التردد فی کون الدم المسؤول عنه عذرة أو حیضا فقط من دون احتمال مثل القرحة أیضا ، فمثل هذا لا بدّ أن یکون بصفة الحیض ، وإلا فلا وجه لاحتمال کونه حیضا ، ولا لانحصار الاحتمال فیه وفی العذرة فقط ، ففیه ما لا یخفی.

مع أنّ مقتضی الروایات أن دم الحیض حارّ أسود ، ودم الاستحاضة

تمییز دم الحیض عن دم العذرة

ص: 357

بارد ، فعند الاشتباه والتردد فی کونه حیضا أو استحاضة وعدم أمارة أحدهما وخاصة یعتبر التمیز ، لا أنّ کل دم تراه المرأة ویکون حارّا أسود فهو حیض البتة ، مع أنّه خلاف الواقع جزما. مضافا إلی أنه لا وجه حینئذ للحکم باعتبار القطنة ، وأنّها لو خرجت مطوقة فهو من العذرة ، وکذا فیما لو خرج من الجانب الأیمن ، إلی غیر ذلک مما أشرنا ، فتأمّل.

مع أنّه علی هذا یظهر الجواب عن اعتراضه ، إذ لعله - رحمه الله - فرض المسألة أعم من مورد الحدیثین ، کما سنشیر ، فتأمّل.

قوله : لا عبرة بلونه. ( 1 : 314 ).

لا یخفی أن الجمع بین هذا الاعتراض والاعتراض الأول غیر جید ، لأنّه لو کان رأیه أن ما یمکن أن یکون حیضا فهو حیض فلا وجه للاعتراض الأول ، وإلاّ فلا وجه لهذا الاعتراض ، بل المتعین هو هذا الاعتراض ، لکن قوله رحمه الله : ما لم یعلم أنّه لقرح یکشف عن أن المسألة مفروضة عنده أعم من مورد الحدیثین ، إذ ظاهرهما عدم التردد فی کونه دم قرحة ، بل وانحصار التردد فی الحیض والعذرة ، کما مرت الإشارة إلیه ، ودأب الفقیه وطریقته تعمیم المسألة ، وعدم الاقتصار علی مورد الحدیث غالبا ، فتأمّل.

علی أنا قد أشرنا سابقا أن الشارع یغلب جانب الحیض غالبا فیما إذا لم یمکن استعلام کونه غیر الحیض من أماراته ، فلا حاجة إلی دعوی کون مورد الحدیثین ما إذا کان الدم بصفة الحیض مع ما فیها من العنایة ، وکذا دعوی انحصار تردد السائل فی الحیض والعذرة فقط ، فتأمّل.

فلعلّ مراد المحقق أن الاستنقاع لیس من صفات الحیض ولا خصوصیة له به ، ولم یعدّ أحد من الفقهاء ذلک من جملة صفاته ، حتی أن منهم من ذکر الخروج من الأیسر من صفاته ، ولم یذکر أحد الاستنقاع منها ، وإن کان فی مقام إمکان کونه حیضا یحکم بکونه حیضا من هذه الجهة لا من

ص: 358

جهة الاستنقاع ، فعدم تعرضه لحکم الاستنقاع فی هذا الکتاب وفی النافع من هذه الجهة لا من جهة توقفه کما ذکره ، فإن حکم الاستنقاع داخل تحت القاعدة لا حاجة إلی ذکره هنا ، وإنما المحتاج ذکر حکم التطوق ، لأنه مخالف للقاعدة.

وأمّا کلامه فی المعتبر فمراده منه أن التطوق دلیل علی کونه من العذرة فی الواقع بخلاف الاستنقاع ، لعدم دلالته علی الحیضیة أصلا ، کما أشرنا ، بل یعد فی مقام الاحتمال ، نعم للاحتمال حکم شرعی وقاعدة شرعیة سیذکر ، فتأمّل.

قوله : إذ المفروض. ( 1 : 314 ).

فیه ما عرفت من أن المفروض لیس عدم العلم بکونه قرحة ، بل یحتمل أن یکون ذکرهما علی سبیل المثال ، وإلاّ فربما یعلم أنه استحاضة مثل أن تراه فی حال الیأس أو الحمل علی الأظهر عنده ، أو لم یکن بینه وبین الحیض أقل الطهر ، أو غیر ذلک ، فتأمّل ، ولیس عندی عبارته حتی ألاحظ ، فلاحظ.

قوله : وأجیب عنه. ( 1 : 316 ).

هذا الإشکال ینحل علی طریقة المشهور ، لأن ما یمکن أن یکون حیضا فهو حیض عندهم ، وأمّا علی طریقة الشارح - رحمه الله - فالانحلال لا یخلو عن إشکال ، لأن ما تراه قبل التسع لیس بحیض لا قبل ثبوت التسع ، فتأمّل.

قوله : وکذا قیل فی ما یخرج. ( 1 : 316 ).

فی الفقه الرضوی : « فإن اشتبه علیها الحیض ودم القرحة فعلیها أن تستلقی علی قفاها وتدخل أصابعها ، فإن خرج الدم من الجانب الأیمن فهو

حکم الدم الذی تراه الصبیّة قبل البلوغ

حکم الدم الذی یخرج من الجانب الأیمن

ص: 359

من القرحة ، وإن خرج من الأیسر فهو من الحیض » (1).

والظاهر أن الصدوق - رحمه الله - حکم بمضمون الفقه الرضوی ، کما هو طریقته غالبا ، وأمّا الشیخ وأتباعه فموافقتهم له لیست من جهة الفقه الرضوی ، کما لا یخفی علی المطلع ، بل من جهة الحدیث الذی رواه سیما کتابه النهایة ، فإن فتاویه فیه علی طبق أحادیث التهذیب ، کما لا یخفی علی المطلع ، فهذا دلیل علی أن نسخة التهذیب لیست علی ما ذکره الشهید وابن طاوس ، ویظهر من کلام الشارح أن نسخ التهذیب الموجودة الآن علی وفق ما نقله ، ولعله کذلک ، فهو دلیل آخر علی ما ذکرنا ، وکذا کون الروایة فی الفقه الرضوی کذلک من الأمارات والأدلة ، وکذا اتفاق من تأخر عنه علی الفتوی کذلک ، مع وجود الروایة فی الکافی علی خلافه ، وکذا فتوی ابن الجنید ، وکذا ما ذکره ابن طاوس وغیره ، فإنه أیضا من الأدلة والأمارات ، مع أن المشتهر عند النساء أیضا أنه کذلک ، وسألت أنا عن المتدینة منهن عن ذلک فصرحت بأنه کذلک ، فاسأل واستعلم.

ومما یؤید أیضا أن ابن طاوس لم ینقل عنه مخالفة المشهور وموافقة ابن الجنید ، وأمّا الشهید فتصنیفه البیان متأخر عن الدروس والذکری ، وهو دلیل رجوعه ، وهو دلیل علی ظهور الأمر علیه ، فتأمّل.

قوله : فی کثیر من نسخ التهذیب. ( 1 : 318 ).

لکن اتفاق نسخ التهذیب علی خلاف ذلک علی ما نجد الآن ، وکونه هو الظاهر من غیره من الفقهاء ، کما لا یخفی علی المتأمّل المطلع ، یبعّد ما ذکره ، بل ربما یأبی عنه.

ص: 360


1- فقه الرضا علیه السلام : 193 ، المستدرک 2 : 14 أبواب الحیض ب 14 ح 1.

وأمّا ما نسب إلی ابن طاوس فلا شبهة فی کونه خلاف الواقع ، إذ اندراس جمیع النسخ وتبدلها بالمرة بنسخة أخری مضادة لها مع کون النسخ عند الفقهاء غالبا وفی نظرهم وانتشارها فی الأقطار مما یحکم العادة بفساده ویحصل القطع بأنّه لیس کذلک ، مضافا إلی أنّه کیف اطلع ابن طاوس علی جمیع النسخ کلها ، فظاهر کلامه لیس مراده قطعا.

هذا کله مضافا إلی ما ذکرناه فی الحاشیة السابقة ، والمحقق فی المعتبر قال : احتمل أن یکون ما فی الکافی سهوا (1).

قوله : لضعفها وإرسالها. ( 1 : 318 ).

الضعف منجبر بعمل الأصحاب ، سیما مثل هذا العمل ، لاتفاق القدماء والمتأخرین من الفقهاء والمحدثین فی الإفتاء والاعتبار.

وأمّا الاضطراب فمندفع بما أشرنا إلیه من المرجح بل المرجحات ، سیما مع غایة وضوح بعضها لو لم نقل بحصول العلم ، وجلّ أدلة الفقه مضطربة ، والبناء علی ترجیح مّا ، فکیف مثل هذا الترجیح ، بل الذی وجدنا عن المحقق أنّه حکم بکون ما فی الکافی وهما.

وأمّا مخالفة الاعتبار فهذا من المحقق فی غایة الغرابة ، لأنه صرح بأنّ کل ما تراه المرأة من الثلاثة إلی العشرة مما یمکن أن یکون حیضا فهو حیض ما لم یعلم أنّه لعذرة أو لقرحة (2) ، فلو خرج من الجانب الأیمن فهو قرحة ، ولو خرج من الأیسر وإن احتمل القرحة إلاّ أنّه یمکن أن یکون حیضا فهو حیض ، وادعی علی ما ذکره الإجماع ، یعنی أنّ الشارع حکم کذلک وما نحن فیه من جملته ، فالشارع حکم کذلک البتة فکیف یعترض بما یعترض ،

ص: 361


1- المعتبر 1 : 199.
2- المعتبر 1 : 203.

مع أن خلقة النساء ربما تکون بحیث لو استلقین علی أظهرهن ورفعن الرجلین یقع الرحم علی الجانب الأیسر بحیث لو کان قرحة لخرج دمها من الجانب الأیمن ، فتأمّل.

وأمّا الشارح فقد ذکر فی ما سبق : کل دم یکون بصفة الحیض یکون حیضا إلاّ أن یدل دلیل علی أنّه لیس بحیض (1). وما نحن فیه منه إذا کان بالصفة ، وکذا لو کان فی أیام العادة ، ومرّ فی اشتباه الحیض بالعذرة الصحیحتان الدالتان علی أنه بمجرد الاستنقاع حیض البتة (2) ، مع أنّه یتوجه علیهما أنّه لعله یکون دما آخر ، کما صرح به المحقق فی المعتبر (3) ، فتأمّل.

قوله : وظاهر کلام المصنف. ( 1 : 318 ).

یمکن أن یقال : لعل الغالب الخروج من الجانب ، کما هو الحال فی باقی الصفات وإنّما الغلبة یکفی للتمییز.

قوله : وهل یشترط التوالی. ( 1 : 319 ).

فی الفقه الرضوی : « فإن رأت یوما أو یومین فلیس ذلک من الحیض ما لم تر ثلاثة أیام متوالیات » (4).

قوله : فلم یسقط التکلیف. ( 1 : 320 ).

إن أراد منه الاستصحاب فمع أنه غیر قائل به یتوجه علیه أنه إن أراد من التکلیف کونها فی معرض التکلیف ، ففیه : أن الحائض أیضا کذلک ، وإن أراد من التکلیف کونها بالفعل ، ففیه : أن ذلک إنما یتم إذا دخل وقت العبادة

هل یشترط التوالی فی الثلاثة؟

ص: 362


1- المدارک 1 : 313.
2- المدارک 1 : 313 ، 314.
3- المعتبر 1 : 198.
4- فقه الرضا علیه السلام : 192 ، المستدرک 2 : 12 أبواب الحیض ب 10 ح 1.

ومضی منه مقدارها فرأت الدم ، وأمّا إذا رأت قبل ذلک فالأمر بالعکس ، والاستصحاب یقتضی عدم التکلیف ، والتمسک بعدم القول الثالث مشترک بین الطرفین ، نعم یمکن التمسک بأنّها کانت طاهرة فتستصحب الطهارة ، إلاّ أنّه معارض بعمومات کثیرة وغیرها مما ستعرف.

وإن أراد منه العمومات ، ففیه : أنّها مخصصة بالحائض لا بما علم حیضها ، والحیض اسم لما فی نفس الأمر ، مثل الفاسق فی قوله تعالی : ( إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ ) (1) وغیر ذلک ، فمن أین علم أنّها داخلة فی الحائض أو فی غیر الحائض؟! إذ الأول هو المستثنی ، والثانی هو المستثنی منه.

فإن قلت : إن المستثنی منه هو المکلف أی البالغة العاقلة ، وهذه لا شک فی دخولها فیها ، وأمّا دخولها فی الحائض فمشکوک فیه.

قلت : لو کانت داخلة فی المستثنی منه قطعا یلزم من ذلک خروجها من المستثنی قطعا.

وإن أردت أن قبل الاستثناء کانت داخلة قطعا وبعد الاستثناء یحصل الشک فی خروجها فالأصل بقاؤها علی حالها.

قلت : إن أردت أن الحکم تعلق بالجمیع ثم خرج البعض فما علم خروجه یحکم بالخروج ، وما شک فالأصل بقاؤه ، فلا شک فی فساد ذلک ، إذ لیس هذا من العموم والتخصیص فی شی ء بل هو نسخ وتمسک بالاستصحاب ، إذ حکم العام لا یتعلق بالأفراد إلاّ بعد خروج الخاص فیتعلق بما بقی ، فالأصل عدم التعلق إلاّ بما علم تحققه به ، وکونها بالغة عاقلة لا یکفی للعلم بالتعلق ، لأنّه لم یبق علی إطلاقه وعمومه قطعا ، لخروج

ص: 363


1- الحجرات : 6.

الحائض جزما ، ولا یدری هل هی حائض أم لا ، وخروج الحائض عن العموم والإطلاق تقیید وتخصیص بغیر الحائض البتة ، وما دل علی أنّ الحائض تفعل کذا وکذا أیضا عام ، إلاّ أن یبنی علی أنّه عند الشک یکون المظنون إلحاق الشی ء بالأعم الأغلب ، لکنه - رحمه الله - لم یعتبر ذلک ، لأن اعتماده علی العمومات الدالة علی الصفات والوقوع فی أیّام العادة لیس إلاّ ، ولا یعتمد علی إلحاق الشی ء بالأعم الأغلب ، فلاحظ کلماته وتأمّل.

علی أنّا نقول : عموم ما دل علی اعتبار الصفة واعتبار العادة یقتضی الحکم بکونها حائضا ، فلا وجه للشک حتی یستند لرفعه إلی إلحاق الشی ء بالأعم الأغلب لو کان الدم بالصفة أو فی العادة ، ولو لم یکن کذلک فقد ادعوا الإجماع علی أن ما یمکن أن یکون حیضا فهو حیض ، مع ما مر فی الحواشی السابقة فی أول المبحث إذ یظهر من ذلک أنّه لو اتفق أن امرأة اعتادت برؤیة الدم متفرقة فی ضمن العشرة فی کل شهر من أول عمرها إلی آخره فالظاهر أن أهل العرف والطب یحکمون بأنّه حیض ، ولا یقولون أن مثل هذه المرأة ممن لم تحض قط ، سیما إذا وقع الحمل واللبن من هذا الدم ، فإنه حینئذ مثل المنی المسلوب الصفات المعلوم کونه منیا ، فتأمّل.

ومما ذکر ظهر أن الدلیل لرأی الشیخ غیر منحصر فی ما ذکره ، فتدبر.

قوله : أن المتبادر من قولهم. ( 1 : 320 ).

لا یخفی أن ما ذکره إنما ینفع لو کان الشیخ فی النهایة قائلا بکون النقاء المتخلل طهرا کما ذکره جدّه - رحمه الله - ومع ذلک فالأولی الاستدلال علی بطلانه بعموم ما دل علی أنّ أقل الطهر عشرة ، لأنّه أدل علی المطلوب ، لکنه - رحمه الله - یزیف کلام جده بما سیجی ء ، مع أنّ عبارة النهایة علی ما رأیتها لا یظهر منها ما ذکره جده - رحمه الله .

ص: 364

نعم ، ببالی أن ابن البراج شریک الشیخ فی عدم اعتبار التوالی (1) ، فلعل عبارته تکون ظاهرة وأنا لم أطلع علیها ، ومع ذلک فلا بدّ من رفع الید عن الظاهر لو کانت ظاهرة ، کما سیذکره الشارح - رحمه الله - ، ولعل نسبة جدّه ذلک إلی قائله من أنّ مستنده روایة یونس وهی ظاهرة فیه ، وهو تمسک بها من دون تعرض إلی توجیه لکنه محل تأمّل ظاهر ، سیما بعد حکمه بأنّ أقلّ الطهر مطلقا عشرة.

فعلی هذا نقول : لو کان رأیه أن النقاء المتخلل حیض - کما یقول به الشارح وغیره - فلا وجه لهذا الاستدلال علیه ، لأن الحیض المتفرق من المحالات عنده ، فکیف یبطل مذهبه بدعوی تبادر توالی الحیض ، فإنّ المذکور فی الأخبار لیس إلاّ لفظ الحیض.

فإن بنی الأمر علی أنّ المتبادر من لفظ الحیض هو الدم فبعد التسلیم قوله علیه السلام : « وأکثره عشرة » ربما یأبی عن دعوی التبادر ، لأنّ العشرة التی لم یتوال فیها الدم لا تأمّل فی کونها من أفراد الأکثر ، بل وأکثر الأفراد. وبعد التسلیم لا شبهة فی أنّ أقل الحیض عند الشیخ أیضا - مثلا - منحصر فی رؤیة الدم ثلاثة أیام متوالیات ، إذ بعد تفرقة الدم لا یکون أقل الحیض البتة ، مثلا لو رأت الدم فی الأول والخامس والعاشر یکون الجمیع حیضا ، وأکثر الحیض عشرة أیام ، فیکون من أکثر الحیض لا أقل الحیض.

علی أنّه لو کان المتبادر من الحیض الدم یکون جمیع ما ورد وتضمن أنّ الحائض تفعل کذا وکذا یشمل ما نحن فیه ، فیظهر دلیل آخر للشیخ ومن وافقه ، فتدبر.

نعم ، دلیل المشهور هو عبارة الفقه الرضوی ، کما أشرنا إلیه ، متأیدا

ص: 365


1- المهذب 1 : 34.

بظن الإلحاق بالأغلب.

قوله : ضعیفة مرسلة. ( 1 : 321 ).

لکن الکلینی روی هذه الروایة ، مع أنّه صرح فی أول الکافی بأن جمیع ما رواه فیه ، من الأخبار الصحیحة الصادرة عن المعصومین علی الیقین (1) ، وربما یظهر من هذا أن الکلینی - رحمه الله - أیضا موافق للشیخ ، لأن مذهبه هو مضمون أخباره.

وأیضا ملاحظة ما ذکر فی الرجال فی ترجمة یونس هذا یشیر إلی صحة الاحتجاج بأمثال هذه الروایات عنه. هذا مع تأیّدها بما مر فی الحاشیتین السابقتین ، إلاّ أن صراحة ما نقلناه عن الفقه الرضوی وانجباره بالشهرة ربما یعارضها ، والاحتیاط واضح.

قوله : لأنه إن کان حیضا. ( 1 : 321 ).

فی هذا التعلیل شی ء لا یخفی علی المتأمّل.

قوله : وهو بعید. ( 1 : 322 ).

هذا کالمتقدم علیه ، فتأمّل.

قوله : ومن تبعه معترفین. ( 1 : 322 ).

ذکر الشهید فی الذکری : أنّ المفید - رحمه الله - ذکر النبطیة من جهة الروایة (2) ، فقوله : معترفین. غیر مستقیم ، فلعل بعض المتأخرین ذکر عدم النص غفلة ، أو أراد منه عدم عثوره علیه مسندا ، فتبعه الشارح غفلة ، فنسب إلی الکل ما نسب ، فتأمّل.

قوله : واختلفوا فی تعیینها. ( 1 : 322 و 323 ).

لا حیض بعد سنّ الیأس

ص: 366


1- الکافی 1 : 9.
2- الذکری : 28.

وقد ذکرت الأقوال فی رسالتی فلاحظ.

قوله : وهی مع قصور سندها. ( 1 : 323 ).

أمّا القصور ففیه : ما مر مرارا وسیجی ء من أنه لا قصور أصلا ، مضافا إلی أن الصدوق - رحمه الله - رواها ثم أفتی بها (1) ، والکلینی أیضا رواها ، ویظهر منه أیضا أنّه أفتی بها ، ولذا قال : وروی ستون (2).

وأمّا الدلالة فیکفی فیها عدم قول بین المسلمین - فضلا عن الشیعة - بأنّه غیر الستین ، بل لا شبهة فی أنّه لو کان غیر الخمسین فهو الستون لیس إلاّ ، ویظهر ذلک من الخبر أیضا ، إذ لم یرد خبر فی کون الحد غیر ذلک ، بل ورد أن الحدّ ستون ویتأید ذلک بما ذکرنا ، فتدبر.

ولا تعارضها صحیحة عبد الرحمن (3) ، لأنّ المطلق یحمل علی المقید ، والعام علی الخاص ، سیما إذا کان الإطلاق ، لأنه ینصرف إلی الغالب ، فتأمّل.

وربما کان مستند القول بالستین مطلقا روایة عبد الرحمن الأخیرة ، وما قال فی الکافی : « وروی ستون سنة » ، والعمومات الدالة علی اعتبار الصفة (4) ، والعمومات الدالة علی اعتبار العادة (5) ، والإجماع الذی ادعی

ص: 367


1- الفقیه 1 : 51 / 198.
2- الکافی 3 : 107 / 2.
3- الکافی 3 : 107 / 4 ، التهذیب 1 : 397 / 1237 ، الوسائل 2 : 335 أبواب الحیض ب 31 ح 1.
4- انظر الوسائل 2 : 275 أبواب الحیض ب 3.
5- انظر الوسائل 2 : 281 أبواب الحیض ب 5.

علی أن ما یمکن أن یکون حیضا فهو حیضا (1) ، خرج الستون بالإجماع والأخبار وبقی الباقی ، ویؤیدها استصحاب کونها ممن تحیض ، وغیره مما مرّ.

قوله : کما هو. ( 1 : 324 ).

هذا علی تقدیر کون الانتساب بالأب ، وإلا فالأغلب فی الشیعة الآن انتسابهم بالأم ، کما لا یخفی.

قوله : فالأصل یقتضی. ( 1 : 324 ).

الظاهر أنّ الأصل هو الراجح ، بناء علی أن الشی ء یلحق بالأعم الأغلب.

قوله : ویعضده. ( 1 : 324 ).

أقول : فیه ما عرفت.

قوله : وقال فی المعتبر : إنه إجماع. ( 1 : 324 ).

قد تقدم الکلام فیه ، ویدل علی ذلک أیضا التعلیل الوارد عنهم بأنه ربما تعجل بها الوقت فیحکم بکونه حیضا ، کما سیجی ء فی موثقة سماعة (2) ، فإن احتمال التعجیل کیف یکفی للحکم بالحیضیة لو لم یکن الإمکان والاحتمال کافیا ، فتدبر.

ومرّ فی حسنة ابن مسلم : « إذا رأت الدم قبل عشرة أیام فهو من الحیضة الأولی ، وإن رأت بعد العشرة فهو من الحیضة المستقبلة » (3) وکذا

قاعدة الإمکان

ص: 368


1- المعتبر 1 : 203.
2- الکافی 3 : 77 / 2 ، التهذیب 1 : 158 / 453 ، الوسائل 2 : 300 أبواب الحیض ب 13 ح 1. وسیأتی فی المدارک 1 : 328.
3- الکافی 3 : 77 / 1 ، التهذیب 1 : 159 / 454 ، الوسائل 2 : 298 أبواب الحیض ب 11 ح 3.

یشهد علیه کل ما ورد من أنها تحیض بمجرد رؤیة الدم (1).

قوله : من حیث ترک المعلوم. ( 1 : 324 ).

قد عرفت الکلام فی هذا أیضا.

قوله : تعویلا علی مجرد الإمکان. ( 1 : 324 ).

بل علی الإجماع. وأمّا المجمعون فلعلهم اطلعوا علی المستند ، وبکون الإجماع واقعیا ، والمظنون صحة دعوی الإجماع وحقیته ، مع ما عرفت مما یمکن أن یصیر مستندا لهم ، وطریق الاحتیاط واضح.

قوله : وهو غیر بعید (2). ( 1 : 327 ).

لعل مراده أن مقدار العادة والمتقدم والمتأخر یکون المجموع حیضا إلی عشرة أیام ، وما زاد عنها فاستحاضة ، یعنی لا یجب الاقتصار علی العادة فی الحکم بکونه حیضا ، ولا جعل نفسها حیضا ، بل المتقدم والمتأخر أیضا حیض ، بشرط أن لا یزید علی العشرة ، فلیلاحظ عبارة المبسوط.

قوله : وتشهد له. ( 1 : 328 ).

فی شهادتها له نظر ، بل الکل یشهد للمصنف.

قوله : موضع الخلاف. ( 1 : 328 ).

لیس کذلک ، بل هو أعم ، کما صرح به ابن إدریس والشهید ، وعبارة المحقق التی سیذکرها فی المقام صریحة أیضا فی ذلک ، وأمّا کلام المختلف فلا صراحة بل ولا ظهور فیه لما ذکره ، غایة ما فیه أنّه أتی بالأخبار المتضمنة لاعتبار الأوصاف دلیلا علی المدعی ، بعد جعله المدعی أعم کغیره ، وغیر خفی أن دلیل الفقیه ربما یکون أخص من المدعی ، ویتمون

أحکام الحیض

ذات العادة تترک الصلاة ولصوم برؤیة الدم
متی تترک المبتدأة العبادة

ص: 369


1- انظر الوسائل 2 : 291 أبواب الحیض ب 8 ح 5 و 6.
2- انظر المدارک 1 : 327 الهامش (5).

المدعی بضمیمة عدم القول بالفصل ، وربما کان المراد إبطال مذهب الخصم.

ومما یشهد علی ما ذکرنا عدم تعرضه کغیره لحال الدم الذی لا یکون بصفة الحیض ، وأنّها إذا رأته ما ذا تصنع ، وحوالته علی ظهور کون الأمر بالنسبة إلیها الاحتیاط ، فیها ما لا یخفی علی المطلع بأحوال الفقهاء ، سیما أحواله ، فتأمّل.

قوله : قال : المرأة إذا رأت الدم. ( 1 : 329 ).

أمثال هذه الأخبار تدل علی التحیّض بمجرد الرؤیة مطلقا ، بصفة الحیض یکون الدم أم لا ، ومر ما یکفی للتأیید والاعتضاد فی المباحث السابقة.

قوله : بل یکفی ظهوره. ( 1 : 329 ).

الأولی أن یقول : بل یکفی الظهور الذی اقتضته الأدلة الشرعیة.

قوله : قلنا : الفرق أن الیوم. ( 1 : 330 ).

لا یقال : هذا مخالف لما ذکره من أنّ ما رأته من الثلاثة إلی العشرة مما یمکن أن یکون حیضا فهو حیض.

لأنه شرط تحقق الثلاثة المتوالیة فی الحکم بالحیضیة ، فبعد تحقق الشرط کلما یمکن أن یکون حیضا من أول الثلاثة إلی آخر العشرة فهو حیض ، لا أنّه من آخر الثلاثة إلی آخر العشرة حیض.

وبالجملة : مدار حکمه علی الأصل ، فقبل تحقق الثلاثة یکون الأصل العدم ، وبعد تحققها یکون التجاوز مانعا فی الصورة التی ذکرها ، والأصل عدمه ، وأمّا غیر الصورة وهو أن یکون الدم المتجاوز من أوله إلی آخره بلون واحد فمقدار الثلاثة حیض ، لکونه المتیقن ، والزائد منها یبنی علی فعل العبادة ، کما سیجی ء عن المعتبر.

ص: 370

والأقوی أنّها بمجرد الرؤیة تترک ، کما هو الظاهر من الأخبار ، إلاّ أن یقال : إطلاقات الأخبار محمولة علی الغالب ، وهو ما إذا کان بصفة الحیض ، فیرجع إلی ما ذکره الشارح - رحمه الله - ویصح لو لم یکن خرقا للإجماع المرکب ، فتأمّل.

قوله : أما الدمان فظاهر. ( 1 : 330 ).

بناء علی اتصافهما بصفة الحیض فیشملهما العموم وأمّا إذا لم یکونا بصفته فلا یکونان حیضا عند الشارح ، وکذا إذا لم یکن أحدهما بصفته لا یکون حیضا عنده ، وأمّا علی رأی المصنف وسائر الفقهاء فهما حیض مطلقا للکلیة المدعاة فی إجماعهم المنقول بخبر الواحد ، وعموم الأخبار وإطلاقها ، وخصوص حسنة ابن مسلم ، ویؤیده ما سیجی ء من أن ذات العادة إذا رأت ما زادت علی عادتها تستظهر مطلقا ، إذ العادة أمارة کون الزائد عنها غیر حیض ، ومع ذلک حکموا بالاستظهار ، فمع عدم العادة بطریق أولی ، وکل هذه یؤید الکلیة المدعاة ، فتأمّل.

قوله (1) : تحیضی أیام أقرائک. ( 1 : 334 ).

لا یخفی أنه خطاب للمرأة الدامیة المستمرة الدم المتجاوز دمها عن عادتها وصار مستمرا ، کما لا یخفی علی من تأمّل حدیثه وسابقه ولا حقه.

وأمّا صحیحة معاویة وروایة ابن ابی یعفور وأمثالهما مما قالوا علیهم السلام : المستحاضة بمجرد مضی الأیام تغتسل فمعلوم أن المستحاضة معناها : التی استمر بها خروج الدم بعد حیضها ، فهی أیضا المرأة الدامیة السابقة ، ولا تأمل فی أن المرأة إذا جاوز دمها عن العشرة وتکون ذات العادة ترجع إلی عادتها البتة ، وتجعل کل ما زاد عن عادتها استحاضة ، والمستحاضة تغتسل وتصلی بلا شبهة ، إذ لا تدری أن دمها یدوم ویتجاوز

حکم من تری الدم ثلاثة ثم ینقطع ثم یعود قبل العاشر
وجوب الاستظهار أو استحبابه؟

ص: 371


1- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و ».

عن العشرة فیکون استحاضة وتصیر من قبیل المرأة الدامیة ، أو ینقطع علی العاشر فلا یکون استحاضة ، وإذا لم یکن استحاضة یکون حیضا ، إذ لا ثالث ، وعرفت أن الاستظهار طلب ظهور الحال فی کون الدم حیضا أو طهرا أی استحاضة ، إذ لا حدث من الدم سواهما ، والمظهر للاستحاضة التجاوز عن العشرة ، وللحیض هو الانقطاع علی العاشر ، وهو وفاقی عند الأصحاب ، ولیس لهم فیه ارتیاب ، کما سیجی ء ، فظهر أن بین الأخبار لا تعارض أصلا ، وأن المظهر هو الذی ذکره الفقهاء ، وسیجی ء بسط الکلام.

فالأولی أن یقال : إنّ اختلاف أخبار الاستظهار فی قدره وأکثرها وارد بکلمة ( أو ) المفیدة للتخییر والتردید لا یلائم الوجوب ، مع أنّه یظهر من بعض الأخبار جواز دخول الزوج بها بعد العادة ، وغیر ذلک مما سنشیر.

قوله : ویمکن الجمع بینها أیضا بحمل أخبار. ( 1 : 334 ).

هذا مع ما بعده (1) ینافیه بعض الأخبار وفهم الفقهاء. والأخبار مثل موثقة سعید بن یسار عن الصادق علیه السلام : « إنها إذا رأت بعد الطهر الشی ء من الدم الرقیق تستظهر بیومین أو ثلاثة ثم تصلی » (2).

وصحیحة عبد الرحمن عن الکاظم علیه السلام فی النفساء إذا طهرت بعد ثلاثین یوما ثم تری الدم أو الصفرة « إنه إن کان صفرة فلتغتسل ولتصل ولا تمسک عن الصلاة ، وإن کان دما لیس بصفرة فلتمسک عن الصلاة أیام قرئها ثم تغتسل وتصلی » (3).

ص: 372


1- فی « ج » و « د » : ما بعده.
2- التهذیب 1 : 172 / 490 ، الاستبصار 1 : 149 / 513 ، الوسائل 2 : 302 أبواب الحیض ب 13 ح 8.
3- التهذیب 1 : 176 / 503 ، الاستبصار 1 : 151 / 523 ، الوسائل 2 : 393 أبواب الحیض ب 5 ح 2.

قوله : ثم إن قلنا بالاستحباب. ( 1 : 334 ).

لا یخفی أنها فی الواقع إما طاهرة فیکون فرضها إتیان الصلاة ، أو حائض فیکون فرضها ترکها ، ولما کان أمرها مترددا بین الأمرین رخّصها الشارع وخیّرها فی اختیار أی الحالین شاءت إلی أن یظهر بالمظهر أمرها ، فإن اختارت حالة الطهر وصلّت وصامت بعد هذا الاختیار ثم انکشف أنها کانت طاهرة تمضی هذه الصلاة والصوم ، وإلاّ یظهر کون الصلاة والصوم لغوا ، فهی مخیرة فی الاختیار ، وبعد الاختیار یکون ما فعلت عبادة مراعی إلی وقت الانکشاف ، ولما کان الیوم والیومان - مثلا - قریبا من الحیض والعادة ، والغالب أن الحیض یزید عن العادة بهذا المقدار ویکون هذا مرجحا للحیضیة ، جعل الشارع الأولی بالنسبة إلیها اختیار حالة الحیض ، ثم بعد ذلک لما کان یبعد کونه حیضا ویقرب کونه طهرا جعل الأولی أن تختار جانب الطهر إلی أن یظهر بالکاشف أمرها ، هذا علی طریقة الفقهاء ، فتأمّل.

قوله : فیجب علیها قضاء ما أخلّت به. ( 1 : 336 ).

استشکله العلامة فی النهایة ، وسیجی ء حکمه.

قوله : لعدم الظفر بما یدل علیها من النصوص. ( 1 :336 ).

أقول : فی مرسلة داود عن الصادق علیه السلام : المرأة تحیض ویمضی طهرها وهی تری الدم فقال : « تستظهر بیوم إن کان حیضها دون العشرة أیام ، فإن استمر الدم فهی مستحاضة ، وإن انقطع الدم اغتسلت وصلّت » (1).

ص: 373


1- الکافی 3 : 90 / 7 ، التهذیب 2 : 172 / 494 ، الوسائل 2 : 301 أبواب الحیض ب 13 ح 4.

ویظهر منها أنها إذا استمر دمها تکون مستحاضة ، وظاهر الاستمرار التجاوز عن العشرة ، والظاهر أن بالاستمرار یظهر کونها مستحاضة بالنسبة إلی مجموع الدم الذی رأت فی الطهر ، کما لا یخفی علی المتأمّل ، وأیضا لم یتعرض لحکم المستحاضة أصلا ، وتعرض لحکم حال الانقطاع ، فظهر أنّ هذا الانقطاع غیر انقطاع الاستحاضة ، حیث جعله فی مقابل الاستحاضة التی لم یتعرض لحالها ووکل إلی الظهور من خارج ، وهذه الروایة رواها فی الکافی مع زیادة تؤکد ما ذکرنا ، فتأمّل.

قوله : والمستفاد من الأخبار أن ما بعد أیام الاستظهار استحاضة. ( 1 : 336 ).

لیس کذلک قطعا ، لأن المستفاد من أکثر الأخبار أن ما بعد أیام العادة استحاضة ، بل ربما کانت متواترة ، مثل صحیحة معاویة المتقدمة (1) وما وافقها من أخبار کثیرة صحیحة ومعتبرة (2) ، ومثل الحسن کالصحیح عن ابن سنان أنه « لا بأس أن یأتیها بعلها إلاّ أیام حیضها » (3) ، وما وافق من الأخبار.

ومثل ما ورد أن کل ما رأت بعد أیام حیضها فلیس من الحیض (4) ، وما ورد أن المستحاضة تصوم رمضان إلاّ أیام حیضها ثم تقضیها (5).

إلی غیر ذلک مما دل علی اعتبار العادة فی الحیض

ص: 374


1- فی المدارک 1 : 334.
2- الوسائل 2 : 281 ، الباب 5 من أبواب الحیض ، والوسائل 2 : 371 أبواب الاستحاضة ب 1.
3- الکافی 3 : 90 / 5 ، التهذیب 1 : 171 / 487 ، الوسائل 2 : 372 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 4.
4- الوسائل 2 : 278 أبواب الحیض ب 4.
5- الوسائل 2 : 378 أبواب الاستحاضة ب 2.

والنفاس ، ورجوع المرأة إلیها فیهما ، وعدم وجوب الاستبراء.

ومن الأخبار ما تدل علی أنها بعد تمامیة عشرة أیام تصیر مستحاضة (1).

وفی الصحیح عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله عن الصادق علیه السلام : المستحاضة أیطؤها زوجها؟ وهل تطوف بالبیت؟ قال : « تقعد قرءها الذی کانت تحیض فیه ، فإن کان قرؤها مستقیما فتأخذه ، وإن کان فیه خلاف فلتحتط بیوم أو یومین ولتغتسل » (2).

فمع جمیع ما ذکر کیف یقول : المستفاد من الأخبار أن ما بعد أیام الاستظهار استحاضة.؟!.

مع أن الأخبار (3) التی یظهر منها ما ذکره مختلفة جدا ، منها ما یظهر أن بعد یوم استحاضة ، ومنها ما یظهر بعد یومین ، ومنها ما یظهر بعد ثلاثة ، ومنها ما یظهر بعد العشرة ، ومنها ما یتضمن التردید بیوم أو یومین وغیر ذلک ، مع أن التردید لا وجه له ، لأن الاستحاضة اسم دم یخرج من عرق العاذل ، ومن موضع غیر موضع الحیض ، کما علیه أهل اللغة والفقهاء ، ویظهر من الأخبار.

وأیضا إن قال بأن دم أیام الاستظهار حیض واقعا ، فهو مخالف للأخبار المتواترة وما علیه جمیع المسلمین ومنهم الشارح.

وإن قال : إنه لیس بحیض ولا استحاضة ، فهو أیضا مخالف لما یظهر من الأخبار المتواترة وما علیه جمیع المسلمین من انحصار الدم الذی هو حدث

ص: 375


1- الوسائل 2 : 303 أبواب الاستحاضة ب 13 ح 11 و 12.
2- التهذیب 5 : 400 / 1390 ، الوسائل 2 : 375 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 8.
3- انظر الوسائل 2 : 300 أبواب الحیض ب 13.

مانع من الصلاة والصوم فی الدماء الثلاثة.

وإن قال بأنه مردد بین الاستحاضة والحیض والنفاس ، کما ذکرنا فی ما سبق وظهر من کلامه ، ففیه أیضا : أن قضاء الصوم لازم علی أیّ تقدیر ، لعموم ما دلّ علی قضائه ، وأمّا قضاء الصلاة فقد وقع التصریح فی الأخبار بلفظ الاستظهار وهو طلب ظهور الحال فی کون الدم حیضا أو طهرا ، فإن ظهر کونه حیضا یکون حکمه حکم الحیض ، لعموم ما دل علی حکم الحیض ، وکذا ان ظهر کونه استحاضة ، فحینئذ یجب قضاء الصلاة أیضا ، لعموم ما دل علیه ، مع أن جلّ روایات الاستحاضة لم یتعرض فیها لذکر القضاء أصلا ، بل جلّ مواضع قضاء الفوائت ، والمستند فی الکل العموم ، فتکون الأخبار دالة علی قضاء الصوم والصلاة بالدلالة الالتزامیة ، لأن معنی تستظهر طلب ظهور الحال وکونه حیضا ، فلازمه وجوب قضاء الصوم قطعا ، أو استحاضة فلازمها وجوب قضاء الصوم والصلاة معا ، فکیف یقول : المستفاد من الأخبار أنّه لا یجب قضاء ما فات؟!

قوله : وأنه لا یجب. ( 1 : 336 ).

فیه : أنه علی هذا لم یبق للاستظهار - مع وروده فی کثیر من الأخبار وکونه مجمعا علیه - معنی ، إذ سبق منه آنفا أنه طلب ظهور الحال فی کون الدم طهرا أو حیضا یعترف بالعموم أیضا ، ولا وجه للاستفادة کما عرفت ، سیّما مع کون الصوم مثل الصلاة فی عدم التعرض لقضائه. مع أنّ ثبوت کونه طهرا ممّا مرّ فی المرسلة.

مضافا إلی أنّ الدم الموجود بعد العشرة طهر یقینا ، فالموجود فی الدقیقة الخارجة عن العشرة إذا کان طهرا علی الیقین یکون الموجود فی الدقیقة المتصلة بتلک الدقیقة طهرا أیضا علی الیقین ، لأنّ الوجدان حاکم بأنّ الدم الموجود فی الدقیقتین المتصلتین دم واحد من نوع واحد ولا یجوز أن یکون

ص: 376

بعضه حیضا - وهو الموجود فی الدقیقة الداخلة فی العشرة - وبعضه طهرا - وهو الموجود فی الدقیقة الخارجة عن العشرة - مع أنّهما نوعان مختلفان فی الماهیة مختلفان فی المخرج ، لأن الطهر عن عرق العاذل والحیض من قعر الرحم ، ولذا اختلف حکمهما وعلاماتهما ، ثم ننقل الکلام إلی الدقیقة المتصلة بالدقیقة الداخلة ، وهکذا إلی أن یتصل بدم العادة ، فیحکم بأنّه من العادة بمقتضی العادة وغیرها من الأدلة.

علی أنّهم علیهم السلام أمروا بالاستظهار فی کثیر من الأخبار ، والتکلیف لا یکون إلاّ بشی ء موجود یتمکن المکلف من تحصیله فلا بدّ من مظهر وکاشف یظهر الحال ، فإذا ظهر کونه حیضا فلا بدّ من جریان حکمه ، وکذا لو ظهر کونه طهرا ، ثم إنه غیر خفی أنه لیس هاهنا کاشف قطعا ووفاقا سوی ما ذکره الفقهاء ، ولم یشر أحد إلی شی ء آخر أصلا ، فتعین أن یکون هو الذی قرروه علی قیاس ما قرر فی غسل المتوسطة ، مع أنّهم ربما یبنون فی بیان المجملات وتقریرها علی ما قرره الفقهاء وبینوه من قبیل ما مر فی وقت غسل المتوسطة ، وما سیجی ء فی باب الإقامة أنها سبعة عشر أنّ النقص من التهلیل الآخر ، وغیر ذلک.

ولکن التفصیل الذی ذکروه لم یظهر من الأخبار ، أمّا أخبار الاستظهار فکما أشار إلیه الشارح ، وأمّا غیرها فیظهر من بعضها أن ما زاد استحاضة مطلقا (1) ، ومن بعضها أنه حیض کذلک مثل حسنة ابن مسلم (2) ، ومرسلة یونس عن بعض رجاله عن الصادق علیه السلام حیث قال فیها : « فإذا

ص: 377


1- الوسائل 2 : 283 أبواب الحیض ب 5 ح 2 و 5.
2- الکافی 3 : 77 / 1 ، التهذیب 1 : 59 / 454 ، الوسائل 2 : 298 أبواب الحیض ب 11 ح 3.

حاضت المرأة وکان حیضها خمسة أیام ثم انقطع الدم اغتسلت وصلّت ، فإذا رأت بعد ذلک الدم ولم یتم لها من یوم طهرت عشرة أیام فذلک من الحیض تدع الصلاة ، فإن رأت الدم من أول ما رأته الثانی الذی رأته تمام العشرة أیام ودام علیها عدت من أول ما رأت الدم الأول والثانی عشرة أیام ، ثم هی مستحاضة تعمل ما تعمله المستحاضة » (1).

وأیضا استصحاب الحالة السابقة یقتضی ذلک ، وکذا الکلیة المدعاة وهی أن ما یمکن أن یکون حیضا فهو حیض ، وأدلة تلک الکلیة أیضا تقتضی ذلک وقد مرت الإشارة ، فلاحظ.

وأیضا إطلاق الأخبار الدالة علی أن أکثر الحیض عشرة یقتضی ذلک ، وأیضا ما ذکره من أنّه لا یجب قضاء ما فاتها فی أیام الاستظهار یقتضی ذلک ، إذ لو کان الدم استحاضة لوجب القضاء البتة ، لأن المستحاضة طاهرة قطعا ودمها طهر جزما.

وفی قویة یونس أنّه قال علیه السلام : « ألا تری أن أیامها لو کانت أقل من سبع وکانت خمسا أو أقل ما قال لها : تحیّضی سبعا ، فیکون قد أمرها بترک الصلاة أیامها وهی مستحاضة غیر حائض » ، الحدیث (2).

فظهر مما ذکر أن الأدلة فی کون الزائد إلی العشرة طهرا أو حیضا متعارضة ، فإما أن یبنی علی الترجیح ولا مرجح بحسب الظاهر ، أو یبنی علی التخییر وإن کان الأولی اختیارها جانب الحیض فی أیام الاستظهار ، کما

ص: 378


1- الکافی 3 : 76 / 5 ، التهذیب 1 : 157 / 452 ، الوسائل 2 : 299 أبواب الحیض ب 12 ح 2.
2- الکافی 3 : 83 / 1 ، التهذیب 1 : 381 / 1183 ، الوسائل 2 : 288 أبواب الحیض ب 8 ح 3.

اختاره الشارح - رحمه الله .

وأمّا المفصّل فلعله جعل التفصیل وجه الجمع ، ویکون استناده فی هذا الوجه إلی ما أشرنا إلیه من شهادة المرسلة ، وظهور معنی الاستظهار ، وانحصار المظهر فی ما ذکروه إجماعا ، وأن هذا الدم یحتمل أن یکون حیضا وهو الفطری الخلقی الذی هی مفطورة به ، وتقرؤه ثم تدفعه ، بأن زاد ما قرأته أو تأخر دفعه فیکون بقیة ما جاء فی العادة ، وبحسب العادة ربما یزید ، کما أنّه ربما ینقص ، وتعارف ذلک بین النساء واشتهر بینهن ، بل قلّ ما یتفق أن لا یزید ولا ینقص أصلا ، بل لعله لا یکاد یتحقق ما یکون أخذه فی آن أخذ السابق ، وانقطاعه فی آن انقطاعه. ویحتمل أن یکون طهرا بأن یکون من فساد وحدوث عیب وعروض آفة ، فإذا انقطع علی العاشر ترجح کونه حیضا : لأصالة الصحة وعدم العیب وعدم حدوث آفة ، ولأنه الفطری الخلقی ، مضافا إلی کثرة وقوع الزیادة والنقیصة وتعارفه ، وأمّا إذا تجاوز فلا شک فی حدوث العیب والآفة والخروج عن الصحة والخلقة المفطورة ، ویبعد غایة البعد أنّه إلی آن تمام العشرة یکون بقیة الحیض والفطری الصحیح ، وأنّه بعد ذلک الآن بلا فصل حدث العیب والآفة فخرج ( بسببه ) (1) ، مع أنّه متصل واحد فی النظر.

ویعضده مقتضی عادة ذات العادة ، ویحمل ما دل علی أنّه استحاضة علی صورة التجاوز ، کما یحمل ما دل علی أن المستحاضة علیها الغسل ثلاثا أو لکل صلاتین علی غیر القلیلة أو المتوسطة أیضا ، ونظائر تلک الأخبار.

مع أنّه ربما یظهر من بعض الأخبار - موافقا للغة - أن الاستحاضة

ص: 379


1- کما فی « أ » و « و » ، وفی سائر النسخ : بشبهة.

استحاضة إذا استمر الدم (1) ، فلاحظ.

وکیف کان الأحوط قضاء ما فات ، لکثرة ما دل علی أنّه استحاضة ، وأنّ المستحاضة لا تسقط عنها الصلاة ، وهو إجماعی أیضا. هذا ، مضافا إلی قول القائلین بالتفصیل والمؤیدات لهم ، والله أعلم.

قوله : قضاء ما فاتها فی أیام الاستظهار مطلقا. ( 1 :336 ).

لم نجد الاستفادة إلاّ من جهة عدم تعرض المعصوم علیه السلام لقضائه. ویمکن أن یقال : إنه علیه السلام فی هذا المقام لعله لیس بصدد التعرض للقضاء ، لأنه علیه السلام لم یتعرض لقضاء الصوم أیضا مع أنّه واجب قطعا ، ویؤیده أیضا أنه علیه السلام لم یتعرض لقضاء أیام الحیض أیضا. مع أنّ ما دل علی عموم قضاء الفوائت یشمل ما نحن فیه ، ولم یخرج من العموم إلاّ صلاة الحائض ، وأیام الاستظهار عند الشارح - رحمه الله - غیر أیام الحیض ، وعند المشهور أیضا ، إلاّ أن یظهر کونه حیضا. والمعصوم علیه السلام فی غالب صور القضاء لم یتعرض لذکره بخصوصه فی خبر من الأخبار ، بل اکتفی بالعمومات ، ومسلم عند الشارح هذا.

قوله : کما قرأ به السبعة. ( 1 : 337 ).

ویشهد علی ذلک ما ورد فی الأخبار من أنّ غسل الحیض سنّة (2) ، فتأمّل.

لکن یتوقف الاستدلال علی بطلان الحقیقة الشرعیة ، ویمکن أن یقال : لا دلیل علی ثبوتها فی کلام الله تعالی وکلام الرسول صلی الله علیه و آله ،

جواز وطء الحائض قبل أن تغتسل

ص: 380


1- انظر الوسائل 2 : 373 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.
2- انظر الوسائل 2 : 174 و 176 أبواب الجنابة ب 1 ح 4 و 11.

وأیضا ترجیح هذه القراءة لا بدّ له من مرجح ، فإذا وقعت المخالفة فی القراءة فالمشهور التخییر لا الترجیح ، لأنّ الترجیح إنّما یطلب فی موضع یراد أنّ الأمر فی الواقع کیف هو ، وغیر ظاهر کون ما نحن فیه منه ، لأنّ الشرع أمضی کلّ هذه القراءات مع أنّ الحق واحد منها ، بل ربما کان الحق القراءة المنسوبة إلی أهل البیت علیهم السلام ، فالشرع جعل هذه القراءات ممّا یجوز لنا التمسک به ، فالعبرة بتجویز الشرع لا بکونها موافقة للواقع.

مع أن قوله تعالی ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ ) (1) قراءة الجمیع من حیث لا یشذ عنهم أحد ، فهو أرجح البتة ، وظاهرها یخالف ظاهر هذه القراءة ، مع أنّها أقوی سندا ، بل ربما کانت أقوی دلالة أیضا ، لموافقتها لقراءة یطّهّرن بالتشدید ، علی أنّه لا أقل من التساوی ، والترجیح بأصل الإباحة یعارضه استصحاب الحرمة ، وکیف کان فالعبرة بالأخبار.

وعلی تقدیر رجحان قراءة یطّهّرن علی حسب ما ذکرنا فالمراد من الطهارة المعنی الذی هو حقیقة عند المتشرعة ، وهو مما یکثر استعمال الشارع اللفظ فیها إلی أن توهموا أو (2) قالوا : إنه حقیقة ، فتأمل (3).

قوله : ویدل علی الجواز. ( 1 : 338 ).

فی استدلاله بها عجب ، لأنها تدل علی خلاف مختاره ، ووردت هذه الروایة بطریقین موثقین عن ابن مسلم عن الباقر علیه السلام ، وأما الروایات الأخر فغیر صحیحة ، وهو لا یعمل بها فلا تکون حجة عنده ، والحق أنّها حجة ، لانجبارها بالشهرة ، فمن هذه الجهة تقاوم الصحیحة ،

ص: 381


1- البقرة : 222.
2- فی « ج » و « د » : و.
3- لیس فی « أ » و « و ».

والشارح - رحمه الله - لا یرضی بالانجبار بها ویقول : إن وصلت الشهرة إلی حدّ الإجماع ، فهی حجة ، وإلاّ فلا تنفع.

ومما یعضد المشهور کون تلک الروایات أکثرها موثقة ، ومع ذلک توافقها العمومات الدالة علی حلیة وطء النساء ، من الآیة والأخبار ، والروایات الدالة علی الکفارة فی وطء الحائض فی أول الحیض أو وسطه أو آخره ، فإنها ظاهرة فی عدم الحرمة بعد ذلک ، إذ لو کان حراما لکان یتوجه إلیه ویأمر بالاستغفار وغیر ذلک.

والأحوط أن لا یجامع إلاّ أن یکون شبقا ، بل الأحوط الترک مطلقا.

قوله : وبما رواه الشیخ. ( 1 : 339 ).

وورد فی النفساء أیضا أنّه بعد الطهارة یأمرها بالغسل ثم یجامع (1) ، والسند قوی.

قوله : بمقتضی الأصل السالم. ( 1 : 341 ).

هذا بناء علی دعوی فهم مضی مقدار الطهارة والصلاة عند ما تحیض من الروایتین الموثقة والمضمرة ، أو عدم حجیتهما وما ماثلهما ، بل الحجة ما دل علی عموم قضاء الفوائت ، والفوت لا یتحقق إلاّ بالنسبة إلی شی ء له وقت معین وقد مضی ذلک الوقت ولم یفعل ذلک الفعل فیه.

وفیه : أنّه إن أراد الوقت الذی تعلق وجوب ذلک فیه وصح فعله فیه شرعا فلا یتحقق هذا المعنی فی مثل قضاء صلاة النائم وصوم الحائض ، بل وما ترک نسیانا أو غفلة أو لعذر من الأعذار ، وینحصر فی ما یترک عصیانا ، وإلاّ فلا شک فی شمولها للفائت الذی لم تدرک مقدار الطهارة والصلاة ، بل ولم تدرک شیئا من الوقت حال الطهارة أصلا.

حکم من حاضت بعد دخول وقت الصلاة
بحث فی أنّ القضاء تابع للأداء أو فرض مستأنف

ص: 382


1- التهذیب 1 : 176 / 505 ، الوسائل 2 : 395 أبواب النفاس ب 7 ح 1.

وبالجملة : دلالة الروایات علی مضی المقدار بخصوصه کما تری.

والعلامة - رحمه الله - فی المنتهی لم یقل ما نسبه إلیه ، بل صرح فیه أن القضاء لیس تابعا للأداء ، إلاّ أنّه ذکر فی هذه المسألة أنّه لا بدّ من مضی مقدار الطهارة والصلاة حتی یتحقق شرط الوجوب والتکلیف ، یعنی أن الفوت والقضاء لا یصدقان ولا یتحققان إلاّ بعد مضی هذا المقدار من الوقت.

ولذا لو مات المکلف قبل دخول وقت الفریضة لم یصدق علیه أنه فاتته الفریضة وأنّ علیه قضاء ، إذ لم یرد منه فریضة أصلا إلاّ بعد دخول الوقت ، فکیف یصدق علیه فی ذلک الآن - أی قبل الوقت - أنّه فاتت منه الفریضة وأن علیه قضاءها ، فإن القضاء عبارة عن تدارک ما فات ، لا أنّه عبارة عن تکلیف مبتدأ ، ولذا لا یقال : إنّ صلاة الظهر مثلا عند دخول وقتها أو فی أول وقتها قضاء وفائتة ، بل أداء وحاضرة.

فمراده - رحمه الله - أنه ما لم یمض المقدار المذکور لا یصدق فائتة الطاهرة وقضاء صلاة الطاهرة حتی یجب علیها القضاء ، بل یصدق فائتة الحائض وقضاء صلاة الحائض ، ولا شک أن الحائض لا تقضی الصلاة بل تقضی الصوم ، فعرفت أن ما ذکره حق لا محیص عنه ، لصدق الحکم المذکور ، وإلاّ فالعمومات کیف تکفی من دون ملاحظة ما ذکره ، فتدبر.

والحاصل أن الأصل السالم إنّما یکون سالما إذا لم تشمل العمومات الدالة علی وجوب قضاء الفوائت ما نحن فیه ، وعدم الشمول إنما یظهر مما ذکره وإلاّ فالعموم لا یقاومه الأصل.

قوله : ومتی انتفی انتفی. ( 1 : 342 ).

قد عرفت أن القضاء هو تدارک ما فات ، وأن الفوت لا یتحقق إلاّ فی المطلوب الموقت الذی کان فی ذلک الوقت مطلوبا وفات ، والفوت یتحقق

ص: 383

بالترک عمدا أو بعروض مانع من تحقق المطلوب أحیانا ، وبعروضه یسقط التکلیف الثابت ، والسقوط ما دام عروض المانع موجودا ودائر معه ، وفرق واضح بین عدم تحقق طلب أصلا وبین تحققه إلاّ أنه عرض مانع عن وجود المطلوب أحیانا لا یتمکن المکلف بسببه من إیجاده ، فیسقط بسببه إلزام المکلف الحکیم بإیجاده ومؤاخذته بترکه ، بل ویقبح طلبه حینئذ ، والمانع أمر خارجی عقلی ، کالنوم والنسیان وأمثالهما ، وذلک المانع قسمان : قسم یکون مانعا عن تحقق نفس المطلوب ، وقسم یکون مانعا من تحقق شرط المطلوب ، مثل الطهور للصلاة ، فإنه ربما لا یتحقق ما یتطهر به ، وهو الماء والتراب ، وربما لا یتمکن من استعماله أصلا ، وربما لا یتحقق نفس الطهارة أصلا بأن کانت حائضا مثلا ، إذا عرفت هذا فلا بدّ من حمل کلام الشارح علی ما یوافق ما ذکرنا.

قوله : قال بعض المحققین. ( 1 : 344 ).

لا یخفی أن مراد بعض المحققین أنه لم یکن لتأخیر الغسل فی الصورة المذکورة فی الخبر معنی ، یعنی أن المعصوم علیه السلام علل النهی عن اغتسالها بمجی ء ما یفسد الصلاة ، فلو لا وجوبه للصلاة لم یکن لتأخیره من هذه الجهة معنی ، ولا تأمّل فی الظهور ، لأن معنی الحدیث أنها یمکنها الغسل إلاّ أنّه لا یجب علیها ، لأن الوجوب لأجل الصلاة ، ولا یمکنها أن تصلی ، فتکون هذه الروایة موافقة لموثقة عمار ، ویکون معنی قوله علیه السلام : « فلا تغتسل » لا یجب علیها ، لأنه نهی ورد مورد توهم الإیجاب ، کما حقق فی الأصول ، ویمکن أن یکون غسلها إنما هو لرفع الحالة المانعة عن الصلاة ، فإذا لم یرتفع فلا تغتسل ، بناء علی أنّ الحدث حالة واحدة ، کما مر فی بحث تداخل الأغسال من أنّهم قالوا : إذا اغتسل مغتسل بقصد رفع حدث معین یرتفع الجمیع ، فلاحظ وتأمّل.

أحکام الحائض

عدم ارتفاع حدثها بالطهارة

ص: 384

قوله : قال علیه السلام : إن طهرت بلیل من حیضها. ( 1 : 345 ).

لا یخفی أن هذه الروایة موثقة فی غایة القوة ، بل موثقة کالصحیحة ، والموثق حجة - کما حققناه فی محله - فضلا عن مثلها ، وسیما بملاحظة انجبارها بالشهرة ، وتأیدها بأن الغالب مساواة حکم الجنب والحائض ، ومنع بعضهم دلالتها علی الوجوب ، ولیس بشی ء ، لظهور کلمة « علی » فی اللزوم ، ویؤیده أیضا أن المستحاضة تقضی صومها إذا أخلت بالأغسال کما سیجی ء ، ووجه التأیید ظاهر ، فتأمّل.

قوله : فکیف یکون سببا. ( 1 : 347 ).

إن أراد أن ذلک محرم عند العلاّمة - رحمه الله - فبعد تسلیم ذلک فی هذا الموضع من الکتاب أیضا فعدم ضرره ظاهر ، لأنّه صرح بعدم وقوفه علی حجة ، إنما یأتی بذلک نکتة (1) للشیخ ومن تبعه ، وإن أراد أنه عند الشیخ ومن تبعه حرام فغیر معلوم أنّه حرام عندهم ، بل رأیت نهایة الشیخ فظهر لی أنه غیر قائل بالحرمة ، بل الذی یظهر من الکل أنّهم قائلون بجواز مرور الحائض ، بل ربما یظهر أنّهم یقولون ذلک فی الجنب الذی بدنه ملوث أیضا ، والأخبار صریحة فی مرور الحائض ، ولم یتأمّل أحد فیها ولم یوجهها.

نعم ، ربما یرد علی العلاّمة - رحمه الله - أنّه علی التقدیر الثانی أیضا لا وجه للتخصیص بالحائض ، فتأمّل.

قوله : ولعله لزیادة. ( 1 : 347 ).

لا یخفی أنّ العلة هی الروایة المذکورة ، فهی منجبرة بالشهرة ، مضافا إلی قوة فی نفس السند ، والتأیید بما ذکره ، فالتوقف لعله لیس فی محله.

عدم صحّة الصوم منها
حرمة دخول المساجد إلاّ اجتیازاً

ص: 385


1- فی « ج » و « د » : لکونه.

قوله : وهو غیر جید. ( 1 : 347 ).

قال فی المعتبر : إن الحکم بالکراهة مذهب علمائنا لا یختلفون فی ذلک (1). ولا یخفی أن ما ذکره کاف للحکم بالکراهة ، لتسامحهم فیه ، بل کاف فی الوجوب والحرمة أیضا ، لأن الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة ، سیما بعد ملاحظة أن الأصحاب کلهم أفتوا بالکراهة ، مضافا إلی أن الجنب والحائض فی الغالب حکمهما واحد فی أمثال المقام ، مع أنّه ربما یظهر من الأخبار الدالة علی جواز القراءة (2) لها (3) أن حالهما واحد فی الجواز ، فلو ظهر أن الجنب جوازه بعنوان الکراهة إلاّ فی صورة واحدة خاصة یکون حال الحائض أیضا کذلک ، وهذا صالح للتأیید والتقویة کسابقه ، إن لم نقل بأنه دلیل آخر ، فتأمّل.

نعم ، ربما یظهر ما استحسنه الشارح. إلاّ أن یقال : القدر الذی ظهر من الأخبار أنّها کقراءة الجنب فی الجملة ، لا إلی حد یشمل الصورة الواحدة ، لعدم الوثوق فی الظهور إلی هذا الحد ، والأظهر أن اعتماده علی الإجماع ، وما ذکر مؤید.

قوله : فلتسجد إذا سمعتها. ( 1 : 348 ).

وروی فی الموثق أیضا عن الصادق علیه السلام أنّ « الحائض تسجد إذا سمعت السجدة » (4) ، لکن لا یخفی أنه لیس بین الروایات تعارض ، لأن

حرمة قراءه العزائم وکراهة غیرها علیها
وجوب السجدة علیها إذا قرأت أو سمعت آیة السجدة

ص: 386


1- المعتبر 1 : 233.
2- انظر الوسائل 2 : 215 أبواب الجنابة ب 19.
3- فی « ب » و « ج » و « د » : لهما
4- الکافی 3 : 318 / 4 ، التهذیب 2 : 291 / 1168 ، الاستبصار 1 : 320 / 1192 ، الوسائل 2 : 341 أبواب الحیض ب 36 ح 3.

مقتضی صحیحة أبی عبیدة وجوب السجدة علیها إذا سمعت ، وروایة عبد الرحمن أنه لا یجب إذا سمعت ، لأنّ النهی إذا ورد فی مقام توهم الوجوب لا یکون باقیا علی حقیقته ، ویکون المراد عدم الوجوب ، کما حقق فی محله.

وأمّا روایتا أبی بصیر فمحمولتان علی الاستحباب أو علی صورة الاستماع ، لما ظهر من الخارج أن السجدة إنما تجب بمجرد السماع ، واستثناء الحائض لا وجه له ، بل هی أولی بعدم الوجوب.

قوله : بما رواه فی الصحیح. ( 1 : 349 ).

فی طریقها أبان بن عثمان ، والشارح - رحمه الله - ربما یحکم بصحة حدیثه وربما یتأمّل - علی ما أظن - وإن الظاهر أن حدیثه کالصحیح ، لما حققناه فی الرجال (1).

قوله : وفیه کلام مشهور. ( 1 : 350 ).

الکلام لیس إلاّ من الصدوق - رحمه الله - وشیخه ، وأمّا باقی الفقهاء والمحدّثین وعلماء الرجال فلم یذکروا ذلک أصلا ، بل ظاهرهم الاتفاق علی عدم الضرر من هذه الجهة ، مع أنّ الأصل براءة الذمة ، والإطلاقات ربما تکون واردة مورد الأغلب من أنّ السماع بعد الاستماع ، بل لم نجد إطلاقا سوی مضمرة أبی بصیر ، مع ضعفها بقاسم بن محمّد الجوهری وعلی بن أبی حمزة ، وإن کان ممن قال الشیخ إنّه ممن أجمعت العصابة علی العمل بروایته (2) ، إلاّ أنّه لا یقاوم یونس ولا عبد الله بن سنان.

إشارة إلی أنّ حدیث أبان بن عثمان کالصحیح
بحث حول ما ذکره الصدوق من عدم العمل بما رواه محمّد بن عیسی عن یونس متفرّداً

ص: 387


1- تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 17 ، 18.
2- عدة الأصول 1 : 381.

وبالجملة : هذه الروایة أقوی سندا قطعا وکذلک أقوی دلالة ، ومتأیدة بالأصل وموثقة عمار عن الصادق علیه السلام ، فی الرجل یسمع السجدة قبل غروب الشمس وبعد صلاة الفجر ، فقال : « لا تسجد » (1) للإجماع علی أن کراهة الوقت لا یسقط الوجوب الفوری ، ویؤیدها أیضا روایة عبد الرحمن ، کما عرفت.

قوله : الخامس یحرم علی زوجها وطؤها. ( 1 : 350 ).

کما یحرم علی الرجل یحرم علی المرأة أیضا وتعزر مثل الرجل ، أمّا الکفارة فلیس علیها وفاقا.

ولو اتفق الحیض فی أثناء الجماع وعلم به الرجل وجب النزع ، وکذا لو أخبرت المرأة ، لما ستعرف.

قوله : فالظاهر وجوب القبول. ( 1 : 350 ).

ویمکن الاستدلال بروایة السکونی عن الصادق علیه السلام « إن علیا علیه السلام قال فی امرأة ادعت أنها حاضت فی شهر ثلاث حیض : کلفوا نسوة من بطانتها أن حیضها فی ما مضی کان کذلک ، فإن شهدت صدقت ، وإلاّ فهی کاذبة » (2) ، لکنها علی طریقة الشارح یشکل العمل بها.

قوله : ولو لا وجوب القبول. ( 1 : 351 ).

فیه : أنّه علی تقدیر تسلیم شمول ما خلق الله لدم الحیض ، مقتضی ما ذکرت وجوب قبول ما أخبرت من أنّ الله خلق فی رحمی ، لا أنّ الدم خرج من رحمی ، وإلاّ فلا شبهة فی أنّ الدم کان مخلوقا فی رحمها قبل خروجه.

حرمة وطء الحائض
حجّیة قول المرأة فی دعوی الحیض

ص: 388


1- التهذیب 2 : 393 / 1177 ، الوسائل 6 : 243 أبواب قراءة القرآن ب 43 ح 2.
2- التهذیب 1 : 398 / 1242 ، الاستبصار 1 : 148 / 511 ، الوسائل 2 : 358 أبواب الحیض ب 47 ح 3.

قوله : إذا ادعت صدقت. ( 1 : 351 ).

وفی الصحیح : « العدة والحیض إلی النساء » (1).

وإطلاق هذین الخبرین یشمل جمیع الصور ما لم یعلم کذبها ، واختاره العلاّمة - رحمه الله - فی النهایة ، وقیل ما لم یظن أیضا ، واختاره الشهید الثانی ، والأول أوفق للإطلاق فی المقام ، وللعمومات الدالة علی عدم العمل بالظن.

قوله : بأصالة الإباحة. ( 1 : 351 ).

أی باستصحاب الإباحة ، أو عموم ما دل علیها ، والمجموع دلیل.

قوله : فإنهم غیر ملومین. ( 1 : 351 ).

فی دلالتها علی الاستمتاع کیف کان نظر ، لأن الظاهر محافظة الفرج عن الزنا ، وورد الخبر (2) بأن هذا هو المراد ولا عموم ، بل مطلق فینصرف إلی المعهود ، فتأمّل.

قوله : وقد وردت بذلک روایات کثیرة ، کموثقة عبد الله بن بکیر. ( 1 : 351).

أقول : غیر الصحیحة منجبرة بالشهرة ، مع أنّ الموثقة حجة ، والصحیحة منجبرة بعدم القول بالفصل ، مع أنّ قوله : « ما بین » عام و « لا یوقب » مطلق ، فلعله منصرف إلی المعهود ، فتأمّل.

جواز الاستمتاع بما عدا القُبل

ص: 389


1- التهذیب 1 : 398 / 1243 ، الاستبصار 1 : 148 / 510 ، الوسائل 2 : 358 من أبواب الحیض ب 47 ح 2.
2- الوسائل 1 : 300 أبواب أحکام الخلوة ب 1 ح 3.

قوله : موافق لمذهب العامة. ( 1 : 353 ).

وببالی أنّه ورد هکذا فی أحادیثهم (1) أیضا.

قوله : جمعا بین الأدلة. ( 1 : 353 ).

لا یخفی أن الأمر علی الشارح - رحمه الله - مشکل ، لأنه لا یعمل بالخبر الذی لیس بصحیح ، والآیة علی تقدیر سلامتها عن معارضة الآیة الأخری فالخبر الصحیح یخصصها ، فإنه یخصص الآیة بمثله ، وأمّا صحیحة عمر بن یزید فیحتاج تتمیمها إلی ثبوت إجماع مرکب ، وهو أیضا مشکل عنده ، کما مر ، إلاّ أن یقول : إن الصحیحین تعارضا فیبقی الأصل والآیة بحالهما.

قوله : هذا التقدیر مستفاد من مرسلة. ( 1 : 354 ).

وفی الفقه الرضوی (2) کما فی هذه الروایة المرسلة من أوّلها إلی آخرها ، والأصحاب اتفقوا علی الکفارة ، إلاّ أنّ الخلاف فی الوجوب والاستحباب.

وأمّا قدر الکفارة بالنحو الذی ذکره المصنف هو المعروف بین القدماء والمتأخرین ، سوی الصدوق فی المقنع ، فإنه قال : یتصدق علی مسکین بقدر شبعه (3).

مقدار الکفّارة بوطء الحائض

ص: 390


1- سنن أبی داود 1 : 55 / 212 ، 213.
2- فقه الرضا علیه السلام : 236 ، المستدرک 2 : 21 أبواب الحیض ب 23 ح 1.
3- المقنع : 16.

والأظهر الاستحباب ، والأحوط الوجوب ، لا لأن الأخبار ضعیفة ، لأنها منجبرة بعمل الأصحاب ، بل للاختلاف الذی بینها ، وکذا بینها وبین صحیحة العیص ، ولعل مراده علیه السلام : لا أعلم واجبا علیه سوی الاستغفار.

ولا فرق فی المرأة بین الزوجة الدائمة والمنقطعة ، بالإجماع والإطلاق ، وأمّا الأمة لو وطأها سیدها فالمشهور أیضا کذلک ، وقال الشیخ والصدوق : یتصدق السید بثلاثة أمداد (1) ، لما ورد فی بعض الروایات (2).

وأمّا الزنا ووطئ الشبهة فربما یکون الأمر فیهما کذلک ، لعموم الروایات وإطلاقها ، ویحتمل العدم ، لکونهما من الفروض النادرة ( مع أن الکفارة لتکفیر الذنب ، فمع شدّة الذنب ربما لا یکفر بل ینتقم الله منه ، فتأمّل ) (3).

قوله : والأصح عدم التکرر. ( 1 : 356 ).

الأظهر عدم التداخل مطلقا ، کما یفهمه أهل العرف ، وإن کان علل الشرع معرفات ، إذ مقتضی ذلک جواز التداخل لا لزومه ، بل الظاهر عدمه ، لما ذکر ، ولأصالة العدم ، فتأمّل.

مع أنّه علی ما ذکره یلزم التخییر بین فعل واجب وترکه إذا أراد الحرام ثانیا ، وکذا الحال إذا أراد ثالثا ، وهکذا ، لأن الواطئ بفعل الحرام أوّلا وجبت علیه الکفارة قطعا علی القول بالوجوب ، والواجب ترکه حرام موجب

هل تتکرر الکفّارة بتکرّر الوطء؟

ص: 391


1- الفقیه 1 : 53 ، النهایة : 572.
2- الفقیه 1 : 53 / 200.
3- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و ».

للعقاب.

إلاّ أن یقول بأنّه واجب موسع ، وبعد التأخیر وفعل الحرام ثانیا تکفی کفارة واحدة ، لصدق الامتثال.

لکن یرد ما قلناه من أنّه إذا کفّر قبل الحرام الثانی یکون واجبا قطعا ، والواجب علی ترکه العقاب ، ویجب أیضا بعد الحرام الثانی کفارة أخری ، هی أیضا واجبة قطعا علی ترکها العقاب ، فیکون المکلف مخیرا بین أن یفعل واجبا واحدا أو واجبات متعددة ، وقد صرح فی بحث نزح خمسین للعذرة أنه لا معنی للتخییر بین الأقل والأکثر.

إلاّ أن یقول : بعد الفعل صار واجبا ، وقبله لم یکن واجبا ، وفیه ما فیه.

أو یقول بمجرد إرادة التکفیر واختیاره صار واجبا ، وقبلها لم یکن ، وفیه أیضا ما فیه.

أو یقول : الکفارة الأولی والثانیة والثالثة وهکذا لیست بواجبة ما لم تکن الکفارة الأخیرة ، لأن الواجب هی الأخیرة خاصة ، وفیه أیضا ما فیه.

أو یقول : إن الکفارة الأخیرة أسقطت عقاب الکفارات الأول ، وهو محتمل إلاّ أنّه خلاف مدلول کلامه ، لأن مدلول کلامه أنّه حینئذ لم یکن علیه إلاّ کفارة واحدة ، والواجب منحصر فی الواحد ، وأنّه من باب تعدد الأسباب لمسبب واحد ، فلا یدفع عنه ما اعترضنا علیه من أنّه یلزم تخییر المکلف بین أن یجعل واجبه أقل أو أکثر ، فتدبر ، ولیس اعتراضی مخصوصا بل کلما هو نظیره مما اختاره یرد علیه ، وکذا إن اختاره غیره ، فتأمّل.

قوله : فإیقاع هذه الأغسال الواجبة. ( 1 : 357 ).

لا یخفی أن هذه الأغسال لیس علی ترکها عقاب عندهم ما لم یتضیق وقت العبادة ، کما هو المشهور ، أو یحصل الظن بحصول الموت أیضا ، کما هو عند القائل بالوجوب لنفسه ، فالطرفان متفقان علی عدم العقاب فی غیر

وجوب الغسل علی الحائض إذا طهرت

ص: 392

الصورتین مع رجحان الفعل ، وهذا بعینه مذهب المشهور من قولهم بالاستحباب لنفسه ، فأیّ معنی للحکم بإیقاعه بنیة الوجوب ، وأن الظاهر من الوجوب الوارد فی الاخبار هو هذا ، مع أنّه لیس فی الأخبار إشارة إلی النیة أصلا ، وقصد الوجوب لیس معناه إلاّ أنّه لو لم یفعل هذا الفعل لکان معاقبا ، وبعد العلم بعدم عقاب أصلا کیف ینوی أن هذا الفعل واجب علیه ، إذ ما لم یتضیق لم یکن عقاب أصلا ، فشرط العقاب تحقق الضیق ، وهو یعلم أنّه لا یضیق ، وأمّا الواجب لغیره فالعقاب علی ترک الغیر ، کما صرحوا به ، فلا ضرر فیه.

( وأمّا الواجب الموسع لو ترک فی مجموع الوقت یکون علیه عقاب البتة ، وهذا الغسل لیس کذلک ، إذ لو اغتسل بقصد أن یوقع بعده حدثا لا یکون علی ترکه العقاب ، لأنه لو لم یفعل لا یکون علیه بأس أصلا ، إنّما البأس إذا ترک عقیب الحدث الأخیر ، وهذا واضح إن لم یکن غفلة ) (1) وتمام الکلام مر فی أول الکتاب (2).

قوله : أجمع علماؤنا. ( 1 : 357 ).

فی الفقه الرضوی : « ولیس فی غسل الجنابة وضوء ، والوضوء فی کل غسل ما خلاف الجنابة ، لأن غسل الجنابة فریضة تجزئه عن [ الفرض ] الثانی ، ولا یجزئه سائر الأغسال عن الوضوء ، لأن الغسل سنة والوضوء فریضة ، ولا تجزئ سنة عن فرض ، وغسل الجنابة والوضوء فریضتان ، فإذا اجتمعا فأکبرهما یجزئ عن أصغرهما ، وإذا اغتسلت بغیر جنابة فابدأ بالوضوء ثم اغتسل ، ولا یجزئک الغسل عن الوضوء ، فإن اغتسلت ونسیت الوضوء فتوضأ

غسل الحیض

لزوم الوضوء مع غسل الحیض

ص: 393


1- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».
2- راجع ص 30 و 31.

وأعد الصلاة » (1) انتهی.

والصدوق فی الفقیه ذکر ذلک بعینه (2) ، وغیر خفی أنّه أخذه منه ، وأفتی به ، وذکر فی أول الفقیه ما ذکر ، فتدبر وقال فی أمالیه : إن من دین الإمامیة الإقرار بأن کل غسل فیه وضوء فی أوّله ، إلاّ غسل الجنابة فإنه فریضة (3).

وفی الغوالی ، عن النبی صلی الله علیه و آله : « کل الأغسال لا بدّ فیها من الوضوء إلاّ الجنابة» (4).

قوله : ولا جعل الثانیة من الحسن. ( 1 : 358 ).

إذا کان فی الروایة من لیس من الحسان بل کلهم من الصحاح کان اللازم أن یذکر فی الصحیح عن حماد ، وظهر أن مراده من الحسن لیس المعنی الاصطلاحی ، وهو غیر بعید بالنسبة إلی العلامة - رحمه الله - فتأمّل.

قوله : وأجیب عنه بأن الآیة. ( 1 : 359 ).

تخصیص الکتاب علی تقدیر تسلیم جوازه بأخبار الآحاد یشکل بمثل هذه الأخبار المعارضة لأخبار أخر معمول بها عند الأصحاب ومشتهرة بینهم فی الروایة والعمل. ویؤید عموم الکتاب عمومات الأخبار الکثیرة الواردة فی أن من أحدث الأصغر علیه الوضوء. فتأمّل جدا.

وأمّا المخصص فالضعیف لیس بحجة أصلا فضلا عن أن یقاوم الکتاب والأخبار الموافقة له المنجبرة بعمل الأصحاب وغیره ، وأما الصحیح

ص: 394


1- فقه الرضا : 82 ، المستدرک 1 : 476 أبواب الجنابة ب 26 ، وما بین المعقوفین أضفناه من المصدر.
2- الفقیه 1 : 49.
3- الأمالی : 515.
4- العوالی 2 : 203 / 110 ، المستدرک 1 : 477 أبواب الجنابة ب 26 ح 3.

فتضعفه مخالفة الکتاب والأخبار التی وردت بحد التواتر : أنّ ما خالف الکتاب لیس بحجة ، بل ورد أن ما لم یوافقه لیس بحجة (1) ، وکذا تضعفه الأخبار الموافقة للکتاب ، وکذا تضعفه مخالفة الشهرة بین الأصحاب ، والأخبار الواردة فی الأمر بأخذ ما اشتهر وترک الشاذّ النادر (2) ، وما فیه من التعلیل بعلة عقلیة ظاهرة.

ومع جمیع ذلک لیس فیه ما یدل علی العموم فی الغسل ، إذ مسلم عنده کغیره أن المفرد المحلی باللام لا یفید العموم من حیث اللغة ، وما ذکره من القرینة موجودة فی الآیة أیضا ، فلا وجه لمنعه العموم فیها ودعواه العموم فی الخبر. علی أنّه ستعرف الوهن فیما ذکره ، وبعد التسلیم یکون حاله کحال عموم الکتاب ، والخاص إنما یقدم علی العام لکونه أقوی دلالة ، ومع ذلک عام الکتاب إنما یخصص ( بما تکون ) (3) دلالته قطعیة ، علی ما یظهر من کلام من یجوّز تخصیص الکتاب به ، حیث قال : الخاص وإن کان ظنی السند إلاّ أنّه قطعی الدلالة ، فیقاوم ( قطع الکتاب ) (4) علی أنّه لا أقل من أن تکون الدلالة قویة غایة القوة ، ( وأین هذا مما نحن فیه ، لما عرفت ) (5).

ومما یضعف ( عموم الغسل فی الصحیح ) (6) - مضافا إلی ما مرّ وسیجی ء - ملاحظة الأخبار الواردة فی التیمم وغیره ، أنهم حینما کانوا یریدون بیان حال الغسل کانوا یقولون : والغسل من الجنابة کذا ، فلاحظ

ص: 395


1- انظر الوسائل 27 : 106 أبواب صفات القاضی ب 9.
2- انظر الوسائل 27 : 106 أبواب صفات القاضی ب 9.
3- فی « ب » و « ج » و « د » : بالخاص الذی تکون.
4- فی « ب » و « ج » و « د » : الکتاب الذی هو قطعی المتن وظنّی الدلالة.
5- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و ».
6- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و ».

وتأمّل.

قوله : وإن کان المرسل لها. ( 1 : 359 ).

لا وجه للطعن بالإرسال ، لما ذکره علماء الرجال فی الرجال ، وذکرنا أیضا ، ولیس هذا موضع البسط ، لأن طریقة الفقهاء تسلیم مرسلاته وقبولها ، سیما فی المقام ، لأن المشهور قالوا بمضمونها ، بل غیر خفی أنّهم اعتمدوا علیها ، أو هی معظم معتمدهم ، کما لا یخفی علی من تتبع أحوالهم وکلماتهم ، والروایة لو کانت ضعیفة لکانت منجبرة بالشهرة ، فضلا عن أن تکون مرسلة ابن أبی عمیر ، ومع ذلک هی موافقة للکتاب وما نقلناه من الفقه الرضوی والأمالی ، ومخالفة لمذهب العامة أیضا (1) ، وموافقة لما رواه علی ابن یقطین ، عن الکاظم علیه السلام : « إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضأ واغتسل » (2).

قوله : لأنا نقول. ( 1 : 359 ).

لا یخفی أن ظاهرها الثبوت واللزوم ، وکون المراد أن فی کل غسل یستحب أن یتوضأ والأولی أن یتوضأ بعید ، والأخبار المعارضة لهذا الخبر ربما یظهر منها عدم الاستحباب المؤکد ، وهذا الخبر علی تقدیر تسلیم دلالته علی الاستحباب فظاهر أنّه مستحب مؤکّد ، بل وغایة التأکید ، بل

بحث فی مراسیل ابن أبی عمیر

ص: 396


1- لعل المراد مخالفة ذیل المرسلة لمذهب العامة ، لأنهم قالوا باستحباب الوضوء مع غسل الجنابة وحکی عن بعضهم وجوبه ، کما فی المغنی لابن قدامة 1 : 251 ، وأمّا وجوب الوضوء مع سائر الأغسال فالظاهر أنّه موافق لأکثر العامة ولم نجد خلافه فی کتبهم الموجودة عندنا ، غیر ما حکی عن بعضهم کالزرقانی فی شرحه علی مختصر أبی الضیاء - فی فقه مالک - 1 : 105.
2- التهذیب 1 : 141 / 401 ، الاستبصار 1 : 127 / 434 ، الوسائل 2 : 248 أبواب الجنابة ب 35 ح 3.

ویظهر من الأخبار المعارضة حرمة الوضوء وأنّه بدعة ، وأین هذا من الاستحباب فضلا عن المستحب المؤکد.

قوله : وما رواه الشیخ. ( 1 : 359 ).

لیس فیها صراحة بأنّه یجزئ عن الوضوء للصلاة ، إذ ربما کان المراد أنّه مجز عنه لتحقق الغسل ، سیما علی القول بوجوبه لنفسه ، فتأمّل.

قوله : والتعریف فی الغسل. ( 1 : 359 ).

یمکن إثبات عموم الآیة بمثل ما ذکره ، إذ لا فرق بین أدوات الإهمال وتعریف المفرد باللام ، فتأمّل.

قوله : فیکون للاستغراق. ( 1 : 359 ).

فیه منع ظاهر ، لأن الحمل علی الاستغراق فرع تساوی نسبة الکامل وغیره ، ألا تری أن لفظ الصلاة والزکاة والصوم وغیرها لا ینصرف إلا إلی الواجبات منها ، وکذا فرع تساوی نسبتها فی الأغلبیة ، ولذا لو قیل : بع بالنقد ، ینصرف إلی الغالب خاصة ، وکذلک الصلاة إلی الیومیة ، والزکاة إلی غیر الفطرة ، وأمثالها.

قوله : إذ لا خصوصیة لغسل. ( 1 : 360 ).

فربما یظهر منه أنّ من أحدث الأصغر مخیّر بین الوضوء والغسل مطلقا ، بل والغسل أفضل فردی الواجب التخییری ، ولعله مخالف لما علیه الفقهاء ، وما هو المستفاد من الأخبار الواردة فی رفع الحدث الأصغر ، إذ ظاهر أن الفقهاء لا یرضون بأن من بال مثلا یجوز له أن یتوضأ للبول أو یغتسل للبول ، بل ویغتسل لرفع حدث البول یکون أولی وأبلغ وألطف ، ولو احتاج إلی التیمم یکون مخیرا بین جعله بدلا عن الوضوء أو عن الغسل ، بل وجعله بدلا عن الغسل أولی ، وکذا الحال بالنسبة إلی الأخبار.

أدلّة القائلین بعدم وجوب الوضوء مع غسل الحیض والمناقشة فیها

ص: 397

والعلاّمة - رحمه الله - ادعی أن الظاهر عند إطلاق لفظ الغسل هو غسل الجنابة ، وحمل کل مطلق فی المقام علی ذلک ، وحمل الأخبار المعینة علی عدم الوضوء لتحقق الغسل لا لأجل الصلاة ، وحمل روایة الهمدانی الآتیة علی أنّه لیس فی غسل الجمعة وضوء لأجل الصلاة إذا تحقق قبل دخول الوقت ، کما هو الغالب المتعارف.

فلو حمل علی غسل الجنابة - بناء علی ما قیل : إن المفرد المحلی باللام إذا أمکن حمله علی المعهود لم یجب حمله علی العموم ، والمطلق ینصرف إلی الکامل والغالب ، ولعل غسل الجنابة کذلک ، لحصول سببه فی أکثر الأحیان ، وکثرة الاحتیاج إلیه ، وکونه فرضا لازم الحصول بالنسبة إلی الرجال والنساء جمیعا ، فصار بمنزلة الحاضر المعهود فی الذهن - لارتفع هذا الإشکال ، وکذا إشکال التعارض بینه وبین روایتی ابن أبی عمیر وغیرهما مما مرّ. ( وورد عنهم علیهم السلام : إن أحادیثنا تفسر بعضها بعضا (1) ، وظهر علینا ذلک ، بل بناء الفقه علیه ) (2). وسیجی ء عن الشارح أیضا أن إطلاق لفظ الصلاة ینصرف إلی الفریضة الیومیة ، وغیر ذلک من نظائر ما نحن فیه ، فتأمّل.

وأمّا مرسلة حماد فمعارضة بما ذکرنا ، ولذا حملها من حملها ، ویمکن حملها علی أنّه لا یحتاج فی تحقق الغسل لیوم الجمعة إلی الوضوء ، لا أنّه یکفی لاستباحة الصلاة.

علی أنّه ورد فی علة الأمر بغسل الجمعة : « إنّ الله تعالی أتمّ وضوء

ص: 398


1- لم نعثر علیه.
2- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

الفریضة بغسل الجمعة ما کان فیها من تقصیر » (1) فتأمّل.

نعم ، مجهولة إبراهیم بن محمّد الهمدانی أنه « لا وضوء للصلاة فی غسل الجمعة ولا غیره » (2) ، والعمل بها مشکل ، لما عرفت من ثبوت الوضوء البتة من روایتی ابن أبی عمیر وغیرهما ، ولا تقاوم هذه الروایة تلک الروایات بوجه من الوجوه یظهر ذلک للمتأمّل فی ما ذکرناه.

وبالجملة : الأحوط أن لا یکتفی بأمثال هذه الظواهر من هذه الأخبار مع ما قد عرفت مما هو فیها.

ومما یقرب حمل صحیحة ابن مسلم علی غسل الجنابة ملاحظة روایته الأخری عن الباقر علیه السلام أیضا قال : إن أهل الکوفة یروون عن علی علیه السلام أنّه کان یأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة ، قال : « کذبوا علی علی علیه السلام » إلی أن قال : « قال الله تعالی ( وَإِنْ کُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (3).

( ثم اعلم أنّ الشارح - رحمه الله - إن أراد من قوله : إذ لا خصوصیة.

بحسب الشرع فمصادرة ، وإن أراد بحسب طهارة الجسد ونظافته ففیه ما کتبناه فی الحاشیة السابقة ، فتأمّل.

علی أنّ اتصاف غسل الجنابة مسلم ثابت وغیره مشکوک فیه ، والأصل

ص: 399


1- الکافی 3 : 42 / 4 ، التهذیب 1 : 366 / 1111 ، المحاسن : 313 / 30 ، الوسائل 3 : 313 ، أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 7.
2- التهذیب 1 : 141 / 397 ، الاستبصار 1 : 126 / 431 ، الوسائل 2 : 244 أبواب الجنابة ب 34 ح 2.
3- التهذیب 1 : 139 / 389 ، الاستبصار 1 : 125 / 426 ، الوسائل 2 : 247 أبواب الجنابة ب 34 ح 5.

عدمه فتأمّل ) (1).

قوله : وقد ورد هذا التعلیل بعینه فی غسل الجمعة فی مرسلة حماد بن عثمان. ( 1 : 360 ).

هذه - مع أنها مرسلة - فیها اشتراک أیضا ، فکیف تقاوم ما مر مما عرفت ، وروایة علی بن یقطین أقوی من هذه الروایة.

قوله : وتقریب الاستدلال ما ذکرناه. ( 1 : 360 ).

دلالة هذا أضعف ، لأن الغسل المحلی باللام لعله غسل الجنابة المذکور سابقا ، فکیف یبقی الوثوق بإفادته العموم؟! مع أن أداة العموم مفقودة ، والضابطة أن المفرد المحلی باللام إذا تکرر یکون الثانی عین الأول ، فتأمّل.

قوله : ویشهد لهذا القول أیضا. ( 1 : 361 ).

لا یخفی أن المتداول بین الفقهاء وغیرهم التعبیر بلفظ خصوص الغسل ، مثل : أن تغتسل للحیض والاستحاضة والنفاس ، و: یجب فی مس المیت الغسل ، و: یجب غسل المیت ، و: هل یجوز جماع الحائض قبل الغسل أم لا. إلی غیر ذلک من أوّل الکتاب إلی آخره.

وکذا لو سألت عنا فی المقامات نقول لها : اغتسلی ، من غیر تعرض لذکر الوضوء فی مقام من المقامات.

وکذا الحال فی الأغسال المستحبة فنقول : غسل الجمعة سنة ، أو : اغتسل للجمعة ، وهکذا فی سائر الأغسال ، من غیر إشارة إلی الوضوء.

وکذا الفقهاء فی کتبهم من غیر تعرض لذکر الوضوء أصلا ، مع أنّه لا شبهة عندنا أنّا نرید الوضوء مع الغسل ، وکذا الحال فی سائر الأغسال.

فالمقام لیس مقام ذکر الوضوء حتی یقال : مع عدم ذکره ظاهر فی عدم

استحباب الوضوء للحائض وذکر الله وقت کل فریضة

ص: 400


1- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

وجوبه ، لأنّا یقینا نرید الوضوء ونعتبره کالفقهاء جزما ولا نشیر أبدا. مع أنّ رفع الحدث لعله کان مرکوزا فی طباع السائلین والرواة ، فلذا لم ینبهوا ، فتأمّل ، وقد بسطنا الکلام فی تحقیق المقام فی صدر الکتاب ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : ولفظ ینبغی ظاهر فی الاستحباب. ( 1 : 362 ).

وإن کان بحسب اللغة ومفهوم اللفظ أعم ، لأن الواجب لا تناسبه التأدیة بأمثال هذه العبارات من جهة عدم إفادة الوجوب ، بل المناسب فی الوجوب التصریح والتوضیح.

قوله (1) : ونقل عن ابن بابویه القول بالوجوب. ( 1 : 362 ).

وهو ظاهر الشیخ فی النهایة (2).

قوله : لحسنة زرارة. ( 1 : 362 ).

والطریق الآخر صحیح علی المشهور ، من جهة محمّد بن إسماعیل البندقی.

قوله : وهو مع عدم صراحته فی الوجوب محمول علی الاستحباب جمعا بین الأدلة. ( 1 : 363 ).

یعنی وإن لم یکن صریحا لکنه ظاهر ، والظاهر یحمل علی الاستحباب بسبب وجود معارض مقاوم ، والأصل عدم الوجوب یعنی أصل البراءة لا أصل العدم ، لأن لکل من الواجب والمستحب قیدا زائدا علی الرجحان ، إلاّ أن یقال : رجحان الواجب أزید من رجحان المستحب بوصوله إلی حد لم یجز بسببه ترکه.

ومما یدل علی الاستحباب أن الظاهر من الأخبار سقوط الصلاة عنها رأسا عند الحیض ، ووجوبها عند الطهر ، لا أن الواجب علیها إحدی

ص: 401


1- هذه الحاشیة لیست فی « ج » و « د ».
2- انظر النهایة : 25.

العبادتین : الصلاة حالة الطهر ، والذکر حالة الحیض.

وأیضا لو کان الذکر واجبا علیها لکان یشیع فی الأعصار والأمصار ، سیما عند العلماء والصلحاء فی النسوة اللاتی فی بیوتهم ، سیما الصالحات منهن ، لعموم البلوی وشدة الحاجة وتوفر الدواعی إلی النقل والفتوی والعمل مع أنّ الأمر بالعکس ، لأنا لا نری بیتا یلتزم ، والفقهاء اتفقوا علی عدم الوجوب إلاّ ما شذ. والظاهر أن البیوت والنساء کانت کما ذکرنا فی الأعصار والأمصار ، ولعله شذ بیت أو امرأة کانت تفعل ، ومع ذلک لعله لیس بعنوان الالتزام ، فتأمّل.

قوله : ولو لم تتمکن من الوضوء. ( 1 : 363 ).

وإذا لم تتمکن من الوضوء والتیمم فلتفعل ما بقی من الذکر واستقبال القبلة والموضع الطاهر أو قریبا من المسجد - کما فی بعض الأخبار (1) - لما ورد من أن « المیسور لا یسقط بالمعسور » (2) ، وما ورد من أن « ما لا یدرک کله لا یترک کله » (3) کلاهما عن علی علیه السلام .

ثم لا یخفی أن الوضوء والذکر وکونهما فی وقت کل صلاة ورد فی کل الأخبار ، وأمّا استقبالها للقبلة فقد ورد فی أکثر الأخبار ، وفی بعض الأخبار لم یذکر ، وأمّا کون الذکر بقدر الصلاة فقد ورد فی بعض الأخبار ، وأما غیره فمطلق ، وفی بعض الأخبار ذکر الموضع الطاهر ، وأکثر الأخبار خالیة عنه ، وکذا الجلوس قریبا من المسجد ، وفی بعض الأخبار ضم تلاوة القرآن مع الذکر.

قوله : ففی مشروعیة التیمم. ( 1 : 363 ).

دلیل مشروعیة التیمم عموم کونه بمنزلة الوضوء ، ودلیل عدمها أن الشارع قال : یتوضأ ، ومر الکلام فی أمثال المقام فی أول الکتاب.

استحباب الوضوء للحائض وذکر الله وقت کل فریضة

ص: 402


1- انظر الوسائل 2 : 345 أبواب الحیض ب 40 ح 1 ، 2.
2- عوالی اللآلی 4 : 58 / 205 و 207 ، والظاهر أنّه رواهما عن النبیّ صلی الله علیه و آله .
3- عوالی اللآلی 4 : 58 / 205 و 207 ، والظاهر أنّه رواهما عن النبیّ صلی الله علیه و آله .

فهرس الموضوعات

الوضوء الواجب

الوضوء واجب غیری....................................................... 5

بیان المراد من القیام فی قوله تعالی : ( إذا قمتم ... )........................... 7

القول بوجوب الطهارات بحصول أسبابها والمناقشة فیه......................... 11

- وجوب الوضوء للطواف الواجب........................................ 19

- وجوب الوضوء لمس القرآن............................................. 19

التسامح فی أدلّة السنن.................................................... 20

هل یجوز الدخول فی العبادة الواجبة بالوضوء المندوب؟........................ 24

الغسل الواجب

- وجوب الغسل لما یجب له الوضوء........................................ 25

- وجوب الغسل لصوم الواجب........................................... 30

- وجوب الغسل لصوم المستحاضة......................................... 32

ص: 403

بحث حول مکاتبة علی بن مهزیار.......................................... 32

التیمم الواجب

وجوب التیمم لخروج الجنب فی أحد المسجدین.............................. 33

التیمم المندوب

بحث حول التیمم المندوب................................................. 36

مسألة : قد تجب الطهارة بالنذر وشبهه..................................... 37

المیاه

الماء المطلق طاهر ومطهّر................................................... 39

معنی الطهور.............................................................. 40

الماء الجاری

نجاسة الماء الجاری بالتغیّر.................................................. 42

هل یشترط فی التغیر أن یکون حسیّاً أم لا؟.................................. 43

عدم تنجسّ الماء الجاری قلیله وکثیره بالملاقاة................................. 46

أدلّة القائلین بعدم تنجس الماء الجاری قلیله وکثیره بالملاقاة..................... 46

إشارة إلی أنّ الکلینی أضبط من الشیخ....................................... 46

أدلّة القائلین بتنجس الماء الجاری بالملاقاة والجواب عنها........................ 48

ماء الحمّام

هل تشترط فی مادّته الکرّیّة أم لا؟.......................................... 52

هل تشترط کریّة ما فی الحیاض؟........................................... 54

طریق تطهیر ما فی الحیاض................................................. 56

ص: 404

الماء المحقون

إشارة إلی أنّ مفهوم اللقب لیس بحجّة....................................... 59

نجاسة الماء القلیل بالملاقاة................................................... 60

أدلة القول بنجاسته....................................................... 60

أدلّة القول بعدم النجاسة................................................... 63

الجواب عن أدلّة القول بعدم النجاسة........................................ 64

کیفیّة تطهیر الماء القلیل.................................................... 81

هل یطهر القلیل بإلقاء کرّ علیه؟............................................ 81

هل یطهر القلیل بإتمامه کرّاً؟............................................... 82

بحث حول الإجماع المنقول................................................. 82

الماء الکرّ

هل یعتبر فی عدم انفعال الکرّ تساوی السطوح؟.............................. 88

عدم طهارة الکرّ بزوال التغیّر من نفسه...................................... 90

بحث فی حجیة الاستصحاب............................................... 91

بحث حول أصالة البراءة................................................... 93

إشارة إلی أنّ مراسیل ابن أبی عمیر کالمسانید................................. 93

بیان مقدار الکرّ وزناً...................................................... 94

اختلاف الأصحاب فی تعیین الأرطال....................................... 94

بحث رجالی حول عثمان بن عیسی وأنّ أبا بصیر مشترک بین ثلاث ثقات....... 96

بیان مقدار الکرّ مساحةً................................................... 97

إشارة إلی أنّ محمد بن سنان ثقة............................................ 98

قال ابن الجنید : الکرّ ما بلغ تکسیره مائة شبر والمناقشة فیه.................... 99

تساوی میاه الغُدران والحیاض والأوانی فی الحکم............................ 100

ص: 405

ماء البئر

بحث فی الحقیقة الشرعیة واللغویّة......................................... 102

هل ینجس ماء البئر بملاقاة النجاسة؟...................................... 104

بیان الأقوال فی المسألة................................................... 105

حمّاد بن عیسی ثقة...................................................... 112

منزوحات

البئر ما ینزح لوقوع المسکر فیها.......................................... 116

الاستعمال أعم من الحقیقة............................................... 117

ما ینزح لوقوع الفقاع فیها............................................... 118

ما ینزح لوقوع المنی أو أحد الدماء الثلاثة فیها.............................. 118

ما ینزح لموت البعیر فیها................................................. 118

ما ینزح لموت الدابة فیها................................................. 120

توضیح ما قاله العلاّمة فی المقام............................................ 121

ما ینزح لموت الحمار أو البقرة فیها........................................ 131

ما ینزح لموت انسان فیها................................................. 132

عدم الفرق بین المسلم والکافر فی النزح.................................... 132

ما ینزح لوقوع العذرة إذا ذابت.......................................... 134

ما ینزح لوقوع بول الرجل فیها........................................... 136

ما ینزح لوقوع قلیل الدم فیها............................................. 136

ما ینزح لموت الفأرة إذا انتفخت أو تفسخت............................... 138

ما ینزح لاغتسال الجنب فیها............................................. 139

ما ینزح لذرق الدجاج الجلال............................................ 142

ما ینزح لموت الحیّة فیها.................................................. 142

ما ینزح لموت العصفور فیها.............................................. 142

ص: 406

ما ینزح لبول الصبی الذی لم یغتذ بالطعام.................................. 143

ما ینزح لماء المطر وفیه البول و ........................................... 145

بحث رجالی حول کردویه................................................ 145

بیان المراد من الدلو التی ینزح بها.......................................... 146

فروع

عدم اعتبار النیّة فی النزح................................................. 148

عدم اعتبار بلوغ النازح ولا عقله ولا إسلامه............................... 148

وجوب إخراج عین النجاسة قبل النزح.................................... 148

هل طریق التطهیر منحصر بالنزح؟........................................ 149

طهارة جوانب البئر التی أصابها الماء فی حال النزع........................... 149

اختلاف أنواع النجاسة موجب لتضاعف النزح............................ 151

حکم سقوط أبعاض المقدّر لها............................................ 152

حکم النجاسات التی لم یقدر لها.......................................... 153

حکم البئر إذا تغیر أحد أوصاف مائها بالنجاسة............................ 155

حکم ما لو زال تغیر البئر بغیر النزح ونحوه من المطهرات..................... 157

المسافة التی تکون بین البئر والبالوعة....................................... 160

إشارة إلی اختلاف القدماء والمتأخرین فی الخبر الصحیح...................... 161

حکم الإناءین المشتبهین.................................................. 162

فروع فی الإناءین المشتبهین............................................... 167

اشتباه المضاف بالمطلق................................................... 171

الماء المضاف

الماس المضاف طاهر لا یزیل حدثاً......................................... 173

إشارة إلی حال سهل بن زیاد............................................. 174

الماء المضاف لا یزیل خبثاً................................................ 174

ص: 407

بحث أصولی فی المطلق والمقیّد............................................. 177

نجاسة الماء المضاف بملاقاة النجاسة........................................ 181

لو مُزج المضاف بطاهر.................................................. 182

کراهة الطهارة بالماء المسخن بالشمس..................................... 182

فی المراد من المکروه...................................................... 184

کراهة تغسیل الأموات بالماء المسخن بالنار................................. 184

الماء المستعمل

حکم الماء المستعمل فی رفع الخبث......................................... 185

حکم الماء الاستنجاء..................................................... 189

حکم الماء المستعمل فی رفع الحدث الأکبر.................................. 191

الأسئار

تعریف السؤر.......................................................... 194

کراهة سؤر الجلال وما أکل الجیف....................................... 195

طهارة الأسئار إلاّ سؤر نجس العین........................................ 196

کراهة سؤر الحائض غیر المأمونة.......................................... 199

حکم سؤر البغال والحمیر والفأرة......................................... 201

حکم سؤر الحیّة وحکم ما مات فیه الوزع والعقرب........................ 201

حکم ما لا یدرکه الطرف من الدم....................................... 202

نواقض الوضوء

- خروج البول والغائط والریح.......................................... 204

- النوم الغالب علی الحاستین............................................ 205

- ما أزال العقل من الجنون والإغماء...................................... 209

عد ناقضیة المذی........................................................ 210

ص: 408

عدم ناقضیة الودی...................................................... 211

عدم ناقضیة مسّ الذکر والدُبر والقبل..................................... 212

أحکام الخلوة

وجوب ستر العورة...................................................... 212

حرمة استقبال القبلة واستدبارها حال التخلّی............................... 212

یراد بالاستقبال والاستدبار ما هو المتعارف................................. 214

استحباب التشریق أو التغریب حال التخلّی................................ 214

الاستنجاء

وجوب غسل مخرج البول بالماء........................................... 216

بیان أقل ما یجزی من الماء فی إزالة البول................................... 218

وجوب غسل مخرج الغائط حتّی یزول العین والأثر.......................... 220

عدم وجوب إزالة الرائحة................................................ 221

التخییر بین الماء والأحجار إذا لم تتعدّ النجاسة المخرج....................... 222

لا یجزی فی الاستنجاء أقلّ من ثلاثة أحجار................................ 222

وجوب إمرار کلّ حجر علی موضع النجاسة وکفایة زوال العین.............. 226

حکم استعمال الحجر الواحد من ثلاث جهات............................. 226

حکم استعمال الحجر المستعمل........................................... 227

حکم الاستنجاء بالروث والعظم والمطعوم.................................. 229

حکم الاستنجاء بصیقل یزلق عن النجاسة................................. 229

مندوبات التخلّی

- تغطیة الرأس......................................................... 230

- الاستبراء............................................................ 230

- تقدیم الیمنی عند الخروج.............................................. 231

ص: 409

مکروهات التخلّی

- الجلوس فی الشوارع والمشارع......................................... 231

- الجلوس تحت الأشجار المثمرة.......................................... 231

- الجلوس فی مواطن النزال ومواضع اللعن................................. 233

- استقبال الشمس والقمر بفرجه........................................ 233

- استقبال الریح بالبول................................................. 233

إشارة إلی حکایة قتل سعد بن عبادة....................................... 234

- البول فی الماء الجاری والراکد.......................................... 235

- الأکل والشرب والسواک حال التخلّی.................................. 236

- الاستنجاء بالیسار وفیها خاتم علیه اسم الله سبحانه....................... 236

کیفیة الوضوء

فروض الوضوء

- النیّة................................................................ 236

أدلّة وجوب النیّة........................................................ 237

بیان المراد من الوجب.................................................... 238

اشتراط القربة فی النیّة................................................... 242

اشتراط قصد الوجوب أو الندب.......................................... 242

اشتراط نیّة الرفع أو الاستباحة............................................ 249

هل یصح الوضوء لو ضمّ إلی نیّة التقرب إرادة التبرّد أو غیر ذلک فیه أم لا؟... 250

وجوب استدامة حکم النیّة إلی الفراغ..................................... 251

- کفایة وضوء واحد بنیّة التقرب عن أسباب متعددة....................... 255

تداخل الأغسال الواجبة.................................................. 255

تداخل الأغسال المستحبّة........................................... 256،257

ص: 410

- غسل الوجه......................................................... 259

حدّ الوجه الذی یجب غسله.............................................. 259

وجوب غسل الوجه من الأعلی إلی الأسفل................................. 260

عدم وجوب تخلیل اللحیة................................................ 261

- غسل الیدین......................................................... 262

- ما یجب غسله من الیدین.............................................. 262

وجوب الابتداء من المرفق فی غسل الیدین.................................. 262

حکم من قطع بعض یده................................................. 263

حکم من کان له ذراعان أو کان له ید زائدة.............................. 264

- مسح الرأس......................................................... 264

الواجب فی المسح مسمّاه................................................. 264

اشتراط کونا لمسح بنداوة الوضوء......................................... 264

جواز مسح الرأس مدبراً................................................. 265

عدم جواز غسل موضع المسح............................................ 270

- مسح الرجلین........................................................ 271

تحقیق معنی الکعبین لغةً وشرعاً........................................... 271

عدم التریب بین الرجلین................................................. 283

وجوب المسح علی بشرة القدمین......................................... 284

جواز المسح علی حائل عند التقیة والضرورة................................ 284

- الموالاة.............................................................. 286

عدد الغسلات.......................................................... 287

الغسلة الثالثة بدعة...................................................... 295

لا تکرار فی المسح....................................................... 296

إجزاء ما یسمّی به غاسلاً فی الوضوء...................................... 296

- وضوء الجبیرة........................................................ 297

عدم جواز تولیة الغیر أفعال الوضوء اختیاراً................................. 301

ص: 411

حرمة مس المحدث کتابة القرآن........................................... 301

إشارة إلی أن حسین بن مختار ثقة وإشارة إلی مقبولیّة مراسیل حماد بن عیسی 303 - 304

- حکم المبطون والمسلوس............................................... 305

سنن الوضوء

- وضوء الإناء علی الیمین والاغتراف بها................................. 308

- التسمیة والدعاء بالمأثور............................................... 309

- غسل الیدین قبل إخالهما الإناء......................................... 309

- المضمضة والاستنشاق والدعاء عندهما.................................. 311

- ابتداء الرجل بظاهر الذراع والمرأة بباطنه................................ 313

إشارة إلی أنّ إسحاق بن إبراهیم من مشایخ الإجازة........................ 314

- الوضوء بمدّ.......................................................... 315

مکروهات الوضوء

- التمندل بعد الوضوء.................................................. 315

أحکام الوضوء

حکم من تیقن الحدث وشکّ فی الطهارة................................... 316

حکم من تیقنهما وشکّ فی المتأخّر......................................... 317

حکم من تیقّن ترک غسل عضو أو مسحه.................................. 318

حکم من شکّ فی شیء من أفعال الوضوء قبل فوات المحل.................... 318

حکم من جدّد وضوءاً بنیّة الندب وذکر أنّه أخلّ بعضو من إحدی الطهارتین.. 319

حکم من أحدث عقیب طهارة منهما ولم یعلمها بعینه....................... 320

حکم من صلی الخمس بخمس طهارات وتیقن أنّه أحدث عقیب أحدهما....... 321

ص: 412

غسل الجنابة

لغسل الجنابة سببان...................................................... 322

الأول : الإنزال......................................................... 322

صفات المنی............................................................. 322

کفایة الشهوة وقتور الجسد فی المریض..................................... 323

الثانی : الجماع.......................................................... 323

حکم من جامع فی الدبر................................................. 323

حکم من وطأ غلاماً..................................................... 324

بحث فی الإجماع المرکب................................................. 325

أحکام الجنب

المحرمات :

- قراءه سورة العزائم................................................... 326

- مس کتابة القرآن أو شیء علیه اسم الله................................ 327

- الجلوس فی المساجد ووضع شیء فیها................................... 328

المکروهات :

- الأکل والشرب...................................................... 328

- مسّ المصحف والنوم ما لم یتوضّأ...................................... 329

واجبات غسل الجنابة

- النیّة................................................................ 329

- غسل البشرة......................................................... 329

- الترتیب............................................................. 330

سقوط الترتیب فی الغسل الارتماسی....................................... 335

ص: 413

مسنونات غسل الجنابة

- إمرار الید علی الجسد................................................ 339

- البول أمام الغسل..................................................... 339

- الاستبراء............................................................ 341

أحکام الجنابة

حکم البلل الخارج بعد الغسل............................................ 344

حکم من أحدث أثناء الغسل............................................. 345

علی بن سندی ثقة...................................................... 345

إشارة إلی الأشیاء التی تنجبر بها ضعف السند............................... 350

الحیض

تعریف دم الحیض....................................................... 352

صفات دم الحیض....................................................... 354

تمییز دم الحیض عن دم العذرة............................................ 357

حکم الدم الذی تراه الصبیّة قبل البلوغ.................................... 359

حکم الدم الذی یخرج من الجانب الأیمن................................... 359

هل یشترط التوالی فی الثلاثة؟............................................. 362

لا حیض بعد سنّ الیأس................................................. 366

قاعدة الإمکان.......................................................... 368

أحکام الحیض

ذات العادة تترک الصلاة ولصوم برؤیة الدم................................ 369

متی تترک المبتدأة العبادة.................................................. 369

حکم من تری الدم ثلاثة ثم ینقطع ثم یعود قبل العاشر....................... 371

ص: 414

وجوب الاستظهار أو استحبابه؟.......................................... 371

جواز وطء الحائض قبل أن تغتسل........................................ 380

حکم من حاضت بعد دخول وقت الصلاة................................. 382

بحث فی أنّ القضاء تابع للأداء أو فرض مستأنف........................... 382

أحکام الحائض

عدم ارتفاع حدثها بالطهارة.............................................. 384

عدم صحّة الصوم منها................................................... 385

حرمة دخول المساجد إلاّ اجتیازاً.......................................... 385

حرمة قراءه العزائم وکراهة غیرها علیها................................... 386

وجوب السجدة علیها إذا قرأت أو سمعت آیة السجدة...................... 386

إشارة إلی أنّ حدیث أبان بن عثمان کالصحیح............................. 387

بحث حول ما ذکره الصدوق من عدم العمل بما رواه محمّد بن عیسی عن یونس متفرّداً 387

حرمة وطء الحائض..................................................... 388

حجّیة قول المرأة فی دعوی الحیض........................................ 388

جواز الاستمتاع بما عدا القُبل............................................. 389

مقدار الکفّارة بوطء الحائض............................................. 390

هل تتکرر الکفّارة بتکرّر الوطء؟......................................... 391

وجوب الغسل علی الحائض إذا طهرت.................................... 392

غسل الحیض

لزوم الوضوء مع غسل الحیض............................................ 393

بحث فی مراسیل ابن أبی عمیر............................................. 396

أدلّة القائلین بعدم وجوب الوضوء مع غسل الحیض والمناقشة فیها............. 397

استحباب الوضوء للحائض وذکر الله وقت کل فریضة............. 400 - 402

ص: 415

المجلد 2

هوية الکتاب

المؤلف: محمّد باقر الوحید البهبهانی

المحقق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم

الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم

المطبعة: ستاره

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاریخ النشر : 1420 ه-.ق

ISBN (ردمک): 964-319-170-2

ص: 1

اشارة

 المکتبة الإسلامیة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

[ غسل الاستحاضة ]

قوله : وما ذکره المصنف من الصفات خاصة. ( 2 : 7 ).

فیه ما ذکرناه سابقا فی الحیض (1).

قوله : وأمّا الخروج بفتور. فلم أقف له علی مستند. ( 2 : 8 ).

مستنده حسنة حفص البختری (2) حیث جعل فیها من خواص دم الحیض أن له دفعا ، والظاهر منها أن المرأة التی یستمر بها الدم وسئل عن حالها التی دمها دائر بین الحیض والاستحاضة ، کما لا یخفی علی من أمعن النظر فیها ، مضافا إلی أن الظاهر والغالب أن التی استمر بها الدم أمرها دائر بین الحیض والاستحاضة ، مع أنّ الظاهر من کون الدفع من خواص الحیض أن غیره لیس له دفع ، والاستحاضة غیر الحیض فلیس له دفع ،

الاستحاضة

صفات دم الاستحاضة

ص: 5


1- راجع ج 1 : 354 - 355.
2- الکافی 3 : 91 / 1 ، التهذیب 1 : 151 / 429 ، الوسائل 2 : 275 ، أبواب الحیض ب 3 ح 2.

وهو معنی الفتور ، وإن کان غیر الاستحاضة أیضا یکون کذلک ، والغرض کون الفتور من خواص الاستحاضة بالنسبة إلی الحیض لا القروح والجروح ، ونظر الفقهاء فی نقل الأوصاف والخواص إنما هو لتمییز الحیض عن الاستحاضة وبالعکس لا تمییزها عن القروح والجروح أیضا ، کما هو غیر خفی.

قوله : وکلام الأصحاب فی هذه المسألة غیر منقح. ( 2 : 8 ).

کلامهم منقح ، کما ذکرناه فی بحث الحیض (1) ، نعم ، مخالف لفهم الشارح والقاعدة التی قررها علی حسب فهمه ، ومما یشیر إلی فساد قاعدته أنه یظهر من الأخبار انحصار دم المرأة فی الحیض والنفاس والاستحاضة إذا لم یکن من قرح أو جرح ، فلئلا حظ ولیتأمّل.

ومع ذلک ، الدم الذی لا یجتمع فیه مجموع صفات الحیض ومجموع صفات الاستحاضة کثیر ، فتدبر.

قوله : وهی مع صحتها صریحة فی المدعی فیتعین العمل بها. ( 2 : 12 ).

تقیید جمیع الأخبار بما فی هذا الصحیح مع ما فیها من التعلیلات بعید جدا ، بل ربما لا یمکن ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : احتج المفید بروایة السکونی. ( 2 : 12 ).

ویشهد له ما ورد فی الاستبراء والعدة بحیضة ، أو حیضتین ، أو ثلاثة (2) ، فتأمّل.

ما قلّ عن ثلاثة وما تجاوز العشرة فهو استحاضة

ص: 6


1- راجع ج 1 : 353 - 356.
2- انظر الهوامش علی الحاشیة الآتیة ، وهذه الحاشیة لیست فی « ا ».

قوله : وصحیحة حمید بن المثنی. ( 2 : 12 ).

هذه لا دلالة لها علی مدعاهم ولم یجعلوها دلیلا ، بل الذی له دلالة ما ورد فی استبراء الجاریة (1) واستبراء الزنا (2) وعدّة الجاریة (3) والمتعة (4) وغیرهما ، وکونها بالحیض ، وأن العدة بالحیض ، وکذا الاستبراء لبراءة الرحم ، وأن بالحمل یرتفع الطمث ، أو بفساد الرحم والدم (5) ، وأن بانقضاء شهر یحصل الریبة ، ورد (6) فی تفسیر قوله تعالی ( إِنِ ارْتَبْتُمْ ) . (7) ، وکذا فی تسمیة الحیض استبراء ، کتسمیة مضی خمسة وأربعین یوما ، إلی غیر ذلک ، فلاحظ تلک الأخبار وتأمّل وتتبع الکل ، وهی فی کتاب النکاح ، والطلاق ، والبیع.

وفی الخبر : « إن الرجل یأتی جاریته فتعلق منه ، فتری الدم وهی حبلی فتری أن ذلک طمث فیبیعها فما أحب للرجل المسلم » الحدیث (8).

قوله : واحتج علیه بأن الحیض یعمل فیه بالعادة وبالأمارة. ( 2 : 16 ).

هذا وإن اقتضی أن تکون المضطربة أیضا ترجع إلیها إلاّ أن الفرض لا یتحقق هناک ، إذ ربما کان من قبیل المحال أن تکون عادة نسائها متفقة

حکم المبتدأة

رجوع المبتدأة إلی عادة نسائها أو أقرانها عند فقد التمییز

ص: 7


1- انظر الوسائل 18 : 257 ، أبواب بیع الحیوان ب 10 ح 1.
2- انظر الوسائل 22 : 265 ، أبواب العدد ب 44.
3- انظر الوسائل 22 : 256 ، أبواب العدد ب 40.
4- انظر الوسائل 22 : 277 أبواب العدد ب 53.
5- انظر الوسائل 22 : 224 أبواب العدد ب 25 ح 4 و 5.
6- الوسائل 2 : 292 ، أبواب الحیض ب 9 ح 1.
7- الطلاق : 4.
8- التهذیب 8 : 178 / 623 ، الوسائل 21 : 87 ، أبواب نکاح العبید والإماء ب 5 ح 1.

وعادتها عادة نسائها وتعلم ذلک ثم تنسی ، کما لا یخفی.

قوله : قال المصنف فی المعتبر : ونحن نطالب بدلیله فإنه لم یثبت. ( 2 : 17 ).

لعل القائل کان نسخة حدیثه المروی عن زرارة وابن مسلم : « أقرانها » بالنون ، وهذا هو الظاهر ، لکن یظهر بین الروایتین تعارض ، إلاّ أن یجمع بینهما بالتخییر أو (1) عند عدم النسب یرجع إلی الأقران : وکیف کان ، العمل علی المشهور ، لانجبار روایة سماعة بعمل الأصحاب.

قوله : لأنّ ذلک خلاف المتبادر من اللفظ. ( 2 : 18 ).

وإن کانت الإضافة تصدق بأدنی ملابسة ، لأنّ الصدق وصحة الإطلاق أمر ، ودلالة اللفظ عند عدم القرینة أمر آخر.

قوله : وقال المرتضی. ( 2 : 19 ).

( ویدل علیه أیضا [ ما روی ] (2) بسند معتبر عن الخزاز ، عن أبی الحسین علیه السلام ، أنّه سأله عن المستحاضة کیف تصنع إذا رأت الدم وإذا رأت الصفرة؟ فقال : « أقل الحیض ثلاثة ، وأکثره عشرة ، وتجمع بین الصلاتین » (3) (4).

وتدل ( علیه أیضا ) (5) مضمرة سماعة المتقدمة (6).

تحیّض المبتدأة بسبعة أیّام عند اختلاف نسائها

ص: 8


1- فی « ج » : و.
2- ما بین المعقوفین أثبتناه لاستقامة العبارة.
3- التهذیب 1 : 156 / 449 ، الاستبصار 1 : 131 / 450 ، الوسائل 2 : 291 ، أبواب الحیض ب 8 ح 4.
4- ما بین القوسین لیس فی : « ج » و « د ».
5- فی « ب » و « ج » و « د » : علی مذهبه.
6- فی المدارک 2 : 16.

ویؤیده اختلاف الأخبار فی التحدید ، وإن کان کل واحد من العدد من الثلاثة إلی العشرة یحتمل کونه آخره ویصلح له ، فیصح أن یؤخذ له حتی یثبت خلاف ذلک.

لکن الأولی أن تختار الستة أو السبعة ، لغایة قوة سند روایتهما ومتنها أیضا ، کما لا یخفی علی المتأمّل ، وأن تختار خصوص السبعة لما یظهر من آخر تلک الروایة.

قوله : ولا یخلو من قوة. ( 2 : 21 ).

فیه تأمّل ظاهر ، أمّا أصالة لزوم العبادة فقد مرّ ما فیه فی بحث اشتراط التوالی فی الثلاثة وغیره (1).

وأمّا الاستظهار فإن کان المراد منه الاحتیاط فلا بدّ من مراعاة الاحتیاط ، فکیف تکتفی بهذا الصوم؟ ومع ذلک کیف یجامعها الزوج ، وتدخل المسجد؟ إلی غیر ذلک ، وکیف تکتفی بالغسل الواقع بعد الثلاثة ، وتصلی وتصوم بخصوص هذا الغسل مطلقا ، إلی أن تحیض ثانیا؟

وإن أراد غیر الاحتیاط فلا نعلم معناه ولا وجهه. مع أنّ الحیض مستصحب حتی یثبت خلافه ، ومقتضی عموم قوله علیه السلام : « لا تنقض الیقین أبدا » (2) أیضا ذلک.

مع أن القاعدة الکلیة وهی : أن ما یمکن أن یکون حیضا فهو حیض ، مسلمة عنده ، بل هو الذی ادعی علیها الإجماع. مضافا إلی ما مر مما یصلح أن یصیر مستندا لها.

مع أن الروایة الواردة فی هذا الباب وإن کانت ضعیفة إلاّ أنّها معتبرة

ص: 9


1- راجع ج 1 : 362 - 364.
2- التهذیب 1 : 8 / 11 ، الوسائل 1 : 245 ، أبواب نواقض الوضوء ، ب 1 ح 1.

عند الأصحاب ، سیّما ما دل علی أنّها ترجع إلی عادة نسائها ، فإنها حجة عنده أیضا ، مع أنّ من لم یعمل بأخبار الآحاد عمل بها ، فیظهر أنها من الأخبار القطعیة عنده ، وأنّها من المشهورات المسلمات عند القدماء ، فتأمّل.

قوله : فإن توافقا فی الوقت أو مضی بینهما أقل الطهر فلا بحث. ( 2 : 21 و 22).

فیه : أن مقتضی العادة عدم کون التمیز فیه معتبرا ، لمنافاته لها ، لاقتضاء کون حیضها علی مقتضاها ، فتأمّل جدا.

قوله : ولما رواه محمّد بن مسلم. ( 2 : 23 ).

الشیخ وغیره لا تأمّل لهم فی کون الصفرة فی أیام العادة حیضا فی صورة عدم التجاوز عن العشرة ، إنّما کلامهم فی التجاوز ، فالاستدلال إنّما هو بإطلاق هذه الصحیحة ، فیمکنهم المعارضة بإطلاق ما دلّ علی اعتبار الصفة ، بل أکثره وارد فی صورة التجاوز ، بل وروایة إسحاق وردت فی التجاوز عن أیام العادة العددیة (1) ، فالأولی الترجیح بالأکثریة والأصحیة والأوضحیة فی الدلالة ، بل وفی قویة یونس تصریح بتقدیم العادة (2) ، وأن الاعتبار بالصفة إنما هو إذا لم تکن عادة یرجع إلیها ، وتعضده أیضا الشهرة فی الفتوی ، وکونها أقوی فی الدلالة.

قوله : وهو ضعیف. ( 2 : 23 ).

حکم ذات العادة

ذات العادة تجعل عادتها حیضاً وما سواه استحاضة

ص: 10


1- الکافی 3 : 91 / 3 ، التهذیب 1 : 151 / 431 ، الوسائل 2 : 275 ، أبواب الحیض ، ب 3 ح 3.
2- الکافی 3 : 83 / 1 ، التهذیب 1 : 381 / 1183 ، الوسائل 2 : 276 ، أبواب الحیض ، ب 3 ح 4.

إن کان الضعف من جهة إطلاق ما دل علی کون العادة أقوی ، ففیه :

أن الإطلاق ینصرف إلی الأفراد الغالبة ، والعادة المأخوذة من التمیز فی غایة القوة لو لم یکن من فروض الفقهاء ، فتأمّل.

قوله : وذهب الأکثر إلی أنّها تتخیر. ( 2 : 25 ).

ویمکن الاستدلال بروایة یونس الطویلة حیث قال : « تدع الصلاة قدر أقرائها أو قدر حیضها ». الحدیث (1) ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : وعلی القول برجوعها إلی الروایات. ( 2 : 26 ).

بناء علی أن قوله فی آخر مرسلة یونس : « فإن لم یکن الأمر کذلک ولکن الدم أطبق علیها فلم تزل الاستحاضة دارّة وکان الدم علی لون واحد وحال واحدة فسنّتها السبع والثلاث والعشرون. » (2) مطلق یشمل ما نحن فیه ، فلاحظ وتأمّل.

قوله (3) : أو تجعله نهایة عشرة. ( 2 : 27 ).

الصواب أن یکون الواو بدل أو ، کما فی کثیر من النسخ.

قوله : أما الأوّل فلضعف مستنده بالإرسال وبأن فی طریقه محمّد بن عیسی عن یونس. ( 2 : 28 ).

لا ضرر أصلا ، لانجباره بعمل الأصحاب ، سیّما هذا العمل ، مع أنّ المرسل یونس بن عبد الرحمن ، فلا ضرر فی مرسلته ، ولا ضرر أیضا من جهة محمّد بن عیسی عن یونس ، لاتفاق علماء الرجال والحدیث والفقهاء والمجتهدین علی عدم الضرر ، نعم تأمّل فیه الصدوق وشیخه (4) ، وطعن

حکم المضطربة إذا فقدت التمییز

حکم ذاکرة العدد ناسیة الوقت
حکم ذاکرة الوقت ناسیة العدد
بحث رجالی حول محمّد بن عیسی عن یونس

ص: 11


1- الکافی 3 : 83 / 1 ، الوسائل 2 : 281 أبواب الحیض ب 5 ح 1.
2- الکافی 3 : 83 / 1 ، الوسائل 2 : 288 أبواب الحیض ب 8 ح 3.
3- هذه الحاشیة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».
4- انظر رجال النجاشی : 333 / 896.

علیهما بعض علماء الرجال (1) بأن محمّد بن عیسی کان علی العدالة ، فلا وجه لاستثنائه ، فتدبر.

وربما توهّم أن الرجوع إلی الروایة مخصوص بالمبتدئة ، ولیس کذلک ، لما یظهر بالتأمّل فی آخر هذه الروایة.

قوله : وعملا بالأصل فی لزوم العبادة وهو متجه. ( 2 :29 ).

قد عرفت أن هذا الأصل لا أصل له أصلا ، ولا اتجاه فیما ذکره ، سیما بعد ما عرفت من الروایة التی هی حجة ، ونقل الإجماع ، وعدّ ذلک من المعروف من المذهب.

قوله : أن لدم الاستحاضة. ( 2 : 29 ).

فی الفقه الرضوی : « فإن لم یثقب الدم الکرسف صلت کل صلاة بوضوء ، وإن ثقب ولم یسل صلت صلاة اللیل والغداة بغسل واحد ، وسائر الصلوات بوضوء ، وإن ثقب وسال صلت صلاة اللیل والغداة بغسل ، والظهر والعصر بغسل ، تؤخر الظهر قلیلا وتعجل العصر ، وتصلی المغرب والعشاء بغسل ، تؤخر المغرب قلیلا وتعجل العشاء ، ومتی ما اغتسلت علی ما وصفت حل لزوجها وطؤها » (2).

وروی الشیخ فی کتاب الحج ، عن موسی بن القاسم ، عن العباس عن ابان ، ( هذه کالصحیحة باعتبار أبان ، بل صحیحة ، کما حققناه فی

حکم ناسیة الوقت والعدد
أقسام الاستحاضة وأحکامها : الاستحاضة القلیلة

ص: 12


1- هو أبو العباس بن نوح علی ما حکی عنه تلمیذه النجاشی فی الرجال :348 / 939.
2- فقه الرضا علیه السلام : 193 ، المستدرک 2 : 43 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1 ، و 2 : 45 ، ب 3 ح 1 ، بتفاوت یسیر.

الرجال ) (1) عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ، عن المستحاضة أیطأها زوجها ، وهل تطوف بالبیت؟ قال : « تقعد قرأها الذی کانت تحیض فیه ، فإن کان مستقیما فلتأخذ به ، وإن کان فیه خلاف فلتحتط بیوم أو یومین ،

سل ، ولتستدخل کرسفا ، فإذا ظهر علی الکرسف فلتغتسل ، ثم تضع کرسفا آخر ثم تصلی ، فإذا کان دما سائلا فلتؤخر الصلاة إلی الصلاة ، ثم تصلی صلاتین بغسل واحد ، وکل شی ء استحلت به الصلاة فلیأتها زوجها ولتطف بالبیت » (2).

وستجی ء صحیحة نعیم وصحیحة زرارة ووجه دلالتهما.

وفی الموثق کالصحیح بیونس بن یعقوب - بل هو ثقة علی الأظهر عند الشارح - قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : امرأة رأت الدم فی حیضها حتی جاوز وقتها ، متی ینبغی لها أن تصلی؟ قال : « تنتظر عدتها التی کانت تجلس ثم تستظهر بعشرة أیام ، فإن رأت الدم دما صبیبا فلتغتسل فی وقت کل صلاة » (3) شرط علیه السلام فی الاغتسال فی وقت کل صلاة کون الدم صبیبا ، والمشروط عدم عند عدم شرطه ، فلا یکفی مجرد الثقب.

وفی الصحیح أیضا ، عن یونس ، عن الصادق علیه السلام ، عن امرأة ولدت فرأت الدم أکثر مما کانت تری ، قال : « فلتقعد أیام قرئها ثم تستظهر بعشرة ، فإن رأت دما صبیبا فلتغتسل عند وقت کل صلاة ، وإن رأت صفرة فلتتوضأ ولتصل » (4) ، والتقریب ما تقدم ، وعدم التعرض للمتوسطة غیر مضر ، کما

ص: 13


1- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و» ، وانظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 17 ، 18.
2- التهذیب 5 : 400 / 1390 ، الوسائل 2 : 375 ، أبواب الاستحاضة ، ب 1 ح 8.
3- التهذیب 1 : 402 / 1259 ، الاستبصار 1 : 149 / 516 ، الوسائل 2 : 376 ، أبواب الاستحاضة ب 1 ح 11.
4- التهذیب 1 : 175 / 502 ، الاستبصار 1 : 151 / 522 ، الوسائل 2 : 383 ، أبواب النفاس ب 3 ح 3.

ستعرف.

وفی الصحیح أیضا ، عن أبی بصیر ، عن الصادق علیه السلام ، عن المرأة تری الدم - إلی أن قال علیه السلام - : « فإذا تمت ثلاثون یوما فرأت دما صبیبا اغتسلت ، واستثفرت ، واحتشت بالکرسف فی وقت کل صلاة ، فإذا رأت صفرة توضأت » (1) والتقریب أیضا ما تقدم.

وفی موثقة سماعة عنه علیه السلام : « وغسل الاستحاضة واجب ، وإذا احتشت بالکرسف فجاز الدم الکرسف فعلیها الغسل لکل صلاتین ، وللفجر غسل ، فإن لم یجز الکرسف فعلیها الغسل کل یوم مرة ، والوضوء لکل صلاة ، هذا إذا کان عبیطا ، وإن کان صفرة فعلیها الوضوء » (2).

وظاهرها تجاوز الدم عن الکرسف إلی غیره مثل الخرقة فی صورة الأغسال الثلاثة ، ولعل الظاهر من عدم التجاوز إلی الغیر وقوع الثقب ، إلاّ أنه لم یتعد إلی الغیر ، وعلی تقدیر الشمول خرجت القلیلة بالنص والإجماع.

ونسب إلی ابن الجنید القول بالغسل الواحد فیها أیضا (3) ، وفی بعض الأخبار (4) إشعار بمذهبه ، فلعله محمول علی الاستحباب ، أو برفع الید عن الإشعار.

وقوله علیه السلام : « وإن کان صفرة. » لعله محمول علی کونه من جهة

ص: 14


1- التهذیب 1 : 380 / 1180 ، الوسائل 2 : 286 ، أبواب الحیض ب 6 ح 3.
2- الکافی 3 : 40 / 2 و 89 / 4 ، التهذیب 1 : 104 / 270 ، و 170 / 485 ، الوسائل 2 : 173 أبواب الجنابة ب 1 ح 3 ، و 374 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 6.
3- نسبه إلیه فی المختلف 1 : 210.
4- الکافی 3 : 99 / 4 ، التهذیب 1 : 173 / 496 ، الوسائل 2 : 373 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.

القلة ، ولأنّ الغالب فی القلیلة الصفرة ، والغالب فی ما کان عبیطا الکثرة ، أو أن المراد منها إذا کانت قلیلة ، وأن القید یظهر من الدلیل الخارج ، کما هو الطریقة فی الأدلة الفقهیة ، سیّما أحادیث الاستحاضة ، إذ بعضها ورد متضمنا للأغسال الثلاثة علی الإطلاق (1) ، وبعضها الوضوء کذلک ، علی ما هو ببالی (2) ، فلیلاحظ.

وبالجملة : ورد غیر واحد من الروایات فی أن الصفرة فیه الوضوء ، فلیلاحظ.

قوله : أما وجوب تغییر القطنة فعلّل بعدم العفو عن هذا الدم. ( 2 : 30 ).

یظهر من بعض الأخبار عدم العفو ، حیث قال علیه السلام : « اغتسلت واستثفرت واحتشت بالکرسف وقت کل صلاة » (3) ( وفی روایة إسماعیل الجعفی : « فإذا ظهر الدم أعادت الغسل وأعادت الکرسف » (4) ، فتأمّل ) (5) ، ولیس متن ( الحدیثین ) (6) ببالی ، لکنه بهذا المضمون.

وفی صحیحة ابن سنان : « فتستدخل قطنة بعد قطنة » (7) ، وتغییر

ص: 15


1- انظر الوسائل 2 : 376 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 12.
2- انظر الوسائل 2 : 376 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 13.
3- راجع ص 14 هامش 1.
4- التهذیب 1 : 171 / 488 ، الاستبصار 1 : 149 / 512 ، الوسائل 2 : 375 ، أبواب الاستحاضة ب 1 ح 10.
5- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».
6- فی « ب » و « ج » و « د » : الحدیث.
7- لم نعثر علی ورودها من ابن سنان ووردت فی صحیحة صفوان ، أنظر الکافی 3 : 90 / 6 ، الوسائل 2 : 372 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 3.

الخرقة ربما یکون من باب القیاس بطریق أولی (1) ، ( ویدل علی وجوب تغییر القطنة صحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله (2) التی ذکرنا ) (3).

قوله : تصلی کل صلاة بوضوء. ( 2 : 30 ).

ظهور الدلالة إنما هو من تنکیر لفظ الصلاة والوضوء فی الحدیثین ، فتأمّل.

قوله : وترک الوضوء یدل علی عدم وجوبه. ( 2 : 30 ).

لعل مراده أن ترک التعرض لذکر مستحاضة یکون علیها الوضوء یدل علی عدم تحققها ، إذ لو کانت لقال : لو لم یثقب دمها الکرسف تتوضأ لکل صلاة ، ولو ثقب تغتسل ، لأنّ المقام مقام بیان الأحکام المختصة بها ، فحیث اقتصر علی الغسل ظهر أن الحکم المختص بها الذی یجب التعرض فی مقام حکمها هو الغسل لا الوضوء لکل صلاة أیضا.

والحاصل أنّ قوله علیه السلام : « المستحاضة تغتسل » ، فی قوة القول بأن الاستحاضة سبب للغسل ، فلو کان سببا للوضوء أیضا وإن کان فی صورة ما ، لما اقتصر علی ذکر الغسل ، وحیث علم بالأخبار والإجماع أن القلیلة لیست سببا للغسل ظهر أنها لیست سببا للوضوء أیضا ، وابن الجنید رحمه الله وإن حکی عنه أنه قائل بوجوب الغسل فی القلیل أیضا فهو غیر مطّلع علی قوله ، مع أنّه لا یضر خروج معلوم النسب ، مع أنّه یقول بالغسل الواحد فیها لا الأغسال الثلاثة ، وحمل کلامه علی ما ذکرنا أولی منه علی ما ذکره الشارح رحمه الله إذ فساده غیر خفی علی ذی عقل ، فضلا عن مثله.

ص: 16


1- فی « ب » و « ج » و « د » زیادة : تأمّل.
2- راجع ص 13.
3- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و».

والجواب عنه بأن المستحاضة فی هذا الخبر مخصصة بغیر القلیلة قطعا ، کما ذکر ، ولعلها لها حکم آخر لم یتعرض فی المقام.

وبالجملة : لو لم یکن دلیل یدل علی أن القلیلة سبب للوضوء ومن جملة موجباته أمکن الاستناد إلی هذه الصحیحة فی الجملة ، للحکم بعدم السببیة فیها ، فتأمّل.

قوله : قال : المستحاضة تنتظر أیامها. ( 2 : 32 ).

فی ذیل هذه الروایة ما یمکن أن یجعل قرینة علی إرادة الکثیرة ، وهو أنه علیه السلام قال بعد ذلک : « وتحتشی وتستثفر ولا تحنی وتضم فخذیها فی المسجد وسائر جسدها خارج » (1).

قوله : « تحتشی » فسر بربط خرقة محشوة بالقطن للتحفظ من تعدی الدم ، فظهر من هذه أن بعد الاحتشاء والاستثفار تربط الخرقة المذکورة.

وفی بعض النسخ : « تحتبی » أی تجمع الساقین والفخذین إلی الظهر بعمامة لأجل زیادة تحفظها من خروج الدم.

مع أن قوله علیه السلام : « تضم فخذیها فی المسجد » یکفی للإشارة والقرینة ، وکذا المنع عن صلاة التحیة أو عن الاحتباء أو عن الانحناء ، والمنع عن دخولها المسجد لیس إلاّ من خوف تلویث المسجد.

مع أن الإطلاق فی الثقب ربما ینصرف إلی الفرد الکامل ، کما هو مسلم فی الإطلاقات ، ویظهر من بعض الاخبار أنّهم علیهم السلام أطلقوا لفظ الثقب وأرادوا التجاوز ، فلاحظ.

هذا ، مضافا إلی الأخبار الکثیرة والشهرة العظیمة ، کما عرفت.

الاستحاضة المتوسطة

ص: 17


1- الکافی 3 : 88 / 2 ، التهذیب 1 : 106 / 277 ، الوسائل 2 : 371 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.

وعدم التعرض للمتوسطة غیر مضر لأن جلّ أخبار المستحاضة قاصرة فی ذکر بعض منها ، والمقامات کانت متفاوتة. مع أن المتوسطة من الأفراد النادرة ، کما سنشیر إلیه ، وإطلاق الأخبار یحمل علی الغالب.

قوله : خرج منها من لم یثقب دمها الکرسف بالنصوص المتقدمة فیبقی الباقی. ( 2 : 32 ).

فیه ما أشرنا [ إلیه من ] (1) أنّ أخبار باب المستحاضة عامتها وغالبها لا تخلو عن قصور ، و [ ما أشرنا إلیه من ] (2) وجه القصور.

مع أن فی صدر الروایة فی طریق الشیخ : « المرأة المستحاضة التی لا تطهر تغتسل عند کل صلاة » الحدیث ، وربما یکون فیه إیماء إلی الکثیرة ، لأنّ الغالب بحسب الظاهر أنّها التی لا تطهر ویدوم دمها ویستمر ، مع أن الکثرة مظنة الدوام والقلة فی معرض الانقطاع ، کالمتوسطة. وفی کتب اللغة أنّ المستحاضة من یسیل دمها من عرق العاذل ، وهذا ظاهر فی الکثرة ، مع أنّ المطلق ینصرف إلی الکامل ، فتأمّل ویؤیده عدم ذکر القلیلة.

مع أنه علی تقدیر العموم الضعیف وردت مخصصات کثیرة عرفت بعضها وستعرف ، متأیدة بعمل الأصحاب والشهرة العظیمة وأصالة البراءة عن التکالیف الکثیرة الزائدة والأوفقیة إلی الملة السهلة السمحة. مع أنّه « ما من عام إلاّ وقد خص » من المسلّمات المشهورة ، سیّما العموم الذی یکون من المفرد المحلّی باللام ، حیث لم یوضع للعموم ولا عموم فیه لغة.

مع أنّ المتوسطة ربما تکون أقل وجودا ، لاشتراط الثقب مع عدم التجاوز ، إذ الغالب أنّه إن ثقب تجاوز ، ولعله لهذا لم یتعرض لذکرها

ص: 18


1- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.
2- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.

بالخصوص فی صحیحة معاویة وما ماثلها ، فتأمّل.

مع إمکان حملها علی الاستحباب بالنسبة إلیها.

مع أنّ الشارح رحمه الله ومن وافقه کثیرا ما یعترضون بأن الجملة الخبریة لیست حقیقة فی الوجوب أو صریحة فیه ، بل ربما یتأملون فی الدلالة.

مضافا إلی أنّ المقام لا بدّ فیه من ارتکاب خلاف الظاهر قطعا ، فکون التخصیص بما ذکره الشارح أولی من الحمل علی الطلب مع وجود ما أشرنا محل تأمّل. مع أنّه لا یخفی علی المتأمّل أن هذا المقام الإجمال لا التفصیل ، وکذا الکلام فی صحیحة صفوان الآتیة.

قوله : احتج المفصلون. ( 2 : 33 ).

عبارة الفقه الرضوی (1) صریحة فی مذهبهم ، وموثقة سماعة (2) ظاهرة فیه ، وکذا کل خبر یتضمن لکون الشرط فی الأغسال الثلاثة کون الدم صبیبا ومثل هذه العبارة ( وقد تقدم الکلام ) (3).

قوله : والجواب عن الروایة الأولی : أنّ موضع الدلالة فیها. ( 2 : 33 ).

لیس کذلک ، بل موضع الدلالة قوله علیه السلام : « فإن کان الدم فیما بینها وبین المغرب لا یسیل من خلف الکرسف فلتتوضأ ، ولتصل عند وقت کل صلاة » فإنه نص فی أنّه ما لم یتحقق السیلان من خلف الکرسف لم یکن علیها غسل لصلاة المغرب والعشاء بل تتوضأ لکل واحدة منهما ، وهذا

ص: 19


1- راجع ص 12.
2- راجع ص 14.
3- ما بین القوسین لم یرد فی « ب » و « ج » و « د ».

شامل للمتوسطة یقینا ، وهو الموافق للمشهور وحجة علی الشارح وشیخه.

وکذا قوله علیه السلام : « فإن کان الدم إذا أمسکت الکرسف. » فإنه ظاهر فی أنّ الغسل ثلاث مرات مشروط بالسیلان من خلف الکرسف ، سیما بعد ملاحظة العبارة الأولی ، إذ یظهر أنّ هذه العبارة فی مقابل الأولی ، وأنّ هذا الشق شق مقابل للأولی. وأمّا قوله : « صبیبا » تأکید وتوضیح للسیلان ، لأنّه المحقق له غالبا ، وتأکید أیضا فی أنّ الثلاثة الأغسال لیست فی صورة عدم السیلان ، وأنّه ما لم یتحقق السیلان لا یکون البتة ، ولا یکون بمجرد الظهور البتة (1) ، وحیث ثبت بالدلالة الواضحة المتعددة المتأکدة انحصار الأغسال الثلاثة فی الکثیرة ثبت مذهبهم وبطل مذهب الخصم ، وثبت کون المتوسطة - کما یقول به المفصلون - موافقا للقلیلة فی المغرب والعشاء ، وللإجماع علی کونها حدثا والإجماع علی کونها مغایرة للقلیلة بحسب الحکم ، والإجماع بل والضرورة فی أنّها لیست لها حکم آخر ، وکل ذلک من مسلّمات الخصم أیضا.

وأمّا قوله علیه السلام : « وإن طرحت الکرسف. » ظاهر فی أن المراد السیلان فی صورة طرحها الکرسف ، لا فی صورة إمساکها الکرسف ، ولا خفاء فی ذلک علی من له أدنی تأمّل وملاحظة فی الحدیث.

فالمستفاد منه أن عدم الغسل فی صورة عدم السیلان سواء أمسکت الکرسف أم لا ، وفی صورة السیلان یکون الغسل البتة ، أما مع الإمساک فثلاثة أغسال ، وأمّا مع عدمه وجب علیها الغسل ، وفیه إجمال لا یضر المستدل أصلا بلا شبهة ، بل ینفعه ، فإنّ المراد غسل صلاة المغرب

ص: 20


1- لیس فی « ج » و « د ».

والعشاء ، کما هو مقتضی السیاق.

فهذه أیضا دلالة أخری علی مراد المشهور علی ما اعترف من أنّ هذا الغسل لأجل السیلان وبشرطه.

بل لو رفعنا الید من السیاق أیضا ینفعه ، بأنّ المراد غسل واحد ، کما هو ظاهر لفظة المفرد ، مع أنّه لم یعرف من الفقهاء مساواته للأوّل مع أنّه مع عدم الکرسف یتحقق السیلان بأدنی دم.

مع أنّه لا یخفی أن المتعارف فی النساء أنهن فی صورة کثرة السیلان وزیادته وشدته یمسکن الکرسف البتة ولا یترکنه صونا لأثوابهن من الدم وفساده وتخریبه ، فالسیلان بلا کرسف سیلان سهل قلیل ، ولعله مساوق للظهور من خلف الکرسف فی صورة الإمساک واقعا أو بحسب الظن والظهور ، وعدم الإشعار لکون الغسل للفجر غیر مضر ، للإجماع علی کونه له ، فلعل المقام کان مع قرینة ، أو کان المقام مقام إجمال لهذا المعنی أو کان هذا المعنی واضحا فی ذلک الزمان أو عند الراوی ، وهو الثقة الجلیل ، کما هو الحال فی سائر الأخبار ، لأن الأمر والبناء فیها علی التعارض والجمع ، ولا بدّ من أن یکون حال الراوی فی المعارض المؤوّل علی ما أشرنا وإلاّ لا یستقیم.

علی أنّه لو وقع فی المقام حدیث صحیح صریح فی أنّه علیها الغسل لخصوص الفجر لکان الشارح رحمه الله یحمل الغسل فی هذا الحدیث علیه البتة ، وأیّ فرق بین الحدیث والإجماع فی هذا؟ بل کثیر من المواضع یعتنون بالإجماع من دون تأمّل حتی من الشارح رحمه الله أیضا.

علی أنّه غایة ما یکون أن فی هذا الأمر إجمالا ، وهذا لا یضر الاستدلال بصدر الخبر وذیله ، کما أشرنا ، لعدم توقف دلالتهما علیه.

ص: 21

ویمکن أن یقال : إنّه علیه السلام أمر بإیجاد الغسل ، والألف واللام ظاهر فی الجنس وحقیقة فی الحقیقة ، وإیجاد الحقیقة یتحقق فی ضمن فرد ، کما حقق فی محله ، وظاهر أن الغسل لأجل الصلاة ، فیکون مقدما علیها ، فحیث لم یعین الصلاة یکون المراد جمیع الصلوات الیومیة ، مثل قولهم : زید یعطی ویمنع.

قوله : فإنّ موضع الخلاف ما إذا لم یحصل السیلان. ( 2 : 33 ).

الدلالة علی أی تقدیر واضحة : لأنه علیه السلام جعل السیلان شرطا ، فعلی تقدیر حمل الغسل علی الجنس یکون دلالتها للمشهور فی غایة الوضوح أیضا ، ( مع أنک عرفت أن الظاهر من السیاق غسل صلاة المغرب والعشاء وقد عرفت الحال ) (1).

قوله : وعن الروایة الثانیة أنّها قاصرة من حیث السند بالإضمار. ( 2 : 33 ).

هذا الاعتراض منه فی غایة السقوط ، لتصریحه رحمه الله غیر مرّة بأنّ أمثال هذه الإضمارات لا ضیر فیها أصلا (2).

علی أنّ هذا الحدیث علی ما وجدت فی التهذیب لا إضمار فیه ، بل قال : عن زرارة عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : قلت له : النفساء. الحدیث ، ولیس عندی غیر التهذیب. ویحتمل أن یکون زرارة روی هذا الحدیث عن الباقر علیه السلام أیضا ، لأنّ الشیخ نبّه فی موضع آخر علی ما ذکرنا ، لأنّه قال بعد ذلک بصفحة تقریبا : وقد مضی حدیث زرارة (3).

إشارة إلی أنّ الشهرة جابرة لضعف الروایة

ص: 22


1- لم یرد ما بین القوسین فی « ب » و « ج » و « د ».
2- انظر المدارک 1 : 106 و 8 : 407.
3- التهذیب 1 : 175.

ولم یتقدم ما یصلح لذلک سوی الخبر المذکور. مع أنّ الشارح رحمه الله سیذکر عن قریب صحیحة زرارة (1) مریدا هذا الخبر ، وکیف کان ، لا وجه لهذا الطعن أصلا ( سیّما بعد انجبارها بالشهرة بین الأصحاب ) (2).

قوله : ومن حیث المتن بأنّها لا تدل علی ما ذکروه نصّا. ( 2 : 33 ).

فیه تنبیه علی وجود دلالة بحسب الظاهر ، وهو کذلک ، فإنّ الظاهر کون الغسل الواحد غیر غسل النفاس ، بل کالصریح ، لأنّه أمر أوّلا بغسل النفاس فقال لها بعد ما اغتسلت للنفاس : إن جاز دمها تغتسل ثلاثة أغسال ، وإن لم یجز صلّت بغسل واحد ، ولو کان المراد غسل النفاس لکان یقول : صلّت بذلک الغسل ، بل قد لا یحتاج إلی ذکر هذه العبارة بعد ما ذکر بأنّها تغتسل للنفاس وتفعل کذا وکذا.

مع أنّ ما ذکرنا متأیّد بأنّ القسمین المتردد بینهما مذکوران بکلمة الفاء الدالة علی التعقیب ، فیکون کلاهما عقیب غسل النفاس وما بعده ، وأیضا متأیّد بقرینة المقابلة وتقیید الغسل بالوحدة ، وظهور أنّ المراد من الصلاة فی قوله : « صلّت بغسل واحد » هی الصلوات الخمس المذکورة لا مطلق الصلوات. مع انّه لم یعهد تعلیق الصلاة بغسل الحیض أو النفاس وإضافتها ونسبتها إلیهما.

مع أنّ تنکیر لفظ الغسل یشهد علی کون هذا الغسل غیر غسل النفاس المذکور.

وأیضا تقییده بالوحدة شاهد آخر ، فإنّ غسل النفاس المذکور لا شبهة

الخدشة فی أدلّة القائلین بالتسویة بین المتوسطة والکثیرة

ص: 23


1- المدارک 2 : 35.
2- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

فی کونه واحدا.

وتؤیّد الظهور عبارة الفقه الرضوی التی أشرنا إلیها (1) ، وصحیحة الحسین المذکورة ( وغیر ذلک ممّا ذکرناه فی صدر المبحث ، وکذا ) (2) الشهرة بین الأصحاب وفهمهم حیث استدلوا بها لمطلوبهم ، فتأمّل.

هذا ، ولا یخفی أنّ الظهور کاف للاستدلال ولا یحتاج إلی النصّیة.

علی أنّا نقول : موضع الدلالة هو قوله علیه السلام : « فإن جاز. » حیث شرط للأغسال الثلاثة جواز الدم عن الکرسف ، وفرق بینه وبین ثقب الکرسف ، فإنّ الجواز هو التعدی عن الشی ء والوصول إلی شی ء آخر.

والجواب عن قوله : فإنّ الغسل. کما مرّ ، مضافا إلی أنّ إیجاد الصلاة بغسل ، ظاهر فی کون الغسل قبلها ، فالصلوات الخمس بغسل ظاهر فی کون الغسل قبل الجمیع ، فیظهر کونه قبل صلاة الفجر ، فتدبّر.

وأمّا عدم ذکر الوضوءات فمشترک الورود ، بل ضرره علی الشارح رحمه الله أزید. والجواب أنّ المقام فیه مقام إجمال ، والاحتیاط واضح بحمد الله.

قوله : تمسکا بعموم قوله تعالی. ( 2 : 34 ).

شموله لما نحن فیه محل تأمّل ، لکونه من الأفراد التی لا ینساق الذهن إلیها عند الإطلاق ، ولا عموم لغة ، مع أنّ شموله للنساء من الإجماع ولم یتحقّق فی المقام ، فتأمّل.

قوله : مضافا إلی العمومات الدالة علی ذلک. ( 2 : 35 ).

صحیحة معاویة بن عمار ونظائرها کالنص فی عدم الوضوء لصلاة العصر والعشاء ، وصدرها ذکرها الشارح ، وفی ذیلها : « وإن کان الدم

الاستحاضة الکثیرة
عدم وجوب الوضوء مع کلّ غسل فی الاستحاضة الکثیرة

ص: 24


1- راجع ص 12.
2- ما بین القوسین ساقط من « ب » و « ج » و « د ».

لا یثقب الکرسف توضأت ( ودخلت المسجد وصلّت کل صلاة بوضوء » (1) وبقرینة المقابلة یظهر أنّ الکثیرة لا تتوضأ ) (2) لکل صلاة وأمّا الوضوء مع الغسل فقد مرّ الکلام والتحقیق فیه (3).

قوله : والثانی : لا ، للأصل. ( 2 : 36 ).

والأقوی هو الأوّل ، لأنّ هذا الدم حدث عندهم ، ولأنّ الظاهر من الأخبار أیضا ذلک ، فیظهر من هذا تعقیب الصلاة له ، وإن لم یذکر صریحا فی الأخبار ، کما لم یذکر بالنسبة إلی الغسل أیضا ، لأنّه یفهم من الأخبار کذلک.

قوله : والأظهر جواز دخولها المساجد. ( 2 : 37 ).

لعل نظر من منع دخولها إلی بعض الروایات ، مثل صحیحة معاویة ابن عمار السابقة ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : وفی السند ضعف وفی المتن احتمال. ( 2 : 38 ).

قد ذکرنا فی مسألة بیان أقسام الاستحاضة روایة عبد الرحمن بن أبی عبد الله (4) ، وهی کالصحیحة ، بل صحیحة ، فی آخرها : « وکل شی ء استحلت به الصلاة فلیأتها زوجها » ، ولا یتمشی فیها التوجیه الذی ذکره الشارح ، فیمکن الحمل علی الاستحباب أو تقیید الأدلة السابقة بها ، والأحوط الثانی ، ویؤیده الخبران المذکوران ، لأنّ ما ذکره الشارح رحمه الله لا یخلو عن مخالفة ما للظاهر.

هل تجب مقارنة الغسل والوضوء للصلاة؟
جواز دخول المستحاضة المساجد
حکم وطء المستحاضة

ص: 25


1- الکافی 3 : 88 / 2 ، التهذیب 1 : 106 / 277 ، الوسائل 2 : 371 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.
2- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
3- راجع ج 1 : 393 - 394.
4- راجع ص 13.

وروی الشیخ والکلینی ، عن عثمان بن عیسی ، عن سماعة ، قال : قال : « المستحاضة إذا ثقب الدم الکرسف اغتسلت لکل صلاتین وللفجر غسلا ، فإن لم یجز الدم الکرسف فعلیها الغسل کل یوم مرّة ، والوضوء لکل صلاة ، وإن أراد زوجها أن یأتیها فحین تغتسل » (1).

بل نقول : فی دلالة الآیة والصحیحتین تأمّل ، أمّا الآیة فلأنّ الظاهر منها رفع الحظر الذی کان من جهة الحیض ، والغالب عدم حظر آخر ، وأمّا الروایة فلأنّ المعصومین علیهماالسلام أمرا فیهما بأن تعمل المستحاضة عمل الاستحاضة من الأغسال الثلاثة ، ثم بعد ذلک ذکرا ما ذکره الشارح رحمه الله من قوله : ویأتیها زوجها إن شاء. فتأمّل. وبالجملة : الدلالة فی غایة الضعف بالقیاس إلی دلالة ما ذکرناه ، فتأمّل.

ومرّت عبارة الفقه الرضوی (2) فإنّها صریحة فی أنّ شرط الحلیة العمل بالأغسال ، ویظهر منها عدم الاشتراط بالوضوء فی القلیلة.

( وروی الکلینی بسنده إلی أبی عبیدة وفیه سهل ، سأل (3) عن الصادق علیه السلام عن الحائض تری الطهر فی السفر ، ولیس معها من الماء ما یکفیها لغسلها - إلی أن قال - : فیأتیها زوجها فی تلک الحال؟ قال : « نعم ، إذا غسلت فرجها وتیممت فلا بأس » (4) (5).

ص: 26


1- الکافی 3 : 89 / 4 ، التهذیب 1 : 170 / 485 ، الوسائل 2 : 374 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 6.
2- راجع ص 12.
3- أثبتناه من « و».
4- الکافی 3 : 82 / 3 ، التهذیب 1 : 400 / 1250 ، الوسائل 2 : 312 أبواب الحیض ب 21 ح 1.
5- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

قوله (1) : والأصل فیه. ( 2 : 38 ).

الکلام فیه ما ذکرناه فی صدر الکتاب (2).

قوله : مدفوع بعموم الإذن. ( 2 : 42 ).

فی العموم نظر ، لأنّ فرض العلم بالانقطاع فرض نادر.

قوله : قال المصنف فی المعتبر. ( 2 : 43 ).

لکن ظاهره عدم کون الدم الخارج مع الولد - أی مع ظهور شی ء منه - نفاسا ، فتأمّل.

قوله : وقال فی الذکری :. ( 2 : 43 ).

ولعلّ نظرهم فی ذلک وفی ما سبق إلی ما یظهر من الأخبار - مضافا إلی الاعتبار - : أنّ دم الحیض یحبس لتکوّن الولد ولغذائه ، وربما یزید فیهراق ، فإذا علم أنّه مبدأ نشوء الآدمی علم أنّ هذا الدم هو المحبوس لتکوّن الولد وغذائه وخرج ، فعلم شرعا وعرفا أنّه النفاس ، وظهر أنّه لا دم سوی الحیض ، أو الاستحاضة ، أو النفاس ، أو العذرة ، أو القروح. لکن لا یخلو بعد من تأمّل فی کونه مسمّی بالنفاس عرفا وشرعا بحیث ینصرف الإطلاق إلی مثله أیضا ، فتأمّل. وسیجی ء عن الشارح أنّ النفاس حیض فی المعنی ، ولذا قال : أقصاه عشرة للمبتدئة (3).

قوله : ولما رواه علی بن یقطین. ( 2 : 44 ). فی الاستدلال بها تأمّل.

قوله : وفی اشتراط تخلّل أقل الطهر بینه وبین النفاس قولان ،

غسل النفاس

معنی النفاس

حکم من تری الدم قبل الولادة

ص: 27


1- هذه الحاشیة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».
2- راجع ج 1 : 32.
3- المدارک 2 : 48.

أظهرهما العدم. ( 2 : 44 ).

الأخبار کادت تبلغ حدّ التواتر فی أنّ النفساء بعد نفاسها تصیر مستحاضة تعمل عملها وتصلی (1) ، من دون تفصیل أصلا ، نعم فی بعض الأخبار أنّ الدم إن کان أصفر تعمل عمل الاستحاضة (2) ، لکن لیس عملهم علیه.

وفی الموثق کالصحیح عن أبی الحسن علیه السلام ، فی امرأة نفست وترکت الصلاة ثلاثین یوما ، ثم تطهرت ، ثم رأت الدم بعد ذلک ، قال : « تدع الصلاة لأنّ أیّامها أیّام الطهر قد جازت مع أیّام نفاسها » (3).

ویؤیّده ما سیجی ء من اشتراک النفاس مع الحیض فی جمیع الأحکام إلاّ ثلاثة ، ولعل ( مراد العلاّمة ) (4) خصوص الحیض المتقدم علی النفاس مع النفاس ، لا المتأخر أیضا ، (5) تأمّل فیه.

قوله : وأکثر النفاس عشرة. ( 2 : 45 ).

فی الفقه الرضوی : « والنفساء تدع الصلاة أکثره مثل أیّام حیضها ، وهی عشرة أیّام ، وتستظهر بثلاثة أیّام ثم تغتسل ، وقد روی ثمانیة عشر یوما ، وروی ثلاثة وعشرین ، وبأیّ هذه الأحادیث أخذ جاز » (6) انتهی.

أکثر النفاس

ص: 28


1- انظر الوسائل 2 : 382 أبواب النفاس ب 3.
2- انظر الوسائل 2 : 387 أبواب النفاس ب 3 ح 16 ، وب 5 ح 2.
3- الکافی 3 : 100 / 1 ، التهذیب 1 : 402 / 1260 ، الوسائل 2 : 393 أبواب النفاس ب 5 ح 1.
4- فی « ا » : مراده.
5- فی « ج » و « د » زیادة : لا.
6- فقه الرضا علیه السلام : 191 ، المستدرک 2 : 47 أبواب النفاس ب 1 ح 1 ، وفیهما بتفاوت یسیر.

قوله : وذهب جماعة. ( 2 : 46 ).

لا یخفی أنّ الظاهر أنّ مذهب المفید رحمه الله أیضا کذلک ، کما أنّ مذهب الشیخ کذلک ، لأنّهما قالا : أقصی مدّة النفاس عشرة أیّام ، یعنی لا یزید عن ذلک ، وأمّا أنّه أقل من ذلک یصیر أم لا فهو کلام آخر ، ولا شک أنّ المبتدئة علی هذا یکون نفاسها عشرة ، وأمّا ذات العادة فهی أیضا کذلک ، لأنّ عادتها أمّا العشرة وإمّا دونها ، وعلی التقدیرین یکون الأقصی عشرة ، أمّا علی الأوّل فظاهر ، وأمّا علی الثانی فلأنّ أقصی ما یمکن کونه حیضا عشرة أیضا البتة ، مع أنّ الاستظهار إلی العشرة ، والاستظهار لا یکون إلاّ مع احتمال العشرة للنفاس ، مع أنّه یظهر من الأخبار أنّه مثل الحیض فی الأحوال ، سیّما فی ما نحن فیه.

وممّا یشیر إلی أنّ مراد المفید والشیخ رحمهما الله ما ذکر : أنّ المفید صرّح بأنّ الأخبار المعتمدة دعته إلی ما ذکر ، ولا یخفی أنّها لیست إلاّ هذه الأخبار الواردة فی الکتب الأربعة ، والشیخ أیضا استدل بهذه الأخبار للمفید ، والتألیف کان فی حیاة المفید ، حیث کان یقول : أیّده الله ، ولم یتعرض لغایة له أصلا. وبالجملة ما ذکرنا واضح علی الملاحظ.

قوله (1) : بأنّها لا تصلح لمعارضة الاخبار. ( 2 : 48 ).

فی نسخة أخری : والجمع بین هذه الأخبار یتحقق بوجوه :

أحدها : حمل أخبار الثمانیة عشر علی غیر المعتادة ، وإبقاء الأخبار المتضمّنة للرجوع إلی العادة علی ظاهرها.

وثانیها : الحمل علی التخییر بین الأعداد.

ص: 29


1- هذه الحاشیة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».

وثالثها : حمل أخبار الثمانیة عشر علی ما إذا بقی الدم بصفة دم النفاس إلی تلک الغایة ، وأخبار الرجوع إلی العادة علی ما إذا تغیر عن تلک الصفة.

والأوّل متّجه إلاّ أنّه مستلزم لحمل الأخبار المتضمّنة للثمانیة عشر مطلقا علی الفرد النادر ، وهو مشکل.

والثانی لیس ببعید من الصواب ، ولا ینافیه استلزام التخییر بین فعل الصلاة وترکها وثبوت مثله من أیّام الاستظهار ، علی ما سبق تحقیقه ، وقد ورد حینئذ. إلی آخر ما قال فیها ، فتأمّل فیها.

قوله (1) : وإنّما یحصل التردد فی المبتدئة خاصّة. ( 2 : 48 ).

لا یخفی وضوح دلالتها فی الشمول للمبتدئة أیضا : لأنّ مضامینها أنّ النفساء تکفّ عن الصلاة مقدار ما کانت تکفّ عنها فی حیضها ، والمبتدئة کانت تکفّ قدرا معینا لا أزید ولا أنقص ، حسب ما مرّ فی الحیض.

قوله : ومن أنّ مقتضی رجوع المعتادة إلی العادة. ( 2 : 48 ).

هذا أقوی ، لأنّ الروایات محمولة علی التقیة البتة ، لأنّ أحدا من العامة لم یذهب إلی الرجوع إلی عادة الحیض ، کما صرّح به الشیخ (2) ، وذهبوا إلی الثمانیة عشر ، ولأنّ حمل تلک الأخبار علی خصوص المبتدئة فاسد قطعا ، لاستلزام حملها علی خصوص الأفراد النادرة ، وهو غیر جائز قطعا ، مع کثرتها وغایة شهرتها ، وظاهر ما رواه الشیخ عن ابن سنان بقوله : روینا. (3) أنّ المبتدئة أیضا عددها عدد الحیض ، مع أنّ عبارة الفقه

ص: 30


1- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و».
2- التهذیب 1 : 178.
3- المدارک 2 : 47.

الرضوی تدل علی ذلک (1).

قوله : ویحرم علی النفساء ما یحرم علی الحائض ( 2 : 50 ).

ربما یدل علی اتحاد حکمهما بعض الروایات ، مثل ما رواه الشیخ فی کتاب الحج فی الصحیح عن صفوان ، عن إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الحائض تسعی بین الصفا والمروة؟ فقال : « إی لعمری ، لقد أمر رسول الله صلی الله علیه وسلم أسماء بنت عمیس فاستثفرت وطافت بین الصفا والمروة » (2). ووجه الدلالة أنّ أسماء کانت نفساء ، فلو لم یکن حکمهما واحدا لما صحّ الاستناد إلی أمر رسول الله صلی الله علیه وسلم أسماء ، وهو ظاهر.

قوله : لاستحضاره عقله. ( 2 : 52 ).

حال الاحتضار لیس بمستحضر لعقله ، بل هو قبله ، فلا یناسب کونه مبدأ الاشتقاق ، فتأمّل.

قوله : ویمکن المناقشة. ( 2 : 53 ).

هذه المناقشة لیست فی مکانها ، سیّما بالنسبة إلی سلیمان ، لمسلّمیّة کونه ثقة عندهم ، حتی الشارح رحمه الله ، ولم یتأمّل فیه أصلا.

قوله : أنّ التسجیة تجاه القبلة. ( 2 : 53 ).

التسجیة غیر التوجیه ، وظاهرها أنّ التسجیة متأخّرة عنه مترتّبة علیه ، والفقهاء وجمیع المسلمین فی الأعصار والأمصار بناؤهم فی الفتوی والعمل علی الفعل قبل حال الاحتضار ، لا بعد الموت ، ولم یفت أحد به ولا عمل ،

النفساء کالحائض فی الأحکام

أحکام الأموات

الاحتضار

سلیمان بن خالد ثقة عند العلماء

وجوب توجیه المحتضر إلی القبلة

ص: 31


1- فقه الرضا علیه السلام : 191 ، المستدرک 2 : 47 أبواب النفاس ب 1 ح 1.
2- التهذیب 5 : 396 / 1378 ، الاستبصار 2 : 316 / 1119 ، الوسائل 13 : 460 أبواب الطواف ب 89 ح 3.

فهو قرینة علی إرادة کونه فی شرف الموت ، ویقربه قوله : « إذا غسل. » ، لأنّ السیاق واحد ، ولیس المراد بعد تحقّق الغسل قطعا ، وتؤیّده أیضا مرسلة الصدوق فی الفقیه - مع حکمه بصحة جمیع ما فیه ، وکونه حجة بینه وبین الله تعالی - عن علیّ علیه السلام : « دخل رسول الله صلی الله علیه وسلم علی رجل من ولد عبد المطلب ، وهو فی السوق وقد وجّه لغیر القبلة ، فقال : وجّهوه إلی القبلة ، فإنّکم إذا فعلتم ذلک أقبلت علیه الملائکة وأقبل الله علیه بوجهه ، فلم یزل کذلک حتی یقبض » (1). ویؤیّده أیضا أنّه استرحام واستجلاب للرحمة ، فوقته حال الاحتضار البتّة ، وإن کان بعده أیضا وقت ، لما ستعرف.

قوله : والثانی لإطلاق روایة. ( 2 : 54 ).

مضافا إلی الاستصحاب.

قوله : ولم أقف علی ما ذکره. ( 2 : 54 ).

فی المرسلة التی ذکرناها ربما کان إشعار بذلک.

قوله : وربما قیل بسقوطه. ( 2 : 55 ).

لکن الطریقة المستمرة فی الأعصار والأمصار الاکتفاء بالظن ، وبناء أمور المسلمین وأفعالهم علی الصحّة. ( خصوصا علی ) (2) الظن بقیامهم ( سیّما إذا کان قویّا ) (3) وما کانوا یقتصرون علی الیقین ، وبشهادة العدلین.

مع أنّ کون الثانی حجّة فی المقام لا دلیل علیه عند الشارح وموافقیه ، بل

التوجیه واجب کفائی

ص: 32


1- الفقیه 1 : 79 / 352 ، علل الشرائع : 297 ، الباب 234 ، الوسائل 2 : 453 أبواب الاحتضار ب 35 ح 6.
2- بدل ما بین القوسین فی « أ » و « و» : مضافا إلی.
3- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

ربما کان مشکلا واقعا.

قوله : وإنّما یستحبّ ذلک إذا تعسّر علیه الموت. ( 2 : 56 ).

لم یشترط الأصحاب التعسر ، ولعل وجهه أنّه یظهر من الأخبار - مضافا إلی الاعتبار - أنّ نفس الکون فی المصلّی سبب لجلب الرحمة ، ولهذا ینفعه فی شدّة النزع ، لا أنّه لا یصیر سببا لجلب الرحمة إلاّ فی صورة شدّة النزع ، فإذا خیف وقوع الاشتداد لا یحمل إلیه ولا ینفع حتی یتحقّق الاشتداد ویذوق مرارته ، فتأمّل.

قوله : یندرج فیه المدّعی. ( 2 : 57 ).

بعید ، فتأمّل ، لأنّ موته علیه السلام إن کان لیلا یقتضی أن یکون خالیا عن السراج إلی أن وقع الموت ، إذ ظاهر أنّ بعد القبض أمر بالسراج ، ولا شکّ فی أنّه ما کان کذلک ، مع أنّ التعبیر بالبیت الذی کان یسکنه فیه ما فیه ، فتأمّل.

قوله : وقد ذکر من علاماته. ( 2 : 58 ).

فی الاکتفاء بأمثالها إشکال ، لأنّها مظنّة للموت ، فالأصوب الصبر إلی أن یتیقّن الموت.

قوله : إنّما تتناول من یمکن وقوع الغسل منه. ( 2 : 60 ).

یظهر من اتفاق الأصحاب وبعض الأخبار - مثل کون الزوج أحق ، مع أنّ الأولی اجتنابه - أنّ المراد لیس المباشرة بنفسه ، بل یجوز التوکیل وکون آخر نائبا عنه ، وفعل النائب فعل المنوب عنه شرعا ، فتأمّل.

قوله : وإلاّ أمکن المناقشة فیها. ( 2 : 61 ).

هذه المناقشة غیر واردة علی الشیخ وغیره من القدماء ، کما لا یخفی علی المطلع بطریقتهم ، وأمّا المتأخرون فمن قال بحجّیة الموثق فکذلک ،

استحباب نقل المحتضر إلی مصلاّه

استحباب الإسراج عنده إن مات لیلاً

وجوب الصبر لمن اشتبه موته

التغسیل

الکلام فی الغاسل
أولی الناس بالتغسیل أولاهم بالمیت
فی أنّ الزوج أولی بالمرأة
الخبر الضعیف المعمول به مقدم علی الصحیح غیر المعمول به

ص: 33

لکونه حجّة ومفتی به عند الفقهاء بخلاف الصحیحة ، وأمّا من لم یقل بها فاشتهار الفتوی والعمل جابر ، وعدم الفتوی والعمل بالصحیحة مضعف لها ، سیّما إذا وافقت مذهب العامة ، فمثل هذه الصحیحة لا یقاوم ما ذکر ، سیّما إذا انضمّ بها ما ذکر ، فکم من ضعیف معمول به قدّمه المتقدمون والمتأخرون علی الصحیح غیر المعمول به فی الأحکام الفقیه ، فضلا عن أن یکون من الموثقات والصحیح موافقا للعامة ، ومسلّم ذلک عندهم بلا تأمّل ولا تزلزل من أحد منهم ، وقد أثبتنا حقیّته فی الرجال ( وغیره ، مع وضوحها ) (1) والشاذّ لیس بحجة نصّا وإجماعا ، فکیف یصیر معارضا للحجة وراجحا علیها؟!

قوله (2) : وهو إنّما یتمّ مع التکافؤ فی السند. ( 2 : 61 ).

فیه ما قد عرفت.

قوله : ویدلّ علی أنّ الأفضل کونه من وراء الثیاب. ( 2 : 62 ).

ربما یظهر منها عدم الأفضلیة إذا کان المیت رجلا ، فلا یمکن التمسک بعدم القول بالفصل ، لأنّه یصیر منشأ للوهن فیها ، إلاّ أن یحمل علی تفاوت مراتب الاستحباب ، ویؤیّده ما قال : إنّ الأفضل فی مطلق التغسیل ذلک.

قوله : لأنّ الغسل مفتقر إلی النیّة. ( 2 : 64 ).

لأنّه لا یعتقد شرعیة هذا الغسل وکونه مقرّبا إلی الله تعالی ، أو کونه امتثالا لأمره ، والروایة تدلّ علی طهارة النصاری ، کسائر الروایات الدالة

هل یجوز أن یغسل الکافر المسلم؟

ص: 34


1- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
2- هذه الحاشیة أثبتناها من « و».

علیها ، ولمّا ثبت کون النجاسة مذهب أهل البیت علیهم السلام ، وطریقة الشیعة ، کما سیجی ء (1) ، وأنّ الطهارة شعار العامّة تعیّن حمل هذه الروایة علی التقیّة ، کحمل نظائرها. وأمّا توقف الغسل علی النیّة فقد مضی الکلام فیه (2).

وعلی تقدیر تسلیم العمل بالروایة فموردها أهل الذمّة ، لا أیّ کافر یکون ، کما هو ظاهر عبارة المصنف ، إلاّ أن یتمسک بعدم القول بالفصل ، أو عدم تعقل فرق عند من یقول بنجاسة الکل ، وأنّ بناء المحقق ومن وافقه علی أنّ الحکم فی صورة لا یباشر الکافر الماء ، وأمّا النیّة فالحال فی الکل واحد ، بأنّ الکافر من قبیل الآلة ، فینوی الآمر ، أو أنّه لا یشترط فی هذا الغسل النیّة ، کما نقل عن السیّد (3) ، فتأمّل.

قوله : لاعتضادهما بالأصل. ( 2 : 68 ).

لم نجد لهذا الأصل أصلا ، لأنّ العبادة لا تصیر مشروعة ولا صحیحة بمجرّد الأصل.

قوله : بأنّ المخالف لأهل الحق کافر. ( 2 : 69 ).

مراده أنّ أصول الدین خمسة ، وهم أنکروا الإمامة ، وبعضهم أنکر العدل أیضا ، والمخالف فی أصول الدین - وإن کان فی اصطلاحنا - کافر بالکفر المقابل للإیمان لا الإسلام ، والکافر لا حرمة له إلاّ ما خرج بالدلیل (4) ، وحرمة غسل الکافر إجماعی فکذا المخالف.

الکلام فی المغسول
حکم تغسیل المخالف للحق

ص: 35


1- فی ص 199.
2- المدارک 1 : 289.
3- انظر المدارک 2 : 81.
4- فی « ب » و « ج » و « د » زیادة : فهؤلاء لا حرمة لهم إلاّ ما خرج بالدلیل.

والحاصل : أنّه لا یجب علینا تکریم بالنسبة إلی مخالف الحق إلاّ ما خرج بالدلیل ، ولم یخرج التغسیل ، لأنّ الأدلة الدالة علی وجوبه لا یظهر منها عموم بحیث یشمل المخالف.

واستشکال الشارح رحمه الله من إطلاقات الأخبار الدالة علی تغسیل المیّت ، وأنّ الإطلاق ربما کان منصرفا إلی المؤمنین ، کما ورد فی بعض الأخبار : « من غسل مؤمنا. » (1) وأنّه فی أکثر الأخبار قرائن علی إرادة المؤمن.

والأظهر عدم الوجوب ، لعدم الثبوت ، ویؤیّده ( ما یظهر من ) (2) بعض الأخبار أنّ التغسیل وأمثاله لحرمة المیت (3) ، وأنّه إذا لم تکن له حرمة فلا یجب ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : فقد یجب الجهاد وإن لم یکن الإمام علیه السلام موجودا. ( 2 : 71 ).

المشهور بل کاد أن یکون إجماعا أنّ الجهاد ( یشترط فی وجوبه الإمام أو من نصبه ، لروایات رووها وإن لم تبلغ درجة الصحة ، لانجبارها بالشهرة ، سیما مثل تلک الشهرة کادت أن تکون شعار الشیعة ) (4) إلاّ أنّ الوارد فی الروایات هنا المقتول فی سبیل الله ، أو بین الصفّین ، وغیر ذلک ، ممّا یشبههما ، إلاّ أن یقال : هذه الإطلاقات تنصرف إلی الجهاد ، لأنّه

سقوط الغسل عن الشهید

ص: 36


1- انظر الوسائل 2 : 494 أبواب غسل المیت ب 7.
2- بدل ما بین القوسین فی « أ » و « و» : ما فی.
3- انظر الوسائل 2 : 477 أبواب غسل المیت ب 1.
4- بدل ما بین القوسین فی « أ » و « و» : مشروط بوجود الإمام علیه السلام أو من نصبه لروایات کثیرة ، وإن لم تبلغ درجة الصحة ، إذ الانجبار بعملهم یکفی ، بل کاد أن یکون شعار الشیعة.

الفرد الکامل ، إذ لیس هنا عموم لغوی ، فتأمّل.

قوله : وإنّه لا یعلم فیه للأصحاب خلافا. ( 2 : 72 ).

هذا یکفی جبرا لضعف السند ، فتأمّل.

قوله : وهو مناف لما صرّح به. ( 2 : 74 ).

لا یخفی أنّ الشارح رحمه الله مداره علی التمسک بالإجماع ، ومع ذلک کثیرا مّا یطعن بنحو لا یمکن معه التمسک به ، ولا شبهة فی أنّه لا بدّ من توجیه کلامه فی مقام الطعن ، فما وجه کلامه یمکن أن یکون مراد الشهید ، وإذا کان التوجیه لا یتمشّی للبعد أو غایة البعد فکلام الشارح أولی بهذا ثم أولی ، فتأمّل.

مع أنّ طعن الشهید رحمه الله یکون فی بعض الإجماعات المنقولة بخبر الواحد ، لعروض شبهة وریبة فی کونه إجماعا ، وأمّا کلام الشارح فمقتضاه عدم إمکان العلم بالإجماع فی أمثال زمان الشیخ ومن تقدم علیه إلی زمان الکلینی والصدوق - رحمهم الله - مطلقا.

قوله : وفیه ما فیه. ( 2 : 76 ).

لا مناقشة فیه أصلا ورأسا.

قوله : أنّ الحکم فی الروایة الثانیة وقع معلّقا علی استواء الخلقة. ( 2 : 76 ).

لکن فی الروایة الأولی وقع معلّقا علی کمال أربعة أشهر ، فیظهر أنّه استواء الخلقة ، وأخبارهم یفسّر بعضها بعضا ، ویدل علیه أیضا ما قد ورد فی الأخبار من أنّ الرجل له أن یدعو أن یجعل الله ما فی بطن الحبلی ذکرا

بیان المراد من الشهید
إشارة إلی حجّیة الإجماع المنقول.

ص: 37

سویّا ما بینها وبین أربعة أشهر (1) ، والظاهر أنّ الأطبّاء أیضا یقولون : إنّه بکمال أربعة أشهر یتم خلقته. وفی بعض الأخبار أنّه یتردد النطفة فی الرحم أربعین یوما ، ثم تصیر علقة أربعین یوما ، ثم مضغة أربعین ، ثم بعد ذلک یبعث الله ملکین خلاّقین ینفخان فیه الروح والحیاة ویشقّان له السمع والبصر وجمیع الجوارح (2) ، الحدیث.

قوله : إلی قول أهل الخبرة. ( 2 : 76 ).

لا یخفی أنّ مراد المصنف أنّه لا یکون له أربعة أشهر کملا ، وعبّر عنه بوقت عدم ولوج الروح تنبیها علی أنّ الولوج یتحقّق بکمال أربعة أشهر لا أقلّ منه ، وقد أشرنا إلی الأخبار الدالة علی ذلک ، وأنّ الحق ما قاله المصنّف ، لدلالة الأخبار المنجبرة بعمل الأصحاب ، التی لا شبهة فی حجّیتها ، کما حقق فی محله. وأیضا نبّه علی أنّ الغسل للمیت ولأجل الموت ، ولا یتحقق إلاّ بعد ولوج الروح ، فلا حاجة إلی الرجوع إلی أهل الخبرة ، ولا تأمّل فی الدلیل ، ولا غبار علیه.

قوله : بل الظاهر أنّه یدفن مجرّدا. ( 2 : 77 ).

لا یخفی أنّ استدلاله إنّما هو لأجل عدم وجوب الغسل خاصة.

قوله : وقد یناقش فی هذا الحکم بأنّ اللازم منه. ( 2 : 78 ).

ویمکن أن یقال : لیس المراد تحصیل الطهارة الشرعیة ، بل إزالة النجاسة الخارجیة الأجنبیة ، لئلاّ ینجس ماء الغسل بملاقاته ، کما ذکره فی المعتبر ، بل لعل الظاهر هو هذا.

قوله : ومقتضاه أنّه لا یجب تقدیم الإزالة. ( 2 : 79 ).

حکم تغسیل السقط
الکلام فی الغسل

واجبات الغسل

إزالة النجاسة عن بدن المیت

ص: 38


1- الوسائل 7 : 140 أبواب الدعاء ب 64.
2- انظر الکافی 6 : 13 / 4 ، البحار 57 : 344 / 31.

لا یخفی أنّ الإشکال المنفی بقوله : هذا الإشکال منتف ، لیس إلاّ أنّ اللازم منه طهارة المحل الواحد من نجاسة دون نجاسة ، لا أنّه لم یقدّم الإزالة علی الشروع فی الغسل ، إذا لا إشکال فیه بعد ورود النص ، ولم یستشکل أحد لا فی المقام ولا فی غسل الجنابة والحیض والنفاس والاستحاضة ، إذ غسل الفرج فی الکل مقدم علی الشروع بحسب الروایة ، بل والفقهاء فی کتبهم نقلوا وأمروا کذلک.

مع أنّ ما ذکره من قوله : أو یقال. وجعله أولی ، مقتضاه أنّه لا یجب تقدیم الإزالة علی الشروع ، بل یکفی طهارة کلّ جزء قبل غسله.

قوله : وتغسل رأسه. ( 2 : 79 ).

الأمر إنّما ورد بغسل الرأس ثلاث مرّات ، ولم یقولوا بوجوبه ، وأیضا قوله علیه السلام : « بماء وکافور وشی ء من حنوط » فیه شی ء. والروایة الثانیة أیضا ضعیفة الدلالة ، والعمدة فهم الفقهاء ، وورد ذلک فی کثیر من الأخبار.

قوله : والأخبار فی ذلک کثیرة جدّا. ( 2 : 80 ).

لا یخفی أنّ الإثبات علی طریقة الشارح رحمه الله ممّا لا یمکن أصلا (1) ، وقد نبّهنا فی الحاشیة السابقة إلی عدم إمکانه.

نعم یمکن الاستدلال بصحیحة سلیمان بن خالد أنّه سأل الصادق علیه السلام عن غسل المیت کیف یغسل؟ قال : « بماء وسدر ، واغسل جسده کله ، واغسله أخری بماء وکافور ، ثم اغسله أخری بماء » قلت : ثلاث مرّات؟ قال : « نعم » قلت : فما یکون علیه حین یغسله؟ قال : « إن استطعت أن یکون علیه قمیص فتغسل من تحته » (2).

تغسیله بماء السدر

ص: 39


1- فی « أ » و « و» : أیضا.
2- التهذیب 1 : 446 / 1443 ، الوسائل 2 : 483 أبواب غسل المیت ب 2 ح 6.

وبأخبار أخر غیر صحیحة ، مثل ما رواه الکلینی وغیره عن سهل ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن الحلبی ، عن الصادق علیه السلام أنّه قال : « یغسل المیت ثلاث غسلات : مرّة بالسدر ومرّة بالکافور ، ومرّة أخری بالماء القراح ، ثم یکفّن » (1) ، الحدیث ، وما ماثل هذه الروایة.

والضعف منجبر بالشهرة ، وأنّ الأخبار الکثیرة متوافقة فی ذکر الکل علی السواء ، وأنّ کثیرا منها یذکر الثلاثة فی مقام البیان ، وبعضها یذکر فیه وجوب الغسل علی الإطلاق ، والغسل عبادة توقیفیّة ، فإذا قالوا : یجب غسل المیت ، وأمثال هذه العبارة ، فلا بدّ من بیان هذه العبادة.

قوله : « یغسل غسلا واحدا ». ( 2 : 80 ).

الدلالة لا تخلو عن الظهور ، إذ لو لا المعارض لم یفهم إلاّ وحدة الغسل ویؤیّدها قوله علیه السلام بعد ذلک : « ثم اغتسل أنت » (2) والسند کالصحیح ، وفی حسنة أبی بصیر عن أحدهما علیهماالسلام فی الجنب إذا مات : « لیس علیه إلاّ غسلة واحدة » (3).

قوله : وهی ضعیفة السند. ( 2 : 81 ).

لیست بضعیفة ، بل الظاهر أنّها حسنة ، ویؤیّدها أخبار کثیرة منقولة فی علّة غسل المیت.

قوله : وتردّد فیه فی المعتبر ، وهو فی محله. ( 2 : 81 ).

النیّة

ص: 40


1- الکافی 3 : 140 / 3 ، التهذیب 1 : 300 / 876 ، الوسائل 2 : 481 أبواب غسل المیت ب 2 ح 4.
2- التهذیب 1 : 433 / 1389 ، الاستبصار 1 : 195 / 685 ، الوسائل 2 : 540 أبواب غسل المیت ب 31 ح 5.
3- التهذیب 1 : 432 / 1385 ، الاستبصار 1 : 194 / 681 ، الوسائل 2 : 540 أبواب غسل المیت ب 31 ح 4.

فیه : أنّ دلیل وجوب النیّة فی الأغسال والأعمال إن کان هو الإجماع أمکن التردد فیه ، وإن کان الآیة والأخبار فالفرق بین هذا الغسل وغیره تحکّم بالنظر إلی الدلیل ، ومرّ عن الشارع أن الدلیل هو الآیة والأخبار (1) ، فلاحظ ، ومرّ التحقیق فی مبحث الوضوء (2).

قوله : لأنّها فی الحقیقة فعل واحد مرکّب. ( 2 : 81 ).

لیس کذلک ، إذ یلزم علی هذا أن یسقط عند تعذر السدر أو الکافور أو القراح ، ولیس کذلک قطعا ، ولیس مثل التمکن من بعض الأفعال فی الغسل الواحد دون بعض. وکذا الوضوء وغیره من العبادات.

قوله : والأولی الطعن فیها من حیث السند. ( 2 : 84 ).

هذا أیضا مناف لما سبق منه من الطعن فی الدلالة ، مع أنّ الطعن من حیث السند مناف لاستدلاله بها ، فکیف یکون أولی؟ مع أنّه مرّ ما یشیر إلی عدم غبار فی السند ، ونهایة قوته ، وأنّ الدلالة لها ظهور.

فالأولی الجواب بأنّ الأخبار الواردة فی کیفیة الغسل وصحیحة یعقوب وغیرها خاصّ ، والخاصّ مقدم یخرج منها ما نحن فیه ، سیّما مع ضعف ما فی شمول المرسلة لتغسیل المیت. وأیضا یظهر من الأخبار أنّ غسل المیت مثل غسل الجنابة ، بل وربما یظهر أنّه غسل جنابة فی الأصل (3).

قوله (4) : بالحمل علی الاستحباب. ( 2 : 84 ).

هل یجب تعدد النیّة بتعدد الغسلات
حکم توضئة المیت

ص: 41


1- المدارک 1 : 184.
2- راجع ج 1 : 237 - 258.
3- الوسائل 2 : 486 أبواب غسل المیت ب 3 ، وفی « ب » و « ج » و « د » زیادة : فتأمّل.
4- هذه الحاشیة لیست فی « أ ».

ویمکن الحمل علی التقیّة.

( قوله : ولو عدم الکافور. ) (1). ( 2 : 84 ).

قال جدّی رحمه الله : مذهب أکثر القدماء أنّ الکافور یجب أن یکون من جلاله یعنی الخام الذی لم یطبخ. ونقل عن الشیخ أبی علی فی شرح نهایة والده حیث أوجب أن یکون الغسل والحنوط من الجلال أنّ الکافور صمغ یقع من شجرة ، فکلما کان جلالا - وهو الکبار من قطعه - لا حاجة له إلی النار ، ویقال له : الخادم ، وما یقع من صغاره فی التراب فیؤخذ ویطرح فی قدر ماء ویغلی حتی یتمیز من التراب ، فذلک لا یجزئ فی الحنوط (2). انتهی.

ولعل منشأ حکمهم ما یقال : إنّ مطبوخه یطبخ بلبن الخنزیر لیشتدّ بیاضه ، أو بالطبخ ربما یحصل العلم العادی بالنجاسة من حیث إنّ الطابخ من الکفار.

لکن ظاهر الأخبار إجزاء المطبوخ أیضا ، ووجهه عدم حصول الیقین بالنجاسة ، والأصل فی الأشیاء الطهارة حتی یحصل العلم بعدمها ، ولهذا ما فصّل المتأخرون. وربما حکم باستحباب الخام ، ولعل وجهه الخروج عن الخلاف والخلوص عن شبهة النجاسة ، فتأمّل.

قوله : وأظهرهما العدم. ( 2 : 84 ).

یمکن أن یقال : إنّ الامتثال إنّما هو لأجل الضرورة ، والضرورة تتقدّر بقدرها ، والعمومات تشمل ما نحن فیه ، فتأمّل. وأمّا بعد الدفن ، فلعل عدم الإعادة حینئذ فیه إجماعیّ ، ومع ذلک موجب للنبش الحرام ومع ذلک

لو تعذّر السدر والکافور

ص: 42


1- ما بین القوسین لیس فی « و» وبدله فی « ا » : تذنیب.
2- روضة المتقین 1 : 387.

لم یثبت من ( العمومات ) (1) الشمول له ، لأنّه واجب قبل الدفن لا مطلقا.

ولو عدم أحدهما دون الآخر لم یسقط غسل الآخر ، لأنّه واجب علی حدة. وعلی تقدیر أن یکون جزء الواجب فلقول علیّ علیه السلام : « المیسور لا یسقط بالمعسور » (2) ، وقوله علیه السلام : « ما لا یدرک کله لا یترک کله » (3). ولعله إجماعیّ أیضا.

ولو فقد الماء دون الخلیط لا ینفع ، ولو وجد بقدر أحدهما فظاهر الدلیل التخییر. ولو وجد بقدر أحد الأغسال فالظاهر تقدیم القراح ، مع احتمال الجمع بحیث لا یخرج الماء عن الإطلاق ، والله عالم بأمثال هذه الأحکام وغیرها.

قوله : وهی ضعیفة السند. ( 2 : 85 ).

انجبار سندها بعملهم کاف ، سیّما مع تأیّدها بالعمومات الدالة علی أنّ التیمم بمنزلة المائیة ، وما دلّ علیه الصحیحة مطلب آخر ، والقیاس حرام. مع أنّه لو لم یجز الانفکاک بین هذا المذهب المذکور وما تضمّنته الصحیحة یتعین حمل الصحیحة علی لزوم التیمم للمیت أیضا ورفع الید عن ظاهرها.

قوله : وإنّما استحبّ ذلک. ( 2 : 86 ).

ولما رواه عبد الله بن سنان فی الصحیح : أن یفتق القمیص وینزع من تحته (4).

تیمّم المیت لو خیف تناثر جلده

سنن غسل المیت

وضع المیت علی شیء مرتفع

ص: 43


1- فی « أ » و « ب » و « و» : العموم.
2- عوالی اللآلی 4 : 58 / 205 ، 207.
3- عوالی اللآلی 4 : 58 / 205 ، 207.
4- الکافی 3 : 144 / 9 ، التهذیب 1 : 308 / 894 ، الوسائل 3 : 8 أبواب التکفین ب 2 ح 8.

قوله : أسهل علی المیت. ( 2 : 88 ).

والاحتیاج إلی الفتق بناء علی ضیق الجیب ، فإنّ الظاهر أنّ المتعارف فی تلک الأزمنة کان الجیب علی العاتق الأیمن أو الأیسر بمقدار ما یدخل الرأس.

قوله : ولا تغمز له مفصلا. ( 2 : 89 ).

الظاهر أنّ الغمز غیر التلیین ، فإنّ الأوّل فیه عنف لا یناسب المیت.

قوله : المستفاد من الأخبار أنّ تغسیل الرأس. ( 2 : 89 ).

ربما یظهر من صحیحة یعقوب بن یقطین (1) ، وصحیحة معاویة بن عمار (2) ما یدلّ علی ما ذکره المحقق وغیره ، فلاحظ.

مع أنّ رغوة السدر غیر ماء السدر ، والمستفاد من الأخبار وکلام الفقهاء کون التغسیل بماء السدر لا الرغوة ، فالحدیثان الأوّلان لا دخل لهما فی المقام ، وروایة یونس لا بدّ من تأویلها بما یوافق الأخبار والفتاوی.

قوله : ولا معنی لتنزیلها علی التقیة. ( 2 : 91 ).

فیه ما فیه. والأقرب الحمل علی التقیّة ، سیّما بعد ملاحظة طریقة العامة والخاصة ، والإجماع الذی ادّعاه الشیخ ، والمنع فی بعض الأخبار ، فلا معنی للأمر حینئذ ، إذ لا أقلّ من الرجحان ، مع أنّه فیها ما یشیر إلی التقیة.

قوله : وإلاّ کان تغسیله مکروها. ( 2 : 92 ).

فیه إشکال ظاهر ، لأنه عبادة إلاّ علی رأی السیّد (3) ، إلاّ أن یکون عند

فتق قمیصه ونزعه
تلیین الأصابع والمفاصل
غسل رأسه برغوة السدر
کراهة إقعاد المیت
کراهة تغسیل المخالف

ص: 44


1- التهذیب 1 : 446 / 1444 ، الاستبصار 1 : 208 / 731 ، الوسائل 2 : 483 أبواب غسل المیت ب 2 ح 7.
2- التهذیب 1 : 303 / 882 ، الاستبصار 1 : 207 / 729 ، الوسائل 2 : 484 أبواب غسل المیت ب 2 ح 8.
3- انظر المدارک 2 : 81.

المصنف خصوص هذا التغسیل لا یکون عبادة.

قوله : وکفّن أبو جعفر علیه السلام فی ثلاثة أثواب. ( 2 : 92 ).

لا یخفی أنّ أحد أثواب أبی جعفر علیه السلام کان قمیصا ، ولعلّ أحد أثواب الرسول صلی الله علیه وسلم کان کذلک. بل الظاهر ذلک ، بملاحظة الأخبار الدالة علی استحباب کون إحدی القطع ممّا یصلی المیت فیه (1) ، أو غیره أیضا ، علی ما قیل ، وکذا استحباب کونه القمیص ، علی ما یذکره الشارح رحمه الله بل وتعیین کونه قمیصا ، کما یظهر منها.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ موثقة سماعة هذه وأمثالها تنادی بأنّ ذکر ثلاثة أثواب إنّما هو لإظهار عدد القطع خاصة ، أمّا أنّ کل قطعة منها أیّ شی ء فلیس المقام مقام بیانه ، ولیس ملحوظ نظرهم أصلا ، بل ملحوظ نظرهم عدم التعدی عن الثلاثة ، کما لا یخفی علی المتأمّل فی الأخبار.

فما یذکره الشارح بقوله : ویستفاد من هذه الروایات التخییر. محلّ نظر ، إذ لیس فی ما دلّ علی ثلاثة أثواب إطلاق یمکن الاستدلال به ، بل الظاهر عدم ذلک ، کما عرفت ، وعلی تقدیر تسلیم الإطلاق فیمکن المناقشة أیضا بأنّ ما دل علی اعتبار القمیص مستفیضة جدّا ، فبملاحظة ذلک لا یبقی وثوق بالإطلاق ، بل ربما یترجّح فی النظر التقیید من حیث ضعف دلالة مثل هذا الإطلاق ، وعدم المقاومة لما دلّ علی اعتبار القمیص.

وأمّا روایة محمد بن سهل ففی المقاومة سندا - بل ودلالة أیضا - محلّ مناقشة ، إذ صدرها هکذا : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الثیاب التی یصلّی فیها الرجل ویصوم ، أیکفّن فیها؟ قال : « أحبّ ذلک الکفن » یعنی

التکفین

الواجب من الکفن ثلاث قطع : الإزار والقمیص والمئزر

ص: 45


1- الوسائل 3 : 15 أبواب التکفین ب 4.

قمیصا ، قلت : یدرج فی ثلاثة أثواب؟ قال : « لا بأس به ، والقمیص أحبّ إلیّ » إذ لعل الألف واللام فی القمیص للعهد ، یعنی القمیص المذکور ، ویکون المراد من قوله : ویدرج. أنّه یدرج فیها کما یدرج غیره مع وجود ذلک القمیص له. ویقرّبه أنّ القمیص المعتبر فی الکفن المعمول المتعارف لیس بقمیص حقیقة عرفا ، فتأمّل فیه ، إذ الإنصاف أنّه لا یخلو عن ظهور ، لکن یبعد عن طریقة الشارح رحمه الله العمل بمثلها ، فتأمّل.

وربما یظهر من أخبار کثیرة مثل ما ورد فی بیان کیفیة وضع الجریدة (1) ، وروایة معاویة التی سنذکرها ، وغیرها من الأخبار تعین فعل القمیص ، مضافا إلی فهم الأصحاب ، نظیر ما مرّ فی وجوب التغسیل ثلاثة أغسال ، فتأمّل.

قوله : وفی بعض نسخ التهذیب : ثلاثة أثواب وثوب تامّ لا أقلّ منه. ( 2 : 93 ).

لا یخفی أنّ هذا هو الأصح ، بل الأوّل وهم ، یشهد علی ذلک حزازة العبارة ، مضافا إلی أنّ الکلینی رحمه الله نقلها علی ما فی هذه النسخة (2) ، ولا شکّ أنه أضبط ، سیّما إذا وافقه بعض نسخ التهذیب وعاضدة الحزازة.

فعلی هذا ظهر أنّ القطع الثلاثة لا یعتبر فی کل قطعة منها أن تکون شاملة لجمیع الجسد ، بل الظاهر منها خلاف ذلک ، فما یظهر من عبارة الشارح رحمه الله من کون الثلاث کل واحدة منها شاملة له محلّ نظر ، وسیجی ء الکلام.

قوله : وهو غیر واضح. ( 2 : 93 ).

قال شیخنا البهائی فی الحبل المتین :

إشارة إلی أن الکلینی أضبط من الشیخ

ص: 46


1- الوسائل 3 : 26 أبواب التکفین ب 10.
2- الکافی 3 : 144 / 5.

وفی بعض النسخ المعتبرة من التهذیب : أو ثوب تامّ بلفظ « أو » بدل الواو (1) ، وقال الفاضل مولانا عبد الله التستری فی آخر حاشیته هاهنا : ولعل الأظهر « أو » کما فی نسختنا (2) ، انتهی الکلامان.

وفی النسخة الصحیحة المعتبرة عندی أیضا بلفظ « أو » وکتب فوقه بخط [ الناسخ ] : کذا رأیت ، انتهی. وفی نسخة أخری صحیحة أیضا بلفظ « أو ». ( وفی الوافی أیضا أنّ فی بعض النسخ بلفظ « أو » وکأنّه الصحیح (3) ، انتهی ) (4).

( والظاهر أنّ المراد : الکفن المفروض ثلاثة فی صورة ، وثوب تامّ فی صورة ، وهما صورتا الاختیار والاضطرار ) (5).

وممّا (6) ذکرنا ظهر ما فی قوله : وهو إنّما یتم. مع أنّ کونها بمعنی « أو » لعله الأظهر ، کما یشیر إلیه قوله : لا أقل منه ، فتأمّل.

هذا مع أنّه یمکن أن یکون مستند سلاّر الإطلاقات الواردة فی الکفن ، مع مناقشة فی دلالة هذه الأخبار المستفیضة علی وجوب الثلاثة بأنّه لعل المراد : یکفن فی الثلاثة لا أزید ، لا أنّه لا یجوز أقل منها ، هذا بالقیاس إلی أقواها دلالة ، وهی روایة سماعة ، مع أنّها موثقة مضمرة ، والشارح لا یعمل بمثلها ، ولا یقول بالانجبار بالشهرة.

دلیل من اقتصر فی التکفین علی ثوب واحد

ص: 47


1- الحبل المتین : 66.
2- حکاه عنه فی ملاذ الأخیار 2 : 465.
3- الوافی 24 : 359.
4- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
5- ما بین القوسین لیس فی « أ ».
6- من هنا إلی قوله : بتلک الدلالة فتأمّل جدّا ، فی ص 371 ساقط من « ب » و « ج » و « د ».

والأظهر حجّیة مثلها ، وظهور دلالتها ودلالة بعض الأخبار الأخر أیضا ، مثل ما رواه الکلینی فی الکافی عن العدّة ، عن سهل ، عن البزنطی ، عن عبد الله بن سنان ، عن الصادق علیه السلام ، قال : « المیت یکفن فی ثلاثة سوی العمامة ، والخرقة یشدّ بها ورکیه کی لا یبدو منه شی ء ، والخرقة والعمامة لا بدّ منهما ولیستا من الکفن » (1).

هذا مع الشهرة العظیمة التی تکاد تکون إجماعا ، وأنّه مع نهایة کثرة الأخبار الواردة فی عدد الأثواب وکیفیة التکفین وغیر ذلک لم ترد روایة تشیر إلی أقلّ من الثلاثة ، مع عموم البلوی وشدّة الحاجة ، وأنّه ربما یکفن من یکون وارثه صغیرا أو غائبا أو مجنونا ، مع أنّه لم یرد أخذ الرخصة من الکبیر والاسترضاء ، مع أنّ الکفن یخرج من الأصل ، فتأمّل.

قوله : ویستفاد من هذه الروایات التخییر. ( 2 : 94 ).

لا یخفی أنّ ملحوظ نظرهم علیهم السلام فی هذه الأخبار بیان عدد القطع ، وأنّه لا یزاد علی الثلاث ، أمّا أنّ کلّ قطعة ما هی وبأیّ نحو فلا ، ألا تری إلی روایة سماعة أنّه علیه السلام قال فیها : « وکفّن أبو جعفر علیه السلام فی ثلاثة أثواب » مع أنّه لا تأمّل فی أنّ أحد الأثواب کان قمیصا له علیه السلام ، ولعل کفن رسول الله صلی الله علیه وسلم کان کذلک ، وکذا أکفان سائر الأئمّة علیهم السلام الواردة فی الأخبار.

بل لا یخفی أنّ أکفانهم کانت کذلک ، وأنّهم ما کانوا یکفنون بغیر قمیص ، بملاحظة الأخبار الدالة علی استحباب کون إحدی القطع القمیص الذی کان یصلّی فیه ، والأخبار المستفیضة الدالة علی کون إحدی القطع هی القمیص خاصة ، بل الأخبار الدالة علی ذلک کثیرة ، مثل ما ورد فی بیان

بحث حول الروایات الدالة علی التخییر بین الأثواب الثلاثة وبین القمیص والثوبین

ص: 48


1- الکافی 3 : 144 / 6 ، التهذیب 1 : 293 / 856 ، الوسائل 3 : 9 أبواب التکفین ب 2 ح 12.

کیفیة التکفین ووضع الجریدة وغیرهما ، مضافا إلی أخبار سیذکر بعضها الشارح ، ونذکر بعضها.

وممّا یدل علی ما ذکرناه ما سنذکر من أنّ أحد الأثواب هو المئزر.

وبالجملة : الأخبار التی ورد فیها ثلاثة أثواب مجملة بالنسبة إلی خصوصیة کون القطعة أیّ شی ء هی ، ولا شبهة فی أنّ القمیص أیضا ثوب ، کما أنّ غیره ثوب من دون تفاوت بینهما أصلا فی مفهوم الثوبیة لو لم نقل کون القمیص أظهر فی کونه ثوبا من قطعة الکرباس التی یحکم الشارح بأنّها الثوب خاصة ، فلا معنی لقوله : إنّ الأخبار تدلّ علی التخییر بین الثلاثة أثواب ، وبین القمیص والثوبین ، فتأمّل.

قوله : وهو محمول علی الاستحباب ، کما تدل علیه روایة محمد بن سهل. ( 2 : 94 ).

فیه : أنّه رحمه الله لا یقول بحجّیة مثل روایة محمد بن سهل ، فکیف یرجّحها علی الروایات الصحیحة والحسنة (1) ، سیّما مع انجبارهما بأخبار أخر کثیرة معتبرة ، وبالشهرة العظیمة بل کاد أن یکون إجماعا ، لخروج معلومی النسب ، واتفاق غیرهما علی التعیین ، وکون المدار ( فی الأعصار علی ذلک علی الظاهر ) (2) فتأمّل جدّا.

مع أنّ لروایة محمد بن سهل صدرا یظهر منه أنّ القمیص الذی یقول المعصوم علیه السلام : « أحبّ إلیّ » هو القمیص الذی سأله أنّه کان یصلّی فیه ، والمراد من قوله : یدرج فی ثلاثة ، أنّه یدرج کما یدرج غیره من الأموات

ص: 49


1- فی « ا » : الموثّقة.
2- فی « أ » : فی الأعصار والأمصار علی ذلک علی الأظهر.

من دون أن یکفن فی القمیص المسؤول عنه ، ویقرّبه أنّ القمیص المعتبر فی الکفن لیس بقمیص حقیقة ، بل له شباهة بالقمیص ببعض الوجوه ، وأنّ المیت یدرج فی ذلک القمیص أیضا ، فتأمّل جدّا.

وبالجملة : الروایة - مع وحدتها وضعف سندها ، وضعف دلالتها ، ومخالفتها لما هو المفتی به عند المعظم والمعمول به فی الأعصار - کیف ترجّح علی الأخبار الکثیرة الصحیحة ، والحسنة ، والمعتبرة ، المعمول بها مع الشهرة فتوی وعملا ، مع وضوح الدلالة ، فإنّ دلالتها علی لزوم کون إحدی القطع هو القمیص لیست بأقصر من دلالتها علی لزوم کون القطع ثلاثا ، والشارح رحمه الله ردّ مذهب سلار بتلک الدلالة ، فتأمّل جدّا.

( ویستفاد بحسب الظاهر أن یکون طول اللفافة أزید من قامة المیت بقدر ، وعرضه یحیط بقطر بدنه ویزید بقدر یتحقق مع اللفّ والدرج ، والمتعارف فی الرداء لا یزید علی القطر إلاّ قدرا بحسب الطول ، أمّا العرض فلا یزید عمّا بین العاتق وموضع الحزام ، ولو کان فشی ء قلیل ، فتأمّل ) (1).

قوله : والثوبین الشاملین. ( 2 : 95 ).

لا (2) یخفی ما فیه ، لأنّ حکایة الشمول للجسد فی کل منهما غیر مستفادة ، لأنّ الثوب غیر مأخوذ فیه الشمول ، بل هو أعمّ البتّة. وسیجی ء فی مسألة جواز الصلاة فی النجس إذا کان ممّا لا تتمّ الصلاة به ، وفی غیرها ما یظهر من الشارح (3) ومن غیره أیضا ما ذکرنا.

مع أنّ حسنة الحلبی التی هی مستند ما ذکره من اعتبار القمیص

بحث فی تعیین المراد من الثوبین

ص: 50


1- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « ج » و « د ».
2- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».
3- انظر المدارک 2 : 322.

والثوبین صریحة فی أنّ أحد الثوبین کان رداء له یصلّی فیه یوم الجمعة ، وغیر خفی علی المتأمّل أنّ الرداء المعروف المتعارف لیس بشامل لجمیع الجسد بعنوان اللفّ والإدراج ( والجسد بادن ) (1).

وفی التهذیب بسنده عن أبی الحسن الأوّل علیه السلام أنّه قال : « کفنت أبی فی ثوبین شطویین کان یحرم فیهما ، وفی قمیص من قمصه ، وفی عمامة کانت لعلی بن الحسین علیه السلام ، وفی برد اشتریته بأربعین دینارا » (2) ولا بدّ من حمل ثوبی إحرامه علی عدم شمول کل واحد لجمیع الجسد ، وإلاّ لزم القمیص مع ثلاث لفائف ، وهو خلاف ما یظهر من الأخبار ، فتدبّر.

وربما یقرّبه کون أحد ثوبی الإحرام المئزر ، فتأمّل ، سیّما وأن یکون یلفّ فیه فیکون لفافة أخری ، بل هو خلاف ما یظهر من الأخبار ، مثل روایة معاویة بن وهب عن الصادق علیه السلام : « یکفن المیّت فی خمسة أثواب : قمیص وإزار ، وخرقة یعصّب بها وسطه ، وبرد یلفّ فیه ، وعمامة » (3) ، فظهر منها أنّ الإزار لا یلفّ فیه المیت ، ویظهر منها إطلاق الثوب علی الخرقة أیضا ، فکیف یکون الثوب من شأنه الشمول لجمیع الجسد؟! مع أنّ القمیص أحد الأثواب قطعا ، ولیس بشامل له.

وممّا ذکر ظهر فساد ما لو ادّعی ظهور الشمول فی الحسنة المذکورة

ص: 51


1- بدل ما بین القوسین فی « ب » و « ج » و « د » : للبدن ، بل هو موافق ومتقارب للمئزر الذی ذکره الفقهاء ، وأنّ الباقر علیه السلام کان بادنا ، وعلی تقدیر عدم الظهور نمنع ظهوره فی الشمول.
2- التهذیب 1 : 434 / 1393 ، الاستبصار 1 : 210 / 742 ، الوسائل 3 : 10 أبواب التکفین ب 2 ح 15.
3- الکافی 3 : 145 / 11 ، التهذیب 1 : 293 / 858 ، الوسائل 3 : 10 أبواب التکفین ب 2 ح 13.

من قوله علیه السلام فی آخر الخبر : « إنّما یعدّ ما یلفّ به الجسد » إذ معلوم أنّ المراد اللفّ فی الجملة ، مضافا إلی ظهور ذلک فی نفسه ، فتأمّل.

علی أنّا نقول : موثقة عمّار صریحة فی عدم الشمول مع وجود القمیص ، حیث قال فیها : « ثم الإزار طولا حتی تغطّی الصدر والرجلین. » (1) ، وهذه نصّ فی إطلاق الإزار علی المئزر من جهة عدم تغطیة الجمیع ، ومن جهة قید الطول ، فتدبّر.

وکذا مرسلة یونس أیضا ظاهرة فی عدم الشمول حیث قال فیها : « ابسط الحبرة بسطا ، ثمّ ابسط علیها الإزار ، ثمّ ابسط القمیص علیه ، ویرد بعد القمیص علیه » الحدیث (2). إذ یظهر بملاحظتها - مضافا إلی ما سنذکر فی الحاشیة الآتیة فی الإزار - ما ذکرنا أیضا.

وأمّا حسنة حمران فمن عبارة : « ولفافة » یظهر ما ذکرناه. وأمّا قوله : « وبرد یجمع » ففیه أنّ فیه تجوّزا وخروجا عن الظاهر قطعا ، لأنّ البرد من الکفن جزما ، فالخروج عن الظاهر إمّا فی « یجمع » أو کلمة « فی » أو مرجع الضمیر ، أو لفظ الکفن ، فتعین أحدهما بحیث یکون أظهر من الظهور السابق ومن جمیع ما ذکرناه سابقا فمحلّ تأمّل ، مع أنّها متضمّنة لوضع الکافور فی المنخر وجمیع المفاصل ، فتأمّل.

قوله : والثوبین الشاملین. ( 2 : 95 ).

فیه (3) - مضافا إلی ما عرفت فی الحاشیة السابقة - : أنّ قید الشمول

فی معنی الإزار وأنّه غیر اللفافة

ص: 52


1- التهذیب 1 : 305 / 887 ، الوسائل 3 : 33 أبواب التکفین ب 14 ح 4.
2- الکافی 3 : 143 / 1 ، التهذیب 1 : 306 / 888 ، الوسائل 3 : 32 أبواب التکفین ب 14 ح 3.
3- هذه الحاشیة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».

غیر مأخوذ فی الثوب قطعا ، وهذا - مع وضوحه - سیجی ء من الشارح الاعتراف به فی مسألة نجاسة ثوب المصلّی ، والعفو عمّا لا یتمّ الصلاة (1).

وروی الکلینی والشیخ ، عن معاویة بن وهب ، عن الصادق علیه السلام :

« یکفن المیت فی خمسة أثواب : قمیص ، وإزار ، وخرقة یعصب بها وسطه ، وبرد یلفّ فیه المیت » (2) ، وهذه فی غایة الظهور فی أنّ الإزار غیر اللفافة ، وأنّ الثوب یطلق علی الخرقة ، ویدل علی ذلک أخبار کثیرة ، ومعلوم أنّ المراد من الإزار هنا هو الذی یسمیه الفقهاء بالمئزر.

فی الصحاح أنّ موضع الإزار من الحقوین - إلی أن قال - : المئزر الإزار ، کقولهم : الملحف واللحاف (3). وفی القاموس : الإزار : الملحفة [ ویؤنّث ] کالمئزر (4). وعرّفوا فی اللغة الرداء بأنّها ملحفة معروفة (5) ، وفیه أیضا : الحقو : الإزار أو معقده (6) ، وفی باب الراء : الأزر بالضم : معقد الإزار (7) ، وفی الکنز : الإزار : لنگ کوچک (8) ، والظاهر أنّ غیرهم من اللغویین صرّحوا (9) ، ولیس عندی من کتبهم حتی أذکر.

ص: 53


1- انظر المدارک 2 : 322.
2- المتقدمة فی ص 51.
3- الصحاح 2 : 578.
4- القاموس 1 : 377 ، بدل ما بین المعقوفین فی النسخ : وثوب ، وما أثبتناه من المصدر.
5- کما فی القاموس 4 : 35.
6- القاموس 4 : 320.
7- القاموس 1 : 377.
8- کنز اللغات 1 : 118.
9- کالفیومی فی المصباح المنیر : 13 و 145.

وصرّح شیخنا البهائی (1) وغیره أنّ الإزار هو المئزر ، ویظهر من الفقهاء أیضا فی مبحث الاتزار فوق القمیص من مبحث الصلاة وغیر ذلک.

والأخبار متواترة فی ذلک ، بل لا یظهر من الأخبار إلاّ کون الإزار هو المئزر ، مثل ما ورد فی الإزار فوق القمیص (2) والإمامة بغیر رداء (3) ، والصلاة مکشوف الکتفین (4) ، وما ورد فی دخول الحمام ، وقراءة القرآن فیه (5) ، والنورة فیه بأنّ یلفّ الإزار علی الإحلیل (6) ، وفی ثوبی الإحرام (7) ، إلی غیر ذلک ممّا لا یحصی کثرة.

بل روی عبد الله بن سنان فی الصحیح ، قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : کیف أصنع بالکفن؟ قال : « تؤخذ خرقة فتشدّ علی مقعدته ورجلیه » قلت : فالإزار؟ قال : « إنّها لا تعدّ شیئا ، إنّما تصنع لتضمّ ما هناک » إلی أن قال : « ثمّ الکفن قمیص غیر مزرور ، وعمامة یعصّب بها رأسه ، ویردّ فضلها علی رجلیه » (8) یعنی إذا کانت الخرقة لا بدّ منها فما یصنع بالإزار ، لأنّها تغنی عن الإزار ، فأجاب علیه السلام بأنّ الخرقة لا تعدّ شیئا من الکفن بل إنّما تصنع لتضمّ ما هناک ، وأمّا الإزار فإنّه یعدّ من الکفن ، وهو أحد قطعه.

وهذا ینادی بأنّ المراد من الإزار المئزر ، وأنّه لا بدّ منه فی الکفن ،

ص: 54


1- الحبل المتین : 66.
2- الوسائل 4 : 395 أبواب لباس المصلی ب 24.
3- الوسائل 4 : 452 أبواب لباس المصلی ب 53.
4- الوسائل 4 : 389 أبواب لباس المصلی ب 22.
5- الوسائل 2 : 38 أبواب آداب الحمام ب 9.
6- الوسائل 2 : 53 أبواب آداب الحمام ب 18.
7- الوسائل 12 : 502 أبواب تروک الإحرام ب 53.
8- الکافی 3 : 144 / 9 ، التهذیب 1 : 308 / 894 ، الوسائل 3 : 8 ، أبواب التکفین ب 2 : ح 8.

وأنّ أخذه من الکفن کان مشهورا معروفا عند الشیعة ، بحیث ما کان عندهم تأمّل فی ذلک ، وهذه الصحیحة صریحة أیضا فی أنّ القمیص لا بدّ منه فی الکفن.

وفی الفقه الرضوی أیضا عین عبارة هذه الصحیحة ، مع صراحة رجوع ضمیر « إنّها » إلی الخرقة ، مع أنّه لا شبهة فی رجوعه إلیها.

وفی الفقه الرضوی أیضا أنّه علیه السلام قال : « یکفن بثلاثة أثواب : لفّافة وقمیص وإزار » (1).

وهذا أیضا ینادی بأنّ المراد من الإزار هو المئزر ، موافقا لغیره من الأخبار ، وکلام اللغویین ، وکلام الفقهاء ، إذ لو کان المراد منه اللفافة لکان یقول : قمیص ولفافتان ، وهذا أیضا ممّا یدل علی اعتبار القمیص فی الکفن کغیره من الأخبار.

وفی صحیحة محمد بن مسلم عن الباقر علیه السلام : « یکفن الرجل فی ثلاثة أثواب ، والمرأة إذا کانت عظیمة فی خمسة : درع ومنطق وخمار ولفافتین » (2) والمراد من المنطق هو الإزار ، کما سیجی ء مفصّلا مشروحا.

وفی موثقة عمار فی کیفیة تکفین المیت : « ثم تبدأ فتبسط اللفافة طولا ، ثمّ تذر علیها من الذریرة ، ثم الإزار طولا حتی یغطّی الصدر والرجلین ، ثمّ الخرقة عرضها قدر شبر ونصف ، ثم القمیص ، تشدّ الخرقة علی القمیص » (3) ، الحدیث.

بحث حول المئزر

ص: 55


1- فقه الرضا علیه السلام : 182 ، المستدرک 2 : 205 أبواب التکفین ب 1 ح 1.
2- الکافی 3 : 147 / 3 ، التهذیب 1 : 324 / 945 ، الوسائل 3 : 8 أبواب التکفین ب 2 ح 9.
3- التهذیب 1 : 305 / 887 ، الوسائل 3 : 33 أبواب التکفین ب 14 ح 4.

وهذا أیضا صریح فی أنّ الإزار هو المئزر ، وأنّه لا بدّ منه فی الکفن ، بأنّه أحد قطعه ، وأنّ القمیص أیضا لا بدّ منه ، غایة ما فی الباب أنّه یظهر منه کون الإزار فوق القمیص ، ولعله من تشویشات روایة عمّار ، أو یکون ذلک أیضا جائزا ، کما أنّ شدّ الإزار من الصدر إلی الرجلین لعله أیضا من المستحبات کالأحیاء ، فتأمّل.

وفی مرسلة یونس عنهم علیهم السلام : « ابسط الحبرة بسطا ثم ابسط علیها الإزار ، ثم ابسط القمیص علیه ، وترد بعد - کما فی نسخة - أو مقدّم - کما فی أخری - القمیص علیه » الحدیث (1).

وهذا أیضا ظاهر فی کون الإزار هو المئزر ، مضافا إلی ثبوت ذلک لغة وأخبارا ونقلا من الفقهاء ، کما عرفت.

ویدل علی اعتبار القمیص أیضا ما فی حسنة الحلبی من قوله علیه السلام :

« أحدها رداء له یصلّی فیه الجمعة » (2) ربما یکون له ظهور ، لأنّ الرداء علی ما هو المتعارف لا یکاد یکون شاملا لمجموع الشخص ، سیّما وأن یکون بادنا ، فإنّه علیه السلام کان کذلک.

وفی التهذیب بسنده عن أبی الحسن الأوّل علیه السلام ، قال : « کفنت أبی فی ثوبین شطویین کان یحرم فیهما ، وفی قمیص من قمصه ، وفی عمامة کانت لعلی بن الحسین علیه السلام ، وفی برد اشتریته بأربعین دینارا » (3) ، الحدیث ، ولا بدّ من أن یکون أحد أثوابه غیر شامل لجمیع جسده علیه السلام البتّة ، لأنّه یلزم کون الکفن قمیصا وثلاث لفائف ، وهو ممنوع منه ، کما

ص: 56


1- راجع ص 52.
2- المدارک 2 : 92.
3- راجع ص 51.

یظهر من الأخبار وکلام الأخیار.

مع أنّ المتعارف أنّ ثوبی الإحرام لیس کل واحد منهما شاملا لجمیع الجسد.

وقد ظهر من جمیع ما ذکرناه أنّ الأخبار متفقة علی الدلالة علی ما ذکره الأصحاب والمشهور منهم ، وتدل بأجمعها علی خلاف ما ذکره الشارح. مضافا إلی أنّ ما ذکره المشهور من المئزر والقمیص لا شک فی دخولهما تحت ثلاثة أثواب ، لما عرفت من عدم قید الشمول فی الثوب قطعا ، فالتکفین علی طریقة المشهور لا شک فی صحته ولا تأمّل فی شرعیته ، وإن قطعنا النظر عمّا ذکرنا من الأخبار وکلام اللغویین وغیر ذلک مع أنّهم یقولون باستحباب اللفافة الأخری.

فإن قلت : یمکن أن یکون حسنة حمران لها ظهور فی ما ذکره.

قلت : لیس کذلک ، إذ لیس قید الشمول لجمیع الجسد مأخوذا فی اللفافة أیضا بحسب اللغة ، بل فی بعض الأخبار استعمل لفظ اللفافة فی الخرقة ، ومع ذلک ، الظاهر من قوله علیه السلام : « وبرد یجمع فیه الکفن » أنّه الشامل لجمیع الجسد ، ولیس اللفافة المذکورة شاملة له ، فتأمّل جدّا.

وما ذکره عن الصدوق فی من لا یحضره الفقیه فی غایة الظهور فی کون المراد من الإزار المئزر ، وصرّح جدّی بأنّ ذلک مراده (1). هذا مضافا إلی ما ذکرناه عن اللغویین والفقهاء ، خصوصا الصدوق ، فتأمّل کلامه فی الفقیه فی المواضع التی أشرنا إلیها.

ص: 57


1- یأتی فی ص 60.

قوله (1) : أو الأثواب الثلاثة. ( 2 : 95 ).

مقتضی ما یظهر من کلامه أنّ کل واحد منها یکون شاملا لجمیع الجسد ، وفساده ظاهر ، إذ الثوب غیر مأخوذ فیه قید الشمول قطعا ، مضافا إلی ما ذکرناه.

وممّا یعضد ذلک أنّه ورد فی الأخبار المستفیضة الأمر بنشف المیت بعد الغسل بثوب (2) ، ولا شک فی تحققه وصدقه علی النشف بالمئزر ، بل المنشفة أظهر أفراد ما ذکر. وإن أراد أن ذلک یظهر من الأخبار ، ففیه : أنّه لیس فیها إلاّ کونها ثلاثة أثواب ، مضافا إلی ما أشرنا من أنّ الغرض لیس إلاّ ذکر العدد ، وأمّا الکیفیة فلا ، بل یظهر خلاف ذلک من أنّ أحدها القمیص ، وأنّ کل واحد منها لیس بتامّ ، إلی غیر ذلک.

وإن أراد أنّ الثوب مطلق غیر مقید بکونه مئزرا ، وإن کان المئزر أحد أفراده ، وأنّ ما ذکره الشیخان یتحقّق به الکفن الصحیح قطعا إلاّ أنّ الکلام معهما فی التعیین وعدم صحة الغیر ، بل مقتضی الأخبار صحة کلما صدق علیه اسم الثوب.

ففیه : أنّه خلاف ظاهر کلامه.

مضافا إلی ما أشرنا إلیه من وهن دلالة الإطلاق ، بل وعدمها ، وقد أشرنا أیضا إلی ما یمکن أن یجعله عذرا لهما ، ولمن تبعهما ، متأیّدا بالشهرة التامّة بین الفحول من فقهائنا المتقین الماهرین ، الموصین غیرهم بالمبالغة التامّة والاحتیاط الزائد فی مقام الإفتاء ، فکیف یتفقون فی الإفتاء بما لا منشأ له أصلا ، بل مخالف لمقتضی الأخبار التی هی مستندهم فی

بحث حول الأثواب الثلاثة

ص: 58


1- هذه الحاشیة واللتان بعدها لیست فی « ا ».
2- الوسائل 2 : 479 أبواب غسل المیت ب 2.

فتاواهم؟! ومع ذلک یتفقون بحیث لا یظهر لهم مخالف ، إذ الصدوق ستعرف أنّه موافق لهم لا مخالف.

وأمّا ابن الجنید فکونه مخالفا لهم غیر معلوم ، إذ لا یظهر من کلامه کون کل قطعة شاملا لجمیع الجسد ، لأنّه قال : یدرج فی مجموع الثلاثة ، لا کل واحد واحد منها ، غایة ما یظهر عدم وجوب المئزر لا عدم صحته ، ومثل هذا الخلاف منه سهل ، کما لا یخفی علی المطّلع بحاله فی سائر المسائل ، فتأمّل.

وبالجملة : لا یظهر من تأمّل فی حکمهم إلاّ الشارح وبعض من تبعه (1) ، بل ربما یکون مقلّدا له ، فتأمّل.

لکن المستفاد من بعض الأخبار کون القمیص تحت الإزار الذی یظهر کونه المئزر ، بل وتحت الخرقة التی یشدّ بها الفخذین أیضا.

وبالجملة : لو بنی علی أنّ الثوب الوارد فی تلک الروایات مطلق شامل لکل ما یصدق علیه اسم الثوب فلا شک فی شموله للمئزر وصدقه علیه ، فیجب الحکم بصحة جعله أحد الأثواب قطعا ، سیّما مع ملاحظ کثیر من الأخبار الدالة علی أنّ أحدها المئزر ، مثل صحیحة عبد الله بن سنان ، وصحیحة محمد بن مسلم الآتیة فی بحث النمط ، وروایة معاویة بن وهب ، وموثقة عمار (2) وغیرها ممّا أشرنا وما لم نشر ، مضافا إلی کلام الفقهاء. ولو بنی علی أنّها لیست شاملة سوی ما یشمل جمیع الجسد ، فقد عرفت الفساد ، وممّا دل علی فساده أیضا صحیحة زرارة ، کما أشرنا. ولو بنی

ص: 59


1- انظر الذخیرة : 86.
2- راجع ص 51 و 52 ، وانظر المدارک 2 : 105.

علی عدم الإطلاق والشمول أصلا کما أشرنا ، فکیف یدعی أنّ المستفاد التخییر الذی ادعاه؟! فتأمّل.

قوله : وقریب منه عبارة الصدوق فی من لا یحضره الفقیه ، فإنّه قال : والکفن المفروض ثلاثة : قمیص وإزار ولفافة. ( 2 : 95 ).

(1) قال جدّی العلاّمة المجلسی رحمه الله فی شرحه علی الفقیه : الظاهر أنّ المراد منه المئزر (2) ، ووجهه ظهر ممّا ذکرنا فی الحاشیة السابقة ، وقال أیضا فیه : ویظهر من بعض الأخبار جواز إبدال أحد الثوبین بالمئزر (3) ، فتأمّل.

قوله : سوی العمامة والخرقة. ( 2 : 95 ).

لا یخفی أنّ الإزار یطلق علی الملحفة وعلی المئزر لغة وعرفا وفی اصطلاح الشارع إطلاقا شائعا متعارفا لا شک فیه ولا شبهة تدانیه ، وفی القاموس : الحقو : الکشح والإزار ، ویکسر ، أو معقده. وفی باب الراء : الأزر بالضم : معقد الإزار ، وبالکسر : الأصل ، وبهاء : هیئة الائتزار (4).

ویظهر من الفقهاء ، ومنهم الصدوق فی الفقیه فی مواضع ، منها فی کراهة التوشح والائتزار فوق القمیص للمصلّی ، وسیجی ء فی مبحثه (5).

ویظهر من الأخبار الکثیرة غایة الکثرة ونهایة الوفور ( فورد ما قالوا فی ثوبی الإحرام وما ورد من الأخبار فیهما (6) ، إلی غیر ذلک ) (7) علی ما

قال الصدوق : الکفن المفروض ثلاثة : قمیص وإزار ولفافة والمناقشة فیه

ص: 60


1- فی « و» زیادة : فی الکنز ( 1 : 118 ) : إزار : لنگ کوچک.
2- روضة المتقین 1 : 398.
3- روضة المتقین 1 : 374.
4- راجع ص 53.
5- الفقیه 1 : 168 ، ویأتی فی المدارک 3 : 203.
6- راجع ص 51 - 53.
7- ما بین القوسین لیس فی « ب » ، « ج » ، « د ».

أظن ، ومنها ما ورد فی ذلک المبحث ، وما ورد فی الصلاة فی الثوب الواحد غیر الحاکی (1) ، وما ورد فی الإمامة بغیر رداء (2) ، وما ورد فی الصلاة مکشوف الکتفین (3) ، وما ورد فی دخول الحمام ، وقراءة القرآن فیه (4) ، ولفّ الإزار علی الإحلیل حال إطلاء النورة (5) ، إلی غیر ذلک.

ولا یخفی أنّ الظاهر من الصدوق رحمه الله هنا أیضا المئزر لا لفافة أخری ، مع أنّ الملحفة إنّما هی الثوب الذی یلبس فوق الثیاب کلها ، ونصّ علیه أهل اللغة أیضا ، فیبعد إرادته هنا غایة البعد ، کما لا یخفی ، والظاهر من عبارة الفقه الرضوی أیضا ذلک ، کما قاله خالی العلاّمة المجلسی (6) رحمه الله والظاهر من موثقة عمار أیضا ذلک.

وفی التهذیب فی الصحیح عن عبد الله بن سنان قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : کیف أصنع بالکفن؟ قال : « تؤخذ خرقة فتشدّ علی مقعدته ورجلیه » قلت : فالإزار؟ قال : « إنّها لا تعدّ شیئا ، إنّما تصنع لتضمّ ما هناک ، لئلاّ یخرج منه شی ء » (7).

ولا یخفی علی المتأمّل أنّ مراده من الإزار هنا المئزر ، لأنّ الراوی لمّا سمع حکایة الخرقة قال : فالإزار لأیّ شی ء یعتبر بعد اعتبار الخرقة؟ لأنّ الخرقة تغنی عنه ، فأجاب علیه السلام أنّ الخرقة لیست معدودة من الکفن ، بل لفائدة أخری لا دخل لتلک الفائدة فی حکایة الکفن.

ویعنی علیه السلام أنّ الکفن یعتبر من حیث إنّ المیت یلفّ فیه ، کما مرّ فی

ص: 61


1- الوسائل 4 : 389 ، أبواب لباس المصلی ب 22.
2- تقدمت مصادرها فی ص 54.
3- تقدمت مصادرها فی ص 54.
4- تقدمت مصادرها فی ص 54.
5- تقدمت مصادرها فی ص 54.
6- البحار 78 : 319.
7- راجع ص 54.

حسنة الحلبی ، وغیر خفی أنّ الإزار إذا کان لفافة لا مناسبة لها فی کونها مستغنی عنها بعد الخرقة ، لأنّ الخرقة تستر العورة ستر المئزر لها ، ولا یستر جمیع البدن.

مع أنّ القمیص لیس بأدون من اللفافة ، إن لم یکن أولی منها فی الأمر المذکور ، مع أنّ الظاهر منها أنّ المعتبر إزار واحد لا إزارین ، ولا ثلاثة آزار ، فتأمّل.

علی أنّا نقول : الملحفة ما هی فوق جمیع الثیاب ، کما أشرنا ، ولیس بمأخوذ فیه قید الشمول لجمیع الجسد ، ولذا عرّفوا الرداء بأنّها ملحفة معروفة ، فحمل ما نحن فیه علی الملحفة وإرادة الشمول فاسد من جهتین ، فلا بدّ من الحمل علی المئزر ، لانحصار الإطلاق فیهما ، بل قال فی الصحاح : موضع الإزار من الحقوین - إلی أن قال - : المئزر الإزار ، کقولهم : الملحف واللحاف (1) ، ولعل هذا هو الظاهر من القاموس أیضا (2) ، فلاحظ.

وکتب شیخنا البهائی فی الحبل المتین علی صحیحة ابن سنان المذکورة : الإزار یراد به المئزر وهو الذی یشدّ من الحقوین إلی أسافل البدن وقد ورد فی اللغة إطلاق کل منهما علی الآخر (3) ، إلی آخر ما قال. ووافقه علی کون الإزار فی هذه الصحیحة هو المئزر غیره من الفقهاء (4).

وممّا یشیر إلی کون الإزار فی کلام الصدوق هو المئزر - وعلی ما ذکرناه وذکر جدّی (5) - قوله بعد ذلک : فمن أحبّ أن یزید لفافتین حتی

ص: 62


1- صحاح اللغة 2 : 578.
2- القاموس 1 : 377.
3- الحبل المتین : 66.
4- کجمال الدین الخوانساری فی الحواشی علی الروضة : 103.
5- راجع ص 60.

یبلغ العدّة خمسة أثواب فلا بأس ، فتأمّل. لکن کلامه رحمه الله نصّ فی أنّ الإزار فوق القمیص ، کما یظهر من موثقة عمار ومرسلة یونس ، لکن فی بعض نسخ التهذیب فی المرسلة : « وبردا بعد القمیص علیه » بالألف الذی هو علامة النصب ، فتکون صریحة فی کون البرد هنا هو المئزر ، وأنّه تحت القمیص ، وربما کان فی صحیحة ابن سنان إشعار بذلک أیضا ، وربما کان ما ذکرنا مستند القوم فی کونه تحتا ، فتأمّل.

وفی الفقه الرضوی : « یکفن بثلاثة أثواب : لفافة وقمیص وإزار » (1) انتهی ، ولا تأمّل فی أنّ الإزار هنا لیس اللفافة ، وإلاّ کان یقول : لفافتین ، فظهر أنّه المئزر. وأنت لو تتبعت الأخبار وجدت أنّ إطلاق الإزار علی المئزر لا حدّ له ولا إحصاء ، وفی الفقه الرضوی عبّر عن الخرقة المشقوقة بالمئزر ، وتبعه الصدوق ، وفی الفقه الرضوی عین عبارة صحیحة عبد الله بن سنان المتقدمة مع صراحة رجوع ضمیر إنّها إلی الخرقة التی تشدّ بها الورکین ، وسیجی ء عند قول المصنف : ونمطا ، ما یزید علی ما فی المقام (2).

قوله : وذلک لأنّ الضرورة تجوّز دفنه بغیر کفن ، فبعضه أولی. ( 2 : 95 ).

لا یصیر هذا دلیلا لوجوب القطعة ، ولا رجحانها ، ولا دلیل عدم وجوب الباقی ، لمنع تأتّی الأولویة الشرعیة ، بل دلیله ما سیجی ء من عدم وجوب بذل الکفن علی المسلمین فی صورة ، وعدم الحرج والتکلیف بالمحال فی صورة ، ودلیل وجوب القطعة لعله الاستصحاب ، أو الأخبار ،

إجزاء قطعة عند الضرورة

ص: 63


1- فقه الرضا علیه السلام : 182.
2- فی ص 66 - 67.

مثل : « المیسور لا یسقط بالمعسور » (1) وغیره ، وعمومات التکفین وإطلاقاته ، والإجماع ، فتأمّل ، وصحیحة زرارة (2) ربما تدل علی ذلک. فتأمّل.

قوله : فعلم منه أنّه لو کان القزّ صرفا لم یجز. ( 2 : 96 ).

فیه : أنّه ظاهر فی اشتراط کون القطن أکثر ، وأنّه لو لم یکن کذلک یکون فیه بأس ، مع ضعف السند. فالعمدة الإجماع المدّعی ، وتمامیته فی المرأة تتوقف علی الثبوت ، وإن کان ظاهر الدعوی العموم ، فتأمّل ، فلا شکّ فی أنّ الأحوط والأولی المنع.

قوله : لأنّ الثوب إنّما یطلق فی العرف علی المنسوج. ( 2 : 96 ).

فیه تأمّل ، وإن کان الأحوط الترک حال الاختیار.

قوله : لصدق اسم الثوب. ( 2 : 96 ).

والأحوط أن یکون ساترا للّون والحجم.

قوله : وینبغی العمل علی الروایة الأولی. ( 2 : 97 ).

لعله لا یخلو عن الإشکال بعد ورود المنع فی غیر واحد من الأخبار بالنسبة إلی البعض ، مثل المسامع والبصر فی بعض الأخبار (3) ، مع الاعتضاد بعمل الأصحاب والشهرة.

قوله : وطالبه ابن طاوس بالمستند. ( 2 : 99 ).

لعل المستند عبارة الفقه الرضوی فإنّها صریحة فی ما ذکره الأصحاب ، إلاّ أنّه فی الفقه الرضوی : لا أقلّ من مثقال (4).

عدم جواز التکفین بالحریر والجلد
وجوب مسح مساجد المیت بالکافور
القدر الواجب من الحنوط

ص: 64


1- عوالی اللآلی 4 : 58 / 205.
2- المذکور فی المدارک 2 : 93 ، وتقدم وجه دلالتها فی ص 46 - 47.
3- الکافی 3 : 143 / 1 ، التهذیب 1 : 306 / 888 ، الوسائل 3 : 32 أبواب التکفین ب 14 ح 3.
4- فقه الرضا علیه السلام : 168 ، المستدرک 2 : 209 أبواب التکفین ب 2 ح 2.

قوله : وأنت خبیر بأنّ هذه الروایات. ( 2 : 100 ).

روی الشیخ بسنده عن أبی الحسن الأوّل علیه السلام یقول : « کفنت أبی فی ثوبین شطویین ، وفی قمیص من قمصه وفی عمامة کانت لعلی بن الحسین علیه السلام ، وفی برد اشتریته بأربعین دینارا » (1) یظهر منها أنّ البرد زائد عن الثلاثة ، لکن تعارضها الأخبار الکثیرة المتضمّنة لکون الکفن ثلاثة أثواب ، بل والمنع عن الزیادة ، مثل حسنة الحلبی ، وصحیحة زرارة المتقدمة ، إلاّ أن تحمل هذه الروایة علی کون البرد غیر داخل فی الکفن حقیقة ، کما تدل علیه صحیحة عبد الله بن سنان عن الصادق علیه السلام ، قال : « البرد لا یلفّ ولکن یطرح علیه ، فإذا أدخل القبر وضع تحت خدّه وتحت جنبه » (2) وربما یؤیّده ما ورد فی الأخبار من کون الکفن أبیض (3) ، وما ورد من کونه قطنا (4) ، مضافا إلی ما نقله المحقق ، وما ورد من أنّ شقران مولی رسول الله صلی الله علیه وسلم فرش تحت الرسول فی القبر قطیفة (5) ، فتأمّل.

قوله : وخذ خرقة طویلة عرضها شبر. ( 2 : 102 ).

وفی روایة عمّار : طولها ثلاثة أذرع ونصف (6) ، کما ذکره المصنف.

قوله : ولفافتین. ( 2 : 105 ).

ربما یقال : إنّ الظاهر أنّ أحد اللفافتین فی هذا الحدیث هو ما یشدّ به الثدیان ، کما فهمه الشیخ ، ولذا جعل الحدیث دلیلا علیهما ، والأظهر أنّه

سنن التکفین

ازدیاد الحبرة للرجل
ازدیاد لفافة لثدیی امرأة ونمطاً

ص: 65


1- التهذیب 1 : 434 / 1393 ، الوسائل 3 : 10 أبواب التکفین ب 2 ح 15.
2- التهذیب 1 : 436 / 1400 ، الوسائل 3 : 34 أبواب التکفین ب 14 ح 6.
3- الوسائل 3 : 41 أبواب التکفین ب 19.
4- الوسائل 3 : 42 أبواب التکفین ب 20.
5- الکافی 3 : 197 / 2 ، الوسائل 3 : 189 أبواب الدفن ب 27 ح 2.
6- التهذیب 1 : 305 / 887 ، الوسائل 3 : 33 أبواب التکفین ب 14 ح 4.

اللفافة الزائدة ، کما فهمه المستدلون وستعرف.

قوله : ولعل المراد به هنا ما یشدّ به الثدیان. ( 2 : 105 ).

بعید جدّا ، لعدم المناسبة بین معنی المنطق وبینه لغة ، لا بالنسبة إلی موضع الشدّ ، ولا بالنسبة إلی الهیئة ، إذ الناطقة لغة الخاصرة ، فالمنطق والمنطقة والنطاق ما یشدّ بها ، وفی القاموس : المنطق شقّة تلبسها المرأة وتشدّ وسطها ، إلی آخر ما قال (1) ، فلاحظ.

وممّا یبعّد إرادة ما ذکره اشتراط کون المرأة عظیمة ، إذ الظاهر أنّ المراد کونها متموّلة ، کما صرّح جدّی رحمه الله (2) وهو المناسب للمقام ، والموافق لفتوی الأصحاب ، والخبر الآخر ، فتأمّل.

فالأظهر أنّ المراد هو المئزر ، کما حکم به الشهید فی الذکری (3) ، وشیخنا البهائی (4) ، وغیرهما من الفقهاء ، ومنهم المستدلّون. فالظاهر أنّ الزائد هو الخمار وإحدی اللفافتین ، والباقی مشترک بین الرجل والمرأة.

لا یقال : المنطق - علی ما یظهر من القاموس - شقّة تلبسها المرأة ، فکیف یجعل مشترکا؟!

قلت : الدرع أیضا لغة قمیص المرأة لا مطلقا (5) ، ولا شکّ فی أنّ القمیص هناک من الثوب المشترک ، فمن حیث النسبة إلی المرأة سمّی درعا ، فکذا الحال فی المنطق ، والخصوصیة فیهما غیر معتبرة إجماعا ، ولا یقتضی ذلک العدول إلی معنی أجنبی علی ما أشرنا ، بل الظاهر أنّ الإضافة

بحث فی معنی المنطق الوارد فی الروایات

ص: 66


1- القاموس 3 : 295.
2- روضة المتقین 1 : 399.
3- الذکری : 47.
4- الحبل المتین : 65.
5- لسان العرب 8 : 82.

إلی المرأة صارت منشأ للإطلاقین.

