ظُرُوفُ صُلْحِ الإِمامِ الحَسَن علیه السّلام

هويّة الكتاب

اسم الكتاب: ظروف صُلح الإمام الحسن علیه السّلام.

المؤلّف: عليّ السيّد محمّد حسين الحكيم.

الطبعة: الرابعة.

سنة الطبع: 1442 ه-/ 2021 م.

حجم ورق الكتاب: 14/8*21 سم (A5).

الإخراج الفني وتصميم الغلاف: أحمد الرصافيّ.

جميع الحقوق محفوظة

المتبرع الدیجیتالي : مركز خدمة مدرسة إصفهان

المحرّر: محمدرضا دهقان زاد

ص: 1

اشارة

اسم الكتاب: ظروف صُلح الإمام الحسن علیه السّلام.

المؤلّف: عليّ السيّد محمّد حسين الحكيم.

الطبعة: الرابعة.

سنة الطبع: 1442 ه-/ 2021 م.

حجم ورق الكتاب: 14/8*21 سم (A5).

الإخراج الفني وتصميم الغلاف: أحمد الرصافيّ.

جميع الحقوق محفوظة

خيرانديش ديجيتال: مركز خدمة مدرسة اصفهان

المحرّر: محمدرضا دهقان زاد

ص: 2

ظروف

صُلح الإمام الحسن علیه السّلام

عَليّ السِید مُحَمَّدحُسَین الْحَكیم

كلمة أُلقِيَتْ بمناسبة ولادة الإمام الحسن علیه السّلام في مهرجان الحلة،

الذي أُقيم في مدينة الحلة في جامعة بابل.

ص: 3

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 5

ص: 6

مُقدّمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

السلام عليكم أيّها الحضور الكريم ...

السلام على صاحب الذكرى، مَنْ شرَّفَ الكون بولادته الكريمة في هذا الشهر العظيم، وفي هذه الأيام المباركة.

أعتذر إلى الحضور الكريم لِما قد يبدر منّي من تقصير في عدم الوفاء لحقّ صاحب الذكرى، فإنّي أقلّ من أنْ أوفّي له علیه السّلام جزءاً يسيراً من حقّه علينا، مع قلّة البضاعة، وعظم صاحب الذكرى، ومستوى الحضور الكريم، ولكن ما لا يُدرك كُلّه لا يترك جُلّه.

كثيراً ما يرتبط اسم الإمام الحسن علیه السّلام وذكراه مع قضية الصلح، وكأنَّ الإمام علیه السّلام قد خرج عن وظيفته التي كُلِّف بها، أو قَصَّر في أداء واجبه كإمام، ويُقارن دائماً بين صلحه علیه السّلام وبين ثورة أخيه الإمام الحسين علیه السّلام، وكأنَّه كان ينبغي له أيضاً أنْ يكون ثائراً، وأن يُقتل، مع إغفال دور الأنبياء والأوصياء، بل حتى سائر الأئمة علیهم السّلام غیر الحسين علیه السّلام.

ص: 7

وممّا يُوجب هذه المقارنة شدّة الارتباط بين الإمامين الحسن والحسين علیهم السّلام، و قُرْب العهد فيما بينهما، مع ما أحدثته ثورة الإمام الحسين علیه السّلام من انعطافة تأريخيّة في تأريخ الإسلام ومسيرته الخالدة في محاربة الظلم والدعوة لإصلاح النظام السياسي فيه، والثورة ضد الطغاة، بعد ما أحدث فيه بنو أمية من ظلم وخروج عن مسيرته الحقّة.

لكنْ إذا نظرنا إلى دور الأنبياء والأوصياء والمصلحين؛ لم نجد أنَّ لغة القتل والحرب هي اللغة السائدة في خطابهم في أثناء ممارستهم لعمليّة الإصلاح والوقوف بوجه الظلمة؛ بل يلجؤون إليها عند الضرورة، وذلك بعد استنفاد كلّ السُّبُل الأخرى، كما يُقال : ( آخر الدواء الكَيّ).

فمثلاً؛ خاطب الله تعالى نبيَّیهِ: موسى وأخاه هارون علیهما السّلام - حينما بعثهما لمواجهة فرعون المتجاهر بدعوى الربوبية - قائلاً: «فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى»(1)، ولم يأمرهما بالقتل.

وهكذا لما بعث الله تعالى نبيّه الكريم محمداً صلّی الله علیه و آله قال: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ»(2)، وما يُشاع أنّه بُعث بالسيف، فهو ذريعة لمن اتخذ منهج القتل والترويع باسم الدين، وليس هو واقع سيرة النبي صلّی الله علیه و آله وما بُعث من أجله .

ص: 8


1- سورة طه: الآية 44
2- حدیث مشهور

ولذا كان أول ما بُعث به صلّی الله علیه و آله : «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ»(1)، يعني : علَّم الإنسان القراءة، والكتابة، والعلم، والمعرفة، ولم يقل : علَّمه القتل بالسيف.

