إرث الزوجة من العقار

هویة الکتاب

إرث الزوجة من العقار

بحث فقهی استدلالی مستل من دروس البحث الخارج لسماحة المرجع الدیني آیة الله العظمی الشیخ محمد الیعقوبي (دام ظله الشریف)

ص: 1

اشارة

ص: 2

تعریف

اشارة

ضم هذا الكتاب بحث سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله الشريف) في مسألة إرث الزوجة من العقار) وهي واحدة من عدة مسائل بحثها من كتاب الميراث، وقد رأينا طبعها بشكل مستقل لما فيها من ثمرات علمية وعملية، فقد وصفها أساطين الفقهاء بأنها من مشكلات الفن، لذا فإن البحث في مثل هذه المسائل يعمق ملكة الاجتهاد ويطور حركة الاستنباط الفقهي بإذن الله تعالى، وقد قدم سماحته أطروحات مبتكرة في فهم حيثيات صدور هذا الحكم عن أهل البيت (عليهم السلام)، كما تضمن البحث تحقيقات علمية جليلة.

وقد استغرق البحث في هذه المسألة أكثر من عشرين أسبوعاً دراسياً خلال الفترة من 7 /ربيع الثاني / 1437 المصادف 2016/1/18 حتى 21 / محرم / 1438 المصادف 2016/10/23 بفضل الله تعالى وكرمه.

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

إرث الزوجة من العقار

وصف جملة من المحققين هذه المسألة بأنها من مشكلات الفن كالمحقق الأردبيلي والمحقق السبزواري والسيد العاملي(1)

(قدس الله أرواحهم)، وذلك لأن مقتضى إطلاقات الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة إرث الزوجة فرضها من كل ما يترك الزوج وعدم حرمانها من شيء وبالعكس، قال تعالى: [وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ] (النساء: 12).

أقول: قُرِّبَ الاستدلال من جهتين:-

أ- عموم صلة الموصول في (ما تركتم) إذ الموصول يفتقر إلى الصلة، ولا يحتمل كونها عهدية لعدم وجود عهد في البين، ((وتعيين بعض أفراد ما يمكن أن تكونصلة، للصلة دون بعض ترجيح بلا مرجّح، فحينئذٍ كل ما يصدق هذا مما تركه الزوج فالآية الشريفة تعمّه))(2).

ص: 5


1- مجمع الفائدة والبرهان: 11/442، 456، كفاية الفقه: 2/861، مفتاح الكرامة: 17/302.
2- تقريرات ثلاثة للسيد البروجردي (قدس سره): 99.

ب- ظهور فرض الربع والثمن في التحديد المانع من النقصان.

وقد ورد التصريح بعدم النقصان في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (وإن الزوج لا ينقص من النصف شيئاً إذا لم يكن ولد، والزوجة لا تنقص من الربع شيئاً إذا لم يكن ولد، فإذا كان معهما ولد فللزوج الربع وللمرأة الثمن)(1).

وقد أكّدت هذه الإطلاقات صحيحة الفضل بن عبد الملك و (في التهذيب أو) ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سألته عن الرجل هل يرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئاً؟ أو يكون في ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك شيئاً؟ فقال: يرثها وترثه من كل شيء ترك وتركت)(2).

ويشهد(3)

لها رواية عبيد بن زرارة وفضل أبي العباس (وهو ابن عبد الملك المذكور آنفاً الملقب بالبقباق) قالا: (قلنا لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في رجلتزوج امرأة ثم مات عنها وقد فرض الصداق؟ قال: لها نصف الصداق وترثه من كل شيء، وإن ماتت فهو كذلك)(4).

ص: 6


1- وسائل الشيعة: 26/195، أبواب ميراث الأزواج، باب 1.
2- وسائل الشيعة: كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، باب 7، ح1.
3- سندها معتبر إلا من جهة المعلّى بن محمد الذي لم تثبت وثاقته إلا أن النجاشي قال: (كتبه قريبة) وقال ابن الغضائري عن روايته: أنها تصلح أن تخرَّج شاهداً.
4- وسائل الشيعة: 21/329، أبواب المهور، باب 58، ح9.

ويستدل على هذا الإطلاق أيضاً بصحيحتي أبي بصير في مسألة توارث الزوجين عندما لا يكون أحد سواهما عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قلت له: رجلٌ مات وترك امرأته، قال: المال لها)(1).

وبروايات عديدة ذُكرت في أبواب متفرقة كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (سألته عن الرجل يتزوج المرأة ثم يموت قبل أن يدخل بها، فقال: لها الميراث كاملاً)(2)

إلى آخر الحديث.

أقول: مؤدى هذه الأدلة أن الزوجة تستحق نصيبها من كل ما ترك الزوج.

هذا ولكن المشكلة تبدأ من ذهاب مشهور الإمامية –الذي ادعي الإجماع عليه- إلى خلاف هذا الإطلاق للآيات والروايات وحرموا الزوجة من بعض الميراث في الجملة، ولذا قال عنها المحقق الأردبيلي (قدس سره): ((المسألة من مشكلات الفن، الله يعين على تحقيق الحال)) وعلله (قدس سره): ((لأنها خلاف ظاهر القرآن وعموم الأخبار الكثيرةالدالة على أن الزوجين يرثان كل واحد من

ص: 7


1- وسائل الشيعة: 26/203، أبواب ميراث الأزواج، باب 4، ح6، 9.
2- من لا يحضره الفقيه: ج4، كتاب الفرائض والمواريث، باب المتوفى عنها زوجها.

صاحبه من جميع ما ترك كسائر الورثة، فإخراج الزوجة منها مشكل))(1).

وهذا الحكم من مختصات الإمامية، فلم يقل به غيرهم لأنهم لم ينهلوا من معين أهل البيت الصافي (سلام الله عليهم وصلواته).

قال السيد المرتضى (قدس سره): ((ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الزوجة لا ترث من رباع المتوفى شيئاً بل تُعطى بقيمة حقِّها من البناء والآلات دون قيمة العراص وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يفرّقوا بين الرباع وغيرها في تعلق حق الزوجات))(2)،

وقال في الموصليات الثانية، المسألة الثالثة والتسعين: ((إن المرأة لا ترث شيئاً، ولكن تعطى حصتها بالقيمة من البناء والآلات))(3).

وقال الشيخ (قدس سره) في الخلاف: ((لا ترث المرأة من الرباع، والدور، والأرضين شيئاً، بل يُقوَّم الطوب والخشب فتعطى حقها منه. وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وقالوا: لها الميراث من ذلك جميعه، ودليلنا: إجماع الفرقة وإخبارهم))(4).أقول: اشتهر هذا الحكم عن الإمامية حتى عند مخالفيهم فقد نقل الشيخ المفيد في المسائل الصاغانية حواراً له مع بعض المتعصبين جاء

ص: 8


1- مجمع الفائدة والبرهان: 11/442، 456.
2- الانتصار: 301.
3- تقريرات ثلاثة: 104.
4- الخلاف: 4/116.

فيه: ((قال الشيخ الناصب: ومما خالفت به هذه الفرقة الضالة الأمة كلها قولهم: في المواريث فمن ذلك أنهم منعوا الزوجات ما فرضه الله تعالى لهن في كتابه بقوله: [وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ] الآية تعم جميع التركة بما يقتضي لهن الميراث منها، فقال هؤلاء القوم إن الزوجات لا يرثن من رباع الأرض شيئاً فحرموهن ما أعطاهن الله في كتابه وخرجوا بذلك من الإجماع وخالفوا ما عليه فقهاء الإسلام.

قال الشيخ رحمه الله: من أين زعمت أن الشيعة خالفت الأمة في منعها النساء من ملك الرباع على وجه الميراث من أزواجهن وكان آل محمد عليهم السلام يروون ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويعملون به فأي إجماع يخرج منه العترة الطاهرة وشيعتهم لولا عنادك وعصبيتك، وأما ما تعلقت به من عموم الكتاب فلو عرى من دليل خصوصية لتم لك الكلام لكن ذلك خصوصية برواية الشيعة عن أئمة الهدى من آل محمد عليهم السلام بأن المرأة لا تورث من رباع الأرض شيئاً لكنها تعطى قيمة البناء والطوب والخشب والآلات إذا ثبت الخبر عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) بذلك يجب القضاءبخصوص العموم من الآية التي تعلقت بها وليس خصوص العموم بخبر متواتر منكراً عند أحد من أهل العلم، إلى آخر كلامه رحمه الله)).

أقول: يشير (قدس سره) بأن المبنى الذي سرنا عليه صحيح عندهم أيضاً وهو تخصيص عمومات الكتاب وتقييد إطلاقاته بالروايات

ص: 9

الصحيحة، إلا أنهم خالفونا لأنهم لم يأخذوا برواية أهل البيت (عليهم السلام) لسوء توفيقهم.

((قال رحمه الله: ثم قال هذا الشيخ الضال: فأدّى قولهم إلى أن الرجل يخلف ضياعاً وبساتين فيها أنواع من الشجر والنخيل والزروع يكون قيمتها من مائة ألف دينار إلى أكثر فلا يعطون الزوجات منها شيئاً، فهذا قول لم يقل به كافر فضلاً عن أهل الإسلام. فيقال له: زادك الله ضلالة وأعمى عينيك كما أعمى قلبك، إلى أن قال: والرباع عند أهل اللغة هي الدور والمساكن خاصة فليس لما سواها مدخل فيها فافهم ذلك.. إلى آخره منه))(1).

القول بالخلاف:

أقول: هذا ولكن حكي الخلاف والالتزام بمقتضى إطلاق الآيات والروايات وتوريث الزوجة مطلقاً مما ترك الزوج مطلقاً عن ابن الجنيد، فقد حكى العلامة (قدس سره) عنه قوله: ((وإذا دخل الزوج أو الزوجة على الولد والأبوين، كان للزوج الربع، وللزوجة الثمن من جميع التركة عقاراً أو أثاثاً وصامتاً ورقيقاً وغير ذلك، ولم يخصص الولد بأنه من الزوجة))(2).

ص: 10


1- مستدرك الوسائل: 17/195.
2- مختلف الشيعة: 9/53.

وقرّب صاحب الجواهر (قدس سره) دلالتها على إطلاق استحقاق الزوجة مطلقاً بقوله: ((وإطلاق الولد في كلامه الشامل لمن كان من الزوجة وغيرها يدل على أن مذهبه أن الزوجة مطلقاً وإن لم تكن ذات ولد ترث الثمن من جميع تركة زوجها من دون تخصيص، ويلزمه إرثها من جميع التركة الربع إذا لم يكن للزوج ولد))(1).

أقول: وسّع البعض دائرة القائلين بالخلاف إلى جملة من أعلام القدماء، قال صاحب الجواهر (قدس سره): ((قد يقال: إن خلو جملة من كتب الأصحاب على ما قيل كالمقنع والمراسم والإيجاز والتبيان ومجمع البيان وجوامع الجامع والفرائض النصيرية عن هذه المسألة مع وقوع التصريح في جميعها بكون إرث الزوجة ربع التركة أو ثمنها الظاهر في العموم ربما يؤذن بموافقة الاسكافي، بل لعل الظاهر عدم تعرض علي بن بابويه وابن أبيعقيل لذلك أيضاً وإلا لنقل، بل لعل خلو الفقه الرضوي الذي هو أصل الأول منهما ومعتمده مما يؤيد موافقته أيضاً.

بل لعل جميع رواة الصحيح – الذي هو مستند ابن الجنيد بعد عموم الكتاب والسنة - عن أبي عبد الله (عليه السلام) مذهبهم ذلك، لأن مذاهب الرواة تعرف بروايتهم، وقد رواه ابن أبي يعفور وأبان والفضل ابن عبد الملك))(2).

ص: 11


1- جواهر الكلام: 39/207.
2- جواهر الكلام: 39/207-208.

أقول: بل حكي عن صاحب الدعائم الإجماع على استحقاق الزوجة مطلقاً من التركة مطلقاً، قال (قدس سره): ((عن أهل البيت (عليهم السلام) مسائل جاءت عنهم في المواريث مجملة، ولم نر أحداً فسرها، فدخلت على كثير من الناس الشبهة من أجلها، فرأينا إيضاح معانيها ليعلم المراد فيها، وبالله التوفيق، وإن كنا لم نبن هذا الكتاب على فتح المقفل وإيضاح المشكل وبيان المختلف فيه، وإنما قصدنا فيه الاختصار والاقتصار على الثابت من المسائل والأخبار، ولكن لما كان ظاهر هذه المسائل يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأئمة والأمة ودخلت على كثير من أصحابنا من أجلها الشبهة ولمزهم بها كثير من العامة فرأينا إيضاحها)).ثم ذكر ما روي عنهما (عليهما السلام) أيضاً من أن النساء لا يرثن من الأرض شيئاً، إنما تعطى قيمة النقض، وقال في توجيهه: ((وهذا أيضاً لو حمل على ظاهره وعلى العموم لكان يخالف كتاب الله والسنة وإجماع الأئمة والأمة - ثم أوّله بالأرض المفتوحة عنوة لكونها ردّاً للجهاد، وتقوية لرجال المسلمين على الكفار والمشركين أو بالأوقاف التي ليس للنساء فيها حظ، ولا يشاركن الرجال فيها إلا في قيمة النقض - فأما ما كان من الأرض مملوكاً للموروث فللنساء منه نصيب، كما قال الله تعالى، هذا الذي لا يجوز غيره))(1).

ص: 12


1- جواهر الكلام: 208/39-209 عن دعائم الإسلام: 390/2-395.

أقول: يحتمل أن يريد صاحب الدعائم بالإجماع حرمان مطلق النساء من الأرض كما هو ظاهر الرواية التي وجّهها بدليل المقابلة في كلامه مع الرجال واستفاداتهم من الأرض فهو لا ينكر حرمان الزوجة خاصة من العقار.

الاستدلال على حرمان الزوجة من العقار في الجملة:

استدل على أصل حرمان الزوجة من العقار وغيره في الجملة بأكثر من وجه:الأول: الإجماع ((المحكي بل والإجماع المحصَّل فلا ينبغي الإطناب فيه))(1).

أما خلاف ابن الجنيد فقد وُصف في كشف الرموز بأنه متروك وفي الرياض أنه شاذ وفي غاية المراد أنه ((قد سبقه الإجماع وتأخّر عنه)) ومثله في المهذب وغاية المرام.

أقول: يمكن نفي نسبة الخلاف لابن الجنيد أصلاً؛ لأنه إنما يصح بناءً على إرادة الإطلاق من كلامه المتقدم (صفحة 197) لذا ذيّل العلامة (قدس سره) حكاية الخلاف بهذا الإطلاق، وعبارة ابن الجنيد لا يظهر منها إرادة الإطلاق صريحاً لاحتمال أنه يريد بالولد كونه من هذه الزوجة المفروضة في المسألة باعتبارها الغالبة فيكون قول ابن الجنيد تفصيلاً بين ذات الولد فترث من التركة كلها وغير ذات الولد فلا ترث

ص: 13


1- جواهر الكلام: 201/39.

في الجملة وهو مشهور القدماء كما سيأتي، ومع هذا الاحتمال لا يمكن القطع بنسبة الخلاف إلى ابن الجنيد وإن اشتهر على ألسن الأصحاب تبعاً لما أورده العلامة (قدس سره) ولذا شكك صاحب مفتاح الكرامة في هذه النسبة قال (قدس سره): ((فبيان حكم الزوجة مع الولد لا بدونه من أنه ترث من جميع التركة ليس إلا لنكتة، وليس هي بحسب الاحتمال إلا التنبيه على حكم الزوجة ذات الولد وأنها كالزوج اتحدت أو تعددت)).وقال: ((فكلامه ليس نصّاً فيما نُسب إليه، على أنا لم نجد نسبة الخلاف عليه قبل (المختلف) وإلا فهذا (كاشف الرموز) وغيره مما أعد لنقل الخلاف لم ينقل عنه في ذلك خلافاً.

ثم إن المصنف –وهو العلامة طاب ثراه- لم ينسبه إليه في (المختلف) على البت وإنما قال بعد أن نقل عبارته السالفة ما نصّه: ولم يخصص الولد بأنه من الزوجة))(1).

وأما كلام الدعائم فإنه تأويل بعيد لاشتراك الزوجة وغيرها في هذا الحظر فما معنى ورود هذه الروايات الكثيرة في حرمان الزوجة من العقار، لذا وصفه صاحب الجواهر (قدس سره) بأنه ((من غرائب الكلام، بل هو كلام غريب عن الفقه والفقهاء والرواة والروايات، وإنما نقلناه ليقضي العجب منه، وإلا فهو لا يقدح في دعوى سبق الإجماع ابن الجنيد ولحوقه المستفاد ذلك من تسالم

ص: 14


1- مفتاح الكرامة: 304/17.

النصوص عليه التي هي فوق مرتبة التواتر والفتاوى التي لا ينافيها عدم تعرض بعض الكتب للمسألة، ولعله لوضوحه وظهوره، بل العامة تعرف ذلك من الإمامية))(1).

أقول: سنتعرض لمناقشة هذه الكلمات حينما نعرض أدلة المشهور لاحقاً بإذن الله تعالى.

الثاني: الروايات وقد وُصفت بأنها متواترة، وسنقدم بالذكر المعتبرات منها وليس على أساس ترتيبها في الوسائل(2):-

1- صحيحة الفضلاء زرارة وأخيه بكير وفضيل وبريد ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام): (إن المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض إلا أن يقوم الطوب والخشب قيمة فتعطى ربعها أو ثمنها إن كان (لها ولد)(3) من قيمة الطوب والجذوع والخشب).

2- صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): (إن المرأة لا ترث مما ترك زوجها من القرى والدور والسلاح والدواب شيئاً، وترث من المال والفرش والثياب ومتاع البيت مما ترك،

ص: 15


1- جواهر الكلام: 210/39.
2- وسائل الشيعة: كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، باب6.
3- هذه الزيادة في الكافي دون التهذيب والاستبصار.

وتقوم النقض والأبواب والجذوع والقصب فتعطى حقها منه).1- صحيحة العلاء بن رزين (عن محمد بن مسلم –الكافي)(1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ترث المرأة الطوب ولا ترث من الرباع شيئاً قال: قلت: كيف ترث من الفرع ولا ترث من الرباع شيئاً؟ فقال (لي): ليس لها منه نسب ترث به وإنما هي دخيل عليهم فترث من الفرع ولا ترث من الأصل ولا يدخل عليهم داخل بسببها).

2- معتبرة ميسَّر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سألته عن النساء ما لهن من الميراث؟ قال: لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب، فأما الأرض والعقارات فلا ميراث لهن فيه، قال: قلت: فالبنات؟ قال: البنات لهن نصيبهن منه، قال: قلت: كيف صار ذا، ولهذه الثمن، ولهذه الربع مسمى؟ قال: لأن المرأة ليس لها نسب ترث به، وإنما هي دخيل عليهم، إنما صار هذا كذا لئلا تتزوج المرأة، فيجيء زوجها أو ولدها من قوم آخرين فيزاحم قوماً آخرين في عقارهم) الحديث.

3- صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً).

ص: 16


1- في الكافي: العلاء عن محمدبن مسلم، وفي قرب الإسناد: 56: العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) مباشرة.

1- صحيحتهما أيضاً عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (لا ترث النساء من عقار الأرض شيئاً).

2- صحيحتهما عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا ترث النساء من عقار الدور شيئاً ولكن يقوَّم البناء والطوب وتُعطى ثُمنها أو ربعها، قال: وإنما ذلك لئلا يتزوجن فيفسدن على أهل المواريث مواريثهم).

3- صحيحتهما عن أبي جعفر (عليه السلام): (إن النساء لا يرثن من الدور ولا من الضياع شيئاً إلا أن يكون أحدث بناءً فيرثن ذلك البناء).

4- موثقة عبد الملك بن أعين عن أحدهما (عليهما السلام) قال: (ليس للنساء من الدور والعقار شيء).

5- صحيحة(1)

الأحول عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: (لا يرثن النساء من العقار شيئاً ولهن قيمة البناء والشجر والنخل) يعني من البناء: الدور وإنما عنى من النساء: الزوجة.

ص: 17


1- احتمل السيد البروجردي (قدس سره) في (تقريرات ثلاثة) وجود إرسال فيها لأن الحسن بن محبوب من الطبقة السادسة والأحول من الطبقة الرابعة، ويرد عليه أن هذا بنفسه ليس مانعاً؛ لوجود أسناد عالية وقرب الأسناد، إلا أن يثبت عدم رواية الحسن عن الأحول، وسيأتي (صفحة 283) تحقيق مفصّل فيه إن شاء الله تعالى.

1- رواية يزيد الصائغ قال: (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن النساء لا يرثن من رباع الأرض شيئاً ولكن لهن قيمة الطوب والخشب قال: فقلت له: إن الناس لا يأخذون بهذا فقال: إذا وليناهم ضربناهم بالسوط، فان انتهوا وإلا ضربناهم بالسيف عليه).

أقول: هذا في الكافي والتهذيب والاستبصار، وروى في الكافي بطريق آخر عن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سألته عن النساء، هل يرثن من الأرض؟ فقال: لا، ولكن يرثن قيمة البناء، قال: قلت: إن الناس لا يرضون بذلك، قال: إذا ولينا فلم يرضوا ضربناهم بالسوط، فإن لم يستقيموا ضربناهم بالسيف). أقول: الروايتان ظاهرتان في كونهما واحدة لكن الرواة عن يزيد نسبوها تارة إلى الإمام الباقر (عليه السلام) وأخرى عن الصادق (عليه السلام).

2- معتبرة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إنما جعل للمرأة قيمة الخشب والطوب لئلا يتزوجن فيدخل عليهم - يعني: أهل المواريث من يفسد مواريثهم-).

معتبرة زرارة وطربال بن رجاء عن أبي جعفر (عليه السلام): (أن المرأة لا ترث مما ترك زوجها من القرى والدور والسلاح والدواب شيئاً، وترث من المال1- والرقيق والثياب

ص: 18

ومتاع البيت مما ترك، ويقوم النقض والجذوع والقصب فتعطى حقها منه).

2- رواية(1)

محمد بن سنان (أن الرضا (عليه السلام) كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: علّة المرأة أنها لا ترث من العقار شيئاً إلا قيمة الطوب والنقض لأن العقار لا يمكن تغييره وقلبه والمرأة قد يجوز أن ينقطع ما بينها وبينه من العصمة ويجوز تغييرها وتبديلها وليس الولد والوالد كذلك لأنه لا يمكن التفصي منهما والمرأة يمكن الاستبدال بها، فما يجوز أن يجيء ويذهب كان ميراثه فيما يجوز تبديله وتغييره إذا أشبهه، وكان الثابت المقيم على حاله كمن كان مثله في الثبات والقيام).

3- رواية موسى بن بكر الواسطي قال: (قلت لزرارة: إن بكيرا حدثني عن أبي جعفر (عليه السلام): أن النساء لا ترث امرأة مما ترك زوجها من تربة دار ولا أرض إلا أن يقوّم البناء والجذوع والخشب فتعطى نصيبها من قيمة البناء، فأما التربة فلا تعطى شيئاً من الأرض ولا تربة دار، قال زرارة: هذا لا شك فيه).1- رواية بصائر الدرجات عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير، (عن الحسين بن أبي مخلد)، عن عبد الملك قال: (دعا

ص: 19


1- في كتاب (تقريرات ثلاثة: 103، 108) لبحوث السيد البروجردي (قدس سره) ((وذكر العلماء (رحمهم الله) أنه –أي محمد بن سنان- زعم أنه سمعه عنه (عليه السلام) )).

أبو جعفر (عليه السلام) بكتاب علي عليه السلام فجاء به جعفر مثل فخذ الرجل مطوياً فإذا فيه: أن النساء ليس لهن من عقار الرجل (إذا توفى عنهن) شيء، فقال أبو جعفر عليه السلام: هذا والله خط علي (عليه السلام) بيده وإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله)(1).

أقول: يحصل من مجموع هذه الروايات القطع بصدور حكم عن المعصومين (عليهم السلام) بحرمان الزوجة من الأرض في الجملة حتى وإن لم نقل بتواترها عدداً باعتبار تداخل جملة منها مع بعضها وربما سنبيّن ذلك لاحقاً.

وبحسب القواعد فإن هذا الحكم مخصّص لعمومات وإطلاقات الكتاب لأنه أخص منها موضوعاً، وهذه الكبرى –أي تخصيص الكتاب بالسنة- متفق عليها لدى علماء الإسلام وقد وقع تخصيص آيات الكتاب بالسنة في موارد كثيرة يسلّم بها الفريقان، وأذكر مثالاً واحداً لتثبيت الفكرة كتخصيص قوله تعالى: [يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي

ص: 20


1- لعل هذه الرواية هي ما أراده الشيخ المفيد (قدس سره) بقوله في المقنعة: ((وهذا –أي الحكم بالحرمان- منصوص عنه (صلى الله عليه وآله) وعن الأئمة من عترته صلى الله عليه وآله)) ومنه يُعلم النظر في تعليقة السيد البروجردي (قدس سره) عليها في (تقريرات ثلاثة): ((وهذا يدل على أنه وصل إليه رواية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دالة على ما ذهب إليه، ولكنا لم نعثر عليها)).

أَوْلادِكُمْ] (النساء:11)، وقوله تعالى: [لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ] (النساء:7) بما ورد عن النبي (صلى اللهعليه وآله وسلم) من انه (لا يرث القاتل) و(لا يتوارث أهل ملتين)، واما مخالفة علماء العامة للإمامية في المسألة محل البحث فليس للخلاف في هذه الكبرى بل لأنهم حرموا أنفسهم من الأخذ عن معين أهل البيت (عليهم السلام) الصافي، وهذا الحكم لم يرو إلا عنهم (عليهم السلام).

إذن لا مانع كبروياً من تقييد إطلاقات استحقاق الزوجة من كل ما ترك زوجها بهذه الروايات الآنفة، وبتعبير آخر: إن من لم يقل بهذا الحكم الخاص، ولم يعمل بهذه الروايات فليس إشكاله كبروياً.

ويوجد هنا اتجاهان لعلمائنا في التعامل مع هذه الروايات، ويقع تحت كل اتجاه عدّة أقوال مما يوصل المجموع الى أكثر من خمسة أقوال كما هو المعروف في كتب الأصحاب.

ص: 21

الاتجاه الأول: المحافظة على عمومات الكتاب الكريم

اشارة

لا لعدم القول بالكبرى التي سلّم بها الجميع، وإنما:-

1- إما لوجود المانع في العمومات عن قبول التخصيص لظهور الفروض المذكورة –أي الثمن والربع- في التحديد وهو يعني بشرط لا عن غيره، ولا أقل من جهة النقصان وقد صرّحت به بعض الروايات كما ذكرنا، أي أن المورد غير قابل للتخصيص، فلا بد من حمل روايات الحرمان على معنى لا يؤدي إلى النقصان.

2- أو لقصور مقتضي رواية الحرمان عن إحداث تخصيص لاختلافها في ما بينها ولدخول بعضها في بعض ولشمول بعضها على بعض العناوين المجمع على عدم حرمان الزوجة منها كالسلاح والدواب أو لابتلائها بالمعارض لوجود الروايات الخاصة الدالة على عموم الاستحقاق كصحيحة الفضل بن عبد الملك وبشهادة رواية عبيد بن زرارة والفضل نفسه المذكورتين (صفحة 193) فتتعارض مع هذه الطائفة من الروايات.

وخلاصة مستند عدم تخصيص العمومات إما لوجود المانع فيها من قبول التخصيص، أو لعدم وجود المقتضي للتخصيص في روايات الحرمان.

ص: 22

وهنا أكثر من قول:

القول الأول: إرث الزوجة مطلقاً

اشارة

من كل ما ترك الزوج ومستنده الأخذ بظواهر الكتاب وعمومات إرث الزوجة من كل ما ترك الزوج وصرف روايات الحرمان عن ظاهرها، وقد نقلناه (صفحة 198) عن صاحب الدعائم(1)،

وهو لم ينكر وجود الروايات المعتبرة على الحرمان إلا أنه أوّلها بحمل الأرض التي تحرم منها الزوجة على الأراضي المفتوحة عنوة لكونها ملكاً لعموم المسلمين إلى قيام يوم الساعة أو الأراضي الموقوفة على الرجال دون النساء فيحرمن لعدم دخولهن في الموقوف عليهم، وقلنا أن هذا تأويل بعيد.

ص: 23


1- دعائم الإسلام في معرفة الحلال والحرام والقضايا والأحكام، المأثورة عن أهل البيت (عليهم السلام) للقاضي نعمان المصري المغربي المتوفى سنة 363 ه-، قال المجلسي== ==عن كتابه أنه ((أظهر الحق في كتابه هذا تحت ستر التقية كان من الكتب المتداولة المعمول بها في مصر في تلك الأعصار)) وبسط المحدث النوري الكلام في خاتمة مستدركه حول اعتبار هذا الكتاب، قال صاحب كشف الظنون (492/1): ((وفي سنة 416 ه- أمر الظاهر (الخليفة الفاطمي) فأخرج من بمصر من الفقهاء المالكيين وأمر الدعاة الوعاظ أن يعظوا من كتاب (دعائم الإسلام) وجعل لمن حفظه مالاً)) راجع الذريعة إلى تصانيف الشيعة للشيخ آغا بزرك الطهراني: 139/8.

وحكي هذا القول عن ابن الجنيد(1)

في المصادر إلا أننا احتملنا فيما سبق عدمصحة النسبة، ويمكن أن يكون وجهه:-

ص: 24


1- ابن الجنيد: محمد بن أحمد بن الجنيد أبو علي الكاتب الاسكافي، من أصل إسكاف –من قرى بغداد- مات سنة 381 بالري، يروي عنه الشيخ المفيد وغيره، قال في جامع الرواة (59/2): (من أكابر علماء الشيعة الإمامية جيد التصنيف) وقال السيد بحر العلوم في رجاله (3/ 205-208): (من أعيان الطائفة، وأعاظم الفرقة وأفاضل قدماء الإمامية، وأكثرهم علماً وفقهاً وأدباً، وأكثرهم تصنيفاً وأحسنهم تحريراً، وأدقهم نظراً، متكلم فقيه، محدث، أديب، واسع العلم، صنف في الفقه والكلام والأصول والأدب والكتابة وغيرها، تبلغ مصنفاته - عدا أجوبة مسائله - نحوا ًمن خمسين كتاباً) ثمّ عدّ كتبه وقال: (وهذا الشيخ - على جلالته في الطائفة ورياسته وعظم محله - قد حكي القول عنه بالقياس) الى أن قال: ((واختلفوا في كتبه : فمنهم - من أسقطها ، ومنهم - من اعتبرها)). أقول: هل يخفى على مثله وهو بهذه المنزلة حرمة العمل بالقياس عند أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ولعلّ هذه التهمة التصقت به لدقة نظره واجتهاده وتفننّه في استعمال قواعد الاستنباط مما خفي على غيره، أو لأي دافع آخر، فإن النوابغ والعظماء يُبتلون بالحسّاد. ((وصنّف كتابين في الفقه (أحدهما) يسمى التهذيب، وهذا كتاب استدلالي مدحه الشيخ أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) ولم يكن عند المحقق والعلامة (ثانيهما) المختصر الأحمدي في الفقه المحمدي، وهذا الكتاب كان عند العلامة عليه الرحمة)) (السيد البروجردي (قدس سره) في (تقريرات ثلاثة) رسالة في إرث الزوجة).

أ- إهمال روايات الحرمان لمخالفتها للكتاب بالتقريب المتقدم فتكون زخرفاً لم يقله الإمام وتضرب بالجدار -كما في الروايات- أو ((لأنه لا يجوز تخصيص الكتاب الشريف بخبر الواحد، إما لأن الكتاب قطعي الصدور وخبر الواحد ظنّي أو لأنه لو جاز التخصيص به جاز النسخ ونحو ذلك))(1).

أقول: تقدم (صفحة 196) نفي هذا الاحتمال.

ولو تنزّلنا فإنه تتعارض روايات الحرمان مع الروايات الخاصة في إرث الزوجة من كل ما ترك الزوج فنرجح الثانية لموافقتها للكتاب أو تتساقطان ونرجع إلى عمومات الكتاب والسنة، والنتيجة دائماً إرث الزوجة من كل ما ترك الزوج.أ- قال المحقق السبزواري (قدس سره): ((إذا لم نقل بحجية الإجماع المنقول والشهرة مطلقاً كما هو الواقع، أو عند المعارضة بأقوى منه مثل القرآن، كان المتجه قول ابن الجنيد))(2).

ج-- إباء عمومات تحديد الفروض عن التخصيص، المؤدي إلى نقصان فرضها، وحرمانها من العقار يعني نقصان فرضها عمّا حدده الله تعالى، وقد ورد صريحاً في صحيحة محمد بن مسلم

ص: 25


1- رسالة في حرمان الزوجة من العقار للسيد محسن الحكيم (قدس سره) منشورة في مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 43، ص 193.
2- الكفاية: 860/2.

(صفحة 6) عدم نقصان فرضها. فتخصيص هذه العمومات بروايات حرمان الزوجة يلزم منه التهافت في الكلام بنظر العرف، كما لو أوصى شخص لزيد بثلث تركته، ثم قال بعد مدة أنني أعني ثلث أموالي النقدية فقط، فإن العرف يراه منافياً لكلامه السابق، وليس المورد من قبيل الأمر بإكرام العلماء ثم استثناء الفسّاق منهم.

وهذه هي النكتة الرئيسية التي دفعت بعض الفقهاء إلى المحافظة على عمومات الكتاب.

وبقي هذا الهاجس يلحّ حتى على القائلين بالمشهور مما دفعهم إلى تقليل التخصيص قدر الإمكان.قال العلاّمة (قدّس سره) في المختلف: ((وقول السيد المرتضى –رحمه الله- حسن لما فيه من الجمع بين عموم القرآن وخصوص الأخبار.

ثم قول شيخنا المفيد –رحمه الله- جيد أيضاً، لما فيه من تقليل التخصيص، فإن القرآن دال على التوريث مطلقاً، فالتخصيص مخالف، وكلما قلَّ كان أولى)) ثم قال: (قدس سره): ((وبعد هذا كلّه فالفتوى على ما قاله الشيخ رحمه الله))(1).

إن قلتَ: نستفيد من فكرة قالها الشيخ (قدس سره) في الاستبصار في تأويله صحيحة الفضل بن عبد الملك ((أن لهن ميراثهن

ص: 26


1- مختلف الشيعة: 9/ 54.

من كل شيء ترك ما عدا تربة الأرض)) وهنا نستطيع تجنب هذا الإشكال بأن نفترض إخراج الربع والثمن المنصوصين لكن لا من كل ما ترك الزوج وإنما من خصوص ما ترث الزوجة من التركة كتوزيع الميراث والسهام [مِنْ بَعدِ وَصيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَو دَيْنٍ] لا من كل التركة وبذلك نحافظ على مقدار الفرض ونأخذ بروايات الحرمان.

قلتُ: هذا الافتراض يمكن أن يكون له وجه بناءً على المناقشة في تمامية العموم والإطلاق في الآية الشريفة الآتي (صفحة 212)، لكنه خلاف الظاهر، وهو ليس منالتخصيص والتقييد وعلى تعبير بعضهم بأنه يدخل في باب الألغاز والتعمية(1).

شاهد على قول ابن الجنيد:

تسالم أصحابنا على قبول الاحتجاج على عائشة حين أمرت بدفن الأول والثاني إلى جنب النبي (صلى الله عليه وآله) في حجرته ومنعت من دفن الإمام الحسن السبط (عليه السلام) إلى جنب جده الأكرم (صلى الله عليه وآله) بالشعر المنسوب إلى ابن الحجاج البغدادي والمتضمن لبعض كلام ابن عباس في الاحتجاج عليها وفيه قوله:

تجملتِ تبغّلتِ *** وإن عشتِ تفيّلتِ

ص: 27


1- مجمع الفائدة والبرهان: 445/11.

لك التسع من الثمن*** وبالكل تحكمتِ(1)

وأوردها العلامة المجلسي وأشار إلى ورودها في مناظرة فضال بن الحسن بن فضال الكوفي مع أبي حنيفة في إثبات أن خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين (عليه السلام)، وفيها قول فضّال: ((فإذا لكل واحد منهن تسع الثمن ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر)).وأشار إليها السيد الخوئي (قدس سره) في ترجمة فضال ووصفها بأنها مناظرة جميلة وذكر موضعها في كتاب الاحتجاج الجزء الثاني.

وتقريب الاستدلال: أن الزوجة لو لم يكن لها نصيب من الأرض لما صحّ هذا الاحتجاج لأن محل الجدال هو الدفن وهي مسألة متعلقة بالأرض.

والحجة في هذا التسالم والإجماع على القبول من لدن عصر المعصومين (عليهم السلام) إلى اليوم، وليس في قول ابن عباس وغيره مما سوى المعصومين (عليهم السلام) فلا يرد هذا الإشكال، ولا أن هذا الكلام في مقام الجدال والإلزام للخصم بما يعتقده؛ لأن دليلنا ليس نفس الكلام وإنما قبوله والتسليم به من دون إثارة هذا الإشكال عليه.

ص: 28


1- بحار الأنوار: 155/44 عن الخرائج والجرائح: 242/1 في معجزات الإمام الحسن (عليه السلام)، رقم (8).

ومن مجموع هذه الوجوه يُعلم النظر في ما أفاده بعض الأعلام المعاصرين بقوله: (وأما قول الاسكافي بعدم الحرمان مطلقاً فلا إشكال في فساده بحسب القواعد، وليس فيما بأيدينا من الكتب كتاب استدلالي منه(1)،

بل لم يكن عند العلامة (قدس سره) أيضاً على ما

ص: 29


1- لابن الجنيد كتاب كبير اسمه (تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة) قال الشيخ عنه: ((نحواً من عشرين مجلداً يشتمل على عدد كتب الفقه على طريقة الفقهاء وكتاب (المختصر الأحمدي للفقه المحمدي) في الفقه مجرداً. والكتاب الذي لم يكن عند العلامة هو الأول أما الثاني فكان عنده ونقل عنه، وقد صرّح العلامة (قدس سره) بذلك. وحكي عن الروضات نقله لكلام العلامة عن كتاب التهذيب: ((وجدت بخط السيد السعيد محمد بن معد ما صورته: وقع إليّ من هذا الكتاب مجلد واحد قد ذهب من أوله أوراق وهو كتاب النكاح فتصفحته ولمحت مضمونه، فلم أرَ لأحد من هذه الطائفة كتاباً أجود منه، ولا أبلغ ولا أحسن عبارة ولا أدق معنى، وذكر الخلاف في المسائل واستدل بطريق الإمامية وطريق مخالفيهم، وهذا الكتاب إذا أمعن النظر فيه وحصّلت معانيه وأديم الإطالة فيه، عُلم قدره ومرتبته وحصل منه شء كثير لا يحصل من غيره، وأقول أنا –أي العلامة- وقع إلي من مصنفات هذا الشيخ المعظم كتاب الأحمدي في الفقه المحمدي وهو مختصر هذا الكتاب جيد يدل على فضل هذا الرجل وكماله وبلوغه الغاية القصوى في الفقه وجودة نظره)).

أفاده سيدنا الأستاذ (قدس سره) –يعني السيد البروجردي (قدس سره) كما صرّح في رسالته- حتى يعلم منه وجه ما ذهب إليه، وكيف كان فلا ريب في بطلان ما ذهب إليه)(1).

أقول: نعم تبقى مشكلة هذا القول من جهة:

إهماله روايات الحرمان بلا مسوّغ مع كونها المشهورة بين الأصحاب ونقطع بصدورها عن المعصومين (عليهم السلام) ودلالتها على حرمان الزوجة من شيء ما من الأرضين في الجملة، قال الشهيد الأول (قدس سره): ((أهل البيت (عليهم السلام) أجمعوا على حرمانها من شيءٍ ما، ولم يخالف في هذا من علماء الإمامية إلا ابن الجنيد، وقد سبقه الإجماع وتأخر عنه))(2)، فلا بدّ من تقديم وجه لها.

أما ما قيل من مخالفتها للكتاب الكريم فإنه يمكن المناقشة فيه؛ لأن قوله تعالى [وَلَهُنَّ الرُبُعُ مِمّا تَرَكتُم] لا إطلاق له من جهة [مَا تَرَتكتُم] لأن المتكلم ليس فيأ- مقام البيان من هذه الجهة وإنما من جهة تحديد فرض الزوجة، فلا يستفاد من الآية عموم ولا إطلاق لاستحقاق الزوجة من كل ما ترك الزوج، ونسبة روايات الحرمان إلى آيات الكتاب الخصوص المطلق

ص: 30


1- رسالة في (حرمان الزوجة من إرث العقار) للشيخ لطف الله صافي كلبايكاني، منشورة في مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام) العدد: 71-72، ص40.
2- غاية المراد: 583/3.

فتخصّصها وليست هذه من مخالفة الكتاب، لذلك لم يجد أصحاب الأئمة (عليهم السلام) الذين تلقّوا هذه الروايات أي حزازة فيها.

ب- إن صحيحة الفضل وابن أبي يعفور التي يُستدل بها على هذا القول مع العمومات موافقة للعامة بل تلوح منها أجواء التقية لأن السائل هو من ابتدأ وطرح هذه القضية أمام الملأ ولعل في الجالسين من كان يحذره الإمام (عليه السلام) من دون أن يلتفت السائل إليه، ووجه التقية فيها أن المسألة عرفت أنها من مختصّات أتباع أهل البيت (عليهم السلام) فالاعتراف بهذه الحقيقة يكشف هوية القائل بها، فأجاب الإمام (عليه السلام) بما يزيل هذا الاعتقاد عند المخالفين.

قال الشيخ في الاستبصار: ((أن نحمله على التقية لأن جميع من خالفنا يخالف في هذه المسألة وليس يوافقنا عليها أحدٌ من العامة، وما يجري هذا المجرى يجوز التقية فيه))(1)

فهذا مما يوهن الاعتماد على هذه الصحيحة عندهم.ويمكن حمل جواب الإمام (عليه السلام) على الزوجة ذات الولد فتكون بمعنى مقطوعة ابن أذينة.

وسنعرض لاحقاً (صفحة 257) بإذن الله تعالى أكثر من وجه لفهم جهة صدور هذه الروايات.

ص: 31


1- الاستبصار: ج4، باب 94: المرأة لا ترث من العقار والدور، ح11.

القول الثاني: حرمان الزوجة من خصوص عين الرباع

اشارة

–أي أراضي الدور والمساكن- واستحقاقها من القيمة وهو المنسوب إلى السيد المرتضى (قدس سره)، ووجهه الجمع بين العمومات وما دلّ على إرث الزوجة من كل ما ترك الزوج من جهة وهذه الروايات من جهة أخرى بحملها على حرمان الزوجة مطلقاً –سواء كانت ذات ولد أو لم تكن إذا فهمنا الإطلاق من كلامه (قدس سره) وربما لا يستفاد ذلك باعتباره ليس في مقام البيان من هذه الجهة- من رقبة الأرض أي عينها خاصة وتستحق من القيمة؛ لأن العام يبقى حجة على جميع أفراده ولا يخرج من تحت جناحه إلا ما حصل القطع بخروجه، والمتيقن خروج العين خاصة من تحت العام وهو كافٍ لتحقق الأخذ بروايات الخاص والإجماع. وقد ذكرالبعض أن السيد انفرد به ولم يوافقه أحد من الأصحاب(1) إلا أننا سنبيّن وجود موافق له.

قال (قدس سره) بعد كلامه المتقدم (صفحة 195): ((والذي يقوى في نفسي أن هذه المسألة جارية مجرى المسألة المتقدمة في تخصيص الأكبر من الذكور بالمصحف والسيف وأن الرباع وإن لم تسلم إلى الزوجات فقيمتها محسوبة لها.

ص: 32


1- منهم السيد محسن الحكيم (قدس سره) في رسالته عن إرث الزوجة من العقار المنشورة في مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 43، صفحة 185.

والطريقة في نصرة ما قويناه: هي الطريقة في نصرة المسألة الأولى وقد تقدم بيان ذلك .

ويمكن أن يكون الوجه في صد الزوجة عن الرباع أنها ربما تزوجت وأسكنت هذه الرباع من كان ينافس المتوفى أو يغبطه أو يحسده فيثقل ذلك على أهله وعشيرته فعدل بها عن ذلك على أجمل الوجوه))(1).

وكان (قدس سره) قد قال في مسألة الحبوة: ((ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الولد الذكر الأكبر يفضل دون ساير الورثة بسيف أبيه وخاتمه ومصحفه. وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك.والذي يقوى في نفسي أن التفضيل للأكبر من الذكور بما ذكر إنما هو بأن يخص بتسليمه إليه وتحصيله في يده دون باقي الورثة وإن احتسب بقيمته عليه، وهذا على كل حال انفراد من الفقهاء لأنهم لا يوجبون ذلك ولا يستحبونه وإن كانت القيمة محسوبة عليه .

وإنما قوينا ما بينا وإن لم يصرح به أصحابنا، لأن الله تعالى يقول: [يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ] (النساء : 11)، وهذا الظاهر يقتضي مشاركة الأنثى للذكر في جميع ما يخلفه الميت من سيف ومصحف وغيرهما، وكذلك ظاهر آيات ميراث الأبوين والزوجين يقتضي أن لهم السهام المذكورة في جميع تركة الميت، فإذا خصصنا الذكر الأكبر بشيء من ذلك من غير احتساب

ص: 33


1- الانتصار: 301.

بقيمته عليه تركنا هذه الظواهر.

وأصحابنا لم يجمعوا على أن الذكر الأكبر مفضل بهذه الأشياء من غير احتساب بالقيمة، وإنما عولوا على أخبار رووها تتضمن تخصيص الأكبر بما ذكرناه من غير تصريح باحتساب عليه أو بقيمته، وإذا خصصناه بذلك اتباعاً لهذه الأخبار واحتسبنا بالقيمة عليه فقد سلمت ظواهر الكتاب مع العمل بما أجمعت عليه الطائفة من التخصيص له بهذه الأشياء فذلك أولى))(1).أقول: خلاصة دليله (قدس سره) أن ظاهر عمومات الكتاب والسنة وخصوص روايتي الفضل بن عبد الملك ميراث الزوجة من كل ما ترك الزوج، ولما كان مبناه عدم جواز تخصيص الكتاب بأخبار الآحاد –وهي عنده كذلك في هذه المسألة- خصوصاً مع دخول بعض الروايات في بعض، واختلاف ألسنتها وعدم احتمال وجود قائل ببعضها كالسلاح والدواب، إلا أن تقترن بالإجماع ولا يوجد إجماع إلا على القدر المتيقن وهو ما ذكره (قدس سره).

قال المحقق السبزواري (قدس سره): ((وإن قلنا بحجية الإجماع المنقول كان المتجه قول السيد لما فيه من مراعاة ظاهر الآية في الجملة، بأن يكون المراد أن للمرأة ربع ما ترك أو ثمنه، يعني لها ما يكون ربعاً أو ثمناً، للجميع بحسب القيمة وان لم يكن حقها ربع كل جزء وفيه أيضاً مراعاة ظاهر الأخبار العامة وخصوص صحيحة

ص: 34


1- الانتصار: 299-300.

الفضل بن عبد الملك، ولا ينافيه شيء من الأخبار صريحاً مع مراعاة الإجماع المنقول أيضاً. وقد وقع العرض على كتاب الله عند ورود الأخبار المختلفة))(1).

أقول: استحسن العلامة (قدس سره) هذا القول، لكن رأيه استقرّ أخيراً على المشهور(2)،

واحتمله المحقق الأردبيلي (قدس سره) وذكر ما يمكن أن يدل عليه، بل حمل كلامالأصحاب عليه، قال (قدس سره): ((وأن ليس في ظاهر الروايات المنع عن قيمة الأرض وغيرها، بل ظاهر العبارات مثل الروايات، مثل كلام النهاية الذي هو الأصل لغيره، قال فيها: والمرأة لا ترث زوجها من الأرضين والقرى والرباع من الدور والمنازل، بل يُقوَّم الطوب والخشب وغير ذلك من الآلات وتعطى حصتها منها ولا تعطى من نفس الأرض شيئاً))(3)

كما أبقى احتمال الأقوال الأخرى مفتوحة(4) وجعله المحقق السبزواري (قدس سره) أقوى(5).

وينبغي الالتفات إلى أن أحد الأعلام المعاصرين نسب هذا القول إلى أبي الصلاح الحلبي أيضاً فقال: ((وكذلك هذا القول هو

ص: 35


1- الكفاية: 860/2.
2- مختلف الشيعة: 55/9.
3- مجمع الفائدة والبرهان: 452/11.
4- مجمع الفائدة والبرهان: 446/11.
5- الكفاية: 860/2.

صريح أبي الصلاح الحلبي في الكافي حيث قال (قدس سره): ((ولا ترث الزوجة من رقاب الرباع والأرضين شيئاً وترث من قيمة الرباع والأرضين كسائر الآلات)) ووردت بهذا النص في تقريرات(1)

السيد البروجردي (قدس سره).

أقول: لكن الموجود في المصدر يغاير هذا المعنى وهو قوله: (قدس سره): ((ولا ترث الزوجة من رقاب الرباع والأرضين شيئاً وترث من قيمة آلات الرباع من خشبوآجر كسائر الإرث))(2).

ونقله العلاّمة في المختلف على هذا النحو وقال: ((وهو مساو لقول الشيخ))(3).

أقول: ضعّف المشهور هذا القول واعتبروه شاذاً ضعيف المستند، واستغرب صاحب الجواهر (قدس سره) من استحسان العلاّمة (قدس سره) في المختلف له وإن لم يذهب اليه ((لعدم الحسن فيه، بل الإنصاف أن قول ابن الجنيد على ضعفه خيرٌ منه))(4).

أقول: هذه مبالغة في توهينه كما سيتضح إن شاء الله تعالى، ووجه الضعف عندهم مخالفته لصريح الروايات والإجماع، فهو ((مناف لظاهر نفي إرثها فيما هو كالمتواتر من النصوص التي بعضها صريح أو

ص: 36


1- تقريرات ثلاثة: 104.
2- الكافي في الفقه: 374.
3- مختلف الشيعة: 9/ 52.
4- جواهر الكلام: 39/ 215.

كالصريح في حرمانها من نفس الأرض عينا وقيمة، من حيث ذكره لهما معا في الحرمان، واقتصاره على إعطاء القيمة من البناء والخشب ونحوهما دونها، على أنه جمع بما هو مناف لظاهر الدليلين من دون شاهد، فالتخصيص أرجح منه بمراتب))(1).

ومناف ((لظهور كلمات القوم قديمهم وحديثهم في الحرمان منها عيناً وقيمة، وإناختلفوا في مقدار ما يحرم منه، ويشير إلى ذلك استنادهم إلى الأخبار، وهي كما عرفت صريحة في حرمانها من الأرض مطلقاً عيناً وقيمةً، بدليل استثناء القيمة من آلاتها خاصّة، ومع ذلك فهي حجّة برأسها في خلافه، فإنّها ليست من الآحاد حتّى لا يقال بحجّيّتها ولا يخصّص عموم الكتاب بها.

ولو سلّم فالقرينة على صحّتها من فتاوى الأصحاب موجودة جدّاً، فيكون من الآحاد المحفوفة بالقرائن القطعيّة. ولا ريب في حجّيّتها لأحد حتّى عنده))(2).

أقول: ظهر مما تقدّم وجه النقاش في هذه الردود، وعرفت الوجه في تأسيس مقدمة التسليم بتخصيص الكتاب بالسنّة المعتبرة، وإن المانع من التخصيص هو وجود المانع في العمومات من قبول التخصيص مطلقاً حتى من القيمة وأن العرف يأبى ذلك، وقصور المقتضي في روايات الحرمان عن التخصيص لما ذكرناه وسيأتي إن شاء الله تعالى.

ص: 37


1- جواهر الكلام: 39/ 214-215.
2- رياض المسائل: 14/ 385.

نعم، ينبغي التوقف عند القرينة التي تمسّك بها المشهور وأوردها صاحب الرياض (قدس سره) على دلالة الروايات على حرمانها من الأرض عيناً وقيمة ((بدليل استثناء القيمة من آلاتها خاصة)) ومثله قول صاحب الجواهر (قدس سره) فيكون المنفي استحقاقها من عين الأرض وقيمتها، قال السيد البروجردي (قدس سره): ((وهذه الروايةمبعّدة لتخريج السيد المرتضى (قدس سره) فإنه (عليه السلام) قابل بين عدم الإرث من العقار والإرث من قيمة البناء والشجر وغير ذلك، فلو كانت ترث من القيمة مطلقاً لما كان للتقابل معنى))(1).

وببيان من أحد الأعلام المعاصرين: ((أنّ تصريح روايات الحرمان بإعطائها من قيمة البناء وعدم إعطائها من الأرض يجعلها كالصريح في حرمانها من قيمة الأرض أيضاً ، وإلا لكان يذكرها مع قيمة البناء)).

أقول: يمكن رد هذه القرينة التي جعلها المشهور دليلاً على صراحة روايات الحرمان في الإطلاق من العين والقيمة بوجهين على نحو الرفع والدفع:

أولهما: بإقامة دعوى مقابلة على وجود قرائن في نفس روايات الحرمان تفيد حرمان الزوجة من العين دون القيمة نعزز بها قول السيد المرتضى (قدس سره)، منها.

أولاً: ما ورد من بيان الحكمة في هذا التشريع:

ص: 38


1- تقريرات ثلاثة: من أبحاث السيد البروجردي (قدس سره).

كقوله (عليه السلام) في معتبرة حماد –رقم 12- (لئلا يتزوجن فيدخل عليهم –يعني أهل المواريث- من يفسد مواريثهم)، ورواية محمد بن سنان وغيرها، وتقريب الاستدلال بوجهين:أ- إن هذه الحكمة إنما تتحقق بحرمانها من العين خاصة و(الضرورات تقَّدر بقدرها) فلا مسوّغ –وفق هذا التعليل- لحرمانها من المالية، قال المحقق الأردبيلي (قدس سره): ((وأنت تعلم أن هذه الحكمة إنما تقتضي الحرمان من عين تلك الأمور لا قيمتها، فافهم))(1).

ب- ما قاله بعض المعاصرين وحاصله إن ((ظاهر هذا التعليل أنّ مواريثهم نفس المواريث والنسب ، لا أنّه تزداد مواريثهم ويقلّ ميراثها من التركة، وإلا كان ينبغي أن يقول: ليس لها الحق فيها ، وأنّها ميراثهم لا ميراثها. فالمقصود حفظ نفس مواريثهم المفروضة لهم من استئثار الزوج الجديد بها سواء في ذلك البناء أو الأرض ، وهذا يناسب حرمانها من العين فقط وإرثها من القيمة في البناء والأرض معاً))(2).

ثانياً: إن ظهور العمومات في استحقاق الزوجة الربع أو الثمن من غير نقصان لأنه ورد بلسان التحديد غير القابل للنقصان ونقصان

ص: 39


1- مجمع الفائدة والبرهان: 11/ 450.
2- السيد محمود الهاشمي في مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد: 45، ص39.

شيء من تركتها يلزم إلغاء عنوان الربع أو الثمن، بل ورد التصريح بعدم النقصان كما تقدم في أول البحث أقوى من ظهور روايات الحرمان في شمولها حتى القيمة الذي ثبت بالإطلاق، فلا تصلح الثانية لتخصيصالأولى وإن كانت النسبة البدوية بينهما ذلك لأن موضوعها أخص باعتبار تعلقها بخصوص العقار، لكننا قلنا في أكثر من موضع أن التخصيص لا يمكن ارتكابه لوجود المانع ولعدم وجود المقتضي، فالأقرب لدى العرف هو التصرف في ظهور حكم الخاص وليس التخصيص وذلك برفع اليد عن العمومات في خصوص العين حتى نحافظ على تحديد الفرض بالقيمة.

ثانيهما: بالتشكيك في تمامية هذه القرينة أو فهمها على نحو معارض فيتساقطان، ولا أقل من الاحتمال المبطل للاستدلال:

قال المحقق السبزواري (قدس سره) تعليقاً على قوله (عليه السلام) في صحيحة الأحول: (لا يرثن النساء من العقار شيئاً ولهن قيمة البناء) قال: ((تغيير أسلوب الكلام بإيراد (من) التبعيضية –في الجزء الأول- ثم غيّر الأسلوب –في الجزء الثاني- من غير ذكر التبعيض لا يخلو عن إشعار بأن الاستحقاق المثبت في الثاني ليس على سبيل الاستحقاق المنفي في الأول، لأنه ليس بحسب ربع قيمة البناء أو ثمنه، بل باعتبار تعلّق ربع الأصل أو ثمنها بها))(1).

أقول: أخذ هذه الفكرة بعض الأعلام المعاصرين فقال: ((أنّ ذكر

ص: 40


1- الكفاية: 859/2.

إعطائها من قيمةالبناء في الروايات ليس في قبال عدم إعطائها من قيمة الأرض، بل في قبال عدم إعطائها من أعيان أُصول العقار والدور، فيمكن إعطاؤها من قيمتها، ولهذا جاء ذلك بلسان الاستثناء عن عدم إعطائها من العقار، فليست روايات التفصيل صريحة في عدم إعطائها قيمة العقار لكي يقال بعدم صحّة هذا الجمع -أي بين صراحة عمومات الكتاب والسنة في استحقاقها الربع، أو الثمن من التركة كلها وبين ظهور روايات الحرمان بمنعها من القيمة وعدم الاكتفاء بحرمانها من العين-.

وهذا أُُسلوب من أساليب الجمع العرفي، وهو حمل الظاهر على الصريح أو الأظهر عند التعارض))((1).

أقول: لا تخلو هذه الأطروحات من نقاش نؤجِّل بيانه إلى ما بعد الاطلاع على قراءة المشهور للروايات إن شاء الله تعالى، وعلى أي حال فإن طرح الاحتمال كافٍ لإبطال الاستدلال، أو معارضة القرينة بالقرينة والرجوع إلى القدر المتيقن.

شاهد على قول السيد المرتضى (قدس سره):

بدعوى جريان السيرة العملية لدى المتشرعة بجميع مستوياتهم فضلاً عن غيرهمعلى عدم حرمان الزوجة من قيمة العقار عند تقسيم

ص: 41


1- ([1] ) السيد محمود الهاشمي، مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد: 45، ص38.

التركة، وتُتمَّم كبروياً بكون هذه السيرة تعبدية متصلة بزمان المعصومين (عليهم السلام) وروايتا يزيد الصائغ تكشفان عن وجودها، بل قد يُدّعى وجود اتفاق مطبق عليها بحيث لم تنقل لنا قضية واحدة اختلف فيها ورثة مع الزوجة –سواء كانت أمهم أو زوجة أبيهم- حول استحقاقها وهذا كاشف عن العمل بقول السيد (قدس سره) وعدم وجود عامل بروايات الحرمان المطلق، وإن قالوا بالحكم نظرياً، والمفروض ارتباط المسألة بحقوق الناس غير القابلة للمجاملة والتجاهل، ولم أجد من أثار هذه القضية ولا أدري هل المشكلة في الصغرى أم الكبرى.

إن قلتَ: إن هذه السيرة قد تكون ناشئة من الغفلة عن هذا الحكم أو لأي أمر آخر ولا تكشف عن الإعراض عن العمل بروايات الحرمان المطلق، ومن تلك الأمور:-

1- إن المشهور- كما أدُّعي- هو اختصاص الحرمان بغير ذات الولد وهي حالة نادرة فلم يلتفت إلى الحكم حتى فيها، وعُمل بالحالة الغالبة وهي توريث ذات الولد من كل ما ترك الزوج.

2- إن الحالة العامة للزوجات أنهن ذوات أولاد وهذا يعني أن ما يصيبها من الزيادة هي من حصة أولادها وإذنهم محرز بإعطائها من كل التركة.

ص: 42

1- إن الناس يلجؤون إلى قضاة الدولة والمحاكم الرسمية لتحديد استحقاقات الورثة وهي تعمل بالأحكام الوضعية التي تحكم للزوجة بالميراث من كل التركة.

قلتُ: إن هذه الأمور كلها لا تبرر هذه الغفلة لما علمت من أن المشهور لدى الأجيال المتأخرة حرمان حتى ذات الولد وقد أجمع عليه المعاصرون ولأن الأولاد قد لا يأذنون بالأخذ من حصصهم أو فيهم قاصرون أو يكونون من زوجة أخرى أو وجود والدين للزوج أو إخوة حينما لا يكون وارث من الطبقة الأولى وغير ذلك.

كما أن القوانين الوضعية المعمول بها في محاكم الأحوال الشخصية تخالف الشريعة من نواحٍ كثيرة، فلا يجوز الاعتماد على أحكامها من دون الرجوع إلى الشريعة، فيبقى احتمال الإعراض عن العمل بهذا الحكم قائماً.

وبالرغم من هذا فلو سلّمنا وجود هذه السيرة لدى المتشرعة فإنها لا تعني إعراض العلماء عن روايات الحرمان بعد بناء حكمهم بالحرمان المطلق عليها، فهذا الحكم كسائر الأحكام الشرعية المعطلة في الأحوال الشخصية والقضايا الاجتماعية من دون أن يؤثر ذلك على أصل التشريع مضافاً إلى إمكان القول بردع الأئمة (عليهم السلام) عن هذه السيرة كما في روايتي الصائغ فلا يصح الاستدلال بها.

ص: 43

وجه آخر مبني على كون حكم الحرمان مشروطاً بولاية الفقيه:

ونستطيع أن نتقدم خطوة أخرى في نصرة القائلين بعدم حرمان الزوجة مطلقاً أو من خصوص القيمة كما عن السيد المرتضى (قدس سره).