علی أنّه یظهر من اللغویین تسمیة تلک الشقّة بالمنطق والنطاق من جهة شدّها علی الخاصرة ، بل ربما کان حقیقة لغة مع عدم الخصوصّیة کالجبّة ، فلاحظ اللغة وتدبّر ، ومرّ فی ما سبق ما یؤکّد ما فی المقام ، وفی المفاتیح : المنطق بکسر المیم : الإزار (1).

نعم لا یدل علی کونها نمطا ، ولا علی زیادة لفافتین ، کما هو ظاهر عبارة المحقّق ومن شارکه ، وفی الظن أنّ المستدلین ما استدلوا بها إلاّ علی ما ذکر ، لا علی أحد الأمرین المذکورین ، وأیّ عاقل یستدل علیه؟ فضلا عن أن یکون فقیها ، فضلا عن اتفاق جمع من الفقهاء علیه.

مع أنّه لم یظهر قائل بثلاث لفائف ، بل یقولون : إنّ النمط یستحب للمرأة ، کما ذکره الشارح عن الأصحاب ، وعبارة المصنّف لا دلالة فیها علی الثلاث ، وإن کانت ربما توهم ، وهم متفقون علی أنّ المنطق فی هذه الروایة هو المئزر ، کما أشیر إلیه ، فاستحباب نفس الزیادة یظهر من هذه الصحیحة ، کما استدلوا ، وکون الزائد النمط یظهر من فتاواهم ، ومرّ جواز التسامح فی أدلة السنن (2) ، وبناء الشارح أیضا علی التسامح فی أمثال المقام ، فتأمّل.

قوله : ویستحب کونه أبیض ( 2 : 106 ).

ورد الأمر بکون الکفن أبیض فی خبرین (3).

قوله : وتنثر علی الحبرة. ( 2 : 106 ).

أن یکون الکفن قطناً أبیضاً
أن یطیّب الکفن بالذریرة

ص: 67


1- المفاتیح 2 : 165.
2- راجع ج 1 : 20.
3- الوسائل 3 : 41 أبواب التکفین ب 19.

فی بعض الأخبار أنّ المیت لا یقرب إلیه طیب سوی الکافور ، لأنّه بمنزلة المحرم (1).

قوله : ولم نقف علی مستنده. ( 2 : 107 ).

یظهر ذلک من بعض الأخبار (2).

قوله : ولا بأس به وإن کان الاقتصار علی ما ورد به النقل أولی. ( 2 : 107 ).

لأنّ المقام مقام العمل من دون إفتاء بکون ذلک مستحبا من الشرع ، فإنّ الحرام والممنوع هو التشریع ، فإذا فعل فعل لا بنیّة الإدخال فی الدین والبناء علیه لا یکون فیه ضرر ولا مانع شرعا ، لأنّ الأصل براءة الذمّة ، فإذا رجا أحد أن یکون [ فعل ] من الأفعال وشی ء من الأشیاء یصیر حرزا ویعفو الربّ بواسطته بحسب رجائه من عقله لا یکون إدخالا فی الدین وزیادة فی الحکم الشرعی ، لأنّه لم یحکم أنّه حکم الشارع ، لکن ظاهر المصنّف أنّه مستحب شرعی ، إلاّ أنّ یوجّه کلامه ، أو یقال : إنّه اطلع علی دلیل ، أو یقال : إنّه یستحسنه العقل ، فیکفی کلّ ذلک للحکم شرعا فی مقام الاستحباب ، للتسامح فیه.

وفی الاحتجاج فی مسائل الحمیری عن الصاحب علیه السلام : روی لنا أنّ الصادق علیه السلام کتب علی إزار ابنه إسماعیل : « إسماعیل یشهد أن لا إله إلاّ الله » فهل یجوز لنا أن نکتب مثل ذلک بطین القبر أم غیره؟ فأجاب : « یجوز ذلک » (3).

بحث حول التشریع المحرم
کتابة الشهادتین والإقرار بالأئمّة علی الحبرة والقمیص والإزار بالتربة الحسینیّة

ص: 68


1- الکافی 3 : 147 / 3 ، التهذیب 1 : 295 / 863 ، الوسائل 3 : 18 أبواب التکفین ب 6 ح 5.
2- التهذیب 1 : 305 / 887 ، الوسائل 2 : 484 أبواب غسل المیت ب 2 ح 10.
3- الاحتجاج 2 : 489 ، الوسائل 3 : 53 أبواب التکفین ب 29 ح 3.

وفی کشف الغمة أنّ بعض الأمراء السامانیة کتب الحدیث الذی رواه الرضا علیه السلام لأهل نیشابور بسنده عن آبائه عن الربّ تعالی بالذهب ، وأمر بأن یدفن معه ، فلمّا مات رئی فی المنام فقال : غفر الله لی بتلفظی بلا إله إلاّ الله ، وتصدیقی بمحمد صلی الله علیه وسلم ، وأنّی کتبت هذا الحدیث تعظیما واحتراما (1) ، فتأمّل.

وفی الاحتجاج أیضا : سئل الصاحب علیه السلام عن طین القبر یوضع مع المیت فی قبره ، یجوز أم لا؟ فأجاب : « یوضع مع المیت فی قبره ویخلط بحنوطه إن شاء الله » (2).

وفی غیبة الشیخ عن أبی الحسن القمّی أنّه دخل علی أبی جعفر محمد بن عثمان العمری رضی الله عنه ، وهو من النواب الأربعة وسفراء الصاحب علیه السلام ، فوجده وبین یدیه ساجة ونقاش ینقش علیها آیات من القرآن وأسماء الأئمّة علیهم السلام علی حواشیها ، فقلت : یا سیدی ما هذه الساجة؟ فقال : لقبری ، یکون فیه وأوضع علیها - أو قال : أسند علیها - وفرغت منه وأنا فی کل یوم انزل علیه أجزاء من القرآن (3) ، الحدیث. وربما یستفاد ممّا ذکر أنّ أمثال الأمور المذکورة لا استخفاف فیها ، فتأمّل.

ونقل أنّ الکاظم علیه السلام کفّنه العباس بکفن مکتوب فیه تمام القرآن (4) ، فتأمّل.

قوله : ویجعل معه جریدتان. ( 2 : 108 ).

أن یجعل مع المیت جریدتان من سعف النخل

ص: 69


1- کشف الغمّة 2 : 308.
2- الاحتجاج 2 : 489 ، الوسائل 3 : 29 أبواب التکفین ب 12 ح 1.
3- غیبة الطوسی : 222 ، المستدرک 2 : 332 أبواب الدفن ب 27 ح 4.
4- العیون 1 : 81 / 5 ، إکمال الدین : 38 - 39 ، الوسائل 3 : 53 أبواب التکفین ب 30 ح 1.

خضراوان ، کما هو مقتضی الأخبار ، بل ورد المنع عن الیابس صریحا فی بعض الأخبار (1).

قوله : وهذه الروایة معتبرة السند. ( 2 : 110 ).

وبعد هذه قال الشیخ والکلینی : وروی علی بن إبراهیم فی روایة أخری قال : « یجعل بدلها عود الرّمان » (2) ، والشهید بعد ذکر شجر الخلاف ذکر عود الرّمان (3).

قوله : أو فی قبره. ( 2 : 112 ).

مستنده فیه روایة سماعة عن الصادق علیه السلام : « یستحب أن یدخل معه فی قبره جریدة رطبة » (4) ، الحدیث.

قوله : وهو حسن. ( 2 : 112 ).

لا یخلو من تأمّل ، إذ مع قطع النظر عن الروایات لم نجد العموم الذی ادّعاه ، واقتضاء الجزم بالقدر المشترک إیّاه محلّ تأمّل ، ووظائف المیت متلقاة توقیفا ، کما ستعرف به. مع أنّ الظاهر من الأقوال جمیعا الوضع فی القبر اختیارا ، کما هو مقتضی غیر واحد من الأخبار. مع أنّ مستند المشهور معتبر من حیث السند ، مع الانجبار بالشهرة ، فلا عدول عنه.

قوله : ولم أقف فی هذا الحکم علی أثر. ( 2 : 113 ).

مع فقد الجریدة یجعل بدلها عود الرمان
کیفیّة وضع الجریدتین
أن یطوی جانب اللفافة الأیسر علی الأیمن وبالعکس
إشارة إلی عمل الأصحاب بروایات کتاب فقه الرضا علیه السلام

ص: 70


1- التهذیب 1 : 432 / 1381 ، الوسائل 3 : 25 أبواب التکفین ب 9 ح 1.
2- الکافی 3 : 154 / 12 ، التهذیب 1 : 294 / 861 ، الوسائل 3 : 25 أبواب التکفین ب 8 ح 4.
3- الذکری : 49.
4- الکافی 3 : 199 / 2 ، التهذیب 1 : 320 / 932 ، الوسائل 3 : 22 أبواب التکفین ب 7 ح 8.

دلیله عبارة الفقه الرضوی (1) ، وهو من الکتب التی عند الصدوق صحیحة ، وحجّة بینه وبین الله ، کما لا یخفی علی المطلع بفتاویه فی الفقیه ، وکذا المفید فی المقنعة ( فإنّها کثیرا من عبارة فقه الرضا ) (2) والأصحاب أیضا یعملون بما فیه ، کما لا یخفی علی المطلع.

قوله : ولا تجعل فی منخریه. ( 2 : 114 ).

وفی حسنة حمران : « ولا تقرب أذنیه شیئا من الکافور » (3) ، وورد فی بعض الأخبار النهی عنه مؤکّدا (4) ، وضعف السند منجبر بعمل الأصحاب ، فالأولی اختیار (5) هذا.

قوله : وجب غسلها ولم یجب إعادة الغسل. ( 2 : 116 ).

فی الفقه الرضوی کما ذکره المصنف بعد التصریح بعدم إعادة الغسل ، وبناء فتوی الأصحاب علی هذا ، کما لا یخفی علی المطلع.

قوله : فإن انتقض منه شی ء استقبل به الغسل استقبالا. ( 2 : 116 ).

فی هذه العبارة إشعار بأنّ مراد ابن أبی عقیل بالحدث فی أثناء الغسل ، لأنّه قال : استقبل استقبالا ولم یقل : یعید إعادة ، فتأمّل.

قوله : والجواب أوّلا بالطعن فی السند. ( 2 : 117 ).

مراسیل ابن أبی عمیر مقبولة علی ما هو التحقیق ، سیّما مثل هذه المرسلة التی شارکه غیره ، وسیّما وهو أیضا مثله لا یروی إلاّ عن الثقة ،

کراهة جعل الکافور فی سمع المیت وبصره

بعض مسائل التکفین

حکم النجاسة الخارجة من المیت
إشارة إلی مقبولیّة مراسیل ابن أبی عمیر

ص: 71


1- فقه الرضا علیه السلام : 168.
2- بدل ما بین القوسین فی « أ » و « و» : فإنّهما کثیرا متن فقه الرضا علیه السلام .
3- التهذیب 1 : 447 / 1445 ، الوسائل 3 : 34 أبواب التکفین ب 14 ح 5.
4- التهذیب 1 : 445 / 1441 ، الوسائل 2 : 497 أبواب غسل المیت ب 9 ح 2.
5- فی « ب » : إجبار ، وفی « ج » و « د » : اجتناب.

وخصوصا وهما معا یقولان عن غیر واحد المؤذن بشیوع ذلک وثبوته لدیهما عن مشایخهما وهم الأعاظم ، ولا أقل فیهم عظیم منهم.

قوله : وعدم توثیق الکاهلی. ( 2 : 117 ).

لکنّه من الممدوحین ، مع أنّ الراوی عنه أحمد بن محمد بن أبی نصر.

قوله : وثانیا بالمعارضة بروایة روح المتقدمة. ( 2 : 117 ).

وورد أخبار أخر موافقة لروایة روح (1) ، لکن دلالة الروایتین أقوی ، لاحتمال إرادة الخروج من غیر إصابة الکفن فی تلک الأخبار ، ویقرّبه أنّ إحدی تلک الروایات روایة الکاهلی ، فتأمّل.

نعم ربما یؤیّد تلک الروایات ما ذکره من أنّ فی القرض إتلافا للمال.

وحمل الروایتین علی ما بعد الدفن بعید ، إذ لو کان المراد ذلک وکان فرق بین الصورتین شرعا لما قال : بعد الغسل وبعد ما یکفن.

ویمکن الحمل علی ما إذا تعسّر الغسل بناء علی أنّ غالب الصور کذلک ، فتأمّل.

وحمل تلک الروایات علی عدم التعدی إلی الکفن محتمل ، لکن قد عرفت ما أشرنا عن الفقه الرضوی.

قوله : کفن المرأة علی زوجها. ( 2 : 118 ).

کونه من تتمّة الخبر غیر ظاهر ، لاحتمال کونه من کلام الصدوق ، کما لا یخفی علی المطلع ، بل الثانی أقرب ، وأنّه إشارة إلی نفس روایة السکونی ، کما لا یخفی علی من له ذوق سلیم ، وکیف کان لا تأمّل فی

عبد الله بن یحیی الکاهلی من الممدوحین
الکفن الواجب للمرأة علی زوجها

ص: 72


1- انظر الوسائل 2 : 542 أبواب غسل المیت ب 32.

الحجّیة ، للانجبار بعمل الأصحاب.

مع أنّ الضعف من جهة السکونی لا یخلو عن الضعف ، کما کتبناه فی الرجال (1).

وممّا یؤیّد کون التتمّة من کلام الصدوق أنّ الشیخ روی الصحیحة المذکورة بعینها إلی قوله : من جمیع المال ، من دون ذکر التتمّة ، ثم بعد ذلک بورقتین تقریبا روی روایة السکونی (2). والأصحاب مثل المحقق وغیره (3) نقلوا روایة السکونی مستندا للمسألة. مع أنّه لو کان تتمّة لکان المناسب أن یقول : وکفن المرأة علی زوجها بدون ذکر ( وقال علیه السلام ) لأنّه علی هذا یکون لغوا بل مشیرا إلی خلاف المطلوب.

قوله (4) : لأنّها التی ینصرف إلیها الذهن عند الإطلاق. ( 2 : 118 ).

وکذا المطیعة ، إلاّ أنّ الأحوط اعتبار العموم.

قوله : وهو کذلک. ( 2 : 119 ).

مع أنّه لا یخلو عن إشکال ، لکون الصورة من الفروض النادرة بالقیاس إلی الرهن ، فتأمّل.

قوله : یکون من الثلث. ( 2 : 119 ).

بل یقدم ما هو اللائق بحاله أیضا. ومع وجود الصغیر والمجنون ونزاع الورثة یحتمل ، بناء علی إطلاق الأخبار ، بل ولعلّه أظهر الأفراد ،

وجوب إخراج الکفن من أصل الترکة

ص: 73


1- تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 55.
2- التهذیب 1 : 437 / 1407 ، و 445 / 1439.
3- کالشهید فی الذکری : 50 ، والفاضل المقداد فی التنقیح 1 : 124.
4- هذه الحاشیة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».

ویحتمل العدم ، لقوة ما دل علی تعلق حق صاحب الحق ، ولأنّ المستحبات أیضا من اللائق بحاله ، فأیّ فرق بینهما؟ ولعله أحوط بالنظر إلی مثل الطفل وأمثاله ، والحال فی الدین أشدّ.

قوله : کحرمته حیّا. ( 2 : 120 ).

احترام المؤمن من حیث إنّه احترامه مستحب ، فعله لذا لا دلالة فی الخبر علی الوجوب ، فتأمّل.

قوله : علی أنّ الفضل بن یونس کان واقفیا. ( 2 : 120 ).

وإن کان واقفیا إلاّ أنّه ثقة ، فیکون خبره حجّة علی ما حقّقناه فی الرجال (1) ، سیّما والراوی عنه الحسن بن محبوب ، ومع ذلک مضمونه موافق للأخبار الأخر والعمومات ، لأنّ حرمة المیت کحرمة الحیّ من المؤمن ، وورد فی الأخبار (2) ، ولا شبهة فی الجواز بالنسبة إلی الحی. مع أنّه داخل فی سبیل الله علی الأقوی. مع أنّ الظاهر أنّ الخبر معمول به وحجة عند المشهور وکثیر من الأصحاب. مع أنّ ما ذکره من القیاس بطریق أولی لا یخلو من تأیید ظاهر ، فمع جمیع ما ذکر لا وجه للتوقف ، فتأمّل.

نعم المستفاد منه تقدیم الدفع إلی الورثة حتی أنّهم یجهّزون ، ولا شبهة فی ذلک صونا للمؤمنین عن خلاف الحرمة.

قوله : ولا محلّ له سوی الترکة إجماعا. ( 2 : 121 ).

لم یستدل علی التقدیم ، لعدم ظفره بدلیله ، إلاّ أن یکون مراده الإجماع علی وجوبه فی الترکة ، وإن کان الحقوق الأخر موجودة ، لکنه خلاف مدلول کلامه. وبالجملة : إن کان إجماع علی التقدیم ، وإلاّ فالظاهر

الفضل بن یونس واقفی ثقة

ص: 74


1- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 11 ، 261.
2- انظر الوسائل 3 : 219 أبواب الدفن ب 51.

من الأخبار خلاف ذلک.

قوله : أجمع العلماء کافة علی استحباب تشییع الجنازة. ( 2 : 122 ).

ویکره الرکوب ، لما رواه فی التهذیب فی الصحیح عن الصادق علیه السلام :

إنّ الرسول صلی الله علیه وسلم لم یرکب ، قائلا : إنّی لأکره الرکوب ، لأنّ الملائکة یمشون (1).

قوله : کراهة المشی أمامها. ( 2 : 123 ).

ولعله لکونه من شعار العامة ، وورد المنع من التشبّه بهم ، وروی الشیخ بسنده عن السکونی ، عن جعفر ، عن آبائه ، عن علی علیهم السلام : « قال : سمعت النبی صلی الله علیه وسلم یقول : اتبعوا الجنازة ولا تتبعکم ، خالفوا أهل الکتاب » (2) وروی بسنده عن الباقر علیه السلام أنّه قال : « مشی النبی خلف جنازة فقال : إنّ الملائکة یمشون أمامها ونحن نتبع لهم » (3).

قوله : وقال ابن أبی عقیل. ( 2 : 123 ).

روی الشیخ بسنده عن أبی بصیر عن الصادق علیه السلام أنّه قال : « إذا کان مخالفا فلا تمش إمامها ، فإنّ ملائکة العذاب یستقبلونه بأنواع العذاب » (4).

قوله : لکن فی السند ضعف. ( 2 : 124 ).

لکنه منجبر بعمل الأصحاب ، مع أنّه یکفی للاستحباب ، ولا ینافی صحیحة ابن مسلم ذلک.

الدفن

ما یتعلق بالدفن : استحباب تشییع الجنازة
کراهة الرکوب فی تشییع الجنازة
استحباب المشی وراء الجنازة أو أحد جانبیها

ص: 75


1- التهذیب 1 : 312 / 906 ، الوسائل 3 : 152 أبواب الدفن ب 6 ح 1.
2- التهذیب 1 : 311 / 901 ، الوسائل 3 : 149 أبواب الدفن ب 4 ح 4.
3- التهذیب 1 : 311 / 903 ، الوسائل 3 : 148 أبواب الدفن ب 4 ح 2.
4- التهذیب 1 : 312 / 905 ، الوسائل 3 : 150 أبواب الدفن ب 5 ح 5.

قوله : ویکره للمشیع الجلوس. ( 2 : 124 ).

سیجی ء فی بحث إهالة التراب علی المیت حسنة داود بن النعمان أنّ أبا الحسن علیه السلام جلس قبل أن یدخل المیت لحده (1).

قوله : وأن تربع الجنازة. ( 2 : 125 ).

فی الفقه الرضوی : « إذا أردت أن تربعها فابدء بالشقّ الأیمن فخذه بیمنک » إلی أن قال : « تدور علی الجنازة کدورک علی الرحا » (2).

قوله (3) : ذکر الشیخ ذلک فی المبسوط. ( 2 : 126 ).

وکذا فی مصباح المتهجد أیضا (4).

قوله : ویمکن حمله علی التربیع. ( 2 : 127 ).

بأن یراد من الأیسر أیسر المیت ، وانّ المستحب أنّه یؤخذ بالکتف الأیمن ، وهذا بعینه مفاد عبارة الفقه الرضوی.

قوله : والروایات کلها قاصرة من حیث السند. ( 2 : 127 ).

لا یضر القصور ، للانجبار بعمل الأصحاب ، وکون المقام مقام الاستحباب ، ولا تنافی الصحیحة وغیرها.

قوله : ممّا یلی رجلیه. ( 2 : 129 ).

روی الشیخ رحمه الله فی الموثق عن عمّار ، عن الصادق علیه السلام ، قال : « لکل شی ء باب ، وباب القبر من قبل الرجلین ، إذا وضعت الجنازة فضعها ممّا یلی الرجلین ، ویخرج المیت ممّا یلی الرجلین » (5) وبسنده عن جبیر

کراهة الجلوس للمشیّع
استحباب تربیع الجنازة
استحباب وضع الجنازة قرب القبر

ص: 76


1- المدارک 2 : 142.
2- فقه الرضا علیه السلام : 170 ، المستدرک 2 : 302 أبواب الدفن ب 8 ح 1.
3- هذه الحاشیة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».
4- مصباح المتهجّد : 19.
5- التهذیب 1 : 316 / 919 ، الوسائل 3 : 182 أبواب الدفن ب 22 ح 6.

الحضرمی عن النبیّ صلی الله علیه و آله : « إنّ لکلّ بیت بابا ، وباب القبر من قبل الرجلین » (1) وفی الصحیح عن الباقر علیه السلام : « قال : کفن الرسول فی ثلاثة أثواب » ، الحدیث ، وفیه : قال الراوی : فسألته أین وضع السریر؟ أی عند الدفن ، فقال علیه السلام : « عند رجل القبر ، وسلّ سلاّ » (2) ، وسیجی ء ما یناسب المقام.

قوله : وأکثر الأخبار واردة بسلّ المیت من قبل الرجلین. ( 2 : 130 ).

أقول : ففیها شهادة علی کون وضع الجنازة ممّا یلی رجلی القبر ، لأنّ المراد رجلی القبر ، ورجلی المیت فی صورة یکون فیه ، فالسلّ لیس من قبل رجلی المیت ، بل من قبل رجلی القبر ، یسلّ من قبل رأسه لیسبق إلی القبر رأسه ، کما سبق إلی الدنیا فی خروجه إلیها ، وهذا هو الظاهر من المفید ، بل الشیخ أیضا (3).

قوله : کحسنة الحلبی. ( 2 : 131 ).

هذه الحسنة علی ما ستعرف یتضمّن دعاء مختصّا بالرجل ، وروایة عبد الصمد منجبرة بعمل الأصحاب ، معلّلة بعلّة ظاهرة صحیحة متأیّدة بروایة الشیخ بسنده عن زید عن آبائه عن علی علیهم السلام : « یسلّ الرجل سلاّ ، ویستقبل المرأة استقبالا » (4) ، فإنّها أیضا ظاهرة فی الفرق والتفاوت ، ولعل المراد : توضع ممّا یلی قبلة القبر لتؤخذ عرضا ، ولم یظهر لهذا معنی سوی

کیفیة إرسال المیت فی القبر

ص: 77


1- التهذیب 1 : 316 / 918 ، الوسائل 3 : 183 أبواب الدفن ب 22 ح 7.
2- التهذیب 1 : 296 / 869 ، الوسائل 3 : 184 أبواب الدفن ب 24 ح 2.
3- المفید فی المقنعة : 80 ، الشیخ فی النهایة : 38 ، والمبسوط 1 : 186.
4- التهذیب 1 : 326 / 951 ، الوسائل 3 : 204 أبواب الدفن ب 38 ح 2.

ما ذکر.

قوله : هذا مذهب الأصحاب. ( 2 : 131 ).

وفی روایة محمد بن إسماعیل بن بزیع أنّه رأی أبا الحسن علیه السلام دخل القبر ولم یحلّل أزراره (1).

قوله : فإنّ فی خلع الخفّ شناعة. ( 2 : 131 ).

لأنّه یطلع علیه العامة ، فلا یناسب التقیة.

قوله : لأمر النبی صلی الله علیه و آله به. ( 2 : 133 ).

ولحفظ حرمة المیت ، ودفع الأذیّة عن الأحیاء.

قوله : فإن تعذّر لم یتربص به. ( 2 : 134 ).

وقد حدّ التعذر بحصول الفساد فی المیت لو صبر به.

قوله : وظاهر المفید فی المقنعة. ( 2 : 134 ).

عبارته علی ما نقلت فی التهذیب لا ظهور لها ، لو لم نقل بظهورها فی خلافه ، والمعتبر لیس عندی ، وکیف کان لعل الأخبار لیس لها ظهور فی العموم إلاّ من جهة ترک الاستفصال.

ویمکن أن یقال : لما کان مثل هذا السؤال ظاهرا بالنسبة إلی صورة التعذّر ترکه ، وذلک لأنّ دفن المیت من ضروریات دیننا ، بل ودین الیهود والنصاری وأکثر الکفار الأخر أیضا ، فإذا کان متمکنا من الدفن ولا تعذّر فیه أصلا فبأی جهة یسأل أنّه کیف یصنع به؟ الا تری أنّه لو کان میتة فوق السطح أو الغرفة مثلا هل یسأل أنّه کیف یصنع به فی دفنه؟ ویدلّ علی ذلک أیضا قوله علیه السلام فی روایة سهل بن زیاد : « إذا مات الرجل فی السفینة

استحباب تحفّی النازل فی القبر وکشف رأسه

فروض الدفن

مواراة المیت
کیفیّة دفن من مات فی البحر

ص: 78


1- التهذیب 1 : 314 / 912 ، الاستبصار 1 : 213 / 752 ، الوسائل 3 : 171 أبواب الدفن ب 18 ح 6.

ولم یقدر علی البرّ یکفن ویحنط فی ثوب ویرمی فی الماء » تأمّل فیه.

وروایة أبی البختری وإن کان فیها إطلاق ، إلاّ أنّ رجوعه إلی العموم محلّ تأمّل ، لما ذکر ، وبالجملة : مثل إطلاقات هذه الأخبار لا یکافئ ما دل علی وجوب الدفن بحیث یرفع الید اختیارا أیضا.

قوله : فکان الاقتصار علی العمل بمضمونها أولی. ( 2 : 135 ).

الاقتصار علیه یوجب الهتک المحرم المعلوم إلاّ نادرا ، لأنّ وجود الخابیة التی تفی بجسد المیت وتضمّه بحیث یوکأ رأسها ولا یتحقّق بالنسبة إلی المیت قطع عضو ولا کسره ، ولا خلاف حرمة أصلا ، ومع ذلک تکون تلک الخابیة لا حاجة إلیها ولا ضرورة فی إبقائها فی السفینة أصلا فی غایة الندرة ، ومع ذلک یوجب طرح أخبار کثیرة معمول بها عند الفقهاء ، منجبر ضعفها بالفتاوی منهم ، بل مثل المفید منهم أفتی بها خاصّة (1) ، إلاّ أن یکون مراده رحمه الله أنّ مع التمکن منها جمیعا یکون الاقتصار علی الخابیة أولی ، وعلی هذا لا بأس بما قاله ، فتأمّل.

قوله : والأصل فی هذا الحکم. ( 2 : 136 ).

سواء کان الوجوب أو الاستحباب فلا یرد علیه أنّ التأسّی والروایة التی ذکرها لا یدلاّن علی الوجوب ، مع أنّ فعلهم علیهم السلام وفعل المسلمین فی الأعصار والأمصار بعنوان الالتزام ظاهره الوجوب ، فتأمّل.

قوله (2) : التأسّی بالنبی والأئمّة صلوات الله علیهم. ( 2 : 136 ).

اضجاع المیت علی جنبه الأیمن

ص: 79


1- المقنعة : 86.
2- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».

بل صار ذلک شعار المسلمین والإسلام ، وهذا ظاهر فی الوجوب ، فتأمّل.

قوله : ابن أشیم ضعیف. ( 2 : 137 ).

لیس هذا الذی ضعّفه النجاشی ، بل هو موسی بن أشیم (1).

قوله : أو إلی الترقوة. ( 2 : 137 ).

هذا بالنسبة إلی المستوی الخلقة ، وربما جوّز کونه أقل ما یتحقّق به ، وهو بعید.

قوله : والمستند فیه ما رواه ابن بابویه. ( 2 : 137 ).

هذا دلیل الترقوة لا القامة ، بل ربما یدل علی عدم کونه قامة ، موافقا لما رواه السکونی ، إلاّ أن یقال : مراده من بعضهم أحد الأئمّة علیهم السلام ، وهو مع عدم الظهور - بل وظهور العدم - یقتضی عدم الاقتصار علی القامة ، وإدخال الثدی أیضا ، والظاهر أنّ دلیلهم شی ء آخر.

قوله : أسنده إلی سهل. ( 2 : 138 ).

ویظهر من هذا أنّه کلام سهل ، لکن الظاهر من الفقیه أنّه کلام المعصوم ، وربما وجد فی بعض الأخبار أنّه یحکی.

قوله : قدر ما یجلس فیه الجالس ( 2 : 138 ).

ولعل المراد المستوی الخلقة أو المیت ، ولعل الثانی أظهر.

قوله : أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله لحّد له. ( 2 : 138 ).

لکن ورد أنّ الباقر علیه السلام أوصی بأن یشقّ له ، مع التصریح بأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله لحّد له (2) ، ولعله لکونه علیه السلام بادنا وأرض البقیع رخوة من

سنن الدفن

موسی بن أشیم ضعّفه النجاشی
حفر القبر إلی الترقوة
جعل اللحد للمیت

ص: 80


1- لم نعثر علیه فی رجال النجاشی لا بعنوان أحمد بن أشیم ولا موسی بن أشیم.
2- الکافی 3 : 166 / 2 ، التهذیب 1 : 451 / 1468 ، الوسائل 3 : 166 أبواب الدفن ب 15 ح 2.

کثرة دفن الموتی ، کما هو المشاهد الآن ، أو للتقیة ، ولعله بعید.

قوله : من قبل رأسه ورجلیه. ( 2 : 138 ).

الظاهر من الأخبار حلّ جمیع العقد ، بل صریح بعض (1).

قوله : وقد یقال : إنّ مخالفة الخبر. ( 2 : 139 ).

فیه تأمّل ، وهو رحمه الله ربما یطعن فی الخبر لمخالفته لما علیه الأصحاب مع أنّ الأصحاب عملوا بالخبر الصحیح ، وغیر الصحیح منجبر بعملهم ، وحمل بعض العلماء هذه الروایة علی التقیة.

قوله : والإفساد غیر ضائر. ( 2 : 139 ).

هذا مخالف لما ذکره فی بحث خروج النجاسة عن المیت بعد الغسل (2).

قوله : مع إذن الشرع فیه. ( 2 : 139 ).

إذا ثبت الإذن فلا کلام ، إنّما الکلام فیه.

قوله : من تربة الحسین علیه السلام . ( 2 : 139 ).

وفیه دلالة علی فضل الدفن فی أرض کربلاء مع قطع النظر عن کونه فی جواره علیه السلام .

قوله : ( ولا یخفی ما فیه ) (3). ( 2 : 140 ).

لا غبار فی ما قاله.

قوله : بظهور الأکفّ والترجیع فی تلک الحالة ، ولم أقف فیها علی أثر. ( 2 : 14 ).

حل عقد کفنه
جعل تربة الحسین علیه السلام مع المیت
إهالة الحاضرین التراب بظهور الأکف

ص: 81


1- الوسائل 3 : 172 أبواب الدفن ب 19.
2- المدارک 2 : 116.
3- فی المدارک : وفیه ما فیه.

روی الشیخ بسنده عن محمد بن الأصبغ ، عن بعض أصحابنا ، قال : رأیت أبا الحسن علیه السلام وهو فی جنازة ، فحثا التراب علی القبر بظهر کفّیه (1). وأمّا قول ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ ) فلعلّه لقوله تعالی وغیره من العمومات ، مع احتمال خصوص أثر لم نقف ، کما ذکره.

قوله : قدر أربع أصابع. ( 2 : 143 ).

یظهر من بعض الأخبار أربع أصابع مضمومة (2) ، لکن روایة المفرّجات صحیحة ومتعددة (3) ، علی ما هو ببالی.

قوله : « أن لا تنازع ». ( 2 : 144 ).

أی فی ما ذکرته ، أو فی الإمامة بظهور کونک وصیّی.

قوله : والکل حسن. ( 2 : 146 ).

إلاّ أنّ عموم ما دل علی رجحان استقبال القبلة یرجّح الأوّل.

قوله : وعلیه عمل الأصحاب. ( 2 : 152 ).

ولأنّ الشیخ سیذکر عنه ورود الروایة بجواز النقل بعد الدفن (4) ، فقبله بطریق أولی.

قوله : لأنّه مثلة بالمیت. ( 2 : 153 ).

ولأنّ الدفن واجب اتفاقا ، کما مرّ ، وقد ارتکب الواجب ، والظاهر منه دوام المواراة بعد تحققها ، لأنّ النبی صلی الله علیه و آله لما أمر بالدفن الذی هو مواراته

رفع القبر مقدار أربع أصابع
صب الماء علی القبر
تلقین الولی المیت بعد انصراف الحاضرین
نقل المیت إلی المشاهد الشریفة

لواحق تتعلق

بالدفن حرمة نبش القبر

ص: 82


1- التهذیب 1 : 318 / 925 ، الوسائل 3 : 191 أبواب الدفن ب 29 ح 5.
2- الکافی 3 : 199 / 2 ، التهذیب 1 : 320 / 933 ، الوسائل 3 : 192 أبواب الدفن ب 31 ح 4.
3- انظر الوسائل 3 : 192 أبواب الدفن ب 31.
4- المدارک 2 : 154.

فغیر خفیّ أنّ الظاهر منه دوام المواراة لا کونها أیّاما (1) ، فتأمّل.

قوله : وأمّا علیهما فیجوز. ( 2 : 155 ).

یظهر من النصّ ، فإنّ العسکری علیه السلام شقّ ثوبه علی أبیه ، نقله فی الفقیه (2) وموسی علی هارون ، والمعصوم علیه السلام احتجّ به علی فعله (3) ، فلیلاحظ.

قوله : وهو حسن. ( 2 : 158 ).

لا حسن فیه ، لوجود الروایة الموافقة للقاعدة الشرعیة ، وهی أن لا تهتک حرمة المیت ، بل ربما یکون أشدّ مثلة.

قوله : وقال ابن بابویه. ( 2 : 159 ).

الذی یظهر من کلامه فی الأمالی أنّه قائل بالاستحباب (4) ، ونسبته إلی الإمامیة فیه تشعر بعدم قول والده والکلینی بالوجوب ، کما نسبه بعض إلیهما (5) ، لأنّ الکلینی رحمه الله أستاده.

ویؤیّده أیضا أنّ الشیخ رحمه الله فی الخلاف نقل الإجماع علی الاستحباب (6) ، بل ظاهر کلامه فی التهذیب أیضا مشعر بأنّ استحباب غسل الجمعة إجماعی (7) ، فلاحظ.

مع أنّ عبارته فی الفقیه لو بنیت علی ثبوت الحقیقة الشرعیّة فلا دلالة

حرمة شق الثوب علی غیر الأب والأخ
حکم ما إذا ماتت الحامل دون الولد

الأغسال المسنونة

غسل الجمعة

معنی قوله علیه السلام : غسل الجمعة سنة واجبة

ص: 83


1- فی « أ » و « و» : زمانا.
2- الفقیه 1 : 111 / 511 ، الوسائل 3 : 274 أبواب الدفن ب 84 ح 4.
3- الوسائل 3 : 273 أبواب الدفن ب 84.
4- أمالی الصدوق : 515.
5- نسبه إلی والد الصدوق فی المنتهی 1 : 128 ، وإلی الکلینی فی الذخیرة : 6.
6- الخلاف 1 : 219.
7- التهذیب 1 : 112.

لها علی الوجوب ، لاحتمال کون السنّة حقیقة فی المعنی المصطلح علیه فی زمانه ، بل وظهور ذلک حینئذ ، فیکون ظاهرا فی الاستحباب سیّما بعد ملاحظة تقدیم لفظ السنّة علی الوجوب فی قوله : سنّة واجبة.

مع أنّ مراده لو کان الوجوب لم یقید بالسنّة ، لأنّه یوهم خلاف المقصود علی أی حال.

وعلی تقدیر عدم ثبوت الحقیقة الشرعیة فی زمانه فعدم الدلالة ظاهر ، سیّما بعد التقیید والتقدیم ، وکون السنّة ظاهرة فی القدر المشترک ، فتدبّر.

قوله : إلاّ أن یخاف المسافر. ( 2 : 160 ).

ویدل علی ذلک مرسلة یونس : « الغسل فی سبعة عشر موطنا ، منها الفرض ثلاثة. » (1) مشیرا إلی غسل الجنابة ومسّ المیت والإحرام. والأخیران غیر ظاهرین من الکتاب.

وفی عیون الأخبار أیضا أنّه کتب إلی المأمون من محض الإسلام : « وغسل الجمعة سنّة ، وغسل العیدین ودخول مکة والمدینة والزیارة والإحرام ، وأوّل لیلة من شهر رمضان وسبعة عشر وتسعة عشر وإحدی وعشرین وثلاثة وعشرین ، وهذه الأغسال سنّة ، وغسل الجنابة فریضة ، وغسل الحیض مثله » (2).

ویؤیّده عدم التزام الشیعة فی الأعصار والأمصار التزامهم للفریضة ،

ص: 84


1- التهذیب 1 : 105 / 271 ، الاستبصار 1 : 98 / 316 ، الوسائل 2 : 174 أبواب الجنابة ب 1 ح 4.
2- عیون أخبار الرضا 2 : 121 ، الوسائل 3 : 305 أبواب الأغسال المسنونة ، ب 1 ح 6.

وسیّما النساء ، بل وعدم شهرة الفتوی منهم ، بل وشهرة الفتوی بخلافه ، بل وعدم ظهور قائل بالوجوب منهم ، بل وظهور العدم ، ونقلوا الإجماع. مع ورود لفظ الوجوب فی أخبار کثیرة غایة الکثرة ، وکثیر منها صحاح ومن الأجلّة المشاهیر ، سیّما وورد فی بعضها الأمر بالإعادة والقضاء والاستغفار (1).

ویؤیّده أیضا روایة علی عن الصادق علیه السلام : غسل العیدین أواجب هو؟ فقال : « سنة » فقلت : فالجمعة؟ فقال : « سنة » (2).

قوله : والمفهوم فی اللغة. ( 2 : 160 ).

فیه تأمّل ، ولعل مراده أنّ الوجوب یقتضی بظاهره تأدیته بعبارة واضحة حتی یفهم منها اللزوم والتشدید فیلتزم ، لا بعبارة هی قدر مشترک بین الوجوب والاستحباب ، فإنّ الظاهر أنّ مثل هذه العبارة یؤدّی الاستحباب ، ولا یکتفی فی الوجوب بها.

قوله : إنّما وقع عن تحتم فعله. ( 2 : 160 ).

أی بحسب الظاهر لا جزما.

قوله : لا عن مأخذ حکمه. ( 2 : 160 ).

ویؤیّده ظهور أنّ فی القرآن وظاهره لا مأخذ له أصلا ، فکیف یخفی علی مثل هذین الفقیهین الجلیلین. مع أنّ تقدیر لفظ المأخذ فی العبارة خلاف الأصل ، والظاهر ، والمتعارف السؤال عن الحکم الشرعی ، کما هو الطریقة فی جمیع المواضع ، ولذا ما استفصل المعصوم علیه السلام بأنّ مرادک من السؤال أیّ شی ء هو؟

ص: 85


1- الوسائل 3 : 319 أبواب الأغسال المسنونة ب 8.
2- التهذیب 1 : 112 / 297 ، الوسائل 3 : 314 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 12.

مع أنّ السؤال لو کان عن المأخذ کان المناسب فی الجواب أن یقول : من السنّة ، لا من الکتاب ، لا أن یقول : « سنّة ولیس بفریضة » ویؤیّده أیضا الاستثناء بقوله : « إلاّ أن یخاف. » فإنّه لا یناسب الجواب عن مأخذ الحکم ، ویؤیّده أیضا ضمّ غسل الأضحی والفطر فی روایة علی بن یقطین.

قوله : للحثّ العظیم. ( 2 : 161 ).

بل عبّروا بعبارات ملزمة وألفاظ موجبة ، کیلا یسامح فی هذا الخطب الجسیم والفوز العظیم ، فإنّه وإن لم یکن فی ترکه العقاب لکن یکون فی ترکه العتاب وما یقرب من العقاب من البعد عن رحمته والطرد عن ألطافه ، ومراتب المطلوبیة متفاوتة شدّة وضعفا ، فربما یصل إلی حدّ یقرب مطلوبیة الواجب ولکن لا یصله ، ومثل هذا أیضا ما کانوا علیهم السلام یرخّصون فی ترکه بل وربما یحذّرون عن ترکه کیلا تقع المسامحة فتتحقّق المحرومیة عن سبب المصلحة العظیمة ، بل وربما تکون المفسدة فی ترکه ، ولا تکون المفسدة عقابا.

قوله : إنّ الله تعالی أتمّ صلاة الفریضة. ( 2 : 161 ).

فی هذا الخبر ظهور فی استحبابه وعدم وجوبه.

قوله : أن یوبّخ الرجل. ( 2 : 161 ).

هذا أیضا ظاهر فی عدم الوجوب.

قوله : ولیکن فراغک من الغسل. ( 2 : 162 ).

هذا یدل علی استحباب کونه قبل الزوال.

قوله : یوم الخمیس لیوم الجمعة. ( 2 : 162 ).

هذه الروایة رواها الکلینی والصدوق فی الفقیه مع ضمانهما صحة ما نقلاه فی کتابیهما ، مع أنّها مستندة إلی أبی الحسن موسی علیه السلام حیث قالتا

وقت غسل الجمعة

جواز تقدیمه یوم الخمیس لمن خاف عوز الماء

ص: 86

کنا مع أبی الحسن علیه السلام فی البادیة.

قوله : مدعیا علیه الإجماع. ( 2 : 163 ).

وهذا یکفی لکونه دلیلا علی الاستحباب.

قوله : وقضاؤه یوم السبت. ( 2 : 163 ).

وفی الفقه الرضوی : « فإن فاتک الغسل یوم الجمعة قضیت یوم السبت ، أو بعده من أیّام الجمعة » (1).

قوله : فلا وجه لإخلال المصنّف بذلک. ( 2 : 164 ).

وتأمّل بعض فی القضاء لیلة السبت (2) ، لعدم النص ، بل وربما یظهر من الروایتین عدمه.

قوله : ولم أقف فیه علی نصّ. ( 2 : 165 ).

ویظهر من نهایة العلاّمة أنّ فیه نصّا (3) ، والنص موجود ذکره ابن طاوس فی إقباله (4) ، وکذا النص فی استحبابه فی فرادی شهر رمضان (5).

قوله : لنا أصالة البراءة ممّا لم یثبت وجوبه. ( 2 : 168 ).

والإجماع الذی نقله الشیخ ، وما رواه فی العیون أنّ الرضا علیه السلام کتب إلی المأمون من محض الإسلام : « وغسل الجمعة سنّة ، وغسل العیدین ودخول مکة والمدینة ، والزیارة والإحرام ، وأوّل لیلة من شهر رمضان ، وسبعة عشر ، وتسعة عشر وإحدی وعشرین ، وثلاث وعشرین ، وهذه

جواز قضائه یوم السبت

غسل لیلة النصف من شهر مضان

غسل لیالی فرادی شهر رمضان

غسل الإحرام

ص: 87


1- فقه الرضا علیه السلام : 129 ، المستدرک 2 : 507 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 1.
2- الذخیرة : 7.
3- نهایة الإحکام 1 : 177.
4- الإقبال : 14 ، 150 ، الوسائل 3 : 325 أبواب الأغسال المسنونة ب 14 ح 1 ، 9.
5- الإقبال : 121.

الأغسال سنّة ، وغسل الجنابة فریضة ، وغسل الحیض مثله » (1) انتهی.

قوله : ومحمد بن عیسی ضعیف. ( 2 : 169 ).

لا ضعف فیه ، کما حقّق فی موضعه ، وکذا لا ضرر من جهة عدم عمل ابن الولید.

قوله : وغسل زیارة النبی. ( 2 : 169 ).

وفی الکافی فی الصحیح عن ابن عمار عن الصادق علیه السلام أنّه یقول : « الغسل من الجنابة ، ویوم الجمعة ، والعیدین وحین تحرم ، وحین تدخل مکة والمدینة ، ویوم عرفة ، ویوم تزور البیت ، وحین تدخل الکعبة. » (2) الحدیث ، وصحیحة ابن مسلم وروایة سماعة أیضا بهذا السیاق ، إلاّ أنّه لیس فیهما التصریح بلفظ البیت ، فلاحظ.

قوله : ویوم الزیارة. ( 2 : 169 ).

الظاهر منها أنّ المراد زیارة البیت ، وکذا من روایة سماعة ، فلیلاحظ.

لکن الغسل لأجل زیارتهم صلوات الله علیهم لا تأمّل فی ورود النصّ به ، کما ذکر فی کتب المزار (3).

قوله : وهذه مرسلة. ( 2 : 171 ).

لا یضر بعد الانجبار بعمل الأصحاب ، کما هو مسلّم عنده أیضا ، هذا مع التسامح فی أدلّة السنن ، وهو أیضا مسلّم عنده ، والعموم یظهر من العلّة المذکورة فیها.

بحث رجالی حول محمّد بن عیسی

غسل زیارة النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام

غسل التوبة

ص: 88


1- راجع ص 84.
2- الکافی 3 : 40 / 1 ، الوسائل 3 : 303 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 1.
3- انظر کامل الزیارات : 26 ، 184 ، 309 ، والفقیه 2 : 370 / 1625 ، والوسائل 3 : 338 أبواب الأغسال المسنونة ب 29 ، و 14 : 390 أبواب المزار ب 29.

قوله : منضمّا إلی أنّ الغسل خیر. ( 2 : 171 ).

لا بدّ من دلیل یدل علی کونه فی نفسه خیرا ، وقد مرّ الکلام فی صدر الکتاب عند قوله : وقد تجب الثلاثة بنذر وشبهة (1).

قوله : والاکتفاء فیها بنیّة القربة. ( 2 : 173 ).

فی استحقاق الثواب مع عدم قصد المستحب وعدم فعله بقصد الامتثال ، أو لله تعالی ، تأمّل ظاهر ، وقد مرّ الکلام (2).

قوله : وموافقة لفتوی. ( 2 : 174 ).

ولاحتمال حقیّة الروایة وصدقها ، والتجنب عن الشبهات مطلوب شرعا.

قوله : وهی ضعیفة السند. ( 2 : 174 ).

ومع ذلک أطلق الواجب فیها علی کثیر ممّا لیس بواجب قطعا ، فیحصل منه وهن آخر فی الاستدلال علی الوجوب.

قوله (3) : عدا ضیق الوقت. ( 2 : 177 ).

لا یخفی أنّ هذا أیضا داخل ، لما ستعرف.

قوله : والعلاّمة فی المنتهی. ( 2 : 179 ).

والتذکرة ، وابن زهرة (4).

قوله : فإنّ عدم الوجدان لا یتحقق. ( 2 : 179 ).

لا یخفی أنّ عدم الإصابة حین الطلب وبعد الفراغ منه یکفی لصدق

مسائل

کلمة فی تداخل الأغسال
حکم غسل السعی لرؤیة المصلوب
حکم غسل المولود حین ولادته

التیمم

مسوغات التیمم

عدم وجدان الماء

ص: 89


1- راجع ج 1 : 236 - 242.
2- راجع ص 236 - 242.
3- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».
4- التذکرة 2 : 149 ، الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 555.

عدم الوجدان ، وأنّ الطلب لا یجب أن یکون من أوّل الوقت إلی وقت خشیة فوت الفریضة ، بل یصدق بالطلب أوّل الوقت أیضا.

قوله : فی الحسن عن زرارة. ( 2 : 179 ).

لکن هذه وردت بإسناد آخر « فلیمسک » بدل « فلیطلب » (1).

قوله : فإنّ مقتضاهما سقوط الطلب مع الخوف. ( 2 : 180 ).

لکن روایة الرقّی وردت بطریق آخر هکذا : فقال له داود بن کثیر : فأطلب الماء یمینا وشمالا؟ فقال : « لا تطلب یمینا ولا شمالا ولا فی بئر ، إن وجدته فی الطریق فتوضّأ وإلاّ فامض » (2).

والتوجیه بالنسبة إلیه بعید ، إلاّ أنّ هذا الطریق أیضا ضعیف ، ووقوعها بالطریق الأوّل أیضا أوجب التزلزل وعدم الوثوق بظاهر ما ورد فی هذا الطریق ، بل ومظنّة أنّه سقط منه قوله علیه السلام : « فإنّی أخاف علیک التخلف » ، فإنّ الظاهر الإسقاط لا الازدیاد ، والظاهر أنّ الروایتین واحدة ، بل علی تقدیر التعدد أیضا یکون الظاهر إرادته ، جمعا بین الأخبار ، فتأمّل. وکیف کان ، لا یقاوم هذا ما ذکره من الإجماع والنص.

قوله : وهی ضعیفة السند جدّا. ( 2 : 181 ).

لا وجه لهذه المبالغة فی التضعیف ، بل نفس التضعیف محلّ تأمّل ، بملاحظة ما ذکره الشیخ فی العدّة (3) من أنّ الشیعة عملت بما رواه السکونی وأمثاله من الثقات فحکم بتوثیقه أیضا.

وجوب طلب الماء ومقداره
بحث رجالی حول السکونی

ص: 90


1- التهذیب 1 : 194 / 560 ، الوسائل 3 : 367 أبواب التیمم ب 14 ذ ح 3.
2- التهذیب 1 : 202 / 587 ، الوسائل 3 : 343 أبواب التیمم ب 2 ح 3.
3- عدّة الأصول 1 : 380.

مع أنّ ما ذکره ظاهر من طریقة الأصحاب ، إذ قلّ ما یکون باب من أبواب الفقه لم یرووا فیه حدیثا منه ، ومع ذلک عملوا به وتلقّوه بالقبول ، بل وربما رجّحوه علی الأخبار الصحاح والمعتبرة ، منه فی هذا الموضع.

مع أنّه بملاحظة ما ذکره ابن إدریس وغیره ربما یحصل أنّ هذا الخبر کان فی ذلک الزمان متواترا إلاّ أنّه ثبت بطریق واحد ، کما صرّح بنظائره المرتضی وقال : کثیر من أحادیث کتبنا هکذا (1). مع أن الضعف منجبر بعمل الأصحاب.

قوله : والروایة واضحة السند. ( 2 : 181 ).

الروایة حسنة فلم تثبت العدالة المشترطة المسلّمة عنده ، ولم ینجبر أیضا بعمل الأصحاب ، بل وعمل الأصحاب علی خلافها ، بل وعارضها الروایة التی عملوا بها ، مضافا إلی باقی ما ذکرناه.

مع أنّه مرّ أنّ هذه الحسنة وردت بطریق آخر - وهو قوی - « فلیمسک » موضع « فلیطلب ».

مع أنّه یعارضها ظواهر أخبار کثیرة صحاح ومعتبرة ، بل ویظهر من بعضها أنّ التأخیر مستحب (2).

مع أنّه یمکن حمل « فلیطلب » علی الإمساک عن التیمم ابتغاء لحصول الماء والطهارة المائیة ، جمعا بین النسختین ، بل وجمعا بین الأدلة أیضا ، فتأمّل.

قوله (3) : دفعا للضرر. ( 2 : 182 ).

ص: 91


1- انظر رسائل الشریف المرتضی 1 : 26.
2- التهذیب 1 : 203 / 590 ، الوسائل 3 : 382 أبواب التیمّم ب 21 ح 3.
3- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».

هذا إذا لم یمکنهم أخذ الماء معهم ، وإذا أمکنهم فلا ضرر ، لکن إذا قصّروا ولم یأخذوا فلیتیمّموا ولیصلّوا ، وأعادوا إذا تطهروا بالماء احتیاطا ، لما سیجی ء.

قوله : کما هو روایة السکونی. ( 2 : 183 ).

والمفتی به عنده.

قوله : والأمر یقتضی الإجزاء. ( 2 : 183 ).

إن (1) أراد الإجزاء بالقیاس إلی القضاء فهو مسلّم وإن أراد بالنسبة إلی الإعادة فی الوقت أیضا فمشکل ، لعدم ثبوت الخروج عن عهدة التکلیف الثابت من العمومات الدالة علی وجوب الصلاة مع الطهارة المائیة مع الإمکان فی الوقت ، بمجرد تقصیره فی الطلب وخطائه فی ظنّه تضیّق الوقت ، فتأمّل جدّا.

قوله : وأهمل حتی ضاق الوقت. ( 2 : 184 ).

التقیید بالإهمال مشعر بأنّه مع عدم الإهمال والتقصیر لو اتفق کذلک یکون الواجب علیه التیمم من دون إعادة.

قوله : وهی مع ضعف سندها. ( 2 : 185 ).

هی (2) مطابقة للعمومات الدالة علی التکلیف مع بقاء الوقت ، ومتأیّدة

حکم من أخل بالطلب

ص: 92


1- بدل هذه الحاشیة فی « ب » و « ج » و « د » : إن أراد أنّ القضاء لیس علیه فالأمر کما ذکره ، وإن أراد أنّه فی الوقت والتمکّن من الطهارة المائیة لیس علیه إعادة للامتثال ، ففیه : أنّه ربما کانت العمومات تقتضی الإعادة ، إذ بمجرّد تقصیره فی الطلب وخطائه فی ظنّه الضیق لا یقتضی خروجه عن عهدة التکلیف الثابت بها مع بقاء وقته واستجماعه لشرائط التکلیف.
2- بدل هذه التعلیقة فی « ب » و « ج » و « د » : لا یخفی أنّها مطابقة للعمومات الدالة علی أنّ المکلف یجب علیه الصلاة بعد دخول الوقت وفی الوقت بالطهارة المائیة وموافقة لما دلّ علی وجوب التأخیر إلی ضیق الوقت فی التیمّم والصلاة به ، ولهذا قال الشارح : هو خلاف محلّ النزاع إن کان محلّ النزاع القضاء ، وإن کان الإعادة فی الوقت فالأظهر الإعادة ، والنسیان مشعر بإخلال الطلب وقت السعة ، فتأمّل جدّا.

بما دلّ علی اعتبار الضیق فی التیمم ، فإن کان محل النزاع القضاء فالأمر کما ذکره ، وإلاّ فلا ، لما عرفت ، مع أنّ النسیان مشعر بالإخلال فی الطلب فی سعة الوقت.

قوله : لأنّ الصلاة واجب مشروط بالطهارة. ( 2 : 185 ).

هذه العلة بعینها جاریة فی المسألة السابقة المنقولة عن المنتهی من أنّه لو کان بقرب المکلف ماء. إلی آخر المسألة ، لأنّه متمکن من استعمال الماء بالمشی إلیه ، سیّما إذا کان المشی إلیه بخطوات یسیرة ، غایة الأمر أنّه یخرج الوقت ، فإن کان خروجه مانعا من التمکن ففی ما نحن فیه أیضا کذلک ، بسبب أنّه لا یوجد دلیل شرعی یقتضی المانعیة ، سوی عموم ما دل علی وجوب مراعاة الوقت ، وحرمة فوت الصلاة وترکها حتی یخرج الوقت ، وإلاّ فیجب أن یمشی إلیه ویتطهر به ، لعدم عجزه عن الاستعمال.

علی أنّ تقیید هذه المسألة بقید الإخلال بالاستعمال یؤذن بأنّه لو لم یخلّ بالاستعمال ولم یقصّر واتفق ضیق الوقت عن المائیة ، مثل أن کان نائما فاستیقظ فی ضیق الوقت وغیر ذلک من أمثال هذا المثال لکان الواجب علیه التیمم ، ولا یخفی عدم الفرق بین هذه الأمثلة وبین الإخلال.

قوله : والحال أنّ المکلف واجد للماء متمکن من استعماله. ( 2 : 185 ).

لا نسلّم کونه متمکنا ، لأنّ عموم ما دل علی وجوب مراعاة الوقت

ص: 93

وحفظ الصلاة من الفوت والترک یمنع عن الاستعمال ، سیّما علی القول بأنّ القضاء فرض جدید ومستأنف ، کما هو الحق والمحقّق والمسلّم عند المحقّقین.

مع أنّ وجوب الطهارة المائیة إنّما هو لأجل الصلاة ، کما هو الحق والمحقّق ، ولیس لها وجوب أصلا إلاّ من جهة فعلها وأدائها ، فلا معنی لترجیح إیجابها علی إیجاب الصلاة واختیار فعلها علی ترک الصلاة.

مع أنّه علی القول بالوجوب لنفسه غیر خفی أنّ الوجوب موسّع لا یتضیّق إلاّ بتضیّق وقت العبادة أو ظن الموت ، فبتضیّق وقت العبادة یتضیّق ، فکیف یقدم علیها؟! ووجوب الصلاة أداء مضیّق ومعیّن لا تخییر فیه بینه وبین القضاء أصلا ، سیّما علی القول بأنّه فرض علی حدة.

ولهذا تؤدّی الصلاة بنجاسة الثوب والبدن ، ومع عدم ستر العورة ، ومع عدم استقبال القبلة ، ومع عدم الاستقرار ، ومع غصبیة المکان ، إلی غیر ذلک ، وکذا تؤدّی مع عدم الحمد والسورة والرکوع والسجود وغیرهما من الأرکان والواجبات ، ویکتفی بتکبیرتین بدلا عن الرکعتین ، بل وترجمة التکبیرتین ، مع عدم استقبال القبلة وغیره من الشرائط ، کل ذلک صونا عن الفوات الذی هو الترک حقیقة.

بل وربما قیل بتقدیم الوقت علی مطلق الطهور أیضا (1) ، فعلی هذا کیف یقدم خصوص المائیة التی هی أحد الطهورین علی نفس الفوت والترک؟!

مع أنّه لو کان یقدم لکان یقدم فی غیر هذه الصورة من صور التمکن

ص: 94


1- حکاه فی الحدائق 4 : 318 عن السیّد نعمة الله الجزائری.

من استعمال المائیة بعد خروج الوقت.

علی أنّه بتتبع أحادیث باب التیمم یظهر ظهورا تاما أنّ اختیاره إنّما هو لئلاّ تخرج الصلاة عن وقتها ، ولا یتحقّق فوتها وترکها ، فتأمّل.

ولما ذکرنا اختار جلّ الفقهاء ومعظمهم الثانی ووافقوا العلاّمة ، هذا من المتأخّرین ، وأمّا القدماء فلم یظهر منهم رأیهم ، وکیف کان ، الجمع بین الأداء والقضاء - کما ذکره الشارح - لا یخلو عن الاحتیاط.

قوله : واستدل علیه بأنّ من خشی من لصّ. ( 2 : 188 ).

لعلّ نظره فی هذا إلی الإجماع الذی سیذکره فی هذه المسألة عند ذکر المسوّغ الثالث ، وسیظهر أنّ المسوّغ هو خوف اللصّ مطلقا ، من غیر مدخلیة خصوص أخذ ما یجحف به ، وکذلک الکلام فی روایة یعقوب ، إلاّ أن یتمسک بالقیاس بطریق أولی ، وفیه ما فیه ، لأنّ الإجحاف هنا شرط وعدمه مانع وموجب للشراء والطهارة بالماء.

فانحصر المستند فی فتوی الأصحاب وعموم قوله تعالی ( ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) (1) الآیة ، وقوله تعالی ( یُرِیدُ اللهُ بِکُمُ الْیُسْرَ ) (2) الآیة ، وهو رحمه الله لم یجعل دلیلا أصلا ، وجعل الأخیرین مؤیّدین ، ولعل المجموع کاف دلیلا علی المقام.

ویؤیّده أیضا قوله صلی الله علیه و آله : « لا ضرر ولا ضرار » (3) ونظائر ذلک فلیلاحظ.

عدم الوصول إلی الماء
عدم وجوب شراء الماء إذا أضرّ فی الحال

ص: 95


1- الحج : 78.
2- البقرة : 185.
3- الکافی 5 : 292 باب الضرار ، الفقیه 3 : 147 / 648 ، التهذیب 7 : 146 / 651 ، الوسائل 25 : 427 أبواب إحیاء الموات ب 12 ، مسند أحمد 5 : 327 ، سنن ابن ماجة 2 : 784 / 2340.

ویمکن أن یکون نظر المصنف رحمه الله إلی عموم نفی الضرر ، کما یظهر من آخر کلامه ، إلاّ أنّه لا وجه حینئذ للتمسک بحکایة الخشیة من لصّ أخذ ما یجحف به ، فتأمّل.

قوله : باقیا فی ید المالک. ( 2 : 190 ).

هذا مقید بإمکان الاستعمال ، بأن لا تخرج الصلاة عن الوقت ولا تفوت بسبب استعماله ، ومرّ وجه التقیید.

قوله : فإنّه لا غضاضة فیه. ( 2 : 191 ).

هذا بالقیاس إلی ضیاع المال من جهة اللصّ تمام ، لکن کلام المصنّف أعم من ذلک ، وکذا ما ذکره من قوله : ولا فی المال بین أن یکون. ، وبالجملة : التعمیم لا یخلو عن الإشکال ، لصدق واجد الماء والمتمکن منه علیه ، وعدم ظهور مانع ، إلاّ أن یکون إجماع علیه ، فیکون حینئذ هو الفارق ، فتأمّل.

قوله : لانتفاء الضرر معه. ( 2 : 193 ).

فیه نظر ، لأنّ المرض ضرر کیف کان ، نعم یسیره ضرر یسیر ، بل غالبا لا یؤمن من الانجرار إلی الشدید ، بل وإلی التهلکة فی کثیرین ، ثم فی جعل وجع الرأس والضرس یسیرا نظر ظاهر ، إلاّ أن یرید الیسیر منهما.

قوله : وربما کان الخلاف مرتفعا فی المعنی. ( 2 : 193 ).

لعل مراده رحمه الله أنّ الشهید لمّا استند فی استشکاله إلی نفی العسر والحرج ظهر أن لیس لهم نزاع فی المعنی ، إذ لا یکون عسرا وحرجا حتی یکون فیه شدّة ، والسهل لا یکون عسرا ولا حرجا.

وفیه نظر ، لأنّ السهل أمر إضافی ، فربما یوصف الشی ء العسیر بالسهولة بالقیاس إلی فرده الشدید ، وکیف کان ، المرض السهل والیسیر

الخوف
الخوف من اللص والسبع أو ضیاع المال
جواز التیمم مع خوف المرض

ص: 96

حرج عند الشهید ، إلاّ أنّه الفرد الیسیر من الحرج ، وهذا هو الظاهر من کلامه ، فالمرض عنده - کیف کان - یکون حرجا ، وإن کان فی غایة یسر وسهولة من الحرج ، ولا یخلو من قرب ، وکذلک هو ضرر ، کما أشرنا.

ویؤیّد الشهید العمومات الدالة علی کون الترابیة بمنزلة المائیة (1) ، وکذا العمومات الواردة فی الجروح والقروح ، والخائف علی نفسه یتیمم ، وما یظهر من مواضع متعدّدة من أنّه بأدنی عذر یتیمم (2) ، فلاحظ.

قوله : وقال الشیخان. ( 2 : 193 ).

فی التهذیب قال : الأولی أن یغتسل ، وصرّح بجواز التیمم له مع إعادة الصلاة عند رفع العذر (3).

قوله : بتعمّد الجنابة. ( 2 : 194 ).

بل ظاهر صحیحة ابن مسلم عدم التعمّد.

قوله : ولا قائل بمضمونهما. ( 2 : 194 ).

لقائل أن یقول : خرج ما خرج بالإجماع وبقی الباقی ، فالعمدة فی الجواب ما ذکره وما سنذکر.

قوله : وضعف سندهما. ( 2 : 194 ).

مضافا إلی مخالفته للقرآن فی آیات متعددة ، وورد فی کثیر من الأخبار أنّ مخالفة القرآن یوجب منع العمل (4) ، فکیف فی مخالفته فی مواضع متعددة ، مضافا إلی غیر القرآن من الأدلة العقلیة والنقلیة الیقینیة ،

حکم الجنب المختار لو خاف بالغسل التلف أو الزیادة فی المرض

ص: 97


1- الوسائل 3 : 385 ، أبواب التیمم ب 23.
2- الوسائل 3 : 342 ، أبواب التیمم ب 2 و 3 و 5.
3- التهذیب 1 : 196.
4- الوسائل 27 : 106 أبواب صفات القاضی ب 9.

فضلا عن الظنّیة ، ومنها النصوص المطلقة فی جواز التیمم ، مع أنّ تتبع تضاعیف مواضع معارضة حفظ النفس مع التکلیف ینادی بتقدیم حفظها علیه ، حتی أنّه یقدم علی نفس الصلاة ، فکیف یقدم أحد الطهورین علیه ، مضافا إلی ما أشرنا فی الحاشیتین السابقتین.

قوله : وأمّا الشّین فقیل إنّه عبارة. ( 2 : 194 ).

تقیید المرض بالشدّة ، وإبقاء الشین علی إطلاقه مشکل جدّا ، بل ربما کان تقییده موجبا لتقیید الشین ، فإنّه إن کان من المرض فظاهر ، وإن کان من الحرج والعسر فعند الشارح رحمه الله وموافقیه فکذلک ، وعند الشهید غیر مقید أصلا ، وتحقّق إجماع یقتضی زیادة حکمه علی حکم المرض وکونه أشدّ منه محلّ تأمّل.

قوله : أمّا بالنظر إلی الدوابّ فمشکل. ( 2 : 196 ).

لا إشکال علی طریقة الفقهاء ، لأنّهم ادعوا الإجماع فی خوف ضیاع المال وإن کان قلیلا ، فما نحن فیه داخل فیه ، بل بطریق أولی ، لما فی ذی الروح من حرمة تمنع عن الأذیة والقتل عبثا ، أی لا لأجل أکل اللحم أو الانتفاع بالجلد ، فتأمّل.

قوله : وهو جیّد إن ثبت. ( 2 : 196 ).

لا تأمّل فیه ، وإنّه یتعین علیه حینئذ ، لعموم المنزلة ، وعموم تحریم النجس.

قوله : ونقله تغلب (1) عن ابن الأعرابی. ( 2 : 197 ).

فیه : انّ الجوهری صرّح بکونه هو التراب مع نقله عن ابن الأعرابی

جواز التیمم مع خوف الشین
جواز التیمم مع خوف العطش علی رفیقه أو دوابّه

ما یجوز التیمم به

بحث لغوی فی معنی الصعید

ص: 98


1- راجع ص 41.

أنّه الأرض (1) ، وفیه شهادة واضحة علی أنّه زیّف قوله وصحّح کونه التراب ، وهو أعرف باللغة ، وأضبط وأمتن ، والاعتماد علیه أزید عند العلماء. وبعد الجوهری صاحب القاموس ، فإنّه قال : التراب أو وجه الأرض (2) ، وهذا ینادی بعدم تعیین کونه وجه الأرض ، بل ربما یومئ إلی ترجیح ما لکونه التراب ، حیث قدمه علی وجه الأرض ، مع أنّه أخص منه ، فکان المناسب تأخیر ذکره عنه. والسید رحمه الله حکم بکونه التراب بالنقل عن أهل اللغة (3) ، وهذا یشیر إلی کون المعرف عندهم هو التراب ، وحکاه ابن درید عن أبی عبیدة ، وقال : هو التراب الخالص الذی لا یخالطه سبخ ولا رمل (4). وقال ابن الفارس : الصعید هو التراب (5). ( وقال ابن عباس الصعید التراب ) (6) وقال المفید : الصعید هو التراب ، وإنّما سمی صعیدا لأنّه یصعد من الأرض (7).

ویؤیّد ذلک ظواهر بعض الأخبار ، مثل قوله علیه السلام فی الطین : « إنّه الصعید » وقوله علیه السلام فیه أیضا : « صعید طیّب وماء طهور » (8) وفی صحیحة زرارة : « ثم أهوی بیدیه إلی الأرض فوضعهما علی الصعید » (9) إلی غیر

ص: 99


1- الصحاح 2 : 498.
2- القاموس 1 : 318.
3- حکاه عنه فی المعتبر 1 : 372.
4- جمهرة اللغة 2 : 654.
5- مجمل اللغة 3 : 226.
6- تنویر المقباس فی تفسیر ابن عباس ( الدرّ المنثور ) 1 : 259 ، وما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج ».
7- المقنعة : 59.
8- التهذیب 1 : 190 / 547 ، الوسائل 3 : 354 أبواب التیمّم ب 9 ح 5 و 6.
9- الفقیه 1 : 57 / 212 ، الوسائل 3 : 360 أبواب التیمّم ب 11 ح 8.

ذلک ممّا سنذکر بعضها ، فعلی هذا تکون الآیة حجّة علیه لا له ، إذ ما ذکره لا یقاوم ما ذکرنا ، کما لا یخفی.

سلّمنا ، لکن نمنع کونها حجّة له ، وهو أیضا ظاهر ، مع أنّ الآیة ظاهرة فی التراب ، لأنّ قوله تعالی ( مِنْهُ ) فی هذه الآیة ظاهره أنّ « من » فیه للتبعیض ، کما حقّقه المحقّقون ، فظاهرها اشتراط العلوق وکون المسح به ، وورد النص الصحیح أیضا بذلک ، وأنّ المراد منها ما ذکر (1) ، وظاهر أنّ الغالب الشائع تحقّق العلوق من التراب لا من الحجر والرخام ، وأمّا الغبار فإن کان من الأرض فهو من التراب البتّة ، وإلاّ فهو خارج عن حکم الآیة ، فإنّ الظاهر کون العلوق ممّا یتیمم به ، کما لا یخفی.

ومما ذکرنا ظهر فساد ما ذکره فی الذخیرة من أنّ الأقوی صحة التیمم بالحجر ونحوه ، لکن لا یبعد أن یقال : بشرط أن یکون علیه شی ء من الغبار ونحوه ، لما سیجی ء من دلالة بعض الأخبار الصحیحة علی اشتراط العلوق (2) ، انتهی.

وبالتأمّل فی ما ذکرنا یظهر أیضا فساد ما أورده المحقّق علی السید فی تمسکه بقول اللغویین من أنّه لا یلزم. ، إذ یظهر من کلماتهم أنّ التراب متعین فی کونه معنی الصعید ، وأنّ الظاهر منهم الردّ علی من یدعی أنّه وجه الأرض.

مضافا إلی أنّ اللغوی إذا ذکر للفظ معنی واحدا لیس إلاّ لا شک فی کون معنی اللفظ عنده هو هذا المعنی خاصّة ، وأنّه لو کان عنده أنّ معناه

ص: 100


1- الکافی 3 : 30 / 4 ، الفقیه 1 : 56 / 212 ، التهذیب 1 : 61 / 168 ، الوسائل 3 : 364 أبواب التیمّم ب 13 ح 1.
2- الذخیرة : 98.

متعدد لما اقتصر بالواحد ، یظهر القطع بذلک لمن تتبع کلماتهم ، سیّما وأن یذکروا معرّفا باللام مع ضمیر الفصل ، ویقولوا : الصعید هو التراب ، فإنّ الحصر فی غایة الظهور.

مع أنّ ما ذکره إثبات اللغة بالترجیح ، وهو فاسد ، لأنّه سماعی. بل ما ذکره ردّ علی اللغوی لا بیان لکلامه ، کما لا یخفی.

مع أنّ استعماله فی الأرض محلّ منع ، ولو سلّم فکون الاستعمال ظاهرا فی الحقیقة وأصلا فیه ممنوع أیضا ، لأنّ الاستعمال أعم من الحقیقة ، وصرّح بعض المحقّقین بأنّ المجاز هو الأصل والظاهر ، لأنّ أکثر الاستعمالات مجاز ، وکذا اللغات أکثرها مجازات ، کما صرّح به ، وکون الأصل هو الحقیقة إنّما هو فی موضع علم المعنی الحقیقی وشکّ فی استعماله فیه ، وأمّا فی ما نحن فیه فلا ، کما عرفت.

ولو سلّم کون الأصل فیه أیضا الحقیقة لا جرم یتحقّق الاشتراک ، لأنّ الاستعمال إنّما وقع فی خصوص التراب لا الطبیعة الأرضیة الکائنة فیه ، وحمل کلام اللغوی علیه فاسد ، إذ متی ذکروا للفظ معنی وأرادوا منه نصفه وبعضه؟

مع أنّ ما ذکره لو سلّم فإنّما هو فی استعمالات أهل المحاورات ، بناء علی أنّهم یستعملون مع القرینة ، فیمکن أن یکون مرادهم من اللفظ خصوص القدر المشترک ، ومن القرینة الخصوصیة ، وأین هذا من قول أهل اللغة من أنّ لفظ کذا معناه کذا؟

ویمکن أن یقال من قبل الشارح : إنّ الإجماع واقع علی جواز التیمم

حکم التیمم بغیر التراب

ص: 101

بغیر التراب ، وورد منهم علیهم السلام أنّ ( الطهور إنّما هو الماء والصعید ) (1).

وفیه : أنّ التیمم جائز بالغبار قطعا مع أنّه لیس من الصعید عند الشارح ، فتأمّل.

علی (2) أنّا نقول : عمدة الأرض التراب ، بل أصلها التراب ، وغیر التراب عرضتها حرارة إحالتها إلی الحجریة والرملیة وأمثالهما ، ولذا یقال : أرض ذات أحجار ، وذات الحصاة وذات الرمل وأمثال ذلک ، ولا یقال : أرض ذات تراب ، أو أرض فیها تراب ، نعم یقال : ترابها خالص ، ویقال : أرض فیها أحجار وحصاة ورمل ، ومن هذا قوله تعالی ( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً. وَالْجِبالَ أَوْتاداً ) (3).

مع أنّ معظم الأرض التراب وغالبها ، والإطلاق ینصرف إلی الغالب. مع أنّ استعمال الکلّی فی الفرد حقیقة متعارف شائع ، وبهذا یحصل الجمع بین أقوال اللغویین ، سیّما استعمال لفظ الأرض فی خصوص التراب ، لأنّه حقیقة شائعة فی الأخبار. نعم الجوهری وصاحب القاموس أظهرا المخالفة بینهما بحسب الواقع (4) ، فتأمّل.

وممّا یؤیّد المطلوب أنّ المعادن مثل الزرنیخ والکحل ونحوهما إذا کانت فی محالّها یطلق علیها اسم الأرض ، ولذا جوّز بعض العلماء التیمم بها حینئذ (5) والمشهور نافون له متحاشون عنه ، کما سیجی ء ، وإذا أخذ

حکم التیمم بالمعادن

ص: 102


1- فی النسخ : التیمم إنّما هو بالماء والصعید ، والصواب ما أثبتناه ، انظر التهذیب 1 : 188 / 540 ، والاستبصار 1 : 14 / 26 ، والوسائل 1 : 201 أبواب الماء المضاف ب 1 ح 1.
2- من هنا إلی آخر هذه الحاشیة لیس فی « أ » و « و».
3- النبإ : 6 ، 7.
4- انظر الصحاح 2 : 498 و 3 : 1064 ، والقاموس 1 : 318 و 2 : 335.
5- حکاه فی المعتبر 1 : 372 عن ابن أبی عقیل.

النورة والجصّ - بل والحجر أیضا - عن محالّها فغیر معلوم إطلاق لفظ الأرض علی القطعة المأخوذة المنفردة عرفا ، ومن هذا قال ابن إدریس بأنّ الجصّ والنورة معدنیان (1) ، فتأمّل.

وفی المختلف - بعد أن نقل من الشیخ فی النهایة ، والمفید ، وابن إدریس ، وسلاّر ، المنع من التیمم بالحجر مع وجود التراب ، ومن ابن الجنید المنع منه مطلقا - قال : احتجّ المانع بأنّ المأمور به التیمم بالصعید ، والصعید هو التراب ، وإنّما سمّی صعیدا لتصاعدها علی وجه الأرض ، فلا یجزی ما عداه. وأجاب بالمنع من عدم الحقیقة فی التراب ، فإنّه تراب اکتسب رطوبة لزجة ، وعملت حرارة الشمس فیه حتی تحجّر ، فإذا کانت الحقیقة فیه دخل تحت الأرض ، ولأنّها لو لم تکن باقیة لم یکن التیمم بها مجزیا عند فقد التراب ، کالمعدن ، والتالی باطل إجماعا فکذا المقدم (2). انتهی.

ویظهر منه أنّ سلار ، وابن إدریس ، والشیخ فی النهایة شرکاء مع المفید فی کون الصعید هو التراب ، وکذلک ابن الجنید ، إلاّ أنّه لم یجوّز مطلقا ، والباقون جوّزوا مع فقد التراب ، للإجماع الذی ادعاه ، والعلاّمة أیضا مسلّم کون الصعید هو التراب ، إلاّ أنّه ادعی عدم خروج الحجر من الحقیقة ، مثل ما ادعوا فی الخزف ، کما سیجی ء ، وهذا دعوی آخر ، إلاّ أنّ الصعید لیس لغة اسم التراب بل هو أعم ، ولذا قال فی الجواب : إنّه لغة هو الأرض ، وما تمسک بقول لغوی فی ذلک ، وهذا ینادی بأنّه لم یکن معتقدا بأنّه لغة اسم الأرض ، وأنّ لغویا قال کذلک.

جواز التیمم بالحجر عند فقد التراب

ص: 103


1- السرائر 1 : 137.
2- المختلف 1 : 260 ، 261.

کما أنّ المحقق فی مقام الجواب عن استدلال السید بأنّه لغة هو التراب لم یذکر قول لغوی بأنّه الأرض مع غایة إصراره فی الجواب عن دلیل السید ، وفی الصعید اسما للأرض ، حتی أنّه تمسک بما تمسک فی مقام الردّ علی قول اللغوی وأثبت اللغة بالدلیل ، ولا یخفی شناعته. ولعل رأیه رأی العلاّمة من کون الأرض هو التراب الخالص ، والمستحیل بما لا یخرج من الحقیقة.

وممّا ذکر [ ظهر ] (1) أنّ الأکثر یقولون بکون الصعید اسما للتراب ، ولیس کما ذکره الشارح ، فتأمّل.

قوله : فلیمسح من الأرض. ( 2 : 197 ).

ظاهر « من » هنا أنّه للتبعیض ، کما هو ظاهر الآیة أیضا ، فظاهره العلوق والمسح به ، فظاهرها التراب ، لأنّ الحجر لا یمسح منه وغالب أجزاء الأرض هو التراب ، والغالب أنّ التیمم یکون به ، ولیس فی لفظ الأرض عموم ، بل هو مطلق ، والمطلق یرجع إلی العموم حیث لا یکون شائع ینصرف إلیه ، فتأمّل.

مع أنّه یرجع إلی العموم إذا کان فی مقام بیان حکم نفسه لا أنّه ذکر تقریبا لحکم آخر ، لأنّ البناء علی العموم بسبب أن لا یخرج کلام الحکیم عن الفائدة ، وإذا ذکر تقریبا لحکم آخر ، فالفائدة حاصلة بنی علی العموم أم لا ، ولا حاجة لها فیه.

وبالجملة : أمثال هذه الأخبار لا یخلو عن الضعف فی الدلالة لتطرّق هذه المناقشات فیها. مضافا إلی أنّ غیر واحد منها ذکر فیها الأمر بنفض الید

ص: 104


1- أضفناه لاستقامة العبارة.

بعد الضرب علی الأرض (1) ، وهذا ظاهر فی أنّهم علیهم السلام وإن کانوا یذکرون لفظ الأرض إلاّ أنّهم یریدون منها جزءها الغالب الذی هو التراب.

وممّا یؤیّد : ما مرّ فی الحاشیة السابقة من ظهور اشتراط العلوق والمسح به من الآیة والحدیث ، وما مرّ فیها من ظهور کون الصعید هو التراب ورجحانه ، وورد فی الحدیث أنّ الطهور إنّما هو الماء والصعید (2).

وممّا یؤیّد : أنّ الفقهاء - إلاّ من شذّ منهم - فهموا من الصعید التراب ، ولذا حکموا بکون الحجر بعد العجز عن التراب ، وفی حالة الاضطرار ، بل وبعضهم أخّره عن الغبار وغیره (3).

وممّا یؤیّد : ما سنذکر من الأخبار الدالة علی أنّ التیمم یکون بالتراب ، فلاحظ وتأمّل.

وبالجملة : لا شک فی أنّ التراب أرض ومعظم الأرض ، فإطلاق لفظ الأرض علیه من قبیل إطلاق لفظ الکلی علی الفرد ، مع أنّ ما نحن فیه معظم الأفراد ، وإطلاق الکلی علی الفرد شائع ، بل وحقیقة (4) ، غایة الأمر أن یکون خلاف الظاهر بالقیاس إلی إطلاقه علی نفس القدر المشترک ، لا أنّه خلاف النص.

مع أنّک عرفت ما به یضعف هذا الظهور مطلقا أو ضعفا فی الجملة ، فتأمّل.

علی أنّه لعله لا تأمّل فی صحة التیمم بالأرض من حیث هی هی فی

بحث فی أنّ إطلاق لفظ الأرض علی التراب یکون من قبیل إطلاق الکلی علی الفرد

ص: 105


1- الوسائل 3 : 358 أبواب التیمّم ب 11 ح 7 وب 12 ح 2.
2- راجع ص 102.
3- کالکاشانی فی المفاتیح 1 : 61.
4- فی « ا » زیادة : عرفا.

الجملة ، إنّما التأمّل فی الصحة مطلقا واختیارا ، وسیجی ء ، فتأمّل.

قوله : احتج السید. ( 2 : 198 ).

ویدل علی مذهبه أیضا أنّ العبادات وظیفة شرعیة موقوفة علی نصّ الشرع ، کنفس الأحکام الشرعیة ، ولم تثبت صحة التیمم بغیر التراب ، مثل الحجر وغیره ، أو (1) لم یثبت کونه تیمما ، لاختلاف الأدلة والأمارات ، ولو لم نقل برجحان أدلة السید وأماراته.

ویدل علیه أیضا حسنة رفاعة عن الصادق علیه السلام : « إذا کانت الأرض مبتلّة لیس فیها تراب ولا ماء فانظر أجفّ موضع تجده فتیمم منه ، فإنّ ذلک توسیع من الله » إلی أن قال : « فإن کان لا یقدر إلاّ علی الطین فلا بأس أن یتیمّم منه » (2) ، فلو کان التیمم بالحجر مثل التراب من دون تفاوت لما قال : فإن لم تجد ترابا فانظر أجفّ موضع. مضافا إلی أنّ التیمم بالصخر والحجر لا مانع منه أن یکون مبتلاّ ، فإنّه حجر والضرب یقع علیه ، وفی قوله : « منه » فی الموضع إشارة إلی العلوق والمسح به.

وقریب من الحسنة روایة علی بن مطر ، عن بعض أصحابنا ، عن الرضا علیه السلام ، عن الرجل لا یصیب الماء ولا التراب ، أیتیمم بالطین؟ قال : « نعم ، صعید طیب ، وماء طهور » (3) ( وفیه أیضا شهادة ما علی کون الصعید هو التراب ) (4) ، ( والمستفاد من الأخبار وکلام الفقهاء أنّ التیمم بالطین بعد

دلیل ما قاله السیّد المرتضی من أنّه لا یجزئ فی التیمم إلاّ التراب الخالص

ص: 106


1- فی « ا » : إذ.
2- التهذیب 1 : 189 / 546 ، الاستبصار 1 : 156 / 539 ، الوسائل 3 : 354 أبواب التیمّم ب 9 ح 4.
3- التهذیب 1 : 190 / 547 ، الوسائل 3 : 354 أبواب التیمّم ب 9 ح 6.
4- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

العجز عن التراب ) (1) أو الأرض ، ولم یقل علیه السلام هل عنده حجر أم لا؟ ، فإن کان فلیتیمم به. ویؤیّده أیضا قوله علیه السلام فی صحیحة جمیل ، فی إمام القوم الجنب یتیمم ویصلی بهم : « إنّ الله جعل التراب طهورا کما جعل الماء طهورا » (2) وأمثال هذه ممّا یتضمّن لفظ التراب ، مثل قوله علیه السلام : « التراب طهور المسلم » (3) ، وقوله فی حسنة معاویة بن میسرة : الرجل فی السفر لا یجد الماء ، ثم صلی ، ثم أتی الماء - إلی قوله - : « یمضی علی صلاته ، فإنّ ربّ الماء ربّ التراب » (4) ، وغیر ذلک ، ومرّ فی الحاشیتین السابقتین ما یصلح للاستناد والاستدلال علی مذهب السید.

وأقوی ما یمکن أن یقال من طرف المحقّق وموافقیه إنّ الوصف فی هذه الأخبار خارج مخرج الغالب ، لکن هذا یوجب ضعف دلالة لفظ الأرض فی أخبارهم علی العموم ، کما لا یخفی.

وکیف کان ، الحکم بصحة التیمم بالحجر ومثله مع وجود التراب والتمکن منه لا یخلو عن إشکال ، بملاحظة ما ذکرنا فی هذه الحواشی ، سیّما وأن یکتفی به فی تحصیل البراءة عن شغل الذمّة الیقینی ، والخروج عن عهدة الأمر الجزمی القطعی.

وأمّا فی صورة عدم التمکن من التراب أو عدم التمکن عن غیر الحجر مثلا فیشکل ترک التیمم به بعد ما ظهر من بعض الأخبار من صحة التیمم بالأرض من حیث إنّها أرض ، وأنّ الصلاة لا تفوت إلاّ بفوت

ص: 107


1- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
2- الفقیه 1 : 60 / 223 ، الوسائل 3 : 386 أبواب التیمم ب 24 ح 2.
3- انظر المعتبر 1 : 373.
4- التهذیب 1 : 195 / 564 ، الاستبصار 1 : 160 / 554 ، الوسائل 3 : 370 أبواب التیمم ب 14 ح 13.

الأرض (1) ، للإشکال فی شمول أدلة السید لهذه الصورة ، بحیث یرتفع بسببها هذا الظنّ والظهور أصلا ورأسا ، ولعله لهذا اختار المفصّل التفصیل ، فتأمّل.

قوله : تمسک بدلالة الخطاب. ( 2 : 198 ).

السید رحمه الله لم یستدل بمفهوم الوصف ، فإنّه لیس حجة عنده ، بل استدل بأنّ الأرض لو کانت هی الطهور فالطهور صفتها وحالها وحکمها ، لا التراب ، والأرض مذکورة فی العبارة بلفظها ومصرّح بها ، والطهور المذکور وصف هذه الأرض المذکورة وحالها ومن أحکامها ، فاللازم أن یسند إلیها ، لا إلی التراب الذی لیس هذا الوصف المذکور وصفه وحکمه ، فلا بدّ من أن یکون ذکره لغوا محضا وفاسدا ظاهرا ، سیّما وهو مذکور فی معرض التسهیل والتخفیف والتوسیع منه تعالی ، وإظهار منّته سبحانه علی هذه الأمّة ، وشفقته علی خاتم الرسل.

فلو کان غیر التراب أیضا طهورا لکان التخصیص بذکر التراب غلطا مخلاّ بالمقصود مخرجا عن البلاغة ، لعدم جریان الکلام علی مقتضی الحال ، بل وجریانه علی ضدّ مقتضی الحال ، ولا یخفی أنّ آحاد الناس بل والأطفال منهم لا یفعل کذلک ، فضلا عن أفصح العرب وأعلمهم بالبلاغة وأشدّهم بمراعاتها.

والاحتمالات التی ذکرت فی نفی حجّیة المفهوم وجعلت مساویة لنفی الحکم فیه غیر ملائمة للمقام ولا مقاومة لما ذکرنا بلا تأمّل ، فتأمّل. ویستدل الشارح والمحقّق وغیرهما ( من المحققین ) (2) بمقام الامتنان بما

ص: 108


1- انظر الوسائل 3 : 349 أبواب التیمّم ب 7 و 384 ب 22.
2- لیس فی « أ ».

هو أدنی ممّا فی المقام بمراتب شتی ومسلّم ذلک عندهم ، فتأمّل.

قوله : إنّ الروایة موجودة. ( 2 : 198 ).

الذی یظهر من کلام السید الذی لا یعمل بأخبار الآحاد والظنون أنّ هذه الروایة علی ما هو قطعی مذکور فیها لفظ التراب ، فلو وجد فی الآحاد وبطریق مظلم بغیر هذا اللفظ لا یضرّه ، سیّما مع ظهور أنّ السقط أولی وأقرب من الازدیاد وأظهر جزما ، فتأمّل.

قوله (1) : علی حجّة یعتد بها. ( 2 : 200 ).

قد أشرنا إلی ما یصلح لکونه حجّة لهم ، مضافا إلی ما ادعاه فی المختلف من الإجماع (2).

قوله (3) : ویجوز التیمم بأرض النورة. ( 2 : 201 ).

جواز التیمم بأرض النورة ، لا نفس النورة ، ولعل مراده : إذا کانت علی الأرض یسمی أرضا ، وإلاّ فلا.

قوله : ومتی ثبت ذلک جاز التیمم بهما. ( 2 : 201 ).

لا یخفی أنّ بناءه علی أنّ صدق الأرض علیهما حقیقة بلا ریبة ولا شبهة ، فلا وجه للتردید ، کما أنّه لا وجه للتردید المذکور فی الحجر ، لأنّ الشیخ فی النهایة جمع بینهما وبین الحجر فی الحکم ، کما نقل عنه سابقا (4).

وقد أشرنا إلی وجه اختیار الأکثر هذا التفصیل ، لأنّ اختیار عملهم

جواز التیمم بأرض الجصّ والنورة

ص: 109


1- هذه الحاشیة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».
2- المختلف 1 : 261.
3- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و».
4- المدارک 2 : 199.

بعینه هو نفس فتواهم ، وهذه طریقتهم ، ولا یخفی حسنها ، لأنّ الفتوی فائدتها العمل ، لا مثل طریقة الشارح ومن وافقه ، من أنّهم یناقشون فی دلیل الفقهاء مناقشات ثم یقولون : إلاّ أنّ العمل علی ما ذکروه ، أو ما یقرب هذه العبارة ، مثل أن یقولوا : لا ریب فی أنّ اختیار ما ذکروه أولی وأحوط ، وغیر ذلک من أمثال هذه العبارات ، حتی أنّه وقع اصطلاح جدید : أنّ مقام الإفتاء غیر مقام العمل.

ومنها ما ذکره الشارح هنا ، فإنّه بعد المناقشة الطویلة فی أدلة السید فی أنّ التیمم بالتراب ، وتسقیم تلک الأدلة وتضعیفها ، قال : ولا ریب أنّ التیمم بالتراب الخالص أولی وأحوط. وغیر خفی أنّه رحمه الله عمله مقصور علی ما ذکره مهما أمکنه ، وکذا أمره لغیره مقصور فی اختیاره فی العمل ذلک مهما أمکنه ، کما هو طریقة غیره من فقهائنا فی أمثال هذه الأزمان ، وطریقتنا أیضا کذلک ( ولا شک فی أنّه متی یمکننا التیمم بالتراب لا نعدل إلی التیمم بمثل الحجر فی مقام العمل کما أنّ الشارح أیضا کان کذلک ) (1).

ثم إنّه لو تعذر التراب فلا شک أنّ الشارح کان یتیمم بالحجر وأمثاله فی مقام العمل ، وکان یأمر غیره أیضا بذلک فی ذلک المقام کما أن غیره من فقهائنا فی هذه الأزمان أیضا کذلک ، ونحن أیضا کذلک ، وهذا التفصیل فی العمل هو بعینه نفس فتوی المشهور من فقهائنا ، إلاّ من مثل ظاهر عبارة ابن الجنید والشیخ فی الخلاف والمبسوط.

مع أنّا قد أشرنا إلی وجه فتواهم أیضا بأنّه لا شک فی أنّ الفتوی منوطة بالظنّ والوثوق والاعتماد فبعد التمکن من التراب والحجر لا شک

ص: 110


1- ما بین القوسین لیس فی « أ ».

فی أنّ شغل الذمّة بالصلاة یقینی کما أن بعد التمکن من التراب خاصة أیضا کذلک ، وبعد التمکن منهما لو اخترنا التراب فلا شک فی حصول البراءة ، وأمّا لو اخترنا الحجر فلا یحصل العلم بل ولا الظنّ بحصول البراءة حینئذ ، لما عرفت من تعارض الأدلة والأمارات بحیث لا یمکن ترجیح یعتمد علیه ویستند إلیه ، سیّما فی مقام تحصیل البراءة عن شغل الذمّة الیقینی.

وأمّا بعد العجز عن التراب ووجود مثل الحجر فیحصل للمجتهد - بملاحظة بعض الأخبار المتضمّنة لکون التیمم بالأرض - الظنّ بوجوب التیمم بما یسمی أرضا ، أی شی ء کان ، وأنّه لا تفوت الصلاة إلاّ أن تفوت الأرض أصلا وبالمرة (1).

وبالجملة : دلالتها علی کون التیمم بالأرض من حیث هی أرض ظاهرة فی الجملة لا تأمّل فیها ، إلاّ أنّ عمومها وشمولها لجمیع الأحوال والأوقات حتی مع وجود التراب - بحیث یقاوم ذلک العموم والشمول مقتضی ما دل علی خصوص التراب وظهر منه ، بل ویغلب علیه إلی أن یحصل للمجتهد الظن والوثوق والاعتماد علی تیمم الحجر أیضا - محلّ نظر ، یظهر وجهه من ملاحظة ما ذکرناه فی الحواشی السابقة.

کما أنّ شمول ما دل علی التراب لجمیع الأحوال والأوقات - حتی حال فقد التراب - واقتضاءه ترک الصلاة وفوتها حینئذ بحیث یقاوم دلالة تلک الأخبار المقتضیة لکون التیمم علی الأرض من حیث هی أرض واجبا وصحیحا ، وأنّ الصلاة لا تفوت إلاّ بفوت جمیع ما هو أرض ، وعدم وجدان أرض أصلا ورأسا أیضا محلّ تأمّل ، هذا.

ص: 111


1- راجع ص 106.

مع أنّهم ادّعوا الإجماع علی التیمم بمثل الحجر فی الجملة - علی ما أظنّ - کما أشرنا ، فلاحظ المختلف (1) ، ویظهر ذلک بملاحظة فتاواهم ، إذ المخالف هو ظاهر عبارة ابن الجنید ، کما مرّ ، فتدبّر.

قوله (2) : لخروجه بالطبخ عن اسم الأرض. ( 2 : 202 ).

ورد فی التیمم لصلاة الجنازة الأمر بضرب الید علی حائط اللبن والتیمم به (3) ، وظاهره المنع من الآجر مع کون غالب حیطان الکوفة بالآجر ، وغالب حیطان المدینة ومکة وأمثالهما بالأحجار ، فیظهر منه [ المنع ] (4) عن التیمم بالحجر أیضا ، فتأمّل.

قوله : إلی أمر خارج عن العبادة. ( 2 : 203 ).

لا یخفی أنّه فی التیمم ضرب علی التراب ، ومسح علی الوجه والیدین ، والضرب والمسح حرکة وسکون ، وهما کونان ، ولا أقل من الحرکة وهی کون قطعا ، مع أنّ المنهی لیس إلاّ التصرف فی ملک الغیر غصبا ، وهذه الحرکة تصرف ، بل التیمم فعل وعمل فی ملک الغیر ، وهو هواؤه المملوک ، فتأمّل.

قوله : فلا بأس أن یتیمم. ( 2 : 204 ).

إن أمکن أن یطلی به شیئا ویجفف لا إلی حدّ یصیر ترابا بل مثل التراب المبلّل فهو أیضا أولی وأحوط ، کما هو الظاهر من حسنة رفاعة ، وإن لم یمکن أو یکون عسرا وحرجا فیتیمم بالطین ، ولم یبین فی الأخبار

حکم التیمم بالخزف
حکم التیمم فی المکان المغصوب
عدم صحة التیمم بالوحل مع وجود التراب

ص: 112


1- راجع ص 103.
2- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و».
3- الکافی 3 : 178 / 5 ، الوسائل 3 : 111 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 5.
4- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.

کیفیة التیمم به ، والظاهر من الاخبار أنّ کیفیة التیمم به کیفیة التیمم بالتراب.

وقیل : یضع یدیه علی الطین ، ثم یصبر حتی ییبس ثم یتیمم (1).

وهو خلاف ما یظهر من الأخبار ، فالعمل به مشکل ، سیّما مع تضمّنه عدم الموالاة ، والظاهر من الأخبار أنّ التیمم بالطین متأخر عن کل ما یمکن التیمم به مثل الغبار والحجر ، فربما یظهر منها عدم التیمم بالثلج ، فتأمّل.

قوله : فی الحسن عن أبی عبد الله علیه السلام . ( 2 : 204 ).

وزرارة فی الموثق عن الباقر علیه السلام (2).

قوله : وما أصاب الخلیط من الید لم یماسّ التراب. ( 2 : 205 ).

هذا علی تقدیر أن لا یصعد من جهة الضرب تراب وغبار منه یحیط بجمیع الکف ویلصق به ، أمّا مع الصعود والإحاطة فالحکم بالبطلان مشکل ، وإن کان الاحتیاط عدم الاعتداد به.

مع أنّه یمکن المناقشة فی الأوّل أیضا بأنّه تحقّق ضرب الید علی التراب عرفا فی صورة یتحقّق ، ولعلها محلّ نظر العلاّمة رحمه الله أو الأوّل حیث قال : لا یمنع الحائل. ، فتأمّل.

وعلی أی تقدیر ، الاحتیاط مع الشارح رحمه الله ولا عدول عنه فی مقام العمل والأمر به.

قوله : فإنّ الرمل أجزاء أرضیّة. ( 2 : 205 ).

ببالی أنّه ورد روایة تدل علی أنّ الرمل لیس من جنس الأرض.

کراهة التیمم بالأرض السبخة

ص: 113


1- الوسیلة : 71 ، التحریر : 22.
2- التهذیب 1 : 189 / 545 ، الوسائل 3 : 360 أبواب التیمّم ب 9 ح 2.

قوله (1) : لا تخرج به عن الحقیقة الأرضیة. ( 2 : 205 ).

فی الکافی فی الصحیح عن محمد بن الحسین أنّ بعض أصحابنا کتب إلی أبی الحسن الماضی یسأله عن الزجاج ، قال : فلمّا نفذ کتابی إلیه تفکرت وقلت : هو ممّا أنبتت الأرض ، وما کان لی أن أسأل عنه ، قال : فکتب إلیّ : « لا تصلّ علی الزجاج وإن حدّثتک نفسک أنّه ممّا نبتت الأرض ، ولکنه من الملح والرمل وهما ممسوخان » (2).

قوله : وخلاف بعض العامة. ( 2 : 205 ).

فی غایة البعد ، بل لعله لما أشرنا إلیه من وجود الروایة ( الصحیحة وکونه مسخا کالملح ) (3).

قوله : ولروایة غیاث بن إبراهیم. ( 2 : 206 ).

الظاهر منها الکراهة ، وأنّ الکراهة لأجل الاستطراق ، کما رواه هو بطریق آخر أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام قال : « لا وضوء من موطإ ». أی ما تطأ علیه برجلک (4) ، فظهر أنّه لیس من جهة کونه من المهابط.

قوله : والمستند فیه روایة أبی بصیر. ( 2 : 206 ).

إنّها صحیحة عندی ، إلاّ أنّها قویة عند المشهور ، لاشتراک أبی بصیر عندهم بین الثقة والموثق.

قوله : علی أنّ تنفضه ( 2 : 206 ).

استحباب التیمم من ربا الأرض
جواز التیمم بغبار الثوب أو لبد السرج عند فقد التراب
إشارة إلی أنّ أبا بصیر مشترک بین الثقات

ص: 114


1- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و».
2- الکافی 3 : 332 / 14 ، التهذیب 2 : 304 / 1231 ، الوسائل 5 : 360 أبواب ما یسجد علیه ب 12 ح 1.
3- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و».
4- الکافی 3 : 62 / 5 ، التهذیب 1 : 186 / 537 ، الوسائل 3 : 349 أبواب التیمّم ب 6 ح 1.

الظاهر منها وقوع النفض أوّلا ثم التیمم بما نفضه ، کما علیه بعض الأخیار مثل سلار وظاهر المفید وغیرهما (1). وقال الشیخ : یتیمم بغبار ثوبه وغیره (2) ، ولعله الأظهر بملاحظة مجموع الأخبار ، وإن کان الأحوط والأولی هو الأوّل إن أمکن. ثم المستفاد من الأخبار اشتراط وجود الغبار والإحساس به.

قوله : لأنّه لا یسمی صعیدا ( 2 : 207 ).

الحکم بعدم التسمیة عرفا لعله محلّ إشکال ، لأنّهم یطلقون علیه لفظ التراب ویقولون : تراب الغبار ، إذا اجتمع الغبار ، وربما یظهر ذلک من ملاحظة أنّ الطین الذی هو من الصعید - وورد أنّه صعید طیب وماء طهور (3) - مؤخر عنه بالنصوص والإجماع ، مع أنّهم علیهم السلام فی الغبار أمروا بالتیمم منه ، وأمّا الطین فقالوا : لا بأس بالتیمم منه ، فیؤذن هذا بصعوبة ما فی الطین من جهة الماء المخلوط به وإن کان هو من الصعید ، والغبار لا تأمّل فیه أصلا ولا صعوبة فیه رأسا.

وورد أنّ التیمم إنّما هو من الماء والصعید (4) ، وورد : « جعلت لی الأرض مسجدا وترابها طهورا » (5) بالتقریب الذی مرّ (6) ، وورد : « إنّ الله جعل التراب طهورا کما جعل الماء طهورا » (7) ، وورد أن الطهورین الماء

ص: 115


1- المراسم : 53 ، المقنعة : 59 ، الهدایة : 19.
2- انظر النهایة : 49.
3- التهذیب 1 : 190 / 549 ، الوسائل 3 : 354 أبواب التیمّم ب 9 ح 6.
4- راجع ص 102 و 106.
5- الفقیه 1 : 155 / 724 ، الوسائل 3 : 350 أبواب التیمّم ب 7 ح 2.
6- راجع ص 107.
7- الفقیه 1 : 60 / 223 ، الوسائل 3 : 386 أبواب التیمّم ب 24 ح 2.

والصعید (1) ، وغیر ذلک ، فتأمّل ، بل ربما لا یظهر من الأخبار تأخیر الغبار عن التراب أصلا ، وفیه أیضا إشعار ، ویؤیّده أیضا التیمم للنوم ، مع عدم اشتراطه بفقد التراب ، فتأمّل.

لکن العمل علی المشهور.

قوله : والثالثة بحال الثلج المانعة. ( 2 : 207 ).

فیه منع بملاحظة ذیل الروایة. مع أنّ الروایة الأولی لا ضعف فیها ، لأنّ أبا بصیر مشترک بین ثقات ، کما حقّق فی محلّه ، ومع ذلک منجبر بعمل الأصحاب علی تقدیر ضعفه. وفی الموثق کالصحیح عن زرارة عن الباقر علیه السلام : « إن أصابه الثلج فلینظر لبد سرجه فیتیمم من غباره أو من شی ء معه ، فإن کان فی حال لا یجد إلاّ الطین فلا بأس أن یتیمم منه » (2).

ثم إنّه ظهر من هذه الأخبار أنّه لا ترتیب فی الأمور المغبرة التی یتیمم بغبارها ، خلافا لها ذکره الشیخ من الترتیب (3) ، فتأمّل.

قوله : وظاهر المرتضی. ( 2 : 208 ).

ونقل عن سلار أیضا (4) ، وأنّه احتج بصحیحة محمد بن مسلم عن الصادق علیه السلام : الرجل یجنب فی السفر ، فلا یجد إلاّ الثلج أو ماء جامدا؟ قال : « بمنزلة الضرورة یتیمّم ، ولا أری أن یعود إلی هذه الأرض التی توبق دینه » (5) ولعل مستند غیره أیضا هذه الصحیحة ، لکن الدلالة غیر واضحة ، إذ لعل المراد التیمم بالصعید ، وأنّه لا یجد إلاّ الثلج والماء الجامد لا غیر

دلیل السیّد المرتضی بجواز التیمم بالثلج والمناقشة فیه

ص: 116


1- التهذیب 1 : 197 / 571 ، الوسائل 3 : 370 أبواب التیمّم ب 14 ح 15.
2- راجع ص 113.
3- النهایة : 49.
4- المراسم : 53.
5- المراسم : 53.

الجامد وإن وجد التراب ، کما هو الغالب ، فتأمّل.

قوله : أجمع الأصحاب علی عدم جواز. ( 2 : 208 ).

الظاهر أنّه فی صورة رجاء التیمم فی الوقت وبعد دخوله ، أمّا لو علم یقینا أو ظنّ أنّه بعد دخول الوقت لا یمکن التیمم مطلقا ، أو لا یمکن التیمم إلاّ بالطین مثلا فالحکم بعدم الجواز مشکل ، لشمول کثیر من الأدلة ، مثل کونه بمنزلة المائیة ، ویکفیک الصعید عشر سنین وغیر ذلک ، ولأنّه واجد للطهور ومتمکن من أداء الصلاة وإیجادها فی وقتها ، فیجب ، لعموم ما دل علیه ، وعدم سقوطها عن کل مکلف ولو بغیر ستر العورة وغیره من الشرائط المماثلة له ، وبغیر الحمد والسورة والرکوع وغیرها من الأجزاء.

وبالجملة لا یسقط إلاّ أن یموت المکلف ، أو یخرج عن التکلیف ، أو لا یتمکن منها أصلا ورأسا ، فتأمّل.

هذا ، مع عدم ظهور شمول إجماعهم لمثل ما نحن فیه ، لکونه من الفروض النادرة ، فلم یظهر دخوله تحت إطلاق کلام المجمعین. مضافا إلی عدم ثبوت هذا الإجماع ، لما مرّ عن الشهید من نقل القول بوجوب الطهارات أجمع لأنفسها وجوبا موسّعا (1) ، غایة ما فی الباب أن یکون إجماعا منقولا بخبر الواحد ، فعلی القول بحجّیته وأنّه لا یضرّ خروج الفقیه الغیر المعروف لا شبهة فی کونه ظنیّا ( فلا یقاوم ما ذکرناه من العموم ، لأنّه أقوی ، کما أشرنا ) (2) ، مضافا إلی ضعف دلالته أیضا ، کما أشرنا.

ویعضد ما ذکرنا ما ورد من المنع عن السفر إلی بلد یحتاج فیه إلی التیمم للصلاة ، وعدّهم علیهم السلام ذلک هلاک الدین ، فکیف یجوّزون ترک

کیفیة التیمم

وقت التیمم

ص: 117


1- مدارک الأحکام 1 : 10.
2- ما بین القوسین لیس فی « ج ».

التیمم أیضا مع التمکن والوجدان العقلی والعرفی ، فیترک الصلاة لأجله ، مع کونه من مقدمات الواجب المطلق لا المشروط ، وحاله حالها ، مع أنّ المقدمات ترتکب قبل دخول الوقت البتّة ، ولا مانع فی غیر الموضع ، مع التمکن منها فی الوقت فکیف مع عدم التمکن ، مثل تحصیل الدلو والرشاء لاستقاء ماء الطهارة واشتراء أسباب السفر للحج وغیر ذلک ، ومفهوم : « إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة » (1) یقتضی عدم الوجوب لا عدم الجواز ، وعدم الوجوب العقلی الذی هو فی المقدّمات ، مع التأمّل فی عموم المفهوم ، ثم شموله للفرد النادر ، ثم مقاومته لما أشرنا.

وممّا ذکرنا ظهر أنّ قبل الوقت لو تمکن من الوضوء والغسل تعین إتیانهما حینئذ لو علم أو ظنّ عدم التمکن منهما فی الوقت ، فتأمّل.

قوله : وجمع من الأصحاب. ( 2 : 209 ).

منهم أبو الصلاح ، وسلار ، وابن حمزة ، وابن إدریس وظاهر المفید (2).

قوله : ونقل علیه السید الإجماع. ( 2 : 209 ).

والشیخ أیضا ، کما سیذکر.

قوله (3) : وقوّاه فی المنتهی. ( 2 : 209 ).

والتحریر أیضا (4).

تحقیق فی الاجماع المنقول

ص: 118


1- الفقیه 1 : 22 / 67 ، التهذیب 2 : 140 / 546 ، الوسائل 1 : 372 أبواب الوضوء ب 4 ح 1.
2- الکافی فی الفقه : 136 ، المراسم : 54 ، الوسیلة : 70 ، السرائر 1 : 135 ، المقنعة : 61.
3- هذه الحاشیة أثبتناها من « و».
4- تحریر الأحکام 1 : 22.

قوله : وقال ابن الجنید. ( 2 : 209 ).

وظاهر الجعفی وظاهر البزنطی علی ما نقل (1).

قوله : واختاره العلاّمة فی أکثر کتبه. ( 2 : 209 ).

ویومئ إلیه کلام ابن أبی عقیل ( علی ما قیل ) (2).

قوله (3) : احتج الشیخ. ( 2 : 209 ).

فی الفقه الرضوی : « ولیس للمتیمم أن یتیمم إلاّ فی آخر الوقت » (4).

قوله : أمّا الإجماع فبالمنع منه. ( 2 : 210 ).

فإنّ الخلاف وإن لم یضرّ الإجماع المعتبر عندنا ، لعدم کونه وفاق الکل ، إلاّ أنّه یضرّه من حیث إنّه یمنع من حصول العلم بقول المعصوم ، لأنّ العلم علی فرض حصوله من مجرّد الاتفاق فإنّما یحصل من اتفاق جمیع الفقهاء بحیث لا یشذّ عنهم أحد ، وأمّا مع اتفاق بعضهم فحصول العلم غیر ممکن ، إلاّ بضمیمة قرینة تفید ضمّها العلم ، وهی فی أمثال زماننا مفقودة إلاّ ما شذّ ، مثل العلم بحرمة القیاس ونظائرها ، وما نحن فیه لا یوجد فیه قرینة ، بل القرائن علی خلافه ، فإنّ کثیرا من الأخبار یظهر منها عدم وجوب التأخیر إلی ذلک.

فإن قلت : الإجماع الذی هو حجّة لا ینحصر فی القطعی ، لعموم ما دل علی حجّیة ظنّ المجتهد ، فیکفی کونه ظنیّا ، والعادل الضابط الماهر أخبر بالإجماع ، ومخالفة الغیر غیر مضرّ ، إذ لعله لم یحصل له العلم

أدلّة القائلین بوجوب تأخیر التیمم ... إلی آخر الوقت والجواب عنها

ص: 119


1- انظر الذکری : 106.
2- لا یوجد فی « أ » و « و». انظر الذکری : 107.
3- هذه الحاشیة لیست فی « ج » و « د ».
4- فقه الرضا علیه السلام : 89 ، المستدرک 2 : 547 أبواب التیمم ب 17 ح 1.

وحصل لمدعی الإجماع ولا منافاة.

قلت : ربما یحصل بسببه الوهن فی دعوی المدعی ، بسبب أنّ جمعا من الماهرین العادلین الضابطین - مع بذل جهدهم واستفراغ وسعهم - لم یتفطّنوا بهذا الإجماع مع اتحاد زمانهم بزمان المدعی ، أو قرب عهدهم أو تقدمهم علیه ، فإنّ هذا ربما یورث لنا الوهم والریبة ، فعلی تقدیر بقاء ظنّ بعد ذلک فظنّ ضعیف لا یقاوم الأخبار ، بل ملاحظة الأخبار توجب ضعفا آخر زائدا علی الأوّل.

مع أنّ من لم یقل بحجّیة المنقول بخبر الواحد لا ینفعه هذا الإجماع أصلا وبالمرّة ، ومن یقول بها ولا یوجب له ما ذکرناه وهنا أصلا یکون عنده مثل الخبر ، فحکمه حکم خبر آخر رواه ، فیصیر التعارض ، فلا بدّ من الجمع الوجیه أو الترجیح کذلک ، فتأمّل.

قوله : وأمّا الروایة الأولی. ( 2 : 210 ).

یشکل هذا الجواب علی الطریقة الأخری فی هذه الروایة ، فإنّه « فلیمسک » بدل « فلیطلب » ، کما ذکرنا (1) ، لکن الجواب عنه وقوع الاضطراب ، وعدم ظهور کون هذه الطریقة حقا ، سیّما والطریقة المذکورة فی کلام الشارح أصح سندا وأشهر روایة.

قوله (2) : یقتضی الشک. ( 2 : 210 ).

یقتضی احتمال الفوت فی الواقع ، لا بالنضر إلی رأی المکلف ، إذ کثیرا ما لا یرجو الماء ومع ذلک یحصل له ، بل وربما یقطع بعدمه ومع ذلک یوجد له ، وتخلف القطع غیر نادر.

ص: 120


1- راجع ص 90.
2- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».

قوله : ویمکن حملهما علی الاستحباب. ( 2 : 210 ).

لعل مراده الجدل ، وإلاّ فهو رحمه الله کثیرا ما یستدل بأمثالهما ویصرّح بعدم الضرر. وکذا الکلام فی قوله : متروکة الظاهر ، لتصریحه بأنّ الخبر الصحیح حجّة ، وإن لم یکن بمضمونه قائل ، إلاّ أن یکون مراده أنّ الفقهاء قالوا بخلافه ، لکن المحقق مال إلیه ، وطریقة الشارح رحمه الله العمل بمثله أیضا.

فالأولی أن یتمسک - لأجل الحمل علی الاستحباب - بملاحظة معارضة ظاهرهما لظواهر کثیر من الأدلة ومقاومته لها ، فلا بد من الملاحظة والتأمّل فی المعارضات.

وممّا ذکر ظهر الکلام فی عبارة الفقه الرضوی أیضا ، فإنّها هکذا : « ولیس للمتیمم أن یتیمم إلاّ آخر الوقت » (1) ولعل هذه العبارة مستند القائلین بالتأخیر مطلقا ، ویمکن أن یکون المراد فیها أیضا أنّه مع الرجاء یتأخر ، لأنّه الغالب ، ویقربه ملاحظة هذین الخبرین وأمثالهما ، حیث أمر فیها بالتأخیر مطلقا ، وعلّل بأنّه إن فاته الماء لم تفته الأرض.

قوله : حجّة القول الثانی. ( 2 : 210 ).

یدل علی هذا القول عمومات وإطلاقات کثیرة فی أنّ الوقت یدخل بمجرّد الزوال ، وأنّه وقت إلی الغروب مثلا ، وفی أنّ فاقد الماء والعاجز عن استعماله یتیمم ویصلی ، مضافا إلی ما ذکره الشارح.

ویدل علیه أیضا صحیحة محمد بن حمران وجمیل بن دراج ، عن الصادق علیه السلام ، فی إمام قوم أصابته جنابة ولیس معه ماء یکفیه للغسل ،

أدلّة القائلین بجواز التیمم مع سعة الوقت

ص: 121


1- راجع ص 119.

أیتوضّأ بعضهم ویصلّی بهم؟ قال : « لا ، ولکن یتیمم الجنب - الإمام - ویصلّی بهم ، إنّ الله قد جعل التراب طهورا کما جعل الماء طهورا » (1) ، فإنّ الظاهر عدم إیجابه علیه السلام علی المأمومین والإمام تأخیرهم الصلاة إلی ضیق الوقت ، وإلاّ لکان أمرهم فی المقام ، لشدّة الحاجة ، ونهایة بعد أن یکون علی المأمومین (2) التأخیر إلی ذلک الوقت لدرک فضیلة الجماعة مع خصوص هذا الإمام المتیمم مع وجود إمام متوضّئ.

مع أنّ تأخیر الصلاة إلی هذا الحدّ فی غایة الشدة من الکراهة وکمال المرجوحیة ، کما یظهر من کثیر من الأخبار ، وأمّا علی القول بالاختیار والاضطرار فالأمر أشدّ. هذا مضافا إلی کراهة اقتداء غیر المتیمم بالمتیمم ، فتأمّل.

قوله (3) : وموثقة یعقوب بن سالم. ( 2 : 211 ).

ولقائل أن یقول : کما یدل علی عدم وجوب التأخیر کذا یدل علی عدم وجوب الطلب وغیره من شرائط التیمم المسلّمة ، والبناء علی أنّ المراد أنّه إذا تیمم تیمما صحیحا مستجمعا لجمیع الشرائط لا یجب علیه ، یوجب انسداد باب استدلالهم ، لأنّ التیمم فی أوّل الوقت من أین ظهر صحته؟ مع نقل الإجماعات وورود الأخبار الکثیرة المانعة إمّا مطلقا أو مع رجاء ارتفاع العذر للمائیة ، فإنّ الضیق المعتبر عند معتبرة إنّما هو بحسب الظن والتخمین ، ومع عدم مداقة ومضایقة فی الأجزاء الواجبة وکیفیة أدائها ، ولا مانع من وجدان الماء بعد الصلاة بالتیمم الصحیح ، وبقاء شی ء

ص: 122


1- الفقیه 1 : 60 / 223 ، الوسائل 3 : 386 أبواب التیمم ب 24 ح 2.
2- فی « ج » و « د » : المؤمنین.
3- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و».

من الوقت ، ولو بقدر رکعة من الفریضة.

قوله : لا یتناول المتیمم. ( 2 : 212 ).

هذا علی القول بوجوب التأخیر مطلقا وجیه ، لکن القائل بالثانی إنّما یقول به بناء علی اختیاره القول بالتفصیل ، کما هو صریح کلامه ، ومعلوم علی القول بالتفصیل أنّ الأمر بتأخیر التیمم لیس إلاّ لرجاء حصول الماء وحصول الصلاة بالطهور الاختیاری مهما أمکن ، وأنّ التیمم طهور اضطراری لا یرتکب إلاّ أن یضطر إلیه ، ومع الرجاء ما حصل الاضطرار ، وقد أشرنا إلی أنّهم علیهم السلام نهوا عن المسافرة إلی بلد ربما یتحقّق فی المسافرة إلیه الصلاة بالتیمم ، وحکموا بأنّ فی ذلک هلاک الدین ، ومعلوم أیضا أنّ الطهور إذا کان لأجل الصلاة لا یکون حینئذ مطلوبا لنفسه ، بل مطلوبیته حینئذ منحصرة فی کونها لأجل الصلاة خاصّة ، وممّا ذکرنا ظهر أنّ تضعیفه لا یخلو عن الضعف.

فإن قلت : تیممه صحیح البتّة ، ولا معنی لصحته إلاّ جواز الدخول به فی الصلاة.

قلت : لا نسلم أن یکون المعنی جواز الدخول فی أوّل الوقت ، بل جواز الدخول فی الجملة ، لأنّ معنی الصحة هو ترتّب الأثر فی الجملة.

فإن قلت : الحین حدثه مرفوع بالتیمم ، والحدث هو الحالة المانعة من الصلاة.

قلت : سیجی ء الکلام فی کونه رافعا للحدث ، وعلی تقدیر کونه رافعا لم یعلم أنّه رفع مطلقا ، فإنّه أوّل الکلام ، بل رفع فی الجملة ، وهو أنّه إن حصل الیأس فتجوز الصلاة حینئذ ، وإلاّ فعند حصول الیأس أو ضیق الوقت.

هل یجوز للمتیمم الصلاة فی أوّل الوقت؟

ص: 123

وبالجملة : علی القول بوجوب تأخیر التیمم عند رجاء المائیة لا یخلو ما ذکره عن الإشکال ، ویؤیّد هذا الإشکال ما سنذکر فی قوله : وعلی هذا فینتفی اعتبار فائدة التضییق. فتدبّر.

قوله : وتشهد له صحیحة زرارة. ( 2 : 212 ).

فی الشهادة إشکال.

قوله : لعموم قوله علیه السلام . ( 2 : 213 ).

شموله لحالة العذر من المائیة لا یخلو عن تأمّل.

قوله : فینتفی اعتبار فائدة التضییق. ( 2 : 213 ).

والانتفاء خلاف مدلول الأخبار وضدّ مقتضاه ، لأنّ الأوقات صالحة للنافلة ، والتیمم صحیح لها متی أرادها ، علی ما ذکر ، والصلاة الفریضة تصح بالتیمم السابق فی أوّل الوقت ، کما اختاره الشارح أیضا ، فلأیّ جهة أمروا بالتأخیر إلی آخر الوقت؟!

لا یقال : ما ذکره مبنی علی ترجیحه کون التأخیر علی سبیل الاستحباب. لانّه علی هذا لا یبقی لقوله : وعلی هذا فینتفی. معنی ، لأنّه علی أیّ تقدیر کان اعتبارها منتفیا.

فظهر ممّا ذکرنا أنّه علی القول باعتبار التضییق إمّا لا یصح التیمم للنافلة متی أرادها ، أو یصح لکن لا یمکن أداء الفریضة بالتیمم السابق فی غیر وقت الضیق. ولا یخفی أنّ الظاهر من الأخبار صحة التیمم للنافلة متی أرادها ولا یوجد مانع من ذلک من قبلها أصلا ، فظهر أنّ المانع هو الثانی ، کما أشرنا وظهر لک فی الحاشیة السابقة ، فتأمّل.

قوله : فمتی زالت تلک الحالة. ( 2 : 215 ).

لا یخفی أنّ تلک الحالة إذا زالت فلا جرم أنّها بوجود الماء لا بدّ أن

حکم التیمم للنافلة

واجبات التیمم

النیّة

ص: 124

تحدث وتعود ، ویصیر غیر الجنب جنبا ، وغیر الحائض حائضا ، وهکذا ، وغیر خفی أنّ وجود الماء لیس من موجبات تلک الحالة ، ولیس هو من الأحداث ، لأنّ موجبها هو الجنابة ، أعنی التقاء الختانین أو نزول المنی ، أو الحیض ، أو الاستحاضة ، أو النفاس ، أو مسّ المیت إذا کان ، لیس إلاّ ، مثلا.

( مع أنّ المحقق نقل الإجماع علی أنّ وجود الماء لیس بحدث (1) ، وسیجی ء عن الشارح أیضا ادعاء الإجماع علیه (2) ، وحین وجود الماء أو رفع المرض لا یقال : إنّه أجنب الآن ، أو أنّها حاضت ، أو أنّهما أحدثا ) (3) ، والأخبار دالة علی هذا المعنی من غیر خفاء.

وأیضا إنّ التیمم یبیح ما تبیحه المائیة فی حال الاضطرار لا مطلقا ، فعدم الإباحة فی الجملة باق لم یرفع منه ، إنّما المرفوع هو عدم الإباحة حال الاضطرار.

وأیضا قد عرفت فی الحاشیة السابقة المکتوبة علی قوله : وهو لا یتناول المتیمم. (4) أنّ رفع الحدث یکون فی الجملة لا مطلقا ، فغیر المرتفع من الحالة لم یرتفع مطلقا ، والمرتفع منها ارتفع مطلقا ، والحدث موجب لحدوثها ، ووجدان الماء لیس موجبا لحدوث هذا المرتفع ، بل المانع هو الحالة الباقیة ، لأنّ المکلف حینئذ مختار لا مضطر ، فتأمّل.

وبالجملة : ما ذکره علی تقدیر تمامه یجعل النزاع لفظیا ، کما اعترف

ص: 125


1- المعتبر 1 : 394.
2- المدارک 2 : 252.
3- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».
4- راجع ص 123.

به ، فلا ثمرة فیه أصلا.

وممّا یشهد علی أن التیمم لا یرفع الحدث ما ورد فی الأخبار المتعددة من إطلاق لفظ الجنب علی المتیمم بعد تیممه ، وکراهة الإمامة علیه ( بل بعض الأمور الأخر ، مثل الأکل والشرب والجماع وأمثال ذلک ، بل ولعل منع بعض الأمور یکون باقیا ، فتأمّل ) (1).

وورد فی العوالی ، عن النبی صلی الله علیه و آله ، أنّه قال لبعض أصحابه : « أتصلّی بالناس وأنت جنب؟ » فسمّاه جنبا بعد التیمم (2) ، انتهی ، وسیجی ء تمام الکلام عند شرح قول المصنّف : السابع : إذا تیمم الجنب بدلا (3). ، فلاحظ.

قوله (4) : وهو مشکل. ( 2 : 216 ).

لکن یظهر من بعض الأخبار کونه خارجا عن التیمم ، لأنّهم علیهم السلام قالوا : « یضرب بیده ویتیمم » أو : « فیتیمم » أو : « ثم یتیمم » (5) ، ولیس ببالی.

قوله : بخلاف مسح الأعضاء. ( 2 : 216 ).

لا یخفی أنّه اعتبر کون المسح بالکف ، إلاّ أنّه جعل الضرب بمنزلة أخذ الماء ، فعدم إجزاء ما ذکره لیس لکون أوّل أجزاء التیمم هو الضرب ، بل لعدم المسح المعتبر ، فتأمّل.

قوله : وضع الیدین معا. ( 2 : 217 ).

وقت النیّة
وضع الیدین معاً علی الأرض

ص: 126


1- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
2- عوالی اللآلئ 2 : 209 / 132 ، سنن أبی داود 1 : 92 / 334 ، بتفاوت یسیر.
3- المدارک 2 : 252.
4- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».
5- انظر الوسائل 3 : 354 أبواب التیمّم ب 9 ح 5.

أی لا یتقدم أحدهما علی الآخر ، بأن یکون وضعهما دفعة واحدة ، ویدل علیه بعد الإجماع المنقول ظواهر الأخبار ، مثل « تضرب بیدیک » و « ضربة للوجه » و « ضربة للکفین » ، وأمثال ذلک ، ولتوقّف الوظائف الشرعیة علی النقل ، والقدر الثابت منه هو الوضع معا ، فتأمّل.

قوله : فلو استقبل فی العواصف. ( 2 : 217 ).

لا یخفی ما فیه ، فإنّ المسح فی هذه منتف ، فکان علیه أن یقول : لو استقبل العواصف حتی لصق صعیدها ببطن کفیه فمسح به لم یجز ، لتوقف. ، لکن لا یخفی أنّه رحمه الله کثیرا ما یمنع ثبوت وجوب شی ء بمجرّد نقله فی کیفیة التیمم ، مثل البدأة بالأعلی ، والموالاة ، وغیر ذلک ، کما ارتکب فی الوضوء أیضا کذلک.

إلاّ أن یکون مراده من النقل هنا أعم من القول ، لکن فیه : أنّ بعض العمومات مثل آیة التیمم یقتضی صحة هذه الصورة.

إلاّ أن یکون مراده أنّه ورد فی الأخبار لفظ الضربة والوضع ، فیکون مخصصا ، لکن لا یخفی أنّ هذا کلام آخر ولیس ذلک الاستدلال. ومع ذلک نقول : لأحد (1) أن یناقش فی ثبوت التخصیص بمجرّد هذا ، إمّا لوروده مورد الغالب ، أو لبنائه علی الاستحباب ، لکنه خلاف الظاهر والإنصاف ، فتدبّر ، وهو رحمه الله استدل فی المسألة السابقة بورود الأمر بالضرب.

وقوله : أجمع الأصحاب. ( 2 : 217 ).

ربما یخدشه ما نقله عن العلاّمة فیها ، فتأمّل.

قوله : لتوقف الوظائف الشرعیة. ( 2 : 217 ).

ص: 127


1- فی « و» زیادة : لیس.

لعلّ (1) هذا التعلیل بناء علی عدم اعتماده علی ما ادعاه من الإجماع ، بأنّ المراد مجرّد الاتفاق ، أو أنّه مستند إجماعهم ، أو أنّه دلیل آخر ، کما أنّ الأمر بالضرب أیضا دلیل آخر. ثم إنّ هذا التعلیل مبنی علی ثبوت التکلیف بالمجمل ، وأنّ البیان منحصر فی فعل الشارع.

قوله : فی صحیحة زرارة. ( 2 : 217 ).

ربما یناقش الشارح فی دلالة الجملة الخبریة علی الأمر ، سیّما مع انضمام قوله علیه السلام : « ثم تنفضهما » لأنّه مستحب قطعا ، فربما کان نفس الضرب أیضا مستحبا بناء علی ذلک.

قوله : وهو حاصل بالوضع. ( 2 : 218 ).

أشار به إلی ظاهر الآیة ، بأنّ الضرب لو کان واجبا فی التیمم لما اکتفی سبحانه بمجرّد القصد ، فظاهرها أنّ قصد الصعید الذی یحصل به مسح الوجه والید یکفی کیف کان ، إلاّ أن یثبت من إجماع أو نص زائد علی ذلک ، کما ثبت منهما وجوب الوضع معا.

قوله : فإنّا نمنع حصول الغرض. ( 2 : 218 ).

یظهر من هذا أنّ الشارح رحمه الله سلم کون الظاهر من الآیة حصول الغرض من قصد الصعید کیف کان ، إلاّ أنّ الأخبار تقید وتخصص ، وهذا لا یوافق ما ذکر سابقا فی المقام من أنّ الوظائف الشرعیة تتوقف علی النقل. ، فتأمّل.

ومع ذلک یتوقف ما ذکره علی کون دلالة الأخبار علی وجوب الضرب أقوی من دلالة الآیة والأخبار الموافقة لها ، ولعله کذلک.

ص: 128


1- لیس فی « و».

قوله : والمنقول خلافه. ( 2 : 218 ).

إن أراد أنّه لم یصل إلینا منهم علیهم السلام تیمم بهذه الکیفیة ، ففیه : أنّه لم یصل أیضا ما ذکره من الضرب علی تراب بدنه أو بدن غیره ، وأمثال ذلک ، وإن أراد أنّه بملاحظة التیممات الواردة یظهر أنّه لا فرق بینها وبین هذه التیممات سوی التیمم بتراب الوجه. ففیه أیضا تأمّل.

قوله : لانتفاء الدلیل علیه. ( 2 : 218 ).

فیه : أنّ العبادة تتوقف علی النقل. وأیضا الطهور شرط للصلاة مثلا ، والشک فی الشرط یوجب الشک فی المشروط. وأیضا الأصل عدم الصحة حتی تثبت الصحة بدلیل شرعی ، فعدم الدلیل لا یکفی ، بل لا بدّ من الدلیل علی عدم الاشتراط ولو کان إطلاقا یرجع إلی العموم ، والمطلقات مثل قوله علیه السلام : « جعل التراب طهورا ، کما جعل الماء طهورا » وقوله علیه السلام : « هو بمنزلة الماء » وقوله علیه السلام : « ضربة للوجه وضربة للکفین » وقوله علیه السلام : « فضرب بیدیه علی الأرض فمسح بهما وجهه » وغیر ذلک ، لو لم یفهم منها العلوق وکون المسح به لم یفهم منها عدم العلوق وکون المسح بمجرّد الید الخالی عن الغبار أصلا والمعرّی عن أثر مطلقا ، ولعل الراجح بحسب فهم العرف هو الأوّل ، وعلی تقدیر تسلیم عدمه ففهم الثانی محلّ نظر.

هذا مع قطع النظر عمّا أشرنا إلیه فی بحث ما یجوز به التیمم من وجود الدلیل من الآیة والصحیح من الحدیث علی اشتراط العلوق (1) ، فتأمّل.

قوله : ما کان عرضة لزواله. ( 2 : 219 ).

المناقشة فی اشتراط علوق التراب بالید وعدمه

ص: 129


1- راجع ص 100.

کونه فی عرضة الزوال ممنوع ، لأنّ مجرّد النفض لا یزیل العلوق بالتمام البتّة ، بل وإن بولغ فیه ، إلاّ أن یمسح الیدین بشی ء أو یمسح أحدهما بالآخر ویبالغ فی المسح إلی أن یزول الأثر ، وهذا غیر النفض وخلافه. بل لا یظهر من الأخبار المبالغة فی النفض ، بل ربما یظهر منها کون النفض مرّة واحدة کالضرب ، والظاهر أنّه لقلّة التشویه. علی أنّه یلزم علی ما ذکره أن یکون عدم العلوق واجبا أو مستحبا شرعا ، وأنّه إن کان المسح بالعلوق یکون حراما باطلا أو مرجوحا ، وفیه ما فیه.

قوله : ولأنّا بیّنّا أنّ الصعید وجه الأرض. ( 2 : 219 ).

وقد مرّ الکلام فیه (1).

قوله : إذ الغالب عدم بقاء الغبار. ( 2 : 219 ).

فیه نظر ، بل الغالب البقاء. علی أنّه لعلّه لهذا أمروا بالضربتین ، لأنّه ربما یقلّ العلوق فیستحب الضرب الثانی ، أو ینعدم نادرا فیجب ، هذا علی تقدیر تسلیم ما ذکره من الکفایة.

قوله (2) : ونقل عن ظاهر ابن الجنید. ( 2 : 219 ).

یظهر من هذا أنّ ابن الجنید منفرد بهذا ، ولیس کذلک ، بل ظاهر جماعة کذلک ، کما صرّح به بعض المتأخرین (3) ، بل ظاهر الکل کذلک ، لحکمهم باستحباب النفض مطلقا ، بل ربما یظهر من بعضهم الأمر به مطلقا (4) ، موافقا لما هو الظاهر من الأخبار ، لتضمّنها الأمر بالنفض مطلقا ، لا أنّه إن اتفق العلوق یستحب أو یؤمر به ، وإلاّ فلا ، ومعلوم أنّ النفض فرع

ص: 130


1- راجع ص 98 - 104.
2- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و».
3- انظر المفاتیح 1 : 62.
4- المقنع : 9 ، الهدایة : 18.

العلوق وهو شرطه ، إذ یتوقّف علیه ، فیظهر أنّ العلوق عند من قال بالنفض مطلق ، إلاّ أن یظهر من کلامه عدم اشتراط العلوق ، فیصیر قرینة علی عدم الإطلاق.

وملاحظة کلام الفقهاء فی کیفیة التیمم فی الوحل ونحوه یکشف عن اعتبارهم العلوق مطلقا ، لعدم القول بالفصل جزما.

ومنشأ نسبة الاشتراط إلی خصوص ابن الجنید أنّ العلاّمة فی المختلف قال : من قال باستحباب [ النفض ] (1) ناف للاشتراط البتّة ، لعدم اجتماعه مع الاشتراط ، ولم یتأمّل رحمه الله أنّه لا منافاة أصلا ، بل یلزمه البتّة ، فدلالته علی الاشتراط أولی ، کما صرّح به بعض المتأخرین (2) ، مع أنّ القائل بالاشتراط قائل باستحباب النفض ، أو آمر به ، ولذا ادعی الإجماع علی النفض ، فافهم.

قوله : والجواب المنع من عود الضمیر. ( 2 : 219 ).

ظاهر الآیة عود الضمیر إلی الصعید ، وأمّا الحدیث فعلی تقدیر تسلیم تأویل الآیة بمثله وارتکاب خلاف ظاهرها بسببه لا یظهر منه ما یخالف ظاهرها ، فإنّ الظاهر منه أنّ المراد من التیمم المتیمّم بقرینة قوله علیه السلام : « لأنّه علم أنّ جمیع ذلک ».

مع أنّ هذا الحدیث ینادی باشتراط العلوق ، وأنّه السبب فی جعله تعالی المسح ببعض الوجه والیدین ، وإذا کان الحدیث تفسیرا بالنسبة إلی الآیة یظهر منه اعتبار العلوق فی الآیة أیضا وإن أبقینا التیمم علی مقتضی ظاهر نفس اللفظ ، فتأمّل.

ص: 131


1- فی النسخ : العلوق ، والظاهر ما أثبتناه.
2- انظر الحبل المتین : 89.

( وعرفت أیضا أنّ صحیحة ابن سنان وصحیحة الحلبی تدلاّن علی العلوق ، لقوله علیه السلام فیهما : « یمسح من الأرض » (1) ، ویؤیّده أیضا صحیحة زرارة ، لقوله علیه السلام فیها : « ولم یمسح الذراعین بشی ء » (2) ، وکذا ما ورد من أنّ التراب طهور ، أو طهور مثل الماء ، وغیرهما ممّا دل علی عموم البدلیة وعموم المنزلة. مضافا إلی أنّ الظاهر من طهوریة التراب أنّه طهور الوجه والیدین فیکون طهورا مطلقا ، لا أنّ جلد باطن الکف طهور بسبب ملاقاته التراب ، فتأمّل ) (3).

قوله : أو علی أنّ المراد بمسح الوجه مسح بعضه. ( 2 : 221 ).

هو الأظهر بملاحظة أنّ الروایات المتضمّنة لحکایة عمّار حکایة قضیة واحدة ، ففی صحیحة زرارة أنّه علیه السلام مسح جبینه فقط ، وهذا نصّ فی عدم الاستیعاب ، ومع ذلک عبّروا عن تلک الحکایة بعینها أنّه علیه السلام مسح الوجه علی ما هو الظاهر.

ویؤیّد ذلک أنّهم علیهم السلام فی الید کثیرا ما یقولون : امسح بیدیک ، ومسح یده ، وأمثال هذه العبارة علی سبیل الإطلاق ، مع أنّ المسح ببعض الید قطعا.

ویؤیّده أیضا أنّه ورد مرّة للوجه ومرّة للیدین أیضا علی سبیل الإطلاق ، فیظهر أنّهم علیهم السلام کانوا یسامحون فی التعبیر فی حکایة مسح الوجه. مع أنّ مسح جبینیه أظهر دلالة فی عدم الاستیعاب من مسح وجهه فی الاستیعاب ، فیرجّح.

مسح الجبهة

ص: 132


1- راجع ص 104.
2- التهذیب 1 : 208 / 603 ، الوسائل 3 : 359 أبواب التیمم ب 11 ح 5.
3- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و».

وبالجملة التخییر بعید ، سیّما بعد ملاحظة فتوی قدمائنا ، قال الصدوق فی أمالیه : وعلیه - أی علی مسح الجبینین وظاهر الکفین - مضی مشایخنا رضی الله عنهم (1) ، فربما یظهر أنّ والده أیضا ما کان قائلا بمسح کل الوجه ، ولعله کان مراده من الوجه الوجه الوارد فی الأخبار علی حسب ما ورد فیها ، وهذا غیر بعید عن طریقة القدماء ، فإنّهم ربما کانوا یفتون بمتن ما ورد فی الخبر ( وذکر فی أمالیه : أنّ من دین الإمامیة مسح الجبینین وظهر الکف ، وهذا أیضا صریح فی أنّ مذهب علی بن بابویه لم یکن مسح الوجه وکل الید ، فتأمّل ) (2). وسنذکر عبارة الأمالی فی بحث عدد الضربات (3) ، فلاحظ ، ومنها أیضا یظهر ذلک ، بل هی أظهر فیه ، فتأمّل.

قوله : وضعفهما ظاهر. ( 2 : 222 ).

لعل تضعیفه هنا وأمثال الموضع - مع قوله فی کثیر من المواضع من أنّ العبادة تتوقف علی النقل فما وصل إلینا یقتصر علیه - مبنی علی أن المسح معلوم معناه یعرفه کل من یفهم کلام العرب ، فهو ظاهر فی کونه بأیّ وجه حصل ، بخلاف الموضع الذی لم یرد فیه مثل هذا الکلام.

وفیه : أنّ سائر المواضع یمکن الاستناد إلی الإطلاقات والعمومات ، وأیضا ظهور ما نحن فیه وأمثاله بحیث یطمأنّ إلیه لا یخلو من ضعف.

ولذا ورد فی الأخبار کثیرا أنّهم کانوا یسألون عن کیفیة التیمم مطلقا من غیر تخصیص بجزء دون جزء ، وهم علیهم السلام أیضا فی مقام الجواب ما کانوا یخصّصون ، بل وما کانوا یجیبون بالقول - فی غالب الأوقات ، بل

وجوب الابتداء فی مسح الجبهة بالأعلی

ص: 133


1- أمالی الصدوق : 515.
2- ما بین القوسین لیس فی « أ ».
3- یأتی فی ص 139.

وجمیع أوقاتهم - سؤالهم عن کیفیة نفس التیمم ، بل کانوا یأتون بالفعل فی مقام البیان.

ولعل ذلک لأنّ أصحابهم ما کانوا یطمئنّون فی الفهم الظاهری ، لکون المقام عبادة غریبة عجیبة خارجة عن قانون اعتبارهم ، أو کان وصل إلیهم أنّ ظاهر الآیة لیست باقیة علی حالها ، بحیث إنّه ما اعتبر شرعا زائدا عمّا ذکر أمور وشرائط أو أجزاء آخر ، وهم علیهم السلام ما قالوا قط فی الجواب : أنتم عرب ، فما وجه سؤالکم عن کیفیة التیمم ، بل کانوا یأتون بالکیفیة مطلقا.

وظاهر أنّ الأصحاب کانوا یسألون عن التیمم المأمور به الذی أوجبه الله تعالی ، وهم ما کانوا یشیرون قط إلی أنّ هذا الجزء أو الکیفیة واجب وهذا مستحب أو لیس بواجب ، ولا یخفی أنّ السائلین أیضا ما سألوا عن أمثال ذلک. وکونهم یفهمون ذلک من الخارج ومع ذلک کانوا یسألون عن کیفیة التیمم بعید.

وما ذکر یقتضی الاقتصار علی نفس ما فعلوا من دون دخل وتصرف وجعل ، وهم علیهم السلام إن بدؤوا بالأعلی یثبت المطلوب ، وإلاّ یلزم عدم البدأة بالأعلی ، وهو فاسد البتّة ، وبالجملة المخالفة والاکتفاء بعدم البدأة فی غایة الإشکال ، فتأمّل.

قوله : لنا قوله تعالی ( فَامْسَحُوا ) . ( 2 : 223 ).

لا دلالة فیه ، أمّا علی القول المشهور من أنّ الید حقیقة فی ما هو طرفه متصل بالمنکب ، والطرف الآخر رؤوس الأصابع ، وکذا علی القول بالاشتراک اللفظی بینه وبین أبعاضه فظاهر.

وأمّا علی ما سیذکره من أنّ الید هی الکف ولا یتناول ما فوق الرسغ حقیقة فیضرّه فضلا عن أن ینفعه ، لأنّه یقتضی أن یکون المسح ببعض

ص: 134

الکف ، إلاّ أنّه یرید من البعض خصوص ظهر الکف ، لکن علی هذا لا یکون الدلالة علی مطلوبه من جهة الباء ، بل من جهة کون الید هی الکف. وبالجملة بین استدلالیه تدافع ظاهر ، مع قطع النظر عن عدم التمامیة ، فتدبّر.

قوله : وما ذاک إلاّ لعدم تناول. ( 2 : 223 ).

فیه منع ظاهر ، مع أنّ من لاحظ کلام فقهائنا وفقهاء العامة فی الأصول والفروع لا یبقی له تأمّل فی عدم اتفاقهم علی کون الید غیر متناول لما فوق الرسغ ، بل القول بکون مجموع ما بین المنکب ورؤوس الأصابع معنی حقیقیا ، والقول بالاشتراک بینه وبین الأبعاض مشهوران معروفان. مع أنّ الحق هو الأوّل ، للتبادر عند الإطلاق ، ویشهد علیه قوله تعالی : ( وَأَیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ ) ، فتدبّر.

قوله : وفهم العلاّمة فی المختلف. ( 2 : 223 ).

العلاّمة حمل لفظ « فوق الکف » علی ظهر الکف ، فحمل « قلیلا » علی أنّه لا یجب.

قوله : وأجاب الشیخ. ( 2 : 225 ).

نسب فی الاستبصار هذا التوجیه إلی القیل (1).

قوله : مع أنّه لا یجری فی صحیحة. ( 2 : 225 ).

لا یخفی أنّ الغسل فی هذه الصحیحة بفتح الغین لا بضمّها ، والمراد : العضو الذی فیه الغسل فی الوضوء یتیمم ، لا الموضع الذی فیه المسح فیه ، فتأمّل. هذا علی النسخة التی لا تکون کلمة واو ما بین لفظ الغسل وکلمة

مسح ظاهر الکفین

ص: 135


1- الاستبصار 1 : 171.

« فی » فی الوضوء (1) ، فتأمّل.

قوله : ویمکن حملها. ( 2 : 225 ).

بعید ، بل الظاهر حمل هذه الروایات علی التقیّة ، کما فعله فی الاستبصار.

قوله : الدالة علی وجوب مسح الکف. ( 2 : 225 ).

مضافا إلی أنّ ظاهرها یقتضی عدم کون الباء للتبعیض ، وعلی تقدیر الصحة فالظاهر أنّه علیه السلام کان فی مقام الجدل مع العامة وإثبات الحق علی طریقتهم ، فتدبّر.

قوله : مجمع علیه. ( 2 : 226 ).

فیمکن الاستدلال بعدم القول بالفصل والإجماع المرکب.

قوله : إذ لا دلالة. ( 2 : 226 ).

ظاهرها الاستیعاب لو لم یکن مانع من الخارج ، مثل فهم الفقهاء ، والإجماع المرکب ، وحسنة الکاهلی المنجبرة بعمل الأصحاب ، ومضمونها نص فلا تقاومه الظواهر ، سیّما بعد اعتضاده بما ذکر.

قوله : لمساواة الوضوء. ( 2 : 226 ).

مضی الکلام فیه فی بحث البدأة بالأعلی (2).

قوله : وربما کان فی صحیحة. ( 2 : 226 ).

فی التمسک به إشکال ظاهر. ومضی فی مثل ما نحن فیه فی بحث البدأة بالأعلی.

قوله : ودلت علیه ظواهر النصوص. ( 2 : 227 ).

وجوب مسح ظاهر الکفین
الترتیب

ص: 136


1- انظر الوافی 6 : 585 ، والحبل المتین : 87.
2- راجع ص 133 - 134.

لم نجد إلاّ حسنة الکاهلی ، ومع ذلک لا یظهر منه جمیع الترتیب ، ومضی الکلام فی بحث البدأة بالأعلی ، وورد عنهم علیهم السلام أنّهم قالوا : « ابدؤوا بما بدأ الله به » (1) والعبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحلّ ، فتأمّل.

( ویشهد علیه أیضا عموم المنزلة ، وتوقیفیة العبادة ، وقاعدة البدلیة ، لأنّ أهل العرف إذا علموا بهیئة وکیفیة فی المائیة ثم سمعوا أنّه إذا لم یوجد الماء فالتراب ، أو بدله التراب عند العذر ، وأمثال هذه العبارات لا یفهمون منها إلاّ أنّ الترابیة بهیئة المائیة ، إلاّ أن تثبت المخالفة من الخارج.

ومن هذا تری عمارا مع کونه مدنیا مطیعا من أهل الفهم جزما فعل فی مقام إطاعة الواجب من [ الله ] (2) تعالی ما فعل ولیس ذلک إلاّ من الجهة التی ذکر ، ولذا لم یشنّع علیه بأنّ هذا الخیال من أین؟ وبأیّ جهة؟ ، بل مازح معه بما مازح.

ومن هذه الجهة أیضا قال فی بحث التیمم فی التذکرة : یجب فیه تقدیم الیمنی علی الیسری بإجماعنا ، لأنّه بدل مما یجب فیه التقدیم (3) ، إذ یظهر منه أنّ جمیع المجمعین استندوا إلی قاعدة البدلیة [ فی ] (4) الحکم المجمع علیه ، واستندوا أیضا فی وجوب البدأة بالأعلی فی الوجه والکفین بهذه القاعدة.

وکذا الحال فی أحکام آخر فی المقام وغیره ، مثل الخطبتین فی الجمعة ، والتسبیح فی الرکعتین الأخیرتین ، وغیر ذلک ممّا لا یحصی

ص: 137


1- الکافی 4 : 431 / 1 ، التهذیب 1 : 96 / 250 ، الوسائل 13 : 482 أبواب السعی ب 6 ح 3 و 7.
2- فی النسخ : أنّه ، والظاهر ما أثبتناه.
3- المدارک 2 : 226 ، وانظر التذکرة 2 : 196.
4- بدل ما بین المعقوفین فی « ب » : لا ، وفی « ج » و « د » : إلی ، والظاهر ما أثبتناه.

کثرة.

[ ولذا ] (1) اتفق أفهام الکل فی قول الفقهاء : إن لم یوجد التراب فالغبار ، وإن لم یوجد فالطین ، إلی غیر ذلک. وکذا فی ما ورد فی الأخبار ، بل فی بعضها : فتیمم بالطین ، أو تیمم بالغبار ، أو ما یؤدّی ما ذکرت من العبارة ، وإن کان بتفاوت فی التعبیر.

وبالجملة : أیّ فرق بین أن یقال : إن لم تجدوا ماء فبالتراب ، وإن لم تجدوا ترابا فبالغبار ، وأمثال ذلک ، کما ورد فی الأخبار ، وأمّا فی الغبار والطین یفهم اتحاد الهیئة علی الیقین من دون شک ، ولیس ذلک من الاطلاع عن الخارج ، إذ لو عرض هذه العبارة علی أهل العرف یفهمون کذلک البتّة ، حتی لو وجدوا من الفقهاء مخالفة فی ذلک کلا أو بعضا لحکموا بثبوت مانع ، أی دلیل شرعی یمنع من الإطلاق [ أو ] العموم ، أو یمنع عموما. کما أنّ الحال فی الماء کذلک ، مثل قوله : إن لم یکن ماء فجمدا وثلجا ، یفهم أنّ الوضوء أو الغسل من الجمد والثلج مثل الماء ، فتأمّل جدّا ) (2).

قوله : وفیه نظر. ( 2 : 228 ).

لم یستدل بوجوب التأسّی بفعله علیه السلام حتی یقال : لا یجب حتی یعلم وجوبه ، کما هو أحد المذاهب فی التأسی ، بل استدلاله لیس إلاّ بالتیمم البیانی الوارد فی مقام بیان الواجب الذی هو عبادة توقیفیة ، فلو کان جواب له فهو أنّ البیان غیر منحصر بالفعل ، بل إطلاق قوله تعالی - مثلا - بیان ،

إشارة إلی معنی التأسی بفعل المعصوم علیه السلام

ص: 138


1- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.
2- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و».

لکن مرّ الکلام فی هذا الجواب فی بحث البدأة بالأعلی (1).

قوله : والصحة لصدق التیمم المأمور به. ( 2 : 228 ).

علی تقدیر ثبوت الوجوب من وجوب التأخیر لعله یتعین الاحتمال الثانی ، لأنّ الوجوب حینئذ لأجل عدم فوت الصلاة ، وهو أمر خارج عن التیمم ، فتأمّل.

قوله (2) : قیاس محض. ( 2 : 228 ).

لیس کذلک ، بل نظره إلی عموم البدلیة وعموم المنزلة وقد اعترف بذلک فی ما سبق ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : ویجزیه فی الوضوء ضربة. ( 2 : 229 ).

فی الموثق عن عمار أنّه سأل الصادق علیه السلام عن التیمم ، من الوضوء ومن الجنابة ومن الحیض للنساء سواء؟ فقال : « نعم » (3). وقد بیّنّا أنّ الموثق حجّة ، سیّما إذا وافق الأخبار.

لکن الصدوق فی أمالیه عدّ ما اختاره فی الفقیه هو والمشهور من جملة دین الإمامیة ، حیث قال : من دین الإمامیة الإقرار بأنّ من لم یجد الماء - إلی قوله - : ضرب علی الأرض ضربة للوضوء ویمسح بها وجهه من قصاص الشعر إلی طرف الأنف الأعلی ، وإلی الأسفل أولی ، ثم یمسح ظهر یده الیمنی ببطن الیسری من الزند إلی أطراف الأصابع ، ثم یمسح الیسری کذلک ، ویضرب بدل غسل الجنابة ضربتین ضربة یمسح بها

اختلاف الأقوال فی عدد الضربات

ص: 139


1- راجع ص 133 - 134.
2- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».
3- الفقیه 1 : 58 / 215 ، التهذیب 1 : 212 / 617 ، الوسائل 3 : 362 أبواب التیمّم ب 12 ح 6.

وجهه ، واخری ظهر کفیه (1) ، انتهی. ویظهر من الشیخ فی التهذیب أیضا أنّ هذا مذهب الشیعة (2) ، فلاحظ.

( وقال فی التبیان : صفة التیمم ثلاثة : ضربة للوجه ، وضربة للیدین إلی المرفقین ، ذهب إلیه أکثر فقهاء العامة وقوم من أصحابنا. الثانیة : ضربة للوجه ، وضربة للیدین إلی الزندین ، ذهب إلیه عمار بن یاسر ، ومکحول والطبری ، وهو مذهبنا إذا کان التیمم بدلا من الجنابة ، وإن کان بدلا من الوضوء فکیفیته ضربة واحدة یمسح بها الوجه إلی طرف انفه والیدین إلی الزندین. الثالثة : إلی الإبطین ، قاله أبو الیقظان والزهری (3). وکذلک قاله الطبرسی فی مجمع البیان (4).

ویظهر منهما إجماع الشیعة علی التفصیل ، وأنّ القول بالضربتین مطلقا رأی العامة ، ویظهر منهما ومن غیرهما أنّ أحدا من العامة لم یذهب إلی التفصیل ، بل ذهبوا إلی الضربتین. ونقل أنّ علیا وعمارا وابن عباس وجمعا من التابعین قالوا بالضربة الواحدة مطلقا (5) ، فالأخبار الدالة علی الضربتین محمولة علی التقیة ، وما دل علی الضربة مطلقا إمّا مجملة أو محمولة علی التقیّة أیضا أو کلیهما ، بأنّهم علیهم السلام من جهة أنّ جماعة من التابعین کانوا یقولون بالضربة سکتوا عن التعرض لذکر الضربة الثانیة فی الغسل واکتفوا بالإجمال ، فتأمّل.

ص: 140


1- أمالی الصدوق : 515 ، بتفاوت.
2- التهذیب 1 : 211.
3- التبیان 3 : 208.
4- مجمع البیان 2 : 52.
5- انظر البحار 78 : 150.

[ لا یقال : ] (1) صحیحة ابن همام عن الرضا علیه السلام تتضمّن ذکر الکفّین ، فکیف تحمل علی التقیة؟.

لأنّا نقول : کما تضمّنت الکفّین تضمّنت الوجه أیضا ، وهو ظاهر فی المجموع ، وکون التیمم ضربة للوجه ( وضربة ) (2) للکفّین مذهب أحمد بن حنبل إمام الحنابلة (3) ، وهو کان معاصرا للرضا علیه السلام .

وممّا ینادی بکون الضربتین للتقیة أنّ جمیع ما ورد فیه هذا اللفظ إمّا صریح فی تیمم أهل السنّة والمعروف من العامة ، وإمّا بلفظ الوجه الظاهر فی المجموع والید المجمل [ أو ] (4) الظاهر فی المجموع ، کما هو عند بعض أهل السنّة ، وکذا یقول بمسح جمیع الید إلی الإبطین للعلّة التی ذکرناها ، فتأمّل.

وبما ذکر ظهر أنّ ما دل علی کون التیمم فی الوضوء والغسل واحدا محمول علی التقیة ) (5).

قوله : ومقتضی کلامه فی الرسالة. ( 2 : 230 ).

لیس ما ذکره ثلاث ضربات حقیقة ، بل ضربة للوجه وضربة للیدین علی التعقیب ، ولعلّه لذلک نسب إلیه الضربتان ، لکن الإشکال فی ما حکاه فی المعتبر ، وقد نقلنا عن أمالی الصدوق فی بحث مسح الجبهة ما ینبغی أن یلاحظ (6).

ص: 141


1- بدل ما بین المعقوفین فی « ج » : فإنّ ، وفی « ب » و « د » : لأنّ ، والظاهر ما أثبتناه.
2- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « د ».
3- المغنی لابن قدامة 1 : 278.
4- فی النسخ : إذ ، والظاهر ما أثبتناه.
5- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و».
6- راجع ص (133).

قوله : قال : سألته عن التیمم. ( 2 : 230 ).

لعلّ الظاهر منه کون المسح مرّتین لا الضرب ، والمستفاد من بعض الأخبار أنّه علیه السلام مسح مرّة ولم یعد المسح (1) ، فلیلاحظ ولیتأمّل.

قوله (2) : والمتّجه الاکتفاء بالمرّة فی الجمیع. ( 2 : 232 ).

هذا الجمع أیضا لا دلیل علیه من الأخبار ولا غیرها ، کیف والسؤال فی أخبار المرّتین وقع عن کیفیة التیمم وماهیته ، فکیف یمکن أن یجعل جواب هذا السؤال استحباب الضربة الثانیة ، سیّما مع اعترافه بأنّه صحیح صریح الدلالة ، والمعارض له مجمل الدلالة ، والظاهر أنّه کذلک ، إذ لعلّ حال الضربة الثانیة حال تقدیم الیمنی علی الیسری ، وغیره من الواجبات المسلّمة ، مع أنّ الضربة الأولی داخلة فی الکیفیة جزما ، وجعلوها کذلک جزما ، لجعل الجواب جوابا عن سؤال الکیفیة ، فکیف یستقیم حمل الثانیة علی الاستحباب والخروج عن الماهیة؟

مضافا إلی أنّ خطر مخالفة العامة شدید کخطر مخالفة الأحادیث ، بل لا یجوز لهم المخالفة أصلا ، فکیف خالفهما المعظم من القدماء وکل المتأخّرین إلاّ من شذّ منهم؟!.

قوله : وهو حسن. ( 2 : 232 ).

لیس کذلک ، بل فاسد ، لأنّ ما تضمّن المرّة فی غایة الضعف من الدلالة فی جنبة ما تضمّن المرّتین ، کما ستعرف ، مع أنّ کثیرا من الروایات المتضمّنة للمرّة ورد بلفظ الوجه والید والکفّ ، وقد عرفت أنّ مذهب

ص: 142


1- الوسائل 3 : 360 أبواب التیمم ب 11 ح 8.
2- من هنا إلی قوله : إلاّ فی ما ثبت من الشرع ، فی ص 440 ساقط من « أ » و « و».

جماعة من التابعین علی ما قاله العامة فی کتبهم ، والبواقی روایة (1) زرارة عن الباقر علیه السلام فی حکایة تیمم عمار ، ولا شک فی کون الحکایة واحدة عن أمر واحد شخصی ، لأنّ الفعل لیس له عموم بل شخص واحد ، والفعل هنا لیس إلاّ ما صدر عن الرسول صلی الله علیه و آله بالنسبة إلی عمار ، ومن البدیهیات أنّه کان شخصا واحدا.

ومع ذلک روی زرارة وغیره هذا الفعل الشخصی تارة بلفظ الضرب ، وتارة بلفظ ( الوضع ، وتارة بلفظ الوجه ، وتارة بلفظ الجبهة ، وتارة بلفظ الجبین ، وتارة بلفظ ) (2) الید ، وتارة بلفظ الکف ، وتارة بلفظ الأرض ، وتارة بلفظ المسح ، وتارة بغیر لفظ ( وتارة بلفظ ) (3) وتارة بلفظ النفض بعد الضرب ، وتارة بترکه ، إلی غیر ذلک من الاختلافات فی حکایة جزئی واحد وشخصی واحد.

ومع ذلک روایة زرارة عن الباقر علیه السلام بخصوصه ، فی ثلاث روایاته ، بل وأربع روایاته عنه ، بلفظ الضربة الواحدة مقدّما علی مسح الجبهة والوجه ، من دون التعرض لذکر ضربة أخری ( للیدین ، وفی روایة أخری من زرارة أیضا عن الباقر علیه السلام أیضا بلفظ الضربتین ، کما لا یخفی علی المطّلع ) (4) ، فظهر أنّ ترک الضربة الأخری إنّما هو مسامحة من الراوی أو غیره ، وقع المسامحة فی الأمور الکثیرة التی عرفتها ، مضافا إلی واجبات مسلّمة أخری لم یتعرض لها ، مثل تقدیم الیمنی علی الیسری ، وتقدیم

ص: 143


1- فی « ب » و « د » : روایات.
2- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».
3- ما بین القوسین لیس فی « ب ».
4- ما بین القوسین لیس فی « ج ».

الأعلی ، وغیرهما ممّا هو کثیر.

ووجه المسامحة إمّا عدم الداعی إلی التعرض له فی مقام فعل الثانی ، کما هو الحال فی العام والخاص المتنافیة الظاهر ، وکذا المطلق والمقید ، والأمر والنهی ، وغیر ذلک من الأخبار المتعارضة المسلّمة تعارضها ، ویدفع بالجمع المسلّم الذی بناء الفقه علیه.

وإمّا من جهة التقیة ، لما عرفت الحال ، فعلی هذا کیف یقدّم ما دل علی الضربة علی ما دل علی الضربتین؟ مع غایة ضعف دلالته بالنسبة إلیه حتی أنّه بمنزلة الإجمال فی جنبه ، بل لا بدّ من کون الأمر بالعکس ، فإنّ الضعیف یؤوّل ویرجع إلی القوی لا العکس.

لا یقال : لعلّ ترجیحه علیه بناء علی ظهور کونه تقیة کما قلت.

لأنّا نقول : هو لم یبن الأمر علی التقیة ، کما یظهر من کلامه هنا ، سیّما قوله : لصحة مستنده وصراحته ، ومع ذلک لا وجه للحمل علی الاستحباب ، فإنّ ما هو تقیة یجب طرحه وترک العمل به ، ومع ذلک ما دل علی الضربة لیس خالصا عن الثلاث بالمرّة ، لما عرفت من اتفاق جماعة من التابعین علی الضربة للوجه والکفّین [ و ] ظاهر أنّ الظاهر من الوجه کلّه ، بل لا شبهة فی أنّ مراد من نسبهم إلی ذلک هو مجموع الوجه ، هذا کلّه مع المخالفة للإجماعات المنقولة وغیرها.

فظهر أنّ کل واحد من القول بالضربة مطلقا ، والقول بالضربتین مطلقا ضعیف لا دلیل له بحیث یصیر منشأ العمل به خاصّة. بقی القول بالتفصیل ، لانحصار الاحتمال فی أربعة ، والقول بالمرّة فی الغسل والمرّتین فی الوضوء خلاف ما أجمع علیه أمّة رسول الله صلی الله علیه و آله ، بل خلاف ضروری الدین ، فانحصر القول بما ذهب إلیه مشهور الشیعة ، وادّعی علیه إجماعات

ص: 144

کثیرة.

مع أنّ العمل ( به محمل لجمع ) (1) الأخبار الواردة فی الباب ، فإنّ المکلف فی التیمم عن الوضوء یختار ما دل علی ( المرّة ، [ و ] لا مانع منه جزما ، ولیس العمل به فی الوضوء مشروطا بالعمل به فی الغسل بلا شبهة ، وفی التیمم عن الغسل یختار ما دلّ علی ) (2) المرّتین.

فإن قلت : إذا کان الأخبار من الطرفین موافقا للتقیة فکیف یجوز العمل بها من دون تقیة؟

قلت : هی تضمّنت حکما تقیة لا أنّ جمیع ما فیها تقیة ، لأنّ الأخبار الواردة فی مقام التقیة ربما کان کثیر من أحکامها حقّا ، لأنّ الحدیث حجّة مطلقا ، فإن ظهر من الخارج أنّ شیئا منها تقیة یرفع الید عن خصوص ذلک الشی ء فی مقام عدم التقیة ، ویعمل بالباقی بالضرورة ، لوجود المقتضی وعدم المانع ، ولذا تری الشیخ وغیره یعملون بما ورد فی الأخبار الدالة علی سهو النبی صلی الله علیه و آله وأمثاله.

فما تضمّن الضربتین تکون التقیة فی إطلاقه ، وأنّ بدل الغسل وبدل الوضوء کلیهما کذلک ، وإلاّ فکون بدل الغسل خاصّة ضربتین حقّ جزما من وجود المقتضی وعدم المانع.

لا یقال : یجوز أن یجعل المراد أنّ بدل الوضوء خاصّة بضربتین ، فإنّه أیضا مخالف للعامة.

لأنّا نقول : الأمر وإن کان کذلک ، إلاّ أنّه مخالف لضروری الدین ، کما عرفت ، إذ معنی کون بدل الوضوء خاصّة کذلک أنّ بدل الغسل یکون

ص: 145


1- فی « ج » : مجملا مجمع.
2- ما بین القوسین ساقط من « ج » و « د ».

بضربة واحدة.

وممّا ذکرنا ظهر حال ما دل علی الضربة الواحدة أیضا إذ حملها علی ظاهرها عرفت ما فیه من المفاسد ، مضافا إلی أنه یوجب طرح ما ثبتت حجّیته فی ما تضمّن للضربتین من دون داع ، إذ ذلک لیس أولی من الغسل ، بل عرفت أولویة العکس ، فظهر أنّ المشهور عملهم بجمیع ما ورد من الأخبار فی الطرفین بخلاف غیرهم ، فتأمّل جدّا.

قوله : لصحة مستنده وصراحته. ( 2 : 232 ).

هذا وإن کانت صحیحة صریحة إلاّ أنّها موافقة للتقیة ، لما عرفت من التبیان وغیره (1) ، مع أنّ الفقهاء الأربعة منهم علی ذلک ، والأخبار الواردة فی الضربتین إمّا صریحة فی مذهب العامة ، أو واردة بلفظ الوجه والید کما فی القرائن (2) فهی ملائمة لهم. نعم فی صحیحة ابن همام : الوجه والکفّین ، لکنه بعینه مذهب أحمد بن حنبل إمام الحنابلة ، وهو کان فی عصر الرضا علیه السلام ، وتلک الصحیحة من الرضا علیه السلام (3).

فیجب ترک العمل بظاهر هذه الصحاح الصراح ، فضلا أن یطرح بالعمل به الصحاح الکثیرة المتضمّنة للضربة الواحدة بأنّ یقال : هی مجملة ، أو ضعیفة الدلالة فتطرح ، ویعمل بما دل علی الضربتین لصراحته ، مضافا إلی کون الصحاح الصراح مخالفة للمشهور بین الأصحاب أیضا ، بل الإجماعات المنقولة الکثیرة. مع أنّه ورد فی الأخبار الکثیرة منع العمل

ص: 146


1- راجع ص 140.
2- کذا فی النسخ ، ولعلّ الصواب : القرآن.
3- راجع ص 141.

حینئذ بما وافق العامة ، وکذا ورد منع العمل بالشاذّ بعد الأمر بأخذ ما اشتهر بین الأصحاب (1).

فظهر عدم جواز العمل بالصحاح الصراح ، فضلا عن کونه احتیاطا.

قوله : لا الکمّیة. ( 2 : 233 ).

قد عرفت أنّ الأظهر الحمل علی التقیة.

قوله : فیکون جاریا مجری أسباب الوضوء. ( 2 : 233 ).

هذا مشکل ، لما عرفت من أنّ الأصل عدم التداخل إلاّ فی ما ثبت من الشرع (2).

قوله : وإن قطعت کفّاه. ( 2 : 233 ).

للاستصحاب ، وعموم قول النبی صلی الله علیه و آله : « إذا أمرتکم بشی ء فأتوا منه ما استطعتم » وقول علی علیه السلام : « المیسور لا یسقط بالمعسور » ، وقوله علیه السلام : « ما لا یدرک کلّه لا یترک کلّه » (3) ولأنّ الظاهر أنّه إجماعی ، ولأنّه لو لم یجب التیمم إلاّ ببقاء جمیع الأعضاء علی حالها سالمة لزم أن یکون بمجرّد ذهاب شی ء من عظم الإصبع بل وشی ء من لحم العضو من جهة الدمامیل أو الجروح لم یکن علی المکلف تیمم ، بل ولا صلاة ، فتأمّل.

قوله : ولم نقف له فی ذلک علی حجّة. ( 2 : 237 ).

لعلّ حجّته روایة السکونی الآتیة فی التیمم للزحام (4) ، وفیه تأمّل.

حکم مقطوع الکفین

أحکام التیمم

حکم من صلّی متیمماً

ص: 147


1- انظر الوسائل 27 : 106 أبواب صفات القاضی ب 9 ، والمستدرک 17 : 302 أبواب صفات القاضی ب 9.
2- راجع ج 1 : 255 - 258.
3- راجع ج 1 : 218.
4- انظر المدارک 2 : 241.

قوله (1) : وفی الحسن عن زرارة عن أحدهما. ( 2 : 238 ).

استدلاله به فی غایة الغرابة ، لأنّ السیّد [ یقول ] (2) بذلک فی الحاضر دون المسافر ، فلو کان مفهوم الشرط فیه وفی أمثاله لا یکون حجّة للسیّد لم یکن حجّة علیه قطعا ، بل استدلاله بالصحیحة أیضا لیس بشی ء ، لأنّ « إذا » لیست من أدوات العموم لغة ، فیبقی الإطلاق المفید للعموم عرفا فی مثل الأحکام الشرعیة ، والإطلاقات لا تنصرف إلاّ إلی الأفراد الشائعة ، وعدم وجدان الماء فی الحضر إلی أن یحتاج إلی التیمم ثم یجد بعد ما صلّی به بعید جدّا.

قوله : الثانیة : لو تیمم. ( 2 : 238 ).

والصدوق فی أمالیه عدّ من دین الإمامیة أنّ من تیمم وصلّی ثم وجد الماء وهو فی وقت أو قد خرج الوقت فلا إعادة علیه ، لأنّ التیمم أحد الطهورین ، فلیتوضّأ لما یستقبل (3) ، انتهی. وهذا ظاهر فی أنّ الوضوء عند الإمامیة کان واجبا لغیره ، کما لا یخفی.

قوله : کون الجنابة وقعت عمدا. ( 2 : 240 ).

بل الظاهر منها الاحتلام.

قوله : عن الرجل تصیبه الجنابة. ( 2 : 240 ).

وهذا أیضا ظاهر فی الاحتلام.

قوله : أولی من التخصیص. ( 2 : 240 ).

لا یخفی أنّ التخصیص أولی ، لنهایة غلبة شیوعه ، إلاّ أن یرید أنّ

جواز التیمم لمتعمد الجنابة إذا خشی علی نفسه

ص: 148


1- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و».
2- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.
3- أمالی الصدوق : 515.

الجملة الخبریة لا ظهور لها فی الوجوب ظهورا معتدّا به ، بل ظهور ضعیف غایة الضعف ، ولذا کثیرا ما یمنع الظهور.

ومع ذلک التخصیص المذکور فی غایة الضعف ، لعدم الدلالة علی خصوص التعمّد ، والحمل علیه من جهة الجمع بین الأخبار أیضا فی غایة الضعف ، لأنّ الخاصّ مقدّم من جهة الدلالة ، بل ربما یقول الأصولیون : إنّ الخاص قطعی الدلالة ، ولیس المراد أنّه کذلک حقیقة ، بل کاد أن یکون مثل القطعی من جهة القوّة ، وما نحن فیه لا دلالة له علی الخصوص أصلا ، فضلا أن تکون ظاهرة ، فضلا أن تکون قطعیة ، بل قد عرفت أنّ الظاهر منهما الاحتلام.

وممّا ذکر ظهر أنّ ما ذکره من أنّ القول بالوجوب لا یخلو عن قوّة ، لا یخلو عن غرابة ، سیّما بعد ما مرّ منه مرارا أنّه صلّی صلاة مأمورا بها ، وهو یقتضی الإجزاء ، مضافا إلی الأخبار الصحیحة الدالة علی عدم الإعادة ، سیّما مع عدم کون الجنابة علیه حراما ، فتأمّل.

قوله : ویشکل بأنّ مقتضی. ( 2 : 240 ).

شمولها لما نحن فیه محلّ تأمّل ، لما یظهر من الأخبار أنّه مهما أمکن یصلّی بالمائیة إلاّ أن یتحقّق العذر عنها ، وتحقّقه غیر معلوم. وقد أشرنا إلی أنّهم علیهم السلام عدّوا الصلاة بالتیمم هلاک الدین ، وغیر ذلک ، مثل ما روی فی الصحیح أیضا ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، أنّه سئل عن الرجل یقیم فی البلاد الأشهر لیس فیها ماء من أجل المراعی وصلاح الإبل ، قال : « لا » (1) وغیر ذلک.

ص: 149


1- التهذیب 1 : 405 / 1270 ، الوسائل 3 : 391 أبواب التیمم ب 28 ح 1.

علی أنّه لو سلّم أنّ تفویت الصلاة المائیة حرام - لأنّ الواجب هو المائیة إلاّ أن یتحقّق العذر - لم یکن فرق بین جواز التأخیر وعدمه ، وإن لم نقل بحرمته لم یکن أیضا فرق ، والقول بالحرمة عند الضیق وعدمها مع جواز التأخیر مع العلم بعدم التمکّن من المائیة بعد ذلک أو الظنّ به ممّا لا وجه له بالنظر إلی الأخبار والأدلة ، بل مع احتمال عدم التمکّن أیضا یشکل الفرق بالقیاس إلی الأخبار وغیرها ، فتأمّل.

قوله : والأجود عدم الإعادة. ( 2 : 241 ).

الأحوط الإعادة ، للعمومات الدالة علی وجوب الصلاة مع الطهارة المائیة عند القدرة ، وإن کان شمولها لما نحن فیه لا یخلو عن ضعف ، فتأمّل ، ولأنّ السکونی ادعی الشیخ إجماع الشیعة علی العمل بروایاته ، وصرّح بأنّه ثقة فی العدّة (1).

قوله (2) : قبل فوات الجمعة. ( 2 : 241 ).

هذا مخالف لما اختاره من أنّ خوف فوات الصلاة لا یصیر منشأ لصحة التیمم مع کونه متمکّنا من الطهارات المائیة (3).

قوله : وهی ضعیفة السند. ( 2 : 241 ).

الأحوط مراعاة مضمون هذه الروایة ، لما ذکرنا من کون الموثّق حجّة ، وإن کان الأخبار الصحیحة الدالة علی عدم وجوب الإعادة فی الصلاة بالتیمم ، وعلی عدم وجوب الإعادة فی الصلاة فی الثوب (4) النجس

جواز التیمم لمن منعه زحام الجمعة علی الخروج
بحث رجالی حول السکونی
حکم المتیمم إذا صلّی وعلی جسده النجاسة

ص: 150


1- عدة الأصول : 380.
2- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و».
3- انظر المدارک 2 : 185.
4- انظر الوسائل 3 : 366 ، أبواب التیمم ب 14 ، و 484 أبواب النجاسات ب 45.

بإطلاقاتها تعارضها ، إلاّ أنّه لا قوة فی تلک الإطلاقات ، فتأمّل.

قوله : ویلزم من سقوط التکلیف. ( 2 : 242 ).

القائل بذلک لا یجعل الصلاة مشروطة بالطهارة إلاّ حال التمکّن من الطهور ، حملا للحدیث علی الصورة المتعارفة الشائعة ، وما دل علی نفسها علی الوجوب مطلقا ، لتأکّد الدلالة ، وظهور شمولها لصورة عدم التمکّن من الطهور ، ویحتاج ذلک إلی ملاحظة العمومات والتأمّل فی دلالتها ، وإلاّ فیشکل التفریق بین العمومین ، والظاهر أنّ التفریق مشکل ، والفعل قضاء لازم ، لما ستعرف ، والأداء مع ذلک لعلّه لا یخلو من احتیاط ، فتأمّل.

قوله (1) : ولعلّه أشار بذلک. ( 2 : 242 ).

فیه تأمّل ظاهر.

قوله : واحتجّ علیه. ( 2 : 243 ).

لعلّ المراد أنّه باعتبار هذا الحدث لم یتعلق الخطاب بالصلاة ، لأنّه لا صلاة إلاّ بطهور ، فلم تکن فائتة ، لأنّ الفوت فرع کونها مطلوبة ، فاتت بعذر أو غیر عذر ، وأمّا إذا لم تکن مطلوبة کالصلاة قبل دخول الوقت فلا معنی للفوت فیها ، وإذا لم تکن فائتة فلا معنی لقضائها ، لأنّ القضاء تدارک ما فات.

ویمکن أن یقال : إنّها مطلوبة إلاّ أنّها لا یمکن تحقّقها ووجودها ، فیتحقّق معنی الفوت ، فیجب قضاؤها ، لما دل علی وجوب قضاء الفوائت ، فتأمّل.

قوله : وإطلاق کلامهم یقتضی. ( 2 : 244 ).

عدم سقوط الصلاة مع عدم التمکن من التیمم
حکم من تیمم ثم وجد الماء قبل الشروع فی الصلاة

ص: 151


1- هذه الحاشیة لیست فی « ب » « ج » « د ».

فیه تأمّل ظاهر ، لأنّ المشهور عند فقهائنا أنّه یتیمم ویصلّی أداء ، فکیف یتمسّک بهذا الإطلاق فی کلامهم؟! مع أنّ ما نحن فیه مسألة أخری وملحوظ نظرهم فیها حیثیة أخری ، کما لا یخفی علی المتأمّل. مع أنّ قوله : فلو فقده. غیر باق علی ظاهر إطلاقه ، لما سیجی ء فی المبحث الأوّل (1) ( وفی قول المصنف : الثامن إذا تمکّن. (2) ) (3) ، إلاّ أن یحمل قوله : بعد التمکّن ، علی التمکّن الشرعی ، یعنی بعد ما تمکّن من فعل الطهارة وإتمامهما جمیعا ، فتأمل.

قوله : ولو تلبّس بتکبیرة الإحرام. ( 2 : 245 ).

فی الفقه الرضوی : « فإذا کبّرت تکبیرة الافتتاح وأوتیت بالماء فلا تقطع الصلاة ولا تنقض تیمّمک وامض » (4).

قوله : للأصل. ( 2 : 245 ).

لعلّ المراد منه الاستصحاب ، لأنّهم فی مقام البحث عن حجّیة الاستصحاب أتوا بهذه المسألة مثالا ، وحکموا بالإمضاء بمجرّد الدخول بناء علی حجّیة الاستصحاب ، وعدمه بناء علی عدمها ، والتعلیل المستفاد من صحیحة زرارة وابن مسلم مشیر إلی حجّیة الاستصحاب ، فتأمّل.

ویمکن أن یکون المراد منه أصالة البراءة عن التکلیف الزائد ، لکن یعارضه أنّ شغل الذمّة بالصلاة یقینی ، والبراءة الاحتمالیة غیر کافیة حتی تثبت البراءة بدلیل شرعی ، والبراءة تتحقّق بالعود البتّة ، فتأمّل.

حکم من تیمم ثم وجد الماء فی أثناء الصلاة

ص: 152


1- المدارک 2 : 247.
2- المدارک 2 : 254.
3- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».
4- فقه الرضا علیه السلام : 90 ، المستدرک 2 : 546 أبواب التیمم ب 16 ح 3.

قوله : وروایة ابن حمران ( 2 : 246 ).

یظهر من المحقّق أنّه لم یتأمّل فیها إلاّ من جهة عبد الله بن عاصم خاصّة ، وأنّه لا یخلو عن عدالة ، فتأمّل ( وممّا یرجّح روایة عبد الله أنّها رویت بطرق کثیرة ، ولذا قال المحقق : وإن تکثّرت إلاّ أنّ أصلها عبد الله بن عاصم ، هذا ، مضافا إلی موافقتها لصحیحة زرارة المستجمعة لوجوه کثیرة من الرجحان علی ما ستعرف فی بحث صلاة الجمعة (1) ) (2).

قوله (3) : لم یکن لروایته محمل. ( 2 : 246 ).

یمکن الحمل علی الدخول الکامل ، ویؤیّده ما ورد فی بعض الأخبار أنّ أوّل الصلاة هو الرکوع (4) ، فتأمّل.

قوله : والعمومات الدالة. ( 2 : 246 ).

فیه تأمّل ظاهر ، لأنّ قطع الصلاة المحرّم هو أن یکون المکلف یقطع الصلاة الصحیحة اختیارا ، وما نحن فیه لیس کذلک ، إذ لا یعلم صحة الصلاة بعد وجدان الماء ، فانقطاع الصلاة محتمل شرعا احتمالا مساویا لعدمه. علی أنّ المکلف لو لم یقطع الصلاة بل یتمّها لا یعلم کون صلاته صحیحة غیر منقطعة أم فاسدة منقطعة ، ومجرّد الاحتمال لا یکفی للحکم بالحرمة ثم الحکم بالصحة من جهة الحکم بالحرمة ، فتدبر.

قوله : ویمکن الجمع. ( 2 : 247 ).

لم نجد مطلقا أصلا سوی روایتی محمد بن حمران والتعلیل

ص: 153


1- یأتی فی ج 3 : 140 - 143.
2- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و».
3- هذه الحاشیة والتی بعدها لیست فی « ب » و « ج » و « د ».
4- التهذیب 2 : 97 / 362 ، الوسائل 6 : 311 أبواب الرکوع ب 9 ح 6.

المستفاد ، وظاهرهما وإن اقتضی الصحة إلاّ أنّ روایتی زرارة وابن عاصم نصّان فی أنّه یرجع ما لم یرکع ، ویؤیّدهما ما ورد من أنّ أول صلاتکم الرکوع (1) ، وأنّ الصلاة ثلث طهور ، وثلث رکوع ، وثلث سجود (2) ، وأمثال هذا ، وأنّه ورد هذا التعلیل بعینه فی صحیحة زرارة مع تصریح المعصوم بوجوب الإعادة ما لم یرکع ، وأنّ العلّة تنفع ما بعد الدخول فی الرکوع خاصّة.

ولعلّ شغل الذمّة یقینی والبراءة لا بدّ منها ، للقطع بأنّا مأمورون بالإطاعة والخروج عن العهدة ، ولا یتحقّق ذلک إلاّ بالامتثال الیقینی أو الظنّی الذی اعتباره شرعا یقینی ، لقاعدة الاستصحاب ، فإنّ ثبوت الخلاف إنّما یتحقّق بما ذکر ، ولقوله علیه السلام : « لا تنقض الیقین إلاّ بیقین مثله » (3) ، وهو وفاقی أیضا بین الفقهاء ، وتتبّع الأحکام الشرعیة أیضا یشهد علی ذلک ، وکون الظنّ من حیث هو هو لا دلیل علی حجّیته واعتباره بل ورود النهی عن اعتباره فی الآیات والأخبار أیضا یقتضی ما ذکرنا ، فحیث قلنا : شغل الذمّة الیقینی یقتضی البراءة الیقینیة نرید المعنی الذی ذکرنا.

وبالجملة : الأحوط الإعادة وعدم الاکتفاء بتلک الصلاة ، وإن کان الأحوط من هذا أیضا الإتمام ثم الإعادة ، فتأمّل.

قوله (4) : ( لإطلاق الأخبار. ( 2 : 248 ).

فی هذا الإطلاق ضعف ظاهر.

ص: 154


1- راجع ص 153.
2- الکافی 3 : 273 / 8 ، الوسائل 6 : 310 أبواب الرکوع ب 9 ح 1.
3- التهذیب 1 : 8 / 11 ، الوسائل 1 : 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1.
4- هذه الحاشیة لیست فی « ب » « ج » « د ».

قوله (1) : لما رواه ابن بابویه. ( 2 : 251 ).

لکن روی هذه الصحیحة بعینها عن عبد الرحمن بن أبی نجران ، عن رجل حدثه ، قال سألت أبا الحسن علیه السلام (2) ، الحدیث. والظاهر سقوط هذه الواسطة فی طریق الصدوق ، لأنّ زیادة ما ذکر مستبعد ، وعلی تقدیر تسلیم عدم الظهور فالحدیث لا یخلو عن اضطراب وتحقّق احتمال ، فلا وثوق بکونه صحیحا ، نعم هو منجبر بالشهرة.

قوله : والتخییر حسن. ( 2 : 252 ).

الحکم بالتخییر بالنسبة إلی الکل لا یخلو عن الإشکال بعد ملاحظة العلّة الواردة فی الحدیث الصحیح من أنّ الغسل من الجنابة فریضة ، فتأمّل.

قوله : لکن لا یلزم منه امتناع الرفع فیه إلی غایة معینة ... ( 2 : 253 ).

قد ظهر ما فی هذا الکلام ممّا ذکرنا فی بحث النیّة (3) ، إذ لو أراد أنّه بعد الغایة لم یرتفع ففیه : أنّه إذا ارتفع بالمرّة ولم یکن باقیا أصلا ، فکیف یمکن أن یقال : إنّه بعد الغایة لم یرتفع.

وإن أردت أنّه بعد الغایة یعود فالعود لیس إلاّ الحدوث بعد الانعدام ، فیکون الحادث حدثا جدیدا ، وهذا الحدث لیس إلاّ الحالة المانعة ، ومحال تحقّقها من غیر سبب ، والسبب منحصر فی وجود الماء مثلا ، وهو لیس بحدث بالإجماع ، بل بالضرورة ، ومسلّم عند الشارح حیث قال : ولا ریب فی ما ذکره ، ویقول بعد ذلک : إنّ التمکّن لیس بحدث إجماعا ، فلا یبقی

حکم اجتماع المیت والجنب والمحدث مع کفایة الماء لأحدهم
فی أن التیمم لا یرفع الحدث

ص: 155


1- هذه الحاشیة لیست فی « ج » و « د ».
2- التهذیب 1 : 109 / 285 ، الوسائل 3 : 375 أبواب التیمم ب 18 ح 1.
3- راجع ص 124 - 126.

لما ذکره من قوله : لکن لا یلزم منه. ، مجال.

ولعلّ مراده من الارتفاع الکمون ، وبعد الغایة یصیر بارزا ، وهذا بعینه مراد القوم مع المناقشة فی العبارة.

قوله : وهی إنّما تدل علی النهی. ( 2 : 253 ).

لا یخفی أنّه مطلق غیر مقید بخصوص ما قبل التیمم عن الجنابة ، وکذا یتیمم أیضا مطلقا ، ومدار الشارح الاستدلال بأمثال هذا الإطلاق ، بل استصحابه لیس إلاّ هذه الإطلاقات والأخبار التی یظهر منها کون التیمم بدلا من الغسل من غیر فرق بین التیمم الأوّل والثانی والثالث وهکذا ، وکذا یظهر أنّه یتیمم مطلقا سواء کان متمکّنا من الوضوء أم لا ، مضافا إلی الاستصحاب والإجماع المنقول. هذا مع فساد القول بارتفاع الحدث ، کما بیّنا فی ما سبق فی بحث نیّة التیمم.

قوله (1) : إذا کان ذا نفس سائلة. ( 2 : 258 ).

هذا الإجماع یدل علی نجاسة البول والغائط من الطیور التی لا یحلّ أکلها أیضا ، لعدم التخصیص بغیر الطیور.

قوله : أنّ الأمر حقیقة فی الوجوب. ( 2 : 259 ).

یتوقّف الاستدلال علی مقدّمات :

الأولی : کون الأمر حقیقة فی الوجوب ، کما ذکره.

الثانیة : أنّه لیس واجبا لنفسه ، إذ لو کان واجبا لنفسه لم یکن بینه وبین النجاسة مناسبة ، لأنّ النجس لا یجب إزالته بعنوان الوجوب النفسی ، ولیس مثل وجوب الحجّ عند الاستطاعة ، والصلاة عند دخول الوقت ، وغیر ذلک.

فیما إذا تیمم الجنب بدلاً من الغسل ثم أحدث حدثاً

النجاسات

أنواع النجاسات

البول والغائط

ص: 156


1- هذه الحاشیة لیست فی « أ » « و».

الثالثة : أنّ إزالتها لأجل الصلاة من حیث النجاسة ، لأنّ المنع عن الصلاة فیه لا ینحصر وجهه فی النجاسة ، لاحتمال کونه تعبّدا ، وسیصرّح الشارح بأنّ المنع عن الصلاة لا ینحصر وجهه فی النجاسة ، فی مسألة فأرة المسک (1) ، وفی مسألة نجاسة المیتة (2).

الرابعة : أنّ النجاسة الشرعیة عبارة عن تکلیفات متعدّدة کثیرة ، مثل : المنع عن الصلاة والأکل والشرب ، وإدخال المساجد ، وکونه مع المصحف وأمثاله ممّا یعظّم شرعا ، إلی غیر ذلک ، وکذا عمّا لاقاه رطبا بجمیع التفصیل الذی مرّ ، وکذا ما لاقی ما لاقاه بجمیع التفصیل المذکور ، وهکذا دائما.

وبالجملة : النجاسة الشرعیة مجموعة تکالیف لا تعدّ ولا تحصی ، بل ولا نهایة لها ، ولم یرد آیة ولا حدیث یدل علی هذا المجموع ، حتی یکون الدلیل علی تحقّق واحد من تلک الأحکام دلیلا علی تحقّق المجموع ( من حیث المجموع ) (3) ویحکم بتحقّق المجموع شرعا.

الخامسة : ثبوت التلازم شرعا بین کلّ واحد من تلک الأحکام وبین المجموع ، بحیث لا ینفکّ عنه شرعا حتی یتأتّی الاستدلال به علیها.

السادسة : اتحاد حکم الثوب مع البدن وغیر ذلک فی ذلک حتی یحکم ب « اغسل ثوبک » علی « اغسل بدنک » وغیر ذلک ، مع أنّه علی القول بحجّیة هذا المفهوم یکون ظاهر الحدیث عدم وجوب غسل غیر الثوب.

السابعة : ثبوت التلازم بین حکم البول والروث ، مع أنّه علی القول بحجّیة مثل هذا المفهوم یکون الظاهر من الحدیث عدم نجاسة الروث ،

ص: 157


1- المدارک 2 : 275.
2- المدارک 2 : 268.
3- ما بین القوسین لیس فی « د ».

فالاستناد فی فهم المطلوب من هذا الحدیث إنّما یکون بإجماعات کثیرة ، فلا یکون الحدیث دالاّ علی المطلوب بنفسه ، فتدبّر.

قوله : ومتی ثبت وجوب الغسل. ( 2 : 259 ).

لم یقل أحد بوجوب غسل النجاسة بالوجوب الشرعی ، بل یقولون به بالوجوب الشرطی ، بل لا یوجبون الغسل أصلا ، لا علی صاحب الثوب الذی هو المخاطب فی الحدیث والمأمور ولا علی غیره ، بل لو وقع فی الماء فطهر یکفی ، وکذا لو غسله غاصب ، وکذا لو غسل بالماء الغصبی ، بل یوجبون کون الصلاة فی الثوب الطاهر.

وبالجملة من تأمّل حق التأمّل علم أنّ منشأ فهم النجاسة من الحدیث هو الإجماع لا غیر ، ولذا لا یفرّقون بین الرجل والمرأة وغیرهما ، وإن کان المخاطب هو الرجل لا غیر.

قوله : وقال فی الخلاف. ( 2 : 259 ).

حکی العلاّمة فی المختلف عن السید فی جواب المسائل المیافارقیات : أنّ البول قد عفی عنه فی ما یرشّش عند الاستنجاء (1). ونقل ابن إدریس عن بعض الأصحاب فی مطلق النجاسة (2). ویدفع القولین العمومات ، وخصوص ما سیذکره عن الفقه الرضوی ، فی مسألة العفو عمّا دون الدرهم (3).

قوله : ویشکل بأنّها إنّما تضمّنت. ( 2 : 260 ).

الاستدلال بها بناء علی أنّ الأمّة لم تفرّق بین البول والروث ، کما

حکم رجیع الطیر

ص: 158


1- المختلف 1 : 332 ، رسائل الشریف المرتضی 1 : 288.
2- السرائر 1 : 180.
3- یأتی فی ص 217 - 218.

لا یخفی ، فتأمّل.

قوله : وترک الاستفصال. ( 2 : 260 ).

لا یخفی أنّ خرء غیر المأکول لیس من الأفراد الشائعة التی یجب الاستفصال من جهتها ، بعد بناء الراوی الجلیل علی أنّ خرء الطیر لا یضرّ وجودها للصلاة ، فهل یضرّ حکّها فیها أم لا؟ وغیر خفیّ أن الحکّ لیس من المطهّرات بالضرورة حتی یتوهّم التطهیر من جهته ، فتأمّل.

وممّا یؤیّد ما ذکرنا ویضعّف استدلاله ضمیمة قوله : وغیره ، وعطفه علی خرء الطیر ، کما هو الظاهر. مع أنّ قید ( وهو فی الصلاة ) علی هذا مستدرک ، فتدبّر.

قوله (1) : یفید العموم. ( 2 : 260 ).

فی التمسّک بمثله تأمّل یظهر للمتأمّل.

قوله : وفی الحسن. ( 2 : 261 ).

لا یخفی : أنّ الشارح ( یشترط العدالة فی حجّیة خبر الواحد ) (2) ، فکیف عمل بهذا الخبر ، حتی رجحه علی ما هو حجّة عند جمیع الأصحاب؟! مع أنّ أبا بصیر ( یحکم باشتراکه (3) فیضعف الخبر عنده ) (4).

قوله : فلمنع الإجماع ( 2 : 261 ).

هذا لیس بمکانه بعد معلومیة أنّ معلوم النسب خروجه غیر مضرّ ، والإجماع المنقول حجّة ، لشمول ما دلّ علی حجّیة خبر الواحد. والطعن

ص: 159


1- هذه الحاشیة لیست فی « ب » « ج » « د ».
2- بدل ما بین القوسین فی « ب » « ج » « د » : ما کان یعمل بمثل هذا الخبر.
3- انظر المدارک 1 : 49.
4- بدل ما بین القوسین فی « ب » « ج » « د » : مشترک ومثل ضعیف عنده.

بکونه خبرا مرسلا ( أمر آخر ، مع أنّه ) (1) قد عرفت جوابه ، مع أنّ الشیخ رحمه الله فی التهذیب نسب ما دلّ علی طهارته إلی الشذوذ ، وإلی موافقة التقیة (2) ، وهذا یؤیّد (3) العلاّمة ، فتأمّل.

قوله : ونقل استثناء. ( 2 : 261 ).

یعنی أنّ نقل الاستثناء عن خصوص الشیخ ، مع موافقته لابن بابویه وابن أبی عقیل ، دلیل علی بنائه رحمه الله علی أنّ ابن بابویه وابن أبی عقیل لم یستثنیا ، ولیس مراده أنّ العلاّمة یقول بأنّ القائل منحصر فی الشیخ ، کما أنّه ربما یوهمه ظاهر عبارته ، لفساده قطعا.

قوله : إنکار العمل بها. ( 2 : 261 ).

لا یخفی أنّ العلاّمة لم یستدلّ علی نجاسة بول وذرق غیر المأکول من الطیور بالقیاس المزبور ، بل ولا شکّ فی أنّ استدلاله علیها إنّما هو بروایة ابن سنان الحسنة المشهورة المعمول بها عند أکثر الفقهاء ومعظمهم ، بل وعند الجمیع فی الجملة ، بل رفع عن مستنده ( ضرر الخبر المعارض بحدوث وهن ومرجوحیة فی الظنّ والاعتبار ، بأنّ التعارض بینه وبین مستنده ) (4) تعارض عموم من وجه ، یصحّ أن یصیر کلّ منهما مخصّصا ، لکن الحسنة من جهة الانجبار بما ذکرنا جعلها أصلا ومعارضها معارضا ، وهذا وإن کان مرجّحا کافیا لجعل مستنده مخصّصا وصیرورته أصلا ، کما ارتکبه ، إلاّ أنّه تمسّک بأمر آخر یعضد ویرجّح ، وهو خروج الخشّاف من

ص: 160


1- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
2- التهذیب 1 : 266.
3- فی « و» زیادة : نقل.
4- ما بین القوسین ساقط من « أ ».

المعارض بالإجماع.

وهذا وإن کان مرجّحا آخر مورثا وهنا آخر فی طرف المعارض ، لأنّ العامّ المخصّص لیس مثل العامّ الغیر المخصّص إلاّ أنّه أیّده وتمّم مرجّحیته بالاعتبار ، وأیضا (1) الفقهاء - رضی الله عنهم - یجعلون الاعتبار من المؤیّدات ( لأنّه یحصل منه ظنّ ما ، کما لا یخفی علی من تتّبع کلامهم ، حیث یقولون : مؤیّده الاعتبار ، فتأمّل ، إلاّ أنّه لا یجوز أن یجعله دلیلا علی الحکم ، لا أنّه لا یجوز أن یجعل من المؤیّدات ، کیف؟! والمؤیّدات ) (2) والمرجّحات لا یجب أن تکون ممّا هو حجّة شرعیة بنفسه ، بل لیس کذلک قطعا ، إذ غالبها ممّا لا یصحّ أن یجعل بنفسه دلیلا ، ولا یجوز ذلک بالنسبة إلیه ، کما لا یجوز بالنسبة إلی القیاس ، فإذا کانوا یجعلون الاعتبار من المؤیّدات ، فکیف لا یتأتّی للعلاّمة أن یجعله من مؤیّدات المرجحّات ومتمّمات المؤیّدات؟! سیّما بالنسبة إلی راجح برجحان آخر معتدّ به عندهم ، فتأمّل جدّا.

قوله : ویمکن ترجیح الثانی. ( 2 : 261 ).

قد مرّت الإشارة إلی ما به یرجّح الأوّل ، ویؤیّده أنّ عبد الله بن سنان من أعاظم ثقات الأجلّة ، ولا غبار فیه أصلا ، بخلاف أبی بصیر ، فإنّه لا یخلو عن غبار ما ، وأنّ روایة ابن سنان متأیّدة بأخبار أخر ، مثل : ( ما روی عنهم علیهم السلام فی کتاب المطاعم والمشارب : أنّ « ذرق الخطّاف طاهر ، لأنّه یحلّ أکله » (3) و) (4) ما فی الکافی بسنده - کالصحیح - عن زرارة أنّهما قالا :

إشارة إلی أنّ عبد الله بن سنان ثقة

ص: 161


1- لیس فی « ب » « ج » « د ».
2- ما بین القوسین ساقط من « ج » « د ».
3- الوسائل 23 : 393 أبواب الصید ب 39 ح 5.
4- ما بین القوسین لیس فی « ب » « ج » « د ».

« لا تغسل ثوبک من بول شی ء یؤکل لحمه » (1).

وفی الموثّق عن عمّار ، عن الصادق علیه السلام قال : « کلّ ما أکل لحمه فلا بأس بما یخرج منه » (2).

وفی القوی عن زرارة عن أحدهما علیه السلام فی أبوال الدواب تصیب الثوب ، فکرهه. فقلت : ألیس لحومها حلالا؟ قال : « بلی ولکن لیس ممّا جعله الله للأکل » (3) إلی غیر ذلک.

وسیجی ء فی کتاب الصلاة الموثّق کالصحیح بابن بکیر : أنّ کلّ شی ء حرام أکله فالصلاة فی کلّ شی ء منه حرام ، حتی فی بوله وروثه (4) ، ومضمونه إجماعی ، کما سیجی ء (5) ، فإذا کان الصلاة فی بوله وروثه حراما باطلا فکیف یقول هنا : لا بأس أصلا؟! مع أنّ العمدة فی أمثال المقام هی الصلاة وجوازها فیه ، بل الأمر بالغسل وعدم المنع عن الغسل یرجعان إلی الصلاة بلا تأمّل ، کما عرفت الوجه.

بل بملاحظة هذه الروایة الموثّقة وما وافقها ( من الأخبار الکثیرة الصحیحة والمعتبرة ) (6) وطریقة الشیعة فی العمل ، وکونه شعارهم ، وکون العمل بما خالفها شعار العامة - مضافا إلی ما ذکره الشیخ فی بول الخشّاف -

حکم بول ما لا یؤکل لحمه

ص: 162


1- الکافی 3 : 57 / 1 ، الوسائل 3 : 407 أبواب النجاسات ب 9 ح 4.
2- التهذیب 1 : 266 / 781 ، الوسائل 3 : 409 أبواب النجاسات ب 9 ح 12.
3- الکافی 3 : 57 / 4 ، التهذیب 1 : 264 / 772 ، الوسائل 3 : 408 أبواب النجاسات ب 9 ح 7.
4- الکافی 3 : 397 / 1 ، التهذیب 2 : 209 / 818 ، الوسائل 4 : 345 أبواب لباس المصلّی ب 2 ح 1.
5- یأتی فی ص 345.
6- ما بین القوسین لیس فی « ب » « ج » « د ».

یترجّح کون روایة أبی بصیر موافقة للتقیة ، لو کان عمومها باقیا علی حاله.

وممّا یرجّح أیضا أنّ روایة ابن سنان أعلی سندا ، وتکرّر الطریق إلیه.

وسیجی ء فی ذرق الدجاج الإجماع علی نجاسة ذرق الجلاّل منه ، معلّلا بأنّه غیر مأکول اللحم (1) ، والشیخ حمل روایة فارس علیه (2) ، فتأمّل.

قوله : والمدّعی أعمّ من ذلک. ( 2 : 262 ).

لا یخفی أن المدّعی یتمّ بضمیمة عدم القول بالفصل.

قوله : وقد ظهر من ذلک. ( 2 : 262 ).

لا یخفی ما فی دعوی القطع فی أمثال هذه الأحکام ، سیّما مع ما عرفت.

قوله : إنّ فرض وقوعه. ( 2 : 262 ).

الروایة التی هی المستند صریحة فی الوقوع ، فلا وجه للتأمّل فیه والاستناد إلیها ، فتأمّل.

قوله (3) : وهذه الروایة أوضح سندا. ( 2 : 262 ).

فیه تأمّل.

قوله : بالشذوذ والحمل علی التقیة. ( 2 : 262 ).

لا یخفی أنّ المرجّحات من قبیل العدالة والأعدلیة ، والشهرة والأشهریة ، والشذوذ ، والتقیة التی نعتبرها غالبا إنّما هی ظنیّة حاصلة لنا من أقوال الشیخ وأمثاله من المقاربین للعهد والمطّلعین الخبیرین ، فلا وجه للحکم بالإشکال.

ص: 163


1- المدارک 2 : 265.
2- الاستبصار 1 : 178.
3- هذه الحاشیة لیست فی « أ » « و».

مع أنّه لم یظهر مانع ومخالف لما ذکره الشیخ أصلا ، ویؤیّده ادعاء العلاّمة الإجماع (1) ، وکون الراوی من العامة.

ومن جملة مرجّحات روایة داود أنّها وإن کانت ضعیفة إلاّ أنّها منجبرة بفتاوی الأصحاب ، لو لم نقل بحجّیة الإجماع المنقول ( أو تحقّقه ) (2) وهذه الروایة ضعیفة لا جابر لها ، بل ومضعّفاتها کثیرة ، کما عرفت ، ومن جملة مضعّفاتها ما ذکرنا فی ترجیح روایة ابن سنان علی روایة أبی بصیر.

قوله : خصوص حسنة الحلبی. ( 2 : 263 ).

لا یخفی أنّ الشارح ذکر فی صدر المسألة أنّ النجاسة إنّما استفیدت من أمر الشارع بالغسل (3) ، فکیف یستدلّ بهذه الحسنة علی النجاسة؟! مع أنّ مقتضاها أنّه لا یغسل بل یصبّ علیه الماء ، مع أنّه فی کثیر من الموارد ورد الأمر بالرشّ والصبّ ، مثل الکلب إذا لاقی یابسا ، وغیره ، کما سیجی ء (4). مع أنّه رحمه الله لا یعمل بالإجماع المنقول بخبر الواحد ، سیّما مثل هذا الإجماع ، ولذا لم یقل : بالإجماع قاله فلان ، بل قال : المشهور أنّه نجس.

وأمّا العمومات فوجود عمومات تدلّ علی نجاسة البول من غیر تحقّق غسل فیه ، واعتباره له بأن لیس الغسل مذکورا فیها محلّ تأمل واضح ، فلاحظ العمومات وتأمّل.

حکم بول الرضیع

ص: 164


1- المختلف 1 : 299.
2- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
3- المدارک 2 : 259.
4- انظر المدارک 2 : 341 - 343.

وسیجی ء فی مسألة غسل المربیة للصبی أنّها تغسل ثوبها کلّ یوم مرّة (1) ما یمکن أن یستدلّ به ، مضافا إلی الإجماع ، فتأمّل.

وفی کشف الغمة ، عن زینب بنت جحش قالت : کان النبی صلی الله علیه و آله نائما فجاء الحسین علیه السلام - إلی أن قالت - فاستیقظ الرسول صلی الله علیه و آله وهو یبول ، فقال : « دعی ابنی حتی یفرغ من بوله » ، ثمّ دعا بماء فصبّ علیه ، ثم قال : « یجزی الصبّ علی بول الغلام ویغسل بول الجاریة » (2) وسنذکر فی بحث غسل النجاسات واستثناء بول الرضیع ما ینبغی أن یلاحظ.

قوله : ومن أنّ ما لا نفس له. ( 2 : 263 ).

کون هذا منشأ للتردّد محلّ نظر ظاهر ، بل الأظهر أنّ منشأ التردّد شمول عموم الأمر الذی ذکره ، بأنّ الحجّة وما یجب اعتباره هو أصالة حمل اللفظ - أی لفظ العامّ - علی معناه الحقیقی ، وإن کان بعض أفراده من النادر بحیث لا ینصرف الذهن إلیه عند الاستعمال والإطلاق ، أو الحجّة وما هو معتبر هی الأفراد التی ینصرف الذهن إلیها وتکون متعارفة ، أو أنّه بعد اعتبار الثانی لا یدری أنّه غیر المأکول من جملة المتعارف المذکور أم لا؟

ویمکن أن یکون مراده أنّ من الاستقراء یظهر أنّ ما هو طاهر المیتة والدم یکون فضلاته طاهرة ، وهذا الظنّ یعارض ظنّ العموم والشمول ، بحیث یحصل الشکّ فی الإرادة والفهم ، فتأمّل.

قوله : قاله فی المختلف ، لأنّه غیر مأکول اللحم ( 2 : 265 ).

یظهر من هذا أنّ کلّ ما لا یؤکل لحمه ، بوله وروثه (3) نجس عندهم

حکم رجیع ما لا نفس له
حکم ذرق الدجاج الجلاّل

ص: 165


1- المدارک 2 : 355.
2- کشف الغمة 2 : 57.
3- فی « ب » و « ج » و « د » : ذرقة.

البتّة ، وهذا أیضا من مؤیّدات حسنة ابن سنان ومرجّحاتها علی حسنة أبی بصیر.

قوله : بل هما طاهران. ( 2 : 266 ).

مرّ الکلام فی ذلک فی مبحث الوضوء (1).

قوله : والأمر بالاستصباح. ( 2 : 268 ).

الأمر الذی أورده علی العلاّمة رحمه الله وارد علیه من دون تفاوت وفرق ، فإنّ مراد العلاّمة من قوله : تحریم ما لیس بمحرّم ، التحریم الوارد فی الأخبار ، فکیف لا یکون التحریم الوارد فی الأخبار الشاملة لما ذکره من الروایات وغیرها دلیلا علی النجاسة ویکون ما ذکره دلیلا؟! وقوله : غیر صریح ، ظاهر فی أنّها ظاهرة فی النجاسة ، والظهور یکفی للحکم ، فیثبت مراد العلاّمة رحمه الله . غایة الأمر أنّ الشارح رحمه الله ادعی الظهور من غیر تعرض لقوله : تحریم ما لیس بمحرّم ولا فیه ضرر ظاهر فی ذلک. ولا شکّ فی أنّه لا بدّ من اعتبار ذلک ، إذ الزیت لو کان حراما لما دلّ النهی عن أکله علی النجاسة ، وکذا لو کان فیه ضرر کالسمّ ، بأن صبّ فیه سمّ. ولذا لو کان فی الحدیث موضع الفأرة الحیّة أو غیرها ممّا فیه سمّ لما دلّ الحدیث علی النجاسة أصلا ، لا ظاهرا ولا نصّا ، کما أنّه لو کان موضع الزیت السمّ أو لبن الخنزیر أو غیرها من المحرّمات لما دلّ علی النجاسة أصلا ، فتأمل.

نعم ربما کان الظاهر من کلام العلاّمة أنّ ما ذکره مختصّ بالحیوان المأکول اللحم ونفس میتته لا أعمّ منه ومن غیر المأکول اللحم وممّا لاقاه ،

المیتة
میتة غیر الآدمی

ص: 166


1- راجع ج 1 : 210 - 211.

ولعلّ بناء کلامه علی التعمیم أولی ، فتأمّل.

قوله : لکنّه غیر صریح فی النجاسة. ( 2 : 268 ).

وإن لم تکن صریحة لکنّها ظاهرة ، سیّما مع ملاحظة اختصاص المنع بالمائع دون الجامد ، وظهور الاستفصال فیها. وکذا تدلّ الأخبار الواردة فی المنع عن استعمال الماء الذی وقعت فیه ، وخصوصا إذا أنتنت وتغیّر الماء بسببه ، وسیّما بعد ملاحظة الإجماع والأخبار الدالة علی أنّ الماء إذا تغیّر بالنجاسة أحد أوصافه الثلاثة ینجس ، مع أنّ نجاسة الأشیاء کثیرها لم یثبت إلاّ من الأمر بالغسل أو التنزّه.

قوله : لا یتعیّن کونه للنجاسة. ( 2 : 268 ).

لا یخفی أنّ الظاهر أنّه للنجاسة ، إذ لا یفهم من مجرّد الغسل إزالة الأجزاء العالقة.

مع أنّه لو علم تعلّقها به فزوالها من مجرّد الغسل لعلّه غیر ممکن ، لأنّها لو انقلعت من الجلد بقلع الأشیاء لانقلعت متصلة بها منضمّة معها ، وإن لم تتعلق فلا علوق.

مع أنّ منها ما لا علوق له بالجلد أصلا.

مع أنّ طریقة الإزالة غیر منحصرة بالغسل ، بل غیرها أولی بها منه.

مع أنّ المناسب علی ما ذکرت أن یقول علیه السلام : لا تأخذها بالقلع والنتف ، بل خذها بالجزّ ومثله.

مع أنّ بنتف مثل الصوف لا یتحقّق العلم بالعلوق ، بل ولا الظنّ ، فإیجاب الغسل بمجرّد الاحتمال فیه ما لا یخفی ، وکذا حمل إیجابه علی صورة تحقّق العلم أو الظنّ لا مطلقا ، أو حمله علی الاستحباب. وأمّا قلع مثل القرن فغیر خفی أنّ الغسل لا یزیل ما تعلّق به بسبب القلع قطعا ، مع

ص: 167

أنّ تقیید المفهوم بخصوص عدم جواز الصلاة ربما لا یخلو عن خروج عن الظاهر.

مع أنّ هذه الشهرة العظیمة بین الأصحاب فی نجاستها - بل الظاهر أنّه إجماعیّ ، وقد ادعی الإجماع الشیخ ، والمصنّف ، والعلاّمة ، وابن زهرة ، والشهید (1) - ممّا یرجّح حمل الروایات علی النجاسة وإرادتها ، بل الظاهر أنّ المشایخ المتقدّمین علی الشیخ ما کانوا یفهمون منها إلاّ النجاسة.

وممّا یرشد اتّفاق الأصحاب سوی ابن الجنید علی عدم مطهّریة الدباغ ، وقول ابن الجنید بالمطهریة (2) ، فتدبّر.

قوله : بل یحتمل أن یکون لإزالة. ( 2 : 268 ).

لا یخفی أنّ بمجرّد احتمال العلوق لا یحکم الشرع بالغسل مطلقا.

قوله : کما یشعر به. ( 2 : 268 ).

لا إشعار فیه أصلا إن لم نقل بالاشعار علی خلافه ، کما هو الطریقة فی معرفة النجاسات بمجرّد الغسل.

قوله (3) : فلم أقف فیها علی نصّ. ( 2 : 268 ).

فیه - مضافا إلی ما عرفت من النصّ ، بل النصوص الکثیرة - أنّ مرسلة الصدوق دلالتها علی الطهارة من جهة صحة الاستعمالات والانتفاعات المذکورة ، [ و ] (4) الأخبار الصحیحة مانعة عن الانتفاع به مطلقا ، کما اعترف ، فکیف یجوز له التمسّک بهذه المرسلة؟! بل یمکن أن

ص: 168


1- الخلاف 1 : 60 ، المعتبر 1 : 420 ، نهایة الإحکام 1 : 269 ، الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 551 ، الذکری : 13.
2- حکاه عنه فی المختلف 1 : 342.
3- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و».
4- فی النسخ : فی ، والظاهر ما أثبتناه.

یکون مراد الصدوق جلود ما لا نفس له ، لما ذکر ، ولما دلّ علی نجاسة ما له نفس.

قوله : روی فی أوائل کتابه. ( 2 : 268 ).

یعارضها ما دلّ علی عدم الانتفاع من المیتة بوجه من الوجوه ، وما یظهر منه نجاسة أجزاء المیتة التی تحلّ فیها الحیاة ، مثل روایة الحلبی الآتیة ، وغیرها ، وکذا الإجماعات التی أشرنا إلیها ، وغیرها ممّا ذکرنا ، فکیف تقاوم جمیع ما ذکر؟! وإن صحّ سندها ، مع أنّها غیر صحیحة.

والشارح رحمه الله لم یعتبر ما ذکره الصدوق لصحّة روایته فی مقام ، بل یشترط العدالة ، بل صرّح بأنّ الخبر الذی لیس بصحیح لا یکون حجّة وإن انجبر بعمل الأصحاب وفتاواهم ، بل قال : اتفاق الأصحاب إن بلغ حدّ الإجماع فهو حجّة برأسه ، وإلاّ فلا فائدة فیه (1) ، فکیف یمکنه الحکم بالحجّیة بمجرّد تصحیح واحد من الفقهاء؟! ولیس إلاّ واحدا من الألف ، والألف لا ینفع فکیف الواحد ینفع؟! فتأمّل.

قوله : إنّما قصدت إلی إیراد ما افتی به واعتقد فیه أنّه حجّة. ( 2 : 269 ) (2).

لا یخفی أنّه کثیرا یروی فی الفقیه ما یعلم أنّه لیس فتواه ، أو یظنّ ، أو صرّح هو فیه ، فهو إمّا یرجع عمّا قال کما صرّح به جدّی (3) ، أو أنّه قائل بشمولها وتوجیهها.

بحث حول ما ذکره الصدوق فی مقدمة الفقیه

ص: 169


1- انظر المدارک 1 : 75.
2- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و».
3- انظر روضة المتقین 1 : 17 - 19 ، 14 : 350.

کما ذکر الکلینی الأحادیث الظاهرة فی الجبر وغیره ، ممّا هو کیف (1) والشیعة مبرّؤن عنه ، من دون إظهار توجیه وتأویل ، وأنّ الظاهر لیس معتقده ، بل وکثیرا ما یروی فی فروع الفقه وغیرها أخبارا نجزم أنّه لیس قائلا بظواهرها ، من دون تعرّض منه إلی توجیه ، وکذلک الحال بالنسبة إلی غیر الکلینی والصدوق - رحمهما الله.

ومن هذا روی فی الفقیه مقدّما علی المرسلة المذکورة مرسلة أخری ظاهرها طهارة جلد الخنزیر ، وعدم انفعال الماء القلیل ، وعدم انفعال البئر بالملاقاة (2) ، مع أنّ شیئا من ذلک لیس برأیه جزما ، فظهر أنّه کان قائلا بها بعنوان التأویل ، کما روی ما یظهر منه وجوب الأدعیة والأذکار فی التعقیب والأیّام وغیرها.

ویحتمل أن یکون مراده الجلود المدبوغة ، ( ویکون قائلا بالطهارة بالدباغة وأنّها فی مقام العمل بالتقیة ، ولا تأمّل فی ظهورها فی الجلود المدبوغة ) (3) إذ لا یجعل ظرف اللبن والسمن ( غیرها ) (4) علی الدوام ، علی ما یشیر إلیه قوله : « تجعل » الظاهر فی الاستمرار التجدیدی ، بل لا یبعد فی أنّ هذه تکون مضمون صحیحة الحسین بن زرارة عن الصادق علیه السلام فی جلد شاة میتة یدبغ ویصبّ فیه اللبن والماء ، فأشرب منه وأتوضّأ؟ قال : « نعم » ، وقال : قال : « یدبغ فینتفع به ولا یصلّی فیه » الحدیث (5).

قوله : وإطلاق الروایتین. ( 2 : 270 ).

ص: 170


1- کذا فی النسخ ، ولعله تصحیف.
2- الفقیه 1 : 9 / 14.
3- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».
4- فی النسخ : وغیرهما ، والظاهر ما أثبتناه.
5- التهذیب 9 : 78 / 332 ، الوسائل 24 : 186 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 34 ح 7.

لیس کذلک ، إذ مقتضاهما وجوب غسل الشی ء الذی أصاب الثوب ، وإزالته عنه بالماء ، فتکونان ظاهرتین فی الرطوبة وما یسری إلی الثوب ویتصل به ، ویدلّ علی ذلک ( أیضا ) (1) ما فی الروایة الأخری : « إن کان غسّل فلا تغسل منه ما أصاب ثوبک ، وإن کان لم یغسّل فاغسل ما أصاب ثوبک منه » (2) ، فتأمّل.

( ومنع دلالتهما علی نجاسة المیت - کما صدر من صاحب المفاتیح (3) - فاسد ، إذ لو کان طاهرا لم یجب إزالة رطوباته وغیرها عن الثوب ، واحتمال کون المانع عن الصلاة فیه والمقتضی لوجوب الغسل هو الموت فاسد ، لأنّ کلمة « ما » من أدوات العموم اللغوی ، ومع ذلک لم یقل أحد بوجوب الغسل من جهة الموت خاصّة ، بل کلّ من أوجب الغسل حکم بالنجاسة ، لعدم القائل بالفصل وغیر خفی أنّ دلالة الأخبار بمعونة الإجماع عدّ لنا وفی بحث النجاسات ) (4). ولا دلالة فی شی ء من الأخبار علی ما ذکره ، فربما کان الظاهر النجاسة والتأثیر فی حال الرطوبة لا الیبوسة أیضا ، فتأمّل.

قوله : إلاّ مع الرطوبة للأصل. ( 2 : 270 ).

وصحیحة علی بن جعفر السابقة ، وبعض الأخبار الأخر منها الصحیح : وقع ثوبه علی کلب میّت ، قال : « ینضحه ویصلّی فیه ، ولا بأس » (5).

میتة الآدمی

ص: 171


1- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د » وبدله فی « أ » و « و» : بالضرورة.
2- الکافی 3 : 61 / 5 ، التهذیب 1 : 276 / 811 ، الوسائل 3 : 461 أبواب النجاسات ب 34 ح 1.
3- المفاتیح 1 : 66.
4- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و».
5- الفقیه 1 : 43 / 169 ، التهذیب 1 : 277 / 815 ، مسائل علی بن جعفر : 117 / 52 ، الوسائل 3 : 442 أبواب النجاسات ب 26 ح 7.

قوله (1) : ومقتضی کلامه أنّ ما لاقی. ( 2 : 271 ).

وفیه : أنّ صدر العبارة وإن أوهم ذلک ، إلاّ أنّ تعلیله کالصریح فی نجاسة الملاقی ، وأنّه إذا لاقی المائع لجسده ، نجس کما لا یخفی.

قوله : وإنّما یتعلّق به الحکم المذکور. ( 2 : 271 ).

فی الاحتجاج عن مولانا القائم علیه السلام : « إذا مسّ المیت بحرارته لم یکن علیه إلاّ غسل یده » (2).

قوله : وضعفه ظاهر. ( 2 : 272 ).

لعلّ نظر العلاّمة إلی العلّة المنصوصة فی صحیحة الحلبی الآتیة ، فإنّ الظاهر منها أنّ النجاسة من جهة ذهاب الروح وتحقّق الموت ، فلا حظ وتأمّل. ( بل ما رواه الفضل بن شاذان فی علله عن الرضا علیه السلام (3) صریح فی ذلک ، فلاحظ ) (4).

ویؤیّده أیضا ما ذکره فی المسألة السابقة من : أنّ نجاسة المیّت إنّما هی بعد برده ، لعدم تحقّق انتقال الروح منه بالکلّیة ، فتأمّل.

ویعضده أیضا الأخبار الآتیة عند قول المصنف : ویجب الغسل علی من مسّ میّتا ، فتأمّل.

قوله : ما یستفاد من الأخبار. ( 2 : 272 ).

لو تمّ ما ذکره یلزم طهارة المیت الثابت نجاسته بمجرّد تفریقه وتقطیعه ، بل وبقدّه نصفین ، بل وبانفصال جزء منه بحیث لا یصدق علی ما

نجاسة ما قطع من المیتة

ص: 172


1- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و».
2- الاحتجاج : 482 ، الوسائل 3 : 296 أبواب غسل المیت ب 3 ح 5.
3- عیون أخبار الرضا علیه السلام 2 : 114 / 1 ، الوسائل 2 : 478 أبواب غسل المیت ب 1 ح 4.
4- ما بین القوسین لیس فی « ا » « ج » « د ».

بقی جسد المیّت ، بل ومطلقا أیضا ، لأنّ المتبادر من جسد المیت علی الإطلاق هو التّام الکامل ، فیلزم ممّا ذکره کون التقطیع من جملة المطهّرات. مع أنّ میتة مأکول اللحم إذا صارت طاهرة بمجرّد التقطیع یمکن الحکم بحلّیة الأکل أیضا ، لأنّ الأصل فی الأشیاء الإباحة ، والمانع کان نجاسة المیتة وقد ارتفع ، فتأمّل.

علی أنّه سیذکر فی نجاسة الکلب والخنزیر : أنّ الکلّ إذا کان نجسا یلزم أن یکون جمیع الأجزاء نجسا أیضا حتی الشعر وأمثاله (1) ، فکیف یتأمّل هنا؟! ( مع أنّ الأدلّة التی استدلّ بها علی النجاسة لیس فیها کون النجاسة متعلّقة بجسد المیت من حیث هو جسد المیّت ، کما لا یخفی ، بل ) (2) صحیحة حریز فی غایة الوضوح فی نجاسة الأجزاء التی یکون فیها روح ، وکذا ما أشرنا إلیه من الأخبار ، فتأمّل.

قوله : وترک الاستفصال. ( 2 : 272 ).

لا یخلو عن ظهور فی ما ذکره ، لأنّه علیه السلام استفصل فی خوف خروج الدم ، فیظهر أنّه علیه السلام فی مقام إتمام المسألة للعمل ودفع المفسدات الشرعیة ، ورطوبة الید ویبوستها فی درجة خوف الدم لو لم یکن أقرب ، فتأمّل.

قوله (3) : ویدلّ علیه صحیحة حریز. ( 2 : 272 ).

ویدلّ علی ذلک روایة فضل بن شاذان أیضا فی علله عن الرضا علیه السلام (4).

طهارة ما لا تحلّه الحیاة من المیتة

ص: 173


1- المدارک 2 : 275 - 276.
2- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
3- هذه الحاشیة لیست فی « أ ».
4- لم نعثر علیه فیه.

قوله : قال النجاشی : إنّه کان کذّابا. ( 2 : 274 ).

کذبه أنّه نقل للرشید : أنّ الرسول صلی الله علیه و آله قال : « لا سبق إلاّ فی خفّ أو حافر أو ریش » (1) فقال الرشید : أشهد أنّ قفاه قفا کذّاب علی رسول الله (2). فاشتهر بالکذب ، لکن لا یخفی أنّ الحدیث بهذا المضمون ورد فی کتبنا المعتبرة (3) علی وجه یظهر أنّ الإلحاق المذکور لیس کذبا ، بل فی الحقیقة صحیح ، لکن لمّا لم یکن ذلک فی أحادیث العامة نسبوه إلی الکذب واشتهر به ، مع أنّه قال بعض الماهرین : إنّ الحدیث والحکایة کان من غیاث بن إبراهیم (4) ، وقیل : کان عن حفص بن غیاث (5) ، ولم یظهر بعد أنّه کان عن وهب ، وقد حقّق فی الرجال.

علی أنّ الحدیث الضعیف یصیر حجّة بانجباره من جوابر ، والجابر هنا قول ابن إدریس فی السرائر : هذا اللبن نجس بغیر خلاف عند المحصّلین ، لأنّه مائع فی میتة (6). ووافقه علی الحکم جماعة من أصحابنا منهم الفاضلان (7) ، ویعضد هذا الجابر ما ورد فی الأخبار المسلّمة من أنّ الفأرة إذا ماتت فی السمن والزیت وغیره أنّه ینجس ویحرم أو یسرج به (8) ،

توضیح ما ذکره النجاشی من أنّ وهب بن وهب کذّاب

ص: 174


1- فی « ب » زیادة : فألحق الریش.
2- انظر تفسیر القرطبی 1 : 79 ، میزان الاعتدال 3 : 338 ، حیاة الحیوان 1 : 370 الشهید فی الدرایة : 56 ، باختلاف فی المتن والمسند والمسند إلیه.
3- لاحظ الفقیه 3 : 30 / 88 ، والتهذیب 6 : 284 / 785 ، الوسائل 27 : 413 أبواب الشهادات ب 54 ح 2 ، 3.
4- تاریخ بغداد 12 : 324.
5- ملاذ الأخیار 10 : 174.
6- السرائر 3 : 112.
7- المحقق فی شرائع الإسلام 3 : 223 ، والعلاّمة فی نهایة الأحکام 1 : 270.
8- الوسائل 24 : 194 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 43.

واللبن فی الضرع رقّته أزید ومساورته أشدّ.

ویعضده أنّ کل نجس من نجاسات الشرع ینجس کل رطب ، وکل رطب من الأشیاء ینجّسه کلّ نجاسة ، حتی هذا اللبن لو لاقاه نجاسة أیّ نجاسة تکون ینجس ، حتی أنّه لو خرج عن الضرع فلاقاه جسد هذه المیتة أو وقع فیه جلد من هذه المیتة أو لحم منه ینجس ، وورد منهم علیه السلام « أنّ کلّ حدیث ورد إلیکم فأعرضوه علی سائر أحکامنا ، فإن کان یشبه تلک الأحکام فهو منّا ، وإلاّ فلا ( تعملوا به » أو « زخرف » أو غیر ذلک من أمثال ما ذکر ، ولیس ببالی ، وورد أیضا عنه « أعرضوه علی السنّة ، فإن کان یشبه سائر الأحکام فهو منّا ، وإلاّ فلا » (1) ) (2).

ویعضده أیضا أنّ کل متنجّس ینجّس کل شی ء ، فکیف النجس لا ینجّس؟! ویعضده أیضا أنّ هذه المیتة لو لاقت الماء ینجس ، إلاّ أن یکون قدر کرّ ، والماء أقوی من اللبن ، لوقوع الخلاف فی انفعال الماء القلیل ، والوفاق فی عدم انفعال بعض منه ، وعدم انفعال الکثیر.

علی أنّا نحکم حکما قطعیا (3) بأنّ المیتة ینجّس الأشیاء الرطبة والمائعات من دون تأمّل ولا تزلزل ، ولیس فی هذا الحکم سبب وجهة سوی إجماع أو حدیث.

فإمّا ( أن یقال : ) (4) إنّ کل موضع موضع بخصوصه ورد فیه إجماع أو حدیث دالاّن علی انفعال ذلک الموضع بخصوصه وتنجسه من حیث

أدلّة القائلین بنجاسة ما لا تحله الحیاة من المیتة والجواب عنها

ص: 175


1- الوسائل 27 : 106 أبواب صفات القاضی ب 9.
2- ما بین القوسین لیس فی « د ».
3- فی « ب » زیادة : باتّا.
4- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

الخصوص ، بحیث لا یمکن الحکم بنجاسة موضع آخر من جهة هذا الحدیث وهذا الإجماع ، لاختصاص دلالة هذا الحدیث وهذا الإجماع بهذا الموضع بخصوصه ، و (1) یکون الحکم بنجاسة موضع آخر من حدیث آخر علی حدة وإجماع آخر علی حدة وهکذا الحال فی کلّ موضع بخصوصه.

فلما لم نر فی اللبن الخارج من ضرع المیتة إجماعا ولا حدیثا یدلّ علی نجاسته سوی الروایة الضعیفة ، نحکم بعدم ثبوت النجاسة فیه ، لأنّ الإجماع والحدیث الوارد فی موضع آخر لا یشمل هذا اللبن ، لاختصاص کل موضع بحدیث خاصّ به أو إجماع خاصّ به لا یتعدّی إلی غیره.

وإن کان جمیع المواضع بحیث لا یشذّ عنها موضع ورد فی کل منها بخصوصه حدیث مختصّ به أو إجماع کذلک لا یتعدّی إلی غیر نفسه ، حتی أنّ هذا اللبن لو خرج من ضرع المیتة فلاقاه جسد المیتة من خارج ، أو بعض لحم ، أو شی ء ممّا تحلّ فیه الحیاة ، یکون تنجس المیتة بإجماع مختصّ بکل واحد من الجسد أو بعض اللحم أو شی ء تحلّ فیه الحیاة علی حدة ، وهکذا حدیث علی حدة ، لکن لمّا لم یتحقّق إجماع بخصوصه ، ولا حدیث کذلک فی اللبن الخارج عن الضرع یحکم بالطهارة من جهة عدم دلیل النجاسة ، مضافا إلی الصحیحتین المذکورتین.

لکن غیر خفّی ، أنّ هذا فاسد قطعا ، والوجدان یکذّبه جزما ، لأنّا لا نری إجماعا إجماعا فی خصوص موضع موضع ، وکذلک حدیثا حدیثا ، بل کلّ موضع یحکم فیه بالنجاسة فإنّما هو بدلیل مشترک بینه وبین الموضع الآخر الذی یحکم فیه بالنجاسة ، من دون تفاوت أصلا ولا خصوصیة

ص: 176


1- فی « أ » و « ب » و « و» : أو.

مطلقا.

وهذا لا یکون إلاّ أن یکون مقتضی الدلیل قضیة کلّیة وقاعدة عامّة شاملة لکل موضع موضع ، من دون تفاوت ولا خصوصیة ، ولا کون القضیة الثابتة مهملة ، لأنّها مرادفة للجزئیة المجملة التی لا تنفع أصلا ، ولا تجری فی موضع مطلقا ، ولا یمکن إثبات حکم موضع واحد فضلا عن جمیع المواضع ، بل القضیة الثابتة من الدلیل الذی یکون مستند حکمنا - إجماعا یکون المستند أو الحدیث - هی الکلّیة التامّة العامّة الشاملة الجاریة فی کلّ موضع ، کما قلنا ، بحیث لو لم یرد فی اللبن الخارج عن ضرع المیتة حدیث أو أمر آخر لکنّا نحکم بنجاسته أیضا ، کما کنّا نحکم بنجاسة غیره من دون تفاوت أصلا ، ولیس هذا الحکم إلاّ من دلیل البتّة.

فهذا الدلیل فی الحقیقة معارض للصحیحتین الدالّتین علی الطهارة ، ومعاضد لروایة وهب المعتضدة بما ذکرنا ، ففی مقام التعارض لا بدّ من ملاحظة قوّة کلّ واحد من المتعارضین ومقاومتهما ، فلاحظ تلک القوّة الحاصلة فی ذهنک عند حکمک بنجاسة المواضع الأخر بأنّها بأیّة مرتبة تکون تلک القوّة لک؟ واطمئنانک بأیّ قدر یکون؟ ثم ضمّ إلی تلک القوّة الحاصلة الظنّ الحاصل کذلک من روایة وهب وما یعضدها ، واجعل المجموع معا معارضا للصحیحتین وما یعضدهما ، فتأمّل ، ولا تقنع ببادئ نظرک ، إذ ربما کنت فی مقام الحکم بنجاسة سائر المواضع مطمئنّا غایة الاطمئنان ، فکیف إذا انضمّ إلی هذا الاطمئنان التامّ الظنّ الحاصل لک من ملاحظة روایة وهب وما یعضدها؟

فإذا کان فقیه فی مقام حکمه بنجاسة سائر المواضع جازما یکون جزمه من اعتقاد حصل له بإجماع ، فکیف یمکنه العمل بمضمون

ص: 177

الصحیحتین؟ لأنّ الظنّ لا یعارض الجزم. وإذا لم یکن جازما بل یکون ظانا ، لکن ظنّه أقوی من الحاصل من الصحیحتین ، فیکون الظاهر عنده إجماع ظنّی بظنّ قوی ، فهو أیضا یشکل أن یعمل بالصحیحتین ویطرح ما هو أقوی منهما ، سیّما مع انضمام الأقوی بروایة ابن وهب المعتضدة ، ومرادی من الصحیحتین الصحیحتان مع دعوی الشیخ فی الخلاف الإجماع فی جمیع المراتب ، فإذا تساوی القوّتان أو ترجّح الثانیة إذن یفتی بالحلّیة ، لکن یحتاط ، سیّما فی صورة التساوی ، فتأمّل.

قوله : لنا قول الصادق علیه السلام . ( 2 : 276 ).

الأولی الاستدلال بصحیحة ابن مسلم الآتیة فی بحث نجاسة الکلب والخنزیر : أنّ الکلب إذا أصاب ثوب الرجل یغسل ذلک المکان الذی أصابه (1) ، بحملها علی صورة الرطوبة ، لعدم غسل الملاقی بعنوان الیبوسة ، فلیتأمّل.

وأمّا غیر الصحیحة فلا دلالة له ، لدلالته علی رطوبة الکلب والخنزیر ، ولا کلام فیه.

وأمّا هذه الروایة فإنّه سیعترض بمنع دلالة لفظ النجاسة علی هذا المعنی الشرعی (2) ، فالرجس لا یدل بطریق أولی ، علی تقدیر کون الشعر داخلا فی مسمّاه حقیقة ، فتأمّل. مع أنّه یختار هنا طهارة شعر الکافر مع أنّه قد ورد فیه ( إِنَّمَا الْمُشْرِکُونَ نَجَسٌ ) (3) وغیر ذلک ، فتأمّل.

قوله : أمّا الکافر فلم أقف علی نصّ. ( 2 : 276 ).

حکم ما لا تحله الحیاة من نجس العین

ص: 178


1- انظر المدارک 2 : 285.
2- انظر المدارک 2 : 291 ، 294.
3- التوبة : 28.

لا یخفی أنّه یصیر قولا بالفصل ، وسیجی ء الکلام فی ما دل علی نجاسته (1) ، فربما ورد فیه نظیر ما ورد فی الکلب ، فتأمّل.

قوله : ویجب الغسل علی من مسّ میتا. ( 2 : 277 ).

أمّا کون وجوب هذا الغسل لنفسه أو لغیره فقد مرّ الکلام فیه فی أوّل الکتاب (2). ویدل علی کون المسّ حدثا وهذا الغسل طهارة له (3) (4) عبارة الفقه الرضوی : وإنّ من صلّی قبل هذا الغسل علیه إعادة الصلاة بعد هذا الغسل (5) ، وفی بحث أنّ کل غسل قبله وضوء إلاّ الغسل من الجنابة التصریح أیضا بأنّ من صلّی ونسی هذا الوضوء أنّ علیه إعادة تلک الصلاة بعد ما توضّأ (6).

ویدلّ علیه أیضا : وفاق الأصحاب علی الظاهر ، لأنّ منهم من صرّح (7) ، والباقی یقسّمون الغسل إلی واجب ومندوب ، ثم یقولون : فالواجب من الغسل ما کان لأحد الأمور الثلاثة - أی الصلاة والطواف ومسّ کتابة القرآن - ثم یذکرون أمورا ، ثم فی ذکر الواجب من الغسل یقسّمونه إلی ستّة ویذکرون هذا الغسل منها.

وغسل [ المیت ] (8) یخرج من القرینة ، أو أنّه أیضا شرط للصلاة علی

وجوب الغسل بمس المیت

ص: 179


1- یأتی فی ص 199 - 202.
2- راجع ج 1 : 26.
3- فی « ب » زیادة : صریح.
4- من هنا إلی قوله : علی ذلک أیضا ، لیس فی « ا ».
5- فقه الرضا علیه السلام : 175 ، المستدرک 2 : 494 أبواب غسل المسّ ب 8 ح 1.
6- فقه الرضا علیه السلام : 82 ، المستدرک 1 : 476 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.
7- انظر الذکری : 23.
8- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.

المیت ، فتأمّل جدّا.

وممّا یدل أیضا : أنّ صیغة الأمر فی الأحداث والأخبار یتبادر [ منها ] (1) الوجوب للغیر مثل الصلاة أو غیرها ، بلا تأمّل من أحد من الإشارة إلی وجهها ، ولیس فی جمیع ما هو مسلّم عند الشارح ومن وافقه ( فی المناقشة ) (2) فی المقام ما یدلّ علی کون الوجوب لأجل الصلاة. وأمّا ما ورد فی بعضه ممّا یدل علیه لا ینفع بالنسبة إلی ما لم یرد ، علی تقدیر صحة هذه المناقشة. ومع ذلک فی المقام الذی ورد ربما لا یستجمع شرائط الحجّیة عند مثل الشارح ، ومع ذلک لا یتوقّف فهم الوجوب علی ملاحظته ، بل یتبادر کون الوجوب لمثل الصلاة لا لنفسه ، وإن لم یدر ورود ما یدل علی ذلک ، مع أنّ ما یدل ظنّی والتبادر قطعی.

وممّا یدل علی ذلک أیضا : ما ورد : من أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام اغتسل حین غسّل الرسول لجریان السنّة ، وإلاّ فالرسول طاهر مطهّر (3) ، هذا مضمون الحدیث ، ولیس متنه ببالی.

وفی العلل - فی باب غسل المیت والغسل من مسّه - بسنده عن الباقر علیه السلام : « علّة غسل المیت لأنّه جنب ، ولتلاقیه الملائکة وهو طاهر ، وکذلک الغاسل لتلاقیه المؤمنین » (4) وفی حدیث آخر : « المیت إذا خرج الروح عنه بقی أکثر آفته ، فلذلک یتطهّر له ویطهر » (5).

ص: 180


1- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.
2- بدل ما بین القوسین فی « ب » : الثابتة. وفی « ج » و « د » : من الناس.
3- التهذیب 1 : 469 / 1541 ، الوسائل 3 : 291 أبواب غسل المسّ ب 1 ح 7.
4- علل الشرائع : 299 / 2 ، الوسائل 2 : 488 أبواب غسل المیت ب 3 ح 6.
5- عیون أخبار الرضا علیه السلام 2 : 89 / 1 ، علل الشرائع : 300 / 3 ، الوسائل 3 : 292 أبواب غسل المسّ ب 1 ح 12.

هذا (1) مع اتفاق المتشرّعة علی کونه طهارة ، لأنّ الطهارة عندهم عن الحدث الأصغر وهو الوضوء ، أو الأکبر وهو الغسل ، ویجعلونه ستّة :

الجنابة ، والحیض ، والاستحاضة ، والنفاس ، والموت ، ومسّ المیت ، من دون فرق منهم بین الأمور المذکورة فی نصوص عباراتهم وظواهرها ، ولا یطلقون لفظ الطهارة علی وضوء الحائض ، کما لا یطلق علیه فی الأخبار أیضا ، مثل ما رواه ابن مسلم عن [ الصادق ] (2) علیه السلام أنّه قال له : الحائض تتطهّر یوم الجمعة وتذکر الله تعالی؟ فقال علیه السلام : « أمّا الطهر فلا ، ولکن تتوضّأ وقت کلّ صلاة ، وتستقبل القبلة وتذکر الله تعالی » (3) وذکر بعض الفقهاء (4) مثله فی مبحث الطهارات استطراد وتقریب. ( وأمّا الطهارات المستحبة قبل دخول وقت الصلاة والواجبة بعد دخوله فکلها واجبة لغیرها قطعا ، بل عند المشهور أنّ جمیع الطهارات کذلک ) (5).

وأمّا الطهارات المستحبة مطلقا - مثل غسل الإحرام وغیره - فمن جهة عدم وجوبها أصلا ورأسا لا یمکن أن تصیر واجبة لغیرها. فعلی هذا کل ما ورد فی الأخبار من اشتراط الصلاة أو غیرها - مثل مسّ کتابة القرآن وغیره - علی الطهارة أو الطهور یشمل غسل مسّ المیت أیضا ، کما یشمل غسل الجنابة والحیض والاستحاضة والنفاس أیضا ، من دون تفاوت.

وکذا ما ورد فی الأخبار من أنّ الطهور لا یجب إلاّ بعد دخول وقت

ص: 181


1- من هنا إلی نهایة التعلیقة لیس فی « أ ».
2- فی النسخ : الباقر علیه السلام ، والصحیح ما أثبتناه من المصادر.
3- الکافی 3 : 100 / 1 ، الوسائل 2 : 314 أبواب الحیض ب 22 ح 3.
4- کالعلاّمة فی القواعد 1 : 2 ، ونهایة الإحکام 1 : 20.
5- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».

الصلاة (1) ، یشمل غسل المسّ أیضا من دون تفاوت ، ولذا اتفق أفهام الفقهاء علی ذلک ، وأطبق فتاواهم علیه. فما صدر عن الشارح من قوله : لم أقف علی ما یقتضی وجوب غسل المسّ للصلاة مثلا واشتراط الصلاة به (2) ، لا وجه له بعد کون النصوص المقتضیة لاشتراط الطهور عامّة شاملة لجمیع أفراد الطهور الواجبة ، وکذا النصّ المقتضی لعدم وجوب الطهور إلاّ بعد دخول وقت الصلاة ، وغیر ذلک.

وإنّما قلنا بشمول الکل لغسل المسّ أیضا ، لما عرفت من الأخبار أنّه طهارة ، وکذا من اتفاق المتشرّعة. ومعلوم أنّه إذا کان فی الحدیث قرینة صارفة عن إرادة المعنی اللغوی ، یکون المراد هو المعنی الذی عند المتشرّعة حقیقة ، کما هو مسلّم ومحقّق ، فبعد ثبوت کونه طهارة من الأخبار وغیرها ، یکون هذا الغسل أیضا داخلا فی العمومات مثل قولهم : « لا صلاة إلاّ بطهور » (3) إذ لیس فیه تخصیص بطهور دون طهور.

فیظهر منه أنّ اشتراط الصلاة وتوقّفها علی الطهور ، نسبته إلی جمیع أفراد الطهور علی السواء ، والترجیح تحکّم ، لعدم مرجّح فی الحدیث أصلا ، سیّما مع قبول توقّف الصلاة علی جمیع الطهارات الواجبة ، والتأمّل فی فرد واحد منها بأنّی لم أقف علی نصّ یقتضی اشتراط الصلاة به. ألیس هذا نصّا وظاهرا فی التوقف؟! وأمثال هذه المطلقات ترجع إلی العموم ، کما هو مسلّم من الشارح وسائر الفقهاء.

ص: 182


1- الفقیه 1 : 22 / 67 ، التهذیب 2 : 140 / 546 ، الوسائل 1 : 372 أبواب الوضوء ب 4 ح 1.
2- المدارک 1 : 16.
3- الفقیه 1 : 35 / 129 ، الوسائل 1 : 366 أبواب الوضوء ب 1 ح 6.

وممّا یشمل هذا الغسل ، ممّا دلّ علی اشتراط الصلاة بالطهارة : قوله علیه السلام : « مفتاح الصلاة الطهور » (1). وقول الباقر علیه السلام فی الصحاح : « إنّ الفرض فی الصلاة : الوقت ، والطهور ، والقبلة ، والرکوع ، والسجود » (2). وأنّه « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور والوقت » الحدیث (3). وقوله علیه السلام : « الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلث طهور ، وثلث رکوع » الحدیث (4). إلی غیر ذلک من أمثالها ، مع أنّ المفرد المحلّی باللام فی أمثال المقام یفید العموم بلا کلام ، وبناء الشارح علیه ، کسائر الفقهاء.

ویشمله أیضا ما ورد ، من أنّ من صلّی بغیر طهور أو نسیها یقضیها فی أیّ ساعة تکون (5). إلی غیر ذلک ممّا دلّ علی بطلان الصلاة بترک الطهارة.

وأیضا یشمل قوله : « إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة ». ممّا دلّ علی أنّ الطهور لا یجب لنفسه ، بل یجب بعد دخول وقت الصلاة. والحکم الشرعی معلّق علی الطهور الواجب ، فیدور معه ، ومسلّم أیضا العموم. والمناقشة فی عدم الدلالة علی الوجوب للغیر ، قد عرفت غایة وضوح فسادها. والقول بالنسبة إلی بعض دون بعض تحکّم لا یرضی به

ص: 183


1- سنن أبی داود 1 : 16 / 61 ، سنن ابن ماجة 1 : 101 / 275.
2- الکافی 3 : 272 / 5 ، الخصال : 604 ، التهذیب 2 : 241 / 955 ، الوسائل 1 : 365 أبواب الوضوء ب 1 ح 3.
3- الفقیه 1 : 225 / 991 ، التهذیب 2 : 152 / 597 ، الوسائل 1 : 371 أبواب الوضوء ب 3 ح 8.
4- الکافی 3 : 273 / 8 ، الفقیه 1 : 22 / 66 ، التهذیب 2 : 140 / 544 ، الوسائل 1 : 366 أبواب الوضوء ب 1 ح 8.
5- الکافی 3 : 292 / 3 ، التهذیب 2 : 172 / 685 ، الوسائل 8 : 256 أبواب قضاء الصلوات ب 2 ح 3.

الشارح ، سیّما مع القبول فی الکلّ إلاّ نادرا منه.

ویدلّ علیه أیضا قوله : « مفتاح الصلاة الطهور ، وتحریمها التکبیر ، وتحلیلها التسلیم ». والتقریب کما تقدّم.