ثُمّ أمره تعالى بالإنذار والإبلاغ فقال: «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»(2)، ولم يقل له: اقتل من عشيرتك من لم يؤمن بك، وكذلك لمّا خُوطب بإعلان الدعوة: «فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ»(3).

ثم توالت الآيات الكثيرة المُبيّنة أنَّ دوره صلّی الله علیه و آله تبليغيٌّ، وليس دوراً قمعياً، قال تعالى: «وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ»(4)، و قال جلّ اسمُه: «فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اِهْتَدَوْا وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ اَلْبَلاغُ وَ اَللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ»(5)، وقال عزّوجلّ: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ»(6)، وقال سبحانه: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ»(7).

ص: 9


1- سورة العلق: الآيات: 1-4
2- سورة الشعراء: الآية 214
3- سورة الحجر: الآية 94
4- سورة فاطر : آخر الآية 22 مع الآية 23
5- سورة آل عمران: من الآية 20
6- سورة يونس: الآية 99
7- سورة البقرة: من الآية 256

ولمّا اشتدّ عليه الظلم من قومه، أمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، ثم هاجر هو ومن بقي معه إلى المدينة، وخَطب فيها في أوّل جمعة فقال فيما قال: «أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ أرسَلَهُ بِالهَديِ وَ النُّورِ وَ الْمَوْعِظَهِ»(1)، ولم يَذْكُر القتل ولا السيف.

ولم يلجأ إلى خيار الحرب إلا بعد أني اضطرّ إليه لأجل نشر الدعوة، وخوفه على بيضة الإسلام من المشركين و المعارضين للدعوة، الذين أَخذوا يتربّصون بها وبمعتنقيها من أجل القضاء عليها.

فنفهم من ذلك أنّ الدور المناط بالأنبياء والأوصياء هو حفظ الدين، بكل ما كلَّفهم الله به من وسائل مشروعة، وإنْ كانت بذل أموالهم، أو أنفسهم، أو غير ذلك مما يقتضيه حفظ الدين، وإبلاغ تعاليم السماء، وإصلاح الأمة، ولذا نجد أنّ الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام لمّا أُرغِم على ترك الخلافة ومبايعة الأوّل -مع أنّ الخلافة كانت حقاً شرعياً له علیه السّلام - ترك المطالبة بحقّه بالسيف؛ لأجل الحفاظ على الدين، وهذه هي مهمّته بالأساس، وذكر ذلك في بعض خطبه فقال: «فما راعَني إلّا انثِيالُ الناس على أبي بكرٍ وإجفالُهُم إليه ليُبايعوه، فأمسكُ يَدِي ورأيتُ أنّي أحقُّ بِمَقامّ مُحمّدٍ صلّی الله علیه و آله في الناس ممّن تولّى الأمرَ

ص: 10


1- تاريخ الطبري: 2/ 115، بحار الأنوار: 86/ 232

مِن بعده، فلبثُ بذلك ما شاء اللهُ، حتى رأيتُ راجِعةً مِن الناس رجعتْ عن الإسلام يَدعُون إلى مَحْقِ دين اللهِ ومِلةِ مُحمّدٍ صلّی الله علیه و آله، فخَشیتُ إِنْ لَم أَنصُرِ اَلْإِسلامَ و اهلَهُ، أَن أَری فیه ثَلْماً و هَدْماً، یکونُ المُصابُ بهما علیَّ أَعظمَ مِنْ فَواتِ وِلایهِ أُمرِکُم التی إِنّما هی مَتاعُ أَیَّامٍ قلائلَ، ثُمّ یزولُ ما کانَ منها کما یزولُ السَّرابُ»(1).

وهذا هو دور الإمام الحسن علیه السّلام لأنه وَصِىّ رسول الله صلّی الله علیه و آله، إذ ليس دوره مقتصراً على الحرب والقتال حتى نحاول أن نجد له المبرّرات التي دعته إلى الصلح، وكأنَّه قد أخطأ مهمّته التي وُكّل بها حين إمامته، ولذا نجد كثيراً من الكُتّاب يحاول أن يُبرّر الصلح للإمام علیه السّلام وكأنّه كان من اللازم عليه القتال وهو تخلّى عن واجبه!

ومع ذلك لم يترك الإمام علیه السّلام هذا الخيار، بل قام بكِلِا الأمرين؛ الدعوة بالحسنى أوّلاً، ثم إعداد العُدّة للحرب والقتال ثانياً؛ إسقاطاً للتكليف الشرعيّ بوجود مَن به الكفاءةُ للقتال، ولكن كانت هناك عدّة عوامل أحاطت بالإمام علیه السّلام في مُدّة إمامته مَنَعَتْهُ من المعركة، وألجأَتْهُ إلى خيار الهدنة والصلح؛ حفاظاً على الدين وحَمَلَته الحقيقيِين.

