منتخب سبل السلام العبادات و المعاملات

هوية الكتاب

اسم الكتاب: منتخب سبل السلام العبادات و المعاملات

الكاتب: آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي

لسان: العربية

الناشر: دار الصادقين - النجف اشرف - العراق

الطبعة : الأولى

السنة : 1442 ه - 2021م

الناشر: دار الصادقين للطباعة والنشر والتوزيع النجف الاشرف / شارع الرسول (ص)

ص: 1

اشارة

منتخب سبل السلام العبادات و المعاملات

طبقا لفتاوى المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)

ص: 2

منتخب سبل السلام العبادات و المعاملات

رسالة عملیة تبیّن المهمّ من أحکام الشریعة

طبقا لفتاوى المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)

دار الصادقين

ص: 3

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

العمل بهذه الرسالة الشريفة المسمّات (منتخب سبل السلام) مُجزٍ ومبرئ للذمة وموجب للأجر والثواب بفضل الله تعالى

محمد اليعقوبي

1/ذو الحجة/1442

ص: 5

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحيم

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ)

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كما هو أهله وصلى الله على سادة خلقه وأكرمهم عنده محمد وآله الطيبين الطاهرين

تعبّر الرسالة العملية للفقيه عن الاحكام الشرعية بحسب ما ادّى اليه نظره واجتهاده في مصادر التشريع الاسلامي - الكتاب الكريم والسنة الشريفة- في ضوء القواعد والآليات المعتبرة لاستنباط الحكم الشرعي.

وقد شهدت الرسائل العملية تطورا في الشكل والمضمون مع تطور العلوم التي يعتمد عليها الفقيه للوصول الى الحكم الشرعي وعلى رأسها علما الفقه واصوله، وقد كتبت بلغة رصينة عميقة تناسب الرصانة والابداع الذي وصلت اليه تلك العلوم، فهي تكشف بحق عن بلوغ مؤلفيها أسنى المراتب العلمية وتمثل خلاصة جهود المجتهدين وابداعاتهم واسهاماتهم العلمية.

ومن الطبيعي في كل علم أن تكون له لغته ومصطلحاته واسلوبه الذي لا يتيسر لكل أحد أن يفهمه الا من حاز على ثقافة كافية في ذلك العلم، ولم

ص: 7

يشذّ علم الفقه عن هذه الطريقة لذا لا يمكن تسطيح الرسائل العملية وتبسيطها على حساب مقومات العلم وعناصره، فأي دعوة للتحديث والتجديد لابد أن تفهم ضمن هذا الاطار، ولذا نبهنا في دعوتنا لتأسيس ما سميناه (الفقه الاجتماعي)(1) الذي ينظم الاحكام الشرعية في اطار نظم اقتصادية وسياسية واجتماعية وانسانية وغيرها، أنها خطوة لاحقة للرسائل العملية المتعارفة.ولقد سرنا في هذه الرسالة الشريفة على منهج فقهائنا المعاصرين ومنهاجهم (قدس الله ارواحهم جميعاً) وراعينا فيها نوع الأمثلة المناسبة للثقافة المعاصرة وتوضيح بعض المسائل.

كما اننا حاولنا في كتاب (الاجتهاد والتقليد) أن نعطي نموذجاً للعرض المناسب للاجيال المعاصرة وللتأسيس للجانب السياسي من الفقه الاجتماعي.

كما أودعناها بعض المواعظ والفوائد الاخلاقية والاجتماعية لأشباع كل أبعاد الحكم الشرعي، فان المستفاد من البيان الألهي في القرآن الكريم والاحاديث الشريفة عن المعصومين (عليهم السلام) هو عدم الاكتفاء ببيان الحكم، وإنما حشد كل المؤثرات العقلية والنفسية والقلبية لاقناعه به وتحريكه نحو الالتزام والتطبيق، وهو ما نحتاجه فعلا لأننا نرى الكثير من المنحرفين عن الشريعة لا ينقصهم معرفة الحكم كوجوب الصلاة وحرمة السفور وإنما يفتقدون الارادة الصادقة للألتزام.).

ص: 8


1- راجع فصلي (دليل سلوك المؤمن) و(الجاهلية الحديثة واسلوب مواجهتها) في كتاب (الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) كما اعرفه) وبحث (الاسس العامة للفقه الاجتماعي).

التكليف تشريف

وحينما نتحدث عن المكلف والتكليف في ثنايا هذه الرسالة فإنّه لا يعني العسر والإلزام القسري والمشقة والعنت، وإنّما يعني التشريف حيث اختار الله تبارك وتعالى خالق السماوات والأرض هذا الإنسان الضعيف ليكون خليفته على هذه الأرض ويحمل هذه الرسالة العظيمة، فلو أنّ ملكاً من ملوك الدول كلف إنساناً بتمثيله في قضية ما فإنّه سيعتبره غاية التكريم، فكيف إذا اختاره الله تبارك وتعالى لهذه المهمة الشريفة، لذا كان بعض العارفين يقيم احتفالاً يوم بلوغ سن التكليف الشرعي لأنّه يوم تشريفه بحمل الأمانة الإلهية {إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} (الأحزاب : 72).

وقد سمينا الرسالة (سبل السلام) لأنّ السلام من أسماء الله الحسنى فنبتغي بهذه السبل الارتقاء للوصول الى الله تبارك وتعالى، ولأنّها أول كلمة يقولها المسلم في تحيته ولأنّ السلام هو مطمح البشرية اليوم بعد أن ذاقت الويلات من الرعب والقلق والخوف والجهل بمصيرها، ولو عادوا إلى الله تبارك وتعالى لاستمعوا إليه يقول عن منهجه القويم {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (المائدة : 16).

وهو ما نتفاءل بأن تكون هذه الرسالة الشريفة مصداقاً لهذه السبل حتى تكون - وكل آثار العلماء والمفكرين- قادرة على عرض الاسلام أمام المؤمنين به وغيرهم كنظام شامل لتفاصيل الحياة وقادر على قيادة البشرية نحو السلام والسعادة والخير، هذه الامور التي تبحث عنها البشرية النكدة المتعبة فلا تجدها الا أن يهديها الله تبارك وتعالى بلطفه الى سبل السلام التي تحقق لها كل النتائج المرجوة بأذن الله تعالى .

محمد اليعقوبي/ النجف الأشرف

5 محرم الحرام 1430

2/ 1/ 2009

ص: 9

تقسيم أبواب الفقه

الفقه في اللغة يعني الفهم والمعرفة والتوصل إلى حقيقة الشيء وتفاصيله من خلال سبر أغواره لأنّ أصل معناه الشق والفتح.

والمتتبع لموارد الكلمة في القران الكريم يجد أنّ المراد منها معرفة خاصة، وهي المعرفة بالله تبارك وتعالى التي تضم منظومة كاملة من العقائد والأخلاق والأحكام، فحينما يقول تبارك وتعالى {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَالِ ِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} (النساء : 78).

فإنّه يشير إلى نقص في المعرفة بالله تبارك وتعالى بأنّه هو المدبر الحقيقي للموجودات والمتصرف فيها.

وبث الله تبارك وتعالى الآيات والمواعظ والدلائل لتدل عباده عليه وحثهم على الاستفادة منها {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أو مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أو يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيات لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} (الأنعام : 65) {وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيات لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} (الأنعام : 98).

ووبخ تبارك وتعالى من لا معرفة له في عدة مواضع {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ} (الإسراء:46) {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} (الكهف : 57).

ص: 10

ويشهد له ما في الروايات المأثورة عن المعصومين (عليهم السلام)، فعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ألا أخبركم بالفقيه حقاً ؟ من لم يقنّط الناس من رحمة الله، ولم يؤمّنهم من عذاب الله، ولم يؤيّسهم من روح الله، ولم يرخّص في معاصي الله، ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره(1).لكن المصطلح اختص في عرف المتشرعة بالعلم بالأحكام الشرعية خاصة، وتحول الفقه من رؤية متكاملة تهذب النفس وتطهر القلب وتنظم حياة الإنسان في حركة متناغمة مع إرادة الله تبارك وتعالى إلى علم متخم بالمصطلحات والقواعد والمسائل لا تسمو بالروح، وقد ينهي طالب العلم دورة فقهية كاملة دون أن يمر بآية كريمة أو حديث شريف أو موعظة حسنة وفي ذلك خسارة كبيرة، ولذا تجده لا يحصن صاحبه من مشاعر الحسد والأنانية والمراء والجدال وحب الجاه وطلب السمعة والقدسية في قلوب الناس والتزلف إلى الحكام والمترفين.

لذا فإنّ (الفقه) بمعناه المتعارف غير كاف لتحقيق الهدف الذي من أجله حث الله تبارك وتعالى المؤمنين للنفر لطلب العلم والتفقه في الدين وهو تحقق الحذر من الله تبارك وتعالى، وهو لا يتحقق إلا بالمعرفة بالله سبحانه قال عز من قائل {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إذا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة : 122).

وبهذه المعرفة - لا بالعلم بالمصطلحات والمسائل الشرعية فقط- أصبح المؤمن الواحد يعادل عشرة من جيش الكفار {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} (الأنفال : 65).

ص: 11


1- وسائل الشيعة : 4/ 829.

وفي ضوء النقص في هذه المعرفة وضعفها عن تحريك الإنسان نحو الأهداف الحقيقية خفّف الله تبارك وتعالى التكليف عن المؤمنين {الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال : 66).وإنّما ذكرت هذه المقدمة لأمور(1) :

1- فهم المعنى الحقيقي للفقه والفقيه في الكتاب والسنة لكي نستطيع تطبيقه بدقة على مدّعيه والتأكد من مصداقية منتحلي العنوان قبل الالتزام باتباعهم والأخذ عنهم.

2- تحريك الإنسان المسلم نحو الحقيقة الكبرى في الوجود وهي المعرفة بالله تعالى.

3- تصحيح مسار علم الفقه المتعارف وكتبه لكي يستوعب كل استحقاقات هذا العنوان الضخم.

وقد يكون أحد الأعذار لفقهائنا خصوصاً المتأخرين أنّ العلوم قد تشعّبت وتعمّقت وكثرت تفاصيلها فيكون من المفيد فصل مسائلها ومواضيعها، فأصبحت العقائد علماً مستقلاً وكذا علم الأخلاق والعرفان، واختص العلم بالأحكام الشرعية بعنوان(الفقه) وبقي على طالب الحقيقة أن يأخذ كل علم من مظانه.

وجمعاً بين الحقّين سنحاول إثراء الرسالة العملية ببعض النكات المختصرة لإلفات النظر وتحريك الساعي إلى الكمال نحو ما ينفعه ويرشده إلى الطريق بإذن الله تعالى.

ص: 12


1- توجد تفاصيل أكثر في كتاب (شكوى القرآن) ص92 وما بعدها وبحث (دليل سلوك المؤمن) في كتاب (الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) كما أعرفه)

أبواب الفقه

قسَّم الفقهاء أفعال المكلفين التي وردت الأحكام لتنظيمها وفق الشريعة المقدسة إلى: ما يشترط قصد القربة إلى الله تعالى في صحته والاكتفاء به كالصلاة والصوم، وإلى ما لا يشترط وإن كان قابلاً للإتيان به كذلك لتحصيل الثواب عليه، والأول هو العبادات وفق المصطلح الفقهي، أمّا الآخر فهي المعاملات بمعناها الواسع، وهي: أمّا أن تكون متقومة بطرفين كالبيع المرتبط بعرض البائع ورضا المشتري، وكالنكاح المنعقد بعرض الزوجة ورضا الزوج وهكذا، أو لاتكون كذلك، والأول وهو الثاني بحسب التسلسل العام هو العقود، والثاني أمّا أن يكون متعلقاً بفعل طرف واحد كالطلاق الذي هو إنشاء الزوج خاصة من دون مدخلية للزوجة فهي الإيقاعات وهو القسم الثالث من التسلسل العام، أو لايكون كذلك وهو الأحكام كالإرث والحدود والديات وغيرها.

وفي ضوء هذا التقسيم جعل المحقق الحلي (قدس سره) كتابه الشريف (شرائع الإسلام) في أربعة أجزاء قبل ثمانية قرون تقريباً وجرى عليه مَنْ خلفه من العلماء الصالحين.

ولما كانت العبادات هي أشرف الأفعال لما فيها من القرب إلى الله تعالى وأشرف العبادات الصلاة لأنها عمود الدين، فقد قدموها على غيرها، ولما كانت الصلاة متوقفة على الطهارة ومشروطة بها فقد افتتحوا الكتب الفقهية بالطهارة ثم بكتاب الصلاة فبقية الكتب.

ونحن سنجري معهم في هذا الطريق الشريف، وينبغي للمسلم أن يلتفت إلى أنّ هذه التكاليف لا يراد منها الأداء الشكلي الخارجي لها فحسب وإنّما تستهدف بناء شخصيته وضمان سلامة مسيرته في الحياة والفوز بالسعادة والفلاح في الدنيا والآخرة وتحقيق الطهارة والسمو له،

ص: 13

قال تعالى عن ذبح الهدي في الحج {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} (الحج : 37) وقال تعالى عن علة دفع الحقوق الشرعية: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (التوبة : 103).وسئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن كيفية التعرف على أنّ الصلاة مقبولة أو لا، فجعل الإمام (عليه السلام) معياراً لذلك وهي قدرتها على نهي صاحبها عن الانحراف في السلوك وخبث النوايا، فجعل نسبة قبولها بمقدار نجاحها في تحقيق هذا الهدف مستنداً إلى قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (العنكبوت : 45).

ص: 14

العبادات

اشارة

ص: 15

ص: 16

كتاب الاجتهاد والتقليد

تصبح الأحكام التكليفية ملزمة للإنسان إذا اجتمعت فيه الشروط العامة للتكليف، وهي البلوغ والعقل والقدرة، فلا تكليف على الصبي حتى يبلغ ولا على المجنون حتى يفيق، ولا على العاجز حتى تتوفر له القدرة، وتوجد شروط خاصة للتكاليف تذكر في مواضعها كالاستطاعة للحج والخلو من الحيض للصوم وهكذا.

(مسألة 1) : يتحقق البلوغ عند الإنسان ذكراً أو أنثى بظهور علامات النضج الجنسي كحالة الشبق والشهوة والميل الى الجنس الآخر والتأثر بالامور الجنسية وبعض التغيّرات الجسمية والنفسية، ويكون الاحتلام - أي خروج المني في اليقضة او المنام- علامة قطعية على البلوغ عند الذكور، وكذا الحيض عند الإناث، ولا بلوغ عند الأنثى قبل إكمال تسع سنين قمرية حتى لو خرج منها دم بصفات الحيض، ولا يوجد مثل هذا الحد الأدنى للبلوغ عند الذكور، ولكن المعروف تأخّر الذكور عن الإناث في البلوغ، وإذا لم تحصل أي علامة فيتعيّن تحديد البلوغ بالسن، وهو إكمال خمس عشرة سنة قمرية عند الذكور وثلاث عشرة سنة عند الإناث. وتقلّ السنة القمرية عن الشمسية أحد عشر يوماً.

وينبغي لأولياء الأمور تدريب أبنائهم على الطاعة وتجنيبهم المعاصي قبل هذا العمر لتتحول الحالة عندهم إلى برنامج حياتي ثابت.

(مسألة 2) : يشترط في مرجع التقليد إضافة إلى الاجتهاد والعدالة: طهارة المولد وسلامة قواه النفسية والعقلية، وقدرته الكاملة على اداء وظائفه، وأن يكون عاقلاً بالغاً رشيداً، وأن يكون منتمياً لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام). ويشترط أن يكون ذكراً إذا كان من يرجع إليه ذكور، وأن يكون عارفاً بشؤون الحياة العامة لأنّ

ص: 17

لها دخلاً في فهم الموضوعات وبالتالي في صحة تطبيق الحكم عليها، وأن يكون ذا خبرة في الممارسة الفقهية والإحاطة بمقدمات الوصول إلى الحكم الشرعي، وكلما كانت هذه الشروط أكثر توفراً في المجتهد وأمكن تحديدها فينبغي اختياره في التقليد وهو المعنى الواسع (للأعلمية) الذي نفهمه.(مسألة 3) : إذا مات المرجع الذي يقلّده المكلف فعليه الرجوع إلى المجتهد الحي الذي تنطبق عليه الشروط السابقة فوراً، وهو الذي يحدد للناس كيفية الرجوع إليه وإلى المجتهد الميت وإذا لم يفعل المكلف ذلك غفلة أو إهمالاً أو اعتزازاً بالميت فعليه استعلام وظيفته فيما أداه في تلك الفترة من المجتهد الحي.

(مسألة 4) : يثبت الاجتهاد والأعلمية بشهادة أهل الخبرة والاختصاص وهم فضلاء وأساتذة الحوزة العلمية الشريفة القادرون على فهم بحوث المجتهدين والتمييز بينها فضلاً عن مجتهديها، ويشترط في أهل الخبرة إضافة إلى الفضيلة العلمية المرموقة الدقة في الشهادة والورع والترفع عن الهوى والمصالح الشخصية والفئوية.

(مسألة 5) : يجب على الإنسان أن يتفقه في الدين بالمقدار الذي يبرئ ذمته أمام الله تبارك وتعالى، فيتعلم أحكام الواجبات ليؤديها بالصورة المجزية والمبرئة للذمة ويتعرف على المحرمات ليتجنبها.

(مسألة 6) : لا يجوز التقليد في العقائد، بل يجب أن تكون عن قناعة بالحجة والدليل، ويكفي فيه أن يكون مبسّطاً ويثير كوامن الفطرة فيعتقد بالتوحيد لأنّه {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} أو كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لولده الحسن (عليه السلام) (لو كان لربك شريك لأتتكَ رُسُله).

(مسألة 7) : وظائف المرجع ومسؤولياته كثيرة ومتوزعة في ابواب الفقه ولكن يمكن ادراجها ضمن عناوين ثلاثة:

ص: 18

الأول: الإفتاء واستخراج أحكام مختلف الحالات والوقائع من أصول التشريع.

الثاني: القضاء بين الناس والنظر في الخصومات.

الثالث: ولاية أمر الأمة.

(مسألة 8) : الاجتهاد واجب اجتماعي أو كفائي بحسب المصطلح بمعنى أنّ على الأمة تهيئة الظروف والمقدمات لوصول العدد الكافي من أبنائها إلى مرتبة الاجتهاد لأنّ قيادة الأمة وهدايتها وصلاحها لا يكون إلا بمن توفر فيه هذا الشرط إضافة لما تقدم وقد وعد الله تبارك وتعالى على لسان المعصومين (عليهم السلام) أن الأرض لا تخلو من حجة ترجع إليه الأمة.

كتاب الطهارة

الطهارة قسمان:

الأول: الطهارة المعنوية وهي تطهير قلب الإنسان من الغل والحسد والحقد والأنانية ونحوها من الرذائل وتهذيب النفس من اتِّباع الهوى والتعلق بالدنيا ونسيان الآخرة والغفلة عن الله تبارك وتعالى.

الثاني: الطهارة الظاهرية وهي قد تكون من:

الخبث، وهي النجاسات التي تصيب الجسد وغيره كالبول والدم ونحوها ولرفع أثرها كيفيات خاصة.

أو من الحدث، وهي فعاليات حياتية وفسلجية يقوم بها الإنسان وتصدر منه وهي على قسمين:

1- الحدث الأصغر وهو ما يوجب الوضوء أو بديله التيمم عند التعذر وتشمل النوم وخروج البول والغائط.

ص: 19

2- الحدث الأكبر وهو ما يوجب الغسل أو بديله وتشمل الجنابة وهي ممارسة الفعاليات الجنسية والحيض وغيرها.

وسيأتي تفصيل ذلك لاحقا بأذن الله تعالى

أقسام المياه وأحكامها

ينقسم ما يستعمل فيه لفظ الماء إلى قسمين:

الأول: ماء مطلق، وهو الماء الطبيعي المتعارف الموجود في الأنهار والبحار وأنابيب إسالة الماء وغير ذلك.

الثاني: ماء مضاف، كماء الرمان وماء الورد وإنّما يطلق عليه لفظ الماء مجازاً لأنّه ليس ماءً حقيقة لذا فإنّه لا يذكر إلا مع المضاف إليه.

الماء المطلق

الماء المطلق أمّا لا مادة له، أي ليس متصلاً بمصدر مائي يعوض المقدار المأخوذ منه باستمرار، أو له مادة فمثلاً وعاء فيه كمية من الماء فتارة تجري عليه حنفية الإسالة بحيث تعوض كل ما يؤخذ منه أو بئر يستقى منه الماء فيعود إلى مستواه الطبيعي أو عين نابعة من الأرض فهذا متصل بمادة.

والأول - أي غير المتصل بمادة- قد يكون قليلاً أي لا يبلغ مقداراً محدداً شرعاً يسمى الكُرّ فيسمى (الماء القليل)، وقد يكون كثيراً أي يبلغ هذا المقدار فيسمى (الماء الكثير)، ولكل واحد منهما أحكامه. ويسمى الماء المتصل بمادة، والماء الكثير وإن لم يتصل بمادة، والماء الجاري ب (الماء المعتصم) وغيرها ب (الماء غير المعتصم).

1- الماء القليل: وهو ما لم يبلغ مقداره الكر وليس متصلاً بمادة فإنّه ينفعل - أي يتنجس- ويتأثر كله بملاقاة ولو جانب منه للنجاسة، سواء كانت

ص: 20

عين النجاسة أو المتنجس المباشر بها، أي ما يسمى بالمتنجس الأول.

(مسألة 9) : يطهر الماء المتنجس القليل باتصاله بماء معتصم كفتح حنفية الإسالة عليه مثلاً أو بوصله بخزان ماء يحتوي على كرٍّ فأكثر، كما يطهر بتقاطر ماء المطر بمقدار معتد به وليس بقطرات بسيطة.2- الماء الجاري: وله مصاديق عديدة كالماء النازل من الميزاب نتيجة هطول الأمطار على السطح وكالنابع من العيون ثم يجري على الأرض وكالماء المتدفق من حنفيات الإسالة ويسيل على الأرض، وهذا كله معتصم لأنّه متصل بمادة فلا ينفعل بملاقاة النجاسة، وإنّما الكلام في الماء القليل الجاري سواء كان منصبّاً من الأعلى إلى الأسفل كالمتدفق من الإبريق أو كان من الأسفل إلى الأعلى كالماء الخارج من الفوارة أو النافورة، وعلى كلا التقديرين فإذا لاقى النجاسة فإنّ محل الملاقاة فقط يتنجس دون العمود المتصل، أي ينطبق حكم الماء القليل على الجزء الملامس لعين النجاسة فقط.

(مسألة 10) : الجريان حالة يحكم بها العرف ويشترط فيها مستوى من سرعة الجريان والكمية.

(مسألة 11) : ماء الحنفية والدوش من الجاري ما دام متصلاً فإن تقطع كان من القليل.

3- الماء الكثير: وهو ما بلغ مقداره الكُر وهو ما يبلغ من الوزن 377 كغم او لتر ويحسن الاحتياط بوزن 400 كغم او لتر.

(مسألة 12) : الماء الكثير لا ينفعل بملاقاة النجاسة فضلاً عن المتنجس بها إلا إذا تغير بلون النجاسة أو طعمها أو ريحها.

(مسألة 13) : إذا تغير الماء بغير اللون والطعم والرائحة كما لو تغيرت كثافته مثلاً فإنّه لا يتنجس.

ص: 21

(مسألة 14) : إذا تغير لونه أو طعمه أو رائحته بالمجاورة للنجاسة وليس بالملاقاة فلا يتنجس أيضاً.

4- ماء المطر، معتصم فلا يتنجس بملاقاة النجاسة في حال نزوله ومطهر لغيره، أمّا لو وقع على شيء كورق الشجر أو على سقف ونحوهما ثم تسّرب ووقع على النجس تنجس.

الماء المضاف

الماء المضاف، وهو المعتصر من الاجسام الرطبة بالخلقة كالفواكه، او الممتزج ببعض الاجسام امتزاجاً يسلبه الصدق العرفي للماء الاعتيادي او المطلق: كماء الورد وسائر المائعات كالدبس والخل والزيت، ينجس القليل منها والكثير بمجرد الملاقاة للنجاسة، إلا إذا كان متدافعاً على النجاسة بقوة كالجاري من العالي والخارج من الفوارة، فتختص النجاسة حينئذ بالجزء الملاقي للنجاسة، ولا تسري إلى العمود.

(مسألة 15) : إذا تنجس الماء المضاف فإنّه لا يطهر أصلاً، وإن اتصل بالماء المعتصم كماء المطر أو الكر، نعم، إذا استهلك في الماء المعتصم كالكر فقد ذهبت عينه ويكون الحاصل طاهراً، ومثل الماء المضاف في الحكم المذكور سائر المائعات.

(مسألة 16) : الماء المضاف لا يرفع الخبث ولا الحدث.

(مسألة 17) : الأسئار كلها طاهرة إلا سؤر الكلب والخنزير والاحوط وجوباً في الكافر غير الكتابي، أمّا الكتابي فإنّه طاهر ذاتاً، ويكره سؤر غير مأكول اللحم عدا الهرة.

ص: 22

وورد في الروايات الشريفة أنّ سؤر المؤمن شفاء، بل إنّ في بعضها إنّه شفاء من سبعين داءً.

(مسألة 18) : لا تتحقق الإضافة باختلاط الماء المطلق بمواد أخرى كالتراب والصابون والسدر فيبقى اسمه ماءً مخلوطاً بشيء حتى يقتنع الوجدان بأنّ اسمه قد تحول إلى الإضافة فأصبح طيناً أو ماءَ صابونٍ.

أحكام الخلوة

واجبات التخلي يجب حال التخلي ملاحظة ما يلي:

أولاً: وجوب ستر العورة ويراد منها هنا في باب التخلي (القبل والدبر وما بينهما والبيضتان) عن كل ناظر مميز عدا من تحل له الاستمتاعات الجنسية كالزوجين.

ثانياً: حرمة استقبال القبلة واستدبارها حال التخلي بمقاديم بدنه وإن أمال عورته، وبعورته وإن أمال بدنه، ويجوز حال الاستبراء والاستنجاء، ولو اضطر إلى أحدهما (أي الاستقبال والاستدبار) :فيتخير والأَوْلى له اجتناب الاستقبال.

(مسألة 19) : لا يجوز التخلي في ملك غيره إلا بإذنه ولو بالفحوى، أي أنّ عنده اطمئناناً برضا المالك لو استأذنه.

التطهير عند التخلي

يجب غسل موضع البول بالماء القليل غير الجاري مرتين ومقدار الأُولى هو ما يزيل عين النجاسة وتكفي المرة بالجاري والكثير، كما لابد من استيلاء الماء عليه بنحو يصدق عليه الغسل عرفاً.

وأمّا موضع الغائط فإن تعدى المخرج تعيّن غسله بالماء كغيره من المتنجسات، وإن لم يتعدَّ المخرج تخير بين غسله بالماء حتى ينقى ومسحه بالأحجار أو أي جسم قالع كورق التنظيف الصحي(كلينكس)، والماء أفضل والجمع أكمل مع تقديم إزالة النجاسة بالجسم القالع.

ص: 23

الاستبراء

المهم في كيفية الاستبراء تحقيق نتيجته وهو إفراغ المجاري البولية من البول المتبقي، لكن الكيفية الأفضل والتي وردت في الروايات الشريفة هي المسماة بالخرطات التسع، حيث يبدأ بالمسح من المقعد إلى أصل القضيب ثلاثاً ثم منه إلى رأس الحشفة ثلاثاً أي من جانبه الأسفل ثم ينتر الحشفة أو يعصرها ثلاثاً. (مسألة 20) : فائدة الاستبراء طهارة البلل الخارج بعده إذا احتُمِل أنّه بول حتى لو كان كثيراً، ولا يجب الوضوء منه، ولو خرج البلل المشتبه بالبول قبل الاستبراء بُنيَ على كونه بولاً، فيجب التطهير منه والوضوء وإن كان تركه لعدم التمكن منه، ويلحق بالاستبراء من حيث تحقق هذه الفائدة طول المدة على وجه يعلم أو يطمأن بعدم بقاء الرطوبة في المجرى.

(مسألة 21) : لا استبراء للنساء والبلل المشتبه الخارج منهن طاهر لا يجب له الوضوء، نعم، الأولى أن تصبر وتتنحنح وتعصر فرجها عرضاً.

الوضوء

أجزائه وكيفيته

أجزاء الوضوء أربعة: غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين.

فهنا أمور:

الأمر الأول: غسل الوجه:

يجب غسل الوجه ابتداءً من قصاص شعر الرأس إلى نهاية الذقن طولاً، وما اشتملت عليه الإصبع الوسطى والإبهام عرضاً ولا يجب أزيد من ذلك إلا بعض الأطراف من باب المقدمة العلمية.

الأمر الثاني: يجب غسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع،

ص: 24

ويجب الابتداء بالمرفقين ثم الأسفل منهما فالأسفل عرفاً إلى أطراف الأصابع، بمعنى أن تكون حركة الغسل نحو الأسفل، ولا يجب تقطيع اليد إلى مناطق وغسلها منطقة منطقة ابتداءً من المرفق مما يسمى بالوضوء التقطيعي.

الأمر الثالث: يجب مسح مقدم الرأس وهو ما يقارب ربعه مما يلي الجبهة ويكفي فيه تحقق عنوان المسح طولاً وعرضاً ولو بحركة بسيطة.

الأمر الرابع: يجب مسح القدمين من أطراف الأصابع إلى الكعبين وهو مفصل الساق ويكفي تحقق عنوان المسح عرضاً.

وضوء الجبيرة

يراد بالجبيرة قطعة القماش أو الألواح التي يلف بها العضو لوجود جرح أو قرح أو كسر فيه أو مرض يضر معه وصول الماء إليه، ويعمم حكمها إلى كل حاجب عن وصول الماء يكون على العضو بحيث يصعب إزالته وتسبب له حرجاً ومشقة، كالعاملين في تصليح المكائن والسيارات أو البناء فإنّ أيديهم تكتسب قشرة من الزيوت والمواد التي يشق تنقية الجلد منها، وهكذا.

وحكم من كان على بعض أعضاء وضوئه جبيرة أنّه إن تمكن من غسل ما تحتها بنزعها أو بغمسها في الماء مع إمكان الغسل من الأعلى إلى الأسفل - أي بإزالة الحاجب عموماً- وجب، وإن لم يتمكن لخوف الضرر والحرج اكتفى بالمسح عليها، وكذلك لو لم يمكنه إيصال الماء إلى ما تحت الجبيرة، ولو أمكنه المسح على البشرة مسح عليها، ولا بد من استيعابها بالمسح إلا ما يتعسر استيعابها به كالخلل التي تكون بين الخيوط ونحوها.

ويلاحظ في الاكتفاء بوضوء الجبيرة إضافة إلى ما تقدم من وجود ضرر أو حرج ومشقة في إيصال الماء إلى البشرة، تحقق الشروط التالية:

ص: 25

1- أن لا تكون الجبيرة أو العصابة نجسة بأن تكون طاهرة ولو ظاهرها ولا تضر نجاسة ما هو داخل الجبيرة.

2- أن لا تكون الجبيرة أو العصابة زائدة على الحد المتعارف سمكاً ومساحة وهو عادة أوسع من محل الإصابة بقدرٍ ما.

3- أن تكون مباحة فلا يجوز المسح على الجبيرة أو العصابة المغصوبة وإلا فوظيفته التيمم.

4- أن يكون العضو المتضرر بماء الوضوء من أعضاء الوضوء نفسه، فلو

تضرر بماء الوضوء عضو من غيرها فلا يجوز له الاكتفاء بوضوء الجبيرة وتنتقل وظيفته إلى التيمم. (مسألة 22) : إذا كانت الجبيرة نجسة فبالإمكان وضع مادة كقطعة قماش طاهرة عليها والمسح عليها وإلا تعين التيمم.

(مسألة 23) : الجروح والقروح المعصبة حكمها حكم الجبيرة المتقدم، وإن لم تكن معصّبة - أي كانت مكشوفة - وكانت في مواضع الغسل فإن أمكن غسلها مع سائر العضو وجب، وإن لم يمكن غسل ما حولها ومسح عليها - إن كانت طاهرة ولا يتضرر بهذا المقدار- وإلا فيضع قطعة قماش طاهرة عليها ويمسح عليها، وإذا كان غسل أطرافه بالمقدار المتعارف ضررياً أو كان نجساً ولا يمكن غسله فوظيفته التيمم.

(مسألة 24) : إذا كان العضو المصاب بالجرح أو القرح مكشوفاً أي غير معصب وكان في مواضع المسح وكان مستوعباً لتمام الموضع، فإن تمكن من المسح عليه وجب وإن لم يتمكن أمّا لضرر أو لنجاسة فوظيفته التيمم.

(مسألة 25) : إذا كان العضو مصاباً بكسر - وليس بجرح أو قرح-، وكان

ص: 26

مكشوفاً، فإن كان غسل الموضع المصاب ضررياً فوظيفته التيمم وليست وظيفته غسل ما حول العضو كما في حالة الجرح والقرح، وإذا كان الكسر المكشوف في موضع المسح فإن أمكن المسح عليه توضأ اعتيادياً وإلا فوظيفته التيمم، ولذا يجب التفريق بين ما لو كان العضو المكشوف المتضرر فيه جرح أو قرح أو فيه كسر.

(مسألة 26) : إذا كانت الجبيرة زائدة عن الحد المتعارف فيجب تصغيرها ان امكن وإلا فوظيفته التيمم إن لم تكن الجبيرة في مواضع التيمم، وإلا فوظيفته الجمع بين التيمم وبين وضوء الجبيرة، وخلاصة احكام هذه الحالة وامثالها ان من كان

تكليفه الوضوء الجبيري ولم يتمكن منه بشكل صحيح – تكون الجبيرة ازيد من المتعارف كما في هذه المسالة ونحوها- انتقلت وظيفته الى التيمم ان لم تكن الجبيرة في أعضاء التيمم والا فوظيفته الجمع بين الوضوء والتيمم، وبصورة عامة فان ضم التيمم الى الوضوء الجبيري على كل التقادير الواردة في المسائل المتقدمة واللاحقة شيء حسن وسبيل للنجاة باذن الله تعالى.(مسألة 27) : يجري حكم الجبيرة في الأغسال غير غسل الميت.

شرائط الوضوء

وهي أمور:

منها: طهارة الماء وإطلاقه وإباحته وعدم استعماله في التطهير من الخبث بل ولا من رفع الحدث الأكبر.

ومنها: طهارة المحل المغسول والممسوح ورفع الحاجب عنه.

ومنها: إباحة الفضاء الذي يقع فيه الغسل والمسح على الأحوط وجوباً.

ص: 27

ومنها: عدم المانع من استعمال الماء لمرض أو عطش يخاف منه على نفسه أو على نفس محترمة، بل على حيوان غير مضر مما له مالية عرفاً سواء كان له أو لغيره ممن تصان ملكيته.

ومنها: النية، وهي أن يقصد الوضوء بهذه الأفعال وليس التنظيف أو التبريد أو اللهو والعبث أو غيرها.

ومنها: مباشرة المتوضئ للغسل والمسح. فلو وضّأه غيره، على نحو لا يستند الفعل إليه، بطل إلا مع الاضطرار أو العجز.

ومنها: الموالاة، وهي التتابع في الغسل والمسح عرفاً بحيث تبدو أفعال الوضوء وكأنها عملية واحدة.

ومنها: الترتيب بين الأعضاء بتقديم الوجه ثم اليد اليمنى ثم اليسرى ثم مسح الرأس ثم مسح الرجل اليمنى ثم اليسرى.

أحكام الخلل

(مسألة 28) : من تيقن الحدث وشك في الطهارة تطهر، كما لو علم بأنه لم يكن على طهارة وشك في أنه هل توضأ ام لا ؟

(مسألة 29) : إذا شك في الطهارة في أثناء الصلاة أو العمل الذي تعتبر فيه الطهارة، قطعها وتطهر واستأنف. (مسألة 30) : لو تيقن الإخلال بغسل عضو أو مسْحِهِ أتى به وبما بعده مراعياً للترتيب والموالاة وغيرهما من الشرائط. وكذا لو شك في فعل من أفعال الوضوء قبل الفراغ من الوضوء. أمّا لو شك بعد الفراغ منه لم يلتفت.

(مسألة 31) : إذا تيقن بعد الفراغ من الوضوء أنّه ترك جزءاً منه ولا يدري أنّه الجزء الواجب أو المستحب، فالظاهر الحكم بصحة وضوئه.

ص: 28

نواقض الوضوء

إذا توضأ الإنسان فإنّه يبقى في حالة طهور ما لم يطرأ عليه أحد النواقض الآتية فتجب عليه إعادته من جديد لكل فعل مشروط بالطهارة كالصلاة، ويستحب أن يكون الإنسان على طهور باستمرار فقد ورد أنّ مثله إذا مات كان شهيداً.

وحالة انتقاض الوضوء تسمى (الحدث الأصغر)، وهي تحصل بأمور:

الأول والثاني: خروج البول والغائط سواء كان من الموضع المعتاد أو من فتحة مصطنعة لخروجه ما دام يصدق عليه أحد الاسمين المذكورين.

الثالث: خروج الريح من الدبر أو من فتحة مصطنعة ما دام يصدق عليه الاسم، ولا عبرة بما يخرج من فتحة القبل بالنسبة للأنثى ولو تكرر.

الرابع: النوم الغالب على الوعي من غير فرق بين أن يكون قائماً أو قاعداً أو مضطجعاً، ومع الشك يعرف بغلبته على السمع لأنَّ العين قد تثقل بالنعاس وتنغلق قهراً لكن الشخص يبقى واعياً ويسمع ما يدور حوله فلا ينتقض الوضوء.

(مسألة 32) : يلحق بالنوم حكماً كل ما غلب على الوعي كالجنون والإغماء والسكر والتخدير ونحوها.

(مسألة 33) : لا ينتقض الوضوء بخروج المذي أو الودي أو الوذي وهي سوائل يفرزها العضو الذكري لمنافع فسلجية، والأول ما يخرج عند الملاعبة والثاني ما يخرج بعد خروج البول والثالث ما يخرج بعد خروج المني، وعدم كونها ناقضة للغسل أوضح وأولى.

الخامس: الاستحاضة، على تفصيل سيأتي ان شاء الله تعالى.

ص: 29

بعض أحكام الوضوء

لا يجب الوضوء لنفسه وإنّما يجب لغيره فتتوقف صحة الصلاة عليه واجبة كانت أو مستحبة، وكذا أجزاؤها المنسية بل سجود السهو على الأحوط، ومثل الصلاة الطواف الواجب وهو ما كان جزءاً من حجة أو عمرة واجبة أو مستحبة.

(مسألة 34) : لا يجوز للمحدث مسّ كتابة القرآن الكريم، حتى المد والتشديد على الأحوط، دون علامات التجويد، ودون الآيات المكتوبة في غير المصحف كالشواهد في كتب النحو، ودون ورق المصحف وغلافه، والأحوط اجتناب لفظ الجلالة وغيره من الأسماء الحسنى الواردة في غير المصحف ولا بأس بمسها إذا كانت جزءاً من أسماء مركبة للأشخاص، ونفس الحكم يجري على أسماء المعصومين (عليهم السلام).

(مسألة 35) : الوضوء مستحب في نفسه لأجل الكون على الطهارة وهذا مبرر كاف للإتيان به، ولا حاجة إلى تعلق واجب به كدخول وقت الصلاة للإتيان به، وحينئذٍ تحل له كل الغايات الأخرى.

(مسألة 36) : لا فرق في جريان الحكم المذكور للمصحف بين الكتابة بالعربية وغيرها ما دام لفظ القرآن موجوداً، كما لا فرق في الكتابة بين الحبر والحفر والتطريز والكاشي وغيرها، كما لا فرق في العضو الماس بين ما تحله الحياة وغيره كالشعر على الأحوط استحباباً. (مسألة 37) : إذا دخل وقت الفريضة جاز الإتيان بالوضوء بقصد فعل الفريضة ويمكن أن يقصد الوجوب، كما يجوز الإتيان به بقصد الكون على الطهارة أو أية غاية أخرى، أمّا قبل الوقت فلا تجوز نية الوجوب للصلاة، نعم، تجوز نية التهيؤ لها استحباباً.

ص: 30

الغسل

منه واجب وهو على قسمين:

الأول: واجب لنفسه، كغسل الأموات وما يجب بعارض كالنذر، فإنّ وجوبه ليس من أجل شيء آخر.

الثاني: واجب لغيره، وهو ما وجب من أجل القيام بواجب آخر كالصلاة، ويشمل غسل الجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس ومس الميت.

ومنه مستحب، وهي كثيرة مرتبطة ببعض الأزمنة كغسل الجمعة، أو ببعض الأمكنة كدخول الحرم، أو ببعض الأفعال كالتوبة.

غسل الجنابة

موجبات غسل الجنابة

سبب الجنابة أمران:

الأول: خروج المني من الموضع المعتاد، وهو القُبُل، فإنّه موجب للغسل شرعاً، سواء كان بالاختيار أم كان بغير الاختيار، في حال اليقظة أم في النوم، قليلاً كان أم كثيراً، بالجماع أو بغيره.

وأمّا المرأة فلا يحكم عليها بالجنابة بخروج بعض السوائل المهبلية أثناء الملاعبة وغيرها حتى وإن كانت كثيرة وبشهوة، وإنّما يجب عليها الغسل إذا بلغت حالة معينة من ذروة الشهوة والتهيج الجنسي التي يعقبها فتور وارتخاء بالجسد وهي حالة قليلة الحدوث عند النساء والأحوط عدم الاكتفاء به إن كانت محدثة بالأصغر فتضم إليه الوضوء، ولا عبرة بالسوائل المهبلية التي تخرج اثناء الاستمتاع الجنسي.

ص: 31

(مسألة 38) : البلل المشكوك الخارج بعد خروج المني وقبل الاستبراء بالبول بحكم المني ظاهراً.

الثاني: الجماع ولو لم ينزل المنيّ، ويتحقق بدخول الحشفة كلها في قبل المرأة، إذا كانت الحشفة سليمة، وإن كانت مقطوعة فمقدارها من قضيب الذكر.

ولو يم يتحقق هذا المقدار فوجوب الغسل احتياطي لذا يضم اليه لوضوء ان كان محدثاً بالاصغر، وكذا يحتاط الواطئ والموطوء اذا حصل الادخال في دبر المرأة او الذكر او البهيمة بغض النظر عن حرمة الفعل الشنيع القبيح.

فيما يتوقف صحته أو جوازه على غسل الجنابةوهوأمور:

الأول: الصلاة مطلقاً. عدا صلاة الجنائز، وكذا أجزاؤها المنسية. بل سجود السهو على الأحوط وجوباً.

الثاني: الطواف الواجب بالإحرام مطلقاً.

الثالث: الصوم بمعنى أنّه لو تعمد البقاء على الجنابة حتى طلع الفجر، بطل صومه.

الرابع: مس كتابة المصحف الشريف، ولفظ الجلالة على تفصيل.

الخامس: اللبث في المساجد، بل مطلق الدخول فيها وإن كان لوضع شيء فيها.

السادس: قراءة آية السجدة من سور العزائم، وهي سورة السجدة وفصلت والنجم والعلق.

واجبات الغسل

فمنها: النية، ولا بد فيها من الاستدامة إلى آخر الغسل.

ومنها: غسل ظاهر البشرة على وجه يتحقق به مسماه، فلا بد من رفع

ص: 32

الحاجب وتخليل ما لا يصل الماء معه إلى البشرة إلا بالتخليل، ويجب غسل الشعر إلا ما كان طوله خارجاً عن المتعارف في الرأس كالنساء أو في اللحية كطويلها.

ومنها: الإتيان بالغسل على إحدى كيفيتين:

الأولى: الترتيب بأن يغسل أولاً تمام الرأس، ومنه العنق ثم بقية البدن. والأحوط وجوباً أن يغسل تمام النصف الأيمن، ثم تمام النصف الأيسر. ولا بد في غسل كل عضو من إدخال شيء من الآخر نظير باب المقدمة.

الثانية: الارتماس، وهو تغطية البدن في الماء تغطية واحدة بنحو يحصل غسل تمام البدن فيها مع النية. فيخلل شعره فيها إن احتاج إلى ذلك ويرفع قدمه عن الأرض إن كانت موضوعة عليها. ويجب أن يكون غسل الجنابة الارتماسي بعد طهارة البدن.ومنها: إطلاق الماء وطهارته وإباحته والمباشرة اختياراً فلا يجوز لغيره أن يباشر تغسيله بدلاً عنه. وعدم المانع عن استعمال الماء من مرض ونحوه. وطهارة العضو المغسول قبل ورود الماء عليه.

(مسألة 39) : الغسل الترتيبي أفضل وأحوط من الغسل الارتماسي.

(مسألة 40) : الماء الذي يسبلونه للشرب في الأماكن العامة لا يجوز الوضوء ولا الغسل منه إلا مع العلم بعموم الإذن.

أحكام غسل الجنابة

(مسألة 41) : الاستبراء بالبول ليس شرطاً في صحة الغسل لكن إذا تركه واغتسل ثم خرج منه بلل مشتبه بالمنيّ جرى عليه حكم المنيّ ظاهراً فيجب الغسل له كالمنيّ سواء استبرأ بالخرطات لتعذر البول أم لا، إلا إذا علم بذلك أو بغيره عدم بقاء شيء من المنيّ في المجرى.

ص: 33

(مسألة 42) : يجزي غسل الجنابة عن الوضوء لكل ما اشترط به وكذلك كل غسل واجب عدا غسل المستحاضة بالاستحاضة الوسطى فإنّه لا يجزي، وكذا يجزي عن الوضوء كل غسل مستحب ثبت بدليل معتبر كغسل الجمعة. وأمّا ما لم يثبت بدليل معتبر أو شك في موضوعه أو كان الإتيان به على وجه الاحتياط فالأحوط وجوباً ضم الوضوء إليه ولو بنية استحبابه النفسي.

(مسألة 43) : لو أحدث بالأصغر في أثناء الغسل أتمّه وتوضأ، وله أن يقطعه

ويبدأ بالغسل من جديد ويكون مجزياً عن الوضوء، والأحوط استحباباً الإتمام والاستئناف والوضوء. (مسألة 44) : إذا انتهى من غسل أحد الأعضاء ثم شك في صحته وفساده، فالظاهر أنّه لا يعتني بالشك سواء كان الشك بعد دخوله في غسل العضو الآخر أم كان قبله.

الدماء واحكامها

الدم الذي تراه المرأة على أنواع ولها أحكام:

الأول: الحيض وما يعرف بالدورة الشهرية حيث يقذف الرحم البيضة التي تنزل إليه واحدة شهرياً إذا لم تصادف تخصيباً بالحيمن الذكري ويقذف معها بعض الأنسجة والمواد المعدة لتغذي البيضة المخصبة.

الثاني: دم البكارة الذي يخرج بسبب افتضاض غشاء البكارة.

الثالث: دم النفاس الذي يقترن خروجه بالولادة.

الرابع: دم الجروح والقروح التي تصيب ذلك الجزء من البدن.

الخامس: دم الاستحاضة الذي يخرج بسبب أعراض مرضية تصيب الرحم

ص: 34

ونحوه مما لا يندرج في الأقسام المتقدمة.

والدم الثاني والرابع لا يوجب غسلاً وإنّما يجب تطهير موضع النجاسة بالماء أمّا الثلاثة الباقية فهي من الحدث الأكبر وتوجب الغسل.

الحيض

سبب غسل الحيض خروج دم الحيض الذي تراه المرأة البالغة والمعتاد قذفه في دورة شهرية، ولا يتحقق الحيض إلا بخروج الدم من الفرج فلو انصبّ الدم من الرحم إلى فضاء الفرج لكنه لم يخرج لم يجرِ عليه حكم الحيض، ولكن إن خرج ولو جزء قليل منه أو أخرج بقطنة ونحوها جرى عليه حكم الحيض وإن انقطع خروجه بعد ذلك وظلّ في فضاء الفرج.

ولدم الحيض صفات تميزه فهو غالباً يكون أسود أو أحمر حاراً يخرج بدفق وحرقة، بخلاف دم الاستحاضة فإنّه لا تتوفر فيه هذه الصفات ويكون لونه أصفر، ومتى رأت المرأة دماً بصفات الحيض فلها أن تعتبره حيضاً (مع مراعاة الشروط العامة للحيض الآتية)، وتترك الصلاة والصوم وتبقى متابعة لحالها إلى ثلاثة أيام فإن استمر على هذا الحال طيلة هذه المدة فهو حيض، وإن لم يحتفظ بالصفات كما لو خفّ لونه وأصبح أصفر فليس بحيض وإنّما استحاضة وعليها قضاء الصلاة والصوم.

تعيين زمان الحيض

كل دم تراه الصبيّة قبل إكمالها تسع سنين قمرية ولو بلحظة لا تترتب عليه أحكام الحيض، نعم، قد تكون رؤيتها هذه علامة اطمئنانية على أنّها قد أكملت تسع سنين، على أساس أن البنت لا ترى دم حيض عادة إلا بعد إكمال التاسعة.

ص: 35

وكذا المرأة إذا وصلت سن اليأس ورأت دماً لم تعتبره حيضاً، إلا إذا لم تعلم أنّها بلغت سن اليأس، كما إذا لم تضبط عمرها بالدقة فتعتبره حيضاً، ولا عمر محدد لسن اليأس، فإنّه متغيّر تبعاً لعدة عوامل كمحل سكن المرأة من مناطق الكرة الأرضية الحارة أو الباردة أو المعتدلة، وممارستها لعملية الإنجاب وعدد مرّاتها، لكن المعدل الطبيعي لسن اليأس هو بين (50-60) سنة من دون فرق بين القرشية وغيرها.ويمكن التعرف على حصول سن اليأس أحياناً بعلامات نفسية وجسدية، وإذا لم يتحقق العلم بحصول سن اليأس ورأت دماً قبل بلوغها ستين سنة فتعتبره حيضاً إذا كان كالذي تراه أيام عادتها، وإذا رأت دماً بعد إكمالها ستين سنة لم تعتبره حيضاً.

(مسألة 45) : في الغالب إنّ المرأة الحامل لا تأتيها الدورة الشهرية لانتفاء سببها المتقدم ولكن قد يتحقق الحيض عند الحامل نادراً سواء قبل ظهور الحمل أو بعده، فإذا رأت المرأة الحامل دماً وكانت واثقة ومطمئنة بأنه دم حيض عملت ما تعمله الحائض، وإن لم تكن مطمئنة بذلك فإن كان الدم في أيام العادة أو قريباً منها بيوم أو يومين وكان بصفة الحيض اعتبرته حيضاً، وإن لم يكن في أيام العادة ولا بصفة الحيض اعتبرته استحاضة.

وإن كان في أيام العادة ولم يكن بصفة الحيض، أو كان بصفة الحيض ولم يكن في أيام العادة، فعليها الاحتياط بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة.

أقل الحيض وأكثره

أقل مدة يمكن أن نعتبر الدم الخارج فيها حيضاً هي ثلاثة أيام، ويراد باليوم الفترة الزمنية من طلوع الفجر حتى غروب الشمس فلو صادف نزول الدم أول مرة ليلاً فلا يحسب من الأيام الثلاثة حتى يطلع الفجر وهي

ص: 36

المسماة بالليلة الأولى، ويكفي وجود الدم في باطن الفرج ما دام قد خرج أول مرة كما تقدم، والليلتان المتوسطتان داخلتان في الحساب ومشمولتان بما سنقوله من اشتراط عدم انقطاع الدم في هذه المدة إلا في فترات قصيرة متعارفة لدى النساء، ولا يكفي وجوده في بعض كل يومٍ من الثلاثة، ويكفي تجميع الثلاثة من أبعاض اليوم فإذا رأته في وسط نهار اليوم الأول فيشترط استمراره إلى وسط نهار اليوم الرابع.وأكثر الحيض وأقصاه عشرة أيام، فإذا تجاوز العشرة فالزائد ليس حيضاً.

وأقل الطهر - وهي حالة خلو المرأة من الدم أصلاً أو وجود دم الاستحاضة - بين الحيضتين عشرة أيام، أمّا النقاء المتخلل بين دمين من حيض واحد فيمكن أن يكون أقل من ذلك.

خلاصة الشروط العامة للحيض، وهي أربعة:

1- أن تكون المرأة قد أكملت تسع سنين قمرية ولم يتجاوز عمرها الستين.

2- استمرار الدم ثلاثة أيام.

3- أن لا يتجاوز عشرة أيام.

4- أن لا تقل فترة الطُهر بين حيضتين عن عشرة أيام.

ذات العادة

تختلف طبيعة العادة لدى النساء فبعضها تكون ثابتة العدد كستة أيام لكن موعدها غير منتظم فتسمى(عادة عددية)، وبعضها تكون ثابتة الموعد كاليوم الخامس من الشهر القمري مثلاً ولا تنضبط مدتها فتسمى (عادة وقتية)، وقد ينتظم عندها الأمران فتسمى (عادة وقتية عددية).

ص: 37

وتعرف المرأة نفسها من أي نوع بتكرر الحيض مرتين متماثلتين متتاليتين من دون الفصل بعادة مخالفة، فإن اتفقتا بالمدة والتاريخ فالعادة وقتية وعددية، وإن اتفقتا في الزمان خاصة دون العدد فهي وقتية، وإن اتفقتا بالعدد فقط فهي عددية.

(مسألة 46) : ذات العادة الوقتية - سواء كانت عددية أم لا- تتحيض بمجرد رؤية الدم في العادة أو قبلها أو بعدها بيوم أو يومين ونحوها، مما لا يصدق معه التقدم والتأخر عرفاً. وخاصة إذا أحرزت أنّه هو حصة الشهر من الدم. فتترك العبادة وتعمل عمل الحائض في جميع الأحكام، وإن لم يكن الدم بصفة الحيض. ولكن إذا انكشف أنّه ليس بحيض لانقطاعه قبل الثلاثة وجب عليها قضاء الصلاة.

(مسألة 47) : غير ذات العادة الوقتية، سواء أكانت ذات عادة عددية فقط أم لم تكن ذات عادة أصلاً، كالمبتدئة، تتحيض بمجرد الرؤية إن كان الدم جامعاً للصفات مثل الحرارة والحمرة أو التدفق أو الخروج بحرقة، وإن كان فاقداً للصفات تتحيض بعد ثلاثة أيام، ولا يترك الاحتياط خلال الثلاثة بالجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة، وعلى أي حال فمتى انقطع الدم دون الثلاثة فليس بحيض.

(مسألة 48) : إذا تقدم الدم على العادة الوقتية أو تأخر عنها بمقدار كثير لا يتعارف وقوعه، كعشرة أيام، فإن كان الدم جامعاً للصفات أو علمت إنّه حصة الشهر من الدم تحيضت به، وإلا جرى عليها حكم المستحاضة، والأحوط لها الجمع بين تروك الحائض وعمل المستحاضة.

تخلّل الطهر بين دمين في شهر واحد

كل ما تراه المرأة من الدم أيام عادتها فهو حيض، وإن لم يكن الدم بصفات الحيض، وكل ما تراه خارج عادتها وكان فاقداً للصفات، بل مطلقاً،

ص: 38

فهو استحاضة إن علمت حصول العادة في حينها ولو معجلة أو متأخرة عرفاً، وأمّا لو لم تعلم بذلك وعلمت أنّ هذا الدم هو حصة الشهر تحيضت، بدون اعتبار الصفات. وبدون هذين العلمين تعمل بالصفات على الأظهر.

(مسألة 49) : إذا رأت الدم ثلاثة أيام وانقطع، ثم رأت ثلاثة أخرى أو أزيد، فإن كان مجموع النقاء والدمين لا يزيد على عشرة أيام وكانا في أيام عادتها أو بصفات الحيض كان الكل حيضاً واحداً مع النقاء المتخلل، وإن تجاوز المجموع عن العشرة ولكن لم يفصل بينهما أقل الطهر، فإذا كان أحدهما في العادة عرفاً دون الآخر، كان ما في العادة حيضاً والآخر استحاضة مطلقاً. وأما إذا لم يصادف شيء منهما العادة ولو لعدم كونها ذات عادة، فإن كان أحدهما واجداً للصفات دون الآخر جعلت الواجد حيضاً والفاقد استحاضة، ما لم تعلم أو تطمئن بنزول الدم في وقت عادتها التقريبي أيضاً فتتحيض به.

(مسألة 50) : إذا كان كلا الدمين واجداً للصفات أو فاقداً لها، فإن علمت بحصول عادتها مستقبلاً فهي بحكم المستحاضة، وإن علمت أنّ هذا الدم هو حصتها من الشهر تحيضت بالدم الأول واحتاطت بالدم الثاني، وإن لم يحصل كلا العلمين لها عملت بالصفات، فإن كان الدمان واجدين للصفات فهي في حيض من بدء الدم الأول إلى نهاية العشرة. وإن كانا فاقدين لها فهي مستحاضة، والأَولى لها الجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة.

(مسألة 51) : إذا تخلل بين الدمين أقل الطهر فأكثر كان كل منهما حيضاً مستقلاً إذا كان كل منهما في العادة أو واجداً للصفات أو علمت أنّه حصة الشهر من الدم، وبدون ذلك فهي مستحاضة.

ص: 39

الاستبراء والاستظهار

الاستبراء: هو طلب التعرف على حالة النقاء وبراءة الرحم من الدم.

الاستظهار: هو طلب التعرف على حالة الحيض ويتضمن ترك العبادة من صلاة وصوم بمجرد رؤية الدم إلى حين ظهور الحالة أنّها حيض أو لا، في ضوء توفر الشروط العامة للحيض.

إذا انقطع دم الحيض لدون العشرة، فإن احتملت بقاءه في الرحم استبرأت بإدخال القطنة، فإن خرجت ملوثة بقيت على التحيض. وإن خرجت نقية اغتسلت وعملت عمل الطاهر. ولا استظهار عليها هنا حتى مع ظن العود. إلا مع اعتياد العود بحيث تعلم أو تطمئن بحصوله، فعليها الاحتياط بالغسل والصلاة، إلا مع اطمئنانها أنّ الكل حيض، كما لو كان المجموع دون العشرة.

(مسألة 52) : إذا تركت الاستبراء لعذر من نسيان أو غفلة واغتسلت وصادف النقاء صح غسلها. وإذا تركته لا لعذر صح غسلها إذا صادف براءة الرحم مع توفر نية القربة المصححة للغسل، وأن لم تتمكن من الاستبراء فالأقوى أنّها تبقى على التحيض حتى تعلم أو تطمئن بالنقاء، ما لم يزد الدم على العشرة. وإن كان الأحوط لها استحباباً الاغتسال في كل وقت تحتمل فيه النقاء إلى أن تعلم بحصوله، فتعيد الغسل والصوم.

أقسام الحائض

1- المرأة ذات العادة الوقتية والعددية معاً.

2- ذات العادة الوقتية فقط.

3- ذات العادة العددية فقط.

ص: 40

4- المرأة الناسية لوقتها وعددها معاً أو لأحدهما فقط.

5- المرأة المبتدئة وهي التي ترى الدم لأول مرة ولم تستقر لها عادة.

6- المرأة المضطربة وهي التي اضطربت عادتها.

(مسألة 53) : المبتدئة إذا رأت الدم وقد تجاوز العشرة رجعت إلى التمييز، بمعنى أنّ الدم المستمر إذا كان بعضه بصفات الحيض وبعضه فاقد لها أو كان بعضه أسود وبعضه أحمر أو كان بعضه أحمر وبعضه أصفر، وجب عليها التحيض بالدم الواجد للصفات بشرط عدم نقصه عن ثلاثة أيام وعدم زيادته عن العشرة.

(مسألة 54) : إن لم تكن المبتدئة ذات تمييز بالصفات التي ذكرناها في المسألة المتقدمة، بأن كان الكل فاقداً للصفات أو كان الواجد أقل من ثلاثة أيام أو أكثر من عشرة رجعت إلى عادة نسائها عدداً.

(مسألة 55) : المضطربة إن أحرزت انقطاع الدم قبل العشرة، تحيضت في الجميع. وأن أحرزت استمراره بعدها تحيضت ستة أو سبعة أيام وهي في الأيام الباقية مستحاضة. وإن شكّت بالاستمرار احتاطت ما بينها وبين العشرة.