ویدلّ علیه أیضا قوله تعالی ( لا یَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (1).

قوله : وضعف الوجهین ظاهر. ( 2 : 279 ).

لکن ما دل علی وجوب الغسل ، شموله لما نحن فیه لعلّه لا یخلو عن تأمّل ، سیّما أن یکون قد تمّ غسل جمیع أعضائه ، ولم یبق إلاّ قدر رأس إبرة ، وأمثاله ممّا لم یتمّ الغسل بغیر غسله ، وهو فی غایة الصغر ، لکونه من الأفراد التی لا ینصرف الذهن إلیها بمجرّد سماع ما دل علیه ، لعدم کونه من الفروض الشائعة.

مضافا إلی أنّه ورد فی غسل الجنابة : أنّه « ما جری علیه الماء فقد طهر » (2). وورد : أنّ « غسل المیت مثل غسل الجنابة » (3). وإن کان ما ذکره الشارح أیضا لا یخلو عن قوّة ، والاحتیاط واضح ، فتأمّل.

قوله : والعمل بها قلیل. ( 2 : 280 ).

الظاهر أنّ المراد [ أنّ ] العمل بالمقطوعة من حیث هی هی قلیل ، لکن لا یخفی أنّ الضعف منجبر بعمل الأصحاب ، ودعوی الشیخ علی تقدیر عدم الثبوت ثبوت الشهرة منها لا أقلّ منه ، فتنجبر الروایة بها.

مع أنّ الإجماع المنقول حجّة عند جمع من المحققین (4) ، بناء علی

حکم مس عضوٍ کمل غسله

ص: 184


1- الواقعة : 79.
2- الکافی 3 : 43 / 1 ، التهذیب 1 : 132 / 365 ، الوسائل 2 : 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.
3- التهذیب 1 : 447 / 1447 ، الوسائل 2 : 486 أبواب غسل المیت ب 3 ح 1.
4- منهم الشهید فی الذکری : 4 ، والشیخ حسن فی المعالم : 182 ، والشیخ البهائی فی الزبدة : 71.

أنّ ما دلّ علی حجّیة خبر الواحد - بحیث یکون تامّا خالصا من إشکالات الإیرادات - شامل للإجماع المنقول أیضا ، فلیلاحظ.

ویعضد الروایة والإجماع ما سیذکره الشهید ، فتأمّل.

قوله : ویتوجّه علی الأوّل أنّ کون هذه القطعة. ( 2 : 280 ).

لا یخفی أنّه استدلّ علی نجاسة جمیع أجزاء الکلب ولو کانت ممّا لا تحلّه الحیاة بما ورد أنّه : « رجس نجس » (1) ، ولم یورد علی نفسه بمثل ما أورده فی المقام ، فتأمّل.

قوله : وهذا المعنی مفقود مع الانفصال. ( 2 : 280 ).

لا یخفی أنّ الاستصحاب حجّة وجار فی أمثال ما نحن فیه ، مثل : نجاسة الماء بالتغیّر بالنجاسة ، وقد مرّ الکلام فی مبحثها (2) ، فلیلاحظ.

قوله (3) : منع بطلان اللازم. ( 2 : 280 ).

هذا المنع فی غایة البعد.

قوله : إن اجتمع قدر حمّصة فاغسله. ( 2 : 282 ).

الظاهر أنّه قدر حمّصة وزنا أو جثّة فیمکن الحمل علی ما إذا وقع شائعا ، والشائع یجی ء بقدر الدرهم. وفی بعض نسخ الفقیه : الخمصة - بالخاء المعجمة - أی أخمص الراحة ، فیکون المراد قدر الدرهم ، بناء علی أنّ هذا قدره ، فلا إشکال حینئذ.

قوله : ونقل الشیخ فی المبسوط. ( 2 : 284 ).

الدم
طهارة القیح والقیء

ص: 185


1- المدارک 2 : 276.
2- راجع ج 1 : 57 و 91.
3- هذه الحاشیة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».

یمکن أن یکون استناده إلی ما رواه فی الکافی والتهذیب والاستبصار بسند قریب من الصحّة ، عن الصادق علیه السلام : « إذا قاء الرجل وهو علی طهر فلیتمضمض » (1) ، فتأمّل.

قوله (2) : لو اشتبه الدم المرئی. ( 2 : 284 ).

لکن الظاهر من إطلاقات الأخبار کون الأصل فی الدم النجاسة وعدم العفو ، کما صرّح به بعض (3) ، وهو الظاهر من الشیخ (4) وغیره ، حیث وجّه الموثّق الدالّ علی عدم البأس برؤیة الدم فی أثناء الصلاة : بأنّ المراد الأقلّ من الدرهم ، ولم یعترض علیه ، فتأمل جدّا.

قوله : والإطلاق أعمّ من الحقیقة. ( 2 : 289 ).

لا حاجة إلی هذا ، لأنّ الاشتراک أیضا لا ینفع المستدل ، إلاّ أن یقول بجواز الجمع بین المعانی فیه ، وکونه عند الإطلاق ظاهرا فی الجمیع ، وهذا قول سخیف مردود ، ومسلّم عند الفقهاء والمحقّقین المشهورین فساده.

وإن أراد من الاشتراک الاشتراک المعنوی ، فهو خیر من المجاز ، ومراد المستدل هو الاشتراک المعنوی ، کما هو الظاهر من کلامه ، بل لا بدّ من حمل کلامه علیه لو لم یکن ظاهرا فیه ، فضلا عن أن یکون ظاهرا.

هذا بالنظر إلی الدلیل الأوّل. والجواب عنه هو الذی ذکره من أنّ اللغة لا تثبت بالاستدلال ، بل تثبت إمّا بنصّ الواضع ، أو أمارات الحقیقة ، أو الاستعمال بناء علی أنّ الأصل فیه هو الحقیقة ، کما قال بعض (5).

حکم ما لو اشتبه الدم بالطاهر والنجس
المسکر
حکم الخمر

ص: 186


1- الکافی 3 : 37 / 10 ، التهذیب 1 : 15 / 31 ، الاستبصار 1 : 85 / 270 ، الوسائل 1 : 260 أبواب نواقض الوضوء ب 6 ح 2.
2- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و».
3- المعتبر 1 : 428 ، 430.
4- التهذیب 1 : 423.
5- الذریعة إلی أصول الشریعة 1 : 132.

والظاهر أنّ الشارح رحمه الله أیضا جوابه عن الأوّل هو ما ذکر.

وأمّا قوله : الإطلاق أعمّ من الحقیقة ، جواب عن الثانی ، لکن لا یخفی أنّ المستدلّ ما أراد إثبات الحقیقة منه ، بل أراد : ما کان فعلها فعل الخمر فحکمه حکم الخمر ، کما یظهر من الحدیث حیث قال : « لم یحرّم الخمر لاسمها ».

فظهر أنّ لفظ الخمر حقیقة فی الخمر خاصّة. وأمّا غیر الخمر ، فحرمته لیست باعتبار کون الخمر اسمه أیضا ، بل باعتبار المشارکة فی علّة تحریم الشارع ، وهو السکر.

فظهر أنّ قوله علیه السلام : « فهو خمر » لیس المراد إلاّ أنّه مثل الخمر فی الحکم الشرعی ، ولم یعیّن الحکم الشرعی ، فیکون المراد جمیع الأحکام إلاّ ما أخرجه الدلیل.

إلاّ أن یقال : إنّ الظاهر المتبادر منها هو الحرمة ، ولا ینصرف الذهن إلی غیرها ، فتأمّل ، لأنّه ربما یظهر من الأخبار دخول النجاسة أیضا ، مثل روایة أبی جمیلة : قال کنت مع یونس ببغداد ، وأنا أمشی معه فی السوق ، ففتح صاحب الفقّاع فقاعة فقفز (1) فأصاب ثوب یونس فاغتمّ لذلک حتی زالت الشمس ، فقلت : یا أبا محمد إلا تصلّی؟ فقال : لا ، حتی أرجع إلی البیت فأغسل هذا الخمر من ثوبی. فقلت : رأی رأیته أو شی ء ترویه؟ فقال : أخبرنی هشام بن الحکم أنه سأل الصادق علیه السلام عن الفقّاع ، فقال : « لا تشربه فإنّه خمر مجهول ، فإذا أصاب ثوبک فاغسله » (2).

ص: 187


1- قفز أی : وثب ، المصباح المنیر : 511.
2- الکافی 6 : 423 / 7 ، التهذیب 1 : 282 / 828 ، الوسائل 3 : 469 أبواب النجاسات ب 38 ح 5.

والأخبار الدالّة علی نجاسة النبیذ أیضا مستفیضة ، کما ستعرف شطرا منها ، وکلها موافقة لفتوی المشهور ، ومنجبرة أیضا بذلک. ولا یمکن الحمل علی التقیة ، لأنّ العامة یحللونهما ، ویحکمون بطهارتهما أیضا جزما (1) ، ولا یخفی ذلک علی من تتبّع الأخبار. فظهر أنّه لا یمکن حمل ما دلّ علی نجاسة الخمر علی التقیة ، کما فعله بعض علمائنا المتأخّرین (2) ، مضافا إلی ما ستعرفه فی الحواشی الآتیة.

ویدل أیضا علی نجاسة المسکرات المائعة عدم القول بالفصل.

ویدل أیضا أنّ الأمراء والسلاطین فی زمانهم علیهم السلام - وهو یوازی ثلاث مائة سنة تقریبا - کانوا مولعین بشرب الخمر ، وسائرهما کانوا مولعین بشرب الفقّاع والنبیذ ، بل وقاطبتهم. فلو کانوا علیهم السلام قائلین بالطهارة لاشتهر منهم اشتهار الشمس بمقتضی العادة وتوفّر الدواعی ، مع أنّهم أظهروا الطهارة مکرّرا ، ومع ذلک الأمر وقع بالعکس ، فإنّ القدماء ادّعوا الإجماع علی النجاسة ، والمتأخّرین اتفقوا علی ذلک.

قوله : الإجماع نقله الشیخ. ( 2 : 290 ).

وکذا ابن زهرة وابن إدریس (3).

قوله : علی ما ذکره بعض أهل اللغة. ( 2 : 290 ).

یومئ إلیه روایة خیران الخادم : أنّه کتب إلی الرجل یسأله عن الثوب یصیبه الخمر ولحم الخنزیر ، أیصلّی فیه أم لا؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا

حکم النبیذ
أدلّة نجاسة الخمر

ص: 188


1- المجموع للنووی 2 : 564 ، المبسوط للسرخسی 24 : 17 ، وظاهرهما ان الأکثر قائلون بنجاسة النبیذ المسکر وحرمة شربه وفی المجموع ان أبا حنیفة وطائفة قلیلة قالوا بطهارته وحلیة شربه.
2- انظر مشارق الشموس : 333 ، والبحار 77 : 98.
3- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 550 ، السرائر 1 : 178.

فیه ، فقال بعضهم : صلّ فیه ، فإن الله إنّما حرّم شربها ، وقال بعضهم لا تصلّ فیه ، فکتب علیه السلام : « لا تصلّ فیه فإنه رجس حتی تغسله » (1). وهذه الروایة أیضا من أدلّة المشهور ومرجّحات أخبار المنع علی أخبار الجواز ، والضعف منجبر بالشهرة.

وکذا مرسلة یونس عن الصادق علیه السلام : « إذا أصاب ثوبک خمر أو نبیذ مسکر فاغسله إن عرفت موضعه ، وإن لم تعرف موضعه فاغسل الثوب کله ، وإن صلّیت فیه فأعد صلاتک » (2).

وکذا روایة زکریّا بن آدم عن أبی الحسن علیه السلام : عن قطرة خمر أو نبیذ مسکر قطرت فی قدر فیه لحم کثیر ومرق کثیر ، قال : « یهراق المرق ، أو یطعمه أهل الذمة ، أو الکلب ، واللحم أغسله وکله » قلت : فخمر أو نبیذ قطرت فی عجین أو دم فقال : « فسد » ، قلت : أبیعه من الیهود والنصاری وأبین لهم؟ قال : « نعم فإنهم یستحلّون شربه » قلت : والفقّاع بتلک المنزلة إذا قطر فی شی ء من ذلک؟ فقال : « أکره أن آکله إذا قطر فی شی ء من طعامی » (3).

وفی الموثّق عن عمّار عن الصادق علیه السلام : عن الدنّ ، یکون فیه خمر ، هل یصلح أن یکون فیه الخلّ ، أو الکامخ (4) ، أو زیتون؟ قال : « إذا غسل

ص: 189


1- الکافی 3 : 405 / 5 ، التهذیب 2 : 358 / 1485 ، الوسائل 3 : 418 أبواب النجاسات ب 13 ح 2.
2- الکافی 3 : 405 / 4 ، التهذیب 1 : 278 / 818 ، الوسائل 3 : 469 أبواب النجاسات ب 38 ح 3.
3- التهذیب 1 : 279 / 820 ، الوسائل 3 : 470 أبواب النجاسات ب 38 ح 8.
4- ( الکامخ ) بفتح المیم وربما کسرت : الذی یؤتدم به ، معرّب. ( مجمع البحرین 2 : 441 ).

فلا بأس » وعن الإبریق فیه خمر ، أیصلح أن یکون فیه ماء؟ قال : « إذا غسل فلا بأس » (1).

وهذه الأخبار - مع کثرتها وموافقتها لما اشتهر بین الفقهاء وانجبارها - لا یمکن حملها علی الاستحباب ، لنهایة قوّة الدلالة ، وکون المعارض محمولا علی التقیة ، کما عرفت وستعرف أیضا.

قوله : خذ بقول أبی عبد الله علیه السلام . ( 2 : 291 ).

هذا الحدیث فیه تأکیدات مانعة عن الحمل علی الاستحباب ، ومؤیّدة بحمل المخالف علی التقیة ، فتأمّل.

قوله : بمنع الإجماع. ( 2 : 291 ).

الإجماع عندنا لیس اتفاق الکلّ ، فلا یضرّ وجود المنازع ، بل علی تقدیر کونه اتفاق الکلّ أیضا لا یضرّ وجوده ، لأنّ اتفاق الکلّ فی عصر یکفی.

وإن أراد أنّه یحتمل أن لا یکون إجماع ، ففیه : أنّ مع عدم العثور علی المنازع أیضا یکون الاحتمال موجودا ، فلا یصحّ الاستناد إلی المنازع فی مقام المنع ، مع أنّ العبرة بنقل الفاضل الماهر الفقیه. فإن ثبتت حجّیة الإجماع المنقول بخبر الواحد فلا وجه للتمّسک بالاحتمال ، لأنّ معنی الحجّیة لیس إلاّ أنّ الاحتمال غیر مضرّ أصلا ، ولا خلل من جهته مطلقا ، وإن لم تثبت الحجّیة فلا وجه للمنع بأنّه فی موضع النزاع.

والحاصل : أنّ بناء الاستدلال علی حجّیة المنقول ، کما علیه الفقهاء الفحول ، واستندوا فی الحجّیة إلی أدلة ، بل وقالوا : ما دل علی حجّیة الخبر

ص: 190


1- الکافی 6 : 427 / 1 ، التهذیب 1 : 283 / 830 ، الوسائل 3 : 494 أبواب النجاسات ب 51 ح 1.

الواحد یشمله (1) ، والشارح أیضا فی کثیر من المواضع یذکر الإجماع المنقول بخبر الواحد علی وجه یظهر منه اعتماده علیه ، فتأمّل.

قوله : کما فی المسیر. ( 2 : 291 ).

قال الشیخ الحرّ رحمه الله : وفی روایة : جواز الأکل علی الخوان الذی أصابته إذا کان یابسا (2).

قوله : وما رواه الحسن بن أبی سارة فی الصحیح. ( 2 : 291 ).

الحکم بالصحّة ربما لا یخلو عن خدشة ، لأنّ بعض النسخ الحسین بدل الحسن ، مع أنّ محمد بن خالد فیه کلام ، فتأمّل.

قوله : مع اختلاف الأصحاب والأحادیث. ( 2 : 292 ).

الأحادیث الدالة علی النجاسة من الکثرة بمکان لم یذکرها الشارح ، منها مذکورة فی کتاب النجاسات ، ومنها فی تطهیر الأوانی والثیاب ، ومنها فی المطاعم والمشارب وغیر ذلک مثل ظروف النبیذ ، فلا یضرّ ضعف اسناد بعضها ، سیّما مع الانجبار بالشهرة العظیمة بین الأصحاب ( علی فرض عدم الإجماع ) (3) بل المظنون کون مضمونها مجمعا علیه بین الأصحاب ، کما یظهر من نقل الجلیلین الفقیهین النبیلین ، مع ابن زهرة وابن إدریس (4).

فعلی هذا لا تقاوم هذه الأخبار والإجماع المنقول ، الأخبار الدالة علی

ص: 191


1- انظر زبدة الأصول : 71 ، والمعالم : 182.
2- انظر الوسائل 24 : 233 أبواب الأطعمة المحرمة ب 62 ح 4.
3- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
4- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 550 ، السرائر 1 : 178.

الطهارة ، سیّما مع أنّه ورد فی الصحیح المذکور الأخذ بقول الصادق علیه السلام ، وإن وردت الروایة عنه وعن الباقر علیهماالسلام ، فی أنّها طاهرة.

مع أنّ الفقهاء الخبیرین الماهرین أخبروا بأنّ الدال علی الطهارة محمول علی التقیة (1). مع أنّ المدار فی أکثر المرجّحات علی أقوالهم ، مثل العدالة والأعدلیة والشهرة والشذوذ وغیرها ، لکونهم من أهل الشهود والمهارة.

وکون أکثر العامة قائلین بالنجاسة ، لا یردّ قولهم ، لأنّ المعتبر فی التقیة حال زمانهم علیهم السلام لا حال زماننا ، فلعلهم علیهم السلام فی زمانهم کانوا عن أهل زمانهم یتقون. مع أنّ أمراءهم وسلاطینهم کانوا مولعین بشرب الخمر ، بل النبیذ والفقاع کان حلالا عند فقهائهم ، فکان طاهرا عندهم البتّة.

ویظهر من تضاعیف الأحادیث أنّ المدار عند أهل السنة والمتداول عندهم الحلّیة والطهارة ، ومع ذلک ورد عن أئمّتنا علیهم السلام الحکم بالنجاسة والحرمة ، بل ورد : أنّ المیل منه ینجّس حبّا من الماء (2) ، وأشدّ من ذلک.

وظهر من الأخبار المتواترة - مضافا إلی الاعتبار - أن جلّ الاختلافات فی الأخبار من جهة التقیة ، وأمروا علیهم السلام بترک ما وافق العامة ، وما یکون حکّام العامة إلیه أمیل. فما دلّ علی نجاسة (3) النبیذ حق جزما ، وما دل علی طهارته باطل جزما ، ولا قائل بالفصل قطعا.

مع أنّ نجاسة النبیذ یقتضی نجاسة الخمر بطریق أولی ، سیّما بعد ملاحظة أنّ حکّامهم أمیل إلی الطهارة. مع أنّ الأئمّة علیهم السلام لو کانوا قائلین

ص: 192


1- انظر التهذیب 1 : 279 - 281 ، والمختلف 1 : 313 ، والحبل المتین : 103.
2- الکافی 6 : 413 / 1 ، الوسائل 3 : 470 أبواب النجاسات ب 38 ح 6.
3- فی « ب » زیادة : مثل.

بالطهارة لاشتهر منهم غایة الاشتهار بحکم العادة ، وکان العامة ینسبونهم إلیه ، ( من حیث کون حکمهم علی وفق مشتهی الحکّام ومخالفا لحکمهم ) (1). مع أنّ الأمر صار بالعکس.

وبالجملة : إن کان البناء فی الفقه علی الترجیحات فلا شک فی أنّ الرجحان فی طرف النجاسة ، وإلاّ قلّما یتحقّق مسألة فقهیة ، بل لا یکاد یوجد ، فتأمّل. وسیجی ء فی بحث نجاسة الکافر ما ینبغی ان یلاحظ (2).

لا یقال : وجوب الغسل لا یدل علی النجاسة إلاّ بضمیمة الإجماع ، کما مرّ (3) ، ولا إجماع هنا.

لأنّا نقول : الإجماع واقع علی أنّ ( الغسل إن کان واجبا فبسبب نجاستها ، وإن لم یکن نجسة فلا یجب غسلها ) (4) البتّة.

قوله : ولا نعلم مأخذه. ( 2 : 293 ).

لعل المأخذ ، هو الأخبار التی رواها فی الکافی فی باب أصل تحریم الخمر وبدوه (5) ، ورواه الصدوق فی العلل (6) أیضا ، إذا یظهر من تلک الأخبار أنّ العصیر بمجرّد الغلیان یدخل فی حدّ الخمر حقیقة.

والصدوق فی الفقیه - فی باب حدّ شرب الخمر - قال : قال أبی فی رسالته إلیّ : اعلم أنّ أصل الخمر من الکرم ، إذا أصابته النار أو غلی من غیر

حکم العصیر العنبی

ص: 193


1- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج ».
2- یأتی فی ص 199 - 202.
3- راجع ص 188.
4- ما بین القوسین فی « أ » و « و» : وجوب الغسل إن کان فإنّما هو بسبب النجاسة لا غیر ، وأنّها إذا لم یکن نجسة لا یکون واجب الغسل.
5- الکافی 6 : 393.
6- علل الشرائع : 477.

أن تمسّه ، فیصیر أعلاه أسفله فهو خمر ، فلا یحلّ شربه ، إلاّ أن یذهب ثلثاه. ثمّ أتی بعبارات أخر صریحة فی أنّ مراده الخمر المعهود الحقیقی ، ثم قال : ولها خمسة أسامی : العصیر من الکرم (1). والظاهر من الصدوق أیضا ذلک فی الفقیه وفی العلل معا ، وهو الظاهر أیضا من الکلینی ، فلاحظ الکافی وتأمّل.

وهو الظاهر من البخاری من العامة فی صحیحة (2) ، فلاحظه. ( وسنذکر من فقهاء العامة أیضا أنّ الخمر هو العصیر من العنب إذا غلا واشتدّ (3) ، فلاحظ ) (4).

وممّا یشیر إلیه : أنّه سئل الصادق علیه السلام عن ثمن العصیر قبل أن یغلی ، فأجاب وقال : « إذا بعته قبل أن یکون خمرا وهو حلال فلا بأس » (5). وفی خبر آخر عنه علیه السلام ، عن بیع العصیر قبل أن یغلی ، قال : « لا بأس ، وإن غلا فلا یحل » (6).

ویؤیّده أنّ شاربه یحدّ حدّ شرب الخمر ، بل وصرّح بعض المتأخّرین (7). بمساواته للخمر فی جمیع الأحکام ، ولیس فی النصوص شی ء یشیر إلی شی ء من الأحکام سوی ما أشرنا.

ص: 194


1- الفقیه 4 : 40.
2- صحیح البخاری 7 : 139.
3- یأتی فی ص 196.
4- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و».
5- الکافی 5 : 231 / 3 ، التهذیب 7 : 136 / 602 ، الوسائل 17 : 229 أبواب ما یکتسب به ب 59 ح 2.
6- الکافی 5 : 232 / 12 ، الوسائل 17 : 230 أبواب ما یکتسب به ب 59 ح 6.
7- المسالک 2 : 439.

وممّا یؤیّد ، ما ورد فی النبیذ والنقیع ، وقد بسطنا الکلام فی رسالتنا العصیریة (1) ، ومن أراد البسط فلیراجع ولیتأمّل. لکن القائل بعدم المأخذ ، بناؤه علی أنّه لیس بمسکر فکیف یکون خمرا؟ وأجبنا عن ذلک فی الرسالة ، فلیراجع ولیتأمّل.

قوله : بأنّه لم یقف علی دلیل. ( 2 : 293 ).

قد أشرنا إلی الدلیل والمأخذ ، ویمکن أیضا أن یکون نظرهم إلی أنّ لفظ الخمر أطلق علیه فی کثیر من الأخبار. فإن کان حقیقة ثبت المطلوب أی حقیقة فی القدر المشترک ، أو أنّ استعمال المشترک فی معانیه جائز ، وظاهر أیضا إذا کان الجمع ممکنا.

وإن کان مجازا فمعلوم أنّه لا بدّ من علاقة ، والعلاقة فی أمثال المقام لیست إلاّ المشابهة والمشارکة فی الحکم الشرعی ، فحیث لم یعیّن یحمل علی الجمیع ، علی طریقة حمل المطلق والمفرد والمحلّی باللام علی العموم.

لکن یمکن المناقشة بأنّ الإطلاق أعمّ من الحقیقة ، والمجاز خیر من الاشتراک ، والعلاقة وإن کانت المشارکة فی حکم شرعی ، لکن یمکن أن یکون هو الحرمة خاصّة. والإرجاع إلی العموم فیما إذا تساوی الأحکام فی الظهور والخفاء ، وهنا لیس کذلک ، لشیوع الحکم الذی هو الحرمة ، وانسباق الأذهان إلیها عند الإطلاق ، لکن لا بدّ من التأمّل فی هذه الدعوی ، وأنّها هل تکون صحیحة أم لا. والامتحان والاختبار والمراجعة حتی یتضح الحال.

ص: 195


1- رسالة فی حکم العصیر التمری والزبیبی ( الرسائل الفقهیّة ) : 10.

وأمّا حکایة الاشتداد - بالمعنی الذی ذکره الشارح - فغیر ظاهر من الأصحاب ، وغیر ظاهر المأخذ مطلقا. ویمکن أن یکون المراد بالاشتداد أن یصیر أعلاه أسفله وأسفله أعلاه ، کما أشار إلیه کلام والد الصدوق. لکن المأخذ غیر ظاهر ، إلاّ أن یدّعی تبادر هذا الغلیان من الأخبار ، ولا بدّ من التأمّل.

لکن الفاضلین ذکرا الاشتداد ، وأنّ العصیر بعد الاشتداد ینجس البتّة وتأمّلا فی نجاسته قبل الاشتداد (1).

وفی فقه العامّة أنّ الأشربة أربعة : الأوّل : الخمر ، وهو عصیر العنب إذا غلا واشتدّ وقذف بالزبد. الثانی : العصیر إذا طبخ یذهب أقلّ من ثلثه. إلی أن قال : وعصیر العنب إذا طبخ وذهب ثلثاه حلّ (2). وفی هذا شهادة أنّ العصیر إذا غلا واشتدّ یکون خمرا البتّة ، بل هو الخمر ، بخلاف ما لم یشتدّ وإن کان حراما ) (3).

قوله : وذکر أنّ المصرّح. ( 2 : 293 ).

لیس کذلک ، کما لا یخفی علی من لاحظ المختلف (4) وغیره ، ومنه قول الشهید الثانی : إنّ القول بالنجاسة من المشاهیر بغیر أصل (5) ، إذ مع اعتقاده بأنّه لا أصل له حکم بأنّه من المشاهیر ، فتأمّل.

وأیضا نقل القول بالطهارة عن ابن أبی عقیل خاصة ، وهو قائل

ص: 196


1- المعتبر 1 : 424 ، المنتهی 1 : 167 ، تذکرة الفقهاء 1 : 65.
2- انظر المغنی والشرح الکبیر 10 : 323.
3- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و».
4- المختلف 1 : 310.
5- المسالک 1 : 17 ، الروضة 7 : 321 ، روض الجنان : 164.

بطهارة الخمر أیضا (1). ومنها قول الشارح : إنّه مشهور بین المتأخرین ، وبالجملة : لا شکّ فی شهرته.

قوله : وهو عجیب. ( 2 : 293 ).

ما ذکره الشارح عجیب ، إذ لا غرابة فی أن یطلع الفقیه علی ما لم یطلع قبل ، مع أنّ طریقة الفقهاء تغیّر الرأی ، بل ربما جعلوا عدم تغیّر الرأی قدحا فی الاجتهاد ، لأنّه یشیر إلی نوع تقلید أو مسامحة ، فتأمّل.

قوله (2) : والحکم بنجاسته مشهور بین الأصحاب. ( 2 : 293 ).

بل ادّعی الإجماع علیها ابن زهرة وکذلک العلاّمة (3) ، والشیخ قال : ألحق أصحابنا الفقّاع بالخمر فی التنجیس وهذا انفراد الطائفة (4) ، انتهی. وصرّحوا بأنّ حرمة الفقاع ونجاسته یدوران مع الاسم والغلیان لا السکر ، فهو حرام نجس وإن لم یکن مسکرا ، لأنّ الرسول صلی الله علیه و آله حکم بالحرمة من دون استفصال فی أنّه مسکر أم لا (5) ، مع أنّه فی مقام حکمه بحرمة النبیذ استفصل وقال : « أفیسکر؟ » فقالوا : نعم ، فقال : « إذا أسکر فهو حرام » (6).

قوله : ضعیفة السند. ( 2 : 293 ).

ضعفها منجبر بالشهرة ( وصریحة فی الدلالة ، مضمونها : أنّ یونس بن عبد الرحمن أصاب ثوبه فقّاع فترک الصلاة أوّل وقتها وقال : ما أصلّی حتی

الفقاع

ص: 197


1- حکاه عنه فی المختلف 1 : 310.
2- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».
3- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 550 ، المنتهی 1 : 167.
4- حکاه عنه فی المعتبر 1 : 424 ، وانظر المبسوط 1 : 36.
5- انظر موطّإ مالک 2 : 845 / 10 ، السنن الکبری للبیهقی 8 : 292 والانتصار : 199.
6- الکافی 6 : 417 / 7 ، الوسائل 25 : 355 أبواب الأشربة المحرّمة ب 24 ح 6.

أدخل البیت وأغسل هذه الخمرة من ثوبی ، لأنّ هشام بن الحکم سأل الصادق علیه السلام عنه فقال : « خمر مجهول فإذا أصاب ثوبک فاغسله » (1) ) (2).

قوله (3) : وقد نقل المصنف فی المعتبر وغیره. ( 2 : 294 ).

وهم المرتضی والشیخ وابن زهرة ، والعلاّمة (4) رحمهم الله .

قوله : وهو غیر ثابت. ( 2 : 294 ).

فیه : أنّ القائل بثبوت الحقیقة الشرعیة لا یمکنه هذا الاعتراض ، وأمّا المنکر فیقال فی جوابه : إن قوله تعالی ( فَلا یَقْرَبُوا ) قرینة علی إرادة المعنی الشرعی ، إذ لا وجه لتفریعه علی المعنی اللغوی ، ولم نجد معهودا من الإسلام والمسلمین أمرا یقتضی المنع من الدخول فی المسجد إلاّ ذلک المنع الشرعی ، فضلا عن أن یکون یعبّر عنه بلفظ النجس.

وأیضا ، المشرک من حیث هو هو کیف یکون قذرا بالمعنی اللغوی؟! لأنّ المعنی اللغوی أمر یعرفه أهل اللغة والعرف.

وأیضا ، کیف یناسب أن یکون الشارع مفیدا معنی لغویا یعرفه أهل اللغة؟! وأیضا ، القذارة اللغویة من حیث هی هی لا مانع من دخولها فی المسجد ، وإلاّ لزم أن یکون کثیر من المسلمین یمنع عن دخوله المسجد ، وکذلک النخامة وأمثالها.

وإرادة معنی شرعی آخر لا قرینة علیها ، بل القرینة متحقّقة بالنسبة

الکافر

ص: 198


1- راجع ص 187.
2- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
3- هذه الحاشیة لیست فی « ب » « ج » « د ».
4- الناصریات : 180 ، التهذیب 1 : 223 ، الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 551 ، المنتهی 1 : 168.

إلی النجس الشرعی ، لما عرفت ، ولشیوع الاستعمال فیه إلی أن وقع الخلاف فی کونه حقیقیا ، ولأنّ غیره لم یعهد من الشارع استعمال فیه أصلا ، فضلا عن الکثرة.

وفی الکشّی ، فی ترجمة فارس ، عنه علیه السلام : « توقّوا مساورته » (1).

وأیضا ما دلّ علی نجاسة الیهود وغیره ، یدلّ علی نجاسة المشرک بطریق أولی ، فتأمّل ، وحمل النجس علی المتنجّس بعید.

قوله : بل ادّعی علیه المرتضی وابن إدریس الإجماع. ( 2 : 295 ).

بل الظاهر أنّ الحکم بالنجاسة شعار الشیعة یعرفه علماء العامّة منهم ، بل وینسبونهم إلیه بلا تأمّل ، بل وعوامهم یعرفون أیضا أنّ هذا مذهب الشیعة ، بل وربما کان نساؤهم وصبیانهم أیضا یعرفون کذلک وینسبونهم ، بل والیهود والنصاری والمجوس والصابئون وغیرهم من الکفار أیضا یعرفون أنّ ذلک مذهب الشیعة ومسلکهم فی العمل ، بل ربما کان نساؤهم وصبیانهم أیضا یعرفون کذلک وینسبون.

وأمّا الشیعة فهم أیضا یعرفون أنّ مذهبهم کذلک ، ومسلکهم فی الأعصار والأمصار کان کذلک ، حتی نساؤهم وصبیانهم. فلا یضرّ خروج مثل ابن الجنید ، سیّما وهو أنکر حرمة القیاس مع أنّها من ضروریات مذهبنا ، فلا مانع من خروج ابن أبی عقیل أیضا ، لما ذکرت ، ولما مرّ فی نجاسة الخمر (2).

قوله : ونقل عن ابن الجنید ، وابن أبی عقیل. ( 2 : 295 ).

ص: 199


1- رجال الکشی 2 : 806 و 810 ، وفیه وفی « ب » : مشاورته.
2- راجع ص 187 - 189.

لا یخفی أنّه لا یقول بانفعال الماء القلیل بالملاقاة ، والمعهود من الفقهاء أنّ السؤر هو الماء القلیل الذی لاقاه فم حیوان أو جسم حیوان ، فلا یحسن جعل ابن أبی عقیل من القائلین بعدم نجاسة هؤلاء ، مع تخصیصه عدم النجاسة بأسآرهم ، فتأمّل.

وأمّا ابن الجنید فإنّه أنکر حرمة القیاس التی هی ضروری المذهب! والکراهة فی کلام المفید لعلّه یرید منها المعنی اللغوی. أو أنّه رجع عن القول بها ، فلا عبرة به ، فتأمّل.

قوله (1) : احتجّ القائلون بالطهارة بوجوه. ( 2 : 297 ).

لم یوجد قائل بالطهارة فضلا عن أن یکونوا محتجّین بما ذکره ، إذ لم ینسب إلی أحد احتجاجه.

قوله : شامل لما باشروه وغیره. ( 2 : 297 ).

إنّ أراد أنّه تعالی أراد بیان حکم ما باشروه برطوبة وما لم یباشروه برطوبة جمیعا ، ففیه : أنّ ما لم یباشروه برطوبة مندرج فی الطیّبات ، ولانتفاء الفائدة فی تخصیص أهل الکتاب.

وأمّا ( طَعامُکُمْ حِلٌّ لَهُمْ ) فإن کان مخصوصا بأهل الکتاب فهذا القدر یکفی فائدة للتخصیص ، وإلاّ فأیّ فائدة للتخصیص فیه أیضا؟ مع أنّ المراد الطعام من حیث إنّه طعام ، والمباشرة وعدمها أجنبیان. ککونه مغصوبا ، أو مسموما ، أو ممزوجا بهما ، أو فاسدا مضرّا ، أو متنجّسا بنجس العین ، أو غیر ذلک ، إذ لا یفهم شی ء منها من تلک العبارة.

وإن أراد أنّه تعالی أراد بیان حکم ما باشروه برطوبة خاصّة ، ففیه : أنّ

أدلّة القائلین بطهارته والمناقشة فیها

ص: 200


1- هذه الحاشیة والتی بعدها لیست فی « أ » و « و».

الدلالة لا بدّ أن تکون مطابقة أو تضمّنا أو التزاما ، وقد عرفت أنّه أجنبی بالنسبة إلی هذه العبارة ، وأین اللزوم؟.

مع أنّه لا وجه للتخصیص بالطعام ، ولا بعبارة الحلّیة ، بل اللازم التعمیم ، والمناسب عبارة الطهارة. بل التخصیص بتلک العبارة یمنع من الدلالة علی الطهارة ، بل الشراب أولی من الطعام بذلک ، بل التخصیص بهما یکون ظاهرا فی نجاسة غیرهما ، کما یظهر من تفسیر أهل البیت علیهم السلام فی أخبار صحاح کثیرة وأخری معتبرة (1).

قوله : وتخصیصه بالحبوب. ( 2 : 297 ).

لا یخفی أنّ الوارد فی غیر واحد من الأخبار أنّ المراد منه الحبوب وأشباهها (2). وهذه الأخبار أیضا ممّا یدلّ علی نجاستهم.

ویظهر من أهل اللغة أنّ الطعام اسم للحنطة ، کما یظهر من الصحاح والمغرب وغیرهما (3) ، ویظهر من عبارة بعضهم ضمّ دقیقها أیضا (4).

فإنّ قلت : الحبوب وأشباهها کانت داخلة فی الطیّبات فی قوله تعالی ( الْیَوْمَ أُحِلَّ لَکُمُ الطَّیِّباتُ ) وعطف الخاصّ علی العامّ إنّما یجوز لنکتة ، والنکتة أنّ تعلیق التحلیل بالطیّبات یؤذن بأنّ طعام أهل الکتاب لیس محلّلا علی الإطلاق ، إذ المائع لا ینفکّ عن النجاسة غالبا ، مع أنّ هذا لا یناسب العموم ، لأنّ أکثر الأفراد من الطیّبات علی ما ذکرت ، بل الکل من الطیّبات بحسب الذات. والنجاسة - لو عرضت - فعارض خارجی ، فحسن إفراده بالذکر.

ص: 201


1- الوسائل 24 : 203 أبواب الأطعمة المحرمة ب 51.
2- الوسائل 24 : 203 أبواب الأطعمة المحرمة ب 51.
3- الصحاح 5 : 1974 ، المغرب 2 : 14 ، القاموس 4 : 145.
4- حکاه عن الأقطع فی الذخیرة : 151.

قلت : قوله تعالی ( وَطَعامُکُمْ حِلٌّ لَهُمْ ) یأبی عن هذه النکتة ، کما لا یخفی علی الفطن. مع أنّ هذه النکتة فرع نجاستهم ، إلاّ أن یکون المراد النجاسات العارضیّة مثل البول ، فعلی هذا یمکن اعتبار هذه النکتة علی تقدیر الاختصاص بالحبوب أیضا ، إذ لا یؤمن ملاقاتها مع الرطوبة المنجّسة. وبالجملة : النکتة لیس إظهار عدم النجاسة وعدم المنع من جهة توهم النجاسة ، لإباء قوله تعالی ( وَطَعامُکُمْ ) عنه.

علی أنّ النکتة لعلّها شی ء آخر ، علی طریقة ما یقولون فی منع حجّیة مفهوم الوصف.

علی أنّ النکتة یمکن أن تکون إظهار دخول طعامهم فی الطیّبات وإن کان یابسا ، لأنّ معنی الطیّب لیس بدیهیا ، ألا تری أنّه تعالی قال ( لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ یَحِلُّونَ لَهُنَّ ) ؟ لو قال مثل ذلک فی طعامهم وطعامنا لکان یظهر أنّ حکایة الطعام حکایة المزاوجة من دون غرابة. لکن لمّا لم یقل هذا وظهر لدینا الآن عدم الحرمة نستغرب ونتعجّب من توهّم الحرمة ، وإلاّ فحکایة الطعام وحکایة المزاوجة لا یوجد فرق بینهما إلاّ من جهة الشرع ، فلا مانع من أن یکون سبحانه أظهر أنّ الطعام لیس مثل المزاوجة ، لا أنّه أظهر طهارتهم ، إذ قد عرفت فساده.

ووجه التخصیص ، لأنّ أهل المدینة کانوا أهل الکتاب ، أو غیر ذلک من الوجوه التی تعتبر فی مقام منع حجّیة مفهوم الوصف.

وأیضا یمکن أن یکون الفائدة استثناء هذا المعنی من بین الموادّة المنهی عنها علی وجه العموم ، بأنّه وإن استلزم الموادّة فی الجملة إلاّ أنّه لا مانع منه ، لاحتمال حصول الإلف والإنس المؤدّی إلی الإسلام.

ویمکن أن یکون المراد إظهار أنّ أکلکم من طعامهم وأکلهم من

ص: 202

طعامکم لیس فیه من حیث هو هو موادّة ، فلا مانع منه ، إلاّ أن یتحقّق فیه موادّة فیمنع عنه (1) ، لا لأجل أکل الطعام ، فتأمّل.

قوله (2) : لاندراجها فی الطیبات. ( 2 : 297 ).

لم یعلم الاندراج ، لوجوه : الأوّل : عدم العلم بمشروعیة التحصیل والتکسّب لأنّهم لا یتشرّعون بشرع الإسلام.

الثانی : مع احتمال مباشرتهم رطبا ، سیّما علی طریقة المستدل من کون المراد من الطعام المطبوخ أو ما یشمله ، فإنّ الظنّ حاصل بالمباشرة ، وإن کان طاهرا عند الفقهاء ، لعدم الیقین بالنجاسة.

الثالث : کونه ملک الإمام ومن یجاهد معه ، ولذا سمّی الغنیمة [ فیئا ] (3).

الرابع : کونه مورثا للموادّة المنهی عنها.

علی أنّه علی تقدیر الظنّ أو العلم بالاندراج [ لا نسلّم ] (4) کونه بدیهیا حتی لا یحتاج إلی الإعلام. مع أن البدیهی أیضا ربما یتوقّف علی التنبیه ، فتدبّر.

قوله : لا بأس إذا کان. ( 2 : 297 ).

لا دلالة فیها ، لو لم نقل بالإشارة إلی خلاف مرادک.

قوله : إمّا حمل هذه علی التقیّة. ( 2 : 298 ).

ص: 203


1- فی « ب » و « ج » و « د » زیادة : لأجل الموادة.
2- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و».
3- بدل ما بین المعقوفین فی النسخ : فیها ، والظاهر ما أثبتناه.
4- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.

لا یخفی أنّ الإجماع المنقول یرجح الحمل علی التقیة ، سیّما مع کونه بالنحو الذی أشرت ، فإنّه یعیّن الحمل علیها ، سیّما بملاحظة أنّ العامّة شعارهم القول بطهارة هؤلاء. وورد عنهم علیهم السلام أخبار کثیرة فی أنّ الرشد فی ما خالف العامّة ، لا الخبر الذی وافقهم ، وورد منهم الأمر بترک ما وافقهم والأخذ بما خالفهم (1) ، مع أنّه ورد منهم : أن من أسباب اختلاف الأخبار منهم - بل وعمدتها - التقیة (2) ، والاعتبار أیضا شاهد علی ذلک.

وأیضا دیدن الشیعة فی الأعصار والأمصار ترک ما وافق العامّة ، والأخذ بما خالفهم فی المسائل الشرعیة ، حتی أنّهم لو کانوا یرون من حدیث ما یومئ (3) إلی التقیة قالوا : أعطاک من جراب النورة (4).

وأیضا صحیحة إسماعیل بن جابر فیها شهادة واضحة علی التقیة ، لأنه منع عن الأکل بعبارة دالة علی التحریم ، ثم سکت هنیئة ، وهو هیئة من تأمّل فی أنّه ما ذا یصنع ویقول ، ثم منع بالعبارة الدالة علیه ، ثم سکت بالهیئة المذکورة ، ثم منع بالنحو السابق ، ثم قال : لا یقال : إنّه حرام ، ولکن تترکه تنزّها عنه من جهة الخمر والخنزیر فی آنیتهم. وهذا هو المناسب لمذهب العامّة ، وما سبق منه یشهد علی أنّ المقام مقام اضطراب ، فتأمّل.

وأیضا صحیحة علی بن جعفر فیها شهادة واضحة علی التقیة ، لأنّه منع عن الوضوء بعبارة تکون حقیقة فی الحرمة ، ثم استثنی صورة الاضطرار - لیس إلاّ - والضرورات ، هی التی تبیح المحظورات ، ولو کان طاهرا لما فعل کذا قطعا ، والظاهر أنّ الاضطرار هنا من جهة التقیة.

ص: 204


1- انظر الوسائل 27 : 106 أبواب صفات القاضی ب 9 ، والبحار 2 : 219.
2- انظر الوسائل 27 : 106 أبواب صفات القاضی ب 9 ، والبحار 2 : 219.
3- فی « ج » و « د » : یؤدّی.
4- انظر الضعفاء لأبی جعفر العقیلی 2 : 97.

وإطلاق النهی فی صحیحة علی ، لا یکون شاهدا أصلا علی الطهارة ، إذ علی تقدیر أن یکون إطلاق الحرمة غیر صحیح ، غایته أنّ النهی محمول علی طلب الترک لا خصوص الکراهة.

وبالجملة : القرائن والمرجّحات للنجاسة کثیرة ، فمع ذلک کیف یتمسّک بالأصل؟! لأنّه حجّة ومرجّح فی مقام لا یکون دلیل ولا مرجّح أصلا ، إذ لو تشبّث به مطلقا فإنّا لله وإنّا إلیه راجعون علی موت الشرع واستیصال الفقه ، لأنّ الإجماع لا یرضی به ، وبناؤه علی أنّه غیر ثابت ، والآیة الشریفة لا تنفع المقامات إلاّ نادرا غایة الندرة لو کان ، والاستصحاب أیضا لیس بحجّة. بقی الخبر ، وغیر الصحیح منه لیس بحجّة عند الشارح ، وأمّا الصحیح فلا یکاد یتحقّق بدون التعارض مع الآخر أو حجّة أخری ، ومع ذلک یکون الأصل عند الشارح عدم التکلیف ، فلا یبقی علی هذا تکلیف وحکم شرعی!

قوله : والمراد منه ما یعمّ عرقه حال الفعل وبعده. ( 2 : 299 ).

وخصّصه بعض الفقهاء بما هو فی حالة الفعل (1).

قوله : قال : سألت أبا عبد الله. ( 2 : 299 ).

فی استدلاله بهذه تأمّل لا یخفی ، لأنّ الجنابة من الحرام من الأفراد التی لا ینساق الذهن إلیها عند الإطلاق ، مضافا إلی أنّ الأصل فی فعل المسلم الصحة ، فتأمّل.

قوله : احتجّ الشیخ فی التهذیب. ( 2 : 299 ).

حکم عرق الجنب من الحرام

ص: 205


1- حکاه فی جامع المقاصد 1 : 165. وکشف اللثام 1 : 1. ولم نعثر علی قائله.

احتجاجه بهذه الروایة غفلة منه ، وإلاّ فقد روی الکلینی - فی الحمّام - عن الرضا علیه السلام قال : « من أخذ آجرّة (1). » إلی أن قال : « یغتسل فیه الجنب من حرام والزانی والناصب » الحدیث (2). وعن أبی الحسن علیه السلام : « لا تغتسل من غسالته فإنّه یغتسل فیه من الزنا » (3).

وروی محمد بن همام بإسناده إلی إدریس الکفرثوثی أنّه کان یقول بالوقف ، فدخل سرّ من رأی فی عهد أبی الحسن علیه السلام ، وأراد أن یسأله عن الثوب یعرق فیه الجنب ، أیصلّی فیه؟ فبینا هو واقف فی طاق باب لانتظاره علیه السلام إذ حرّکه أبو الحسن علیه السلام بمقرعة وقال : « إن کان من حلال فصلّ فیه ، وإن کان من حرام فلا تصلّ فیه ».

وهذه الروایة مذکورة فی الکتب المعتمدة المصنّفة فی الإمامة وظهور معجزتهم علیهم السلام ، مثل کشف الغمّة وغیره (4) ، ولیس الآن ببالی ، ولها ظهور. والروایتان الأولیان ربما تصلحان لتأییدها وتقویتها. وبمضمونها أفتی الصدوق رحمه الله فی الفقیه (5) ، وجعله المفید احتیاطا (6) ، وبالجملة : لا خفاء فی أنّ مستند الصدوق إنّما هو هذه الروایة.

وأمّا الشیخ رحمه الله فلعلّ مستنده أیضا هذه الروایة ، إلاّ أنّه حین تألیفه التهذیب فی هذا المقام ربما غفل عن نفس المستند ، لکثرة علمه وغزارته

ص: 206


1- فی المصدر : خزفة.
2- الکافی 6 : 503 / 38 ، الوسائل 1 : 219 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 2.
3- الکافی 6 : 498 / 10 ، الوسائل 1 : 219 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 3.
4- إثبات الوصیة : 201 ، الذکری : 14 ، الوسائل 3 : 447 أبواب النجاسات ب 27 ح 12 ، ولم نعثر علیها فی کشف الغمّة.
5- الفقیه 1 : 40 / 153.
6- المقنعة : 71.

ووفور اشتغاله ، فتشبّث بأمر آخر ، وقد اتفق أمثال ذلک منه ، وظهر فی موضع آخر أنّ مستنده لیس ذلک ، بل وأظهر نفس مستنده ، کما لا یخفی علی المتتبع.

منها : ما فعله فی صلاة الجمعة وکون وجوبها تخییریا ، فقد ذکر فی المصباح دلیله وذکر أنّه الدلیل (1) ، فلاحظ وتأمّل.

فإن قلت : المنع من الصلاة فیه من أین ظهر کونه للنجاسة؟

قلت : النجاسات تثبت غالبا بالأمر بالغسل ، ومعلوم أنّه لأجل الصلاة وأمثالها ، مثل أن یقول : اغسل ثوبک منه وصلّ ، أو مطلقا ، وأی عاقل یفرق بین هذا وبین : لا تصلّ فیه؟ ومعلوم أنّه إذا غسله وزوال العرق بالمرّة بالماء فی طریق التطهیر الشرعی أنّه یجوز الصلاة حینئذ ، فتدبّر.

وفی الفقه الرضوی : « وإن عرقت فی ثوبک وأنت جنب وکانت الجنابة من حلال فیجوز الصلاة فیه ، وإن کانت حراما فلا یجوز الصلاة فیه حتی تغتسل » (2).

والصدوق فی أمالیه نسبه إلی عقائد الإمامیة (3) ، فظهر أنّه لم یکن أحد من القدماء قائلا بخلافه ، فإن ثبت الإجماع فهو ، وإلاّ کان ما دلّ علی الحکم ضعفه منجبرا ، لو کان فیه ضعف. مع أنّ الشیخ رحمه الله فی الخلاف ادعی الإجماع (4).

قوله (5) : لصحیحة هشام بن سالم. ( 2 : 300 ).

ص: 207


1- مصباح المتهجد : 324.
2- فقه الرضا علیه السلام : 84.
3- أمالی الصدوق : 516.
4- الخلاف 1 : 483.
5- هذه التعلیقة لیست فی « أ » و « و».

وروی ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه بإسناده إلی أبی عبد الله علیه السلام قال : ونهی علیه السلام عن رکوب الجلاّلات وشرب ألبانها ، فقال : « إن أصابک شی ء من عرقها فاغسله » الحدیث ، رواه فی المطاعم والمشارب (1).

قوله : ومثلها روی حفص. ( 2 : 300 ).

فی روایة حفص هکذا : « لا تشرب ألبان الإبل الجلاّلة ، وإن أصابک من عرقها فاغسله ». فالظاهر أنّها مستند الشیخین. وأمّا صحیحة هشام فربما تحمل علی کون المراد من الجلاّل هو الإبل ، فتأمّل.

قوله : فقال : لا بأس به. ( 2 : 301 ).

ویدلّ علیه أیضا أصالة البراءة واستصحاب الحالة السابقة ، وأصالة طهارة الأشیاء ، ولزوم العسر بل والحرج بالنسبة إلی المکارین وأمثالهم ممّن هو مبتلی بها ، وأنّها لو کانت نجسة لاقتضی ذلک شیوع الحکم بالنجاسة ، وذیوع الاحتراز عنها فی الأعصار والأمصار ، لعموم الوجود ، بل والحاجة أیضا بالنسبة إلی مثل المکاری. بل کثیر من البیوت غیر خالیة من (2) واحد منها ، بل الغالب فی الأسفار الابتلاء ، فلو کانت نجسة لکانت مثل سائر النجاسات تشیع وتذیع نجاستها فی الأعصار والأمصار والقری والدساکر (3) والخانات ، مع أنّ الأمر بالعکس فی مقام العمل بالنسبة إلی المسلمین ، وفی مقام الفتوی بالنسبة إلی المعظم والجلّ ، بل الظاهر عدم مخالف سوی ابن الجنید (4) الذی خالف القوم کثیرا ، وخرج عمّا هم علیه

حکم عرق الإبل الجلالة
طهارة أبوال البغال والحمیر والدواب

ص: 208


1- الفقیه 3 : 214 / 991 ، الوسائل 24 : 165 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 27 ح 6.
2- فی « و» زیادة : غیر.
3- الدسکرة : بناء علی هیئة القصر فیه منازل وبیوت للخدم والحشم ، النهایة لابن الأثیر 2 : 117 ، مجمع البحرین 3 : 302.
4- انظر المعتبر 1 : 413.

مکررا ، بل وفی ما هو ضروری مذهبهم أیضا. وأمّا الشیخ فقد رجع عنه (1).

وممّا یدل علیه أیضا ما رواه الشیخ - فی القوی بقاسم بن عروة - عن زرارة عن أحدهما علیهماالسلام فی أبوال الدوابّ تصیب الثوب : فکرهه ، فقلت : ألیس لحومها حلالا؟ قال : « بلی ، ولکن لیس ممّا جعله الله للأکل » (2) إذ الدلالة علی القول بثبوت الحقیقة الشرعیة فی أمثال هذه العبارات أیضا بالنسبة إلی زمان الصادقین علیهماالسلام ومن بعدهما واضحة.

ولو قلنا بعدم الثبوت فغیر خفی أنّ الظاهر منها الکراهة ، إذ النجاسة لا یعبّر عنها بهذه العبارة الرخوة التی لا دلالة فیها علی النجاسة ، فکیف یکتفی بها عنها؟! وذلک ظاهر.

ویمکن الاستدلال للطهارة بجمیع الأخبار الدالة علی طهارة الروث ، لعدم القائل بالفصل ، فیکون الأمر بغسل البول محمولا علی الاستحباب. وعلی تقدیر الإغماض عن حجّیته فلا شکّ فی کونه من جملة المؤیّدات للطهارة والمرجّحات لدلیلها والجابرات لضعف السند.

وممّا یرجّح : کون هذه الروایات مخالفة لمذهب العامّة جمیعا ، بخلاف ما دل علی النجاسة ، فإنّها تحمل علی التقیة ، لموافقتها لمذهب بعض العامّة (3) ، ولعلّه المذهب الشائع فی وقت صدور الأخبار فی البلد الذی صدر عنه الخبر ، أو بلد الراوی ، فإنّ ذلک هو المعتبر فی الحمل علی

ص: 209


1- انظر التهذیب 1 : 422 ، والاستبصار 1 : 179 ، والمبسوط 1 : 36.
2- الکافی 3 : 57 / 4 ، التهذیب 1 : 264 / 772 ، الوسائل 3 : 408 أبواب النجاسات ب 9 ح 7.
3- انظر بدایة المجتهد 1 : 80 ، والمجموع 2 : 548.

التقیة. ویقرّب الحمل علی التقیة أنّ من العامّة من یقول بحرمة لحوم هذه الحیوانات (1) ، فتأمّل.

وممّا یعضد هذه الأخبار عموم حسنة زرارة.

( ویدلّ علی الطهارة دلالة واضحة موثقة ابن بکیر الآتیة فی کتاب الصلاة فی بحث لباس المصلی (2) ، فلاحظ الموثّقة من أوّلها إلی آخرها.

و [ تتمّة ] (3) الروایة لم یذکرها فی المدارک ) (4).

قوله : وأجیب عن الروایتین. ( 2 : 302 ).

لا یخفی أنّ الشهرة العظیمة التی کادت أن تکون اتفاق الکل - علی ما أشرنا إلیه فی الحاشیة السابقة - تجبر ضعفها ، بل ربما کانت أقوی من بعض التوثیقات ، بل ومن کثیر منها ، کما لا یخفی علی المطّلع علی الرجال ، فإنّ المدار فیها علی الظنون ، وترجیحاتها علی الظنون الضعیفة ، وبسطنا الکلام فی الرجال ( من أراد الاطّلاع فلیرجع إلی تعلیقتنا علی رجال ) المیرزا محمّد رحمه الله (5) ) (6). مع أنّ الحکم بن مسکین قوی ، بل ربما حکموا بصحة حدیثه. وإسحاق بن عمّار قد بسطنا الکلام فیه فی الرجال (7).

أدلّة القائلین بعدم النجاسة
بحث رجالی حول الحکم بن مسکین

ص: 210


1- انظر بدایة المجتهد 1 : 469 ، والمغنی 11 : 66.
2- المدارک 3 : 162 ، الکافی 3 : 397 / 1 ، التهذیب 2 : 209 / 818 ، الوسائل 3 : 408 أبواب النجاسات ب 9 ح 6.
3- بدل ما بین المعقوفین فی النسخ : یعمّه ، والظاهر ما أثبتناه.
4- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و».
5- انظر تعلیقات الوحید ( منهج المقال ) : 4.
6- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
7- انظر تعلیقات الوحید ( منهج المقال ) : 52 ، 122.

وأمّا روایة أبی الأغر ، فقد رواها الصدوق فی الفقیه (1) ، مع أنّه قال فی أوّل الفقیه ما قال ، ورواه الکلینی أیضا (2) ، مع أنّه قال فی أوّل کتابه ما قال. وأبو الأغر یروی عنه صفوان وابن أبی عمیر ، وهما ممّن قال الشیخ : إنّهما لا یرویان إلاّ عن الثقات (3) ، مع أنّهما ممّن أجمعت العصابة ، هذا ، مضافا إلی ما ذکرت فی الحاشیة السابقة ، فإنّه یعیّن العمل بهذین الحدیثین.

قوله : وهو لا یصلح معارضا. ( 2 : 302 ).

عدم الصلاحیة إنّما یکون إذا لم یکن یوافقه أخبار خاصّة أخر ، سیّما مع انضمام تلک الأخبار بما مرّ.

قوله : بمقتضی الأصل السالم. ( 2 : 303 ).

ویدلّ علی طهارة الروث ما ورد من المنع عن الاستنجاء بالروث (4) ، فإنّه کالصریح فی الطهارة.

قوله : ولم نقف له فی ذلک علی مستند ( 2 : 304 ).

بل إطلاقات الأخبار وصریح بعضها حجّة علیه.

قوله : واستدلوا علی ذلک. ( 2 : 305 ).

وادعی ابن إدریس الإجماع (5).

قوله : « جنّبوا مساجدکم ». ( 2 : 305 ).

بحث رجالی فی أبی الأغر النخاس
طهارة أرواث البغال والحمیر والدواب

أحکام النجاسات

وجوب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن للصلاة ونحوها
وجوب إزالة النجاسة عن المساجد

ص: 211


1- الفقیه 1 : 41 / 164.
2- الکافی 3 : 58 / 10.
3- عدّة الأصول 1 : 386.
4- الفقیه 4 : 3 / 1 ، الوسائل 1 : 358 أبواب أحکام الخلوة ب 35 ح 5.
5- السرائر 1 : 163.

ویؤیّده الأمر بتعاهد النعل (1) ، ومنع الکفّار عن دخوله فی الأعصار والأمصار ، والأمر بتعظیم شعائر الله ، والمنع عن تمکین الصبیان والمجانین (2) ، والنهی عن دخولها إلاّ طاهرا (3) ، وعن البصاق فیها (4) ، والأمر بجعل المطاهر علی أبوابها (5). وأمّا حرمة تنجیسها فإجماعی ، بل ربما کان بدیهی الدین.

قوله (6) : ویتوجه علی الأوّل. ( 2 : 305 ).

فیه ما عرفت.

قوله : یحتاج إلی الدلیل. ( 2 : 305 ).

الدلیل هو عدم القول بالفصل ، إلاّ أن یقال : الإجماع واقع علی منع الکفّار مطلقا ، مع الخلاف فی أنّ الحرام هو إدخال المسری أو مطلقا ، ومع هذا لا یتأتّی التمسّک بعدم القائل بالفصل ، فتأمّل. ولکن تفریع عدم قربهم للمسجد علی النجاسة دلیل علی أنّ نجاستهم من حیث هی هی مانعة ، فهذا من باب منصوص العلّة ، لأنّ المعنی : أنّهم لا یقربوا المسجد الحرام لأنّهم نجسون ، فتأمّل.

قوله : وعدم الظفر بالقائل. ( 2 : 305 ).

لو تمّ ما ذکره هنا امتنع استناده بعدم القول بالفرق فی المواضع التی استند فیها ، وقد مرّ کثیرا ، وسیجی ء أیضا ، وما نحن فیه لیس بأدون من تلک

ص: 212


1- التهذیب 3 : 255 / 709 ، الوسائل 5 : 229 أبواب أحکام المساجد ب 24 ح 1.
2- الوسائل 5 : 233 أبواب أحکام المساجد ب 27.
3- التهذیب 3 : 263 / 743 ، الوسائل 1 : 380 أبواب الوضوء ب 10 ح 1.
4- الوسائل 5 : 221 أبواب أحکام المساجد ب 19 ، 20.
5- التهذیب 3 : 254 / 702 ، الوسائل 5 : 231 أبواب أحکام المساجد ب 25 ح 3.
6- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».

المواضع ، کما لا یخفی علی المتأمّل.

قوله : فیحصل به الامتثال. ( 2 : 305 ).

هذا ربما کان بعیدا ، نعم بعد ملاحظة المعارض یقرب هذا الاحتمال ، ویحتمل أن یراد من المساجد موضع الجبهة فی السجود.

قوله : ما نقله الشیخ فی الخلاف من الإجماع. ( 2 : 306 ).

بل ما دل علی جواز الجنب أیضا ، وعدم حرمة تمکین المجانین والصبیان ، والإجماع الذی نقله الشهید علی جواز دخول الحیّض من النساء ، وکذا الصبیان (1) ، والأخبار الدالّة علی جواز اجتیازهنّ والجنب (2).

ویؤیّده أیضا ، العمومات الدالّة علی الحثّ والتحریض علی الصلاة فی المساجد ، وخلف الإمام جماعة ، الشاملة لمن به القروح والجروح الدامیة وأمثاله. وکذا عدم استثناء هؤلاء فی من استثنی من وجوب الحضور إلی صلاة الجمعة ، مثل المریض والأعرج والمرأة وغیرهم ، مع أنّ المعهود والمتعارف وقوع صلاة الجمعة فی المساجد ، بل کان المتعین فی مکّة والمدینة والکوفة صلاة الجمعة فی مساجدها المعهودة ، وکذا الحال فی صلاة العیدین فی مکة المشرّفة.

وبالجملة : لو کان إدخال مطلق النجاسة حراما لتوجه الشارع إلی حال من به القروح والجروح وأمثاله فی صلاة الجمعة والعیدین ، بل والجماعة أیضا ، بأن یصدر منه استثناء هؤلاء ، أو یأمر بأن تقع الصلاة خارج المسجد ، کی یتأتّی لأمثال هؤلاء الحضور ، ولو فعل أحد الأمرین لاشتهر فی الأعصار والأمصار ، مع أنّ المشهور بین المسلمین خلاف ذلک. مضافا

حکم إدخال النجاسة الغیر المتعدیة إلی المسجد أو فرشه

ص: 213


1- الذکری : 157.
2- الوسائل 2 : 205 أبواب الجنابة ب 15.

إلی الأخبار الحاصرة للاستثناء فی الجماعة المذکورین فیها (1) ، وکذلک فتاوی الفقهاء.

إلاّ أن یقال باستثناء هؤلاء فی إدخال النجاسة ، بأنّ هؤلاء لا یحرم علیهم الدخول ، أو یقال بأنّ حرمة دخولهم المساجد کانت فی الظهور بحیث لم یتحقّق الاحتیاج إلی التعرض للاستثناء ، وإنّ استثناءهم کان بحیث لم یحتج إلی مراعاة حالهم ، بأنّ یفعل الجماعة والصلاة خارجا عن المسجد ، لکنّه بعید ، فتأمّل.

قوله : وفیه توقّف. ( 2 : 306 ).

الأمر کما ذکروه ، بالنظر إلی الظاهر من الإجماع وغیره من الأدلة ، وقد أشیر إلیه ، بل التوقّف إن کان لعموم الخطاب - کما هو الظاهر من کلامه - فلم نجد له وجها ، لعموم « جنّبوا » ، والأصحاب عملوا به ، وبناؤهم علی العمل به. وکون من أدخلها یتعین علیه الإخراج لا یمنع وجوب الکفایة.

قوله : لا امتناع فی أن یقول الشارع. ( 2 : 307 ).

لقائل أن یقول : فرق بین التصریح والإطلاق ، إذ لعلّه عند الإطلاق یظهر من حال الآمر أنّه کاره للضد والمانع - کما سیذکر وإن کان یجیب عنه - هذا بخلاف التصریح ، فإنّه لا مجال للقول بالکراهة. نعم لمّا کان یظهر من کلام القائل وأدلته أنّه یدّعی استحالة عدم النهی عن الضدّ یتوجه علیه ما ذکره رحمه الله .

وممّا یشیر إلی بطلان رأیهم أنّه لو کان الأمر کما یقولون لزم بطلان

تحقیق فی أنّ الأمر بالشیء هل یقتضی النهی عن ضدّه أو لا؟

ص: 214


1- الوسائل 7 : 295 أبواب صلاة الجمعة ب 1.

صلاة عامّة الناس ، وعدم جوازها إلاّ فی آخر الوقت بمقدار أدائها ، وکذا الحال فی أمثال الصلاة ، إذ لا یکاد یتحقّق من لا یکون علیه واجب مضیّق ، مثل معرفة أصول الدین بالدلیل ، وفروعه ممّا یتعلق بالتکالیف التی یجب علیه امتثالها بالأخذ عن المجتهد ، والتوبة بأداء حقوق الناس وإرضائهم ، وطلب العفو والحلّیة ، وغیر ذلک. ویلزم أیضا عدم جواز القصر فی الصوم والصلاة إلاّ لأوحدیّ الناس ، وأمثال ما ذکر. وکل ذلک خلاف المستفاد من الآیات والأخبار ، وطریقة المسلمین فی الأعصار والأمصار ، فتأمّل.

قوله : کما فی الضدّ العام. ( 2 : 307 ).

لقائل أن یقول : إنّ قصد الجزء متحقّق فی ضمن قصد الجمیع ، أو المجموع ، غایة الأمر أنّه لیس علی حدّة ، بل عدم تجویز الترک إنّما هو فصل ومقوّم لا یکون له وجود مغایر ولا امتیاز ، بل وجوده عین وجود الکل ، کما هو الحال فی الأجزاء العقلیة ، فإنّ الکل موجود واحد بسیط ، إنّما الأجزاء فی ظرف تحلیل العقل ، وإلاّ حین ما یسمع اللفظ لا یخطر فی الذهن إلاّ صورة واحدة بسیطة ، فقصد الجزء عین قصد الکل ، فتأمّل.

قوله : ومع امتناع ذلک الواجب. ( 2 : 308 ).

لا یخفی أنّ وجود الصارف وانتفاء الداعی إنما هما من أفعاله الاختیاریة ، وهو قادر علی إزالة الصارف وإیجاد الداعی ، ویجب علیه أن یجعل المقدّمة وسیلة إلی المطلوب ، بل کل واحد من إزالة الصارف وإیجاد الداعی أیضا من مقدّمات الواجب المطلق ومقدور المکلف ، فیجب ، ویجب التوصّل بکل واحد منهما إلی ذی المقدّمة من دون فرق بین المقدّمات ، مع أنّ القائل بوجوب المقدّمة یقول بوجوبها مطلقا من غیر قید ، فکذا دلیله یقتضی الوجوب کذلک. فتأمّل.

ص: 215

قوله : من باب المقدّمة. ( 2 : 308 ).

أی السبب ، فی ما ذکره رحمه الله رجوع عن القول بوجوب ما لا یتمّ الواجب إلاّ به إلی القول بوجوب خصوص السبب منها ، والمشهور من المنکرین عدم إنکار هذا ، فهو رجوع إلی قول المنکرین ، فتأمّل.

قوله (1) : یمکن اختیار الشق الثانی. ( 2 : 308 ).

الأولی اختیار الشقّ الأوّل ، ومنع استحالة التکلیف بالضدّین إذا کان التکلیف بأحدهما موسّعا ، إذ محلّ النزاع لیس إلاّ هذا ، فکما لا یستحیل التکلیف بالضدّین إذا کان التکلیف بأحدهما موسّعا إجماعا فکذا فی ما نحن فیه.

قوله : ولا إعادة علیک. ( 2 : 313 ).

فی الکافی : « لا إعادة علیک ما لم یزد علی مقدار الدرهم ، وما کان أقلّ من ذلک فلیس بشی ء » الحدیث (2). وهو الصواب.

قوله : لاعتضاد الثانی. ( 2 : 313 ).

لکن یعضد الأوّل العمومات.

قوله : وأمّا الأوّل فلما أشرنا. ( 2 : 313 ).

لا یخفی أنّ الأمر وإن کان کما یقول من أنّ الظاهر أنّ ابن مسلم لا یروی عن غیر المعصوم ، لکن الظاهر لا یقاوم النص. وأیضا روایة ابن مسلم حسنة فلا تقاوم الصحیح.

وأیضا ، مقتضاها العموم سیّما وقدر الدرهم من أفراده النادرة غایة الندرة ، فلا یکون داخلا فیه ، فتأمّل ، والعموم لا یعارض الخصوص

العفو عما دون الدرهم من الدم فی الصلاة

ص: 216


1- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».
2- الکافی 3 : 59 / 3 ، الوسائل 3 : 431 أبواب النجاسات ب 20 ح 6.

والمنصوص ، حیث صرّح فی صحیحة ابن أبی یعفور بالغسل وإعادة الصلاة إن کان قدر الدرهم ، وأیضا صحیحة ابن أبی یعفور معتضدة بالعمومات وبروایة جمیل التی هی أیضا صریحة ، بخلاف روایة إسماعیل فإنّه لا دلالة فیها أصلا ، فضلا عن الصراحة ، لأنّ الظاهر منها عدم تحقّق مقدار الدرهم بحسب التعارف ، وهو کذلک ، إذ وقوع الدم بحیث لا یزید عن قدر الدرهم أصلا ولا ینقص ، من الفروض النادرة جدّا ، وکذا الحال فی ضرب الدرهم وتحقّق السعة منه ، فما فی بعض الأخبار من لفظ الدرهم وقدره فإنّما هو بحسب التخمین ، وما فی البعض الآخر من التعرض لخصوص الأقل أو الأکثر فإنّما هو بالنظر إلی التحقّق بحسب الواقع ونفس الأمر.

ویحتمل أن یکون الأوقات کانت مختلفة فی تحقّق السعة فی الضرب ، کما هو المشاهد فی أمثال زماننا ، ولهذا اختلفت الأخبار ، بأن کان فی بعض الأوقات لم یتحقّق انضباط غالب ، فحکموا بالأقل والأکثر فقط ، وفی بعض الأوقات کان یتحقّق ، أما بسعة زائدة فحکموا بوجوب الغسل والإعادة ، أو بسعة ناقصة فحکموا بوجوب غسل ما زاد والإعادة منه.

ویمکن أن یکون الدرهم فی ما دل علی وجوب إزالته هو الوافی ، وما دل علی عدم الإزالة هو الدرهم المتداول فی زمانهم علیهم السلام ، أعنی غیر الوافی علی ما سنشیر ، فتأمّل.

قوله : وذکر الصدوق. ( 2 : 314 ).

ما ذکره الصدوق والمفید إنّما أخذاه من الفقه الرضوی (1).

ص: 217


1- فقه الرضا علیه السلام : 95 ، المستدرک 2 : 565 أبواب النجاسات ب 15 ح 1.

قوله : وهو متقدّم علی زمن الصادق علیه السلام . ( 2 : 315 ).

لا یخفی أنّ العامّة أیضا رووا عن النبی صلی الله علیه و آله هذا الحکم ، وأنّه لو کان أقل فلا بأس ، وإذا کان درهما أو أکثر یجب غسله (1) ، فلعلّ هذا کان مشهورا معروفا منه ، فلذا قال الصادق علیه السلام أیضا کذلک ، مع أنّه غیر معلوم هذا الذی ذکره. والظاهر أنّ الدرهم الوافی کان له منشأ ، کما ذکرنا ، فلیحمل علیه.

قوله : باستثناء دم الحیض. ( 2 : 315 ).

وفی الفقه الرضوی أیضا أنّه قال علیه السلام : « إلاّ أن یکون دم الحیض فاغسل ثوبک منه ، ومن البول والمنی قلّ أو کثر » (2).

قوله : من دم لم تبصره. ( 2 : 316 ).

لعل المراد من : لم یبصر ، أنّه لم یبصر من جهة القلّة ، بشهادة قوله علیه السلام : « فإن قلیله وکثیره. » ولأنّ الجهل لا خصوصیة له بالدم ، فتأمّل ، ولأنّ أحدا من الأصحاب لم یقل بأنّ الجهل فی دم الحیض یوجب إعادة الصلاة ، وفی غیره من الدماء لا إعادة فیه ، فهذا الحدیث مع ما نقلناه من الفقه الرضوی وما سنذکره أیضا دلیل ، مضافا إلی عدم عموم لغوی فی الدم الذی عفی عن أقل الدرهم منه.

وما ورد فی عدّة أخبار من أنّ الحائض تصلّی فی ثیابها ما لم یصبها دمها (3) ، وما ورد فی الأخبار من الأمر بالصبغ بمشق إذا بقی أثره (4) ، ربما

عدم العفو عن الدماء الثلاثة فی الصلاة

ص: 218


1- سنن الدار قطنی 1 : 401 ح 1 و 2.
2- فقه الرضا علیه السلام : 95 ، المستدرک 2 : 566 أبواب النجاسات ب 16 ح 1.
3- الوسائل 3 : 449 أبواب النجاسات ب 28.
4- الوسائل 2 : 369 أبواب الحیض ب 52.

یکون فیه تأیید ، فتأمّل.

قوله : وهی مع ضعف سندها ( 2 : 316 ).

الضعف منجبر بعمل الأصحاب ، وکذا الوقف ، فإنّ الظاهر أنّه ما رواه إلاّ عن المعصوم علیه السلام ، فتأمّل ، مع أنّه ورد فی بعض النسخ زیادة قول : عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام قالا. الحدیث (1).

قوله : وألحق به الشیخ رحمه الله دم الاستحاضة. ( 2 : 316 ).

یمکن الاستدلال علی إثباته بما مرّ فی مبحث الاستحاضة من دعوی الإجماع علی وجوب تغییر القطنة والخرقة إذا وصل الدم إلیها (2) ، والأخبار المستفیضة الدالة علی ذلک (3).

ومنه یظهر وجوب غسل دم الحیض والنفاس بطریق أولی ، مع أنّه مرّ فی مبحث النفاس ما یشیر إلی اتحاد حکم النفاس مع الحیض ، بل وکونه حیضا فی المعنی (4).

قوله : یجری مجری النطق به. ( 2 : 316 ).

فیه تأمل ، لأنّ مع النطق لا یمکن التخصیص والبناء علی عدم الشمول ، وهو رحمه الله ربما یقول بعدم شمول العام للأفراد النادرة ، مع أنّ ملاحظة ما دل علی أنّ الدم المعفوّ إذا لاقاه نجاسة خارجة لم یکن معفوّا عنه ربما یمنعنا عن الحکم بدخول هذا الدم فی العموم المقتضی للعفو ، بل جعله مثل دم الحیض والاستحاضة والنفاس أیضا محل نظر ، لما عرفت ،

ص: 219


1- انظر التهذیب 1 : 257 / 745.
2- انظر المدارک 2 : 30.
3- راجع ص 12 - 17.
4- راجع ص 29 - 31.

ولعدم کونها مثل دم نجس العین فی الشذوذ والندرة وعدم انصراف الذهن إلیه ، فتأمّل.

قوله : واسمها ضمیر یعود إلی نقط الدم. ( 2 : 319 ).

الظاهر من الحدیث هو هذا الاحتمال ، لأنّ ضمیر « یکون » راجع إلی نقط (1) الدم ، فیکون « مجتمعا » علی هذا حالا مقدّرة ، لأن هذا هو الظاهر ، لأنّ النقط المتفرّقة لا تکون مجتمعة إلاّ علی التقدیر ، فالحدیث حجّة علی المحقّق لا له.

نعم روایة جمیل المتقدّمة ربما کانت ظاهرة فی ما ذکره ، فتأمّل ، لکنها لا تقاوم الصحیحة سندا ولا دلالة ، ولا بحسب المؤیّدات الخارجیة ، مثل العمومات الدالة علی وجوب طهارة الثوب ، والإطلاقات فی الدم الذی یجب إزالته ، وإطلاق قدر الدرهم ، والاستقراء الذی ذکره.

قوله : ممّا لا یدل علیه اللفظ. ( 2 : 319 ).

قد عرفت وجه الدلالة ، وأنّ هذا هو الظاهر.

قوله : مختصّا بما قدّر فیه. ( 2 : 319 ).

لا یخفی أنّ السؤال لم یکن إلاّ عن حال النقط المتفرّقة ، فالجواب إنّما هو جواب عمّا سئل ، مع أنّه یظهر حال ما حقّق بطریق أولی ، فتأمّل ، ویظهر من الروایة وجوب الإعادة فی صورة النسیان ، وسیجی ء الکلام فیه (2).

قوله : لا یتفاوت الحال. ( 2 : 319 ).

الظاهر أنّ نظره فی هذا إلی الاستقراء ، فتأمّل.

حکم الدم المتفرق الذی یبلغ مجموعه الدرهم

ص: 220


1- فی « ا » : لفظ.
2- یأتی فی ص 242 - 243.

قوله : معلوم ممّا قرّرناه. ( 2 : 320 ).

قد ظهر لک حال ما قرّره!

قوله : یتوقّف علی الدلالة. ( 2 : 320 ).

یکفی للدلالة عدم عدّ أحد من الأمة هذا من خصائصه صلی الله علیه و آله ، مع أنّ الاشتراک لعلّه الأصل ، إلاّ أن یظهر الاختصاص ، کما یظهر من المعاملة بالنسبة إلی سائر ما کلّف به ، مع أنّ الدلیل غیر منحصر فی ما ذکر ، لأن الإطلاق والعموم موجود.

قوله : بأنّه مصادرة. ( 2 : 320 ).

قد عرفت أنّ نظره إلی الاستقراء لا أنّه مجرّد المصادرة ، ولا یخفی أنّه لم یقل : إنّ ما نحن فیه لیس فیه تفاوت أصلا ، حتی یکون مصادرة ، بل قال : إنّ القاعدة الظاهرة من تضاعیف مباحث النجاسات یقتضی ذلک ، فتأمّل جدّا.

قوله : لما أشرنا إلیه سابقا. ( 2 : 322 ).

فیه : أنّ استثناء مثل التکّة والقلنسوة والکمرة (1) والنعل والخفّ والجورب وما أشبه ذلک - ممّا لا یتمّ فیه الصلاة منفردا ، من حیث إنّه لا یتم الصلاة فیه منفردا کما هو المستفاد من الأخبار وکلام الأصحاب - دلیل علی عموم المنع وشموله لغیر الثوب عند الأصحاب ، موافقا لمدلولات الأخبار ، فلا یضرّ ضعف الاسناد ، للانجبار بعملهم وفاقا منهم فی العمل ، علی أنّا قد أثبتنا مشروحا فی موضعه أنّ روایة الموثق حجّة ، سیّما وأن یکون مثل علی بن أسباط ، وروایة حماد فیها صفوان أیضا ، وهما ممّن أجمعت

جواز الصلاة فیما لا تتم الصلاة فیه مع نجاسته

ص: 221


1- الکمرة : الحافظ ، وفی بعض کلام اللغویین : کیس یأخذها صاحب السلس ، مجمع البحرین 3 : 477.

العصابة علی تصحیح ما یصح عنهم وبیّنا حجّیة ما یصح عنهم ، مع أنّ صفوان ممّن لا یروی إلاّ عن الثقات ، وقد أشرنا إلی ذلک وإلی اعتبار ذلک.

وقوله علیه السلام فی روایة زرارة : « فلا بأس أن یکون علیه الشی ء ».

وفی روایة ابن سنان : « کلّما کان علی الإنسان أو معه » ظاهران فی التعمیم والمشول. وعبارة الصدوق أیضا کالنص فی الشمول وعدم الاختصاص بالثوب ، واستثناؤه العمامة معلّلا بعدم تمامیة الصلاة فیها وحده أیضا شاهد علی ما ذکرنا ، فلعل مراده العامة الصغیرة ، إذ العمامة الکبیرة یصدق علیها عرفا أنّه یجوز الصلاة فیه وحده ویتم.

مع أنّ المحمدین الثلاث رحمهم الله رووا فی الصحیح عن العیص بن القاسم عن الصادق علیه السلام : « الرجل یصلّی فی ثوب المرأة ویعتمّ بخمارها إذا کانت مأمونة » (1) ، والظاهر منها المنع لو علم بنجاسته ، فتأمّل.

قوله (2) : لا یصدق علیها اسم الثوب. ( 2 : 322 ).

إذا تعمم بثوب یصدق علیه أنّه ثوب یعمّم به ، فتأمّل.

قوله : لو جبره بعظم میّت. ( 2 : 324 ).

لعل مراده غیر ما لا یؤکل لحمه ، للمنع من الصلاة فی شی ء یکون ممّا لا یؤکل لحمه وإن کان طاهرا ، إلاّ أن یقول : لا یصدق أنّه صلّی فیه ، لکن سیجی ء الکلام فی موضعه إن شاء الله.

قوله : تعیین القول بالمنع. ( 2 : 324 ).

لعل مراده خصوص المنع عن الجبر ، لا حکایة الصلاة فیه ، لأنّ الأمر

حکم من جبر عظمه بعظم نجس

ص: 222


1- الکافی 3 : 402 / 19 ، الفقیه 1 : 166 / 781 ، التهذیب 2 : 364 / 1511 ، الوسائل 4 : 447 أبواب لباس المصلّی ب 49 ح 1.
2- هذه الحاشیة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».

بالشی ء لیس نهیا عن ضدّه عنده ، فتأمّل.

قوله : وإن کان فی تعیینه نظر. ( 2 : 324 ).

لا تأمّل فی وجوب الإخراج ، کما لا یخفی علی المتأمّل فی الأخبار والأدلة الدالة علی المنع والتحریم ، إلاّ أن یرید ذلک بالقیاس إلی صحة الصلاة فیه ، فتأمّل.

قوله : ولا ریب فیه. ( 2 : 326 ).

فیه : أنّ بناءه علی أنّ الغسل مفهومه خال عن العصر ، کما هو الأظهر ، فبعد تحقّق الغسل یلزم علیه الحکم بالطهارة ، لأنّ المطهّر شرعا إنّما هو الغسل ، ومفروض الکلام أیضا ذلک ، فعدم تحقّق العصر الذی لیس داخلا فی الغسل أیّ ضرر فیه؟

فإن قلت : العصر وإن لم یکن داخلا فیه إلاّ أنّه ربما یتوقّف علیه ، لأنّه لیس إلاّ إخراج النجاسة أو الشی ء من الثوب مثلا بالماء ، وربما لا یخرج بالماء إلاّ بمعونة العصر ، کالصابون ، فإنّ استعماله خارج قطعا ، لکن ربما یتوقّف الإخراج بالماء علیه ، بل ربما یتوقّف علی أمر آخر فی القیر وأمثاله.

قلت : ما ذکرت حق ، إلاّ أنّه معلوم أنّ الغسالة نجسة عند المستدلّین إذا وقع الغسل فی القلیل ، فیکون حالها حال عین النجاسة ، والنجس أعمّ من نجس العین والمتنجّس ، والظاهر أنّ المراد إذا وقع الغسل بالقلیل ، علی ما یشیر إلیه الدلیل الثانی والدلیل الثالث.

( ویشهد علی ما ذکرناه - من أنّ المراد الغسل بالقلیل - ملاحظة کلام المحقّق فی ما مضی فی صدر الکتاب من الحکم بانفعال غسالة الجنب

وجوب عصر الثیاب من النجاسات

ص: 223

مطلقا ، وکذا فی ما سیجی ء (1) ، فلاحظ ) (2).

فعلی هذا نقول : إن وضعنا الثوب المتلطّخ بالعذرة مثلا فی القلیل ، وترکناه فیه إلی أنّ انماث (3) العذرة فیه ، فصار الماء متغیّرا بلون العذرة أو رائحته ، ولم یبق فی الثوب أجزاء العذرة أصلا ، أو یبقی أجزاء فی غایة اللطافة والرقّة ممزوجة من الماء ، فأخرجنا الثوب من الماء ونشرناه علی الشمس أو الریح ، فأزالت الشمس فقط ، أو بانضمام تصفیق الریاح جمیع الماء المتغیّر بحیث لم یبق تغیّر فی الثوب ، أو بقی لکن العبرة بإزالة العین لا اللون والرائحة ، والعین أزیلت من الثوب قطعا ، لعدم بقاء شی ء منها أصلا ، وهذا الفرض کثیر الوقوع ، کما لا یخفی علی المطلع ، فعلی هذا وقع الإزالة بالماء بمعونة الشمس والتصفیق ، ولا شکّ فی عدم تحقّق الغسل والطهارة شرعا.

بخلاف ما لو وقع العصر موضع تجفیف الشمس والتصفیق ، بأنّ عصر الثوب بالماء بحیث لم یبق فیه من العین أثر ولا من الماء المتغیّر ، واکتفی بالمرّة المزیلة للعین ، فإنّه یحکم بالغسل والطهارة ، إلاّ أن یکون الاکتفاء بالمرّة عند القائل به فی صورة عدم تغیّر الغسالة ، وفی صورة التغیّر یکون حکمها حکم عین النجاسة ، فلا بدّ من غسل الثوب مرّة ثانیة.

فلو وضعنا فی الماء القلیل فلا شکّ فی أنّه ینجس عند المستدل ، فالحکم بطهارة الثوب ونجاسة الماء الذی یکون الثوب منغمرا فیه ممّا لا یجتمع عنده ، مع أنّه لا معنی للطهارة إلاّ جواز الصلاة مثلا ، ولا یجوز

ص: 224


1- انظر المدارک 1 : 120 ، و 2 : 377.
2- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».
3- انماث ، أی : ذاب ، مجمع البحرین 2 : 265.

الصلاة حینئذ البتّة.

فإن وقع العصر وإخراج النجاسة به تحقّق الغسل عرفا وشرعا ، وإن لم یقع العصر واخرج الثوب من دون عصر ونشر فی الشمس أو فی الریح أو ترک حتی یجفّ ، فمقتضی ما ذکر أنّه إلی حین الجفاف کان نجسا البتّة ، والشمس وغیرها لیست بمطهرة له ، لعدم معلومیة إسناد إزالة النجاسة حینئذ إلی الغسل وإخراج الماء إیّاها عن الثوب ، لو لم نقل بظهور إسناد الإخراج إلی الشمس أو غیرها.

وبالجملة : القدر الثابت أنّ الغسل هو إخراج الماء شیئا علی أن یکون المخرج لذلک الشی ء هو الماء ، وإن کان بمعونة شی ء ، لا أن یکون المخرج شی ء آخر بمعونة الماء ، ویکون نسبة الإخراج إلیه حقیقة ، أو لا یکون الإسناد حقیقة إلی شی ء منهما ، بل إلی المجموع ، أو لا یعلم الإسناد.

وأیضا لو لم یعلم أنّه هل حصل طهارة الثوب مع نجاسة ما یلاقیه من الغسالة وینغمر فیها أم لا کیف یمکن إسناد الإزالة والطهارة بمجرّد الملاقاة للثوب إلی الماء؟! مع أن الأصل بقاء النجاسة إلی أن یثبت المطهّر الشرعی ، فبمجرّد النشر فی الشمس ومثلها والجفاف منهما کیف یمکن الحکم بحصول الطهارة بالغسل؟! مع کون الثوب إلی الآن نجسا ، أو لم یعلم طهارته إلی الآن ، مع أنّه لا عموم یشمل صورة التجفیف بالشمس ، والإطلاق منصرف إلی المتعارف ، وهو حصول العصر وإخراج النجاسة به ، لا بمثل التجفیف والتصفیق وغیرهما ، فتأمّل.

قوله : فلأنّا لا نسلّم. ( 2 : 326 ).

لا یخفی أنّ الفقهاء یحکمون بوجوب الصبّ فی بول الصبی

ص: 225

لا الغسل ، مع حکمهم بوجوب إخراج عین النجاسة عن الثوب وإن کان بول الصبی ، فإذا کان الصبّ المخرج للعین صبّا لا غسلا ولا یکون إخراج عین النجاسة فارقا بل مشترکا بینهما فلا یبقی فرق آخر إلاّ العصر المتحقّق بالغمز واللیّ والکبس ، وسیجی ء ما یتمّ به الکلام ، فتأمّل. وسیجی ء فی بحث الصبّ فی بول الصبی ما یظهر منه کون ذلک مسلّما عند العامة أیضا (1) ، فتأمّل.

قوله : بما تحصل به الإزالة. ( 2 : 326 ).

فیه بعد ، إذ الظاهر کون الإزالة بالإخراج عن الثوب حین الغسل ، لا الإبقاء حتی یخرج بمجرّد الیبوسة ، کما ذکرناه فی الحاشیة السابقة ، فتأمّل.

قوله : فدعوی مجرّدة عن الدلیل. ( 2 : 326 ).

لعل الظاهر والمظنون صحة هذه الدعوی ، فیکفی کونه دلیلا ، ( مع أنّ احتمال ذلک کاف ، لأنّ التکلیف بالإزالة یقینی ، فلا یکتفی فی التحقیق بمجرّد الاحتمال ) (2). مع أنّه علی ما ذکرت یکون المطهّر بحسب الحقیقة هو الجفاف الحاصل من الشمس أو غیرها لا الغسل ، لأنّ النجاسة معناها المنع من الاستعمال شرعا ، والمنع باق علی حاله حال الغسل وبعده قبل الجفاف ، فلا یکون الغسل مطهّرا ، وهو کما تری ، فتأمّل.

قوله : علی أنّه یمکن أن یقال. ( 2 : 326 ).

بعد تسلیم النجاسة بمجرّد الملاقاة فلا وجه لهذا المنع ، إذ النجاسة لیس معناها إلاّ وجوب التنزّه والإزالة وأمثال ذلک ، فکیف یبقی العموم مع

ص: 226


1- انظر المدارک 2 : 332.
2- ما بین القوسین لیس فی « ج ».

ذلک علی حاله؟!

والحکم بطهارة المتخلّف بعد العصر المتعارف إجماعی ، بل وضروری الدین ، ظاهر من الأخبار المتواترة أو المستفیضة ، بحیث لا یعارضه معارض ولا یقاومه مقاوم. والقیاس عندنا باطل قطعا ، سیّما مع کونه مع الفارق ، والفارق فی غایة الظهور ، ولذا العامّة القائلون بالقیاس قالوا بطهارة المتخلّف قطعا ، مع التأمّل فی نجاسة الغسالة بمجرّد الملاقاة أو الحکم بها ، علی ما هو الظاهر منهم (1) ، فتأمّل.

قوله : والحکم واحد عند التأمّل. ( 2 : 326 ).

محلّ تأمّل ، إذ الأحکام منوطة بالمتعارف ، مثل قطنة المستحاضة ومقدار تربّصها ، فی الفرق بین القلیلة وغیرها ، ومثل ثلاثة أشبار ونصف ، فی حدّ الکرّ ، وغیر ذلک ممّا لا یحصی ، فتأمّل.

قوله : ویمکن حملها علی الاستحباب. ( 2 : 327 ).

مع هذا الإمکان لا تکون متروکة عندهم ، مع إمکان الحمل علی العصر المتعارف لأجل الجفاف.

ویمکن الحمل علی ما إذا توقّف علیه زوال عین النجاسة ، علی ما یومئ إلیه لفظ « قلیلا » ، بأن یکون مخیّرا بین الصبّ بالقلیل والعصر ، أو الصبّ المتعارف المتوسط أو الکثیر ، لأنّه یزیل العین ، فتأمّل ، وسیجی ء الکلام عن قریب ، فإنّه یقول : إنّ إخراج عین النجاسة واجب ، علی القول بنجاسة بول الصبی ، فلو کان الغسل یتحقّق بالصبّ المخرج للنجاسة - سواء وقع العصر أم لا ، کما قاله - کان المعصوم علیه السلام یقول : اغسل البول

ص: 227


1- انظر المغنی لابن قدامة 1 : 77.

مرّتین ، وبول الصبی مرّة واحدة ، وهو خلاف ظاهر هذه الروایة ، وخلاف فتوی الأصحاب وفتوی الشارح أیضا.

إلاّ أن یلتزم الشارح بکفایة وصول الماء إلی البول ، وعدم لزوم إخراج عینه عن الثوب ، کما سیشیر إلیه بقوله : مع احتمال الاکتفاء به مطلقا (1).

وفیه : أنّه حکم غریب ، إذ بعد تصریح الشارح بنجاسة بول الصبی وکونه من الأعیان النجسة موافقا لغیره من الفقهاء - وخالف فی ذلک ابن الجنید (2) - کیف یتأتّی له الحکم بطهارة الثوب الذی کان نجسا یقینا بسبب النجاسة العینیة الموجودة فیه بمجرّد وصول ماء قلیل إلیه ، مع عدم إخراجه ذلک النجس أصلا ، وبقاء ذلک النجس العین فی الثوب بحاله من دون خروج أو استهلاک؟! ولذا حکم أوّلا بوجوب الإخراج مرتین فظهر أنّه حکمه ، ثم ذکر الأخیر من باب الاحتمال ، ومع ذلک اعترف بوجوب الإخراج عند القائل.

ومعلوم أنّ مذهبهم ذلک بلا تأمّل ولا تزلزل ، وبناء استدلال المستدل علی هذا المذهب ، ردّا علی من لا یعتبر العصر من الأصحاب لو کان موجودا ، أو إظهارا لمناط الحکم الذی هو من المسلّمات عندهم.

وغیر خفی أنّ أحدا من الأصحاب لا یجوّز طهارة الثوب مع بقاء النجس العین فیه بحال ، ولیس الاحتجاج علی مثل الشارح أو لمثله ممّن ینکر أمثال هذه الأمور الظاهرة المسلّمة عندهم التی لعلها عندهم من البدیهیات ، وإنکاره إنکار البدیهی عندهم ، ولا یخطر ببالهم أصلا أنّه

ص: 228


1- المدارک 2 : 333.
2- حکاه عنه فی المختلف : 56.

سیجی ء فی زمان شخص ینکر أمثال هذه حتی یکون ذلک الشخص مدّ نظرهم فی مقام الاستدلال ، فتأمّل.

قوله : وربما کان الوجه فیه. ( 2 : 328 ).

لا یخفی أنّ المصنف فی أوّل الکتاب قال : والماء المستعمل فی غسل الأخباث نجس (1). ، وسیجی ء أیضا مثل ذلک عن قریب (2) إلاّ أن یقال : إنّ المتبادر منه الغسل بالقلیل ، لکن یمکن أن یقال : إنّ المتبادر منه هنا أیضا هو القلیل ، لما أشرنا سابقا ، فتأمّل.

قوله : لما فیه من الاستظهار. ( 2 : 328 ).

لعل مراده من الاستظهار حصول الاطمئنان بزوال عین النجاسة ، ولیس الغسل إلاّ بعنوان إزالة العین ، إذ بغیره لا یتحقّق الغسل ، والاطمئنان لا بدّ منه ، نعم ربما یحصل الاطمئنان بدون الدلک ، ولعل مراده رحمه الله فیما إذا لم یحصل إلاّ به ، وأنّه الغالب. وبالجملة : بناؤه علی أنّ شغل الذمّة بالإزالة یقینی ، فلا بدّ من البراءة الیقینیة ، فالحمل علی الاستحباب علی هذا لا وجه له ، فتأمّل.

ویظهر من الأخبار الواردة فی الاستنجاء من البول وغسل البول من الجسد عدم الحاجة إلی الدلک فیه (3).

قوله : لئلا یتصل. ( 2 : 328 ).

العلاّمة رحمه الله بناؤه علی أنّ الفرض هو هذا ، وأنّه لا فرق بین الخمر وما هو مثلها من النجاسات ، فإنّ البول مثلا إذا کان مستکنا لا بدّ من إزالته

وجوب دلک الصلب فی تطهیره
حکم ما یعسر عصره

ص: 229


1- المدارک 1 : 118.
2- المدارک 2 : 377.
3- انظر الوسائل 1 : 343 أبواب أحکام الخلوة ب 26.

لئلا یتصل بما فیه من المأکول والمشروب ، فعلی هذا قوله : واحتمال أن یکون. فیه ما فیه ، فتأمّل.

قوله : ولم لم تزل عین النجاسة. ( 2 : 329 ).

إن أراد : لو لم یعلم الإزالة إلاّ بالدلک ، فهو بعینه کلام العلاّمة ، إلاّ أن یدعی الکلیة ، فالوجه منع هذه الدعوی حصول العلم بغیره أحیانا ، لا أنّ الاستظهار مستحب.

وإن أراد : لو لم تزل فی الواقع وجب ، علمنا أو لم نعلم ، ففیه ما فیه.

وإن أراد : لو علمنا أنّها لا تزال إلاّ به وجب ، وأنّ الوجوب منحصر فیه ، ومع احتمال الزوال والشکّ فیه یکون الثوب طاهرا إلاّ أن یعلم بقاء العین ، فهذا أیضا فاسد ، لأنّه من المسلّمات عند الفقهاء وعند الشارح أیضا أنّ النجاسة ثابتة شرعا ، فلا بدّ من الحکم بزوالها شرعا ، فمجرّد احتمال الزوال کیف یکفی؟!

وإن أراد أنّه یکفی الظنّ ف - مع عدم ظهور ذلک من عبارته - الکلام فی حجّیة هذا الظنّ واعتباره ، فلا بدّ من الإتیان بالدلیل الدال علیه حتی ینظر إلیه وإلی تمامیته ، إلاّ أن یرید منه العمومات والإطلاقات الواردة فی الغسل ، لکن لا بدّ من التأمّل فی أنّها هل تکون شاملة لصورة لم یتحقّق اطمئنان فی زوال عین النجاسة ، واحتمال بقائها بعد موجود؟ سیّما بعد ملاحظة الأدلة الدالة علی وجوب التنزّه عن النجاسة والاحتراز عنه مطلقا. مضافا إلی الاستصحاب ، وقوله : « لا تنقض الیقین إلاّ بیقین مثله » (1) فتأمّل.

ص: 230


1- الوسائل 1 : 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1.

قوله : « اغسل ما أصاب ». ( 2 : 329 ).

نظره فی استدلاله إلی قوله علیه السلام : « اغسل ما أصاب منه » الظاهر فی وجوب غسل جمیع ما أصاب ، وغسل الجمیع لا یتأتّی إلاّ بإیصال الماء إلیه ، وإخراج عین النجاسة عنه ، ولا یتأتّی ذلک إلاّ بالدقّ والتغمیز ، فتأمّل.

قوله : وهو مشکل. ( 2 : 330 ).

قد مضی الکلام فیه وأنّه لا إشکال ، ونقلنا الأقوال فی الغسالة وأدلتهم (1).

قوله : وما جری هذا المجری لا یطهر. ( 2 : 331 ).

الظاهر أنّ هذه فی صورة سریان النجاسة فی أعماقها ، وإلاّ فعند الأصحاب لا تسری النجاسة فی الشی ء الرطب بمجرّد وصولها إلیه ، فیکون صبّ الماء کافیا فی التطهیر عندهم. وأمّا مع سریان النجاسة فی العمق فبمجرّد ملاقاة الماء مع عدم خروج النجاسة کیف یمکن الحکم بالتطهیر؟ والرطوبة الکامنة فیها لا تدع أن یدخل الماء فی العمق حتی یلاقی النجاسة ویذیبها ویغسلها ویزیلها ، إلاّ أن یکون مفروض الشارح : إذا کانت الأمور المذکورة یابسة وتترک فی الماء حتی یدخل الماء فی عمقها ، أو رطبة أیضا وتترک حتی یحصل العلم بالدخول فی الأجزاء تماما والسریان فیها ، وأنّه یکفی حینئذ خروج الغسالة بجفاف من الشمس ، وإن کان عین النجاسة موجودة فی الغسالة ، لأنّها یخرج مع الغسالة بمجرّد الجفاف.

والأصحاب لم یظهر منهم أنّهم حکموا بطهارة ما بقی بعد الدقّ

حکم الصابون وأمثاله إذا تنجس

ص: 231


1- انظر ج 1 : 186 - 188.

والتغمیز ، وإن کان عین النجاسة موجودة فیه ، بل الذی یظهر منهم أنّ المحکوم بطهارته حینئذ هو الغسالة الخالیة عن عین النجاسة ، بأن یکون من الغسلة الثانیة أو الأولی ، بعد زوال عین النجاسة.

والحاصل أنّ فی صورة عدم سریان النجاسة فی العمق أصلا وتنجّس السطح الظاهر لا یحتاج إلی إدخال الماء أصلا ، ویکفی الصبّ البتّة ، والغسالة تنفصل من دون توقّف علی عصر أصلا ، ولا حاجة إلی غمز مطلقا. ولیس کلام الأصحاب فی مثله البتّة.

وفی صورة سریان النجاسة وبکونها فی الداخل إن کان رطبا ، فلا بدّ من خروج هذه الرطوبة النجسة ، لأنّها إمّا نجس العین أو متنجسة منه ، وعلی الأوّل : کیف یطهر نجس العین بمجرّد ملاقاة الماء؟ فإنّ نجس العین لا یصیر طاهرا بنفسه إلاّ بالاستحالة أو الانتقال ، بل لو تغیّر الماء منه ینجس ، فکیف یطهّره الماء؟ سیّما بمجرّد الملاقاة.

وبالجملة : نجس العین لا شبهة فی عدم قبوله للطهارة.

وأمّا المتنجس : فمع الرطوبة لا تدع الماء ینفذ فیه ، وعلی تقدیر النفوذ فلا یکفی النفوذ فی الجملة ، بل لا بدّ من الوصول إلی جمیع الأجزاء ، مع بقائه علی الإطلاق ، وعدم صیرورته ماء مضافا حال سریانه فی الأعماق ونفوذه فیها ، وهذا أیضا لا یکفی ، بل لا بدّ من العلم به أو الظنّ المعتبر شرعا ، لأنّ النجاسة ثابتة ، فلا یحکم بالطهارة بمجرّد الاحتمال ، ولا یحصل العلم إلاّ فی صورة اضمحلال جمیع الأجزاء وتفشّیها فی الماء ، وعدم الخروج عن کونه ماء مطلقا.

وأمّا إذا کانت یابسة وغسلت فی القلیل بمعنی أنّها ترکت فیه إلی أن حصل العلم بوصول الماء المطلق بجمیع الأجزاء ، مع بقائه علی إطلاقه ،

ص: 232

فإن قلنا بعدم انفعال الغسالة أمکن الحکم بطهارتها ، وإن قلنا بانفعالها بمجرّد الملاقاة - کما هو المشهور - فکیف یمکن الحکم بطهارتها وطهارة الغسالة مطلقا؟ ( وکیف یجتمع الحکم بنجاسة الغسالة بمجرّد الملاقاة مع الحکم بطهارة الغسالة مطلقا؟ ) (1) فإنّهما متضادّان لا یجتمعان أبدا ، إلاّ أن یکون مراده رحمه الله أنّ الطهارة یحصل بعد جفافها وذهاب الغسالة بالجفاف ، وغیر خفی أنّهم متفقون علی عدم الطهارة من جهة الجفاف ، وظهر وجهه فی الجملة.

وممّا ذکر ظهر أنّ الحرج والضرر غیر لازمین ، لأنّه علی فرض السرایة فی الأعماق والیبوسة بعدها ، وکون الساری هو المتنجّس خاصّة ، وعدم إمکان عصر وإخراج الغسالة إلاّ بالتجفیف ، وعدم التمکن من الجاری أو الکرّ. وعدم تیسّرهما فی غایة الندرة. مع أنّه لو تمّ ما ذکره رحمه الله لزم الحکم بطهارة الساری الذی هو نجس العین ، وغیر ذلک من الفروض التی لا یرضی به الشارح.

والقول بأن ذلک خرج بالدلیل - لأنّ الحرج والضرر غیر عزیزین بعد اقتضاء الدلیل الشرعی - یوجب القول بمثله فی ما نحن فیه ، لما عرفت من أنّ کلامهم مبنی علی القول بانفعال الغسالة مطلقا ، وغیر ذلک ، فتأمّل.

قوله : مع العلم بوصول الماء. ( 2 : 332 ).

هذا العلم لا یکفی ، بل لا بدّ من العلم ببقاء ذلک الماء الواصل إلی کل جزء علی إطلاقه ، وعدم خروجه عن الإطلاق ، وعدم صیرورته مضافا.

قوله : لانتفاء العموم. ( 2 : 332 ).

عدم وجوب العصر فی بول الصبی

ص: 233


1- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « ب ».

فیه ما مرّ فی بحث نجاسة البول.

قوله : وثانیا بالحمل علی الاستحباب. ( 2 : 333 ).

ویمکن حمله علی العصر المتعارف الذی یرتکبونه فی غسل الثوب ، والمراد أن ذلک یفعل بعد الصبّ من دون حاجة إلی الغسل ، فتأمّل. ومرّ الکلام فیه فی بحث عصر الثیاب فی غسلها (1).

والفرق بین الغسل والصبّ أنّ العصر معتبر فی الغسل ، إمّا فی ماهیته أو فی إخراج عین النجاسة أو الغسالة المتنجّسة ، بخلاف الصبّ ، فإنّه یکفی للتطهیر ، أمّا لو لم یکن العین موجودة - مثل أن یکون البول یابسا ، والثوب جافّا ، أو أزیلت العین بمزیل غیر الماء - فظاهر ، وأمّا مع بقائها وتوقّف إخراجها علی الماء فالمطهّر هو الصبّ بشرط عدم العین.

وإخراجها کیف کان وبأی نحو یکون یکفی بعد ما تحقّق المطهّر.

وأمّا علی احتمال احتمله الشارح فملاقاة الماء نجس العین یطهّر ذلک النجس العین أیضا ویصیر طاهرا ، ومرّ الکلام فیه (2) ، فتأمّل.

قوله : وهو بعید. ( 2 : 333 ).

لا تأمّل عندهم فی البعد ، إلاّ أنّ الأصحاب لمّا عملوا بروایة السکونی المتضمّنة للأمر بغسل بول الجاریة (3) ، وغیرها من العمومات ارتکبوا هذا التوجیه فی هذا الخبر.

نعم روایة السکونی تضمّنت الأمر بغسل لبن الجاریة أیضا ،

ص: 234


1- راجع ص 223 - 225.
2- راجع ص 225 - 226.
3- الفقیه 1 : 40 / 157 ، التهذیب 1 : 250 / 718 ، الوسائل 3 : 398 أبواب النجاسات ب 3 ح 4.

والمشهور لا یقولون به ، والعمومات لا تقاوم الخاص ، لکن الشأن فی مقاومة مثل هذا الخاص لها وتقدیمه علیها ، بعد وقوع الشهرة العظیمة علی خلافه ، وکون الخاص من الحسان ، فتأمّل. والاحتیاط واضح. ولعل مستند المشهور الروایة التی رویناها عن کشف الغمة ، وذکرناها فی بحث نجاسة بول الصبی (1).

وفی الفقه الرضوی : « وإن أصابک بول فی ثوبک فاغسله بماء جار مرّة ومن ماء راکد مرّتین ، ثم أعصره ، وإن کان بول الغلام الرضیع فتصب علیه الماء صبّا ، وإن کان قد أکل الطعام فاغسله ، والغلام والجاریة سواء » ثم نقل الحدیث عن علی علیه السلام : لبن الجاریة وبولها یغسل منهما الثوب دون الغلام (2) ، فتأمّل.

قوله : ویشکل بأنّ تعیّن النجاسة. ( 2 : 334 ).

لا یخفی أنّ المستدل قال : لا بدّ من الیقین بالزوال ، لا زوال الیقین ، حتی تورد علیه بما ذکرت ، فإنّ کان ما ذکره تماما فلا وجه لهذا الإیراد أصلا ، وإلاّ فلا بدّ من مطالبته بالإتمام ، لا أن تورد علیه بذلک. وغیر خفی أنّ مراده من الیقین الیقین الشرعی. وغیر خفی أنّ النجاسة یثبت شرعا ، فلا بدّ لزوالها والحکم بالطهارة من دلیل شرعی ، والمتحقّق إنّما هو فی صورة غسل الجمیع لا البعض.

ولا یخفی أنّ النجاسة بمحض احتمال الزوال لا یحکم بالزوال إجماعا ، واستصحابا للحالة السابقة ، وللعموم والإطلاق الواردین فی المنع

لزوم غسل أطراف الشبهة المحصورة

ص: 235


1- راجع ص 165.
2- فقه الرضا علیه السلام : 95 ، المستدرک 2 : 553 أبواب النجاسات ب 1 ح 1 وب 2 ح 1.

والحکم بالنجاسة ، ولقوله علیه السلام : « لا تنقض الیقین إلاّ بیقین مثله » (1) ، والظاهر أنّ الاستصحاب فی موضوع الحکم لیس محلاّ للخلاف ، ولو وقع خلاف ففی غایة الوهن والضعف ، إنّما النزاع فی نفس الحکم ، فلیتأمّل.

قوله (2) : نعم لو قیل باختصاص. ( 2 : 336 ).

جمیع ما ذکر کان موجودا فی الثوب أیضا سوی عدم صحة سند المتضمّن مرّتین ، لکنه حسن ، وکثیرا ما یحتجّ بالحسن فقط (3) ، ومع ذلک حسن معمول به ، ومع ذلک عدم القول بالفصل یقتضی العمل بالحسن ، وکثیرا ما یتمسّک بعدم القول بالفصل وإن لم یرد روایة أصلا (4) ، فما ظنّک بما إذا ورد حدیث حسن ، سیّما مثل ذلک الحسن.

قوله : وإنّما استفید نجاستها من أحد أمرین. ( 2 : 338 ).

هذا الحصر محلّ تأمّل ، إذ ربما یثبت بأمر آخر ، مثل الحکم بإعادة الصلاة ، وصبّ الماء وغیر ذلک.

قوله : لضعف التمسک به. ( 2 : 338 ).

الاستصحاب حجّة ، کما بیّناه فی رسالة الاستصحاب (5) ، وأشرنا إلیه فی مسألة عدم طهارة الماء المتغیر بالنجاسة بمجرّد زوالها (6) ، ومرّ عن الشارح رحمه الله التمسّک بقولهم : « لا تنقض الیقین بالشک أبدا » فی مواضع

اعتبار التعدد فی غسل الثوب من البول

ص: 236


1- الوسائل 1 : 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1.
2- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».
3- انظر المدارک 5 : 51 ، 268 ، 269 ، 270 ، 271.
4- انظر المدارک 2 : 259 ، 6 : 313 ، 319.
5- الرسائل الأصولیة : 423.
6- راجع ج 1 : 90 - 92.

متعدّدة ، منها فی المسألة السابقة (1) ، مع أنّ النجاسة إذا تحقّقت فالحکم بأنّ زوالها وحصول الطهارة منها یحتاج إلی دلیل شرعی ، لعله لیس محلّ ( نزاع فقیه ) (2).

قوله : إنّما یتمشّی فی الحکم المطلق لا المقید. ( 2 : 338 ).

قبل تحقّق الغسل کان الحکم بالنجاسة قطعیا ، أی وجوب التجنّب من حیث هو هو ، وهو مستصحب - علی القول به - حتی یثبت خلافه شرعا ، وهذا یکفی فی الاستصحاب ، بل الاستصحاب قلّما یحتاج إلیه فی الحکم المطلق الذی ذکرت إلاّ علی الطریقة التی ذکرت من أنّ الاستصحاب یرجع إلی الإطلاق والعموم ، فتدبّر.

قوله : فإن غسلته بماء جار فمرّة واحدة. ( 2 : 339 ).

ظاهر هذا کونه مرّتین فی غیر الجاری ، لمفهوم الشرط ، إلاّ أن یقال بعدم العموم فی المفهوم ، أو أنّ الراکد الکثیر کان نادرا ، والإطلاق ینصرف إلی المتعارف ، ولذا حکم بأنّ الظاهر من الأخبار المتضمّنة للمرّتین کونه فی القلیل ، فتأمّل.

قوله : قال : وعلیه إجماع العلماء. ( 2 : 340 ).

ویدل علیه أیضا أنّ النجس إنّما هو الدم مثلا لا لونه أو رائحته ، لعدم صدق الدم علیهما لغة وعرفا ، بل یصدق علیهما لون الدم ورائحته ، وهذان غیر نفس الدم الذی هو النجس وإن قلنا بعدم انتقال العرض فی مثل ما

عدم وجوب إزالة اللون والرائحة

ص: 237


1- انظر المدارک 2 : 336.
2- بدل ما بین القوسین فی « ج » و « د » : النزاع فیه.

نحن فیه أیضا وبقاء الأجزاء الجوهریة ، لعدم صدق الدم علیها (1) ، والمناط فی الشرع هو الصدق اللغوی والعرفی لا الضابطة الحکمیّة ، سیّما وأن لا تکون ثابتة ، فتأمّل.

قوله : وهو مشکل لقبح تکلیف الغافل. ( 2 : 344 ).

فیه - مضافا إلی ما ستعرف - : أنّ المکلف به إن کان هو الصلاة التی لا یعلم المکلف بها أنّه نجس جسده وثوبه وأنّ شرط صحتها عدم علم المکلف أنّه نجس ثوبا أو جسدا وأنّه إن علم النجاسة یکون مکلفا بالإزالة خاصّة ، فصلاة هذا المکلف صحیحة ، لأنّه لا یعلم أنّه نجس ، فصلاته صحیحة ، لأنّه صلّی صلاة مأمورا بها ، والامتثال یقتضی الإجزاء ، ولا حاجة إلی الإعادة ولا القضاء ، کما سیذکر فی الناسی وجاهل نفس النجاسة.

وإن کان الصلاة التی شرط صحتها أن لا یکون بدنه وثوبه نجسا فی الواقع ، ففیه : أنّه مناف لما سیصرّح به فی الناسی والجاهل من أنّه صلّی صلاة مأمورا بها (2).

ومع ذلک إذا ترک الصلاة مطلقا مع علمه بأنّ الله تعالی کلفه بها وعلمه بسائر شرائطها مضافا إلی علمه بواجباتها تماما هل هو معاقب عندک أم لیس بمعاقب فی ترکه جمیع صلواته أصلا؟ فعلی الأوّل یکون مکلفا قطعا ، لأنّ العقاب فرع التکلیف ، مع أنّه عندک غیر مکلف أصلا بالصلاة! وعلی الثانی نقول : لا شک عند العقلاء فی أنّ مثل هذا الشخص عاص معاند ، لأنّه یجزم بأنّه واجب علیه من الله تعالی صلوات کثیرة ، وأنّها کیت وکیت ، وأنّه یمکنه إتیانها بلا مشقة ، ومع ذلک یبنی أمره علی عدم الإطاعة

حکم من أخلّ بإزالة النجاسة عن ثوبه أو بدنه فصلّی

ص: 238


1- فی « أ » و « و» : علیهما.
2- انظر المدارک 2 : 349.

أصلا ورأسا.

وأیضا إذا کان العلم شرطا للتکلیف عندک فمع عدم العلم لا یکون مکلفا أصلا إلی حین العلم ، فلا معنی لقوله : لعدم حصول الامتثال المقتضی لبقاء المکلف تحت العهدة ، إذ لا تکلیف ، فلا امتثال ، ولا عهدة ، ولا بقاء تحت العهدة أصلا ، بل فی وقت العلم یتعلق به التکلیف الآن ، کما لو بلغ الصبی وأفاق المجنون ، بل ولا قضاء أیضا ، لأنّ القضاء تدارک ما فات ، وان قلنا بأنّه فرض مستأنف ، فتأمّل.

قوله (1) : فإن ثبت مطلقا أو فی بعض الصور ، ثبت الوجوب ، وإلاّ فلا. ( 2 : 344 ).

سیجی ء عن الشارح رحمه الله حکمه بالثبوت مطلقا.

قوله : لأنّ تکلیف الجاهل بما هو جاهل به تکلیف بما لا یطاق. ( 2 : 345 ).

إذا کان قادرا علی تحصیل العلم والمعرفة کیف یکون تکلیفا بما لا یطاق؟!

فإن قلت : هو غافل ، وتکلیف الغافل قبیح.

قلت : کیف یکون غافلا؟ مع أنّه معلوم بالضرورة من الدین بعنوان الإجمال أنّ فی الدین أحکاما کثیرة بالنسبة إلی أمّة النبی صلی الله علیه و آله ، وأنّ رسول الله فی هذه الأحکام مأمور بإبلاغها ، وأنّا أمّه النبی صلی الله علیه و آله ، بل وعلمنا أنّه یجب تعلّمها والتشرّع بها کالأمم السابقة بالنسبة إلی أحکامهم وشرعهم ، ففی الحقیقة هو عالم بها إجمالا من وجوه متعدّدة :

ص: 239


1- هذه الحاشیة لیست فی « ج » و « د ».

الأوّل : انّه یعلم أنّه من أمة النبی صلی الله علیه و آله ، ولا یکون نبی عادة بغیر شریعة.

الثانی : یعلم بالضرورة من الدین وجود تکالیف وبقاءها.

والثالث : یعلم بالضرورة خصوص الصلاة والصوم وأمثالهما ، وإن لم یکن تفصیلا ، ومتمکّن من التفصیل ، ومسامح فیه ، ومقصّر ، وتارک لما یعلمه إجمالا.

علی أنّه علی تقدیر التسلیم فمثل هذا التکلیف لا یکون محالا ، لأنّ المکلف هو بنفسه جعله محالا علی نفسه ، فتأمّل.

علی أنّه علی ما ذکره ربما یکون الصرفة بالنسبة إلی المکلفین عدم إطاعة الشارع مطلقا بان لا یتعلّموا مسائل دینهم أصلا حتی لا یکون علیهم تکلیف إلاّ تکلیف واحد ، وهو تکلیف البحث إذا علم وجوبه ، إذ الغالب فی المکلفین عدم خروجهم عن عهدة التکالیف ، وبحسب العادة یأثمون کثیرا ، والناجون من الرجال قلیلون ، ومن النساء أقل وأقل.

علی أنّه لو تمّ ما ذکره لزم أن لا یکون الکفار مکلفین بالفروع علی ما ذهب إلیه بعض العامة (1) ، وشنّع علیه باقی العامة وجمیع الخاصّة ، والخاصّة مطبقون علی تکلیفهم بها.

وأیضا لیس حال هذا المکلف إلاّ حال عبد أعطاه سیده طومارا ملفوفا وقال : أمرتک فیه بأوامر لو ترکتها أو ترکت واحدا منها لعاقبتک ، وکذلک نهیتک عن أمور. ولا یفتح العبد الطومار ولا یعتنی بشأنه أصلا ، استنادا إلی أنّی جاهل بما فی الطومار ، وتکلیف الجاهل قبیح ، بل وإنّه

ص: 240


1- بدائع الصنائع 2 : 5 و 69.

تکلیف بما لا یطاق ، ویقول أعصی عصیانا واحدا وأخلّص نفسی عن التکالیف الکثیرة والمتاعب الوافرة ، وجهاد النفس فی کل ساعة ودقیقة ، ومن العقوبات التی لا تعدّ ولا تحصی ، وجلّ الناس مبتلون بها ، إذ بعد ملاحظة النفس ومراقبتها ومحاسبتها بالحذاقة التامة یظهر علیه أنّه فی کل دقیقة مرتکب لموبقة إلاّ من عصمه الله تعالی.

مع أنّه لا شک فی أنّ إرسال الرسل لتکمیل النفوس الأمّارة ، وتخلیصها عن الهلکات الردیة والشقاوة الأبدیة ، وتحصیل السعادة السرمدیة ، ورفعها عن رتبة البهیمیة والشیطانیة ، ولذا یجب وجود الحجّة من الله تعالی فی کل زمان وساعة ودقیقة ، وکان الحجج یتعبون فی الإبلاغ ویسعون غایة السعی ، حتی أنّهم کانوا یقتلون ویقتلون ویأسرون ویؤسرون ، کما فعل بالحسین علیه السلام وغیره ، وکان یحصل بذلک الفتن وخراب البلاد وهلاک العباد وغیر ذلک ، بل لا شبهة فی أنّ خلق الإنسان للعبادة والطاعة ، بل الدنیا جمیعها مخلوقة لحصول المعرفة والعبادة. مع أنّ الحسن والقبح عندنا [ عقلیان أو ذاتیان ] (1) فتأمّل.

قوله : لا بترک ذلک المجهول. ( 2 : 345 ).

إن کان جاهلا بأنّ الله أوجب علیه شیئا وأنّه یطلب منه شی ء فکیف یتأتّی منه البحث والفحص؟ لأنّ طلب المجهول مطلقا محال ، وتکلیف الغافل بالبحث عمّا هو غافل عنه محال. وإن علم أنّه یطلب منه شی ء وأوجب الله علیه أمرا وتیسّر له معرفته أو تحصیله فکیف یعدّه غافلا وتکلیفه تکلیف الغافل؟!

ص: 241


1- بدل ما بین المعقوفین فی « أ » و « و» : عقلیین أو ذاتیة ، وفی « ب » و « ج » و « د » : عقلیة أو ذاتیة ، والأنسب ما أثبتناه.

وهذا عجیب ، فتأمّل.

قوله : وابن إدریس. ( 2 : 345 ).

والعلاّمة فی قواعده (1).

قوله : وهذه الروایة مع صحة سندها. ( 2 : 345 ).

حملها الشیخ علی الشذوذ (2) ، ولعل وجهه ما سنشیر إلیه فی الحاشیة الآتیة ، ولعله لما ذکره الشیخ ذکر المحقق : أنّها حسنة (3) ، فتأمّل.

قوله : والأصول تطابقها. ( 2 : 346 ).

لم نجد الأصول ، بل الأصل عدم الصحة وعدم الخروج عن العهدة ، والأخبار الدالة علی وجوب الإعادة من الکثرة بمکان ، وکذا جلّها صحیحة ومعتبرة ، مع أنّ الضعیفة مطابقة لفتوی الأصحاب ، مضافا إلی الإجماع ، والإطلاقات الواردة فی وجوب غسل النجاسة للصلاة.

وغفران الخطأ والنسیان لیس دلیلا علی صحة الفعل ، کما أنّ من نسی عن فعل نفس الصلاة أو رکعاتها أو أرکانها أو شرائطها أو غیر ذلک فإنّ نسیانه لا مؤاخذة فیه ، لا أنّ صلاته صحیحة ، أو أنّه تعالی لا یرید منه ما أوجب علیه. وأمّا أنّه صلّی صلاة مأمورا بها فهو مصادرة ، إذ کونها مأمورا بها لا دلیل علیه سوی ما ذکره.

نعم ورد روایات آخر دالة علی عدم وجوب الإعادة ، منها : صحیحة علی بن جعفر ، وسنذکرها عند قول المصنّف : ولو رأی النجاسة وهو فی الصلاة.

ص: 242


1- قواعد الأحکام 1 : 8.
2- التهذیب 2 : 360.
3- المعتبر 1 : 441.

ومنها حسنة المثنی الحناط ، عن عمرو بن أبی نصر ، عن الصادق علیه السلام أنّه قال له : إنّی صلّیت فذکرت أنّی لم أغسل ذکری بعد ما صلّیت ، أفأعید؟ قال : « لا » (1).

وفی الموثق عن عمار بن موسی عن الصادق علیه السلام یقول : « لو أنّ رجلا نسی أن یستنجی من الغائط حتی یصلّی لم یعد الصلاة » (2) ، وورد فی الضعیف بأحمد بن هلال (3) أیضا ، إلاّ أن یقال بالفرق بین ترک الاستنجاء وغسل النجاسة ، لکن عند المشهور لیس فرق ، إلاّ أنّ الأخبار الدالة علی وجوب الإعادة أکثر ممّا ذکر بمراتب ، وحمل هذه الأخبار علی محامل (4).

قوله : أن تعید الصلوات التی کنت صلّیتهن بذلک الوضوء. ( 2 : 347 ).

لعل الباء سببیة ، والظرف متعلق بقوله : « تعید الصلوات » ، أو بقوله : « حقیقا » ، والمراد أنّه یجب إعادة الصلاة ما کان فی وقتها وما خرج وقتها معا بسبب ذلک الوضوء بعینه ، أی من غیر مدخلیة نجاسة ثوبه الذی تنجّس من التمسّح بالدهن ، وکذا بدنه ، لأنّه حکمه حکم الثوب ، ولذا فی الغالب فی بحث النجاسات لا یذکرون سوی الثوب ، وإن کان المقام فی غایة الخصوصیة لذکر البدن ، فکأنّ الأصل فی الاعتبار هو الثوب ، والبدن حاله حال الثوب ، ومتفرّع حکمه علیه ، ویظهر ذلک من تتبّع الأخبار فی

ص: 243


1- التهذیب 1 : 51 / 148 ، الوسائل 1 : 295 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 6.
2- التهذیب 1 : 49 / 143 ، الوسائل 1 : 318 أبواب أحکام الخلوة ب 10 ح 3.
3- التهذیب 1 : 48 / 140 ، الوسائل 1 : 317 أبواب أحکام الخلوة ب 10 ح 2.
4- انظر التهذیب 1 : 48 ، 49 ، 51 ، وملاذ الأخیار 1 : 214.

هذا المبحث فالمراد : أنّ إشکالک من جهة الثوب النجس والوضوء ، أعنی الحدث والخبث ، فعلیک إعادة جمیع ما کان فی الوقت وما فات وقتها من جهة الحدث لا الخبث ، فلا إعادة علیک من قبل أنّ ثوبک نجس ، فإنّ الثوب النجس لا یعید الصلاة من قبله إلاّ ما کان فی وقت ، فقوله : « وما فات وقتها » عطف علی ما تقدم لا استیناف کلام ، وقوله : « لا إعادة علیک » ابتداء کلام وتفریع علی ما تقدّم ، أی فلا إعادة علیک من قبل أنّ الرجل إذا کان ثوبه نجسا لم یعد الصلاة إلاّ ما کان فی وقت ، والحاصل : أنّ الراوی ما کان علیه إعادة الصلاة من جهة النجاسة ، لأنّ الظاهر من القرینة الحاصلة من جواب المعصوم علیه السلام أنّ التفطّن بالمفسدة کان بعد خروج وقت الصلاة ، فالإعادة علیه من جهة الوضوء.

ویمکن أن یکون المراد من جهة ذلک الوضوء بعینه ، لأنّ الظاهر من حال الراوی أنّه بعد ما تفطّن ، طهّر مواضع الطهارة وغیّر ثوبه ، وإشکاله کان من جهة الصلاة الفائتة.

ویمکن أن یکون المراد بذلک الوضوء أی بهذا النحو من الوضوء ، فیکون الإشارة إلی نوعه ، یعنی : ما کان من الصلوات بهذا النحو ، من الوضوء تجب إعادته ، لا بغیر هذا النحو ، مثل أن صار جنبا فاغتسل ، أو اتفق أنّه غسل أعضاءه من جهة غسل آخر أو جهة أخری ، فإنّ الوضوء الذی یکون بعد هذا صحیح لا تعاد الصلاة من جهته ، وأمّا الثوب وإن لم یتغیّر لا یحتاج إلی الإعادة إلاّ ما کان فی وقت.

ویمکن أن یکون قوله علیه السلام : « من قبل » ظرفا محذوف الإضافة ، أی من قبل أن یتحقّق ویجزم به ، فیکون هذا مرتبطا بما تقدم ، أی ما توهمت لیس بشی ء إلاّ أن یتحقّق ویحصل لک الیقین به ، فقبل التحقّق لا إعادة

ص: 244

علیک أصلا ، وبعده تعید ما کان فی الوقت وخارجه ما کان بذلک الوضوء بعینه ، أی بنحوه بعینه ، کما ذکرنا ، أو بذلک الوضوء الذی تحقّق علی سبیل القطع بأنّ موضعه نجس ، لا الوضوء الذی توهم کون موضعه نجسا.

وقوله علیه السلام : « إنّ الرجل. » علی هذا ابتداء کلام وتحقیق فی الفرق بین الثوب والجسد ، وتعلیل للحکم السابق ، وتأکید له ، فتأمّل.

قوله (1) : « بذلک الوضوء بعینه ». ( 2 : 347 ).

تأکید لدفع توهم الوضوء الذی توهم نجاسة موضعه.

قوله : « من قبل إنّ الرجل ». ( 2 : 347 ).

أی من قبل أن تکون تحقّقت ، و « إنّ الرجل » ابتداء کلام وتحقیق.

قوله : لأنّ الأمر یقتضی الإجزاء. ( 2 : 349 ).

فیه ما عرفت فی مسألة جاهل العلم بحکم النجاسة ، وأنّه أیّ فرق بین هذا الجهل وذلک عند الشارح ، حیث حکم فی ذلک بما حکم وقال هنا بما قال؟

ویمکن أن یقال أیضا علی طریقة الشارح : إنّ الأصل براءة الذمّة عن التکلیف ، غایة ما یثبت من الإجماع والأخبار عدم جواز الصلاة مع العلم بالنجاسة وعدم صحتها حینئذ ، وأمّا مع الجهل فلا دلیل ، لکن هذا بناء علی کون الصلاة اسما لمجرّد الأرکان ، وأمّا علی القول بأنّها اسم للصحیحة فلا ، إذ شغل الذمّة الیقینی یستدعی البراءة الیقینیة ، إلاّ أن یقال بجریان الأصل فی العبادات ، فتأمّل.

قوله : لو غسلته لأزلت النجاسة فلم یکن علیک إعادة. ( 2 : 350 ).

عدم وجوب الإعادة والقضاء مع الجهل بالنجاسة حتّی فرغ من صلاته

ص: 245


1- هذه التعلیقة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».

لعله لا یخلو عن بعد ، لکن یمکن أن تکون المسألة خارجة عمّا نحن فیه ، لأنّ المصلّی کان عالما بالنجاسة قطعا ، لکن کان ظنّه أنّها زالت ، ومقتضی الاستصحاب تحصیل الیقین بالزوال ، أو الظنّ الذی یکون حجّة شرعا ، والظاهر أنّ الجاریة سامحت فی الإزالة ، والمصلّی أیضا سامح حیث لم یلاحظ أنّها زالت بغسلها أم لا ، وصلّی مع هاتین المسامحتین ، وفی الروایة : ثم یوجد وهو یابس ، ومثل ذلک (1) یکون مبرءا للذمّة عند جمیع القائلین بعدم إعادة الجاهل بالنجاسة یحتاج إلی الثبوت والظهور ، فتأمّل.

ویمکن الاستدلال للشهید بما رواه الشیخ رحمه الله عن میمون الصیقل ، عن الصادق علیه السلام ، عن الرجل أصابته جنابة فی اللیل فاغتسل ، فلمّا أصبح نظر فإذا فی ثوبه جنابة ، فقال : « الحمد لله الذی لم یدع شیئا إلاّ وله حدّ ، إن کان حین قام نظر فلم یر شیئا فلا إعادة علیه ، وإن کان حین قام لم ینظر فعلیه الإعادة » (2).

ویؤیّده أنّ الأخبار الدالة علی عدم الإعادة علی الجاهل شمولها لما نحن فیه - وهو ما إذا تحقق أمارة موجبة لاحتمال الوقوع وتحقق مسامحة مّا ومساهلة - ربما یکون محلّ مناقشة.

قوله : ولا یبعد أن یکون لا یعید إذا لم یکن علم. ( 2 : 350 ).

أو یکون استفهاما إنکاریا بملاحظة قوله : إذا لم یکن علم ، فتأمّل.

نعم روی بسنده عن أبی بصیر عن الصادق علیه السلام أنّه سأله عن رجل صلّی وفی ثوبه بول أو جنابة ، فقال : « علم به أو لم یعلم فعلیه إعادة الصلاة إذا علم » (3) ، لکنها لا تقاوم أصلا ما دل علی عدم الوجوب ، فالحمل فیها

ص: 246


1- فی « و» زیادة : لا.
2- التهذیب 2 : 202 / 791 ، الوسائل 3 : 478 أبواب النجاسات ب 41 ح 3.
3- التهذیب 2 : 202 / 792 ، الوسائل 3 : 476 أبواب النجاسات ب 40 ح 9.

متعین إمّا علی الاستحباب ، أو علی العلم وعدم العلم حال الصلاة لا قبلها.

قوله : قال فی المعتبر : وعلی قول الشیخ الثانی یستأنف. ( 2 : 351 ).

یظهر من هذا أنّه لو کان ناسی النجاسة وتذکّر فی أثناء الصلاة یکون علیه الإعادة عندهم ، ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح عن علی بن جعفر ، عن الکاظم علیه السلام ، عن رجل ذکر وهو فی صلاته أنّه لم یستنج من الخلاء ، قال : « ینصرف ویستنجی ویعید الصلاة ، وإن ذکر وقد فرغ من صلاته أجزأته ذلک ولا إعادة علیه » (1).

وفی الموثق عن سماعة ، عن الصادق علیه السلام ، عن الرجل یری بثوبه الدم فینسی أن یغسله حتی یصلّی ، قال : « یعید صلاته کی یهتمّ بالشی ء إذا کان فی ثوبه عقوبة لنسیانه » (2). والمنصوص العلة حجّة.

ویدل علیه بعض الإطلاقات فی الأمر بالإعادة الشامل لما رأی فی الصلاة وبعدها. علی أنّه إذا کان جاهلا وعلم فی الأثناء تجب علیه الإعادة بالنصوص الصحیحة الخالیة عن المعارض ، ففی صورة النسیان بطریق أولی. بل یجیئان فی صورة وقوع النجاسة.

قوله (3) : ویشکل بمنع الملازمة. ( 2 : 351 ).

لا یخفی ما فیه ، لأنّه نقل آنفا أنّ الشیخ فی المبسوط احتجّ علی قوله بإعادة الجاهل بأنّه لو علم بالنجاسة فی أثناء الصلاة وجب علیه الإعادة ، وکذا إذا علم فی الوقت بعد الفراغ ، فالشیخ مصرّح بالملازمة ، بل جعل

حکم رؤیة النجاسة فی أثناء الصلاة مع العلم بسبقها

ص: 247


1- التهذیب 1 : 50 / 145 ، الوسائل 1 : 318 أبواب النجاسات ب 10 ح 4.
2- التهذیب 1 : 254 / 738 ، الوسائل 3 : 480 أبواب النجاسات ب 42 ح 5.
3- هذه الحاشیة والتی بعدها لیست فی « أ » و « و».

وجوب الإعادة علی العالم فی الأثناء أصلا مسلّما مفروغا عنه ، وفرّع علیه وجوب الإعادة فی الوقت علی الجاهل العالم بعد الفراغ.

قوله : وبأنّ الشیخ قطع فی المبسوط. مع حکمه فیه بإعادة الجاهل فی الوقت. ( 2 : 351 ).

قد عرفت أنّه صرّح فی المبسوط بوجوب الإعادة علی الجاهل بالنجاسة العالم بها فی أثناء الصلاة بحیث کونه مسلما مفروغا عنه لا تأمّل فیه ، وجعل ذلک علة لوجوب الإعادة علی الجاهل العالم بعد الفراغ فی الوقت ، فکیف یجتمع هذا مع ما صرّح به؟ فیجوز أن یکون مراده ممّا ذکر هنا وجوبه علی غیر الجاهل الذی علم النجاسة فی أثناء الصلاة من دون علم بسبقها ، إذ الأصل عدم السبق وعدم النجاسة إلاّ القدر الذی علم.

قوله : ومقتضی هاتین الروایتین وجوب المضی فی الصلاة. ( 2 : 352 ).

لیس فی الروایتین دلالة واضحة علی ما ذکره بحیث تقاوم الروایتین الأوّلتین ، سیّما مع کون مدلولهما لم یعلم أنّ أحدا قال به ، وسیجی ء عن الشارح فی المسألة الثانیة أنّه یقول : إلاّ أنّی لا أعلم قائلا به. أمّا عدم وضوح الدلالة فإنّ فیها تتمّة حیث قال : « لا إعادة علیک ما لم یزد علی مقدار الدرهم ، وما کان أقلّ من ذلک فلیس بشی ء ، رأیته أو لم تره ، وإذا رأیته وهو أکثر من درهم فضیّعت غسله وصلّیت فیه صلاة کثیرة ، فأعد ما صلّیت فیه » (1) هکذا فی الکافی ، وهو أمتن وأصحّ ممّا فی التهذیب والاستبصار ، مع أنّ الذی فیهما أیضا ربما یمنع عن الدلالة. وأمّا الروایة

ص: 248


1- الکافی 3 : 59 / 3 ، الوسائل 3 : 431 أبواب النجاسات ب 20 ح 6.

الثانیة فلاحتمال رجوع الاستثناء إلی الحکمین والشقّین معا.

مع أنّ الروایتین الأولتین فی أعلی درجة من الصحة والاعتبار ، وموافقتان لغیرهما من الأخبار ، مثل صحیحة أبی بصیر ، عن الصادق علیه السلام ، فی رجل صلّی فی ثوب فیه جنابة. رکعتین ، ثم علم به ، قال : « علیه أن یبتدئ الصلاة » قال : وسألته عن رجل صلّی فی ثوب فیه جنابة أو دم حتی فرغ من صلاته ثم علم ، قال : « قد مضت صلاته ولا شی ء علیه » (1) ویعضدهما بعض الإطلاقات المتضمّنة للإعادة ، فلیلاحظ.

قوله : وإلاّ استأنف. ( 2 : 353 ).

حکمه بوجوب الاستئناف هنا وعدم الوجوب فی المسألة السابقة لا یخلو عن غرابة ، فإنّه فی قوة أن یقول : إن کان مجموع صلاته مع النجاسة فصحیحة ، وإن کان بعضها مع النجاسة فباطلة ، وأنّه یجوز الأوّل دون الثانی!

قوله (2) : لنا علی وجوب الاستمرار. ( 2 : 353 ).

فیه ما عرفت ممّا ذکرنا فی السابق.

قوله : مع إطلاق الأمر بالاستیناف المتناول لهذه الصورة. ( 2 : 354 ).

لا یخفی أنّ المتبادر منها هو الاستئناف فی الوقت ، لظهور لفظ الإعادة ، ولکون ما نحن فیه من الفروض النادرة ، وشمول الإطلاقات لها محلّ نظر وتأمّل ، والشارح لا یرضی بالشمول فی غیر ما نحن فیه ، کما

حکم رؤیة النجاسة فی أثناء الصلاة مع عدم العلم بسبقها
حکم رؤیة النجاسة فی أثناء الصلاة مع ضیق الوقت

ص: 249


1- الکافی 3 : 405 / 6 ، التهذیب 2 : 360 / 1489 ، الوسائل 3 : 474 أبواب النجاسات ب 40 ح 2.
2- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و».

صرّح به مرارا. وعلی تقدیر الشمول فمقاومته (1) لما اعترف به - من أنّ وجوب الصلوات الخمس فی الأوقات المعیّنة قطعی - فیه ما فیه ، سیّما بعد ورود الأخبار الدالة علی أنّ من کان ثوبه أو جسده نجسا ولا یمکنه التطهیر فی ذلک یجب علیه الصلاة قطعا ، ولا یجوز له التأخیر والقضاء (2) ، وهو مفتی به عند العلماء ، إلی غیر ذلک ممّا مرّ فی مسألة التیمم (3).

قوله : عملا بالأصلین : الصحة وعدم النجاسة. ( 2 : 354 ).

أصالة الصحة فی مثل المقام لم نجد لها أصلا ، إلاّ أن یکون المستند أصالة عدم التکلیف بالإعادة ، وکون الامتثال یقتضی الإجزاء ، وأمثال ذلک.

قوله : وهی ضعیفة السند. ( 2 : 355 ).

وإن کانت ضعیفة ، إلاّ أنّها منجبرة بعمل المتأخّرین الذین یشترطون العدالة فی الراوی.

قوله : اقتصارا فی ما خالف الأصل علی مورد النص. ( 2 : 355 ).

فیه : أنّ تحقّق البول خاصّة من الصبی دون الغائط من خرق العادة ، إلاّ أن یبنی علی أنّها کانت تتحرّز عن الغائط ولا تخلّیة یصل إلی ثوبها ، وما کان یمکنها التحرّز عن البول. لکن بعید ، بل ربما شاع استعمال لفظ البول فی البول والغائط فی مثل قولهم : یبول کذا ، وتعارف ، إلاّ أن یبنی علی أنّها یجب علیها غسل الغائط بخصوصه کلما وقع وإن وقع مع البول ، کما هو الغالب ، ولا یغسل ثوبها من جهة البول فی الیوم إلاّ مرّة.

المربیّة للصبی إذا لم یکن لها ثوب تغسل ثوبها مرّة بالیوم

ص: 250


1- فی « ج » و « د » : فمعارضته.
2- انظر الوسائل 3 : 484 أبواب النجاسات ب 45.
3- راجع ص 150 - 151.

وفیه : أنّه فی غایة البعد من ظاهر الروایة ونهایة الخروج عنه ، ولعله لهذا حکم المصنّف - بل وغیره أیضا (1) - بالإطلاق ، فلیلاحظ ولیتأمّل ، ومع ذلک لا یخلو عن تأمّل.

قوله : کون الصلاة واجبة وجه یقع علیه الصلاة فلا یؤثر فیه ما یتأخّر. ( 2 : 357 ).

هذا وارد فی الصلاة عریانا أیضا ، إذ قصد الوجوب فرع العلم ( بالوجوب ) (2) ، وبمجرّد عدم تأتّی العلم هنا لا یثبت العلم بالوجوب فی الصلاة عریانا ، فتأمّل.

قوله : قال فی المختلف بعد حکمه بوجوب الصلاتین من باب المقدّمة. ( 2 : 357 ).

ظاهره أنّه مبتن وفرع علی المسألة الأصولیة ، وهی أن مقدّمة الواجب واجبة شرعا ، کما هو المشهور ، مع احتمال کون المراد من الوجوب هنا مطلق اللزوم ، وأنّه کاف فی نیّة الوجوب ، فتأمّل.

ویمکن الاستدلال علی وجوبها شرعا بالاستصحاب ، بأنّ شغل الذمّة یقینی فلا بدّ من البراءة الیقینیة ، ولا تتحقّق إلاّ بفعلهما معا ، إذ بفعل أحدهما لا تتحقّق إلاّ البراءة الاحتمالیة ، بأنّه یحتمل أن یکون مبرء الذمّة ، ومقتضی الاستصحاب - بل والإجماع أیضا - عدم الاکتفاء بالبراءة الاحتمالیة ، لأنّهم علیهم السلام ما کانوا یرضون بمخالفة الاستصحاب إلاّ فیما ثبت الخلاف شرعا ، وقالوا أیضا : « لا تنقض الیقین بالشک أبدا » (3) إلی غیر ذلک

حکم الصلاة فی الثوب المشتبه بالنجس

ص: 251


1- المصنف فی الشرائع 1 : 54 ، المعتبر 1 : 444 ، الشهید فی الدروس 1 : 127.
2- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
3- انظر الوسائل 1 : 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1.

ممّا ذکرنا فی رسالتنا فی الاستصحاب (1).

ویمکن أن یستدل أیضا بأنّا مأمورون بالإطاعة والامتثال یقینا ، والمرجع فیهما إلی العرف ککثیر من الألفاظ الأخر ، بل وغالبها ، ومعلوم أنّ فی العرف لا یقال لمن احتمل أن یکون أتی بما کلّف به أنّه ممتثل مع أنّه یحتمل أنّه ما أتی بما کلّف به ، وبالجملة : بمجرّد احتمال أنّه أتی بما طلب منه وأنّه لم یأت به لا یعدّ ممتثلا قطعا ، فتأمّل.

وأیضا قد ظهر من حسنة صفوان المذکورة فی المقام وجوب الصلاة فی کل واحد من الثوبین معا ، والأصحاب أفتوا کذلک ، إلاّ أنّ هذا الأخیر غیر متوجه علی ابن إدریس.

قوله : ونحن نقول : إن اشترطت القطع بعدم النجاسة فهو غیر متحقّق. ( 2 : 357 ).

فیه : أنّ الشرط هو الطهارة الشرعیة ولیست بمتحقّقة بمجرّد عدم القطع بالنجاسة الواقعیة ، وإلاّ لکان اللازم الاکتفاء بصلاة واحدة فی الثوب الواحد ، بل ومع وجود الثوب الطاهر أیضا ، وهو رحمه الله مع وجود الطاهر لا یجوز الصلاتین فی الثوبین ، بل یوجب فعلها فی الطاهر ، کما سیذکر فی الفرع الأوّل.

قوله : ومن هنا ینقدح الاکتفاء بصلاة واحدة فی أحد الثوبین. ( 2 : 358 ).

قد مرّ فی مسألة الإنائین المشتبهین اللذین وقع فی أحدهما نجاسة ما یظهر منه اندفاع هذا القدح.

ص: 252


1- الرسائل الأصولیة : 432.

قوله : قال فی المنتهی. ( 2 : 358 ).

حکمه بالوجوب بناء علی اشتراطه قصد الوجه ، ولمّا کان فی صورة عدم الثوب الطاهر یکون الصلاتان معا واجبتین - علی ما ظهر وجهه - یتأتّی قصد الوجه ، وفی هذه الصورة لا یمکن الحکم بوجوب الصلاتین ، وأیضا یظهر من الأخبار وجوب کون الصلاة فی الثوب الطاهر ، وعدم جوازها فی الثوب النجس اختیارا ومهما أمکن ، سیّما علی رأی الأکثر من الصلاة عریانا فی من لیس له إلاّ ثوب نجس وتعذّر تطهیره ، کما سیجی ء.

قوله : احتمل التخییر للحرج. ( 2 : 358 ).

لو لم یکن ظنّ أصلا ، ویحتمل القرعة فی هذه الصورة أو التعدّد بقدر لا یتحقّق الحرج.

قوله : قیل : صلّی فی الآخر وعاریا. ( 2 : 358 ).

هذا بناء علی جواز الصلاة عریانا إذا کان الثوب نجسا یقینا وتعذّر غسله.

قوله : لم أستبعد جوازه. ( 2 : 359 ).

یؤذن هذا بتحقّق إشکال فیه ، ولعل وجهه أنّ فعل الصلاة الأخری من باب المقدّمة تحصیلا للبراءة الیقینیة والإتیان بالمأمور به ، والظهر مقدّمة علی العصر یقینا ، فلا بدّ من إکمالها ثم الإتیان بالعصر ، والإکمال والامتثال یتوقّف علی الصلاة الأخری ، فتأمّل.

قوله : احتجّ الشیخ رحمه الله بما رواه عن سماعة. ( 2 : 360 ).

احتجّ بإجماع الفرقة ، وأنّ النجاسة ممنوع عن الصلاة فیها ، ثم بما رواه سماعة.

قوله : قصور من حیث السند. ( 2 : 360 ).

حکم من لیس له ثوب طاهر

ص: 253

لعله ینجبر بأنّه لا رادّ لهما ، وادعی الشیخ والعلاّمة الإجماع ، کما سنذکر.

قوله (1) : کصحیحة محمد بن علی الحلبی. ( 2 : 360 ).

الحکم بصحته من الخلاصة ، وفیها حکم بصحة أحادیث فی طریقها محمد بن عبد الحمید ، منها طریق الصدوق إلی منصور بن حازم (2).

قوله : وصحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله. ( 2 : 361 ).

فی طریقها أبان بن عثمان الناووسی علی المشهور (3) ، وعلی بن الحکم المشترک عندهم (4).

قوله : ولا یخفی ما فی ذلک من التکلف والخروج عن مقتضی الظاهر. ( 2 : 361 ).

الأمر کذلک ، إلاّ أنّ إجماع الفرقة الذی ادعاه لعله دعاه إلی ذلک ، وهو الظاهر. ویمکن تقویة الجمع الأوسط الذی هو خیر - یعنی ما ذکره من أنّه إذا لم یتمکن من نزعه - بأنّ أکثر الأوقات لا یمکن النزع بسبب البرد ، أو الحرّ ، أو الناظر المحترم ، أو المرض ، أو خوف حدوث المرض ، أو شدته ، أو بطؤ برئه ، أو عسر علاجه. وأمّا ما ورد فی الروایتین فإنّما هو فی الفلاة ، ومع ذلک لا شبهة فی أنّه محمول علی ما إذا لم یکن مانع من النزع.

وجمع الشارح وإن کان أقرب من حیث اللفظ إلاّ أنّه ربما یأباه الإجماع الذی ادعاه الشیخ ، وذهب الأکثر إلی خلافه ، وأنّ الظاهر من کل

ص: 254


1- هذه الحاشیة والتی بعدها لیست فی « ا ».
2- الخلاصة : 277.
3- انظر رجال الکشی 2 : 640 ، والخلاصة : 21.
4- انظر المسالک 1 : 438 ، وهدایة المحدّثین : 216.

أخبار الطرفین تحتّم الفعل ، والاحتیاط الصلاة فی ذلک الثوب وعریانا معا.

ویعضد المشهور أنّ القائلین بعدم حجّیة الخبر الواحد قالوا بقولهم (1) ، والعلاّمة فی المنتهی ادعی الإجماع علی جواز الصلاة عریانا (2).

قوله : إلاّ أنّ ذلک موقوف علی تکافؤ السند. ( 2 : 361 ).

الروایتان الأوّلتان یجبرهما الشهرة بل الإجماع الذی ادعاه الشیخ (3) ، وغیر ذلک ممّا ذکر.

قوله : والأصح عدم الإعادة ، لأنّه صلّی صلاة مأمورا بها ، والأمر یقتضی الإجزاء. ( 2 : 362 ).

الشیخ قائل بکونها مأمورا بها ، وأنّ امتثالها یقتضی الإجزاء ، لکن یقول بوجوب صلاة أخری أیضا ، فالأولی التمسّک بأصل البراءة وإطلاقات الأخبار الصحیحة المتضمّنة للصلاة فی الثوب من غیر تعرض للإعادة (4).

قوله (5) : فقال المفید رحمه الله فی المقنعة. ( 2 : 362 ).

هذا مضمون عبارة الفقه الرضوی مع زیادة فیها ، وهی قوله علیه السلام بعد ذلک : « وأمّا الثیاب فلا تطهر إلاّ بالغسل » (6).

قوله : وربما کان فی کلام ابن الجنید إشعار به. ( 2 : 363 ).

لا إشعار فیه ، بل ظاهر فی المشهور.

المطهرات

مطهریة الشمس وموردها

ص: 255


1- منهم ابن إدریس فی السرائر 1 : 186.
2- المنتهی 1 : 182.
3- الخلاف 1 : 474.
4- فی « ج » و « د » زیادة : قطّ.
5- هذه التعلیقة لیست فی « أ » و « و».
6- فقه الرضا علیه السلام : 304 ، المستدرک 2 : 574 أبواب النجاسات ب 22 ح 5.

قوله (1) : احتجّ الشیخ فی الخلاف بإجماع الفرقة. ( 2 : 363 ).

واعلم أیضا : من مقتضی الملة السمحة مطهّریة الشمس ، إذ لو لم تطهّر لزم الحرج والعسر.

لا یقال : إنّهما یتقدران بقدرهما.

لأنّا نقول : ربما یتردّد فی المقامات کونه حرجا أم لا ، وینجر هذا إلی الحرج ، ومع ذلک أیضا فی الغالب ینجرّ النجاسة وحال الحرج إلی وجوب الاحتراز حال عدم الحرج أیضا ، فیلزم منه الحرج أیضا ، وکذا الحال فی نجاسة شخص یکون الاحتراز حرجا علیه یجرّ الاحتراز إلی غیره أیضا ، للاحتیاج إلی المساورة فی المعاشرة ، فقلّما یتحقّق عدم الحرج. وربما یتحقّق الضرر أیضا بالاجتناب عن مساورة المساجد ونحوها ، ومع ذلک لم یقل أحد بهذا الفعل ، لأنّ القائل بالنجاسة یکون المقام عنده مثل سائر النجاسات یوجب الإضرار مطلقا ، فتأمّل.

قوله : إذا جفّت من غیر أن تغسل. ( 2 : 364 ).

هذا وإن کان مطلقا إلاّ أنّه مقید بکون الجفاف من الشمس أو الریح ، لما دل علی ذلک ، کما هو الطریقة فی حمل المطلق علی المقید ، مع أنّ الغالب کون جفاف الباریة بهما.

قوله : ویمکن أن یستدل بما رواه أبو بکر الحضرمی عن أبی جعفر علیه السلام . ( 2 : 364 ).

ویمکن أن یستدل أیضا بما رواه الکلینی بسنده عن الکاظم علیه السلام أنّه

ص: 256


1- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».

قال : « حق علی الله تعالی أن لا یعصی فی دار إلاّ أضحاها بالشمس لتطهّرها » (1) فإنّ فیها شهادة واضحة علی کون الشمس من المطهّرات واشتهارها فیها ، إذ لو لم تکن مطهّرة لکان مثل أن یقال : یطهّرها نجم الجدی ، أو نظر الإنسان وأمثال ذلک ، فتأمّل.

ویمکن أن یستدل بروایة زرارة وحدید بن حکیم (2) التی سنذکرها لمذهب الشیخ.

ویمکن أن یستدل أیضا بصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام : عن الباریة یبلّ قصبها بماء قذر ، هل یجوز الصلاة علیها؟ فقال : « إذا یبست فلا بأس » (3).

وفی الموثق ، عن عمّار : عن الباریة یبلّ قصبها بماء قذر ، هل یجوز الصلاة علیها؟ فقال : « إذا جفّت فلا بأس بالصلاة علیها » (4) والتقریب فی هذین الخبرین هو ما ذکر فی صحیحة علی بن جعفر المذکورة فی المتن.

قوله (5) : فلأنّها ضعیفة السند. ( 2 : 364 ).

الموثق حجّة ، سیّما مع الانجبار بعمل الأصحاب.

قوله : جواز الصلاة فی ذلک المحلّ مع الیبوسة. ( 2 : 364 ).

ص: 257


1- الکافی 2 : 272 / 18 ، الوسائل 15 : 306 أبواب جهاد النفس ب 41 ح 2.
2- الکافی 3 : 392 / 23 ، التهذیب 2 : 376 / 1567 ، الوسائل 3 : 451 أبواب النجاسات ب 29 ح 2.
3- مسائل علی بن جعفر : 132 / 122 ، قرب الإسناد : 212 / 830 ، التهذیب 2 : 373 / 1553 ، الوسائل 3 : 453 أبواب النجاسات ب 30 ح 2.
4- الفقیه 1 : 158 / 738 ، التهذیب 2 : 370 / 1539 ، الوسائل 3 : 454 أبواب النجاسات ب 30 ح 5.
5- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « ب » و « ج » و « د ».

إن أردت مع الیبوسة من حیث هی هی من غیر مدخلیة الشمس ، ففیه : أنّ المستفاد من الروایة وغیرها أنّ جواز الصلاة مشروط بکون الجفاف من الشمس ، سیّما صدر هذه الروایة حیث قال : سئل علیه السلام عن الموضع القذر یکون فی البیت أو غیره فلا تصیبه الشمس ، ولکنه قد یبس الموضع القذر ، قال : « لا یصلّی علیه وأعلم الموضع حتی تغسله » هذا یدل علی عدم مطهّریة الریح أیضا ، لأنّه علیه السلام لم یستفصل فی سؤاله وحکم بالمنع مطلقا ، وقوله علیه السلام فی آخر الخبر : « وإن کان غیر الشمس. » یدل أیضا علیه.

والحاصل أنّ الصور ثلاثة : الأولی : الجفاف من غیر إصابة شی ء بل بنفسها وطول المدّة. الثانیة : بإصابة الشمس. الثالثة : بإصابة غیر الشمس ، وظهر حکم الکل من الحدیث : وعن الشمس هل تطهّر. ویؤیّده أنّ السؤال کان عن التطهیر فالظاهر المطابقة له. وبالجملة المستفاد من هذه الروایة وغیرها أنّ الجفاف إذا لم یکن من الشمس لا یجوز الصلاة.

وإن أردت أنّ الجواز واللاجواز حینئذ لیسا دلیلین علی الطهارة والنجاسة لجواز کونهما من جهة أخری ، ففساده ظاهر ، لمخالفته الإجماع ، لو لم نقل ضروری الدین ، وکذا مخالفته للطریقة المسلّمة المعهودة فی إثبات نجاسة الأشیاء وعدم نجاستها ، کما لا یخفی علی المطلع علی مواضعه ، وکذا مخالفته للمستفاد من هذه الروایة وغیرها من الروایات ، إذ غیر خفی أنّ عدم الجواز من جهة النجاسة الباقیة التی لم تزل من جفاف غیر الشمس ، فیستفاد أنّ موضع السجود لا بدّ أن یکون خالیا من تلک النجاسة ، فیستفاد اعتبار طهارته ، ویستفاد من جواز الصلاة ارتفاع ذلک المانع ، فالظاهر منه الطهارة ، کما لا یخفی.

ص: 258

وممّا ینبّه أنّ الظاهر أنّ السائل سأل عن حکم الموضع القذر الیابس من غیر الشمس مطلقا ، فأجیب بالمنع عن الصلاة ولزوم غسله ، ثم سأل عن حکمه ما إذا أشرقت علیه الشمس ، وأنّه هل یکون ذلک سببا لطهارته أم لا؟ فأجیب بأنّ الإشراق إذا صار بحیث جفّ به الموضع جاز الصلاة علیه ولا حاجة إلی غسله ، کما هو الظاهر من سکوته عنه فی هذه الصورة ، إذ لو کان باقیا علی النجاسة کان الغسل أولی بالذکر فیها منه فی الصورة الأولی ، لأنّ توهم الطهارة فی هذه الصورة فی غایة الشدّة ، بل لا یفهم الراوی فیها إلاّ الطهارة ، من حیث إنّ جواز الصلاة فیها بإزاء عدم جوازها فی الصورة الاولی ، ولا خفاء فی أنّه فهم منه بقاء النجاسة ، کما أنّه فهم منه فی الصورتین الأخیرتین أیضا کذلک ، لسکوته عن الغسل فیها بإزاء إیجابه فی الصورة الأولی ، وسکوته فی الصورتین من جهة أنّه علم أنّ البقاء علی النجاسة یقتضی الغسل لو أرید الطهارة ، مضافا إلی عدم خفائه فی نفسه.

فإن قلت : الأمر علی ما ذکرت لو لم یکن الإشعار ببقاء النجاسة فی آخر الروایة.

قلت : أولا : أنّه خلاف ما ذکرت.

وثانیا : لو سلّم الاشعار لا بدّ من عدم اعتباره ، لما ذکرنا ، ولمخالفته الإجماع الذی نقله جمع من الأصحاب فی اشتراط طهارة المسجد (1) ، ( مضافا إلی ظهور ذلک من غیر واحد من الأخبار ) (2) ولم یظهر من الراوندی وشریکه المخالفة ، بل الظاهر منهم اعتبار طهارته ، إلاّ أنّهم یقولون بأنّ الأرض والباریة والحصیر حسب إذا جفّفت بالشمس لا غیرها

ص: 259


1- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 555 ، المعتبر 1 : 433 ، المختلف 2 : 130.
2- ما بین القوسین لیس فی « أ ».

یکون حکمها حکم الطاهر فی جواز السجود ، مع أنّ مخالفتهم غیر مضرّة ، کما هو المحقق.

مضافا إلی ظهور أنّها اجتهاد منهم ، لفهمهم ذلک من روایة عمّار ، وأنّهم مخطئون.

علی أنّ المحقّق اختار فی النافع وفی هذا الکتاب خلاف ذلک (1) ، وفی المعتبر وإن رجّح مختار الراوندی وشریکه (2) ، إلاّ أنّه ادعی الإجماع علی اشتراط طهارة المسجد (3) ، بل وصرّح فی هذا الموضع باشتراط طهارة المسجد ، فتأمّل ، وهو ناظر إلی ما ذکرنا.

وأمّا صاحب الوسیلة فربما نقل منه المنع من السجود ، إلاّ أنّه یجوز الصلاة (4) ، فلعله یعتبر طهارة مکان المصلّی ، وهو أحد الأقوال ، لکنه یکتفی فی غیر المسجد بتجفیف خصوص الشمس خصوص الثلاثة ، فتأمّل کلامه.

وأیضا لا بدّ من عدم اعتبار الإشعار ، للإجماع الذی نقله الشیخ ، مضافا إلی ظهور ذلک من روایة زرارة وأبی بکر وغیرهما. مع أنّ البقاء علی النجاسة وتأثیر الطهارة فی خصوص الصلاة علیه من خصوص الشمس فی خصوص المحلّ مخالف للاعتبار وما یظهر من تضاعیف أحکام الطهارة والنجاسة ، بل هو أمر غریب بالنسبة إلیها ، ولذا لو یعرض جواز الصلاة علیه علی عرف أمّة النبی صلی الله علیه و آله لا یفهم إلاّ الطهارة ، ولا یذهب

ص: 260


1- المختصر النافع : 27 ، الشرائع 1 : 73.
2- المعتبر 1 : 445.
3- المعتبر 1 : 433.
4- حکاه عنه فی الذخیرة : 170 ، وانظر الوسیلة : 79.

ذهنه إلی ما ذکرت ، اللهم إلاّ بعد أن یسمع ذلک الاحتمال منکم ، وأیضا هذا مخالف لظاهر صحیحة ابن بزیع ، کما لا یخفی ، فتأمّل.

وثالثا (1) : الکلام فی الإشعار ، وفی ادعائه تأمّل ظاهر ، لمکان الاختلالات فی آخر الخبر وتعدّد الاحتمالات ، سیّما وبعضها ظاهر فی طهارة المحلّ ، مثل أن یکون قوله علیه السلام : « وإن کان غیر الشمس » بالغین المعجمة والراء ، کما وجدناه فی أکثر نسخ التهذیب ، موافقا للاستبصار ، ویکون کلمة « إن » وصیلة فی الموضعین ، ولا یخفی رجحانه علی الشرطیة بعد إمعان النظر.

أو یکون شرطیة ویکون قوله علیه السلام : « وإن کانت رجلک. » مرتبطا بالیبس بغیر الشمس بعد إصابة الشمس ، بأنّ یکون المراد من قوله : « وإن أصابته الشمس » ذلک لا الیبس بالشمس ، فیکون علیه السلام حکم بالطهارة به ، وبجواز الصلاة مع بقاء المحلّ علی النجاسة بالأوّل ، وعدم الجواز مطلقا مع عدم إصابتها مطلقا والجفاف بغیرها.

وهذا الاحتمال أظهر بحسب العبارة ، لخلوّها عن التکرار والتأکید الذی هو خلاف الأصل. وعدم ظهور القائل به غیر مضرّ بعد القول بالتوقّف فی اشتراط طهارة محل السجود ، من جهة عدم ثبوتها من الخبر ، إذ لو سلّمنا عدم ثبوت الإجماع لکن لا شک فی عدم ظهور قائل بعدم الاشتراط ، فتدبّر.

وعلی تقدیر أن یکون « عین الشمس » بالعین المهملة والنون ، یحتمل أن یکون قوله بعد ذلک : « حتی ییبس » متعلقا بقوله : « فلا تصلّ » ویکون المراد الیبس بالشمس علی قیاس ما مرّ ، وما یقتضیه سیاق العبارة. ومقرّب

ص: 261


1- فی النسخ زیادة : فی.

هذا الاحتمال أنّ الشیخ فی باب الزیادات ذکر هذه الروایة خالیة عن عبارة : « وإن کان عین الشمس أصابته » (1) ولا شک أنّه حینئذ یکون « حتی ییبس » متعلقا بقوله : « فلا تصلّ » ، والجمع مهما أمکن لازم ، وهذا أیضا من مرجّحات کون کلمة « إن » وصلیة مطلقا ، ویقرّبه أنّ الوصل مزیة فی الکلام لا حاجة إلی ذکرها فی إفادة أصل المطلوب ، فتدبّر.

فهذه (2) احتمالات ثلاثة ظاهرة فی طهارة المحلّ متأیّدة بالمؤیّدات والمقرّبات.

وممّا یؤیّد أیضا خلوّ الخبر عن مخالفة ظاهر آخره لظاهر أوّله ، وغیر ذلک ، علی ما أشرنا إلیه سابقا. علی أنّه علیه السلام فی مقام جواب السؤال صرّح بالمنع فی النجس الرطب ، وکذا مع رطوبة ملاقیه وفصّل وطوّل ، فکیف یکتفی فی ما هو الأصل فی الجواب والعمدة فی البیان بمجرّد الإشعار؟! سیّما مع غرابة نفس الحکم ومخالفتها لکل من أحکام الطهارة والنجاسة والمعهود بین المسلمین والمتعارف بینهم فیهما ، علی حسب ما أشرنا إلیه ، فتأمّل.

علی أنّ متن الروایة إنّما هو من عمّار کسائر متون روایاته ، فإشعاره لا اعتداد به کما لا یخفی علی الممارس ، فتأمّل.

وممّا لا یلائم الاحتمال الذی فیه الإشعار أنّه کان المناسب حینئذ ذکر الجبهة خاصّة فی قوله علیه السلام : « وإن کانت رجلک. » وعدم ضمّ الرجل وغیره إلیه ، بعد ما أطلق اشتراط جواز الصلاة فی الموضع بکون التجفیف من الشمس ، وربط هذا القول به ، إذ یشعر حینئذ باشتراط طهارة سائر

ص: 262


1- التهذیب 2 : 372 / 1548.
2- من هنا إلی آخر الحاشیة لیس فی « ا ».

المواضع أیضا ، فلیتأمّل. ولو سلّمنا الإشعار فلعله من غرائب روایات عمّار ، وقد مرّ ما یشیر إلی ( الوجه ) (1) فتأمّل.

وبالجملة : هذه الموثقة واضحة الدلالة علی أمور :

الأوّل : کون جفاف غیر الشمس لا یطهّر ولا ینفع.

الثانی : اشتراط طهارة المسجد حیث صرّح بأنّه لا یصلّی علیه إذا یبس لغیر الشمس ، وشرط فی الصلاة علیه کون الیبس بالشمس.

الثالث : أنّ جفاف الشمس لیس مثل جفاف غیر الشمس قطعا ، لأنّ الراوی بعد ما سأل عن حال جفاف غیر الشمس وسمع الجواب عن حکمه سأل عن الشمس هل تطهّر؟ فأجیب بجواب آخر قطعا (2) ، وصرّح بأنّ حکمه لیس حکم جفاف غیر الشمس ، فلو کان حکمهما واحدا لاجیب بأنّ حکمهما واحد ، وأنّه مثل الأوّل من دون حاجة إلی تغییر وتبدیل وتفصیل فی الآخر وتطویل ، ولکان جمیع ما ذکره فی جوابه لغوا بحتا ، وتطویلا بلا طائل مضرّا بالمقصود ، لأنّه صریح فی خلافه.

الرابع : أنّ تجفیف الشمس مطهّر ، لما ذکر من القرائن الواضحة الکثیرة.

وممّا یؤیّد أیضا أنّه علیه السلام لم یقل : تجفیف الشمس مطهّر ، بل قال : « إذا کان الموضع قذرا من البول وغیره » ، أی ما یشبه البول فی أنّه لا جرم له حتی یمکن تطهیره بالشمس ، وبالجملة : شرط فی تطهیرها کون القذارة من مثل البول.

وممّا یؤیّد أیضا أنّه لم یقل فی الجواب : إنّه مطهّر ، بل قال : « صلّ

ص: 263


1- بدل ما بین القوسین فی « ب » و « ج » و « د » : المقصود.
2- لیس فی « د ».

علیه » حتی لا یتوهم من الطهارة معنی آخر ، کما أنّ فی الصورة الأولی قال : « لا تصلّ علیه » ولم یقل : إنّه نجس. وبالجملة : نبّه علی اتحاد المراد من الصلاة علیه وعدم الصلاة علیه ، وأنّ فی الصورتین لیس المراد إلاّ أمرا واحدا ، وهو الطهارة الشرعیة وعدمها ، بأنّه : کما أنّ المراد من عدم الصلاة هو إظهار النجاسة وبقاؤها ، فکذا فی الصورة الثانیة المراد عدم النجاسة وعدم بقائها ، ونبّه أیضا علی أنّ مفهوم النجاسة الشرعیة هو عدم جواز الصلاة مثلا ، کما أنّ مفهوم الطهارة الشرعیة هو جواز الصلاة.

الخامس : قول الراوی فی الصورة الاولی : لا تصیبه الشمس ، وفی الصورة الثانیة : الشمس هل تطهّر؟ فیه شهادة واضحة علی اشتهار (1) مطهّریة الأرض مثلا بالشمس وکونها مطهّرة لها ، کما یظهر ذلک من الأخبار الأخر أیضا. مضافا إلی ظهور ذلک من الخارج من فتاوی الشیعة وأهل السنّة ، وفیه أیضا شهادة واضحة علی أنّ المراد من مطهّریة الشمس وحصول الطهارة بها هو المعنی المعروف المعهود بین المسلمین فی هذه الموثقة وغیرها من الأخبار.

وبالجملة : الإشعار یتوقّف علی ظهور کون النسخة بالعین المهملة أو کون « أن » شرطیة والأوّل قد عرفت حاله ، وأمّا الثانی فبعید أیضا ، لبعد کون ذلک إشارة إلی ما ذکر فی صدر الحدیث من جواز الصلاة فی خصوص صورة الیبوسة ، مضافا إلی أنّه قد صرّح فی الصدر بالمنع ، فیکون هذا تکرارا ، مع أنّه علی هذا لا یناسب ذکر کلمة « إنّ » مع الضمیر فی الجواب ، لمرجوحیة کون الضمیر راجعا إلی الشأن المقدر ، لأصالة عدم التقدیر.

ص: 264


1- فی « و» : اشتراط.

وأیضا ظاهر قوله : « فإنّه » عدم کونه جواب الشرط ، کما لا یخفی علی المتأمّل ، فتأمّل.

قوله (1) : لا یقال : إطلاق الإذن فی الصلاة. ( 2 : 365 ).

لقائل أن یقول : إطلاق الإذن وعدم اشتراط جفاف الثوب والبدن ممّا یلاقیه ظاهر فی الطهارة ، فالإطلاق والعموم وإن کان یشمل ما إذا جفّت بغیر الشمس ، لکن خرج ما خرج بالوفاق والدلیل ، وبقی الباقی.

قوله (2) : جواز السجود علیها. ( 2 : 365 ).

بل ظاهر کون الصلاة علیها السجود علیها أیضا.

قوله : فإنّا لم نقف له علی مستند سوی الإجماع المنقول. ( 2 : 365 ).

نقله المصنف فی المعتبر ، والعلاّمة فی التذکرة والمنتهی والمختلف ، وابن زهرة ، والشهید فی الذکری (3).

قوله : فیجوز أن یکون هذا الفرد من النجس ممّا یجوز السجود علیه. ( 2 : 365 ).

بعد تسلیم الاشتراط لا یبقی لما ذکره وجه ، إذ لا دلیل علی استثناء هذا الفرد ، ( بل ظاهر الأدلة یصیر هو الطهارة البتّة.

قوله (4) : لهذه الأدلة. ( 2 : 365 ).

ص: 265


1- هذه الحاشیة لا توجد فی « ب ».
2- هذه الحاشیة لا توجد فی « ب » و « ج » و « د ».
3- المعتبر 1 : 445 ، التذکرة 2 : 399 ، المنتهی 1 : 253 ، المختلف 2 : 130 ، الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 555 ، الذکری : 160.
4- هذه الحاشیة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».

لم نجد دلیلا علی بقاء النجاسة ) (1) حتی یثبت خلاف الشرط.

قوله : قد روی عن أخیه علیه السلام جواز الصلاة علی المحل. ( 2 : 365 ).

( لم یرو کذلک ، بل ورد الصلاة فی البیت والدار ، والصلاة فی البیت غیر الصلاة علی الباریة ، کما هو ظاهر ) (2).

قوله : وأمّا روایة أبی بکر فضعیفة السند جدّا. ( 2 : 365 ).

لا یخفی أنّ الضعف منجبر بشهرة العمل ( مع أنّ الراوی عنه أحمد بن محمد بن عیسی ، بقرینة علی بن الحکم ، وأحمد هو الذی أخرج البرقی عن قم بسبب روایته عن المجاهیل (3) ) (4).

والمراد هو غیر المنقول بالنص والإجماع ، خرج ما خرج بهما وبقی الباقی ، بل یمکن أن یقال : إنّ المعهود عند الشیعة طهارة هذا القسم خاصّة لیس إلاّ ، لو کان واقعا طاهرا.

وبالجملة : المعهود المستأنس من الأخبار وکلام الفقهاء من الشیعة وأهل السنّة ، أنّ السؤال والجواب فی مطهّریة الشمس ومثلها ، وکذا الحکم بها ، إنّما هی فی غیر المنقول ، وأمّا المنقول مثل الثوب والظرف فلا ، بل الأمر بالنسبة إلیه التطهیر بالماء خاصّة ( وکذا الحال فی طهارة النعل والقدم بالمشی ، والکفر بالإسلام ، فتدبّر ) (5) کما هو الوارد فی النصوص ، بل نقول : عدم مدخلیة الشمس فی المنقول من ضروریات الدین فکان ظاهرا

ص: 266


1- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
2- بدل ما بین القوسین فی « أ » و « و» : لیس کذلک ، بل الوارد فیها جواز الصلاة فی المحلّ المذکور لا علی المحل المذکور ، کما سنذکر الروایة. وتأتی الروایة فی ص 526.
3- انظر الخلاصة : 14.
4- ما بین القوسین لیس فی « أ ».
5- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

عند الراوی ، ولم یحتج إلی التقیید والتخصیص ، کما هو ظاهر.

قوله : ومع ذلک فهی متروکة الظاهر. ( 2 : 365 ).

إن وقع إجماع أو دل دلیل علی متروکیة الظاهر فکیف یقول : لا دلیل علیه؟! ، وإلاّ فکیف یحکم بکونها متروکة الظاهر؟! وهذا تناقض ظاهر ، فتدبر.

قوله : وتخصیصها بغیر المنقول لا دلیل علیه. ( 2 : 365 ).

لا یبعد أن یقال : لم یعهد أن یقال للثوب : أشرقت علیه الشمس ، ولا للظرف کذلک ، بل المعهود المأنوس عند الإطلاق من دون قرینة ، أنّ ما أشرقت علیه الشمس شی ء من شأنه الموضوعیة ، یقال : للجبل : أشرقت علیه الشمس ، وکذا للأرض وأمثالهما ، ولا یقال لمثل الخاتم ، والدرهم والدینار وأمثال ذلک ، فنمنع تبادر مثل الثوب والظرف أیضا ، فتأمّل.

قوله : وقد یناقش فی الروایة من حیث المتن بجواز حمل الطاهر علی المعنی اللغوی. ( 2 : 365 ).

لا یخفی أنّ النظافة اللغویة ( أمر تعرفها النساء ، فضلا عن الرجال ، فضلا عن مثل زرارة ، فضلا عن أن یسأل عن حصولها عن مثل الباقر علیه السلام من أهل الحکم الشرعی ، وخصوصا فی هذا المقام ، إذ لا ربط للسؤال عن حصول النظافة اللغویة ) (1) بالنسبة إلی النجس بالنجاسة الشرعیة ، ولا ربط لحکایة الصلاة وکونها فی مکانها ، وکذا لا ربط لاشتراط التجفیف بالشمس ، ولا لکون الجزاء جواز الصلاة علیه ، ولا للتعلیل بکونه نظیفا لغویا ، وبالجملة ما احتمله أمر عجیب.

ص: 267


1- ما بین القوسین ساقط من « أ ».

فإن قلت : لعل غرضه [ أنّ ] (1) الحمل علی المجاز اللغوی وإن کان معنی شرعیا لکنه غیر معلوم کونه المعنی المصطلح علیه.

قلت : المدار فی جمیع مواضع الفقه أنّه بعد وجود القرینة الصارفة عن المعنی اللغوی یحمل علی المصطلح علیه البتة ، ولعل وجهة أنّ الشارع استعمل فیه قطعا وکثر استعماله إلی أن وقع النزاع بین الفحول فی صیرورته حقیقة شرعیة وقال به الأعاظم ، بل ویظهر ذلک من تتبّع الأحادیث ، ولا شک فی صیرورته حقیقة فی قرب من الزمان بعد الشارع ، فعلی تقدیر عدم الثبوت لم یکن هذا المعنی مثل سائر المعانی المجازیة التی لم یظهر بعد استعمال الشارع ، فضلا عن کثرة الاستعمال ، بل وغیر مأنوس ولا معهود عند العلماء ، بل ولا معروف أنّه ما ذا؟. ( علی أنّ المحققین ) (2) علی أن زمان الباقر والصادق علیهماالسلام حاله حال زمان المتشرّعة لا الشارع ، وإنّه لیس ذلک محلاّ للنزاع ( کیف؟ وهذا النزاع کان فی زمانهما علیهماالسلام أو من أهل ذلک العصر أو ما قاربه ، فکیف یتصور کونه محلا للنزاع؟ ) (3) وبالجملة لتحقیق المرام مقام آخر ، فتدبر.

مع أنّ حمل سؤال زرارة علی کونه من خصوص الکراهة واستحباب التجنب فی غایة البعد ، بل یمکن القطع بفساده ، إذ ظاهر أنّ سؤاله عن حکایة النجاسة وجواز الصلاة وعدمه من جهتها ( والکلینی رواها بسنده (4).

وهذا نص فی کون الطهارة بالمعنی المصطلح ، ویؤیّده أیضا اشتهار هذا

ص: 268


1- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.
2- ما بین القوسین لیس فی « ج ».
3- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
4- انظر الکافی 3 : 392 / 23.

المعنی بین الشیعة وغیرهم.

وفی الصحیح ، عن علی بن جعفر عن أخیه علیهماالسلام : عن البیت والدار لا یصیبهما الشمس ویصیبهما البول ویغتسل فیهما من الجنابة ، یصلی فیهما إذا جفّا؟ قال : « نعم » (1). وفیها شهادة واضحة علی اشتهار کون الشمس من المطهرات عند الشیعة. مع أنّه یظهر منها أنّ علی بن جعفر الجلیل کان یعتقد مطهّریة الشمس ، وأنّه لما لم تصبهما وقع إشکال علیه ، والمعصوم علیه السلام قرّره علی اعتقاده.

ویظهر أنّ الصلاة فی المکان لا یشترط فیه طهارة المکان إذا کان جافّا ، والصلاة فی المکان غیر الصلاة علی الأرض مثلا ) (2).

وفی الفقه الرضوی (3) : « وما وقعت علیه الشمس من الأماکن التی أصابها شی ء من النجاسة مثل البول وغیره طهّرتها ، وأمّا الثیاب فلا تطهر إلاّ بالغسل » (4).

علی أنّ المناقشة إنّما یکون إذا کان الاستدلال بخصوص لفظ الطهارة لا بمفهوم الشرط الذی هو حجّة. ومرّ عن الشارح الاعتراف بأنّ النجاسة إنّما تستفاد غالبا من أمر الشارع بالغسل (5) ، وغیر خفی أنّه لیس مراده خصوص الغسل ، بل هو وأمثاله ، لأنّ بعض النجاسات إنّما یستفاد من منع

ص: 269


1- قرب الاسناد : 196 / 743 ، الفقیه 1 : 158 / 736 ، الوسائل 3 : 453 أبواب النجاسات ب 30 ح 1.
2- ما بین القوسین لیس فی « أ ».
3- فی « ب » و « ج » و « د » زیادة : الفقه الرضوی منجبر بعمل القدماء ، سیّما فی المقام فإنّه منجبر بعمل الأصحاب.
4- فقه الرضا علیه السلام : 303 ، المستدرک 2 : 574 أبواب النجاسات ب 22 ح 5.
5- مدارک الأحکام 2 : 259.

الصلاة ، فیظهر من المقایسة والمقابلة إرادة الطهارة التی هی بإزاء النجاسة وفی مقابلها ، سیّما مع ضمّ قوله : « فهو طاهر » وتفریعه.

ویمکن الاحتجاج بمثل هذه الروایة من جهة أخری ، وهو الإذن فی الصلاة علیها علی الإطلاق ، والرخصة ، من دون شرط یبوسة الثوب والبدن وموضع ملاقاتهما ، سیّما وحکم بعده بالطهارة علی الإطلاق ، وإن قلنا إنّها بالمعنی اللغوی ، لأنّ الحکم بالنظافة علی الإطلاق - من غیر تنبیه ببقاء کثافة وقذارة ولزوم تنزّه واحتراز عنها فی حال من الأحوال - دلیل علی الطهارة الشرعیة ، بل هو عینها ، إذ لا نعنی بها إلاّ ذلک ، ففی الخبر وجوه متعدّدة من الدلالة یؤکّد بعضها بعضا ویعاضد ، فتدبّر.

قوله : هل تطهّره الشمس من غیر ماء؟. ( 2 : 366 ).

فیه شهادة علی أنّ الطهارة الاصطلاحیة کانت معهودة فی السؤال عنها من جهة إشراق الشمس ، وأنّها کانت محل إشکالهم ، ومشهورة ومعهودة بین المسلمین ، لا المعنی الغریب الأجنبی غیر المعهود وغیر المأنوس ، فتأمّل.

قوله (1) : وأجاب الشیخ عنها فی التهذیب. ( 2 : 366 ).

حمل هذه الروایة علی التقیة ، لموافقتها جماعة من العامة (2).

قوله : بأنّ المراد به إذا لم یجفّفه الشمس. ( 2 : 366 ).

یعنی أنّ « یصیبه » فعل مضارع ، وهو یفید الاستمرار التجدّدی ، فالمعنی : یصیبه إصابة بعد إصابة علی الدوام والاستمرار ، فیکون من قبیل

ص: 270


1- هذه التعلیقة لیست فی « ج » و « د ».
2- کما فی الوسائل 3 : 453 ، وانظر الأم للشافعی 1 : 52 ، والمغنی لابن قدامة 1 : 775 ، والمجموع للنووی 2 : 596.

الموضع الذی یتخذ مبالا ، وسیجی ء فی روایة زرارة وحدید بن حکیم استثناء المتخذ للمبال (1) ، فلاحظ ، وغیر خفی أنّه قلّما یتفق فی مثل هذه الصورة الجفاف التام من الشمس بالنسبة إلی کل إصابة إصابة ، ومعلوم أنّ مثل هذا لا تطهّره الشمس ، کما هو مضمون روایة زرارة وحدید ، ومجمع علیه بین الأصحاب.

مع أنّ السائل سأل وقال : هل تطهّره الشمس من غیر ماء؟ ولم یقل هل تطهّره الشمس؟ وظاهر أنّ قوله : من غیر ماء ، قید لقوله : هل تطهّره الشمس ، والنفی والإثبات إنّما یرجعان إلی القید ، کما هو المحقّق ، فالمعنی أنّه هل تطهّره جافّا من غیر رطوبة ولا صبّ ماء أم یحتاج تطهیرها إلی التجفیف ونشف الرطوبة؟ فلا بدّ من صبّ الماء لو لم یکن رطوبة ، ویشیر إلی ذلک أیضا تنکیر لفظ الماء.

وحمل العبارة علی أنّ المراد هل تطهره الشمس أم لا تطهره بل المطهّر هو الماء خاصّة ، بعید وخروج عن مقتضی العبارة ، کما لا یخفی.

فظهر أنّ ما ذکره رحمه الله لیس حملا بل هو الظاهر المستفاد من مقتضی العبارة ، ولو سلّم عدم الظهور فلا نسلم المرجوحیة ، ولو سلّمت فهو حمل فی غایة القرب ، وأین هو من المحامل البعیدة المسلمة عند الشارح فی مواضع لا تحصی؟ کما لا یخفی ، بل لا شک أنّه أقرب من حمل الطاهر علی المعنی اللغوی ، کما ارتکبه فی الحدیث ، وبیّنا فساده بما لا مزید.

ویمکن الحمل علی أنّه إذا تراکم الأبوال أو النجاسات - علی ما

ص: 271


1- یأتی فی ص 273.

اقتضاه ظاهر « تصیبه » - لا یذهب عین النجاسة بالشمس ، فلا بدّ من إذهابها بالماء حتی یطهّره الشمس ، یعنی ذهاب الأثر الذی هو النجاسة بالشمس.

أو یحمل علی أنّه فی هذه لا یطهر بالشمس بل یطهر بالماء ، أو یکون سؤاله عن طهارة نفس الأرض والسطح لا ظاهرهما ، ولهذا قیّد بالماء الذی هو المسری فی الأعماق ، وأرجع الضمیر إلی نفس السطح والأرض فقال : کیف یطهر المجموع من کل واحد منهما من غیر ماء؟ أو یحمل علی الاتّقاء ، لأنّ الراوی وزیر الخلیفة (1).

وأمّا حکایة الإضمار فلأنّ الظاهر أنّ المسؤول هو الإمام علیه السلام ، لکن الظاهر لا یعارض النص ، کما هو ظاهر ، وظاهر أنّ هذا الطعن منهم إنّما هو فی مقام الترجیح لا مطلقا عند من یعمل بالظاهر مطلقا ، فتدبّر.

فظهر المرجوحیة فی هذا الخبر - علی تقدیر تسلیم التعارض - من وجوه کثیرة : من السند ، والدلالة ، ومخالفة الإجماع أو الشهرة إن لم نقل بتحقّق الإجماع ، وکذا حجّیة الإجماع المنقول بخبر الواحد ، والأوفقیة بمذهب العامة أو التقیة ، فتأمّل ، والشذوذ والندرة بحسب العدد أیضا ، من حیث إنّه معارضه مستفیض ، والأبعدیة عن الملّة السمحة السهلة ، بل واقتضاؤه الحرج ، کما هو غیر خفی ، والمخالفة لما هو الظاهر من العادة المستمرة فی الأعصار والأمصار من عدم غسلهم الحبوب والخضروات والثمرات والبقولات ، وإن عرض لها النجاسة سابقا ، بل منها ما یربّی بالعذرة والنجاسات فی جمیع الأمصار ، ومنها ما یربّی فی أکثر الأمصار ، ومنها ما یربّی فی مصر دون مصر ، وکذا الحال فی عدم الاحتراز عن

ص: 272


1- انظر رجال الکشی 2 : 835 ، ورجال النجاشی : 330.

الأبنیة ، فإنّها فی غالب البلدان لا تتحقّق إلاّ متنجّسة بالنجاسات المشاهدة المحسوسة ، إمّا فی مائها ، أو مختلطة مع ترابها ، أو جصّها ، أو صاروجها ، أو اللّبن ، والظاهر أنّ الحال کان کذلک أیضا فی الأعصار السابقة ، کما لا یخفی علی المتأمّل المنصف.

قوله : وبالجملة فالمسألة محلّ توقّف. ( 2 : 366 ).

فیه - مضافا إلی ما عرفت - : أنّه مضی عنه وسیجی ء فی بحث مطهریّة الأرض وغیره أنّ الأصل عدم التکلیف بغسل النجاسة عن هذه الأشیاء (1).

قوله : فإن جواز الصلاة فی المحلّ لا یستلزم الطهارة ، کما بیّنّاه. ( 2 : 366 ).

ولا یخفی أنّ الصلاة فیهما لا یستلزم وضع الجبهة علی أرضهما ، والجواب عن أحدهما لا یستلزم الجواب عن الآخر. وعلی تقدیر الاستلزام لعله محمول علی التقیة ، لما مرّ. ولعل حال عدم الطهارة بمجرّد الجفاف وحال طهارة موضع السجدة واحدة بالقیاس إلی الإجماع ، فلا وجه للتشبّث به فی إثبات عدم اشتراط الطهارة من الروایة ، فتدبّر.

قوله : علی أنّ المراد أنّها تطهر. ( 2 : 367 ).

لا یخفی أنّ نظر الشیخ فی حکمه فی الموضع الآخر إلی ما رواه هو والکافی بسندهما الصحیح إلی زرارة وحدید بن الحکیم ، قالا : قلنا لأبی عبد الله علیه السلام : السطح یصیبه البول ، أیصلّی فی ذلک الموضع؟ فقال : « إن کان یصیبه الشمس والریح وکان جافّا فلا بأس به ، إلاّ أن یتخذ مبالا » (2) ،

حکم الجفاف بغیر الشمس من ریح أو غیرها

ص: 273


1- المدارک 2 : 374.
2- الکافی 3 : 392 / 23 ، التهذیب 2 : 376 / 1567 ، الوسائل 3 : 451 أبواب النجاسات ب 29 ح 2.

وکلمة الواو بمعنی « أو » ، لأنّ اشتراط التطهیر بهما معا مخالف للإجماع والأخبار المستفیضة ، إذ المستفاد من کل منهما أنّ الشمس إمّا مطهّرة مطلقا أو لا مطلقا. ولمّا کان الظاهر منهما أنّها مطهّرة مطلقا ، وهذا الحدیث أیضا حجّة بمقتضی الدلیل والظاهر ، ویظهر منه أنّ الریح حاله حال الشمس ، ویظهر منه أیضا اشتراط جواز الصلاة بإصابة الشمس والریح ، فیظهر منه کونهما مطهّرین ، وکون حالهما واحدا فی التأثیر ، هذا.

مع أنّ الجمعیة معنی مجازی لکلمة « واو » أعنی المعیة ، بل معناه الحقیقی مشارکة المعطوف للمعطوف علیه فی ما حکم علیه ، وأیضا العطف فی قوة تکریر العامل ، فیصیر الحدیث هکذا : إن کان تصیبه الشمس وإن کان تصیبه الریح فلا بأس ، فظاهر هذا هو ما أفتی به الشیخ.

فظهر ممّا ذکرنا أنّ هذا الحدیث الصحیح من الشیخین فی الکتابین أیضا دلیل من الأدلة الدالة علی تطهیر الشمس ، وحمل علی إعانة الریح فی الجفاف (1) ، وهو لا ینافی مطهّریة الشمس.

ولا یخفی أنّ الکلینی رحمه الله ظاهره موافقة الشیخ فی هذا الموضع.

والتنافی فی کلامی الشیخ باق ، واختلاف الرأی منه ومن غیره من المجتهدین غیر عزیز ، بل العزیز عدم الاختلاف ، بل ربما جعل عدمه مانعا لتحقّق الاجتهاد وحصول الرتبة.

ویمکن الاستدلال لهما بروایتی علی بن جعفر المتقدّمتین ، وموثقة عمّار عن الصادق علیه السلام : الباریة یبلّ قصبها بماء قذر ، هل یجوز الصلاة

ص: 274


1- انظر مرآة العقول 15 : 298.

علیها؟ فقال : « إذا جفّت فلا بأس بالصلاة علیها (1) » (2) بحمل الأخبار علی هبوب الریح ، بناء علی عدم الانفکاک غالبا عادة ، لکن ما ذکر عن المنتهی فی الفرع الأوّل ربما یمنع عن الاعتماد والوثوق ، فلیتأمّل.

وبالجملة : إنّ کان مثل ما ذکره حجّة فلا وجه للتأمّل فی مطهّریة الشمس ، وإلاّ فلا وجه للتأمّل فی ما أفتی به الشیخ ، فتأمّل.

قوله : والمعتمد الطهارة. ( 2 : 368 ).

لعل الأولی أن یجعل الدلیلان دلیلا واحدا ، بأن یقال : الأصل طهارة الأشیاء ، ولا دلیل علی نجاسته سوی کونه عذرة مثلا ، والآن لیس بعذرة قطعا ، فتأمّل.

قوله (3) : لأنّها الأصل فی الأشیاء. ( 2 : 368 ).

ویمکن الاستشهاد بالإطلاقات الواردة فی إسراج الدهن النجس (4) ، فتأمّل.

قوله (5) : ولأنّ الحکم بالنجاسة معلّق علی الاسم فیزول بزواله. ( 2 : 368 ).

لعل مراده من زوال الاسم زوال الحقیقة والماهیة ، وإلاّ یشکل الأمر فی کثیر من المواضع ، مثل صیرورة الطین آجرا ، والعجین خبزا وغیر

مطهریة الاستحالة بالنار وغیرها

ص: 275


1- الفقیه 1 : 158 / 738 ، التهذیب 2 : 370 / 1539 ، الوسائل 3 : 454 أبواب النجاسات ب 30 ح 5.
2- فی « ب » و « ج » و « د » زیادة : بناء هذا الاستدلال علی ما ادّعاه الشارح ( الشیخ ) من الملازمة بین الصلاة فی المکان وإصابة الجبهة ، فتدبّر.
3- هذا الحاشیة لیست فی « ا ».
4- انظر الوسائل 17 : 97 أبواب ما یکتسب به ب 6.
5- هذه الحاشیة لیست فی « ب ».

ذلک ، فتأمّل.

قوله : کما یتوقّف علیه ابتداؤه. ( 2 : 368 ).

قد بیّنا فی رسالتنا فی الاستصحاب أنّه لا یجری فی الموضع الذی تتغیر ماهیته وتتحقّق استحالته (1) ، فلیلاحظ.

قوله (2) : وعلی هذا یکون إسناد التطهیر إلی النار حقیقة. ( 2 : 368 ).

فالضمیر یرجع إلی الجصّ الممزوج بالعذرة المحترقة عادة ، وأمّا استناد التطهیر إلی الماء فلعله لاحتمال أن یکون الجصّ ینجس بالدسومة الخارجة عن عظام الموتی بالاحتراق ، وورد : رشّ الماء وصبّه علی الموضع الذی شک فی نجاسته (3) ، فهذا الصبّ أیضا نوع تطهیر ورفع قذارة شرعا.

قوله : وتکون الطهارة الشرعیة مستفادة. ( 2 : 368 ).

لکن علی هذا لا یظهر أنّ المطهّر ما ذا؟ والمطهّرات محصورة معروفة لم یوجد شی ء فی المقام ، فتأمّل.

قوله : وخبر الحسن بن محبوب المقدم. ( 2 : 369 ).

وجه الاستدلال به أنّ المعصوم علیه السلام لم یفصّل بأنّ العظام کانت رطبة أو یابسة ، وکذا الجصّ ، مع أنّه فی الغالب بمجرّد الاحتراق یخرج منها دسومة وتصل الجصّ ، وفی الغالب تکون العظام المذکورة نجسة ، فتأمّل.

حکم اللبن المضروب من طین نجس

ص: 276


1- رسالة الاستصحاب ( الرسائل الأصولیة ) : 443.
2- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».
3- الوسائل 3 : 466 أبواب النجاسات ب 37 ح 2 ، المستدرک 2 : 583 أبواب النجاسات ب 30 ح 3.

قوله : جعل الله التراب طهورا. ( 2 : 369 ).

یمکن المناقشة بأنّ المفرد المحلّی باللام ینصرف إلی الأفراد المتعارفة الشائعة.

قوله : أمّا الثانیة فبالإرسال. ( 2 : 370 ).

لا طعن فیها ، لما عرفت مرارا.

قوله : ما یدل علی نجاسة العجین صریحا. ( 2 : 371 ).

الظهور کاف ، والظاهر منها النجاسة ، نعم بعد ما ثبت من الأدلة من أنّ البئر لا ینفعل بالملاقاة ترتفع الدلالة ، فتأمّل.

قوله : فجاز أن تکون طاهرة. ( 2 : 371 ).

بعید ، نعم لا یظهر منها تحقّق العلم بالنجاسة حال الاستعمال ، والأصل الطهارة حتی یستیقن النجاسة ، فتأمّل.

قوله : فلا مانع من جواز بیعه من المسلم. ( 2 : 371 ).

المانع من البیع عندهم لیس منحصرا فی عدم جواز الانتفاع ، بل الأعیان المتنجّسة التی لا تقبل الطهارة لا یجوز عندهم بیعها ، کما یعلم من موضعه.

قوله : لعدم ثبوت کون ذلک مأثما. ( 2 : 371 ).

الکفّار عندنا مکلّفون فی الفروع ، فتتحقّق الإعانة فی الإثم ، نعم یتوجه هذا علی العلاّمة رحمه الله أیضا من جهة حکمه بجواز البیع من الحربی ، فتأمّل.

قوله : وکذا الکلام فی الحنطة والسمسم إذا انتقعا فی الماء النجس. ( 2 : 371 ).

فیه ما مرّ عند قول المصنّف : ویعصر الثیاب من النجاسات ، عند

حکم العجین النجس

ص: 277

قولهم : إنّ ما لا ینفصل الغسالة عنه یطهر بالکثیر أو الجاری (1).

قوله : ومقتضی کلامه. ( 2 : 372 ).

فی دلالته ضعف وتأمّل.

قوله : وربما ظهر من کلام الشیخ فی الخلاف. ( 2 : 372 ).

فی الظهور تأمّل ، بل الظاهر أنّ استدلاله فیه غفلة منه ، فتأمّل جدّا.

قوله : قال : « لا بأس إذا کان خمس عشرة ذراعا أو نحو ذلک » ( 2 : 373 ).

لعل التخصیص بخمسة عشر بناء علی أنّ الغالب عدم التطهیر بأقل من ذلک من النجاسات المتعارفة ، فتأمّل.

قوله : ویعضد هذه الروایات. مع انتفاء الأمر به علی الخصوص ( 2 : 374 ).

هذا مبنی علی منعه حجّیة الاستصحاب ، لکنه مخالف لطریقته فی کثیر من المواضع ، حیث یقول : ثبت نجاسته شرعا ، فلا بدّ من ثبوت طهارته شرعا ، وأیضا حال الأرض حال الشمس ، وقد مرّ منه فی الشمس ما مرّ ، وسیجی ء فی عدم طهارة أسفل العصا والرمح أیضا ما یخالف المقام (2).

قوله : فما لا جرم له أولی. ( 2 : 374 ).

فی القیاس بطریق الأولویة هنا نظر ظاهر ، فالعمدة إطلاق النص والفتوی.

مطهریة الأرض

تطهر الأرض باطن الخف والقدم

ص: 278


1- راجع ص 231.
2- انظر المدارک 2 : 375.

قوله : ویبوستها. ( 2 : 374 ).

لا وجه لاعتبار الیبوسة ، بل اشتراط الطهارة مع یبوستها أیضا محلّ مناقشة ، فتأمّل.

وفی الصحیح عن جمیل بن درّاج ، عن المعلّی بن خنیس ، عن الصادق علیه السلام : الخنزیر یخرج من الماء فیمرّ علی الطریق فیسیل منه الماء ، وأمّر علیه حافیا ، فقال : « ألیس وراءه شی ء جافّ؟ » قلت : بلی ، قال : « فلا بأس ، إنّ الأرض یطهّر بعضها بعضا » (1) وربما کان فیها وفی روایة الأحول إیماء إلی طهارة الأرض المطهّر ، فتأمّل ، ولعله أحوط.

قوله : « ما أصابه من الماء أکثر منه ». ( 2 : 375 ).

وبما یظهر من قوله علیه السلام : « ما أصابه من الماء أکثر منه » عدم اختصاص هذا الحکم بماء المطر ، بل کون ذلک حکم الماء من حیث هو هو. وقوله : فیکف ، معناه : فیقطر ، وربما کان معناه : یقطر من السقف ، بعنوان غور الماء فیه وخروجه من طرف داخل البیت.

لکن روی الشیخ بإسناده الصحیح ، عن جعفر بن بشیر ، عن عمر بن الولید ، عن أبی بصیر ، عن الصادق علیه السلام : عن الکنیف یکون خارجا فتمطر السماء ، فتقطر علیّ القطرة ، قال : « لیس به بأس » (2) ویعضد الروایة عمل الأصحاب والشهرة فی الفتوی ، ومرسلة الکاهلی.

قوله : ثبوت البأس فی أخذ ذلک الماء للوضوء مع عدم الجریان. ( 2 : 376 ).

المتبادر من البأس فی مثل المقام هو النجاسة ، ومفهوم الشرط حجّة ،

حکم ماء الغیث الواقع علی النجاسة

ص: 279


1- الکافی 3 : 39 / 5 ، الوسائل 3 : 458 أبواب النجاسات ب 32 ح 3.
2- التهذیب 1 : 424 / 1348 ، الوسائل 1 : 147 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 8.

ویمکن حمل المطلق علی المقید ، سیّما إذا کان المقید أغلب ، فتأمّل. ویعضده استصحاب النجاسة حتی یثبت خلافها.

ثم إنّه نقل عدم الخلاف فی أنّ ماء المطر لا ینفعل بالملاقاة (1) ، فتأمّل فیه. والظاهر أن ماء المطر لا ینفعل بالملاقاة ، إلاّ أن تطهیره لا یبعد أن یعتبر فیه الجریان ، والله یعلم.

قوله : فلا یتعین کونه جاریا من میزاب ونحوه. ( 2 : 376 ).

لعل مراد الشیخ مجرّد الجریان ، ویکون مثل المیزاب علی سبیل المثال ، وأنّه المعروف (2) لتحقّق الجریان ، فتأمّل.

قوله : وروی أبو هریرة. ( 2 : 378 ).

قیل : هذه الروایة وردت بمتن آخر أیضا ، وهو أنّه صلی الله علیه و آله أمر بنقل التراب النجس ، ثم أمر بذنوب من الماء فأهریق علیه (3). ولهذا لم یعمل بها بهذا المتن.

قوله : لا بأس به. ( 2 : 378 ).

قد تقدم الکلام منا فی ذلک فی بحث انفعال الماء القلیل بالملاقاة (4).

قوله : قد روی بعض أصحابنا. ( 2 : 379 ).

فیه شهادة علی أنّ المراد من الآنیة أعم ممّا هو المتبادر منه ، فتأمّل.

قوله (5) : فیکون سرفا. ( 2 : 380 ).

الأوانی والجلود

حرمة الأکل والشرب فی آنیة الذهب والفضة

ص: 280


1- انظر الذخیرة : 121.
2- فی « ب » و « ج » و « د » : المعرّف.
3- انظر المعتبر 1 : 449 ، وسنن أبی داود 1 : 103 / 381.
4- راجع ج 1 : 60 - 63.
5- هذه الحاشیة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».

فیه أیضا ما لا یخفی.

قوله : وطلب الرئاسة المهلکة ( 2 : 380 ).

لا یخفی ما فیه ، فإنّ طلب الرئاسة (1) لا ینحصر فی خصوص الظرف ، ولا فی الذهب والفضّة ، سیّما الفضّة ، إذ الجواهر لا مناسبة بینها وبین الفضّة فی علوّ الثمن (2) وحصول الرفعة ، فتأمّل.

قوله : تردّد ، منشؤه. ( 2 : 381 ).

لا تردّد فی کونهما آنیة حقیقة ، نعم یمکن دعوی عدم کونهما من الأفراد المتبادرة ، مع تأمّل فی ذلک ، مع أنّک عرفت أنّ صحیحة ابن بزیع یشهد علی المنع کیف کان ، وکذا ما سیذکره من تلک الصحیحة.

وفی الفقیه ، عن برید ، عن الصادق علیه السلام : کره الشرب فی الفضّة ، وفی القدح المفضّض ، وکذلک التدهّن من مدهن مفضّض ، والمشط کذلک (3).

وفی الکافی والتهذیب ، فی الصحیح عن الکاظم علیه السلام : عن السرج واللجام فیه الفضّة ، أیرکب به؟ قال : « إن کان مموها لا یقدر علی نزعه فلا بأس ، وإلاّ فلا یرکب به » (4) ، والمموه : ان یکون طلی بفضّة أو ذهب.

وفی الکافی ، بسنده عن الصادق علیه السلام : عن السریر فیه الذهب ، أیصلح إمساکه فی البیت؟ فقال : « إن کان ذهبا فلا ، وإن کان ماء الذهب

کراهة استعمال الإناء المفضّض

ص: 281


1- فی « ج » و « د » زیادة : المهلکة.
2- فی « ج » و « د » : الشأن.
3- الفقیه 3 : 222 / 1032 ، المحاسن : 582 / 66 ، الکافی 6 : 267 / 5 ، الوسائل 3 : 509 أبواب النجاسات ب 66 ح 2 ، 3.
4- الکافی 6 : 541 / 3 ، التهذیب 6 : 166 / 313 ، الوسائل 11 : 497 أبواب أحکام الدوابّ ب 21 ح 1.

فلا بأس » (1). لکن ورد فی الأخبار عدم البأس فی تحلیة السیف بالذهب والفضّة ، وأنّ نعل سیف رسول الله صلی الله علیه و آله وقائمته فضّة ، وفیه أیضا حلق من فضّة ، وکذا فی درعه (2).

قوله : فیه ضبّة فضّة. ( 2 : 383 ).

وفی الکافی ، بسنده إلی عمرو بن أبی المقدام : أنه رأی الصادق علیه السلام قد اتی بقدح من ماء فیه ضبّة من فضّة نزعها بأسنانه (3).

قوله : لأنّ الماء أسرع نفوذا من غیره. ( 2 : 389 ).

ربما یبقی فی مسامات الظروف المذکورة الأجزاء الخمریة الیابسة المنجمدة العالقة ، فإن علم زوالها فلا کلام فی حصول الطهارة ، وإلاّ فبمجرّد الاستدلال بکون الماء أسرع نفوذا لا یحصل العلم بالزوال ، بل ولا الظنّ.

قوله : والجواب عن الأوّل أوّلا بالمنع عن ما ذکره. ( 2 : 389 ).

المنع لا یکفی فی ثبوت المطهّر الشرعی بعد الحکم بالنجاسة الشرعیة.

قوله : فیتصل بما یحصل فیه من المأکول والمشروب ( 2 : 389 ).

فیه : أنّه ینجس المأکول والمشروب حینئذ ، والکلام إنّما هو علی تقدیر نجاسة الخمر ، کما هو المشهور والأقوی.

کراهة استعمال الأوانی الخشبیّة ونحوها

ص: 282


1- الکافی 6 : 476 / 10 ، الوسائل 3 : 510 أبواب النجاسات ب 67 ح 1.
2- الوسائل 5 : 104 أبواب أحکام الملابس ب 64.
3- الکافی 6 : 267 / 6 ، الوسائل 3 : 510 أبواب النجاسات ب 66 ح 6.

والحاصل : أنّ أجزاء الخمر إن کانت تزول بالغسل البتّة - کما ذکره - فلا وجه للنهی ، وإن کان من الجهة التی ذکرها ، مع أنّها بعینها کلام المستدل ومطلوبه ، وإلاّ فلا وجه لما ذکره : من أنّ الماء أسرع نفوذا ، ولا شی ء من جوابیه.

قوله : ویغسل الإناء. ( 2 : 390 ).

فی الفقه الرضوی : « فإن وقع فی الإناء وزغ أهریق ذلک الماء - أی ماء الإناء - ، وإن وقع کلب أو شرب منه أهریق الماء وغسل الإناء ثلاث مرّات ، مرّة بالتراب ، ومرّتین بالماء ، ثم یجفّف » (1).

قوله (2) : إلاّ أنّ المصنف فی المعتبر نقله بزیادة لفظ مرّتین. ( 2 : 390 ).

وفی الغوالی أیضا نقل الحدیث بلفظ مرّتین (3).

قوله : ولا یبعد أن تکون الزیادة وقعت سهوا. ( 2 : 391 ).

لا یخفی ما فیه ، إذ کیف یتحقق إجماع من الأصحاب ، واتفاق قدمائهم ومتأخّریهم علی الفتوی بتکرار الغسل ، وأفتی المصنّف أیضا فی کتبه کذلک ، ویأتی بدلیل لذلک ویرید إثباته من الحدیث (4) ، فکیف یجوز کون ذلک محض سهو من قلم الناسخ ، والباقون قلّدوه؟ إذ لعلهم اطلعوا علی کون الحدیث کذلک فی کتاب مدینة العلم أو غیره من الأصول ، ویشیر إلی ذلک وجود لفظ « مرّتین » فی الفقه الرضوی ، واتفاق القدماء

حکم الإناء الذی ولغ فیه الکلب

ص: 283


1- فقه الرضا علیه السلام : 93 ، المستدرک 2 : 602 أبواب النجاسات ب 45 ح 1.
2- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».
3- عوالی اللآلئ 2 : 212 / 143 ، 4 : 48 / 171.
4- انظر الشرائع 1 : 56 ، والمعتبر 1 : 458.

والمتأخّرین ، ونقل الإجماع (1).

وکیف کان لا تأمّل فی الفتوی ، للإجماع المنقول ، والفقه الرضوی المنجبر بعمل الأصحاب ، سیّما فی المقام ، لاتفاقهم علی عدم الاکتفاء بالمرّة. ویعضده أیضا ما سیجی ء فی قول المصنف : ومن غیر ذلک مرّة. ، فتأمّل.

وأیضا کیف یوجب الغسل مرّتین فی نجاسة غیر الولوغ ، ویکتفی فیها بالمرّة؟ فیمکن أن یکون المراد : اغسله أوّل مرّة بالتراب ثم بالماء ، یعنی : علی الطریقة المعهودة فی الغسل ، فتأمّل.

قوله : واعتبار التجفیف. ( 2 : 391 ).

ذکر فی الفقه الرضوی (2) وطریقته العمل به.

قوله : ومع تعذّر الحقیقة یصار إلی أقرب المجازات. ( 2 : 392 ).

لکن یوجب کون التراب مستعملا فی معناه المجازی ، والأصل فی استعماله الحقیقة ، وهو أولی من أقربیة المجاز ، فعلی تقدیر المزج یتحقّق مجازان ، وعلی المشهور یتحقّق مجاز واحد ، فهو أولی جزما ، فتأمّل. والأحوط فعلهما معا ، تحصیلا للطهارة الیقینیة.

قوله : وألحق ابن بابویه. ولا نعلم مأخذه. ( 2 : 393 ).

قد عرفت مستنده ، وأنّه الفقه الرضوی.

قوله : لو أصاب الثوب أو الجسد أو الإناء. ( 2 : 393 ).

ص: 284


1- انظر الانتصار : 9 ، والخلاف 1 : 175 ، والغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 551 ، والمنتهی 1 : 187 ، والذکری : 15.
2- راجع ص 283.

لا یبعد الحکم بوجوب التعفیر وغسل الظرف بالماء مرّتین بانصباب ماء الولوغ فیه ، سیّما إذا انصبّ جمیع الماء فیه ، إذ مدخلیة کونه فی الإناء الأوّل فی الحکم المذکور لعلّه فی غایة البعد ، فیضعف شمول العمومات الدالة علی تطهیر النجاسات بمجرّد الغسل لهذه الصورة ، - علی تقدیر تسلیم العموم - والنجاسة ثابتة مستصحبة حتی یثبت خلافه. ویمکن أن یقال بمثل ذلک إذا انصبّ جمیع الغسالة فیه. بل استقرب العلاّمة فی النهایة إلحاق هذا الماء بالولوغ ، وعلّله بوجود الرطوبة اللعابیة (1) ، فتأمّل.

قوله : لحصول الغرض من الإزالة. ( 2 : 396 ).

الطهارة تحتاج إلی دلیل شرعی ، لأنّه محکوم بالنجاسة شرعا ، فلا بدّ من ثبوت رافع لها ، إلاّ أن یکون الغرض الاستناد إلی الإطلاقات والعمومات لو کانت ، والموثق حجّة ، والشیخ ادّعی إجماع الشیعة علی العمل بروایات عمّار ومن ماثله (2) ، فتأمّل.

قوله : بما رواه عن عمّار الساباطی. ( 2 : 397 ).

لعلّ مراده منها ما رواه عن الصادق علیه السلام أنّه سأله عن الدنّ یکون فیه الخمر ، هل یصلح أن یکون فیه خلّ أو ماء أو کامخ أو زیتون؟ قال : « إذا غسل فلا بأس وعن الإبریق وغیره یکون فیه خمر ، أیصلح أن یکون فیه ماء؟ قال : « إذا غسل فلا بأس ». لکن بعد هذا بلا فصل قال : فی قدح أو إناء یشرب فیه الخمر ، قال : « یغسله ثلاث مرّات » سئل : أیجزیه أن یصبّ فیه الماء؟ قال : « لا یجزیه حتی یدلکه بیده ویغسله ثلاث مرّات » سئل : أیجزیه أن یصبّ فیه الماء؟ قال : « لا یجزیه حتی یدلکه بیده ویغسله

وجوب غسل الإناء من الخمر ثلاث مرّات

حکم التعدد فی غسل الإناء من سائر النجاسات

ص: 285


1- نهایة الإحکام 1 : 295.
2- انظر عدّة الأصول 1 : 380.

ثلاث مرّات » (1) وفیه ما لا یخفی.

والموثق حجّة ، سیّما مع دعوی الشیخ اتفاق العصابة علی العمل بروایات عمّار ومن ماثله ، وخصوصا بعد ثبوت النجاسة وتحقّقها شرعا ، وکون الإزالة تحتاج إلی دلیل شرعی من إجماع أو عموم ، فتأمّل.

ص: 286


1- الکافی 6 : 427 / 1 ، التهذیب 1 : 283 / 830 ، الوسائل 3 : 494 أبواب النجاسات ب 51 ح 1.

کتاب الصلاة

قوله : والظاهر أنّ هذا المعنی لیس بحقیقة لغة. ( 3 : 5 ).

ویمکن أن یکون لفظ الصلاة ، والزکاة ، والحجّ ، والصوم ، والغسل وما یرادف هذه الألفاظ فی لغة غیر العرب صارت حقیقة فی العبادة المخصوصة فی الشرع المتقدّم علی شرع الرسول صلی الله علیه و آله ، فإنّ کفّار العرب کانوا قبل الرسول یحجّون وکانوا یسمّون ذلک حجّا ، وکذا الیهود والنصاری کانوا یصلّون بحسب شرعهم ، وکان العرب یسمّی صلاة ، وغیر العرب ما یرادف ذلک اللفظ ، وکذا کانوا یصومون ویزکّون ویغتسلون من الجنابة ، فلا یبعد صیرورة تلک الألفاظ حقائق فی عباداتهم قبل زمان الرسول صلی الله علیه و آله ، والرسول غیّر بعض أجزاء عباداتهم أو أکثرها ، ولا یقتضی ذلک تغیّر الاستعمال بحسب الحقیقة ، کما هو الحال فی المعاملات ، فتأمّل (1).

قوله : إذ لا یفهم عند الإطلاق من لفظ الصلاة عند أهل العرف إلاّ ذات الرکوع أو السجود أو ما قام مقامهما. ( 3 : 8 ).

کتاب الصلاة

فی معنی الصلاة لغةً

ص: 287


1- لیس فی « و».

سیذکر رحمه الله أنّ المتبادر من لفظ الصلاة هو الفریضة الیومیة ، وهو کذلک ، إلاّ أنّ عدم صحة السلب دلیل الحقیقة ، ولعلّه موجود فی صلاة المیّت أیضا ، فتأمّل.

قوله : ونقل الشیخ فیه الإجماع. ( 3 : 10 ).

ربما یظهر من کلامه فی التهذیب وقوع الخلاف فی النوافل النهاریة دون اللیلیة ، وأنّه فهم الخلاف من الأخبار (1).

قوله : إذ لا دلالة فی ما تضمّن الأقل علی نفی استحباب الزائد. ( 3 : 12 ).

فی جملة الحدیث المعروف الذی رواه عبد الله بن زرارة عن الصادق علیه السلام فی اعتذاره إلی زرارة من جهة ذمّة له - وهو مذکور فی الکشّی - : « فلا یضیقنّ صدرک من الذی أمرک أبی وآمرک وأتاک أبو بصیر بخلاف الذی أمرناک ، فلا والله ما أمرناک ولا أمرناه إلاّ بأمر وسعنا ووسعکم الأخذ به ، ولکل ذلک عندنا تصاریف ومعان یوافق الحق ». إلی أن قال : « وعلیک بالصلاة الستة والأربعین » إلی أن قال : « والذی أتاک به أبو بصیر من صلاة إحدی وخمسین والإهلال بالتمتّع بالعمرة إلی الحجّ فلذلک عندنا معان وتصاریف یسعنا ویسعکم ، ولا یخالف شی ء من ذلک الحقّ ولا یضادّه » (2) فلاحظ الحدیث وتأمّل مجموعه ، فإنّ فیه فوائد عظیمة.

قوله : ونافلة العصر ثمان رکعات قبلها ( 3 : 13 ).

قال الصدوق فی أمالیه : من دین الإمامیة الإقرار بأنّ نافلة العصر ثمان رکعات قبلها ، والمغرب أربع رکعات بعدها ، والعشاء رکعتان من جلوس

أعداد الصلاة

نوافل الصلوات

نوافل الظهر والعصر

ص: 288


1- التهذیب 2 : 9.
2- رجال الکشی 1 : 349 / 221 ، الوسائل 11 : 257 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 11.

تحسبان برکعة ، وهی وتر لمن لم یلحق الوتر فی آخر اللیل (1) ، انتهی. وکذا فی عیون أخبار الرضا علیه السلام فی ما کتب للمأمون من محض الإسلام إلی قوله : « وهی وتر. » (2).

قوله : الأفضل المبادرة بها. ( 3 : 14 ).

فی کشف الغمّة أنّ الجواد علیه السلام صلّی المغرب ، فقرأ فی الأولی الحمد وإذا جاء نصر الله ، وفی الثانیة الحمد وقل هو الله أحد ، وصلّی الثالثة وتشهّد وسلّم ، ثم جلس هنیئة یذکر الله تعالی ، وقام من غیر أن یعقّب ، فصلّی النوافل أربع رکعات ، وعقّب بعدها ، وسجد سجدتی الشکر ، الحدیث (3) ، لکن فی روایة رجاء بن أبی ضحّاک فی العیون : أنّ الرضا علیه السلام کان إذا صلّی المغرب وسلّم جلس فی مصلاّه یسبّح الله ویحمده ویهلّله ما شاء الله ، ثم یسجد سجدة الشکر ، ثم یرفع رأسه ولم یتکلم حتی یقوم ویصلّی أربع رکعات بتسلیمتین ، الحدیث (4).

قوله : والظاهر أنّ المراد به سجدة الشکر والکل حسن. ( 3 : 16 ).

وقد ذکرنا ذلک عن الرضا علیه السلام ، وذکرنا عن الجواد علیه السلام أنّه سجد بعد السابعة ، فالکل حسن ، کما قال. ( لکن اختیار السابقة أولی ، لاحتمال کون ما نقل بعد الثلاث غیر سجدتی الشکر ) (5).

کراهة الکلام بین المغرب ونافلتها

ص: 289


1- أمالی الصدوق : 511.
2- عیون أخبار الرضا علیه السلام 2 : 121 / 1.
3- کشف الغمّة 2 : 358.
4- عیون أخبار الرضا علیه السلام 2 : 180 / 5 ، الوسائل 4 : 55 أبواب أعداد الفرائض ب 13 ح 24.
5- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

قوله : لورود النصّ علی الجلوس فیهما فی الروایات الکثیرة. ( 3 : 16 ).

الظاهر من الأخبار أنّ وضع هذه الصلاة من جلوس تکمیلا للخمسین (1) ، وإن صلّیت قائما فهو أفضل من الجلوس ، من حیث إنّه أحمز ، ومن روایة سلیمان والحارث. والقیام هنا أمر زائد علی نفس الصلاة بحسب الوضع ، کما أنّه یذکر فی الرکوع ألف تسبیح أو خمسمائة ، فإنّه ثواب زائد علی حدة.

قوله : السادسة : المستفاد من الروایات الصحیحة المستفیضة أنّ الوتر اسم للرکعات الثلاث. ( 3 : 17 ).

المستفاد هو الإطلاق ، وهو أعمّ من الحقیقة ، وأطلق فی الأخبار علی الرکعة الواحدة أیضا مکرّرا ، منها ما سنذکره فی الفائدة السابعة عن العیون (2) ، ولعلّه فی اصطلاحنا مشترک بینهما.

قوله : وتارة بأنّ المراد من التسلیم ما یستباح به من الکلام وغیره. ( 3 : 18 ).

هذا فی غایة الغرابة بعد ورود النص علی کون الوتر ثلاث رکعات مفصولة ، وأنّ الفصل بینها متفق علیه بین الأصحاب ، فیتعیّن أن یکون هو الحجّة ، وهو اللازم.

وأمّا ما ورد من الأخبار المعارضة فعلی القول باستحباب التسلیم - کما هو رأی الشیخ رحمه الله ومن وافقه - لا معارضة أصلا ، فإنّ القول بأنّ صلاة الظهر للإنسان أن یسلّم فیها وأن لا یسلّم ، لا یقتضی أن یجوز الفصل

إنّ الجلوس فی الرکعتین اللتین بعد الشعاء أفضل من القیام

المستفاد من الروایات أنّ الوتر اسم للرکعات الثلاثة

ص: 290


1- انظر الوسائل 4 : 94 أبواب أعداد الفرائض ب 29.
2- یأتی فی ص 292.

والوصل بین الظهر والعصر ، بأن یکون المکلّف مخیّرا بین الثمان الرکعات متصلات أو أربع وأربع.

وعلی القول بالوجوب فیمکن أن یقال بالاستحباب فی الصلاة المستحبّة ، کقراءة السورة بعد الحمد.

وعلی القول بالوجوب الشرطی فیها أیضا فیمکن استثناء الوتر ، بأن یقال بالاستحباب فیها خاصّة.

وإن کان إجماع مرکّب لا یمکن من [ جهته ] (1) القول بالفصل فیتعیّن الحمل علی التقیّة أو علی أن المراد « السّلام علیکم ». ومن تأمّل الأخبار یجد أنّ السّلام المطلق منصرف إلیه. فلا بعد أصلا بعد ظهور ذلک من أخبار متعدّدة ، والله یعلم.

مع أنّ الخبر إذا کان شاذّا لا بدّ من طرحه وعدم العمل به ، فعلی فرض دلالتها علی ما ذکر یکون اللازم عدم جواز العمل به ، وإذا احتمل التقیّة تعیّن الحمل ، إذ الراجح حینئذ الحمل علیها ، وکذا لو احتمل غیرها. والشیخ أعرف بمذاهب العامّة والخاصّة والضرورة وغیرها. والأئمّة علیهم السلام أمرونا بالأخذ بما خالف العامّة وترک ما وافقهم ، وأنّ الرشد فی خلافهم (2) ، وأمثال ذلک فی أخبار لا تحصی ، کما أمرونا بالأخذ بما اشتهر بین أصحابنا وما یشبه أحکامهم (3) وأمثال ذلک.

قوله : وکلّ ذلک خروج عن الظاهر من غیر ضرورة. ( 3 : 18 ).

حمل المعارض علی الاستحباب أیضا خروج عن الظاهر ، بل بعض

ص: 291


1- فی النسخ : جهة ، والظاهر ما أثبتناه.
2- انظر الوسائل 27 : 106 أبواب صفات القاضی ب 9.
3- انظر الوسائل 27 : 106 أبواب صفات القاضی ب 9.

منها فی غایة البعد ، والشارح رحمه الله ما ذکره. مع أنّ الحمل علی « السّلام علیکم » لا خروج عن الظاهر بعد ملاحظة الأخبار ، وظهور تعارف إطلاق التسلیم علی خصوص « السّلام علیکم » ، وکذا الحمل علی التقیّة بعد ملاحظة ما ذکرنا ، بل ویتعیّن. مع أنّ رفع التعارض إن کان ضرورة فکیف یقول : من غیر ضرورة؟ وإلاّ فکیف یحمل علی الاستحباب الأخبار الکثیرة فی غایة الکثرة ، المتضمّنة لکون الثلاثة مفصولة شرعا ، والأمر بالفصل وغیر ذلک؟ مع کون ذلک مذهب الأصحاب موافقا لسائر الأخبار المتواترة ، والمعارض علی خلاف ذلک.

قوله : وقل هو الله أحد. ( 3 : 19 ).

وفی العیون فی روایة رجاء : أنّ الرضا علیه السلام کان یقرأ فی کلّ من رکعتی الشفع الحمد لله وقل هو الله أحد ثلاث مرّات ، وفی الوتر یتوجّه فیها ویقرأ بعد الحمد قل هو الله ثلاث مرّات ، وقل أعوذ بربّ الفلق مرّة ، وقل أعوذ بربّ الناس مرّة. وفی هذه الروایة : أنّه کان یقرأ فی الرکعتین الأوّلتین من صلاة اللیل ستّین مرّة قل هو الله فی کلّ رکعة ثلاثین مرّة (1). کما روی ذلک عن الصادق علیه السلام ، رواه الصدوق فی أمالیه : « وأنّه من فعل ذلک انفتل ولیس بینه وبین الله عزّ وجل ذنب » (2).

قوله : یستحبّ القنوت فی الرکعة الثالثة من الوتر. ( 3 : 19 ).

وفی العیون عن رجاء : أنّ الرضا علیه السلام کان یقنت فی الشفع أیضا بعد القراءة وقبل الرکوع (3).

آداب صلاة اللیل

ص: 292


1- راجع ص 289.
2- أمالی الصدوق : 462 / 5 ، الوسائل 6 : 130 أبواب القراءة فی الصلاة ب 54 ح 2.
3- راجع ص 289.

وما قیل : من أنّ فی الوتر - أی الرکعة الأخیرة - قنوتین ، أحدهما قبل الرکوع والآخر بعده (1) ، فلیس بشی ء بل الذی یقرأ بعد الرکوع هو دعاء ، وهو الذی یذکره الشارح رحمه الله ولیس کلّ دعاء قنوتا ، وإلاّ ففی الصلاة یتحقّق قنوتات کثیرة ، والقنوت مستحبّ فیه التکبیر ورفع الید فیه وفی تکبیره بالنحو المعهود.

قوله : الاستغفار سبعین مرّة. ( 3 : 19 ).

بأیّ کیفیة یکون ، لیس له کیفیة خاصّة ، وإن کان العمل بصحیحة عمر بن یزید أولی ، لأنّه مستحبّ علی حدة ، ولو قال : أستغفر الله ربّی وأتوب إلیه ، لعلّه أکمل ، فتأمّل.

قوله : وروی عن أبی الحسن علیه السلام . ( 3 : 21 ).

لا یخفی أنّ المستفاد من الروایة أنّ هذا مجرّد دعاء یقرأ بعنوان الدعاء ، لا أنّه قنوت یقرأ بعنوانه ، فلا حاجة إلی رفع الید وبسط الکفّ والتکبیر للرفع ، ولا نیّة القنوت ، ولا یستحبّ شی ء من ذلک له ، فما قیل : ( إنّ فی الوتر قنوتین : أحدهما قبل الرکوع والآخر بعده ، لم نجد مستنده ، وما قیل : ) (2) إنّ القنوت هو الدعاء (3) ، فیه ما فیه ، لما عرفت من أنّ الدعاء لا یستحبّ فیه شی ء مما ذکر ، ولا یفعل بنیّة القنوت ، مع أنّه لو کان کذلک ففیه قنوتات متعددة ، بل فی غیره أیضا من الصلوات ، فتدبّر.

قوله : من صلّی بین العشاءین رکعتین. ( 3 : 22 ).

وربما قیل : إنّ هاتین الرکعتین من جملة الأربع رکعات التی هی نافلة

ص: 293


1- انظر المعتبر 2 : 241.
2- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
3- انظر المعتبر 2 : 241.

المغرب (1) ، ولم نعرف مأخذه ، بل هذا خلاف ظاهر الخبر ، فتأمّل.

قوله : کان إذا اهتمّ ترک النافلة. ( 3 : 22 ).

مع أنّ مضمونهما ربما لا یخلو عن إشکال ، لأنّ همّ المعصوم علیه السلام لو کان من أمر دنیوی فهم علیهم السلام أمروا بالاستعانة بالصبر والصلاة ، وإلاّ کان اللازم الاهتمام بفعل الصلاة ، مع أنّه تعالی کان عندهم أحبّ کلّ شی ء ، وهمّهم کان مقصورا فیه ، وکانوا مستغرقین فی محبته تعالی لا یعتنون بشی ء بعده تعالی ، والله یعلم.

قوله : کصحیحة الحسن بن زیاد الصیقل. ( 3 : 25 ).

الروایتان الأوّلتان وإن لم تکونا صحیحتین ، إلاّ أنّهما منجبرتان بالشهرة العظیمة.

وأمّا صحیحة حمّاد فالظاهر منها أیضا صحة النافلة جلوسا ، إلاّ أنّ مقتضاها نقص مثل هذه عن صلاة القائم ، وهو موافق لعموم : « أفضل الأعمال أحمزها » (2) ، لکن ورد فی بعض الأخبار : أنّ النافلة جلوسا تامّة کاملة للشیعة أو للمؤمنین (3) ، فلاحظ وتأمّل ، ومع ذلک ظاهر أنّ القیام لهم أشقّ وأحمز ، فیکون هذا فضیلة زائدة عن نفس صلاتهم ، فتأمّل.

قوله : وربما کان مستنده ما رواه ابن بابویه عن الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام . ( 3 : 27 ).

وفی العیون فی روایة رجاء المعتمد علیها أنّ الرضا علیه السلام کان یصلّی

جواز الجلوس فی النافلة مع الاختیار

الکلام فی سقوط الوتیرة فی السفر

ص: 294


1- انظر روضة المتقین 2 : 289 ، والبحار 84 : 101.
2- النهایة لابن الأثیر 1 : 440 ، مجمع البحرین 4 : 16 ، البحار 67 : 191 ، 237.
3- الکافی 3 : 410 / 2 ، الفقیه 1 : 238 / 1048 ، التهذیب 2 : 170 / 677 ، الوسائل 5 : 492 أبواب القیام ب 5 ح 1.

الوتیرة فی السفر (1). ویؤیّده أیضا : ما ورد فی بعض الأخبار من تقیید الصلاة التی تصیر فی السفر رکعتین - لا قبلهما ولا بعدهما شی ء - بالنهاریة (2) ، فلاحظ.

ویؤیّده أیضا : ما فی بعض الأخبار أنّ الوتیرة وتر تقدّم من جهة أنّها ربما تفوت من الإنسان ، ومن کان یؤمن بالله ورسوله لا یبیتنّ إلاّ بوتر (3). مع أنّ السنن یسامح فی أدلّتها ، فتأمّل.

وفی الفقه الرضوی تصریح بعدم سقوط الوتیرة فیه (4). وقال الصدوق رحمه الله فی أمالیه : من دین الإمامیة الإقرار بأن لا یصلّی فی السفر من نوافل النهار شی ء ، ولا یترک فیه من نوافل اللیل شی ء (5).

قوله : ولم یثبت توثیقهما. ( 3 : 27 ).

لکنّهما من مشایخ الإجازة ، وربما یحکم الشارح بصحّة حدیث أمثالهما ، بل وصحّة حدیثهما (6) ، علی ما أظنّ.

قوله (7) : سواء قلنا بتعیّن الإتمام أو جوازه ( 3 : 28 ).

بل وتعیّن القصر أیضا ، کما یظهر من بعض الأخبار (8) ، فلاحظ

إشارة إلی أن عبد الواحد بن عبدوس وعلی بن محمّد القتیبی من مشایخ الإجازة

ص: 295


1- لم نعثر علی هذه الفقرة فی روایة رجاء ( العیون 2 : 180 - 183 ) ولکنها موجودة فی روایة الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام ، انظر الفقیه 1 : 290 / 1320 ، الوسائل 4 : 95 أبواب أعداد الفرائض ب 29 ح 3.
2- الوسائل 4 : 81 أبواب أعداد الفرائض ب 21.
3- الوسائل 4 : 94 أبواب أعداد الفرائض ب 29.
4- فقه الرضا علیه السلام : 159 ، المستدرک 6 : 538 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 4.
5- أمالی الصدوق : 514.
6- انظر المدارک 6 : 84.
7- هذه الحاشیة لیست فی « ج ».
8- الوسائل 8 : 524 أبواب صلاة المسافر ب 25.

وتأمّل.

قوله : ولیس هذا ممّا یخالف الحدیث الأوّل أنّ لها وقتا واحدا. ( 3 : 31 ).

مقتضی ما ذکر أنّ بعد سقوط الشفق لا وقت للمغرب أصلا ، کما سننقله عن الخلاف. وأمّا علی طریقة القوم - غیر الخلاف - فلا یتمشّی هذا التوجیه ، لأنّ للمغرب وقتا بعد سقوط الشفق قطعا ، سواء قلنا بأنّه وقت الإجزاء أو وقت الاضطرار ، إلاّ أن یقال : إنّ سائر الصلوات لها ثلاثة أوقات : وقت الفضیلة ووقت الإجزاء ووقت الاضطرار ، بخلاف المغرب فإنّ لها وقتان : وقت الفضیلة والإجزاء - وهما وقت واحد - ووقت الاضطرار ، والمراد فی هذه الأخبار وقت الفضیلة والإجزاء ، کأنّ وقت الاضطرار لیس بوقت حقیقة ، فتأمّل.

قوله (1) : « من غیر علّة » (2) ( 3 : 32 ).

بدل من قوله : « إلاّ فی عذر ».

قوله : توفیقا بین صدر الروایة وآخرها. ( 3 : 32 ).

التوفیق غیر منحصر فی ما ذکره ، إذ یجوز أن یرفع الید عن ظاهر قوله علیه السلام : « وأوّل الوقت أفضل » ، بل هو أولی وأقرب ، لأنّ وقت الاختیار أفضل ، بخلاف قوله علیه السلام : « لیس لأحد. » ، فإنّ ظهوره أشدّ ، من جهة قوله : « لیس. » ومن جهة استثناء العذر والعلّة ، والحصر فی ذلک. إلاّ أن یقول : الأوّل معتضد بالأصل. وفیه : أنّ الأصل لا یعارض الدلیل ، والأظهریة والأقربیة دلیل للمجتهد ، فالأولی التمسّک فی توجیهه بالأخبار

مواقیت الصلاة

وقت المغرب

ص: 296


1- هذه الحاشیة لیست فی « ج » و « د ».
2- کما فی مصادر الحدیث ، والموجود فی المدارک : إلا من عذر أو علّة.

الدالة علی التوسعة.

قوله : ولو امتنع التأخیر اختیارا لتقیّد بالضرورة ( 3 : 32 ).

فیه : أنّ المتبادر من العذر والعلّة فی أمثال المقام ما یکون فیه ضرورة ما ، وهذا القدر یکفی ، فالأولی الجواب بالنحو الذی أشرنا.

قوله : وکذا مع النسیان. وانتفاء ما یدلّ علی الصحة مع المخالفة. ( 3 : 36 ).

یعنی : أنّ القدر الثابت من قول الشارع وفعله کون الصلاة الواقعة فی الوقت المشترک صحیحة إذا کان الوقوع نسیانا أو بعد فعل الأولی ، وأمّا إذا فعلت فی أوّل الوقت فلم یظهر من دلیل کونها صحیحة وموافقة لمطلوب الشارع ، والعبادات توقیفیة ، فیجب الاقتصار علی القدر الثابت.

ولا یتوجّه علیه منع کون الوقت المعلوم شرطا لصحتها ، وبناء هذا علی کون الصلاة اسما لمجرّد الأرکان من غیر اعتبار کونها صحیحة شرعا فمتی تحقّق الأرکان یحکم بتحقّق مطلوب الشارع ، إلاّ أن یثبت منه شرط للصحة ولم یتحقّق ذلک الشرط ، ولم یثبت کون الوقت المعلوم شرطا ، وعلی هذه الطریقة ربما یمشی الشارح متمسّکا بأصالة العدم.

لکن یتوجّه علیه أنّه لم یثبت کون الصلاة اسما للأعمّ ، ولم یثبت جریان الأصل فی العبادات أیضا ، ومع ذلک نقول : لا شکّ فی أنّ الصلاة من الواجبات الموقّتة ، یعنی أنّ الشارع جعل لها وقتا معیّنا وجعله شرطا لصحتها ، والوقت الذی ثبت من الشرع لها هو الوقت الذی بعد الوقت الأوّل ، ففعلها فی الوقت الأوّل الذی هو أوّل الوقت فعل وإتیان للمأمور به علی غیر الوجه الذی ثبت من الشرع ، فتأمّل جدّا.

ویدل علی ذلک أیضا قوله علیه السلام : « إلاّ أنّ هذه قبل هذه » علی سبیل

اختصاص الظهر بأوّل الوقت

ص: 297

الإطلاق ، وحکم ببطلان الظهر قبل الوقت قطعا ، والباطلة فی حکم المعدومة ، مع أنّه قال : « إذا زالت الشمس دخل وقتهما إلاّ أنّ هذه قبل هذه » فحال العصر بالنسبة إلی الظهر مثل حال الرکعة الثانیة للظهر بالنسبة إلی الرکعة الأولی ، والثالثة بالنسبة إلی الثانیة ، والرابعة بالنسبة إلی الثالثة.

وأیضا وقت التشهّد والتسلیم لم یدخل حین دخول وقت تکبیرة الإحرام والقراءة ، فبمجرّد الزوال وإن کان دخل وقت الظهر إلاّ أنّه بعنوان التوزیع ، لا أنّه بمجرّد الزوال دخل وقت الرکعة الثانیة والثالثة والرابعة والتشهّد والتسلیم أیضا ، بحیث لو فعلت فی أوّل الزوال یکفی ، إلاّ فی صورة الخطأ فی الاجتهاد ، کما سیجی ء ، مع أنّه لو لم یثبت صحّة هذه الصورة من الخارج لکنّا نحکم ببطلانها أیضا ، هذا علی تقدیر الثبوت ، وسیجی ء الکلام فیه ، فتأمّل.

علی أنّه ورد فی الصحاح : « إذا زالت الشمس دخل الوقتان ، وإذا غربت دخل الوقتان » (1) حقیقة فی وقتین متعدّدین ، ومحال دخول وقتین کذلک بمجرّد الزوال والغروب وبابتدائهما وحینهما إلاّ علی سبیل التوزیع.

قوله : ویؤیّده روایة داود بن فرقد. ( 3 : 36 ).

لا وجه لجعلها مؤیّدة ، لوضوح الدلالة ، وانجبار السند بالشهرة العظیمة لو لم نقل باتفاق الفقهاء ، وکذا انجبارها بالأصول والقواعد وأخبار أخر ، منها : ما أشرنا إلیه وإلی وجه الدلالة ، ومنها : الأخبار الصحیحة والحسنة الدالّة علی أنّ الحائض إذا طهرت فی وقت العصر تصلّی العصر لا الظهر (2) ، ومنها : صحیحة ابن سنان وروایة الحلبی الآتیتین ، فتأمل.

ص: 298


1- الوسائل 4 : 125 أبواب المواقیت ب 4.
2- الوسائل 2 : 361 أبواب الحیض ب 49.

قوله : بأنّ المراد بالاشتراک ما بعد الاختصاص. ( 3 : 37 ).

لا یحتاج إلی هذا التوجیه والتقیید ، بل المراد دخول الثمانیة بعنوان التوزیع ، کدخول أربع رکعات الظهر علی حسب ما ذکرنا ، فلاحظ.

قوله : فیدل علیه ظاهر قوله تعالی. ( 3 : 39 ).

یدل علیه الاستصحاب أیضا ، لأنّ الوقت الیقینی مستصحب شرعا حتی یثبت خلافه.

قوله ( لِدُلُوکِ الشَّمْسِ ) . ( 3 : 39 ).

الدلالة خفیّة ، بل الآیة مجملة بالنسبة إلی ما ذکره (1).

قوله : سمّاهنّ وبیّنهنّ ووقّتهنّ. ( 3 : 39 ).

لا یخفی أنّ ظاهر هذا أنّه جعل لهنّ وقتا معیّنا أزید من کونها بین الزوال إلی الغسق ، بل إشارة إلی أوقات معیّنة لکلّ واحدة واحدة علی حدة ، علی حسب ما عرفت من الخارج ، فتأمّل.

قوله : لکن الظاهر أنّه أبو مالک الثقة. ( 3 : 39 ).

مضافا إلی أنّ ابن أبی نصر ممّن أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصحّ عنهم ، وأنّه ممّن لا یروی إلاّ عن ثقة ، علی مصرّح به فی العدّة (2) ، مع أنّه یروی عنه ابن أبی عمیر أیضا ، وهو مثل ابن أبی نصر ، ویؤیّده أیضا أنّ العلاّمة وغیره حکموا بصحّتها (3) ، مع أنّ موافقة الشهرة أیضا جابرة.

قوله : کما یستفاد من النجاشی. ( 3 : 40 ).

فإنّه قال : الضحّاک أبو مالک الحضرمی ، وحکم بکونه ثقة فی

اختصاص العصر من آخر الوقت بمقدار أدائها

آخر وقت الظهر

الضحّاک بن زید هو أبو مالک الحضرمی الثقة

ص: 299


1- فی « أ » و « و» زیادة : فتأمّل.
2- عدّة الأصول 1 : 386.
3- انظر المختلف : 67 ، الحبل المتین : 136 ، ذخیرة المعاد : 186.

الحدیث ، والشیخ رحمه الله أیضا صرّح بأنّ الضحّاک أبو مالک الحضرمی (1) ، بل الظاهر أنّه لا یبقی التأمّل فی کونه أبا مالک الثقة.

قوله : روایتا داود بن فرقد. ( 3 : 40 ).

قد عرفت أنّها حجّة باعتبار الانجبار هناک وهنا أیضا انجبار آخر منضمّ إلی الانجبار الأوّل.

قوله : وروایة زرارة. ( 3 : 40 ).

لیس فی طریقها من یتوقّف فیه سوی موسی بن بکر ، روی کتابه ابن أبی عمیر وصفوان بن یحیی ، وهما ممّن لا یروی إلاّ عن الثقة ، علی ما صرّح به فی العدّة (2) ، وأشرنا فی الرجال إلی أمور کثیرة تشهد علی الاعتماد علیه أو علی کتابه (3).

قوله : وروایة عبید بن زرارة. ( 3 : 40 ).

لیس فی طریقها من یتوقّف فیه سوی القاسم بن عروة وهو ممّن یروی عنه ابن أبی عمیر وابن أبی نصر ، وفی کلّ واحد منهما شهادة علی وثاقته ، لما عرفت ، والعلاّمة رحمه الله ربما حکم بصحة حدیثه (4) ، وابن داود نقل عن الکشی حسنه (5). وفی الرجال فی ترجمة الفضل بن شاذان یظهر کونه من أصحابنا المعروفین ، ویظهر نباهة شأنه (6). ویروی عنه کثیرا غایة الکثرة الحسین بن سعید ، والعباس بن معروف ، ویروی عنه ابن

بحث فی وثاقة قاسم بن عروة وموسی بن بکر

ص: 300


1- رجال الشیخ : 221.
2- عدّة الأصول 1 : 386.
3- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 347.
4- انظر المنتهی 1 : 62.
5- رجال ابن داود : 153.
6- انظر رجال الکشی 2 : 821.

فضّال أیضا.

قوله : ویشهد له أیضا صحیحة زرارة. ( 3 : 40 ).

فی شهادتها تأمّل ، بملاحظة قوله : « فربما عجّل. » فتأمّل.

قوله : وصحیحة أحمد بن محمد. ( 3 : 41 ).

یمکن حملها (1) علی التقیة.

قوله : لکن یمکن أن یقال : إنّ التفریق یتحقّق بتعقیب الظهر وفعل نافلة العصر. ( 3 : 46 ).

بعید ، بالنسبة إلی النصوص والمصنّفات ، بل بعض منها لا یقبل ذلک ، والبحث وارد علی المحقّق أیضا ، فتأمّل بعد التتبّع والملاحظة.

مضافا إلی أنّه إذا کانت المبادرة مستحبّة علی ما ذکرت فلا وجه لاختیار النبی صلی الله علیه و آله فی بعض الأوقات التفریق ، مع أنّه مشقّة ظاهرة منضمّة إلی ترک فضیلة. وجواز التفریق المرجوح یتأتّی بالقول ، فلا حاجة إلیها ، کیف؟ وغالب الأوقات کان صلی الله علیه و آله یفرّق ، وما کان یجمع إلاّ نادرا ، کما یظهر من الأخبار ، ویعضدها الاعتبار الحاصل من الآثار ، والمستفاد من بعض أنّه صلی الله علیه و آله حین الجمع والإتیان بالنوافل ما أذّنوا له بل أقاموا فقط (2) ، فتأمّل.

قوله : ویمکن الجواب عنه أیضا. ( 3 : 47 ).

لا یخفی أنّ جواب المحقق لا یتمّ إلاّ بهذا ، إذ اعتراضه أنّه إذا کان الرسول صلی الله علیه و آله کان یجمع فلا وجه للأذان الثانی ولا حاجة إلیه ، ومعلوم أنّه کان متحقّقا والحاجة إلیه موجودة مطلقا. وکون جوابه أنّ المستحبّ ترک

أوّل وقت العصر وآخره

ص: 301


1- فی « ب » : حملهما.
2- التهذیب 2 : 35 / 109 ، الاستبصار 1 : 272 / 985 ، الوسائل 4 : 203 أبواب المواقیت ب 22 ح 3.