ونقدم أطروحتين لتوجيه قوله لم يقدمهما أحد نتيجتهما أن هذا الحكم مشروط فيعمل به عند تحقق شرطه وعند عدمه يجري حكم توريث الزوجة مطلقاً أو من خصوص القيمة.

الأطروحة الأولى: إنه مشروط بإذن الولي الفقيه، وسيأتي تفصيله (صفحة 268) إن شاء الله تعالى.

الأطروحة الثانية: أنه مشروط بظرفه المناسب الذي يقدّره الولي الفقيه وسنبيّن تفاصيله (صفحة 270) إن شاء الله تعالى.

تقريب الاستدلال بروايات الحرمان على قول السيد المرتضى (قدس سره):

توجد محاولات للاستدلال ببعض الروايات التي استدل بها المشهور على حرمان الزوجة من العقار على قول السيد المرتضى (قدس سره)، أما المطلقات الأخرى أو المجملات فإنها تحمل عليها.بدأها المحقق الأردبيلي (قدس سره) فقال عن صحيحة الفضلاء بأنها ((ليست بصريحة في المنع عن قيمة الأراضي والعقارات

ص: 44

فتأمل))(1).

وقال عن صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً) أنها ((صريحة في المنع من عينهما لا من قيمتهما)).

وقال عن الروايات المعللة لهذا الحكم ((وأنت تعلم أن هذه الحكمة إنما تقتضي الحرمان من عين تلك الأمور لا قيمتها فافهم))(2).

ثم تطور الأمر عند المحقق السبزواري (قدس سره) فقرّب ظهور هذه الروايات في الدلالة على قول السيد المرتضى (قدس سره) فقال عن صحيحة الفضلاء: ((ثم قوله (عليه السلام): (المرأة لا ترث) يحتمل أن يكون نهياً تنزيهياً أو خبراً في معناه، ويكون المقصود: أن الراجح والأولى أن لا تأخذ المرأة الميراث من الدار؛ لأن المرأة ليس لها حق. وهذا الاحتمال غير بعيد، خصوصاً في مقام الجمع.

ثم من المحتمل أن يكون المراد: أن المرأة لا ترث من الأرض المذكورة بخصوصها، بل ما كان حقها في الميراث من الربع أو الثمن يأخذه من قيمة الطوب وغيرهإن كانت وافية به. وعلى هذا يوافق الخبر قول المرتضى (رحمه الله)، بل الأنسب بعبارة الحديث هذا المعنى لأن قوله: (إن كان) لا يمكن أن يكون اسم (كان) فيه ضميراً راجعاً إلى أحد الأمرين لأنه يصير على هذا التقدير مستدركاً، لأنه

ص: 45


1- مجمع الفائدة والبرهان: 446/11.
2- مجمع الفائدة والبرهان: 450/11.

يصير المعنى: (تعطى ربعاً أو ثمناً إن كان أحد الأمرين فريضتها) وإن كان المقصود (يعطى ما ذكر إن كان ما يعطيها وما يقصد إعطاؤه فريضتها أو حقها) ففيه زيادة تقدير مع عدم دلالة واضحة.

وإن جعل ضميراً راجعاً إلى الثمن حتى يصير حاصل المعنى: (يعطيها ثمنها إن كان الثمن حقها أو فريضتها) ففيه بعد، إذ من المستبعد أن يذكر تقييداً للثمن ويترك للربع، والحاجة إليه فيه بحسب المنطوق وللثمن بحسب المفهوم، وكيف ما كان يصير الاستثناء منقطعاً وهو خلاف الظاهر.

والوجه أن يقال الضمير في قوله: (ربعها وثمنها) يرجع إلى المرأة لا إلى القيمة، ويكون المراد الربع أو الثمن من جميع المتروكات ويكون قوله: (إن كان من قيمة الطوب) معناه: إن حصل أحد الأمرين من قيمة الطوب بحيث تفي به. ويحتمل إرجاع الضمير إلى التربة والأرض ويكون المعنى ما ذكر، وعلى الوجهين يصير الاستثناء متصلاً))(1).وقال (قدس سره) عن صحيحة زرارة رقم (2): ((فالوجه في التوفيق بينه وبين ما يعارضه أن يحمل على أن الأولى بالنسبة إليها ذلك. ويحتمل أيضاً أن يكون المراد أن لا تأخذ الميراث من أعيان المذكورات، ويعطى حق ربعه أو ثمنه من قيمة النقض وغيره مما ذكر في الحديث. وكذا الكلام في الخبر (رقم 13).

ص: 46


1- الكفاية: 858/2-859.

وحديث الرجحان والأولوية يجري في الحديث (رقم 10) وغيره مما يقاربه في المعنى، واحتمال الحرمان من خصوص العين لا القيمة أيضاً يجري فيها، بل لا يبعد أن يقال تغيير أسلوب الكلام في صحيحة الأحول (رقم 10) حيث ذكر فيه: (لا يرثن النساء من العقار) بإيراد (من) التبعيضية ثم غير الأسلوب فذكر: ولهن قيمة البناء والشجر من غير ذكر للتبعيض لا يخلو عن إشعار بأن الاستحقاق المثبت في الثاني ليس على سبيل الاستحقاق المنفي في الأول، لأنه ليس بحسب ربع قيمة البناء أو ثمنه، بل باعتبار تعلق ربع الأصل أو ثمنها بها))(1)، أي بقيمة البناء والشجر فليس للزوجة منها ربعها أو ثمنها فحسب وإنما ربع أو ثمن الأصل يؤخذ كله من قيمة البناء والشجر تعويضاً عن حرمانها من العين.

ثم قال (قدس سره): ((وكذا تغيير الأسلوب في الأحاديث)) (3، 4، 8، 11 بحسب ترتيبنا).أقول: علق السيد صاحب الرياض (قدس سره) على هذه التقريبات للروايات بقوله: ((وأما ما في شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي –رحمه الله- والكفاية من المناقشات في جملة الأخبار الواردة في المسألة، وتأويلها بتأويلات بعيدة، وتمحّلات غير سديدة، فمما لا ينبغي الالتفات إليه، والعروج في مقام التحقيق عليه، وكفاه فساداً مخالفته لفهم الأصحاب كافة، مع عدم تعرض أحد منهم لشيء منه أصلاً،

ص: 47


1- الكفاية: 859/2.

ولو جرى أمثال هذه التأويلات في الروايات لاندرس جملة الأحكام، وما بقي لها أثر في محل ولا مقام))(1)

وسبقه إلى مثل ذلك السيد العاملي وشنّع عليها المحقق النراقي(2) (قدس سره) أكثر من هذا.

أقول: هذا الموقف من المشهور يمكن تفهّمه لو نظر إلى الروايات مستقلة عما كررناه من عدم مساعدة العرف على التخصيص بها أما مع وجود المانع فنضطر إلى مثل هذه التوجيهات ويكون التصرف في ظهور الخاص أقرب إلى الفهم العرفي من تخصيص العام الذي يأبى التخصيص كما في المقام.

وقد صرّح صاحب الكفاية في أول كلامه بأن هذا الحمل في مقام الجمع، فلا يصحّ أن نبخسه حقّه وهو يقدّم لنا هذا الفهم المعمّق بغضّ النظر عن صحته.وجه آخر لقول السيد المرتضى (قدس سره):

أيّد بعض المحققين المعاصرين –وهو المحقق الشعراني(3)

(قدس

ص: 48


1- رياض المسائل: 383/14، مفتاح الكرامة: 312/17.
2- مستند الشيعة: 371/19.
3- أبو الحسن الشعراني ولد في طهران عام 1320هج- وبدأ دراسته فيها ثم انتقل إلى النجف عام 1346هج- ودرس عند السيد أبي تراب الخوانساري، ألّف في الفقه والأصول والحديث والتفسير والأدب، وكان يجيد اللغات الفرنسية والتركية والعبرية مضافاً إلى العربية والفارسية، شرح وترجم عدة مجاميع للروايات والأدعية، ومنها تعليقته على كتاب الوافي للفيض الكاشاني. كان شاعراً أديباً وذا نظر معمق في الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة. توفي سنة 1393هج-/1973م في مستشفيات ألمانيا ودفن في طهران، قال عنه الشيخ جعفر سبحاني: ((من أعلام المحققين المخلصين وقد زرته عن كثب فوجدته رجلاً موسوعياً)) (رسائل: فقهية: 528/7).

سره)- في تعليقته على الوافي عند روايات الحرمان قول السيد المرتضى (قدس سره) مستفيداً من توجيه صاحب الدعائم لتلك الروايات، قال (قدس سره): ((قوله: (لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً) والعقار كلّ ما لا ينقل من الأموال سواء كان داراً أو رحىً أو بستاناً أو معصرة زيت أو أرضاً معدّة للزراعة. وأكثر الأراضي خصوصاً في العراق وما والاها كانت من المفتوحة عنوة، وكان ملك الناس إياها تبعاً لملك الآثار والحقوق، وعدم الإرث هنا عدم الإرث من العين، ولا ينافي ثبوت القيمة بدليل آخر. ومذهب السيد المرتضى أنّ المرأة تحرم من العقار عيناً لا قيمة بمعنى أنّ للورثة أن يعطوها ثمن قيمة العقار أو ربعها ويستخلصوا الملك لأنفسهم، وهذا معنى حرمان الزوجة من العقار لا أنّها لا تستحق ماليتها عيناً وقيمة. والمشهور أنها تحرم من الأرض مطلقاً ومن آلات البناء والأشجار ومثلها عيناً وترث قيمة. وهذا مسلّم في الأراضي المفتوحة عنوة، وأمّا غيرها فقول السيد أرجحوأولى; لأنّه موافق لظاهر القرآن; لأنّ مفاد الآية عموم إرث الزوجة من جميع التركة عيناً، ويخصّص بمقتضى الروايات، وما شك

ص: 49

في تخصيصه يبقى على العموم، ولا تدل الروايات على محروميّتها من قيمة الأراضي إلا بسكوت الإمام (عليه السلام) عن ذكر قيمة الأرض مع ذكره (عليه السلام) قيمة الآلات.

وهذا غير كافٍ في التخصيص، فلعلّه (عليه السلام) لم يذكر قيمة الأرض لأنّ أكثر الأراضي خصوصاً ما كان بيد الشيعة في الكوفة ونواحيها من المفتوحة عنوة، وكان ملكهم لها حق اختصاص بسبب تملك الآلات، وقيمة الأراضي كانت قيمة حق التصرّف في الأرض لقبالته من السلطان سنين معيّنة أو غير معيّنة، وكان تصرّفهم في الأرض نظير تصرّف المستأجرين لملك المنفعة، فكما أنّه إذا مات المستأجر وكان لمنعته وتصرّفه في مورد الإجارة قيمة ورثت منها الزوجة كذلك حق الاختصاص في الأراضي المفتوحة عنوة. وسكوته (عليه السلام) عن ذكر قيمة هذا الحق لا يدلّ على عدم إرثها; لأنّه (عليه السلام) ذكر ما ذكر تمثيلاً ليقاس عليه الباقي.

وممّا يدلّ(1) على أنّ حق الاختصاص بالأرض أيضاً ممّا ترثه الزوجة أنّ بعض فقهائنا ذكروا في قيمة الأشجار والبناء أنّها ترث قيمة الأشجار الثابتة في الأرض الباقية إلىأن تفنى، وكذلك الآلات لا قيمة الشجرة المقلوعة والآلات الخارجة بعد خراب البناء. ولا ريب أنّ حق الاختصاص في الأرض داخل في القيمة بهذا الطريق; إذ لو لم يكن لها حق في الأرض لم يكن وجه لأخذ قيمة الهيئة والبناء والشجر في

ص: 50


1- سيأتي مزيد بيان لهذه الدلالة (صفحة 354).

المعاملات))(1).

أقول: رد عليه المشهور بأمور:-

1- ((إن لازم كلامه أن تكون هذه الروايات قضايا خارجية لا قضايا حقيقية، وهل السائلون كلهم كانوا عراقيين؟.

2- لازم كلامه أن يعمّ الحرمان الرجال، إذ لا فرق بين الطائفتين في مورد الأراضي المفتوحة عنوة.

3- إن الحقوق المالية كحق الاختصاص تورث أيضاً فلماذا لم تلحظ في هذه الروايات مالية حق الاختصاص في إرثها بناءً على أنها ترث من مالية أرض الدار))(2).

أقول: فصّل المحقق الشعراني بين الأراضي المفتوحة عنوة وغيرها، وأخرج القسم الأول لتسليم حكمه بالنسبة إلى الجميع ولا يختص بالزوجة، وأما القسم الثاني وهي الأراضي غيرالمفتوحة عنوة فاستدل على قول السيد بدليل آخر ذكره (قدس سره)، فلا ترد عليه الردود المذكورة.

وأما ذكره الأراضي المفتوحة عنوة لاحقاً فهو مجرد احتمال للنقض على استدلال المشهور بعدم ذكر قيمة الأرض وإذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال.

ص: 51


1- مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 46، ص 16، عن تعليقة المحقق الشعراني على الوافي: 779/13.
2- رسائل فقهية للشيخ جعفر السبحاني: 528/7.

نعم يرد على ما استدل به في آخر كلامه: أن حساب قيمة البناء والأشجار على أساس أنها باقية في الأرض إلى أن تفنى لا يدل على استحقاقها من قيمة الأرض فضلاً عن عينها، بل غاية ما تدل عليه أنها ترث من منافع الأرض ومنها بقاء البناء والأشجار عليها، وقيمة هذه المنافع غير قيمة الأرض، اللهم إلا أن تدعى الملازمة بينهما.

أعلام معاصرون آخرون:

وقال علم معاصر آخر: ((وهنا الأصل –كما في كل مختلف فيه- هو القرآن الناطق بعموم الميراث لهن كما لهم، وإنه لعموم لا يقبل التخصيص مهما كانت السنة كلمة واحدة في التخصيص، فضلاً عن أنها متفاوتة متهافتة في نفسها، وذلك أصدق مصاديق العرض على الكتاب!.

والعلل العليلة في بعض الروايات لحرمانها، هي بعينها واردة بحق البعولة، ممايشي باختلاق عارم في الروايات الحارمة إياها عن شطر من حقها عظيم، ولا عبرة بإجماعات وشهرات لا يؤيدها الكتاب، بل ويخالفها، فإن ما ترك عام لم يخصص إلا بوصية أو دين حسب النص المكرر في حقل الميراث))(1).

ص: 52


1- الشيخ الدكتور محمد الصادقي في (الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة: 160/6) وقد شهد له السيد الخوئي (قدس سره) بالاجتهاد عام 1386 هج-.

أقول: من الواضح أن عدم تخصيصه العمومات بروايات الحرمان ليس لأنه لا يرى جواز تخصيص الكتاب بالسنة، وإنما لوجود المانع –وهو إباء العمومات عن التخصيص- وقصور المقتضي –وهي روايات الحرمة-.

لكن استشعاره الاختلاق في روايات الحرمان لا مبرر له، وكذا إلغاؤه لها لو كان يقول بالحرمان المطلق، إلا أنه لا يظهر منه ذلك لأنه رأى لاحقاً في قول السيد المرتضى مخرجاً مناسباً لتحقيق الحكمة المذكورة في الروايات والمحافظة على عمومات الكتاب والسنة من دون حرمان الزوجة من ربعها أو ثمنها(1).

وشكّك السيد فضل الله (قدس سره) بحكم حرمان الزوجة مطلقاً واستبعده غاية الاستبعاد، ونقل كلام صاحب الدعائم في كون الحكم مخالفاً لإجماع الأئمة والأمة، ثم قال:((ولأجل ذلك فموقف صاحب الدعائم لا يخلو من وجه))(2)،

إلا أنه لم يوافقه على تأويله، واختار أخيراً المصالحة مع الورثة.

وقال في موضع آخر: ((والمشكلة في الواقع أن علماءنا في مثل هذه المشكلة لا يرغبون في إثارة التساؤلات ولا يملكون الدوافع للبحث عما يلف هذه القضايا من غموض وضبابية))(3).

ص: 53


1- الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة: 161/6.
2- فقه المواريث والفرائض: 259/2.
3- فقه المواريث والفرائض: 271/2.

ثم جاء بعض الأعلام المعاصرين ليختار قول السيد المرتضى مستفيداً من هذه التقريبات، وقال مبيّناً لها: ((الظاهر من إضافة المنع إلى تربة الدار والأرض أنّ النظر إلى عين الأرض وترابها أي ذاتها لا ما قد يتولّد فيها وعليها من الأموال الإضافية حتى المالية والقيمة نتيجة الإحياء والبناء؛ ولهذا استدرك بلسان الاستثناء فقال: إلا أن يقوّم البناء والجذوع والخشب أو الطوب –وهي الآجرّ- ونحوها.

وظاهر الاستثناء الاتصال، مع أنّ الطوب والخشب ليس من الأرض، فكيف استثني منها؟.

والظاهر أنّ أقرب المعاني لمثل هذا التركيب ليس هو ما فعله المشهور من حمل الاستثناء على الانقطاع، بل ينبغي الحفاظ على ظهوره في الاتصال مع كون المستثنى هوالإضافات الحاصلة في القيمة والمالية سواء بالنسبة إلى ذات البناء أو الأرض وما أحدث فيها وعليها بسبب الإحياء والبناء من المالية، فيكون المتفاهم عرفاً من مثل هذا التركيب أنّها لا ترث من العين والتربة، ولكنّها ترث أصل حقها من التركة بأن تعطى من قيمة الأرض وما عليها بسبب البناء والإحياء بما فيها مالية الأرض ومنفعة المكان الحاصلة بذلك، فتعطى ربعها أو ثمنها، وهذا الاستظهار يكون أوضح إذا استظهرنا رجوع الضمير في ربعها وثمنها إلى المرأة، لا إلى قيمة الطوب، كما لا يخفى.

إن قيل: إذا كان المقصود ذلك فلماذا لم يصرّح في شيء من هذه الروايات بإعطائها من قيمة نفس الأرض كما صرّح بإعطائها من

ص: 54

قيمة البناء والخشب والطوب؟.

قلنا: من المظنون قوياً أنّ قيمة الأرض وقتئذٍ كانت تحسب من خلال قيمة البناء والإحياء، وأنّ ذات الأرض المجرّدة الخالية من الإحياء والبناء لم تكن ذات قيمة، بل بناءً على أنّ الأرض تملك بالإحياء وأنّ المالك إنّما يملك حياتها لا ذات الرقبة وإنّما يكون له حق الاختصاص بها، فتمام مالية الأرض إنّما كانت بمالية البناء عليها والإحياء فيها، فاكتفت الروايات في مقام تحديد سهم الزوجة من مالية الأرض بذكر قيمة البناء وما على الأرض أو فيها من آثار الإحياء والبناء.

فالتعبير بإعطائها من قيمة البناء والطوب والخشب ونحو ذلك يمكن أن يكونالمقصود منه عرفاً التفكيك بين العين والمالية أو الرقبة والمنفعة، وأنّ الزوجة لا ترث من الأصل ولكن ترث من الفرع، ويكون المراد بالأصل العين أو الرقبة، والمراد بالفرع المالية أو المنفعة للأرض. وقد طبق عنوان الأصل والفرع في بعض هذه الروايات بهذا المعنى، كما في رواية علاء عن محمّد بن مسلم (رقم 3)، وفيها:(قلت: كيف ترث من الفرع ولا ترث من الأصل شيئاً؟ فقال: ليس لها منهم نسب ترث به...)((1).

بل مثل رواية الأحول (رقم 10) وما ورد في ذيلها: (يعني من البناء: الدور) قوي الظهور في أنّ المراد إعطاؤها قيمة الدور بما فيها

ص: 55


1- ([1] ) الوسائل: 26/ 206، ب6 من ميراث الأزواج، ح2.

قيمة رقبة أرضها ، أي قيمة الدور بما هي دور لا بما هي آجرّ وطوب، فتحمل سائر الروايات عليها.

فما في تقريرات السيد البروجردي (قدس سره) من أنّ هذه الرواية مبعّدة لتخريج السيد المرتضى (قدس سره) فإنّه (عليه السلام) قابل بين عدم الإرث من العقار والإرث من قيمة البناء والشجر وغير ذلك ، فلو كانت ترث من القيمة مطلقاً لما كان للتقابل معنىً(1)،

ممّا لا يمكن المساعدة عليه؛ لأنّها في ذيلها قد فسّر البناء بالدور ممّا يعني أنّها تستحق قيمة الدور بما هي دور، وهي تشمل قيمة أرضها ضمناً. وظاهر الرواية أنّ التفسير من الراوي.كما أنّ التعبير بالإعطاء أو إعطاء حقها أو ربعها وثمنها الوارد في ألسنة هذه الروايات يجعلها ظاهرةً في النظر إلى مقام التقسيم والإفراز لحقوق الورثة وبيان أنّ حقّها من التركة –وهو الربع أو الثمن- لا يُعطى من عين الأرض والعقار، بل يعطى لها من سائر التركة، ومثل هذا بيان عرفي، فإنّه إذا قال الأب لأبنائه مثلاً هذا البيت لكم إلا أنّ فلاناً لا تعطوه الغرفة الفلانية فإنّه لا يعني حرمانها من أصل الاستحقاق بل يعطى حقها من سائر الغرف; أو قال: لا تعطوه من عينها كان معناه أنّه يعطى حقّه من المالية والقيمة))(2).

ص: 56


1- تقريرات ثلاثة: ص107.
2- السيد محمود الهاشمي، مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد: 46، ص12-13.

وقال (دام ظله): ((فالحاصل: أنّ مجرّد سكوت الروايات عن التصريح بإعطائها من قيمة الأرض لا ينبغي أن يجعل دليلاً على حرمانها من الأرض عيناً وقيمة)).

ثم لخّص القرائن المستفادة من كلمات المحققين السابقة الدالة على قول السيد المرتضى فقال:

((1- بل بقرينة ظهور الاستثناء في الاتصال لا الانقطاع.

2- وظهور التأكيد في بعض الروايات بعدم الإعطاء من تربة الأرض في النظر إلى العين دون المالية.

3- وظهور التعبير بإعطائها من قيمة البناء الوارد في بعض الروايات في إعطاءقيمة البناء والدور بما هي دور قائمة وتستحق البقاء على الأرض والتي هي قيمة الأرض خصوصاً في تلك الأيّام.

4- وظهور التعليل بمنع الزوجة من إدخال زوج جديد يتلاعب برباع وعقار سائر الورثة في إرادة حفظ عين العقار لهم لا أكثر.

أقول: مجموع هذه النكات إن لم توجب ظهور الروايات المفصّلة في أنّ المراد حفظ عين الدور والعقار لسائر الورثة لا حرمان الزوجة من أصل حقها من المالية أو منفعة الأرض، ويكون هذا نظير ما إذا قال: هذا البيت يكون لولدي بالسويّة من بعدي ولكن لا يعطى للبنات من الجانب الغربي مثلاً فإنّ ظاهره إعطاء حقهّن من سائر الجوانب لا حرمانهنّ من أصل فرضهنّ. فلا أقلّ من أنّها مجملة ومحتملة لهذا المعنى

ص: 57

قوياً بحيث لا يكون فيها ظهور في أكثر من حرمان الزوجة من عين العقار لا أكثر، فتبقى القيمة والمالية للدور والمساكن والعقارات بما فيها منفعة نفس الأرض باقية تحت إطلاق أدلّة التوريث.

نعم، الروايات التي اقتصرت على ذكر أنّ المرأة لا ترث من العقار أو الأرض شيئاً من دون تفصيل واستثناء لقيمة البناء ونحوه - كما في صحيح زرارة ومحمّد بن مسلم المتقدّمة - ظاهر إطلاق الشيء فيها نفي الإرث من المالية أيضاً.

إلا أنّه من المطمأنّ به أنّ هذه الرواية تقطيع لنفس الروايات المفصّلة والمنقولةعن زرارة ومحمّد بن مسلم وليس حديثاً مستقلاً; لوحدة الرواة فيها عن المعصوم، بل أكثر هذه الأحاديث ترجع إلى حديث واحد أو حديثين.

بل لو استظهرنا من روايات التفصيل أنّ المقصود حرمانها من إرث العين دون المالية كانت بنفسها قرينة على إرادة نفس المعنى من عدم الإرث من الأرض شيئاً خصوصاً ما كان ظاهراً في عدم الإرث حتى من البناء، كما في رواية عبد الملك عن أحدهما (عليهما السلام) قال: (ليس للنساء من الدور والعقار شيء)(1)، فإنّه لا إشكال في إرثهن من قيمة بناء الدور، فيكون المقصود عدم الإرث من أعيانها))(2).

ص: 58


1- الوسائل: 26/ 209، ب 6 من ميراث الإرث، ح10.
2- السيد محمود الهاشمي، مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد: 46، ص14-15.

أقول: توجد عدة أنواع من المناقشات في هذه التقريبات:

النوع الأول: على قراءة الروايات بهذا الشكل الذي أفاده الأعلام وهذا ما سنؤجله إلى ما بعد قراءة المشهور لها في الاتجاه الثاني إن شاء الله تعالى.

النوع الثاني: على النتيجة أي قول السيد المرتضى ومن وافقه بحرمان الزوجة من عين الأرض خاصة دون قيمتها:

(ومنها) ((إن العمومات لا تدل على إرثها من القيمة إلا تبعاً للعين بمعنى الحصة التوأمة منها فإذا خصص العمومات بها في العين تخصص قهراً بالنسبة إلى القيمة والالتزامبإرثها الحصة غير التوأمة مع العين بلا دليل لعدم دلالة العمومات عليه))(1).

وجوابه: أن الدليل موجود وهو الجمع بعد الذي قلناه من أن التصرف في ظهور الخاص في المقام أقرب عرفاً من تخصيص العام به لإبائه عن التخصيص.

(ومنها) دعوى ((إن التفكيك بين العين والمالية في تخصيص أو تقييد الكتاب وأدلة التوريث بإخراج العين وإبقاء المالية تحتها أمر غير عرفي)).

ويدفعها ((بأنه عرفي في باب الأموال والحقوق، ويشهد له نفس روايات الحرمان في البناء والطوب والخشب حيث فصّلت بين

ص: 59


1- فقه الصادق: 261/37.

العين والمالية في إرث الزوجة منها))(1).

النوع الثالث: ما يرتبط بخصوصيات كلام العلم المعاصر:

(ومنها) قوله: ((إن المالك إنما يملك حياة الأرض لا ذات الرقبة وإنما يكون له حق الاختصاص بها)).

وفيه: أنه خلاف المشهور من تملك الأرض بالإحياء ويتبعه قبولها النقل والانتقال لما اشتهر عنهم (عليهم السلام) (من أحيى أرضاً فهي له) واللام بحسب الظاهر للملكية وليس الاختصاص، وأثر ذلك عدم جواز إحياء الغير لها إذا خربت إلا إذا أحرز إعراض المحيي الأول.قال الشيخ كاشف الغطاء (قدس سره): ((ثم إن أحياها المحيي كائناً من كان –بعد الغيبة- كانت ملكاً له ويملكها من شاء ويوقفها ويجري عليها أحكام الملك))(2).

(ومنها) قوله: ((إن قيمة الأرض وقتئذٍ كانت تحسب من خلال قيمة البناء والإحياء، وأن ذات الأرض المجردة الخالية من الإحياء والبناء لم تكن ذات قيمة)) وقد بنى تقريبه على هذا المعنى الذي تكرر في كلامه من أوله.

وفيه: أنها دعوى بلا دليل إذ لا نعلم ماذا كان الحال يومئذٍ،

ص: 60


1- السيد محمود الهاشمي، مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 45، ص38.
2- كشف الغطاء: 295/4.

وما دامت الأرض تقبل التملك إذن تقبل النقل والانتقال ويبذل الثمن بإزائها، ولا شك أن الدواعي متوفرة لشراء الأرض المجردة حينما يكون موقعها مناسباً لمشروعٍ ما.

نعم يظهر من عبارات بعض الأعلام ما يدل على صحة هذا الاعتبار في بعض الأزمنة أو البلاد كقول الشهيد الثاني (قدس سره): ((لو فرض عدم القيمة للأرض في بعض الأنواع من الشجر كالزيتون))(1)

إلى آخر كلامه، وقول المحقق الأردبيلي (قدس سره): ((إذا كانت الأرض بحيث لا قيمة لها كالأرض في أشجار التوت، لها الحصة من تمام البستان، إذ لا قيمة للأشجار))(2).

إشكال على قول السيد المرتضى (قدس سره):

توجد إشكالات على قول السيد المرتضى (قدس سره) تأتي عند مناقشة قول المشهور، نذكر واحداً منها وهو لغوية التفصيل الوارد في الروايات بين الأرض التي أطلق الحرمان منها، والأبنية التي تعطى الزوجة من قيمتها، ولو كانت الزوجة تعطى من قيمة الأرض أيضاً فالحكم فيهما واحد، فما معنى التفصيل، ويرد هذا الإشكال على العلم المعاصر لأنه قوّى قول السيد المرتضى (قدس سره).

نعم يظهر فرق بناءً على أطروحة المحقق السبزواري (قدس

ص: 61


1- مسالك الأفهام: 194/13.
2- مجمع الفائدة والبرهان: 451/11.

سره) المتقدمة (صفحة 224) وخلاصتها تقييم ربع أو ثمن الزوجة من الأرض وإعطاؤها هذا المقدار من الطوب والخشب ونحوهما، وكلام السيد المرتضى (صفحة 195) يحتمله، لكن هذا الاحتمال بعيد عرفاً عن ظاهر روايات الحرمان، وسيأتي عرض هذا الإشكال بإذن الله تعالى.

تعديل القانون المدني للجمهورية الإسلامية وفق قول السيد المرتضى:

كانت المادة القانونية المعمول بها في إيران موافقة لمشهور الإمامية، فقد نصّت المادة (946) من القانون المدني المقرّر بتأريخ 1346/11/18 على أن ((الزوجة ترث منالموارد التالية فقط:

1- من الأموال المنقولة مهما كانت.

2- من الأبنية والأشجار)).

وشرحت المادتان (947، 948) كيفية التسعير ومعالجة صورة امتناع الورثة عن أداء القيمة.

وبتأريخ 1430/1/28 قرر مجلس الشورى الإسلامي الإيراني كما نقلت الصحيفة الرسمية للبلاد رقم (18651) وتأريخ (1430/3/14) التالي: ((تحذف مادة 947، وتتغير مادتا 946، 948 من النظام المدني المقرر بتأريخ 1430/11/18 على النحو التالي:

مادة 946: يرث الزوج من جميع تركة زوجته، والزوجة ترث من الزوج إن كان له ولد ثمن الأموال المنقولة، ومن قيمة غير المنقولة من العرصة والأعيان. ولو لم يكن للزوج ولد ترث الزوجة الربع من

ص: 62

كل الأموال حسب الترتيب السابق.

مادة 948: لو امتنع الورثة من أداء القيمة المذكورة يجوز للزوجة أن تطلب حقها من الأموال عينها))(1).

أقول: هذا عمل بقول السيد المرتضى –إذا فهمنا إطلاق الزوجة سواء كانت ذات ولد أوغيرها لأنه لم يفصّل بين كون الولد منها أو من غيرها- خلافاً للمشهور وبملاحظة التواريخ نجد أن تأريخ الصدور بعد سلسلة الأبحاث التي نشرها السيد محمود الهاشمي عام 1427-1428 وكان يومئذٍ رئيساً للقوة القضائية.

وبما أن الدستور الإيراني ينصّ في الأصل 94 على أن ((كل مقررات مجلس الشورى الإسلامي يلزمها تصويب مجلس صيانة الدستور وهذا المجلس يجب أن يدلي برأيه طوال عشرة أيام في أن يكون القانون وفقاً للقوانين الإسلامية والدستور. ولو كان معارضاً لهما يعاد القانون إلى مجلس الشورى الإسلامي لإعادة النظر)).

فقد أرسل القانون إلى مجلس صيانة الدستور للمصادقة عليه أو ردّه إلى مجلس الشورى ويبدو أنهم لم يشاؤوا الوقوع في حرج اختيار أي من الأمرين فاختاروا عدم الإجابة.

و((هذا القانون –المعدَّل أعلاه- بعد انقضاء زمن مصادقة مجلس صيانة الدستور عليه وقبل أن تسلَّم إجابة المجلس بتأريخ

ص: 63


1- مجلة الاجتهاد والتجديد، عدد 17، ص 222، وص 233، مقال بقلم عدة أساتذة جامعيين في القانون.

1430/3/12 أرسل إلى مجلس الوزراء للتطبيق))(1).

ولعل هذا يفسّر قول الشيخ جعفر سبحاني في نهاية تعليقاته على أبحاث السيدالهاشمي: ((هذه ملاحظات متواضعة نقدمها إليكم راجين إمعان النظر فيها، لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً))(2).

وهي مؤرخة في 20 صفر 1430 أي في نفس فترة إصدار القانون الجديد، وإرساله إلى مجلس صيانة الدستور لمراجعته والمصادقة عليه، ولكنها لم تغيّر من التوجه نحو تعديل القانون ((لقد كان القانون المدني الإيراني تابعاً لرأي مشهور فقهاء الإمامية، الذي يذهب إلى عدم ثبوت توريث الزوجة من جميع تركة زوجها لكنه قد تمّ أخيراً تصويب القانون التالي وبأكثرية ساحقة: (إن كلاً من الزوجين يرث من جميع أموال الآخر، وفي حالة عدم وجود وارث آخر سوى الزوج أو الزوجة يرث كل منهما جميع ما ترك الآخر))(3).

وقد ذكر عدد من أساتذة القانون الوجه في إجراء هذا التعديل فقالوا: ((كادت الأسرة في الآونة الأخيرة أن تتكون من الزوجين والأولاد، وقد ضعفت العلاقات الأسرية السابقة إلى حد ما وعلى سبيل المثال: إن التوارث بين أحفاد العم والخالة لا يبتني على المحبة والعلاقة، ولا على طلب المتوفى، ولا يساعد العلاقات الأسرية. أن هؤلاء الأقرباء ربما لا يعرف بعضهم بعضاً، وخاصة في المدن

ص: 64


1- المصدر السابق: ص 237، الهامش (1).
2- رسائل فقهية: 541/7.
3- مجلة الاجتهاد والتجديد، العدد 23، ص 136.

الكبيرة، ولا نجد أية صلة بينهم. لذا فقدتغيّرت الحكمة الموجبة للإرث، أو أوشكت على الفساد. ومن جهة أخرى فإن العلاقة بين الزوجين قد تغيّرت حسب أخلاق شعبنا الحاضر، فإن المرأة ليست أجنبية التجأت إلى بيت بعلها حسب الضرورة التي اقتضت، وتبقى هناك حتى يفصل الموت بينها وبين زوجها، وعندما يتوفى الزوج فعليها أن ترجع إلى بيت أبيها. هذه الأجنبية هي مركز الحب والأحاسيس والمشاعر لهذه الأسرة الجديدة، وهي تساعد الزوج وتشاطره في الأحزان والآلام، وعندما يتوفى زوجها تحافظ على الأسرة وأواصرها، وهي التي تحمي الأولاد والأحفاد، فجدير بها أن لا تبقى بلا إرث أو أن تبقى ولها سهم قليل، ويرث أبناء العم الذين كانوا يعيشون بمعزل عن المتوفى طوال سنوات عديدة))(1).

أقول: هذه مجرد استحسانات لا يمكن تأسيس الأحكام الشرعية عليها، بل نعتبرها اختراقاً للشريعة باسم التجديد إذ لا معنى للقول: ((فقد تغيّرت الحكمة الموجبة للإرث أو أوشكت على الفساد)) والقول: ((تغيّرت الحكمة الموجبة للإرث)) وبقية الكلمات. ويجب أن يكون إقرار القوانين مستنداً إلى الحجة الشرعية.

القول الثالث: نفس القول الثاني مع تضييق دائرة الزوجة المحرومة من العين

اشارة

دون القيمة بغير ذات الولد -إذا فهمنا الإطلاق من كلام السيد

ص: 65


1- مجلة الاجتهاد والتجديد، المصدر السابق، ص 233.

المرتضى وهو غير مؤكد وتقدمت الإشارة إليه (صفحة 213)، أما ذات الولد من زوجها فترث من كل ما ترك الزوج عيناً وقيمة، وقد أضيف هذا التفصيل باعتباره وجهاً للجمع بين روايات الحرمان وروايات إطلاق استحقاق الزوجة، وعملاً بمقطوعة ابن أذينة (في النساء إذا كان لهن ولد أعطين من الرباع)(1)،

حيث جُعلت هذه المقطوعة شاهداً للجمع بين عمومات ميراث الزوجة من كل التركة وروايات الحرمان من العقار، بحمل الأدنى على ذات الولد، والثانية على غيرها، وسيأتي تفصيل الكلام في المقطوعة بإذن الله تعالى.

ويظهر هذا القول من عبارة الشيخ الصدوق في الفقيه بعد نقله صحيحة أبن أبي يعفور المتقدمة الموافقة للعمومات، قال (قدس سره): ((هذا إذا كان لها منه ولد أما إذا لم يكن لها منه ولد فلا ترث من الأصول إلا قيمتها، وتصديق ذلك ما رواه محمد بن أبي عمير، عن ابن أذينة))(2).

أقول: هذا القول لم يذكره الأصحاب في أقوال المسألة مع أنه الموافق للقدر المتيقن من الإجماع –الذي سيأتي ذكره (صفحة 71) وأقلّها مخالفة لعمومات الكتاب والسنة ويحفظسهمها المحدّد بالربع والثمن من جميع التركة وهذه كلها مزايا ترجيح له وهو كما ترى مطابق لقول السيد المرتضى في موضع الخلاف الأول وهو ما تحرم منه الزوجة،

ص: 66


1- وسائل الشيعة: 26 / 213، أبواب ميراث الأزواج، باب 7 ح2.
2- من لا يحضره الفقيه: 4/ 252: كتاب الفرائض والمواريث، باب: نوادر المواريث، ح 5755.

وخالفه في الموضع الثاني وهو الزوجة المحرومة إذ ظاهر السيد المرتضى (قدس سره) الإطلاق -وإن كنّا ناقشنا فيه لعدم وضوح كونه في مقام البيان من هذه الجهة- بينما خصه الشيخ الصدوق بغير ذات الولد بناءً على المقطوعة وسنبحثها مفصلاً فيما يأتي إن شاء الله تعالى، وبغضّ النظر عن هذه فالقولان الثاني والثالث متطابقان.

والخلاصة أن الشيخ الصدوق جمع بين صحيحة ابن أبي يعفور الصريحة في عدم نقصان استحقاق الزوجة وبين روايات الحرمان بحمل صحيحة ابن أبي يعفور على منطوق رواية ابن أذينة، وحمل روايات الحرمان على مفهومها، إلا أن هذا غير كافٍ لإثبات المطلوب في استحقاق غير ذات الولد من قيمة الأصول وتحرم من الأعيان فقط بعد ذهاب المشهور إلى دلالتها على الحرمان من العين والقيمة معاً.

قال بعض الأعلام المعاصرين في تقريب الاستدلال بمقطوعة ابن أذينة على تفصيل الشيخ الصدوق (قدس سره): ((إن رواية ابن أذينة –على ما سيأتي- ليست دالة إلا على إرث الزوجة ذات الولد من عين الرباع، وأما عدم إرث غير ذات الولد من الرباع فلا دلالة فيها على ذلك إلا من باب المفهوم، بمعنى أنه لو كانت ترث غير ذات الولد من عينالرباع أيضاً كان التخصيص والتقييد بذات الولد لغواً وهذا هو معنى ظهور القيد في الاحترازية. إلا أنه من الواضح أن هذا الظهور لا يقتضي المفهوم بنحو السالبة الكلية بل الجزئية وبنحو إجمالي، بمعنى عدم مساواة ذات الولد وغير ذات الولد في الحكم وهو الإرث من

ص: 67

عين الرباع وإلا كان القيد لغواً.

أما أن غير ذات الولد لا ترث من الرباع أصلاً أي حتى من قيمتها وماليتها فهذا لا يقتضيه المفهوم المستفاد من احترازية القيود فلعلها ترث من قيمة الرباع ضمن قيمة الدور والأبنية، فلا تكون رواية ابن أذينة مخصصة لرواية ابن أبي يعفور، وإنما غايته دلالتها على عدم إرث غير ذات الولد من عين الأرض، فيبقى إرثها من المالية والقيمة ولو ضمن قيمة البناء والدور مما ترك الزوج تحت شمول رواية ابن أبي يعفور، فيثبت مختار الصدوق (قدس سره) الذي هو أخص من مختار السيد المرتضى (قدس سره) ))(1).

أقول: غاية ما تدل عليه المقطوعة عدم مانعيتها من قول الصدوق لكفاية ما ذكره (دام ظله) من الاحتمال لتحقق المفهوم لكن المفهوم لا يتعين بهذا المقدار فيمكن أن يكون حرمانها مطلقاً، فالاستدلال بها على إرث الزوجة غير ذات الولد من القيمة دون العين غير تام؛ لأنها مجملة من هذه الناحية، وإنما يستدل عليه بالعمومات والإطلاقات بعد عدم وجودالمخصص لكفاية الاحتمال المذكور وإذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال.

اللهم إلا أن يقال أن المنطوق ظاهر في عدم حرمان الزوجة ذات الولد من قيمة الأرض، فيكون المفهوم نافياً لها خاصة، وهذه محاولة ليست وافية لأن القيمة تبع العين في المنطوق.

ص: 68


1- السيد محمود الهاشمي في مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 46، ص23.

فاستدلال الصدوق يكون بنفس ما ذكرناه للسيد المرتضى، ولا تضيف المقطوعة –على تقدير تماميتها متناً وسنداً- إلى الاستدلال إلا التفصيل بين ذات الولد وغيرها، مع احتمال كونها وجهاً للجمع بين روايتي الفضل وابن أبي يعفور وبين روايات الحرمان.

تقريب الاستدلال بانقلاب النسبة:

حكى السيد محمد بحر العلوم (1261-1326 هج-) تقريباً للاستدلال على التفصيل في حكم الحرمان بين الزوجة ذات الولد فلا تحرم وغيرها فتحرم، واستفاد منه بعض الأعلام المعاصرين للاستدلال على تفصيل الشيخ الصدوق (قدس سره).

وقد ردَّ هذا التقريب بقوله: ((إلا أن المقرر في محله عدم قبول كبرى انقلاب النسبة، على أن ظهور رواية ابن أبي يعفور في عدم الفرق بين الزوج والزوجة في الإرث مما تركته وتركه من الأرض التي هي مورد سؤال السائل أقوى من ظهور روايات الحرمانفي حرمان الزوجة من إرث مالية الرباع، فلا تصل النوبة إلى التخصيص حتى على القول بكبرى انقلاب النسبة، بل يجمع بينهما بما صنعه الصدوق (قدس سره) ))(1).

أقول: سنتعرض مفصلاً لهذا البحث في الفرع الخلافي الثاني عن هذا التفصيل (صفحة 181) بإذن الله تعالى.

ص: 69


1- السيد محمود الهاشمي، مجلة فقه أهل البيت، العدد 46: ص 23-24.

الاتجاه الثاني: تخصيص عمومات الكتاب بحرمان الزوجة من العقار ولو في الجملة

اشارة

اعتاد المشهور عند بحثه هذه المسألة أن يرسل حكم حرمان الزوجة في الجملة من العقار مطلقاً إرسال المسلّمات ثم يذكر أن الخلاف في موضعين ما تحرم منه الزوجة، ومَن تحرَم من الزوجات، ويدخل في تفصيلهما ويذكر قولي ابن الجنيد والسيد المرتضى من ضمن الأقوال، ومنهجية البحث تقتضي التعرّض أولاً لأصل حكم الحرمان والاستدلال عليه ودفع الإشكالات لأن الخلاف بين قولي ابن الجنيد والمرتضى وبين أقوال المشهور جوهرية لتعلّقه بأصل الحرمان، لذلك جعلناها في اتجاهين مختلفين، أما موضعا الخلاف فتبحث في الفروع الخلافية، لأن البحث في هذين الموضعين مما يتفرع عن أصل البحث ويشترك فيه أصحاب الاتجاهين فالخلاف بين قولي السيد المرتضى والشيخ الصدوق –وهما من الاتجاه الأول- هو في الموضع الثاني كما تقدم.

وعلى أي حال فما اتبعناه من منهجية وتقسيم أرجح، وهو يبرز أصل الخلاف بين الاتجاهين.

وقد ذهب المشهور إلى حرمان الزوجة من العقار في الجملة وذكرنا في ما سبقدليليه وهما:

(الأول) الإجماع

وتقدم ذكره (صفحة 13).

ويناقش صغروياً بمخالفة عدد من القدماء كابن الجنيد والشيخ

ص: 70

الصدوق والسيد المرتضى واستشكل فيها المحقق الأردبيلي والسبزواري والسيد العاملي في مفتاح الكرامة(1)،

ولذا احتاط قسم آخر كصاحب الرياض، قال (قدس سره): ((والاحتياط لا يترك هنا بل في أصل المسألة أيضاً، فإنه طريق السلامة))(2) بل استُظهر الخلاف من غيرهم كما تقدم (صفحة 197) لعدم تعرضهم لهذا الحكم مع تصريحهم بأن إرث الزوجة ربع التركة أو ثمنها الظاهر في عموم الاستحقاق من كل ما ترك، خصوصاً مثل الفقه الرضوي الذي هو الأصل لكتاب المقنع للشيخ الصدوق، وتفسيري التبيان ومجمع البيان اللذين لم يدخرا جهداً في الدفاع عن رأي الإمامية في المسائل الخلافية عند التعرض لمواضعهما في التفسير، ولم يتعرضا لهذا الحكم مع كونه من متفردات الإمامية.

ويناقش كبروياً بأكثر من وجه:-

1- إنه مدركي لوضوح استناده إلى الروايات الكثيرة المشهورة بين الأصحاب.

إنه لا يوجد معقد لهذا الإجماع لاختلافهم على عدة أقوال بعد اتفاقهم على أصل1- الحرمان فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقن،

وهو:-

ص: 71


1- راجع (صفحة 193).
2- رياض المسائل: 386/14.

أ- كون الزوجة غير ذات ولد لوجود قائل بعدم حرمان ذات الولد.

ب- حرمانها من الرباع خاصة وهي أراضي الدور والمساكن لوجود قائلين بعدم حرمانها من غيرها كالأراضي الزراعية.

ج-- حرمانها من عين الرباع خاصة دون قيمتها لوجود قائل –كالسيد المرتضى- باستحقاقها من القيمة.

ومجموع هذه القيود تفيد قولاً في المسألة وهو قول الشيخ الصدوق وإن لم يبرزه الأصحاب.

(الثاني) الروايات:

وقد أوردناها (صفحة 200-204).

وقبل تقريب استدلال المشهور بالروايات وفق رؤيته ينبغي الالتفات إلى أنه يمكن إرجاع بعض الروايات إلى بعض كما استظهرنا من روايتي يزيد الصائغ.

وتلاحظ أيضاً أن موثقة عبد الملك بن أعين (رقم 9) هي نفسها رواية بصائرالدرجات (رقم 16) إلا أن الراوي في الأولى اكتفى بذكر الحكم بينما ذكر راوي الثانية تفصيل الحادثة.

وكذلك فإن رواية موسى بن بكر (رقم 15) هي نفسها رواية الفضلاء (رقم 1) وبكير أحدهم فسمع موسى منه وأتى زرارة يتأكد

ص: 72

منه بينما سمع عمر بن أذينة من بكير وزرارة وبقية الخمسة وهكذا كان ديدنه بحسب المنقول عنه أنه كان يروي الحكم الواحد عن أكثر من واحد ممن سمع من الأئمة (عليهم السلام).

وصحيحة زرارة (رقم 2) هي نفسها رواية (رقم 13) عنه وعن طربال بن رجاء، والرواية (6) هي جزء من الرواية (7) وقد رواهما في الكافي بنفس السند سوى أن ابن أبي عمير رواها تارة عن جميل عنهما وأخرى عن حماد بن عثمان عنهما.

وكذلك جملة من الروايات الصحيحة الأولى هي نقول متعددة لرواة متعددين عن أحد الفضلاء الخمسة أو أكثر وربما كان غير الفضلاء الخمسة حاضراً فرواها إلى غيره فتكثّرت الروايات ولم تحافظ على النص الأصلي لأن النقل يكون بالمعنى فربما صاغها كل واحد منهم بما يضمن بيانها وشرح المراد منها.

ونبهنا إلى أن رواية العلاء –رقم 3- مباشرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) كما في قرب الإسناد ليست كذلك في الكافي بل بواسطة محمد بن مسلم وهو أحد رواةصحيحة الفضلاء.

وينبغي الالتفات إلى أننا لا نريد بهذه التقريبات إنكار تواتر هذا المعنى عن أهل البيت (عليهم السلام) حيث أرجعها بعض المعاصرين إلى واحدة أو اثنتين(1)،

وربما يأتي بعد ذلك مَن ينكر صلاحياتها لتخصيص عمومات الكتاب لأنه يبني على عدم تخصيص

ص: 73


1- راجع كلامه المتقدم (صفحة 234).

الكتاب بأخبار الآحاد، ويسقط هذه الروايات عن التأثير والاعتبار.

فهذا كله مما لا يعتد به لأن مجموع هذه الروايات يحصّل القطع بصدور حكم حرمان الزوجة من العقار في الجملة عن المعصومين (عليهم السلام)، وقد فهم علماء الإمامية كافة هذا المعنى وإن اختلفوا في تفاصيل الحرمان، ونسبة هذه الروايات إلى عمومات استحقاق الزوجة هي التخصيص فتخصص بها قال الشهيد الأول (قدس سره): ((إن أهل البيت (عليهم السلام) أجمعوا على حرمانها من شيءٍ ما، ولم يخالف هذا من علماء الإمامية إلا ابن الجنيد))(1).

أقول: قد تقدّم الكلام في صحة هذه النسبة إلى ابن الجنيد.

إشكالات على المشهور:

هذا ولكن المشهور يواجه عدة إشكالات تبعّد مختاره، وأسئلة عليه إجابتهاوردها:

(الأول) إن هذه الروايات تدل على حرمان الزوجة من العقار في الجملة وليست صريحة في حرمانها من العين والقيمة معاً، بل إن بعضها –كصحيحة الفضلاء- ظاهرة في حرمانها من عين الأرض خاصة كما قرّبنا (صفحة 224)، وتؤيدها الروايات الواردة في تعليل الحكم وبيان حكمته، وهذه الحكمة أو العلة تتحقق بمنع إعطائها من رقبة الأرض خاصة ونحو ذلك من القرائن كقوله (عليه السلام) في صحيحة الأحول: (ولهن قيمة البناء) وتفسيره البناء بالدور –ولو من

ص: 74


1- غاية المراد: 583/3.

الراوي- والدور تشمل الأرض، ولو شككنا بدخول القيمة في روايات الحرمان فإن مقتضى الصناعة بقاؤها تحت عمومات استحقاق الربع أو الثمن من كل التركة.

وأجاب المشهور بأن الروايات ظاهرة في حرمانها من العين والقيمة، بل هي صريحة في ذلك بالتقريب الذي تقدم (صفحة 218) عن صاحبي الرياض والجواهر والسيد البروجردي (قدس الله أسرارهم) وأن مقتضى استثناء إعطائها القيمة من الطوب والخشب حرمانها من العقار مطلقاً عيناً وقيمة وإلا لذكرت في الاستثناء استحقاقها من قيمة الأرض خصوصاً مع وجود الإطلاق في بعضها (لا يرثن من العقار شيئاً).

ورُدَّ على القرينة بوجوه من الدفع والرفع أوردناها (صفحة 218 وما بعدها) وأنهيلزم منه كون الاستثناء منقطعاً وهو خلاف الأصل وإن استفادة حرمان الزوجة من القيمة من سكوت الروايات عن إعطائها منها دلالة ضعيفة لوجوه منها ما ذكرناه (صفحة 57).

أما إطلاق (شيئاً) في الحرمان من إرث العقار فإن الجميع لا يلتزم به لأن المشهور يقول باستحقاقها من الأبنية. ثم عرضنا (صفحة 44) وما بعدها عدة قراءات لروايات الحرمان تجعلها قابلة لإعطاء الزوجة من قيمة العقار، وإن عدم تعرضها لهذا المعنى لا يضرّ لوجوه ذكرناها.

ص: 75

(الثاني) وجود مضامين في روايات الحرمان تجعلنا نشكك في فهم المشهور لها ومنها:-

أ- قوله (عليه السلام) في رواية (رقم 3) (ترث المرأة من الطوب ولا ترث من الرباع شيئاً) مع أن الرباع هي الدور والمنازل والطوب داخل فيها فصدر الرواية لا يستقيم مع آخرها وكذلك في الروايات (5، 6، 7، 8).

ب- التعليل بعدم إفساد المواريث على أهلها مع أن هذه المشكلة موجودة في الزوج إذا توفيت زوجته وقد يكون غريباً عن قومها، وهل هذا إلا مثل حرمان الوارث من حقه خشية أن لا يحسن التصرف فيها، مع أن هذه المشكلة قد تحلّ باشتراطعدم التزوج من غريب، مضافاً إلى أنه قد لا يوجد وارث غيرها، فهل تستثنى هذه الحالة من روايات حرمان الزوجة وهذا ما لم يقل به أحد، أو نفهم روايات الحرمان بنحو آخر؟.

ج-- ورود عناوين تحرم منها الزوجة ولا يوجد قائل بها كالدواب والسلاح مما اضطر البعض إلى تأويلها بوجوه أخرى ككون سبب الحرمان دخولها في الحبوة.

د- بعض التعابير ليست مألوفة في كلام الأئمة (عليهم السلام) كما في رواية محمد بن سنان -رقم 14- فهذا التنظير والتقعيد يناسب تعليلات العلماء واجتهاداتهم، قال السيد البروجردي (قدس سره): ((وهذه الرواية تنادي بأعلى صوتها أنها ليست

ص: 76

بهذه الألفاظ من الإمام (عليه السلام) كما يعرف ذلك من كان له أدنى بصيرة في ألفاظ الأحاديث المنقولة، ولذا قلنا: إنه زعم أنه سمعه من الإمام (عليه السلام) ))(1).

هذه الأمور وربما غيرها تدفعنا إلى احتمال أن المراد بالروايات غير ما فهمه المشهور من حكم حرمان الزوجة وإنما أُريد منها معالجة مشكلة وسنذكر بعض الوجوه في ذلك إن شاء الله تعالى، ولعله لهذا –بل صرح بعضهم – لم يستسلم جملة من المحققينلإرادة المشهور واضطر بعضهم كالأردبيلي والسبزواري إلى تقديم قراءات أخرى للنصوص أوجبت هجوم المشهور.

(الثالث) إباء عمومات الكتاب والسنة عن التخصيص أي يمتنع تخصيصها بالحرمان المطلق من العين والقيمة؛ بتقريبين:-

أ- لأن دلالة بعضها على الاستحقاق من كل التركة بالنص الصريح -كصحيحة الفضل وابن أبي يعفور- وليس بالعموم أو الإطلاق ليمكن فيها التخصيص والتقييد.

ب- لأن حرمانها من العقار مطلقاً يعني عدم انحفاظ سهم الربع أو الثمن من التركة فيلزم التهافت في الكلام والوقوع في مخالفة الكتاب، وذكرنا (صفحة 26) أن هذا الهاجس معترف به عند المشهور وحاولوا تقليل التخصيص مهما أمكن كتقييد الزوجة

ص: 77


1- تقريرات ثلاثة، رسالة في ((ميراث الأزواج)).

المحرومة بغير ذات الولد ونحو ذلك.

قال المحقق السبزواري: ((ظاهر الآية الشريفة ثبوت الربع أو الثمن للزوجة مطلقاً من غير استفصال، وكذا كثير من الروايات الدالة على أن للزوجة الربع أو الثمن من غير تخصيص واستفصال، وخصوص معتبرة الفضل وابن أبي يعفور دال على ثبوت حكمالتوريث مطلقاً في محل البحث، ويبعد ارتكاب تخصيص فيها))(1).

وقال بعض الأعلام المعاصرين: ((إن هذه الروايات المانعة لإرث الزوجة من العقار معارضة مع القرآن الكريم الصريح في إرث الزوجة الربع أو الثمن من تركة الزوج في قوله تعالى: [.. وَلَهُنُّ الرُبُعُ مِمّا تَرَكتُم..] وهذه المخالفة ليست بمستوى التخصيص والتقييد ليقال بأنه لا محذور فيه، بل بمستوى المخالفة لظهور قوي كالصريح، لأن الزوجة إذا كانت لا ترث من العقار شيئاً فلا محالة سوف يقل سهمها عن الربع والثمن للتركة، وتقييد ذلك بالربع والثمن مما ترث منه من التركة لا كل التركة وإن كان يحفظ عنوان الربع والثمن إلا أن هذا عندئذٍ يكون خلاف مقام التحديد وتعيين السهام بالنسب والفروض، أي يوجب اختلال الميزان للفرائض والسهام)).

ثم وجد (دام ظله) في قول السيد المرتضى حلاً للإشكال، قال: ((نعم على القول بإرثها من قيمة الأرض الذي هو مختار السيد المرتضى لا يلزم اختلال السهام والفرائض وإنما مخالفة ظهور الخطاب

ص: 78


1- كفاية الفقه: 858/2.

في كون السهم بنحو الإشاعة من العين، فهو على حد التقييد، ولعله من هنا صعب على السيد المرتضى القبول بمخالفة القرآن الكريم بالمستوىالأول رغم إقراره بصدور الروايات بل وإجماع الطائفة على حرمان الزوجة من العقار إجمالاً)).

أقول: يمكن للمشهور أن يرد بأمور:-

1- التشكيك في تحقق الإطلاق والعموم في الآية الشريفة لما ذكرناه (صفحة 212) من أن المولى ليس في مقام البيان من هذه الجهة وما ادعي أنه نص صريح في العموم لم يكن كذلك حتى عند الفريق الثاني لذا لم يجد حزازة بالقول بالتفصيل بدلالة مقطوعة ابن أذينة.

2- إن الروايات المعتبرة المستفيضة بعد أن دلت على المطلوب -وهو التخصيص والاستثناء- فيجب الأخذ به ولا تمنع منه الاستظهارات المذكورة.

عدم الالتزام بالتخصيص وحرمان الزوجة من الأرض عيناً وقيمة يلزم منه لغوية التفصيل بين الأرض والأبنية حيث أطلقت الحرمان في الأول وحكمت بالقيمة في الثانية، ولو كانت الزوجة تعطى من قيمة الأرض أيضاً لم يبق وجه للتفصيل في النصوص كصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام): (إن المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض إلا أن يقوّم الطوب والخشب قيمة

ص: 79

فتعطى ربعها أو ثمنها) ومعتبرة ميسر عن أبي عبد الله (عليه1- السلام): (لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب، فأما الأرض والعقارات فلا ميراث لهن فيه) وصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام): (لا ترث النساء من عقار الدور شيئاً ولكن يقوم البناء والطوب وتعطى ثمنها أو ربعها) وصحيحتهما الأخرى عن أبي جعفر (عليه السلام) فلو كانت الزوجة ترث من الأرض قيمة لا عيناً فلا معنى للتفصيل المذكور لأنهما سواء في الحكم، نعم يمكن أن يتحقق الفرق بناءً على أطروحة المحقق السبزواري (قدس سره) المتقدمة (صفحة 224).

2- لو سلّمنا عدم قبول الآيات الشريفة لهذا الاستثناء بحسب الظهور فليكن من باب النسخ وقد أجازوا نسخ الكتاب بخبر الواحد من السنة بهذا المقدار، وقد صرّحت رواية بصائر الدرجات (رقم 16) أن هذا الحكم مما أملاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أمير المؤمنين (عليه السلام).

وأورد أحد الأعلام المعاصرين ملاحظتين على هذا الإشكال:

((أولاً: ما الفرق بين المقام حيث يُحدّد فرضها بالثمن ثم يشار بدليل منفصل إلى أنّ فرض الثُمن يتعلّق بغير العقار، وبين قوله سبحانه: [وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءْ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى] ثم يحدّ بأنّ الخمس بعد المؤونة)).

ص: 80

أقول:-

أ- لا يصلح هذا المورد للنقض لأن الخمس يجب فوراً في الغنيمة ولا تستثنى منها مؤونة السنة وإنما ذلك شرط الخمس في أرباح المكاسب بحسب المستفاد من الأدلة وهو مورد آخر غير الآية ولا أقل من أنه خلاف مبنائي.

ب- إن استثناء المؤونة تضييق لما يجب فيه الخمس وليس تصرفاً في النسبة نفسها فلا مانع منه، فهو نظير تضييق الميراث بعد استثناء الوصية والدين ولا مانع منه، قال تعالى: [مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ] (النساء:12) ثم توزيع الفروض، وقد عرضنا في ما سبق أطروحة كون الربع أو الثمن في ما سوى ما تحرم منه الزوجة وقلنا في جوابه أنه يكون كالألغاز لدى العرف المتلقي. فالفرق بين الموردين موجود.

ثم قال (دام ظله الشريف): ((وثانياً: أنّ هذه المشكلة ليست مختصّة بهذا المورد، فإنّ اختلال الميزان للفرائض والسهام –لو صحّت تسميته إخلالاً بهما- ليس شيئاً غريباً في باب الإرث لتوفّره في الموارد التالية:

1. عند زيادة السهام على التركة يدخل النقص على طائفة دون طائفة، وبالتالي ينقص الميراث عن السهام .2. عند زيادة التركة على السهام يُردّ الباقي على الورّاث، وبالنتيجة يزيد الميراث على السهام.