هذه الظروف جعلت من انتصار الإمام علیه السّلام في المعركة وكسب ثمارها حتى من طريق الشهادة - مستحيلاً، وعَرَفَ الإمام علي علیه السّلام

ص: 11


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 6/ 95 (خطبته علیه السّلام الا بعد شهادة محمد بن أبي بكر)

أنّ النتائج ستكون خسارة للدين، ولا يكون الرابح فيها إلّا الحاكم الظالم، ولذا فإنّ الإمام الحسن علیه السّلام عَلِمَ أنّ انتصاره على عدوّه لا يكون إلا بصُلحه مع معاوية؛ ليكشف للناس التزامه علیه السّلام بمبادئ الدين الحنيف التي جاء بها الرسول الأكرم صلّی الله علیه و آله، ويُبيّن غَدْر معاوية، ونكثه للعهد، ويُبيّن أنّه إنّما يطلب الخلافة للدنيا، وليس للحفاظ على الدين، فيعلم الناس أنّ هذا هو شأن بني أمية، فكان ذلك منه علیه السّلام تمهيداً وإعداداً الثورة الإمام الحسين علیه السّلام .

وسنتعرض بهذه العجالة لأربعة عوامل بنحو من الاختصار، لو كانت قد تهيَأت للإمام الحسن علیه السّلام کا تهيَأت للإمام الحسين علیه السّلام لَقادَ المعركة، و لَكانت له ثورة كثورة سيد الشهداء علیه السّلام التي کُتِب لها النجاح والخلود بسبب هذه العوامل، وهذه العوامل هي:

الأول: القائد الناجح الكُفء لقيادة المعركة.

الثاني: الجيش المتمسّك بالمبادئ التي يُقاتِل من أجلها .

الثالث: نوع العدو الذي يُواجَه في المعركة.

الرابع: الظروف المحيطة بالمعركة.

***

ص: 12

الاوّل

القائد الناجح الكُفء لقيادة المعركة

اختار الإمام الحسن علیه السّلام (عبيد الله بن العباس) قائداً لجيشه؛ وذلك لمؤهّلاتٍ وجدها الإمام علیه السّلام فيه تؤهّله أن يكون قائداً ناجحاً.

منها: كونه من بني هاشم؛ وقد عُرِفوا بالشجاعة، والإيان بالرسالة، والمبدأ الحقّ.

ومنها: كونه رَحِماً له؛ لأنّه ابن عمه، والرحِم أولى بعدم خذلان رَحِمه عند الشدة.

ومنها: أنّه كان والياً للإمام أمير المؤمنين علیه السّلام على اليمن، فهو خبيرٌ بالشؤون القيادية والعسكرية.

ومنها: كونه موتوراً من معاوية، بسبب قتل وَلَديه، - وجنون أمهما بسبب ذلك - على يد قائد جيشه بسر بن أرطاة حين غَزوِه لليمن.

فوجّه الإمام علیه السّلام كتيبةً عِدادها اثنا عشر ألف مقاتل، وأمَّره عليهم؛ استعداداً لخوض المعركة مع معاوية، ولكن كلّ هذه المؤهّلات لم تقف أمام شهوة المال وحب الدنيا، فما إنْ كتب إليه معاوية، وأغراه بالدراهم التي بعث له منها نصف ما وعده به ،

ص: 13

ونصف عند الالتحاق به - أخذ معه جمعاً من أصحابه، وانحاز لجيش معاوية، فأصبح الجيش لصلاة الصبح من دون قائد، وتدارك الأمر قیس بن سعد بن عبادة، فصلّى صلاة الصبح بالجيش وخطب فيهم مُهدِّئاً من روعهم.

ولكنّ بعض المؤرّخين لم يدرك ذلك، وزاد في ظلامة الإمام علیه السّلام فتصوّر أنّ الإمام علیه السّلام بتأميره (عبيد الله ) كان راغباً في الصلح، وليس لمؤهّلات (عبيد الله)، أو لحُسْن إدارة عسكرية من الإمام علیه السّلام!!

فمثلاً؛ وقع الطبري بهذا الخطأ الفظيع، فقال: «عن الزهري قال جعل علي علیه السّلام قیس بن سعد على مقدمته من أهل العراق إلى قِبَلِ أذربيجان، وعلى أرضها وشرطة الخميس التي ابتدعتها العرب، وكانوا أربعين ألفاً بايعوا عليّاً علیه السّلام على الموت، ولم يزل قيس یُداري(1) ذلك البعث حتى قُتل علي علیه السّلام واستخلف أهل العراق الحسن بن علي علیه السّلام على الخلافة، وكان الحسن علیه السّلام لا يرى القتال، ولكنه يريد أن يأخذ لنفسه ما استطاع من معاوية ثم يدخل في الجماعة، وعرف الحسن علیه السّلام أن قیس بن سعد لا يوافقه على رأيه، فنزعه وأمّر عبيد الله بن عباس، فلما علم عبيد الله بن عباس بالذي يريد الحسن علیه السّلام أن يأخذه لنفسه، كتب إلى معاوية يسأله الأمان، ويشترط لنفسه على الأموال التي أصابها، فشرط ذلك له معاوية»(2).