الأذان الثانی - لاستحباب الجمع وأنّ استحبابه إنّما هو فی خلاف المستحبّ - لعلّه فیه ما لا یخفی ، فتأمّل.

قوله (1) : فذهب الشیخ فی المبسوط والاستبصار. ( 3 : 49 ).

فیه نظر ، فإنّ عبارته صریحة فی موافقة المشهور ، کما لا یخفی علی من راجعه.

قوله : یعلم باستتار القرص وغیبته عن العین. ( 3 : 49 ).

اعلم أنّ الغیبة عن العین تتفاوت بتفاوت المواضع ، وبعض المواضع لا یتحقّق الغروب بمجرّد الغیبة عن العین قطعا ، فإنّا إذا کنّا فی ساحة البیت ربما یغیب القرص عن أعیننا مع کون شعاع الشمس علی الجدران والسطوح ، ولو صعدنا السطح نری القرص ونراه ما غاب عن افقنا ولا شکّ فی عدم المغرب بذلک ، ولا یقال عرفا : الآن وقت المغرب جزما ، فإذا کنّا فی البریّة وغاب القرص عن نظرنا ولم یکن سطح ولا جدار ، ولکن نعلم یقینا أنّه لو کان سطح أو جدار لکان الشعاع باقیا فیهما ، ولو صعدناهما لکنّا نری القرص جزما علی حسب ما قلناه فی العمران وساحة البیت وسطحه وجداره ، فهل یحکم الآن بأنّه وقت المغرب جزما من جهة عدم جدار ولا سطح ولا شجر ولا منار ولا جبل ولا تلّ؟ وإنّه لو کان واحد منها موجودا فی ذلک الموضع لکنّا نحکم بعنوان الجزم بأنّ الآن لیس وقت المغرب من جهة الشعاع ورؤیة القرص بالصعود.

وأیضا ربما کان الجدران والسطوح وأمثالهما متفاوتة بحسب الارتفاع ، فربما کان فی جدارنا وسطح بیتنا لا یکون شعاع ولا یری القرص

أوّل وقت المغرب وما یتحقق به الغروب

ص: 302


1- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».

بصعودهما [ و ] (1) سطح الجار وجداره یکون فیهما الشعاع ، ویری القرص بصعودهما ، وهکذا ، لأنّ الارتفاع مقول بالتشکیک ، وننقل الکلام بعد السطح والجدار إلی المنار ، وبعده إلی التلال ، وبعدها إلی الجبال ، والجبال أیضا فی غایة التفاوت.

والأئمّة علیهم السلام ربما لا حظوا ما ذکرناه وحکموا بالتأخیر ، وأشاروا فی بعض الأخبار إلی ما ذکرنا حیث قالوا : « مسّوا بالمغرب قلیلا ، فإنّ الشمس تغیب عندکم قبل أن تغیب عندنا » (2) وذلک لأنّ أرض الکوفة لیس فیها تلال ولا جبال ، مثل ما کان فی الحجاز ، سیّما مکّة والمدینة ، ولعلّ الرسول صلی الله علیه و آله ما کان یفطر ویصلّی إلاّ بعد ذهاب الشعاع عن التلال والمواضع المرتفعة ، بل والجبال أیضا.

وأیضا غالب الأراضی لیست مستویة السطح حتی یعلم أوّل وقت غیبوبة القرص عن أفق المصلّی ، بل فیها تلال وجبال یمنع عن العلم ، فلعله لذینک الأمرین أمروا علیهم السلام بالتأخیر إلی ذهاب الحمرة المشرقیة ، وأقل منه أیضا ، احتیاطا ( أو حتما ) (3) والظاهر من الأخبار الأوّل ، کما ستعرف.

قوله : وأمّا الثانیة فبأنّ من جملة رجالها القاسم بن عروة. ( 3 : 51 ).

یمکن الجواب بأنّ ضعف الروایات منجبرة بالشهرة ، مضافا إلی اعتبار سند بعضها ، وهی کثیرة ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ الأمر بالتأخیر فیها

ص: 303


1- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة المعنی.
2- التهذیب 2 : 258 / 1030 ، الوسائل 4 : 176 أبواب المواقیت ب 16 ح 13.
3- ما بین القوسین لیس فی « ج ».

للاحتیاط من الأمرین اللذین أشرنا إلیهما فی الحاشیة السابقة ، وأنّ ذلک لیس علی سبیل تعیین الوقت ، کما ذکره الشارح.

ویشهد علی ذلک اختلاف مقدار التأخیر وظاهر بعض تلک الأخبار ، منه قوله علیه السلام : « مسّوا بالمغرب قلیلا » فی الروایة المذکورة فی الشرح وفی غیرها ، فظاهر أنّ الإمساء قلیلا لیس بحدّ معیّن مضبوط ، بل فیه مسامحة وتوسعة.

ویؤکّد ما ذکرنا ما فی الخبر الآخر من التعلیل بقوله : « فإنّ الشمس تغیب عندکم قبل أن تغیب عندنا » (1) ، بعد قوله : « مسّوا قلیلا » فإنّ مقدار القبلیة غیر ظاهر أصلا ، مع أنّ التعلیل أیضا یومئ إلی عدم الإیجاب والإلزام ، فتأمّل.

ومنه روایة عبد الله بن وضّاح عن الکاظم علیه السلام أنّه کتب إلیه : یتواری القرص ویقبل اللیل ویزید اللیل ارتفاعا ، ویستر عنّا الشمس ، ویرتفع فوق الجبل حمرة ، أصلّی وأفطر ، أو أنتظر حتّی تذهب الحمرة التی فوق الجبل؟ فکتب علیه السلام : « أری لک أن تنظر حتّی تذهب الحمرة ، وتأخذ الحائطة لدینک » (2) ، وجه الدلالة : طلب الاحتیاط لدینه ، مضافا إلی الاکتفاء بذهاب الحمرة التی فوق الجبل ، وفیه إشارة أیضا إلی ما ذکرناه فی الحاشیة السابقة من أنّ الأمر بالتأخیر لتحقّق الغیبوبة بالمرّة.

ومنه روایة جارود وصحیحة بکر بن محمّد اللتان سیذکرهما الشارح رحمه الله وظهر لک أیضا اختلاف مقدار التأخیر.

وفی بعض الأخبار ما اکتفوا بذهاب الحمرة المشرقیة أیضا ، بل اعتبر

ص: 304


1- راجع ص 303.
2- التهذیب 2 : 259 / 1031 ، الوسائل 4 : 176 أبواب المواقیت ب 16 ح 14.

جواز الحمرة قمّة الرأس إلی طرف المغرب (1) ، والخبر أیضا ضعیف. وفی بعض الأخبار الضعیفة أنّ الصادق علیه السلام فی طریق مکّة صلّی أوّل غیبوبة الشمس (2) ، وظاهر ذلک عدم داع إلی ذلک من جهة التقیة ، والأخبار الدالة علی أنّ وقت المغرب مجرّد غیبوبة القرص من الکثرة بمکان (3) (4).

علی أنّه لا فرق بحسب الاعتبار بین طلوع الشمس وغروبها ، فلو کان وجود الحمرة المشرقیة دلیلا علی عدم غروب الشمس وبقائها فوق الأرض بالنسبة إلینا ، لکان وجود الحمرة المغربیة دلیلا علی طلوع الشمس ووجودها فوق الأرض بالنسبة إلینا من دون تفاوت ، لأنّ استصحاب بقاء النهار إلی أن یثبت خلافه فی الأوّل ، واستصحاب عدم النهار إلی أن یثبت خلافه فی الثانی ، وإن کان فارقا بینهما ، إلاّ أنّه لا تفاوت فی الثبوت والدلالة ، کما ذکرنا.

نعم بذهاب الحمرة المشرقیة یحصل الیقین بالغروب وان لم یکن بقاؤها دلیلا علی عدمه ، وهذا هو السرّ فی اعتباره وجوبا أو استحبابا فی الغروب وعدم اعتبار الحمرة المغربیة فی الطلوع ، فتأمّل جدّا ، ( والاحتیاط واضح ) (5).

قوله : وقال فی الخلاف : آخره غیبوبة الشفق وأطلق. ( 3 : 54 ).

وظهر ذلک من کلام الکلینی رحمه الله حسب ما ذکره الشارح فی أوّل

ص: 305


1- الکافی 3 : 279 / 4 و 4 : 100 / 1 ، التهذیب 4 : 185 / 516 ، الوسائل 4 : 173 أبواب المواقیت ب 16 ح 4.
2- أمالی الصدوق 75 / 16 ، الوسائل 4 : 180 أبواب المواقیت ب 16 ح 23.
3- انظر الوسائل 4 : 172 أبواب المواقیت ب 16.
4- فی « ب » و « ج » و « د » زیادة : والاحتیاط واضح.
5- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

مبحث الوقت (1) ، فلاحظ.

قوله : لکن لو قیل باختصاص هذا الوقت بالنائم والناسی کما هو مورد الخبر کان وجها قویا ( 3 : 56 ).

لکن مقتضاه تقدیم الحاضرة علی الفائتة ، وهو مخالف للمشهور عند القدماء والأخبار الکثیرة الصحیحة ، کما سیجی ء.

ومثل صحیحة ابن سنان روی أبو بصیر عن الصادق علیه السلام . إلی قوله : « قبل طلوع الشمس » ، ثمّ قال : « وإن خاف أن تطلع الشمس وتفوته إحدی الصلاتین فلیصلّ المغرب ویدع العشاء حتی تطلع الشمس ویذهب شعاعها ثم لیصلّها » (2) ، وربما یظهر من الروایتین بقاء الوقت بعد طلوع الفجر أیضا فی الجملة ، فتأمّل.

ومع ذلک یمکن الحمل علی التقیة ، کما یومئ إلیه الروایة الثانیة ، بل قال الشهید الثانی : وللأصحاب أن یحملوا الروایات الدالّة علی امتداد الوقت إلی الفجر علی التقیة ، لإطباق الفقهاء الأربعة علیه ، وإن اختلفوا فی کونه آخر وقت الاختیار أو الاضطرار (3). انتهی.

وظهر الجواب عن روایة عبید بن زرارة عن الصادق علیه السلام أیضا ، لأنّه قال فیها : « لا یفوّت الصلاة من أراد الصلاة ، لا تفوت صلاة النهار حتّی تغیب الشمس ، ولا صلاة اللیل حتّی یطلع الفجر » (4). فتأمّل.

قوله : وجه الدلالة. ( 3 : 59 ).

آخر وقت المغرب

ص: 306


1- المدارک 3 : 31.
2- التهذیب 2 : 270 / 1077 ، الاستبصار 1 : 288 / 1054 ، الوسائل 4 : 288 أبواب المواقیت ب 62 ح 3.
3- روض الجنان : 180.
4- الفقیه 1 : 232 / 1030 ، الوسائل 4 : 125 أبواب المواقیت ب 4 ح 3.

یدلّ علی بطلان ما ذهب إلیه الشیخان ومن وافقهما وإتمام مذهب المشهور بضمیمة عدم القول بالفصل ، لکن الشیخ رحمه الله فی النهایة والتهذیب قائل بالفصل ، قائل بجواز التقدیم لعذر أو لضرورة إن لم یقدّم تفوت الصلاة (1) ، ولعلّ مثل السفر من الأعذار عنده ، بل الظاهر أنّه کذلک ، فالحجّة علیه أیضا الأخبار المطلقة ، وهی کثیرة : منها : ما ذکر.

ومنها : روایة داود بن فرقد المنجبرة بعمل الأصحاب ومرّت.

ومنها : الموثّق عن زرارة عن أبی عبد الله علیه السلام : أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله صلّی المغرب والعشاء فی الحضر قبل أن یغیب الشفق من غیر علّة لیتّسع الوقت ، وکذلک فعل فی الظهرین ، لکن فی کتاب العلل ذکر موضع ( قبل أن یغیب الشفق ) : بعد أن یغیب الشفق (2) ، وبمضمونها روی إسحاق بن عمار عن الصادق علیه السلام (3).

ومنها : روایة إسماعیل بن مهران عن الرضا علیه السلام (4).

قوله : والجواب بالحمل علی وقت الفضیلة جمعا بین الأدلّة. ( 3 : 59 ).

الحمل علی التقیّة أو الاتقاء أقرب ، لکن الأولی والأفضل بل الأحوط أیضا أن لا یصلّی قبل غیبوبة الشفق ، خروجا عن الخلاف والریبة الحاصل

أوّل وقت العشاء وآخره وقت صلاة الفجر

ص: 307


1- النهایة : 59 ، التهذیب 2 : 34.
2- الکافی 3 : 286 / 1 ، التهذیب 2 : 263 / 1046 ، علل الشرائع : 321 / 3 ، الوسائل 4 : 222 أبواب المواقیت ب 32 ح 8.
3- التهذیب 2 : 263 / 1047 ، الوسائل 4 : 223 أبواب المواقیت ب 32 ح 10.
4- الکافی 3 : 281 / 16 ، التهذیب 2 : 260 / 1037 ، الوسائل 4 : 186 أبواب المواقیت ب 17 ح 14.

من اختلاف الأخبار ، وإن کان الظاهر جواز الفعل قبل غیبوبة الشفق ، لما ذکرناه ، فتدبّر.

قوله (1) : لأخّرت العتمة. ( 3 : 60 ).

وفی العلل ، فی الموثق کالصحیح ، عن الصادق علیه السلام : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لو لا نوم الصبی وعلّة الضعیف لأخّرت العتمة إلی ثلث اللیل » (2).

قوله : إلی ثلث اللیل. ( 3 : 60 ).

وفی روایة رجاء بن أبی ضحّاک : أنّ الرضا علیه السلام کان یصلّی العشاء قریب ما یمضی من اللیل الثلث (3).

وصحیحة ابن سنان لا دلالة لها علی الاستحباب ، لأنّ فعله علیه السلام فی لیلة من اللیالی مخالفا لطریقته المستمرّة لا یکون ظاهرا فی رجحانه فی نفسه ، بل ربما کان مشیرا إلی خلافه ، وأنّه کان فی تلک اللیلة علّة وداع.

وأمّا غیر الصحیحة فلا یکون حجّة عند الشارح ، بل هو معارض للأخبار الکثیرة الدالّة علی رجحان المسارعة وأفضلیة أوّل الوقت ، ومرّ بعضها فی بحث أوّل وقت العصر (4) ، فلا حظ وتأمّل.

قوله : أجمع العلماء کافّة. ( 3 : 61 ).

مقتضی هذا الإجماع والأخبار الموافقة له تعیّن کونه ابتداء الفجر ، فما فی صحیحة زرارة : من أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کان یصلّی إذا أضاء حسنا

وقت نوافل الظهر والعصر

ص: 308


1- هذه التعلیقة لیست فی « ج » و « د ».
2- علل الشرائع : 367 / 2 ، الوسائل 4 : 201 أبواب المواقیت ب 21 ح 6.
3- عیون أخبار الرضا علیه السلام 2 : 180 / 5 ، الوسائل 4 : 55 أبواب أعداد الفرائض ب 13 ح 24.
4- المدارک 3 : 45.

- مع أنّه لا یدلّ علی کون ذلک أوّل وقت الإجزاء - لا یقاوم ما ذکرنا ، فلعلّه محمول علی الأفضلیة أو الاحتیاط التامّ فی تحقّق الصبح. وأمّا القبطیة البیضاء (1) إذا نشرت فی أفق المصلّی فی سواد اللیل فلعلّه لا یظهر منه أزید من الفجر المعترض المتحقّق ، فتأمّل جدّا.

قوله : « وأضاء حسنا » ( 3 : 61 ).

فی دلالتها علی ما ذکره تأمّل ، فالعمدة هو الإجماع والأخبار المنجبرة به ، وسیجی ء فی صحیحة ابن سنان وحسنة الحلبی : « انّ وقت الفجر حین ینشقّ الفجر إلی أن یتجلّل الصبح السماء » ، وفی الصحیح ، عن یزید بن خلیفة ، عنه علیه السلام : « وقت الفجر حین یبدو حتی یضی ء » (2).

قوله : وما رواه الشیخ فی الموثّق. ( 3 : 62 ).

فی هذه الموثقة شی ء ذکر سابقا (3) مع أنّ الشارح رحمه الله لا یقول بحجیة الموثق ، فالعمدة الأخبار المنجبرة بالشهرة وصحیحة ابن یقطین بعد ثبوت الإجماع المرکّب ، لکن فی دلالتها علی کون ما بعد الإسفار وقت الاختیار تأمّل.

قوله : فإنّ لفظ لا ینبغی ظاهر فی الکراهة. ( 3 : 63 و 64 ).

یمکن أن یقال : إنّ عدم الانبغاء أعمّ من الکراهة والحرمة ، لکن قوله قبل ذلک : « وقت الفجر حین ینشقّ الفجر إلی أن یتجلّل الصبح » مقتضاه أنّ بعد التجلّل لا یکون وقت الفجر بدلالة مفهوم الغایة ، وهو من أقوی

ص: 309


1- راجع الوسائل 4 : 209 أبواب المواقیت ب 27 ح 1.
2- الکافی 3 : 283 / 4 ، التهذیب 2 : 36 / 112 ، الوسائل 4 : 207 أبواب المواقیت ب 26 ح 3.
3- راجع ص 306.

المفاهیم ، وکذا قوله بعد ذلک : « ولکنّه وقت. » ظاهر فی کونه وقتا لهؤلاء الجماعة خاصّة ، فتعیّن کون « لا ینبغی » هنا للحرمة.

والشغل وإن کان أعمّ ، إلاّ أنّه ربما یکون الظاهر المتبادر فی أمثال المقام الضروری ، مع أنّه لم یقل : لمن له شغل ، بل قال : « شغل » ومعلوم أنّ المراد : شغل عن الصلاة وترکها من جهة شغله ، ومعلوم أنّه یصلّی حینئذ البتّة ، لا أنّه یترک الصلاة من جهة أنّه شغل عنها ، فلا مانع من أن یکون وقتا ، أمّا بالنسبة إلی الضروری فوقت الأداء ، وأمّا غیر الضروری فوقت القضاء ، وعلی أیّ تقدیر وقت لمن شغل عنها أو نسی أو نام ، لا أنّه وقت مطلقا ، لکنه لا یقاوم أدلة المشهور ، ومع ذلک الاحتیاط واضح ، فتأمّل.

ویدل علی مختار الشیخ ومن وافقه صحیحة أبی بصیر أنّه سأل الصادق علیه السلام : متی یحرم الطعام علی الصائم وتحلّ صلاة الفجر؟ قال : « إذا اعترض الفجر فکان کالقبطیة البیضاء ، فثم یحرم الطعام وتحلّ الصلاة » ، قلت : أو لسنا فی وقت إلی أن یطلع [ شعاع ] الشمس؟ قال : « هیهات ، أین تذهب؟ تلک صلاة الصبیان » (1).

قوله : لا یدل علی المطلوب. ( 3 : 68 ).

بل دلالتها علی خلاف المطلوب أظهر.

قوله (2) : فقال الشیخ فی النهایة وجمع من الأصحاب : وقت نافلة الظهر. ( 3 : 68 ).

وقت نافلة المغرب

ص: 310


1- الفقیه 2 : 81 / 361 ، التهذیب 4 : 185 / 514 ، الوسائل 4 : 209 أبواب المواقیت ب 27 ح 1 ، وما بین المعقوفین أضفناه من المصادر.
2- هذه التعلیقة لیست فی « أ » و « و».

لا یخفی أنّ المصنّف نقل القول بابتداء النافلة ما دام وقت الاختیار باقیا ، وکذلک نقل الشهید فی الدروس ، ثم قال : وظاهر الشیخ فی المبسوط استثناء قدر الفریضتین (1).

أقول : القائل بوقت الاختیار والاضطرار کیف یجوّز فعل النافلة مقدّما علی الفریضة إلی آخر وقت الاختیار؟ إذ یلزم منه تأخیر الفریضة عنه من غیر اضطرار ، فلعله أیضا یقول مثل الشیخ ، ویحتمل أن یکون هذا القائل هو الشیخ ، کما یظهر من الشارح ویکون الشهید توهّم من ظاهر المصنّف.

وممّا ذکر ظهر مستند الشیخ ، إذ مرّ الأخبار الدالة علی انتهاء وقت الاختیار بصیرورة ظلّ کلّ شی ء مثله ، وسیجی ء أنّ حائط مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله کان ذراعا ، فیکون ظاهر صحیحة زرارة الآتیة ابتداء وقت النافلة إلی أن یصیر ظلّ کلّ شی ء مثله ، لکن مقتضی ما دل علی انتهاء وقت الاختیار إلی ذلک أیضا استثناء مقدار الفریضة البتّة ، لعدم جواز تأخیر الفریضة عن المثل ، بل فی قویة سماعة المرویة فی الکافی والتهذیب : « ولیس بمحظور علیه أن یصلّی النوافل من أوّل الوقت إلی قریب من آخر الوقت » (2).

قوله : والطعن فی سند الروایات المتضمّنة لذلک. ( 3 : 69 - 70 ).

لا یخفی أنّه یحصل للمجتهد من أمثال هذه الأخبار ظنّ بل وقویّ منه ، لأنّ الخبر فی نفسه یفید الظنّ ، سیّما والمشایخ العظام ضبطوها واعتنوا

ص: 311


1- الدروس 1 : 140.
2- الکافی 3 : 288 / 3 ، التهذیب 2 : 264 / 1051 ، الوسائل 4 : 226 أبواب المواقیت ب 35 ح 1.

بشأنها ، بل وحکموا بصحتها إلی غیر ذلک من الأمارات ، وقد أشرت إلی کثیر منها فی تعلیقتنا علی الرجال الکبیر من المیرزا رحمه الله ، والمدار فی الفقه علی الظنون ، ولم نجد لکلّ ظنّ اعتبروا دلیلا قطعیا یدل علی اعتباره بالخصوص ، کما هو غیر خفی ، ولیس من جانب قوله تعالی ( إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ ) . (1) مانع ، کما بینته مبسوطا فی التعلیقة (2).

سلّمنا ، لکن لا یخفی أنّ المناط فی الألفاظ وموضوعات الأحکام هو الظنون ، ولیس هذه بأنقص من مثل قول صاحب القاموس ، وغیر خفی أنّه لو کان قال : المصطلح فی أمثال ذلک الزمان أنّه متی قالوا : القامة ، أرادوا به الذراع فی أمثال المقام ، کنتم تعتمدون علیه فی فهم الحدیث ، وفی المقام ورد أخبار متعدّدة متضمّنة لهذا المعنی ، منها : روایة صالح بن سعید (3) وغیرها من الأخبار ، فلا وجه لعدم الاعتماد بعد ما ظهر من اشتراک العلّة وعدم ضرر المانع ، وغیر خفی أنّ العلّة هی ما أشرنا من الاکتفاء بالظنّ فی موضوع الحکم الشرعی ، ولا یقدح فسق الناقل ولا کفره ، کما هو المحقّق فی موضعه ، نعم وقع الخلاف فی إثبات اللغة بالقیاس أو الدلیل ، والمشهور العدم ، فتأمّل.

قوله : صریح فی اعتبار قامة الإنسان. ( 3 : 70 ).

لا یخفی أنّه لیس بصریح بعد ما علم من أنّه یکفی فی الإضافة أدنی ملابسة ، غایة الأمر الظهور ، لکن بعد ما ثبت من أنّ لفظ القامة اصطلاح فی

ص: 312


1- الحجرات : 6.
2- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 3 ، 4.
3- الکافی 3 : 277 / 7 ، التهذیب 2 : 24 / 67 ، الوسائل 4 : 150 أبواب المواقیت ب 8 ح 34.

الذراع أو سلّم ذلک [ و ] (1) کان الظاهر بل المعنی الحقیقی الذی هو المنصوص من لفظ القامة هو الذراع ، لعلّه لا یبقی ظهور ، سیّما بعد ملاحظة الأخبار الواردة فی المثل والمثلین ، والقامة والقامتین ، والذراع والذراعین فتأمّل.

قوله : ویمکن أن یستدل للقول الثالث. ( 3 : 70 ).

فی الاستدلال بما ذکر نظر ظاهر ، لأنّ الروایتین تدلان دلالة واضحة علی أنّ النافلة صحیحة فی جمیع الأوقات ، لیس لصحتها شرط من طرف الوقت ، کما أنّ الهدیة لیس لها شرط من طرفه ، بل صرّح فی الأخیرة بأنکّ إن شئت فی أوّل النهار وإن شئت فی الوسط والآخر من دون تفاوت ، والقائل لا یجوّز ذلک جزما ، بل یجعلها من الموقّتة وقتها دائرا مع وقت الفریضة ( کوقت الفریضة ) (2).

والأخبار الدالّة علی عدم اشتراط الوقت لها کثیرة ، بل بعضها صریح فی أنّ فعلها فی أوقاتها المعهودة أفضل ، وإلاّ ففی أیّ وقت فعلت تکون صحیحة ، مثل روایة القاسم بن الولید : أنّه سأل الصادق علیه السلام : نوافل النهار کم هی؟ قال : « ستّ عشرة ، أیّ ساعات النهار شئت أن تصلّیها صلّیتها ، إلاّ أنّک إذا صلّیتها فی مواقیتها أفضل » (3).

وفی الصحیح عن عبد الأعلی : أنّه سأل الصادق علیه السلام عن نافلة النهار ، قال : « ستّ عشرة رکعة متی ما نشطت ، إنّ علی بن الحسین علیه السلام کان له ساعات من النهار یصلّی فیها ، فإذا شغله ضیعة أو سلطان قضاها ، إنّ النافلة

ص: 313


1- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.
2- ما بین القوسین لیس فی « ج ».
3- التهذیب 2 : 9 / 17 ، الوسائل 4 : 51 أبواب أعداد الفرائض ب 13 ح 18.

بمنزلة الهدیة متی أتی بها قبلت » (1).

ویظهر بملاحظة صدر هذه الروایة وذیلها أنّ القضاء هنا بمعنی الفعل خارج وقت الفضیلة.

فهذه الروایات صریحة فی أنّ النافلة فی جمیع الأوقات صحیحة ومجزئة ، إلاّ أنّ أوقاتها المعهودة لیست أوقات الصحة والإجزاء ، بل هی أوقات الفضیلة ، کما صرّح به فی بعضها ، ویقتضیه الجمع بین الأخبار.

فما ذکره فی الجواب فاسد أیضا ، لما عرفت ، ولأنّ المطلق والمقید لا دخل لهما فی ما نحن فیه ، فإنّ المقید نص ، والمطلق فیه ظهور ضعیف بالنسبة إلی عدم القید ، ولذا یرفع الید عن الضعیف بسبب القوی والنص ، وما نحن فیه لیس کذلک جزما ، کما عرفت ، وسیجی ء عن الشارح رحمه الله الاعتراف بما ذکرنا.

قوله : واستدل بما رواه فی الصحیح عن إسماعیل بن جابر. ( 3 : 72 ).

یدل علیه أیضا ما رواه هو والکلینی عن حمّاد بن عیسی فی الصحیح ، عن یزید بن ضمرة اللیثی ، عن محمد ، عن الباقر علیه السلام : الرجل یشتغل عند الزوال أیعجل من أوّل النهار؟ قال : « نعم إذا علم أنّه یشتغل فیعجّلها فی صدر النهار کلّها » (2) والظاهر أنّ هذا الشرط لأجل تدارک الفضیلة ، وإلاّ فظاهر الأخبار الجواز مطلقا ، کما یشیر إلیه الشارح رحمه الله بل بالنسبة إلی جمیع النوافل أیضا من غیر خصوصیة بنافلة الزوال.

ص: 314


1- التهذیب 2 : 267 / 1065 ، الوسائل 4 : 233 أبواب المواقیت ب 37 ح 7.
2- الکافی 3 : 450 / 1 ، التهذیب 2 : 268 / 1067 ، الوسائل 4 : 231 أبواب المواقیت ب 37 ح 1.

قوله : ویدل علیه أیضا حسنة محمد بن عذافر. ( 3 : 73 ).

وفی الکافی روی بسنده عن محمد بن عذافر ، عن عمر بن یزید ، عن الصادق علیه السلام : « اعلم أنّ النافلة بمنزلة الهدیة متی ما أتی بها قبلت » (1).

قوله : إنّ النهی عن التطوع فی وقت الفریضة إنّما یتوجّه إلی غیر الرواتب. ( 3 : 74 ).

المستفاد من الأخبار شمول التطوّع للراتبة أیضا ، منها صحیحة زرارة المتقدّمة ، بل فی صحیحته الأخری التی سنذکرها فی مبحث قضاء الفوائت علی الضیق : « إذا دخل وقت صلاة مکتوبة فلا صلاة نافلة حتی تبدأ بالمکتوبة » (2) بل تتمّة هذه الصحیحة دالة علی شمولها للراتبة التی تزاحم فریضتها أیضا ، فالظاهر أنّ المراد من الوقت لیس وقت الجواز بل المقرّر الموظّف شرعا أن یصلّی فیه لأجل النافلة ، أو الأولویة ، وإن جاز التقدیم علیه ، فتأمّل.

قوله : وتشهد له صحیحة أبان بن تغلب. ( 3 : 74 ).

وروایة رجاء بن أبی ضحّاک أنّ الرضا علیه السلام کان إذا صلّی المغرب وسلّم جلس فی مصلاّه یسبّح الله ویحمده ویکبّره ویهلّله ما شاء الله ثم یسجد سجدتی الشکر ، ثم یرفع رأسه ولم یتکلّم حتی یقوم فیصلّی أربع رکعات بتسلیمتین (3) ، فتأمّل.

لکن یشهد للمشهور ما ورد فی أخبار متعدّدة أنّ المفیض من عرفة

وقت صلاة اللیل

ص: 315


1- الکافی 3 : 454 / 14 ، الوسائل 4 : 232 أبواب المواقیت ب 37 ح 3.
2- الذکری : 134 ، الوسائل 4 : 285 أبواب المواقیت ب 61 ح 6.
3- عیون أخبار الرضا علیه السلام 2 : 180 / 5 ، الوسائل 4 : 55 أبواب أعداد الفرائض ب 13 ح 24.

إذا صلّی المغرب فی المزدلفة یؤخّر النافلة إلی ما بعد العشاء (1). فلعلّ الأولی بل الأحوط متابعة المشهور فی العمل ، فتأمّل.

قوله (2) : قال : الثلث الثانی. ( 3 : 76 ).

فی بعض النسخ : الثلث الباقی (3) ، وهو الموافق لفتوی الأصحاب ، وفی کتاب العلل روی بطریق صحیح علی الظاهر ، عن الباقر علیه السلام : « أنّ قوله تعالی ( تَتَجافی جُنُوبُهُمْ ) (4) الآیة ، نزلت فی أمیر المؤمنین علیه السلام وأتباعه من شیعتنا ، ینامون فی أوّل اللیل ، فإذا ذهب ثلثا اللیل أو ما شاء الله فزعوا إلی ربّهم » (5) الحدیث ، وفی کتاب الخصال : فی الخصال التی سأل عنها أبو ذر رسول الله صلی الله علیه و آله : أیّ اللیل أفضل؟ قال : « جوف اللیل الغابر » (6) أی الباقی.

قوله : وهو مشترک بین جماعة منهم الضعیف. ( 3 : 77 ).

الضعف منجبر بالفتاوی ، مع أنّ الظاهر هارون بن مسلم.

قوله : واستدلوا علیه بروایة محمد بن مسلم. ( 3 : 88 ).

لا یخفی أنّ المستفاد من الأخبار المنع عن مطلق النافلة الراتبة وغیرها ، بل بعضها صریح فی الراتبة ، وأنّ المراد من وقت الفریضة لیس وقت الإجزاء بل الوقت المقرّر للفریضة بأن لا یصادم بالنافلة.

قوله : الطاطری. ( 3 : 88 ).

وقت النوافل الغیر الراتبة

ص: 316


1- انظر الوسائل 14 : 14 أبواب الوقوف بالمشعر ب 6.
2- هذه الحاشیة والتی بعدها لیست فی « أ » و « و».
3- وهو الموافق للمصادر.
4- السجدة : 62.
5- علل الشرائع : 365 / 4.
6- الخصال : 523 / 13.

الموثّق حجّة ، کما قرّرنا فی محلّه ، مع أنّها منجبرة بعمل الأصحاب والشهرة العظیمة لو لم یثبت بالإجماع ، فتأمّل ، ومع ذلک منجبر بالصحیح أیضا.

قوله : ویمکن حمل هذه الروایات علی الأفضلیة. ( 3 : 89 ).

فیه : أنّ الحمل بعد التکافؤ ، والحسنة لیست متکافئة للصحیحة ، سیّما مع معاضدتها بالأخبار الکثیرة المنجبرة ، وقوّة الدلالة ، لعدم جواز الصوم النافلة ممّن علیه فریضة ، وجواز إرادة الفضل فی الأمر الواجب ، وإن کان الظاهر منه الاستحباب ، إلاّ أن یتمسک بصحیحة عمر بن یزید ویقوّی الحسنة بها ، لأنّ الظاهر منها عدم المنع فی غیر الوقت الذی شرع المقیم فیه بالإقامة : مقیم إمام المصلّی ، وهذا یخالف مقتضی صحیحة زرارة وغیرها ، ولم یقل أحد بهذا التفصیل ، مع أنّه یضرّ القائلین بالمنع علی أیّ حال ، فیجب حمل تلک الأخبار علی الاستحباب ، فتأمّل.

قوله (1) : فی صحیحة زرارة الواردة فی من فاته شی ء من الصلوات. ( 3 : 90 ).

سیجی ء الکلام فی المقام فی کتاب قضاء الصلاة (2).

قوله : کما بیّناه فیما سبق ( 3 : 92 ).

قد بیّنا فیما سبق (3) أنّ الحقّ مع العلاّمة رحمه الله وإن کان القضاء بفرض جدید ، کما صرّح به العلاّمة واختاره صریحا (4) ، وذلک لأنّ القضاء

أحکام المواقیت

حکم من حصل له مانع من الصلاة کالجنون قبل دخول الوقت

ص: 317


1- هذه الحاشیة لیست فی « أ ».
2- یأتی فی ج 3 : 336 - 337.
3- راجع ج 1 : 382 - 383.
4- مبادئ الوصول : 112.

تدارک ما فات ، ولیس له معنی سوی ذلک ، والأدلة الدالة علی وجوب القضاء أیضا تقتضی ذلک ، لأنّهم حکموا بفعل الصلاة التی فاتت [ و ] (1) فیما لم یکن له وقت الصلاة لا یقال : فاتت الصلاة ، بل یقال : لم یجب بعد ولم یطلب. ألا تری أنّه فی وقت الضحی لا یقال : فاتت الصلاة ، أی صلاة الظهر الآتیة ، وهذا من البدیهیّات ، فکما أن وقت الضحی لا یقال : فاتت ، فکذلک أوّل الزوال أیضا لا یقال : فاتت ، لأنّها لم تجب بعد ، نعم فی الظنّ إدراک الصلاة ، ویمکن أن یقال : بحسب المظنّة تعلّق الخطاب ، لکن إذا ظهر یقینا أنّه ما تعلّق به الخطاب من جهة عدم الوقت - والوقت شرط للتکلیف والخطاب - لم یصدق الفوت والقضاء ، فتأمّل.

قوله : وهذه الروایات وإن ضعف سندها. فیتعین العمل بها ( 3 : 93 ).

هذا حقّ ، کما بیّنا سابقا ، لأنّ الله تعالی أمر فی خبر الفاسق بالتبیّن لا الردّ ، والتبیّن حاصل بعمل الطائفة ، وإن لم یصل إلی حدّ الإجماع ، لأنّ الله تعالی شرط للعمل بالخبر أحد شرطین : العدالة أو التبیین ، فکما یکتفون فی الأوّل بالظنّ کذا یکتفون فی الآخر ، لأنّ الدلیل واحد ، ولا یمکن إثبات العدالة فی جمیع سلسلة سند الحدیث بشهادة العدلین ، بل لا یمکن الشهادة أصلا ، کما حقّق فی محلّه ، وإنّ المدار علی الترجیحات الاجتهادیة ، هذا.

لکن هذا خلاف ما صرّح به الشارح مرارا من أنّ عمل الأصحاب لا ینفع ضعف السند ، لأنّه إن بلغ حدّ الإجماع فهو حجّة لا فائدة فی الخبر ،

حکم ما لو زال المانع والوقت باقٍ

ص: 318


1- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.

ولیس هو حجّة ، وإلاّ فأیّ فائدة فی عمل الأصحاب؟!

قوله : وإن کان بعضه وقتا للعصر لولا إدراک الرکعة. ( 3 : 95 ).

مقتضی الاستصحاب کونه وقتا للظهر ، وأیضا لا شکّ فی أنّ الآن لا یصح غیر الظهر فیه ، فکیف یکون وقتا للعصر؟! إلاّ أن یراد من الوقت ما یصح الفعل فیه فی الجملة ، فیکون بهذا المعنی وقتا للظهر والعصر معا ، ولا مشاحّة فی الاصطلاح ، إلاّ أنّه فی الواقع إلی الآن وقت الظهر ، کما لا یخفی.

قوله : وهو ضعیف جدّا. ( 3 : 97 ).

لعلّ مراده رحمه الله أنّ المولی إذا طلب من عبده أمرا فالامتثال موقوف علی الإتیان بذلک الأمر علی سبیل الیقین ، لأنّ الإطاعة والامتثال هو الإتیان بنفس ما طلب منه ، لا بما ظنّ أنّه الذی طلب ، إلاّ مع صورة تعذّر العلم به ، فهو قرینة علی أنّ المطلوب منه هو مظنونه ، فحیث یتأتّی الإتیان بنفس المطلوب لو أتی بما هو ظنّة یذمّه العقلاء ، ویعدّونه غیر المطیع ، ولا تأمّل فی ذمّ العقلاء حینئذ ، سیّما بعد ملاحظة الآیات والأخبار فی منع العمل بغیر العلم ، وأنّه لا یجوز التعویل علیه.

قوله : بانتفاء ما یدل علی ثبوت التکلیف مع الظنّ للمتمکّن من العلم. ( 3 : 97 ).

هذه العبارة لا یخفی ما فیها ، إذ لم یفهم منها معنی محصّل ، فالأولی الاستدلال بما ذکرناه ، أو تبدیل هذه بقول : التعویل علی الظنّ ، فتدبّر.

قوله : وتدل علیه صحیحة ذریح المحاربی. ( 3 : 98 ).

لا دلالة فی الروایتین علی ما ذکره ، سیّما الثانیة ، بل تدل علی خلاف ما ذکره ، فالأظهر أنّ المراد فیهما التعویل علی الأذان المفید للظنّ أیضا إذا

وجوب تحصیل العلم بالوقت مع التمکن

ص: 319

کان وثوق بالمؤذّن ، والروایة الأولی تدل علی عدم التعویل علی الظنّ مطلقا ، لا أذان الموثوق به ولا غیره.

فالأجود فی الجمع أنّ مع تیسّر العلم لا یجوز التعویل علی الظنّ. وفی صلاة الفجر یتیسّر العلم غالبا. وأمّا إذا لم یتیسّر العلم کما فی الظهر یجوز التعویل علی أذان الثقة أعمّ من أن یکون عادلا أم لا. وعدم تیسّر العلم غالبا فی الظهر ظاهر ، إذ تیسّر العلم فیه إنّما هو بالتأخیر لا أوّل الوقت ، والشارع یرضی بأذان الثقة ، بل بکلّ ظنّ إذا لم یتیسّر العلم ، کما سیجی ء ، فتأمّل.

قوله : وهذا یشمل الاجتهاد فی الوقت والقبلة. ( 3 : 99 ).

فی العموم تأمّل.

قوله : ویمکن المناقشة فی الروایتین الأوّلتین بضعف السند ، وفی الثالثة بقصور الدلالة. ( 3 : 99 ).

الضعف منجبر بالشهرة العظیمة والإجماع المدعی ، والدلالة فی الثالثة لا قصور فیها ، إذ لا خفاء فی أنّ الظاهر من مضیّ الصوم صحته وقبوله ، ویؤیّده قوله علیه السلام : « وتکفّ عن الطعام » إذ الصوم مطلق ، ویؤیّده أیضا عدم الأمر بالقضاء والکفّارة ، مع أنّ النهار مستصحب حتی یثبت خلافه. وأمّا الفرق بین الصوم والصلاة ففاسد ، لعدم القول بالفصل ، وابن الجنید لم یفرّق قطعا ، فکیف یقول : قوله لا یخلو من قوّة؟ مع أنّ المستفاد من قوله : « فإن رأیته بعد ذلک » أنّه إذا لم یره لا یکون علیه إعادة ، ومجرّد عدم الرؤیة لا یجعل ظنّه قطعا وعلما ، وهو ظاهر. فالروایة فی غایة الظهور فی أنّ الحکم فی الصلاة أیضا کذلک.

جواز التعویل علی الظن مع عدم التمکن من العلم

ص: 320

وحمل الروایة علی خصوص حصول الجزم (1) ، إلاّ أنّه تکلّف بعید ، کما لا یخفی علی المتأمّل ، مع أنّه أیضا خلاف رأی ابن الجنید والشارح ، فإنّ الجهل المرکب غیر العلم ، ولم یقل أحد بالفرق بینه وبین الظنّ.

والأخبار الدالة علی جواز التعویل علی الظنّ کثیرة ، منها :

موثّقة ابن بکیر عن الصادق علیه السلام أنّه قال : ربما صلّیت الظهر فی یوم غیم فانجلت ، فوجدتنی صلّیت حین زوال النهار؟ فقال : « لا تعد ولا تعد » (2). ومنها : روایة إسماعیل بن ریاح الآتیة. ومنها : الأخبار الواردة فی جواز التعویل علی المؤذّنین (3) ، وعلی دیوک العراق (4) ، وغیر ذلک.

قوله : وضعف سندها یمنع من التمسّک بها. ( 3 : 100 ).

سند بعضها قویّ غایة القوّة ، بل کالصحیحة مع أنّه إذا حصل الظنّ فلا مانع من العمل به ، کما عرفت من جواز التعویل علی الظنّ ، فتأمّل (5).

قوله : لکنها قاصرة من حیث السند بجهالة الراوی. ( 3 : 101 ).

هذه الروایة رواها الکلینی رحمه الله فی الصحیح عن ابن أبی عمیر عن إسماعیل. وابن أبی عمیر ممّن أجمعت العصابة ، کما فی الرجال (6) ، وممّن لا یروی إلاّ عن الثقة ، کما فی العدّة (7) ، مع أنّ الکلینی قال فی أوّل کتابه :

ص: 321


1- انظر مشارق الشموس : 409.
2- التهذیب 2 : 246 / 979 ، الوسائل 4 : 129 أبواب المواقیت ب 4 ح 16.
3- انظر الوسائل 5 : 378 أبواب الأذان والإقامة ب 3.
4- الوسائل 4 : 170 أبواب المواقیت ب 14.
5- فی « ب » و « ج » و « د » زیادة : بل الشیخ والکلینی رویا فی الحسن بإبراهیم بن هاشم عن ابن أبی عمیر عن أبی عبد الله الفراء عن الصادق علیه السلام هذا المضمون ، فلاحظ وتدبّر.
6- رجال الکشی 2 : 830.
7- عدّة الأصول : 386.

جمیع ما فیه من الآثار الیقینیة عن الصادقین علیهم السلام (1). والشیخ رحمه الله أیضا رواها بطریق آخر صحیح إلی ابن أبی عمیر ، وهو عن إسماعیل (2) ، والصدوق أیضا رواها عن إسماعیل ، مع أنّه قال فی أوّل کتابه ما قال ، وطریقه إلی إسماعیل صحیح ، فالخبر قویّ غایة القوة من الوجوه المذکورة ، إلاّ أنّ الأحوط الإعادة وعدم الاکتفاء.

قوله : والأصحّ الثانی. ( 3 : 102 ).

فیه نظر ، وقد مرّ الکلام فیه ، وحقّقنا تمام التحقیق فی الفوائد الحائریة.

قوله : لروایة علیّ بن جعفر. ( 3 : 114 ).

الاستدلال بهذه الروایة لیس بشی ء ، فإنّ المکلّف له طریق إلی العلم غالبا فی صلاة الفجر ، ولذا استدل للمشهور بهذه الروایة ، إلاّ أن یقال : عموم الروایة یشمل من لم یتمکن من العلم وإن کان نادرا ، لکن ربما یقول : إنّ العموم منصرف إلی الأفراد الشائعة ، ومع ذلک مقتضاها عدم الإجزاء ، فالحمل علی الاستحباب لیس بأولی من حمل العموم علی الأفراد الشائعة ، مع أنّه رحمه الله مال إلی مذهب ابن الجنید ، وقوّاه ، وبنی علی عدم دلیل یدل علی جواز التعویل علی الظنّ ، وحینئذ فالأولی التعلیل بالخروج عن خلاف ابن الجنید ، واحتمال کون الحق معه ، وإن کان خلاف الظاهر ، کما بیّناه ، فتدبّر.

قوله : لصحیحة هشام بن الحکم. ( 3 : 114 ).

والظاهر منها وإن کان بطلان الصلاة ، إلاّ أنّ الإجماع واقع علی

أفضلیّة الصلاة فی أوّل الوقت إلاّ ما استثنی

ص: 322


1- الکافی 1 : 8.
2- التهذیب 2 : 35 / 110.

الصحة ، وربما یظهر ذلک من روایة صحیحة أنّهم علیهم السلام قالوا : « إن لم یخف إعجالا عن الصلاة فلا بأس » (1) ، هذا مضمون الصحیحة علی ما هو ببالی ، والله یعلم.

قوله : فی صورتیه المشهورتین. ( 3 : 114 ).

فی الغوالی عن النبی صلی الله علیه و آله : « إذا وضع عشاء أحدکم وأقیمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء ولا یعجل حتی یفرغ » (2).

وفیه أیضا أنّ الخباب بن الأرتّ قال : شکونا إلی رسول الله صلی الله علیه و آله الرمضاء ، فقال : « أبردوا بالصلاة فإنّ شدّة الحرّ من فوح جهنّم » (3) انتهی.

قوله : بمثل هذا الخبر المجمل. ( 3 : 115 ).

لا إجمال فیها ، لأنّ ظاهرها التأخیر لتحصیل البرد ، وقد ذکرنا عن الغوالی ما یؤیّد وروی الصدوق رحمه الله فی العلل بسنده إلی أبی هریرة أنّ الرسول صلی الله علیه و آله قال : « إذا اشتدّ الحرّ فأبردوا بالصلاة فإنّ الحرّ من فیح جهنّم » (4) الحدیث. والحدیثان معلّلان بعلّة واضحة ظاهرة. مع أنّه یظهر من الأخبار الکثیرة أولویة تحصیل حضور القلب ورفع ما یشوّش الخاطر ، وشدّة الحرّ تشویش بمقتضی طبع الإنسان ، وغایة ما یتیسّر المجاهدة للنفس ، وهذه أیضا تشوّش الخاطر وتمنع حضور القلب. نعم إن أمکن تحصیله من أوّل الصلاة إلی آخرها من دون تشویش من طرف المجاهدة یکون الأمر علی ما ذکره ، إلاّ أنّه ممّا لا یکاد یتیسّر عادة ، وغالب الناس

ص: 323


1- الکافی 3 : 364 / 3 ، الفقیه 1 : 240 / 1061 ، التهذیب 2 : 324 / 1326 ، الوسائل 7 : 251 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 1.
2- عوالی اللئالی 1 : 146 / 77.
3- عوالی اللئالی 1 : 32 / 9 ، 10 ، بتفاوت.
4- علل الشرائع 1 : 247 / 1 ، الوسائل 4 : 142 أبواب المواقیت ب 8 ح 6.

لا یمکنهم ذلک ، وحمل الحدیث علی الفروض النادرة فیه ما فیه.

وقد ذکر رحمه الله : أنّه إذا کان التأخیر مشتملا علی صفة کمال - مثل التمکّن من استیفاء الأفعال علی الوجه الأکمل - یستحب التأخیر لذلک (1) ، فتأمّل.

قوله : فی الوقت المختص بالأولی أو المشترک. ( 3 : 115 ).

الوقوع فی الوقت المختص مع ظنّ الإتیان بالأولی من الفروض البعیدة ، والأخبار واردة فی الفروض الشائعة المتعارفة ، وقد مرّ الکلام فی ذلک ، فتأمّل.

قوله : فإن تمّ فهو الحجّة. ( 3 : 119 ).

لا تأمّل فی تمامیته ، وأنّ المسلمین فی الأعصار السابقة إلی الآن ما کانوا یصلّون فی المسجد الحرام إلاّ إلی الکعبة ، بل معلوم أنّ الرسول صلی الله علیه و آله والأئمّة علیهم السلام أیضا کانوا کذلک ، وربما یظهر من غیر واحد من الأخبار أنّ الله تعالی جعل الکعبة قبلة.

منها : ما سیجی ء فی المباحث الآتیة ، مثل کون القبلة جهة الکعبة لا البنیّة (2) ، ومثل الصلاة فوق الکعبة أو فی الکعبة ، وغیر ذلک ، وکذا الإجماعات الآتیة ، فلیلاحظ. والشهرة تجبر ضعف سند الروایة فضلا عن اتفاق کلّ المسلمین ، فتأمّل جدّا.

ومن الروایات الدالة علی ما ذکرنا : موثّقة معاویة بن عمّار ، عن الصادق علیه السلام أنّه سأله : متی صرف رسول الله صلی الله علیه و آله إلی الکعبة؟ قال : « بعد

القبلة

حقیقة القبلة

ص: 324


1- المدارک 3 : 114.
2- فی « أ » و « و» : البیت.

رجوعه من بدر » (1) وتوثیقها من الطاطری ، وهو ممّن ادعی الشیخ إجماع الشیعة علی العمل بروایته (2).

وفی الحسن کالصحیح ، عن الحلبی ، عن الصادق علیه السلام : « أنّ الرسول صلی الله علیه و آله فی المدینة کان یجعل الکعبة خلف ظهره فی الصلاة حتی حوّل إلی الکعبة » (3).

ومنها : روایة أبی بصیر عن أحدهما - فی سبب تسمیة مسجد بنی عبد الأشهل بذی القبلتین - أنّ النبیّ صلی الله علیه و آله صرف إلی الکعبة بعد أن صلّوا الرکعتین الأولتین إلی البیت المقدّس (4).

ومنها : روایة علیّ بن إبراهیم بسنده عن الصادق علیه السلام ، فی شأن نزول آیة ( قَدْ نَری تَقَلُّبَ وَجْهِکَ ) . (5) : « أنّ جبرئیل أخذ بعضد النبی صلی الله علیه و آله وحوّله إلی الکعبة » (6).

وبالجملة : الأخبار بحسب الظاهر متواترة فی کون الکعبة قبلة ، بل والمسجد الحرم کونهما قبلة من جهة الکعبة ، فلیلاحظ ولیتأمّل.

وأمّا الإجماع فلا شبهة فیه بل الظاهر أنّه ضروریّ الدین والمذهب ، حتی أنّه یلقّن الأموات - فضلا عن الأحیاء - الإقرار بأنّ الکعبة قبلتهم ، کالإقرار بأنّ الله ربّهم ، ومحمّدا نبیّهم ، والإسلام دینهم ، والقرآن کتابهم ، والأئمّة الاثنی عشر إمامهم.

ص: 325


1- التهذیب 2 : 43 / 135 ، الوسائل 4 : 297 أبواب القبلة ب 2 ح 1.
2- عدة الأصول : 381.
3- الکافی 3 : 286 / 12 ، الوسائل 4 : 298 أبواب القبلة ب 2 ح 4.
4- التهذیب 2 : 43 / 138 ، الوسائل 4 : 297 أبواب القبلة ب 2 ح 2.
5- البقرة : 144.
6- تفسیر القمّی 1 : 62 ، المستدرک 3 : 170 أبواب القبلة ب 2 ح 4.

قوله : وما رواه زرارة. ( 3 : 119 ).

استدلاله بهذه الروایة فیه ما فیه ، لأنّ الشطر والجهة لیس ما بین المشرق والمغرب ، وسیجی ء أحکام کثیرة مبنیّة علی ذلک والشارح رحمه الله قائل بها ، فلعلّ مراده الجهة فی صورة النسیان والخطأ ، فتأمّل.

قوله : فإنّ التکلیف بإصابة الحرم. ( 3 : 119 ).

لا یخفی أنّ الظاهر من کلام المصنّف رحمه الله ولعلّ من شارکه أیضا کذلک - أنّ نفس الحرم لیس قبلة للبعید بل جهتها ، کما سیجی ء فی الأحکام ، بل لعلّه لا تأمّل فی ذلک.

قوله : وبما رواه عن عبد الله بن محمّد الحجّال. ( 3 : 120 ).

ویدل علیه أیضا الروایتان اللتان تدلان علی استحباب التیاسر لأهل العراق (1) ، کما سیجی ء ، وما رواه الصدوق فی العلل فی علّة تحریف أهل العراق قبلتهم ذات الیسار (2) ، بل روی فیه أیضا بسنده عن الصادق علیه السلام : « أنّ الله تعالی جعل البیت قبلة لأهل المسجد ، والمسجد قبلة لأهل مکّة ، ومکّة قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة لأهل الدنیا » (3).

قوله : وحملهما الشهید فی الذکری علی أنّ المراد بالمسجد والحرم جهتهما. ( 3 : 120 ).

ولا شبهة فی صحة الحمل وتعیّنه ، لأنّ الجمیع اتفقوا علی أنّ علامة قبلة البعید کذا وکذا من دون تفاوت أصلا بین الفریقین.

کفایة استقبال جهة الکعبة

ص: 326


1- انظر المدارک 3 : 130.
2- علل الشرائع : 318 / 1 ، الفقیه 1 : 178 / 842 ، التهذیب 2 : 44 / 142 ، الوسائل 4 : 305 أبواب القبلة ب 4 ح 2.
3- علل الشرائع : 318 / 2 ، الوسائل 4 : 303 أبواب القبلة ب 3.

قوله : لأنّه لا یعلم إسلامهم ، فضلا عن عدالتهم. ( 3 : 121 ).

فیه : أنّ الموضوعات الشرعیة لیست بتوقیفیة ، بأن یکون موقوفة علی بیان الشرع سوی العبادات ، أی الکیفیة التی لا تصح إلاّ بالنیّة ، ولذا یرجعون إلی الظنون ، مثل قول اللغوی والنحوی والصرفی ، وأصالة العدم ، وأصالة البقاء ، والقرائن الظنیّة ، وقول أهل الخبرة فی الأرش وأمثاله ، وقول الطبیب ، وغیر ذلک من الظنون ، ومنها المرجّحات ، والتفصیل فی رسالتنا فی الاجتهاد والأخبار (1) ، ومع ذلک ورد هنا الأمر بالتحرّی ، وهو الأخذ بما هو أحری وأقرب فی النظر إذا لم یتحقّق العلم ، ومن الهیئة ربما یحصل العلم بالجهة ، ولا شکّ فی حصول الظنّ الأقوی والأحری منها ، وتقلید أهله ممکن ومشروع ، بل واجب إذا انحصر الأحری فیه ولم یکن أحری منه ، علی أنّه رحمه الله سیصرّح بجواز التعویل علی قول الکافر الواحد محتجّا بأنّه نوع من التحرّی (2) ، فتدبّر ، ( وأی فرق بین ما إذا تیسّر الرجل الکافر وما إذا تیسّر القواعد المقرّبة للیقین بالجهة والظنّ بالیقین ) (3).

قوله : ویدل علیه ظاهر الآیة الشریفة. ( 3 : 122 ).

لا دلالة فیها ، بل الشارح یمنع کون الکعبة قبلة من جهة دلالة الآیة ، فتأمّل.

قوله : وما رواه الشیخ عن عبد الله بن سنان. ( 3 : 122 ).

هذه الروایة موثّقة بالطاطری ، وهو ممّن ادعی الشیخ الإجماع علی العمل بروایته (4) ، وروایة أبی إسماعیل صحیحة إلی ابن مسکان ، وهو ممّن

إشارة إلی أنّ روایة الطاطری ، موثقة ، وأنّ ابن مسکان من أصحاب الإجماع

ص: 327


1- رسالة الاجتهاد والأخبار ( الرسائل الأصولیّة ) : 86.
2- المدارک 3 : 133.
3- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و».
4- عدّة الأصول : 381.

أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصح عنه.

قوله : بعدم تسلیم کون القبلة هی الجملة. ( 3 : 124 ).

المراد من الجملة القطر والقدر الذی یحاذی المصلّی من قطر الکعبة ومجموعها ، والمصلّی داخلها لا یحصل له هذا ، والقدر الثابت من الأدلة کون الجملة قبلة ، وأمّا کون أیّ بعض منها قبلة فلم یثبت لو لم نقل بثبوت العدم ، بل الظاهر العدم ، لصحة ما دل علی المنع وتعدّده ، وظاهر الأخبار الکثیرة ، لو لم نقل متواترة فی أنّ الکعبة قبلة ، فإنّ المتبادر منها هو ما ذکرناه. مع أنّه لو کان أیّ جزء من الکعبة قبلة لکان یلزم استدبار الکعبة وعدم استقبالها أیضا فی حال استقبال أیّ جزء ، فتأمّل.

ویدل علی کون القبلة هی الجملة ما سیجی ء فی المسألة الآتیة.

قوله : وظهور لفظ « لا یصلح » فیه ، کما لا یخفی. ( 3 : 125 ).

الظهور محلّ نظر ، نعم ربما لا یکون ظاهرا فی الحرمة ، وإن کان ذلک أیضا ربما لا یخلو عن مناقشة ، لأنّ الصلاح فی مقابل الفساد ، فتأمّل.

مع أنّ النهی فی الروایة الأولی صریح فی الحرمة أو ظاهر فیها ، والموثّق لیس بحجّة عند الشارح ، مع أنّه فی مقام التعارض لا یقاوم الصحیح البتّة ، فتأمّل.

والنهی حقیقة فی الکراهة (1) ، والأصل الحقیقة حتی یثبت خلافها.

ویشیر إلی أنّ المراد من « لا یصلح » فی الصحیحة هو النهی : أنّ الشیخ روی فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال :

حکم المصلّی فی جوف الکعبة أو علی سطحها

ص: 328


1- کذا فی النسخ.

« لا تصلّ المکتوبة فی جوف الکعبة » (1) ، فظهر أنّ إحدی الروایتین نقل بالمعنی المراد من الأخری ، فلم یثبت ما یخالف صحیحة ابن عمّار ، لو لم نقل بظهور المؤکّد لها ، بل الظاهر أنّ المراد من « لا یصلح » هو النهی ، لأنّه قابل لإرادة النهی منه علی أی تقدیر ، بخلاف النهی الخالی عن القرینة ، فإنّه غیر قابل للکراهة ، کما لا یخفی ، فتدبّر.

واحتمال کونهما روایتین عن ابن مسلم بعید ، بملاحظة سند الاستبصار والراوی والمرویّ عنه ، وأنّه کیف ما روی روایته الأخری للراوی ، واقتصر بإحداهما لإحداهما وبالأخری للأخری؟ اللهمّ إلاّ أن یکون فهم اتحاد المراد ، وهو المطلوب ، فتدبّر.

مع أنّ فی آخر صحیحة معاویة بعد ما نقله الشارح رحمه الله قال : « فإن النبی صلی الله علیه و آله لم یدخل الکعبة فی حجّة ولا عمرة ، ولکن دخلها فی فتح مکّة ، وصلّی رکعتین بین العمودین ومعه أسامة بن زید » (2) انتهی. ولا یخفی علی المتأمّل فیه أنّ الظاهر منه کون جواز الفریضة فیها من بدع العامّة ، وأنّهم یحتجّون فی ذلک بفعل النبی صلی الله علیه و آله ، وأنّ الصادق علیه السلام کذّبهم وخطأهم فی ذلک ، فربما یکون الموثّقة واردة علی التقیة ، هذا.

مع أنّ العبادات توقیفیة ، وشغل الذمّة الیقینی یستدعی البراءة الیقینیة أو العرفیة ، فعلی تقدیر الاشتباه أیضا یشکل الاکتفاء.

ویمکن حملها علی حالة الاضطرار أیضا ، بناء علی وقوع الازدحام الشدید بعد ما دخل فیها ودخل الوقت ، فتأمّل.

قوله : والاستقبال والرکوع والسجود. ( 3 : 125 ).

ص: 329


1- التهذیب 2 : 376 / 1564 ، الوسائل 4 : 336 أبواب القبلة ب 17 ح 1.
2- التهذیب 5 : 279 / 953 ، الوسائل 4 : 337 أبواب القبلة ب 17 ح 3.

إلاّ أنّ الأمر فی الاستقبال ربما کان مشکلا ، لما مرّ ، إلاّ أن یقال : إنّه أولی من استقبال البیت المعمور بالنظر إلی الأدلة ، فتأمّل.

قوله : والروایتان ضعیفتا السند جدّا. ( 3 : 130 ).

قد بیّنا فی تعلیقتنا علی رجال المیرزا رحمه الله حجّیة أمثال هذه الروایات (1) ، مع أنّ الضعف منجبر بعمل الأصحاب مع أنّ المقام مقام الاستحباب ، فلا یضرّ الضعف ، لما بیّن فی محلّه.

وقوله : العمل بهما لا یؤمن معه. ، فیه : أنّ القبلة هی الجهة وفیها من السعة ما لا یخفی ، وإن قلنا بأنّ الحرم قبلة ، لما مرّ.

قوله : علی أقوی الظنّین. ( 3 : 133 ).

والتقلید حینئذ نوع من الاجتهاد ، والمدار فی جمیع الأمارات الاجتهادیة علی ذلک ، کما لا یخفی.

قوله (2) : وأسنده فی المعتبر. ( 3 : 136 ).

وکذا العلاّمة فی المنتهی (3) ، ونسبه المحقّق الثانی أیضا فی شرح القواعد إلی ظاهر الأصحاب (4) ، مؤذنا بدعوی الإجماع علیه أیضا ، وحکی التصریح به عن الغنیة (5).

قوله : لنا أصالة البراءة ممّا لم یقم دلیل علی وجوبه. ( 3 : 136 ).

الأصل لا یعارض العمومات الدالة علی وجوب الاستقبال ، إلاّ أن

استحباب التیاسر لأهل العرق

حکم فاقد الظن بالقبلة

ص: 330


1- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 8 و 341.
2- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و».
3- المنتهی 1 : 219.
4- جامع المقاصد 2 : 71.
5- حکاه عنه فی کشف اللثام 1 : 179 ، وهو فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 556.

یقال : العمومات مخصّصة بما سیذکر من الأخبار ، فیبقی الأصل سالما ، لکن لا یلائم هذا جعل الأصل دلیلا ( برأسه والخصوصیات دلیلا ) (1) برأسه.

قوله (2) : ونزلت هذه الآیة فی قبلة المتحیّر. ( 3 : 136 ).

الظاهر أنّه من کلام الصدوق ، لعدم المناسبة بینه وبین الصدر بحیث یصیر تتمّة ، فلاحظ وتأمّل ، فإنّ الصدر یتضمّن أنّ قبلة من سأل عن حاله ما بین المشرق والمغرب ، لا أنّه لا قبلة له أصلا ، ولأنّ الشیخ روی هذه الصحیحة ولم یکن فیها ما ذکره (3) ، ولأنّ الوارد عن الأئمّة علیهم السلام أنّ الآیة المذکورة نزلت فی النافلة ، کما فی التبیان ، وتفسیر علی بن إبراهیم ، وتفسیر العیاشی (4) ، بل لم یعهد فی تفسیر ورود نص عن الأئمة ع أنها نزلت فی المتحیّر ، بل هذا شی ء ذکره بعض المفسرین (5) ، علی أنّ احتمال کونه من الصدوق ممّا لا تأمّل فیه أصلا ، فکیف یمکن الاستدلال به؟

قوله : فلا تعویل علیها. ( 3 : 137 ).

یمکن أن یقال : الضعف منجبر بعمل الأصحاب ، و [ المراد بقوله ] (6) : کنّا وأنتم سواء فی الاجتهاد ، أی فی مسألة الاجتهاد وحکمه ، وهو أنّه إذا تأتّی الظنّ عمل به وإلاّ سقط اعتبار القبلة ، لأنّ أدنی ما یتحقّق به اعتبارها هو الظنّ.

ص: 331


1- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
2- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و».
3- التهذیب 2 : 48 / 157 ، الاستبصار 1 : 297 / 1095.
4- التبیان 2 : 16 ، تفسیر القمّی 1 : 58. تفسیر العیاشی 1 : 56 / 80.
5- انظر الکشاف 1 : 180 ، وکنز العرفان 1 : 91.
6- فی النسخ : ویحمل قوله ، والأنسب ما أثبتناه.

علی أنّا نقول : الظاهر من الأخبار والآثار أنّ الاجتهاد کان اصطلاحا فی العمل بالرأی من دون استناد إلی النص بل بمجرّد الرأی والاستحسان ، ولذا صرّح بحرمته من صرّح من قدمائنا مثل السید المرتضی رحمه الله (1) فلاحظ کلامهم حتی یظهر ما ذکرناه لک ، فحرمة ذلک کان من شعار الشیعة وضروریات مذهبهم ، کما یظهر من هذا الخبر.

فحاصل اعتراضه : أنّکم تحرّمون وتنکرون علینا ، وفی هذه الصورة توافقوننا.

وحاصل الجواب : أنّه یجب تحصیل العلم وعدم الاکتفاء بالاجتهاد ، وبالصلاة إلی أربع وجوه یحصل العلم ، إلاّ أن یرد نص من الشارع بعدم لزوم تحصیل العلم والاکتفاء بالتحرّی ، فإذا أطبقت السماء یجب الصلاة لأربع وجوه مطلقا إلاّ أن ینص الشارع بعدم الوجوب ، فإذا نص فلیس حینئذ باجتهاد ، والحاصل : أنّ مقتضی قاعدتنا الصلاة لأربع وجوه ولا تنخرم تلک القاعدة لو فرض صدور نص من الشارع بالتحرّی فی صورة خاصّة ، فتأمّل.

مع أنّ الوارد فی الأخبار أنّ التحرّی یجزی ، لا أنه یجب بحیث إنّه لو صلّی لأربع وجوه وحصل العلم فعل حراما ، ففی الصورة الخاصّة أیضا مجرّد الإجزاء ، والاجتهاد عندهم حجّة مثل الیقین. والنص بالإجزاء لمّا کان منهم فلعلّه علیه السلام ما رأی المناسب والمصلحة التصریح بهذا ، لأنّه فی صدد الجواب عن اعتراض العامّة ، فتأمّل جدّا ، فإنّ وجه عدم المصلحة أنّهم علیهم السلام ما کان یعجبهم الإظهار عند أمثال هؤلاء من العامّة أنّهم بأنفسهم شرع وأنّ

ص: 332


1- انظر الذریعة إلی أصول الشریعة 2 : 636.

نصهم نص الشارع.

مضافا إلی أنّه علیه السلام لو کان یظهر لکانوا یعترضون بأنّ الاجتهاد لو کان قبیحا فلم جوّزتم؟ وإلاّ فلم شنعتم؟ والراوی ما کان یتحمّل جواب هذا الاعتراض ، لقصور الفهم وعدم القابلیّة ، أو لا ینفع المعترضین بل یصیر منشأ لتشنیعهم علی الشیعة وطول لسانهم ، إمّا لعدم قابلیتهم أو لعنادهم.

فإن قلت : الروایة حینئذ خرجت عن الحجّیة ، لأنّ المأمور به فیها لا قائل به ، ومحلّ النزاع لم یؤمر به.

قلت : إطباق السماء أعمّ من التمکّن من الاجتهاد وعدمه. وقوله : سواء فی الاجتهاد ، یعنی لو تمکّنّا ، فقوله علیه السلام : « إذا کان ذلک » یعنی : مطلق الإطباق ، لا بشرط الاجتهاد ، إذ یصیر حینئذ [ فیه ] حزازة ، لأنّ المعنی أنّه تجب الصلاة إلی جهة بشرط الظنّ بعدم کونها قبلة لو لم یظنّ بکونها قبلة ، أو بشرط التمکّن من الظنّ بعدم کونها قبلة ، وفیه ما فیه ، لأنّ مع الظنّ بالعدم لو کان واجبا فمع الاحتمال بطریق أولی ، فکیف وأن لا یکون مساویا؟ فتأمّل.

قوله : والجواب : إنّا لا نسلّم وجوب الاستقبال مع الجهل بالقبلة ، والسند ما تقدّم ( 3 : 137 ).

لا یخفی أنّ العمومات تقتضی الوجوب ، والسند عند المحقق یعارضه السند المعمول به.

ویمکن الجمع بینهما بحمل الأوّل علی الإجزاء ، کما هو صریح لفظه ، والثانی علی الأفضلیة ، وأنّ غرض المعصوم علیه السلام منع ما ادعاه المعترض من التسویة فی الاجتهاد ، فإنّ الاجتهاد عندهم نازل منزلة الیقین ، کما أشرنا ، فإذا کان فی صورة حصول الاجتهاد ، الأفضل یکون کذا ففی

ص: 333

غیره بطریق أولی ، مع أنّ جوابه علیه السلام عام ، کما أشرنا فی الحاشیة السابقة ، فتأمّل.

أو یکون المراد أنّ مقتضی الأصل والقاعدة عندنا الصلاة لأربع وجوه ، إلاّ أن یرد رخصة من الشارع ، کما مرّ.

أو یکون الأوّل محمولا علی التقیّة ، فتأمّل. أو یکون المصلحة فی الثانی الأمر بالصلاة لأربع وجوه ، لأنّه فی مقام ردّ شبهتهم ، فتدبّر.

قوله : یدل علیه ما رواه الشیخ. ( 3 : 139 ).

مضافا إلی ما دل علی وجوب القیام ووجوب الاستقرار.

قوله : وتجزیه فاتحة الکتاب. ( 3 : 139 ).

الظاهر من هذه الصحیحة وجوب السورة علی غیر المعذور ، کما سیجی ء.

قوله : ولم یثبت توثیقه. ( 3 : 139 ).

إلاّ أنّه لم یستثن من رجال نوادر الحکمة ، مع أنّه یروی عنه ، وفیه شهادة علی وثاقته ، والعلاّمة صحّح روایاته فی المنتهی والمختلف (1) ویظهر من ترجمة العمرکی أنّه من شیوخ أصحابنا (2) ، مع أنّه یروی عنه الأجلّة ، مع أنّ هذه الروایة مطابقة لمقتضی الأصل والقاعدة المقرّرة الثابتة شرعا.

قوله : ویستفاد من هذه الروایة عدم وجوب الاستقبال إلاّ بتکبیرة الإحرام خاصّة. ( 3 : 140 ).

المستفاد منها عدم الوجوب علی خائف اللصوص ، مثل عدم وجوب

إشارة إلی أن محمّد بن أحمد العلوی من شیوخ أصحابنا

عدم جواز الصلاة علی الراحلة إلاّ عند الضرورة

ص: 334


1- انظر المنتهی 2 : 563 ، 715 ، والمختلف : 297.
2- انظر رجال النجاشی : 303 / 828.

القیام والاستقرار.

قوله (1) : وکلام أکثر الأصحاب. إلاّ أنّ المصنّف اعتبر الضیق. ( 3 : 142 ).

وربما کان مستنده عبارة الفقه الرضوی : « إن کنت راکبا وحضرت الصلاة ، وتخاف أن تنزل من سبع أو لصّ أو غیر ذلک ، فلیکن صلاتک علی ظهر دابّتک ، وتستقبل القبلة وتومئ إیماء إن أمکنک الوقوف ، وإلاّ استقبلت القبلة بالافتتاح ، ثم امض فی طریقک التی ترید ، حیث توجّهت به راحلتک مشرقا ومغربا ، وتنحنی للرکوع والسجود ، ویکون السجود أخفض من الرکوع ، ولیس لک أن تفعل ذلک إلاّ فی آخر الوقت » (2).

قوله : وقال : لا علیه أن لا یخرج. ( 3 : 144 ).

یمکن أن یکون المراد : لا علیه فی الصورة المسؤول عنها ، بقرینة قوله : « سأله عن مثل هذه المسألة رجل » ، فلا وجه للاستدلال بهذه الروایة لمختاره ، فتدبّر.

واستدلاله بصحیحة معاویة وحسنة حماد أشکل ، إذ لیس فیهما سوی بیان کیفیة الصلاة فی السفینة ، أمّا أنّها فی أیّ حالة تفعل فلم یتعرّض فیهما البتّة ، فتدبّر.

قوله : وعن الروایتین. ( 3 : 146 ).

ظاهر الروایتین أنّ الحکم بالخروج من حیث لا یکون المصلّی متمکّنا من القیام ، بأن یکون فی معرض عدم التمکّن ، ولذا قالوا علیهم السلام : یصلّی جالسا إن لم یمکنه القیام ، ولا شکّ فی أنّ القیام من الواجبات

حکم الصلاة فی السفینة

ص: 335


1- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و».
2- فقه الرضا علیه السلام : 148 ، المستدرک 3 : 189 أبواب القبلة ب 10 ح 2.

الیقینیة للصلاة ، بل هو رکن جزما ، فکیف یمکن رفع الید عن الأمر الیقینی بإطلاق خبر الواحد؟

بل ربما کان الظاهر منه أنّ السؤال والجواب فیه إنّما وقعا بالنسبة إلی کون الصلاة فی السفینة من حیث کونها فی السفینة لا فی الأرض ، لا من حیث عدم التمکّن من القیام وغیره من الواجبات ، کما هو الحال فی بعض أحوال أهل السفینة ، فلو جعل هذا الإطلاق عموما لزم رفع الید عن کثیر من الواجبات الیقینیة مع التمکّن من فعلها وعدم داع إلی ترکها ، بل بمجرّد اختیار إیقاع الصلاة فی السفینة ، ولعل هذا مما لم یقل به أحد منهم ، ألا تری أنّ المانعین استدلوا للمنع بأنّ القرار رکن ، وأنّ الصلاة فیها مستلزم لحرکات خارجة؟ فلو کان مرادهم الشمول للقیام وغیره من الواجبات لکان الاستدلال بوجوب القیام وغیره من الواجبات مثل القبلة والرکوع والسجود ، فتأمّل.

قوله : فیکون فعلها کذلک تشریعا محرّما. ( 3 : 147 ).

ما ذکره إنّما یتوجّه إذا قلنا بأنّ الصلاة اسم للأرکان (1) المستجمعة لشرائط الصحة ، والشارح رحمه الله لا یقول به بل یقول : إنّه اسم لمجرّد الأرکان ، کما یظهر منه فی کثیر من المباحث ، منها ما سیجی ء فی وجوب صلاة الجمعة (2) ، وإن کان ربما یظهر من کلامه فی بعض المواضع أنّه اسم للصحیحة ، کما یظهر منه فی المقام ، ولو کان اسما للمجرّد فلا شکّ فی أن الإطلاقات الواردة فی الأخبار تکفی لثبوت مشروعیة المجرّد ، إلاّ أن یثبت اشتراطه بشی ء شرعا ، ولم یثبت فی المقام اشتراطه بالقبلة ، ولو ثبت لکان

حکم الاستقبال فی النوافل

ص: 336


1- فی « ج » زیادة : المخصوصة.
2- یأتی فی ج 3 : 173.

الدلیل ذلک لا ما ذکره.

إلاّ أن یقال لو کانت صحیحة بغیر القبلة اختیارا لصدر ذلک بمقتضی العادة عن إحدی الحجج علیهم السلام ونقل إلینا ، لکن هذا أیضا علی فرض تمامیته خلاف طریقة الشارح رحمه الله کما مرّ فی الوضوء وغیره.

فالأولی الاستدلال علی ذلک بما ورد فی صحیحة زرارة من قوله علیه السلام : « لا صلاة إلاّ إلی القبلة » (1) لکن ربما یظهر بملاحظة آخر الخبر کون المراد منها الفریضة ، حیث قال : قلت : فمن صلّی لغیر القبلة أو فی یوم غیم فی غیر الوقت؟ قال : « یعید ». وأیضا فی الصحیح عن زرارة ، عنه علیه السلام أنّه قال : « إذا استقبلت القبلة بوجهک فلا تقلّب وجهک فتفسد صلاتک ، فإنّ الله تعالی قال لنبیّه صلی الله علیه و آله فی الفریضة ( فَوَلِّ وَجْهَکَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (2) » الحدیث (3).

مع أنّه کان المتبادر من لفظ الصلاة الفریضة ( علی ما سیجی ء من الشارح - رحمه الله - ) (4) فتأمّل.

قوله : وحسنة عبد الرحمن بن الحجاج. ( 3 : 148 ).

ما أورد الشارح رحمه الله خبرا یدل علی جواز النافلة ماشیا فی الحضر ، ویمکن الاستدلال له بما رواه الشیخ فی الصحیح عن عبد الله بن المغیرة ، عن عیینة ، عن إبراهیم بن میمون ، عن الصادق علیه السلام ، قال : « إن صلّیت وأنت تمشی کبّرت ثم مشیت ثم قرأت ، فإذا أردت أن ترکع أومأت

ص: 337


1- الفقیه 1 : 180 / 855 ، الوسائل 4 : 312 أبواب القبلة ب 9 ح 2.
2- البقرة : 144.
3- الفقیه 1 : 180 / 856 ، الوسائل 4 : 312 أبواب القبلة ب 9 ح 3.
4- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

بالرکوع ثم أومأت بالسجود ، ولیس فی السفر تطوّع » (1) وفی الصحیح عن حمّاد ، عن حریز ، عمّن ذکره ، عن الباقر علیه السلام : أنّه لم یکن یری بأسا أن یصلّی الماشی وهو یمشی ولکن لا یسوق الإبل (2) ، فتأمّل.

قوله : لدخوله فی الصلاة دخولا منهیا عنه. ( 3 : 150 ).

هذا إنّما یتمّ إذا قلنا بأنّ الجاهل غیر معذور ، وهو خلاف ما اختاره الشارح رحمه الله وعلی القول بالمعذوریة لا یکون الإعادة علی کلّ حال ، بل إذا خالف الواقع.

قوله : فیتوقّف علی الدلالة ولا دلالة ( 3 : 151 ).

سیجی ء العمومات الدالة علی وجوب قضاء ما فات من الصلاة وتصریح الشارح رحمه الله بذلک واعترافه به ، ومعلوم أنّ الفوت أعمّ من أنّه لا یصلّی أصلا أو یصلّی صلاة فاسدة ، کما لا یخفی ، فالاعتبار إنّما هو بالأخبار الدالة علی ذلک.

قوله : لأنّه فرض مستأنف. ( 3 : 153 ).

قد أشرنا آنفا إلی الاعتراض علیه باعترافه بالعمومات الدالة علی وجوب قضاء ما فات من الصلاة.

قوله : فلقولهم : ما بین المشرق والمغرب قبلة. ( 3 : 154 ).

فظهر أنّ المراد بالیسیر کون الانحراف بحدّ لا یصل إلی حدّ المشرق والمغرب ، بل یکون ما بینهما.

قوله : فالأقرب أنّه ینحرف ولا إعادة. ( 3 : 154 ).

الأعمی یرجع إلی غیره فی معرفة القبلة

ص: 338


1- التهذیب 3 : 299 / 587 ، الوسائل 4 : 334 أبواب القبلة ب 16 ح 2.
2- الکافی 3 : 441 / 9 ، الفقیه 1 : 289 / 1318 ، التهذیب 3 : 230 / 592 ، الوسائل 4 : 335 أبواب القبلة ب 16 ح 5.

لا یخفی أنّ مراعاة الوقت مقدّم علی مراعاة القبلة ، ولذا یجب علی الجاهل بالقبلة وغیر المتمکّن من الاستقبال أن یصلّی بغیر القبلة ، بل ومراعاتها مقدّم علی جلّ واجبات الصلاة من الأجزاء والشرائط ، وقد مرّ الکلام فی ذلک فی کتاب الطهارة ، فلاحظ.

قوله : والامتثال یقتضی الإجزاء. ( 3 : 154 ).

والامتثال إنّما هو إذا لم یظهر المخالفة ، إذ الامتثال هو الإتیان بما هو مطلوب الله تعالی ، ومطلوبه تعالی هو الصلاة إلی القبلة لا إلی دبر القبلة ، ولو کان الامتثال متحقّقا علی تقدیر ظهور المخالفة للزم عدم وجوب الإعادة فی الوقت أیضا إذا ظهر الإخلال بالشرط فیه ، وهو رحمه الله صرّح مرارا بوجوب الإعادة فیه بسبب الإخلال بشرط الواجب ، فإذا أخلّ به یکون فاسدا ، وإن لم یکن فاسدا لم یکن إخلال بشرط ، والفریضة لم تکن إلاّ واحدة ، ولذا تکون الثانیة إعادة وعوضا عمّا فات شرطه ووقع الإخلال فیه ، ومقتضی ذلک وجوب القضاء أیضا ، لما مرّ مرارا.

نعم مقتضی روایتی عبد الرحمن وسلیمان أنّه بعد الفراغ عن الصلاة فی الوقت واستبانة الخطأ خارج الوقت لا تجب إعادة تلک الصلاة ، فتأمّل.

قوله : فالفارق بین الجلد والدم. ( 3 : 158 ).

لیس الفارق منحصرا فی ما ذکره بل عرفت غیرها ، وأنّ الأدلّة دالة علی نجاسة المیتة وعدم جواز الصلاة فیها. والمیتة اسم لما زهق روحه بغیر تذکیة فی الواقع من غیر مدخلیة العلم والجهل والمعروفیة وعدم المعروفیة فی المعنی ، کما هو ظاهر.

وأمّا الدم وإن ورد بعض الأخبار أنّه نجس لکن ورد أنّ دم ما لا نفس له طاهر ، وکذا الدم المتخلّف ، فإذا وقع الاشتباه یکون الأصل الطهارة ،

لباس المصلّی

حکم الصلاة فی جلد المیتة

ص: 339

لعدم العلم بالتکلیف ، ولیس شی ء یعارض هذا ، بخلاف الجلد فإنّه یعارض فیه ما ستعرف ، فتأمّل.

قوله : ومع انتفاء حجیّته. ( 3 : 158 ).

قد بیّنا فی کتاب الطهارة حجّیة الاستصحاب (1) ، مع أنّ تتبّع الأخبار الواردة فی کتاب الصید وکتاب الذباحة وکتاب الأطعمة وغیر ذلک یکشف عمّا ذکره الفقهاء من أصالة عدم التذکیة حتی تثبت (2) ، وما لم تثبت لا یکون طاهرا ولا حلالا ، ( فإنّ ثبوت التذکیة شرط للحکم بالطهارة ، والحلّیة ، وجواز الأکل ، والاستعمال باللبس فی الصلاة ، وأمثال ذلک ) (3) ، فتتبّع تجد الأخبار متواترة فی ما ذکرناه.

ومع ذلک نقول : إنّ ما استدل به علی المنع من الصلاة فی جلد المیتة مقتضاه عدم جواز الصلاة فی ما هو فی الواقع میتة ، کما ذکرنا ، لأنّ المیتة اسم لما هو فی الواقع میتة کالماء والخبز ، وغیر ذلک ، وقد جعلوا الفسق (4) اسما لما هو فی الواقع خروج عن الطاعة ، ولذلک أثبتوا اشتراط العدالة فی الراوی ، فمقتضی ما ذکر اشتراط ثبوت التذکیة للحکم بإباحة الصلاة وتحقّق الإطاعة والامتثال.

وأیضا فی موثقة ابن بکیر الآتیة عند قول المصنف رحمه الله : وما لا یحلّ أکله (5). ما یدل علی اشتراط العلم بالتذکیة ، حیث قال علیه السلام فی آخرها : « وإن کان ممّا یؤکل لحمه فالصلاة فی وبره وشعره وبوله وروثه

ص: 340


1- راجع ج 1 : 90 - 93.
2- فی « و» زیادة : خلافه.
3- ما بین القوسین أثبتناه من « و».
4- فی النسخ : الفاسق ، والأنسب ما أثبتناه.
5- انظر المدارک 3 : 161.

وکلّ شی ء منه جائزة إذا علمت أنّه ذکی قد ذکّاه بالذبح ». الحدیث.

وأیضا روی فی الکافی بسنده إلی علی بن أبی حمزة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام وأبا الحسن علیه السلام عن لباس الفراء والصلاة فیها ، فقال : « لا تصلّ فیها إلاّ ما کان منه ذکیّا » الحدیث (1).

وأیضا سیجی ء الأخبار الدالة علی أنّ ما یؤخذ من غیر سوق المسلمین یجب السؤال عن تذکیته ، وکذا ما یؤخذ من ید المشرک ، وأنّ ما یؤخذ من ید من یستحلّ المیتة لا یجوز أن یباع علی أنّه ذکیّ وإن أخبر ذو الید أنّه ذکی ، وغیر ذلک (2) ، والأخذ من المسلم أو من سوق المسلمین موجب للحکم بالتذکیة ، لحمل أفعال المسلم علی الصحة ، ولما استدل به الشارح فی ما سیأتی من صحیحة الحلبی وصحیحة ابن أبی نصر وصحیحة الجعفری وغیرها من الأخبار الدالة علی أنّ ما یؤخذ من السوق یجوز الصلاة فیه (3). وظاهر أنّ المتبادر والظاهر هو سوق المسلمین. ولئن سلّمنا عدم الظهور لا نسلّم العموم ، والمناط الظهور ، مع أنّه لیس ها هنا ما یدل علی العموم لغة ، فتأمّل.

قوله : وقد ورد فی عدّة أخبار. ( 3 : 158 ).

إن أراد من الأخبار ما استدل بها فالظاهر منها الأخذ من المسلم أو سوق المسلم ، ولا تأمّل فی ثبوت التذکیة به ، کما ستعرف. وإن أراد غیر ذلک فلا بدّ من ذکره حتی یعرف حاله.

ص: 341


1- الکافی 3 : 397 / 3 ، التهذیب 2 : 203 / 797 ، الوسائل 4 : 345 أبواب لباس المصلّی ب 2 ح 2.
2- انظر الوسائل 1 : 490 أبواب النجاسات ب 50.
3- المدارک 3 : 159.

وفی الصحیح عن عبد الله بن المغیرة - وهو ممّن أجمعت العصابة - عن إسحاق بن عمار ، عن الکاظم علیه السلام : « لا بأس بالصلاة فی الفراء الیمانی وفی ما صنع فی أرض الإسلام » قلت : فإن کان فیها غیر أهل الإسلام؟ قال : « إذا کان الغالب علیها المسلمون فلا بأس » (1).

وفی التهذیب ، بسنده عن أبی الحسن علیه السلام أنّه سئل عن جلود الفراء یشتریها الرجل فی سوق من أسواق الجبل ، یسأل عن ذکاته إذا کان البائع مسلما غیر عارف؟ قال : « علیکم أن تسألوا إذا رأیتم المشرکین یبیعون ذلک ، وإذا رأیتم یصلّون فیه فلا تسألوا عنه » (2).

وفی الحسن کالصحیح عن الصادق علیه السلام : « تکره الصلاة فی الفراء إلاّ ما صنع فی أرض الحجاز ، أو ما علمت منه ذکاة » (3) ، فتأمّل.

وفی کالصحیح عن الهاشمی : أنّه سئل الصادق علیه السلام عن لباس الجلود ، والخفاف ، والنعال ، والصلاة فیها ، إذا لم تکن من أرض المسلمین (4) ، فقال : « أمّا النعال والخفاف فلا بأس بها » (5) ، وظاهرها أنّ لباس الجلود لا یجوز ، وأنّ عدم المنع من النعال والخفاف من جهة کونهما ممّا لا تتمّ الصلاة فیه ، ولا مانع إذا کان نجسا بالإجماع والأخبار ، فتأمّل.

قوله (6) : أو فی سوق المسلمین ( 3 : 158 ).

ص: 342


1- التهذیب 2 : 368 / 1532 ، الوسائل 4 : 456 أبواب لباس المصلّی ب 55 ح 3.
2- الفقیه 1 : 167 / 788 ، التهذیب 2 : 371 / 1544 ، الوسائل 3 : 492 أبواب النجاسات ب 50 ح 7.
3- الکافی 3 : 398 / 4 ، الوسائل 3 : 526 أبواب النجاسات ب 79 ح 1.
4- کذا فی النسخ والوافی ( 7 : 418 ) وفی بقیّة المصادر : المصلّین.
5- التهذیب 2 : 234 / 922 ، الوسائل 4 : 427 أبواب لباس المصلّی ب 38 ح 3.
6- هذه الحاشیة لیست فی « أ ».

من ید من لا یظهر کفره.

قوله : یسأله عن الفرو والخف. ( 3 : 159 ).

لا یخفی أنّ المطلق منصرف إلی الأفراد الشائعة ، وهی ما یؤخذ من سوق المسلمین أو من ید المسلم.

قوله : وعن عبد الرحمن بن الحجاج. ( 3 : 160 ).

هذا الخبر ظاهر فی کون أفعال المسلم محمولا علی الصحة إذا کان موافقا لرأیه واعتقاده ، لأنّ الراوی قال : ما أفسد ذلک؟

مع أنّ الکلام هو الذی قال المعصوم علیه السلام فی الجواب ، وأمّا مجرّد قول المسلم بأنّه کذا ، لا یقتضی أن یکون فی الواقع کذا. نعم فی الواقع هو قال کذا ، ومع ذلک استبعد الراوی عدم الحکم بکونه فی الواقع کذا بمجرّد قول المسلم ، فسأل عن السبب ، والمعصوم علیه السلام أقرّه علی معتقده وأجاب بأنّ العلة أمر آخر وهو استحلالهم بحسب معتقدهم ، فتدبّر.

قوله : وانتفاء ما یدل علی عموم المنع. ( 3 : 161 ).

سیّما فی مثل القمل والبرغوث والبقّ والذباب والنمل ونظائرها. وفی التهذیب عن علیّ بن مهزیار ، وفی الفقیه عن إبراهیم بن مهزیار ، عن أبی محمد علیه السلام أنّ الصلاة یجوز فی القرمز (1) ، فلیتأمّل.

وأمّا ما هو من قبیل السمک فربما یظهر من بعض الروایات المنع عنه مثل روایة محمد بن سلیمان الدیلمی التی وردت فی تحقیق الخزّ (2) ،

ص: 343


1- الفقیه 1 : 171 / 806 ، التهذیب 2 : 363 / 1502 ، الوسائل 4 : 435 أبواب لباس المصلّی ب 44 ح 1.
2- الکافی 3 : 399 / 11 ، التهذیب 2 : 211 / 828 ، الوسائل 4 : 359 أبواب لباس المصلّی ب 8 ح 4.

فلیلاحظ ولیتأمّل.

قوله : بل الظاهر تحریم استصحاب غیر الملبوس أیضا لقوله علیه السلام . ( 3 : 161 ).

وما رواه فی التهذیب عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن جعفر أنّه کتب إلی أبی محمد علیه السلام : یجوز للرجل أن یصلّی ومعه فارة المسک؟ فکتب : « لا بأس به إذا کان ذکیّا » (1). وفسّره فی الذکری بالطاهر (2) ، وفیه ما فیه.

وما رواه الصدوق رحمه الله عن الصادق علیه السلام : « لا بأس بتقلید السیف فی الصلاة فیه الفراء والکیمخت ما لم یعلم أنّه میتة » (3) وکذا روایة علی بن أبی حمزة الواردة بهذا المضمون (4). لکن قد مرّ الروایة الدالة علی عدم البأس فی الصلاة فی الخفاف والنعال المأخوذة من أرض غیر المسلمین ، والمنع من الصلاة فی الجلود المأخوذة منها.

قوله : فهو إجماعی أیضا علی ما نقله جماعة. ( 3 : 161 ).

والإجماع المنقول بخبر الواحد حجة ، کما حقّق فی محلّه ، بل ربما کان المنع من شعار الشیعة یعرفون بذلک ویتقون به من العامّة.

قوله : عن الصلاة فی جلود السباع. ( 3 : 162 ).

فی کتاب علل الشرائع بسنده المرفوع إلی الصادق علیه السلام أنّه قال : « لا تجوز الصلاة فی شعر ووبر ما لا یؤکل لحمه لأنّ أکثرها مسوخ » (5).

ص: 344


1- التهذیب 2 : 362 / 1500 ، الوسائل 4 : 433 أبواب لباس المصلّی ب 41 ح 2.
2- الذکری : 149.
3- الفقیه 1 : 172 / 811 ، الوسائل 3 : 493 أبواب النجاسات ب 50 ح 12.
4- التهذیب 2 : 368 / 1530 ، الوسائل 3 : 491 أبواب النجاسات ب 50 ح 4.
5- علل الشرائع : 342 / 1 ، الوسائل 4 : 347 أبواب لباس المصلّی ب 2 ح 7.

وفی الفقه الرضوی : « لا تجوز الصلاة فی سنجاب ، وسمّور ، وفنک ، وإیّاک أن تصلّی فی الثعالب ، وفی ثوب تحته جلد الثعالب » (1) ، وفیه أیضا : سألته عمّا یخرج من منخر الدابّة إذا أنخرت فأصاب ثوب الرجل ، قال : « لا بأس ، لیس علیک أن تغسله » (2).

قوله : وابن بکیر وإن کان ضعیفا. ( 3 : 162 ).

تضعیف ابن بکیر ضعیف ، للتوثیق الصریح مع إجماع العصابة علی تصحیح ما یصح عنه ، وکونه من فقهاء أصحابنا ، ولقول النجاشی : کتابه کثیر الرواة (3) ، الدال علی الوثوق والاعتبار ، کما حقّقناه فی الرجال ، ولقول الشیخ فی العدّة : إنّ الطائفة أجمعت علی العمل بروایته (4) ، وقول المفید رحمه الله فی رسالته : إنّه من فقهاء الأصحاب والرؤساء الأعلام المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتیا والأحکام ، وهم أصحاب الأصول المدوّنة والمصنّفات المشهورة (5) ، إلی غیر ذلک مثل کونه کثیر الروایة ، ومقبول الروایة ، وسدید الروایة ، وأنّه یروی عنه الثقات الأجلّة ، وغیر ذلک ممّا ذکرناه فی موضعه وحقّقنا الأمر فیه. وأمّا الفطحیة فالنجاشی لم یتعرّض ، وفی ترجمة هشام ابن سالم : أنّ الفطحیة رجعوا عن رأیهم إلاّ طائفة عمار (6).

عبد الله بن بکیر ثقة من فقهاء أصحابنا

ص: 345


1- فقه الرضا علیه السلام : 157 ، المستدرک 3 : 199 أبواب لباس المصلّی ب 4 ح 2 ، وص 201 ب 7 ح 1.
2- المستدرک 2 : 561 أبواب النجاسات ب 7 ح 1 ، البحار 77 : 72 ، ولم نعثر علیه فی فقه الرضا علیه السلام .
3- رجال النجاشی : 222 / 581.
4- عدّة الأصول 1 : 381.
5- رسالة الشیخ المفید فی العدد والرؤیة : 14.
6- انظر رجال الکشی 2 : 567.

وبالجملة : غایة الأمر أن یکون موثّقا کالصحیح ، بل روایته أقوی من کثیر من الصحاح ، ومع ذلک منجبر سندها بالشهرة العظیمة بل الإجماع ، وکذا منجبر بالأخبار الصحیحة (1) الدالة علی المنع فی جلود السباع والثعالب والأرانب وغیر ذلک ممّا ستعرف ، ولا قائل بالفصل.

وأیضا الراوی عنه فی هذه الروایة ابن أبی عمیر ، وهو أیضا ممّن أجمعت العصابة ، وممّن لا یروی إلاّ عن ثقة ، کما صرّح به فی العدّة (2) ، إلی غیر ذلک ممّا یذکر فی ترجمته ، ویظهر من حاله.

والأخبار الدالة علی المنع فی خصوص الأشیاء وعمومها کثیرة غایة الکثرة ، یظهر منها أنّ هذا الحکم کان مشتهرا بین رواة الأئمّة علیهم السلام حتی أنّهم کانوا یسألون عن شعر الإنسان وظفره (3).

قوله : ثم استدل علیه أیضا. ( 3 : 162 ).

سیجی ء استدلاله بأخبار کثیرة وقوله بأنّ العمل بها لازم (4).

قوله : أو قصور فی دلالة. ( 3 : 163 ).

الشارح ربما یتمسّک لإتمام الدلالة بعدم القول بالفصل کغیره من الفقهاء ، وتمسّکه کذلک کثیر ، فلا مانع من أن یتمسّک به ها هنا ، سیّما مع الانضمام بما عرفت ، وبعد تتبّع الأحادیث حتی الأخبار الواردة فی استثناء مثل الخزّ وشعر الإنسان وظفره ( إذ یظهر أنّ الحکم عند الشیعة فی ذلک الزمان کان فی غایة الظهور والمسلّمیة ، فلاحظ وتأمّل ) (5).

ص: 346


1- لیس فی « ا ».
2- عدّة الأصول 1 : 386.
3- انظر الوسائل 4 : 382 أبواب لباس المصلّی ب 18.
4- المدارک 3 : 165.
5- ما بین القوسین لیس فی « ج ».

قوله : وقد استثنی من هذه الکلّیة أشیاء. ( 3 : 163 ).

وشمول الکلیّة لمثل دود القزّ ونحل العسل والبقّ والذباب والبرغوث محلّ تأمّل من أصله ، لعدم کونها بحیث تکون لها قابلیة الأکل ومن شأنها ذلک ، لعدم تبادر مثل تلک من الخبر ، بل وعدم تبادر الإنسان أیضا ، فلا یحتاج إلی القول بأنّ القزّ خارج بالإجماع والأخبار والاجتناب عن غیره ، مع أنّه ربما یظهر من طریقة المسلمین فی الأعصار عدم الاجتناب عن عرق الإنسان وریقه ووسخه وأمثال ذلک ، وکذا الذباب والبرغوث والعسل والشمع ، بل ربما یظهر بعضها من الأخبار أیضا ، فتأمّل.

ثم اعلم أنّ الظاهر من غیر واحد من الفقهاء أنّ المنع غیر مختصّ باللبس ، بل شامل للاستصحاب أیضا (1) ، لأنّهم یذکرون الأخبار الدالة علی ذلک فی جملة أدلتهم من دون تعرّض لکون مدلولاتها غیر المطلوب ، بل ویذکرون ما دل علی جوازه ویتعرضون للعلاج من غیر تعرّض بأنّ ذلک غیر المطلوب فی المقام ، وسیجی ء ما ذکرناه عن الشارح أیضا ، وأری العلماء وأسمع أنّهم یتنزّهون عنه البتّة.

والأخبار الدالة علی المنع : روایة إبراهیم بن محمد ، قال : کتبت إلیه : یسقط علی ثوبی الوبر والشعر ممّا لا یؤکل لحمه من غیر تقیّة ولا ضرورة ، فکتب : « لا تجوز الصلاة فیه » (2). وما ورد من المنع عن الصلاة فی الثوب الذی تحت أو فوق هذه الجلود والأوبار (3). وما ورد من المنع عن الصلاة

حکم استصحاب شیء مما لا یؤکل لحمه حال الصلاة

ص: 347


1- انظر جامع المقاصد 2 : 81 ، وکشف اللثام 1 : 184 ، والکفایة : 16.
2- التهذیب 2 : 209 / 819 ، الوسائل 4 : 346 أبواب لباس المصلّی ب 2 ح 4.
3- الکافی 3 : 399 / 8 ، التهذیب 2 : 206 / 808 ، الوسائل 4 : 357 أبواب لباس المصلّی ب 7 ح 8.

فی القلنسوة التی علیها وبر (1) ، إلی غیر ذلک ، بل روایة ابن بکیر أیضا ظاهرة فیه ، فإنّ الصلاة فی الروث مثلا ظاهرة فی المعیّة ، وتقدیر الکلام بإرادة الثوب الذی یتلوّث به غلط ، لأنّ الأصل عدم التقدیر ، سیّما مثله ، وقرّر فی الأصول أنّه إذا دار الأمر بین المجاز والإضمار فالمجاز مقدّم ومتعیّن.

ویعضده تتبّع الأخبار الواردة فی هذا الباب ، کما أشرنا إلیه ، والأخبار الواردة فی باب کراهة الحدید والمنع عن الذهب ، کما سنشیر إلیه (2) ، بل التتبّع یکشف عن أنّ الظاهر أنّ الأمر کان کذلک عند الشیعة ، ولذا کانوا یسألون فیجابون علی نحو ربما یظهر منه تقریرهم ، فتأمّل جدا. ویعضده أیضا فهم الأصحاب ، مضافا إلی إطلاق لفظ الروث وغیره ، فتأمّل جدّا.

وبالجملة : الأحوط الاجتناب مهما أمکن البتّة ، سیّما علی القول بأنّ العبادات أسام للصحیحة منها ، مع أنّ شغل الذمّة الیقینی یستدعی البراءة الیقینیة ، إلی غیر ذلک ممّا ستعرف ، وسیجی ء تتمّة الکلام فی المقام ، فتأمّل.

قوله (3) : فإنّ کلّ ما دلّ علی جواز الاستعمال شامل للأمرین. ( 3 : 163 ).

یمکن أن یقال : إنّ الإطلاق ینصرف إلی المتعارف الشائع ، والاستعمال لیس سابقا متعارفا ، کما هو ظاهر.

قوله : ولا تصح الصلاة فی شی ء من ذلک إذا کان ممّا لا یؤکل

حکم الصلاة فی جلد ما لا یؤکل لحمه وحکم صوفه وشعره ووبره

ص: 348


1- التهذیب 2 : 207 / 810 ، الوسائل 4 : 377 أبواب لباس المصلّی ب 14 ح 4.
2- انظر ص 359 و 380.
3- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و».

لحمه. ( 3 : 164 ).

لا یخفی أنّ مراده من : ما لا یؤکل لحمه ، هو حرام الأکل ، کما تدل علیه روایة ابن بکیر التی هی الأصل فی هذا الباب ، وما ذکرنا من روایة سماعة المتضمّنة لجواز الصلاة فی الکیمخت (1).

قوله : صحیحة محمد بن عبد الجبار. ( 3 : 166 ).

لا دلالة لها علی ما ذکره ، کما لا یخفی علی المتأمّل ، مع أنّ التذکیة لیست شرطا لحلّیة الصلاة فی الوبر وغیره ممّا لا تحلّه الحیاة ، بإجماع الفقهاء والأخبار ، ومسلّم ذلک عند الشارح رحمه الله کما مرّ ، ففی الروایة شی ء لا یقول به أحد ، ومخالف للإجماع والأخبار ، ومثل هذا مانع عن الاحتجاج بها عند الشارح ، کما صرّح به مکرّرا.

ویمکن أن یکون المراد من التذکیة کونه ممّا یؤکل لحمه ، ویشیر إلی ذلک بعض الأخبار ، مثل روایة علی بن أبی حمزة عن الصادق والکاظم علیهماالسلام فی الصلاة فی الفراء ، فقال : « لا تصلّ فیها إلاّ ما کان ذکیّا » ، قال : قلت : ألیس الذکی ما ذکّی بالحدید؟ فقال : « بلی ، إذا کان ممّا یؤکل لحمه » الحدیث (2). ومثل روایة ابن أبی یعفور الواردة فی معرفة الخزّ (3).

ولعلّ المعصوم علیه السلام عبّر هنا کذلک ، لکون حکمه فی جواب المکاتبة ، وکان عادتهم فی جواب المکاتبات یفعلون أمثال ما ذکر تقیّة وتنبیها للراوی علی ذلک ، کما لا یخفی علی المطّلع بأجوبة المکاتبات

ص: 349


1- راجع ص 344 رقم 3.
2- الکافی 3 : 397 / 3 ، التهذیب 2 : 203 / 797 ، الوسائل 4 : 345 أبواب لباس المصلّی ب 2 ح 2.
3- راجع ص 343 رقم 2.

منهم علیهم السلام ، وصرّح بذلک جدّی رحمه الله (1).

( فعلی هذا یمکن أن تکون هذه الروایة خارجة مخرج التقیّة ، لأنّ أحمد قال بعدم جواز الصلاة فی الحریر المحض مطلقا بل بطلانها فیه (2) ، فعلی هذا یکون قوله علیه السلام فیه : « إذا کان ذکیّا » تقیّة من أحمد المذکور ، والشافعی ، حیث شرطا کون الشعر ونحوه مأخوذا من الحیّ أو بعد التذکیة ، وإذا أخذ من المیت فهو نجس لا تصح الصلاة فیه (3) ، فیکون ما ذکر شاهدا آخر علی التقیّة ، إذ معلوم أنّ أحمد کان معاصرا للرضا علیه السلام ، والصحیحة مکاتبة العسکری علیه السلام ، وعرفت أنّ المکاتبة لا تخلو عن التقیّة ، إذا التقیة مشاهدة مع ظهور توجیههم فیه ، فهذا أیضا مؤیّد آخر للحمل علی التقیّة ، فتأمّل جدّا ) (4).

قوله : وصحیحة علی بن ریّان. ( 3 : 166 ).

الظاهر عدم دلالة هذه أیضا ، لأنّ الظاهر أنّ المراد ممّا لا یؤکل لحمه غیر الإنسان ، ولعل الأمر عند الأصحاب أیضا کذلک (5).

ص: 350


1- انظر روضة المتقین 2 : 156.
2- انظر المجموع 3 : 180.
3- الأمّ 1 : 54.
4- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و».
5- فی « ب » و « ج » و « د » زیادة : فی الکافی بسنده عن الباقر علیه السلام أنّه سئل عن القرامل التی تصنعها النساء فی رؤوسهنّ ، یصلنه بشعورهنّ؟ فقال : « لا بأس علی المرأة بما تزیّنت به لزوجها » قلت : بلغنا أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله لعن الواصلة. ، الحدیث ، فلاحظ فی کتاب النکاح. وفی روایة أخری عن الصادق علیه السلام : « یکره للمرأة أن تجعل القرامل من شعر غیرها ، فإن وصلت شعرها بصوف أو بشعر نفسها فلا یضرّها ». وفی أخری : « إن کان صوفا فلا بأس وإن کان شعرا فلا خیر فیه من الواصلة والموصولة » فتأمّل. الکافی 5 : 119 / 1. و: 520 / 3 ، 4 ، التهذیب 6 : 361 / 1036 ، الوسائل 17 : 132 أبواب ما یکتسب به ب 19 ح 5 ، و 20 : 187 أبواب مقدّمات النکاح ب 101.

بل یمکن القطع بخروجه ، لأنّ لعاب کلّ واحد من الزوجین وسائر رطوباته یصل إلی الآخر بالتقبیل والملاصقة والملاعبة والمضاجعة غالبا ، وکذا لبن الزوجة ، وکذا الحال بالنسبة إلی الأطفال وغیرهم ، حتی أنّ المؤمنین فی المصافحة والتقبیل وسائر ملامساتهم یصل رطوباتهم إلی الآخر ، سیّما فی فصل الصیف وخصوصا فی البلاد الحارّة ، مع أنّهم کانوا یصلّون فی ثیاب الآخر ، وورد جواز ذلک فی الأخبار أیضا ، مع أنّه قلّما ینفکّ الثیاب الملبوسة عن الفضلات.

وبالجملة : الفرقة الناجیة فی جمیع الأمصار والأعصار السابقة واللاحقة کانوا یتنزهون عن فضولات الإنسان ورطوباته فی الصلاة ، وما کانوا یعاملون فیها معاملتهم فی السّمور والفنک وغیرهما ممّا اتفقوا علی المنع عن الصلاة أو اختلفوا ، مع أنّ العبادة تقتضی بالنصوص المتواترة ، لعموم البلوی وشدّة الحاجة وغلبة التحقّق ، لا الاکتفاء بخبر واحد غیر ظاهر الدلالة ، بل المتبادر منه غیر الإنسان.

مع أنّ صحیحة ابن ریّان وردت بطریقین : أحدهما ما ذکره الشارح رحمه الله والثانی یظهر منه أنّ المراد شعر نفس المصلّی (1) ، وخروج فضلات المصلّی نفسه لا شکّ فیه ، فتدبّر ، وورد فی الذی شرب المسکر وتفل ، أنّهم علیهم السلام قالوا بعدم وجوب غسله (2) ، فلاحظ.

ص: 351


1- انظر الفقیه 1 : 172 / 812.
2- التهذیب 1 : 280 / 825 و 282 / 827 ، الوسائل 3 : 473 أبواب النجاسات ب 39.

قوله : لروایة إبراهیم بن محمد الهمدانی وهی ضعیفة جدّا. ( 3 : 166 ).

لا یخفی أنّ إبراهیم هذا هو الوکیل الجلیل الذی هو وأولاده کانوا وکلاء ، والوکالة تستلزم العدالة ، کما اعترف به غیر واحد من المحققین (1) وحقّقناه فی الرجال (2) ، مع أنّه روی الکشّی فیه روایات متضمّنة لعدالته وجلالته (3) ، والظاهر اعتماد الکشی علیها ، وحقّقنا أیضا اعتبار مثله لثبوت العدالة ، فیظهر أنّه لا یضرّ إضماره ، لأنّ الظاهر أنّ مثله لا یروی ( مثل هذا ) (4) ، إلاّ عن المعصوم الذی وکّله.

وأمّا محمد بن علی الراوی عنه ، فهو یروی عنه محمد بن أحمد بن یحیی کثیرا ، وما استثنی القمیون روایته ، وهو دلیل علی عدالته ، کما لا یخفی علی من تأمّل فی ترجمته ، فالروایة معتبرة جدّا ، بل صحیحة علی الظاهر. مع أنّ الدلیل غیر منحصر فیها ، بل موثقة ابن بکیر الذی هی العمدة والأصل فی هذا الباب ، عمومها شامل لما نحن فیه.

وأیضا روی علی بن مهزیار فی الصحیح : أنّ رجلا سأل الماضی علیه السلام عن الصلاة فی جلود الثعالب فنهی عن الصلاة فیها ، وفی الثوب الذی یلیه ، فلم أدر أیّ الثوبین : الذی یلصق بالوبر ، أو الذی یلصق بالجلد؟ فوقّع بخطّه : « الذی یلصق بالجلد » وذکر أبو الحسن - یعنی علی ابن مهزیار - أنّه سأله عن هذه المسألة فقال : « لا تصلّ فی الذی فوقه ولا

بحث رجالی حول إبراهیم بن محمّد الهمدانی

ص: 352


1- انظر منتقی الجمان 1 : 19 ، والوسائل 30 : 289 ، وحکاه عن الشیخ البهائی فی مقباس الهدایة 2 : 259.
2- تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 21.
3- رجال الکشی 2 : 831 ، 869.
4- ما بین القوسین لیس فی « أ ».

فی الذی تحته » (1) وسنذکر عن الفقه الرضوی ما یؤیده (2) ، وکذا عن صحیحة أبی علی بن راشد (3) ، فتدبّر.

قوله : والنهی إنّما تعلّق بالصلاة فی غیر المأکول. ( 3 : 167 ).

هذه التفرقة غیر واضحة بحسب الدلیل ، مع أنّ روایة ابن بکیر الذی هی الأصل فی هذا الباب إنّما تضمّنت فساد الصلاة فی حرام الأکل ، وربما یظهر منها أنّ المنع فی الأخبار الأخر عن الصلاة فیه کنایة عن فسادها ، ویؤیّده کلام الفقهاء بل فهمهم أیضا. فعلی هذا نقول : إنّ المعلومیة والمشکوکیة أمران خارجان عن مفهوم حرام الأکل ، وفساد الصلاة إنّما تعلّق بمفهومه ، فإذا صلّی فی ما یحتمل کونه حرام الأکل فالفساد محتمل قطعا ، والصحة مشکوک فیها جزما ، کما ذکره العلاّمة رحمه الله فیبقی المکلّف تحت العهدة ، لعدم ثبوت الامتثال وتحققه.

وأمّا الصحیحة المؤیّدة فظهور شمولها لما نحن فیه لا یخلو من تأمّل ، ولذا جعله رحمه الله من المؤیّد ، وکذا شمول ما ورد من عدم التکلیف عند عدم العلم ، فتدبّر.

قوله : ولا نعلم به قائلا. ( 3 : 171 ).

لا یخفی أنّ الروایة الأخیرة أیضا لا قائل بمضمونها ، لمکان العلّة المنصوصة التی هی حجّة عند المحقّقین ، وعلی ما هو الحق ، وعند الشارح أیضا.

حکم الصلاة فی التکة والقلنسوة المعمولتین من وبر غیر المأکول

حکم الصلاة فی فرو السنجاب

ص: 353


1- الکافی 3 : 399 / 8 ، التهذیب 2 : 206 / 808 ، الوسائل 4 : 357 أبواب لباس المصلّی ب 7 ح 8.
2- انظر ص 354.
3- انظر ص 357.

قوله : إلاّ أنّ ذلک غیر قادح عند التحقیق کما بیّناه مرارا. ( 3 : 171 ).

الذی قاله مرارا علی تقدیر تسلیمه إنّما هو إذا کان الخبر صحیحا ولم یوجد قائل بمضمونه ، لا الذی أفتی الأصحاب بخلاف مضمونه وطرحوه وأعرضوا عنه ، کما هو الحال فی ما نحن فیه ، فإنّهم بأجمعهم أفتوا بالمنع من غیر استثناء هذه الأشیاء ، فالخبر یصیر من الشواذّ التی یجب ترک العمل بها عند الکلّ حتی عند الشارح رحمه الله أیضا ، کما صرّح به مرارا ، علی أنّ هذا یصیر سببا للمرجوحیة عند التعارض قطعا ، مع أنّ المعارض فی غایة القوّة ، کما عرفت. مع أنّ الشیخ رحمه الله لا یمکنه الاستدلال بها ، ولم یقل أحد بالفصل ، والشارح رحمه الله کثیرا ما یستدل بعدم القول بالفصل ، فالحمل علی التقیّة متعیّن. إلاّ أنّه ربما أشکل المنع عن السّمور فی صحیح ابن راشد ، إلاّ أن یکون هناک مندوحة بالنسبة إلیه ، فتأمّل ، أو یکون بعض العامّة راضیا بالمنع وإن لم نعرفه ، فتأمّل.

وفی الفقه الرضوی : « ولا تجوز الصلاة فی سنجاب ولا سمّور وفنک » إلی أن قال : « وإیّاک أن تصلّی فی الثعالب وفی ثوب تحته جلد الثعالب » (1).

والصدوق رحمه الله یظهر منه فی أمالیه - عند وصفه دین الإمامیة - الرخصة فی الصلاة فی کلّ ما ذکر ، وأنّ الأولی الترک (2). والظاهر أنّ نظره کان إلی هذه الأخبار ، وأن ما ذکره توهّم منه ، کما توهّم فی غیره من

ص: 354


1- فقه الرضا علیه السلام : 157 ، المستدرک 3 : 199 أبواب لباس المصلّی ب 4 ح 2 وص 201 ب 7 ح 1.
2- أمالی الصدوق : 513.

المواضع ، کما لا یخفی.

قوله : یجعلها کالنص فی المسؤول عنه. ( 3 : 171 ).

إن أراد من المماثلة عدم القابلیة للتخصیص ، فلا یخفی فسادها : إذ یصحّ أن یقول : إلاّ السنجاب وما یؤدّی مؤدّاه متصلا بالجواب أو منفصلا عند وقت الحاجة.

وإن أراد قوّة الدلالة فی الجملة ، فغیر خفی أن القوّة فیها لا تأبی عن التخصیص ، إذ یجوز أن یکون الخاصّ أقوی أو مساویا ، مع أنّ طریقته البناء علی التخصیص مطلقا ، استنادا إلی أنّ الجمع بین الأدلة أولی من طرح أحدهما بالمرّة ، ولا یراعی عدم التفاوت فی القوّة ، بل غالب المواضع التی یرتکب التخصیص فیها القوّة فیها متفاوتة ، بل فی کثیر منها تفاوت القوّة زائد ، وهذا هو الطریقة المتعارفة بین أکثر المتأخرین.

وإن أراد عدم القابلیة لخصوص التخصیص بالمنفصل ، فهو أیضا فاسد ، لما أشرنا إلیه ، مع أنّ هذا التفصیل غریب وخلاف ما حقّق فی الأصول ، وما علیه محققوهم ، وما علیه فقهاؤنا فی الفقه أیضا.

مع أنّه یجوز أن یکون هنا قرینة حالیة فهم منها خروج مثل السنجاب عن عموم الجواب ، ویکشف عنها الأخبار الواردة فی جواز الصلاة فی السنجاب ، والخبر الوارد بأنّ النبی صلی الله علیه و آله إنّما نهی عن السباع وما یأکل اللحم دون ما لا یأکل (1). ویظهر ذلک من غیر واحد من الأخبار أیضا (2).

وبالجملة : لا فرق فی أنّ السائل یقول فی سؤاله : ما تقول فی الصلاة

ص: 355


1- الکافی 3 : 397 / 3 ، التهذیب 2 : 203 / 797 ، الوسائل 4 : 348 أبواب لباس المصلّی ب 3 ح 3.
2- انظر الوسائل 4 : 347 أبواب لباس المصلّی ب 3.

فی ما لا یؤکل لحمه؟ فیجاب بالمنع عموما ، أو یقول فی السؤال : ما تقول فی الصلاة فی الثعالب والفنک والسنجاب وغیره من الوبر؟ فیجاب بالمنع عموما فی صحة التخصیص بالمتصل والمنفصل ، فإنّ ما ورد منهم علیهم السلام من النص علی صحة الصلاة فی السنجاب فی الأخبار الأخر کما یصح أن یصیر مخصّصا فی الصورة الأولی کذا یصح أن یصیر مخصّصا فی الصورة الثانیة من دون مانع.

ویرشد إلیه أنّ الخزّ تصح الصلاة فیه قطعا وخارج عن عموم الجواب البتّة ، مع أنّ من جملة سؤال السائل الصلاة فی الأوبار أیضا ، فتأمّل ، لکن عرفت حال المخصّص وأنّه یشکل العمل به وإن لم یکن له معارض ، فکیف إذا کان معارض قوی فی غایة القوّة؟!

قوله : من حیث صحّة أخبار الجواز. ( 3 : 173 ).

لا یخفی أنّ أخبار الجواز أکثرها یتضمّن صحة الصلاة فی ما لا یقول به الأصحاب ، وقد مرّ الکلام فی ذلک وأنّ الحمل علی التقیّة متعیّن ، سیّما وعلی بن یقطین کان وزیر الخلیفة ، فکان یناسبه التقیّة.

وأمّا صحیحة جمیل فالحکم بصحتها مشکل ، لأنّ الشیخ رحمه الله رواها بسند آخر عن جمیل ، عن الحسین (1) بن شهاب ، عن الصادق علیه السلام (2) والظاهر أنّ الروایتین واحدة ، وإلاّ کان اللازم علیه أن یذکر لهذا الراوی روایته عن الصادق علیه السلام بلا واسطة ، والراوی الأوّل روایته بالواسطة ، کما هو الظاهر من حالهم ، ولو قلنا بعدم ظهور الاتحاد فظهور التعدّد محلّ نظر ظاهر ، وکیف کان ، ثبوت العدالة بالنسبة إلی الجمیع محلّ تأمّل.

حکم الصلاة فی جلود الثعالب والأرانب

ص: 356


1- فی المصادر : الحسن.
2- التهذیب 2 : 367 / 1527 ، الوسائل 4 : 358 أبواب لباس المصلّی ب 7 ح 10.

سلّمنا ، لکنّها روایة واحدة تعارضها صحیحة علی بن مهزیار التی ذکرناها فی مسألة الشعرات الملقاة (1) ، وصحیحة أبی علی بن راشد حیث قال فی آخرها : قلت : الثعالب یصلّی فیها؟ قال : « لا ، ولکن یلبس بعد الصلاة » قلت : أصلیّ فی الثوب الذی یلیها؟ قال : « لا » (2).

وکذا تعارضها صحیحة ریّان بن الصلت عن الرضا علیه السلام وسنذکرها ، وکذا صحیحة ابن مسلم ، فإنّ : ( لا أحبّ ) یعارض : ( لا بأس ) لکونه نکرة فی سیاق النفی ، وکذا روایة ابن بکیر ، وهی صحیحة ، علی ما عرفت (3) ، بل أقوی من الصحاح. ویعضدها الإجماعات والأخبار الکثیرة الواردة فی المنع عن الثعالب (4) ، وعبارة الفقه الرضوی (5) ، وکذا الأخبار المتعدّدة الواردة فی المنع عن کلّ ما لا یؤکل لحمه (6).

وکذا الکلام فی الأرانب ، مع أنّ الشارح ما ذکر صحیحا یدل علی الجواز فیها ، وصحیحة محمد بن عبد الجبار جعلها الشارح دلیلا فی الشعرات التی ذکر أنّه لا مانع منها مطلقا ، مع أنّک عرفت ما فی تلک الصحیحة (7) ، فما ذکره رحمه الله فی هذا الکتاب أولی وأظهر ممّا ذکره فی المعتبر ، فتدبر.

قوله : وهو غیر جیّد. ( 3 : 175 ).

حکم لبس الحریر للرجال

ص: 357


1- راجع ص 352.
2- التهذیب 2 : 210 / 822 ، الوسائل 4 : 356 أبواب لباس المصلّی ب 7 ح 4.
3- راجع ص 345 - 346.
4- الوسائل 4 : 355 أبواب لباس المصلّی ب 7.
5- راجع ص 354.
6- الوسائل 4 : 345 أبواب لباس المصلّی ب 2.
7- راجع ص 349.

هو جیّد ، کما حقّقناه فی ما سبق ، علی أنّ وقفه محلّ تأمّل ، کما حققناه فی الرجال (1) ، فلاحظ.

قوله : وحملها الصدوق فی الفقیه علی قزّ الماعز. ( 3 : 175 ).

حیث روی عن إبراهیم بن مهزیار أنّه کتب إلی أبی محمد علیه السلام (2).

وروی الشیخ فی الصحیح عن ریّان بن الصلت عن الرضا علیه السلام عن لبس السّمور والسنجاب والحواصل وأشباهها والمحشوّ بالقزّ والخفاف من أصناف الجلود ، قال : « لا بأس بهذا کلّه إلاّ الثعالب » (3).

قوله : دون قزّ الإبریسم. ( 3 : 175 ).

ویظهر من الشیخ الموافقة له (4) ، وربما کان بناء حملها علیه ومنشؤه أنّ حشو الثوب یکون إبریسما أمر غیر معهود أصلا ( فی بلاد الراوی وما والاها ) (5) ولا یصدر عن عاقل ، لعلوّ القیمة وعدم المنفعة والزینة ، بخلاف قزّ الماعز ، سیّما فی البلاد الباردة بالنسبة إلی أهل الفقر والمسکنة ، لحصول کمال الدف ء مع رخص القیمة.

مضافا إلی أنّ حملها علی الظاهر ربما کان عندهما مخالفا لمذهب الشیعة ، کما یظهر من المؤلّف والعلاّمة رحمه الله حیث نسبا الخلاف إلی خصوص الشافعی من العامّة (6). مضافا إلی معارضة العمومات الدالة علی

ص: 358


1- تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 174.
2- الفقیه 1 : 171 / 807 ، الوسائل 4 : 444 أبواب لباس المصلّی ب 47 ح 4.
3- انظر التهذیب 2 : 364.
4- فی « ا » : عملها ، وفی « و» : عملهما.
5- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
6- المعتبر 2 : 91 ، التذکرة 2 : 475 ، وانظر الأمّ 1 : 221.

المنع حتی من مثل القلنسوة والتکّة (1). هذا کلّه مع قرب عهدهما إلی زمان صدور الروایة والأمور المعهودة فی ذلک الزمان.

ویمکن أن یقال : إنّ السؤال إنّما هو علی سبیل الفرض ، بناء علی ما عهد من العامّة من فرضهم هذه المسألة وتکلّمهم فیها ، وذهب الشافعی إلی الجواز ، فإذا کان المخالفة من العامّة علی حسب ما مرّ فلا یبعد الحمل علی التقیّة.

ویؤیّده أنّ المکاتبات لیست بمأمونة عن الأخذ والاطلاع علی ما فیها ، ولذا کثر تحقّق التقیّة فیها ، علی ما صرّح جدّی رحمه الله (2) ، مضافا إلی أنّ المشهور عند العامّة صحة الصلاة فی الحریر مطلقا.

ویؤیّده أیضا ما ورد فی روایة ریّان بن الصلت الموافقة لهذه من جواز الصلاة فی السمّور وسائر أصناف الجلود ، فاقتضی وجوه ثلاثة حملها علی التقیّة ، أشدّها أوسطها ، فتأمّل.

قوله : وتعلّق النهی فی أکثر الروایات. ( 3 : 176 ).

لا یخفی ما فیه ، سیّما بعد ملاحظة ما أشرنا إلیه فی الحاشیة السابقة.

تذنیب :

اعلم أنّه لم یتوجّه المصنف ولا الشارح إلی حکم الصلاة فی الذهب ، وحکم العلاّمة فی التذکرة والتحریر والشهید فی البیان والدروس بالمنع عن الصلاة فیه للرجال ، بل ومن المموّه به أیضا ، وکذا الافتراش ، بل وببطلان الصلاة فی الخاتم منه ومن المموه به (3) ، معلّلا بالنهی عن

حکم الصلاة فی الذهب للرجال

ص: 359


1- الوسائل 4 : 367 أبواب لباس المصلّی ب 11 و 376 ب 14.
2- انظر روضة المتقین 2 : 156.
3- التذکرة 2 : 471 ، التحریر 1 : 30 ، البیان : 121 ، الدروس 1 : 150.

الکون فیه ، وبقول الصادق علیه السلام : « جعل الله الذهب حلیة أهل الجنّة ، فحرّم علی الرجال لبسه والصلاة فیه » (1).

والصدوق فی کتابه العلل قال : باب العلّة التی من أجلها لا یجوز للرجل أن یتختم بخاتم حدید ولا یصلّی فیه ولا یجوز له أن یلبس الذهب ولا یصلّی فیه ، وروی موثقة عمار عن الصادق علیه السلام المتضمّنة لمنع الصلاة فی الحدید ، لأنّه من لباس أهل النار ، ومنع من الصلاة فی الذهب ، لأنّه من لباس أهل الجنّة ، وروایة أبی الجارود عن الباقر علیه السلام : « قال النبی صلی الله علیه و آله لعلی علیه السلام : إنّی أحبّ لک ما أحبّ لنفسی ، وأکره لک ما أکره لنفسی ، لا تتختّم خاتم ذهب فإنّه زینتنا فی الآخرة » الحدیث (2).

وعن ابن الجنید أنّه قال : ولا یختار للرجل خاصّة الصلاة فی الحریر والذهب (3) ، وفی الدروس : وقول أبی الصلاح بکراهة المذهّب ضعیف (4) ، والصدوق رحمه الله فی الفقیه نقل موثقة عمار المذکورة (5) ، فیظهر منه أنّه مفت بمضمونها فیه ، والکلینی رحمه الله روی روایة موسی بن أکیل النمیری ، فیظهر أنّه أیضا معتقد به ، والشیخ نقلها علی سبیل الاعتداد والاعتماد علیها ، ومضمون هذه الروایة أنّه قال الصادق علیه السلام فی الحدید : إنّه حلیة أهل النار ، والذهب حلیة أهل الجنّة ، جعله الله فی الدنیا زینة

ص: 360


1- التهذیب 2 : 227 / 894 ، الوسائل 4 : 414 أبواب لباس المصلی ب 30 ح 5.
2- علل الشرائع 348 / 1 ، 3 ، الوسائل 4 : 414 أبواب لباس المصلی ب 30 ح 6 ، وب 32 ح 5.
3- نقله عنه فی المختلف 2 : 100.
4- الدروس 1 : 150 ، وانظر الکافی فی الفقه : 140.
5- الفقیه 1 : 164 / 773.

للنساء ، فحرّم علی الرجال لبسه والصلاة فیه (1) ، ویظهر منه ومن الصدوق أنّ کلّ واحد من الروایتین صحیحة ، وفی الفقه الرضوی : « ولا تصلّ فی جلد المیتة علی کلّ حال ولا فی خاتم ذهب » (2).

لکن فی الکافی بسنده إلی الباقر علیه السلام : أنّه استرخت أسنانه فشدّها بالذهب (3). إلاّ أن یقال : المتبادر من الصلاة فیه کونه ملبوسا ، لکن الظاهر من روایة النمیری أنّه أعمّ منه ومن الاستصحاب.

وکیف کان ، الأولی والأحوط الاجتناب ، خصوصا فی صورة اللبس ، وربما یؤیّده کونه مثل الحریر فی حرمة اللبس ، وأنّ الإنسان فی حال الصلاة لا بدّ أن لا یکون مشتغلا بأمر حرام ، وهذا وإن کان أعمّ من حال الصلاة إلاّ أنّ حال الصلاة أهمّ فأهمّ ، فتأمل ، بل یظهر من الأخبار هذا المعنی ، فلاحظ ، هذا.

لکن مع خوف الضیاع وغیره من أسباب الحاجة یصلّی معه من غیر حاجة إلی الاحتیاط أصلا ، کما یشیر إلیه ما ورد فی طریق الحجّ للحاجّ : أنّه یجوز أن یجعل نفقته فی الهمیان ویشدّه فی وسطه (4). وظاهر أنّ النفقة أعمّ من الدینار والدرهم ، بل الدینار أظهر فردیها ، کما لا یخفی ، وفی روایة النمیری أیضا ما یشیر إلی الجواز ، فلاحظ ، وما نقلناه عن الکافی أیضا شاهد ، ( بل روی بسنده عن داود بن سرحان أنّه لیس بحلیة

ص: 361


1- الکافی 3 : 400 / 13 ، التهذیب 2 : 227 / 894 ، الوسائل 4 : 419 أبواب لباس المصلی ب 32 ح 6.
2- فقه الرضا علیه السلام : 157 ، المستدرک 3 : 218 أبواب لباس المصلی ب 24 ح 2.
3- الکافی 6 : 482 / 3 ، الوسائل 4 : 416 أبواب لباس المصلّی ب 31 ح 1.
4- الوسائل 12 : 491 أبواب تروک الإحرام ب 47.

المصاحف والسیوف بأس (1) ، وعن عبد الله بن سنان عنه علیه السلام : لیس بتحلیة السیف بالذهب والفضة بأس (2) (3).

قوله : فهو اختیار الأکثر. ( 3 : 176 ).

بل قال المحقق الشیخ علیّ : أجمع أهل الإسلام علی الجواز إلاّ الصدوق (4).

قوله : ویؤیّد ذلک. ( 3 : 177 ).

لا یخلو عن مناقشة ، فإنّ العبرة بعموم اللفظ فی الجواب لا خصوص محلّ السؤال ، کما حقّق.

لکن یمکن أن یقال : ما دل علی جواز اللبس للنساء أیضا مطلق ، فیصلح کلّ منهما لأن یکون مقیّدا للآخر ، والترجیح للمشهور ، لأصالة البراءة واستصحاب الحالة السابقة ، والشهرة التی کادت أن تکون إجماعا ، وللموثق کالصحیح الآتی ، وما سنذکر فی الحاشیة الآتیة.

مضافا إلی کثرة ما دل علی الجواز ، وکونها أقوی دلالة بلا شبهة ، وکون الروایة المانعة مع العلّة مکاتبة ، وهی أضعف بالقیاس إلی غیرها ، مع ضعف الدلالة ، إذ ربما کان المتبادر منها الرجال بملاحظة ما ذکره الشارح رحمه الله وما أشرنا إلیه.

قوله : ویشهد له أیضا موثقة عبد الله بن بکیر. ( 3 : 177 ).

لا یخفی أنّها کالصحیحة ، ومع ذلک منجبرة بعمل الأصحاب ، بل

حکم لبس الحریر للنساء

ص: 362


1- الکافی 6 : 475 / 7 ، الوسائل 5 : 105 أبواب أحکام الملابس ب 64 ح 3.
2- الکافی 6 : 475 / 5 ، الوسائل 5 : 104 أبواب أحکام الملابس 64 ح 1.
3- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و».
4- انظر جامع المقاصد 2 : 84.

ربما کان إجماعا ، لعموم البلوی وشدّة الحاجة ، وکون المرأة تحلّ لها لبسه ، فلو کان نزعه واجبا علیها فی حال الصلاة لشاع وذاع إلی أن لا یبقی خفاء بمقتضی العادة ، لا أن یکون الأمر بالعکس بحسب الفتوی ، بل وعمل المسلمین فی الأعصار والأمصار ، فتأمّل جدّا.

قوله : لأنّ وجود المنهی عنه کعدمه. ( 3 : 178 ).

فی هذا التعلیل نظر ، لأنّ الصلاة عاریا یستلزم فوت واجبات کثیرة ، رکنا وغیر رکن ، وشرطا ، والواجب ترکه حرام ، فالعمدة هو الإجماع الذی یظهر من قوله : عندنا ، إن کان متحقّقا.

قوله (1) : وابن إدریس وأبی الصلاح. ( 3 : 178 ).

والمصنّف فی المعتبر والنافع أیضا ، والشهیدین والعلاّمة فی بعض کتبه مثل الإرشاد (2) ، ولکن فی التحریر یظهر منه التوقّف (3) ، بل ربما یظهر منه الجواز ، وکون الأحوط المنع ، بملاحظة عدم القول بالفصل فی المقام وفی ما لا تتمّ فیه الصلاة فی ما لا یؤکل ، فلاحظ وتأمّل. وفی المختلف قوّی المنع (4) ، وکذا فی المنتهی بعد الاستبصار (5).

قوله (6) : ومستنده روایة الحلبی. ( 3 : 178 ).

استدلوا بالأصل ، وعدم وجود المنع أیضا ، مع کون صحیحة

حکم الصلاة فی ما لا تتم الصلاة فیه من الحریر کالتکة والقلنسوة

ص: 363


1- هذه التعلیقة لیست فی « أ » و « و».
2- المعتبر 2 : 89 ، المختصر النافع : 24 ، الدروس 1 : 150 ، روض الجنان : 207 ، إرشاد الأذهان 1 : 246.
3- انظر التحریر 1 : 30.
4- المختلف 2 : 100.
5- المنتهی 1 : 229 ، الاستبصار 1 : 385.
6- هذه التعلیقة لا توجد فی « أ » و « و».

محمد بن عبد الجبار حجّة عندهم قطعا ، وهذا یشهد علی ما سنذکر من تبادر الثوب من لفظ الحریر ، بل ظهر ذلک من المختلف فی مسألة المکفوف صریحا (1) ، فلاحظ وتأمّل.

قوله (2) : وهو ضعیف. ( 3 : 178 ).

إلاّ أنّه یروی عن ابن أبی عمیر ، ومثل هذه الروایة معتبرة عند علماء الرجال ، لما ذکر فی ترجمته (3).

قوله (4) : ویدل علیه عموم الأخبار المانعة من الصلاة فی الحریر. ( 3 : 179 ).

لم نجد منها ما یدل علی العموم المذکور ، [ بل إنّما ] (5) ورد النهی عن ثوب الحریر - کما مرّ فی صحیحة إسماعیل بن سعد (6) - ولباسه إلاّ حالة الحرب من غیر مدخلیة کون الصلاة فیه ، مع تبادر الثوب من اللباس المطلق فی ما ورد بلفظ اللباس ، مع دعم معلومیة صحة السند ، نعم ورد خبر ضعیف بمضمون صحیحة إسماعیل بن سعد السابقة (7).

قوله : وروی محمد بن عبد الجبار فی الصحیح أیضا. ( 3 : 179 ).

ص: 364


1- المختلف 2 : 104.
2- هذه التعلیقة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».
3- انظر ص 367.
4- هذه التعلیقة واللتان بعدها لیست فی « أ » و « و».
5- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.
6- الکافی 3 : 400 / 12 ، التهذیب 2 : 205 / 801 ، الاستبصار 1 : 385 / 1463 ، الوسائل 4 : 367 أبواب لباس المصلی ب 11 ح 1.
7- انظر التهذیب 2 : 208 / 814 ، والوسائل 4 : 369 أبواب لباس المصلّی ب 11 ح 7.

هذه هی التی سبقت ما حکم (1) فی الصلاة فی ما لا یؤکل لحمه (2) ، وأنّها لعلها محمولة علی التقیّة بالوجوه التی ذکرت ، فلعل الصحیحة الأولی أیضا کذلک ، لاشتراک الوجوه أکثرها مع أحادیثها (3) سندا ومتنا ودلالة وغیر ذلک ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : من أنّ ابتناء العام. علی ذلک السبب. ( 3 : 179 ).

فیه ما ذکرناه هناک من أنّ ذلک لا یخرجه عن العموم الذی یقبل التخصیص ، لأنّ کالنص لیس مثل النص فی عدم قبوله للتخصیص ، غایة الأمر أنّه یصیر قوی الدلالة ، والعامّ القوی الدلالة یخصّص بالخاصّ ، بل العامّ القطعی السند القوی الدلالة یخصّص فضلا عن الظنیّ الذی حجیته معرکة للآراء ومحلّ إشکال عظیم ، فإنّ المکاتبة وقع النزاع فی حجیتها ، حتی أنّ القائلین بالجواز صرّحوا بضعف المکاتبة (4).

والحقّ أنّ فیها ضعفا من جهة الخط ، وإن أخبر الثقة أنّه خطّه ، لأنّ الخط غیر معتبر شرعا ، کما اتفقوا فی مقام الشهادة ، ولأنّها لا یؤمن من أن یطّلع علیها من لا یرضی الإمام علیه السلام بالاطلاع علیها ، ولذا لا تکاد تخلو مکاتبة عن حزارة ، کما شهد به الوجدان ، وصرّح به جدّی رحمه الله (5) ، فالمکاتبة وإن کانت صحیحة إلی محمد بن عبد الجبار إلاّ أنّها ضعیفة من الجهات المذکورة ، سیّما مع معارضتها لما سیجی ء من الأدلة المسلّمة عند

بحث حول المکاتبة

ص: 365


1- کذا فی النسخ.
2- راجع ص 349.
3- کذا فی « ج » و « د » ، وفی « ب » : إجازتها ، ولعلّ الصحیح : اتحاد بینهما.
4- انظر : المعتبر 2 : 56 ، روض الجنان : 207 و 214.
5- روضة المتقین 2 : 156.

القائلین بالمنع ، بل معارضة للصحیح وغیره ، علی ما مرّ فی الثوب المحشوّ (1).

وممّا یوهنها موافقتها للصحیحة السابقة فی حکم ما لا یؤکل لحمه (2) سندا ومتنا ومضمونا وراویا وکونها مکاتبة ، مع تضمّنها لصحة الصلاة فی ما لا یؤکل لحمه فی الجملة ، وقد عرفت ما فیها ، وربما کانت محمولة علی التقیّة ، فتأمّل.

وممّا یوهنها أیضا أنّ الحریر لغة هو الثوب المتخذ من الإبریسم المحض ، والمتبادر من لفظه المطلق الخالی عن القرائن لعله ذلک ، فلاحظ. نعم کثر استعمالا فی ما ینسج من الإبریسم ، فیکون الجواب مطابقا للسؤال ، لکن لیس هذا نصا حتی یقابل النص ، لما عرفت من احتمال عدم المطابقة لما رأی المصلحة فیه. وعرفت منشأ هذا الاحتمال ، ولو کان مخالفا للظاهر ، لعدم استحالة عدم المطابقة من جهة المصلحة ، وقد وجد کثیرا (3) ، ونبّه علیه الشیخ فی التهذیب والاستبصار مکرّرا ، فتتبّع وتأمّل.

وأمّا روایة الحلبی وإن کان فیها ابن الهلال الغالی إلاّ أنّها مرویة عن ابن أبی عمیر ، وابن الغضائری توقّف فی حدیثه إلاّ ما یرویه عن ابن أبی عمیر والحسن بن محبوب ، وقد سمع هذین الکتابین جلّ أصحاب الحدیث واعتمدوا علیهما (4) ، والنجاشی قال : صالح الروایة ، یعرف منها

بحث رجالی حول أحمد بن الهلال

ص: 366


1- راجع ص 358.
2- راجع ص 349 - 350.
3- راجع ص 349.
4- انظر الخلاصة : 202.

وینکر (1). ولعله یشیر إلی ما ذکره ابن الغضائری. والطبرسی قال : کتاب المشیخة لابن محبوب أشهر من کتاب المزنی عند المخالفین (2).

ونوادر ابن أبی عمیر ذکر فی أوّل الفقیه حاله (3) ، وابن الغضائری - مع أنّه لا یکاد یسلم عن قدحه جلیل - قبل ما رواه عن ابن أبی عمیر ، وتوقّف فی غیره ولم یروه ، والنجاشی وافقه فی الجملة ، مع أنّه سمع جلّ أصحاب الحدیث علی ما ذکر فی محلّه ، وکثیرا ما عمل القدماء - بل المتأخرون أیضا - بروایته ، مثل ما مرّ فی غسالة الجنب.

علی أنّ أحمد هذا کان علی الاستقامة ، ثم رجع فخرج التوقیع بلعنه والأمر بالبراءة منه ، فتبرّأ الشیعة منه ، وکانوا یقولون : ما یتفرّد به ابن هلال لا یجوز استعماله. سیّما سعد بن عبد الله الجلیل ، فلاحظ ، فکیف یروی هذه الروایة عنه بواسطة موسی بن الحسن الثقة الجلیل؟ وبالجملة : لاحظ ما ذکرته فی الرجال (4) یظهر علیک الحال.

ومع ذلک جلّ من أسّس اصطلاح المتأخرین من اقتصار الصحیح فی روایة العادل عن العادل ومعظم من اعتبر العدالة رجّح فی المقام هذه الروایة وقدّمها علی الصحیحة من حیث کونها خاصّا والخاصّ مقدّم ، وجمیع ما صار موهنا للصحیحة صار مقوّیا لهذه الروایة فی تقدیمها علی الصحیحة فتأمّل جدّا ، وکیف کان ، الروایات مشکل ، والاحتیاط واضح.

قوله : فإنّ النهی إنّما تعلّق بلبسه. ( 3 : 180 ).

ص: 367


1- رجال النجاشی : 83 / 199.
2- إعلام الوری 2 : 258.
3- الفقیه 1 : 3 - 5.
4- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 48 - 49.

قد ورد فی بعض الأخبار إطلاق التحریم ، وهو یرجع إلی العموم ، إلاّ أن یقال : المطلق فی المقام ینصرف إلی اللبس ، لأنّه المتعارف الشائع ، فتدبّر.

قوله : لصدق اسم اللبس علیه. ( 3 : 180 ).

هذا ممّا لا یخلو عن تأمّل ، ولذا حکم جدّه رحمه الله بأنّه مثل الافتراش (1) ، فتأمّل.

قوله : لأنّ الکراهة کثیرا ما تستعمل فی الأخبار بمعنی التحریم. ( 3 : 181 ).

مجرّد کثرة الاستعمال لا یقتضی عدم الدلالة ، کیف؟ والعام قد کثر استعماله فی الخاص ، والأمر فی الندب ، إلی غیر ذلک. وبناؤه علی عدم ثبوت الحقیقة الشرعیة فیه - کما هو عنده - یغنی عن هذا التعلیل.

إلاّ أن یقال : علی هذا التقدیر أیضا له ظهور ، لظهور المسامحة التی لا تناسب الواجبات ، إلاّ أنّه ظهور مّا ولیس بنص تفی دلالته لتخصیص العمومات ، نعم لو کان فی الأخبار لا تستعمل إلاّ فی المصطلح مطلقا أو إلاّ نادرا یمکن أن تکون دلالته وافیة ، لقوة الظهور.

ویمکن أن یقال : قوة ظهور شمول العمومات لما نحن فیه محلّ تأمّل ، حتی الشامل للتکة والقلنسوة نصا ، إذ بین مثل التکّة وبین ما نحن فیه فرق ظاهر.

مضافا إلی ما رواه الشیخ فی الصحیح عن صفوان بن یحیی - وهو ممّن لا یروی إلاّ عن الثقات ، وممّن أجمعت العصابة علی تصحیح ما

جواز الصلاة فی الثوب المکفوف بالحریر

ص: 368


1- روض الجنان : 208.

یصح عنهم - عن یوسف بن إبراهیم ، عن الصادق علیه السلام ، قال : « لا بأس بالثوب أن یکون سداه وزرّه وعلمه حریرا ، وإنّما کره الحریر المبهم للرجال » (1).

وهذه الروایة رواها المحمدون الثلاثة ، مع أنّ الصدوق والکلینی - رحمهما الله - قالا فی صدر کتابهما ما قالا ، والشیخ روی مفتیا بها. وهذا - مع قوة السند ، بل وصحته ، وصراحة الدلالة ، والموافقة للشهرة - ربما یظهر منه أنّ الحریر المحض الوارد فی الأخبار ، المراد منه کون نفس الثوب حریرا محضا ، وکذا ما یماثل الثوب مثل التکّة.

لا یقال : لا یظهر منه صحة الصلاة ، فیجوز أن یکون لبسه فی غیر الصلاة جائزا.

لأنّا نقول : تجویز کون الثوب زرّه وعلمه حریرا مطلقا من غیر تعرّض لمنع الصلاة وأمر بالنزع فیها ظاهر فی العموم.

ویؤیّده أیضا الجمع بینهما وبین السدی فی الحکم ، فتأمّل.

مع أنّه علی ما ذکرت لا معارضة بین روایة جرّاح وقوله علیه السلام : « لا تحلّ الصلاة فی حریر محض ». وأمّا ما ذکره من أنّ الاحتیاط للعبادة فلعله کذلک.

قوله : أعنی القیام والقعود. ( 3 : 182 ).

لا شکّ فی أنّ الحرکات منهی عنها ، لکونها فی ملک الغیر بغیر إذن صاحبه ، ویکون المتصرف مشغول الذمّة فی أجرته وعوض ما تلف من

حرمة الصلاة فی الثوب المغصوب

ص: 369


1- الکافی 6 : 451 / 5 ، الفقیه 1 : 171 / 808 ، التهذیب 2 : 208 / 817 ، الوسائل 4 : 375 أبواب لباس المصلّی ب 13 ح 6 ، و: 379 ب 16 ح 1.

الحرکات أو تفاوت القیمة بسببها ، ولا شکّ فی أنّه یجب المنع عن الحرکات من باب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر.

وأیضا الکون فی الثوب استدامة منهی عنه - کما اعترف - ولیس ذلک إلاّ مجموع أجزاء من الکون ، والنهی عن الکلّ نهی عن جمیع أجزائه ، وتتفاوت الحرمة (1) بحسب الأجزاء قلّة وکثرة. وأیضا لا شکّ فی عدم الفرق بین الجزء الأوّل وسائر الأجزاء.

وأیضا سیعترف الشارح ( فی بحث مکان المصلّی ) (2) : أنّ الحرکات والسکنات الواقعة فیه منهی عنها (3) ، ولا شکّ فی أنّه لا فرق بینه وبین الثوب ، إذ علّة الحرمة هو التصرّف فی ملک الغیر بغیر إذنه.

قوله : أمّا جواز الصلاة فی الساتر لظهر القدم ذی الساق. ( 3 : 183 ).

فی الاحتجاج فی توقیعات الصاحب علیه السلام إلی الحمیری : تجوز الصلاة وفی الرجل بطیط لا یغطّی الکعبین (4). وربما کان فیه شهادة للمنع عن مثل الشمشک ، فتأمّل.

قوله : ولعل الإطلاق أولی ( 3 : 185 ).

محلّ تأمّل لما ذکره ، لأنّ المطلق ینصرف إلی المتعارف ، ولیس ها هنا عموم لغوی.

ص: 370


1- فی « ج » و « د » : الحرکة.
2- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
3- المدارک 3 : 217.
4- الاحتجاج : 484 ، الوسائل 4 : 427 أبواب لباس المصلّی ب 38 ح 4 ، والبطیط : رأس الخف بلا ساق ، القاموس 2 : 363.

قوله : وحصول الستر. ( 3 : 187 ).

فیه : أنّ الحاصل هو ستر اللون دون ستر الحجم ، إلاّ أنّ ستر اللون مجمع علیه بخلاف ستر الحجم ، والأصل عدم زیادة التکلیف وبراءة الذمّة. ویمکن أن یقال : إنّ مقتضی الأخبار الستر مطلقا لا الستر فی الجملة ، فإنّه إذا رئی الحجم وظهر لا یقال فی العرف : إنّه ستر عورته بعنوان الإطلاق ، فتأمّل.

ویؤیّده صحیحة ابن مسلم الآتیة فی ستر المرأة (1).

والأصل إنّما یجری إذا کانت الصلاة اسما لمطلق الأرکان ، لا خصوص الصحیحة منها کما قال به بعض الفقهاء ، إذ علی هذا القول یشکل جریان الأصل ، وثبوت کونها اسما لمجرّد الأرکان ربما لا یخلو عن الإشکال ، فتأمّل.

وما استدل به بعض الفقهاء (2) علی عدم وجوب ستر الحجم بقوله علیه السلام : « إنّ النورة سترة » جوابا لمن قال : رأیت عورتک (3) ، ظاهر الفساد ، لعدم حکایة الحجم فی النورة ، إذ حکایة الحجم هی أن یری الحجم بنفسه خلف ثوب رقیق أو مثل الثوب الرقیق ، لا أن یری النورة المطلیة علی الحجم وشکل مجموع النورة والحجم ، ولذا تکون المرأة اللابسة للثوب مستورة قطعا ، فتدبّر.

قوله : والدرع لا یستر الیدین ولا القدمین بل ولا العقبین غالبا. ( 3 : 189 ).

جواز الصلاة فی ثوب واحد للرجل دون المرأة

ص: 371


1- المدارک 3 : 188.
2- انظر الذخیرة : 236 ، والبحار 80 : 187.
3- الفقیه 1 : 65 / 250 ، الوسائل 2 : 53 أبواب آداب الحمّام ب 18 ح 1.

قمیص نساء العرب غیر ظاهر کونه غیر ساتر للقدمین والعقبین وأنّه کان کذلک فی زمن الباقر علیه السلام ، إلاّ أن یتمسّک بالأصل ، فلم تکن الروایة دالة ، ومع ذلک إنّما یتمّ التمسّک به إذا کانت الصلاة اسما لمجرّد الأرکان لا خصوص الصحیح وإلاّ أشکل التمسّک.

قوله : لا تدل علی الوجوب. ( 3 : 190 ).

لکن فیها إشعار بأنّ الخمار ممّا یواری الشعر عند نساء العرب ، والآن نشاهد نساءهم علی هذا النحو خمارهم ، والظاهر أنّ الملحفة والمقنعة الواردتین فی الصحیحتین السابقتین الخمار ، بل علی أیّ حال مقنعتهنّ وملحفتهنّ تستر شعرهنّ ، بل وعنقهنّ علی ما نشاهد ، بل ربما کان فی قوله علیه السلام : « وتجلل بها » إیماء إلی ذلک ، وکیف کان الأحوط الستر.

قوله : ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة علی بن جعفر المتقدّمة. ( 3 : 191 ).

هذه الصحیحة دالة علی حکم المضطر لا المختار ، فلا تعارض صحیحة زرارة. نعم الأخبار الدالة علی تعیین العورة (1) تدل علی تعیین ما ذکره ، وتعارض صحیحة زرارة من حیث أنّها منجبرة بعمل الأصحاب والشهرة بینهم.

قوله : قال : « لا ینبغی إلاّ أن یکون علیه رداء ». ( 3 : 192 ).

أقول : سیجی ء فی الصحیح أنّ الباقر علیه السلام أمّ الناس فی قمیص وحده ، وقال : « إنّ قمیصی کثیف فیجزئ عن الرداء » (2) فالظاهر عدم

ص: 372


1- الوسائل 2 : 34 أبواب آداب الحمّام ب 4.
2- التهذیب 2 : 280 / 1113 ، الوسائل 4 : 391 أبواب لباس المصلّی ب 22 ح 7 ، وانظر المدارک 3 : 202.

الکراهة إذا کان کثیفا ، فیمکن حمل هذه الصحیحة علی کونه غیر کثیف ، علی ما هو الأغلب فی قمیصهم ، أو الحمل علی ما هو أعمّ من الاستحباب ، إذا الاستحباب لا تأمّل فیه وإن کان کثیفا.

قوله : مفهوم الشرط. ( 3 : 192 ).

هذا الاستدلال فرع أن یرد حدیث یدل علی اشتراط الساتر ، ولم یرد ولم یستدل به ، بل الدلیل هو الإجماع المنقول وصحیحة علی بن جعفر المذکورة ها هنا.

والإجماع أمر معنوی لا لفظی حتی یقال : إنّ الساتر المذکور فیه إطلاقه ینصرف إلی الثیاب.

وأمّا صحیحة علی بن جعفر فغایة ما یظهر منها أنّ المتعارف إطلاق الساتر علی الثیاب ، ومراد الشارح رحمه الله من الاستدلال بها أیضا لیس إلاّ هذا ، إذ لا تدل علی اشتراط الساتر أصلا ، یعنی بالمعنی الذی ذکره. نعم تدل علی اشتراطه بالمعنی الأعمّ ، مع أنّ الصحیحة لیست بصحیحة عند الشارح وأمثاله ، کما یظهر من ملاحظة سندها ، فلاحظ ، هذا.

وروایة أبی یحیی الواسطی التی هی المستند فی تعیین العورتین فی الرجل صریحة فی أنّ الستر غیر منحصر فی الثوب ، حیث قال : « الدبر مستور بالألیتین » (1) إلاّ أن یقال : لا یظهر أنّه ستر للصلاة أو عن النظر المحرّم ، والثانی لا شکّ فی کفایة کلّ ما یکون ساترا وحاجبا عن النظر.

قوله : وهو بعید. ( 3 : 193 ).

حکم من لا یجد ثوباً یستر به العورة

ص: 373


1- الکافی 6 : 501 / 26 ، التهذیب 1 : 374 / 1151 ، الوسائل 2 : 34 أبواب آداب الحمّام ب 4 ح 2.

منشأ استبعاده ظاهر صحیحة علی بن جعفر.

قوله : استضعافا للروایة. ( 3 : 195 ).

الحدیث إلی ابن مسکان صحیح وهو ممّن أجمعت العصابة ، ومع ذلک انجبرت بالشهرة ، ومع ذلک الأصل القیام مع الإمکان وعدم مانع ، لأنّه من واجبات الصلاة ، بل رکن فیها ، بل رکنان ، بل أرکان فیها. وتدل علی ذلک صحیحة علی بن جعفر ، وصحیحة ابن سنان صریحة فی وجود المطلع أو الناظر المحترم ، وهذا مانع عن القیام.

وأمّا حسنة زرارة - فمع کونها حسنة والحسنة لا تقاوم الصحیحة - حملها علی وجود الناظر فی غایة القرب.

قوله (1) : وکلّ ذلک تقیید للنص من غیر دلیل. ( 3 : 195 ).

سوی جعل السجود أخفض من الرکوع ، لورود الأخبار به ، کصحیحة زرارة المرویة فی الفقیه ، فإنّ فی آخرها : « ویکون سجوده أخفض من رکوعه » (2) ومثلها ما رواه فی قرب الاسناد عن السندی بن محمد ، عن أبی البختری عن الصادق علیه السلام قال : « من غرقت ثیابه فلا ینبغی له أن یصلّی حتی یخاف ذهاب الوقت ، یبتغی ثیابا ، فإن لم یجد صلّی عریانا جالسا یومئ إیماء ، ویجعل سجوده أخفض من رکوعه » الحدیث (3).

قوله : لقوله علیه السلام فی صحیحة عبد الرحمن. ( 3 : 195 ).

لا یخفی أنّ صلاة المریض غیر ما نحن فیه فمن أین ظهر اتحاد حکمهما؟ وما ذکره الشهید أولی ممّا ذکره ، لأنّ مستنده ما سیذکر من

ص: 374


1- هذه الحاشیة وأربع بعدها لیست فی « أ » و « و».
2- انظر الفقیه 1 : 236 / 1037 ، 1038 ، الوسائل 5 : 485 أبواب القیام ب 1 ح 15 ، 16.
3- قرب الاسناد : 142 / 511 ، الوسائل 4 : 451 أبواب لباس المصلّی ب 52 ح 1.

قوله صلی الله علیه و آله : « إذا أمرتکم بشی ء » الحدیث (1) ، وقول علی علیه السلام : « المیسور لا یسقط بالمعسور » (2) ، وقوله علیه السلام : « ما لا یدرک کلّه لا یترک کلّه » (3) ، والله یعلم.

قوله : لتعلّق النهی به. ( 3 : 196 ).

لا یخفی أنّ النهی المطلق ینصرف إلی الأفراد الشائعة ، إلاّ أن یکون اتفاق الخاصّة ( والعامّة ) (4) علی المنع ، وإلاّ فلا شکّ فی تقدیم الصلاة مع الرکوع والسجود علی مجرّد الإیماء ، للأخبار المتواترة فی وجوبهما ، فتأمّل. والأحوط الجمع بین الصلاتین ، والله أعلم.

قوله : لأنّ مانعه عرضی. ( 3 : 197 ).

لا یخفی فساده ، مع أنّ الحریر غیر ممنوع بالنسبة إلی النساء ، بل الرجال أیضا فی بعض الوجوه.

قوله : وإطلاق النهی عن لبس الحریر. ( 3 : 197 ).

فیه ما عرفت ، مضافا إلی أنّ لبس الحریر حال الاضطرار جوازه إجماعی ، بل وجوبه ، نعم مع وجودهما لبس النجس مقدّم.

قوله : ویحتمل وجوب الاستمرار مطلقا. ( 3 : 197 ).

لا خفاء فی ضعف هذا الاحتمال.

قوله (5) : إنّما یلزم من الجوانب التی جرت العادة. ( 3 : 197 ).

ص: 375


1- عوالی اللآلی 4 : 58 / 206 ، سنن البیهقی 1 : 215 ، بتفاوت.
2- عوالی اللآلی 4 : 58 / 205 ، بتفاوت.
3- عوالی اللآلی 4 : 58 / 207.
4- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « د ».
5- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و».

لا خفاء فی وجوب سترها مطلقا عقلا ونقلا وعدم جواز کشفها کذلک ، وأیّ عاقل یرضی بأن یکشف عورته علی الناس من تحت لکون الکشف عن تحت حلال؟! أیّ عاقل یرضی بالحلیّة والکشف بوجه من الوجوه؟!

قوله : لیس الستر معتبرا فی صلاة الجنازة. ( 3 : 197 ).

هذا الاستدلال فرع أن یرد : لا صلاة إلاّ بالستر ، ولم یرد. وأمّا صحیحة علیّ بن جعفر (1) التی استدل بها علی ستر الحشیش والورق ، فالظاهر منها غیر صلاة المیت ، بل صریحها ، وإن قلنا بأنّها صلاة حقیقة.

قوله : فلا یحسن وصفها بالحسن. ( 3 : 198 ).

لا شبهة فی أنّه لیس مراده الحسن الاصطلاحی ، بل الحسن من حیث العمل ، لأنّ ابن جبلة وإن کان واقفیا إلاّ أنّه موثق ، وکذا الحال فی إسحاق إن لم یکن ابن عمار بن حیان الکوفی الثقة الإمامی الجلیل ، بل الظاهر أنّه هو ، وقد حقّقنا حجیّة الموثق (2) ، وفی المشهور أیضا أنّه حجّة ، ونبّه علی ذلک فی المعتبر (3) ، فتأمّل ، ومع ذلک هذا الموثق موافق للأصل من وجوب الرکوع والسجود مع عدم مانع منهما ، فتأمّل.

قوله : والأظهر العدم. ( 3 : 199 ).

ربما یظهر من العمومات حسن الستر والحیاء مهما أمکن ، وأمّا الروایة مع ضعفها ربما تکون واردة مورد التقیة ، لأنّ عمر کان أمر بضرب

عبد الله بن جَبَلة واقفی ثقة

إسحاق بن عمّار بن حیّان الکوفی ثقة

الأمة والصبیّة تصلّیان بدون خمار

ص: 376


1- انظر المدارک 3 : 190 ، 192.
2- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 4 - 5.
3- انظر المعتبر 2 : 88.

الأمة لذلک أو کان یضرب (1) ، وکان هذا مشهورا منه ، مع أنّ الضرب أذیّة لا یجوز أن یرتکب إلاّ لفعل حرام أو ترک واجب ، ولیس سترها حراما اتفاقا ، وورد النهی الشدید فی ضرب المملوک والأمر بالعفو عنه ، حتی أنّهم علیهم السلام أمروا بالعفو عنه سبعین مرّة ، وعن ضربه فی النسیان والزلّة (2) ، فکیف إذا کان مرادها الستر والعفاف والحیاء؟ مع أنّ الظاهر من الروایة الضرب من دون تقدیم منع وإصرار منها ، وفیه ما فیه. مع أنّ التعلیل بمعرفة المملوکة عن الحرّة أیضا فیه ما فیه ، فإنّها معروفة عنها بلا شبهة ، فتأمّل.

قوله (3) : والصلاة علی ما افتتحت علیه. ( 3 : 200 ).

وهی معارضة بالقاعدة الکلیة المسلّمة : الضرورات تتقدّر بقدرها.

قوله : عن قدر الطهارة ورکعة. ( 3 : 200 ).

الظاهر عدم الحاجة إلی الطهارة مع حصولها ، إذا الصلاة الفریضة بالطهارة المستحبة لا تأمّل فی صحتها لو لم نقل بالأولویة ، فتأمّل.

قوله : قال الجوهری. إذا تقلّد بهما. ( 3 : 203 ).

لیس فی الصحاح عبارة : إذا تقلّد بهما ، ولا یوجد منها فیه أثر أصلا ، فلاحظ ، نعم فی القاموس ذلک (4) ، وقول الصحاح أصحّ من قول القاموس مطلقا عند المحقّقین ، ومع ذلک یکون المکروه علی هذا مطلق التقلید فوق القمیص ، والمتبادر الشائع تقلّد غیر الثوب من الحمائل والتمائم والسیف

مکروهات لباس المصلّی

الاتزار فوق القمیص

ص: 377


1- کنز العمال 15 : 486 / 41925 ، 41928 ، المغنی لابن قدامة 1 : 674.
2- انظر البحار 71 : 139.
3- هذه الحاشیة واللّتان بعدها لیست فی « أ » و « و».
4- القاموس 1 : 264.

عند العرب ، والکلّ کان عادة الکلّ من غیر اختصاص بأهل الجاهلیة أو الیهود أو الجبابرة ، وأنّه لهذا کره فی الصلاة. مع أنّ الظاهر أنّ الرسول صلی الله علیه و آله والأئمّة علیهم السلام وأولادهم کانوا یقلّدون الحمائل والسیف والتمائم ، مع أنّ أحدا من الفقهاء لم یفت بکراهة تقلید أمثال ما ذکر ، والله یعلم.

قوله : قال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه :. ( 3 : 204 ).

لا یخفی أنّ الصدوق رحمه الله أیضا فهم من التوشّح الائتزار ، وهو الظاهر من غیر واحد من الأخبار ، مثل روایة زیاد بن المنذر عن الباقر علیه السلام : الرجل یخرج من الحمّام فیتوشّح ویلبس قمیصه فوق الإزار فیصلی کذلک ، قال : « هذا عمل قوم لوط » قلت : فإنّه یتوشّح فوق القمیص ، فقال : « هذا من التجبر » (1) الحدیث ، وصحیحة ابن مسلم أنّه سأل الصادق علیه السلام : الرجل یصلّی فی قمیص واحد أو قباء طاق ولیس علیه إزار؟ فقال : « إذا کان القمیص صفیقا والقباء لیس بطویل الفرج والثوب الواحد إذا کان یتوشّح به والسراویل بتلک المنزلة ، کلّ ذلک لا بأس به » (2) الحدیث ، إلی غیر ذلک من الأخبار.

قوله : والمستفاد من الأخبار. ( 3 : 205 ).

لکن روی ابن أبی جمهور فی العوالی عن النبی صلی الله علیه و آله : النهی عن الصلاة مقتطعا ، رواه مکرّرا عنه (3) ، مع أنّ الإجماع المنقول یکفی ، بل

معنی التوشح
الصلاة فی عمامة لا حنک لها

ص: 378


1- الفقیه 1 : 168 / 795 ، التهذیب 2 : 371 / 1542 ، الوسائل 4 : 396 أبواب لباس المصلّی ب 24 ح 4.
2- الکافی 3 : 393 / 1 ، التهذیب 2 : 216 / 852 ، الوسائل 4 : 390 أبواب لباس المصلّی ب 22 ح 2.
3- عوالی اللآلی 1 : 74 / 143 ، و 2 : 214 / 6 ، المستدرک 3 : 215 أبواب لباس المصلّی ب 21 ح 2 ، و: 278 أبواب أحکام الملابس ب 23 ح 11.

الشهرة أیضا ، للتسامح فی أدلة السنن والمکروه ، مع أنّه یظهر من الأخبار أنّ ما هو ممنوع فی نفسه ممنوع الصلاة فیه.

قوله : وهو فاسد ، لأنّ شدّ القباء غیر التحزّم. ( 3 : 208 ).

لا یخفی أنّه إذا نهی عن التحزّم فالشدّ منهی عنه بطریق أولی ، لأنّ التحزّم قلیل شدّ ، إلاّ أن یقال : الفقهاء لم یفتوا بکراهة التحزّم ، والقیاس بطریق أولی حجّة إذا کان المقیس علیه صحیحا یقولون به ، إذا لا معنی للقول بالفرع مع عدم القول بالأصل.

ویمکن أن یقال بکراهة التحزّم أیضا ، أی استحباب عدمه ، والمستحب یسامح فی دلیله ومأخذه ، ولا یجب أن یکون له قائل من الفقهاء ، کما لا یخفی ، فتأمل.

تذنیب : فی جامع الأخبار عن النبی صلی الله علیه و آله : « لو أنّ رجلا متعمّما صلّی بجمیع أمتی بغیر عمامة یقبل الله صلاتهم جمیعا من کرامته علیه » (1) وفیه أیضا : « من صلّی رکعتین بعمامة فضله علی من لم یتعمّم کفضل النبی علی أمّته » (2) وفی الکافی عن الصادق علیه السلام : « صلاة متطیّب أفضل من سبعین صلاة بغیر طیب » (3) وفی العوالی عن الحسن بن علی علیهماالسلام : أنّه کان إذا قام إلی الصلاة لبس أجود ثیابه ، وکان یقول : « إنّ الله تعالی جمیل یحب الجمال » (4) ، لکن فی التهذیب روی عن الصادقین علیهماالسلام أنّهما کانا یلبسان أخشن ثیابهما وأغلظهما فی الصلاة (5) ، ولعله لإظهار التواضع والحاجة إلیه

الصلاة فی قباء مشدود

ص: 379


1- جامع الأخبار : 77.
2- جامع الأخبار : 77.
3- الکافی 6 : 510 / 7 ، الوسائل 4 : 434 أبواب لباس المصلّی ب 43 ح 2.
4- عوالی اللآلی 1 : 321 / 54 ، تفسیر العیاشی 2 : 14 / 29 ، المستدرک 3 : 226 أبواب لباس المصلّی ب 36 ح 2.
5- التهذیب 2 : 367 / 1525 ، الوسائل 4 : 454 أبواب لباس المصلّی ب 54 ح 3.

تعالی.

قوله : وهذا الحکم - أعنی کراهة الإمامة بغیر رداء - مشهور. ( 3 : 209 ).

لعل الشهرة کافیة فی مقام المسامحة فی الدلیل ، بل ربما یفتون بالاستحباب أو الکراهة بمجرّد فتوی فقیه واحد ، منها ما سیجی ء فی الصلاة إلی باب مفتوح وغیره ، ویؤیّدها صحیحة زرارة الآتیة ، کما لا یخفی عند التأمّل.

قوله : ولا تجوز الصلاة إذا کان مع الإنسان شی ء من حدید مشتهر. ( 3 : 210 ).

الظاهر من الکلینی والصدوق أیضا المنع (1) ، والأخبار الدالة علیه کثیرة ، منها موثقة عمار ، حیث نهی فیها عن الصلاة وعلیه خاتم حدید ، وعلّل بأنّه لباس أهل النار (2) ، فإن لم نقل بأنّ الموثق حجّة فالحکم الکراهة ، کما هو المشهور ، فإنّ الأخبار غیر الصحیحة وإن اتفقوا علی العمل بها فی المقام إلاّ أنّه لم یثبت أزید من کون العمل علی سبیل المسامحة فی أدلة السنن والکراهة ، فلا یمکن الحکم بالحرمة ، لما مرّ مرارا.

وأمّا علی القول بأنّ الموثق حجّة فیمکن إثبات الحرمة ، إلاّ أن یقال : تعلیل المنع عن الصلاة فیه ومعه بکونه نجسا شاهد واضح علی الکراهة ، لعدم کونه نجسا بالإجماع ، ولذا تجوز الصلاة معه مستورا ، مع أنّ متون روایات عمار ربما لا تخلو عن التشویش ، فالمراد کراهة الاستصحاب ، فقد

الإمامة بغیر رداء
حکم استصحاب الحدید الظاهر فی الصلاة

ص: 380


1- انظر الکافی 3 : 404 ، و 6 : 468 ، والفقیه 1 : 164 ، وعلل الشرائع : 348.
2- التهذیب 2 : 372 / 1548 ، الوسائل 4 : 418 أبواب لباس المصلّی ب 32 ح 5.

روی عمار هذا فی الموثق أیضا فی من قصّ أظفاره أو [ حلق ] (1) قفاه وصلّی من غیر مسح بالماء : أن یمسح به ویعید الصلاة ، لأنّ الحدید نجس ، وقال : « إنّ الحدید لباس أهل النار » (2) فتأمّل.

وربما قیل بکراهة الصلاة فی الخاتم الذی فصّه حدید صینی ، ولعله لما فی الاحتجاج من توقیع الصاحب علیه السلام إلی الحمیری : أنّ « الفصّ الخماهن فیه کراهة أن یصلّی فیه ، وفیه إطلاق ، والعمل علی الکراهة » (3) انتهی. فی تاج : الخماهن : سنگی باشد سیاه که از آن نگین سازند.

قوله : لا تصح الصلاة فی خلاخل النساء إذا کان لها صوت. ( 3 : 213 ).

لا یقال : لا اختصاص للروایة بحال الصلاة ، لأنّا نقول : هذه الروایة طویلة ، والمتقدّم علی هذا السؤال والجواب والمتأخّر عنهما سؤالات وجوابات کثیرة کلّها متعلّقة بأمر الصلاة بل المتأخر عمّا ذکر من الروایة بلا فصل : وسألته عن فأرة المسک تکون مع الرجل فی جیبه أو ثیابه ، قال : « لا بأس بذلک » (4) ولا شکّ فی أنّ المراد حال الصلاة ، مع أنّ تعلیل المنع عن الصلاة فی السواد والحدید بأنّه من لباس أهل النار ربما یشیر إلی أنّ ما هو ممنوع منه فی نفسه لا یصلح حال الصلاة ، فتأمّل جدّا.

قوله (5) : کصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع. ( 3 : 213 ).

صلاة المرأة فی خلخال له صوّت
الصلاة فی ثوب علیه تماثیل

ص: 381


1- ما بین المعقوفین أضفناه من المصادر.
2- التهذیب 1 : 425 / 1353 ، الاستبصار 1 : 96 / 311 ، الوسائل 1 : 288 أبواب نواقض الوضوء ب 14 ح 5.
3- الاحتجاج 2 : 483 ، الوسائل 4 : 420 أبواب لباس المصلّی ب 32 ح 11.
4- الفقیه 1 : 164 / 775 ، الوسائل 4 : 433 أبواب لباس المصلّی ب 41 ح 1.
5- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و».

یمکن أن یقال : المتبادر صورة الحیوان بناء علی أنّ الإطلاق ینصرف إلی الکامل ، ولما ورد فی أخبار کثیرة [ من ] (1) النهی عن تصویر الصور والتماثیل بعنوان الإطلاق ، ثمّ علّق علیه أنّ الله یعذّب المصوّر بنفخ الروح فیها وفی تلک التماثیل (2) ، ولما ورد من أنّ سلیمان علیه السلام کانوا یعملون له تماثیل الشجر وشبهه لا تماثیل الرجال والنساء (3) ، ولما ورد من عدم البأس إذا کانت بعین واحدة لا أن تکون لها عینان ، أو قطع رأسها (4) ، مع إطلاق النهی ، کما (5) فی محاسن البرقی فی الصحیح عن ابن مسلم ، عن الصادق علیه السلام : عن تماثیل الشجر والشمس والقمر ، فقال : « لا بأس ما لم یکن شیئا من الحیوان » (6) وفی الصحیح عن زرارة ، عن الباقر علیه السلام مثله (7) ، وفی الصحیح عن زرارة ، عنه علیه السلام قال : « لا بأس بتماثیل الشجر » (8).

هذا کلّه مضافا إلی استشمام العلّة والتصریح بلفظ الطیر فی موثقة عمار مکرّرا المؤذن بکون غیر ذلک من قبیل ما ذکر.

قوله : وقال الشیخ فی المبسوط. ( 3 : 213 ).

فی النهایة حکم بعدم جواز الصلاة (9) ، وابن البراج أیضا حرّم

مکان المصلّی

اشتراط الإباحة فی مکان المصلّی

ص: 382


1- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.
2- انظر الوسائل 17 : 295 أبواب ما یکتسب به ب 94.
3- انظر الوسائل 17 : 295 أبواب ما یکتسب به ب 94.
4- انظر الوسائل 5 : 170 أبواب مکان المصلّی ب 32.
5- فی النسخ زیادة : فلیتأمّل.
6- المحاسن : 619 / 54 ، الوسائل 17 : 296 أبواب ما یکتسب به ب 94 ح 3.
7- لم نعثر علیه.
8- المحاسن : 619 / 55 ، الوسائل 17 : 296 أبواب ما یکتسب به ب 94 ح 2.
9- النهایة : 99.

الصلاة فی الخاتم الذی فیه صورة (1) ، ودلیلهم موثقة عمار. إلاّ أن یقال : ظاهر قوله فی صحیحة ابن بزیع : « کره ما فیه التماثیل » الکراهة وإن لم تثبت الحقیقة الشرعیة ، للمسامحة فی التأدیّة التی لا تناسب الحرمة.

وفی صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج فی الدراهم السود تکون مع الرجل فقال : « ما أشتهی » (2) ، وهو أیضا ظاهر فیها ، ویعضده الشهرة العظیمة ، وسیجی ء تتمّة الکلام فی استقبال النار ، فی مرسلة ابن أبی عمیر : « إن کان لها عین واحدة فلا بأس ، وإن کان لها عینان فلا » (3).

قوله : ولو کانت الصور مستورة خفّت الکراهة. ( 3 : 213 ).

بل (4) الظاهر من الصحیح زوالها.

قوله : هو قسیم للمملوک. ( 3 : 216 ).

لا یخفی أنّ الضمیر فی قوله : یکون ، راجع إلی المکان لا إلی منفعته ، فکیف یستقیم إدراج المستأجر فی المملوک؟ وأمّا ما فعله الأصحاب فالظاهر أنّهم جعلوا المنفعة مقسما لا العین ، فتدبّر.

قوله : غیر واضح. ( 3 : 216 ).

لا یخفی أنّ مراده من الإذن بالکون من حیث هو هو من دون زیادة کونه للصلاة ، إذ لا شکّ فی کونه أمرا زائدا ، إلاّ أنّ هذه الزیادة ربما یفهم

ص: 383


1- المهذب 1 : 75.
2- الکافی 3 : 402 / 21 ، الفقیه 1 : 166 / 779 ، الوسائل 4 : 437 أبواب لباس المصلّی ب 45 ح 3.
3- الکافی 3 : 392 / 22 ، التهذیب 2 : 363 / 1506 ، الوسائل 4 : 438 أبواب لباس المصلّی ب 45 ح 7.
4- هذه الحاشیة وأربع بعدها لیست فی « أ » و « و».

بطریق أولی ، لأن الکون لغیر العبادة لیست مطلوبیته مثل الکون لها ، بعد ما ظهر کون الکون من حیث هو مطلوب ، بخلاف الضیافة ، إذ لا ظهور فیها من حیث هی هی علی کون المطلوب هو الکون من حیث هو هو ، إلاّ أن یظهر من الخارج ، کما اعترف به بقوله : وهو إنّما یتمّ .. فلا وجه لهذا الإیراد أیضا.

قوله : اکتفاؤه فی شاهد الحال. ( 3 : 216 ).

لا یخفی أن الفقهاء ذکروا : بشاهد (1) الحال وأنّه یشهد ، والظاهر من الشهادة حصول الوثوق والاطمئنان ، وهو معنی العلم ، وصرّح غیر واحد بالعلم (2) ، مع أنّه ربما اکتفی بعض بالأعم لدلیل ما کان (3) علیه ولیس کل فقه بنهج الآخر.

والصواب الفرق بین الأراضی ، مثل البیوت وأمثالها والصحاری [ ففیها ] (4) تجوز من دون توقّف علی رضا المالک أصلا ، لما فی الأعصار والأمصار من الصلاة من دون إذن ، مع أنّه ربما کان المالک صغیرا أو مجنونا أو سفیها أو من أهل السنّة أو أهل الذمّة ، فلا تغفل.

قوله : کون المکان لمولّی علیه ، وهو کذلک. ( 3 : 217 ).

لا یخفی فساده ، إذ عدم الضرر فی التصرّف کیف یصیر منشأ لصحته؟ وکیف یسوغ للولی الإذن من العلّة المذکورة؟ نعم تجوز الصلاة ونحوها فی الصحاری من دون مراعاة إذن أصلا ، کما أفتی الفقهاء ، وإن

ص: 384


1- فی « ج » و « د » : لشاهد.
2- انظر الجامع للشرائع : 68 ، والمنتهی 1 : 242 ، والبیان : 129.
3- فی النسخ : کانوا ، والأنسب ما أثبتناه.
4- فی النسخ : والبناء ، والمناسب ما أثبتناه.

علّل بعضهم بإذن الفحوی (1) ، وفیه ما فیه ، لما عرفت.

قوله : کما فی سلوک الطریق المغصوب إلی المیقات عند وجوب الحجّ. ( 3 : 218 ).

فإن قلت : لعل مرادهم من الخیاطة فعل الخیاطة أی حرکة الید المخصوصة.

قلت : علی فرض تعلّق أمره بالحرکة المخصوصة یکون الغرض منه حصول الأثر الحاصل ، أو التمرین وتحصیل الملکة ، فهی لیست مطلوبة لنفسها ، بل مطلوبة من حیث الوصلة به إلی الغرض الحقیقی والمطلوب الواقعی الذی هو المطلوب لنفسه ، فلا یضرّ أن یکون مثل هذا أیضا حراما ، کسلوک الطریق المغصوب إلی المیقات ، وکالأمر بإنقاذ الغریق من المسلم وإطفاء حریقه ، فإنّ المقصود منهما رفع الضرر منه وحفظ نفسه أو ماله من التلف ، فالمقصود یحصل وإن وقع الإنقاذ والإطفاء بوجه حرام شدید الحرمة ، وهذا واضح.

فإن قلت : نفرض أنّ المولی یقول : مطلوبی ومحبوبی فعل الخیاطة ، أی حرکة الید المخصوصة من حیث هو هو ، وهو واجب علیک لنفسه لا لأثر حاصل ولا للتمرین ولا لغیر ذلک ، لکن إن فعلته فی حرم بیتی لعاقبتک ، لأنّک فعلت مبغوضی أیضا ، کما لو أمره بالرقص من حیث إنّه یعجبه ، ونهاه عن کونه فی بطن بیته عند نسائه من حیث إنّه یبغضه ویسوءه.

قلت : لا شکّ فی أنّه إذا رقص فی بطن بیته عند نسائه فأمّا أنّه یعجبه

ص: 385


1- انظر مجمع الفائدة 2 : 110.

فقط ، أو یبغضه فقط ، أو لا یعجبه ولا یبغضه.

وأمّا أنّه یعجبه ویبغضه معا من الحیثیتین فمحال ، لأنّ الحبّ والبغض لا یمکن اجتماعهما فی فعل واحد فی زمان واحد ، والذی صدر عن العبد إنّما کان فعلا واحدا بحسب الوجود الخارجی ، ولا أجزاء له مرتبة فی الخارج ، فمن هذا الفعل الواحد إن حصل للمولی السرور والطرب فکیف یمکن حصول نقیضه وهو عدم السرور وعدم الطرب؟ فضلا عن أن یکون حصل ضدّه وهو الحزن والانقباض ونفرة الطبع وأمثال ذلک ، فکیف یمکن أن یصیر هذا الفعل الواحد سببا لحصول أثرین متناقضین أو متضادّین فی زمان واحد ودفعة واحدة بحیث لا یکون بینهما ترتیب أصلا ولا تمایز مطلقا؟ لما عرفت من أنّ العلّة فعل واحد بسیط فی الخارج لا یکون له أجزاء فی الخارج أصلا ، فضلا عن أن یکون بین تلک الأجزاء ترتیب فی الخارج بحیث یکون أحدها مقدما علی الآخر ( بحسب الزمان فی الخارج ) (1) حتی یتأتّی أن یحصل بالجزء الأوّل الفرح والمحبّة ، وبعد انقضاء الجزء الأوّل ومجی ء الجزء الثانی یحصل الانقباض والکراهة والبغض ، أو بالعکس ، وهذا واضح لمن تأمّل أدنی تأمّل.

کما أنّ الفرق بینه وبین قطع الطریق المغصوب وإنقاذ الغریق الحرام والإطفاء الحرام أیضا واضح بحمد الله ، فإنّ متعلّق المحبّة مثلا هو اندفاع الضرر عن المسلم ، ومتعلّق الکراهة والبغض هو الکون والإطفاء بماء مغصوب مال شخص عطشان مضطرّ إلی ذلک الماء ، وأحدهما غیر الآخر ، لأنّ الأوّل أثر ومسبّب ، بل متأخّر بحسب الزمان أیضا ، بخلاف الآخر ، فإنّه

ص: 386


1- ما بین القوسین لیس فی « د ».

مؤثّر وسبب ومتقدّم بحسب الزمان أیضا.

وأیضا العبادة من شأنها التقرّب إلی الله تعالی وإلی الثواب مثل الجنّة ، والحرام من شأنه التبعّد عن الله تعالی وعن الثواب والجنة ، فکیف یکون فعل واحد شخصی یقرّب إلیه تعالی وإلی الجنة حین ما هو یبعّد عنه تعالی وعن الجنّة ویقرّب إلی النار؟

وأیضا کیف ینوی العبد بهذا الشخص المعیّن من الفعل التقرّب إلیه تعالی مع یقینه بأنّه مبعّد عنه حین ما هو مقرّب إلیه؟

وأیضا کیف یقول الحکیم : ارکع مثلا إن شئت هذا الرکوع المشخّص ، وإن شئت غیره ، فإنّی أوجبت علیک هذا وذاک؟ ومع ذلک یقول : لا ترکع هذا الرکوع المشخّص ، فإنّک إن رکعت لعقابتک ، فإنّ هذا قبیح عن الحکیم ، فکیف الحال بالنسبة إلی کلّ واحد واحد من حرکاته وسکناته وأجزاء الحرکات والسکنات؟

وأیضا کیف یقول الله تعالی : تقرّب إلیّ بفعل هذا القبیح الذی یوجب البعد عنّی ویوجب سخطی علیک وعقابی وانتقامی؟ فلا تغفل.

قوله : لأنّ الکون لیس جزءا منها. ( 3 : 218 ).

لا یخفی أنّ المسح هو إمرار الماسح علی الممسوح وهو عین الحرکة ، فالوضوء والتیمم یکون الکون جزءا منهما.

وأمّا الغسل فلا یمکن تحقّقه بغیر حرکة علی ما هو المتعارف الشائع ، والمقدّمة إذا انحصرت فی الحرام فالتکلیف بذی المقدّمة إن کان باقیا لزم التکلیف بالمحال ، کما إذا انحصر طریق الحجّ فی المغصوب ، نعم إذا کان طریق الحجّ مغصوبا إلی خصوص المیقات وسلک المکلف بعنوان الحرام یصیر مکلفا بالحجّ بعد وصوله المیقات وارتکابه الحرام ، وإن لم

ص: 387

یکن باقیا لزم أن لا تکون المقدّمة واجبة مطلقا لأنّ وجوبها من جهة وجوب ذی المقدّمة ، کما هو المفروض ، فعلی هذا نقول : کلّ جزء من أجزاء المغسول لا یمکن غسله علی الفرض المتعارف من دون حرکة. ومن هذا ظهر حال الوضوء بالنسبة إلی غسل الأعضاء أیضا.

علی أنّا نقول : مطلق التصرّف فی المغصوب حرام قطعا بلا خصوصیة للکون فی ذلک ، والطهارة فی المکان المغصوب تصرّف فیه وانتفاع منه ، فکیف یتأمّل فی حرمتها؟!.

قوله : [ وهو بعید جدّا ] (1). ( 3 : 218 ).

لعل نظر المحقّق فی ذلک إلی الإجماع علی بطلان الصلاة فی المکان المغصوب ، فإنّه یصدق علی صلاة من صلّی فی المکان المغصوب وإن کان بإذن المالک ، بل وربما قیل : وإن کان صاحب المال ومالکه یصلّی فیه ، فإنّ صلاته باطلة من حیث وقوعها فی المکان الذی وقع علیه الغصب (2).

لکنه باطل ، لعدم کون المکان مغصوبا بالنسبة إلی المالک ولا المأذون من قبل المالک ، مع أنّ الإجماع إنّما وقع علی ما اقتضاه الدلیل العقلی لا أنّ الحرمة والبطلان مجرّد تعبّد ، فتأمّل.

قوله : ویضعف بتوجّه النهی المنافی للصحة. ( 3 : 220 ).

فی شمول النهی لهذه الصورة تأمّل ، لأنّ المفروض أنّ المالک رخّصه وأذن له بقدر الصلاة ، ویعلم قدر الصلاة ، ویعلم أنّه یجب علیه إتمام الصلاة ویحرم علیه قطعها. علی أنّه لعله فی هذا القدر یدخل فی أمر

ص: 388


1- بدل ما بین المعقوفین فی النسخ : وإن کان ناسیا. ( 3 : 219 ) والتعلیقة تناسب ما أثبتناه.
2- نسبه العلاّمة فی التذکرة 2 : 398 إلی الزیدیة.

لا یمکن شرعا قطعه ، إذ فی بعض الصور یجب عدم القطع قطعا ، کما لو کان مشغولا بجماع أو غیره مما لا یتیسّر له القطع ، لأنّه ربما یقتله أو یضرّه ضرر عظیم أو غیر عظیم ، إذ لا ضرر ولا ضرار ، فیمکن أن تکون الصلاة أیضا من قبیل الأمور المذکورة ، سیّما إذا وقع الإذن الصریح فی الصلاة فشرع فیها ، إذ ربما کان مستخفّا للصلاة ومؤذیا للمسلم وعارا له ، وبالجملة یکون عموم شامل لما نحن فیه بعد ملاحظة ما أشرنا إلیه ، لا یخلو من تأمّل.

قوله (1) : بحمل النهی فی الروایتین الأوّلتین علی الکراهة. ( 3 : 223 ).

الأخبار الواردة فی أنّ المرأة فی الجماعة واقتدائها بالرجل تؤخّر عنه (2) ، فی غایة الکثرة ونهایة الاعتبار ، والظاهر من صحیحة علی بن جعفر أیضا ذلک ، والأخبار المعارضة غیر ظاهرة فی الجماعة المذکورة لو لم نقل بظهورها فی خلافها ، فتأمّل.

قوله : للحکم ببطلان الصلاة ظاهرا بالمحاذاة. ( 3 : 224 ).

فلا یتأتی نیّة القربة حین الشروع.

قوله : حکی ذلک المصنف فی المعتبر. ( 3 : 225 - 226 ).

وجماعة کالعلاّمة وابن زهرة والشهید وغیرهم (3) ، ومرّ فی باب التطهیر بالشمس (4).

حکم تساوی الرجل والمرأة أو تقدّمها علیه فی موقف الصلاة

اشتراط طهارة موضع السجود

ص: 389


1- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و».
2- انظر الوسائل 8 : 332 أبواب صلاة الجماعة ب 19.
3- المختلف 2 : 130 ، الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 555 ، الذکری : 160 ، جامع المقاصد 2 : 126.
4- راجع ص 260.

قوله : ولم أقف لأبی الصلاح. علی حجّة. ( 3 : 226 ).

یحتمل أن یکون احتجاجه بقوله علیه السلام : « جنّبوا مساجدکم النجاسة » (1) وبعض الأخبار أیضا له ظهور ، مثل الموثق کالصحیح بابن بکیر ، عن الصادق علیه السلام : عن الشاذکونة یصیبها الاحتلام أیصلّی علیها؟ قال : « لا » (2) ویحمل علی الاستحباب للمعارض.

قوله : وهی مع ضعف سندها. ( 3 : 227 ).

ودلالتها أیضا ، لأنّ من العشرة المذکورة ما ثبت من الصحیح والمعتبر عدم المنع من الصلاة فیه ، فلاحظ.

قوله : فإن کانت النجاسة لم تکره. ( 3 : 228 ).

ربما کان فی روایة علی بن جعفر إشارة إلی ذلک ، کما لا یخفی علی الفطن ، وکذا فی موثقة عمار عن الصادق علیه السلام (3).

قوله (4) : قال : سألته عن الصلاة فی مرابض الغنم. ( 3 : 229 ).

وفی الغوالی عن النبی صلی الله علیه و آله : أنّه نهی عن الصلاة فی أعطان الإبل ، فإنّها خلقت من الشیاطین (5).

قوله : ولا بعد فیه بعد ورود النص به. ( 3 : 233 ).

لا یخفی أنّ استبعادهم بمکانه ، فإنّه إذا کان الخمر فی البیت لم لا تجوز الصلاة فیه وإذا کانت فی ثوب المصلّی تجوز الصلاة فی ذلک الثوب؟! ولم یرد نص من الشارع بهذا النحو ، بل ورد النص علی بطلان

مکروهات مکان المصلّی

الصلاة فی الحمام
الصلاة فی معاطن الإبل
فی بیوت الخمور إذا لم تتعد إلیه نجاستها

ص: 390


1- الوسائل 5 : 229 أبواب أحکام المساجد ب 24 ح 2.
2- التهذیب 2 : 369 / 1536 ، الوسائل 3 : 455 أبواب النجاسات ب 30 ح 6.
3- التهذیب 2 : 370 / 1539 ، الوسائل 3 : 454 أبواب النجاسات ب 30 ح 5.
4- هذه التعلیقة لیست فی « أ » و « و».
5- عوالی اللآلی 1 : 36 / 23 ، المستدرک 3 : 338 أبواب مکان المصلّی ب 12 ح 2.

الصلاة وحرمتها فی ذلک الثوب ، وإن ورد النص بطهارتها أیضا (1) ، فظاهر أنّ ما دل علی المنع من الصلاة فی البیت الذی یکون فیه ، من قبیل النص الأوّل ولا یلائم الثانی ، لأنّه علیه السلام بمجرّد وجودها فی البیت ما جوّز الصلاة فیه فکیف یجوّز الصلاة فی الثوب الذی یکون الخمر فیه؟ فتأمّل (2).

قوله : وعدم صراحة الاولی فی التحریم. ( 3 : 235 ).

فیه إشعار بالظهور فی التحریم ، ولعله کذلک ، وظاهر أنّ الظهور یکفی ، إلاّ أن یقال بأنّه لیس ظهورا یوثق به ، بل یعدّ فی مکان الریبة والتزلزل ، لکن یقوّیه موثق عمار إن لم نقل بحجّیة الموثق وإلاّ فهو حجّة ، إلاّ أن یقال : إنّه یتضمّن المنع عن استقبال الحدید أیضا ولم یفت أحد بحرمته فهو مضعّف.

وکیف کان لا تأمل فی أنّ الاحتیاط التامّ فی الاجتناب ، لأنّ ما ذکره الصدوق رحمه الله وإن کان صحیحا عنده إلاّ أنّه لا یقاوم الموثق فضلا عن الصحیح ، إلاّ أن یقال باعتضاده بالشهرة أیضا ، وضعف دلالة الصحیح والموثق من هذه الجهة أیضا ، والله یعلم.

قوله : ولا ریب أنّ الاحتیاط یقتضی تجنّب استقبال النار. ( 3 : 236 ).

فی الاحتجاج ، عن الأسدی قال : فی ما ورد علی ید أبی جعفر محمد بن عثمان العمری رضی الله عنه فی جواب مسائله إلی صاحب الزمان علیه السلام : « أمّا ما سألت عنه من المصلّی والنار والصورة والسراج بین یدیه هل یجوز؟ فإنّ الناس قد اختلفوا فی ذلک قبلک ، فإنّه جائز لمن لم یکن من

کراهة الصلاة إذا کان بین یدی المصلّی نار مضرمة

ص: 391


1- الوسائل 3 : 468 أبواب النجاسات ب 38.
2- لیس فی « أ » و « و».

أولاد عبدة الأصنام والنیران » (1) فتأمّل ، إذ لم یفت بهذا التفصیل أحد ، ولا یظهر أنّ المراد من أولادهم الأولاد بغیر واسطة ، أو هم وأولاد أولادهم إلی یوم القیامة ، وما ذکرنا یوجب التأکید فی الاحتیاط لمن لم یکن من آل الرسول وأمیر المؤمنین علیهم السلام .

قوله : وفی الطریق ضعف. ( 3 : 236 ).

ظهر الکلام فی المقام ممّا مرّ فی الصلاة فی الکعبة (2).

قوله : وحمل النهی علی الکراهة أمکن. ( 3 : 244 ).

لا وجه له ، لأنّ صحیحة زرارة موافقة للعمومات المعمول بها عند الأصحاب فلا تقاومها فلا تکون حجّة ، لأن الراجح هو الحجّة والمرجوح لیس بحجّة ، لعدم الدلیل علی حجّیته ، والأصل عدمها ، ولأنّ معنی المرجوح أنّ الظاهر أنّه لیس بحق ولیس حکم الله ، والمشکوک فیه لا یمکن أن یصیر حجّة فضلا عن المرجوح ، فتعین طرح المعارض أو توجیهه بما یرجع إلی الحجّة ، بل الظاهر أنّ المعارض من الشواذّ التی لا عمل علیها أصلا ، فالحمل علی الضرورة من التقیّة أو غیرها متعیّن إن لم یطرح.

قوله : یصدق علیها اسم الأرض عرفا. ( 3 : 244 ).

فی الصدق عرفا إشکال ، سیّما وأن یکون من الأفراد الشائعة ، فتأمّل.

قوله : وتؤیّده الأخبار الکثیرة. ( 3 : 245 ).

فی التأیید نظر ، وکذا فی تأیید صحیحة معاویة ، مضافا إلی ما عرفت ممّا هو فیها.

ما یسجد علیه

عدم جواز السجود علی المعدن إلاّ عند الضرورة

ص: 392


1- الاحتجاج 2 : 480 ، الوسائل 5 : 168 أبواب مکان المصلّی ب 30 ح 5.
2- راجع ص 328 - 329.

قوله : ألیس هو من نبات الأرض؟ ( 3 : 247 ).

لا یبعد أن یکون المراد الحصر الطبریة ، فإنّ الطبری هو الحصیر الذی شغل أهل طبرستان. ( صرّح بذلک جدّی رحمه الله ومولانا مراد فی شرحهما علی الفقیه (1) ) (2).

قوله : فإن کان نبات الأرض. ( 3 : 248 ).

حمل المطلق علی المقید جائز ومتعارف ، سیّما فی مثل المقام.

قوله : وردّه المصنف فی المعتبر. ( 3 : 248 ).

لا یخفی أنّ کلّ راو إذا سأل المعصوم علیه السلام عن مسألة ، مراده حال عدم التقیّة وأنّها فی الواقع کیف ، صرّح بذلک أو لم یصرّح ، من دون تفاوت ، فإذا کان المقام اقتضی التقیّة أو الاتقاء فلا یمنع فرض سؤال الراوی. وکونها محمولة علی التقیّة فی غایة الظهور ، لأنها شعار العامة ، کما أنّ خلافها شعار الخاصة فی الأعصار ( والأمصار ) (3) مع أنّ الشیخ أعرف بالتقیّة ، وغیره أیضا من فقهائنا حملوا علی التقیّة (4) ، مع أنّ المکاتبة قلّما تخلو عن التقیّة خوفا من أن یقع بید الأعداء ، صرّح بذلک جدّی (5) رحمه الله ، والصدوق قال فی أمالیه ، : من دین الإمامیة الإقرار بأنّه یجوز السجود علی الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ ما أکل أو لبس (6). هذا ، مضافا إلی الإجماعات المنقولة.

حکم السجود علی القطن والکتان

ص: 393


1- انظر روضة المتقین 2 : 177 ، ولیس عندنا شرح المولی مراد.
2- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و».
3- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « د » و « و».
4- انظر المختلف 2 : 133.
5- انظر روضة المتقین 3 : 406 ، و 7 : 208.
6- أمالی الصدوق : 512.

قوله : لخروجه بامتزاجه بالماء عن اسم الأرض. ( 3 : 248 ).

فیه نظر ، لأنّ الجبهة تلاصق التراب والأرض ، ولم یتحقّق استحالة قطعا بمجرّد مزج الماء معه ، بل هو ماء وتراب أو أرض ممزوجان ، نعم إن لم تستقرّ الجبهة فلا یجوز من هذه الجهة.

قوله : وإطلاق هذه الروایات. ( 3 : 249 ).

الإطلاق ینفع إذا علم أنّ القرطاس المأخوذ من الإبریسم کان فی ذلک الزمان موجودا وکان من الأفراد الشائعة ، والآن لیس کذلک فضلا عن حصول العلم بذلک فی ذلک الوقت.

قوله : ویظهر من الشهید فی الذکری. ( 3 : 250 ).

وادعی رحمه الله أنّ القرطاس الذی وقع فی الأخبار صحة السجود علیه هو الذی یؤخذ من العلف ، وببالی أنّه ادعی أنّ المتعارف فی ذلک الزمان کان کذلک (1) ، فلیلاحظ ولیتأمّل فیه ، إذ أحد من الأصحاب ما تعرض له ممّن تقدم علیه أو تأخر عنه.

قوله : علی أنّه یمکن المناقشة. ( 3 : 250 ).

الأحوط الاجتناب ، للشکّ فی دخوله تحت الأرض الوارد فی أخبار السجود أو کونه من أفرادها الشائعة ، فتأمّل.

قوله : أمّا أوّلا : فلأنّ. ( 3 : 252 ).

فیه ما مرّ فی مسألة الإنائین ( من الماء ) (2) المشتبهین فی أوائل کتاب الطهارة من أنّه لا معنی للنجس الشرعی إلاّ أنّه یجب الاجتناب عنه ، وإذا وجب لزم الإطاعة ، ولا تتحقّق إلاّ بالاجتناب عن الجمیع ، عن القدر

عدم جواز السجود علی الوحل

جواز الصلاة علی القرطاس

حکم اشتباه الموضع النجس بغیره

ص: 394


1- انظر الذکری : 160.
2- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».

النجس بالأصالة ، وما بقی من باب المقدمة ، وإذا کان کلّ جزء جزء باقیا علی طهارته لزم ارتفاع النجس الیقینی ، وتعیین جزء خاصّ ترجیح من غیر مرجّح شرعی ، وأصالة الطهارة لا تعارض ما ذکرنا ، کالصلاة فی الثیاب التی أحدها نجس یقینا ، وغیر ذلک ، والفرق بین المحصور وغیره ذکرناه هناک ، فلاحظ جمیع ما ذکرناه (1).

قوله : مع انتفاء ما یدل علی طهارة محلّ السجود. ( 3 : 252 ).

قد مرّ الدلیل والإشارة إلیه فی مبحث مطهریّة الشمس (2) ، فلاحظ.

قوله : واختلف الأصحاب فی استحبابهما أو وجوبهما. ( 3 : 257 ).

وفی الفقه الرضوی : « وقد روی أنّ الأذان والإقامة فی ثلاث صلوات :

الفجر والظهر والمغرب ، وصلاتین بإقامة هما العصر والعشاء ، لأنّه روی خمس صلوات فی ثلاث أوقات » (3).

وفیه أیضا : « إنّهما من السنن اللازمة ، ولیستا بفریضة ، ولیس علی النساء أذان ولا إقامة ، وینبغی لهن إذا استقبلن القبلة أن یقلن : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمدا رسول الله » (4). انتهی.

وفی الأخبار الدالة علی أنّ المؤذّن والمقیم یصلّی خلفه صفّان من الملائکة ، والمقیم وحده یصلّی خلفه صفّ أو ملک (5) ، إشعار باستحباب

الأذان والإقامة

اختلاف الأصحاب فی استحبابهما أو وجوبهما

ص: 395


1- راجع ج 1 : 162 - 172.
2- راجع ص 260 - 261.
3- فقه الرضا علیه السلام : 96 ، المستدرک 4 : 24 أبواب الأذان والإقامة ب 5 ح 2.
4- فقه الرضا علیه السلام : 98 ، المستدرک 4 : 35 أبواب الأذان والإقامة ب 13 ح 4 ، و 47 : ب 23 ح 2.
5- الوسائل 5 : 381 أبواب الأذان والإقامة ب 4.

الإقامة بعد ثبوت استحباب الأذان من أخبار کثیرة ، ومع ذلک ، الاحتیاط فی عدم ترک الإقامة مطلقا ، هذا فی غیر الجماعة.

وأمّا الجماعة فالأمر فی الإقامة کما ذکر ، وأشدّ منه ، والأذان فبعد تمامیة الاجتماع وعدم الانتظار فلا مانع من ترک الأذان ، مع أنّ الأولی والأحوط الفعل أیضا ، وأمّا الإقامة فلا تترک البتّة ، لعدم دلیل واضح علی جواز ترک القراءة خلف إمام لم یأت بالإقامة لا هو ولا أحد ممّن خلفه لأجل الجماعة ، مع أنّ شغل الذمّة بالقراءة کان یقینا.

قوله : ولو کان الأذان والإقامة واجبین لذکرا فی مقام البیان. ( 3 : 258 ).

لا یخفی فساد هذا الاستدلال ، لأنّه یتوقّف علی کون الأذان والإقامة داخلین فی ماهیة الصلاة ، ولیس کذلک إجماعا ، بل وضرورة من الدین ، والمعصوم علیه السلام ما توجّه إلی الأمور الخارجة عن الصلاة ، والتوجّه إلی خصوص الأصابع لعله لما رأی من أنّ حمادا ما راعی ذلک ، وهذا هو الظاهر ، کما لا یخفی ، مع أنّه من الآداب المرعیة حال الصلاة ، وعلی فرض أنّه اتفق بیان بعض الخارج لا یلزم منه ما ذکره ، لأنّ تأخیر البیان إنّما هو بالنسبة إلی ما هو بصدد بیانه. وأیضا لعل الأذان والإقامة من حماد ما کان فیهما حزازة أصلا ، فتأمّل.

علی أنّ المعصوم علیه السلام ما کان فی صدد بیان الواجبات فقط ، بل الظاهر أنّه کان بصدد بیان الآداب والمستحبات ، کما هو ظاهر ، وظاهر أیضا أنّ حمادا کان أتی بالواجبات ولذا ما أمر المعصوم علیه السلام بقضاء صلواته ، بل وبّخه بما هو ظاهر فی ما ذکرناه ، فعلی هذا لو کان الأمر کما ذکره الشارح رحمه الله لزم أن لا یکونا من مستحبات الصلاة أیضا ، مع أنّ

ص: 396

المعصوم علیه السلام تعرّض لإظهار آداب لیست بمثابة الأذان ، فکیف الإقامة؟ إذ ربما یظهر من کثیر من الأخبار وجوبها ، وغایة ما فی الباب أن تکون مستحبة قریبة إلی الواجب غایة القرب ، وسیجی ء الأمر بإعادة الصلاة للناسی لها (1) ، فتأمّل جدّا.

قوله (2) : اختلف الأصحاب فی أذان العصر یوم الجمعة. ( 3 : 263 ).

سیجی ء فی مبحث صلاة الجمعة تحقیق الحال (3).

قوله : هذا الحکم ذکره الشیخ وجمع من الأصحاب. ( 3 : 266 ).

لا یخفی أنّ الشیخ رحمه الله ما عمّم الحکم بهذا التعمیم ، بل خصّصه بالصلاة جماعة فی المرتبة الثانیة ، وکونهما فی المسجد جمیعا ، وکونهما فی صلاة واحدة ، ( قال فی النهایة : وإذا صلّی فی مسجد جماعة کره أن تصلّی دفعة أخری جماعة تلک الصلاة بعینها ، فإن حضر قوم وأرادوا أن یصلّوها جماعة فلیصلّ بهم واحد منهم ولا یؤذّن ولا یقیم ، بل یقتصر علی ما تقدّم من الأذان والإقامة فی المسجد إذا لم یکن الصفّ قد انفضّ ) (4).

وهذا هو المذکور فی معظم کتب فقهائنا ، والمستفاد منها ، ومنهم المفید رحمه الله فی المقنعة (5) ، والعلاّمة فی غیر واحد من کتبه ، مثل التحریر والتذکرة (6) ،

سقوط الأذان والإقامة عمّن أدرک الجماعة

ص: 397


1- المدارک 3 : 273.
2- هذه التعلیقة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».
3- المدارک 4 : 74.
4- النهایة : 118 ، وکتب ما بین القوسین فی « ب » و « ج » و « د » بعد کلمة : التعمیم ، وفی « أ » و « و» فی نهایة التعلیقة فی ص 620 ، والأنسب ما أثبتناه.
5- لم نعثر علیه فی المقنعة وهو موجود فی التهذیب 3 : 55.
6- التحریر 1 : 34 ، التذکرة 1 : 106.

بل ظاهر المصنف رحمه الله فی النافع (1). ولیس عندی نسخة المعتبر (2).

والشیخ فی المبسوط خصّص السقوط بالأذان فقط بعد أن خصّص بالمسجد وبتلک الصلاة التی أذّن لها ، وإن کان عمّم بالنسبة إلی تفرّق الصف وغیره ، وکذا بالنسبة إلی مرید الجماعة وغیره ، ومع ذلک قال : ویجوز أن یؤذّن فیما بینه وبین نفسه ، وإن لم یفعل فلا شی ء [ علیه ] (3).

وظاهر العلاّمة فی القواعد والإرشاد تخصیص ذلک بمرید الجماعة وغیر ذلک من القیود ، إلاّ حکایة کونها فی المسجد فالظاهر منه التعمیم بالنسبة إلیها (4) ، وکذلک الشهید فی اللمعة والبیان والدروس (5) ، وقال فیه : یسقط ندبا لا وجوبا. وربما کان مراد المصنّف رحمه الله فی هذا الکتاب أیضا ذلک ، حیث قال : ولو صلّی الإمام جماعة وجاء آخرون ، فتأمّل.

قال الفاضل ابن المفلح (6) فی شرح هذا الکتاب : الأذان مستحب إلاّ فی أماکن : عصر عرفة ، عشاء مزدلفة ، عصر الجمعة ، والسقوط هنا للجمع لا المکان والزمان ، الرابع : القاضی یجتزئ بالأذان فی أوّل ورده والإقامة للبواقی ، وإنّ الجمع بینهما أفضل ، ثم استشکل بأنّ فی الأداء إمّا مکروه أو حرام ، ثم أجاب ، ثم قال : الخامس : الجماعة الثانیة إذا لم تتفرّق الأولی لأنّهم یدعون بالأذان الأوّل وقد أجابوا بالحضور فصاروا کالحاضرین فی

ص: 398


1- النافع : 27.
2- قال فی المعتبر ( 2 : 136 ) : ولو صلّی فی مسجد جماعة ثم جاء آخرون لم یؤذّنوا ما دامت الصفوف باقیة ، فلو انقضت أذّن الآخرون وأقاموا.
3- المبسوط 1 : 98 ، وما بین المعقوفین أضفناه من المصدر.
4- القواعد 1 : 30 ، الإرشاد 1 : 250.
5- اللمعة ( الروضة البهیة 1 ) : 242 ، البیان : 72 ، الدروس 1 : 164.
6- کذا فی النسخ ولعل الصحیح : المفلح.

الجماعة الأولی بعد الأذان ، فإذا کان کذلک جمّعوا بغیر أذان ولا إقامة وصلّوا فی ناحیة المسجد لا فی محرابه ، ولا یبرز لهم إمام لئلاّ تکرّر الصلاة الواحدة ، ولا بدّ أن تکون الصلاة واحدة ، فلو کان حضورها لصلاة أخری أذّنوا وأقاموا ، وإن لم تفرق الأولی بل کانوا فی الصلاة ، ثم شرط فی السقوط اشتغال الباقی من الصف بالصلاة والتعقیب ، فلو بقی الکل مشتغلین بالخیاطة مثلا ممّا لیس بدعاء ولا تسبیح فی المسجد فقد تفرّقوا ، ثم قال : لو صلّت الجماعة الثانیة من غیر تأذین فحضرت ثالثة فإن کان قبل تفرّق الأولی لم یؤذّنوا وإلاّ أذّنوا وإن لم تتفرّق الثانیة ، لأنّ الضابطة حضور جماعة بعد جماعة أذّنوا. انتهی.

وإنّما نقلناها لما فیه من الفوائد ، وربما یومئ هذا إلی أنّ مراد الکل واحد ، وإن لم یقیّدوا بالمسجد أو بالجماعة ، فتأمّل.

وفی تلخیص خلاف الشیخ : إذا صلّی فی مسجد جماعة وجاء آخرون ینبغی أن یصلّوا فرادی ، وهو مذهب الشافعی إلاّ أنّه قال : هذا إذا کان المسجد له إمام راتب ، وإن لم یکن له إمام راتب أو کان المسجد علی قارعة الطریق أو فی محلّة لا یمکن أن یجتمع أهله دفعة واحدة ، یجوز أن یصلّوا جماعة بعد جماعة ، وقد روی أصحابنا أنّهم إذا صلّوا جماعة وجاء قوم جاز لهم أن یصلّوا دفعة أخری إلاّ أنّهم لا یؤذّنون ولا یقیمون ویجتزون بالأذان الأوّل (1).

وقال العلاّمة فی التذکرة : یسقط الأذان والإقامة عن الجماعة الثانیة إذا لم تنصرف الاولی عن المسجد ، وهو أحد قولی الشافعی ، لأنّهم مدعوون

ص: 399


1- تلخیص الخلاف 1 : 181.

بالأذان الأوّل ، فإذا جاؤوا کانوا کالحاضرین [ فی المرّة الأولی ] (1) ومع التفرقة تصیر کالمستأنفة ، ولقول الصادق علیه السلام ، ثم أتی روایة أبی بصیر ، ثم قال : وفی الآخر یستحب مطلقا ، وبه قال أبو حنیفة لکن لا یرفع بها الصوت دفعا للالتباس. (2).

وقال فی بحث الجماعة : یکره تکرّر الجماعة فی المسجد الواحد ، فإذا صلّی إمام الحیّ فی مسجده وحضر آخرون ، صلّوا فرادی ، قاله الشیخ ، وبه قال اللیث والنخعی (3) والثوری ومالک وأبو حنیفة والأوزاعی والشافعی ، - إلی أن قال : - احتجّ الشیخ بالأخبار ، ولأنّ فیه اختلاف القلوب والعداوة والتهاون بالصلاة مع إمامه ، والذی روی أبو علی الحرّانی کراهة تأذین الجماعة الثانیة إذا تخلّف أحد من الأولی ، وروی زید [ عن أبیه ] (4) عن آبائه قال علیهم السلام : دخل رجلان المسجد وقد صلّی علی علیه السلام بالناس ، فقال : « إن شئتما فلیؤمّ أحدکما صاحبه ولا یؤذّن ولا یقیم » (5) إلی آخر ما قال.

وقال الصدوق رحمه الله فی الفقیه : ولا یجوز جماعتان فی مسجد فی صلاة واحدة ، فقد روی ابن أبی عمیر عن أبی علی الحرّانی. (6). وقال المفید فی المقنعة : وإذا صلّی فی مسجد جماعة لا یجوز أن یصلّی دفعة أخری جماعة بأذان وإقامة (7).

ص: 400


1- ما بین المعقوفین أضفناه من المصدر.
2- التذکرة 3 : 62.
3- فی المصدر : البتی.
4- ما بین المعقوفین أضفناه من المصدر.
5- التذکرة 4 : 233.
6- الفقیه 1 : 265.
7- لم نعثر علیه فی المقنعة ، وهو موجود فی التهذیب 3 : 55.

وبعد الإحاطة بما ذکرنا ظهر ما فی کلام الشارح ، وظهر أنّ المعظم فهموا الروایات فی خصوص الجماعة الثانیة فی المسجد.

والصدوق فی الفقیه قال : ومن أدرک الإمام وهو فی التشهد فقد أدرک الجماعة ولیس علیه أذان ولا إقامة ، ومن أدرکه وقد سلّم فعلیه الأذان والإقامة (1) ، وهو مضمون روایة عمار ( رواها الصدوق فی الفقیه والشیخ فی التهذیب بسند موثق ) (2) عن الصادق علیه السلام ، عن رجل أدرک الإمام حین سلّم ، قال علیه السلام : « علیه أن یؤذّن ویقیم » (3) ، وهو أوفق بالعمومات والتأکیدات والتشدیدات ، سیّما فی الإقامة ، وسیّما فی الجماعة ، وحمل علی تفرّق الصفّ (4) ، وفیه ما لا یخفی.

مضافا إلی ما فی أخبار السقوط من المخالفة والاختلاف ، حتی أنّ روایة السکونی فی غایة التأکید فی المنع مطلقا من دون قید التفرّق فی الصفّ (5) ، ومع ذلک فهی أوفق بمذاهب العامّة ، وألیق بالحمل علی الاتقاء من حیث ندرة وجود الإمام الراتب فی المسجد من الشیعة فی زمانهم علیهم السلام ، وقرب حملها علی الجماعة الثانیة فی المسجد ، کما فهم المعظم ، لأنّه المعهود فی الاستشکال والسؤال عن الحال علی ما بناه المعظم وفهمه (6) ، وفهم القدماء لو لم یکن معیّنا ومشخّصا للمعنی فلا أقلّ

ص: 401


1- الفقیه 1 : 265.
2- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د » و « و».
3- الفقیه 1 : 258 / 1170 ، التهذیب 3 : 282 / 836 ، الوسائل 5 : 431 أبواب الأذان والإقامة ب 25 ح 5.
4- انظر الوافی 7 : 609 ، والوسائل 5 : 431.
5- التهذیب 3 : 56 / 195 ، الوسائل 5 : 431 أبواب الأذان والإقامة ب 25 ح 4.
6- فی « أ » و « ب » و « و» زیادة : ولذا فهمه.

من کونه مقرّبا للحمل ، وقرب حمل موثّقة عمار علی غیر الصورة المذکورة.

والشارح أیضا فهم من الروایات ما فهمه المعظم حیث قال : ویجوز (1) أن تکون الحکمة فی السقوط. وما قاله حق ، وبالجملة الحکم بالسقوط مطلقا مع (2) ما أشرنا إلیه لعله فی غایة الإشکال سیّما فی الإقامة.

قوله : باشتراک راوی الأولی بین الثقة والضعیف. ( 3 : 267 ).

لا یضرّ اشتراکه ، لأنّه مشترک بین الثقتین أو ثقات ، کما حقّقنا أنّ یحیی بن القاسم ثقة (3).

قوله (4) : وجهالة راوی الثانیة. ( 3 : 267 ).

الراوی عنه ابن أبی عمیر ، وهو ممّن أجمعت العصابة ، وممّن لا یروی إلاّ عن الثقة ، وطریق الصدوق إلی ابن أبی عمیر صحیح ، کما فی الخلاصة (5) ، والصدوق رواها عنه (6) ، ویعضدها روایة الحسین بن سعید عنه ، والطریق إلیه صحیح أیضا.

قوله : ویشکل بما بیّناه مرارا. ( 3 : 268 ).

نظره رحمه الله إلی ما ذکره من : أنّ الشهرة إذا وصلت إلی حدّ الإجماع تکون حجة فی نفسها من دون حاجة إلی الخبر ، وإلاّ فلا فائدة فیها (7).

أبو بصیر یحیی بن القاسم ثقة

إشارة إلی أن الشهرة جابرة لضعف الخبر

ص: 402


1- فی المدارک 3 : 267 : ولجواز.
2- فی « أ » و « و» زیادة : عدم.
3- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 371.
4- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».
5- الخلاصة : 278.
6- الفقیه 1 : 266 / 1215.
7- انظر المدارک 1 : 132.

وفیه : أنّ الفائدة حصول التبیّن المأمور به فی خبر الفاسق ، ولا شکّ فی أنّها من أعظم أنواع التبیّن ، وهو تعالی کما جعل خبر العادل حجّة کذا جعل الخبر المتبیّن حجّة ، والشارح یکتفی فی تصحیح الحدیث بالظنون الضعیفة الحاصلة من القرائن الضعیفة لتعیین المشترک وغیره ، ومن الظنون الظنّ بعدم السقط والاشتباه وأمثالهما ، مع أنّ نفس توثیقات الرجال غالبا من الظنون ، کما حقّقنا (1) فکیف یکفی الظّن فی ثبوت العدالة التی هی شرط فی الصحة ولا یکفی الظنّ القوی فی التبیّن؟ إذ لغة یصدق علیه أنّه تبیّن وظهر ، فإنّ التبیّن طلب ظهور الحال.

مع أنّ کل دلیل دل علی کفایة الظنّ فی التعدیل یشمل التبیّن أیضا من دون تفاوت ، وبناء فقه الشیعة غالبا علی الأخبار المنجبرة بالجوابر التی هی تبیّنات ، بل ندر الصحیح فی المعاملات غایة الندرة والشارح أیضا کثیرا ما یقول : فتاوی الأصحاب تجبر ضعف السند ، کما قاله فی مسألة : من أدرک رکعة من الوقت فقد أدرک الوقت (2) ، وغیرها ، هذا.

لکن الکلام فی تحقّق الشهرة الجابرة ، کیف؟ والشیخ واتباعه قالوا ما قالوا ، وکذا لم یظهر کون أذان جعفر علیه السلام وإقامته للانفراد ، کما قال.

قوله : وکلام الأصحاب. ( 3 : 276 ).

لا یخلو من تأمّل ، لتبادر المنفرد ، بل وبعد النسیان فی صورة الجماعة ، لندرة التحقّق ، فتأمّل.

قوله : وربما حمل کلامه. من بیت المال. ( 3 : 276 ).

بناء علی أنّ الأجر الوارد فی الخبر المراد منه الأجرة ، وظهور النهی

تُعطی أجرة المؤذن من بیت المال إذا لم یوجد من یتطوع به

ص: 403


1- انظر تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 4.
2- المدارک 3 : 93.

المؤکّد عن أخذه مؤذّنا فی حرمة نفس أخذ الأجرة أیضا. والسکونی نقل الشیخ فی عدّته ، أنّ الشیعة أجمعوا علی العمل بروایته ، وأنّه من الثقات (1) ، لکن الضعف من غیر جهة السکونی مضرّ.

ومع ذلک ، الظاهر أنّ الأجر أعمّ من الأجرة ویشمل الارتزاق ، إلاّ أن یقال : الارتزاق لیس أجر أذانه ، بل من جهة فقره واستحقاقه ، أو أنّ له حقا فی بیت المال ، وتحقیق الکلام فی کتاب التجارة.

قوله (2) : احتجّ المرتضی .. ( 3 : 278 ).

لا یخفی أنّ احتجاج السید بعینه هو الذی ذکره الشارح لعدم جواز الأذان للفریضة قبل وقتها فی غیر الصبح ، من أنّه وضع للإعلام بدخول وقته ، ومن المعلوم عدم الفرق فی ذلک بین الصبح وغیره لو لا ورود الروایات المذکورة ، وبدیهی أنّه لو لم ترد یکون حال الصبح حال غیره ، کما أنّه لو فرض ورود ما فی الصبح فی غیره أیضا لکان حکمهما واحدا ، فالجواب بالمنع من حصر فائدة الإعلام فاسد ، بل الجواب منحصر فی ورود الرخصة من تلک الأخبار ، لکنّها أخبار آحاد عند السید وان کانت متواترة عند ابن أبی عقیل.

قوله : لا أعلم فیه مخالفا. ( 3 : 279 ).

صرّح الشیخ فی العدّة بأنّ الشیعة مختلفون فی عدد الأذان والإقامة ، وأنّ التعیین بأخبار الآحاد (3). وقال الصدوق فی أمالیه : من دین الإمامیّة

اشتراط کون الأذان بعد دخول الوقت إلاّ فی الصبح

فصول الأذان والإقامة

ص: 404


1- عدّة الأصول 1 : 380.
2- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و».
3- عدّة الأصول 1 : 355.

الإقرار - إلی أن قال - : إنّ الأذان والإقامة مثنی (1).

ولعل مراد الشیخ بالخلاف فی الأذان ما حکی فی الخلاف عن بعض الأصحاب (2).

وأمّا ما ذکره الصدوق فلعل ظاهره غیر مراد له ، إذ یبعد نسبة ذلک إلی کلّ الإمامیة ، سیّما وأن یکون ذلک بحیث یدخل فی عقائدهم ، فلعل مراده أنّ أحدا من الشیعة لم یذهب إلی أنّ الأذان مثنی والإقامة واحدة ، بل کلاهما مثنی ، أی بالنحو المعهود عندهم ، وهو أنّ غالب الفصول مثنی ، وإن کان فی أوّل الأذان أربع وفی آخر الإقامة واحدة.

وبهذا یمکن الجمع بین الروایات بإرجاع غیر روایة إسماعیل إلی روایة إسماعیل ، لأنّها هی المشهورة بین الأصحاب ، حتی أنّ النجاشی عند ذکره إسماعیل بن جابر قال : إنّه الذی روی حدیث الأذان (3). وفیه إشعار تامّ بأنّ المعهود المتداول والحجّة المعمول بها هو روایته.

مضافا إلی أنّ الأذان والإقامة من الأمور المتکرّرة الصدور والمتکثّرة الوقوع فی کلّ یوم ولیلة بین الشیعة ، ووقوعهما کذلک علانیة وجهارا فی المجامع والجوامع کثیرا ، وأنّ الأصحاب مع أنّهم هم الذین رووا سائر الروایات ترکوها وأخذوا بهذه الروایة وترکوا غیرها ، مع [ إجمال ] (4) دلالتها بالنسبة إلی معرفة نفس الفصول ، وأنّ النقص فی الإقامة فی أیّ موضع ، وإن کان معرفة نفس الفصول بالإجماع والأخبار تتحقّق ، وکذا معرفة

ص: 405


1- أمالی الصدوق : 511.
2- الخلاف 1 : 279.
3- رجال النجاشی : 32 / 71.
4- بدل ما بین المعقوفین فی النسخ : احتمال ، والظاهر ما أثبتناه.

النقص ، إذ إجماعیّ عندهم أنّ النقص لو کان ففی آخرها ، مع أنّ المعمول به فی الأعصار والأمصار من الفقهاء هو هذا ، بل عدم کون غیر الفصل الآخر ناقصا لعله من ضروریات دین الشیعة والمعروف من مذهبهم وطریقتهم.

وورد فی بعض الأخبار أیضا ما یشهد بأنّ النقص فی التهلیل الآخر ، وهو أنّ المصلّی خلف العامّة إذا لم یتمکّن من الأذان والإقامة یقتصر علی قول : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، الله أکبر ، الله أکبر ، لا إله إلاّ الله (1) ، هذا.

مع أنّ روایة إسماعیل لصراحتها فی أنّ العدد خمسة وثلاثون حرفا لا یمکن توجیهها ، بخلاف تلک الروایات ، فإنّه یمکن توجیهها بما ذکرناه.

ویؤیّده ما فی بعض الأخبار من أنّ الإقامة مثل الأذان علی سبیل الإطلاق (2). وقال الصدوق رحمه الله فی الفقیه بعد ذکر روایة أبی بکر وکلیب وعدم ذکره غیر تلک الروایة : وهذا هو الأذان الصحیح لا تزاد فیه ولا تنقص ، والمفوّضة لعنهم الله. (3). وفیه أیضا تأیید لما ذکرنا وشاهد علی أنّ مراده فی الأمالی هو ما ذکرنا ، فتأمّل.

ولعلّه لهذا استدل المحقق [ للسبعة ] وأتباعهم بروایة صفوان بن مهران (4) وإلاّ فهی لا تنطبق علی مذهبهم من جهتین : الأولی : تثنیة التهلیل

ص: 406


1- الکافی 3 : 306 / 22 ، التهذیب 2 : 281 / 1116 ، الوسائل 5 : 443 أبواب الأذان والإقامة ب 34 ح 1.
2- الفقیه 1 : 188 / 897 ، التهذیب 2 : 60 / 211 ، الوسائل 5 : 416 أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 9.
3- الفقیه 1 : 188.
4- المعتبر 2 : 139 ، وبدل ما بین المعقوفین فی النسخ : للشیعة ، والصواب ما أثبتناه من المصدر.

فی آخر الإقامة ، والثانیة : تثنیة التکبیر فی أوّل الأذان ، مع إمکان الجمع بحمل تثنیة التکبیر بأنّها الأصل وتربیعة علی أنّه زید لغرض التنبیه (1) علی ما ورد فی بعض الأخبار (2) ، وحمل تثنیة التهلیل فی آخر الإقامة علی الاستحباب ، لکن ذلک غیر معروف من أحد من الأصحاب ، فتأمّل.

قوله : وحکی الشیخ فی الخلاف. ( 3 : 282 ).

لکن اشتهر فی أمثال هذه الأزمان عن جمع قول بأنّ الأذان ثمانیة عشر - کما هو المشهور - والإقامة ثمانیة عشر بتثنیة التهلیل فی آخرها (3) ، وهذا القول لا یطابق شیئا من الأخبار ولا فتاوی الأصحاب ، ولو قال أحد : التهلیل الآخر بقصد أنّه إن کان من الإقامة فبها وإلاّ یکون ذکرا علی حدة وهو حسن علی کلّ حال ، لعله لا یکون به بأس ، لکن لعل حال تربیع التکبیر فی أوّل الإقامة أیضا کذلک ، فتأمّل.

وفی الفقه الرضوی : « أنّ الأذان ثمانی عشرة کلمة ، والإقامة سبع عشرة کلمة » وذکر فیه صورة الأذان والإقامة بالتفصیل ، یکون التکبیر أربعا فی أوّلهما والباقی مثنی مثنی ، إلاّ التهلیل فی آخر الإقامة فإنّه واحدة ، وکونه فی آخر الإقامة واحدة مذکور فیه صریحا ، مرّة فی مقام الإجمال ومرّة أخری فی مقام التفصیل ، ثم بعد تمام الذکر التفصیلی لهما قال : « الأذان والإقامة جمیعا مثنی مثنی علی ما ذکرت لک » (4) انتهی ، وفیه شهادة واضحة علی الجمع الذی ذکرناه سابقا.

ص: 407


1- فی « أ » و « ب » و « د » و « و» : التثنیة.
2- الفقیه 1 : 195 / 915 ، الوسائل 5 : 418 أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 14.
3- انظر البحار 81 : 109.
4- فقه الرضا علیه السلام : 96 - 97 ، المستدرک 4 : 40 أبواب الأذان والإقامة ب 18 ح 2.

قوله : بالحمل علی حال التقیة. ( 3 : 282 ).

قالوا : إنّ الخلیفة الثانی جعل فصول الإقامة واحدا واحدا ، فرقا بینها وبین فصول الأذان ، ونقص من فصول الأذان التهلیل فی آخرها مرّة ، وکان فصول الإقامة کذلک ، کما قیل (1).

قوله : أمّا استحباب الفصل. ( 3 : 286 ).

فی الفقه الرضوی : « وإن أحببت أن تجلس بین الأذان والإقامة فافعل فإنّ فیه فضلا کثیرا ، وإنّما ذلک علی الإمام ، و [ أمّا ] (2) المنفرد فیخطو خطوة برجله الیمنی تجاه القبلة ، ثمّ تقول : بسم الله أستفتح » (3) إلی آخر الدعاء ، هکذا ، وسیجی ء (4).

قوله : ویدل علی استحباب الفصل بین أذان المغرب وإقامتها بالجلوس. ( 3 : 286 ).

لکن یظهر من روایة سیف الآتیة عدم الاستحباب ، وقال ابن طاوس : وقد رویت روایات أنّ الأفضل أن لا یجلس بین أذان المغرب وإقامتها » (5) ویؤیّده ضیق وقت المغرب وکون ذلک کذلک عند علمائنا ، فتأمّل.

قوله : فلم أجد به حدیثا. ( 3 : 287 ).

قد عرفت أنّ فی الفقه الرضوی ذکر ذلک ، وقال خالی العلاّمة المجلسی رحمه الله : نقل فیه روایة ، وورد فی استحباب الفصل - ورواه ابن

استحباب الفصل بین الأذان والإقامة

ص: 408


1- انظر الاستغاثة : 31 - 33.
2- ما بین المعقوفین أضفناه من المصدر.
3- فقه الرضا علیه السلام : 97 ، المستدرک 4 : 30 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 2.
4- فی « ب » و « ج » و « د » : ما سیجی ء.
5- فلاح السائل : 228.

طاوس - بالسجدة أیضا روایة أو أکثر ، إلاّ أنّ التقیید بغیر المغرب غیر موجود ، کما أنّ التقیید بالمغرب فی الخطوة غیر موجود ، ولعل وجه التقیید ضیق وقت المغرب ، فیکون الأولی اختیار الأقصر دون الأطول (1) ، انتهی.

أقول : قد عرفت وجه تقیید الفقهاء بغیر المغرب.

وابن طاوس روی فی کتاب فلاح السائل روایات متعدّدة فی استحباب السجود بین الأذان والإقامة ، بعضها مطلق وبعضها مع ضمیمة دعاء خاصّ فیه هو : « ربّ لک سجدت خاضعا خاشعا ذلیلا » وفی روایة أخری : « لا إله إلاّ أنت ربی سجدت لک خاضعا خاشعا » (2).

( ثمّ الأولی والأحوط أن لا یزید الفصل بینهما عن الرکعتین أو قدرهما ، لصحیحة ابن سنان عن الصادق علیه السلام : « لا یکون بین الأذان والإقامة إلاّ الرکعتان » (3) ) (4).

قوله (5) : یستثنی من ذلک رفع الصوت ، فإنّه غیر مسنون فی الإقامة. ( 3 : 289 ).

فیه نظر ، لما ورد فی صحیحة معاویة (6) من استحباب جهرها أیضا لکن دون جهر الأذان ، ولذا قال فی النافع ما قال هنا (7) ، والمراد تأکّد الاستحباب لا تأکّد [ الجهر ] (8).

استحباب رفع الصوت فی الأذان والإقامة

ص: 409


1- انظر البحار 81 : 181.
2- فلاح السائل : 152 ، الوسائل 5 : 400 أبواب الأذان والإقامة ب 11 ح 14 ، 15.
3- التهذیب 2 : 53 / 177 ، الوسائل 5 : 449 أبواب الأذان والإقامة ب 39 ح 4.
4- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و».
5- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و».
6- الفقیه 1 : 185 / 876 ، الوسائل 5 : 409 أبواب الأذان والإقامة ب 16 ح 1.
7- لم نعثر علیه فیه.
8- فی النسخ : الحمل ، والظاهر ما أثبتناه.

قوله : فتکون الزیادة فیه تشریعا محرّما. ( 3 : 290 ).

التشریع إنّما یکون إذا اعتقد کونه عبادة مطلوبة من الشرع من غیر جهة ودلیل شرعی ، والترجیع علی ما حقّقه لیس إلاّ مجرّد فعل وتکرار ، أمّا کونه داخلا فی العبادة ومطلوبا من الشارع فلا ، فیمکن الجمع بین القولین بأنّ القائل بالتحریم بناؤه علی ذلک ، والقائل بالکراهة بناؤه علی الأوّل. وکونه مکروها ، لأنّه لغو فی أثناء الأذان وکلام ، أو للتشبّه بالعامّة أو بعضهم ، فتأمّل.

وممّا ذکرنا ظهر حال « محمّد وآله خیر البریّة » و « أشهد أنّ علیا ولی الله » بأنّهما حرامان بقصد الدخول والجزئیّة للأذان لا بمجرّد الفعل.

نعم توظیف الفعل فی أثناء الأذان ربما یکون مکروها ( بکونه مغیّرا لهیئة الأذان ) (1) بحسب ظاهر اللفظ ، أو کونه کلاما فیه ، أو للتشبّه بالمفوّضة ، إلاّ أنّه ورد فی العمومات : أنّه متی ذکرتم محمدا فاذکروا آله ، أو متی قلتم : محمد رسول الله فقولوا : علی ولی الله ، کما رواه فی الاحتجاج (2) ، فیکون حاله حال الصلاة علی محمد وآله بعد قوله : « أشهد أنّ محمدا رسول الله » فی کونه خارجا عن الفصول ومندوبا إلیه عند ذکر محمد ، فتأمّل جدّا.

قوله : لکن هذه الروایة مخالفة لما علیه الأصحاب. ( 3 : 292 ).

فی هذا الاستدراک (3) ما لا یخفی ، لأنّ المخالفة لما علیه الأصحاب

حکم الترجیع فی الأذان والإقامة

ص: 410


1- بدل ما بین القوسین فی « ب » و « ج » و « د » : من کونه بغیر هیئة الأذان.
2- الاحتجاج : 158 ، البحار 81 : 112.
3- فی « ا » ، « ب » ، « ج » ، « د » : الاستدلال.

مؤیّدة للحمل علی التقیّة ، بل وتعیّنه وحدة التهلیل فی آخره.

قوله : إذا لم ینقل عنهم علیهم السلام الفصل بین فصولهما. ( 3 : 292 ).

لم ینقل عنهم أیضا الفصل بین فصولهما بالنوم أو الإغماء اللذین لا ینافیان الموالاة ، والعبادة سنّة متلقّاة من الشرع فیجب الاقتصار علی ما ورد به النقل.

قوله : ومنع الأولویة. ( 3 : 293 ).

فمقتضی ما ذکره عدم الجواز لا الاستشکال ، فتأمّل.

قوله (1) : ویستفاد منه. ( 3 : 293 ).

ربما لا یلائمه قوله : ویقیم غیره.

قوله : ذلک من قبیل الأسباب. ( 3 : 293 ).

فیه تأمّل علی تقدیر تسلیم بطلان العبادة بالردّة ، نعم بالنسبة إلی دخول الوقت یکون الأمر کما ذکره ، فتأمّل.

قوله : مجهولة الإسناد. ( 3 : 294 ).

بل لعلها من روایات العامّة ، لأنّها موافقة لطریقتهم (2).

قوله : وقال مثل ذلک حین یسمع أذان المغرب. ( 3 : 295 ).

الظاهر أن المراد لیس نفس الدعاء المذکور ، بل مثله للمغرب وهو : اللهمّ إنّی أسألک بإقبال لیلک وإدبار نهارک ، الدعاء ، فتأمّل.

قوله (3) : عن الرجل أیتکلّم بعد ما یقیم. ( 3 : 296 ).

استحباب استئناف الأذان والإقامة علی من نام فی خلالهما

استحباب حکایة الأذان

کراهة الکلام بعد الإقامة

ص: 411


1- هذه الحاشیة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».
2- انظر صحیح مسلم 1 : 289 ، سنن النسائی 2 : 25 ، المغنی والشرح الکبیر 1 : 450 ، 474.
3- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و ».

لا یخفی ما فیها من عدم دلالتها علی الجواز حتی یمکن الجمع بالحمل علی الکراهة ، لوجوه ثلاثة :

الأوّل : أنّ المتبادر منها ورودها فی [ المقیم ] (1) المنفرد ، وتلک الأخبار واردة فی الجماعة فی المسجد فلا مناسبة بینهما.

الثانی : أنّ قوله : یتکلّم بعد ما یقیم مطلق شامل للدخول فی الأذان بمعنی الذکر ببعض أجزائه کالتکبیر والشهادتین.

الثالث : أنّه - علی فرض التسلیم - کما یجوز الجمع بینهما بالحمل علی الکراهة ، کذا یجوز حمل المطلق علی المقیّد بحمل قوله : « نعم » بما یتعلّق بالصلاة کتقدیم إمام ، کما تقدّم فی تلک الأخبار ، فتدبّر.

قوله : فیتوقّف علی الدلالة وهی منتفیة. ( 3 : 301 ).

ورد فی روایة عمار طلب إعادة الأذان والإقامة کلّما یعید الصلاة (2).

ص: 412


1- فی النسخ : الغیر ، والصواب ما أثبتناه.
2- التهذیب 3 : 167 / 367 ، الوسائل 8 : 270 أبواب قضاء الصلوات ب 8 ح 2.