ص: 81

خلافاً لأهل السنّة حيث عالجوا المشكلة في الموردين بالعول والتعصيب .

3. سهم الولد الأكبر يزيد على الفرض بالحبوة. فيكون سهم الولد الأكبر أزيد من حظ الأُنثيين وقد قال سبحانه: [لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ].

4. حرمان القاتل والكافر من الإرث، وبالتالي تحصل الزيادة في سهام الآخرين، كالبنت والبنتين إذا كان الأب قاتلاً أو كافراً.

5. إذا مات الرجل عن بنت واحدة فهي ترث النصف فرضاً والباقي قرابة، فتكون وارثة للكل لا للنصف وإن كان ذلك باعتبارين، ومثلها إذا مات عن بنتين فهما ترثان الثلثين فرضاً والباقي قرابة فيكون ميراث الواحدة أو الاثنين أزيد من الفرض المحدّد الوارد في قوله سبحانه: [فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ]))(1).

أقول: لا تصلح هذه الموارد للنقض لأن الزيادة حصلت بعنوان آخر وهو الرد والعمومات لا تمنع منها، وأما دخول النقص فلأن الروايات شرحته بأن البنت والبنتين والأختوالأختين لهنّ النصف، والثلثان ما دام لا يوجد نقص في الفريضة وإلا تغيّر فرضهن بدخول النقص عليهن.

ص: 82


1- رسائل فقهية للشيخ جعفر سبحاني: 535/7-537.

وأما الحبوة فقد تقدم عن السيد المرتضى أنه يحسبها بالقيمة من حصة الولد الأكبر.

نعم يمكن أن يجيب المشهور على تقريبيي الإباء عن التخصيص:

أما الأول فلأن دلالة العمومات على الاستحقاق إنما هي بالعموم والإطلاق كما في الآية الكريمة [مما تركتم] وهي قابلة للتخصيص، أما الدلالة الصريحة فقد وردت في صحيحة الفضل وابن أبي يعفور وسنناقشها ضمن الروايات المعارضة.

وأما الثاني فلأن الربع والثمن يمكن أن يضيق ويتسع بحسب متعلقه لأنهما كسر منسوب إليه ففي قوله تعالى: [ولهنّ الربع مما تركتم] إذا خصصنا ما تركتم بروايات الحرمان –وقد قلنا آنفاً بإمكانه- بقي الربع منحفضاً لكن متعلقه نقص بالتخصيص فلا إشكال.

وهذا معنى يمكن استفادته من تعليقة الشيخ في الاستبصار على صحيحة الفضل بن عبد الملك وتأويلها بأن ((لهن ميراثهن من كل شيء ترك ما عدا تربة الأرض)).وهو ما استبعده المحقق الأردبيلي (قدس سره) قال: ((إن السائل سأل عن الكل فتخصيصها بعيد جداً فتأمل، وحمل الاستبصار أيضاً بعيد))(1).

ص: 83


1- مجمع الفائدة والبرهان: 445/11.

وقال: ((فإرادة مثل ذلك ألغاز وتعمية فتأمل)) وهو وصف أعاده بعض الأعلام المعاصرين.

وقد تقدم بعض الكلام (صفحة 209)، وسيأتي ما يتعلق به أيضاً إن شاء الله تعالى.

(الرابع) وجود روايات معارضة لروايات الحرمان وقد تقدم ذكر بعضها (صفحة 194) وهي على طوائف:-

الأولى: العمومات المحدِّدة لحصة الزوجة بالربع أو الثمن والمصرِّحة بعدم نقصانها عن الفرض المذكور كصحيحة محمد بن مسلم.

وأجاب المشهور بأنها مخصَّصة بروايات الحرمان كما تقتضيه الصناعة، وردَّ بأنها آبية عن التخصيص، وأن ظهور الخاص في حرمانها من العقار عيناً وقيمة بالإطلاق وهوأضعف من ظهور العمومات في التحديد وصراحتها في نفي النقصان فالتصرف في ظهور الخاص بحمله على العين دون القيمة أولى من تخصيص العام بالخاص مطلقاً.

الثانية: الإطلاقات التي دلّت على استحقاق الزوجة الربع أو غيره من دون تفصيل بين العقار وغيره كصحيحتي أبي بصير ومحمد بن مسلم المتقدمتين (صفحة 6) وغيرها مما أوردنا في البحث السابق عن إرث الزوجة إذا انفردت بالميراث كرواية الصحاف قال: (مات

ص: 84

محمد بن أبي عمير بياع السابري وأوصى إليَّ، وترك امرأة له لم يترك وارثاً غيرها، فكتبت إلى العبد الصالح (عليه السلام) فكتب إليَّ: أعط المرأة الربع واحمل الباقي إلينا)(1).

((وهذه الطائفة من الروايات لكونها واردة في خصوص الزوجة المنفردة بالإرث تكون أخص من هذه الناحية من الروايات الدالة على حرمان الزوجة من إرث العقار، فتخصّصها أو يتعارضان بنحو العموم من وجه ويرجع إلى عمومات التوريث، بل مقتضى التعليل الوارد في تلك الروايات بأنّ ذلك إنّما كان من أجل أن لا تُدخل الزوجة على الورثة من يفسد عليهم مواريثهم، عدم شمول الحكم لفرض انفرادها بالإرث.وعليه، فلا وجه لرفع اليد عن دلالة هذه الروايات على عدم حرمان الزوجة من إرث العقار عند انفرادها، بل مثل رواية الصحّاف التي تنقل قضية خارجية خير دليل على أنّ منع الزوجة من الأرض والعقار مطلقاً لم يكن نافذاً بين الشيعة حتى في عصر الإمام الكاظم (عليه السلام)، وإلا لكان يشير إليه السائل الوصيّ لابن أبي عمير أو يشير عليه الإمام (عليه السلام) بذلك، وأنّ الأرض إذا كانت فكلّها لنا، فمثل هذا الظهور لا يمكن إلغاؤه بظهور الروايات المتقدّمة، بل إمّا يقال بالتفصيل بين حالة انفراد الزوجة وغيرها ، وهذا ما لم يقل به أحد من الأصحاب .

ص: 85


1- وسائل الشيعة: 202/26، ميراث الأزواج، باب 4، ح2.

أو يقال بحمل تلك الروايات على إرادة حرمانها من إرث عين الأرض لا قيمتها، وسوف يأتي أنّه يمكن لسائر الورثة –وهو الإمام هنا- أن يعطيها من العين أيضاً، فحكم الإمام (عليه السلام) بإعطائها ربعها –ولو من العين- وحمل الباقي إليه))(1).

أقول: يمكن أن يجيب المشهور بأن هذه الروايات ليست في مقام البيان من هذه الجهة.

الثالثة: الروايات الخاصة بميراث الزوجة من كل ما ترك الزوج، وهي صحيحة الفضل بن عبد الملك وابن أبي يعفور وبشهادة رواية عبيد بن زرارة والفضل نفسه المتقدمتين (صفحة 193-194) وفي الصحيحة (يرثها وترثه من كل شيء ترك وتركت)وهاتان الروايتان صريحتان بميراث الزوجة من كل ما ترك الزوج ولا يمكن تخصيصها بالعقار لأنه مورد السؤال وجاء الجواب باستحقاق الزوجة منه، فلا يجوز إخراجه من الجواب، وإذا ورد خاص مثل روايات حرمان الزوجة فلا يجوز تخصيصها بها لعدم جواز تخصيص الصريح بالظاهر، ولا بد من التصرف في روايات الحرمان بما لا يتنافى مع صراحة العام كحمل الحرمان على العين دون القيمة، وهو جمع يساعد عليه العرف، وتكون نتيجته قول السيد المرتضى أو الشيخ الصدوق بغضّ النظر عن التفصيل في الزوجة.

وما يمكن أن يجيب به المشهور أمور:-

ص: 86


1- السيد محمود الهاشمي في مجلة فقه أهل البيت، العدد 46، ص18-19.

1- بسقوط هذه الرواية ((لإعراض المشهور عنها، بناءً على أنه يوجب وهن الخبر الصحيح وسقوطه عن الحجية))(1).

وأجيب: ((أن الإعراض عن العمل بهذه المعتبرة لم يثبت كيف وقد صرّح بها الشيخ الصدوق في الفقيه والشيخ الطوسي في كتابي الأخبار بالعمل بها غاية الأمر أنهم خصّصوها بذات الولد.هذا مضافاً إلى أن الإعراض الموجب للوهن إنما هو الإعراض التعبدي الكاشف عن وجود خلل في سند الخبر، فلا يتم في مورد يحتمل فيه استناد الفقهاء إلى قواعد الجمع الدلالي أو السندي بين المتعارضين كما في المقام))(2).

أقول: لم يثبت عمل الشيخ الصدوق أو الشيخ الطوسي بهذه المعتبرة بل صرّح الشيخ الصدوق في ما تقدم بأن ما ذكره من التفصيل مبني على مقطوعة عمر بن أذينة، وقال الشيخ (قدس سره) في ذيل صحيحة الفضل وابن أبي يعفور: ((هذا الخبر محمول على أنه إذا كان للمرأة ولد فإنها ترث من كل شيء تركه الميت عقاراً كان أو غيره والذي يدل على ذلك ما رواه ابن أذينة))(3)،

فالعمل برواية ابن أذينة وإنما حمل عليها

ص: 87


1- مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 46، ص 24.
2- مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 46، ص 24.
3- التهذيب، ج9، باب 27: ميراث الأزواج، ح 35.

الصحيحة بدل طرحها من باب (الجمع مهما أمكن أولى من الطرح).

وحينئذٍ يمكن القول أنه لا يوجد عامل بمضمون هذه الرواية بحيث أن الفضل وابن أبي يعفور اللذين روياها عن الإمام (عليه السلام) ذكرا حرمان الزوجة من العقار حكماً مسلّماً به في السؤال وإنما كان سؤالهما عن إلحاق الرجل بها في الحكم.1- ((بمخالفتها للسنة القطعية المتواترة الدالة على حرمان الزوجة من العقار فإنها كثيرة مستفيضة تبلغ حد التواتر وقد حقق في محلّه من علم الأصول أن الخبر الصحيح إذا خالف الكتاب الكريم أو السنة القطعية بنحو التعارض سقط عن الحجية)).

وأجيب بأن ((حديث طرح هذا الخبر الصحيح لمخالفته مع السنة القطعية فرع قطعية روايات الحرمان وتواترها –وهو ممنوع- وفرع تمامية الدلالة على الحرمان عيناً وقيمة بنحو لا يمكن حملها على حرمانها عن خصوص عين العقار لا قيمتها، وقد تقدم عدم دلالة جملة منها على ذلك، وما قد يقال: أنه لا يمكن حمله على ذلك لا يبلغ حد التواتر قطعاً))(1).

أقول: هذا خلاف مبنائي لأن المشهور يقطع بدلالة الروايات على حرمانها من العقار عيناً وقيمة.

ص: 88


1- مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 46، ص 24.

3- أو يقال أن الصحيحة أدلّ على المشهور باعتبار التسليم بحكم حرمان الزوجة من العقار لدى الراويين مما يدل على شهرة هذا الحكم لدى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).ويدل عليه: أن التسليم لعله خاصٌ بالسائل فقط مضافاً إلى أن الإمام (عليه السلام) اعتبره متوهماً وصحّح له حكم المسألة.

4- بحملها على التقية لموافقتها لإجماع العامة كما تقدم (صفحة 212 نقطة ب)، وهذا الجواب الأكثر شيوعاً في كتب الأصحاب.

ويرد عليه:

أولاً- إن الصحيحة يمكن حملها على معنى صحيح وإذا أمكن التصرف في ظهورها لم يجز حملها على التقية، وقد قيل في علم الأصول أنه إذا دار العمل بين أصالة الظهور وأصالة الجهة فالعمل بأصالة الجهة مقدَّم؛ لذا جرى الفقهاء على تخصيص العمومات إذا صحّ قبل حملها على التقية.

وهنا يمكن التصرف بظهور الصحيحة بأكثر من وجه:-

أ- كونها مجملة من ناحية نوع استحقاق الزوجة هل هو مطلق عيناً وقيمة أو يكفي فيه إعطاؤها القيمة بقرينة روايات الحرمان كما ذهب إليه الشيخ الصدوق والسيد المرتضى، فننفي ظهورها في الإطلاق بدلالة روايات الحرمان.

ص: 89

ب- حملها على ذات الولد باعتبارها الحالة الغالبة للزوجات وتكون حينئذٍ موافقة لمقطوعة ابن أذينة وهي القرينة على هذا الحمل.

ثانياً- ما ذكره بعض الأعلام من أن مسألة ميراث الزوجة ((لم تكن مسألة سياسية ونحوها ليكون فيها موجب للتقية))(1).

ويردّ عليه:-

أ- إن المسألة بالغة الحساسية عند القوم لجذورها التاريخية في الصراع على الخلافة حيث استأثرت إحدى زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرار في دار النبي(2)

(صلى الله عليه وآله وسلم) ومنعت جنازة السبط المجتبى (عليه السلام) من الدفن عند جده (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالت: (فإنه لا يدفن في بيتي ..)(3)

فحرمانها من الإرث يجرّدها من هذا الحق من التصرف.

ص: 90


1- مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 45، ص 35.
2- راجع (صفحة 210).
3- الكافي: ج1، باب: الإشارة والنص على الحسين بن علي (عليه السلام). ص300. وفي مصادر أخرى أنها قالت: (لا تدخلوا بيتي من لا أحب) والقصة مشهورة.

ب- إن مبرر التقية لا ينحصر بهذا بل يشمل ما كان فيه إبراز لهوية التشيع والانتماء لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ومنها تبني الأحكام التي يتفردون بها.وقد يتفاجأ المشهور إذا عرضنا عليه أطروحة مفادها أن روايات الحرمان هي الموافقة للتقية وسيأتي تقريبها (صفحة 267) وهو احتمال كافٍ لإسقاط ما احتمله المشهور من حمل صحيحة الفضل وابن أبي يعفور على التقية.

5- ويمكن أن نضيف جواباً محتملاً حاصله أن (من) التي وردت في كلام الإمام (عليه السلام) يمكن أن تفهم على أنها تبعيضية بقرينة التقية ونحوها كقوله تعالى [وَآتاكُم مِن كُلِّ ما سأَلتُمُوهُ] وهي لا تعني بالتأكيد كل ما سألتموه ويكون الجواب مجملاً ولا يعارض تلك الروايات المعتبرة.

ويرد عليه: ظهور (من) في كونها بيانية.

6- ما ذكره صاحب الوسائل بقوله: ((ويمكن حمله على رضا الوارث إعطاء العين فيما عدا الأرض وبإعطاء العين أو القيمة من الأرض)).

وفيه: إنه مجرد دعوى تبرعية لا دليل عليها.

7- عدم دلالة الصحيحة على العموم وأنه مجرد ((ظهور بدوي، وذلك لأن الراوي لما توهّم أن عدم الدخول يسبب عدم إرثها من زوجها بتاتاً، وكأنّ العلقة عند السائل تتحقق بالدخول لا

ص: 91

بالعقد، فردّه الإمام (عليه السلام) أن موت الزوج قبل الدخول لا يؤثر في ما تستحق من الإرث، فعلى هذا معنى قوله: (فترث من كلشيء) أي مما تستحق أن ترث.

وبعبارة أخرى: إن الإمام (عليه السلام) في مقام دفع التوهم المذكور لا في مقام بيان حد الإرث وما ترث))(1).

وفيه: إن هذه القرينة لا تنفي الدلالة على العموم ولو لم يكن مراداً لاكتفى (عليه السلام) بقوله: ((ويتوارثان)).

8- دعوى أن الإمام (عليه السلام) يمكن أن يكون بصدد بيان الأصل في المسألة وإن الأصل في الزوجين أنهما يتوارثان من كل ما تركا إلا إذا دلّ دليل على الحرمان كما في العقار.

وأما محاولة إنقاذ الصحيحة من السقوط بالجمع بينها وبين روايات الحرمان بقول السيد المرتضى (قدس سره) ونحوه فيرد عليه ما تقدم في تفاصيل البحث من وجوه، مضافاً إلى ما قيل من أن هذا ((ليس جمعاً بين الدليلين بل هو طرح لهما، إذ ليس كل من العين والقيمة مندرجاً في العام اندراج المصاديق في مفهوم الكلي حتى يكون حمل كلمنهما على بعض أفراده عملاً به في الجملة، بل هو طرح لهما بالكلية، ولو سلم فلا شاهد لهذا الجمع الذي لا يمكن المصير إليه إلا بعد قيام شاهد عليه))(2).

ص: 92


1- رسائل فقهية للشيخ جعفر سبحاني: 533/7.
2- بُلغة الفقيه: 93/3.

أقول: يمكن ردّه بأن المبرر لهذا الجمع موجود وهو عدم صلاحية الخاص للأخذ بإطلاقه في تخصيص العام فنتصرف فيه.

وإن اعتبار العين والقيمة مصاديق للميراث مقبول عرفاً لأن التفكيك بين العين والقيمة أمر سائغ في الإرث وسائر الحقوق المالية لأن الملحوظ فيها حفظ المالية، وقد قيل بهذا الجمع اضطراراً من أجل العمل بالطائفتين.

وعلى أي حال فلو لم نقبل بالجمع وافترضنا حصول التعارض كان الترجيح لروايات عدم الحرمان لموافقتها للكتاب، وهي وإن أنتجت استحقاق الزوجة من كل ما ترك الزوج وهو القول المنسوب لابن الجنيد إلا أنه بملاحظة الأدلة الأخرى تؤول النتيجة إلى قول السيد المرتضى أو الشيخ الصدوق.

(الخامس) تأخير البيان عن محل الحاجةإن هذه القضية عامة البلوى وقد لا تخلو أسرة منها وقد عُلِمَ اهتمام المشرّع الإسلامي بقضايا الميراث وضبط استحقاقاته وإلغاء الاعتبارات الجاهلية فيه وتصحيح الانحراف في التطبيق الذي صدر من البعض كالعول والتعصيب فكيف ((يتصور أن يك

ص: 93

(صلى الله عليه و آله و سلم) وعصره المديد ولا في عصر أمير المؤمنين (عليه السلام) وقضاياه؟! كما أنّه لا ينعكس شيء من ذلك على مثل ابن عباس من تلامذته مع ملاحظة أنّ هذه المسألة ليست من حقوق الله أو الإمام، كما في الخمس في أرباح المكاسب، ليقال بأنّه لعلّه أخّر بيانه إرفاقاً من قِبل أُولي الأمر بالأُمّة، بل هو حق من حقوق الناس والورثة الآخرين; فإنّ الزوجة إذا كانت لا ترث من الأراضي شيئاً كانت للآخرين من الورثة لا محالة، فكيف يُفرّط بحقوقهم طيلة تلك المدّة وفي حكومة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) العادلة، فلا يبيّن حكم الله وتُعطى حقوق سائر الورثة للزوجة إلى عهد الصادقين، بل وفي عهد الصادقينأيضاً لم يعلم أنّ الوضع الخارجي تغيّر عمّا كان عليه قبل ذلك من توريث الزوجة حصتها من العقار أيضاً))(1).

أقول: يمكن أن يجيب المشهور بأمور:-

1- إن أكثر الأحكام ومنها مسائل الميراث وصلتنا عن طريق الإمامين الباقر والصادق (سلام الله عليهما) حتى سمي المذهب الجعفري، والأمة معذورة ما دام التكليف غير مبلّغ فما الجديد في المسألة حتى يستبعده (دام ظله).

ص: 94


1- مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 45، ص35، وسبقه إلى تسجيل الإشكال على المشهور: السيد محمد حسين فضل الله (قدس سره) في فقه المواريث والفرائض: 261/2.

2- إن الشريعة هي التي تنظم الحقوق والواجبات فما جعلته حقاً فهو حق وما ألغته فهو ليس حقاً فلا يستشكل على الشارع بسكوته عن حق الورثة أو الزوجة لأنه قبل أن تقره الشريعة ليس حقاً أي أن الزوجة كان حقها في الميراث شيئاً قبل صدور هذه الروايات وأصبح شيئاً آخر بعد صدورها فيكون الإشكال على نحو القضية السالبة بانتفاء الموضوع.

3- إن المانع عن البيان موجود وهي التقية وقد ذكرنا مبرراتها (صفحة 258).4- إن رواية بصائر الدرجات (رقم 16، ص 204) صرّحت بأن هذا الحكم مما أملاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أمير المؤمنين (عليه السلام) ونسبه الشيخ المفيد في المقنعة إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فالبيان لم يتأخر ولكن الناس لم يتعرفوا عليه لإقصائهم أئمة الهدى (عليهم السلام) عن المواقع التي اختارهم الله تعالى لها.

5- إن أحكام الشريعة بُنيت على التدريج في التبليغ فيأتي العام ثم يأتي الخاص ويأتي المطلق ثم يأتي المقيد ويأتي المنسوخ ثم يأتي الناسخ، فما يقول (دام ظله) في مدة الأخذ بالأول قبل مجيء الثاني؟

قال أحد الأعلام المعاصرين: إن ((مشكلة تأخير البيان لا تختص بالمورد فإنّ كثيراً من أُصول الأحكام أوّلاً والمقيدات

ص: 95

والمخصصات ثانياً ورد في لسان الصادقين (عليهما السلام) ومن بعدهما من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ولا يمكن الالتزام فيهما بالنسخ إذ لا نسخ بعد رحيل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فالجواب في الجميع أمر واحد، وهو أنّ وجود المصلحة قد أوجب بيان الأحكام تدريجاً فالأحكام كلّها كانت مشرّعة في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نازلة عليه، غير أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بي-ّن ما بي-ّن، وأودع ما لم يُبيّن –إمّا لعدم استعداد في المجتمع أو لعدم وجودالفرصة للبيان، أو لوجود المصلحة في تأخيره- عند أوصيائه الأئمة المعصومين (عليهم السلام) بعده، و ليس تأخير البيان أمراً قبيحاً بالذات حتى لا يُغيّر حكمه، وإنّما هو بالنسبة إلى القبح كالمقتضي نظير الكذب، فلو كان هناك مصلحة غالبة كنجاة المؤمن كان أمراً حسناً. هذا هو الحقّ الذي يدركه من سبر حال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)والمجتمع الإسلامي.

فأقصى ما في تأخير البيان وقوع المكلّف في المشقّة، أو تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة، و كلّها هيّنة إذا اقتضت المصلحة الكبرى تأخير البيان.

والمسألة مطروحة في باب التعادل والترجيح وأخص بالذكر فرائد الشيخ، وقد ذكر وجوهاً لهذا النوع من التأخير، وتبعه غيره من الأعلام في نفس الباب .

ص: 96

أضف إلى ذلك: أنّ الظاهر من رواية الصفّار أنّ البيان لم يتأخّر، وإنّما خفي على الناس بعد وروده. روى محمد بن الحسن الصفّار عن محمد بن الحسين (الخطاب)، عن جعفر بن بشير، عن الحسين بن مخلد، عن عبد الملك قال: دعا أبو جعفر (عليه السلام) بكتاب علي (عليه السلام) فجاء به جعفر مثل فخذ الرجل مطوياً فإذا فيه: (إنّ النساء ليس لهنّ من عقار الرجل إذا توفّي –عنهن- شيء) فقال أبو جعفر (عليه السلام): (هذا والله خط علي وإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) )).وأضاف: ((على أنّ تأخير البيان أمر مشترك بين الحرمان مطلقاً أو الحرمان من العين والدفع من القيمة، إذ لم يرد في الرواية بوجه صريح يدلّ على حرمانها من الأصل، ودفع سهمها من القيمة، وذلك لأنّ الظاهر من الآيات كونها سهيمة في عين التركة كسائر الورّاث))(1).

وفيه: إنه قياس مع الفارق لأن إعطاء الزوجة من القيمة دون العين ليس فيه مخالفة للكتاب لانحفاظ الربع والثمن فيه

(السادس) عدم معروفية هذا الحكم -أعني حرمان الزوجة من الأرض مطلقاً عيناً وقيمة- لدى الفقهاء القريبين لزمان المعصومين (عليهم السلام)، فقد تقدّم قول ابن الجنيد والشيخ الصدوق والسيد

ص: 97


1- رسائل فقهية: 537/7-538.

المرتضى (قدس الله أرواحهم) بعدم الحرمان ولو من القيمة، وذهاب الشيخ الطوسي (قدس سره) ومن تبعه إلى استحقاق ذات الولد من كل ما ترك الزوج وهو إعراض عن روايات الحرمان بدرجة كبيرة لأن الغالب في الأزواج كونهن ذوات أولاد.والمثير للاستغراب في هذا الحكم عدم تعرّض (القديمين) علي بن بابويه وابن أبي عقيل له وإلا لنقل، وخلوّ الفقه الرضوي والمقنع الذي بُني عليه والمراسم وكذا الإيجاز والفرائض النصيرية للشيخ الطوسي وجوامع الجامع مع وقوع التصريح في جميعها بميراث الزوجة الربع أو الثمن، وترك الاستفصال دليل العموم.

ومما يلفت النظر أيضاً خلو تفسيري التبيان للشيخ الطوسي ومجمع البيان للطبرسي ((وقد أخذا على نفسيهما –خصوصاً الثاني منهما- أن يتعرضا لما تفرّد به الإمامية بالتوضيح والشرح، وأن يتعاطيا معه من موقع الدفاع، كما هو الحال في مسألة العول والتعصيب، والتي يكاد لا يخلو من ذكرها وتوضيح بطلانها كتاب، وليس من الطبيعي أن مسألة هي محل ابتلاء المسلمين ثم يكون حكمها على خلاف ظاهر القرآن، ولا يتعرض لذكرها كثير من الفقهاء، فإطلاقهما المسألة من غير إشارة إلى حرمان الزوجة من شيء ما، يدل على أنهما إنما يتبنيان الإطلاق، وعدم الحرمان))(1).

ص: 98


1- فقه المواريث والفرائض: 256/2-257.

واحتمل صاحب الجواهر (قدس سره) أن سبب هذا الإعراض عن ذكر الحكم ((لوضوحه وظهوره بل العامة تعرف ذلك من الإمامية))(1).

أقول: هذا مما لا يمكن المساعدة عليه لوجود الدواعي لإظهاره، منها:1- كون المسألة ابتلائية تتعرض لها كل أسرة.

2- وجود الخلاف بين علمائنا على عدة أقوال قد تصل إلى ستة.

3- مخالفة الإمامية فيها لسائر المذاهب الإسلامية.

4- تعرض هذا الحكم للإشكال والاعتراض والسخط الاجتماعي.

فلا عذر في إغفاله وعدم التعرض له إلا إذا كان لا يلتزم به أصلاً.

لكن الذي يهوّن الخطب على المشهور أن بعض من أهمل ذكر الحكم في كتاب ذكره كتاب آخر كالشيخ الصدوق في الفقيه لكنه جعلها في باب النوادر نهاية الكتاب، أو الشيخ الطوسي وأفرد لها الشيخ الكليني (قدس سره) باباً في الميراث.

(السابع) جريان سيرة المتشرعة على عدم حرمان الزوجة من قيمة الأرض عند توزيع التركة، وهذا شاهد على عدم الأخذ بروايات

ص: 99


1- جواهر الكلام: 210/39.

الحرمان عملياً وإن أفتوا به نظرياً، وقد تقدم (صفحة 221) بيان هذه السيرة وما يمكن أن يجيب به المشهور والرد عليه.

نتائج وأطروحات بديلة:

اشارة

تبيّن مما سبق أن فهم المشهور حرمان الزوجة من العقار عيناً وقيمة لا يخلو من إشكال، كما أن إهمال روايات الحرمان لا يمكن قبوله للقطع بصدور هذا الحكم عن المعصومين (عليهم السلام) في الجملة فكيف نفهم معنى صدور روايات الحرمان وجهة صدورها؟.

وهنا نقدم عدة أطروحات محتملة:

(الأطروحة الأولى)صدور روايات الحرمان تقية بتقريب:

أن القانون الذي وضعه عبد الملك بن مروان تضمن حرمان النساء من العقار، فقد روى ابن أبي الحديد قال: ((دخل عمر بن عبد العزيز على سليمان بن عبد الملك وعنده أيوب ابنه –وهو يومئذٍ ولي عهده- قد عقد له من بعده فجاء إنسان يطلب ميراثه من بعض نساء الخلفاء فقال سليمان: ما أخال النساء يرثن من العقار شيئاً، فقال عمر بن عبد العزيز: سبحان الله وأين كتاب الله؟ فقال سليمان: يا غلام اذهب فأتني بسجل عبد الملك الذي كتب في ذلك، فقال عمر: لكأنك أرسلت إلى المصحف))(1).

ص: 100


1- شرح نهج البلاغة: 144/18.

أقول: علماً أن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) اللذين صدرت عنهما روايات الحرمان كانا معاصرين لملك سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز الذي جاء بعده،ولا نعلم أن سَنّ عبد الملك بن مروان لهذا القانون كان انطلاقاً من مصلحة رآها وهي عدم إشراك ذوي أزواج الخلفاء من ميراثهم لأنهن من عشائر شتى وهذا ما يستشعر من الرواية، أو أنه وجد رأياً فقهياً لدى بعض الصحابة أو التابعين لكن مذهبهم باد واندثر لأن فقهاء العامة مجمعون على أن الزوجة كالزوج ترث من كل ما ترك، وبالتأكيد فإن عبد الملك لم يستند بقانونه هذا إلى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) لعداوته لهم ومعاقبة من يأخذ عنهم (عليهم السلام).

ونتيجة هذه الأطروحة أن حكم حرمان الزوجة من العقار صدر من خصوص الإمامين الصادقين تقية، وقد يؤيد هذا أن الفضلاء الخمسة الذين هم الأصل في روايات الباب ممن عاصر فترة الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام).

لكن الإنصاف والتأمل في روايات الحرمان يقتضيان استبعاد هذه الأطروحة.

(الأطروحة الثانية) إن حكم الحرمان ولائي صدر بمقتضى ولاية الإمام

فبقاؤه والعمل به منوط في عصر الغيبة بإذن الولي الفقيه، وهذه الأطروحة مكونة من عدة مقدمات:

ص: 101

1- إن استحقاق الزوجة هو الربع أو الثمن من كل ما ترك الزوج حتى أرض العقار بمقتضى العمومات، وصحيحة الفضل وابن أبي يعفور.1- إلا أن الإمامين الصادقين (عليهما السلام) أبلغا الأمة حكماً بحرمان الزوجة من الأرض بمقتضى ولايتهم لأمور الأمة وصلاحيتهما في التشريع لأكثر من مسوّغ:

أ- إن هذا الحكم سبَّب مشكلة اجتماعية في خصوص الأراضي ودخول الغرباء عليها عن طريق الزوجات إذ لا يرضى أهل بيت أو عشيرة بأن تأتي المرأة برجل غريب ليسكن في أوساطهم ويتصرف في أرضهم بحجة استحقاق زوجة ابنهم –وهي الحكمة التي وردت في الروايات – فأصدر الأئمة (عليهم السلام) هذا الحكم بمقتضى ولايتهم لأمور الأمة لحسم مادة الفساد هذه.

ب- سحب الشرعية من غاصبي حق أمير المؤمنين (عليه السلام) المتقمصين للخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتصرفهم في الأرض بحجة إذن ابنتيهما زوجي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا ثبت عدم حق الأزواج في الأرض انكشف تجاوز أولئك على حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فهذا الحكم داخل في الجدل العقائدي والسياسي حول الإمامة كالمسألة الإجماعية المتقدمة.

ص: 102

وانطلاقاً مما دل على حرمة مال المسلم وعدم جواز التصرف فيه أو إتلافه من غير إذنه، فإن هذا الحرمان لا بدّ أن يكون مضموناً بالقيمة للزوجة والنتيجة حرمان1- الزوجة من رقبة الأرض وضمان قيمتها لها.

وتقريب المحقق السبزواري الآتي للروايات صريحٌ في كون إعطائها الربع أو الثُمن من الآلات والأبنية هو من باب التعويض.

ووجدت في كلام المحقق صاحب الجواهر (قدس سره) ما يمكن أن يصب في هذه الأطروحة، فإنه (قدس سره) بعد أن ضعّف قول السيد المرتضى (قدس سره) قال: ((اللهم إلا أن يدعى أن هذا الحرمان بمنزلة الإتلاف عليها الموجب لضمان القيمة، كما يومئ إليه قيمة الآلات، وحديث نفي الضرر والضرار(1)

وقاعدة الجمع بين الحقين وغير ذلك)) وذيّل بقوله: ((إلا انه هو أيضاً كما ترى))(2).

أقول: لو عرضه (قدس سره) ضمن السياق الذي ذكرناه لكان تقييمه مختلفاً.

ص: 103


1- وسائل الشيعة، كتاب إحياء الموات، الباب 12.
2- جواهر الكلام: 39/ 215.

(الأطروحة الثالثة) إن إجراء هذا الحكم مشروط بظرفه المناسب الذي يقدّره الولي الفقيه

الجامع لشرائط النيابة عن المعصوم (عليه السلام).

ويمكن تقريب هذه الأطروحة بنقاط:-

1- إن الحكم الأولي في هذه المسألة هو حرمان الزوجة من الأرض. والشاهد عليه رواية بصائر الدرجات (رقم 16) وأنه موجود في صحيفة علي (عليه السلام) بإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولوجود الحكمة في حرمانها من الأرض.

2- لكن هذا الحكم يوجب احتجاج الناس وتمرّدهم، ولو قاله أمير المؤمنين (عليه السلام) للسلطة الانقلابية ومن يستمد شرعيته منها لأصابه شرّ عظيم وروايتا يزيد الصائغ صريحتان في بيان هذه الحقيقة، وهذا الموقف له نظائر حتى بعد تولّي أمير المؤمنين (عليه السلام) الخلافة كمحاولة منعه من بدعة صلاة التراويح.

لذا كان الموقف هو العمل بالعمومات لأن الظرف لا يسمح بتطبيق الحكم الخاص، والقضاء والمحاكم دائماً بيد السلطات الجائرة التي لا تعمل به، على أن تعطى الزوجة من قيمة الأرض وليس من عينها، لمنع اعتراض الناس من جهة، واقتصاراً على قدر الضرورة من جهة أخرى فإن تمرد الناس يدفع برفع اليد عن الحرمان جزئياً وذلك بحرمانها من العين

ص: 104

دون القيمة إن لم يستطع تطبيق حكم الحرمان الكلي، ومن ثم تتحقق الحكمة في منع إفساد المواريث على أهلها ودخول الأجانب في أرض أهل وعشيرة المتوفى إذا تزوجت امرأته بعده1- بغريب، ومتى كانت الظروف مناسبة ولا يوجد مانع من التطبيق فيعمل به.

وتحديد الظرف المناسب بيد الفقيه الجامع لشرائط ولاية أمور الأمة، فهذا الحكم كبقية الأحكام الاجتماعية مثل إقامة صلاة الجمعة ونصب القضاة الشرعيين منوط بتقدير وإذن الولي الفقيه.

وتوجد عدة روايات تدل على أن جملة من أحكام المواريث تحتاج إلى سلطة وبسط يد لإقامتها كاشتراط المشهور كون الفقيه مبسوط اليد في وجوب صلاة الجمعة، ففي صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا يستقيم الناس على الفرائض والطلاق إلا بالسيف) ورواية معمر بن يحيى عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (لا تقوم الفرائض والطلاق إلا بالسيف)(1).

ولعل ما ورد في روايتي يزيد الصائغ من قوله (عليه السلام): (إذا وليناهم ضربناهم بالسوط، فإن انتهوا وإلا ضربناهم بالسيف عليه) يشعر بأن تطبيق هذا الحكم مرتبط بنظر ولي أمر المسلمين

ص: 105


1- الكافي، ج7، باب 44: إن الفرائض لا تقام إلا بالسيف.

وتقديره للظروف المناسبة للتطبيق وإلا فالحكم الساري هو مقتضى العمومات، ولعل إعلان هذا الحكم من قبل الإمامين الباقروالصادق (عليهما السلام) وفي ظروف السعة وتخفيف القبضة التي عاشاها في نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية شاهدٌ على هذه الأطروحة.

وهذا التفسير أولى مما احتمله بعض الأعلام المعاصرين من كون حرمان الزوجة ((حكماً خاصاً سيطبّقه الإمام المعصوم بعد ظهوره))(1).

النتيجة:

الأطروحة الثانية ليست بعيدة ويمكن ضم الأولى إليها لنخرج بنتيجة أن الإمام (عليه السلام) بمقتضى ولايته لأمور الأمة وأن القوانين الوضعية لا تأخذ شرعيتها إلا من إمضاء الإمام (عليه السلام) لها، فرأى الإمام (عليه السلام) في سنّ الدولة لهذا القانون دفعاً لضرر اجتماعي عام فأمضى هذا القانون بمقتضى ولايته، فاستمرار حجيته ووجوب العمل به متوقف على إمضاء الولي الفقيه اللاحق.

ص: 106


1- السيد محمود الهاشمي، مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 45، ص 36.

وإن لم يتم شيء من هذه الأطروحات(1)

فإن نتيجة المناقشات المتقدمة بين الاتجاهين وعرض الرأي والرأي الآخر عدم إمكان الجزم بحرمان الزوجة من العقار عيناً وقيمة فالأحوط التصالح بينها وبين الورثة على قيمة ما تحرم منه.

وقد نصح بالاحتياط جملة من الأعلام، قال صاحب الجواهر (قدس سره): ((هذا ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالصلح ونحوه في جميع محال الشك))(2).

وقال السيد صاحب البلغة بعد أن قوّى الحرمان مطلقاً ((إلا أنه مع ذلك لا محيص عن الصلح عند العمل حيثما يمكن، لأن الاحتياط لا يترك في مثل المقام))(3).

ص: 107


1- لبعد الأطروحة الأولى، ولضعف روايتي يزيد الصائغ وكذا رواية بصائر الدرجات وعدم الاطمئنان بتضمنها لتفاصيل إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أمير المؤمنين (عليه السلام) لاتحادها مع غيرها فنحتمل اشتباه الراوي في زجّ هذه التفاصيل لتعدد ورودها في روايات المواريث.
2- جواهر الكلام: 218/39.
3- بلغة الفقيه: 95/3.

فروع خلافية

(الفرع الأول) ما تحرم منه الزوجة

اشارة

وقد اختلفت كلمات العلماء (قدس الله أسرارهم) على ثلاثة أقوال، هذا بغضّ النظر عن الخلاف الآتي بين كون الحرمان متعلقاً بغير ذات الولد أم الزوجة مطلقاً؟ وحينئذٍ تتعدد الأقوال وتبلغ الضعف، لاحظ مثلاً قول العلامة (قدس سره) في القواعد: ((أما الزوجة فإن كان لها ولد من الميت فكذلك –أي مثل الزوج ترث من كل ما ترك وتركت- وإن لم يكن لها ولد فالمشهور أنها لا ترث)) إلخ، وقال ولده في الإيضاح: ((اختلف أصحابنا في الزوجة إذا لم يكن لها ولد عنه على أقوال ثلاثة ذكرها المصنف(1) إلخ:

(الأول) حرمانها من أرض الرباع خاصة وهي المنازل بحسب المشهور عند أهل اللغة، ففي كتاب العين ((الرَبْع: المنزل والوطن)) وفي المصباح ((الربع: محلة القول ومنزلهم)) فلا ترث منها عيناً ولا قيمة بحسب المشهور، ومن العين دون القيمة عند السيدالمرتضى (قدس سره)، وترث من قيمة المشيدات والموجودات فيها من الأخشاب والأبواب ومكونات البناء كالطابوق والحديد والكاشي ونحو ذلك دون عينها.

ص: 108


1- إيضاح الفوائد: 240/4.

واختاره الشيخ المفيد وتبعه ابن إدريس والمحقق الحلي في المختصر(1)

النافع وحكاه في المسالك عن تلميذه مصنف كشف الرموز، وقال في الكفاية: ((إنه بعد قول السيد لا يخلو من قوة)) قال الشيخ المفيد في المقنعة: ((ولا ترث الزوجة شيئاً مما يخلّفه الزوج من الرباع، وتعطى قيمة الخشب والطوب والبناء والآلات فيه، وهذا هو منصوص عليه عن نبي الهدى عليه وآله السلام وعن الأئمة من عترته (عليهم السلام)، والرباع هي الدور والمساكن دون البساتين والضياع))(2).

وقال ابن إدريس عن قول الشيخ المفيد: ((وهو الذي يقتضيه أصول مذهبنا، لأنّا لو خُلّينا وظواهر القرآن ورّثناها من جميع ذلك، وإنما عدلنا في الرباع والمنازل بالأدلة، وهو إجماعنا وتواتر أخبارنا، ولا إجماع معنا منعقد على ما عدا الرباع والمنازل))(3).وظاهر عبارة السيد المرتضى المتقدمة (صفحة 195) أنه هو القول المعروف قبل الشيخ الطوسي حيث أرسله رأياً للإمامية، ثم تبنّى المشهور قول الشيخ الطوسي (قدس سره) الآتي.

ويستدل على هذا القول بأكثر من وجه:-

ص: 109


1- ألّفه المحقق بعد الشرائع ثم صنّف أخيراً (المعتبر) وهو شرح المختصر.
2- المقنعة: 687.
3- السرائر: 258/3.

1- الاقتصار في تخصيص العمومات القطعية على القدر المتيقن المجمع عليه والمصرَّح به في النصوص للكبرى المعروفة في علم الأصول وما زاد عن الرباع غير مجمعٍ عليه ولا تدل عليه النصوص بنحو معتبر لما ذكرناه من رجوع الروايات إلى بعضها، قال الشيخ العلامة (قدس سره): ((قول شيخنا المفيد (رحمه الله) جيد لما فيه من تقليل التخصيص، فإن القرآن دال على التوريث مطلقاً، فالتخصيص مخالف، وكلما قلّ كان أولى))(1).

لظهور بعض الروايات في هذا الحصر كالروايتين (7، 11) باعتبار أن الإمام (عليه السلام) كان في مقام بيان جميع ما تحرم منه الزوجة ولم يذكر غير الدور والرباع.1- ووجوه قيّمة أخرى نذكرها (صفحة 277) عند مناقشة القولين الآتيين إن شاء الله تعالى.

(الثاني) حرمانها من مطلق الأرض سواء كانت بياضاً أو مشغولة بزرع وشجر وبناء وغيرها عيناً وقيمة ومن عين المشيدات والموجودات دون قيمتها، وهو مختار الشيخ في النهاية والمبسوط والقاضي والحلبي وابن حمزة وكذا الشرائع والتحرير والمختلف

ص: 110


1- مختلف الشيعة: 54/9.

والإرشاد والإيضاح وآخرين، ووصف الشيخ هذا القول بأنه ((أكثر في الروايات وأظهر في المذهب)) وعن الخلاف الإجماع عليه.

ووجهه التمسك بإطلاق (الأرض) و (العقار) المصرح بها في النصوص؛ لأن العقر –بالفتح والضم- الأصل كعقر الحوض أي أصله- كما في مفردات الراغب-، وقال في المصباح: ((والعقار مثل سلام: كل ملك ثابت له أصل كالدار والنخل)) ((وبالجملة لا شك في صدق العقار على الأراضي المغلّة والدار حقيقة، فما يُفهم من كلام المحقق في النافع من اختصاصه بالدار لا وجه له))(1).

وبهذا الإطلاق يرد على القول الأول لوجوب الأخذ بالخاص على سعة أفراده لعدم المنافاة بين العناوين الواردة حتى تعالج بحمل بعضها على بعض والأخذ بالمتيقنونحو ذلك، قال الشيخ في الاستبصار: ((واختصاص بعضها بها – أي أرض المساكن- لا يدل على نفيه إلا بدليل الخطاب وذلك يترك لدليل)) أي أن اختصاص بعض الروايات بالرباع لا يدل على نفي حكم الحرمان عن غيرها إلا بالمفهوم، ولا يجوز العمل بمفهوم روايات الحرمان من خصوص الرباع على عدم حرمان الزوجة من غير المنازل لوجود الدليل على الأعم كما ذكرنا، مضافاً إلى عدم تحقق مفهوم لها، فإنها ساكتة عما عدا الرباع ومهملة بالنسبة إليها.

ص: 111


1- مستند الشيعة: 365/19 عن المختصر النافع: 272.

وقال صاحب الجواهر (قدس سره) معللاً الأخذ بجميع العناوين: ب-((الاتفاق في النفي، إذ هو نحو (لا تضرب الرجال) (لا تضرب زيداً) ))(1).

ولوجوب الأخذ بإطلاق كل العناوين المذكورة في روايات الحرمان لأن إطلاق الخاص مقدم على عموم العام ولا وجه للاقتصار على القدر المتيقن فكما تخصص العمومات بالرباع كذلك تخصص بالإطلاقات الاخرى الواردة في النصوص وقد ورد بعضها في نفس نصوص الرباع فلا وجه لاعتبار بعضها دون بعض.

وقيل في الرد: إن ما زاد عن الرباع ساقط لعدم الإجماع عليه كما لم يقل أحد بحرمانها من الدواب والسلاح الواردين في صحيحة زرارة (رقم 2، 13).وأجيب بأنه قياس مع الفارق؛ لأن عدم حرمانها من الدواب والسلاح ثبت بالإجماع ولولاه كان مقتضى القاعدة العمل بها ((مع أن القياس المذكور ليس أولى من قياس تمام الأخبار حتى أخبار الرباع عليها، ويلزم من ذلك طرح الأخبار جمع والعمل بالعمومات لا غير))(2).

أقول: يمكن أن يكون الوجه في عدم الزيادة عن الرباع أمور:-

ص: 112


1- جواهر الكلام: 213/39.
2- رسالة للسيد محسن الحكيم (قدس سره)، مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 43، ص195.

ما رجّحناه من رجوع بعض الروايات المستفيضة إلى بعض وأن مصدرها في الغالب هم الفضلاء الخمسة وقد أخبروا رواة متعددين وفي مجالس ومناسبات متعددة وهذا لا يستلزم تعدّد المخبر عنه، وإلا فسيحصل عندنا عدد لا يُحصى من الروايات بتكثر الوسائط الناقلة. أما التنوع في ألفاظها فإنه من تعبير الرواة للبيان أو مزيد الإيضاح أو نقل الراوي بحسب فهمه أو لمراعاة الإجمال والتفصيل أو الاقتصار على موضع الحاجة ونحو ذلك، خذ مثالاً على ذلك روايتي يزيد الصائغ (صفحة 203) اللتين نطمئن إلى أنهما واحدة، وفي الأولى (رباع الأرض)، وفي الثانية (الأرض) فكيف نتمسك بإطلاق الأرض.

وكذلك لاحظ صحاح زرارة ومحمد بن مسلم (5، 6، 7، 8) فإنها بقرينة1- التخصيص بالإضافة إلى الدور في (رواية 7) يحصل الظن أن الأخريات فيها تصرّف من الرواة لسبب أو لآخر مما ذكرناه، خذ مثلاً الروايتين (6، 7) فالرواية (6) جزء من الرواية (7) رواهما الكليني في الكافي بنفس السند عن ابن أبي عمير الذي رواهما تارة عن جميل عن زرارة ومحمد بن مسلم، وتارة عن حماد بن عثمان عنهما، وفي الأولى (من عقار الأرض) وفي الثانية (من عقار الدور).

وعلى هذا فيكون الزائد من الخاص عن الرباع مشكوكاً

ص: 113

فيه فلا يكون حجة في تخصيص العام، خصوصاً مع القرائن الموجودة على الظهور في الخاص.

2- أو أنه أريد من العقار والضياع خصوص الدور والمساكن ولا مانع منه لجواز إطلاق الكل وإرادة الجزء كما يقال الجيش الرابع ويراد به الفيلق الرابع من الجيش خلافاً لما اختاره المشهور في علم الأصول بناءً على التعمّل العقلي والمورد ليس منه. ويمكن ذكر عدة قرائن على إرادة هذا المعنى:-

أ- استثناء قيمة الطوب والخشب والقصب ونحوها من المواد الداخلة في بناء الدور والمساكن دون غيرها من العقار في الروايات، فلو أريد به الأعم لاستثنيت آلاته.أ- بقرينة قوله (عليه السلام) عقيبها: (إلا أن يكون أحدث بناءً) –رواية 8- وبضميمة رجوع عدة روايات أخرى إليها فهذا الاستثناء قرينة على بيان المراد من المستثنى منه؛ لأن الأصل في الاستثناء أن يكون متصلاً.

ج-- كون اللام عهدية لما في بعض الروايات من خصوص الرباع والدور والمساكن، بل إن بعضها صريح في هذه الإضافة كصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم -رقم 7- (من عقار الدور) وفي الصحيحة -رقم 5- ظهور

ص: 114

بأن العقار ما بني على أرض الدور ونحو ذلك، فيكون المراد بالإطلاقات تلك العناوين الخاصة المعهودة.

نعم ورد لفظ (القرى) في روايتي زرارة وطربال –رقم 2، 13- وهي قد تكون أعم من الدور والمساكن، لكنها لا يمكن الوثوق باعتبارها في إفادة العموم:-

أ- إنه ورد في تعريف القرية أنها ((اسم للموضع الذي يجتمع فيه الناس))(1)

وعن تاج العروس ((القرية كل مكان اتصلت به الأبنية واتخذ قراراً وتقععلى المدن وغيرها))، فليس فيها دلالة على غير الدور والمساكن، وأصل هذه الاشتقاقات يدل على التجمع، كالقراءة باعتبارها تجميعاً للأحرف وفي مفردات الراغب عن

ص: 115


1- المفردات للراغب الأصفهاني، مادة (قرى) وحكى فيه شاهداً على المعنى الثاني ((أن بعض القضاة دخل على علي بن الحسين رضي الله عنهما فقال: أخبرني عن قول الله تعالى: [وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً] (سبأ: 18) ما يقول فيه علماؤكم؟ قال: يقولون أنها مكة، فقال: وهل رأيت؟ فقلت: ما هي؟ قال: إنما عنى الرجال، فقال: فقلت: فأين ذلك في كتاب الله؟ فقال: ألم تسمع قوله تعالى: [وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ] (الطلاق:8) وقال: [وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا] (الكهف:59).

بعض العلماء ((تسمية هذا الكتاب قرآناً من بين كتب الله لكونه جامعاً لثمرة كتبه بل لجمعه ثمرة جميع العلوم))، وقيل لدم الحيض (قُرئ) لأن الدم يتجمع ثم يُقذف ومن ثم أطلق على البيوت إذا اجتمعت في المدينة أو الريف.

بل في مفردات الراغب أنها تطلق على الناس أنفسهم إذا تجمعوا ونقل عن المبرد في كتابه (ما اتفق لفظه، صفحة 77) في قوله تعالى: [وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ] (يوسف:82): ((القرية هنا القوم أنفسهم)). أقول: هذا المعنى مناسب لأصل الاشتقاق وما ذكره المفسرون من تقدير (أهل القرية) خلاف الأصل، وحمل على هذا المعنى قوله تعالى: [وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً] (النحل:112) وقوله تعالى: [وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ] (محمد:13).ب- إن علي بن رئاب انفرد بروايتها عن زرارة مع ما احتملناه من وحدة الرواية وتعدد الراوي أما رواية طربال فإنها ضعيفة السند.

ج-- إنها وقعت في سياق ما لم يقل به أحد وهو السلاح والدواب فيضعف اعتبارها.

ويمكن أن يستدل على العموم بلفظ (الضياع) الوارد في (الرواية 8) ولكن يأتي عليها نفس الإشكال للظن باتحادها مع

ص: 116

الروايات (5، 6، 7) مضافاً إلى ما حكي عن لسان العرب من قول الليث: ((الضياع: المنازل، سميت ضياعاً لأنها إذا ترك تعهّدها وعمارتها تضيع))، وقيل في تعريف الضيعة: أنها العقار(1)

فرجع هذا العنوان إلى ما سبقه.

(الثالث) ((حرمانها من جميع ذلك مع إضافة الشجر إلى الآلات في الحرمان من عينه دون قيمته وبهذا صرّح من المتأخرين العلامة في القواعد والشهيد في الدروس وأكثر المتأخرين وادعوا أنه هو المشهور، بل ادعوا أنه عين السابق وهو ممنوع كما يظهر ذلك من تتبع عباراتهم))(2).أقول: اختاره أيضاً السيد صاحب الرياض والمحقق النراقي وصاحب الجواهر وجميع مراجع العصر(3).

وقد اعترض السيد الحكيم (قدس سره) على فهم صاحب المسالك ذهاب الآخرين من المشهور إلى ميراثها من عين الشجر والنخل، وفاقاً لبعض من قال بعدم المغايرة بين القولين، قال (قدس سره): ((ولم ينقل عن أحد منهم تصريح بتوريثها من عين النخل

ص: 117


1- تاج العروس: 110/13.
2- مسالك الأفهام: 185/13.
3- رياض المسائل: 384/14، مستند الشيعة: 368/19، جواهر الكلام: 214/39.

والشجر، فما نسبه الشهيد رحمه الله في المسالك إلى بعض أهل هذا القول من توريثها من عينهما وجعل القول المذكور قولين ناشئ من تخصيصهم القيمة للآلات والأبنية بالذكر مع عدم التعرض للنخل والشجر(1)،

وهما ليس منهما فيكونا باقيين تحت العموم.

لكن في استفادة ذلك ضعف، خصوصاً بعد تعرّض الروايات لذلك صريحاً، وبعد ما ذكره في مفتاح الكرامة من دخول الشجر في الآلات لغة كما عن القاموس)).

أقول: ما استفاده الشهيد الثاني (قدس سره) من المغايرة بين القولين في محلّه لأن الأصحاب كانوا بصدد حصر ما تحرم منه الزوجة؛ فعدم ذكرهم الشجر والنخل ظاهر في عدم دخولهما في ما تحرم منه وليسوا كلهم ممن يقول بدخول الشجر والنخل في الآلات، فتفريق الشهيد الثاني (قدس سره) بين القولين صحيح.وبه صرّح البعض، قال المحقق النراقي (قدس سره): ((وظاهر هذا القول –أي الثاني- عدم حرمانها من الأشجار عيناً لعدم صدق الأرض عليها))(2)، وقال: ((والظاهر تغايرهما –أي القولين الثاني والثالث-، واشتهار الأول عند القدماء، والثاني عند المتأخرين))(3).

ص: 118


1- حكى في مفتاح الكرامة عدم التعرض عن المبسوط والنهاية والشرائع والنافع وغيرها.
2- مستند الشيعة: 367/19.
3- مستند الشيعة: 368/19.

أما الاستدلال على حرمان الزوجة من الشجر والنخل بدخولهما في عنوان الآلات تبعاً لجملة من الأعلام كما ورد في عبارة المسالك المتقدمة فغير تام؛ لأكثر من وجه:-

1- لعدم ورود لفظ (الآلات) في أي من الروايات حتى يتمسّكوا بإطلاقه، وإنما هو عنوان انتزاعي للمواد الداخلة في البناء وهذا لا إطلاق له.

2- لأن المراد بالشجرة أو النخلة هنا الحية القائمة على أصولها في الأرض وليست المقطوعة إذ تسمى النخلة جذعاً والشجر خُشباً حينئذٍ وتدخل في الآلات وقد ذكرتهما الروايات بهذين العنوانين أما الحية فلا تدخل فيها.

نعم يمكن أن تشمل النخيل والأشجار بحكم الحرمان بوجوه:-

1- دخولهما في عنوان (العقار) بحسب تعريفه المتقدم؛ فلعله لهذا لم يذكره البعض فيما تحرم الزوجة من عينه.1- وروده صريحاً في صحيحة الأحول –رقم 10- .

2- دعوى الملازمة بين ما تحرم الزوجة من عينه وقيمته من الأرضين وبين ما تحرم من الأعيان الثوابت عليها، فما دمنا اخترنا أنها تحرم من مطلق الأرض حتى الزراعية -بحسب القول الثاني- فمقتضاه حرمانها من أعيان الثوابت عليها ومنها الأشجار والنخيل واستحقاقها من القيمة، وسيأتي بإذن الله

ص: 119

تعالى مزيد من البيان لهذه الملازمة ومناقشتها في (إلفات: صفحة 303).

وقد يناقش الوجه الأول من عدة جهات:-

أ- عدم مساعدة العرف على دخول الشجر في عنوان العقار أصلاً، وإن شملها بحسب التعريف اللغوي المتقدم.

ب- ولو تنزلنا وقلنا بشمولها فتحتمل عدم إرادة كل مصاديقه هنا أي نشك في تمامية إطلاقه لكل أفراده حتى النخيل والأشجار ولو بقرينة على إرادة البعض أي خصوص الدور والمنازل ككون اللام في الأرض والعقارات عهدية لكثرة ورود الرباع والمنازل خاصة في الروايات، أو لظهور الصحاح (5، 6، 7) في كون المراد بالعقار خصوص المضاف إلى الدور أو الأرض فيكون قرينة على المراد من المطلقات، وغيرها من القرائن كما تقدم وسيأتي إن شاء الله تعالى.وتناقش صحيحة الأحول (متناً) من جهة عدم الاطمئنان بصدور لفظي (الشجر والنخل) عن الإمام (عليه السلام) وإنما هو تعبير من الراوي عن الجذوع والخشب الواردة في أغلب الروايات للبيان والإيضاح لتوهم عدم الفرق بينهما، وهذا الاحتمال وارد بعد الذي نقلناه من استدلالهم بعنوان (الآلات) لشمول الشجر والنخل مع وضوح الفرق الذي نبهنا عليه.

ص: 120

(وسنداً) من جهة احتمال الإرسال بين الحسن بن محبوب ومؤمن الطاق الذي ذكره السيد البروجردي (قدس سره).

تحقيق(1)

في الإرسال المحتمل بين الحسن بن محبوب ومؤمن الطاق

احتمل السيد البروجردي (قدس سره) وجود إرسال بين الحسن بن محبوب ومؤمن الطاق عند مناقشة رواية الأحول (وهو محمد بن علي الملقب بمؤمن الطاق) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في إرث الزوجة من العقار قال: سمعته يقول: (لا يرثن النساءمن العقار شيئاً ولهن قيمة البناء والشجر والنخل) يعني من البناء الدور وإنما عنى من النساء الزوجة(2).

والبحث في اعتبار هذه الرواية له أهمية خاصة لأنها النص الوحيد الذي ورد فيه إعطاء الزوجة ميراثها من الشجر والنخل قيمةً لا عيناً، وهو الحكم الذي استقر عليه مشهور علماء الإمامية في القرون الأخيرة حيث اختاره صاحب الرياض والمستند والجواهر(3)، حتى

ص: 121


1- طبع هذا التحقيق في رسالة مستقلة لتعميم الفائدة.
2- وسائل الشيعة: كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، باب 6، ح16.
3- رياض المسائل: 384/14، مستند الشيعة: 368/19، جواهر الكلام: 214/39.

مراجع العصر(1)،

فلا يقال: إننا في غنى عن البحث في حجية الرواية لأن روايات حرمان الزوجة من العقار بلغت حد التواتر أو الاستفاضة.

وقد انفرد الشيخ الصدوق بروايتها في الفقيه بسنده عن الحسن بن محبوب عن الأحول عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وقد ذكر (قدس سره) في مشيخة الفقيه أن سنده إلى ابن محبوب: ((محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه عن عبد الله بن جعفر الحميري وسعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب)).أقول: وصف المحدث النوري هذا السند بأنه ((صحيح بالاتفاق))(2).

أقول: هذا ظاهر لمن لاحظ رجال السند، نعم قد يتوهم عدم التصريح بالوثاقة في محمد بن موسى بن المتوكل، إلا أن أهل الفن لم يترددوا في توثيقه ونقلوا عن خلاصة العلامة ورجال ابن داوود ذلك صريحاً ونقل أبو علي الحائري وصفه في كتاب المشتركات ((ابن موسى بن

ص: 122


1- منهاج الصالحين للسيد الحكيم بتعليق السيد الشهيد الصدر: 488/2، مسألة (6)، وللسيد الخوئي: 372/2، مسألة (1788)، تحرير الوسيلة للسيد الخميني: 360/2، مسألة (5).
2- خاتمة المستدرك، الفائدة الخامسة: شرح مشيخة من لا يحضره الفقيه، رقم (82).

المتوكل الثقة)) ونقل الوحيد البهبهاني في تعليقته الترحّم والترضّي(1) عليه علماً أن ((العلامة وثقه في (58) من الباب (1) من حرف الميم من القسم الأول، وابن داوود في (1482) من القسم الأول صريحاً، وادعى ابن طاووس في فلاح السائل، الفصل 19: الاتفاق على وثاقته، فالنتيجة: أن الرجل لا ينبغي التوقف في وثاقته، وقد أكثر الصدوق الرواية عنه، وذكره في المشيخة في طرقه إلى الكتب في ثمانية وأربعين مورداً))(2).وقد يتوهم أيضاً أن منشأ الإشكال في السند احتمال اشتراك(3)

لقب الأحول مع بعض المجاهيل لكنه توهم لا يُعبأ به، لوضوح انصراف العنوان إلى مؤمن الطاق والتباني على ذلك.

ص: 123


1- نقد الرجال للتفريشي: 333/4، جامع الرواة للأردبيلي: 212/2، منتهى المقال للحائري: 212/6، تعليقة الوحيد البهبهاني: 327، هداية المحدثين: 256.
2- معجم رجال الحديث: 299/18.
3- حكى هذا الاحتمال المحدث النوري في خاتمة المستدرك، قال (قدس سره): ((واحتمل –ضعيفاً- أن يكون –أي الأحول- أحد المجهولين المذكورين في أصحاب الصادق (عليه السلام) الأزدي الكوفي أو الحضرمي الكوفي)) (خاتمة مستدرك الوسائل: 206/5: الفائدة الخامسة في شرح مشيخة الفقيه، رقم (300) وقال في الهامش: ((إن صاحب الاحتمال هو المجلسي كما في روضة المتقين: 257/14)).