ص: 14


1- في بعض النسخ: یُدارئ (بالهمز)
2- تاريخ الطبري: 4/ 121

ولكنَّ حقيقة الأمر ليست کا ذكره الطبري، بل ما ذكرناه وغيره من المؤهلات التي أوجبت جعل (عبيد الله) قائداً، ثُمّ وإنْ خَلَفَه قیس بن سعد، لكنّه أيضاً لم يتمكّن من السيطرة على تخاذل الجيش ورغبته في الصلح، وكذلك تخاذل بقية قوّاد الكتائب الأخرى.

وبعد ذلك أرسل الإمام علیه السّلام كتيبة أخرى بأربعة آلاف، وكانت بقيادة رجل من کنده، وأمره الإمام علیه السّلام أن يُعسكر بالأنبار، ولا يُحدِث شيئاً حتى يأتيه الأمر من الإمام علیه السّلام، فلما عَلِمَ به معاوية كتب له کتاباً، يقول فيه:

«إنك إن أقبلتَ إليّ ولّيتُك بعض کُوَ رِالشام أو الجزيرة غير منفِس عليك. وأرسل إليه بخمسمائة ألف درهم، فقبض الكندي -عدو الله - المال، وقلب على الحسن علیه السّلام وصار إلى معاوية في مائتي رجل من خاصّته وأهل بيته»(1).

وعَلِمَ الإمام علیه السّلام بذلك، فخطب وقال في بعض ما قال: «هذا الكندي توجّه إلى معاوية، وغدر بي وبكم، وقد أخبرتُكم مرة بعد أخرى أنه لا وفاء لكم، أنتم عبيد الدنيا، وأنا موجّه رجلاً آخر مكانه، وأنا أعلم أنه سيفعل بي وبكم ما فعل صاحبه، لا يراقب اللهَ فيَّ ولا فيكم»(2).

ص: 15


1- الخرائج والجرائح، الراوندي : 2/ 575
2- المصدر نفسه والصفحة نفسها

ثم أرسل كتيبة أخرى بأربعة آلاف، وجعلها بقيادة رجل من مراد، و حَلَفَ للإمام علیه السّلام بالأيمان أنّه لا يغدر، فلما توجّه للأنبار أرسل إليه معاوية كما أرسل لصاحبه، فأنحاز إلى معسكر معاوية غير مُبالٍ بما أعطى للإمام علیه السّلام من مواثيق وعهود.

وخطب الإمام علیه السّلام وقال: «قد أخبرتُكم مرة بعد مرة أنّكم لا تَفونَ لِلهِ بعهودٍ، وهذا صاحبُكم المرادي غدر بي وبكم، وصار إلى معاوية»(1).

فكيف يمكن للإمام علیه السّلام أن يُقاتل بهكذا نفوس؟! وهم يُعدّون من قادة الجيش، فكيف بعموم الناس الذين هم عموم أفراد الجيش ؟!

لكنْ لمّا أتيح هذا العامل للإمام الحسين علیه السّلام كان سبباً في إصراره على المعركة حتى النصر أو الشهادة، حيث كان قائد معسكره أخاه أبا الفضل العباس علیه السّلام، وقائد الأنصار حبيب بن مظاهر الأسدي (رضوان الله عليه)، فثبت الحسين علیه السّلام بهم کما ثبتوا هم على المبدأ الحق لحين الشهادة، ولم يخذل الحسين علیه السّلام أبو الفضل العباس علیه السّلام، ولا حبيب الأسدي (رضوان الله عليه)، ولا مَن كان تحت قيادتهما من أهل البيت والأنصار، حتى استُشهدوا بين يديه .

***

ص: 16


1- الخرائج والجرائح، الراوندي: 2/ 575

الثاني

الجيش المتمسّك بالمبادئ التي يُقاتِل من أجلها

بما أنّ الإمام علیه السّلام كان في الكوفة بعد شهادة أبيه علیه السّلام، فقد أخرج الجيش منها، ومجتمع الكوفة في ذلك الوقت لم يكن كلّه موالياً للإمام علیه السّلام، بل ولا أكثره؛ لأنّ الكوفة كانت خليطاً غير متجانس، أكثره غير موالٍ للإمام علیه السّلام.

فقسم منها يَدين بالولاء إلى بني أمية، كعمرو بن حریث، وعمارة بن الوليد، وعمر بن سعد، وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري، وغيرهم، وهؤلاء كان لهم دور كبير وفاعل في تخذيل الجيش عن الخروج للقتال ضد معاوية، وكانت لهم مکاتبات بالسمع والطاعة له، وهم الذين كاتبوا معاوية أنْ لو شئت سلَّمنا لك الحسن علیه السّلام مكتوفاً يداً بيد .