فهرس الموضوعات

الاستحاضة

صفات دم الاستحاضة...................................................... 5

ما قلّ عن ثلاثة وما تجاوز العشرة فهو استحاضة............................... 6

حکم المبتدأة

رجوع المبتدأة إلی عادة نسائها أو أقرانها عند فقد التمییز........................ 7

تحیّض المبتدأة بسبعة أیّام عند اختلاف نسائها.................................. 8

حکم ذات العادة

ذات العادة تجعل عادتها حیضاً وما سواه استحاضة............................ 10

حکم المضطربة إذا فقدت التمییز

حکم ذاکرة العدد ناسیة الوقت............................................ 11

حکم ذاکرة الوقت ناسیة العدد............................................ 11

ص: 413

بحث رجالی حول محمّد بن عیسی عن یونس................................. 11

حکم ناسیة الوقت والعدد................................................. 12

أقسام الاستحاضة وأحکامها : الاستحاضة القلیلة............................ 12

الاستحاضة المتوسطة...................................................... 17

إشارة إلی أنّ الشهرة جابرة لضعف الروایة.................................. 22

الخدشة فی أدلّة القائلین بالتسویة بین المتوسطة والکثیرة........................ 23

الاستحاضة الکثیرة........................................................ 24

عدم وجوب الوضوء مع کلّ غسل فی الاستحاضة الکثیرة..................... 24

هل تجب مقارنة الغسل والوضوء للصلاة؟................................... 25

جواز دخول المستحاضة المساجد............................................ 25

حکم وطء المستحاضة..................................................... 25

غسل النفاس

معنی النفاس.............................................................. 27

حکم من تری الدم قبل الولادة............................................. 27

أکثر النفاس.............................................................. 28

النفساء کالحائض فی الأحکام.............................................. 31

أحکام الأموات

الاحتضار................................................................ 31

سلیمان بن خالد ثقة عند العلماء........................................... 31

وجوب توجیه المحتضر إلی القبلة............................................ 31

التوجیه واجب کفائی..................................................... 32

ص: 414

استحباب نقل المحتضر إلی مصلاّه........................................... 33

استحباب الإسراج عنده إن مات لیلاً....................................... 33

وجوب الصبر لمن اشتبه موته............................................... 33

التغسیل

الکلام فی الغاسل

أولی الناس بالتغسیل أولاهم بالمیت.......................................... 33

فی أنّ الزوج أولی بالمرأة................................................... 33

الخبر الضعیف المعمول به مقدم علی الصحیح غیر المعمول به................... 33

هل یجوز أن یغسل الکافر المسلم؟.......................................... 34

الکلام فی المغسول

حکم تغسیل المخالف للحق................................................ 35

سقوط الغسل عن الشهید.................................................. 36

بیان المراد من الشهید...................................................... 37

إشارة إلی حجّیة الإجماع المنقول............................................ 37

حکم تغسیل السقط...................................................... 38

الکلام فی الغسل

واجبات الغسل

- إزالة النجاسة عن بدن المیت............................................ 38

- تغسیله بماء السدر...................................................... 39

- النیّة.................................................................. 40

هل یجب تعدد النیّة بتعدد الغسلات......................................... 41

ص: 415

حکم توضئة المیت........................................................ 41

لو تعذّر السدر والکافور................................................... 42

تیمّم المیت لو خیف تناثر جلده............................................. 43

سنن غسل المیت

- وضع المیت علی شیء مرتفع............................................ 43

- فتق قمیصه ونزعه..................................................... 44

- تلیین الأصابع والمفاصل................................................. 44

- غسل رأسه برغوة السدر............................................... 44

کراهة إقعاد المیت........................................................ 44

کراهة تغسیل المخالف.................................................... 44

التکفین

- الواجب من الکفن ثلاث قطع : الإزار والقمیص والمئزر.................... 45

إشارة إلی أن الکلینی أضبط من الشیخ....................................... 46

دلیل من اقتصر فی التکفین علی ثوب واحد.................................. 47

بحث حول الروایات الدالة علی التخییر بین الأثواب الثلاثة وبین القمیص والثوبین 48

بحث فی تعیین المراد من الثوبین............................................. 50

فی معنی الإزار وأنّه غیر اللفافة.............................................. 52

بحث حول المئزر.......................................................... 55

بحث حول الأثواب الثلاثة................................................. 58

قال الصدوق : الکفن المفروض ثلاثة : قمیص وإزار ولفافة والمناقشة فیه........ 60

- إجزاء قطعة عند الضرورة............................................... 63

ص: 416

- عدم جواز التکفین بالحریر والجلد........................................ 64

- وجوب مسح مساجد المیت بالکافور..................................... 64

القدر الواجب من الحنوط.................................................. 64

سنن التکفین

- ازدیاد الحبرة للرجل.................................................... 65

- ازدیاد لفافة لثدیی امرأة ونمطاً........................................... 65

بحث فی معنی المنطق الوارد فی الروایات...................................... 66

- أن یکون الکفن قطناً أبیضاً............................................. 67

- أن یطیّب الکفن بالذریرة............................................... 67

بحث حول التشریع المحرم.................................................. 68

- کتابة الشهادتین والإقرار بالأئمّة علی الحبرة والقمیص والإزار بالتربة الحسینیّة 68

- أن یجعل مع المیت جریدتان من سعف النخل.............................. 69

مع فقد الجریدة یجعل بدلها عود الرمان...................................... 70

کیفیّة وضع الجریدتین..................................................... 70

- أن یطوی جانب اللفافة الأیسر علی الأیمن وبالعکس....................... 70

إشارة إلی عمل الأصحاب بروایات کتاب فقه الرضا علیه السلام .................... 70

کراهة جعل الکافور فی سمع المیت وبصره................................... 71

بعض مسائل التکفین

حکم النجاسة الخارجة من المیت............................................ 71

إشارة إلی مقبولیّة مراسیل ابن أبی عمیر...................................... 71

عبد الله بن یحیی الکاهلی من الممدوحین..................................... 72

ص: 417

الکفن الواجب للمرأة علی زوجها.......................................... 72

وجوب إخراج الکفن من أصل الترکة...................................... 73

الفضل بن یونس واقفی ثقة................................................ 74

الدفن

ما یتعلق بالدفن : استحباب تشییع الجنازة................................... 75

کراهة الرکوب فی تشییع الجنازة........................................... 75

استحباب المشی وراء الجنازة أو أحد جانبیها................................. 75

کراهة الجلوس للمشیّع.................................................... 76

استحباب تربیع الجنازة.................................................... 76

استحباب وضع الجنازة قرب القبر.......................................... 76

کیفیة إرسال المیت فی القبر................................................ 77

استحباب تحفّی النازل فی القبر وکشف رأسه................................ 78

فروض الدفن

مواراة المیت.............................................................. 78

کیفیّة دفن من مات فی البحر............................................... 78

اضجاع المیت علی جنبه الأیمن............................................. 79

سنن الدفن

موسی بن أشیم ضعّفه النجاشی............................................ 80

حفر القبر إلی الترقوة...................................................... 80

جعل اللحد للمیت........................................................ 80

ص: 418

حل عقد کفنه............................................................ 81

- جعل تربة الحسین علیه السلام مع المیت........................................ 81

- إهالة الحاضرین التراب بظهور الأکف................................... 81

- رفع القبر مقدار أربع أصابع............................................. 82

- صب الماء علی القبر.................................................... 82

- تلقین الولی المیت بعد انصراف الحاضرین................................. 82

- نقل المیت إلی المشاهد الشریفة........................................... 82

لواحق تتعلق

بالدفن حرمة نبش القبر.................................................... 82

حرمة شق الثوب علی غیر الأب والأخ...................................... 83

حکم ما إذا ماتت الحامل دون الولد........................................ 83

الأغسال المسنونة

- غسل الجمعة.......................................................... 83

معنی قوله علیه السلام : غسل الجمعة سنة واجبة................................... 83

وقت غسل الجمعة........................................................ 86

جواز تقدیمه یوم الخمیس لمن خاف عوز الماء................................. 86

جواز قضائه یوم السبت................................................... 87

- غسل لیلة النصف من شهر مضان....................................... 87

- غسل لیالی فرادی شهر رمضان......................................... 87

- غسل الإحرام......................................................... 87

بحث رجالی حول محمّد بن عیسی.......................................... 88

- غسل زیارة النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام .................................. 88

ص: 419

- غسل التوبة........................................................... 88

مسائل

کلمة فی تداخل الأغسال.................................................. 89

حکم غسل السعی لرؤیة المصلوب.......................................... 89

حکم غسل المولود حین ولادته............................................. 89

التیمم

مسوغات التیمم

- عدم وجدان الماء....................................................... 89

وجوب طلب الماء ومقداره................................................. 90

بحث رجالی حول السکونی................................................ 90

حکم من أخل بالطلب.................................................... 92

- عدم الوصول إلی الماء................................................... 95

عدم وجوب شراء الماء إذا أضرّ فی الحال..................................... 95

- الخوف............................................................... 96

الخوف من اللص والسبع أو ضیاع المال..................................... 96

جواز التیمم مع خوف المرض.............................................. 96

حکم الجنب المختار لو خاف بالغسل التلف أو الزیادة فی المرض............... 97

جواز التیمم مع خوف الشین.............................................. 98

جواز التیمم مع خوف العطش علی رفیقه أو دوابّه........................... 98

ما یجوز التیمم به

بحث لغوی فی معنی الصعید................................................ 98

ص: 420

حکم التیمم بغیر التراب................................................. 101

حکم التیمم بالمعادن..................................................... 102

جواز التیمم بالحجر عند فقد التراب...................................... 103

بحث فی أنّ إطلاق لفظ الأرض علی التراب یکون من قبیل إطلاق الکلی علی الفرد 105

دلیل ما قاله السیّد المرتضی من أنّه لا یجزئ فی التیمم إلاّ التراب الخالص...... 106

جواز التیمم بأرض الجصّ والنورة......................................... 109

حکم التیمم بالخزف.................................................... 112

حکم التیمم فی المکان المغصوب........................................... 112

عدم صحة التیمم بالوحل مع وجود التراب................................ 112

کراهة التیمم بالأرض السبخة............................................ 113

استحباب التیمم من ربا الأرض........................................... 114

جواز التیمم بغبار الثوب أو لبد السرج عند فقد التراب..................... 114

إشارة إلی أنّ أبا بصیر مشترک بین الثقات.................................. 114

دلیل السیّد المرتضی بجواز التیمم بالثلج والمناقشة فیه........................ 116

کیفیة التیمم

وقت التیمم............................................................ 117

تحقیق فی الاجماع المنقول................................................. 118

أدلّة القائلین بوجوب تأخیر التیمم ... إلی آخر الوقت والجواب عنها......... 119

أدلّة القائلین بجواز التیمم مع سعة الوقت................................... 121

هل یجوز للمتیمم الصلاة فی أوّل الوقت؟.................................. 123

حکم التیمم للنافلة...................................................... 124

واجبات التیمم

- النیّة................................................................ 124

ص: 421

وقت النیّة.............................................................. 126

- وضع الیدین معاً علی الأرض.......................................... 126

المناقشة فی اشتراط علوق التراب بالید وعدمه.............................. 129

- مسح الجبهة......................................................... 132

وجوب الابتداء فی مسح الجبهة بالأعلی.................................... 133

- مسح ظاهر الکفین................................................... 135

وجوب مسح ظاهر الکفین............................................... 136

- الترتیب............................................................. 136

إشارة إلی معنی التأسی بفعل المعصوم علیه السلام ................................. 138

اختلاف الأقوال فی عدد الضربات........................................ 139

حکم مقطوع الکفین.................................................... 147

أحکام التیمم

حکم من صلّی متیمماً................................................... 147

جواز التیمم لمتعمد الجنابة إذا خشی علی نفسه............................. 148

جواز التیمم لمن منعه زحام الجمعة علی الخروج............................. 150

بحث رجالی حول السکونی............................................... 150

حکم المتیمم إذا صلّی وعلی جسده النجاسة................................ 150

عدم سقوط الصلاة مع عدم التمکن من التیمم............................. 151

حکم من تیمم ثم وجد الماء قبل الشروع فی الصلاة......................... 151

حکم من تیمم ثم وجد الماء فی أثناء الصلاة................................. 152

حکم اجتماع المیت والجنب والمحدث مع کفایة الماء لأحدهم................. 155

فی أن التیمم لا یرفع الحدث.............................................. 155

فیما إذا تیمم الجنب بدلاً من الغسل ثم أحدث حدثاً........................ 156

ص: 422

النجاسات

أنواع النجاسات

- البول والغائط........................................................ 156

حکم رجیع الطیر....................................................... 158

إشارة إلی أنّ عبد الله بن سنان ثقة........................................ 161

حکم بول ما لا یؤکل لحمه.............................................. 162

حکم بول الرضیع....................................................... 164

حکم رجیع ما لا نفس له................................................ 165

حکم ذرق الدجاج الجلاّل............................................... 165

- المیتة................................................................ 166

میتة غیر الآدمی......................................................... 166

بحث حول ما ذکره الصدوق فی مقدمة الفقیه.............................. 169

میتة الآدمی............................................................. 171

نجاسة ما قطع من المیتة................................................... 172

طهارة ما لا تحلّه الحیاة من المیتة........................................... 173

توضیح ما ذکره النجاشی من أنّ وهب بن وهب کذّاب.................... 174

أدلّة القائلین بنجاسة ما لا تحله الحیاة من المیتة والجواب عنها................. 175

حکم ما لا تحله الحیاة من نجس العین...................................... 178

وجوب الغسل بمس المیت................................................ 179

حکم مس عضوٍ کمل غسله............................................. 184

- الدم................................................................ 185

طهارة القیح والقیء..................................................... 185

حکم ما لو اشتبه الدم بالطاهر والنجس.................................... 186

ص: 423

- المسکر.............................................................. 186

حکم الخمر............................................................ 186

حکم النبیذ............................................................. 188

أدلّة نجاسة الخمر........................................................ 188

حکم العصیر العنبی...................................................... 193

- الفقاع.............................................................. 197

- الکافر.............................................................. 198

أدلّة القائلین بطهارته والمناقشة فیها........................................ 200

حکم عرق الجنب من الحرام............................................. 205

حکم عرق الإبل الجلالة................................................. 208

طهارة أبوال البغال والحمیر والدواب...................................... 208

أدلّة القائلین بعدم النجاسة............................................... 210

بحث رجالی حول الحکم بن مسکین....................................... 210

بحث رجالی فی أبی الأغر النخاس.......................................... 211

طهارة أرواث البغال والحمیر والدواب..................................... 211

أحکام النجاسات

وجوب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن للصلاة ونحوها..................... 211

وجوب إزالة النجاسة عن المساجد........................................ 211

حکم إدخال النجاسة الغیر المتعدیة إلی المسجد أو فرشه...................... 213

تحقیق فی أنّ الأمر بالشیء هل یقتضی النهی عن ضدّه أو لا؟................. 214

العفو عما دون الدرهم من الدم فی الصلاة................................. 216

عدم العفو عن الدماء الثلاثة فی الصلاة..................................... 218

حکم الدم المتفرق الذی یبلغ مجموعه الدرهم............................... 220

ص: 424

جواز الصلاة فیما لا تتم الصلاة فیه مع نجاسته............................. 221

حکم من جبر عظمه بعظم نجس.......................................... 222

وجوب عصر الثیاب من النجاسات....................................... 223

وجوب دلک الصلب فی تطهیره........................................... 229

حکم ما یعسر عصره.................................................... 229

حکم الصابون وأمثاله إذا تنجس.......................................... 231

عدم وجوب العصر فی بول الصبی......................................... 233

لزوم غسل أطراف الشبهة المحصورة....................................... 235

اعتبار التعدد فی غسل الثوب من البول..................................... 236

عدم وجوب إزالة اللون والرائحة......................................... 237

حکم من أخلّ بإزالة النجاسة عن ثوبه أو بدنه فصلّی....................... 238

عدم وجوب الإعادة والقضاء مع الجهل بالنجاسة حتّی فرغ من صلاته........ 245

حکم رؤیة النجاسة فی أثناء الصلاة مع العلم بسبقها........................ 247

حکم رؤیة النجاسة فی أثناء الصلاة مع عدم العلم بسبقها.................... 249

حکم رؤیة النجاسة فی أثناء الصلاة مع ضیق الوقت......................... 249

المربیّة للصبی إذا لم یکن لها ثوب تغسل ثوبها مرّة بالیوم...................... 250

حکم الصلاة فی الثوب المشتبه بالنجس.................................... 251

حکم من لیس له ثوب طاهر............................................. 253

المطهرات

- مطهریة الشمس وموردها............................................. 255

حکم الجفاف بغیر الشمس من ریح أو غیرها............................... 273

- مطهریة الاستحالة بالنار وغیرها....................................... 275

حکم اللبن المضروب من طین نجس....................................... 276

ص: 425

حکم العجین النجس.................................................... 277

- مطهریة الأرض...................................................... 278

تطهر الأرض باطن الخف والقدم.......................................... 278

حکم ماء الغیث الواقع علی النجاسة...................................... 279

الأوانی والجلود

حرمة الأکل والشرب فی آنیة الذهب والفضة.............................. 280

کراهة استعمال الإناء المفضّض........................................... 281

کراهة استعمال الأوانی الخشبیّة ونحوها.................................... 282

حکم الإناء الذی ولغ فیه الکلب......................................... 283

وجوب غسل الإناء من الخمر ثلاث مرّات................................. 285

حکم التعدد فی غسل الإناء من سائر النجاسات............................ 285

کتاب الصلاة

فی معنی الصلاة لغةً...................................................... 287

أعداد الصلاة

نوافل الصلوات......................................................... 288

نوافل الظهر والعصر..................................................... 288

کراهة الکلام بین المغرب ونافلتها......................................... 289

إنّ الجلوس فی الرکعتین اللتین بعد الشعاء أفضل من القیام.................... 290

المستفاد من الروایات أنّ الوتر اسم للرکعات الثلاثة......................... 290

آداب صلاة اللیل........................................................ 292

جواز الجلوس فی النافلة مع الاختیار........................................ 294

ص: 426

الکلام فی سقوط الوتیرة فی السفر......................................... 294

إشارة إلی أن عبد الواحد بن عبدوس وعلی بن محمّد القتیبی من مشایخ الإجازة. 295

مواقیت الصلاة

وقت المغرب............................................................ 296

اختصاص الظهر بأوّل الوقت............................................. 297

اختصاص العصر من آخر الوقت بمقدار أدائها.............................. 299

آخر وقت الظهر........................................................ 299

الضحّاک بن زید هو أبو مالک الحضرمی الثقة.............................. 299

بحث فی وثاقة قاسم بن عروة وموسی بن بکر.............................. 300

أوّل وقت العصر وآخره................................................. 301

أوّل وقت المغرب وما یتحقق به الغروب................................... 302

آخر وقت المغرب....................................................... 306

أوّل وقت العشاء وآخره وقت صلاة الفجر................................ 307

وقت نوافل الظهر والعصر............................................... 308

وقت نافلة المغرب....................................................... 310

وقت صلاة اللیل........................................................ 315

وقت النوافل الغیر الراتبة................................................. 316

أحکام المواقیت

حکم من حصل له مانع من الصلاة کالجنون قبل دخول الوقت.............. 317

حکم ما لو زال المانع والوقت باقٍ........................................ 318

ص: 427

وجوب تحصیل العلم بالوقت مع التمکن................................... 319

جواز التعویل علی الظن مع عدم التمکن من العلم........................... 320

أفضلیّة الصلاة فی أوّل الوقت إلاّ ما استثنی................................. 322

القبلة

حقیقة القبلة............................................................ 324

کفایة استقبال جهة الکعبة............................................... 326

إشارة إلی أنّ روایة الطاطری ، موثقة ، وأنّ ابن مسکان من أصحاب الإجماع. 327

حکم المصلّی فی جوف الکعبة أو علی سطحها............................. 328

استحباب التیاسر لأهل العرق............................................ 330

حکم فاقد الظن بالقبلة.................................................. 330

إشارة إلی أن محمّد بن أحمد العلوی من شیوخ أصحابنا...................... 334

عدم جواز الصلاة علی الراحلة إلاّ عند الضرورة............................ 334

حکم الصلاة فی السفینة................................................. 335

حکم الاستقبال فی النوافل................................................ 336

الأعمی یرجع إلی غیره فی معرفة القبلة..................................... 338

لباس المصلّی

حکم الصلاة فی جلد المیتة................................................ 339

عبد الله بن بکیر ثقة من فقهاء أصحابنا.................................... 345

حکم استصحاب شیء مما لا یؤکل لحمه حال الصلاة....................... 347

حکم الصلاة فی جلد ما لا یؤکل لحمه وحکم صوفه وشعره ووبره........... 348

بحث رجالی حول إبراهیم بن محمّد الهمدانی................................ 352

حکم الصلاة فی التکة والقلنسوة المعمولتین من وبر غیر المأکول.............. 353

ص: 428

حکم الصلاة فی فرو السنجاب........................................... 353

حکم الصلاة فی جلود الثعالب والأرانب................................... 356

حکم لبس الحریر للرجال................................................ 357

حکم الصلاة فی الذهب للرجال.......................................... 359

حکم لبس الحریر للنساء................................................. 362

حکم الصلاة فی ما لا تتم الصلاة فیه من الحریر کالتکة والقلنسوة............ 363

بحث حول المکاتبة....................................................... 365

بحث رجالی حول أحمد بن الهلال......................................... 366

جواز الصلاة فی الثوب المکفوف بالحریر................................... 368

حرمة الصلاة فی الثوب المغصوب......................................... 369

جواز الصلاة فی ثوب واحد للرجل دون المرأة.............................. 371

حکم من لا یجد ثوباً یستر به العورة....................................... 373

عبد الله بن جَبَلة واقفی ثقة............................................... 376

إسحاق بن عمّار بن حیّان الکوفی ثقة..................................... 376

الأمة والصبیّة تصلّیان بدون خمار......................................... 376

مکروهات لباس المصلّی

- الاتزار فوق القمیص................................................. 377

معنی التوشح............................................................ 378

- الصلاة فی عمامة لا حنک لها.......................................... 378

- الصلاة فی قباء مشدود................................................ 379

الإمامة بغیر رداء........................................................ 380

حکم استصحاب الحدید الظاهر فی الصلاة................................. 380

- صلاة المرأة فی خلخال له صوّت........................................ 381

ص: 429

- الصلاة فی ثوب علیه تماثیل............................................ 381

مکان المصلّی

اشتراط الإباحة فی مکان المصلّی.......................................... 382

حکم تساوی الرجل والمرأة أو تقدّمها علیه فی موقف الصلاة................. 389

اشتراط طهارة موضع السجود............................................ 389

مکروهات مکان المصلّی

- الصلاة فی الحمام..................................................... 390

- الصلاة فی معاطن الإبل............................................... 390

- فی بیوت الخمور إذا لم تتعد إلیه نجاستها................................ 390

کراهة الصلاة إذا کان بین یدی المصلّی نار مضرمة......................... 391

ما یسجد علیه

عدم جواز السجود علی المعدن إلاّ عند الضرورة........................... 392

حکم السجود علی القطن والکتان........................................ 393

عدم جواز السجود علی الوحل........................................... 394

جواز الصلاة علی القرطاس.............................................. 394

حکم اشتباه الموضع النجس بغیره.......................................... 394

الأذان والإقامة

اختلاف الأصحاب فی استحبابهما أو وجوبهما.............................. 395

سقوط الأذان والإقامة عمّن أدرک الجماعة................................. 397

أبو بصیر یحیی بن القاسم ثقة............................................. 402

ص: 430

إشارة إلی أن الشهرة جابرة لضعف الخبر.................................. 402

تُعطی أجرة المؤذن من بیت المال إذا لم یوجد من یتطوع به................... 403

اشتراط کون الأذان بعد دخول الوقت إلاّ فی الصبح........................ 404

فصول الأذان والإقامة................................................... 404

استحباب الفصل بین الأذان والإقامة...................................... 408

استحباب رفع الصوت فی الأذان والإقامة.................................. 409

حکم الترجیع فی الأذان والإقامة.......................................... 410

استحباب استئناف الأذان والإقامة علی من نام فی خلالهما................... 411

استحباب حکایة الأذان.................................................. 411

کراهة الکلام بعد الإقامة................................................ 411

ص: 431

المجلد 3

هوية الکتاب

المؤلف: محمّد باقر الوحید البهبهانی

المحقق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم

الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم

المطبعة: ستاره

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاریخ النشر : 1420 ه-.ق

ISBN (ردمک): 964-319-171-0

ص: 1

اشارة

المکتبة الإسلامیة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

[ الرکن الثانی فی أفعال الصلاة ]

قوله : ما أقبح بالرجل منکم. ( 3 : 305 ).

الظاهر أنّ حمادا أتی بواجبات الصلاة إلاّ أنّه لم یأت بالآداب والمستحبات ، ولذا ما أمر علیه السلام بإعادته لصلاته ، وقال : فلا یقیم صلاة واحدة بحدودها تامّة ، ثم شرع بالإتیان بالآداب والمستحبات ، إذا جلّ ما ذکر فیها آداب ومستحبات وقلّما توجّه إلی ذکر الواجب ، والقلیل الذی توجّه إلیه إنّما ذکره تقریبا وبیانا لکیفیة الإتیان بآدابه ومستحباته.

قوله : وغمض عینیه. ( 3 : 306 ).

الظاهر أنّ حمادا توهم ذلک ، حیث کان علیه السلام ینظر إلی ما بین رجلیه فشبّه عینیه عین الغامض ، علی أنّ ذلک علی سبیل التخییر بینه وبین النظر إلی ما بین الرجلین الذی أمر به فی الصحیحة الآتیة (1) ، بل وأمر بفتح العین مطلقا فی غیر الصحیحة المذکورة أیضا (2).

قوله : بین یدی رکبتیه. ( 3 : 306 ).

لعل حمادا شبّه علیه هذا أیضا بأنّ الیدین لم تکونا بین یدی الرکبتین بل کان علیه السلام حرّفهما عن ذلک شیئا یسیرا ، علی حسب ما سیذکر فی الصحیحة

أفعال الصلاة

بحث حول صحیحة حمّاد الواردة فی بیان أفعال الصلاة وآدابها

ص: 5


1- فی المدارک 3 : 307.
2- التهذیب 2 : 314 / 1280 ، الوسائل 7 : 249 أبواب قواطع الصلاة ب 6 ح 1.

الآتیة ، وحماد لم یتفطّن بهذا القدر من التحریف.

قوله : وابدأ بیدیک تضعهما علی الأرض قبل رکبتیک. ( 3 : 307 ).

قال الصدوق رحمه الله فی أمالیه : من دین الإمامیة الإقرار بأنّه لا یجوز وضع الرکبتین علی الأرض فی السجود قبل الیدین (1) ، ویظهر من التهذیب أیضا ذلک (2).

قوله : لأنّ الأصل عدم دخولها فی الماهیة. ( 3 : 308 ).

فیه : أنّ کون الشی ء جزء الشی ء وإن کان الأصل عدمه لکونه من الأمور الحادثة والأصل عدمها حتی یثبت ثبوتها ، إلاّ أنّ کون شی ء شرطا لشی ء یکون کذلک أیضا ، للعلّة المذکورة بعینها.

مع أن هذا الأصل مرجعها إلی الاستصحاب ، والشارح رحمه الله لا یقول بحجیته (3) ، وإن کان دائما یتمسّک بأصالة العدم التی لا نجد لها أصلا ولا معنی سوی استمرار العدم السابق.

وإن أراد منه أصل البراءة ، ففیه : أنّه - مع بعد الإرادة من هذا اللفظ - لا یمکن إرادته بعد ثبوت التکلیف بها وکونه مسلّما ، وعدم الفائدة لهذه المسألة فی ما یتعلّق بالعمل ، وظهور الفائدة بعنوان الندرة لیس من مقتضیات أصل البراءة ، إذا ربما یکون الدخول أوفق ( له وربما یکون الخروج أوفق ) (4) ، فتأمّل جدّا.

النیّة

هل النیّة شرط أو جزء

ص: 6


1- أمالی الصدوق : 512.
2- التهذیب 2 : 78 ، 79.
3- انظر المدارک 1 : 46.
4- ما بین القوسین لیس فی « ج ».

قوله : فلو کانت جزءا منها لتعلّق الشی ء بنفسه. ( 3 : 308 ).

فیه : أنّ الخصم لا یسلّم تعلّقها بجمیع الأجزاء ، وبعد التسلیم (1) فالمغایرة الاعتباریة کافیة ، فتأمّل ، وبالجملة لا تعلّق لها بالصلاة سوی کون الصلاة مفتقرة إلیها ، فإن کانت النیّة أیضا مفتقرة إلیها یلزم التسلسل ، وهذا بعینه الدلیل الآتی ومنع الشارح الملازمة فیه وجوّز کونها جزءا لا یفتقر إلیها.

وإن أراد من التعلّق أمرا غیر ما ذکرنا فلا نسلّم تعلّقها بالصلاة ، بل ظاهر أنّه لا تعلّق لها بها سوی ما ذکرنا.

قوله : ولا تلزم منها الشرطیة. ( 3 : 308 ).

فیه : أنّ لفظ الأعمال لغة وعرفا شامل لکلّ جزء جزء من الصلاة ، فلو کانت النیّة أیضا عملا داخلا فیه لزم التسلسل ، وهذا قرینة علی عدم الدخول وکون المراد من الأعمال غیر النیّة ، فتأمّل جدّا.

قوله : لانتفاء الدلیل علیه رأسا. ( 3 : 309 ).

وعلی تقدیر التسلیم لا دلیل علی أنّه إذا اعتبر فیها ما یعتبر فی الصلاة یکون جزءا للصلاة.

قوله : وهو جیّد لو ثبت توقّف المقارنة علی ذلک. ( 3 : 309 ).

لا خفاء فی توقّف المقارنة للتکبیر الصحیح علی ذلک ، وسیجی ء من الشارح اعترافه بذلک عند قول المصنّف : ویجب أن یکبّر قائما (2) ، إلاّ أن یکون مراده التأمّل فی ثبوت الاشتراط بحسب حکم الشرع بأنّ الشارع قال :

ص: 7


1- لیس فی « أ » و « ب » و « ج » و « د ».
2- المدارک 3 : 322 ، 323.

إنّه شرط ، ولم یثبت ، لعدم ثبوت کون مقدّمة الواجب المطلق واجبا شرعا بمجرّد إیجاب ذی المقدّمة ، فتأمّل جدّا.

قوله : فإنّ صلاة الظهر مثلا. ( 3 : 310 ).

لا یخفی فساد ما ذکره الشارح رحمه الله إذ لا شبهة فی أنّه یمکن أن یصلّی المکلف الظهر بقصد الندب وإن کانت واجبة علیه واقعا ، وبقصد الوجوب وإن لم تکن واجبة علیه واقعا ، وهکذا الکلام فی الأداء والقضاء ، غایة الأمر أنّها لا تکون صحیحة شرعا ، لعدم الموافقة لمطلوب الشارع ، ولهذا أمر الفقهاء بقصد ما هو المطلوب حتی یصیر فعله صحیحا ، مثلا من لم یکن علیه سوی صلاة الظهر الواجبة لو صلّی بقصد الصبح أو العصر أو الزلزلة أو أمثال ذلک ، سواء صلّی کذلک عمدا أو سهوا أو جهلا ، لا تکون صلاته صحیحة قطعا ، وکذا لو صلاّها بقصد المستحبة ، لأنّها لیست بالتی أمر بها الشارع فکیف تکون صحیحة؟!

وإمکان الوقوع علی أکثر من وجه بحسب قصد المکلف وجعله - سواء کان بعنوان العمد أو الجهل أو السهو - یکفی للحکم بقصد التعیین ، ولذا یحکم الشرع بوجوب قصد القربة والإخلاص. ولا یجب کون الأکثر من وجه واحد صحیحا شرعیا وإلاّ لم یجب قصد نفس کونها ظهرا مثلا ، بل نفس کونها صلاة إذا لم یکن علیه واجب آخر.

وبالجملة : قصد التعیین إنّما یجب لتحقّق الامتثال ، وهو الإتیان بخصوص ما هو مکلف به ، فإن کان واحدا فی الواقع لا بحسب اعتقاد المکلف بأنّه یعتقد تعدده من جهله أو سهوه فلا بدّ من التعیین حتی یتحقّق امتثاله العرفی ویقال : إنّه امتثل ، من دون فرق بینه وبین التعدد فی الواقع ، لأنّ المکلف إذا اعتقد أنّ صلاة الظهر ابتداء تکون واجبة وتکون مندوبة

اعتبار قصد القربة والتعیین فی النیّة

ص: 8

وحین الإتیان لم یعیّن إحداهما وترکها متزلزلة متردّدة بین الأمر کیف یعدّ ممتثلا بالنسبة إلی الواجبة ، ولا یعد من کانت ذمته مشغولة بکلّ من الواجبة والمستحبة ، مثل صلاة نافلة الفجر وفریضته ، ممتثلا بالنسبة إلی الواجبة؟ وکذا الحال إذا بنی المکلف علی التعدّد عمدا وتشریعا.

وأمّا إذا کان فی الواقع واحدا وعند المکلف أیضا کذلک ، ولم یبن علی التعدّد أصلا وقصد ذلک الواحد فقد قصد الذی هو متّصف بالوجوب أو متّصف بالندب ، لأنّه أحضر المنوی ، وهو الأمر المتصف بالوجوب واقعا ، لأنّ النیّة أمر بسیط ، إلاّ أن یقال : فی الصورة الأخیرة لا یجب الإحضار بصفة الوجوب أو الندب وإن کان متصفا بهما واقعا ، لأنّ الامتثال یتحقّق بقصد المعیّن ، وإن کان الواجب أن لا یحضر ما هو متصف بالوجوب بصفة الندب وما هو متصف بالندب بصفة الوجوب ، لأنّ المندوب غیر الواجب وبالعکس ، فلا یکون هو المعیّن فی الواقع ، فتأمّل.

قوله : قال بعض الفضلاء. ( 3 : 311 ).

فیه : أنّه لا شبهة فی أنّ الفاعل المختار لا یمکن أن یتحقّق منه الفعل بغیر ملاحظة العلّة الغائیة لکن العلّة الغائیة یمکن أن تکون التقرّب إلیه تعالی والإخلاص له ، وأن تکون غیر ذلک من الریاء وغیره من الأغراض ، والإخلاص فی غایة الصعوبة ، فکیف یکون فی غایة السهولة؟ وکذا لا بدّ من التعیین بالتوجّه إلی المعیّنات لتحقّق الامتثال إذا تعدد الاحتمال ، ولیس الأمر کذلک فی سائر الأفعال ، فتأمّل.

قوله : ما کانوا یذکرون النیّة فی کتبهم الفقهیة. ( 3 : 311 ).

کانوا یذکرون بعنوان الکلّیة ، لکونها شرطا فی جمیع العبادات ، وان کانوا لا یذکرون فی موضع موضع علی حدة.

ص: 9

قوله : أمر لا یکاد یمکن الانفکاک عنه. ( 3 : 311 ).

قد عرفت أنّ الأمر لیس کذلک ، وأنّ الإخلاص فی غایة الصعوبة ، والأخبار فی هذا المعنی فی غایة الکثرة ، بل ورد : أنّ الریاء أخفی من دبیب النملة فی اللیلة السوداء علی الصخرة الصمّاء ، وأشدّ من هذا (1) ، والعلماء المتقدّمون والمتأخّرون بالغوا فی هذا غایة المبالغة وحذّروا نهایة التحذیر ، وعرفت أنّهم ما کانوا یذکرون فی خصوصیات المقامات ، کما أنّهم ما کانوا یذکرون العقائد الأصولیة والإیمان وأمثاله ممّا هو شرط الصحة بلا شائبة شبهة ، مع کون تلک الشرائط ومعرفتها ربما کانت فی غایة الإشکال والصعوبة.

قوله : وممّا یؤیّد ذلک عدم ورود النیّة. ( 3 : 311 ).

غایة ما ثبت ممّا ذکر أنّ النیّة لیست جزءا للعبادات بل شرط لها ، کما هو الأظهر ، وأمّا اعتبارها فی العبادات فلا شکّ فیه ، بل لعله صار من الضروریات ، وثابت ذلک من الأخبار (2) بعد الآیة (3) ومسلّم عنده.

نعم ما ذکره رحمه الله من أنّ التلفظ بها وغیر ذلک من الخرافات المحدثة حق ، وکذا التفکّر فی النیّة ، وهذا هو مراده رحمه الله وهو الحق ، وإن کان الإشکال فی أمر آخر.

قوله : ووقتها عند أوّل جزء من التکبیر. ( 3 : 313 ).

قد مرّ فی مبحث الوضوء أنّ النیّة لیست هی الأمر المخطر بالبال ، بل لیست إلاّ الأمر الداعی إلی الفعل ، فلا حاجة إلی اعتبار المقارنة ولا الاستدامة

ص: 10


1- انظر إحیاء العلوم 3 : 305.
2- انظر الوسائل 1 : 46 أبواب مقدّمة العبادات ب 5.
3- البیّنة : 5.

الحکمیة (1).

قوله : مع النیّة کیف حصلت. ( 3 : 315 ).

لا بدّ من دلیل یثبت به هذا ، وإلاّ فالعبادات وظیفة الشرع لا بدّ أن یثبت ماهیتها من الشارع ، والمنقول عن النبی والأئمّة صلوات الله علیهم اتصال النیّة واستمرارها وعدم القطع فی الأثناء ، وسیعترف الشارح رحمه الله بما ذکرنا عند قول المصنف : وصورتها : الله أکبر. (2). وغیر ذلک ، فتأمّل جدّا.

وکذا الکلام فی المسألة الثالثة ، نعم من قال بجریان أصل العدم فی العبادات وإثبات ماهیتها به یمکنه الإثبات به ، وتحقیق ذلک فی الأصول ، والشارح رحمه الله أراه ربما یحکم بالجریان وربما یقول بالنحو الذی ذکرناه ، من غیر فرق بین الموضعین علی ما أظنّ.

قوله : أجمع الأصحاب. ( 3 : 318 ).

الواجب من تکبیرات الصلاة هو تکبیرة الإحرام فقط دون غیرها ، لما ستعرف فی تکبیر الرکوع (3).

قوله : ولکن کیف یستیقن. ( 3 : 318 ).

فیه دلالة علی عدم اعتبار الظنّ أیضا وکونه کالشک ، وسیجی ء تمام الکلام إن شاء الله تعالی.

قوله : أ لیس کان من نیّته أن یکبّر؟. ( 3 : 318 ).

لعل المراد أنّ من کان من نیّته أن یکبّر لا یمکن عادة أن یکون

حکم نیّة قطع الصلاة

تکبیرة الإحرام

رکنیّة التکبیر

ص: 11


1- راجع ج 1 : 250 - 256.
2- المدارک 3 : 319.
3- انظر ص 85.

لا یکبّر ، لکونه أوّل صلاته ، وهذا النسیان لا أصل له ، بل الظاهر أنّه یکبّر ، والظهور یکفی ، إذا سیجی ء فی بحث الشک والظنّ أن الظنّ فی الأفعال کاف کالظنّ فی الرکعات (1) ، ومن هذا یظهر الکلام فی صحیحة البزنطی ، وأنّ قوله علیه السلام : « أجزأه » غیر باق علی ظاهره بالقرینة المذکورة.

ویشهد علی ما ذکرناه استبعاده علیه السلام فی صحیحة ابن مسلم السابقة ، وما رواه الصدوق رحمه الله مرسلا عن الصادق علیه السلام أنّه قال : « الإنسان لا ینسی تکبیرة الافتتاح » (2).

وممّا ذکرنا ظهر أنّه لا یعارض ما ذکر من الإجماع والأخبار صحیحة زرارة عن الباقر علیه السلام : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والرکوع ، السجود » (3) الحدیث. ولا حاجة إلی القول بالتخصیص وارتکابه ، فتدبّر.

قوله : وفیها ما یأبی هذا الحمل. ( 3 : 319 ).

إن أراد من الإباء أنّه خلاف الظاهر ، ففیه : أنّ الحمل فی المقامات إنّما یکون إذا خالف الظاهر ، وإلاّ فلا وجه للحمل.

وإن أراد منه معناه الحقیقی - أعنی الإباء الواقعی - فمع أنّه لیس کذلک ، ینافیه قوله : إلاّ أنّ مخالفة. إلاّ أن یکون مراده أنّ هذا الحمل وإن کان بعیدا إلاّ أنّه لا بدّ من ارتکابه ، فیکون معتذرا للشیخ لا معترضا علیه ، فمع أنّه خلاف مدلول کلامه قد عرفت فی الحاشیة السابقة قرب هذا الحمل بل نهایة قربه ، لوجود القرینة الظاهرة غیر الإجماع.

ص: 12


1- انظر ص 303 - 307.
2- الفقیه 1 : 226 / 998 ، الوسائل 6 : 15 أبواب تکبیرة الإحرام ب 2 ح 11.
3- الفقیه 1 : 225 / 991 ، الوسائل 1 : 371 أبواب الوضوء ب 3 ح 8.

وبالجملة : هذا الحمل أقرب المحامل التی یرتکبها الشارح فی المقامات من دون تأمّل منه وتزلزل وإظهار حزازة فیها.

قوله : إرادة قلبیة لا دخل للّسان فیها. ( 3 : 319 ).

کونها إرادة قلبیة لا یقتضی السکوت ولا یستلزم قطع الکلام ، کیف؟! وهو رحمه الله قد قال - عند قول المصنّف : وحقیقتها. : إنّ حمادا لم یقل : إنّه فکّر فی النیّة ، بل قال : الله أکبر (1) ، فتأمّل.

فالأولی الاستدلال بأن القدر الثابت من النبی والأئمّة علیه السلام أنهم علیه السلام کبروا بعنوان القطع ، للإجماع علی صحته بل الضرورة ، مضافا إلی ما یظهر من بعض الأخبار بل وغیر واحد منها (2) ، ولم ینقل إلینا أنّهم علیه السلام بعنوان الوصل کبّروا ، والعبادات توقیفیة.

قوله : والمصلّی بالخیار فی التکبیرات السبع. ( 3 : 321 ).

فی الفقه الرضوی : « واعلم أنّ السابعة هی الفریضة ، وهی تکبیرة الافتتاح ، وبها تحریم الصلاة » (3) انتهی.

لکن ربما یظهر من بعض الأخبار أنّ الأولی تکبیرة الافتتاح (4) ، وسائر الأخبار لا یظهر منها شی ء من الأمرین ، بل الظاهر منها عدم وجوب تعیین تکبیرة الافتتاح ، بأنّ أقل ما یجزی تکبیرة ، وأفضل منها ثلاث ، وأفضل منها الخمس ، وأفضل منها السبع (5) ، ومقتضی هذه الأخبار أیضا کون الأولی تکبیرة الافتتاح ، لأنّ بعد الأولی تتحقّق براءة الذمة عن القدر

صورة تکبیرة الإحرام

تخییر المصّلی فی تعیین تکبیرة الإحرام من التکبیرات السبع.

ص: 13


1- المدارک 3 : 312.
2- انظر سنن أبی داود 1 : 194 ، 201 والوسائل 6 : 9 أبواب تکبیرة الإحرام ب 1.
3- فقه الرضا علیه السلام : 105.
4- انظر الوسائل 6 : 21 أبواب تکبیرة الإحرام ب 7 ح 4 ، 6.
5- الوسائل 6 : 10 أبواب تکبیرة الإحرام ب 1 ح 4 ، 8.

الواجب ، وربما قیل بالتخییر بین الصور الأربع (1) ، فإن کان مراده ما ذکر فله وجه ، وإلاّ فلا ، فتأمّل.

قوله : فإنّ أقصی ما یستفاد من الروایات. ( 3 : 322 ).

لا یخفی ما فیه ، لأنّ الحکم ببطلان الصلاة غیر منحصر فی الصدور فی الروایات ، کیف؟ وهو قد أکثر من الحکم بالبطلان من جهة کون العبادة توقیفیة وعدم النقل کذلک ، منها : ما مرّ عند قول المصنّف رحمه الله : وصورتها : أن یقول : الله أکبر (2) ، وغیر ذلک مما لا یحصی.

ومعلوم بالضرورة أنّ المنقول عن النبی والأئمّة علیه السلام أنّهم کبّروا للإحرام تکبیرة واحدة ، وما کبّروا له وبقصد الوجوب والافتتاح الواجب سوی واحدة ، بل المنقول أمّا الواحدة أو الثلاث أو الخمس أو السبع باختیار الأفضل والأولی فی غیر الأولی.

علی أنّه لو تمّ ما ذکره لزم صحة قول الشیخ رحمه الله بجواز الإتیان بالتکبیر فی حال الانحناء ، لأنّ أقصی ما یستفاد من الروایات بطلان الصلاة بترکه عمدا وسهوا ، وهو لا یستلزم البطلان بفعله فی حال الانحناء ، والشارح لا یرضی بذلک وأمثاله ، فتأمّل جدّا.

قوله : فیجب فیه کلّ ما یجب فیها. ( 3 : 322 ).

ویدل علیه موثقة عمار عن الصادق علیه السلام : عن رجل سها خلف الإمام فلم یفتتح الصلاة ، قال : « یعید الصلاة ولا صلاة بغیر افتتاح » وعن رجل وجبت علیه صلاة من قعود فنسی حتی قام وافتتح الصلاة وهو قائم ، ثم ذکر ، قال : « یقعد ویفتتح الصلاة وهو قاعد ، وکذلک إن وجبت علیه الصلاة

بطلان الصلاة بإعادة تکبیرة الافتتاح

یشترط فی تکبیرة الافتتاح ما یشترط فی الصلاة

ص: 14


1- انظر روضة المتقین 2 : 280 ، والبحار 81 : 358.
2- المدارک 3 : 319.

من قیام فنسی حتی افتتح الصلاة وهو قاعد ، فعلیه أن یقطع صلاته ویقوم فیفتتح الصلاة وهو قائم ، ولا یعتدّ بافتتاحه وهو قاعد » (1).

قوله : والهاء زیادة علی القدر الطبیعی. ( 3 : 323 ).

یلزم علی هذا بطلان الصلاة ، لأنّه لم ینقل عن النبی والأئمّة علیه السلام المدّ بهذه الزیادة ، بل حالها أسوء من حال وصل همزة « الله » فی التکبیر ، وقد مرّ من الشارح رحمه الله الحکم بالبطلان به بالعلّة التی ذکرها (2) ، وهی جاریة فی ما نحن فیه ، بل بطریق أولی ، وکذا الکلام فی قوله : وإلاّ ففیه وجهان ، وقوله فی الشرح الآتی : ولا بدّ من تقییده ، إلاّ أن یکون مراده أنّ أمثال هذه الأمور عدم ضررها إجماعی ، سوی ما یخرج بسببه عن صیغة الأخبار ، فتأمّل.

قوله : المستند فی ذلک روایات کثیرة. ( 3 : 323 ).

فی العیون عن الرضا علیه السلام : « أنّ النبی صلی الله علیه و آله کان یکبّر واحدة ویجهر بها ، ویسرّ ستّا » فی جواب من قال : روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه کان یکبّر واحدة (3).

قوله : وهو حسن. ( 3 : 325 ).

لکن یشکل بأنّ مقتضی صحیحة زرارة عن الباقر علیه السلام : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والرکوع ، والسجود » (4) عدم رکنیته مطلقا.

سنن تکبیرة الإحرام

أن یأتی بلفظ الجلالة من غیر مدّ
إسماع الإمام من خلفه

القیام

رکنیّة القیام

ص: 15


1- التهذیب 2 : 353 / 1466 ، الوسائل 5 : 503 أبواب القیام ب 13 ح 1 ، و 6 : 14 أبواب تکبیرة الإحرام ب 2 ح 7.
2- المدارک 3 : 319.
3- العیون 1 : 217 / 18 ، الوسائل 6 : 33 أبواب تکبیرة الإحرام ب 12 ح 2.
4- الفقیه 1 : 225 / 991 ، الوسائل 1 : 371 أبواب الوضوء ب 3 ح 8.

إلاّ أن یقال : إنّ الصحیحة مخصّصة بالإجماع وغیره ، مثل قوله : « من لم یقم صلبه فلا صلاة له » رواه الصدوق فی الصحیح فی باب القبلة (1) ( والکافی فی الصحیح عن أبی بصیر ، عن الصادق ، عن أمیر المؤمنین علیه السلام ) (2) فتأمّل.

أو یقال : إنّ الرکوع من غیر قیام مثلا لیس برکوع فی الفریضة ، فإنّ الرکوع فیها هو أن ینحنی من قیام ، فإنّ الإعادة من الرکوع والسجود تشمل ما نحن فیه ، وعدم الإعادة من جهة نسیان الذکر فیهما مثلا ثبت من دلیل من الخارج.

مع أنّ الإتیان بنفس الرکوع والسجود وترک القیام لهما سهوا فی الفریضة - بأن یکون المکلف آتیا بالرکوع والسجود وغیرهما من الأرکان فیها إلاّ أنّه نسی کون رکوعه وانحنائه عن قیام وکذا السجود - من الفروض البعیدة غایة البعد ، والقیام المتصل بهما لا ینفکّ عنهما غالبا أو متعارفا ، وأخبارنا محمولة علی الفروض المتعارفة واردة فیها ، فلا یظهر ضرر (3) من قبلها للفروض البعیدة ، سیّما وأن تکون غایة البعد.

وکیف کان لا یتحقّق ضرر أصلا فی الحکم برکنیته من طرف هذه الصحیحة وغیرها أصلا ، ومقتضی الدلیل الرکنیة علی حسب ما ذکره الشهید رحمه الله هذا هو مراد الفقهاء.

قوله : وفی أثنائها. ( 3 : 327 ).

ص: 16


1- الفقیه 1 : 180 / 856 ، الوسائل 5 : 488 أبواب القیام ب 2 ح 1.
2- الکافی 3 : 320 / 4 ، الوسائل 5 : 489 أبواب القیام ب 2 ح 2 ، وما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».
3- فی « و » : ظهور.

لا یخفی ما فیه ، لأنّه یرد علیه ما أورده علی المحقّق الشیخ علی من دون تفاوت أصلا ، ولعله کتبه أوّلا ثم ضرب علیه ، ولهذا لا یوجد فی بعض النسخ.

قوله نسخة : مدفوع. ( 3 : 327 ).

بدل من قوله : هو إشکال ضعیف.

قوله : وهو غیر بعید. ( 3 : 328 ).

مشکل ، لأنّ المعارض أقوی من حیث عمل الأصحاب ، والإطلاقات والعمومات الدالة علی وجوب القیام ، لأنّ المتبادر منه فیها ما لا یکون باستناد علی شی ء ، وکون العبادة توقیفیة ، والمنقول عن النبی والأئمّة علیه السلام أنّهم علیه السلام ما کانوا یستندون ، وعدم صراحة کون الاستناد فی هذه علی سبیل الاعتماد ، وتوقّف شغل الذمّة الیقینی علی البراءة الیقینیة. وحصول الشبهة من جمیع ما ذکر لا أقلّ منه ، فتأمّل جدّا.

قوله : ما رواه ابن بابویه مرسلا. ( 3 : 331 ).

الأولی والأحوط العمل بمضمون هذه المرسلة ( بل متعیّن تحصیلا للبراءة الیقینیة ، مع اعتضادها بالإجماع المدعی من المحقق وغیره (1) أیضا ، وفتاوی الفقهاء ، وموثقة عمار الآتیة ، وتحصیل الاستقبال للقبلة مهما أمکن ، والله یعلم ) (2).

قوله (3) : ویستفاد من هذه الروایة استحباب وضع الجبهة علی ما یصح السجود علیه حال الإیماء. ( 3 : 333 ).

وجوب الاستقلال بالقیام

لو عجز المصلّی عن القعود صلّی مضطجعاً

لو عجز المصلّی عن الاضطجاع صلّی مستلقیاً

ص: 17


1- کالشیخ فی الخلاف 1 : 420 ، والعلاّمة فی المنتهی 1 : 265.
2- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
3- هذه الحاشیة والتی بعدها لیست فی « أ ».

لا یخفی أنّ مع التمکن من السجود علی الأرض یجب بلا تأمّل ، وهذا الرجل المسؤول عن حاله لا یمکنه الجلوس کما سأل ، فالرفع للوضع فاسد ، مع أنّه علیه السلام قال : « أن یضع جبهته علی الأرض » لا أن یرفع لوضعها علیها ، فالظاهر حملها علی المستلقی أو المضطجع الذی یعسر علیه ، ویشهد وضع الجبهة کما هو الغالب فی المرضی ، لأنّ إطلاق المریض ینصرف إلی الکامل لا إلی السهل.

قوله : ویمکن أن یرید بالاستمرار. ( 3 : 333 ).

لا خفاء فی أنّ مراده هو هذا ، لا السابق ، إذ لا وجه له ، مع بعده عن العبارة.

قوله : شرط مع القدرة. ( 3 : 334 ).

لم نجد دلیلا علی اشتراط الاستقرار بالمعنی الذی ذکره ، لا إجماعا ولا حدیثا ، أمّا الحدیث فظاهر فقده ، وامّا الإجماع فقد عرفت کلام المشهور من أنّه ینتقل إلی ما دونها مستمرا.

إلاّ أن یقال : إنّ توقیفیة العبادة تقتضی ذلک.

وفیه أیضا تأمّل ، لما عرفت من کلام الأصحاب وتعلیلهم ، وظاهرهما یقتضی التعیین ، فتأمّل جدّا ، ( مع أنّ القدر المتصل بالقیام والواقع فی حدّه یجب تحقّق القراءة فیه للعموم ، فکذا غیره ، لعدم قائل بالفصل ) (1).

قوله : والأصل فیه. ( 3 : 335 ).

هذا کما یقتضی وجوب قراءة الحمد کذا یقتضی وجوب قراءة السورة تماما أو بعضا ، لأنّ فعل النبی والأئمّة علیه السلام بالنسبة إلیهما واحد من

لو عجز المصلّی عن حالة فی أثناء الصلاة انتقل إلی ما دونها

القراءة

وجوب القراءة

ص: 18


1- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

دون تفاوت أصلا ، وکذا الکلام فی الأخبار المستفیضة ، فإنّ لفظ القراءة فیها مطلق شامل للحمد والسورة ، مع أنّ الشارح رحمه الله سیذکر فی بحث وجوب السورة : أنّ التعریف فی أمثال المقام لیس للعهد ، ولا للحقیقة ، ولا للعهد الذهنی ، فیکون للاستغراق.

وممّا یؤیّد : أنّ الواجب لو کان خصوص الحمد فقط لکان المناسب أن یقول - بدل القراءة - : الحمد أو الفاتحة ، لأنّه أخصر وأظهر فی المطلوب ، ولعدم المناسبة حینئذ بالتعبیر بلفظ القراءة ، لأنّ الواجب حینئذ هو الحمد من حیث إنّه حمد لا من حیث إنّه قراءة ، ولأنّ التعلیق بلفظ القراءة له ظهور فی کون الواجب هو القراءة من حیث إنّه قراءة ، وخصوصیة کونها الحمد والسورة تظهر من الخارج ، ولیس المقام مقام العنایة بإظهار تلک الخصوصیة ، بخلاف ما لو کان الواجب خصوص الحمد من حیث إنّه حمد ، فإنّه لا یناسبه التعبیر فی المقام بالقراءة من حیث إنّها قراءة ( مع أنّه لا عنایة بالقراءة من حیث إنّها قراءة ) (1) أصلا.

ویؤکّد ما ذکرناه ما رواه فی العلل عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا علیه السلام : « أمر الناس بالقراءة فی الصلاة لئلاّ یکون القرآن مهجورا مضیّعا. ، وإنّما بدئ بالحمد دون سائر السور لأنّه لیس شی ء من القرآن. » (2) الحدیث ، وما رواه فی الفقیه أیضا (3).

وفیه شهادة واضحة علی کون القراءة من حیث إنّها قراءة مأمورا بها ، وکون الحمد بخصوصها مأمورا بها أیضا ، وکون البدأة بالحمد مأمورا بها ،

ص: 19


1- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».
2- علل الشرائع : 260 ، الوسائل 6 : 38 أبواب القراءة فی الصلاة ب 1 ح 3.
3- الفقیه 1 : 203 / 927.

وفیها دلالة علی وجوب السورة ، وکونها مأمورا بها من وجوه متعدّدة.

قوله : کصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیه السلام . ( 3 : 335 ).

ورواه الصدوق رحمه الله فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أحدهما علیه السلام (1).

قوله : حتی یبدأ بها. ( 3 : 336 ).

یظهر منه وجوب السورة أیضا ، فإنّه یظهر أنّ القراءة لا بدّ منها ، وأنّه لا قراءة صحیحة حتی یبدأ بالحمد ، فالابتداء بالحمد أیضا لا بدّ منه ، والابتداء به لا یتحقّق إلاّ مع وجوب السورة ووجودها ، ولو لم تکن للسورة مدخلیة فی الوجوب لما حسن أن یقال : حتی یبدأ بالحمد ، بل کان المناسب أن یقول - موضع قوله : « فإنّه لا قراءة. » - : فإنّه لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب.

ومثل روایة سماعة روایة محمد بن مسلم - رواها الشیخ عنه - قال : سألته عن الذی لا یقرأ بفاتحة الکتاب فی صلاته ، قال : « لا صلاة له إلاّ أن یبدأ بها فی جهر أو إخفات » (2).

قوله (3) : وقد نقل جدّی رحمه الله عن بعض محقّقی القراءة. ( 3 : 338 ).

لا یخفی أنّ القرآن عندنا نزل بحرف واحد من عند الواحد ، والاختلاف جاء من قبل الروایة (4) ، فالمراد بالمتواتر ما تواتر صحة قراءته

تعیین فاتحة الکتاب

بیان المراد من تواتر القراءات السبع.

ص: 20


1- الفقیه 1 : 227 / 1005 ، الوسائل 6 : 87 أبواب القراءة ب 27 ح 1.
2- التهذیب 2 : 147 / 576 ، الوسائل 6 : 37 أبواب القراءة ب 1 ح 1.
3- هذه الحاشیة والتی بعدها لیست فی « ا ».
4- انظر الکافی 2 : 630 / 12 ، 13.

فی زمان الأئمّة علیه السلام ، بحیث یظهر أنّهم کانوا یرضون به ویصحّحونه ویجوّزون ارتکابه فی الصلاة وغیرها ، لأنّهم کانوا راضین بقراءة القرآن علی ما هو عند الناس ، بل وربما کانوا یمنعون من قراءة الحق وکانوا یقولون : هی مخصوصة بزمان ظهور القائم علیه السلام (1).

قوله : لکن قد لا یخرج بذلک عن کونه قرآنا. ( 3 : 342 ).

هذا لا یقتضی صحة التدارک مطلقا قبل الرکوع ، فالأولی حمل الإعادة علی الأعمّ من الصّلاة والقراءة ، إن تدارک یکون إعادة القرآن ، وإن لم یتدارک یکون إعادة الصلاة ، وکذلک إن خرج بالمخالفة عن کونه قرآنا ، فتدبّر.

قوله (2) : ولو لفوات الموالاة. ( 3 : 342 ).

یعنی عدم الإمکان بفوات الموالاة.

قوله (3) : لإطلاق الأمر. ( 3 : 342 ).

یمکن أن یقال : الإطلاق ینصرف إلی المتعارف الغالب ، والمتعارف کان أنّ من یحفظ القراءة کان یقرأ من الحفظ ، ولا کان یرتکب عناء أخذ المصحف والقراءة منه وتحصیل السراج للقراءة والقراءة بالسراج ، ومنه یظهر الجواب عن روایة الصیقل أیضا.

وروی علی بن جعفر عن أخیه موسی علیه السلام المنع من ذلک ، وعدم الاعتداد بالصلاة تکون قراءتها کذلک ووجوب إعادتها ، رواها الحمیری بطریقه عنه (4). ومن هذا منع فی الدروس عنه (5) ، ولعل غیر ذلک.

وجوب مراعاة الترتیب بین آیاتها وکلماتها علی الوجه المنقول

وجوب التعلّم علی الجاهل بالفاتحة مع الإمکان

ص: 21


1- انظر الکافی 2 : 633 / 23.
2- هذه الحاشیة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».
3- هذه الحاشیة واثنتان بعدها لیست فی « أ » و « و ».
4- قرب الاسناد : 195 / 742 ، الوسائل 6 : 107 أبواب القراءة ب 41 ح 2.
5- الدروس 1 : 172.

قوله : وجب علیه الإتیان به إجماعا. ( 3 : 343 ).

وللأخبار الدالة علی أنّ المیسور لا یسقط بالمعسور (1) أو ممّا ذکر ظهر أنّ الوجوب غیر منحصر فی صورة کون الشی ء الذی نقله (2) من الفاتحة قرآنا ، کما اختاره فی الدروس بعد العلاّمة (3) ، ونظرهما إلی ما سنذکر فی الحاشیة الآتیة فی وجوب حصول القراءة موضع الحمد لو لم یعلم شیئا منها ، أو یعلم لکن بعوض الفائت.

قوله : تمسّکا بمقتضی الأصل السالم عن المعارض. ( 3 : 343 ).

الأصل لا یجری فی ماهیة العبادات ، ولذا وجب فی تکبیرة الإحرام الاقتصار علی « الله أکبر » مع کون ما دل علی وجوب تکبیرة مطلقا ، سیّما مع کون المراد : الله أکبر من کلّ شی ء ، أو من أن یوصف ، أو عن أن یتوهم ، ومع ذلک لا یجوز إظهار شی ء من ذلک ، وکذا لا یجوز : الله الأکبر ، وغیرها ممّا هو أصح بحسب اللغة عن المشهور ، وغیر ذلک من المواضع المسلّمة عند الشارح ، مع أنّه ثبت ممّا تقدّم أنّ وجوب القراءة أمر علی حدة ، ووجوب کونها الحمد والسورة أمر علی حدة ، ودل علی الأوّل الإجماع والأخبار التی لا تحصی ، وعلی الثانی أیضا.

وفی العلل : عن الرضا علیه السلام : « إنّما أمر بالقراءة فی الصلاة لئلاّ یکون القرآن مهجورا » إلی أن قال : « وإنّما بدئ بالحمد دون سائر السور ، لأنّه لیس شی ء من القرآن جمع فیه من جوامع الخیر والحکمة ما جمع فی الحمد » ،

حکم من یعلم بعض الفاتحة

ص: 22


1- عوالی اللآلئ 4 : 58.
2- کذا فی النسخ ، والأنسب : یعلمه.
3- المنتهی 1 : 272. الدروس 1 : 172.

ثم شرع علیه السلام فی بیان الخیر والحکمة فی کلّ جزء جزء منها إلی قوله ( وَلَا الضّالِّینَ ) (1).

فظهر ممّا ذکر أنّ وجوب مطلق القراءة غیر وجوب مقیّدها وکلّ منهما علی حدة ، فمن تعذّر أحدهما أو تعسّره لا یسقط الآخر ، وإن کان فی المقیّد اجتمع الوجوبان ، فإن لم یتیسّر لم یسقط المطلق ، ولذا وجب القراءة من غیرها.

وروی العامّة عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال : « فإن کان معک قرآن فاقرأ به » (2) فمع التمکن من قراءة بعض الحمد یمکن أن یقال بتعویض الفائت ، بملاحظة أنّ أمر الشارع بوجوب الحمد تماما ربما یظهر [ منه ] (3) کون هذا المقدار من القراءة مطلوبا مطلقا ، وکونها فی ضمن الحمد وبالحمد مطلوبا آخر.

مع أنّه لو قلنا بعدم الظهور فالاحتمال موجود البتة ، والبراءة الاحتمالیة لا تکفی عند اشتغال الذمّة بالعبادة التوقیفیة یقینا.

ودعوی ظهور عدم المدخلیة علی المجتهد بحیث یکتفی به فی تحصیل البراءة الیقینیة ، فیه ما فیه ، وعلی أیّ حال الاحتیاط فی مثله لا یترک.

واعلم أنّه علی القول بوجوب تعویض الفائت هل یجب تکرار ما یعلمه إلی ان یحصل مقدار الحمد لکونه أقرب إلی الحمد؟ أو یجب کونه بغیر الحمد ممّا یعرفه من القرآن؟ لعدم ظهور تکرار القراءة فی خبر من

ص: 23


1- علل الشرائع : 260 / 9 ، الوسائل 6 : 38 أبواب القراءة ب 1 ح 3.
2- سنن أبی داود 1 : 228 / 861 ، سنن الترمذی 1 : 185 / 301.
3- ما بین المعقوفین أضفناه العبارة.

الأخبار ، بل مقتضی ما ذکرنا من العلل عن الرضا علیه السلام تعیین الغیر ، [ إذ ] (1) بالقراءة (2) یحصل عدم الهجر ، فما الفائدة فی التکرار إذا کان العلّة عدم الهجر بالمرّة والحفظ والدرس ، والمعرفة وعدم الجهل ، إذ کلّ ذلک یقتضی کون عوض الفائت من غیرها من باقی السور؟

أو أنّه یجوز الأمران ومخیّر بینهما ، لحصول العوض علی أیّ تقدیر؟

ولعل الأوسط خیر.

ولو لم یعرف شیئا من الحمد ویعرف شیئا من باقی القرآن لا یوازی الحمد ، فهل یجب تکراره إلی أن یوازی الحمد بناء علی ما قلناه من وجوب الإتیان بقدر الحمد من القرآن؟ أو یعوّضه بالذکر إلی أن یوازی الحمد بناء علی ما ذکرناه من عدم الفائدة فی التکرار؟ أو لا تلزم الموازاة بل یکفی ذلک القلیل ، بحصول مسمّی القراءة وعدم التمکن بما یوازی الحمد ، لعدم وجود التکرار فی خبر ، ولعدم الفائدة فیه؟.

إشکال ، وإن کان الأوّل ربما لا یخلوا من قوّة لا عدم التکرار ، بناء علی ما هو المتعارف من حصول القراءة إن کانت حاصلة ، ووجوب تحصیلها إن لم تکن ، ولو لم یمکن فالمیسور لا یسقط بالمعسور ، مع أنّ الاحتمال کاف فی لزوم مراعاته ، کما لا یخفی والاحتیاط.

ولو أمکنه تفسیر الحمد أو مرادفها ، فهل هو مقدّم علی القراءة من غیرها أم لا؟.

الأظهر الثانی ، لأنّ التفسیر لیس بقرآن.

وهل هو مقدّم علی التسبیحات أم لا؟

حکم من لم یعرف شیئاً من الفاتحة ویعرف شیئاً من باقی القرآن

حکم من یعرف تفسیر الحمد أو مرادفها

ص: 24


1- فی النسخ : أو ، والظاهر ما أثبتناه.
2- فی النسخ زیادة : من.

اختار فی المنتهی تقدیم التسبیح ، لقول النبی صلی الله علیه و آله : « إن کان معک قرآن فاقرأ وإلاّ فاحمد الله وکبّره وهلّله » (1).

وفیه : أنّ الروایة من العامّة ، نعم فی صحیحة ابن سنان المذکورة فی الشرح ما یدل علیه ، لکن یمکن أن یقال : فرض معرفة تفسیر الحمد وعدم معرفة الحمد فی غایة البعد والندرة ، لأنّ المتعارف أنّ من لا یعرف الحمد لا یعرف تفسیره أیضا البتّة ، بل محال عادی عدم معرفتها ومعرفته ، فلذا قال علیه السلام : « أجزأ أن یکبّر ویسبّح ویصلّی ».

وممّا ذکر ظهر أنّه لو لم یعرف الحمد أصلا ویعلم السورة یقرأ السورة علی القول بوجوب السورة بعد ما یقرأ عوض الحمد من القرآن علی حسب ما ذکره.

ولو کان یعلم الحمد ولا یعلم السورة أصلا ، فمقتضی ما ذکر وجوب إتیان ما یکون عوض السورة علی حسب ما ذکره ، لکن فی الذخیرة ادعی الإجماع علی عدم وجوب عوض السورة حینئذ (2) ، وهو أعرف ، إذ لم یظهر بعد لی ما ادعاه ، وسیجی ء فی بحث السورة (3).

قوله : والمصلّی فی کلّ ثالثة ورابعة بالخیار. ( 3 : 344 ).

وفی الفقه الرضوی : « وفی الرکعتین الأخراوین الحمد وحده ، وإلاّ فسبّح فیهما ثلاثا ثلاثا ، تقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أکبر ، تقولها فی کلّ رکعة ثلاث مرّات » (4).

التخییر بین الحمد والتسبیح فی الثالثة والرابعة

ص: 25


1- المنتهی 1 : 274.
2- الذخیرة : 272.
3- انظر ص 32 - 40.
4- فقه الرضا علیه السلام : 105 ، المستدرک 4 : 202 أبواب القراءة ب 31 ح 1.

قوله : أفضلیة التسبیح. ( 3 : 345 ).

هذا هو الظاهر من أخبار کثیرة وصریح بعضها ، مثل صحیحة زرارة عن الباقر علیه السلام : « لا تقرأ فی الرکعتین الأخیرتین من الأربع الرکعات المفروضات [ شیئا ] ، إماما کنت أو غیر إمام » قال : قلت : فما أقول فیهما؟ قال : « إذا کنت إماما أو وحدک فقل : سبحان الله والحمد الله ولا إله إلاّ الله والله أکبر ، ثلاث مرّات » (1).

بل یظهر من الأخبار أنّ أفضلیة التسبیح کانت ظاهرة عند الشیعة فی زمان الأئمّة علیه السلام ، وکانوا یسألونهم عن علّة کونه أفضل من القراءة ، وکانوا علیه السلام یجیبونهم عن العلّة ویظهرون أنّ العلّة ما ذا ، ویظهر أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام کان یسبّح فی الأخیرتین مع أنّه کان إماما ( وفی بعض الأخبار : أنّ الأفضل للإمام أن یسبّح ، بل ورد أنّه علی الإمام أن یسبّح ) (2) وفی کثیر من الأخبار : أنّه جعل القراءة فی الأوّلتین والتسبیح فی الأخیرتین ، إلی غیر ذلک (3).

قوله (4) : لکن ربما لاح منها أنّ القراءة أفضل للمنفرد. ( 3 : 345 ).

لم نجد التلویح فیها أصلا.

قوله : وقریب منها فی الدلالة. ( 3 : 345 ).

فی دلالتها تأمّل أیضا.

ص: 26


1- السرائر 1 : 219 ، الوسائل 6 : 123 أبواب القراءة فی الصلاة ب 51 ح 2 ، وما بین المعقوفین أثبتناه من المصدر.
2- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».
3- انظر الوسائل 6 : 122 أبواب القراءة ب 51.
4- هذه الحاشیة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».

قوله : ( ویدل علیه أیضا. ) (1).

ویمکن حمل هذه الأخبار علی الاتقاء ، فإنّ الشیعة إذا کانوا یسبّحون ربما یطّلع علی فعلهم العامّة ، فهذا أقرب إلی التقیّة والاتقاء ، وما أشرنا أقرب إلی الحق والواقع.

قوله : لأنّا نجیب عنها بالحمل علی أنّ « لا » نافیة. ( 3 : 346 ).

علی هذا التقدیر أیضا لها ظهور فی أنّ القراءة مرجوحة ، کما لا یخفی علی المتأمّل.

قوله : وقراءة سورة کاملة. ( 3 : 347 ).

فی الفقه الرضوی : « ولا تقرأ فی المکتوبة سورة ناقصة » ، قال ذلک بعد ما قال : « ویقرأ سورة بعد الحمد فی الرکعتین الأوّلتین » (2).

وقال الصدوق رحمه الله فی أمالیه : من دین الإمامیة الإقرار بأنّ القراءة فی الأوّلتین من الفریضة الحمد وسورة لا تکون من العزائم ، ولا ألم تر کیف ولإیلاف ، أو الضحی وألم نشرح ، لأنّ الأوّلتین سورة واحدة ، والأخیرتین سورة واحدة ، فلا یجوز التفرّد بواحدة منهما فی الفریضة ، فمن أراد أن یقرأها فیها فلیقرأ الأوّلتین فی رکعة ، والأخیرتین فی رکعة (3). وقال مثل ذلک فی الفقیه (4).

وقال المرتضی فی الانتصار وممّا انفردت به الإمامیة القول بوجوب

وجوب قراءة سورة کاملة بعد الحمد وبیان الأقوال فیها

ص: 27


1- بدل ما بین القوسین فی الطبعة الجدیدة من المدارک : وتؤیّده روایة. 3 : 346.
2- فقه الرضا علیه السلام : 105 ، المستدرک 4 : 160 أبواب القراءة ب 3 ح 3.
3- أمالی الصدوق : 512.
4- الفقیه 1 : 200.

قراءة سورة تضمّ إلی فاتحة الکتاب فی الفرائض خاصّة علی غیر العلیل والمستعجل ، ولا تجوز قراءة بعض سورة فی الفریضة ولا سورتین. (1).

والشیخ فی عدّة من کتبه حکم بالوجوب (2) ، بل لا (3) یظهر من النهایة أیضا - کما ستعرف - بل العلاّمة رحمه الله أیضا فی جمیع کتبه قال بالوجوب (4) ، واختاره کثیر من المتأخّرین (5) ، مضافا إلی ما ذکره الشارح.

وأمّا ابن الجنید فستعرف حاله ، ولیس عندی کتاب سلاّر ، وفی التهذیب قال : وعندنا أنّه لا تجوز قراءة هاتین السورتین - یعنی الضحی وألم نشرح - إلاّ فی رکعة (6). وهو مشعر بأنّ الإجماع علی وجوب سورة کاملة ، وفی الخلاف والمبسوط صرّح بأنّ الظاهر من روایات الأصحاب ومذهبهم وجوب السورة الکاملة بعد الحمد (7).

قوله : وقال ابن الجنید. ( 3 : 347 ).

المستفاد من کلام ابن الجنید عدم إجزاء الحمد وحدها حیث قال : لو قرأ بأمّ الکتاب وبعض السورة فی الفرائض أجزأ (8) ، ومثله الشیخ فی المبسوط حیث قال : قراءة سورة بعد الحمد واجب ، علی أنّه إن قرأ بعض

ص: 28


1- الانتصار : 44.
2- کالاقتصاد : 261 ، والجمل والعقود : 68.
3- کذا فی النسخ.
4- نهایة الإحکام 1 : 461 ، إرشاد الأذهان 1 : 253 ، التحریر 1 : 38 ، القواعد 1 : 32 ، التذکرة 3 : 130 ، المختلف 2 : 161.
5- انظر الجامع للشرائع : 81 ، والدروس 1 : 171 ، والبیان : 81 ، والروضة 1 : 257 ، وکنز العرفان 1 : 123 ، وجامع المقاصد 2 : 242 ، وکشف اللثام 1 : 216.
6- التهذیب 2 : 72.
7- الخلاف 1 : 335 ، المبسوط 1 : 107.
8- حکاه عنه فی المعتبر 2 : 274.

السورة لا یحکم ببطلان الصلاة (1) ، فتأمّل.

وقیل : العلاّمة فی المنتهی قائل بالوجوب البتّة ، ولا یظهر منه أصلا میل (2).

وعبارة الشیخ فی النهایة فی غایة التشویش ، حیث حکم أوّلا بوجوب القراءة وقال : أدنی ما یجزئ الحمد وسورة معها لا یجوز الزیادة ولا النقصان عنه ، فمن صلّی بالحمد وحدها من غیر عذر لم یجب علیه إعادة الصلاة ، غیر أنّه ترک الأفضل ، وإن اقتصر علی الحمد ناسیا لم یکن به بأس وکانت صلاته تامّة - إلی أن قال - : ولا یجوز أن یقرن بین سورتین مع الحمد فی الفرائض ، فمن فعل ذلک متعمّدا کانت صلاته فاسدة ، وکذلک لا یجوز أن یقتصر علی بعض سورة وهو یحسن تمامها ، فمن اقتصر علی بعضها وهو متمکن لقراءة جمیعها کانت ناقصة وإن لم یجب علیه إعادتها ، - إلی أن قال - : وأمّا صلاة النوافل فلا بأس فیها أن یقتصر علی الحمد وحدها ، غیر أنّ الأفضل أن یضیف إلیها غیرها من السور - إلی أن قال - : وقراءة بسم الله الرحمن الرحیم واجبة فی جمیع الصلاة قبل الحمد وبعدها إذا أراد أن یقرأ سورة معها ، - إلی أن قال - : ومن ترک بسم الله الرحمن الرحیم فی الصلاة متعمّدا قبل الحمد أو بعدها قبل السورة فلا صلاة له ووجب علیه إعادتها - إلی أن قال - إذا أراد أن یقرأ سورة الفیل فی الفریضة جمع بینها وبین سورة لإیلاف ، لأنّهما سورة واحدة ، وکذا الضحی وألم نشرح (3) ، انتهی.

ص: 29


1- المبسوط 1 : 107.
2- انظر کشف اللثام 1 : 215 ، وهو فی المنتهی 1 : 271.
3- النهایة : 75 - 78.

فظهر من هذا أنّه قال بالوجوب فیه أیضا ، ومقتضی کلامه فی المبسوط أنّ بترک السورة علیه العقاب ، وقراءة بعض السورة توجب صحة الصلاة وإن کان معاقبا.

ومقتضی کلام العلاّمة رحمه الله فی المنتهی أنّ القول بعدم الوجوب منحصر فی نهایة الشیخ ، وقد عرفت عبارته.

قوله : ومال إلیه فی المنتهی. ( 3 : 347 ).

فی المنتهی فی غایة التشدید فی الوجوب من دون ظهور میل منه أصلا ورأسا ، وما أدری من أیّ شی ء یقول الشارح رحمه الله بمیله؟ نعم فی مسألة تبعیض السورة اختار عدم الجواز ، ثم قال فی آخر کلامه : لو قیل : فیه روایتان ویحمل المنع علی کمال الفضیلة کان وجها (1). ولا یخفی أنّه لا یدلّ علی میله فی التبعیض ، فضلا عن میله إلی استحباب السورة ، کما لا یخفی.

قوله : والأصل عدمه. ( 3 : 348 ).

لیت شعری کیف ما استدل فی حکایة قطع همزة « الله أکبر » بأنّ وجوبه زیادة تکلیف والأصل عدمه؟ کما قال به بعض المحقّقین ، وکذا فی نظائره؟ بل استدل علی الوجوب بکون العبادة توقیفیة ، والقدر الثابت من النقل هو القطع ، ولیت شعری هذا الدلیل کیف لم یجرها هنا؟ بأنّ المنقول عن النبی والأئمّة علیه السلام أنّهم کانوا یقرؤون السورة بعد الحمد ویلتزمون ذلک وما کانوا یکتفون بقراءة الحمد وحدها ، یظهر ذلک من الأخبار المتواترة :

منها : أنّهم علیه السلام کانوا یصلّون الغداة بکذا ، والظهر بکذا ، والعصر

أدلّة القائلین بعدم وجوب سورة کاملة بعد الحمد والمناقشة فیها

ص: 30


1- المنتهی 1 : 272.

بکذا ، وهکذا (1) ، إلی غیر ذلک.

ومنها : أنّهم کان لهم سکتتان : سکتة بعد الحمد وسکتة بعد السورة (2).

ومنها : أنّهم کانوا یقرؤون فی صلاة الجماعة بکذا (3) ، إلی غیر ذلک.

وأمّا صحیحة إسماعیل بن الفضل فلیس فیها الاقتصار علی الحمد ، ومع ذلک سیجی ء الکلام فیها ، فتأمّل. مع أنّ النبی صلی الله علیه و آله کان یواظب بلا تأمّل ، ولعله للعبادة التوقیفیة واجب الاتباع ، لعدم معلومیة العبادة من طریق آخر ، فتأمّل.

قوله : وفی الصحیح عن الحلبی. ( 3 : 348 ).

الظاهر أنّ الصحیحتین واحدة ، کما نبّه علیه فی المنتقی (4) ، لأنّ ابن رئاب لو کان سمع الحکم من المعصوم علیه السلام مشافهة لما کان یقتصر فی النقل بواسطة ، بل کان یقول : وسمعته مشافهة ، کما هو دأب الرواة والمحدّثین ، ویشهد علیه الاعتبار أیضا ، وکیف کان لا یبقی وثوق بالتعدّد.

وأمّا الدلالة وإن لم یکن لها عموم بحسب اللغة ، إلاّ أنّ الظاهر العموم من جهة ما ذکر من القرینة ، أو یقول : إنّ الحکم دائر مع الطبیعة ، بناء علی أنّ التعریف حقیقة فی الجنس ، لکن (5) نقول : إنّ الظهور المذکور ینفع إذا

ص: 31


1- انظر الوسائل 6 : 78 أبواب القراءة فی الصلاة ب 23 ، و : 80 ب 24 ، و : 116 ب 48.
2- التهذیب 2 : 297 / 1196 ، الوسائل 6 : 114 أبواب القراءة فی الصلاة ب 46 ح 2.
3- انظر المستدرک 4 : 216 أبواب القراءة فی الصلاة ب 47.
4- منتقی الجمان 2 : 19.
5- فی « ب » و « ج » و « د » زیادة : ربما کان ( یستحق للغیر ومانعا ) مثل الرجل خیر من المرأة وأمثاله ، ومع ذلک. والظاهر أنّ الصحیح بدل ما بین القوسین : یتحقّق للفرد مانع.

لم یمنع مانع ولم یکن معارض یظهر منه الوجوب ، وهو کثیر.

مع أنّ الحلبی الذی هو راوی هذا الحدیث روی عن الصادق علیه السلام أنّه : « لا بأس أن یقرأ بفاتحة الکتاب فی الفریضة إذا ما أعجلت به حاجة ، أو تخوّف شیئا » ، والمطلق یحمل علی المقیّد والعامّ علی الخاصّ ، سیّما وأن یکون الراوی للمطلق هو بعینه الراوی للمقیّد ، وکذا المروی عنه ، وخصوصا إذا انضمّ إلی المقیّد مقیّد آخر ، مثل صحیحة ابن سنان الآتیة وغیرها ، ومعاضدات آخر ، ومؤیّدات کثیرة ، کما ستعرف.

قوله : ویدل علیه الأخبار الکثیرة المتضمّنة لجواز. التبعیض. ( 3 : 348 ).

لا دلالة لجواز التبعیض علی استحباب مجموع السورة إلاّ من جهة عدم القول بالفصل ، وقد عرفت القائل ، ومع ذلک یظهر الجواب بوجه آخر ، کما ستعرف أیضا.

قوله : احتجّ الموجبون. ( 3 : 349 ).

لا یخفی أنّ حجّة الموجبین لا تنحصر فی ما ذکره ، بل کثیرة ، منها : ما سیجی ء فی صلاة العیدین من الإجماع علی وجوب قراءة السورة فیها ، واعترف الشارح به ، بل هو ادعی الإجماع أیضا (1) ، ویظهر من الأخبار الواردة فیها اتحادها مع الفریضة الیومیة ، غیر أنّه یزاد فیها تکبیرات (2) ، فلاحظ.

أدلّة القائلین بوجوب سورة کاملة بعد الحمد

ص: 32


1- المدارک 4 : 108.
2- انظر الوسائل 7 : 433 أبواب صلاة العیدین ب 10.

ومنها : ما أشرنا إلیه فی صدر مبحث القراءة عند قول المصنف : القراءة ، وهی واجبة. (1)

ومنها : ما أشرنا إلیه عند قوله : یتعیّن بالحمد فی کلّ ثنائیة. (2)

ومنها : ما ذکرناه ها هنا عن الفقه الرضوی وعن الصدوق رحمه الله وعن التهذیب والخلاف والمبسوط ، وعن السیّد (3) رحمه الله فإنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة ومسلّم کما تبیّن فی محلّه.

ومنها : ما رواه فی الفقیه والتهذیب فی الصحیح ، عن الباقر علیه السلام - فی ما إذا أدرک الرجل بعض الصلاة مع الإمام وفاته بعض - أنّه علیه السلام قال : « قرأ فی کلّ رکعة ممّا أدرک فی نفسه بأمّ الکتاب وسورة ، فإن لم یدرک السورة أجزأه أمّ الکتاب ، فإذا سلّم الإمام قام فصلّی رکعتین لا یقرأ فیهما ، لأنّ الصلاة إنّما یقرأ فیها بأمّ الکتاب وسورة » إلی أن قال : « فإذا سلّم الإمام قام فقرأ بأمّ الکتاب وسورة » (4) ، وغیر خفی أنّ الإجزاء إنّما یکون ظاهرا فی أقلّ الواجب ، فمفهوم الشرط عدم الإجزاء والوجوب ، مع أنّ الجملة الخبریة ظاهرة فی الوجوب سیّما فی أمثال المقام ، ففی الخبر دلالات متعدّدة ، ومن التعدّد یتحقّق التأکّد.

ومنها : فی الصحیح عنه علیه السلام ، قلت : رجل جهر فی ما لا ینبغی الجهر فیه ، وأخفی فی ما لا ینبغی الإخفاء فیه ، وترک القراءة فی ما ینبغی القراءة فیه ، أو قرأ فی ما لا ینبغی القراء فیه ، فقال : « أیّ ذلک فعل ناسیا

ص: 33


1- راجع ص 18 - 19.
2- راجع ص 20.
3- راجع ص 27 - 28.
4- الفقیه 1 : 256 / 1162 ، التهذیب 3 : 45 / 158 ، الوسائل 8 : 388 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4.

[ أو ساهیا ] فلا شی ء علیه » (1) وهی شاملة للسورة أیضا ، لعموم کلمة « ما » وکون « ینبغی » أعمّ من الواجب ، والقراءة أعمّ من خصوص فاتحة الکتاب.

مع أنّه لا وجه لتخصیص السؤال بالفاتحة ، لأنّ الاختلال کما یتحقّق من جهة الفاتحة کذا یتحقّق من جهة السورة : بأن یقرأ سورة فی ما لا ینبغی قراءة السورة فیه أو یترک السورة فی ما ینبغی أن تقرأ فیه ، بل السورة أولی بالسؤال عن ترکها من الحمد ، ( لأنّ الوجوب فی الحمد ممّا لا یکاد یخفی علی أحد ، سیّما علی زرارة وهو الراوی هنا ) (2) فالسؤال عن الحمد یقتضی السؤال عن السورة بطریق أولی ، ولهذا سأل عن القراءة مطلقا من غیر تقیید بالحمد وأتی بلفظ « ینبغی » کی لا یکون صریحا فی الواجب فلا یکون للسؤال عن ترکها مناسبة ، سیّما بالنسبة إلی مثل زرارة.

وتخصیص سؤاله بحالة النسیان - مع أنّه خلاف ظاهر اللفظ - لا یناسب الجواب بأنّه « أیّ ذلک فعل ناسیا أو ساهیا فلا شی ء علیه » کما لا یخفی ، مع أنّک قد عرفت أنّ قراءة السورة فی ما لا ینبغی اختلال البتّة ، مع أنّ البناء علی أنّ الراوی لعله کان یعلم جزما أنّ السورة بخصوصها مستحبة (3) ، فالمعصوم علیه السلام أجابه بمقتضی ما یعلم لا ما یکون کلامه ظاهرا فیه ، فمع أنّه مخالف للأصل والظواهر المذکورة یوجب سدّ باب التمسّک بالظواهر.

ومنها : ورود الأمر بقراءة السورة بعد الحمد ، مثل الصحیحة التی

ص: 34


1- التهذیب 2 : 147 / 577 ، الوسائل 6 : 86 أبواب القراءة فی الصلاة ب 26 ح 2 ، وما بین المعقوفین أضفناه من المصدر.
2- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».
3- فی « ا » زیادة : کفته ، وفی بقیة النسخ : فمع مخالفته ، حذفناها لاستقامة العبارة.

رواها الکلینی فی بحث الأذان (1) ، وهی طویلة ، وفیها أحکام کثیرة ، والأمر حقیقة فی الوجوب.

ومنها : الصحیح فی الکافی والتهذیب عن محمد بن إسماعیل ، قال : قلت أکون فی طریق مکّة ، فننزل للصلاة فی مواضع فیها الأعراب ، أنصلّی المکتوبة علی الأرض فنقرأ أمّ الکتاب وحدها أم نصلّی علی الراحلة فنقرأ فاتحة الکتاب والسورة؟ فقال : « إذا خفت فصلّ علی الراحلة المکتوبة وغیرها ، وإذا قرأت الحمد وسورة أحبّ إلیّ ، ولا أری بالذی فعلت بأسا » (2).

فإنّ الظاهر منها أنّه کان خائفا إذا قرأ الحمد والسورة معا ، وأمّا مع الاکتفاء بالحمد وحدها فلم یکن خائفا ، کما یتفق فی بعض الأوقات ، فأجاب علیه السلام : « إذا خفت » أی الخوف الذی ذکرت ، وهو أن تقرأ السورة فی الصلاة ، لا مطلقا « فصلّ علی الراحلة المکتوبة وغیرها » یعنی کما أنّک تصلّی غیرها حینئذ علی الراحلة صلّ المکتوبة أیضا ، وهذا الأمر منه علی سبیل التخییر لا التعیین وکونه الأفضل بقرینة قوله : « إذا قرأت » فتأمّل.

ویؤیّد الوجوب أنّ ما ورد فی الأخبار فی السهو عن القراءة وحکمه ، ورد الکلّ بلفظ القراءة فی السؤال والجواب ، من دون تخصیص بالحمد (3).

ویؤیّده أیضا ما ورد فی الصحیح من أنّ المریض یجزیه فاتحة

ص: 35


1- الکافی 3 : 482 / 1 ، الوسائل 5 : 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.
2- الکافی 3 : 457 / 5 ، التهذیب 3 : 299 / 911 ، الوسائل 6 : 43 أبواب القراءة فی الصلاة ب 4 ح 1.
3- انظر الوسائل 6 : 90 أبواب القراءة فی الصلاة ب 29 ، و : 92 ب 30.

الکتاب وحدها حین یصلّی علی الدابّة (1).

وما ورد فی الصحیح من أنّ « قل هو الله أحد تجزی فی خمسین صلاة » (2).

ویؤیّده أیضا : قوله علیه السلام : « لکل سورة رکعة » (3).

ویؤیّده أیضا : أنّ قدماء أصحابنا والمتأخّرین منهم صرّحوا بأنّ المنع فی إفراد الضحی وألم نشرح ، والفیل ولإیلاف ، من جهة کونهما سورة واحدة.

وما ورد فی من صلّی الجمعة بسبّح اسم وقل هو الله أحد « أنّه أجزأه » (4) وأمثال ذلک.

وروایة الصیقل عن الصادق علیه السلام أنّه قال له : أیجزی عنّی أن أقول فی الفریضة فاتحة الکتاب وحدها إذا کنت مستعجلا أو أعجلنی شی ء؟ فقال : « لا بأس » (5).

وأنّ النبی صلی الله علیه و آله کان یواظب (6) ، وقال : « صلّوا کما رأیتمونی أصلی » (7).

وأنّ الشیعة شعارهم قراءة السورة کما أنّ أهل السنّة شعارهم عدم قراءة سورة کاملة.

ویؤیّده أیضا أنّ أهل السنّة یقولون بعدم وجوب السورة (8) ، وورد

ص: 36


1- التهذیب 3 : 308 / 952 ، الوسائل 4 : 325 أبواب القبلة ب 14 ح 1.
2- التهذیب 2 : 96 / 360 ، الوسائل 6 : 48 أبواب القراءة فی الصلاة ب 7 ح 1.
3- التهذیب 2 : 70 / 254 ، الوسائل 6 : 50 أبواب القراءة فی الصلاة ب 8 ح 1.
4- التهذیب 3 : 242 / 654 ، الوسائل 6 : 158 أبواب القراءة فی الصلاة ب 71 ح 5.
5- التهذیب 2 : 70 / 255 ، الاستبصار 1 : 314 / 1170 ، الوسائل 6 : 40 أبواب القراءة فی الصلاة ب 2 ح 4.
6- انظر المنتهی 1 : 272 ، وکنز العرفان 1 : 123 ، وسنن أبی داود 1 : 212 ، 213.
7- عوالی اللآلئ 1 : 197 / 8 ، سنن البیهقی 2 : 124.
8- انظر المجموع للنووی 3 : 388.

فی أخبار کثیرة أنّ الرشد فی خلافهم ، وما هم من الحنیفیة فی شی ء (1) ، وأمثال ذلک.

وممّا ذکر ظهر الجواب الآخر عمّا استدل به الشارح مضافا إلی ما أجبنا أوّلا ، وکذا ظهر الجواب عن صحیحة إسماعیل وصحیحة ابن یقطین أیضا. مع أنّهم علیه السلام کان قولهم حجّة ویتبعون قولهم ویطیعونهم ، فلا وجه لأن یرتکبوا المکروه الشدید فی مثل صلاتهم التی هی أقرب التقرّبات وأهمّ الطاعات عندهم ، مع أنّهم علیه السلام کانوا ینکرون علی التبعیض ویأمرون بالإتمام وبالإعادة (2) وأمثال ذلک ، فمع ذلک کیف کانوا بأنفسهم یرتکبون!؟ وحاشاهم أن یکونوا من الذین یأمرون الناس بالبرّ وینسون أنفسهم ، إلی غیر ذلک ، مثل أن یقولوا ما لا یفعلون وأمثاله ، فتأمّل جدّا.

وبالتأمّل فی ما ذکرنا یظهر فساد ما قال بعض بالحمل علی الاستحباب (3) جمعا بین الأدلّة ، لأنّ الجمع إنّما هو بعد التقاوم ، وإلاّ فعند التعارض یعمل بما هو مخالف للعامّة ، أو موافق للشهرة بین الأصحاب أو السنّة النبویة أو الکتاب ، أو ما هو أکثر ، إلی غیر ذلک من المرجّحات والمؤیّدات ، کما وردت به الأخبار (4) ، ویدل علیه الاعتبار ، ومسلّم عند المتقدّمین والمتأخرین إلی زمان الشارح ، وعلیه المدار فی الفقه ، وهو طریقة الشیعة فی الأعصار والأمصار ، وواحد من تلک المرجّحات یکفی فضلا عن اجتماعها ، سیّما مثل هذه المرجّحات ، فإنّ الشهرة کادت تبلغ

أدلّة القائلین باستحباب سورة کاملة بعد الحمد والمناقشة فیها

ص: 37


1- انظر الوسائل 27 : 106 ، أبواب صفات القاضی ب 9.
2- الوسائل 6 : 87 أبواب القراءة فی الصلاة ب 27.
3- انظر الذخیرة : 268 - 270.
4- الوسائل 27 : 106 أبواب صفات القاضی ب 9.

الإجماع لو لم نقل بحجّیة الإجماع المنقول ، سیّما مثل هذا المنقول الذی نقله جماعة (1) ، والسنّة من الرسول صلی الله علیه و آله بل الأئمّة علیه السلام - المداومة والمواظبة ، والعامّة شعارهم عدم الوجوب والتبعیض ، والخاصّة عکسهم ، وکثرة الأدلة من الموجبین ما عرفت من الأدلة التی ذکرناها ، مضافا إلی التی ذکرها الشارح ، فإنّها أیضا تمام لا غبار علیها ، کما ستعرف ، والمقویّات (2) أیضا عرفتها ، فالراجح هو الحجّة ، والمرجوح یطرح أو یؤوّل حتی یرجع إلی الراجح ، نعم بعد التقاوم یجمع بینهما ، کما حقّق فی محلّه ، والله یعلم.

قوله : أمّا الروایة الاولی فلأنّ فی طریقها محمد بن عبد الحمید ، وهو غیر موثق. ( 3 : 350 ).

لم یوثق صریحا ، وإلاّ فالوارد فیه لا یقصر عن التوثیق لو لم یزد علیه ، منه أنّ القمیین ما استثنوه من نوادر الحکمة ، من أراد فلیرجع إلی التعلیقة (3) ، مع أنّه قیل : توثیق النجاشی یرجع إلیه ، لذکره فی ترجمته (4) ، فتأمل ، مع أنّ العلاّمة حکم بصحة حدیثه ، مع أنّ الروایة منجبرة بالإجماعات التی نقلناها ، واقلاّ (5) الشهرة العظیمة ، وهی تکفی ، کما حقّق ، والحمل فی الأکثر علی الکراهة لا وجه له ، کما ستعرفه.

وأمّا یحیی بن أبی عمران - کما نقله الکلینی - فهو الواقع فی مشیخة الصدوق (6) ، فیظهر منه اعتداده به ، ومع ذلک هذه الروایة من حیث إنّه

بحث رجالی حول محمد بن عبد الحمید ویحیی بن أبی عمران

ص: 38


1- منهم القاضی فی شرح الجمل : 86 ، وابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 557 ، وابن حمزة فی الوسیلة : 93 ، وراجع ص 28 - 38.
2- فی « ب » و « ج » و « د » : المقوّمات.
3- تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 302.
4- انظر روضة المتقین 14 : 439.
5- فی « أ » : وأقرها.
6- مشیخة الفقیه ( الفقیه 4 ) : 44.

رواها الکلینی أیضا لا تکون قاصرة عن الصحیح ، لأنّه ذکر فی أوّل کتابه ما ذکر (1) ، هذا علی طریقة الشارح ، وإلاّ فالروایة قویّة وحجّة عندی أیضا ، سیّما مع أنّ العلاّمة حکم بصحتها ، ورواها أحمد بن محمد بن عیسی بواسطة علی بن مهزیار الجلیل ، وأحمد أخرج من قم من کان یروی الحدیث عن المجاهیل والمراسیل (2). هذا مع قطع النظر عن الانجبار بالشهرة وعمل الأصحاب ، لو لم نقل : الإجماع بل الإجماعات.

والدلالة فی غایة الوضوح ، لأنّ الراوی لمّا قال : قال العباسی : لیس بذلک بأس ، کتب : « یعیدها - مرّتین - علی رغم أنفه » یعنی : العباسی ، ولعمری العباسی ما قال إلاّ ما قاله الشارح ومن وافقه ، والمعصوم علیه السلام أجاب بما أجاب من التشدید والتغلیظ ، ولذا لم یتعرّض الشارح علی دلالتها.

وأمّا محمد بن عیسی فهو ثقة کما هو الحق ، ویونس أیضا ثقة جزما ، وقول ابن الولید لا حجّة فیه ، سیّما بعد رد الماهر فی معرفة الرجال إیّاه ، کما ظهر فی محلّه (3). ومثل هذا المفهوم له ظهور فی الدلالة بلا تأمّل کما لا یخفی ، فتأمّل.

وأمّا الکلام فی صحیحة الحلبی ففیه أنّ الظاهر من الحاجة فی مثل المقام الضروریة ، سیّما بعد تقدیمه علی قوله : « أو تخوّف شیئا » إذ انضمامه معه یشهد علی الضرورة ، فضلا عن تقدیمه علیه. هذا مضافا إلی ما عرفت من السید فی الانتصار (4) ، فإنّ الظاهر أنّه إشارة إلی ما فی هذه

بحث حول ما ذکره الصدوق من أنّه لا یعمل بما تفرد محمد بن عیسی عن یونس

ص: 39


1- الکافی 1 : 8.
2- انظر رجال النجاشی : 185 / 490 ، ورجال العلاّمة : 14.
3- انظر رجال النجاشی : 333 / 896 ، و 348 / 939.
4- راجع ص 27 - 28.

الروایة ، والبأس هنا ظاهر فی الحرمة ، بقرینة تعلیق الشرط علی الخوف والحاجة الضروریة ، وفی قوله علیه السلام : « إذا ما أعجلت به حاجة » إشارة إلی الضرورة ، لأنّ الظاهر منها أنّ الحاجة أوقعت فی التعجیل ، والظاهر من هذا أنّها ألجأته إلیه ، کما لا یخفی علی المتأمّل.

وبالجملة : العدول عن قوله : له حاجة ، إلی تلک العبارة مع کون الأوّل أخصر وهو المتعارف ، والثانی صیغة التعدیة ومادّته التعجیل ، والفاعل هو الحاجة ، والمفعول هو المکلف ، له زیادة ظهور فی ما ذکرنا ، سیّما مع انضمام ذلک بما ذکرنا من تقدیمه علی التخوّف ، وقول السید رحمه الله .

وما ذکره من أنّه لا قائل بوجوب. فیه أنّه غیر ظاهر ، ولو سلّم فغیر مضرّ عند الشارح ، لأنّه صرّح بأنّه لا یشترط فی حجیّة الحدیث وجود قائل بمضمونه ، بل هو حجّة وإن لم یقل بمضمونه قائل (1).

سلّمنا ، لکن أقرب المجازات حجّة ومتعیّن عند تعذّر الحقیقة ، ومن المسلّمات عند الشارح أیضا أنّه إذا تعذّر الحقیقة فالحمل علی أقرب المجازات لازم ومتعیّن ، هذا علی تقدیر أن نقول : إنّ الأمر حقیقة فی الوجوب العینی دون التخییری ، وإنّ التخییری معنی مجازی ، لأنّه من الأفراد التی لا یسبق الذهن إلیها ، مثل الإنسان الذی له رأسان أو ید زائدة أو إصبع زائد وأمثال ذلک بالنسبة إلی لفظ الإنسان ، ومعلوم أنّ الوجوب التخییری أقرب مجاز إلی صیغة الأمر ، سیّما مثل هذه الصیغة ، وخصوصا إذا کان الواجب المخیر المراد أرجح من غیره وأولی من حیث إنّه یحفظه کلّ واحد ویعرفه ، وثواب عظیم یعدل ثلث القرآن.

لا یشترط فی حجّیة الحدیث وجود قائل بمضمونه

ص: 40


1- لاحظ المدارک 1 : 132 ، 295 ، و 8 : 188 ، 198.

مع أنّه کما لم یوجد قائل بوجوبه کذلک لم یوجد قائل باستحبابه ، فتعیّن الحمل علی الوجوب التخییری حینئذ [ و ] کون ذکر التوحید علی سبیل المثال والأولی ، فتأمّل جدّا.

قوله : من جملة رجالها یحیی بن عمران الهمدانی. ( 3 : 350 ).

العلاّمة فی المنتهی قال : فی الصحیح عن یحیی بن عمران ، ورواها فی صدر الروایات التی استدل بها علی الوجوب (1).

قوله : وهو غیر واضح. ( 3 : 351 ).

دلیله کون العبادة توقیفیة علی نقل الشرع ، والمنقول منه خلافه ، کما مرّ من الشارح رحمه الله ، وسیجی ء أیضا أنّه یستدل کذلک.

قوله : وکل هذه المقدّمات لا یخلو من نظر. ( 3 : 352 ).

فیه نظر ، لأنّ العبادة التوقیفیة کیف یکتفی فیها بوقوع هذا الأجنبی فی خلالها وتغییر هیئتها به؟! والفوریة لعلها إجماعیة ، وسیجی ء عن الشارح تسلیمه إیّاها (2) ، وتحریم القران سیجی ء الکلام فیه ، ومضی الکلام فی وجوب الإکمال (3) ، والروایة قویّة ومنجبرة بالشهرة لو لم یکن إجماعا ، مع أنّ القاسم بن العروة قوی ، وابن بکیر ممّن أجمعت العصابة ، مع أنّه نقل علماء الرجال وورد فی الأخبار أنّه رجع عن الفطحیة من قال بعبد الله من أصحاب الصادق والکاظم علیهماالسلام إلاّ طائفة عمار (4) ، والأخبار المعارضة

وجوب إعادة السورة لو قدّمها علی الحمد

عدم جواز قراءة العزائم فی الفرائض

القاسم بن عروة قویّ

بحث حول عبد الله بن بکیر

ص: 41


1- المنتهی 1 : 272.
2- المدارک 3 : 354.
3- راجع ص 28 - 38.
4- انظر الإرشاد للمفید 2 : 223 ، ورجال الکشی 2 : 567.

محمولة علی التقیة أو النافلة علی سبیل منع الخلو ، فتأمّل ، ومرّ عبارة أمالی الصدوق وهی صریحة فی عدم الجواز وکونه من دین الإمامیة (1).

قوله : فقال الشیخ فی النهایة والمبسوط : إنّه غیر جائز. ( 3 : 354 ).

وفی التهذیب أیضا (2) وکذا فی الخلاف وإنّه مفسد للصلاة (3) ، والمرتضی فی الانتصار نقل إجماع الفرقة علیه (4) ، واختاره فی المسائل المصریة أیضا (5) ، وقال الصدوق رحمه الله فی أمالیه : من دین الإمامیة الإقرار بأنّه لا یجوز القرآن بین سورتین فی الفریضة ، وأمّا النافلة فلا بأس (6) ، وفی الفقیه أیضا صرّح بالمنع عنه (7) ، وما قال فی الاستبصار فلا شبهة فی أنّه قول رجع عنه.

قوله : لنا الأصل. ( 3 : 355 ).

بناء علی جریان الأصل فی العبادات ، وإلاّ فالمنقول فی العبادات التوقیفیة عن الرسول والأئمّة علیه السلام الاقتصار علی سورة واحدة لا أزید ، والعمومات الدالة علی الکراهة لم نجدها ، بل هی تدل علی الاستحباب ، والقول بالاستحباب خلاف المجمع علیه.

إلاّ أن یقال : إنّ الکراهة عندهم بمعنی أقلّیة الثواب وإلاّ فالقراءة فی

حکم القِران بین السورتین فی الفرائض

أدلّة القائلین بعدم الحرمة والمناقشة فیها

ص: 42


1- راجع ص 27.
2- التهذیب 2 : 72.
3- الخلاف 1 : 336 ، 337.
4- الانتصار : 44.
5- رسائل المرتضی 1 : 220.
6- أمالی الصدوق : 512.
7- الفقیه 1 : 20.

نفسها مستحبة.

وفیه : أنّ العمومات الدالة علی الکراهة بهذا المعنی أیضا لم نجدها ، بل الظاهر منها عدم هذه الکراهة أیضا.

إلاّ أن یقال : إنّ الکراهة ترجع إلی خصوص کونها فی الصلاة ، فالرجحان یظهر من العمومات ، والکراهة تظهر من دلیل آخر.

وفیه : أنّ دلیل الکراهة إن کان مخصّصا لدلیل الاستحباب ومخرجا لهذه الصورة من العمومات فلا وجه للتمسک بالعمومات ، لأنّ العمومات تدل علی ضد المطلوب.

وإن أراد عدم التخصیص بأنّ العمومات تدل علی استحباب القراءة ، والخصوص تدل علی مرجوحیة الخصوصیة ، فهذا بعینه رأی الأشاعرة ، والشیعة یتحاشون عنه ، ولذا یحملون الکراهة علی أقلّیة الثواب ، کما مرّ عن الشارح رحمه الله التصریح به (1).

وإن أراد أنّ العمومات تدل علی الاستحباب والخصوص یدل علی أقلیة الثواب ، ففیه : أنّه إن أراد تخصیص العمومات فلا وجه للتمسک بالعمومات ، علی حسب ما عرفت ، وإن أراد عدم التخصیص ، فیه : أنّ مقتضی العمومات عدم أقلیّة الثواب ، ومقتضی الخصوص أقلیّة الثواب وبینهما تناقض ، واجتماعهما محال ، کما لا یخفی.

قوله : قال : « لا بأس ». ( 3 : 355 ).

الظاهر من هذا عدم الکراهة أیضا ، لکون البأس نکرة فی سیاق النفی ، إلاّ أن یؤوّل بأنّ المراد منه عدم الحرمة. ففیه : أنّ الحدیث المؤوّل

ص: 43


1- انظر المدارک 1 : 117.

لا یکون حجّة ، لأنّ الظاهر هو الحجّة والظاهر متروک بالإجماع ، مع أنّه مسلّم عند الشارح ، ومسلّم عنده أیضا أنّ الحدیث إذا کان متروک الظاهر لا یکون حجّة ، کما مرّ عنه فی مسألة وجوب السورة (1).

مع أنّک عرفت فی المسألة المذکورة أنّ الجمع بعد التقاوم ، ولا تقاوم بعد ملاحظة أنّ الصدوق رحمه الله قال : من دین الإمامیّة الإقرار بعدم جواز القرآن ، والسید رحمه الله جعله ممّا انفردت به الإمامیة ، وفیهما شهادة علی کون ذلک ممّا اشتهرت بین الشیعة لا أقلّ من ذلک ، وکون خلافه من العامّة ، وقد أمر الأئمّة علیه السلام فی أخبار کثیرة غایة الکثرة بترک ما وافق العامّة والأخذ بما خالفهم ، وما اشتهر بین الشیعة ، وما وافق السنّة (2) ، ولا شبهة فی أنّ طریقة النبی والأئمّة علیه السلام بل الشیعة أیضا فی الأعصار والأمصار عدم القران ، هذا.

مع أنّ العبادات توقیفیة موقوفة علی النقل ، والمنقول من فعلهم هو ما ذکرنا. وأمّا قولهم فقد وقع فیه التعارض ، وقد حکموا فی تعارضه بما ذکرنا.

وعلی تقدیر الشکّ لا یمکن الاکتفاء فی الأمر التوقیفی ، لوجوب الإطاعة العرفیة والبراءة الیقینیة وعدم جواز الاکتفاء بمجرّد احتمال کون ذلک هو المکلّف به بعد الیقین بشغل الذمة.

مع أنّ ابن یقطین وزیر الخلیفة ، والتقیّة کانت فی زمان الکاظم علیه السلام فی غایة الشدّة ، فیترجّح من ذلک أیضا کون الروایة علی سبیل التقیّة.

ص: 44


1- المدارک 3 : 351.
2- انظر الوسائل 27 : 106 أبواب صفات القاضی ب 9 ، والمستدرک 17 : 302 أبواب صفات القاضی ب 9.

مضافا إلی أنّ ظاهرها ممّا أجمعت المتقدّمون والمتأخّرون من الشیعة علی خلافه ، وقد أمروا علیه السلام بطرح مثل هذا الخبر یقینا ، وما أمر واحد منهم فی موضع من المواضع بحمل مثله وتوجیهه.

وقد بسطنا الکلام فی رسالة الجمع بین الأخبار (1) وغیرها ، وأظهرنا أنّ هذا الجمع وتقدیمه علی اعتبار المرجّحات من الأمور التی حدثت فی زمان الشارح ومن بعده ، وإلاّ فمن القواعد المسلّمة عند المتقدّمین والمتأخّرین الثابتة من العقل والنقل علی الیقین ملاحظة المرجّحات والمقوّمات أوّلا ، وجعل الراجح هو حکم الله تعالی ، والمرجحون إمّا مطروح أو مؤوّل بحیث یرجع إلی الراجح ، لأنّ الشک فی کون حکم هو حکم الله تعالی لا یکفی فی مقام الفتوی ، فکیف الوهم؟ لأنّ معناه أنّ الظاهر أنّه لیس حکم الله ، ( فکیف یجعل حکم الله؟ ) (2) وقد مضی فی بحث وجوب السورة ، وسیجی ء أیضا ما یزید فی البیان.

وممّا یضعّف التمسّک بهذه الصحیحة ویعیّن حملها علی التقیّة : أنّها تتضمّن جواز التبعیض فی السورة فی الفریضة علی کراهیة ، وقد عرفت الکلام فی التبعیض ، فتأمّل.

قوله : قال ابن إدریس. ( 3 : 355 ).

لا شبهة فی فساد هذا ، إذ یلزم علی هذا أنّ کلّ مکلّف یفعل فعلا علی أنّه صلاة یکون ذلک الفعل صلاة صحیحة ، بل لا شبهة فی أنّ الصحة تحتاج إلی دلیل وثبوت من الشرع. وقوله : وأصحابنا. ، لا یخفی فساده بعد ما عرفت من النهایة والخلاف وغیرهما (3) ، وأنّ مقتضی العبادة أن

أدلّة القائلین بالحرمة وبطلان الصلاة بالقِران

ص: 45


1- رسالة الجمع بین الأخبار ( الرسائل الأصولیة ) : 451.
2- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».
3- راجع ص 42.

تکون علی الکیفیة المنقولة والثابتة عنه ، فتدبر (1).

قوله : والجواب بالحمل علی الکراهة جمعا بین الأدلة. ( 3 : 355 ).

لا یخفی أنّ الروایة الموثقة لیست بحجّة عند الشارح رحمه الله ، وعند من یقول بالحجّیة لا تصح مقاومتها للصحیحة ، مع أنّ مضمونها الکراهة ، ولیس المراد منها الکراهة الاصطلاحیة عند من لا یقول بثبوت الحقیقة الشرعیة کالشارح ، وأمّا عند من یقول بثبوتها فجمع منهم لا یقول بثبوتها فی مثل الکراهة والسنّة ، مع أنّ الکراهة فی الأخبار استعماله فی المعنی الأعمّ کثیر ، مع أنّ زرارة راوی هذا الحدیث روی عن الصادق علیه السلام فی القران ، أنّه قال : « لکلّ سورة حقّ فأعطها حقّها من الرکوع والسجود » (2).

وأمّا روایة ابن یقطین فقد عرفت الکلام فیها ، وفی الفقه الرضوی : إنّ القران غیر جائز فی الفریضة (3).

والعیّاشی روی بإسناده ، عن المفضل بن صالح ، عن الصادق علیه السلام قال : « لا تجمع بین سورتین فی رکعة إلاّ الضحی وألم نشرح ، وألم تر کیف ولإیلاف » ، روی عنه فی مجمع البیان (4).

وفی شرح مولانا الأردبیلی علی الإرشاد : نقل عن کتاب الثقة الجلیل أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی ، عن الصادق علیه السلام أنّه قال : « لا تجمع

ص: 46


1- لیس فی « أ » و « و ».
2- التهذیب 2 : 73 / 268 ، الوسائل 6 : 50 أبواب القراءة فی الصلاة ب 8 ح 3.
3- فقه الرضا علیه السلام : 125 ، مستدرک الوسائل 4 : 163 أبواب القراءة فی الصلاة ، ب 6 ح 5 ، بتفاوت.
4- مجمع البیان 5 : 543 ، 544 ، الوسائل 6 : 55 أبواب القراءة فی الصلاة ب 10 ح 5.

بین سورتین فی رکعة واحدة إلاّ الضحی وألم نشرح ، والفیل ولإیلاف » (1).

وفی التهذیب بسنده المعتبر إلی ابن أبی یعفور عن الصادق علیه السلام قال : « لا بأس أن تجمع فی النافلة من السور ما شئت » (2).

وما رواه عن عمر بن یزید قال : قلت للصادق علیه السلام : أقرأ سورتین فی رکعة؟ قال : « نعم » ، قلت : ألیس یقال : أعط کلّ سورة حقّها من الرکوع والسجود؟ فقال : « ذلک فی الفریضة » (3). الحدیث.

وروی الکلینی والشیخ فی الموثق ، عن عبید بن زرارة أنّه سأل الصادق علیه السلام عن ذکر السورة من الکتاب ندعو بها فی الصلاة مثل « قل هو الله أحد » فقال : « إذا کنت تدعو بها فلا بأس » (4).

قوله : غیر آت بالمأمور به علی وجهه. ( 3 : 355 ).

فیه : أنّه من أین علم أنّ المکلّف حینئذ ممتثل وآت بالمطلوب؟ إلاّ أن یقول الشارح رحمه الله بأنّ الصلاة اسم لمجرّد الأرکان ، فهو آت بالأرکان والشرائط الثابتة.

وفیه : أنّه موقوف علی ثبوت الحقیقة الشرعیة ، أو أنّه من القرینة یعرف أنّ المراد مجرّد الأرکان ، لأنّه إذا تعذّر الحقیقة اللغویة فالمعیّن هو الحقیقة عند المتشرعة ، لأنّها التی قد کثر استعمال الشارع فیها غایة الکثرة ، بخلاف معنی آخر مجازی.

ص: 47


1- مجمع الفائدة 2 : 243.
2- التهذیب 2 : 73 / 270 ، الوسائل 6 : 51 أبواب القراءة فی الصلاة ، ب 8 ح 7.
3- التهذیب 2 : 70 / 257 ، الاستبصار 1 : 316 / 1179 ، الوسائل 6 : 51 أبواب القراءة فی الصلاة ب 8 ح 5.
4- الکافی 3 : 302 / 4 ، التهذیب 2 : 314 / 1278 ، الوسائل 6 : 53 أبواب القراءة فی الصلاة ب 9 ح 1.

وفیه : أنّ المتشرّعة عندهم نزاع فی أنّ الصلاة اسم لخصوص الصحیحة أو مجرّد الأرکان ، ومن أین یثبت حتی تثبت البراءة عن اشتغال الذمّة الیقینی؟ إلاّ أن یتمسّک بأصل البراءة ، وفیه أیضا : [ أنّه ] (1) علی جریانه فی العبادات خلاف ما یصرّح فی بعض المقامات ، فتأمّل (2).

قوله : فی جواز القنوت ببعض الآیات. ( 3 : 356 ).

تدل علیه موثقة عبید التی ذکرناها ، وحکایة فعل أمیر المؤمنین علیه السلام مع ابن الکوّاء ، حیث قرأ له ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ) . (3) مع أنّه علیه السلام لم یظهر لابن الکوّاء بطلان صلاته ، مع أنّه قرأ فی صلاته ما قرأ تعریضا ، فتأمّل.

قوله : ونقل فیه الشیخ فی الخلاف الإجماع. ( 3 : 356 ).

وکذا ابن زهرة ، فإنّه أیضا ادعی الإجماع (4) ، وقال السید رحمه الله : هو من وکید السنن ، وغیر ظاهر أنّ مراده من السنّة هو المعنی المصطلح علیه الآن ، بل مراده الطریقة الشرعیة المقرّرة وغیر بعید هذا من السید رحمه الله کما لا یخفی علی من اطّلع علی حاله. ویؤیّد ذلک أنّه قال بعد ذلک : حتی روی أنّ من ترکها عامدا أعاد (5) ، انتهی.

فإن قلت : [ هذا ] (6) یؤیّد الاستحباب.

وجوب الجهر بالقراءة فی الصبح وأولیی العشاءین

ص: 48


1- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.
2- لیس فی « ج » و « د ».
3- التهذیب 3 : 35 / 127 ، الاستبصار 1 : 430 / 1661 ، الوسائل 8 : 367 أبواب صلاة الجماعة ب 34 ح 2 ، والآیة فی سورة الروم : 60.
4- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 558.
5- حکاه عنه فی المعتبر 2 : 176.
6- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة المعنی.

قلت : لا نسلّم ، لأنّهم ربما یقولون بالوجوب أو الحرمة ، ومع ذلک یحکمون بصحة الصلاة ، کما عرفت فی وجوب السورة وحرمة القرآن بین السورتین.

وبالجملة : بعد دعوی الفاضلین الجلیلین الإجماع لا یثبت مخالفة المرتضی رحمه الله لما ادّعیا ، فتأمّل.

والعلاّمة نسب القول بالاستحباب فی المنتهی إلی ابن الجنید ، ثم قال : وهو مذهب الجمهور کافّة (1) ، قال ذلک بعد ما نقل عن السیّد ما ذکرنا ، وهذا ینادی بأنّه لم یفهم من کلام السید الاستحباب ، بل إمّا فهم خلافه أو متردّد فیه ، کما لا یخفی.

وابن إدریس رحمه الله قال : لا خلاف بیننا فی أنّ الإخفاتیة لا یجوز الجهر فیها بالقراءة (2) ، وفی موضع آخر نقل الخلاف عن السید فی وجوب الجهر فی ما یجب الجهر فیه (3) ، فلعلّه أیضا توهّم منه ، فتأمّل. وسیجی ء فی مسألة الجهر بالبسملة ما یؤکّد ویؤیّد وجوب الجهر والإخفات ، وکونه إجماعیا (4) ، فلاحظ.

قوله : وجه الدلالة. ( 3 : 357 ).

لیس الدلالة منحصرة فی ما ذکره ، مع أنّه أیضا تامّ بالضاد المعجمة یکون أو بالمهملة ، کما ستعرف ، مع أنّ المعجمة أظهر ، کما هو عند الفقهاء ، ولذا سلّمه الشارح رحمه الله ، وإنّما قلنا غیر منحصرة ، لأنّ فی

ص: 49


1- المنتهی 1 : 227.
2- السرائر 1 : 218.
3- السرائر 1 : 223.
4- انظر المدارک 3 : 359 ، ویأتی فی ص 60.

الروایة تتمّة أسقطها الشارح ، وهی قول الراوی - بعد قوله : فی ما لا ینبغی الإخفات فیه - : وترک القراءة فی ما ینبغی القراءة فیه ، أو قرأ فی ما لا ینبغی القراءة فیه ، فأجاب علیه السلام : ( « أیّ ذلک. » ، إشارة إلی الجمیع ، فجعل المعصوم علیه السلام ) (1) حکم الکلّ واحدا من دون تفاوت أصلا ، ومن ( ضروریات المذهب بل ) (2) ضروریات الدین أنّ ترک القراءة عمدا مبطل للصلاة.

وأمّا فعلها فی موضع لا ینبغی فمثل قراءة السورة فی الرکعة الثالثة والرابعة وخلف الإمام فی الإخفاتیة ، أو القران بین السورتین ، وأمثال ذلک ، ویمکن أن یکون المراد أیضا فعلها بقصد أنّها وظیفة شرعیة فی أیّ موضع کان ، فالظاهر البطلان من جهته أیضا ، لما مرّ وجهه مرارا ، والظاهر من الروایة هو هذا العموم ، وهذه الروایة فی غایة الصحة.

ویحتمل أن یکون ما نقل الشارح رحمه الله غیر هذه الصحیحة ، إذ وردت صحیحة أخری لزرارة بمضمون ما ذکره الشارح (3) ، لکن لا وجه لاقتصاره علیها ، بل کان علیه الاستدلال بهما جمیعا.

ففی الصحیح خمس دلالات علی المطلوب ، کلّ واحدة منها تامّة لا غبار علیها ، دلالتان ذکرهما الشارح ، ودلالة ذکرناها ، ودلالتان من قوله علیه السلام : علیه ، الدال علی اللزوم المذکور فی المنطوق ، والمفهوم یستدل الشارح وغیره دائما به علی الوجوب ، فإذا کان واحدة منها تکفی فکیف مع اجتماع الکلّ؟!

ص: 50


1- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
2- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و ».
3- التهذیب 2 : 147 / 577 ، الوسائل 6 : 86 أبواب القراءة فی الصلاة ب 26 ح 2.

مضافا إلی فهم الفقهاء ، ( وفتواهم إلاّ من شذّ ، سیّما مع الموافقة للإجماعات المنقولة التی کلّ واحد حجّة مستقلّة ، فضلا عن المجموع ، وخصوصا مع الموافقة للسنّة وفعل النبی والأئمّة علیه السلام والفقهاء ) (1) فی الأعصار والأمصار ، وما ورد من وجوب المتابعة (2) ، وکذا الأوامر الواردة فی الأخبار الصحیحة (3) مع تعدّدها بیّن الصحیحتین ونقلهما فی الکتب المعتبرة ، مع المخالفة للعامّة والموافقة للکتاب - کما ستعرف - وللمشتهر بین الرواة والأصحاب ، إلی غیر ذلک ممّا سنذکر.

فمع جمیع ذلک کیف صارت صحیحة علی بن جعفر أظهر دلالة ، سیّما مع ما ستعرف من فساد دلالتها؟! وعلی تقدیر الصحة تکون محمولة علی التقیة البتّة ، کما ستعرف ، بل مع الاحتمال أیضا کیف تکون أرجح؟! فتأمّل جدّا.

قوله (4) : بالضاد المعجمة. ( 3 : 357 ).

لا یخفی أنّ الاستدلال لا یتوقّف علی هذا ، بل لو کان بالمهملة یکون دالاّ أیضا ، لأنّ نقص الصلاة معناه أنّه ما أتی بالمأمور به بتمامه ، بل بقی بعض منه ما أتی به ، ولیس معناه نقص الثواب وأمثاله ، لأنّه معنی مجازی بلا شبهة.

قوله : کما قرّر فی محلّه. ( 3 : 357 ).

المقرّر فی محلّه لیس هذا محلّه ، إنّما هو إذا فعلوا فعلا ابتداء وأوّلا ،

بحث حول التأسی بفعل المعصوم علیه السلام

ص: 51


1- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
2- انظر عوالی اللآلئ 1 : 197 / 8 ، سنن الدار قطنی 1 : 346 / 10.
3- انظر الوسائل 6 : 82 أبواب القراءة فی الصلاة ب 25.
4- هذه التعلیقة لیست فی « ج » و « د ».

لا أن یفعلوا هیئة العبادة التوقیفیة التی هی وظیفة الشرع ولا طریق إلی معرفتها إلاّ بنص الشارع أو فعله ، وحیث أنتفی الأوّل یتعیّن الثانی ، فلا بدّ من الاقتصار علی متابعة فعلهم علیه السلام حتی یثبت عدم الوجوب ، واعترف الشارح بهذا مرارا ، منه فی قطع همزة « الله أکبر » ، وسیعترف کثیرا (1) ، ووجهه أیضا واضح.

إلاّ أن یتمسّک بأصل العدم ، فمع أنّه مخالف لطریقته فی أکثر المواضع موقوف علی ثبوت العبادة به ، وهو محلّ تأمّل ، کما قرّر فی محلّه.

مع أنّه صلی الله علیه و آله قال : « صلّوا کما رأیتمونی أصلّی » (2) ، وورد أیضا : أنّ کل خبر خالف السنّة وطریقة الرسول یجب ردّه ، وکلّما وافقها یجب الأخذ به (3) ، وأیضا الظاهر من الأئمّة علیه السلام أیضا التزامهم بذلک ، والطریقة فی الأعصار والأمصار بین الفقهاء کذلک ، حتی أنّهم کانوا یسألون عن الجهر فی صلاة الصبح مع کونها من النهاریة فیجابون بما أجیبوا (4) ، إلی غیر ذلک ممّا سنذکره وغیره.

قوله : وهو شامل للصلوات کلّها. ( 3 : 357 ).

فیه : أنّ الأمر حقیقة فی الوجوب ، فتکون الآیة حجّة علی القائل بالاستحباب ، لا أنّها حجّة له. وعلی تقدیر أن یکون المراد من الأمر الاستحباب ، فیکون المراد علی ما ذکر استحباب القراءة المتوسطة التی

ص: 52


1- المدارک 3 : 319.
2- عوالی اللآلئ 1 : 197 / 8 ، سنن الدار قطنی 1 : 346 / 10.
3- انظر الوسائل 27 : 106 أبواب صفات القاضی ب 9.
4- الفقیه 1 : 203 / 926 ، الوسائل 6 : 84 أبواب القراءة فی الصلاة ب 25 ح 3.

تشمل جمیع الصلوات ، وهذا أیضا یضرّ القائل بالاستحباب ، لأنّ المستحبّ عنده أن یکون بعض الصلاة جهریّة وبعض الصلاة إخفاتیّة ، لا أن یکون بین الصلوات تفاوتا فی الجهر والإخفات البتّة ، فالآیة علی ما قرّره تکون متروکة الظاهر بالإجماع والاتفاق حتی من الشارح.

وإن أراد أن المراد من الوسط الوسط من الجهر فی ما یجهر والوسط من الإخفات فی ما یخافت ، فالآیة لا تکون حجّة له ولا حجّة علی القائل بالوجوب ، ولا نفع ولا ضرر فیها أصلا لشی ء من المذهبین.

وبالجملة : لا نزاع فی کون الإخفات الذی یقصر عن السماع حراما ومفسدا للصلاة ، وأنّ الجهر العالی منهیّ عنه ، وأنّ المطلوب عدم هذا وعدم ذاک ، وکذا لا نزاع فی کون الجهر والإخفات فی موضعیهما مطلوبین شرعا من دون شائبة تأمّل ، إنّما النزاع فی الوجوب والاستحباب ، فما أدری أنّ مراد الشارح من الاستدلال ما ذا؟ وبالجملة : استدلاله عجیب ، فتأمّل جدّا.

قوله : وهو تحکّم من الشیخ. ( 3 : 358 ).

هذا منه ومن الشارح رحمه الله فی غایة الغرابة ، إذ جلّ المواضع التی یحمل لأجله علی التقیّة - بل کلّها - لیست ممّا اتفقت علیه الأصحاب. علی أنّه لو کان ممّا اتفقوا علیه لکان مجمعا علیه عندهم علی ما هو الظاهر من طریقتهم ، فلا حاجة فیه إلی التمسّک بالخبر ، فضلا عن الحمل علی التقیّة لأن یصح الفتوی والعمل.

ولو لم یکن إجماعا عندهم یکون الخبر المعمول به عند الجمیع حجّة بلا شبهة ، ومعارضة یکون من الشواذّ التی لا عمل علیها عندهم ویجب طرحها بلا شبهة ، من دون توقّف علی التمسّک بموافقته للعامّة ، إذ

المناقشة فی حمل الشیخ الروایات الدالة علی التخییر بین الجهر والإخفات علی التقیة

ص: 53

الشذوذ علّة لطرح الخبر ، والتقیّة علّة أخری ، بل الشذوذ موجب لطرح الخبر علی أیّ حال بخلاف الموافقة للعامّة ، إذ الموافق لهم ربما یعمل به ویفتی من جهة موافقته للکتاب والسنّة وغیرهما ، إذا کان أقوی من الموافقیة لهم ، کما حقّق فی محلّه ، وبالجملة : المدار علی ما هو أقوی وأحری ، ومن جهة اجتماع المرجّحات أو القرائن للمرجّح فی خصوص المقام.

علی أنّه علی تقدیر أن لا یکون متفقا علیه بل یکون القائل به هو المشهور وجلّ الفقهاء فهو أیضا راجح من جهة الشهرة بین الأصحاب ، لأنّها من المرجّحات المستقلّة من دون حاجة إلی انضمامها إلی المخالفة للعامة ، بل هی علّة للعمل وطرح المعارض ، والمخالفة للعامّة علّة أخری ، کلّ واحدة منهما علّتان مستقلّتان ، فإذا تحقّق الشهرة فلا حاجة إلی ضمّ المخالفة ، نعم یکون من المقوّمات والمؤیّدات.

مع أنّه لم یظهر فی المقام قائل بالاستحباب سوی ابن الجنید ، وهو رحمه الله فی أمثال المقام موافق للعامّة ، وطریقته طریقة العامّة ، مثل قوله بحجیّة القیاس ونقض الوضوء ببعض الأشیاء التی یقول به العامّة ، وأمثال ذلک ممّا لا یحصی ، ولا یعتنی بخلافه أحد ، بل یحکمون بأنّ الأخبار الدالة علیها محمولة علی التقیّة بلا شبهة ، بل وإن انضمّ إلی قوله قول بعض آخر ، مثل مسّ باطن الدبر فی نقض الوضوء (1) وغیر ذلک.

والحاصل : أنّ علّة الحمل علی التقیّة فی مقام التعارض لیست إلاّ کون العامّة یقولون بمضمونه ، بل لا یجب أن یکون الکلّ قائلین به ، بل

ص: 54


1- انظر الفقیه 1 : 39 ، والمعتبر 1 : 113.

العامّة الذین کانوا فی عصر صدور الروایة ، بل لا یجب أن یکون کلّهم یقولون به ، بل المشهور منهم فی ذلک العصر ، بل لا یجب أن یکون کلّهم ، بل المشهور منهم فی بلد الراوی أو المعصوم علیه السلام ، بل لا یجب أن یکون کلّهم ، بل المتسلّط منهم أو الحاکم منهم ، کما حقّق فی محلّه ، ودل علیه العقل والنقل ، ولم یشترط أحد من الفقهاء فی أصول الفقه وفروعه وکتب الاستدلال ما ذکراه ، بل [ هو ] (1) خلاف ما ذکره الکلّ ، وخلاف ما دل علیه العقل والنقل ، وخلاف طریقة کلّ الفقهاء حتی المحقق والشارح ، وخلاف طریقة الشیعة فی الأعصار السابقة فی زمن الأئمّة علیه السلام : إنّهم متی رأوا ما یشبه طریقة العامّة قالوا : أعطاک من جراب النورة (2) ، والأئمّة علیه السلام کانوا یقولون بترک ما یشبه قول العامّة ، ویقولون : « الرشد فی خلافهم » (3) وإن لم یتحقّق مذهب فی تلک المسألة بین الشیعة ، کما لا یخفی علی من لاحظ الأخبار ، ولم یأمروا قطّ بالجمع بین إخبارهم المتعارضة بالحمل والتأویل ، فما ذکراه خلاف قول المعصوم من جهتین : عدم الحمل ، والبناء علی اعتبار الموافقة للعامّة.

وممّا یؤیّد روایة زرارة : أنّه ورد عن الصادق علیه السلام أنّه قال : « أصحاب أبی کانوا یأتونه ویفتیهم بمرّ الحق ، ویأتونی شکّاکا فأفتیهم بالتقیّة » (4) ، بل

ص: 55


1- أضفناه لاستقامة العبارة.
2- کمال الدین : 361 ، التهذیب 9 : 332 / 1195 ، الاستبصار 4 : 174 / 657 ، الوسائل 26 : 238 أبواب میراث ولاء العتق ب 2 ح 16 الضعفاء الکبیر للعقیلی 2 : 97.
3- الوسائل 27 : 106 أبواب صفات القاضی ب 9.
4- التهذیب 2 : 135 / 526 ، الاستبصار 1 : 285 / 1043 ، الوسائل 4 : 264 أبواب المواقیت ب 50 ح 2 ، بتفاوت.

صدر هذا المضمون منه علیه السلام فی غیر واحد من الأخبار. مع أنّ بالاستقراء یظهر أنّ الأمر کما ذکره علیه السلام ، إذ ندر ما کان خبره موافقا للتقیّة إن کان.

وأیضا کان الباقر علیه السلام لا یتقی من العامّة من جهة أنّ جابرا الأنصاری کان یصل إلی خدمته مکرّرا بعنوان الإخلاص ، وکان العامّة یقولون : إنّه یأخذ الحکم عن الرسول صلی الله علیه و آله بواسطة جابر. والسبب الآخر أنّ جابرا کان مأمورا من قبل الرسول بإبلاغ السلام إلیه وقوله : « إنّه یبقر علم الدین بقرا » (1). وکان هذا ظاهرا علی العامّة غایة الظهور. والسبب الآخر أنّ بنی أمیّة وبنی العباس کانوا مشغولین بأنفسهم ، ومن هذا ارتفعت التقیّة فی ذلک الزمان بالمرّة ، بخلاف زمان الکاظم علیه السلام فإنّه کان فی غایة الشدّة من التقیّة.

وممّا یؤیّد أیضا أنّ التقیّة تظهر لنا من قول فقهائنا القدماء ، کسائر المرجّحات مثل العدالة والأعدلیة والشهرة بین الأصحاب و [ الشذوذ ] (2) وغیر ذلک ، والقدماء (3) صرّحوا بأنّ هذا الخبر موافق للعامّة ، ولسنا نعمل به ، کما قال الشیخ فی کتابیه وغیره ( ووافقه غیره حتی من المتأخّرین أیضا ، وقال العلاّمة قال ) (4) مع أنّ الشیخ هو الذی روی هذه الروایة ولم یروها غیره ، وهو أعرف بحال ما خرج من یده ، فتدبّر (5).

ص: 56


1- رجال الکشی 1 : 218 ، إرشاد المفید 2 : 159 ، مناقب آل أبی طالب 4 : 197 بحار الأنوار 46 : 222 / 6 ، وفی « ا » : یبقر العلم بقرا.
2- بدل ما بین المعقوفین فی النسخ : الشدّة ، والأنسب ما أثبتناه.
3- فی « أ » و « و » زیادة : ما.
4- التهذیب 2 : 162 ، الاستبصار 1 : 313 ، وانظر الذکری : 189 ، والحبل المتین : 229 ، والمفاتیح 1 : 133 ، وکشف اللثام 1 : 216 ، وراجع ص 48 - 49 ، وما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
5- فی « ب » و « ج » و « د » زیادة : مع أنّه مرّ عن العلاّمة أنّ الاستحباب مذهب الجمهور کافّة.

ومن المرجّحات أنّ الراوی زرارة ، وورد فیه : « أنّ أحدا لیس بأصدع بالحقّ منه » (1) وورد فیه وفی نظرائه : « أنّهم حفّاظ دین الله وأمناء فی حلال الله وحرامه ، لولا هؤلاء لاندرست آثار النبوّة ، وأنّه إذا أراد بأهل الأرض سوءا صرف بهم ، [ هم ] نجوم شیعتی ، بهم یکشف الله کلّ بدعة ، ینفون عن هذا الدین انتحال المبطلین وتأویل الغالین » (2) إلی غیر ذلک من أمثال ما ذکر. مع اشتهار أصله عند الشیعة کالشمس ، وخصوصا هذا الحدیث ، لما عرفت من الاشتهار التامّ والإجماعات المنقولة ، لو لم یکن هنا إجماع یقینی ، مع أنّ الظاهر ذلک ، فتأمّل ، ومرّ أنّ فعل الرسول یجب اتباعه فی المقام وما یخالف السنّة وطریقته یجب طرحه ، إلی غیر ذلک.

قوله : لأنّ الثانیة أوضح سندا وأظهر دلالة. ( 3 : 358 ).

هذا أیضا فاسد ، لأنّ روایة زرارة رواها الشیخ رحمه الله بطریق صحیح ( فی التهذیب وبطریق صحیح ) (3) فی الاستبصار مفتیا فی کلّ واحد من کتابیه بمضمون هذه الصحیحة ، والصدوق أیضا رواها بطریق صحیح مفتیا بمضمونه ، والطریق فی غایة الصحّة ، ویعضد هذه الصحیحة صحیحة أخری رواها عن زرارة عن الباقر علیه السلام ذکرناها (4).

ویعضدها أیضا : ما رواه فی الکافی فی الصحیح أنّه سئل الصادق علیه السلام عن القراءة خلف الإمام ، فقال : « أمّا الصّلاة التی لا یجهر فیها بالقراءة فذلک

ص: 57


1- التهذیب 2 : 6 / 10 ، الاستبصار 1 : 219 / 776 ، رجال الکشی 1 : 355 ، الوسائل 4 : 60 أبواب أعداد الفرائض ب 14 ح 5.
2- رجال الکشی 1 : 136 ، 137 ، 398 ، الوسائل 27 : 142 - 145 أبواب صفات القاضی ب 11 ح 14 ، 21 ، 25 ، وما بین المعقوفین أضفناه من المصدر.
3- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».
4- راجع ص 50.

جعل إلیه فلا تقرأ خلفه ، وأمّا التی یجهر فیها فإنّما أمر بالجهر لینصت من خلفه (1). الحدیث.

ویعضدها أیضا : ما ورد فی غیر هذه الصحیحة من الأخبار الکثیرة من لفظ « تجهر » فیها و « لا تجهر » (2) الظاهر فی الاستمرار شرعا الظاهر فی کون المقرّر کذلک فی الشرع.

ویعضدها أیضا : أنّ الصدوق روی فی الفقیه - مع ضمانه صحّة جمیع ما یروی فیه - عن الفضل ، عن الرضا علیه السلام : العلّة التی جعل من أجلها الجهر فی بعض الصلوات دون بعض أنّ الصلاة التی یجهر إنّما هی فی أوقات مظلمة فوجب ان یجهر فیها لیعلم المار أنّ هناک جماعة (3). وفی الفقیه أیضا عن الصادق علیه السلام بطریقه إلیه : علّة الجهر فی صلاة الجمعة والمغرب والعشاء والفجر أنّ الله تعالی أمر نبیّه بالإجهار فیها لکذا وکذا (4) ، فتأمّل.

هذا مضافا إلی أنّ هذه الصحیحة والصحیحة الأخری أفتی بمضمونها جمیع الأصحاب سوی شاذّ منهم علی النهج الذی ذکرنا فی الحاشیة السابقة ، بل ذکرنا فی صدر المسألة الإجماع علی مضمونها ، کما نقل الشارح رحمه الله الإجماع کذلک ، إلی غیر ذلک ممّا مرّ فی الحاشیتین ، مضافا إلی ما ورد فی الأخبار ، وأنّ زرارة کان أصدع بالحقّ من غیره ، وأنّه لولاه لاندرست آثار النبوة ، إلی غیر ذلک ممّا ظهر من الرجال.

ص: 58


1- الکافی 3 : 377 / 1 ، الوسائل 8 : 356 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 5.
2- انظر الوسائل 8 : 355 أبواب صلاة الجماعة ب 31.
3- الفقیه 1 : 204 / 927 ، الوسائل 6 : 82 أبواب القراءة فی الصلاة ب 25 ح 1.
4- الفقیه 1 : 202 / 925 ، الوسائل 6 : 83 أبواب القراءة فی الصلاة ب 25 ح 2.

وأمّا صحیحة علی بن جعفر فلم یروها غیر الشیخ ، وهو أعرف بحالها من الشارح وغیره البتّة ، ولم یفت بها بل صرّح بأنّها واردة فی مقام التقیّة ( ولم یفت بها غیره أیضا ، لعدم روایتهم إیّاها ، بل من قال بعدم الوجوب صرّح بأنّه مستحبّ مؤکّد ، وهذه ینفی الاستحباب أیضا بظاهرها ) (1).

وأمّا کونها أظهر دلالة ففاسد أیضا ، لأنّ ظاهرها عدم رجحان الجهر فی ما یجهر فیه أصلا ورأسا ، وهذا مخالف للإجماع من الکلّ ، وهذا مضعّف للدلالة بالبدیهة ، للاحتیاج إلی التأویل ، والمؤوّل لیس بحجّة ، مع کونه مذهب العامّة ، بل الحجّة إنّما هو الظاهر والظاهر متروک ، مضافا إلی ما فی متنها من الاختلاف والتشویش ، کما لا یخفی علی من لا حظ الکتابین ، فتأمّل ، ومرّ عن الشارح رحمه الله أنّ الحدیث الذی ظاهره متروک لا یکون حجّة (2).

وأمّا الاعتضاد بالأصل - فمع أنّه محلّ نزاع ، إذ قال بعض الأصحاب : إنّه سبب للمرجوحیّة (3) کما ذکر فی محلّه - معلوم أنّ الأصل ( لا یجری فی العبادات ، ومع ذلک ) (4) لا یقاوم الدلیل والمرجّحات الشرعیة ، وإلاّ لینسدّ باب الفقه بالمرّة ، کما لا یخفی.

مع أنّ اشتغال الذمّة الیقینی مستصحب شرعا حتی یثبت خلافه وحتی یتحقّق عرفا إطاعته ، ولا یثبت (5) الخلاف فی العبادات التوقیفیة إلاّ

ص: 59


1- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».
2- المدارک 3 : 351.
3- انظر مبادئ الوصول : 237.
4- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
5- فی « ا » زیادة : دلائل.

أن یراعی الجهر والإخفات ، کما مرّ عن الشارح نظائره.

وأمّا قوله : وظاهر القرآن ، ففیه ما عرفت من أنّه لو لم یضرّه لم ینفعه.

علی أنّ الظاهر من القرآن حرمة الجهر من حیث إنّه جهر ، وکذا الإخفات من حیث إنّه إخفات ، ولفظ : ( صلاتک ) مطلق لا عموم فیه بحسب اللفظ ، بل مقتضی ما هو بحسب اللفظ الصلاة فی الجملة ، فلا یخرج من جهته ما هو مقتضی لفظ ( لا تَجْهَرْ ) و ( لا تُخافِتْ ) ( خصوصا بعد ملاحظ فعل الرسول صلی الله علیه و آله ) (1) فظاهر الآیة من مؤیّدات روایتی زرارة ومبعّدات روایة علی بن جعفر ، کما لا یخفی ، سیّما مع ظهورها من قول النبی صلی الله علیه و آله وفعله وفعل الأئمة علیه السلام .

قوله : لا یجب علیهنّ الجهر فی موضع الجهر. ( 3 : 358 ).

تخصیص عدم الوجوب بالجهر ربما یشعر بأنّ الإخفات لیس کذلک ، وأنّه واجب علیهنّ فی الموضع الذی یجب علی الرجل ، ولا دلیل علی هذا ، والأصل براءة ذمّتها ، وهو مقتضی الإطلاقات والعمومات ، وما دل علی وجوب مراعاة الإخفات مختصّ بالرجل ، ویدل علی وجوب مراعاة الجهر أیضا من دون تفاوت أصلا.

وقال مولانا المقدّس الأردبیلی : لا دلیل علی وجوب الإخفات علیها (2). وفی الذخیرة : ربما أشعر بعض العبارات بثبوت التخییر لها (3) ، والظاهر أنّ الأمر کذلک ، وإن کان الأحوط إخفاتها فی الظهرین وأخیرتی

عدم وجوب الجهر علی المرأة

ص: 60


1- ما بین القوسین أثبتناه من « و ».
2- مجمع الفائدة 2 : 228.
3- الذخیرة : 275.

المغرب والعشاء ، فتأمّل.

قوله (1) : وللکلام فی ذلک محلّ آخر. ( 3 : 359 ).

فیه : أنّه علی تقدیر ثبوت النهی لا فساد أیضا ، لتعلّقه إلی أمر خارج عن الصلاة.

قوله : لأنّ المشهور من شعار الشیعة الجهر بالبسملة. ( 3 : 360 ).

الصدوق فی أمالیه قال : من دین الإمامیة الإقرار بأنّه یجب الجهر بالبسملة عند افتتاح الفاتحة ، وعند افتتاح السورة بعدها (2).

وفی عیون أخبار الرضا : أنّه علیه السلام کتب للمأمون من محض الإسلام : « الإجهار ببسم الله الرحمن الرحیم فی جمیع الصلوات [ سنّة ] (3) ».

وفی کشف الغمّة : قال أبو حاتم : روی عبد العزیز بن الخطاب عن عمرو بن شمر عن جابر قال : أجمع آل الرسول صلی الله علیه و آله علی الجهر ببسم الله الرحمن الرحیم ، وأن لا یمسحوا علی الخفّین ، قال ابن خالویه : هذا مذهب الشیعة ومذهب أهل البیت علیه السلام (4) ، انتهی.

وفی الخصال فی باب شرائع الدین ، عن الأعمش عن الصادق علیه السلام : « أنّ الإجهار ببسم الله الرحمن الرحیم فی الصلاة واجب » (5).

وفی العیون فی روایة رجاء بن أبی ضحّاک : أنّ الرضا علیه السلام کان یجهر

مستحبات القراءة

الجهر بالبسملة

ص: 61


1- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
2- أمالی الصدوق : 511.
3- عیون أخبار الرضا علیه السلام 2 : 120 / 1 ، الوسائل 6 : 76 أبواب القراءة فی الصلاة ب 21 ح 6 ، وما بین المعقوفین أضفناه من المصدر.
4- کشف الغمة 1 : 43.
5- الخصال : 603 / 9 ، الوسائل 6 : 75 أبواب القراءة فی الصلاة ب 21 ح 5.

ببسم الله الرحمن الرحیم فی جمیع صلواته باللیل والنهار (1).

وفی روضة الکافی فی خطبة أمیر المؤمنین علیه السلام التی یشکو فیها عن الناس ، قال علیه السلام : « لو أمرتهم بالجهر ببسم الله الرحمن الرحیم إذا لتفرّقوا عنّی » (2).

ویظهر ممّا ذکر أنّ العامّة کانوا متحاشین عن الجهر به کذلک ، فربّما یظهر أنّ الجهر ببسم الله کان داخلا فی روایتی زرارة الصحیحتین ، فاحتمل وجوبه مطلقا ، کما هو رأی ابن البرّاج ، بل لا یخلو من قوّة ، لأنّ المذکور فیهما لفظ « ینبغی » ولا شکّ فی أنّ الجهر فیها ممّا ینبغی بملاحظة ما ذکرنا. وحمل « ینبغی » علی الواجب خلاف الظاهر ، بل یوجب الحزازة ، وقد أشرنا إلی ذلک فی مسألة وجوب السورة ، فتأمّل.

قوله (3) : أنّه یستحب القراءة فی الصلاة بسور المفصّل. ( 3 : 362 ).

روی الکلینی بسنده إلی سعد الإسکاف أنّه قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : « أعطیت السور الطوال مکان التوراة ، والمئین مکان الإنجیل ، وأعطیت المثانی مکان الزبور ، وفضّلت بالمفصّل ثمان وستّون سورة ، وهو مهیمن علی سائر الکتب » الحدیث (4) ، فتأمّل جدّا.

قوله : أنّ أفضل ما یقرأ فی الفرائض. ( 3 : 364 ).

قراءة السور المعیّنة

ص: 62


1- عیون أخبار الرضا علیه السلام 2 : 178 / 5 ، الوسائل 6 : 76 أبواب القراءة فی الصلاة ب 21 ح 7.
2- الکافی 8 : 58 / 21 ، بتفاوت فی العبارة.
3- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و ».
4- الکافی 2 : 601 / 10 ، البحار 89 : 27 / 31.

وفی العیون عن أبی الحسن الصائغ [ عن عمّه ] (1) أنّ الرضا علیه السلام من المدینة إلی خراسان کان یقرأ فی الفریضة فی الرکعة الأولی الحمد وإنا أنزلناه ، وفی الثانیة الحمد وقل هو الله أحد (2).

وکذلک روی رجاء بن أبی ضحّاک ، إلاّ أنّه قال : « إلاّ فی الغداة والظهر والعصر یوم الجمعة فالجمعة والمنافقون ، وفی عشائها الآخرة فی الأولی الجمعة ، وفی الثانیة سبّح اسم ربّک الأعلی ، وغداة الاثنین والخمیس هل أتی علی الإنسان فی الأولی ، وهل أتاک حدیث الغاشیة فی الثانیة » (3).

وفی الاحتجاج عن الصاحب علیه السلام : « إذا ترک سورة فیها الثواب وقرأ التوحید والقدر لفضلهما ، اعطی ثوابهما وثواب السورة التی ترک » (4).

وربما کان فیه إشعار بکون التوحید فی الأولی والقدر فی الثانیة ، عکس ما ظهر من الروایة السابقة ، وورد هذا العکس فی الحدیث الصحیح الطویل الذی ذکره فی الکافی فی بحث الأذان (5) ، والکلّ حسن ، والله یعلم.

قوله : قراءة الغاشیة. ( 3 : 364 ).

ظهر لک مستنده.

قوله (6) : هذا قول الشیخ فی النهایة والمبسوط. ( 3 : 364 ).

مرّ فی الحاشیة السابقة ما له دخل فی المقام.

قوله : مرفوعة حریز. ( 3 : 366 ).

ص: 63


1- ما بین المعقوفین أضفناه من المصدر.
2- العیون 2 : 206 ، البحار 82 : 34.
3- العیون 2 : 178 / 5 ، الوسائل 6 : 156 أبواب القراءة فی الصلاة ب 70 ح 10.
4- الاحتجاج : 482 ، الوسائل 6 : 79 أبواب القراءة فی الصلاة ب 23 ح 5.
5- الکافی 3 : 482 / 1 ، الوسائل 6 : 78 أبواب القراءة فی الصلاة ب 23 ح 2.
6- هذه الحاشیة واللتان بعدها لیست فی « ب » و « ج » و « د ».

ومرّ ذلک عن الرضا علیه السلام أیضا.

قوله : الجمعة والمنافقین. ( 3 : 366 ).

وقال فی أمالیه : من دین الإمامیة الإقرار بأنّه یجب أن یقرأ فی صلاة الظهر یوم الجمعة بالجمعة والمنافقین ، فبذلک جرت السنّة (1). وفی کلامه إشعار بأنّهم ما کانوا یصلّون صلاة الجمعة ، وإلاّ فهی أولی بأن یقرأ فیها الجمعة والمنافقون ، فتأمّل.

قوله : اختلف الأصحاب فی قول آمین فی أثناء الصلاة. ( 3 : 371 ).

قال الصدوق فی أمالیه : من دین الإمامیّة أنّه لا یجوز قول آمین بعد فاتحة الکتاب (2).

قوله : فقد تقدّم الکلام فیه مرارا. ( 3 : 373 ).

قد عرفت أنّه إجماع منقول بخبر الواحد ، وحجّة عند من یقول بحجیّة خبر الواحد ، ودلیلها دلیلها ، ویعضده ما نقلناه عن الصدوق.

قوله (3) : أنّ آمین من کلام الآدمیین. ( 3 : 373 ).

لعلّ مراد الشیخ أنّ « آمین » اسم للفعل ، مثل صه ونحوه ، وهذا إجماعی عند أهل العربیة ، بل بدیهی ، فلا یلزم من تجویز « اللهم استجب » فی الصلاة تجویز ما هو شبهه (4) ، فإنّه من کلام الآدمیّین ، یعنی الکلام الذی لا یناسب وقوعه فی العبادة التوقیفیة ، کما لا یناسب أن یکبّر للإحرام بلفظ : « خدا بزرگتر » کما هو طریقة الشیعة.

قراءة الجمعة والمنافقین فی ظهری الجمعة

مسائل فی القراءة

حرمة قول « آمین » فی آخر الحمد

ص: 64


1- انظر الأمالی : 512.
2- انظر الأمالی : 512.
3- هذه التعلیقة واللتان بعدها لا توجد فی « أ ».
4- فی « ج » و « د » : اسمه.

والحاصل : أنّ فقهاءنا متفقون علی جواز الدعاء فی الصلاة وعدم جواز کلام الآدمیین فیها ، وعند فقهائنا آمین من کلام الآدمیین علی قیاس المهملات ، مثل جسق ، فتأمّل ، فإنّه لیس بدعاء ، وأمّا آمین فهو اسم لما یفهم منه الدعاء ولیس نفسه ، فتأمّل.

قوله : وقد صرّح بذلک. ( 3 : 373 ).

حال آمین حال الله أکبر من کلّ شی ء ، أو أکبر من أن یوصف ، فمع أنّ معنی « الله أکبر » هو الذی قلنا لا یجوز أن یکبّر للإحرام بالمعنی المذکور بلا شکّ ، بل لا یجوز أن یقول : الله أکبر بضمّ الراء بقطع همزة الوصل منه ، والحال فی المقام أیضا کذلک ، والعلّة واحدة ، ویجوز قول : آمین ، لو جوّز تغییر قول : الله أکبر ، بل لفظ : الله أکبر ، بالنحو الذی ذکرنا ، فتدبّر.

قوله : إنّما توجّه إلی أمر خارج عن العبادة فلا یقتضی فسادها. ( 3 : 373 ).

العبادة توقیفیة لا بدّ من ثبوت ماهیتها من الشرع ، فإذا منع الشارع عن فعل شی ء فی أثنائها وفعل فیه لم تکن هذه العبادة هی التی أمرنا الشارع ، کما أشرنا فی : الله أکبر من کلّ شی ء ، فإنّ وقوع : من کلّ شی ء فیها یوجب عدم معلومیة کون هذه الصلاة هی التی أمرنا الشارع ، مثل إذا منع الطبیب عن إدخال شی ء فی معجون أو دواء لم یجعل ذلک المعجون الدواء الذی أمر الطبیب به ، بل فعله غیره.

قوله : والأولی حمل هذه الروایة علی التقیّة. ( 3 : 374 ).

بل یتعین ، لما عرفت ممّا ذکرناه فی مسألة وجوب السورة والجهر والإخفات وغیرهما.

قوله : وکثرة استعمال النهی فی الکراهة. ( 3 : 374 ).

ص: 65

فیه ما فیه ، فإنّ مداره علی إثبات الحرمة بمجرّد النهی ، وکثرة الاستعمال لا یوجب رفع الید عن الحقیقة ، کما هو الحال فی ألفاظ العموم وغیرها ، مع أنّه من المسلّمات : ما من عامّ إلاّ وقد خصّ.

قوله : لا تفوت به الموالاة قطعا. ( 3 : 375 ).

لا یخفی أنّه لم ینقل عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه کان یقرأ القدر الیسیر ، وحاله وحال الکثیر واحد بالقیاس إلی المنقول منه صلی الله علیه و آله نعم إطلاقات الأوامر الواردة بالقراءة تشمل ما ذکره قطعا ، والإطلاق حجّة ، ویکفی لکون المقصود والمعنی معلوما معروفا.

قوله : ویتوجّه علیه منع کون ذلک مقتضیا للبطلان. ( 3 : 375 ).

فیه : أنّ العبادة توقیفیة ، وإطلاق القراءة ینصرف إلی الفرد الشائع ، ولا عموم فیه ، مع أنّه رحمه الله لم یتمسّک بالإطلاق بل بالتأسّی ، ولا شکّ فی أنّه علیه السلام ما کان یفعل کذلک ، فالآتی لم یکن آتیا بالمأمور به ، کما عرفت مرارا ، فتأمّل.

قوله : ما ذکره المصنف. ( 3 : 377 ).

فی الفقه الرضوی : « ولا تقرأ فی الفریضة : والضحی وألم نشرح ، وألم تر ولإیلاف ، ولا المعوّذتین ، فإنّه قد نهی عن قراءتهما فی الفرائض ، لأنّه روی أنّ الضحی وألم نشرح سورة واحدة ، وکذلک ألم تر کیف ولإیلاف سورة واحدة بصغرها ، وأنّ المعوذّتین من الرقیة لیستا من القرآن أدخلوهما فی القرآن ، وقیل : إنّ جبرئیل علّمه رسول الله ، فإن أردت بعض هذه السور الأربع فاقرأ الضحی وألم نشرح ولا تفصل بینهما ، وکذلک ألم

وجوب الموالاة فی القراءة
وحدة سورتی « الضحی » و « ألم نشرح » و سورتی « الفیل » و « الإیلاف »

ص: 66

تر کیف ولإیلاف » (1) وسیجی ء عن المصنّف والشارح أنّ المعوّذتین من القرآن (2) ، فما هنا محمول علی الاتّقاء ، فتأمّل.

والصدوق رحمه الله فی أمالیه قال : من دین الإمامیّة الإقرار بأنّ الضحی وألم نشرح سورة واحدة ، وکذا ألم تر ولإیلاف ، وأنّه لا یجوز التفرّد بواحدة منهما فی رکعة واحدة (3). وفی الفقیه قال مثل ذلک (4).

والمرتضی فی الانتصار صرّح بذلک ، وقال : إنّه ممّا انفردت به الإمامیّة عن غیرهم (5).

وفی کتاب القراءات لأحمد بن محمد بن سیار : روی البرقی عن القاسم بن عروة ، عن أبی العبّاس ، عن الصادق علیه السلام قال : « الضحی وألم نشرح سورة واحدة » والبرقی عن القاسم بن عروة ، عن شجرة أخی بشیر النبّال ، عن الصادق علیه السلام : « ألم تر ولإیلاف سورة واحدة » ومحمد بن علی ابن محبوب عن أبی جمیلة ، عنه علیه السلام مثله (6).

وفی مجمع البیان عن العیّاشی بسنده إلی المفضّل بن صالح عن الصادق علیه السلام قال : « لا تجمع بین سورتین فی رکعة واحدة إلاّ الضحی وألم نشرح ، ولإیلاف وألم تر » ، وعن أبی العباس عن أحدهما علیهماالسلام قال : « ألم تر ولإیلاف سورة واحدة » ، وروی أنّ ابیّ بن کعب لم یفصل بینهما فی مصحفه (7) ، انتهی.

ص: 67


1- فقه الرضا علیه السلام : 112 ، المستدرک 4 : 164 أبواب القراءة فی الصلاة ب 7 ح 3.
2- المدارک 3 : 383.
3- أمالی الصدوق : 512.
4- الفقیه 1 : 200.
5- الانتصار : 44.
6- المستدرک 4 : 163 أبواب القراءة فی الصلاة ب 7.
7- مجمع البیان 5 : 543.

فقد عرفت الأخبار والإجماعات ، ومعلوم أنّ الخبر المنجبر بالشهرة حجّة فضلا عن الأخبار المنجبرة بالإجماعات. مضافا إلی تصریح الأصحاب مثل المصنف وغیره بروایة ذلک عن الأئمّة علیه السلام (1) ، مع أنّ المنع عن القرآن مطلقا والأمر بالقران فیها شاهد علی الاتّحاد ومؤیّد.

وفی شرح الإرشاد لمولانا الأردبیلی : نقل عن کتاب أحمد بن محمد البزنطی : سمعت الصادق علیه السلام یقول : « لا تجمع بین سورتین فی رکعة واحدة إلاّ الضحی وألم نشرح ، والفیل ولإیلاف » (2).

قوله : والنهی هنا الکراهة. ( 3 : 377 ).

قد سبق الکلام فیه ، مضافا إلی ما ذکرنا هاهنا (3).

قوله : تسمیتهما سورتین. ( 3 : 378 ).

إنّما هی بالقیاس إلی ما عرفت بین الناس ، وإلاّ فقد عرفت أنّهما سورة واحدة.

وما ورد فی بعض الأخبار عن زید الشحّام قال : « صلّی أبو عبد الله علیه السلام فقرأ فی الاولی والضحی ، والثانیة ألم نشرح » (4) یمکن أن یکون تلک الصلاة نافلة ، أو أنّه وقع وهم من بعض الرواة ، لأنّه روی عن زید المذکور بطریق صحیح قال : صلّی بنا أبو عبد الله علیه السلام فقرأ بنا بالضحی وألم نشرح (5) والظاهر کونهما فی رکعة واحدة ، فتأمّل.

قوله : وهو الظاهر من کلام ابن أبی عقیل. ( 3 : 379 ).

ص: 68


1- انظر التبیان 10 : 371.
2- مجمع الفائدة 2 : 243.
3- راجع ص 42 - 46.
4- التهذیب 2 : 72 / 265 ، الوسائل 6 : 54 أبواب القراءة فی الصلاة ب 10 ح 3.
5- التهذیب 2 : 72 / 264 ، الوسائل 6 : 54 أبواب القراءة فی الصلاة ب 10 ح 2.

وبه قال الشهید فی الدروس وغیره (1) ، ونسب بعض العلماء الصدوق إلیه ، وهو الظاهر فی الفقیه فی کتاب الصلاة فی النسخة المشهورة المتداولة (2) ، وإن کان روی روایة التسع فی کتاب الجماعة (3) ، ولذا نسب العلاّمة القول بالتسع إلی والد الصدوق (4).

قوله : ولم نقف له علی مستند. ( 3 : 379 ).

قال الشیخ المفلح : مستند الأقوال الروایات ، یعنی هذین القولین وغیرهما ، ومستند الاثنتی عشرة الفقه الرضوی ، وقد ذکرنا عبارته عند قول المصنف : والمصلّی بالخیار فی کل ثالثة. (5) ، والروایة التی رواها فی العیون (6) ، وهی معتبرة ، لتضمّنها أحکاما کثیرة مفتی بها عند القدماء والمتأخّرین ، ونهایة الشیخ کلّ مسألة منها مضمون متن الخبر ، کما لا یخفی علی المطّلع ، ونقلنا عن الشیخ المفلح ما نقلناه.

وروایة الاثنتی عشرة منجبرة بالشهرة بین الأصحاب ، لأنّهم بین قائل بمضمونها بعنوان الوجوب (7) ، وقائل به بالوجوب التخییری مثل المحقق الشیخ علی وجماعة (8) ، وقائل به بالاستحباب ، مثل العلاّمة ومشارکیه (9).

التخییر بین الحمد والتسبیح فی الثالثة والرابعة
ما یُجزی من التسبیح فی الأخیرتین

ص: 69


1- الدروس 1 : 173 ، البیان : 159.
2- الفقیه 1 : 209.
3- الفقیه 1 : 256.
4- المختلف 2 : 164.
5- راجع ص 25.
6- عیون أخبار الرضا علیه السلام 2 : 180 ، الوسائل 6 : 110 أبواب القراءة فی الصلاة ب 42 ح 8 ، ولیس فیهما : « والله أکبر ».
7- کالشیخ فی النهایة : 76 ، والاقتصاد : 261 ، والشهید فی البیان : 83.
8- جامع المقاصد 2 : 256 ، التنقیح 1 : 205.
9- القواعد 1 : 33 ، التحریر 1 : 38 ، غایة المراد 1 : 164 ، کشف اللثام 1 : 218

وقائل بأنّه أحوط مثل المصنّف وجمع ممّن وافقه (1) ، وهو الصواب ، کما ستعرف ، وقائل بأنّه أحد أفراد الواجب المطلق (2) ، فلم یوجد لها رادّ.

ویشهد لها أنّها أقرب إلی سورة الحمد ، والبدل یکون بمقدار المبدل منه أو ما یقاربه بحسب الفهم العرفی ، ولذا تری الفقهاء فی أبواب الفقه یجرون فی البدل جمیع أحکام المبدل منه إلاّ ما أخرجه الدلیل ، مثل الترتیب فی مسح الیدین فی التیمّم وکون الابتداء فیه من الأعلی ، إلی غیر ذلک ، ومن ذلک حکمهم بوجوب الإخفات فی التسبیح.

ویشهد لها أیضا أنّه یظهر من أخبار متعددّة کون التسبیح بمقدار الحمد أو ما یقاربه ، مثل صحیحة معاویة بن عمار التی نقلها الشارح رحمه الله عند قول المصنف : والمصلّی بالخیار. (3) ، وکذا الأخبار الصحیحة الدالة علی أنّ المأموم یجب علیه أن یقرأ خلف الإمام بالحمد والسورة معا فی رکعتیه الأولیین إذا فاتتاه مع الإمام ولحقه فی الأخیرتین (4).

وروایة أبی خدیجة عن الصادق علیه السلام : « إذا کنت إمام قوم فعلیک أن تقرأ فی الرکعتین الأوّلتین ، وعلی الذین خلفک أن یقولوا : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أکبر ، وهم قیام ، فإذا کان فی الرکعتین الأخیرتین فعلی الذین خلفک أن یقرؤوا فاتحة الکتاب ، وعلی الإمام التسبیح مثل ما سبّح القوم فی الرکعتین » (5).

ص: 70


1- منهم الشهید الثانی فی روض الجنان : 261.
2- انظر الجامع للشرائع : 94 والبیان : 188.
3- المدارک 3 : 344.
4- الوسائل 8 : 386 أبواب صلاة الجماعة ، ب 47.
5- التهذیب 3 : 275 / 800 ، الوسائل 6 : 126 أبواب القراءة فی الصلاة ، ب 51 ح 13.

وکذا الأخبار التی سألوا فیها عن المعصوم علیه السلام : ما نصنع فی الرکعتین الأخیرتین؟ فأجاب : « إن شئت فاتحة الکتاب ، وإن شئت فاذکر الله ، وإن شئت فسبّح » (1) من غیر تعیین أصلا لمقدار الذکر والتسبیح ، ومعلوم أنّ مرادهم علیه السلام لیس کفایة مثل سبحان الله مرّة واحدة ، ولا معیّن للمقدار إلاّ المساواة والمقاربة ، کما لا یخفی.

ویشهد أیضا صحیحة عبید بن زرارة : أنّه سأل الصادق علیه السلام عن الرکعتین الأخیرتین ، قال : « تسبّح وتحمد الله وتستغفر لذنبک ، وإن شئت فاتحة الکتاب فإنّها تحمید ودعاء » (2) ومعلوم أنّه إذا اختار الفاتحة تجب قراءة جمیعها ، والظاهر من التعلیل أنّ قرائتها من کونها ذکرا وتسبیحا ، فلو کان التسبیح القلیل کافیا لما کان الحمد بأجمعها واجبة ، بل کان یکفی آیة منها ، فتأمّل جدّا.

قوله (3) : وأبو الصلاح. ( 3 : 379 ).

الظاهر منه علی ما نقله فی المنتهی أنّه قائل بثلاث تسبیحات (4).

قوله (5) : والمستند ما رواه زرارة فی الصحیح. ( 3 : 379 ).

لا یخفی أنّ الصدوق قائل بالاثنتی عشرة ، موافقا لغیره من القدماء ، وفتواه فی الفقیه نص فی ذلک ، وإن کان فی نسخة نادرة یظهر منها التسع ، لکنها غیر المتداولة المشهورة المعروفة ، ولذا نسب فی المختلف التسع إلی

ص: 71


1- التهذیب 2 : 98 / 369 ، الوسائل 6 : 108 أبواب القراءة فی الصلاة ب 42 ح 3.
2- التهذیب 2 : 98 / 368 ، الوسائل 6 : 107 أبواب القراءة فی الصلاة ب 42 ح 1.
3- هذه الحاشیة لیست فی « ج » و « د ».
4- المنتهی 1 : 275.
5- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».

والد الصدوق (1) ، ولم ینسبه إلی الصدوق. مع أنّ عادته العمل بالفقه الرضوی ، بل ونقل عبارته فی مقام فتواه ، والعبارة فی الاثنتی عشرة وعدم جواز نقص منها. وفی المختلف جعل مستند والده غیر هذه الصحیحة وذکر الصدوق هذه الصحیحة فی کتاب صلاة الجماعة مثل ذکره سائر الأخبار التی خلاف ما أفتی ، بل وربما یصرّح بأنّه عادل عنها مفت بغیرها (2) ، ولذا حکم جدّی العلاّمة بأنّه بدا له فی ما ذکره فی أوّل کتابه (3) ، فالصدوق لم یظهر کونه عاملا بها ، بل یظهر خلافه ، ولم یروها غیر الصدوق.

وأمّا والد الصدوق فمستنده غیر هذه ، علی ما صرّح به فی المختلف ، مع أنّ مقتضاها أنّ المأموم لیس علیه القراءة ولا ذکر ولا تسبیح فی الرکعتین الأخیرتین ، ولعلّه لهذا عدل الصدوق عنها ، مضافا إلی مخالفتها الاثنتی عشرة التی صرّح بها الفقه الرضوی ، وهو فی غایة الاعتقاد به ونهایة الاعتماد علیه ، کما لا یخفی علی المطّلع ، وصرّح به جدّی العلاّمة (4) رحمه الله .

وینادی بما ذکرنا أنّ الصدوق روی عقیب هذه الصحیحة الروایة الدالة علی کفایة « سبحان الله » ثلاث مرّات (5) ، مع أنّه لو کان کلّ ما ذکره فتواه لکان مذهبه مطلق الذکر البتّة ، فنسبته إلی القول بالتسع غلط علی أیّ

ص: 72


1- راجع ص 69.
2- انظر الفقیه 2 : 89.
3- روضة المتقین 14 : 350.
4- روضة المتقین 1 : 17 و 204.
5- الفقیه 1 : 256.

حال ، کما لا یخفی.

قوله : لمجرّد اتصال السند. ( 3 : 380 ).

فیه : أنّهم لا یکتفون بهذا ، ولهذا لو کان واسطة النقل ضعیفا یحکمون بالضعف البتّة ، وبسطنا الکلام فی التعلیقة (1).

( مع معارضته لأخبار کثیرة غایة الکثرة ، کثیر منها أصحّ منه سندا ، ومنها ما هو أشهر منه فتوی ، بل لا یکون لها رادّ ظاهرا ، کما مرّ (2) ، ومع ذلک الأخبار الدالة علی کفایة مطلق الذکر وجواز الکلّ أوضح منه دلالة البتّة ، لجواز إرادة کون أربع تسبیحات أیّ نحو تکون ، أو هذا المقدار من الذکر أقلّ ما یجزی ، بل فی مقام الجمع لا محیص عن هذا الاحتمال ، وبملاحظة مجموع الأخبار یظهر ظهورا تامّا کون المراد ما ذکر من الاحتمال جزما ، فلم یکن حینئذ مستند المفید ومن وافقه ) (3).

قوله : وان کانت الروایة الأولی أولی. ( 3 : 381 ).

لا یخفی فساد ما ذکره ، إذ غایة ما یمکن جواز العمل بها ، لا أنّ العمل بها أولی ، مع أنّ الجواز أیضا لا یخلو عن إشکال ظهر لک وجهه فی الحواشی السابقة والآتیة.

والأظهر بالنظر إلی مجموع الأخبار کفایة مطلق الذکر بحسب الکیفیة لا الکمّیة ، کما هو الظاهر عن صاحب البشری (4) ، وأنّه بحسب الکمیّة لا بدّ أن تکون له کمیّة معتدّ بها ، بل وأن تقارب الحمد فی الجملة ، کما هو

ص: 73


1- تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 12.
2- راجع ص 69 - 71.
3- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
4- حکاه عنه فی الذکری : 189.

الحال فی الاثنتی عشرة أو العشرة أو التسع أیضا ، فتأمّل. وکیف کان ، الأحوط اختیار الاثنتی عشرة ، وبعده العشرة ، وبعده التسع ، أو بالعکس.

قوله : والأولی الجمع بین التسبیحات الأربع والاستغفار. ( 3 : 381 ).

لا یخفی ما فیه بعد الحکم بعدم نقاء السند ، ونقله الخبر الصحیح عن الصدوق ، وأنّه عمل به ، وطریقته الاقتصار علی الصحیح لا غیر ، وطریقة الکلّ کذلک إذا کان تعارض ، فإنّهم جمیعا یرجّحون الصحیح علی غیره ، والأصحّ علی الصحیح ، إلاّ أن یرجّح غیر الصحیح بمرجّحات أخر ، هذا مع أنّ ضمّ الاستغفار خلاف مدلول الخبر.

فإن قلت : مدلول الخبر الاجتزاء بالتسبیحات الأربع ، والاجتزاء ظاهر فی صحّة ما زاد ، بل مشعر برجحانه ، فلا مانع من ضمّ الاستغفار.

قلت : إن أردت الأولی والأحوط فلا شکّ فی أنّ الأولی والأحوط العمل بالاثنتی عشرة ، وبعده بالتسع ، بل بضمّ الاستغفار أیضا ، لما فی کلام العلاّمة فی المنتهی من الإشعار بوجود القول بوجوبه (1). وإن أردت الاجتزاء فلا وجه للضمّ أصلا ، سیّما بعد القول بأنّه أولی ، فتأمّل.

قوله : تسویة بینه وبین المبدل. ( 3 : 381 ).

نظره إلی ما أشرنا إلیه من أنّ أهل العرف یفهمون التسویة ، ألا تری الآن أنّ العوام یجزمون بأنّ الفاتحة فی الأخیرتین یجب إخفاتها؟ کما هو مسلّم عند القائلین بوجوب الجهر والإخفات ، ومع هذا إذا قلنا لهم : إن شئت اقرأ الفاتحة وإن شئت فسبّح وهما سواء ، أو قلنا لهم : القراءة أفضل

حکم الإخفات بالتسبیحات

ص: 74


1- المنتهی 1 : 275.

من التسبیح ، أو قلنا لهم عکس ذلک وأمثال هذه الأقوال ممّا ورد فی الأخبار ، ولم ننبّههم أنّ التسبیح لیس مثل القراءة فی وجوب الإخفات ولم نشر إلی ذلک أصلا لا یفهمون غیر المساواة ، وإن شئت فامتحن.

ویؤیّده ورود هذه المضامین فی الأخبار الکثیرة غایة الکثرة ، ومع نهایة کثرتها لم یقع فی شی ء منها إشارة.

وممّا یؤیّده - بل ربما یکون دالا - صحیحة عبید بن زرارة التی ذکرناها فی الحاشیة السابقة المکتوبة علی قول الشارح : ولم نقف علی مستنده. (1) إذ مقتضاها أنّ قراءة الفاتحة إنّما هی من حیث إنّها تحمید وذکر لا من حیث إنّها قراءة الفاتحة ، ولا نزاع فی وجوب الإخفات فیها ، کما أشرنا فتأمّل جدّا.

علی أنّ أخبار التسبیح لیس فیها إلاّ الإطلاق ، والإطلاق لا عموم فیه ، کما هو مسلّم ، نعم یرجع إلی العموم فی مثل الأحکام الشرعیة إذا لم یکن أحد الأفراد أسبق ، ولا نسلّم فی المقام عدم الأسبقیة ، لجواز الأسبقیة علی حسب ما أشرنا.

وبالجملة : الأصل عدم العموم حتی یثبت ، وفی مثل المقام لا نسلّم الثبوت ( سیّما بعد ملاحظة توقیفیة العبادة ) (2) فتأمّل.

قوله : وهو ضعیف. ( 3 : 382 ).

لا یخلو من تأمّل ، لکون العبادة توقیفیة ، ولم یعهد من صاحب الشرع ، وما ذکر من الإطلاق من حیث إنّه لا عموم فیه إلاّ بمعونة القرینة ربما یشکل شموله له ، لانصرافه إلی ما هو المتعارف ، بل هو المتبادر ، نعم

ص: 75


1- راجع ص 71.
2- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

لو قلنا بکفایة مطلق الذکر وأنّه لا یعتبر فیه خصوصیة کیفیة حتی بین القراءة والتسبیح أمکن ، فتأمّل.

قوله : وهو بعید. ( 3 : 385 ).

وإلاّ فهو قائل برکنیته مطلقا.

قوله : فقال فی المعتبر. ( 3 : 385 ).

ونقل الإجماع علی ذلک العلاّمة والشهید وغیرهما من الفقهاء (1).

قوله : فیجب التأسّی به. ( 3 : 385 ).

لا یخفی أنّ الشارح رحمه الله منع مکرّرا کون التأسّی دلیل الوجوب ، وهذه الصحیحة تدل علی أنّ وصول أطراف الأصابع یکفی ، فإن کان المراد من وضع الید وضع شی ء منها فهی تدل ، وإلاّ فلا ، وظاهر عبارة المصنف وصریح عبارة العلاّمة وصول الراحة (2) ، فالحجّة إذن الإجماع المنقول بخبر الواحد ، وهذه الصحیحة تکون حجّة علیهم لا لهم ، بل یجب علیهم طرحها. وصرّح المحقّق الشیخ علی والشهید الثانی بأنّ وصول شی ء من رءوس الأصابع لا یکفی (3).

ویمکن حمل قوله علیه السلام فی الصحیحة : « فإن وصلت أطراف أصابعک. إلی رکبتیک » علی أنّ المراد الوصول إلی مجموع عین الرکبة ، لأنّ من الأصابع الإبهام ، وباقی الأصابع أیضا بینها تفاوت کثیر فی الطول والقصر ، وهو شرط وصول أطراف مجموع الأصابع ، وصحیحة حمّاد

الرکوع

رکنیة الرکوع

وجوب الانحناء فیه وتحدیده

ص: 76


1- المنتهی 1 : 281 ، الذکری : 197 ، وانظر جامع المقاصد 2 : 283 ، والمفاتیح 1 : 138.
2- نهایة الإحکام 1 : 480.
3- جامع المقاصد 2 : 284 ، الروضة البهیة 1 : 270.

لا دلالة فیها علی الوجوب ، مع أنّ نفس الوضع غیر واجب عندهم ، فتأمّل.

قوله : لأنّه بعض الواجب. ( 3 : 386 ).

لعل نظره رحمه الله فی هذا إلی استصحاب الوجوب حال عدم العجز ، وإلاّ یرجع هذا إلی الدلیل السابق ، مع أنّه رحمه الله لا یعمل بحدیث : « المیسور لا یسقط بالمعسور » وما ماثله ، بل دائما یطعن علیها.

قوله : الأظهر أنّ هذه الزیادة علی سبیل الاستحباب. ( 3 : 387 ).

لا یخفی أنّ ما ذکره مبنی علی جریان أصل العدم فی ماهیة العبادات ، والشارح أیضا لا یرضی به ، کما ظهر ممّا سبق وممّا سیجی ء فی مسألة أنّه هل یعتبر فی السجود للعزیمة ما یعتبر فی سجود الصلاة أم لا (1)؟ وغیر ذلک.

مع أنّه معلوم أنّ الواجب علی غیر العاجز لیس الانحناء إلی أقلّ الواجب فقط ، بل الواجب أعمّ منه جزما ، ولذا هو أقل الواجب وأقلّ ما یجزی ، ولو انحنی أکثر منه فلا تأمّل عندهم فی کونه رکوعا مأمورا به ، فعلی هذا یکون الواجب هو الکلّی الذی یکون أقلّ ما یجزی من جملة أفراده ، فإذا عجز عنه لا یسقط عنه التکلیف بالکلّی ( لأنّ العجز عن فرد من الکلّی لا یوجب سقوط التکلیف بالکلّی ) (2) ، بل یجب إیجاده فی الفرد الممکن ، فتأمّل جدّا.

قوله (3) : لأنّا نمنع وجوب الفرق علی العاجز. ( 3 : 387 ).

حکم العاجز عن الانحناء

ص: 77


1- انظر المدارک 3 : 420.
2- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
3- هذه التعلیقة لیست فی « أ ».

فیه : أنّه مأمور بإیجاد الرکوع ، والانحناء الدائم الخلقی لیس إیجادا للانحناء حال الصلاة ، فلا یکون إیجادا للرکوع وهو قادر علی إیجاده باختیار الفرد الذی یمکنه ، فتأمّل جدّا.

قوله : ولا یسقط أحد الواجبین بتعذّر الآخر. ( 3 : 388 ).

فمراده من الأولی هو الوجوب ، وهذا منه یحقق ما ذکرناه فی الحاشیة السابقة من أنّ الواجب علی الراکع خلقة أن ینحنی أزید ، وینافی ما اختاره من الاستحباب ، کما لا یخفی علی المتأمّل.

قوله : وجعلها الشیخ فی الخلاف رکنا. ( 3 : 389 ).

حکم الشیخ بالرکنیة لما یظهر من بعض الأخبار ، مثل روایة أبی بصیر عن الصادق علیه السلام أنّه قال : « إذا رفعت رأسک من الرکوع فأقم صلبک ، فإنّه لا صلاة لمن لا یقیم صلبه » (1). وفی الصحیح عنه عن الصادق علیه السلام أنّه قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام : من لم یقم صلبه فی الصلاة فلا صلاة له » (2).

ومرّ عن الشارح فی بحث وجوب القیام ورکنیته أنّه استدل علی الرکنیة بأنّ من أخلّ بالقیام مع القدرة لا یکون آتیا بالمأمور به علی وجهه (3). ومعلوم أنّ هذا شامل لما نحن فیه ، ومعلوم أیضا أنّ هذه الصحیحة (4) کما تدفع قول الشیخ تدفع القول برکنیة القیام مطلقا ، وإن کنّا أجبنا هناک بجوابین ، إلاّ أنّ أحد الجوابین لا یتمشّی فی المقام ، وهو أنّ

بحث حول رکنیة القیام المتصل بالرکوع

ص: 78


1- انظر المدارک 3 : 388.
2- الکافی 3 : 320 / 4 ، الوسائل 6 : 321 أبواب الرکوع ب 16 ح 1.
3- انظر المدارک 3 : 326.
4- یعنی صحیحة زرارة : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة. ».

الفرض نادر الوقوع غایة الندرة ، والأخبار محمولة علی غیر هذه الفروض ، بل الجواب الثانی أیضا یشکل أن یتمشّی هنا ، فتأمّل.

وکیف کان ، الأحوط مراعاة مذهب الشیخ رحمه الله لأنّ التعارض من باب العموم من وجه.

قوله : فقال : الواجب الذکر مطلقا. ( 3 : 390 ).

لکن المشهور وجوب التسبیح ، ونقل الشیخ فی الخلاف الإجماع علی ذلک (1) ، وکذا السید رحمه الله فی الانتصار (2) ، وابن زهرة فی الغنیة (3) ، لکن عبارة الصدوق فی أمالیه أنّ من دین الإمامیة الإقرار بأنّ القول فی الرکوع والسجود ثلاث تسبیحات - إلی أن قال - : ومن لم یسبّح فلا صلاة له ، إلاّ أن یهلّل أو یکبّر أو یصلّی علی النبی صلی الله علیه و آله بعدد التسبیح ، فإنّ ذلک یجزیه (4). ویستفاد منها أنّ الأصل هو التسبیح ، والذکر یجزی عنه.

قوله : أن یقول : « سبح سبح سبح ». ( 3 : 390 ).

أی یسارعون ویستعجلون إلی أن یقع منهم الاندماج (5) التامّ فی سبحان الله ثلاثا ، کأنّه لا یظهر من قولهم وکلامهم سوی سبح سبح سبح بضمّ السین وسکون الباء.

قوله : مذکور فی کتب الرجال ، لکن لم یرد فیه مدح. ( 3 : 392 ).

إلاّ أنّها متأیّدة بأخبار صحاح تتضمّن أنّ أقلّ ما یجزی ثلاث

وجوب التسبیح فی الرکوع

ص: 79


1- الخلاف 1 : 349.
2- الانتصار : 45.
3- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 558.
4- أمالی الصدوق : 512.
5- فی « ج » و « د » : الاندراج.

تسبیحات.

قوله (1) : واعلم أنّ کثیرا من الأخبار لیس فیها لفظ وبحمده. ( 3 : 392 ).

فی صحیحة زرارة (2) وصحیحة حماد (3) المشهورتین لفظ « وبحمده » موجود ، وکذا فی صحیحة عمر بن أذینة المرویة فی الکافی فی علّة أمر الأذان والصلاة (4) ، وهی مشهورة مستجمعة لجمیع أجزاء الصلاة التی أمر الله تعالی نبیّه صلی الله علیه و آله فی العرش ، وجعلها وظیفة مقرّرة من الشرع ، والصدوق أیضا رواها فی العلل فی باب علّة الأذان والصلاة بطرق متعدّدة صحیحة ووساطة الأجلاّء الأعاظم الکثیرین عن ابن أذینة (5).

وکذا موجود فی روایة إسحاق بن عمار التی رواها فی العلل عن الکاظم علیه السلام فی باب علّة کون الصلاة رکعتین وأربع سجدات (6).

وکذا فی روایة هشام بن الحکم عن الصادق علیه السلام فی ذلک الباب (7).

وکذا فی باب علّة کون التکبیرات الافتتاحیة سبعا عن هشام عن الکاظم علیه السلام (8).

وکذا فی روایة أبی بکر الحضرمی المرویة فی التهذیب وغیره ،

وجوب ضمّ « وبحمده » إلی التسبیحة الکبری

ص: 80


1- هذه التعلیقة لیست فی « أ ».
2- لا یوجد هذا اللفظ فی صحیحته المشهورة الواردة فی بیان أفعال الصلاة.
3- الکافی 3 : 311 / 8 ، التهذیب 2 : 81 / 301 ، الوسائل 5 : 459 أبواب أفعال الصلاة ، ب 1 ح 1.
4- الکافی 3 : 482 / 1 ، الوسائل 5 : 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.
5- علل الشرائع : 312 / 1.
6- علل الشرائع : 334 / 1 ، الوسائل 5 : 468 أبواب أفعال الصلاة ، ب 1 ح 11.
7- علل الشرائع : 335 / 2.
8- علل الشرائع : 332 / 4.

وذکرها الشارح (1).

وکذا فی صحیحة زرارة وحسنته عن الباقر علیه السلام قال : « إذا أردت أن ترکع فقل وأنت منتصب : الله أکبر ، ثمّ ارکع وقل : اللهم لک رکعت » إلی آخر قوله : « ولا مستحسر ، سبحان ربّی العظیم وبحمده ، ثلاث مرّات » ، الحدیث ، ورواها کذلک فی التهذیب ، والصدوق روی بالمضمون المذکور بتفاوت فی الذکر قبل التسبیح المذکور (2).

وفی الموثّق کالصحیح عن ابن بکیر عن حمزة بن حمران والحسن ابن زیاد ، قالا : دخلنا علی أبی عبد الله علیه السلام وعنده قوم فصلّی بهم العصر فعددنا فی رکوعه « سبحان ربّی العظیم » أربعا أو ثلاثا وثلاثین مرّة ، وقال أحدهما فی حدیثه : « وبحمده » فی الرکوع والسجود سواء (3).

ویظهر من هذه وجه الجمع بین الأخبار الکثیرة الصریحة فی وجود لفظ وبحمده ، ونادر من الأخبار الذی لم یذکر فیه اللفظ صریحا ، وهو المسامحة فی ترک تتمة الذکر تخفیفا للتعبیر عنه ، اتّکالا علی الظهور من الخارج ، کما نقول : بسم الله ، ونرید : بسم الله الرحمن الرحیم ، وأمثال ذلک ، إذ لا شکّ فی أنّ الرسول صلی الله علیه و آله کان یقول هذا اللفظ فی رکوعه وسجوده ، والمسلمون تابعوه فی ذلک ، وشاع وذاع فی الأعصار والأمصار إلی أن ادعی الإجماع من ادعی واتفق فتاوی الکلّ علی ذلک.

وعرفت أنّ وجه ذکر الرسول إیّاه لهما أنّ الله أمره بذلک حین علّمه

ص: 81


1- المدارک 3 : 392.
2- الکافی 3 : 319 / 1 ، الفقیه 1 : 205 ، التهذیب 2 : 77 / 289 ، الوسائل 6 : 295 أبواب الرکوع ب 1 ح 1.
3- الکافی 3 : 329 / 3 ، التهذیب 2 : 300 / 1210 ، الوسائل 6 : 304 أبواب الرکوع ب 6 ح 2.

کیفیة الصلاة فی العرش ، فصنعه وجعله سنّة جاریة إلی یوم القیامة ، وکذلک کان الأئمّة علیه السلام بعده ، کانوا یذکرون ویدامون.

وتظافر الأخبار بذلک ، کما أشرنا إلی بعضها ، مع أنّ بعضه هو المشهور المعروف المتداول بین جمیع الفقهاء ، المذکور فی أکثر الکتب المعتبرة ، مثل صحیحة حماد وصحیحة زرارة وما مثلهما ، وبعضها بطرق صحاح فی غایة المتانة ، مع القرائن الکثیرة مثل صحیحة ابن أذینة ، مع أنّها فی کلّ جزء جزء من الصلاة بیّن العلة فی اعتباره فی الصلاة ، والکلّ معتبر عند الکلّ.

والعجب أنّ الشارح باعتبار هذین الخبرین یقول : کثیر من الأخبار خال عنه ، مع ما عرفت من وهن الدلالة علی الخلوّ ، بل بالتأمّل فی ما ذکرنا ظهر لک عدم الخلوّ.

وممّا یؤیّد أنّ صحیحة الحبلی فی مقام ذکر المستحبات ، فکیف یترک أهمّ المستحبات وأشدّها لو فرض استحبابه؟ ولیس ذکر الواجب إلاّ نادرا غایة الندرة فی جنب باقی الأذکار ، وقریب منه الکلام فی روایة هشام ، لعدم مقصودیتها فی الذکر الواجب ، بل واجبه ، قلیل. مع أنّ استحباب قول : سمع الله لمن حمده ، عند رفع الرأس وشدّة استحبابه یشهد علی ذکر : وبحمده ، فی الرکوع علی سبیل التعارف.

وممّا یشهد علی ما ذکرنا أنّ العلاّمة فی المنتهی عند ذکر وجوب الذکر فی الرکوع والسجود وقدر ذلک الذکر نقل من العامّة روایتهم عن ابن مسعود أنّ النبی صلّی الله علیه قال : « إذا رکع أحدکم فلیقل ثلاث مرّات

ص: 82

سبحان ربّی العظیم وبحمده » (1) ، وعن حذیفة بعد أنّه سمع الرسول صلی الله علیه و آله إذا رکع یقول : « سبحان ربّی العظیم وبحمده » (2).

ثمّ قال : اتفق الموجبون للتسبیح من علمائنا علی أنّ الواجب من ذلک سبحة کبری وصورتها : سبحان ربّی العظیم وبحمده ، أو ثلاث صغریات صورتها : سبحان الله ، هذا مع الاختیار ، ومع الاضطرار یجزی الواحدة من الصغری.

ثم استدل علی إجزاء الواحدة الکبری للمختار بروایة هشام بن سالم التی ذکرها الشارح ، واستدل علی إجزاء ثلاث من الصغری بصحیحة معاویة بن عمار بن الصادق علیه السلام الاجتزاء بواحدة من الصغری مستفاد من الإجماع.

ثم قال : ویستحب أن یقول فی رکوعه : سبحان ربّی العظیم وبحمده ، وفی سجوده : سبحان ربّی الأعلی وبحمده ، ذهب إلیه علماؤنا أجمع.

لعل مراده استحباب اختیار الأولی فی الرکوع ، والثانیة فی السجود ، وإن جاز العکس ، أو کون المستحب کون ذلک ثلاث مرّات ، وسقط هذا فی ما سیجی ء.

قال : وتوقّف أحمد فی زیادة : وبحمده ، وأنکرها الشافعی وأبو حنیفة ، لنا ما رواه الجمهور عن حذیفة أنّ الرسول صلی الله علیه و آله کان یقول فی رکوعه : « سبحان ربّی العظیم وبحمده » ، وفی سجوده : « سبحان ربّی الأعلی وبحمده ».

ص: 83


1- سنن الدار قطنی 1 : 341 / 1.
2- سنن الدار قطنی 1 : 341 / 2.

ثمّ قال : ویستحب للإمام التخفیف فی التسبیح ، وقال الثوری : ینبغی للإمام أن یقول خمسا لیدرک المأموم ثلاثا ، لنا ما رواه الجمهور عن عتبة بن عمار قال : کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا رکع قال : « سبحان ربّی العظیم » ثلاثا ، وإذا سجد قال : « سبحان ربّی الأعلی » ثلاثا ، ومن طریق الخاصّة (1).

إلی آخر ما قال ، فتدبّر ، فإنّ فیه شواهد علی ما ذکر وفوائد متعدّدة.

قوله : ومقتضی ذلک الاستحباب وبه قطع فی المعتبر. ( 3 : 393 ).

ویحتمل أن یکون إشارة إلی التامّة المعهودة ، کما تعارف الآن التعبیر بها کذلک اختصارا ، وربما یؤیّده أنّه ورد فی بعضها : أنّها التامّة (2) ، یعنی سبحان ربّی العظیم (3) وسبحان ربّی الأعلی ، فتأمّل.

والأحوط مراعاة مذهب الشیخ فی التهذیب ، وإنّ المثلّث التامّ ربما یکون فیها احتیاط مّا ، فتأمّل.

قوله : تفسیر : معنی سبحان ربّی. ( 3 : 393 ).

فی صحیحة هشام بن الحکم أنّه سأل الصادق علیه السلام : ما معنی سبحان الله؟ قال : « أنفة لله » (4) ألا تری أنّ الرجل إذا أعجب من الشی ء قال : سبحان الله؟ فتأمّل.

ویظهر من هذا أنّ أعاظم الأصحاب ربما کانوا لا یعرفون المعنی مع

إشارة إلی معنی التسبیح

ص: 84


1- المنتهی 1 : 283 - 283.
2- التهذیب 2 : 76 / 283 ، الاستبصار 1 : 323 / 1205 ، الوسائل 6 : 299 أبواب الرکوع ب 4 ح 2.
3- فی « ج » و « د » زیادة : وبحمده.
4- الکافی 1 : 188 / 10 ، التوحید : 312 / 2 ، معانی الأخبار : 9 / 1 ، البحار 90 : 176.

أنّهم من الفحول من العرب.

قوله (1) : قال : « تکبیرة واحدة ». ( 3 : 394 ).

وفی علل الفضل بن شاذان ذکر مرّتین : - مرّة فی علّة رفع الید فی التکبیرات ، و [ مرّة فی ] (2) علّة کون صلاة المیّت خمس تکبیرات - عنهم علیه السلام : أنّ التکبیر المفروض فی الصلاة لیس إلاّ واحدة (3). ویستفاد من الروایتین المنجبرتین بالشهرة العظیمة أنّ سائر التکبیرات مستحبة وإن ورد الأمر بها.

قوله : ولا ریب فی الجواز. ( 3 : 395 ).

لا یخلو من تأمّل ، نعم ببالی أنّ بعض الروایات ورد کذلک (4) ، إلاّ أنّه ضعیف.

قوله : فهو قول معظم الأصحاب. ( 3 : 395 ).

بل قال الصدوق رحمه الله فی أمالیه : من دین الإمامیّة الإقرار بأنّه یستحبّ رفع الیدین فی کلّ تکبیرة فی الصلاة (5).

قوله (6) : بوجوب رفع الیدین فی تکبیرات الصلاة کلها. ( 3 : 395 ).

ربما کان مراده بالوجوب ما ذکره الشیخ : أنّ الوجوب عندنا علی ضربین : ضرب علی ترکه العقاب ، وضرب علی ترکه العتاب (7). بل هذا

حکم التکبیر للرکوع

مستحبات الرکوع

رفع الیدین بالتکبیر

ص: 85


1- هذه التعلیقة لیست فی « أ ».
2- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.
3- علل الشرائع : 264 ، و 267.
4- انظر الوسائل 6 : 296 أبواب الرکوع ب 2.
5- أمالی الصدوق : 511.
6- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
7- التهذیب 1 : 112 و 4 : 18.

هو الظاهر ، لعدم قائل من الإمامیّة بالوجوب ، فضلا عن إجماعهم علیه.

قوله : کما هو مذهب ابنی بابویه. ( 3 : 396 ).

لکن المحقّق فی المعتبر ادّعی أنّ مذهب علمائنا عدم الاستحباب (1) ، والشهید فی الذکری استقرب استحبابه ، ومع ذلک قال : وعلیه جماعة من العامة (2). فیظهر من کلامهما ومن الأخبار الظاهرة فی عدم استحبابه مثل صحیحتی زرارة وحمّاد ورود هذین الصحیحین علی التقیّة ، ومرادی من صحیحة زرارة ما سیذکرها الشارح ، فإنّها مع استجماعها لجمیع الآداب والمستحبّات لم یذکر فیها هذا الرفع ، بل ذکر الرفع حال إرادة السجود والهویّ خاصّة ، وکذا الحال فی صحیحة حماد ، بل دلالتها أظهر ، کما لا یخفی.

ویدل علیه أیضا صحیحة زرارة الطویلة فی مجموع آداب الصلاة (3) ، لکن دلالتها أضعف ، وتتقوی الدلالات بفتاوی المعظم والإجماع المنقول.

قوله (4) : إنّ السبع نهایة الکمال. ( 3 : 397 ).

وفی الرضوی : أو تسعا (5) أیضا ، کما أقرّ به بعض الفقهاء.

قوله : وروی الکلینی. ( 3 : 39 ).

بل فی بعض الأخبار أنّ الصادق علیه السلام سبّح فی سجود فی الصلاة خمسمائة تسبیحة (6).

التسبیح ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو

ص: 86


1- المعتبر 2 : 199.
2- الذکری : 199.
3- الکافی 3 : 334 / 1 ، الوسائل 5 : 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
4- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».
5- فقه الرضا علیه السلام : 106 ، المستدرک 4 : 423 أبواب الرکوع ب 4 ح 2.
6- الکافی 8 : 143 / 111 ، الوسائل 6 : 379 أبواب السجود ب 23 ح 6.

قوله : ربّنا لک الحمد. ( 3 : 399 ).

« وإن کان وحده إماما أو غیره قال : سمع الله لمن حمده ، الحمد لله ربّ العالمین » (1) انتهی.

قوله : ویشهد لهما أیضا. ( 3 : 402 ).

فی الاستشهاد بالروایتین تأمّل.

قوله (2) : إذ لا قائل بوجوبه. ( 3 : 405 ).

نسب إلی ابن الجنید القول بوجوبه فی المفاتیح (3) ولم نعرف مأخذه.

قوله : یخرج بذلک عن الهیئة المنقولة عن صاحب الشرع.

( 3 : 407 ).

إن أراد أنّ الظاهر المنقول عن صاحب الشرع الاستواء العرفی ، ففیه بعد التسلیم ینافی فتواهم وما نقل عن الشیخ. وإن أراد غیر ذلک ، ففیه أیضا ما فیه ، لأنّه حوالة علی أمر مجهول غیر ثابت ، فما فعله فی المنتهی أصوب.

قوله : وهو مشترک بین جماعة. ( 3 : 407 ).

الظاهر أنّه الهیثم بن أبی مسروق الفاضل (4) ، بقرینة روایة ابن محبوب عنه ، فالحدیث من الحسان التی هی حجّة ، کما حقّق ، مع أنّه منجبر بعمل الأصحاب ، والصحیح مهجور أو محمول علی الاستحباب.

السمعلة بعد رفع الرأس

السجود

وجوب السجود علی الأعضاء السبعة

عدم جواز کون موضع السجود أعلی من قدر لبنة

النهدی الذی یروی عنه ابن محبوب هو : الهیثم بن أبی مسروق الفاضل

ص: 87


1- تتمّة روایة محمد بن مسلم.
2- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».
3- المفاتیح 1 : 143.
4- انظر رجال الکشی 2 : 670.

قوله (1) : روایتا حریز وزرارة. ( 3 : 409 ).

لعلّه توهّم.

قوله : وهو بعید جدّا. ( 3 : 410 ).

لأنّ المیسور لا یسقط بالمعسور ، وما لا یدرک.

قوله : وروی زرارة فی الصحیح عن أبی جعفر علیه السلام . ( 3 : 411 ).

قال الصدوق فی أمالیه : من دین الإمامیة أنّه لا یجوز وضع الرکبتین علی الأرض قبل الیدین (2).

وکذا یظهر من الشیخ فی التهذیب (3) ، فتأمّل.

قوله (4) : وأقلّ مراتب الأمر الاستحباب. ( 3 : 411 ).

لأنّه إذا تعذّر الحقیقة فالحمل علی أقرب المجازات متعیّن.

قوله : وقد أجمع علماؤنا. ( 3 : 411 ).

لا یخفی أنّ الإرغام سنّة ، ووضع الأنف علی ما یصح السجود سنّة مؤکّدة ، والأوّل أفضل ، ویؤدّی الأخیر بالأوّل.

قوله : وهو معارض بما رواه الشیخ عن زرارة. ( 3 : 413 ).

ربما یظهر من بعض الأخبار أنّ عدم الجلوس لأجل التقیّة ، وهو روایة أصبغ بن نباتة : أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام کان إذا رفع رأسه من السجود قعد حتی یطمئنّ ثم یقوم ، فقیل له : یا أمیر المؤمنین کان من قبلک أبو بکر

حکم السبق بالیدین إلی الأرض عند الهویّ للسجود

مستحبات السجود

مساواة موضع السجود للموقف
الإرغام بالأنف
أن یجلس عقیب السجدة الثانیة مطمئنّاً

ص: 88


1- هذه الحاشیة والتی بعدها لیست فی « ا ».
2- أمالی الصدوق : 512.
3- التهذیب 2 : 78 و 79.
4- هذه الحاشیة لیست فی « أ ».

وعمر إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نهضوا علی صدور أقدامهم کما ینهض الإبل ، فقال علیه السلام : « إنّما یفعل ذلک أهل الجفاء من الناس ، إنّ هذا من توقیر الصلاة » (1) فکیف یصحّ أن یکونا من أهل الجفاء؟

ویشهد علی ذلک روایة رحیم أنّه قال للرضا علیه السلام : أراک إذا رفعت رأسک من السجود تستوی جالسا ثم تقوم ، فنصنع کما تصنع؟ فقال : « لا تنظروا إلی ما أصنع أنا ، اصنعوا ما تؤمرون » (2) وجه الشهادة ظاهر علی المتأمّل.

وما ذکر ربما یؤیّد کلام السید رحمه الله ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ روایة أصبغ ظاهرة فی الاستحباب ، ومثل هذا الإجماع من السید لا وثوق به ، والاحتیاط عدم الترک بلا شبهة.

قوله (3) : وقال المفید رحمه الله . ( 3 : 414 ).

مستند المفید ما فی الاحتجاج للطبرسی ، عن الصاحب علیه السلام : « إنّ فی القیام من التشهّد الأوّل حدیثین ، أمّا أحدهما : فإنّه إذا انتقل من حالة إلی حالة اخری فعلیه التکبیر ، وأمّا الآخر : فإنّه روی إذا رفع رأسه من السجدة الثانیة وکبّر ثم جلس ثم قام فلیس علیه فی القیام تکبیر ، وکذلک التشهّد الأوّل یجری هذا المجری ، فبأیّهما أخذت من جهة التسلیم کان صوابا » (4).

قوله : عن معاویة بن عمار ومحمد بن مسلم. ( 3 : 415 ).

الدعاء عند القیام إلی الرکعة الأخری

ص: 89


1- التهذیب 2 : 314 / 1277 ، الوسائل 6 : 347 ، أبواب السجود ب 5 ح 5.
2- التهذیب 2 : 82 / 304 ، الاستبصار 1 : 328 / 1230 ، الوسائل 6 : 347 أبواب السجود ب 5 ح 6.
3- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».
4- الاحتجاج : 483 ، الوسائل 6 : 362 أبواب السجود ب 13 ح 8.

لعل مرادهما إقعاء الکلب ، کما رویا ، فتأمّل.

قوله : « لا تقع فی الصلاة بین السجدتین کإقعاء الکلب ». ( 3 : 415 ، 416 ).

لا یخفی ما فی الاستدلال بهذه ، ویمکن حمل الموثق أیضا علی إقعاء الکلب لهذه الصحیحة ، ولعدم مناسبة التأکید بقوله : « إقعاء » وکذا الوحدة ، فیکون المراد نوعا منها ، وللجمع بین هذه الصحیحة وصحیحة الحلبی ، سیّما والراوی فی الروایتین واحد ، فتأمّل.

لکن یمکن الحمل علی النوع ، ویکون المراد نفی جمیع الأنواع ، لکونه نکرة فی سیاق النفی.

ویمکن الحمل علی التأکید ، ویکون المراد تأکید النهی ، فتأمّل ، إذ الظاهر منه أنّه الذی ذکره الفقهاء لفهمهم ، ویحصل منه الظنّ البتّة ، مضافا إلی دعواهم الإجماع ، وأنّ العامّة لا یعدّونه مکروها ، بل یرتکبونه ، وإن کانوا نقلوا عن الرسول صلی الله علیه و آله المنع عن الإقعاء ، لأنّهم یحملونه علی إقعاء الکلب (1) ، وهذا أیضا من المؤیّدات ، فإنّ الأئمّة علیه السلام کانوا یأمرون بمخالفتهم مهما تیسّر ، وهم یخالفون الشیعة مهما أمکنهم.

ویؤیّده أیضا أنّ إقعاء الکلب بین السجدتین فی غایة الصعوبة بحیث لا یکاد یرتکبه أحد حتی یحتاج إلی المنع منه ، سیّما والتأکید فی المنع ، بخلاف ما ذکره الفقهاء ، فإنّه فی غایة السهولة ، سیّما فی مقام العجلة یرتکبونه ، وخصوصا العامّة ، لما عرفت ، مع أنّ الحمل علی التأکید غیر مناسب علی أیّ حال ، فالأظهر أنّ النهی عن جمیع الأفراد ، مع أنّ النکرة

کراهة الإقعاء بین السجدتین

ص: 90


1- انظر سنن الترمذی 1 : 174 ، 175 ، وسنن البیهقی 2 : 119 ، 120 ، وبدایة المجتهد 2 : 142 ، 143.

فی سیاق النفی تفید العموم. علی أنّ المطلق ینصرف إلی الأفراد الشائعة ، فکیف یصرف إلی ما لا یتحقّق؟

فظهر أنّ الإقعاء بمعنییه مکروه ، کما یظهر من ابن الجنید (1) بل الفقهاء أیضا ، وعدم تصریحهم لعله لما ذکرناه من عدم الارتکاب حتی یحتاج إلی المنع.

قوله : « إیّاک والقعود علی قدمیک. » ( 3 : 416 ).

غیر معلوم کون المراد منه الإقعاء ، وکذا جریان العلّة ، وهی عدم الصبر فی غیر التشهّد الطویل ، نعم دلالته علی المنع من الإقعاء فی التشهّد الطویل ظاهرة.

قوله : « لا بأس بالإقعاء بین السجدتین ». ( 3 : 416 ).

الأظهر أنّه الذی ذکره الفقهاء فتأمّل.

قوله : واحتجّ علیه فی المعتبر. ( 3 : 417 ).

فی هذا الاحتجاج ما لا یخفی ، نعم یصلح کونها مؤیّدة للدلیل ، وهو الإجماع.

وفی الفقه الرضوی : « فإن کان علی جبهتک علّة لا تقدر علی السجود فاسجد علی قرنک الأیمن ، فإن تعذّر فعلی قرنک الأیسر ، فإن لم تقدر فاسجد علی ظهر کفّک ، فإن لم تقدر فاسجد علی ذقنک » (2) ثمّ استشهد بالآیة (3).

ولعلّ قوله : « فإن لم تقدر فاستجد علی ظهر کفّک » من غلط النسخة ،

حکم من کان بجبهته دمل

ص: 91


1- انظر الذکری : 202.
2- فقه الرضا علیه السلام : 114 ، المستدرک 4 : 459 أبواب السجود ب 10 ح 1.
3- الإسراء : 107.

أو یکون علیلا من علّة أخری ، ولذا لم یفت بها إلاّ فی شدّة الحرّ. نعم أفتی به الصدوقان حیث قالا : یحفر الحفیرة من فی جبهته دمل ، فإن کان علّة تمنعه عن السجدة سجد علی قرنه الأیمن ، فإن عجز فعلی قرنه الأیسر ، فإن عجز سجد علی ظهر کفّه ، وإن لم یقدر فعلی ذقنه (1). ولا یخفی أنّ مستند الصدوقین هو عبارة الفقه الرضوی.

قوله (2) : ولم أقف فیه علی نص یعتدّ به. ( 3 : 419 ).

روایة أبی بصیر ظاهرة فیه ، إذ لا معنی للإباحة فی ما هو من العبادات ، فتدبّر.

قوله : فتعاد علیه مرارا فی المقعد الواحد. ( 3 : 419 ).

لا یخفی ظهوره فی صورة الاستماع ، مع أنّ المعلّمین حالة التعلیم یسمعون البتّة ، فلا وجه لاستدلاله لصورة السماع. وموثقة أبی عبیدة صحیحة أیضا بسند آخر رواه الکلینی (3).

قوله : وقد نقل الصدوق عن شیخه ابن الولید. ( 3 : 420 ).

قد ذکرنا مکرّرا أنّ هذا من ابن الولید لا یقتضی طعنا علی الثقتین الجلیلین ، وباقی القمیین طعنوا علی ابن الولید ، کما نقله هنا ، ونقله أهل الرجال أیضا (4) ، ویؤیّد هذه الروایة الأصل.

قوله : لعدم دلیل یدل علی الاشتراط. ( 3 : 420 ).

هذا بناء علی کون لفظ العبادة اسما للأعمّ من الصحیحة والفاسدة ، أو

وجوب السجود عند قراءة العزائم علی القارئ والمستمع
بحث حول ما ذکره الصدوق من أنّه لا یعمل بما تفرّد محمد بن عیسی عن یونس.
اشتراط الطهارة والستر والاستقبال فی سجود العزائم

ص: 92


1- انظر الفقیه 17561 ، والمقنع : 26.
2- هذه التعلیقة والتی بعدها لیست فی « ا ».
3- الکافی 3 : 106 / 3 ، الوسائل 2 : 340. بواب الحیض ب 36 ح 1.
4- انظر رجلا النجاشی : 333 / 896 و : 348 / 939 ورجال ابن داود : 275 / 474 والخلاصة 1426 / 22.

یکون اسما للصحیحة لکن یتمسّک لعدم شرط بأصالة العدم ، وأمّا لو قیل بعدم التمسّک فیتعیّن الستر والاستقبال ، وأمّا الطهارة من الحدث والخبث فلا ، لما دل علی أن الحائض تسجد (1). ( لکن عرفت عدم الوجوب علیها (2) ، فلعلّ استحبابها اقتضی عدم لزوم الطهارة ، فتأمّل ) (3).

قوله : وفی اشتراط وضع الجبهة. نظر. ( 3 : 420 ).

هذا بناء علی توقّفه فی جریان أصل العدم فی ثبوت ماهیة العبادة ، لأنّ الأمور المذکورة إن کانت ثابتة تکون أجزاء للعبادة داخلة فی ماهیتها ، أو یحتمل أن تکون (4) أجزاءها وإن احتمل الشرطیة فی جمیعها أو بعضها ، وکیف کان ، توقّف هنا فی جریان أصل العدم فی ثبوت الماهیة وأجزائها وحکم بالجریان فی الشرط الخارج ، وإن کان فی بعض المقامات یحکم بالجریان فی الماهیة أیضا ، وربما یتوقّف فی الشرط أیضا ، فتأمّل.

وعلی أیّ حال ، الأحوط مراعاة الجمیع إلاّ ما ثبت عدم وجوب مراعاته ، للإشکال فی جریان الأصل فی العبادات ، والإشکال فی کون أسامیها أسامی الأعمّ ، وشغل الذمّة الیقینی یستدعی البراءة الیقینیة أو العرفیة.

قوله (5) : لعدم التوقیت. ( 3 : 421 ).

هذا هو الأظهر ، لأنّ الفوریة لا تستلزم التوقیت بلا تأمّل ، فإنّها أعمّ ، فإذا ظهر أنّ بعد فوات وقت وجود السبب لا بدّ من الإتیان ظهر عدم

اشتراط وضع الجبهة علی ما یصح السجود علیه
فوریّة وجوب سجود العزائم

ص: 93


1- انظر الوسائل 2 : 340 أبواب الحیض ب 36.
2- راجع ج 1 : 386.
3- ما بین القوسین لیس فی « أ ».
4- فی « أ » و « و » زیادة : العبادة.
5- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».

التوقیت ، ولذا لم یقل المعصوم علیه السلام : فلیقضها ، وقال : « یسجد ».

قوله : انحصار الواجب من التشهّد فی ما ذکره المصنّف. ( 3 : 426 ).

فی أمالی الصدوق ، أنّه قال : من دین الإمامیة الإقرار بأنّه یجزئ فی التشهّد الشهادتان والصلاة علی النبی وآله ، فما زاد تعبّد (1). والمحقق أیضا نقل الإجماع علی وجوب الصلاة علی النبی وآله (2).

فما ذکره فی الفقیه لعله بناء علی ظهور الحال فی أنّ الناس یصلّون عقیب اسم الرسول صلی الله علیه و آله ، ومنه یظهر الجواب عمّا ورد فی الأخبار ، جمعا بینها وبین الإجماع المنقول والأخبار المتضمّنة لها ، فتأمّل.

قوله : وقال فی کتاب من لا یحضره الفقیه. ( 3 : 426 ).

فی الکافی فی الحدیث الصحیح فی بحث الأذان : « بسم الله وبالله ، ولا إله إلاّ الله ، والأسماء الحسنی کلّها لله » (3) مستحب فی التشهّد مطلقا.

قوله : وقال الشیخان. ( 3 : 429 ).

قال المفید فی المقنعة فی صلاة الوتر : إنّ التسلیم فی رکعتیه لا یجوز ترکه (4). وقال فی التهذیب عند ذکره ذلک : عندنا أنّ من قال : السلام علینا ، فی التشهد فقد انقطعت صلاته ، فإن قال بعد ذلک : السلام علیکم ، جاز ، وإن لم یقل جاز (5). وبه جمع بین ما دل علی وجوب التسلیم فیهما وما دل علی التخییر. وهذا إشارة إلی أنّ العامّة لا یجعلون : السلام علینا ،

التشهد

ما یجزئ من الشهادتین

وجوب الصلاة علی النبی وآله

ص: 94


1- انظر أمالی الصدوق : 512.
2- المعتبر 2 : 226.
3- انظر الکافی 3 : 486.
4- لم نعثر علیه فی المقنعة ، وهو موجود فی التهذیب 2 ، 127.
5- التهذیب 2 ، 129.

مخرجا (1) ، ویظهر ذلک من الخارج ومن الأخبار الأخر (2) أیضا ، ولذا تری العامّة یذکرونه فی التشهد الأوّل أیضا ، والخاصّة یترکونه فیه ، مع أنّه لم یعهد من الشیعة اختصاص ما ذکر بالوتر ، وکذا العامّة ، بل ظاهر أنّ الأمر لیس کذلک ، وظاهر عبارة الشیخ أیضا عدم الاختصاص ، وأنّ مراده القاعدة فی الصلاة من حیث هی هی.

وسیجی ء فی الشرح الآتی بعد هذا الشرح ما یتمّ التوضیح ، وسیظهر لک أنّ المعهود عند الخاصّة والعامّة فی ما سبق أنّهم إذا قالوا : التسلیم ، یریدون منه : السلام علیکم ، وأنّه الظاهر من الأخبار ، ووجهه أنّ العامة لمّا کانوا قائلین بأنّ : السلام علینا ، من أجزاء التشهّد ولیس بتسلیم شاع وذاع ذلک منهم بحیث تحقّق الاصطلاح ، کما هو الحال عندنا الآن فی : السلام علیک أیّها النبی ورحمة الله وبرکاته ، لیس بسلام بل من تتمّة التشهّد ، ولمّا کان الحکم مخالفا للحق أظهر الأئمّة علیه السلام ذلک بأنّ من قال : السلام علینا ، یخرج من الصلاة البتّة ، ومع ذلک ربما لم یتعرّضوا لفساد الاصطلاح ، بل وتابعوا ذلک الاصطلاح فی تعبیرهم ، إمّا تقیّة ، کما یحتمل فی بعض المواضع ، أو مماشاة وبناء علی أنّه لا مشاحّة فی الاصطلاح بعد ما یعلم أنّ الخروج یتحقّق ب : السلام علینا ، فلذا نبّهوا علی الخروج به وأطلقوا التسلیم علی خصوص : السلام علیکم ، تبعا للاصطلاح ، وإن کان فی بعض صرّحوا بأنّ التسلیم هو : السلام علینا ، کما ستعرف.

ولعلّه من هذا وقع التوهّم فی کون التسلیم مستحبا ، أو واجبا خارجا ، أو مستحبا خارجا ، فتأمّل.

التسلیم

أدلّة القائلین باستحباب التسلیم والجواب عنها

ص: 95


1- انظر المجموع للنووی 3 : 355.
2- انظر الوسائل 6 : 409 أبواب التشهّد ب 12.

والصدوق فی أمالیه قال : من دین الإمامیة الإقرار بأنّ التسلیم فی الصلاة یجزئ مرّة واحدة مستقبل القبلة ویمیل بعینه إلی یمینه ، ومن کان فی جمع من أهل الخلاف یسلّم تسلیمتین : تسلیمة عن یمینه ، وتسلیمة عن یساره کما یفعلون ، للتقیّة (1). انتهی.

قوله : وما رواه الشیخ. ( 3 : 430 ).

استدلاله بهذا الخبر وأمثاله فی عدم وجوب التسلیم فی غایة الغرابة ، بل هو غفلة ، لأنّه علیه السلام قال : « ثم ینصرف » ، ولم یقل : انصرفت ، والظاهر من الأوّل أنّه طلب منّا الإتیان بالانصراف وتحصیله لو لم نقل بدلالته علی وجوب الإتیان به ، لأنّ الجملة الخبریة فی أمثال المقام بمعنی الأمر ، کما اعترف به الشارح مرارا (2) ، ودلالتها علی الطلب لا تأمّل فیه ، فإذا طلب منّا تحصیل الانصراف وإیجاد ماهیته فلا جرم یکون الانصراف غیر حاصل وغیر موجود ما لم یوجد ویحصل ، لاستحالة تحصیل الحاصل ، فعلی هذا یکون الخبر صریحا فی عدم خروجنا عن الصلاة بعد التشهّد ، وبقائنا فیها حتی نأتی بالمخرج ، فلم نخرج إلاّ بالتسلیم ، إذا لا مخرج بعده غیره وفاقا ، ولا یظهر من الأخبار أیضا غیره.

علی أنّه سنذکر الأخبار الدالة علی أنّ المراد من الانصراف التسلیم.

علی أنّا نقول : لا شکّ فی أنّ المراد من الانصراف لیس الانتقال من موضع الصلاة إلی غیره ، بل إمّا الفراغ والخروج أو الإتیان بالتسلیم ، والثانی مثبت للمطلوب ، والأوّل لا یصیر مکلّفا به ومطلبوبا إلاّ بفعل اختیاری ، وهو إمّا بالتسلیم فیثبت المطلوب أیضا ، أو بغیره فیلزم خلاف الإجماع بل

ص: 96


1- أمالی الصدوق : 512.
2- انظر المدارک 1 : 211 و 2 : 84.

ضروری الدین ، إذ السلام مطلوب بالضرورة من الدین ، فکیف یؤمر المکلف بترکه ویطلب منه الخروج بغیره معیّنا؟ فتعیّن أن یکون المراد الخروج (1) ( بالتسلیم ).

علی أنّ الذی یظهر من الأخبار أنّ الانصراف عنها یکون بالتسلیم ، کما أنّ افتتاحها یکون بالتکبیر ، فالظاهر من « انصرف » هو الظاهر من « افتتح ».

ویعضده أنّ المدار فی الأعصار والأمصار کان علی التسلیم فی الانصراف ، فإنّه کان ذلک طریقة الرسول والأئمّة علیه السلام والمعروف من الأمّة من ابتداء الشرع إلی زمان صدور الروایة.

ویعضده أیضا أنّ بالتسلیم یصدق الانصراف ، قطعا ، ویقال لمن سلّم : إنّه انصرف إجماعا ، کما هو الحال فی الافتتاح بالتکبیر علی النحو المعهود الذی ذکر فی مبحث التکبیر ، بخلاف من لم یسلّم وأتی بما ینافی الصلاة عوض التسلیم ، إذ لم یظهر بعد أنّه یقال له : انصرف عن الصلاة ، بعنوان الحقیقة ، أو إنّه أفسد الصلاة ، وقد عرفت أنّها عبادة توقیفیة لا طریق للعرف ولا للّغة ولا غیرهما إلیها ، فلئن سلّمنا أنّه یقال عرفا : إنّه انصرف عنها ، علی سبیل الحقیقة لم یظهر بعد نفعه ، فضلا عن أنّه لم یظهر أصلا ، لو لم نقل بظهور خلافه لتوقیفیة العبادة ، وقد عرفت ثمرتها ، کما أنّ من قال : « الله أعظم » أو « خدا بزرگتر » ، أو کبّر لا بالنحو المعهود لم یظهر أنّه افتتح الصلاة ، بل صلاته فاسدة ، کما اعترف به الشارح فی مبحث التکبیر (2) وغیره.

ص: 97


1- من هنا إلی قوله : المعصوم علیه السلام فی ص 98 ، لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
2- المدارک 3 : 319.

علی أنّک عرفت أنّ الانصراف بعنوان التسلیم کان هو المشهور المتعارف قطعا ، والإطلاق ینصرف إلی المتعارف جزما ، وهو مسلّم عند الشارح ومن وافقه ، بل الکلّ ، کما حقّق ، ولا شکّ فی أنّه علیه السلام أمر بالانصراف المطلق ، وقد عرفت أنّه أعمّ من کونه بالتسلیم وبغیره - لو لم نقل بالاختصاص بالتسلیم ، کما ظهر وجهه وسیظهر أیضا - فکیف یدل علی کون المراد هو الانصراف لا بالتسلیم؟ لأنّ العامّ لا یدل علی الخاصّ جزما ، مع ما عرفت من الفساد القطعی فی إرادة لا بالتسلیم ، هذا حال الروایة فی نفسها ، فکیف إذا صارت [ معارضة ] (1) للأدلّة الکثیرة الدالة علی وجوب التسلیم وکون الانصراف والتحلیل به؟ کما ستعرف بعضها ، ووجه الجمع یظهر من صریح کلام المعصوم علیه السلام ).

وحمل قوله علیه السلام : « ثمّ تنصرف » و : « ینصرف » علی مجرّد الإخبار بالخروج بنفس الفراغ من التشهد بعید یأباه الذوق السلیم ، ( وکون الأصل فی الألفاظ الحمل علی الحقیقة والظاهر ) (2) ، سیّما بعد ملاحظة کلمة « ثمّ » فی الأوّل ، وقوله علیه السلام : « ویدع الإمام » بل و : « یتشهّد » أیضا فی الثانی ، ولو سلّمنا عدم البعد فکونه أقرب محلّ منع ، سیّما بعد ملاحظة ما ذکرنا وما سنذکر ، فتأمّل جدّا.

قوله : ثمّ تنصرف ( 3 : 430 ).

لا یخفی أن المراد بالانصراف هو الإتیان بالسلام ، کما یظهر من الأخبار ، منها : صحیحة الحلبی عن الصادق علیه السلام : « کلّ ما ذکرت الله عزّ وجلّ والنبیّ صلی الله علیه و آله فهو من الصلاة ، فإن قلت : السلام علینا وعلی عباد الله

ص: 98


1- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة المعنی.
2- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

الصالحین ، فقد انصرفت » (1) وروایة أبی کهمس ، عنه علیه السلام أنّه سأله عن : السلام علیک أیّها النبی ورحمة الله وبرکاته ، انصراف هو؟ قال : « لا ، ولکن إذا قلت : السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین ، فهو انصراف » (2).

علی أنّ السلام مستحب بلا شبهة ، بل ومن وکید السنن ، إن لم یکن واجبا ، و « تنصرف » جملة خبریة بمعنی الأمر ، عطف علی قوله صلوات الله علیه : « قل : اشهد. » فکیف یأمر المعصوم علیه السلام بترک التسلیم؟ فلا شکّ فی أنّ المراد هو ما ذکرناه.

ویشهد أیضا صحیحة الفضلاء ، ولعل المراد منها صلاة المأموم خلف الإمام ، کما یظهر من الأخبار (3) ، أو أنّ المراد من مضی الصلاة مضی معظمها ، بحیث کأنّه لم یبق شی ء منها ، یعنی لا یحتاج فی حال الاستعجال إلی قوله : السلام علیک ، أو الصلاة علی النبی صلی الله علیه و آله ، ممّا قال القائل بوجوبه ، أو أنّ السلام واجب خارج عن الصلاة ، کما قال صاحب البشری (4) وغیره ، فتأمّل.

وأمثال هذه الأحادیث تدل علی وجوب [ السلام ] (5) کما ستعرف.

وممّا یؤیّد ما ورد فی الأخبار : « إذا انصرفت من الصلاة فانصرف عن یمینک » (6) والوارد فی الأخبار وکلام الفقهاء استحباب ذلک فی السلام

ص: 99


1- الکافی 3 : 337 / 6 ، التهذیب 2 : 316 / 1293 ، الوسائل 6 : 426 أبواب التسلیم ب 4 ح 1.
2- الفقیه 1 : 229 / 1014 ، التهذیب 2 : 316 / 1292 ، الوسائل 6 : 426 أبواب التسلیم ب 4 ح 2.
3- ولعل الشیخ فهم کما ذکرنا ، لأنّه روی بعد هذه الروایة المتضمّنة لما ذکرناه صریحا. ( منه قدس سره ) انظر التهذیب 2 : 317 / 1299.
4- حکاه عنه فی الذکری : 208.
5- بدل ما بین المعقوفین فی النسخ : السورة ، والظاهر ما أثبتناه.
6- الفقیه 1 : 245 / 1090 ، الوسائل 6 : 500 أبواب التعقیب ب 38.

لا غیر ، فتأمّل.

وممّا یشهد علی ما ذکرنا أنّ محمد بن مسلم سأل المعصوم علیه السلام - بعد ما قاله - إنّ التحیات. کیف حالها؟ فأجاب بأنّها « لطف من الدعاء یلطف العبد ربّه » (1) فلو کان فهم عدم وجوب التسلیم أیضا لکان هو أولی بالسؤال بأنّ الناس لم یسلّمون ویلتزمون التسلیم؟ لأنّ التزامهم به أشدّ ، واحتمال الوجوب فیه آکد ، فتأمّل.

قوله (2) : وفی الصحیح عن الفضیل وزرارة. ( 3 : 430 ).

لا یخفی أنّ هذه الصحیحة من الفضلاء ظاهرة فی وجوب التسلیم ، فإن الإجزاء ظاهر فی أقلّ الواجب ، کما اعترف به الشارح رحمه الله واستدل به مرارا ، سیّما فی المقام ، لتعلیقه علی شرط الاستعجال فی أمر یخاف فوته ، إذ مع هذا الشرط وفی هذا الحال یقول : یجزئک السلام.

وأمّا صدر الروایة فلا ضرر أصلا علی القول بوجوب التسلیم وخروجه عن الصلاة ، وأمّا علی شرط الاستعجال فی أمر یخاف فوته ، إذ مع هذه الشرط وفی هذا الحال یقول : یجزئک السلام.

وأمّا صدر الروایة فلا ضرر أصلا علی القول بوجوب التسلیم وخروجه عن الصلاة ، وأمّا علی القول بالدخول فلا بدّ من التأویل إمّا علی أنّ المراد مضی الواجبات لا المستحبات ، أو مضی معظم الصلاة ، فکأنّه لم یبق شی ء إلاّ : السلام علیکم ، وهذا فی جنب أفعال الصلاة لیس بشی ء.

والثانی أرجح ، لبقاء الصلاة علی محمد وآله بعد ، وللزوم التدافع فی الأوّل ، والحاجة إلی رفعه بارتکاب التکلّف زیادة علی ما ذکر ، بل تکلّف بعید ، ولأنّه إذا کان غرض المعصوم إظهار استحباب السلام کان المناسب إظهار عدم وجوبه ، بأنّه لا بأس بترک السلام مطلقا ، لا أن یقول : إن کان

ص: 100


1- التهذیب 2 : 101 / 379 ، الاستبصار 1 : 342 / 1289 ، الوسائل 6 : 397 أبواب التشهد ب 4 ح 4.
2- هذه التعلیقة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».

مستعجلا فی أمر یخاف فوته یجزئک (1) السلام للانصراف ، ولأنّ الظاهر أنّ مراد المعصوم نفی ما التزمه العامّة من أجزاء التشهد (2) ، کما لا یخفی علی الفطن لا نفی السلام أیضا ، ولذا قال ما قال بعد قوله : « قد مضت صلاته » لئلاّ یتوهّم متوهّم عدم لزوم السلام أیضا.

ثمّ إنّه بعد اللتیّا والتی الاستدلال بها علی الاستحباب فیه ما فیه ، إذ غایة ما فی الباب الإجمال والاضطراب ، وسیجی ء تتمّة الکلام.

قوله : قال : « لا بأس علیک ». ( 3 : 430 ).

لا یخفی أنّ هذا الحدیث کالأخبار السابقة ظاهره وجوب السلام لا عدم وجوبه ، فإنّ التسلیم علیهم غیر التسلیم فی الصلاة ، ینادی هذا الحدیث وغیره من الأحادیث بذلک ، منها : روایة أبی بصیر التی سیذکرها الشارح رحمه الله فی شرح قول المصنف الآتی بعد هذا المقام ، وسیجی ء عن الشارح أنّ التسلیم المخرج فی الأخبار هو السلام علینا ، نعم الإجماع واقع علی صحة الإخراج بالسلام علیکم ، وسیجی ء تمام التحقیق هناک (3).

قوله : ثم تشهّد. ( 3 : 431 ).

لا یخفی علی من له أدنی تأمّل أنّ المقام لیس مقام إظهار عدم الإتیان بالسلام الذی هو من السنن الأکیدة والمکمّلات للصلاة ، سیّما بعد الأمر بقراءة قل هو الله أحد ، وقال یا أیّها الکافرون ، ولا شکّ فی کونهما من المستحبات ، وکذا الأمر بإتیان آداب خارجة ( عن الصلاة والمکمّلات ) (4)

ص: 101


1- کذا فی النسخ ، والمناسب : یجزئه.
2- انظر بدایة المجتهد لابن رشد 1 : 130 ، والمجموع للنووی 3 : 455.
3- المدارک 3 : 435 ، ویأتی فی ص 709 - 710.
4- بدل ما بین القوسین فی « أ » و « و » : من مکملات الصلاة.

لأجل استجابة دعواه ، وأنّ الله یقبل طاعته ، بل المراد إمّا الإتیان بالتشهّد وما بعده إلی أن یخرج ، ذکر کذلک مسامحة ، کما هو الحال فی ترک ذکر الصلاة علی النبی وآله هنا وغیره من الأحادیث ، أو یکون المراد من التشهّد وما بعده مستحبات تؤتی بعد الرکعتین بقرینة اتحاد السیاق ، وأنّ التعرّض بخصوص التشهد دون سائر واجبات الصلاة لا وجه له. مع أنّه لا وجه للتعرّض لذکر الواجبات هنا ، لأنّ الصلاة ماهیتها معروفة ، فالمهم إظهار کون القراءة فیها کذا ، والدعاء بعدها کذا وکذا.

قوله : أمّا الملازمة فإجماعیّة. ( 3 : 431 ).

فیه ما فیه ، فإنّه رحمه الله سینقل خلافا عظیما ویختار هو عدم بطلان الصلاة ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : فلما رواه زرارة فی الصحیح. ( 3 : 431 ).

لا یخفی أنّ هذه الروایة مع أنّ فی طریقها أبان بن عثمان فالحکم بالصحة محلّ مناقشة. مضافا إلی ما فیها ممّا سیجی ء فیها بعد ما نقله الشارح رحمه الله أنّه قال علیه السلام : « إن کان مع إمام فوجد فی بطنه أذی فسلّم فی نفسه وقام فقد تمّت صلاته » ولا یخفی ظهور هذا فی وجوب التسلیم ، وکذا ما فی آخر روایة غالب بن عثمان ، فظاهرهما متروک ، ومثل هذا یضرّ الاستدلال عند الشارح رحمه الله ومن أسباب المرجوحیة عند غیره ، فیمکن ورودهما مورد التقیّة ، مع أنّ روایة غالب تدل علی عدم وجوب الصلاة علی النبی وآله أیضا ، فمن قال بوجوبها کیف یستدل بها؟

وکذا الکلام فی روایة الحسن بن الجهم عن أبی الحسن علیه السلام : « أنّ من أحدث بعد ما قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمدا رسول الله لا یعید

ص: 102

الصلاة » (1) ونقل فی الذکری عن صاحب الفاخر أنّ الحدث بعد الشهادتین لا یضرّ ، مع أنّه من القائلین بوجوب التسلیم (2) ، ومستنده هذه الأخبار ، مع بعض الأخبار الواردة فی أنّ من أحدث قبل التشهّد لا یعید الصلاة ، بل یتوضّأ ویتشهّد (3) ، وسینقل الشارح رحمه الله هذه الروایة فی بحث تخلّل الحدث فی الصلاة (4) ، وسیجی ء تمام التحقیق هناک.

ولا یبعد أن یکون أمثال هذه الروایات واردة علی التقیّة ، فإنّ أبا حنیفة جعل الحدث محلّلا للصلاة مخرجا عنها ، کالتسلیم (5).

قوله : فیحدث قبل أن یسلّم. ( 3 : 431 ).

سیجی ء عن الشارح رحمه الله فی شرح قول المصنّف الآتی ، أنّ المعهود من التسلیم عند الخاصّة والعامّة هو السلام علیکم ، وأنّ الخروج عن الصلاة یتحقّق ب : السلام علینا ، وأنّ المعروف عدّ : السلام علینا ، من التشهّد (6) ، فلا وجه لاستدلاله بهذه الأخبار علی وجوب مطلق السلام ، وسیجی ء تمام التحقیق.

مضافا إلی أنّ الاستدلال یتوقّف علی القول بکون السلام جزءا ، وصاحب البشری قائل بالوجوب والخروج (7) ، ووافقه غیره من المتأخّرین (8).

ومع ذلک موقوف علی کون تخلّل الحدث بین أیّ جزء من أجزاء

ص: 103


1- التهذیب 2 : 354 / 1467 ، الوسائل 7 : 234 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 6.
2- الذکری : 206.
3- الوسائل 6 : 410 أبواب التشهّد ب 13.
4- المدارک 3 : 458.
5- انظر بدائع الصنائع 1 : 194 ، والمحلّی 3 : 276.
6- انظر المدارک 3 : 434 - 437.
7- حکاه عنه فی الذکری : 208.
8- انظر المفاتیح 1 : 152.

الصلاة مبطلا لها ، وهو أیضا محلّ کلام سیجی ء فی موضعه (1) إن شاء الله تعالی.

وأیضا هذه الأخبار لیست بصحیحة ، فلیس فیها حجّیة عند الشارح ، وعند من یقول بحجیّة مثلها یقول بعدم مقاومتها للصحیح ، وهذه الروایة أیضا لیست بصحیحة ، لأنّ فی طریقها أبان.

قوله : وجوابه منع المقدّمتین. ( 3 : 432 ).

لا یخفی أنّه کثیرا کان یستدل به ، بل ولا یستدل بغیره ، فکیف یمنع؟ مع أنّ العبادة التوقیفیة تحتاج إلی بیان ، وهو إمّا قول أو فعل ، والأوّل مفقود فتعیّن الثانی ، ولا یضرّ ثبوت استحباب بعض أفعالهم من دلیل ، ولا یقتضی ذلک رفع الحاجة إلی البیان ، وتمام الکلام فی رسالتنا ملحقات الفوائد الحائریة.

قوله : الحدیث. ( 3 : 432 ).

والصدوق رواه فی العیون عن الرضا علیه السلام بتفاوت من المتن.

قوله : بضعف هذا الحدیث. ( 3 : 433 ).

لا یخفی أنّ الشارح رحمه الله کان یعمل بالحدیث الذی یرویه فی الفقیه معلّلا بأنّه قال فی أوّل کتابه ما قال (2) ، مع أنّ هذه الروایة رواها الصدوق رحمه الله فیه ، والکلینی رواها أیضا ، مع أنّه أیضا قال فی أوّل کتابه ما قال ، ورواها الشیخ فی کتابیه (3) ، والسیّد ومن وافقه فی عدم جواز العمل بخبر ما لم یکن علمیا ویقینیا فقد عملوا بها (4) ، فلا وجه لقدح الشارح رحمه الله

أدلّة القائلین بوجوب التسلیم

ص: 104


1- المدارک 4 : 211.
2- انظر المدارک 1 : 197 ، 5 : 133.
3- لم نعثر علیها فی التهذیب والاستبصار ، وهی موجودة فی الخلاف 1 : 376.
4- الناصریات ( الجوامع الفقه یة ) : 196 ، الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 558.

سیّما مع اعتضاده بأخبار أخر تدل علی کون الخروج عن الصلاة بالتسلیم.

وفی کتاب العلل حدیث یدل علی انحصار التحلیل فی التسلیم ، وأنّه واجب (1) ، کما یظهر من أخبار کثیرة أخری ، کما ستعرف.

ویعضدها أیضا ما رواه فی العیون عن الرضا علیه السلام فی ما کتب للمأمون من محض الإسلام : « ولا یجوز أن تقول فی التشهّد الأوّل : السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین ، لأنّ تحلیل الصلاة التسلیم ، فإذا قلت هذا فقد سلّمت » (2).

مع أنّ نقلها مرسلا قرینة علی الاعتماد والاعتداد ، حیث نسبوا الحکم والقول إلی أمیر المؤمنین علیه السلام من دون أن یقولوا : روی عنه ، وخصوصا إذا کانوا یحتجّون بها ویتمسّکون.

وأمّا الدلالة ففی غایة الوضوح ، من دون حاجة إلی وجه الاستدلال المذکور ، لأنّه لو لم یکن واجبا لکان الخروج عن واجبات الصلاة یتحقّق بالتشهّد والصلاة ( وعبدها یتحقّق الحلیّة قطعا ، ولا تحریم أصلا جزما ، فالتحلیل یتحقّق بالتشهّد والصلاة ) (3) لا بالتسلیم ، إذا لا یبقی شی ء حرام علی المکلف بعدهما حتی یکون التسلیم محلّلا له ورافعا لحرمته.

واستحباب السلام بعد الخروج عن الواجبات لا یقتضی کونه محلّلا لشی ء حرام ، بل ینافیه ، لأنّ بقاء التحریم وعدم بقائه متنافیان ، إذ بعد التشهّد والصلاة یحلّ جمیع منافیات الصلاة قطعا ، فکیف یتصوّر وقوع التحلیل بالتسلیم فی وجه من الوجوه؟!

ص: 105


1- علل الشرائع : 359 / 1 ، الوسائل 6 : 417 أبواب التسلیم ب 1 ح 11.
2- العیون 2 : 121 ، الوسائل 6 : 410 أبواب التشهّد ب 12 ح 3.
3- ما بین القوسین لیس فی « د ».

ومعلوم قطعا أنّ التحلیل حقیقة فی رفع الحرام ، والحرام والحلال متضادّان متنافیان بالبدیهة ، ألا تری أنّه بعد التسلیم یستحبّ أن یکون المکلّف علی هیئة الصلاة مستقبل القبلة طاهرا من الحدث والخبث غیر متکلّم ولا آت بشی ء من منافیات الصلاة؟ فالبقاء علی حال الصلاة بعنوان الاستحباب یکون بعد التسلیم قطعا ، ولا محلّل بعد ذلک ولا یمکن ، وحال قبل التسلیم وبعد الصلاة حال بعد التسلیم عند القائل باستحبابه فی ارتفاع الحرمة وحصول الحلّیة ، وتحصیل الحاصل من المحالات بالبدیهة.

وبالجملة : القول باستحباب التسلیم یقتضی ما ذکرناه ، وأدلة القول بالاستحباب أیضا یقتضی ذلک ، ولا دلیل لهم سواها ، وسیجی ء تمام الکلام فی الشرح الآتی.

وممّا یدل علی الوجوب أو یؤیّده أمرهم علیه السلام فی الأخبار بالتسلیم قبل صلاة الاحتیاط فیما إذا شکّ المصلی بین الثنتین وما زاد (1) ، لأنّ الاحتیاط معرض لأن یکون تتمّة الصلاة إذا اتفق وقوعها ناقصة ، بل وإذا ذکر النقصان أیضا بعد الاحتیاط ، ولا یجوز أن یتحقّق السلام فی أثناء الصلاة مع عدم الاضطرار إلیه ، سیّما فی صورة الشک بین الثنتین والأربع ، وقد ورد فی الأخبار أنّ البناء علی الأکثر والإتیان بالاحتیاط من أنّه لو کانت تامّة تکون هذه نافلة ، ولو کانت ناقصة تکون تتمّتها (2) ، فتأمّل جدّا.

وممّا یؤیّد أیضا الأمر بقضاء الأجزاء المنسیة بعد التسلیم (3).

وممّا یدل ورود الأمر بالتسلیم فی أخبار لا تحصی بلغت مبلغ التواتر

ص: 106


1- انظر الوسائل 8 : 212 - 219 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 8 ، 9 ، 10 ، 11.
2- الوسائل 8 : 219 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 11.
3- الوسائل 8 : 244 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 26.

وتزید ، واردة فی موارد الشکّ والسهو وقضاء الفوائت ، وأدعیة التعقیب ، وجمیع الصلوات إلاّ صلاة المیت. وبالجملة : مواضع الذکر لا تحصی فضلا عن الأحادیث. ( وصحیحها فی غایة الکثرة فضلا عن غیر الصحیح ، وغیر الصحیح أکثرها معتبر ، والأمر حقیقة فی الوجوب ، والدلالة یعضد بعضها بعضا ) (1).

قوله : وثانیا أنّ ما قرّر فی إفادة الحصر غیر تامّ. ( 3 : 433 ).

قد عرفت أنّه لا حاجة إلی دعوی الحصر ، بل فی الجملة کاف ، مع أنّه لا قائل بالفصل ، لأنّ القائل بالاستحباب یقول بحلّیة فعل المنافی قبل التسلیم قطعا.

مع أنّ السیاق والمقایسة قرینة الحصر ، لأنّ المحرّم منحصر فی التکبیر بلا شبهة ، وکذا المفتاح فی الطهور علی الظاهر ، والشارح رحمه الله یعتمد علی مثلها.

مع أنّ العلماء شنّعوا علی أبی حنیفة بأنّ النبی صلی الله علیه و آله قال : « تحلیل الصلاة بالتسلیم » وأنت تعدّیت وجعلت فعل المنافی مثل الضرطة تحلیلا أیضا.

مع أنّ الحصر ظاهر ، لأنّ ظاهره أنّ التحلیل من حیث هو هو ومن حیث إنّه تحلیل منحصر فی التسلیم ، وإضافة المصدر حیث لا عهد تفید العموم عند المحققین ، وصحة الاستثناء أیضا دلیل ، وأهل العرف یفهمون کذلک بلا شبهة ، والبناء فی الفقه علی العموم بلا تأمّل ، وطریقة الشارح رحمه الله وغیره التمسک بالمطلقات علی العموم ، فضلا عن مثل هذا المطلق ، لأنّ

ص: 107


1- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

ظاهر هذه الإضافة وحقیقتها کونها للجنس ، لأنّ لفظ المصدر اسم لجنس المصدر وطبیعته من حیث هی هی ، من دون خصوصیة فرد ، لأنّ خصوصیته أمر زائد عن مفهومه. والإضافة فی الإشارة والتعریف وکون الجنس منحصرا فی شی ء إفادتها للحصر أظهر من أن یخفی. مع أنّه مر عن الشارح رحمه الله أنّ العهد الذهنی یخرج کلام الحکیم عن الفائدة ، والخارجی موقوف علی سبق معهود (1).

ومما ذکر ظهر فساد الاعتراض الذی ارتکبه صاحب الذخیرة من أنّ التحلیل یتحقّق بفعل المنافی للصلاة وإن کان ذلک الفعل حراما ، فحینئذ لا بدّ من تأویل التحلیل بالتحلیل الذی قرّره الشارع ، وحینئذ کما أمکن إرادة التحلیل الذی علی سبیل الوجوب أمکن إرادة التحلیل الذی قرّره علی سبیل الاستحباب ، ولیس للأوّل علی الأخیر ترجیح واضح (2). انتهی.

وفیه : أنّ التحلیل عبارة عن شی ء یحلّل فعل المنافی ، لأنّ الحرام لیس إلاّ الفعل المنافی ، وهو المحتاج إلی ما یحلّله شرعا ، وظاهر المحلّل الشرعی للفعل المنافی والمتبادر منه أنّه غیر المنافی.

علی أنّا قد أشرنا إلی تشنیع جمیع العلماء علی أبی حنیفة لجعل المنافی داخلا فی تحلیل الصلاة ، حتّی أنّ الحنیفة أیضا وقعوا فی الخزی والخجالة والفضیحة من هذه الشنیعة ، ورجع بعضهم عن مذهبه ، واختار مذهب الشافعیة لخصوص هذه الشنیعة ، وما قدر الباقون الذبّ عنه (3).

وأیضا تحلیل الصلاة غیر تخریب الصلاة وإبطالها ، فإنّ الظاهر منها

ص: 108


1- لاحظ المدارک 3 : 348.
2- الذخیرة : 290.
3- انظر وفیات الأعیان 5 : 180.

أن تکون الصلاة صلاة وهو محلّلها لا أن [ لا ] (1) تکون الصلاة صلاة بل تکون لغوا محضا ، بل حراما موجبا لدخول النار ، ولا شکّ فی أنّ المراد من الصلاة هنا الصلاة الصحیحة ، وإن قلنا بأنّ الصلاة اسم للأعمّ ، لأنّ الصحیحة هی التی تحتاج إلی محلّل ومحرّم ومفتاح.

وقوله : فلا بدّ من تأویل. فیه : أنّه أیضا من المسلّمات أنّه إذا تعذّر الحقیقة فعلی أقرب المجازات ، وجمیع ما قرّر هو الأقرب ، وعندکم أنّ المحلّل علی سبیل الوجوب هو التشهّد والصلاة بحسب المقرّر الشرعی. مع أنّ التحلیل علی سبیل الاستحباب لا معنی له ، کما عرفت من أنّ التحلیل رفع الحرمة ، لأنّ الحلّ فی مقابل الحرام ، ولا حرمة عندکم بعد التشهّد والصلاة ، ولو بقی حرمة فلا معنی لجعل التسلیم مستحبا لإزالتها ، وأنّه لو لم یسلّم یرتفع الحرمة من غیر محلّل. سلّمنا لکنّ المحلّل علی سبیل الوجوب أقرب إلی کونه محلّلا من المحلّل علی سبیل الاستحباب.

ثم لا یخفی أنّه ممّا یدل علی وجوب التسلیم - مضافا إلی ما ذکره الشارح رحمه الله وما ذکرنا وأشرنا إلیه من الأخبار المتواترة - وما ورد عنهم علیه السلام أنّ علّة وجوب التسلیم فی الصلاة کذا وکذا (2) ، فلاحظ ، وما ورد من النهی عن الترک (3) ، وما ورد من إجزاء تسلیمة واحدة (4) ، إلی غیر ذلک ممّا ستعرف.

ویدل أیضا الموثق کالصحیح ، عن أبی بصیر عن الصادق علیه السلام : « إذا نسی الرجل أن یسلّم فإذا ولّی وجهه عن القبلة وقال : السلام علینا وعلی

ص: 109


1- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة المعنی.
2- الوسائل 6 : 415 أبواب التسلیم ب 1.
3- التهذیب 2 : 93 / 349 ، الوسائل 6 : 421 أبواب التسلیم ب 2 ح 8.
4- التهذیب 2 : 92 / 345 ، الوسائل 6 : 419 أبواب التسلیم ب 2 ح 3.

عباد الله الصالحین ، فقد فرغ من صلاته » (1). وورد أنّ تسلیم الإمام یجزی عن المأموم إذا نسی (2).

قوله : والعهد الذهنی والخارجی. ( 3 : 433 ).

قد عرفت أنّه علی تقدیر کون الإضافة للعهد الذهنی أو الخارجی یکفی ، لتمامیة الاستدلال بعدم القول بالفصل ، وأنّ کونها للجنس لا شبهة فی إفادته للحصر.

قوله : وبأنّ من جملة رجاله عثمان بن عیسی. ( 3 : 433 ).

لا یخفی أنّه ممّن أجمعت العصابة ، وقال الشیخ فی العدّة ما قال (3) ، وسماعة قال النجاشی : ثقة ثقة ، وغیر ذلک من غیر تعرّض للوقف (4) ، واشتراک أبی بصیر بین ثقات ثلاثة أو ثقتین وموثق ، والأوّل أصحّ کما حقّقنا فی الرجال (5).

قوله : آخر أفعال الصلاة. ( 3 : 433 ).

لا شکّ فی کون الظاهر منها أنّه آخر الواجبات ، إذا لا معنی للتعلیل بکون السلام مستحبا للصلاة وجائز الترک له للحکم بوجوب الخروج وغسل الأنف وإتمام الصلاة.

ومتروکیة الظاهر لا تضر المستدل ، لتقییدهم بعدم تحقّق المنافی ، وهذا لا یوجب خروج الحدیث عن الحجیّة ، وإلاّ لخرج جلّ الأحادیث عن الحجّیة مثل العامّ المخصّص ، والمطلق المقیّد وغیر ذلک ، مع أنّ الشارح رحمه الله

إشارة إلی أنّ عثمان بن عیسی من أصحاب الإجماع ، وسماعة ثقة

إشارة إلی أنّ أبا بصیر مشترک بین ثلاث ثقات

ص: 110


1- التهذیب 2 : 159 / 626 ، الوسائل 6 : 423 أبواب التسلیم ب 3 ح 1.
2- التهذیب 2 : 160 / 627 ، الوسائل 6 : 624 أبواب التسلیم ب 3 ح 3.
3- عدّة الأصول : 381.
4- رجال النجاشی : 193.
5- تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 371.

لا یقول بوجوب وجود القائل بمضمون الحدیث فی حجیّته ، فتأمّل.

قوله (1) : فإنّ الأفعال تشمل الواجب والمندوب. ( 3 : 433 ).

لا یخفی فساده ، لأنّ قوله علیه السلام : « فإنّ آخر الصلاة التسلیم » تعلیل لأمره بإتمام الصلاة ، بأن یتشهّد ویصلّی علی النبی وآله ویسلّم ، ولا شکّ فی وجوب التشهّد والصلاة علیه وعلی آله ، والمستحب کیف یصیر علّة للواجب؟ بل یصیر [ علّته ] (2) عدم الإتیان بالتشهّد والصلاتین. وفیه ما فیه.

مع أنّ المتبادر من أوّل الشی ء ووسطه وآخره جزؤه الذی لا یتحقّق إلاّ به جزما ، مثلا : المتبادر من آخر الوضوء علی الإطلاق لیس إلاّ مسح الرجل لا الدعاء أو عقیبه.

قوله : إذ الظاهر من مذهب القائل بالاستحباب. ( 3 : 434 ).

ومقتضی أدلته أیضا ، فلو لم یکن قائلا بمضمونها لکان قوله قولا من غیر دلیل ، بل ومخالفا لجمیع الأدلة ، وتکون الأدلة الدالة علی وجوبه والدالة علی استحبابه بأجمعها حجّة علیه ، مع أنّه علی القول بالاستحباب لا وجه للقول بخلاف ذلک ، کما نبّهنا علیه فی ما سبق ، فتأمّل.

قوله : ویمکن أن یقال. ( 3 : 434 ).

فیه : أنّ ما ذکره لا نفع فیه أصلا ، لأنّه کثیرا مّا یقول بأنّ النهی تعلّق بأمر خارج عن الصلاة ، فلا یقتضی بطلانها ، منه ما عرفت فی بحث الوضوء ثلاثا ثلاثا (3). وحال هذا حال من زاد رکعة بعد التشهّد والتسلیم معا ، فإنّه بعد التسلیم برأت ذمّته وخرج عن عهدة التکلیف ، والزیادة أمر

ص: 111


1- هذه الحاشیة لیست فی « أ ».
2- فی النسخ : علّة ، والظاهر ما أثبتناه.
3- انظر المدارک 1 : 234 و 2 : 203 و 3 : 373.

خارج عن المکلّف به ، ففعلها حرام إن کان من تقصیر المکلّف ، فلو کان نسیانا لا یکون حراما ، وکذا جهلا عند الشارح فی کلّ موضع ، وعند المشهور فی مواضع مخصوصة ، منها الإتمام فی موضع القصر ومعلوم أنّ حال الساهی ( والمتعمّد ) (1) فی المسألتین واحد ، فلا وجه للفرق. والبناء علی التمام من أول الصلاة سواء کان تعمّدا أو جهلا أو نسیانا إن کان مبطلا یکون کذلک فی المسألتین.