تنبيه:

مما تقدم يظهر أنّ المضطربة تختلف عن المبتدئة في نقطةٍ وهي أنّ المضطربة إذا لم تتمكن من التمييز بالصفات ترجع إلى العدد مباشرة، بينما إنّ المبتدئة إذا لم تتمكن من التمييز ترجع إلى عادة أقاربها، فإن لم تتمكن من ذلك ترجع إلى العدد.

(مسألة 56) : الفاقدة للتمييز إذا ذكرت عدد عادتها ونسيت وقتها أو كانت ذات عادة عددية لا وقتية. إن رأت الدم بصفات الحيض ثلاثة أيام فأكثر ولم يتجاوز العشرة كان الجميع حيضاً، وإذا تجاوز العشرة جعلت المقدار الذي

ص: 41

تحتمل العادة فيه حيضاً، والباقي استحاضة فإن تردد العدد بين احتمالين، وجب الاحتياط بين الأقل والأكثر، والأحوط ان يستمر الاحتياط إلى نهاية العشرة.

أحكام الحيض

(مسألة 57) : يحرم على الحائض جميع ما يشترط فيه الطهارة من العبادات، كالصلاة والصوم والطواف والاعتكاف، والأقوى أنّها حرمة تشريعية لا ذاتية فهي ليست كحرمة شرب الخمر توجب الإثم بالمخالفة وإنّما تعني عدم المشروعية، ويحرم عليها اغلب ما يحرم على الجنب مما تقدم ك(مس كتابة القرآن وقراءة آيات السجدة والمرور والاجتياز بالمسجدين واللبث في المساجد...) حرمة ذاتية لا تشريعية.

(مسألة 58) : يحرم وطؤها في القبل عليها وعلى الفاعل، بل قيل أنّه من الكبائر، بل الأحوط وجوباً ترك إدخال بعض الحشفة أيضاً مما يسمى جماعاً عرفاً. أمّا وطؤها في الدبر فالأحوط وجوباً تركه.

(مسألة 59) : لا يصح طلاق الحائض وظهارها إذا كانت مدخولاً بها (ولو من الدبر) ولم تكن حاملاً وكان زوجها حاضراً أو في حكمه.

(مسألة 60) : يجب الغسل من حدث الحيض لكل مشروط بالطهارة من الحدث الأكبر، وهو مشروع للكون على الطهارة يؤتى به بقصد القربة المطلقة، وهو كغسل الجنابة في الكيفية من الترتيب والارتماس والإجزاء عن الوضوء.

(مسألة 61) : يجب عليها قضاء ما فاتها من الصوم في رمضان بل والمنذور في وقت معين. ولا يجب عليها قضاء الصلوات اليومية وصلاة الآيات.

ص: 42

الاستحاضة

دم الاستحاضة - في الغالب - أصفر بارد رقيق يخرج بلا لذع وحرقة عكس دم الحيض. وربما كان بصفاته ولا تشترط فيه الشروط العامة للحيض. فلا حد لكثيره ولا لقليله، ولا للطهر المتخلل بين أفراده. ويتحقق قبل البلوغ وبعده وبعد اليأس.

اقسام الاستحاضة واحكامها

وهي على ثلاثة أقسام: قليلة ومتوسطة وكثيرة.

فالقليلة: ما يكون الدم فيها قليلاً بحيث لا يغمس القطنة.

والمتوسطة: ما يكون الدم فيها أكثر من ذلك بحيث يغمس القطنة ولا يسيل.

والكثيرة: ما يكون الدم فيها أكثر من ذلك بأن يغمسها ويسيل منها.

(مسألة 62) : الأحوط وجوباً الاختبار للصلاة بإدخال القطنة في الموضع المتعارف، والصبر عليها بالمقدار المتعارف ولا ينبغي الإبطاء بها، ثم تنظر إلى القطنة فتجد بها أحد الأوصاف السابقة فتبني عليها. وإذا تركت الاختبار عمداً أو سهواً وعملت، فإن طابق عملها الوظيفة اللازمة أو زاد عليها، وتوفرت منها النية القربية إلى الله تعالى صح، وإلا بطل.

(مسألة 63) : حكم القليلة وجوب تبديل القطنة أو تطهيرها وتطهير ظاهر المكان إذا تنجّس، ووجوب الوضوء لكل صلاة فريضة كانت أو نافلة دون الأجزاء المنسية وصلاة الاحتياط وسجود السهو المتصل بالصلاة.

(مسألة 64) : حكم المرأة المستحاضة بالاستحاضة المتوسطة - مضافاً إلى ما تقدم من تبديل القطنة وتطهير ظاهر المكان إذا تنجّس والوضوء لكل

ص: 43

صلاة- غسل واحد في اليوم يكون وقته قبل الوضوء لأول صلاة فريضة يحصل قبلها الحدث، وفي الأيام التالية يكون قبل وضوء صلاة الصبح، فإذا أصبحت المرأة مستحاضة بالوسطى قبل صلاة الفجر وجب عليها أن تغتسل لصلاة الفجر ثم تتوضأ فتصلي، وإن لم تغتسل لصلاة الصبح لسبب أو لآخر فعليها أن تغتسل لصلاة الظهرين وهكذا، كما أنّ عليها إعادة الصبح حينئذٍ، وإذا ابتليت المرأة بالاستحاضة الوسطى بعد صلاة الصبح وجب عليها أن تغتسل وتتوضأ فتصلي الظهرين، وإذا حصلت لها الاستحاضة الوسطى بعد صلاة الظهر فتغتسل وتتوضأ وتصلي صلاة العصر، هذا في اليوم الأول أمّا في الأيام التالية فتغتسل قبل وضوء صلاة الصبح، وإن أحدثت أثناء الصلاة وجب استئنافها بعد الغسل والوضوء، ولا يغني هذا الغسل عن الوضوء إذا كان غسل الوظيفة، وإنّما يغني عن الوضوء إذا كان غسل انتهاء الحدث بأن لم يعقبه خروج الدم أو نزوله إلى باطن الفرج.(مسألة 65) : حكم الكثيرة مضافاً إلى ما سبق غسلان آخران، أحدهما للظهرين تجمع بينهما والآخر للعشاءين كذلك، ولا يجوز لها الجمع بين أكثر من صلاتين من الفرائض اليومية بغسل واحد.

(مسألة 66) : إذا حدثت الكبرى بعد صلاة الصبح، وجب غسل للظهرين وآخر للعشاءين، وإذا حدثت بعد الظهرين وجب غسل للعشاءين. وإذا حدثت بين الظهرين أو العشاءين وجب الغسل للمتأخرة منهما بنية الرجاء أو الاحتياط مع ضم الوضوء إليه.

(مسألة 67) : يجب عليها التحفظ من خروج الدم بحشو الفرج بقطنة وشده بخرقة ونحو ذلك، بمعنى أن تعمل ما يمكنها، فإن لم يمكن عذرت عن الزائد. وأمّا إذا قصرت وخرج الدم أعادت الصلاة.

(مسألة 68) : الظاهر توقف صحة الصوم من المستحاضة على فعل الأغسال النهارية في الكثيرة، حتى غسل العشاءين في الليلة التي قبل نهار

ص: 44

الصوم على الأحوط وجوباً، أما غسل الليلة الآتية فاشتراطه استحبابي، وأمّا المتوسطة فيتوقف صحة صومها على غسل الفجر على الأحوط وجوباً، وإذا اغتسلت المستحاضة بالكبرى والوسطى جاز لزوجها مقاربتها. أمّا دخول المساجد وقراءة العزائم ومس المصحف فيجوز لها مطلقاً وإن كان الأولى لها فعل ذلك بعد أداء وظيفتها بحسب نوع الاستحاضة.

النفاس

دم النفاس هو دم يقذفه الرحم بالولادة معها أو بعدها، على نحو يعلم استناد خروج الدم إليها. ولا حد لقليله وحد كثيره عشرة أيام من حين رؤية الدم، فإذا رأته في اليوم الرابع فالحد الأكثر له أن لا يتجاوز اليوم الرابع عشر وإذا رأته بعد عشرة أيام لم يكن نفاساً. وإذا لم ترَ فيها دماً لم يكن لها نفاس أصلاً. ومبدأ حساب الأكثر من حين تمام الولادة لا من حين الشروع فيها وإن كان جريان الأحكام عليه من حين الشروع. ولا يعتبر فصل أقل الطهر بين النفاسين، بل لا يعتبر الفصل بين النفاسين أصلاً.

(مسألة 69) : الظاهر أن الدم الخارج عند الإسقاط وإن لم تتضح معالم السقط يعتبر دم نفاس وتجري على المرأة أحكام النفساء، والاحتياط حسن في الجمع بين تروك النفساء وأفعال المستحاضة.

(مسألة 70) : النفساء ثلاثة أقسام:

أولاً: التي لا يتجاوز دمها العشرة، فجميع الدم نفاس.

ثانياً: التي يتجاوز دمها العشرة، وتكون ذات عادة عددية في الحيض ويراد بتجاوز العشرة تجاوزها من حين رؤية الدم لا من الولادة كما أسلفنا، ففي هذه الصورة كان نفاسها بمقدار عادتها والباقي استحاضة والأحوط وجوباً لها أن تحتاط بالجمع خلال المدة الزائدة عن عادتها إلى العشرة.

ص: 45

ثالثاً: التي يتجاوز دمها العشرة ولا تكون ذات عادة في الحيض سواء كانت مضطربة أو مبتدئة، تجعل مقدار عادة أقاربها نفاساً والباقي استحاضة ولا تترك الاحتياط بالجمع ما بين العادة والعشرة إن كانت عادتهن أقل من عشرة.

(مسألة 71) : النفساء بحكم الحائض بالاستظهار بالدم عند تجاوز الدم أيام

العادة، وفي لزوم الاختبار عند ظهور انقطاع الدم وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ويحرم وطؤها ولا يصح طلاقها، والأحوط وجوباً أنّ أحكام الحائض من الواجبات والمحرمات تشمل النفساء أيضا،ً ويندب لها ما يندب لها ويكره لها ما يكره لها.

أحكام الأموات

أحكام الاحتضار

(مسألة 72) : يجب على الأحوط توجيه المحتضر إلى القبلة بأن يلقى على ظهره ويجعل وجهه وباطن رجليه إليها، بل الأحوط وجوب ذلك على المحتضر نفسه إن أمكنه ذلك ويعتبر في غير توجيه الولي إذن الولي على الأحوط استحباباً ما لم ينافِ الفورية في التوجيه فيسقط.

غسل الميت

تجب إزالة النجاسة عن جميع جسد الميت قبل الشروع بالغسل على الأحوط. والأقوى كفاية إزالتها عن كل عضو قبل الشروع فيه، ولا يكفي الإزالة بنفس الغسل.

(مسألة 73) : يغسل الميت ثلاثة أغسال:

الأول: بماء السدر .

الثاني: بماء الكافور.

ص: 46

الثالث: بالماء الصافي، كل واحد منها كغسل الجنابة الترتيبي. ولابد فيه من تقديم الجانب الأيمن على الأيسر ومن النية على ما عرفت في الوضوء.

(مسألة 74) : إذا كان المغسل غير الولي فلا بد من إذن الولي مع إمكانه، بحيث لا يؤدي إلى التأخير الكثير المسبب فساد البدن أو الوقوع في ذلة غير مناسبة للميت. والولي هو الزوج بالنسبة إلى الزوجة، ثم الطبقة الأولى في الميراث وهم الأبوان والأولاد، ثم الثانية وهم الأجداد والأخوة، ثم الثالثة وهم الأعمام والأخوال، ثم المولى المعتق، ثم ضامن الجريرة، ثم الحاكم الشرعي على الأحوط وجوباً.

(مسألة 75) : إذا تعذر استئذان الولي لعدم حضوره مثلاً أو امتنع عن الإذن أو عن مباشرة التغسيل، وجب تغسيله على غيره ولو بلا إذن.

شروط الغسل

(مسألة 76) : تجب على المغسِّل المباشر النية بعناصرها المصححة لها، وهي قصد القربة لله تعالى والإخلاص فيها، أي عدم خلطها بما يشوبها من رياء ونحوه، وأن يكون ملتفتاً إلى ما يفعل، ولو اضطر إلى أن يتولى الغسل غير المسلم فيتولاها الآمر له.

(مسألة 77) : يجب في التغسيل طهارة الماء وإباحته، وإباحة السدر والكافور، بل الفضاء الذي يشغله الغسل على الأحوط.

(مسألة 78) : إذا تعذر السدر والكافور، فالأقوى وجوب تغسيله ثلاث مرات بالماء القراح، وينوي في الأوّلين البدلية عن الغسل بالسدر والكافور، والأحوط استحباباً ضم التيمم إليهما. ومنه يتضح حكم ما لو تعذر أحدهما.

(مسألة 79) : يعتبر في كل من السدر والكافور أن لا يكون كثيراً بمقدار يوجب خروج الماء عن الإطلاق إلى الإضافة، ولا قليلاً بحيث لا يصدق أنّه مخلوط بالسدر والكافور. ويعتبر في الماء القراح أن يصدق خلوصه منهما،

ص: 47

فلا بأس بأن يكون فيه شيء منهما إذا لم يصدق الخلط. ولا فرق في السدر بين اليابس والأخضر مع صدق الخلط.

(مسألة 80) : إذا تعذر الماء أو خيف تناثر لحم الميت بالتغسيل -ولو قليلاً- يمّم على الأحوط وجوباً ثلاث مرات، ينوي بكل واحد منها ما في الذمة أو رجاء المطلوبية، وينوي في الأول البدلية عن الغسل الأول، وفي الثاني عن الثاني، وفي الثالث عن الثالث ويجب على الأحوط الجمع بين أن يكون التيمم بيد الميت مع الإمكان وبيد الحي.

(مسألة 81) : يشترط في الانتقال إلى التيمم الانتظار إذا احتمل تجدد القدرة على التغسيل، فإذا حصل اليأس جاز التيمم. لكن إذا اتفق تجدد القدرة قبل الدفن وجب التغسيل، وكذا إذا تجددت بعد الوضع في القبر. وإذا تجددت بعد الدفن لم يجب. وكذا الحكم فيما إذا تعذر السدر والكافور. (مسألة 82) : إذا تنجس بدن الميت بعد الغسل أو في أثنائه بنجاسة خارجية أو منه وجب تطهيره، ولو بعد وضعه في القبر، نعم، لا يجب ذلك بعد الدفن.

(مسألة 83) : إذا خرج من الميت بول أو منيّ لا تجب إعادة غسله ولو قبل الوضع في القبر، نعم، يلزم التطهير كما ذكرنا في المسألة السابقة. ولو خرج في أثناء الغسل فالأحوط استحباباً الإعادة والأحوط منه الإتمام والإعادة.

شروط المغسّل

(مسألة 84) : يجب في المغسّل أن يكون مماثلاً للميت في الذكورة والأنوثة، فلا يجوز تغسيل الذكر للأنثى ولا العكس، ويستثنى من ذلك صور:

ص: 48

الصورة الأولى: أن يكون الميت طفلاً لم يتجاوز الست سنوات.

الصورة الثانية: الزوج والزوجة. فإنّه يجوز لكل منهما تغسيل الآخر.

الصورة الثالثة: المحارم بنسب أو رضاع.

(مسألة 85) : إذا دفن الميت بلا تغسيل - عمداً أو خطأ - جاز، بل وجب نبشه لتغسيله أو تيممه، ما لم يكن فيه هتك للميت أو ضرر على الأحياء، وكذا إذا ترك بعض الأغسال ولو سهواً أو تبين بطلانها أو بطلان بعضها.

(مسألة 86) : إذا مات محدثاً بالأكبر كالجنابة أو الحيض لم يجب إلا غسل الميت خاصة.

التكفين

يجب كفاية تكفين الميت بثلاثة أثواب:

الأول: المئزر، ويجب أن يكون ساتراً ما بين السرة والركبة.

الثاني: القميص، ويجب أن يكون ساتراً من المنكبين إلى نصف الساق.

الثالث: الإزار، ويجب أن يغطي كل البدن.

(مسألة 87) : الأحوط وجوباً في كل هذه الأثواب أن يكون ساتراً لما تحته غير حاكٍ عنه وإن حصل الستر بالمجموع.

(مسألة 88) : إذا تنجس الكفن بنجاسة من الميت أو من غيره وجب إزالتها ولو بعد الوضع في القبر بغسل أو بقرض، إن كان الموضع يسيراً ولا يلزم منه انكشاف شيء من البدن. وإذا لم يمكن ذلك وجب تبديله مع الإمكان، هذا إذا لم يستلزم نبش القبر، ومعه لا يجب لو ترك التطهير عمداً.

التحنيط

يجب إمساس مساجد الميت السبعة بالكافور، وهي الجبهة وباطن الكفين والركبتين ورأس إبهامي القدمين، ويكفي المسمى.

ص: 49

(مسألة 89) : محل التحنيط بعد التغسيل أو التيمم قبل التكفين أو في أثنائه. وفي جواز تأخيره بعد التكفين وجه.

الصلاة على الميت

تجب الصلاة وجوباً كفائياً على كل مسلم، ذكراً كان أم أنثى، مؤمناً أم مخالفاً، عادلاً أم فاسقاً. ولا تجب على أطفال المسلمين إلا إذا بلغوا ست سنين فصاعداً. وتستحب على من كان دون ذلك وقد تولد حياً.

(مسألة 90) : محل الصلاة بعد الغسل والتكفين، فلا تجزي قبلهما ولا تسقط بتعذرهما كما لا تسقط بتعذر الدفن أيضاً.

(مسألة 91) : أولى الناس بالصلاة على الميت أولاهم بميراثه، فليس لأحد مزاحمته عليها فيما لو أراد مباشرتها بنفسه أو إيكالها لشخص يعيّنه، بل الأحوط وجوباً توقف صحتها مطلقاً على إذنه مع إمكان حصوله.

(مسألة 92) : الأحوط وجوباً في كيفيتها أن يكبر أولاً ويتشهد الشهادتين، ثم يكبر ثانياً ويصلي على النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم يكبر ثالثاً ويدعو للمؤمنين، ثم يكبر رابعاً ويدعو للميت، ثم يكبر خامساً وينصرف. ولا قراءة فيها ولا ركوع ولا سجود ولا تسليم.

(مسألة 93) : يجب في الصلاة على الميت أمور:

منها: النية.

ومنها: حضور الميت، فلا يصلى على الغائب.

ومنها: استقبال المصلي القبلة.

ومنها: أن يكون رأس الميت إلى جهة يمين المصلي ورجلاه إلى جهة يساره.

ومنها: أن يكون مستلقياً على قفاه على الأحوط استحباباً.

ومنها: كون الميت بين المصلي والقبلة.

ص: 50

ومنها: وقوف المصلي محاذياً لبعضه، إلا أن يكون مأموماً، وقد استطال الصف حتى خرج عن المحاذاة. ومنها: أن لا يكون المصلي بعيداً عنه على نحو لا يصدق الوقوف عنده، إلا مع اتصال الصفوف في الصلاة جماعة.

ومنها: أن لا يكون بينهما حائل من ستر أو جدار. ولا يضر الستر بمثل التابوت ونحوه.

ومنها: أن يكون المصلي قائماً فلا تصح صلاة غير القائم إلا مع عدم التمكن من صلاة القائم.

ومنها: الموالاة العرفية بين التكبيرات والأدعية.

ومنها: أن تكون الصلاة بعد التغسيل والتحنيط والتكفين (ولا تسقط بتعذّر أحدها)، وقبل الدفن.

ومنها: أن يكون الميت مستور العورة.

ومنها: إباحة مكان المصلي على الأحوط وجوباً.

ومنها: إذن الولي، إلا إذا أوصى الميت بأن يصلي عليه شخص معين فإن لم يأذن له الولي، فله أن يبادر بدون إذنه.

الدفن

يجب على المجتمع دفن الميت المسلم ومن بحكمه، وهو مواراته في الأرض بحيث يؤمن على جسده من السباع وإيذاء رائحته للناس. ولا يكفي وضعه في بناء أو في تابوت وإن حصل الأمران.

(مسألة 94) : يجب وضع الميت في القبر على الجانب الأيمن موجها وجهه إلى القبلة، وهي بمقدار ما يجب استقباله في الصلاة.

(مسألة 95) : لا يجوز دفن المسلم في مكان يوجب هتك حرمته كالمزبلة

ص: 51

والبالوعة، ولا في المكان المغصوب أو الموقوف لغير الدفن كالمدارس والمساجد والحسينيات المتعارفة في زماننا والخانات الموقوفة لغير الدفن وإن أذن الولي. (مسألة 96) : لا يجوز الدفن في قبر ميت قبل اندراسه وصيرورته تراباً، نعم، إذا كان القبر منبوشاً وأزيل عنه الميت جاز الدفن فيه على الأقوى، ما لم تكن أرض القبر مملوكة شرعاً للغير.

(مسألة 97) : الظاهر جواز ما عليه سيرة حفاري القبور في أيامنا من بناء لحود على جانبي سرداب كبير، إذا كان اللحد تحت سطح الأرض المتعارف بمعنى أن يصل سقفه إليها أو دونها.

(مسألة 98) : يكره نقل الميت من بلد إلى آخر، إلا المشاهد المشرفة، والمواضع المحترمة، فإنّه يستحب ما دام لم يدفن ولا سيما الغري والحائر، وفي بعض الروايات أن من خواص الأول إسقاط عذاب القبر ومحاسبة منكر ونكير.

(مسألة 99) : لا يجوز نبش القبر وإخراج الميت لنقله ودفنه في المشاهد المشرفة فضلاً عن غيرها حتى إذا كان بإذن الولي ولم يلزم هتك حرمة الميت، إلا إذا أوصى بذلك. أو أن الميت قد انكشف جسده بسببٍ ما كانفجار قنبلة أو جرفته السيول، وحينئذٍ لا يجب إعادته إلى نفس القبر فيجوز نقله إلى مكان آخر بشرط عدم حصول حالة الهتك لكرامته.

(مسألة 100) : إذا وجد بعض الميت وفيه الصدر غسل وحنط وكفن وصلي عليه ودفن. وكذا إذا كان الصدر وحده بحيث يصدق عليه أنّه بدن ميت لكنه مقطوع الرأس واليدين والرجلين، أو بعضه مما يصدق عليه الصدر، أو كان الموجود جميع عظامه مجردة عن اللحم أو معظمها بشرط أن

ص: 52

تكون فيها عظام صدره، على الأحوط وجوباً. وفي حالة وجود الصدر أو بعضه فقط يقتصر في التكفين على القميص والإزار، ويضاف إليهما المئزر إن وجد محل معتد به. (مسألة 101) : إذا وجد غير عظم الصدر مجرداً كان أو مشتملاً على لحم، غسل ولف بخرقة ودفن ولم يصلَّ عليه. فإن كان للتحنيط محل وجب على الأحوط، وإذا لم يكن فيه عظم لف بخرقة ودفن وجوباً.

(مسألة 102) : السقط إذا تم له أربعة أشهر غسل وحنط وكفن ولم يصلَّ عليه. وإذا كان لدون ذلك لكنه بحيث يصدق عليه اللحم والعظم عرفاً، لف بخرقة ودفن على الأحوط وجوباً، لكن لو ولجته الروح حينئذٍ فالأحوط -إن لم يكن أقوى- جريان حكم الأربعة أشهر عليه. وأمّا إذا كان السقط بحيث يصدق عليه أنّه دم وليس بلحم وعظم عرفاً، فلا يجب فيه شيء.

غسل مس الأموات

يجب الغسل بمس الميت الإنساني بعد برده بالموت وقبل إتمام غسله، يعني الأغسال الثلاثة كلها، مسلماً كان أو كافراً، حتى السقط إذا ولجته الروح وإن لم يتم أربعة أشهر على الأحوط.

(مسألة 103) : لا فرق في الماس والممسوس بين أن يكون من الظاهر والباطن، وكونه مما تحله الحياة وعدمه، ماساً وممسوساً، حتى بالشعر في طرف الممسوس مطلقاً، وفي طرف الماس إذا كان تابعاً للبشرة عرفاً، بل مطلقاً أيضاً على الأحوط ما دام يصدق عليه المس، لا فرق في ذلك بين العاقل والمجنون والصغير والكبير والذكر والأنثى والمس الاختياري والاضطراري.

ص: 53

(مسألة 104) : إذا مس الميت قبل برده لم يجب الغسل بمسه، نعم، يتنجس العضو الماس بشرط وجود الرطوبة المسرية بينهما.

(مسألة 105) : مس الميت ليس بحدث أكبر بل هو كالحدث الأصغر حكماً، إلا في إيجابه الغسل للصلاة ونحوها، وهو يكفي عن الوضوء وإن كان الأحوط استحباباً ضمه إليه، وعلى هذا فيجوز له قبل الإتيان بالغسل دخول المساجد والمكث فيها وقراءة العزائم ونحوها، مما يجوز للمحدث بالأصغر دون المحدث بالأكبر، نعم، يحرم عليه مايحرم على المحدث بالأصغر كمس كتابة القرآن الكريم. ولايصح منه كل عمل مشروط بالطهارة إلا بالغسل.

(مسألة 106) : يجب الغسل بمس القطعة المبانة من الميت، بل الحي على الأحوط إذا كانت مشتملة على لحم وعظم، دون الفاقدة لأحدهما سواء كانت من حي أو ميت.

(مسألة 107) : كيفية هذا الغسل مثل غيره من الأغسال.

التيمم

مسوغات التيمم

وهي متمثلة في مسوِّغين رئيسيّين:

المسوغ الأول: عدم وجدان الماء الذي يكفي للوضوء أو الغسل أو يصلح للاستعمال فيهما، ويتحقق ضمن إحدى الحالات التالية:

الحالة الأولى: أن لا يجد المكلف الماء في بيته ولا في مكانٍ آخر بوسعه الوصول إليه.

ص: 54

الحالة الثانية: أنّ الماء موجود في بعض نقاط تلك المساحة ولكن الوصول إليه يستلزم مشقة شديدة وحرجاً.

الحالة الثالثة: أن يكون الماء موجوداً في تلك المساحة ولكنه ملك لغيره وهو لا يأذن بالتصرف فيه إلا بثمن مجحف بحاله، أو أنّ الوصول إليه يتوقف على ارتكاب أمور محرمة.

(مسألة 108) : إنّ تلك المساحة من الأرض التي يجب على المكلف أن يطلب الماء فيها ليست محدودة بحدود معينة شرعاً طولاً ولا عرضاً ويكون المعيار في وجوب الطلب ضمن تلك المساحة سعة وضيقاً إنّما هو بعدم استلزامه العسر والحرج أو الضرر والخطر الجسدي.

(مسألة 109) : إذا أخلَّ بالطلب وتيمم برجاء إدراك الواقع صح تيممه إن صادف عدم الماء.

(مسألة 110) : إذا علم أو اطمأن بوجود الماء في خارج الحد المذكور وجب عليه السعي إليه وإن بعد، إلا أن يكون السعي إليه حرجياً أو فيه مشقة عظيمة.

(مسألة 111) : يسقط وجوب الطلب في ضيق الوقت، كما يسقط إذا خاف على نفسه أو ماله من لص أو سبع أو نحو ذلك، وكذلك إذا كان في طلبه حرج ومشقة لا تتحمل.(مسألة 112) : إذا طلب الماء فلم يجد فتيمم وصلى ثم تبين وجوده في محل الطلب فعليه وجوب الإعادة في الوقت، نعم، لا يجب القضاء إذا تبين ذلك في خارج الوقت.

المسوغ الثاني: عدم تمكن المكلف من استعمال الماء مع وجوده عنده، وهو يتحقق ضمن إحدى الحالات التالية:

الحالة الأولى: خوف الضرر من استعمال الماء بحدوث مرضٍ أو زيادته أو طول أمده، أو على النفس، أو البدن، ومنه الرمد المانع من استعمال الماء.

ص: 55

الحالة الثانية: خوف العطش على نفسه، أو على غيره الواجب حفظه عليه، أو على نفس حيوانٍ يكون من شأن المكلَّف الاحتفاظ به، والاهتمام بشأنه.

الحالة الثالثة: أن يكون بدنه أو ثوبه نجساً وكان عنده ماءٌ يكفي لإزالة النجاسة فقط أو للوضوء كذلك.

الحالة الرابعة: ضيق الوقت عن استيعاب الوضوء والصلاة معاً، فحينئذٍ يجوز له أن يتيمَّم من أجل إدراك تمام الصلاة في الوقت.

الحالة الخامسة: أن يكون الشخص مكلفاً بواجب آخر أهم يتعين صرف الماء فيه على نحو لا يقوم غير الماء مقامه مثل إزالة النجاسة عن المسجد.

(مسألة 113) : إذا خالف المكلَّف عمداً فتوضأ في موردٍ يكون الوضوء فيه حرجيَّاً كالوضوء في شدَّة البرد - مثلاً - صح وضوؤه، وإذا خالف في موردٍ يكون الوضوء فيه محرَّماً بطل وضوؤه، كما إذا كان ضرره خطيراً وهو الضرر الذَّي يحرم على المكلَّف أن يوقع نفسه فيه.

فيما يتيمم به

الأقوى جواز التيمم بما يسمى أرضاً سواء أكان تراباً أم رملاً أم مدراً أم حصىً أم صخراً أملس.

ومنه أرض الجص والنورة قبل الإحراق. ولا يعتبر علوق شيء منه باليد. وإن كان الأحوط استحباباً الاقتصار على التراب مع الإمكان.

(مسألة 114) : لا يجوز التيمم بما لا يصدق عليه اسم الأرض وإن كان أصله منها، كالرماد والنبات والمعادن والذهب والفضة ونحوها مما لا يسمى أرضاً، وكذلك الأحجار الكريمة كالعقيق والفيروزج، بل كل المعادن حتى الملح ومشتقات النفط وإن أصبحت جامدة كالقير، كذلك الخزف والجص

ص: 56

والنورة بعد الإحراق على الأحوط. وهذا كله مع الاختيار، أمّا مع الانحصار بأحد هذه الأمور فيلزم التيمم بها، فإن وجد غيره في الوقت أعاد دون خارجه وإن كان أحوط.

(مسألة 115) : لا يجوز التيمم بالنجس ولا بالمغصوب إلا لغير الغاصب مع الجهل أو النسيان، ولا الممتزج بما يخرجه عن اسم الأرض.

(مسألة 116) : إذا عجز عن التيمم بالغبار تيمم بالوحل وهو الطين، وإذا أمكنه تجفيفه ولو قليلاً ووسع الوقت لذلك ثم يتيمم به، تعين ذلك.

(مسألة 117) : من عجز عن التيمم بالأرض والغبار والوحل، كان فاقداً للطهور، ولكن تتعين عليه الصلاة في الوقت على الأقوى ويجب عليه قضاؤها عند توفّر الطهور.

كيفية التيمم

وذلك: أن يضرب بيديه الأرض، وأن يكون دفعة واحدة على الأحوط وجوباً، بمعنى بطلانه على الأحوط مع تعمد التعدد، وأن يكون الضرب بباطنهما. ثم يمسح بهما جميعاً تمام جبهته وجبينه من قصاص الشعر إلى الحاجبين والى طرف الأنف الأعلى المتصل بالجبهة، والأحوط مسح الحاجبين أيضاً. ثم مسح تمام ظاهر الكف اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع بباطن اليسرى ثم مسح ظاهر الكف اليسرى كذلك بباطن الكف اليمنى. (مسألة 118) : لا يجب المسح بتمام كل من الكفين، بل يكفي المسح ببعض كل منهما على نحو يستوعب الجبهة والجبين، فالمهم الاستيعاب في الممسوح لا الماسح.

(مسألة 119) : لا فرق في الماسح بين باطن الكف والأصابع، سواء كان الممسوح هو الوجه أو الكفين.

ص: 57

(مسألة 120) : المراد من الجبهة الموضع المستوي من أعلى الوجه. والمراد من الجبين ما بينه وبين طرف الحاجب إلى قصاص الشعر.

(مسألة 121) : لا يجزي وضع اليدين على الأرض من دون مسمى الضرب ولا الضرب بإحداهما، ولا بهما على التعاقب، ولا الضرب المتكرر بنية الجزئية، نعم، لا بأس به جهلاً أو سهواً. كما لا يجزي الضرب بظاهرهما ولا ببعض الباطن مع ترك جزء معتد به ولو بمقدار أنملة. ولا يجزي المسح بأحد الكفين وترك الآخر للوجه أو اليدين، ولا مسح الوجه بالكفين على التعاقب.

فيما يعتبر في التيمم

يشترط في التيمم نية القربة والإخلاص مقارناً بها الضرب على الأظهر.

(مسألة 122) : يشترط فيه المباشرة والموالاة حتى فيما كان بدلاً عن الغسل، ويشترط فيه أيضاً الترتيب.

(مسألة 123) : إذا خالف الترتيب بطل مع فوات الموالاة وإن كانت المخالفة

لجهل أو نسيان. أمّا لو لم تفُت صح إذا أعاد على نحو يحصل به الترتيب.(مسألة 124) : الخاتم ونحوه حائل عن البشرة، يجب نزعه حال التيمم.

أحكام التيمم

(مسألة 125) : إذا وجد الماء في أثناء العمل المتوقف على الطهارة كالصلاة بطل عمله، وعليه الاستئناف بعد تجديد الطهارة المائية إن كان في الوقت سعة وإلا استمر بعمله بالطهارة الترابية.

(مسألة 126) : المحدث بالأكبر يتيمم بدل الغسل ويجزيه عن الوضوء مطلقاً كالغسل نفسه. فإن أحدث بالأصغر وكان معذوراً عن الوضوء تيمم له.

ص: 58

وإن لم يكن معذوراً توضأ. ولا ينقض التيمم بدل الغسل إلا بحدث أكبر.

(مسألة 127) : يشرع التيمم لكل عمل مشروط بالطهارة من الواجبات والمستحبات من الصلوات وغيرها.

(مسألة 128) : ينتقض التيمم بمجرد التمكن من الطهارة المائية، ويتحقق الانتقاض بوجدان الماء الكافي في الوقت الكافي لإيجاد الطهارة المائية مع عدم وجود المانع.

الطهارة من الخبث

تعداد الأعيان النجسة وهي أحدى عشرة:

الأول والثاني: البول والغائط من الإنسان ومن كل حيوان برياً كان أو بحرياً، سواء أكان خروجهما من القُبُل والدُبُر ام من غيرهما بصورة اعتيادية أو غير اعتيادية، ويستثنى من ذلك فضلات ثلاثة أصناف من الحيوان:

1- الحيوان المأكول لحمه شرعاً، سواء كان من الطيور أو من سائر الأصناف، كالغنم والبقر والإبل والخيل والبغال والدجاج وغير ذلك، شريطة أن لا يصبح جلاّلاً بالعيش على العذرة وإلا حرم أكله وأصبحت فضلاته نجسة مادام متصفاً بالعنوان، وكذلك البهيمة التي وطأها الإنسان.

2- الطيور بكل أصنافها من المأكول وغيره، والاحتياط بالبناء على نجاسة فضلات غير المأكول حسن.

3- الحيوان الذي ليس له نفس سائلة.

(مسألة 129) : المراد بالنفس السائلة ما يخرج الدم عند قطع أوداجه بتدفق ولو قليلاً. وأمّا ما يكون بتقاطر ورشح فليس له نفس، فضلاً عما ليس له أوداج، كأكثر الحشرات والزواحف وحيوانات البحر، فضلاً عما ليس له دم أو ليس له لحم عرفاً، كالقشريات والحشرات وغيرها.

ص: 59

الثالث: المنيّ من كل حيوان له نفس سائلة وإن حل أكل لحمه، وأمّا منيّ ما لا نفس له سائلة فطاهر، والمنيّ هو مادة التوالد وإن لم يكن على شكل منيّ الإنسان، كما لو كان أخف أو أرق منه فيشمله الحكم على الأحوط.

الرابع: الميتة من الحيوان ذي النفس السائلة وإن كان محلل الأكل، وكذا أجزاؤها المبانة منها وإن كانت صغاراً. ونقصد بالميتة كل حيوان مات من دون

تذكية شرعية، سواء مات موتاً طبيعياً أو قتلاً أو خنقاً أو ذبحاً على وجه غير شرعي.(مسألة 130) : أجزاء الميتة غير النجسة ذاتاً إذا كانت مما لا تحلها الحياة طاهرة. وهي الصوف والشعر والوبر والريش والبيضة إذا اكتست القشر الأعلى وإن لم يتصلب.

(مسألة 131) : الانفحة المأخوذة من الميتة طاهرة بعد أن يغسل ظاهرها لاتصاله بالأجزاء النجسة من الميتة، ويراد بالإنفحة معدة الجدي الرضيع قبل أن يأكل فتسمى كرشاً.

(مسألة 132) : ميتة ما لا نفس له سائلة كالوزغ والعقرب والسمك طاهرة.

(مسألة 133) : ما يؤخذ من يد المسلم أو سوقهم من اللحم والشحم والجلد، إذا شك في تذكية حيوانه فهو محكوم بالطهارة والحلية ظاهراً.

(مسألة 134) : السقط قبل ولوج الروح نجس إذا حصل له لحم وعظم عرفاً، على الأحوط وجوباً فيهما، وكذا الفرخ في البيض.

الخامس: الدم من الحيوان ذي النفس السائلة، أمّا دم ما لا نفس له سائلة، كالسمك فهو طاهر. فضلاً عن الحيوان الذي ليس له دم عرفاً كالحشرات وغيرها.

(مسألة 135) : الدم الذي في البيضة طاهر، على الأظهر ولكن تناوله غير جائز، فيجب اجتنابه ولو بفصل البياض عن الصفار ما لم يستهلك فيها.

ص: 60

(مسألة 136) : الدم المتخلف في الذبيحة بعد خروج ما يعتاد خروجه منها بالذبح أو بأي تذكية صحيحة، طاهر. إلا أن يتنجس بنجاسة خارجية مثل السكين التي يذبح بها أو الدم الذي خرج من المذبح أولاً.

السادس والسابع: الكلب والخنزير البريان بجميع أجزائهما وفضلاتهما ورطوبتهما، دون البحريين.

الثامن: المسكر المائع بالأصالة دون الجامد كالحشيشة وإن غلى وصار مايعاً بالعرض. على أن يكون المايع يصدق عليه اسم الخمر عرفاً مهما كان منشأ اتخاذه. (مسألة 137) : السبيرتو المستخدم في صبغ الأخشاب وغيرها من الاستعمالات وكذا الكحول الداخل في صناعة الأدوية والعطور ونحوها طاهر.

(مسألة 138) : العصير الزبيبي والتمري لا ينجس ولا يحرم بالغليان بالنار، فضلاً عما إذا لم يصدق الغليان، فيجوز وضع التمر والزبيب والكشمش في المطبوخات مثل المرق والمحشي والطبيخ وغيرها وكذا دبس التمر بأنواعه.

التاسع: الفقاع وهو شراب مخصوص متخذ من الشعير، وليس منه ماء الشعير الذي يصفه الأطباء. وأمّا الشراب المتخذ من غيره فهو طاهر إلا أن يصدق عليه اسم الخمر عرفاً.

العاشر: الكافر - على الاحوط وجوباً-، وهو من لم ينتحل ديناً أو انتحل ديناً غير التوحيد، أو انتحل الإسلام وجحد حكماً ثابتاً بالضرورة من الدين الإسلامي، كوجوب الصلاة عناداً.

(مسألة 139) : اهل الكتاب هم اليهود والنصارى خاصة محكوم بطهارتهم الذاتية. فإذا طهر الكتابي نفسه فسؤره طاهر ويجوز أكل الطعام الذي يباشره ويجري فيه استصحاب الطهارة حتى نعلم عرفاً بالنجاسة.

الحادي عشر: عرق الإبل الجلالة، وغيرها من الحيوان الجلال.

ص: 61

كيفية سراية النجاسة

(مسألة 140) : الجسم الطاهر إذا لاقى الجسم النجس، لا تسري النجاسة إليه، إلا إذا كان في أحدهما رطوبة مسرية أي ناقلة للنجاسة، فإذا كان الجسمان يابسين أو نديين جافين لم تحصل السراية.

(مسألة 141) : المائع غير الرطب، كالمعادن المذابة والزئبق لا تتنجس بملاقاة النجاسة، أمّا المعادن السائلة كالنفط والغاز السائل والبنزين وغيرها، فإنّها تتنجس بمجرد الملاقاة.(مسألة 142) : المتنجس بملاقاة عين النجاسة كالنجس ينجس ما يلاقيه مع الرطوبة المسرية، وهو المعروف بالمتنجّس الأول وهو ينجّس ملاقيه الذي يعرف بالمتنجّس الثاني مع الرطوبة المسرية، ولكن المتنجس الثاني لا ينجّس.

إيضاح:

لو فرض أنّ طفلاً بال على أرض وأزيلت العين بواسطة قطعة قماش، فإنّ الأرض متنجس أول فلو سقط ماء على تلك البقعة من الأرض ثم وقعت القطرة على أحد فإنّ القطرة متنجسٌ ثانٍ لا ينجّس من سقطت عليه، ولو كانت قدم أحد رطبة ولامس تلك البقعة ثم وضعها على الفراش فإنّ القدم متنجّس ثانٍ، يجب تطهيرها قبل الصلاة لكنها لا تنجس ملاقيها كالفراش.

ويلاحظ هنا إنّ المتنجس الأول يجب أن لا يكون حاملاً للنجاسة ليكون كذلك، وإذا كان حاملاً لها فإنّ ملاقيه سيكون متنجساً أولاً أيضاً لأنّه سيلاقي عين النجاسة المحمولة فيه، فمثلاً لو سقطت قطرة ماء على نفس البول وقفزت منه فإنّها تكون حاملة للعين وسيكون ملاقيها متنجساً أولاً.

وهذه المسألة مهمة وضرورية لأنّها تسهل وتخفف عن الكثير ممن يتعاملون مع من لا يتحفظون من النجاسة.

ص: 62

فيما يعفى عنه في الصلاة من النجاسات

وهي أمور:

الأول: دم الجروح والقروح في البدن واللباس حتى تبرأ.

(مسألة 143) : كما يعفى عن الدم المذكور يعفى أيضاً عن القيح المتنجس به، والدواء الموضوع عليه، والعرق المتصل به.

(مسألة 144) : إذا كانت الجروح والقروح المتعددة متقاربة بحيث تعد جرحاً واحداً عرفاً جرى عليه حكم الواحد.

الثاني: الدم في البدن واللباس إذا كانت سعته أقل من الدرهم البغلي، ولم يكن من دم نجس العين ولا من الميتة ولا من غير مأكول اللحم ولا من الدماء الثلاثة (الحيض والنفاس والاستحاضة)، وإلا فلا يعفى عنه.

(مسألة 145) : الأحوط الاقتصار في مقدار الدرهم على ما يساوي عقد السبابة. وإن كان الظاهر إمكان أخذ عقد الإبهام مقاساً.

الثالث: الملبوس الذي لا تتم الصلاة به وحده، يعني لا يستر العورتين كالخف والجورب والتكة والقلنسوة وبعض الأحزمة. سواء كان ملبوساً مستقلاً أم في ضمن غيره كالتكة وسواء كان من قماش أو غيره.

المطهرات

وهي أمور:

الأول: الماء المطلق الطاهر وهو مطهر لكل متنجس يغسل به على نحو يستولي على المحل، وقد يجب التعدد أحياناً.

(مسألة 146) : يعتبر في التطهير إزالة عين النجاسة ثم استيلاء الماء على المحل النجس بعد زوال عين النجاسة.

ص: 63

(مسألة 147) : الأجسام التي تنفذ فيها الرطوبات كالصابون والطين والخزف والخشب، يمكن أن تنفذ فيه النجاسة إلى باطنه. ولكن يمكن تطهير ظاهره بإجراء الماء عليه.

(مسألة 148) : إذا تنجست الآنية بولوغ الكلب بما فيها من ماء وغيره، مما يصدق عليه الولوغ عرفاً، غسلت بالتراب أولاً بمعنى مسح موضع النجاسة به على نحو يستولي التراب عليه، ثم غسلت بالماء مرتين، والأحوط عدم كفاية الغسل بالكثير عن التعفير.

(مسألة 149) : يجب أن يكون التراب الذي يعفر به الإناء طاهراً قبل الاستعمال على الأحوط.

(مسألة 150) : الثياب ونحوها إذا تنجست بالبول يكفي غسلها في الجاري مرة واحدة، وماء الحنفية من الجاري. وأمّا في غيره فلا بد من غسلها مرتين حتى في الكر على الأحوط. ولابد من العصر بينهما لإخراج الغسالة وصدق التعدد العرفي.

(مسألة 151) : يتحقق غسل الإناء بالقليل بأن يصب فيه شيء من الماء ثم يدار فيه إلى أن يستوعب تمام أجزائه ثم يراق. فإذا فعل به ذلك ثلاث مرات فقد غسل ثلاث مرات وطهر.

(مسألة 152) : يعتبر في التطهير زوال عين النجاسة دون أوصافها كاللون والريح، فإذا بقي مثل ذلك لم يقدح في حصول الطهارة مع العلم بزوال العين.(مسألة 153) : الأرض الصلبة أو المفروشة بالآجر أو الصخر أو الزفت أو نحوها، يمكن تطهيرها بالماء القليل إذا جرى عليها بعد زوال العين، وكذا الأرض الرخوة، حتى وإن تسرب الماء إلى أعماقها ولم يتجاوزها إلى غيرها.

(مسألة 154) : الحلي التي يصوغها الكافر المحكوم بنجاسته إذا لم يعلم ملاقاته لها مع الرطوبة أو ملاقاة نجاسة أخرى، حكم بطهارتها وإن علم ذلك يجب غسلها، ويطهر ظاهرها ويبقى باطنها على النجاسة.

ص: 64

الثاني: الأرض، فإنّها تطهّر باطن القدم وما توقى به كالنعل والخف والحذاء بالمشي عليها ولو خمس خطوات، بعد زوال عين النجاسة.

(مسألة 155) : المراد من الأرض مطلق ما يسمى أرضاً من حجر أو تراب أو رمل، ولا يبعد تعميم الحكم على مطلق ما يمشى عليه عادة كالآجر والجص والأسفلت، بل حتى المعدن الظاهر كالأرض المالحة.

الثالث: الشمس.

(مسألة 156) : تطهر الشمس الأرض النجسة وما يصدق عليه عنوان الأرضية كالسقوف وأسطح المنازل، ولا يتعداها إلى الأبنية وما اتصل بها ولا الأشجار والثمار ولا الحصر ولا البواري.

(مسألة 157) : يشترط في الطهارة بالشمس- مضافاً إلى زوال عين النجاسة وإلى رطوبة المحل- اليبوسة المستندة إلى الإشراق عرفاً، وإن شاركها غيرها في الجملة من ريح أو غيرها.

(مسألة 158) : إذا تنجست الأرض بالبول فأشرقت عليها الشمس حتى يبست طهرت من دون حاجة إلى صبَّ الماء عليها.

الرابع: الاستحالة إلى جسم آخر عرفاً، والاستحالة هي تبدل حقيقة الشيء وصورته النوعية إلى صورة أخرى تغايرها بشكلٍ أساسي، فتطهَّر النار ما أحالته رماداً أو دخاناً أو بخاراً، سواء كان نجساً أو متنجساً، وكذلك لو استحال إلى أحدها بغير النار.(مسألة 159) : إذا استحالت الميتة أو أي عين من النجاسات إلى تراب طهرت، وحتى الكلب.

الخامس: الإنقلاب، فإنّه مطهر للخمر إذا خرجت عن كونها خمراً، سواء انقلبت خلاً أو غيره.

ص: 65

السادس: ذهاب الثلثين (بحسب الحجم لا بحسب الوزن)، كما لو كان مقداره ثلاثة ألتار فبقي بالغليان لتراً واحداً، فإنّه مطهر للعصير العنبي المغلي بناءً على نجاسته ويحل شربه أيضاً عندئذ.

السابع: الانتقال، فإنّه مطهر للمنتقل إذا أضيف إلى المنتقل إليه وعد جزءاً منه كدم الإنسان الذي يشربه البق والبرغوث والقمّل.

الثامن: الإسلام، فإنّه مطهر للكافر النجس بجميع أقسامه حتى المرتد عن الفطرة على الأقوى. ويتبعه أجزاؤه كشعره وظفره وفضلاته من عرقه وبصاقه ونخامه وقيئه وغيرها.

التاسع: التبعية، فإنّ الكافر إذا أسلم يتبعه ولده في الطهارة إذا كان دون البلوغ، وإن كان مميزاً على الأقوى، ما لم يحكم بكفره لسوء اعتقاده.

العاشر: زوال عين النجاسة عن بواطن الإنسان وجسد الحيوان ظاهره وباطنه، فيطهر منقار الدجاجة الملوث بالعذرة بمجرد زوال عينها ورطوبتها.

الحادي عشر: غيبة المسلم، فإنّها مطهرة لجسم المسلم وثيابه وفراشه وأوانيه وغيرها من توابعه، إذا احتمل حصول الطهارة لها، وكان قد علم بنجاستها ولكن استعملها صاحبها فيما يعتبر فيه الطهارة. الثاني عشر: استبراء الحيوان الجلال، فإنّه مطهر له ولفضلاته من نجاسة الجلل، بأن يمنع الحيوان عن أكل النجاسة مدة يخرج بعدها عن صدق عنوان الجلال عليه والأحوط وجوباً اعتبار مضي المدة المعينة له شرعاً، وهي في الابل أربعون يوماً وفي البقر عشرون يوماً وفي الغنم عشرة وفي البطة سبعة على الاحوط وفي الدجاجة ثلاثة.

والاحوط اعتبار أطول المدتين، ومع عدم تعيين المدة شرعاً فان كان الحيوان في حجم ماهو معين شرعاً فالاظهر إلحاقه به مع اعتبار زوال الاسم على الاحوط، وان لم يكن في حجمها اعتبر زوال الاسم خاصة.

ص: 66

كتاب الصلاة

مقدمة

وردت روايات كثيرة عن أهل بيت العصمة (سلام الله عليهم) تؤكّد على أهمية الصلاة ووجوبها وفضلها وعظمة فوائدها التي تعود على النفس والمجتمع، ومن مضامين تلك الأحاديث أن الصلاة عمود الدين إن قبلت قبل ما سواها وإن رُدّت رد ما سواها، وأنها قربان كل تقي حيث يسمو بها الإنسان ويتجرد عن مشاغله ويخلو بربّه ويناجيه مباشرة، وفي الرواية أن الإمام الصادق جمع أهل بيته حينما دنت منه الوفاة وقال (عليه السلام): ان شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة. وقال (عليه السلام): امتحنوا شيعتنا عند ثلاث: عند مواقيت الصلاة كيف محافظتهم...، حيث يختبر ولاء المسلم وطاعته لربه بالمبادرة إلى أداء الصلاة.

وفي حديث آخر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما بين الكفر والإيمان إلا ترك الصلاة.

وقد أكّد عليها القرآن أيما تأكيد وفي آيات عديدة، وذكر أن من ثمراتها {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} ولذا لما سُئِل الإمام الصادق (عليه السلام) عن كيفية التعرف على أن الصلاة مقبولة فأجاب (عليه السلام): فلينظر هل منعته صلاته عن الفحشاء والمنكر، فبقدر ما منعته قبلت منه..

وكان النبي (صلى الله عليه واله) ينتظر بشوق وقت الصلاة ليخلو بربّه وينادي مؤذنه بلال: أرحنا يا بلال.

هذه هي الصلاة باختصار في عظيم أثرها على الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة.

ص: 67

أعداد الفرائض ومواقيتها وجملة من أحكامها

أعداد الفرائض

الصلوات الواجبة في أصل الشريعة إجمالاً سبع: اليومية، وتندرج فيها صلاة الجمعة فإنها واجبة تعييناً، إلا إذا وُجد مانع، فإذا أقيمت بشرائطها أجزأت عن صلاة الظهر. وصلاة الطواف والآيات والأموات وما التزم بنذر ونحوه أو إجارة، وصلاة العيدين، وقضاء ما فات عن الوالد بالنسبة إلى الولد الأكبر.

أما اليومية فخمس: الصبح ركعتان والظهر أربع والعصر أربع والمغرب ثلاث والعشاء أربع.

وفي السفر والخوف تقصر الرباعية فتكون ركعتين.

أوقات الفرائض

وقت الظهرين من زوال الشمس إلى غروبها. وتختص الظهر من أوله بمقدار أدائها والعصر من آخره كذلك، وما بينهما من الوقت مشترك بينهما.

ووقت العشائين للمختار من المغرب إلى نصف الليل، وتختص المغرب من أوله بمقدار أدائها والعشاء من آخره كذلك، وما بينهما مشترك بينهما أيضا. وأما المضطر لنوم أو نسيان أو حيض أو غيرها فيمتد وقتهما إلى الفجر الصادق، وتختص العشاء من آخره بمقدارها، والأحوط وجوبا للعامد المبادرة إليهما بعد نصف الليل قبل طلوع الفجر بنية ما في الذمة، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس.

(مسألة 160) : الفجر الصادق هو البياض المعترض في الأفق الذي يتزايد

ص: 68

وضوحاً وجلاء. وقبله الفجر الكاذب، وهو البياض المستطيل من الأفق صاعداً إلى السماء كالعمود ولا اعتبار له شرعاً.(مسألة 161) : الزوال هو خروج قرص الشمس عن دائرة نصف النهار الوهمية، وهو الوقت المنتصف ما بين طلوع الشمس وغروبها. مع احتساب برهة يسيرة لحصول الزوال. ويعرف بالبدء بزيادة ظل كل شاخص معتدل بعد نقصانه أو حدوث ظله بعد انعدامه.

(مسألة 162) : المراد من اختصاص الظهر بأول الوقت عدم صحة العصر إذا وقعت فيه عمداً من دون أداء الظهر قبلها على وجه صحيح، وأمّا إذا وقعت سهواً صحت وإن كان الأحوط الإعادة. ولو التفت خلال الصلاة نواها ظهراً وصلى العصر بعدها. وإن التفت بعد الصلاة التي صلاها عصراً اولا صلى الظهر بعدها.

(مسألة 163) : الكلام في العشائين ما قلناه في الظهرين في المسألةالسابقة. مع الالتفات إلى أن الوقت المختص للعشاء قبل نصف الليل للمختار وقبل الفجر للمضطر، فيؤخذ ذلك بنظر الاعتبار بنية الأداء وبالرجاء الاعم من الأداء والقضاء على الاحوط استحباباً.

(مسألة 164) : إذا مضى من أول الوقت مقدار أداء الصلاة الاختيارية، ولم يُصَلَّ ثم طرأ أحد الأعذار المانعة عن التكليف وجب القضاء. وإلا لم يجب.

(مسألة 165) : لا تجوز الصلاة قبل دخول الوقت، ولا تجزي إلا مع العلم به أو قيام البينة، ويكفي الاطمئنان بل الوثوق، كما يكفي اذان الثقة العارف بل مطلق أخباره.

(مسألة 166) : يجب الترتيب بين الظهرين بتقديم الظهر، وكذا بين العشائين بتقديم المغرب، وإذا عكس عمداً أعاد.

ص: 69

القبلة

يجب الاستقبال الإجمالي للحيز أو المكان الذي تقع فيه الكعبة الشريفة ويتحقق الاستقبال بالتوجه نحو الكعبة إن أمكن تعيينها، وإلا فالاستقبال العرفي إلى جهتها.

(مسألة 167) : إنما يجب استقبال الكعبة لا أكثر. وإذا عرف الفرد دقة الاستقبال جاز له الانحراف بمقدار شبر عن موضع سجوده يميناً ويساراً اختيارا.

(مسألة 168) : يجب العلم بالتوجه إلى القبلة، وتقوم مقامه البينة بل وإخبار الثقة. بل وأخبار ذي اليد أي ساكن الدار او شاغل المحل اذا أخبر عن القبلة فيهما. وكذا يجوز الاعتماد على قبلة بلد المسلمين في صلواتهم وقبورهم ومحاريبهم.

الستر والساتر

يجب مع الإمكان ستر العورة في الصلاة وتوابعها حتى سجود السهو على الأحوط وجوباً. وإن لم يكن ناظر أو كان في ظلمة.

(مسألة 169) : عورة الرجل القضيب والأنثيان وحلقة الدبر. والجلد الذي بينهما المسمى بالعجان على الأحوط. وعورة المرأة بدنها حتى الرأس والشعر عدا الوجه بالمقدار الذي يغسل في الوضوء. وعدا الكفين والقدمين ظاهرهما وباطنهما. ولابد من ستر شيء مما هو خارج حدودها من باب المقدمة العلمية أي لتحقيق العلم واليقين بحصول الواجب.

ص: 70

شرائط الساتر

يعتبر في الساتر، بل في مطلق لباس المصلي أمور:

الأول: الطهارة، إلا في الموارد التي يعفى عنها في الصلاة وقد تقدمت في أحكام النجاسات.

الثاني: الإباحة، فلا تجوز الصلاة في المغصوب على الأحوط لزوماً إذا كان ساترا بالفعل للعورة. نعم، إذا كان جاهلا بالغصبية أو ناسياً لها أو جاهلاً بحرمته جهلاً يعذر فيه أو ناسياً لها أو مضطراً ولم يكن هو الغاصب فلا بأس.

الثالث : ان لا يكون لباس المصلي من أجزاء الميتة التي تحلها الحياة من دون فرق بين ما تتم به الصلاة وغيره، وسواء أكانت من حيوان محلل الأكل أم محرم، مما كانت له نفس سائلة.

(مسألة 170) : تصح الصلاة بحمل أجزاء الميتة، مالم يصدق اللبس كالحزام ورباط الساعة والقلادة والدملج والقرطان والحذاء. فإنها من الملبوس لا المحمول عرفاً فلا يجوز كونها من الميتة.

الرابع : ان لا يكون لباس المصلي مما لا يؤكل لحمه، ولا فرق بين ذي النفس وغيره، ولا بين ما تحله الحياة من أجزائه وغيره، ولا بين ما تتم فيه الصلاة وغيره بل لا يبعد المنع عن مثل الشعرات الواقعة على الثوب ونحوه.

الخامس : ان لا يكون من الذهب للرجال، ولو كان حلياً. كالخاتم.

(مسألة 171) : لا يجوز للرجال لبس الذهب في غير الصلاة أيضاً، وفاعل ذلك آثم.

السادس : أن لا يكون من الحرير الطبيعي الخالص للرجال ولا يجوز لبسه في غير الصلاة أيضاً كالذهب.

ص: 71

مكان المصلي

(مسألة 172) : لا تجوز الصلاة فريضةً أو نافلةً، في مكانٍ يكون أحد المساجد السبعة فيه مغصوبا عينا، أو منفعةً، أو لتعلق حقٍّ موجبٍ لعدم جواز التصرف فيه، ولا فرق في ذلك بين العالم بالغصب والجاهل به على الأظهر.

(مسألة 173) : تجوز الصلاة في الأراضي الشاسعة المتَّسعة، والوضوء من مائها والغسل فيها والشرب منها، ممَّا جرت عليه عادة الناس مع عدم المنع والإنكار من أصحاب الأراضي والمياه.

(مسألة 174) : صلاة الرجل والمرأة متحاذيين :

الأحوط عدم تقدم المرأة على الرجل في الصلاة او محاذاتهما مع الاختيار بل يتقدم الرجل في مسجده ولو شبر على الأقل على مسجد المرأة، والأحوط استحباباً أن يتقدم موقفه على مسجدها ولو يسيراً أو يكون بينهما حائل أو مسافة عشرة اذرع بذراع اليد، ولا فرق في ذلك بين المحارم وغيرهم، والزوج والزوجة وغيرهما والبالغين وغيرهم من الأطفال المميزين.

(مسألة 175) : لا يجوز التقدم في الصلاة على قبر المعصوم إذا كان مستلزما للهتك أو إساءة الأدب عرفا.

مسائل في محل السجود

(مسألة 176) : يعتبر في مسجد الجبهة ان يكون من الأرض أو نباتها، أو من القرطاس إذا لم يحرز ان صناعته من مواد لا يجوز السجود عليها، كالمواد الكيمياوية والملابس والقطن ونحوها.

(مسألة 177) : الأفضل ان يكون محل السجود من التربة الحسينية على

ص: 72

مشرفها أفضل الصلاة والتحية، فقد ورد فيها فضل عظيم، وبعدها التربة الرضوية وبعدها تربة اي من المعصومين سلام الله عليهم أجمعين.