أما احتمال الإرسال الذي ذكره السيد البروجردي (قدس سره) فلا أعهد أحداً صرّح به قبله (قدس سره) ولذا وُصفت الرواية بالصحيحة في كتب المحققين، نعم حفلت كتب الرجال بتسجيل نفس الإشكال على رواية ابن محبوب عن أبي حمزة الثمالي فقيل بوجود إرسال بينهما، فانقدح الإشكال عند السيد (قدس سره) لمقاربة بين أبي حمزة الثمالي ومؤمن الطاق في تأريخ الوفاة، كما سنبيّن في الوجه الثالث إن شاء الله تعالى.

هذا وقد سبق الشهيد الثاني (قدس سره) إلى الإشكال على سند الرواية إذ قال في المسالك: ((لكن –أي الاستدلال بصحيحة الأحول- يتوقف على تحقيق السند))(1).

أقول: يمكن أن يكون توقّفه (قدس سره) بلحاظ أحد المنشأين المتقدمين، ولكن بعد الذي ذكرناه من الاتفاق على صحة سند الشيخ الصدوق (قدس سره) إلى الحسن بنمحبوب وإلغاء توهم اشتراك عنوان الأحول، فكأن الإشكال يتعين في الموضع محل البحث، وربما تشعر عبارته (قدس سره) في هامش إحدى نسخ المسالك إلى تحديد هذا الموضع من الإشكال، قال: ((هذه الرواية ذكرها الشهيد في حاشيته على القواعد ونسبها إلى الفقيه، عن الحسن بن محبوب عن الأحول عنه (عليه السلام) فينبغي تحقيق أمرها)).

ص: 124


1- مسالك الأفهام: 187/13.

لكن صاحب مفتاح الكرامة لم يخطر على باله أن منشأ إشكال الشهيد على سند الصحيحة هو من هذه الجهة لذا رد على إشكال الشهيد بقوله: ((السند صحيح، لأن طريق الصدوق إلى الحسن بن محبوب صحيح فالرواية صحيحة))(1).

وعلى أي حال فقد أورد السيد البروجردي (قدس سره) هذا الاحتمال للإرسال في عدة مواضع من رسالته في إرث الزوجة(2)،

على صغر حجمها.

ويمكن تقريب عدة وجوه بني عليها هذا الاحتمال:-

الوجه الأول: نظريته في تقسيم طبقات الرجال لكون ((الحسن بن محبوب من الطبقة السادسة والأحول من الطبقة الرابعة فلذا يحتمل كونها مرسلة))(3).أقول: لخّص المقرر هذه النظرية بقوله: ((هذا اصطلاح خاص لسيدنا الأستاذ الأكبر (قدس سره) حيث أنه قد ألّف كتاب طبقات الرجال ورتّبه على ثلاث طبقات كل طبقة مشتملة على اثنتي عشرة مرتبة، من

ص: 125


1- مفتاح الكرامة: 308/17.
2- وهي إحدى رسائل ثلاث طبعت بعنوان (تقريرات ثلاثة) من أبحاث السيد البروجردي (قدس سره) بقلم الشيخ علي بناه الاشتهاردي حررها سنة 1367 ه- أي في ذروة مرجعيته المباركة، الرسالة الثانية في ميراث الأزواج من ص 99 حتى ص 126.
3- تقريرات ثلاثة: 107.

زمن النبي (صلى الله عليه وآله) إلى زمن الباقر (عليه السلام) اثنا عشر ومن زمانه إلى محمد بن الحسن الطوسي اثنا عشر ومن زمانه إلى زمان نفسه (قدس سره) اثنا عشر))(1).

الوجه الثاني: استقراء تأريخي لحياة الرجلين إذ قال في موضع آخر:

((فلو لم نقل بحجية رواية محمد بن علي بن النعمان الأحول: باعتبار أن الراوي عنه الحسن بن محبوب وهو مات في حال طفوليته، فروايته عنه تصير مرسلة))(2).

أقول: أي أن مؤمن الطاق مات وابن محبوب طفل لا يدرك فلا تصح روايته عنه. وقال في موضع ثالث: ((ورواية الأحول قد قلنا أنها غير حجة للإرسال))(3).أقول: ربما كان هذا الاحتمال مبنياً على استبعاد إدراك الحسن بن محبوب لمؤمن الطاق بعمر يؤهله لتلقي الرواية منه؛ لأن مؤمن الطاق وإن بقي بعد استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام) سنة 148 ه- كما

ص: 126


1- تقريرات ثلاثة: 103.
2- تقريرات ثلاثة: 116.
3- تقريرات ثلاثة: 120.

تدل عليه مناظرته مع أبي حنيفة(1)،

إلا أن المظنون –بحسب المستشكل- أنه لم يعمّر كثيراً بعده لأنه كان كبير السن يومئذٍ بقرينة كونه شخصية اجتماعية معروفة عند قيام زيد الشهيد بثورته سنة 121 حيث دعاه شخصياً لنصرته في حوارية معروفة(2)،

وقول البرقي عنه أنه ((ممن أدرك أبا جعفر))(3) وربما ظن –كما حصل للمرحوم الشيخ عباس القمّي في الكنى والألقاب(4)- أنه هو المقصود بقول النجاشي في ترجمته: ((روى أيضاً عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله (عليهم السلام)))(5)،

فيظهر من مجموع هذه القرائن أنه كان كبير السن عند استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام) فلا يحتمل بقاؤه كثيراً بعد سنة 148ه-.

ص: 127


1- ((قال أبو حنيفة لمؤمن الطاق: يا أبا جعفر إن إمامك –يعني الصادق (عليه السلام) – قد مات، فقال أبو جعفر: لكن إمامك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم)) (رجال الكشي، رقم 77) ونقلها في (معجم رجال الحديث: 38/18).
2- المصدر السابق: 38/18.
3- المصدر نفسه: 36/18.
4- الكنى والألقاب: 428/2 تحت عنوان (الطاقي).
5- رجال النجاشي: 325، رقم (886).

أما الحسن بن محبوب فقد روى الكشي أنه ((مات في آخر سنة أربع وعشرين ومائتين وكان من أبناء خمس وسبعين))(1)

فتكون ولادته سنة 149 ه- أي بعد استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام) بسنة واحدة فهو إما لم يدرك مؤمن الطاق أو أدركه وهو طفل كما قال السيد (قدس سره)، فلا تصح روايته عنه مباشرة.

وقد يؤيد هذا الاحتمال بأمرين:-

أ- وقوع مثل هذه الحالة –أعني سقوط الواسطة بين ابن محبوب وأصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، ((فقد روى الشيخ عنه رواية مباشرة عن الإمام الصادق (عليه السلام) (التهذيب: ج10، باب البينات على القطع، الحديث 674) إلا أن هذه الرواية رواها محمد بن يعقوب بسنده عن ابن محبوب عن أبي ولاد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في (الكافي: ج7، كتاب الديات، باب العاقلة: 53، ح1) وكذلك في (الفقيه: ج4، باب العاقلة، ح 357)، فالظاهر أن الواسطة سقطت عن كلام الشيخ))(2).

ب- عدم رواية مؤمن الطاق عن الإمام الكاظم (عليه السلام).

ص: 128


1- رجال الكشي، رقم 479، معجم رجال الحديث: 97/6.
2- معجم رجال الحديث: 98/6.

الوجه الثالث: وجود هذا الظن في حالة مقاربة لرواية ابن محبوب عن مؤمن الطاق وهي روايته عن أبي حمزة الثمالي، وقد اتهمه الأصحاب فيها، فقد نقل النجاشي في ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى عن الكشي عن نصر بن الصباح قوله: ((ما كان أحمد بن محمد بن عيسى يروي عن ابن محبوب من أجل أن أصحابنا يتهمون ابن محبوب في أبي حمزة الثمالي ثم تاب ورجع عن هذا القول))(1).

أقول: وعلق القهبائي في ترتيب الفهرست على طريق الشيخ إلى أبي حمزة الذي ينتهي بالحسن بن محبوب عنه قال: ((فيه إرسال، فإنه لا يمكن رواية ابن محبوب عن الثمالي لما علم من تأريخ فوتهما)).

وقال الوحيد البهبهاني في تعليقته في ترجمة الحسن بن محبوب: 108: ((إن التهمة في روايته عن أبي حمزة ثابت بن دينار، وأن وفاة أبي حمزة كانت سنة خمسين ومائة، فبملاحظة سن الحسن وسن وفاته يظهر أن تولد الحسن كان قبل وفاة أبي حمزة بسنة والظاهر أن هذا منشأ تهمته، وربما يظهر من ترجمة أحمد أن تهمته من روايته وأخذه عنه في صغر سنه)).أقول: وجه المقاربة هو تقارب وفاتي أبي حمزة الثمالي ومؤمن الطاق بحسب التحليل التأريخي المتقدم فالإشكال واحد.

ص: 129


1- رجال النجاشي: 82، رقم الترجمة (198).

ويرد على (الوجه الأول) للإشكال:-

1- إن المعلومات التي بنى عليها جعل الرجلين في الرابعة والسادسة يشكل الاعتماد عليها كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

2- المناقشة في أصل النظرية ومستنداتها، ولو في ضوء الخلاصة التي نقلناها آنفاً عن مقرّر بحثه الشريف فالفترات الثلاث التي قسّم إليها الطبقات متباينة جداً ولا نعلم لها وجهاً.

إن نظريته (قدس سره) في تقسيم طبقات الرجال تؤدي إلى نتائج تقريبية ولا يمكن التعويل عليها في نفي رواية أحد عن أحد إلا إذا وجدت قرائن وشواهد عليه، لتداخل الأجيال فمن الرجال من روى عن أربعة من الأئمة المعصومين (عليهم السلام) كأبي حمزة الثمالي، وعاش علي بن جعفر إلى إمامة حفيد أخيه الإمام الجواد (عليه السلام)، ومن الرجال من روى عن أقران جده، وهكذا وقع إدراك بعض المتأخرين لبعض المتقدمين عليهم بعدة أجيال لطول عمر الأستاذوطول مدة إفادته، او لاشتغال التلميذ في وقت مبكر فيختصر الوسائط إلى الأصل، فيصفون سنده بالعالي، ومن أمثلتهم في عصرنا المرحوم الشيخ أغابزرك الطهراني (1293-1390) الذي ساهم بحذف واسطتين وصار بعض كهول اليوم (1437) يروون عن الميرزا النوري صاحب المستدرك (توفي 1320 هج-) بواسطة واحدة. وقد أُلِّفت كتب في مثل هذه

ص: 130

الأسانيد التي تتصف بقلة الوسائط تسمى (قرب الإسناد).

وعلى هذا فرواية أصحاب الطبقة السادسة عن الرابعة ممكن. وقد أورد المحقق أغا بزرك الطهراني أسماء عدد من الأصحاب جمعوا ما تحصّل لهم من (قرب الإسناد) وقال في تعريفه: ((قرب الإسناد: مجموع من الأخبار المسندة إلى المعصوم (عليه السلام) لقلة وسائطه، وقد كان الإسناد العالي عند القدماء مما يُشد له الرحال، ويبتهج به أعين الرجال، ولذا أفرده بالتصنيف جمعٌ منهم شيخ القميين عبد الله بن جعفر الحميري، سمع منه أهل الكوفة في سنة نيف وتسعين ومائتين، وقد جمع الأسانيد العالية إلى كل إمام في جزء))(1).

ولوالد الشيخ الصدوق المتوفى سنة 329 ه- كتاب في قرب الإسناد يرويه1- عنه النجاشي المتوفى سنة 450 ه- بواسطة واحدة وهذا سند عالٍ أيضاً، وهكذا غيرهم فراجع.

2- إن رواية ابن محبوب عن مؤمن الطاق لم تختص بهذه حتى نحتمل الخلل فيها بل تعددت رواياته عنه وتنوعت الكتب التي أوردتها، فقد روى عنه في تفسير القمي في تفسير قوله تعالى من سورة الزمر: [وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ].

ص: 131


1- الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 44/17.

وفي أصول الكافي (ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب 1، في تنقل أحوال القلب، ح1، وفي باب 60، الحب في الله والبغض في الله، ح3) وروى عنه في روضة الكافي، ح368.

قول الشيخ (قدس سره) عن الحسن أنه روى عن ستين رجلاً من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) فرواية الحسن عن طبقة مؤمن الطاق واردة، بل إن ابن محبوب روى عمّن هو أقدم من مؤمن الطاق كأبي حمزة الثمالي وروايته عنه كثيرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وعن أبي الجارود العبدي وهو من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) ووفاته مقاربة لأبي حمزة الثمالي فقد حكي عن1- ابن حجر قوله: ((ذكره البخاري في فصل من مات من خمسين ومئة إلى الستين))(1).

2- إن السيد (قدس سره) طبق نظريته هذه في مورد آخر في نفس الرسالة والتوهم فيه واضح فقد وصف رواية(2)

الشيخ الطوسي في التهذيب والاستبصار بسنده عن الحسن بن محمد بن سماعة عن محمد بن زياد عن محمد بن حمران عن محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ب-((أنها مرسلة)) وقال في موضع آخر: ((وكذا لو لم نقل بحجية رواية

ص: 132


1- تهذيب التهذيب لابن حجر: 333/3.
2- وسائل الشيعة: 210/26، أبواب ميراث الأزواج، باب 6، ح13.

محمد بن حمران عن محمد بن مسلم وزرارة باعتبار احتمال إرسالها))(1).

أقول: لم يبين موضع الإرسال في سندها وإن كان يقصد محمد بن حمران عن محمد بن مسلم وزرارة فإنه لا أساس له من الصحة؛ لأن ابن حمران –وهو النهدي- روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وعن محمد بن مسلم وزرارة وهكذا في بقية رجال السند فإنه متصل لا إرسال فيه، ولذا علق المقرر في الهامش قائلاً: ((هكذا بيّنه الأستاذ الأكبر (قدس سره)على ما هو ببالي –وهو أعلم بما قال- فإنه (قدس سره) كان خرّيتاً لهذا الفن وإلا فالظاهر كونها مسندة)).

ويرد على الوجه الثاني للإشكال أمور:-

1- إن هذه النتيجة التي بنى عليها السيد (قدس سره) إشكاله مستندة بشكل أساسي إلى المعلومة التي أوردها الكشي ورواها عن علي بن محمد القتيبي عن جعفر بن محمد بن الحسن بن محبوب، والأول لم يرد فيه توثيق والثاني مجهول ولا يُعلم أنه أدرك جده الحسن وأخذ عنه تأريخه فالمعلومة غير موثوقة.

إن استبعاد بقاء مؤمن الطاق طويلاً بعد الإمام الصادق (عليه السلام) لا دليل عليه لأن تعبير البرقي: ((أدرك أبا جعفر))

ص: 133


1- تقريرات ثلاثة: 116.

تعني أنه صحبه مدة قصيرة في أواخر حياته ولم يرو عنه لذا لم يذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام)، وأما قول النجاشي فإنه يخص ابن عم أبيه الحسين بن المنذر وليس مؤمن الطاق كما لا يخفى على المتأمل في العبارة.

قال: ((وعم أبيه المنذر بن أبي طريفة روى عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام)، وابن عمه الحسين بن منذر بن أبي طريفة روى أيضاً1- عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله (عليهم السلام) )).

وممن توهم عودة هذه الفقرة إلى صاحب الترجمة المرحوم الشيخ عباس القمي في (الكنى والألقاب)(1)،

وقول البرقي المتقدم دليل على عدم صحة هذا الاعتقاد.

وعلى عكس الاستبعاد المذكور فإنه يمكن تقريب بقاء مؤمن الطاق بعد الإمام الصادق (عليه السلام) بما لا يقل عن عشر سنوات(2)،

وذلك لأن الشيخ الطوسي (قدس سره) عدّ مؤمن

ص: 134


1- الكنى والألقاب: 428/2 تحت عنوان (الطاقي).
2- وجدت لاحقاً في مصادر العامة ما يوافق هذا الحدس ففي كتاب (الأعلام للزركلي: 154/7) أنه توفي حدود سنة 160 للهجرة وذكر في الهامش أن من مصادره (لسان الميزان: 300/5، خطط المقريزي: 348/2، 353، فرق الشيعة للنوبختي: 78)، وحُكي عن كتاب (الوافي بالوفيات: ج4) أنه توفي في حدود الثمانين ومائة، وكذلك قال صاحب توضيح المقاصد والبغدادي.

الطاق من أصحاب الإمام الكاظم(1)

(عليه السلام)، وقد كانت الفترة الأولى من إمامة الكاظم (عليه السلام) قاسية جداً، وأمر المنصور العباسي واليه على المدينة أن يقتل من يجلس في موضع جعفر بن محمد (عليهما السلام) فوراً من دون مراجعته، فأخفى الإمام الصادق (عليه السلام) اسم الإمام الذي يليه بين خمسة أسماء ليموه على الطواغيت، فعاش الإمام الكاظم (عليهالسلام) فترة تكتم شديدة ورواية هشام بن سالم شاهدة على ذلك(2)،

حتى هلك المنصور بعد

ص: 135


1- رجال الشيخ: 343، باب الميم من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، رقم (18).
2- روى الشيخ الكليني في الكافي بسند صحيح عن هشام بن سالم قال: (كنا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد الله (عليه السلام) والناس مجتمعون على عبد الله بن جعفر أنه صاحب الأمر بعد أبيه، فدخلنا عليه أنا وصاحب الطاق والناس عنده وذلك أنهم رووا عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إن الأمر في الكبير ما لم تكن به عاهة، فدخلنا عليه نسأله عما كنا نسأل عنه أباه، فسألناه عن الزكاة في كم تجب؟ فقال: في مائتين خمسة، فقلنا: ففي مائة؟ فقال: درهمان ونصف فقلنا: والله ما تقول المرجئة هذا، قال: فرفع يده إلى السماء فقال: والله ما أدري ما تقول المرجئة، قال: فخرجنا من عنده ضلالاً لا ندري إلى أين نتوجه أنا وأبو جعفر الأحول، فقعدنا في بعض أزقة المدينة باكين حيارى لا ندري إلى أين نتوجه ولا من نقصد؟ ونقول: إلى المرجئة؟ إلى القدرية؟ إلى الزيدية؟ إلى المعتزلة؟ إلى الخوارج؟ فنحن كذلك إذ رأيت رجلاً شيخاً لا أعرفه، يومي إليّ بيده فخفت أن يكون عيناً من عيون أبي جعفر المنصور وذلك أنه كان له بالمدينة جواسيس ينظرون إلى مَن اتفقت شيعة جعفر عليه السلام عليه؛ فيضربون عنقه، فخفت أن يكون منهم فقلت للأحول: تنحَّ فإني خائف على نفسي وعليك، وإنما يريدني لا يريدك، فتنحّ عني لا تهلَك وتعين على نفسك، فتنحى غير بعيد وتبعت الشيخ وذلك أني ظننت أني لا أقدر على التخلص منه، فما زلت أتبعه وقد عزمت على الموت حتى ورد بي على باب أبي الحسن عليه السلام ثم خلاني ومضى، فإذا خادم بالباب فقال لي: ادخل رحمك الله، فدخلت فإذا أبو الحسن موسى عليه السلام فقال لي ابتداءً منه: لا إلى المرجئة ولا إلى القدرية ولا إلى الزيدية ولا إلى المعتزلة ولا إلى الخوارج إليّ إليّ، فقلت: جعلت فداك مضى أبوك؟ قال: نعم، قلت: مضى موتاً؟ قال: نعم، قلت: فمن لنا من بعده؟ فقال: إن شاء الله أن يهديك هداك، قلت: جُعلت فداك إن عبد الله يزعم أنه من بعد أبيه، قال: يريد عبد الله أن لا يعبد الله، قال: قلت: جعلت فداك فمن لنا من بعده؟ قال: إن شاء الله أن يهديك هداك، قال:== ==قلت: جعلت فداك فأنت هو؟ قال: لا، ما أقول ذلك، قال: فقلت في نفسي لم أصب طريق المسألة، ثم قلت له: جعلت فداك عليك إمام؟ قال: لا، فداخلني شيء لا يعلم إلا الله عز وجل إعظاماً له وهيبة أكثر مما كان يحلّ بي من أبيه إذا دخلت عليه، ثم قلت له: جعلت فداك أسألك عما كنت أسأل أباك؟ فقال: سل تخبر ولا تذع، فإن أذعت فهو الذبح، فسألته فإذا هو بحر لا ينزف، قلت: جعلت فداك شيعتك وشيعة أبيك ضُلال فألقي إليهم وأدعوهم إليك؟ وقد أخذت علي الكتمان؟ قال: من آنست منه رشداً فألق إليه وخذ عليه الكتمان فإن أذاعوا فهو الذبح – وأشار بيده إلى حلقه - قال: فخرجت من عنده فلقيت أبا جعفر الأحول فقال لي: ما وراءك؟ قلت: الهدى، فحدّثته بالقصة، قال: ثم لقينا الفضيل وأبا بصير فدخلا عليه وسمعا كلامه وساءلاه وقطعاً عليه بالإمامة، ثم لقينا الناس أفواجاً فكل من دخل عليه قطع إلا طائفة عمار وأصحابه، وبقي عبد الله لا يدخل إليه إلا قليل من الناس، فلما رأى ذلك قال: ما حال الناس؟ فأخبر أن هشاماً صدّ عنك الناس، قال هشام: فأقعد لي بالمدينة غير واحد ليضربوني) (أصول الكافي: ج1، كتاب الحجة، باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة، ح7).

ص: 136

استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام) بعشر سنوات أي سنة1- 158 ه-، فصحبة مؤمن الطاق للإمام الكاظم (عليه السلام) تحققت بعد هذه المدة؛ لأنه كان يسكن الكوفة ومن الصعب لقاؤه بالإمام (عليه السلام) في مثل تلك الظروف، وهذا يفسّر عدم روايته عن الإمام الكاظم (عليه السلام).

2- إن ابن محبوب ثقة بل وصف بأنه من الأربعة أركان المذهب في عصره، وقد عدّه الكشي من الفقهاء الذين أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عنهم من أصحاب أبي إبراهيم وأبي

ص: 137

الحسن الرضا (عليهما السلام) وروى بسنده عن ابن أبي نصر قال: (قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) أن الحسن بن محبوب الزرّاد أتانا برسالة؟ قال: صدق، لا تقل الزرّاد بل قل السرّاد، إن الله تعالى يقول: [وَقَدّرْ في السَرْد])، فإذا أخبر أنه روى عن مؤمن الطاق صدقنا قوله كما في المقام، ولا مسوِّغ لاحتمال الإرسال، نعم قد يسقط ذكر الواسطة من قبل الرواة غفلةً كالمورد المتقدم في غفلة التهذيب عن أبي ولاد بقرينة ما ورد في الكافي والفقيه.

إن ابن محبوب وقع في طريق الشيخ الصدوق إلى مؤمن الطاق في مشيخة الفقيه قال (قدس سره): ((وما كان فيه عن محمد بن النعمان فقد رويته عن محمد بن علي ماجيلويه عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير1- والحسن بن محبوب جميعاً عن محمد بن النعمان)) ولم يُنكر أحد ذلك، بل عن العلامة في الخلاصة(1)

أن طريق الصدوق إليه صحيح، وإنما ضعّفه البعض كالسيد الخوئي لسبب آخر كوجود محمد بن علي بن ماجيلويه الذي لم تثبت وثاقته(2) عنده وليس من هذه الناحية.

ص: 138


1- خلاصة الأقوال في معرفة الرجال للعلامة الحلي: 439، الفائدة الثامنة.
2- معجم رجال الحديث: 43/18.

2- إن الحسن روى عن أبي حمزة الثمالي كثيراً(1) وأبو حمزة توفي سنة 150(2)

ه- وأدرك إمامة الكاظم (عليه السلام)، وروى الكَشي عن الفضل بن شاذان قال: (سمعت الثقة يقول: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: أبو حمزة الثمالي في زمانه كسلمان الفارسي، وذلك أنه خدم أربعة منا: علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وبرهة من عصر موسى بن جعفر (عليهم السلام) )(3)،

وأورد الشيخ الصدوق (قدس سره) هذا المعنى عند ذكر طريقه إلى أبي حمزة في المشيخة.وعلى هذا فرواية ابن محبوب عن مؤمن الطاق –الذي بقي بعد الإمام الصادق (عليه السلام) المستشهد سنة 148 ه-- طبيعية جداً.

إن قلتَ: كيف يتم رواية ابن محبوب عن أبي حمزة الثمالي ومقتضى نقل الكشي أن ابن محبوب ولد سنة 149 ه-؟.

قلتُ:-

أ- إن هذه المعلومة غير موثوقة كما تقدم.

ص: 139


1- معجم رجال الحديث: 98/6.
2- رجال النجاشي: 115، رقم (296).
3- رجال الكشي: 485، رقم (919) وراجع الكنى والألقاب: 130/21، رقم (150).

ب- إن قبول قول الكشي في تأريخ ولادة ابن محبوب ليس أولى من قبول روايته الكثيرة عن أبي حمزة.

ومما تقدم يُعلم النظر في قول السيد الخوئي (قدس سره): ((مقتضى ما ذكره الكشي: أن الحسن بن محبوب تولّد بعد وفاة الصادق (عليه السلام) وهذا ينافي روايته كثيراً عن أبي حمزة المتوفى في زمان الصادق (عليه السلام) ))(1)

فإن أبا حمزة توفي في زمان الإمام الكاظم (عليه السلام)، كما تقدم آنفاً عن النجاشي وورد اسمه في بعضالروايات(2)

عن قيام الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) بالأمر بعد استشهاد أبيه (عليه السلام).

نعم قال الشيخ في رجاله: ((اختلف في بقائه إلى وقت أبي الحسن موسى عليه السلام))(3).

ص: 140


1- معجم رجال الحديث: 98/6.
2- في (إثبات الهداة للحر العاملي: 166/3، الباب 22: النصوص على أبي الحسن موسى (عليه السلام)، ح47) (أن إعرابياً جاء من المدينة إلى الكوفة فأخبر أن الصادق قد مات فشهق أبو حمزة الثمالي وضرب بيديه الأرض) إلى آخر الحديث.
3- رجال الشيخ، باب الثاء من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، رقم (1).

ويرد على الوجه الثالث:-

1- إن احتمال الإرسال المذكور مبني على التاريخ الذي أورده الكشي عن ولادة ابن محبوب وقد علمت المناقشة فيه.

2- إن نصر بن الصباح ناقل هذه الكلمة مجهول الحال وهو غالٍ في مذهبه فلا يوثق بقوله إلا مع القرينة.

3- إن هذه العبارة التي ورد فيها الاتهام لابن محبوب في الرواية عن الثمالي وردت بألسنة مختلفة فما أوردناه كان من رجال النجاشي عن الكشي، ولكن الذي أوردهالكشي نفسه في الرجال هو ((عن أبي حمزة))(1)

من دون الثمالي وفي نسخة أخرى (ابن أبي حمزة) وقال في موضع آخر عند ترجمة الحسن بن محبوب عن نصر بن الصباح قال: ((وأصحابنا يتهمون ابن محبوب في روايته عن ابن أبي حمزة))(2).

أقول: إذن لم يثبت أن التهمة هي بإرساله عن أبي حمزة لعدم الاطمئنان بكون المقصود الثمالي بسبب تعدد العبارات واختلافها، لذا تعدد فهم الأصحاب لهذه التهمة فقد احتمل البعض أن المراد ابن أبي حمزة البطائني، قال القهبائي: ((والمراد منه علي بن أبي حمزة البطائني، فإن ابن محبوب روى عنه كما سيأتي في ترجمة ثابت بن دينار أبي حمزة

ص: 141


1- رجال الكشي: 989/512.
2- رجال الكشي: 1095/585.

الثمالي، ووجه التهمة حينئذٍ أن ابن محبوب أمتن وأجلّ من أن يروي عن علي بن أبي حمزة البطائني فإنه واقفي خبيث رديء معاند للرضا عليه السلام))(1).

4- إن طريق الشيخ الصدوق إلى أبي حمزة المذكور في المشيخة وإن لم يرد فيه اسم ابن محبوب إلا أنه (قدس سره) قال: ((وطرقي إليه كثيرة ولكني اقتصرتعلى طريق واحد منها)). لكن الشيخ الطوسي ذكر لنا أحدها وهو ينتهي إلى الحسن بن محبوب عنه، قال في الفهرست (138): ((له كتاب أخبرنا به عدة من أصحابنا عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه ومحمد بن موسى بن المتوكل، عن سعد بن عبد الله والحميري، عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن أبي حمزة.

5- ولو سلّمنا بصحة الإشكال ووجود إرسال فإنه لا يضرّ، قال الوحيد البهبهاني في ترجمة الحسن بن محبوب: ((وعلى تقدير صحة التواريخ –التي بني عليها الإشكال- فالظاهر أن روايته –أي ابن محبوب- عن كتابه –أي الثمالي- وغير خفي أن هذا ليس بفسق ولا منشأ للتهمة، بل لا يجوز الاتهام بأمثال ذلك، سيما مثل الحسن الثقة الجليل، الذي قد أكثر الأعاظم

ص: 142


1- مجمع رجال القهبائي: 161/1 في ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى وكذا في ترجمة الحسن بن محبوب: 144/2.

والأجلّة من الثقات والفحول من الرواية عنه عموماً، وروايته عن أبي حمزة خصوصاً، وكذا الكلام في الأخذ حال صغر السن ولذلك ندم أحمد وتاب))(1).

وقال تلميذه أبو علي الحائري: ((وأما –أي الإشكال- في رواية الحسن بن محبوب عن أبي حمزة فالأصل فيه نصر بن الصباح، وأما محمد بن أحمد بنعيسى فإنه كان قد سبقه في ذلك إلا أنه تاب ورجع عنه، وكيف كان فالظاهر أن منشأ التوقف عدم درك الحسن علياً كما يظهر من تأريخ ولادة الأول ووفاة الثاني، لكن بعد الإقرار بوثاقة الرجل وعدّه من الأركان الأربعة في زمانه، لا ينبغي الإسراع إلى اتهامه، بل يجب أن نحمل ذلك على أحسن محمل، وهو أخذ الحسن الرواية من كتاب علي(2)، ومثله غير عزيز، بل هو أكثر كثير، ولا ينبغي الحمل على الإرسال، إذ لا يخلو من نوع تدليس وتغرير، وقد حقق الأستاذ العلامة دام علاه في غير موضع))(3).

ص: 143


1- تعليقة الوحيد البهبهاني: 108.
2- هذا من سهو القلم أو من ذهاب الذهن إلى الاحتمال الآخر –أعني علي بن أبي حمزة-، وإلا فإن المقصود الثمالي.
3- منتهى المقال: 42/1، نهاية المقدمة الرابعة.

أقول: ومال إلى هذا الرأي المامقاني في تنقيحه (90/1) في ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى.

ولعل وصف صاحب البلغة(1)

الرواية بالمصححة يشير إلى قبول هذا الوجه ونحوه في دفع الإشكال.

عود على بدء:

مضافاً إلى ما تقدم فإنه يمكن إضافة قرينتين أخريين على استبعاد دخول الشجر في ما تحرم منه الزوجة وهما:-

1- خلو الروايات عن تقييم الشجر والنخل واكتفت بتقييم مكونات البناء من الطوب والخشب والجذوع والأبواب والقصب ونحوها، ولو كانت الزوجة تحرم من أعيان الشجر والنخل لورد ذكرها في تقييم ما تحرم منه الزوجة، وإلا يلزم منه ما لم يقل به أحد وهو حرمان الزوجة من الشجر عيناً وقيمةً، خصوصاً مع وجود إطلاقات الحرمان كصحيحتي محمد بن مسلم وزرارة، (رقم 5، 6) وموثقة عبد الملك بن أعين (رقم 9) وقد أخرج منها قيمة الأبنية الآلات في عدة روايات ولا يوجد في الشجر مثل ذلك إلا في رواية الأحول وقد علمت المناقشة فيها.

بل يمكن دعوى اختصاص التقييم بلوازم البناء خاصة من

ص: 144


1- بلغة الفقيه: 94/3.

صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (رقم 8) عن أبي جعفر (عليه السلام)، وفيها (إلا أن يكون قد أحدث بناءً فيرثن ذلك البناء) وهو يدل على أنها لا تحرم مما سوى البناء من الأعيان على الأرض كالشجر والنخيل وسيأتي مزيد من النقاش في الفروع الخلافية إن شاء الله تعالى.1- ((مفهوم التعليلات التي يستفاد منها الاكتفاء بحرمانها من عين الأرض، فيدفع به المزاحمة، وأما حرمانها من عين الأشجار والنخيل فلا دخل له في تحقق المزاحمة، بل لو لم تدل الروايات المستفيضة على حرمانها من عين البناء والجذوع والخشب وأمثال ذلك لقلنا بإرثها منها))(1).

أقول: قد يرد عليه بأن هذه التعليلات لبيان الحكمة الغالبة في التشريع وليس على نحو العلة التامة التي يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً، ويتفق في الأحكام التي تحتاج إلى توعية المجتمع بها وخلق حالة الاستعداد لقبولها أن يقوم الأئمة (عليهم السلام) ببيان الحكمة فيها وفلسفة تشريعها، وهذه سيرة يجب على القادة الدينيين تعلمها.

إضافة:

نقل بعض الأعلام عن أستاذه الشيخ الأراكي (قدس سره) ((إلحاق الزرع الذي لم يستحصد بالشجر والنخل في أن الزوجة لا

ص: 145


1- تقريرات ثلاثة، مصدر سابق.

ترث من عينه بل من قيمته، وأنه قال: ((وما تحرم منه عيناً لا قيمة هو آلات البناء من الأخشاب والأبواب والقصب، وكذا الأبنية والطوب والآجر والحجر، وكذا الشجر والنخل وكذا الزرع، لوضوح أن ذكر الشجر ليس لأجل الخصوصية بل من باب المثال، وأما الثمر على الشجر مثل العنب وغيره فهي منجملة المنقولات ترث الزوجة من عينها، وكذا الشجرة لو كانت حين موت الميت منقلعة عن أصلها وكذا الزرع الذي استحصد)).

ثم علّق بعض الأعلام المعاصرين بقوله: ((وهذا غريب منه (قدس سره) فإن حمل الشجر والنخل على المثالية لا يقتضي التعدي إلى الزرع، فإنه ليس مثل الشجر والنخل إذ المقصود منها البقاء في الأرض والاستفادة من ثمرتهما أو الاستظلال بهما، بخلاف الزرع فإن المقصود منه ما يحصد من الحبوب ونحوه، ولا غرض في إبقائها على الأرض فلا يكون عقاراً بمعنى ما يثبت في الأرض ومن هنا لم يذكر ذلك أحد من الأصحاب))(1).

أقول: إن كان الدليل على إلحاق حكم الشجر والنخل بالأبنية دخولهما في عنوان العقار فإن الزرع لا ينطبق عليه العنوان لأنه ليس ثابتاً له أصل، نعم يدخل في العنوان ما يُسمى بالشجيرات كالعنب والياس والزهور؛ لوجود أصولها فيصير الموضوع أوسع من الشجر والنخل، لكن الاستدلال بهذا الوجه بعيد.

ص: 146


1- حكاه السيد الهاشمي في مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 47، صفحة 40 عن السيد محسن الخرازي في (إرث الزوجة: 90).

وإن كان الدليل الإجماع فلا إجماع على دخولهما في حكم الحرمان.

وإن كان الدليل صحيحة الأحول فإن التجريد عن الخصوصية لا وجه له للفرق الملحوظ فنقتصر على ما يصدق عليه عنوانهما.ولو شككنا في دخول فرد تحت الخاص أو احتملنا العدم فإنه يبقى تحت عموم استحقاق الزوجة من الميراث.

وعلى جميع التقادير فإن الزوجة ترث من عين ما يسمى زرعاً.

وقد تعرّض عدد من الأعلام كصاحب الجواهر (قدس سره) لمثل هذه الفروع، قال: ((وكذا –أي للزوجة القيمة دون العين- ما كان ثابتاً من الغرس والنخل ونحوهما وإن انتهى عمره واستعد للقطع على إشكال، ونحوه السعف اليابس وأغصان الشجرة اليابسة ونحو ذلك مما صار حطباً إلا أنه متصل بأصله، ويحتمل إرثها من عين ذلك كله اقتصاراً في الخروج عن عموم الأدلة على القدر المتيقن.

أما النخل الصغار المعدّ للقلع بل لا ينتفع به من دون قلع فالظاهر استحقاقها القيمة منه، لصدق الشجر والنخل عليه، نعم لو كان مقلوعاً ورثت من عينه وإن كان معداً للغرس بخلاف الثمر ولو على الشجر والزرع وإن لم يستحصل، بل لو كان بذراً فإنها ترث من عينه))(1).

ص: 147


1- جواهر الكلام: 218/39.

إلفات: كما ترى فإنه لا ملازمة بين ما تحرم الزوجة من عينه وقيمته من الأرضين وما تحرم من عينه دون قيمته من الأمور الثابتة عليها فإن حرمان الزوجة من مطلق الأرض بما فيها الزراعية لا يعني حرمان الزوجة من كل ما عليها من أعيان، كما أن حرمانها من عين أبنية الدور والمساكن خاصة لا يعني حرمانها من أرض هذه خاصة فيجوز أن تحرم من مطلق الأرض.

أقول: من هذا يعرف الاشتباه الذي وقع فيه أحد الأعلام المعاصرين حين نسب إلى أستاذه السيد البروجردي ((أنه استقرب اختصاص الحرمان بأراضي الدور والمساكن بل أفتى به إذا لم يتصالح الورثة مع الزوجة))(1).

أقول: اختار السيد (قدس سره) حرمان الزوجة من مطلق الأرض، قال بعد أن ردَّ على ما استدلوا به لاختصاص الحرمان بالرباع: ((القول بعموم المنع لمطلق الأرض أظهر في الروايات، مضافاً إلى شهرته بين من بعد الشيخ (رحمه الله).))(2).

لكنه (قدس سره) قرّب عدم حرمانها من أعيان غير الأمور التي لها دخل في تحقق البناء كالطوب والخشب والقصب والنقض

ص: 148


1- الشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني في مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العددان 71، 72، صفحة 37.
2- تقريرات ثلاثة: 118.

والجذوع والأبواب، فلا وجه لما نسبإليه إلا بناءً على ما يتوهم من الملازمة(1)،

وقد صرّح (قدس سره) بعدمها قال: ((لا ملازمة بين القول بحرمانها من مطلق الأرض وحرمانها من أعيان مطلق ملك ثابت فيها، ولذا نسب إلى العلامة (قدس سره) القول بعموم المنع مع قوله بإرثها من أعيان الأملاك الثابتة في غير الدور والمساكن والمنازل))(2).

لكنه (قدس سره) تأمَّل في النتيجة وقال في نهاية كلامه: ((وترجيح أحد طرفي المسألة – الطرف الآخر التعميم لكل ما هو ثابت في مطلق الأراضي من الشجر والنخل والزرع وسائر النباتات- يحتاج إلى زيادة تعمق في أدلة الطرفين، فتأمل جيداً)).

نكتة: ذهاب البعض إلى ميراث الزوجة من أعيان النخيل والأشجار نقض واضح لما ذهب إليه المشهور من حرمانها من الأرض عيناً وقيمة

ص: 149


1- أو أن السيد (قدس سره) عدل عن رأيه الذي دوّنه الشيخ صافي كلبايكاني في رسالته التي هي في جزء كبير منها تقريرٌ لأبحاث السيد (قدس سره)، وهذا ما أفاده بعض تلامذته قال: ((وكان سيدنا الأستاذ العلامة البروجردي (قدس سره) مائلاً إلى قول المفيد بدعوى أنه مقتضى الجمع بين النصوص بعد إرجاع بعضها إلى بعض لأجل اتحاد الراوي لكن يظهر منه في بعض محاضراته المطبوعة أنه عدل أخيراً عن هذا الرأي إلى قول الأكثر)) (شرح المهذب: 350/1).
2- تقريرات ثلاثة للسيد البروجردي، مصدر سابق: 120.

لعدم تحقق الحكمة من الحرمان ولاستلزام ملكية هذه الأعيان التصرف في الأرض.

القول المختار:

إن قبلنا بأطروحة كون الحكم بالولاية فإن ما تحرم منه الزوجة يدور سعة وضيقاً مدار ما يحكم به الولي الفقيه وإن لم نقبل، فالظاهر عدم كفاية الأدلة لحرمان الزوجة مما سوى الرباع –وهي الدور والمنازل- فنتمسك بعمومات استحقاق الزوجة من كل ما ترك الزوج، والأحوط المصالحة.

ملحق: في بعض المصاديق وحكم الأشياء المشكوكة:

تردد الفقهاء (قدس الله أرواحهم) في حكم بعض الأشياء للشك في العنوان الذي ينطبق عليها ككونها من الأبنية والآلات المثبتة فيها أو من غيرها (1)

ونحو ذلك، قال صاحب الجواهر (قدس سره): ((هل يدخل في الآلات الدولاب والمحالة والعريش الذي يكون عليه أغصان الكرم ونحوها؟ وجهان، أقواهما دخول كل ما يسمى من آلات البناء من غير فرق بين ما اتخذ السكنى وغيرها من المصالح، كالرحى والحمام ومعصرة الزيت والسمسم والعنب والاصطبل والمراح وغيرها، بل قد يدخل في وجه صفرية الحمام والمسبك ونحوهما فيها. أما القدر المثبتة في دكان ليصنع فيها الرؤوس والهريس

ص: 150


1- راجع مثلاً مستند الشيعة: 381/19-382.

ونحوهما فيمكن عدم عدها في الآلات، فترث من عينها، كما أن الظاهر إرثها من آلاتالبناء المهدومة من آجر ونحوه، لأن المراد منها المثبتة دون المنقولة كما عن الصيمري الإجماع عليه. نعم لو كانت مبنية فلها القيمة وإن كانت مستعدة للهدم))(1).

وأضاف (قدس سره): ((وربما كان منه بيوت القصب ونحوه مما يستعمله أهل القرى، فيمكن حرمانها من العين فيها أيضاً، ضرورة كونه كالدور المتخذة من الأخشاب ويحتمل العدم.

وربما كان منه أيضاً بعض ما يوضع في حجر الدار من المرآة ونحوها للزينة. وأما القنوات والعيون والآبار والأنهار ونحوها فلا ريب في إرثها من قيمة الآلات إن كانت، ومن عين الماء الموجود حال الموت الذي ملكه الميت قبل موته بخلاف المتجدد، فإنه ملك للوارث على الأصح))(2).

أقول: إن أمكن استظهار العنوان عرفاً جرى عليه حكمه كعدم صدق عنوان (الأرض) و (العقار) على الآبار والأنهار والقنوات ونحوها فلا تحرم من قيمتها لإلحاقها بالمشيدات والأبنية والآلات.

وكعدم الفرق في الدور التي تمنع الزوجة من أرضها وترث من قيمة بنائها وآلاتها بين ما كان يسكنه الزوج أو يؤجره أو لا يسكنه أحد، للعموم أو الإطلاق.

ص: 151


1- جواهر الكلام: 218/39.
2- جواهر الكلام: 219/39.

وكدخول الشبابيك والأبواب والسقوف الثانوية والمحجّرات في صدق عنوان البناء وعدم دخول الجذوع والأعمدة المنصوبة لحمل الأسلاك الكهربائية أو الكروم عليها؛ لأن الوارد في النصوص ما كان داخلاً في البناء، وهكذا.

وإن لم يمكن استظهار العنوان الشامل للمورد كان مقتضى القاعدة بقاء الفرد المشكوك دخوله في الخاص لإجماله ونحو ذلك تحت عموم العام وهو التوارث بين الزوجين الذي وإن ناقشنا في استفادته من الآية الكريمة إلا أنه محقق ومحصّل من مجموع الروايات ومصرّح به في صحيحة ابن أبي يعفور ورواية عبيد بن زرارة المتقدمتين (صفحة 193).

مضافاً إلى أن حكم الحرمان:-

أ- على خلاف الأصل لدخول الزوجة في عنوان الورثة فيقتصر منه على القدر المتيقن.

ب- معلل بعدم إفساد الميراث على الورثة وهو أمر يجب تحصيله لجريان الحكم والمفروض عدمه.

فالزوجة ترث من كل ما ترك الزوج إلا ما خرج بدليل، لكن ليس لدينا عمومات تدل على استحقاقها من العين أو القيمة ولا أصل يقتضي ذلك لانقسام ميراثهاابتداءً إلى ما يستحق من عينه كالمنقولات أو من قيمته فقط كالأبنية والآلات إلا بضميمة للعمومات الأولى، ككون التركة هي الأعيان المجردة من العين فليست من التركة، وإن تعلّق الحق بالقيمة يحتاج إلى مؤونة زائدة ونحو ذلك من القرائن فنحصل على نتيجة العمومات الثانية.

ص: 152

أما ترجيحه عدم استحقاقها من الماء المتجدد فهو مبني على مختاره في تعلق حق الزوجة من القيمة بذمة الورثة وسنتعرض له في الفرع الخامس (صفحة 361) إن شاء الله تعالى.

ولذكر مزيد من التطبيقات ننقل قول المحقق النراقي (قدس سره): ((لو كان للزوج بيت فوقاني وكان تحته من غيره فالظاهر توريثها من قيمة جميع البيت: حيطانه وسقفه وأرضه، لكونه بناءً محضاً، ولو خرب البيت الفوقاني وبقي هواؤه فالظاهر توريثها من عين الهواء؛ لعدم صدق الأرض والبناء، وعدم توريثها من الهواء إذا كان هواء دار لكونه تابعاً للأرض، ولا أرض هنا))(1).

وقوله (قدس سره) أيضاً: ((لو لم يملك الوارث شيئاً سوى الأرض والأبنية المختلفة يجب عليه إعطاء قيمة الأبنية أو مثلها من نفسها أو نفس الأراضي، أو يبيعها بغيرالزوجة ويأخذ الثمن ويعطيها إياها، والوجه واضح، وأخذ البناء أو الأرض حينئذٍ لا ينافي عدم توريثها لعدم كون الأخذ حينئذٍ من باب التوريث))(2).

ومما تقدم يعلم حكم المعادن الظاهرة على الأرض كالملح بل حتى الباطنة كالنفط والغاز والذهب فإن للزوجة نصيباً فيها لعدم دخولها في ما تحرم منه، نعم إذا صدق عليها (أرض) أو (تربة) مثل مقالع الرمل والحجر والحصى حرمت منها، واحتمل بعض الأعلام المعاصرين عدم حرمان الزوجة منها لعدم شمول إطلاق روايات

ص: 153


1- مستند الشيعة: 383/19.
2- مستند الشيعة: 386/19-387.

الحرمان لها ((بدعوى ظهورها في حرمان الزوجة من الأرض والعقار بما هو مكان ومحل ثابت، أما الشيء من الأرض الذي يطلب منه الاستخراج والنقل فهو من المنقول أو بحكمه فلا يكون مشمولاً للروايات خصوصاً مع التعليل الوارد فيها بأن حرمانها من أجل أن لا يدخل على سائر الورثة زوج آخر فيفسد عليهم مواريثهم))(1).

أقول: فصدق الأرض والتربة قد يترتب عليه حكم ما كجواز التيمم دون حكم آخر كحرمان الزوجة، وبناءً على هذا يصبح حكم المعادن واحد ولا حاجة للتفصيل في المعادن بين ما كان مستخرجاً ومستحصلاً حين الموت فترث الزوجة من عينه، وبين ما لا يكون كذلك فلا ترث منه.وعلى أي حال فقد تخلّص صاحب الجواهر (قدس سره) من كل ذلك التردد بقوله: ((هذا ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالصلح ونحوه في جميع محال الشك)).

أقول: هذه المصالحة بعد استفراغ الوسع في معرفة انطباق العنوان وعدمه؛ لأنه ليس تكليفاً فردياً حتى يحتاط فيه ابتداءً وإنما هو نزاع في رجوع الحق إلى أكثر من واحد.

ص: 154


1- مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 47، ص 43.

(الفرع الثاني) من تُحرَم من الزوجات

اشارة

وللعلماء في المسألة قولان:

(القول الأول) حرمان الزوجة مطلقاً سواء كانت ذات ولد من زوجها أم لم تكن:

حكاه العلامة (قدس سره) في المختلف عن المفيد والمرتضى وابن حمزة وأبي الصلاح، واختار هذا القول أيضاً ابن إدريس والمحقق الحلي في المختصر النافع وتلميذه الشارح في كشف الرموز(1) والمحقق السبزواري(2)

ووصفه الشهيد الثاني بأنه ((قوي متين))(3).

ونسبه ابن إدريس في السرائر –وكذا الشهيد الثاني في المسالك وغيرهما- إلى الشيخ في الاستبصار، وقرّب العلامة وجه النسبة بأن الشيخ لما أورد صحيحة الفضل وابن أبي يعفور قال عنها: أنها لا تنافي أخبار الحرمان من وجهين، وهما الحمل على التقية، أو ميراثها من كل شيء ترك الزوج مما سوى العقار الذي تحرم منه، ثم نقل جمع الشيخالصدوق بينها وبين روايات الحرمان بحملها على ذات الولد بقرينة مقطوعة عمر بن أذينة.

ص: 155


1- مسالك الأفهام: 191/13.
2- كفاية الفقه: 860/2.
3- مسالك الأفهام: 192/13.

ولكن العلامة نفى هذه النسبة قائلاً: ((وهذا القول من الشيخ في (الاستبصار) يُشعر بأنه لا يرتضيه، وإلا لكان يقول: في رحبة المتأوِّل: ثلاثة أوجه ثم يسند الثالث إلى ابن بابويه، لكنه لما جمع بوجهين ثم قال: وكان ابن بابويه يجمع بكذا، دلّ على أنه غير قائل به))(1).

وقال في مفتاح الكرامة عن هذه النسبة أنه ((مما لا يُصغى إليه لأنه لم يرتضه -أي حمل الصحيحة على التفصيل بين ذات الولد وغيرها- إن سلّمنا ذلك، لا لأنه غير قائل به بل لأنه بعيد جداً في تأويل الرواية، وذلك لأن السائل سأل فيها عن مطلق الزوجة فتخصيص الجواب بامرأة واحدة وبقاء حكم الأخرى مجهولاً مما يبعد وقوعه، على أنه تأوّلها به في التهذيب وأنه مختاره في النهاية والمبسوط))(2).

واستدل عليه بوجوه:

الأول: الإجماع الذي صرّح به ابن إدريس، قال (قدس سره): ((والإجماع على أنها لا ترث من نفس تربة الرباع والمنازل شيئاً، سواء كان لها من الزوج ولد أو لم يكن،وهو -أي الإجماع- ظاهر في قول شيخنا المفيد في مقنعته والسيد المرتضى في انتصاره))(3).

ص: 156


1- مختلف الشيعة: 56/9.
2- مفتاح الكرامة: 304/17.
3- السرائر: 259/3.

وحكاه في مفتاح الكرامة عن المفيد، قال (قدس سره): ((نعم كلام المفيد في (الرسالة) –أي الصاغانية- التي ردَّ فيها على رجل ناصبي معاصر له صريح أو كالصريح في عدم الفرق، وقد ادعى فيها تارة إجماع الشيعة وأخرى أن كافة آل محمد (صلى الله عليه وآله) يرون ذلك، والحاصل أن من لحظ (الرسالة) قطع بحكمه بعدم الفرق ودعوى الإجماع على ذلك))(1).

وممن احتج بالإجماع السيد صاحب الرياض، قال (قدس سره): ((وفي السرائر وعن الخلاف الإجماع عليه وهو الحجة))(2).

أقول: في استظهار الإطلاق من كلمات الأصحاب إشكال، لأنهم لم يكونوا في مقام البيان من هذه الناحية وإنما بصدد بيان عنوان المسألة وأصل الحكم كما أن عنوان مسألتنا لدى الجميع هو (إرث الزوجة من العقار) من دون دلالة على الإطلاق، وهذا واضح للمتأمل في عبارة الشيخ المفيد التي نقلناها (صفحة 273) وكلمة السيد المرتضى (صفحة 195).فصغرى الإجماع غير ثابتة، قال في مفتاح الكرامة: ((ودعوى الإجماع كما في السرائر لا تسمع مع ما نراه من مخالفة الجمّ الغفير من الأوائل والأواخر، بل ما صرّح بالخلاف سوى مدعي الإجماع -أي ابن إدريس- والآبي، وأما الباقي ممن نسب إليه الخلاف فإنما يظهر

ص: 157


1- مفتاح الكرامة: 304/17.
2- رياض المسائل: 386/14.

ذلك منهم، وليسوا مصرّحين كما عرفت فالذي يجب أن تقول له كما يقول هو للشيخ في غير موضع: إقلب تصب))(1).

الثاني: التمسك بالإطلاقات والعمومات الواردة في الروايات كإطلاق (الزوجة) و (المرأة) وعموم (النساء) ونحوها، قال الشهيد الثاني (قدس سره): ((وجميع ما ورد في هذا الباب على كثرته دال على ذلك فلا وجه لتعداده))(2).

وقال صاحب الجواهر (قدس سره) مستدلاً عليه ((بملاحظة كثرة هذه النصوص مع عدم إشعار شيء منها بهذا التفصيل، بل ظاهرها جميعاً من حيث التعبير بالزوجة شاملة لهما خلافه. بل من عرف طريقتهم في أمثال ذلك من عدم الإيكال على علم السامع ونحوه وعدم التعبير بالموهم يكاد يجزم بعدم ذلك))(3).وفيه: أن هذه الإطلاقات قابلة للتقييد والتفصيل إذا تم دليل القول الثاني الآتي إن شاء الله تعالى.

الثالث: إنه مقتضى التعليل الوارد في

بيان الحكمة من هذا التشريع وهو تجنب إدخال من يفسد على أهل المواريث مواريثهم

ص: 158


1- مفتاح الكرامة: 306/17.
2- مسالك الأفهام: 191/13.
3- جواهر الكلام: 212/39.

وذلك أن الزوجة إنما ورثت بالسبب وهي المصاهرة وقد تكون من غير قوم زوجها كما في رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ليس لها منهم نسب ترث به، وإنما هي دخيل عليهم)، ثم إنها ربما تزوّجت من كان بينه وبين زوجها وعشيرته نزاع أو تباغض ومنافسة فيشق على أهل الزوج المتوفى دخوله معهم ومشاركته لهم في عقارهم، فاقتضت الحكمة الإلهية حرمانها من العقار في الجملة، وهذا التعليل شامل للزوجة مطلقاً سواء كانت ذات ولد أم لم تكن.

وهكذا التعليلات الأخرى ككونها فرعاً -الرواية 3- وجواز تغييرها وتبديلها -الرواية 14- فإن نسبتها إليهما واحدة.

وأجيب:-

إن التعليل ((وإن كان شاملاً للزوجتين لكنه في الخالية من الولد أقوى، بل ذات الولد ربما مات ولدها فأخذت سهمه –أي أن حرمانها كزوجة لا يمنع من دخولها1- على قوم زوجها كأم من حصة ولدها فحرمانها لا ينفع في دفع المحذور- فكان المنع متوجهاً إلى غيرها، بل ربما يدعى أن الغالب في الخالية التزويج كما أن الغالب في غيرها عدمه فليتأمل))(1).

أقول: هذا وجه اعتباري واستحسان لا يمكن تقييد الإطلاقات به، نعم يمكن صياغته بشكل أقرب للقبول ضمن النقطة التالية.

ص: 159


1- مفتاح الكرامة: 306/17.

2- إن هذا التعليل لا يمكن تحقيقه في ذات الولد، فلا يوجد معنى لشمولها بالحرمان أي أنه يكون لغواً وذلك بتقريبين:-

أ- إن ذات الولد ربما مات ولدها فورثت منه من نفس العقار الذي حرمت منه فلا جدوى من حرمانها.

ب- ما قاله بعض المحققين من ((أن الحكمة –على ما ذكر في الروايات- الاحتراز من شركة الأجنبي في العقار وتناسبه حكم الشفعة، فلو كان لها ولد كان الاشتراك لولدها حاصلاً قهراً، وهي مشاركة لولدها في الرأيوالسكن))(1). أقول: يرد عليهما ما ورد على الأول.

فالصحيح في الجواب أن يقال: إن المراد من هذه التعليلات إنما هو بيان بعض ما في الحكم من الحِكم والمصالح كأكثر ما هو مذكور في أحاديث علل الشرائع، وليست من العلل التي تدور مدارها الأحكام حتى يصحّ الاستناد بها في تسرية الحكم إلى كل مورد كانت فيه هذه العلة، وفي نفيها عن مورد ليست فيه، لانتقاضها بموارد كثيرة إذ أن المرأة قد لا تتزوج أصلاً بعد الزوج المتوفى أو تتزوج قريباً له كأخيه فلا تتحقق المفسدة المذكورة فهل يقال بالتفصيل بين الحالات؟ وهذا لم يقل به أحد.

ص: 160


1- المحقق الشعراني (قدس سره) في شرح الوافي: 787/13.

فالهدف من ذكر هذه العلل بيان بعض أسرار التشريعات وتهيئة الناس لقبولها عندما يكون فيها نحو غرابة عليهم وقد يتمردون عليها لعدم قناعتهم بها كما في روايتي يزيد الصائغ.

ونقض أحد الأعلام المعاصرين بأن هذه العلة موجودة في طرف الزوج أيضاً؛ لأنه ليس له منها نسب يرث به، وإنما هو دخيل عليهم، بل يمكن أن يقال بأولوية1- ذلك في طرف الزوج؛ لأن مقتضى هذه التعليلات أن المرأة لو ورثت الزوج تتزوج، ويجيء زوجها أو ولدها من قوم آخرين.. إلخ، وأما الزوج لو ورث الزوجة يجيء وهو من قوم آخرين فيزاحم قوماً آخرين في عقارهم.

وفي ضوء هذا يجاب الإشكال الذي عرضه (دام ظله) قال: ((لا يقال: فما معنى ما جاء في هذه الروايات إذا كان الأمر في طرف الزوج أيضاً كذلك؟

لأنه يقال: معنى ذلك اشتمال هذا الحكم في طرف الزوجة على هذه الحكمة والمصلحة والتنبيه على عدم خلو الحكم من الحكمة، ولا ينافي ذلك عدم إنشاء الحكم في جانب الزوج لملاحظة حكم ومصالح أخرى، ونظائر ذلك ليس بنادر في التشريعات، بل وفي التكوينات، والعالم بهذه المصالح هو الله تعالى ورسوله وأوصياؤه

ص: 161

عليهم الصلاة والسلام، والواجب علينا أن ندور مدار الدليل وسعته وضيقه وعمومه ومطلقه وما يخصّه أو يقيّده))(1).

الرابع: التصريح بشمول الزوجة ذات الولد بحكم الحرمان في الروايات لورود ذكر الثمن مضافاً إلى الربع فيها كصحيحة محمد بن مسلم وزرارة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال: (لا ترث النساء من عقار الدور شيئاً ولكن يقوَّم البناء والطوب وتُعطى ثُمنها أو ربعها) وصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (أن المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض إلا أن يقوّم الطوب والخشب قيمة فتعطى ربعها أو ثمنها)(2).

أقول: ما أثبتناه من صحيحة الفضلاء هو الموجود في الوسائل، وأكّده بهذا المقدار صاحب مفتاح الكرامة قال: ((الذي وجدته في الكافي –في نسخة مضبوطة صحيحة- (فتعطى ربعها أو ثمنها) وليس فيها زيادة على ذلك أصلاً))(3).

أقول: الموجود في النسخة المطبوعة من الكافي (فتعطى ربعها أو ثمنها إن كان لها ولد من قيمة الطوب والجذوع والخشب)(4).

ص: 162


1- الشيخ صافي كلبايكاني، مجلة فقه أهل البيت: العدد 71-72، ص 62.
2- وسائل الشيعة: 208/26، ح5، 7.
3- مفتاح الكرامة: 309/17.
4- فروع الكافي، ج7، باب 68: النساء لا يرثن من العقار شيئاً، ح4.

وفي نسخة الكافي التي اعتمدها صاحب الوافي (إن كان له ولد من قيمة الطوب والجذوع والخشب)(1).

أقول: في الاستبصار (فتعطى ربعها أو ثمنها إن كانت من قيمة الطوب والجذوع والخشب)(2).وفي التهذيب (فتعطى ربعها أو ثمنها إن كان من قيمة الطوب والجذوع والخشب)(3).

وحينئذٍ نقول: لا يتم الاستدلال بهاتين الروايتين على شمول ذات الولد بحكم الحرمان لوجوه:-

1- إن استحقاق الزوجة الربع أو الثمن ليس مرتبطاً بها من حيث كونها ذات ولد أو لا، وإنما بالزوج المتوفى وهو صريح قوله تعالى: [وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم] (النساء:12)، فيمكن أن تستحق الزوجة الثمن وهي غير ذات ولد لأن للزوج ولداً من غيرها، فذكر الثمن لا تتعين دلالته في كون الزوجة ذات ولد.

وإن قيل باشتراط كون الولد للزوج منها حتى تستحق الثمن، قلنا هذا مخالف للإجماع ولإطلاق الآيات والروايات

ص: 163


1- الوافي: 171/25، كتاب الجنائز والفرائض والوفيات، باب 125، ح5.
2- الاستبصار، ج4، باب 94: إن المرأة لا ترث من العقار.
3- التهذيب، ج9، باب 27: ميراث الأزواج، ح24.