مع أنّ الشارح رحمه الله یتأمّل فی فساد العبادة بمخالفة النیّة للواقع إذا کانت مشتملة علی قصد القربة والتعیین (2). فالعذر لا ینفع الشارح ولا غیره ، لأنّهم یقولون بالبطلان عمدا وسهوا أو عمدا فی مسألة المسافر ، وأمّا جهلا فیحکمون بالصحة البتّة ، وفی المسألة الثانیة یحکمون بالصحة مطلقا ، مع أنّهم یقولون بعدم معذوریة الجاهل فی هذه المسألة أیضا ، بخلاف المسألة الأولی ، فالمراد فی المسألة الأولی المتعمّد أو الناسی مطلقا أو فی الوقت.

وکیف کان ، کلامهم مطلق غیر مختص بما ذکره ، وکذا کلامهم فی الثانیة مطلق ، وتخصیص کلامهم - فی الأولی بما ذکره وفی الثانیة بما إذا لم یقع شی ء من صلاته ولو کان جزءا من التشهّد أو الصلاة علی النبی وآله بنیّة غیر مطابقة للواقع ، ووقع الجمیع بنیّة مطابقة له إلاّ أنّه تجدّد النیّة بعد الفراغ من جمیع الواجبات - تحکّم فاسد البتّة.

مضافا إلی أنّهم فی صدد بیان حکم المسألة فی الأولی والثانیة ، فلا وجه لعدم التعرّض إلی بعض صورها ، مع أنّ عادتهم بیان حکم

ص: 112


1- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
2- انظر المدارک 1 : 189 ، 194.

الجمیع ، مع أنّهم فی الأولی کیف تعرّضوا لحکم ما إذا وقع العبادة أو شی ء منها علی ذلک الوجه؟ ولم یتعرّضوا لحکم ما إذا لم یقع؟ وفی الثانیة جعلوا أمرهم بالعکس؟ فهذا أیضا تحکّم آخر.

ثمّ لا یخفی أنّ اقتصار الشارح رحمه الله علی هذه الأدلة لا وجه له ، لأنّ أدلة الموجبین کثیرة.

منها : ما سنذکره فی المسألة الآتیة.

ومنها : ما ذکرناه فی صدر المسألة.

ومن أدلتهم الاستصحاب ، وهو کونهم فی الصلاة وحرمة منافیاتها علیهم حتی یثبت خلافه.

ومنها : استصحاب اشتغال ذمّتهم حتی یثبت المخرج.

ومنها : ورود الأمر بالتسلیم فی أخبار کثیرة ، منها صحیحة (1) ، والأمر حقیقة فی الوجوب.

ومنها : أنّه ورد بلفظ الإجزاء الظاهر فی أقلّ الواجب ، مثل صحیحة عبد الحمید بن عواض عن الصادق علیه السلام : « إن کنت تؤمّ قوما أجزأک تسلیمة » ، الحدیث (2).

ومنها : ورود النهی عن ترکه ، مثل ما فی روایة أبی بصیر عنه علیه السلام : « لا تدع التسلیم علی یمینک » الحدیث (3). فلاحظ وتأمّل.

ویشهد علیه موثقة عمار عن الصادق علیه السلام : سأله عن التسلیم ما هو؟ قال : « إذن » (4) وظاهره أنّه لا إذن قبل التسلیم ، لأنّه لولا التسلیم لا یکون إذن.

ص: 113


1- راجع ص 109.
2- التهذیب 2 : 92 / 345 ، الوسائل 6 : 419 أبواب التسلیم ب 2 ح 3.
3- التهذیب 2 : 93 / 349 ، الوسائل 6 : 421 أبواب التسلیم ب 2 ح 8.
4- التهذیب 2 : 317 / 1296 ، الوسائل 6 : 416 أبواب التسلیم ب 1 ح 7.

ویدل علیه أیضا الأخبار الدالة علی أنّ المسافر إذ أتمّ یعید الصلاة (1) ، وکذا من زاد فی صلاته (2).

وفی صلاة ذات الرقاع فی الصحیح : « فصار للأوّلین التکبیر ، وللآخرین التسلیم » (3) وهذا أیضا فی غایة الظهور فی وجوبه. ومرّ أیضا ما یدل علیه وسیجی ء أیضا.

قوله : فذهب الأکثر إلی تعیّن : السلام علیکم ، للخروج. ( 3 : 434 ).

قد ذکرنا فی المسألة السابقة عبارة عن الشیخ تدل علی اتفاق الشیعة علی أنّ الخروج عن الصلاة یتحقّق ب : السلام علینا ، فلاحظ ، بل ذکرنا أنّ ذلک شعارهم (4).

قوله : من حیث لا یشعر قائله. ( 3 : 435 ).

قد عرفت فساد کلام الشهید ، وأنّ الخروج ب : السلام علینا ، إجماعی عند الشیعة ، وشعارهم ذلک.

قوله : نقله جماعة. ( 3 : 435 ).

لا یخفی أنّه فی الغالب یطعن علی الإجماع المنقول بأنّه خبر مرسل إن أرادوا النقل إلیهم من زمان الأئمّة علیه السلام ، وإن أرادوا التحقّق فی زمان الناقل فبعدم العلم بقول المعصوم علیه السلام ، لتوقّفه علی العلم بمجهول النسب ، وهو محال عادة ، مع أنّ هذا الإجماع مخالف لظواهر أخبار کثیرة ، لکن

صور التسلیم وبیان الأقوال فیها

ص: 114


1- الوسائل 8 : 505 أبواب صلاة المسافر ب 17.
2- الوسائل 8 : 231 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 19.
3- التهذیب 3 : 301 / 917 ، الوسائل 8 : 436 أبواب صلاة الخوف ب 2 ح 2.
4- راجع ص 94 - 95.

أجبنا عمّا ذکره فی کلا الشقّین.

قوله : « وإن قلت : السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین ، فقد انصرفت ». ( 3 : 435 ).

مفهومه أنّه إن لم یقل : السلام علینا ، کان داخلا فی الصلاة ، وظاهر هذا حرمة المنافیات علیه ، فیکون ظاهره منافیا للقول باستحباب التسلیم ، ودلیلا علی وجوب السلام للخروج عن الصلاة وتحقّق التحلیل ، وشاهدا علی أنّ المراد من الانصراف فی صحیحة محمد بن مسلم (1) وما وافقها (2) هو التسلیم ، وأنّ التحلیل منحصر فی التسلیم ، کما مرّ.

قوله : « فإذا قلت ذلک. » ( 3 : 436 ).

أیضا یدل علی وجوب التسلیم ، بالتقریب الذی تقدّم.

قوله : وتحلیلها التسلیم. ( 3 : 436 ).

المراد من التسلیم فی قوله : « وتحلیلها التسلیم » هو : السلام علیکم ، ولما کان ظاهر الروایة الحصر - کما عرفت ، وبناء القوم أیضا علیه ، خصوصا المشهور منهم - لزم کون : السلام علینا ، غیر مخرج ، ولمّا ثبت من الأخبار کونه أیضا مخرجا ثبت کون التسلیم هنا بالمعنی الأعمّ.

وعلی تقدیر القول بعدم الحصر نقول : لا وجه للتعرض لخصوص : السلام علیکم ، مع أنّ المتعارف بین العامّة والخاصّة تقدیم : السلام علینا ، بحیث لا تأمّل فیه ، وکذا مداومتهم فی القول ، ولأجل ذلک ورد فی الأخبار اشتراط الخروج : السلام علینا ، فالمناسب التعرّض لذکر : السلام علینا ، بل اللازم ذلک ، ولذا ورد فی الأخبار کذلک.

ص: 115


1- التهذیب 2 : 101 / 379 ، الوسائل 6 : 397. أبواب التشهّد ب 4 ح 4.
2- راجع ص 96 - 98.

وما ورد فی بعض الأخبار من قوله : « ویسلّم » بعد « السلام علینا » (1) فلا شبهة فی أنّه لیس السلام المحلّل ، لوقوعه خارجا عن الصلاة ، وأنّ المحلّل هو : السلام علینا.

وبالجملة : المستفاد من تتبّع الأخبار أنّ السلام المحلّل المخرج هو : السلام علینا ، ولو ثبت إجماع علی کون : السلام علیکم ، أیضا یصیر محلّلا فلا شبهة فی أنّه خلاف ما یظهر من تتّبع الأحادیث ، والمستفاد منها کون التسلیم اسما للخارج الذی لا یحلّل ، لو تمّ ما ذکره.

مع أنّ روایة أبی بصیر نصّ فی فساد ما ذکره ، حیث أتی بکلمة الحصر ولفظ التسلیم ، وجعله أعمّ من : السلام علی النبی ، و : السلام علینا ، من دون ذکر : السلام علیکم ، بل وصرّح بانقطاع الصلاة ب : السلام علینا ، وأنّ : السلام علیکم ، لا دخل له فی التحلیل ، بل هو إذن (2) الامام للمأموم والمأموم للآخر ، وتسلیم بعضهم علی بعض ، ولذا لم یذکر للمنفرد أنّه یقول : السلام علیکم ، بل اکتفی له ب : السلام علینا.

ومثلها موثقة یونس بن یعقوب المتقدّمة (3) وغیرها من الأخبار ، وسندها أحسن من الروایة التی ذکرها ، فی أنّه علیه السلام قال : « ویسلّم » بعد : السلام علینا ، ویمکن حملها علی المأموم ، ( أو الإمام (4) ، أو أنّه علیه السلام ذکر ذلک جریا علی العادة المتعارفة بینهم الناشئة من العامّة من أنّ السلام هو : السلام علیکم ، فقط ، لا : السلام علینا ، وهذا هو الأظهر ، لأنّه ورد فی غیر

ص: 116


1- التهذیب 2 : 99 / 373 ، الوسائل 6 : 393 أبواب التشهّد ب 3 ح 2.
2- فی « أ » و « و » : أذان.
3- فی المدارک 3 : 430.
4- ما بین القوسین لیس فی « ج ».

واحد من الأخبار أنّ الإمام یسلّم واحدة ، والمنفرد کذلک ، والمأموم تسلیمتین (1) ، فتأمّل جدّا.

قوله : ثمّ یقال : ویسلّم. ( 3 : 437 ).

فی صحیحة سلیمان بن خالد عن الصادق علیه السلام : فی الرجل نسی أن یجلس فی الرکعتین الأوّلتین - إلی أن قال - : « فلیتمّ الصلاة حتی إذا فرغ فلیسلّم ، ولیسجد سجدتی السهو » (2).

وعن الحسین بن أبی العلاء عنه علیه السلام ، فی الرجل یصلّی الرکعتین - إلی أن قال - : « ولیتمّ صلاة ثمّ یسلّم ولیسجد سجدتی السهو » (3) ، إلی غیر ذلک ، وهذه تدل علی وجوب السلام ، وظاهرها خروجه عن الصلاة ، کما قال به جمع (4) ، وقال المرتضی : لم أجد لأصحابنا فیه - أی الخروج أو الدخول - نصّا ، ویقوی عندی أنّها من الصّلاة (5) ، انتهی.

لکن یظهر من غیر واحد من الأخبار أنّها داخلة ، فلا بدّ من توجیه أحد الطرفین ، أو البناء علی أنّ السلام المخرج داخل ، والمعهود إن وقع بعد : السلام علینا ، کما هو المعهود المتعارف یکون خارجا ، وإنّ هذا صار منشأ لتوهّم الخروج أو الاستحباب ، وإلاّ فالسلام المخرج لازم علی أیّ حال ، لأن تحلیلها التسلیم ، کما مرّ ، فتأمّل جدّا.

قوله : وقد ثبت کونه قاطعا للصلاة. ( 3 : 437 ).

ص: 117


1- الوسائل 6 : 419 أبواب التسلیم ب 2.
2- التهذیب 2 : 158 / 618 ، الوسائل 6 : 402 أبواب التشهّد ب 7 ح 3.
3- التهذیب 2 : 159 / 623 ، الوسائل 6 : 403 أبواب التشهّد ب 7 ح 5.
4- منهم الشهید فی القواعد والفوائد 2 : 306 ، والکاشانی فی المفاتیح 1 : 152 ، وانظر الحبل المتین : 254.
5- الناصریات ( الجوامع الفقهیة ) : 195.

إن أراد القاطعیة بعنوان الفساد فلا نسلّم الثبوت ، بل الثابت خلافه بلا تأمّل. وإن أراد بعنوان الصحة والخروج عن الصلاة الصحیح فهو أحد الأقوال والمذهب الحق ، فلا وقع لهذا الاعتراض فی هذا المقام. وإن أراد أنّه ینافی الاحتیاط فهو فاسد بالبدیهة ، لأنّ ما ذکره صحیح باتفاق العلماء واتفاق الأخبار ، ولم یظهر من خبر فساده ، ولم نجد قائلا به أصلا ، فإنّ القائل بأنّ الخروج یتحقّق ب : السلام علیکم ، خاصّة یقول بصحة هذه الصورة قطعا ، وأدائها شرعا.

وإن کان إشکالها مبنیا علی القول بوجوب نیّة الوجه أو الخروج فلا وجه لما علّل به من قوله : وقد ثبت. ، ومع ذلک یکون الاحتیاط منحصرا فی ما ذکره الشهید رحمه الله بلا شبهة ، وقصد الوجه والخروج فی مقام الاحتیاط إمّا معفوّ عنه ، أو یکفی قصد التردید ، أو قصد الخروج عن الشبهات مهما أمکن ، وإلاّ لم یتحقّق احتیاط أصلا بناء علی ما ذکر ، مع أنّ الاحتیاط أحسن عند الکلّ بلا شبهة ، ومدار الشارح وجمیع المحقّقین علی ذلک.

قوله : وبه قال ابن بابویه وابن أبی عقیل. ( 3 : 437 ).

فی دلالة عبارتهما علی الوجوب فتأمّل.

قوله : وروی ابن بابویه فی الصحیح. ( 3 : 441 )

فی الاستدلال بها نظر ظاهر ، بل بغیرها أیضا ، بعد ما قال : إنّ الإطلاق ینصرف إلی الفرائض.

ثم الظاهر من الروایة المذکورة کون الأولی تکبیرة الافتتاح ، ومن الفقه الرضوی کون الأخیرة تکبیرة الافتتاح (1) ، ولذا قال بعض الأصحاب :

مستحبات الصلاة

التوجه بست تکبیرات

ص: 118


1- فقه الرضا علیه السلام : 105.

الأولی جعلها الأخیرة (1). ویستفاد من أکثر الأخبار کون المجموع تکبیرة الافتتاح ، وأنّ المکلّف مخیّر بین جعلها واحدة أو ثلاثا أو خمسا أو سبعا ، من غیر تعیین فی خصوص تکبیرة الافتتاح ، ومقتضی ذلک کون الأولی هی الفریضة ، لتحقّق الامتثال والخروج عن العهدة بها. فتأمّل جدّا.

قوله : باشتراک أبی بصیر بین الثقة والضعیف. ( 3 : 447 ).

لا ضعف من جهة اشتراکه ، لأنّه إمّا المرادی الثقة الجلیل ، أو یحیی ابن القاسم ، وهو أیضا ثقة عدل إمامی ، کما حقّقته فی الرجال بحیث لم یبق شبهة ، وأنّ الواقفی غیره بلا شبهة (2) ، مع أنّ الشهرة تکفی للجبر.

قوله : قضاه بعد الفراغ. ( 3 : 448 ).

لعل دلیله قوله : « ما لا یدرک کلّه لا یترک کلّه » (3) ، و « إذا أمرتکم بشی ء فأتوا منه ما استطعتم » (4) ، ویؤیّده أیضا عدم القول بالفصل بین إتیانه بعد رکوع الأولی أو الثانیة أو الثالثة ، فتأمّل.

قوله : بالتخییر بین الأمرین. ( 3 : 449 ).

لیس کذلک ، بل العمل بروایة زرارة متعیّن ، لأنّه قوله المعصوم علیه السلام صریحا ، بخلاف نقل حماد ، إذ لعله کان متوهّما ، لأنّ النظر إلی ما بین الرجلین إذا کان بحالة الخشوع ربما یورث الاشتباه ، ویؤیّده أیضا عموم المنع عن التغمیض ، کما مرّ (5).

أبو بصیر لیث المرادی ثقة کما أنّ یحیی بن القاسم ثقة أیضا

حکم نسیان القنوت

النظر فی حال الرکوع إلی ما بین رجلیه

ص: 119


1- کالشیخ فی المبسوط 1 : 104 ، والکرکی فی جامع المقاصد 2 : 239 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 260.
2- تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 371.
3- عوالی اللآلئ 4 : 58 / 207.
4- عوالی اللآلئ 4 : 58 / 206.
5- المدارک 3 : 449.

قوله : بما روی من الأدعیة. ( 3 : 452 ).

فی الفقه الرضوی : « فإذا فرغت من صلاتک فارفع یدیک وأنت جالس ، فکبّر ثلاثا ، وقل : لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له أنجز وعده » (1) إلی آخر الدعاء المشهور.

وفی روایة مفضل بن عمر عن الصادق علیه السلام : « أنّ النبی صلی الله علیه و آله لمّا فتح مکّة صلّی الظهر عند الحجر الأسود ، فلمّا سلّم کبّر ثلاثا وقال : لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له. » ونقله الصدوق رحمه الله فی الفقیه (2) أیضا « ثم أقبل النبی صلی الله علیه و آله علیهم وقال : لا تدعوا هذا التکبیر وهذا القول فی دبر کلّ مکتوبة ، فإنّ من فعل ذلک وقال هذه القول کان قد أدّی ما یجب علیه من شکر الله تعالی علی تقویة الإسلام وجنده » (3).

قوله : ربما ظهر من کلام ابن بابویه تقدیم التسبیح علی التحمید. ( 3 : 453 ).

نقل فی الفقیه ذلک نسخة ، والنسخة الأخری علی وفق المشهور ، ثم روی عن أمیر المؤمنین علیه السلام حکایة تعلیم رسول الله صلی الله علیه و آله هذه التسبیحة له ولفاطمة علیهماالسلام ، والحکایة مشهورة ، وفی آخر الروایة هکذا : « إذا أخذتما منامکما فکبّرا أربعا وثلاثین تکبیرة وسبّحا ثلاثا وثلاثین تسبیحة واحمدا ثلاثا وثلاثین تحمیدة » الحدیث (4).

وکتب جدّی رحمه الله : روی الصدوق هذا الحدیث مسندا فی کتبه عن رجال العامّة ، واعتمد علیه فی الترتیب ، وعلی تقدیر صحته یمکن القول به

التعقیب

ص: 120


1- فقه الرضا علیه السلام : 115 ، المستدرک 5 : 51 أبواب التعقیب ب 12 ح 1.
2- الفقیه 1 : 210 / 945.
3- علل الشرائع : 360 / 1 ، الوسائل 6 : 452 أبواب التعقیب ب 14 ح 2.
4- الفقیه 1 : 211 / 947 ، الوسائل 6 : 446 أبواب التعقیب ب 11 ح 2.

عند النوم لا مطلقا ، والظاهر الترتیب المشهور مطلقا (1) ، انتهی ، وهو کما قال رحمه الله بل المشهور متعیّن.

قوله : أجمع العلماء کافة. ( 3 : 455 ).

قال الصدوق رحمه الله فی أمالیه : من دین الإمامیة أنّ الصلاة یقطعها الریح إذا خرج من المصلّی ، أو غیرها ممّا ینقض الوضوء ، أو یذکر أنّه علی غیر وضوء ، أو وجد أذی أو ضربا لا یمکنه الصبر علیه ، أو رعف فخرج من أنفه دم کثیر ، أو التفت حتی یری من خلفه. ولا یقطع صلاة المسلم شی ء یمرّ بین یدیه من کلب أو امرأة ، أو غیر ذلک (2) ، انتهی.

وعن أبی الصباح الکنانی - فی الصحیح عندی - عن الصادق علیه السلام ، فی الرجل یخفق فی الصلاة : « إن کان لا یحفظ حدثا منه - إن کان - فعلیه الوضوء وإعادة الصلاة » (3) ، الحدیث.

وفی القوی عن الحسن بن الجهم عن الکاظم علیه السلام ، فی الرجل صلّی الظهر فأحدث حین جلس فی الرابعة ، فقال : « إن کان شهد الشهادتین فلا یعید ، وإن کان لم یتشهّد قبل أن یحدث فلیعد » (4).

( وورد فی الحائض الّتی تحیض فی أثناء الصلاة أنها تبطل الصلاة ) (5).

ویشهد له أیضا ما مرّ فی کتاب الطهارة فی بحث الوضوء أنّ صاحب

قواطع الصلاة

بطلان الصلاة بما یبطل الطهارة

ص: 121


1- روضة المتقین 2 : 365.
2- أمالی الصدوق : 513.
3- التهذیب 1 : 7 / 8 ، الوسائل 1 : 253 ، أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 6.
4- التهذیب 1 : 205 / 596 ، الوسائل 7 : 234 ، أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 6.
5- ما بین القوسین لیس فی « أ » ، وانظر الکافی 3 : 104 / 1 ، والوسائل 2 : 355 أبواب الحیض ب 44 ح 1.

البطن الغالب یتوضّأ ویبنی (1).

وقال الشیخ فی التهذیب : لا خلاف بین أصحابنا فی أنّ من أحدث فی الصلاة ما یقطع الصلاة یجب علیه استینافها (2) ، فلاحظ.

وورد فی الصحیح أنّ الفرض فی الصلاة : الوقت والقبلة والطهور (3).

وورد فیه أیضا أنّه « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والرکوع ، والسجود » (4). وورد أیضا فیه : « لا صلاة إلاّ بطهور » (5).

وأیضا العبادات ماهیتها توقیفیة موقوفة علی الثبوت من الشرع ، ولم یثبت کون مثل تلک الصلاة صلاة شرعیة.

وأیضا شغل الذمّة الیقینی یستدعی البراءة الیقینیة ، کما هو المحقّق ومرّ مرارا الإشارة إلی وجهه.

قوله : ونقل عن الشیخ. ( 3 : 455 ).

هذا النقل عنه محلّ نظر ، بملاحظة کلامه فی کتبه ، - سیّما التهذیب - کما نقلنا.

قوله : ویتوجّه علی الأوّل. ( 3 : 456 ).

المتبادر ممّا دل علی اشتراطها به کونها من أوّلها إلی آخرها علی

ص: 122


1- راجع ج 1 : 305 - 308.
2- التهذیب 1 : 205.
3- الکافی 3 : 272 / 5 ، التهذیب 2 : 241 / 955 ، الوسائل 4 : 295 أبواب القبلة ب 1 ح 1.
4- الفقیه 1 : 181 / 857 ، التهذیب 2 : 152 / 597 ، الوسائل 4 : 312 أبواب القبلة ب 9 ح 1.
5- التهذیب 1 : 49 / 144 ، الاستبصار 1 : 55 / 160 ، الوسائل 1 : 365 أبواب الوضوء ب 1 ح 1.

الطهارة علی سبیل الاتصال والاستمرار ، والمتبادر من الصحیح المتضمّن لکون فرض الصلاة الوقت والطهور أنّه مثل الوقت من فرائضها ، فتأمّل.

ویؤیّده جریان العادة فی الأخبار وکلام الأصحاب بأنّ منافیات الصلاة تقطع الصلاة بخلاف الوضوء وغیره ، فإنّه لا یقال : یقطع الوضوء فتأمّل.

هذا.

علی أنّه من أین ظهر کون هذه الصلاة شرعیة وعبادة؟ مع کونها توقیفیة موقوفة علی الثبوت من الشرع ، هذا إن قلنا إنّ ألفاظ العبادات أسام لخصوص الصحیحة ، کما هو أحد القولین ، ولعله أقربهما بالنظر إلی الدلیل ، کما حقّقناه فی محلّه.

وأمّا علی القول الآخر فإنّه لمّا ثبت من الشرع جزما أنّها لا تصح بغیر الظهور وحصل الشک فی أنّ الطهور علی سبیل الدوام شرط أم علی سبیل التوزیع یکفی ، فقد قلنا : إنّ الظاهر من الأدلة هو الأوّل ، ویعضده عدم جواز التوزیع عمدا ، وعدم الصحة حینئذ یقینا وإن کان جهلا.

وحمل الأدلة علی سبیل الدوام فی حال العمد والجهل ، وعلی سبیل التوزیع فی حال النسیان ، فیه ما فیه.

والقول بأنّ الظاهر منه علی سبیل التوزیع خاصّة وثبوت الدوام فیه فی غیر حال النسیان من دلیل آخر أیضا بعید لعله لا یرضی به المنصف بعد ملاحظة الأدلة وما أشرنا إلیه ، ولذا لو لم تکن الأخبار الصحیحة لما کان القائل بالصحة یقول بها بلا شبهة ، ولا یبنی علی کون المراد حال التوزیع البتّة ، کما لا یخفی علی المتأمّل ، سیّما مع ملاحظة تحقّق أفعال کثیرة ( کلّ

ص: 123

واحد منها فعل کثیر ) (1) ( فباجتماع ) (2) الکلّ یمحو عند المتشرعة صورة الصلاة المتلقّاة من الشرع ، المنقولة عنه ، وعلی وتقدیر تسلیم عدم الظهور الذی ذکرناه فلا أقلّ من الشکّ ، والشک فی الشرط یوجب الشک فی المشروط ، فتأمّل جدّا.

علی أنّه سیجی ء من السید رحمه الله أنّه حکم ببطلان الصلاة بمجرّد وضع الیمین علی الشمال محتجّا بأنّه فعل کثیر خارج من الصلاة (3) ، فما ظنّک بأفعال کثیرة خارجة عنها؟

قوله : من منع الإجماع فی موضع النزاع. ( 3 : 456 ).

فیه ما مرّ مرارا أنّ إجماعنا غیر إجماع العامّة ، فلا یضرّ خروج معلوم النسب ولو کان جماعة ، کما حقّق فی محلّه ، والإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة کما حقّق فی محلّه ، ومرّ الکلام فیه مرارا ، خصوصا مثل الإجماع الذی نقلناه عن الصدوق ، وأنّه جعله من عقائد الإمامیة التی یجب الإقرار بها ، ویعضده الإجماع الذی نقله الشیخ ( وغیره ) (4).

وضعف سند الروایات - علی تقدیر التسلیم - منجبر بفتاوی الأصحاب ، کما هو المحقّق فی محلّه ، والمسلّم عند الکلّ حتی عند الشارح فی غیر واحد من المواضع (5) ، وإن کان یناقش أیضا (6) ، ولیست بمکانها بلا شبهة ، فإنّ العدالة المشترطة فی قبول الخبر یکتفی الشارح فیها

بیان الأقوال فی المسألة

ص: 124


1- ما بین القوسین لیس فی « أ ».
2- فی « ب » و « ج » و « د » : فبإجماع.
3- المدارک 3 : 459.
4- ما بین القوسین لیس فی « أ » ، وراجع ص 121 - 122.
5- منها فی المدارک 1 : 47.
6- لاحظ المدارک 1 : 132.

بظنون ضعیفة ، فکیف لا یکتفی فی التبیّن بمثل هذا الظن الذی کاد أن یتاخم الیقین؟ مع أنّ مانع الاکتفاء بالظنّ فی الکل واحد ، کما أنّ المقتضی أیضا واحد ، فالتفکیک تعسّف بحث ، ولذا اتفق الفقهاء علی ذلک.

وکون الأصل فی العبادات وتحقّق ماهیتها عدم الزیادة فی التکلیف فاسد ، کما حقّق فی محلّه ، ولذا لا یعتمد علیه الشارح رحمه الله أیضا فی غالب المواضع ، ولم یستدل القائل بالصحة فی المقام به ، ولا أحد ممّن تقدّم علی الشارح فی مثل المقام مطلقا ( فتأمّل جدّا ) (1).

هذا علی تقدیر قطع النظر عن الإجماعات وکونها صحیحة حقّا ، وبعده لا مجال لما ذکره أصلا ، فتأمّل.

قوله : بصحیحة الفضیل بن یسار. ( 3 : 457 ).

لکن یتوجه علی المستدل أنّ المطلوب کان الحدث سهوا ، والروایة تدل علی الصحة فی الحدث عمدا وهو غیر محلّ النزاع ، بل هو محلّ الإجماع ، وحمل الروایة علی صورة الاضطرار - مع أنّ الظاهر منها عدم الوصول إلی حدّ الاضطرار ، لأنّ المعصوم لم یستفصل بل قال مطلقا ما قال - غیر نافع أصلا ، لما عرفت من أنّه لا یخرجه من العمد ولا یدخله فی النسیان ، وقیاس النسیان علی الاضطرار باطل قطعا ، هذا.

مع مخالفة الروایة لما ذکره الشارح رحمه الله وذکرناه ، وللأخبار الدالة علی أنّ الالتفات فی الصلاة یبطل الصلاة (2) ، وهی صحیحة مفتی بها عند الأصحاب ( وللأخبار الدالة علی أنّ استدبار القبلة وتقلیب الوجه عنها مبطل

ص: 125


1- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
2- الوسائل 7 : 244 أبواب قواطع الصلاة ب 3.

للصلاة (1) ، وکذا الآیة القرآنیة (2) ، وهما مفتی بهما عند الأصحاب ) (3).

وکذا یخالف ما دل علی أنّ الفعل الکثیر مبطل للصلاة (4) ، مع أنّ فیها أفعالا متعدّدة کثیرة کلّ واحد منها فعل کثیر ، فباجتماعها یمحو صورة الصلاة ، وسیجی ء أنّها تبطل الصلاة. مضافا إلی الإجماع علی الإبطال ، کما سیجی ء (5). مع أنّه ورد عنهم علیه السلام الأمر بأخذ ما اشتهر بین الأصحاب وترک ما خالف القرآن ، بل ترک ما لم یوافق القرآن (6).

قوله : قال : سمعت رجلا یسأل أبا عبد الله. ( 3 : 458 ).

هذه الروایة - مع ضعفها ، ومخالفتها لما مرّ ، وکون حالها حال الروایة السابقة فی جمیع ما ذکرنا ، سیّما أنّها لا دخل لها فی المطلوب بوجه - تتضمّن حکایة سهو النبی صلی الله علیه و آله فیناسب حملها علی التقیّة ، وکذا الخبر السابق. ویؤیّد حملها علی التقیة ما سنذکره فی الروایة الآتیة ، فلاحظ وتأمّل ، فالأظهر کون أمثال هذه الروایات واردة مورد التقیّة.

قوله : وصحیحة زرارة. ( 3 : 458 ).

هذه الروایة أیضا لا یظهر منها کون الحدث سهوا ، بل الظاهر منها کونه بغیر اختیار ، ومع ذلک تتضمّن ما لا یقول به أحد من قوله : « فإنّ شاء رجع » إلی آخر الحدیث ، ومع جمیع ذلک معارضة لما ذکره الشارح رحمه الله

ص: 126


1- الوسائل 7 : 244 أبواب قواطع الصلاة ب 3.
2- البقرة : 144.
3- ما بین القوسین لیس فی « د ».
4- الوسائل 7 : 265 أبواب قواطع الصلاة ب 15.
5- انظر المدارک 3 : 465.
6- الوسائل 27 : 106 أبواب صفات القاضی ب 9.

وذکرنا ، سیّما روایة الحسن بن الجهم (1) التی هی أوفق بطریقة الإمامیة ، علی ما قال الصدوق ، وإجماع الشیعة علی ما قال الشیخ ، وموافقة لغیر واحد من الأخبار المتضمّنة لکون التشهّد سنّة (2) ، ولأجل کونه سنّة لا یضرّ الحدث قبله ، وحملها الشهید رحمه الله علی التقیّة بسبب کون التشهّد الثانی غیر واجب عند أبی حنیفة ، والثوری ، والأوزاعی ، وسعید بن المسیّب ، والنخعی ، والزهری ، والعامة رووا ذلک عن علی علیه السلام (3) ، ومعلوم إجماع الشیعة علی وجوب هذا التشهّد أیضا ، وأخبارهم متظافرة (4) فیه ، ومن هذا یظهر قدح آخر.

ویظهر من هذه الأخبار أیضا أنّ الحدث فی الصلاة مبطل لها ، کما لا یخفی ، نعم هذه الصحیحة لا یظهر منها ، نعم یظهر أنّه من قبیل تلک الأخبار ، کما لا یخفی علی من لاحظ المجموع ، فلاحظ.

علی أنّه نقل عن الصدوق أنّ تخلّل الحدث فی أثناء الصلاة غیر ضارّ إذا وقع بعد الفراغ من أرکان الصلاة (5) ، فهذا الحدیث حجّة له لو کان ، لا حجّة المستدل ، لعدم تحقّق الإجماع المرکّب ، وروایة ابن الجهم مستند صاحب الفاخر ، فإنّه نقل عنه أنّ الحدث بعد الشهادتین لا یضرّ ، وهو ممّن قال بوجوب السلام (6). وما الکلام بالنسبة إلی ما نقل عن الصدوق وصاحب الفاخر یظهر من التأمّل فی ما ذکرناه وما مرّ فی بحث التشهّد والصلاة علی

ص: 127


1- راجع ص 102.
2- انظر الوسائل 6 : 401 أبواب التشهّد ب 7.
3- الذکری : 204 ، وانظر المجموع للنووی 3 : 462.
4- فی « ا » : متواترة.
5- حکاه عنه فی الحبل المتین : 257 ، وانظر الفقیه 1 : 233.
6- نقله فی الذکری : 206.

النبی والتسلیم.

وکذا یظهر من جمیع ما ذکرنا الکلام فی ما احتجّ به الشیخان علی البناء فی التیمم خاصّة ، مضافا إلی استبعاد الصحة فی التیمّم دون المائیة بالنظر إلی المقتضیات والموانع ، والسؤال وقع عن المتیمّم فأجاب بالبناء ، لأنّ البناء من خصائص التیمّم ، مع أنّه لو صحّ فیه لعله یصح فیها بطریق أولی ، علی أنّه قیل : إنّ المراد من أحدث : أمطر (1) ، وفی القاموس : الأحداث : أمطار أوّل السنة (2) ، وفی صدر الروایة ما یشعر بذلک ، فلاحظ وتأمّل.

مع أنّ کلمة الفاء فی قوله : فأصاب الماء ، أیضا یشعر به ، لعدم الارتباط لو کان المراد الحدیث المتعارف.

وفی الوافی أیضا صرّح بأنّ المراد لیس الحدیث المتعارف ، لکن قال : أحدث بالبناء علی المفعول : أی سنح أمر من أمطار السماء وغیرها من أسباب وجدان الماء ، والکنایة عن مثله بالحدث شائعة فی کلامهم (3) ، انتهی.

قوله : لأنّ الإجماع لا تصادمه الروایة ، ولا بأس بالعمل بها. ( 3 : 459 ).

وعلی هذا یتحقّق وهن فی الروایة ، لأنّ حملها علی خصوص صورة النسیان بعید ، بل ربما لا یصح ، لأنّ صورة النسیان فی الحدث من الفروض

ص: 128


1- انظر روضة المتقین 1 : 279.
2- القاموس المحیط 1 : 170.
3- الوافی 6 : 563.

النادرة ، وحمل المطلق فی الأخبار علی الفروض النادرة فیه ما فیه ، بل لیس بمطلق بل عامّ ، لأنّ ترک الاستفصال فی مقام السؤال مع قیام الاحتمال یفید العموم ، فضلا عن أن یکون الاحتمال أظهر ، بل الاحتمال الآخر فی غایة البعد ، ومخالفة الظاهر ، وصرف العام إلی الفرد النادر أشدّ قبحا ومنعا.

قوله : ونقل الشیخ والمرتضی فیه الإجماع. ( 3 : 459 ).

وقال الصدوق فی أمالیه : من دین الإمامیة الإقرار بأنّه لا یجوز التکفیر فی الصلاة (1).

قوله : واستوجهه فی المعتبر. ( 3 : 460 ).

هذا لا یدل علی الکراهة ، بل ترک المستحب ، وإن کان ما ذکره أخیرا یدل علی الکراهة ، ففی کلامه تدافع فی الجملة.

قوله : وضعهما کیف شاء. ( 3 : 460 ).

هذا - علی تقدیر التسلیم - إنّما هو فی صورة لم یقصد کونه من الصلاة ، وإنّما قلنا : علی تقدیر التسلیم ، لأنّ هیئة العبادة توقیفیة ، والمنقول عن الشرع غیر هذه الهیئة ، ولم یتحقّق إجماع علی صحة هذه الهیئة ، ولا ثبتت من نص ، وأصل العدم لا یجری فی العبادات ، کما حقّق فی محلّه ، مع أنّه نوع من الاستصحاب ، فمن لا یقول بحجّیته کیف یتمسّک به؟

إلاّ أن یقول بأنّ الصلاة اسم لمجرّد الأرکان عند المتشرعة ، وعدم الوضع خارج عنها البتّة عندهم ، ومراد الشارع من لفظ الصلاة لیس إلاّ ما هو مجرّد الأرکان عند المتشرعة. وإثبات ما ذکر محلّ صعوبة ، فتأمّل جدّا ، هذا. مع ما عرفت من الأمالی وغیره من دین الإمامیة وإجماعهم.

بطلان الصلاة بالتکفیر

ص: 129


1- أمالی الصدوق : 512.

قوله : وهو جیّد. ( 3 : 460 ).

جودة کلامه فرع عدم ورود النهی التحریمی من الشارع ، وهو فاسد ، کما اعترف به الشارح رحمه الله فأیّ جودة بقیت بعد ذلک؟

قوله : فی الکراهة نظر. ( 3 : 461 ).

بل هو أظهر فی التحریم ، لما ورد عنهم : « من تشبّه بقوم فهو منهم » (1) ، مضافا إلی فهم الأصحاب ، والإجماعات المنقولة ، وما ورد عنهم علیه السلام من أنّ الرشد فی خلاف العامّة (2) ، وغیر ذلک.

قوله : لتوجّه النهی إلی أمر خارج عن العبادة. ( 3 : 461 ).

قد عرفت التأمّل فی ذلک ، وهذا وما سبق منه ومن المحقّق مبنیان علی کون الصلاة اسما للأعمّ من الصحیحة کما هو أحد القولین ، وأنّ الوضع وعدمه لا مدخل لهما أصلا فی ماهیة الصلاة بحسب الشرع.

قوله (3) : والالتفات. ( 3 : 461 ).

مرّ عبارة الأمالی فی إبطال الالتفات (4).

قوله : وهو الاستقبال. ( 3 : 461 ).

مقتضی هذا کون الشرط هو الاستقبال علی سبیل الاتصال والاستمرار ، کما ذکرنا فی مسألة الحدث فی أثناء الصلاة ، ومقتضی کلامه هنا فی صورة السهو أنّ الاستقبال لیس شرطا علی سبیل الاستمرار (5) بل

بطلان الصلاة بالالتفات

ص: 130


1- عوالی اللآلئ 1 : 165 / 170 ، مستدرک الوسائل 17 : 440 أبواب الشهادات ب 35 ح 5 ، مسند أحمد 2 : 50.
2- الوسائل 27 : 106 أبواب صفات القاضی ب 9.
3- هذه التعلیقة لیست فی « ج » و « د ».
4- راجع ص 120.
5- فی « ب » و « ج » و « د » : الاتصال.

علی التوزیع ، وفیه ما فیه ، ومع ذلک مقتضی تعلیله أنّ الالتفات إلی ما بین المغرب والمشرق أیضا موجب لبطلان الصلاة ، إلاّ أن یقول بأنّ ما بینهما قبلة مطلقا ، وفیه ما فیه ، ومرّ الکلام فی بحث القبلة (1).

قوله : هذا کلّه مع العمد. ( 3 : 462 ).

مقتضی الأخبار أنّ الالتفات الفاحش یبطل الصلاة وإن کان سهوا ، وأما غیر الفاحش وإن کان لا یبطل الصلاة إلاّ أنّه نهی عنه ، کما یظهر من صحیحة زرارة ، وصحیحة محمد بن مسلم أنّه سأل الباقر علیه السلام عن الرجل یلتفت فی الصلاة قال : « لا ، ولا ینقض أصابعه » (2).

نعم ورد فی روایة عبد الملک عن الصادق علیه السلام : « أنّ الالتفات لا یقطع الصلاة ، وما أحبّ أن یفعل » (3) لکن لا یقاوم سندا ، مع أنّ الحسنة متضمّنة لتعلیل ثابت ظاهر ، فهی أرجح من هذه الجهة أیضا ، کما أنّ فی الروایة غیر الصحیحة وهن آخر من جهة الحکم بعدم قاطعیة الالتفات مطلقا ، ومع ذلک یمکن حمل « ما أحبّ » علی المنع ، لأنّهم کثیرا مّا یستعملونه فیه.

وکیف کان ، التفصیل الذی سیذکره مناسب لجعله فی صورة عدم الفاحش ، وأنّه إن کان عمدا وأتی شیئا من الأفعال فی هذه الحالة یبطل الصلاة إن کانت زیادته مبطلة للصلاة عمدا ، وإن لم تکن مبطلة عمدا لکن یجب فعله فی الصلاة ولم یأت به مستقبل القبلة أتی به مستقبل القبلة ، وإلاّ

ص: 131


1- راجع ج 2 : 324 - 328.
2- الکافی 3 : 366 / 12 ، التهذیب 2 : 199 / 781 ، الوسائل 7 : 244 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 1.
3- التهذیب 2 : 200 / 784 ، الوسائل 7 : 245 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 5.

فیصحّ ، فتأمّل.

وأمّا سهوا ، فإن کانت زیادته مبطلة سهوا فکذلک ، وإلاّ فیأتی به مستقبل القبلة ، وإن لم یمکن تدارکه وهو رکن فیبطل ، وإن لم یکن رکنا فلا یضرّ بل یسجد للسهو أو یقضی ویسجد معا علی النحو المقرّر ، فإذا لم یتفطّن فی أثناء الصلاة بل تفطّن بعدها فالأمر علی ما ذکره الشارح رحمه الله فتدبّر.

وجمیع ما ذکرنا فی السهو إنّما هو إذا بلغ حدّ الیمین أو الیسار ، وإلاّ فلا یضرّ أصلا ، کما ذکره أیضا ، والله یعلم.

قوله : وحسنة الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام . ( 3 : 463 ).

المتبادر من الروایتین وغیرهما کون التکلّم عمدا ، سیّما بملاحظة انصراف المطلق إلی الأفراد الشائعة ، ونسیان کونه فی الصلاة ثم التکلّم لعله نادر ، نعم نسیان عدم جواز التکلّم فیها والتکلّم غفلة لعله غیر نادر.

نعم ورد فی غیر واحد من الأخبار أنّ التکلم ناسیا لا یبطل الصلاة (1) ، وإن کان ورد فی بعضها أنّه یکبّر تکبیرا کثیرا (2) ، وحمل علی الاستحباب (3) ، والسند منجبر بعمل الأصحاب ، ومرّ فی صحیحة الفضیل (4) وغیرها أنّ التکلّم فی الصلاة ناسیا غیر مضرّ أصلا ، فتأمّل.

قوله : وموثقة سماعة. ( 3 : 464 ).

لا یخفی أنّ الأخبار مطلقة ، والتقیید بصورة العمد من جهة أنّ

بطلان الصلاة بالکلام عمداً

بطلان الصلاة بالقهقهة

ص: 132


1- الوسائل 7 : 281 أبواب قواطع الصلاة ب 25.
2- الفقیه 1 : 232 / 1029 ، الوسائل 7 : 281 أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 2.
3- کما فی الاستبصار 1 : 378.
4- انظر المدارک 3 : 457.

المطلق ینصرف إلی الفرد الشائع المتبادر ، وفرض وقوع الضحک حال نسیان الصلاة نادر وغیر متبادر ، أمّا الوقوع بغیر اختیار ( فلعله داخل فی العمد ، لأنّ المراد منه ما یقابل السهو ، کما عرفت ، والغالب وقوعه بغیر اختیار ) (1) فالظاهر شمول الأخبار له أیضا.

قوله : ما تنمحی به صورة الصلاة بالکلّیّة. ( 3 : 466 ).

لعل المراد الانمحاء عند المتشرعة ، بناء علی ثبوت الحقیقة الشرعیة مطلقا ، أو فی مثل الصلاة مطلقا ، أو فی زمان الصادقین ومن بعدهما من الأئمة علیه السلام ، والتحقیق فی الأصول ، بل علی تقدیر القول بعدم الثبوت مطلقا أیضا یتمّ ، لأنّ مع وجود القرینة الصارفة عن المعنی اللغوی یتعیّن حقیقة المتشرعة إجماعا ، لنهایة کثرة الاستعمال فیها إلی أن قال أعاظم الفحول بصیرورته حقیقة ، فینصرف إلیها لا إلی ما لم یعهد استعمال الشرع فیه مطلقا أو إلاّ نادرا. لکن بعض ما ورد فی الأخبار أنّه غیر مضرّ (2) یمحو صورة الصلاة عند المتشرعة ، حتی عند المجتهدین والمقلدین ، فتأمّل جدّا.

قوله : اقتصارا فی ما خالف الأصل علی موضع الوفاق. ( 3 : 466 ).

فیه : أنّ هذا إن تمّ فإنّما یتمّ علی القول بأنّ الصلاة اسم لمجرّد الأرکان ، وقد مرّ الکلام فی أمثال المقام مرارا.

قوله : باشتماله علی عدّة من الضعفاء. ( 3 : 466 ).

بطلان الصلاة بالفعل الکثیر

بطلان الصلاة بالبکاء لشیء من أمور الدنیا

ص: 133


1- ما بین القوسین لیس فی « د ».
2- انظر الوسائل 7 : 278 أبواب قواطع الصلاة ب 21 ح 3 ، وب 22 ح 1 ، و : 280 ب 24 ح 1 ، 2.

السند منجبر بالشهرة ، وجریان الأصل فی ماهیة العبادات التوقیفیة محلّ کلام حقّق فی محلّه.

قوله : ومنعه المصنّف فی المعتبر. ( 3 : 467 ).

لیس بمکانه ، لأنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة ، بل الظاهر أنّه إجماع ، ویؤیّده ما نقله فی المنتهی (1).

مضافا إلی أنّ العبادات ماهیتها توقیفیة ، فکیف یکتفی بما وقع فیه هذا الأجنبی الغریب؟

ویؤیّده أیضا قوله علیه السلام : « صلّوا کما رأیتمونی أصلّی » (2) ، وتتبّع تضاعیف أحوال الصلاة ومفسداتها ، ومرّ الکلام فی مثله فی وضع الیمین علی الشمال وغیره (3).

قوله : الضابط فی کراهة التأوّه والأنین. ( 3 : 470 ).

روی : أنّ من أنّ فی صلاته فقد تکلّم ، وعمل بها الصدوق (4) ، رواه الشیخ فی التهذیب بسنده عن طلحة بن زید ، عن أبی جعفر ( عن أبیه عن علیّ ) (5) علیه السلام (6).

قوله : لأنّه لا یسمّی تحیّة. ( 3 : 472 ).

فیه تأمّل ظاهر ، روی الصدوق فی آخر کتاب الخصال فی حدیث طویل عن أبی جعفر علیه السلام عن آبائه عن أمیر المؤمنین علیه السلام ممّا علّمه

بطلان الصلاة بالأکل والشرب

کراهة التأوّه فی الصلاة

الکلام فی تسمیت العاطس

ص: 134


1- المنتهی 1 : 312 ، وفی « أ » و « و » زیادة : وغیره.
2- عوالی اللآلئ 1 : 197 / 8 ، سنن الدار قطنی 1 : 346 / 10 ، سنن البیهقی 2 : 124.
3- راجع ص 129 - 130.
4- الفقیه 1 : 232.
5- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
6- التهذیب 2 : 330 / 1356 ، الوسائل 7 : 281 أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 4.

أصحابه فی مجلس واحد من أربعمائة باب ممّا یصلح للمسلم فی دینه ، قال علیه السلام : « إذا عطس أحدکم فسمّتوه قولوا : یرحمکم الله ، وهو یقول : یغفر الله لکم ویرحمکم ، قال الله عزّ وجلّ ( إِذا حُیِّیتُمْ بِتَحِیَّةٍ فَحَیُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) (1).

قوله : من حیث السند. ( 3 : 474 ).

ومن حیث المعارضة لصحیحة ابن مسلم وغیرها (2) ، ولظاهر القرآن (3) والعمومات فی ردّ السلام ، مع إمکان حملهما

علی عدم زیادة الجهر المنافیة لحرمة الصلاة ، فتأمّل.

قوله : ولا یجب ردّ غیر السلام من الدعوات. ( 3 : 475 ).

إذا سلّم علیه سلام ملحون فالأحوط أن یردّ علیه بصورة الآیة القرآنیة ، مثل ( سَلامٌ عَلَیْکُمْ بِما صَبَرْتُمْ ) (4) ، فتأمّل.

قوله : ولم أقف علی روایة تدل بمنطوقها علیها. ( 3 : 477 ).

تکفی دلالة ظاهر الآیة والمفهومات فی الروایات وظواهرها ، منها روایة حریز وسماعة الآتیتان ، وموثقة عمار فی قتل الحیّة فی الصلاة أنّه « إن کان بین المصلّی وبین الحیّة خطوة فلیخط ولیقتلها ، وإلاّ فلا » (5) ، وغیرها (6).

کلمة فی جواز ردّ السلام فی أثناء الصلاة

ص: 135


1- الخصال : 633 ، الوسائل 12 : 88 أبواب أحکام العشرة ب 58 ح 3.
2- انظر الوسائل 7 : 267 أبواب قواطع الصلاة ب 16.
3- النساء : 86.
4- الرعد : 24.
5- الفقیه 1 : 241 / 1072 ، التهذیب 2 : 331 / 1364 ، الوسائل 7 : 273 أبواب قواطع الصلاة ب 19 ح 4 ، بتفاوت یسیر.
6- انظر الوسائل 7 : 274 أبواب قواطع الصلاة ب 19 ح 5.

وکذا ما ورد من المنع من فعل المنافیات فی الصلاة (1) ، وما ورد فی الصحیح فی کثیر الشکّ : « لا تعوّدوا الخبیث من أنفسکم نقض الصلاة فتطمعوه » إلی قوله : « إنّما یرید الخبیث أن یطاع فإذا عصی لم یعد إلی أحدکم » (2) وغیر ذلک ، فتتّبع الأخبار وتأمّل فیها یظهر لک ما قلنا.

مع أنّ ذلک إجماعی أیضا ، بل الظاهر أنّه من ضروریات الدین ، فما ذکره من انتفاء الدلیل علی التحریم فیه ما فیه.

قوله (3) : ولم أقف علی روایة. ( 3 : 477 ).

الأخبار المتواترة المتضمّنة لقولهم : « وتحریمها التکبیر » ، وقولهم علیه السلام : « وتحلیلها التسلیم » (4) وأمثال ذلک دالة علی المطلوب بالمنطوق ، وبالجملة ، الأخبار متواترة ، منها ما ورد فی المنع من منافیات الصلاة فیها.

قوله : أجمع العلماء کافّة علی وجوب صلاة الجمعة. ( 4 : 5 ).

المجمع علیه هو ضروری الدین لا یحتاج إلی الدلیل ، فضلا عمّا ارتکبه من التطویل والتأکید والتشدید ، سیّما والأدلة ظنّیة نظریة فکیف یستدل بها علی الضروری الیقینی؟ اللهم إلاّ أن یکون مراده إثبات عدم اشتراط الإمام أو نائبه ، کما یظهر من آخر کلامه ، لکن فی الدلالة نظر ستعرفه ، فلاحظ.

حرمة قطع الصلاة إختیاراً

صلاة الجمعة

حکمها فی زمان الغیبة

ص: 136


1- الوسائل 7 : أبواب قواطع الصلاة ، الأبواب 3 ، 7 ، 25 ، 29.
2- الکافی 3 : 358 / 2 ، التهذیب 2 : 188 / 747 ، الاستبصار 1 : 374 / 1422 ، الوسائل 8 : 228 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 16 ح 2.
3- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
4- الوسائل 6 : 415 ، 417 أبواب التسلیم ب 1 ح 1 ، 8.

قوله : وهو هنا. ( 4 : 5 ).

تنبیه علی أنّ صیغة الأمر لا تدل علی التکرار ، کما حقّق فی محلّه ومسلّم عند المحققین ، ومنهم الشارح ، فیرد علیه أنّ التکرار إذا کان من اتفاق العلماء یکون متقدّرا بقدره ، ولا نزاع لأحد فی التکرار المتفق علیه ، بل نقلوا الإجماع علی اشتراط الإمام أو نائبه ، فیکون التکرار المتفق علیه فی صورة وجود الإمام أو نائبه بحیث یکونان إمام الجمعة بالاتفاق منهم.

علی أنّه علی تقدیر عدم العلم بتحقّق هذا الإجماع فالظنّ به لا شکّ فیه ، لأنّه إجماع نقله جماعة کثیرة من الفقهاء الفحول ، کما ستعرف.

وعلی تقدیر عدم الظنّ فالاحتمال لا شکّ فیه بالبدیهة ، بل علی تقدیر الظنّ بعدم الاشتراط لا شبهة فی کون التکرار الذی اتفق علیه العلماء هو الذی لا نزاع لأحد فیه ، فالظنّ بعدم الاشتراط من جهة أمر خارج لا ینفع المستدل فی استناده إلی القدر المتفق علیه ، کما هو ظاهر.

وبالجملة لا شبهة فی فساد استدلاله ، بل الآیة تکون حجّة علی الشارح لا له ، لأنّ الأمر لا یقتضی التکرار ، بل المقتضی له هو الإجماع ، ففی موضع الخلاف لا تکون واجبة ، کما لا یخفی.

قوله : للتکرار. ( 4 : 5 ).

إن أراد التکرار فی الجملة فمسلّم ، لکن لا فائدة ، کما أشرنا ، وإن أراد علی سبیل الدوام فممنوع ، بل باطل ، وبالجملة التکرار فی نفسه لیس له حدّ مضبوط معیّن ، بل إنّما هو علی حسب ما یقتضیه مقتضیه ، فإذا کان المقتضی هو اتفاقهم فلا جرم یکون المقتضی هو الأمر المتفق علیه.

علی أنّه إن أراد التکرار بعد النداء ففساده لا یخفی ، وإن أراد علی

تحقیق فی أنّ صیغة الأمر لا تدلّ علی التکرار

أدلّة القائلین بالوجوب العینی والجواب عنها :

الأوّل : الآیة الشریفة

ص: 137

حسب النداء فلا وجه للقول بأنّ الأمر للتکرار ، بل المناسب أن یقول : کلمة إذا هنا للعموم ، وإن لم تفد لغة ، کما هو الحق عنده ومعظم المحقّقین (1) ، اللهم إلاّ أن یؤول کلامه إلی ذلک بضرب من العنایة ، وکیف کان ، فالاعتراض باق بحاله ، کما لا یخفی.

وربما استدل علی العموم بأنّ الحمل علی المعیّن ترجیح من غیر مرجّح ، وعلی غیر معیّن ینفی الفائدة.

وفیه : أنّه لو تمّ فهو من باب إرجاع المطلق إلی العموم ، وغیر خفی أنّه إنّما یرجع إلیه إذا لم یکن هناک شائع غالب ، وإلاّ فالذهن ینصرف إلیه ، وهو المرجّح ، والشارح اعترف بذلک فی مواضع شتّی ، والشائع الغالب - بل المتعارف - کان فی زمان نزول الآیة وقوع النداء عند حضور السلطان أو نائبه ، بل وما بعده أیضا کان کذلک ، کما سیجی ء عن المحقّق ، وکذا الکلام فی لفظ الصلاة.

مضافا إلی أنّ الظاهر المتبادر النداء الصحیح الشرعی ، وکذا الصلاة الصحیحة الشرعیة ، سیّما علی رأی القائل بأنّ ألفاظ العبادات أسام للصحیحة المستجمعة لشرائط الصحة ، وکون الواقع بغیر حضور السلطان أو نائبه صحیحا محلّ نظر ، بل أوّل الکلام ، وباقی الکلام سیجی ء فتربّص.

علی أنّ المحقّق فی الأصول أنّ الأمر للطبیعة ، وأنّ امتثاله مرّة یکفی ، بل لا یجوز أزید من المرّة لو کان عبادة ، فالتکرار إذا کان من الإجماع (2) ففی موضع الخلاف لا تکرار ، فیکفی الواحدة ولا یلزم التکرار ، فتأمّل.

ص: 138


1- انظر تمهید القواعد : 381 ، والحدائق 9 : 399.
2- فی « أ » و « و » زیادة : فمسلّم وإلاّ.

قوله : والتعلیق بالنداء مبنی علی الغالب. ( 4 : 5 ).

دفع إیراد یرد علیه ، وهو أنّ مفهوم الشرط حجّة ، کما حقّق ، ومسلّم عندکم ، وهو هنا عدم الوجوب عند عدم النداء ، والموجبون نافون لذلک ومتحاشون عنه ، فأجاب بأنّ الشرط هنا وارد مورد الغالب ، ولا اعتبار لمفهوم مثله ، لأنّ المتعارف لمّا کان فی ذلک الزمان أنّهم ینادون غالبا - بل والبتّة - قال الله عزّ وجلّ کذلک ، لا أنّه إذا لم یتحقّق النداء علی الندرة أو فرضا فلا یجب السعی.

لکن یرد علیه : أنّه بعد التسلیم غایة ما یلزم عدم ظهور حکم المفهوم ، لا أنّه یظهر من المنطوق أنّ الحکم فی صورة المفهوم أیضا موافق لحکم المنطوق ، وهو واضح ، إذ کیف یصحّ أنّ یقال : إنّه تعالی قال : اسعوا مکرّرا إذا نودی أو لم یناد للصلاة إذا نودی للصلاة؟ فإنّ السفیه لا یتکلم کذلک فضلا عن الحکیم ، فضلا عن الله تعالی ، فضلا عن القرآن الذی هو فی غایة البلاغة ، فغایة ما ثبت من الآیة وجوب الجمعة فی الغالب لیس إلاّ ، ولا نزاع فیه ، لما عرفت من أنّ الغالب کما کان بأنّهم کانوا ینادون کذا ، کان ذلک النداء عند حضور السلطان أو نائبه ، فتدبّر.

قوله : ولا یخفی علی من تأمّله من أولی الأفهام. ( 4 : 6 ).

فیه : أنّ الأمر بالعکس ، لقوله تعالی ( ذلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ ) ولأنّ الأوامر المتأخّرة أکثرها لیس للوجوب ، ومثل هذا یضرّ عند الشارح فتأمّل.

قوله : وصحیحة منصور عن أبی عبد الله علیه السلام . ( 4 : 6 ).

فی الاستدلال بها وبصحیحة فضل الآتیة ونظائرهما علی عینیة الوجوب نظر یظهر ممّا سیجی ء فی بیان العدد ، مع أنّ الشارح رحمه الله حمل

الثانی : الروایات

ص: 139

الوجوب فیها علی التخییر ، فکیف یستل بها علی العینی؟ فتأمّل.

ویرد علی صحیحة الفضل أنّ « جمّعوا » لیس صیغة الأمر ، ولا یرجع إلیه أیضا عند الشارح ونظرائه. مضافا إلی أنّ الأمر الواقع عقیب الحظر الصریح أو المستفاد من : صلّوا أربعا ، بوجه من الوجوه دلالته علی الوجوب محلّ کلام ونظر ، کما ذکر فی الأصول (1) ، فلاحظ.

قوله : وصحیحة زرارة. ( 4 : 7 ).

الاستدلال بها علی عینیة الوجوب فی غایة الغرابة ، إذا الحثّ لا دلالة له علیها ( لأنّه لا یدل علی أزید من الترغیب فقط ، فلا یدل علی المنع من الترک بإحدی الدلالات ، والأصل عدم المنع من الترک وبراءة الذمّة من الفعل ، فیدل علی مذهب المخیّر ) (2) ، بل لا خفاء فی ظهوره فی الاستحباب ( کما هو الحال فی لفظ ینبغی ) (3).

سیّما وزرارة - مع عدالته وفقاهته وجلالته ورئاسته علی من تبعه من الشیعة الذین کانوا یعبّرون عنهم بالزراریة. إلی غیر ذلک ممّا ورد ، فیه ویظهر من حاله - کیف یروی کرّات ومرّات متعدّدة عن الباقر علیه السلام أنّ الجمعة فریضة فرضها الله فی جماعة ، ولیست موضوعة إلاّ عن تسعة ، ولیس هو منهم ، و : « أنّها واجبة علی من صلّی الغداة » ، الحدیث ، و : « أنّهم متی اجتمع سبعة ولم یخافوا » الحدیث ، إلی غیر ذلک ممّا لم یذکر الشارح رحمه الله وضبطها فی أصله المشتهر اشتهار الشمس فی الشیعة ، والأجلّة کانوا رووا عنه ودوّنوا فی أصولهم ، ومع ذلک کان یترکها حتی

ص: 140


1- انظر الوافیة : 74 ، الإحکام فی أصول الأحکام 2 : 398.
2- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
3- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

احتجاج إلی حثّ الصادق علیه السلام .

ومع ذلک کیف اکتفی علیه السلام بالحثّ؟ مع أنّه ما نفعه التعریضات والإیجابات والتأکیدات والتشدیدات ، بل وفضاعة عدم العمل بها وشناعته ، بل کان المناسب أن یستفسر أوّلا وجه ترکه ، فإن أتی بالعذر وکان صوابا ترکه علی حاله ، وإن کان خطأ بیّنه له ونبّه علیه ، وإن لم یأت به أنکر علیه أشدّ الإنکار وهدّد وشدّد أزید ممّا فعله والده علیه السلام .

کیف؟ وهو علیه السلام أنکر علی حماد بعدم إتیانه بالصلاة بحدودها تامّة مع أنّها من المستحبات والآداب بقوله : « ما أقبح بالرجل منکم » (1) ، الحدیث ، بل کانوا ینکرون بترک مثل غسل الجمعة والنوافل الیومیة وأمثال ذلک ، فکیف فی مثل هذه الفریضة من مثل هذا الجلیل؟!

سیّما بعد إیجابات کثیرة سابقة أکیدة شدیدة رواها هو بنفسه ، وکذا شرکاؤه ونظراؤه مثل ابن مسلم وأبی بصیر وغیرهما من الأجلّة ، ودوّنوها فی أصولهم المعمولة المشهورة ، مع أنّهم دائما کانوا یقرؤون القرآن وسورة الجمعة ویفهمون المعنی أحسن منّا ، وکذا الحال فی الأخبار الصادرة عن الرسول وأهل البیت علیه السلام ، سیّما ما رووه بأنفسهم ، وکان المعصوم علیه السلام عندهم ، یتمکّنون من الرجوع إلیه فی معرفة القیود والشرائط ویمکنهم استفصال أنّ الآیة بأیّ شی ء مقیّدة ، وکانوا أحسن منّا فی المعرفة ومعانی أحادیثهم وأحادیث غیرهم حتی ما ورد عن الرسول.

وزرارة کان من فقهاء العامّة فاستبصر ، فکیف اتفقوا علی الترک فی مدّة مدیدة ولم یتفطّن أحد منهم ولا ممّن تبعهم ولا من غیرهم من

ص: 141


1- الکافی 3 : 311 / 8 ، الفقیه 1 : 196 / 916 ، التهذیب 2 : 81 / 301 ، الوسائل 5 : 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

صدیقهم أو عدوّهم تشنیعا ، أو غیرهم حیرة وتعجّبا (1)؟ فکیف لم یتفطّن واحد منهم ، أو تفطّنوا لکن لم یقبل منهم واحد؟

مع أنّه یورث التهمة فی أحادیثهم ، فکیف اتفق الرواة والفقهاء فی أخذ الأحادیث منهم دائما؟ مع أنّهم کانوا یحتاطون فی أخذ الحدیث غایة الاحتیاط ، ویلاحظون الوثاقة غایة الملاحظة ، کما لا یخفی علی المطّلع بأحوالهم.

مع أنّه یظهر من الرجال أنّه رحمه الله کان محسودا بسبب غایة تقرّبه إلی المعصوم علیه السلام ونهایة جلالته واشتهاره عند الشیعة ، [ و ] کان جمع منهم فی غایة التفتیش فی عثرة أو عیب لعلّه یکون فیه ، وربما کانوا یخترعون ، وربما کانوا علیه السلام یذبّون عنه (2) ، ومع ذلک لم یشر إلی ذلک أحد أصلا ، وکذا الحال بالنسبة إلی نظائره.

ویؤکد الاستحباب قوله : ظننت ، إذ لو کان الحث علی سبیل الوجوب ولم یکن فعلها منصبا للإمام بل واجبا علی کل مکلّف - کما یدّعون ، ویدّعون ظهور ذلک من روایات زرارة عن الباقر علیه السلام ، بل وربما یدّعون کونها کالصریحة فی ذلک - فلا وجه لأن یتوهّم من زیادة الحثّ الغدو علیه ، بل کان المناسب خلاف ذلک ، مثل أنّ یتوهّم فعلها خلف غیر العادل أیضا مثلا.

علی أنّ الوجوب غیر قابل للدرجات بهذا النحو ، إذ علی ترکه العقاب ، فبعد دخول جهنم کیف یبقی شی ء آخر حتی یقول : وقع الحثّ

ص: 142


1- فی « ا » زیادة : أنّه لا مانع منها فکیف اتفقتم علی ترکها فإنّ العادة تقضی بتفطّن الجمیع.
2- انظر رجال الکشی 1 : 348 - 352.

إلی حدّ ظنّنا کذا وکذا؟ نعم الواجب درجاته التزیید (1) فی العقاب ، والتشدید فیه کمّا وکیفا ، بل غیر خفی علی المنصف أنّ مراد زرارة أنّه من شدّة حثّه ومبالغته فیه توهّمنا الوجوب ، ولمّا کان یدری أنّه منصبه علیه السلام ولم یکن له منصوب فی العراق لعدم بسط یده توهّم أنّه یرید أن یغدو علیه ، ویظهر من عبارة زرارة أنّ ظنّه کان توهّما منه ، لا أنّه کان فی موقعه ، فتدبّر.

وممّا ذکرنا ظهر حال استدلاله بسائر روایات زرارة وروایات نظرائه أیضا ، فتأمّل جدّا.

وممّا یدل بظاهره علی عدم الوجوب عینا ما رواه الشیخ فی مصباحه والصدوق فی أمالیه بسند صحیح أنّه علیه السلام قال : « إنّی أحبّ للرجل أن لا یخرج (2) من الدنیا حتی یتمتّع ولو مرّة ، وأن یصلّی الجمعة فی جماعة ولو مرّة » (3) ویظهر منه رحمه الله فی المصباح أنّ مستند التخییر عندهم هو هذا الحدیث ، فلاحظ ، إلی غیر ذلک من الأخبار الکثیرة التی ستعرفها.

ویؤیّده أیضا روایة عبد الملک أنّه قال له الصادق علیه السلام : « مثلک یهلک ولم یصلّ فریضة فرضها الله تعالی؟ » (4).

والمراد من الهلاک الموت ، لأنّه معناه ، ولأنّ الظاهر منه فی المقام ذلک ، لأنّ مناسب الهلاک بمعنی الوقوع فی العذاب التعلیل بترک الفریضة ،

ص: 143


1- فی « ج » و « د » : التردید.
2- فی « ب » و « ج » و « د » : إنّی أحبّ لشیعتی أن لا یذهب.
3- مصباح المتهجّد : 324 ، الوسائل 21 : 14 أبواب المتعة ب 2 ح 7 ، بتفاوت فیهما ، ولم نعثر علیه فی أمالی الصدوق.
4- التهذیب 3 : 239 / 638 ، الاستبصار 1 : 420 / 1616 ، الوسائل 7 : 310 أبواب صلاة الجمعة ب 5 ح 2.

لا الإتیان بالواو الحالیة ( والجملة الحالیة ) (1).

ولأنّ عبد الملک کان یترک ویظهر من الخبر أنّ ترکه لم یکن فسقا وعصیانا ، بل من جهة أنّه ما کان یدری ما یصنع ، بل کان یعتقد أنّه لا یجوز بغیر المنصوب من قبل الإمام ، ولذا أزال حیرته بقوله علیه السلام : « صلّ جماعة » أی لا تتوقّف علی المنصوب واکتف بالجماعة.

ولو کان ترکه لأجل التقیّة لما کان لسؤاله مناسبة ، وکذا جواب المعصوم علیه السلام ، کما لا یخفی علی المتأمّل فی مضمون الخبر : إنّ مثلک یذهب من الدنیا ولم یصدر منه فریضة فرضها الله ، لأنّ معنی « لم یصلّ فریضة » ما صلاّها أصلا ، وهذا منشأ التوبیخ له ، کما هو الظاهر ، ومفهومه أنّه إن صدر منه فریضة لما کان کذلک ، وإیجاب الواجب مطلقا والمنع عن الترک بالمرّة لا یکون بتلک العبارة ، بل المناسب أن یقول له : کیف یجوز لک أن تترک مرّة واحدة فریضة الله فی مدّة عمرک؟ لا أن یقول : کیف ینقضی مدّة عمرک ولم یتحقّق منک فریضة فرضها الله ولم توجد من هذه الطبیعة فرد منها؟

مع أنّ الأمر الوارد بقوله : « صلّوا جماعة » ورد فی مقام توهّم الحظر ، فدلالته علی الوجوب محلّ نظر ، بل لا یدل ، کما حقّق فی محلّه.

علی أنّا نقول : « الوجوب التخییری لا شکّ فی کونه وجوبا ، وواجبه من أفراد الواجب ، وصدق تعریف الواجب والتعبیر عنه ب : افعل ، متعارف متداول فی الآیات والأخبار ، غایة الأمر أنّه إذا قیل لشی ء : افعل هذا الشی ء ، یکون ظاهرا فی العینی ، فالمدار علی الظهور ، وبناء الاستدلال علیه ، وإن کان الاخبار یحتمل الأعمّ من العینی والتخییری ، وإذا کان البناء علی الظهور

ص: 144


1- ما بین للقوسین لیس فی « ج ».

فلا شبهة فی أنّ هذه الروایة زرارة وغیرها ظاهرة فی الاستحباب.

وأمّا روایة ابن مسلم : فراوی هذه الروایة بعینه - وهو ابن مسلم - روی اشتراط من یخطب ، کما ذکرت وعرفت الحال فیه ، وروی أیضا اشتراط الإمام وقاضیه وغیرهما ممّن سیذکر فی بحث اشتراط السلطان أو من نصبه (1) ، وإنّ الصدوق أفتی بمضمونه (2) ، والحدیث صحیح ، والدلالة ظاهرة ، والقائل بمضمونه موجود (3) ، مع أنّ الشارح یشترط (4) وجود القائل بمضمون الحدیث لکونه حجّة - وسیجی ء تتمّة الکلام هنالک (5) - ، فلا شبهة فی جواز أن یکون المراد بعد استجماع شرائط الصلاة ، بل هذا هو الظاهر ، ولعلّ الإذن من الشرائط ، کما نقل جماعة کثیرة الإجماع (6) ، وظهر ذلک من غیر واحد من الأخبار ، فتدبّر.

ثم لا یخفی أنّه ورد فی شأن زرارة أنّه لیس أحد أصدع بالحقّ منه (7) ، وورد فیه وفی نظرائه أنّهم أمناء الله علی الحلال والحرام والأحکام ، ولولا هؤلاء لاندرست آثار النبوّة ، وأنّهم حفّاظ دین الله ، وأنّ الباقر علیه السلام ائتمنهم علی حلال الله وحرامه ، وکانوا عیبة علمه ، وأنّهم عند الصادق علیه السلام أیضا کانوا کذلک ، وکانوا (8) مستودع سرّه ، وأنّه إذا أراد الله بأهل الأرض

ص: 145


1- انظر المدارک 4 : 21.
2- الفقیه 1 : 267 ، الهدایة : 34.
3- قال به الشیخ فی الخلاف 1 : 599 ، والنهایة : 103 ، وابن البراج فی المهذّب 1 : 100.
4- کذا فی النسخ ، ولعل الصحیح : لم یشترط ، وانظر المدارک 2 : 139.
5- انظر ص 191 - 203.
6- منهم الشیخ فی الخلاف 1 : 626 ، والمحقّق فی المعتبر 2 : 279 ، والعلاّمة فی المنتهی 1 : 317 ، والفاضل السیوری فی کنز العرفان 1 : 168 ، والمحقّق الکرکی فی جامع المقاصد 2 : 370.
7- رجال الکشی 1 : 355 / 225.
8- فی « د » زیادة : شیوخا.

سوءا صرفه بهم ، وأنّهم نجوم الشیعة یکشف الله بهم کلّ بدعة ، وأنّهم ینفون عن الدین انتحال المبطلین وتأویل الغالین ، صلوات الله علیهم أحیاء وأمواتا ، إلی غیر ذلک من المدائح (1) ، فکیف مثل هؤلاء کانوا یترکون الجمعة مع کونهم الرواة لوجوبها کرّاتا ومرّاتا؟ إلی غیر ذلک ممّا ذکرنا.

والبناء علی أنّ ترکهم کان تقیّة ینافی الحثّ علی فعلها ، بل الشیعة زهّادهم وعبّادهم کانوا حریصین علی ترک التقیّة ، بل وعدولهم فضلا عن غیرهم ، وکان الأئمّة علیه السلام حریصین علی ترک التقیّة ، بل وعدولهم فضلا عن غیرهم ، وکان الأئمّة علیه السلام حریصین علی أمرهم بالتقیّة ، وکانوا یشکون عنهم فی مخالفتهم للتقیّة ، فکیف صار الأمر فی المقام بالعکس؟

مع أنّ زرارة ونظراءه فی غایة الفقاهة والعدالة وغیرهما ممّا أشرنا إلیه ، وکانوا عارفین بالتقیّة ووقت التقیّة ، وکانوا یلاحظون مقام عدم التقیّة ومکان التقیّة ، فلو کان ترکهم للتقیّة فکان لخوفهم علی أنفسهم ، والتقیّة صاحبها أبصر بها وأعرف ، کما فی الأخبار (2) ، فکیف کان علیه السلام یأمر أمثال هؤلاء بخلاف ما کان یأمر شیعتهم ویصرّح بأنّ التقیّة موکولة إلی معرفة صاحب التقیّة وهو أبصر بها؟ والعمل فی الشرع فی التقیّة علی ما ذکر بلا تأمّل ، کما لا یخفی علی المطّلع بالأخبار والفتاوی وطریقة الشیعة فی الأعصار والأمصار وطریقة سلوک الأئمّة معهم وأمرهم بها.

مع أنّه علیه السلام علی فرض أن یکون فی خصوص المقام مخالفا للطریقة المعهودة الثابتة بأنّه کان یعلم من باب المعجزة أنّه ما کان تقیّة لهم وخوفهم کان عبثا لا بحسب الحال ولا بحسب المآل لکان یقول لزرارة وغیره هذا المعنی فقط ، ولا معنی للحثّ والترغیب وغیر ذلک ممّا عرفت.

ص: 146


1- رجال الکشی 1 : 348 / 220 ، والوسائل 27 : 145 أبواب صفات القاضی ب 11 ح 25.
2- الوسائل 23 : 225 ، 227 أبواب الأیمان ب 12 ح 7 ، 15.

والقول بأنّهم کانوا یعلمون بأنّ الشیعة کانوا متمکّنین من فعلها فی القری والبیوت خفیة فلذا أمرهم وحثّهم.

فاسد ، لأنّه أیضا ینافی التقیّة بحسب الوجدان ، لأنّ مثله یشیع ویذیع عادة فی بلاد التقیّة ، ومع ذلک یبعد أنّ هؤلاء الفقهاء جمیعا لم یتفطّنوا بذلک أصلا.

ومع ذلک لم یظهر مما ذکر فی خبر أصلا ، خبر أصلا ، إذ حکایة القری والبیوت والإخفاء وأمثالها لیس فی الروایات منها عین ولا أثر ، فکان اللازم أن یکون المذکور فی الأخبار هذا الذی ذکر ، لا مجرّد الأمر والحثّ وغیرهما. علی أنّ الحثّ لا معنی له علی ما ذکر أیضا ، بل اللازم إظهار التمکّن.

ولا یخفی أنّ بنی أمیّة وبنی العبّاس فی ذلک الزمان کانوا مشغولین بأنفسهم ، والکوفة کانت بلد الشیعة ، ورؤساؤهم وطوائفهم وقبائلهم کانوا شیعة أو مائلین إلی آل فاطمة علیهاالسلام ، فما کانت تقیّة حین صدور الحثّ ، إلاّ أنّ الأئمّة علیه السلام ما کانوا متمکّنین من النصب فی إمام الجمعة ، لأنّه منصب السلطنة ، وکانوا علیه السلام یعلمون أنّ بنی العبّاس یغلبون ویتسلّطون ویؤاخذون إن وجدوا منصوبا من قبلهم علیه السلام ، وکانوا یطلعون البتّة ویقولون : إنّهم علیه السلام یدّعون السلطنة ، وکانوا یؤاخذون أشدّ المؤاخذة ، ولا کذا نفس فعل الجمعة لو وقعت خفیة فی تلک الفترة ، سیّما بعد ملاحظة أنّ العامة کثیر منهم أو أکثرهم یجوّزون فعل الجمعة من غیر وجود منصوب ، سیّما فی أوقات الفترة واشتغال السلاطین ، فتأمّل جدّا.

قوله : یصلّون أربعا. ( 4 : 7 ).

مفاد الحدیث أنّه إذا لم یکن من یخطب یکون المطلوب منهم أربعا علی الحتم والتعیین ، فمفهوم الشرط لا یقتضی وجوب الجمعة علی الحتم

ص: 147

والتعیین ، کما لا یخفی.

مع أنّ الإمام یجب أن یکون عادلا عارفا بأحکام الصلاة ومتعلّقاتها التی من جملتها أحکام الإمامة ، ومع ذلک لا یقدر علی أقلّ الواجب من الخطبة بعید جدّا.

مع أنّهم لا یشترطون القدرة علی الإنشاء ، فکان المناسب أن یقول : یحصّل خطیبه من البلاد ، فإن لم یتمکّن یصلّون أربعا ( لأنّ الخطبة مقدّمة الواجب المطلق لا المشروط بمقتضی کلامهم وأدلّتهم ، وسیجی ء تمام الکلام ) (1).

قوله : وصحیحة عمر بن یزید عن أبی عبد الله علیه السلام . ( 4 : 7 ).

ربما یأبی السیاق عن الحمل علی الواجب العینی ، لأنّ جلّ الأوامر علی الاستحباب ، والشارح ربما یمنع بمثل ما ذکر فی أمثال ما ذکر ، فتدبّر ، وبالجملة لا یبقی وثوق بعد ملاحظة السیاق.

مع أنّ الکلام فی أنّ الإمام الوارد فیها هو إمام الجمعة أو الجماعة؟ مع أنّه یظهر من الأخبار المغایرة بین الإمامین ، فتأمّل جدّا.

قوله : أدرک الجمعة. ( 4 : 8 ).

لم یقل أحد بالوجوب علی من إن صلّی الغداة أدرک الجمعة وفرغ من العصر فی وقت الظهر ووصل بیته قبل اللیل ، فإنّ هذا یصیر أربعة فراسخ لا أقلّ منه ، فتأمّل ، ولعلّ هذا مذهب بعض العامّة ، فهی محمولة علی الاستحباب أو التقیّة ، کما سیجی ء.

( سلّمنا ، لکن غایة ما یثبت من ظاهرها أنّ الموضع الذی انعقد فیه

ص: 148


1- بدل ما بین القوسین فی « ب » و « ج » و « د » : فتأمّل.

الجمعة یجب علی أهل الأطراف للفرسخین حضور تلک الجمعة ، فلو کان المراد من هذا الوجوب العینی لزم أن یکون من لم یحضر هذه الجمعة منهم معاقبا ، وإن تیسّر معه اجتماع سبعة نفر أحدهم قابل لإمامتهم ، تیسّر فی مکانه أو بعد الفرسخین أو مساویهما أو قبلهما إلی فرسخ إلی موضع تلک الجمعة ، وهذا باطل عند الشارح وموافقیه أیضا ، ولا وجه لإیجاب المشی فرسخین حینئذ.

وأیضا مفهومها عدم وجوب الجمعة مطلقا علی من لم یدرک تلک الجمعة إن صلّی الغداة فی أهله ، سواء تیسّر معه ذلک الاجتماع أم لا ، وهذا أیضا باطل عندهم ، مع أنّ الغالب التیسّر فی المنطوق والمفهوم جمیعا ، بل التحقّق والغفلة بالبدیهة ، ولذا یکون المتعارف تیسّر الصلاة متعدّدا فی سعة أربعة فراسخ فی أربعة طولا أو عرضا وعلی شکل الاستدارة بحسب الغالب ، فحمل الروایة علی الفروض النادرة باطل وفاقا قطعا ، فدعوی أنّها مقیّدة بصورة فقد التیسّر باطل قطعا ، مع أنّ بناء استدلالهم إنّما هو علی کون الأخبار مطلقة ، فکیف یمکن دعوی التقیید فی مقام الاستدلال؟ وکذا الحال إن ادّعوا خلاف ظاهر آخر.

لا یقال : ما ذکر وارد علی مشترط السلطان أو المنصوب أیضا.

لأنّ نصبه کان علی حسب رأیه ، فلعلّه کان نصبه بحیث لا یتحقّق المفسدتان غالبا ، وإطلاقات الأخبار محمولة علی الغالب ، فتأمّل جدّا.

وبالجملة : الظاهر منه أنّ الإمام رجل مشخّص یجب علی أهل الأطراف إلی فرسخین أو ما زاد الحضور لدیه [ و ] (1) الصلاة معه ، کما کان

ص: 149


1- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.

السنّة فی زمان الرسول صلی الله علیه و آله ذلک ، لا أنّ أی رجل یکون قابلا للإمامة وتیسّر معه أربعة أو ستة یجب علیهم الجمعة معه أو مع غیره بحیث لا یفوت من أحدهم فعلها.

وممّا ذکر ظهر الکلام فی الأخبار الآخر التی استدلّ بها الشارح وغیره (1) ، وتضمّنت ذکر السقوط عمّن کان علی رأس الفرسخین ، والثبوت علی من کان دونه ، فتأمّل جدّا ) (2).

قوله : فإذا اجتمع سبعة. ( 4 : 8 ).

فیه - مضافا إلی ما سبق - : أنّ هذا یحتمل أن یکون من کلام الصدوق بملاحظة طریقته فی الفقیه ، وملاحظة صدر الروایة ، ووقع کثیرا أمثال هذا الاشتباه ونبّهوا علیه ، والفاضل المحشّی علی الفقیه مولانا مراد حکم بکونه من کلام الصدوق (3) ، هذا مع المناقشة فی الدلالة علی الوجوب العینی ، سیّما مع ملاحظة الورود مورد توهم الحظر ، فتأمّل.

قوله (4) : إذ لا إشعار فیها بالتخییر بینها وبین فرد آخر. ( 4 : 8 ).

یظهر من هذا أنّ استدلاله جدل لا برهان ، وردّ لمذهب المشهور لا القائل بالتحریم ، إلاّ أن یقال : إنّ نفس الوجوب یردّه ، وفیه ما عرفت وستعرف.

ص: 150


1- انظر الحدائق 9 : 412.
2- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د » وهو موجود فی « أ » و « و » فی ذیل التعلیقة علی صحیحة عمر بن یزید ، ولکنّه غیر مرتبط بها فنقلناه إلی هنا للتناسب.
3- انظر الفقیه ( طبعة جامعة المدرسین ) 1 : 412.
4- هذه التعلیقة والتی بعدها لیست فی « ب » و « ج » و « د ».

قوله : قوله علیه السلام : من ترک الجمعة. ( 4 : 8 ).

فیه - مضافا إلی ما عرفت سابقا - : أنّ راوی هذه الروایة بعینه - [ و ] (1) هو ابن مسلم - روی اشتراط من یخطب ، کما ذکرت ، وقد عرفت الحال فیه ، وروی أیضا اشتراط الإمام وقاضیه وغیرهما ممّن سیذکر فی بحث اشتراط السلطان أو من نصب ، وأنّ الصدوق أفتی بمضمونه ، والحدیث صحیح ، والدلالة ظاهرة ، والقائل بمضمونه موجود ، مع أنّ الشارح یشترط وجود القائل بمضمون الحدیث لکونه حجّة (2) ، وسیجی ء تتمّة الکلام هنالک.

قوله : ولیس فیها دلالة علی اعتبار حضور الإمام. ( 4 : 8 ).

لا یجب أن یکون فیها دلالة ، بل فاسد ، إذ لا دلالة فیها علی شرط من الشروط المسلّمة ، مع أنّه فرع مسلّمیة کون ما ذکره صلاة الجمعة ، وهو أوّل النزاع فی موضوع الحکم لا نفس الحکم ، فتأمّل.

قوله : بل الظاهر من قوله علیه السلام . ( 4 : 8 ).

یظهر ممّا ذکره وأخبار کثیرة صحاح ومعتبرة ، مثل ما رواه الفضل بن عبد الملک عن الصادق علیه السلام : « إذا کان قوم فی قریة صلّوا الجمعة أربع رکعات ، فإذا کان لهم من یخطب بهم جمّعوا » (3).

وفی الموثق کالصحیح بابن بکیر - بل الصحیح - عنه علیه السلام : عن قوم فی قریة لیس لهم من یجمّع بهم ، أیصلّون الظهر یوم الجمعة فی جماعة؟

ص: 151


1- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.
2- انظر المدارک 3 : 351 ، وراجع ص 144.
3- التهذیب 3 : 238 / 634 ، الاستبصار 1 : 420 / 1614 ، الوسائل 7 : 304 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 6.

قال : « نعم إذا لم یخافوا » (1).

وعن الباقر علیه السلام : « فمن صلّی بقوم یوم الجمعة فی غیر جماعة فلیصلّها أربعا » (2) فتأمّل.

وفی موثقة سماعة عن الصادق علیه السلام : « فأمّا إذا لم یکن إمام یخطب فهی أربع رکعات وإن صلّوا جماعة » (3) إلی غیر ذلک :

أنّ إمام الجمعة غیر إمام الجماعة ، وأنّه یعتبر فیه أمر زائد علی ما یعتبر فی إمام الجماعة ، والفقهاء یقولون : هذا الأمر الزائد هو الإذن والنصب ، والشارح یقول غیره ، فلیس هو ذلک ، فإطلاق الآیة والأخبار مقیّد بذلک الزائد علی أیّ تقدیر ، فکیف یمکن للشارح ومن وافقه أن یتمسک بإطلاقاتهما علی عدم اشتراط الإذن والنصب ، مع أنّ تقییدها بالأمر الزائد مسلّم عند الکلّ ثابت ( من الأدلة ) (4) بلا تأمّل ، وإنّما الکلام فی أنّه ما ذا وکیف یثبت من الإطلاقات أنّ ذلک القید المسلّم الثابت لیس ما ذکره الفقهاء من جهة أنّ الآیة والأخبار ( مطلقة أیضا ) (5)؟ بل هو الذی یدّعیه الشارح وموافقوه من جهة أنّهما مطلقتان؟ بل عرفت وستعرف أیضا أنّ الحق مع الفقهاء ، وأنّ الشرط الزائد الثابت علی أیّ تقدیر هو الإذن

ص: 152


1- التهذیب 3 : 15 / 55 ، الاستبصار 1 : 417 / 1599 ، الوسائل 7 : 327 أبواب صلاة الجمعة ب 12 ح 1.
2- تفسیر العیاشی 1 : 127 / 416 ، البرهان 1 : 231 / 5 ، المستدرک 6 : 15 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 1.
3- الکافی 3 : 421 / 4 ، التهذیب 3 : 19 / 70 ، الوسائل 7 : 310 أبواب صلاة الجمعة ب 5 ح 3.
4- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
5- بدل ما بین القوسین فی « ب » و « ج » و « د » : موافقة.

والنصب.

فإن قلت : قراءة الخطبتین شرط قطعا عند الکل ، وإنّما الکلام فی ما زاد علیهما.

قلت : قراءة أقلّ الواجب منهما أمر یتمکّن منها الأطفال بالبدیهة ، سیّما بعنوان التعلیم والتلقین ، فما ظنّک بإمام الجماعة للقوم؟ بل یحصل القطع للمتأمّل فی هذه الأخبار أن لیس المراد مجرّد قراءة : « الحمد لله ، وصلّی الله علی محمد وآله ، واتقوا الله ».

فإن قلت : لعلّ المراد التمکّن من إنشاء الخطبة بنفسه أو أمثال ذلک.

قلت : لیس ذلک من الشروط المجمع علیها التی اتفق علی اعتبارها کل الفقهاء ، فإذا ادعی الشارح رحمه الله وموافقوه ذلک ویستدلّون بالإطلاقات علی ثبوت دعواهم دون دعوی الفقهاء یتوجّه علیهم ما ذکرناه.

مع أنّ ثبوت اشتراط النصب صار بحیث لم یتفق فی کثیر من الشروط تحقّق هذا المقدار من الأدلّة من الأخبار والإجماعات والاعتبار والشواهد والآثار ، مثلا عدالة إمام الجمعة شرط عند هؤلاء بلا تأمّل ، ولم یرد فیها ما ورد فی النصب من الأخبار والإجماعات والشواهد عشر معشاره ، کما لا یخفی علی من له أدنی ملاحظة وتأمّل.

قوله (1) : « فإن کان لهم من یخطب ». ( 4 : 8 ).

لا شبهة فی أنّ الظاهر ممن یخطب لیس ما ذکره الشارح رحمه الله وقد مرّ وجهه.

قوله : فی رسالته الشریفة. ( 4 : 8 ).

المناقشة فیما قاله الشهید فی رسالته من إثباته الوجوب العینی لصلاة الجمعة

ص: 153


1- هذه التعلیقة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».

فی هذه الرسالة ما لا یرضی المتأمّل أن ینسب إلی جاهل ، فضلا عن العاقل ، فضلا عن الفقیه ، فضلا عن الشهید رحمه الله فإنّه ما کان یرضی أن ینسب الفسق إلی المجاهر بالفسق ، فکیف یحکم بفسق علمائنا وفقهائنا العظام ، الزهاد الکرام ، الثقات العدول بلا کلام ، أمناء الله فی الحلال والحرام ، وحجج الله علی الأنام بعد الأئمّة ، المتکفّلین لأیتامهم ، والمؤسّسین لشرعهم وأحکامهم ، والمروّجین لحلالهم وحرامهم ، وعلیهم المدار فی الدین والمذهب فی الأعصار والأمصار ، الراد علیهم کالرادّ علی الله (1) ، إلی غیر ذلک ممّا ورد عن الله ورسوله والأئمّة علیه السلام حیث قال - بعد التوبیخ والتقریع والتشنیع والتفظیع - : فلیحذر الذین یخالفون عن أمره (2) ، إلی آخره.

مع انّ الفقهاء فی زمانه ومقلّدیهم وسائر الشیعة ما کانوا متمکّنین من صلاة الجمعة من جهة التقیّة ، ولذا کان هو أیضا لا یصلّی الجمعة ، ومن کان متمکّنا منها أکثرهم کانوا یصلّونها لکونها واجبة عندهم وإن کان بالوجوب التخییری ومستحبّة عندهم عینیّا ، ومن لا یصلّی لأنّه کان یعتقد الحرمة ، فکیف یمکنه فعل الحرام؟ وکیف یتأتّی منه قصد القربة؟ فما ندری أنّ تشنیعه علی أیّ جماعة وأی شخص؟.

علی أنّا لا ندری أنّ الأمر الأوّل الذی أصابهم ما ذا؟ فإن کان المحنة والشدّة من أعدائهم فلیست تلک إلاّ بتمسّکهم بحبل أولیائهم علیه السلام ، وإلاّ فلم یصبهم أمر یکون ذلک بسبب ترک صلاة الجمعة ، بل الذی قال

ص: 154


1- الوسائل 27 : 136 أبواب صفات القاضی ب 11 ح 1 بتفاوت یسیر.
2- رسائل الشهید الثانی : 56.

بوجوبها لم یکن محنه وفتنة أقلّ بلا تأمّل ، کیف؟ وصار شهیدا فی غایة الغربة والکربة والمحنة! وهذا الذی ذکرناه وغیره ممّا فی الرسالة ینادی بأعلی صوته إنّ الرسالة لیست من الشهید ، ولو کانت منه لکان مریضا حین تألیفها وقیل : إنّه کتبها فی الطفولیة وصغر السن وحاشاه ثم حاشاه من هذه الشنائع والقبائح ، کیف؟ وهو فی جمیع تألیفاته المعلومة أنّها منه اختار عدم الوجوب العینی ، فکیف حکم بفسق نفسه أیضا فی جمیع تألیفاته إلی آخر عمره؟.

مع أنّ العدالة شرط فی الاجتهاد لا شبهة ، ومسلّم هذا عنده بلا مریة ، فکیف ما حکم بأنّ جمیع تألیفاته باطلة عاطلة لیست باجتهاد فقیه؟ بل کان اللازم علیه محو هذا الفسق من تألیفاته.

وأیضا لا شکّ عنده فی أنّ العدالة شرط فی قبول الروایة بل هو فی غایة الإصرار والمبالغة والتشنیع علی العلاّمة وغیره فی قبول خبر غیر العادل ، کما لا یخفی علی من لاحظ تألیفاته ، سیّما ما کتبه علی الخلاصة ، فعلی هذا کیف یتمسّک بالأحادیث مع فسق الشیخ رحمه الله وغیره من رواة الأخبار حتی زرارة وغیره من الأعاظم؟ إذ یظهر من الرسالة أنّ جمیعهم کانوا فسّاقا یترکون الفریضة التی [ هی ] (1) أشدّ الفرائض وأوجبها بعد المعرفة إلی أن صار ذلک سبب الشبهة علی الناس فی توهّم اشتراط الإذن الخاصّ.

ویلزم علیه أن لا یتمسک بالإجماع أیضا ، لأنّه اتفاق الفقهاء لا اتفاق

ص: 155


1- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.

الفسقة.

وأیضا مسلّم عنده أنّ خطاء المجتهد فی الفروع لا ضرر فیه ، بل یکون مثابا البتّة أیضا ، فکیف یقول : ولینتظر العذاب ( الألیم؟! بعد إصابة الفتنة ، وأنّهما یجتمعان فیه ، لا یکفی أحدهما عذابا له ، وسائر الفسوق علیها عذاب واحد ) (1) ، مع أنّه تعالی قال ( أَوْ یُصِیبَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ ) (2) لا : وعذاب ألیم.

وأیضا مسلّم عنده أنّ المجتهد یجب علیه استفراغ وسعه والعمل بما أدّی إلیه اجتهاده ، ویجب علی العامی أیضا تقلیده ، فکیف یکون الشی ء واجبا علیهم وموجبا لعذاب الدنیا والآخرة والفتنة والعذاب الألیم؟ سیّما وأن یکونوا بأجمعهم کذلک.

إلاّ أن یقول : إنّهم اتفقوا علی عدم استفراغ الوسع وعدم السعی والإغماض عن طلب الحق ، مع أنّ الجاهل یلاحظ ویری أنّهم کانوا یبحثون ویفحصون ویتتبّعون ویتأمّلون ویناظرون ویباحثون ویسعون ویجتهدون ، وهذا حال الجاهل ، فکیف یکون حال العالم بفعلهم وطریقتهم وتألیفاتهم واستدلالاتهم؟!.

وأیضا طریقته رحمه الله فی کتبه مثل المسالک وغیره أنّه یطرح الأحادیث الصحیحة والمعتبرة بسبب مخالفتها لفتوی المشهور أو القاعدة المشهورة أو الإجماع المنقول بخبر الواحد (3) ، وربما کان الناقل هو وحده ، بل ربما لا یوجد الفتوی بذلک من غیره ، وأین طرح الحدیث بالمرّة من

ص: 156


1- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».
2- النور : 63.
3- انظر المسالک 1 : 204 ، 526 ، وروض الجنان : 133.

تقیید المطلق الذی یقیّد بتقییدات کثیرة؟ وأین الشهرة فی الفتوی من الإجماع الذی من اتفاق الفتاوی ، مع نقل جماعة کثیرة غایة الکثرة الإجماع؟ وتؤیّد تلک الإجماعات والفتاوی بأخبار کثیرة ، کما ستعرف ، وبعد الإغماض غایة الأمر التساوی ، وبعد الإغماض عن التساوی أیضا غایة الأمر کون ما فعله أرجح ، إمّا التفسیق فکیف یمکن؟ سیّما بالفسق الذی علیه أشدّ العذاب؟.

ومن شنائع ما فی الرسالة أنّه قال : بخلاف بعض الفقهاء (1) ، وما أدری کیف عدّ جمیع فقهائنا المتقدّمین والمتأخّرین الذین یکون الشهید الثانی واحدا منهم بعض العلماء؟ حیث قال : بخلاف بعض العلماء ، بل ستعرف أنّه لم یوجد مخالف ، فکیف یکون جمیع الشیعة مخالفین؟

وأعجب منه دعواه الإجماع علی عینیة الوجوب ( فی محلّ النزاع ) (2) کما یظهر من الرسالة (3) (4).

فإن قلت : هذه المسألة عنده لیست ممّا یتعلّق بها الاجتهاد والتقلید.

قلت : ضروریّ الدین أو المذهب لا یتعلّق بها الاجتهاد والتقلید ، والشیعة من زمان الأئمّة علیه السلام إلی زمانه کانوا تارکین للجمعة صلحاؤهم وزهّادهم وعدولهم وعلماؤهم وفقهاؤهم (5) ، والفقهاء أفتوا ما أفتوا ، ونقل الإجماع جماعة کثیرة ، بل هو - من باب : الغریق یتشبّث بکل حشیش - فی

ص: 157


1- رسالة الجمعة ( رسائل الشهید الثانی ) : 56.
2- بدل ما بین القوسین فی « ب » و « ج » و « د » : فی زمان الغیبة.
3- رسالة الجمعة ( رسائل الشهید الثانی ) : 63.
4- فی « ب » و « ج » و « د » زیادة : وغیر ذلک من الشنائع.
5- فی « ب » و « ج » و « د » زیادة : وغیرهم.

الرسالة ما نقل الخلاف إلاّ عن نادر منهم من بعض کتبه ، وإلاّ ففی باقی الکتب وافق غیره إلاّ من شذّ ممّن لم یظهر بعد اعتبار قوله فی مقام الإجماع ، مع أنّ المحقّقین من علمائنا صرّحوا بأنّ عبارة النادر فی بعض الکتب أیضا لا یظهر منها الخلاف ، وسیظهر لک أنّه حق ، وکیف کان هذه المسألة خلاف ما ذکره أشبه بالضروریة ممّا ذکره.

فإن قلت : القرآن والأخبار المتواترة یفیدان العلم والیقین ، ومنکر العلمی آثم غیر معذور ، والخطاء غیر مأمون علی الظنون لا العلمیّات ، وإلاّ لزم معذوریة الخاطئ فی أصول الدین ومنکر غدیر خمّ.

قلت : لو تمّ ما ذکرت لزم خروج الفقهاء عن الإیمان ، بل والإسلام أیضا ، ومع ذلک نقول : القدر الثابت منهما وجوب صلاة الجمعة عینا ، وأمّا أنّ صلاة الجمعة ما هی؟ فلم یثبت ، والکلام فی الثانی فی أنّ الإذن الخاصّ هل هو شرط لتحقّق ماهیة صلاة الجمعة ، أو شرط لصحتها ، أو شرط لعینیّة وجوبها لا تخییریته ، أو الإذن العامّ ینوب مناب الخاصّ فی بعض الصور ، أو لیس بشرط أصلا إن تحقّق هذا القول؟ وسیجی ء الکلام فیه.

فإن قلت : یظهر من بعض الأخبار أنّ الإذن لیس بشرط ، مثل ما أشار إلیه الشارح من قوله علیه السلام : « فإذا کان لهم من یخطب » ، وقوله : « فإذا اجتمع سبعة » وکذا غیره من الصحاح الدالة علی أنّ مع عدم إمام الجمعة یصلّون الجمعة جماعة أربعا.

قلت : قد عرفت أنّ الأوّل له ظهور فی اشتراط الإذن والنصب ، سلّمنا لکن الظاهر منه اشتراط شی ء زائد علی ما یقول به الشارح وصاحب الرسالة

ص: 158

ومن وافقهما ، ( بل لا شکّ فی هذه الدلالة ولا شبهة ) (1) ، فالأخبار لا دلالة لها علی ما یقولون بوجه ، لثبوت الشرط الزائد علی أیّ حال ، واعتمادهم لیس إلاّ علی کون الآیة والأخبار مطلقة ، وتمسّکهم إنّما هو بذلک ، فإطلاقهما کیف یدل علی أنّ الزائد لیس ما یقول الفقهاء الماهرون المطّلعون ، بل غیره ، بحیث لا یضرّ القول بالوجوب العینی؟ بل عدم الضرر أیضا لا ینفعهم فی مقام استدلالهم ، بل لا بدّ من النفع.

وحملها علی قراءة أقلّ الواجب من الخطبة المتفق علیه عند الکلّ قد عرفت فساده ، وأنّ الأطفال یمکنهم هذه القراءة ، سیّما بعنوان التلقین ، فما ظنّک بإمام جماعة قوم مستجمع لشرائط الإمامة مع کونه عربا؟ ولم یشترط أزید من نفس القراءة.

وحمل الزائد علی أمر زائد عن نفس القراءة یوجب ورود ذلک الاعتراض علیهم بالنحو الذی عرفت ، بل نقول بتعیّن کونه الإذن والنصب ، لما عهد من طریقة الرسول صلی الله علیه و آله وعلی والحسن علیهماالسلام ، ویظهر من الأخبار المنجبرة بالشهرة وعمل الأصحاب ، ومن الإجماعات المنقولة الکثیرة ( وغیر ذلک ممّا مرّ وسیجی ء ) (2) مع أنّ ما دلّ علی حجّیة الخبر الواحد یشمل الإجماع المنقول بلا شبهة.

والقول بأنّ الشرط الزائد لعلّه الأمر المتفق علیه وهو قراءة أقلّ الواجب من الخطبة فاستدلالهم من جهة الإطلاق بمکانه.

فاسد ، لأنّ القدر الذی لم یتحقّق من أحد خلاف فی اعتباره هو

ص: 159


1- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».
2- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

نفس قراءة أقلّ الواجب ، وهو الحمد لله ، والصلاة علی محمد وآله ، وقول : اتقوا الله ، مع أنّ المعتبر هو الإجماع لا عدم الخلاف.

سلّمنا الإجماع علی هذا القدر ، لکن لم یعتبر أزید من نفس هذا القول ، فیصحّ وإن کان بعنوان التلقین حال الخطبة ، وهذا یتمکّن منه الأطفال الغیر الممیّزة فضلا عن الممیّز ، فضلا عن البالغ ، فضلا عن العارف ، فضلا عن کونه إمام قوم ، فلا معنی لعدم إمام الجمعة مع وجود إمام الجماعة لقوم وأهل قریة وجماعة ، وهذا فساده فی غایة البداهة.

وإن اعتبر أزید من هذا - أیّ شی ء یکون - یتوجّه علیهم الاعتراض المذکور ، إذ لا معنی لأن یقال : الإطلاق یدل علی أنّ القید الزائد الذی ثبت من الصحاح لیس ما فهمه القوم واعتبروه ، بل أمر لم یعتبره أحد من الفقهاء ، أو اعتبره فلان منهم إذا ( اعتبرته أنا ) (1) - یعنی المستدل.

وأمّا الثانی وهو قوله : « إذا اجتمع » فقد عرفت أنّه لا یظهر کونه کلام المعصوم علیه السلام ، بل یحتمل کونه کلام الصدوق رحمه الله لأنّ فتاواه مخلوطة مع الأخبار التی أوردها فیه ، وصرّح بذلک المحققون الماهرون ، بل عرفت أنّ الراجح کونه کلام الصدوق (2).

مع أنّ الدلالة علی الوجوب العینی محلّ مناقشة ، لأنّه قال : « إذا اجتمع سبعة ولم یخافوا أمّهم بعضهم » فلعل المعنی أنّ مع الخوف لا یصلّون الجمعة ، وإذا لم یخافوا یصلّون ، أی یصحّ لهم أن یصلّوا ، بأنّه أمر فی مقام توهّم الحظر ، فتأمّل ، سیّما وهو جملة خبریة ، ویؤیّده أنّ

ص: 160


1- بدل ما بین القوسین فی « أ » و « و » : اعتبر به.
2- راجع ص 150.

فتوی الصدوق فی بعض کتب فتاویه کذلک (1) علی ما أظنّه ، فتأمّل.

سلّمنا الدلالة لکن یعارضها ما ستعرف من الأخبار ، ( مضافا إلی الإجماعات وغیرها ) (2) ، مع أنّ المشتهر بین الأصحاب حجّة دون غیر المشتهر ، سیّما مع تأیّدها بما ستعرف وما عرفت من الأخبار الظاهرة فی استحباب صلاة الجمعة ، المتأیّدة بالشهرة بین الأصحاب والإجماع الذی نقله الشیخ ( وغیر ذلک ) (3). وعلی أیّ تقدیر لا أقلّ من التساوی والتقاوم.

سلّمنا ما ذکرت فالحکم بالفسق من أین؟ لأنّ الخطاء غیر مأمون علی الظنون.

فإن قلت : یطلقون علی ما نحن فیه لفظ صلاة الجمعة.

قلت : الإطلاق أعمّ من الحقیقة وهو مسلّم عند الموجبین أیضا.

فإن قلت : المتبادر الآن من لفظ صلاة الجمعة هذه.

قلت : القرینة موجودة ، وهی عدم تحقّق الإذن والنصب ، مع أنّ المتبادر الصلاة الصحیحة بعنوان اللابشرط ، فتأمّل.

مع أنّ النزاع العظیم واقع فی مطلق العبادات وفی خصوص المقام أیضا وقع نزاع خاصّ غیر النزاع العامّ.

فإن قلت : المصنف یقول : الجمعة رکعتان کالصبح.

قلت : النزاع واقع بینهم أنّها نفس الرکعتین أو الرکعتین الصحیحتین ، أعنی المستجمعتین للشرائط ، مع أنّ اصطلاح الفقهاء فی کتبهم إنّما هو اصطلاحهم فی کتبهم ، ولا یصیر بهذا حقیقة المتشرعة بأجمعهم ، فضلا أن

ص: 161


1- انظر الهدایة : 34.
2- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
3- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

یصیر حقیقة الشارع ، وتحقیق المقام فی الأصول ، وسیجی ء تتمّة الکلام.

قوله (1) : فکیف یسع المسلم الذی یخاف الله تعالی. ( 4 : 8 ).

إن أردت أنّ الأئمّة علیهم السلام طلبوا من الرواة وسائر الشیعة فعل الجمعة بعنوان الوجوب العینی ، ففیه أوّلا : أنّهم علیه السلام کیف أوجبوا وألزموا کلّ واحد من الشیعة أن یحضروا من کلّ طرف إلی فرسخین وما زاد ویجتمعوا علی إمام لهم سوی غیر المکلّفین منهم والمرأة والمسافر والمملوک ومن ماثلهم ، مع أنّهم علیه السلام أوجبوا علیهم الجمعة أیضا إذا

حضروا إلاّ قلیلا منهم ، مع أنّ رواة إخبارک جمیعهم من أکابر أهل الکوفة ، وما کانوا ممّن لا یعبأ أهل السنّة فی عدم حضورهم صلاة جمعة أهل السنّة ولا یصلّوا خلف إمام سلطان فیهم ، فکیف کان یمکنهم ترک الصلاة معهم وعقد الصلاة علی حدة بطریق الشیعة؟!

وبالجملة کیف أوجبوا علی جمیع هؤلاء الاجتماع فی کلّ جمعة علی إمام یصعد ذلک الإمام بینهم المنبر ویخطب الخطبة علی طریقة الشیعة ویذکر أئمّتنا علیهم السلام لا أئمّة الجور - علی ما هو مقتضی روایتک - ویصلّی الرکعتین علی طریقة الشیعة ویترک بدع العامّة ولا یراعی شرائط العامّة من التمدّن وغیره ممّا هو ظاهر من هذه الروایات؟ فإنّهم لو فعلوا ذلک جمعة واحدة لاشتهروا بالتشیّع اشتهار الشمس فی وسط النهار وبلغ صیتهم الأمصار والأقطار بحیث لا یخفی أمرهم علی الصغار فضلا عن الکبار.

مع أنّ الجمعة منصب السلطنة عند العامّة قالوا بذلک أو لم یقولوا علی ما هو المشاهد بالعیان والمعروف منهم فی کل زمان ، بحیث لو کان

ص: 162


1- من هنا إلی قوله : وسیجی ء تتمّة الکلام ، فی ص 182 ساقط من « أ ».

فقیه منهم یفعل ذلک بغیر رخصة من السلطان وإن صلّی بطریقة أهل السنّة لربما قتلوه ، فما ظنّک بإمام الشیعة وأن یصلّی علی طریقة الشیعة مخالفة للعامّة؟

مع أنّ الشیعة وأهل السنّة فی زمانهم کانوا مخلوطین غایة الخلطة ، ومع ذلک کان بینهم غایة العداوة والعصبیة ، فکیف کان إمام الشیعة مع جمیع ما ذکرناه یتأتّی منه أن یقوم علی المنبر علی رؤوس الأشهاد فی ذلک المشهد العظیم غایة العظمة فی جمعة واحدة فی صلاة الجمعة؟ وإنّ عوام أهل السنّة کانوا یقتلونه بالحجارة وما کانوا یدعون أن یصل خبرهم إلی سلطانهم ، وسلاطینهم فی غایة العداوة مع الشیعة کانوا یتفحّصون ویتجسّسون عسی أن یعثروا علی واحد منهم فیقتلونه ، وربما کانوا بمجرّد المظنّة أو التوهم کانوا یقتلون ، فإذا کانت جمعة واحدة لا یمکنه ذلک ولا للشیعة فکیف الإیجاب علیهم فی کلّ جمعة؟

مع أنّ (1) ما کان جمیعهم أرباب الأحلام ، بل غالبهم أرباب الجمعة ، ولذا کانوا فی الغب یخالفون التقیّة ، فلو کان الأمر علی ما ذکرت لکانوا یدعون الإمام المنصوب من قبل سلطان الجور فیهجمون الشیعة علی إمام الشیعة ، لأنّهم سمعوا من إمامهم أنّه أوجب علیهم الحضور عند إمام الشیعة الساعة وفتنة کبیرة یبقی صیتها إلی یوم القیامة ، هذا.

مع أنّ سلطان الجور کان شاهرا سیفه علی الأئمّة علیهم السلام ، ینتهزون فرصة وتهمة ویسارعون بأدنی مظنّة ، کما لا یخفی علی من له أدنی فطنة.

ص: 163


1- کذا ولعلّ المناسب : أنّه.

وبالجملة مع جمیع ما ذکرنا وأضعاف ذلک بحیث لا یخفی علی من له أدین فطنة کیف کان الأئمّة علیهم السلام یأمرونهم بمضمون روایاتک ویؤکّدون ویشدّدون ویبالغون ویهدّدون ، مع ما عرفت من المفاسد الیقینة والمخالفة للتقیّة الجزمیة؟

مع أنّهم صلوات الله علیهم کانوا یأمرون الشیعة بإخفاء أنفسهم عن نسائهم من العامّة وجیرانهم منهم بحیث یتعقدون أنّهم من أهل السنّة ، ویبالغون فی هذا المعنی نهایة المبالغة ، وکانوا یوقعون بینهم الاختلاف بهذه الجهة ویأمرونهم بترک الواجبات وفعل المحرّمات وأباحوا لهم جمیع ذلک ، بل أوجبوا علیهم سوی الدماء لأجل التقیّة ، إلی غیر ذلک ممّا یدل علی سبیل الیقین علی أنّهم علیه السلام ما کانوا یأمرون الشیعة بشی ء عسی أن یؤول إلی خلاف التقیّة ، فیما ظنّک بمضمون تلک الروایات؟

مع أنّ الشیعة أیضا ما کانوا یفعلون - کما یظهر من الأخبار - وکانوا یترکون مع کونهم هم الروایة لتلک الأخبار ، وربما کان بعض الأئمّة علیهم السلام یرغّب جمعا منهم بفعل الجمعة بأن یقول : « أحبّ للرجل أن لا یخرج من الدنیا إلاّ ویتمتّع ولو مرّة ، ویصلّی الجمعة جماعة ، ولو مرّة » (1) وأمثال هذه العبارة الظاهرة فی غایة الظهور فی الاستحباب ، لا علی حسب مضمون روایاتک.

ومعلوم یقینا أنّهم ما یریدون إلاّ بحیث لا ینافی التقیّة ، وما ینافی ذلک إلاّ بأن یفعل جماعة من أولیی أحلام الشیعة ، الحاذقین فی أمر التقیّة المتحفّظین خلافه ، لا بأن یفعلوا فی خبایا بعض البیوت الخفیّة البعیدة عن

ص: 164


1- الوسائل 21 : 14 أبواب المتعة ب 2 ح 7 ، بتفاوت.

البلد والمصر الواقعة بین جماعة کلهم شیعة.

ومع ذلک لا یمکن ذلک إلاّ من عدد قلیل ، عشرة وما قاربها ، ویفعلوا ذلک بنحو لا یتفطّن به نساء الشیعة وأطفالهم وجهّالهم ، إذا لم یکن علی أفواههم وألسنتهم الأوکیة ، کما کان الأئمّة علیهم السلام یشکون من ذلک (1).

ومعلوم أنّ ذلک لا یتأتّی من الحاذقین أیضا إلاّ نادرا غایة الندرة ، ولا یناسب ذلک الإیجاب علیهم ، إذ ربما یؤدّی ذلک إلی الحرج ، لعدم معروفیته لأحد الذی بسببه یترک الواجب والفریضة الشدیدة ، وربما یؤدّی التزامه إلی خلاف التقیة [ بمقتضی العادة ] (2) إلی غیر ذلک ممّا سنذکر الوجه فی استحبابها عند عدم بسط ید الإمام ، ولو ضایقت عن الاستحباب أیضا فلا مضایقة معک ، لأنّ الکلام فی بطلان أسند لا لک.

وثانیا : أنّ الطلب فرع معروفیة المطلوب ، ولفظ صلاة الجمعة معناه لیس بضروری ، بل محلّ نزاع عظیم ، کما ستعرف ، ومعناه له أجزأه کثیرة وترتیب وهیئة وأحکام وشروط کثیرة وأحکام لها ، وجمیع ذلک نظریات ، بل کثیر منها فی أخفی النظریات.

فهل کان الرواة یعرفونها أم لا؟

والثانی بطلانه واضح ، لعدم جواز تأخیر البیان عن وقت الحاجة.

إلاّ أن یقول : وقت صدور الروایات ما کان وقت الحاجة ، لکن بیّنوا لهم عند وقت الحاجة.

ففیه : أنّه یرجع إلی الشقّ الأوّل من التردید ، وسنورد علیه إیرادات.

مضافا إلی أنّه کیف فی جمیع هذه الروایات ما أشیر إلی وقت

ص: 165


1- انظر مجمع البحرین 1 : 454 ، والوسائل 16 : 235 أبواب الأمر والنهی ب 32.
2- فی السنخ : یقتضی للعادة ، والظاهر ما أثبتناه.

الحاجة؟ ولا إلی البیان بعد وقت الحاجة؟ مع أنّهم عادتهم أنّهم یروون کلّ ما بلغهم عن المعصوم علیه السلام ، فکیف ما رووا هذه الأمور مع اتفاقهم علی روایة أصل الوجوب ، مع کون هذه الأمور یحتاج إلی البیان ، : وما بلغهم بیان لهم؟ وأیضا کیف ما ذکروا البیانات عند ورود (1) تلک الروایات للراوین عنهم ، وکذلک الراوین عنهم ، وهکذا إلی أن وصل روایاتهم إلی فقهائنا؟

فإن قلت : إنّ الرواة عنهم أیضا ما کان قوت روایتهم وقت حاجتهم ، وهکذا إلی زمان الفقهاء ، ووصلهم البیانات بعد ذلک.

قلت : کیف ما نقلوا إلی زمان الفقهاء؟ مع أنّ ما ذکر لا یتأتّی فی نفسه ، کما لا یخفی علی المتدبّر.

فإن قلت : إنّهم کانوا یعرفون جمیع هذه الأمور المذکورة التی لیست بضروریة ، بل وکلّ ما کانت مشکلة.

ففیه أوّلا : أنّه کیف یمکن أن یکونوا یعرفون هذه الأمور وما کانوا یعرفون وجوب الجمعة؟ بل هذا فاسد قطعا ، إذ کثیر من هذه الأمور فرع وجوبها.

مع أنّها کیف یجوّز عاقل أن یکون بعد أن یعرف معنی العبادة الواجبة وأجزاءها وأحکامها وشرائطها لا یعرف نفسه وجوبها؟

وثانیا : أنّ نفس الوجوب من بدیهیات الدین ، فکیف کأنی یخفی علیهم بأجمعهم حتی احتاجوا إلی معرفة الوجوب؟ مع أنّ کلّ واحد واحد من شرائط الجمعة وآدابها وأحکامها کان وصل إلیهم من الرسول صلی الله علیه و آله وعلیّ والحسن والحسین علیه السلام بعنوان التواتر ، ولو لم یکن الکلّ فکثیر

ص: 166


1- فی « أ » : ما رووا.

منها ، مثل أنّهم علیه السلام یمنعون عن البیع وقت النداء ، ویوجبون الحضور علی البعیدین ، وغیر ذلک ممّا هو فی کتب الأحادیث والتواریخ مذکور ، بحیث لا یختلجه ریب.

مع أنّهم کانوا یقرؤون القرآن ویفهمونه أحسن منّا کیف ما قرؤوا سورة الجمعة ، أهم ما کانوا یفهمون العربیة ، مع أنّهم یستدلون ، ولیسوا بأقصر منکم؟! ومع أنّه لم یتأمّل أحد من المحرّمین والمخیّرین أنّ وجوب الجمعة بحسب الأصل کان عینیا ، وأنّه عند حضور الإمام أو نائبه الخاص وبسط یدهما تکون الجمعة واجبة علی کلّ کافر فضلا عن المسلم وجوبا عینیا من یوم نزول الآیة إلی یوم القیامة ، وادعوا الإجماع ، فمع ذلک کیف یحتاج الرواة إلی إظهار وجوب الجمعة مع کونه من أجلی البدیهیات ، وما احتاجوا إلی معرفة جمیع تلک النظریات ، وسیّما الخفیات منها ، وکان معرفتها أجلی من معرفة نفس قصر الجمعة؟! هذا فاسد قطعا.

علی أنّ الرواة عنهم أیضا کانوا یعرفون کما کانوا یعرفون أم لا؟ وعلی الثانی کیف ما عرّفوهم؟ لأنّهم مشارکون معهم فی التکلیف ، والتکلیف فرع المعرفة ، ولو کانوا عرّفوهم وکانوا هؤلاء أیضا یعرفون فننقل الکلام إلی (1) الراوی ، وهکذا إی زمان الفقهاء فإن کانوا یعرفون أو یعترفون علی وفق ما قاله الفقهاء فهذه الروایات حجّة علیک لا لک. وإن کانوا یعرفون ویعترفون علی من توافق إلیه فکیف اتفق فقهاؤنا المتقدّمون والمتأخّرون حتی الشهید الثانی علی خلافه ، ونقلوا الإجماعات المتواترة مع عدالتهم وورعهم؟! وأعجب من هذا أنّک [ تفهم ] (2) خلاف الفقهاء ،

ص: 167


1- فی النسخ : عن ، والأنسب ما أثبتناه.
2- فی النسخ : معهم ، والظاهر ما أثبتناه.

مع أنّه لا طریق إلی الفهم لک سوی ما نقلوا وذکروا.

وثالثا : أیّ فائدة فی استدلالک وقد عرفت أنّه لا تأمّل لأحد فی وجوب الجمعة عینیا علی الکافرین أیضا مع اجتماع جمیع الشرائط ، إنّما تأمّلهم فی ما ذکرت من أنّهم کانوا یعرفون ، فمن أین کانوا یعرفون علی وفق مرادک ، وما کانوا یعرفون علی ما علیه الفقهاء؟ بل الثانی أولی ، کما عرفت.

فإن قلت : الوارد فی تلک الروایات لیس إلاّ وجوبها علی کل أحد ، وکون شی ء شرطا یحتاج إلی الثبوت ، فما ثبت نقول به.

قلت ، إن أراد الوجوب من غیر اشتراط شی ء فقد عرفت فساده ، وإن أراد الوجوب بشرطه وشروطه ، فقد عرفت ، الحال ، وإن أراد القدر المشترک بینهما ، ففیه : أنّه أیضا لیس محلّ النزاع ، لأنّ الخاصّ إذا لم یکن محلّ نزاع أحد فالعامّ بطریق أولی ، ومع ذلک العامّ لا یدل علی الخاصّ ، فأیّ فائدة فی استدلالک؟

فإن قلت : لعله یثبت مطلوبه بضمیمة الأصل.

ففیه : أنّه إذا کان الأصل حجّة ونافعا فهو دلیل مستقل لا حاجة إلی الآیات والأخبار أصلا ، مع ما عرفت من أنّ الوجوب بشرط ولا بشرط لیس محلّ نزاع أحد ، والکلام فی دلالة الآیة والأخبار ، والأصل لو کان دلیله فهو دلیل واحد لیس إلاّ ، مع ذلک ما أشار إلیه المستدل أصلا ، وما ذکروا لا طائل تحته ، لأنّ الضروری لا یتوقّف علی الدلیل ، فضلا عن کون الدلیل ظنّیا.

ومع ذلک ستعرف أنّ الأصل لا ینفعه أصلا ، بل إن کان المراد أصل البراءة فهو ینفع المخیّر ، وإن کان أصل العدم فینفع المحرّم لا غیر.

ص: 168

فإن قلت : لعله یثبت بالإطلاقات.

ففیه : إن أراد الإطلاق من غیر تقیید أو بقیوده ، فقد عرفت حالهما.

وإن أراد الإطلاق المطلق ، ففیه : أنّه فرع معرفة المطلق ، وفیه النزاع ، کما عرفت وستعرف ، ومع ذلک فرع أن یکون المراد طلب الأرکان المخصوصة من غیر اعتبار الشرائط فهو فاسد قطعا ، لأنّ ضرورة الدین یحکم بأنّ الأرکان المخصوصة مع قطع النظر عن الشرائط لیست مطلوبة علی الیقین ، بل ومبغوضة ، وبدیهی أنّ المراد بشروطه ، فقد عرفت الحال.

وإن أراد أنّ المقام لیس مقام الطلب بل مقام حکایة نفس الوجوب ، فما اقتضته الدواعی علی هذا النقل ، مع عدم داع إلی نقل الشرائط؟ کما کانوا یقولون : الجهاد واجب ، وأمثاله.

مضافا إلی أنّ الأصل عدم إرادة ما هو زائد عن اللفظ والعبارة ، فهو کلام حقّ ، لکن لا ینفعه فی الاستدلال ، فإنّ المحرّمین والمخیّرین أیضا علی سبیل الحکایة یقولون : الله تعالی جعل من الواجبات العینیة صلاة الجمعة ، وأنتم أیضا حینما تقولون لا تریدون إلاّ الحکایة ، لا أنّکم تطلبون من أحد أن یقوم إلی صلاة الجمعة ، لأنّ کلامکم فی الغالب لیس یوم الجمعة وبعد دخول وقت الصلاة وعند اجتماع الشرائط ، إنّ مرادکم : من الموجودین والمعدومین معا ، کما هو الحال فی روایاتک ، ولا شک فی أنّکم إن أردتم أن یقوموا إلیها فمرادکم بشروطها وبعد تحقّقها ، وإن أردت الإجمال فالإجمال لا یناسب الاستدلال.

فإن قلت : ما ذکرت من الإیرادات یرد علی المخیّرین والمحرّمین أیضا.

قلت : لیس کذلک ، لأنّهم یقولون : متی حصل جمیع الشرائط

ص: 169

والتمکّن یجب وجوبا عینیا علی الکافرین فضلا عن المسلمین ، ومن الشرائط الأمن من الضرر مطلقا ، ولو اختلّ أحد الشرائط یصیر حراما فضلا عن أن یکون واجبا ، وهذا هو مقتضی الأدلة قطعا بحیث لا یخفی علی من له أدنی فهم ، إلاّ أنّ المخیّرین یقولون : إذا کان المختلّ هو خصوص حضور الإمام أو نائبه تصیر مستحبة ، کصلاة العیدین ، لما اقتضاه الأدلة ، کما عرفت وستعرف ، وأمّا إذا کان شرط آخر فهی حرام ، کما اقتضته القاعدة.

فإن قلت : لعل المستدل أیضا کذلک ، إلاّ أنّه یطالب بدلیل اشتراط الإمام أو نائبه ، لأنّ الاشتراط حکم وضعی شرعی ، وکلّ حکم شرعی موقوف علی الثبوت.

قلت : عینیة وجوب الجمعة بالنحو المذکور من بدیهیات الدین ، فلا وجه لاستدلاله ، وعلی من یحتجّ؟ إذ لا منکر لها إلاّ وهو کافر ، وکلامنا فی أنّه لا وجه لاستدلاله أیضا ، إذ کون استدلاله من جهة الإطلاقات قد عرفت فساده ، وکذا من جهة الأصل لو استدل به.

وأمّا مطالبته بدلیل الاشتراط ف- - مع أنّها لا دخل لها فی استدلاله بما استدل ویکون أمرا آخر - مشترک الورود ، لأنّ کون الواجب فی زمان الغیبیة هو الجمعة لا غیر حکم شرعی أیضا ، بل هو أولی بالتوقّف علی الثبوت ، سیّما بملاحظة أنّ الواجب بالضرورة من الدین إمّا الجمعة أو الظهر ، وشغل الذمّة الیقینی یستدعی البراءة الیقینیة ، ولذا یکون الواجب علی المکلّفین فعلهما جمیعا ، لانصار البراءة الیقینة والامتثال العرفی فیه بلا شبهة

ص: 170

ومسلّم عند الفقهاء ، وعلیه أدلة ظاهرة حقّقناه فی الفوائد (1).

نعم إذا اجتهد مجتهد وحصل له رجحان معتدّ به وحصل له الیقین بجواز تعویله علی رجحانه بحیث یکتفی به وإن کان فی مقام لزوم تحصیل الیقین والتمکن من الیقین فإنّ هذا المجتهد والمقلّد له یکتفیان [ ب ] (2) ترجیحه ، مع کون الاحتیاط والمستحب فعلهما معا لو (3) لم یمنع مانع من الاحتیاط ، کما حقّقنا فیها (4) ، وخصوصا أیضا بعد ملاحظة أنّ التکلیف کان أوّلا بالظهر یقینا ، وتغیّر التکلیف إلی الجمعة لم یکن بالنسبة إلی جمیع المکلّفین ، فلم یثبت التغیّر فی ما نحن فیه ، هذا ، وغیر ذلک ممّا ستعرف وعرفت.

هذا مع أنّ من یقول بالاشتراط یدعی الإجماع ، وهو من الأدلة الیقینیة بل أقواها ، والمستدل یکتفی بالظنّی فکیف بالیقینی؟ فإن ادعی ظهور بطلان إجماعهم بسبب وجود المخالف فهو غلط قطعا من وجوه متعدّدة ستعرفها.

وإن ادعی أنّه لم یحصل له العلم بکونه حقا ، ففیه : أنّ غالب البدیهیات مثل الحسیّات والتجربیات والمشاهدات وغیرها لا یظهر علی غالب الناس ، فما ظنّک بالکسبیات التی مثل الإجماع ، ولیس لمن لا یعلم حجّة علی من یعلم.

وإن أراد أنّه لم یثبت علیه ، فمعلوم أنّ أخبار الآحاد أیضا لا تثبت

ص: 171


1- الفوائد الحائریة : 443.
2- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.
3- فی « ب » و « و » : و.
4- الفوائد الحائریة : 443 - 445.

علیه ، إلاّ أنّ الأدلّة الدالة علی کونها حجّة اقتضت حجّیتها ، ومعلوم أنّها شاملة للإجماع المنقول بخبر الواحد ، مع أنّ نقل الإجماع فیه متواتر ، کما لا یخفی علی المطّلع.

ویدل علی الاشتراط - بعد الإجماع - الأخبار الکثیرة بل المتواترة ، کما عرفت وستعرف ، مضافا إلی الاعتبار الیقینی ، وستعرفه أیضا.

هذا حال المخیّر والمحرّم فی اشتراطهم ، مضافا إلی الأصول التی عرفت وستعرفها ومنها : کون العبادات توقیفیة ، فمع اجتماع جمیع الشرائط الإجماعیة والنزاعیة تکون عبادة مطلوبة قطعا ، ومع عدم النزاعی تکون عبادة مطلوبة تتوقّف علی الثبوت من الشرع ولم یثبت ، وستعرف هذا أیضا مفصّلا.

وأمّا المستدل فلیس له دلیل أصلا ، کما عرفت ، ولا له أصل ولا قاعدة ولا اعتبار ظنّی فضلا عن القطعی ، ولا إجماع ظنّی فضلا عن المتواتر ، بل ولا شهرة له لو قلنا بوجود موافق له فإنّه شاذّ البتّة ، مع أنّک ستعرف ما فیه ، ولیس له مؤیّد ، بل الکلّ علیه ، کما ستعرف.

فإن قلت : إذا صلّی المصلّی صلاة الجمعة فی زمان الغیبة صدق علیه عرفا أنّه صلّی الجمعة ، فهی صلاة الجمعة ، وکلّ صلاة الجمعة واجبة عینا بالآیة والأخبار ، فهی واجبة عینا.

قلت : الکلّیة ممنوعة بوجوه متعدّدة ، أمّا الآیة فقد مرّ الاعتراضات الکثیرة ، وسیجی ء أیضا ، وأمّا الأخبار فقد مرّ أیضا الاعتراضات علی الاستدلال بخصوص کل حدیث حدیث ، والاعتراضات علی سبیل الکلیّة بأنّ المقام لیس مقام الطلب ، علی أنّه لا أقلّ من عدم ثبوت کون المقام مقام الطلب ، والسند قد عرفت ، وعلی تسلیم کون المقام مقام الطلب فلا شک

ص: 172

فی کون المراد بشرطها وشروطها ، کما عرفت ، فالواجب لیس مطلق صلاة الجمعة ، بل بشروطها ، وصدق بشروطها أیضا علی ما نحن فیه عرفا مصادرة ومکابرة.

سلّمنا ، لکن لیس فی الأخبار أنّ کل ما یطلق علیه لفظ صلاة الجمعة بأیّ إطلاق فی أی عرف واجبة ، بل صلاة الجمعة واجبة علی کل مکلّف.

وعموم المفرد المحلّی باللام علی تقدیر التسلیم لا یستلزم العموم الذی ذکرت ، لکن العموم إنّما هو بالنسبة إلی أفراد المعنی الذی أراد المعصوم علیه السلام ، لا بالنسبة إلی کل معنی استعمل هذا اللفظ فیه بأیّ استعمال ومن أیّ مستعمل ، وذلک واضح.

وکون ما نحن فیه بعینه المعنی الذی أراده المعصوم علیه السلام أو ممّا صدق علیه حقیقة أوّل الکلام ، إذ یتوقّف علی ثبوت مقدّمات نزاعیة غیر ثابتة :

الأولی : کون الأصل فی الاستعمال الحقیقة ، إذ کون ما نحن فیه صلاة الجمعة مجازا لا فائدة فیه أصلا ، وهو ظاهر.

والثانیة : کونه حقیقة عند جمیع المتشرعة ، وفیه أیضا نظر ومنع قد عرفت وستعرف السند.

والثالثة : ثبوت الحقیقة الشرعیة سیّما فی مثل ما ذکرت.

سلّمنا ، لکن صدق : صلّی الجمعة ، علی من صلّی الصلاة الفاسدة بمرتبة لا یحصی ، لعدم إحصاء الصلوات الفاسدة ، مثلا من صلّی الجمعة فی حال شدّة التقیّة وخالف التقیّة صدق علیه أنّه صلّی الجمعة ، وقس علی هذا سائر الشروط وجمیع الأبعاض حتی مثل تشدید ربّ العالمین وفتحة الراء وترتیبه ، إلی غیر ذلک ، وتخصیص العامّ إلی هذا القدر لا یرضی به

ص: 173

المحقّقون ، مع أنّا لم نجد فرقا بین هذا الصدق والصدق الذی فی ما نحن فیه أصلا ، فمثل هذا الصدق کیف ینفع؟

مع أنّه کما یجوز التخصیص کذا یجوز أن یکون المراد فی الأخبار صلاة الجمعة الصحیحة علی القول بأنّ صلاة الجمعة اسم لمجرّد الأرکان المخصوصة ، وإلاّ فعلی القول بأنّها اسم لخصوص الصحیحة - کما هو أحد القولین وأقواهما - فلا معارضة ، فلا غبار أصلا.

علی أنّه لا شک فی کون صحة ما نحن فیه مشکوک فیها ، والصحة عبارة عن موافقة الأمر أو إسقاط القضاء ، فأی فائدة فی الصدوق المذکور ، لأنّ الصحة لا بدّ منها قطعا ، سیّما بالمعنی الأوّل ، فتأمّل.

قوله : إذا سمع مواقع أمر الله. ( 4 : 8 ).

إن أراد أن بمجرّد سماع اللفظ یجب المبادرة إلی الامتثال وإن لم یعرف المطلوب والمرام ولم یتمکّن منه ، ففاسد قطعا ، لأنّ الفهم والتمکّن شرط فی التکلیف بضرورة العقل والدین والآیات القرآنیة والأخبار المتواترة ، بل هو أعظم الشروط وأصلها واسّها ، وعموم الوجوب علی کل مسلم مسلم لا نزاع فیه ، بل وإن لم یکن مسلما ، إلاّ أنّه مشروط بما ذکر ومخصّص به.

وإن أراد أنّه لا سترة فی المطلوب أیضا إلاّ أنّ فقهاءنا المتقدّمین والمتأخّرین صاروا أحمقین ، فحاشا الشهید الثانی وحاشاهم.

وإن أراد أنّه کشف السترة ، فلیس فی کلامه عین ولا أثر ، إذ لم یزد علی الإتیان بما دل علی وجوب الجمعة ، وهو بدیهی الدین ، والنزاع فی أمر آخر ، فما لا نزاع فیه أطال فی القیل والقال ، وما فیه النزاع لم یشر إلیه أصلا.

ص: 174

فإن قلت : لا سترة فی المطلوب ، لأنّ صلاة الجمعة یعرفها کلّ أحد.

قلت : فاسد قطعا ، لأنّ العبادة وظیفة الشرع لا طریق للعقل ولا للعرف إلیها أصلا ، فإن أراد الثبوت من الشرع ، فستعرف فساده.

وإن أراد أنّه لم یتحقّق من الفقهاء نزاع فیها بل نزاعهم فی أنّ من شروطها الإمام أو نائبه أم لا ، فلذا ما تعرّض لشأنها وأبطل اشتراطها.

قلت : صریح عبارة المحرّمین أو بعضهم أنّ المقام لیس بصلاة الجمعة ، بل هو أمر حرام ، وهو تعالی أوجب الأوّل دون الثانی.

وأیضا النزاع واقع فی أنّ العبادات أسام للصحیحة أم للأعمّ ، ولا شک فی أنّ المحرّم یقول بعدم الصحة ، فالنزاع فی الماهیة موجود.

فإن قلت : یظهر من بعض الأخبار أنّها رکعتان مثل سائر الصلوات.

قلت : الکلام فی الرکعتین هل هو اسم للصحیحة أم لمجرّد الأرکان؟

ولا شک فی أنّ الجمعة للصحیحة لیست مثل سائل الصلوات الصحیحة ، فعلی القول بأنّها اسم للصحیحة کیف یثبت وجوب المقام مع خلّوها عن الشرط المتنازع؟ فما لم یثبت أنّه صحیح کیف تقول : لا سترة فیه؟

فإن قلت : الأظهر عندی أنّه اسم للأعم.

قلت : الأظهر أنّه اسم للصحیح ، للتبادر عند الإطلاق ، وصحة السلب ، وغیر ذلک ممّا حقّقناه فی الفوائد (1) ، خصوصا بملاحظة الأوامر الواردة.

سلّمنا ، لکن ثبوت ما ذکرت من أین؟ فضلا أن تقول : لا سترة فیها ولا شبهة.

ص: 175


1- الفوائد الحائریة : 101 - 103.

سلّمنا ، لکن ضروری الدین أنّ الجمعة بغیر الشروط لا تصیر ولا تکون مطلوبة ، فبمجرّد استماع الآیة والأخبار یتبادر إلی ذهننا أنّ المراد ما هو بالشرائط قطعا ، لأنّ الضرورة من الدین تصیر منشأ للتبادر والسبق إلی الفهم ، کما یفهم من الأمر بقراءة دعاء العرفة الاستحباب ، وغیر ذلک ممّا أشرنا إلیه فی رسالة الإجماع والفوائد (1) مع غایة وضوحها ، فعلی هذا یرجع إلی الأوّل ویصیر مثل القول بکونه اسما للصحیحة من دون تفاوت ، کما لا یخفی.

مع أنّ عدم التعرّض للشروط الإجماعیة کاشف عن کون المقام مقام بیان نفس الوجوب لا التعرّض إلی الشروط ، والوجوب علی کل أحد مقام وکونه مشروطا بشروط مقام آخر ، کما لا یخفی علی العارف ، وأشرنا إلی مثل ذلک فی مبحث الحیض (2).

وبالجملة : لا شک فی وجوبها علی کلّ أحد ، ومع ذلک لا شک فی کونها مشروطة بشروط کثیرة ، وکونها واجبة علی کل أحد لا یقتضی ان لا تکون مشروطة ، فإذا لم یکن المقام مقام التعرّض لذکر الشروط لا یکون عدم الذکر دلیلا علی العدم ، وعلی فرض أن لا یکون حدیث یدل علی اشتراطه لا یقتضی أن لا یکون شرطا ، لأنّ مع الاحتمال لا یعلم کون الخالیة عنه صلاة الجمعة صحیحة ، نعم مع الوجود تعلم الصحة ، فیعلم کونه مطلوبا ، فکیف لا یکون سترة أصلا فی کون الخالیة صلاة الجمعة؟ مع أنّ الظاهر والموافق للقاعدة أنّها لیست صلاة الجمعة ، کما عرفت.

فإن قلت : لعله بنی علی أنّ الأصل عدم الاشتراط.

ص: 176


1- رسالة الإجماع ( الرسائل الأصولیة ) : 260 ، 261 ، الفوائد الحائریة : 290.
2- راجع ج 1 : 357.

قلت : إن أراد من الأصل أصل البراءة ف- - مع أنّه لا یجری فی ماهیة العبادة کما حقّق - مقتضاه رفع التکلیف لا إثباته ، ولذا جعل من شروطه رفع التکلیف ، وهو ظاهر أیضا ، لأنّه مقتضی أدلة هذا الأصل ، نعم هذا الأصل ینفع القائل بالتخییر فی المقام.

وإن أراد استصحاب العدم الأصلی ، ففیه - مضافا إلی أنّه لیس حجّة عند جمع من المحقّقین (1) - : [ أنّهم ] (2) متفقون علی عدم جریانه فی بیان العبادات ، ویدل علیه أدلة قطعیة ذکرناها فی الملحقات. وعلی تقدیر الجریان فکما یجری فی صلاة الجمعة کذا یجری فی صلاة الظهر ، فالترجیح من غیر مرجّح باطل.

ومع ذلک الترجیح فی الظهر ، لاستصحاب بقائها وعدم ثبوت الخلاف ، لأنّ الظهر کانت واجبة قبل الجمعة ثمّ تغیّر التکلیف إلی الجمعة لا بالنسبة إلی جمیع المکلّفین ، بل بالنسبة إلی المستجمع لشرائطها ، وکون المقام مستجمعا للشرائط أوّل الکلام ، فالأصل بقاء الظهر ولم یثبت خلافه ، مع أنّ الأصل عدم الاستجماع ، مع أنّه کما أنّ الأصل عدم شرط کذلک الأصل عدم کون الباقی صلاة الجمعة ، کما هو ظاهر وحقّقناه مشروحا فی الملحقات.

وبالجملة : الأصول مع المحرّم بلا شبهة ، مع أنّه کیف یکون المقام لا سترة فیه أصلا؟.

ص: 177


1- منهم الأسترآبادی فی الفوائد المدنیة : 144 ، والفاضل التونی فی الوافیة : 179 ، 217.
2- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.

فإن قلت : فی بعض الأخبار قالوا : « فرضها الله فی جماعة » (1) وهذا یدل علی أنّ الجماعة من حیث هی هی تکفی.

قلت : هذا غلط واضح ، لأنّ إثبات الشی ء لا ینفی ما عداه ، وهذا بعینه مفهوم الوصف الذی عند المحققین أنّه لیس بحجّة (2). نعم ربما یکون فیه إشعار ، إلاّ أنّه منتف فی المقام ، لأنّ العدد شرط فی الجماعة بل هو أنسب إلی الجماعة وأقرب إلیها ومع ذلک لم یتعرّضوا له ولا لغیره ( من الشروط ) (3) ، فحصل الیقین بأنّ المقام لیس مقام التعرّض إلی الشروط.

فإن قلت : لعله وکلّ معرفة الشروط التی لم تذکر إلی المعروفیة من الخارج.

قلت : هذا فاسد ، لأنّ وجوب الجمعة مع کونه من ضروری الدین وکذا سقوطها عن مثل الصغیر والمجنون وأمثالهما تعرّضوا للذکر ، فکیف وکلّوا إلی الظهور ما لم یثبت إلاّ بحدیث؟ کما سیجی ء ، وتأخیر البیان عن وقت الحاجة لا یجوز قطعا.

مع أنّ الأصل عدم إرادة ما زاد عن مدلول العبارة ، فإنّ المقام مقام بیان نفس الوجوب الذی لا نزاع فیه ، وکذا لا نزاع فی کونه مشروطا بشروط کثیرة.

سلّمنا ، لکن الشروط المسلّمة عنده ربما تثبت بدلیل ظنّی مثل خبر الواحد ، فکیف لا یثبت کون الجمعة منصب الإمام علیه السلام بالإجماعات

ص: 178


1- الکافی 3 : 419 / 6 ، الفقیه 1 : 266 / 1217 ، التهذیب 3 : 21 / 77 ، الوسائل 7 : 295 أبواب صلاة الجمعة ب 1 ح 1.
2- منهم السید المرتضی فی الذریعة 1 : 392 ، والفاضل التونی فی الوافیة : 232.
3- ما بین القوسین لیس فی « و ».

المتواترة والأخبار المتواترة والدلیل العقلی (1) القینی الذی یأتی؟! ومن جملة الأخبار : الصحیفة السجّادیة المتواترة بین الشیعة والزیدیة وأهل السنّة أنّها من المعصوم علیه السلام ، مع أنّ متن الأدعیة ینادی بأعلی صوت أنّها منه.

وأمّا الدلالة فهی أیضا قطعیة ، لأنّه لو کان صلاة الجمعة واجبة عینا علیهم لما قال علیه السلام : ابتزّوها (2) وغصبوها من غیرهم ، مضافا إلی باقی العبارات ، ولذا لو شهد أحد واتفق أنّه لم یکن عادلا لا یقال : هذا المقام لخلفائک ابتزّها منهم ، فضلا عن سائر العبارات وضمّ صلاة العیدین ، وسیجی ء کونها منصبهم بلا تأمّل.

ومنها : قولهم علیه السلام : کلّ عید یجدّد حزنا لآل محمد علیه السلام ، لأنّهم یرون حقّهم فی ید غیرهم (3) ، مشیرین إلی العیدین. وکذا قول معلّی بن خنیس حینما یصعد إمامهم المنبر : اللهمّ إنّ هذا المقام (4) ، الدعاء.

وبالجملة : الخدشة فی دلالة هذه مثل الخدشة فی قول النبی صلی الله علیه و آله : « من کنت مولاه فعلیّ مولاه » (5) بل أشدّ بمراتب.

وأمّا الإجماعات فقد بلغت حدّ التواتر وفاضت وزادت ، ولم نجد مسألة من مسائل الفقه بهذه المثابة ، مضافا إلی جمیع ما ذکرناه وسنذکر ممّا

ص: 179


1- فی « و » زیادة : القطعی.
2- الصحیفة السجادیة : الدعاء 48.
3- الکافی 4 : 169 / 2 ، الفقیه 1 : 324 / 1484 ، التهذیب 3 : 289 / 870 ، الوسائل 7 : 475 أبواب صلاة العید ب 31 ح 1.
4- رجال الکشی 2 : 679 / 715 ، المستدرک 6 : 146 أبواب صلاة العید ب 26 ح 1.
5- الکافی 4 : 566 / 2 ، الفقیه 1 : 149 / 688 ، التهذیب 3 : 263 / 746 ، الوسائل 5 : 286 أبواب أحکام المساجد ب 61 ح 1.

یظهر من الأخبار والإجماعات المتواترة والفتاوی ، وطریقة النبی صلی الله علیه و آله وعلی والحسن والحسین علیه السلام والشیعة ، والقواعد الشرعیة ، إذ الإجماعیات ربما نقلوا [ فیها ] إجماعا واحدا أو اثنین أو ثلاثا ، لا عدد التواتر ، ولا طریق إلی الخدشة فیه ، لأنّه لا یمکن الخدشة فی المتواترات بأن یقال : السند مرسل ، أو فلان خارج ، وأمثال ذلک.

مع أنّ خروج معلوم النسب غیر مضرّ بإجماع الشیعة إجماعا من الشیعة ، ولذا لا یضرّ خروج ابن الجنید فی الإجماع علی حرمة القیاس ، وکذا غیره ، ولیس المقام مقام البسط ، وقد أشرنا فی الجملة فی رسالة الإجماع (1) وغیرها ، مع أنّه ستعرف عدم وجود مخالف ، وبعد اللتیا والتی کیف یقول : لا سترة فیه؟

فإن قلت : لعله تعرّض بالقائل بالتخییر ، لأنّه یقول بصحة المقام ومع ذلک یقول بالتخییر ، مع أنّ الأدلة تقتضی العینیة ولا تعریض له بالمحرّم.

قلت : هذا فاسد ، کما لا یخفی ، ومع ذلک نقول : قد عرفت کونها منصب الإمام ، وجمیع مناصبه یباشرها بنفسه أو بنائبه حتی الإمامة والحکومة ، لأنّ مباشرتها بنفسه إنّما کانت فی بلده ، وفی بعض الأوقات وأکثرها لا جمیع الأوقات ، فإذا کانت منصبه فله أن یرخّص غیره بعنوان الخصوص ( کما قلنا ) (2) وله أن لا یرخّص کما هو الأمر فی الجهاد ، وله أن یرخّص وینصب بعنوان العموم ، کما هو الأمر فی القضاء ، وله أن یرخّص بعنوان العموم أن یفعلوا بعنوان الندب والاستحباب ، کما هو الأمر فی صلاة العیدین ، وله أیضا أن یرخّص بعنوان الوجوب ، إلاّ أنّ الثابت منه هو

ص: 180


1- رسالة الإجماع ( الرسائل الأصولیّة ) : 285.
2- ما بین القوسین لیس فی « د ».

الأوّل ، کما سیجی ء.

ومجرّد قوله : الجمعة واجبة ، لا یفید النصب ، لأنّه نقل نفس وجوب الصلة ، لأنّ المتبادر منه هو الفرض الأصلی المقرّر من الله ، ولا لما هو من رخصة المعصوم علیه السلام لکونه منصبا کما قال : علی الناس واجبة ، وأمثال ذلک ، ولذا فی زمان الحضور وبسط یدهم بمجرّد استماع وجوب صلاة الجمعة لا یصیرون منصوبین من قبلهم ، وما کانوا یفعلون ، وکانوا یترکونها إلی أنّ حجّهم المعصوم علیه السلام ، مع کونهم هم الرواة لأحادیث الوجوب ، ومع ذلک قال لهم أن یفعلوا ، ومثله.

مع أنّک عرفت أنّ الوجوب مشروط بشروط من جملتها الإمام أو نائبه جزما ، والمشروط عدم عند عدم شرطه.

وأیضا قد عرفت أنّ المقام لیس مقام الحاجة.

وأیضا حالها حال صلاة العیدین ، وسیجی ء فی مبحثهما.

وأیضا ورد أخبار صحیحة السند واضحة الدلالة علی الاستحباب ، وهی موافقة للشهرة بین الأصحاب بل شعار الشیعة فی الأعصار والأمصار ، کما اعترف به منهم أنّهم یترکونها.

ومع ذلک مخالفة للعامّة ، والأخبار متواترة فی الأمر بأخذ ما خالفهم ، وأنّ الرشد فی خلافهم ، وأخذ ما اشتهر بین الأصحاب (1).

ولا یعارضها ما دل علی الوجوب ، لما عرفت من اشتراطه بالإمام أو نائبه ، إلی غیر ذلک ممّا [ عرفت ] مثل أنّ الأخبار الدالة علی الوجوب واردة فی مقام النقل والحکایة لا مقام الطلب ، بخلاف الدالة علی الاستحباب ،

ص: 181


1- الوسائل 27 : 106 أبواب صفات القاضی ب 9.

فإنّها واردة فی مقام الطلب یقینا ، وغیر ذلک.

ولهم أیضا أصل البراءة ، وأنّ ما دل ( علی وجوب الظهر مطلق ویشمل المقام.

وأیضا دلالة الآیة وأمثالها من الأخبار ) (1) علی وجوب المقام بواسطة الإجماع ، کما عرفت ، ولم یثبت من الإجماع أزید من القدر المشترک من الوجوب العینی والتخییری ، وبأصل البراءة والعدم یتعیّن التخییر ظاهرا.

ومثل ذلک الکلام فی الأخبار التی لا تدل علی أزید من الرجحان والمطلوبیة ، ولا تدل علی أزید من القدر المشترک بین الوجوب العینی والتخییری ، هذا مع ادعائهم الإجماع وظهور أخبار کثیرة موافقا لدعواهم وهم الخبیرون المطلعون الشاهدون ، والشاهد یری ما لا یراه الغائب ، وسیجی ء تتمّة الکلام (2).

قوله : نسأل الله العفو والرحمة بمنّه وکرمه. ( 4 : 9 ).

لا شکّ فی وجوب الجمعة وکونه من ضروریات الدین ، ومنکره خارج من فرق المسلمین ، والأخبار متواترة عن الحجج المعصومین ، بعد ما نصّه الله فی کتابه المبین ، إنّما النزاع فی وجوب ما فعل بغیر الإذن الخاصّ والنائب الخاصّ ، فمنهم من أنکر کون ذلک صلاة الجمعة ، بل یقول : فعل لغو ، بل تشریع لیس هو بصلاة الجمعة أصلا ، ومنهم من یقول : إنّه صلاة الجمعة إلاّ أنّها فاسدة بفساد شرط صحته ، ومنهم من یقول : صلاة صحیحة إلاّ أنّ وجوبه تخییری ، والواجب العینی هو ما فعله المنصوب ، ومنهم من یقول : واجب عینی ، لو ثبت هذا القول.

ص: 182


1- ما بین القوسین لیس فی « د ».
2- من قوله : فکیف یسع ، فی ص 162 إلی هنا ساقط من « أ ».

فعلی هذا نقول : دلالة الأوامر الصادرة فی القرآن والأخبار علی وجوبه موقوفة علی ثبوت کونه صلاة الجمعة ، إذ مجرّد تسمیة الخصم ذلک بصلاة الجمعة کیف یثبت مطلوبه؟ إذ لا شکّ فی أنّ العبادات توقیفیة ، موقوفة بیانها ومعرفتها علی النصّ من الشارع ، وقد صرّح الشارح أیضا بذلک فی مواضع غیر عدیدة ، منها : ما سیجی ء عن قریب فی شرح قول المصنف : وتجب بزوال الشمس. (1) ، فلو سلّم أحد أنّه صلاة الجمعة أمکن الاحتجاج بها علیه بعنوان الجدل ، أمّا البرهان أو الاحتجاج علی (2) منکر ذلک فلا ، وقد صرّح بالإنکار من صرّح منهم (3).

وبالجملة : دلالة المطلق أو العامّ علی مطلب فرع معرفة معنی ذلک المطلق وذلک العام ، ولا یمکن المعرفة إذا کان عبادة إلاّ من صاحب الشرع ، بنصّه أو فعله أو تقریره ، والأوّل والآخر مفقودان ، وأمّا الفعل فلا شکّ فی أنّه کان السلطان المعصوم علیه السلام وکان فی زمانه یفعل بإذنه الخاص ونصبه ، کما سیجی ء.

ولو نوقش فی ذلک فنقول : لم یثبت فعلها من غیر المنصوب فی زمانه حتی یمکن إثبات البیان بتقریره لو أمکن.

ثم نقول : علی القول بعدم ثبوت الحقیقة الشرعیة غایة ما فی الآیة والأخبار وجود القرائن الصارفة عن المعنی اللغوی ، أمّا المعینة للمعنی الشرعی بحیث تنفع المستدل فی المقام فلا. مع أنّ الشارح رحمه الله لا یکتفی

أدلّة القائلین بعدم الوجوب العینی

ص: 183


1- المدارک 4 : 11.
2- فی « ب » و « و » زیادة : کلّ.
3- انظر المسائل المیافارقیات ( رسائل الشریف المرتضی 1 ) : 272 ، والاقتصاد : 267 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 190 ، والوسیلة : 103 ، والسرائر 1 : 303 - 304.

بالقرینة الصارفة عن اللغوی فی جعل المعنی هو الشرعی الذی [ هو ] حقیقة عند المتشرّعة.

وأمّا علی القول بثبوت الحقیقة الشرعیة فمعلوم أنّ المتشرّعة علی فرقتین : فرقة تقول بأنّ ألفاظ العبادات حقائق فی الصحیحة المستجمعة لشرائط الصحة الشرعیة ، مع أنّ بعض المنکرین للوجوب العینی صرّح فی المقام بأنّ صلاة الجمعة اسم للصحیحة التی تکون مع الإذن الخاصّ ، وأنّه بلا (1) هذا لا تکون صلاة الجمعة أصلا (2). وعلی هذا أیضا لا یمکن الإثبات إلاّ بواسطة انضمام أصالة عدم الزیادة ، لکن عرفت حال الانضمام ومفاسده ، ومع ذلک یتوقّف الإثبات علی ثبوت حجّیة هذا الأصل وجریانه فی بیان العبادات ، ومع ذلک یتوقّف الإثبات علی ثبوت حجّیة هذا الأصل أن لا یکون ( مثبتا ) (3) للتکلیف ، ومع ذلک إنّه معارض بمثله فی جانب العمومات الدالة علی وجوب صلاة الظهر ، وکذا معارض بأصالة عدم تغیّر تکلیف الظهر بالنسبة إلی المقام ، بل تعراضه أصالة عدم کونه صلاة الجمعة ، فتأمّل.

نعم علی القول بأنّ تلک الألفاظ حقائق فی مطلق الأرکان یمکن الاستدلال إن لم یناقش أحد فی ذلک أیضا بأن یقول : الإطلاق منصرف إلی الأفراد الصحیحة و (4) أنّه لا یثبت عموم له أزید من هذا ، مضافا إلی ما عرفت سابقا.

ویؤیّد المناقشة خلوّ الآیة والأخبار الدالة علی الوجوب بأسرها عن

ص: 184


1- فی « ب » و « و » زیادة : تأمّل.
2- انظر کشف اللثام 1 : 247.
3- بدل ما بین القوسین فی « ب » و « ج » و « د » : مبیّنا.
4- فی « ب » و « ج » و « و » : لا ، وفی « د » : إلاّ.

الإشارة إلی شرائط الوجوب المسلّمة المتفق علیها.

نعم یمکن أن یقال : یؤیّد عدم اشتراط المنصوب خلوّ الأخبار بأسرها عن الإشارة إلی ذلک.

لکن یمکن أن یقال : ورد الإشارة فی بعضها ، مثل صحیحة محمد بن مسلم المتقدّمة وغیرها ممّا مرّ ، وقد أشرنا إلی وجه الإشارة ، ومثل دعاء الصحیفة السجادیة : « اللهمّ إنّ هذا المقام » ، إلی قوله : « اختصصتهم بها قد ابتزّوها » (1) ( بل وما بعده أیضا ، فلاحظ ) (2) فلو لم یکن فعلها منصبا لهم کیف یحسن هذه العبارة حینئذ؟ إذ یکون حال الجمعة حینئذ حال صلاة الظهر والعصر ، هل یحسن أن یقال بالنسبة إلی الظهر والعصر : أنّ هذا المقام لخلفائک ، إلی قوله : فی الدرجة الرفیعة التی اختصصتهم بها قد ابتزّوها.؟

وأمّا فعل النائب فهو فعل المنوب عنه ، وهو یؤکّد الاختصاص لا أنّه یرفعه ( کما أنّ الحکومة مع کونها من أخصّ خصائص الإمام إنّما تصدر منه بنوّابه ، فإن شرق الأرض وغربها بید نوّابه غیر بلد نفسه. مع أنّ بلد نفسه أیضا کثیرا تصرّفه فیه بواسطة النوّاب ، مثل وقت مرضه أو سفره أو شغله الضروری المانع ، وکذا الحال فی سائر مناصبه.

هذا مع أنّه لا قائل بالفصل ، مع أنّ عدم الفصل فی المقام ضروری الدین ، إذ بدیهی أنّ صلاة الجمعة غیر منحصرة فی فعل المعصوم بعنوان مباشرة نفسه ، بل کلّ العالم علیهم صلاة الجمعة إمّا مع السلطان أو من

ص: 185


1- راجع ص 179.
2- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

نصبه ، وإمّا مطلقا ، فتأمّل ، جدّا ) (1). ومثل ذلک من الأخبار التی أشرت إلیها فی رسالتی التی کتبتها فی هذا المقام ، فلیراجع.

ومن جملتها : ما رواه فی الأشعثیات « أنّ الجمعة والحکومة لإمام المسلمین » (2).

ومنها : ما فی العلل : « لأنّ الصلاة مع الأمیر أتمّ » إلی قوله : « یخبرهم. » (3) وما ورد من أنّ الصلاة مع الإمام رکعتان ، وبغیر الإمام أربع وإن صلّوا جماعة (4). ( وما ورد من أنّه لیس علی أهل القری حضور الجمعة وصلاة العید (5) منها الصحاح الدالة علی الصلاة أربع رکعات جماعة إذا لم یکن من یجمّع بهم (6) ، وإذا لم یکن من یخطب (7) ، وغیر ذلک ممّا مرّ.

ومنها : الأخبار الدالة علی اشتراط الإمام ، وأنّه لا بدّ منه (8) ، والمتبادر من لفظ الإمام علی الإطلاق إمام الأصل ، کما قال الفقهاء وفهموا ، مع أنّ المطلق ینصرف إلی الفرد الکامل ، وفهم إمام الجماعة موقوف علی القرینة من إضافة أو غیرها.

ص: 186


1- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
2- الأشعثیات : 42 - 43 ، المستدرک 6 : 13 أبواب صلاة الجمعة ب 5 ح 2 ، بتفاوت.
3- علل الشرائع : 265 ، الوسائل 7 : 312 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 3 ، بتفاوت یسیر.
4- الکافی 3 : 421 / 4 ، الوسائل 7 : 314 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 8.
5- التهذیب 3 : 248 / 679 ، الاستبصار 1 : 420 / 1618 ، الوسائل 7 : 307 أبواب صلاة الجمعة ب 3 ح 4.
6- الوسائل 7 : 327 أبواب صلاة الجمعة ب 12 ح 1.
7- الوسائل 7 : 306 أبواب صلاة الجمعة ب 3 ح 1 ، وب 5 ح 3.
8- الوسائل ، 7 : 303 ، 309 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ، 5.

ومنها : أیضا الأخبار الدالة علی استحباب صلاة الجمعة (1) ، ویؤیّدها استحباب صلاة العیدین التی توافق الجمعة فی الشروط وأدلة الوجوب (2) (3) إلی غیر ذلک (4).

هذا مضافا إلی الإجماعات المنقولة الکثیرة جدّا المتأیّدة بالآثار والاعتبار التی أشرت إلیها فی الرسالة ( مع أنّ المنقول بخبر الواحد یشمله ما دل علی حجّیة خبر الواحد ) (5).

ومن الآثار حکایة المازندرانی الذی وصل إلی جزیرة الصاحب علیه السلام (6) ، وهی تنادی بالاختصاص بالإمام ومنصوبه.

( علی أنّ ما دل علی اشتراط النصب أزید ممّا دل علی اشتراط العدالة وبعض الشروط المسلّمة ، بل زیادته علیه بمراتب شتّی ، کما مرّت الإشارة هنا وسابقا ، وسیجی ء أیضا ، وما یظهر من الإجماع علی اعتبار العدالة لیس عشر معشار ما یظهر من الإجماع علی اعتبار النصب ، کما لا یخفی ) (7).

وبالجملة : إن کانت الأدلة من الطرفین لا تخلو عن الخدشة والمناقشة فالاحتیاط الإتیان بالجمعة والظهر معا تحصیلا للبراءة الیقینیة أو العرفیة ، والله یعلم.

ثم لا یخفی أنّ استدلاله بالآیة وأمثالها ممّا یتضمّن وجوبها بعنوان

ص: 187


1- انظر الوسائل 7 : 295 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1.
2- الوسائل 7 : 424 أبواب صلاة العید ب 3.
3- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
4- فی « ب » و « ج » و « د » زیادة : وسیجی ء بعضها.
5- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
6- بحار الأنوار 52 : 167.
7- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

الخطاب مبنی علی المذهب السخیف من کون الخطاب شاملا للمشافه والغائب جمیعا ، ولا شکّ فی سخافته ، لأنّهم إن أرادوا الشمول بحسب الوضع العربی (1) الحقیقة اللغویة والعرفیة فلا شکّ فی فساده ، لکون الصیغة موضوعة للخطاب مع حاضر وحقیقة فیه ، بل الخطاب لا یتأتّی مع الغائب ، ولا شبهة فی قبحه. ولذا أنکر الشیعة والمعتزلة وجمیع من له فهم علی الأشاعرة فی قولهم بقدم القرآن ، بأنّه کیف یخاطب الله المعدوم؟ ولا یفعل ذلک إلاّ مجنون.

وإن أرادوا أنّ الشمول بعنوان المجاز بأنّه لیس بحطاب حقیقة ، بل غیبة ، أو خطاب وغیبة ، غلب جانب الخطاب علی الغیبة واستعمل لفظه فیها ، ففیه : أنّ الأصل فی الاستعمال الحقیقة بلا شبهة.

فإن قلت : الاشتراک فی التکالیف الثابت بالإجماع قرینة.

قلت : غلط ، إذ یمکن أن یکون الحکم بالاشتراک بعد الخطاب ، وعلی تقدیر أن یکون قبل الخطاب أیضا لا یستلزم الاشتراک فی التکلیف الاشتراک فی الخطاب ، ألا تری أنّا نخاطب العوام حین استفتائهم وجوابهم فی الفتوی : افعل کذا ، وللمرأة : افعلی کذا؟ لیس خطابنا إلاّ معه أو معها خاصّة بلا شائبة تأمّل ، لا أنّ الخطاب معه ومع غیره من المکلّفین جمیعا ، وکذا معها ومع جمیع المکلّفین قاطبة ، لأنّه باطل بالبدیهة ، سیّما المکلّفین المعدومین الذین انعدموا أو ما خلقوا بعد.

سلّمنا ، لکن نقول : فی موضع ثبت اشتراک التکلیف یصیر ذلک قرینة ، واشتراک التکلیف ثبوته إنّما هو من الإجماع ، والإجماع ثبوته فی

ص: 188


1- فی « ب » و « ج » و « د » : العرفی.

موضع النزاع غیر متحقّق بالبدیهة ، سیّما مثل ما نحن فیه ، لأنّ الفقهاء صرّحوا باشتراط الإمام أو نائبه ، وجماعة کثیرة منهم ادعوا الإجماع علی ذلک ، فکیف یمکن دعوی اشتراک من لم یکن له الإمام ولا نائبه مع من کان له الإمام أو نائبه؟ ولا شکّ فی فساد ذلک بالبدیهة.

علی أنّا نقول : الإجماع إنّما تحقّق فی اشتراک التکلیف بین الغائب والحاضر إذا اتحد حالهما بالنسبة إلی ذلک التکلیف لا مطلقا ، فإذا کان الحاضر صلاته مع الإمام أو نائبه فلا شک فی أنّ الغائب أیضا إن کان کذلک یکون حکمه حکم الحاضر بالإجماع ، والإجماع حینئذ متحقّق ، وأمّا إذا تغیّر حالهما فی ذلک فلا إجماع علی الاشتراک لو لم نقل بالإجماع علی عدم الاشتراک.

وبالجملة : إذا کان دلیل الاشتراک هو الإجماع فالاشتراک دائر مع الإجماع ، فکلّ موضع یتحقّق فالاشتراک متحقّق ، وکلّ موضع وقع الخلاف فعلی القول باختصاص الخطاب بالمشافهین لا یثبت الحکم فی حق غیر المشافهین ، بل الحکم فیه ما اقتضاه الأصول والأدلة ، وعلی القول بشمول الخطاب للغائبین یکون الحکم شاملا لهم حتی یثبت القید من الخارج ، ویثبت من جهة الاختصاص بالمشافهین ومن یکون حاله حالهم ، وهذا ثمرة من ثمرات هذا النزاع. وإذا کان الحکم مختصّا بالمشافه بالإجماع یقول الفقهاء : حکم فی خصوص واقعة ، ولا یتعدّون البتّة.

فإن قلت : فأیّ فائدة فی الاستدلال بالآیة والأخبار؟

قلت : الفائدة فی الموضع الذی وقع الإجماع علی اتحادنا فی التکالیف ولا نزاع فی الاتحاد ، لکن لا یدرون أنّ الحکم ما ذا؟ کما هو الحال فی غالب الأحکام ، فإنّ العلم الإجمالی حاصل باتحاد المکلّفین فیه ،

ص: 189

ولذا یبادرون بالحکم بالاشتراک وإن کان الخطاب بعنوان الاختصاص بلا شبهة ، مثل : افعل أنت کذا ، أو حکمک کذا ، أو أشدّ من هذا فی الظهور فی الاختصاص ، وتمام التحقیق فی الأصول ، وسیجی ء بعض الکلام فی المباحث الآتیة.

قوله : فیقتصر علی صفتها المنقولة ، والمنقول من فعله. ( 4 : 11 ).

سیجی ء فی مسألة اشتراط وجوب الجمعة بالسلطان العادل أو من نصبه منع الشارح دلالة فعل النبی صلی الله علیه و آله علی الشرطیة ، وأنّ العامّ لا یدل علی الخاصّ (1) ، وهو رحمه الله لا ضابطة فی کلامه کثیرا ، إذ کثیرا ما یقول بشی ء وکثیرا ما ینکره علی سبیل المزج ، یقول وینکر ثمّ یقول وینکر وهکذا فی کثیر من الأمور ، ومنها الاقتصار فی العبادة علی المنقول ، ولا شکّ فی أنّ الأمر کما ذکره هنا ، وما ذکره من عدم الاقتصار غلط فاحش ، کما حقّق فی محلّه ، ومن هنا ظهر فساد ما ذکره فی أوّل المبحث من الأدلة علی عینیة الوجوب ، کما عرفت وستعرف أیضا ، فتأمّل جدّا.

قوله : ویدفعه ما رواه. ( 4 : 13 ).

لم أفهم وجه الدفع ، لعدم معلومیة کون الساعة المذکورة تزید عن المقدار المذکور ، لعدم معلومیة المراد منها ومن الخطبة ، وأضعف منه الاستدلال بروایة الفضیل ، فتأمّل.

قوله : ولم نقف علی مأخذه. ( 4 : 20 ).

فی الاحتجاج عن الحمیری عن الصاحب صلوات الله علیه أنّه : « إذا

وقت صلاة الجمعة

ص: 190


1- المدارک 4 : 21.

لحق مع الإمام من تسبیح الرکوع تسبیحة واحدة اعتدّ بتلک الرکعة » (1).

قوله : مؤذنا بدعوی الإجماع علیه. ( 4 : 21 ).

کلامه صریح فی دعوی الإجماع ، حتی قال : مخالفته خرق للإجماع ، وجمع کثیر من فقهائنا ادعوا الإجماع صریحا (2) ، کما أشرنا إلیه سابقا.

قوله : ویتوجّه علی الأوّل. ( 4 : 21 ).

هذا لا یلائم ما صرّح مرارا أنّ الوظائف الشرعیة إنّما تستفاد من صاحب الشرع ، فتقتصر علی صفتها المنقولة من فعله صلوات الله علیه ، ومنه ما سیجی ء من لزوم کون الخطبة عربیة ، وکون الخطیب قائما ومطمئنّا وغیر ذلک (3) ، فتأمّل جدّا.

علی أنّه لا شبهة فی أنّ مراد المحقق أنّ الجمعة کانت مقصورة فی صورة نصب الإمام ، منحصرة فیما إذا تحقّق المنصوب من قبله صلوات الله علیه ، فلا شکّ فی أنّ ذلک صریح فی الشرطیة ، کیف یمکن منع الدلالة؟

اللهم إلاّ أن یبنی علی أنّه علیه السلام کان فاسقا! العیاذ بالله منه ، لأنّ الجمعة إذا لم تکن مشروطة بالمنصوب لم تکن مقصورة فیه ، ولا منحصرة فیما إذا تحقّق المنصوب من قبله ، بل کان اللازم علیه والواجب علیه أن یأمر أمّته بفعل الجمعة متی ما حصل إمام الجمعة ، من دون توقّف علی المنصوب من قبله أصلا ورأسا ، بل کان الواجب علیه المبالغة التامّة فی

شرائط صلاة الجمعة

السلطان العادل
أدلّة القائلین بعدم الاشتراط والجواب عنها

ص: 191


1- الاحتجاج : 488 ، الوسائل 8 : 383 أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 5.
2- منهم الشیخ فی الخلاف 1 : 626 ، ابن البراج فی شرح الجمل : 124 ، ابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 560 ، العلاّمة فی المنتهی 1 : 317 ، الشهید فی الذکری : 230.
3- المدارک 4 : 35 ، 37 ، 38 ، 39.

ذلک ، لأنّ الواجب یکون علی ترکه العقاب البتّة ، سیّما مثل هذه الفریضة التی هی من أوجب الفرائض ، وکان علیه السلام من غایة الاهتمام فی هدایة الأمّة وإتمام الحجّة علیهم ، فکیف یجعل ما لا یتوقّف علی النصب موقوفا علیه؟ بل لو کانت الجمعة مستحبة ما کان یفعل کذلک قطعا ، فکیف إذا کانت من أوجب الفرائض؟ ألا تری أنّ الجماعة والأذان ما جعلهما مقصورین علی المنصوب وبالغ فی ذلک حتی صار من ضروریات الدین وأمر بفعلهما من دون توقّف علی المنصوب بحیث یظهر علی الأطفال والنساء والجواری فی البیوت؟ لاقتضاء العادة فی مثله ، وکان یصل إلی من بعده بعنوان التواتر ، وفوق التواتر ، وکذا الحال والکلام فی علی علیه السلام فی أیّام خلافته.

وإن کان مراده منع الحصر والقصر فی المنصوب ، فمع أنّه خلاف مدلول کلامه غیر خفیّ فساده ، لأنّ النبی وعلیّا علیهماالسلام لو کانا یبالغان فی عدم القصر والحصر ویأمران بفعل الجمعة فی کلّ فرسخ فرسخ من مملکتهم الوسیعة - وسیّما مملکة علی علیه السلام - لکان یشیع ویذیع أزید من الشیوع والذیوع الواقع فی الجماعة والأذان ، ویظهر علی العواتق فی البیوت ، لما عرفت من نهایة شدّة الداعی إلی فعل أشدّ الفرائض ، بخلاف المستحب.

مع اجتماع أمور کثیرة کلّ واحد منها یقتضی الاشتهار والانتشار والشیوع ، مثل فعلها جهارا فی مجمع جماعة یکون أقلّهم سبعة وأکثرهم لا حدّ له ، وفی الغالب یجتمع الأکثر بل یجب اجتماع الجمیع ولا یعذر إلاّ نادر ، ویجب الحضور علی من کان علی رأس فرسخین من موضع إقامة الصلاة ، ومنع المکلّفین عن البیع والشراء والسفر وغیر ذلک من الأشغال المانعة عنها ، وقراءة الخطبة المتضمّنة للتهدید والوعد والوعید علی أفعال کثیرة ، ووجود إمام یتصف بأمور کثیرة ، وأنّه ربما یمنعه بحسب العادة

ص: 192

موانع من قبیل المرض والسفر وغیرها ، وربما یموت ، فیکف یصیر الحال؟ إلی غیر ذلک من الأمور التی تتفاوت الحال بین اشتراط المنصوب وعدمه ، وأنّ مع عدم المنصوب هل کانوا یصلّون أم ینتظرون وجوده؟ وربما کان بین موت المنصوب ووصول الخبر إلی الإمام یطول الزمان من بعد المسافة أو غیره ، وکذا بین نصب الإمام غیره ووصول الخبر إلی الموضع ، وربما لم یتحقّق من له أهلیة النصب ، أو لم یتیسّر له سکنی هذا الموضع ، إلی غیر ذلک مما لا یحصی.

ومع جمیع ذلک کیف یبقی خفاء علی الأطفال ، فضلا عن غیرهم؟ سیّما العلماء الماهرین الباذلین للجهد ، وکلّما طال الزمان فی مثل ذلک یزید الاشتهار ، فکیف صار الأمر بالعکس؟ لأنّ کلّ الأمّة أذعنوا بأنّ الجمعة فی زمانهما علیهماالسلام وزمان سائر الخلفاء کانت تفعل بالمنصوب لا بغیره أصلا ، ولذا طعنوا علی الخلفاء الذین أحدثوا بعد الرسول صلی الله علیه و آله وغیّروا طریقته بکلّ ما أحدثوا وغیّروا ، ولم یطعن علی أحد منهم أحد فی حکایة نصبهم وقصرهم فی المنصوب ، بل قالوا : إنّ طریقتهم کانت طریقة الرسول صلی الله علیه و آله وعلی والحسن صلوات الله علیهما فی ذلک من زمان أوّل الخلفاء إلی زمان فقهائنا.

والعامّة مع شدّة اختلافهم فی اشتراط النصب وغایة قربهم فی زمان الصادقین علیهماالسلام إلی زمان الخلفاء سلّموا قصر النبی صلی الله علیه و آله والخلفاء فی المنصوب ، ولم یشر أحد منهم إلی تأمّل فی ذلک.

وأمّا الشیعة فإنّهم اتفقوا فی ذلک ، حتی صرّح فقهاؤهم بالاشتراط ، إمّا مطلقا أو فی الجملة ، وادعی جماعة کثیرة منهم الإجماع علی الاشتراط وهم ثلاثون ، وربما کانوا أربعین بل أزید منهم ، والباقون منهم اتفقوا علی

ص: 193

التصریح بذلک ، والنادر وإن لم یقع منهم التصریح إلاّ أنّه ظهر من القرائن ، کما حقّق فی محلّه ، وورد فی الأخبار وغیرها دلالة علیه أو إشارة إلیه ، علی ما عرفت وستعرف ، بل لو تأمّل المنصف حصل له القطع بأنّه ما کانت تفعل الجمعة فی زمانهما إلاّ بالمنصوب ، ولذا ما منع الشارح رحمه الله ذلک ، مع أنّه فی غایة الحرص فی هدم قوانین أدلة الفقهاء فی المقام ، ولذا صدر عنه ما صدر من الأغلاط الواضحة علی ما عرفت ، فتأمّل.

قوله : إنّما هو لحسم مادّة النزاع فی هذه المرتبة. ( 4 : 21 ).

حسم مادّة النزاع إنّما هو من الأمور اللازمة ، فلو کان تحقّقه بالنصب لزم النصب ، مع أنّه إذا کان فی زمانه علیه السلام وعند حضوره کانت الأمّة محتاجین إلی حسم مادّة النزاع ، مع أنّه کان أمره علیه السلام فیهم فی غایة النفوذ لکانت الأمّة فی زمان الغیبة أحوج إلی حسم مادّة النزاع وأحوج بمراتب شتّی ، فتدبّر.

علی أنّا نقول : التعیین إمّا أن یکون واجبا أو مستحبا أو لا هذا ولا هذا ، وعلی الأوّل إمّا أن یکون فعل الجمعة مقصورا علی تعیینه أو لا ، فعلی الأوّل ثبت المطلوب ، سیّما بملاحظة کون العبادات توقیفیة ووظائف شرعیة ، ولم یتحقّق منه بیان قولی ، فوجب الاقتصار علی صفتها المنقولة من فعله ، بل مرّ فی بحث تکبیرة الإحرام أنّه یجب الاقتصار علی « الله أکبر » علی وزن أفعل مجزوم الراء ، مقطوعا همزة الوصل فی « الله » (1) وغیر ذلک ممّا هو فی هذه الهیئة ، لا یجوز تغییره أصلا ، مع أنّه ورد فی أخبار لا تحصی أنّهم قالوا : کبّر ، وأمثال ذلک من العبارات الظاهرة فی مطلق

ص: 194


1- المدارک 3 : 319.

التکبیر ، من دون تخصیص بهیئة ، هذا ، وغیر ذلک من مباحث العبادات المسلّمة عند الشارح رحمه الله .

وإمّا أن لا یکون فعلها مقصورا علی الإذن ، وقد عرفت فی الحاشیة السابقة القطع بفساده ، وإن لم یتحقّق من الفقهاء دعاوی الإجماعات والتصریحات فی الفتاوی ونقلهم فی مقام الاستدلال ، ولم یتفق اتفاق جمیع علماء الشیعة والسنّة وما ذکره أصحاب التواریخ وظهر منهم ، وکذا لم یتفق ورود الأخبار الصریحة والأخبار الظاهرة والمشیرة والآثار ، کیف؟! وقد تحقّق جمیع ما ذکر واتفق ، فکیف یبقی لمن له أدنی فهم التأمّل فی ذلک؟ ومن هذا ظهر حال الشقّین الآخرین وقطعیة فسادهما.

قوله : کما أنّهم کانوا یعیّنون إمام الجماعة والأذان. ( 4 : 21 ).

لا یخفی أنّ المسلمین فی زمانه ومن بعده إلی زماننا فی الأعصار والأمصار ما کانوا یقتصرون فی الجماعة والأذان علی المنصوب ، کسائر العبادات ، بخلاف صلاة الجمعة ، فقیاسها بهما قیاس مع الفارق الظاهر فی غایة الظهور.

قوله : وهو مجهول. ( 4 : 22 ).

لا یخفی أنّه قوی ، بل المحقّق حکم بصحة روایته وحجّیتها (1) ، فتأمّل. مع أنّه قال : روی بعدّة طرق (2) ، فتأمّل. علی أنّ الصدوق رواها بطریق صحیح (3) ، کما حقّق ، ومنه یظهر أنّه قائل بمضمونه مفت به ، لما

ص: 195


1- لم نعثر علیه فی کتبه.
2- المعتبر 2 : 280.
3- انظر الفقیه 1 : 267 / 1222. لا یخفی أن الطریق ضعیف ذکره القهپائی فی مجمع الرجال 7 : 278.

ذکر فی أوّل کتابه ، ولما ستعرف.

سلّمنا لکن الانجبار بعمل الأصحاب متحقّق ، ومع ذلک ذکر المحقّق ذلک من باب التأیید لا الاستدلال.

وأمّا الإیراد الثانی وإن کان متوجّها ظاهرا ، إلاّ أنّه ربما کان مراد المحقق من التأیید أنّه ربما یظهر من الخبر أنّ وجه اختیار السبعة فی أقلّ ما ینعقد به الجمعة أنّ الجمعة من متعلّقات الحکومة ، والحکومة وثمرتها تتحقّق غالبا بوجود هذه السبعة ، ولذا اختیر فیها هذا العدد.

مع أنّ توجیه بعض الخبر أو ردّه لا یقتضی ردّ مجموع الخبر عند فقهائنا ، کما مرّ مرارا ومرّ وجهه ، ومدار الشارح وغیره علی ذلک ، وإلاّ فیخرج کلّ أخبارنا عن الحجّیة أو جلّها.

قوله : علی ترک العمل بظاهرها. ( 4 : 22 ).

لیس کذلک ، لأنّ قدماءنا الذین ذکروا هذا الحدیث فی المقام من دون تعرّض لتوجیه أو تأویل أو طرح ظاهرهم العمل ، بل ربما یحصل القطع بعدم الطرح ، بل الصدوق فی کتاب فتواه صرّح باشتراط مجموع السبعة المذکورة فی وجوب صلاة الجمعة ، وأنّه لا بدّ من حضورهم جمیعا حتی تجب الجمعة (1) ، فهذا یدل علی أنّه فی الفقیه أیضا قائل بمضمونه کما أشرنا ، ومسلّم عند المحقّقین سیّما الشارح أنّ ما ذکره فی الفقیه فتواه بظاهره ومضمونه ، وهذا یؤیّد أیضا ما ذکرناه من أنّ قدمائنا بل من روی الروایات الدالة علی أنّ إمام الجمعة غیر إمام الجماعة ، وأنّ أحدهم الإمام ، واستحباب الجمعة ، وغیر ذلک من الروایات الدالة علی المذهب المشهور

ص: 196


1- الهدایة : 34.

حاله حال راوی هذه الروایة.

قوله : إنّ هذه الروایة خصّت السبعة. ( 4 : 22 ).

لا دلالة فی هذا القول علی ما ذکره من إطباق المسلمین کافّة علی ترک العمل.

قوله : وهی کالنصّ. ( 4 : 22 ).

قد عرفت أنّه لیس کذلک ، بل الظاهر منها خلاف ذلک ، فهی بالدلالة علی الخلاف أشبه ، بل دلیل علی الخلاف ، کما مرّ التقریب.

قوله : لأنّه یعدّ من قبیل الألغاز المنافی للحکمة. ( 4 : 22 ).

لا یخفی أنّه إذا کان معهودا أنّ الخطیب من هو؟ لم یکن فیه إلغاز ، کما هو الشأن فی أمثال زماننا فی البلاد التی معهود فیها أنّ الخطیب من هو ، وکون إمام الجماعة العادل العارف بمسائل الصلاة والجماعة الذی هو من العرب غیر قادر علی أقلّ الواجب من الخطبة فی غایة الغرابة.

مع أنّه کان اللازم أن یقول : لا بدّ من تحصیل الخطبة والسعی فی أدائها بأیّ نحو یکون ، لا أنّه إذا لم یکن من یخطب یصلّی أربعا ، من غیر تنبیه علی أنّه یفعل کذلک حینئذ ، بل یناسبه تنبیه آخر ، وهو أنّه یجب التحصیل والسعی لما بعد ذلک ، فتأمّل.

قوله : إذ من المعلوم أنّ المراد من الإمام فیها إمام الجماعة. ( 4 : 123 ).

لا یخفی أنّ بعض الأخبار ظاهر فی أنّ المراد غیر إمام الجماعة ، حیث صرّح فیه بأنّه یصلی أربعا وإن کان یصلّی جماعة (1). وفی الفقیه

ص: 197


1- الوسائل 7 : 310 أبواب صلاة الجمعة ب 5 ح 3.

قال أبو جعفر علیه السلام : « انّما وضع الرکعتان اللتان أضافهما النبی صلی الله علیه و آله لمکان الخطبتین مع الإمام ، فمن صلّی یوم الجمعة من غیر جماعة فلیصلّها أربعا کصلاة الظهر فی سائر الأیّام » (1).

وأمّا جواز فعلها للنائب فغیر مضرّ ، لأنّ فعل النائب فعل المنوب عنه ، فإنّ الحاکم کثیرا من الأحکام التی هی منصبه یوکّل وینیب ولا یباشر بنفسه.

مع أنّه للعلاّمة أن یقول : خرج ما خرج بالدلیل وبقی الباقی ، وأنتم فی جمیع الأخبار والآیة لا محیص لکم عن ضمّ هذه المقدّمة ، لدلالتها علی الوجوب علی غیر من اجتمع فیه الشرائط المسلّمة أیضا ، فتدبّر.

قوله : قطعا. ( 4 : 23 ).

دعوی العلم أوّلا والقطع ثانیا مقطوع بفسادهما ، لأنّ المتبادر من لفظ الإمام علی الإطلاق إمام الأصل ، وأمّا مع القرینة فعلی حسب ما اقتضاه القرینة ، وأمّا مع الإضافة فإمام المضاف إلیه ، فإن کان المضاف إلیه الجماعة فإمام الجماعة ، وإن کان الجمعة فإمام الجمعة ، وحال القرینة الدالة علی المضاف حال نفس المضاف إلیه.

مع أنّه یظهر من غیر واحد من الأخبار أنّ إمام الجماعة غیر إمام الجمعة ، مثل روایة سماعة حیث قال : « أمّا مع الإمام فرکعتان ، وأمّا من صلّی وحده فأربع وإن صلّوا جماعة » ، وروایة الباقر علیه السلام : « فمن صلّی بقوم یوم الجمعة فلیصلّها أربعا » بعد قوله : « إنّما وضع. » وروایة ابن

ص: 198


1- الفقیه 1 : 267 / 1219 ، الوسائل 7 : 312 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 1 ، بتفاوت یسیر.

مسلم الصحیحة : « یصلّون الجمعة جماعة أربعا إذا لم یکن من یخطب » (1) وروایة الأشعثیات : الجمعة والحکومة لإمام المسلمین (2) ، ودعاء الصحیفة السجادیة (3) والأخبار الکثیرة الظاهرة فی استحباب صلاة الجمعة ، وغیر ذلک ، ومرّ الإشارة إلی کثیر منها فی بحث وجوب صلاة الجمعة.

هذا مع أنّ فهم الفقهاء له مدخلیة عظیمة فی فهم الأخبار ، لأنّهم الشهود المطّلعون الخبیرون ، وفی کثیر من المقامات یکون البناء علی فهمهم ، مثل الإقعاء وکیفیة الإقامة وغیر ذلک ممّا لا یحصی کثرة ، ولا یخفی علی المطّلع ، فتأمّل جدّا.

قوله (4) : واعتبار حضوره. ( 4 : 23 ).

قد عرفت أنّهم یقولون : إنّه منصب الإمام ومخصوص به وحقّه ، أعمّ من أن یفعل بنفسه ویباشر به أو ینوب آخر منابه ویقیمه مقامه کسائر الأمور التی هی منصبه ، بل ربما لا یمکنه مباشرة الجمیع ، لغایة الکثرة ونهایة الوفور إلاّ أنّ الاختیار إلیه فی اختیاره ما یباشره ووکول غیره إلی نائبه ، وفعل النائب فعل المنوب عنه ، مع أنّه ثبت من الإجماع وغیره جواز النائب خاصّة ، فلا تضرّ هذه الأخبار ، کما هو الحال فی الأخبار التی استدل بها الشارح علی وجوب الجمعة.

ص: 199


1- التهذیب 3 : 238 / 633 ، الاستبصار 1 : 419 / 1613 ، الوسائل 7 : 306 أبواب صلاة الجمعة ب 3 ح 1.
2- الأشعثیات : 42 - 43 ، المستدرک 6 : 13 أبواب صلاة الجمعة ب 5 ح 2 ، بتفاوت.
3- الصحیفة السجادیة : الدعاء : 48.
4- هذه التعلیقة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».

قوله (1) : وجب الاجتماع فی الظهر یوم الجمعة. ( 4 : 23 ).

الوجوب عند المفید ومن ماثله أعمّ من العینی والتخییری.

قوله : وظاهره عدم الفرق فی ذلک بین الأزمان. ( 4 : 24 ).

( فیه : أنّه لم یتعرّض لاشتراط العدالة أیضا ، مع أنّه تعرّض لذکر جمیع ما هو شرط فی إمام الجمعة أو أکثره ، بل تعرّض لذکر السلامة من المعرّة ، فما هو الجواب له هو الجواب للفقهاء.

مع أنّ تلامذته رؤساء الفقهاء صرّحوا بإجماع فقهاء الشیعة علی اشتراط الإذن والنصب ، والمفید عندهم أفقه الفقهاء ورئیسهم ومؤسّس مذهب الشیعة ، وإنّه فی الواقع أیضا کان کذلک ، مع أنّ تصانیفه غیر منحصرة فی ما ذکر فی الإشراف فی خصوص هذا الموضع. مع أنّ الظاهر من کتابه الإرشاد موافقة باقی الفقهاء (2) ، فلاحظ ، بل فی المقنعة أیضا إشارة إلیه وإلی أنّ إذنهم حصل بما ورد فی الأخبار (3) علی حسب ما نذکر فی حاشیتنا علی کلام الشهید. مع أنّ باقی کلامه فی الإشراف لم یظهر لنا ، إذ ربما یظهر الموافقة من موضع آخر ) (4).

ص: 200


1- هذه التعلیقة لیست فی « أ » و « و ».
2- الإرشاد 2 : 342.
3- المقنعة : 163 ، 811.
4- بدل ما بین القوسین فی « ب » و « ج » و « د » : لم یتعرّض لاشتراط العدالة أیضا سیّما مع تعرّضه للسلامة من المعرفة بالحدود ، وخصوصا مع ذکره لجمیع ما هو شرط فی إمامة سائر الصلوات ، مع أنّ تلامذته مثل الشیخ والسید وغیرهما صرّحا بأنّ نصب الإمام من شرائط الجمعة بإجماع فقهاء الشیعة ، مع أنّ المفید عندهم من أعظم فقهاء الشیعة بل مؤسّس مذهبهم ، مع أنّ تصانیفه فی ذلک غیر منحصر فیما ذکر فی الإشراف فی خصوص هذا الموضع ، مع أنّ الظاهر من کتابه الإرشاد موافقته للقوم ، ومن مقنعته الإشارة إلیه وإلی أنّهم أذنوا ورخّصوا بما ذکروا فی أخبارهم علی حسب ما سنذکر فی حاشیتنا علی کلام الشهید ، مع أنّه ربما کان فی کتابه الإشراف أیضا ما یظهر منه الحال فی غیر ما ذکره الشارح رحمه الله .

علی أنّا نقول : العادل أخبرنا بالإجماع ، فلا بدّ من تصدیقه والتمسّک بقوله ، لما دل علی حجّیّة خبر الواحد ، إلاّ أنّ یثبت الخلاف ، ولم یثبت ممّا ذکر ، لما عرفت. مضافا إلی أنّ خروج معلوم النسب غیر مضرّ عند الشیعة.

فإذا کان نقل الإجماع من واحد من العدول یکون هذا حاله فما ظنّک باتفاق المتقدّمین والمتأخّرین من الفقهاء فی نقلهم الإجماع إلی أن بلغوا حدّ التواتر؟ فإنّا إذا عددنا قول مثل الشهید الثانی (1) ومن ضاهاه فی نقل الإجماع فلا شک فی بلوغهم عدد التواتر.

علی أنّا نقول : لا یثبت ممّا ذکره من الإشراف الخلاف ، إذ لو ثبت منه الخلاف لزم أن یکون العدالة أیضا خلافیا بین الشیعة ، واللازم باطل مسلّم عند هؤلاء ، فکذا الملزوم ، والملازمة ظاهرة ، وأیّ عاقل یمکنه أن یقول : یثبت الخلاف فی اشتراط الإمام أو نائبه من تلک العبارة ولا یثبت الخلاف باعتبار العدالة؟ فإنّه تحکّم بیّن ، بل والأمر فی العدالة أشدّ بمراتب کثیرة ، لأنّ ناقل الإجماع فی العدالة جماعة قلیلة ، وناقل الإجماع فی اشتراط الإمام ونائبه جماعة کثیرة ، بل متواترة. مع أنّ جمعا کثیرا منهم تلامذة المفید ، کما قلنا.

مع أنّ المفید رحمه الله فی الکتاب المذکور فی صلاة العیدین أظهر اشتراط الإمام أو نائبه (2) ، ولذا لم ینبّه الشارح ولا غیره إلی القول بعدم

ص: 201


1- الروضة 1 : 301.
2- المقنعة : 194.

اشتراط الإمام أو نائبه فی صلاة العیدین ، مع أنّهم یذکرون فی صلاة العیدین أنّها متساویة لصلاة الجمعة فی الشرائط ، واعترف الشارح رحمه الله بذلک (1) ، کما ستعرف ، وادعوا علی ذلک إجماعات متعدّدة ، کما سیجی ء الإشارة إلی ذلک فی الجملة فی مبحثها ، وهذا ینادی بأنّ المفید رحمه الله فی هذا الکتاب أیضا موافق للقوم ، مضافا إلی ما عرفت.

مع أنّ الفقهاء متفقون علی أنّ القضاء منصب الإمام علیه السلام ، والفقیه منصوب من قبله ، لمقبولة ابن حنظلة (2) وروایة أبی خدیجة (3) ، ومع ذلک لا یذکرون فی کتبهم الفقهیة فی مبحث القضاء هذا المعنی ، بل یقتصرون علی صفات الفقیه ، وهذا لا یقتضی أنّ الفقهاء رحمه الله لا یقولون بأنّ القضاء منصب الإمام وأنّ الفقیه منصوب منه ، وممّا ذکرنا ظهر حال ما ذکره عن أبی الصلاح والقاضی أبی الفتح.

قوله (4) : وهی صریحة فی الاکتفاء - عند تعذّر الأمرین - بصلاة العدد المعیّن. ( 4 : 23 ).

أسقط الشارح من کلامه أنّ شرط الجمعة الأذان والإقامة أیضا ، فإنّه رحمه الله قال - بعد قوله : عند تعذّر الأمرین : وأذان وإقامة ، فلاحظ المختلف (5) ، فعلی هذا کیف یبقی لکلامه اعتداد؟ فلا بدّ للشارح إمّا أن یقول باشتراط الأذان والإقامة أیضا ، أو یرفع الید عن کلامه ، ولا معنی لما

ص: 202


1- المدارک 4 : 93.
2- الکافی 1 : 67 / 10 ، الاحتجاج : 355 - 356 ، الوسائل 27 : 136 أبواب صفات القاضی ب 11 ح 1.
3- التهذیب 6 : 303 / 846 ، الوسائل 27 : 139 أبواب صفات القاضی ب 11 ح 6.
4- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
5- مختلف الشیعة 2 : 251 ، الکافی فی الفقه : 151.

فعله.

مع أنّ العلاّمة وغیره بنوا علی أنّ مراده الوجوب التخییری (1) ، أی الأعمّ من العینی والتخییری ، ولا شکّ فی ذلک ، فإنّ الانعقاد لا یدل علی العینیة مطلقا ، لا مطابقة ولا تضمّنا ولا التزاما بالبدیهة ، وما نقله بعد ذلک منه فلا بدّ من ملاحظة کتابه ، فإنّه رحمه الله کثیرا نقل عن کتاب فلاحظنا الکتاب فوجدناه فی غایة الظهور فی خلاف ما فهمه ، کما أشرنا.

قوله : وأنّ دعوی الإجماع فیها غیر جیّدة ، کما اتفق لهم فی کثیر من المسائل. ( 4 : 24 ).

هذا أیضا من الغفلات الصادرة منه وممّن تبعه ووافقه ، فإنّ الإجماع عندنا لیس إجماع الکلّ حتی یلزم من خروج بعض عدم تحقّقه ، بل عند العامّة أیضا لا یضرّ خروج بعض ، لأنّ الإجماع عندهم اتفاق أهل عصر.

مع أنّ فی خروج من ذکره والتمسّک بظواهر ما ذکره کلام یطول ذکره ، ومن أراد التحقیق فعلیه بمطالعة رسالة المحققین فی نفی الوجوب العینی ، مثل رسالة المحقّق جمال الملّة والدین رحمه الله وغیرها.

مع أنّه ما لم یلاحظ ( مجموع کلام أبی الصلاح وغیره لم یفهم مرادهم ، ووجدنا الشارح رحمه الله کثیرا » (2) ینقل عن المختلف والمنتهی کلاما من العلاّمة ، ووجدنا فی الکتابین أنّه لیس کذلک ، بل ربما یدل کلامه علی خلاف ما ذکره وادّعاه ، بل ضدّه ، ( هذا مضافا إلی ما عرفت فی

ص: 203


1- انظر المختلف 2 : 251 - 253 ، والمهذّب البارع 1 : 413 ، والتنقیح 1 : 231 ، وروض الجنان : 291.
2- بدل ما بین القوسین فی « ب » و « ج » و « د » : مجموع الکلام لم یفهم حق المرام ، فإنّا وجدنا أنّه رحمه الله ربما.

الحاشیة السابقة ) (1).

قوله : إنّ من ادعی الإجماع علی اشتراط الإمام أو نائبه. ( 4 : 25 ).

لیس کذلک ، بل القائل بالوجوب التخییری یدّعی کذلک ، وأمّا القائل بالحرمة فهو یقول بالحرمة من حیث إنّ الإذن شرط مطلقا ، وما کانت تفعل إلاّ بالإمام أو نائبه الخاصّ.

نعم یمکن أن یقال : إنّ القدر الذی ثبت الإجماع فیه هو فی الوجوب العینی أو بسط ید الإمام ، ولذا ورد الأخبار بجواز فعلها إذا اجتمع العدد ولم یکن الإمام ولا المنصوب ، وعمل بها جمع من الأصحاب ، بل الکلّ إلاّ القلیل ، فتأمّل جدّا.

والخبر الذی یدل دلالة ظاهرة علی الوجوب التخییری ما رواه الشیخ فی مصباحه والصدوق فی أمالیه فی الصحیح ، عن ابن أبی عمیر ، عن هشام ، عن الصادق علیه السلام أنّه قال : « إنّی أحبّ للرجل أن لا یخرج من الدنیا حتی یتمتّع ولو مرّة ، وأن یصلّی الجمعة جماعة » (2) وفی الأمالی بعد هذا ذکر عبارة : « ولو مرّة » أیضا (3).

ویظهر من الشیخ رحمه الله فی المصباح أنّ هذا الخبر دلیل علی الوجوب التخییری.

ومرّ روایة زرارة وحثّ الصادق علیه السلام إیّاه وأصحابه ، وروایة عبد الملک (4) ، والقرائن الدالة علی إرادة الاستحباب ، إلی غیر ذلک ممّا مرّ

ص: 204


1- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
2- مصباح المتهجد : 324 ، الوسائل 21 : 14 أبواب المتعة ب 2 ح 7.
3- لم نعثر علیه.
4- المدارک 4 : 7 ، وراجع ص 140 و 143.

فی المباحث السابقة وسیجی ء أیضا. ( وما رواه الشیخ فی کالصحیح إلی حفص الذی ادعی فی العدّة إجماع الشیعة علی العمل بروایة أمثاله (1) ، عن الصادق علیه السلام عن أبیه ، قال : « لیس علی أهل القری جمعة ولا خروج فی العیدین » (2) (3).

قوله : ویبقی عموم القرآن خالیا عن المعارض. ( 4 : 26 ).

هذا منه بناء علی أنّ الأمر حقیقة فی مطلق الوجوب أعمّ من العینی والتخییری وغیر ذلک ، ولا یخلو من تأمّل ، فإنّ ظاهر القرآن الوجوب العینی لا الجواز الذی ادعیت.

مع أنّ معنی الاشتراط أنّه إذا لم یتحقّق الشرط لم یتحقّق المشروط ، فکیف مع عدم الشرط یسقط اعتباره ویبقی عموم وجوب المشروط بحاله؟ مع أنّ ما دل علی اشتراط الإذن أیضا مطلق وعامّ ، کما عرفت.

فالأولی ما ذکره أوّلا ، موافقا لما ذکره الشیخ رحمه الله وغیره. (4).

وتوجیهه : أنّ الأمر الذی یکون منصب الإمام علیه السلام لا یلزم أن یباشره بنفسه المقدّسة ، بل له أن یباشره بنفسه وبنائبه الخاصّ ، فإنّ فعل النائب فعل المنوب عنه ، والنائب یجوز أن یکون خاصّا وأن یکون عامّا ، فإنّ الحکومة علی الناس مع کونها من أشدّ خصائصه وأخصّ مناصبه کان مباشرته إیّاها بنوّابه إلاّ ما شذّ ، فإنّ جمیع أقطار العالم بید نوّابه إلاّ بلد

ص: 205


1- عدّة الأصول 1 : 380.
2- التهذیب 3 : 248 / 679 ، الاستبصار 1 : 420 / 1618 ، الوسائل 7 : 307 أبواب صلاة الجمعة ب 3 ح 4.
3- ما بین القوسین لیس فی « أ ».
4- من هنا إلی نهایة هذه الحاشیة یوجد فیه اختلاف کثیر بین النسخ ، وما أثبتناه من « أ » و « و ».

نفسه ، مع أنّه أیضا فی کثیر من الأوقات بید نوّابه ، مثل أوقات کونه مریضا أو مسافرا أو غیر ذلک ، مع أنّ مناصبه خارجة عن حدّ الإحصاء ولا یمکنه مباشرة الجمیع بالبدیهة ، بل جلّها بالنوّاب الخاصّة ، ولا یباشرها بنفسه أصلا ، ولو لم یکن جلّها کذلک فلا شک فی أنّ کثیرا منها کذلک ، وصرّح الفقهاء بذلک ، ومع ذلک فی حال بسط یدهم یباشرون با ( لنوّاب الخاصّة ، وحال عدم البسط ربما کانوا یباشرون بالنائب ) (1) العامّ ، کما اتفق منهم علیه السلام فی القضاء وحاکم الشرع فی مقبولة عمر بن حنظلة وروایة أبی خدیجة ، وکذا فی إمام العیدین وإمام الجمعة ، لکن فی القاضی والحاکم قال : جعلته قاضیا وحاکما ، وفی إمامة تلک الصلوات لم یقل ذلک ، بل أذن ورغّب ، فهو بمنزلة أن یقول : جعلته منصوبا ، ففعل الإمام تلک الصلوات من جهة النصب لا علی سبیل الغصب ، لکون المنصب منصبه مطلقا ، کما عرفت ، فلیس فعله مثل صلاة الظهر الواجبة علیه أو الواجب التخییری من حیث وجوب نفس الصلاة ، بل من کونه منصوبا بالأدلة التی عرفت وستعرف ، لکن نصبه بعنوان العموم لیس للصلاة علی سبیل الوجوب العینی ، بل علی سبیل الاستحباب والوجوب التخییری ، لأنّ ذلک هو مقتضی تلک الأدلة ، کما هو الحال فی صلاة العیدین أیضا ، وسیجی ء فی مبحثه.

وأمّا أدلة الجمعة فقد عرفت الأخبار الدالة علی الاستحباب بمتون عباراتها والقرائن الدالة علیه علی وجه لا یقبل التوجیه ، مع نقل الإجماع علی الاستحباب والوجوب التخییری صریحا ، والإجماع المنقول حجّة کما عرفت

ص: 206


1- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

مضافا إلی أفهام الفقهاء الماهرین الخبیرین المعاصرین للمعصوم علیه السلام ، أو قریبی العهد إلیه ، وکون ذلک الطریقة المستمرّة بین الشیعة فی الأعصار السابقة مع بسط یدهم فی کثیر من الأوقات بحیث ارتکبوا ما ینافی التقیّة أشدّ من صلاة الجمعة.

مع الصحاح الصریحة فی أنّ مع عدم إمام الجمعة یصلّی أربعا جماعة ، وما ورد من الأمر الوارد مورد الحظر أو توهمه ، فیفید الإذن والرخصة ، کما حقّق فی محلّه ، ویمکن الحمل علی الوجوب علی من لم یرد فیه الإذن ، أو لم یصل إلیه ، أو کان قبل صدور الإذن العامّ منهم علیه السلام .

مع أنّا لم نجد ما یدل علی عینیة الوجوب حینئذ ، لأنّ ما استدل به علیها قد عرفت حاله ، خصوصا أنّه لم یذکر فیه الشروط أصلا ، وربما ذکر فی بعضها بعض الشروط ، فالمقام لم یکن مقام ذکر کلّ الشروط بالبدیهة ، ( ففی مثل هذا لا یکون عدم الذکر دلیلا علی العدم بلا شبهة ، فلم یتحقّق تعارض بالبدیهة ) (1) فلا وجه لحمل ما دل علی الاستحباب علی الوجوب بوجه من الوجوه ، مع أنّ غالب الواجبات التخییریة ورد بلفظ الوجوب مطلقا وظهر التخییر فیه من القرینة ، ولیست بأقوی ممّا فی المقام ، فتدبّر.

قوله : حکم شرعی. ( 4 : 26 ).

فیه : أنّ الحکم بالصحة یتوقّف علی الدلیل ، فإن ثبت ، وإلاّ یبقی تحت عهدة التکلیف ، وهو معنی البطلان.

إلاّ أن یکون مراده أنّه دخل فی الصلاة دخولا مشروعا وکانت الصلاة حینئذ صحیحة ، فالصحة مستصحبة حتی یظهر خلافها.

حکم ما لو مات الإمام فی أثناء الصلاة

ص: 207


1- ما بین القوسین لیس فی « أ ».

وفیه : أنّ ذلک مبنی علی القول بحجّیة الاستصحاب ، وهو لا یقول بها.

ومع ذلک یمکن إثبات البطلان بأنّ مقتضی الأدلة أنّه لا بدّ فی الجمعة من إمام یأتمّون به ، وصلاة الجمعة اسم لمجموع الأفعال والأبعاض ، ومقتضی ذلک أن یکون للمجموع إمام ، والمتبادر منه هو الإمام الذی یأتمّون به أوّلا ، فتأمّل ، إذ یمکن منع التبادر وکیف کان إذا کان إجماع یکفی.

وممّا ذکر ظهر وجه تقدیم الجماعة من یتمّ بهم بل وجوبه ، کما ذکر العلاّمة فی المنتهی.

وظهر أیضا ضعف الوجه الثانی الذی ذکره فی التذکرة ، وأمّا الوجه الأوّل فإنّه یصحّ بالنظر إلی الوجوب العینی لا جواز الفعل ، فتأمّل جدّا.

وظهر أیضا ضعف ما ذکره من قوله : ولو لم یتفّق. إلاّ أن یکون إجماع علی ما ذکره ولم یثبت ، فالأولی الإتیان بصلاة الظهر أیضا تحصیلا للبراءة.

قوله : وهی کالصریحة فی عدم اعتبار حضور الإمام أو نائبه. ( 4 : 29 ).

قد مرّ الکلام فی المقام فی صدر مبحث الجمعة ، ویظهر منه التدافع فی کلام الشارح ، فتأمّل.

قوله : وأصالة عدم اشتراط الموالاة. ( 4 : 29 ).

وعلّة الوجه الآخر أنّ المنقول إلینا خلاف ذلک ، والمتبادر من الخطبة أیضا الموالاة ، وعدم جریان الأصل فی العبادات.

العدد

ص: 208

قوله : ولأنّ اشتراط استدامة العدد منفی بالأصل. ( 4 : 29 ).

الظاهر من الأخبار اشتراطها وعدم اختصاص العدد بابتداء الصلاة ، بل هو فی الصلاة التی هی اسم للمجموع ، فإن کان إجماع ، وإلاّ أشکل الحکم کما مرّ.

قوله : قبل انفضاض العدد یقطع الصلاة. ( 4 : 30 ).

للروایة ظهور فی عدم الإضافة ، فلا یبقی إلاّ البطلان ، فتأمّل.

قوله : وهو متّجه. ( 4 : 30 ).

لا اتجاه ، کما عرفت.

قوله : لعدم تحقّق الخطبة بدونه عرفا. ( 4 : 32 ).

فیه تأمّل ظاهر إن أراد العرف العامّ ، وإن أراد المتشرّعة فیتوقّف علی ثبوت الحقیقة الشرعیة ، وأنّه عند جمیع المتشرّعة لا یتحقّق بدونه ، وکیف کان فالتمسّک بالإجماع لعله أولی ، فتأمّل.

قوله : وهو حسن. ( 4 : 35 ).

هنا یقول : حسن ، وفی نظائره یمنع الوجوب من جهة التأسّی ، ومن هذا القبیل نصب النبی صلی الله علیه و آله وعلی والحسن علیهاالسلام إمام الجمعة ، وعند حضور هم وفی بلدهم کانوا یفعلون بأنفسهم ، ومرّ من الشارح رحمه الله أنّه لا یدل علی الشرطیة ، إذ العامّ لا یدل علی الخاصّ ، والتأسی إن کان واجبا فواجب مطلقا ، وإلاّ فلا کذلک.

قوله : أوجب السعی بعد النداء. ( 4 : 36 ).

لو تمّ هذا الدلیل لاقتضی عدم وجوب الجمعة إلاّ بعد النداء ، وهو

الخطبتان
اشتراط کون الخطبة العربیّة
حکم إیقاع الخطبتین قبل الزوال

ص: 209

لا یقول به ، کما مرّ الکلام فیه (1) ، ومع ذلک لا دخل له فی المقام ، کما لا یخفی.

ویمکن المناقشة فی حسنة ابن مسلم أیضا ، لتضمّنها المستحبات ، مع ذکر الجملة الخبریة ، مع أنّها حسنة ولم تثبت العدالة ، إلاّ أن یقول بالانجبار بالشهرة ، وهو لا یقول به.

وأمّا حکایة البدلیة وحکمها فیظهر من الشارح رحمه الله عدم اعتقاده به (2) ، کما سیجی ء (3) ، ومرّ أیضا فی بحث التیمّم وغیره (4).

وکذا حکایة استحباب الرکعتین لا دلالة بل ولا تأیید لها ، کما هو ظاهر ، فإنّ جواز فعل الظهر أوّل الوقت إجماعی متواتر من المعصومین علیه السلام ، وهذا لا یمنع استحباب نافلة الزوال.

مع أنّ الرکعتین وقتهما قیام الشمس إن کان عند الزوال ، کما فی بعض الأخبار (5) ، وأمّا فی أکثر الأخبار فبعد زوال الشمس (6) ، ولا مانع من حیلولتهما بین الخطبة والصلاة ، فتأمّل.

فالأولی له الاستدلال بکون العبادات توقیفیة ، وشغل الذمة الیقینی یستدعی البراءة الیقینیة أو العرفیة ، ولا یثبت ممّا ذکره (7) الشیخ رحمه الله یقین

ص: 210


1- راجع ص 139.
2- فی « ب » و « و » : حرمته ، وفی « ج » و « د » : حرمة.
3- انظر المدارک 4 : 39 ، 41.
4- انظر المدارک 2 : 228 ، و 3 : 381.
5- التهذیب 3 : 11 / 37 ، الاستبصار 1 : 410 / 1567 ، الوسائل 7 : 324 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 9.
6- الوسائل 7 : 323 أبواب صلاة الجمعة ب 11.
7- فی « أ » و « و » زیادة : وما سیذکر.

ولا ظنّ شرعی ، لأنّ نقل الإجماع فی موضع الخلاف الذی لیس بنادر محلّ الریبة فضلا عن أن یکون المعظم علی خلافه.

وأمّا الخبر ، ففیه ما ذکره الشارح وما سنذکر.

والحسنة أیضا حجّة ، لانجبارها سندا ومتنا ، مع عدم الضرر من جهة الجملة الخبریة ولا تضمّن المستحبات ، لظهور الأولی فی الوجوب ، وکون مداومة النبی صلی الله علیه و آله فی مخالف المستحب واختیاره ما هو مرجوح بعیدا جدّا ، مع أنّه مرّ أنّه إذا ثبت خروج بعض الخبر عن الظاهر لا یستلزم ذلک خروج الکلّ ، فلاحظ. وکذا حکایة البدلیة تؤیّد بل تدل ، کما حقّق فی محلّه.

قوله (1) : فلو وقعت الخطبة قبل الزوال. ( 4 : 36 ).

لا یخفی أنّ الخصم یقول بجواز التقدیم لا تحتّمه.

قوله : وکیف کان فهذه الروایة. ( 4 : 37 ).

فیه إشارة إلی أنّ ما ذکره رحمه الله من الاحتمال أیضا لا یخلو عن مرجوحیة ، إلاّ أنّه کیف کان لا یکون فی الروایة ظهور یصلح لمقاومة الآیة والأخبار المعتبرة والأصول.

علی أنّ الظاهر منها مداومة النبی صلی الله علیه و آله بذلک ، فیدل علی رجحان تامّ لو لم نقل بدلالتها علی الوجوب ، لکونه فعله فی مقام امتثال الأمر المطلق ، سیّما مع مداومته ، فتعارضها الآیة والمعتبرة قطعا ، أمّا المعتبرة ففی غایة الوضوح ، وقد أشرنا فی الجملة ، وأمّا الآیة فلأنّ کون الشرط واردا مورد الغالب والمتعارف یقتضی کون صلاة الرسول صلی الله علیه و آله بعد النداء کذلک ، کما

ص: 211


1- هذه التعلیقة لیست فی « أ ».

هو ظاهر.

وتعضد الآیة والمعتبرة أخبار أخر (1) والأصول ، وأنّ الظاهر أنّه لم یقل بالرجحان قبل الزوال أحد ، وإن بنی علی المرجوحیة ، ففیه ما عرفت أنّه لا معنی للقول باختیار الرسول صلی الله علیه و آله المرجوح دائما ، فتدبّر.

( لکن لا یخفی أنّ للروایة المذکورة قرائن کثیرة علی إرادة ما ذکره الشارح ، منها : ما ذکره من دلالة هذه الروایة علی کون صلاته حین ما یزاد الفی ء قدر شراک ، وأنّ جبرئیل قال له : انزل لأجل الصلاة ، فیکون هذا القول أیضا منه ذلک الحین ، ومعلوم أنّ هذا القول منه بعد الزوال المذکور بلا فصل ، کما تنادی به العبارة ، فتعیّن أن یکون المراد الزوال الذی ذکره الشارح ، ولا محیص عنه ، ولا یمکن حمله [ علی ] الزوال عن دائرة نصف النهار جزما.

مضافا إلی قرائن أخر ، منها : قوله علیه السلام : « هی صلاة حتی ینزل الإمام » لأنّ الصلاة معلوم أنّها تفعل بعد دخول الوقت.

ومنها : ذکر هذا القول فی هذا المقام.

ومنها : قوله : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یصلّی » المفید للاستمرار وأنّ ذلک کان عادته ، ولو کان کذلک لاشتهر فی العالمین اشتهار الشمس ، سیّما والجمعة ممّا تعمّ به البلوی تفعل حینئذ کلّ جمعة بمشهد عظیم من الناس علی رؤوس الأشهاد ، مع أنّ الأخبار وفتاوی الأخیار وطریقة المسلمین فی الأعصار والأمصار علی خلاف ذلک ) (2).

قوله : هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب. ( 4 : 37 ).

ص: 212


1- انظر الوسائل 7 : 315 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8.
2- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

لکن الصدوق قال : کانت مؤخّرة عن الصلاة فقدّمها فلان (1) ، والظاهر أنّه توهّم منه ، ولذا ادعی العلاّمة والشارح عدم الخلاف ، فتأمّل.

قوله : فالظاهر جواز الجلوس. ( 4 : 38 ).

هذا مشکل ، لما سیجی ء فی بحث الجماعة من عدم جواز إمامة القاعد للقائم (2).

قوله : أنّه قیاس محض. ( 4 : 39 ).

نظر العلاّمة إلی قاعدة البدلیة ، کما أنّ الشارح [ اعتمد علیها ] (3) فی جواز الجلوس وغیره (4).

قوله : بل منع استلزام هذا القول للاحتیاط. ( 4 : 41 ).

لا یخفی أنّ شغل الذمّة بالعبادة یقینی ، وهی توقیفیة لا نعلم کونها العبادة المطلوبة إذا لم تکن طهارة ، ویعلم إذا کانت ، فیجب تحصیلا للبراءة الیقینیة أو العرفیة أو الشرعیة ، والکلّ واحد بحسب التحقیق ، والبراءة الاحتمالیة لا تکفی جزما ، وجریان الأصل فی العبادات محلّ نظر ، لأنّ أصل البراءة لا یعارض الدلیل وهو استصحاب شغل الذمة الیقینی بالتکلیف بأمر مجمل ، بل وأشدّ من المجمل ، ویتأتّی الامتثال بارتکاب الطهارة. وأمّا أصل العدم فیعارضه أصل عدم حصول البراءة وبقاء شغل الذمة ، وأصالة عدم کون الخالی عن الطهارة عبادة شرعیة وصحیحة ، وغیر ذلک ، وبالجملة : حصول الیقین بالامتثال غیر ظاهر.

وجوب تقدیم الخطبتین علی الصلاة
وجوب کون الخطیب قائماً
هل یجب اتحاد الخطیب والإمام
اشتراط الطهارة فی الخطبتین

ص: 213


1- الفقیه 1 : 278.
2- المدارک 4 : 348 و 349.
3- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.
4- انظر المدارک 4 : 36 ، 38.

قوله : والتأسی إنّما یجب فی ما علم وجوبه. ( 4 : 41 ).

لا یخفی أنّه فعل فی مقام بیان الواجب ، کما مرّ فی وجوب الخطبة قائما ومطمئنا وغیر ذلک ، مع أنّه صلی الله علیه و آله قال : « صلّوا کما رأیتمونی أصلّی » (1) وهذا یشمل الکلّ إلاّ ما ثبت استحبابه ، فتأمّل.

قوله : لا یستلزم أن یکون من جمیع الوجوه. ( 4 : 41 ).

لا یخفی أنّ الظاهر کونها من جمیع الوجوه ، لأنّ عند تعذّر الحقیقة یتعیّن أقرب المجازات ، إلاّ أن یکون وجه الشبه أمرا شائعا ظاهرا ینصرف إلیه الذهن ، کما حقّقناه فی موضعه.

قوله (2) : وإن کان العدد حاصلا. ( 4 : 42 ).

لا یخفی أنّه کما یکون العدد شرطا کذلک الجماعة أیضا ، وربما کان کذلک وجود الإمام أیضا.

قوله : لصدق الامتثال. ( 4 : 43 ).

دعوی الصدق بعد اطّلاعهم بحقیقة الحال فیه ما فیه ، لأنّهم اطّلعوا علی أنّ الذی فعلوه ما کان المأمور به علی وجهه.

وأمّا إطلاق قوله علیه السلام فیخدشه ما هو من المسلّمات عنده وعند غیره أنّه ینصرف إلی الأفراد الشائعة المتبادرة ، وانصراف الذهن إلی الجمعة أیضا فی زمانه علیه السلام مع عدم تمکّن الشیعة منها غالبا لو لم نقل کلّیا فیه ما فیه ، سیّما إلی صورة یکون الإمام من جملة العدد.

قوله : ولمانع أن یمنع تعلّق النهی بالسابقة مع العلم بالسبق ... ( 4 : 46 ).

الجماعة
حکم ما لو أقیمت جمعتان

ص: 214


1- عوالی اللآلئ 1 : 197 / 8 ، سنن الدار قطنی 1 : 346 / 10 ، سنن البیهقی 2 : 124.
2- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».

هذا من الفروض العقلیة ، وإلاّ فبحسب العادة کیف یتیسّر العلم؟ نعم ربما یحصل الظن ، وفی کونه حجّة إشکال ، لعدم دلیل علی الحجّیة ، والأصل والعمومات تقتضی عدمها ، ویظهر من کلام الشارح أیضا أنّ الظنّ غیر معتبر ، حیث قال : لعدم جزم کلّ منهما.

علی أنّه معلوم أنّ المعتبر العلم بالسبق حین النیة والتکبیر ، وهذا لا یمکن تحقّقه إلاّ فی صورة صدور جمعة کلّ واحد من الطائفتین بمحضر الأخری ، وحصل للسابقین الیقین بعدم تمامیة جمیع شرائط الجمعة ومقدّماتها للاّحقین ، فحینئذ دخول السابقین فی الصلاة حرام ، لکونه مفوّتا للواجب الذی هو تحصیل الوحدة فی الجمعة فی ما دون ثلاثة أمیال ، لأنّ الجمعة فرض علی السابقین واللاحقین جمیعا ، وکلّهم مخاطبون بتحصیل الوحدة التی هی شرط وهی واجبة کما هم مخاطبون بإتیان الجمعة ، ولیس الخطاب بتحصیل الوحدة مختصّا بطائفة دون طائفة ومکلّف دون مکلّف ، فإذا بادر طائفة بالدخول فیها فربما لم یتیسّر للآخرین الدخول معهم ، فیصیر المبادرة منشأ لترک الفریضة التی هی أشدّ الفرائض ، مع ما عرفت من توجّه الخطاب بتحصیل هؤلاء المبادرین أیضا ، فیجب علیهم عدم المبادرة وتحصیل الوحدة بأن یتفق هؤلاء مع اللاّحقین. ولو فرض أنّ إمام اللاّحقین صار فاسقا بترکه إطاعة الأمر بالوحدة یکون مشترک الورود ، لأنّ إمام السابقین أیضا ترکها.

لا یقال : لعل کلّ واحدة من الطائفتین لا یعتقد بإمام الأخری.

لأنّا نقول : إن کان واحدة منهم یحکم ببطلان صلاة غیرهم یخرج عن فرض المسألة ، لأنّ ما نحن فیه وقوع جمعتین صحیحتین عند الکلّ لولا السبق والمسبوقیة ، ولذا لم تتعیّن صحة صلاة طائفة منهما إلاّ بالسبق ،

ص: 215

فاللاّحق إن اتفق سبق صلاتهم کانت صلاتهم صحیحة ، وإن کان کلّ منهم یحکم بصحة صلاة الآخرین لولا الاقتران أو المسبوقیة یعود المحذور.

نعم لو کان إمام الأصل علیه السلام حاضرا یتعیّن علی الجمیع الحضور عنده ، وهذا أیضا خلاف مفروض المسألة ، کما أنّه یمکن صحة صلاة السابقین إذا أرادوا تحصیل الوحدة والإطاعة فی التکلیف به إلاّ أنّ اللاّحقین یمنعونهم ولا یدعونهم یصلّون ، لأنّ الصحة علی هذا لیست من جهة السبق ، بل لو کانوا هم اللاّحقین لصحت صلاتهم أیضا ، وإن کان مانعهم غیر اللاحقین ، بل اللاحقین أیضا یریدون الامتثال ، فحینئذ یعود الإشکال أیضا ، إذ ربما کان اللاحقون لا یتیسّر لهم الخروج إلی الفرسخ الآخر ، أو تیسّر إلاّ أنّ البناء علی تعیین إخراجهم یحتاج إلی معیّن شرعی ، فتأمّل جدّا.

وبما ذکرنا ظهر أنّ الصورة التی ذکرناها لم یکن مدّ نظر الفقهاء جزما ، إذ عرفت أنّ الصحة لو کانت فیها لم تکن من جهة السبق ، ویکون مرادهم من سبق أحدهما تحقّق السبق بعد الدخول فی الصلاة ، کما یشیر إلیه قول المصنّف بعد ذلک : ولو لم تتحقّق السابقة. فعلی هذا تعیّن ما ذکره فی الروض ، وعلم یقینا أنّ مراد الفقهاء أیضا ، فتأمّل جدّا.

قوله (1) : وعدم ثبوت شرطیة الوحدة علی هذا الوجه. ( 4 : 46 ).

ظاهر الدلیل الشرطیة علی هذا الوجه ، لأنّ الظاهر منه عدم کون الفرسخ واقعا بینهما واقعا ، فلو جزم أحدهما بالعدم ثمّ ظهر خلافه یشکل

ص: 216


1- هذه التعلیقیة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».

الحکم بصحّة صلاتهما فضلا عمّا ذکرت ، وإشکال الحکم بالصحة مقتض للحکم بعدم تحقّق الامتثال ، وهو عین عدم الصحة کما عرفت.

لا یقال : إنّه لو کان الشرط کما ذکرت لزم بطلان صلاة الجمعة الصادرة عن المکلّفین إلاّ فی ما ندر ، لعدم العلم حین الدخول فی الصلاة بعدم جمعة أخری ( فی ما دون الفرسخ منها.

لأنّا نقول : الدلیل یقتضی العلم بعدمها ، إلاّ أنّ العلم الواقعی إن لم یحصل یکفی العلم الشرعی ، وهو عدم نقض الیقین السابق بعدم جمعة اخری ) (1) بالشک اللاحق ، والکفایة إجماعی العلماء ، ولذا لم یستشکلوا أصلا إلاّ فی صورة تحقّق جمعتین ، وعمل المسلمین فی الأعصار والأمصار شاهد واضح ، مع أنّ الضرورة أیضا قاضیة بذلک ، إذ لو لم یکن کذلک لینسدّ باب الجمعة والامتثال بها غالبا ، کما لا یخفی.

قوله (2) : واعلم أنّ المصنف. ( 4 : 47 ).

لا یخفی أنّ ظاهر عبارة المصنف یشمل الخامسة أیضا ، فظاهره موافقته مع التذکرة.

قوله : بل یکفی فی الصحة عدم العلم بسبق اخری. ( 4 : 47 ).

فیه ما عرفت ، مع أنّه لو کان کافیا لزم صحة [ صلاة ] (3) کل من الطائفتین فی صورة عدم علمهم بالسبق ، فلم یحتاجون إلی صلاة أخری؟ والمسألة مفروضة کذلک ، یعنی أنّه إذا فسد صلاتهما کیف یفعلون؟ منهم

ص: 217


1- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
2- هذه التعلیقة وثلاث بعدها لیست فی « أ ».
3- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.

من عیّن الظهر ، ومنهم من عیّن الجمعة ، ومنهم من عیّن الجمع ، والشارح شارک معنی بما ذکره ، وفیه ما لا یخفی (1).

قوله : أنّه یمکن إدراج هذه الصورة. ( 4 : 47 ).

فیه : أنّ ظاهر العبارة ما ذکره الشارح قدس سره لا ما ذکره هو ، مع أنّ عدم تعرّض ذکر الصورة الخامسة بعید مع کونه بصدد ذکر الصور.

قوله : إلاّ أنّا لم نقف فی هذه الصورة. ( 4 : 47 ).

فیه ما فیه ، فإنّه بعینه ما احتمله فی التذکرة ، [ مع ] (2) أنّه لا تأمّل فی عدم لزوم قائل موافق للفقیه فی صحة فتواه.

قوله : نادر جدّا. ( 4 : 52 ).

والأخبار لم ترد علی الفروض النادرة ، بل ربما کان مجرّد فرض عقلی ، فعلی هذا لا تعارض بین الأخبار ، ویمکن أن یکون کلام الفقهاء أیضا کذلک ، فتأمّل.

قوله : وجهالة المروی عنه. ( 4 : 55 ).

الروایة منجبرة بفتاوی الأصحاب کلّهم وصحیحة أبی همام ، مع أنّ الظاهر أنّها من کتابه ، وکتابه معتمد ، کما فی الفهرست (3) ، مع أنّه یظهر من الشیخ فی العدّة أنّ الشیعة أجمعوا علی العمل بروایات أمثاله (4) ، فلا وجه لتأمله فیها ، وما ذکره من أنّ وجوب الجمعة علیها مخالف لاتفاق الفقهاء ظاهر الفساد ، إذ ظهر أنّ أصحابنا قطعوا بإجزاء الجمعة لها عوضا عن

شرائط من تجب علیه الجمعة

أن لا یکون بینه وبین الجمعة أزید من فرسخین

ص: 218


1- فی « ب » و « ج » و « د » و « و » زیادة : وذکره الشارع قدس سره .
2- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة المعنی.
3- الفهرست : 61.
4- عدّة الأصول 1 : 380.

الظهر.

قوله (1) : وحکی الشهید فی الذکری أنّ الظاهر. ( 4 : 56 ).

لو تمّ ما ذکره لزم أن تکون الجمعة واجبة علی المسافرین أیضا بالوجوب التخییری بل العینی ، لما مرّ من أنّهم إذا حضروها لزمهم الدخول وزال رخصة عدم السعی ولزمهم الفرض الأوّل ، ولا یخفی أنّ المسافرین فی الغالب أزید من الخمسة والسبعة ، وفیهم من یصلح للاقتداء به ، فلو کانت واجبة علیهم لکانوا یلتزمونها فی الأعصار والأمصار ، وکانوا کغیر المسافرین ، مع أنّه خلاف الأخبار المتواترة وإجماع المسلمین بل وضروری الدین. فظهر الفرق بین محسوبیة بعضهم من العدد ووجوب دخوله وبین الانعقاد من المسافرین.

مع أنّ المحسوبیة من العدد أیضا محلّ نظر ، فإنّ وجوب الجمعة علی المکلّف غیر انعقاد الجمعة به ، ولم یظهر من الأخبار أزید من الأوّل.

وما ذکرناه جار فی البعید أیضا ، والإجماع الذی نقلوه [ إنّما هو ] (2) فی احتسابه من العدد ، وهو الحجّة ، وأمّا الإجماع علی انعقادها بمجموع البعیدین [ ف- ] (3) لم ، یظهر إجماع علی ذلک ، ولو ظهر لم یثبت ، مع أنّ الإجماع علی الانعقاد أیضا ظنّی ، فلا بدّ من ملاحظة مقاومته لظاهر الأخبار ، فإنّ الظاهر منها أنّهم إذا حضروا الجمعة المنعقدة لزمهم الدخول ، لا أنّه ینعقد بهم ، فتأمل.

هل تجب الجمعة علی فاقد الشرط لو حضر
هل ینعقد عدد الجمعة بحضور فاقد الشرط

ص: 219


1- هذه التعلیقة لیست فی « أ ».
2- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.
3- بدل ما بین المعقوفین فی « ب » : إذ ، وفی « ج » و « د » و « و » : إذا ، غیّرناه لاستقامة العبارة.

قوله : لاستفاضة الروایات. ( 4 : 56 ).

هذا التعلیل فیه ما لا یخفی.

قوله : واستدل علیه فی التذکرة. ( 4 : 59 ).

لو تمّ هذا الدلیل لاقتضی المنع من السفر فی یومها مطلقا ، والتقیید بما بعد الزوال خاصّة بعید جدّا.

قوله (1) : « ولا یعان علی حاجته ». ( 4 : 59 ).

هکذا نقله المخالفون (2) ، وفی المصباح : « ما یؤمن من مسافر یوم الجمعة قبل الصلاة أن لا یحفظه الله تعالی فی سفره ، ولا یخلفه فی أهله ، ولا یرزقه من فضله » (3) ، وفی النهج : « لا تسافر فی یوم الجمعة حتی تشهد الصلاة إلاّ قاصدا فی سبیل الله أو فی أمر تعذر به » (4).

قوله : ویتوجّه علیه أیضا. ( 4 : 59 ).

لا یخفی أنّ الغالب عدم التمکّن من فعل الجمعة التی حضر وقتها قبل السفر فی السفر ، فهذا الإیراد غیر متوجّه بالقیاس إلیه ، وأمّا علی الفروض النادرة فالظاهر أنّ السفر حلال بلا تأمّل ، إذ اللازم فعل الجمعة یومها.

هذا إذا أراد فعلها حال السفر وهو علی وثوق بإدراکها فیه ، وإن لم یکن علی وثوق فاظاهر أنّ حکمه حکم غیر المتمکّن.

وأمّا إذا کان قصده عدم الفعل فی السفر فالحرام هو قصده لا سفره ،

مسائل تتعلق بالصلاة الجمعة

حرمة السفر یوم الجمعة

ص: 220


1- هذه التعلیقة لیست فی « أ » و « و ».
2- کنز العمال 6 : 715 / 17540.
3- مصباح الکفعمی : 184 ، الوسائل 7 : 406 أبواب صلاة الجمعة ب 52 ح 5.
4- نهج البلاغة 3 : 141 / 69 ، الوسائل 7 : 407 أبواب صلاة الجمعة ب 52 ح 6 ، بتفاوت یسیر.

لأنّ السفر لا یحرم إلاّ من جهة عدم التمکّن من فعل هذه الجمعة ، وهو متمکّن ، والجمعة التی حضر وقتها یجب فعلها علی أیّ حال ، والسفر لا یصیر منشأ لسقوطها کما هو ظاهر ، فنظر المستدل إنّما هو بالنسبة إلی الغالب ، لأنّه الذی یستلزم سفره الإخلال بالجمعة ، فتأمّل جدّا.

قوله : ویمکن أن یستدل. ( 4 : 60 ).

سیجی ء فی مبحث حرمة البیع وقت النداء ما یظهر منه الإشکال فی هذا الاستدلال.

قوله : واستلزام الحرج. ( 4 : 60 ).

فیه ما فیه ، لأنّ تعلّم الواجبات إن کان واجبا علیه ولا یمکن فی السفر فلا شکّ فی أنّه مؤاخذ معاقب بترک التعلّم ، سواء قلنا بحرمة السفر أیضا أم لا ، والاشتغال یستلزم ترک السفر علی أیّ تقدیر ، والحرج ینافی التکلیف ، فلا یکون حرج ، وإن کان فلا یکون واجبا بالنحو الذی ذکره ، وإن بنی علی عدم منافاة الحرج لوجوب التعلّم فلا اعتراض علی القائل أیضا.

قوله : وبأنّه لیس فی الکتاب والسنّة. ( 4 : 61 ).

لا شکّ فی ورود الأخبار الکثیرة بل المتواترة علی وجوب طلب العلم والمعرفة علی کلّ مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة ووجوب التفقّه وإصابة السنّة ووجوب أخذ أعماله من أهل البیت ، وأن یکون جمیع أعماله بدلالة ولیّ الله الذی هو الإمام المفترض الطاعة ، وأنّ العامل بغیر بصیرة کالسائر بغیر طریق لا یزید کثرة السیر إلاّ بعدا ، وأنّه لا عمل إلاّ بالفقه والمعرفة ، وأنّه کلّ ما یخرج عن غیر بیت الأئمّة علیه السلام فهو باطل ، وأنّ الله والرسول صلی الله علیه و آله والأئمّة علیه السلام طاعتهم مفترضة ، والطاعة هی امتثال الأمر ،

ص: 221

فلا بدّ من معرفة أوامرهم حتی یتحقّق إطاعتهم ، وکذا فی معصیتهم وغیرها.

مع أنّ من أقرّ بنبی أو إمام علم یقینا أنّ لهما شرع ومنهج ودین وملّة ، وأنّه لا بدّ من التشرّع بشرعهما والتدین بدینهما.

وأیضا ضروریات الدین والمذهب من الوضوء والغسل والتیمّم والنجاسات ووجوب إزالتها وغیرها من الأحکام ، وکذا الصلاة والصوم والزکاة وغیرها من الضروریات الواجبة من الکثرة بحیث لا تحصی ، وکذا المحرّمات وغیرها ، والضروری یعرفها کلّ من هو من أهل الدین والمذهب ، فبعد معرفة الوجوب والحرمة کیف تجوز المساهلة والمسامحة فی معرفة الماهیات والشرائط والأحکام؟ وبالجملة : أنواع أسباب وجوب التعلّم والمعرفة لا حصر لها فضلا عن أشخاصها.

والتمسّک بتیمّم عمّار وطهارة أهل قبا فی غایة الغفلة والغرابة ، وأظهرنا شنائعها فی الفوائد ونشیر إلی شی ء منها (1) ، إنّ أهل قبا أحدثوا فی الدین وغیّروا حکم شرع خیر المرسلین کما فعلوا فی الوصیة بدفنهم متوجّها إلی الرسول مع أنّ شرعهم کان غیر ذلک (2) ، لکنّ الله تعالی أمضی فعلهم ومدحهم بعد ما کانوا خائفین فی أنّه تعالی یؤاخذهم ویعاقبهم فی ما فعلوا.

وأمّا تیمم عمّار فلا شکّ فی أنّ العبادات کیفیات متلقّاة من الشرع توقیفیة موقوفة علیه مسلّم ذلک عند الشارح وشیخه رحمهما الله وعند الکلّ بل الأطفال والجهّال أیضا ، لغایة وضوح دلیله ، بل الجهال لا یرضون أن یفعلوا

ص: 222


1- الخصال : 192 / 267 ، الوسائل 1 : 356 أبواب أحکام الخلوة ب 34 ح 6.
2- الفوائد الحائریة : 423 - 424.

من قبل أنفسهم عبادة توقیفیّة بمحض جعل أنفسهم واختراعهم ، یجزمون أنّ الله تعالی یؤاخذهم بذلک بلا تأمّل ، والظاهر أنّ عمّارا أعتقده من قاعدة البدلیة التی أشار إلیه الشارح رحمه الله مرارا ، وبنی علیها الأحکام کثیرا ، وما کان حین الحاجة متمکّنا من الرجوع إلی الرسول صلی الله علیه و آله ، أو کان القاعدة ظاهرة عنده ، والرسول صلی الله علیه و آله خطّأ فعله ، ومراده [ عن ] : « أفلا صنعت هکذا؟ » أفلا تعلّمت حتی تصنع هکذا؟ والمراد ظاهر بالبدیهة ، لأنّ الإنکار علی أمر محال محال عن الحکیم ، وفعل التیمّم کذلک بدون الرجوع إلی الشرع محال بالبدیهة ..

انظر أیّها الفطن أنّ بأمثال هذه الشبهات کیف یمکن ردّ ما ثبت من الآیات والأخبار المتواترة بالنوع فضلا عن الشخص ، مع الدلیل العقلی؟

وقد بسطنا الکلام فی الفوائد ، بل بأدنی تأمّل یظهر ظهورا تامّا أنّ ما ذکره بعینه کلام الأشاعرة ردّا علی العدلیة ، وأنّه ینافی قاعدة العدل ویهدم بنیانه.

قوله : وهو قویّ متین. ( 4 : 61 ).

لا قوّة ، بل لا یخفی فساده ، مضافا إلی أنّ الواجبات غیر منحصرة فی تحصیل العلم ، والضدّ غیر منحصر فی السفر ، واقتضاء الأمر بالشی ء النهی عن الضدّ فی غایة الوهن بل ظهور الفساد ، والشارح رحمه الله لا یقول به ، فالمانع مفقود من أصله ، لا أنّ دفع الشبهة منحصر فی ما قاله ، إذ عرفت أنّه غیر [ دافع ] (1) علی فرض التمامیة.

قوله : تمسّکا بالعموم. ( 4 : 61 ).

لم نجد العموم الذی ادعاه سوی روایة التذکرة وصحیحة أبی بصیر ،

ص: 223


1- فی النسخ : واقع ، والأنسب ما أثبتناه.

وقد عرفت عدم دلالة الروایة علی الحرمة وروایة أبی بصیر مع أنّ الاستدلال بطریق أولی محلّ تأمّل ، سیّما عند الشارح رحمه الله إذ لو بنی علی أنّ السفر لا مدخلیّة له فی المنع ، بل کلّ ما هو ضدّ ، وکذا صلاة العید لا مدخلیّة لها ، بل کلّ ما هو صلاة فریضة ، بل کلّ ما هو فریضة فمقتضاها أنّ الأمر بالشی ء یقتضی النهی عن الضدّ فی الفرائض لو لم نقل فی کلّ واجب ، سیّما ما هو أوجب من العید ، وإن أجاز أن یکون للخصوصیّة مدخل فلا یتأتّی القیاس المذکور ، ومع ذلک لا عموم فیها یشمل صورة فعل العید والجمعة فی موضع آخر ، لأنّ الإطلاق ینصرف إلی الأفراد الشائعة ، کما هو مسلّم عنده.

ومنه یظهر جواب آخر عن روایة التذکرة.

ومنه یظهر الجواب عمّا ذکره من إطلاق الأخبار المتضمّنة للسقوط عن المسافر. مضافا إلی ما ذکره سابقا من أنّ سقوطها یوجب حرمة السفر ، وما صرّح هنا أنّ السفر غیر سائغ ، ومعلوم أنّه مع عدم الجواز یجب فعل الجمعة ویخرج عن تلک الإطلاقات جزما. ویظهر ممّا ذکرناه ما فی قوله : ولو قیل باختصاص. ، فتأمّل جدّا.

قوله (1) : إذا قام الإمام یخطب. ( 4 : 63 ).

ومن حدیث أمیر المؤمنین علیه السلام حیث قال فیه : « لا کلام والإمام یخطب ولا التفات. » (2) وفی حدیث المناهی فی الفقیه : « نهی رسول الله صلی الله علیه و آله عن الکلام فی یوم الجمعة والإمام یخطب » (3) وفی حدیث

حرمة الکلام أثناء الخطبة

ص: 224


1- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
2- الفقیه 1 : 269 / 1228 ، المقنع : 45 ، الوسائل 7 : 331 أبواب صلاة الجمعة ب 14 ح 2.
3- الفقیه 4 : 2 / 1 ، الوسائل 7 : 331 أبواب صلاة الجمعة ب 14 ح 4.

ابن وهب کذا : وقال أبو عبد الله علیه السلام فی حدیث له : « الخطبة وهو قائم خطبتان ، یجلس بینهما جلسة لا یتکلّم فیها قدر ما یکون فصل ما بین الخطبتین » (1).

قوله : ولفظ لا ینبغی صریح فی الکراهة. ( 4 : 64 ).

فیه تأمّل ظاهر ، سیّما بملاحظة قوله فی الروایة : « فإذا فرغ تکلّم ما بینه وبین أن تقام الصلاة » لأنّه إباحة فی مقام الحظر إلی أن تقام الصلاة ، ومعلوم أنّه بعد الإقامة حرام ، فتأمّل.

قوله : وذهب الشیخ فی المبسوط والخلاف. ( 4 : 64 ).

ومستنده حسنة ابن المغیرة - بإبراهیم بن هاشم - عن غیاث بن إبراهیم عن الصادق علیه السلام : « لا بأس بالغلام الذی لم یبلغ الحلم أن یؤمّ القوم وأن یؤذّن » (2) وروایة طلحة عنه علیه السلام بهذا المضمون (3). وروایة سماعة عنه علیه السلام : « یجوز صدقة الغلام وعتقه ، ویؤمّ الناس إذا کان له عشر سنین » (4).

وسند الأولی معتبر إلاّ أنّها من جهة عدم القائل بظاهرها لا تکون حجّة أو لا تقاوم المعارض ، مضافا إلی أنّ الراوی عامی ، فلعل حکمها موافق للعامّة ، فتأمّل.

قوله : « لا تقرأ خلفه » ... ( 4 : 66 ).

شرائط إمام الجمعة

أن یکون بالغاً

ص: 225


1- التهذیب 3 : 20 / 74 ، الوسائل 7 : 334 أبواب صلاة الجمعة ب 16 ح 1.
2- الکافی 3 : 376 / 6 ، الوسائل 8 : 321 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 3.
3- التهذیب 3 : 29 / 104 ، الاستبصار 1 : 424 / 1633 ، الوسائل 8 : 323 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 8.
4- الفقیه 1 : 358 / 1571 ، الوسائل 8 : 322 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 5.

وفی بعض الروایات : لا تصلّ خلف المجاهر بالفسق (1).

وفی روایات أبی ذر : « إمامک شفیعک عند الله ، فلا تجعل شفیعک سفیها ولا فاسقا » (2).

وفی روایة زید بن علی علیه السلام عن آبائه عن علی علیه السلام : « الأغلف لا یؤمّ القوم وإن کان أقرأهم ، لأنّه ضیّع من السنّة أعظمها ، ولا تقبل له شهادة ، ولا یصلّی علیه إلاّ أن یکون ترک ذلک خوفا علی نفسه » (3).

وفی الفقیه فی الصحیح علی الظاهر ، عن محمد بن مسلم ، عن الباقر علیه السلام : « لا تصلّ خلف من یبغی علی الأذان والصلاة بالناس أجرا » (4).

وفی التهذیب فی باب أحکام الجماعة ، فی الموثق کالصحیح عن حمران - إلی أن قال - فقال زرارة : هذا - یعنی الصلاة خلف العامة - لا یکون ، عدوّ الله فاسق لا ینبغی لنا أن نقتدی به (5) ، الحدیث. وفی باب الأذان عن یونس الشیبانی عن الصادق علیه السلام : « إذا دخلت المسجد فکبّرت وأنت مع إمام عادل ثم مشیت إلی الصلاة أجزأک » (6).

وفی العیون وغیره عن علل الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام - فی

أن یکون عادلاً
أن لا یکون سفیهاً
أن لا یکون أغلفاً

ص: 226


1- الفقیه 1 : 248 / 1117 ، التهذیب 3 : 31 / 109 ، الوسائل 8 : 310 أبواب صلاة الجماعة ب 10 ح 6.
2- الفقیه 1 : 247 / 1103 ، التهذیب 3 : 30 / 107 ، علل الشرائع : 326 / 1 ، الوسائل 8 : 314 أبواب صلاة الجماعة ب 11 ح 2.
3- الفقیه 1 : 248 / 1107 ، التهذیب 3 : 30 / 108 ، الوسائل 8 : 320 أبواب صلاة الجماعة ب 13 ح 1.
4- الفقیه 3 : 27 / 75 ، الوسائل 27 : 378 أبواب الشهادات ب 32 ح 6.
5- التهذیب 3 : 28 / 96 ، الوسائل 7 : 349 أبواب صلاة الجمعة ب 29 ح 1 وفیه ذیل الحدیث.
6- التهذیب 2 : 282 / 1125 ، الوسائل 5 : 403 أبواب الأذان والإقامة ب 13 ح 9.