(مسألة 178) : لا يجوز السجود على ما خرج عن اسم الأرض من المعادن، كالذهب والفضة وغيرهما ولا ما خرج عن اسم النبات كالرماد والفحم، وكذا لا يجوز السجود على الخزف والزجاج والآجر والجص والنورة بعد طبخها على الأحوط وجوبا. نعم، يجوز السجود عليها قبل الطبخ.

(مسألة 179) : يعتبر في جواز السجود على النبات ان لا يكون مأكولا. كالحنطة والشعير والبقول والفواكه، ونحوها من المأكول ولا يكون ملبوسا، كالقطن والكتان والقنب، ولو قبل الغزل أو النسج.

(مسالة 180) : لا باس بالسجود على القرطاس المكتوب، اذا كانت الكتابة معدودة صبغاً لا جرماً.

(مسالة 181) : يعتبر في مكان المصلي وفي مكان السجود خاصة ايضاً ان يكون مستقراً غير مضطرب، فلا تجوز الصلاة على الدابة السائرة والارجوحة ونحوهما مما يفوت فيه الاستقرار.

أفعال الصلاة وما يتعلق بها

الأذان والإقامة : في استحبابهما

يستحب الأذان والإقامة استحبابا مؤكداً في الفرائض اليومية أداء وقضاء، حضراً وسفراً قصراً وتماما في الصحة والمرض للجامع والمنفرد، رجلا كان أو امرأة. و يتأكدان في الأدائية منها وخصوصا المغرب والغداة. وأشدهما تأكدا الإقامة خصوصا للرجال، بل الأحوط استحباباً لهم الإتيان بها. ولا يشرع الأذان والإقامة في النوافل ولا في الفرائض غير اليومية كصلاة الآيات.

ص: 73

(مسألة 182) : يسقط الأذان والإقامة معا في موارد:

الأول: الداخل في الجماعة التي أذنوا لها وأقاموا، وان لم يسمع.

الثاني: من يريد إنشاء صلاة جماعة بعد جماعة أخرى قد أذنوا لها وأقاموا على أن يكون احدهم مشتركا في الأولى.

الثالث: الداخل إلى المسجد قبل تفرق الجماعة، سواء صلى جماعة إماما أم مأموما أم منفرداً بشرط الاتحاد في المكان عرفا.

الرابع: إمام الجماعة، فانه يجتزئ بأذان بعض المأمومين وإقامته، وان لم يسمع.

الخامس: إذا سمع شخصا آخر يؤذن ويقيم للصلاة، إماما كان الآتي بهما أم مأموما أم منفرداً.

(مسألة 183) : فصول الأذان ثمانية عشر : الله اكبر أربع مرات، ثم اشهد أن لا إله إلا الله ثم اشهد أن محمداً رسول الله ثم حي على الصلاة ثم حي على الفلاح ثم حي على خير العمل ثم الله اكبر ثم لا اله إلا الله. كل فصل مرتان. وكذلك الإقامة إلا أن فصولها اجمع مثنى إلا التهليل في آخرها، فمرة. ويزاد فيها بعد الحيعلات قبل التكبير الأخير، قد قامت الصلاة مرتين، فتكون فصولها سبعة عشر وتستحب الصلاة على محمد وآل محمد عند ذكر اسمه الشريف، وإكمال الشهادتين بالشهادة لعلي عليه السلام بالولاية و أمرة المؤمنين في الأذان وغيره. وإتمام ذلك بالصلاة والسلام عليه.(مسألة 184) : يشترط في الأذان والإقامة أمور:

الأول: النية ابتداء واستدامة، وهي القصد القلبي أو الذهني وهو حاصل عادة، ولا يحتاج إلى أكثر من ذلك.

الثاني: العقل، فلا يصحان من المجنون.

الثالث: الإيمان.

ص: 74

الرابع: الذكورة للذكور. فلا يعتد بأذان النساء وإقامتهن لغيرهن حتى المحارم على الأحوط.

نعم يجتزئ بهما لهن، فإذا أمت المرأة النساء فأذنت وأقامت كفى.

الخامس: الترتيب بتقديم الأذان والإقامة، وكذا بين فصول كل منهما.

السادس: الموالاة بينهما وبين الفصول من كل منهما وبينهما وبين الصلاة.

السابع: العربية وترك اللحن في قواعدها. وخاصة ما كان مغيراً للمعنى.

الثامن: دخول الوقت، فلا يصحان قبله.

(مسألة 185) : من ترك الأذان والإقامة أو احدهما عمداً حتى احرم للصلاة لم يجز له قطعها واستينافها على الأحوط. وإذا تركها عن نسيان يستحب له القطع لتداركهما ما لم يركع. وإذا نسى احدهما أو بعض فصولهما لم يجز القطع، إلا في نسيان الإقامة وحدها، فإن الظاهر جوازه فيما إذا تذكر قبل القراءة بل كذا بعد القراءة وقبل الركوع. وأمّا عنده وبعده فالاحوط وجوبا الاستمرار بالصلاة.

فيما يجب في الصلاة

وهو أحد عشر: النية وتكبيرة الإحرام والقيام والركوع والسجود والذكر فيهما والقراءة والتشهد و التسليم والترتيب والموالاة. والأركان التي تبطل الصلاة بزيادتها ونقيصتها عمداً وسهواً أربعة: التكبير والقيام في بعض الأحوال والركوع والسجود اعني مجموع السجدتين. والنية وان لم يمكن فرض زيادتها إلا انها من أهم الأركان اقتضاء للبطلان على تقدير نقصانها ولو سهواً أو جهلاً. والبقية اجزاء غير ركنية لا تبطل الصلاة بنقصها سهواً ولا بزيادتها كذلك، ولنذكر كلاً من هذه الاجزاء في فصل مستقل، فيما يلي:

ص: 75

النية

هي القصد إلى الفعل على نحو يكون الباعث اليه امر الله سبحانه أو التقرب المعنوي اليه أو لطلب رضاه أو تجنب سخطه أو لكونه اهلا للعبادة. ونحو ذلك. وايهم قصد أجزأ عن الباقي.

(مسألة 186) : لا يجب التلفظ بالنية، كما لا يجب اخطار تفاصيل النية في الذهن. بل يكفي ان يعرف ماذا يفعل كأي عمل عرفي آخر، بحيث لو سئل لتذكره تفصيلا.

(مسألة 187) : يعتبر تعيين الصلاة التي يريد الاتيان بها إذا كانت صالحة لان تكون على أحد وجهين متميزين، ويكفي التعيين الاجمالي مثل عنوان ما اشتغلت به الذمة - إذا كان متحدا- أو ما اشتغلت به اولاً - إذا كان متعدداً- أو نحو ذلك.

تكبيرة الاحرام

وتسمى تكبيرة الافتتاح وصورتها: (الله اكبر) ولا يجزئ مرادفها بالعربية ولاترجمتها بغير العربية وإذا تمت حرم ما لا يجوز فعله من منافيات الصلاة والأحوط حصول ذلك مع بدء التكبيرة وهي ركن تبطل الصلاة بنقصها وزيادتها عمدا وسهوا مع قصد الاحرام بها. فإذا جاء بها ثانية بطلت الصلاة فيحتاج إلى ثالثة فان جاء بالرابعة بطلت ايضا واحتاج إلى خامسة وهكذا تبطل بالشفع وتصح بالوتر. (مسألة 188) : الأحوط وجوبا عدم وصلها بما قبلها من الكلام دعاءً كان أو غيره ولا بما بعدها من بسملة أو غيرها.

(مسألة 189) : يجب فيها القيام التام فإذا تركه عمدا أو سهوا بطلت من غير فرق بين المأموم الذي ادرك الامام راكعا أو غيره بل يجب التربص في الجملة حتى يعلم بوقوع التكبير تاما قائما.

ص: 76

القيام

وهو ركن حال تكبيرة الاحرام وعند الركوع وهو الذي يكون الركوع عنه - المعبر عنه بالقيام المتصل بالركوع- فمن كبر للافتتاح وهو جالس عمدا أو سهوا بطلت صلاته، وكذا إذا ركع جالسا سهوا أو قام للركوع من الجلوس متقوسا، وفي غير هذين الموردين يكون القيام واجبا غير ركني كالقيام بعد الركوع والقيام حال القراءة أو التسبيح. فاذا قرأ جالسا سهوا أو سبح كذلك ثم قام وركع عن قيام ثم التفت صحت صلاته، وكذا إذا نسي القيام بعد الركوع حتى سجد السجدتين.

(مسألة 190) : يجب مع الامكان الاعتدال في القيام والانتصاب فإذا انحنى عامدا أو مال إلى أحد الجانبين بطلت صلاته. وخاصة إذا استمر بالقراءة خلال هذه الحالة.

(مسألة 191) : تجب الطمأنينة في القيام خلال التكبيرة والقراءة والأحوط الوقوف على القدمين ما لم يكن هناك مبرر صحي أو عقلائي لتركه. والأحوط الاستقلال في القيام وعدم جواز الاعتماد على عصا أو جدار أو انسان ما لم يحصل سبب صحي أو عقلائي لذلك.

القراءة

تجب في الركعة الأولى والثانية من كل صلاة فريضة كانت أو نافلة، قراءة فاتحة الكتاب وهي سورة الحمد. ويجب في خصوص الفريضة قراءة سورة كاملة على الأحوط بعدها، وان كان يمكن القول بكفاية مقطع تام من سورة.

(مسألة 192) : لا تجوز قراءة السور التي يفوت الوقت بقرائتها، فان قرأها بل ان بدأها عالما عامداً بطلت صلاته، وان كان القول بكفاية مقطع تام من سورة قوياً.

(مسألة 193) : لا تجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة على الأحوط.

ص: 77

(مسألة 194) : البسملة جزء من كل سورة الا انها ليست آية منها إلا سورة الفاتحة، فتجب قرائتها معها في الصلاة عدا سورة براءة. وإذا عينها لسورة لم تجز قراءة غيرها، إلا بعد إعادة البسملة لها. وإذا قرأ البسملة من دون تعيين سورة ولو إجمالا، وجب اعادتها ويعينها لسورة خاصة.

(مسألة 195) : الأحوط وجوبا ترك قراءة سورة الفيل والإيلاف وكذا سورة الضحى والم نشرح.

مسائل في القراءة الصحيحة

(مسألة 196) : يجب حذف همزة الوصل في الدرج مثل همزة الله والرحمن والرحيم واهدنا وغيرها. فإذا اثبتها عمداً بطلت القراءة وكذا يجب إثبات همزة القطع، كما في قوله: إياك وأنعمت فإذا حذفها بطلت القراءة.

(مسألة 197) : يجب المد بمقدار مسماه العرفي. والمد مقدار حركتين في موارد : هي الواو المضموم ما قبلها. والياء المكسور ما قبلها والإلف المفتوح ما قبلها، إذا كان بعدها سكون لازم مثل ضآلين. بل هو الأحوط في مثل: جاء وجيء وسوء. (مسألة 198) : تجوز قراءة مالك وملك يوم الدين. ويجوز في الصراط بالصاد والسين. ويجوز في (كفوا) أن يقرأ بضم الفاء وسكونها مع الهمزة أو الواو.

(مسألة 199) : يجب على الرجال الجهر في القراءة في الصبح والأوليين من المغرب والعشاء، والإخفات في غير الأوليين منهما، الا في يوم الجمعة فقد دلت بعض الروايات المعتبرة على جواز الجهر في صلاة الظهر خصوصا لمن كان اماماً لجماعة والاحوط الاخفات.

(مسألة 200) : يجب الجهر بالبسملة في القراءة الجهرية، ويستحب الجهر بها للرجال في القراءة الإخفاتية، ويجب الإخفات بها لو قرأ الحمد في الأخيرتين على الأحوط، ولا فرق في ذلك بين بسملة الحمد وبسملة السورة في موارد قراءتها.

ص: 78

(مسألة 201) : لا جهر على النساء بل يتخيرن بينه وبين الإخفات في الجهرية ويجب عليهن الإخفات في الإخفاتية.

(مسألة 202) : مناط الجهر والإخفات هو الصدق العرفي والظاهر انطباقه على ظهور جوهر الصوت وعدمه لإسماع من بجانبه وعدمه.

(مسألة 203) : يتخير المصلي في ثالثة المغرب وأخيرتي الرباعيات بين الفاتحة والتسبيح، وصورته (سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله اكبر) هذا في غير المأموم. وأما فيه فالأحوط لزوماً اختيار التسبيح، وتجب المحافظة على العربية، ولا يجزي ذلك مرة واحدة بل الأحوط وجوبا التكرار ثلاثاً والأفضل إضافة الاستغفار إليه بعده، ويجب الإخفات في الذكر وفي القراءة بدله حتى البسملة على الأحوط وجوباً.

الركوع

وهو واجب في كل ركعة مرة، فريضة كانت الصلاة أو نافلة عدا صلاة الآيات، والصلاة على الميت. كما انه تبطل الصلاة بزيادته ونقيصته عمداً أو سهواً، ويجب فيه أمور:

الأول: الانحناء بقصد الخضوع أو بقصد الوظيفة أو الجزئية. أو بدون قصد تفصيلي. قدر ما تصل أطراف الأصابع إلى الركبتين.

الثاني: الذكر ويجزئ منه، سبحان ربي العظيم وبحمده. أو سبحان الله ثلاثا. بل يجزئ مطلق الذكر من تحميد وتكبير وتهليل وغيرها إذا كان بقدر الثلاث الصغريات لا أقل من ذلك كأحد الأسماء الحسنى ولكن لابد من تكرارها ثلاثاً.

الثالث: الطمأنينة فيه بقدر الذكر الواجب.

الرابع: رفع الرأس منه حتى ينتصب قائماً. وهذا من واجبات الصلاة ولا يصح أن يكون من واجبات الركوع وان ذكره الفقهاء منها. لان الركوع ينتهي بانتهاء الذكر الواجب أو مطلق الذكر.

الخامس: الطمأنينة حال القيام المذكور.

ص: 79

(مسألة 204) : إذا تحرك حال الذكر الواجب بسبب قهري، وجب عليه السكوت حال الحركة وإعادة الذكر.

(مسألة 205) : إذا نسي الركوع، فهوى إلى السجود. وذكر قبل وضع جبهته على الأرض رجع إلى القيام منتصبا مطمئنا ثم ركع. وكذلك ان ذكره بعد ذلك قبل الدخول في السجدة الثانية على الأظهر.

السجود

الواجب منه في كل ركعة سجدتان، وهما معاً ركن تبطل الصلاة بنقصانهما معا وبزيادتهما كذلك عمداً أو سهواً. ولا تبطل بزيادة واحدة ولا ينقصها سهواً والمدار في تحقق مفهوم السجدة أو السجود وضع الجبهة على الأرض لله سبحانه وتعالى.

وواجبات السجود أمور

الأول: السجود على سبعة أعضاء: الجبهة والكفين والركبتين وإبهامي القدمين.

(مسألة 206) : لا يعتبر في شيء من الأعضاء المذكورة المماسة للارض، كما كان يعتبر في الجبهة.

الثاني : وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه وهي الارض أو ما ينبت فيها غير المأكول والملبوس.

الثالث : الذكر على نحو ما تقدم في الركوع. والأحوط في التسبيحة الكبرى إبدال العظيم بالأعلى.

الرابع : الطمأنينة.

الخامس : كون المساجد في محالها حال الذكر.

السادس : تساوي موضع جبهته وموقفه. إلا أن يكون الاختلاف بمقدار

ص: 80

لبنة تحت الجبهة، وقدر بأربع أصابع مضمومة.

السابع : رفع الرأس من السجود إلى أن ينتصب جالسا مطمئنا سواء في نهاية السجدة الأُولى أو الثانية. غير أننا قلنا في مثله في الركوع أن هذا من واجبات الصلاة ولا يمكن أن يكون من واجبات السجود.

الثامن : تعدد السجود إلى سجدتين دون نقيصة.

(مسألة 207) : إذا عجز عن السجود التام انحنى بالمقدار الممكن، ورفع المسجد إلى جبهته، ووضعها عليه. والأحوط وضعه فوق ما يمنعه من التزلزل ولا يكفي إمساكه بيده أو بيد غيره.

مسائل في السجود القرآني

يجب السجود عند قراءة آياته الاربع وهي: السجدة، فصلت، النجم والعلق، ففي سورة السجدة في الآية (15) منها انما يؤمن بآياتنا الى قوله: وهم لا يستكبرون، وفي سورة فصلت الآية (37) منها: ومن آياته الى قوله: تعبدون، وفي سورة النجم في الآية الأخيرة رقم (62)، وفي سورة العلق في الآية الأخيرة رقم (19).

(مسألة 208) : يجب السجود لدى القراءة والاستماع وان كانا في الصلاة ولا يجب عند السماع وان كان احوط استحبابا. ووجوبه على الفور وتأخيره اثم الا ان يكون عن غفلة او نسيان او جهل، فان تذكر او علم وجب عليه السجود فورا مع الإمكان، والا ففي اول ازمنة الامكان.

(مسالة 209) : ليس في هذا السجود تكبيرة افتتاح ولا تشهد ولا تسليم. ولا يشترط فيه الطهارة من الحدث ولا الخبث ولا الاستقبال. ولا طهارة محل السجود ولا الستر ولا صفات الساتر. وكذا وضع الجبهة على جهة

ص: 81

الارض ،ولا يجب ان تكون على ما يصح السجود عليه في الصلاة، وان كان على الاحوط اكيداً.

وكذا عدم اختلاف المسجد في الارتفاع والانخفاض الا ان يخرج عن صورة السجود عرفا فلا يكون مجزياً.

ولابد فيه من النية واباحة محل اسجود، ويستحب فيه الذكر الواجب في سجود الصلاة.

التشهد

وهو واجب في الصلاة الثنائية مرة بعد رفع الرأس من السجدة الاخيرة من الركعة الثانية ويجب الاستقرار في الجلوس، ويجب في الثلاثية والرباعية مرتين الاولى كما ذكر والثانية بعد رفع الرأس من السجدة الثانية من الركعة الاخيرة وهو واجب غير ركني فإذا تركه عمدا بطلت الصلاة وإذا تركه سهوا أتى به ما لم يركع وإلاّ قضاه بعد الصلاة. هذا في التشهد الاوسط، أما الاخير فان تركه سهوا ودخل بالتسليم أعاده مع التسليم، وكذا إذا انتهى من التسليم ما لم يدخل في فعل آخر غير الصلاة أو تنقطع المولاة فيقضيه عندئذ.

(مسألة 210) : الواجب فيه الشهادتان ثم الصلاة على محمد وآله والأحوط في عبارته ان يقول: اشهد أن لا اله إلا الله وحده لاشريك له واشهد ان محمداً عبدُه ورسوله اللهم صل على محمدٍ وآل محمد.

التسليم

وهو واجب في كل صلاة وآخر أجزائها وبه يخرج عنها وتحل له منافياتها وله صيغتان:

الاولى: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

والثانية: السلام عليكم باضافة ورحمة الله وبركاته على الأحوط وجوبا وبأيهما أتى فقد خرج من الصلاة وإذا بدأ بالاولى استحبت له الثانية بخلاف

ص: 82

العكس، وأما قول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فليس من صيغ السلام ولايخرج به عن الصلاة بل هو مستحب قبل التسليم الواجب لا بعده.

الترتيب

يجب الترتيب بين افعال الصلاة على نحو ما عرفت فإذا عكس الترتيب فقدّم مؤخرا فان كان عمدا بطلت صلاته وكذا إن كان سهوا أو جهلاً من غير تقصير: فإن قدم ركنا على ركن كما إذا قدّم السجدتين على الركوع بطلت صلاته، واما إذا قدم سهوا أو في جهل قصوري الركن على غير الركن كما إذا ركع قبل القراءة

مضى وفات محل ما ترك وسجد سجدتي السهو للنقيصة، ولو تقدّم غير الركن عليه تدارك على وجه يحصل معه الترتيب وكذا لو قدم غير الاركان بعضها على بعض فيتدارك ما لم يدخل في ركن.

الموالاة

وهي واجبة في أفعال الصلاة بمعنى عدم الفصل بينها على وجه يمحو صورة الصلاة في نظر اهل الشرع وهي بهذا المعنى تبطل الصلاة بفواتها عمدا أو سهوا.

القنوت

وهو مستحب في جميع الصلوات فريضة كانت أو نافلة، ويتأكد استحباب القنوت في الفرائض الجهرية خصوصا الصبح والجمعة والمغرب وفي الوتر من النوافل. بل الأحوط استحبابا عدم تركه في الفرائض عموما، لان عليه سيرة المتشرعة جيلا بعد جيل.

(مسألة 211) : اذا نسي القنوت وهوى للركوع، فان ذكر قبل الوصول إلى حد الركوع رجع، وان كان بعد الوصول إليه قضاه حين الانتصاب بعد الركوع.

ص: 83

التعقيب

وهو الاشتغال بعد الفراغ من الصلاة بالذكر والدعاء. ومنه أن يكبر ثلاثا بعد التسليم رافعا يديه على نحو ما سبق ومنه - وهو أفضله - تسبيح الزهراء (عليها السلام) وهو التكبير أربعا وثلاثين مرة ثم الحمد ثلاثا وثلاثين ثم التسبيح ثلاثا وثلاثين ويستحب ان يقول بعده : لا إله إلا الله مرة واحدة. ومنه قراءة سورة الحمد وآية الكرسي وآية شهد الله وآية الملك وغير ذلك كثير مما مذكور في الكتب المعدة له.

مبطلات الصلاة

وهي امور:

الامر الاول: الحدث سواء كان اصغر أم اكبر فانه مبطل للصلاة أينما وقع في أثنائها عمدا أو سهوا.

الامر الثاني: الالتفات بكل البدن عن القبلة ولو سهوا أو قهرا من ريح أو زحام أو غيرهما.

الأمر الثالث: ما كان ماحيا لصورة الصلاة بنظر الشرع، كالرقص والتصفيق الكثير والاشتغال بمثل الخياطة والنساجة بالمقدار المعتد به ونحو ذلك.

الأمر الرابع: الكلام عمدا إذا كان مؤلفاً من حرفين، ويلحق به الحرف الواحد المفهم.

مسائل في رد السلام خلال الصلاة

(مسألة 212) : لا يجوز للمصلي ابتداء السلام ولا غيره من أنواع التحية. نعم يجوز رد السلام بل يجب. وان لم يرد ومضى في صلاته صحت وإن اثم، ويكره السلام على المصلي.

ص: 84

(مسألة 213) : الأحوط ان يكون رد السلام في أثناء الصلاة بمثل ما سلم فلو قال المسلم: سلام عليكم، يجب ان يكون جواب المصلي سلام عليكم.

(مسألة 214) : إذا سلم واحد على جماعة منهم المصلي، فرد واحد منهم، فالاحوط للمصلي عدم الرد.

الأمر الخامس: تعمد القهقهة. وهي الضحك المشتمل على الصوت

والترجيع، بل مطلق الصوت على الأحوط وجوبا، وخاصة مع اشتماله على بعض الحروف. ولا بأس بالتبسم مطلقا وبالقهقهة سهوا.الأمر السادس: تعمد البكاء المشتمل على الصوت، إذا كان الامر من أمور الدنيا او لذكر ميت، فاذا كان خوفا من الله سبحانه وتعالى او شوقا الى رضوانه او تذللا له ولو لقضاء حاجة دنيوية فضلا عن الدينية او الاخروية، فلا بأس به.

وكذا ما كان منه على سيد الشهداء (ع) اذا كا راجعا الى الاخرة.

كما لا بأس بالبكاء اذا كان سهوا او كان بدون صوت مطلقا لدين كان او دنيا.

واما البكاء اضطراراً بصوت بأنه غلبه البكاء فلم يملك نفسه فالاحو كونه مبطلاً.

الأمر السابع: الأكل والشرب، وان كان قليلا، ما دام صدق الأكل والشرب قائما.

الامر الثامن: التكفير وهو وضع إحدى اليدين على الأخرى.

الأمر التاسع: تعمد قول آمين بعد اتمام الفاتحة إماماً كان أو مأموما، اخفت بها أو جهر.

ص: 85

الخلل الواقع في الصلاة

الزيادة والنقيصة

من أخل بشيء من أجزاء الصلاة وشرائطها عمداً بطلت صلاته، ولو كان بحرف أو حركة من القراءة أو الذكر. وكذا من زاد فيها جزءا عمداً قولا أو فعلا بقصد الجزئية، من غير فرق في ذلك كله بين الركن وغيره.

(مسألة 215) : من زاد جزءا سهوا، فان كان ركنا بطلت صلاته وإلا لم تبطل.

(مسألة 216) : من نسي الانتصاب بعد الركوع حتى سجد أو هوى إلى السجود مضى في صلاته.

(مسألة 217) : إذا نسي الركوع حتى سجد السجدتين أعاد الصلاة. وان ذكر قبل الدخول في الثانية فلا يبعد الاجتزاء بتدارك الركوع والاتمام. وان كان الأحوط استحبابا الإعادة.

(مسألة 218) : من نسي التسليم وذكره قبل فعل المنافي تداركه وصحت صلاته، وان كان بعده صحت صلاته. والأحوط استحبابا الإعادة.

الشك

(مسألة 219) : من شك ولم يدرِ انه صلى أم لا، فان كان في الوقت صلى وان كان بعد خروج الوقت لم يلتفت.

(مسألة 220) : إذا شك في جزءٍ أو شرطٍ للصلاة بعد الفراغ منها لم يلتفت.

(مسألة 221) : كثير الشك لا يعتني بشكه سواء أكان الشك في عدد الركعات أم في الافعال أم في الشرائط فيبني على صحة الصلاة معه.

(مسألة 222) : المرجع في صدق كثرة الشك هو العرف، نعم، إذا كان يشك في كل ثلاث صلوات متواليات فهو كثير الشك عرفا فضلا عما إذا كانت الشكوك في صلاة واحدة.

مسائل من الشك في عدد الركعات

ص: 86

(مسألة 223) : إذا شك المصلي في عدد الركعات فالاحوط له استحبابا التروي يسيرا وعدم الاستمرار بالصلاة. فان استقر الشك وكان في الثنائية أو الثلاثية أو الأوليين من الرباعية بطلت. وان كان في غيرها وقد أحرز إتمام الركعتين الأوليين بأن أتم الذكر الواجب في السجدة الثانية من الركعة الثانية وان لم يرفع رأسه منها. فشكه عندئذ قابل للتصحيح كما سيأتي.(مسألة 224) : صور الشك التي يمكن علاجه عديدة : نذكر أهمها :

الصورة الاولى: الشك بين الاثنتين والثلاث بعد ذكر السجدة الاخيرة من الركعة التي بيده، فانه يبني على الثلاث ويأتي بالرابعة ويتم صلاته. ثم يحتاط بركعة من قيام على الأحوط وجوبا. وان كانت وظيفته الجلوس في الصلاة احتاط بركعة جالسا.

الصورة الثانية: الشك بين الثلاث والاربع في اي موضع كان فيبني على الاربع ويتم صلاته. ثم يحتاط بركعة قائما أو ركعتين جالسا والأحوط اختيار القيام. وان كانت وظيفته الصلاة جالسا احتاط بركعة جالسا.

الصورة الثالثة: الشك بين الاثنتين والاربع بعد ذكر السجدة الاخيرة فانه يبني على الاربع ويتم صلاته، ثم يحتاط بركعتين من قيام. وان كانت وظيفته الصلاة جالسا احتاط بركعتين من جلوس.

الصورة الخامسة: الشك بين الأربع والخمس، بعد ذكر السجدة الأخيرة فيبني على الأربع، ويتم صلاته. ثم يسجد سجدتي السهو.

ويمكن للمصلي في جميع صور الشك القطع والاستئناف، وله الاتمام وترك حكم الشك والاستئناف برجاء المطلوبية.

قضاء الأجزاء المنسية

(مسألة 225) : إذا نسي السجدة الواحدة ولم يذكر إلا بعد الدخول في الركوع، وجب قضاؤها بعد الصلاة، وبعد صلاة الاحتياط إذا كانت عليه.

(مسألة 226) : إذا نسي التشهد ولم يذكره إلا بعد الدخول في الركوع،

ص: 87

وجب عليه قضاؤه على الأحوط وجوباً، بعد الصلاة أو بعد صلاة الاحتياط إذا كانت عليه. ويجري الحكم المذكور فيما إذا نسي سجدة واحدة والتشهد من الركعة الأخيرة. ولم يذكر إلا بعد التسليم والإتيان بما ينافي الصلاة عمدا وسهواً. وأما إذا ذكره بعد التسليم وقبل الإتيان بالمنافي، فاللازم التدارك والإتيان بالسجدة والتشهد والتسليم ثم الإتيان بسجدتي السهو للسلام الزائد على الأحوط وجوباً.

(مسالة 227) : لا يقضي غير السجدة والتشهد من الأجزاء.

سجود السهو

(مسألة 228) : يجب سجود السهو للكلام ساهيا، وللسلام في غير محله، ولنسيان السجدة والتشهد بعد قضائهما، وللقيام في موضع الجلوس وللجلوس في موضع القيام، ما لم يكن القيام ركنا، قد فات محل تداركه، فتبطل الصلاة.

(مسألة 229) : الأحوط وجوباً سجود السهو لكل زيادة ونقيصة في الصلاة الواجبة، غير الصلاة على الميت على الأحوط. والمراد بالزيادة والنقيصة، الجزء الكامل لا جزء الجزء كالآية من السورة و الطمأنينة من الركوع وبعض الذكر من السجود مثلا. فان الاحتياط بسجود السهو في كل ذلك استحبابي.

(مسألة 230) : سجود السهو على الفور على الأحوط.

(مسألة 231) : سجود السهو للسهو الواحد سجدتان متواليتان وتجب فيه نية القربة. ولا يجب فيه تكبير، ويعتبر فيه وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه. ووضع سائر المساجد، بل الأحوط وجوبا ان يكون واجدا لجميع ما يعتبر في سجود الصلاة من الطهارة والاستقبال والستر وغير ذلك.

(مسألة 232) : الأحوط ان لم يكن أقوى وجوب الذكر في كلتا السجدتين ولا يتعين فيه ذكر، وان كان الأحوط ان يقول: بسم الله وبالله السلام عليك

ص: 88

أيها النبي ورحمة الله وبركاته أو يقول: بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآله وان لم يختر هذين الذكرين فالاحوط له ان يقول ما يجزيء في السجود. (مسألة 233) : يجب بعد السجدتين التشهد، بعد رفع الرأس من الثانية، ثم التسليم. والأحوط اختيار التشهد المتعارف.

بقية الصلوات الواجبة

صلاة الجمعة

يوم الجمعة يوم شريف عظّمه الله تبارك وتعالى وجعله فرصة كبيرة لنيل رضاه بما بارك فيه لفاعل الحسنات فقد روى ابو بصير قال (سمعت ابا جعفر (عليه السلام) يقول: ما طلعت الشمس بيوم افضل من يوم الجمعة) ومن أجل أن يعيش المسلم هذه الأجواء الإلهية المباركة يوم الجمعة وضع الأئمة (عليهم السلام) لشيعتهم برنامج عمل يهذبون به أنفسهم ويطهّرون أجسادهم ويذهبون درن اسبوع ماضٍ ويتزوّدون إمداداً لأسبوع قادم وقد حفلت كتب الأدعية والسنن والمستحبات بالكثير منها.

وتاج تلك الأعمال صلاة الجمعة المباركة بدعائها وركعتيها وجماعتها وخطبتيها وأحاطوا هذه الشعيرة المقدسة بعناية خاصة فأبانوا فضلها وثواب من يؤديها وحذّروا من تركها، فعن الامام الصادق (عليه السلام) : (ما من قدم سعت الى الجمعة الا وحرّم الله جسدها على النار).

الوجوب التعييني لصلاة الجمعة

(مسألة 234) : يجب على المسلمين يوم الجمعة ظهراً أداء صلاة الجمعة وليس فريضة الظهر اذا دعا المجتهد الجامع للشرائط الى إقامتها لان الأمر باقامة الجمعة من وظائف ولي الأمر وهو الفقيه الجامع للشرائط المتصدي

ص: 89

لرعاية شؤون الامة والمشروع الاسلامي، ويشترط في وجوبها وصحتها أمران:

1- وجود العدد إذ لا تنعقد الجمعة بأقل من خمسة أحدهم الامام.

2- وجود إمام يحسن الخطبتين وتتوفر فيه شروط امام الجماعة.

(مسألة 235) : لا يسقط هذا الوجوب الا بظروف: 1-وجود مانع كما لو منعت السلطات الظالمة إقامتها بشكل يؤدي إلى إيقاع الضرر البليغ بمن يقيمها.

2-خروج وقتها المقرر وهو ما بين زوال الشمس الى بلوغ ظل الشاخص مثله إذ لا قضاء لصلاة الجمعة.

3-وجود صلاة جمعة أخرى تبعد أقل من (5.5 كيلو مترا) عن محلّها.

(مسألة 236) : يجب على كل تجمع سكّاني يتوفر فيه الشرطان المتقدمان إقامة صلاة الجمعة أو الحضور في جمعة أخرى مقامة جامعة للشروط.

(مسألة 237) : أول وقت صلاة الجمعة هو وقت صلاة الظهر، وهو زوال يوم الجمعة. ولا تصح قبله. وينتهي وقتها حين يصير ظل كل شيء مثله وان بقي وقت صلاة الظهر ساريا، ولو خرج الوقت خلال الصلاة صحت اذا دخلت ركعة فيه.

(مسألة 238) : لا تصح صلاتان للجمعة في منطقة واحدة، بل يجب وجود الفصل بينهما بمقدار ثلاثة أميال، ومقداره (5.472 كيلو متر) فان اتفق وجود صلاتين اكثر تقاربا بطلتا معا. وإن سبقت إحداهما باعتياد إقامتها في مكان بطلت المتأخرة. ولا عبرة في التقدم والتأخر بتكبيرة الاحرام ولا بالخطبتين، نعم لو فُرض عدم اعتياد إقامتها وكان فعلها طارئاً فالعبرة في التقدم والتأخر بتكبيرة الاحرام ولو أقيمتا جهلاً بالتقارب صحّتا.

ص: 90

فيمن تجب عليه

لا تجب صلاة الجمعة إلاّ بشرائط إذا توفرت في الفرد وجبت وإلاّ فلا تجب. ولكنه تصّح منهم إذا أدوها.

أولاً : التكليف بان يكون بالغا عاقلا.

ثانياً : الذكورة فلا تجب على النساء.

ثالثاً : الحرية فلا تجب على العبيد.

رابعاً : الاتمام فلا تجب على المسافر الذي يجب عليه القصر في صلاته.

خامساً : البصر فلا تجب على الاعمى.

سادساً : القدرة على المشي، فلا تجب على الاعرج.

سابعاً : القدرة على الحضور للصلاة، فلا تجب على المريض العاجز.

ثامناً : القدرة على الحضور من ناحية ان لا يكون شيخاً كبيراً عاجزاً.

تاسعاً : ان تكون المسافة بين الفرد واقرب صلاة جمعة مقامة فرسخين أو اقل وهي تساوي (10.944 كيلو متر)، فان كانت بهذا المقدار وجب عليه قصد الصلاة.وإلا لم يجب، وهذا الحكم مختص بمن هم خارج المدينة التي تقام فيها الصلاة، اما اذا كانت المدينة واسعة - كبغداد أو طهران مثلاً - بحيث أن بعض سكانها تفصلهم هذه المسافة أو أكثر عن موضع إقامة الصلاة فإنه يجب عليهم الحضور، لأن هذه المسافة إنما حدّدها الشارع المقدّس لتجميع أبناء القرى والنواحي المجاورة في صلاة الجمعة وليس لتفريق أبناء المدينة الواحدة.

(مسألة 239) : المسافر إذا كان يجب عليه الاتمام تجب عليه هذه الصلاة، كالذي ينوي الإقامة عشرة أيام أو يتردد حاله إلى مدة شهر أو يكون عمله السفر أو عمله في السفر.

ص: 91

(مسألة 240) : ذوو الأعذار الذين عرفناهم إن تكلفوا الحضور إلى الصلاة المنعقدة بغيرهم صحت منهم و أجزأت. (مسألة 241) : من لم تجب عليه الجمعة يجوز أن يصلي الظهر في أول وقتها، وان كانت الجمعة مقامة فعلا ولا يجب تأخيرها حتى تفوت الجمعة، ولو حضر الجمعة بعد ذلك لم تجب عليه لا تعييناً ولا تخييراً.

كيفيتها

صلاة الجمعة ركعتان كصلاة الصبح، تسقط بهما صلاة الظهر. عن كل من تجب عليه تعيينا أو تخييرا أو تستحب له. ولا تكون إلا في صلاة جماعة بخمسة أشخاص جامعين للشرائط. وتكون قبلها خطبتان يجب في كل واحدة منها:الحمد لله والصلاة على النبي وآله عليهم السلام والوعظ وقراءة سورة من القرآن الكريم وان كانت قصيرة، ويجب الفصل بين الخطبتين بفاصل عرفي كجلسة أو سكوت، كما يجب على الأحوط أن يكون الخطيب قائما وقت ايراده مع القدرة.كما يجب على الأحوط البدء بالخطبتين عند الزوال. ولاتجوز قبله.

(مسألة 242) : الخطبتان مقدمتان على الصلاة فلا يجوز إيقاعهما بعدها، ولا ايقاعها بينهما.

(مسألة 243) : لا يجب ان يكون الخطيب هو إمام الجماعة في الصلاة كما لا يجب أن يكونا أو احدهما هو الولي العام العادل.فضلا عن الامام المعصوم عليه السلام.

(مسألة 244) : يجب الجهر في قراءة صلاة الجمعة دون ظهرها بل الأحوط فيها الإخفات.

ص: 92

صلاة العيدين

تجب صلاة العيدين إذا أمر بها الفقيه الجامع لشرائط ولاية أمر المسلمين لأنها من الوظائف الاجتماعية -كصلاة الجمعة- وجوباً تعيينياً. ولا تجب بسبب أخر ولو كان سببا لوجوب صلاة الجمعة. بل هي عندئذ مستحبة ويمكن إقامتها جماعة أو فرادى.

(مسألة 245) : شرائط المكلفين بصلاة الجمعة هم انفسهم في صلاة العيدين وكذلك المسافة التي يجب الحضور منها اليها.

(مسألة 246) : لا يعتبر فيها العدد ولا تباعد الجماعتين كما يعتبر في صلاة الجمعة

(مسألة 247) : تختلف عن صلاة الجمعة في الوقت، فان وقت هذه الصلاة من طلوع شمس العيد إلى زواله. والمراد من العيد يومان في السنة احدهما عيد الفطر وهو الأول من شوال. والأخر عيد الأضحى وهو العاشر من ذي الحجة. كما تختلف عنها في ان الخطبتين بعد الصلاة وفي صلاة الجمعة قبلها.

(مسألة 248) : صلاة العيد ركعتان يقرأ في كل منهما الحمد وسورة، والأفضل أن يقرأ في الأولى (والشمس) وفي الثانية (الغاشية) أو في الأولى (الأعلى) و في الثانية (والشمس)، ثم يكبر في الأولى خمس تكبيرات، و يقنت بعد كل تكبيرة وفي الثانية يكبر بعد القراءة اربعا، ويقنت بعد كل تكبيرة، ويجزي في القنوت ما يجزي في قنوت سائر الصلوات، والأفضل أن يدعو بالمأثور، فيقول في كل واحد منها : (اللهم أهل الكبرياء والعظمة، وأهل الجود والجبروت، وأهل العفو والرحمة، وأهل التقوى والمغفرة، أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً، ولمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ذخراً ومزيداً، أن تصلي على محمد وآل محمد، كأفضل ما صليت على عبد من

ص: 93

عبادك، وصل على ملائكتك ورسلك، واغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم إني أسألك خير ما سألك به عبادك الصالحون وأعوذ بك من شر ما استعاذ بك منه عبادك المخلصون)، ويأتي الإمام بخطبتين بعد الصلاة يفصل بينهما بجلسة خفيفة، ولا يجب الحضور عندهما، ولا الإصغاء، والأحوط عدم تركهما في زمان الغيبة إذا كانت الصلاة جماعة.(مسألة 249) : ليس في هذه الصلاة اذان ولا اقامة بل يستحب ان يقول المؤذن: الصلاة ثلاثاً.

صلاة الآيات

أسبابها

تجب هذه الصلاة على كل مكلف عدا الحائض والنفساء عند كسوف الشمس وخسوف القمر ولو بعضهما. وكذا عند الزلزلة، وعند كل آية مخوفة لدى اغلب الناس، سماوية كانت كالريح السوداء أو الحمراء والظلمة الشديدة والصيحة والهدة والنار التي تظهر في السماء وغير ذلك، أو أرضية كالخسف والشق ونحوه. ولا عبرة بغير المخوف أو ما يخيف القليل من الناس. ولا يعتبر ذلك في الكسوفين والزلزلة، فتجب الصلاة لها مطلقاً.

وقتها

وقت صلاة الكسوفين من حين الشروع في الانكساف إلى تمام الانجلاء. والأحوط استحبابا إتيانها قبل الشروع في الانجلاء. وإذا لم يدرك المصلي الا مقدار ركعة منها صلاها اداء. وان أدرك اقل من ذلك صلاها من دون تعرض للأداء والقضاء. هذا إذا كان الوقت في نفسه واسعا. واما إذا كان زمان الكسوف أو الخسوف قليلا لا يسع مقدار الصلاة ولو ركعة، فتجب عليه

ص: 94

صلاة الايات أيضاً، ويبادر الى ادائها، وأن خرج الوقت في اثناء الصلاة. فإن تأخرت الصلاة عندئذ عمداً او سهواً حتى خرج الوقت صلاها بنية القضاء.

(مسألة 250) : يختص الوجوب في الكسوفين بمن يمكن ان يراهما، وفي الزلزلة بالمنطقة المهتزة بها. وفي باقي الآيات في المنطقة التي يحصل فيها خوف نوعي أو عام. ولا يجب في غيرها ولو كان مجاوراً.

كيفيتها

ينبغي الالتفات إلى ان اسم هذه الصلاة هو: صلاة الكسوف كما هو وارد في الأدلة الصحيحة الصريحة، حتى لو صليت في الخسوف أو في الزلزلة أو غيرهما. ومعه فالاحوط نية هذا العنوان، وان نوى صلاة الآيات فالاحوط قصد ما في الذمة من عنوان الصلاة والتي قد يعبر عنها بصلاة الآيات. وهي ركعتان في كل واحدة خمسة ركوعات، ينتصب بعد كل واحدة منها وسجدتان بعد الانتصاب من الركوع الخامس. ويتشهد بعدهما ثم يسلم، وتفصيل ذلك: ان يحرم مقارنا للنية ثم يقرأ الحمد وسورة ثم يركع ثم يرفع رأسه منتصبا فيقرأ الحمد وسورة ثم يركع، وهكذا حتى يتم خمسة ركوعات، ثم ينتصب بعد الركوع الخامس ويهوي إلى السجود، فيسجد سجدتين، ثم يقوم ويصنع كما صنع أولاً، ثم يتشهد ويسلم.

(مسألة 251) : يجوز ان يفرق سورة واحدة على الركوعات الخمسة، فيقرأ بعد الفاتحة في القيام الأول بعضا من سورة، آية أو أكثر أو اقل إذا كان مقطعا تام المعنى غير البسملة على الأحوط، ثم يركع، ثم يرفع رأسه ويقرأ بعضا اخر من نفس السورة من حيث قطع، وذلك من دون قراءة الحمد قبلها. ثم يركع ثم يرفع رأسه ويقرأ بعضا اخر من حيث قطع بدون الفاتحة ثم يركع. وهكذا فيكون قد قرأ في عدة ركوعات فاتحة واحدة وسورة تامة موزعة عليها، سواء توزعت السورة على الركوعات الخمسة أو اقل ويجوز ان يأتي بالركعة الأولى على النحو الاول وبالثانية على النحو الثاني وبالعكس.

ص: 95

(مسألة 252) : يستحب فيها القنوت بعد القرآن قبل الركوع في كل قيام زوجي ويجوز الاقتصار على قنوتين في الخامس والعاشر ويجوز الاقتصار على الأخير منهما ويستحب التكبير عند الهوي إلى الركوع وعند الرفع منه أو قول : سمع الله لمن حمده عند الرفع.

(مسألة 253) : يثبت الكسوف وغيره من الآيات بالعلم وبشهادة العدلين، بل بشهادة الثقة الواحد أيضا على الأظهر، ولا يثبت بإخبار الراصد الفلكي ما لم يكن ثقة أو يوجب قوله الوثوق أو الاطمئنان.

صلاة القضاء

يجب قضاء الصلاة اليومية التي فاتت في وقتها عمداً أو سهواً أو جهلاً أو لأجل النوم المستوعب للوقت أو لغير ذلك كالسكر والاغماء والارتداد. وكذا إذا أتى بها فاسدة لفقد جزء أو شرط يوجب فقده البطلان. ولا يجب قضاء ما تركه المجنون حال جنونه أو الصبي في حال صباه، أو الكافر الاصلي حال كفره، وكذا ما تركته الحائض أو النفساء مع استيعاب المانع لتمام الوقت.

(مسألة 254) : يجب القضاء للفرائض غير اليومية عدا العيدين، حتى النافلة المنذورة في وقت معين على الأحوط. اما صلاة الجمعة إذا فاتت فتعاد ظهرا وتقضى ظهرا.

(مسألة 255) : يجوز القضاء في كل وقت من الليل والنهار وفي الحضر والسفر، ويقضي قصراً ما فاته قصراً ولو في الحضر وما فاته تماما يقضيه تماماً ولو في السفر، وإذا كان في بعض الوقت حاضرا وفي بعضه مسافرا قضى ما وجب في آخر الوقت.

(مسألة 256) : إذا فاتته الصلاة في بعض أماكن التخيير، قضى قصرا ولو لم يخرج من ذلك المكان حتى خرج الوقت. وإذا كان الفائت مما يجب فيه الجمع بين القصر والتمام احتياطا، فالقضاء كذلك احتياطاً.

ص: 96

(مسألة 257) : لا يعتبر الترتيب بين القضاء والأداء بالإتيان بالقضاء أولا. بل هو مخير في التقديم ما دام الاداء موسعا إلا في موردين على الأحوط:

احدهما : ما فاته لنفس اليوم سواء كان الوقت السابق مباشراً، كالصبح مع الظهر أو غير مباشر كالصبح مع المغرب. وإذا فاتته أكثر من صلاة وجب قضاؤها جميعا قبل الاداء على الأحوط.

ثانيهما : ما كان الوقت مباشراً ولو ليوم سابق كالعشاء والصبح، هذا مع سعة وقت الحاضرة، وإن تضيّق قدّمها لأنها أحق بالوقت.(مسألة 258) : يجوز الاتيان بالقضاء جماعة بل يستحب سواء كان الامام قاضيا ام مؤديا. ولا يجب اتحاد صلاة الامام والماموم من هذه الجهة.

(مسألة 259) : يستحب تمرين الطفل على أداء الفرائض والنوافل وقضائها بل على كل عبادة.

مسائل في قضاء الولي عن الميت

(مسألة 260) : يجب على الأحوط على الولد الذكر الأكبر - الاسبق بالولادة- حال الوفاة أن يقضي ما فات أباه من الفرائض اليومية أو غيرها من العبادات الواجبة.

(مسألة 261) : إذا مات الولد الاكبر بعد موت ابيه لا يجب القضاء على غيره من اخوته. ولا يجب اخراج ذلك من تركة الولد الاكبر.

(مسألة 262) : إذا مات معاندا في ترك الصلاة كان القضاء عنه مبنيا على الاحتياط الاستحبابي، بخلاف ما لو مات غير معاند كما لو ترك عمدا ثم تاب ومات قبل ان يدرك القضاء.

(مسألة 263) : ما وجب على الولد الاكبر قضاؤه يجوز ان يؤديه بنفسه أو باستئجار من ماله.

ص: 97

صلاة الجماعة

تستحب صلاة الجماعة استحبابا مؤكداً في الصلوات اليومية كلها أداءاً وقضاءاً، بل في جميع الفرائض غير صلاة الطواف، فان الأحوط لزوماً عدم الاكتفاء فيها بالإتيان بها جماعة مؤتماً، ويتأكد الاستحباب في اليومية الأدائية وخصوصا في الصبح والعشائين ولها ثواب عظيم وقد ورد في الحث عليها والذم على تركها أخبار كثيرة ومضامين عالية، لم يرد في أكثر المستحبات.

(مسألة 264) : يجوز اقتداء من يصلي إحدى الصلوات اليومية بمن يصلي الأخرى وان اختلفتا بالجهر والإخفات والأداء والقضاء والقصر والتمام.

(مسألة 265) : لا يجوز للمنفرد العدول إلى الائتمام في أثناء الصلاة.

(مسألة 266) : يجوز العدول عن الائتمام إلى الانفراد اختيارا في جميع أحوال الصلاة على الأقوى.

مسائل في إدراك المأموم الجماعة

(مسألة 267) : تدرك الجماعة بالدخول في الصلاة من أول قيام الإمام للركعة، من أول حرف من تكبيرة الإحرام - بالنسبة للأولى- له، إلى منتهى ركوعه. فإذا دخل مع الإمام خلال التكبيرة أو بعدها في حال قيامه قبل القراءة أو في إثنائها أو بعدها قبل الركوع أو خلال الهوي إلى الركوع أو في حال الركوع حتى بعد انتهاء ذكره. فقد أدرك الركعة ولا يتوقف إدراكها على الاجتماع معه في الركوع ان كبر قبل ركوع الإمام ووجبت عليه المتابعة في غيره. ويعتبر في إدراكه الركوع ان يجتمعا في حد الركوع مطمئنين ولو لحظة ان كبر بعد ركوع الإمام. وبدونه تشكل صحة الجماعة كما لو اجتمعا في حد الركوع حال هوى المأموم إليه ورفع الإمام رأسه منه فيكون الأحوط الانفراد.

ص: 98

(مسألة 268) : إذا أدرك الإمام وهو في التشهد الأخير أو التسليم، يجوز له ان يكبر للإحرام ويجلس معه ويتشهد بنية القربة المطلقة أو الذكر المطلق على الأحوط وجوبا، فإذا سلم الإمام قام لصلاته من غير حاجة إلى استئناف التكبير ويحصل له بذلك فضل الجماعة وان لم يحصل له ركعة. وكذا إذا أدركه في السجدة الثانية من الركعة الأخيرة على ان يأتي بها بنية القربة المطلقة وتصح صلاته بنفس التكبير الأول.

شرائط انعقاد الجماعة

يعتبر في انعقاد الجماعة أمور:

الأمر الأول: أن لا يكون بين الإمام والمأموم حائل. وكذا بين بعض المأمومين مع الآخر بحيث يكون واسطة في الاتصال بالإمام. ولا فرق بين كون الحائل ستارا أو جداراً أو شجرة أو غير ذلك ولو كان شخص إنسان واقفاً مادام صدق الحيلولة موجودا. هذا إذا كان المأموم رجلا اما إذا كان امرأة فلا باس بالحائل بينها وبين الإمام او المأمومين إذا كان الإمام رجلا. أما إذا كان الإمام امرأة فالحكم كما في الرجل. والمهم هو جواز وجود الحائل والستر بين الرجال والنساء ولا بين الجنس الواحد إماما كانوا أو مأمومين.

(مسألة 269) : لا فرق في الحائل - بعد صدق الحيلولة عليه - المانع عن انعقاد الجماعة بين ما يمنع عن الرؤية والمشاهدة وغيره على الأظهر، فلا تنعقد الجماعة مع الحيلولة بمثل الزجاج والشبابيك والجدران المخرمة، ونحوها مما لا يمنع الرؤية، ولا بأس بالساقية الجارية والطريق البسيط إذا لم يكن معتد به عرفاً، ولا بأس بالظلمة والغبار و أضرابه.

الأمر الثاني: أن لا يكون موقف الإمام أعلى من موقف المأموم علواً دفعيا كالأبنية ونحوها. بل حتى لو كان تسريحياً قريباً من التسنيم كسفح

ص: 99

الجبل ونحوه.

نعم، لا بأس بالتسريحي الذي يصدق معه كون الأرض منبسطة. كما لا باس بالدفعي اليسير إذا كان دون الشبر.(مسألة 270) : لا بأس في علو موقف المأموم عن موقف الإمام إذا كان بمقدار يصدق معه الاجتماع عرفا. وكذلك علو المأمومين بعضهم عن بعض لكن مقتضى الاحتياط وجوبا هو أن توجد محاذاة بينهما ولو بمقدار يسير كمستوى قدم الأول مع مستوى رأس الثاني.

الأمر الثالث: أن لا يتباعد المأموم عن الإمام أو عن بعض المأمومين مقدارا معتدا به، ويقدر بحوالي المتر، فينبغي ان لا يزيد على ذلك سواء في الاتصال الأمامي أو الجانبي بل الأحوط أكيدا ان يقل عنه، بل الأحوط استحبابا عدم الفصل بين موقف السابق ومسجد اللاحق.

(مسألة 271) : إذا انفرد المأمومون في صف كامل للجماعة. انقطع من خلفهم عن الاتصال بالإمام على الأحوط وجوبا، وكذا لو كان مأموم متصل بفرد واحد من أمامه وقد انفرد. وعندئذ تتعين نية الانفراد لكل من انفصل. أما الاتصال الجانبي بالجماعة فلا يضر فيه فاصل شخص واحد، سواء انفرد أو كان منفردا أو كان صبيا غير مميز أو غير ذلك. نعم مع كون الفاصل الجانبي بمقدار اثنين فصاعدا، يكون الاتصال مخالفا للاحتياط الوجوبي. فتتعين نية الانفراد.

الأمر الرابع: ان لا يتقدم المأموم عن الإمام في الموقف، بل الأحوط وجوبا أن لا يساويه إذا كانوا رجالا متعددين، بخلاف ما لو كان المأموم واحدا أو كانت جماعة النساء فلا باس بالمساواة في الموقف حينئذ، والأحوط استحباباً وقوف المأموم خلف الأمام إذا كانوا متعددين، أي عدم الاكتفاء بمجرد التأخر عن المحاذات ولو بمقدارٍ بل يكون خلفه، كما أن

ص: 100

الأحوط استحبابا أن تقف من تؤمهن في وسطهن ولا تتقدمهن، بل لا يترك وخاصة إذا كان المكان معرضاً لوجود الرجال.(مسألة 272) : لا يقدح حيلولة بعض المأمومين عن بعض وان لم يدخلوا في الصلاة، إن كانوا متهيئين لها.

شرائط إمام الجماعة

يشترط في إمام الجماعة أمور:

الأمر الأول : العقل.

الأمر الثاني : الإسلام.

الأمر الثالث : الإيمان.

الأمر الرابع : العدالة.

الأمر الخامس : البلوغ على الأحوط.

الأمر السادس : الذكورة إذا كان المأموم ذكراً. فلا تصح إمامة المرأة إلا للمرأة.

الأمر السابع : أن يكون الإمام صحيح القراءة.

الأمر الثامن : أن لا يكون الإمام أعرابيا.

الأمر التاسع : أن لا يكون الإمام محدوداً على الأحوط استحبابا.

الأمر العاشر : أن لا يكون الإمام متولداً من الزنا.

الأمر الحادي عشر : التفقه بمقدار تصح معه صلاته الانفرادية ولا يجب حصول التفقه أكثر من ذلك.

الأمر الثاني عشر : لا تجوز إمامة القاعد للقائم ولا المضطجع للقاعد وتجوز إمامة القائم لهما.

(مسألة 273) : تجوز الإمامة للمعذور في وضوئه بسقوط بعض أجزاء الوضوء لعجز أو قطع. كما تجوز للمعذور في صلاته، غير ما سبق كمن

ص: 101

يسجد على محل مرتفع أو يكون كهيئة الراكع في قيامه أو لا يستطيع أن يضع بعض المساجد السبعة على الارض غير الجبهة، ونحو ذلك.

أحكام الجماعة

(مسألة 274) : لا يتحمل الامام عن المأموم شيئا من أفعال الصلاة وأقوالها غير القراءة في الأوليين إذا ائتم به فيهما، فتجزيه قراءته. وتجب عليه متابعته في القيام وتجب الطمأنينة في هذا القيام في الجملة.

(مسألة 275) : الأحوط ترك القراءة بقصد الجزئية للمأموم في أوليي الإخفاتية، والأفضل له أن يشتغل بالذكر والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله). وأما في الأوليين من الجهرية، فان سمع صوت الامام ولو همهمة وجب عليه ترك القراءة، بل الاحوط الاولى الانصات لقراءته. وان لم يسمع حتى الهمهمة جازت له القراءة بقصد القربة وبقصد الجزئية.

(مسألة 276) : إذا ادرك الامام في الاخيرتين، وجب عليه قراءة الحمد والسورة وان لزم من قراءة السورة فوات المتابعة في الركوع اقتصر على الحمد. وان لزم ذلك من اتمام الحمد اتمها وركع مادام الامام راكعا.

(مسألة 277) : يجب على المأموم متابعة الامام في الافعال. بمعنى ان لا يتقدم عليه عمداً، ولا يتأخر عنه تأخراً فاحشاً لغير ضرورة.

(مسألة 278) : يجوز لمن صلى منفردا أن يعيد صلاته جماعة إماما كان أو مأموما. وكذا إذا كان قد صلى جماعة، إماما أو مأموما فان له أن يعيدها في جماعة أخرى إماما كان ام مأموما.

(مسألة 279) : إذا كان في نافلة، فأقيمت الجماعة، وخاف من إتمامها عدم إدراك الجماعة ولو بعدم إدراك التكبير مع الامام، استحب له قطعها.

ص: 102

صلاة المسافر

شروط القصر

تقصر الصلاة الرباعية لزوما بحذف الركعتين الأخيرتين منها في السفر بشروط:

الشرط الاول : قطع المسافة، وهي ثمانية فراسخ امتدادية ذهاباً أو إياباً أو هي ملفقة أربعة ذهاباً وأربعة إياباً.

(مسألة 280) : الفرسخ ثلاثة أميال، والميل أربعة ألاف ذراع بذراع اليد، وهو من المرفق إلى أطراف الأصابع. فتكون المسافة (44) كيلو متراً تقريباً، ونصفها (22) كيلو متراً، وقد فصّلنا المسألة في كتابنا (الرياضيات للفقيه).

(مسألة 281) : إذا كان للبلد طريقان، و الأبعد منهما مسافة دون الأقرب. فان سلك الابعد قصر، وان سلك الأقرب أتم. وكذا إذا ذهب من الأبعد ورجع من الأقرب وكان المجموع يحقّق المسافة لقصر الصلاة في مجموع الذهاب والإياب فإنه يقصر.

(مسألة 282) : إذا كان الذهاب خمسة فراسخ والإياب ثلاثة، فهو من صور التلفيق بالمسافة التي يجب فيها التقصير، مع صدق السفر كما سبق. والمهم في جميع الصور الملفقة أن لا يقل الذهاب عن أربعة فراسخ، بغض النظر عن طريق العود. فان كان كذلك قصر وإلا أتم.

(مسألة 283) : مبدأ حساب المسافة من سور البلد أو من منتهى البيوت فيما لا سور له سواء كان البلد كبيرا أم صغيراً.

الشرط الثاني: قصد السفر ابتداءً واستدامة.

الشرط الثالث: أن لا يكون ناوياً في أول السفر إقامة عشرة أيام قبل بلوغ المسافة أو يكون متردداً في ذلك وإلا أتم من أول السفر.

ص: 103

الشرط الرابع: أن يكون السفر مباحا، فإذا كان السفر حراما لم يقصر، سواء أكان حراما في نفسه كسفر الزوجة المنافي لحق الزوج بدون إذنه، أم لغايته كالسفر لقتل النفس المحترمة والسرقة والزنا ولإعانة الظالم ونحو ذلك.الشرط الخامس: أن لا يتخذ السفر عملا له، كقيادة سيارات النقل العام والراعي والتاجر الذي يدور في تجارته، وغيرهم ممن عمله السفر إلى المسافة فما زاد، فان هؤلاء وأمثالهم يتمون في سفرهم ماداموا يخرجون في أعمالهم. وأما إذا استعملوا السفر لأنفسهم كالسفرات الخاصة لزيارة الأقرباء أو العتبات المقدسة فوظيفتهم التقصير، إلا إذا كان العمل الأساسي هو المقصود، وكان هذا الاستعمال ضمنيا.