ويلزم منه ما لم يقل به أحد وهو أن من ترك زوجة ذات ولد وأخرى غير ذات ولد كان للأولى الثمن وللثانية الربع.نعم في نسخة الكافي المطبوعة (إن كان لها ولد) وحينئذ يصح الاستدلال بها، إلا أن هذا النص لا يمكن الوثوق به لما ذُكر في مفتاح الكرامة ونسخة الوافي لا توافقه مضافاً إلى ما ذكرناه أن اعتبار الولد وعدمه بلحاظ الزوج المتوفى.

2- إننا نحتمل أن ذكر الربع أو الثمن هو تفصيل وبيان من الراوي لاستحقاق الزوجة، بقرينة الوارد في النصوص الأخرى، نحو (فتعطى حقها) كما في صحيحة زرارة –رقم 2-، أو (فتعطى نصيبها) كما في رواية موسى بن بكر –رقم 15- وهي حكاية لصحيحة الفضلاء نفسها، ومثل هذا الاحتمال مبطل للاستدلال.

(القول الثاني) التفصيل بين ذات الولد فترث من كل ما ترك الزوج، وغير ذات الولد فتجري فيها روايات الحرمان:

قال الشيخ في النهاية: ((هذا الحكم –أي حرمان الزوجة من الأرض- إنما يكون إذا لم يكن للمرأة ولد من الميت، فإن كان لها منه ولد أعطيت حقها من جميع ما ذكرناه من الضياع والعقار والدور والمساكن))(1).

ص: 164


1- النهاية: 642.

أقول: وتبعه ابن البرّاج وابن حمزة(1)، وقال المحقق الحلي في الشرائع: ((إذا كان للزوجة من الميت ولد ورثت من جميع ما ترك، ولو لم يكن –ولد- لم ترث من الأرض شيئاً)).

إلا أنه (قدس سره) اختار في المختصر النافع الإطلاق، وقال العلامة في القواعد: ((أما الزوجة فإن كان لها ولد من الميت فكذلك –أي كالزوج ترث من كل ما ترك – وإن لم يكن لها ولد فالمشهور أنها لا ترث من رقبة الأرض شيئاً)).

أقول: نسبه الشهيد الثاني (قدس سره) والمحقق السبزواري (قدس سره) إلى ((المشهور خصوصاً بين المتأخرين))(2).

واستدل عليه بوجوه:

(الأول) أنه مقتضى الجمع بين الروايات الدالة على الحرمان وصحيحة الفضل وابن أبي يعفور الدالة على استحقاق الزوجة من كل ما ترك الزوج، قال الشيخ الصدوق تعليقاً على الصحيحة: ((هذا إذا كان لها منه ولد أما إذا لم يكن لها منه ولد فلا ترث من الأصول إلا قيمتها، وتصديق ذلك ما رواه محمد بن أبي عمير عن ابن أذينة)).

ونقله عنه الشيخ في الاستبصار من دون أن يعلق عليه فاحتمل قبوله له إلا أننا استبعدنا ذلك.وأجيبَ:-

ص: 165


1- مختلف الشيعة: 52/9.
2- مسالك الأفهام: 190/13، كفاية الفقه: 857/2.

1- بأنه ((جمع بلا شاهد))(1)،

ورُدّ بأن الشاهد مذكور وهي مقطوعة ابن أذينة.

2- وأنَّ ((الجمع بين الأخبار لا وجه له بعد كون رواية الفضل وابن أبي يعفور غير معمولة عليها، بل موافقة لمذهب العامة))(2).

أقول: تقدم (صفحة 259) وسيأتي إن شاء الله تعالى (صفحة 320) أنه إذا دار الأمر بين مخالفة أصالة الظهور أو أصالة الجهة فالأُولى أولى ومقتضاه أن الجمع أولى من طرحها بالتقية. ولعل هذا منشأ ما بنى عليه كثيرون من قولهم (الجمع مهما أمكن أولى من الطرح) وردّ عليهم البعض بعدم الدليل، نعم لا بد أن يكون الجمع عرفياً مستنداً إلى شاهد وقرينة، والمفروض وجوده وهي مقطوعة ابن أذينة.

(الثاني) تقليل تخصيص عمومات الكتاب مهما أمكن:

قال الشهيد الثاني: ((وربما رجح التفصيل من حيث إن فيه تقليلاً لتخصيص الآية، وظهور الشبهة في عموم هذه الأخبار بواسطة هذه الرواية –أي مقطوعة ابن أذينة- ورواية ابن أبي يعفور الدالة على إرثها من كل شيء كالزوج، بحملها على ذات الولد جمعاً، فلاأقل من انقداح الشبهة في العموم للزوجات المانع من حمل الآية على

ص: 166


1- جواهر الكلام: 211/39.
2- تقريرات ثلاثة لسيد البروجردي (قدس سره): 126.

عمومها، مضافاً إلى ذهاب جماعة من أجلاء المتقدمين – كالصدوق والشيخ في التهذيب وجملة المتأخرين- إليه، وذهاب جماعة آخرين إلى أن مثل هذه الأخبار لا تخصص القرآن مطلقاً، فلا أقل من وقوع الشبهة في التخصيص. ولا بأس بهذا القول، وإن كان القول بالتسوية بين الزوجات أيضاً قويّاً متيناً))(1).

وأجيب:-

1- بلزوم العمل بالخاص على إطلاقه وكما قيل إطلاق الخاص مقدم على عموم العام، فلا وجه للالتزام بأقل تخصيص ما دام الخاص -وهي روايات الحرمان- مطلقاً، قال صاحب الجواهر (قدس سره): ((والتخصيص بعد قيام الدليل المعتبر عليه لا مانع منه وإن كثرت أفراد المخصص كما في المقام، فلا ريب أن الأقوى عدم الفرق بين ذات الولد وغيرها في الحرمان))(2).

أقول: المفصلون يرون أن مقطوعة ابن أذينة مفصِّلة للخاص1- ((إن هذا لا يوجب تقليلاً في التخصيص؛ لأنه موجب لتخصيصين: أحدهما في عمومات إرثها، وثانيهما في روايات حرمانها))(3). أقول: شرحه السيد الحكيم (قدس سره) بقوله: ((إن التفصيل

ص: 167


1- مسالك الأفهام: 192/13.
2- جواهر الكلام: 212/39.
3- مستند الشيعة: 380/19.

ليس تقليلاً للتخصيص، بل هو تقليل لأفراد المخصص؛ إذ التخصيص واحد لكنه مردد بين القليل والكثير، وفي مثله وإن كانت القاعدة الرجوع إلى العام لكنه مخصوص بما إذا كان التردد غير مدفوع بحجة والأخبار النافية حجة، وحينئذٍ يكون التفصيل فيه تخصيصاً للعمومات النافية، لا تقليل أفراد المخصص فكان الأنسب ترك التفصيل))(1). أقول: كما خُصِّصت عمومات توريث الزوجة بروايات الحرمان فالمفصّلون يقولون بوجود الحجة لتخصيص روايات الحرمان وهي مقطوعة ابن أذينة.

(الثالث) مناسبات الحكم والموضوع بلحاظ التعليل الوارد في الروايات فإنه بناءً عليه لا يكون وجه لشمول ذات الولد وتختص روايات الحرمان بغير ذات الولد، وقد ذكرنا لها تقريبين في النقطة (2) (صفحة 312).وفيه: أنه من البعيد التعويل على مثل هذه القرائن لتقييد إطلاقات الزوجة والمرأة الواردتين في العدد المستفيض بل المتواتر من روايات الحرمان.

ص: 168


1- السيد الحكيم (قدس سره)، مصدر سابق، ص 199.

(الرابع) مقطوعة ابن أذينة:

التي رواها الشيخ الصدوق في الفقيه بسنده عن ابن أبي عمير، والشيخ في التهذيب والاستبصار بسنده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة (في النساء إذا كان لهن ولد أعطين من الرباع). وقد جعلها الشيخ الصدوق في الفقيه والشيخ الطوسي في التهذيب شاهداً على الجمع بهذا التفصيل، قال الشهيد الثاني: ((فالمفصلون خصصوا جميع تلك الأخبار بغير ذات الولد جمعاً بينها وبين هذه)).

وتقريب الاستدلال: أن منطوقها صريح في إعطاء الزوجة ذات الولد من الرباع التي هي القدر المتيقن مما تحرم منه الزوجة عيناً فاستحقاقها من غيرها أولى ويوافق هذا العموم صحيحة الفضل وابن أبي يعفور وسائر العمومات على فرض وجودها لأنا شككنا فيها (صفحة 212).ومفهومها أن غير ذات الولد تحرم في الجملة، ويكون المنطوق مخصصاً لروايات الحرمان الدالة على حرمان الزوجة من العقار ليختص بغير ذات الولد، ولذا جعلوا هذه المقطوعة شاهداً على الجمع بين روايات الحرمان وصحيحة ابن أبي يعفور لكونها أخص منهما.

وبناءً على ما تقدم فإن المقطوعة يستدل بها على التفصيل بتقريبين:-

ص: 169

1- بجعلها شاهد جمع بين الروايات الدالة على استحقاق الزوجة من كل ما ترك الزوج، والروايات الدالة على حرمان مطلق الزوجة من الأرض، فتحمل الأولى على ذات الولد والثانية على غير ذات الولد.

2- تخصيص الروايات الدالة على الحرمان مطلقاً بعد سقوط حجية الدالة على توريثها مطلقاً بحملها على التقية لموافقتها لإجماع العامة.

ومقتضى القواعد تقديم التقريب الأول لما ذكر في علم الأصول وأوردناه (صفحة 258) من أن الأمر إذا دار بين التصرف في ظهور النص بشاهد وقرينة كما في المقام حيث يمكن تخصيص العام –وهي عمومات توريث الزوجة من كل ما ترك الزوج- بذات الولد بمقتضى المقطوعة أو حمله على التقية فالتصرف الأول أولى، وجرى الفقهاء على ذلك فلم يحملوا العمومات على التقية إذا أمكن معالجتها بالتخصيص، وهذامعنون في علم الأصول بأنه إذا دار العمل بين أصالة الظهور وأصالة الجهة فالعمل بأصالة الجهة مقدَّم.

هذا من حيث المضمون، أما سند الرواية فإنه صحيح إلا أن مشكلتها كونها مقطوعة لم يروها ابن أذينة عن المعصوم ((بل ظاهرها أنه فتواه حيث ما أسند إلى أحد ولا بظاهر ولا بمضمر، بل هو قال من عند نفسه كما يقول الإنسان فتواه))(1)،

فالمقطوع ((غير حجة وإن ظن

ص: 170


1- مجمع الفائدة والبرهان: 444/11، وكذا مستند الشيعة: 380/19.

أنه عن الإمام (عليه السلام) ضرورة عدم حجية مظنون الرواية، ودعوى القطع بكونه عن الإمام (عليه السلام) واضحة المنع، وليس هو كالمرسل المعلوم كونه رواية، فإذا فرض جبر ضعفه بالشهرة ونحوها جاز العمل به))(1)،

((كما صرّح به جماعة من أصحابنا))(2).

لكن المفصّلين لم يعبأوا بهذه المشكلة لحصول الاطمئنان عندهم بكونها رواية صادرة من المعصوم وهو المناط الذي ذكروه في انجبار الرواية الضعيفة بالشهرة بلا فرق بين المقطوعة والمرسلة والمضمرة، ومنشأ الاطمئنان أن رواتها من الأجلاء الذين يتورعون عن الإفتاء بآرائهم الخاصة كابن أذينة وابن أبي عمير، وقد عُرف عن ابن أذينة أنه ((منأضبط الناس على ما يُعرف من تتبع رواياته، وكان له كتاب في الفرائض، وما في كتابه منقول كثيراً من جماعة من أصحاب الصادقين (عليهما السلام)، ولم يكن يكتفي بالسماع من واحد منهم.

واحتمال كون الحكم استنباطاً من رأي ابن أذينة بعيد في الغاية ومدفوع بشهرة العمل بها، وليس ابن أذينة ممن نقل عنه قول

ص: 171


1- جواهر الكلام: 211/39.
2- رياض المسائل: 386/14 ويشير إلى المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان والمحقق السبزواري في كفاية الفقه.

اجتهاداً، كالفضل ويونس وجعفر وسماعة))(1) الذين تفصل المصادر قولهم عن رواية المعصوم بأن يذيّلها: قال يونس وقال الفضل.

كما يستبعد من الثقات الأجلاء كابن أبي عمير ويعقوب بن يزيد والرواة الآخرين أن ينقلوا آراء أحد الأصحاب مهما جلّ شانه بدل الرواية عن المعصوم أو لا يميزون بين الاثنين، ثم تتناقله الرواة جيلاً بعد جيل وتدونه جوامع الحديث إلى زمان الشيخ الصدوق والطوسي فيودعانها في كتبهم وأصولهم المعدّة لنقل روايات المعصومين (عليهم السلام) فربما اكتفى ابن أبي عمير باسم مؤلف الكتاب لمعروفية مصنّفه في الفرائض، ويمكن القول أن الرواية لا تقل عن مراسيل ابن أبي عمير التي ألحقوها بالمسانيد واعتمدوها.فالإشكال من هذه الجهة مردود.

((والمظنون قوياً أنّ كثرة التقطيع الواقع من قِبل أصحاب الكتب والمجاميع الحديثية في روايات المعصومين(عليهم السلام) هي منشأ صيرورة بعض الأحاديث مقطوعة غير مصرّح باسم الإمام المبارك فيها، ومن هنا اعتمد مشهور القدماء من الفقهاء خصوصاً علماء الحديث والرجال ممّن كانوا خبراء هذا الفنّ كالصدوق والشيخ وأتباعه ومشهور الفقهاء بعده على هذا الخبر بعنوان حديث المعصوم، ولم يتفوّه أحد منهم بالتشكيك في ذلك، حتى أنّ ابن إدريس الذي كان أوّل مخالف صريح للفتوى بالتفصيل لم يرمِ الحديث بأنّه غير

ص: 172


1- المحقق الشعراني (رحمه الله) في شرح الوافي: 787/13.

صادر عن المعصوم، وإنّما قال إنّه خبر واحد، وهو على مبناه ومختاره لا يفيد علماً ولا عملاً، وهذه التشكيكات إنّما صدرت عن متأخّري المتأخّرين))(1).

أقول: يمكن إيراد عدة ملاحظات على تقريب كون المقطوعة رواية فضلاً عن اعتبارها:-

1- إنه دعوى حدسية فعهدتها على مدعيها.

إن الرواة كثيراً ما ينقلون ما يعرفون -أي فهمهم- مستقلاً أو كتفسير في نفس الروايات وهذا ليس خفياً على الممارس، وقد فهم الفقهاء من عدة مقطوعات أنها1- من كلام الأصحاب كأبي بصير ورفاعة فلا ينحصر الإفتاء بالأسماء المذكورة وإن كانت الأشهر.

2- إن كون الرواة عن ابن أبي أذينة من الثقات الأجلاء كابن أبي عمير ويعقوب بن يزيد لا ينفع المستدل؛ لأنهم لم ينسبوا الكلام إلى الإمام (عليه السلام) وإنما كانوا أمناء في نسبته إلى قائله وألقوا العهدة على المتلقي والراوي.

3- إن أكثر روايات ابن أذينة عن غير المعصوم وقد أرسل أحياناً.

4- ومما يبعد كونها رواية عدم إشارة جملة من القدماء إليها أو إلى مضمونها كالكليني والمفيد والمرتضى (قدس الله أسرارهم).

ص: 173


1- السيد محمود الهاشمي، مجلة فقه أهل البيت، العدد 45، صفحة 31.

5- إن ابن أذينة نفسه هو من روى صحيحة الفضلاء التي فيها إطلاق الزوجة بل فيها تصريح بوجود الولد لذكر الثمن فيها المنصرف غالباً إلى كون ولد الزوج منها. فيمكن أن يكون هذه هي رواية ابن أذينة والمقطوعة فهمه بقرينة ما.

ولأجل هذه الأمور كلاً أو بعضاً لم يعتد القائلون بالإطلاق بهذه المقطوعة وناقشوا تقريب صحة سند الرواية بأنه ((لا يقتضي أكثر من الظن بكونها رواية ، وغير خفي أنّ الظن المذكور لا دليل على حجيته ، واستدلال العظام بها وذكرها في كتبهم الموضوعة لإرشاد العالم إنّما يدلّ على اعتقادهم أنّها مروية عن المعصوم، ومجرد اعتقادهم ذلك ليسبحجة لنا أو علينا، بل الحجة ما كان رواية، نعم لو أفادت تلك القرائن العلم بكونها رواية وجب التمسك بها، كما لا يخفى.

اللّهم إلاّ أن يقال: ذكر الشيخين لها في كتب الرواية شهادة منهما على كونها رواية، ويجب العمل بها ببينة، لا لحصول القطع.

وفيه: إنّ حصول الشهادة من مجرد ذكرهما لها أول الكلام، بل اللازم من ذلك كونها حجة عندهما ولو بحسب اجتهادهما، وبينه وبين الشهادة بون بعيد))(1).

ص: 174


1- السيد محسن الحكيم، مصدر سابق، العدد 43، صفحة 197.

أقول: يعني أن شهادتهما حدسية اجتهادية وليست حسّية، ولكنه (قدس سره) اعترف بأنه إذا حصل العلم من القرائن بكونها رواية وجب العمل بها والمفصلون مطمئنون بكونها رواية.

وأما الاستدلال بالمقطوعة، فيرد على (التقريب الأول) منه:-

أنه جمع تبرعي ((بلا شاهد))(1). أقول: بل الشاهد على خلافه، لأن حمل صحيحة الفضل بن عبد الملك على ذات الولد وإخراج غير ذات الولد يلزم منه إخراج مورد السؤال من الحكم، وهذا غير جائز، إذ أن رواية البقباق الأخرى الشاهدة على ما في هذه الصحيحة صريحة في1- كون مورد السؤال غير ذات الولد بدلالة استحقاقها نصف المهر؛ إذ روى هو وعبيد بن زرارة قالا: (قلنا لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في رجل تزوج امرأة ثم مات عنها وقد فرض الصداق؟ قال: لها نصف الصداق وترثه من كل شيء، وإن ماتت فهو كذلك)(2).

2- إن المقطوعة لا مفهوم لها لأنها بقوة الجملة اللقبية وتؤول إلى (النساء ذوات الأولاد) ولو كان لها مفهوم فإنه لا إطلاق له يقتضي حرمان غير ذات الولد مما سوى الرباع عيناً وقيمةً،

ص: 175


1- جواهر الكلام: 211/39.
2- وسائل الشيعة: 329/21، أبواب المهور، باب 58، ح9، وتقدم مناقشة سندها (صفحة 194).

ونعني بالمفهوم ليس الاصطلاحي وإنما ما يخرج ذِكر الإمام ذات الولد دون غيرها عن اللغوية فلا بد من فرض فرق بينهما، لكن هذا يصححه فرقٌ ما في الجملة كحرمان غير ذات الولد من العين دون القيمة، وهو ما اختاره الشيخ الصدوق في تفصيله.

نعم يمكن الوصول إلى الحكم بحرمان غير ذات الولد من العقار بتقريبين:-

أ- كون الجملة لها مفهوم باعتبارها جملة شرطية صورتها (إذا كان للنساء ولد أعطين من الرباع.أ- ولو تنزلنا فنثبت نتيجة المفهوم من خلال التمسك بإطلاق روايات حرمان الزوجة مطلقاً من العين والقيمة بعد خروج ذات الولد منها بمقتضى المقطوعة فتبقى غير ذات الولد تحتها ولا نحتاج إلى الاستدلال بمفهوم المقطوعة.

وأما (التقريب الثاني) فيرد عليه أنه أخصّ من المدّعى لأنها إن صلحت للتفصيل فتختص بمن اقتصر على حرمانها من خصوص الرباع –كالشيخ المفيد ومن تبعه- فيبقى إطلاق الزوجة في الحرمان من الأراضي الأخرى على حاله، اللهم إلا أن يقال إن شمولها للغير من باب أولى لأن الرباع هي القدر المتيقن، فإذا ورثت منه ذات الولد بمقتضى المقطوعة فميراثها من غيرها أولى.

ص: 176

نعم قد يردّ القائل بإطلاق الزوجة على هذه الأولوية بأن له دليله الخاص على غير الرباع من عموم وإطلاق (الأرض) و (العقار) فلا يضره خروج الرباع بالتخصيص، لكن هذه النتيجة غير مقبولة فقهياً بالإجماع.

وتحدث بعض الأعلام عن عدم أهلية المقطوعة لأداء هذه الوظيفة، قال المحقق السبزواري (قدس سره) تبعاً للمحقق الأردبيلي: ((وفي المتن أيضاً إجمال، إذ ليس فيه الإعطاء من كل المتروكات ولا من كل ما فيه الخلاف والنزاع، ولا فيه أن الإعطاء على سبيل الاستحقاق أو الوجوب أو الاستحباب، وليس فيه دلالة على كون الولد من الزوجالميت، والنساء فيه أعم من الزوجة ففيه إجمال، فالتعويل عليه والعدول عن ظاهر الكتاب والأخبار الكثيرة لا وجه له))(1).

أقول: هذه مجرد احتمالات وتصورات لا تخرج الظاهر عن حجيته، ولا أقل من أنها توجب الشك في عموم روايات الحرمان للزوجة ذات الولد، والفرد المشكوك دخوله تحت الخاص يبقى تحت عمومات توريث الزوجة، قال السيد بحر العلوم (قدس سره) في بلغة الفقيه عن المقطوعة: ((إنها وإن لم تصلح دليلاً لتخصيص عموم هذه الأخبار التي تُرك لأجلها عموم الكتاب والأخبار الأخر، فلا أقل من وقوع الشبهة في هذا العموم الذي تُرك له ما تُرك، فلو بقي هذا العموم على

ص: 177


1- كفاية الفقه: 860/2، مجمع الفائدة والبرهان: 444/11.

حاله لزم تخصيص عموم الأدلة بعموم وقعت فيه الشبهة مع ذهاب بعض القدماء إلى أن هذه الأخبار لا تنهض لتخصيص القرآن مطلقاً))(1).

إشكالات أخرى على تخصيص روايات الحرمان بمقطوعة ابن أذينة:

مقتضى الإنصاف استبعاد القول بالتفصيل لورود الروايات كلها -وهي مستفيضة أو متواترة- بلسان الإطلاق والعموم وإن بعضها كان بصدد بيان خصوصياتالحكم وتفاصيله فكيف يغفل عن ذكر هذا التفصيل الجوهري ولو كان هناك تفصيل في البين لأشير إليه ولو في واحدة، بل وجدنا في بعضها ما يمكن أن يكون تصريحاً بدخول ذات الولد في الحرمان لورود ذكر الثمن فيها بضميمة ما يدل على كون الولد منها كالغلبة ونحوها فكيف يقيد هذا الإطلاق العتيد بمقطوعة واحدة، قال السيد بحر العلوم (قدس سره) في البلغة: ((إن تقييد المطلقات –على كثرتها وعموم بعضها الناشئ من ترك الاستفصال واختلاف رواتها مع تفاوت زمانها- بمقطوعة واحدة عندي محل تأمل، وإن اقتضته الصناعة بعد فرض كونها حجة؛ لأن الخاص –وإن كان واحداً- مقدم على العمومات وإن كثرت، فالأوجه هو الحرمان مطلقاً وإن كانت

ص: 178


1- مفتاح الكرامة: 305/17.

ذات ولد))(1). أقول: ذكرنا آنفاً أن المقطوعة إن لم تصلح للتقييد فلا أقل من أنها توجب الشك في عموم روايات الحرمان خصوصاً إذا شفعناها بما ذكره الشهيد الثاني في كلامه المتقدم (صفحة 318) وما دلّ على استحقاق الزوجة من كل ما ترك الزوج أعني صحيحة الفضل وابن أبي يعفور وذهاب الشيخ الصدوق والطوسي ومشهور1- المتأخرين إلى التفصيل، وقصور روايات الحرمان عن تخصيص العمومات من القرآن والسنة.

2- ((إن تخصيص عمومات الحرمان بصحيحة ابن أذينة يوجب حمل تلك العمومات أو الإطلاقات على النادر، إذ قلما يتفق عدم كون المرأة ذات ولد))(2).

وأورد عليه:-

أ- ((إنه ليس نادراً، بل ما أكثر ما لا يكون للزوجة ولد من زوجها المتوفى))(3). أقول: هذه دعوى مخالفة للواقع الخارجي كما هو واضح.

ص: 179


1- بلغة الفقيه: 99/3.
2- حكي عن رسالة (إرث الزوجة) للسيد الخرازي: 115.
3- السيد محمود الهاشمي، مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 46، ص28.

ب- ما دام الحكم ((على خلاف الأصل والقاعدة وظواهر القرآن والأحاديث والشهرة وعمل المتشرعة، فكلما اختص مفادها بموارد خاصة كان أقل مخالفة وأوفق بالقبول))(1)، فهذا الحمل على النادر شيء حسن.

وفيه: أن مبنى هذا الاستحسان غير واضح والمفروض العمل بظهور الخاص سواء كان ضيقاً أو واسعاً.ج-- يمكن القول أن الحالة ليست من التخصيص أصلاً بل من التخصص لما ذكرناه من وجود القرائن في الروايات على أنها خاصة بغير ذات الولد كالذي قرّبناه (صفحة 312) من مناسبة التعليل الوارد فيها لغير ذات الولد وجريان سيرة المتشرعة على عدم العمل بها في ذات الولد فلا توجد عمومات أو إطلاقات صريحة وواضحة في شمولها لذات الولد قد خصصت بالمقطوعة حتى يلزم المحذور.

إنها أخصّ من المدعى، وذلك ((إنه لو سلّمنا صحّة الاستدلال بها فلا تدل هذه الرواية إلا على التفصيل المذكور في الزوجة في إرثها عن خصوص الرباع، ولا وجه للتعدّي عن الرباع إلى غيرها، فيبقى الباقي تحت العمومات الدالة على حرمان الزوجة عنه))(2).

ص: 180


1- المصدر السابق.
2- حكي عن السيد الخرازي، مصدر سابق.

وأجيب بأن ((الرباع هي القدر المتيقن من الحكم بحرمان الزوجة من إرث الأرض بحيث لا يحتمل فقهياً بل ولا عرفاً –وبحسب لسان الروايات ومناسبة التعليل الوارد فيها- اختصاص الحرمان بغير الرباع من الأراضي، فتكون الصحيحة1- دالة على عدم حرمان الزوجة من إرث سائر الأراضي بطريق أولى، ولعمري هذا واضح))(1).

(الخامس) كبرى انقلاب النسبة:

عندنا ثلاث طوائف من الروايات:-

1- عمومات استحقاق الزوجة من كل ما ترك الزوج.

2- روايات حرمان الزوجة مطلقاً.

3- مقطوعة ابن أذينة.

وقد حاول البعض الوصول إلى حكم التفصيل في الزوجة بين ذات الولد وغيرها بتطبيق كبرى انقلاب النسبة؛ فقد حكى السيد محمد بحر العلوم (1261 -1326) ما ((قد توهمه بعض المعاصرين من تخصيص المطلقات بغير ذات الولد مع قطع النظر عن مقطوعة ابن أذينة)) أي الاستدلال على التفصيل بين الزوجة ذات الولد وغير ذات الولد وذلك بالاستفادة من كبرى انقلاب النسبة ويراد بها أنه قد يوجد متعارضان ويرد عليهما دليل نسبته إلى أحدهما العموم والخصوص

ص: 181


1- السيد محمود الهاشمي، مصدر سابق.

المطلق، فإذا أعملنا هذه العلاقة بينهما انقلبتالنسبة بين نتيجة العام بعد تخصيصه والعام الآخر بحيث يزول التعارض بينهما، قال (قدس سره) في شرح هذه الكبرى: ((لو ورد عن المولى الأمر بإكرام العلماء وورد عنه النهي عن إكرامهم، وورد عنه: لا تكرم النحويين، فالتعارض بين أكرم العلماء، ولا تكرم العلماء من تعارض المتباينين، إلا أنه بعد تخصيص عموم (أكرم العلماء) بخصوص النهي عن إكرام النحويين، لكونه أخص منه مطلقاً، انقلبت النسبة بين عموم (أكرم العلماء) بعد إخراج من خرج منهم بالخاص، وبين عموم (لا تكرم العلماء) إلى العموم والخصوص المطلق، فيحمل العام منهما على الخاص، المنتج بعد الحمل عليه لوجوب إكرام غير النحويين من العلماء، وحرمة إكرام النحويين منهم، وفيما نحن فيه كذلك))(1).

أقول: يوجد تقريبان للاستدلال بهذه الكبرى هنا بحسب وضع طرفي النسبة:

أحدهما: ما ذكره السيد بحر العلوم من تقريب للمتوهم من دون المرور بمقطوعة ابن أذينة ((بدعوى اقتضاء الترتيب في علاج الأخبار المتعارضة، وذلك بتقريب أن الأخبار الآمرة بإرثها مطلقاً من كل شيء، مخصصة –أولاً- بالإجماع على حرمان غير ذات الولد، الخارجة به عن عمومها، وبعده تنقلب النسبة، وتكون بينها وبين المطلقات النافية للإرث نسبة العام والخاص المطلق، فتخصص تلك

ص: 182


1- بلغة الفقيه: 100/3.

المطلقات بها، المنتج للتفصيل بعدالحمل عليه))(1).

أقول: يرد على الكبرى:-

1- عدم صحة انقلاب النسبة لعدم مساعدة العرف عليها، فإنه لا يجمع بين الخطابات بهذه الطريقة التي هي أقرب إلى العمليات الحسابية، وليس في النصوص ما يدل على ترتيبها وأي منها ورد بلحاظ الآخر، كما في المقام إذ رُتِّب العامان مع الخاص في التقريب الأول بنحو متباين مع ما في التقريب الثاني.

نعم لو لاحظنا زمان صدور النصوص وعرفنا المتقدم والمتأخر أمكن معالجة الأول بالثاني وهو مبنى آخر غير انقلاب النسبة.

إن العام يبقى على ظهوره بعد التخصيص، ولا ينقلب إلى ظهور آخر كما تفترض هذه الكبرى من ملاحظة الظهور الجديد بعد التخصيص، وملاحظة النسبة بين الأخبار إنما هو بين ظهوراتها، وقد علمنا أن نسبة ظهور العام إلى كل واحد من الأدلة الأخرى باقية كما هي نسبة واحدة، فعمومات توريث الزوجة مطلقاً لها مخصّصان في مفروض المسألة وهما الإجماع والأخبار النافية الأول بلحاظ الموضوع وهي الزوجة

ص: 183


1- بلغة الفقيه: 99/3-100، وأورد هذا التقريب الشيخ محمد تقي البروجردي في رسالته (نخبة الأفكار في حرمان الزوجة من الأراضي والعقار)، ص 14، وقد حررها سنة 1361 ه-).

والثاني بلحاظ الحكم وهو الحرمان من العقار فيعمل1- بهما معاً، إلا أن يوجد مانع كتخصيص الأكثر وهو قبيح أو إلغاء العام بالكلية فيقع التعارض بينه وبينها، ولا وجه لملاحظة النسبة بين العام وبعضها ثم ملاحظة النسبة بين الباقي بعد التخصيص وبين البعض الآخر منها.

2- إن هذه العملية غير مثمرة ولا تأت بجديد، ففي المثال المفروض خرج بنتيجة تخصيص (أكرم العلماء) ب-(لا تكرم النحويين) وهو جمع عرفي اعتيادي لا علاقة له بالنظرية، وحمل (لا تكرم العلماء) على النحويين وهو يحتاج إلى قرينة وشاهد ولا يكفي فيه تطبيق هذه النظرية لعدم عرفيتها، ولعدم التنافي بين (لا تكرم العلماء) و (لا تكرم النحويين) حتى تحمل عليه، وإلا فإنه يمكن أخذ حصة من (أكرم العلماء) مثل (أكرم الفقهاء) وجعلها مخصصاً للعام الآخر (لا تكرم العلماء).

وحقيقة ما جرى أن خطاب (لا تكرم النحويين) أصبح شاهد جمع بين الخطابين المتعارضين ويعود الإشكال إلى كونه تبرعياً.

ويرد على الصغرى:-

إن روايات المسألة ليست صغرى لانقلاب النسبة التي تفترض التعارض بين العامين؛ لأن النسبة بين العمومات المورّثة والنافية هي العموم والخصوص المطلق1- وليس التعارض كما

ص: 184

هو واضح، ويبدو أن رواج هذه النظرية يومئذٍ دفعهم إلى حشرها في المقام أما المقطوعة فهي جزئية داخلة في عمومات التوريث وحصة منها، نعم مفهومها مخصِّص لهذه العمومات لكننا قلنا أنها لا مفهوم لها إلا في الجملة.

2- ولو تنزلنا فإن العملية لا محصّل منها؛ لأن نتيجتها نفس معقد الإجماع الذي استدل به.

3- إن الإجماع مدركي ولا يوجد إجماع بمعزل عن الأخبار ولولا مقطوعة ابن أذينة فإنه لا يوجد عندنا مثل هذا التفصيل أصلاً، وهذا خلاف فرضه بالاستغناء عن المقطوعة.

بل لا يوجد إجماع على شيء إلا أصل الحكم في الجملة فلا وجه للاستدلال به وإنما يجب ملاحظة مدركه، وهذا ما قررناه في أول البحث، فلم يحرم الشيخ الصدوق والسيد المرتضى الزوجة من شيء سوى تعويض حقها في عين العقار بالقيمة، مع تخصيص الشيخ الصدوق الحكم بغير ذات الولد، وحكي الخلاف عن ابن الجنيد وصاحب الدعائم في أصل الحكم.

إن مقتضى هذه العملية عدم العمل بروايات الحرمان مطلقاً؛ لأن توريث ذات1- الولد كان بعمومات التوريث، ومنع غير ذات الولد كان بالإجماع، وإلغاء روايات الحرمان مشكل.

2- منع انقلاب النسبة بعد التخصيص بالإجماع إلى كون المورِّثة مطلقاً أخص مطلقاً من النافية، بل الانقلاب إلى العموم من

ص: 185

وجه؛ وذلك لأنّ المورِّثة وإن كان موضوعها -بعد التخصيص بالإجماع- هو خصوص ذات الولد، فتكون أخص من النافية من هذه الجهة؛ لأنّ موضوع النافية الزوجة أو النساء أو نحو ذلك إلاّ أنّها أعم من وجه آخر؛ للحكم فيها بالتوريث من كلّ شيء مطلقاً، بينما روايات الحرمان تنفي استحقاقها من العقار خاصة، نعم لو كان الحكم في كليهما على موضوع واحد وهي ذات الولد مع الاختلاف المذكور بين الحكمين كان اللازم تقديم المفصِّلة؛ فإنّه أخص، نعم احتمل بعضهم أنه حتى لو كان بينهما العموم من وجه فالتقديم لو قلنا به يكون للنافية، لكونها أظهر وأكثر وأشهر))(1).

هذا وقد أجاب السيد بحر العلوم (قدس سره) عن الاستدلال على التفصيل بكبرى انقلاب النسبة بقوله: ((إلا أنه توهم فاسد، وإن كانت الكلية مسلّمة في التخصيص بالمتصل وما يجري مجراه من كلام الأئمة عليهم السلام المنزل منزلة كلام واحدمن متكلم واحد، إلا أنها لا تجري في المقام، لعدم قيام الإجماع عليه بعنوانه المخصوص، والأخذ بالقدر المتيقن لا يكشف عن رأى المعصوم عليه، فلعل رأيه موافق لما يعمه، وعليه فيكون مبايناً لتلك الإخبار لا أخص منه، وهو واضح)).

ص: 186


1- السيد الحكيم (قدس سره)، مصدر سابق، العدد 43، صفحة 200.

أقول: يرد عليه:-

1- تسليمه صحة الكبرى في المخصص المتصل لا موضوع له لأن الكبرى موضوعها المخصِّص المنفصل ففرض المتصل خارج عن الموضوع لأن الظهور ينعقد مباشرة في المخصَّص.

2- ما ذكره (قدس سره) من المناقشة في الإجماع عودة إلى الأخبار، وإلا فإنه لا يشترط في القدر المتيقن أن يكون بشرط لا عن غيره.

ثانيهما: ما ذكره بعض الأعلام المعاصرين لتقريب الاستدلال على قول الشيخ الصدوق (قدس سره) المتقدم (صفحة 240)، وبمساعدة مقطوعة ابن أذينة، قال: ((نعم، لو قلنا بمبنى انقلاب النسبة أمكن أن يقال في المقام بأن روايات الحرمان بعد تخصيصها برواية ابن أذينة تكون أخص من رواية ابن أبي يعفور؛ لأنها تختص بغير ذات الولد وتثبت حرمانها من إرث الأرض عيناً وقيمة، ورواية ابن أبي يعفور تشمل ذات الولد وغيرها وتنفي الحرمان فيهما مطلقاً، فبناءً على قبول كبرى انقلاب النسبة لا بد منتخصيص رواية ابن أبي يعفور وإخراج غير ذات الولد من عمومها بمقتضى روايات الحرمان بعد اختصاصها بغير ذات الولد))(1).

أقول: في هذا التقريب تعديل للتقريب الأول بتغيير أطراف مرحلتي تطبيق الكبرى وترك الاستدلال بالإجماع والرجوع إلى المقطوعة وكأنه

ص: 187


1- السيد محمود الهاشمي، مصدر سابق، العدد 46، صفحة 23-24.

التفت إلى بعض ما أوردناه من الإشكالات، ولعله لما ذكرناه من عدم جدوى التقريب الأول ومع ذلك فإنه ترد عليه جملة الإشكالات المتقدمة:-

1- عدم صحة كبرى انقلاب النسبة.

2- الإشكالات الكثيرة المتقدمة على تخصيص روايات الحرمان بمقطوعة ابن أذينة.

3- إباء صحيحة ابن أبي يعفور لحملها على ذات الولد خاصة لأن فيه إخراجاً لمورد السؤال وهي غير ذات الولد كما قدّمنا.

4- عدم جدوى العملية لأن النتيجة التي وصل إليها وهي أن (ذات الولد ترث من الرباع) هو عين ما بدأ به أولاً وهي مقطوعة ابن أذينة.

وفي الحقيقة فإن ما قام به هو جعل المقطوعة شاهد جمع بين الطائفتين بحمل الروايات المورّثة على ذات الولد وروايات الحرمان على غيرها، وقد قلنا أنه غير تام لأنالمقطوعة لا مفهوم لها.

خلاصة البحث في هذا الفرع:

إن القول بحرمان مطلق الزوجة يستند إلى وجود المقتضي وهي إطلاقات وعمومات أدلة الحرمان وقصور المانع وهي مقطوعة ابن أذينة لعدم إحراز كونها رواية فضلاً عن كونها حجة ولإشكالات على مضمونها، أما القائل بالتفصيل فإنه يستند إلى مقطوعة ابن أذينة التي لا يستطيع إهمالها بعد وجود قرائن على حجيتها ولكن علمت

ص: 188

الإشكالات على صلاحيتها للاستدلال عليه، وبينهما ثالث لم يستطع تجاوز المستندين فاحتاط في المسألة، قال صاحب الرياض (قدس سره): ((والاحتياط لا يُترك هنا –أي في الزوجة المحرومة- بل في أصل المسألة أيضاً، فإنه طريق السلامة))(1).

وعمّم صاحب الجواهر (قدس سره) الاحتياط فقال: ((هذا ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالصلح ونحوه في جميع محال الشك))(2).

أقول: على أطروحتنا في كون الحكم صادراً بالولاية يكون موضوع الحكم تابعاً لما يراه الفقيه الجامع لشروط ولاية أمر الأمة، ولو لم نقل بها فالأقوى ما ذهب إليه المشهور،والاحتياط بالتراضي حسن.

ص: 189


1- رياض المسائل: 386/14.
2- جواهر الكلام: 218/39.

مسائل:

اشارة

(الأولى) بناءً على القول بالتفصيل في الحرمان بين ذات الولد وغيرها، فلو توفي الزوج عن ذات ولد وغير ذات ولد ((ورثت ذات الولد كمال الثمن في رقبة الأرض من غير مشاركة أحد من الورثة معها، ومن دون دفع شي ء إلى الثانية، وورثت أيضاً كماله من أعيان الآلات والشجر، لكن عليها للأخرى مثلاً نصف ثمن قيمتها، كما هو واضح))(1).

أقول: هذا هو مقتضى الأدلة للعلم بأن ثمن التركة هو حق الزوجية انفردت أو تعددت فمن حرمت من شيء أعطي لشريكتها وحكي عن الروضة وغاية المرام واستوجهه الشهيد الثاني (قدس سره) قال: ((وهل يكون العين –التي تُحرم غير ذات الولد منها وتستحق من القيمة فقط كالبناء والشجر- للزوجة الأخرى أم لسائر الورثة؟ أوجه أجودها اختصاص الزوجة به، لأن ذلك نصيبها بنص القرآن، ورجوعها إلى نصفه لمكان الزوجة الأخرى، فيقتصر فيه على ما تستحقه عملاً بالعموم))(2).أقول: ذكر المحقق السبزواري هذه الأوجه إجمالاً قال: ((وعلى القول بالفرق بين ذات الولد وغيرها في الحرمان ففي اختصاص ذات الولد

ص: 190


1- جواهر الكلام: 217/39.
2- مسالك الأفهام: 195/13.

بثمن الأرض أجمع وثمن عين ما حرمت الأخرى منها، أو اختصاص باقي الورثة بها أو الاشتراك وجوه، ولعل الأقرب الأول))(1).

أقول: قيل في وجه الاحتمال الثاني أنه ناظرٌ إلى ((أن المنع كان لمصلحة الورثة ولو عملنا على القول الأول بأن أعطينا نصف الثمن من الأرض لذات الولد لم نفعل ما هو صلاح لهم، وفيه: إن صلاح الورثة إنما هو بأن لا يدخل عليهم أجنبي وهو حاصل)).

أقول: الأولى في تقريبه أن يقال: إن الزوج لما مات عن زوجتين فلكل واحدة منهما نصف الثمن، وقد أخذت ذات الولد استحقاقها كاملاً، أما غير ذات الولد فما تحرم منه يعود إلى الورثة لأن الزوجة الأخرى استوفت حقها.

ويرد عليه أن اللحاظ ليس هكذا وإنما يستحق عنوان الزوجية الثمن وليس مصاديقه ومعنوناته وينحصر الثمن بها وليس للورثة نصيب فيه كما لو كانت إحدى الزوجتين ممنوعة من الميراث لقتل مثلاً أعطى الربع أو الثمن كله للأخرى.

وهذا من ثمرات القول بتعلق الأحكام بالعناوين لا المعنونات.((وقيل في وجه الاحتمال الثالث وهو أن يشرك بين جميع الورثة في نصف ثمن الأراضي، فتعطى منه ثمناً لعدم ما يدل على تخصيصه بغير ذات الولد من سائر الورثة كما احتمله بعض))(2).

ص: 191


1- كفاية الفقه: 861/2، وذكر هذه الاحتمالات أجمالاً أيضاً في مفتاح الكرامة: 316/17.
2- السيد الحكيم، مصدر سابق، عدد 43، صفحة 213.

أقول: اتضح أن ما عدا الوجه الأول مخالف لمفاد الأدلة، ومنه يُعلم النظر في تأمل المحقق النراقي (قدس سره) في هذا الحكم حتى اختار قولاً آخر، قال (قدس سره): ((والظاهر أن ثمن غير الأراضي والأبنية والأشجار لهما معاً، وكمال الثمن من الأراضي والأبنية والأشجار لذات الولد، وكمال الثمن من قيمة الأبنية والأشجار لغير ذات الولد، والقيمة على الورثة الذين منهم ذات الولد)).

وقال في وجهه: ((وما استدلوا به على أن لذات الولد كمال الثمن يدل مثله على أن لغيرها كمال القيمة فلا وجه للفرق. والحاصل أنه ثبت بآيات إرث الزوجة ورواياته أن لها الثمن (من غير العقار مع الولد) ولها ثمن قيمة الأبنية والأشجار مطلقا أو إذا لم تكن ذات ولد، ومقتضاها ثبوته لكل واحدة حين التعدد، ولكن دلّ الإجماع والروايات المتقدمة على أن الزوجات المتعددة شركاء في الثمن، وثبوت الإجماع ودلالة الرواياتفيما نحن فيه ممنوع، فيكون على أصل المقتضى، فلا تكون فيه شركة، بل يكون لذات الولد ثمن أعيان الأبنية والأشجار، ولغير ذات الولد ثمن قيمتها.

وأما وجه أن القيمة على جميع الورثة دون ذات الولد خاصة: فعدم الدليل على الاختصاص، وتبادر تعلق القيمة على من يحوز المقوَّم والحائز له هو جميع الورثة دون ذات الولد خاصة وإنما

ص: 192

هي تحوز نصيبها فقط. بل من هذا يظهر وجه لأنها على غير ذات الولد من سائر الورثة. فتأمل))(1).

أقول: مقتضى الأدلة أن ثمن التركة هو حق كلي وعنوان الزوجة مع الولد، وليس شخصها أو مصاديقها، فإذا انفرد المصداق كان الثمن له، وإن تعدد قُسِّم الثمن بينهن، وهذا يعني:-

1- أن المعنون بالزوجية –واحداً أو متعدداً- ليس له أزيد من الثمن ولا يستحق على الورثة أزيد منه، فلحاظه (قدس سره) مصداق الزوجة وتعدد الثمن بتعددها مخالف لمفاد الأدلة.

2- لازم كلامه (قدس سره) إخراج ثمنين من الأبنية والأشجار، أحدهما عيناً وقيمة لذات الولد، والآخر قيمة فقط لغير ذات الولد، ولو كُنَّ أربعاً أعطين أربعة أثمان أي نصف التركة وهذه لوازم مقطوعة البطلان.1- إنه (قدس سره) ناقض نفسه فبينما جعل استحقاق الزوجة الثمن فإنه أنقص نصيب ذات الولد عنه لأنه أخرج ثمن غير ذات الولد من سائر الورثة وهي معهم ولا بد أن ذلك يكون بنسبة الفروض فتدفع ذات الولد ثَمن ثمنها لغير ذات الولد فنقصت حصتها عن الثمن.

وإعطاء كمال الثمن للزوجة غير ذات الولد لا وجه له بعد أن أفادت العمومات بأن للزوجة الثمن، والمتعددات يشتركن فيه،

ص: 193


1- مستند الشيعة: 388/19.

فالزوجة الأخرى ذات الولد لها حق في عين الأبنية والأشجار، وتعطي حق شريكتها غير ذات الولد من القيمة لأنها حازت الثمن كله.

ومما تقدم يظهر النظر في عدة مواضع من كلامه كقوله (قدس سره): ((ولها ثمن قيمة الأبنية والأشجار)) والصحيح أن يقال لها نصيبها أو حقها من قيمة الأبنية والأشجار وهو أعم من الثمن أو نصفه أو ثلثه أو ربعه بحسب عدد الزوجات، إذ الثمن حق عنوان الزوجية لا مصداقها.

وقوله: ((وثبوت الإجماع ودلالة الروايات فيما نحن فيه ممنوع)) والصحيح العكس فيصدق عليه قول ابن إدريس: ((اقلب تصب))، ولا وجه لاشتراكهما في الثمن في المنقولات وأخذ كل واحدة ثمناً في غيرها.وقوله (قدس سره): ((فعدم الدليل على الاختصاص)) والدليل هو ما ذكرناه من انحصار حق الزوجية في الثمن فيدور استحقاقها في إطاره.

وقوله: ((على من يحوز المقوَّم)) فإنه دليل عليه لا له لأن المقوَّم هو الثمن لأنه موضوع الحكم وتقييم الكل طريق لمعرفة الثمن.

وقوله: ((بل من هذا يظهر)) لا وجه له لما عرفت من تعلّق التقويم بالثمن.

ص: 194

(الثانية) هل يشترط ن يكون ولد ذات الولد من نفس الزوج المتوفى: قال السيد الحكيم (قدس سره): ((يظهر من القائلين بالتفصيل بين ذات الولد وغيرها بل صريح محكي جملة من عباراتهم ومرئيها لزوم كون الولد منه.

ولو كانت ذات ولد من غيره ولم تكن ذات ولد منه كانت كغير ذات الولد.

لكن المقطوعة التي هي المستند خالية من هذا التقييد))(1).

أقول: يمكن دعوى ظهور المقطوعة في كون الولد منه، ولا أقل من انصرافها إليه، والانصراف قد يكون بدوياً لا حجية فيه، إلا أنه مؤيد بما حكاه (قدس سره) من فهم الأصحاب لهذا المعنى فيكون بقوة الظهور.مضافاً إلى ما يظهر من بعض الروايات المعللة كمعتبرة ميسر –رقم 4- وفيها (لئلا تتزوج المرأة فيجيء زوجها أو ولدها من قوم آخرين) من كون الولد منها لشمول الولد من غيرها بالمحذور.

نعم قد يقال: ((إن المقطوعة أخص من التعليل، وإطلاق الخاص مقدَّم على عموم العام، اللهم إلا أن يقال: ظهور التعليل بالعموم أقوى من إطلاق المقطوعة))، وإن تقديم المقطوعة يعني إلغاء عنوان الولد في العام.

ص: 195


1- مجلة فقه أهل البيت: العدد، 43، ص 215.

ولو شككنا في دخول ذات الولد من غيره في الخاص -أي المقطوعة- جرت عمومات وإطلاقات حرمان الزوجة، وهو لمصلحة المشهور.

(الثالثة) في حالات الولد: ((الظاهر عدم الفرق في الولد بناء على التفصيل به بين الذكر والأنثى والخنثى، بل يمكن إلحاق الحامل بها، فإنها وإن لم تكن ذات ولد فعلاً لكن قد عرفت سابقاً إلحاقه به في الحكم، فيراعى حرمانها وعدمه حينئذ بولادته حياً كما في إرثه وإرثها.

وولد الزنا منهما ليس ولداً شرعاً بخلاف ولد الشبهة لهما، فلو أولدها شبهة ثم تزوجها بعد ذلك ورثت من الجميع مع احتمال الاختصاص بذات الولد من النكاح التي ترث به أو نظيره، فلو تمتعها حينئذ وأولدها ثم تزوجها بعد ذلك حُرِمت، نعم لو تزوجهاوأولدها ثم طلقها وبعد الخروج من العدة تزوجها ورثت وإن لم يكن الولد من التزويج الثاني إلا أنه من صنف الأول الذي ترث به، ولو كان ولد شبهة لها دونه لم تستحق به على الظاهر، بل وكذا العكس في وجه))(1).

أقول: هذا كله تابع لما يستظهر من الأدلة الجارية في المقام.

قال المحقق السبزواري (قدس سره): ((وهل يتعدى الحكم إلى ولد الولد؟ فيه وجهان مبنيان على صدق الولد عليه حقيقة أم لا، وعلى تقدير التعدي هل يعتبر كون ولد الولد وارثاً أم لا؟ فيه وجهان

ص: 196


1- جواهر الكلام: 219/39.

أقربهما العدم))(1)

وقال السيد صاحب مفتاح الكرامة: ((ولو لم يكن –ولد الولد- وارثاً، كما لو كان هناك ولد للصلب ففيه وجهان: لصدق الولد وعدم إرثه، ولو منع الولد للصلب لكونه قاتلاً أو رقاً أو كافراً احتمل الوجهان إن لم يكن هناك ولد ولد، والظاهر جريان الحكم مطلقاً لأنها تُدخِل على الأخت والأم مثلاً من يكرهونه))(2)

أي أنه (قدس سره) تمسّك بعموم التعليل.

أقول: لا فرق بين الولد المباشر وولد الولد؛ لصدق الولد عليه هنا إجماعاً بغضّ النظر عن صدق الولد حقيقة على ولد الولد أم لا، ولذا تُحرَم به الزوجة من النصيب الأعلى، ولايشترط في ولد الولد أن يكون وارثاً أو غير وارث بسبب وجود الولد المباشر، كل ذلك لإطلاق الولد في مقطوعة أذينة التي هي الدليل على التفصيل وهو شامل لكل الحالات المذكورة.

وظاهر المقطوعة أيضاً وجود الولد فعلاً فلا يكفي وجوده سابقاً.

ص: 197


1- كفاية الفقه: 861/2.
2- مفتاح الكرامة: 313/17.

الفرع الثالث: كيفية تقويم البناء

اختلفت كلمات الفقهاء (قدس الله أرواحهم) في كيفية تقويم البناء لإخراج حق الزوجة على عدة أقوال ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) ثلاثة منها، إلا أنها قد تصل إلى أكثر من ذلك، وينبغي الالتفات إلى أن هذا الاختلاف لوحظت فيه عدة عناصر لم تُحرَّر بشكل مستقل وإنما تداخلت في كلماتهم:-

1- هل يقوَّم البناء كمواد متفرقة أم يلاحظ فيه هيئته البنائية؟.

2- وهل تقوَّم هيئته البنائية باقية ثابتة على الأرض مجاناً؟ أم الهيئة من غير استحقاق البقاء وإنما يستحق سائر الورثة أجرة المثل على الإبقاء.

3- كيفية معرفة قيمة البناء بدون الأرض التي يفترض أن الزوجة محرومة منها عيناً وقيمة.

فالكلام في ثلاث جهات:

(الجهة الأولى): المشهور هو تقويم البناء بلحاظ هيئته البنائية

وليس على أساس حساب قيم المواد والآلات الداخلة فيه، قال في مفتاح الكرامة: ((تُقوَّم الآلات والأبنية بحيث يدخلفيها العمل أيضاً لا مجرد الآلات المنقوضة المرمية فإن لها في تلك المعمولة حصة وإنما منعت من

ص: 198

الأرض وعين المعمولة فاستحقت قيمتها مستحقة للبقاء عملاً بالدليل))(1).

ويستدل عليه بوجوه:-

1- إنه ظاهر النصوص كقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): (إلا أن يكون أحدث بناءً فيرثن ذلك البناء) –رقم 8- وكذا في صحيحة الأحول –رقم 10- (ولهن قيمة البناء) وظاهرها ((إرادة تقويم الآلات باقية على حالها وبنائها وهيئتها، لا أن المراد تقويمها نفسها غير مبنية))(2).

أقول: فإن معنى البناء متقوم بهيئته البنائية كما أن معنى الشجرة والنخلة الداخلة في التقويم هو كونها قائمة ثابتة على الأرض ولو كانت مقطوعة فإنها تسمى جذعاً وخشبة ونحو ذلك. هذا ولكن ظاهر طائفة أخرى من الروايات كصحيحة الفضلاء –رقم 1- (إلا أن يقوّم الطوب قيمة فتعطى) وصحيحة محمد بن مسلم –رقم 3- (ترث المرأة الطوب) ورواية يزيد الصائغ –رقم 11- (ولكن لهن قيمة الطوب والخشب) وما هو أصرح منه كالتعبير بالنقض في صحيحة زرارة –رقم2- هو

ص: 199


1- مفتاح الكرامة: 315/17.
2- جواهر الكلام: 216/39.

استحقاقها من قيمة مواد البناء وليس من هيأتها البنائية المجتمعة، وبينهما فرق كما هو واضح.

ولذا ناقش السيد الحكيم (قدس سره) في القول المشهور وقال: ((لكن يمنع ذلك بأمور:

منها: إنّ ظاهر الأخبار المتقدّمة بل صريحها كما عرفت أنّها ترث قيمة الفرع، والفرع ليس إلاّ نفس البناء، والثبات شي زائد دليل عليه فكيف يدخل فيه؟!.

ومنها: التعبير في تلك الأخبار بتقويم الطوب والنقض والطوب الآجر والنقض المنهدم فإنّ الظاهر من ذلك تقويمه بلا ملاحظة الشأن بل ولا الهيئة الاجتماعية، ومثله التعبير بالأبواب والخشب والقصب والجذوع يظهر ذلك منه كلّ الظهور لمن تأمّلها حق التأمّل، وبالجملة يظهر من التعبير بذلك في تمام تلك الأخبار إلاّ النادر منها أنّ التقويم يقع عليها بلا ملاحظة الثبات بل ولا الاجتماع، بل يقع على نفس الأعيان.

ومنها: ظهور بعض التعليلات الواردة لمنع الإرث أصلاً في ذلك مثل قوله (عليه السلام): (لئلاّ تتزوج المرأة فيجيء زوجها أو ولده من قوم آخرين . . . إلى آخره )). فإنّ ذلك مطرد في توريثها منها ثابتة، ومقتضاه المنع من ذلك.وما قد يقال من أنّها لا ترث من أعيانها، ولكن ترث من قيمها ففيه: أنّ التعليل المذكور وارد للمنع من الأعيان والقيم،

ص: 200

لا من نفس الأعيان وإلاّ لزم بمقتضاه دفع القيمة من الأراضي أيضاً فتأمّل))(1).

أقول: يمكن الجمع بين الطائفتين بإرجاع القول الثاني إلى الأول بأن يكون المراد من ذكر هذه المواد البنائية كونها داخلة في البناء ومجتمعة بقرينة الطائفة الأولى، ولورود المعنيين في حديث واحد إشارة إلى رجوعهما إلى معنى واحد كقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) –رقم 7- (ولكن يقوّم البناء والطوب وتعطى ثمنها أو ربعها) وفي معتبرة ميسّر –رقم 4- عن أبي عبد الله (عليه السلام) (لهنّ قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب).

1- إن الزوجة ورثت قيمة البناء وهو على هيئته البنائية حين وفاة الزوج فتستحق منه كذلك، وهذا الوجه يمكن تصويره بتقريبين:

أ- ما قاله السيد البروجردي (قدس سره) من أن ((كونها وارثة قيمة هذه الأمور معناه أنها أحد الورّاث ولكن من قيمتها، فكما أن بقية الورثة يرثون من هذاالبناء والخشب

ص: 201


1- مجلة فقه أهل البيت: العدد 43، ص 205-206.

وغير ذلك باقية على حالتها فكذلك المرأة لأنها مساوية معهم في ذلك))(1).

ب- ما يشبه التمسك بالأصل وهو ما يظهر من كلمات صاحب الجواهر، قال (قدس سره): ((وطريق التقويم أن تقوَّم الآلات والشجر والنخل باقية في الأرض إلى أن تفنى مجاناً لأنها كانت فيها كذلك بحق، وتعطى حصتها من ذلك))(2)،

فالقائل بميراثها من المواد المتفرقة مطالب بالدليل بعد أن عرفنا حال الروايات.

أقول: يناقش التقريب الأول بأن الزوجة وإن كانت من الوراث في الجملة إلا أن كيفية تعلق حقها بالبناء هو محل الخلاف، وانتقال البناء بهيئته إلى سائر الورثة لا ينفع المستدل لعدم الملازمة.

ويناقش الثاني بعدم وجود حالة سابقة لاستحقاق الزوجة عبّر عنها بقوله: ((كانت)) لا زمانية أي قبل الوفاة ولا رتبية أي قبل ورود الحكم الخاص بالحرمان من العقار لنرجع إليها، إذ بوفاة الزوج أصبح لميراث الزوجة عدةأحكام منفصلة بحسب أقسام التركة فلميراثها من

ص: 202


1- تقريرات ثلاثة: 121.
2- جواهر الكلام: 216/39.

المنقولات حكم ومن المشيدات والثوابت كالأبنية حكم آخر ومن الأرض حكم ثالث.

نعم لو نظرنا إلى وضع المسألة بأن الأصل في نصيب الزوجة هو الربع أو الثمن من كل ما ترك الزوج ثم يخصص بأحكام العقار أرضاً وبناءً أمكن الاستدلال على استحقاق الزوجة من الهيئة البنائية للشك في خروج استحقاقها من قيمتها، والمشهور هكذا ينظر للمسألة لكن الصحيح الأول.

ولعل السيد الحكيم (قدس سره) أراد شيئاً مما ذكرناه في الرد على هذا الوجه بقوله: ((إن كان المراد أنّها ورثتها بقيد الثبوت فهو أول الكلام بل مصادرة محضة، وإن كان المراد أنّها ورثتها في حال الثبوت فهو لا ينفع المستدل، بل بينه وبين الدعوى فراسخ، وإلاّ لزم توريثها من الثياب والفرش وغيرها من أعيانه كذلك، وليس للورثة منعهم من إبقائها في محالها؛ لاتحاد المناط موضوعاً، واللّه العالم))(1).

أقول: لا يرد النقض بالثياب والفرش للإجماع على أن الأمر فيها كذلك.

ص: 203


1- مجلة فقه أهل البيت: العدد 43، ص 206.

3- إن التقويم فرع المنع، أي أن ما يقوَّم هو ما دلّ الدليل على حرمانها من العين دون القيمة، والزوجة منعت من الهيئة البنائية فيُحسب نصيبها من قيمتها.

وبتعبير آخر إن لازم القول المخالف للمشهور حرمان الزوجة من عين وقيمة الهيئة البنائية التي اكتسبتها من إضافة العمل إلى مواد البناء، وهذا الحرمان لا دليل عليه.

وفي ختام هذه الجهة ننقل كلاماً للسيد البروجردي (قدس سره) يقرّب حرمان الزوجة من قيمة الهيئة الاتصالية وأنها تستحق من قيمة مواد البناء قال فيه: ((والحق أن يقال: إن الأدلة المخصصة لعمومات الآيات عامة شاملة لكل ما يدخل في اسم الأرض والدور والرباع فتدل على حرمانها منها عيناً وقيمة مطلقاً، سواء كانت عين الأرض أو البناء أو غيرهما، والمخصص –ولو كان متصلاً- دلّ على إرثها من قيمة الآلات والأخشاب مثلاً، والقدر المتيقن منه قيمة المواد بلا هيئة والباقي مشكوك، والزائد على هذا مشكوك فيرجع إلى عموم الروايات الدالة على الحرمان)).