علّة قصر الجمعة - : « ومنها أنّ الصلاة مع الإمام أتمّ وأکمل ، لعلمه وفقهه وعدله » الحدیث (1).

وفیه أیضا عن الرضا علیه السلام فی ما کتب للمأمون من محض الإسلام : أنّه « لا صلاة خلف الفاجر ولا یقتدی إلاّ بأهل الولایة » (2).

وفی التهذیب فی الموثق عن سماعة ، قال : سألته عن رجل کان یصلّی ، فخرج الإمام وقد صلّی الرجل رکعة من صلاة الفریضة ، قال : « إن کان إماما عدلا فلیصلّ رکعة أخری وینصرف ویجعلها تطوّعا ولیدخل مع الإمام فی صلاته ، فإن لم یکن إمام عدل فلیبن علی صلاته کما هو ویصلّی مع الإمام » إلی أن قال : « فإنّ التقیّة واسعة » (3).

وفی الکافی فی باب ما یردّ منه الشهود عن الباقر علیه السلام : « لو أن أربعة شهدوا علی رجل بالزنا وفیهم ولد الزنا [ لحددتهم ] (4) جمیعا ، لأنّه لا تجوز شهادته ولا یؤمّ الناس » (5) وفیها کبعض الأخبار السابقة شهادة علی اتحاد حال الشهادة وإمامة الناس فی الصلاة فی اعتبار العدالة ، کما هو عند الفقهاء ، فمقتضی ذلک اعتبار العدالة.

لکن یعارضها ما تضمّن من المنع خلف الفاسق والمجاهر بالفسق (6) ، أمّا الثانی فظاهر ، وأمّا الأوّل فلأنّ الفاسق لا یطلق شرعا إلاّ علی

أن یکون من أهل الولایة
أن یکون طاهراً من حیث الولادة

ص: 227


1- علل الشرائع : 265 ، عیون الأخبار 2 : 110 ، الوسائل 7 : 312 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 3.
2- عیون الأخبار 2 : 121 ، الوسائل 8 : 315 أبواب صلاة الجماعة ب 11 ح 5.
3- التهذیب 3 : 51 / 177 ، الوسائل 8 : 405 أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 2.
4- فی النسخ : یحدّونهم ، وما أثبتناه من المصدر.
5- الکافی 7 : 369 / 8 ، الوسائل 27 : 376 أبواب الشهادات ب 31 ح 4.
6- راجع ص : 226.

من ظهر فسقه ، فلا یقال علی مستور الحال : جاء الفاسق ، وذهب الفاسق ، وأمثال ذلک.

إلاّ أن یقال : إنّ الأخبار لیست بمتعارضة إلاّ علی رأی من قال بأنّ العدالة غیر عدم ظهور الفسق ، إذ بعض القدماء یقول باتحادهما ، کما أشار إلیه الشارح رحمه الله لکن الذی حقّقناه فی بحث الشهادة عدم الاکتفاء بما ذکروه ، وأنّه لا بدّ من حسن الظاهر (1) ، کما قال بعض الفقهاء (2) ، ولعله الظاهر من أکثر القدماء والمعروف منهم إلاّ من شذّ ، فیمکن حمل الأخبار المتعارضة علی من وقع المعاشرة الظاهرة معه ، فإنّه إن لم یظهر فسقه یکون حسن الظاهر البتّة ، وإلاّ یکون فاسقا.

علی أنّا نقول : المعارض منحصر فی الأولی والثانیة ممّا ذکرته ، وهما ضعیفتا السند من دون انجبار للضعف ، بل یضعّفهما ندرة القائل ، وکونهما مخالفا لما اشتهر بین الأصحاب لو لم نقل بالإجماع ، ومع ذلک حمل الأولی علی أنّ المراد من الفاسق فیها ما هو أعمّ من ظاهر الفسق أیضا. علی أنّ مفهوم الوصف أو اللقب لیس بحجة.

وکذا الکلام فی الثانیة ، وإن کان مضمونها : ثلاثة لا یصلّی خلفهم : الغالی والمجهول والمجاهر بالفسق (3) ، لاحتمال کون المجهول داخلا فی المجهول. مضافا إلی الجزم بأنّ من لا یصلّی خلفه أزید من الثلاثة ، فتأمّل جدّا.

وما ورد فی بعض الأخبار : « إذا کان الرجل لا تعرفه یؤمّ الناس فقرأ

ص: 228


1- حاشیة مجمع الفائدة والبرهان : 762.
2- انظر المقنعة : 726 ، والنهایة : 327.
3- الوسائل 8 : 310 أبواب صلاة الجماعة ب 10 ح 6.

القرآن فلا تقرأ خلفه واعتدّ بصلاته » (1) فمع ضعفه محمول علی ظهور الحسن بقرینة کون إمام القوم من الشیعة ، وقوله : « یؤمّ » یفید الاستمرار التجدّدی.

وکذا الکلام فی ما ورد فی من صلّی خلف إمام إلی خراسان ثمّ ظهر أنّه یهودیّ : أنّه لا إعادة علیه (2) ، فتأمّل جدّا.

قوله : إلاّ أنّ المصیر إلی ما ذکره الأصحاب أحوط. ( 4 : 66 ).

( لا یخفی علی المتأمّل فی ما ذکره الشارح هنا لاعتبار العدالة وجعل اعتبارها أحوط ، وخصّص عمومات القرآن والأخبار المتواترة بأن جعل التخصیص أحوط ، وفی اشتراط الإذن والنصب بالغ ما بلغ فی عدم التخصیص بل القطع بعدم اشتراطه ، مع ما ذکره الفقهاء من الأدلة والفتاوی والأخبار والآثار والاعتبار ، فإنّها أضعاف ما ذکره الشارح رحمه الله بمراتب شتّی ، مع قطع النظر عمّا ذکرنا فی اشتراط الإذن ، إذ بعد ملاحظته لا یصیر ما ذکره الشارح طرف النسبة ، فلاحظ وتأمّل ) (3).

قوله : علی ملازمة التقوی والمروءة. ( 4 : 67 ).

إن حمل علی أنّ الملازمة بحیث یستحیل التخلّف فهو باطل قطعا ،

بِمَ تعرف العدالة؟

ص: 229


1- التهذیب 3 : 275 / 798 ، الوسائل 8 : 319 أبواب صلاة الجماعة ب 12 ح 4.
2- الوسائل 8 : 374 أبواب صلاة الجماعة ب 37.
3- بدل ما بین القوسین فی « ب » و « ج » و « د » هکذا : لا یخفی أنّ حال العدالة واشتراطها أحسن من حال النصب والإذن ، فکیف قطع بعدم اشتراط الإذن ووجوب الجمعة عینا فی زمان الغیبة ، وطعن فی الإجماعات المنقولة وبالغ بما بالغ ، وهنا یقول : الأحوط ما ذکره الأصحاب ، بل المصیر إلی ما ذکروه؟! مع أنّ من تأمّل الإجماعات الکثیرة المنقولة غایة الکثرة فی اشتراط الإذن وتراکم الفتاوی وتوافقها وغیر ذلک ما ( ممّا ) ذکرنا ظهر له ، واشتراط الإذن أظهر بمراتب شتّی ، بل لا مناسبة بینهما فی نقل الإجماعات والفتاوی ، فتأمّل جدّا.

لأنّ ذلک مرتبة العصمة ، ولأنّهم یقولون بجواز التخلّف قطعا ، وأنّ العادل ربما یصیر فاسقا ، وأنّه بمجرّد التوبة یرجع إلی العدالة ، کما هو الظاهر منهم.

وإن حمل علی أنّها بحیث یستبعد التخلّف فیرجع إلی حسن الظاهر ، إلاّ أنّهم اعتبروا المعاشرة الباطنیة ، ولعل نظرهم إلی أنّه تعالی أمر بالتبیّن فی خبر الفاسق (1) ، والفسق خروج عن الطاعة واقعا ، فلا بدّ من العلم بعدم الفسق إن أمکن ، وإلاّ فما هو أقرب إلی العلم.

وفیه منع کون الفاسق ما ذکر ، لما عرفت ، ولملاحظة شأن نزول الآیة ، مع أنّه یقتضی عدم الاکتفاء بشهادة العدلین فی ثبوت العدالة ، مع أنّ المشهور یکتفون بالعدل الواحد فی خبر الواحد.

هذا مضافا إلی ما عرفت وستعرف من الأدلة علی عدم الحاجة إلی المعاشرة الباطنیة ، بل والمنع عنها وحرمتها ، وتمام الکلام فی بحث الشهادات.

قوله : ویستفاد من هذه الروایة أنّه یقدح فی العدالة. ( 4 : 69 ).

وهذه الروایة - مع أنّها وقع فیها اختلاف واضطراب من حیث إنّ الشیخ نقلها بتغییر وتفاوت (2) - تتضمّن أمورا تخالف إجماع الشیعة :

الأوّل : أنّها ظاهرة فی وجوب الجماعة وعدم التخلّف عن الصلاة فی المسجد مع جماعة المسلمین إلاّ من علّة ، هذا لمن هو جار للمسجد ، وأمّا وجوب الجماعة فمطلقا ، لاحظ تتمّة الروایة التی لم یذکرها الشارح.

ص: 230


1- الحجرات : 6.
2- التهذیب 6 : 241 / 596 ، الاستبصار 3 : 12 / 33.

الثانی : کون ذلک شرطا للجماعة.

الثالث : کونه شرطا لمعرفة العدالة ، مع أنّ الجماعة مستحبة بالضرورة والأخبار وترک المستحب لا ینافی العدالة بالإجماع.

الرابع : قصر معرفة العادل فی ما ذکر فیها ، مع أنّه یعرف بالمباشرة الباطنیة وشهادة العدلین ، ومقتضی الروایة أن یکون المسلمون یعرفونها کذلک حتی یصیر عادلا أو یعرف أنّه عادل ، وأنّه إذا سئل عنه فی قبیلته وأهل محلّته یقولون : ما رأینا. وأن یکون ساترا لجمیع عیوبه حتی یحرم علی المسلمین تفتیش ما وراء ذلک ممّا هو فی باطن أمره ویظهر بالتفتیش والتجسّس.

مع أنّ القاضی وحده إذا عرفه عادلا یکفی ، وإن کان أحد آخر لا یعرف عدالته بل لا یعرفه أصلا ، وکذا إن عرفه شاهدان فقط ، بل ربما یکون عادلا عند بعض غیر عادل عند آخر ، بأنّه اطّلع اتفاقا علی مکنون سرّه ، أو اشتبه علیه فاعتقد الفسق ، إلی غیر ذلک ، ولذا کثیر من الرواة والعدول عدالتهم محلّ خلاف.

ومع جمیع ذلک یخالف طریقة الرسول وأمیر المؤمنین والحسن صلوات الله علیهم بالنسبة إلی شهود الحکم وأئمّة الصلاة والقضاء وغیرهم ممّن اعتبر عدالته.

وکذا طریقة المسلمین فی الأعصار والأمصار ، مع أنّ العدالة من الأمور التی یعمّ بها البلوی ویکثر لدیها الحاجة ، وجمیع البلدان کذلک ، ولیس بلد لا یحتاج إلیها ولا یکثر حاجته إلیها ولا یعمّ بلواه ، وانتظام الدین والدنیا بها ، کما لا یخفی ، بل ربما یظهر من سائر الأئمّة علیه السلام أیضا موافقتهم للرسول وعلی والحسن صلوات الله علیهم ، وورد فی أخبار کثیرة

ص: 231

غایة الکثرة ما یخالفها من الاکتفاء بحسن الظاهر مطلقا أو عدم ظهور الفسق ، مع إمکان حملها أو إرجاعها إلی حسن الظاهر أو التقیّة أو غیرهما ، کما حقّقناه فی حاشیتنا علی شرح المقدّس الأردبیلی رحمه الله علی کتاب القضاء من الإرشاد (1).

فیمکن حمل هذه الروایة علی عدل المسلمین بحیث تقبل شهادته لهم کلّهم وعلیهم کلّهم کما یشیر إلیه سؤال الراوی ، فتأمّل.

قوله (2) : فی صحیحة الحلبی : « لا بأس بأن یصلی الأعمی بالقوم ». ( 4 : 73 ).

التهذیب ، عن الشعبی ، قال قال علی علیه السلام : « لا یؤمّ الأعمی فی البریة ، ولا یؤمّ المقیّد المطلقین » (3).

قوله (4) : لأنّ الواقع أوّلا هو المأمور به. ( 4 : 76 ).

الأولی أن یعلّل بأنّ المنهی عنه هو المعبّر عنه بالثانی أو الثالث لا الأوّل ، فتدبّر.

قوله : فهو إنّما یقتضی تحریم المنافی من ذلک. ( 4 : 77 ).

لا تأمّل فی أنّ مراده هو هذا لا غیر ، بل الآیة أیضا دلالتها علی حرمة غیر المنافی محلّ نظر ، لما ذکره العلاّمة من العلّة المومأ إلیها واستوجهه الشارح رحمه الله ، ولأنّ الإطلاق ینصرف إلی المتعارف الشائع وهو [ ما ] (5) ینافی الصلاة.

حرمة البیع بعد النداء

ص: 232


1- حاشیة مجمع الفائدة والبرهان : 766.
2- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
3- التهذیب 3 : 269 / 773 ، الوسائل 8 : 338 أبواب صلاة الجماعة ب 21 ح 2.
4- هذه التعلیقة وستّ بعدها لیست فی « ب » و « ج » و « د ».
5- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.

قوله : إمّا لأنّ النهی فی المعاملات. ( 4 : 78 ).

لیس کذلک ، لتصریحه بخلافه (1).

قوله : لم یثبت کونه سببا فی النقل. ( 4 : 78 ).

وذلک حقّ ، لأنّ الصحة هنا حکم شرعی ، لکونها عبارة عن ترتّب الأثر شرعا ، فیتوقّف علی الدلیل الشرعی ، والمعهود من فقهائنا انحصار الدلیل فی البیع فی ( أَحَلَّ اللهُ الْبَیْعَ ) (2) و ( إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (3) و ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (4) و ( أَوْفُوا بِالْعَهْدِ ) (5) لا غیر ، وإن ذکر بعضهم : « المسلمون عند شروطهم » (6) أیضا (7) ، لکن المحقّقون علی عدم الدلالة علی الوجوب ، لاستلزامه التخصیص الذی لا یرضی به المحقّقون.

وأمّا الآیتان الأوّلتان فنقیضا صریح للحرمة ، فکیف تشملانها؟ وأمّا الأخیرتان فتنافیانها عرفا ، لأنّ العقد الذی نهی الله عنه کیف یأمر بالوفاء به؟ فإنّ النهی إیجاب لإعدامه فیکون فعله قبیحا شرعا ، والأمر بالوفاء إیجاب للوفاء بالقبح وإبقائه علی حاله ، وبالجملة : لا یفهم منها وجوب الوفاء بما لا یرضی به الله تعالی وحرّمه ویعاقب علیه.

وأمّا قوله : « البیّعان بالخیار ما لم یفترقا » (8) وأمثاله فلم یعهد منهم

ص: 233


1- انظر مجمع الفائدة 2 : 380.
2- البقرة : 275.
3- المائدة : 1.
4- النساء : 29.
5- الإسراء : 34.
6- الوسائل 21 : 299 ، 300 أبواب المهور ب 40 ح 2 ، 4.
7- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 383.
8- الکافی 5 : 170 / 6 ، التهذیب 7 : 20 / 85 ، الاستبصار 3 : 72 / 240 ، الخصال : 127 / 128 ، الوسائل 18 : 6 أبواب الخیار ب 1 ح 3.

الاستدلال بها ، ولعله لعدم إفادة المفرد المحلّی العموم لغة ، کما هو مسلّم عند الشارح رحمه الله ، وعمومها إنّما هو من جهة الإطلاق ، والإطلاق ینصرف إلی الأفراد الشائعة ، وکون البیع المنهی عنه منها محلّ تأمّل ، وکذا البیوع التی لا تستجمع شرائط الصحة شرعا.

وأیضا المطلق إنّما ذکر تقریبا لحکم آخر لا لحکم نفسه ، فعدم إفادته العموم غیر مضرّ ، لحصول الفائدة منه فی کلام الحکیم علی تقدیر عدم الشمول أصلا.

نعم یمکن أن یقال : إنّ النهی فی الآیة تعلّق بأمر خارج عن ماهیّة البیع وهو عدم درک صلاة الجمعة ، کما هو الظاهر عن سیاق الآیة وإن وقع الأمر بترک البیع ، وظاهر أنّ الغرض منه إدراک الجمعة لا غیر ، فتأمّل.

قوله : ویتوجّه علیه ما حقّقناه سابقا. ( 4 : 79 ).

قد ذکر سابقا عدم توجّه ما ذکره (1) علیه ، بل فساده ، بل ظهور فساده ، وأشرنا إلی حقیقة الإجماع ، بحیث لا مجال للتأمّل فیها ، وأشرنا إلی الأخبار الدالة علی عدم وجوب الجمعة عند عدم المنصوب ، بل ووضوح دلالة کثیر منها علی الاستحباب ، وأنّها مستند الأصحاب فیه ، فتأمّل.

قوله : وهذا ممّا یقطع بتعذّره فی زمن ابن إدریس وما شاکله ... ( 4 : 80 ).

هذا عجیب ، لأنّ الشارح رحمه الله تمسّکه بالإجماع بحیث أخذه مستند الحکم بلا شکّ ولا شبهة کان فی غایة الکثرة ونهایة الوفور ، بل وربما یعترض علی من تقدّم علیه بأنّ کذا إجماعیّ ، فکیف یمکنک أن

أدلّة القول بعدم جواز فعل الجمعة فی زمان الغیبة

ص: 234


1- راجع ص 136 - 139.

تقول : کذا؟ مثل ما أورده علی جدّه رحمه الله فی مسألة توالی دم الحیض وعدم توالیه ، وفی مسألة تقوّی الأعلی من الغدیرین بالأسفل وعدمه علی المحقّق الشیخ علی (1) ، إلی غیر ذلک ، فکیف فی زمانه یحصل العلم بالإجماع المصطلح ولا یحصل لابن إدریس والسیّد وأمثالهما؟ هذا من العجائب ، مع أنّک عرفت فساد ما ادّعاه ووضوح فساده ، وکتبنا رسائل متعدّدة فی تحقیق الإجماع ، وأظهرنا شنائع هذه الدعوی ونظائرها من الشبهات المخالفة للبدیهة ، من أراد الاطّلاع فلیلاحظها (2) ، مع أنّا نبّهنا هاهنا فی ما سبق علی ما نبّهتک علی حقّیة هذا الإجماع بخصوصه ، فلاحظ.

قوله : بل الظاهر أنّ المتیقّن یوم الجمعة. ( 4 : 80 ).

أمّا تیقّن عینیة الجمعة فی صورة النزاع فقد ظهر فساده بعنوان الیقین ، فلاحظ ، وإن لم یحصل لک الیقین فعلیک بمطالعة رسالتنا فی صلاة الجمعة ، ولا أظنّ أنّ القلب إذا کان خالیا لا یحصل له حتی ممّا ذکرنا فی هذا الکتاب ، وأشرنا إلی ما دل علی الحرمة أیضا من دعاء الصحیفة وغیره من الأخبار ، وکذا الأخبار الدالة علی الاستحباب وعدم الوجوب ، وکذا الإجماع ، وعرفت أیضا عدم تمامیة دلالة الآیة والأخبار التی ادّعاها الشارح رحمه الله بالنسبة إلی محلّ النزاع ، فلاحظ وتأمّل ، مضافا إلی الإجماعات ، فدعوی الیقین بعد ذلک فی غایة الغرابة.

ومرادهم من ثبوت الظهر فی الذمة بیقین أنّ الله تعالی ما أوجب الجمعة إلاّ بعد مدّة مدیدة من البعثة ، وکان الفریضة بالنسبة إلی جمیع

ص: 235


1- انظر المدارک 1 : 321 ، 45.
2- انظر رسالة الإجماع ( الرسائل الأصولیة ) : 253.

المکلّفین فی تلک المدّة هو الظهر یقینا ، ثم بعد تلک المدّة تغیّر التکلیف بالنسبة إلی بعض المکلّفین ، ولم یتغیّر بالنسبة إلی بعض آخر بالإجماع والضرورة من الدین والمذهب والأخبار المتواترة ، فمن ثبت تغیّر حکمه فلا نزاع ، ومن لم یثبت فالأصل بقاء الظهر التی کانت یقینیة حتی یثبت خلافه ، ولم یثبت ، ودلیلهم هذا هو مقتضی الأصل حتی یثبت خلافه ، وهو الاستصحاب ، وقولهم : « لا تنقض الیقین بالشک » أو « إلاّ بیقین مثله » والعمومات والإطلاقات علی طریقة الشارح رحمه الله فی موضع الاستصحاب ، فالجواب لیس إلاّ أنّ خلافه ثبت والإتیان بالدلیل ، لا ما ذکره الشارح رحمه الله لفساده یقینا.

وربما استدلوا هکذا : إنّ الظهر مبرئ للذمة یقینا ، للإجماع والعمومات علی صحته بخلاف الجمعة ، هذا بناء علی عدم النزاع فی ما ذکروه ، کما هو الظاهر منهم.

قوله : وهذه الروایة ضعیفة السند. ( 4 : 81 ).

الظاهر أنّ الروایة متفق علیها بین الأصحاب ، ویؤیّدها صحیحة عبد الرحمن الآتیة ، فالضعف منجبر ، فلا وجه لما ذکره ، نعم الاحتیاط عدم الاکتفاء حتی بمضمون الصحیحة ، وهو أمر آخر سوی الفتوی.

قوله : ولعلّه الأظهر. ( 4 : 82 ).

لم نجد وجهه ، وما ذکره من أنّ الجماعة. لم نجده إلاّ مجرّد دعوی خال عن الدلیل ، وکیف یکتفی فی العبادات التوقیفیة والبراءة الیقینیة من شغل الذمّة الیقینی بما ذکره؟.

قوله : ومقتضی ذلک اختصاص. ( 4 : 83 ).

لا شکّ فی أن ما ذکره العلاّمة نکتة لاختیار الشرع لا أنّه دلیل ، إذ

حکم من لم یتمکن من السجود مع الإمام

سنن یوم الجمعة

التنفل بعشرین رکعة

ص: 236

لا شک فی عدم صلاحیته ، فلعلّ النکتة بملاحظة وضع الجمعة لا فعلیّتها.

قوله (1) : لما رواه عبد الله بن سنان. ( 4 : 84 ).

ولما رواه فی الکافی بسنده عن الباقر علیه السلام أنّه کان یبکر یوم الجمعة إلی المسجد حین تکون الشمس قید رمح (2).

قوله : فلم أقف فیه علی أثر. ( 4 : 85 ).

یمکن إدخاله فی ما ورد من الأمر بالتزیّن یوم الجمعة (3). ( فلا خفاء ولا تأمّل ، بل ورد فی بعض الأخبار أنّ الصادق علیه السلام کان یحلق رأسه فی کلّ جمعة ) (4) (5).

قوله : لقصور سند الحدیث. ( 4 : 87 ).

کثیرا ما یقول بالمسامحة فی أدلة السنن ، منها : ما مرّ فی نوافل یوم الجمعة (6) ، مع أنّ الحدیث منجبر بعمل الأصحاب.

قوله (7) : أمّا استحباب العدول مع عدم تجاوز النصف. ( 4 : 88 ).

یتحقق الدخول فی السورة بالدخول فی البسملة التی قرئت بقصد تلک السورة وبالدخول فیما بعد البسملة ، مثل أن قرأ قل هو الله أحد ، وإن

المباکرة فی المضی إلی الجمعة
حلق الرأس وأخذ الشارب
أن یسلم الإمام إذا صعد المنبر
العدول إلی سورتی الجمعة والمنافقین إن سبق بغیرهما

ص: 237


1- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
2- الکافی 3 : 429 / 8 ، الوسائل 7 : 348 أبواب صلاة الجمعة ب 27 ح 2.
3- الوسائل 7 : 395 أبواب صلاة الجمعة ب 47.
4- الکافی 6 : 485 / 7 ، الفقیه 1 : 71 / 286 ، الوسائل 2 : 107 أبواب آداب الحمّام ب 60 ح 7.
5- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
6- المدارک 4 : 84 ، 155 ، 174.
7- هذه التعلیقة لیست فی « أ ».

لم یقرأ البسملة بقصد سورة الإخلاص ، بل وإن قرأها بقصد سورة أخری علی إشکال.

ولو قرأ البسملة بقصد سورة القدر مثلا وشرع فی قراءة الإخلاص فإن کان هذا الشروع مجرّد السهو من غیر شعور وإرادة أصلا فالظاهر عدم العبرة به ، فله أن یقرأ القدر مثلا ، ولعلّ الأحوط الرجوع إلی الإخلاص بإعادة البسملة بقصدها ثم إتمام الإخلاص.

وإن کان بشعور وإرادة إلاّ أنّه سهی عن أنّه قرأ البسملة بقصد القدر وأنّه کان یرید القدر فالظاهر جواز العدول إلی الإخلاص ، لکن الأحوط العدول إلیها بإعادة البسملة بقصدها.

وإن قرأ البسملة بقصد الجحد مثلا ثمّ قرأ قل هو الله أحد فإن کان بغیر شعور وإرادة فلا عبرة به. وإن کان بهما وبالغفلة من کونه مریدا للجحد وأنّه قرأ البسملة بقصدها فإشکال ، والأقوی الرجوع إلی الحجة ، لصدق أنّه دخل وقرأ الجحد ، وحکمه عدم جواز العدول من الجحد إلی غیرها وإن کان الغیر هو سورة الإخلاص. وکذلک الحال لو قرأ البسملة بقصد الإخلاص ثم قرأ قل یا أیّها الکافرون ، فإنّ الأمر بعکس ما قلنا.

هذا کلّه بناء علی ما هو المعروف بین الفقهاء من أنّ جزئیة البسملة لسورة إنّما هی بقصد تلک السورة فی قراءة البسملة ، وأنّها جزؤها ، وأمّا علی ما اختاره بعض متأخّری المتأخّرین من أنّ الجزئیة لا تتحقّق إلاّ بضمّ أجزاء تلک السورة (1) فبقراءة قل هو الله ، دخل فی سورة الإخلاص وإن قرأ البسملة بقصد الجحد ، وفی العکس بالعکس ، ولکنّه مشکل بغیر

ص: 238


1- الذخیرة : 281.

إشکال.

والحاصل : أنّه لا بدّ من الصدق العرفی والعمل بمقتضاه ، وإن لم یتحقّق أو لم یعرف فیترک العدول إن لم یتحقّق الإشکال ، وإلاّ فیترک تلک الصلاة وتعاد حتی یخلص من الإشکال ، ویتحقّق الامتثال والبراءة للذمّة یقینا أو عرفا.

قوله : ویدل علیه روایات. ( 4 : 88 ).

هذا الاستدلال لا یناسب المصنف ومن وافقه فی القول بعدم جواز العدول من الجحد والتوحید هنا أیضا.

وأیضا الروایتان تدلان علی العدول منهما مطلقا ، فاللازم منهما جوازه فی غیرهما بطریق أولی ، فیخالف ما ذکره بقوله : فلا خلاف بین الأصحاب ، والظاهر عدم الخلاف کما قال.

قوله : فلم أقف له علی مستند. ( 4 : 88 ).

الظاهر شمول الروایتین لظهر الجمعة وصلاة الجمعة جمیعا ، وشمولهما للعدول عن الجحد بالإجماع المرکب وعدم القول بالفصل ( مع عموم روایات دالة علی جواز العدول مطلقا ، والجحد والإخلاص وإن خرجا إلاّ أنّهما خرجا معا ، ولمّا خرج الإخلاص فی المقام ظهر دخولها فی العمومات الدالة علی الجواز ، فظهر دخول الجحد أیضا ، لأنّ المخرج عن العموم کان شاملا لهما دالا علی أنّهما معا خارجان ، مع أنّه یمکن أن یقال بالقیاس بطریق أولی ، لأنّ بعض الأخبار الخاص (1) فی منع العدول عن

ص: 239


1- فی « ب » و « ج » و « د » : خاصّ.

الإخلاص (1) یظهر [ منه ] (2) أنّ المنع فیها أهمّ فی نظر الشارع ، فتأمّل ) (3).

قوله : واعترف الشهید فی الذکری. ( 4 : 88 ).

فی الفقه الرضوی علی ما ( فی نسختی ) (4) : « وتقرأ فی صلاتک کلّها یوم الجمعة ولیلتها : الجمعة والمنافقین وسبّح اسم ربّک ، وإن نسیتها أو فی واحدة منها فلا إعادة علیک ، فإن ذکرتها من قبل أن تقرأ نصف سورة فارجع إلی الجمعة ، وإن لم تذکر إلاّ بعد ما قرأت نصف سورة فامض فی صلاتک » (5). لکن هذا یناسب رأی الشهید رحمه الله فی الذکری والدروس وابن إدریس من اعتبار عدم بلوغ النصف (6) ، بل فی الذکری نسبه إلی الأکثر.

وأمّا الموافق لمذهب المصنّف والشیخین والعلاّمة من اعتبار عدم تجاوز النصف (7) ما رواه البزنطی عن أبی العبّاس فی الرجل یرید أن یقرأ سورة فیقرأ أخری ، قال : « یرجع إلی التی یرید وإن بلغ النصف » (8) وحیث ظهر عدم الخلاف فی نفس القید فالروایتان منجبرتان به متأیّدة کل منهما بالأخری ، فتأمّل جدا.

قوله : بمجرّد الشروع. ( 4 : 89 ).

ص: 240


1- دعائم الإسلام 1 : 161 ، المستدرک 4 : 200 أبواب القراءة فی الصلاة ب 27 ح 1.
2- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.
3- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
4- بدل ما بین القوسین فی « ب » و « ج » و « د » : سیجی ء.
5- فقه الرضا علیه السلام : 130 ، المستدرک 4 : 223 أبواب القراءة فی الصلاة ب 53 ح 1.
6- الذکری : 195 ، الدروس 1 : 173 ، ابن إدریس فی السرائر 1 : 222 ، 297.
7- المقنعة : 147 ، النهایة : 77 ، والإرشاد 1 : 254.
8- الذکری : 195 ، الوسائل 6 : 101 أبواب القراءة فی الصلاة ب 36 ح 3.

کما ذکره المصنف ، وقیل : ظاهر کلام ابن الجنید أیضا (1) ، وإنّ المرتضی نقل الإجماع علی عدم العدول مطلقا (2) ، ومع ذلک ، المشهور جواز العدول فی یوم الجمعة إلی الجمعة والمنافقین ما لم یتجاوز النصف أو لم یبلغه ، کما مرّ.

واشتراط المحقّق الشیخ علی والشهید الثانی کون الشروع فی قراءة التوحید والجحد نسیانا ، بأن کان قصد المصلّی قراءة الجمعة والمنافقین فقرأهما (3) ، لعدم دلالة الدلیل علی أزید من ذلک ، فلاحظ وتأمّل.

قوله ( وَانْحَرْ ) . ( 4 : 92 ).

وروی عن علیه السلام أنّه رفع الیدین عند تکبیرة الافتتاح وغیرها (4) ، وغیر ذلک.

قوله : وفی موثقة سماعة. ( 4 : 94 ).

یظهر من موثقة سماعة أنّ المراد من الإمام غیر إمام الجماعة ، بل الإمام علیه السلام أو المنصوب من قبله ونائبه الخاص ، حیث قال للصادق علیه السلام : متی یذبح؟ قال : « إذا انصرف الإمام » ، قلت : فإن کنت فی أرض لیس فیها إمام فأصلّی بهم جماعة؟ فقال : « إذا استقلّت الشمس » وقال : « لا بأس أن تصلّی وحدک ، ولا صلاة إلاّ مع إمام » (5) ویظهر منها أنّ التنکیر والجماعة لا شهادة لهما.

صلاة العیدین

شرائط صلاة العیدین

ص: 241


1- قاله الشهید فی الذکری : 195 ، والسبزواری فی الذخیرة : 280.
2- الانتصار : 44.
3- المحقق الکرکی فی جامع المقاصد 2 : 280 ، الشهید الثانی فی روض الجنان : 270.
4- الوسائل 6 : 26 أبواب تکبیرة الإحرام ب 9.
5- التهذیب 3 : 287 / 861 ، الوسائل 7 : 474 أبواب صلاة العید ب 29 ح 3.

وورد أنّ من لم یخرج إلی الجبّانة فلیس علیه صلاة العید (1) ، وغیر ذلک.

وورد فی الأخبار أنّه ما من عید فطر أو أضحی إلاّ ویجدّد فیه بآل محمّد حزنا ، لأنّهم یرون حقّهم فی ید غیرهم (2) ، ویظهر منه أنّ صلاة العید حقّ الإمام علیه السلام ومنصبه ، یفعلها بنفسه أو بنائبه ، فإنّ فعل النائب فعل المنوب عنه ومنصبه وحقّه ، فتأمّل جدّا.

وربما یؤیّده ما ورد من أنّه بعد قتل الحسین نادی [ مناد ] (3) من بطنان العرش : « أیّتها الأمّة المتحیّرة الضالة بعد نبیها لا وفقکم الله لأضحی ولا فطر » ثم قال الصادق علیه السلام : « فلا جرم والله ما وفّقوا ولا یوفّقون حتی یثأر بثأر الحسین علیه السلام » (4).

ویؤیّده ما ورد أنّ الإمام علیه السلام علیه أن یخرج المحبوسین فی السجن وبعد الصلاة یدخلهم فیه ، ویوکّل علیهم فیما بین (5).

( ویدل صریحا علی أنّ هذه الصلاة منصب الإمام ، وصلاة الجمعة أیضا ما فی دعاء الصحیفة السجادیة : « اللهمّ إنّ هذا المقام لخلفائک » (6) إلی آخره ) (7).

ص: 242


1- التهذیب 3 : 285 / 851 ، الاستبصار 1 : 445 / 1720 ، الوسائل 7 : 423 أبواب صلاة العید ب 2 ح 9.
2- الوسائل 7 : 475 أبواب صلاة العید ب 31 ح 1.
3- ما بین المعقوفین أضفناه من المصدر.
4- الکافی 4 : 170 / 3 ، الوسائل 10 : 295 أبواب أحکام شهر رمضان ب 13 ح 2.
5- التهذیب 3 : 285 / 852 ، الوسائل 7 : 340 أبواب صلاة الجمعة ب 21 ح 1.
6- الصحیفة السجادیة : الدعاء 48.
7- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

قوله : فکلام ظاهری. ( 4 : 95 ).

لا یخفی أنّ هذا الکلام من الشارح فی غایة الحزازة ، لأنّ الشهید رحمه الله فی مقام إتیان العلّة لعدم قول أحد باعتبار الفقیه فی العیدین مع اعتبار بعضهم ذلک فی الجمعة ، مع أنّ الجمعة والعیدین حکمهما واحد عندهم إلاّ فیما شذّ ، والعلّة التی اقتضت اعتبار الفقیه مشترکة بینهما من دون تفاوت ، والنکتة التی ذکرها فی غایة الوجاهة ، لأنّ الفقهاء متفقون علی نفی الوجوب العینی فی الجمعة ، کما هو المعروف بینهم إلی مثل زمان الشارح رحمه الله والمناقشة إنّما صدرت من الشارح ومن بعده ، حتی أنّ صدورها من الشهید الثانی أیضا محلّ تأمّل علی ما عرفت ، وعلی تقدیر صدورها عنه أیضا فإنّما صدرت فی وقت تألیف الرسالة لا فی أوقات تألیفه تصنیفاته المشهورة المعروفة عنه ، فإنّه فی تلک الأوقات کان موافقا لباقی الفقهاء.

وعلی فرض أن یکون فی وقت الإتیان بهذه النکتة متأمّلا غیر موافق لسائر الفقهاء معلوم أنّه فی مقام الإتیان بالنکتة لفعل الفقهاء ، ولا شبهة فی أنّ من اعتبر الفقیه فإنّما اعتبره فی الوجوب التخییری لا العینی ، بل العینی منصب الإمام ونائبه الخاصّ ، ولا شبهة فی أنّ العیدین عندهم لیست بواجبة لا عینا ولا تخییرا.

أو بناء سرّه علی أنّ الجمعة والعیدین حکمهما واحد عندهم ، وأنّ المقتضی لنفی العینیة فی الجمعة مشترک بینها وبین والعیدین ، وهو ما ذکر ، مضافا إلی الإجماع والأخبار علی کون الصلاة منصب الإمام علیه السلام إذا وقعت علی سبیل الوجوب العینی. ولا شکّ فی أنّ الدلیل إذا اقتضی تغیّر الحکم فیهما یکون الأمر علی ما ذکره الشارح رحمه الله إلاّ أنّه ظاهر عدم اقتضائه

ص: 243

التغیّر ، بل الظاهر أنّ مقتضاه فیهما واحد ، ولذا بنی الشارح (1) علی اتحاد حکمهما ، بل عینیة الوجوب فی هذه الصلاة أخفی ، ولذا یظهر من الشارح - رحمه الله - تأمّل ما فی وجوب هذه الصلاة بخلاف الجمعة ، فإنّه فی غایة الإصرار والتشدید

علی الوجوب العینی ، فتأمّل.

قوله : وهو غیر متحقّق هنا. ( 4 : 95 ).

إن بنی علی أنّ القطع لا یحصل له فلا وجه للقدح فی الإجماع ، إذ لعله یحصل القطع لغیره ، بل لا تأمّل فی الحصول ، سیّما مع أنّ الغیر جمع کثیر من الفقهاء الفحول الماهرین المتتبّعین المطّلعین قریبی العهد بصاحب الشرع والحاضرین.

وإن بنی علی أنّ العلم بدخول قول المعصوم علیه السلام غیر ممکن فی هذه الأزمان ، والوصول إلینا من زمان المعصوم علیه السلام یخرج الخبر عن المسند ویرسله ، کما صرّح به (2) ، فقد مرّ الجواب عنه بأنّ المراد من العلم بدخول قوله موافقة قوله لأقوالهم ، وهذا ممکن یتیسّر فی جمیع الأزمان ، کما هو الحال فی ضروریات الدین والمذهب والإجماعات التی تمسّک بها الشارح رحمه الله غیر مرّة ، ویتمسّک أیضا ، بل لا یحصی من الکثرة ، وأنا أتعجّب کیف حصل فی هذا الأزمان ولا یمکن حصوله لهؤلاء الفحول المطّلعین؟ بل مرّ منه أنّ فتاوی الأصحاب تکفی للحکم الشرعی منه فی نجاسة المنی (3) وغیر ذلک.

قوله : والظاهر الاکتفاء فیه بالخمسة. ( 4 : 95 ).

تحقیق حول الإجماع المنقول بخبر واحد

ص: 244


1- فی « ب » و « ج » و « د » : الشارع.
2- المدارک 1 : 275.
3- المدارک 2 : 266.

للجواز لا للوجوب ، لأنّ کلمة « أو » یمنع من ذلک ، فیکون حالها حال صلاة الجمعة علی حسب ما مرّ.

قوله : لصحیحة الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام . ( 4 : 95 ).

فی آخر هذه الصحیحة بعد ما ذکره الشارح قال علیه السلام : « القنوت فی الرکعة الثانیة » (1) فتأمّل فیه.

قوله : وهما لا یدلان علی المنع. ( 4 : 96 ).

الشارح ربما یستدل بالدلیل الأوّل ، ومرّ وجهه مرارا.

قوله : حیث أطلق مساواتها للجمعة فی الشرائط. ( 4 : 96 ).

ویدل علی ذلک ما ورد فی أخبار کثیرة ، منها : أنّ الخطبة بعد الصلاة فی مقام بیان کیفیة صلاة العید ، مثل صحیحة ابن مسلم عن أحدهما علیهماالسلام ، فی صلاة العید ، قال : « قبل الخطبة ، والتکبیر بعد القراءة » (2). الحدیث.

وصحیحة معاویة ، قال : سألته عن صلاة العیدین ، فقال : « رکعتان » إلی قوله : « والخطبة بعد الصلاة » (3). الحدیث.

وروایة سلیمان بن خالد عن الصادق علیه السلام فی صلاة العیدین ، قال : « کبّر ستة تکبیرات » إلی أن قال : « والخطبة بعد الصلاة » (4) إلی غیر ذلک من الأخبار ، منها : صحیحة یعقوب بن یقطین الآتیة فی بحث القنوت (5)

حکم الخطبتین

ص: 245


1- الفقیه 1 : 331 / 1489 ، الوسائل 7 : 482 أبواب صلاة العید ب 39 ح 1 ، بتفاوت.
2- التهذیب 3 : 287 / 860 ، الوسائل 7 : 435 أبواب صلاة العید ب 10 ح 5.
3- الکافی 3 : 460 / 3 ، التهذیب 3 : 129 / 278 ، الوسائل 7 : 434 أبواب صلاة العید ب 10 ح 2.
4- التهذیب 3 : 130 / 281 ، الاستبصار 1 : 448 / 1735 ، الوسائل 7 : 436 أبواب صلاة العید ب 10 ح 9.
5- المدارک 4 : 103.

وغیرها.

ویدل أیضا صحیحة زرارة الآتیة عند قول المصنف رحمه الله : ولو فاتت لم تقض (1) ، فلاحظ.

وأیضا لا تأمّل فی أنّ النبی صلی الله علیه و آله وغیره من الخلفاء ، ومنهم أمیر المؤمنین والحسن علیهماالسلام کانوا یأتون بالخطبة بعد الصلاة ، ولذا ورد أنّ أوّل من قدّمها علیها عثمان (2) ، لا أنّه أحدثه فیها ، مع أنّ الإجماع علی عدم الإحداث ، وکونها مشروعة وموظفة بعدها ممّا لا تأمّل فیه ، فالصلاة بغیر خطبة ممّا لم یعهد فعله من الشارع ، والصلاة وظیفة شرعیة ، فیجب التأسی فیها والاقتصار فیها علی ما عهد من الشرع ، کما مرّ عن الشارح رحمه الله نظیر ذلک مرارا ، فلاحظ وتأمّل.

مع أنّ کون الصلاة اسما لمجرّد الأرکان محلّ نظر ، بل ربما کان اسما للمستجمع لشرائط الصحة ، کما علیه بعض الفقهاء (3) ، بل هو أظهر بالنظر إلی الدلیل ، کما حقّق فی محلّه.

قوله : ولا یجب استماعهما إجماعا. ( 4 : 96 ).

هذا الإجماع موقوف علی الثبوت ، ومع ذلک دلالة عدم وجوب الاستماع علی عدم الشرطیة محلّ تأمّل ، ألا تری أنّ جمعا من الأصحاب قالوا بعدم وجوب استماع خطبة الجمعة (4)؟ مع أنّ اشتراطها من

ص: 246


1- المدارک 4 : 101.
2- الکافی 3 : 460 / 3 ، التهذیب 3 : 129 / 278 ، المقنعة : 202 - 203 ، الوسائل 7 : 440 أبواب صلاة العید ب 11 ح 1 ، 2.
3- منهم العلاّمة فی القواعد 2 : 136 ، وفخر المحققین فی إیضاح الفوائد 4 : 38.
4- منهم المحقق فی المعتبر 2 : 294 ، والعلاّمة فی تبصرة المتعلمین : 31 ، والمحقق الأردبیلی فی مجمع الفائدة 2 : 384.

ضروریات الدین ، فتأمّل.

قوله : لانتفاء ما یدل علی العموم فی من تجب علیه. ( 4 : 96 ).

لا یخفی أنّه ورد فی الأخبار أنّ صلاة العیدین فریضة ، منها صحیحة جمیل الآتیة (1).

قوله : أی لا صلاة واجبة. ( 4 : 99 ).

یمکن أن یکون المراد : بحسب نفس الأمر وتقدیر الشارع لا صلاة (2) إلاّ مع الإمام ، وأمّا مع خفاء الإمام وعدم بسط یده وعدم تمکن الشیعة من الصلاة معه أو مع من نصبه تجوز الصلاة وحده وتکون مأمورا بها ، إلاّ أنّ الإجماع الذی ادعوه وما أشرنا إلیه مما یشهد علی کونه حقا یدل علی الندب ، فتأمّل جدّا.

قوله (3) : أذانهما طلوع الشمس ». ( 4 : 99 ).

وجه الدلالة أنّ الأذان إعلام وقت الصلاة ، مع أنّ الخروج مستحب ، فتدل علی جواز الصلاة لو لم یخرجوا.

قوله : إلاّ إذا وصل فی حال الخطبة. ( 4 : 101 ).

روی الشیخ فی الصحیح عن زرارة عن الصادق علیه السلام أنّه قال : أدرکت الإمام علی الخطبة ، قال : « تجلس حتی تفرغ ثم تقوم وتصلّی » قلت : القضاء أوّل صلاتی أو آخرها؟ قال : « لا بل أوّلها ، ولیس ذلک إلاّ فی هذه الصلاة » قلت : فما أدرکت مع الإمام من الفریضة وما قضیت ، قال : « أمّا

حکم صلاة العیدین مع فقد بعض الشرائط

وقت صلاة العیدین

سقوطها بفوات الوقت

ص: 247


1- انظر المدارک 4 : 104.
2- فی « ج » و « د » زیادة : صحیحة.
3- هذه التعلیقة لیست فی « أ ».

ما أدرکت من الفریضة فهو أوّل صلاتک ، وما قضیت فآخرها » (1).

وهذه الروایة تدل علی قضاء هذه الصلاة علی من أدرک الخطبة وکون الخطبة آخر الصلاة أدرکها أداء ، والقضاء أوّلها وهو نفس الصلاة ، وتدل علی وجوب الخطبة بل کونها آخر الصلاة ومن تتمتها ، حتی أنّه لا یجوز الصلاة حتی یفرغ الإمام ، وفیها إشعار بوجوب استماع الخطبة ، فتأمّل.

قوله : وظاهر الأمر. ( 4 : 104 ).

وفی الفقیه عن علل الفضل ، عن الرضا علیه السلام ما یدل علی وجوب التکبیرات وکونها اثنتی عشرة (2).

قوله : وهو حسن. ( 4 : 107 ).

لا حسن فیه ، بل لا معنی لما ذکره ، لأنّ ذکر ابن بابویه فی کتابه وعمله به لا یقتضی عدم الموافقة للعامة ، لأنّه رحمه الله أورد کثیرا من الأخبار الموافقة لهم ، وعمل بها لاعتقاده بصحتها ، بل غالب ما حمله الشارح وغیره علی التقیّة لیس ممّا اتفق علیه ، ومرّ الکلام فی ذلک فی بحث الجهر والإخفات فی قراءة الصلاة (3).

قوله : للأمر به. ( 4 : 107 ).

روایة یعقوب مع صحتها دلالتها واضحة ، ولیست منحصرة فی الأمر ، فإنّه قال : سألت الکاظم علیه السلام عن التکبیر فی العیدین ، أقبل القراءة أم بعدها؟ وکم عدد التکبیر فی الاولی والثانیة والدعاء بینها؟ وهل فیها قنوت

کیفیة صلاة العیدین

محل التکبیرات
حکم القنوت

ص: 248


1- التهذیب 3 : 136 / 301 ، الوسائل 7 : 425 أبواب صلاة العید ب 4 ح 1.
2- الفقیه 1 : 330 / 1488 ، الوسائل 7 : 433 أبواب صلاة العید ب 10 ح 1.
3- راجع ص 52 - 58.

أم لا؟ فقال تکبیر العیدین للصلاة قبل الخطبة یکبّر [ تکبیرة ] یفتتح بها ، ثم یقرأ ویکبّر خمسا ویدعو بینها ، ثم یکبّر اخری یرکع بها ، ثم یکبّر فی الثانیة خمسا یقوم ویقرأ ، ثم یکبّر أربعا ویدعو بینهنّ ، ثم یکبّر الخامسة (1). فالدلالة فیها من وجوه متعدّدة ، منها الأمر ، ومنها أنّه سئل أنّه هل فیها قنوت أم لا؟ فأجاب : نعم ، والظاهر أنّ مراده بعنوان الوجوب ، کما هو الظاهر من السیاق ، ومنها ذکرها علی نهج الواجبات الأخر.

ویدل علی الوجوب روایة علی بن أبی حمزة عن الصادق علیه السلام ، وادعی الشیخ إجماع الشیعة علی العمل بروایته (2) - أنّه سأله عن صلاة العیدین ، قال : یکبّر ثم یقرأ ، ثم یکبّر خمسا ، فیقنت بین کلّ تکبیرتین ، ثم یکبّر السابعة فیرکع بها ، ثم یقوم ویقرأ ویکبّر أربعا ، فیقنت بین کلّ تکبیرتین (3). وفیها الدلالة من جهتین : من الأمر ومن الذکر فی مقام بیان الصلاة للسائل الذی سأل عن البیان. وکذا الحال فی روایة إسماعیل بن جابر.

ویدل أیضا روایة بشیر بن سعید عن الصادق علیه السلام ، قال : « تقول فی دعاء العیدین بین کل تکبیرتین : الله ربی. » (4) ویدل أیضا روایات کثیرة سنذکرها فی بحث عدد القنوت ، فلاحظ.

قوله : لا تنهضان حجّة فی إثبات حکم مخالف للأصل. ( 4 : 107 ).

ص: 249


1- التهذیب 3 : 132 / 287 ، الاستبصار 1 : 449 / 1737 ، الوسائل 7 : 435 أبواب صلاة العید ب 10 ح 8 ، بتفاوت.
2- انظر العدّة 1 : 381.
3- الکافی 3 : 460 / 5 ، التهذیب 3 : 130 / 279 ، الاستبصار 1 : 448 / 1734 ، الوسائل 7 : 434 أبواب صلاة العید ب 10 ح 3.
4- التهذیب 3 : 286 / 856 ، الوسائل 7 : 469 أبواب صلاة العید ب 26 ح 4.

قد عرفت أنّ الروایات کثیرة فی غایة الکثرة ، وبعضها صحیح ، والدلالة واضحة متأکّدة ، مع أنّ الأمر وما فی معناه حقیقة فی الوجوب مسلّم عند المحققین ، ومنهم الشارح رحمه الله فإنّه کثیرا ما یستدل بالجملة الخبریة علی الوجوب ، ویستدل أیضا بالذکر فی مقام البیان علیه ، ویستدل أیضا بالسیاق ومقتضاه.

قوله : بعدّة أخبار واردة فی مقام البیان. ( 4 : 107 ).

لم نجد ما ذکره سوی روایة معاویة ( بن وهب (1) (2) وهی مع الإضمار ، فی سندها محمد بن عیسی عن یونس ، والشارح رحمه الله کثیرا ما یطعن من جهته (3) ، ومع ذلک تتضمّن ذکر مستحبات کثیرة ، فلیست مقصورة فی بیان الواجبات ، ولا شکّ فی کون القنوت من الراجحات المؤکّدة ، فربما ترک ذکر القنوت ، لغایة وضوح کون التکبیرات تکبیرات القنوت ، وأنّ المعهود المعروف ذکر القنوت بینها ، کما یشهد علیه صحیحة ابن مسلم (4) التی سیذکرها الشارح رحمه الله والشهادة ظاهرة علی الفطن.

مع أنّ فی روایة معاویة : أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله صنع کذلک ، وغیر خفی أنّ الرسول صلی الله علیه و آله ما کان یترک القنوت ، وما کان یکبّر ولاء ، وهذا ینادی إلی ما ذکرناه.

نعم فی روایة سلیمان بن خالد عن الصادق علیه السلام فی صلاة العیدین ، قال : « کبّر ستّ تکبیرات وارکع بالسابعة ، ثم قم فی الثانیة ، فاقرأ ثم کبّر

ص: 250


1- الکافی 3 : 460 / 3 ، التهذیب 3 : 129 / 278 ، الاستبصار 1 : 448 / 1733 ، الوسائل 7 : 434 أبواب صلاة العید ب 10 ح 2.
2- ما بین القوسین لیس فی « أ » والمصادر ، وفی الوسائل : معاویة یعنی ابن عمّار.
3- انظر المدارک 1 : 111 ، 2 : 169 ، 3 : 350 ، 6 : 96.
4- المدارک 4 : 108.

أربعا ، وارکع بالخامسة » (1) لکنّها ضعیفة السند وضعیفة الدلالة أیضا ، إذ ظاهر أنّها لیست فی مقام بیان جمیع ما هو واجب فیها ، وما بیّن المعصوم علیه السلام جمیعها ، فظهر أنّ السؤال کان عن أمر خاصّ ، ولذا قال علیه السلام - بعد ما ذکرنا - : « والخطبة بعد الصلاة » هذا مضافا إلی ما ذکرناه فی روایة معاویة.

وممّا ذکر ظهر حال صحیحة ابن مسلم عن أحدهما علیهماالسلام أیضا فی صلاة العیدین ، قال : « الصلاة قبل الخطبتین ، والتکبیر بعد القراءة ، سبع فی الأولی ، وخمس فی الأخیرة ، وکان أوّل من أحدثها بعد الخطبة عثمان » الحدیث (2) ، إذ یظهر من الجواب أنّ السؤال کان عن الأمور المذکورة خاصّة لا عن مجموع الماهیة ، هذا مضافا إلی ما ذکرنا ، والروایات التی ذکرها الشارح منحصرة فی ما ذکرنا ، وعلمت حال الکلّ ، وأنّها أضعف ممّا دلّ علی وجوب القنوت ، فکیف تقاومه؟ مع أنّ أکثریة الفتوی أیضا ربما یؤیّد ، بل المخالف نادر جدّا ، فتأمّل.

قوله : لصحة مستنده. ( 4 : 108 ).

لکن تضمّنها لذکر الأشباه یفید عدم التفاوت بینها وبین ما تتضمّنه روایة إسماعیل ، فلا وجه لما ذکره من أنّ العمل علی الأوّل.

قوله : لأنّه إذا کانت التکبیرات أربعا. ( 4 : 109 ).

فی الفقه الرضوی : « وتکبّر فی الرکعة الأولی بسبع تکبیرات ، وفی الثانیة خمس تکبیرات تقنت بین کل تکبیرتین » (3).

وجوب قراءة سورة بعد الحمد فی صلاة العیدین

ص: 251


1- التهذیب 3 : 130 / 281 ، الاستبصار 1 : 448 / 1735 ، الوسائل 7 : 436 أبواب صلاة العید ب 10 ح 9.
2- التهذیب 3 : 278 / 860 ، الوسائل 7 : 441 أبواب صلاة العید ب 11 ح 2.
3- فقه الرضا علیه السلام : 131 ، المستدرک 6 : 126 أبواب صلاة العید ب 7 ح 4.

وفی الروایة التی هی سند القنوت المشهور المعروف عن محمد بن عیسی بن أبی منصور ، عن الصادق علیه السلام ، قال : « تقول بین کلّ تکبیرتین فی صلاة العیدین : اللهمّ أهل الکبریاء والعظمة. » (1) وهذه مطلقة تشمل کلّ تکبیرتین ، ومثلها روایة جابر عن الباقر علیه السلام (2) ، وکذا روایة بشیر بن سعید عن الصادق علیه السلام (3) ، وکذا صحیحة (4) محمد بن مسلم عن أحدهما علیهماالسلام (5).

وروایة محمد بن الفضیل عن أبی الصباح (6) صریحة فی کون القنوت فی الأولی خمسة ، کلّ واحد بین کلّ تکبیرتین ، وفی الثانیة أربعة ، وصریحة علی الظاهر فی عدم کون القنوت فی الثانیة ثلاثة بل أزید ، وإن کانت ربما یتراءی دلالتها علی مذهب ابن الجنید (7) ، لکنّه لیس کذلک ، بل لیس فیها إلاّ التقدیم الذکری ، وبلفظ واو ، وهو لا یفید الترتیب ، بل یفید الجمعیة فقط ، فلاحظ وتأمّل ، مع أنّ الشارح ربما لا یحمل مثلها علی التقیّة ، بل یقول بکونه حقّا.

والروایات التی ذکرها الشارح رحمه الله ظاهرة فی ما ذکره ، والظاهر لا یعارض الصریح ، بل ولا الظاهر الذی موافق لفتوی المعظم ، لصیرورته بذلک أقوی ، فیمکن حمل ما ذکرها علی أنّ المراد من کلمة « بین » معنی :

ص: 252


1- التهذیب 3 : 139 / 314 ، الوسائل 7 : 468 أبواب صلاة العید ب 26 ح 2.
2- التهذیب 3 : 140 / 315 ، الوسائل 7 : 468 أبواب صلاة العید ب 26 ح 3.
3- التهذیب 3 : 286 / 856 ، الوسائل 7 : 469 أبواب صلاة العید ب 26 ح 4.
4- فی « ج » و « د » : روایة.
5- التهذیب 3 : 288 / 863 ، الوسائل 7 : 467 أبواب صلاة العید ب 26 ح 1.
6- التهذیب 3 : 132 / 290 ، الاستبصار 1 : 450 / 1743 ، الوسائل 7 : 469 أبواب صلاة العید ب 26 ح 5.
7- حکاه عنه فی الذکری : 241.

مع ، أو : بعد ، أو یکون الضمیر فی « بینهنّ » راجعا إلی مجموع التکبیرات ، وذلک لأنّه لمّا کان فی شرف البینونة ویصیر فی المآل بینا ووسطا أطلق علیه لفظ البین ، فتأمّل.

وربما کان الظاهر من التکبیرتین هو المتواصلتین ، سیّما بضمیمة الإجماع علی عدم کون القنوت فی الأولی ستّا ، وأنّه یظهر من الأخبار أنّ القنوت بعد القراءة وتکبیرة له ، وأنّها من آدابه وأحکامه ، فتدبّر.

( وفی دعائم الإسلام عن الصادق علیه السلام : وصلاة العید رکعتان یبدأ بتکبیرة یفتتح بها ، ثمّ یقرأ فاتحة الکتاب والشمس وضحیها ، ویکبّر خمس تکبیرات ، ثمّ یکبّر للرکوع - إلی أن قال - : ویتشهّد ویسلّم ویقنت بین کلّ تکبیرتین قنوتا خفیفا (1).

وفی علل الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام : « فإن قال : فلم جعل اثنتا عشرة تکبیرة؟ قیل : لأنّه یکون فی الرکعتین اثنتا عشرة تکبیرة ، فإن قال : فلم جعل فی الأولی سبع وفی الثانیة خمس ولم یسو بینهما؟ قیل : لأنّ السنّة فی الفریضة أن یفتتح بسبع تکبیرات ، فلذا بدأ هنا بسبع تکبیرات وجعل فی الثانیة خمس تکبیرات ، لأنّ التحریم من التکبیر فی الیوم واللیلة خمس تکبیرات » (2) الحدیث ، فلاحظ علل الصدوق ) (3).

قوله : لأنّها لیست أرکانا. ( 4 : 109 ).

لم نجد دلیلا علی عدم الرکنیة ، مع أنّ الأصل فی أجزاء العبادات

حکم نسیان التکبیرات أو بعضها

ص: 253


1- دعائم الإسلام 1 : 186 ، المستدرک 6 : 125 أبواب صلاة العید ب 7 ح 3.
2- علل الشرائع : 270 ، عیون الأخبار 2 : 114 ، الوسائل 7 : 433 أبواب صلاة العید ب 10 ح 1.
3- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

الرکنیة ، لأنّ مع ترک الجزء لا یکون المکلّف آتیا بالمأمور به علی وجهه ، فلا یکون ممتثلا ، لأنّ الامتثال هو الإتیان بما أمر به ، ومع الترک لا یکون ما بقی عین ما أمر به جزما ، ولم یرد أمر آخر بالنسبة إلی ما بقی.

وأمّا عموم قوله علیه السلام [ فهو ] (1) فرع ظهور الشمول لمثل هذه الصلاة ، وهو محلّ تأمّل ، والشارح رحمه الله کثیرا ما یقول : الإطلاق ینصرف إلی الفرائض الیومیة ، فتأمّل.

قوله : إلاّ مکّة زادها الله شرفا. ( 4 : 111 ).

لیس طریقة الشارح رحمه الله العمل بالخبر الضعیف ، سیّما مع معارضته للصحاح الکثیرة ، فضلا عن أن یقدّم علیها ، والحق التخصیص ، لانجباره بعمل الأصحاب.

قوله : وهذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب. ( 4 : 113 - 114 ).

والصدوق فی أمالیه نسبه إلی الإمامیة بأنّ السنّة جرت کذلک (2).

قوله : لمن کان به علّة. ( 4 : 114 ).

وإن ورد بالإفطار بها بعض الأخبار (3) ، لضعف السند ، وعدم الانجبار ، بل الشذوذ ، فتأمّل.

قوله : صلاة الظهرین. ( 4 : 115 ).

روی فی الفقیه روایة سعید النقّاش ، ثم قال : وفی غیر روایة سعید : « وفی صلاة الظهر والعصر » (4).

سنن صلاة العیدین

الإصحار بها
الأکل قبل الخروج فی الفطر وبعد العود فی الأضحی.

ص: 254


1- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.
2- أمالی الصدوق : 517 ، 518.
3- فقه الرضا علیه السلام : 210 ، المستدرک 6 : 130 أبواب صلاة العید ب 10 ح 2.
4- الفقیه 2 : 108 / 464 ، الوسائل 7 : 456 أبواب صلاة العید ب 20 ح 3.

قوله : وإن ضعف سندها. ( 4 : 115 ).

والصدوق فی العیون روی بطریق معتبر أنّ ممّا کتب الرضا علیه السلام للمأمون من محض الإسلام : والتکبیر فی العیدین واجب فی الفطر عقیب خمس صلوات أوّلها المغرب ، وفی الأضحی عقیب عشرة صلوات بغیر منی ، وخمس عشر بمنی (1) ، وما کتب من محض الإسلام کلّها علی وفق مذهب الشیعة.

ومع ذلک یشکل إثبات الوجوب من جهة السند والدلالة أیضا ، لعدم ثبوت الحقیقة الشرعیة فی مثل لفظ الوجوب ، ومن حیث المعارضة لروایة سعید النقاش ، بل هی أقوی دلالة علی الاستحباب ، کما قاله الشارح رحمه الله ومن جهة أنّه لو کان واجبا لشاع وذاع ، لعموم البلوی بمقتضی العادة لا أن یکون الأمر بالعکس ، حتی أنّ الصدوق رحمه الله یظهر من کلامه فی أمالیه أنّ الإمامیة مجمعة علی الاستحباب ، لأنّه قال : من دین الإمامیة أنّه جرت السنّة فی الإفطار یوم النحر بعد الرجوع من الصلاة ، وفی الفطر قبل الخروج إلیها ، والتکبیر فی أیّام التشریق بمنی (2). إلی آخر ما قال ، ولا یخفی الظهور فی الاستحباب.

وروی فی التهذیب عن علی بن جعفر عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن التکبیر أیام التشریق أواجب أم لا؟ قال : « یستحب ، وإن نسی فلا شی ء علیه » (3) قال : سألته : وهل النساء علیهنّ تکبیر أیّام التشریق؟

التکبیر فی العیدین

ص: 255


1- عیون الأخبار 2 : 124 ، تحف العقول : 315 ، الوسائل 7 : 456 أبواب صلاة العید ب 20 ح 5.
2- أمالی الصدوق : 518.
3- التهذیب 5 : 488 / 1745 ، الوسائل 7 : 461 أبواب صلاة العید ب 21 ح 10.

قال : « نعم ولا یجهرن » (1) وهذا الخبر فی غایة الوضوح فی عدم الوجوب ، مع موافقته للمشهور وما ذکرناه.

قوله (2) : فلقوله فی صحیحة زرارة. ( 4 : 117 ).

لا یخفی أنّ ظاهرها عدم المشروعیة وعدم الجواز ، کما نقل عن أبی الصلاح وابن حمزة وابن البرّاج (3) ، ویدل علیه أیضا صحیحة زرارة - المرویة فی التهذیب فی باب المواقیت ، وقیل باب الأذان والإقامة - عن الباقر علیه السلام : « لا تقض وتر لیلتک إن فاتک حتی تصلّی الزوال یوم العیدین » (4).

وفی روایة أخری ضعیفة عن زرارة عنه علیه السلام : « إنّ صلاة العیدین مع الإمام سنّة لیس قبلها ولا بعدها صلاة ذلک الیوم إلی الزوال ، وإن فاتک الوتر فی لیلتک قضیته بعد الزوال » (5).

وفی صحیحة ابن سنان : « صلاة العید رکعتان لیس قبلهما ولا بعدهما شی ء » (6) الحدیث. ولعل المراد : شی ء من الصلاة بملاحظة الأخبار والفتاوی ، سیّما مثل ما رواه فی ثواب الأعمال بسنده إلی الحلبی أنّه سأل الصادق علیه السلام عن صلاة العیدین ، هل قبلهما صلاة أم بعدهما؟ قال : « لیس قبلهما ولا بعدهما شی ء » (7) ویحتمل اتحاد هذه الروایة مع صحیحة ابن

حکم التنفل قبل الصلاة وبعدها

ص: 256


1- التهذیب 5 : 488 / 1745 ، الوسائل 7 : 463 أبواب صلاة العید ب 22 ح 1.
2- هذه التعلیقة والتی بعدها لیست فی « ا ».
3- نقله عنهم الشهید فی الذکری : 240 ، والفاضل الهندی فی کشف اللثام 1 : 263.
4- التهذیب 2 : 274 / 1088 ، الوسائل 7 : 430 أبواب صلاة العید ب 7 ح 9.
5- التهذیب 3 : 129 / 277 ، الوسائل 7 : 420 أبواب صلاة العید ب 1 ح 3.
6- التهذیب 3 : 128 / 271 ، الاستبصار 1 : 446 / 1722 ، الوسائل 7 : 429 أبواب صلاة العید ب 7 ح 7.
7- ثواب الأعمال : 78 ، الوسائل 7 : 429 أبواب صلاة العید ب 7 ح 6.

سنان ، لأنّ هذه الروایة عن عبد الله بن سنان عن الحلبی عن الصادق علیه السلام ، فلعل فی الصحیحة سقط لفظ ( عن الحلبی ) سهوا [ إذ ] (1) یبعد کون عبد الله یروی بغیر واسطة أیضا ولا یذکر فی الروایة الأخری ، أو بواسطة ولا یذکر فی الآخری مع اتحاد الحکم.

وفی الکتاب المذکور أیضا روی فی الصحیح عن عبد الله بن سنان عن الصادق علیه السلام : « وصلاة العیدین رکعتان لیس قبلهما ولا بعدهما شی ء » (2).

وفی الصحیح أیضا عن ابن مسلم عن الصادق علیه السلام : « إنّ صلاة العیدین لیس فیها أذان ولا إقامة ، ولیس قبل الرکعتین ولا بعدهما صلاة » (3).

وفی الصحیح عن زرارة عن الباقر علیه السلام : « أنّه « لیس یوم الفطر ولا یوم الأضحی أذان ولا إقامة ، أذانهما طلوع الشمس ، إذا طلعت خرجوا ، ولیس قبلهما ولا بعدهما صلاة ، ومن لم یصلّ مع إمام فی جماعة فلا صلاة له ولا قضاء علیه » (4).

قوله : عن أبی عبد الله علیه السلام . ( 4 : 119 ).

وفی دعائم الإسلام أیضا روی هکذا (5) ، وظهور الکلّ فی الاختصاص ظاهر بلا شبهة.

قوله : بأنّ دلیل الحضور فیهما قطعی. ( 4 : 120 ).

لا یخفی أنّه قطعی السند لا الدلالة ، لأنّ دلالة العموم ظنّیة ، فیکافئها

ص: 257


1- بدل ما بین المعقوفین فی النسخ : أما ، والأنسب ما أثبتناه.
2- ثواب الأعمال : 78 ، الوسائل 7 : 429 أبواب صلاة العید ب 7 ح 7.
3- ثواب الأعمال : 78 ، الوسائل 7 : 428 أبواب صلاة العید ب 7 ح 4.
4- الکافی 3 : 59 / 1 ، التهذیب 3 : 129 / 276 ، الوسائل 7 : 429 أبواب صلاة العید ب 7 ح 5.
5- دعائم الإسلام 1 : 187 ، المستدرک 6 : 132 أبواب صلاة العید ب 12 ح 2.

الخبر المعمول به عند الأصحاب ، سیّما إذا کان صحیحا ومتأیّدا بغیره من الأخبار ، وکذا ظاهر الکتاب وما وافقه من الأخبار.

قوله : « قبل الخطبتین ». ( 4 : 120 ).

الظاهر سقوط عبارة : والتکبیر.

قوله : وادعی علیه الإجماع. ( 4 : 121 ).

مرّ فی بحث شرائط الجمعة أنّ الشیخ یقول بکون الخطبتین شرطا فی صلاة العید ، وأنّ هذا ظاهر کلام المصنّف رحمه الله أیضا ، ومرّ کلامنا فی ذلک.

قوله : من الجمل الخبریة. ( 4 : 121 ).

الشارح رحمه الله فی غالب المواضع یستدل بالجملة الخبریة علی الوجوب ، ولا تأمّل فی ظهورها فیه ، کما لا یخفی ، ومرّ فی بحث شرائط هذه الصلاة ما ذکرنا ممّا یشهد علی الوجوب (1).

قوله : وهو دلیل قوی علی الاستحباب. ( 4 : 121 ).

فیه تأمّل قد أشرنا إلی وجهه فی بحث الشرائط (2).

قوله : مشترک بین الثقة والضعیف. ( 4 : 123 ).

قد حققنا أنّه مشترک بین الثقتین ، وعلی المشهور مشترک بین الثقة والموثق لا الضعیف ، وقد مرّ الکلام فی ذلک (3).

قوله : لقول النبی صلی الله علیه و آله . ( 4 : 128 ).

ولقول النبی صلی الله علیه و آله : « فإذا انکسفتا أو واحدة منهما فصلّوا » (4).

مسائل

الخطبتان فی العیدین بعد الصلاة
عدم وجوب استماع الخطبة
أبو بصیر مشترک بین الثقتین

صلاة الکسوف

وقت صلاة الکسوف

ص: 258


1- راجع ص 245 و 246.
2- راجع ص 246.
3- انظر ص 119 وج 1 : 96 ، وج 2 : 114.
4- الکافی 3 : 463 / 1 ، التهذیب 3 : 154 / 329 ، المحاسن : 313 / 31 ، الوسائل 7 : 485 ، أبواب صلاة الکسوف ب 1 ح 10.

قوله : وقول الصادق علیه السلام . ( 4 : 128 ).

فی صحیحة جمیل - بعد ما ذکره الشارح - قال علیه السلام : « عند طلوع الشمس وعند غروبها » (1) ، وهذه الأخبار ظاهرة فی کون هذه الصلاة موقّتة ، فتأمّل.

قوله : لإطلاق الأمر. ( 4 : 130 ).

فی التمسّک بالإطلاق تأمّل ظاهر ، وکذا قوله : وعدم. بل المتمسّک لیس إلاّ الاستصحاب ، وهو حجّة ، لکن الشارح رحمه الله لمّا لم یقل بحجّیته تمسّک بأمثال ما ذکره ممّا لا شهادة فیه فضلا عن الدلالة.

قوله : إنّما ثبت فی الیومیة. ( 4 : 131 ).

الأصحاب رووا عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال : « من أدرک رکعة من الصلاة فقد أدرک الصلاة » (2) ومرّ عنه أنّ عمل الطائفة علی هذه الروایات (3) ، إلاّ أن یقول : المتبادر الیومیة ، لکن ربما یستدل بأمثالها علی العموم ، کما مرّ ویجی ء ، فتأمّل.

قوله : کما هو الظاهر. ( 4 : 131 ).

للأخبار التی مرّت فی البحث السابق ، والأخبار التی سیجی ء فی بحث قضاء هذه الصلوات ، لأنّها تدل علی عدم القضاء فی بعض الصور والقضاء فی بعض آخر ، وکلّ من الحکمین یدل علی کونها موقّتة ، لأنّ عدم القضاء صریح ، والقضاء ظاهر بل وصریح أیضا. ولروایة ابن الفضل

ص: 259


1- الکافی 3 : 464 / 4 ، التهذیب 3 : 293 / 886 ، الوسائل 7 : 488 أبواب صلاة الکسوف ب 4 ح 2.
2- الذکری : 122 ، الوسائل 4 : 218 أبواب المواقیت ب 30 ح 4.
3- المدارک 3 : 93.

أنّه کتب إلی الرضا علیه السلام : إذا انکسفت الشمس وأنا راکب لا أقدر علی النزول؟ فکتب : « صلّ علی مرکبک » (1) ووجه الدلالة ظاهر. ولما سیذکر الشارح رحمه الله من قول المعصوم علیه السلام : « کلّ أخاویف السماء. » (2) ووجه الدلالة سیذکرها أیضا.

قوله (3) : وعلی الأوّل یثبت التوقیت صریحا. ( 4 : 132 ).

لأنّ المعنی أنّ غایة طلب هذه الصلاة وقوع السکون ، فلیس بعد ذلک طلب.

واعترض علیه بأنّه یحتمل أن یکون توقیتا لتکرار الصلاة - کما فی الکسوف - لا لأصلها ، بل هو أظهر ، لأنّ الشی ء إذا کان غایة لفعل لا بدّ من تکرّره قبل الغایة ، فیصحّ أن یقال : ضربته حتی قتلته ، ولا یقال : ضربت عنقه حتی قتلته (4). انتهی.

وفیه : أنّ جعله غایة للتکرار یوجب تقدیر التکرار ، والأصل عدمه ، ویوجب أیضا کون الأمر علی الاستحباب ، لما سیجی ء ، وهو أیضا خلاف الأصل ، ویوجب أیضا طلب التکرار فی غیر الکسوف ، وهو خلاف ما یظهر من الفتاوی والأخبار واستدلالهم بها ، فلاحظ ، بل الظاهر منها کون التکرار فی الکسوفین.

وأیضا فرق بین قوله تعالی : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلی

وقت صلاة الآیات فی غیر الکسوفین والزلزلة

ص: 260


1- الکافی 3 : 465 / 7 ، الفقیه 1 : 346 / 1531 ، التهذیب 3 : 291 / 878 ، الوسائل 7 : 502 أبواب صلاة الکسوف ب 11 ح 1.
2- الکافی 3 : 464 / 3 ، الفقیه 1 : 346 / 1529 ، التهذیب 3 : 155 / 330 ، الوسائل 7 : 486 أبواب صلاة الکسوف ب 2 ح 1.
3- هذه التعلیقة واثنتان بعدها لیست فی « ا ».
4- بحار الأنوار 88 : 159.

غَسَقِ اللَّیْلِ ) (1) وبین ما ذکره من قوله : ضربته حتی قتلته ، لأنّه [ إخبار ] (2) عن فعل لا یفی غالبا واحدة بالقتل ، ولأنّ الغایة فیه لا یتصور إلاّ بما ذکره ، وأمّا الآیة فیصح جعل الغایة غایة الطلب ، ولذا استدلوا علی هذا الطلب ، وجعله غایة للمطلوب یوجب التقدیر من التطویل أو التکریر أو وقته أو کونه أداء وأمثال ذلک ، والأصل عدم التقدیر ، وبالجملة : فرق بین الغایة للطلب والغایة للفعل ، إذ فی الثانی یحتاج إلی امتداد وتطویل أو تکرار بخلاف الأوّل ، وعلی تقدیر جعلها للفعل فالأقرب تقدیر الطول والامتداد لا التکرار ، لأنّ الشی ء الواحد یکون واحدا طویلا أقرب إلی نفسه من أن یکون متعدّدا ، فتأمّل.

علی أنّ الظاهر أنّ « حتی » هنا للتعلیل ، لأنّ ما بعد « حتی » داخل فیما قبله ، وجعلها بمعنی إلی مجاز لا یصار إلیه إلاّ بالقرینة ، إذ الأصل الحقیقة ، ولأنّها علی تقدیر کونها غایة یحتاج إلی عنایة علی أیّ تقدیر ، فتدبّر.

وما اعترض علی هذا الشقّ بأنّ التعلیل یمکن أن یکون للشروع فی الصلاة لا لنفس الصلاة کما إذا قیل : صلّ الصلاة الفلانیة حتی یغفر الله لک عند الشروع فیها ، ومثله کثیر فی الأخبار (3). انتهی.

فاسد ، إذ لم نجد ما ذکره سیّما وأن یکون کثیرا ، وعلی فرض الوقوع لا یصیر علّة لرفع الید عن الأصل والظاهر من حدیث آخر ، کیف؟ والعامّ استعمل فی الخاصّ إلی أن قال المحققون : ما من عامّ إلاّ وقد خصّ ، وأخبارنا لا یکاد یسلم واحد منها عن توجیه بملاحظة الأدلة الآخر من

ص: 261


1- الإسراء : 80.
2- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.
3- بحار الأنوار 88 : 159.

الأخبار وغیرها ، ولا یصیر هذا منشأ لرفع الید عن الأصل والظاهر فی غیر الموضع الذی ثبت الخلاف فیه.

قوله : فلا وجه لقولهم : إنّها تصلّی بنیّة الأداء. ( 4 : 132 ).

لعلّ الوجه أنّها أداء کما أنّها قضاء ، کما یقول بعضهم ، وهذا الوجه ظاهر.

قوله : ولا یخفی ما فیه من التکلّف. ( 4 : 133 ).

لا تکلّف بعد تحقّق الإجماع علی التوقیت ، لأنّ الإجماع کاشف عن قول المعصوم صلوات الله علیه ، فتدبّر.

قوله : ومن العجب ادعاؤه الإجماع. ( 4 : 133 ).

لا تعجّب ، إذ لا منافاة بین الفوریة والتوقیت ، بمعنی أنّه یجب الإتیان فورا عند حصول الآیة ، وأنّه إذا فاتت الفوریة یکون جمیع الأوقات وقتا للفعل علی سبیل السعة ، علی ما یشیر إلیه کلام الذکری (1).

قوله : بانتفاء ما یدل علی ثبوت الفوریة هنا. ( 4 : 133 ).

ظاهر صحیحة محمد بن مسلم وبرید بن معاویة الآتیة فی مسألة وقوع الکسوف فی وقت الفریضة الفوریة (2) ، ویؤیّدها صحیحة زرارة ومحمد السالفة (3).

ویدل علیها أیضا ظاهر روایة سلیمان الدیلمی عن الصادق علیه السلام أنّه سأله عن الزلزلة ما هی؟ - إلی أن قال - : قلت : فإذا کان ذلک فما أصنع؟ قال : « صلّ صلاة الکسوف ، فإذا فعلت خررت لله ساجدا وتقول فی

وقت الصلاة فی الزلزلة

ص: 262


1- الذکری : 244.
2- المدارک 4 : 145.
3- المدارک 4 : 127.

سجودک : یا من یمسک السموات والأرض أن تزولا - الآیة - یا من یمسک السماء أن تقع علی الأرض إلاّ بإذنه أمسک عنّا السوء إنّک علی کل شی ء قدیر » (1). فتأمّل جدّا.

نعم ظاهر صحیحة (2) ابن مسلم الآتیة فی تلک المسألة عدم الفوریة فیها إلاّ أن یحمل وقت الفریضة فیها علی المضیّق ، فتأمّل.

قوله (3) : لأنّ السبب. ( 4 : 134 ).

مراده من السبب علّة وجوب الصلاة ، وهی التضرّع والاستکانة فی الصلاة لرفع ضرر الآیة ، والله یعلم.

قوله : فقاصرة بالإرسال. ( 4 : 136 ).

إلاّ أنّها إلی حماد صحیحة ، وهو ممّن أجمعت العصابة ، فهی حجّة لمن قال بالغسل ، ومن لم یقل یحمله علی الاستحباب بملاحظة الأخبار الآخر ، تأمّل.

مع أنّ الصدوق قال فی أمالیه : من دین الإمامیة الإقرار بأنّ الغسل فی سبعة عشر موطنا ، وعدّ منها الغسل إذا احترق القرص ولم یعلم به الرجل (4) ، ویظهر منه أنّه لیس بواجب ، لأنّه عند ذکر الأغسال الواجبة صرّح بأنّها واجبة (5).

قوله : فباشتمال سنده علی جماعة من الفطحیة. ( 4 : 136 ).

هی موثقة ، والموثق حجّة ، علی ما حقّق فی محلّه ، وعلی القول

وجوب القضاء مع التفریط والنسیان

ص: 263


1- الفقیه 1 : 343 / 1517 ، علل الشرائع : 556 / 7 ، الوسائل 7 : 505 أبواب صلاة الکسوف ب 13 ح 3.
2- فی « ج » و « د » : روایة.
3- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
4- أمالی الصدوق : 515.
5- أمالی الصدوق : 515.

بعدم الحجّیة فانجبارها بالشهرة وتأیّد الأخبار السابقة فی الجملة یکفی ، لأنّ تلک الأخبار تصلح للتأیید وإن لم تکن بأنفسها حجّة ، علی أنّ الشهرة کافیة.

ویؤیّدها أیضا ما فی الکافی :

وفی روایة أخری : « إذا علم بالکسوف ونسی أن یصلّی فعلیه القضاء ، وإن لم یعلم فلا قضاء علیه ، هذا إذا لم یحترق کلّه » (1) انتهی ، وقال فی أوّله : إنّ جمیع ما فیه من الآثار الصحیحة الصادرة عن الأئمّة علیه السلام علی سبیل الیقین ، فتأمّل جدّا.

قوله (2) : تخییرا. ( 4 : 143 ).

لا یخفی أنّ التخییر أیضا خلاف ظاهر الروایتین ، بل ظاهرهما التعیین ، فتعیّن الجمع الذی یقول القائل (3) ، کما لا یخفی.

قوله : عند أکثر الأصحاب. ( 45 : 145 ).

قد مرّ عند قول المصنّف رحمه الله : وفی الزلزلة تجب وإن لم یطل المکث ، ما ینبغی أن یلاحظ لأجل المقام.

قوله : فیتخیّر المکلف بینهما. ( 4 : 145 ).

لکن الأولی تقدیم الحاضرة ، لکونها أهمّ فی نظر الشارع ، ولکون صحیحة ابن مسلم نصّا فی الأمر بالتقدیم ، بخلاف صحیحة ابن مسلم وبرید ، لاحتمال إرادة جواز تقدیم الکسوف ، لکون الأمر فیها علی صورة

حکم تزاحم صلاة الکسوف مع فریضة حاضرة

ص: 264


1- الکافی 3 : 465 / ذیل الحدیث 6 ، الوسائل 7 : 500 أبواب صلاة الکسوف ب 10 ح 3.
2- هذه التعلیقة لیست فی « أ ».
3- فی « ب » : قائلا.

الأمر الوارد فی مقام توهّم الحظر ، مع أنّ الأمر مفاد الجملة الخبریة ، ولیس بمثابة الأمر بالصیغة ، لأنّه أقوی ، کما لا یخفی. مع أنّ الشارح ربما یتأمّل فی إفادتها الوجوب (1).

ویؤیّده صحیحة ابن مسلم الآتیة (2) ، فتأمّل ، فإنّ (3) الظاهر منها خوف فوت وقت الفضیلة للفریضة لا الإجزاء ، ولعل ذلک یظهر أیضا من الأخبار فی أوقات الفرائض.

وأیضا وقت الآیة فی الغالب بحیث لا یأمن المکلّف من انقضائه لو اشتغل بالفریضة الیومیة أوّلا ، ولا یکون له وثوق بدرکه لصلاتها فی وقتها علی سبیل الاطمئنان إن قدّم الحاضرة وفعلها علی الاطمئنان ، فلعل صحیحة ابن مسلم وبرید محمولة علی هذا ، فهذا أیضا یؤیّد صحیحة ابن مسلم ، ویضعّف هذه الصحیحة.

ویؤیّد صحیحة ابن مسلم أنّ الراوی سأل بعد ما ذکره الشارح منها : فقیل له : فی وقت صلاة اللیل ، فقال : « صلّ الکسوف قبل صلاة اللیل » (4) إذ لا شبهة فی أنّ هذا الأمر علی سبیل الوجوب العینی ، فکذا ما تقدّم ، لأنّ السیاق واحد ، وکیف کان لا شبهة فی أنّ الاحتیاط فی تقدیم الحاضرة مع الوثوق التامّ بدرکهما معا أداء.

قوله : فی غیر هذا الموضع. ( 4 : 146 ).

لعل مراده أنّه ورد منهم علیه السلام : إذا ورد علیکم حدیث فاعرضوه علی

ص: 265


1- انظر المدارک 4 : 121.
2- المدارک 4 : 148.
3- من هنا إلی نهایة هذه الحاشیة وحاشیتان بعدها لیست فی « ا ».
4- الکافی 3 : 464 / 5 ، الوسائل 7 : 490 أبواب صلاة الکسوف ب 5 ح 1.

سائر أحادیثنا ، فإن وجدتموه یشبهها ویناسبها فخذوه ، وإلاّ فاترکوه (1).

قوله : الصحیحة المتضمّنة للبناء. ( 4 : 146 ).

لا یحصل منها الیقین ، غایة ما یحصل منها الظنّ الاجتهادی ، وکفایته فی تحصیل الیقین فی المقام محلّ نظر ، لقولهم : لا تنقضوا الیقین إلاّ بالیقین (2) ، نعم فی الموضع الذی لا یمکن حصول الیقین یکتفی فیه بالظنّ ، لاشتغال الذمة بالیقین ، وعدم إمکان تحصیل البراءة إلاّ بالظنّ ، وهذا طریقة جماعة من المجتهدین ، وإن کان جماعة منهم یکتفون بالظنّ الاجتهادی وإن أمکن تحصیل الیقین ، وتحقیق ذلک فی الأصول ، وحقّقناه فی الفوائد الحائریة (3) ، علی أنّه قد عرفت أنّه ورد منهم علیه السلام : « إذا ورد علیکم حدیث فاعرضوه علی سائر أحادیثنا » فتدبّر.

قوله : وصحیحة هشام بن سالم. ( 4 : 151 ).

لعل وجه الاستدلال بها أنّ کلّ واحد من شارب الخمر والزانی والسارق عامّ شامل لمن کان مؤمنا ومن کان مخالفا ، ولا یخلو من تأمّل ظاهر ، ومرّ الکلام فیه فی بحث غسل المیت.

قوله : قال فی الذکری. ( 4 : 153 ).

ویمکن أن یکون المراد جریان القلم فی کتابة الثواب له لا العقاب علیه أیضا ، لأنّ الحق أنّ عبادات الطفل شرعیة ، ولا مانع من ترتّب الثواب له ، بل هو الظاهر من الأخبار ، وحدیث رفع القلم عنه ظاهر فی رفع العقاب والمؤاخذة لا الثواب أیضا ، ولا إجماع علی عدم الثواب.

صلاة الأموات

من یصلّی علیه : وجوب الصلاة علی کل مسلم

وجوب الصلاة علی الطفل الذی بلغ ست سنین

ص: 266


1- الوسائل 27 : 106 أبواب صفات القاضی ب 9.
2- الوسائل 1 : 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1.
3- الفوائد الحائریة : 443.

قوله : وهو عامّی. ( 4 : 156 ).

هذا وهم من النسّاخ ، أو کان اللام قصیرا غایة القصر فتوهّم کونها میما.

قوله : ولو قیل : إنّ المراد. ( 4 : 156 ).

لا یخفی أنّ مراتب الإرث مبنیة علی الأنسبیة رحما ، والأشدّیة علاقة فی غالب الناس وبحسب العادة عندهم ، فلعل إطلاق الأولی ینصرف عندهم إلی ما ذکروه ، ولذا فهم الفقهاء الذین هم أرباب الفهم والأئمّة فی معرفة المعانی بحسب اللغة والعرف وغیرهما ما فهموا ، فحکموا بما حکموا ، فتأمّل.

قوله : أولویة بعض الورثة علی بعض. ( 4 : 158 ).

لا یخفی أنّ بناءهم علی الأولویة بحسب الإرث ، وأمّا تقدیم بعض الأولی علی بعض آخر فغیر لازم کونه من جهة الإرث أیضا ، بل لا یتأتّی ذلک ، بل له وجه آخر ، ولا یلزم کون الوجه منحصرا فی الأولویة فی الإرث فی جمیع المواضع وجمیع الوجوه ، فتأمّل.

قوله : لکنّها ضعیفة. ( 4 : 158 ).

الروایة وإن کانت ضعیفة إلاّ أنّها منجبرة بعمل الأصحاب ، بل إجماعهم علی ما هو الظاهر ، والصحیحة وغیرها شاذّة ، والشاذّ لا عمل علیه ، بالنصّ واتفاق الأصحاب الموافق للقواعد الثابتة المسلّمة.

قوله : هو یتوقّف علی وجود المعارض. ( 4 : 159 ).

قد عرفت أنّ المعارض موجود ، وأنّه أقوی ، بل وتعیّن کونه حجة دون معارضه بشذوذه ، وسیّما أن یکون موافقا لمذهب العامّة.

قوله : ولما رواه الکلینی. ( 4 : 164 ).

إشارة إلی أنّ سهل بن زیاد لیس بعامّیّ

من یصلّی علیه : أولی الناس بالصلاة علی المیت أولاهم بمیراثه

ص: 267

الدلالة علی ما ذکره غیر واضحة ، کاستدلاله الأوّل ، لتوقفه علی وجود عموم یشمل المقام ، ولا یخلو عن إشکال ، لأنّ المتبادر منه غیر المقام ، فلاحظ ، لکن لا تأمّل فی أنّ العمل إنّما هو علی ما ذکره الفقهاء بل لعلّه إجماعی ، ویمکن أن یفهم من العموم الشمول للمقام بواسطة استشمام العلّة ، وهی شرافة الرجل وخساسة المرأة ، فافهم.

قوله : ولا تبطل مع الزیادة. ( 4 : 165 ).

لا یخلو عن إشکال إذا اعتقد دخول الزائد فی الصلاة ، لأنّ هیئة العبادة متلقّاة من الشرع ، فإذا تغیّرت عمّا نقل عن الشرع فکیف یمکن الحکم بالصحة والخروج عن العهدة؟ فکما أنّ النقیصة مغیّرة للهیئة فکذا الزیادة ، فتأمّل جدّا.

قوله : ولو شکّ فی عدد التکبیرات بنی علی الأقل. ( 4 : 166 ).

هذا علی القول بحجّیة الاستصحاب - کما هو المشهور عند الأصحاب - واضح ، وأمّا علی القول بعدمها - کما هو عند الشارح رحمه الله فمشکل ، إلاّ أن یبنی علی ما ذکره من عدم البطلان بالزیادة ، وفیه ما عرفت ، فتأمّل جدّا.

قوله : الدالة بظاهرها. ( 4 : 167 ).

فی الظهور تأمّل ، لأنّ الظاهر منها کون السؤال والجواب بالقیاس إلی خصوص التکبیر ومقداره ، ولذا لم یذکر النیّة وغیرها ، فتأمّل.

قوله : وإن کانت الروایة الأولی أولی. ( 4 : 169 ).

الظاهر أنّ مراده منها صحیحة أبی ولاّد ، ووجه الأولویة صحة الروایة ، ویمکن أن یکون المراد منها روایة محمد بن مهاجر المعمول بها عند الأصحاب ، ووجه الأولویة عملهم بها والخروج عن الشبهة بسبب

حکم اقتداء النساء بالرجل فی صلاة الأموات

کیفیّة صلاة المیت

وهی خمس تکبیرات
حکم الشکّ فی عدد التکبیرات

ص: 268

الخلاف ، فیکون موافقا للمصنّف رحمه الله وغیره ، ولعل مراعاتهما تکون أولی وأحوط ، فتأمّل.

قوله : لأنّ التکبیر علیه أربع. ( 4 : 170 ).

مقتضی روایة محمد بن مهاجر التی هی مستند الأصحاب فی کیفیة الصلاة علی المیت عدم الدعاء له ، وإنّه لذلک اقتصر علی أربع تکبیرات ، حیث قال فیها : « فلمّا نهاه الله تعالی - یعنی النبی صلی الله علیه و آله - عن الصلاة علی المنافقین کبّر وتشهّد ، ثمّ کبّر وصلّی علی النبیین ، ثمّ کبّر ودعا للمؤمنین والمؤمنات ، ثمّ کبّر الرابعة وانصرف ، ولم یدع للمیت » (1) ونظر المحقّق إلی ما ذکر ، ووجه نظره أیضا یظهر ممّا ذکر ، فتأمّل.

قوله : لقیام العاجز بما هو فرضه. ( 4 : 171 ).

لا یخفی بعده.

قوله : لأنّها دعاء. ( 4 : 171 ).

الظاهر أنّ مراده الإشارة إلی ما ورد من التعلیل فی الأخبار من أنّها إنّما یکون تسبیحا وتحمیدا ودعاء ، مثل ما ورد فی موثقة یونس بن یعقوب الآتیة ، والقیاس المنصوص العلّة حجّة ، فما أجاب فی الذکری فیه ما فیه ، نعم لا شکّ فی کون الستر أحوط.

قوله : تمسّکا بمقتضی الأصل. ( 4 : 172 ).

والتعلیل الوارد فی موثقة یونس بن یعقوب.

قوله : فیرجع فیه إلی العرف. ( 4 : 172 ).

حکم الدعاء بین التکبیرات
عدم وجوب الستر فیها

ص: 269


1- الکافی 3 : 181 / 3 ، الفقیه 1 : 100 / 469 ، التهذیب 3 : 189 / 431 ، الوسائل 3 : 60 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 1.

فیه تأمّل ، لأنّ العرف لیس مرجعا فی نفس الحکم ، بل المرجع فیها هو الشرع لا غیر ، نعم هو مرجع فی معرفة معانی الألفاظ الصادرة عن الشرع ، علی حسب ما قرّر فی محلّه ، ولا لفظ هاهنا ، فلا بدّ لتحقّق البراءة والامتثال من وقوف الإمام قریب الجنازة الواحدة ، وقریب الجنازة التی فی طرف الإمام فی الجنائز المتعدّدة ، والمأمومین قریب الإمام ، والصفّ قریب الصفّ ، فتأمّل.

قوله : قاصرة من حیث السند عن إثبات الوجوب. ( 4 : 173 ).

لا قصور بعد الانجبار بعمل کلّ الأصحاب. مضافا إلی کونها موثقة ، وسیّما موثقة عمار ، لأنّ الشیخ قال فی العدّة : أجمعت الشیعة علی العمل بروایته (1) ، مع أنّک قد عرفت عدم جواز التباعد الذی ذکره.

قوله : فالعمل بکلّ منها حسن إن شاء الله. ( 4 : 174 ).

بل الأولی العمل بمضمون الروایتین الأوّلتین ، لقول المعظم به ، ولأنّ عبد الله بن المغیرة ممّن أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصح عنهم.

قوله : لکنّها سلیمة من المعارض. ( 4 : 186 ).

لکن کون المراد من الصبیان من لا یجب علیه الصلاة غیر ظاهر ، بل الأظهر خلاف ذلک.

قوله : ولا بأس به. ( 4 : 176 ).

لا یخفی أنّ الحکم بالاستحباب بمجرّد ما ذکر محلّ تأمّل ، سیّما علی طریقة الشارح رحمه الله .

عدم جواز تباعد المصلّی عن الجنازة
کیفیة الصلاة علی فاقد الکفن

سنن صلاة الجنازة

وقوف الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة

ص: 270


1- عدّة الأصول 1 : 381.

قوله : وهو دلیل الرجحان. ( 4 : 179 ).

فیه تأمّل ظاهر ، والصواب التمسّک بما ورد فی استحباب الرفع فی کلّ تکبیرة ، سیّما مع صحة السند والمخالفة للعامّة ، مضافا إلی التسامح فی أدلّة السنن ، مع أنّ المعارض موافق للعامّة ضعیف السند ، بل الراوی من العامّة.

قوله : فی الدعاء المتناول لذلک ولغیره. ( 4 : 179 ).

فی استفادة الشمول للمقام من الإطلاق الذی ذکره نظر ، سیّما بعد ملاحظة ما ورد فی کیفیة الصلاة علی المیت وآدابها ومستحباتها.

قوله (1) : وفسّر ابن إدریس المستضعف. ( 4 : 180 ).

المستضعف قسمان : قسم لیس له قوّة ممیّزة ، وهم کثیرون ، سیّما فی النساء ، وقسم آخر له قوّة ممیّزة إلاّ أنّه لم یطّلع علی اختلاف الناس فی المذاهب ، مثل ابنة سلطان الإفرنج فی أمثال زماننا ، وفی زمان الأئمة علیهم السلام من لم یطّلع علی مذهب الشیعة أصلا ، وباعتقاده انحصار المسلم فی أهل السنّة ، وإن ورد عن الصادق علیه السلام أنّه قال : الآن لم یبق مستضعف (2) ، ومراده أنّه علیه السلام أبلغ إلی الکلّ ارتداد الناس من بعد وفات الرسول صلی الله علیه و آله إلاّ ما قلّ ، وأنهم سمعوا ذلک ، والظاهر أنّ مراده الغالب ، والله یعلم.

قوله : وما رواه الشیخ فی الصحیح. ( 4 : 183 ).

مقتضی الروایتین جواز الصلاة ، فلا ینافی ذلک أولویة الترک ، لما عرفت من المسامحة فی أدلة السنن ، سیّما والأکثر أفتوا کذلک ، وربما یعبّرون عن أولویة الترک بالکراهة ، فتأمّل.

رفع الیدین بالتکبیرات
تعریف المستضعف
الدعاء للمیت فی الرابعة
الصلاة فی المواضع المعتادة

ص: 271


1- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
2- انظر بحار الأنوار 57 : 213 / 23.

قوله : لتکرار الصحابة الصلاة علی النبی. ( 4 : 183 ).

لا یخفی أنّ الظاهر أنّ ذلک کان من خواصّه ، علی ما یظهر من العلّة المرویة فی ذلک (1) ، فلا یقتضی ذلک ما ذکره من التقیید ، فتأمّل.

قوله : کلّها قاصرة. ( 4 : 184 ).

لکن روایة الجواز أقوی سندا ، لکونها من الموثقات والموثق حجّة ، کما بیّنا فی محلّه. مع أنّه أولی من غیر الموثق وأقوی البتّة.

مع أنّ هاتین الروایتین مع ضعف سندهما أضعف دلالة من الموثقتین ، لأنّ مضمونهما حکایة عن الرسول صلی الله علیه و آله قوله ، ولعله کان لخصوصیة ومصلحة ، أو کان کذلک من أوّل الأمر ثم صار مستحبا ، وإن کان الظاهر من نقل الإمام کون الحال کذلک فی زمانه علیه السلام أیضا مطلقا ، لکن هذا الظاهر لیس مثل التصریح الوارد فی الموثقتین.

وأیضا الاتفاق علی الجواز یؤیّد الموثقتین ، فالأقوی الجواز ، لما ذکر ، وللعمومات.

والکراهة أیضا محلّ تأمّل ، لأنّ مدلول الضعیفین المنع وعدم الجواز ، ومقتضی الموثقتین الرجحان للفعل ، ولا تقاوم بین الضعیفین والموثقتین ، لما عرفت ، ولأنّ وهب بن وهب عامی ، وکذا الراوی عن إسحاق بن عمار ، وهو غیاث بن کلوب ، إذ ربما یظهر من الأخبار أیضا کونه عامیا (2) ، فتأمّل.

فتعیّن الموثقتان والعمومات للحجّیة ، ولا مساغ للحکم بالکراهة ،

حکم الصلاة علی الجنازة الواحدة مرتین
وهب بن وهب عامیّ.
یظهر من الأخبار أنّ غیاث بن کلوب عامیّ

ص: 272


1- الوسائل 3 : 83 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 10.
2- انظر تعلیقات الوحید ( منهج المقال ) : 256.

بناء علی المسامحة فی أدلة السنن ، لما عرفت من ثبوت الرجحان فی الفعل ، فتأمّل.

وممّا یضعف الضعیفین ویقوی الموثقتین والعمومات فعل أمیر المؤمنین علیه السلام بالنسبة إلی سهل بن حنیف ، والرسول صلی الله علیه و آله بالنسبة إلی حمزة (1). علی أنّ المسامحة فی أدلّة السنن تعیّن أولویة الفعل ، کما لا یخفی ، فتدبّر.

قوله : ومقتضی الروایة الأولی. ( 4 : 186 ).

ویمکن حملها علی أنّ المراد من الأمر بالتتابع رفع الحظر ، لوروده مورد توهّم الحظر ، لأنّ المتعارف رفع الجنازة عقیب فراغ الإمام عن الصلاة ، ولذا یستحب وقوفه حتی ترفع الجنازة ، ولذا قیّده العلاّمة بما قیّده ، ونفی الشارح رحمه الله منه البأس.

قوله : بأنّ المدفون خرج بدفنه. ( 4 : 188 ).

فیه تأمّل ظاهر ، وکذا فی قوله : من فنی فی قبره ، إذ العمومات - مثل : « لا تدعوا أحدا من أمّتی بغیر صلاة » (2) وغیره ومنه صحیحة هشام المذکورة إذ نفی البأس المتوهّم لا یرفع الوجوب الثابت ، فتأمّل - تقتضی وجوب الصلاة علیه حتی یثبت المخرج منها.

وممّا ذکر ظهر التأمّل فی ما ذکره الشارح رحمه الله : والأصحّ.

فالأحوط الصلاة علیه مطلقا إن لم یصلّ علیه ، وأمّا إذا صلّی علیه فلعل الأحوط الترک ، لما مرّ من موثقة عمار وموثقة یونس بن یعقوب ، ومرسلة

أحکام صلاة الجنازة

حکم من أدرک بعض التکبیرات مع الإمام
حکم ما لو دفن المیت بغیر صلاة

ص: 273


1- الوسائل 3 : 82 ، 87 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 7 ، 21.
2- الفقیه 1 : 103 / 480 ، التهذیب 3 : 328 / 1026 ، الاستبصار 1 : 468 / 1810 ، الوسائل 3 : 133 أبواب صلاة الجنازة ب 37 ح 3.

محمد بن أسلم عن الرضا علیه السلام : یصلّی علی المدفون بعد ما دفن؟ قال : « لا ، لو جاز لأحد لجاز لرسول الله صلی الله علیه و آله ، قال علی علیه السلام : لا یصلّی علی المدفون ولا علی العریان » (1).

وفی الموثق أیضا عن عمار أنّه إذا صلّی علی میت وهو مقلوب أنّه یسوّی ویعاد الصلاة ما لم یدفن ، فإن کان قد دفن فقد مضت الصلاة ، ولا یصلّی علیه وهو مدفون (2).

وفی الحسن عن محمّد بن مسلم أو زرارة قال : « الصلاة علی المیت بعد ما یدفن إنّما هو الدعاء » الحدیث (3) ، فلعل ما ورد ممّا یدل علی الجواز محمول علی هذا أو علی من لم یصلّ علیه ، فتأمّل.

قوله : ولا ریب فی ضعفه. ( 4 : 189 ).

لا ضعف فیه ، بل هو أیضا محتمل ، فتأمّل.

قوله : من أوصاف المتذلّل الخاشع. ( 4 : 196 ).

فعل الرضا علیه السلام عند خروجه إلی العید ، وصلاتهما واحدة ، بل ربما کان عند خروجه للاستسقاء أیضا ، فلاحظ عیون أخبار الرضا (4).

قوله (5) : فالظاهر أنّه یستحب قضاؤه نهارا وهو غیر واضح. ( 4 : 204 ).

بعض الصلوات

المرغبات صلاة الاستسقاء
نافلة شهر رمضان

ص: 274


1- التهذیب 3 : 201 / 471 ، الاستبصار 1 : 483 / 1871 ، الوسائل 3 : 106 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 8.
2- التهذیب 3 : 201 / 470 ، الاستبصار 1 : 482 / 1870 ، الوسائل 3 : 107 أبواب صلاة الجنازة ب 19 ح 1.
3- التهذیب 3 : 202 / 473 ، الاستبصار 1 : 483 / 1873 ، الوسائل 3 : 105 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 5.
4- عیون الأخبار 2 : 165 / 1 ، الوسائل 8 : 8 أبواب صلاة الاستسقاء ب 2 ح 2.
5- من هنا إلی أربعین تعلیقة لیست فی « ا ».

الظاهر وضوحه ، لما ورد فی بعض الأخبار فی تفسیر قوله تعالی : ( وَهُوَ الَّذِی جَعَلَ اللَّیْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً ) (1) الآیة (2) ، مع أنّ الظاهر من الآیة لعله ذلک أیضا.

وأیضا یظهر ممّا ورد فی مدح من یقضی نافلة اللیل فی النهار من أنّه تعالی یباهی به الملائکة من أنّه یقضی ما لم أفترض علیه (3) ، والظاهر یفید العموم ، والله یعلم.

قوله : کما فی الکلام والالتفات ونحوهما. ( 4 : 211 ).

لا شبهة فی ثبوت البطلان ، کما نقله ، لأنّ العبادة هیئة توقیفیة ، والمنقول من الشارع لیس فیها ما ذکر ، بل ونهی عنه فیها ، فکیف تکون العبادة التوقیفیة؟ نعم لو لم یکن النهی (4) عنه نهیا عنه فی العبادة مثل النظر إلی الأجنبیة فالظاهر عدم الضرر ، والله یعلم.

قوله : لأنّه فی حکم التالف. ( 4 : 213 ).

الظاهر عدم تأمّل فی الجواز ، لوجوب إعطاء قیمة الماء التالف لصاحبه بلا تأمّل ، فیکون الماء التالف ملکه أو صحیح التصرّف ، ولا شکّ فی أنّه إذا أتلفه تعیّن القیمة علیه ، فلا معنی للمنع بعد التلف ، وهو واضح.

ثم اعلم أنّ الأئمّة علیه السلام والفقهاء وجمیع المسلمین فی الأعصار والأمصار کانوا یتوضّؤون من الأنهار الجاریة ویشربون ، بل ویأخذون لشربهم من غیر استحصال إذن من المالک أصلا ، ولا تأمّل فیه ، وکذا کانوا یصلّون فی الصحراء من الأراضی المملوکة من دون رخصة من المالک.

الخلل الواقع فی الصلاة

بطلان الصلاة بفعل ما لا یجوز فعله

حکم الوضوء بالماء المغصوب

ص: 275


1- الفرقان : 62.
2- تفسیر القمی 2 : 116 ، البرهان 3 : 172 / 1 ، 2.
3- الوسائل 4 : 275 ، 278 أبواب المواقیت ب 57 ح 5 ، 15.
4- فی « ب » و « و » : المنهی.

واعتذر السیّد بأنّ المنشأ تحقّق إذن الفحوی جزما من المالک (1).

وفیه : أنّه ربما کان المالک صغیرا أو مجنونا أو سفیها أو مخالفا للشیعة ، سیّما المتعصّبین منهم ، بل الظاهر أنّ المنشأ أنّ للمؤمنین حقّا فی جمیع ما ذکر ، ولقولهم علیه السلام : « المسلمون شرکاء فی الماء والنار والکلاء » (2).

قوله : والامتثال یقتضی الإجزاء. ( 4 : 213 ).

الأظهر الاستدلال بصحة الصلاة فی اللباس النجس وغیر اللباس منه جهلا ، کما حقّق فی محلّه ، فلاحظ.

قوله : إذا کان الجلد مأخوذا من غیر المسلم عملا بالظاهر من حاله. ( 4 : 213 ).

الأولی أن یقول : عملا بالأصل ، لأنّ التذکیة الشرعیة شرط للطهارة والحلّیة ، ویکفی أخذه من المسلم ووجوده فی یده أو فی سوق المسلمین ، لأصالة الصحة فیهما ، وإن کان الأحوط أن لا یصلّی فی الجلود المأخوذة من أهل السنّة الذین یستحلّون الصلاة فی المیتة باعتقادهم أنّ الدباغة تطهّرها ، کما ورد فی الأخبار من أنّ الأئمّة علیه السلام ما کانوا یصلّون فی ما أخذ من أهل العراق وسوقهم معلّلین بما ذکر ، وإن کانوا یلبسون فی غیر حالة الصلاة (3) ، وحقّق الجواز والحلّیة فی محلّه.

قوله : وهو مشکل. ( 4 : 214 ).

لا إشکال ، وقد مرّ التحقیق (4).

حکم الصلاة بجلد المیتة

ص: 276


1- حکاه عنه الشهید فی الذکری : 150 والفاضل الهندی فی کشف اللثام 1 : 194.
2- الفقیه 3 : 150 / 662 ، التهذیب 7 : 146 / 648 ، الوسائل 25 : 417 أبواب إحیاء الموات ب 5 ح 1.
3- الکافی 3 : 397 / 2 ، الوسائل 4 : 462 أبواب لباس المصلی ب 61 ح 2.
4- راجع ص ج 2 : 339 - 342.

قوله : بما لا یعلم تعلّق النهی به. ( 4 : 214 ).

فیه : أنّ هذا الاحتمال إنّما هو إذا کان الثابت من الشارع أنّ الشرط کما ذکره ، وأمّا إذا کان الثابت منه المنع عن المیتة ، وعن کلّ شی ء حرام أکله ، وعن الحریر المحض فمقتضاه هو ما ذکره الأصحاب ، لأنّ لفظة المیتة وحرام الأکل والحریر المحض أسام لما هو فی نفس الأمر میتة وحرام وحریر محض ، من غیر التقیید بالعلم وعدمه ، علی حسب ما مرّ التحقیق فی باب لباس المصلّی (1).

قوله : کون القیام فی حال النیّة رکنا. ( 4 : 214 ).

وجهه اشتراط المقارنة للتکبیر ، والمقارنة لا تتحقّق إلاّ حال القیام ، کما لا یخفی ، سواء کانت رکنا أو شرطا.

قوله : وأجاب عنها الشیخ فی کتابی الأخبار بالحمل. ( 4 : 216 ).

هذا الجواب بعید ، لأنّه فی صورة الشکّ لا یلائمها قوله : حتی دخل فی الصلاة ، و : حتی کبّر للرکوع.

مع أنّ الشک فی شی ء وقد خرج منه ودخل فی غیره لیس بمعتبر بمقتضی الأدلة ، وإجماعی أیضا ، فالصواب الحمل علی أنّ المعصوم علیه السلام بنی علی أنّ الظاهر وقوع التکبیر ، وأنّ ترکه من حیث کونه أوّل الصلاة بعید جدّا ، وإن کان الرجل عنده أنّه نسی ، لأنّه حال من کثر سهوه فلا عبرة بسهوه ، [ لا ] (2) لأنّ السهو واقعی وبموضعه ومع ذلک لا اعتداد به ، بل لما ذکر من أنّه بعید جدّا أن یکون یسهی ، کما صرّحوا به فی بعض الأخبار :

حکم الإخلال برکن سهوا

ص: 277


1- راجع ج 2 : 340 - 342 وانظر المدارک 3 : 173 - 176.
2- ما بین المعقوفین أثبتناه لاستقامة المعنی.

« أنّ الإنسان لا ینسی تکبیرة الافتتاح » (1) والظنّ فی تحقّق الأفعال حجّة ومعتبر ، کما سیجی ء ، والمعصوم علیه السلام اعتبره هاهنا.

قوله : أنّ الامتثال یتحقّق بالإتیان. ( 4 : 218 ).

الامتثال هو الإتیان بالمأمور به علی وجهه ، والعبادة التوقیفیة یتوقّف علی الثبوت من الشرع ، والثابت المنقول إلینا من قول الشارع وفعله لیس علی ما ذکرت ، وهذا خلاف المعهود منک فی مواضع لا تحصی ، ومنها فی بحث الخلل الواقع فی کیفیة الصلاة (2).

قوله : لزیادة الرکن. ( 4 : 218 ).

لم یقل أحد بهذا التفصیل ، فبضمیمة عدم القول بالفصل یثبت المطلوب بالروایتین أیضا.

قوله : والروایة الثالثة ضعیفة السند. ( 4 : 218 ).

الضعف منجبر بعمل الأصحاب ، سیّما مع الموافقة للقواعد الثابتة فی العبادات التوقیفیة ، وعمل الجماعة الذین لا یعملون بأخبار الآحاد مثل السید ومشارکیه ، وکونها فی الکافی (3) ، وموافقتها بعض الأخبار الآخر ، مثل روایة ابن سنان عن ابن مسکان عن أبی بصیر عن الباقر علیه السلام عن رجل نسی أن یرکع ، قال : « علیه الإعادة » (4) وقد حقّقنا فی الرجال أنّ ابن سنان هذا ثقة لا ضعف فیه (5) ، موافقا للعلاّمة فی غیر الخلاصة (6). ویؤیّدها

ص: 278


1- الفقیه 1 : 226 / 998 ، الوسائل 6 : 15 أبواب تکبیرة الافتتاح ب 2 ح 11.
2- انظر المدارک 4 : 223.
3- لم نعثر علیها فی الکافی.
4- التهذیب 2 : 149 / 584 ، الاستبصار 1 : 356 / 1346 ، الوسائل 6 : 313 أبواب الرکوع ب 10 ح 4.
5- تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 300.
6- انظر المختلف : 518.

أیضا إطلاق الأخبار الدالة علی أنّ من زاد فی الصلاة فعلیه الإعادة (1) ، فتأمّل.

قوله : ویمکن الجمع بینها. ( 4 : 219 ).

هذا فرع التکافؤ ، ومنتف قطعا علی ما ظهر لک. مضافا إلی أنّ روایة ابن مسلم هذه تتضمّن ما لم یقل به أحد ، وهو قوله : « وإن کان لم تستیقن إلاّ بعد ما فرغ. » وهذا أیضا من المضعّفات بلا شبهة فی مقام الترجیح ، بل الشارح کثیرا صرّح بأنّ ذلک مانع من الاحتجاج بالروایة مطلقا (2).

قوله : واستدل علیه فی المعتبر. ( 4 : 221 ).

إن سلّم ما ذکر لم یکن خصوصیة بالرباعیة ، فیلزم الصحة فی الثنائیة والثلاثیة أیضا ، بل لا خصوصیة له بالرکعة الأخیرة ، فیلزم ما ذکره بالنسبة إلی رکعات أخر أیضا ، وفیه ما فیه. [ وقوله : وبما رواه. ] (3) معارض بالروایتین المذکورتین المنجبرتین بالشهرة ، والمعتضدتین بالقواعد وعمل من لم یعمل بأخبار الآحاد ، مع کونه مخالفا للشهرة ، وموافقا للتقیّة ، والوهن فی دلالته ، لما یقول الشارح ، وقابلا للتأویل القریب ، لما سبق أنّ المعهود عند الخاصّة والعامّة أنّهم إذا قالوا : التسلیم ، یریدون منه : السلام علیکم ، إلی آخر ما حققناه فی بحث التسلیم (4).

قوله : دلالة علی ندب التسلیم. ( 4 : 222 ).

حکم من زاد فی صلاته رکعة

ص: 279


1- الکافی 3 : 355 / 5 ، التهذیب 2 : 194 / 764 ، الاستبصار 1 : 376 / 1429 ، الوسائل 8 : 231 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 19 ح 2.
2- انظر المدارک 3 : 319 ، 351 ، و 6 : 47 ، 77.
3- ما بین المعقوفین لیس فی « ب » و « ج » و « و » وبدله فی « د » : قوله ، وما أثبتناه لاستقامة المعنی.
4- راجع ص 94 - 102.

فیه ما مرّ فی بحث التسلیم ، فلاحظ.

قوله : لم تقتض تغییرا لهیئة الصلاة. ( 4 : 224 ).

لا شکّ فی تغییر الهیئة فی العبادة التوقیفیة ، فإنّما الأعمال بالنیّات ، فلو کبّر لا بنیّة تکبیرة الإحرام لا ینفع ، وکذا لو کبّر مرّتین بنیّة تکبیرة الإحرام تبطل الصلاة ، کما لا یخفی ، فتأمّل.

قوله : لانتفاء ما یدل علی بطلان الصلاة. ( 4 : 224 ).

هذا لا یناسب العبادة التوقیفیة ، إذ لا بدّ فیها من دلیل للصحة ، لا أنّه یکفی عدم الدلیل علی البطلان ، إلاّ أن یکون مستنده العمومات ، فتأمّل.

قوله : لأنّ من سهی فی الفریضة. ( 4 : 224 ).

مما لا ربط له فی المقام ، لأنّ العلّة فیه کون الصلاة علی ما افتتح به ، وعلی ما قام له ودخل فیها حینئذ. مع أنّ القیاس عندنا حرام جزما. مع أنّ القیاس مع الفارق ، لأنّ الهوی لیس من مستحبات الصلاة. مع أنّ الدخول فی الرکوع بقصد الواجب الرکنی والهوی لا دخل له فی الرجحان الشرعی ، لأنّه من المقدّمات الخارجة ، فتأمّل.

قوله : تمسّکا بمقتضی الأصل السالم من المعارض. ( 4 : 225 ).

التمسّک بالأصل فی العبادة التوقیفیة غلط ، وخلاف طریقة الشارح أیضا ، وکذلک العمل بهذا الصحیح ، فالأولی الاستدلال علیه بما سیستدل به للثانیة الآتیة بلا شکّ.

قوله : وقوّی فی المبسوط. ( 4 : 225 ).

قوّی علی طریقة الصدوق ، لا علی طریقة المشهور ، فکیف نسب الصورة الثالثة إلی خصوص المقنع؟

حکم من نقص من صلاته رکعة

ص: 280

قوله : ویمکن الجمع بینها بحمل هذه علی الجواز. ( 4 : 228 ).

لا شکّ فی فساد هذا الحمل ، لکونه خلاف مدلول المتعارضین البتّة ، وخلاف فتوی جمیع الفقهاء ، بل خلاف الإجماع المرکب. والظاهر حمل الطرفین أحدهما علی خصوص التقیّة والآخر علی محض الحق ، فإنّ فقهاء أهل السنّة الحجازیین منهم علی أحدهما إجماعا منهم فی زمان أئمّتنا علیه السلام والعراقیین منهم اتفقوا علی الآخر ، والذی ببالی علی ما أظنّ : أنّ العراقیین منهم علی الإعادة ، والحجازیین علی البناء (1) ، والله یعلم.

قوله : ویحتمل الصحة. ( 4 : 230 ).

هذا الاحتمال باطل ، لأنّ العبادة توقیفیة ، وتحقّقها مع الاحتمال المذکور باطل ، إذا مع الاحتمال یحصل الشکّ فی الامتثال ، فکیف یکون ممتثلا؟ مع أنّ شغل الذمّة بالصلاة یقینی ، ولا ینقض الیقین إلاّ بالیقین ، کما مرّ عن الشارح (2) ، وثبت عن المعصوم علیه السلام (3) ، فتأمّل.

قوله : ولأنّ نسیان السجدتین من الرکعة الواحدة خلاف الظاهر. ( 4 : 230 ).

وعلی هذا یحصل الظنّ بکونهما من الرکعتین ، وهذا خلاف المفروض ، ومع ذلک لا بدّ من العلم بکفایة هذا الظهور فی المقام ، والله یعلم.

بطلان الصلاة بترک السجدتین

ص: 281


1- انظر بدایة المجتهد 1 : 179 ، المهذّب 1 : 88 ، المجموع 4 : 75 ، 76 ، 196 ، المبسوط للسرخسی 1 : 169 ، 195 ، الخلاف 1 : 409 ، 410 ، التذکرة 1 : 132 ، 135.
2- انظر المدارک 4 : 230 ، و 2 : 335.
3- 1 : الوسائل 1 : 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1.

قوله : ومقتضی العبارة وجوب الرجوع. ( 4 : 231 ).

هذا علی القول بعموم المفهوم ، والشارح لا یقول به ، وأمّا المصنّف فإنّه فی صدد بیان هذا الشقّ والشقّ الثانی أیضا ، أی الذی یتدارک ، وسیذکر صورة نسیان القراءة ولا یشیر أصلا إلی نسیان الجهر والإخفات ، وهذا منه ینادی بأنّه لم یبن کلامه علی مفهومیة المفهوم والبناء علیها ، بل بناؤه علی المنطوق ، وکلامه فی المنطوق ینادی بأنّ الجهر والإخفات لیس فیهما تدارک أصلا وإن لم یرکع ، لجعل ما یجب تدارکه فی ما ذکره فی الثانی ، وهذا واضح ، إذ لو قال المولی لعبده : أعط زیدا درهما إن أکرمک ، وإن لم یکرمک فأعط الدرهم المذکور ، لا شکّ فی أنّ المفهوم لا عبرة به قطعا وإجماعا.

ومراد المصنّف من الإخلال بالواجب غیر الرکن أعمّ من أن یکون مع الرکن أم لا ، کما أنّه لو قال : من أخلّ بالرکن ، أعم من أن یکون مع غیر الرکن أم لا ، فهو یرید بیان الأحکام فی الصورتین.

مع أنّ قول المصنّف : وکذا لو نسی الرکوع. مراده أنّ نسیان الرکن أیضا مثل القسم الثانی ، لا أنّه عینه وقسم منه ، وهذا متعارف أنّهم یجعلون الشی ء الآخر مثل القسم من المقسم ، یعنی الأشیاء الأجنبیّة حکمه حکم هذا القسم منه ، ولا غبار علیه أصلا.

قوله : فلا یکون مجزئا عنه. ( 4 : 234 ).

ولأنّ الرکوع هو الانحناء وأنّه من القائم لا یتحقّق إلاّ قائما ، کما هو الظاهر والمتبادر من الدلیل.

قوله : فلا ، بل یقوم منحنیا إلی حد الراکع. ( 4 : 234 ).

هذا لیس نسیان الرکوع ، بل نسیان واجبات الرکوع التی لیست برکن ،

حکم الإخلال بواجب غیر رکن

ص: 282

إلاّ أن یکون مراده منه أنّه لم یصر إلی حدّ الرکوع ، فلا بدّ أن یقوم إلی الحدّ الذی وقع فیه فی النسیان ثم یرکع ، أی بالانحناء إلی أن یصل إلی حدّ الرکوع ، لا أن یقوم منحنیا إلی حدّ الراکع ، إلاّ أن یؤوّل قوله بما ذکر فی التعلیقة الواقعة علی کلام الشارح علی کلام المصنّف.

قوله : أشکل العود إلیه. ( 4 : 234 ).

لعل مراده العود إلی نفس الرکوع ، فهو بعینه الصورة المتقدّمة ، فیجب أن یقوم منحنیا إلی حدّ الرکوع فیأتی بالواجبات التی ترکها من الذکر والطمأنینة فیها والطمأنینة بعدها.

قوله : فإنّها واجبات فیه خارجة عن حقیقته. ( 4 : 234 ).

نعم ، لکن یجب تدارکها ، لأنّها واجبات متروکة نسیانا یمکن تدارکها فیجب ، ومنها الطمأنینة بعد القیام.

قوله : لأنّ الکلام فی نسیان الواجب الذی لیس برکن. ( 4 : 235 ).

أی کلام المصنف حیث قال : وکذا لو نسی الرکوع ، [ و ] عرفت أنّه لا غبار علیه ، فلاحظ.

قوله : لا نفس الرکوع خاصّة. ( 4 : 238 ).

فعلی هذا یرجع إلی المسألة السابقة فی نسیان الرکعة والإتیان بالحدث ومثله فی أثنائه ، وظهر لک الفساد.

قوله : فتعیّن فعله. ( 4 : 239 ).

هذا علی القول بأنّ القضاء تابع للأداء ، لقوله علیه السلام : « المیسور

ص: 283

لا یسقط بالمعسور » (1) و « ما لا یدرک کلّه لا یترک کلّه » (2) و « إذا أمرتکم بشی ء فأتوا منه ما استطعتم » (3). مع أنّ الصلاة الخالیة عنها وعن القضاء لا دلیل علی صحّتها ، بخلاف صورة القضاء ، فإنّ الإجماع والأخبار دلیل براءة الذمّة.

قوله : وبأنّ التشهّد یقضی بالنصّ. ( 4 : 239 ).

دلیله الأخبار التی ذکرت ، مضافا إلی الاستصحاب ، فإنّ شغل الذمّة الیقینی لا ینتفی إلاّ بذلک.

قوله : ویتوجّه علی الأول. ( 4 : 239 ).

قد ظهر فساد هذه الاعتراضات.

قوله : وهو منتف. ( 4 : 239 ).

مقتضی هذا أنّه لو نسی الشهادتین أو إحداهما لا یکون القضاء أیضا ، لأنّه أتی بالصلاة علی النبی وآله ، [ و ] فیه ما فیه ، [ و ] مقتضی ذلک أنّه لو نسی الکلّ أیضا لا یکون علیه قضاء إلاّ من جهة خصوص النصّ ، وقد عرفت فساده.

قوله : علی أنّ فی وجوب الأداء خلافا بین الأصحاب. ( 4 : 239 ).

لا شکّ فی فساد هذا الاعتراض ، والکلام علی القول بالوجوب ، وهو المعروف بین الأصحاب ، وإلاّ فالخلاف فی ثبوت الله وثبوت الرسالة والإمامة وغیر ذلک.

ص: 284


1- عوالی اللآلئ 4 : 58 / 205.
2- عوالی اللآلئ 4 : 58 / 207.
3- عوالی اللآلئ 4 : 58 / 206.

قوله : مع أنّه لا یقول بالتسویة بین الکلّ والجزء مطلقا. ( 4 : 239 ).

هذا أیضا فاسد ، لأنّ الفقهاء فی کلّ وقت لهم رأی مخالف للرأی الآخر ، بل لو لم یتغیّر رأی فیهم یتأمّلون فی کونه فقیها ، بل إمّا مقلّد جامد أو لیس له قریحة ، کما حقّق فی محله.

قوله : لأنّ حمله علی التشهد. ( 4 : 239 ).

قد عرفت أنّ الدلیل لیس هو القیاس بلا شکّ ، وقد عرفت أنّه لو لم یقض لم یوجد دلیل علی صحة الصلاة ، مع عدم القضاء بلا شبهة.

قوله : « قبل أن یسلّم ». ( 4 : 240 ).

یحتمل أن یکون المراد من السلام هو خصوص : السلام علیکم ، لما عرفت فی بحث التسلیم ، وأنّه ب : السلام علینا. یخرج من الصلاة البتّة ، لکن لا یخلو عن الإشکال علی القول بوجوب : السلام علیکم ، وکونه جزءا من الصلاة. ویمکن أن یکون هذا الخبر موافقا لما ورد من الأخبار الظاهرة فی عدم وجوب خصوص : السلام علیکم ، أو وجوبه خارجا عن الصلاة بالسلام علینا ، ومرّ التحقیق فی مبحث السلام (1).

قوله : من أنّ الظاهر استحباب التسلیم. ( 4 : 234 ).

هذا لا ینفعه ، لأنّه جزء الصلاة ، فلا معنی لوجوب کون السجود المقتضی قبل الخروج.

قوله : فإنّه جوّز البناء علی الأقلّ والإعادة. ( 4 : 244 ).

نسبة هذا إلی الصدوق محض توهّم ، فإنّه رحمه الله قال فی أمالیه : من

أحکام الشک

بطلان الصلاة بالشک فی الثنائیّة والثلاثیة

ص: 285


1- راجع ص 94 - 117.

دین الإمامیة بحیث یجب الإقرار أنّ من شکّ فی الأوّلتین أو فی المغرب أعاد ، ومن شکّ فی الأخیرتین بنی علی الأکثر (1). ومع ذلک قال فی الفقیه : من سهی فی الرکعتین الأوّلتین من کلّ صلاة فعلیه الإعادة ، ومن شکّ فی المغرب فعلیه الإعادة ، ومن شکّ فی الفجر فعلیه الإعادة ، وکذلک الجمعة ، ومن شکّ فی الثانیة والثالثة أو فی الثالثة والرابعة أخذ بالأکثر - إلی أن قال - : ومعنی الخبر الذی روی أنّ « الفقیه لا یعید الصلاة » إنّما هو فی الثلاث والأربع لا فی الأوّلتین (2).

انظر إلی ما فیه من التصریح والتأکید ، ثم التأکید بقوله بعد ذلک : لا فی الأوّلتین. ومجرّد ذکر الخبر المتضمّن للبناء علی الیقین (3) لا یقتضی تجویزه البناء علی الأقلّ ، لوجوه کثیرة واضحة ذکرنا فی شرحنا علی المفاتیح.

قوله : بل ربما لاح من قوله : قلت : رجل شکّ فی القراءة وقد رکع ، أنّه لو لم یرکع لم یمض. ( 4 : 249 ).

لا یخفی ما فیه ، فإنّ الظاهر أنّه شکّ فی مجموع القراءة ، ولا شکّ فی أنّ الحکم حینئذ کذلک.

علی أنّه یلزم ممّا ذکره أنّه إن شکّ قبل الانحناء للرکوع بعد تمامیة السورة أنّه هل قال فی « بسم الله » : حرف الباء أو السین أو المیم أو غیر ذلک مثل مدّ أو تشدید؟ أنّه یرجع. وفیه ما فیه ، فتأمّل.

علی أنّه رحمه الله غیر قائل بعموم المفهوم ( سیما مثل هذا المفهوم ) (4)

حکم ما لو شک فی شیء من أفعال الصلاة بعد التجاوز عن المحلّ

ص: 286


1- أمالی الصّدوق : 513.
2- الفقیه 1 : 225.
3- الفقیه 1 : 230 / 1023.
4- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

فإنّه لا یقول بحجّیة نفسه فضلا عن عمومه.

مع أنّ قوله علیه السلام : متی شککت فی شی ء وقد خرجت منه ودخلت فی غیره فشکّک لیس بشی ء (1) ، وأمثاله ، یقتضی عدم وجوب الإعادة ، بل عدم الالتفات أصلا ، لأنّ الحمد شی ء قطعا ، والسورة غیر الحمد قطعا.

وألفاظ هذا الحدیث کسائر الأحادیث یرجع فیها إلی العرف واللغة حتی یثبت اصطلاح مغایر لهما من الشرع ، ولم یثبت ، بل ثبت عدمه ، لأنّ الأصل العدم ، وللاتفاق من الفقهاء وغیرهم علی أنّه متی لم یثبت یکون معدوما وفی حکم المعدوم البتة ، ومسلّم عند الشارح رحمه الله أیضا ، وبمجرّد أنّ راویا من الروایة قال : قلت : رجل شکّ فی القراءة وقد رکع ، لا یثبت اصطلاح من الشرع فی أنّ مقام الحمد ( لیس مغایرا ) (2) لمقام نفس الحمد ، ألا تری أنّ الرواة کانوا یسألون عن الشکّ فی الرکوع وقد أهوی إلی السجود ، والشکّ فی السجود وقد قام ، إلی غیر ذلک؟ وذلک لا یقتضی ثبوت اصطلاح فی محلّ واجبات الرکوع والسجود مثل الذکر وغیره بأنّ محلّها محلّ نفس الرکوع والسجود وغیر ذلک ، بل لیس کذلک قطعا ووفاقا ، وکذا کانوا یسألون عن الشکّ فی الرکعة ، وفی فعل نفس الصلاة وغیر ذلک ، ولا یقتضی ذلک کون أبعاض الرکعة وأبعاض نفس الصلاة محلّهما محلّ نفس الرکعة ونفس الصلاة ، بل لیس کذلک قطعا ووفاقا ، فتأمّل.

وممّا ذکر ظهر مراد المحقق ، وأنّ الحق معه ومع مشارکیه ، بل یظهر من الأخبار أنّ محل کلّ آیة غیر محل الأخری ، إلاّ أن یثبت إجماع علی

ص: 287


1- الوسائل 8 : 237 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 23 ح 1.
2- بدل ما بین القوسین فی « ا » « ب » « ج » « د » : مغایر.

الاتحاد ، ولم یثبت ، کما لا یخفی.

قوله : وقوّی الشارح وجوب العود ما لم یصر إلی حدّ السجود. ( 4 : 250 ).

الظاهر أنّ حکمه بوجوب العود مبنی علی أنّ الهوی والنهوض من الأفعال التکوینیة لا التکلیفیة الشرعیة ، ولذا حکموا علیه السلام فی الشک فی حال النهوض بالعود.

وأمّا حکمهم علیه السلام بالمضی فی الشکّ فی حال الهوی فلا یظهر منهم أنّهم علیه السلام حکموا کذلک لأنّ الهوی فعل تکلیفی وقد دخل فیه وخرج من الرکوع ، بل الظاهر خلاف ذلک ، لأنّه قال : قد رکع ، والمراد منه أنّ الهوی إلی السجود بغیر رکوع بعید وخلاف الظاهر ، کما مرّ نظیره فی تکبیرة الإحرام ، فحکموا علیه السلام بالبناء علی الظنّ والظاهر ، والفقهاء یحکمون بالبناء علی الظنّ فی کلّ فعل من أفعال الصلاة ، ومسلّم ذلک عند الشارح رحمه الله أیضا ، کما سیجی ء ، فتدبّر ، فظهر أنّ البناء علی عدم العود والحکم بالصحة لیس من جهة مغایرة محلّ الهوی لمحلّ الرکوع ، کما هو الظاهر من الشارح رحمه الله فتدبّر.

قوله (1) : وقال الشیخ فی المبسوط. ( 4 : 252 ).

فیه : أنّ المحکی فی المبسوط إنّما هو الموافقة لما ذکره ، وصرّح بذلک الحلّی فی السرائر والفاضل فی المختلف ، والشهید فی الذکری ، وغیرهم (2) ، نعم ما عزاه إلیه هنا هو الظاهر منه فی النهایة (3).

ص: 288


1- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
2- السرائر 1 : 253 ، المختلف : 137 ، الذکری : 224 ، وانظر الذخیرة : 375.
3- النهایة : 92 ، 93.

قوله : إلاّ أبا جعفر ابن بابویه. ( 4 : 252 ).

لکن قال فی أمالیه : من دین الإمامیّة أنّ من سهی فی الأولیین أعاد الصلاة ، ومن شک فی المغرب أعاد ، ومن شکّ فی الثانیة والثالثة أو فی الثالثة والرابعة فلیبن علی الأکثر فإذا سلّم أتمّ ما ظنّ أنّه نقصه (1). انتهی.

ولا یخفی أنّ ما ذکره مضمون روایة عمار (2). وفی الفقیه حکم وأفتی صریحا بذلک (3) ، وأتی بروایة عمار عقیبه بلا فصل ، فظهر أنّ المستند فی فتواه تلک الروایة ، فیظهر اعتبار تلک الروایة ، وکونها معتبرة وحجّة ، مضافا إلی ما ستعرف وظهر أیضا أنّ الصدوق رحمه الله موافق للأصحاب ، غایة ما فی الباب أنّه روی فی ذلک الباب فی آخر بحث الشکّ روایة تتضمّن البناء علی الیقین (4) ، وسیجی ء الکلام فی ذلک.

قوله : وروایة عبد الله بن أبی یعفور. ( 4 : 253 ).

فی حاشیة خالی العلاّمة المجلسی المکتوبة علی هذا الحدیث : الظاهر أنّه محمول علی التقیّة ، لأنّ العامّة رووا عن عبد الرحمن بن عوف هذا المضمون ، وعلیه عملهم (5). انتهی. وکتب علی باقی هذه الأخبار : یمکن الحمل علی التقیة ، لموافقته لمذهب أکثر العامّة ، حیث ذهبوا إلی البناء علی الأقلّ (6).

قلت : مذهب العامّة علی ما نقل فی الانتصار البناء علی الأقل

بطلان الصلاة بالشک فی الأولیین من الرباعیّة

ص: 289


1- أمالی الصدوق : 513.
2- الفقیه 1 : 225 / 992 ، الوسائل 8 : 212 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 8 ح 1.
3- الفقیه 1 : 225.
4- الفقیه 1 : 231 / 1025 ، الوسائل 8 : 212 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 8 ح 2.
5- انظر ملاذ الأخیار 4 : 109 ، 132.
6- انظر ملاذ الأخیار 4 : 109 ، 132.

مطلقا (1) ، والأمر بالبناء علیه شاهد آخر علی ورود هذه الأخبار علی سبیل التقیّة.

ویشهد أیضا ما ذکرناه عن أمالی الصدوق. مضافا إلی أنّ ظاهر هذه الأخبار لم یقل به أحد مطلقا. ویشهد أیضا أنّ ما ورد فی البطلان من الکثرة والشهرة بمکان ، والله یعلم.

ولم یتعرّض رحمه الله لحکم الشکّ فی المغرب لعلّه حوالة إلی حکم الشکّ فی الأولیین ، لأنّه نظیره فتوی ودلیلا ، لما ذکرناه عن الأمالی ، وادعی الشیخ رحمه الله فی الاستبصار الإجماع علی البطلان (2) ، والأخبار الدالة علیه کثیرة ، لکن فی روایة عمار الساباطی البناء علی الأکثر والاحتیاط (3) ، وهذه وإن کانت ربما تأبی عن التقیّة ، إلاّ أنّ الراوی عمار ، فالاعتماد علیه ورفع الید عمّا ذکرنا مشکل.

وبالجملة : مرجّح مستند المشهور الصحة ، وکثرة الصحاح ، وکثرة الأخبار المعتبرة ، والشهرة العظیمة ، بل الإجماع ، بل إجماع الکلّ حتی ابن بابویه ، کما عرفت ، والمخالفة للعامّة ، بل کلّ واحد یکفی وإن کان أضعف ممّا فی المقام بمراتب ، کما هو الحال فی غیر المقام ، فکیف ما فی المقام؟ وکیف إذا اجتمع؟ مع أنّ الضعیف لیس بحجّة ، فکیف إذا خالف ما ذکرناه؟ بل المسألة لیست بخلافیة کما توهّم البعض (4) ، فلا حاجة إلی ما ذکرنا.

ص: 290


1- الانتصار : 48.
2- الاستبصار 1 : 372.
3- التهذیب 2 : 182 / 728 ، الاستبصار 1 : 366 / 1397 ، الوسائل 8 : 196 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 2 ح 12.
4- انظر المنتهی 1 : 410.

قوله (1) : والاستئناف. ( 4 : 253 ).

هو خلاف ظاهر الأخبار ، بل ربما یأبی عنه بعض الأخبار الواردة فی البطلان ، فلاحظ.

قوله (2) : وتأوّلها الشیخ فی الاستبصار. ( 4 : 254 ).

ویمکن أن یقال أیضا بحمل الجزم الوارد فی الحدیث علی الظنّ ، فإنّ الجزم مقول علی أفراده بالتشکیک ، فإذا بلغ فرد من أفراده غایة الشدّة قارب الجزم ، فیصدق علیه مجازا من باب تسمیة الشی ء باسم ما قاربه.

وهذا غیر عزیز ، کما فی غسل الجمعة ، یحمل قوله علیه السلام : « غسل الجمعة واجب » (3) علی شدّة الاستحباب ، مع أنّ القاعدة المسلّمة من أنّه إذا تعذّرت الحقیقة فأقرب المجازات متعیّن أیضا یقتضی ذلک ، لأنّه مع تعذّر الحمل علی الجزم حقیقة فأقرب المجازات وهو الظنّ متعیّن ، وهو معتبر فی الواحد والثلاث والاثنین ، ویحمل فعل سجدة السهو علی الاستحباب ، لعموم [ قوله ] (4) علیه السلام فی صحیحة عبد الله بن علی الحلبی الآتیة فی مبحث سجدتی السهو : « وسلّم واسجد سجدتین بغیر رکوع ولا قراءة وتشهّد فیهما تشهّدا خفیفا » (5).

قوله : فلا ریب أنّ الاستئناف أولی وأحوط. ( 4 : 254 ).

بل هو متعیّن ، لأنّ هذه الصحیحة إذا لم تقبل التأویل تکون واردة

بطلان الصلاة إذا لم یدر کم صلّی

ص: 291


1- هذه التعلیقة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».
2- هذه التعلیقة لیست فی « أ » و « و ».
3- عوالی اللآلئ 1 : 46 / 63 ، الوسائل 3 : 311 أبواب الأغسال المسنونة ب 6.
4- بدل ما بین المعقوفین فی النسخ : فعله ، والظاهر ما أثبتناه.
5- الفقیه 1 : 230 / 1019 ، التهذیب 2 : 196 / 772 ، الاستبصار 1 : 380 / 1441 ، الوسائل 80 : 224 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 14 ح 4.

مورد التقیّة ، لما عرفت ، مع أنّ الکثرة والشهرة بین الأصحاب والموافقة لأخبار أخر والأوفقیة لها وأوضحیة الدلالة سیّما بسبب تعاضد بعضها ببعض ، کلّ واحد منها مرجّح آخر ، فاجتمعت مرجّحات کثیرة.

ومن مؤیّدات المرجّحات شدّة التقیّة فی زمان الکاظم علیه السلام ، وکون الراوی وزیر الخلیفة ، وبالجملة : مرجّح واحد یکفی للحکم فضلا عن اجتماع الکثرة. ومن المرجّحات قول الصدوق فی أمالیه ، وادعی غیره أیضا الإجماع فی المسألة السابقة.

قوله (1) : لانتفاء ما یدل علی التفرقة بینها وبین غیرها من الأحکام. ( 4 : 255 ).

الذی یفرّق هو عموم البلوی بها وندرة الحاجة إلی غیرها ، وعدم ثبوت الحکم فیه علی وجه محقّق ، کما لا یخفی.

قوله : فلا تنهض حجّة. ( 4 : 256 ).

الروایة منجبرة بالشهرة بل بإجماع الإمامیة ، وکون ذلک معروفا من دینهم ، وأنّه یجب الإقرار به ، کما قاله الصدوق فی أمالیه (2) ، مع أنّ تلک الروایة مرویة عن عمار من طرق متعدّدة (3). وعمار ممّن أجمعت الشیعة علی العمل بروایاته ، کما قاله الشیخ فی العدّة. (4)

ومع ذلک متأیّدة بروایة زرارة السابقة بالترتیب الذی ذکرناه.

ومتأیّدة أیضا بالروایات الواردة فی الشکّ بین الاثنتین والأربع ،

حکم الشک بین الاثنین والثلاث

ص: 292


1- هذه الحاشیة لیست فی « أ » و « و ».
2- أمالی الصدوق : 513.
3- الوسائل 8 : 212 ، 213 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 8 ح 1 ، 3 ، 4.
4- عدة الأصول 1 : 381.

والثلاث والأربع ، والاثنتین والثلاث والأربع ، وعمل الأصحاب بمضمونها ، وأنّ طریقة العامّة البناء علی الأقل ، والمعروف من الشیعة البناء علی الأکثر ، منضمّا مع ما ورد من أنّ من أحرز الثنتین فصلاته صحیحة ، مثل ما رواه الصدوق عن عامر بن جذاعة عن الصادق علیه السلام : « إذا سلمت الرکعتان الأولتان سلمت الصلاة » (1).

ویؤیّدها أیضا التعلیلات الواردة بأنّه إن کان نقص یکون هذه تمام الأربع (2) ، إلی غیر ذلک ، فتأمّل.

قوله : وهو مبطل. ( 4 : 256 ).

لا یخفی أنّ السؤال کان بلفظ الماضی ، حیث قال : لا یدری اثنتین صلّی أم ثلاثا ، وظاهر ذلک کون الشکّ بعد الفراغ من الرکعة المتردّدة وتمامیتها وانقضائها ، والمعصوم علیه السلام شرط الدخول فی الثالثة للحکم بالصحة تأکیدا لما سأله ، فإنّ الشکّ إذا وقع حین الدخول فی السجدة الثانیة ، خصوصا بعد تمامیة الذکر ربما یقال : لا یدری صلّی کذا وکذا فتأمل (3).

فعلی هذا یکون الشکّ بعد إکمال السجدتین ورفع الرأس عن السجدة الأخیرة ، بل لا شبهة فی ذلک ، والظاهر منها أنّ الشکّ إذا وقع بعد تمامیة الرکعة المتردّدة وانقضائها یکون بعد الدخول فی الثالثة التی لیست هی المتردّدة ، لأنّه بعد رفع الرأس عن السجدة الأخیرة لم یبق شی ء من

ص: 293


1- الفقیه 1 : 228 / 1010 ، الوسائل 8 : 188 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 1 ح 3.
2- الوسائل 8 : أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 8 ح 3 ، وب 10 ح 8 ، وب 11 ح 1 ، 2 ، وب 13 ح 4.
3- لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

الرکعة السابقة أصلا ، فلا جرم یکون المکلّف داخلا فی الرکعة الآتیة.

نعم علی هذا لم یتوجّه المعصوم علیه السلام إلی صلاة الاحتیاط ، ولعله بنی علی الظهور من الخارج. وقوله : « لا شی ء علیه » لعل المراد لا إثم علیه ، ولا حاجة إلی الإعادة.

ویؤیّده تتمّة الروایة المذکورة حیث قال بعد ذلک : قلت : فإنّه لا یدری فی اثنتین هو أم أربع ، قال : « یسلّم ویقوم فیصلّی رکعتین ، ثم یسلّم ولا شی ء علیه » فتأمّل جدّا.

والثالثة فی قوله : « مضی فی الثالثة » غیر الثالثة فی قوله : « بعد دخوله فی الثالثة » بالقرینة التی أشرنا إلیها.

مضافا إلی أنّ عبارة : مضی فی کذا ، بعد سؤال : شکّ فی کذا ، لعلها ظاهرة فی الذی شکّ فیه ، یعنی أنّ الذی شکّ فیه یبنی علی أنّه کذا ویمضی ، فعلی هذا یکون المراد أنّه فی ما شکّ فیه أنّه اثنتین أو ثلاث یبنی علی الثلاث ، ویقول : هی الثالثة ویمضی ، فتأمّل.

ویمکن أن یکون المراد من : « مضی فی الثالثة » أنّه یتمّ الصلاة ولا یعید ، فلاحظ الأخبار حتی یظهر لک جواز ذلک ، فتأمّل.

والإنصاف أنّ الاستدلال بها لا یخلو عن الإشکال بل مشکل البتة ، وربما تصلح للتأیید ، فتأمّل.

قوله : فقال : « إنّما ذلک فی الثلاث والأربع ». ( 4 : 256 ).

ربما یظهر منها کون الشکّ قبل إحراز الثنتین ، لأنّه بعد الإحراز یکون الشکّ فی الثلاث والأربع ، فلا منافاة ولا إشکال ، بل یکون هذه الروایة مؤیّدة للصحة ، فتأمّل.

قوله : فی کتابه المقنع. ( 4 : 256 ).

ص: 294

لا یخفی أنّه نقل هذا المضمون فی الفقیه أیضا علی وجه یظهر منه أنّه فهم کما أشرنا فی الحاشیة السابقة من أنّ الإعادة بناء علی عدم إحرازه الثنتین وعدم إکماله السجدتین ، مع أنّک عرفت کلامه فی الأمالی ، فلاحظ الکتابین (1).

قوله : ما رواه فی الموثق. ( 4 : 256 ).

قد عرفت أنّ مثل هذه الروایة محمولة علی التقیّة لو کانت صحیحة ، وکلام الأمالی عرفت ، وفی الفقیه أیضا قال کما قال فی الأمالی ، وأفتی بالبناء علی الأکثر علی سبیل الیقین لا التخییر ، غایة ما فی الباب أنّه أتی بهذه الروایة ولا یظهر منه أنّه بنی علی أنّ المراد البناء علی الأقلّ وأنّه یفتی به أیضا ، إذ علی هذا یظهر التدافع فی کلامه ومخالفته لمذهب الإمامیة علی ما نقل ، إذ یمکن أن یکون فهم منها البناء علی الأکثر ، موافقا لما قال بعض الأصحاب أنّ البناء علی الیقین هو البناء علی الأکثر ، لأنّه لا یحصل منه الزیادة المحتملة (2) ، ومع ذلک غیر ظاهر أنّه نقلها مفتیا بها ، ولذا قال بعض الأصحاب : إنّه فی أثناء کتابه رجع عمّا قال فی أوّل کتابه (3) ، فتأمّل.

وأمّا المسائل الناصریة فلیس عندی.

نعم قال الصدوق فی الفقیه - بعد ما أورد روایة فی من شکّ بین الاثنتین والثلاث والأربع أنّه یصلّی رکعة من قیام ثم یسلّم ویصلّی رکعتین من جلوس ، ثم روی فی من شکّ فی أعداد الصلاة کلّها لا یدری واحدة أم اثنتین أم ثلاثا أم أربعا أنّه لا یفعل شیئا ویصحّ صلاته علی وجه یظهر غایة

ص: 295


1- الفقیه 1 : 225 ، الأمالی : 513.
2- انظر الوسائل 8 : 212.
3- انظر الحدائق 10 : 246.

الظهور أنّه کثر شکّه - : وروی سهل بن الیسع فی ذلک أنّه یبنی علی الیقین ویسجد سجدتی السهو ، وروی أنّه یصلّی رکعة من قیام ورکعتین وهو جالس ، ثم قال : وهذه الأخبار لیست بمختلفة ، وصاحب السهو بالخیار بأیّهما أخذ فهو مصیب ، ثم روی روایة إسحاق المذکورة (1).

ففی کلامه تشویش لا یدری ، فیحتمل أن یکون مراده حال کثیر السهو أنّه إن لم یبن علی شی ء فهو صحیح ، وکذا إن بنی علی الأقلّ ویسجد سجدتی السهو ، أو یصلّی رکعة من قیام ورکعتین من جلوس ، وهذا هو الظاهر من عبارته ، فإنّ غیر کثیر الشکّ لا یمکنه عدم تدارک شی ء والاکتفاء بما فعله أوّلا ، وهو إجماعی بل هو ضروری ، وربما یومئ إلیه قوله : وهذه الأخبار. والله یعلم.

قوله : هو غیر بعید. ( 4 : 257 ).

لا یخلو عن الإشکال ، لأنّ إحراز الثنتین الذی هو شرط للصحّة علی ما یظهر من الأخبار لا یعلم تحقّقه ولا یظنّ ، بل ربما یکون المظنون خلافه ، لوجوب رفع الرأس وکونه من تتمّة الرکوع ، فتأمّل جدّا.

والشارح لم یتوجّه إلی ما ذکره المصنف من التخییر بین الرکعة من قیام والرکعتین من جلوس ، مع أنّ الظاهر من قوله : « أتمّ ما ظننت أنّک نقصت » (2) هو الرکعة من قیام ، إلاّ أن یقال : ما ورد فی الشکّ بین الثلاث والأربع یکشف عن کون المراد أعمّ من الرکعة من قیام أو الرکعتین جلوسا ، فتأمّل ، وسیجی ء الکلام فیه فی الصورة الرابعة (3).

ص: 296


1- الفقیه 1 : 230 ، 231.
2- الفقیه 1 : 225 / 992 ، الوسائل 8 : 212 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 8 ح 1.
3- یأتی فی ص : 299 - 300 ، المدارک 4 : 261 ، 262.

قوله : وقال ابن بابویه. ( 4 : 258 ).

فی نسبة هذا إلی ابن بابویه تأمّل ظهر وجهه.

قوله : وهی ضعیفة بالإرسال. ( 4 : 259 ).

إلاّ أنّها منجبرة بالشهرة والأوفقیة للعمومات الواردة من قولهم فی روایة عمار : « أتمّ ما ظننت أنّک نقصت » وظهر لک من الأمالی والفقیه أنّ مستند الإمامیة فی البناء علی الأکثر علی سبیل الکلّیة ، والقاعدة هو هذه الروایة ، ویظهر ذلک من ملاحظة کلام القدماء والمتأخّرین : ، حیث قدّموها علی الصحاح الدالة علی البناء علی الأقلّ بعنوان الکلّیة ، وفی خصوصیات المقامات فی المقام ، والشیخ فی العدّة ادعی إجماع الشیعة علی العمل بروایات عمار (1) ، والأخبار الواردة فی خصوصیات مباحث الشکّ أیضا تؤیّده.

قوله (2) : وإذا لم یدر فی ثلاث هو أو فی أربع. ( 4 : 259 ).

هذه واردة علی طریقة العامة ، فتعیّن الحمل علی التقیة بلا شبهة ، فلا وجه أصلا لما ذکره الشارح : لا یخلو من رجحان.

قوله : وهما نصّ فی المطلوب. ( 4 : 260 ).

وکذا صحیحة الحلبی التی سنذکرها عن الکافی والفقیه (3) ، مع أنّهما قالا فی أوّلهما ما قالا.

قوله : ویحتمل قویا التخییر فی هذه المسألة. ( 4 : 260 ).

حکم الشکّ بین الثلاث والأربع

حکم الشکّ بین الاثنین والأربع

ص: 297


1- عدّة الأصول 1 : 381.
2- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
3- ستأتی فی ص : 300.

لا قوّة أصلا بل ضعیف البتّة ، لما عرفت وستعرف ، مع أنّه مخالف لما علیه کلّ الفقهاء ، ولذا جعله مجرّد احتمال من غیر نقل خلاف وقائل.

قوله : وبین ما رواه الکلینی. ( 4 : 260 ).

لا یخفی أنّه ربما یظهر من قوله : « وهو قائم » وقوله : « بفاتحة الکتاب » کون المراد من الرکعتین صلاة الاحتیاط ، إذ الرکعتان الأخیرتان کونهما من قیام من بدیهیات الدین ، ومع ذلک لا وجه لتعیین کونهما بفاتحة الکتاب ، وربما یؤیّده قوله : « لا یدخل الشکّ فی الیقین ، ولا یخلط أحدهما بالآخر » فتأمّل.

علی أنّ مقتضی الروایة فی الشکّ بین الثلاث والأربع أنّه یبنی علی الأقلّ ، وقد ثبت خلافه ، فتأمّل.

قوله : وأجاب عنها الشیخ فی کتابیه. ( 4 : 260 ).

ویمکن الحمل علی کونه قبل رفع الرأس من السجدة الأخیرة والدخول فی الثالثة ، فتأمّل.

قوله : وهو قویّ. ( 4 : 261 ).

لا قوّة فیه من حیث الاعتبار ، لو لم نقل بالضعف من الحیثیة المذکورة ، لأنّ الانضمام ( کیف یغنی ) (1) مع وقوع التشهّد والتسلیم بینهما ، وکون أحدا الرکعتین من قیام لا غیر ، والأخری رکعتین من جلوس لا غیر [ من دون ] (2) مناسبة وشباهة له بالصلاة المعهودة؟ بل الأوّل أولی وأوفق بحسب الاعتبار ، لما عرفت.

حکم الشکّ بین الاثنین والثلاث والأربع

ص: 298


1- بدل ما بین القوسین فی « و » : کیف کان کیف یبنی.
2- بدل ما بین المعقوفین فی النسخ : قیامه ، والأنسب ما أثبتناه.

قوله : وهی قاصرة بالإرسال. ( 4 : 261 ).

لا قصور فیها ، لأنّ مرسلات ابن أبی عمیر فی حکم المسانید عند المحققین من فقهائنا القدماء والمتأخّرین ، لما یظهر ممّا ذکر فیه بخصوصه فی الرجال ، ولکونه ممّن أجمعت العصابة ، ولقول الشیخ فی العدّة : إنّه لا یروی إلاّ عن الثقة (1) ، ولکونها فی المقام منجبرة بالشهرة ومتأیّدة بالاعتبار ، وبالنسخة الصحیحة فی صحیحة ابن الحجاج ، مع أنّ المرسلة مرویة فی الکافی أیضا فی غایة علوّ السند (2) ، وصرّح فی أوّل کتابه بأنّ جمیع ما فیه من الأخبار الیقینیة عنده ، فتأمّل.

قوله : صریحة. ( 4 : 261 ).

لکن قال فی الوافی : وربما یوجد فی بعض النسخ : « رکعتین » مکان : « رکعة » فحینئذ لا إشکال (3).

قلت : ویؤیّده قول الشهید فی الذکری (4) ، فلعل نسخته کانت کذلک ، ونسختی صحیحة غایة الصحة ، وهذه النسخة موجودة فیها أیضا ، فلا إشکال مطلقا ، فتأمّل ، جدّا.

قوله : غیر معهود. ( 4 : 261 ).

سیّما وأن یقول : قلت لأبی عبد الله علیه السلام .

قوله : کما تضمّنته الروایة. ( 4 : 261 ).

لأنّ العطف فیها بکلمة ثم المفیدة للترتیب ، ویؤیّده أیضا صحیحة

کلمة فی أنّ مراسیل ابن أبی عمیر فی حکم المسانید

ص: 299


1- عدة الأصول 1 : 386.
2- الکافی 3 : 353 / 6 ، الوسائل 8 : 223 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 13 ح 4.
3- الوافی 8 : 981.
4- الذکری : 226.

ابن الحجاج ، فتأمّل.

قوله (1) : ولم نقف علی مأخذه. ( 4 : 262 ).

قد أشرنا إلی مأخذه ، فلاحظ ، لکن المقام العمل فیه علی الروایة لا غیر ، فتأمّل.

قوله : وبما رواه الجمهور عن النبی صلی الله علیه و آله . ( 4 : 263 ).

منجبر ضعفها بعمل الأصحاب والشهرة وغیر ذلک ممّا سیذکر.

قوله : وإن وقع وهمک علی الأربع. ( 4 : 263 ).

وکذا فی کصحیح الحلبی عن الصادق علیه السلام المروی فی الکافی والفقیه : « إذا لم تدر ثنتین صلّیت أم أربعا ولم یذهب وهمک إلی شی ء فتشهّد وسلّم ثم صلّ رکعتین » الحدیث (2).

قوله : إذا لم یکن الحکم إجماعیا. ( 4 : 263 ).

إذا اتفق کلّهم فالشارح ربما یجعله حجّة ، کما مرّ فی نجاسة المنی وغیرها (3) ، مع أنّه ربما یحصل العلم بأنّه عن رئیسهم ، مع أنّ الشهرة حجّة عند الشهید (4) ، مع أنّ الظنّ القوی لا شبهة فی حصوله منها ، وهو یکفی للاعتراض ، فتأمّل.

قوله (5) : عامی ... ( 4 : 263 ).

لکن منجبر بالشهرة فتأمّل.

حکم الظن

ص: 300


1- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
2- الکافی 3 : 353 / 8 ، الفقیه 1 : 229 / 1015 ، الوسائل 8 : 219 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 11 ح 1.
3- انظر المدارک 2 : 266 ، و 5 : 315.
4- انظر الذکری : 5.
5- هذه التعلیقة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».

قوله : نعم یمکن الاستدلال علی اعتبار الظنّ فی الأوّلتین. ( 4 : 263 ).

الاستدلال بها یتوقّف علی عموم المفهوم ، والشارح رحمه الله لا یقول به ، وإن کان الظاهر بل المحقّق الثابت هو عمومه ، کما حقّقنا ومرّ الإشارة فی کتاب الطهارة فی مبحث المیاه (1) ، فراجع وتأمّل.

ویمکن الاستدلال بالأخبار الواردة فی رجوع کلّ واحد من المأموم والإمام إلی الآخر عند شکّه (2) ، لشمولها الأولیین أیضا ، والظاهر أنّه إجماعی أیضا. والتقیید بما إذا حصل العلم فیه ما فیه ( إذ کیف یحصل العلم بأنّه حقّ؟ وإن حصل للآخر ، مع أنّه أیضا محلّ تأمّل ، فتأمّل ) (3).

وبروایة إسحاق بن عمار عن الصادق علیه السلام : قال : « إذا ذهب وهمک إلی التمام أبدا فی کلّ صلاة فاسجد سجدتین بغیر رکوع ، أفهمت؟ » قال : نعم (4). والضعف منجبر بالشهرة ، والسجدة محمولة علی الاستحباب.

وفی الکافی عقیب کالصحیح الحلبی إلی الحدّ الذی رواه فی الفقیه : « وإن کنت لا تدری ثلاثا صلّیت أم أربعا » إلی أن قال « فإن ذهب وهمک إلی الأربع فتشهّد وسلّم ثم اسجد سجدتی السهو » انتهی.

وهو رأیه کما هو الظاهر ، فتأمّل.

وروایة أبی بصیر : قال رجل للصادق علیه السلام : إنّی رجل کثیر السهو فی الصلاة ، فقال : « فهل یسلم منه أحد؟ » إلی أن قال : « یا أبا محمد إنّ العبد

ص: 301


1- انظر ج 1 : 49 - 52.
2- الوسائل 8 : 239 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 24.
3- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
4- التهذیب 2 : 183 / 730 ، الوسائل 8 : 211 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 7 ح 2.

یرفع له ثلث صلاته ونصفها وثلاثة أرباعها وأقلّ وأکثر علی قدر سهوه فیها ، لکنّه یتم له من النوافل » (1) فتأمّل.

وصحیحة ابن مسلم فی الذی یذکر أنّه لم یکبّر فی أوّل صلاته ، فقال : « إذا استیقن أنّه لم یکبّر فلیعد ، ولکن کیف یستیقن؟ » (2) وکذا ما یؤدّی معناها فی نسیان التکبیر (3).

وصحیحة الفضیل : أستتمّ قائما فلا أدری رکعت أم لا؟ قال : « بلی قد رکعت فامض ، فإنّ ذلک من الشیطان » (4) فإنّ الظاهر ظنّ حصوله ، لأنّه قال : أستتمّ قائما.

وفی الموثّق کالصحیح عن الصادق علیه السلام قال : فی من أهوی إلی السجود وشکّ فی الرکوع ، قال : « قد رکع » (5) فإنّ ظاهرها البناء علی الظاهر ، وترجیحه علی الأصل فی المقام ، کحکایة التکبیر ، فتأمّل.

ویمکن الاستدلال لابن إدریس بروایة ابن مسلم عن الصادق علیه السلام فی من لا یدری واحدة صلّی أو اثنتین ، قال : « یستقبل حتی یستیقن » (6)

ص: 302


1- الکافی 3 : 363 / 3 ، التهذیب 2 : 342 / 1416 ، الوسائل 4 : 71 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 17 ح 4.
2- التهذیب 2 : 143 / 558 ، الاستبصار 1 : 351 / 1327 ، الوسائل 6 : 13 أبواب تکبیرة الإحرام ب 2 ح 2.
3- المستدرک 4 : 137 أبواب تکبیرة الإحرام ب 2 ح 4.
4- التهذیب 2 : 151 / 592 ، الاستبصار 1 : 357 / 1354 ، الوسائل 6 : 317 أبواب الرکوع ب 13 ح 3.
5- التهذیب 2 : 151 / 596 ، الاستبصار 1 : 358 / 1358 ، الوسائل 6 : 318 أبواب الرکوع ب 13 ح 6.
6- الکافی 3 : 351 / 2 ، التهذیب 2 : 179 / 715 ، الاستبصار 1 : 365 / 1391 ، الوسائل 8 : 189 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 1 ح 7.

وغیرها ممّا یؤدّی مؤدّاها (1).

ویمکن الجمع بحمل الیقین علی عدم الشک ، لوقوعه فی مقابله ، ولأنّه فی الاستقبال یحصل الیقین غالبا ، ولهذا قال کذا ، فتأمّل.

نعم یومئ إلی ما ذکره وقوع الاستفصال فی الشکّ فی الثالثة والرابعة وعدم وقوعه فی الشکّ فی الأولیین بالمرّة مع کثرته.

وممّا یؤیّد المشهور أیضا ما ورد من أنّه لا یعید الصلاة فقیه ، بل یحتال لها حتی یصحّحها (2) ، وأنّ المدار فی الأعصار والأمصار کان علی الظنّ غالبا ، لعسر الیقین کما هو المشاهد ، فتأمّل.

قوله : وإذا ثبت ذلک ثبت اعتبارهما فی أفعالهما بطریق أولی. ( 4 : 264 ).

لا یخفی أنّ الامتثال العرفی لو تحقّق بالظنّ فلا یحتاج إلی هذا الاستدلال ، وإن لم یتحقّق به ، بل لا بدّ من العلم ، فإذا ثبت من الشرع الاکتفاء بالظنّ فی مجموع الفعل ثبت اکتفاؤه فی أبعاضه بطریق أولی.

وبعبارة أخری : إذا ثبت اکتفاؤه بالظنّ فی کلّ واحد من الأبعاض مع ظنّیّة باقی الأبعاض فمع علمیتها بطریق أولی.

والظاهر أنّ ذلک من باب مفهوم الموافقة ، وذلک لأنّ السید إذا قال لعبده : ایتنی بألف عدد من شی ء ، ثم قال : یکفیک ظنّک بإتیان هذا الألف ، لیحکم أهل العرف بأنّه یکفیه الظنّ بواحد من هذا الألف مع القطع بالبواقی قطعا ، بل یحکمون بأنّه یکفیه الظنّ لکلّ واحد واحد من هذا الألف البتّة ، لأنّ الألف لیس إلاّ کلّ واحد واحد منها جمیعا ، وکلّ واحد واحد منها

ص: 303


1- الوسائل 8 : 187 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 1.
2- الوسائل 8 : 247 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 29 ح 1.

جمیعا صرّح باکتفائه فیه بالظنّ فیه.

وأیضا إذا صرّح بکفایة الظنّ بتحقّق الرکعة یکون تصریحه قرینة واضحة علی أنّ المراد من الرکعة الرکعة المظنونة ، أی ما یکتفی فیه بالظنّ ، فیلزم من ذلک أن یکون أجزاء تلک الرکعة - ومنها الهیئة الترکیبیة ، إذ هی أیضا جزء منها - مظنونة بهذا المعنی ، إذ لا معنی لکون الکلّ مظنونا والجزء مقطوعا ، إلاّ أن یکون وقع فی الجزء طلب سوی مطلوبیته فی ضمن الکلّ.

فإن قلت : غایة ما ثبت ممّا ذکرت أنّ المطلوب الرکعة المظنونة فی صورة خاصّة لا مطلقا ، وهی ما إذا تعلّق الظنّ بنفس الرکعة ، وأمّا إذا تعلّق بجزئها خاصّة فلا ، بل المطلوب حینئذ الرکعة المقطوع بها ، وذلک لأنّ مقتضی ما دل علی وجوبها تحصیل الیقین بإتیانها مطلقا ، خرج منه الصورة الخاصّة المذکورة وبقی الباقی تحت الإطلاق.

قلت : قد عرفت من المفهوم الموافق الاکتفاء بالظنّ فیما إذا تعلّق بالجزء خاصّة بطریق أولی ، ولو ضایقت عن ذلک نقول : اقتضاء (1) ما دل علی الوجوب تحصیل الیقین لعله محلّ تأمّل بعد ملاحظة أمور ، وهی أنّ الشارع جوّز الاکتفاء بالظنّ مطلقا ، أی سواء أمکن تحصیل البراءة الیقینیة أم لا ، وسواء وقع الاهتمام التام فی تحصیل الیقین وتحفّظ النفس فی الضبط أم لا ، کما هو ظاهر النص والفتاوی ، وأنّ الرکعة المطلوبة تکون علی ضربین : قطعی وظنّی ، ویتخیّر المکلف بینهما مطلقا إلاّ إذا اتفق تعلّق الظنّ بجزء منها ، فتعیّن حینئذ القطعی ، ولا یخفی أنّه بعید غایة البعد ، مع أنّ تحصیل القطع غیر ممکن ، لأنّه إن أتی بالمظنون یلزم زیادة جزء فی

ص: 304


1- فی « أ » و « و » : أقصی.

الصلاة ، مع أنّ المطلوب عدم الزیادة مثل الرکوع والسجدتین وغیرهما ، ولو أبطل الصلاة واستأنف لم یکن المطلوب منه حینئذ خصوص القطعی بل یکون مخیّرا.

وأیضا جوّز الشارع الاکتفاء بالشکّ فی فعل إذا وقع الشکّ بعد الدخول فی فعل آخر ، واللازم من ذلک الاکتفاء بالظنّ بطریق أولی ، فإنّه إذا شکّ أنّه فعل یبنی علی الصحة ، قطعا ، فإذا ظنّ أنّه قد فعل فلا شکّ فی البناء علی الصحة حینئذ ، بل هو أولی وأولی ، وهذا أیضا کالسابق فی التعمیم ، بأنّه أعمّ من أن یکون تحصیل البراءة الیقینیة ممکنا.

وأیضا لا شکّ فی أنّه إذا کثر السهو یبنی علی الصحة قطعا ، فإذا کثر الظنّ بأنّه قد فعل فهو أولی بالبناء علی الصحة وأولی قطعا ، ومعلوم أنّ غالب المکلفین کثیر الظنّ ، إذ قلّما یتحقّق القطع بجمیع أجزاء الصلاة ، بل إلزام تحصیل القطع بالجمیع ربما یوجب العسر والحرج المنفیّین بالنسبة إلی الغالب.

وأیضا جوّز الشرع رجوع کل واحد من المأموم والإمام إلی الآخر مطلقا ، وقد أشرنا إلی حکمه باکتفاء الظنّ فی الرکوع ، وربما یظهر من بعض الأخبار ذلک بالنسبة إلی التکبیرة (1) أیضا.

وأیضا الروایة النبویة مطلقة تشمل الرکعات والأبعاض ، ولعل ضعفها منجبر بعمل الفقهاء ، فتأمّل ، والله یعلم.

قوله : ولا ریب أنّ اعتبار ذلک أولی وأحوط. ( 4 : 264 ).

لا یخفی أنّ المکلفین فی جمیع أفعال الصلاة وأجزائها لیسوا

ص: 305


1- الوسائل 6 : 13 أبواب تکبیرة الإحرام ب 2 ح 2.

بمتفطّنین مستحضرین ، بل فی الغالب یکونون غافلین غیر مستحضرین ، بل لا یمکنهم عادة التحفّظ والاستحضار حین الفعل بالنسبة إلی کلّ واحد واحد من الأجزاء ، فلو التفتوا إلیها یحصل لهم الشکّ بدارا ومن أوّل الأمر ، ولا یکون لهم العلم الحضوری ، نعم بعد التروّی وقلیل من التأمّل یظهر لهم حقیقة الحال أو یحصل لهم الظنّ بالحال أو یبقی شکّهم علی حاله ویستقرّ ، ولعل المتبادر من الأخبار هو هذا الشکّ أی الباقی علی حاله المستقرّ ، لا الذی عرض غفلة وبدارا ومن أوّل الأمر ، وفی الغالب یتبدّل ویتغیّر بتوجّه النفس والتفاتها وتأمّلها.

مع أنّه لو کان هذا معتبرا یلزم الحرج والعسر فی الدین ، لو لم نقل بلزوم تکلیف ما لا یطاق.

( وأیضا علی هذا ربما یلزم أن یکون کلّ المکلفین کثیری الشکّ ، وأنّه یجب علیهم العمل بمقتضی کثرة الشکّ.

وأیضا إذا کان المکلف یعلم بحسب العادة أنّ هذا الشکّ العارض بدارا یزول فی الغالب ویظهر علیه حقیقة الحال أو الظنّ به المعلوم حکمه فکیف یجی ء ویسأل المعصوم عن حکمه وعن العلاج فیه؟ مع أنّ العلاج غالبا یکون بیده ، ورفع الشکّ یحصل منه من دون حصول سکوت طویل یخرج عن الصلاة ، إذ ظاهر أنّ سؤاله من جهة تحصیل العلاج ) (1).

وأیضا إذا کان یدری أنّه بعد هذا الشکّ یظهر الحال فی الغالب فکیف یبنی علی أحکام الشکّ من إبطال الصلاة وهو حرام إلاّ فی ما لا علاج ، أو أصل العدم فیفعل؟ مع أنّه ربما کان رکنا فیبطل صلاته ، أو

ص: 306


1- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

غیر رکن وغیر ظاهر أنّ زیادته مع إمکان العلاج وتیسّره مغتفر ، فکیف یکون هذا احتیاطا؟ بل لعله داخل فی العامد ، بل الظاهر أنّه کذلک ، وکذا الحال فی غیرهما من الأحکام ، ولعله لما ذکرنا حکموا بالتروّی ویکون مرادهم منه القدر الذی یخرج الشکّ من الشکّ الذی یعرض بدارا وغفلة وذهولا ، فتأمّل.

قوله : لا یقتضی صیرورته جزءا من الصلاة. ( 4 : 266 ).

لا یخفی أنّ شرعیته لأنّ یکون معرضا لتمامیة الصلاة حیث قالوا : فإن کان صلّی ثلاثا أو اثنتین کانت هاتان تمام الأربع ، ولا یصیر تماما له إلاّ أن یکون جزءا فی صورة النقص ، ولذا لو ذکر النقص بعد ذلک تکون صلاته صحیحة ، کما هو ظاهر الأخبار ، بل روی فی التهذیب بسنده عن عمار قال : سألت الصادق علیه السلام عن شی ء من السهو فی الصلاة ، فقال : « ألا أعلّمک شیئا إذا فعلت ثم ذکرت أنّک أتممت أو نقصت لم یکن علیک شی ء؟ إذا سهوت فابن علی الأکثر ، فإذا سلّمت فقم وصلّ ما ظننت أنّک نقصت ، فإن کنت قد أتممت لم یکن علیک فی هذه شی ء ، وإن ذکرت أنّک کنت نقصت کان ما صلّیت تمام ما نقصت » (1) مع أنّ هذا مسلّم عند الفقهاء.

مع أنّ الأخبار متواترة فی أنّ الفریضة خمسة وأنّ الصلاة فی الیوم واللیلة خمسة ، إلی غیر ذلک ممّا یتضمّن هذا المعنی فیکون الاحتیاط إمّا جزءا أو نافلة ، کما نطقت به الأخبار ، واعتبار الانفصال بالأمور الثلاثة للضرورة ، لاحتمال أن یکون ما فعله تماما ، فیکون صلّی ما هی أربع

لزوم عدم تخلل المنافی بین الصلاة وصلاة الاحتیاط

ص: 307


1- التهذیب 2 : 349 / 1448 ، الوسائل 8 : 213 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 8 ح 3.

خمسا أو ستّا أو سبعا أو ثمان.

وبالجملة : المحذور دائر بین محذورین رجّح أحدهما علی الآخر ، قال فی الوافی : لأنّه مع الفصل إذا ذکر بعد ذلک ما فعل وکانت صلاته مع الاحتیاط مشتملة علی الزیادة فلا یحتاج إلی الإعادة بخلاف ما إذا وصل (1) ، انتهی. والسید فی الانتصار علّل بعلّة أخری (2) ، فلیلاحظ. وعلی قول الصدوق (3) یجوز المحذور الآخر أیضا.

نعم یدل ذلک علی وجوب التسلیم والاضطرار إلیه أیضا ، لأنّ الخروج عن الصلاة إنّما یتحقّق به.

وأمّا الجلوس والرکعتان فلوقوع المحذور أیضا بین محذورین : عدم الموافقة إن روعی هیئة الصلاة الصحیحة المستقلّة ، ولذا روعی التکبیر والنیّة ، إذ لا صلاة إلاّ بهما وکونهما رکنا ، وأمّا کونها رکعتین وإن لم یکن مثلهما فی الرکنیة وعدم التحقّق إلاّ به ، لکنّ الأصل المقرّر فیها أن یکون کذلک.

وعدم هیئة الصلاة المستقلّة إن روعی الجزئیة ، ولذا یترک السورة والقنوت ، ویختار الإخفات والمبادرة بعد السلام وعدم فعل المنافیات عمدا فیما بین ، ویعتدّ به جزءا إن ظهر النقص ، فإمّا أن یعتبر الموافقة کما هو رأی بعض ، أو مقتضی الأصل فی الهیئة کما هو رأی بعض وورد فی الصحاح ، أو کلاهما کما هو المشهور وورد فی الخبر.

وبالجملة : کونه فی معرض الجزئیة بأن یکون جزءا لو کان ما فعله

ص: 308


1- الوافی 8 : 980.
2- الانتصار : 49.
3- حکاه عنه فی المختلف 2 : 382 ، وانظر الفقیه 1 : 230 و 231.

ناقصا ظاهرا ، وظهور ذلک فی مراعاتها مهما أمکن غیر خفی ، وثبوت عدم المراعاة بالنسبة إلی خصوص شی ء لا یقتضی العدم مطلقا ، إذ لعله لجهة ومصلحة غیر منافیة لمطلق المراعاة أو مطلقا ، فتأمّل.

علی أنّ الصلاة عبادة توقیفیة لا یعلم صحتها أو حقیقتها إلاّ من جهة الشرع ، فلا نعلم بعد الإتیان بالمبطل قبله أنّها صحیحة أو صلاة ، وشغل الذمة بها یقینی ، وتحقّق الامتثال بمجرد ما ذکر من الأصل غیر معلوم ، إذ لم یعلم بعد حجّیته بحیث ینفع فی المقام ، فتأمّل.

وسیّما بعد ورود صحیحة ابن أبی یعفور المتأیّدة بروایة أبی بصیر المطابقة لما ذکرناه.

وحملها علی ما ذکره خلاف الظاهر ، کما لا یخفی ، إذ الظاهر الوقوع بعدها ، وأنّه بعد فی حرمة الصلاة ، وارتکاب الحرام سهوا حلال ، بل لا حرام حینئذ ، وعمدا لا ینفع سجود السهو ولا یؤمر به له ، بل نقول : لا خفاء فی أنّ سجدة السهو مقرّرة للسهو والشکّ فی الصلاة ، أعنی المعنی الشامل للشکّ. مع أنّ التحریم یکفی ، لعدم القائل به بخصوصه ، وظهور کون ذلک لحرمة الصلاة ، وظهور ذلک فی عدم الخروج بالمرّة. والاتفاق علی المبادرة مؤیّد أیضا.

وبالجملة : الامتثال یقتضی الإتیان بجمیع الأجزاء بکیفیاتها المطلوبة والعلم بالإتیان أو الظنّ المعتبر ، ومع الإخلال الإعادة تحصیلا لها إلاّ أن یأمر الشارع فی صورة الإخلال وعدم تحقّق الامتثال بعلاج ، فلا بدّ من الوقوف علی علاجه وعدم التعدّی والتصرّف ، فکیف یتأتّی الاستناد إلی الأصل والتمسّک به فی تحصیل الامتثال والخروج عن العهدة؟

اللهم إلاّ أن یکون المراد التمسّک به بعد الاستناد إلی إطلاق کلامه فی

ص: 309

بیان العلاج.

وفیه : أنّه إن أفاد إطلاقه شمولا لمحلّ النزاع فلا حاجة إلی الأصل ، وإلاّ فلا منفعة له ، لوجوب الاقتصار علی القدر الذی یفهم من الإطلاق ، وغیر خفی أنّ القلب الغافل السالم عن الشوائب لا ینساق ذهنه من مجرّد سماع هذا الإطلاق إلی صورة تخلّل الأحداث والمنافیات أیضا ، سیّما وأن یثق بشموله لها وظهوره فیها أیضا ، خصوصا بعد ملاحظة ما ذکرنا ، مضافا إلی الصحیحة وروایة أبی بصیر ، والاتفاق علی وجوب المبادرة وترک السورة والقنوت ، فتأمّل (1).

مضافا إلی ما ستعرف من دلالة الأخبار الصحیحة الکثیرة والمعتبرة الکثیرة علی وجوب الإتیان بصلاة الاحتیاط علی الفور بالتقریب الذی ستعرف.

قوله : ودلالة هذه الفاء علی الفوریة. ( 4 : 266 ).

لا یخفی أنّ المتبادر من الحدیث القیام إلی الرکعتین تلک الساعة ، فلا وجه لما ذکره من أنّه لا یلزم من ذلک بطلان الصلاة بتخلّل الحدث ، لأنّه إذا تخلّل لا یمکن المبادرة ، بل لا بدّ من الوضوء أو غیره من الطهارات ، وذلک ینافی المبادرة ، فیصیر الإتیان بهما حینئذ إتیانا بالمأمور به علی غیر وجهه ، فیکون المکلف به داخلا تحت العهدة باقیا فیها ، وهذا معنی البطلان.

نعم إن ثبت من دلیل أقوی ممّا ذکر نرفع الید عنه ، ونعمل بذلک الدلیل ، وأین هو؟ فتأمّل جدّا.

ص: 310


1- لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

والروایة صحیحة کما حقّق فی محلّه ، مع أنّها إلی حماد صحیحة ، وهو ممّن أجمعت العصابة.

علی أنّه ورد أخبار کثیرة صحیحة بهذا المضمون ، فلا وجه للاستناد إلی خصوص هذه الروایة. مع أنّ روایة عمار (1) التی هی مستند القوم فی البناء علی الأکثر مطلقا علی ما عرفت إنّما هی بهذا المضمون.

مع أنّ المحقّق فی الأصول أنّ المأمور به إذا کان مأمورا به علی سبیل الفور فبزوال الفور یفوت المأمور به ، ولم یبق مطلوب أصلا ، کالموقّت ، سیّما فی المقام ، فإنّ المکلّف لم یخرج عن عهدة الفریضة الیومیة ولم یمتثل ، لأنّه أوقع فیها خللا ، والشارع قال : علاج الخلل فعل الاحتیاط فورا ، فتأمّل جدّا.

قوله : وکونها بدلا. ( 4 : 267 ).

لا یخفی أنّ الشارح رحمه الله کثیرا ما یستدل بأنّ البدل یساوی المبدل ، لأنّه مقتضی البدلیة ، منها ما مرّ فی مباحث خطبة صلاة الجمعة (2).

ومع ذلک غیر خفی أنّ صلاة الاحتیاط لیست بدلا ، بل تفعل لأنّها معرضة للإتمام ، فإنّ الصلاة لو کانت تامّة تکون هذه نافلة ، وإلاّ تکون تتمّة الصلاة وجزءها ، لا أنّها بدل عن الجزء ، بل هی هو علی ذلک ، وکون الجزء فی بعض یفعل بعد التسلیم لا یقتضی الخروج عن الجزئیة ، کما فی تدارک أبعاض الصلاة ، فتدبّر.

قوله : ولا ینافی ذلک تبعیة الجزء فی بعض الأحکام. ( 4 : 267 ).

ص: 311


1- الوسائل 8 : 212 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 8 ح 1 ، 3 ، 4.
2- المدارک 4 : 36 ، 38.

لا خفاء فی عدم اندفاعه ، لأنّ البدلیة لو اقتضت المساواة فی کلّ حکم إلاّ أن یثبت من الخارج عدمه فلا وجه للحکم بعدم البطلان ، وإن لم یقتض فلا وجه للحکم ببقاء التخییر من جهة البدلیة.

قوله (1) : لو ثبتت التبعیة. ( 4 : 267 ).

لا یخفی أنّ ابن إدریس قائل بالتخییر من جهة البدلیة ، فالاعتراض لا یندفع أصلا وإن ثبتت من الخارج.

قوله : وهو ضعیف. ( 4 : 267 ).

لا یخفی ما فی تضعیفه ، لأنّ الخروج عنها بالنسبة إلی ما ذکر لا یقتضی الخروج محضا وکونه غیر جزء یتدارک بعد الصلاة ، بل یکون من قبیل الأجنبی مثل سجود السهو وجب الإتیان بها بعد الصلاة مثله ، فتأمّل.

قوله : علی فعل المشکوک فیه. ( 4 : 268 ).

بل یبنی علی المصحح ، إذ ربما کان الشکّ فی الزیادة ، وما علّل به أوّلا لا یقتضی انحصار السهو ، لأنّ الدلیل ربما یکون أخصّ من المدعی ، ویتمّ المدعی به وبدلیل آخر ، مع أنّ ما ذکره لیس علّة حقیقیة ، بل نکتة لعدم اعتبار الشرع ، وإلاّ فالدلیل هو الخبر ، فتأمّل.

قوله : وأکثر هذه الأحکام مطابق لمقتضی الأصل. ( 4 : 269 ).

لا یخفی أنّ السهو والشکّ خللان فی الصلاة مانعان عن تحقّق الامتثال والإتیان بالمأمور به علی وجهه ، إلاّ أن ( یثبت من الشارع عدم ضررهما ، أو ) (2) یثبت منه تدارک لهما ، وإن لم یثبت شی ء منهما فلا بدّ من

حکم السهو فی السهو

حکم الشک فی الشک

ص: 312


1- هذه التعلیقة لیست فی « د ».
2- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

الإعادة حتی یتحقّق المأمور به علی وجهه ، فکیف یکون أکثر هذه الأحکام مطابقا لمقتضی الأصل؟ لأنّ الغرض تصحیح الصلاة.

نعم لو کان الخلل أمرا خارجا عن حقیقة الصلاة أمکن أن یقال : الأصل صحتها وعدم ضرر من جهته بالنسبة إلی ماهیة الصلاة ، هذا علی القول بأن الصلاة اسم للأعمّ لا خصوص الصحیحة شرعا ، إذ علی التقدیر الثانی لا یمکن التمسّک بالأصل فی هذا الخلل أیضا ، فتأمّل جدّا.

قوله : لکونه سببا فیه. ( 4 : 269 ).

أی لعلاقة السببیة ، وللقرینة ، وهی کون الظاهر أنّ المراد من السهو ... والحاصل : أنّ المجاز محتاج إلی العلاقة والقرینة وکلتاهما هنا موجودة.

لا یقال : إنّ القرینة تقتضی کون المراد من السهو الشکّ لا ما یتناوله.

لأنّا نقول : إذا تعذّر الحقیقة فالحمل علی أقرب المجازات متعیّن ، والقرینة هنا لا تأبی عن المجاز العامّ ، وهو أقرب من الشکّ الذی بینه وبین السهو تباین کلّی ، فتأمّل.

والأولی أنّ السهو هو الزوال عن القوّة الذاکرة ، أعمّ من أن یجی ء بعد فی الخاطر أنّه زال عن الذاکرة أو لم یجی ء [ بل ] (1) یصیر متردّدا فی أنّ الأمر کیف صار أوّلا؟ خرج من قوله : « ولا علی الإمام سهو ولا علی من خلف الإمام » ما إذا [ وقع ] (2) منهما سهو یجب علیهما التدارک البتّة ویبقی الباقی ، أو یکون تقدیر : مع حفظ الآخر ، قرینة علی استعمال الکلّی فی الفرد فیهما خاصّة إن ثبت التقدیر ، فتأمّل جدّا.

ص: 313


1- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.
2- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.

وأمّا تقدیر الموجب فی الثانی مع کونه خلاف الأصل فلکونه أظهر فی إفادة الحکم والثمرة فی المقام ، فتأمّل.

ثم لا یخفی أنّ قول المنتهی : لا سهو فی السهو ، لیس مضمون حدیث ، إذ الوارد فی حسنة حفص : « ولا علی السهو سهو » ولا جائز أن یکون المراد نفس السهو فی الموضعین ، إذ لا معنی لأن یقال : لیس علی نفس السهو نفس السهو ، إلاّ بتقدیر حکم نفس السهو فیصیر کذبا ، ولا جائز أیضا أن یکون المراد من الأوّل نفس السهو ومن الثانی موجبه أو تدارکه أو حکمه وما یؤدّی هذا المعنی ، إذ یصیر کذبا قطعا ، فتعیّن أن یکون المراد فیهما معا الموجب والتدارک ، ولا جائز أن یکون المراد فی الأوّل الموجب وفی الثانی نفس السهو إلاّ بتأویل یرجع إلی المتقدّم.

وأمّا مرسلة یونس الآتیة فهکذا : « ولا سهو فی سهو ، ولیس فی المغرب والفجر سهو ، ولا فی الرکعتین الأولتین من کل صلاة ، ولا فی نافلة » الحدیث. هذا بعد القدر الذی نقله الشارح رحمه الله ویظهر من السیاق أنّ المراد من السهو الأوّل موجبة وتدارکه ، فیکون المراد من الثانی أیضا الموجب والتدارک موافقا لما فی الحسنة. ولا جائز أن یکون المراد فی الثانی نفس السهو ، إذ یصیر کذبا إلاّ بتأویل یرجع إلی المتقدّم.

فالحقّ ما ذکره العلاّمة لا القائل المذکور ، لأنّه لیس مفاد عبارة الحدیث ، ولا کلام ، بل مفاد عبارة أخری ، وهی أنّه : لا سهو فی السهو الکائن فی السهو ، فتأمّل.

ویظهر من مرسلة یونس ظهورا تامّا أنّ المراد من السهو هو الشکّ أو الأعمّ بالتقریب الذی ذکر ، فتأمّل ، والأحوط قصر الحکم فی الشکّ ، والله یعلم.

فی بیان المراد من قوله علیه السلام : ولا علی السهو سهو

ص: 314

ثم اعلم أنّ قوله علیه السلام : « ولا علی الإعادة إعادة » إنّما هو بالنسبة إلی کثیر السهو ، کما سیجی ء ، لأنّ الغالب أنّه یسهو فی الإعادة وأمّا غیره فقلّما یسهو فی الإعادة أیضا ، وإطلاق الأخبار محمول علی الغالب لا النادر ، وسیجی ء فی مسألة کثیر السهو ما یظهر منه أنّ من لم یکثر سهوه یعتبر سهوه ویتدارک ، للأخبار المعتبرة المعمول بها عند الفقهاء ، وربما یتحقّق الکثرة بمرّتین لهذا الخبر ، وضعفه ظاهر ، لما عرفته ، وربما حمل علی أنّ المراد عدم استحباب الإعادة ثانیا فی صورة استحباب الإعادة (1) ، وهو بعید.

قوله : وإطلاق النص. ( 4 : 270 ).

شموله لصورة عدم حصول المظنّة أصلا محلّ تأمّل ، لأنّ الغالب المتعارف حصول المظنّة ، وإطلاقات الأخبار محمولة علیه ، فلعل حال ما نحن فیه وحال غیر المأموم واحدة ، ومفهوم اللقب لیس بحجّة ، سیّما مع الورود مورد الغالب ، فتأمّل.

قوله : کذا یرجع الظانّ إلی المتیقّن. ( 4 : 270 ).

لا دلیل علی ذلک لا من جهة النص ولا من القاعدة ، بل القاعدة تقتضی کون الظانّ یرجع إلی ظنّه ، وهو الذی کلّف به ، کما تقدّم ، فکیف بالرجوع إلی غیره؟ إذ غایة ما یحصل منه الظنّ التقلیدی ، والظنّ الاجتهادی لو لم یکن أقوی من التقلیدی لم یکن أضعف ...

اللهم إلاّ أن یحصل من تقلیده ظنّ أقوی فی نظره من ظنّ نفسه ، فحینئذ یرتفع ظنّه وینحصر فی الظنّ التقلیدی ، فیکون عاملا بظنّه لا أنّه یرجع إلی المتیقن مطلقا. والوارد فی النص لیس إلاّ لفظ « السهو » ولفظ « لا

فی بیان المراد من قوله علیه السلام : ولا علی الإعادة إعادة

حکم سهو الإمام أو المأموم

ص: 315


1- انظر الذخیرة : 369.

یدری » وشمول معناهما للمظنّة فی غایة البعد ، بل لا یکاد یستقیم ، سیّما بعد ملاحظة ما ذکرنا ، فتدبّر.

قوله : فإن جمعتهما رابطة رجعا إلیها. ( 4 : 270 ).

إذا حصل الظنّ من جهة الرابطة.

قوله : لعدم الوثوق بخبرهم مع الاختلاف. ( 4 : 270 ).

لا یخفی أنّ الاختلاف مختلف ، فربما یرفع الوثوق وربما لا یرفع ، ولذا نعمل بالأخبار والأمارات والظنون مع الاختلاف فیها جلاّ أو کلاّ ، فتأمّل.

قوله : فالظاهر بطلان صلاته. ( 4 : 272 ).

لا أنّ البناء علی الوقوع رخصة ، ویدل علیه مضافا إلی ما ذکره الشارح رحمه الله أنّه یظهر من الأخبار أنّ الإتیان حینئذ إطاعة الشیطان وهی حرام البتّة ، وورد فی هذه الأخبار أیضا النهی عنها.

وممّا ذکرنا یظهر أنّه لو شکّ فی کونه کثیر الشکّ أم لا یشکل البناء علی عدمه بالإتیان ، بل الظاهر أنّ هذه الحالة غالبا تحصل لکثیر الشکّ ، وأنّ (1) الکثرة العرفیة لا تخفی علی أحد ، ولذا لو سئلوا لیقولون فی الجواب : نشکّ کثیرا ولا ندری أنّا کثیر الشک عرفا أم لا ، وربما یصرّحون بأنّ الشیطان لا یدعنا وأنّ هذه الحالة من الشیطان ، فالواجب علیهم الترک والبناء علی الوقوع والمصحّح ، وربما یقولون نحتاط ، ولا شکّ فی أنّه لیس باحتیاط بل حرام ، فتدبّر.

قوله : السالم من المعارض. ( 4 : 272 ).

حکم کثیر السهو

ص: 316


1- فی « أ » و « و » : إلاّ.

فیه نظر ظاهر ، لأنّ عموم قولهم : « إذا کثر علیک السهو. » یشمل ما ذکره کما یشمل غیره ، وکما أنّ ما ذکره له عموم فکذا غیره أیضا من دون تفاوت ، فالفرق تحکّم ، والعموم الأوّل أقوی من الثانی ، بل ربما یکون من قبیل الخاصّ والعامّ ، ولذا قدّم علیه ، بل ربما یتأمّل فی شمول الثانی للأوّل ، لکونه فردا غیر متبادر منه ، ویدل علیه التعلیلات الواردة فی الأخبار من أنّه من الشیطان یرید أن یطاع فلا تطیعوه (1) ، إلی غیر ذلک ، بل حکم فی کثرة الشکّ فی الوضوء بعدم الالتفات والمضی بهذه التعلیلات (2) ، فکیف یحکم هنا بوجوب الإتیان تمسّکا بعموم. إلی آخر ما قال؟ فتأمّل.

ثم لا یخفی أنّ مراده من السهو هنا لیس الشکّ ، لأنّ تجاوز المحلّ فی الشکّ یوجب عدم الالتفات مطلقا ، وإن لم یکن کثیر الشکّ ، فمع کثرة الشکّ بطریق أولی.

فإن کان المراد من السهو فی الأخبار الدالة علی أنّه لا سهو إذا کثر هو الشکّ - کما هو صریح المعتبر (3) والظاهر من العلاّمة أیضا (4) - فلا وجه لما ذکره من قوله : ولو کثر السهو. لأنّ الکثرة لا عبرة بها حینئذ فی السهو مطلقا ، فما دل علی حکم السهو من التدارک له وغیره یکون باقیا علی حاله من دون مانع أصلا.

وإن کان المراد من السهو فیها معناه الحقیقی وما هو أعمّ من الشکّ

ص: 317


1- الکافی 3 : 358 / 2 ، التهذیب 2 : 188 / 747 ، الاستبصار 1 : 374 / 1422 ، الوسائل 8 : 228 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 16 ح 2.
2- المدارک 1 : 257.
3- المعتبر 2 : 393.
4- المنتهی 1 : 411.

والسهو المصطلح فی کلام الفقهاء - کما هو مقتضی الأصل والظاهر ، وهو الظاهر من کلام الأکثر - فلا وجه أیضا لما ذکر من قوله : ولو کثر السهو. أیضا علی ما ذکرنا أوّلا ، فتأمّل.

قوله : وعدم الالتفات إلی الشکّ. ( 4 : 272 ).

بل ظاهرها عدم التدارک بسجود السهو أیضا ، ویؤیّده التعلیلات ، وکون الأوامر المتضمّنة لسجود السهو شاملة لما نحن فیه محلّ مناقشة ، سیّما بعد ما ذکرنا ، فتأمّل.

فالأظهر ما اختاره فی الذکری ، لا لما ذکره ، بل لما ذکرنا ، نعم ربما یصلح للتأیید.

فالأظهر ما اختاره فی الذکری ، لا لما ذکره ، بل لما ذکرنا ، نعم ربما یصلح للتأیید.

قوله : وأنکر المصنف فی المعتبر هذا القول. ( 4 : 273 ).

ونقل فی الذکری القول بتحقّقها بمرّتین من قائل مجهول (1) ، وقد أشرنا فی مسألة : لا سهو فی سهو (2).

قوله : فی ما لم یرد فیه تقدیر من الشارع. ( 4 : 273 ).

ولأنّه یظهر من الأخبار أنّه من الشیطان یرید أن یطیعه الإنسان فیجب عدم الاعتداد به ، ولا شبهة فی أنّه یظهر من الکثرة العرفیة أنّه من الشیطان وأنّهم یحکمون بذلک.

قوله : وهو کذلک. ( 4 : 274 ).

فیه تأمّل ، فإنّ الحکم بعدم الإعادة لا یستلزم الکثرة ، ولم یقل به أحد.

قوله : من شکّ فی النافلة بنی علی الأکثر. ( 4 : 274 ).

الرجوع فی کثرة السهو إلی العادة

حکم الشک فی النافلة

ص: 318


1- الذکری : 223.
2- راجع ص 313 - 315.

قال الشیخ رحمه الله فی التهذیب : النوافل عندنا لا سهو فیها ، ویبنی الإنسان إن شاء علی الأقل وإن شاء علی الأکثر ، وإن کان البناء علی الأقلّ أفضل (1).

ویظهر من هذا الإجماع علی ذلک ، وأنّ المراد من نفی السهو فی النافلة علی ما ورد فی صحیحة ابن مسلم (2) ومرسلة یونس (3) هو ما ذکره ، وقال فی المنتهی - علی ما نقل - : إنّه - یعنی ما ذکره الشیخ - قول علمائنا أجمع إلاّ ابن بابویه فإنّه جوّز البناء علی الأقلّ والإعادة (4).

قلت : لعله رحمه الله فهم من نفی السهو فی روایة یونس البطلان ، لکن قال فی أمالیه : من دین الإمامیة أن لا سهو فی النافلة ، فمن سهی فی النافلة فلیبن علی ما شاء ، وإنّما السهو فی الفریضة (5).

قوله : وأمّا جواز البناء علی الأکثر. ( 4 : 274 ).

فی الکافی : وروی أنّه « إذا سهی فی النافلة بنی علی الأقل » (6). وأمّا البناء علی الأکثر فلعموم ما دل علیه ، وللإجماع ، وما علّل به الشارح رحمه الله لیس علّة للأفضلیة بل علّة لتعیین الأقلّ لو کان بناؤها علی الاستصحاب ، وإلاّ فلا یصیر علّة أصلا ، وأمّا علّة الأفضلیة فهی التی أشرنا إلیه.

ص: 319


1- التهذیب 2 : 178.
2- الکافی 3 : 359 / 6 ، التهذیب 2 : 343 / 1422 ، الوسائل 8 : 230 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 18 ح 1.
3- الکافی 3 : 358 / 5 ، التهذیب 3 : 54 / 187 ، الوسائل 8 : 242 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 24 ذیل الحدیث 8.
4- لم نعثر علیه.
5- أمالی الصدوق : 513.
6- الکافی 3 : 359 / ذیل الحدیث 9 ، الوسائل 8 : 230 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 18 ح 2.

قوله : أنّ وجوب السجود. ( 4 : 275 ).

سنذکر عبارة أمالی الصدوق فی المسألة الآتیة ، فلاحظ.

قوله : بصحیحة سعید الأعرج. ( 4 : 276 ).

هذه الصحیحة واردة فی مقام التقیّة ، وإلاّ فقد ورد أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله لم یسجد سجدة السهو قط (1) ، وللأدلّة الدالة علی عدم سهو النبی ولا إسهائه من الآیة مثل قوله تعالی ( أَفَمَنْ یَهْدِی إِلَی الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ یُتَّبَعَ أَمَّنْ لا یَهِدِّی إِلاّ أَنْ یُهْدی ) (2).

وما ورد فی الآیة والأخبار من أنّه صلی الله علیه و آله والأئمّة علیه السلام هداة الخلق ومع الحق لا یفارقونه طرفة عین ، وأنّهم لیسوا بضالّین ، وما ذا بعد الحق إلاّ الضلال ، بل ورد أنّ من تمسّک بقولهم أو اقتدی بهم لن یضلّ أبدا (3).

وقال الله تعالی ( وَمَنْ یُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِیًّا مُرْشِداً ) (4) و : ( مَنْ یُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِیَ لَهُ ) (5) وقال ( وَوَجَدَکَ ضَالًّا فَهَدی ) (6) و : ( وَمَنْ یُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِیلاً ) (7) وفسّر بما فسّر (8).

وورد الأمر بمتابعتهم ، والنهی عن المخالفة والمشاقّة (9) ، فإذا جاز أن

مواضع وجوب سجدتی السهو

ص: 320


1- التهذیب 2 : 350 / 1454 ، الوسائل 8 : 202 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 13.
2- یونس : 35.
3- الکافی 1 : 191 والبحار 37 : 86 وج 23 : 132 و 134.
4- الکهف : 17.
5- الأعراف : 186.
6- الضحی : 7.
7- النساء : 88 ، 143.
8- انظر مجمع البیان 2 : 86 و 2 : 129.
9- الوسائل 27 : 62 أبواب صفات القاضی ب 7.

یأمر الله بما هو خلاف الواقع وخلاف الحق جاز أن یکون جمیع ما أمر الله تعالی به أو أمر رسوله صلی الله علیه و آله أو الأئمّة علیه السلام خلاف الحق وغیر مطابق للواقع ، ویکون ضلالا وخطاء ، العیاذ بالله منه.

وورد أیضا : اسلبوا منّا الربوبیّة وقولوا فینا ما شئتم من الفضائل والمحاسن (1).

وورد منهم أنّ کلّ حدیث لا یوافق القرآن فلیس منّا أو موضوع ، أو اضربوه علی الحائط (2).

وکما أنّ قوله صلی الله علیه و آله حجّة کذا فعله أیضا حجّة وإن کان فی مقام عبادة ربه قال صلی الله علیه و آله : « صلّوا کما رأیتمونی أصلّی » (3) و : « خذوا عنّی مناسککم » (4) وأمثال ذلک ، وهو إجماعی أیضا ، فأیّ فرق بین القول والفعل؟ فتدبّر.

قوله : لأمکن الجمع بین الروایتین. ( 4 : 276 ).

بل علی هذا لا معارضة أصلا ، لأنّ فعله صلی الله علیه و آله لا یدل علی الوجوب ، بل علی الأعمّ ، والمشهور أنّ متابعته مستحبة حتی یظهر الوجوب والإباحة ، فتدبّر.

قوله : کصحیحة عبد الله بن سنان. ( 4 : 276 ).

فی السند محمد بن عیسی عن یونس ، والشارح رحمه الله متأمل فی

ص: 321


1- الخصال : 614 ، البحار 25 : 274 ، 283 / 30.
2- التبیان 1 : 5 ، تفسیر الصافی 1 : 33 ، البرهان 1 : 28 ، انظر الوسائل 27 : 110 ب 9 ح 12 و 14 و 15.
3- عوالی اللآلئ 1 : 179 / 8 ، سنن البیهقی 2 : 124.
4- عوالی اللآلئ 1 : 215 / 73 ، مسند أحمد 3 : 318.

صحته (1) ، نعم فی المشهور صحیح ، وفی الواقع أیضا صحیح ، کما حقّقنا فی محلّه. وروی الکلینی أیضا فی الصحیح عن أبی بصیر عن الصادق علیه السلام مضمون هذه الصحیحة (2).

قوله : وصحیحة عبید الله بن علی الحلبی. ( 4 : 277 ).

فی الاستدلال بهذه الصحیحة تأمّل ظاهر.

قوله (3) : « ولا قراءة ، تتشهّد فیهما تشهّدا خفیفا ». ( 4 : 277 ).

وحکی العلاّمة فی المنتهی عن الشیخ أنّه حکم ببطلان الصلاة بالشکّ المذکور ، ووجوب الإعادة ، وعدم وجوب سجدتی السهو (4) ، وظاهر الصدوق فی الفقیه أیضا الإعادة ، وأنّ حاله حال الشکّ فی الأولتین من الرباعیة ، وحاله حال عدم وجوب سجدتی السهو له (5). وفی المختلف صرّح بأنّ الصدوق قال بعدم وجوب سجدتی السهو فی هذا الشکّ ، وحکی فیه عن المفید وجماعة آخرین عدم وجوب سجدتی السهو فیه (6) ، وظاهر المفید عدم صحة الصلاة أیضا ، لأنّه لم یتعرّض لهذا الشکّ أصلا ، بل تعرّض للشکّ بین الثلاث والأربع والاثنین والثلاث لا غیر (7) ، وإنّ کلّ من لم یتعرّض لوجوب سجدتی السهو فی هذا الشکّ تکون الصلاة باطلة أیضا عنده ، لا أنّها صحیحة ویبنی علی الأقل من دون سجدة سهو کما

ص: 322


1- انظر المدارک 6 : 96.
2- الکافی 3 : 355 / 6 ، الوسائل 8 : 224 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 14 ح 3.
3- هذه التعلیقة واثنتان بعدها لیست فی « ا ».
4- المنتهی 1 : 417.
5- الفقیه 1 : 225.
6- المختلف 2 : 416 - 418.
7- المقنعة : 145.

توهم المتوهمون. والصدوق فی المقنع لیس رأیه وجوب سجدة السهو ، بل وجوب الرکعتین جالسا (1) ، کما سیذکره الشارح عن الدروس.

وبالجملة : المسألة فیها خلاف متعدّد ، ومستند القائل بالبطلان صحیحة عبید بن زرارة عن الصادق علیه السلام : إنّ ما یقال : إنّ الفقیه لا یعید الصلاة فی الشکّ إنّما هو فی الشکّ بین الثلاث والأربع (2) ، وکون الصحاح الواردة فی الصحة موافقة لمذهب العامّة وروایاتهم وقاعدتهم.

قوله : وحکی الشهید فی الدروس. ( 4 : 277 ).

وحکاه العلاّمة منه فی المختلف (3) ، وأوّل کلامه بما أوّله الدروس ، وغیر خفی عدم قبوله للتأویل المذکور ولا غیره ، فلاحظ.

قوله : واحتمل فی الذکری. ( 4 : 277 ).

وفی نکت الإرشاد حکم بالبطلان علی ما أظنّ.

قوله : لعدم الإکمال. ( 4 : 277 ).

لعل مراده أنّه لم یکمل الرکعة حتی یصدق علیه أنّه لا یدری أنّه أربعا صلّی أم خمسا ، لأنّ « صلّی » صیغة الماضی ، والرکعة اسم للمجموع عند المتشرّعة ، فعلی تقدیر ثبوت الحقیقة الشرعیة فالأمر واضح ، وعلی تقدیر عدم ثبوته حتی فی کلام الصادق علیه السلام ومن بعده فمع أنّه لا شکّ فی فساده وأنّه لا تأمّل فی ثبوتها فی کلامهم فالقرینة المانعة عن المعنی اللغوی تعیّن الشرعی ، لما مرّ مرارا ، ومسلّم عند الشارح أیضا : لفظ الرکعة الواردة

ص: 323


1- المقنع : 31.
2- التهذیب 2 : 193 / 760 ، الاستبصار 1 : 375 / 1424 ، الوسائل 8 : 215 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 9 ح 3.
3- المختلف 2 : 390.

فی الأخبار لا یراد منه إلاّ المجموع ، وإطلاق لفظ « صلّی » علی من هو بین السجدتین لعله مجاز. وکیف کان لا وثوق بإرادته. وممّا ذکرنا ظهر أنّ ما احتمله فی الذکری یکون فی موقعه ، فتأمّل.

قوله : وهو قوی متین. ( 4 : 278 ).

ما ذکره مبنی علی تحقّق الأصل وجریانه فی المقام ، ومع ذلک یشکل الحکم بوجوب سجود السهو ، إذ لا دلیل علیه ، إلاّ أن یستند إلی الإجماع المرکب إن کان.

وأمّا نظر العلاّمة رحمه الله فإلی عدم جریان الأصل هنا ، وأنّه لا دلیل علی وجوب سجود السهو لو بنی علی الأصل ، والبناء علی عدم السجود حینئذ ممّا لم یقل به أحد ، فأمّا إذا کان الشکّ بعد السجود فیدخل فی الصحاح الواردة فی أنّه یسجد للسهو ویبنی علی الصحة.

وممّا ذکر ظهر ما فی قوله : ولأنّ تجویز. والأحوط فی جمیع هذه الصور إتمام الصلاة والسجدة بعدها والإعادة ، أمّا فی الثانیة والثالثة فظهر وجهه ، وأمّا فی الرابعة فلعدم وروده فی نص ولا ظهور دخوله تحت قاعدة ثابتة من الشرع ، بل فی الأولی أیضا تکون الإعادة غیر خالیة عن الاحتیاط ، لوجود الخلاف فیها بین الأصحاب ، وإن کان المشهور هو ما ذکره ، وأمّا النصوص وإن کنت صحیحة إلاّ أنّ العامّة بناؤهم علی البناء علی الأقلّ ، والخاصّة علی الأکثر ، فتأمّل.

( مع أنّ أصل العدم لو کان جاریا فی المقام وصحیحا لما جاز هدم القیام والذکر فی الصورة الرابعة ، لکونهما صحیحین غیر زائدین ، لأنّ الأصل عدم کونهما زائدین ، والأصل صحتهما ، والفرق بین الرکن وغیره فی الأصل المذکور ظاهر الفساد ، فظهر عدم اعتباره هنا علی المشهور ، بل

ص: 324

بعضهم حکم بالهدم المذکور فی الشکّ حال الرکوع أیضا (1) ، بناء علی جواز هدمه لو ظهر کونه زائدا ، کما مرّ فی مبحثه ) (2).

قوله : تمسّکا بالإطلاق. ( 4 : 278 ).

فیه : أنّ الإطلاق لو کان شاملا لما نحن فیه فلا وجه للتصحیح بالأصل ، بل اللازم التمسّک بالإطلاق أیضا ، وإن لم یکن شاملا - کما هو الظاهر ومرّ وجهه - فلا وجه للتمسّک بالإطلاق للسجدتین ، فتأمّل جدّا.

قوله : ولم نظفر بقائله. ( 4 : 278 ).

مع أنّه أفتی به فی اللمعة ، وقال شارحه : وهو من جملة القائلین به ، وقبله الفاضل وقبلهما الصدوق (3) ، انتهی.

قوله : بالإرسال وجهالة الراوی. ( 4 : 278 ).

لا یخفی أنّ مرسلات ابن أبی عمیر فی حکم المسانید ، کما هو حقّق فی محلّه ، وهو ممّن أجمعت العصابة ، وممّن لا یروی إلاّ عن الثقة ، نعم ربما یعارضها أخبار کثیرة وردت فی حکم الزیادة والنقیصة یظهر منها عدم الوجوب (4) ، فربما کانت الجملة الخبریة هنا فی معنی الطلب لا الأمر والوجوب.

وأمّا الاستدلال بصحیحة الحلبی فلا یمکن إلاّ أن یقول بوجوب السجود للشکّ فی الزیادة والنقیصة أیضا حتی یمکن له التمسّک بقیاس الأولویة علی تقدیر تحقّقه ، فتأمّل.

ص: 325


1- انظر الذکری : 227 ، والذخیرة : 380.
2- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
3- الروضة البهیة 1 : 327.
4- الوسائل 6 : 405 ب 9 من أبواب التشهد ، وص 88 ب 28 و 29 و 30 من أبواب القراءة وص 364 ب 14 و 15 من أبواب السجود وغیر ذلک فی الأبواب المختلفة.

وقال الصدوق فی أمالیه : من دین الإمامیة الإقرار بأنّه لا یجب سجدتا السهو علی المصلّی إلاّ إذا قام فی حال قعود ، أو قعد فی حال قیام ، أو ترک التشهّد ، أو لم یدر زاد فی صلاته أم نقص (1).

قوله : کما ذکره فی الدروس. ( 4 : 279 ).

ویؤیّده قوله : « فتشهّد وسلّم واسجد. » فتأمّل.

قوله : « علی من لم یدر زاد فی صلاته أم نقص منها ». ( 4 : 279 ).

لکن الثابت من الروایات أعمّ ممّا ذکره المفید رحمه الله إلاّ أن یتمسّک فی نفی غیره بالإجماع ، ولم یثبت ، ( بل ثبت خلافه ، لأنّ جماعة أفتوا بمضمون هذه الصحاح ، بل ذکرنا عن أمالیه أنّه من دین الإمامیة ) (2).

قوله : وابن بابویه. ( 4 : 279 ).

قد عرفت أنّه جعله من دین الإمامیة.

قوله : وفی هذا السند کلام. ( 4 : 279 ).

قد مرّ أنّه لا یضرّ ، والثقة روی عن الثقة.

قوله : وضعفها یمنع عن العمل بها. ( 4 : 280 ).

هذه الروایة موثقة موجودة فی الفقیه والتهذیب ، ومع ذلک ادعی الشیخ الإجماع ، وهو أیضا یقوّیها ، إلاّ أنّها معارضة بصحیحة عبد الرحمن الواردة فی سهو التکلّم فی الصلاة (3) ، وروایة منهال القصاب قال : قلت

ص: 326


1- أمالی الصدوق : 513.
2- بدل ما بین القوسین فی « ا » : فتأمّل.
3- الکافی 3 : 356 / 4 ، التهذیب 2 : 191 / 755 ، الاستبصار 1 : 378 / 1433 ، الوسائل 8 : 206 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 4 ح 1.

لأبی عبد الله علیه السلام : أسهو فی الصلاة وأنا خلف الإمام ، قال : « إذا سلّم فاسجد سجدتین ولا تهب » (1) وکذا العمومات المتضمّنة للأمر بهما علی من سهی ، وهی من الکثرة بمکان ، وکذا الأخبار الکثیرة الدالة علی أنّ الإمام لیس بضامن (2) ، بل یظهر من صحیحة ابن وهب (3) أنّ حکایة الضمان من زعم العامّة ومخترعاتهم ، فیترجّح فی الظنّ ورود روایة عمار مورد التقیّة ، ونسب إلی المنتهی أیضا أنّه نسب القول بالسقوط إلی العامّة (4) ، فلیلاحظ ، وربما تشعر روایة منهال بذلک أیضا ، فتأمّل.

قوله : فإنّه متبوع فی أفعال الصلاة دون غیرها. ( 4 : 281 ).

لکن روی الشیخ فی التهذیب فی الموثق عن عمار ، عن الصادق علیه السلام : عن الرجل یدخل مع الإمام وقد صلّی الإمام رکعة أو أکثر فسهی الإمام کیف یصنع الرجل؟ قال : « إذا سلّم فسجد سجدتی السهو فلا یسجد الذی دخل معه ، وإذا قام وبنی علی صلاته وأتمّها وسلّم سجد سجدتی السهو » (5) لکن فی جملة تلک الموثقة أنّه إذا نسی من علیه سجدة السهو فذکر صلاة الفجر « لا یسجد للسهو حتی تطلع الشمس ویذهب شعاعها » ومع ذلک نسب قول الشیخ هذا إلی جمهور العامّة (6) ، وعلی أیّ تقدیر الأحوط مراعاته.

قوله : قول معظم الأصحاب. ( 4 : 281 ).

ص: 327


1- التهذیب 2 : 353 / 1464 ، الوسائل 8 : 241 أبواب الخلل الواقع ب 24 ح 6.
2- الوسائل 8 : 353 أبواب صلاة الجماعة ب 30.
3- التهذیب 3 : 277 / 813 ، الوسائل 8 : 373 ب 36 ح 6.
4- انظر الحدائق 9 : 280 ، المنتهی 1 : 412.
5- التهذیب 2 : 353 / 1466 ، الوسائل 8 : 241 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 24 ح 7.
6- انظر الحدائق 9 : 285.

قال الصدوق فی أمالیه : من دین الإمامیة أنّ سجدتی السهو بعد التسلیم فی الزیادة والنقصان (1).

قوله : إنّه قول علمائنا أجمع. ( 4 : 283 ).

لعل المراد التشهّد الخفیف ، کما ذکره المصنّف رحمه الله ودل علیه الصحیحة ، ویمکن أن یکون المراد مطلق التشهّد ، وکونه خفیفا من مستحباته ، أو أنّه یجوز الاکتفاء به علی بعد.

والأحوط الاقتصار علی الخفیف ، بل ویتعیّن ، والمراد من الخفیف : « أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمدا رسول الله » أو : « أشهد أنّ محمدا رسول الله » بلا واو أو مع الواو.

وربما قیل بأنّ زیادة « وحده لا شریک له » و « عبده ورسوله » مع الصلاة علی محمد وآله لا یخرجه عن الخفّة ، بل هو أیضا خفیف بالنسبة إلی التشهّد الطویل المشهور (2) ، وهو محتمل إلاّ أنّ الاقتصار علی ما ذکرنا أحوط مع الصلاة علی محمد وآله.

قوله : مع ورودهما فی مقام البیان. ( 4 : 283 ).

فی ورود الثانیة فی مقام البیان تأمّل ظاهر.

قوله : قولان أحوطهما الوجوب. ( 4 : 284 ).

قد مرّ الکلام فی بحث السجود للعزیمة (3) ، فلاحظ.

قوله : قال : وسمعته مرّة أخری یقول ... ( 4 : 285 ).

الصدوق فی أمالیه عند ذکر دین الإمامیة قال : ویقال فیهما - یعنی

محلّ سجدتی السهو بعد التسلیم

وجوب التشهد والتسلیم فی سجدتی السهو

ص: 328


1- أمالی الصدوق : 513.
2- انظر الحدائق 9 : 337.
3- تقدّم فی ص 92 - 93.

سجدتی السهو - : « بسم الله وبالله ، السلام علیک أیّها النبی ورحمة الله وبرکاته » (1) فتأمّل.

قوله : فظاهر. ( 4 : 285 ).

لا یخفی أنّ سجدتی السهو لأجل خلل واقع فیها ، ولا شبهة فی أنّها مع الخلل لا یکون الآتی بها آتیا بالمأمور به علی وجهه ، وقد جعل الشارع هذه السجدة تدارکا للخلل الواقع فیها ، فمع ترکها عمدا کیف یکون آتیا بالصلاة علی وجهها؟ إلاّ أن یبنی علی الأصل بأنّ الأصل عدم کون الخلل مضرّا فی حال السهو والشکّ وعلاجه شرطا فی صحة الصلاة ، وأنّ الصلاة اسم للأعمّ من الصحیحة والفاسدة ، فالمکلف آت بما کلّف به ، ولم یثبت علیه أزید منه.

وفیه تأمّل ظهر وجهه ممّا ذکر ، والتحقیق فی موضع آخر ، والشارح رحمه الله فی أکثر المواضع حکم بالبطلان أو وجوب الإعادة بنحو ما ذکر ، فتأمّل جدّا.

قوله (2) : ویستفاد من ذلک أنّه لا یخاطب بالقضاء. ( 4 : 289 ).

یجوز أن یکون مخاطبا بالقضاء وإن کان الإسلام شرطا لصحته وقبوله ، وأنّه بعد تحقّق الإسلام وفعلیته یسقط ، إذ السقوط معناه رفع ما ثبت من التکلیف والوجوب ، وثمر هذا التکلیف عقاب الکافر لو مات کافرا ، فیعاقب بترک القضاء کما یعاقب بترک الواجبات الآخر الفروعیة ،

حکم إهمال سجدتی السهو

قضاء الصلوات

موارد سقوط القضاء

ص: 329


1- أمالی الصدوق : 513.
2- هذه التعلیقة والتی بعدها لیست فی « أ ».

ومصداق قوله علیه السلام : « الإسلام یجبّ ما قبله » (1) هو هذا القضاء وما ماثله من الأمور التی کانت لازمة علیه قبل الإسلام وساقطة عنه بعده ، لا التکلیف بمثل أداء الواجبات التی تکون بعد الإسلام باقیة علی حالها غیر ساقطة عنه أصلا ، فإنّه إذا لم یسقط عنه بعد الإسلام فأین الجبّ والسقوط الذی صرّح الرسول صلی الله علیه و آله بقوله : « إنّ الإسلام یجبّ »؟ وإن لم یکن واجبا قبل الإسلام فأیّ شی ء یجبّه الإسلام؟

وتخصیصه بالواجبات من المعاملات التی لا یکون قصد القربة شرطا فیها ولا الإسلام شرطا لصحتها لتحقّق الامتثال بها حال الکفر أیضا لا وجه له ، سیّما بعد ملاحظة أنّ غالب هذه الواجبات لا تجبّ بالإسلام ، فتأمّل.

علی أنّا نقول : لا فرق بین الکافر وغیره من المخالفین للشیعة ، فما هو جوابک فهو جواب العموم ، وسنذکر حال المخالف ، فتأمّل.

قوله : وأمّا أنّه لا یجب علیهم إعادة ما فعلوه فی تلک الحال. ( 4 : 289 ).

لا یخفی أنّ المخالف کافر بالکفر المقابل للإیمان ، فإنّ أصول دیننا خمسة ، منها : الإمامة والعدل ، والمنکر لواحد منهما منکر لأصول الدین ، فلا یکون باقیا أبدا ولا قابلا للقرب إلیه تعالی کالکافر ، بل الظاهر من الأخبار أنّهم أشدّ من الکفّار وأخبث ، والموافق للأدلة والاعتبار أیضا کذلک ، وضررهم علی الدین وعلی المؤمنین أشدّ من ضرر الکفّار وأشدّ بمراتب.

وبالجملة : لا تأمّل فی عدم تأتّی التقرّب إلیه تعالی لهم ، ویظهر من

هل الکافر مخاطب بالقضاء أو لا؟

حکم قضاء ما فات عن غیر المؤمن من فرق المسلمین

ص: 330


1- مسند أحمد 4 : 199 ، الجامع الصغیر 1 : 474 / 3064.

الأخبار عدم قبول طاعاتهم وعباداتهم أصلا ، کالکفّار وأشدّ منهم ، وأنّ معرفة الإمام وکون ما فعلوه [ بهداه وتعلیمه ] (1) وإرشاده والقبول منه شرط للصحة والقبول ، کما لا یخفی علی المطّلع علی الأخبار وطریقة الشیعة فی أصول الدین ومسلّم عند الشارح ، وصرّح به فی قوله : وان کان الحق بطلان عباداتهم (2).

فعلی هذا فکیف یحکم الشارح بصحة ما فعلوه فی تلک الحال؟ فحال کفرهم لم تکن عبادتهم صحیحة ، لما عرفت ، وبعد إیمانهم ومعرفتهم وکون أعمالهم بدلالة إمامهم لم تکن هذه العبادات أیضا صحیحة ، لأنّهم کانوا یغسلون الرجل ویمسحون بالماء الجدید وغیر ذلک ممّا هو مفسد علی طریقة الحق ، فحال کفرهم کان شرط صحتها معرفة الإمام وکونها بدلالته والأخذ منه.

فإنّهم فی حال کفرهم کانوا مکلفین بالمسح مثلا وکونه ببقیة البلل کذلک ، إلی غیر ذلک مثل السجود علی الأرض وما أنبتته وغیر ذلک ، لا أنّهم کانوا (3) بالباطل والفاسد.

وبعد الإیمان لم یرد منهم الحق فی ما فعلوه حال الکفر ، بل لو فعلوا الحق حینئذ کان باطلا والباطل یصیر حقا بعد الإیمان ، فما هو جوابه فهو الجواب فی الکافر ، فتدبّر.

قوله : بأنّ سقوط القضاء عنهما عزیمة. ( 4 : 292 ).

ویمکن الفرق بأنّ الأخبار الدالة علی عدم القضاء علی المغمی علیه

حکم أکل ما یؤدی إلی الإغماء أو الحیض

ص: 331


1- بدل ما بین المعقوفین فی النسخ : بهذا وتعلّمه ، والظاهر ما أثبتناه.
2- انظر المدارک 4 : 290.
3- أی : کانوا مکلّفین ، ولعل کلمة : کانوا تصحیف کلّفوا.

یظهر منها کون الإغماء من جهة مرض بالمکلّف ، وأنّه کلّما غلب الله فهو أولی بالعذر ، فیظهر أنّ الإغماء فیها غیر هذا الإغماء ، هذا بخلاف الأخبار الدالة علی سقوط القضاء عن الحائض والنفساء ، بل ربما کانت المرأة تختار أیّاما معینة للحیض کما فی المضطربة ، فیکون ذلک حیضها ولیس علیها قضاؤه ، فتأمّل.

قوله : لا یتناول الجاهل نصا. ( 4 : 296 ).

عدم التناول للجاهل إن کان من جهة کون التکلیف بالنسبة إلیه تکلیفا بما لا یطاق أو الحرج ، ففیه : أنّه یمکن الامتثال بالتکرار المحصّل له إلی أن لا یتحقّق حرج ، مع أنّ بین قوله تعالی ( وَما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) (1) وبین قوله صلی الله علیه و آله : « فلیقضها کما فاتته » (2) عموما من وجه ، إلاّ أن یترجّح الأوّل بالأصل.

وإن کان ممّا دل علی معذوریة الجاهل ، ففیه : أنّ الکلام فی ما إذا علم وجوب تحصیل المعرفة ، فهو عالم بعلم إجمالی مقصّر ، فلیس هذا داخلا فیه ، وما دل علی وجوب الترتیب عامّ مثل قوله : « من فاتته. » الحدیث.

وإن بنی علی أنّه لیس من الأفراد المتبادرة لهذا المقام فلعله محلّ تأمّل.

قوله : ما رواه الشیخ فی الصحیح. ( 4 : 299 ).

ظاهر الروایة أنّه یصلّیها قبل أن تفوته خصوص المغرب ، وإلاّ صلاّها ثم صلّی الفائتة ثم صلّی العشاء. وحملها علی العشاءین لیس بأولی من حملها علی ما یحمل علیه صحیحة زرارة بأن یکون المراد فوتها من وقت الفضیلة بتفاوت مرتبة الاستحباب ، وحمل الفوت علی هذا المعنی

وجوب الترتیب فی قضاء الفوائت

حکم اجتماع الفائتة مع الحاضرة

ص: 332


1- الحج : 78.
2- عوالی اللآلئ 2 : 54 / 143 ، 3 : 107 / 150.

فی غایة القرب ، کما لا یخفی علی من تتبّع الأخبار الواردة فی بیان أوقات الفرائض وأقوال الفقهاء فیها أیضا ، خصوصا فی وقت المغرب ، وتحمل علیه صحیحة زرارة ، بل الظاهر منها عدم التفاوت ( بین الواحدة والمتعدّدة ، ولیس فی هذه الروایة إشعار بالتفاوت ) (1) ، کما أنّه لیس فی صحیحة ابن سنان ذلک الإشعار أیضا ، مضافا إلی أنّ الروایات الواردة فی هذا الباب لا إشعار فیها أصلا ، بل وظاهرة فی عدم التفاوت أصلا ، فیتعیّن الحمل الثانی ، مع احتمال التقیّة أیضا ، وصحیحة زرارة معارضة لهاتین الصحیحتین معا ، فلو کانت محمولة علی الاستحباب لم یبق وجه یعتدّ به ، بحیث یکون حجّة للتفرقة ، مع أنّ صحیحة ابن سنان متضمّنة للأمر بتقدیم الحاضرة.

قوله : وهذه الروایة مع صحتها صریحة فی المطلوب. ( 4 : 299 ).

لا یخفی أنّ الأمر عنده حقیقة فی الوجوب ، وبناء استدلالاته علیه حتی فی الحدیث السابق ، وظاهر هذه العبارة أیضا کذلک ، فعلی هذا کیف تکون صریحة فی الجواز؟ سیّما وأن یکون مرجوح الفعل راجح الترک ، کما سیشیر إلیه.

علی أنّه لو کان حقیقة فی الطلب أیضا لا تکون صریحة ، بل فی الإباحة أیضا کذلک. وبالجملة : حمل الوجوب علی المرجوح الفعل فی غایة الصعوبة ، فکیف یدّعی الصراحة فیه؟

وحمل الأمر علی کونه واقعا فی مظنة الحظر بعید جدّا فی هذه

ص: 333


1- ما بین القوسین لیس فی « ج ».

الصحیحة ، مع أنّه لیس بأولی من حمل الصحیحة السابقة علیه ، لأنّ المعارض معارض لهما معا ، کما أشرنا. مع أنّه لقائل أن یقول : لیس بأولی من حمل « ثم » علی عدم الترتیب ، لوروده کثیرا فی الأخبار کذلک ، وإن کان فی هذه الروایة خلاف الظاهر.

والحاصل : أنّ الروایة تصیر مستند الصدوقین بعد ضمّ الإجماع علی عدم الوجوب مثل روایة جمیل ، وکذا صحیحة أبی بصیر المتضمّنة لما فی هذه الصحیحة ، وزاد فی آخرها : « فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدی الصلاتین فلیصلّ المغرب ویدع العشاء الآخرة حتی تطلع الشمس ویذهب شعاعها ثم لیصلّها » (1).

وبملاحظة هذه الزیادة یحصل وهن بالنسبة إلی هذه الأخبار ، ومرجوحیة بالقیاس إلی معارضها ، سیّما ومع اعتضاد المعارض بالشهرة بین القدماء ، کما هو الظاهر ، بل ربما یکون إجماعا ، کما سیذکر ، وخروج ابنی بابویه غیر مضرّ ، کما هو المذهب فی الإجماع.

مع أنّ مقتضی صحیحة ابن سنان وأبی بصیر امتداد وقت المغرب والعشاء إلی الصبح ، وهو خلاف المشهور وما یظهر من أخبار کثیرة ، فتأمّل.

لکن تؤیّد الصحیحتین مرسلة جمیل عن الصادق علیه السلام أنّه قال له : تفوت الرجل الأولی والعصر والمغرب ، وذکرها عند العشاء الآخرة ، قال : « یبدأ بالوقت الذی هو فیه ، فإنّه لا یأمن الموت ، فیکون قد ترک صلاة فریضة فی وقت قد دخلت ، ثم یقضی ما فاته ، الأولی فالأولی » (2).

ص: 334


1- التهذیب 2 : 270 / 1077 ، الاستبصار 1 : 288 / 1054 ، الوسائل 4 : 288 أبواب المواقیت ب 62 ح 3.
2- التهذیب 2 : 352 / 1462 ، الوسائل 8 : 257 أبواب قضاء الصلاة ب 2 ح 5.

وفی هذه شی ء ، والظاهر أنّها واردة فی مقام التقیّة ، کموثقة عمار فی من فاتته المغرب حتی دخل العشاء أنّه مخیّر بین فعل المغرب وتقدیمها علی العشاء وعکس ذلک (1) ، فعلی هذا تکونان مضعّفتین للصحیحتین لا أنّهما مؤیّدتان لهما ، فتدبّر.

ومرّ فی بحث أوقات الصلاة أنّ الصحیحتین المذکورتین وأمثالهما واردة مورد التقیّة (2) ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار. ( 4 : 299 ).

لعل المراد من صلاة النهار النافلة ، کما قال به بعض المحدّثین (3) ویظهر من ملاحظة الأخبار ، وفی بعض النسخ : صلاة اللیل ، مکان : صلاة النهار.

قوله : وتؤیّده الأخبار المتضمّنة. ( 4 : 299 ).

لا ربط لتأییدها لما اختاره من وجوب التقدیم إذا کانت الفائتة واحدة ، وعدمه إذا لم تکن ، کما لا یخفی ، وسیّما صحیحة ابن سنان ، لأنّ الفائتة فیها واحدة ، ففیها تأیید لبطلان ما اختاره ، إلاّ أنّ جواز النافلة لمن علیه الفائتة لا یستلزم عدم وجوب التقدیم ، ولا ینافیه أیضا ، فعلی هذا یزول الربط بین ما ذکره من المؤیّدات وبین المطلوب بالمرّة.

نعم یؤیّد بطلان من یقول بما یزید علی وجوب تقدیم الفائتة من الفوریة المنافیة للأمور المذکورة ، لکن لم یشر إلی هذا القول ولم یظهر بعد

ص: 335


1- التهذیب 2 : 271 / 1079 ، الاستبصار 1 : 288 / 1055 ، الوسائل 4 : 288 أبواب المواقیت ب 62 ح 5.
2- راجع ج 2 : 306 - 307.
3- کالفیض الکاشانی فی الوافی 8 : 1028 ، وصاحب الحدائق 6 : 266.

وجوده ، فتأمّل.

قوله : کصحیحة عبد الله بن سنان. ( 4 : 299 ).

هذه الروایة وما وافقها وإن کانت صحیحة لکنها متضمّنة لما لا یقول به أحد من الشیعة ودل علی فساده العقل والکتاب والأخبار من کون نومه من الشیطان ، لقوله : « نمتم بوادی شیطان » ومع ذلک کان ینام عیناه ولا ینام قلبه ، فیبعد ذهوله عن الصلاة التی هی من أوجب الواجبات وأقرب القربات ، بل کیف یکون یذهل؟ وروی فی الکافی إخبارا فی أنّ لرسول الله صلی الله علیه و آله خمسة أرواح منها روح القدس وأنّه لا یصیبه الحدثان ولا یلهو ولا ینام (1) ، فلاحظ.

قوله : فی صحیحة زرارة وغیرها. ( 4 : 300 ).

قال فی الذکری وروی زرارة فی الصحیح عن أبی جعفر علیه السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : « إذا دخل وقت صلاة مکتوبة فلا صلاة نافلة حتی یبدأ بالمکتوبة » قال : فقدمت الکوفة فأخبرت الحکم بن عتیبة وأصحابه فقبلوه منّی ، فلمّا کان فی القابل لقیت الباقر علیه السلام فحدّثنی : « أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله عرّس فی بعض أسفاره وقال : من یکلؤنا؟ فقال بلال : أنا ، فنام بلال وناموا حتی طلعت الشمس ، فقال : یا بلال ما أرقدک؟ فقال : أخذ بنفسی ما أخذ أنفاسکم ، فقال : قوموا فتحوّلوا عن مکانکم الذی أخذتکم فیه الغفلة ، فقال : یا بلال أذّن ، فأذّن فصلّی رسول الله صلی الله علیه و آله رکعتی الفجر ، ثم قام فصلّی بهم الصبح ، ثم قال : من نسی شیئا من الصلاة فلیصلّها إذا ذکرها فإنّ الله عزّ وجلّ یقول ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِکْرِی ) (2) » قال

ص: 336


1- الکافی 1 : 271.
2- طه : 14.

زرارة : فحملت الحدیث إلی الحکم وأصحابه فقال : نقضت حدیثک الأوّل ، فقدمت إلی أبی جعفر علیه السلام فأخبرته بما قال القوم ، فقال : « یا زرارة إلا أخبرتهم أنّه قد فات الوقتان جمیعا ، وأنّ ذلک کان قضاء من رسول الله صلی الله علیه و آله » (1).

ویظهر منها فوائد کثیرة ، والتی تناسب المقام أنّ المراد من الوقت فی أخبار المنع وقت الأداء ، ولا مانع بالنسبة إلی القضاء ، فیقرب هذا کون التضیّق فی الفوائت علی الاستحباب ، لا لما ذکره ، لأنّ النافلة من متعلّقات الفریضة إذ الفور والتضیّق عرفی ، ولذا لا یقتضی ذلک الاقتصار علی الواجبات فی الصلاة ، والاستعجال عند أدائها مهما أمکن ، بل وترک مثل السورة ممّا یترک عند الاستعجال الضروری مثله. نعم هذه حجّة علی من منع من النافلة حینئذ ، ومؤیّد بالنسبة إلی غیر المانع ، کما ذکره.

بل لأنّه ورد فی صحیحة زرارة الواردة فی تضیّق الفائتة أنّه علیه السلام قال : « ولا یتطوّع برکعة حتی یقضی الفریضة کلّها » (2) إذ ربما یظهر من السیاق أنّ الأمر بتقدیمها علی الحاضرة أیضا لا یکون علی الوجوب ، بل علی الاستحباب ، ولا ینافیها فعله صلی الله علیه و آله ، لأنّ الظاهر أنّه علیه السلام منع من التطوّع لأجل أن یشتغل بالفریضة ، فحیث یکون الراجح تأخیرها أو الجائز فلا مانع ، فالخبر صریح فی الجواز وظاهر فی الرجحان.

ویظهر من هذه الجهة أیضا وهن فی ما دل علی التضییق ویکون حجّة علی الحلبی ومن قال بمقالته إلاّ أن یستثنوا ذلک ، فیکون حینئذ مؤیّدا

ص: 337


1- الذکری : 134 ، الوسائل 4 : 285 أبواب المواقیت ب 61 ح 6.
2- الکافی 3 : 292 / 3 ، التهذیب 2 : 266 / 1059 ، الاستبصار 1 : 286 / 1046 ، الوسائل 4 : 284 أبواب المواقیت ب 61 ح 3.

للاستحباب ، کما ذکره الشارح فی النافلة والأذان والإقامة ، والظاهر من الروایة أنّ النافلة لا مانع منها بالنسبة إلی من علیه فائتة ، لا أنّ صورة الجماعة مستثناة ، فتدبّر.

قوله : والمراد بها الفائتة. ( 4 : 300 ).

لا یخفی أنّ الأخبار الصحیحة الدالة علی ذلک کثیرة ، منها : صحیحة زرارة عن الباقر علیه السلام حیث قال فیها : « یقضیها إذا ذکرها فی أیّ ساعة ذکرها ، فإذا دخل وقت الصلاة ولم یتمّ ما قد فاته فلیقض ما لم یتخوّف أن یذهب وقت هذه الصلاة التی حضرت ، وهذه أحقّ بوقتها فلیصلّها ، فإذا قضاها فلیصلّ ما فاته ، ولا یتطوّع برکعة حتی یقضی الفریضة کلّها » ولا یخفی ما فیها من التأکید.

ومضمون صحیحة زرارة الأوّلة التی ذکرها أنّه صلی الله علیه و آله قال : « إذا فاتتک صلاة فذکرتها فی وقت أخری فإن کنت تعلم أنّک إذا صلّیت التی فاتتک کنت من الأخری فی وقت فابدأ بالتی فاتتک ، فإنّ الله تعالی یقول ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِکْرِی ) ».

وفی کالصحیح عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله عن الصادق علیه السلام عن رجل نسی صلاة حتی دخل فی وقت اخری ، قال : « یصلّی حین یذکرها ، وإن ذکرها وهو فی صلاة بدأ بالتی نسی ، وإن ذکرها مع الإمام فی صلاة المغرب أتمّها برکعة ثم صلّی المغرب » الحدیث (1).

ومنها : صحیحة صفوان التی ذکرها ، فإنّها تدل علی تقدیم الفائتة من غیر تقیید بالوحدة علی حسب ما أشرنا ، فتأمّل.

ص: 338


1- الکافی 3 : 293 / 5 ، التهذیب 2 : 269 / 1071 ، الوسائل 4 : 291 أبواب المواقیت ب 63 ح 2.

ومنها : ما رواه أبو بصیر فی القوی (1).

قوله : ثمّ صلّ المغرب. ( 4 : 300 ).

الظاهر أنّه وقت الفضیلة.

قوله : فبالمنع منه فی موضع النزاع. ( 4 : 301 ).

لیس فی موضعه ، لأنّ اتفاق الکلّ لیس شرطا فی إجماعنا ولا إجماع المشهور من العامّة ، کما مرّ مرارا.

قوله : وإعمال الدلیلین أولی من إطراح أحدهما. ( 4 : 302 ).

لا یخفی أنّ ما هو حجّة فی الأخبار إنّما هو الحقائق والظواهر ، وأمّا خلاف الظاهر فلم یثبت بعد حجّیته ، بل الثابت خلافه ، سیّما وأن یکون فی شدّة المخالفة للظاهر ، فإنّ إطلاق الأمر الذی هو حقیقة فی الوجوب وإرادة استحباب الترک من أین إلی أین؟ فلیس ما ذکره إعمالا للحجّتین بل طرحا لهما وتخریبا إیّاهما ما ، سیّما المتضمّن للأمر بتقدیم الحاضرة ، فتأمّل.

فإن قلت : کثیر من الأحکام الفقهیة یثبت من الجمع بین الأدلّة.

قلت : ما هو من قبیل المقام فالکلام فیه الکلام ، وما یتفاوت فلا کلام ، إمّا لعدم ورود هذه المفسدة فیه ، أو ارتفاعها بسبب یستند إلیه المجتهد.

مع أنّه لو کان ما ذکره إعمالا للدلیلین فمثل هذه الإعمال غیر منحصر فی ما ذکره ، لما أشرنا إلیه ، بل کما یمکن الجمع بما ذکره یمکن أیضا بحمل روایة ابن سنان علی الاستحباب ، کما ذهب إلیه ابنا بابویه ومن

ص: 339


1- الکافی 3 : 292 / 2 ، التهذیب 2 : 268 / 1069 ، الوسائل 4 : 290 أبواب المواقیت ب 62 ح 8.

تبعهما.

علی أنّا أشرنا إلی أنّ هذه الروایة وما وافقها واردة مورد التقیّة ، فالطرح معیّن ، فتأمّل.

قوله (1) : وردّه المصنّف فی المعتبر. ( 4 : 303 ).

لا یخفی عدم البعد بالنسبة إلی المحامل المسلّمة عنده من باب مجاز المشارفة ، وهی شائعة ذائعة. مع أنّه أولی من حمل الأمر علی أولویة الترک کما مرّ ، فکیف یقول الشارح : وهو کذلک؟ فتأمّل.

قوله : لدخول الواجب فی أحدها یقینا. ( 4 : 306 ).

هذا فاسد یقینا ، بل لو لم ترد الروایة المنجبرة بالشهرة لم یتحقّق ظنّ بالدخول فضلا عن الیقین ، بل ولا شکّ ، بل الظاهر عدم الدخول بعد اعتبار التعیین (2) فی النیة ووجوب الجهر والإخفات ، إذ علی التقدیرین یتوجّه حجّة القائل بالخمس ، نعم الروایة حجّة فی ذلک.

قوله : کما بیّناه. ( 4 : 306 ).

ما بیّن ، بل ادعی الیقین من غیر دلیل.

قوله : الدالة علی استحباب. ( 4 : 306 ).

فی دلالتها علیه تأمّل ، فتأمّل.

قوله : ولأنّ الظاهر من حال المسلم أنّه لا یترک الصلاة. ( 4 : 307 ).

الظاهر عدم ترک المتقیّدین المعتنین بشأن الدین صلاتهم من غیر عذر ، بل ربما یحصل العلم ، أمّا غیر هم أو هم مع عذر یرفع الاختیار فلا.

حکم مع فاتته فریضة غیر معیّنة من الخمس

ص: 340


1- هذه التعلیقة لیست فی « أ ».
2- فی « ج » و « د » : الیقین.

مع أنّ الظهور عبارة أخری للرجحان والظنّ ، فإذا حصل لمکلّف ذلک بملاحظة حاله کما ذکرت یحصل له الظنّ بالوفاء ، فتأمّل.

وأمّا الأصل والحسنة فإنّما یتمّان فی ما إذا لم یحصل یقین أصلا ، کمن رأی فی ثوبه الخاصّ منیّا وعلم قدرا خاصّا من صلاته کانت مع الاحتلام ، وأمّا إذا حصل له الیقین أوّلا فأوّلا أو فی زمان ثم طرأ الشکّ فی مقدار ما حصل فلا ، لأنّ الذمّة اشتغلت به قبل یقینا ، وشغل الذمّة الیقینی یستدعی البراءة الیقینیة ، ولا أقلّ من الظنیّة.

إلاّ أن یضمّ إلی هذا الأصل أصل عدم التحقّق سابقا ، إلاّ أنّ فی حجّیة مثل هذا الأصل فی مثل هذا المقام لا بدّ من تأمّل ، مع أنّه معارض بأصالة عدم تحقّق الصلاة ، مع أنّ الصلاة بأجزائها وشرائطها حوادث کثیرة ، فتأمّل.

قوله (1) : والاکتفاء فی ما قبله بغلبة الظنّ. ( 4 : 308 ).

لا یخفی أنّ عدم معلومیة تعیّن الفائتة - کما مرّ فی المسألة الأولی من أنّه لا بدّ من العلم ولا یکفی الظنّ ، ولذا یصلّی صبحا ومغربا وأربعا متردّدة بین الظهرین والعشاء علی تقدیر العمل بروایة ابن أسباط ، أو خمسا علی تقدیر عدم العمل - بخلاف عدم معلومیة العدد ، فإنّهم یکتفون بالظنّ ، وإنّ ذلک مقطوع به بین الأصحاب ، فهو إجماعی ، أو له مستند یقینی الثبوت ، أو یقینی العمل ، فتأمّل.

قوله : من قید الاستحلال. ( 4 : 308 ).

بل ورد فی الأخبار علّة الحکم بکفره بمجرّد الترک (2) ، وهی أنّه لیس من جهة غلبة الشهوة أصلا ، بل من جهة عدم اعتناء بالدین ، لأنّها من أشدّ

قتل تارک الصلاة مستحلاً

ص: 341


1- هذه التعلیقة والتی بعدها لیست فی « ا ».
2- الوسائل 4 : 41 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 11.

الواجبات والفرائض وأظهرها فرضا ، ولا داعی للترک من طرف شهوة النفس أصلا ، بل البناء علی عدم المبالاة ، فتأمّل. إلاّ أنّ الاستعمال أعمّ من الحقیقة ، کما صرّح به مرارا (1).

قوله (2) : مستحلّ ترکه. ( 4 : 308 ).

إلاّ أنّه إذا کان ضروری المذهب یکون مستحلّه خارجا عن المذهب.

قوله (3) : ویندرج فی الفرائض : الیومیة. ( 4 : 310 ).