(مسألة 284) : كما أن التاجر الذي يدور في تجارته يتم صلاته كذلك العامل الذي يدور في عمله، كالمفتش الذي يتجول على الدوائر للمتابعة، أو ساعي البريد يتنقل لإيصال الرسائل والطرود، أو مراقب الحدود الذي يتفقد نقاط السيطرة والمراقبة والحماية ومثلهم الحطاب والجلاب الذي يجلب الخضر والفواكه والحبوب ونحوها إلى البلد، فإنهم يتمون الصلاة.

(مسألة 285) : العناوين المحتملة لهذا الشرط الخامس عدة أمور :

الأمر الأول: أن يكون السفر عمله، يعني انه يتكسب بنفس السفر، كالمكاري والسائق والطيار. فمتى خرج في عمله أتم وصام، ومتى خرج لغير عمله قصر وافطر.

الأمر الثاني: أن يكون عمله في السفر، يعني أن يكون عمله متوقفا على السفر، بحيث يستحيل عادة ممارسته بدون السفر. كمن يعمل في مدينة أخرى غير المدينة التي يسكنها، كالطبيب والممرض والطالب والعسكري والموظف وأضرابهم، فإنهم إن ذهبوا إلى أعمالهم أتموا وصاموا. ولا يفرق في الطالب بين طالب العلم الديني أو العلم الأكاديمي. ممن يكون تلقى

ص: 104

العلم دخيلا في مستقبله، وتتوقف عليه حياته. لا مجرد البحث عن مشكلة تاريخية مثلا في المصادر.الأمر الثالث: من كان السفر جزءاً من عمله، كالوسيط التجاري الذي يأتي بالبضائع من تجار الجملة ويوزعها على بائعي المفرد.

الأمر الرابع: أن يكون عملهم في التنقل بنحو الدوران في البلدان كمن يحمل عدة عمله ويجوب البلدان ليقدّم خدماته باجور، ومن أمثلته مصلح مكائن أو بنّاء أو حداد وغيرهم.

(مسألة 286) : لا يعتبر في وجوب التمام تكرر السفر ثلاث مرات، بل يكفي كون السفر عملا له أو عمله في السفر ولو في المرة الأولى.

(مسألة 287) : إذا خرج في سفرات اتفاقية ولكنها مربوطة بعمله وكانت جزءاً من عمله، أتم وصام كالموظف ترسله دائرته في عمل رسمي أو العسكري ترسله وحدته في مأمورية، مادام عمل الموظف والعسكري يتطلب مثل هذا السفر، أما إذا لم يكن كذلك كالإيفادات التي توفرها الدوائر لموظفيها للتدريب أو تطوير المهارة فليست جزءاً من العمل ويكون حكمه القصر.

حكم الصلاة في الطريق بين محلّي التمام

(مسألة 288) : من كان عمله في السفر على نحوين:

الأول: من يتخذ محل عمله وطناً آخر غير محل سكنه الذي ينتسب اليه فيقيم فيه بحيث يتفق عدم عودته إلى وطنه الأصلي في أيام التعطيل، كطالب العلوم الدينية في النجف الأشرف يتخذ مسكناً له ويبقى فيه الشهر والشهرين وإن لم يكن عنده درس، أو كالمهندس الذي توفر له الشركة مسكناً له ولعائلته في موقع العمل يمكث فيه حتى في عطلة نهاية الأسبوع، أو الطالب الجامعي الذي يتخذ القسم الداخلي وطناً ثانياً له يمكث فيه حتى لو لم تكن عنده دروس فعلية، فان مثل هؤلاء يقصرون في طريق الذهاب والإياب. ويتمون في الموطنين فقط.

ص: 105

الثاني: من لا يتخذ محل عمله وطناً وإنما يتواجد فيه مادام العمل مطلوباً منه فإذا لم يكن عنده عمل عاد مباشرة إلى أهله، كطلبة الجامعات الذين يرجعون إلى أهلهم بمجرد انتهاء أيام الدرس في نهاية الأسبوع فهؤلاء يتمون في طريق الذهاب والإياب. ويتمون في الموطنين.(مسألة 289) : الظاهر أن عنوان من عمله السفر أو في السفر، يتوقف على قصد ذلك ليكون بمنزلة المهنة له. فإذا قصد ذلك ولو لأول مرة أتم سفره. لكن على أن لا تكون هناك فترة غير معتادة أهمل الفرد فيها التردد على عمله، بحيث خرج عرفا عن كونه ممارسا له.

الشرط السادس: أن لا يكون ممن بيته معه كأهل البوادي الذين لا مسكن لهم معين من الأرض، بل يتبعون العشب والماء أينما كانا ومعهم بيوتهم وهي الخيام والمضارب، وكالغجر الذين يتنقلون بين البلدان، وكبعض ربابنة السفن الذين يتخذون في سفنهم غرفا لإقامتهم مع عوائلهم وأثاثهم، فان هؤلاء لا وطن لهم لذا فإنهم يتمون صلاتهم فيما إذا حملوا بيوتهم معهم للانتقال من محل سكن إلى محل آخر. ويقصرون في السفرات الأخرى كالحج والزيارة أو شراء القوت. وكذا يقصر إذا خرج لاختيار المنزل أو موضع العشب والماء. والظاهر الإتمام في أي سفر كانوا يحملون بيوتهم معهم. دون الأسفار الأخرى.

الشرط السابع: أن يصل المسافر حال خروجه إلى حد الترخص فلا يقصر لو صلى قبله، والمراد به المكان الذي يخفى فيه شخص المسافر عن الناظر الواقف في آخر بيوت المدينة. فان شك في حصوله لزم الاحتياط بالإتمام حتى يحصل الوثوق به. اوعلامة ذلك بشكل تقريبي أن المسافر لا يرى الشخص الواقف في نهاية البلد، ولا يسمع صوت أذانه.

ص: 106

(مسألة 290) : مشهور الفقهاء على أن حد الترخص كما هو ثابت في الذهاب، كذلك في العود فإذا وصله أتم. إلا أن الأقوى عدم ثبوته. فيبقى على حكم التقصير إلى حين دخوله المدينة. وخاصة في غير عنوان الوطن بل محل الإقامة أو محل العمل.(مسألة 291) : السفر جوا كالسفر أرضا، في مسافة القصر وحد الترخص، ووجوب الإتمام في موارده وغير ذلك.

قواطع السفر

وهي أمور:

الأمر الأول: الوطن. والمراد به المكان الذي يتخذه الإنسان مقرا له على الدوام لو خلي ونفسه إلى اجل غير محدود. بحيث إذا لم يعرض له ما يقتضي الخروج منه لم يخرج. سواء كان مسقط رأسه أم استجده، ولا يعتبر أن يكون له فيه ملك، ولا أن يكون قد أقام فيه ستة أشهر.

(مسألة 292) : يمكن تعدد الوطن عرفاً كالبصري الذي يطلب العلوم الدينية في النجف فيستوطن النجف مع بقاء ارتباطه بوطنه الأول البصرة فلو سألت العرف لقالوا انه من أهل البصرة يسكن في النجف، ويتردد على بلده الأصلي، وكذا المهندس البغدادي الذي يتعين في كربلاء فيتخذ سكناً له هناك ويجلب عائلته مع بقاء ارتباطه ببغداد. ويسمى الثاني بالوطن ألاتخاذي والأول بالأصلي.

الأمر الثاني: العزم على الإقامة عشرة أيام متوالية في مكان واحد أو العلم ببقائه المدة المذكورة فيه وان لم يكن باختياره.

الأمر الثالث: أن يقيم في مكان واحد ثلاثين يوما متردداً. من دون عزم

ص: 107

على الإقامة عشرة أيام، سواء عزم على إقامة تسعة أو اقل أم بقي مترددا. فانه يجب عليه القصر إلى نهاية الثلاثين يوما. وبعده يجب عليه التمام إلى أن يسافر سفرا جديدا. ولو لصلاة واحدة.

(مسألة 293) : المتردد في الأمكنة المتعددة يقصر، وان بلغت المدة ثلاثين يوماً.

أحكام المسافر

(مسألة 294) : يجب القصر في الفرائض الرباعية بالاقتصار على الأوليتين منها، عدا الأماكن الأربعة.

(مسألة 295) : إذا قصر من وظيفته التمام بطلت صلاته في جميع الصور، ووجبت الإعادة أو القضاء، حتى في موارد التخيير.

(مسألة 296) : إذا فاتته الصلاة في الحضر قضى تماما ولو في السفر، وإذا فاتته في السفر قضى قصرا ولو في الحضر. وإذا كان في أول الوقت حاضرا وفي آخره مسافرا أو بالعكس راعى في القضاء حال الفوات وهو آخر الوقت، فيقضي في الأول قصرا، وفي العكس تماماً.

(مسألة 297) : يتخير المسافر بين القصر والتمام في الأماكن الأربعة الشريفة، وهي المسجد الحرام ومسجد النبي (صلى الله عليه واله) ومسجد الكوفة وحرم الحسين (عليه السلام).

(مسألة 298) : لا يلحق الصوم بالصلاة في التخيير المذكور فلا يجوز الصوم في الأماكن الأربعة.

(مسألة 299) : يختص التخيير المذكور بالأداء، ولا يجري في القضاء.

ص: 108

كتاب الصوم

المقدمة

الصوم من أهم الوسائل التي شرّعها الله تبارك وتعالى لعباده لتعينهم في طريق السير نحو التكامل، قال تعالى {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} والصوم من أوضح مصاديق الصبر.

وإنما يتحقق التكامل بتحرير الإنسان من سلطة وتأثير ما سوى الله تبارك وتعالى وأهم تلك المؤثرات (النفس) التي تضغط على الإنسان لإشباع شهواتها وتلبية غرائزها، وضبط هذه النفس وكبح جماحها هو محور الصراع الطويل بين الخير والشر الذي يعيشه الإنسان في داخله ما دام في هذه الدنيا ونجاحه في هذا (الجهاد الأكبر) الذي يخوضه هو الذي يحلق به إلى أوج الكمال حيث يلتحق بالصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

والصوم خير معين وسلاح في هذا الصراع لأنّه يقوي إرادة الإنسان في الامتناع عن أقوى اللذائذ الحسية وحاجاته البايولوجية وهي الطعام والشراب والجماع فإذا فعّل إرادته وقوّاها إلى هذا المستوى هان عليه ما دونه ونجح في الامتحانات الأخرى بشرط التفاته إلى هذه الجوانب المعنوية للصوم.

وللصوم أحكام وآداب ذُكرت في محلّها من كتب الفقه والأخلاق، أمّا الجوانب المعنوية والاجتماعية للصوم فقد أشرت إلى الكثير منها في كتاب (شهر رمضان والعيد بين أحكام الشرع وتقاليد العرف) وهو مطبوع منذ سنوات ويمكن مراجعته.

والصوم عبادة يلتزم بمقتضاها الانسان بترك المفطرات المحدّدة شرعاً قربة إلى الله تعالى ما بين الفجر الى المغرب طيلة شهر رمضان المبارك.

ص: 109

(مسألة 300) : المغرب يتحقق بغروب قرص الشمس تحت افق النظر مع عدم وجود موانع طبيعية، والأحوط الانتظار الى حين عبور حمرة ضوء الشمس من جهة الشرق من فوق الرأس بنية الاطمئنان بدخول الوقت او لانتظار دخول الصلاة التي يستحب تقديمها على الافطار.وفي ضوء ذلك فمن افطر بعد سقوط القرص مباشرة اما جهلاً أو لتقية او اشتباهاً قبل تحقق العلامة المذكورة فلا قضاء عليه.

النية

(مسألة 301) : يشترط في صحة الصوم النية على وجه القربة كغيره من العبادات ويراد بالنية وجود القصد إلى الفعل حتى لو كان غافلاً عنه ولكن إذا سُئل عن عدم تناوله للطعام مثلاً فيقول : إني صائم. ولا يكفي مجرد الإمساك عن المفطرات.

(مسألة 302) : وقت النية في الواجب المعين ولو بالعارض كالنذر يكون عند طلوع الفجر الصادق، بحيث يحدث الصوم حينئذٍ مقارناً للنية. وفي الواجب غير المعين يمتد وقتها إلى الزوال وإن تضيق وقته. فإذا أصبح ناوياً للإفطار وبدا له قبل الزوال أن يصوم واجباً فنوى الصوم أجزأه ما لم يتناول المفطر. وأمّا تجديد النية بعد الزوال فغير مجزٍ. وفي المندوب يمتد وقتها إلى أن يبقى من النهار ما يمكن فيه تجديد النية.

(مسألة 303) : يجتزأ في شهر رمضان كله بنية واحدة إذا حصلت بعد الهلال واستمر في أعماقه العزم على الاستمرار على الصوم ، ولا يحتاج العزم إلى تجديد إلا إذا قطع النية لسفر أو مرض وغيرهما.

(مسألة 304) : إذا صام يوم الشك بنيّة شعبان ندباً أو قضاءً أو نذراً أو بنيّة (جامع المطلوبية) أو ما في الذمة أو بقصد الواقع أجزأ عن شهر رمضان إن ظهر أنّه منه، وإذا تبين له أنّه من رمضان قبل الزوال أو بعده جدد نية

ص: 110

الوجوب. وإن صامه بنيّة رمضان جازماً مع عدم دليل على كونه منه، بطل، وإن صامه على أنّه إن كان من شعبان كان ندباً وإن كان من رمضان كان وجوباً فالظاهر البطلان(1).(مسألة 305) : إذا أصبح في يوم الشك ناوياً للإفطار، فتبين أنّه من رمضان قبل تناول المفطر. فإن كان قبل الزوال جدد النية واجتزأ به وإن كان الأحوط ضم القضاء إليه. وإن كان بعده أمسك نهاره وعليه قضاؤه وليترفع المسلم عن الوصول إلى هذا المستوى من الحوم حول الشبهة فيصبح غير ناوٍ للصوم في يوم الشك.

المفطرات

وهي أمور:

الأول والثاني: الأكل والشرب مطلقاً، ولو كانا قليلين أو غير معتادين كالتراب والورق.

الثالث: الجماع - انزل ام لم ينزل- قبلاً ودبراً فاعلاً ومفعولاً به حياً وميتاً حتى البهيمة على الأحوط وجوباً.

الرابع: الكذب على الله تعالى أو على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو على الأئمة (عليهم السلام)، ولو على أحدهم فضلاً عن الأكثر. بل الأحوط إلحاق الأنبياء (عليهم السلام) بهم.

(مسألة 306) : شهر رمضان ربيع القرآن فلا ينبغي للمؤمنين التقصير في تلاوته، وليس من الكذب على الله وعلى رسوله إن كانت قراءته غير مطابقة للقواعد الدقيقة ما دام هذا المقدار هو غاية ما يحسنه ومع عدم تعمد نسبة الخطأ إلى الله تبارك وتعالى. وعدم كون الخطأ مغيّراً للمعنى.

ص: 111


1- ولكنه لو عكس النية فنوى الصوم وجوباً إن كان من رمضان واستحباباً إن كان من شعبان صحّ لوجود الجامع للعنوانين وعادت النية إلى ما ذكرناه من جامع المطلوبية.

الخامس: رمس تمام الرأس في الماء، ولو بدون العنق. من دون فرق بين الدفعة والتدريج.

(مسألة 307) : إذا ارتمس الصائم عمداً ناوياً الاغتسال، فإن كان ناسياً لصومه صح صومه وغسله. وأما إذا كان ذاكراً له وعارفاً بالحرمة فإن كان في شهر رمضان بطل صومه وغسله.السادس: إيصال الغبار الغليظ إلى جوفه عمداً. بل الأحوط إلحاق غير الغليظ به إذا كان معتداً به. لا يفرق فيه بين التراب وغيره مما له أجزاء صلبة كغبار الطحين ونشارة الخشب.

(مسألة 308) : الأحوط استحباباً إلحاق الدخان والبخار به إذا لم يكن كثيفاً، أما إذا كان كذلك كما قد يحصل للمدخنين فهذا الاحتياط وجوبي.

السابع: تعمُّد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر من شهر رمضان وقضائه.

(مسألة 309) : الأقوى عدم البطلان بالإصباح (أي طلوع الفجر عليه) جنباً لا عن عمد كالنوم والإكراه في صوم رمضان وغيره من الصوم الواجب المعين، أما في قضاء رمضان، فالمشهور بطلانه، فله ان يفطر وله العدول الى نية الصوم المستحب وقضاءه في غيره.

(مسألة 310) : لا يبطل الصوم واجباً كان أو مندوباً معيناً أو غيره، بالاحتلام في أثناء النهار، كما لا يبطل بالبقاء على حدث مس الميت عمداً حتى يطلع الفجر ولا بالمس خلال النهار ولو عمداً.

(مسألة 311) : إذا أجنب عمداً ليلاً، في وقت لا يسع الغسل ولا التيمم ملتفتاً إلى ذلك، فهو من تعمُّد البقاء على الجنابة، نعم، إذا تمكن من التيمم وجب عليه التيمم والصوم، وصح صومه. وإن ترك التيمم عمداً وجب عليه القضاء والكفارة.

ص: 112

(مسألة 312) : الأحوط كون حدث الحيض والنفاس كالجنابة، في أنّ تعمُّد البقاء عليهما مبطل للصوم، وإذا حصل النقاء في وقت لا يسع الغسل ولا التيمم، أو لم تعلم بنقائها حتى طلع الفجر صح صومها، مع تجديد النية.

(مسألة 313) : إذا نسي غسل الجنابة ليلاً حتى مضى يوم أو أيام من شهر رمضان قضى تلك الأيام وليس عليه كفارة.(مسألة 314) : إذا كان المجنب لا يتمكن من الغسل لمرض ونحوه وجب عليه التيمم قبل الفجر. فإن تركه بطل صومه.

(مسألة 315) : المستحاضة الكثيرة يشترط في صحة صومها الغسل لصلاة الصبح، وكذا للظهرين، بل للّيلة الماضية أيضا.

الثامن: إنزال المني نهاراً بفعل يؤدي إلى نزوله أو كان سبباً معتاداً له مع احتمال ذلك احتمالاً معتداً به، بل مطلقاً على الأحوط.

التاسع: الاحتقان بالمائع، ولا بأس بالجامد كوضع ما يعرف بالحمّالات لتخفيف الحمى أو الآلام، كما لا بأس بما يصل إلى الجوف من غير طريق تناول الطعام طبيعياً كان أم غيره مما لا يسمّى أكلاً ولا شرباً.

(مسألة 316) : إدخال الطعام أو الدواء بالإبرة إلى المعدة مفطر. وأمّا إدخاله بالإبرة في اليد أو الفخذ أو نحوهما فإن كان من قسم (المُغَذّي) فالأحوط استحباباً كونه مفطراً. وإن كان دواءً فلا بأس به. وكذا تقطير الدواء في العين والأذن.

(مسألة 317) : قنينة (البخاخ) تحتوي على سائل موسِّع للقصبات يُضغط فيتطاير، فتناوُله مفطر إذا دخل المريء ثم إلى المعدة، إمّا إذا اطمأن بعدم حصول ذلك وإنّما استنشقه إلى القصبة الهوائية -كما هو المفروض في طريقة العلاج- فلا بأس به، أما كمّام (الأوكسجين) الذي يساعد على التنفس فلا إشكال فيه قطعاً.

ص: 113

العاشر: تعمّد القيء وإن كان لضرورة من علاج مرض ونحوه، ولا بأس بما كان بلا اختيار.

(مسألة 318) : إذا خرج مع التجشؤ شيء ثم نزل من غير اختيار لم يكن

مبطلاً. وإذا وصل إلى فضاء الفم فابتلعه اختياراً بطل صومه وعليه الكفارة على الأحوط.(مسألة 319) : المفطرات المذكورة إنّما تفسد الصوم إذا وقعت على وجه العمد المتضمن للقصد والالتفات.

(مسألة 320) : من تمضمض مقدمة للوضوء لصلاة الفريضة التزاماً بالسنة الشريفة فسبق الماء إلى الجوف بلا قصد فلا شيء عليه.

(مسألة 321) : إذا غلب على الصائم العطش وخاف الضرر من الصبر عليه أو كان حرجاً جاز له أن يشرب بمقدار الضرورة، ويجب عليه الإمساك بقية النهار ولينوِ به الصوم رجاء المطلوبية ويقضيه بعد ذلك، هذا في شهر رمضان.

وأمّا في غير صوم شهر رمضان من الواجب الموسع أو المعين فلا يجب الإمساك.

كفارة الصوم

تجب الكفارة بتعمد أي شيء من المفطرات، إذا كان الصوم مما تجب فيه الكفارة كشهر رمضان وقضائه بعد الزوال والصوم المنذور المعين.

(مسألة 322) : كفارة إفطار يوم من شهر رمضان مخيّرة بين عتق رقبة وصوم شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكيناً لكل مسكين مُد، وهو يقلّ عن ثلاثة أرباع الكيلو من الطعام كالطحين والتمر فإذا أعطى هذا المقدار كان

ص: 114

مجزياً، وكفارة إفطار قضاء شهر رمضان بعد الزوال إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد، فإن لم يتمكن صام ثلاثة أيام. وكفارة إفطار الصوم المنذور المعين كفارة يمين، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين لكل واحد مد أو كسوة عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام، ويمكن أن يكون بدل المُد وجبة طعام مشبعة.

(مسألة 323) : تتكرر الكفارة بتكرر الموجِب في يومين لا في يوم واحد إلا في الجماع والاستمناء على الأحوط استحباباً فإنّها تتكرر بتكررهما، ومن عجز عن الخصال الثلاث فالأحوط أن يستغفر وجوباً بالندم وعقد العزم على عدم العود وأن يتصدق بما يطيق. ويلزمه التكفير عند التمكن على الأحوط إلا أنّ في كونه احتياطاً وجوبياً إشكال.(مسألة 324) : يجب في الإفطار على الحرام، كالخمر ولحم الخنزير والزنا والاستمناء المحرم، كفارة الجمع بين الخصال المتقدمة على الأحوط.

(مسألة 325) : إذا أفطر عمداً ثم سافر قبل الزوال سواء كان عازماً على السفر حين الإفطار أم لم يكن، وجبت الكفارة.

(مسألة 326) : مصرف كفارة الإطعام الفقراء أمّا بإحضارهم وإشباعهم وأمّا بالتسليم إليهم ما يكفي لذلك أو قيمته مع الاشتراط عليهم بصرفها في ذلك، نعم، لا يجب على المستحق تناول الطعام فيمكنه بيعها والتصرف بثمنها وصرفه في مطلق الحاجة الشخصية.

(مسألة 327) : يجوز إعطاء الكفارة والفدية من الهاشمي وغيره إلى الهاشمي وغيره.

(مسألة 328) : لا يجزي في الكفارة مع الإمكان إشباع شخص واحد مرتين أو أكثر أو إعطاؤه مدِّين أو أكثر، بل لا بد من ستين نفساً إلا مع تعذّر العدد فيجوز التكرار.

ص: 115

(مسألة 329) : الفقير الشرعي هو من لا يجد قوت سنته لا قوة ولا فعلاً له ولمن يعوله سواء كانوا واجبي النفقة أم لا، بحيث لا يناسبه طردهم أو إيكالهم إلى الغير.

موارد وجوب القضاء دون الكفارة

(مسألة 330) : يجب القضاء دون الكفارة في موارد:

الأول: نوم الجنب حتى يصبح على تفصيل سابق.

الثاني: إذا أبطل صومه بالإخلال بالنية من دون استعمال المفطر.

الثالث: إذا نسي غسل الجنابة ومضى عليه يوم أو أيام.

الرابع: إذا استعمل المفطر بعد طلوع الفجر بدون مراعاة ولا حجة على طلوعه. أما إذا قامت حجة على طلوعه وجب القضاء والكفارة.

الخامس: الإفطار قبل دخول الليل، لظلمة ظن منها دخوله ولم يكن في السماء غيم.

السادس: إدخال الماء بمضمضة وغيرها إلى الفم لاستحباب شرعي أو غيره فيسبق ويدخل إلى الجوف فإنّه يوجب القضاء دون الكفارة.

السابع: سبق المني بالملاعبة ونحوها إذا لم يكن قاصداً ولا من عادته.

شرائط صحة الصوم

وهي أمور:

الأول: الإسلام.

الثاني: العقل.

الثالث: الخلو من الحيض والنفاس طول اليوم.

ص: 116

الرابع: عدم الإصباح - أي طلوع الصبح عليه وهو الفجر- جنباً عالماً عامداً.

الخامس: أن لا يكون مسافراً سفراً يوجب قصر الصلاة.

(مسألة 331) : يصح الصوم من المسافر الذي حكمه الإتمام، واجباً كان

الصوم أو مستحباً كناوي الإقامة والمسافر سفر معصية والذي عمله في السفر وغير ذلك.السادس: الصحة من المرض المنافي مع الصوم ولو احتمالاً معتداً به.

السابع: عدم وجود العسر والحرج في الصوم، كالضعف المفرط.

(مسألة 332) : قول الطبيب إذا كان يوجب الظن بالضرر أو خوفه وجب لأجله الإفطار.

(مسألة 333) : إذا برئ المريض قبل الزوال ولم يتناول المفطر فالأحوط له تجديد النية والاستمرار بالصوم برجاء المطلوبية ويقضي ذلك اليوم كذلك.

الثامن: البلوغ فلا يجب قبله ولو كان الصبي مميزاً، نعم، يصح منه كغيره من العبادات.

ترخيص الإفطار

وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لأشخاص:

منهم: الشيخ والشيخة وذو العطاش إذا تعذر عليهم الصوم أو كان حرجاً، وكان عليهم الفدية عن كل يوم بمد من طعام على الأحوط. والأفضل كونها من الحنطة، بل كونها مدين بل هو أحوط استحباباً. والظاهر عدم وجوب القضاء عليهم.

ومنهم: الحامل المقرب التي يضر بها الصوم أو يضر حملَها والمرضعة القليلة اللبن إذا أضر بها الصوم أو أضر بالولد. وعليهما القضاء بعد ذلك. كما إنّ عليهما مع القضاء الفدية فيما إذا كان الضرر على الحمل أو الولد، ولا يجزي الإشباع عن المد في الفدية من غير فرق بين مواردها.

ص: 117

ثبوت الهلال

يثبت الهلال بعدة طرق:

أولاً: العلم الحاصل من الرؤية، أي رؤيته هو شخصياً للهلال وإن لم يثبت عند غيره.

ثانياً: ثبوت الرؤية عند مرجع تقليده.

ثالثاً: شهادة رجلين عادلين بالرؤية.

رابعاً: مضي ثلاثين يوماً من هلال الشهر السابق. فإن كان هو شعبان فيثبت هلال رمضان وإن كان هو رمضان، فيثبت هلال شوال.

(مسألة 334) : تكفي رؤية الهلال في أي بلد من البلدان الإسلامية التي يصدق عليها انها بلدان اهل الصلاة لثبوته في البلدان المشتركة معه بهذا العنوان وان لم يكن الهلال قابلاً للرؤية فيها، وبغض النظر عن اشتراكهما أو اختلافهما في الافق وكون احدهما شرق الآخر أو غربه.

أما غير المشتركة معها بهذا العنوان فلها هلالها الخاص بها، أي يثبت الشهر في بلد الرؤية والبلدان المتحدة الافق معه، ولا يثبت في غيرها من البلدان مالم يُرَ فيها، إلا ان يثبت بحكم الحاكم الشرعي.

أحكام قضاء شهر رمضان

(مسألة 335) : إذا فاتته أيام من شهر واحد لا يجب عليه التعيين، ولا الترتيب.

(مسألة 336) : إذا فاته شهر رمضان أو بعضه بمرض، واستمر به المرض إلى رمضان الثاني، تصدق عن كل يوم بمُد، وهو ثلاثة أرباع الكيلو من الطعام. وسقط القضاء.

ص: 118

(مسألة 337) : إذا أفطر عمداً في شهر رمضان بعضه أو كله وأخر القضاء عمداً إلى رمضان الذي يليه، وجبت الفدية والكفارة معاً.(مسألة 338) : يجوز إعطاء فدية أيام عديدة من شهر واحد ومن شهور إلى شخص واحد.

(مسألة 339) : يجوز الإفطار في الصوم المندوب إلى الغروب ولا يجوز في قضاء صوم شهر رمضان بعد الزوال إذا كان القضاء نفسه، بل تقدم أنّ عليه الكفارة. أمّا قبل الزوال فيجوز.

(مسألة 340) : يجب التتابع في صوم الشهرين من كفارة الجمع وكفارة التخيير، ويكفي في حصوله صوم الشهر الأول ويوم من الشهر الثاني متتابعاً إذا كان له عذر مقبول عرفاً.

(مسألة 341) : إذا وجب عليه صوم متتابع لا يجوز له أن يشرع فيه في زمان يعلم أنّه لا يسلم بتخلل يوم يحرم صومه كأحد العيدين أو يجب إفطاره كالنذر المعين لسفر الزيارة.

فروع أخرى

(مسألة 342) : الصوم من المستحبات المؤكدة. وقد ورد أنّه جنة من النار، وزكاة الأبدان، وبه يدخل العبد الجنة. وإنّ صوم الصائم عبادة ونفَسه وصمته تسبيح، وعمله متقبل ودعاءه مستجاب وخلوف فمه عند الله أطيب من رائحة المسك، وتدعو له الملائكة حتى يفطر. وله فرحتان فرحة عند الإفطار وفرحة حين يلقى الله تعالى.

(مسألة 343) : يحرم صوم العيدين: عيد الفطر وهو الأول من شوال في كل عام وعيد الأضحى وهو العاشر من ذي الحجة في كل عام.

(مسألة 344) : الأحوط عدم صوم الزوجة تطوعاً، بدون إذن الزوج، وإن كان الأقوى الجواز إذا لم يمنع عن حقه ولا يترك الاحتياط بتركها الصوم إذا نهاها زوجها عنه.

ص: 119

كتاب الاعتكاف

اشارة

وهو اللبث في المسجد، والأحوط أن يكون بقصد فعل العبادة فيه من صلاة ودعاء وغيرهما أو لإيجاد الوظيفة الشرعية المعينة المسماة بالاعتكاف، ويصح في كل وقت يصح فيه الصوم، والأفضل شهر رمضان، وأفضله العشر الأواخر.

(مسألة 345) : يشترط في صحته مضافاً إلى العقل والإيمان أمور:

الأول: نية القربة، كما في غيره من العبادات.

الثاني: الصوم، فلا يصح بدونه، فلو كان المكلف ممن لا يصح منه الصوم لسفر أو غيره، لم يصح منه الاعتكاف.

الثالث: العدد، فلا يصح أقل من ثلاثة أيام، ويصح الأزيد منها.

الرابع: أن يكون الاعتكاف في مسجد جامع في البلد.

الخامس: إذن من يعتبر إذنه في جوازه.

السادس: استدامة اللبث في المسجد الذي شرع به في طول مدة الاعتكاف.

أحكام الاعتكاف

لا بد للمعتكف من ترك أمور:

منها: مباشرة النساء بالجماع.

ومنها: الاستمناء على الأحوط وجوباً.

ومنها: شم الطيب والريحان مع التلذذ.

ومنها: البيع والشراء بل مطلق التجارة على الأحوط استحباباً إذا لم يلزم منه الخروج عن المسجد وإلا حرم.

ومنها: المماراة في أمر ديني أو دنيوي بداعي إثبات الغلبة وإظهار الفضيلة.

ص: 120

(مسألة 346) : الظاهر إنّ المحرمات المذكورة مفسدة للاعتكاف من دون فرق بين وقوعها في الليل أو في النهار.(مسألة 347) : إذا فسد الاعتكاف الواجب بالجماع، ولو ليلاً وجبت الكفارة، والأقوى عدم وجوبها بالإفساد بغير الجماع، وإن كان الأحوط استحباباً، والأحوط أن تكون كفارته مثل كفارة الظهار.

كتاب الخمس

اشارة

الخمس من الفرائض المالية المهمة التي حُفِظ بها كيان الدين الإسلامي ومدرسة أهل البيت (عليهم السلام) خاصة، وسيّرت به شؤونها عبر القرون في اكتفاء ذاتي صممه الشارع المقدس لتُصان العقيدة والمبادئ من التذويب في سياسة السلطات الحاكمة والتبعية لارادتها التي كانت تفرضها بقوة السلطة والمال.

فيما يجب فيه

وهي أمور:

الأول: الغنائم المنقولة المأخوذة بالقتال من الكفار الذين يحل قتالهم إذا كان بإذن الامام (عليه السلام). سواء كان القتال بنحو الغزو للدعاء إلى الإسلام أم كان دفاعاً لهم عند هجومهم على المسلمين.

الثاني: المعدن: كالذهب والفضة والرصاص والنحاس والعقيق والفيروز والياقوت والكحل والملح والقير والكبريت ونحوها. بعد فرض إمكان تملكها الشخصي اما اذا تحولت بعض المعادن كالنفط الى ثروة عامة ملك الشعب فلا يصح تملكها اصلاً، والمهم صدق المعدن، سواء كان سائلا ام جامدا، وسواء كان على سطح الأرض أم في باطنها، وسواء اخذ من ارض مملوكة أم من ارض مباحة. والأحوط وجوباً إلحاق مثل الجص والنورة يعني

ص: 121

ترابهما ولو قبل الطبخ وحجر الرحى وطين الغسل، ونحوها مما يصدق عليه اسم الارض، وكان له خصوصية في الانتفاع به.

الثالث: الكنز، وهو المال المذخور في موضع، أرضا كان أم جدارا أم غيرهما فانه لواجده وعليه الخمس، إلا أن يعلم انه ملك لمسلم فيجب عندئذ دفعه لمالكه بالبحث عنه أو عن ورثته، وان لم يجده فالوارث الامام (عليه السلام) أو وكيله الخاص أو

العام.الرابع: الغوص، وهو ما اخرج من البحر بالغوص كالجواهر مثل اللؤلؤ ونحوها مما كان فيه بالخلقة من غير الحيوان.

الخامس: الأرض التي تملّكها الذمي من مسلم، فانه يجب فيها الخمس على الأحوط. ولا فرق بين الارض الخالية إذا كانت مملوكة، وارض الزرع، وارض الدار، وغيرها.

السادس: المال الحلال المختلط بالحرام بحيث لم يميز ولم يعرف مقداره، ولا أصحابه، فإنه يحل بإخراج خمسه ودفعه إلى الحاكم الشرعي بنية الخمس، والأحوط استحبابا قصد الأعم من رد المظالم والخمس ليصرفه على من ينطبق عليه كلا العنوانين للاستحقاق. وأما لو علم المقدار ولم يعلم المالك، فعليه التصدق به عنه، سواء كان الحرام بمقدار الخمس أم كان اقل منه أم كان أكثر منه، والأحوط وجوباً أن يكون بإذن الحاكم الشرعي. وله أن يقسطه عليه أو يعفيه من بعضه، إن وجد في ذلك مصلحة. وان علم المالك وجهل المقدار تراضيا بالصلح، وان لم يرض المالك بالصلح جاز الاقتصار على دفع الأقل إليه، والأحوط استحبابا دفع أكثر المحتملات إليه. والأحوط مع ذلك الرجوع إلى الحاكم الشرعي لحسم الدعوى. وان علم المكلف بالمالك والمقدار وجب دفعه إليه ويكون التعيين بالقرعة أو التراضي.

(مسألة 348) : إن علم المالك في عدد غير محصور تصدق به عنه، والأحوط وجوبا أن يكون بإذن الحاكم الشرعي.

ص: 122

(مسألة 349) : إذا ظهر المالك بعد دفع رد المظالم أو التصدق بالمال، فان كان ذلك بإذن الحاكم الشرعي فلا إشكال في عدم الضمان وان لم يكن بإذنه فالأحوط استرضاء المالك. وان كان الأحوط وجوباً للمالك العفو.

(مسألة 350) : إذا كان الحلال المختلط بالحرام قد تعلق به الخمس، وجب تخميسه مرتين، بتقديم الخمس المحلل للحرام، ثم دفع الخمس الآخر.

(مسألة 351) : إذا تصرف في المال المختلط بالحرام قبل إخراج خمسه بالإتلاف لم يسقط الخمس، بل يكون في ذمته يدفعه إلى مستحقه. وكذا الحال في مجهول المالك أن تصرف فيه بالإتلاف، فانه يكون في ذمته كرد للمظالم، فان عرف قدره دفعه، وإلا كان له الاقتصار على مقدار الأقل، ويبقى دفع الباقي مبنيا على الاحتياط الاستحبابي.السابع: ما يفضل عن مؤونة سنته، مما صرفه لنفسه وعياله من فوائد الصناعات والزراعات والتجارات والاجارات وحيازة المباحات، بل الأحوط الأقوى تعلقه بكل فائدة مملوكه له، كالهبة والهدية والجائزة والمال الموصى به، ونماء الوقف الخاص والعام، والميراث الذي لا يحتسب - أي لا يُتوقّع-، وعوض الخلع، وإنما يجب الخمس على تقدير الملك بالقبض في عدد من هذه العناوين. وفي وجوب الخمس في الميراث المحتسب كميراث الطبقة الأولى ومهر الزوجة وديات الأعضاء وارش الجنايات تردد، من جهة الشك في صدق عنوان الغنيمة والفائدة عليها خصوصاً الأخير فيحصل الشك في شمول عموم مثل قوله (عليه السلام) (في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير) فتجري أصالة البراءة، فلا يجب الخمس وهو قول المشهور الذي يمكن الرجوع اليه في موارد التردد والاحتياط.

(مسألة 352) : الظاهر أن جعل رأس السنة مصلحة للمكلف بعنوان الولاية، فلا يجوز الزيادة على السنة، يعني تأجيل دفع الخمس أكثر إلا بإذن الولي، وأما دفعه قبل ذلك فلا مانع منه.

ص: 123

(مسألة 353) : بناء على عدم وجوب الخمس في المال الموروث فانه لا يجب فيه الخمس بشرطين:

الشرط الأول: أن لا يكون متعلقاً للخمس في حياة المورِّث، كما لو كان خمسه مدفوعاً، أو كان إرثاً أو مهراً لا يجب تخميسه.

الشرط الثاني: أن يكون من الميراث المحتسب وهو ميراث الطبقة الأولى مع الزوج أو الزوجة.

مسائل في تحديد مؤونة السنة

(مسألة 354) : المؤونة المستثناة من الأرباح والتي لا يجب فيها الخمس أمران:

الأمر الأول: مؤونة تحصيل الربح : وهي كل مال يصرفه الإنسان في سبيل الحصول على الربح، كأجور النقل والدلال والكاتب والحارس والدكان وضرائب السلطان وغير ذلك. فان جميع هذه الأمور تخرج من الربح ثم يخمس الباقي.

(مسألة 355) : كل ما يصرفه الإنسان في سبيل حصول الربح يستثنى من الأرباح، ولا يفرق في ذلك بين حصول الربح في سنة الصرف وحصوله فيما بعد.

الأمر الثاني: مؤونة العيال: وهي كل ما يصرفه في سنته في معاش نفسه وعياله على النحو اللائق بحاله، وفي صدقاته وزياراته وهداياه وجوائزه المناسبة له، وكذلك ما يصرفه في ضيافة أضيافه وان زادوا على المناسب لحاله، إذا لم يكن وجودهم بتسبيب منه، وأما المقدار المناسب منهم لحاله، فلا يعتبر فيه ذلك.

ص: 124

(مسألة 356) : لا تصدق المؤونة إلا فيما صرف فعلاً من المال، لا على المال المذخور للصرف، فيجب الخمس بعد مصروف السنة، وان كان الباقي مالا مذخوراً للصرف.

(مسألة 357) : يجب أن يكون الصرف على النحو المتعارف المناسب لحاله عرفا واجتماعيا، فإذا زاد الصرف على ذلك وجب خمس التفاوت، وكذلك إذا كان الصرف سفها أو تبذيراً، ولكن إذا صرف اقل من المقدار المناسب له، وجب الخمس في الزائد كله.

(مسألة 358) : رأس سنة المؤونة لمن ليس له سنة مالية، هو يوم البدء بالعمل، ويمكن حسابها من يوم ظهور الربح، ومن الراجح بل الواجب أن لا يهمل الفرد نفسه من هذه الناحية، فيجعل لنفسه رأس سنة منذ أول حياته العملية. فعند البدء بالعمل التجاري أو الصناعي أو الزراعي أو التعليم أو الطب، أو أي عمل محلل آخر يكون أول سنته المالية الشرعية، ويمكن كما قلنا تأجيل الحساب إلى أول يوم يظهر فيه الربح أو يقبض الراتب، فإذا مضت على ذلك سنة صرف فيها ما يناسب حاله من المؤونة، فان بقي لديه زائد وجب فيه الخمس قل أو كثر، سواء كان من الأثمان أو العروض مما ينقل أو مما لا ينقل.(مسألة 359) : المهم هو صدق السنة عرفا بأي تقويم كان، كالهجري أو الميلادي أو غيرهما، أو بدون أي تقويم كعدد الأيام أو الأسابيع مثلا.

(مسألة 360) : إذا لم يكن للفرد عمل، بان كان يعيش على نفقة شخص آخر كأبيه أو ابنه، أو على التبرعات أو الوجوه المالية الشرعية أو نحو ذلك، كان أول سنته أول يوم يقبض فيه أول دفعة من المال، فان لم يكن قد عين له رأس سنة، كان رأس سنته هو يوم دفع أول مبلغ من الخمس، فان لم يكن له زيادة يدفعها خمساً، لم يكن له رأس سنة حتى تحصل تلك الزيادة. ويجب المبادرة عندئذ إلى دفع الخمس، ومع عدمها فالأحوط له استحبابا اختيار يوم معين لجعله رأس سنة له بالاتفاق مع الحاكم الشرعي.

ص: 125

(مسألة 361) : إذا كان الشخص مهملاً لمسألة الخمس قصوراً أو تقصيراً ولم يحاسب نفسه مدة من السنين وقد ربح فيها واستفاد أموالاً، واشترى منها أعياناً وأثاثاً، وعمّر دياراً وكوّن له أرصدة في البنوك وأموالاً مستثمرة في جهات عديدة ونحوها من الأموال، ثم التفت إلى ما يجب عليه من إخراج الخمس من هذه الأموال المنقولة وغير المنقولة، فالواجب عليه إخراج الخمس من كل هذه الأموال والموجودات ومن كل ما اشتراه أو عمّره أو غرسه مما لم يكن معدوداً من المؤونة.

أما ما اتخذه للمؤونة من هذه الأمور كدار السكن أو السيارة الشخصية أو الأثاث فلا خمس عليه إن كان اشتراه من أرباح السنة، ويجب فيه الخمس في حالتين:أ- إذا كان المال الذي دفعه لشرائها قد جمعه في أكثر من سنة من الفاضل عن مؤونته فيخمس كل ما جمعه في غير سنة الشراء.

ب- إذا كانت العين المشتراة بقيت فاضلة عن المؤونة بعد شرائها إلى أن مرّت عليها سنة قبل دخولها في المؤونة.

(مسألة 362) : يدخل في مؤونة السنة ما يتم استعماله، وما لا يتم استعماله ولكن ملكيته مناسبة لحاله الاجتماعي، كشيء من الحلي للمرأة، ومن الكتب لرجل الدين أو للمثقف، أو شيء من المعروضات والصور المناسبة لحاله، وكذلك يدخل فيها الآلات المدخرة لاستعمالات محتملة بالمقدار المناسب لحاله، وان لم تستعمل فعلا كآلة الإطفاء للحريق والفرش والأواني المذخورة للضيوف المحتمل ورودهم، وكذلك لو كانت سيارة مدخرة لنقل الضيوف، أو فسطاط مدخر لجلوسهم أو لنقل أولاده إلى المدارس أو التسوق أو أي شيء يناسب حاله، فانه يدخل في المؤونة وان لم يستعمل. نعم، إذا كان المدخر زائداً عن حاله الاجتماعي أو عن احتمال حاجته وجب فيه الخمس.

ص: 126

(مسألة 363) : إذا زاد ما اشتراه للمؤونة من الحنطة والشعير والسمن والسكر والشاي وغيرها، وجب عليه إخراج خمسه، أما المؤن التي يحتاج إليها

- مع بقاء عينها - إذا استغنى عنها فالظاهر عدم وجوب الخمس فيها، إذا كان الاستغناء عنها بعد السنة، لأنها وإن أصبحت فاضلة عن المؤونة إلا أنها لا يصدق عليها أنها من أرباح السنة، كما في حلي النساء التي يستغنى عنها في عمر الشيب، وكالملابس اذا لم تعد مناسبة لحال الشخص أو جسمه، أما إذا كان الاستغناء عنها في أثناء السنة، فان كانت مما يتعارف إعدادها للسنين الآتية، كالثياب الصيفية والشتائية عند انتهاء موسمها، أو الفرش والآلات المعدة للضيوف في مواسم

معينة كزوار الإمام الحسين (عليه السلام)، فالظاهر عدم وجوب الخمس فيها أيضاً، وإلا وجب أداء خمسها على الأحوط.

أحكام الأرباح

(مسألة 364) : إذا اشترى عينا بقصد تجاري، فزادت قيمتها في أثناء السنة، ولكنه لم يبعها غفلة أو طلبا للزيادة أو لغرض آخر، ثم رجعت قيمتها في رأس السنة إلى رأس مالها الأول، فليس عليه خمس تلك الزيادة. نعم، إذا بقيت الزيادة إلى آخر السنة وجب الخمس، وان لم يبعها، بل وان صادف نزول قيمتها بعد ذلك.

(مسألة 365) : أداء الدين من المؤونة، إذا كان مصروفاً في المؤونة، سواء أخذه بهذا القصد أم بقصد آخر، وسواء كانت الاستدانة في سنة الربح أم فيما قبلها، تمكن من الأداء قبل ذلك أم لا. نعم، إذا لم يؤد دينه إلى أن انقضت السنة وجب الخمس، من دون استثناء مقدار وفاء الدين، سواء كان معذوراً في التأجيل أو عاصياً.

(مسألة 366) : إذا أخر دفع الخمس مع وجوبه ترتبت على ذلك آثار باطلة عديدة:

ص: 127

منها : حرمة تصرفه في العين أكلا أو لبساً أو سكنى أو غير ذلك.

ومنها: انه تشتغل ذمته باجرة المثل لهذا التصرف، فيما يقابل الخمس المستحق لذويه.

ومنها: أن المعاملات الجارية على الأعيان أو الأثمان المستحقة تكون نافذة في الأربع أخماس، وباطلة في مقدار الخمس، وليس له أن يأخذ الثمن بإزائها كاملة، كما انه ليس له أن يدفع العين إلى مشتريها قبل التخميس، ما لم يخبره بذلك ويثق بأنه سوف يقوم بهذه الوظيفة الشرعية.

ومنها: أن إنتاج الخمس وأرباحه لذوي الخمس وليس للمالك.ومنها : انه اذا مات قبل دفع الخمس وجب على ورثته دفع خمس التركة مع الديون، قبل تقسيمها بينهم.

(مسألة 367) : المرأة التي تكتسب يجب عليها الخمس، وان عال بها زوجها، ولا يستثنى من أرباحها ما يصرفه زوجها عليها، بل وكذا الحكم إذا لم تكسب، وكانت لها فوائد من زوجها أو غيره، فانه يجب عليها في آخر السنة إخراج خمسها. وبالجملة يجب على كل مكلف أن يلاحظ ما زاد عنده في آخر السنة من أرباح مكاسبه وغيرها، قليلا كان أو كثيراً ويخرج خمسه، كاسبا كان ام غير كاسب.

(مسألة 368) : إذا كان الشخص لا يخرج الخمس من ماله، وقد وهبه إلى شخص آخر لم يجب على الموهوب له تخميسه إذا كان للموهوب له سنة خمسية ودفعه الواهب من أرباح السنة، أما إذا كان قد تعلق الخمس بالهبة عند المالك لدوران الحول عليها فيجب على الموهوب له تخميسها فوراً إبراءاً لذمة الواهب، وإذا لم يكن للموهوب له سنة خمسية خمّسها مع سائر أمواله إذ يجب الخمس فيها جميعاً.

(مسألة 369) : إذا أحب من له رأس سنة أن يغير رأس سنته، فأما أن يريد

ص: 128

تقديمها، وأما أن يريد تأخيرها. فان أراد تقديمها أمكنه محاسبة حاله المالي ودفع ما عليه من خمس في الموعد الذي يراه مناسباً، ويكون هو الموعد الجديد لرأس سنته، بدون حاجة إلى مراجعة الحاكم الشرعي. وأما إن أراد تأخيرها احتاج إلى مراجعة الحاكم في تأجيل الدفع إلى ذلك الموعد، فان اجّله ودفع ما في ذمته من خمس بحيث يشمل حتى مدة التأجيل كان الموعد الجديد هو رأس سنته.

(مسألة 370) : يجب على كل مكلف في آخر السنة أن يخرج خمس ما زاد من مؤونته، مما ادخره في بيته للمؤونة، من الأرز والدقيق والحنطة والشعير والسكر والشاي والنفط والحطب والفحم والسمن والحلوى، وغير ذلك من

أمتعة البيت، مما اعد للمؤونة ولم يستعمل إلى رأس السنة، بما فيها الحلي والكتب الزائدة على حاله الاجتماعي، والثياب والفرش والأواني الزائدة عن حاجته.(مسألة 371) : لا بأس للمؤمنين بأخذ المال مضاربة من شخص لا يخمس. وكذا لا بأس بالاقتراض ممن لا يخمس وليس عليه دفع الخمس، ويجري هذا الحكم فيما تعارف عليه المجتمع (السلفة أو الجمعية) بحيث يتفق مجموعة على دفع مبالغ شهرية أو أسبوعية ويعطى المجموع لأحدهم كل شهر بحسب القرعة. نعم إذا كان الخمس متعلقاً بالمال الواصل لكونه فائضاً عن المؤونة ودار عليه حول وجب إخراج خمسه والرجوع به على الدافع.

(مسألة 372) : إذا كان رب الأسرة لا يخمس، أو كان وارده من مجهول المالك، وهو لا يقبضه قبضا شرعيا، فان أمكن لأي فرد من الأسرة الاستقلال في الصرف على نفسه فهو خير له، وان كان مضطرا للبقاء وجبت مراجعة الحاكم الشرعي لتحليل تصرفاته ومصرفه. ومن قبلنا فإننا نجيز له الاستفادة مما يصرفه عليه رب الأسرة في حدود الحاجات المتعارفة فيكون المهنأ له والوزر على غيره، ولا يترك وظيفته في الهداية والإرشاد والموعظة.

(مسألة 373) : العرصة من الأرض مهما كان حجمها أو سعتها، لا تدخل

ص: 129

في ملك صاحب اليد ما دامت قفراء لم يعمل عليها عملا، حتى وان اعتبرت عرفا أو في (الطابو) ملكا له، نعم يجب الخمس في المبلغ الذي دفعه بإزائها إن لم يكن مخمساً بعينه ولا يكفي أن يكون له سنة خمسية، ولذلك عدة نتائج منها: عدم وجوب دفع الخمس عنها. ومنها: أنها لا تذهب إرثا. ومنها: بطلان المعاملة في بيعها أو هبتها وغيرها. غير أن اخذ ثمنها العرفي يمكن توجيهه فقهيا.

مستحق الخمس ومصرفه

يدفع الخمس كله في عصر الغيبة إلى الفقيه الجامع للشرائط باعتبار نيابته العامة عن الإمام المعصوم (عليه السلام) ليصرفه في موارده المقررّة، وعلى الفقيه أن يسد احتياجات بني عبد المطلب بن هاشم جد رسول الله (صلى الله عليه وآله) منه وهم من انتسبوا إليه من جهة الأب، والأحوط للفقيه أن يصرف نصفه عليهم لما ورد في تفسير قوله تعالى {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}، من أن الأسهم الثلاثة الأولى للإمام والثلاثة الثانية لهذه العناوين من بني عبد المطلب. وعلى أي حال فالفقيه اعرف بوظيفته.

وفي ضوء ذلك فالقول بتنصيف الخمس إلى نصفين معروفين بسهم الإمام (عليه السلام) وسهم السادة وان كان مشهوراً إلا أن الصحيح ما قلناه من عودة الخمس كله إلى الفقيه الجامع للشرائط وهو الذي يعرف تكليفه.

(مسألة 374) : لا يجوز استقلال المالك في توزيع نصف الخمس العائد إلى الهاشميين، ويجب عليه الدفع إلى الحاكم الشرعي أو استئذانه في الدفع إلى المستحق، ولكن إن طلبه وجب على المالك دفعه إليه. وقد أعطينا الأذن للمؤمنين بصرف ثلث ما بذمتهم من الخمس على المؤمنين المحتاجين من السادة وغيرهم.

ص: 130

كتاب الزكاة

اشارة

الزكاة: أحد الأركان التي بني عليها الإسلام، ووجوبها من ضروريات الدين، ومنكر وجوبها كافر لأنه يعني تكذيب الرسالة.

شرائط وجوب الزكاة العامة

وهي كما يلي:

الأول: البلوغ.

الثاني: العقل.

الثالث: التمكن.

الرابع: الملك.

ما تجب فيه الزكاة

المشهور اختصاص وجوب الزكاة بالأصناف التسعة: وهي النقدان الذهب والفضة المسكوكان كعملة نقدية وبالأنعام الثلاثة: الإبل والبقر والغنم، والغلاّت الأربعة: الحنطة والشعير والتمر والزبيب.

لكن المستفاد من روايات أهل بيت العصمة (سلام الله عليهم أجمعين) تعلق الزكاة بما هو أوسع من ذلك فالاحوط إخراجها مما يلي:

1- كل ما يكال أو يوزن من الحبوب التي تنبتها الارض كالأرز والعدس والماش، أما ما يتجر بها من هذه الحبوب فيدخل في الفقرة (3).

2- سائر العملات كالدينار والدولار واليورو إذا كنزت حولاً ولم يحرّكها.

3- الأعيان والبضائع التجارية التي يقتنيها طلباً لزيادة قيَمها ويمرُّ عليها عام يُدفع له خلاله ربح فوق سعر الشراء لكنه يحبسها عن البيع طلباً لزيادة أكثر.

ص: 131

الأنعام الثلاثة

وشروط وجوب الزكاة فيها وهي كما يلي:

الشرط الأول: النصاب:

في الإبل اثنا عشر نصابا:

الأول: خمس إبل، وفيها شاة.

الثاني: العشر وفيها شاتان.

الثالث: خمس عشرة وفيها ثلاث شياه.

الرابع: العشرون وفيها أربع شياه.

الخامس: خمس وعشرون وفيها خمس شياه.

السادس: ست وعشرون فيها بنت مخاض، وهي الداخلة في السنة الثانية.

السابع: ست وثلاثون وفيها بنت لبون، وهي الداخلة في السنة الثالثة.

الثامن: ست وأربعون وفيها حقة، وهي الداخلة في السنة الرابعة.

التاسع: إحدى وستون وفيها جذعة، وهي الداخلة في السنة الخامسة.

العاشر: ست وسبعون وفيها بنتا لبون.

الحادي عشر: إحدى وتسعون وفيها حقتان.

الثاني عشر: مائة وإحدى وعشرون وفيها في كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون.

(مسألة 375) : في البقر نصابان:

الأول: ثلاثون وفيها تبيع.

الثاني: أربعون وفيها مسنة.

ص: 132

(مسألة 376) : في الغنم خمسة نصب:

الأول: الأربعون، وفيها شاة.

الثاني: مائة وإحدى وعشرون، وفيها شاتان.

الثالث: مائتان وواحدة، وفيها ثلاث شياه.

الرابع: ثلاثمائة وواحدة، وفيها أربع شياه.

الخامس: أربعمائة فما زاد، ففي كل مائة شاة بالغا ما بلغ، ولا شيء فيما نقص عن النصاب الأول ولا فيما بين كل نصابين.

الشرط الثاني: السوم طول الحول:

صدق السوم على الأنعام الثلاثة مرتبط بكونها مرسلة في المراعي لترعى من الحشيش والكلأ ونحوهما من الثروات الطبيعية، من دون أن يبذل صاحبها الجهد والعمل في خلق الفرص وتهيئة العلف لها، فإذا كانت كذلك فهي سائمة وفيها زكاة، وأما إذا قام صاحبها بتهيئة العلف لها فأعلفها وأطعمها منه فهي معلوفة.

الشرط الثالث: أن لا تكون عوامل:

ولو في بعض الحول، وإلا لم تجب الزكاة فيها . هذا على المشهور، والصحيح عدم اعتبار هذا الشرط فأن العوامل كغيرها مما تجب فيها الزكاة وإنما لا تجب فيها إذا كانت معلوفة للشرط المتقدم.

الشرط الرابع: أن يمضي عليها حول جامعة للشروط، بحيث يمضي عليها عام قمري كامل.

ص: 133

زكاة النقود والعملات المتداولة

الاحوط عدم اختصاص وجوب الزكاة بالنقدين المعروفين في الأزمنة القديمة وهما الدينار الذهبي والدرهم الفضي وإنما تتعلق بكل العملات المتداولة كالدينار والدولار والجنيه واليورو والريال وغيرها إذا كنزت سنة كاملة ولم تتحرك وقد بلغت النصاب .

(مسألة 377) : لا تجب الزكاة في الودائع المصرفية وإن بلغت النصاب ودار عليها الحول لاختلال بعض شروط الوجوب وهو دوران الحول على نفس العين ولا يكفي دورانه على الرصيد.

(مسألة 378) : يشترط في زكاة العملات أمور:

الأول: النصاب وهو في الذهب عشرون دينارا، وفيه نصف دينار، والدينار ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي ويساوي (3.45)غرام.

أما الفضة فنصابها مائتا درهم وفيها خمسة دراهم، ثم أربعون درهما وفيها درهم واحد، وهكذا كلما زاد أربعون كان فيها درهم.

الثاني: أن يكون الدرهم - الفضي- والدينار - الذهبي- مسكوكين بسكة المعاملة أي العملة المتداولة.

الثالث: الحول، ويعتبر في وجوب الزكاة في العملات دخول الشهر الثاني عشر، فإذا دخل تم الحول ووجبت الزكاة فيها، ولابد أن تكون جميع الشروط العامة متوفرة طيلة مدة الحول.

ص: 134

زكاة الغلات

تجب زكاة الغلات في كل ما يكال أو يوزن من الحبوب خلافا للمشهور الذي خصّ الوجوب بالحنطة والشعير والتمر والزبيب.

(مسالة 379) : يشترط في وجوب الزكاة فيها أمران:

الأول: بلوغ النصاب، وهو بالأوزان المتعارفة اليوم ثمانمائة وسبعة وأربعين كيلوا تقريباً.

الثاني : الملك في وقت تعلق الوجوب، سواء أكان بالزراعة أم بشراء الزرع قبل أوان تعلق الوجوب أم بالإرث كذلك أم بغيرها من أسباب الملك .

(مسالة 380) : يجب على المالك في زكاة الغلات الأربع العُشر إذا سقت الزروع والأشجار والنخيل بالماء الجاري كالعيون والأنهار التي لا يتوقف سقيها بها على مؤنة زائدة، مثل سحب الماء بالآلات كالمكائن ونحوها أو بماء المطر النازل من السماء أو الماء الناضب في الأرض بامتصاص عروقها منه كما في بعض الأراضي والبلدان، ونصف العشر إذا سقيت بالمكائن والدوالي أو غيرهما من الوسائل والعلاجات الحديثة.

وببيان آخر: أن السقي لا يخلو إما أن يكون طبيعيا أو يكون بالآلات كالمكائن ونحوها، فعلى الأول لا فرق بين أن يكون السقي بالأمطار النازلة من السماء أو بالمياه النضبة في الأرض أو بالعيون والأنهار، ولا فرق في العيون بين أن تكون عامرة طبيعية أو عامرة بشرية، وأما إذا كان السقي بكلا الطريقين بنحو الاشتراك، فتكون الزكاة النصف، و النصف بمعنى: أن زكاة نصف الحاصل نصف العُشر وزكاة نصفه الآخر العشر، والضابط في الاشتراك هو: أنه لا يمكن الاستغناء عن أحدهما بالآخر في الوصول إلى النتيجة وهي الحاصل وإن كان السقي بأحدهما أكثر من الآخر كما أو كيفا.