وقسم آخر من الخوارج، وهم وإن لم يكن لهم عدد كبير بعد انهزامهم في معركة النهروان، إلّا أنّهم أصحاب فكر، ولهم دور كبير أيضاً في تثبيط عزائم الناس عن الخروج للمعركة، والتشكيك بإمامة الإمام الحسن علیه السّلام، وعدم الطاعة له، وكان دورهم كبيراً في التأثير؛ لِما يظهر من مغريات كلامهم، وما يظهر عليهم من الصلاح والنصح.

ص: 17

وقسم آخر يُسمَّون بالحُمَراء، وهم هجين من موالٍ وعبید، بعضهم من بقايا سبايا بلاد فارس، أسكنهم عمر بن الخطاب الكوفة، وذكر الطبري أنَّ عددهم في الكوفة كان قرابة عشرين ألف، حتى كانت توصف الكوفة في بعض الأحيان بالحمراء لظهورهم فيها، وهؤلاء لم يكن يُعرف لهم ولاء لأهل البيت علیهم السّلام أصلاً، بل قد يظهر من بعض الدلائل أنّ أكثر من خرج لحرب الحسين علیه السّلام كان منهم.

وقد تبين حال هذا الخليط من أهل الكوفة جلياً لمًا عزم الإمام الحسن علیه السّلام على القتال، ونادي بالصلاة جامعة، فلما صعد المنبر قال في جملة ما قال: «أما بعد: فإنّ اللَه كتب الجهاد على خلقه وسمّاهُ کُرهاً، ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين: «وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ»(1)، فلستم أيّها الناس نائلين ما تحبّون إلّا بالصبر على ما تكرهون، إنه بلغني أن معاوية بلغه أنا کُنا أزمعنا على المسير إليه، فتحرك لذلك، فاخرجوا -رحمكم اللهُ - إلى معسكر کم بالنُّخَيلة، حتى تَنظر وتنظُروا، ونرى وتَرَوا.

قال: فسكتوا فما تكلم منهم أحد ولا أجاب بحرف. فلما رأى ذلك عَدِيّ بن حاتِم قال : أنا ابن حاتم، سبحان الله، ما أقبح هذا المقام !! ألا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيكم؟! أين خطباء مضر ؟! أين المسلمون؟! أين الخوّاضون من أهل المصر الذين

ص: 18


1- سورة الأنفال: من الآية 46

ألسنتهم کالمَخاريق في الدَّعة، فإذا جَدَّ الجِدُّ فَرَوّاغون كالثعالب، أما تخافون مقت اللهِ ولا عيبها وعارها؟!»(1)، وقام قیس بن سعد ومعقل بن قيس وزياد بن صعصعة وأنّبوا الناس، ولكن ما يصنع هؤلاء القلة مع هذا الانكماش والتخاذل من الكثرة، ولذلك التخاذل أسباب نذكرها في العامل الرابع إن شاء الله.

بينما خرج الإمام الحسين علیه السّلام بأهل بيته - الذين كانوا في مُدّة إمامة الإمام الحسن علیه السّلام صغاراً غير قادرين على الحرب -، و خُلَّص أصحابه الذين كانوا على أتمّ الاستعداد للثبات على العقيدة والمبدأ الحق حتى النفس الأخير؛ ولذا لمّا قام الحسين علیه السّلام في أصحابه خطيباً ليلة العاشر قال: «اللهم إنّي لا أعرفُ أهلَ بيتٍ أَبَرَّ ولا أزكى ولا أطهرَ مِن أهلِ بيتي، ولا أصحاباً هُم خيرٌ مِن أصحابي، وقد نزلَ بي ما قد تَرَوْنَ، وأنتم في حِلٍّ مِن بَيعَتي، ليستْ لي في أعناقِكُم بيعةٌ، ولا لي عليکُم ذِمَةٌ، وهذا الليلُ قد غَشِیَکُم فاتّخذِوهُ جَمَلاً، وتَفَرّقوا في سَوادِهِ، فإنّ القومَ إنّما يَطلُبونَني، ولو ظَفَروا بي لَذَهَلوا عَن طَلَبِ غَيري.

فقام إليه عبدُ الله بنُ مسلمِ بن عقيلِ بن أبي طالبٍ علیهم السّلام فقال: يا بن رسول الله، ماذا يقول لنا الناس إن نحن خذلنا شيخنا وكبيرنا وسيدنا وابن سيد الأعمام، و ابن نبينا سيد الأنبياء،

ص: 19


1- مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني: 39

لم نضرب معه بسيف، ولم نقاتل معه برمح ؟! لا والله أو نَرِد مَورِدَك، ونجعل أنفسنا دون نفسك، ودماءنا دون دمك، فإذا نحن فعلنا ذلك فقد قضينا ما علينا و خرجنا ممّا لَزِمَنا.