وقد أجاب (قدس سره) عليه بقوله: ((إلا أن يقال: إن المخصص متصل فلا ظهور معه للعمومات فيصير العموم والخصوص كلاهما مجملين فيرجع إلى العمومالفوقي، وهو إرثها من كل شيء فحينئذٍ ليس لهم الإلزام على أخذ قيمتها غير مستحقة للبقاء، بل لها

ص: 204

الإلزام على أداء القيمة مستحقة للبقاء، فتأمل جيداً فإنه دقيق مفيد))(1).

أقول: ذكرنا في الوجه الأول أن النصوص دلّت على استحقاقها من البناء وهو ظاهر في الهيئة البنائية فاقتصاره في دلالة المخصِّص على قيمة الآلات والأخشاب منقوص.

(الجهة الثانية) هل يقوّم البناء باقياً على الأرض مجاناً أو بأجرة؟

اشارة

وهنا قولان:

أولهما: وهو المشهور: اعتبار بقائها مجاناً، قال صاحب الرياض (قدس سره): ((أن يقوَّم مستحق البقاء في الأرض مجاناً إلى أن يفنى، فيقدَّر الدار كأنها مبنية في ملك الغير على وجه لا يستحق عليها أجرة إلى أن يفنى))(2).

وذكره البعض –كالشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك وصاحب الرياض وغيرهما- بلا إشارة إلى وجود خلاف ((بل لم يحكَ الخلاف في ذلك إلا عن الشهيد رحمه الله حيث حكي عنه احتمال بقائها بأجرة))(3).

ص: 205


1- تقريرات ثلاثة: 122.
2- رياض المسائل: 387/14.
3- السيد محسن الحكيم، مصدر سابق، ص 207.

أقول: واحتمله ضعيفاً في الجواهر، وحكى صاحب البلغة احتماله عن ثاني الشهيدين في رسالته، وفيها قوله: ((ويحتمل تقويمه كذلك بأجرة، التفاتاً إلى أن الأرض لا يستحق فيها شيئاً))(1).

ويستدل عليه بوجوه:-

أنه ظاهر النصوص كقوله (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم وزرارة –رقم 8- عن أبي جعفر (عليه السلام) (عليه السلام) (إلا أن يكون أحدث بناءً فيرثن ذلك البناء) وقوله (عليه السلام) في صحيحة الأحول –رقم 10- عن أبي عبد الله (عليه السلام) (ولهن قيمة البناء) فإن ((ظاهر قوله (عليه السلام): (يرثن البناء) أنهن يرثنه باقياً مجاناً، فيرجع بعد قيام الدليل على القيمة إلى قيمته كذلك))(2).

ص: 206


1- بلغة الفقيه: 105/3.
2- حكاه السيد الحكيم (قدس سره) عن المرحوم المجاهد السيد محمد سعيد الحبوبي (1266-1333) قال: ((ما ذكره سيد مشايخنا مولانا السيد محمد سعيد –أيده الله تعالى-)) وتأريخ تمام- تحرير الرسالة 18/صفر/1332، والمعروف أنه بعد احتلال الإنكليز البصرة في الحرب العالمية الأولى في 6/محرم/1333 قاد السيد الحبوبي ومعه جمع من العلماء آلافاً من المجاهدين وتوجهوا إلى جنوب العراق لمقاومة المحتل ومكث هناك حتى توفي في الناصرية في 3 شعبان 1333، وكان السيد الحكيم من أقرب مساعديه في الجهاد وبعث جدي الشيخ محمد علي اليعقوبي إلى عشائر السماوة والرميثة ليحرّضهم على الالتحاق بالمجاهدين وكان خطيباً أديباً. راجع معارف الرجال: 291/2، وتأريخ النجف الأشرف للشيخ محمد حرز الدين، وقد أطلقت على السيد الحبوبي لقب (ذو الجهادين) لأنه وُفّق لخوض الجهاد الأكبر أيضاً وترقّى في مدارج الكمال والعرفان وكان من أبرز تلامذة الشيخ حسين قلي الهمداني.

1- أقول: أي أن إطلاق قوله (عليه السلام) في استحقاق الزوجة من قيمة البناء وعدم اشتراط دفع أجرة البقاء على الأرض إلى الورثة مع تصريح الروايات بحرمان الزوجة من الأرض عيناً وقيمة ظاهر في كون البقاء مجانياً، وهذا نحو من الإطلاق المقامي. ومنه يُعلم النظر في ما أشكل به السيد الحكيم (قدس سره) على هذا التقريب بأن هذا ليس من الظهور ((إذ لو كان ظهوراً لكان استعماله في غيره يستلزم تصرفاً كما لو قال (عليه السلام): يرثن البناء وعليهن الأجرة لو أبقينه مع أنه لا يلزم منه ذلك)).

أقول: ما ذكره (قدس سره) لا يضرّ بالاستدلال؛ لأن إشكاله يتم لو كان المستدل يدعي أن هذا هو المعنى الموضوع له، أما الظهور فهو أعم من ذلك لأنه يمكن أن يُستفاد من الإطلاق أو من القرينة، خصوصاً في مثل المورد حيث استفدنا الظهور من الإطلاق المقامي فلا وضع في البين، وقد صحّح (قدس سره) تقريب الاستدلال بالإطلاق فقال عن هذا الوجه: ((وكأنه هو

ص: 207

الذي تمسّك به الشهيد رحمه الله في تضعيف ما احتمله أولاً وسمّاه تمسّكاً بالإطلاق وهو كذلك)).وقد أشكل (قدس سره) على التمسك بالإطلاق وأجاب عليه قال (قدس سره): ((ولو قلت: لو كان ذلك مطلقاً كيف يتعيّن به المجانية التي هي أحد الأفراد.

قلت: مقدّمات الحكمة في الإطلاق يختلف مقتضاها، فقد تقتضي الحمل على العموم الشمولي كما في مثل [أحَلَّ اللّهُ البَيعَ] أو على العموم البدلي كما في قوله: (يجب عتق رقبة) أو على خصوص بعض الأفراد كما في إطلاق صيغة الأمر، فإنّ إطلاقها يحمل على طلب العيني لا الكفائي، التعييني لا التخييري، والنفسي لا الغيري، مع كون كلّ واحد منها قسماً من مطلق الطلب.

ووجه حمله على ذلك: أن لو اراد غيره لاحتاج إلى بيان فكذا في المقام، فقول القائل: لك هذه النخلة مثلاً يحمل على بقائها في أرضه مجاناً مع كون ذلك أحد فردي الإعطاء؛ لأنّه لو أراد الفرد الآخر لاحتاج إلى قوله: (وعليك الأجرة لو أبقيتها) وليس لأحد أن يدّعي وضع صيغة الأمر للوجوب العيني التعييني النفسي، وأنّ لك هذه النخلة مثلاً موضوعة للإعطاء

ص: 208

على أن تبقى مجاناً، وإلاّ لزم التجوّز لو استعملت في غير ذلك، ولا أظن أحداً يلتزم به، فافهم))(1).أقول: إذن فهو (قدس سره) لا يمانع من كون الأدلة بإطلاقها ظاهرة في المجانية.

هذا ويمكن مناقشة هذا الوجه بنقاط:-

أ- إنه إطلاق مقامي فتقييده خفيف المؤونة ويمكن الاكتفاء فيه بالمركوز في أذهان كل المتشرعة بل العقلاء جميعاً من عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه فلا يحتاج الإمام إلى بيان استحقاق الأجرة لسائر الورثة بعد أن ثبت أن البناء قائم في أرض الغير.

عدم تمامية الإطلاق أصلاً لأن السياق ليس في مقام البيان من جهة إعطاء قيمة الأبنية للزوجة كما لو خاطب الزوجة ابتداءً وقال لها: لكِ هذا البناء أو هذه الأشجار، وإنما في مقام الاستثناء مما تحرم منه الزوجة فهو إطلاق إضافي فلا يتم إلا بلحاظ ما نسب إليه وهو عدم حرمانها من قيمة الأبنية والثوابت على الأرض، ولذا فالمورد لا يشبه ما ذكره (قدس سره) من مثال إعطاء النخلة.

ولعل السيد الحكيم أراد هذا المعنى حينما أشكل

ص: 209


1- السيد محسن الحكيم، مصدر سابق، ص 209.

على الاستدلال بالإطلاق قائلاً: ((وحيث رجع الأمر إلى التمسك بالإطلاق فالظاهر منأ- الإطلاقات المذكورة ورودها في مقابل الحرمان من غيرها مثل قوله: (لا ترث النساء من العقار شيئاً ولهنّ من قيمة البناء . . . إلى آخره) ونحوه غيره؛ فإنّها أجمع كلّ ما ورد فيها من التوريث كان في مقابل الحرمان))(1).

وجوه أخرى: ذكر السيد الحكيم (قدس سره) وجوهاً أخرى ننقلها بنفس التسلسل.

1- ((ما يرجع إليه كلام الشهيد (رحمه الله) المحكي عن رسالته وهو إنّ المالك قبل موته يملك أموراً ثلاثة: الأرض والبناء وبقاء البناء في الأرض مجاناً، والقدر المتيقّن في تخصيص العمومات هو الأرض، فيقع ما عداه على مقتضى العموم)).

أقول: يرد عليه:-

أ- عدم تصور وجود شيء ثالث مملوك غير الأرض والبناء بعنوان بقاء البناء على الأرض.

ب- إن لحاظ انتقال التركة على هذا النحو أول الكلام وافتراض أن الزوجة تستحق من كل شيء إلا ما تيقن خروجه بدليل مصادرة على المطلوب والصحيح أنالتركة انتقلت على

ص: 210


1- السيد محسن الحكيم، مجلة فقه أهل البيت: العدد 43، ص209.

أنحاء تقدم ذكرها، ولا يُعلم أن حق البقاء من أي الأنحاء وهو محل الخلاف.

ج-- ((إنّ ملك البقاء مجاناً ليس إلاّ عبارة عن ملك الانتفاع في الأرض، والزوجة محرومة من الانتفاع في الأرض بعين ما دلّ على حرمانها من نفس الأرض، وإلاّ لزم القول بجواز مطالبة الزوجة بالانتفاعات بأن تقول للورثة أجروا الأراضي وأعطوني ثمن الإجارة أو ربعها، وهو ممّا لا يلتزم به أحد، وهو ليس إلاّ لأنّ ما دلّ على حرمانها من الأرض دال على ذلك))(1).

1- ما ذكره غيره ((وهو إنّ الميت كما (كان) قبل موته يملك أرضاً مشغولة مجاناً وشيئاً يشغلها مجاناً فينتقل كلّ منهما إلى وارثه على حاله كما لو آجر أرضه لأن يغرس فيها الغير أو استأجر أرضاً لأن يغرس فيها فإنّ كلاًّ منهما ينتقل إلى وارثه على الحالة التي فارقها الميت.

وفيه –مع ما أورد على الوجه السابق أولاً-: أنّ ذلك إنّما كان للميت لأنّه يملك الشاغل والمشغول، وبعد انتقال كلّ منهما إلى وارث خاص لم يبق الأمر على ذلك؛ لتعدد الملاك، وليست تلك الصفات التي أخذها المستدل من قيودالشاغل والمشغول حتى يصح له ذلك كما في المثال الذي ذكر، بل

ص: 211


1- السيد محسن الحكيم، مصدر سابق، ص 207.

المالك كما يملك أرضاً له أن يشغلها مجاناً، له أن يقلع ما فيها، فعليه يلزم التجويز للوارث بقلع الشاغل له؛ لأنّ الميت كان يملك قلعه، فافهم))(1).

1- ما ذكره السيد محمد بحر العلوم في بلغة الفقيه ((من عدم الموجب لاستحقاق الأجرة؛ لأنّ السبب لها انتقال ملك الغير بوضع ما يملكه فيه، والمرأة على الأقوى لم تملك العين الشاغلة لملك الغير حتى يستحق عليه الأجرة، وليس إعطاؤها القيمة بدلاً عن المملوكة لها، بل تملّكها للقيمة بأصل الإرث ولو بنحو البدلية عن العين والتدارك لماليتها))(2).

((وفيه:

أولاً: ما عرفت من أنّ ملك الزوجة للقيمة فرع ملكها للعين.

وثانياً: عدم مطابقة الدليل للدعوى، وذلك أن ليس الدعوى: أن ليس عليه أجرة حتى يقال بعدم الموجب، بل الدعوى أنّها تقوّم ثابتة مجاناً، وكونها لم تملك العين الشاغلة لا يثبته، وبالجملة إنّا وإن قلنا بأنّها لم تملك العين وقلنا بأنّ لها القيمة لكن القيمة بدل عن العين قطعاً، فالكلام الآن في أنّ المبدل منه هو نفسالعين ثابتة ولو بأجرة أو نفس العين ثابتة مجاناً،

ص: 212


1- ذكره السيد محسن الحكيم، مصدر سابق، ص207.
2- بلغة الفقيه: 104/3.

وكونها لم تملك العين الشاغلة إن لم يناسب خلاف الدعوى فلا يدلّ عليها))(1).

1- ما ذكره السيد في ملحقات البرهان قال –بعد نقل ما ذكره الشهيد (رحمه الله)-: ((ولا ريب في ضعفه؛ لأنّه موضوع بحق، بل المجانية هي ظاهر قوله (عليه السلام): (تعطى الربع أو الثمن من قيمتها) إذ لو كانت عليها أجرة لوضعت من الربع والثمن وأعطيت الباقي) انتهى.

وفيه –مع ما عرفت من أنّا لم نقل إنّ عليها الأجرة، بل الكلام أنّها تقوّم شاغلة بأجرة أو مجاناً-: أنّ استظهار ذلك من الرواية لا يخلو عن إشكال فيه، فتأمّل))(2).

ثانيهما: وفي مقابل المشهور، ما حكي عن الشهيد في رسالته من احتمال بقائها بأجرة، وقال صاحب الجواهر (قدس سره): ((وربما احتمل ضعيفاً أن تقوَّم باقية فيها بأجرة بناءً على أنها لا ترث من الأرض، فتكون في غير ملكها، فتكون بأجرة جمعاً بين الحقّين)). أقول: لأن حرمان الزوجة من الأرض عيناً وقيمة يعني أن حقها في البناء بهيأته البنائيةيكون في مكان مملوك خالصاً للغير وهم سائر الورثة فيكون دفع الأجرة للمالك على القاعدة، لولا ظهور الروايات

ص: 213


1- السيد محسن الحكيم، مصدر سابق، ص 208.
2- السيد محسن الحكيم/ مصدر سابق، ص 208.

في المجانية، لذا ردّ (قدس سره) بأنه ((مخالف لظاهر النصوص خصوصاً المشتملة على إرثها ذلك البناء بقيمة البناء))(1).

أقول: تقدم الإشكال في الاستدلال بظاهر النصوص.

وبناءً على ظهور النصوص في المجانية فإنه ليس للورثة مالكي الأرض قلعه ولو كان في بقائه ضررٌ عليهم؛ لأنه فعل مأذون به شرعاً، وقد يكون في قلعه ضرر على الزوجة أيضاً، والمورد ليس من تزاحم الضررين حتى يقدَّم ارتكاب الأقل ضرراً لانتفاء الموضوع بعد إذن الشارع فهما ليسا في مرتبة واحدة، وباختصار فإنه لا مجرى للقواعد بعد ظهور الروايات في خلافها.

التهافت في كلام المشهور:

التزام المشهور بما اختاره في هاتين الجهتين لا يخلو من تهافت لصعوبة تصور الجمع بين استحقاق الزوجة لقيمة البناء بما هو قائم على الأرض مجاناً إلى أن يفنى، وعدم استحقاقها شيئاً من الأرض والمكان لا عيناً ولا منفعةً؛ لأن المفروض أن البناء قائم علىأرض الغير فله أجرة المثل إلا أن يقوم دليل على إسقاطها، وهو غير موجود، فيكون المشهور قد ثبَّت على نفسه استحقاق الزوجة في الانتفاع بالأرض وهو معنى مساوق لاستحقاقها من قيمة الأرض.

ص: 214


1- جواهر الكلام: 216/39.

وفي هذا بيان للنكتة التي أثارها المحقق الشعراني في كلامه المتقدم (صفحة 228) والتي أيّد بها قول السيد المرتضى (قدس سره) بتقريب أن استظهارهم من الروايات أن الزوجة تستحق من قيمة البناء بما هو بناء قائم على الأرض بلا أجرة يدل على عدم حرمانها من مالية الأرض ومنفعتها وإنما تحرم من عينها كالبناء.

قال بعض الأعلام المعاصرين: ((وهذا الاستظهار –من المشهور- معناه أنّ هذه المنفعة –وهي حق البناء وإقامته على تلك الأرض- مشمولة لدليل الإرث ولا يشملها المخصّص، فلا يخرج إلا رقبة الأرض المسلوبة منفعتها بالبناء، لا بما هي مجرّدة وخالية ليستحق الورثة تخليتها من البناء أو أخذ الأُجرة عليه، وهذا لازمه أنّ الزوجة تستحق منفعة البناء على الأرض أو الغرس فيها، فلابدّ وأن يقال به حتى في الأرض التي لا بناء ولا غرس فيها، بل هذا قد يكون قريباً من قيمة الأرض نفسها; فإنّ قيمتها وماليتها إنّما تكون بلحاظمنفعتها بما هي مكان يمكن أن يبنى عليه البناء أو يغرس فيه الشجر والنخل أو يزرع فيه الزرع، فإذا كانت الزوجة تستحق قيمة هذا الحق كانت بمثابة استحقاقها قيمة الأرض))(1).

أقول: فتحصّل مما تقدم أن المشهور أمام خيارين:-

1- التخلي عن مختاره في إحدى الجهتين، فإما تقويم البناء وما لحق به كالشجر والنخل كمواد وآلات أي على أنه مما ينقل وإن

ص: 215


1- مجلة فقه أهل البيت: العدد 47، ص 38.

بقاءها يكون بأجرة وهو ما اختاره السيد الحكيم (قدس سره)، قال (قدس سره): ((كيفية التقويم: أن يفرض البناء مما ينقل ثم يقوّم على هذا الفرض فتستحق الزوجة الربع أو الثمن من قيمته))(1)،

خلافاً للجميع، ومنهم الشهيد الصدر في تعليقته قال (قدس سره): ((بل يفرض مستحقاً للبقاء بدون أجرة، لأن هذه المنفعة يشملها دليل الإرث ولا يشملها المخصص)).

أن نلتزم بما اختاره المشهور هنا في الجهتين ولكن نبني على قول السيد المرتضى (قدس سره) من حرمان الزوجة من عين الأرض دون قيمتها، فاستحقاقها من القيمة يعطيها الحق في الانتفاع من الأرض كبقاء البناء مجاناً أي ((نجعل ذلكدليلاً على أنّها ترث من جميع منافع الأرض، وإنّما تحرم من عين رقبتها؛ لأنّ هذا ليس من باب التبرّع لها بالمجانية من قبل الورثة أو من قبل الشارع تعبداً، بل معناه أنّها تستحق هذه الحيثية وترث منها بما هي من التركة، وهو يساوق عرفاً وعقلائياً استحقاقها منفعة الأرض وإبقاء البناء عليها ولو بالقيمة، وأنّ الاستثناء لا يشمل سوى رقبة الأرض وعينها، لا منافعها والتي تكون مالية الأرض وقيمتها بلحاظها عادة. ولا معنى لفرض

ص: 216


1- منهاج الصالحين: 488/2، الميراث بالسبب، المسألة (7)، وعليها تعليقات السيد الشهيد الصدر (قدس سره).

أنّه إذا كان هناك بناء فالزوجة تستحق من منفعة الأرض والمكان، وإن لم يكن بناء فهي لا تستحق من هذه المنفعة شيئاً; لأنّ هذه المنفعة راجعة إلى الأرض والمكان، لا البناء والشجر ونحوه ممّا هو مثبّت على الأرض، فإذا كانت مستحقة للزوجة فلابدّ وأن تكون مستحقة لها سواء كان البناء موجوداً أم لا; لأنّه منفعة وحيثية لها مالية فتكون جزءً من التركة، وإن لم تكن مستحقة وكانت مخصّصة وخارجة عن أدلّة التوريث بالروايات المتقدّمة النافية لإرث الزوجة من العقار والأرض فلا بدّ من خروجها عن التوريث في فرض وجود البناء أيضاً، فلا تستحق الزوجة إلا من قيمة البناء بلا حق البقاء على الأرض مجاناً))(1).أقول: يمكن أن يرد الآخر بعدم استحقاق الزوجة من الانتفاع بالأرض إلا بمقدار حساب قيمة البناء باقياً على الأرض إلى أن يفنى لدلالة ظاهر النصوص على هذا الحق ولا حاجة إلى تعميم استحقاقها من جميع منافع الأرض كما لو أجّروا الأرض أو قبّلوها المستثمر فإنه لا يلتزم أحد -بحسب حكاية السيد الحكيم في كلامه المتقدم (صفحة 350، الفقرة ج-)- باستحقاقها الثمن أو الربع من الأجرة. لأن دليل حرمانها من الأرض دال على ذلك، لكن هذه الدعوى من السيد

ص: 217


1- السيد محمود الهاشمي، مجلة فقه أهل البيت: العدد 47، ص 39.

الحكيم (قدس سره) بعيدة ولعل الصحيح خلافها كما سيأتي في الفرع الثامن (صفحة 372).

(الجهة الثالثة) كيفية تقويم البناء:

اشارة

وقد ذكر له أسلوبان:

الأول: تقويم البناء كما هو ثابتاً على الأرض، قال صاحب الجواهر (قدس سره): ((أن تقوَّم الآلات والشجر والنخل باقية في الأرض إلى أن تفنى مجاناً وتعطى حصّتها من ذلك))(1).الثاني: ما ذكره الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك قال: ((أن يقوَّم مستحق البقاء على الأرض مجاناً إلى أن يفنى، فتقدر الدار كأنها مبنية في ملك الغير على وجه لا يستحق عليها أجرة إلى أن تفنى، وتعطى قيمة ما عدا الأرض من ذلك. وقيمة الشجر كذلك، حتى لو فرض عدم القيمة للأرض في بعض الأنواع من الشجر – كالزيتون- لم ينقص من قيمته شيء بسببها))(2).

وذكر آخرون مثل هذا منهم المحقق النراقي (قدس سره) قال: ((أن تقوّم أرض فارغة ثم يفرض اشتغالها بما يريد تقويمه من الشجر أو البناء، فتقوّم ثانياً وتعطى المرأة الربع أو الثمن من قيمة ما عدا الأرض من ذلك، أو تقوّم الأرض التي فيها الشجر أو البناء على

ص: 218


1- جواهر الكلام: 216/39.
2- مسالك الأفهام: 194/13.

تقدير فراغها ثم يقوم المجموع وتطرح القيمة الأولى عن الثانية وتعطى الربع أو الثمن من الباقي))(1)،

وحكاه السيد صاحب الرياض (قدس سره) عن الصيمري في غاية المرام وقال أنه ((أخصر من الأول))(2).

أقول: نقل صاحب الجواهر (قدس سره) هذه الكيفية وقال: ((ومرجعه إلى ما ذكرناه. ولعله أحسن منه، إذ يمكن زيادة قيمة الأرض بملاحظة ما فيها من الغرس والشجر والنخل،واستحقاقها لهذه الزيادة مناف لما دل على حرمانها من الأرض عيناً وقيمة، فالأولى الاقتصار في كيفية التقويم على ما ذكرناه))(3).

أقول: مسألة تقويم البناء ليس من عمل الفقيه وإنما يرجع فيه إلى الموثوقين من أهل الفن والاختصاص في البناء والإعمار وهم الذين يقرّرون الأسلوب العادل والمناسب؛ لأن كلا الأسلوبين معمولٌ به، فالأولى ترك الأمر لهم.

ص: 219


1- مستند الشيعة: 384/19.
2- رياض المسائل: 387/14.
3- جواهر الكلام: 216/39.

الفرع الرابع: توزيع الدين على التركة

قال صاحب الجواهر (قدس سره): ((لا يخفى عليك أن الموافق للعدل توزيع الدين والكفن ونحوهما على مجموع التركة من غير ضرر على أحد من الورثة، فلا يدفع جميعه من غير الأرض كي يلزم الضرر على الزوجة، ولا منها خاصة كي يلزم على الورثة دونها، بل يوزع عليهما جميعا وإن كان العمل من جميع من عاصرناه على خلاف ذلك))(1).

أقول: هذا مما لا إشكال فيه لا لأنه الموافق للعدل –وإن كان الأمر كذلك- بل لأن الدين والوصايا والنفقات الواجبة تخرج من أصل التركة قبل الحديث عن الميراث واستحقاقات الورثة ومنهم الزوجة، قال تعالى: [مِنْ بَعدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أو دَينٍ] (النساء:12) وحينئذٍ يكون الحديث عن هذا التوزيع في مرتبة الديون والوصايا قضية سالبة بانتفاء الموضوع، وأن إخراج الديون من أصل التركة ينتج هذا التوزيع تلقائياً.مضافاً إلى موافقته لمقتضى العدل والإنصاف التي هي من القواعد العامة التي تؤطر الأحكام والقوانين الشرعية، وكذلك لأن التوزيع بغير هذه الكيفية فيه ضرر على أحد الأطراف وهو منفي في الشريعة.

ص: 220


1- جواهر الكلام: 217/39.

وبناءً على هذا يجب أن نفهم ما قالوه من توزيع الديون ونحوها على الورثة بنسبة استحقاقاتهم ((فلو كانت الأرض تساوي قيمة البناء والشجر وغيرها من أعيان تركته كان عليها نصف ثمن الدين؛ لأنها ورثت نصف ثمن التركة، وكذا لو أراد الوارث الوفاء مما ترث من عينه كالثياب والفرش، ولو لم يكن للميت غير الأرض المحرومة منها والثياب والفرش وغيرها مما ترث من عينه مع التساوي لزم إعطاء نصف ثمن ذلك، وليس للوارث دفع أكثر من ذلك وإن دفع لها القيمة))(1).

أقول: هذا كله على طبق القواعد، فمن الغريب ما حكاه صاحب الجواهر من ذهاب جميع من عاصرهم (قدس سره) إلى غير ذلك، ومنهم صاحب مفتاح الكرامة، قال (قدس سره): ((إذا كان على الميت دين فأراد الوارث إخراجه مما عدا الأرض حتى يمنع الزوجة من الإرث، الظاهر أن له ذلك لأن الأرض بالنسبة إلى الزوجة كالمعدومة فإذا كان مستغرقاً لماعدا الأرض صار الدين مستغرقاً للتركة بالنسبة للزوجة، ويحتمل قوياً أنه ليس له ذلك كما يظهر بالتأمل))(2).

أقول: في هذا الاستظهار غفلة واضحة عمّا في كتاب الله تعالى، ولا يصحّ إخراج الدين كله مما عدا الأرض حتى يقال بأنه استغرق التركة وإنما يؤخذ منه بالنسبة.

ص: 221


1- السيد محسن الحكيم (قدس سره)، مصدر سابق، ص 214.
2- مفتاح الكرامة: 316/17.

الفرع الخامس: شكل تعلق حق الزوجة بالقيمة

لم يحرّر أكثر الأصحاب البحث في هذه القضية مع أنها سابقة رتبة على جملة من الفروع بُنيت على هذه القضية ومنها مسألة عنوانها هل أن استحقاق الزوجة قيمة الأبنية والآلات على نحو العزيمة أم الرخصة؟ بمعنى هل يجب على سائر الورثة دفع القيمة إلى الزوجة دون العين؟ أم أن ذلك رخصة لهم.

وتعرض بعضٌ لهذه القضية عرضاً ضمن ذلك المطلب أو غيره.

كما تعرّضوا لفروع أخرى مبنية على المختار في هذه القضية سنشير إلى جملة منها بإذن الله تعالى، نعم حرّر المحقق النراقي هذه القضية في فرع مستقل وإن كان كلامه فيه مختصراً، وكذا الشيخ محمد تقي البروجردي (قدس سره) في رسالته (نخبة الأفكار).

لذا فالصحيح البحث في شكل تعلق حق الزوجة بالقيمة أولاً ثم معرفة ما يترتب عليه من آثار ومسائل فرعية وردت في كتب الأصحاب، سنذكرها في الفروع الآتية إن شاء الله تعالى.

ويوجد تصوران لدى الأصحاب لشكل تعلق حق الزوجة في قيمة الأبنية والآلات بعد سقوط الأقوال أو الاحتمالات الأخرى عن الاعتبار كاحتمال أنه مجرد حكم تكليفيعلى الوارث من دون أن

ص: 222

يكون لها حق في ذمة الوارث فضلاً عن تعلّقه بأعيان البناء(1)، وستأتي استفادته من كلام المحقق النراقي في الصفحة التالية، ولا نعلم له وجهاً إن أريد به مستقلاً عن الحكم الوضعي واستحقاق الزوجة الذي هو موضوع الروايات.

وبعد تسليم ما تقدم من عدم استحقاقها من العين، وإن بدا من بعضها ذلك كما في صحيحة محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (فيرثن ذلك البناء) وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (ترث المرأة الطوب) لكنه ظهور بدوي يفسّره ما في الروايات الأخرى من استحقاقها من قيمة هذه الأبنية لا أعيانها، وأن هذا التعبير عن ميراثها من البناء وآلاته هو لنفي توهم حرمانها المطلق من العقار أرضاً وبناءً، فيكون مجملاً من ناحية نوع الاستحقاق من العين أو القيمة ويبيّنه ما ورد في روايات استحقاقها من القيمة.

وحرمانها من العين ينفي صوراً عديدة لأي من أنحاء التعلق المرتبط بالعين كالشركة في العين والإشاعة وكالكلي في المعين ونحو ذلك مما قيل في الزكاة، ويسقط أيضاً احتمال تعلق حقها بالعين إلى أن يدفع القيمة وتحصل المعاوضة القهرية.

ص: 223


1- أورده الشيخ البروجردي في رسالته نخبة الأفكار: 25.

التصور الأول: إن حق الزوجة من القيمة يتعلق بذمة سائر الورثة مباشرة، أي أنه بمجرد الوفاة تنتقل قيمة نصيبها من ميراث الأبنية والآلات إلى الذمة ولا حق لها في الخارج أصلاً.

وذهب إليه المحقق النراقي، قال (قدس سره): ((الظاهر من الأخبار تعلق القيمة بذمة الورثة دون التركة، بمعنى أنه يجب عليهم إعطاء القيمة من أينما أرادوا وشاؤوا. ويدل عليه أيضاً عدم تسلط الزوجة على المطالبة من أموال خاصة من التركة أو غيرها. وأيضاً: مدلول الأخبار وجوب إعطاء القيمة، ولا وجوب إلا يتعلق بمكلف، وليس هناك أحد يتعلق به إلا الورثة إجماعاً، والأصل عدم وجوب الإعطاء من مال معين، فيجب عليهم أصل الإعطاء، وهو المطلوب))(1).

أقول: سيأتي أن ظاهر الروايات على خلافه، والخصم لا يقول باستحقاق القيمة من عموم التركة وإنما في الآلات والأبنية فقوله: ((ويدل عليه)) لا يرد على الخصم.

وأما قوله: ((مدلول الأخبار..)) فيرد عليه أن غايته ثبوت وجوب تكليفي على الورثة بإعطاء نصيب الزوجة من قيمة الآلات والأبنية ولا يستفاد منه ما نحن فيه.

أما الأصل فمقطوع بدلالة الروايات الآتية بإذن الله تعالى.

ص: 224


1- مستند الشيعة: 387/19.

وقوّاه صاحب الجواهر، قال (قدس سره): ((بل لعل الأول –وهو كون دفع القيمة عزيمة لا رخصة- لا يخلو من قوة خصوصاً بعد ملاحظة أنه كقيم المتلفات باعتبار تنزيل حرمان الشارع لها من العين وتخصيص من عداها بها –أي من عدا الزوجة بالعين- منزلة إتلافه عليها، فيضمنون لها القيمة.

ومنه يعلم عدم بناء ذلك على المعاوضة، بمعنى عدم جواز تصرف الوارث حتى يدفع القيمة، بل الظاهر ثبوت ذلك في ذمة الوارث من غير فرق بين بذل الوارث العين وعدمه، ولا بين امتناعه من القيمة وعدمه وإن كان مع الامتناع يبقى في ذمته إلى أن يتمكن الحاكم من إجباره على أدائها أو البيع عليه قهراً كغيره من الممتنعين من أداء الحق، ولو تعذر ذلك كله يبقى في ذمته إلى أن تتمكن الزوجة من تخليصه ولو مقاصة، سواء في ذلك الحصة وغيرها))(1).

أقول: يرد عليه أن ظاهر الروايات كون إعطاء القيمة معاوضة على العين أجراها الشرع المقدس بالولاية لدفع المفسدة المذكورة في التعليل، وهو بحد ذاته لا يعيِّن كون الإعطاء رخصة أو عزيمة لإمكان كليهما.وحكاه السيد بحر العلوم عن عمه السيد علي في ملحقات كتابه (البرهان القاطع) قال: ((لأن محل القيمة التي للزوجة هو ذمة الورثة وبمجرد الموت تنتقل العين إلى ملك الورثة وبمجرده أيضاً تستقر

ص: 225


1- جواهر الكلام: 217/39.

قيمتها في ذمتهم، ولذا لو نمت بعد الموت بأن أثمر الشجر ليس للزوجة في الثمر شيء. وإذا تلف ملك أحد لا يوجب سقوط حق الآخر))(1)، وحكي هذا القول عن السيد أبي الحسن الأصفهاني(2) (قدس سره).

أقول: سيأتي الوجه في بُعد استظهار هذا المعنى من الروايات.

التصور الثاني: إنه على نحو الشركة في المالية الخارجية بأن تكون الزوجة شريكة للورثة في العين الخارجية ولكن بالقيمة فقط بعد دلالة الروايات على حرمانها من العين، وأستطيع القول أنه مختار الأكثر بحسب ما يظهر من عدة مسائل التزموا بها كما سيأتي إن شاء الله تعالى وإن لم يصرّحوا به هنا كقضية مستقلة، خذ مثلاً السيد الخوئي (قدس سره) قال في كتاب الخمس في شكل تعلّقه بالمال الذي وجب فيه الخمس أنه من قبيل الشركة في المالية وهي ((سارية في جميع أجزاء العين، فكل جزء من الأجزاء مشترك بين المالك والمستحق، لكن لا بشخصيته بل بماليته، نظير شركة الزوجة مع الورثة في مالية البناء وإن لم ترث من نفس الأعيان.ومن ثم لم يكن للوارث التصرف قبل أداء حق الزوجة، لسريان المالية المشتركة في تمام الأجزاء بالأسر كما عرفت))(3).

وقال (قدس سره) بمثله في كتاب الزكاة(4)

أيضاً.

ص: 226


1- بلغة الفقيه: 110/3.
2- نخبة الأفكار: 25.
3- موسوعة السيد الخوئي (قدس سره): 290/25 كتاب الخمس.
4- شرح العروة الوثقى: 388/23.

ووجه هذا التصور أنه مقتضى ما يفهمه العرف من الروايات بحسب الجمع المتقدم فإنه يفهم بدواً من بعض الروايات أن نصيبها من نفس العين كقوله (عليه السلام): (فيرثن ذلك البناء) إلا أنه وبقرينة ما دل على استحقاقها من القيمة حيث صرّح الإمام (عليه السلام) في أكثر من رواية أن لهن قيمة البناء وأنهن يرثن من قيمة البناء ولهن قيمة الطوب ونحوه، وحينئذٍ يستقر فهمه على أنها شريكة في قيمة العين خارجاً أي ماليتها، ولا وجه لما هو أزيد من ذلك كالانتقال إلى الذمة ((فما دام يمكن الجمع بين حقّها في القيمة والمالية الخارجية وبين عدم حقّها في العين كان مقتضى القاعدة الحفاظ على ذلك؛ تمسّكاً باقتضاء دليل الإرث لاستحقاقها من التركة الخارجية بتمام مراتبها، خرجنا عن ذلك في خصوص العين دون المالية الخارجية، فتبقى تحت إطلاق أدلّة الإرث))(1).أقول: ظاهر قوله: ((تمسّكاً باقتضاء ..)) افتراض وجود عمومات وإطلاقات لإرث الزوجة من عين ما ترك الزوج وأنها خصصت بروايات الحرمان من العقار وقد ناقشنا سابقاً في تحقق هذه العمومات، وأن ميراث الزوجة له أحكام ثلاثة مستقلة تتنجز بوفاة الزوج، فلا توجد عمومات يستدل بها على استحقاقها من الأعيان، إلا بضميمة

ص: 227


1- السيد محمود الهاشمي، مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 47، ص 32.

توصل إلى نتيجة هذه العمومات. نعم إن أراد به عمومات التوريث أي أن الزوجة ترث من كل ما ترك الزوج، وأن الأصل فيه يقتضي توريث الزوجة مما ترك الزوج فيرجع إليها عند الشك في أصل استحقاقها من التركة فإنه معنى صحيح ولكن لا يثبت بها كونه من الأعيان، إذ ليس عندنا عمومات أو أصل يقتضي أن الزوجة تستحق من العين إلا ما أخرجه الدليل.

وقال أيضاً مستبعداً التصور الأول: ((بل حَمْلُ قوله (عليه السلام) في الروايات (ترث قيمة البناء) على القيمة في الذمة –كما صنعه صاحب الجواهر (قدس سره)- خلاف الظاهر جداً؛ إذ المال في ذمة الورثة مال آخر لا ربط له بالتركة، والروايات صريحة في النظر إلى إرثها وحقها من تركة الزوج، غاية الأمر لا ترث من العين ولكن ترث من قيمتها وماليتها، وهي تساوق المالية الخارجية لا الذمية، ولهذا لو تلفت التركة بلا تعدّ أو تأخير أو تفريط كان حقها أيضاً تالفاً كسائر الورثة، بينما إذا كان حقها منتقلاً إلى الذمة كانتمستحقة لها وكان الورثة مدينين لها بذلك، وهذا ما لا أظنّ يلتزم به أحد فقهياً إذا تدبّر وأمعن النظر –حتى إذا استظهر أنّ دفع القيمة عزيمة لا رخصة)).

أقول: ما استدل به بقوله: ((ولهذا لو تلفت به)) خلاف مبنائي ومصادرة لأنه مبني على نفس هذا الخلاف وسنتعرض له في الفرعين السابع والثامن بإذن الله تعالى، لذا فإن الخصم لا يمانع من الالتزام به كما هو صريح ما نقلناه آنفاً عن المحقق النراقي، وغيره ممن سيأتي إن شاء الله تعالى.

ص: 228

ثم قال (دام ظله): ((وأيّاً ما كان فالظاهر من الروايات هو الشركة في المالية والقيمة الخارجية للبناء، لا انتقالها إلى الذمة التي هي مال آخر لا ربط له بالميت، وليس عليه في الروايات عين ولا أثر.

والشركة في المالية الخارجية شركة عقلائية وعرفية، كالشركة في العين، وكملك الكلّي في المعيّن)).

أقول: التصور الثاني هو الصحيح، لما قلناه من أنه الظاهر عرفاً من مجموع الروايات كقول أبي جعفر (عليه السلام) في رواية زرارة: (وتُقوّم النقض والأبواب والجذوع والقصب فتُعطى حقها منه) أي حق الزوجة من هذه الأعيان من قيمتها.وللنقض على الأول بأن قيمة التركة لو نقصت قبل إعطاء الزوجة حتى أصبحت قيمة التركة كلها مساوية لقيمة نصيب الزوجة عند الوفاة أو أقل منها، فهل يلتزم أحد بدفع التركة كلها مع شيء من كيس الورثة إلى زوجته؟.

نعم يمكن إضافة تصور آخر إن ساعد العرف على استظهاره من الروايات وهو:

التصور الثالث: المحتمل بناءً على الجمع والتوفيق بين مداليل الروايات العديدة، وهي الشركة في المالية المحفوظة في نفس العين بلحاظ القيمة عند الوفاة، وفيه نقاط التقاء وافتراق مع الأول والثاني، فهو يلتقي مع الأول بأن حق الزوجة ينتقل إلى القيمة مباشرة من دون التعلق بالعين

ص: 229

أولاً لما قرّبناه من أن ميراث الزوجة ليس على نحو العام من كل ما ترث الزوجة ثم خصص بما تحرم من العقار عيناً وقيمةً أو عيناً خاصةً، وإنما بوفاة الزوج تنجزت أحكام ثلاثة لميراث الزوجة.

ويختلف معه بأن هذه القيمة تبقى محفوظة في العين التي هي كالوعاء لها لأنها هي ما ترك الزوج واستحقاق الزوجة القيمة بلحاظ وجودها، ومن ثمرات هذا الاختلاف عدم ضمان سائر الورثة القيمة للزوجة إذا تلفت العين.ويلتقي هذا التصور مع الثاني بوجود علقة للزوجة مع العين أوجبت الأثر السابق ويختلف معه بأن هذه العلقة لا توجب حقاً للزوجة في العين لما ذكرناه من تعلق حقها مباشرة بعد وفاة الزوج بالقيمة، فليس لها من النماءات العينية المنفصلة أو المتصلة شيء عدا تغير القيمة.

وسيظهر من بعض المسائل والفروع الآتية ثمرة هذا التصور عن سابقيه.

وسيأتي احتمال تصوّر رابع في نهاية الفرع السادس (صفحة 370).

ومما تقدّم يُعلم النظر في تشبيه المورد بالخمس أو الزكاة، الذي نقلناه (صفحة 364) عن السيد الخوئي (قدس سره) وتبعه عليه بعض الأعلام المعاصرين فقال: ((وهذا نظير ما يقال في باب الخمس من أنّ تعلّقه بالعين بنحو الشركة في المالية الخارجية وأثره إمكان دفع القيمة،

ص: 230

لكونها مصداقاً عرفاً للمالية الخارجية أيضاً، ولا يمكن لصاحب الخمس الامتناع عن القبول. كما أنّه يمكن إعطاؤه من العين، وفي فرض حصول النماء أيضاً يكون صاحب الخمس شريكاً فيه بنحو الشركة في المالية كالأصل))(1).

أقول: وجه الفرق أن حق الخمس يثبت لمستحقيه في العين أولاً ويمكن دفع القيمة بدلاً عنه لما ذكره من أنها مصداق عرفاً للمالية الخارجية وشكل آخر لها، أما حق الزوجة فإنهيتعلق مباشرة بالقيمة بحسب ظاهر الروايات، وتكون شريكة في المالية بعد حرمان الشارع لها من شراكة العين مع الورثة وهي واحدة منهم، ويمكن أن يكون من حقها الامتناع عن قبول الأعيان إلا بدليل آخر يلزمها ويجيز لسائر الورثة الدفع من العين وهو ما سنبحثه في الفرع العاشر (صفحة 380) إن شاء الله تعالى، أما الزكاة فقد ذكرنا في مسألة شكل تعلّق الزكاة أنه حق مجعول على المال غير متعيّن فيه فيمكن إخراجه من نفس المال الزكوي أو من غيره، وتفصيل الكلام في محله.

وسنتعرض في عدد من الفروع التالية لما يترتب على هذه المسألة من آثار بإذن الله تعالى.

ص: 231


1- السيد محمود الهاشمي، مصدر سابق، العدد 47، ص 31.

الفرع السادس: حكم تصرف الورثة بالعين

لا إشكال في جواز تصرف الوارث بالأبنية والآلات مما تستحق الزوجة من قيمته بسائر أنحاء التصرفات ولو كان متلفاً أو ناقلاً كالبيع بعد دفع حق الزوجة أو التراضي معها على صيغة ما، فيكون البيع حينئذٍ صحيحاً ولازماً.

وإنما وقع الخلاف فيما لو تصرف أو باع قبل ذلك، وهنا قولان:

(الأول) عدم جواز التصرف بالعين ولو باعها الورثة كان وقوع البيع فضولياً فتتسلط الزوجة على الفسخ أو الإمضاء، قال في مفتاح الكرامة: ((ولو باع الورثة هذه الأبنية والآلات قبل التقويم صحَّ البيع فإن دفعوا إليها حصتها وإلا كان لها فسخه لتعلق حقها بالمبيع))(1).

وقال السيد الخوئي (قدس سره) بعد اختياره كون تعلق حق الزوجة كتعلق الخمس بالمال الذي يجب فيه من قبيل الشركة في المالية المانعة من التصرف ((فالشركةفي المالية لا تستوجب جواز التصرف -في المال المتعلق به الخمس- بل هي أيضاً مانعة، كما في إرث الزوجة))(2).

ص: 232


1- مفتاح الكرامة: 315/17.
2- موسوعة السيد الخوئي (قدس سره): كتاب الخمس، 290/25.

(الثاني) جواز تصرف الورثة بالتركة كلها وليس للزوجة الفسخ لأن العين على مبنى تعلق حقّ الزوجة من القيمة بذمة الورثة تكون ملكاً طلقاً للوارث، ويكون حق الزوجة من القيمة في ذمته كسائر ديونه التي لا يمنع اشتغال ذمته بها عن التصرف في ماله حتى مع الامتناع عن أداء حقها، واختاره ثاني الشهيدين في رسالته(1)

وتبعه صاحب الجواهر (قدس سره) فإنه قال -بعد أن قوّى كون دفع الوارث القيمة عزيمة يجبر عليها الوارث وليست رخصة فتجبر الزوجة على أخذ حصتها من العين إذا شاء الوارث-: ((ومنه يُعلم عدم بناء ذلك على المعاوضة، بمعنى عدم جواز تصرف الوارث حتى يدفع القيمة، بل الظاهر ثبوت ذلك في ذمة الوارث من غير فرق بين بذل الوارث العين وعدمه، ولا بين امتناعه من القيمة وعدمه وإن كان مع الامتناع يبقى في ذمته إلى أن يتمكن الحاكم من إجباره على أدائها أو البيع عليه قهراً كغيره من الممتنعين من أداء الحق، ولو تعذر ذلككله يبقى في ذمته إلى أن تتمكن الزوجة من تخليصه ولو مقاصة، سواء في ذلك الحصة وغيرها))(2).

والخلاف في هذه المسألة مبني على الخلاف السابق في نحو تعلّق حق الزوجة بقيمة ما ترث من قيمته دون عينه كالأبنية والآلات، فمختار صاحب الجواهر (قدس سره) هنا مبني على ما اختاره هناك -وقبله المحقق النراقي- من كون حق الزوجة يتعلق بذمة الورثة وليس

ص: 233


1- بلغة الفقيه: 108/3.
2- جواهر الكلام: 217/39.

بالتركة فللورثة التصرف في التركة مع ضمان حق الزوجة في ذمتهم ويكون تصرفهم صحيحاً ولازماً.

أما ما اختاره في مفتاح الكرامة فإنه مبني على ما صححناه من أن حق الزوجة متعلق بالتركة على نحو الشركة المالية، ومن آثاره كون التصرف في تمام التركة فضولياً في مقدار حق الزوجة قبل دفع حقها أو أخذ رضاها فتتسلط على الفسخ أو الإمضاء.

نعم يمكن تصوير منع الورثة من التصرف قبل أداء حق الزوجة من القيمة على غير المبنى المذكور بأن ((يدّعى أن حق الزوجة وإن كان متعلقاً بالقيمة في ذمة الوارث إلا أن له نحو تعلّق أيضاً بالعين على نحو يمنع عن تصرف الوارث فيها بإتلاف أو نقل لهابماليتها قبل أداء حقها إليها نظير تعلّق حق الرهانة بالعين المرهونة، ولأجل ذلك يكون الوارث قبل دفع القيمة إليها كالمحجور عليه في التصرفات المتلفة للعين والناقلة لها))(1).

أقول: لم أجد قائلاً بهذا الاحتمال ولا يمكن استفادته من الروايات فهو بلا دليل.

ص: 234


1- نخبة الأفكار: 31.

الفرع السابع: لو تلفت العين حقيقة أو حكما -كغصبها-

فهل يضمن الورثة للزوجة حقها من القيمة أم لا؟

وهنا أيضاً قولان بحسب المختار في شكل تعلق حق الزوجة بالقيمة، قال في مفتاح الكرامة: ((وهذه القيمة مستحقة من التركة وليست متعلقة في ذمة الورثة فلو غصبت التركة من الورثة لم يضمنوا لها فإن عادت عاد حقها))(1).

أقول: هذا مبني على القول بالشركة في المالية، مع الالتفات إلى أنه يمكن أن يكون ذلك مشروطاً بعدم تفريط الوارث في أداء القيمة للزوجة مع مطالبتها وقدرته، ولو تأخر عن الدفع بتقصير وظلم منه ضمن للزوجة استحقاقها من القيمة لإمكان صدق عنوان التفريط واليد العدوانية عليه ولو مع عدم كون التلف بسبب تفريطه بحفظ التركة.

أما على القول بتعلق القيمة بذمة الورثة فإنهم يضمنون، قال المحقق النراقي (قدس سره): ((لو تلف البناء أو الشجر بعد الموت قبل التقسيم والتقويم فهل يسقط من قيمته حق الزوجة أو لا؟ الظاهر هو الثاني، لأن بمجرد الموت انتقلت العين إلى الوارثواستحقت الزوجة

ص: 235


1- مستند الشيعة: 387/19.

القيمة، وتلف ملك أحد لا يوجب سقوط حق الآخر، مع أن الأصل بقاؤه. وهكذا لو غصبه غاصب))(1).

وصرّح بترتب الحكم على المختار في شكل تعلق القيمة، قال (قدس سره): ((يظهر من هذين الفرعين -أي ما ذكره آنفاً وما اختاره (صفحة 362) من تعلق القيمة بالذمة- أنه لو لم يخلف الميت سوى أشجار أو أبنية بأن تكون أراضيها موقوفة أو ملكاً للغير وتلفت تلك الأشجار والأبنية بعد موته ولو بساعة أو غصبت، كان للزوجة مطالبة حقها من القيمة من الورثة لو كانوا موسرين، وبعد الإيسار إن كانوا معسرين، وهو كذلك)).

وحكاه في بلغة الفقيه عن عمه السيد علي في رسالته المخطوطة في (ملحقات البرهان القاطع) خلال عرضه لثمرات المسألة، قال: ((إن تلف البناء أو الشجر بعد الموت بأن جاء سيل وأخذ ما على الأرض طالبت الزوجة الورثة بثمنها أو ربعها من قيمته لأن محل القيمة التي للزوجة هو ذمة الورثة))(2)

وقد تقدم نقل بقية كلامه (قدس سره).

وقال السيد السبزواري (قدس سره) في مهذب الأحكام: ((لو تلف البناء بعد الموت وقبل القسمة والتقويم لا يسقط من حق الزوجة شيء لأن تلف ملك لا يستلزمسقوط حق آخر اشتغلت ذمته به- فلو لم يخلف الميت سوى أبنية وأشجار مثلاً- وتلفت تلك الأشجار أو

ص: 236


1- مستند الشيعة: 387/19.
2- بلغة الفقيه: 110/3.

غصبت فللزوجة مطالبة حقها من الورثة -لاشتغال ذمة الوارث بالقيمة ولا نصيب لها في الأعيان والأحوط التصالح والتراضي -))(1).

ص: 237


1- مهذب الأحكام: 262/30، المسألة (22).

الفرع الثامن: نماء العين

وهذه المسألة مبنية أيضاً على المختار في شكل التعلق، وحكى صاحب البلغة عن عمه في ملحقات البرهان ((ابتناء هذه المسألة على ما قواه من دخولها بمجرد الموت في ملك الوارث واشتغال ذمته بالقيمة)) إلى أن قال: ((ولذا لو نمت بعد الموت بأن أثمر الشجر بعد موت الزوج ليس للزوجة في الثمر شيء وإذا تلف ملك أحد لا يوجب سقوط حق الآخر))(1).

أما على القول بالشركة المالية فإن الزوجة تستحق من النماء لأنها شريكة فيه بنسبة حقها، لأن النماء تابع للأصل الخارجي في الملكية، قال السيد الخوئي (قدس سره): ((إذا لم يدفع الوارث القيمة لعذر أو لغير عذر سنة أو أكثر كان للزوجة المطالبة بأجرة البناء، وإذا أثمرت الشجرة في تلك المدة كان لها فرضها من الثمرة عيناً فلها المطالبة بها، وهكذا ما دام الوارث لم يدفع القيمة تستحق الحصة من المنافع والثمرة وغيرها من النماءات))(2).لكن صاحب مفتاح الكرامة خالف ذلك المبنى هنا رغم التزامه به في مسألتي جواز التصرف والتلف الآنفتين، قال (قدس سره): ((ولو

ص: 238


1- بلغة الفقيه: 110/3.
2- منهاج الصالحين: ج2، ميراث الزوجة، مسألة (10).

نمت هذه الأشجار قبل التقويم كان النماء للورثة دون الزوجة لأن النماء تابع للأصل وهي لم تستحق في عين الأصل شيئاً))(1).

أقول: كأنه (قدس سره) يرى النماء تابعاً للعين خاصة دون ماليتها، وصرّح بذلك في بلغة الفقيه، قال: ((وأما النماء المتحقق بعد الموت كأجرة المساكن وثمرة النخل، بناءً على حرمانها من العين دون القيمة، فهو مختص بغيرها من الورثة لا تستحق هي منه مطلقاً، وإن تأخر التدارك وكان بتفريط؛ لأن النماء من توابع ملك العين لا ملك المالية))(2).

أقول: التفكيك بين نماء العين ونماء المالية بعيد لأن المالية سارية في العين سريان الروح في الجسد، فكل نماء العين يكون بما هي مشتملة على المالية ولا ينفك النماء في العين عن الاستناد إلى ماليتها سواء كان النماء متصلاً أو منفصلاً لأن المالية هي حقيقة العين والمقوِّم لها.

وبتقريب آخر: إن الزيادة تابعة للعين وقد دلّت الروايات على حرمان الزوجة من العين خاصة فلا تشمل توابعها.وحينئذٍ يُسأل (قدس سره) عن الفرق بين التلف والنماء حتى صارت الزوجة تتحمل التلف مع الورثة وليس لها معهم نصيب من النماء، ولعله (قدس سره) شبّه المورد ببعض ما ورد في الزكاة من أحكام وهو قياس لا وجه له.

ص: 239


1- مفتاح الكرامة: 315/17.
2- بلغة الفقيه: 110/3.

نعم يمكن تصور التفكيك في بعض الحالات الخاصة، مثل ما لو أعطيت جائزة لمن يملك مائة نخلة مثلاً وهذه الجائزة على الأعيان بما هي بغضّ النظر عن ماليتها فهي لمالك الأعيان وهم الورثة دون الزوجة.

وفيما لو رضيت الزوجة بالمعاوضة على حقها وانتقال القيمة إلى ذمة الوارث لم يكن لها المطالبة بشيء من النماء.

وقد قدمنا تصوراً لفهم مثل هذا الاختلاف في كلمات مفتاح الكرامة، وهو لم يصرّح بمبناه في شكل تعلق حق الزوجة، وإنما نسبناه إليه بناءً على مختاره في تلف العين وجواز التصرف، فلعل له مبنى تنسجم فيه هذه الأقوال.

وبناءً على ما تقدم فإن للزوجة نصيبها من أجرة البناء لو استأجر لما تقدم، ولو كانت البناية مستأجرة في حياة الميت كان لها نصيبها من الأجرة لعدم شمول أدلة الحرمان لها.إلفات:

حكي عن المحقق القمي (قدس سره) أنه قوّى ((في موضع من أجوبة مسائله اشتراك الزوجة مع الوارث في النماءات المتصلة والمنفصلة المتجددة بين زمان الموت والدفع لكونها نماءً لما ملكتها بالإرث)) لكنه (قدس سره) التزم في موضع آخر ((باختصاصها بالوارث دون الزوجة معللاً بأن الزوجة لا تملك من العين حتى

ص: 240

تستحق المنافع المتجددة وإنما هي ملك لغيرها من الورثة، ولعل ذلك منه (قدس سره) رجوع عما اختاره أولاً، وإلا فهو مناف لما أسسه من المبنى الذي قرره مراراً في كلامه))(1).

أقول: لم أنظر في كلمات المحقق القمي (قدس سره) فلعله أراد بالنماء الأول زيادة القيمة السوقية وهو يتبع المالية، وأراد بالنماء الثاني الزيادات المتصلة والمنفصلة وهي من توابع العين عنده لا المالية، فلا عدول ولا تهافت في كلامه (قدس سره).

ص: 241


1- نخبة الأفكار: 34.

الفرع التاسع: أن المعتبر في القيمة ملاحظة يوم الدفع

اشارة

ومن تلك الآثار: أن المعتبر في القيمة ملاحظة يوم الدفع بناءً على الشركة في المالية؛ لأنها تملك المالية الخارجية فإذا زادت زاد استحقاقها أيضاً، قال السيد الخميني، قال (قدس سره): ((المدار في القيمة يوم الدفع لا الموت، فلو زادت القيمة حين الموت ترث منها، ولو نقصت نقصت من نصيبها)).

وملاحظتها يوم الموت بناءً على انتقالها إلى ذمة الوارث، هذا ولكن صاحب مفتاح الكرامة (قدس سره) الذي اختار كون القيمة مستحقة في التركة وليس في ذمة الوارث قال: ((وليعلم أنه إنما تُعتبر القيمة حال الموت لأنها تستحقها بالموت فلا عبرة بالزيادة والنقصان بعد ذلك، وإن تأخر التقويم)).

أقول: يأتي هنا التعليق بعدم الانسجام الذي ذكرناه في ذيل الفرع السابق مع ما اختاره من تحميلها التلف وعدم جواز تصرف الورثة.

ووجدت في بعض المصادر ما يحتمل أن يكون وجهاً لهذا القول، حاصله: ((عدم اقتضاء مجرد تعلق حقها بمالية العين لاعتبار خصوص القيمة وقت الدفع، بل هو مطلق منهذه الجهة فيمكن الاكتفاء بدفع القيمة وقت الموت، بل لعل ذلك هو المتعين بلحاظ كون زمان الموت ظرفاً لتعلق حقها بقيمة العين فيراعي تلك القيمة)).

ص: 242

أقول: ما دام حق الزوجة قد تعلّق بالمالية فهو إذن يتغير زيادة ونقصاً بتغيرها، أما كون الوفاة ظرفاً للاستحقاق فإنه لا يغير شيئاً، لذا أجيب: ((بأن مجرد ظرفية زمان الموت لاستحقاق القيمة لا يقتضي إطلاق القيمة فضلاً عن اقتضائه تخصيصها بخصوص وقت الموت، بل نقول: إنها تابعة لنفس العين في جميع الأزمنة، فما لم يدفع القيمة إليها من الخارج تستحق من العين ماليتها الفعلية القائمة بها، وبالجملة فرق واضح بين كون الزمان ظرفاً لتعلق حق الزوجة بمالية العين، وبين كونه قيداً لمتعلق حقها، وما أفيد إنما يتم في الثاني دون الأول))(1).

أقول: لتقريب الفرق بين كون الزمان ظرفاً أو قيداً استحضرت أدعية أيام شهر رمضان فإن منها مثلاً (اللهم ارزقني فيه كذا وكذا) و(اللهم طهرني فيه من كذا وكذا) ونحو ذلك، فكيف نفهم معنى (فيه)؟ والداعي طبعاً لا يريد تحقق هذه المطالب في يوم الدعاء فقط وإنما يريدها مطلقاً فهو يريد ذلك اليوم ظرفاً لاستجابة هذا الدعاء مطلقاً وليس أن المطلب مقيد بذلك اليوم فقط دون غيره.

إلفات:

تقدم الإشكال على صاحب مفتاح الكرامة في عدة مواضع من كلامه الذي قال فيه: ((إنما تعتبر القيمة حال الموت لأنها تستحقها بالموت فلا عبرة بالزيادة والنقصان بعد ذلك وإن تأخر التقويم، وهذه

ص: 243


1- نخبة الأفكار للشيخ محمد تقي البروجردي: 31.

القيمة مستحقة من التركة وليست متعلقة في ذمة الورثة، فلو غصبت التركة من الورثة لم يضمنوا لها فإن عادت عاد حقها، ولو نمت هذه الأشجار قبل التقويم كان النماء للورثة دون الزوجة لأن النماء تابع للأصل وهي لم تستحق في عين الأصل شيئاً، ولو باع الورثة هذه الأبنية والآلات قبل التقويم صح البيع فأن دفعوا إليها حصتها وإلا كان لها فسخه لتعلّق حقها بالمبيع))(1).

أقول: وقد أشكل على السيد الخميني (قدس سره) بما يشبه هذه الإشكالات إذ فُهم من بعض الفروع التي ذكرها (قدس سره) في رسالته العملية أنه يأخذ بالتصور الأول أي تعلّق استحقاق الزوجة في ذمة الورثة كقوله في المسألة (10): ((الأقوى أن الزوجة تستحق القيمة ويجوز لها أن لا تقبل نفس الأعيان، كما ليس لها مطالبة الأعيان)) بتقريب أن القولبأن إعطاء القيمة للزوجة عزيمة لا رخصة مبني على هذا القول كما سيأتي في الفرع الآتي.

وقوله في المسألة (6): ((المراد من الأعيان التي ترث الزوجة من قيمتها هي الموجودة حال الموت، فإن حصل منها نماء وزيادة عينية من حين الموت إلى حين القسمة لا ترث من تلك النماء والزيادة))(2).

ويظهر من بعض آخر العمل بالتصور الثاني أي الشركة في المالية كقوله في المسألة (11): ((الأحوط لسائر الورثة عدم التصرف

ص: 244


1- مفتاح الكرامة: 315/17.
2- تحرير الوسيلة: 360/2.