ص: 135

زكاة أموال التجارة

المقصود بأموال التجارة البضائع وسائر الممتلكات التي تُتملَّك بعقد معاوضة بين مالين لأجل الاكتساب والاسترباح، ولا تشمل النقود لدخولها في عنوان العملات.

(مسألة 381) : مقدار الزكاة في اموال التجارة (2.5%) وهي تجب إذا تحققت الشروط الآتية:

1- مرور حول على نفس العين من حين تملّكها بقصد التكسب والاسترباح.

2- بقاء قصد الاسترباح طول الحول فلو عدل عنه ونوى به الاقتناء الشخصي خلال العام لم تجب الزكاة.

3- أن يطلب المتاع برأس المال أو بزيادة عليه طول الحول لكنه لم يبعه طلباً للزيادة، فلو طلب بنقيصة أثناء السنة لم تجب فيه الزكاة.

4- وقيل باشتراط بلوغه النصاب وهو نصاب أحد النقدين كما تقدم، إلا أن ذلك لم يثبت بدليل تام، فمقتضى إطلاق الروايات عدم اشتراطه وهو الأحوط.

أصناف المستحقين وأوصافهم

أصنافهم

وهم ثمانية:

الأول: الفقير.

الثاني: المسكين.

وكلاهما من لا يجد مؤونة سنته اللائقة بحاله له ولعياله، والمراد بالعيال من يعولهم عادة ولا يقتصر على زوجته وأولاده فيشمل ضيوفه أيضاً.

ص: 136

الثالث: العاملون عليها: وهم الموظفون المنصوبون لأخذ الزكاة وضبطها وحسابها وإيصالها إلى الإمام (عليه السلام) أو نائبه العام أو إلى مستحقها. وعملهم يشبه

عمل مخمنّي وجباة الضرائب اليوم.الرابع: المؤلفة قلوبهم: وهم المسلمون الذين يضعف اعتقادهم بالمعارف الدينية، فيعطون من الزكاة ليحسن إسلامهم ويثبتوا على دينهم، أو الكفار الذين يوجب إعطاؤهم الزكاة ميلهم إلى الإسلام، أو معاونة المسلمين في الدفاع أو الجهاد مع الكفار.

الخامس: الرقاب: وهم العبيد المكاتبون العاجزون عن أداء الكتابة مطلقة أو مشروطة، فيعطون من الزكاة ليؤدوا ما عليهم من المال، والعبيد الذين هم تحت الشدة، فيشترون ويعتقون، بل مطلق عتق العبد إذا لم يوجد المستحق للزكاة، بل مطلقا على الأظهر.

السادس: الغارمون: وهم الذين في ذمتهم ديون للناس وكانوا عاجزين عن أدائها في وقتها، سواء كانوا متمكنين من قوت سنتهم بالفعل أو بالقوة أم لم يكونوا متمكنين من ذلك، هذا شريطة أن لا تكون تلك الديون مصروفة في المعصية.

السابع: سبيل الله تعالى: وهو جميع سبل الخير كبناء الطرق والجسور، والمدارس والمساجد، وإصلاح ذات البين، ورفع الفساد، ونحوها من الجهات العامة، بل الأظهر شموله لكل عمل قربي، سواء كان من الجهات العامة أم الخاصة كإرسال شخص إلى الحج إذا لم يتمكن منه بغير الزكاة، أو بناء دار لعالم وهكذا.

الثامن: ابن السبيل: الذي نفدت نفقته، بحيث لا يقدر على الذهاب إلى بلده، فيدفع له ما يكفيه لذلك، بشرط أن لا يتمكن من الاستدانة، أو بيع ماله الذي هو في بلده، وإلا فهو متمكن من مواصلة سفره.

ص: 137

أوصاف المستحقين

وهي أمور :

الأول: الإيمان: فلا يعطى الكافر ولا المخالف من سهم الفقراء ولا غيره على الأحوط. إلا سهم المؤلفة قلوبهم وسهم سبيل الله إن كانوا مندرجين فيه.

الثاني: أن لا يكون من أهل المعاصي، بحيث يصرف الزكاة في المعاصي، أو يكون الدفع إليه إعانة على الإثم.

الثالث: أن لا يكون ممن تجب نفقته على المعطي، كالأبوين والأجداد وان علوا، والأولاد وإن سفلوا من الذكور والإناث والزوجة الدائمة، إذا لم تسقط نفقتها، والمنقطعة إذا اشترطت النفقة.

الرابع: أن لا يكون هاشمياً إذا كانت من غير هاشمي فالهاشمي لا تجوز له زكاة غير الهاشمي، ولكن يجوز أن يعطي الهاشمي لغير الهاشمي. فالهاشمي يعطي لكلا الصنفين بدون تعيين الانتساب بخلاف غير الهاشمي.

(مسألة 382) : ما هو المحرم من صدقات غير الهاشمي هو زكاة المال وزكاة الفطرة، أما الصدقات المندوبة فليست محرمة، بل كذلك الصدقات الواجبة كالكفارات ورد المظالم ومجهول المالك واللقطة والفدية ومنذور الصدقة والموصى به للفقراء أو العلماء ويكون منهم فضلا عن الموقوف كذلك.

زكاة الفطرة

يشترط في وجوبها البلوغ فلا تجب على الصبي، والغنى فلا تجب على الفقير الذي لا يجد قوت سنته فعلاً ولا قوة، وأما المجنون إذا كان غنياً فالأحوط لوليه أن يدفع زكاة فطرته من ماله، وفي اشتراط الوجوب بعدم الإغماء إشكال, والأحوط عدم الاشتراط.

ص: 138

والمشهور اعتبار اجتماع الشرائط آناً ما قبل الغروب ليلة العيد إلى أن يتحقق الغروب. فإذا فقد بعضها قبل الغروب بلحظة, أو مقارناً للغروب لم تجب. والمراد بالغروب سقوط القرص، أي دخول آخر جزء من قرص الشمس تحت الأفق. وأما إذا كانت الشرائط مفقودة فاجتمعت بعد الغروب أو ليلا أو في يوم العيد، فالأحوط استحباباً إخراجها.

(مسألة 383) : يستحب للفقير إخراجها. وإذا لم يكن عنده إلا صاع تصدق به على بعض عياله، ثم هو على آخر يديرونها بينهم، ثم بعد انتهاء الدور يتصدق بها على أجنبي، ولا يجزي في أداء هذه الوظيفة اقل من صاع أو قيمته، وإذا كان فيهم صغير أو مجنون قبضه الولي عنه ويؤدي عنه، وتجزي هذه الوظيفة عن عائلة واحدة ذات خوان واحد ولا تجزي عن الأكثر، ولو واحدا.

(مسألة 384) : يجب على من جمع الشرائط أن يخرجها عن نفسه وعن كل من يعول به، واجب النفقة أم غيره، قريباً أم بعيداً، مسلماً أم كافراً، صغيراً أم كبيراً، بل الظاهر الوجوب ولو كان احد منضما إلى عياله في وقت يسير, كالضيف إذا نزل عنده قبل الهلال وبقي عنده ليلة العيد، وكان المناسب له اجتماعيا أن يأكل عنده، وان لم يأكل فعلا، أما إذا دعا شخصاً إلى الإفطار ليلة العيد لم يكن من العيال ولم تجب فطرته على من دعاه.

(مسألة 385) : الضابط في جنس زكاة الفطرة ما كان قوتا لغالب الناس، كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز والذرة والاقط.

(مسألة 386) : المقدار الواجب دفعه في زكاة الفطرة عن الفرد الواحد هو صاع، والصاع أربعة أمداد والمد يساوي ثلاثة أرباع الكيلوغرام تقريباً فزكاة الفطرة ثلاثة كيلوغرامات تقريباً.

ص: 139

وقت الإخراج

وقت وجوب هذه الزكاة ليلة الفطر عند الغروب. ووقت إخراجها يوم الفطر من طلوع الشمس إلى الزوال، وان كان الظاهر أن دفعها في الليل مجز، والأحوط إخراجها أو عزلها قبل صلاة العيد، وان لم يصلها امتد الوقت إلى الزوال ولا يؤخرها عنه على الأحوط وجوباً. وإذا عزلها جاز له التأخير في الدفع إذا كان التأخير لغرض عقلائي، كانتظار المستحق أو التعسر المتوقع زواله، فان لم يدفع ولم يعزل حتى زالت الشمس من يوم الفطر، فالأحوط لزوما، الإتيان بها بقصد الرجاء أو ما في الذمة أو القربة المطلقة, ويمتد هذا الاحتياط طول يوم الفطر, بل طول السنة، بل طول العمر.

(مسألة 387) : الظاهر جواز تقديمها في شهر رمضان، بعنوان القرض ثم يحتسبها زكاة في وقت الأداء.

(مسألة 388) : تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي، وتحل فطرة الهاشمي على الهاشمي وغيره، والعبرة في ذلك فيمن يملكها عند الدفع, سواء كان عائلا أم معيلا.

(مسألة 389) : يجوز للمالك دفعها إلى الفقراء بنفسه, والأحوط والأفضل دفعها الى الفقيه, فان الفقهاء أبصر بمواقعها.

(مسألة 390) : يستحب تقديم الأرحام, ثم الجيران, وينبغي الترجيح بالعلم والدين والفضل.

ص: 140

كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

اشارة

لا شك ان من أعظم الواجبات الدينية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. بحسب ما ورد في القرآن الكريم والسنة الشريفة.

قال الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104) وقال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(آل عمران : 110) وغيرها من الآيات.

اما الروايات فتبلغ المئات وصفت الفريضة بانها (غاية الدين) و(قوام الشريعة) و(اسمى الفرائض واشرفها) وان فيه (مصلحة للعوام) و(ردعاً للسفهاء).

وعن الامام الباقر (عليه السلام): (إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الانبياء ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وتُرَّد المظالم وتعمر الارض وينتصف من الاعداء ويستقيم الامر).

ورد عن امير المؤمنين (عليه السلام) قوله: (ما اعمال البر كلها والجهاد في سبيل الله عند الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الا كنقية في بحر لجي وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقربان من أجل ولا ينقصان من رزق وأفضل من ذلك كله كلمة عدل عند إمام جائر).

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (لا تزال امتي بخير ما امروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وتعاونوا على البر, فاذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الارض ولا في السماء.

ص: 141

ملاحظة: حررنا مسائل هذا الباب بناءً على نمط (الفقه الفردي) الذي جرى عليه السلف الصالح (قدّس الله أرواحهم)، اما على منهج (الفقه الاجتماعي) الذي كتبنا فيه (الأسس العامة للفقه الاجتماعي) فستختلف الرؤية الى بعض المسائل، وقد اضفنا شيئاً منه إلى هذا الكتاب وتمام البحث المفصل في المجلد الخاص بهذه الفريضة من كتاب (فقه الخلاف)، والله الهادي الى سواء السبيل. (مسألة 391) : يجب الامر بالمعروف الواجب, ويجب النهي عن المنكر الحرام وجوباً كفائياً (أي يجب على مجموع الأمة وليس على كل فرد بعينه) فإن قام به البعض ممن فيه الكفاية واحدا كان ام متعددا، سقط عن غيره, وان لم يقم به المقدار الكافي، بان لم يقم به احد أو قام به مقدار غير كاف، اثم الجميع ممن لم يقم به واستحقوا العقاب.

(مسألة 392) : يجب ايجاد مقدمات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر, وذلك:

اولا: بتعلم الاحكام الشرعية الضرورية في الحياة, ليعرف الفرد المعروف والمنكر من نفسه ومن غيره.

ثانيا: بإيجاد المجتهد المطلق الذي يجوز تقليده, وذلك بتصدي جماعة كافية لتعلم العلوم الدينية ليحصل بعضهم على هذه الدرجة الرفيعة. ولا يجوز لاي مجتمع اهمال ذلك بحيث يحصل في المستقبل زوال المجتهدين كلهم، وعدم تعويضهم بآخرين.

ثالثاً: بايجاد القاضي الشرعي الجامع للشرائط, ليمكنه حل المخاصمات بين الناس, وذلك بتعلم العلوم الدينية كما قلنا, ولا يجوز اهمال ذلك ايضاً، بحيث يعود الامر كله إلى القضاء الدنيوي.

ص: 142

شروط وجوب هذه الفريضة

يشترط في وجوب الامر بالمعروف والنهي من المنكر، امور:

الامر الاول: معرفة المعروف والمنكر ولو اجمالاً.

الامر الثاني : احتمال تأثير الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الامر الثالث : ان يعلم الفرد ان حكم المعروف أو المنكر منجز في حق الفاعل.

الامر الرابع : المشهور فقهياً اشتراط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر, بان يكون الفاعل مصرا على ترك المعروف أو ارتكاب المنكر، الا ان ذلك بمجرده ليس بصحيح, بل يجب الامر والنهي بمجرد مشاهدة الاقدام على الفعل أو ترك من قبل الفاعل مع اجتماع الشرائط الاخرى.

الامر الخامس : ان لا يلزم من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرر على النفس أو العرض أو المال على الآمر أو على غيره من المؤمنين, بل المسلمين.

(مسألة 393) : لا يختص وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بصنف من الناس دون صنف, بل يجب عند اجتماع الشرائط المذكورة على العلماء، وغيرهم، وعلى العدول والفساق، وعلى السلطان والرعية، وعلى الأغنياء والفقراء، الى غير ذلك. كما لا يختص المأمورون بالمعروف والمنهيون عن المنكر بصنف من الناس أيضا, بل يسري هذا الوجوب على كل مكلف آمراً كان أو مأموراً، مع اجتماع الشرائط.

مراتب هذه الوظيفة

للامر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب:

المرتبة الأولى : وهي أدنى المراتب واقل الإيمان. وهي الإنكار بالقلب, يعني الانزجار عنه نفسيا وكراهته بصفته عاصياً الله سبحانه وتعالى.

ص: 143

المرتبة الثانية: إظهار الكراهية بعمل من الأعمال. مثل إظهار الانزعاج من الفاعل، أو الأعراض والصد عنه،أو ترك الكلام معه, أو ترك المكان الذي يكون فيه, أو ترك مشاغلته، أو مشاركته بالعمل اقتصاديا كان أو دنيويا أو أخروياً. والمهم هو إظهار ما يدل على كراهة ما وقع منه.

المرتبة الثالثة : الإنكار باللسان. بان يبلغه الحكم الشرعي اولاً. فان كفى في الارتداع لم يجب الزائد, والا وجب نصحه ووعظه, بتذكيره بعذاب الله سبحانه للعاصين وثوابه للمطيعين.

المرتبة الرابعة : الإنكار باليد بالضرب المؤلم الرادع عن المعصية، مع إمكانه واحتمال تأثيره، كما سبق, سواء استعمل آلة في يده أم لم يستعمل.

المرتبة الخامسة: إراقة الدم بجرح أو قتل اذا لم تكف المراتب السابقة لارتداع الفاعل وهذا من الاحكام الاجتماعية التي يستأذن فيها الفقيه الجامع لشرائط القيادة الاجتماعية.

المرتبة السادسة: التحرك العام بالاحتجاجات والاضرابات والمظاهرات والعصيان المدني وما يستلزم ذلك من التعرض للضرر في النفس والمال والأهل حينما يتطلب الواجب ذلك، وتشخيصه بيد الفقيه المؤهل للقيادة الإجتماعية.

(مسألة 394) : يتأكد وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في حق المكلف بالنسبة الى اهله, بل هو مأمور به شرعا بعنوانه التفصيلي في نص القرآن الكريم, في قوله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}.

(مسألة 395) : اذا امر الفرد أو نهى بعض اهله فلم يرتدع, وكرر عليه فلم يؤثر فيه , فقد سقط تكليفه مع حسن أدائه للمراتب السابقة للإنكار , ولا يجب عليه بعد ذلك ترك الأسرة أو الانتقال إلى مكان آخر, أو طرد الفاعل ونحو ذلك, ما لم تقتض مصلحة ثانوية مهمة لذلك, وأولى الناس بالسكوت بعد

ص: 144

التكرار, الزوجة إذا رأت زوجها عاصيا لا يرتدع, فأنه لا يجوز لها عندئذ حرمانه من حقوقه الواجبة أو الخروج بغير اذنه، بل يبقى (جهاد المرأة حسن التبعل) شاملا لها. وليس الأمر بأشد من فرعون المذكور في القرآن الكريم, وقد صبرت زوجته على مظالمه حتى أصبحت من النساء الأربعة الزاكيات في العالم. وقالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ}. وهذه النجاة تعني النجاة المعنوية أو الأخروية, وليست النجاة الدنيوية, والا لم تكن مكتوبة في المجاهدين.(مسألة 396) : لو توقف الامر أو النهي، على اجتماع عدة اشخاص، وجب ذلك مع اجتماع الشرائط, أو يجب اشتراكهم عندئذ.

(مسألة 397) : لو علم أو احتمل ان امره أو نهيه مع التكرار يؤثر وجب التكرار.

(مسألة 398) : لو كانت المسألة مختلفاً فيها بين الشخصين اجتهاداً أو تقليداً، واحتمل المكلف ان راي الفاعل مخالف له, وان ما فعله جائز عنده. لم يجب نهيه عنه.

(مسألة 399) : لو احتمل ارتداع الفاعل بالوعظ والقول اللين, تعين ذلك ولم يجز التعدي عنه. ولو علم عدم تأثيره وجبت الزيادة عليه، ويجب الاقتصار على الأيسر مهما أمكن, ولا يجوز التعدي إلى غيره، ولا سيما إذا كان فيه هتك الفاعل.

(مسألة 400) : لو توقفت هذه الوظيفة على غلظة القول والتشديد والتهديد على المخالفة, جازت بل وجبت، بشرط ان لا يكون فيه كذب ولا فحش ولا إهانة.

(مسألة 401) : لو احتمل التأثير وحصول الردع بالجمع بين بعض درجات المرتبة الأولى والثانية, أو اية مرتبتين, أو بالجمع بين كل درجاتهما, وجب ذلك بما أمكن.

والحمد لله رب العالمين

ص: 145

ص: 146

المعاملات

اشارة

ص: 147

ص: 148

أحكام التجارة

التجارة أوسع أسباب الرزق والبركة، وقد ورد في أحاديث عديدة أن (تِسْعَةَ أَعْشَارِ الرِّزْقِ فِي التِّجَارَةِ)، وورد أن الإمام الصادق (عليه السلام) قال لبعض أصحابه وقد تأخّر عن السوق (اغْدُ إِلَى عِزِّكَ) وورد في الخبر عن الإمام الصادق (عليه السلام) أن (التِّجَارَةُ تَزِيدُ فِي الْعَقْلِ: وأن تَرْكُ التِّجَارَةِ يَنْقُصُ الْعَقْلَ).

وقد باشر النبي (صلى الله عليه وآله) التجارة بنفسه الشريفة وكان الأئمة (عليهم السلام) يضاربون بأموالهم في التجارة لكي يراهم الله تعالى متعرضين لرزقه وإن لم يكونوا بحاجة إلى أرباحها.

(مسألة 402) : ينبغي للمكلف أن يتعلم أحكام التجارة التي يتعاطاها ويجب تعلّم المسائل التي يعرّضه الجهل بها للوقوع في المخالفة الشرعية، فقد قال الصادق (عليه السلام) : (مَنْ أَرَادَ التِّجَارَةَ فَلْيَتَفَقَّهْ فِي دِينِهِ لِيَعْلَمَ بِذَلِكَ مَا يَحِلُّ لَهُ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي دِينِهِ ثُمَّ اتَّجَرَ تَوَرَّطَ الشُّبُهَاتِ) ويستحب في التجارة أمور أربعة:

1- التسوية بين المسلمين في الثمن إلا لمرجح.

2- التساهل في الثمن ما لم يصل حد الغبن.

3- الدفع راجحاً والقبض ناقصاً.

4- إقالة المشتري من البيع إذا طلبها.

(مسألة 403) : إذا شك في صحة المعاملة وفسادها بسبب الجهل بحكمها لم يجز له ترتيب آثار أيّ من الصحة والفساد، فلا يجوز له التصرف فيما أخذه من صاحبه ولا فيما دفعه إليه، بل يتعين عليه أما التعلم أو الاحتياط

ص: 149

ولو بالصلح ونحوه، نعم إذا أحرز رضاه بالتصرف في المال المأخوذ منه حتى على تقدير فساد المعاملة جاز له ذلك.(مسألة 404) : يجب على المكلف التكسب لتحصيل نفقة من تجب نفقته عليه كالزوجة والأولاد إذا لم يكن واجداً لها، ويستحب ذلك للأمور المستحبة، كالتوسعة على العيال، وإعانة الفقراء.

المعاملات المكروهة

(مسألة 405) : يكره في المعاملات أمور:

1- بيع العقار إلا أن يشتري بثمنه عقاراً آخر.

2- ذباحة الحيوانات.

3- بيع الأكفان.

4- معاملة السفلة الذين لا دين لهم ولا اخلاق.

5- التجارة بين الطلوعين.

6- تجارة الطعام أي الحنطة والشعير وأمثالهما.

7- الدخول في سوم الغير. وذلك بأن يدخل في السوم على سلعة سبقه إليها غيره من المسلمين.

8- الحلف في المعاملة إذا كان صادقاً، وإلا فهو حرام.

المعاملات المحرمة

(مسألة 406) : المعاملات المحرمة ستة:

1- بيع المسكر المايع والكلب غير الصيود والخنزير والميتة وغير هذه الأربعة من الأعيان النجسة يجوز بيعه على الأظهر، إذا كانت له منفعة محللة

ص: 150

كالعذرة للتسميد، وإن كان الأحوط تركه. نعم يمكن أخذ مبلغ المال إزاء رفع اليد عنها.

2- بيع المال المغصوب.

3- بيع ما لا مالية له كالسباع على المشهور، الظاهر جوازه، إذا كانت لها منفعة محللة مقصودة.

4- بيع ما تنحصر منفعته المتعارفة في الحرام كآلات القمار، واللهو.

5- المعاملة الربوية.

6- المعاملة المشتملة على الغش، وهو على نوعين: (أولهما) مزج المبيع المرغوب فيه بغيره مما يخفى من دون إعلام كمزج الدهن بالشحم، (ثانيهما) إظهار الصفة الجيدة في المبيع مع أنها مفقودة واقعاً كرّش الماء على الخضروات لتبدو طازجة، ففي النبوي: (ليس منا من غش مسلماً، أو ضره، أو ماكره) وفي آخر: (من غش أخاه المسلم نزع الله بركة رزقه، وسد عليه معيشته، ووكله إلى نفسه).

(مسألة 407) : لا بأس ببيع المتنجس القابل للتطهير كالفراش، وكذا غير القابل له مع عدم توقف منافعه المتعارفة السائغة على الطهارة كالنفط، أما مع توقفها عليها، فيجوز البيع إذا قصدت منه منفعة محللة معتد بها.

(مسألة 408) : يجب على البائع إعلام المشتري بنجاسة المتنجس إذا تسبب عدم الإعلام في توريط المشتري والتغرير به، كما لو باع له ماءً متنجسا فتوضأ به، والأحوط الإعلام مطلقاً، إلا إذا كان الإعلام موجباً لسخرية المشتري لعدم مبالاته بالدين ونحوه.

(مسألة 409) : لا يجوز بيع لحم الحيوان المذبوح على وجه غير شرعي وكذلك جلده وسائر أجزائه التي تحلّها الحياة فانه في حكم الميتة.

ص: 151

(مسألة 410) : يجوز بيع الجلود واللحوم والشحوم ومشتقاتها إذا احتمل أن تكون مأخوذة من الحيوان المذكى وان لم يجز الأكل منها ما لم يحرز ذلك والأحوط مع عدم إحراز تذكيتها إعلام المشتري بالحال بنفس الشرط والاستثناء المذكورين في (المسألة 408). وتحرز تذكية اللحم ونحوه فيما إذا وجدت عليه إحدى الإمارات التالية: 1- يد المسلم مع اقترانها بما يقتضي تصرفه فيه تصرفاً يناسب التذكية كعرض اللحم للأكل وإعداد الجلد للبس والفرش.

2- سوق المسلمين سواء أكان فيها بيد المسلم أم مجهول الحال.

3- الصنع في بلاد الإسلام، كاللحوم المعلبة والمصنوعات الجلدية من الأحذية وغيرها.

(مسألة 411) : ما يستورد من البلاد غير الإسلامية وسائر ما يؤخذ من يد الكافر من لحم وشحم وجلد يجوز بيعه إذا احتمل كونه مأخوذاً من الحيوان المذكى مع إعلام المشتري بالحال - كما سبق - ولكن لا يجوز استعماله فيما يشترط فيه كونه من حيوان مذكى مثل الأكل منه ما لم يحرز تذكيته ولو من جهة العلم بكونه مسبوقاً بإحدى الأمارات الثلاث المتقدمة، ولا يجدي في الحكم بتذكيته إخبار ذي اليد الكافر بكونه مذكى، وهكذا الحال فيما يؤخذ من يد المسلم إذا علم انه قد أخذه من يد الكافر من غير استعلام عن تذكيته.

(مسألة 412) : بيع المال المغصوب باطل، ويجب على البائع ردّ ما أخذه من الثمن إلى المشتري.

(مسألة 413) : إذا لم يكن من قصد المشتري إعطاء الثمن للبائع، أو قصد عدمه لم يبطل البيع إذا تحقق القصد الجدّي منه، ويلزمه إعطاؤه بعد الشراء وكذلك إذا قصد أن يعطي الثمن من الحرام.

(مسألة 414) : يحرم بيع آلات اللهو المحرم مثل بعض الآلات الموسيقية، والأحوط لزوماً الاجتناب عن بيع المزامير التي تصنع للعب الأَطفال، وأما

ص: 152

الآلات المشتركة التي تستعمل في الحرام تارة وفي الحلال أُخرى كالراديو والمسجل والفيديو والتلفزيون فلا بأس ببيعها وشرائها كما لا بأس باقتنائها واستعمالها في منافعها المحللّة، نعم لا يجوز اقتناؤها لمن لا يأمن من انجرار نفسه أو بعض أهله إلى استخدامها في الحرام. أما الأشياء التي تنحصر منفعتها بالمحرم كبعض الصور والأقراص المدمجة فلا يجوز بيعها وشراؤها.(مسألة 415) : يحرم بيع العنب والتمر إذا قصد ببيعهما التخمير، ولا بأس به مع عدم القصد وإن احتمل البائع أن المشتري سيستعمله فيه.

(مسألة 416) : يحرم تصوير ذوات الأرواح من إنسان وغيره إن كان مجسماً كالتماثيل المعمولة من الحجر والشمع والفلزات إن أريد من صنعها مضاهاة الخالق أو اتخاذها هياكل للعبادة، والأحوط تحريم صنع مجسمات ذوات الأرواح مطلقاً، وأما غير المجسم فلا بأس به، كما لا بأس باقتناء الصور المجسمة وبيعها وشرائها وان كان يكره ذلك.

(مسألة 417) : لا يجوز شراء المأخوذ بالقمار، أو السرقة، أو المعاملات الباطلة. ويجب على المشتري أن يردّه إلى مالكه.

(مسألة 418) : لا يجوز بيع أوراق اليانصيب وشراؤها إذا كان بقصد تحصيل الربح والفوز بالجائزة، وأما إذا كان دفع ماله عند شراء البطاقة بقصد الإعانة على أمر مشروع، كبناية مدرسة أو جسر أو نحو ذلك فلا بأس به، وعلى كلا التقديرين فالمال المعطى لمن أصابت القرعة باسمه - إذا كان المتصدي لها شركة غير أهلية - من المال المجهول مالكه فلابد من مراجعة الحاكم الشرعي لإصلاحه، وأما إذا كان المتصدي شركة أهلية فلا بأس بالتصرف في المال المعطى إلا أن يعلم كونه من المال المحرّم.

(مسألة 419) : الغش حرام مطلقاً، أما المعاملة فقد تفسد، إذا كان الغش على نحو إظهار الشيء خلاف جنسه كما لو اتفق على شراء الذهب فأعطاه ما

ص: 153

يسمى ب(شبه الذهب)، وقد لا تفسد فيما إذا كان الغش على نحو خلط الشيء بغير جنسه كالدهن المخلوط بالشحم، وحينئذٍ إذا كان البيع شخصياً أي وقع على ذات الشيء الموجود، كأن يقول: بعتك هذا الكيلوغرام من الدهن، فالمعاملة بمقدار الشحم الموجود فيه باطلة، وما قبضه البائع عوضاً عنه لا ينتقل إليه، وللمشتري أن يفسخ البيع بالنسبة إلى الدهن الموجود فيه وأما اذا كان المبيع كلياً كما لو باع كيلوغراماً من الدهن في الذمة فأعطاه من المخلوط فللمشتري أن يرده ويطالب البائع بالدهن الخالص.(مسألة 420) : الربا نوعان، الأول: الربا المعاوضي وهو مختص بالمكيل والموزون، والثاني الربا القرضي وهو جارٍ في كل ما يقترض اذا اشترط إرجاعه مع زيادة.

(مسألة 421) : يحرم بيع المكيل والموزون بأكثر منه، كأن يبيع طناً من الحنطة بطنين منها، ويعم هذا الحكم ما إذا كان أحد العوضين صحيحاً والآخر معيباً، أو كان أحدهما جيداً والآخر رديئاً، أو كانت قيمتهما مختلفة لأمر آخر، فلو أعطي الذهب المصوغ وأخذ أكثر منه من غير المصوغ فهو رباً وحرام.

(مسألة 422) : لا يعتبر في الزيادة أن يكون الزائد من جنس العوضين، فإذا باع طناً من الحنطة بطنٍ منها ودرهم فهو أيضاً رباً وحرام، بل لو كان الزائد من الأعمال، كأن شرط أحد المتبائعين على الآخر أن يعمل له عملاً فهو أيضاً رباً وحرام. وكذلك إذا كانت الزيادة حكمية كأن باع طناً من الحنطة نقداً بطنٍ منها نسيئة.

(مسألة 423) : للتخلص من الربا إذا أراد مبادلة مقدار من المكيل أو الموزون بأزيد منه من نفس المكيل أو الموزون، كما لو أراد بيع كيلوين حنطة من نوعية غير مرغوبة بكيلو من الحنطة الجيدة المرغوبة فيوجد أكثر من حل:

1- أن يجري المعاملة بعمليتين فيبيع الكيلوين بمبلغ ثم يشتري بنفس المبلغ الكيلو الآخر فيتحقق المطلوب.

ص: 154

2- زيادة شيء مع الطرف الأقل كأن يبيع الكيلوين المذكورين بالكيلو المقابل مع منديل أو قلم أو كتاب ونحوها. أو بأن تكون الزيادة في الطرفين وتكون الزيادة متغايرة.(مسألة 424) : يجوز بيع ما يباع بالطول أو المساحة، أو العد، كالأقمشة والكتب والجوز بأكثر منه، كأن يبيع عشر جوزات بخمس عشرة جوزة، وهذا الحكم مطلق نقداً ونسيئةٍ مع اختلاف الجنس، أما مع اتحاده فالأولى تجنبه نسيئةٍ، كما لو باع دورة كتاب نقداً بدورتين من نفس الكتاب والطبعة بعد مدة معينة.

(مسألة 425) : الأوراق النقدية بما أنها ليست من المكيل والموزون لا يجري فيها الربا المعاوضي فيجوز بيع بعضها ببعض مع اختلاف الجنس نقداً ونسيئةٍ، لكننا حددنا في بيع العملة بغيرها إلى أجل أن لا يزيد الفرق بين السعر النقدي والمؤجل عن 3% شهرياً، فإذا كان سعر الورقة فئة مئةِ دولار بمئةِ ألف دينار عراقي نقداً فلا يزيد سعر بيعها مؤجلاً بعد شهر عن (103) آلاف دينار وقد شرحنا تفصيل هذه التعاملات في استفتاء خاص بعنوان أحكام بيع الدولار بالآجل. ولا يجوز بيع الدينار العراقي مثلاً بمثله مع الزيادة في الذمة، وأما تنزيل الأوراق فلا بأس به نقداً بمعنى أن المبلغ المذكور فيها إذا كان الشخص مديناً به واقعاً جاز خصمها في المصارف وغيرها بأن يبيعه الدائن بأقل منه حالاً ويكون الثمن نقداً.

(مسألة 426) : العبرة في كون المبيع من المكيل أو الموزون هو العرف الجاري في البلد، فلو كان الشيء مما يباع في بلد بالكيل أو الوزن يجوز بيعه نقداً بأكثر منه في البلد الذي يباع فيه بالعد، نعم إذا كان من المكيل أو الموزون في غالب البلدان فالأولى تعميم حكمه إلى البلدان الأخرى، وما يختلف حاله في البلاد من غير غلبة فحكمه في كل بلد يتبع ما تعارف فيه، فلا يجوز بيعه بالزيادة في بلد يباع فيه بالكيل والوزن، ويجوز نقداً

ص: 155

فيما يباع فيه بالعدّ، وأما إذا اختلف حاله في بلد واحد فالأحوط وجوباً عدم بيعه فيه بالتفاضل.

(مسألة 427) : لو لم يكن العوضان من جنس واحد، جاز أخذ الزيادة كأن يبيع طناً من الأُرز بطنّين من الحنطة.(مسألة 428) : الأحوط عدم جواز التفاضل بين العوضين المأخوذين من أصل واحد. فلا يجوز بيع كيلوغرام من الجبن بكيلوغرامين من الحليب. كما لا يجوز التفاضل في بيع الناضجة من فاكهة بغير الناضجة منها. وقد أعطينا في بعض المسائل السابقة عدداً من الحلول.

(مسألة 429) : تعتبر الحنطة والشعير من جنس واحد في باب الربا، فلا يجوز بيع طن من أحدهما بطنين من الآخر، وكذا لا يجوز بيع طن من الشعير نقداً بطن من الحنطة نسيئة.

(مسألة 430) : تحرم المعاملة الربوية مطلقاً حتى مع غير المسلم وقد استثنى المشهور جملة موارد منها:

1- بين المسلم والكافر حربياً كان أو ذمياً.

2- بين الوالد وولده.

3- بين الزوج وزوجته.

والظاهر أنها ليست استثناءات وإنما هي موارد لجواز أخذ الزيادة لعناوين خاصة بموردها وليس مطلقاً، فيجوز أخذ الزيادة من الكافر الحربي ومن الكافر الذمي لأنه يرى صحة هذه المعاملة فتجري فيه قاعدة الإلزام.

أما بين الوالد وولده، أو الزوج وزوجته فليست مطلقة وإنما حينما يكون أخذ هذا المال متعارفاً ولا يحتاج إلى إذن لأن (جيبهم واحد) كما يقال في لغة العامة.

ص: 156

(مسألة 431) : يشترط في المتبائعين ستة أمور:

1- البلوغ.

2- العقل.

3- الرشد.

4- القصد.

5- الاختيار.

6- ملك العقد. فلا تصح معاملة الصبي والمجنون والسفيه والهازل والمكره والفضولي، على تفصيل في بعض ذلك يأتي في المسائل الآتية.

(مسألة 432) : لا يجوز استقلال غير البالغ في المعاملة على أمواله وإن أذن له الولي إلا في الأمور البسيطة كبعض الاحتياجات المنزلية التي جرت عادة الناس على قيام الصبيان بها، نعم لا مانع في معاملته بمال الغير إذا كان مميزاً ومأذوناً من قبل المالك، ولا حاجة إلى إذن الولي، كما لا مانع من وساطة الصبي في إيصال الثمن أو المبيع إلى البائع أو المشتري.

(مسألة 433) : إذا اشترى من غير البالغ شيئاً من أمواله - من غير ما استثنيناه - وجب رده إلى وليه، ولا يجوز رده إلى الطفل نفسه. وإذا اشترى منه مالاً لغيره من دون إجازة المالك وجب رده إليه أو استرضاؤه، فإن لم يتمكن من معرفة المالك تصدق بالمال عنه، والأحوط وجوباً أن يكون ذلك بإذن الحاكم الشرعي.

(مسألة 434) : لو أكره أحد المتعاملين على المعاملة، ثم رضي بها صحت تلقائياً.

(مسألة 435) : لا يصح بيع مال الغير فضولاً أي من دون إذنه، ومن دون إجازته، نعم إذا أجازه بعد ذلك صح.

(مسألة 436) : يجوز لكل من الأب والجد من طرف الأب أن يبيع مال

ص: 157

غير البالغ ومن بلغ مجنوناً أو سفيهاً أو يشتري بأموالهم، وكذا يجوز ذلك لوصي الأب والجد ولكن على الجميع مراعاة مصلحة المولّى عليهم ولا يكفي عدم المفسدة، ومع فقد الجميع يجوز للمجتهد العادل ووكيله في ذلك - وللعدل من المؤمنين عند عدم التمكن من الوصول إليهما او استئذانهما - أن يبيع أموال هؤلاء ومال الغائب أو يشتري بأموالهم إذا اقتضت مصلحتهم ذلك ومن المصلحة ما اذا كان في تركه مفسدة لهم.(مسألة 437) : إذا بيع المال المغصوب، ثم أجازه المالك صح، وكان المال ومنافعه من حين المعاملة للمشتري، والعوض ومنافعه للمالك الأصيل، ولا فرق في ذلك بين أن يبيعه الغاصب لنفسه أو للمالك.

شرائط العوضين

(مسألة 438) : يشترط في العوضين خمسة أمور:

1- العلم بمقدار كل منهما بما يتعارف تقديره به عند البيع من الوزن أو الكيل أو العد أو المساحة.

2- القدرة على إقباضه، والا بطل البيع - إلا أن يضم اليه ما يتمكن من تسليمه - ويكفي تمكن من انتقل اليه العوض من الاستيلاء عليه، فاذا باع السيارة المفقودة وكان المشتري قادراً على أخذها صح البيع.

3- معرفة جنسه وخصوصياته التي تختلف بها القيم تبعاً لاختلاف الرغبات والأغراض المقصودة.

4- أن لا يتعلق به لأحد حق يقتضي بقاء متعلقه في ملكية مالكه، والضابط فوت الحق بانتقاله إلى غيره، وذلك كحق الرهانة، فلا يصح بيع العين المرهونة إلا بموافقة المرتهن أو مع فك الرهن.

ص: 158

5- أن يكون المبيع من الأعيان وان كانت في الذمة، فلا تصح بيع المنافع، فلو باع منفعة الدار سنة لم يصح، وان كان يمكن القول بإمكانه، نعم لا بأس بجعل المنفعة ثمناً. وفي هذه الأمور تفاصيل تأتي أحكامها في المسائل الآتية بإذن الله تعالى.

(مسألة 439) : ما يباع في بلد بالوزن أو الكيل لا يصح بيعه في ذلك البلد الا بالوزن أو الكيل. ويجوز بيعه بالمشاهدة في البلد الذي يباع فيه بالمشاهدة.(مسألة 440) : ما يباع بالوزن يجوز بيعه بالكيل، إذا كان الكيل طريقاً إلى الوزن، وذلك كأن يجعل كيلاً يحوي كيلو غراماً من الحنطة، فتباع الحنطة بذلك الكيل على أن كل كيلة تساوي كيلوغراماً اذ المكيل منضبط بنفس المقدار في كل مرة.

(مسألة 441) : إذا بطلت المعاملة لفقدانها شيئاً من هذه الشروط ومع ذلك رضي كل من المتبائعين بتصرف الآخر في ماله جاز لهما التصرف فيما انتقل إليهما.

(مسألة 442) : لا يجوز بيع الوقف الا إذا وجد مسوغ شرعي، كما إذا خرب بحيث سقط عن الانتفاع به في جهة الوقف، أو صار ذا منفعة يسيرة ملحقة بالمعدوم وذلك كالحصير الموقوف على المسجد إذا خلق وتمزق بحيث لايمكن الانتفاع به منفعة معتد بها فانه يجوز عندئذ بيعه للمتولي ومن بحكمه، ومثل ذلك ما اذا طرأ على الوقف ما يستوجب أن يؤدي بقاؤه إلى الخراب المسقط للمنفعة المعتد بها ولكن اللازم حينئذ تأخير البيع إلا آخر أزمنة إمكان الانتفاع به. والأحوط في كل ذلك أن يُشترى بثمن الوقف ملك ويوقف على نهج الوقف الأول، بل الأحوط أن يكون الوقف الجديد معنوناً بعنوان الوقف الأول مع الإمكان.

(مسألة 443) : لو وقع الخلاف بين أرباب الوقف على وجه يظن بتلف

ص: 159

المال أو النفس إذا بقي الوقف على حاله، جاز بيعه وصرفه فيما هو اقرب إلى مقصود الواقف.

(مسألة 444) : لو شرط الواقف بيع الوقف إذا اقتضت المصلحة كقلة المنفعة أو دفع الظالم جاز بيعه.

(مسألة 445) : يجوز بيع العين المستأجرة إلى المستأجر وغيره، وإذا كان البيع لغير المستأجر لم يكن للمشتري انتزاع العين من المستأجر، ولكن يثبت له الخيار إذا كان جاهلاً بالحال، وكذا الحال لو علم بالإيجار لكنه اعتقد قصر مدته فظهر خلافه.

عقد البيع

(مسألة 446) : لا تشترط العربية في صيغة البيع، بل يجوز إنشاؤه بأية لغة كانت، بل الظاهر صحته بالأخذ والإعطاء من دون صيغة أصلاً. وهو ما يعرف بالمعاطاة وتترتب عليه سائر آثار البيع المنشأ بالصيغة.

النقد والنسيئة

(مسألة 447) : يجوز مطالبة كل من المتبائعين بتسليم عوض ماله من الآخر في المعاملة النقدية بعد المعاملة في الحال. وتسليم كل شيء يكون بحسبه فتسليم الدار والأرض ونحوهما هو: أن يخلي البائع بينها وبين المشتري بحيث يتمكن من التصرف فيها. وتسليم الفرش واللباس ونحوهما هو: جعله في سلطة المشتري بحيث لا يمنعه البائع لو أراد نقله إلى مكان آخر. والمهم هو تمكين المالك من التصرف في ملكه.

(مسألة 448) : يعتبر في النسيئة ضبط الأجل بحيث لا يتطرق إليه احتمال الزيادة والنقصان، فلو جعل الأجل وقت الحصاد مثلاً لم يصح.

ص: 160

(مسألة 449) : لا يجوز مطالبة الثمن من المشتري في النسيئة قبل الأجل. نعم لو مات وترك مالاً فللبائع مطالبته من ورثته قبل الأجل.

(مسألة 450) : يجوز مطالبة البائع بالثمن من المشتري في النسيئة بعد انقضاء الأجل، ولو لم يتمكن المشتري من أدائه فللبائع الخيار في إمهاله، أو فسخه للبيع

وإرجاع شخص المبيع إذا كان موجوداً. وإن كان تالفاً فتشتغل ذمة المشتري ببدله وهو المثل إن كان مثلياً والقيمة إن كان قيمياً. (مسألة 451) : لا مانع من أن يعرض البائع لبضاعته سعرين أحدهما للبيع النقدي وآخر أزيد منه اذا كان الثمن مؤجلاً بشرط تعيين أحد البيعين من قبل المشتري، وإذا بقي الأمر مردداً ولم يحسمه على أحدهما بطل البيع، ويصح إذا تراضيا بالتعيين بعد ذلك أو وُجدت قرينةٍ معلومة لدى الطرفين على تعيين أحدهما.

(مسألة 452) : إذا باع شيئاً نسيئة وبعد مضي مدة من الأجل تراضيا على تنقيص مقدار من الثمن وأخذه نقداً فلا بأس به.

بيع السلف

(مسألة 453) : بيع السلف هو: (تعجيل الثمن) و تأجيل المثمن، أي المبيع الذي يكون كلياً فيكون عكس بيع النسيئة فلو قال المشتري للبائع: (أعطيك هذا الثمن على أن تسلمني المتاع بعد ستة أشهر) وقال البائع: (قبلت)، أو أن البائع قبض الثمن من المشتري وقال: (بعتك متاع كذا، على أن أسلمه لك بعد ستة أشهر)، فهذه المعاملة صحيحة.

(مسألة 454) : لا يجوز بيع الذهب أو الفضة سلفاً بالنقود الذهبية أو الفضية، ولا بأس ببيع غير الذهب والفضة سلفاً بالذهب أو الفضة أو بمتاع آخر. والأحوط أن يجعل بدل المبيع في السلف من النقود.

ص: 161

شرائط بيع السلف

(مسألة 455) : يعتبر في بيع السلف سبعة أمور:

1- تعيين الصفات الموجبة لاختلاف القيمة ولا يلزم الاستقصاء والتدقيق، بل

يكفي التعيين بنحو يكون البيع مضبوطاً عرفاً. فلا يصح بيع السلف لمبيع لا يُعرف إلا بالمشاهدة.

2- قبض تمام الثمن قبل افتراق المتبائعين، ولو كان البائع مديوناً للمشتري بمقدار الثمن وكان الدين حالاً أو حلّ قبل افتراقهما، وجعل ذلك ثمناً كفى، ولو قبض البائع بعض الثمن صح البيع بالنسبة إلى المقدار المقبوض فقط، وثبت الخيار له في فسخ أصل البيع.

3- تعيين زمان تسليم المبيع كاملاً، فلا يصح جعله غير معلوم كوقت الحصاد مثلاً.

4- أن يكون البائع قادراً على التسليم في زمانه وإن كان المبيع نادر الوجود في حينه.

5- تعيين مكان تسليم المبيع، إذا لم يكن له تعيّن عندهما بقرينة كالانصراف عند إطلاق المكان ونحوه.

6- تعيين مقدار المبيع بحسبه، فالذي يباع وزناً يحدّد بالوزن وهكذا اذا كان بالكيل أو العدد. والمتاع الذي يباع بالمشاهدة يجوز بيعه سلفاً، ولكن يلزم أن يكون التفاوت بين أفراده غير معتنى به عند العقلاء كبعض أقسام الجوز والبيض.

7- إذا كان المبيع سلفاً من المكيل والموزون لم يجز أن يجعل ثمنه من جنسه، فلا تباع الحنطة بالحنطة سلفاً. للزوم الربا.

ص: 162

أحكام بيع السلف

(مسألة 456) : لا يجوز بيع ما اشتراه سلفاً من غير البائع قبل انقضاء الأجل، ويجوز بعد انقضائه ولو لم يقبضه، نعم لا يجوز بيع الحنطة والشعير وغيرهما مما يباع بالكيل أو الوزن قبل القبض إلا أن يبيعه بمقدار ثمنه الذي اشتراه به. أو أقل منه، ولا يجوز البيع بأزيد منه إذا استلزم الربا.

(مسألة 457) : لو سلم البائع المبيع على طبق ما قرر بينه وبين المشتري في بيع السلف وجب على المشتري قبوله، وكذلك الحال فيما إذا كان أحسن منه بشرط أن يصدق عليه أنه من ذلك الجنس ولم تكن الصفة الزائدة مما اشترط انتفاءها.

(مسألة 458) : لا يجب على المشتري القبول إذا سلّمه البائع قبل الأجل، أو كان فاقداً لصفة مشترطة، وكذا اذا زاد في مقدار المبيع. ولكن يجوز للمشتري قبول ذلك.

(مسألة 459) : يجوز للبائع أن يسلم غير الجنس المعين، فيما إذا رضي المشتري به. مع ملاحظة عدم كونه من الموارد التي منعناها.

(مسألة 460) : إذا لم يوجد المبيع سلفاً في الزمان الذي يجب تسليمه فيه، فللمشتري أن يصبر إلى أن يتمكن منه، أو يفسخ البيع ويسترجع العوض، أو بدله، وكذا إذا سلّم البعض ولم يسلّم الباقي، ولا يجوز له أن يبيعه من البائع بأكثر مما اشتراه به كما تقدم في (المسألة 456).

(مسألة 461) : إذا باع متاعاً في الذمة مؤجلاً إلى مدة بثمن كذلك بطل البيع على الأحوط.

ص: 163

بيع النقدين

(مسألة 462) : لا يجوز بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة مع الزيادة، سواء في ذلك المسكوك وغيره.

(مسألة 463) : لا بأس ببيع الذهب بالفضة وبالعكس نقداً، ولا يعتبر تساويهما في الوزن.

(مسألة 464) : يجب في بيع الذهب أو الفضة بالذهب أو الفضة تسليم العوضين قبل الافتراق وإلا بطل البيع.

(مسألة 465) : لو سلم بائع الذهب أو الفضة تمام المبيع وسلم المشتري بعض الثمن أو بالعكس وافترقا صح البيع بالنسبة إلى ذلك البعض ويبطل البيع بالنسبة إلى الباقي، ويثبت الخيار في أصل البيع لمن لم يتسلم التمام.

(مسألة 466) : لا يباع تراب معدن الفضة بالفضة حذراً من الوقوع في الربا، وكذلك لا يباع تراب معدن الذهب بالذهب، ويصح بيع تراب الذهب بالفضة، وبيع تراب الفضة بالذهب نقداً.

(مسالة 467) : لا يجوز أن يشتري شيئاً من المصوغات الذهبية أو الفضية بجنسه مع زيادة بلحاظ أجرة الصياغة لأنه ربا، نعم يمكن التخلص من ذلك بالشراء بغير الجنس، أو بمعاملتين أي ان يبيع ما عنده بسعر ويشتري به ما عند الآخر.

(مسألة 468) : إذا كان له في ذمة آخر دين بعملة معينة جاز له تحويلها في الذمة إلى عملة أخرى بسعر يوم التحويل مع رضا الآخر الذي تشتغل ذمته بالعملة والمقدار الجديدين.

ص: 164

الخيارات

(مسألة 469) : الخيار هو حق يملكه المتبائعان في حالات معينة يتمكن بموجبه صاحب الحق من فسخ العقد وإلغائه وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه.

وللمتبائعين الخيار في أحد عشر مورداً:

1- قبل أن يتفرق المتعاقدان من مجلس البيع، ولكل منهما فسخ البيع، ويسمى هذا الخيار بخيار المجلس، ولو فارقا مجلس البيع مصطحبين بقي الخيار لهما ما لم يفترقا.

2- أن يكون أحد المتبائعين مغبوناً بأن يكون ما أعطى أكثر قيمة مما انتقل إليه بمقدار لا يتسامح به العرف عادة في مثل تلك المعاملة، ويسمى خيار الغبن فيكون من حق المغبون فسخها، أو الرضا بها على حالها ولا يحق له إلزام الطرف الآخر بدفع مقدار التفاوت في القيمة ولكن لا مانع منه إذا رضي الطرفان وهذا الخيار جارٍ في غير البيع من المعاملات كالإجارة مثلاً.

3- اشتراط الخيار في المعاملة للطرفين أو لأحدهما أو لآخر غيرهما إلى مدة معينة، ويسمّى بخيار الشرط.

4- تدليس أحد الطرفين بإراءة ماله أحسن مما هو في الواقع ليرغب فيه الطرف الآخر أو ليدفع قيمة لا يستحقها ليزيد في قيمته، فيثبت الخيار للطرف الآخر، ويسمى بخيار التدليس.

5- أن يلتزم أحد الطرفين في المعاملة بشرط أو أن يشترطه الآخر عليه كأن يشترط عليه ختمة قرآن أو زيارة معصوم، أو يشترط صفة في المال المعيّن ككون السيارة بيضاء، فإذا لم يف من عليه الشرط بذلك بان لم يأتِ بذلك العمل أو لا يكون المال بتلك الصفة، فللآخر حق الفسخ ويسمى بخيار تخلف الشرط.

ص: 165

6- أن يكون أحد العوضين معيباً، فيثبت الخيار لمن انتقل إليه المعيب، ويسمى بخيار العيب.

7- أن يظهر أن بعض المتاع لغير البائع، ولا يجيز مالكه بيعه، فللمشتري حينئذٍ فسخ البيع، ويسمى بخيار تبعض الصفقة كما لو اشترى منه دورة كتاب وظهر أن بعض الأجزاء ليست له ولا يرضى مالكها بالبيع.

8- أن يجد المتعاقد ما وصل إليه غير مطابق للأوصاف التي كان يعتقدها فيه حين العقد فبنى على توصيف البائع أو على رؤية سابقة ونحوها، فللمشتري الفسخ، ويسمى هذا بخيار الرؤية.

9- أن يؤخر المشتري الثمن ولا يسلمه إلى ثلاثة أيام، ولا يسلم البائع المتاع إلى المشتري، فللبائع حينئذٍ فسخ البيع إذا لم يشترط تأخير الثمن ولا اشترط تعجيله أو كانت طبيعة المعاملة بحسب عادة العرف تقتضي التعجيل، وإلا فالعمل على ما يقتضيه الشرط من التأخير أو التعجيل. ولو كان البيع المعيَّن بما يفسد في اقصر من ذلك الوقت كبعض الفواكه والخضر فمدة المهلة بمقدار لا يؤدي بها إلى الفساد او فوات السوق، فقد تكون ساعة أو إلى نهاية النهار ونحوها، فللبائع فسخ البيع إذا لم يؤد المشتري الثمن إلى نهاية المهلة، ولم يشترط تأخيره، ويسمى هذا بخيار التأخير.

10- إذا كان المبيع حيواناً، فللمشتري فسخ البيع إلى ثلاثة أيام، وكذلك الحكم إذا كان الثمن حيواناً، فللبائع حينئذٍ الخيار إلى ثلاثة أيام، ويسمى هذا بخيار الحيوان.

11- أن لا يتمكن البائع من تسليم المبيع، كما إذا شرد الفرس الذي باعه، فللمشتري فسخ المعاملة، ويسمى هذا بخيار تعذر التسليم.

(مسألة 470) : إذا لم يتمكن البائع من تسليم المبيع لتلفه بآفة سماوية أو أرضية فلا خيار للمشتري بل البيع باطل من أصله ويرجع الثمن إلى المشتري

ص: 166

- ومثله ما إذا تلف الثمن قبل تسليمه إلى البائع فإنه ينفسخ البيع ويرجع المبيع إلى البائع - وفي حكم التلف تعذر الوصول إليه عادة كما لو انفلت الطائر الوحشي أو وقع السمك في البحر أو سرق المال الذي لا علامة له ونحو ذلك.(مسألة 471) : إذا لم يعلم المشتري بقيمة المبيع أو غفل عنها حين البيع، واشتراه بأزيد من المعتاد، فإن كان الفرق مما يعتنى به بحيث يعتبر صاحبه مغبوناً فله الفسخ، وهكذا إذا كان البائع غير عالم بالقيمة، أو غفل عنها وباع بأقل من المعتاد، فإن الفرق إذا كان مما يعتنى به كان له الفسخ.

(مسالة 472) : تصح المعاملة المسماة ببيع الشرط، وهو بيع الدار - مثلاً - التي قيمتها ألف دينار بمائتي دينار، مع اشتراط الخيار للبائع لو أرجع مثل الثمن في الوقت المقرر إلى المشتري، هذا إذا كان المتبائعان قاصدين للبيع والشراء حقيقة، وإلا لم يتحقق البيع بينهما.

(مسألة 473) : يصح بيع الشرط وإن علم البائع برجوع المبيع إليه، حتى لو لم يسلم الثمن في وقته إلى المشتري لعلمه بأن المشتري يسمح له في ذلك. نعم إذا لم يسلم الثمن في وقته ليس له أن يطالب المبيع من المشتري، أو من ورثته على تقدير موته.

(مسألة 474) : لو اطلع المشتري على عيب في المبيع المعيّن، كأن اشترى حيواناً فتبين أنه كان أعمى، فله الفسخ إذا كان العيب ثابتاً قبل البيع، ولو لم يتمكن من الإرجاع لحدوث تغيير فيه أو تصرف فيه بما يمنع من الرد، فله أن يسترجع من الثمن بنسبة التفاوت بين قيمتي الصحيح والمعيب، مثلاً: المتاع المعيب المشترى بأربعة دنانير إذا كانت قيمته سالمة ثمانية دنانير، وقيمته معيبة ستة دنانير، فالمسترجع من الثمن ربعه، وهو نسبة التفاوت بين الستة والثمانية، أي دينار واحد بحسب المثال.

ص: 167

أما إذا لم يكن المبيع متعيناً ووقع العقد على الكلي وكان الفرد المدفوع معيباً لم يكن له فسخ المعاملة أو المطالبة بالتفاوت بل له المطالبة بفرد آخر صحيح من المبيع.

(مسألة 475) : لو اطلع البائع بعد البيع على عيب في العوض المعيّن سابق على البيع فله الفسخ، وإرجاعه إلى المشتري. ولو لم يجز له الرد للتغير أو التصرف فيه المانع من الرد فله أن يأخذ من المشتري التفاوت بين قيمة السالم من العوض ومعيبه (بالبيان المتقدم في المسألة السابقة).

وإذا كان الثمن كلياً غير معيّن - كما هو الغالب في المعاملات - فاطلع البائع على عيب في الفرد المدفوع منه لم يكن له الفسخ ولا المطالبة بالتفاوت بل يستحق المطالبة بفرد آخر من الثمن.

(مسألة 476) : لو طرأ عيب على المبيع بعد العقد وقبل التسليم ثبت الخيار للمشتري، ولو طرأ على العوض عيب بعد العقد وقبل تسليمه ثبت الخيار للبائع، وفي جواز المطالبة بالتفاوت بين قيمتي الصحيح والمعيب هنا إشكال فالأحوط التراضي، ولكن إذا لم يتمكن من الإرجاع جازت له المطالبة بالتفاوت بين قيمتي الصحيح والمعيب.

(مسألة 477) : الظاهر انه لا يلزم في خيار العيب أن يكون الفسخ فورياً إلا إذا اعتبر التأخّر عن الأخذ بالحق رضا بالعقد في نظر العرف، ولا يعتبر في نفوذه حضور من عليه الخيار.

(مسألة 478) : لا يجوز للمشتري فسخ البيع بالعيب ولا المطالبة بالتفاوت في أربع صور:

1- أن يعلم بالعيب عند الشراء.

2- أن يرضى بالمعيب بعد البيع.

3- أن يُسقط حقه من جهة الفسخ ومطالبته بالتفاوت.

ص: 168

4- أن يتبرأ البائع من العيب بمعنى انه لا يحتمل مسؤولية أي عيب يظهر فيه، ولو تبرأ من عيب خاص فظهر فيه عيب آخر فللمشتري الفسخ به، وإذا لم يتمكن من الرد أخذ التفاوت على ما تقدم. (مسألة 479) : إذا ظهر في المبيع عيب، ثم طرأ عليه عيب آخر بعد القبض فليس له الرد وله أخذ الأرش. نعم لو اشترى حيواناً معيباً فطرأ عليه عيب جديد في الأيام الثلاثة التي له فيها الخيار فله الرد وإن قبضه، وكذلك الحال فيما إذا طرأ على المعيب عيب جديد في زمان كان الخيار فيه للمشتري خاصة.

(مسألة 480) : إذا لم يكن البائع يعلم بخصوصيات ماله بل أخبره بها غيره، فذكرها للمشتري وباعه بناءً على ذلك أو على رؤية سابقة، ثم ظهر أنه كان أحسن من ذلك فله الفسخ.

(مسألة 481) : إذا أخبر البائع المشتري بالقيمة التي اشترى بها السلعة، فيجب أن يخبره بكل الخصوصيات التي لها دخل في القيمة فيبيّن إن كان اشتراه نقداً أو نسيئة، وهل اشتراه بشرط أم لا. فلو لم يخبره ببعض تلك الخصوصيات. واطلع عليه المشتري بعد المعاملة فله الفسخ بخيار التدليس لأن إخفاء هذه الخصوصيات يُعد تدليساً.

ومنه ما لو أخبر البائع المشتري برأس المال ثم تبيّن كذبه في إخباره، فيتخير المشتري بين فسخ البيع وإمضائه بتمام الثمن الذي طلبه البائع في العقد.

مسألة 482) : إذا أعطى شخص ماله لآخر - كالدلال أو صاحب المتجر وعين قيمته وقال له: (بعه بتلك القيمة، وإن بعته بأزيد منه فالزيادة أجرة بيعك) كانت الزيادة للمالك، وللوكيل أن يأخذ أجرة عمله من المالك، وإذا قال له: (إن بعته بأزيد من ذلك فالزيادة لك جعالة)، كانت الزيادة للوكيل، وإذا باعه للآخر بسعر فباعه هذا الآخر بزيادة كانت الزيادة له.