وقام إليه رجل يُقال له رُهَير بن القَينِ البَجَليّ، فقال : يا بن رسول الله، ووددتُ أنّي قُتِلت ثم نُشِرت، ثم قُتلت ثم نُشرت، ثم قُتلت ثم نشرت فيك وفي الذين معك مائة قتلة، علم وإن الله دفع بي عنكم أهلَ البيت. فقال له ولأصحابه: جُزيتُم خَيراً»(1).

وهذا ما كان يخطط له الإمام الحُسين علیه السّلام، إمّا النصر أو الشهادة على يد يزيد بأبشع الطرق؛ لتُخلَّد بذلك ثورتُه.

***

ص: 20


1- الأمالي، الشيخ الصدوق: 220

الثالث

نوع العدوّ الذي يواجَه في المعركة

وهو معاوية بن أبي سفيان، فأبوه أبو سفيان من وجهاء قريش، وهو والي عمر بن الخطاب على الشام، والخليفة للمسلمين بعد حادثة التحكيم، وكان يُعدّ من دُهاة العرب، يتمتع بشيء من حكمة السياسة وتعقّل بعض الأمور، وكان يتظاهر بمظاهر الإسلام من حضور الجمعة والجماعة وغيرها، وهذه عوامل قوّة لموقفه.

فضلاً عن أنّه أحاط نفسه بمجموعة من المستشارين، يُعدّون أيضاً من الدُّهاة؛ كالمغيرة بن شعبة، وعمرو بن العاص، و مروان بن الحكم، والوليد بن عتبة، ومسلم بن عقبة، والضحاك الفهري، ويزيد العبسي، فهو بذلك يستطيع قلب المعادلة بالمعركة لحسابه سواء أكان خاسراً بها أم رابحاً، كما استطاع قلب موازين المعركة لمّا أشرف جيشه على الهلاك في معركة صفّين - بخدعة رفع المصاحف و التحكيم، و کسب نتيجة المعركة الصالحة، مع أنّ الذي كان مقابله في المعركة هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام.

وكذلك كانت الأمور، لو انتصر معاوية في المعركة وتمكّن من الإمام الحسن علیه السّلام، فإنّه لا يصنع معه كما صنع يزيد مع الحسين علیه السّلام، ولذا ذكر الإمام الحسن علیه السّلام في الرد على بعض منكري الصلح:

ص: 21

«واللهِ لَئنْ آخُذَ مِن معاويةَ عهداً أحقنُ به دَمي وآمنُ به في أهلي، خيرٌ مِن أن يقتلوني فتضيع أهلُ بيتي وأهلي، واللهِ لو قاتلتُ معاوية لأخذوا بِعُنُقي حتّى يدفعوني إليه سلماً، واللهِ لئن أسالمهُ وأنا عزيزٌ خيرٌ من أن يَقتُلَني وأنا أسير، أو يَمُنَّ عليَّ فتكون سُبَّةً على بني هاشم إلى آخر الدهر، ومعاوية لا يزال يَمُنُّ بها وعَقِبُهُ على الحَيِّ مِنّا والمَيِّتِ»(1).

ويكون بذلك معاوية مُغتنماً لفرصة ردِّ عارِهِ - کونه من الطلقاء - بعفوه عن الإمام علیه السّلام ومن يُؤسر معه، وتكون واحدة بواحدة .

بينها الحسين علیه السّلام كان عدوّه یزید بن معاوية، ذلك الشاب النزق، الذي أعلن الفسق والفجور صراحةً، كما ذكر ذلك الطبري فقال: «وثار ابن الزبير، فكان الوليد يفيض من المعرف، وتفيض معه عامة الناس، وابن الزبير واقف وأصحابه، ونجدة واقف في أصحابه، ثم يفيض ابن الزبير بأصحابه ونجدة بأصحابه، لا يفيض واحد منهم بإفاضة صاحبه.

وكان نجدة يلقي ابن الزبير فيكثر حتى ظن الناس أنه سيبايعه، ثم إنّ ابن الزبير عمل بالمكر في أمر الوليد بن عتبة، فكتب إلى يزيد بن معاوية : إنك بعثت إلينا رجلاً أخرق، لا يتّجه لأمر رشد، ولا يرعوي لِعِظة الحكيم، ولو بعثت إلينا رجلاً سهل الخلق، لين الكتف،

ص: 22


1- الاحتجاج، الطبرسی: 2/ 10، بحار الأنوار: 20/66

رجوت أن يسهل من الأمور ما استوعر منها، وأن يجتمع ما تفرق، فانظر في ذلك، فإن فيه صلاح خواصنا وعوامنا إن شاء اللهُ، والسلام.