فيها قبل أداء قيمتها بغير إذنها)) وقوله في المسألة (7): ((المدار في القيمة يوم الدفع لا الموت، فلو زادت القيمة على القيمة حين الموت ترث منها، ولو نقصت نقصت من نصيبها، نعم الأحوط مع تفاوت القيمتين التصالح))(1).

أقول: لذا علّق أحد أعلام تلامذته على هذه المسألة قائلاً: ((هذا لكن مقتضى ما أفاده في المسألة المتقدمة –رقم 6- العدم، فإن الزوجة ترث من حين الموت. فإذا فرض ثبوت إرثها من القيمة فاللازم الالتزام بأن الثابت قيمتها في ذلك الوقت، وما ذكرناه في العينيات القيمية المغصوبة من كون الملاك يوم الأداء والدفع لا أياماً أخر، فإنما هو باعتبار كونمفاد (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) هو نفس كون المأخوذ على العهدة، وعدم الخروج عنها قبل الأداء، وهذا بخلاف المقام))(2).

أقول: ظاهر كلام السيد الخميني (قدس سره) أنه يختار تعلق حق الزوجة على نحو الشركة في المالية لذا التزم بآثاره كقيمة يوم الدفع ومنع الورثة من التصرف قبل أداء حقها، ولا يظهر من المسألة (10) أنه يقول بتعلق الحق في ذمة الورثة لعدم الملازمة، وأما قوله بعدم استحقاقها من النماءات العينية المتصلة والمنفصلة فيمكن بناؤه على:

ص: 245


1- تحرير الوسيلة: 360/2.
2- الفاضل اللنكراني في (تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة)، ج 23، كتاب الطلاق والمواريث: 476.

التفكيك بين النماء في المالية والنماء في العين فتستحق الزوجة من الأول -كزيادة القيمة السوقية- لأنها شريكة في المالية لذا كان المعتبر عنده القيمة يوم الدفع، وبين الزيادة العينية المتصلة أو المنفصلة فإنها فرع العين لا المالية.

أو على ما ذكرناه من التصوّر الثالث فإن حق الزوجة وإن تعلق بالقيمة فليس لها من النماءات إلا أن علقتها بالعين باقية فعليها التلف ونقصان القيمة، ولها من زياداتها. ولكننا أحلنا صحة هذا التصور على استطاعة العرف فهمه من الروايات.

وقال في وجه الاحتياط في المسألة (11): ((وأما كون الأحوط لسائر الورثة عدم التصرف في الأعيان قبل أداء قيمتها بغير إذنها فلكونها متعلقة لحقها وإن كانت محرومةمن عينها، وإن كان يحتمل أن يكون من قبيل تعلّق الخمس فإنه وإن كان ينتقل إلى العين إلا أنه يجوز احتمالاً التصرف فيها ونقله إلى الذمة))(1).

أقول: اتضح وجه الاحتياط مما ذكرناه في التصور الثالث ووجه الفرق بين تعلّق حق الزوجة والخمس.

ص: 246


1- المصدر السابق: 478.

الفرع العاشر: هل إعطاء القيمة رخصة أم عزيمة؟

بمعنى هل يجب على سائر الورثة دفع نصيب الزوجة من قيمة الأبنية والآلات، وللزوجة الامتناع عن قبول نصيبها من العين لو أراد الورثة إعطاءها منها إلا بمعاوضة جديدة؟ أم أن ذلك على سبيل الرخصة لسائر الورثة فلهم أن يعطوا نصيب الزوجة من القيمة أو العين وليس لها الامتناع عن قبولها؟ أي أن المعاوضة تكون قهرية على الزوجة.

يوجد قولان، بل وجهان كما عن المحقق السبزواري في الكفاية والسيد صاحب الرياض (قدس الله سريهما):

القول الأول: إنه عزيمة وذهب إليه الشهيد الثاني في المسالك والروضة والصيمري والمحقق الثاني والمحقق النراقي وصاحب الجواهر(1)

وبلغة الفقيه (قدس الله أسرارهم جميعاً).

وتبعهم من المعاصرين السيد السبزواري، قال (قدس سره): ((إعطاء القيمة لها عزيمة على الوارث وليس لها مطالبة الأعيان))(2)

ص: 247


1- مسالك الأفهام: 194/13، جواهر الكلام: 217/39، وحكاه الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: 451/11 عن المحقق الثاني، ومفتاح الكرامة: 315/17 عن الصيمري، مستند الشيعة: 385/19، بلغة الفقيه: 107/3، تحرير الوسيلة: 358/2، مسألة (10).
2- مهذب الأحكام: 258/30.

والسيد الخميني (قدس سره) قال:((الأقوى أن الزوجة تستحق القيمة، ويجوز لها أن لا تقبل نفس الأعيان، كما ليس لها مطالبة الأعيان)).

واستدلوا عليه بظاهر الروايات الدالة على عدم إرثها من العين وإنما ترث من القيمة في عدة مواضع؛ قال الشهيد الثاني (قدس سره): ((وظاهر النصوص أن القيمة تجب على الوارث على وجه قهري لا على طريق المعاوضة، فلا تأخذ الزوجة العين إلا أن يتعذّر عليها أخذ القيمة، فتأخذها على وجه المقاصّة بالقيمة كغيرها من أمواله، ولو أمكن رفع أمرها إلى الحاكم ليأمره بالدفع، أو يبيع شيئاً من ماله ويدفع إليها القيمة كغيره من الدين، ففي تقديمه على المقاصّة وجهان أجودهما تخيّرها بين الأمرين))، وقال المحقق النراقي (قدس سره): ((لأنه المستفاد من اللام – الظاهرة في الاختصاص والتمليك سيما في المواريث - المذكورة في قوله (لهن) كما في الروايات (4، 10، 11)، أو في قوله (للمرأة) كما في الرواية (12).

ولأنه مقتضى كون القيمة إرثا لها كما في الروايات (8، 11، 14).

ولأنه المفهوم من الحصر بالاستثناء في قوله (إلا أن يقوم أو إلا قيمة فلان) كما في الروايات (1، 14، 15).ولأنه مدلول الجعل المصرح به في الحديث (12).

ص: 248

بل هو الظاهر من قوله (ويقوم) أو (لكن يقوم) كما في باقي الأخبار.

ولو منع ظهوره فيكون محتملا للأمرين مجملا فيجب حمله على المبين))(1).

أقول: سيأتي في بيان الرأي المختار ما قيل في رد هذا الاستدلال إن شاء الله.

القول الثاني: إنه رخصة واستقربه المحقق الأردبيلي

اشارة

القول الثاني: إنه رخصة واستقربه المحقق الأردبيلي(2)

والسبزواري وقال في وجهه: ((لتسهيل الأمر لهم كما يظهر الإشعار بذلك من الروايات)) والسيد صاحب الرياض وأكثر مراجع العصر (قدس الله أسرارهم جميعاً)، ولخّص المحقق النراقي استدلالهم بوجوه:

((1- إن العلة المذكورة في الأخبار لذلك إنما هو عدم تضرر الورثة، فإذا رضي الوارث بالضرر أو كان ضرره في القيمة فلا يستفاد حكمه من الأخبار)). أقول: بتعبير آخر إن الروايات أفادت أن علة منع الزوجة من الأعيان هو مراعاة مصلحة سائر الورثة والإرفاق بهم لكي لا تفسد عليهم مواريثهم فإذارضوا بالضرر الحاصل

ص: 249


1- مستند الشيعة: 385/19.
2- مجمع الفائدة والبرهان: 451/11، كفاية الفقه: 861/2، رياض المسائل: 387/14.

فيما لو أعطوا من العين، أو كان في إعطائهم القيمة ضرر عليهم، فلا موضوع لتلك العلة وينتفي الحكم.

2- وبأن ورود أخبار الحرمان في مقام توهم تعين العين فلا يفيد سوى إباحة القيمة، وسبيلها سبيل الأوامر الواردة مورد توهم الحظر -فلا يفيد أزيد من رفع التوهم-.

3- وبأن ذلك يوجب بقاء عمومات إرثها على عمومها بالنسبة إلى الأبنية والآلات والأشجار من دون ارتكاب تخصيص فيها، بل تكون الرخصة في التقويم حكما آخر غير مناف للأول، ثابتاً بالأخبار، وذلك كرخصة مالك النصاب في الغلات في شراء قدر الزكاة منها وإعطاء القيمة، فإنه لا ينافي تعلق حق الفقراء بالعين ولا يوجب التخصيص فيما يدل عليه. والحاصل أنه تكون العين مختصة بها، ولكن جوز الشارع الابتياع القهري وإعطاء القيمة))(1).

ورد عليها جميعاً بقوله: ((والجواب أما عن الأول: فبان أكثر الأخبار الصحيحة خالية عن ذكر التعليل –وأنه حكمة لا علة-، مع أن التعليل كما يصلح علة للرخصة يصلحعلة للوجوب أيضاً –ولو حسماً لمادة الفساد غالباً-، وتخلف العلة في النادر بأن لا يستضر الورثة غير ضائر، لأن الحكم على الغالب.

ص: 250


1- مستند الشيعة: 385/19-386، واختصرها في بلغة الفقيه: 106/3.

((وعن الثاني: بأنه ممنوع، بل نقول: ورود الأخبار في مقام بيان الحكم، بل الظاهر ورودها في مقام توهم الحرمان عن القيمة أيضاً)).

وبتعبير آخر لصاحب بلغة الفقيه قال: ((وكون الأمر بالتقويم في مظنة توهم الإرث من العين ليس بأولى من كونه في مظنة توهم حرمانها من العين والقيمة معاً كالأرض فيكون ظاهراً في تعيين الإرث من القيمة))(1).

وعن الثالث: أنا لو سلمنا أن الرخصة لا توجب التخصيص في العمومات المذكورة ولكنها توجب خلاف أصل آخر هو الابتياع القهري، إذ بدونه لا معنى لعدم ارتكاب التخصيص في العمومات، على أنا لو قلنا بوجوب الابتياع القهري لا ينتفي التخصيص على المختار أيضا. هذا كله مع أن ارتكاب التخصيص في العمومات مما لا مفر منه أيضا باعتبار قوله في الأحاديث المتكثرة (لا يرثن من العقار) الصادق على الأبنية. فتأمل))، وبتعبير آخر للسيد صاحب البلغة قال: ((وبقاء العام على عمومه يرجع إليه عندالشك في التخصيص لا مع وجود المخصِّص، لما عرفت من كون الإرث من القيمة مفاد ظواهر الأخبار المستفيضة، بل المتواترة معنى)).

وردّ عليه بما ((عرفت من ظهور لفظ الإرث في ذلك)).

ص: 251


1- بلغة الفقيه: 101/3.

وأما التنظير بالزكاة ((فإنه قياس مع الفارق؛ لظهور أخبار الزكاة في تعلّق حق الفقير بنفس العين، مثل قوله: (في ما سقت السماء العشر)، وبعد قيام الدليل على جواز إعطاء القيمة بدلاً عن العين كان مقتضى الجمع أن ذلك من قبيل المعاوضة القهرية، ولم يقم مثله دليل هنا على تعلّق حقها بالعين، سوى العمومات التي قد عرفت حالها لتخصيصها بالظواهر المتقدمة))(1).

وعلق عليه بقوله: ((وفيه ما لا يخفى على المتأمل في الأخبار؛ فإن فيها ما هو ظاهر في تعلّق حقها بنفس العين، مثل قوله (عليه السلام) في رواية ابن مسلم: (ترث الفرع، ولا ترث من الأصل) وقوله (عليه السلام) في رواية محمد وزرارة: (إلا أن يكون أحدث بناءً فيرثن ذلك البناء) فالقياس في محله، وأي فرق بين الروايتين وبين قوله (عليه السلام) (في ما سقت السماء العشر؟)).أقول: وأجاب السيد الحكيم (قدس سره) عما في الجواب الأول من كونه حكمة لا علة ((بأنه إنما يتوجه لو كان غرض المستدل توريثها العين وجعلها كسائر الورّاث عند العلم بعدم الفساد، فيصحّ الجواب بأن التعليل حكمة)).

وأجاب عن فقرته الثانية بأنه يصلح للعزيمة كالرخصة قال: ((إن مجرد الإمكان والصلاحية لا يصلح أن يكون سنداً، بل اللازم في

ص: 252


1- بلغة الفقيه: 108/3، وتبعه السيد محسن الحكيم، مصدر سابق، ص 204.

الجواب منع ظهوره في الإرفاق على الوارث، بل يجوز كون المراد منه أن التوريث منشأ للفساد واختلال نظام الورثة، وهو مما لا يرضى به الشارع وإن رضي به الوارث)).

بناء هذا الفرع على شكل تعلّق حق الزوجة بالقيمة:

بنى عدد من الأعلام مختاره في هذا الفرع على مختاره في الفرع الخامس كصاحب الجواهر الذي اختار كون الإعطاء عزيمة، قال (قدس سره): ((وهل يجبر الوارث على التقويم أو تجبر هي على الرضا بالعين إذا رضي الوارث؟ وجهان: إلا أنه اختار الأخير منهما بعض المتأخرين، تمسكاً بما عساه يظهر هنا من كون التقويم رخصةً؛ جبراً لحال الوارث فهو كالأمر الوارد عقيب الحظر.وفيه أنه منافٍ لما دل على عدم إرثها من ذلك، ضرورة ظهورها في أنه لا تملك شيئاً من ذلك بالإرث، فلا مدخلية لرضا الوارث فيه.

بل لعل الأول لا يخلو من قوة خصوصاً بعد ملاحظة أنه كقيم المتلفات باعتبار تنزيل حرمان الشارع لها من العين وتخصيص من عداها بها منزلة إتلافه عليها، فيضمنون لها القيمة))(1) إلى آخر كلامه السابق.

ص: 253


1- جواهر الكلام: 216/39-217.

وتابعه عليه أحد الأعلام المعاصرين حيث قال: ((إن مجموع هذه الروايات تدل على نفي إرث الزوجة من أعيان الدور والعقار والقرى وحصر حقها في قيمة الأبنية وأجزائها.. (وقال: ) فتحصّل أنه لا دليل على أن المرأة ترث من نفس البناء وأجزائه وللوارث أن يعطيها قيمتها كما ذهب إليه بعض الأعلام، بل هي ترث من خصوص القيمة، فما يعطى الزوجة من القيمة هو من باب الحكم الإجباري، نظير سائر المواريث، لا أنه من باب كونه إرفاقاً بحال الوارث بحيث يكون حقّها متعلقاً بالعين، وللوارث إعطاؤها القيمة بدلاً عن العين؛ وذلك لدلالة الأخبار على نفي إرثها من الأعيان ولزوم إعطاء قيمتها لها))(1).أما بعض الأعلام المعاصرين فإنه اختار كون الإعطاء رخصة بناءً على ما اختاره في الفرع السابق حيث قال: ((إن حق المرأة متعلق بالمالية الخارجية للبناء لا المالية في الذمة أو بنحو الكلي في المعيّن، ويترتب على ذلك أنه يمكن لسائر الورثة إعطاؤها من نفس العين ولا يجوز لها الامتناع عن أخذ ذلك والمطالبة بالقيمة، وهذا هو مبنى ما ذكره جملة من الفقهاء من أن إعطاءها القيمة بنحو الرخصة لا العزيمة على الورثة)).

ص: 254


1- حكاه السيد محمود الهاشمي في مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 47، ص 32، عن السيد محسن الخرازي في رسالة (إرث الزوجة: 98-100).

وقال في موضع آخر ما يعتبر بياناً له: ((إن حق الزوجة في التركة من البناء والشجر غير مرتفع قطعاً؛ لأنه مقتضى أدلة الإرث وظاهر الروايات الخاصة حيث صرّح في أكثرها بدفع حقها من البناء بالقيمة، وهذا يعني عدم سقوط حقها منه، وإنما غايته إمكان دفع حقها بالقيمة ولزوم قبولها لها؛ بمعنى عدم جواز مطالبتها بالعين.

بل لو فرضنا ظهور الروايات في وجوب دفع القيمة إليها أيضاً لم يكن وجه للقول بسقوط حقها في العين غاية الأمر تعبداً جعل الوفاء متعيّناً بدفع القيمة وعدم الاجتزاء بدفع العين إلا على نحو المصالحة ونحوها؟ والنتيجة بقاء حقها في العين بنحو الشركة فيها أو في ماليتها ما لم يدفع لها حقها، فتترتب كل تلك الآثار المتقدمة عدا الاجتزاء بدفع العين إذا أرادت القيمة، وهذا لعمري واضح جداً.فما ذكر في كلمات صاحب الجواهر وغيره من دلالة الروايات على انتقال حقها إلى الذمة أو لزوم دفع القيمة بنحو الحكم الإجباري أو دلالتها على حصر حقها في القيمة لا مأخذ له؛ فإن التعبير بإعطائها من القيمة إنما هو في قبال لزوم إعطائها من العين، كما هو مقتضى القاعدة الأولية، وليس في قبال جواز إعطائها من العين إذا رضي الورثة بذلك، فمن أين استفيد هذا الإلزام الإجباري؟))(1).

ص: 255


1- المصدر السابق، ص 34-35.

أقول: وبعد أن ذكر عدة مسائل فرعية قال: ((كل ذلك يثبت على القاعدة بناءً على قبول أحد الوجهين))(1).

المختار في المسألة:

الأظهر من الروايات أن حق الزوجة متعين في القيمة لا العين لأنها بصدد بيان حق الزوجة وقد أفادت بأن حقها من القيمة بصيغ متعددة كقوله: (لهن قيمة البناء) وقوله: (إنما جعل للمرأة) واللام تدل على الاختصاص والتمليك، أو قوله: (يرثن قيمة البناء)، ويمكن أن يستفاد التعين من الحصر والاستثناء في عدة روايات كصحيحة الفضلاء (إلا أنيُقوَّم الطوب والخشب قيمة فتعطى ربعها أو ثمنها) ونحو ذلك من الدلالات التي أشير إليها (صفحة 381)، ولا مسوّغ للعدول عن هذا الظهور إلى الرخصة بإعطائها من العين بل فيه:-

1- مخالفة للجعل الشرعي بحرمانها من العين وإعطائها من القيمة، ومقتضى القول بالرخصة إعطاؤها من العين.

2- مخالفة لقواعد المعاوضات بأن تكون بالتراضي ولو أعطوها من العين مع تسليم الجميع بحرمانها منها بحكم الشارع فكأنهم أجروا معاوضة قهرية مع الزوجة من دون أخذ رضاها، ولم يثبت المسوّغ لها.

ص: 256


1- المصدر السابق، ص 36.

فالقول بالرخصة يحتاج إلى تكلّف وتأوّل ومؤونة زائدة، والقائل بها لا ينكر ظهورها العرفي في العزيمة كما اعترف السيد صاحب الرياض، قال (قدس سره): ((وإن كان الظاهر من النصوص وجوبها على الوارث على وجه قهري))(1)

إلا أنه قرأ الروايات واستدل بها على الرخصة بقرينتينن:-

إن قوله: (لهن قيمة البناء) وأمثاله لا يدل على التعين بل على أصل الاستحقاق لأنه ورد في مقام توهم تعين استحقاقها من العين كبقية التركة لاختصاص الحرمان1- بالأرض فوردت هذه الروايات لدفع توهم التعين فتفيد الرخصة كورود الأمر عقيب الحظر.

2- إن هذا الحكم جُعل إرفاقاً بالورثة ودفعاً للضرر والمفسدة عنهم فهو رخصة لهم وإذا لم يكن فيه ضرر أو رضوا بذلك الضرر فلهم أن يعطوا من العين ولا يأخذوا بالرخصة.

والأمران لا يصلحان لمخالفة ظهور الروايات:

أما (الأول) فلظهور هذا التعبير وغيره بالتمليك والحكم بالجعل وفي بعضها (كالروايات 1، 14، 15) حصرية بالاستثناء فلا حاجة إلى هذه التأويلات، ولا نفهم وجهاً لمخالفة الظاهر. مضافاً إلى أن هذا الاحتمال معارض باحتمال كون الروايات في سياق توهم

ص: 257


1- رياض المسائل: 388/14.

حرمانها من العين والقيمة كالأرض لتبعية الأبنية وآلاتها للأرض ونحو ذلك فيكون ظاهراً في استحقاقها من القيمة تعييناً.

وأما (الثاني) فلأن هذه المصلحة أحد وجوه الحكمة أو العلة ولم ترد في أكثر الروايات، والشارع المقدس أعرف بالمصالح والمفاسد الواقعية، ولو سلّمنا بكونها علة منحصرة فلا يستفاد منها الرخصة بل هي تجتمع مع الوجوب؛ لأن الشارع المقدس له القيمومة على الناس وهو أولى بهم من أنفسهم وأشفق عليهم وأعرف بمصالحهم فلا يفوِّضالأمر إليهم في بعض الحالات، كالإفطار والقصر في السفر فإنه إشفاق على المسافرين إلا أنه عزيمة عليهم وليس رخصة لهم.

الرجوع إلى الأصل:

ولو شككنا واحتكمنا إلى الأصل، فإن المسألة صغرى لدوران الأمر بين التعيين والتخيير فإما يتعين إخراج القيمة من غير عين الأبنية والآلات -على القول بالعزيمة- أو التخيير بين إخراجها من نفس العين أو غيرها، وهو يؤول إلى دوران الأمر بين الأقل -وهو كفاية إخراج القيمة مطلقاً- والأكثر -وهو مع خصوصية كون القيمة من غير العين-، ونلتزم هنا بكفاية إخراج القيمة من العين وغيرها وجريان البراءة من الخصوصية الزائدة -وهي تعين إعطاء القيمة من غير العين- ونتيجته القول بالرخصة.

ص: 258

ويمكن تقريب المسألة على نحو آخر حاصله أن دفع القيمة يتيقن معه ببراءة الذمة من الاشتغال اليقيني، أما دفع نصيب الزوجة من العين فلا يتيقن معه براءة الذمة فالمورد مجرى لقاعدة الاشتغال ومقتضاها دفع القيمة. لكن الأول وارد على الثاني.

وعلى أي حال فالأحوط للورثة دفع حق الزوجة من القيمة لا العين، ولكن إذا دفع الورثة من العين فالأحوط للزوجة عدم الامتناع والتراضي معهم عليها.مسألة: قال السيدان الحكيم والخوئي ووافقهما السيد الشهيد الصدر (قدس الله أرواحهم): ((لو لم يرغب الوارث في دفع القيمة للزوجة عن الشجر والبناء فدفع لها العين نفسها كانت شريكة فيها كسائر الورثة ولا يجوز لها المطالبة بالقيمة، ولو عدل الوارث عن بذل العين إلى القيمة ففي وجوب قبولها إشكال وإن كان الأظهر العدم))(1).

أقول: أصل المسألة مبني على كون دفع القيمة رخصة للوارث فالاختيار بيده ووجه الإشكال وترجيح العدم أن الوارث بعد أن رضي بدفع العين بدلاً عن القيمة فقد وقع الفرز والقسمة بالتراضي وثبت للزوجة نصيبها بالعين وتعينت فيها فلا خيار له بعد ذلك، وللزوجة الامتناع عن قبول القيمة.

ص: 259


1- منهاج الصالحين للسيد الحكيم بتعليق الشهيد الصدر: 489/2، المسألة 12، وللسيد الخوئي: 373/2، المسألة 1794.
الفرع الحادي عشر: لو لم يكن مع الزوجة وارث غير الإمام (عليه السلام)؟

فهل تحرم مما تحرم منه لو كان معها وارث آخر غيرها؟، وفرض المسألة مبني على القول بعدم الرد على الزوجة عند عدم الوارث، وإلا –كما حكي عن المفيد(1)

استناداً إلى صحيحة أبي بصير عن الصادق (عليه السلام)- فإن المسألة لا موضوع لها، وفي المسألة قولان:

(الأول) الحرمان، ووجهه:-

1- إنه مقتضى ((التدرج في طبقات الإرث وقيام اللاحقة مقام السابقة))(2).

إن ((مفاد الأخبار عدم استحقاقها الإرث لا تقديم الوارث عليها من باب المزاحمة والتقديم)) أي أن الروايات كصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (أن المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض) وصحيحة العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (ولا ترث من الرباع شيئاً) ومعتبرة ميسر عن أبي عبد الله (عليه السلام) (فأما الأرض والعقارات1- فلا ميراث لهن

ص: 260


1- راجع تفصيل القول في هذا المجلد: صفحة 172.
2- بلغة الفقيه: 106/3.

فيه) وغيرها:

ظاهرة في عدم استحقاق الزوجة الميراث من العقار مطلقاً وليس من باب تقديم الوارث الآخر عليها حتى يثبت لها الاستحقاق عند عدم الوارث.

(الثاني) عدم الحرمان: ووجهه:-

1- ((دعوى عدم انصراف المطلقات في الأخبار المخصصة إليها)) أي أن أخبار حرمان الزوجة من العقار المخصِّصة لعمومات التوريث لا تنصرف إلى محل البحث فلا تشملها ويبقى المورد تحت العمومات.

2- ((عدم إتيان حكمة الحرمان هنا)) أي أن علة الحكم بحسب الروايات هي عدم إفساد الميراث على بقية الورثة ومفروض المسألة عدم وجود وارث غيرها فلا موضوع للحكم.

وصف السيد صاحب البلغة القولين بأنهما وجهان متردداً بينهما، لكن السيد الحكيم (قدس سره) استقرب الأول ((لمنع انصراف المطلقات أولاً، ولظهور بعضالتعليلات في التعميم مثل ما في رواية ابن مسلم ورواية محمد بن سنان، بل وفي رواية ميسرة من قوله (عليه السلام): (ليس لها نسب ترث به، وإنما هي دخيل عليهم)(1).

ص: 261


1- رسالة في حرمان الزوجة من العقار منشورة في مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 43، ص 214.

أقول: ما ذكره (قدس سره) للترجيح غير كافٍ لانصراف المطلقات عما نحن فيه وظهور تعليلات حرمان الزوجة في الإضافة أي بلحاظ وجود ورثة نسبيين آخرين لا مطلقاً وهي صريحة في ذلك لقوله (عليه السلام): (عليهم) أي الورثة الآخرين وإلا فإن الزوجة هي أم النسب ووعاؤه واستحقاق الميراث لا يقتصر على الأنساب فلا يصح التمسك بالإطلاقات المذكورة واستفادة التعميم منها، والتردد باقٍ على حاله.

نعم الأمر هين هنا لأن شريك الزوجة في الميراث هو الإمام وهو ولي أمر الأمة ولا يدّخر وسعاً في إرضاء رعيته وسدّ احتياجاتهم.

ص: 262

الفرع الثاني عشر: إرث الزوجة من العقار الذي تعلق به الخيار

لو باع شخص أو اشترى عقاراً وكان له فيه الخيار ثم توفي قبل الأخذ به، فهنا مسألتان على فرض حرمان الزوجة من العقار.

أولاهما: هل ترث الزوجة من الخيار أم لا بلحاظ حرمانها من متعلقه وهو العقار؟

ثانيهما: لو كان العقار مشترى وفسخ الورثة فهل ترث الزوجة من الثمن المردود، أو كان مبيعاً فهل ترث منه إذا رُدّ؟.

وهنا ملاحظتان:-

1- ولا علاقة بين المسألتين بمعنى أن إرثها من المردود عند الأخذ بالخيار لا يتوقف على القول بإرثها من حق الخيار في المسألة الأولى، فإن الحق في الخيار يعني التسلط على الفسخ وحل العقد لا التسلط على المال الراجع بعد الحل، فليس إرثها للخيار علة لإرثها من الثمن المردود في الأرض المشتراة ولا من الأرض المبيعة.

2- وفي الحقيقة فإن البحث يجري في كل ما يحرم منه بعض الورّاث كما لو كان متعلق الخيار بعض الحبوة التي هي من مختصات الولد الأكبر.

وعلى أي حال، فهنا مسألتان:

ص: 263

المسألة الأولى: إرث الزوجة من الخيار المتعلق بالعقار

وهذه المسألة تَعرَّض لها الأصحاب (قدس الله أرواحهم) في باب الخيارات من كتاب البيع ولم يتناولوها في كتاب الميراث فحرموا من وجوه مستفادة من قواعد هذا الكتاب، ولهم فيها أقوال:-

1- التفصيل بين ما لو كان العقار مشترى أو مبيعاً، فلا ترث الزوجة من الخيار في المشتراة وترث من المبيعة وهو أحد الوجهين في فهم ما استقربه العلامة (قدس سره) في القواعد بعد تردد؛ قال (قدس سره): ((والخيار موروث بالحصص كالمال من أي أنواعه كان، إلا الزوجة غير ذات الولد في الأرض على إشكال، أقربه ذلك إن اشترى بالخيار لترث من الثمن))(1).

وقد فهمها على هذا النحو المحقق الثاني (قدس سره) وتبعه آخرون(2)

قال في جامع المقاصد شارحاً عبارة القواعد ((الخيار موروث لجميع الورّاث، مقسوم عليهم كالمال، إلا الزوجة غير ذات الولد في الأرض، فإنها لا ترث من الخيار المتعلق بها سواء كانت مبيعة أو مشتراة على إشكال ينشأ من أنه حق خارج عن الأرض فترث منه، ومن أنه من الحقوق المتعلقة بها

ص: 264


1- إبانة المختار في إرث الزوجة من ثمن العقار: لشيخ الشريعة الأصفهاني: 115.
2- إبانة المختار: 63.

فإرثه تابع لإرثها، ومع انتفاء التابع ينتفي متبوعه، والأقرب من هذا الإشكال عدم إرثها إن كان الميت قد اشترى أرضاً بخيار، فأرادت الفسخ لترث من الثمن، وأما إذا باع أرضاً بخيار، فإن الإشكال في هذه الصورة بحاله، لأنها إذا فسخت في هذه الصورة لم ترث شيئاً))(1).

التفصيل أيضاً لكن عكس الأول بمعنى إرثها في المشتراة والإشكال في المبيعة، وهو أيضاً مستقرب العلامة على الوجه الآخر لفهم عبارته، وأورده ولده فخر المحققين في الإيضاح وحكي عن السيد العميد وشيخنا الشهيد (قدس الله أرواحهم) قال فخر المحققين (قدس سره): ((ينشأ من عدم إرثها منها فلا يتعلق بها فلا ترث من خيارها (ومن) أن الخيار لا يتوقف على الملك كالأجنبي، ثم فرع المصنف دام ظله أنه لو كان المورث قد اشترى بخيار فالأقرب إرثها من الخيار لأن لها حقاً في الثمن ويحتمل عدمه لأنها لا ترث من الثمن إلا بعد الفسخ فلو علل بإرثها دار)).

أقول: تقريب الدور: أن استحقاقها الخيار معلل باستحقاقها من الثمن وهذا موقوف على الأخذ بالخيار والفسخ.1- ثم قال (قدس سره): ((والأصح اختيار المصنف فإن الشراء يستلزم منعها من شيء نزّله الشارع منزلة جزء من

ص: 265


1- جامع المقاصد: 306/4.

التركة وهو الثمن فقد تعلق الخيار بما ترث منه))(1).

أقول: ردّ عليه في جامع المقاصد بأنه خلاف الظاهر.

واستظهر البعض أنه يمكن أن يكون ((مختار المحقق الثاني في جامع المقاصد والشيخ حسن))(2).

واختار هذا التفصيل السيد الحكيم (قدس سره) أيضاً، قال (قدس سره) في المسألة: ((أقوال أقربها حرمانه –أي الوارث- إذا كان –ما يحرم منه- منتقلاً من الميت –أي مباعاً-، فلو باع الميت أرضاً وكان له الخيار لم ترث منه الزوجة، ولو كان قد اشترى أرضاً وكان له الخيار ورثت منه كغيره من الورثة))(3).

فائدة: تردّد صاحب الجواهر (قدس سره) بين هذين الفهمين بحسب عبارته ولم يظهر منها ترجيح أي من التفصيلين حيث لم يعيّن محل استشكال العلامة، قال (قدس سره):((وإن استشكل في أحدهما الفاضل في القواعد))(4).

أقول: لعل الأقرب فهم جامع المقاصد بحسب تسلسل العبارة لأن

ص: 266


1- إيضاح الفوائد: 487/1.
2- إبانة المختار: 116.
3- منهاج الصالحين بتعليق الشهيد الصدر: 70/2، أحكام الخيار، المسألة (1).
4- جواهر الكلام: 77/23.

العلامة (قدس سره) استثنى الزوجة من إرث الخيار وظاهره الإطلاق الشامل لكون العقار مبيعاً أو مشترى، ثم استشكل في ما قاله من عدم الإرث مطلقاً ثم استقرب ذلك –أي عدم إرثها- لكن في خصوص ما إذا اشترى المورث.

أما إذا لاحظنا التعليل (لترث من الثمن) فإنه يحتمل الفهمين.

فيمكن أن يكون وجهاً لاستحقاق الخيار في الإرث المشتراة باعتبار أنها غير محرومة من الثمن ولها استعادة حقها.

ويمكن أن يكون وجهاً للمنع من الخيار الذي تريد الفسخ به لترث من الثمن أي منعها في المشتراة لئلا ترث من الثمن وهو فهم جامع المقاصد، ويكون الغرض من المنع قطع الطريق عليها للإضرار بالورثة وإنقاص حصصهم من الثمن.

إرثها من الخيار مطلقاً سواء كانت الأرض مشتراة أو مبيعة، وحكي عن المحقق القمي(1)

واختاره صاحب الجواهر قال: ((يظهر لك قوة القول بإرث الزوجة غيرذات الولد للخيار فيما إذا اشترى أرضاً وله الخيار، أو باعها كذلك))(2).

وتبعه أعلام المعاصرين، كالسيد الخوئي (قدس سره) في رسالته العملية -على عكس ما في شرحه للمكاسب-، قال: ((أقوال أقربها: عدم حرمانه –أي الوارث وهي الزوجة هنا-،

ص: 267


1- إبانة المختار: 115.
2- جواهر الكلام: 77/23.

والخيار لجميع الورثة، فلو باع الميت أرضاً وكان له الخيار أو كان قد اشترى أرضاً وكان له الخيار ورثت منه الزوجة كغيرها من الورثة)).

وهو ظاهر الشهيد الصدر (قدس سره) قال في تعليقته على منهاج السيد الحكيم (قدس سره): ((إن كان الحرمان بمعنى عدم تأثير فسخه بمفرده فهذا مسلَّم حتى في غيره من الورّاث، وإن كان عدم احتياج نفوذ الفسخ من سائر الورثة إلى انضمامه إليهم في الفسخ فلا يخلو من إشكال، بل منع)).

واختاره السيد الخميني أيضاً، قال (قدس سره): ((ولو كان الخيار متعلقاً بمال خاص يحرم عنه بعض الورثة كالأرض بالنسبة إلى الزوجة والحبوة بالنسبة إلى غير الولد الأكبر فلا يحرم من الخيار المتعلق به مطلقاً))(1).1- الحرمان مطلقاً، ونُسب إلى المحقق الثاني (قدس سره) ووافقه الشيخ علي بن كاشف الغطاء في ذلك(2)،

لكن السيد الخوئي (قدس سره) حكى عن الشيخ الأنصاري (قدس سره) نفي هذه النسبة وأنه لم يقف على من جزم بعدم الإرث مطلقاً، وأضاف ((إلا أن المستشكل في الإرث مطلقاً موجود))(3)

ص: 268


1- تحرير الوسيلة: 482/1.
2- إبانة المختار: 115.
3- التنقيح في شرح المكاسب: ج40 من الموسوعة الكاملة، ص 132.

ويقصد نفسه لذا قال: ((والصحيح من هذه الأقوال هو القول بعدم الإرث مطلقاً))(1).

2- ما اختاره المحقق النراقي من التفصيل بين صورة انحصار الوارث بها فلا ترث مطلقاً، وعدم الانحصار بها فترث مطلقاً(2).

ووجهه أنه مع انحصار الوارث بها وحرمانها من إرث العقار حتى في هذه الصورة، فإن دليل توريث الحقوق المنحصر بالإجماع –عنده (قدس سره)- لا يشملها وحينئذٍ يكون مقتضى الأصل بقاء العقد وعدم انفساخه، وسيأتي في (صفحة 411 النقطة 4) ما يقرّب هذا الوجه أيضاً.

أقول: المسألة عميقة وفيها تفاصيل دقيقة وتستحق أن تُبحث بشكل مستقل لكنها خارجة عن محل البحث هنا وإنما نأخذ منها ما يتعلق بالمقام باختصار.

المختار: هو إرث الزوجة من الخيار مطلقاً:

والصحيح من الأقوال هو القول الثالث أي إرثها من الخيار مطلقاً؛ لوجود المقتضي لتوريث حق الخيار وعدم وجود المانع من شمولها به، أما المقتضي فوجوه:-

ص: 269


1- نفس المصدر السابق: ص 133.
2- مستند الشيعة: 415/14.

1- صدق عنوان (ما تركتم) في قوله تعالى: [وَلَهُنَّ الرُبُعُ مِمَّا تَرَكْتُم] [فَلَهُنَّ الثُمُنُ مِمَّا تَرَكتُم] (النساء:11) وعنوان (ما ترك) في قوله تعالى: [وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ] (النساء:7) ونحو ذلك على حق الخيار.

2- إن لفظ (الميراث) يقتضي ذلك؛ لأن معنى التوريث لغة: انتقال كل ما كان للميت وما اقتناه مما له مالية عرفاً وعقلائياً إلى ورثته، وهو معنى أمضاه الشرع المقدس وجرى عليه في خطاباته حيث أخذته الروايات مسلماً وتوجهت إلى بيان الشروط والموانع والكيفية ونحو ذلك، بل نجد في الروايات ما يؤكد ذلك كصحيحة أيوب بن عطية الحذاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث (ومن ترك مالاً فللوارث)(1)

وحق الخيار له مالية ويبذل بإزائه المال.1- الإجماع، وقد حكى السيد الخوئي (قدس سره) تحققه ((من الكل حتى العامة ولم يخالف في ذلك إلا الشافعي في خصوص خيار المجلس ولعله من جهة أنه يرى الموت افتراقاً فعدم إرث الخيار من جهة ارتفاعه بالافتراق لا إن الخيار لا يورث))(2).

ص: 270


1- وسائل الشيعة: 251/26: أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، باب 3، ح14.
2- التنقيح في شرح المكاسب، ج40 من الموسوعة الكاملة، ص 128.

2- النبوي المشهور (ما تركه الميت من حق فلوارثه) الذي استدل به الأصحاب في كتبهم(1).

وإذا ثبت أن حق الخيار مما يورث فالزوجة داخلة في الورثة ولها نصيبها منه ولذا فإنهم لم يتوقفوا عن توريث الزوجة من حق الخيار فيما لم تحرم منه.

هذا على مستوى الدليل العام أي أدلة انتقال الحقوق ومنها حق الخيار للورثة ومنهم الزوجة.

وأما على مستوى الدليل الخاص بميراث الزوجة فيمكن إضافة وجهين لم يذكرهما من تعرض للمسألة لأنهم تناولوها في الخيارات من كتاب البيع، وهما:-1- صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) في ميراث الزوجين قال: (يرثها وترثه من كل شيء ترك وتركت)(2)،

وحق الخيار داخل في هذا العموم.

2- ما دلّ على أن الزوجة لا ينقص نصيبها عن الربع أو الثمن كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (وإن الزوجة لا تنقص من الربع شيئاً إذا لم يكن ولد فإن كان

ص: 271


1- جواهر الكلام: 75/23 وحكي الاستدلال به عن المسالك ومفتاح الكرامة والرياض وغيرها.
2- وسائل الشيعة: كتاب الميراث، أبواب ميراث الأزواج، باب 7، ح1.

ولد فللزوج الربع وللمرأة الثمن)(1)

وحرمان الزوجة من حق الخيار إنقاص لنصيبها.

وقد نوقش في النبوي بأنه مرسل لم يُعثر عليه أصلاً في جوامع الحديث الخاصة والعامة، وناقش السيد الخوئي (قدس سره) في صدق عنوان (ما ترك) ((إذ يعتبر أن يكون الموروث مما له بقاء بعد موت الميت حتى يصدق عليه عنوان ما تركه الميت)) و ((لا بد من أن لا يكون الموروث مما يمضي بمضي الميت)) ((وأما حق الخيار فهو ليس كذلك)) إذ ((ما علّق عليه ارتفاع الملكية هو فسخ نفسه فإذا مات ولم يفسخ فلا يعقل أن يتحقق فسخه بعد ذلك، وفسخ الوارث أجنبي عن فسخ نفس العاقد المعلق عليه ارتفاع الملكية، وتنزيل فسخ الوارث منزلة فسخ المورّث يحتاج إلى دليل وجعل وهو مفقود،وعليه فلا يكون حق الخيار مما له بقاء بعد موت المورث وإنما هو يمضي بمضي نفسه، فالتمسك بأدلة الإرث غير نافع في المقام لعدم صدق عنوان ما ترك في الخيار))(2).

أقول: لذا لم يتم دليل عنده إلا الإجماع على إشكال في تحققه كما قال.

ص: 272


1- وسائل الشيعة: كتاب الميراث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، باب 1، ح1.
2- التنقيح في شرح المكاسب، مصدر سابق: 130/40.

ويجاب (نقضاً) بما أسميناه بالدليل الخاص وهما الوجهان المتقدمان حتى لو لم تسلم الإطلاقات والعمومات.

و(حلاً) بأنّ مناقشته (قدس سره) مردودة لأنه نظر إلى كون الخيار حقاً لشخص الميت فبنى على انتفاء الحق بموته والصحيح أن يُنظر إليه بعنوانه أي باعتباره مالكاً وطرفاً في الالتزام العقدي وهذا العنوان قد انتقل إلى وارثه ففيما تبقى من مدة الخيار يكون الورثة في مقام المالك وطرف الالتزام، فالدليل على انتقال الحق وتنزيل فسخ الوارث منزلة فسخ المورث موجود، اللهم إلا إذا اشترط المتعاقدان كون حق الخيار شخصياً.

ملاحظة: وإذا ثبت أن الخيار حق وتحققت صغرى الإطلاقات والأدلة السابقة على توريثه فلا حاجة إلى البحث عن ثمرة منح الخيار للزوجة، وربط إرثها منه بتحقق الثمرة كما يظهر من بعض الأقوال المتقدمة وبعض المحاولات الآتية.أما المانع –ونعني به ما ذكره الأصحاب بعنوان أدلة الحرمان- فوجوه بلغت ثمانية عند شيخ الشريعة الأصفهاني(1)

(قدس سره)،

ص: 273


1- إبانة المختار: 116-118.

نذكر أربعة منها ببيان من بعض الأعلام المعاصرين(1)

وتوضيح منّا إن شاء الله تعالى:-

الأول: ما تقدم في عبارة جامع المقاصد من أن الخيار من الحقوق المتعلقة بالأرض فإرثه تابع لإرثها، ومع انتفاء التابع ينتفي متبوعه.

أقول: بعد الالتفات إلى أن الصحيح في العبارة أن تقلب فإذا انتفى المتبوع انتفى تابعه، نقول إنه من الواضح أن هذا الوجه لو تمّ فإنه يختص بما إذا كانت الأرض مشتراة من قبل الميت لا مبيعه فلا يدل إلا على التفصيل في القول الأول، وعلى أي حال فقد أجيب بوجوه:-

1- إن الخيار ليس تابعاً للعين المشتراة أو المبيعة، وإنّما هو تابع للعقد ومتعلق به ومن شؤونه؛ ولهذا يبقى الخيار نافذاً حتى مع تلف العين، والوارث حيث إنّه يقوم مقام المورّث في كافة حقوقه يرث هذا الحق أيضاً؛ ولهذا يرث الخيار حتى إذا كان ما انتقل إلى الميّت بالخيار تالفاً قبل موت المورّث فلم ينتقل إلى الوارث.1- لو فرضنا أنّ الخيار متعلّق بالعين وتابع لها فلا دليل على أنّ كلّما يكون متعلّقاً بالأرض من الحقوق تحرم الزوجة منها؛ إذ لا دليل على ذلك، فإنّ روايات حرمان الزوجة المتقدّمة لا تقتضي أكثر من الحرمان عن إرث رقبة الأرض لا سائر الحقوق الثابتة فيها كما تقدّم شرحه.

ص: 274


1- مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 48، ص 16.

والحاصل: لا ملازمة لا عقلاً ولا شرعاً ولا عرفاً بين حرمان الزوجة من إرث رقبة الأرض وحرمانها من حقّ الخيار أو أيّ حق من الحقوق المالية الأخرى فيها كحقّ الشفعة أو حق الأولوية فيها ، فتكون إطلاقات الإرث شاملة لإرث الزوجة من الخيار أيضاً.

إنه حتى لو قلنا بالأمرين السابقين فإنه يمكن النظر إلى الحق الذي ترثه الزوجة من غير جهة الأرض التي اشتراها الميت وفيها حق الخيار فتحرم الزوجة منه تبعاً لحرمانها من الأرض، وذلك بالنظر إلى ثمنها الذي له مصيب فيه، فمن حق الزوجة أن تفسخ لتسترد حصتها من الثمن، وهذا الحق مشمول بإطلاقات وعمومات التوريث.

وبتعبير آخر ((إن كلّ حق ثابت للميت يترتّب عليه استحقاق الميّت لمال يمكن أن ترث منه الزوجة لا وجه لحرمانها منه، وحق الاسترداد للثمن في المقام1- كذلك فترث منه الزوجة))(1)،

وهذا المعنى هو الذي فهمه فخر المحققين وآخرون من عبارة العلامة المتقدمة فقالوا بالتفصيل الثاني (صفحة 393).

ويرد عليه: أن وجود حق للزوجة في الثمن أول الكلام لأنه متوقف على ثبوت الخيار وهو لم يثبت، والاستحقاق الشرطي

ص: 275


1- مجلة فقه أهل البيت، العدد 48، ص 16.

للثمن على تقدير الفسخ لا يُنشئ حقّاً فعلياً في الخيار.

وأشكل فخر المحققين باحتمال حصول الدور بناءً على هذا المعنى، قال (قدس سره): ((ويحتمل عدمه –أي إرث الخيار- لأنها لا ترث من الثمن إلا بعد الفسخ، فلو عُلّل بإرثها دار))(1).

بيانه: أن إرث الزوجة من ثمن الأرض –على القول به- فرع تحقق الفسخ، وهو متوقف على ثبوت الخيار لها، فلو أريد إثبات الخيار باستحقاقها من الثمن كان دوراً.

ويرد عليه ((أن استحقاقها للخيار الذي يعني حق الاسترداد للثمن لا تتوقف على ملكها بالفعل للثمن المتوقف على الفسخ وثبوت الخيار ليكون دوراً، بل متوقّف علىاستحقاقها من الثمن على تقدير الفسخ بنحو قيد الواجب والقضية التعليقية الشرطية، وهي صادقة قبل الفسخ، فلا دور))(2).

أي أن المتوقف عليه الخيار –بناءً على هذا الوجه ومع قطع النظر عن أدلة استحقاق الزوجة الخيار- هو الاستحقاق التقديري للثمن أما المتوقف على الخيار فهو الاستحقاق الفعلي له.

ص: 276


1- إيضاح الفوائد: 487/1.
2- حكاه في إبانة المختار: 121 عن المحقق القمي وأورده في مجلة فقه أهل البيت، العدد 48، ص 16.

الثاني: إرث الخيار للزوجة يوجب إبطال حق سائر الورثة في تمام الثمن وهم الذين اختصوا بملك الأرض كاملة، وهو لا يجوز إلا إذا قام عليه دليل خاص، وهذا الوجه كالوجه السابق يختص أيضاً بما إذا كانت الأرض مشتراة بخيار لا العكس أي ينتج القول الأول.

وفيه: أنّ هذا –أي فرض اختصاصهم بالثمن كاختصاصهم بالأرض دون الزوجة حتى يرد المانع- أوّل الكلام؛ فإنّه لم يثبت استحقاق سائر الورثة وعدم إمكان إبطاله عليهم إلا إذا ثبت عدم الخيار للزوجة، وإلا كان هو المتعيّن إذا كان مقتضى القاعدة نظير جعل الخيار للأجنبي الموجب لإبطال حق المتبايعين المختصين بالملك. وفي المقام مقتضى أدلّةالإرث وشمولها للحقوق المالية كالخيار والشفعة ثبوتها للزوجة أيضاً مع سائر الورثة، فإخراجها عن استحقاق إرث الخيار بحاجة إلى دليل.

ويمكن صياغة هذا الوجه بنحو أظهر من عبارة إبانة المختار وحاصله: أن الأرض انتقلت إلى بقية الورثة قطعاً، وفسخ الزوجة عبارة عن إبطال حق –وهو اختصاصهم بالأرض- ثبت لغيرها.

ويرد عليه: إنه مجرد شبهة بعد قيام الدليل على حقها في الخيار، مضافاً إلى أن الفسخ لا يحصل إلا باختيار جميع الورثة الخيار فيكون برضاهم فلا مانع.

ص: 277

الثالث: ما نسب إلى الشيخ علي كاشف الغطاء من أنّ مشروعية الخيار للإرفاق، وجعل الخيار للزوجة فيما إذا كانت الأرض مبيعة بالخيار خلاف الإرفاق بحقها؛ لأنّها إذا فسخت وردّت الأرض حرمت منها وتضرّرت. وهذا الوجه يختص بما إذا كانت الأرض مبيعة بخيار، ولا يتم فيما إذا كانت مشتراة كذلك، أي أنه يدل على القول الثاني، وسيأتي تفصيله (صفحة 406).

وفيه: منع ذلك كبرى وصغرى، فإنّه لا وجه لتخصيص الخيار بما إذا كان إرفاقاً بحق من له الخيار؛ ولهذا يمكن جعله للأجنبي. كما أنّ الزوجة قد تستفيد من استرجاعالأرض المبيعة بخيار –كما أشار إليه المحقّق القمّي في ما سننقل عنه (صفحة 405)- كما إذا كانت الأرض مبيعة بثمن بخس وكان سائر الورثة أولادها الصغار، وهي القيّم عليهم بحيث يكون استردادها أنفع بحالهم وحالها.

الرابع: إنّ الخيار إنّما يكون تركةً وحقاً مالياً مشمولاً لأدلّة إرث الخيار إذا كان يترتّب عليه نفع مالي للوارث، وهذا إنّما يصدق بالنسبة للزوجة إذا كانت ترث شيئاً بسبب هذا الخيار، كما إذا كانت الأرض مشتراة بخيار، لا ما إذا كانت تفقد ذلك، كما إذا كانت الأرض مبيعة كذلك، فهو يدل على القول الثاني، ومن هنا ذهب العلامة وغيره إلى التفصيل المذكور بناءً على فهم فخر المحققين (قدس سره).

وفيه: أنّ مالية الحق وصدق التركة عليه لا يتوقف على ذلك، بل يكفي فيه كونه نافعاً في نفسه عقلائياً سواء لذي الخيار أو لغيره

ص: 278

بحيث يمكن أن يبذل بإزائه مال من قبل من يمكن أن ينتفع به، وهذا حاصل في خيار الزوجة كالأجنبي.

أقول: اتضح من أكثر الوجوه أعلاه أنها تربط بين مسألتي هذا الفرع فتبحث عن الثمرة والمصلحة للزوجة في القول الذي تختاره في إرثها من حق الخيار وقد قدّمنا بأنه لا ربط بين المسألتين؛ لأن حق الخيار من آثار العقد، ولا يتأثر بطبيعة المبيع والثمن وأحكامهما،وعليه فلا يصحّ التوقف عن الأخذ بأدلة استحقاق الزوجة للخيار إلى أن تجد المصلحة لها، فقد تكون المصلحة معنوية أو تعود لغيرها ممن يهمها أمره ونحو ذلك.

فالمختار هو استحقاق الزوجة الخيار كسائر الورثة، ونقوّي هذا القول بأمرين:-

1- روايات التعليل التي أفادت بأن حرمان الزوجة من العقار لكيلا تفسد على الورثة ميراثهم وهذا المحذور غير متحقق فيما نحن فيه لأن الخيار لا يمنح لكل وارث مستقلاً ولا بمقدار حصته فالزوجة لا تستطيع الفسخ بمعزل عن الورثة الآخرين فلا محذور يوجب حرمانها.

2- إنه الموافق للأصل بتقريب أشرنا إليه إجمالاً وهو مكون من مقدمتين (إحداهما) أنّ الخيار كما كان للمورث ينتقل إلى مجموع الورثة وأنّه ليس ممّا يتحصّص بالحصص وأنّ المورث لم يملك إلاّ فسخ الجميع والمنتقل إليهم إنّما هو حقه والزوجة

ص: 279

داخلة في أهل الخيار، إذ لم يثبت من أدلّة الخيار إلاّ الانتقال إلى الجميع الذين منهم الزوجة، فلم يعلم الانتقال إلى من سواها خاصّة. (ثانيهما) أن الأصل في الأخذ بالخيار هو لمن ينطبق عليهم كلي عنوان الوارث –واحداً أو متعدداً- فإعطاؤه للورثة دون الزوجة على خلاف الأصل وهو يحتاج إلى دليل يخرجها والمفروض عدمه.

تقييم الأقوال الأخرى:
(القول الأول) وهو تفصيل العلامة (قدس سره) بحسب فهم جامع المقاصد...

وهو تفصيل العلامة (قدس سره) بحسب فهم جامع المقاصد بين الأرض المشتراة فلا ترث من الخيار لأنه تابع للأرض التي تركها الميت، والزوجة محرومة منها، وبين المبيعة فترث الزوجة من الثمن الذي تركه الميت وكان المانعان الأول والثاني (صفحة 399-400) دليلاً على هذا القول وقد رددنا عليهما.

وقد عبّر السيد الخوئي (قدس سره) عن دليل هذا الوجه بصياغة أخرى أخذها من توجيه السيد اليزدي والشيخ المامقاني قوليهما في المسألة التالية (صفحة 417) قال (قدس سره): ((إذا كان المنتقل إلى الميت مما لا ترث منه الزوجة -وهو العقار هنا- فإنها لا سلطنة لها عليه حينئذٍ، ولا يتمكن من إرجاعه إلى مالكه الأول،

ص: 280

والخيار سلطنة لإرجاع ما انتقل عنه بعد تسلّطه على ما وصل بإزائه))(1).

أقول: يرد عليه بمثل ما أوردنا على أصل الدليل لأن السلطنة على الخيار من آثار العقد وليس من توابع السلطنة على العين.

(القول الثاني) وهو تفصيل العلامة (قدس سره) بحسب فهم ولده فخر...

(القول الثاني) وهو تفصيل العلامة (قدس سره) بحسب فهم ولده فخر المحققين وآخرين وهو عكس الأول أي حرمانها من الخيار في الأرض المبيعة دون المشتراة، وكان المانعان الثالث والرابع (صفحة 402) دليلاً عليه نعيدهما بشيء من التفصيل وقد حُكيا عن الشيخ علي كاشف الغطاء(2) (قدس سره):-

الأول: إن الخيار إنما شُرّع للإرفاق ورفع الضرر، ومن المعلوم أن فسخها في الأرض المبيعة ليس بإرفاق لها، بل ضرر عليها، فهو سفه لا إرفاق، إذ قبل الفسخ كانت مالكة للثمن، وبالفسخ يفوت عليها الثمن والمثمن.

الثاني: إن الأصحاب عللوا كون الخيار موروثاً بأنه حق مالي، ومرادهم بالحق المالي أن يكون ذلك المال مما يعود إلى من ينتقل إليه الخيار إذا فسخ بالخيار، ولا ريب في أن الزوجة المفروضة لا ترث من الأرض أصلاً فسخت أو لم تفسخ.

ص: 281


1- التنقيح في شرح المكاسب: 132/40.
2- إبانة المختار: 70.
ويجاب الأول:-

1- بأن الإرفاق حكمة لا علة يدور الحكم مداره وإلا لانتفى الخيار فيما إذا كان مضراً بحال المختار.1- إن المصلحة المتصورة للزوجة أوسع من إرثها من العين المردودة فيمكن أن تفسخ لمصلحة الورثة الآخرين كأولادها بإرجاع العقار الثمين إليهم فتضحّي بثمنها من الثمن من أجلهم ونحو ذلك، وذكر المحقق القمي ((تصويراً لوصول نفع فسخ الأرض المبيعة إليها مع حرمانها منها، فيما لو فرض أن الميت باع الأرض بثمن بخس لكونها كاسدة حين البيع، والآن ارتفعت وتريد الزوجة أن تتزوج بأخي الميت، والمفروض أن الوارث هو الأخ، وهذه الزوجة، فهي باعتقاد أن ما كان للزوج فهو لولدها الذي يتولد منها. فلا ريب أن المصلحة لها حينئذٍ قطع النظر عن ذلك الثمن القليل واسترجاع الأرض، وإن لم ترث منها بنفسها))(1).

ويجاب الثاني:-

ص: 282


1- إبانة المختار: 68.

1- بمنع الملازمة بين الفسخ وحصول المال كما لو كان الخيار للأجنبي، ((وقد يورث ما لا تعلّق له بالمال كحق القذف ويقرب منه حق القصاص))(1).

منع كون المراد من الحق المالي ما ذكر، بل يكفي في ماليته أن يكون مما يبذل بإزائه المال أو له نفع عقلائي للزوجة أو لمن يهمها أمره سواء رجع إلى المختار1- أو من هو منصوب من قبله مال بسبب الخيار أو لا كالشفعة مثلاً، وتقدم (صفحة 403) ما يرتبط بهذه الأجوبة.

واستبعد صاحب الجواهر (قدس سره) حرمان الزوجة من الخيار في كلا التفصيلين أي سواء كانت الأرض مبيعة أو مشتراه لعدم المانع، قال (قدس سره): ((إن حق الخيار في الثاني –أي كون الأرض مبيعة- قد تعلّق بالثمن الذي انتقل إليها بالإرث فيتبعه الخيار، وإن كان لو فسخت حرمت، إلا أن ذلك لم يثبت مانعيته من الإرث -وهذا رد على القول الثاني-، كعدم ثبوت اشتراط إرثه بالتبعية لعين -وهذا رد على القول الأول-، فلها أن تفسخ في الأول -وهو ما لو كانت الأرض مشتراة- أيضاً وترث من الثمن))(2) لذا قوّى (قدس سره) القول الثالث بإرثها من الخيار مطلقاً كما تقدم.

ص: 283


1- جواهر الكلام: 77/23.
2- جواهر الكلام: 77/23.

وصنع السيد الخوئي (قدس سره) من كلام الشيخ المامقاني في جوابه على المسألة التالية(1) إشكالاً على القول بالتفصيل في الجملة بما ((إذا كان المبيع عقاراً وقد باعه الميت ثم فسخه أحد الورثة أو المشتري فقد ذكروا أنّ العقار ينتقل إلى الميت وينتقل الثمن إلى المشتري فيؤخذ الثمن من الورثة ومنهم الزوجة ويدفع إلى المشتري، ولكنّه ممّا لم يتّضح لنا وجهه وذلك لأنه على خلاف ما يقتضيه الفسخ في المعاملات، إذالمفروض أنّ الثمن كان ملكاً للميت ولمّا مات قسّم بين الورثة ومنهم الزوجة لأنها ترث من النقود والثمن، فإذا فسخ العقد ورجع العقار إلى ملك الميت فلابدّ من أن يخرج الثمن إلى المشتري من ملك الميت لا محالة لأنه مقتضى الفسخ في المعاوضات، وحيث إنّ الميت لا مال له لخروج أمواله عن ملكه إلى ورثته نظير ما إذا أخرجه عن ملكه بالهبة والبيع ونحوهما من التصرفات، فيكون مديوناً للمشتري بمقدار الثمن فيجب على الورثة بأجمعهم أن يؤدّوا دينه بالتوزيع بينهم ومنهم الزوجة، لا أنّ الثمن يؤخذ من الورثة ومنهم الزوجة ويدفع إلى المشتري، فإنّ الزوجة بعد ما ملكت حصتها من الثمن وكذا غيرها من الورثة يحتاج إخراجه عن ملكها إلى مخرج جديد ولا مخرج له عن ملكها كما هو واضح، إذ العقار لا ترجع إليها حتى يخرج مقابلها من كيسها وقد قلنا إنّ الفسخ حل العقد من حينه وهو يفيد ملكية جديدة لا أنه حل العقد من أصله وإرجاع للملكية

ص: 284


1- إبانة المختار: 178، رسالة (المحاكمة بين علمين من المعاصرين).

القديمة، وإنما يرجع إلى الميت وهو المطالب بالثمن، ويكون ذلك من قبيل ديون الميت يجب على الورثة ومنهم الزوجة أن يخرجوا عن عهدة ديونه بحسب حصصهم ولا يستردّ من الزوجة ما وصل إليها من الثمن بحصتها، وبين الأمرين فرق ظاهر والثمرة بينهما ظاهرة))(1).

أقول: ترد عليه (قدس سره) عدة ملاحظات:-1- لم يحدّد القول الذي يرد عليه الإشكال لأن فرض الأرض مبيعة قد يفترض فيه (تارة) وجود الخيار للزوجة –كما في القولين الأول والثالث- وحينئذٍ تستطيع الزوجة منع الفسخ ودفع الإشكال. (وتارة) بعدم وجود الخيار –كالقول الثاني- فيمكن أن يكون للإشكال مورد، فلا بد من التقييد، ولعله أراد فرض عدم الخيار للزوجة إذ فرض الفسخ فعل سائر الورثة أو المشتري.

2- إن إشكاله (قدس سره) مبني على ما يقتضيه الفسخ في المعاملات –كما صرّح (قدس سره)- وهذا وحده غير كافٍ للإشكال لوجود حكم خاص في المسألة وهو حرمان الزوجة من العقار فما المانع أن ترجع الزوجة حصتها التي ورثتها من الثمن ولا تأخذ ما يقابلها من العقار لوجود الحكم الخاص.