ص: 169

(مسألة 483) : لا يجوز للقصاب أن يبيع لحم الخروف ويسلم لحم النعجة، فإن فعل ذلك ثبت الخيار للمشتري إذا كانت المعاملة شخصية، وله المطالبة بلحم الخروف إذا كان المبيع كلياً في الذمة، وكذلك الحال فيما إذا باع ثوباً على أن يكون لونه ثابتاً فسلم إلى المشتري ما يزول لونه.

خاتمة في الإقالة

وهي فسخ العقد من أحد المتعاملين بعد طلبه من الآخر، والظاهر جريانها في عامة العقود اللازمة حتى الهبة اللازمة غير النكاح والضمان، وفي جريانها في الصدقة إشكال، وتقع بكل لفظ يدل على المراد وإن لم يكن عربياً، بل تقع بالفعل كما تقع بالقول، فإذا طلب أحد المتبائعين مثلاً الفسخ من صاحبه فدفع إليه ما أخذه منه كان فسخاً وإقالة ووجب على الطالب إرجاع ما في يده من العوض إلى صاحبه.

(مسألة 484) : لا تجوز الإقالة بزيادة عن الثمن أو المثمن أو نقصان، فلو أقال كذلك بطلت وبقي كل من العوضين على ملك مالكه.

(مسألة 485) : إذا جعل له مالاً في الذمة أو في الخارج ليقيله بأن قال له أقلني ولك هذا المال، أو أقلني ولك عليّ كذا فالأظهر الصحة. وعلى طالب الإقالة دفع الجعل إلى المقيل عند تنفيذه.

(مسألة 486) : لو أقال بشرط دفع مال، أو تقديم منفعة، كما لو قال للمستقيل: أقلتك بشرط أن تعطيني كذا، أو تخيط ثوبي فقبل صح.

(مسألة 487) : في قيام وارث المتعاقدين مقام المورث في صحة الإقالة إشكال، والظاهر العدم فلا يقوم الوارث مقامهما.

ص: 170

أحكام الشركة

الشركة: اشتراك اثنين أو أزيد في امتلاك شيء واحد عيناً أو حقاً، وقد تحصل من غير اختيار كاشتراك الورثة في التركة، وقد تكون باختيارهما كاشتراكهما في حيازة مباحات، ولها صور وأنحاء ومنها (الشركة العقدية) التي تحصل بمقتضى عقد بين شريكين أو أكثر في المال مع اقتسام الربح والخسارة مما يتضح تفاصيلها فيما يأتي من المسائل بإذن الله.

(مسألة 488) : لابد في عقد الشركة من إنشائها بلفظ أو فعل يدل عليها، ويعتبر في صحته خلط المالين على وجه لا يتميز كل منهما عن الآخر.

(مسألة 489) : لو اشترك شخصان - مثلاً - فيما يربحان من أُجرة عملهما، كما لو قرر حلاقان أن يقسّما بينهما كل ما يأخذانه من أجر الحلاقة كانت الشركة باطلة.

(مسألة 490) : لا يجوز اشتراك شخصين - مثلاً - على أن يشتري كل منهما متاعاً نسيئة لنفسه، ويشتركا فيما يربحانه. نعم إذا وكل كل منهما صاحبه في شراء المتاع لهما نسيئة كانت الشركة صحيحة.

(مسألة 491) : يشترط في عقد الشركة: البلوغ، والعقل، والاختيار، وعدم الحجر. فلا يصح شركة الصبي والمجنون والمكره، والسفيه الذي يصرف أمواله في غير موقعه. والمفْلس فيما حجر عليه من أمواله.

(مسألة 492) : لا بأس باشتراط زيادة الربح لمن يقوم بالعمل من الشريكين، أو الذي يكون عمله أكثر من عمل الآخر، ويجب الوفاء بهذا الشرط. ولو اشترطت الزيادة في غير ذلك فالأظهر أن الشركة لا تبطل، ولكن الشرط لا ينفذ، فيقتسمان الربح بنسبة المالين، وكذلك الحال لو اشترطا أن يكون تمام الربح لأحدهما أو يكون تمام الخسران أو أكثره على أحدهما.

ص: 171

(مسألة 493) : إذا لم يشترطا لأحدهما زيادة في الربح، فإن تساوى المالان تساويا في الربح والخسران، وإلا كان الربح والخسران بنسبة المالين، فلو كان مال أحدهما ضعف مال الآخر كان ربحه وضرره ضعف الآخر، سواء تساويا في العمل أو اختلفا، أو لم يعمل أحدهما أصلاً. ويكون لعمل العامل حسابه الخاص إذا لم ينوِ المجانيّة.(مسألة 494) : لو اشترطا في عقد الشركة أن يشتركا في العمل كل منهما مستقلاً، أو يعمل أحدهما فقط أو يخصص أجر لغيرهما لكي يعمل، وجب العمل على طبق الشرط.

(مسألة 495) : إذا لم يعين العامل منهما، لم يجز لأيّ منهما التصرف في رأس المال بغير إجازة الآخر.

(مسألة 496) : يجب على من له العمل أن يكون عمله على طبق ما هو المقرر بينهما، فلو قررا - مثلاً - أن يشتري نسيئة ويبيع نقداً، أو يشتري من المحل الخاص وجب العمل به، ولو لم يعين شيء من ذلك لزم العمل بما هو المتعارف على وجه لا يضر بالشركة.

(مسألة 497) : لو تخلّف العامل عما شرطاه، أو عمل على خلاف ما هو المتعارف في صورة عدم الشرط، فالمعاملة بالنسبة إلى حصة الشريك الآخر فضولية، فإن لم يجز استرجع ماله، أو عوضه لو كان تالفاً.

قاعدة (الأمين ضامن)

(مسألة 498) : الشريك العامل في رأس المال أمين، فلا يضمن التالف كلاً أو بعضاً ما لم يفرط.

(مسألة 499) : لو ادعى العامل التلف في مال الشركة وحلف عند الحاكم، صدق.

ص: 172

(مسألة 500) : لو رجع كل من الشريكين عن إجازة الآخر في التصرف في مال الشركة لم يجز لهما التصرف، ولو رجع أحدهما لم يجز ذلك، وأما هو فيجوز له التصرف فيه.

(مسألة 501) : متى طلب أحد الشريكين قسمة مال الشركة وجب على الآخر القبول ما لم يتضرر بها ضرراً معتداً به أو كان في القسمة ردٌ، أي يتطلب فرز الحصص إضافة شيء من المال ونحوه لتعديلها وإن كان قد جعل أجل للشركة. إلا أن تكون الشركة معاوضية بأن تعاقدا على المساهمة بمال من كل منهما لاستثماره فلا يجب القبول بفسخ الشركة قبل حلول الأجل.

(مسألة 502) : إذا مات أحد الشركاء لم يجز للآخر التصرف في مال الشركة، وكذلك الحال في الجنون والإغماء والسفه.

(مسألة 503) : لو اتجر أحد الشريكين بمال الشركة ثم ظهر بطلان عقد الشركة، فإن لم يكن الإذن في التصرف مقيداً بصحة الشركة صحت المعاملة ويرجع ربحها إليهما، وإن كان الإذن مقيداً بصحة العقد كان العقد بالنسبة إلى الآخر فضولياً، فإن أجاز صح وإلا بطل.

أحكام الشفعة

إذا باع أحد الشريكين حصته على ثالث كان لشريكه أخذ المبيع بالثمن المقرر له في البيع، ويسمى هذا الحق بالشفعة.

(مسألة 504) : تثبت الشفعة في بيع ما لا ينقل إذا كان يقبل القسمة، كالأراضي والدور والبساتين بلا إشكال، وهل تثبت فيما ينقل كالآلات والثياب والحيوان، وفيما لا ينقل إذا لم يقبل القسمة قولان: أقواهما الأول والأحوط للشريك أخذ رضا المشتري بالشفعة، وللمشتري أن يستجيب لطلب الشريك، وكذا الأحوط لهما ذلك في أشياء هي: السفينة والنهر والطريق والحمام والرحى.

ص: 173

(مسألة 505) : تختص الشفعة في غير المساكن والأراضي بالبيع، فإذا انتقل الجزء المشاع بالهبة المعوضة أو الصلح أو غيرهما فلا شفعة للشريك. وأما المساكن والأراضي فاختصاص الشفعة فيها بالبيع محل إشكال فيراعى مقتضى الاحتياط أعلاه.

(مسألة 506) : إذا بيع الوقف في مورد يجوز بيعه فإن حق الشفعة ثابت للشريك.

(مسألة 507) : يشترط في ثبوت الشفعة أن تكون العين المبيعة مشتركة بين اثنين، فإذا كانت مشتركة بين ثلاثة فما زاد وباع أحدهم لم تكن لأحدهم شفعة، وإذا باعوا جميعاً إلا واحداً منهم ففي ثبوت الشفعة له إشكال بل منع.

(مسألة 508) : يعتبر في الشفيع الإسلام، إذا كان المشتري مسلماً، فلا شفعة للكافر على المسلم وإن اشترى من كافر وتثبت للمسلم على الكافر، وللكافر على مثله.

(مسألة 509) : يشترط في الشفيع أن يكون قادراً على أداء الثمن، فلا تثبت للعاجز عنه وإن بذل الرهن أو وجد له ضامن إلا أن يرضى المشتري بذلك. نعم إذا ادعى غيبة الثمن في بلد آخر أُجِّل بمقدار وصول المال إليه وزيادة ثلاثة أيام فإن انتهى فلا شفعة، ويكفي في الثلاثة أيام التلفيق، كما أن مبدأها زمان الأخذ بالشفعة لا زمان البيع.(مسألة 510) : الشفيع يأخذ بقدر الثمن لا بأكثر منه ولا بأقل، ولا يلزم أن يأخذ بعين الثمن في فرض التمكن منها بل له أن يأخذ بمثله إن كان مثلياً.

(مسألة 511) : في ثبوت الشفعة في الثمن القيمي بأن يأخذ المبيع بقيمته قولان، أقواهما العدم.

(مسألة 512) : الأقوى لزوم المبادرة إلى الأخذ بالشفعة، فيسقط مع المماطلة والتأخير بلا عذر، ولا يسقط إذا كان التأخير عن عذر كجهله بالبيع

ص: 174

أو جهله باستحقاق الشفعة أو توهمه كثرة الثمن فبان قليلاً، أو كون المشتري زيداً فبان عمراً، أو أنه اشتراه لنفسه فبان لغيره أو العكس، أو أنه واحد فبان اثنين أو العكس، أو أن المبيع النصف بمائة فتبين أنه الربع بخمسين، أو كون الثمن ذهباً فبان فضة، أو لكونه محبوساً ظلماً أو بحق يعجز عن أدائه، وأمثال ذلك من الأعذار.

أحكام الصلح

(مسألة 513) : الصلح هو: (التسالم بين شخصين على تمليك عين أو منفعة أو على إسقاط دين أو حق بعوض أو مجاناً).

(مسألة 514) : يعتبر في المتصالحين البلوغ، والعقل، والاختيار، والقصد، وعدم الحجر.

(مسألة 515) : لا يعتبر في الصلح صيغة خاصة، بل يكفي فيه كل لفظ أو فعل دال عليه.

(مسألة 516) : إسقاط الحق أو الدين لا يحتاج إلى قبول، وأما المصالحة عليه فلابد فيها من القبول.

(مسألة 517) : لا يعتبر في الصلح العلم بالمصالح به، فإذا اختلط مال أحد الشخصين بمال الآخر جاز لهما أن يتصالحا على الشركة بالتساوي أو بالاختلاف، كما يجوز لأحدهما أن يصالح الآخر بمال خارجي معين، ولا يفرق في ذلك بين ما اذا كان التمييز بين المالين متعذراً وما اذا لم يكن متعذراً.

(مسألة 518) : لو علم المديون بمقدار الدين، ولم يعلم به الدائن وصالحه بأقل منه لم يحل الزائد للمديون، إلا أن يعلم برضا الدائن بالمصالحة على كل حال، أي حتى لو علم بمقدار الدين أيضاً.

ص: 175

(مسألة 519) : لا تجوز المصالحة على مبادلة مالين من جنس واحد اذا كانا مما يكال أو يوزن مع العلم بالزيادة في أحدهما على الأحوط لأن حرمة الربا شاملة للمورد، ولا بأس بها مع احتمال الزيادة وإن كان الأحوط الترك.

ويمكن تصحيح المعاملة بجعل موضوع المصالحة غير المالين كما لو تصالحا على هبة كل منهما ماله في ذمة الآخر إليه، أو المصالحة على إبراء ذمة الآخر مما له على أن يبرئه الآخر مما له في ذمة الأول.(مسألة 520) : لا بأس بالمصالحة على مبادلة دينين على شخص واحد لشخصين، أو على شخصين فيما إذا لم يستلزم الربا كما لو لم يكونا من المكيل أو الموزون، أو لم يكونا من جنس واحد، أو كانا متساويين في الكيل أو الوزن. وأما اذا كانا من المكيل أو الموزون ومن جنس واحد فالصلح على مبادلتهما مع زيادة أحدهما غير جائز كما تقدّم في المسالة السابقة.

(مسألة 521) : إذا كان الدين من المكيل أو الموزون أي مما يدخله الربا وأريد الصلح على الدين المؤجل بأقل منه، فلابد من وجه لتصحيح المعاملة كجعل الغرض منه إبراء ذمة المديون من بعض الدين وأخذ الباقي منه نقداً، وأما في غير ذلك - كالعملات الورقية المتداولة اليوم فإنها من المعدود - فيجوز الصلح والبيع - بالأقل - من المديون وغيره، وعليه فيجوز للدائن تنزيل (الكمبيالة) في المصرف وغيره في عصرنا الحاضر لأن النقود الرائجة ليست مما يوزن أو يكال.

(مسألة 522) : ينفسخ الصلح بتراضي المتصالحين بالفسخ، وكذا إذا فسخ من جعل له حق الفسخ منهما في ضمن الصلح.

(مسألة 523) : لا يجري خيار المجلس، ولا خيار الحيوان ولا خيار التأخير (المتقدمة) في الصلح. نعم لو أخّر تسليم المصالح به عن الحد

ص: 176

المتعارف، أو اشترط تسليمه نقداً فلم يعمل به فللآخر أن يفسخ المصالحة، وأما الخيارات الثمانية الباقية التي سبق ذكرها في البيع فهي تجري في الصلح أيضا، نعم لا يجري خيار الغبن في موارد كما لو تصالحا على مال مختلط لم يفصلاه ولم يكن التمييز متعذراً ثم ميّزاه بعد المصالحة وكان فيه غبن لأحدهما.

(مسألة 524) : لو ظهر العيب في المصالح به جاز الفسخ، وأما أخذ التفاوت بين قيمتي الصحيح والمعيب ففيه إشكال.

(مسألة 525) : لو اشترط في عقد الصلح وقف المال المصالح به إذا لم يكن للمصالح وارث بعد الموت لزم مراجعة الحاكم الشرعي في الوفاء بالشرط، وإن كان له وارث وجب استئذانه.

أحكام الإجارة

(مسألة 526) : يعتبر في المؤجر والمستأجر البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر. فلا تصح إجارة الأموال المحجور عليها لفلس ونحوه، ولكن يجوز للمحجور عليه إجارة نفسه.

(مسألة 527) : لا تصح إجارة غير المالك للمنفعة إلا إذا كان ولياً أو وكيلاً عن المالك، وتصح الإجارة من الأجنبي إذا تعقبت بالإجارة.

(مسألة 528) : إذا آجر الولي مال الطفل مدة، وبلغ الطفل أثناءها كان له فسخ الإجارة بالنسبة إلى ما بعد بلوغه، حتى اذا كان عدم جعل ما بعد البلوغ جزءاً من مدة الإيجار على خلاف مصلحته عندما كان طفلاً لأنه أصبح ولي ماله، وإذا آجر الولي الطفل نفسه في موضوع يناسب حقوق الطفولة كالخدمة في بيوت العلماء للاستفادة منهم إلى مدة فبلغ أثناءها فله فسخ الإجارة مطلقاً.

ص: 177

(مسألة 529) : لا يجوز استئجار الطفل الذي لا ولي له بدون إجازة المجتهد العادل أو وكيله. وإذا لم يتمكن من الوصول إليهما جاز استئجاره بإجازة جماعة من عدول المؤمنين.

(مسألة 530) : لا تعتبر العربية في صيغة الإجارة، بل لا يعتبر اللفظ في صحتها، فلو سلّم المؤجر ماله للمستأجر بقصد الإيجار وقبضه المستأجر بقصد الاستئجار صحت الإجارة.

(مسألة 531) : تكفي في صحة إجارة الأخرس الإشارة المفهمة للإيجار أو الاستئجار.

(مسألة 532) : لو استأجر دكاناً أو داراً أو بيتاً بشرط أن ينتفع به هو بنفسه لم يجز إيجاره للغير على وجه ينتفع به الغير، ويصح لو كان على نحو يرجع الانتفاع به لنفس المستأجر الأول، كأن تستأجر امرأة داراً ثم تتزوج فتؤجر الدار لبعلها لسكناها.

(مسألة 533) : إذا استأجر داراً أو دكاناً أو بيتاً بدون أن يشترط اختصاص الانتفاع به ولا كان العرف الجاري يقضي بانصراف الإطلاق إليه فله أن يؤجره للغير ولا يحتاج إلى استئذان المالك إذا كان عدم الاختصاص المفروض يتضمن الرضا بذلك، نعم لو أراد أن يؤجره بأزيد مما استأجره به فلابد أن يحدث فيه شيئاً مثل الترميم أو التبييض، أو يؤجره بغير الجنس الذي استأجره به، كأن يستأجر داراً بالنقود فيؤجرها بالحنطة، وأما غير الدار والدكان والبيت فالأحوط إلحاقه بها.

(مسألة 534) : لو اشترط في الإجارة أن يكون عمل الأجير لشخص المستأجر لم يجز له إيجاره ليعمل لشخص آخر، ويجوز ذلك مع عدم الاشتراط، إلا أنه لا يجوز أن يؤجره بأزيد مما استأجره إذا كانت الأجرتان من جنس واحد، ولا بأس بالزيادة مع اختلاف الجنس.

ص: 178

(مسألة 535) : إذا آجر نفسه لعمل من دون تقييد بالمباشرة لم يجز له أن يستأجر غيره لذلك العمل بعينه بأقل من الأجرة في إجارة نفسه. نعم لا بأس بذلك إذا كانت الأجرتان من جنسين، أو أنه أتى ببعض العمل ولو قليلاً فاستأجر غيره للباقي بأقل من الأجرة.

(مسألة 536) : لا بأس بأن يستأجر داراً - مثلاً - سنة بمبلغ معين فيسكن في نصفها ويؤجر نصفها الآخر بنفس المبلغ، ولا يجوز أن يؤجره بأزيد منه إلا أن يحدث فيه شيئاً كالترميم.

(مسألة 537) : يعتبر في العين المستأجرة أمور:

1- التعيين، فلو قال آجرتك إحدى دوري لم تصح الإجارة على الأحوط.

2- أن تكون معلومة لدى المستأجر ومعرّفة لديه بأن يشاهد المستأجر العين المستأجرة، أو يعلم بخصوصيتها ولو كان ذلك بتوصيف المؤجر.

3- التمكن من التسليم، فلا تصح إجارة الدار المغصوبة أو السيارة المسروقة إلا إذا كان المستأجر متمكناً من الانتفاع بها باسترجاعها ونحوها مثلاً.4- إمكان الانتفاع بها مع بقاء عينها، فلا تصح إجارة الخبز وغيره من المأكولات للأكل أو استئجار النقود لاستثمارها كما نُقِل عن البعض.

5- قابليتها للانتفاع المقصود من الإجارة، فلا تصح إجارة الأرض للزراعة إذا لم يكن المطر وافياً ولم يمكن سقيها من النهر أو غيره.

(مسألة 538) : يصح إيجار الشجر للانتفاع بثمرها غير الموجود فعلاً، وكذلك إيجار الحيوان للانتفاع بلبنه أو البئر للاستسقاء.

(مسألة 539) : يجوز للمرأة إيجار نفسها للإرضاع من غير حاجة إلى إجازة زوجها، نعم لو أوجب ذلك تضييع حقه توقفت صحة الإجارة على إجازته.

ص: 179

شرائط المنفعة المقصودة من الإجارة

(مسألة 540) : تعتبر في المنفعة التي يستأجر المال لأجلها أُمور أربعة:

1- أن تكون محللة، فلا تصح إجارة الدكان لبيع الخمر أو حفظه أي وقع العقد على نفس هذه المنفعة، أو إجارة الحيوان لحمل الخمر. نعم لو لم يشترط ذلك في العقد ولا كان الانتفاع بالعين المستأجرة متعيناً في المحرم بل لها منافع أخرى محللّة صحّ العقد.

2- أن لا يكون بذل المال بإزائها سفهاً بنظر العقلاء على الأحوط.

3- تعيين نوع المنفعة، فلو آجر سيارة تصلح لنقل الركاب، ولحمل الأثقال وجب تعيين حق المستأجر من الركوب أو الحمل أو كليهما.

4- تعيين مقدار المنفعة، ويكون لكل عقد بحسبه فتارة يكون بتعيين المدة كما في إجارة الدار والدكان ونحوهما، وأخرى بتعيين العمل كخياطة الثوب المعين على كيفية معينة، وثالثة بتعيين المسافة كتأجير السيارة للنقل إلى مدينة أخرى.(مسألة 541) : يحرم حلق اللحية إختياراً وبغير عذر شرعي على الأحوط وجوباً، وعليه فلا يجوز أخذ الأجرة عليه. نعم إذا جاز حلقها لعذر جاز للحلاق أخذ الأجرة عليها.

(مسألة 542) : لابد من تعيين مدة الإجارة فيما يكون للمدة دخلٌ في العقد، ولو لم يعين مبدأ مدة الإجارة كان ابتداؤها من حين إجراء الصيغة، وأما إذا لم يكن للمدة دخل - كخياطة الثوب - فلا تتعين إلا بالتعيين.

(مسألة 543) : لو آجر داره سنة، وجعل ابتداءها بعد مضي شهر - مثلاً- من إجراء الصيغة صحت الإجارة، وإن كانت العين عند إجراء الصيغة مستأجرة للغير.

ص: 180

(مسألة 544) : لا تصح الإجارة إذا لم تتعين مدة الإيجار فلو قال: (آجرتك الدار شهراً أو شهرين) لم تصح، وإذا قال، (آجرتك الدار كل شهر بدينار مهما أقمت فيها)، قاصدين فعلاً الابتداء بالتنفيذ أو آجرها شهراً معيناً بدينار وقال: (كلما أقمت بعد ذلك فبحسابه)، صحت الإجارة في الشهر الأول خاصة. أما فيما بعده فيجوز للمستأجر الانتفاع بها بالأجرة المسماة لكن المعاملة غير لازمة وللمالك مطالبته باسترداد العين المستأجرة متى شاء.

(مسألة 545) : الدور المعدة لإقامة الغرباء والزوار إذا لم يعلم مقدار مكثهم فيها، وحصل الاتفاق على أداء مقدار معين عن إقامة كل ليلة - مثلاً - يجوز التصرف فيها، وحيث لم يعلم مدة الإيجار لم تصح الإجارة، وللمالك إخراجهم حينما أراد كما في المسألة السابقة.

(مسألة 546) : إذا آجر نفسه لعمل من دون تقييد بالمباشرة لم يجز له أن يستأجر غيره لذلك العمل بعينه بأقل من الأجرة في إجارة نفسه. نعم لا بأس بذلك إذا كانت الأجرتان من جنسين، أو أنه أتى ببعض العمل ولو قليلاً فاستأجر غيره للباقي بأقل من الأجرة.

مسائل في الإجارة

(مسألة 547) : لا بأس بأخذ الأجرة على ذكر مصيبة سيد الشهداء وسائر الأئمة (عليهم السلام) وذكر فضائلهم والخطب المشتملة على المواعظ ونحو ذلك وجعلها غرضاً أمر مرجوح أخلاقياً.

(مسألة 548) : لا تجوز الإجارة عن الحي في العبادات الواجبة إلا في الحج عن المستطيع العاجز عن المباشرة، وتجوز في المستحبات العبادية، إلا ان في جوازها في مثل الصلاة والصيام إشكالاً، ولا بأس بها في فرض الإتيان بها رجاءً أو على غير نحو الإجارة كفعل هذه العبادات وإهداء ثوابها إلى الحي. وتجوز الإجارة عن الميت في العبادات الواجبة والمستحبة.

ص: 181

(مسألة 549) : لا تجوز الإجارة على تعليم مسائل الحلال والحرام، وتعليم الواجبات مثل الصلاة والصيام وغيرهما مما كان محل الابتلاء على الأحوط، بل في غيره أيضاً إشكال، وكذا لا يجوز أخذ الأجرة على تغسيل الأموات وتكفينهم ودفنهم. نعم لا بأس بأخذ الأجرة على خصوصية زائدة فيها على المقدار الواجب.

(مسألة 550) : يعتبر في الأجرة أن تكون معلومة، فلو كانت من المكيل أو الموزون قدرت بهما، ولو كانت من المعدود كالنقد قدرت بالعد. فإن كانت مما تعتبر مشاهدته في المعاملات لزم أن يشاهدها المؤجر، أو يبين المستأجر خصوصياتها له.

(مسألة 551) : يملك الأجير الأجرة في ذمة مؤجّره، ويملك المؤجّر العمل في ذمة الأجير بمجرد العقد، أما المطالبة بالحق فتتناوله المسألة الآتية إن شاء الله تعالى، وتترتب على هذه المسألة بعض الثمرات كما في (المسألة 564).

(مسألة 552) : لا يستحق المؤجر مطالبة الأجرة قبل تسليم العين المستأجرة، وكذلك الأجير لا يستحق مطالبة الأجرة قبل إتيانه بالعمل إلا إذا كانت الأجرة مقوّماً للعمل أو تعارف قبضها من حين الاستعداد للعمل كأجرة الحج أو اشترط ذلك.(مسألة 553) : إذا مكّن المؤجر من التصرف في العين المستأجرة وجب على المستأجر تسليم الأجرة، وإن لم يتسلّم العين المستأجرة أو لم ينتفع بها في بعض المدة أو تمامها.

(مسألة 554) : إذا آجر نفسه لعمل وسلّم نفسه إلى المستأجر ليعمل له استحق الأجرة، وإن لم يستوفه المستأجر. مثلاً: إذا آجر نفسه لخياطة ثوب في يوم معين، وحضر في ذلك اليوم للعمل وجب على المستأجر إعطاء

ص: 182

الأجرة وإن لم يسلمه الثوب ليخيطه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الأجير فارغاً في ذلك اليوم، أو مشتغلاً بعمل لنفسه أو لغيره.

(مسألة 555) : لو ظهر بطلان الإجارة بعد انقضاء مدتها وجب على المستأجر أداء أجرة المثل، فلو استأجر داراً بمائة دينار وظهر بطلانها بعد مضي المدة، فإن كانت أجرتها المتعارفة خمسين ديناراً لم يجب على المستأجر أزيد من خمسين ديناراً. نعم لو كانت الأجرة المتعارفة مائتي دينار مثلاً وكان المؤجر هو المالك أو وكيله لم يكن له أخذ الزائد على أجرة المسمى (وهو المائة دينار)، ولو ظهر بطلان الإجارة أثناء المدة فحكمه بالنسبة إلى ما مضى حكم ظهور البطلان بعد تمام المدة.

(مسألة 556) : إذا تلفت العين المستأجرة لم يضمنها المستأجر إذا لم يتعمد ولم يقصر في حفظها، وكذلك الحال في تلف المال عند الأجير كالخياط، فإنه لا يضمن تلف الثوب، إذا لم يكن منه تعدّ أو تفريط.

(مسألة 557) : إذا ذبح القصاب حيواناً بطريق غير مشروع فهو ضامن له، ولافرق في ذلك بين الأجير والمتبرع بعمله.(مسألة 558) : إذا استأجر شاحنة لحمل كمية معلومة من المتاع فحمّلها أكثر من تلك الكمية، فعطبت الشاحنة، أو عابت كان عليه ضمانها، وكذا إذا لم تعين الكمية وحملها أكثر من المقدار المتعارف، وعلى كلا التقديرين يجب عليه دفع أجرة الزائد أيضاً.

(مسألة 559) : لو آجر دابة لحمل الزجاج - مثلاً - فعثرت فانكسر الزجاج لم يضمنه المؤجر، إلاّ إذا كانت عثرتها بسببه كان ضربها فعثرت.

(مسألة 560) : الختّان لا يضمن الضرر الذي يقع على الطفل حتى لو مات إذا كان من أهل الخبرة في المهنة ولم يقصّر في عمله كعدم تحضير اللوازم الكافية أو عدم تشخيص قابلية الطفل للختان - إن كان هذا الأمر موكولاً إليه

ص: 183

دون ما إذا كُلِّف بعملية الختان فقط - ، ولم يتعدَّ كتجاوز الحد المتعارف للقطع، ولم يفرِّط بعلمه المسبق بالضرر.

(مسألة 561) : لو عالج الطبيب المريض مباشرة أو أجرى له عملية جراحية وكان ماهراً في مهنته وبذل وسعه في التشخيص الصحيح والعمل الدقيق لكن اتفق تضرر المريض أو موته فلا ضمان على الطبيب، والأحوط له أن يتبرأ من الضمان قبل العملية والمعالجة.

(مسألة 562) : تنفسخ الإجارة بفسخ المؤجر والمستأجر إذا تراضيا على ذلك، وكذلك تنفسخ بفسخ من اشترط له حق الفسخ في عقد الإجارة من المؤجر أو المستأجر أو كليهما.

(مسألة 563) : إذا ظهر غبن المؤجر أو المستأجر كان له حق الفسخ، نعم لو أسقط ذلك في ضمن العقد أو بعده لم يستحق الفسخ.

(مسألة 564) : إذا غصبت العين المستأجرة قبل التسليم إلى المستأجر فله فسخ الإجارة واسترجاع الأجرة، وله أن لا يفسخ ويطالب الغاصب بعوض المنفعة الفائتة، فلو استأجر دابة شهراً بعشرة دنانير وغصبت عشرة أيام، وكانت أجرتها المتعارفة في العشرة أيام خمسة عشر ديناراً جاز للمستأجر أن يطالب الغاصب بخمسة عشر ديناراً.(مسألة 565) : إذا حصل مانع من الانتفاع بالعين المستأجرة بعد تسليمها كما لو غصبت بعد تسلميها إلى المستأجر لم يجز له الفسخ وكان له المطالبة من الغاصب بعوض المنفعة الفائتة.

(مسألة 566) : لا تبطل الإجارة ببيع المؤجر العين المستأجرة قبل انقضاء المدة من المستأجر أو من غيره.

(مسألة 567) : تبطل الإجارة بسقوط العين المستأجرة عن قابلية الانتفاع

ص: 184

بها رأساً، أو عن قابليتها للانتفاع المقصود من الإجارة فإذا استأجر داراً سنة - مثلاً فانهدمت قبل دخول السنة بطلت الإجارة، وإذا انهدمت أثناء السنة تبطل الإجارة بالنسبة إلى المدة الباقية وللمستأجر الفسخ بالنسبة إلى المدة الماضية، فإذا فسخ كان عليه أجرة المثل في تلك المدة وإن لم يفسخ قُسِّطَ مبلغ الإجارة بالنسبة على المدة الباقية والماضية فيستحق المستأجر مقابل المدة الباقية، ويستحق المالك مقابل المدة الماضية.

(مسألة 568) : لو استأجر داراً تشتمل على بيتين - مثلاً - فانهدم أحدهما وعمرها المؤجر فوراً على وجه لم يتلف من منفعتها شيء لم تبطل الإجارة، ولم يكن للمستأجر حق الفسخ. وإذا تلف مقدار من منفعتها ولو كان ذلك لطول مدة العمارة بطلت الإجارة بالنسبة إلى ذلك المقدار وكان للمستأجر الفسخ، وأداء أجرة مثل ما استوفاه من المنفعة.

(مسألة 569) : لا تبطل الإجارة بموت المؤجر، أو المستأجر الا فيما اذا لم يكن المؤجر مالكاً للعين المستأجرة، بل كان مالكاً لمنفعتها ما دام حياً بوصية أو نحوها، فإذا مات أثناء مدة الإجارة بطلت الإجارة بالنسبة إلى المدة الباقية.(مسألة 570) : لو وكل شخصاً في أن يستأجر له عمالاً فاستأجرهم بأقل مما عين الموكل حرمت الزيادة على الوكيل ووجب إرجاعها إلى الموكل.

(مسألة 571) : إذا استأجره على عملٍ على نحو معين أو في زمان أو مكان معينين فخالف الأجير ذلك لم يستحق شيئاً على عمله، ويضمن للمستأجر ما أحدثه من أضرار إن لم يمكن تدارك ما فعل، وإن أمكنه ذلك أتى الأجير بالعمل على النحو المطلوب.

ص: 185

أحكام الجعالة

(مسألة 572) : الجعالة هو: (الالتزام بعوض معلوم على عمل)، كأن يلتزم شخص بدينار لكل من يجد ضالته، ويسمى الملتزم (جاعلاً)، ومن يأتي بالعمل (عاملاً) ويسمى العوض المعلوم (جُعْلاً).

وتفترق عن الإجارة بوجوب العمل هناك على الأجير بعد العقد دون العامل هنا، كما تشتغل ذمة المستأجر للأجير قبل العمل بالأجرة، ولا تشتغل ذمة الجاعل للعامل ما لم يأت بالعمل.

(مسألة 573) : يعتبر في الجاعل: البلوغ، والعقل، والاختيار، وعدم الحجر، فالسفيه الذي يصرف ماله فيما لا يعنى لا تصح الجعالة منه.

(مسألة 574) : يعتبر في الجعالة أن لا يكون العمل محرماً، أو خالياً من الفائدة، فلا يصح جعل العوض لشرب الخمر، أو الدخول ليلاً في محل مظلم او المكث طويلاً تحت الشمس المحرقة مثلاً لا لغرض عقلائي.

(مسألة 575) : يعتبر في الجعالة تعيين العوض بنحو يتعيّن فيه حق العامل، كما لو قال (من باع داري فله نسبة 1% من ثمنها) ونحوها.

(مسألة 576) : اذا كان العوض في الجعالة مبهماً، وغير معين فللعامل أجرة المثل.

(مسألة 577) : لا يستحق العامل شيئاً إذا أتى بالعمل قبل الجعالة أو بعدها تبرعاً.

(مسألة 578) : يجوز للجاعل فسخ الجعالة قبل الشروع في العمل، وأما بعد الشروع فيه فيشكل فسخه.

(مسألة 579) : لا يجب على العامل إتمام العمل الا اذا أوجب تركه ضرر الجاعل، كأن يقول: (كل من عالج عيني فله كذا)، فشرع الطبيب بإجراء عملية في عينه، بحيث لو لم يتمها لتعيبت عينه فيجب عليه الإتمام.

ص: 186

(مسألة 580) : لا يستحق العامل العوض إذا لم يتم العمل الذي لا ينتفع به الجاعل لولا الإتمام، كردّ الدابة الشاردة، وكذا اذا جعل العوض على إتمام العمل، كأن يقول: (من خاط ثوبي فله كذا). ولو جعل على نحو التوزيع على أجزاء العمل استحق العامل بنسبة ما أتى به من العمل، وان كان الأحوط الرجوع الى الصلح حينئذٍ.

أحكام المزارعة

(مسألة 581) : عقد المزارعة هو: (الاتفاق بين مالك الأرض والزارع على زرع الأرض بحصة من حاصلها).

(مسألة 582) : يعتبر في المزارعة أمور:

1- الإيجاب من المالك بقوله للزارع مثلاً: (سلمت إليك الأرض لتزرعها)، فيقول الزارع: (قبلت)، أو يسلم المالك الأرض اليه للزراعة ويتقبلها الزارع من دون كلام.

2- أن يكونا بالغين، عاقلين، مختارين، غير محجورين.

3- أن يجعل نصيبهما من جميع حاصل الأرض، فلو جعل لأحدهما أوله، وللآخر آخره بطلت المزارعة. إلا ان لا ينافي الشرط الرابع.

4- أن تجعل حصة كل منهما على نحو الإشاعة، كالنصف والثلث، فلو قال: (ازرع و اعطني ما شئت)، لم تصح المزارعة، وهكذا لو عين للمالك أو الزارع مقدار معين كعشرة أمنان.

5- تعيين المدة بمقدار يمكن حصول الزرع فيه، ولو عينا أول المدة وجعلا آخرها إدراك الحاصل كفى.

6- أن تكون الأرض قابلة للزرع ولو بالعلاج والإصلاح.

7- تعيين الزرع مع اختلاف نظريهما، ولو لم يكن لهما نظر خاص أو اتحد نظراهما لم يلزم التعيين.

ص: 187

8- تعيين الأرض، فلو كانت للمالك قطعات مختلفة ولم يعين واحدة منها بطلت المزارعة.

9- تعيين ما عليهما من المصارف إذا لم يتعين مصرف كل منهما بالتعارف خارجاً.

(مسألة 583) : لو اتفق المالك مع الزارع على أن يكون مقدار من الحاصل للمالك، ويقسم الباقي بينهما بنسبة معينة صحت المزارعة إن علما ببقاء شيء من الحاصل، بعد استثناء ذلك المقدار.(مسألة 584) : إذا انقضت مدة المزارعة وكانت في نفسها كافية لتحقيق الشرط الخامس المتقدم، ولم يدرك الحاصل ورضي المالك والزارع بقاء الزرع بالعوض أو مجاناً فلا مانع منه، وإن لم يرض المالك به فله أن يجبر الزارع على إزالته وإن تضرر الزارع بذلك، وليس له إجبار المالك على بقاء الزرع ولو بأجرة.

نعم، إذا لم تؤخذ المدة المتفق عليها في العقد على نحو الموضوعية وانما على نحو الطريقية باعتبارها المدة المطلوبة لنضج الحاصل وجب على المالك تمديدها الى أوّانه.

(مسألة 585) : تنفسخ المزارعة بطروّ المانع من الزراعة في الأرض كانقطاع الماء عنها، ولكن الزارع إذا ترك الزرع بلا عذر وكانت الأرض في تصرفه، كان عليه أن يدفع إلى المالك مثل أُجرة الأرض.

(مسألة 586) : عقد المزارعة يلزم بإجراء الصيغة، ولا ينفسخ إلا برضاهما، ولا يبعد اللزوم أيضاً لو دفع المالك الأرض للزارع بقصد المزارعة وتقبلها الزارع. نعم لو اشترط في ضمن العقد استحقاق المالك أو الزارع أو كليهما للفسخ جاز الفسخ حسب الشرط، وكذا لو خولف بعض الشروط المأخوذة فيه من أحدهما على الآخر.

ص: 188

(مسألة 587) : لا تنفسخ المزارعة بموت المالك أو الزارع بل يقوم الوارث مقام مورثه، إلا أن يشترط مباشرة الزارع للزرع بنفسه، فتنفسخ بموته. ولو ظهر الزرع وأدرك وجب دفع حصته الى وارثه. ولو كان للزارع حقوق أخرى ورثها الوارث أيضاً، وليس للوارث إجبار المالك على بقاء الزرع في أرضه.

(مسألة 588) : إذا ظهر بطلان المزارعة بعد الزرع، فإن كان البذر للمالك فالحاصل له، وعليه للزارع ما صرفه، وكذا أُجرة عمله وأعيانه التي استعملها في الأرض كالبقر وغيره، وان كان البذر للزارع فالزرع له وعليه للمالك أُجرة الأرض وما صرفه المالك وأُجرة أعيانه التي استعملت في ذلك الزرع.(مسألة 589) : إذا كان البذر للزارع فظهر بطلان المزارعة بعد الزرع ورضي المالك والزارع ببقاء الزرع في الأرض بأجرة أو مجاناً جاز، وإن لم يرض المالك بذلك فله إجبار الزارع على إزالة الزرع، وإن لم يدرك الحاصل.

وليس للزارع إجبار المالك على بقاء الزرع في الأرض ولو بأجرة، كما أنه ليس للمالك إجبار الزارع على إبقاء الزرع في الأرض ولو مجاناً.

(مسألة 590) : الباقي من أصول الزرع في الأرض بعد الحصاد وانقضاء المدة إذا اخضر في السنة الجديدة وأدرك، فحاصله للمالك إن لم يشترط في المزارعة اشتراكهما في الأصول.

أحكام المضاربة

المضاربة: هي أن يدفع الإنسان مالاً إلى غيره ليتجر فيه على أن يكون الربح بينهما بالنصف، أو الثلث، أو نحو ذلك.

ويعتبر فيها أُمور:

الأول: الإيجاب والقبول، ويكفي فيهما كل ما يدل عليهما من لفظ أو نحو ذلك، ولا يعتبر فيهما العربية ولا الماضوية.

ص: 189

الثاني: البلوغ، والعقل، والاختيار، في كل من المالك والعامل، وأما عدم الحجر من سفه أو فلس فهو إنما يعتبر في المالك دون العامل.

الثالث: تعيين حصة كل منهما من نصف أو ثلث أو نحو ذلك، إلا أن يكون هناك تعارف خارجي ينصرف إليه الإطلاق.

الرابع: أن يكون الربح بينهما، فلو شُرط مقدار منه لأجنبي لم تصح المضاربة إلا إذا اشترط على الأجنبي عمل متعلق بالتجارة.

الخامس: أن يكون العامل قادراً على التجارة فيما كان المقصود مباشرته للعمل، فإذا كان عاجزاً عنه لم تصح.

هذا إذا أخذت المباشرة قيداً، وأما إذا كانت شرطاً لم تبطل المضاربة ولكن يثبت للمالك الخيار عند تخلف الشرط.

وأما إذا لم يكن لا هذا ولا ذاك وكان العامل عاجزاً من التجارة حتى مع الإستعانة بالغير بطلت المضاربة، ولا فرق في البطلان بين تحقق العجز من الأول وطروه بعد حين، فتنفسخ المضاربة من حين طرو العجز.

السادس: ان يكون المال المدفوع من العملات المحلية او العالمية أي من النقد ولا يصح ان يدفع له بضاعة ويجعلها مالاً للمضاربة، او يضارب معه بالدّين الذي في ذمته حتى يقبضه منه ويسلم اليه على انه مال للمضاربة.

(مسألة 591) : لا خسران على العامل من دون تفريط، وإذا اشترط المالك على العامل في ضمن العقد أن تكون الخسارة عليهما كالربح فالظاهر بطلان الشرط، نعم لو اشترط على العامل أن يتدارك الخسارة من كيسه اذا وقعت صح ولا بأس به.

ص: 190

(مسألة 592) : عقد المضاربة جائز من الطرفين لانه من العقود الأذنية فيجوز لكل منهما فسخه، سواء أكان قبل الشروع في العمل أم بعده، وسواء كان قبل تحقق الربح أو بعده، كما أنه لا فرق في ذلك بين كونه مطلقاً أو مقيداً إلى أجل خاص.

(مسألة 593) : يجوز للعامل مع إطلاق عقد المضاربة التصرف حسب ما يراه مصلحة من حيث البائع والمشتري ونوع الجنس على ان لا يكون في اختياره أي تقصير أو لا مبالاة او مجازفة غير محسوبة، نعم لا يجوز له أن يسافر به من دون إذن المالك، إلا إذا كان هناك تعارف ينصرف الإطلاق اليه، وعليه فلو خالف وسافر وتلف المال ضمن.

(مسألة 594) : تبطل المضاربة بموت كل من المالك والعامل، أما على الأول فلفرض انتقال المال إلى وارثه بعد موته فإبقاء المال بيد العامل يحتاج إلى مضاربة جديدة، وأما على الثاني فلفرض اختصاص الإذن به.

(مسالة 595) : ما تعارف عليه البعض هذه الايام من دفع مال الى شخص ليعمل به مقابل دفع مبلغّ محدد كل مدة معينة ليس مضاربة لافتقاره للشرط الثالث المتقدم، لكنها معاملة صحيحة بشروط:

1- أن يكون المبلغ المحدد يعتبر ربحا متعارفا للمال المدفوع.

2- أن يعمل العامل فعلا بالمال فلو أنفقه في بعض حوائجه لا يستحق صاحب المال المبلغ المحدد له.

3- عدم استحقاق دافع المال للمبلغ المحدد له الا بعد ظهور الربح للعامل، فلو خسر او كان السوق معطلاً خلال تلك المدة لم يصح مطالبته بشيء.

(مسألة 596) : ما يرد على مال المضاربة من خسارة أو تلف - بحريق او سرقة او غيرهما - يجبر بالربح ما دامت المضاربة باقية من دون فرق في ذلك بين الربح اللاحق والسابق، فملكية العامل لحصته من الربح السابق متزلزلة كلها أو بعضها بعروض الخسران أو التلف فيما بعد، ولا يحصل الاستقرار إلا بانتهاء أمد المضاربة أو حصول الفسخ، نعم إذا اشترط العامل على المالك في ضمن العقد عدم كون الربح جابراً للخسران أو التلف المتقدّم على الربح أو المتأخر عنه صح الشرط وعمل به.

ص: 191

او كانا يتحاسبان في راس كل مدة معينة، فاذا ظهر ربح لهما وتحاسبا في راس مدة اصبح ربح كل منهما مالاً مملوكا لصاحبه وليس من مال الشركة فلا يجبر منه الخسران الذي يقع لاحقاً، لان العمل بعد انتهاء كل مدة يعتبر عقدا اذنياً جديدا.

أحكام المساقاة

(مسألة 597) : المساقاة: (هي اتفاق شخص مع آخر على سقي أشجار يرجع ثمرها الى المالك بالملك، أو غيره وإصلاح شؤونها الى مدة معينة بحصة من ثمرها.

(مسألة 598) : لا يصح عقد المساقاة في الأشجار غير المثمرة، كالصفصاف، والغرب، وفي صحته في شجرة الحناء الذي يستفاد من ورقه إشكال.

(مسألة 599) : لا تعتبر الصيغة في المساقاة، بل يكفي دفع المالك الأشجار للفلاح، وشروعه في العمل بهذا القصد.

(مسألة 600) : يعتبر في المالك والفلاح، البلوغ، والعقل، والاختيار، ويعتبر في المالك عدم الحجر بسفه ونحوه.

(مسألة 601) : يعتبر تعيين مدة المساقاة، ولو عين أولها وجعل آخرها إدراك الثمرة صحت.

(مسألة 602) : يعتبر تعيين حصة كل منهما بالإشاعة، كالنصف والثلث، وإن اتفقا على أن تكون من الثمرة عشرة أمنان - مثلاً - للمالك، والباقي للفلاح بطلت المساقاة.

ص: 192

أحكام النكاح

تحل المرأة على الرجل بسبب عقد النكاح، وهو على قسمين: دائم ومنقطع. والعقد الدائم هو: (عقد لا تتعين فيه مدة الزواج وكانت دائمية) أي أنّ العقد يقتضي الدوام بنفسه ما لم ينقض، وتسمى الزوجة ب (الدائمة). والعقد غير الدائم هو: (ما تتعين فيه المدة)، كساعة أو يوم أو سنة أو أكثر أو أقل، وتسمى الزوجة ب (المتعة والمنقطعة).

أحكام العقد

(مسالة 603) : يشترط في النكاح - دواماً أو متعة - الإيجاب والقبول، فلا يكفي مجرد التراضي والرغبة والميل النفسي. ويجوز للزوجين أو لأحدهما توكيل الغير في إجراء الصيغة كما يجوز لهما المباشرة.

(مسألة 604) : لا يعتبر في الوكيل أن يكون رجلاً، بل يجوز توكيل المرأة في إجراء العقد.

(مسألة 605) : لا يجوز لهما المقاربة، ولا النظر إلى ما لا يحل لغير الزوجين، ما لم يحصل لهما اليقين بإجراء الوكيل عقد النكاح ولا يكفي الظن، نعم لو أخبر الوكيل بذلك كفى إذا كان ممن يوثق بقوله.

(مسألة 606) : يجب على الوكيل الالتزام بما حدّدهُ له الموكل من تفاصيل العقد، ولو تعدّاها بطل، فلو وكلت المرأة شخصاً في أن يعقدها لرجل متعة مدة عشرة أيام مثلاً ولم تعين العشرة، جاز للوكيل أن يعقدها له متى شاء، وإن علم أنها قصدت عشرة أيام خاصة لم يجز عقدها لأيام أخر.

(مسألة 607) : يجوز أن يكون شخص واحد وكيلاً عن الطرفين، كما يجوز أن يكون الرجل وكيلاً عن المرأة في أن يعقدها لنفسه دواماً أو متعة، والأحوط - استحباباً - أن لا يتولى الزوج كلا طرفي العقد.

ص: 193

صيغة العقد الدائم

(مسألة 608) : إذا باشر الزوجان العقد الدائم فقالت المرأة: (زوجتك نفسي على الصداق المعلوم)، وقال الزوج من دون فصل: (قبلت التزويج)، صح العقد، ولو وكلا غيرهما وكان اسم الزوج (أحمد) واسم الزوجة (فاطمة) مثلاً فقال وكيل الزوجة: (زوجت موكلك أحمد موكلتي فاطمة أو زوجت موكلتي- فاطمة- موكلك - أحمد- على الصداق المعلوم)، وقال وكيل الزوج من دون فصل: (قبلت التزويج لموكلي - أحمد - على الصداق المعلوم)، صح العقد. والأحوط تطابق الإيجاب والقبول مثلاً لو قالت المرأة: (زوجتك)، يجب أن يقول الزوج: (قبلت التزويج)، على الأحوط.

صيغة العقد غير الدائم

(مسألة 609) : إذا باشر الزوجان العقد غير الدائم بعد تعيين المدة والمهر، فقالت المرأة: (زوجتك نفسي في المدة المعلومة على المهر المعلوم)، وقال الرجل من دون فصل: (قبلت التزويج)، صح العقد. ولو وكلا غيرهما فقال وكيل الزوجة: (زوجت موكلك موكلتي أو زوجت موكلتي موكلك في المدة المعلومة على المهر المعلوم)، وقال وكيل الرجل من دون فصل: (قبلت التزويج لموكلي هكذا)، صح أيضاً.

شرائط العقد

(مسألة 610) : يشترط في عقد الزواج أمور:

1- العربية مع التمكن منها، ولو بالتوكيل على الأحوط. نعم مع عدم التمكن منها ولو بالتوكيل يكفي غيرها من اللغات المفهمة لمعنى النكاح والتزويج.

ص: 194

2- قصد الإنشاء في إجراء الصيغة، بمعنى أن يقصد الزوجان أو وكيلهما تحقق الزواج بلفظي الإيجاب والقبول، فتقصد الزوجة بقولها: (زوجتك نفسي)، صيرورتها زوجة له. كما أن الزوج يقصد بقوله: (قبلت)، قبول زوجيتها له، وهكذا الوكيلان، فإذا قصدا الإخبار مثلاً عن حالة سابقة لم يصحّ العقد.

3، 4- البلوغ والعقل في العاقد المجري للصيغة على الأحوط سواء أكان العاقد عاقداً لنفسه أم لغيره.5- تعيين الزوج والزوجة على وجه يمتاز كل منهما عن غيره بالاسم أو الوصف أو الإشارة، فلو قال: (زوجتك إحدى بناتي)، بطل، وكذا لو قال (زوجت بنتي أحد ابنيك أو أحد هذين).

6- رضا الزوجين واقعاً، فلو أذنت الزوجة متظاهرة بالكراهة مع العلم برضاها القلبي صح، كما إنه إذا علمت كراهتها واقعاً وإن تظاهرت بالرضا بطل، إلا أن تجيز بعده.

(مسألة 611) : إذا لحن في الصيغة، وكان مغيراً للمعنى المقصود لم يكف والأحوط إعادته.

(مسألة 612) : إذا كان مجري الصيغة جاهلاً بالعربية، فإن أجراها على الوجه الصحيح، وكان عارفاً بمعنى الكلمات وقاصداً لتحقق المعنى صح العقد والا بطل.

(مسألة 613) : العقد الواقع فضولياً - أي من دون إذن المعني بالعقد - إذا تعقب بالإجازة صح، سواء أكان فضولياً من الطرفين أم كان فضولياً من أحدهما.

(مسألة 614) : لو أكره الزوجان على العقد ثم رضيا بعد ذلك وأجازا العقد صح، وكذلك الحال في إكراه أحدهما، والأولى إعادة العقد في كلتا الصورتين.

ص: 195

(مسألة 615) : الأب والجد من طرف الأب لهما الولاية على الطفل الصغير والصغيرة والمتصل جنونه بالبلوغ، فلو زوجهم الولي لم يكن لهم خيار في الفسخ بعد البلوغ أو الإفاقة إذا لم تكن فيه مفسدة لهم بأن كان الاختيار مناسباً لهما شرعاً وعرفاً، ومع المفسدة كان العقد فضولياً فلا يصح إلا مع الإجازة بعد البلوغ أو الإفاقة، وإذا زوج الأبوان الصغيرين ولاية فالعقد وإن كان صحيحاً الا أن في لزومه عليهما إشكالاً، فإذا فسخ أحدهما أو كلاهما العقد بعد البلوغ والرشد فالاحتياط بالطلاق أو العقد الجديد لا يترك.(مسألة 616) : يشترط في صحة عقد البالغة الرشيدة البكر أن تستأذن أباها أو الجد من طرف الأب في تزويجها على الأحوط، ولا تشترط إجازة الام والأخ وغيرهما من الأقارب، نعم إذا كانت المرأة مستقلة في شؤونها عن أبيها بحيث لا يكون مسؤولاً عنها إجتماعياً واقتصادياً فهذا الشرط يكون احتياطياً، وللأب حينئذ نقض العقد إذا وجد فيه مفسدة لبنته.

(مسألة 617) : يصح تزويج البالغة الرشيدة البكر من غير استئذان من أبيها أو جدها إذا تعقب بالإجازة من أحدهما.

(مسألة 618) : تسقط ولاية الأب والجد إذا أصرا على حرمان البنت من تزويجها بالكفؤ شرعاً وعقلاً لمصلحة تخصّهما كالاستفادة من راتبها الشهري أو لإجبارها على تنفيذ أمرٍ ما ونحوها.

(مسألة 619) : لا يعتبر إذن الأب والجد إذا كانت البنت ثيباً وكذلك إذا كانت بكراً ولم تتمكن من استئذانهما لغيابهما أو لتخليهما عن أمر زواجها، أو لأنهما غير مؤهلين، أو نحو ذلك مع حاجتها الى التزويج.

(مسألة 620) : لو زوج الأب أو الجد صغيراً، فإن كان له مال حين العقد كان المهر عليه، وإلا كان المهر على من زوجه.

(مسألة 621) : المقصود بالبكر - هنا في مسألة ولاية الأب والجد للأب - من لم يدخل بها زوجها، فمن تزوجت ومات عنها زوجها أو طلقها قبل أن يدخل

ص: 196

بها فهي بكر، وكذا من ذهبت بكارتها بغير الوطء من وثبة أو حمل شيء ثقيل ونحوها، وأما إن افتضت بالزنا أو بالوطء شبهة فهي بمنزلة البكر، وأما من دخل بها زوجها فهي ثيِّب وإن لم يفتض بكارتها.

العيوب الموجبة لخيار الفسخ

(مسألة 622) : اذا علم الزوج بعد العقد بوجود أحد العيوب السبعة الآتية في الزوجة حين العقد كان له الفسخ من دون طلاق:

1- الجنون.

2- الجذام.

3- البرص.

4- العمى.

5- الإقعاد، ومنه العرج البين.

6- الافضاء، وهو اتحاد مخرج البول أو الغائط مع مخرج الحيض.

7- العفل، وهو لحم ينبت في الرحم يمنع من الوطء.

(مسألة 623) : يجوز للزوجة فسخ العقد إذا كان الزوج مجنوناً أو مجبوباً (أي مقطوع الذكر بحيث لم يبق منه شيء يدخله) أو مصاباً بالعنن (وهو المرض المانع من انتشار العضو ليتمكن من الإيلاج)، غير أن الجنون يختلف عن الأمرين الأخيرين في أن جنون الزوج يسوغ للمرأة الفسخ، سواء أكان سابقاً على العقد والزوجة لا تعلم به أم كان حادثاً بعده أو بعد العقد والوطء معاً. و أما العنن فلا يجوز به الفسخ إذا حدث بعد الوطء. وكذلك الجب - بعد الوطء - وإن كان الأولى حينئذٍ للزوج أن يطلقها إذا فسخت أو يعقد عليها بعد العلم إن رضيت باستمرار العلاقة الزوجية.

ص: 197

(مسألة 624) : يجوز للمرأة أن تفسخ العقد إذا كان الرجل خصياً، والخصاء هو (سل الأنثيين - أي إخراجهما - وفي معناه الوجاء وهو رصهما بحيث يبطل عملهما)، وتفسخ به المرأة مع سبقه على العقد والتدليس عليها، ومع عدم التدليس لا يترك الاحتياط.

(مسألة 625) : لا يجوز للمرأة أن تفسخ العقد لعنن الرجل الا بعد رفع أمرها الى الحاكم الشرعي فيؤجل الزوج بعد المرافعة سنة فإن وطأها أو وطأ غيرها فلا فسخ، وإلا كان لها الفسخ. فإن شاءت فسخت وكان لها نصف المهر.

(مسألة 626) : إذا فسخ الرجل بأحد عيوب المرأة فإن كان الفسخ بعد الدخول استحقت المرأة تمام المهر وعليها العدة كما في الطلاق وإن كان الفسخ قبله لم تستحق شيئاً ولا عدة عليها. هذا إذا لم يكن تدليس، وأما مع التدليس (المتحقق بتوصيف المرأة للرجل عند إرادة الزواج بالسلامة من العيب مع العلم به أو بالسكوت عن بيان العيب ممن عليه البيان مع إقدام الزوج بارتكاز السلامة منه) فإن كان المدلس نفس المرأة لم تستحق المهر إذا اختار الرجل الفسخ وإن اختار البقاء فعليه تمامَ المهر لها، وإن كان المدلس غير الزوجة فالمهر المسمى يستقر على الزوج بالدخول ولكن يحق له بعد دفعه إليها أن يرجع به على المدلس.

وإذا فسخت المرأة بعيب الرجل استحقت تمامَ المهر إن كان بعد الدخول وإن كان قبله لم تستحق شيئاً إلاّ في العنن فإنها تستحق عليه فيه نصف المهر المسمّى.

(مسألة 627) : يثبت في النكاح خيار التدليس - في غير العيوب التي مرت أنه يثبت بسببها خيار العيب - عند التستر على عيب في أحد الزوجين (سواء كان نقصاً عن الخلقة الأصلية كالعور ونحوه أو زيادة عليها كاللحية للمرأة) أو الإيهام بوجود صفة الكمال لا وجود لها كالشرف والنسب والجمالِ والبكارة ونحوها.

ص: 198

فلو خطب إمرأة وطلب زواجها على أنه من بني فلان فتزوجته المرأة على ذلك فبان أنه من غيرهم كان لها خيار التدليس فإن فسخت فلها المهر إذا كان بعد الدخول وإن كان قبله فلا شيء لها، وإنما يتحقق التدليس الموجب للخيار فيما إذا كان عدم العيب أو وجود صفة الكمال مذكوراً في العقد بنحو الاشتراط او التوصيف ويلحق بهما توصيف الزوج أو الزوجة بصفة الكمال أو عدم العيب أو إراءته متصفاً بها قبل العقد عند الخطبة والمقاولة ثم إيقاع العقد مبنياً عليه، ولا يتحقق بمجرد سكوت الزوجة ووليها مثلاً مع اعتقاد الزوج عدم العيب أو وجود صفة الكمال.

(مسألة 628) : إذا تزوج امرأة معتقداً إنها بكر فبانت ثيباً لم يكن له الفسخ، نعم ينقص من المهر المسمى بنسبة مقدار ما به التفاوت بين مهر البكر ومهر الثيب.

هذا إذا لم تكن البكارة شرطاً في العقد أو بني العقد عليها، ولو كانت كذلك فله الفسخ ولا مهر لها قبل الدخول، أما بعده فكذلك إن كانت هي المدلّسة، وإن كان غيرها استحقت المهر ورجع به الزوج على المدلِّس.