فبعث یزید بن معاوية إلى الوليد فعزله، وبعث عثمان بن محمد بن أبي سفيان، فِيمَا ذكر أبو مِخْنَفٍ، عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق، عن حميد بن حمزة مولى لبني أمية، قال: فقدم فتىً غِرّ، حَدَث غَمْر، لم يجرّب الأمور، ولم يُحنّکه السن ولم تُضرِّسه التجارب، وكان لا يكاد ينظر في شيء من سلطانه ولا عمله، وبعث إلى يزيد وفداً من أهل المدينة، فيهم عبد الله بن حنظلة الغسيل الأنصاري، وعبد الله بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي، والمنذر بن الزبير، ورجالاً كثيراً من أشراف أهل المدينة، فقدموا على يزيد بن معاوية، فأكرمهم وأحسن إليهم، و أعظم جوائزهم، ثم انصرفوا من عنده وقدموا المدينة كلهم إلا المنذر بن الزبير، فإنه قدم على عبيد الله بن زیاد بالبصرة، وكان يزيد قد أجازه بمائة ألف درهم، فلما قدم أولئك النفر الوفد المدينة قاموا فيهم فأظهروا شتم یزید وعتبة، وقالوا إنا قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر، ويعزف بالطنابير، ويضرب عنده القيان، ويلعب بالكلاب، ويسامر الخُرّاب والفتيان، وإنا نشهدكم أنا قد خلعناه، فتابعهم الناس»(1).

ص: 23


1- تاريخ الطبري: 368/4

فیزید بن معاوية لم تكن له حنكة ودهاء أبيه، فقد أبعد مستشاري أبيه عنه، واعتمد على من هم أمثاله، کسرجون المسيحي وأشباهه، ولذا كان يزيد مستعداً لأن يقوم بأبشع الجرائم من أجل بقائه في كرسي السلطة، وهذا ما فعله بالحسين علیه السّلام وعیالاته.

وقد أراد الحسين علیه السّلام بنهضته أن يبيّن فسق بني أمية وجورهم، ومدى خروجهم عن الدين من أجل السلطة، ولذا فإن الإمام الحسين علیه السّلام عاش بعد شهادة أخيه الحسن علیه السّلام عشر سنين، لم يحرك ساكناً مع معاوية؛ لأن العلة التي منعت الإمام الحسن علیه السّلام من الحرب موجودة عينها بوجود معاوية.

***

ص: 24

الرابع

الظروف المحيطة بالمعركة

تولّى الإمام الحسن علیه السّلام الخلافة سنة أربعين للهجرة، وكانت هذه السنين حافلة بالمعارك الطاحنة، فالنبي الأكرم صلّی الله علیه و آله كان له ما يقرب من سبعين غزوة، كلّها من بعد الهجرة، أي في مدة عشر سنوات، ثم من بعد النبي صلّی الله علیه و آله وفي خلافة أبي بكر كانت حروب الردّة، ومعارك كبيرة، كمعركة اليرموك، وغيرها، وفي خلافة عمر ابن الخطاب كثُرت المعارك بسبب كثرة الفتوحات الإسلامية، كمعركة القادسية، وغيرها، وكذلك في خلافة عثمان بن عفان حيث غزا أرمينية، وأذربيجان، وفتح إفريقيا، وغيرها.

ثم في خلافة أبيه أمير المؤمنين علیه السّلام بدأت الحروب بين المسلمين أنفسهم، فكانت أوّلها حرب الجمل التي حصدت أرواح ما يربو على عشرة آلاف من الفريقين، ثم حرب صفين التي لم تقلّ ضراوة عن سابقتها، ومن بعدها حرب النهروان.

فأصاب الناسَ يومئذ مللٌ وتضجرٌ من كثرة المعارك والحروب، مضافاً إلى أنّه لم تكن فكرة وجود خط ولائي شيعي يعترف بإمامة أهل البيت علیه السّلام متبلورةً جداً في نفوس المسلمين، وإن كانت نشأة التشيع وفكرة الإمامة نشأت من عهد الرسول صلّی الله علیه و آله

ص: 25

لمّا نَصّب علياً علیه السّلام في غدیر خم، لكن لم تكن على صعيد واضح بحيث تؤسس لشارع شيعي يدين بالولاء لأهل البيت علیهم السّلام بأنهم أئمة و تجب طاعتهم.

ولذلك بدأ أمير المؤمنين علیه السّلام يُغذّي هذه الفكرة لِخُلّص أصحابه، ليُنتج مدرسة تحمل هذا الفكر، وتعتقد به، وتضحّي من أجله، وذلك في مُدّة خلافة مَن قبلَه، وفي أيام خلافته على الرغم من انشغاله علیه السّلام بالحروب في مُدّة خلافته القصيرة، وكان نضوج هذا الخط بوضوح عند أصحاب الحسين علیه السّلام، بعد أن أعدّهم الإمام الحسن علیه السّلام إعداداً جيداًة بعد الهدنة بينه وبين معاوية؛ ليكونوا قدوة لنشر الفكر الولائي لأهل البيت علیه السّلام.