3- إن إشكاله (قدس سره) يكون له وجه فيما لو كان الفسخ والاسترداد يجري بين الورثة والمشتري مباشرة، لكن الذي

ص: 285


1- التنقيح في شرح المكاسب: 133/40-134.

يحصل رجوع الثمن من الورثة إلى الميت ثم حصول الاسترداد والرد في ذمة الميت ومن ثم يوزَّع الميراث وهو العقار الذي تحرم منه الزوجة؛ بناءً على ما هو الصحيح من عودة العقار بالفسخ إلى ملك الميت ولو حكماً ولا مانع منه كما سنبيّن في المسألة الثانية إن شاء الله تعالى، ولازمه خروج الثمن من ملك الميت.

(القول الرابع) حرمان الزوجة من الخيار مطلقاً واختاره السيد الخوئي (قدس سره)...

(القول الرابع) حرمان الزوجة من الخيار مطلقاً واختاره السيد الخوئي (قدس سره) في شرحه على المكاسب –على عكس ما اختاره لاحقاً في رسالته العملية-بناءً على ما انتهى إليه من انحصار دليل إرث حق الخيار بالإجماع -كما عند المحقق النراقي (قدس سره) من قبل- فإنه لم يورث الزوجة منه لوجود الخلاف فيه، لذا قال (قدس سره) بعد أن ذكر الأقوال في المسألة: ((والصحيح من هذه الأقوال هو القول بعدم الإرث مطلقاً، والوجه في ذلك ما ذكرناه سابقاً من أن إرث الخيار ليس على طبق القاعدة فإنها تقتضي اختصاص الخيار بخصوص المورّث، لأن فسخه هو الذي قيّد به الالتزام المعاملي لا مطلق الفسخ، وإنما ثبت بالإجماع على خلاف القاعدة والمتيقن منه هو صورة كون ذي الخيار وارثاً للمال، ولا إجماع محقق في إرث الزوجة من الخيار

ص: 286

المبحوث عنه لأنه محل الخلاف والأقوال كما نقلناها آنفاً، فلا وجه لإرث الزوجة من الخيار في المقام أصلاً))(1).

ويرد عليه:-

لا شك في أن الإجماع منعقد على أن الحقوق كالأعيان والأموال تورث، وقد ورّثوا الزوجة من حق الخيار في الأموال والأعيان، وإنما حصل الخلاف في1- ميراث الزوجة من الخيار في الأرض لخصوصية في ميراثها منها، وهذا لا يضر بالاستدلال بالإجماع، وإشكاله ليس على مقتضي الاستحقاق وإنما بسبب وجود أحد الموانع المتقدمة ولم يسلم منها شيء.

2- إن إرث الخيار ليس خلاف القاعدة لما قلناه من أن صاحبه ليس الشخص بنفسه فينتفي بموته وإنما هو له بعنوانه مالكاً وطرفاً للعقد وهذا له بقاء وينتقل إلى الورثة.

3- إن النكتة التي ذكرها لسقوط الخيار ثبوتية مستندة إلى قصد المتبايعين وطبيعة العقد و((العقود تبع القصود)) –كما قيل- فلا يصححها دليل إثباتي مثل الإجماع أي أن الحكم بحرمان الزوجة حينئذٍ آبٍ عن التخصيص، ولو صحّت هذه النكتة فإنها تصحّ في كل الورثة وكل متعلقات الخيار ولا تختص بميراث الزوجة من العقار وهذا مخالف لإجماع المسلمين.

ص: 287


1- المكاسب: 112/6.

مقتضى التحقيق وهو مختار السيد الخوئي (قدس سره) أيضاً(1)

أن الخيار ثابت لمجموع الورثة وليس لبعضهم مستقلاً ولا لكل واحد بما يقابل حصته، وحينئذٍ لا يضرّ الاعتراض من جهة عدم الدليل على ميراث الزوجة من الخيار لأنها داخلة في1- المجموع والأصل معها وإذا أراد حرمانها من حق الخير فلا بد من دليل يثبت حرمانها من الخيار وإخراجها من المجموع وهو ما لم يثبت وحينئذٍ يكون مقتضى الأصل ثبوت العقد حتى لو فسخ سائر الورثة لعدم استحقاقهم الخيار بدون الزوجة أما الزوجة فيكفيها دخولها في مجموع الورثة، اللهم إلا إذا انحصر الميراث بها فلا يوجد مجموع حتى تدخل فيه وحينئذٍ يكفي عدم الدليل على استحقاقها –لعدم دخول المورد في القدر المتيقَّن- لحرمانها من الحق، وهذا البيان يقرِّب قول المحقق النراقي (قدس سره) المتقدم، وستأتي مناقشته إن شاء الله تعالى.

ولعل جملة من الأجوبة المتقدمة انقدحت في ذهن السيد الخوئي (قدس سره) لاحقاً فأوجبت عدوله إلى نقيض ما صحّحه هنا

ص: 288


1- قال في المسألة (1) من أحكام الخيار: ((إذا تعدد الوارث للخيار فالظاهر أنه لا أثر لفسخ بعضهم بدون انضمام الباقين إليه في تمام المبيع ولا في حصته)).

في رسالته العملية حينما استقرب إرثها مطلقاً في ما نقلناه (صفحة 395).

(القول الخامس) وهو تفصيل المحقق النراقي (قدس سره)...

اشارة

(القول الخامس) وهو تفصيل المحقق النراقي (قدس سره) بين انحصار الوارث بالزوجة فتحرم من حق الخيار، وعدمه فلا تحرم.

وقد بنى (قدس سره) تفصيله على كون دليل استحقاق إرث الخيار منحصراً بالإجماع وهو غير متحقق في ما نحن فيه، وقد قرّبنا فكرته بأن الموجب لاستحقاق الخيارهو دخولها في مجموع الورثة حيث دلّ الإجماع على أن الخيار ينتقل إلى الجميع، ولم يثبت مخرج لها فلا يضرّها عدم الدليل الخاص على ميراثها من حق الخيار، أما عند انفرادها فلا مجموع حتى تدخل فيه فنحتاج إلى دليل على استحقاقها من الخيار ولا دليل لأن الإجماع لا يشملها لكون الصورة خارجة عن القدر المتيقن.

وقد تحصّل من مناقشاتنا السابقة عدة وجوه للرد عليه:-

1- عدم انحصار الدليل على إرث الخيار بالإجماع لوجود الإطلاقات والعمومات التي لا يفرّق فيها كون الوارث متعدداً أو متحداً، مضافاً إلى الأدلة الخاصة في المسألة.

2- لو انحصر الدليل بالإجماع فإن هذا المورد ليس خارج القدر المتيقن وخلافهم فيه لأمر خارج وهي قضية حرمانها من العقار فلا يضرّ بالإجماع كما ذكرنا (صفحة 287).

ص: 289

3- على القول بالرد على الزوجة عند انفرادها –كما عن المفيد- لا يبقى موضوع لهذا المنع فيحسُن التقييد وإن كان قول المفيد شاذاً.

وقد اعترف (قدس سره) بأنه بناءً على استظهار العموم من الروايات يكون القول بإرث الخيار مطلقاً هو الصحيح قال (قدس سره): ((ولو انحصر الوارث فيها فالحق –علىما ذكرنا من انحصار الدليل بالإجماع- عدم انتقال الخيار إليها، وأما على الاستدلال بالظواهر يجب الحكم بالثبوت، لعدم مخرج لإرث الزوجة عن الخيار))(1).

ص: 290


1- مستند الشيعة: 415/14.

المسألة الثانية: في إرث الزوجة من الأرض أو ثمنها المردودين على فرض الفسخ بالخيار

وهذه المسألة لم يحررها الأصحاب (قدس الله أرواحهم) بعنوانها في كتاب الميراث، لكن يمكن استظهار أقوال بعضهم مما ذكروه في المسألة الأولى حتى ورد استفتاء فيها إلى علماء النجف إبّان مرجعية الكاظمين اليزدي والخراساني (قدس الله سريهما) صاحبي العروة والكفاية (سنة 1317 ه-) فصدرت أجوبة متباينة وعزّزوها بالاستدلال نصرة للأقوال فحرّر اليزدي (قدس سره) رسالة صغيرة نسبياً، وأفاض شيخ الشريعة الأصفهاني (قدس سره) –الذي تبنى قولاً مخالفاً للسيد اليزدي (قدس سره)- في الاستدلال وألّف رسالة موسعة بعنوان ((إبانة المختار في إرث الزوجة من العقار بعد الأخذ بالخيار)) ثم وقعت الرسالة بيد الأخوند الخراساني (قدس سره) فوافقه في الجواب وأثنى عليها إلا أنه سجّل عدة ملاحظات أجاب عليها شيخ الشريعة في رسالة ثانية بعنوان ((صيانة الإبانة عن وصمة الرطانة)) واختار الشيخ محمد حسين المامقاني قولاً بالتفصيل بين السيد والشيخ ثم تدخل ولده الشيخ عبد الله المامقاني (قدس سره) فألّف ((المحاكمة بين علمين)) وقد جمعت رسائل الشيخ الأصفهاني والمامقاني وغيرها وطبعت في مجلد بعنوان ((إبانة المختار)).

ص: 291

والسؤال الوارد كان كالتالي ((رجلٌ اشترى أراضي وأعياناً بشرط خيار الفسخ للبائع إذا ردّ مثل الثمن في مدة معينة، ثم مات المشتري قبل مضيّ مدة الخيار وفسخ البائع فهل ترث زوجة المشتري من تمام الثمن المردود، ربعها، أو ثمنها؟ أو من خصوص ما يقابل الأعيان فقط بعد البناء على حرمانها من الأراضي عيناً وقيمة))(1).

ومنشأ السؤال أن المورِّث حينما مات ترك أرضاً والمفروض عدم استحقاق الزوجة شيئاً منها، لكن البائع لما فسخ العقد وأرجع الثمن إلى الورثة فإنه مما لا تحرم منه الزوجة، فهل تحرم الزوجة من الثمن باعتباره مقابل الأرض التي كانت الزوجة محرومة منها عند الوفاة، أم أنها ترث منه كبقية الأموال والأعيان التي تستحق الزوجة نصيبها منها.

الأقوال في المسألة:

وقد ذهب السيد اليزدي (قدس سره) إلى حرمانها من الثمن المردود، وقال في وجهه: ((وذلك لأنها حين الموت لم ترث منها بل انتقلت بتمامها إلى بقية الورثة فبدلها المردود بالفسخ ينتقل إليهم دونها؟ فإن الفسخ وإن لم يكن معاوضة جديدة بل هو حلللعقد سابقاً إلا أنه لما كان مؤثراً من حينه يوجب زوال استمرار الملكية لا

ص: 292


1- إبانة المختار: 24.

زوالها من الأول، ومقتضاه تبدّل ملكية الوارث لما ورث، لا الانتقال إلى الميت))(1).

وأجاب شيخ الشريعة على الاستفتاء بخلاف ما ذهب السيد اليزدي (قدس سره) فقال: ((لا خلاف بل لا إشكال في إرثها من جميع الثمن المردود، وأنّ المدار في إرثها وحرمانها على ملاحظة التركة بعد الفسخ، فإن كانت الأرض مبيعة بمعنى أنّ الميّت باعها ورجعت بالفسخ حُرمت منها الزوجة، وإن كان قد انتقل إليها عوضها فيؤخذ منها الثمن ولا يردّ عليها شيء من الأرض، وإن كانت مشتراة كما في المفروض ورثت من الثمن الراجع، وإن حُرمت حال الموت من الأرض من غير فرق في المسألتين بين كون الخيار للميّت أو للطرف الآخر أو لأجنبي.

فإنّ الفسخ وإن كان من حينه إلاّ أنّه يوجب حلّ العقد الواقع بين الميّت وطرفه ونقض ما أبرماه، فبعد الفسخ يصير الثمن في حكم مال الميّت في المفروض، ويرتفع المانع من إرث الزوجة من خصوصية قائمة بالأرض، فيرتفع الممنوع))(2).

وهذا القول الثاني هو ظاهر كلمات الأصحاب في المسألة السابقة بل صريحها عند بعضهم وهو إرثها من الثمن المردود وعدم إرثها من الأرض المردودة أي أن المدار فيحرمان الزوجة وعدمه إنما

ص: 293


1- إبانة المختار: 86.
2- إبانة المختار: 25.

هو بملاحظة التركة حين الفسخ، وظاهره عود المردود بالفسخ إلى الميت ولو حكماً، بل هو صريح بعضهم كما سننقل عن المحقق النراقي (قدس سره).

ووصفه شيخ الشريعة بأنه من المسلّمات عند الأصحاب، حيث قال (قدس سره) بعد أن ذكر اختلافهم في المسألة السابقة: ((أما أنها ترث من الثمن الراجع على تقدير الفسخ في الأرض المشتراة وتحرم من الأرض المردودة بعده في المبيعة فمما لم يقع لأحد فيه كلام، بل أرسلوه إرسال المسلّمات، وأجروا عليه حكم الواضحات الضروريات وسكتوا عن الاحتجاج له بحجة وبرهان، واكتفوا فيه بما يرونه من العيان عن تجشّم البيان))(1).

ثم نقل كلماتهم الدالة على ذلك وأولها كلمة العلامة في القواعد التي أرسلت ترتُّب إرثها من الثمن على الفسخ مسلّماً.

وقد اعترف السيد اليزدي (قدس سره) بهذا المشهور واعتبره مفروغاً منه بل اختاره في تعليقته على المكاسب حيث انتهى إلى القول: ((فالحق ما ذكره شيخنا المذكور -أي الأنصاري (قدس سره)- من أن مقتضى الانحلال الرجوع إلى الميت كما في فسخالأجنبي))(2)

لكنه اختار هنا القول الأول المخالف له، قال (قدس سره): ((وإن كان يظهر من صاحب الجواهر والمحقّق الأنصاري وبعض آخر في عكس

ص: 294


1- إبانة المختار: 62.
2- حاشية السيد اليزدي على مكاسب الشيخ الأنصاري: 151/2.

المسألة –وهو ما إذا كان الخيار للميت- أنّ المدار في حرمان الزوجة وعدمه إنّما هو حين الفسخ، ولازمه إرثها في مفروض السؤال عن تمام الثمن المردود، بل لعلّه يظهر منهم المفروغية من ذلك، إلا أنّ الأظهر عندي أنّها في فرض السؤال لا ترث ممّا يقابل الأراضي من الثمن))(1).

أقول: قوله: ((بعضٌ آخر)) يوهم بأن من ذهب إلى هذا الحكم غير هذين العلمين ليس بذي شأن ربما للتقليل من ثقل هذا القول ولفتح باب النقاش والإشكال عليه، بينما هو مختار الأساطين كالعلامة وولده فخر المحققين والمحقق الكركي كما احتمل شيخ الشريعة وقال: إنه لم يقف على نكتة لهذا التعبير(2).

واختار المحقق النراقي (قدس سره) قول المشهور أيضاً وإن فصّل في كلامه بين كون الفسخ بالخيار مطلقاً أو مشروطاً برد الثمن لنكتة سنشير إليها إن شاء الله تعالى، إلا أن هذا لا يعتبر تفصيلاً في قول المشهور وإنما هي من اللواحق التي يضيفها المتعاقدان بحسب إرادتهما قال (قدس سره): ((فإن كان ذو الخيار المورث بائعاً، فإن لم تجوزالزوجة الفسخ ترث حصتها من الثمن، وإن اختارت الفسخ مع سائر الورثة لم ترث من الأرض ولا من ثمنها)) لأنها محرومة من الأرض المردودة أما الثمن فقد رجع إلى المشتري، وعلل ذلك بقوله:

ص: 295


1- إبانة المختار: 85 وحكي عن (سؤال وجواب للسيد اليزدري: 198).
2- إبانة المختار: 86.

((لأن بعد الفسخ يستحق المشتري الثمن من مال البائع -الذي هو الميت-، إذ انتقاله إليه كان من جهة البيع وقد انفسخ، وانتقال حصتها من الثمن إليها قبل الفسخ كان انتقالاً متزلزلاً)) وهذا التعليل بنى عليه شيخ الشريعة مختاره، ثم أضاف: ((هذا إذا كان الشرط مطلقاً.

وإن كان -الخيار الذي هو للمورِّث- مقيداً بردّ الثمن، فيتبع الحكم ما قررته الزوجة أولاً، فإن اختارت الفسخ مع رد الثمن من مال الميت تنقص حصتها من الثمن، وإن اختارته مع رده من مال سائر الورثة لم تنقص.

وإن كان ذو الخيار مشترياً -وهو المورّث- للعقار في مفروض المسألة-، فإن اختارت الزوجة الإجازة لم ترث من الأرض، وإن اختارت الفسخ ورثت من الثمن))(1).

ويوجد قول ثالث بالتفصيل: للشيخ عبد الله المامقاني في رسالته (المحاكمة بين علمين من المعاصرين) وحكاه عن والده الشيخ محمد حسن (قدس سره) في جوابه عن المسألة ذاتها وهو التفصيل بين ما إذا كان الفسخ بخيار للميت، فترث من الثمن المردودوما إذا كان الفسخ بخيار للطرف الآخر فلا ترث منه، قال (قدس سره) في جواب الاستفتاء بعد ذكره فرض المسألة وهو كون الخيار للطرف الآخر: ((وجهان أقواهما عدم استحقاقها من ذلك الثمن شيئاً لأن الأرض قد انتقلت بموت المورِّث إلى غير الزوجة من الورثة فإذا فسخ البائع

ص: 296


1- مستند الشيعة: 415/14.

العقد خرجت الأرض من ملك غير الزوجة من الورثة، ودخلت في ملك البائع فينبغي أن يخرج الثمن من ملك البائع ويدخل في ملك غير الزوجة من الورثة؛ لأن من المقرّر المعلوم أن العوض يدخل في ملك من خرج المعوَّض عن ملكه، من غير فرق في ذلك بين المعاوضة البدوية وبين فسخ المعاوضة، وقد خرجت الأرض من ملك غير الزوجة فيدخل الثمن في ملك غيرها))(1).

وقال بعد إشكالات وجوابها: ((ثم إن هذا كله إنما هو فيما إذا كان الخيار لغير الميت –كما في فرض المسألة-، وأما لو كان للميت المشتري وقلنا بإرثها الخيار المذكور فالأظهر إرثها من الثمن بعد الفسخ في مفروض البحث))، وقال (قدس سره) في وجه استحقاق الزوجة من الثمن المردود فيما إذا كان الخيار للمورّث دون غيره: ((والفرق بينه وبين سابقه أن الزوجة هنا –حينما كان المورّث مشترياً للأرض وله الخيار- وإن لم ترثمن الأرض شيئاً، إلا أنها ورثت السلطنة على التملك، فملكت أن تملك الفسخ، فإذا فسخت ملكت من الثمن بقدر نصيبها لإرثها، للعلقة المشار إليها))(2).

أقول: يمكن استفادة وجه لتفصيل المامقاني من رد السيد اليزدي على دعوى مخالفة لقوله حاصلها ((إنّ الزوجة إنّما ترث من تمام الثمن

ص: 297


1- إبانة المختار: 178، الرسالة الثالثة.
2- المصدر نفسه: 181.

المردود من جهة تعلّق حقها بالأرض؛ لمكان كونها متزلزلة وفي معرض التبدّل بالثمن الذي لا مانع لها من إرثه)).

فذكر في الجواب ما يظهر منه احتمال الفرق المذكور، وإن اختار في النهاية عدم الفرق، قال (قدس سره): ((المفروض أنّ البيع بالنسبة إلى الميّت لازم، والخيار إنّما هو للطرف المقابل، فلا حق له في الثمن حتى يكون منتقلاً إلى الزوجة)) وهنا رأى السيد أنه انساق إلى تفصيل المامقاني، فاستدرك على نفسه قائلاً: ((نعم يمكن هذه الدعوى في عكس المسألة، وهو ما إذا كان الخيار للميت)) واستثمر هذه الدعوى لتوجيه كلمات أساطين المشهور وتسليمهم باستحقاق الزوجة من الثمن بأنه ناشئ من إرث الزوجة لهذا الخيار لا مطلقاً كما تصوّر شيخ الشريعة، فقال (قدس سره): ((ومن ذلك يمكن أن يقال: إنّ نظر صاحب الجواهر (رحمه الله) وغيره إلى دعوى ثبوت الحق، لا أنّ مقتضى الفسخالعود إلى الميّت حقيقة أو حكماً، فلا يلزم من حكمهم في مسألة العكس –وهي ما لو كان الخيار للمورّث- حكمهم في مسألتنا –وهو كون الخيار للطرف الآخر-)).

أقول: بيان وجه التفصيل أن الخيار إذا كان للميت فكأنّ ما انتقل عنه –سواء كان أرضاً أم غيرها- يبقى متزلزلاً قابلاً للاسترداد من قبل الميت، فكأنّه لم ينتقل بالكلّية عنه، ولا يزال تحت سلطانه؛ لتمكّنه من استرداده وإرجاعه في ملكه، وهذا يجعله داخلاً في عنوان التركة حقيقة أو حكماً وبحكم أمواله وتركته من حيث شمول دليل حرمان الزوجة

ص: 298

له إذا كان أرضاً وعدمه إذا لم يكن، ففي مفروض المسألة عندما كانت الأرض مشتراة فإن للزوجة تسلطاً على استرداد الثمن بإرثها الخيار وهذا موجب لاستحقاق نصيبها من الثمن.

وهذا بخلاف ما إذا كان الخيار للطرف الآخر والملكية لازمة ومنقطعة من جانب الميت، فلا خيار للزوجة ولا سلطة على استرداد الثمن، وإنما أرجعه الطرف الآخر بخيارٍ له، فإنه ملك جديد يدخل في ملك من يخرج عوضه من كيسه وهو سائر الورثة، ونتيجته أن دعوى صدق التركة حقيقة أو حكماً على المال المردود بالفسخ إذا كان الخيار للميت أولى وأوضح مما إذا كان البيع لازماً من طرفه.

أقول: لم يرتض كلا العلمين هذا التفصيل وأطلقا جوابهما، فقال السيد اليزدي بعد كلامه الآنف: ((والحق عدم تماميتها في مسألة العكس-أي فيما لو كان الخيار للميت- أيضاً،وذلك لأنّ الحق الثابت للوارث إنّما هو الخيار في الفسخ والإمضاء، ولا حق له في العين التي انتقلت عن الميت))(1).

ورفض شيخ الشريعة هذا التفصيل أيضاً، قال (قدس سره): ((وقد اتضح وإن كان واضحاً أن هاتين الملازمتين –أي إرثها من الثمن المردود وعدم إرثها من الأرض المردودة- لا مدخلية فيهما للفاسخ بوجه ولا لكون الخيار للبائع أو للمشتري أو لأجنبي))(2).

ص: 299


1- إبانة المختار: 105.
2- إبانة المختار: 62.

أقول: وضوحه مبني على ما جعله منشأ الخلاف في المسألة وهو حقيقة الفسخ بالخيار فقد ذهب إلى أنه ليس معاوضة جديدة وإنما هو حل لنفس العقد السابق ولازمه عود المردود إلى الميت ولو حكماً، وهذا لا يفرق فيه بين كون الفسخ من هذا الطرف أو ذاك فادعى الملازمة بين الفرضين في الحكم.

واحتمل البعض أن المامقاني (قدس سره) استظهر ذلك التفصيل من عبارات الأصحاب في المسألة السابقة إذ كان حكمهم بميراث الزوجة من الثمن المردود دون الأرض المردودة بلحاظ كون الخيار موروثاً من قبل الميت وسكتوا عما لو كان الخيار للطرف الآخر فاستظهر الفرق بين الفرضين، وقد تقدم في تقريب السيد اليزدي (قدس سره) ميله إلى حمل كلام صاحب الجواهر (قدس سره) وغيره على لحاظ هذه النكتة.إلا أن شيخ الشريعة قال في وجه عدم صلاحية هذا السكوت لاستظهار الفرق: ((وإنّما العلّة في اختصاص خيار الميت بالذكر في كلامهم هي أنّ المقصد الأصلي في كلام كلّ من وقفنا على قوله هو التكلّم في إرث الزوجة من الخيار الثابت لزوجها فيما إذا باع أرضاً أو اشتراها. ومن الواضح أنّ التكلّم في إرث الزوجة من الخيار الثابت لزوجها فيما إذا باع أرضاً أو اشتراها في أنّها ترث من الخيار أم لا موقوف على فرض الخيار للميت))(1).

ص: 300


1- إبانة المختار: 61.

وقال (قدس سره) تعريضاً بتفصيل المامقاني ونقضاً عليه: ((واختصاص ما إذا كان الخيار للميت بالذكر في كلامهم ليس لأن له مدخلاً في إرثها من الثمن في المشتراة، وحرمانها من الأرض في المبيعة ضرورة أن علة حرمانها من الأرض عندهم لا يمكن أن تكون إرثها من الخيار، ومن يقول بحرمانها منها جزماً مع القول بإرثها من الخيار أو مع احتمال إرثها منه لا يعقل أن لا يقول بحرمانها مع عدم احتمال إرثها، كما إذا كان الخيار للبائع وهو مفروض مسألتنا، فليس الحرمان عندهم –في صورة كون المبيع أرضاً وتسترد بالفسخ- لخصوصية في خيار الميّت المحتمل إرث الزوجة منه بالضرورة، بل ليس إلاّ بملاحظة حال التركة بعد الفسخ، وإنها وإن كانت نقداً في حال الموت إلاّ أنّها تبدّلت أرضاًمشتملة على المانع بعد الفسخ، وكذلك حال إرثها من ثمن الأرض المشتراة بعد الفسخ، ليس السبب فيها إرثها للخيار، أو تعلّق حقّها به، بل المنشأ فيه ارتفاع المانع بعد الفسخ، كما أنّ المنشأ في عكسها وجود المانع، وليس تعلّق حق الخيار بالثمن على تقدير القول به، بأقوى من تملّكها الحقيقي للثمن في الأرض المبيعة، ومع ذلك تراهم يحكمون بالحرمان منها مع تملّكها لمقابلها وأخذه منها))(1).

أقول: يمكن تلخيص عدة وجوه للرد على تفصيل المامقاني (قدس سره) منها:-

ص: 301


1- إبانة المختار: 60.

1- إن حق الخيار الذي ترث منه الزوجة يعني التسلط على الفسخ والإمضاء لا أكثر فلا تسلط لها بمقتضاه على العين المنتقلة عن الميت.

2- إن نتيجة الفسخ عودة المبيع أو الثمن إلى مالكه الأصلي ودخوله في عنوان التركة وملاحظة استحقاق الزوجة وعدمه بلحاظ هذا الفرد الجديد ولا دخل لإرث الخيار فيه وقد نبهنا سابقاً إلى عدم ارتباط المسألتين.

3- إن بناء استحقاقها من الثمن على استحقاقها الخيار يلزم منه أن منعها من الأرض المبيعة لنفس السبب وأنها لا تحرم من الأرض إذا كان الخيار للطرف الآخر ونحو ذلك من اللوازم الباطلة.

مناقشة قولي السيد اليزدي وشيخ الشريعة:

وبالعودة إلى رأي العلمين نقول: إن شيخ الشريعة يذهب إلى أن الزوجة ترث من ثمن الأرض المشتراة المردودة بالفسخ رغم أنها لا ترث من نفس الأرض المشتراة به، أما إذا كانت الأرض مبيعة من قبل الميت بخيار له أو للطرف الآخر فإن الزوجة لا ترث منها.

أما السيد اليزدي (قدس سره) فقد ذهب إلى عكس ذلك واختار أن الزوجة لا ترث من الثمن المردود ولكنها ترث من الأرض المردودة.

ص: 302

وقد اتضح من كلماتهما المتقدمة (صفحة 413) أنهما متفقان على حقيقتين (أولاهما) كون الفسخ حلاً للعقد الأصلي وليس معاوضة جديدة. (ثانيهما) أن آثار الفسخ تترتب من حينه وليس بأثر رجعي أي من حين العقد، وعلى هذا مشهور المحققين.

وبالتأمل في كلماتهما تجد أن محل الخلاف هو في ملاحظة طرفي المبادلة حين إيقاع الفسخ فهما عند السيد اليزدي الطرف الآخر وسائر الورثة لأنهم هم طرف العقد بعد الوفاة وحين الفسخ ويقومون مقام الميت فالثمن يرجع إليهم لأنه بدل الأرض التي كانت من استحقاقهم حين الوفاة وخرجت الزوجة عن الاستحقاق.أما عند الشيخ الأصفهاني فإن المبادلة تقع بين الطرف الآخر والميت لأنهما طرفا العقد الأصلي الذي حلّه الفسخ فإليهما ترجع الأرض والثمن المردودان وعليه فإن الثمن يرجع إلى ملكية الميت أولاً ثم إلى ورثته وفق قواعد الميراث ولا تحرم الزوجة منه.

ونتيجة ذلك أن مصب النزاع في استحقاق الورثة من الثمن المردود أو الأرض المردودة يكون بملاحظة التركة عند الوفاة بحسب السيد اليزدي وعند الفسخ بحسب شيخ الشريعة وظاهر المشهور.

وقد اتفق معه السيد اليزدي في أن الفسخ حل للعقد الأصلي إلا أن العقد له وجودان أحدهما ابتدائي حين إنشاء العقد والميت طرف فيه والآخر استمراري طرفه سائر الورثة بعد الوفاة، والفسخ يزيل وجوده الثاني لا الأول فيعود الثمن إلى الورثة مباشرة، قال

ص: 303

(قدس سره): ((إلا أنه –أي الفسخ بالخيار- لما كان مؤثراً من حينه يوجب زوال استمرار الملكية لا زوالها من الأول ومقتضاه تبدّل ملكية الوارث لما ورث لا الانتقال إلى الميت))(1).أقول: بتقريب أن الوجود الاستمراري البقائي قائم بطرف العقد البقائي، وهم الورثة الذين ينزّلون منزلة الميت ويقومون مقامه وهم من لهم العقد بقاءً واستمراراً فينتقل الثمن إليهم بالفسخ مباشرة.

وقد أجيب بمنع هذا التفكيك بين الوجودين وأنّ انهدام الوجود البقائي يلزم منه انهدام وجوده الابتدائي أيضاً، قال شيخ الشريعة: ((استمرار الملكية عبارة عن وجود الملكية في الزمان الثاني، وأن الحدوث والاستمرار اعتباران لاحقان للوجود مقيساً إلى الزمان الأول والثاني، فإذا زال استمرار الملكية باعترافه فقد زال أصل ملكية البائع أيضاً في الزمان الثاني، فيرجع المالان إلى الحالة الأولى ويعودان إلى مالكهما حقيقة أو حكماً لوجود المقتضي وفقد المانع، فيرتّب على العود أحكامه، فكون الفسخ من حينه موجباً لزوال الاستمرار كيف يترتب عليه ما ادعاه كيف يكون ذلك مقتضاه، فما أثبته منفي، وما نفاه مثبت.

نعم يؤثر كون الفسخ من حينه في أن نماء الأرض لبقية الورثة دون الزوجة، ولا كلام لنا فيه كما لا كلام لأحدٍ في حرمان الزوجة قبل الفسخ من الأرض بعد البناء على الحرمان في أصل المسألة))(2).

ص: 304


1- إبانة المختار: 86.
2- إبانة المختار: 87.

أقول: إذن جوهر ما بنى عليه السيد اليزدي قوله هو عودة الثمن أو المبيع عند الفسخ إلى الورثة ولكنه (قدس سره) يدرك ورود عدة إشكالات ونقوض على هذا المبنى وقد أورد بعضاً منها على نفسه وأجاب عليها، وتضمنت المناقشات بعضاً آخر منها:

(منها) قوله (قدس سره): ((ودعوى: أنّ مقتضى القاعدة -أي ما يقتضيه معنى الفسخ- عود الملك بالفسخ إلى العاقدين والوارث ليس عاقداً. مدفوعة: بمنع ذلك، بل مقتضاها العود إلى من له العقد سواء كان هو العاقد أو من يقوم مقامه، والوارث قائم مقام الميّت وعقده عقد له أيضاً، فملكيته إنّما جاءت من قبل عقد مورثه حيث إنّه نائب عنه بل وجود تنزيلي له؛ ولهذا لم يعد الانتقال إليه من التلف حتى يستلزم الرجوع إلى البدل بعد الفسخ، كما هو كذلك إذا باعه الميت قبل موته ثمّ فسخ الطرف الآخر فإنّه يعدّ تلفاً وينتقل إلى البدل.

والسرّ في الفرق: أنّ الوارث كأنّه هو العاقد وملكيته ملكية المورث العاقد، بخلاف المشتري من الميت، ففي الإرث كأنّ العين لم ينتقل من العاقد إلى غيره حتى يكون بمنزلة التلف فبعد الفسخ يرجع الطرف الآخر إلى نفس العين ويأخذها من الوارث، بخلاف البيع فإنّه يرجع إلى بدل العين))(1).

ص: 305


1- إبانة المختار: 100.

أقول: وكأنه (قدس سره) لا يرى وجهاً للبناء على أن الفسخ يعني عودة المال المنتقل بالعقد إلى الميت حقيقة أو حكماً ثم إلى الوارث ولازمه رجوع ما انتقل إلى الورثة إلى الميت آناً ما ثم إلى الطرف الآخر بالفسخ لأن هذا كله يحتاج إلى مؤونة وعناية لا حاجة إليها ولا دليل عليها.

وقد بقي مصرّاً على هذا المبنى إلى آخر رسالته حيث لخّص موقفه قائلاً: ((وكيف كان فقد تحقّق أنّ مقتضى الفسخ العود إلى المالك الفعلي، ولا داعي للعود إلى الميت حقيقة أو حكماً بحيث يورث منه مجدّداً، فالمناط في الحرمان -أي حرمان الزوجة من الأرض أو الثمن- وعدمه إنّما هو حال الموت لا حال الفسخ))(1).

وأجيب بوجوه:-

1- إن تعبير ((من له العقد)) مخترع لم يقل به أحد من الخاصة والعامة إذ من له الملك بالعقد ليس إلا العاقد وهو مختلف عمن ينتفع بالعقد ويستفيد من آثاره.

إن رجوع الملك إلى الميت على طبق القاعدة وليس تمحلات أو مؤونة زائدة أو أنه بلا دليل لأن المقتضي موجود –وهو كونه عاقداً- والمانع–وهو تملّك الميت- مفقود لوقوعه في الشريعة كدية الجناية عليه وتملّك ما وقع في الشبكة1- التي نصبها في حياته ونحو ذلك، فليكن منها ما يعود إليه بالفسخ، أما ملك الورثة

ص: 306


1- إبانة المختار: 109.

فهو متزلزل مراعى بحصول الفسخ بسبب وجود الخيار فعند الأخذ بالخيار تسقط ملكيتهم للفرد الذي كان موجوداً عند الوفاة ويعود الثمن أو المبيع إلى مورّثهم، وليس في ذلك أي مخالفة للقواعد، بل هو ما تقتضيه، وإن ما كان تركةً قبل الفسخ تبدل إلى فرد آخر بعد الفسخ وتجري على كل منهما أحكامه من حيث الاستحقاق والمنع، وسيأتي مزيد من التفصيل عند بيان القول المشهور.

2- إن قيام الدليل على تنزيل الوارث منزلة مورّثه في تملك ما كان متملكاً لا يوجب أن يكون عقد مورّثه عقداً له، حتى لو وجد دليل متضمن للفظ التنزيل، ولذا تسمع قطعاًً شهادة من يرث من العاقد للعقد الذي وقع منه إذا شهد في حياته، ولو كان له العقد ما قُبلت شهادته لنفسه.

لو سلّمنا أن مقتضى الفسخ العود إلى من له العقد وأن الميت والوارث كليهما ممن له العقد، أحدهما تحقيقاً -وهو الميت- والآخر تنزيلاً -وهو الوارث-، فأي معيِّن لخصوص التنزيلي بعد إمكان اعتبار الحقيقي، وجعل المال في حكم ماله، واقتضاء الفسخ له وعدم المانع منه، وليس عنده دليل خاص تعبدي غير ما يقتضيه1- الفسخ، اللهم إلا أن يقال أن المعيِّن هو كون الوارث هو المالك الفعلي عند الفسخ وهو ليس بشيء كما سيأتي.

ص: 307

2- عدم تعقّل الفسخ المستلزم للتعاوض المقتضي عنده للعود إلى المالك الفعلي للعوض في فروع كثيرة لا نطيل في بيانها(1).

وقد التفت السيد اليزدي (قدس سره) إلى مثل هذا النقض عليه فقال: ((ومن ذلك ظهر الجواب عمّا يمكن أن يقال: إنّ لازم ما ذكرت من العود إلى المالك الفعلي العود إلى المشتري فيما إذا حصل الفسخ بعد تصرّف أحدهما بالبيع مع أنّه ليس كذلك قطعاً؛ وذلك لأنّ المراد بالمالك الفعلي المالك بذلك العقد الذي قد انفسخ، والمشتري ليس مالكاً بذلك العقد بل بعقد آخر، بخلاف الوارث حيث إنّ ملكيته إنّما هي بعقد مورّثه الذي هو عقد له أيضاً))(2).

وأجيب(3)

حلاً ونقضاً:-

إن كون مراده بالمالك الفعلي من كان كذا، وإن كان يدفع هذا الإشكال، إلاّ أنّه مطالب بإقامة الدليل على اقتضاء الفسخ بنفسه لهذه التفاصيل؛ لأن معنى الفسخ1- معلوم في اللغة ولم يضع الشرع له معنى آخر بل استعمله في معناه الموضوع له، وهو لا يتضمن هذه التفاصيل.

2- إنّه كما أنّ المشتري ليس مالكاً بذلك العقد فكذلك الوارث فكلاهما ملك بسبب جديد وليس بنفس عقد البيع الأول،

ص: 308


1- راجع جملة منها في إبانة المختار: 78.
2- إبانة المختار: 102.
3- إبانة المختار: 102-103.

وكما أنّ تملّك الوارث فرع على تملّك المورث، فكذلك تملّك المشتري منه، غاية الأمر أنّ التملّك في أحدهما -وهو الوارث- قهري حاصل بالموت، وإن لم يرض به العاقد، أو كان كارهاً له، أو لم يكن له وارث حال العقد، وفي الآخر -وهو المشتري الجديد- اختياري منوط بشروطه المقررة.

وقد يرد على هذا بأن الكلام في سببية عقد البيع لا مطلق السبب.

ثم قال (قدس سره): ((والحاصل: إنّ الوارث نائب عن الميّت في الملكية، فكما أنّه لو انفسخ العقد حين حياة الميت يملك، كذلك إذا انفسخ بعد موته يملك نائبه بمجرّد الفسخ لا أن يكون نائباً عنه في الملكية بعد الفسخ؛ بمعنى أن يرجع المال إليه ثمّ إلى الوارث بإرث جديد)).

وأجيب:-

1- بأنه ينتج نقيض مقصوده فكما أنّه لو انفسخ العقد حين وجود المنوب عنه ورثت زوجته من الثمن الراجع بالضرورة، فكذلك إذا انفسخ بعد موته تملك زوجته الثمن بمجرد الفسخ لا أن يؤثر الفسخ بعد حياته غير ما كان يؤثره حياته، و هذا واضح جدّاً.

وبعبارة أُخرى: الملازمة بين ما اعترف به من أنّ فسخ

ص: 309

الوارث بعد موته كفسخ المورث في حياته، وبين إرث الزوجة من الثمن واضحة، بخلاف اقتضاء النيابة لعدم إرثها.

2- إذا كان الانتقال إلى الوارث من حيث كونه نائباً لا من حيث إنّه هو، كان ذلك مؤكّداً للحاظ رجوع المال إلى الميّت، لا مانعاً عنه، وقد تبيّن أنّ الرجوع إلى الميّت إمّا حقيقي أو حكمي يقتضيه مراعاة القواعد.

ثم قال (قدس سره): ((مع أنّه يمكن أن يقال: إذا سلّمنا أنّ مقتضى القاعدة العود إلى الميت حقيقة أو حكماً إنّما نقول به بمقدار الضرورة وحفظ القواعد وتصحيحاً للفسخ لا في جميع الآثار واللوازم التي منها الالتزام بإرث جديد، فنقول: إنّ العوض كأنّه انتقلإلى الميت وأُعطي لمن ورث أوّلاً، وهو بقية الورثة بالنسبة إلى ما يقابل الأرض في مسألتنا))(1).

أقول: يرد عليه ما ذكرناه في النقطة (2- صفحة 425) من أن رجوع المال إلى الميت على طبق القاعدة فتترتب عليه كل أحكامه، ولا حاجة للالتزام بمقدار الضرورة منها فقط.

(ومنها) أن هذا التقريب يُنقض عليه بما لو كانت ذمة الميت مشغولة بديون أو أن عنده وصايا لم تنفّذ فإنها تتعلق بما رُد بالفسخ وهو يكشف عن عود المال بالفسخ إلى الميت.

ص: 310


1- إبانة المختار: 104.

ولذا حاول دفع الإشكال بقوله: ((وأما ما ربّما يقال في تأييد الرجوع بالفسخ إلى الميت أوّلاً ثمّ الإرث من أنّ من المسلّم تعلّق حق الديّان والوصايا بما يرجع بالفسخ ، فيكشف عن عوده إلى الميّت.

ففيه: أنّ تعلّق حق الديّان والوصية ليس من جهة العود إليه، بل من جهة تعلّقهما بما يقابله من التركة حين الموت؛ لأنّ مقتضى تعلّق الدين بالأرض حين موت المشتري تعلّقه بالثمنالمردود؛ لأنّه بدلها، فكما أنّ ملكية الوارث للتركة تستلزم ملكهم لبدلها الراجع بالفسخ فكذا حق الديّان المتعلّق بها يتعلّق ببدلها))(1).

أقول: جواب السيد (قدس سره) غير تام لأنه مبني على انتقال التركة كلها إلى الورثة مشغولة بالديون والوصايا -وهو أحد القولين في المسألة- لكن ((المحكي عن الأكثر: أن مال الميت باق على حكم ماله إذا كان عليه دين مستوعب، بل عن موضع من السرائر: أنه لا خلاف في أن التركة لا تدخل في ملك الورثة ولا الغرماء، بل تبقى موقوفة على قضاء الدين (السرائر: 202/3)، وعن موضع آخر: إنه الذي تقتضيه أصول مذهبنا (السرائر: 47/2) ))(2)

وهو الصحيح المستفاد من قوله تعالى: [مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ] (النساء:11) أي بقاء التركة بمقدار الدين قبل أدائه على ملك الميت إذ لا ميراث إلا بعد الدين والوصية، فحينما يحصل الفسخ والرد فإنه يحصل في ملك

ص: 311


1- إبانة المختار: 107.
2- موسوعة الشيخ الأنصاري: ج21، كتاب الميراث: ص 201، المسألة (8).

الميت، وحينئذٍ لا محيص عن الالتزام برجوع المال إلى الميت بالفسخ لأن التركة باقية على ملكه حقيقة ولم يرثه الوارث بعد، فلا يقاس عليه موارد تحقق الإرث وانتقال التركة إلى الوارث.ولو تنزلنا وسلمنا بانتقال التركة إلى الورثة بما هي متعلقة للديون والوصايا فإن ذلك لا يقطع ملكية الميت وأن الانتقال إلى الوارث متزلزل فبالفسخ تتقطع ملكية الورثة ويعود المال إلى الميت كما سنبيّن في الاستدلال على القول الثاني.

وللنقض عليه بما لو قطع الورثة ((تعلّق حق الديان عن العوض بدفع مثله، أو قيمته إليهم ثم وقع الفسخ من البائع وكان قيمة الراجع إلى الورثة أزيد من العوض الذي دفعوا، تعلّق حق الديان بالزائد، وما ذلك إلا لاقتضاء الفسخ الرجوع إلى الميت، ولذا لو لم يكن فسخ وباع الورثة تركة أبيهم بعد دفع قيمتها إلى الديان بأضعاف القيمة التي دفعوها إليهم لم يتعلق بالزائد حق الديان. ولو كان الفسخ معاوضة بين العين الراجعة، وبين مال الورثة لكان مثل بيعهم بعد دفع القيمة، والتالي باطل قطعاً))(1).

نعم لو التزمنا بكون ((الفسخ موجباً لرجوع المال إلى الوارث بالفسخ؛ لأن التركة منتقلة إليه، وهو منزّل منزلة الميت، ولكن حيث إنها قد انتقلت إليه بما هي متعلق لحق الديّان فبالفسخ ينتقل حق الديان إلى البدل لا محالة كما ذكره السيد اليزدي (قدس سره)؛لأن

ص: 312


1- إبانة المختار: 83.

حقهم في أصل المالية، لا في خصوص عين التركة، وهذا هو معنى تعلّق حق الديان بالبدل))(1).

أقول: تقدم آنفاً أن هذا القول لا يمنع من عودة المردود إلى الميت مضافاً إلى ما قلناه من أن هذا الفرض غير صحيح؛ لأن الدليل قائم على الأول كما تقدم، وللنقض عليه بما لو فرض أن المال العائد بالفسخ أقلّ قيمة ومالية من التركة فلا يبعد القول بأنه لا يجوز للوارث الفسخ؛ لأن فيه تفويتاً لحقّ الديان، فيكون ضامناً له.

ثم ذكر السيد اليزدي شاهداً على جوابه على النقض المذكور قال (قدس سره): ((ولذا لا نقول بذلك فيما إذا لم يكن له عوض تعلّق به حقّهم حين الموت، كما إذا باع شيئاً بشرط الخيار له إذا ردّ مثل الثمن وأتلف الثمن ومات ولم يكن له تركة أصلاً، فإنّه إذا ردّ الوارث مثل الثمن من كيسه وفسخ البيع لا يتعلّق بالمبيع الراجع إليه حق الديّان؛ لأنّ المفروض أنّه لم يكن له بدل تعلّق به حقهم، فيبقى الدّين في ذمّة الميت ويرجع المبيع إلى الوارث الذي فسخ، وقد ادّعى المحقّق الأنصاري (قدس سره) السيرة على هذا، ولو كان مقتضى الفسخ العود إلى الميّت لزم تعلّق حق الديّان به بمجرّد الفسخ وإن كان الثمن المردود من مال الوارث.

ص: 313


1- مجلة فقه أهل البيت، العدد 48، ص 29.

نعم، يمكن منع السيرة المذكورة، بل منع جواز ردّ الوارث الثمن إلا بعنوان كونه عن الميت، فكأنّه يملك الميّت أوّلاً ثمّ يفسخ ويعطيه للمشتري))(1).

أقول: هذا الفرع لا يفيد السيد شيئاً إذ لا خيار على الفرض لعدم تحقق شرطه وهو رد الثمن غير الموجود عيناً ولا بدلاً لعدم وجود تركة للميت، وافتراض رد الوارث الثمن من كيسه عن نفسه خروج عن فرض المسألة.

نعم للوارث أن يرد الثمن عن الميت فتتحقق ملكيته له آناً ما كما ذكر في الفقرة الأخيرة، وفي هذا اعتراف منه (قدس سره) بإمكان تجدد الملك للميت ابتداءً فعودة ماله إليه بالفسخ أولى، وفي الاستدراك المذكور في نهاية كلامه نقض على قوله وليس على القول الآخر.

هذا وقد نفى شيخ الشريعة وجود هذه السيرة ودعوى ذهاب الشيخ الأنصاري (قدس سره) إليها، واختار عود المال بالفسخ إلى الميت حتى في هذه الصورة، وهذا غريب منه؛ لأن لازمه خسران الوارث للثمن المدفوع من كيسه والمثمن معاً وهو غير محتمل عقلائياً ولا فقهياً.نعم يمكن أن يُجاب نقض السيد (قدس سره) ((على مبنى شيخ الشريعة: بأنّ عدم تعلّق حق الديّان بالمردود في مورد النقض لا يكون دليلاً على عدم الرجوع للميت والرجوع للوارث؛ إذ يمكن

ص: 314


1- إبانة المختار: 107.

افتراض رجوعه بالفسخ للميت حتى في هذه الصورة ومع ذلك لا يتعلّق به حق الديّان؛ لأنّه لا حقّ لهم في بدله وهو الثمن الذي ملكه الوارث للميت ثمّ دفعه من قبله إلى الطرف –كما صرّح السيد (قدس سره) نفسه باشتراط ذلك في مناقشة السيرة التي ادّعاها الشيخ الأنصاري (قدس سره)- إذ من الواضح أنّ الديّان لا يستحقون ممّا يتملّكه الميت بالهبة ونحوه بعد موته ، وإنّما يستحقون دينهم من الأموال والحقوق التي كان يملكها في حياته وتركها، وما دفعه الوارث ليس منها، فمن هذه الجهة لا ينتقل حقهم إلى بدله المردود به))(1).

ويظهر من السيد (قدس سره) أنه لا يمانع من تملك الميت وتمليكه بعد الموت وحينئذٍ تنتقل

إليه أولاً ثم إلى ورثته وإنما خالف في هذا الاستفتاء لكون البدل الذي يقع عليه الفسخ كان موجوداً عند الموت فذهب إلى ورثته وليس مما تجدّد للميت بعد ذلك، فهذا هو المائز عنده، ويجب أن نفهم مختاره في المسألة على هذا الأساس.قال (قدس سره): ((نعم، لو فرض عدم وجود تركة للميت يرثها الوارث نلتزم بالعود إلى الميت إذا كان مال منتقلاً عنه وحصل الفسخ، كما إذا صالح ماله بلا عوض بشرط الخيار له أو للطرف الآخر أو للأجنبي فمات قبل انقضاء مدّة الخيار ففسخ وارثه أو الطرف الآخر مثلاً ذلك العقد فإنّه ينتقل من الأوّل إليه ثمّ إلى وارثه؛ لأنّ الوارث لم يرثه حين الموت ولا ورث بدله فهو مال جديد حصل

ص: 315


1- مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 48، ص 30.

للميت بعد موته ينتقل منه إلى وارثه ويخرج منه الديون والوصايا))(1).

أقول: رأى شيخ الشريعة (قدس سره) أن ما ذهب إليه السيد (قدس سره) في هذه الصور صحيح إلا أنه ليس لما ذكره من أن الوارث لم يرثه ولا بدله، بل لما التزم به الشيخ وفاقاً للمشهور من جهة اقتضاء الفسخ ذلك ولا خصوصية لهذه الصورة.

ثم أضاف السيد (قدس سره) استثناءً آخر قال: (( بل وكذا إذا كان له تركة لكن لم يكن بدل ما يرجع بالفسخ موجوداً فيها كما إذا باع شيئاً وأخذ ثمنه وأتلفه قبل موته فإنّه لو انفسخ بعد الموت يرجع إلى الميت أوّلاً؛ لعدم ملكية الوارث لبدله حين الموت حتى يرجع إليه وإن ملك بقية التركة فإنّها لا دخل لها بذلك البدل، فحيث لم يرث البدللم ينتقل إليه المبدل من الأوّل، بل بعد تملك الميت له ولو حكماً، فتأمل فإنّ التركة بمنزلة البدل))(2).

أقول: اعتبر شيخ الشريعة هذا الاستثناء رجوعاً من السيد (قدس سره) عن مختاره لأنه حكم في النقض السابق بالرجوع إلى الورثة ابتداءً في صورة ما إذا أتلف الميت العوض في حياته وأنه لا يتعلق به حق الديان بينما حكم هنا بالرجوع إلى الميت، ((إلا أن أصل استثناء السيد (قدس سره) لهذه الشقوق الثلاثة عن مدَّعاه ومبناه بلا موجب؛ لأنّ موجبه إن كان عدم تحقّق إرث الوارث لبدل المال المردود حتى

ص: 316


1- إبانة المختار: 110.
2- إبانة المختار: 111.

يكون له العقد وقائماً مقام الميت، فهذا ليس بلازم، بل يكفي في تحقّق ذلك كونه من الطبقة الوارثة، فيكون مقتضى أدلّة التوريث قيامه مقام الميّت في كلّ شؤونه أمواله أو حقوقه المالية ومنها العقد الذي فيه الخيار سواء كان بدل المبيع موجوداً بالفعل ضمن التركة أم لا، وإن كان الموجب لذلك تعلّق حق الديّان بالمال المردود إذا لم يكن للمال المردود بدل أو لم يكن للميت تركة، فلابدّ وأن يرجع إلى الميت أوّلاً ليتعلّق به حق الديّان أو يكون بدله في التركة؛ ليتعلّق حقهم به قبل الإرث والانتقال إلى الوارث، فحيث لا بدل له يتعيّن الأوّل، فهذا أيضاً لا لزوم له لما تقدّمت الإشارة إليه وسيأتي بتوضيح أكثر أنّ المستفاد من أدلّة الديونوالوصايا أنّ كلّ ما يكون للوارث لمكان الوارثية ومن قبل أموال الميت وحقوقه لا بدّ وأن يخرج منها الديون والوصايا أوّلاً حتى إذا كان منتقلاً من حيث الملكية إلى الوارث ابتداءً، ولا إشكال أنّ المال المردود إنّما يملكه الوارث باعتبار قيامه مقام الميت في ذلك العقد، وليس من أمواله أو مكاسبه الخاصة، فمن هذه الناحية يكون متعلّقاً لحق الديّان، فلا يحتاج إلى أن يكون وارثاً لبدله أوّلاً وأن يكون حق الديّان في البدل لينتقل منه إلى المبدل.

نعم، لو قلنا بأنّ المستفاد من أدلّة الديون والوصايا في الإرث عدم انتقال التركة إلى الوارث مع وجود الدين أو الوصية، بل يكون باقياً على ملك الميت –ولعلّه أحد القولين في تلك المسألة- كان اللازم القول به هنا أيضاً، وبالتالي رجوع المبيع بالفسخ إلى ملك الميت أيضاً ما دام له ديون ووصايا من غير فرق بين وجود التركة والبدل للمال

ص: 317

وعدمه، فلا إرث ولا انتقال إلى الوارث في حال وجود الدين أو الوصية بمقدارهما بناءً على هذا المبنى، فيكون خارجاً عن موضوع المسألة))(1).

الاستدلال على استحقاق الزوجة من الثمن المردود دون الأرض المردودة:

وهو مختار شيخ الشريعة الأصفهاني (قدس سره) وفاقاً لظاهر المشهور والمحكي عنهم بل اعتبرها من المسلّمات عندهم، والدليل هو وجود المقتضي وعدم المانع.

أما المقتضي فلأن معنى الفسخ هو حل العقد ونقض الربط والمبادلة ومقتضاه العود إلى الحالة الأولى ورجوع كلٍّ من المالين إلى صاحبه الأول حين العقد –وفي مسألتنا رجوع الأرض إلى البائع والثمن إلى الميت حقيقة أو حكماً- إن كانا موجودين والتالف بدفع بدله من المثل أو القيمة، والتركة وإن انتقلت إلى الورثة بموت المورّث وأن أثر الفسخ يترتب من حينه لا من أصل العقد، وأن تصرفات الورثة بما ورثوه صحيح ما بين الموت والفسخ، إلا أن الانتقال إليهم متزلزل لوجود الخيار، فلم ينتقل إليهم بالكلية، ولا انقطعت علقة الميت بهذا المال كلياً، بل ليس إتلاف الميت للمبيع أو بيعه لغيره

ص: 318


1- مجلة فقه أهل البيت، العدد 48، ص 33.

وإتلاف ثمنه بمانع عن الرجوع إليه، ولم يتجدد بالإرث شيء سوى تملك الورثة لما انتقل إليهم بسبب زالت سببيته بالفسخ.

ونتيجة ذلك ترتيب مقتضى الفسخ عليه من جعل المال بعده ملكاً للميت أو بحكم ماله، ويراعى استحقاق الورثة منه بلحاظ وضعه الجديد بعد الفسخ.

والمانع مفقود لإمكان تملك الشخص بعد موته بل وقوعه بالنص والإجماع كديته الحاصلة بعد موته والصيد الواقع في شبكته المنصوبة حال حياته، وتترتب آثارملكيته عليها كتعلق حق الديان والوصايا به، قال جمال الدين الخونساري في شرح كتاب الوصايا

من اللمعة: ((ولو سلّم –يعني عدم أهلية الميت للتملك- إنما يُسلَّم ابتداءً، وأما إذا تملك في حال الحياة فلم لا يجوز أن يبقى على ملكه، إلى أن ينتقل إلى الموصى لهم، أو الديان بشرائطه وما ذكر من انتقال ماله عنه بالموت ممنوع أيضاً، إذ لا دليل عليه عقلاً ولا شرعاً))، وقد تقدم (صفحة 431) عن صاحب الرأي المخالف -السيد اليزدي- أنه لا يمانع من تملك الميت ابتداءً.

ومما يدل على رجوع الثمن بعد الفسخ إلى حكم مال الميت تعلّق حق الديّان والموصى لهم به فتؤدى منه ديونه، وتنفّذ منه وصاياه، وفيه تفصيل وإشكالات تقدمت مناقشتها.

ص: 319

ويشهد لهذا القول عدة نقوض(1)

على القول الأول اعترف بها السيد اليزدي حتى تكرر منه الاستدراك والاستثناء والتأمل والتراجع والتردد والعدول وهذه كلها تضعف ذلك القول وتفرغ محتواه.

وقد اختار السيد (قدس سره) هذا القول المشهور وفاقاً للشيخ الأنصاري (قدس سره) في حاشيته على المكاسب وعدل عما كان عليه من الخلاف قال (قدس سره): ((إنّلازم القول بالرجوع إلى الوارث ابتداءً اشتغال ذمة الوارث بالبدل مع فسخ الأجنبي، حتى في صورة عدم وجود تركة للميّت أصلاً، وعدم وفاء ما انتقل إليه ببدل العوض التالف في زمان حياة المورّث، ولا يمكن الالتزام به، فيكشف عن عدم تمامية ما ذكرنا، وأنّ مقتضى الانحلال ما ذكره شيخنا العلاّمة الأنصار ي (قدس سره) من الانتقال إلى الميّت مطلقاً، واشتغال ذمته كذلك، إذ لا يمكن التفكيك بين صورة وجود العين، أو وجود التركة، أو وفاء ما استردّ بالفسخ بقيمة التالف، وبين صورة عدم الوجود وعدم الوفاء، بأن يقال بالانتقال إلى الميّت في خصوص الصورة الأخيرة، ولا يمكن التزام اشتغال ذمة الوارث بلا بدل أصلاً.

فالإنصاف أن يقال: إذا قلنا: إنّ المنتقل إلى الوارث ليس إلاّ التسلّط على الحل، أنّ مقتضاه رجوع العوض أو بدله إلى الميّت، إلى

ص: 320


1- راجع بعضاً منها في ما لخّصه في إبانة المختار: 58.

أن قال: فالحق ما ذكره شيخنا المذكور من أنّ مقتضى الانحلال الرجوع إلى الميّت كما في فسخ الأجنبي، إلى آخر ما ذكره))(1).

وقرّب بعض الأعلام المعاصرين الاستدلال على هذا القول من دون المرور بعود المال إلى الميت ليتخلص من محل النزاع بين العلمين، قال (دام ظله): ((ونحن نرى أنّأصل هذه المنهجة للبحث وبناء المسألة على انتقال الثمن بالفسخ إلى الميت أو الوارث في غير محلّه؛ لأنّ الحكم بانتقال المال بالفسخ إلى الوارث بما هو وارث وقائم مقام الميت لا يمنع عن صدق التركة عليه وشمول أدلّة التوريث له ، كما لا يمنع عن تعلّق حق الديّان والوصايا به على ما أشرنا سابقاً ؛ لأنّ عنوان التركة كما يصدق على المال الذي كان ملك الميت حين موته كذلك يصدق حقيقة على كلّ مال يحلّ محلّ ملك الميت ويكون بعقده ومن توابعه ، لا بسبب جديد وملكية جديدة حاصلة بعد الموت –كالجناية على بدن الميت أو تمليك مال لشأن من شؤون الميت- فالمبيع المردود بالفسخ لعقد الميت تركة الميت حقيقة سواء كان تحليل عملية الفسخ مقتضياً للانتقال إلى الميت أوّلاً ثمّ منه إلى الوارث كما يقول شيخ الشريعة (قدس سره)، أو إلى الوارث ابتداءً كما يقول السيد اليزدي (قدس سره)، فإنّ هذا لا يمنع عن كون الأرض المشتراة تركة قبل الفسخ وثمنها تركة بعد الفسخ حقيقةً، فتشمله أدلّة التوريث أو

ص: 321


1- نقلها في إبانة المختار: 56 عن حاشية السيد اليزدي على مكاسب الشيخ الأنصاري: 151/2.

الحرمان. فلا موجب لربط المسألة بالمبنى المتنازع فيه بين العلمين من رجوع الثمن بالفسخ إلى الوارث ابتداءً أو إلى الميت أوّلاً ثمّ منه إلى الوارث؛ لأنّ الرجوع إلى الوارث إنّما يكون بما هو وارث للتركة وقائم مقام الميت في عقده، فيكون المردود بفسخه تركة أيضاً))(1).أقول: هذا ليس وجهاً آخر لأن صدق عنوان التركة على المال المردود يسبقه صحة عودته إلى ملك الميت لأن التركة تعني ما تركه الميت، فالصحيح أنه تقريب ضمن نفس الوجه وقد ورد قبل ذلك في كلام شيخ الشريعة، قال (قدس سره): ((فالفسخ بماهيته وحقيقته يقتضي تبدل عنوان التركة))(2)

وتلقّفها منه العلم المعاصر ليؤسس تقريبه، لكنه ليس تقريباً مستقلاً.

ص: 322


1- مجلة فقه أهل البيت، العدد 48، ص 34-35.
2- إبانة المختار: 76.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.