أسباب التحريم

(مسألة 629) : يحرم التزويج من جهة النسب بالأم وإن علت أي أم الأم وأم الأب وما بعدهما، وبالبنت وإن نزلت أي بنت الابن وبنت البنت ومن دونهما، وبالأخت وببنات الأخ والأخت وإن نزلن وبالعمات وبالخالات وإن علون، كعمات الأب والأم وهكذا.

(مسألة 630) : تحرم من جهة المصاهرة أم الزوجة وجداتها من طرف الأب أو الأم، فلا يجوز تزويجهن، وإن كانت الزوجة لم يدخل بها، وكذلك تحرم بنت الزوجة المدخول بها، سواء أكانت بنتها بلا واسطة أو مع واسطة، أو مع وسائط، وسواء كانت موجودة - حال العقد - أم ولدت بعد طلاقها

ص: 199

وتزويجها برجل آخر، ولا تحرم بنت الزوجة ما لم يدخل بأمها، نعم لا يجوز نكاحها ما دامت أمها باقية على الزوجية على الأحوط.

(مسألة 631) : يحرم التزوج بمن تزوج بها الأب أو أحد الأجداد، كما يحرم التزويج بمن تزوجها الابن، أو أحد الأحفاد أو الأسباط وهذه الحرمة تتحقق بمجرد العقد وإن لم يتم الدخول.(مسألة 632) : يحرم الجمع بين الأختين، فإذا عقد على إحداهما حرمت عليه الثانية ما دامت الأولى باقية على زواجها، ولا فرق في ذلك بين العقد الدائم والمنقطع.

(مسألة 633) : إذا طلق زوجته - رجعياً - لم يجز له نكاح أختها في عدتها، نعم إذا كان الطلاق بائناً صح ذلك، وإذا تزوج بامرأة بعقد منقطع فانتهت المدة أو أبرأها لم يجز له التزويج بأختها في عدتها على الأحوط.

(مسألة 634) : إذا عقد على امرأة لم يجز له أن يتزوج ببنت أخيها أو ببنت أختها إلا بإذنها، ولو عقد بدون إذنها توقفت صحته على إجازتها فإن أجازته صح، وإلا بطل وإن علمت بالتزويج فسكتت ثم أجازته صح أيضاً.

(مسألة 635) : لو زنى بخالته قبل أن يعقد بنتها حرمت عليه البنت، وكذلك الحال في بنت العمة على الأحوط، ولو زنى بالعمة أو الخالة بعد العقد على البنت والدخول بها لم تحرم عليه، وكذلك فيما إذا كان الزنا بعد العقد وقبل الدخول على الأظهر.

(مسألة 636) : لو زنى بامرأة غير ما في المسألة السابقة فالأولى أن لا يتزوج بنتها، ولو كان قد عقد عليها - سواء أدخل بها أم لم يدخل بها - ثم زنى بأمها لم تحرم عليه بلا إشكال.

(مسألة 637) : لا يجوز للمسلمة أن تتزوج الكافر، وكذا لا يجوز للمسلم أن يتزوج بغير الكتابية من أصناف الكفار، وأما الكتابية - أي اليهودية

ص: 200

والنصرانية التي تدين بالتوحيد - فالأظهر جواز تزويجها متعة بل وكذلك دواماً اذا لم تتوفر لديه زوجة مسلمة ولم يكن عازفا عن المسلمات والاحوط تركه، ولا يجوز للمؤمن أو المؤمنة نكاح بعض المنتحلين لدين الإسلام المحكومين بالكفر، كالخوارج والغلاة والنواصب دواماً ومتعة.

(مسألة 638) : لو زنى بذات بعل أو بذات العدة الرجعية حرمت عليه مؤبداً على الأحوط، وأما الزنا بذات العدة - غير الرجعية - فلا يوجب حرمة المزني بها، فللزاني تزويجها بعد انقضاء عدتها.

(مسألة 639) : لو زنى بامرأة ليس لها زوج وليست بذات عدة جاز له أن يتزوجها، ويجب عليه تأخير العقد الى أن تحيض على الأحوط، وكذا بالنسبة لغير الزاني اذا ارد ان يتزوجها ايضا.

(مسألة 640) : يحرم تزويج المرأة في عدتها رجعية كانت أو غير رجعية، فلو علم الرجل أو المرأة بأنها في العدة وبحرمة التزويج فيها وتزوج بها حرمت عليه مؤبداً وإن لم يدخل بها بعد العقد، وإذا كانا جاهلين بأنها في العدة أو بحرمة التزويج فيها وتزوج بها بطل العقد فقط ولم تحرم عليه مؤبداً ما لم يدخل بها، فإن كان قد دخل بها حرمت عليه مؤبداً أيضاً وإلا جاز التزويج بها بعد تمام العدة.

(مسالة 641) : لو تزوج بامرأة عالماً بأنها ذات بعل، وبحرمة تزويجها حرمت عليه مؤبداً - دخل بها أم لم يدخل - وأما لو تزوجها مع جهله بالحال فسد العقد ولم تحرم عليه حتى مع علم الزوجة بالحال إلا مع الدخول بها.

(مسألة 642) : لا تحرم الزوجة على زوجها بزناها، وإن كانت مصرة على ذلك، والأولى - مع عدم التوبة - أن يطلقها الزوج. ويجب عليه أن يدفع مهرها كاملاً إذا دخل بها، ونصف المهر إن لم يدخل.

(مسالة 643) : إذا تزوجت المرأة ثم شكت في أن زواجها وقع في العدة من زوجها السابق أو بعد انقضائها لم تعتن بالشك.

ص: 201

(مسألة 644) : إذا لاط شخص - بالغا كان او غير بالغ - بغلام فأوقب ولو ببعض الحشفة حرمت على الواطئ أم الموطوء وأخته وبنته على الأحوط، ولا يحرمن عليه مع الشك في الدخول، بل مع الظن به أيضاً، كما لا يحرمن عليه اذا كان الملوط بالغاً.

(مسألة 645) : إذا تزوج امرأة ثم لاط بأبيها أو أخيها أو ابنها لم تحرم عليه، نعم لو زالت الزوجية بطلاق ونحوه وجب عليه ترك التزويج ثانياً على الأحوط.

(مسألة 646) : يحرم التزويج حال الإحرام وإن لم تكن المرأة محرمة، ويقع العقد فاسداً حتى مع جهل الرجل المحرم بالحرمة ومع علمه بالحرمة تحرم عليه مؤبداً.

(مسألة 647) : لا يجوز للمحرمة أن تتزوج برجل ولو كان محلاً ولو فعلت بطل العقد مطلقاً ومع علمها بالحرمة يحرم عليها مؤبداً على الأحوط.

(مسألة 648) : إذا لم يأت الرجل بطواف النساء في الحج أو العمرة المفردة حرمت عليه النساء حتى زوجته، وإذا تركته المرأة في الحج أو العمرة المفردة حرم عليها الرجال حتى زوجها، نعم إذا أتيا - به بعد ذلك - ارتفعت الحرمة.

(مسألة 649) : لا يجوز الدخول بالبنت قبل بلوغها بالمعنى الذي ذكرناه في أول كتاب الاجتهاد والتقليد، ولكنه لو تزوجها ووطأها لم يحرم عليه وطؤها بعد بلوغها وإن كان الأحوط - حينئذٍ - طلاقها.

(مسألة 650) : تحرم المطلقة ثلاثاً على زوجها المطلق لها، نعم لو تزوجت بغيره ودخل بها فطلقها حلت لزوجها الأول على تفصيل يأتي في كتاب الطلاق، وأما لو طلقها تسعاً فهي تحرم عليه مؤبداً.

ص: 202

أحكام العقد الدائم

(مسألة 651) : يحرم على الزوجة الدائمة أن تخرج من دارها بدون إذن زوجها وإن كان خروجها غير مناف لحقه في الاستمتاع الجنسي، بان كان لقضاء بعض الحوائج البسيطة او زيارة اهلها او زيارة المعصومين (عليهم السلام)، ويجب عليها أن تمكن زوجها من نفسها بما شاء من الإستمتاعات، وليس لها منعه من المقاربة إلا لعذر شرعي، فإذا عملت بوظيفتها استحقت النفقة على زوجها من الغذاء واللباس والمسكن، فإن لم يبذل الزوج لها نفقتها كانت النفقة ديناً ثابتاً في ذمته.

(مسألة 652) : علمنا من المسالة السابقة ان وجوب النفقة مرتبط بالتمكين، ولا تسقط بمخالفة ذلك مؤقتاً لحالة غضب او خلاف مع زوجها، وانما تسقط اذا كانت المخالفة - أي النشوز - حالة مستمرة وثابتة، وفي ضوء ذلك فاذا نشزت الزوجة فخرجت من عند زوجها لم تستحق النفقة، وإذا كانت عنده ولم تكن مطيعة له فالمشهور أنها لا تستحق النفقة أيضاً، لكن الأحوط عدم سقوطها بذلك، وأما المهر فهو لا يسقط بالنشوز بلا إشكال.

(مسألة 653) : لا يستحق الزوج على زوجته خدمة البيت وإرضاع الأطفال و الاعتناء بهم وما شاكلها ولها ان تطلب الأجر على كل ذلك، ولكن الأحاديث الشريفة حثت الزوجة على القيام بكل ذلك حباً لزوجها وإكراماً له واحساناً اليه كما امر الزوج بالإحسان اليها.

(مسألة 654) : إذا استصحب الزوج زوجته في سفره كانت نفقتها عليه وإن كانت أكثر من نفقتها في الحضر وكذا اذا سافرت لضرورة كحفظ حياتها، او انحصر علاجها بالسفر الى طبيب ونحوه، وأما إذا سافرت المرأة بنفسها مع إذنه فليس على زوجها بذل ما يزيد على نفقتها في الحضر.

ص: 203

(مسألة 655) : لو امتنع الزوج الموسر عن بذل نفقة زوجته المستحقة لها مع مطالبتها جاز لها ان تأخذها من ماله بدون اذنه ويجوز لها رفع امرها الى الحاكم الشرعي لاجباره على الانفاق، فان لم يتيسر لها هذا ولا ذاك واضطرت الى اتخاذ وسيلة لتحصيل معاشها لم يجب عليها اطاعة زوجها حال اشتغالها بتلك الوسيلة، والاحوط لزوماً ان لا تمتنع عن القيام بحقوقه في غير تلك الحال.(مسألة 656) : لا يعتبر في استحقاق الزوجة النفقة على زوجها فقرها وحاجتها بل تستحقها عليه وان كانت غنية غير محتاجة، واذا لم تحصلها - كلاً او بعضاً - لفقر الزوج أو امتناعه بقي ما لم تحصله دينا على ذمته يؤديه متى ما تمكن، ويصح ان تسقط عنه ما تستحقه عليه فعلاً أو في الأزمنة المستقبلة بشرط أو بدونه واذا كان للزوج مالٌ لا يفي بنفقته ونفقة زوجته جاز له تأمين نفقته منه فان زاد صرفه اليها.

(مسألة 657) : يجب على الولد الإنفاق على الأبوين الفقيرين، ويجب على الوالد الإنفاق على الولد الفقير. ويشترط في الوجوب قدرة المنفق على الإنفاق، والمشهور أن نفقة الأولاد مع فقد الآباء على الأم، وإن فقدت فعلى أبيها وامها بالسوية، ولو كانت معهما أم الأب شاركتهما في النفقة وهو لا يخلو من إشكال وإن كان أحوط، ولا تجب النفقة على غير العمودين من الأخوة والأعمام والأخوال وغيرهم ذكوراً وأناثا. ونعني بالفقير من لايجد حاجته من الطعام و السكن و اللباس ونحوها من ضرورات الحياة الكريمة، ولا يتمكن من توفيرها بالاكتساب اللائق بشأنه، ولا بالاقتراض من دون حرج ومشقة مع التمكن من الوفاء لاحقاً.

(مسألة 658) : نفقة النفس مقدمة على نفقة الزوجة، وهي مقدمة على نفقة الأقارب، والأقرب منهم مقدم على الأبعد، فالولد مقدم على ولد الولد، وتجب على المولى نفقة المملوك من الإنسان وله أن يجعلها في كسبه مع الكفاية، وإلا تممه المولى والأحوط وجوب نفقة المملوك من الحيوان ما دام ملك له.

ص: 204

(مسألة 659) : لا يشترط في ثبوت الانفاق بالقرابة كمال المنفق بالعقل والبلوغ فيجب على الولي ان ينفق من مال الصبي والمجنون على من يثبت له حق الانفاق عليه، نعم يشترط تمكن المنفق منه بعد نفقة نفسه وزوجته الدائمة فلو كان له من المال قدر كفاية نفسه وزوجته خاصة لم يثبت عليه الانفاق على اقاربه ولو زاد صرفه في الانفاق عليهم، والاقرب منهم مقدم على الابعد فالولد مقدم على ولد الولد، ولو تساووا وعجز عن الانفاق عليهم جميعاً وجب توزيع الميسور عليهم بالسوية اذا كان مما يقبل التوزيع ويمكنهم الانتفاع به وإلاّ تخير في الانفاق على اي منهم شاء.واذا امتنع من وجبت نفقة قريبه عن بذلها جاز لمن له الحق اجباره عليه ولو باللجوء الى الحاكم وان كان جائراً ولكن ان لم ينفق حتى مضى زمانه سقط عنه وان كان آثماً.

(مسألة 660) : إذا عجز الإنسان عن الإنفاق على من تجب نفقته عليه فإن كان زوجة بقيت في ذمته يؤديها متى ما تمكن، وإن كان غير زوجة سقط الوجوب ولا شيء عليه.

(مسألة 661) : نفقة الزوجة تقبل الإسقاط فلو أسقطتها لم تجب على الزوج، وأما نفقة الأقارب فلا تقبل الإسقاط.

(مسألة 662) : اذا اضطر شخص الى التصرف في مال غيره من طعام أو دواء أو ثياب أو سلاح أو غيرها لانقاذ نفسه من الهلاك أو ما يدانيه وجب على المالك مع حضوره وعدم اضطراره اليه ان يبذله له بعوض او بدونه، ويجوز للمضطر مع غياب المالك التصرف في ماله بقدر الضرورة مع ضمانه العوض.

ص: 205

(مسألة 663) : الاحوط وجوباً ان ينفق المالك على ما لديه من الحيوان او ينقله الى غيره او يذكيه بذبح أو غيره اذا كان من المذكى ولم يعد ذلك تضييعاً للمال، ولا يجوز له حبسه من دون الانفاق عليه حتى يموت.(مسألة 664) : اذا كان للرجل زوجتان دائمتان أو ازيد فبات عند احداهن ليلة ثبت لغيرها حق المبيت ليلة من اربع ليال، ولا يثبت حق المبيت للزوجة على زوجها - سواء كانت واحدة أو ازيد - في غير هذه الصورة، نعم الأحوط الأولى لمن عنده زوجة دائمة واحدة ان يقسم لها ليلة من كل اربع ليال ولمن عنده زوجتان كذلك ان يقسم لها ليلتين وهكذا، ولا يثبت حق المبيت للصغيرة ولا للمجنونة حال جنونها ولا للناشزة كما يسقط حال سفر الزوج وفيما لو اسقطته الزوجة بعوض أو بدونه، ولا يجوز متاركة الزوجة الدائمة رأساً وجعلها كالمعلقة لا هي ذات بعل ولا هي مطلقة.

(مسألة 665) : لا يجوز ترك وطء الزوجة الشابة اكثر من أربعة اشهر الا لعذر كالحرج والضرر أو مع رضاها أو نشوزها أو اشتراط تركه عليها حين العقد والاحوط لزوماً شمول هذا الحكم للزوجة المنقطعة وإذا كان الزوج مسافراً فلا يحق له أن يطيل السفر من دون عذر شرعي اذا كان يفوت على الزوجة حقها.

هذا وإذا لم تقدر الزوجة على الصبر الى اربعة اشهر بحيث خاف الزوج وقوعها في الحرام إذا لم يقاربها فالاحوط وجوبا المبادرة الى مقاربتها قبل تمام الاربعة أو طلاقها وتخلية سبيلها.

(مسألة 666) : اذا كان المهر حالاً فللزوجة الامتناع من التمكين قبل قبضه سواء كان الزوج متمكناً من الاداء أم لا، ولو مكنته من نفسها فليس لها الامتناع بعد ذلك لاجل ان تقبضه، واما لو كان المهر كله أو بعضه مؤجلاً - وقد اخذت بعضه الحال - لم يكن لها الامتناع من التمكين وان حلّ الأجل.

ص: 206

النكاح المنقطع

(مسألة 667) : يصح النكاح المنقطع، وإن كان الداعي إليه أمراً آخر غير الاستمتاع، ولا بد فيه من تعيين المهر والمدة، فإن لم يتعينا بطل العقد، ويعتبر في المدة أن لا تزيد على عمر الزوجين عادة وإلا كان العقد لغواً على الأظهر، او يجعلانه دائما.

(مسألة 668) : يجوز للمرأة في النكاح المنقطع أن تشترط على زوجها عدم الدخول بها، فلو اشترطت عليه ذلك لم يجز له مقاربتها ويجوز له ما سوى ذلك من الاستمتاعات، نعم لو رضيت الزوجة بعد ذلك بمقاربتها جازت له.

(مسألة 669) : لا تجب نفقة الزوجة في النكاح المنقطع وإن حملت من زوجها، ولا تستحق من زوجها المضاجعة والمبيت عندها، ولا توارث بينها وبين زوجها، نعم لو شرطا التوارث أو خصوص الزوج أو الزوجة نفذ الشرط.

(مسألة 670) : يصح العقد المنقطع ولو مع جهل الزوجة بعدم استحقاقها النفقة والمضاجعة، ولا يثبت لها حق على الزوج من جهة جهلها، ويحرم عليها الخروج بغير إذن زوجها، إذا كان خروجها منافياً لحقه، بل مع عدم المنافاة أيضاً على الأحوط.

(مسألة 661) : لو وكلت المرأة رجلا في تزويجها لمدة معينة بمبلغ معلوم فخالف الوكيل فعقدها دواماً أو متعة لغير تلك المدة أو بغير ذلك المبلغ، فإن أجازت العقد صح وإلا بطل.

(مسالة 672) : لا بأس بتزويج الأب أو الجد من طرفه بنته الصغيرة لمدة قليلة، لا لغاية الاستمتاع بل لغاية أخرى من حصول المحرمية ونحوه، الا أنه لابد في ذلك من مصلحة تعود إليها كما لو زوّجها لتكون في رعاية رجل تقي يحسن تربيتها، وأما تزويجهما الصغير لتلك الغاية مع عدم قابلية المدة لاستمتاعه بوجه فصحته لا تخلو من اشكال.

ص: 207

(مسألة 673) : لو وهب الزوج مدة زوجته المنقطعة بعد الدخول بها لزمه تمام المهر، وينتصف المهر إذا كانت الهبة قبل الدخول على الأظهر.(مسألة 674) : لا بأس على الزوج في الزواج من المتمتع بها في عدتها منه دواماً أو منقطعا، ولكن لا يصح تجديد العقد عليها دائماً او منقطعا قبل انقضاء الأجل او بذل المدة.

مسائل متفرقة

(مسألة 675) : لا يجوز للرجل أن ينظر إلى ما عدا الوجه والكفين من جسد المرأة الأجنبية وشعرها، وكذا الوجه والكفين منها إذا كان النظر نظر تلذذ أو ريبة، بل الأحوط - استحباباً - تركه بدونهما أيضاً، وكذلك الحال في نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي على الأحوط في غير وجهه ويديه ورأسه ورقبته وقدميه مما جرت العادة بكشفه، وأما نظرها إلى هذه المواضع منه فالظاهر جوازه من دون ريبة وتلذذ وإن كان الأحوط استحباباً تركه أيضاً.

(مسألة 676) : الإنسان على نفسه بصيرة، فيميِّز أن هذه النظرة خائنة ومريبة - أي تقع في مقدمات الوصول إلى الحرام - أو أنها نظرة اتفاقية عابرة.

(مسألة 677) : يجوز النظر إلى نساء الكفار واشباههن ممن لا ينتهين إذا نهين إذا لم يكن نظر تلذذ وريبة، سواء في ذلك الوجه والكفان وما جرت عادتهن على عدم ستره من سائر أعضاء البدن لكن الاحتياط المتقدم نافذ لصعوبة تحقق شرط الاستثناء، ولما في النظر من مفاسد اجتماعية عامة.

(مسألة 678) : يجب على المرأة أن تستر شعرها وما عدا الوجه والكفين من بدنها عن غير الزوج والمحارم من البالغين مطلقاً، بل الأحوط لزوماً أن تتستر عن غير البالغ أيضاً إذا كان مميزاً وأمكن أن يترتب على نظره إليها ثوران الشهوة فيه، وأما الوجه والكفان فيجوز لها ابداؤها إلاّ مع خوف

ص: 208

الوقوع في الحرام أو كونه بداعي ايقاع الرجل في النظر المحرم، أو كان حسنها مؤدياً لذلك وإن لم تقصده أي فيه فتنة نوعية، فيحرم الابداء حينئذٍ حتى بالنسبة إلى المحارم. هذا في غير المرأة المسنّة التي لا ترجو النكاح وأما هي فيجوز لها ابداء شعرها وذراعها ونحوهما - مما لا يستره الخمار والجلباب عادة - من دون أن تتبرج بزينة.(مسألة 679) : يحرم النظر إلى عورة الغير، حتى الصبي المميز مباشرة أو من الزجاج أو في المرآة أو في الماء الصافي ونحو ذلك، نعم يجوز لكل من الزوجين النظر إلى جميع أعضاء بدن الآخر حتى العورة.

(مسألة 680) : يجوز لكل من الرجل والمرأة أن ينظر إلى بدن محارمه

- ما عدا العورة منه - من دون تلذذ، وفي حكم العورة ما بين السرة والركبة على الأحوط فيهن، وأما النظر - مع التلذذ - فلا فرق في حرمته بين المحرم وغيرهم.

(مسألة 681) : المقصود بالمحارم من يحرم نكاحها مطلقاً لنسب أو رضاع - كالأم والأخت منهما - أو مصاهرة - كما لو تزوج ابنتها -، لا من حرمت عليه لعارض وإن كان التحريم مؤبداً، كمن لاط باخيها، أو عقد عليها وهي في عدتها عالماً.

(مسألة 682) : لا يجوز لكل من الرجل والمرأة النظر إلى مماثله بقصد التلذذ.

(مسألة 683) : الاحوط كون الصور الفوتوغرافية والفيديوية محكومة بنفس أحكام النظر المباشر التي ذكرناها في المسائل المتقدمة.

(مسألة 684) : إذا دعت الحاجة إلى أن يحقن الرجل رجلاً أو امرأة غير زوجته ومن بحكمها، أو أن يغسل عورتهما لزمه التحفظ من لمس العورة بيده مع الإمكان، وكذلك المرأة بالنسبة إلى المرأة أو الرجل غير زوجها ومن بحكمه.

ص: 209

(مسألة 685) : لا بأس بنظر الطبيب الى بدن الأجنبية ومسه بيده إذا توقف عليهما معالجتها ووجدت ضرورة لمراجعة الجنس المخالف لكونه أمهر وأحذق في المهنة، ومع إمكان الاكتفاء بأحدهما - النظر والمس - لا يجوز الآخر، فلو تمكن من المعالجة بالنظر فقط لا يجوز له المس وكذلك العكس.(مسألة 686) : لو اضطر الطبيب في معالجة المرأة غير زوجته ومن بحكمها إلى النظر إلى عورتها فالأحوط أن ينظر إليها في المرآة، فلو لم يمكن المعالجة الا بالنظر اليها مباشرة جاز له ذلك.

(مسألة 687) : يجب الزواج على من لا يستطيع التمالك على نفسه عن الوقوع في الحرام بسبب عدم زواجه.

(مسألة 688) : لا يجوز الخلوة بالمرأة الأجنبية في موضع لا يتيسر الدخول فيه لغيرهما إذا احتمل أنها تؤدي الى فساد، ولا بأس بالخلوة مع إمكان دخول الغير ولو كان صبياً مميزا أو الأمن من الفساد.

(مسألة 689) : لو تزوج امرأة على مهر معين وكان من نيته أن لا يدفعه إليها صح العقد ووجب عليه دفع المهر.

(مسألة 690) : يتحقق ارتداد المسلم إلى الكفر بإنكاره الألوهية، أو النبوة أو المعاد، أو بإنكاره حكماً من الأحكام الضرورية بين المسلمين مع علمه بإنه ضروري المؤدي لإنكار الرسالة، كوجوب الصلاة والصوم ونحوهما مما أطبق المسلمون على أنه جزء من الدين، ويتحقق كذلك بالغلو والنصب فإنهما يوجبان الكفر حينما يكونان بمستوى إنكار الضروريات الموجب لإنكار الرسالة.

(مسألة 691) : المرتد قسمان، ملّي وفطري، فالأول من اعتنق الإسلام وكان على دين آخر أما الفطري فهو من ولد على فطرة الإسلام لكون أحد

ص: 210

أبويه أو كليهما مسلماً. ويوجد اختلاف في أحكامهما يعرف من الأبواب العديدة في الفقه.

(مسألة 692) : إذا ارتد الزوج عن ملة أو ارتدت الزوجة عن ملة أو فطرة بطل النكاح، فإن كان الارتداد قبل الدخول بها أو كانت الزوجة يائسة لم تكن عليها عدة، وأما إذا كان الارتداد بعد الدخول وكانت المرأة في سن من تحيض وجب عليها أن تعتد عدة الطلاق، والمعروف أن المرتد منهما إذا رجع عن ارتداده إلى الإسلام قبل انقطاع العدة بقي الزواج على حاله ولكن الأحوط تجديد العقد.(مسألة 693) : إذا ارتد الزوج عن فطرة حرمت عليه زوجته ووجب عليها أن تعتد عدة الوفاة إن كانت مدخولاً بها غير يائسة أما غيرها فالأحوط لها ذلك، وإذا عاد إلى الإسلام أثناء العدة وأراد الرجوع إليها فالأحوط تجديد العقد، أو طلاقها لتكون خليّة، ويأتي مقدار عدة الطلاق والوفاة في باب الطلاق.

(مسألة 694) : إذا اشترطت المرأة في عقدها أن لا يخرجها الزوج من بلدها مثلا وقبل ذلك زوجها لم يجز له إخراجها منه بغير رضاها.

(مسألة 695) : إذا كانت لزوجة الرجل بنت من غيره جاز له أن يزوجها من ابنه من زوجة غيرها وكذلك العكس.

(مسألة 696) : حمل المرأة من السفاح لا يسوِّغ إسقاط الجنين، حتى لو كان نطفة في أول الحمل، خصوصاً إذا كان أحدهما مسلماً.

(مسألة 697) : لو فجر بامرأة ليست بذات بعل ولا في عدة الغير ثم تزوج بها بعدما استبرأ رحمها - على النهج المتقدم في (المسألة 639)- فولدت ولم يعلم أن الولد من الحلال أو الحرام فهو يلحق بهما شرعاً ويحكم عليه بأنه من الحلال.

ص: 211

(مسألة 698) : لو تزوج بامرأة جاهلاً بكونها في العدة بطل العقد، وإن كان قد دخل بها تحرم عليه مؤبداً وإن كانت ولدت منه على فراش هذه الزوجية فالولد يلحق به شرعاً ما دام ذلك ممكناً بأن تمر على الدخول مدة أقل الحمل -وهي ستة أشهر - وإن لم يمكن ذلك فهو للزوج الأول إذا كان ذلك ممكناً - بأن لم تمر عليه أقصى مدة الحمل - وإن احتمل الاثنين عمل بالأدلة المفيدة للإطمئنان. وأما المرأة فيلحق بها الولد إذا كانت جاهلة وأما إذا كانت عالمة بكونها في العدة وبحرمة التزويج في العدة فالولد يلحق بالرجل ولا يلحق بأمه شرعاً فإنها زانية حينئذ.

(مسألة 699) : لو ادعت المرأة أنها يائسة لم تسمع دعواها ولو ادعت أنها خلية من الزوج صدقت إلا إذا كانت متهمة على الأحوط.

(مسألة 700) : لو تزوج بامرأة ادعت أنها خلية وادعى - بعد ذلك - مدع أنها كانت ذات بعل، فالقول قول المرأة ما لم يثبت شرعاً أنها ذات بعل فإن أقام البينة على ذلك حكم له بها، وإلا فليس له طلب توجيه اليمين إلى المرأة لأنها مصدّقة على فرجها، ولا إلى الزوج لأنه ليس طرفاً في القضيّة.

(مسألة 701) : لا يجوز للأب أن يفصل ولده ذكراً كان أم أنثى من أمه مدة الرضاع (أعني حولين كاملين) لأن الأم أحق بحضانة ولدها في تلك المدة حتى وان افترق الأبوان بالطلاق ونحوه. والأحوط الأولى عدم فصل الولد حتى يبلغ سبع سنين وإن كان ذكرا.

(مسألة 702) : يستحب التعجيل في تزويج البنت البالغة وتحصينها بالزواج، فعن الصادق (عليه السلام) : (مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ أَنْ لا تَطْمَثَ ابْنَتُهُ فِي بَيْتِهِ).

(مسألة 703) : ينبغي أن لا يردّ الخاطب إذا كان ممن يرضى خلقه ودينه فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : {إِذا جاءَكُم مَن تَرضَونَ خُلُقَهُ وَدينَهُ فَزَوِّجوهُ، وَإِلا تَفعَلُوهُ تَكُن فِتنَةٌ فِى الأْرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}.

ص: 212

(مسألة 704) : إذا صالحت المرأة زوجها على أن لا يتزوج عليها ويكون له مهرها صحت المصالحة ووجب على زوجها أن لا يتزوج عليها، كما يجب عليها أن لا تطالب زوجها بالمهر.

(مسألة 705) : المتولد من ولد الزنا إذا كان عن وطء مشروع فهو ولد حلال.

(مسألة 706) : إذا جامع زوجته في نهار شهر رمضان أو في حيضها ارتكب معصية، إلا أنها إذا حملت فولدت يعتبر الولد ولداً شرعياً لهما.

(مسألة 707) : إذا تيقنت زوجة الغائب من موت زوجها فتزوجت بعدما اعتدت عدة الوفاة ثم رجع زوجها الأول من سفره انفصلت عن زوجها الثاني بغير طلاق، وهي محللة لزوجها الأول، ثم أن الثاني إن كان دخل بها لزمه مهر مثلها ويجب على المرأة الاعتداد عن وطئها شبهة بمعنى أنه يحرم على زوجها الأول مقاربتها خلال العدة، ولكن لا تجب على الواطئ نفقتها في أيام عدتها بل على زوجها الذي عادت إليه.

أحكام الرضاع

قد يتفق ان ترضع المولود او المولودة امرأة غير امه التي ولدته، ومثل هذا الرضاع إذا اجتمعت فيه شروط فانه يكون سبباً لحرمة النكاح بين المرتضع أو المرتضعة وعدة عناوين لأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وتفصيل ذلك في المسائل الآتية:

(مسألة 708) : تحرم على المرتضع عدة من النساء:

1- المرضعة لأنها أمه من الرضاعة، كما أن صاحب اللبن أبوه.

2- أم المرضعة وإن علت نسبية كانت أم رضاعية لأنها جدته.

3- بنات المرضعة ولادة لأنهن أخواته.

ص: 213

4- البنات النسبية والرضاعية من أولاد المرضعة ولادة ذكوراً وأناثاً، لأن المرتضع إما أن يكون عمهن أو خالهن من الرضاعة.

5- أخوات المرضعة وإن كانت رضاعية، لأنهن خالات المرتضع.

6- عمات المرضعة وخالاتها وعمات آبائها وأمهاتها نسبية كانت أم رضاعية، فإنهن عمات المرتضع وخالاته من الرضاعة.

7- بنات صاحب اللبن النسبية والرضاعية بلا واسطة أو مع الواسطة لأن المرتضع إما أن يكون أخاهن أو عمهن أو خالهن من الرضاعة.

8- أمهات صاحب اللبن النسبية والرضاعية لأنهن جدات المرتضع من الرضاعة.

9- أخوات صاحب اللبن النسبية والرضاعية لأنهن عمات المرتضع.

10- عمات صاحب اللبن وخالاته وعمات وخالات آبائه وأمهاته النسبية والرضاعية لأنهن عمات المرتضع وخالاته من الرضاعة.

11- حلائل صاحب اللبن لأنهن حلائل أبيه.

(مسألة 709) : تحرم المرتضعة على عدة من الرجال:

1- صاحب اللبن وهو زوج المرضعة الذي ولدته منه فدَّر اللبن الذي رضعت منه الرضيعة لأنه أبوها من الرضاعة.

2- آباء صاحب اللبن والمرضعة من النسب أو الرضاع لأنهم أجدادها من الرضاعة.

3- أولاد صاحب اللبن نسباً ورضاعاً وإن نزلوا لأنها تكون أختهم أو عمتهم أو خالتهم وكذلك أولاد المرضعة ولادة وأولادهم نسباً أو رضاعاً.

4- أخوة صاحب اللبن نسباً ورضاعاً لأنهم أعمامها من الرضاعة.

5- أعمام صاحب اللبن وأخواله وأعمام آبائه وأمهاته النسبية أو الرضاعية لأنهم أما أن يكونوا أعمامها أو أخوالها.

ص: 214

(مسألة 710) : تحرم بنات المرتضع - أو المرتضعة - نسبية ورضاعية وإن نزلت على آبائه وأخوته وأعمامه وأخواله من الرضاعة.

(مسألة 711) : تحرم على أبناء المرتضع أو المرتضعة أمهاته وأخواته وخالاته وعماته من الرضاعة.

(مسألة 712) : لا يجوز أن يتزوج أبو المرتضع أو المرتضعة بنات المرضعة النسبية وإن نزلت والأولى أن لا يتزوج بناتها الرضاعية وإن كان يحرم عليه أن ينظر منها إلى ما لا يحل النظر إليه لغير المحارم.

تنبيه:

هذه المسألة ابتلائية وكثيراً ما يتورط فيها الناس إذ قد يصادف ان الزوجة حينما تضع مولودها لا تستطيع ان ترضعه فتقوم امها بارضاعه بداعي الشفقة على ولد بنتها فاذا كان الرضاع جامعاً لشروط الحرمة فان الزوجة ام المولود تحرم

على زوجها لانها بنت المرضعة (وهي امها) فتنطبق عليها هذه المسألة. وتحصل مشاكل اجتماعية كبيرة بسبب الجهل بالاحكام والقوانين الشرعية وستأتي الاشارة اليه في (المسألة 719).(مسألة 713) : لا يجوز أن يتزوج أبو المرتضع أو المرتضعة بنات صاحب اللبن النسبية والرضاعية.

(مسألة 714) : تطبيقاً للمسالة السابقة فأنه إذا أرضعت زوجة الرجل بلبنه طفلاً لزوج بنته سواء أكان الطفل من بنته أم من ضرتها بطل عقد البنت وحرمت على زوجها مؤبداً لأنه يحرم على أبي المرتضع أن ينكح في أولاد صاحب اللبن.

(مسألة 715) : لا تحرم أخوات المرتضع والمرتضعة على صاحب اللبن ولا على آبائه وأبنائه وأعمامه وأخواله، وإن كان الأولى أن لا يتزوج صاحب اللبن بهن.

ص: 215

(مسألة 716) : لا تحرم المرضعة وبناتها وسائر أقاربها من النساء على أخوة المرتضع والمرتضعة، كما لا تحرم عليهم بنات صاحب اللبن وسائر أقاربه من النساء.

(مسألة 717) : إذا تزوج امرأة ودخل بها حرمت عليه بنتها الرضاعية، كما تحرم عليه بنتها النسبية، وإذا تزوج امرأة حرمت عليه أمها الرضاعية وإن لم يكن دخل بها كما تحرم عليه أمها النسبية.

(مسألة 718) : لا فرق في نشر الحرمة بالرضاع بين ما إذا كان الرضاع سابقاً على العقد وما إذا كان لاحقاً له، كما في المثال الذي ذكرناه في التنبيه المتقدم في (المسالة 712).

(مسألة 719) : لا بأس بأن ترضع المرأة طفل ابنها أي لا تحرم عليه زوجته لكن قد يرى موارد اخرى للحرمة تعرف مما سبق، وأما إذا أرضعت طفلاً لزوج بنتها سواء أكان الطفل من بنتها أم من ضرتها بطل عقد البنت وحرمت على زوجها مؤبداً لأنه يحرم على أبي المرتضع أن ينكح في أولاد المرضعة النسبية. (مسألة 720) : ليس للرضاع أثر في التحريم ما لم تتوفر فيه شروط ثمانية وهي:

1- حياة المرضعة، فلو كانت المرأة ميتة حال ارتضاع الطفل منها الرضعات كلها، أو بعضها لم يكن لهذا الرضاع أثر.

2- حصول اللبن للمرضعة في ولادة ناتجة من وطء مشروع، فلو ولدت المرأة من الزنا فأرضعت بلبنها منه طفلاً لم يكن لإرضاعها أثر.

3- الأرتضاع بالتقام الثدي، فلا أثر للحليب إذا ألقي في فم الطفل أو سحب بآلة ماصة من الام حقن به الطفل ونحو ذلك.

4- خلوص اللبن فالممزوج بشيء آخر مائع أو جامد كاللبن والسكر لا أثر له.

ص: 216

5- كون اللبن الذي يرتضعه الطفل منتسباً بتمامه إلى شخص واحد فلو طلق الرجل زوجته وهي حامل، أو بعد ولادتها منه فتزوجت شخصاً آخر وحملت منه وقبل أن تضع حملها أرضعت طفلاً بلبن ولادتها السابقة من زوجها الأول ثمان رضعات - مثلاً - وأكملت بعد وضعها لحملها بلبن ولادتها الثانية من زوجها الأخير بسبع رضعات لم يكن هذا الرضاع مؤثراً، ويعتبر أيضاً وحدة المرضعة فلو كان لرجل واحد زوجتان ولدتا منه فارتضع الطفل من إحداهما سبع رضعات ومن الأخرى ثمان رضعات - مثلاً - لم يكن لرضاعه أثر.

6- عدم قذف الطفل للحليب بالتقيؤ لمرض ونحوه، فلو قاءه وجب عليه الإحتياط بعدم ترتيب الأثر على الرضاع من جهة النظر الى ما لا يحل لغير المحارم، وترتيب الأثر عليه من جهة ترك التزويج.

7- بلوغ الرضاع درجة معينة تحدد من حيث الأثر بما أنبت اللحم وشد العظم، ومن حيث العدد بما بلغ خمس عشرة رضعة بل تكفي على الأحوط - وجوباً - عشر رضعات أيضاً في التحريم إذا لم يفصل بين الرضعات شيء آخر حتى الطعام، وتحدد من حيث الزمان بما استمر إرتضاع الطفل من المرأة يوماً وليلة.و يلاحظ في التقدير الزماني أن يكون ما يرتضعه الطفل من المرضعة هو غذاؤه الوحيد طيلة المدة المقررة، فلا يتناول طعاماً آخر أو لبناً من مرضعة أخرى، ولا بأس بتناول الماء أو الدواء أو الشيء اليسير من الأكل بدرجة لا يصدق عليه الغذاء عرفاً.

كما يلاحظ في التقدير الكمي، توالي الرضعات الخمس عشرة - مثلاً - بأن لا يفصل بينها رضاع من امرأة أخرى، وأن تكون كل واحدة منها رضعة كاملة تروي الصبي، فلا تندرج الرضعة الناقصة في العدد، ولا تعتبر الرضعات الناقصة المتعددة بمثابة رضعة كاملة، نعم إذا التقم الصبي الثدي ثم رفضه لا بقصد الإعراض عنه، بل لغرض التنفس ونحوه ثم عاد إليه اعتبر عوده استمراراً للرضعة وكان الكل رضعة واحد كاملة.

ص: 217

8- عدم تجاوز الرضيع للحولين، فلو رضع أو أكمل - بعد ذلك - لم يؤثر شيئاً. وأما المرضعة فلا يلزم في تأثير إرضاعها أن يكون دون الحولين من ولادتها.

مسائل من أحكام الرضاع

(مسألة 721) : يشترط في تحقق الأخوّة الرضاعية بين مرتضعين اتحاد صاحب اللبن فإذا أرضعت إمرأة صبياً رضاعاً كاملاً، ثم طلقها زوجها وتزوجت من آخر وولدت له وتجدد لديها اللبن - لأجل ذلك - فأرضعت به صبية رضاعاً كاملاً، لم تحرم هذه الصبية على ذلك الصبي، لإختلاف اللبنين من ناحية تعدد الزوج، وأما إذا ولدت المرأة مرتين لزوج واحد وأرضعت في كل مرة واحداً منهما أصبح الطفلان أخوين، وحرم أحدهما على الآخر كما حرما على المرضعة وزوجها، وكذلك الحال إذا كان للرجل زوجتان ولدتا منه، وأرضعت كل منهما واحداً، فإن الطفلين يحرم على الآخر كما يحرمان على المرضعتين وزوجهما، فالمعيار - إذن - في حرمة أحد الطفلين على الآخر بالرضاعة وحدة الرجل المنتسب إليه اللبن الذي ارتضعا منه، سواء اتحدت المرضعة أم تعددت، نعم يعتبر أن يكون تمام الرضاع المحرم من امرأة واحدة كما تقدم في (المسألة720).

(مسألة 722) : إذا حرم أحد الطفلين على الآخر بسبب ارتضاعهما من لبن منتسب إلى رجل واحد لم يؤد ذلك إلى حرمة أخوة أحدهما على أخوة الآخر، ولا إلى حرمة الأخوة على المرضعة.

(مسألة 723) : لا يجوز التزويج ببنت أخي الزوجة وبنت أختها من الرضاعة إلا برضاها، كما لا يجوز التزويج بهما من النسب إلا برضاها فإن الرضاع بمنزلة النسب، وكذلك الأخت الرضاعية بمنزلة الأخت النسبية فلا يجوز الجمع بين الأختين الرضاعيتين، فلو عقد على إحداهما لم يجز عقده على الأخرى، ولو عقد عليهما معاً في زمان واحد تخير بينهما، ويجب على

ص: 218

من ارتكب فاحشة اللواط بغلام ترك الزواج من بنته، وأمه وأخته الرضاعيات - أيضاً - كما كان هو الحال في النسبيات.

(مسألة 724) : لا تحرم المرأة على زوجها فيما إذا أرضعت من أقربائها أخاها أو أولاد أخيها، أو أختها أو أولاد أختها، أو عمها أو خالها أو أولادهما أو عمتها أو خالتها أو أولادهما، وكذلك لا تحرم المرأة على زوجها فيما إذا أرضعت من أقربائه أخاه أو أخته أو عمه أو عمته أو خاله أو خالته، أو ولد بنته من زوجته الأخرى أو ولد أخته.

(مسألة 725) : لا تحرم على الرجل امرأة أرضعت طفل عمته أو طفل خالته وإن كان الأحوط ترك الزواج منها، كما لا تحرم عليه زوجته إذا ارتضع ابن عمها من زوجة أخرى له.

(مسألة 726) : لا توارث في الرضاع فيما يتوارث به من النسب.

الرضاع وآدابه

(مسألة 727) : الأم أحق بإرضاع ولدها من غيرها فليس للأب تعيين غيرها لإرضاع الولد، إلا إذا طالبت بأجرة وكانت غيرها تقبل الإرضاع بأجرة أقل أو بدون أجرة ومع ذلك فيجدر بالأب أن لا يسترضعه غير الأم، ويحسن بالأم أن لا تأخذ الأجرة على إرضاع ولدها، كما ينبغي للأب أن يعطيها أجراً على ذلك وإن لم تطالبه.

(مسألة 728) : يحسن إختيار المرضعة المؤمنة الإثنا عشرية العفيفة الوضيئة الحميدة في خُلقها وخَلقها، ويكره استرضاع المرأة الناقصة في عقلها، وسيئة الخلق، وكريهة الوجه، وغير الإثني عشرية. كما يكره استرضاع الزانية من اللبن الحاصل بالزنا.

(مسألة 729) : يستحب إرضاع الولد حولين كاملين إذا أمكن ذلك.

ص: 219

مسائل متفرقة في الرضاع

(مسألة 730) : يستحب منع النساء من الاسترسال في إرضاع الأطفال دون تحفظ خوفاً من حصول الزواج بينهم بدون التفات إلى العلاقة الرضاعية.

(مسألة 731) : يستحب للمنتسبين بالرضاع إحترام بعضهم بعضاً، فإن الرضاع لحمة كلحمة النسب.

(مسألة 732) : لا يجوز للزوجة إرضاع ولد الغير إذا زاحم ذلك حق زوجها ما لم يأذن زوجها لها في إرضاعه.

(مسألة 733) : إذا اعترف الرجل بحرمة امرأة أجنبية عليه بسبب الرضاع، وكان إعترافه معقولاً لم يجز له أن يتزوجها، وإذا ادعى حرمة المرأة عليه - بعد

عقده عليها - وصدقته المرأة بطل العقد وثبت لها مهر المثل إذا كان قد دخل بها ولم تكن عالمة بالحرمة وقتئذٍ، وأما إذا لم يكن قد دخل بها أو كان قد دخل بها مع علمها بالحرمة فلا مهر لها، ونظير اعتراف الرجل بحرمة المرأة اعتراف المرأة بحرمة رجل عليها قبل العقد أو بعده فيجري فيه التفصيل الآنف الذكر.(مسألة 734) : يثبت الرضاع المحرم بأمرين:

الأول: إخبار جماعة يوجب الاطمئنان بوقوعه.

الثاني: شهادة البينة العادلة على وقوع الرضاع المحرم بالتفصيل المتقدم، كأن تشهد على خمس عشرة رضعة متوالية ونحو ذلك، وتحصل البينة بشهادة رجلين أو رجل مع امرأتين أو نساء أربع.

(مسألة 735) : إذا لم يعلم بوقوع الرضاع أو كماله حكم بعدمه وإن كان الاحتياط مع الظن بوقوعه كاملاً، بل مع احتماله أيضاً أحسن.

ص: 220

الطلاق وأحكامه

(مسألة 736) : يشترط في المطلق أمور:

1- البلوغ: فلا يصح طلاق الصبي.

2- العقل: فلا يصح طلاق المجنون، ومن فقد عقله بإغماء أو شرب مسكر ونحوهما.

3- الاختيار: فلا يصح طلاق المكره والمجبور.

4- قصد الفراق حقيقة بالصيغة: فلا يصح الطلاق إذا صدرت الصيغة حالة النوم، أو هزلاً، أو سهواً، أو نحو ذلك.

(مسألة 737) : لا يجوز الطلاق ما لم تكن المطلقة طاهرة من الحيض والنفاس، وتستثنى من ذلك موارد:

الأول: أن لا يكون الزوج قد دخل بزوجته.

الثاني: أن تكون الزوجة مستبينة الحمل، فإن لم يستبن حملها وطلقها زوجها - وهي حائض - ثم علم أنها كانت حاملاً - وقتئذٍ - وجب عليه أن يطلقها ثانياً على الأحوط.

الثالث: أن يكون الزوج غائباً أو محبوساً، ولم يتمكن من استعلام حال زوجته فيصح منه الطلاق وإن وقع حال حيضها، وأما إذا تمكن الغائب، أو المحبوس من استعلام الحال من جهة العلم بعادتها أو ببعض الإمارات الشرعية لم يجز له طلاقها ما لم تمض مدة يعلم فيها بالطهر، وكذلك إذا سافر الزوج وترك زوجته - وهي حائض - فإنه لا يجوز له أن يطلقها، ما لم تمض مدة حيضها، وإذا طلق الزوج زوجته في غير هذه الصورة وهي حائض

ص: 221

لم يجز الطلاق. وإن طلقها بإعتقاد انها حائض - وبانت طاهرة - صح طلاقها، ما لم ينافِ هذا الاعتقاد القصد الذي هو شرط.(مسألة 738) : كما لا يجوز طلاق المرأة في الحيض والنفاس كذلك لا يجوز له طلاقها في طهر قاربها فيه، فلو قاربها في طهر لزمه الانتظار حتى تحيض وتطهر ثم يطلقها بدون مواقعة، ولو سافر عنها وجب عليه الإنتظار مدة تنتقل فيها المرأة - عادة - الى طهر جديد، على أن لا يقل إنتظاره عن شهر على الأحوط. ويستثنى من ذلك الصغيرة واليائسة فإنه يجوز طلاقهما في طهر المواقعة، وكذلك الحامل المستبين حملها، ولو طلقها قبل ذلك ثم ظهر أنها كانت حاملاً فالأحوط إعادة طلاقها ثانياً، وأما من لا تحيض - وهي في سن من تحيض - فلا يجوز طلاقها إذا واقعها الزوج، إلا بعد أن يعتزل عنها ثلاثة أشهر.

(مسألة 739) : لا يقع الطلاق إلا بلفظ الطلاق بصيغة خاصة عربية، وفي محضر عدلين ذكرين يسمعان الإنشاء فيقول الزوج مثلاً: (زوجتي فلانة طالق)، أو يخاطب زوجته ويقول: (أنت طالق)، أو يقول وكيله: (زوجة موكلي فلانة طالق). وإذا كانت الزوجة معينة لم يلزم ذكر اسمها، وإذا لم يُحسن الزوج اللغة العربية فليوكّل من يحسنها بانشاء الصيغة، وإذا تعذر جاز اجراء الصيغة بما يدل على إنشاء الطلاق باللغات الأخرى.

(مسألة 740) : لا يصح طلاق المتمتع بها، بل فراقها يتحقق بانقضاء المدة أو بذله لها، بأن يقول الرجل: (وهبتك مدة المتعة)، ولا يعتبر في صحة الإشهاد، ولا خلوها من الحيض والنفاس.

عدة الطلاق

(مسألة 741) : لا عدة على الصغيرة التي لم تبلغ جنسياً وإن دخل بها زوجها جهلاً أو عناداً، وكذلك اليائسة التي توقفت عندها الدورة الشهرية،

ص: 222

فيسمح لهما بالزواج بمجرد الطلاق، وكذلك من لم يدخل بها زوجها، وإن كانت بالغة إلاّ أن يكون قد وضع فيها ماءه بطريقةٍ ما.(مسألة 742) : إذا طلق الرجل زوجته المدخول بها - بعد بلوغها الجنسي وقبل بلوغها سن اليأس - وجبت عليها العدة، وعدة الحرة - غير الحامل - ثلاثة أطهار، ويحسب الطهر الفاصل بين الطلاق وحيضها طهراً واحداً وإن قلّ كلحظة، فتنقضي عدتها برؤية الدم الثالث.

(مسألة 743) : المطلقة الحامل من سبب معتبر شرعاً، عدتها مدة حملها، فتنقضي بوضع الحمل تاماً أو سقطاً، ولو كان بعد الطلاق بساعة.

(مسألة 744) : إذا حملت باثنين فانقضاء عدتها بوضع الأخير منهما.

مسائل متفرقة في الطلاق

(مسألة 745) : عدة الطلاق من الزوج تعني حرمة التزويج بغيره خلال مدة معينة وهي المبينة في هذه المسائل.

(مسألة 746) : المطلقة - غير الحامل - إذا كانت لا تحيض - وهي في سن من تحيض - لعارض كمرض أو إرضاع وهي التي تسمى المسترابة عدتها ثلاثة أشهر وكذا غير مستقيمة الحيض كما لو كان يأتيها كل ثلاثة أشهر، فإذا طلقها في أول الشهر اعتدت إلى ثلاثة أشهر هلالية، وإذا طلقها في أثناء الشهر اعتدت بقية شهرها وشهرين هلاليين آخرين، ومقداراً من الشهر الرابع تكمل به نقص الشهر الأول، فمن طلقت في غروب اليوم العشرين من شهر رجب - مثلاً - وكان الشهر تسعة وعشرين يوماً وجب عليها أن تعتد إلى اليوم العشرين من شوال، والأحوط أن تعتد إلى اليوم الواحد والعشرين منه ليكتمل بضمه إلى أيام العدة من رجب ثلاثون يوماً.

(مسألة 747) : عدة المتمتع بها إذا كانت بالغة مدخولاً بها غير يائسة حيضتان كاملتان، وإن كانت لا تحيض لمرض ونحوه فعدتها خمسة وأربعون

ص: 223

يوماً، وعدة الحامل المتمتع بها أبعد الأجلين من وضع حملها ومن مضي خمسة وأربعين يوماً على الأحوط.

(مسألة 748) : ابتداء عدة الطلاق من حين وقوعه، فلو طلقت المرأة - وهي لا تعلم به - فعلمت به والعدة قد انقضت جاز لها التزويج دون أن تنتظر مضي زمان ما، وإذا علمت بالطلاق - أثناء العدة - أكملتها، وكذلك الحال في المتمتع بها فإن ابتداء عدتها من حين انقضاء مدة العقد أو هبتها وإن لم تعلم بها.

عدة الوفاة

(مسألة 749) : إذا توفي الزوج وجبت على زوجته العدة مهما كان عمر الزوجة فتعتد الصغيرة والبالغة واليائسة على السواء من دون فرق بين الزوجة المنقطعة والدائمة والمدخول بها وغيرها. ويختلف مقدار العدة تبعاً لوجود الحمل وعدمه، فإذا لم تكن الزوجة حاملاً اعتدت أربعة أشهر وعشرة أيام، وإذا كانت حاملاً كانت عدتها أبعد الأجلين من هذه المدة ووضع الحمل فتستمر الحامل في عدتها إلى أن تضع ثم ترى، فإن كان قد مضى على وفاة زوجها - حين الوضع - أربعة أشهر وعشرة أيام فقد انتهت عدتها، وإلا استمرت في عدتها إلى أن تكمل هذه المدة، ومبدأ عدة الوفاة - فيما إذا كان الزوج غائباً أو في حكمه - من حين بلوغ خبر الموت إلى الزوجة دون زمان الوفاة واقعاً على إشكال في المجنونة والصغيرة.

(مسألة 750) : مبدأ عدة الوفاة من حين العلم بالوفاة لا من حين وقوعها، فلو لم تعلم بوفاة زوجها لسفر أو سجن أو غيبة ونحوها لم تبدأ حساب العدة حتى تعلم بالوفاة.

وإذا كان الزوج مفقوداً ورفعت الزوجة أمرها إلى الحاكم الشرعي وحكم بوفاته، فالعدة من حين ابلاغها بالحكم، وإذا تعرض لحادث كاختطاف ونحوه ثم حصل الاطمئنان بالوفاة، فمن حين حصول الاطمئنان.

ص: 224

(مسألة 751) : كما يجب على الزوجة أن تعتد عند وفاة زوجها، بالمعنى الذي ذكرناه في عدة الطلاق، كذلك يجب عليها إذا كانت بالغة الحداد بترك ما فيه زينة من الثياب، والأدهان والطيب، فيحرم عليها لبس الأحمر والأصفر، والحلي والتزين بالكحل والطيب والخضاب وما إلى ذلك مما يعد زينة تتزين به الزوجات لأزواجهن.

(مسألة 752) : إذا غاب الزوج عن زوجته، وبعد ذلك تأكدت الزوجة لقرائن خاصة من موت زوجها في غيبته كان ابتداء عدتها من حصول الاطمئنان بوفاته بموجب تلك القرائن، ولها أن تتزوج بآخر بعد انتهاء عدتها، فلو تزوجت شخصاً آخر ثم ظهر أن زوجها الأول مات بعد زواجها من الثاني وجب عليها الانفصال من زوجها الثاني، فاذا كانت حاملاً اعتدت منه عدة وطئ الشبهة وهي كعدة الطلاق أي الى أن تضع حملها، ثم تعتد أربعة أشهر وعشراً عدة الوفاة لزوجها الأول، وأما إذا لم تكن حاملاً فتعتد أولاً عدة الوفاة للزوج الأول ثم تعتد عدة الاشتباه للثاني.(مسالة 753) : إذا ادعت المرأة انقضاء عدتها قبلت دعواها بشرطين:

الأول: أن لا تكون المرأة مظنة التهمة على الأحوط.

الثاني: أن يمضي زمان من الطلاق أو من موت الزوج بحيث يمكن أن تنقضي العدة فيه ولو بلحاظ عادة أقرانها.

الطلاق البائن والرجعي

(مسالة 754) : الطلاق البائن ما ليس للزوج بعده الرجوع إلى الزوجة إلا بعقد جديد وهو ستة:

1- طلاق الصغيرة التي لم تبلغ بالمعنى الذي ذكرناه في أول كتاب الاجتهاد و التقليد.

ص: 225

2- طلاق اليائسة.

3- الطلاق قبل الدخول.

4- الطلاق الذي سبقه طلاقان.

5- طلاق الخلع والمباراة.

6- طلاق الحاكم زوجة الممتنع عن الطلاق وعن الإنفاق عليها، وستمر عليك أحكام تلك الأقسام، وأما غير الأقسام المذكورة فهو طلاق رجعي وهو الذي يحق للمطلق بعده أن يراجع المطلقة ما دامت في العدة.

(مسألة 755) : تثبت النفقة والسكنى لذات العدة الرجعية في العدة، ويحرم عليها أن تخرج من دارها إلا في حاجة لازمة ويستحب لها التزيّن للزوج والتمكين، كما يحرم على زوجها إخراجها من الدار التي كانت فيها عند الطلاق، إلا أن تأتي بفاحشة مبينة، كما إذا كانت تتردد على الأجانب، أو يترددون عليها وافضعها الزنا.

الرجعة وحكمها

(مسألة 756) : الرجعة عبارة عن (رد المطلقة الرجعية في زمان عدتها إلى نكاحها السابق)، فلا رجعة في البائنة ولا في الرجعية بعد انقضاء عدتها، وتتحقق الرجعة بأحد أمرين:

الأول: أن يتكلم بكلام دال على إنشاء الرجوع كقوله: (راجعتك) ونحوه.

الثاني: أن يفعل فعلاً يقصد به الرجوع إليها كخلع حجابها، أما الأفعال الظاهرة والصريحة في التعبير عن الحالة الزوجية كالجماع أو التقبيل شهوة فإنّها لا تحتاج إلى قصد وتقع الرجعة بها تلقائياً.

(مسالة 757) : لا يعتبر الإشهاد في الرجعة، كما لا يعتبر فيها اطلاع الزوجة عليها، وعليه فلو رجع بها في نفسه من دون اطلاع أحد صحت الرجعة وعادت المرأة إلى نكاحها السابق.

ص: 226

(مسألة 758) : إذا طلق الرجل زوجته طلاقاً رجعياً ثم صالحها على أن لا يرجع إليها لم يلزم بعدم الرجوع فلو رجع إليها بعد المصالحة صح رجوعه.

(مسألة 759) : لو طلق الرجل زوجته ثلاثاً مع تخلل رجعتين أو عقدين جديدين أو عقد جديد ورجعة في البين حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره، ويعتبر في زوال التحريم بالنكاح الثاني أمور:الأول: أن يكون العقد دائماً لا متعة.

الثاني: أن يطأها، والأحوط أن يكون الوطء في القبل.

الثالث: أن يفارقها الزوج الثاني بموت أو طلاق.

الرابع: انقضاء عدتها من الزوج الثاني.

الخامس: أن يكون الزوج الثاني بالغاً، فلا إعتبار بنكاح غير البالغ على الأحوط.

الطلاق الخلعي

(مسألة 760) : الخلع هو: (الطلاق بفدية من الزوجة الكارهة للاستمرار مع زوجها بسبب يعود إليها إلى درجة تهدده فيها بعدم التمكين الجنسي وعدم التورع عن ادخال الأجانب أو الدخول عليهم).

(مسألة 761) : صيغة الخلع أن يقول الزوج - بعد أن تقول الزوجة لزوجها: (بذلت لك مهري على أن تخلعني) - (زوجتي فلانة خالعتها على ما بذلت)، والأحوط الأولى أن يعقبه بكلمة (هي طالق)، وإذا كانت الزوجة معينة لم يلزم ذكر اسمها لا في الخلع ولا في المباراة، ويجوز أن يكون المبذول غير المهر.

(مسالة 762) : إذا وكلت المرأة أحداً في بذل مهرها لزوجها ووكله زوجها أيضاً في طلاقها قال الوكيل: (عن موكلتي فلانة بذلت مهرها لموكلي فلان

ص: 227

ليخلعها عليه)، ويعقبه فوراً بقوله: (زوجة موكلي خالعتها على ما بذلت هي طالق). ولو وكلت الزوجة شخصاً في بذل شيء آخر غير المهر لزوجها يذكره الوكيل مكان كلمة المهر، مثلاً إذا كان المبذول مائة دينار قال الوكيل: (عن موكلتي بذلت مائة دينار لموكلي فلان ليخلعها عليه)، ثم يعقبه بما تقدم.