ولذا کان صلحه مع معاوية له الأثر الكبير في الحفاظ على البقية الباقية لحملة هذا الفكر وإعدادهم إعداداً جيداً لذلك، فمثلاً: كان من هذه المدرسة مع الإمام الحسن علیه السّلام -على سبيل المثال لا الحصر - رُشَيد الهَجَري، ومِيثَم التمّار، وهاني بن عروة، وحبيب بن مظاهر، وعَدِيّ بن حاتِم، و عابس بن شبيب، وصعصعة ابن صوحان، ومسلم بن عوسجه، ومَعقِل الأشجَعي، وسهل بن سعد، وقيس بن مُسهِر الصيداوي، وسعيد بن عبد الله الحنفي، وغيرهم (رضوان الله عليهم)، وقسم كبير منهم قاتل مع الحسين علیه السّلام و قُتل بين يديه.

ص: 26

بل إنّ بعضهم لم يخرج مع الحسين علیه السّلام، ولعلّ سبب ذلك كي لا يُقتَلوا كلّهم، بل من أجل أن تبقى بقيّة من حملة هذا الفكر الولائي لإرشاد الناس نحو هذا الخط وتثقيفهم، ککُمیل بن زیاد، وأبي حمزة الثمالي، وسهل بن سعد، وغيرهم.

فلِذا كانت ظروف المعركة - بهكذا أُناس لا يحملون عقيدة أهل البيت علیهم السّلام وفِكرهم، مع أنهم متعبون من ويلات الحروب - تُشير إلى كونها معركة خاسرة بكل نتائجها وحساباتها.

بل -کما تقدّم- لا يمكن أن تكون حتى كواقعة كربلاء في الأفعال والنتائج، ولذا لمّا جاء كتاب الإمام الحسن علیه السّلام إلى قیس بن سعد للصلح مع معاوية خطب قيس في الجيش فقال: «أيّها الناس، اختاروا الدخول في طاعة إمام ضلالة أو القتال مع غير إمام، قالوا: لا، بل نختار أن ندخل في طاعة إمام ضلالة»(1)، وبايعوا معاوية، وكان عددهم - کما مرّ- قرابة عشرين ألفاً.

لكنّ الحسين علیه السّلام تهيّأ له الظرف بعد مرور عشرين سنة من الهدنة، وكانت هذه المُدّة كافية للراحة من ويلات الحروب، مع الإعداد الجيّد للموالين لأهل البيت علیهم السّلام، وكثرة عددهم، مع تهيّؤ أهل بيته علیه السّلام للقتال، بعد أن كان أكثرهم حين إمامة الإمام الحسن علیه السّلام صغاراً غير مؤهّلين للمعركة، كالعبّاس بن عليّ علیه السّلام

ص: 27


1- تاريخ الطبري: 4/ 122

وإخوته، وعليّ الأكبر علیه السّلام، والقاسم وإخوته، وآل عقيل، وآل جعفر علیهم السّلام، ولذا فإنّ الحسين علیه السّلام خرج بأهل بيته و خُلَّص أصحابه الموالين له، الذين كانوا على أتمّ الاستعداد للتضحية بالدماء الغالية من أجل الدين والحسين علیه السّلام، ولم يخذله أحد منهم حتى آخر رمق فيهم.

ولذا كان انتصار الحسين علیه السّلام بما جرى عليه ظُلماً في كربلاء من أحداث مؤلمة و صور بشعة، لا بالحسابات العسكرية، وكان انتصاراً للدم لا للسيف.

***

ص: 28

ختاماً ...

نرجو أن نكون قد وُفّقنا لإزالة الشبهة عن أنّ الإمام الحسن علیه السّلام قد تخاذل عن القيام بدوره - القتال -، فرغب في الصلح طلباً للراحة!

فقد تبيّن أنّ دوره علیه السّلام لم يكن منحصراً بالقتال فقط، بل إنّه علیه السّلام قد قام بالمَهمة المنوطة به خير قيام، وانتصر بصُلحه -کما انتصر الحسين علیه السّلام بثورته - في فضح حُکم بني أمية، وبيان عدم أهليّتهم للخلافة الإسلامية التي استولوا عليها بالغدر والخديعة وتخاذل المسلمين.

ولذا لو كانت قد توافرت له الظروف والعوامل آنفة الذكر؛ الكانت له ثورة كثورة أخيه الحسين علیه السّلام، ولكن كانت ثورته علیه السّلام بصُلحه وتهيئة الظروف لثورة أخيه الحسين علیه السّلام.

فسلامٌ عليه يوم وُلد ويوم استُشهِد، ويوم يُبعث حيّاً

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

***

ص: 29

ص: 30

المحتويات

مقدّمة ... 7

الأوّل: القائد الناجح الكُفء لقيادة المعركة ... 13

الثاني: الجيش المتمسّك بالمبادئ التي يُقاتِل من أجلها ... 17

الثالث: نوع العدوّ الذي يواجَه في المعركة ... 21

الرابع: الظروف المحيطة بالمعركة ... 25

ختاماً ... 29

المحتويات ... 31

***

ص: 31

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.