لیس فی عبارة المنتهی التأکید بلفظ « کلّها » ولا التصریح بالاندارج المذکور ، والحکم بالاندراج من الشارح من جهة ظهور لفظ الفرائض.

وعلی هذا ففی قوله : وفی استفادة هذا التعمیم. لعلّه نظر ، لظهور هذا القدر من العموم من الأخبار أیضا ، مثل صحیحة زرارة والفضیل ، قالا : قلنا له : الصلاة فی جماعة فریضة هی؟ قال : « الصلاة فریضة ، ولیس الاجتماع بمفروض فی الصلوات کلّها ، ولکنّها سنّة ، من ترکها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنین من غیر علّة فلا صلاة له » (4) فلیتأمّل.

مع أنّه ربما کان عبارة بعض الأخبار أوهن ممّا ذکر ، مثل عبارة الصدوق فی أمالیه وغیره (5).

وکیف کان الأحوط الإتیان بصلاة الاحتیاط مع رکعتی الطواف من غیر جماعة ، لأنّ الرسول صلی الله علیه و آله لو کان صلّی رکعتی الطواف جماعة لاشتهر

صلاة الجماعة

مواضع استحباب الجماعة وتأکدها

ص: 342


1- انظر المدارک 1 : 63 ، 64 ، 4 : 171.
2- هذه التعلیقة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».
3- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
4- الکافی 3 : 372 / 6 ، التهذیب 3 : 24 / 83 ، الوسائل 8 : 285 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 2.
5- أمالی الصدوق : 513 ، وانظر الفقیه 1 : 245.

اشتهار الشمس ، وکذلک غیره من الأئمّة علیه السلام ، ولکان یصل إلینا من ذلک خبر بمقتضی العادة ، وترک الرسول والأئمّة الجماعة فیها مع استحبابه وشدّة رغبة الناس فی الصلاة جماعة معهم فیه ما فیه.

وأمّا صلاة الاحتیاط فلما مرّ من دورانها بین أن تکون نافلة برأسها أو تتمّة فریضة کما مرّ ، ولذا جعلت خارجة عن الصلاة ، وجعل البناء فی الشکّ علی الأکثر ، وسیجی ء المنع من الجماعة فی النافلة ، فتأمّل.

قوله : بالنهی الأکید عن ترکها. ( 4 : 311 ).

النهی حقیقة فی الحرمة ، سیّما وأن یکون أکیدا ، ولم یتعرّض الشارح رحمه الله للتوجیه والحمل ، وسببه الاکتفاء بما سیذکره فی قول المصنف : ولا یجب إلاّ فی الجمعة. ، فالظاهر منه أنّه حمله علی شدّة الکراهة.

ویمکن الحمل علی التقیّة ، لما سیذکره من کون القول بالحرمة من خواصّ العامّة ، بل المشهور منهم ذلک ، والخاصّة متفقون علی خلافه ، بل إجماعی ذلک ، وظاهر من أخبار کثیرة ، منها ما مرّ وسیأتی ، ومنها أخبار أخر لم یذکر هنا ، مثل ما روی أنّ رجلا سأل المعصوم علیه السلام : أصلّی وحدی أفضل أو أصلّی بقوم جماعة؟ فقال : « صلّ جماعة » (1) فإنّ الظاهر منه أنّها أفضل ، وغیر ذلک من الأخبار.

ویمکن حمل النهی علی ما إذا ترک الجماعة رغبة عنها ، کما یشیر إلیه صحیحة ابن أبی یعفور ، وصحیحة زرارة والفضیل (2) ، وصحیحة

ص: 343


1- لم نعثر علی هذا النص.
2- الکافی 3 : 372 / 6 ، التهذیب 3 : 24 / 83 ، الوسائل 8 : 285 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 2.

عبد الله بن سنان ، بل فیها ما یشیر إلی أنّ الذمّ بالقیاس إلی من فیه خلّة النفاق وترکه لذلک ، فتأمّل.

( ویؤیّد هذا التوجیه أنّ قوله : « لا صلاة » ظاهر فی نفی جمیع ما یصدر من المکلف من صلاة ، لا خصوص التی ترک الجماعة فیها ، وهذا کما یؤیّد الأخیر یؤیّد الأوّل أیضا ، فتأمّل ) (1).

قوله : وضعف سند الثانیة. ( 4 : 315 ).

إلاّ أنّها منجبرة بالشهرة لو لم نقل بالإجماع. ( وفی کتاب الخصال فی باب شرائع الدین عن الأعمش عن الصادق علیه السلام ، وهی أحکام کثیرة کلّها علی وفق الصواب ، وفیها : « ولا تصلّ التطوّع فی جماعة ، لأنّ ذلک بدعة ، وکلّ بدعة ضلالة ، وکلّ ضلالة فی النار » (2) (3).

قوله : « صلّ بأهلک ». ( 4 : 315 ).

الظاهر أنّها محمولة علی التقیّة ، وأمّا صحیحة هشام وما وافقها فسیجی ء الکلام فیهما ، مع أنّهما دالتان علی الجواز فی النافلة فی الجملة ، ولا کلام فیه ، فتأمّل. مع أنّه علی فرض الدلالة علی العموم تکونان محمولتین علی التقیّة ، فتأمّل.

قوله : ومن هنا یظهر أنّ ما ذهب إلیه بعض الأصحاب. ( 4 : 316 ).

لا یخفی أنّ ما ذهب إلیه إنّما ذهب إلیه من جهة الروایة ، لا ممّا ذکره ، وإلاّ کان یحکم بالاستحباب فی کلّ نافلة لا خصوص صلاة الغدیر ،

عدم جواز الجماعة فی النافلة

استحباب الجماعة فی خصوص صلاة الغدیر

ص: 344


1- ما بین القوسین لیس فی « أ » و « و ».
2- الخصال : 603 / 9 ، الوسائل 8 : 335 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 5.
3- ما بین القوسین لیس فی « أ ».

ولم یذهب أحد من فقهاء الشیعة إلی الجواز فی النافلة مطلقا ، فتأمّل.

قوله : « إلاّ من کان حیال الباب ». ( 4 : 317 ).

قال الفاضل المحقق مولانا مراد رحمه الله إنّ هذا الاستثناء منقطع (1).

قلت : یمکن أن یکون متصلا ، لأنّ المعصوم علیه السلام حکم ببطلان صلاة الصفّ الذی بینه وبین السابق سترة ، سواء کان السابق هو الإمام أو الصفّ ، واستثنی من ذلک صلاة بعض ذلک الصفّ ، إذ لو لم یستثن لکان صلاة هذا البعض أیضا باطلا ، لکونه من الصفّ الذی له سترة ، إذ لا مانع من بطلان صلاة الصفّ بأجمعهم بسبب الستر فی الجملة ، لأنّ العبرة بالصفّ لا آحاده ، کما سیجی ء ، فتأمّل.

قوله : کما یدل علیه ذکر حکم الحائل. ( 4 : 318 ).

لم أجد فیه دلالة ، لجواز أن یکون [ المراد ] (2) منه الساتر وحکایة الستر ، لا عدم التخطّی إلی الإمام ، فالأولی أن یقول : یدل علیه قوله فی آخر الروایة : « لا یکون بین الصفّین ما لا یتخطّی ، یکون قدر ذلک مسقط جسد الإنسان ».

وأیضا ظاهر قوله علیه السلام : « بینهم وبین الذی یتقدّمهم قدر ما لا یتخطّی » هو التباعد.

قوله : وشاهد بعض المأمومین صحت صلاته. ( 4 : 318 ).

لم نجد فی الأخبار ذکر المشاهدة للإمام وکونها لازمة حتی یذکر الشارح ما ذکره ، بل الوارد فی هذه الصحیحة أن لا یکون بین الإمام وبین المأمومین سترة أو جدار ، ولا یخفی أنّ المتبادر منهما غیر صفّ المأموم ،

اشتراط عدم الحائل بین الإمام والمأموم وبین الصفوف

ص: 345


1- لاحظ تعلیقة من لا یحضره الفقیه 1 : 386 من طبعة جامعة المدرسین.
2- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.

والأساطین أیضا لیست داخلة فیهما بالنص والوفاق ، وفی هذه الصحیحة دلالة علی خروج الصفوف أیضا ، وإن قلنا بأنّها لیست فردا متبادرا منهما حیث قال علیه السلام : « وأیّ صفّ کان أهله. » وفی آخر الخبر أیضا : « ینبغی أن تکون الصفوف تامّة متواصلة بعضها ببعض » الحدیث ، فلا حاجة إلی ما ذکره الشارح رحمه الله بقوله : وهو معلوم البطلان.

وإن کان مراده إثبات حکم زائد علی ما ذکرنا ، وهو صحة صلاة من علی یمین الباب ویساره ، ویجعل الحصر فی قوله علیه السلام : « إلاّ من کان حیال الباب » إضافیا - کما سیصرّح - فدون ثبوته خرط القتاد ، إذ دعوی العلم لم یظهر وجهه أصلا ، لعدم نص ولا إجماع حتی یرفع الید عن المعنی الحقیقی للحدیث والمفاد الظاهر منه إلی المجازی وخلاف الظاهر ، فإنّ الصفوف التی بعد من هو بحیال الباب إنّما تصح صلاة من هو بحیال الباب ومحاذیها منهم لا غیرهم ممّن هو علی الیمین والیسار ، ولم نر إجماعا ولم ینقل إلینا إجماع منقول بالآحاد ، ولم نر حدیثا صحیحا ولا ضعیفا یدل علی صحة صلاتهم ، سیّما وأن یکون أقوی من هذه الصحیحة حتی یرفع الید عن مدلولها بسببه.

قوله : لأنّهم یرون من یری الإمام. ( 4 : 318 ).

قد عرفت الکلام فی حکایة الرؤیة والمشاهدة ، وأنّه لا أصل لها أصلا ، فکیف تجعل علّة؟

ومع ذلک إن أراد المشاهدة بدون إدارة الوجه کما یکون الوجه إلی القبلة فغیر خفی عدم تحقّق المشاهدة بالنسبة إلی من علی یمینه وشماله.

وإن أراد بإدارة الوجه أو بطرف العین فی الجملة فقد یتحقّق بالنسبة إلی الصف الواقف بین یدیهم فی الجملة ، فتأمّل.

ص: 346

إلاّ أن یرید الذین لا یشاهدون أصلا من فی المسجد.

وفیه : أنّ ذلک لا یصیر إلاّ بحائل یمنع مشاهدة الصفّ المتأخّر ، فلا یختصّ بالصفّ المتقدّم ، فتأمّل.

إلاّ أن یرید بالمشاهدة کما یکون الوجه إلی القبلة ، وبمن علی الیمین والیسار خصوص الذی یری الإمام لا غیره.

وفیه : أنّ الظاهر من قوله : « من کان حیال الباب » من یری الإمام من الباب ، فلا حاجة إلی ذکر من هو علی الیمین والیسار ، لأنّه داخل فی من یری الإمام ومن هو بحیال الإمام ، فتأمّل.

وممّا ذکرنا فی الحاشیة السابقة وهنا ظهر أنّ ما تداول فی البلاد من الحکم بصحة صلاة من علی یمین الباب ویساره وإن کان صفّا لا یرون الإمام وکذا صلاة من خلفهم بمجرّد تقلید ظاهر عبارة الشارح أو غیره مشکل ، بل فی غایة الإشکال. ووافقنا علی ما ذکرنا صاحب الذخیرة (1) وغیره من المحققین ، ومنهم المصنف رحمه الله (2) ، وسیجی ء تصریحه بذلک ، فتأمّل جدّا.

وعبارات الأصحاب التی وقفت علیها کلّها متفقة فی بطلان صلاة من علی یمین الباب ویسارها من الصفّ الأوّل دون من حاذی الباب من ذلک الصف ، لا أنّ صلاة من علی الیمین والشمال أیضا صحیحة ، وأنّ الباطل هو صلاة من وقف بین یدی الصفّ الأوّل عن یمین الباب ویسارها ، کما ذکره الشارح رحمه الله ، فما ذکره خلاف ما علیه الأصحاب أیضا ، فلاحظ عباراتهم ، فإنّها مثل عبارة المصنف الآتیة ، وهی أنّ الإمام إن صلّی فی

ص: 347


1- الذخیرة : 394 ، والکفایة : 31.
2- انظر الشرائع 1 : 126 ، والمعتبر 2 : 418 ، 445.

محراب داخل فصلاة من یقابله صحیحة دون من إلی جانبیه إذا لم یشاهدوه ، وتجوز صلاة الصفوف الذین وراء الصفّ الأوّل ، لأنّهم یشاهدون من یشاهد الإمام (1). ومثلها عبارة التحریر (2).

وفی القواعد : لو صلّی الإمام فی محراب داخل صحت صلاة من یشاهده من الصفّ الأوّل خاصّة وصلاة الصفوف الباقیة أجمع ، لأنّهم یشاهدون من یشاهده (3). إلی غیر ذلک من عباراتهم.

فظهر منها أنّ مرادهم من مشاهدة من یشاهد الإمام هو المشاهدة بطریق المواجهة علی طریق مشاهدة أهل الصفّ الأوّل للإمام إذا کان خارجا عن صفّهم وواقفا قدّامهم ، وظاهر أنّ مرادهم من المشاهدة لیس المشاهدة بالفعل ، لأنّها لیست شرطا قطعا ، بل المراد عدم الحائل المانع من المشاهدة.

وینادی إلی ذلک عدم وجدان حکایة المشاهدة فی خبر من الأخبار ، ولیس لها عین ولا أثر ، وأنّ دلیلها منحصر فی هذا الخبر ، ولم یفهم الأصحاب إلاّ منه ، ولذا جعلوها متفرّعة علیه مدلولة من مدلولاته مستنبطة منه ، کما لا یخفی علی من له أدنی تأمّل.

وظاهر أیضا أنّ هذا المعنی معتبر عندهم فی الصفّ الأوّل بالقیاس إلی الإمام ، وأمّا الصفّ الثانی فمعتبر بالقیاس إلی الصفّ الأول المتقدّم علیه ، سواء کان أهله واحدا أو متعدّدا ، وأمّا الثالث فبالقیاس إلی الثانی وهکذا.

ص: 348


1- انظر الشرائع 1 : 126.
2- التحریر 1 : 51.
3- القواعد. 1 : 46.

کما أنّ القرب والبعد یراعیان بالقیاس إلی الصفوف لا بالقیاس إلی أشخاص الصفوف ، ولذا یجوز أن یکون الصفّ المتقدّم فی غایة القصر ، والمتأخّر فی غایة الطول وبالعکس ، وأن یکون الصفّ الأوّل طویلا لیس قدّامهم سوی الإمام [ و ] کذا حکایة الستر والحائل عندهم ، لکن ثبوت ذلک من الروایة مشکل ، بل ظاهرها بطلان صلاة من علی یمین الباب ویسارها مطلقا إلاّ من کان حیال الباب مطلقا.

نعم دلالتها علی حکایة القرب والبعد کما ذکر ، یعنی أنّهما بالقیاس إلی الصفّ والإمام ، والصفّ الثانی والصفّ الأوّل ، وهکذا ، فتأمّل.

قوله (1) : والظاهر أنّ الحصر إضافیّ. ( 4 : 319 ).

فیه ما عرفت ، فلاحظ وتأمّل.

قوله (2) : وهذه الروایة ضعیفة السند. ( 4 : 302 ).

لا یخفی أنّ الموثقة حجّة کما حقّق فی محلّه ، سیّما موثقة عمار ، لدعوی الشیخ إجماع الطائفة علی العمل بها (3) ، مع أنّا نری من الفقهاء لم یشهد علی کون الأمر کما ذکره ، خصوصا هذه الموثقة ، لأنّ مضمونها مجمع علیه بین الکلّ ، وإن نقل عن الخلاف ما نقل ، إذ حمله العلاّمة علی إرادة الحرمة (4) ، وهی غیر بعیدة من القدماء ، سیّما إذا اتفق فتاوی الشیخ علی الحرمة فی غیره (5) ، ولیس نسخة الخلاف عندی ، فلا وجه لتردّد المصنف بعد ذلک ، مع أنّه ورد بمضمونها روایتان من العامّة أیضا.

اشتراط عدم کون الإمام أعلی من المأموم مکاناً

ص: 349


1- هذه التعلیقة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».
2- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
3- عدّة الأصول 1 : 381.
4- المختلف : 160.
5- النهایة : 117 ، المبسوط 1 : 160.

وأمّا الدلالة فلم نجد فیها غبارا.

وأمّا ما ذکره من التهافت فهو منتف فی نسخة التهذیب ، لأنّه ذکر فیها فی موضع : « بطن مسیل » : « بقدر یسیر » وفی نسخة منه موضعه : « بقدر شبر » لأنّه جعل الأرض قسمین : مبسوطة وغیر مبسوطة ، والمبسوطة علی قسمین : مستویة وما یکون فیها انحدار ، وحکم بجواز صلاة المأمومین خلف الإمام فی المبسوطة بقسمیه مطلقا ، وعدم جواز صلاتهم خلفه فی غیر المبسوطة إذا کان الإمام فی المرتفع والمأموم فی غیر المرتفع ، والمراد من غیر المبسوطة ما یکون فیه ارتفاع دفعی.

وجعله المصنف أیضا علی قسمین : قسم ارتفاعه ارتفاع معتدّ به وهو ما یشبه الدکّان ، لأنّ الغالب المتعارف منه ذلک ، وقسم ارتفاعه أقلّ من الدکّان بأن یکون ارتفاعه قدر طول إصبع أو أکثر أو أقلّ إذا کان الارتفاع بقدر یسیر لا قدر کثیر ، کما هو الغالب فی الدکاکین.

والحاصل : إنّ المبسوطة من جهة تساوی نسبة کلّ جزء منها مع الآخر فی بادئ النظر تصح الجماعة فیها کیف کان قیام الإمام والمأموم ، وإن کان فیها انحدار علی سبیل تساوی نسبة الأجزاء بعضها ببعض لا علی سبیل التفاوت الدفعی.

وأمّا إذا کان التفاوت لا علی سبیل تساوی النسبة ، بل یکون دفعیا ، وکان الإمام علی المرتفع والمأموم علی المنخفض فصلاة المأموم غیر جائزة ، سواء کان الارتفاع کثیرا أو یسیرا.

وأمّا إذا کان المأموم علی المرتفع والإمام علی المنخفض فصلاة الکلّ جائزة وإن کان المأموم أرفع بشی ء کثیر ، کما صرّح به فی آخر الخبر ، وما صرّح به یرجّح نسخة : « بقدر یسیر » علی نسخة : « بقدر شبر » مع کونها

ص: 350

أرجح فی النظر أیضا.

نعم یتراءی فی النظر تهافت علی نسخة الکافی ، وهی التی ذکرها الشارح حیث ذکر موضع : « بقدر یسیر » : « ببطن مسیل ».

ویمکن أن یقال : المراد أنّ التفاوت یصیر علی سبیل تساوی النسبة کما قلنا ، فتصح الجماعة مطلقا کما عرفت ، [ و ] یصیر أیضا علی سبیل تفاوت النسبة بأن یکون دفعیا بالدفعة الواحدة ، کما هو الحال فی الدکّان أو شبهه ، أو دفعات متعدّدة بینها تساو أو شبهة تساو ، کما هو الحال فی بطن مسیل ، فإنّ الغالب فیه وقوع الهیئة المذکورة من جهة سیلان السیل فی المنحدرة ، وأنّ کلّ واحد من الارتفاعات الدفعیة المتعدّدة بقدر إصبع أو أکثر أو أقلّ لیس له حدّ مضبوط بحیث لا یتعدّی عنه أصلا.

وهذا التوجیه بعینه توجیه النسخة المشهورة من الفقیه حیث ذکر فیها موضع : « بطن مسیل » : « بقطع سیل » ، والنسخة الأخری من الفقیه لا تهافت فیها أصلا کنسخة التهذیب ، لأنّه ذکر فیها موضع : « مسیل » : « سئل » بعنوان الماضی المجهول ، وذکر فیها : قال : « لا بأس به » موضع : « فلا بأس » وجعل موضع : « ببطن » : « یقطع » بعنوان المضارع المجهول ، فظهر أنّ هذه الروایة من عمار من أمتن روایاته ، فتأمّل.

قوله : وهی ضعیفة بجهالة الراوی ... ( 4 : 321 ).

الظاهر أنّه محمد بن عبد الله بن زرارة ، وقد ذکرنا حسن حاله ، مع أنّ الروایة إلی صفوان صحیحة ، وهو ممّن أجمعت العصابة ، وممّن لا یروی إلاّ عن الثقة ، إلاّ أنّ روایة عمار منجبرة بالشهرة ، فالحمل علی الاستحباب له وجه ، وإن کان العمل بها أحوط ، کما ذکره.

قوله : لوقوع التصریح فی الروایة. ( 4 : 322 ).

إشارة إلی حال محمد بن عبد الله بن زرارة

ص: 351

قد تقدّم الکلام فیه.

قوله : ینبغی للبعید. ( 4 : 322 ).

لم نجد لما ذکره منشأ ، فإنّ الوارد فی الصحیحة لفظ الصف ، وغیر مأخوذ فیه قید الدخول فی الصلاة ، بل لا یمکن أخذ القید فیه کما لا یخفی.

مع أنّه علی ما ذکره ربما لا یمکن لحقوق بعض الصفوف رکوع الإمام ، بل بعضهم لا یمکنهم اللحوق فی الرکعة الثانیة ، وبعضهم فی الثالثة ، وبعضهم فی الرابعة إذا کثر الصفوف ، وخصوصا إذا طال الصفّ ، بل فی الصف الأوّل ربما لا یمکن اللحوق إذا طال ، إذ البعید من الإمام علیه أن لا یحرم حتی یحرم من یزول معه التباعد ، وکلّ ما ذکر معلوم البطلان ، بل ظاهر أنّ المأمومین فی الأعصار والأمصار ما کانوا یلاحظون ما ذکر ، ولو کانوا یلاحظون لشاع وذاع ، لعموم البلوی وکثرة الحاجة ، فتأمّل.

قوله (1) : تجب متابعة الإمام. ( 4 : 326 ).

الظاهر أنّ المراد من الأفعال الأقوال أیضا ، لأنّها أیضا أفعال ، لأنّ الناقل لا یتعرّض لذکر الأقوال أصلا ولا لتوجیه الحدیث بإخراج الأقوال ، مع أنّ أفعال الصلاة لغة وعرفا تشملها البتّة ، فإنّ الأذکار فعل المصلّی کالحرکات ، ولهذا قال فی المنتهی : متابعة الإمام واجبة ، وهو قول أهل العلم ، قال علیه السلام : « إنّما جعل الإمام إماما لیؤتمّ به » (2).

وقال فی التذکرة : یجب أن یتابع إمامه فی أفعال الصلاة ، لقوله علیه السلام : « إنّما جعل الإمام إماما لیؤتمّ به » ولم یذکر باقی الروایة ، وقال : وروی عنه :

عدم جواز تباعد المأموم بما یخرج عن العادة

وجوب متابعة الإمام فی الأفعال

ص: 352


1- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
2- المنتهی 1 : 379.

« أما یخشی الذی رفع رأسه والإمام ساجد أن یحوّل الله رأسه رأس حمار؟ » (1) ولأنّه تابع له فلا یسبقه ، وبه قال الشافعی - إلی أن قال - : مسألة : یصح أن یکبّر المأموم بعد تکبیر الإمام ، وهل یصح معه؟ إشکال ینشأ من تحقّق المتابعة معه أم لا ، أمّا لو کبّر قبله فلا یصح قطعا ، ولا بأس بالمساوقة فی غیر التکبیر من الأفعال (2).

فظهر من کلامه قرائن علی إرادته من الأفعال معناه اللغوی والعرفی ، مضافا إلی کون ذلک معناه الحقیقی ، وأنه ادعی فی المنتهی ما ادعی.

فعلی هذا تفکیک الشارح بین الأقوال والأفعال لا وجه له أصلا بالنظر إلی الإجماع المنقول والفتاوی ، ولا الحدیث الذی هو مستند الإجماع ، لأنّ تعلیله علیه السلام بقوله : « یؤتمّ به » لقوله علیه السلام : « إنّما جعل الإمام. » ثم تفریعه بقوله : « فإذا رکع. » مع القطع بعدم انحصار الأفعال فی الدخول فی الرکوع والدخول فی السجود ، والقطع بأنّ تکبیرة الافتتاح مع کونه قولا داخل قطعا بل أهمّ ، کلّ ذلک دلیل علی العموم.

مضافا إلی أنّ الإمام معناه هو السابق المقتدی لا المسبوق غیر المقتدی ، وستعرف معنی الاقتداء ، ومن جمیع ما ذکر سلّم الشهید العموم.

وأمّا ما ذکره من الأصل - مع فساد جریانه فی العبادات ، کما هو مسلّم عند الشارح أیضا ، ونبّهنا فی مبحث الجمعة (3) وغیره - لو تمّ لاقتضی عدم وجوب المتابعة فی غیر الأقوال أیضا ، إذ عرفت حال الإجماع والفتاوی والحدیث بل الأخبار المتضمّنة لاقتداء المأموم وائتمامه

ص: 353


1- صحیح البخاری 1 : 177 ، صحیح مسلم 1 : 320 / 427 ، سنن البیهقی 2 : 93.
2- التذکرة 1 : 185.
3- راجع ص 167 - 177.

ونحوهما ، لما ستعرف بعد وجه الدلالة.

مع أنّ الأصل لا یعارض دلیلا أبدا ، إذ معناه أنّ عند عدم الدلیل علی التکلیف مثلا یکون الأصل عدمه مثلا.

وأمّا ما ذکره من أنّه لو وجبت المتابعة فی الأقوال لوجب علی الإمام الجهر ، لو تمّ لاقتضی وجوب الجهر علیه فی تکبیرة الافتتاح أیضا ، مع أنّه خلاف الإجماع ، ولم یقل به الشارح أیضا کما مرّ فی مبحث التکبیر (1).

مع أنّه لو تمّ لاقتضی وجوب الجهر فی الأذکار الدالة علی الانتقالات من الإمام مثل قول : سمع الله ، والله أکبر ، لأنّ المأموم غیر منحصر فی من یری انتقالات الإمام بالبدیهة ، کما أنّ الصلاة غیر منحصرة فی أوقات الضیاء وعدم الظلمة.

وممّا یدل علی العموم ما سیجی ء عن المصنف : لا یجوز للمأموم مفارقة الإمام لغیر عذر ، وعن الشارح فی شرحه (2) ، فلاحظ.

والشهید فی المسالک قال بعدم وجوب المتابعة فی الأقوال (3). والمحقق الشیخ علی صرّح بوجوب المتابعة فیها أیضا (4).

قوله : السالمة من المعارض. ( 4 : 326 ).

کیف تکون سالمة منه؟ مع أنّه استدل بما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه : « إنّما جعل الإمام ... » والظاهر منها وجوب التأخّر.

نعم ما قاله ابن بابویه هو بعینه مضمون حدیث روی عن النبی صلی الله علیه و آله

هل تجوز المقارنة؟

ص: 354


1- المدارک 3 : 324.
2- المدارک 4 : 376.
3- المسالک 1 : 43.
4- الرسالة الجعفریة ( رسائل المحقق الکرکی 1 ) : 128.

فی کتاب جامع الأخبار (1) ، فلو کانت صحیحة لکانت الحجّة هی لا غیر ، سیّما مع کون العبادات توقیفیة والقراءة واجبة لا تسقط إلاّ فی الجماعة الصحیحة الثابتة عن الشرع.

( مع أنّ الظاهر من المتابعة عدم المقارنة ، وکذا الاقتداء والائتمام ونحوها ، ألا تنظر أنّه إذا قیل : فلان تابع فلانا فی کذا ، أو : اقتدی به ، أو : ائتمّ به ، لا یستفاد منه إلاّ أنّ المتبوع صدر منه کذا فتبعه التابع؟ وکذا الحال فی الاقتداء بل الائتمام ونحوها ممّا ورد فی الأخبار.

وظهر من کلام الأخیار مراد الصدوق ، حتی أنّ القدماء لا یتعرّضون لذکر وجوب المتابعة فی کتبهم ، حتی الشیخ فی نهایته لم یذکر سوی حکم رفع رأس المأموم عن الرکوع والسجود قبل الإمام (2) ، بل ربما کان مراد الصدوق المقارنة العرفیة ، وإن وقع آن شروع الإمام وأوّله مقدّما. وما رواه الصدوق لا یفی للمعارضة والغلبة ، سیّما أن یحصل البراءة الیقینة فی العبادة التوقیفیة ) (3).

قوله : مذهب الأصحاب. ( 4 : 327 ).

هذا القول منه مع ما نقل عن ابن بابویه عجیب ، وفی المبسوط أیضا : أنّ المأموم لو فارق الإمام لا لعذر بطلت صلاته (4) ، والشهید نقله فی الدروس فی المقام وما ردّه (5). ( بل نقل الإجماع علی وجوب المتابعة

حکم ما لو رفع المأموم رأسه قبل الإمام عمداً

ص: 355


1- جامع الأخبار : 196 / 483.
2- النهایة : 115.
3- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
4- المبسوط 1 : 157.
5- الدروس 1 : 221.

والخبر المذکور ، وصحة الصلاة ، مع جرحه (1) ترک المتابعة فی الجماعة ، وترک القراءة الواجبة فیها ربما لا یخلو عن شی ء ، بل روعی وجوب المتابعة إلی أن جوّز تکرار الرکن ، مع ما عرفت من أنّ زیادة مبطلة للصلاة ، وکذا زید فی التشهّد والقنوت وأوجب المکث لهما علی من لم یجبأ علیه ، وزیادة الجلوس والقیام مع عدم مطلوبیتهما منه ، وغیر ذلک ) (2).

قوله : وإطلاق کلامه یقتضی. ( 4 : 327 ).

ربما یکون إطلاقه محمولا علی الصورة الصحیحة من المسلم ، فتأمّل.

قوله : وقع علی سبیل العمد. ( 4 : 328 ).

بل دلالته علیه بعیدة بملاحظة قوله : أیعود. ، فلیتأمّل. ویؤیّده أنّ الأصل فی أفعال المسلمین الحمل علی الصحة ، وکون الظاهر منهم الصحیح ، کما مرّ عن الشارح رحمه الله (3) ، سیّما فی المقام ، فإنّ من یرید صلاة الجماعة فإنّما غرضه الفضیلة والثواب ، وکون صلاته صلاة کاملة ، فلا یرتکب فی هذا المقام العصیان والإثم والحرام ، وجعل صلاته ناقصة بل وباطلة ، لعدم الموافقة لمطلوب الشارع.

والبناء علی أنّ العود عمدا ربما کان لجهل المسألة ، یناسب استفصال المعصوم علیه السلام أو حکمه علی سبیل التفصیل بأنّه إن فعل عمدا أثم وعصی ودخل النار ، ولا یفعل ذلک بعد ذلک أبدا.

ص: 356


1- فی « ج » ونسخة فی « د » : حرمة.
2- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
3- المدارک 3 : 159.

والبناء علی أنّه کان هناک قرینة دالة علی أنّه کان یعلم الحرمة والإثم وانحطاط صلاته بل وصحة صلاته أیضا ، وسؤاله إنّما هو لصحة العود خاصّة ، بعید وخلاف الأصل والظاهر ، ومع ذلک کان المناسب توبیخ المعصوم وتقریعه وذمّه کما لا یخفی ، هذا.

( مع أنّ الراوی بتری عامی علی ما قیل (1) ، فتکون الروایة واردة علی طریقة العامّة ، فتأمّل ) (2).

قوله : مطلقة. ( 4 : 328 ).

فیه تأمّل مرّ الإشارة إلیه.

قوله : علی الاستحباب. ( 4 : 329 ).

هو أیضا بعید ، لأنّ الظاهر من روایة غیاث المنع عن العود ، کما أفتی به الفقهاء.

قوله (3) : لقضاء حقّ المتابعة. ( 4 : 329 ).

لا شکّ فی أنّ سقوط القراءة الواجبة إنّما هو من جهة المتابعة المطلوبة بل المأمور بها ، فکیف تصح صلاته مع ترک المتابعة بل فسادها؟

فتأمّل.

قوله : لا تقصر عن الصحیح. ( 4 : 330 ).

لکن لا دلالة فیها علی وجوب العود ، ومع ذلک یتوقّف علی اتحاد النسیان مع المظنّة بحسب الحکم الشرعی ، ولا دلیل علی ذلک من جهة النص ، فإن کان إجماع فهو الحجّة ، فتأمّل.

غیاث بن إبراهیم بتری عامیّ

حکم ما لو رفع المأموم رأسه قبل الإمام عمداً

غیاث بن إبراهیم بتری عامیّ

حکم ما لو رفع المأموم قدام الإمام

ص: 357


1- انظر رجال الطوسی : 132.
2- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
3- هذه الحاشیة لیست فی « ا ».

قوله (1) : أو وجوبه. ( 4 : 331 ).

هذه صریحة فی مذهب ابن إدریس فی المأموم الأکثر من واحد ، وأمّا الواحد فلعله له ظهور فی ما ذکره الشارح ، لکن الظاهر لا یقاوم الصریح ، فعلی القول بعدم الفصل لأن رفع الید عن الظاهر وإرجاعه إلی الصریح لا العکس. إلاّ أن یتمسّک بالشهرة العظیمة والإجماع المنقول.

والأحوط مراعاة رأی ابن إدریس.

قوله : بالعقب والأصابع معا. ( 4 : 331 ).

هذا هو الأظهر بحسب العرف دلیل المصنف.

قوله : فی التساوی. ( 4 : 331 ).

هذا مشکل بحسب ما یتبادر من الحدیث لغة وعرفا.

قوله : فی کلّ الأعصار السالفة. ( 4 : 331 ).

لم یعهد ذلک من الشیعة ولا غیر (2) الطائفة المحقّة ، وغیرهم لا عبرة بفعلهم. إلاّ أن یقال : عدم تعرّض أحد من الأئمّة علیه السلام ولا الشیعة ولا غیرهم للطعن علی هذا الفعل فی عصر من الأعصار دلیل علی الصحة ، وفیه تأمّل ، فتأمّل.

قوله : ولم أقف فی ذلک علی روایة. ( 4 : 332 ).

مقتضی ظاهر الروایات الواردة عن الأئمّة علیه السلام عدم الصحة کما یقوله العلاّمة. مع أنّ الجماعة عبادة توقیفیة ، فما لم تثبت الصحة لا یمکن الحکم بها ، والمنقول من الأقوال والأفعال لا یشملها ، فتأمّل.

هل تجب علی الإمام نیة الإمامة فی الجماعة الواجبة؟

ص: 358


1- هذه التعلیقة واثنتان بعدها لیست فی « أ ».
2- لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

قوله (1) : وفی اعتبار نیّة الإمامة. ( 4 : 332 ).

وسیجی ء فی کلام المصنف التصریح بذلک.

قوله : فی الجماعة الواجبة. ( 4 : 332 ).

إذا علم أنّها جماعة واجبة ویفعلها فهذا عین النیّة ، وإذا لم یعلم ولم یکن متفطّنا فکیف یکون ممتثلا وخارجا عن العهدة؟ فکیف تکون صحیحة؟. إلاّ أن یقال : تعیینها بالتوجه إلی خاصّة من خواصّها یکفی للامتثال ولا یحتاج إلی نیّة إمامتها ، لکن فی [ تأتّی ] (2) ذلک تأمّل ، فتأمّل.

قوله (3) : وجب الانفراد. ( 4 : 333 ).

هذا قبل أن یصدر منه طریقة المأمومیة من ترک القراءة الواجبة ونحوه ، ولعله لا إشکال فیه ، لاستجماع شرائط الصحة من النیّة أی قصد القربة وتعیین الصلاة ، نعم بعده مشکل البتّة ، بل لعله لا یصح ، لعدم دلیل الصحة ، فتدبّر.

قوله : وجب البناء علیه قطعا. ( 4 : 333 ).

هذا أیضا محلّ تأمّل ، لعدم وجدان دلیل یعتمد علیه.

قوله (4) : لإخلال کلّ منهما بالقراءة الواجبة. ( 4 : 333 ).

وکذا لو قرأ کلّ منهما مع علمه بتحریم القراءة علی المأموم وتفطّنه بذلک ، بل یشکل الصحة أیضا مع القراءة جهلا أو غفلة ، لعدم ثبوت کون هذه القراءة محسوبة عن القراءة الواجبة واقعا علی التعیین ، ولا صحة صلاة

وجوب نیة الائتمام بإمام معیّن

عدم اشتراط تساوی فرض الإمام والمأموم

ص: 359


1- هذه التعلیقة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».
2- بدل ما بین المعقوفین فی « ا » : باب ، وفی بقیة النسخ : باقی ، والظاهر ما أثبتناه.
3- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
4- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».

الجاهل الذی اتفق وقوعها موافقة للواقع.

قوله : لکنها ضعیفة جدّا. ( 4 : 334 ).

لیس کذلک ، کما حقّقناه فی الرجال (1) ، مع أنّها منجبرة بفتوی الأصحاب والموافقة للقاعدة الثابتة والمسلّمة.

قوله : من جملتها القراءة. ( 4 : 334 ).

مقتضی الإطاعة والامتثال والخروج عن عهدة التکلیف الإتیان بالقراءة أو ما جعل الشارع بدلا عن القراءة وثبت عنه ، ولم یثبت منه کون فعل الآخر الذی توهّم أنّه إمامه - والحال أنّه ما کان إمامه ولا قرأ أصلا بدلا عن قراءته - صحیحا بالنسبة إلیه ، وثبوت الصحة والبدلیة فی الإمام المحدث أو الفاسق لا یقتضی الثبوت فی غیر ذلک ، والقیاس لا یقول به. وممّا ذکر ظهر ما فی کلام الشارح رحمه الله : فإن دخل.

قوله : یمکن تنزیل الروایة. ( 4 : 334 ).

لا یمکن أصلا ، لأنّ کلاّ منهما یدّعی بعد الفراغ من الصلاة المأمومیة وإمامة الآخر ، فضلا عن حال الصلاة والدخول فیها.

قوله : ولا بأس به. ( 4 : 335 ).

إذا کان العموم الدال علی أنّ الشک إذا وقع بعد التجاوز عن المحلّ فلیس بشی ء شاملا لهذه الصورة فالحق مع المحقق المذکور ، وإلاّ فلا فائدة فی کون الدخول دخولا مشروعا ، لما عرفت. مع أنّ الشکّ فی ما أضمراه شکّ فی کون الدخول مشروعا أم لا ، فتأمّل (2).

قوله : أکثر من المباینة. ( 4 : 335 ).

ص: 360


1- تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 55.
2- لیس فی « أ » و « و ».

لا یخلو من التأمّل.

قوله : وهو خیال ضعیف. ( 4 : 336 ).

مع أنّه لو تمّ لزم عدم جواز اقتداء العشاء بالمغرب ، بل وعدم جواز اقتداء الظهر بالعصر والمغرب بالعشاء وغیر ذلک ممّا قال الصدوق بصحته ، ولا یکون مقصورا فی الصورة المذکورة.

قوله (1) : اقتداء المتنفّل بالمفترض. ( 4 : 338 ).

وفی العوالی عن شعبة ، عن جابر بن یزید بن أبی الأسود ، عن أبیه ، أنّه صلّی مع رسول الله صلی الله علیه و آله وإذا رجلان لم یصلّیا فی ناحیة المسجد فدعاهما فجاءا یرتعد فرائصهما فقال : « ما منعکما أن تصلّیا معنا؟ » فقالا : قد صلّینا فی رحالنا ، فقال : « فلا تفعلوا ، إذا صلی أحدکم فی رحله ثم أدرک الإمام وقد صلّی فلیصلّ معه فإنّها له نافلة » (2).

وفی هذا دلالة علی استحباب إعادة الصلاة للمنفرد مع الجماعة ، ویکون من باب اقتداء المتنفّل بالمفترض ، فإنّ الأمر فیها للاستحباب ، بدلالة قوله : « فإنّها له نافلة ».

قوله : ولیس ذلک لمن فرغ من صلاته. ( 4 : 342 ).

وربما یشهد له أنّ هاشم بن سالم روی ما ذکره بعینه عن سلیمان بن خالد عن الصادق علیه السلام (3) ، فیکون المراد أنّه إذا وجد الجماعة وهو مشغول بصلاته وحده ، کما هو ظاهر صیغة المضارعة ، فیکون الجواب أنّه إن شاء

حکم اقتداء المتنفل بالمفترض وبالعکس

استحباب إعادة المنفرد صلاته إذا وجد جماعة

کیفیة نیّة من أراد أن یعید صلاته جماعة

ص: 361


1- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
2- عوالی اللآلئ 1 : 59 / 92.
3- الکافی 3 : 379 / 3 ، التهذیب 3 : 274 / 792 ، الوسائل 8 : 404 أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 1.

أن یصلّی الفریضة معهم برفعه الید عن التی هو مشغول بها فعل کذلک ، فیصیر التی هو مشغول بها نافلة فی صورة صلاحیة جعلها نافلة.

وإنّما قلنا : إن شاء ، لأنّ فی روایة هشام زاد فی آخرها : « إن شاء ».

ویحتمل أن یکون المراد أنّه ینوی أنّ هذه التی یصلّی معهم هی الفریضة ، بمعنی أنّه یختار الله تعالی هذه له فریضة ، کما ورد فی بعض الأخبار أنّ الله تعالی یختار أفضلهما وأتمهما (1) ، وفی بعض آخر : « یختار أحبّهما إلیه » (2) وظاهر أنّ المراد : یختار فی جعلها فریضة ، وإلاّ فالنافلة لا تخلو عن الثواب والرجحان البتّة ، فتأمّل.

قوله (3) : إذا أعاد من صلّی صلاته جماعة. ( 4 : 343 ).

قد تقدم فی قوله : والمتنفّل بالمفترض. روایة رواها فی العوالی صریحة فی ذلک ، فلیراجع.

ویدل علی ذلک أیضا ما رواه فی الکتاب المذکور عن معن بن عیسی ، عن سعید بن السائب. عن نوح بن صعصعة ، عن یزید بن عامر ، قال : جئت والنبی صلی الله علیه و آله فی الصلاة فجلست ولم أدخل معهم ، فانصرف علیه السلام وقال : « ما منعک أن تدخل مع الناس فی صلاتهم؟ » قال : قلت إنّی کنت صلّیت فی منزلی وکنت أحسب أنّکم صلّیتم ، فقال : « إذا جئت فوجدت الناس یصلّون فصلّ معهم ، وإن کنت قد صلّیت تکن لک نافلة ، وهی لهم مکتوبة » (4) ولا یضرّ الضعف ، للتسامح فی أدلة السنن ،

ص: 362


1- الفقیه 1 : 251 / 133 ، الوسائل 8 : 401 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 4.
2- الکافی 3 : 379 / 2 ، التهذیب 3 : 270 / 776 ، الوسائل 8 : 403 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 10.
3- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
4- عوالی اللآلئ 1 : 60 / 93 ، سنن أبی داود 1 : 157 / 577 ، سنن البیهقی 2 : 302.

ولانجباره بالشهرة.

وفی ذلک الکتاب أیضا عن سلیمان مولی میمونة قال : أتیت ابن عمر علی البلاط وهم یصلّون ، قلت : إلا تصلّی معهم قال : قد صلّیت ، إنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول : « لا تصلّوا الصلاة فی یوم مرّتین » (1) فالظاهر أنّه لا یصلّی صلاة الفریضة مرّتین ، لتحقّق الامتثال بالأوّل.

قوله : لکن الأولی العمل بروایة إسحاق. ( 4 : 348 ).

لا یخفی أنّ الشیخ أیضا عمل بروایة إسحاق للمرجّح ، لکن أوّل روایة طلحة جمعا بین الأخبار ، وإرجاعا للخبر الذی لیس بحجّة إلی ما هو حجّة ، لأنّ الجمع مهما أمکن خیر من الطرح ، وللعذر الذی اعتذر به فی أوّل التهذیب ، وطریقة المحقّق وسائر الفقهاء أیضا ذلک فی سائر مقامات الفقه.

قوله : وإن کان للتوقّف فیه مجال. ( 4 : 350 ).

لا وجه له ، لأنّ مع التمکّن من الصلاة الصحیحة کیف یمکن الحکم بالاکتفاء بالفاسدة؟ وإن کانت کافیة فی مقام العذر ، والله یعلم.

قوله : لعدم توجّه النهی إلیه. ( 4 : 351 ).

قد تقدّم الکلام فی ذلک ، وأنّ الأظهر أنّه مکلف بما قصّر فی تعلّمه ومعرفته ، بل إنّه عالم إجمالا غیر عالم تفصیلا ، وعالم بوجوب معرفة التفصیل.

قوله : نعم یمکن الاستدلال علیه بما رواه الشیخ. ( 4 : 352 ).

فی الاستدلال به تأمّل ، إذ لا نزاع فی إمامتها فی الجملة ، إنّما النزاع

بعض شرائط إمام الجماعة

أن یکون بالغاً
عدم جواز إمامة الأمیّ القارئ
عدم جواز إمامة المرأة للرجل

ص: 363


1- عوالی اللآلئ 1 : 60 / 94 ، سنن أبی داود 1 : 158 / 579 ، سنن البیهقی 2 : 303.

فی الفرائض ، وهذا الإطلاق فی کلام الراوی ذکر لبیان حکم آخر ، فتأمّل.

قوله : هو استدلال ضعیف. ( 4 : 354 ).

مراد العلاّمة رحمه الله أنّه إذا ثبت صحة صلاته یکون صالحا للإمامة مطلقا ، لعموم ما دل علی صحة الجماعة ، وأنّ الإمام یصلح أن یصیر کلّ أحد ما لم یکن فاسقا ، إلاّ ما ( أخرجه الدلیل ) (1) کالأمّی (2) والأخرس. إلاّ أن یقال : الدلیل الذی أخرجهما أخرج غیرهما أیضا ، فتأمّل.

قوله : ومن أصالة البراءة. ( 4 : 355 ).

الأصل لا یعارض الدلیل ، وإطلاق الحدیث مقیّد بالدلیل ، فالعمدة کون الدلیل دلیلا ووجها. فتأمّل.

قوله : وصاحب المسجد. ( 4 : 356 ).

فی أمالی الصدوق : من دین الإمامیة الإقرار بأنّ أولی الناس بالتقدّم فی الجماعة أقرؤهم للقرآن ، فإن کانوا فیه سواء فأقدمهم هجرة ، فإن کانوا فیه سواء فأسنّهم ، فإن کانوا فیه سواء فأصبحهم وجها ، وصاحب المسجد أولی بمسجده ، ومن صلّی بقوم وفیهم من هو أعلم منه لم یزل أمرهم إلی سفال إلی یوم القیامة (3). انتهی.

وفیه شهادة علی تقدیم الأعلم مطلقا ، کصاحب المسجد ، کما أنّ روایة أبی عبیدة أیضا ظاهرة فی تقدیم صاحب المنزل والإمارة مطلقا ، کما أفتی به المصنف رحمه الله .

قوله : فلأنّه یجری. ( 4 : 356 ).

عدم جواز إمامة المُلحِن بالمُتقن
أولویّة إمامة صاحب المسجد والمنزل

ص: 364


1- فی « ب » و « ج » و « د » : خرج بدلیل.
2- فی « ب » و « ج » و « د » و « و » : کالأعمی.
3- أمالی الصدوق : 513.

فیه ما فیه ، وکذا فی ما ذکره بعده. مع أنّ العمومات تدل علی الجواز ، لکن عبارة الأمالی تدل علی ذلک.

قوله (1) : فلو تأخّر روسل لیحضر. ( 4 : 357 ).

فی ما ذکره نظر ، لعدم ظهور مأخذه ، بل یظهر من الأخبار خلافه ، وکذا کلام فقهائنا ، قال فی المنتهی : إذا حضر جماعة المسجد وکان الإمام الراتب له غائبا صلّوا جماعة یتقدّمهم أحدهم لا ینتظرونه ، وقال الشافعی : یراسلونه إن کان قریبا.

فظهر منه أنّ المراسلة المذکورة لم تکن مذهبا لأحد من فقهائنا إلی زمانه ، بل هو مذهب الشافعی.

ثم قال : لنا ما رواه الجمهور أنّ الرسول صلی الله علیه و آله مضی فی غزاة تبوک فی حاجة له ، فقدّم الناس واحدا فصلّی بهم ، فجاء الرسول صلی الله علیه و آله وقد صلّوا رکعة ، قال : « أحسنتم » (2).

ومن طریق الخاصّة ما رواه معاویة بن شریح عن الصادق علیه السلام ، قال : « إذا قال المؤذّن : قد قامت الصلاة ، ینبغی لمن فی المسجد أن یقوموا علی أرجلهم ویقدّموا بعضهم ولا ینتظروا الإمام » قال : قلت : وإن کان الإمام هو المؤذّن؟ قال : « وإن کان ، فلا ینتظرونه ویقدّموا بعضهم » (3) ولأنّ فی الانتظار تأخیر للعبادة عن أوّل وقتها ، وذلک شی ء رغب عنه (4).

أقول : وروی الشیخ والصدوق أیضا فی الصحیح عن الحناط ، قال :

ص: 365


1- هذه التعلیقة لست فی « ا ».
2- صحیح مسلم 1 : 317 / 105 ، سنن أبی داود 1 : 37 / 149.
3- التهذیب 3 : 42 / 146 ، الوسائل 8 : 380 أبواب صلاة الجماعة ب 42 ح 2.
4- المنتهی 1 : 382.

سألت الصادق علیه السلام إذا قال المؤذّن : قد قامت الصلاة ، أیقوم القوم علی أرجلهم ، أو یجلسون حتی یجی ء إمامهم؟ قال : « لا ، بل یقومون علی أرجلهم ، فإن جاء إمامهم ، وإلاّ فلیؤخذ بید رجل من القوم فیقدّم » (1).

والمتبادر من قوله صلی الله علیه و آله : « ولا یتقدّمنّ أحدکم الرجل فی منزله » (2). حضوره ، بل لا معنی [ له ] إلاّ ذلک ، إذ لو لم یکن حاضرا فیهم وتقدّم غیره علی غیره وصلّوا لا یصدق أنه یقدّم صاحب المنزل. فتدبّر.

قوله : المراد بالأقرإ. ( 4 : 358 ).

وقیل : الأکثر قراءة (3) ، لأنّه الظاهر من حال أصحاب النبی صلی الله علیه و آله ، یعنی من کان قرأ من القرآن أکثر من الذی لم یقرأ هذا القدر یقدّم علیه.

فتأمّل.

ویدل علیه ما رواه الصدوق عن الصادقین علیهماالسلام : « لا بأس أن یؤمّ الأعمی إذا رضوا به وکان أکثرهم قراءة وأفقههم » (4).

قوله : وقد قطع المصنف. ( 4 : 358 ).

یشکل الأمر بالنسبة إلی المصنّف ، فإنّه قدّم الأفقه علی الأقدم هجرة وغیره من المرجّحات المذکورة فی الروایة ، مع أنّ المذکور فی الروایة أنّه مؤخّر عن جمیع المرجّحات المذکورة.

قوله : لکنها ضعیفة السند. ( 4 : 359 ).

حکم تشاحّ الأئمة

ص: 366


1- الفقیه 1 : 252 / 1137 ، التهذیب 2 : 285 / 1143 ، الوسائل 8 : 379 أبواب صلاة الجماعة ب 42 ح 1.
2- الکافی 3 : 376 / 5 ، التهذیب 3 : 31 / 113 ، علل الشرائع : 326 / 2 ، الوسائل 8 : 351 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 1.
3- انظر البیان : 233.
4- الفقیه 1 : 248 / 1109 ، الوسائل 8 : 338 أبواب صلاة الجماعة ب 21 ح 3.

وعلی تقدیر الصحة أیضا لا تقاوم ما ورد فی مدح الفقهاء وتعظیمهم.

سیّما وقد رجّح فی هذه الروایة الأسنّیة أیضا علی الفقاهة والعلم بالسنّة ، ولم یعتبر فیها الأصلحیة والأزهدیة والأورعیة ممّا هو سبب لقبول العمل وإجابة الدعاء والتقرّب إلیه وقبول الشفاعة. مع أنّه ورد فی غیر هذه الروایة الأمر بتقدیم الخیار الأفاضل معلّلا بأنّ إمام القوم وافدهم (1). بل ورد فی الصحیح عن زرارة أنّه سأل الباقر علیه السلام عن الصلاة خلف العبد فقال : « لا بأس إذا کان فقیها ولم یکن هناک أفقه منه » (2) وهذا صریح فی تقدیم الأفقه. ومثل صحیحة زرارة موثقة سماعة (3) ، فروایة أبی عبیدة ربما کانت واردة مورد التقیّة ، فتأمّل ، أو أنها کانت مختصّة بزمن الرسول صلی الله علیه و آله لمصلحة کانت فیه ، ومرّ عبارة الأمالی ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : ورواه المرتضی. ( 4 : 361 ).

ورواه الصدوق فی کتاب العلل (4).

قوله : أحسنهم صورة. ( 4 : 361 ).

لأنّ حسن الصورة تدل علی حسن السیرة وجودة الأخلاق بحسب ما یظهر من علم القیافة والتجربة ، والتخلّف نادرا إنما هو بحسب العارض ومن جهته. ولا ینافی ذلک سوء الاعتقاد فإنّ ذلک من المرجّحات ولا مانع من أن یجتمع مع الکفر وغیره ، کما هو الحال فی غیره من المرجّحات

ص: 367


1- الفقیه 1 : 247 / 100 ، الوسائل 8 : 347 أبواب صلاة الجماعة ب 26 ح 2.
2- الکافی 3 : 375 / 4 ، الوسائل 8 : 325 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 1.
3- التهذیب 3 : 29 / 101 ، الاستبصار 1 : 423 / 1630 ، الوسائل 8 : 326 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 3.
4- علل الشرائع : 326 / 2 ، الوسائل 8 : 351 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 2.

الأخر ، فتأمّل.

قوله (1) : روایة معاویة بن میسرة. ( 4 : 367 ).

هذا لیس دلیلة ، لأنّه یقتضی کراهته أعمّ ممّا ذکره ، ولعله أیضا کذلک.

قوله : وروایة أبی بصیر. ( 4 : 368 ).

هذه الروایة صحیحة ، کما لا یخفی علی من تأمّل فی سندها.

قوله : وأطلق الأکثر. ( 4 : 369 ).

ویظهر من المعتبر ادعاء بعض الفقهاء الإجماع ، ولعله بناء علی المتعارف الغالب من کون المکلف متمکّنا من الاختتان ، فتأمّل.

قوله : إلاّ أن نقول باقتضاء الأمر بالشی ء النهی عن الضدّ الخاصّ. ( 4 : 370 ).

علی هذا القول أیضا لا تکون صلاته باطلة إلاّ إذا أوقعها فی سعة الوقت مع التمکّن من الاختتان ، أمّا مع حال عدم التمکّن فلا ، وکذا عند ضیق الوقت.

قوله : وفی الروایتین ضعف من حیث السند. ( 4 : 372 ).

روایة عباد بن صهیب صحیحة ، إذ لیس فی سندها من یتوقّف فیه إلاّ عباد وهو أیضا ثقة بنص النجاشی (2) ، ووافقه فی الإیضاح (3) ، والشیخ نقله فی مواضع متعدّدة ، نقله فی الفهرست والرجال متعدّدا مکرّرا (4) ، ولم

کراهة استنابة المسبوق
حکم إمامة الأجذم
کراهة إمامة الأغلف
حکم ائتمام المتطهر بالمتیمم
بحث رجالی حول عباد بن صهیب

ص: 368


1- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
2- رجال النجاشی : 293.
3- إیضاح الاشتباه : 232.
4- الفهرست : 120 ، رجال الشیخ : 131 ، 240.

یتعرّض لقدح فیه أصلا ، بل یظهر من الفهرست وعدّته کونه ثقة ، لأنّ فی الفهرست ذکر أنّ ابن أبی عمیر یروی عنه ، وفی العدّة ذکر أنّه لا یروی إلاّ عن الثقة (1) ، والکشی أیضا روی فیه ما یدل علی حسنه (2) ، نعم روی فیه ما یدل علی ذمّه (3) ولیس فیه ، بل هو فی عباد بن کثیر البصری ، فلما ذکر فیه عباد البصری توهّم کونه ابن صهیب ، لأنّه أیضا بصری ، والأوّل کان عدوّا للصادق علیه السلام مؤذیا له ، والثانی کان من خواصّه وخلّص أصحابه ، فوقع الاشتباه من العلاّمة (4).

وأمّا روایة السکونی فقد مرّ الکلام فیها مرارا (5).

هذا مع أنّهم یسامحون فی المستحبات والمکروهات ، ومرّ وجهه فی أوّل الکتاب (6).

مع أنّه ربما روی فی الکافی المنع بطریق صحیح عن الصادق علیه السلام (7) ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : فکانت مجزئة. ( 4 : 373 ).

إتمام هذا الدلیل یتوقّف علی ثبوت کبری کلّیة ، ولیست بثابتة ، ولا هی من المسلّمات. مع أنّها مخالفة لما یذکره مرارا من أنّ سقوط القراءة وإجزاء الصلاة التی قراءتها ساقطة إنّما یکون فی موضع ثبت من

أحکام صلاة الجماعة

حکم ما لو علم المأموم بعد الصلاة بأن الإمام ما کان واجداً للشرائط

ص: 369


1- عدة الأصول 1 : 386.
2- رجال الکشی 2 : 604.
3- رجال الکشی 2 : 689 ، 690.
4- انظر الخلاصة : 243.
5- منها فی ص 360.
6- فی ج 1 : 20 - 24.
7- انظر الکافی 3 : 375 / 2 ، الوسائل 8 : 328 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 7.

الشرع (1) ، وکذا ما یذکر من أنّ العبادات توقیفیة موقوفة علی النص.

هذا إذا کان مراده من المأمور به المأمور به بحسب مظنّة المکلف وعند ظنّه وفی اعتقاده.

وأمّا إذا أراد المأمور به فی الواقع فالصغری ممنوعة ، بل مصادرة ، فالأولی الاقتصار علی الأخبار المذکورة الصحیحة والحسنة ، سیّما مع تأیید الشهرة العظیمة لها وخلوّها عن المعارض المکافئ.

بل الأخبار الدالة علی عدم الإعادة فی غایة الکثرة ، فتأمّل.

قوله : تبیّن فسادها. ( 4 : 374 ).

لعل مراده من الفساد عدم مطابقتها للثابت من الشرع والمنقول منه ، وهو رحمه الله لا یعمل بأخبار الآحاد.

قوله : وبأنّها صلاة منهی عنها. ( 4 : 374 ).

لعله بالنظر إلی جاهل المسألة والمسامح فی موضع المسألة ، وإلاّ فلا معنی للنهی عنها ، ودلیل الفقیه ربما یکون أخصّ من المدعی إذا کان المدعی ثبت من دلیل آخر کلّه أو بعضه الذی یکون غیر ما ثبت من الأخصّ ، فتأمّل.

قوله : وکذا صلاة من إلی جانبیه. ( 4 : 376 ).

هذا مخالف لما ذکره المصنف ، ومخالف لما دل علیه الصحیحة المرویة عن زرارة عن الباقر علیه السلام ، وهی دلیل المصنف رحمه الله وقد مرّت (2) ، وذکرنا وجه الدلالة واشتباه الشارح وإمکان توجیه کلامه ، فلاحظ.

حکم من یقف إلی جانب المحراب

ص: 370


1- انظر المدارک 4 : 348 ، 350.
2- تقدّم فی ص 344 - 349.

قوله (1) : وقال الشیخ فی المبسوط. ( 4 : 377 ).

بل الظاهر منه فی غیر المبسوط أیضا ذلک ، بل الصدوق (2) أیضا ، لإیراده الأخبار الظاهرة فی عدم جواز الفعل لا الانفراد - کما ستعرف - ولم یوجّهها أصلا ، مع أنّه صنّف الفقیه لمن لا یحضره الفقیه فکیف لم یوجّهها ولم یورد فیه حکایة النقل المذکور أصلا ولم یشر إلیها مطلقا؟ مع أنّه لو کان مجوّزا ذلک لکان اللازم ذکر ذلک لمن لا یحضره الفقیه ، لابتلائه بما هو علاجه العدول المذکور ، فضلا أن یظهر خلاف ذلک وأنّ العلاج منحصر فی غیر العدول ، کما ستعرف.

ومن ذلک یظهر حال الکلینی أیضا ، بل الشهید فی الدروس (3) أیضا ما اعتبره أصلا ، کما لا یخفی علی الملاحظ المتأمّل فیه ، بل غیره أیضا لعله کذلک ، ولیس عندی نسخه ، بل ربما کان الظاهر من اللمعة وشرحه (4) أیضا ذلک ، فلیلاحظ.

قوله : وعلی الروایتین. ( 4 : 378 ).

الروایة الأولی لا دلالة لها علی محلّ النزاع بوجه ، وأمّا الثانیة فیمکن الاستدلال بها ، لأنّ المعصوم علیه السلام حکم بنفی البأس من دون استفسار بأنّ التسلیم قبل الإمام کان لعذر أم لا ، والظاهر من کلام الشارح رحمه الله أنّه سلّم هذا ، لکن قال بمنع التعدّی عن هذه الصورة.

ویرد علیه : أنّه قول ثالث وقول بالفصل ، فیثبت مطلوب المشهور

حکم مفارقة الإمام

ص: 371


1- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
2- الفقیه 1 : 257 / 1163 و 261 / 1191.
3- الدروس 1 : 221.
4- انظر الروضة 1 : 384.

بضمیمة عدم القول بالفصل ، ولعل نظر الشارح إلی ما سیذکره بعد أوراق من اتفاق القائلین بالوجوب والاستحباب علی جواز تسلیم المأموم قبل الإمام من غیر ضرورة أیضا (1) ، فإن تمّ فکلامه وجیه.

هذه ویمکن حمل الروایة علی أنّه سلّم قبل الإمام سهوا ، بل ورد هذه الروایة عن أبی المعزا بطریق آخر صحیح أیضا ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یکون خلف الإمام فیسهو فیسلّم قبل أن یسلّم الإمام ، قال : « لا بأس » (2) فظهر أنّه وقع فیها سهو فی الطریق الذی ذکره الشارح رحمه الله کما لا یخفی. وقصاری ما یکون أنّه وقع اضطراب یمنع من الوثوق فی مقام الاستدلال ، فتدبّر (3).

قوله ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَکُمْ ) . ( 4 : 378 ).

یعنی أنّ الجماعة أیضا عمل بلا تأمّل ، فإبطاله إبطال العمل ، وکثیرا ما یستدلون بهذه الآیة علی المنع عن إبطال العمل ، والظاهر أنّ للآیة إطلاق یرجع إلی العموم.

قوله : دلیل یعتدّ به. ( 4 : 378 ).

لکن هذا الدلیل یقتضی المنع عن الانفراد فی موضع یفوت القراءة ولا یمکن تدارکها ، لا قبل الدخول فی القراءة وبعده بحیث یمکن استدراک القراءة. إلاّ أن یتمسّک بعدم القول بالفصل ، فتأمّل.

قوله (4) : « لا صلاة لهم إلاّ بإمام ». ( 4 : 378 ).

ص: 372


1- المدارک 4 : 387.
2- التهذیب 2 : 349 / 1447 ، الوسائل 8 : 414 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 5.
3- لیس فی « أ » و « و ».
4- هذه التعلیقة وسبع بعدها لیست فی « ا ».

سیّما بملاحظة التتمّة ، وهی قوله علیه السلام : « فلیتقدّم بعضهم فلیتمّ بهم ما بقی منها وقد تمّت صلاتهم » فظهر منها أنّه متی ما تیسّر أن یتقدّمهم بعضهم ویتمّ بهم لا یجوز لهم العدول ولا تصح صلاتهم إلاّ بذلک.

وهذه الصحیحة [ رواها ] (1) الصدوق فی الفقیه والشیخ فی التهذیب ولم یوجّها أصلا ، فظهر أنّهما ما کانا یجوّزان العدول مطلقا ، بل رویا أخبارا کثیرة ظاهرة فی عدم جواز ذلک العدول ، لأنّهما رویا أخبارا کثیرة موافقة لمضمون هذه الصحیحة.

ورؤیا أیضا عن داود بن الحصین ، عن الصادق علیه السلام : أنّ المسافر لا یؤمّ الحضری ، فإن ابتلی بذلک سلّم بعد إتمام الرکعتین ، ثم أخذ بید بعضهم فقدّمه ، فأمّهم (2). وهذه أیضا ظاهرة فی انحصار العلاج حینئذ فی تقدیم من یتمّ بهم.

ورؤیا أیضا الأخبار الواردة فی أنّ من سبق الإمام من المأمومین یجب علیه أن یعود ویتابع الإمام (3) ، وهی أیضا کثیرة صحیحة ومعتبرة ، وذکرها الشارح فی مسألة وجوب متابعة المأموم للإمام ، والدلالة أیضا ظاهرة ، لجعل المعصوم علیه السلام العلاج منحصرا فی الرجوع والعود مع الإمام ، لا أنّه مخیّر بین ذلک وبین العدول المذکور ، وبالجملة : أمثال هذه الأخبار أورداها ولم یتعرّضا إلی توجیه أصلا.

ص: 373


1- بدل ما بین المعقوفین فی النسخ : وأمّا ، والظاهر ما أثبتناه.
2- الفقیه 1 : 259 / 1180 ، التهذیب 3 : 164 / 355 ، الاستبصار 1 : 426 / 1643 ، الوسائل 8 : 330 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 6.
3- الفقیه 1 : 258 / 1172 ، التهذیب 3 : 47 / 163 ، الوسائل 8 : 390 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 2.

وممّا ذکر ظهر حال الکلینی رحمه الله أیضا وأنّه موافق لهما (1) ، بل وکثیر من الفقهاء حیث ذکروا أمثال ما ذکرناه فتوی من دون توجیه أصلا ، ولا إظهار لجواز العدول المذکور ، مع أنّ المقام مقام لزوم الإظهار لو کانوا قائلین ، والله یعلم.

قوله : لعدم ثبوت التعبّد بذلک. ( 4 : 379 ).

ولما یظهر من أخبار متعدّدة أنّ من کان فی الصلاة فانعقدت الجماعة یتم صلاته رکعتین ویستأنف مع الإمام والجماعة صلاته ویجعل ما صلّی أوّلا تطوّعا ، منها : صحیحة سلیمان بن خالد (2) ، ومنها : موثقة سماعة (3) ، وسیجی ء عند قول المصنف : وان کانت فریضة نقل. دعوی الإجماع علی ذلک أیضا وأنّه مقطوع به فی کلام الأصحاب (4).

قوله : کان له الاقتداء فی التتمّة. ( 4 : 379 ).

لم نعلم دلیل حکمه بالجواز هنا من دون تردّد وتردّده فی جواز الاقتداء بإمام آخر أو منفرد. وإلحاقهما بمسألة ما لو مات الإمام فی الأثناء أو عرض له مانع فیه ما فیه.

قوله : وهو حسن. ( 4 : 381 ).

لا حسن فیه أصلا ، أمّا الأوّل فلأنّه لو تمّ لزم جواز القطع لکلّ ما هو أفضل من الأذان أیّ شی ء یکون ، مع أنّ قطع الفریضة من غیر ضرورة

جواز العدول من الفریضة إلی النافلة لإدراک الجماعة

ص: 374


1- الکافی 3 : 381.
2- الکافی 3 : 379 / 3 ، التهذیب 3 : 274 / 792 ، الوسائل 8 : 404 أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 1.
3- الکافی 3 : 380 / 7 ، التهذیب 3 : 51 / 177 ، الوسائل 8 : 405 أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 2.
4- المدارک 4 : 381.

حرام وفاقا ونصوصا ، کما حقّقنا ، إلاّ ما ورد من الأئمّة علیه السلام ، مثل القطع لتدارک الأذان والإقامة.

مع أنّه لما ثبت حرمة القطع وجاز العدول إلی النفل - کما مرّ - فلا وجه للقطع حینئذ. وأمّا الثانی فلأنّه من البدیهیات أنّ العدول غیر القطع ، ولا وجه للخفاء علی أحد ، والله یعلم.

قوله : لأنّ النهی فی الروایة الأولی. ( 4 : 383 ).

لا یخفی ما فیه ، لأنّ قوله علیه السلام : « لا یقرأ » نفی لا نهی ، کما هو ظاهر علی من تأمّل أدنی تأمّل ، مع أنّه بحسب الصورة یحتمل النفی کما یحتمل النهی من دون تفاوت ، ولا قرینة علی کونه نهیا إن سلّمنا عدم الظهور فی کونه نفیا ، فعلی هذا لم یثبت من الروایة ما یمنع بقاء الأمر علی حقیقته التی هی الوجوب ، والأصل بقاؤه علیها حتی یثبت المانع ، بل هذا الأصل أیضا یرجّح کونه نفیا لا نهیا.

ویرجّحه أیضا أنّه لو کان نهیا لکان مجازا من دون قرینة فی الحدیث ، والمجاز خلاف الأصل ، سیّما إذا لم یکن فی الحدیث ما یصلح للقرینة.

هذا کلّه بعد تسلیم عدم الظهور فی النفی ، ومثل هذا النفی باق علی حقیقته لا داعی أصلا إلی الحمل علی المجاز الذی هو النهی ، لأنّ مراد المعصوم علیه السلام أنّ فی الرکعتین الأخیرتین تکون القراءة منتفیة ، بل المقرّر التسبیح والتحمید والدعاء ، وإن شاء المکلف أن یقرأ فاتحة الکتاب لا مانع منه ، لأنّها تسبیح وتحمید ودعاء علی ما صرّحوا بذلک فی الأخبار

حکم من أدرک الإمام فی أثناء الصلاة

ص: 375

الأخر (1) ، وهذا الخبر موافق لها.

هذا کلّه علی تقدیر تسلیم ما ذکره بقوله : ومع اشتمال الروایة.

وفیه نظر ظاهر ، لأنّ الأصل الحقیقة حتی یثبت خلافها ، وقد مرّ الکلام فی ذلک فی أوّل الکتاب ، وأنّ ذلک خلاف طریقة الفقهاء ، وأنّه ربما یوجب ذلک سرایة الوهن فی جلّ أخبارنا لو لم نقل کلّها ، فلاحظ وتأمّل.

علی أنّ فی هذه الروایة ما یمنع عن الحمل علی الاستحباب ، مع قطع النظر عن کون الاستحباب معنی مجازیا للأمر ، وأنّه لا بدّ من ثبوت قرینة صارفة ، لأنّ قوله علیه السلام : « قرأ فی کل رکعة. » تفسیر وبیان لقوله علیه السلام : « جعل أوّل ما أدرک أوّل صلاته » ولا شکّ فی أنّه واجب ، وأنّه لا یجوز قلب الصلاة.

وممّا ذکرنا ظهر ما فی کلامه فی الروایة الثانیة ، فتدبّر.

مع أنّ قوله : قال : وسألته. کلام علی حدة وسؤال وجواب لا دخل لهما فی السابق فیبعد غایة البعد أن یسری السابق فی هذا ، وقوله علیه السلام : « فإنّهما لک الأوّلتان » تعلیل للأمر بالقراءة ، وکذا نهیه علیه السلام عن جعله أوّل صلاته آخرها ، فتأمّل.

قوله : وهو لا یدل صریحا. ( 4 : 383 ).

لا یخفی أنّ القراءة حقیقة فی التلفّظ ، وکونها فی النفس ظاهر فی أنّه لا یسمعها الإمام والمأمومین ، وهکذا أفتوا ، ولا وجه للتأمّل من جهة ما ذکره أصلا. وممّا یشیر إلی کون المراد القراءة الحقیقیة لا المجازیة صحیحة الحلبی ، والعلة المنصوصة وغیر ذلک ممّا ذکر فی الحاشیة السابقة.

ص: 376


1- الوسائل 6 : 107 أبواب القراءة فی الصلاة ب 42.

قوله (1) : وهی غیر صریحة فی وجوب الاستیناف. ( 4 : 385 ).

بل ولا ظاهرة لو لم نقل بظهورها فی عدم الاستیناف ، فتأمّل.

قوله : فی روایة محمد بن مسلم الصحیحة. ( 4 : 385 ).

فی هذه الروایة لا دلالة علی المنع ، لأنّه روی عن الباقر علیه السلام أنّه « لا یعتدّ بالرکعة التی لم یشهد تکبیرها مع الإمام » (2) نعم فی روایته عن الصادق علیه السلام روی النهی (3) ، ویمکن أن یکون المراد المنع عن الدخول علی وجه یعتدّ بالرکعة ، کما هو المتعارف جمعا بین روایتیه ، فتأمّل.

قوله : بل لعدم ثبوت التعبّد بذلک. ( 4 : 385 ).

ظاهر روایة معلّی مع الشهرة العظیمة یکفی للعبادة المستحبة.

قوله : وهی ضعیفة السند. ( 4 : 386 ).

إلاّ أنّها منجبرة بالشهرة وغیرها.

قوله : عن غایة ما یدرک به الجماعة. ( 4 : 387 ).

یمکن الفرق بین إدراک الجماعة وإدراک شی ء من الجماعة ، وروایة عمار محمولة علی الثانی ومنجبرة بالشهرة ، فتأمّل.

قوله : والظاهر أنّ الاقتصار علی الجلوس أولی. ( 4 : 387 ).

بعید ، بل الظاهر الإتیان بالسجود ، بل بالتشهّد أیضا متابعة للإمام ، لأنّه الظاهر من إدراک الصلاة مع الإمام ، فتأمّل.

ص: 377


1- هذه التعلیقة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».
2- التهذیب 3 : 43 / 150 ، الاستبصار 1 : 435 / 1677 ، الوسائل 8 : 381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 3.
3- الکافی 3 : 381 / 2 ، الوسائل 8 : 381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 4.

( مع أنّ أولویة الاقتصار علی الجلوس إن کانت من جهة عدم التصریح بالإتیان بالسجود والتشهّد ، ففیه : أنّ الجلوس أیضا کذلک ، فإن قال : إنّ مقتضی الظاهر من الإدراک الإتیان بما فعله الإمام ، قیل : فیلزم الإتیان بالکلّ ، فتأمّل جدّا ) (1).

قوله : فی الصحیح عن أبی المعزا. ( 4 : 387 ).

مرّ الکلام فی هذه الصحیحة من أنّ الظاهر وقوع سهو فیها (2) ، والثالثة صورة العذر ولا غبار علیه ، نعم الثانیة یصح الاستدلال بها بأنّ خصوصیة تطویل الإمام التشهّد وعروض الحاجة لا دخل لهما فی فتوی الفقهاء ، فتأمّل.

قوله (3) : مبنی علی تحریم المحاذاة. ( 4 : 388 ).

کون البناء علی ذلک محلّ تأمّل ، لأنّ هیئة الجماعة وظیفة شرعیة ، والظاهر من الأخبار تعیّن تأخیر النساء فیها ، فتأمّل.

قوله : عامی. ( 4 : 389 ).

إلاّ أنّ الشیخ فی العدّة ادعی إجماع الشیعة علی العمل بروایات أضرابه [ فی ما ] (4) لم ینکروا [ ه ] ولم یکن عندهم خلافه (5) ، وفی الفهرست أن کتابه [ معتمد ] (6). وفی رجال النجاشی أنّ کتابه یرویه

جواز تسلیم المأموم قبل الإمام
تحقیق رجالی حول طلحة بن زید

ص: 378


1- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
2- راجع ص 372.
3- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
4- بدل ما بین المعقوفین فی النسخ : و، والظاهر ما أثبتناه من المصدر.
5- عدّة الأصول 1 : 380.
6- الفهرست : 86 ، وما بین المعقوفین أثبتناه من المصدر.

جماعة (1). وابن مسکان ممّن أجمعت العصابة ( ویروی عنه صفوان فی الصحیح ، وهو أیضا ممّن أجمعت العصابة ) (2) فتأمّل.

قوله : ومع المطر لا یتأکّد استحباب التردّد إلی المساجد ... ( 4 : 392 ).

یظهر من صحیحة أبی عبیدة التی مضت فی مبحث أوقات الصلاة فی وقت صلاة العشاء أنّ الرسول صلی الله علیه و آله کان فی لیلة المطر والریح یصلّی فی المسجد (3) ، علی ما هو الظاهر. ویمکن أن یکون عریشه کان علی وجه لا یقطر السقف علی المصلّین ، کما نشاهد الآن بیوت القصب وغیرها ، فتأمّل.

قوله (4) : ویمکن حمل الوضوء فیها. ( 4 : 393 ).

لا وجه للحمل علی ما ذکره ، لما ثبت فی محلّه من ثبوت الحقیقة فی زمان الصادق علیه السلام ، سیّما فی مثل هذه الألفاظ ، وخصوصا بعد فتاوی الفقهاء الخبیرین الماهرین ، مع بعده عن دلالة هذا الحدیث ، کما لا یخفی.

قوله : علّله فی المعتبر. ( 4 : 394 ).

وعلّل تقدیم الیسری عند دخول الخلاء والیمنی عند الخروج عنه بأنّ الشیخ وجماعة من الأصحاب ذکروا ذلک ، ومتابعتهم حسن (5).

أقول : قد ورد النص فی استحباب تقدیم الیمنی دخولا فی المسجد ،

أحکام المساجد

استحباب اتخاذ المساجد غیر مسقفة

استحباب کون المیضاة علی أبوابها

آداب الدخول فی المسجد

ص: 379


1- رجال النجاشی : 207.
2- ما بین القوسین لیس فی « ج ».
3- التهذیب 2 : 35 / 109 ، الاستبصار 1 : 272 / 985 ، الوسائل 4 : 203 أبواب المواقیت ب 22 ح 3.
4- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
5- انظر المعتبر 1 : 134.

والیسری خروجا عنه ، رواه فی الکافی بسنده إلی یونس عنهم علیه السلام ، قال : قال : « الفضل فی دخول المسجد أن تبدأ برجلک الیمنی إذا دخلت ، وبرجلک الیسری إذا خرجت » (1).

قوله : والتعهّد أفصح من التعاهد. ( 4 : 395 ).

سمعت عن بعض مشایخی أنّ اختیار التعاهد علی التعهّد تشبیها للمتعاهد والنعل بالمتعاهدین من حیث إنّ المتعاهد یخلع نعله ویرفعه إلی حذاء وجهه للمشاهدة وملاحظة حاله ، فتأمّل.

قوله : فیکون إحداثه بدعة. ( 4 : 398 ).

فیه ما فیه ، لأنّ البدعة اللغویة لیست بحرام.

قوله : وهذه الروایة ضعیفة السند. ( 4 : 398 ).

فتصلح سندا للکراهة لا الحرمة أیضا. مع أنّ المتن أیضا لا یدل علی الحرمة دلالة واضحة.

قوله (2) : لا یعطی أزید من الکراهة. ( 4 : 398 ).

لم نجد فیه دلالة علی الکراهة أیضا.

قوله : إذا استلزم تنجیس المسجد. ( 4 : 399 ).

لما فی بعض الأخبار من جواز دخول الحائض المسجد مجتازة (3).

قوله : ولم أقف علی نص یتضمّن کراهة المحاریب. ( 4 : 401 ).

المتعارف جعل المحراب فی الجدار ، کما قیل ونشاهد الآن ، لکن

حکم زخرفة المساجد ونقشها بالصور

حرمة إدخال النجاسة إلیها إذا استلزم تنجیس المسجد

کراهة جعل المحاریب داخلة فی الحائط

ص: 380


1- الکافی 3 : 308 / 1 ، الوسائل 5 : 246 أبواب أحکام المساجد ب 40 ح 2.
2- هذه التعلیقة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».
3- الوسائل 2 : 213 أبواب الجنابة ب 17 ح 2.

لیس داخلا فی الجدار بحیث إذا قام الإمام فیه خفی علی الصفّ الأوّل إلاّ من کان بحیاله ، بل إمّا أنّها لیست بداخلة أصلا أو تکون بدخول قلیل ، فالمراد بالمحاریب الداخلة ما یکون بحیث إذا دخلها الإمام تصیر حائلة بینه وبین المأمومین إلاّ من کان بحیال الباب من قبیل المقاصیر التی أحدثها الجبّارون ، أو یکون نفس المقاصیر ، وهذا یناسبه الکسر ، لأنّه فی الحقیقة بیت ، ولذا قال علیه السلام : « کأنّها مذابح الیهود » لا أنّها مجرّد أثر فی الحائط أو دخول قلیل حتی لا یناسبه الکسر.

وما قیل من أنّ المراد من المذابح نفس المحاریب فی هذا الحدیث لما فی القاموس (1) ، بعید ، کما لا یخفی علی المتأمّل.

قوله : فی المساجد الموضوعة للطاعات. ( 4 : 401 ).

کونها موضوعة لکلّ طاعة محلّ تأمّل ، بل الوقوف علی حسب ما یوقفها أهلها ، وحکم أمیر المؤمنین علیه السلام مجرّد اتفاق ، ودکّة القضاء أیضا حصلت من قضاء اتفاقی ، کما نقل (2) ، والممنوع فی الروایة إنفاذ الأحکام ، وکذا فی فتوی الفقهاء ، وضعف السند منجبر بالشهرة ، مع أنّ المقام مقام التسامح فی الدلیل ، کما حقّق فی أوّل الکتاب. مع أنّه سیجی ء فی صحیحة ابن مسلم تعلیل المنع ببری النبل فیها بأنّها بنیت لغیر ذلک ، وتعریف الضوالّ أیضا طاعة ، وکذا البیع والشراء مطلقا أو فی بعض الوجوه ، وکذا الصنائع وغیرها ، فتأمّل. مع أنّ من إنفاذ الأحکام یحصل تشویش الخاطر للمصلّین غالبا ، فتأمّل.

قوله : لما رواه الکلینی فی الصحیح. ( 4 : 402 ).

کراهة انفاذ الأحکام وإنشاد الشعر فیها

ص: 381


1- القاموس 1 : 228 ، ملاذ الأخیار 5 : 477.
2- انظر کشف اللثام 1 : 201.

فی الصحیح عن موسی بن جعفر علیهماالسلام عن الشعر أیصلح أن ینشد فی المسجد؟ قال : « لا بأس » وعن الضالّة أیصلح أن تنشد فی المسجد؟ قال : « لا بأس » (1).

قوله : لا یوجب إعادة الصلاة. ( 4 : 405 ).

بل الأخبار الأوّلة ظاهرة فی عدم الإعادة وعدم المنع عن الصلاة أیضا ، فتأمّل.

قوله : ما رواه الشیخ عن غیاث بن إبراهیم. ( 4 : 405 ).

روی فی الصحیح : أنّ الجواد علیه السلام تفل فی ما بین الرکن الیمانی والحجر الأسود ولم یدفنه (2). وفی روایة : أنّ الباقر علیه السلام یصلّی فی المسجد فیبصق أمامه وعن یمینه وعن شماله وخلفه ولم یدفنه (3).

قوله : واستحباب ستره بالتراب. ( 4 : 405 ).

فی الصحیح : أنّ الباقر علیه السلام إذا وجد قملة فی المسجد دفنها فی التراب (4).

قوله : نقضهما. ( 4 : 406 ).

النقض بضم النون آلات بنائهما لا المصدر ، إذ لا وجه لنقضهما لجعلهما مسجدا ، مع أنّه خلاف ظاهر العبارة أیضا. فتأمّل.

قوله : وفعل النبی صلی الله علیه و آله وقع اتفاقا. ( 4 : 414 ).

حکم البصاق والتنخّم فیها

صلاة الخوف

کیفیة الجمع فی صلاة الخوف

ص: 382


1- التهذیب 3 : 249 / 683 ، قرب الاسناد : 289 / 1143 ، 1144 ، الوسائل 5 : 213 أبواب أحکام المساجد ب 14 ح 2.
2- الکافی 3 : 370 / 13 ، التهذیب 3 : 257 / 717 ، الوسائل 5 : 221 أبواب أحکام المساجد ب 19 ح 1.
3- التهذیب 3 : 257 / 718 ، الوسائل 5 : 221 أبواب أحکام المساجد ب 19 ح 3.
4- الکافی 3 : 367 / 4 ، الوسائل 7 : 275 أبواب قواطع الصلاة ب 20 ح 4.

لا یقال : إنّهم إن کانوا فی جهة القبلة یمکنهم الصلاة علی الاجتماع ، لأنّا نقول : یمکنهم الصلاة بالإیماء لا الرکوع والسجود ، نعم إن أمنوا من الرکوع والسجود أمکنهم الاجتماع ولو کان الخصم فی غیر جهة القبلة ولا یکون خوف ، فتأمّل.

قوله : لخائف العدوّ. ( 4 : 425 ).

لا یخفی أنّ مضمون صحیحة زرارة هو أنّ صلاة خائف اللّص والسبع واحدة بحسب الکیفیة والعدد ، ومع ذلک قال : « یصلّی صلاة المواقفة » (1) وصلاة الموافقة قصر.

وأیضا صحیحة زرارة التی استدل بها الشارح رحمه الله علی تحقّق القصر فی الخوف فی الحضر أیضا یدل علی أنّ مطلق الخوف یصیر سببا للقصر ، سیّما بملاحظة قوله علیه السلام : « وصلاة الخوف أحقّ من أن تقصر من صلاة السفر الذی لا خوف فیه » (2). هذا مع ادعاء المحقق إجماع علمائنا علی ذلک (3).

وصحیحة عبد الرحمن أیضا صریحة فی أنّ صلاة الزحف تکبیر وتهلیل ، واستشهد بقوله تعالی ( فَإِنْ خِفْتُمْ ) . (4) الآیة ، فلو کان الخوف یشمل ما نحن فیه فظاهرها أنّه یصلّی صلاة الزحف ، وهی مقصورة قطعا.

وفی غیر واحد من الأخبار أنّ صلاة خائف اللص والسبع بنحو

حکم الخائف من سیل أو سَبُع

ص: 383


1- الفقیه 1 : 295 / 1348 ، الوسائل 8 : 441 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 3 ح 8.
2- الفقیه 1 : 294 / 1342 ، التهذیب 3 : 302 / 921 ، الوسائل 8 : 433 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 1 ح 1.
3- المعتبر 2 : 461.
4- النساء : 101.

واحد (1). إلاّ أن یقال : إنّ الغالب کون الخوف من اللصّ والسبع فی السفر ، ( ولا یخلو من تأمّل ، سیّما وأن یکون السفر سفرا شرعیا ) (2) فتأمّل.

قوله : فالظاهر أنّه یقصر العدد أیضا. ( 4 : 426 ).

لعل هذا الحکم منه بناء علی کون هذا الخوف فردا من الخوف الذی یجب لأجله القصر.

قوله : سوی ما رواه ابن بابویه. ( 4 : 429 ).

لا یخفی أنّ ما رواه ابن بابویه رواه الکلینی أیضا ، وفیها ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع (3) ، فظهر أنّه وقع فی روایة الصدوق سقط ، مع أنّ القطع حاصل بفسادها ، لأنّ البریدین مسیرة یوم من بیاضه إلی بیاضه ، کما نطقت به الأخبار.

ویمکن الجمع بینه وبین ما ذکره القوم بحمل الذراع علی ما هو أطول ممّا ذکروه بقلیل بحیث یصیر ثلاثة آلاف وخمسمائة أربعة آلاف ، والمیل مثل سائر الموضوعات والألفاظ یرجع فیه إلی اللغة والعرف ، والروایتان ضعیفتان مع القطع بفساد الثانیة. فتأمّل.

قوله : جازما به. ( 4 : 430 ).

لیس کذلک بلا شبهة ، بل ذکره بعنوان کلمة « أو » بل وأخّره ، والنسبة إلی الشهرة بین الناس تنبیه علی مأخذ الحکم ، وهو من المسلّمات عنده وعند غیره من الفقهاء أنّهم یرجعون فی الموضوعات للأحکام وألفاظها إلی اللغة والعرف.

صلاة المسافر

شروط التقصیر

الأوّل : المسافة
اشارة

ص: 384


1- الوسائل 8 : 439 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 3.
2- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
3- الکافی 3 : 432 / 3 ، الوسائل 8 : 460 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 13.

قوله : فیحتمل قویا. ( 4 : 432 ).

لیس بشی ء ، بل الأولی اعتبار الاعتدال فیه أیضا ، لأنّ المراد من مسیرة یوم هو السیر أربعة وعشرین میلا ، کما نطقت به الأخبار وفتاوی الأخیار ، وهو المطابق للاعتبار ، إذ لا وجه فی تغیّر الحکم بتغیّر أمارة المقدار ، فتأمّل جدّا.

قوله : لا ریب فی الاکتفاء بالسیر. ( 4 : 432 ).

فیه تأمّل ظاهر ، إذ لا بدّ من مساواة السیر للمقدار واعتبار الموازنة ، کما نبّهنا علیه فی الحاشیة السابقة ، وإن احتمل الاکتفاء بالتقریب فی السیر ، بل هذا هو الأظهر ، کما سنشیر إلیه. فتأمّل.

قوله : مع ثبوت المسافة بالأذرع. ( 4 : 432 ).

لعل هذا التقیید منه بناء علی أنّه لا یعرف مسافة السیر إلاّ بفعلیة السیر ، وفیه ما فیه ، بل الظاهر أنّ المعرفة بالسیر أیضا یحصل بالسیر السابق ، ومعلوم أنّ الحکم هو ما ذکره مع ثبوت المسافة مطلقا.

قوله : إذا أراد الرجوع لیومه. ( 4 : 434 ).

الظاهر أنّ المراد نهاره وبیاضه ، وربما قیل بدخول اللیلة فیه (1) مدعیا التبادر ، وفیه ما فیه.

قوله : وإذا کان سفره أربعة فراسخ. ( 4 : 434 ).

فی الفقه الرضوی : « التقصیر واجب إذا کان السفر ثمانیة فراسخ ، فإن کان السفر بریدا واحدا وأردت أن ترجع من یومک قصّرت ، لأنّ ذهابک ومجیئک بریدان ، وإن عزمت علی المقام وکان سفرک بریدا واحدا ثمّ تجدّد

مقدار المیل
حکم ما لو کانت المسافة أربعة فراسخ وأراد الرجوع لیومه

ص: 385


1- انظر الذکری : 259 ، والروضة البهیة 1 : 370.

لک فیه الرجوع من یومک فلا تقصّر » إلی أن قال : « وإن سافرت إلی موضع مقداره أربعة فراسخ ولم ترد الرجوع من یومک فأنت بالخیار ، فإن شئت أتممت ، وإن شئت قصّرت ، وإن کان سفرک دون أربع فالتمام علیک واجب » (1).

وقال الصدوق فی أمالیه : من دین الإمامیة الإقرار بأنّ حدّ السفر الذی یجب فیه القصر فی الصلاة والإفطار فی الصوم ثمانیة فراسخ ، فإن کان سفر الرجل أربعة فراسخ ولم یرد الرجوع من یومه فهو بالخیار إن شاء أتمّ وإن شاء قصّر ، وإن أراد الرجوع من یومه فالتقصیر علیه واجب (2).

وسیجی ء فی روایة ابن مسلم الإشارة إلی اعتبار الرجوع لیومه (3).

ولما ذکرنا تری الفقهاء الفحول الذین هم أئمّة فی الفهم والفقه کانوا یفهمون من الرجوع کونه لیومه من دون تأمّل ولا تزلزل ولا اعتراض لأحدهم علی الآخر فی ذلک ، إلی أن بعد العهد وخفی منشؤ فهمهم فشرعوا فی الاعتراض علیهم مثل الشارح وأمثاله ممّن بعده عهده ، فظهر أنّ الأقوی مذهب هؤلاء الأعاظم ، وبه یتحقّق الجمع بین أخبار هذا الباب.

وقیل : الأقوی مذهب ابن أبی عقیل ، لحکایة توبیخ أهل عرفات فی عدم قصرهم (4) (5).

ص: 386


1- فقه الرضا علیه السلام : 159 ، المستدرک 6 : 527 ، 528 أبواب صلاة المسافر ب 1 ، 2 ح 3 ، 1.
2- أمالی الصدوق : 514.
3- تأتی فی ص : 391 - 392 ، المدارک 4 : 436.
4- الکافی 4 : 519 / 5 ، الفقیه 1 : 286 / 1302 ، التهذیب 3 : 210 / 507 ، الوسائل 8 : 463 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 1.
5- انظر الذخیرة : 406. والحدائق 11 : 326.

وفیه : أنّ ما ذکرناه هنا صریح فی خطأ ابن أبی عقیل. وأمّا توبیخ أهل عرفات فلعلّه لأنّهم لا یجعلون هذا القدر من المسافة مسافة للقصر أصلا ، ویحکمون بسبب هذا بوجوب الإتمام. وقولهم علیه السلام : « أیّ سفر أشدّ منه » لعله إقناعی وجدل ، کما هو دأبهم علیه السلام ، بأنّه ظاهر أنّ منشأ القصر التخفیف علی المسافر من شدّة تکون بهم غالبا ، فتأمّل.

وممّا یشهد علی بطلان مذهبه أنّه ورد فی بعض الأخبار القصر فی الأربعة التی لم ینضمّ إلی أربعة الإیاب ، وهو خبر عمران عن الجواد علیه السلام أنّه یقصّر فی طریقة إلی ضیعته ویتمّ فی الضیعة (1) ، والمسافة إلیها خمسة فراسخ ، فلاحظ وتأمّل.

مع أنّ المنقول من مذهبه لا شاهد له فی الأخبار. وتأویل کلامه بأنّ مراده من : ما دون عشرة ، عدم قصد الإقامة فی الأثناء ، وأنّه أحد القواطع الثلاث یعنی أنّه لا یقطع سفره بالوصول إلی الوطن أو البقاء متردّدا ثلاثین یوما ، بعید ، مع أنّه لا شاهد له ، فتأمّل جدّا.

قوله : ونحوه قال المفید. ( 4 : 434 ).

الظاهر من الکلینی رحمه الله تحتّم القصر إذا کان المسافة أربعة فراسخ مطلقا ، لأنّه لم یأت فی الکافی فی باب صلاة المسافر إلاّ بأحادیث الأربعة ، ولم یرو أحادیث الثمانیة ولم یعتن بشأنها مطلقا (2).

ویمکن أن یکون مراده : أدنی مسافة یتحقّق فیها القصر أربعة ، أعمّ من أن یکون القصر بعنوان الوجوب أو الجواز ، لما ذکرنا فی الحاشیة

ص: 387


1- التهذیب 3 : 210 / 509 ، الاستبصار 1 : 229 / 811 ، الوسائل 8 : 496 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 14.
2- الکافی 3 : 432.

السابقة ، ولأنّه لم ینسب إلیه أحد القول بالأربعة مطلقا علی سبیل الوجوب ، ولأنّه ترک بعض الحدیث فی بعض الأخبار وأتی بالبعض وهو أنّ المسافة أربعة ، والمتروک هو أنّه إذا رجع یصیر ثمانیة فراسخ (1) ، وأنّ الغالب الرجوع ، فتأمّل.

قوله : ثم قال : علی أنّ الذی. ( 4 : 434 ).

الظاهر من قوله : علی أنّ الذی نقول. ، کون هذا القول علاوة لما ذکره من التوجیه وتتمّة له ، کما هو رأیه فی النهایة ، والنهایة فتاویه علی طبق ما فی کتابیه کما لا یخفی علی المطلع ، فهو فی کتابه الحدیث أیضا موافق لشیخه المفید والصدوق. وکون التهذیب شرح کلام المفید قرینة أخری علی ما ذکرناه ، فما سیذکره الشارح من أنّ مذهبه التخییر فی الأربعة علی الإطلاق (2) ، فیه ما فیه.

ومن المؤیّدات لما ذکرناه کلام الصدوق فی أمالیه (3).

ومن المؤیّدات إنّه استشهد بروایة ابن مسلم وابن وهب وغیرهما مع کونها نصا فی أنّ المراد من البرید والأربعة هو الثمانیة بناء علی اعتبار الرجوع واعتباره ، ولم یتوجّه إلی توجیه هذه الروایات أصلا. وبالجملة : لا تأمل فی ما ذکرناه ، کما لا یخفی ( علی المتأمّل ) (4).

قوله : أنّ إطلاق الأمر. ( 4 : 436 ).

إن أراد أنّه لا یجوز ورود الإطلاق فی حدیث ویکون مقیّدا ما لم

ص: 388


1- لم نعثر علیه.
2- المدارک 4 : 437.
3- راجع ص 386.
4- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

یذکر فی ذلک الحدیث لفظ یدل علی القید ، فهو بدیهی الفساد ، لأنّ جلّ المطلقات - لو لم نقل کلّها - لیست کذلک ، بل یظهر القید من دلیل آخر : خبر ، أو آیة ، أو إجماع ، أو غیرها.

وإن أراد أنّه یکفی ورود القید فی دلیل آخر من خبر أو غیره ، ففیه : أنّ الصحاح المذکورة وغیرها ممّا سنذکره صریحة فی أنّ المطلقات مقیّدة بالرجوع ، مضافا إلی أنّ الغالب فی الأسفار الرجوع ، والمطلق ینصرف إلی الغالب ، کما صرّح به مرارا (1).

وإن أراد أنّ قید کون الرجوع من یومه لا یظهر من دلیل ، فهذا بعینه هو اعتراضه الثانی.

مع أنّک قد عرفت وجه التقیید بیومه ، وهو الإجماع المنقول عن الصدوق ، والإجماع المنقول حجّة ، کما حقّق فی محلّه ، والفقه الرضوی أیضا حجّة ، کما حقّقنا (2) ، سیّما إذا کان منجبرا بطریقة الإمامیة وعمل قدمائنا الفقهاء ، وإن شئت قلت : الإجماع المنقول ، وکذا منجبر بالإشعار فی صحیحة ابن مسلم وغیر ذلک ممّا أشرنا.

مع أنّ مجرّد الإشعار فی الصحیحة کاف للجمع ، لأنّه رفع التناقض عن أقوال المعصومین علیه السلام ، وهو أولی من الطرح عندهم ، والشارح رحمه الله ربما یکتفی بالجمع المجرّد عن الإشعار وغیره ، فتأمّل.

وبالجملة : الإشعار یصلح لتأیید جمع وترجیحه علی جمع آخر ، لأنّ فیه مظنّة ، فکیف إذا اجتمع مع الإجماع المنقول وعبارة الفقه الرضوی وغیر ذلک؟

ص: 389


1- المدارک 4 : 431.
2- انظر خاتمة مستدرک الوسائل 1 : 234.

مع أنّه قال فی شرحه لقول المصنف : الشرط الأوّل المسافة : إنّه لا فرق مع ثبوت المسافة بالأذرع بین قطعها فی یوم. (1) وهو ظاهر فی أنّ المسافة لو ثبتت بالسیر لا بدّ من قطعها فی یوم واحد ، ولا شکّ فی أنّ الوارد فی روایة ابن مسلم هو القطع بالسیر ، فتأمّل.

وإن أراد أنّ کثرة المطلقات مع قلّة المقیّد لا یجوز ، ففیه : أنّ المدار فی الفقه علی ذلک ، ألا تری أنّ الإطلاقات فی وجوب الجمعة کثیرة غایة الکثرة ، والتقییدات فیها فی الغالب بخبر أو خبرین؟ بل ربما لا یکون بخبر مثل عدالة إمامها ، فإنّها لا تثبت من خبر صحیح واضح الدلالة ، فتأمّل.

ویؤیّدهم أیضا موثقة عمار ( عن الصادق علیه السلام : عن الرجل یخرج فی حاجته فیسیر خمسة فراسخ أو ستّة فراسخ ، فیأتی قریة فینزل فیها ، ثم یخرج منها خمسة فراسخ أو ستّة لا یجوز ذلک ، ثم ینزل فی ذلک الموضع ، قال : « لا یکون مسافرا حتی یسیر من منزله أو قریته ثمانیة فراسخ ، فلیتمّ الصلاة » (2).

إذ فی غایة [ الظهور ] (3) أنّه من جهة الحاجة یسیر خمسة أو ستّة فراسخ. وحملها علی عدم إرادة الرجوع إلی وطنه أصلا والحیرة بالمرّة ، بعید جدّا ، وکذا علی قصد الإقامة ، فیکون المراد ممّا دل علی الرجوع وانضمامه حتی یصیر ثمانیة هو الرجوع لیومه أو لیلته ، والموثق حجّة سیّما إذا کان منجبرا بالشهرة.

ص: 390


1- المدارک 4 : 432.
2- التهذیب 4 : 225 / 661 ، الاستبصار 1 : 226 / 805 ، الوسائل 8 : 469 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 3.
3- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.

وفی التهذیب حمله علی الهائم بقرینة روایته الأخری عن الهائم (1).

وهو فاسد من وجوه :

الأول : أنّ روایته الأخری أمر فیها بالقصر بعد ثمانیة ، وفی هذه أمر بالإتمام بعد اثنی عشر.

الثانی : أنّ الضمیر فی قوله : « لا یکون » راجع إلی الرجل المذکور ، فمقتضی هذا أنّه یقصّر بعد ثمانیة فراسخ ، فکیف أمره بالإتمام بعد اثنی عشر فرسخا؟

وأیضا لو کان المراد هو الهائم لکان علیه السلام یقول : لا یکون مسافرا حتی یکون هذا السیر عن قصده ، إذا الأربعة المقصودة تکفی للقصر حتما أو تخییرا ، فضلا عن ستّة ، فضلا عن اثنی عشر ، هذا.

مع أنّ ترک الاستفصال عن کونه هائما أم لا یفید العموم ، فضلا عمّا عرفت من عدم إمکان کونه هائما ) (2).

قوله : لا یدل علیه اللفظ. ( 4 : 436 ).

فی الکشی فی ترجمة محمد بن مسلم بسنده إلی محمد بن حکیم وصاحب له أنّهما سألا من شریک - وهو قاض من قضاة العامّة - فی کم یجب التقصیر؟ فقال : ابن مسعود یقول کذا ، وفلان قال کذا ، فقالا : شرطنا علیک أن لا تحدّثنا إلاّ عن رسول الله صلی الله علیه و آله ، ثم سألاه : علی من تجب الجمعة؟ فقال أیضا : ما عندی فی هذا عن رسول الله صلی الله علیه و آله ، ثم قال لهما : لم تسألوا عن هذا إلاّ وعندکم علم منه فقالا : نعم أخبرنا محمد بن مسلم الثقفی عن محمد بن علی عن أبیه عن جدّه عن النبی صلی الله علیه و آله « أنّ التقصیر

ص: 391


1- التهذیب 4 : 225 / 662.
2- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

یجب فی بریدین ، وإذا اجتمع خمسة أحدهم الإمام فلهم أن یجمّعوا » (1) أخذناه من الکشی مختصرا.

قوله : بعید جدّا. ( 4 : 436 ).

لا یخفی فساد هذا الاعتراض ، لأنّ التأویل للجمع هو ارتکاب البعید ، وما ذکر لیس بذلک البعید ، وما قال من أنّه قبیح فیمتنع. أظهر فسادا وأقبح وأشدّ شناعة ، لأنّه سدّ لباب الجمع بین الأخبار والآیات ، ومداره کلّه ومدار کلّ الفقهاء علی الجمع ، والفقه مبتن علیه.

بل فی المقام یجمع هو أیضا بین الأخبار بحمل الأربعة مطلقا علی التخییر ، مع أنّه أبعد ، لأنّ صحیحة زرارة وصحیحة ابن وهب وصحیحة محمد بن مسلم کلّ واحد منها صریحة فی أنّ المراد من الأربعة ما یصیر ثمانیة ، وأنّه فرد من الثمانیة ، ولا شکّ فی أنّ القصر فی الثمانیة بعنوان الوجوب ، ألا تری أنّ ابن مسلم تعجّب من قوله : « برید »؟ لأنّه کان سمع أنّه بریدان ، علی ما یظهر من علم الرجال ، فأجاب علیه السلام أنّه أیضا ثمانیة ، ولم یقل : مرادی القصر علی سبیل الجواز.

ومضمون هذه الصحاح لیس منحصرا فیها ، بل ورد فی غیرها أیضا ، مثل ما رواه الکلینی عن إسحاق بن عمار ، عن أبی الحسن علیه السلام عن قوم خرجوا فی سفر فلمّا انتهوا إلی الموضع الذی یجب علیهم فیه التقصیر (2) ، إلی آخر الحدیث ، وزاد فی العلل فی آخره : « لأنّ التقصیر فی بریدین ولا یکون فی أقلّ من ذلک ، فإن کانوا ساروا بریدا وأرادوا أن ینصرفوا کانوا قد

ص: 392


1- رجال الکشی 1 : 389 / 279.
2- الکافی 3 : 433 / 5 ، الوسائل 8 : 466 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 10.

سافروا سفر التقصیر ، وإن کانوا ساروا أقلّ من ذلک لم یکن لهم إلاّ إتمام الصلاة » (1).

وقریب منها صحیحة أبی ولاد عن الصادق علیه السلام (2) ، وروایة المروزی عن الفقیه علیه السلام : « أنّ التقصیر فی الصلاة بریدان أو برید ذاهبا وبرید جائیا ، والبرید ستّة أمیال ، وهو فرسخان ، فالتقصیر فی أربعة فراسخ ، فإذا خرج من منزله یرید اثنی عشر میلا وذلک أربعة فراسخ ، ثم بلغ فرسخین ونیّته الرجوع أو فرسخین آخرین قصّر » (3). الحدیث ، وظاهر أنّ المراد الفرسخ الخراسانی وهو فرسخان ، لأنّ الراوی مروزی ، وربما نقل الحدیث بالمعنی لأهل المرو ، فتأمّل جدّا.

ویدل علی ذلک روایة إسحاق بن عمار التی سنذکرها فی حکم منتظر الرفقة (4) ، هذا.

مع أنّ ما اختاره من الجمع لا قائل به من القدماء بل والمتأخّرین ، ومجرّد التقویة من الذکری (5) لیس قولا به ، وکذا مثل روض الجنان (6) إن صحّ ، وأین هذا ممّا نقل عن أمالی الصدوق وتصریحات القدماء والمتأخّرین حتی الشهیدین (7)؟ فتأمّل.

ص: 393


1- علل الشرائع : 367 / 1 ، الوسائل 8 : 466 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 11.
2- التهذیب 3 : 298 / 909 ، الوسائل 8 : 469 أبواب صلاة المسافر ب 5 ح 1.
3- التهذیب 4 : 226 / 664 ، الاستبصار 1 : 227 / 808 ، الوسائل 8 : 457 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 4.
4- تأتی فی ص : 394 - 395.
5- الذکری : 257.
6- روض الجنان : 384.
7- انظر الروضة البهیة 1 : 369 ، البیان : 259 ، المسالک 1 : 48.

قوله : وثالثا. ( 4 : 437 ).

الظاهر أنّه یمکن توجیهه فی مقام الجمع بین الأخبار ، والتصریح لیس فی الخبر الصحیح ، ولیس الحجّة عند الشارح رحمه الله إلاّ الصحیحة ، فتأمّل ، مع أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله ما کان وطنه مکّة وبیته فیها باعه عقیل ، ورسول الله رفع یده عنه لذلک. مع أنّه سیجی ء عن الشارح أنّ المعتبر استیطان ستّة أشهر فی کلّ سنة (1) ، فتأمّل.

قوله (2) : ویدل علیه أیضا أنّ مقتضی الأصل. ( 4 : 438 ).

فیه أنّ الأصل فی المسافر القصر ، للعمومات ، إلاّ أنّ اشتراط الثمانیة أو الأربعة مع العود اقتضی کون الأقلّ یجب التمام فیه ، لأنّ المراد من الثمانیة لو کان سیرها کیف کان لما کان لذکر خصوص الأربعة والبرید وجه ، بل کان اللازم أن یقولوا : أقلّ مسافة القصر نصف فرسخ بل ثلثه ، بل أقلّ منه أیضا ، فتأمّل.

قوله : وإلاّ وجب علیه الإتمام. ( 4 : 441 ).

ویدل علی هذه الأحکام روایة إسحاق بن عمار عن الکاظم علیه السلام عن قوم خرجوا فی سفر ، فلمّا انتهوا إلی الموضع الذی یجب فیه التقصیر قصّروا ، فلمّا أن صاروا علی رأس فرسخین أو أربعة تخلّف عنهم من لا یستقیم سفرهم إلاّ بمجیئه - إلی أن قال علیه السلام - : « إن کانوا بلغوا أربعة فراسخ فلیقیموا علی تقصیرهم ، أقاموا أم انصرفوا ، وإن ساروا أقلّ من أربعة فلیتموا الصلاة ما أقاموا ، فإذا مضوا فلیقصّروا » ثم قال : « هل تدری کیف صار کذلک؟ » قلت : لا ، قال : « لأنّ التقصیر فی بریدین ، ولا یکون

حکم التردد فی ثلاثة فراسخ
الثانی : قصد المسافة
حکم منتظر الرفقة فی الطریق

ص: 394


1- المدارک 4 : 445.
2- هذه التعلیقة والتی بعدها لیست فی « أ ».

فی أقلّ من ذلک ، فلمّا ساروا بریدا وأرادوا أن ینصرفوا بریدا قد ساروا سفر التقصیر ، وإن ساروا أقلّ من ذلک لم یکن لهم إلاّ إتمام الصلاة » قلت : ألیس بلغوا الموضع الذی لا یسمعون فیه أذان مصرهم؟ قال : « بلی إنّما قصّروا فی ذلک الموضع ، لأنّهم لم یشکّوا فی مسیرهم ، فلمّا جاءت العلّة فی مقامهم دون البرید صار هکذا » (1) عجز هذه الروایة مذکور فی العلل ، وصدرها مذکور فیه ، وفی التهذیب (2) أیضا.

قوله : وفی الصحیح عن علی بن یقطین. ( 4 : 442 ).

اعترض علیه بأنّ غایة ما یثبت من الأخبار وجوب الإتمام فی موضع الإقامة ، وفی المنزل الذی یستوطنه ، لا أنّ الشرط أن لا یقطع السفر بأحد القواطع (3).

ویمکن الجواب بأنّ ما دل علی اشتراط المسافة للقصر ومقدار تلک المسافة المشترطة ظاهر فی کون المسافة المشترطة بأجمعها یقصّر فیها ، وأنّها لیست بحیث یقصّر فی بعضها ویتمّ فی بعضها ، فإذا حکم الشارع بوجوب الإتمام فی موضع لم تکن تلک المسافة هی المسافة المشترطة ، إلاّ أن یتحقّق بعد الموضع مسافة یقصّر فی جمیع أجزائها ، ویکون الحکم بحسب ظاهر الدلیل الشرعی التقصیر فی کلّ جزء جزء إلی آخرها ، فلاحظ الأخبار وتأمّل فیها.

مع أنّه ربما کان وطنه بحیث إذا دخل فیها خرج عن المسافر عرفا ،

الثالث : عدم قطع السفر بالوصول إلی الوطن
اشارة

ص: 395


1- المحاسن : 312 / 29 ، الکافی 3 : 433 / 5 ، علل الشرائع : 367 / 1 ، الوسائل 8 : 466 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 10.
2- لم نعثر علیها فیه.
3- انظر الذخیرة : 408.

بل الذی فی وطنه یصدق علیه عرفا أنّه غیر مسافر الآن. وصحیحة ابن یقطین وغیرها یشیر إلی ذلک ، فتأمّل. فیکون السفر بعد ذلک سفرا جدیدا وعلی حدة ، فتدبّر.

ولا یخفی أنّ حکم الثلاثین متردّدا حکم المذکورین.

ویدل أیضا علی ما ذکرنا صحیحة زرارة عن الصادق علیه السلام أنّه قال : « من قدم قبل الترویة بعشرة أیّام وجب علیه التمام ، وهو بمنزلة أهل مکّة » الحدیث (1).

وصحیحة صفوان عن إسحاق بن عمّار عن أبی الحسن علیه السلام عن أهل مکّة إذا زاروا علیهم إتمام الصلاة؟ قال : « نعم ، والمقیم إلی شهر بمنزلتهم » (2) وجه الدلالة عموم المنزلة من غیر تخصیص. فتأمّل.

وفی الموثق عن سماعة قال : قال : « من سافر قصّر الصلاة وأفطر إلاّ أن یکون مشیّعا لسلطان جائر أو خرج إلی صید أو إلی قریة له یکون مسیر یوم یبیت إلی أهله ، لا یقصّر ولا یفطر » (3) فتأمّل.

وأیضا إذا تعلّق بالمکلف الحکم بوجوب الإتمام حین الإقامة أو الکون فی الوطن أو ثلاثین یوما یکون الحکم مستصحبا حتی یثبت خلافه ، ولا یثبت إلاّ بالسفر بعد ذلک سفرا مستجمعا لشرائط القصر.

وأیضا الظاهر من صحیحة أبی ولاد (4) وجوب الإتمام علی ناوی الإقامة إلی أن یسافر السفر المستجمع ، کما ستعرف.

ص: 396


1- التهذیب 5 : 488 / 1742 ، الوسائل 8 : 501 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 10.
2- التهذیب 5 : 487 / 1741 ، الوسائل 8 : 501 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 11.
3- التهذیب 3 : 207 / 492 ، الاستبصار 1 : 222 / 786 ، الوسائل 8 : 477 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 4.
4- التهذیب 3 : 298 / 909 ، الوسائل 8 : 469 أبواب صلاة المسافر ب 5 ح 1.

وأیضا غیر واحد من الأخبار مطلق فی وجوب الإتمام بعد نیّة الإقامة ، وکذا الحال فی الوطن وبعد ثلاثین یوما ، فتأمّل جدّا.

قوله : والوطن الذی یتمّ فیه. ( 4 : 443 ).

لعل مراد المصنف من الوطن الوطن الذی أشار إلیه فی قوله : وفی طریق له ملک قد استوطنه ستة أشهر ، لما ستعرف فی الحاشیة الآتیة.

قوله : هو کل موضع. ( 4 : 443 ).

لا یخفی أنّ الأصل فی الصلاة هو الإتمام ( وأنّ وضعها علیه ، وأنّ القصر أمر یعرض ) (1) ، وأنّ القصر لا یجوز إلاّ لخوف أو سفر ، وبمجرّد السفر أیضا لا یجوز حتی یتحقّق شرائط ، وکون المکلف فی السفر هو ما إذا کان المکلّف خارجا عن وطنه ومنزله ومسکنه ، والکائن فی الوطن حاضر غیر مسافر ، ولا دخل للملک فی هذا المعنی ، ولیس کلّ من لا یکون له ملک مسافرا ، وإلاّ لزم أن یکون غالب الناس مسافرین فی جمیع أوقاتهم من یوم تولّدهم إلی أن یموتوا ، وهو بدیهی البطلان ، والمکلفون فی الأعصار والأمصار غالبهم لم یکن لهم ملک یستوطنون فیه ، کما هو ظاهر.

والفقهاء لیس لهم تعریف الحاضر وغیر المسافر (2) ومن هو فی بلده وفی بیته وداره وأهله ، لأنّ ذلک من أظهر البدیهیات ، بل لمّا وجدوا باعتقادهم مسافرا یجب علیه التمام بسبب وصوله إلی منزل استوطنه ستّة أشهر فی وقت من الأوقات عند بعضهم ، أو فی کلّ سنة عند آخر ، ورأوا أنّ الأئمّة علیه السلام أمروا فی بعض الأخبار بالإتمام فی الملک وأنّه معتبر فی

بیان المراد من الوطن الذی یتمّ فیه

ص: 397


1- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».
2- فی « أ » و « و » : الحاضر.

الإتمام أحیانا ، ولذا اعتبر بعضهم خصوص الملک وأکثرهم الملک مع الاستیطان المذکور دعاهم ذلک إلی التعرّض لحال هذا المسافر والموضع الذی یتمّ فیه.

فالمراد - والله یعلم - : الوطن الذی یقطع السفر ، علی ما هو مقتضی الأخبار التی هی مستند هذا الحکم ، إذا لا تدل علی أنّ الوطن الذی یتمّون فیه منحصر فی ذلک ، بل تدل علی أنّ ذلک الوطن یقطع به السفر ، کما لا یخفی علی المتدبّر.

مع أنّ مقتضی الأخبار الصحاح الکثیرة کون المعتبر الوطن واستیطان المنزل سواء کان ملکا أو لا ، إذ غیر مأخوذ فی معنی المنزل قید الملکیة.

لا لغة ولا عرفا ، بل بینهما عموم من وجه بلا شبهة ، والحکم معلّق علی الاستیطان ، والإتمام دائر معه بمقتضی الصحاح الکثیرة.

وما فی بعض الأخبار من الأمر بالإتمام فی الملک (1) من دون اعتبار الاستیطان محمول علی التقیّة ، لکونه مذهب مالک (2). وقال خالی العلاّمة المجلسی رحمه الله : هو قول جماعة من العامّة ، ونقل أهل السنّة عن ابن عباس والشافعی (3). انتهی.

ولا یخفی علی من تأمّل الصحاح الکثیرة أنّ مراد الأئمّة علیه السلام فیها ردّ هذا القول.

مع أنّ هذا القول مخالف لظاهر الآیة أیضا ، وکذا العمومات المتواترة الدالة علی أنّ فرض المسافر القصر ، والصحاح الکثیرة موافقة للاعتبار أیضا

هل یعتبر الملک فی الوطن

ص: 398


1- الوسائل 8 : 496 ، 497 أبواب صلاة المسافر ب 14 الأحادیث 14 ، 15 ، 17 ، 18.
2- انظر المغنی لابن قدامة 2 : 135.
3- بحار الأنوار 86 : 36.

من جهة أنّ من دخل وطنه لا یکون مسافرا حین کونه فیه ، واعتبار الستّة أشهر فی کلّ سنة شاهد علی أنّ أقصر ما یتحقّق به الوطن أن یستوطن ستّة أشهر فی کلّ سنة ، وبما ذکرنا صرّح بعض المحققین بل غیر واحد منهم (1).

ومع ذلک لا یقاوم ما دل علی الإتمام فی الملک تلک الصحاح الکثیرة من حیث السند أیضا ، وکذا من حیث الدلالة ، لإمکان حملها علی تحقّق الاستیطان ، وإن کان بعیدا ، لأنّ الظاهر لا یقاوم الصریح ، وکذا من جهة الکثرة والشهرة فی الفتوی.

ومع جمیع ذلک لا یدل علی اشتراط الملکیة ، بحیث إنّه لو لم یکن ملکا لا یجوز الإتمام فیه ، وهو ظاهر علی الملاحظ المتأمّل ، سیّما بعد الاطلاع علی ما ذکرناه هنا وفیما سیأتی من الحواشی.

علی أنّه لو فرض أن یکون ورد فی بعض الأخبار اشتراط الملکیة فی المنزل والوطن الذی یتمّ فیه فلا بدّ من الطرح أو التأویل والتوجیه ، لما عرفت من القطع بعدم الاشتراط ، مع أنّه لم یرد خبر فی الاشتراط ، فتدبّر.

قوله : ویدل علیه. ( 4 : 443 ).

لا یخفی أنّ الراوی لمّا سمع التمام فی الضیعة والملک من فقهاء أهل السنّة وسمع أیضا الأخبار عن الأئمّة علیه السلام فی ذلک ووقع له ریبة من جهة أنّه ربما یکون تقیّة أو غیر ذلک سأل الإمام علیه السلام عن ذلک ، فأجاب بأنّه لیس الأمر کذلک ، بل لا بدّ من القصر ، کما هو الحال فی غیر الضیعة ( إلاّ أن ینوی الإقامة ، کما هو الحال فی غیر الضیعة ، أو یکون له منزل یستوطنه

ص: 399


1- منهم المحقق السبزواری فی الذخیرة : 408 ، والکفایة : 34 ، والمجلسی فی البحار 86 : 37.

ستّة أشهر ، کما هو الحال فی غیر الضیعة ) (1) أیضا.

والحاصل : أنّ الإمام علیه السلام صرّح بعدم الفرق بین الضیعة وغیرها فی وجوب القصر إلاّ فی صورتین ، وأنّ الصورتین أیضا لیستا من خصائص الضیعة ، فهذه الصحیحة لا دلالة فیها علی اشتراط الملک مع الاستیطان لا مطابقة ولا تضمّنا ولا التزاما ، لما عرفت ، ولما عرفت أیضا أنّ المنزل أعمّ من وجه من الملک قطعا ، و [ لما ] عرفت أیضا من تشریک قصد الإقامة مع المنزل الذی یستوطنه ، وأنّهما لیستا من خصائص الضیعة ، بل المعصوم علیه السلام أظهر ذلک للتنبیه علی عدم الفرق بین الضیعة وغیرها ، وأیضا قصد الإقامة لا یشترط فیه الملک فکذا الاستیطان بحکم السیاق والتشریک ، فتأمّل.

قوله : وبهذا المعنی صرّح. ( 4 : 444 ).

قد عرفت أنّ المراد استیطان ستّة أشهر فی کل سنة حتی یتحقّق الوطن ( الحقیقی العرفی ، أی أقلّ ما یتحقّق به الوطن ) (2) وما فی صحیحة [ حماد بن ] عثمان : « إنّما هو المنزل الذی توطّنه » لعله بصیغة المضارع بحذف إحدی التائین ، أو المضارع من باب الإفعال ، جمعا بین الأخبار والاعتبار ، بل لعل الماضی لا یصیر مناسبا ، أو غیره أنسب ، لعدم المناسبة للحصر.

مع أنّ الظاهر أنّه لم یجئ بحسب اللغة « توطّن » من باب التفعّل بمعنی : اتّخذ وطنا ، کما یظهر من القاموس ، بل جاء بمعنی : مهّد (3) ، وأمّا بالمعنی المذکور فقد جاء باب الاستفعال والإفعال والتفعیل.

فی معنی الاستیطان

ص: 400


1- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».
2- ما بین القوسین لیس فی « ج » و « د ».
3- القاموس 4 : 278.

مع أنّ الغرض فی المقام عدم الاکتفاء بالمنزلیة حتی یتحقّق الوطنیة ، لا أنّ مجرّد استیطان ستّة أشهر فی ما مضی یکفی ولو کان مرّة واحدة والآن یکون معرضا عن توطّنه ، إذا لا دلالة للحدیث علی هذا الوجه.

وممّا ذکر ظهر الکلام فی روایة علی بن یقطین عن الکاظم علیه السلام : عن الدار یکون للرجل بمصر أو الضیعة فیمرّ بها ، قال : « إن کان ممّا قد سکنه أتمّ فیه الصلاة ، وإن کان ممّا لم یسکنه فلیقصّر » (1). مع أنّ علی بن یقطین نقل الحدیث فی طریق آخر بلفظ : « یستوطنه » موضع : « سکنه » (2) فظهر أنّ المراد واحد ، والله یعلم.

قوله : وألحق العلاّمة. ( 4 : 445 ).

قد عرفت أنّ هذا داخل فی الأخبار ، وأنّه وطن حقیقة قطعا بلا شبهة ، لا أنّه ملحق بالوطن ، ویشیر إلی ذلک أیضا الأخبار الواردة فی حدّ الترخّص من اعتبار البیت والبلد والأهل وما ماثل ذلک من دون اعتبار ملک أصلا (3) ، وکذا الأخبار الواردة فی من سافر بعد دخول الوقت وهو فی منزله أو بیته أو بلده ، ولم یصلّ حتی یخرج ، وعکس هذه المسألة (4) ، إلی غیر ذلک مثل ما ورد فی علّة القصر وغیر ذلک ، ویؤیّد أیضا ما ورد فی الأخبار من أنّ الأعراب لا یقصّرون ، لأنّ منازلهم معهم ، وأنّ الملاّحین والأعراب لیس علیهم تقصیر ، لأنّ بیوتهم معهم (5) ، فتأمّل جدّا.

ص: 401


1- التهذیب 3 : 212 / 518 ، الاستبصار 1 : 230 / 819 ، الوسائل 8 : 494 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 9.
2- التهذیب 3 : 213 / 519 ، الوسائل 8 : 494 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 10.
3- الوسائل 8 : 470 أبواب صلاة المسافر ب 6.
4- الوسائل 8 : 512 أبواب صلاة المسافر ب 21.
5- الوسائل 8 : 484 أبواب صلاة المسافر ب 11.

قوله : لأنّ الاستیطان علی هذا الوجه. ( 4 : 445 ).

فیه نظر ، لأنّ المعتبر فی الوطن العرفی هو فعلیة الاستیطان بحیث یصدق عرفا أنّه حاضر فی وطنه وفی بیته وفی أهله وأمثال ذلک ، فإذا أعرض عن هذا الوطن وهجره وجعل بلدا آخر وطنه وبیته وفیه أهله ثمّ سافر منه وصل إلی الوطن السابق فلا شکّ فی أنّه الآن مسافر وغیر حاضر ولیس فی بیته وعند أهله ، فیجب علیه القصر بلا شکّ ولا شبهة.

بخلاف الوطن الشرعی علی فرض أن یکون حقا ، فإنّه لا یعتبر فیه الاستیطان بالفعل جزما ، إذا لو کان المعتبر هو فعلیة الاستیطان علی حسب ما ذکرنا فلا شکّ فی أنّه علی هذا یصیر اعتبار الملکیة غلطا جزما ، والملکیة لغوا محضا ، إذ غیر المسافر صلاته تامّة ، وصومه واجب أداء ، إلی غیر ذلک من أحکام الحاضرین ، فأیّ فائدة فی الملکیة؟.

فلا بدّ من أن تکون الفائدة منحصرة فی صورة الإعراض عن استیطانه وعدم کونه وطنا بالفعل ، وحیث عرفت عدم اشتراط الملک وأنّ المعتبر هو الوطن عرفت أنّ الاستیطان الشرعی والعرفی یکونان واحدا ، وإذا اعتبر استیطان ستّة أشهر سنة واحدة کما هو المشهور وإن کان بعدها معرضا فلاعتبار الملکیة وجه حتی یتحقّق الشرعی الذی یکون مغایرا.

وأمّا إذا اعتبر استیطان ستّة أشهر فی کلّ سنة کما اختاره الشارح رحمه الله وهو المستفاد من الدلیل کما عرفت ، فلعله لم یبق حاجة إلی اشتراط الملک حینئذ ، لأنّ الإنسان کما یکون بعضهم متوطّنا فی بلد واحد یکون بعضهم متوطّنا فی بلدین عرفا بأن یکون له أهل وزوجة فی بلدة وأهل وزوجة فی بلدة أخری ، یتوطّن ویسکن فی عرض السنة تارة مع إحداهما وتارة مع الأخری ، فالوطنان معا وطنه عرفا ، والبیتان معا بیته ، والأهلان معا أهله ،

ص: 402

فلذا قال المعصوم علیه السلام : إذا استوطنه ستّة أشهر فی کلّ سنة یکفی فی کونه وطنا.

وهذا أیضا وجه آخر لعدم اشتراط الملکیة ( مضافا إلی الوجوه التی ذکرناها فی الحواشی السابقة ، ولم یظهر من الصدوق أنّه اشتراط الملک ) (1) بوجه من الوجوه. نعم لو قلنا بأنّ الوطن العرفی لا یتحقّق باستیطان ستّة أشهر ، بل لا بدّ من دوام الاستیطان فی السنة فلاعتبار الملک وجه.

ویمکن أن یکون مراد الشهید والشارح أنّ أقلّ ما یتحقّق به الاستیطان العرفی ستّة أشهر کأقلّ ما یتحقّق به الشرعی ، وإن لم یکن بینهما تفاوت فی الحکم أصلا سوی اشتراط الملکیة لأجل تحقّق الشرعیة ، والثمرة بین [ العرفی و ] (2) الشرعی تتحقّق فی النذر والعهد والیمین وأمثالها لا فی حکم القصر والإتمام ، فتأمّل فیه.

قوله (3) : فی روض الجنان. ( 4 : 446 ).

قد مرّ الکلام فی بحث صلاة الجمعة فی حرمة السفر بعد زوال الشمس (4).

قوله : وهو جیّد. ( 4 : 448 ).

ربما یتوجه علیه أنّه جعل فیما سبق مجرّد وجوب الإتمام قاطعا للسفر ، إذ ما علّل لقطع السفر بنیّة الإقامة أو الوصول إلی المنزل إلاّ بأنّ المعصوم علیه السلام حکم بوجوب الإتمام فیهما (5) ، فتأمّل.

الرابع : أن یکون السفر سائغاً
اشتراط استدامة إباحة السفر

ص: 403


1- ما بین القوسین لیس فی « د ».
2- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.
3- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
4- راجع ص 220 - 221.
5- انظر المدارک 4 : 441.

وفی الفقه الرضوی : « ولو أنّ مسافرا یجب علیه القصر مال من طریقه إلی الصید لوجب علیه التمام لطلب الصید ، فإن رجع بصیده إلی الطریق فعلیه فی رجوعه التقصیر » (1) ومثله روایة السیّاری عن العسکری علیه السلام (2).

قوله (3) : ما رواه الشیخ فی الصحیح. ( 4 : 448 ).

نقل ابن المفلح فی شرحه علی الشرائع الإجماع علی قصر الصوم والخلاف فی قصر الصلاة ، والعمومات أیضا تقتضی قصر الصوم ، وأمّا قصر الصلاة وإن کان کذلک لو لم یرد ما دل علی المنع من القصر فیها ، وورد روایة عمران بن محمد القمی المتضمّنة لمنع القصر فیها حیث قال علیه السلام : « إن کان صیده لقوته وقوت عیاله یقصّر الصلاة ، وإن کان لطلب الفضول فلا ولا کرامة » (4) ، وظاهر أنّ المتبادر من [ طلب الفضول ] (5) طلب زیادة المال ، والروایة منجبرة بالفتاوی ، لأنّ الظاهر أنّها مستند فتاویهم للقصر فی صید القوت ، کما لا یخفی علی المتأمّل ، والصدوق رواها فی الفقیه مفتیا بها (6).

وفی الفقه الرضوی : « وإذا کان صیده للتجارة فعلیه الإتمام فی الصلاة والتقصیر فی الصوم ، وإن کان صیده اضطرارا لیعود علی عیاله فعلیه التقصیر فی الصلاة والصوم » (7) وقال قبل ذلک : « وإذا کان صیده بطرا

حکم الخروج للصید

ص: 404


1- فقه الرضا علیه السلام : 162 ، المستدرک 6 : 548 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 1.
2- التهذیب 3 : 218 / 543 ، الاستبصار 1 : 237 / 846 ، الوسائل 8 : 480 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 6.
3- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
4- الکافی 3 : 438 / 10 ، الفقیه 1 : 288 / 1312 ، التهذیب 3 : 217 / 538 ، الاستبصار 1 : 236 / 845 ، الوسائل 8 : 480 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 5 ، بتفاوت یسیر.
5- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.
6- الفقیه 1 : 288.
7- فقه الرضا علیه السلام : 162 ، المستدرک 6 : 533 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 2 ، بتفاوت یسیر.

وتنزّها فعلیه التمام » (1).

قوله : وجب اعتبار صدق هذا الاسم. ( 4 : 451 ).

اعتباره لا یخلو عن الإشکال ، لما ستعرف ، مع أنّ الإطلاق منصرف إلی الأفراد الشائعة المتعارفة ، وقلّما نجد مکاریا لمّا یسافر بعد ، أو یکون السفر أوّل سفره أو ثانیه.

مع أنّ صحیحة محمد بن جزک التی سنذکرها تدل علی اعتبار الخروج مع الدابّة فی الأسفار (2) ، ولا یکفی إطلاق اسم المکاری علیه ، فتأمّل.

قوله : کیف کان. ( 4 : 451 ).

لیس کذلک ، فإنّ صحیحة هشام قیّد فیها المکاری والجمّال بالذی یختلف ولیس له مقام (3) ، ومثلها روایة السندی بن ربیع (4) ، والمراد مقام عشرة أیّام أو ما هو أعمّ ، خرج الأقلّ منه وبقی الباقی.

مع أنّ الأقلّ لا یعدّ مقاما فی المقام ، للقطع بأنّ لهم مقاما ، بل الغالب الشائع أنّهم یقیمون ستة أشهر أو سبعة أو ما قاربهما ، مع أنّ أخبارهم ربما یفسّر بعضها بعضا ، ویظهر من صحیحة ابن سنان (5) ومرسلة یونس أنّه مقام عشرة (6) ، وکذا من اتفاق الأصحاب ، فتأمّل.

الخامس : أن لا یکون سفره أکثر من حضره
الضابط فی کثرة السفر

ص: 405


1- فقه الرضا علیه السلام 162 ، بتفاوت یسیر.
2- تأتی فی ص : 410.
3- الکافی 4 : 128 / 1 ، التهذیب 4 : 218 / 634 ، الوسائل 8 : 484 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 1.
4- التهذیب 4 : 218 / 636 ، الوسائل 8 : 487 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 10.
5- الفقیه 1 : 281 / 1278 ، الوسائل 8 : 489 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 5.
6- التهذیب 4 : 219 / 639 ، الاستبصار 1 : 234 / 837 ، الوسائل 8 : 488 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 1.

وأیضا الباقر علیه السلام فی صحیحة زرارة قال : « قد یجب علیهم التمام » (1) فلعله إشارة إلی هذا الشرط.

وربما یؤیّده قوله علیه السلام : « لأنّ السفر عملهم » لأنّ ظاهره دوام السفر واستمراره ، ولا أقلّ من أکثریته بحیث یکون الحضر فی جنبه مضمحلاّ وبمنزلة العدم.

ویؤیّده أیضا روایة السکونی (2) ، لما فیها من لفظ « یدور » الظاهر فی الاستمرار ، ولعله لذا فهم الأصحاب کثرة السفر أو أکثریته ، فتأمّل.

ویمکن أن یکون ما ورد فی بعض الأخبار من أنّ المکاری یجب علیه التقصیر أیضا (3) إشارة إلی ذلک ، جمعا بینه وبین ما دل علی وجوب الإتمام ، وشاهد الجمع الأخبار الظاهرة فی التفصیل وفتاوی الأصحاب ، کما أشرنا. هذا حال الأخبار.

وأمّا فتاوی الأصحاب فظاهر أنّ المراد بعد حصول الشرط ، نعم فی صحیحة ابن مسلم : « لیس علی الملاّحین فی سفینتهم تقصیر ولا علی المکاری والجمّال » (4) لکن تقیید هذا الحدیث الواحد بقید واحد من جهة ما ذکرنا لیس ببعید وإن فرضنا أنّ المکاری قلّما لا یقیم فی بلده أو البلد الذی یذهب إلیه عشرة أیّام (5) ، مع أنّه أیضا غیر ظاهر بحیث یتحقّق فی

ص: 406


1- الکافی 3 : 436 / 1 ، الفقیه 1 : 281 / 1276 ، التهذیب 3 : 215 / 526 ، الاستبصار 1 : 232 / 828 ، الوسائل 8 : 485 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 2.
2- الفقیه 1 : 282 / 1282 ، التهذیب 3 : 214 / 524 ، الاستبصار 1 : 232 / 826 ، الوسائل 8 : 486 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 9.
3- الوسائل 8 : 490 أبواب صلاة المسافر ب 13.
4- الکافی 3 : 437 / 2 ، الفقیه 1 : 281 / 1277 ، الوسائل 8 : 485 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 4.
5- لیس فی « أ » و « ب » و « و ».

التقیید استبعاد سیّما فی زمان صدور الأخبار ، لعدم علمنا بکیفیة الحال ، فتأمّل.

قوله : باشتمالها علی ما لا یقول به الأصحاب. ( 4 : 452 ).

یمکن حمل الأقلّ علی أنّ المراد منه الأقلّ من العشر ، بقرینة کانت فی صدر الکلام ذهبت من تقطیع الحدیث ، فإنّ أحادیثنا منقطعة بعضها عن بعض ، إذا فی الأصول کانت متصلة غالبا وجُلاّ ، وربما وجدنا أنّ الشیخ رحمه الله روی عن الکافی بعض حدیثه بأن قطعه وأتی بما هو المناسب للباب وترک غیره فحصل التفاوت فی معناه والتغیّر فی حکمه ، وما ذکر هو السبب فی تقطیع الأصحاب أحادیث الأصول. وهذا هو السبب الأعظم فی حصول الاختلاف فی الأخبار ، مثل اختلاف المطلق والمقیّد ، والخاص والعام ، وأمثالهما ممّا یکون أحد جزئیة مبیّنا للآخر ، لأنّ تأخیر البیان عن وقت الحاجة قبیح ومحال عن الحکیم قطعا ووفاقا ، وجلّ الأخبار المحتاجة إلی البیان فی غایة الظهور والوضوح کون الوقت فیها وقت الحاجة ، وأنّ المبیّن رواه راو آخر عن معصوم آخر ، أو عن ذلک المعصوم لکن أحد الروایتین (1) فی بلد والآخر فی بلد آخر ، إلی غیر ذلک ممّا یمنع أو یبعّد کون الخبر الآخر بیانا واردا قبل حضور وقت العمل.

والقرینة علی الحمل الذی ذکرناه اتفاق الأصحاب علی عدم القول به ، وکثیرا ما یوجّه الخبر بسبب اتفاق الأصحاب ، سیّما بعد ملاحظة ما ستعرف من ظهور اتحاد الأخبار الثلاثة عن یونس (2) ، ووقوع تشویش واضطراب فی ضبطه.

ص: 407


1- فی « ب » و « ج » و « د » : الراویین.
2- الوسائل 8 : 488 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 1 ، 5 ، 6.

وبمثل ما ذکر نجیب عن الطعن المتقدّم أیضا بأنّ المراد من کلمة ( واو ) معنی کلمة ( أو ) کما صرّح به فی مرسلة یونس ، فتأمّل.

وربما یشیر إلی هذا الحمل جعل مقام عشرة أیّام فی مقابل خمسة أیّام ، فکیف یجعل خمسة وما دونها فی مقابل خصوص العشرة وما فوقها من دون تعرّض لذکر ما فوق الخمسة إلی العشرة؟ فجعل العشرة وما فوقها فی مقابل الخمسة وأقلّ مشیر إلی أنّ المراد أقلّ من العشرة التی سیذکر وسیجعل فی مقابلها ، فتأمّل.

علی أنّه لو لم یرض بهذا الحمل نقول : اتفاق الأصحاب دلیل علی کون هذا اللفظ زیادة وقعت فی الروایة ، ولا محذور فی ذلک.

قوله (1) : وألحق المصنف فی النافع. ( 4 : 453 ).

ربما کان فی هذا الکتاب أیضا رأیه کذلک بأنّ قوله : بلد ، باق لا بالإضافة إلی الضمیر ، فتأمّل.

قوله : إسماعیل بن مرار. ( 4 : 453 ).

إسماعیل هذا مقبول الحدیث عند القمیین ، وهذا شاهد علی وثاقته ، لما یظهر من أحوال القمیین ، فإنّهم کانوا یخرجون من قم من کان یروی عن المجهول وأمثاله ، ورجال یونس بحسب الظاهر الجماعة الذین کان یعتمد علیهم ، والظاهر أنّه عبد الله بن سنان ، وأنّ الروایة واحدة حصل التفاوت من جهة النقل بالمعنی وتفاوت الضبط فی الأصول ، فربما [ کانت ] حکایة الخمسة اشتباها من بعض الرواة ، أو کانت لمصلحة خاصّة.

مع أنّ خروج بعض الروایة عن الحجّیة لا یقتضی خروج الکل عنها ،

إسماعیل بن مرار ثقة
خروج بعض الروایة عن الحجّیة لا یقتضی خروج الکل عنها

ص: 408


1- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».

سیّما إذا کانت منجبرة بالشهرة العظیمة لو لم نقل بالإجماع.

وبالجملة : الحجیّة دائرة مع حصول الظنّ ، فإذا حصل الظنّ فلا یضرّ عدم موافقة بعضها للواقع ، لما ذکرنا ، ولأنّه لذلک ترک فی هذه الروایة لمّا ظهر علی راویها ، فتأمّل. وصرّح بعض المحققین بوحدة الروایات الثلاث.

قوله : غیر دالة ... ( 4 : 455 ).

لکن مشیرة إلی ما ذکر ، فهو أقرب المحامل بعد اعتبار وجود القائل ، وإلاّ فما ذکره الشارح.

قوله : وهو قریب ... ( 4 : 456 ).

نفس الحکم قریب لا توجیه الروایتین ، ویدل علی نفس الحکم ما رواه الفقیه والشیخ فی الصحیح عن ابن المغیرة ، عن السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه علیهماالسلام : « سبعة لا یقصّرون الصلاة : الجابی الذی یدور فی جبایته ، والأمیر الذی یدور فی إمارته ، والتاجر الذی یدور فی تجارته من سوق إلی سوق ، والراعی ، والبدوی الذی یطلب مواضع القطر ومنبت الشجر ، والرجل الذی یطلب الصید یرید به لهو الدنیا ، والمحارب الذی یقطع السبیل » (1) فإنّ الظاهر منه أنّهم فی هذه الأسفار یتمّون ، وابن المغیرة ممّن أجمعت العصابة ، مع أن السکونی ثقة کما حقّقت فی موضعه (2).

والصحیحة الدالة علی أنّهم یتمّون لأنّه عملهم (3) أیضا ظاهرة فی أنّ الإتمام فی ما هو عملهم. وما دل علی أنّ الأعراب یتمّون لأنّ بیوتهم

حکم ما لو أقام کثیر السفر خمسة أیّام فی بلده

ص: 409


1- الفقیه 1 : 282 / 1282 ، التهذیب 3 : 214 / 524 ، الاستبصار 1 : 232 / 826 ، الوسائل 8 : 486 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 9.
2- تعلیقات الوحید علی منهج المقال : 55.
3- الکافی 3 : 436 / 1 ، الفقیه 1 : 281 / 1276 ، التهذیب 3 : 215 / 526 ، الاستبصار 1 : 232 / 828 ، الوسائل 8 : 485 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 2.

معهم (1) أیضا کالصریح فی أنّهم إذا سافروا عن بیوتهم لیسوا کذلک.

ویؤیّده الأخبار الدالة علی أنّ السفر الباطل یتمّ المکلّف فیه ، والحقّ یقصّر فیه (2) ، فتأمّل.

وکذا ما رواه المحمدون الثلاثة فی الصحیح عن محمد بن جزک ، قال : کتبت إلی أبی الحسن الثالث علیه السلام : أنّ لی جمالا ولی قوّاما علیها ، ولست أخرج فیها إلاّ فی طریق مکّة لرغبتی فی الحج أو فی الندرة إلی بعض المواضع ، فما یجب علیّ إذا أنا خرجت معهم أن أعمل؟ أیجب علیّ التقصیر أو التمام؟ فوقّع علیه السلام : « إذا کنت لا تلزمها ولا تخرج معها فی کلّ سفر إلاّ إلی طریق مکة فعلیک تقصیر وإفطار » (3) إذ ربما یظهر منها أنّ السفر لا بدّ أن یکون من الأسفار التی یخرج فی کلّ منها ، فتأمّل.

وورد أخبار متعدّدة فی أنّ المکارین علیهم التقصیر (4) ، وحملت علی ما إذا سافروا إلی غیر ما یختلفون فیه (5).

قوله : ما اختاره المصنف من الاکتفاء. ( 4 : 457 ).

لا یخفی أنّ اختلاف الحکم باعتبار الأمرین مستبعد بحسب الواقع وخلاف ظاهر الحدیثین ، إذ کیف یجوز وجوب القصر إن اعتبر خفاء الأذان ، والإتمام إن اعتبر خفاء الجدران أو بالعکس؟

مع أنّ الظاهر من کلّ واحد من الخبرین لزوم التمام قبل الوصول إلی

السادس : تواری جدران البلد أو خفاء أذانه
اشارة

ص: 410


1- الوسائل 8 : 485 ، 486 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 5 ، 6.
2- الوسائل 8 : 476 أبواب صلاة المسافر ب 8.
3- الکافی 3 : 438 / 11 ، الفقیه 1 : 282 / 1280 ، التهذیب 3 : 216 / 534 ، الاستبصار 1 : 234 / 835 ، الوسائل 8 : 489 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 4.
4- الوسائل 8 : 490 أبواب صلاة المسافر ب 13.
5- انظر الوافی 7 : 170.

الحدّ المذکور فیه ولزوم القصر بعده ، فإذا کان مسافة کلّ واحد من الأمرین واحدا والمقصود منهما شیئا واحدا وامتدادا واحدا فلا معنی لما ذکره من الاکتفاء فی جواز التقصیر ، فإنّ کلّ واحد من الأمرین أمارة علی أمر واحد وشی ء معیّن متحد ، فالأظهر أنّ المراد منهما شی ء واحد ومقدار واحد إن اعتبر خفاء الأذان وإن اعتبر خفاء الجدران لا یکون فرق بینهما.

نعم لمّا لم یکن المفهوم من کلّ واحد واحد من الخبرین ذلک الأمر الواحد والشی ء المعیّن اعتبر ضمّهما معا لیحصل ذلک الواحد وإن کان المراد من کلّ واحد منهما وسطه الذی لیس بالإفراط ولا التفریط ، فإنّ الوسط أیضا لا یفید ذلک الواحد والمعیّن ما لم یعتبر ضمّهما معا ، فتأمّل.

ولو فرض حصول ذلک الواحد من کل واحد علی حدة لا یحتاج إلی الضمّ ، ومعلوم أنّ الأمر لیس کذلک ، بل الضمّ أضبط وأدل علیه ، ومع ذلک أیضا لا یکاد یضبط ویتشخّص ، إلاّ أنّ المکلّف عند شکّه فی وصوله إلی حدّ الترخّص یتمّ ، لأنّ الإتمام مستصحب حتی یثبت خلافه ، فتأمّل.

( ویمکن أن یکون مراد الأکثر أنّ الأمارتین لا تفاوت بینهما أصلا فبأیّهما یعمل یکفی ولا حاجة إلی ضمّ الأخری ، لأنّ المتضمّن والمنفرد مفادهما واحد ، ولهذا اکتفی المعصوم علیه السلام بواحدة منهما للراوی ، ولا یعلم من الخارج تفاوت حتی یحتاج إلی التوجیه ، والاحتیاط فی أمثال المقام مما لا ینبغی أن یترک. وذکرنا فی حکم منتظر الرفقة روایة إسحاق بن عمار (1) الدالة علی اعتبار حدّ الترخص وأنّه خفاء الأذان ) (2).

قوله : ومقتضی الروایة اعتبار التواری من البیوت. ( 4 : 457 ).

هل الشرط خفاء أحدهما أو هما معاً

ص: 411


1- الکافی 3 : 433 / 5 ، الوسائل 8 : 466 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 10.
2- ما بین القوسین لیس فی « ا ».

هذا هو الحق ، فیکفی تواری الإنسان الذی عند البیوت عن المسافر. ویمکن حمل الجدران فی کلامهم علی الجدران الذی یکون بمقدار إنسان ، إذ ربما لا یکون عند البیوت إنسان ، أو یکون لکن یشتبه علی المسافر بواسطة الجدران ، لکنه بعید ، فتأمّل.

ویمکن (1) أن یقال : إنّ باب التفاعل مأخوذ فیه التفاعل من الطرفین وإن کان أحدهما فاعلا کباب المفاعلة ، فإنّه مأخوذ فیه المفاعلة من الطرفین ، فإذا کان التفاعل من الطرفین [ فالعبرة تکون بخفاء ] (2) البیوت علیه ، لأنّه هو الذی یدرکه ، أمّا خفاء نفسه علی البیوت فلا یدرکه فکیف یجعله المعیار؟ والتخمین غیر معلوم اعتباره ، لأنّه خلاف الأصل وخلاف ظاهر الأخبار ، فتأمّل.

نعم یمکن أن یعرف تواریه منهم بأن لا یری من کان عند البیوت ، فإنّه أیضا لا یراه ، لاتحاد حالهما فی رؤیة الآخر ، لکن من أین یدری أنّ هناک أحد لکن لا یراه؟ إلاّ بضرب من التخمین. ومع هذا معلوم أنّ العبرة إنّما هی فی المبیت والمنزل لا أهله ، ومع ذلک لمّ الحکم وسرّه ، وهو أنّه إذا خفی عن أهل البیوت فقد غاب عنهم ولم یکن حاضرا ، والقصر إنّما هو علی المسافرین لا الحاضرین.

وممّا ذکر ظهر أنّ اعتبار حدّ الترخّص إنّما هو بالنسبة إلی من سافر من وطنه ، لا من هو مسافر مثل الهائم الذی قصد المسافة فی السفر ، والعاصی الذی زال عصیانه فی أثناء السفر. وأمّا ناوی الإقامة والمتردّد فی محلّ ثلاثین یوما فیمکن أن یکون حکمهما حکم المتوطّن ، بعموم

المعتبر فی التواری : تواری الانسان الذی عند البیوت عن المسافر

ص: 412


1- من هنا إلی نهایة التعلیقة لیس فی « ا ».
2- بدل ما بین المعقوفین فی النسخ : فالغیر یکون بحذاء ، والظاهر ما أثبتناه.

المنزلة ، کما عرفت.

قوله : ویمکن قویا الاکتفاء بالتواری فی المنخفضة کیف کان لإطلاق الخبر. ( 4 : 458 ).

بعید ، لأنّ الإطلاق ینصرف إلی الأفراد الغالبة الشائعة ، علی ما هو مسلّم ومبیّن ، ومع ذلک سماع الأذان أیضا مطلق ، فالحکم فی الرجوع فیه إلی الأذان المتوسّط دون التواری تحکّم بحت ، ومع ذلک الاکتفاء فی المنخفضة کیف کان دون العالیة تحکم آخر ، فتأمّل.

قوله : وإنّما لم یکتف المصنّف هنا بأحد الأمرین. ( 4 : 458 ).

قد عرفت أنّ المراد من کلّ منهما شی ء واحد ، ولذا لم یفرّقوا بینهما فی العود وإن لم یکن دلیل علی الآخر ، بل کون المصنف ما ذکره الشارح غیر معلوم ، لأنّه بحسب الظاهر قول فصل ، ولأنّ قوله : وکذا فی عوده ، یشیر إلی أنّ حکمه حکم الذهاب ، وإلاّ کان یقول : وفی عوده ، حتی یحصل التنبیه ، فإنّ الأصحاب لم یفرقوا ، وکیف کان قد عرفت أنّه لا فرق بینهما.

قوله : فیکون بمنزلة من دخل منزله. ( 4 : 459 ).

یؤیّده أنّه ورد فی غیر واحد من الأخبار أنّ المسافر یقصّر إذا خرج من بیته (1) ، وأنّ المتداول المتعارف الشائع عندنا أیضا کذلک ، بل نقول : یقصّر إلی أن یرجع إلی بیته ، وأمثال هذه العبارة ، مع أنّه عندنا أنّه فی العود أیضا یقصّر إلی أن یصل إلی حدّ الترخص.

یعتبر هذا الشرط فی العود من السفر أیضاً

ص: 413


1- الوسائل 8 : 475 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 5.

وممّا یؤیّد أیضا بل یدل علیه أنّه إذا کان فی بلده لا یقال عرفا ولا لغة : إنّه مسافر ، بل یقال : إنّه حاضر ، وإنّه فی وطنه ، وإنّه رجع عن سفره ، أو إنّه یذهب إلی السفر ، أو یرید أن یذهب إلیه ، وأمثال ذلک ، وقد عرفت أنّ شرط القصر أن یکون مسافرا بالإجماع والکتاب والأخبار المتواترة ، وأنّ الحاضر یجب علیه الإتمام بالأدلة المذکورة. بل ربما یکون فی أطراف بلده المتصلة به أو القریبة إلیه [ و ] لا نقول : إنّه الآن فی السفر ، علی حسب ما ذکرنا بأنّه رجع عن السفر أو یرید أن یذهب ، بل ربما فی حدّ الترخّص أیضا یشکل القول عرفا : إنّه الآن فی السفر ، بل یقال : إنّه رجع عنه ، أو یرید أن یذهب إلیه ، فتأمّل.

وممّا یؤیّد أیضا بل یدل أنّه لو کان المراد الدخول إلی بیته علی حسب الحقیقة اللغویة أو العرفیة أنّه إذا رجع من سفره ودخل بلده ودخل بیتا فی جنب بیته أو فی دهلیز بیته بقی فیهما مدّة أو یکون متردّدا فی اختیار بیت من بیوت بلده أنّه یکون فی هذه الصورة وهذه المدّة مسافرا أو یجب علیه القصر ، وفیه ما فیه.

فإن قلت : جمیع ما ذکرت تامّ بالنسبة إلی صحیحة العیص ، فأمّا بالقیاس إلی موثقة إسحاق فلا ، بل حمله علی ما ذکر فی غایة البعد.

قلت : الموثقة لا تقاوم الصحیحة ، سیّما الصحیحة التی هی المفتی بها عند معظم الفقهاء ، بل کاد أن یکون عند کلّهم ، مع شدّة قوّة دلالتها. ومع ذلک تعارضها أیضا صحیحة زرارة عن الصادق علیه السلام قال : « من قدم مکّة قبل الترویة بعشرة أیّام وجب علیه إتمام الصلاة » إلی أن قال : « فإذا زار

ص: 414

البیت أتمّ الصلاة وعلیه إتمام الصلاة إذا رجع إلی منی حتی ینفر » (1).

وممّا ذکر ظهر ما فی الحسن : « إنّ أهل مکّة إذا زاروا البیت ودخلوا منازلهم أتمّوا ، وإن لم یدخلوا منازلهم قصّروا » (2). مع أنّا نقول : إنّ الکوفة کانت فی غایة الوسعة وبیوتها متشتّتة کانوا قبائل من العرب وطوائف کثیرة.

وأمّا ما فی الحسنة فیمکن أن یکون المراد من قوله علیه السلام : « ودخلوا منازلهم » عطف تفسیر لقوله : « زاروا » تنبیها له علی علّة الإتمام ، فتأمّل. هذا.

مع أنّ الإتمام فی مکّة ولو کان مسافرا أولی عند الشارح رحمه الله وغیره ممّن وافق المشهور فی ما ذکر ، فتأمّل.

قوله (3) : ولو قیل بالتخییر. ( 4 : 459 ).

هذا القول ممّا لم یقل به أحد ، والشارح رحمه الله ربما یطعن علی من یقول بالجدید (4) ، ومع ذلک خلاف المستفاد من جمیع أخبار هذا الباب ، ومع ذلک لا وجه له ، لأنّه فرع التکافؤ فی الأخبار ولیس بمتحقّق کما عرفت ، فتأمّل.

قوله (5) : ولو نوی الإقامة. ( 4 : 459 ).

قصد الإقامة هنا أعمّ من أن یکون له قصد ونیة أم لا ، بل یحصل له الیقین والقطع بمقامه فیه بحیث لا یحتمل عنده خلافه أصلا سواء کان له قصد وإرادة بالمقام أم لا ، ویحصل أیضا بأن یکون له قصد وعزم وإرادة

فی بیان نیّة الإقامة

ص: 415


1- التهذیب 5 : 488 / 1742 ، الوسائل 8 : 464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 3.
2- الکافی 4 : 518 / 1 ، الوسائل 8 : 464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 7.
3- هذه التعلیقة لیست فی « ج » و « د » و « ب ».
4- انظر المدارک 4 : 452.
5- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».

بالمقام هناک ، سواء کان له الیقین والقطع بالمقام هناک أم لم یکن بل یکون عنده وفی نظره أنّه یقیم وإن احتمل احتمالا بعیدا أن یبدو له ویرجع عن عزمه بسبب حوادث لم یکن نظره إلیها بل نفسه الآن مطمئنّة بعدمها ، وربما لا یکون حین القصد والعزم احتمال الخلاف ملحوظ نظره ، ولذا عزمه علی المقام ، فلا ینافی ذلک وقوع البداء له وحصول الندامة عن قصده الإقامة ، وإن لم یکن أمر تضرّه (1) الإقامة وبسببه یضطرّ إلی الرجوع ، بل یکون أولی فی نظره أن لا یقیم وهکذا یعجبه ، فضلا عن حصول الأمور الاضطراریة.

وإن لم یکن له إرادة المقام ولا یجزم أیضا بالمقام لا یکون قصد الإقامة وإن حصل له المظنّة بالإقامة.

قوله : فلا یقدح فیها الخروج إلی بعض البساتین والمزارع المتصلة بالبلد. ( 4 : 460 ).

لا یخفی أنّ الشهیدین اعتبرا التوالی بحیث لا یخرج فی ظرف العشرة إلی خارج موضع الإقامة أصلا ورأسا إلاّ إلی حدّ الترخّص ، لأنّه إذا سافر یتمّ إلی الحدّ ، فمع عدم السفر یتمّ بطریق أولی ، وأنّه ربما یظهر من هذا أنّه داخل فی موضع الإقامة وجزء منه شرعا ، وهذا مبنی علی ما ذکر من أنّه إذا سافر یتمّ إلی الحدّ ، وسیجی ء الکلام.

وأمّا الشارح فقد وافقهما فی اعتبار التوالی علی حسب ما ذکرنا أنّه جعل موضع الإقامة موکولا إلی العرف فأدخل فیه بعض البساتین والمزارع المتصلة.

والسید السند الأستاد (2) اعتبر الإقامة العرفیة مطلقا من غیر اعتبار

قول السید صدر الدین فی المقام

ص: 416


1- فی « ب » و « ج » و « و » : نظره.
2- هو السیّد الأجلّ صدر الدین محمد بن محمد باقر الرضوی القمی الهمدانی الغروی ، المتوفّی فی عشر الستین بعد المائة والألف ، کان من أعاظم محقّقی عهد الفترة بین الباقرین : المجلسی والبهبهانی ، من مصنّفاته شرحه المفصّل علی وافیة مولانا عبد الله التونی فی أصول الفقه. انظر روضات الجنات 4 : 2. أعیان الشیعة 7 : 386 ، فوائد الرضویة : 213.

التوالی المذکور ، بل اکتفی بالتوالی العرفی ، فلا یضرّ عنده لو خرج من موضع الإقامة إلی خارج عنه ورجع إلی موضع الإقامة بحیث یقال عرفا : إنّه مقیم فی موضع الإقامة ، من جهة أنّ رحله فیه ومقرّه ومنامه وأمثال ذلک فیه ، وخروجه إلی الخارج بقدر قلیل زمانا أو مسافة.

والحاصل : أنّه أحال إلی العرف مطلقا ، وهذا هو الصواب بعد تحقّق الصدق الحقیقی العرفی ، لعدم اصطلاح من الشرع فیکون الحوالة إلی العرف کما هو الحال فی سائر ألفاظ الآیة والحدیث ، ووافقنا علی ذلک المحقق الأردبیلی وغیره (1) بعد الشهید الثانی ، ویمکن توجیه کلام الشارح رحمه الله إلی هذا ، وإن کان الظاهر منه ما ذکرناه. ومن الفقهاء من اکتفی فی قصد الإقامة عدم السفر إلی المسافة المعتبرة شرعا (2).

وروی زرارة فی الصحیح عن الصادق علیه السلام أنّه قال : « من قدم مکّة قبل الترویة بعشرة أیّام وجب علیه إتمام الصلاة وهو بمنزلة أهل مکّة ». الحدیث (3).

حکم علیه السلام بوجوب الإتمام مطلقا سواء خرج من مکّة أم لا ، فلو کان عدم الخروج شرطا لذکره ولما حکم بالإتمام مطلقا ، وأیضا جعله بمنزلة

ص: 417


1- انظر مجمع الفائدة والبرهان 3 : 409 ، والکفایة : 33.
2- حکاه الشهید فی نتائج الأفکار عن فخر المحققین ( رسائل الشهید الثانی ) : 191.
3- التهذیب 5 : 488 / 1742 ، الوسائل 8 : 464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 3 وفیهما عن الباقر علیه السلام .

أهلها ، وعموم المنزلة یقتضی أن یکون حاله حال أهل مکّة.

ثمّ قال علیه السلام : « فإذا خرج إلی منی وجب علیه التقصیر ، وإذا زار البیت أتمّ الصلاة ، وعلیه إتمام الصلاة إذا رجع إلی منی حتی ینصرف » وهذا یدل علی أنّ سفر عرفات موجب للقصر ، ومع ذلک لا یبطل قصد الإقامة ، ویکون حال قاصد الإقامة حال المتوطّن کما ذکر أوّلا ، ولذا أوجب علیه الإتمام فی الرجوع إلی منی حتی ینصرف.

وعدم هدم سفر عرفات للإقامة لعله لکون هذا السفر لیس مسافة القصر علی سبیل الوجوب العینی ، کما اخترناه ، وعلی تقدیر أن تکون هذه المسافة أیضا هادمة للإقامة و (1) یکون القصر فیها علی الوجوب العینی فلا بدّ من تقدیر نیّة الإقامة فی الرجوع أیضا ، فتأمّل.

وفی الصحیح عن علی بن مهزیار عن الحضینی أنّه استأمر الجواد علیه السلام فی الإتمام والتقصیر فی مکة فقال علیه السلام : « إذا دخلت الحرمین فانو المقام عشرة أیّام وأتمّ الصلاة » قلت : إنّی أقدم مکّة قبل الترویة بیوم أو یومین أو ثلاثة ، قال : « انو مقام عشرة أیّام وأتمّ الصلاة » (2). وهذا بظاهره یدل علی أنّ سفر عرفات لا ینافی قصد الإقامة ، أمّا علی المشهور فلا محذور ، لأنّه لیس مسافة القصر وأمّا علی ما اخترناه فلأنه لیس مسافة القصر بعنوان العزیمة ، أو یوجّه بأنّک إن أردت الإتمام فلا یصح إلاّ بنیّة الإقامة ، فتأمّل.

ولا یخفی أنّ هذا کلّه فی حال قصد الإقامة بأنّه کیف یقصدها ، وأمّا

ص: 418


1- فی « أ » و « و » : أو.
2- التهذیب 5 : 427 / 1484 ، الاستبصار 2 : 332 / 1180 ، الوسائل 8 : 528 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 15.

إذا قصد الإقامة بالنحو المعتبر وصلّی فریضة بتمام ثمّ خرج من موضع الإقامة مع قصد الرجوع أو مع عدم القصد أو قصد العدم أو مع قصد إقامة جدیدة أو مع عدم قصد فکیف یصلّی؟ فسیجی ء حکمه مفصّلا.

قوله (1) : قد عرفت أنّ نیة الإقامة تقطع السفر. ( 4 : 461 ).

أشرنا إلی دلیل ذلک عند قول المصنف رحمه الله : الشرط الثالث.

قوله : رجل یرید السفر. ( 4 : 461 ).

یمکن ان یقال : إذا کان إرادة السفر تشمل ما نحن فیه فیجوز أن یکون القدوم من السفر أیضا شاملا ، ومقتضی صحیحة ابن سنان (2) أنّ القادم من السفر یقصّر إلی حدّ الترخّص ، وإذا قال : إنّ ظاهرها القدوم إلی الوطن فیمکن المناقشة أیضا فی شمول إرادة السفر للمقام ، فتأمّل.

وفی صحیحة أبی ولاّد : « إذا نویت المقام وصلّیت فریضة واحدة بتمام فلیس لک أن تقصّر حتی تخرج منها » (3) وظاهر هذا الاکتفاء فی القصر بمجرّد الخروج من البلدة ، إلاّ أن یقال : إلی محلّ الترخّص داخل فی البلدة التی هی موضع إقامته ، فعلی هذا یلزم الإتمام فی الدخول ، لأنّه نوی الإقامة فی البلدة التی محلّ الترخّص داخل فیها ، فتأمّل.

قوله : الکلام السابق. ( 4 : 462 ).

مع أنّه علی تقدیر الرجوع إلی الخمسة أیضا لا یدل علی الاکتفاء بها ، إذ الظاهر أنّه علیه السلام قال ذلک فی موضع خاصّ لمصلحة خاصّة ، ولذا

حکم الخروج من موضع الإقامة إلی المسافة

ص: 419


1- هذه التعلیقة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».
2- التهذیب 4 : 230 / 675 ، الاستبصار 1 : 242 / 862 ، الوسائل 8 : 472 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 3.
3- التهذیب 3 : 221 / 553 ، الاستبصار 1 : 238 / 851 ، الوسائل 8 : 508 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 1 ، بتفاوت یسیر.

ذکر إقامة العشرة واعتبرها وشرطها فی هذه الحسنة.

قوله (1) : وهو حمل بعید. ( 4 : 462 ).

لا بعد فیه ، لأنّ محمد بن مسلم راوی هذه الروایة سأل عنه علیه السلام عن المسافر یقدم الأرض ، فقال : « إن حدّثته نفسه أن یقیم عشرا فلیتمّ ،. ولا یتمّ فی أقلّ من عشرة إلاّ بمکّة والمدینة ، وإن أقام بمکّة والمدینة خمسا فلیتم » (2) فبملاحظة اتحاد الراوی واتحاد الحکایة - بل واتحاد متن الروایة حیث قال : حدّث نفسه ، فیهما - ولم یعهد فی خبر من الأخبار التعبیر عن قصد الإقامة بحدیث النفس إیّاها - یظهر ظهورا تامّا کون الروایتین بالأصل واحدة عرضها التفاوت من تفاوت الروایتین (3) عن ابن مسلم ونقلهما بالمعنی فی الجملة ، مع أنّه لا أقلّ من کشف المراد.

قوله : وإطلاق الروایة. ( 4 : 463 ).

لا یخفی أنّ إطلاقات الأخبار محمولة علی الأفراد الشائعة دون الفروض النادرة ، وحصول التردّد فی خصوص الیوم وما بعده فرض نادر ، والمتعارف الکثیر الوقوع حصوله فی عرض أیّام الشهر ، بل ربما یتبادر إلی الذهن عرفا من هذه الجهة ثلاثون یوما أو یحصل الشکّ فی إرادة غیره ، أی المعنی الأعمّ من الثلاثین الذی هو المعتبر فی الأغلب إذا وقع الأمر فی غیر الیوم الأوّل من الشهر ، أو الهلالی إذا وقع فی الیوم الأوّل ، فتأمّل.

قوله : وألحق العلاّمة. ( 4 : 464 ).

حکم المتردد فی الإقامة عشراً

ص: 420


1- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
2- التهذیب 3 : 220 / 549 ، الاستبصار 1 : 238 / 850 ، الوسائل 8 : 502 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 16.
3- فی « ج » : الراویین ، وفی « د » : الراوین.

وألحق أیضا ما إذا دخل فی الفریضة بقصد الإتمام وتجاوز عن الرکعتین بالدخول فی الثالثة أو الرابعة وبدا له قبل الإتمام (1) ، للنهی عن إبطال العمل.

وفیه : أنّه ربما کان العمل بطل بنفسه ، بل هذا هو الظاهر من الأصل والقاعدة ومدلول صحیحة أبی ولاّد التی هی الأصل فی هذا الباب ، فتدبّر.

قوله : وقال ابن بابویه. ( 4 : 467 ).

یظهر من صحیحة علی بن مهزیار أنّ رأی الصدوق کان رأیا مشهورا عند فقهاء أصحاب الأئمّة علیه السلام وفی عصرهم ، وربما یظهر ذلک من غیرها من الأخبار أیضا ، فلاحظ وتأمّل.

( وفی کامل الزیارة : أنّ سعد بن [ عبد الله ] (2) سأل أیّوب بن نوح عن تقصیر الصلاة فی هذه الأماکن الأربعة والذی روی فیها ، فقال : أنا أقصّر وکان صفوان یقصّر وابن أبی عمیر وجمیع أصحابنا یقصّرون (3). انتهی ) (4).

قوله : والمعتمد الأوّل. ( 4 : 467 ).

لا یخفی أنّ حمل ما دل علی تحتّم الإتمام علی التخییر - مع ما فیه من البعد - لعله لا بأس به فی مقام الجمع ، أمّا ما دل علی تحتّم التقصیر علی مرجوحیته ففی غایة البعد وشدّة المخالفة للظاهر لا یرضی به خصوصا عند الشارح ، کما صرّح به مرارا غیر عدیدة.

حکم الصلاة فی المواطن الأربعة

ص: 421


1- انظر المختلف : 169 ، والتحریر 1 : 56 ، ونهایة الأحکام 2 : 185.
2- فی النسخ : عمّار ، والصحیح ما أثبتناه من المصدر.
3- کامل الزیارات : 248 ، المستدرک 6 : 545 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 3.
4- ما بین القوسین لیس فی « أ ».

مع أنّه وقع التصریح فی بعض الأخبار بأنّ أمرهم علیه السلام بالإتمام ما کان إلاّ لجهة التقیّة ، وهو صحیحة معاویة بن وهب أنّه سأل الصادق علیه السلام عن التقصیر فی الحرمین والتمام ، قال : « لا تتمّ حتی تجمع علی مقام عشرة أیّام » فقلت : إنّ أصحابنا رووا عنک أنّک أمرتهم بالتمام ، فقال : « إنّ [ أصحابک ] (1) کانوا یدخلون المسجد فیصلّون ویأخذون نعالهم ویخرجون والناس یستقبلونهم یدخلون المسجد للصلاة ، فأمرتهم بالتمام » (2).

( وفی العلل فی الصحیح عن معاویة بن وهب عن الصادق علیه السلام أنّه قال له : مکّة والمدینة کسائر البلدان؟ قال : « نعم » قلت : روی عنک بعض أصحابنا أنّک قلت لهم : « أتمّوا بالمدینة لخمس » فقال : « إنّ أصحابکم کانوا یقدمون فیخرجون من المسجد عند الصلاة فکرهت ذلک لهم ، فلهذا قلته » (3) (4).

ویعضده أنّ عمدة أسباب اختلاف الأحکام منهم علیه السلام التقیّة ، بل کاد أن یکون السبب هی لا غیر ، کما ورد فی النصوص (5) ، ویظهر من التتبّع فیها وفی الآثار ، ویشهد علیه الاعتبار.

مع أنّ کلاّ من الحرمین مشهد عامّ فیناسبه الأمر بالتمام أو الإفتاء بالتخییر مع أولویة التمام ، کما هو رأی العامّة فی السفر.

ویؤیّده أیضا استشمام التشویش فی مقالتهم ، وفی التعلیل عند

ص: 422


1- فی النسخ : أصحابنا ، وما أثبتناه من المصادر.
2- التهذیب 5 : 428 / 1485 ، الاستبصار 2 : 332 / 1181 ، الوسائل 8 : 534 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 34.
3- علل الشرائع : 454 / 10 ، الوسائل 8 : 531 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 27.
4- ما بین القوسین لیس فی « ا ».
5- الوسائل 1 : 443 أبواب الوضوء ب 32.

حکمهم بالإتمام ، فلاحظ وتأمّل.

ویؤیّده أیضا اشتهار الفتوی بالقصر عند فقهاء أصحابهم علیه السلام ، کما أشرنا ، فإنّهم أبصر بمواقع التقیّة وعلل الاختلاف.

وأیضا ما دل علی القصر موافق للأخبار المتواترة فی لزوم القصر علی المسافر والتوبیخ والتقریع علی من یتمّ ، مع ورودها من أهل الحرمین فی نفس الحرمین ، وکذا بالنسبة إلی أهلهما وأهل الکوفة غالبا ، من دون إشعار باستثناء لأهل مورد صدور الحکم ولا لأهل الکوفة ، مع أنّ عمدة موضع الصلاة المساجد الثلاثة ، مع أنّ الشارح استقرب الإتمام فی جمیع مکة والمدینة ، وکذا أکثر الأصحاب.

مع أنّ ما دل علی لزوم القصر علی المسافر فی غایة ظهور الشمول لأهل البلدین ، فلیلاحظ ولیتأمّل. ومرادی من الأهل المسافر الذی هو فیها ومن توطّن.

وکذا ما دل علی القصر موافق لما دل علی اتحاد حکم الصلاة والصوم ، وکذا ما دل علی انّ التمام إنّما یکون بنیّة الإقامة ، وغیر ذلک من الأحکام الکثیرة ، بل کثیر منها نصّ بالنسبة إلی أهل البلدان الثلاثة من السکنة والواردین ، مثل صحیحة أبی ولاّد السابقة عند قول المصنّف رحمه الله : ولو نوی الإقامة ثمّ بدا له ، فإنّها مع صحتها وصراحتها هی الأصل فی الحکم المجمع علیه علی ما اعترف به (1). مع أنّ الثابت من الأخبار والمستفاد منها کون الإتمام فی مجموع مکّة والمدینة ، کما ستعرف.

مع أنّه علی فرض القول بأنّ الإتمام فی نفس المسجدین دلالة

ص: 423


1- انظر المدارک 4 : 463.

الصحیحة علی ما ذکرناه أیضا ظاهرة ، لأنّ المعصوم علیه السلام حکم بالقصر علی الإطلاق من غیر تقیید بخارج المسجدین. مع [ أنّ ] وقوع الصلاة فی الخارج عنهما فی غایة الندرة بالنسبة إلی الغرباء الذین یسافرون إلی المدینة لأجل العبادة والطاعة ، بل ومطلقا ، فتدبّر.

( وما دل علی لزوم التمام مخالف للکل ، وکذا الموافقة والمخالفة بالنسبة إلی علل القصر والإتمام.

علی أنّه لقائل أن یقول : حمل ما دل علی التمام علی البناء علی الإقامة ثمّ التمام - کما فعله الصدوق - لیس بأضعف ممّا ذکره رحمه الله ، بل یمنع کونه أولی والسند قاصر ، فتدبّر ) (1).

قوله : وصحیحة علی بن مهزیار. ( 4 : 467 ).

فی الاستدلال بهذه الصحیحة إشکال ، لأنّها هکذا : کتبت إلی أبی جعفر الثانی علیه السلام : أنّ الروایة قد اختلفت عن آبائک علیهم السلام فی الإتمام والتقصیر فی الحرمین ، فمنها : بأنّ یتمّ ولو صلاة واحدة ، ومنها : أن یقصّر ما لم ینو مقام عشرة ، ولم أزل علی الإتمام فیها إلی أن صدرنا من حجّنا فی عامنا هذا ، فإنّ فقهاء أصحابنا أشاروا علیّ بالتقصیر إذا کنت لا أنوی المقام عشرة أیّام ، فصرت إلی التقصیر وقد ضقت بذلک حتی أعرف رأیک ، فکتب بخطه : « یرحمک الله ، قد علمت فضل الصلاة فی الحرمین علی غیرهما ، فأنا أحبّ لک إذا دخلتهما أن لا تقصّر وتکثر فیهما من الصلاة » إلی آخر ما ذکره الشارح. وفی التهذیب بعد هذا : « ومتی إذا توجّهت من منی فقصّر الصلاة ، فإذا انصرفت من عرفات إلی منی وزرت

ص: 424


1- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

البیت ورجعت إلی منی فأتمّ الصلاة تلک الثلاثة أیّام » وقال بإصبعه ثلاثا ، إذ جواب المعصوم یحتمل أن یکون تکذیب فقهاء أصحابه وتصدیق ما ورد من أنّه یتمّ الصلاة ولو واحدة ، کما فهمه الشارح رحمه الله .

لکن علی هذا لا یبقی لقوله رحمه الله : « ومتی توجّهت. » معنی ولا وجه له ، لأنّ المسافر إذا أتمّ الصلاة من غیر نیّة الإقامة بل بمحض أنّ له التخییر کیف یتمّ الصلاة فی رجوعه إلی منی؟ فإنّ منی غیر داخلة فی مکّة ، ومع ذلک کیف یتمّ فی رجوعه إلیها خاصّة؟ مع أنّ الأخبار صریحة فی وجوب القصر فی منی علی أهل عرفات (1).

ویبعّد هذا أیضا أنّه علیه السلام کیف کان یکذّب فقهاء أصحابه بالتعلیل الذی ذکره؟ إذ لیس ذلک علّة واستدلالا. فیحتمل أیضا أن یکون مراده علیه السلام تصدیق فقهاء أصحابه ، وأنّ مراده أنّه یتمّ الصلاة بأن ینوی الإقامة ، ولذا قال : « قد علمت فضل الصلاة فیهما فأحبّ لک أن لا تقصّر » إذ یظهر من التعلیل أنّ الإتمام باختیارک وأنت تعلم هذا المعنی فأحبّ لک أن تختاره ، فلو کان مراده ما ذکره الشارح رحمه الله کان المناسب أن یقول : الحق مع تلک الروایة والفقهاء أخطأوا ، وأین هذا من ذلک الجواب؟ ویصح علی هذا أیضا الإتمام بمنی حال الرجوع إلیها ، لأنّها من توابع مکّة ، ومکّة موضع الإقامة ، ومن نوی الإقامة فی موضع یتمّ الصلاة فی توابعه أیضا ، علی ما سیجی ء ، فلاحظ وتأمّل جدّا.

وربما یظهر ممّا ذکر وجه التوجیه للصدوق رحمه الله فتأمّل.

( علی أنّ ظاهر هذه الصحیحة استحباب الإتمام ، لقوله علیه السلام : « قد

ص: 425


1- الوسائل 8 : 463 أبواب صلاة المسافر ب 3.

علمت فضل الصلاة فی الحرمین » وقوله : « فأنا أحبّ لک أن لا تقصّر » فیکون من القسم الثانی ، یعنی الدال علی التخییر صریحا.

ومع إشکال آخر وهو : أنّ التخییر وأفضلیة الإتمام لو کان من الله تعالی فأیّ معنی لقوله علیه السلام : أحبّ لک ( أن تختار خصوص الإتمام فی المسألة ) (1) فأیّ معنی لذلک القول؟ إلاّ أن یکون المراد أنّک تعلم أنّک مخیّر بین القصر والإتمام فأنا أحبّ لک أن تختار خصوص الإتمام فی الحرمین ، فتصیر الروایة بحسب ظاهرها علی طریقة العامّة.

قال جدّی رحمه الله : إنّ التوقیعات کثیرا ما کانت غیر خالیة عن اضطراب أو موافقة للتقیّة خوفا من أن یقع التوقیع بید عدوّهم (2). فمن هذا ظهر وهن آخر فی الاحتجاج مضافا إلی ما سیأتی.

وجعل المعنی أنّک قد علمت التخییر فی خصوص الحرمین فأحبّ لک. فیه ما فیه ) (3).

قوله : کصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع. ( 4 : 467 ).

هذه الصحیحة مستند الصدوق ، ویدل علی مذهبه أیضا صحیحة معاویة بن وهب التی ذکرناها ( وصحیحة أبی ولاّد التی أشرنا إلیها ) (4) وصحیحة معاویة بن عمار أنّه قال : سألت الصادق علیه السلام عن الرجل قدم مکّة فأقام علی إحرامه قال : « فلیقصّر الصلاة ما دام محرما » (5) والظاهر أنّ

ص: 426


1- بدل ما بین القوسین فی « ب » و « ج » و « د » : أن تتمّ ، بل الله أحبّه ، وإلاّ فإنّک له.
2- انظر روضة المتقین 2 : 156.
3- ما بین القوسین لیس فی « أ ».
4- ما بین القوسین لیس فی « ج ».
5- التهذیب 5 : 474 / 1668 ، الوسائل 8 : 525 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 3.

مراده أنّه یرید الذهاب إلی عرفات ولذا أقام علی إحرامه ، ففرض النائی التمتّع ، والمتمتّع یتمّ العمرة ویتحلّل ثمّ یحرم بالحجّ ، إلاّ أن یتضیّق الوقت عن إتمام العمرة فیعدل إلی الإفراد ویذهب إلی عرفات.

وصحیحة علی بن مهزیار عن محمد بن إبراهیم الحضینی ، قال : استأمرت أبا جعفر علیه السلام فی الإتمام والتقصیر ، قال : « إذا دخلت الحرمین فانو مقام عشرة وأتمّ الصلاة » فقال : إنّی أقدم مکة قبل الترویة بیوم أو یومین أو ثلاثة ، قال : « انو مقام عشرة أیّام وأتمّ الصلاة » (1) یعنی أنّ التمام ما یمکن إلاّ بنیّة عشرة أیّام ، إن أمکنک المقام فأتمّ ، وإلاّ فلا ، وفیها من التأکید ما لا یخفی.

وروایة علی بن حدید أنّه قال للرضا علیه السلام : أصحابنا اختلفوا فی الحرمین ، فبعضهم یتمّ وبعضهم یقصّر ، وأنا ممّن یتمّ لروایة رواها أصحابنا ، وذکرت عبد الله بن جندب أنّه کان یتمّ ، قال : « رحم الله ابن جندب » ثمّ قال : « لا یکون الإتمام إلاّ أن یجمع علی مقام عشرة أیّام » الحدیث (2).

هذا مضافا إلی ظاهر الآیة والعمومات المتواترة والمؤیّدات التی أشرنا إلیها.

وورد أخبار معتبرة متعدّدة فی أنّ أهل عرفات إذا رجعوا إلی مکّة لزیارة البیت یقصّرون فی مکّة وفی المسجد الحرام ، کما هو الظاهر منها ،

ص: 427


1- التهذیب 5 : 427 / 1484 ، الاستبصار 2 : 332 / 1180 ، الوسائل 8 : 528 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 15.
2- التهذیب 5 : 426 / 1483 ، الاستبصار 2 : 331 / 1179 ، الوسائل 8 : 533 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 33.

إلاّ أن یدخلوا منازلهم ، فلاحظ.

ومستنده أیضا روایة حمزة بن عبد الله الجعفری ، قال : لمّا أن نفرت من منی نویت المقام بمکّة فأتممت الصلاة حتی جاءنی خبر من المنزل ، فلم أجد بدّا من المصیر ، فقصصت علی أبی الحسن علیه السلام القصّة ، فقال : « ارجع إلی التقصیر » (1) والروایة صحیحة عنده.

وروی الشیخ فی الصحیح عن الصادق علیه السلام فی الرجل یدخل مکّة من سفره وقد دخل وقت الصلاة ، قال : « یصلّی رکعتین » الحدیث (2).

وفی الحسن کالصحیح عن الصادق علیه السلام : « إنّ أهل مکّة إذا زاروا البیت ودخلوا منازلهم أتمّوا ، وإن لم یدخلوا منازلهم قصّروا » (3).

وقریب منه ما فی الحسن کالصحیح عن الحلبی عن الصادق علیه السلام : « إنّ أهل مکة إذا خرجوا حجّاجا قصّروا ، وإذا زاروا البیت ورجعوا إلی منازلهم أتمّوا » (4) فلاحظ.

قوله : ویدل علی التخییر. ( 4 : 468 ).

یمکن أن یقال : إنّ الحدیث وارد فی مقام التقیّة ، لموافقة حکمه لمذاهب العامّة ، وعلی بن یقطین کان وزیر الخلیفة ، والکاظم علیه السلام کانت التقیّة فی زمانه أشدّ ، وصحیحة ابن بزیع وما یؤدّی مؤدّاها لا تقبل التقیّة أصلا ، کما هو الظاهر (5).

حمل الروایة الدالة علی التخییر بین القصر والإتمام علی التقیة

ص: 428


1- التهذیب 3 : 221 / 554 ، الاستبصار 1 : 239 / 852 ، الوسائل 8 : 509 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 2.
2- التهذیب 2 : 13 / 28.
3- الکافی 4 : 518 / 1 ، الوسائل 8 : 464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 7.
4- الکافی 4 : 518 / 2 ، الوسائل 8 : 465 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 8.
5- من هنا إلی نهایة التعلیقة لیس فی « أ ».

وورد فی الأخبار التی کادت تبلغ التواتر أنّ کلّ حدیث وافق العامّة فاترکوه ، خذوا بما خالفهم فإنّ الرشد فی خلافهم ، وعند تعارض الأخبار عیّنوا لنا ذلک ، وما أجازوا لنا غیر ذلک حاجة (1) أمروا بالأخذ بما اشتهر بین الأصحاب ، ولا شکّ فی أنّ وجوب القصر فی هذه الأماکن مخالف للعامّة ، فالرشد فیه ویجب علینا الأخذ به ، کما أنّ التخییر هو عین مذهبهم ، والتخییر فی هذه الأماکن فرد من التخییر الذی یقولون ، وما یظهر منه الاختصاص سیجی ء الجواب عنه ، مع أنّه أوفق بمذهبهم قطعا.

وأیضا أمرونا بأخذ ما وافق کتاب الله وترک ما خالفه ، وعلمت أنّ کتاب الله یدل علی وجوب القصر بنصّ أهل البیت ، وترک غیر المشهور ، ومعلوم أنّ المعتبر هو المشهور بین أصحاب الراوی والمعصوم علیه السلام لا المتأخّرین ، إلاّ أن یدل دلیل علی أنّ الشهرة بین المتأخّرین هی الشهرة بین أصحاب الراوی ، وعرفت فی المقام أنّ أصحاب الراوی والمعصوم کلّهم کانوا یقصّرون.

وأیضا أمروا بالأخذ بالحدیث الذی وافق سائر أحکامهم ، ومعلوم أنّ المستفاد من الآیة والأخبار المتواترة أنّ المسافر یجب علیه القصر.

وأیضا أمروا بالأخذ بما وافق السنّة ، ومعلوم أنّ الرسول کان یقصّر ، کما یظهر من الأخبار (2).

وأیضا أمروا بالعرض علی سائر أحادیثهم والأخذ بما وافقها ، وأحادیثهم متواترة فی وجوب القصر والمبالغة فیه وردّ التخییر والإصرار

ص: 429


1- کذا.
2- الوسائل 8 : 452 ، 454 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 4 ، 12 ، وص 472 ب 6 ح 4.

فیه.

وأیضا ما ورد فی علّة التقصیر یشمل المقام ، وما ورد من أنّ الله تصدّق بالرکعتین ولا یرضی بأن یردّ صدقته (1). إلی غیر ذلک.

مضافا إلی تصریحهم بأنّ الأمر بالتمام إنّما هو اتّقاء علی الشیعة ، کما عرفت. مضافا إلی شهادة الاعتبار وغیر ذلک بما عرفت وستعرف.

وأیضا المسافر یقصّر قطعا قبل الوصول إلی هذه ، فهو مستصحب حتی یحصل الیقین بخلافه ، لقولهم : « لا تنقض الیقین إلاّ بیقین » (2) وغیر ذلک. مضافا إلی تصریحهم فی خصوص المقام بأنّ الإتمام الذی ورد منّا إنّما ورد تقیّة.

وممّا ذکر ظهر الکلام فی الأخبار التی أمروا بالإتمام ، إذ عرفت أن کان تقیّة ، والعامّة أیضا یأمرون بالإتمام وإن کانوا یجوّزون القصر ، ویجعلون القصر شعار الشیعة.

فإن قلت : ما ورد من أنّ الإتمام فی أربعة مواطن (3) من مخزون علم الله تعالی لا یمکن حمله علی التقیّة.

قلت : الموانع الأخر تکفی لرفع الید عنه والأخذ بما خالفه ، فإنّ الأئمّة علیه السلام أمرونا بطرح ما خالف الکتاب وضربه علی الحائط وأنّه باطل (4) إلی غیر ذلک من أمثال هذه العبارات.

وکذا الحال فی الشهرة بین أصحاب الراوی وغیر ذلک ممّا ذکرت ،

ص: 430


1- الکافی 4 : 127 / 2 ، الوسائل 8 : 519 أبواب صلاة المسافر ب 22 ح 7.
2- الوسائل 1 : 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1.
3- الوسائل 8 : 524 أبواب صلاة المسافر ب 25.
4- المحاسن 1 : 221 ح 129 ، الوسائل 27 : 106 أبواب صفات القاضی ب 9.

فإنّهم علیه السلام جعلوا کلّ واحد منها حجّة مستقلّة برأسها وأمرونا باتباعه واعتباره ، وما جوّزوا لنا رفع الید عنه ، وکلّها مجتمعة فی ما ذکر من الحدیث أیضا ، وواحد منها یکفی ، والمدار فی الفقه علی ذلک.

مع أنّ وجوب القصر مخالف لرأی العامة جزما ، والرشد فی خلافهم علی ما صرّحوا به وأمرونا باتباعه والأخذ به.

علی أنّا نقول : مرادنا من التقیّة هی الاتّقاء ، قالوا کذلک لأجل أنّ الشیعة إذا کانوا فی تلک الأربعة أتمّوا الصلاة ، ولذا ذکروا ذلک فی إتمام الصلاة خاصّة ، والعامّة إذا رأوا أنّهم أتمّوا لا یؤذونهم ، بخلاف ما إذا رأوهم یقصّرون ، وما کانوا یدورون مع الشیعة حتی یرونهم یقصّرون ، مع أنّهم لو وجدوهم یقصّرون لکانوا یؤذونهم البتة.

ووجه تخصیص هذه الأربعة بالاتقاء لکونها مشهد مجمع أهل السنّة مع الشیعة بعنوان الکثرة والازدحام سیّما الحرمین ، ولذا أکثر الأخبار ورد فی الحرمین ، بل بعضها ظاهر فی اختصاصهما به ، مثل ما ورد فی بعضها : أنّ أبی کان یری للحرمین ما لا یراه لغیرهما (1) ، وزیارة الحسین علیه السلام لم یکن من خصائص الشیعة ، إذ لو کان کذلک لعرفوا وقتلوا ، لأنّ السلاطین فی غایة بذل جهدهم فی تحصیل معرفة الشیعة ، وهم فی غایة بذل الجهد فی إخفاء أنفسهم ، فکان یؤدّی ذلک إلی ترک زیارة الحسین علیه السلام ومنع الأئمّة إیّاهم من الزیارة ، مع أنّ أمرهم بزیارته بلغ حدّ التواتر ، والمتوکّل منع الناس عن زیارته ، فلمّا منعوا وکان یقع الکثرة والازدحام فی زیارته وربما صار منعه [ سببا ل- ] (2) زیادة الازدحام علیها فلذا أمر بمحو آثار

ص: 431


1- الکافی 4 : 524 / 7 ، التهذیب 5 : 426 / 1478 ، الاستبصار 2 : 330 / 1174 ، الوسائل 8 : 524 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 2.
2- ما بین المعقوفین أضفناه لاستقامة العبارة.

قبره علیه السلام ، ومع ذلک ازدحام الشیعة وأهل السنة فی زیارته إلی الآن باق علی حاله.

وعلی فرض البعد یقدّر بقصد الإقامة ، وبعد ذلک لیس بأزید من حمل أخبار وجوب القصر علی مرجوحیته ، إذ أقلّ مراتب الأمر الرجحان ، سیّما مع ما فی بعضها من القرائن الدالة علی إرادة التقصیر وطلبه علی سبیل التعیّن ، والدلالة أیضا منتفیة.

مع أنّک عرفت أنّ الواجب علینا مراعاة المرجّحات من موافقة الکتاب والشهرة بین الأصحاب ومخالفة العامّة وغیر ذلک ، وأیضا ستعرف أنّ بین الأخبار التی هی مستند المشهور اختلافا شتّی ، مضافا إلی ما ذکرنا من الإیرادات ، وهذه أیضا یضعف التمسّک بها.

قوله : فلا یبعد أن یکون. ( 4 : 468 ).

سیّما بعد ملاحظة ما نبّهنا علیه ، بل لولا الشهرة العظیمة لکان مذهب الصدوق متعیّنا بحسب ما یظهر من الأخبار والأصل بعد الآیة ، والله یعلم.

قوله : ولأنّ الأخبار الواردة بالإتمام. ( 4 : 468 ).

وأمّا مذهب ابن الجنید والمرتضی فلا احتیاط من جهتهما ، لکونهما خلاف الآیة والأخبار المتواترة والأصول وطریقة الشیعة بل المسلمین فی الأعصار والأمصار.

قوله (1) : ولم نقف لهما علی مأخذ فی ذلک. ( 4 : 471 ).

لا یخفی أنّ قوله فی صحیحة علی بن مهزیار : « قد علمت فضل الصلاة » فی مقام التعلیل لأمره بالإتمام ، وقیاس منصوص العلّة حجّة عنه

وجوب القصر فی هذه المواطن إذا ضاق الوقت إلاّ عن أربع

ص: 432


1- هذه التعلیقة والتی بعدها لیست فی « ا ».

الشارح (1) رحمه الله والمشهور ، فمقتضاه أن کلّ موضع یکون للصلاة فیه [ فضل ] یکون الإتمام فیه مأمورا به ، وخروج غیر (2) المشاهد للأئمّة عنه لعله للإجماع أو غیره ، فتأمّل.

ومثل صحیحة علی بن مهزیار صحیحة البزنطی عن إبراهیم بن شیبة ، إذ فیها : « أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کان یحبّ إکثار الصلاة فی الحرمین ، فأکثر فیهما وأتمّ » (3).

لکن الأخبار الدالة علی أنّ موضع الإتمام أربعة تعارضه وتغلب علیه ، لکون دلالتها أقوی وکونها معمولا بها عند المعظم ، وغیر ذلک من المرجّحات التی أشرنا إلیها فی ترجیح رأی الصدوق. وما ذکر یضعّف [ بأنّ ] أفرادا کثیرة من المواضع التی للصلاة فیها فضل لا یتمّ الصلاة فیها إجماعا ، کما أنّ کثیرا من مواضع الإتمام لیس فیها فضل إجماعا ، فیضعف الاحتجاج بمثل صحیحة علی بن مهزیار.

مع أنّ الأخبار التی هی مستند المشهور بینها اختلاف بحسب الظاهر ، إذ بعضها یظهر منه أنّ کل موضع یکون للصلاة [ فیه ] فضل یتمّ ، وبعضها یدل علی الاختصاص بالأربعة المعهودة ، وبعضها ظاهر فی اختصاص الحکم بالحرمین ، مثل کالصحیح عن مسمع ، عن الکاظم علیه السلام وأنّه قال : « کان أبی یری لهذین الحرمین ما لا یراه لغیرهما ویقول : الإتمام فیهما من الأمر المذخور » (4) ومثلها صحیحة علی بن مهزیار وإبراهیم بن شیبة ، ومنها

ص: 433


1- انظر المدارک 1 : 32.
2- لیس فی « ب » و « د » و « و ».
3- الکافی 4 : 524 / 1 ، التهذیب 5 : 425 / 1476 ، الاستبصار 2 : 330 / 1172 ، الوسائل 8 : 529 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 18.
4- التهذیب 5 : 426 / 1478 ، الاستبصار 2 : 330 / 1174 ، الوسائل 8 : 524 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 2.

[ ما ] یدل علی ثلاثة أماکن : المدینة ومکّة وعند قبر الحسین علیه السلام ، وهو روایة حسین عن الصادق علیه السلام (1) ، ومنها [ ما ] یدل علی الحرمین ، ومنها [ ما ] یدل علی خصوص المسجدین. إلی غیر ذلک من الاختلافات الظاهرة فیها ، مثل أنّ بعضها ظاهر فی وجوب التمام وبعضها فی أفضلیته ، وبعضها فی تساویه مع القصر ، وبعضها بالحرم ، وبعضه بالحائر ، وبعضها عند القبر ، إلی غیر ذلک ، وهذه الاختلافات ممّا یضعف التمسّک بها. مع أنّ مجرّد فضل الصلاة کیف ( کان مستحب ، فکیف یغیّر الواجب ویصیر منشأ ) (2) لتغیّر الحکم الواجبی؟!.

قوله : فی التذکرة. ( 4 : 471 ).

والمرتضی - رضی الله عنه - فی الانتصار أیضا ادعی الإجماع علیه (3).

قوله : ما رواه الشیخ فی الصحیح عن الحلبی. ( 4 : 471 ).

حمل هذه الصحیحة علی صورة العلم والعمد لعله بعید ، بل وعلی الأعم أیضا ، فالحمل علی النسیان لعله أقرب. فتأمّل.

قوله : أو فعل ما به یحصل کالتسلیم. ( 4 : 471 ).

فیه : أنّه علی هذا یخرج الأخبار التی استدلوا بها علی استحباب التسلیم عن الحجّیة ، لأنّ استدلالهم بها لیس إلاّ من جهة أنّ مقتضاها خروج المصلّی عن الصلاة بمجرّد التشهّد لیس إلاّ ، فإذا بنی علی أنّه لا بدّ

وجوب إعادة الصلاة لو أتمّ المقصر عامداً

ص: 434


1- الکافی 4 : 586 / 4 ، کامل الزیارات : 249 ، الوسائل 8 : 530 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 22.
2- بدل ما بین القوسین فی « ب » و « ج » و « د » : فإن المستحب کیف یغیر الواجب منشأ ، وفی « و » : کان مستحب فکیف یصیر الواجب منشأ. والظاهر ما أثبتناه.
3- الانتصار : 52.

من مخرج سوی التشهّد لم یبق تلک الأخبار علی ظواهرها ، لأنّ التقدیر واجب ، فیتعیّن تقدیر التسلیم حتی توافق الأخبار الدالة علی وجوب التسلیم وکونه مخرجا لا غیر ، وتکون هذه الأخبار خالیة عن المعارض ، لأنّ المجمل لا یعارض المبیّن والمفصّل.

مع أنّ هذه الأخبار علی ما ذکره یکون مقتضاها لزوم أحد الأمرین : إمّا التسلیم أو نیّة الخروج ، ومقتضی تلک الأخبار لزوم خصوص التسلیم ، فالجمع متعیّن بحمل أحدهما علی خصوص التسلیم ، فتدبّر.

قوله : إنّ الصلاة المقصورة إنّما تبطل بالإتمام. ( 4 : 472 ).

فیه : أنّ هذا مناف لما صرّح به فی مسألة من توضّأ ثلاثا ثلاثا ، ومسألة التکفیر فی الصلاة ، ومسألة قول آمین فیها ، وغیرها من أمثال هذه المسائل من أنّ الصلاة والوضوء صحیحتان ، لأنّ النهی تعلّق بأمر خارج (1).

ومع ذلک مقتضی هذه الأخبار وما ورد فی أنّ الناسی أیضا یعید أنّهما یعیدان مطلقا ، وکذلک فتاوی الأصحاب ، فلا وجه للتقیید الذی ذکره ، وهذا کلّه دلیل علی وجوب التسلیم ، فتدبّر.

قوله : إذا وقعت ابتداء علی ذلک الوجه. ( 4 : 472 ).

کون قصد الإتمام مضرّا محلّ تأمّل ومخالف لما صرّح به مرارا ، وسیجی ء تمام الکلام فی مسألة الناسی ، فلاحظ.

قوله : ویدل علیه قوله علیه السلام . ( 4 : 472 ).

ولو علم بالحال فی أثناء الصلاة فإن أمکنه العدول إلی القصر قصّر ، وإلاّ بأن تعدّی موضعه مثل أن دخل فی الرکوع فی الرکعة الثالثة أعادها بأن

حکم ما لو أتمّ المقصر جاهلاً

ص: 435


1- انظر المدارک 1 : 234 ، 3 : 373 ، 461.

یستأنفها ، وإن لم یدخل فی الرکوع فلا یبعد أنّه یهدم القیام ویجلس ویسلّم ، لکونه معذورا لو أتمّ الصلاة أربعا ، ففی المقام بطریق أولی ، ویحتمل عدم المعذوریة فی المقام اقتصارا علی مورد النص والفتوی.

قوله : فیمکن حملها علی الناسی. ( 4 : 472 ).

ظاهرها العموم ، لترک الاستفصال فی مقام الاحتمال ، لکن یمکن أن یقال بخروج العالم العامد ، لبعد ذلک ، فإنّ الظاهر أنّ المصلّی یصلّی طاعة لله تعالی وعبادة له ، وکذا خروج الجاهل ، لما دل علی صحّة صلاته ، بل یتعیّن ذلک ، لأنّه صحیح وصریح ومعمول به عند الأصحاب ، وهذا الصحیح لا صراحة فیه ، لإمکان إرادة الناسی أو الاستحباب.

والحاصل : أنّ غیر الصریح لا یعارض الصریح ، سیّما إذا کان الصریح معمولا به عند الجلّ ، والمدار فی الفقه علی ذلک ، بل ربما کان سیاق العبارة له ظهور فی النسیان حیث قال أوّلا : صلّی وهو مسافر ، ثمّ فرّع علیه بقوله : فأتمّ الصلاة ، فإنّ فیه إیماء ظاهر ، فتأمّل جدّا.

ویؤیّده أیضا روایة أبی بصیر (1) ، إذ بملاحظتها ربما یظهر أنّ مضمون هذه الروایة مضمونها ، فتأمّل.

قوله : وکأنّ المراد أنّه یجوز. ( 4 : 473 ).

الظاهر أنّ مراده عدم وجوب الإعادة ، لأنّه ثبت من الشرع بحیث لا تأمّل فیه ، ولا منافاة بینه وبین عدم معذوریة الجاهل بأنّه یؤاخذ ویعاقب مطلقا ، وعلیه الإعادة أیضا إذا لم یثبت من الشارع عدم وجوبها ، فتدبّر.

قوله : والاشتراک فی العذر. ( 4 : 473 ).

ص: 436


1- الفقیه 1 : 281 / 1275 ، التهذیب 3 : 169 / 373 ، الاستبصار 1 : 241 / 861 ، الوسائل 8 : 506 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 2.

لا یخفی أنّ هذا هو القیاس الحرام بعینه. مع أنّه لو کانت العلّة هی الجهل لزم معذوریته مطلقا ، ولا یقولون به ، بل هو فاسد. مع أنّ صحة عبادته من جهة الجهل فیه ما فیه.

قوله : فالظاهر الإعادة. ( 4 : 473 ).

الظاهر أنّ هذا الحکم مبنی علی أنّ الحدیث الصحیح المذکور لا یقاوم القاعدة الثابتة حتی یخصّصها ، کما یقول الفقهاء من أنّ النص مخالف للقاعدة فی موضع لا یعملون به ، لأنّ شرط تخصیص العامّ مقاومة الخاصّ له ، والمقاومة شرط فی جمیع المتعارضین إذا حمل أحدهما من جهة الآخر فی مقام الإفتاء لا مجرّد الجمع ورفع التناقض.

قوله (1) : هذا هو المشهور بین الأصحاب. ( 4 : 473 ).

بل المرتضی فی الانتصار ادعی الإجماع علیه ، وکذا الشیخ فی الخلاف ، والحلّی فی السرائر ، والعلاّمة فی ظاهر التذکرة (2).

قوله : ویتوجّه علی الروایة الأولی أنّها ضعیفة السند. ( 4 : 474 ).

السند صحیح کما حقّق فی محلّه ، ومع ذلک منجبر بالشهرة ، والظاهر من الیوم هو بیاض النهار ، وعدم مذکوریة حکم العشاء غیر مضرّ قطعا ، فإنّ الأخبار التی یستدلون بها فی الفقه غالبا أخصّ من المدعی ، والمدار فی الفقه علی ذلک وعلی الإتمام بعدم القول بالفصل أو بغیره من دلیل آخر لروایة أو أصل أو غیر ذلک ، ومدار الشارح رحمه الله أیضا علی ذلک. وفی المقام عدم القول بالفصل موجود ، وکذا صحیحة العیص ، والأصل أیضا ،

حکم ما لو أتمّ المقصر ناسیاً

ص: 437


1- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
2- الانتصار : 52 ، 53 ، الخلاف 1 : 586 ، السرائر 1 : 328 ، التذکرة 1 : 193.

لأنّ القضاء فرض جدید ، وشمول دلیله له محلّ مناقشة ، وأمّا إذا کان الوقت باقیا وظهر علیه أنّه ما أتی بالصلاة التی أمر بها یجب علیه الإتیان بها قطعا ، فتأمّل.

ویدل علی ذلک أیضا صحیحة الحلبی التی ذکرها فی إعادة العامد (1) لو قلنا أنّ الإعادة مختصّة بالوقت. ولو قلنا بأنّها أعمّ فهی مستند علی بن بابویه والمبسوط.

قوله : أحدهما : الإعادة مطلقا. ( 4 : 474 ).

یدل علیه إطلاق الأمر بالإعادة فی صحیحة زرارة ومحمد بن مسلم (2) وصحیحة الحلبی (3). ویمکن حملهما علی الإعادة فی الوقت جمعا بین الأخبار ، أو أنّ المراد غیر الناسی ، فتأمّل.

قوله : اختاره الصدوق فی المقنع. ( 4 : 474 و 475 ).

الظاهر أنّ فتواه موافق للمشهور ، ومعلوم أنّ فتواه فیه نقل متون الأخبار مفتیا بمضمونها ، فحاله فی المقام حاله فی غیر المقام ، وحال کلامه حال متون الأخبار ، فتأمّل.

قوله : وقد بیّنا. ( 4 : 475 ).

بل الأصحّ أنّ ذلک مبطل للصلاة ، لوجوب التسلیم وعدم إتیان المأمور به علی وجهه.

قوله : اتّجه القول بالإعادة. ( 4 : 476 ).

أی بنیّة التمام ، وفیه : أنّ کون هذا مضرّا مع عدم تحقّق الإتمام غیر

ص: 438


1- المدارک 4 : 471.
2- الفقیه 1 : 278 / 1266 ، التهذیب 3 : 226 / 571 ، الوسائل 8 : 506 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 4.
3- التهذیب 2 : 14 / 33 ، الوسائل 8 : 507 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 6.

ظاهر ، إذ ربما کان بنیّة الإتمام إلی آخر التشهّد الأوّل فتفطّن أنّ علیه القصر فسلّم ، فإنّ صلاته صحیحة ، لاستجماعها جمیع الواجبات وعدم المانع منها ، لأنّ المعتبر فی النیّة قصد القربة ، سیّما عند الشارح ، وقصد التعیین أیضا متحقّق ، لأنّه قصد ما فی ذمّته ، غایة ما فی الباب أنّه توهّم کونها تماما ، فتفطّن فقصّر ، وهذا القدر من التعیین کاف لتحقّق الامتثال العرفی ، ولیس له دلیل سواه. وبالجملة : ما ذکره هنا خلاف ما صرّح به مرارا (1) ، فتأمّل.

قوله : لما یجب علیه من ترک نیّة التمام. ( 4 : 476 ).

الظاهر أنّه لا إشکال من جهة نیّة التمام ناسیا ، فإنّه لو تذکّر المصلّی قبل إتمام التشهّد الأوّل ، فسلّم تکون صلاته صحیحة ظاهرا ، بل الإشکال فی التسلیم ناسیا ، وأنّه لو أتی المکلّف الأمر الذی کلّف به علی وجهه علی سبیل النسیان هل یکون ممتثلا؟ مع أنّه لم یأت به باختیاره بل أتی به سهوا ، ومثل هذا کیف یعدّ امتثالا؟ إذ الامتثال هو أن یأتی به علی سبیل الاختیار والشعور والإرادة ، فتأمّل.

قوله : ولو کانت صریحة لأمکن الجمع. ( 4 : 478 ).

ومع الصراحة أیضا یشکل الجمع ، لأنّه بعد التکافؤ ، وما دل علی القصر أرجح ، لموافقته العمومات والتأکید الذی فیه بقوله : « فإن لم تفعل. » ولکونه أشهر علی ما ذکره المصنّف ، ولموافقته لصحیحة العیص الآتیة ، وصحیحة محمد بن مسلم عن أحدهما علیهماالسلام : عن الرجل یقدم من الغیبة فیدخل علیه وقت الصلاة ، قال : « إن کان لا یخاف أن یخرج الوقت فلیدخل ولیتمّ ، وإن کان یخاف أن یخرج الوقت قبل أن یدخل فلیصلّ

بطلان الصلاة لو قصر المسافر اتفاقاً
حکم ما لو دخل وقت الصلاة فسافر

ص: 439


1- انظر المدارک 1 : 188 ، وج 3 : 310 و 311.

ولیقصّر » (1) وقد عرفت أنّ راوی تلک الصحیحة هو راوی هذه الصحیحة ، فالراوی بعینه روی ضدّ ما رواه لو کان المراد ما فهمه المستدل ، فمن هذا یحصل وهن عظیم ، بل ربما کان المراد من تلک الصحیحة مضمون هذه الصحیحة بأنّها خرجت مفسّرة لها ، بل ربما کان التفاوت حصل من نقل أحدهما من الرواة بالمعنی.

ویؤکّد ما ذکرناه أیضا أنّ محمد بن مسلم روی أیضا فی الصحیح عن الصادق : الرجل یرید السفر متی یقصّر؟ قال : « إذا تواری من البیوت » قال : قلت : الرجل یرید السفر فیخرج حین زوال الشمس ، قال : « إذا خرجت فقصّر » (2).

وممّا یؤکّد أیضا ما قال بعض المحققین من أنّ أکثر العامّة قائلون باعتبار حال الوجوب ، فیکون ما دل علیه محمولا علی التقیّة ، ویشیر إلیه صحیحة إسماعیل ، فتأمّل.

نعم ورد فی التخییر روایة فی سندها محمد بن عبد الحمید عن الصادق علیه السلام : « إذا کان فی سفر فدخل علیه وقت الصلاة قبل أن یدخل فسار حتی یدخل أهله ، فإن شاء قصّر وإن شاء أتمّ ، والإتمام أحبّ إلیّ » (3) لکن لا تقاوم ما ذکرناه من حیث السند وغیره. وکیف کان الأولی والأحوط اعتبار حال الأداء.

ص: 440


1- التهذیب 3 : 164 / 354 ، الوسائل 8 : 514 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 8.
2- الکافی 3 : 434 / 1 ، الفقیه 1 : 279 / 1267 ، التهذیب 2 : 12 / 27 ، الوسائل 8 : 470 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 1.
3- التهذیب 3 : 223 / 561 ، الاستبصار 1 : 241 / 859 ، الوسائل 8 : 515 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 9.

قوله (1) : « فلیقصّر ». ( 4 : 478 ).

وروی الحکم بن مسکین بمن رجل عنه علیه السلام مثل ذلک (2).

قوله : قال فی المعتبر : وقوله : « یجب » ، یرید به الاستحباب ... ( 4 : 480 ).

لأنّ الظاهر من الأخبار الکثیرة سقوط الرکعتین الأخیرتین من دون بدل وعوض ، وللإجماع بل الضرورة من الدین ، ولما یظهر من بعض الأخبار أنّ التقصیر عفو وتخفیف وصدقة ، وأمثال ذلک (3) ، ولضعف سند الروایة.

قوله (4) : ولا ریب فی وجوب الإتمام فی هذه الصورة. ( 4 : 481 ).

ولذا من کان ینوی الإقامة فی المدینة یذهب إلی مسجد قباء وأحد لزیارة حمزة ومشربة أمّ إبراهیم وغیر ذلک من دون إشکال ، ولذا لم یتحقّق منهم سؤال ولا من الأئمّة علیه السلام استفصال.

قوله : ولو قصد العود من دون نیّة الإقامة قیل : وجب التقصیر بمجرّد خروجه. ( 4 : 481 ).

نسب هذا القول إلی الشیخ والعلاّمة وغیرهما (5) ، واحتجّوا لهذا القول

إذا عزم علی الإقامة فی غیر بلده عشرة أیّام ثمّ خرج إلی ما دون المسافة

ص: 441


1- هذه التعلیقة لیست فی « ب » و « ج » و « د ».
2- التهذیب 3 : 223 / 560 ، الاستبصار 1 : 241 / 858 ، الوسائل 8 : 514 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 7.
3- الوسائل 8 : 517 أبواب صلاة المسافر ب 22.
4- هذه التعلیقة لیست فی « ا ».
5- نسبه إلیهم الشهید الثانی فی رسالة صلاة المسافر ( رسائل الشهید ) : 173 ، وانظر المبسوط 1 : 138 ، والمنتهی 1 : 398 ، والسرائر 1 : 345 ، والذکری : 262.

بأنّه نقض المقام بالمفارقة ، فیعود إلی حکم السفر.

وفیه : أنّ هذا ینافی ما هو مسلّم عندهم وثابت بالأدلّة أیضا ، کما ذکرنا فی الشرط الثالث ، من أنّ نیّة الإقامة قاطعة للسفر ، فإذا انقطع السفر فلا جرم یکون اللازم الإتمام حتی یتحقّق السفر المستجمع للشرائط ، کما عرفت وستعرف. وأی فرق بین هذا وبین من بلغ وطنه وخرج منه؟ فإنّ توقّف القصر علی مسافة مستجمعة لها لیس إلاّ لانقطاع سفره ، کما عرفت فی الشرط الثالث.

وأیضا هذا مناف لما علّلوا به للإتمام ذهابا وإیابا وفی ما خرج إلیه فی المسألة المتقدّمة.

ومع ذلک نقض المقام بالمفارقة ممنوع ، وکذا العود إلی حکم السفر ، وسند المنعین ظهر ممّا مرّ ، وسیظهر أیضا فی الحاشیة الآتیة.

هذا ولکن عبارة المبسوط هکذا : لأنّه نقض مقامه بسفر بینه وبین بلده یقصّر فی مثله (1) ، وهذه ظاهرة فی أنّ الشیخ جعل المقتضی للقصر قصد المسافة ، وأنّه ( یلزم بمجرّد الخروج ) (2) تحقّق قصد المسافة ، لأنّه یرید الإیاب إلی بلده البتّة ولم ینو إقامة أخری ، فیکون حال موضع إقامته حال سائر المواضع.

لکن یرد علیه : أنّ الذهاب لا یضمّ إلی الإیاب إجماعا إلاّ فی صورة أو صورتین ، وقد مرّ الدلیل علی ذلک أیضا ، وأیضا لا بقال عرفا : إنّه الآن یسافر إلی وطنه ، بل یقولون بخلاف ذلک ، وأنّه لا یسافر البتّة. وأیضا قد عرفت وستعرف أن موضع الإقامة حکمه حکم الوطن ، وأنّ الإتمام

ص: 442


1- المبسوط 1 : 138.
2- ما بین القوسین لیس فی « ب » و « ج » و « د ».

مستصحب حتی یثبت خلافه ، إلی غیر ذلک ممّا ستعرف.

واستدل أیضا بأنّ المتبادر من الأخبار الدالة علی أنّ ناوی الإقامة یتمّ الصلاة أنّه یتمّ الصلاة فی موضع الإقامة.

وفیه : أنّه إن أرید أنّه یتمّ فیه الصلاة ولا یتمّ فی غیره فالتبادر ممنوع ، وإن أرید أنّه یتمّ فیه أی المعنی اللابشرط فمسلّم لکن لا یضرّنا ، فإنّ إثبات الشی ء لا ینفی ما عداه ، وستعرف الأدلة علی الإتمام فی غیره أیضا.

مع أنّا لا نسلّم التبادر سیّما فی صحیحة أبی ولاّد (1) ، بل عرفت أنّ الظاهر منها خلاف ذلک ، کما ستعرف ، بل غیرها أیضا حیث جعل الإتمام فی مقابل القصر بأن قال علیه السلام : إن عزمت علی الإقامة أتممت وإلاّ قصّرت إلی ثلاثین (2).

وظاهر أنّ القصر مطلق سواء کان فی موضع الإقامة أو غیره ، فتأمّل.

وبالجملة : لو تمّ دلیله فهو تمسّک بمفهوم اللقب ، ولیس بحجة إن ذکر اللقب صریحا ، فکیف إذا لم یکن مذکورا أصلا؟ بل یدعی تبادره ، وتمام الکلام ستعرف.

قوله : وهو جیّد ... ( 4 : 481 ).

بناء علی أنّ الذهاب لا یضمّ إلی العود وکون ناوی الإقامة ذاهبا إلی وطنه قطعا من دون نیّة إقامة ثانیة ، وکونه بخروجه عن موضع الإقامة خارجا عن مسمّی المقیم ، وکونه مسافرا عرفا ، بل وشرعا أیضا ، لعدم کونه

ص: 443


1- الفقیه 1 : 280 / 1271 ، التهذیب 3 : 221 / 553 ، الاستبصار 1 : 238 / 851 ، الوسائل 8 : 508 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 1.
2- فقه الرضا علیه السلام : 160 ، المستدرک 6 : 536 أبواب صلاة المسافر ب 10 ح 3.

مقیما فی ما نوی (1) الإقامة ، لکن یجب عند الشارح تقییده بما إذا حصل مع العود قصد المسافة ، فلو عاد ذاهلا.

ووافق الشارح رحمه الله جماعة مثل مولانا الأردبیلی ومولانا عبد الله التستری وغیرهما (2) ، لکن غیرهم یقول : إنّه یذهب إلی وطنه قطعا فی وقت من الأوقات ، ولا یشترط قصد (3) المسافة فی زمان معیّن ، نعم لا بدّ أن لا یقطع سفره أحد القواطع الثلاثة ، والذهول أو التردّد إنّما یکونان بالنسبة إلی السفر عن قریب لا مطلق السفر.

نعم لو فرض بعنوان الندرة عدم إرادة الذهاب إلی وطنه أصلا ولو بعنوان الذهول أو التردد یکون الأمر کما ذکره الشارح رحمه الله .

وجوابه أنّ إرادة الوطن فی الجملة أعمّ من أن یکون هذا العود إنشاء السفر إلیه بحسب قصده مع استمرار هذا القصد ، والمعتبر هو هذا الخاصّ لا الأعمّ ، لأنّ هذا الخاصّ هو المتبادر من الأخبار وفتاوی الأصحاب ، بل الثابت المحقّق هو لا غیره.

وأیضا ستعرف فی الحاشیة الآتیة أنّ دار الإقامة بمنزلة الوطن إلاّ أن تثبت المغایرة ، ولم تثبت ، وتمام الکلام فی الحاشیة الآتیة.

وممّا ذکر ظهر أنّه لو کان بإرادته السفر إلی الوطن أو غیره وإنشاؤه من دار الإقامة لا من موضع العود لا یجب علیه القصر أیضا إلاّ بعد إنشاء السفر من دار الإقامة.

ثمّ لا یخفی أنّ دار الإقامة ربما تکون فی الطرف المخالف للوطن أو

ص: 444


1- فی « أ » و « و » : بنی.
2- مجمع الفائدة والبرهان 3 : 441 ، وانظر الحدائق 11 : 488.
3- فی « ب » و « د » : قطع.

الموضع الذی یرید السفر إلیه فیتعیّن الإتمام فی العود ودار الإقامة من جهة عدم ضمّ الذهاب إلی الإیاب ، فتفطّن.

قوله : وذلک کلّه معلوم من القواعد المتقدّمة. ( 4 : 482 ).

قد أشرنا عند ذکر الشرط الثالث للقصر إلی أدلة ذلک ، وهی ورود الخبر المعمول به عند الأصحاب أنّ ناوی الإقامة بمنزلة أهل البلد (1).

مضافا إلی عدم الخلاف بین الأصحاب فی أنّ قصد الإقامة قاطع للسفر ، وأنّ الأصل هو الإتمام حتی یثبت شرائط القصر ولا یثبت بعد قصد الإقامة وإتمام الصلاة إلاّ أن یتحقّق شرائط القصر بالمسافة المستجمعة للشرائط ، وأنّ الحکم بالإتمام بعد نیّة الإقامة وفعل الفریضة التامّة مستصحب حتی یثبت خلافه ، ولم یثبت قبل تلک المسافة.

وأیضا صحیحة أبی ولاّد (2) ظاهرة فی وجوب الإتمام إلی أن یسافر السفر المستجمع ، لأنّه علیه السلام قال فیها : « فلیس لک أن تقصّر حتی تخرج منها » ولیس المراد مطلق الخروج ، إذ یلزم علی هذا أن یقصّر بمجرّد أن یخرج من البلدة ولو قلیلا ، وهو باطل وفاقا ، ولأنّه کان المناسب أن یقول : إلاّ أن یخرج ، أو ما یؤدّی مؤدّی هذه العبارة.

وقوله : « حتی تخرج » ظاهر فی أنّ المراد الخروج المترقّب الوقوع المتحقّق الحصول ، وهو السفر من المدینة إلی الکوفة أو إلی مکة ، ولم یکن المترقّب المتحقّق البتّة الخروج إلی فرسخ أو فرسخین مثلا ، کما لا یخفی ، فإنّ أبا ولاّد کان من أهل الکوفة ذهب إلی المدینة

ص: 445


1- راجع ص 396.
2- التهذیب 3 : 221 / 553 ، الاستبصار 1 : 238 / 851 ، الوسائل 8 : 508 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 1.

لزیارة رسول الله صلی الله علیه و آله وملاقاة الإمام أو للحج علی سبیل منع الخلوّ.

وأیضا غیر واحد من الصحاح حکم فیها بوجوب الإتمام بعد نیّة الإقامة علی سبیل الإطلاق (1) ، ومرّ أیضا فی مسألة أنّ نیّة الإقامة موجبة للإتمام ما له دخل تامّ فی المقام (2) ، فلاحظ.

ثمّ اعلم أنّه إذا خرج وعزم العود والإقامة الثانیة فی موضع الإقامة فالإتمام ذهابا وإیابا وفی الموضع الذی خرج إلیه إجماعی ، لعدم تحقّق السفر المقتضی للقصر ، وکذا إذا لم یعزم العود ، بل عزم الذهاب إلی ما دون مسافة أخری وإقامة ثانیة فیه ، وهکذا ، وکذا لو عزم العود والإقامة الثانیة فی غیر موضع الإقامة ممّا هو دون المسافة ، وبالجملة : کلّما کان بعد الخروج إقامة أخری فی ما دون المسافة یکون الواجب الإتمام مطلقا.

قوله : والمسألة محلّ تردّد ... ( 4 : 482 ).

بل الثانی هو الأظهر ، لأنّ صحیحة أبی ولاّد التی هی الأصل فی المسألة لم یعتبر فیها أزید من وقوع فریضة واحدة بتمام ، وعلّق الحکم علیه خاصّة ، والعبرة بعموم لفظ الحکم لا خصوص المحلّ ، فتأمّل.

قوله : ما رواه الشیخ ... ( 4 : 484 ).

ربما یظهر من الروایة کون الاعتبار بحال الوجوب مطلقا بملاحظة التعلیل المذکور فیها ، فیکون حالها حال سائر الأخبار الدالة علی ذلک ، فعلی رأی القائل بأنّ المعتبر حال الوجوب لا إشکال أصلا ، وعلی الرأی الأقوی فالجواب عنها هو الجواب عن سائر الأخبار ، وجواب المعتبر یناسب القائل بالتفصیل لا غیره ، فتأمّل.

حکم من دخل فی صلاته بنیة القصر ثم عنّ له الإقامة

ص: 446


1- الوسائل 8 : 498 أبواب صلاة المسافر ب 15.
2- راجع ص 395 - 396.

قوله : تعویلا علی روایة سلیمان بن حفص المروزی. ( 4 : 485 ).

لا یخفی أنّ فی صحیحة أبی ولاّد (1) أیضا الأمر بالإعادة علی سبیل الفور ، فالجواب أنّ صحیحة زرارة أرجح من جهة الموافقة للقاعدة وندرة الفتوی بالمعارض ، مع أنّه علی تقدیر التکافؤ فالحمل علی الاستحباب.والحمد لله أوّلا وآخرا.

حکم قضاء صلاة السفر فی الحضر وبالعکس

ص: 447


1- الوسائل 8 : 469 أبواب صلاة المسافر ب 5 ح 1.

ص: 448

فهرس الموضوعات

أفعال الصلاة

بحث حول صحیحة حمّاد الواردة فی بیان أفعال الصلاة وآدابها................... 5

النیّة

هل النیّة شرط أو جزء...................................................... 6

اعتبار قصد القربة والتعیین فی النیّة........................................... 8

حکم نیّة قطع الصلاة..................................................... 11

تکبیرة الإحرام

رکنیّة التکبیر............................................................. 11

صورة تکبیرة الإحرام...................................................... 13

تخییر المصّلی فی تعیین تکبیرة الإحرام من التکبیرات السبع..................... 13

بطلان الصلاة بإعادة تکبیرة الافتتاح........................................ 14

یشترط فی تکبیرة الافتتاح ما یشترط فی الصلاة.............................. 14

ص: 449

سنن تکبیرة الإحرام

أن یأتی بلفظ الجلالة من غیر مدّ............................................ 15

إسماع الإمام من خلفه..................................................... 15

القیام

رکنیّة القیام.............................................................. 15

وجوب الاستقلال بالقیام.................................................. 17

لو عجز المصلّی عن القعود صلّی مضطجعاً................................... 17

لو عجز المصلّی عن الاضطجاع صلّی مستلقیاً................................ 17

لو عجز المصلّی عن حالة فی أثناء الصلاة انتقل إلی ما دونها.................... 18

القراءة

وجوب القراءة............................................................ 18

تعیین فاتحة الکتاب........................................................ 20

بیان المراد من تواتر القراءات السبع......................................... 20

وجوب مراعاة الترتیب بین آیاتها وکلماتها علی الوجه المنقول.................. 21

وجوب التعلّم علی الجاهل بالفاتحة مع الإمکان............................... 21

حکم من یعلم بعض الفاتحة................................................ 22

حکم من لم یعرف شیئاً من الفاتحة ویعرف شیئاً من باقی القرآن............... 24

حکم من یعرف تفسیر الحمد أو مرادفها.................................... 24

التخییر بین الحمد والتسبیح فی الثالثة والرابعة................................ 25

وجوب قراءة سورة کاملة بعد الحمد وبیان الأقوال فیها....................... 27

أدلّة القائلین بعدم وجوب سورة کاملة بعد الحمد والمناقشة فیها................ 30

أدلّة القائلین بوجوب سورة کاملة بعد الحمد................................. 32

أدلّة القائلین باستحباب سورة کاملة بعد الحمد والمناقشة فیها.................. 37

ص: 450

بحث رجالی حول محمد بن عبد الحمید ویحیی بن أبی عمران.................... 38

بحث حول ما ذکره الصدوق من أنّه لا یعمل بما تفرد محمد بن عیسی عن یونس. 39

لا یشترط فی حجّیة الحدیث وجود قائل بمضمونه............................ 40

وجوب إعادة السورة لو قدّمها علی الحمد................................... 41

عدم جواز قراءة العزائم فی الفرائض......................................... 41

القاسم بن عروة قویّ..................................................... 41

بحث حول عبد الله بن بکیر................................................ 41

حکم القِران بین السورتین فی الفرائض...................................... 42

أدلّة القائلین بعدم الحرمة والمناقشة فیها...................................... 42

أدلّة القائلین بالحرمة وبطلان الصلاة بالقِران................................. 45

وجوب الجهر بالقراءة فی الصبح وأولیی العشاءین............................. 48

بحث حول التأسی بفعل المعصوم علیه السلام ....................................... 51

المناقشة فی حمل الشیخ الروایات الدالة علی التخییر بین الجهر والإخفات علی التقیة 53

عدم وجوب الجهر علی المرأة............................................... 60

مستحبات القراءة

الجهر بالبسملة........................................................... 61

- قراءة السور المعیّنة...................................................... 62

- قراءة الجمعة والمنافقین فی ظهری الجمعة.................................. 64

مسائل فی القراءة

حرمة قول « آمین » فی آخر الحمد......................................... 64

وجوب الموالاة فی القراءة................................................... 66

وحدة سورتی « الضحی » و « ألم نشرح » و سورتی « الفیل » و « الإیلاف » 66

التخییر بین الحمد والتسبیح فی الثالثة والرابعة................................ 69

ص: 451

ما یُجزی من التسبیح فی الأخیرتین.......................................... 69

حکم الإخفات بالتسبیحات................................................ 74

الرکوع

رکنیة الرکوع........................................................... 76

وجوب الانحناء فیه وتحدیده................................................ 76

حکم العاجز عن الانحناء................................................... 77

بحث حول رکنیة القیام المتصل بالرکوع..................................... 78

وجوب التسبیح فی الرکوع................................................ 79

وجوب ضمّ « وبحمده » إلی التسبیحة الکبری............................... 80

إشارة إلی معنی التسبیح.................................................... 84

حکم التکبیر للرکوع..................................................... 85

مستحبات الرکوع

رفع الیدین بالتکبیر....................................................... 85

- التسبیح ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو ....................................... 86

- السمعلة بعد رفع الرأس................................................. 87

السجود

وجوب السجود علی الأعضاء السبعة....................................... 87

عدم جواز کون موضع السجود أعلی من قدر لبنة........................... 87

النهدی الذی یروی عنه ابن محبوب هو : الهیثم بن أبی مسروق الفاضل......... 87

حکم السبق بالیدین إلی الأرض عند الهویّ للسجود.......................... 88

مستحبات السجود

مساواة موضع السجود للموقف............................................ 88

ص: 452

- الإرغام بالأنف........................................................ 88

- أن یجلس عقیب السجدة الثانیة مطمئنّاً................................... 88

- الدعاء عند القیام إلی الرکعة الأخری..................................... 89

کراهة الإقعاء بین السجدتین............................................... 90

حکم من کان بجبهته دمل................................................. 91

وجوب السجود عند قراءة العزائم علی القارئ والمستمع...................... 92

بحث حول ما ذکره الصدوق من أنّه لا یعمل بما تفرّد محمد بن عیسی عن یونس. 92

اشتراط الطهارة والستر والاستقبال فی سجود العزائم......................... 92

اشتراط وضع الجبهة علی ما یصح السجود علیه.............................. 93

فوریّة وجوب سجود العزائم............................................... 93

التشهد

ما یجزئ من الشهادتین.................................................... 94

وجوب الصلاة علی النبی وآله.............................................. 94

التسلیم

أدلّة القائلین باستحباب التسلیم والجواب عنها................................ 95

أدلّة القائلین بوجوب التسلیم............................................. 104

إشارة إلی أنّ عثمان بن عیسی من أصحاب الإجماع ، وسماعة ثقة............ 110

إشارة إلی أنّ أبا بصیر مشترک بین ثلاث ثقات............................. 110

صور التسلیم وبیان الأقوال فیها........................................... 114

مستحبات الصلاة

- التوجه بست تکبیرات................................................ 118

أبو بصیر لیث المرادی ثقة کما أنّ یحیی بن القاسم ثقة أیضاً.................. 119

ص: 453

حکم نسیان القنوت..................................................... 119

- النظر فی حال الرکوع إلی ما بین رجلیه................................. 119

- التعقیب............................................................. 120

قواطع الصلاة

بطلان الصلاة بما یبطل الطهارة........................................... 121

بیان الأقوال فی المسألة................................................... 124

بطلان الصلاة بالتکفیر................................................... 129

بطلان الصلاة بالالتفات................................................. 130

بطلان الصلاة بالکلام عمداً.............................................. 132

بطلان الصلاة بالقهقهة.................................................. 132

بطلان الصلاة بالفعل الکثیر.............................................. 133

بطلان الصلاة بالبکاء لشیء من أمور الدنیا................................ 133

بطلان الصلاة بالأکل والشرب........................................... 134

کراهة التأوّه فی الصلاة.................................................. 134

الکلام فی تسمیت العاطس............................................... 134

کلمة فی جواز ردّ السلام فی أثناء الصلاة.................................. 135

حرمة قطع الصلاة إختیاراً................................................ 136

صلاة الجمعة

حکمها فی زمان الغیبة................................................... 136

تحقیق فی أنّ صیغة الأمر لا تدلّ علی التکرار............................... 137

أدلّة القائلین بالوجوب العینی والجواب عنها :

الأوّل : الآیة الشریفة.................................................... 137

الثانی : الروایات........................................................ 139

المناقشة فیما قاله الشهید فی رسالته من إثباته الوجوب العینی لصلاة الجمعة..... 153

ص: 454

أدلّة القائلین بعدم الوجوب العینی......................................... 183

وقت صلاة الجمعة...................................................... 190

شرائط صلاة الجمعة

السلطان العادل......................................................... 191

أدلّة القائلین بعدم الاشتراط والجواب عنها................................. 191

حکم ما لو مات الإمام فی أثناء الصلاة.................................... 207

- العدد............................................................... 208

- الخطبتان............................................................. 209

اشتراط کون الخطبة العربیّة.............................................. 209

حکم إیقاع الخطبتین قبل الزوال.......................................... 209

وجوب تقدیم الخطبتین علی الصلاة........................................ 213

وجوب کون الخطیب قائماً.............................................. 213

هل یجب اتحاد الخطیب والإمام........................................... 213

اشتراط الطهارة فی الخطبتین.............................................. 213

- الجماعة............................................................. 214

حکم ما لو أقیمت جمعتان............................................... 214

شرائط من تجب علیه الجمعة

أن لا یکون بینه وبین الجمعة أزید من فرسخین............................. 218

هل تجب الجمعة علی فاقد الشرط لو حضر................................ 219

هل ینعقد عدد الجمعة بحضور فاقد الشرط................................. 219

مسائل تتعلق بالصلاة الجمعة

حرمة السفر یوم الجمعة.................................................. 220

حرمة الکلام أثناء الخطبة................................................. 224

ص: 455

شرائط إمام الجمعة

أن یکون بالغاً.......................................................... 225

- أن یکون عادلاً...................................................... 226

- أن لا یکون سفیهاً................................................... 226

- أن لا یکون أغلفاً.................................................... 226

- أن یکون من أهل الولایة.............................................. 227

- أن یکون طاهراً من حیث الولادة...................................... 227

بِمَ تعرف العدالة؟....................................................... 229

حرمة البیع بعد النداء.................................................... 232

أدلّة القول بعدم جواز فعل الجمعة فی زمان الغیبة............................ 234

حکم من لم یتمکن من السجود مع الإمام.................................. 236

سنن یوم الجمعة

التنفل بعشرین رکعة.................................................... 236

- المباکرة فی المضی إلی الجمعة........................................... 237

- حلق الرأس وأخذ الشارب............................................ 237

- أن یسلم الإمام إذا صعد المنبر.......................................... 237

- العدول إلی سورتی الجمعة والمنافقین إن سبق بغیرهما...................... 237

صلاة العیدین

شرائط صلاة العیدین.................................................... 241

تحقیق حول الإجماع المنقول بخبر واحد..................................... 244

حکم الخطبتین.......................................................... 245

حکم صلاة العیدین مع فقد بعض الشرائط................................. 247

وقت صلاة العیدین...................................................... 247

ص: 456

سقوطها بفوات الوقت................................................... 247

کیفیة صلاة العیدین

محل التکبیرات.......................................................... 248

حکم القنوت........................................................... 248

وجوب قراءة سورة بعد الحمد فی صلاة العیدین............................. 251

حکم نسیان التکبیرات أو بعضها......................................... 253

سنن صلاة العیدین

الإصحار بها............................................................ 254

- الأکل قبل الخروج فی الفطر وبعد العود فی الأضحی...................... 254

- التکبیر فی العیدین.................................................... 255

حکم التنفل قبل الصلاة وبعدها........................................... 256

مسائل :

الخطبتان فی العیدین بعد الصلاة........................................... 258

عدم وجوب استماع الخطبة.............................................. 258

أبو بصیر مشترک بین الثقتین.............................................. 258

صلاة الکسوف

وقت صلاة الکسوف................................................... 258

وقت صلاة الآیات فی غیر الکسوفین والزلزلة.............................. 260

وقت الصلاة فی الزلزلة.................................................. 262

وجوب القضاء مع التفریط والنسیان...................................... 263

حکم تزاحم صلاة الکسوف مع فریضة حاضرة............................ 264

ص: 457

صلاة الأموات

من یصلّی علیه : وجوب الصلاة علی کل مسلم............................ 266

وجوب الصلاة علی الطفل الذی بلغ ست سنین............................ 266

إشارة إلی أنّ سهل بن زیاد لیس بعامّیّ.................................... 267

من یصلّی علیه :

أولی الناس بالصلاة علی المیت أولاهم بمیراثه............................... 267

حکم اقتداء النساء بالرجل فی صلاة الأموات............................... 268

کیفیّة صلاة المیت

وهی خمس تکبیرات..................................................... 268

حکم الشکّ فی عدد التکبیرات........................................... 268

حکم الدعاء بین التکبیرات............................................... 269

عدم وجوب الستر فیها.................................................. 269

عدم جواز تباعد المصلّی عن الجنازة....................................... 270

کیفیة الصلاة علی فاقد الکفن............................................ 270

سنن صلاة الجنازة

وقوف الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة................................ 270

- رفع الیدین بالتکبیرات................................................ 271

تعریف المستضعف...................................................... 271

- الدعاء للمیت فی الرابعة............................................... 271

- الصلاة فی المواضع المعتادة.............................................. 271

حکم الصلاة علی الجنازة الواحدة مرتین................................... 272

وهب بن وهب عامیّ................................................... 272

ص: 458

یظهر من الأخبار أنّ غیاث بن کلوب عامیّ................................ 272

أحکام صلاة الجنازة

حکم من أدرک بعض التکبیرات مع الإمام................................. 273

حکم ما لو دفن المیت بغیر صلاة.......................................... 273

بعض الصلوات

المرغبات صلاة الاستسقاء................................................ 274

نافلة شهر رمضان....................................................... 274

الخلل الواقع فی الصلاة

بطلان الصلاة بفعل ما لا یجوز فعله....................................... 275

حکم الوضوء بالماء المغصوب............................................. 275

حکم الصلاة بجلد المیتة.................................................. 276

حکم الإخلال برکن سهواً............................................... 277

حکم من زاد فی صلاته رکعة............................................ 279

حکم من نقص من صلاته رکعة.......................................... 280

بطلان الصلاة بترک السجدتین............................................ 281

حکم الإخلال بواجب غیر رکن.......................................... 282

أحکام الشک

بطلان الصلاة بالشک فی الثنائیّة والثلاثیة.................................. 285

حکم ما لو شک فی شیء من أفعال الصلاة بعد التجاوز عن المحلّ............. 286

بطلان الصلاة بالشک فی الأولیین من الرباعیّة.............................. 289

بطلان الصلاة إذا لم یدر کم صلّی........................................ 291

حکم الشک بین الاثنین والثلاث.......................................... 292

ص: 459

حکم الشکّ بین الثلاث والأربع.......................................... 297

حکم الشکّ بین الاثنین والأربع.......................................... 297

حکم الشکّ بین الاثنین والثلاث والأربع.................................. 298

کلمة فی أنّ مراسیل ابن أبی عمیر فی حکم المسانید.......................... 299

حکم الظن............................................................. 300

لزوم عدم تخلل المنافی بین الصلاة وصلاة الاحتیاط.......................... 307

حکم السهو فی السهو................................................... 312

حکم الشک فی الشک................................................... 312

فی بیان المراد من قوله علیه السلام : ولا علی السهو سهو.......................... 314

فی بیان المراد من قوله علیه السلام : ولا علی الإعادة إعادة........................ 315

حکم سهو الإمام أو المأموم............................................... 315

حکم کثیر السهو....................................................... 316

الرجوع فی کثرة السهو إلی العادة......................................... 318

حکم الشک فی النافلة................................................... 318

مواضع وجوب سجدتی السهو............................................ 320

محلّ سجدتی السهو بعد التسلیم........................................... 328

وجوب التشهد والتسلیم فی سجدتی السهو................................. 328

صورة الذکر فی سجدتی السهو........................................... 328

حکم إهمال سجدتی السهو............................................... 329

قضاء الصلوات

موارد سقوط القضاء.................................................... 329

هل الکافر مخاطب بالقضاء أو لا؟........................................ 330

حکم قضاء ما فات عن غیر المؤمن من فرق المسلمین........................ 330

حکم أکل ما یؤدی إلی الإغماء أو الحیض................................. 331

وجوب الترتیب فی قضاء الفوائت......................................... 332

ص: 460

حکم اجتماع الفائتة مع الحاضرة.......................................... 332

حکم مع فاتته فریضة غیر معیّنة من الخمس................................ 340

قتل تارک الصلاة مستحلاً................................................ 341

صلاة الجماعة

مواضع استحباب الجماعة وتأکدها........................................ 342

عدم جواز الجماعة فی النافلة.............................................. 344

استحباب الجماعة فی خصوص صلاة الغدیر................................ 344

اشتراط عدم الحائل بین الإمام والمأموم وبین الصفوف....................... 345

اشتراط عدم کون الإمام أعلی من المأموم مکاناً............................. 349

إشارة إلی حال محمد بن عبد الله بن زرارة.................................. 351

عدم جواز تباعد المأموم بما یخرج عن العادة................................. 352

وجوب متابعة الإمام فی الأفعال........................................... 352

هل تجوز المقارنة؟....................................................... 354

حکم ما لو رفع المأموم رأسه قبل الإمام عمداً.............................. 355

غیاث بن إبراهیم بتری عامیّ............................................. 357

حکم ما لو رفع المأموم رأسه قبل الإمام عمداً.............................. 357

غیاث بن إبراهیم بتری عامیّ............................................. 357

حکم ما لو رفع المأموم قدام الإمام........................................ 357

هل تجب علی الإمام نیة الإمامة فی الجماعة الواجبة؟......................... 358

وجوب نیة الائتمام بإمام معیّن............................................ 359

عدم اشتراط تساوی فرض الإمام والمأموم.................................. 359

حکم اقتداء المتنفل بالمفترض وبالعکس..................................... 361

استحباب إعادة المنفرد صلاته إذا وجد جماعة.............................. 361

کیفیة نیّة من أراد أن یعید صلاته جماعة................................... 361

بعض شرائط إمام الجماعة

أن یکون بالغاً.......................................................... 363

ص: 461

عدم جواز إمامة الأمیّ القارئ............................................ 363

عدم جواز إمامة المرأة للرجل............................................. 363

عدم جواز إمامة المُلحِن بالمُتقن............................................ 364

أولویّة إمامة صاحب المسجد والمنزل....................................... 364

حکم تشاحّ الأئمة...................................................... 366

کراهة استنابة المسبوق................................................... 368

حکم إمامة الأجذم...................................................... 368

کراهة إمامة الأغلف.................................................... 368

حکم ائتمام المتطهر بالمتیمم............................................... 368

بحث رجالی حول عباد بن صهیب........................................ 368

أحکام صلاة الجماعة

حکم ما لو علم المأموم بعد الصلاة بأن الإمام ما کان واجداً للشرائط......... 369

حکم من یقف إلی جانب المحراب......................................... 370

حکم مفارقة الإمام...................................................... 371

جواز العدول من الفریضة إلی النافلة لإدراک الجماعة........................ 374

حکم من أدرک الإمام فی أثناء الصلاة...................................... 375

جواز تسلیم المأموم قبل الإمام............................................. 378

تحقیق رجالی حول طلحة بن زید.......................................... 378

أحکام المساجد

استحباب اتخاذ المساجد غیر مسقفة....................................... 379

استحباب کون المیضاة علی أبوابها........................................ 379

آداب الدخول فی المسجد................................................ 379

حکم زخرفة المساجد ونقشها بالصور..................................... 380

حرمة إدخال النجاسة إلیها إذا استلزم تنجیس المسجد....................... 380

کراهة جعل المحاریب داخلة فی الحائط..................................... 380

ص: 462

کراهة انفاذ الأحکام وإنشاد الشعر فیها................................... 381

حکم البصاق والتنخّم فیها............................................... 382

صلاة الخوف

کیفیة الجمع فی صلاة الخوف............................................. 382

حکم الخائف من سیل أو سَبُع............................................ 383

صلاة المسافر

شروط التقصیر :

الأوّل : المسافة.......................................................... 384

مقدار المیل............................................................. 385

حکم ما لو کانت المسافة أربعة فراسخ وأراد الرجوع لیومه................. 385

حکم التردد فی ثلاثة فراسخ.............................................. 394

الثانی : قصد المسافة

حکم منتظر الرفقة فی الطریق............................................. 394

الثالث : عدم قطع السفر بالوصول إلی الوطن.............................. 395

بیان المراد من الوطن الذی یتمّ فیه......................................... 397

هل یعتبر الملک فی الوطن................................................. 398

فی معنی الاستیطان....................................................... 400

الرابع : أن یکون السفر سائغاً............................................ 403

اشتراط استدامة إباحة السفر............................................. 403

حکم الخروج للصید.................................................... 404

الخامس : أن لا یکون سفره أکثر من حضره............................... 405

الضابط فی کثرة السفر.................................................. 405

إسماعیل بن مرار ثقة..................................................... 408

خروج بعض الروایة عن الحجّیة لا یقتضی خروج الکل عنها................. 408

ص: 463

حکم ما لو أقام کثیر السفر خمسة أیّام فی بلده............................. 409

السادس : تواری جدران البلد أو خفاء أذانه............................... 410

هل الشرط خفاء أحدهما أو هما معاً....................................... 411

المعتبر فی التواری : تواری الانسان الذی عند البیوت عن المسافر............. 412

یعتبر هذا الشرط فی العود من السفر أیضاً................................. 413

فی بیان نیّة الإقامة....................................................... 415

قول السید صدر الدین فی المقام........................................... 416

حکم الخروج من موضع الإقامة إلی المسافة................................. 419

حکم المتردد فی الإقامة عشراً............................................. 420

حکم الصلاة فی المواطن الأربعة........................................... 421

حمل الروایة الدالة علی التخییر بین القصر والإتمام علی التقیة................. 428

وجوب القصر فی هذه المواطن إذا ضاق الوقت إلاّ عن أربع.................. 432

وجوب إعادة الصلاة لو أتمّ المقصر عامداً.................................. 434

حکم ما لو أتمّ المقصر جاهلاً............................................. 435

حکم ما لو أتمّ المقصر ناسیاً.............................................. 437

بطلان الصلاة لو قصر المسافر اتفاقاً....................................... 439

حکم ما لو دخل وقت الصلاة فسافر..................................... 439

إذا عزم علی الإقامة فی غیر بلده عشرة أیّام ثمّ خرج إلی ما دون المسافة........ 441

حکم من دخل فی صلاته بنیة القصر ثم عنّ له الإقامة....................... 446

حکم قضاء صلاة السفر فی الحضر وبالعکس............................... 447

ص: 464

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.