المباراة وحكمها

(مسالة 763) : المباراة هي: (طلاق الزوج الكاره لزوجته بفدية من الزوجة الكارهة لزوجها)، فالكراهة في المباراة تكون من الطرفين.

(مسألة 764) : صيغة المباراة أن يقول الزوج: (بارأت زوجتي فلانة على مهرها فهي طالق). ولو وكل غيره في ذلك قال الوكيل: (بارأت زوجة موكلي فاطمة على مهرها)، أو (بمهرها) بدل جملة (على مهرها)، وإذا كانت المرأة معينة لم يلزم ذكر اسمها كما عرفته في الخلع.

(مسألة 765) : تعتبر العربية الصحيحة في صيغة الخلع والمباراة ما دام يمكن ذلك ولو بالتوكيل. نعم لا تعتبر العربية في بذل الزوجة مالها للزوج ليطلقها بل يقع ذلك بكل لغة مفيدة للمعنى المقصود.

(مسألة 766) : لو رجعت الزوجة عن بذلها في عدة الخلع والمباراة جاز للزوج أيضاً أن يرجع إليها، فينقلب الطلاق البائن رجعياً.

(مسألة 767) : يعتبر في المباراة أن لا يكون المبذول أكثر من المهر ولا بأس بزيادته في الخلع.

مسائل متفرقة في الطلاق

(مسألة 768) : لا يعتبر في صحة الطلاق علم الزوجة به ولا حضورها ولا رضاها.

ص: 228

(مسألة 769) : إذا وطأ الرجل امرأة شبهة باعتقاد إنها زوجته اعتدت عدة الطلاق - على التفصيل المتقدم - من حين الوطء سواء علمت المرأة بكون الرجل أجنبياً أم لم تعلم به.(مسألة 770) : إذا زنا بامرأة مع العلم بكونها أجنبية لم تجب عليها العدة إذا كانت هي كذلك، أما إذا لم تكن هي عالمة بالحال فالأحوط لها الاعتداد.

(مسألة 771) : ورد في الأحاديث الشريفة (مَا مِنْ شَيْ ءٍ أَبْغَضَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِنَ الطَّلاقِ). ووصف رسول الله (صلى الله عليه وآله) طلاق امرأة لأحد أصحابه بأنه (حوب) أي إثم لأنه بلا مسوِّغ معقول. وعليه فإذا خدع الرجل ذات بعل ففارقت زوجها بطلاقها وتزوج بها صح الطلاق والزواج، غير أنهما إرتكبا ما يغضب الله تبارك وتعالى.

(مسألة 772) : لو اشترطت الزوجة على زوجها في عقد الزواج أن يكون اختيار الطلاق بيدها مطلقاً، أو إذا سافر، أو إذا لم ينفق عليها بطل الشرط، وأما إذا اشترطت عليه أن تكون وكيلة عنه في طلاق نفسها مطلقاً أو إذا سافر، أو إذا لم ينفق عليها صح الشرط وصح طلاقها بالوكالة حينئذٍ.

(مسألة 773) : إذا غاب الزوج ولم يظهر له أثر، ولم يعلم موته ولا حياته جاز لزوجته أن ترفع أمرها إلى المجتهد العادل فتعمل بما يقرره.

والموقف العام - وإن كان قد تختلف التفاصيل بحسب الحالات - إن الزوج إذا كان له مال ينفق منه على الزوجة أو أنفق عليها وليّه وجب عليها الصبر ولو طالت المدة حتى يستبين أمره، وإن لم يتوفر لها ذلك أمرها الحاكم الشرعي بالانتظار أربع سنين ليفحص عن الزوج خلال هذه المدة فإن لم يصل إلى نتيجة طلّقها وليّه أو الحاكم بإذنه، وتعتد الزوجة من حينه عدة الوفاة، وهي حرة بعدها في الزواج ممن تشاء.

(مسألة 774) : طلاق زوجة المجنون الذي لا يفيق بيد أبيه وجده لأبيه، فإن لم يوجد أي منهما فالولاية للحاكم الشرعي.

ص: 229

(مسألة 775) : إذا زوج الطفل أبوه أو جده من أبيه بعقد انقطاع جاز لهما بذل مدة زوجته مع المصلحة، ولو كانت المدة تزيد على زمان صباه، كما إذا كان عمر الصبي أربع عشرة سنة وكانت مدة المتعة سنتين مثلاً. وليس لهما تطليق زوجته الدائمة.(مسألة 776) : لو اعتقد الرجل بعدالة رجلين وطلق زوجته عندهما جاز لغيره البناء على ما اعتقده الزوج وتزويجها بعد انقضاء عدتها، وإن لم يحرز هو عدالة الشاهدين، نعم الأحوط أن لا يتزوجها بنفسه، ولا يتصدى لتزويجها للغير إذا بان له عدم عدالتهما.

أحكام الغصب

(مسألة 777) : الغصب (هو استيلاء الانسان عدوانا على مال الغير أو حقه)، وهو من كبائر المحرمات، ويؤاخذ فاعله - يوم القيامة - بأشد العذاب، وعن النبي الاكرم(صلى الله عليه وآله) : (من غصب شِبْرٍ من الأَرضِ طَوَّقَه اللَّه من سَبْعِ أَرَضِين يوم القيامة).

(مسألة 778) : يتحقق الغصب في كل شيء بحسبه مما يحقق معنى الاستيلاء، فغصب الأمتعة والأموال بانتزاعها من المالك ووضع اليد عليها، وفي الدور والعقارات باشغالها ومنع المالك من الانتفاع بها وهكذا.

(مسألة 779) : من الغصب منع الناس عن الإنتفاع بالاوقاف العامة كالمساجد والمدارس والقناطر ونحوها بالاستيلاء عليها أو بأي شكل من اشكال المنع كحجز المكان مدة طويلة من دون شغله بما أريد له، وكذا الحال فيما إذا اتخذ احد مكاناً في المسجد للصلاة أو لغيرها، فإن منعه عن الإنتفاع به من الغصب الحرام. نعم توجد أولويات لشغل المكان، فمن صلّى في موضع الطواف جاز منعه لتيسير طواف الآخرين، أو جلس في المسجد للحديث مع آخر فيطالب بترك مكانه لمن يريد أن يصلي فيه وهكذا.

ص: 230

(مسألة 780) : لا يجوز للراهن أن يأخذ من المرتهن رهنه قبل أن يوفي له دينه، لأنه وثيقة للدين فلو أخذه منه قبل ذلك من دون رضاه فقد غصب حقه.

(مسألة 781) : إذا غصبت العين المرهونة فلكل من الراهن والمرتهن مطالبتها من الغاصب، وان اخذ منه بدلها لأجل تلف العين فهو أيضا يكون رهناً بدل العين.

(مسألة 782) : لو حبس انساناً أو اعتقله من غير إرادته وكان ذلك سبباً لمنعه من عمل منتج عُدّ غاصباً لتلك المنافع وعليه ضمانها.

(مسألة 783) : يجب على الغاصب رد المغصوب الى مالكه والتخلية بينه وبين المالك، ويختلف هذا باختلاف معاني الاستيلاء المتقدمة، كما يجب عليه رد عوضه اليه على تقدير تلفه ولو كلّف الرد مؤونة مادية أو معنوية وجب على الغاصب تحملها.(مسألة 784) : منافع المغصوب - كالولد واللبن ونحوهما - ملك لمالكه، فيجب على الغاصب تسليمها إلى المالك، وإن تلفت ضمن البدل، وكذلك أجرة الدار التي غصبها، فإنه لابد من دفعها الى مالكها وإن لم يسكنها الغاصب قط.

(مسألة 785) : المال المغصوب من الصبي أو المجنون يرد إلى وليهما ومع التلف يرد اليه عوضه ولا يجزي ردّه إليهما.

(مسألة 786) : إذا كان الغاصب شخصين معاً ضمن كل منهما بمقدار استيلائه على المغصوب، فإذا استولى كل منهما على نصف المغصوب ضمن كل منهما النصف، وإن كان كل منهما متمكناً من غصب المال بتمامه، جاز للمالك الرجوع على أي منهما، أو يتناصفان الضمان.

(مسألة 787) : لو اختلط المغصوب بغيره - كما إذا غصب الحنطة ومزجها بالشعير - فمع التمكن من تمييزه يجب على الغاصب ان يميزه ويرده إلى مالكه ومع عدم امكان التمييز فعلى الغاصب الضمان بالمثل او القيمة.

ص: 231

(مسألة 788) : إذا غصب شيئاً فأحدث فيه عيباً وجب عليه ردّه مع الارش وهو الفرق في القيمة بين كونه صحيحاً ومعيباً، كما لو غصب مصوغات ذهبية فكسرها وجب ردها الى مالكها وعليه أجرة صياغتها، فلو طلب الغاصب ان يصوغها ثانياً كما كانت سابقا فراراً عن أجرة الصياغة لم يجب على المالك القبول، كما ان المالك ليس له اجبار الغاصب بالصياغة وارجاع المغصوب إلى حالته الاولى.

(مسألة 789) : لو تصرف في العين المغصوبة بما تزيد به قيمتها كما إذا غصب ذهبا فصاغه قرطاً أو قلادة، وطلب المالك ردها اليه بتلك الحالة وجب ردها اليه، ولا شيء له بازاء عمله، بل ليس له ارجاعها إلى حالتها السابقة من دون إذن مالكها، فلو ارجعها إلى ما كانت عليه سابقاً من دون إذنه ضمن للمالك أجرة صياغتها إذا كان المالك قد طالبه بها حال حصول الزيادة فيها، وإلا فلا.

(مسألة 790) : لو تصرف الغاصب في العين المغصوبة بما تزيد به قيمتها عما قبل وطلب المالك ارجاعها إلى حالتها السابقة وجب، ولو نقصت قيمتها الأولية بذلك ضمن ارش النقصان، فالذهب الذي صاغه قرطاً إذا طلب المالك اعادته إلى ما كان عليه سابقاً فأعادة الغاصب على ما كان عليه فنقصت قيمته ضمن النقص.

(مسألة 791) : لو غصب ارضاً فغرسها أو زرعها فالغرس والزرع ونماؤهما للغاصب، وعليه ازالتهما فوراً وان تضرر بذلك الا اذا رضي المالك بالبقاء مجاناً أو بعوض، كما ان عليه - أيضاً - طم الحفر وأجرة الأرض ما دامت مشغولة بهما، ولو حدث نقص في قيمة الارض بقلعهما وجب عليه ارش النقصان، وليس له إجبار المالك على بيع الأرض منه أو اجارتها اياه، كما ان المالك لو بذل قيمة الغرس والزرع لم تجب على الغاصب اجابته.

(مسألة 792) : إذا رضي المالك ببقاء غرس الغاصب أو زرعه في أرضه

ص: 232

بعوض لم يجب على الغاصب قلعهما، ولكن لزمته أجرة الأرض من لدن غصبها إلى زمان رضاء المالك بالبقاء.

(مسألة 793) : إذا تلف المغصوب وكان قيمياً - بان اختلفت افراده في القيمة السوقية من جهة الخصوصيات الشخصية - كالبقر والغنم ونحوهما وجب رد قيمته إن لم يكن هناك تفاوت في القيمة السوقية بحسب الأزمنة، ومع التفاوت لابد من دفع قيمة زمان الأداء.

(مسألة 794) : المغصوب التالف إذا كان مثلياً - بأن لم تختلف افراده في القيمة من جهة الخصوصيات الشخصية - كالحنطة والشعير ونحوهما وجب رد مثله. الا انه انما يجزي فيما إذا اتحد المدفوع مع التالف في جميع الخصوصيات النوعية والصنفية، فلا يجزي الرديء من الحنطة - مثلاً - عن جيّدها.

(مسألة 795) : إذا وجد المثل وكانت قيمته أعلى من قيمة المغصوب التالف يوم التلف وجب على الغاصب تحصيله وتسليمه إلى المالك، إلا أن تكون الزيادة غير متعارفة كما لو حصلت كارثة عامة فارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل فاحش فيتراضى المالك والغاصب على دفع القيمة المتعارفة أو الانتظار حتى يمكن تحصيل المثل بقيمة معقولة.(مسألة 796) : من حق المالك أن يطالب الغاصب بمراعاة قيمة المغصوب عند الأداء مع قيمته حين الغصب، ولو غصبه شيئاً يكون سوقه رائجاً في الصيف - كالثلج - وكاسداً في ألشتاء فللمالك الامتناع عن تسلّمه في الشتاء والمطالبة بتسليمه في الصيف أو التراضي مع الغاصب على دفع قيمته في الصيف وإن كان في الشتاء.

(مسألة 797) : لو غصب قيمياً فتلف ولم تتفاوت قيمته السوقية في زماني الغصب والتلف، الا انه حصل فيه ما يوجب ارتفاع قيمته، كما إذا كان الحيوان مهزولاً حين غصبه ثم سمن فانه يضمن قيمته حال سمنه.

ص: 233

(مسألة 798) : إذا غصبت العين من مالكها، ثم غصبها الآخر من الغاصب، ثم تلفت فللمالك مطالبة اي منهما ببدلها من المثل أو القيمة، كما ان له مطالبة اي منهما بمقدار من العوض.

ثم انه إذا اخذ العوض من الغاصب الاول فللاول مطالبة الغاصب الثاني بما غرمه للمالك، واما إذا اخذ العوض من الغاصب الثاني فليس له ان يرجع إلى الاول بما دفعه إلى المالك.

(مسألة 799) : إذا بطلت المعاملة لفقدها شرطاً من شروطها، كما إذا باع ما يباع بالوزن من دون وزن فان رضي البائع والمشتري بتصرف كل منهما في مال الآخر - حتى على فرض عدم صحة المعاملة - فهو، والا فما في يد كل منهما من مال صاحبه كالمغصوب يجب رده إلى مالكه، فلو تلف تحت يده وجب رد عوضه سواء أعلم ببطلان المعاملة أم لم يعلم.

(مسألة 800) : المقبوض بالسوم - أي ما قبضه المشتري لفحصه والتأمل فيه والمساومة على سعره قبل شرائه - وما يبقيه المشتري عنده ليتروى في شرائه إذا تلف ضمن المشتري للبائع عوضه من المثل أو القيمة.

أحكام اللقطة

وهو المال المأخوذ المعثور عليه بعد ضياعه عن مالكه غير المعروف عند الالتقاط.

(مسألة 801) : إذا لم تكن للمال الملتقط علامة يعرف بها عندما يدعيها أحد كالأوراق النقدية المتفرقة وبلغت قيمته درهماً فما زاد (مقدار الدرهم وزناً 2.415 غرام)، يتصدق به عن مالكه على الأحوط الأولى.

(مسألة 802) : إذا كانت قيمة اللقطة دون الدرهم، فإن علم مالكها ولم يعلم رضاه لم يجز أخذها من دون إجازته، وأما إذا لم يعلم مالكها فإن كانت

ص: 234

مما ينتفع به كبعض الأدوات المنزلية فللملتقط الانتفاع بها، ثم إذا ظهر مالكها لزم دفعها إليه وإن كانت تالفة لم يضمن، والأحوط أن يتصدق بها مطلقاً ولا يجب التعريف بها.

(مسألة 803) : اللقطة اذا كانت لها علامة يمكن الوصول بها إلى مالكها وبلغت قيمتها درهماً فما زاد وجب تعريفها في مجامع الناس والأماكن المتوقعة لمالكها سنة كاملة من يوم الالتقاط، سواء أكان مالكها مسلماً أم كافراً ذمياً، هذا فيما إذا أمكن التعريف، وأما فيما لا يمكن فيه التعريف لأجل أن مالكه قد سافر الى البلاد البعيدة التي لا يمكن الوصول إليها، أو لأجل أن الملتقط يخاف من التهمة والخطر إن عرف بها أو لعدم الجدوى في التعريف يسقط التعريف ولكن عليه الاحتفاظ باللقطة وانتظار مرور السنة لاحتمال امكان وصوله إلى المالك أو وصول المالك إليه، وحينئذٍ يجب التصدق بها عن صاحبها على الأحوط، فإذا ظهر المالك فهو بالخيار إن شاء رجع على الملتقط بضمانها وللملتقط ثواب الصدقة، أو الرضا بما فعله الملتقط، وإن حصل اليأس قبل السنة وكان الانتظار حرجياً استأذن الحاكم الشرعي في التصدق بها.

(مسألة 804) : لا تعتبر المباشرة في التعريف بل للملتقط الإستنابة فيه مع الإطمئنان بوقوعه أو قيام متبرع بذلك.(مسألة 805) : إذا عرف اللقطة سنة ولم يظهر مالكها فإن كانت اللقطة في الحرم - أي حرم مكة زادها الله شرفاً - وجب عليه أن يتصدق بها عن مالكها على الاحوط، واما إذا كانت في غير الحرم فللملتقط ان يحفظها لمالكها والانتفاع بها، أو يتصدق بها عن مالكها، والأولى هو الأخير.

(مسألة 806) : لو عرف اللقطة سنة ولم يظفر بمالكها فتلفت ثم ظفر به فإن كان قد تحفظ بها لمالكها ولم يتعد في حفظها ولم يفرط لم يضمن، وإن كان قد تملكها لنفسه ضمنها لمالكها، وإن كان تصدق بها عن صاحبها كان المالك بالخيار بين أن يرضى بالتصدق وأن يطالبه ببدلها.

ص: 235

(مسألة 807) : لو لم يعرف اللقطة - عمداً - عصى، ولا يسقط عنه وجوبه فيجب تعريفها بعد العصيان أيضاً ولو بمقدار يحصل معه اليأس عن الوصول إلى مالكها.

(مسألة 808) : إذا كان الملتقط صبياً أو مجنوناً وكانت اللقطة مما يجب فيها التعريف: فللولي أن يتصدى لتعريف اللقطة بل يجب عليه إذا تحقق وضع اليد عليها وجرت عليه الأحكام السابقة.

(مسألة 809) : لو تلفت اللقطة قبل تمام السنة، فإن لم يقصّر في تطبيق الحكم الشرعي ولم يتعد في حفظها ولم يفرط لم يكن عليه شئ وإلا وجب تطبيق الحكم الشرعي على بدلها وهو المثل أو القيمة بحسب الأحكام السابقة.

(مسألة 810) : لو وجد مالاً وحسب أنه له فأخذه ثم ظهر أنه للغير فهو لقطة يجب إجراء الأحكام المتقدمة عليها.

(مسألة 811) : يعتبر في التعريف ذكر صفات من الملتقط وجنسه تدل صاحب المال على ماله ولا يتوسع أكثر من ذلك بحيث يعطي الفرصة لغير المالك أن يدعيها، وهذا يختلف بحسب الأشياء فقد نكتفي بالجنس البعيد وقد يتطلب ذكر ما هو أقرب منه كقوله (شيء) أو (مال) أو مجموعة من أوراق نقدية ذات فئة واحدة فالأول أوسع من الثاني والثاني أوسع من الثالث وهكذا بحسب ما يقتضيه الخروج عن عهدة التعريف المناسب.(مسألة 812) : لو ادعى اللقطة أحد، سئل عن أوصافها وعلاماتها فإذا توافقت الصفات والعلائم التي ذكرها مع الخصوصيات الموجودة فيها وحصل الاطمئنان بأنها له - كما هو الغالب - اعطيت له، ولا يعتبر أن يذكر الاوصاف التي لا يلتفت إليها المالك غالباً والمهم حصول الاطمئنان بكون المدعي مالكاً لها.

(مسألة 813) : اللقطة البالغة قيمتها درهماً فما زاد إذا ترك اللاقط تعريفها

ص: 236

ووضعها في مجامع الناس كالمسجد والزقاق فأخذها شخص آخر أو تلفت ضمنها ملتقطها.

(مسألة 814) : لو كانت اللقطة مما يفسد بالبقاء ولا يمكن الاحتفاظ بها سنة، جاز للاقط أن يقومها على نفسه ويتصرف فيها بما شاء ويبقى الثمن في ذمته للمالك، كما يجوز له أن يبيعها من غيره بالإجازة من الحاكم الشرعي أو وكيله إن أمكنت ويحفظ ثمنها لمالكها، ولا يسقط التعريف عنه على الأحوط، بل يعرف بها سنة - بعد أن يحفظ خصوصياتها - فإن وجد صاحبها دفع إليه الثمن وإلا جاز التصدق به عنه مع الضمان بالكيفية التي ذكرناها، أو الإبقاء عنده أمانة بلا ضمان وللملتقط التصدق بها مباشرة إذا تعذّر عليه بيعها أو كان فيه ضرر أو حرج عليه أو لم يشأ تقويمها على نفسه ويستأذن الحاكم الشرعي في ذلك ما دام التصرف قبل تمام السنة.

(مسألة 815) : لا تبطل الصلاة باستصحاب اللقطة - حالها - خصوصاً إذا كان من قصده الظفر بمالكها ودفعها إليه.

(مسألة 816) : لو تبدل حذاؤه بحذاء غيره جاز له أن يتملكه إذا علم أن الموجود لمن أخذ ماله، وأنه راض بالمبادلة وهذا هو المطلوب إحرازهُ، وكذلك الحال فيما إذا علم أنه أخذ ماله عدواناً و ظلماً بشرط أن لا تزيد قيمة المتروك عن قيمة المأخوذ، وإلا فالزيادة من المجهول مالكه، يترتب عليها ما كان يترتب عليه.

وأما في غير الصورتين المذكورتين فالمتروك مجهول المالك، وحكمه حكمه.(مسألة 817) : مجهول المالك هو (كل مال لم يعلم مالكه ولم يصدق عليه عنوان اللقطة) كالمال الزائد عنده من معاملاته مع الناس في محلّه التجاري، وحكمه جواز التصرف فيه إن احرز رضا مالكه وإلا فيجب الفحص عن المالك فيما جهل مالكه وبعد اليأس عن الظفر به يتصدق به، والأحوط أن يكون التصدق بإجازة من الحاكم الشرعي، وحينئذٍ لا يضمنه المتصدق إذا وجد مالكه بعد ذلك.

ص: 237

مسائل في الحيوان الضال

(مسألة 818) : إذا وجد حيوان أليف مما يملك في غير العمران كالبراري والجبال والآجام والفلوات ونحوها من المواضع الخالية من السكان، فإن كان الحيوان يحفظ نفسه ويمتنع عن السباع لكبر جثته أو سرعة عدوه أو قوته كالبعير والفرس والجاموس والثور ونحوها لم يجز أخذه، سواء أكان في كلاء وماء أم لم يكن فيهما إذا كان صحيحاً يقوى على السعي اليهما، فإن أخذه الواجد حينئذٍ كان آثماً وضامناً له وتجب عليه نفقته ولا يرجع بها على المالك، وإذا استوفى شيئاً من نمائه كلبنه وصوفه كان عليه مثله أو قيمته، وإذا ركبه أو حمله حملاً كان عليه اجرته ولا تبرأ ذمته من ضمانه إلا بدفعه إلى مالكه، نعم إذا يئس من الوصول اليه ومعرفته تصدق به عنه بإذن الحاكم الشرعي.

(مسألة 819) : إن كان الحيوان المذكور لا يقوى على الامتناع من السباع جاز أخذه - كالشاة وأطفال الإبل والبقر والخيل والحمير ونحوه - فإن أخذه عرّفه في موضع الالتقاط، والأحوط أن يعرفه فيما حول موضع الإلتقاط أيضاً، فإن لم يعرف المالك جاز له تملكها والتصرف فيها بالأكل والبيع، والمشهور أنه يضمنها حينئذٍ بقيمتها لكن الظاهر أن الضمان مشروط بمطالبة المالك فإذا جاء صاحبها وطالبها وجب عليه دفع القيمة، وجاز له أيضاً إبقاؤها عنده الى أن يعرف صاحبها ولا ضمان عليه حينئذٍ.

(مسألة 820) : إذا ترك الحيوان صاحبه في الطريق فإن كان قد اعرض عنه جاز لكل أحد تملكه كالمباحات الاصلية ولا ضمان على الآخذ، وإذا تركه عن جهد وكلل بحيث لا يقدر أن يبقى عنده ولا يقدر أن يأخذه معه فإذا كان الموضع الذي تركه فيه لا يقدر الحيوان على العيش فيه لأنه لا ماء فيه ولا كلاء ولا يقوي الحيوان فيه على السعي إليهما جاز لكل أحد أخذه وتملكه.

ص: 238

وأما إذا كان الحيوان يقدر فيه على العيش لم يجز لأحد أخذه ولا تملكه، فمن أخذه كان ضامناً له وكذا إذا تركه عن جهد وكان ناوياً للرجوع إليه قبل ورود الخطر عليه.

(مسألة 821) : إذا وجد الحيوان في العمران وهي المواضع المسكونة التي يكون الحيوان مأموناً فيها كالبلاد والقرى وما حولها مما يتعارف وصول الحيوان منها إليه لم يجز له أخذه، ومن أخذه ضمنه ويجب عليه التعريف ويبقى في يده مضموناً إلى أن يؤديه إلى مالكه، فإن يئس منه تصدق به بإذن الحاكم الشرعي، نعم إذا كان غير مأمون من التلف عادة لبعض الطوارئ لم يبعد جريان حكم غير العمران عليه من جواز تملكه في الحال بعد التعريف ومن ضمانه له كما سبق.

(مسألة 822) : إذا دخلت الدجاجة أو السخلة في دار انسان لا يجوز له أخذها، ويجوز إخراجها من الدار ليصل إليها صاحبها وليس عليه شيء إذا لم يكن قد أخذها إلا إذا خشي عليها التلف، أما إذا أخذها فيجري فيها حكم مجهول المالك فيعرّف بها حتى يحصل اليأس من معرفة مالكها ثم يتصدق بها، ولا يبعد عدم ضمانها لصاحبها إذا ظهر.

(مسألة 823) : إذا احتاجت الضالة إلى النفقة فإن وجد متبرع بها أنفق عليها، وإلا أنفق عليها من ماله ورجع بها على المالك إذا قصد بإنفاقه الرجوع وكان أخذه مشروعاً.

(مسألة 824) : إذا كان للضالة نماء أو منفعة واستوفاها الآخذ كان ذلك بدل ما انفقه عليها - في مورد جواز الرجوع بما أنفق على المالك - ولكن لابد أن يكون ذلك بحساب القيمة على الاقوى.(مسألة 825) : اللقيط - وهو الطفل الذي لا كافل له ولا يستقل بنفسه على السعي فيما يصلحه ودفع ما يضرّه - يستحب أخذه بل يجب ذلك كفاية إذا

ص: 239

توقف عليه حفظه، ويجب التعريف به إذا أحرز عدم كونه منبوذاً من قبل أهله واحتمل الوصول إليهم بالفحص والتعريف.

(مسألة 826) : من أخذ اللقيط فهو أحق من غيره بحضانته وحفظه والقيام بضرورة تربيته إلى أن يبلغ، فليس لأحد - غير أبويه وأجداده ووصي الأب أو الجد - أن ينتزعه من الملتقط ويتصدى لحضانته.

(مسألة 827) : لا يجوز للملتقط أن يتبنى اللقيط ويلحقه بنفسه ولو فعل لم يترتب على ذلك شيء من أحكام البنوة والأبوة والأمومة.

أحكام الذباحة

(مسألة 828) : الحيوان وحشياً كان أم أهلياً - غير المحرّم أكله ولو لعارض وسيأتي بيان المحرّم أكله في أحكام الأطعمة والأشربة - إذا ذكّي بالذبح على الترتيب الآتي في هذا الباب وخرجت روحه يحل أكله، هذا في غير الإبل والسمك والجراد، وأما هذه الثلاثة فتذكى بغير الذبح على ما سيتضح في المسائل الآتية.

(مسألة 829) : الحيوان الوحشي المحلل لحمه كالغزال والحيوان الأهلي المحلل إذا استوحش كالجاموس البري يحل لحمهما بالاصطياد، وأما الحيوانات المحللة الأهلية كالشاة والدجاجة والبقر غير المتوحش ونحوها، وكذلك الحيوانات الوحشية إذا تأهلت فلا يحكم بطهارة لحمها ولا بحليتها بالإصطياد.

(مسألة 830) : الحيوان الوحشي الحلال أكله إنما يحكم بحليته وطهارته بالاصطياد، فيما إذا كان قادراً على العدو أو ناهضاً للطيران، فولد الوحش قبل أن يقدر على الفرار وفرخ الطير قبل أن ينهض للطيران لا يحلان بالإصطياد ولا يحكم بطهارتهما حينئذٍ، فلو رمى ظبياً وولده غير القادر على العدو، فماتا حل الظبي وحرم الولد.

ص: 240

(مسألة 831) : ميتة الحيوان الحلال الذي ليست له نفس سائلة كالسمك يحرم أكلها لكنها طاهرة.

(مسألة 832) : الحيوان المحرم أكله - إذا لم تكن له نفس سائلة كالحية - لا يحل بذبحه أو بصيده لكن ميتته طاهرة.

(مسألة 833) : الكلب والخنزير لا يقبلان التذكية فلا يحكم بطهارتهما ولا بحليتهما بالذبح أو الصيد، وأما السباع - وهي: ما تفترس الحيوان وتأكل اللحم كالذئب والنمر - فهي قابلة للتذكية، فلو ذبحت أو اصطيدت بالرمي ونحوه حكم بطهارة لحومها وجلودها وإن لم يحل أكلها بذلك، نعم إذا اصطيدت بالكلب الصائد اشكل الحكم بطهارتها.(مسألة 834) : الفيل والدب والقرد وكذلك الحشرات التي تحشر في الجحر، وتسكن باطن الارض كالضب والفار - إذا كانت لها نفس سائلة - حكم بنجاسة ميتتها. والأحوط ذلك حتى لو ذبحت أو اصطيدت بالرمي ونحوه فلا يحكم بطهارة لحومها وجلودها.

(مسألة 835) : لو خرج الجنين ميتاً من بطن أمه - وهي حية - أو أخرج كذلك لم يحل أكله.

كيفية الذبح

(مسألة 836) : الكيفية المعتبرة في الذبح هي: أن تقطع الاوداج الاربعة تماما، ففي كفاية شقها عن قطعها إشكال كما لا يُكتفى بقطع الحلقوم وحده. والمعروف أن قطع الأوداج لا يتحقق الا إذا كان القطع من تحت العقدة المسماة ب(الجوزة) فالعبرة في تحقق القطع لا موقع الجوزة، والأوداج الاربعة هي المري (مجرى الطعام والشراب)، والحلقوم (مجرى النفس)، والعرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم.

(مسألة 837) : يعتبر في قطع الاوداج الاربعة مضافاً إلى قصد الذبح به أن يكون حال الحياة، فلو قطع الذابح بعضها وارسلها فمات ثم قطع الباقي

ص: 241

حرمت الذبيحة، ولا يعتبر فيه التتابع على الظاهر فلو قطع الاوداج قبل زهوق روح الحيوان إلا أنه فصل بينها بما هو خارج عن المتعارف المعتاد حل، ولكن الإحتياط بالتتابع اولى و أحسن.

(مسألة 838) : لو قطعت الأوداج الأربعة على غير النهج الشرعي - كأن ضربها شخص بآلة فانقطعت أو عضها الذئب فقطعها بأسنانه أو غير ذلك - وبقيت حياة الحيوان فإن لم يبق شيء من الأوداج اصلاً أو لم يبق شيء من الحلقوم يصلح للذبح فلا يحل اكله، وهكذا إذا بقي مقدار من الجميع معلقة بالرأس أو متصلة بالبدن على الأحوط لزوماً، نعم إذا كان المقطوع غير المذبح وكان الحيوان حياً حل أكله بالذبح.

شرائط الذبح

(مسألة 839) : يشترط في تذكية الذبيحة أمور:

الاول: أن يكون الذابح مسلماً - رجلاً كان أو امرأة أو صبياً مميزاً - فلا تحل ذبيحة غير المسلم، كما لا تحلّ ذبيحة المحكوم بالكفر ومنهم المعلن بعداوة أهل البيت (عليهم السلام).

الثاني: أن يكون الذبح بالحديد مع الامكان ويراد بالحديد ما هو أوسع من العنصر المعروف فيصح الذبح بالمخلوط بغيره مما يسمى ب(ستينلس ستيل) إذا كانت حافته حادة.

نعم، إذا لم يوجد الحديد وخيف فوت الذبيحة بتأخير ذبحها، أو كانت هناك ضرورة أخرى تقتضي الذبح جاز - حينئذٍ - ذبحها بكل ما يقطع الأوداج من الزجاجة والحجارة الحادة ونحوهما.

الثالث: الاستقبال بالذبيحة - حال الذبح - بأن توجه مقاديم بدنها - من المنحر والبطن - إلى القبلة إذا كانت الذبيحة مضطجعة، ولا ضرورة للاستقبال بالوجه واليدين، أما إذا كانت قائمة أو قاعدة فبالكيفية التي يتحقق بها استقبال المصلي.

ص: 242

وتحرم الذبيحة بالاخلال به متعمداً، ولا بأس بتركه نسياناً أو خطأً أو للجهل بالاشتراط ولو بحسب معتقده، أو لعدم العلم بجهتها أو عدم التمكن من توجيه الذبيحة إليها. والاحوط الاولى أن يكون الذابح ايضاً مستقبلاً.

الرابع: التسمية، بأن يذكر الذابح اسم الله عليها بنية الذبح، حين الشروع فيه أو حينما يضع السكين على مذبحها بنحو متصل به عرفاً، ويكفي في التسمية أن يقول: (بسم الله) أو يقول (الله أكبر) أو لفظ الجلالة خالصاً، ويذكر من لا يحسن العربية ولم يتمكن من تعلمها ما يرادف لفظ الجلالة، ولا أثر للتسمية من دون نية الذبح. نعم لو أخل بها نسياناً لم تحرم الذبيحة.الخامس: خروج الدم المتعارف، فلا تحل إذا لم يخرج منها الدم أو كان الخارج قليلاً بالاضافة إلى نوعها إذا كان كاشفاً عن عدم حياتها حين الذبح، أما إذا لم يكن كذلك كما لو ذبحت بعد إصابتها بنزف شديد فلا يضر خروج الدم القليل.

السادس: أن تتحرك الذبيحة بعد تمامية الذبح ولو حركة يسيرة، بأن تطرف عينها أو تحرك ذنبها أو تركض برجلها هذا فيما إذا شك في حياتها حال الذبح وإلا فلا تعتبر الحركة اصلاً.

(مسألة 840) : الأحوط أن يكون الذبح من المذبح، فلا يجوز أن يكون من القفا، بل الأحوط وضع السكين على المذبح ثم قطع الأوداج، فلا يكفي إدخال السكين تحت الأوداج ثم قطعها الى فوق.

(مسألة 841) : يحرم - على الاحوط - إبانة الرأس عمداً قبل خروج الروح من الذبيحة، ولا تحرم الذبيحة بذلك ولا بأس بالابانة إذا كانت عن غفلة أو استندت إلى حدة السكين وسبقه مثلاً، وكذلك قطع نخاع الذبيحة عمداً قبل أن تموت و النخاع هو الخيط الأبيض الممتد في وسط الفقار من الرقبة إلى الذنب.

ص: 243

نحر الابل

(مسألة 842) : يعتبر في حلية لحم الابل وطهارته - مضافاً إلى الشرائط الخمسة الاولى المتقدمة - أن يدخل سكيناً أو رمحاً أو غيرهما من الآلات الحادة الحديدية في لبتها، وهي: (الموضع المنخفض الواقع بين أصل العنق والصدر).

(مسألة 843) : يجوز نحر الابل باركة أو ساقطة على جنبها متوجهة بمقاديم بدنها الى القبلة. والاولى نحرها قائمة.

(مسألة 844) : لو ذبح الابل بدلا عن نحرها، أو نحر الشاة أو البقرة أو نحوهما بدلاً من ذبحها حرم لحمها وحكم بنجاستها. نعم لو قطع الأوداج الاربعة من الابل ثم نحرها قبل زهوق روحها أو نحر الشاة مثلاً ثم ذبحها قبل أن تموت حل لحمهما وحكم بطهارتهما.(مسألة 845) : لو تعذر ذبح الحيوان أو نحره لاستعصائه أو لوقوعه في بئر أو موضع ضيق لا يتمكن من الوصول إلى موضع ذكاته وخيف موته هناك جاز أن يعقره في غير موضع الذكاة بشئ من الرمح والسكين وغيرهما مما يجرحه، فإذا مات بذلك العقر طهر وحل أكله وتسقط فيه شرطية الاستقبال، نعم لابد من أن يكون واجدا لسائر الشرائط المعتبرة في التذكية.

آداب الذباحة والنحر

(مسألة 846) : يستحب عند ذبح الغنم أن تربط يداه وإحدى رجليه، وتطلق الاخرى ويمسك صوفه أو شعره حتى يبرد، وعند ذبح البقر أن تعقل يداه ورجلاه ويطلق ذنبه، وعند نحر الابل أن تربط أخفافها الى اباطها وتطلق رجلاها، هذا إذا نحرت باركة، أما إذا نحرت قائمة فينبغي أن تكون يدها

ص: 244

اليسرى معقولة، وعند ذبح الطير أن يرسل بعد الذباحة حتى يرفرف، ويستحب عرض الماء على الحيوان قبل أن يذبح أو ينحر، ويستحب أن يعامل الحيوان عند ذبحه أو نحره عملاً يبعده عن الاذى والتعذيب بأن يحد الشفرة ويمر السكين على المذبح بقوة ويجد في الاسراع وغير ذلك.

مكروهات الذباحة والنحر

(مسألة 847) : يكره في ذبح الحيوانات ونحرها أمور:

الاول: سلخ جلد الذبيحة قبل خروج روحها.

الثاني: أن تكون الذباحة في الليل أو يوم الجمعة قبل الزوال من دون حاجة.

الثالث: أن تكون الذباحة بمنظر من حيوان آخر.

الرابع: أن يذبح ما ربّاه بيده من النعم.

أحكام الصيد بالسلاح

(مسألة 848) : يشترط في تذكية الوحش المحلل أكله إذا اصطيد بالسلاح أمور:

منها: أن تكون الآلة كالسيف والسكين والخنجر وغيرها من الاسلحة القاطعة، أو كالرمح والسهم مما يشاك بحده ويخرق جسد الحيوان، فلو اصطيد بالحجارة أو العمود أو الشبكة أو الحبالة أو غيرها من الآلات التي ليست بقاطعة ولا شائكة حرم أكله وحكم بنجاسته، وإذا اصطاد بالبندقية فإن كانت الطلقة حادة تنفذ في بدن الحيوان وتخرقه حل أكله وهو طاهر، وأما إذا لم تكن كذلك بأن كان نفوذها في بدن الحيوان وقتله مستنداً الى ضغطها أو الى ما فيها من الحرارة المحرقة فيشكل الحكم بحلية لحمه وطهارته.

ومنها: أن يكون الصائد مسلماً، ولا بأس بصيد الصبي المسلم المميز، ولا يحل صيد الكافر ومنه المعلن بعداوة أهل البيت (عليهم السلام).

ص: 245

ومنها: قصد الاصطياد، فلو رمى هدفاً فاصاب حيواناً فقتله لم يحل.

ومنها: التسمية عند استعمال السلاح في الاصطياد، فلو أخل بها متعمداً لم يحل صيده، ولا بأس بالاخلال بها نسياناً.

ومنها: أن يدركه ميتاً، أو اذا أدركه وهو حي ولم يكن الوقت متسعاً لتذكيته، فلو أدركه حيا وكان الوقت متسعاً لذبحه ولم يذبحه حتى خرجت روحه لم يحل أكله.

(مسألة 849) : لو اصطاد اثنان صيداً واحداً، أحدهما مسلم دون الآخر، أو سمى ولم يسم الآخر متعمداً لم يحل أكله.

(مسألة 850) : يعتبر في حلية الصيد أن تكون الآلة مستقلة في قتله، فلو شاركها شئ آخر كما إذا رماه فسقط الصيد في الماء ومات وعلم استناد الموت إلى كلا الامرين لم يحل، وكذا الحال فيما إذا شك في استناد الموت إلى الرمي بخصوصه.(مسألة 851) : لا يعتبر في حلية الصيد اباحة الآلة فلو اصطاد حيواناً بالكلب أو السهم المغصوبين حل الصيد وملكه الصائد دون صاحب الآلة أو الكلب، ولكن الصائد ارتكب معصية ويجب عليه دفع اجرة الكلب أو الآلة إلى صاحبه.

(مسألة 852) : لو قسم حيواناً بالسيف أو بغيره مما يحل به الصيد قطعتين ولم يدركه حياً، أو أدركه كذلك إلا أن الوقت لم يتسع لذبحه فمع اجتماع شرائط التذكية المتقدمة في (المسألة 848) تحل كلتا القطعتين، وأما إذا أدركه حياً وكان الوقت متسعاً لذبحه فالقطعة الفاقدة للرأس والرقبة محرمة والقطعة التي فيها الرأس والرقبة طاهرة وحلال فيما إذا ذبح على النهج المقرر شرعاً.

(مسألة 853) : لو قسم الحيوان قطعتين بالحبالة أو الحجارة ونحوهما مما لا يحل به الصيد حرمت القطعة الفاقدة للرأس والرقبة، وأما القطعة التي

ص: 246

فيها الرأس والرقبة فهي طاهرة وحلال فيما إذا أدركه حياً واتسع الوقت لتذكيته وذبحه مع الشرائط المعتبرة وإلا حرمت هي أيضاً.

(مسألة 854) : الجنين الخارج من بطن الصيد أو الذبيحة حياً إذا وقعت عليه التذكية الشرعية حل أكله وإلا حرم.

(مسألة 855) : الجنين الخارج من بطن الصيد أو الذبيحة ميتاً طاهر وحلال بشرط كونه تام الخلقة وقد أشعر أو أوبر وكون موته لموت أمه وليس سابقاً عليها.

حكم الصيد بالكلب

(مسألة 856) : إذا اصطاد كلب الصيد حيواناً وحشياً محلل اللحم فقتله فالحكم بطهارته وحليته بعد الاصطياد يتوقف على شروط ستة:

1- أن يكون الكلب معلماً، بحيث يسترسل ويهيج إلى الصيد متى اغراه صاحبه به وينزجر عن الهياج والذهاب إذا زجر، قيل: ولا يضر عدم انزجاره بزجره إذا قرب من الصيد ووقع بصره عليه، وهو ليس ببعيد. ولا بأس أن يكون من عادته تناول شيء من لحم الصيد ولكن من دون أن يستأثر بها فضلاً عن منع صاحبه منها وعدم انصياعه للأمر بتسليمها لصاحبه، كما لا بأس بأن يكون معتادا بتناول دم الصيد.

2- أن يكون صيده بإرسال صاحبه للاصطياد، فلا يكفي استرساله بنفسه من دون ارسال، وكذا الحال فيما إذا استرسل بنفسه واغراه صاحبه بعد الاسترسال حتى فيما إذا أثر فيه الاغراء كما إذا زاد في عدوه بسببه على الاحوط.

3- أن يكون المرسل مسلماً، فإذا أرسله كافر ومنه من يعلن ببغض آل الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يحل الصيد، ولا بأس بإرسال الصبي المسلم إذا كان مميزاً.

4- التسمية عند ارساله، فلو تركها متعمداً حرم الصيد، ولا بأس بتركها نسياناً.

ص: 247

5- أن يستند موت الحيوان إلى جرح الكلب وعقره، فلو مات بسبب آخر كخنقه أو اتعابه في العدو أو ذهاب مرارته من شدة خوفه لم يحل.

6- أن يكون إدراك صاحب الكلب الصيد بعد موته، أو أن يدركه حياً ولم يتسع الوقت لذبحه، فلو أدركه حياً واتسع الوقت لتذكيته وترك ذبحه حتى مات لم يحل.

(مسألة 857) : إذا أدرك مرسل الكلب الصيد حياً والوقت متسع لذبحه، ولكنه اشتغل عن التذكية بمقدماتها من سل السكين ونحوه من الأمور المتعارفة فمات قبل تذكيته حل اذا لم يكن متماهلاً وكانت المقدمات ضرورية للتذكية، وأما إذا استند تركه التذكية إلى فقد الآلة كما إذا لم يكن عنده السكين - مثلاً - حتى ضاق الوقت ومات الصيد قبل تذكيته لم يحل، ولا بأس بإغرائه الكلب حينئذٍ ليقتله.

(مسألة 858) : لو أرسل كلاباً متعددة للاصطياد فقتلت صيداً واحداً فان كانت الكلاب المسترسلة كلها واجدة للشرائط المتقدمة في (المسألة 856) حل الصيد، وإن لم يكن بعضها واجداً لتلك الشروط لم يحل.

(مسألة 859) : إذا أرسل الكلب إلى صيد حيوان يحل بالصيد كالغزال وصاد الكلب حيواناً آخر فهو طاهر وحلال، وكذا الحال فيما إذا أرسله إلى صيد حيوان فصاده مع حيوان آخر.

(مسألة 860) : لو كان المرسل متعدداً بأن أرسل جماعة كلباً واحداً وكان أحدهم كافراً، أو لم يسم متعمداً حرم صيده، وكذا الحال فيما إذا تعددت الكلاب ولم يكن بعضها معلماً على النحو المتقدم في (المسألة 856) فإن الصيد وقتئذ نجس وحرام.

(مسألة 861) : لا يحل الصيد إذا اصطاده غير الكلب من أنواع الحيوانات كالعقاب والصقر والباشق والنمر وغيرها، نعم إذا أدرك الصائد الصيد وهو حي، ثم ذكّاه على الترتيب المقرر في الشرع حل أكله.

ص: 248

صيد السمك والجراد

(مسألة 862) : ذكاة السمك الذي له فلس تتحقق بوقوعه تحت السيطرة حياً سواء أخذه وأخرجه من الماء أو ابقاه تحت السيطرة فيه بحيث يستطيع أخذه متى شاء، ولو مات السمك في الماء وهو تحت السيطرة كما لو وضع في حوض (بانيو) أو شبكة حافظة له فإنه مذكى.

(مسألة 863) : لو اخذ من الماء ما له فلس من الأسماك الحية ومات خارج الماء حل اكله وهو طاهر، ولو مات داخل الماء من دون أخذ فهو طاهر ولكن يحرم اكله، وأما ما لا فلس له من الأسماك فيحرم اكله مطلقا.

(مسألة 864) : لو وثبت السمكة خارج الماء أو نبذتها الامواج إلى الساحل أو غار الماء وبقيت السمكة وماتت قبل أخذها حرمت، نعم إذا نصب الصائد شبكة أو حوضاً يتحقق فيه معنى الأخذ فدخلتها السمكة فماتت فيها قبل أن يستخرجها الصائد فهي حلال، وكذا لو أثبتها بآلة يتحقق فيها المعنى المذكور.

(مسألة 865) : لا يعتبر في صائد السمك الاسلام ولا يشترط في تذكيته التسمية فلو أخذه الكافر حل لحمه.

(مسألة 866) : إذا اخرج السمكة من الماء ثم أعادها إليه في حال لا يتحقق فيه معنى الأخذ والسيطرة كأن وضعها مثبتة في خيط او رمح وإرسلها في الماء فماتت فيه حرم لحمها.

(مسألة 867) : إذا طفا السمك على وجه الماء بسبب إبتلاعه ما يسمى ب(الزهر) مثلاً فان أخذه حياً حل أكله وان مات قبل ذلك حرم.

(مسألة 868) : لو شوى سمكة حية أو قطعها خارج الماء قبل أن تموت حل أكلها وإن كان الاجتناب عنه أولى.

ص: 249

(مسألة 869) : إذا قطعت من السمكة الحية بعد أخذها قطعة واعيد الباقي إلى الماء حيّاً حلت القطعة المبانة عنها سواء أمات الباقي في الماء أم لم يمت، ولكن الاجتناب أحوط استحباباً.(مسألة 870) : السمكة الميتة اذا كانت في يد المسلم يحكم بحليتها وان لم يعلم أنها ماتت في خارج الماء بعد أخذها أو في آلة الصيد قبل إخراجها أو انها ماتت على وجه آخر، وهكذا يحكم بحليتها وان لم يعلم كونها من ذوات الفلس اذا كان ذو اليد المسلم قد عرضها للأكل ولم يكن ممن يستحل غير ذوات الفلس من الأسماك.

وإذا كانت السمكة الميتة في يد الكافر لم يحكم بحليتها وان أخبر باصطيادها على الوجه الموجب للحلية الا أن يحرز ذلك ولو من جهة الاطمئنان باصطيادها بسفن الصيد التي تعتمد إخراج الأسماك من الماء قبل موتها ويندر ان يختلط بها شيء من الميتة.

(مسألة 871) : يجوز بلع السمكة حية، والأولى الإجتناب عنه.

(مسألة 872) : الجراد إذا اخذ حياً باليد أو بغيرها من الآلات حل أكله، ولا يعتبر في تذكيته اسلام الآخذ ولا التسمية حال أخذه، نعم لو وجده في يد كافر ميتاً ولم يعلم أنه أخذه حياً لم يحل، وإن اخبر بتذكيته كما مر.

(مسألة 873) : يحل من الجراد ما استقل بالطيران لذا لا يحل منه ما يعرف ب(الدبا) وهو ما تحرك ولم تنبت اجنحته بعد.

أحكام الأطعمة والأشربة

(مسألة 874) : يحل من الطيور كل ما كان ذا ريش الا السباع، فيحل الحمام والدجاج والعصفور بجميع اصنافها، كما يحل الدراج والقبج والكردان والحبارى والكركي، ويحل الهدهد والخطاف والشقراق والصرد والصوام وان كان يكره قتلها، وتحل النعامة والطاووس أيضاً.

ص: 250

وأما السباعَ وهي كل ذي مخلب سواء أكان قوياً يتمكن به على افتراس الطير كالبازي والصقر أم ضعيفاً لا يقوى به على ذلك كالنسر والبغاث فهي محرمة الاَكل، ويلحق بها الغراب بجميع أنواعه حتى الزاغ على الاحوط لزوماً، ويحرم أيضاً كل ما يطير وليس له ريش كالخفاش وكذلك الزنبور والفراشة وغيرهما من الحشرات الطائرة - عدا الجراد - على الأحوط لزوماً.

(مسألة 875) : الظاهر أن كل طائر يكون صفيفه أكثر من دفيفه - أي يكون بسط جناحيه عند الطيران أكثر من تحريكهما - يكون ذا مخلب فيحرم لحمه بخلاف ما يكون دفيفه أكثر من صفيفه فانه محلل اللحم.

وعلى هذا يتميز المحرّم من الطيور عن غيره بالنظر إلى كيفية طيرانها، كما يتميز ما لا يعرف طيرانه بوجود (الحوصلة أو القانصة أو الصيصية) في بدنه، فما يكون له احدى الثلاث يحل أكله دون غيره.

والحوصلة ما يجتمع فيه الحب وغيره من المأكول عند الحلق، والقانصة ما يجتمع فيه الحصاة الدقاق التي يأكلها الطير، والصيصيةُ شوكة في رجل الطير خارجه عن الكف.

(مسألة 876) : يحل من حيوان البحر السمك الذي له فلس في الاصل وان زال بالعارض - كما تقدم - ويحرم غيره من انواع الحيوانات البحرية كالبقر البحري والضفدع والسرطان والسلحفاة وكذلك ما ليس له فلس من السمك كالجري والزمير.

نعم الطيور المسماة بطيور البحر - من السابحة والغائصة وغيرهما - يحل منها ما يحل مثلها من طيور البرّ.

(مسألة 877) : يحل من البهائم البرية الغنم والبقر والابل والخيل والبغال والحمير بجميع أقسامها سواء الوحشية والأهلية، وكذلك الغزال، نعم يكره اكل لحم الخيل والبغال والحمير الاهلية.

ص: 251

ويحرم من البهائم السباع وهي ما كان مفترساً وله ظفر أو ناب، قوياً كان كالأسد والنمر والفهد أو ضعيفاً كالثعلب والضبع، وكذلك يحرم الكلب والهر والارنب والخنزير والقرد والفيل والدبّ، ويحرم الدواب الصغار التي تسكن باطن الأرض كالضب والفأر واليربوع والقنفذ والحية ونحوها، وتحرم الديدان حتى ديدان الفاكهة - على الأحوط لزوماً - الا ما لا يتسير ازالته فيجوز أكل الفاكهة معها.

(مسألة 878) : ما وطئه الانسان من البهائم ان كان مما يؤكل لحمه كالبقر والغنم والابل حرم لحمه وكذا لبنه ونسله المتجدد بعد الوطء على الاحوط لزوماً، ووجب ان يذبح ويحرق، فان كان لغير الواطئ وجب عليه ان يغرم قيمته لمالكه، وأما إذا كان مما يركب ظهره كالخيل والبغال والحمير وجب نفيه من البلد وبيعه في بلد آخر، ويغرم الواطئ اذا كان غير المالك قيمته ويكون الثمن له.

(مسألة 879) : كل حيوان محلل الاكل حتى الطير والسمك اذا صار جلالاً حرم لحمه ولبنه وبيضه، فاذا استبرئ حلّ، وقد تقدم معنى الجلل وكيفية الاستبراء في المطهرات.

(مسألة 880) : يحرم الجدي وهو ولد المعز اذا رضع من لبن الخنزيرة حتى اشتد لحمه وعظمه ويحرم بذلك نسله ولبنه أيضاً، ولو لم يشتد فالاحوط لزوماً ان يستبرأ سبعة أيام بلبن طاهر إن لم يكن مستغنياً عن الرضاع والا استبرئ بالعلف والشعير ونحوهما ثم يحل بعد ذلك.

ويلحق بالجدي العجل واولاد سائر الحيوانات المحلل لحمها على الاحوط لزوماً، ولا يلحق بالرضاع من الخنزيرة الرضاع من سائر الحيوانات المحرم لحمها، كما لا يحرم الحيوان المحلل لحمه بشربه شيئاً من المائع النجس كالبول والدم، نعم اذا شرب من الخمر حتى سكر فذبح في تلك الحال فالاحوط لزوماً ان لا يؤكل ما في جوفه من الامعاء والكرش والقلب

ص: 252

والكبد وغيرها وان غسل واما لحمه فيجوز اكله ولكن لابد من غسل ما لاقته النجاسة مع بقاء عينها.

(مسألة 881) : يحرم من الحيوان المحلل لحمه: الدم، والروث، والقضيب، والفرج، والمشيمة، والغدد وهي كل عقدة في الجسم مدورة شبه البندق، والبيضتان، وخرزة الدماغ وهي حبة بقدر الحمصة في وسط الدماغ، والنخاع وهو خيط ابيض كالمخ في وسط فقار الظهر، والعلباوان - على الاحوط لزوماً - وهما عصبتان ممتدتان على الظهر من الرقبة إلى الذنب، والمرارة، والطحال، والمثانة، وحدقة العين وهي الحبةِ الناظرة منها لا جسم العين كله.

هذا في غير الطيور والسمك والجراد، اما الطيور فيحرم ما يوجد فيها من المذكورات: الدم والرجيع، والاحوط لزوماً الاجتناب عن غيرهما أيضاً، كما أن الاحوط وجوباً الاجتناب عن رجيع السمك ودمه ورجيع الجراد، نعم لا بأس بما في جوفهما من ذلك اذا اكل معهما.

(مسألة 882) : يحرم اكل الطين والمدر وكذلك التراب والرمل على الاحوط لزوماً، ويستثنى من ذلك مقدار حمصة متوسطة الحجم من تربة سيد الشهداء (عليه السلام) للاستشفاء لا لغيره، والاحوط وجوباً الاقتصار فيها على ما يؤخذ من القبر الشريف أو مما يقرب منه الملحق به عرفاً، وفيما زاد على ذلك يمزج بماء ونحوه بحيث يستهلك فيه ويستشفى به رجاءً.

(مسألة 883) : لا يحرم بلع النخامة والاخلاط الصدرية إلى فضاء الفم، وكذا بلع ما يخرج بتخليل الاسنان من بقايا الطعام.

(مسألة 884) : يحرم تناول كل ما يضرّ الانسان ضرراً بليغاً، سواء أكان موجباً للهلاك أم موجباً لتعطيل بعض الأعضاء أو فقدان بعض الحواس. ويحرم أيضاً تناول ما يحتمل فيه ذلك اذا كان الاحتمال معتداً به عند العقلاء

ص: 253

ولو من جهة الاهتمام بالمحتمل بحيث يصدق معه الخوف عندهم، حتى لو كان الضرر المترتب عليه غير عاجل.(مسألة 885) : يحرم استعمال الترياق ومشتقاته وسائر أنواع المواد المخدرة اذا كان مستتبعاً للضرر البليغ بالشخص سواء أكان من جهة زيادة المقدار المستعمل منها أم من جهة ادمانه، بل الاحوط لزوماً الاجتناب عنها مطلقاً الا في حال الضرورة فتستعمل بمقدار ما تدعو الضرورة إليه.

(مسألة 886) : يحرم شرب الخمر وغيره من المسكرات، وفي بعض الروايات أنه من أعظم المعاصي، وروي عن الصادق(عليه السلام) إنه قال (إن الخمر أُم الخبائث ورأس كل شر، يأتي على شاربها ساعة يسلب لبه فلا يعرف ربه ولا يترك معصية إلاّ ركبها ولا يترك حرمة إلاّ انتهكها ولا رحماً ماسة إلاّ قطعها ولا فاحشة إلاّ أتاها وإن شرب منها جرعة لعنه الله وملائكته ورسله والمؤمنون وإن شربها حتى سكر منها نزع روح الايمان من جسده وركبت فيه روح سخيفة خبيثة ولم تقبل صلاته أربعين يوماً).

(مسألة 887) : يحرم عصير العنب اذا غلى بنفسه أو بالنار أو بالشمس فان لم يصر بذلك مسكراً تزول حرمته بذهاب ثلثيه، وأما إذا صار مسكراً فلا تزول حرمته الا بالتخليل.

واذا طبخ العنب نفسه فان حصل العلم بغليان ما في جوفه من الماء حرم على الأحوط والا لم يحرم، كما لا يحرم ما يسمى بالعصير الزبيبي وان غلى الا ان يصير مسكراً فيحرم عندئذٍ ولا تزول حرمته الا بالتخليل.

(مسألة 888) : يحرم الفقاع وهو شراب معروف يوجب النشوة عادة لا السكر ويسمى اليوم بالبيرة.

(مسألة 889) : يحرم الدم من الحيوان ذي النفس السائلة حتى الدم في البيضة وما يتخلف في الاجزاء المأكولة من الذبيحة، نعم لا اشكال مع استهلاكه في المرق ونحوه.

ص: 254

(مسألة 890) : يحرم لبن الحيوان المحرم أكله - ولو لعارض - وكذلك بيضه، واما لبن الانسان فالاحوط ترك شربه.

(مسألة 891) : يحرم الأكل من مائدة يشرب عليها شيء من الخمر أو المسكر، بل يحرم الجلوس عليها أيضاً على الأحوط لزوماً.

(مسألة 892) : إذا أشرفت نفس محترمة على الهلاك أو ما يدانيه لشدة الجوع أو العطش وجب على كل مسلم انقاذها بأن يبذل لها من الطعام أو الشراب ما يسد به رمقها.

آداب الأكل والشرب

(مسألة 893) : قد عدّ من آداب أكل الطعام أُمور: أن يغسل يديه معاً قبل الطعام وبعده وينشفهما بالمنديل بعده، وأن يبدأ صاحب الطعام قبل الجميع ويمتنع بعد الجميع، وأن يبدأ في الغسل قبل الطعام بصاحب الطعام ثم بمن على يمينه إلى أن يتم الدور على من في يساره، وأن يبدأ في الغسل بعد الطعام بمن على يسار صاحب الطعام إلى أن يتم الدور على صاحب الطعام، وأن يسمّي عند الشروع في الطعام ولو كانت على المائدة الوان من الطعام استحبت التسمية على كل لون بانفراده، وأن يأكل باليمين، وبثلاث أصابع أو أكثر ولا يأكل باصبعين، وان يأكل مما يليه إذا كانت على المائدة جماعة ولا يتناول من قدام الآخرين، وان يصغّر اللقم ويطيل الأكل والجلوس على المائدة، ويجيد المضغ، وأن يحمد الله بعد الطعام، وأن يلعق الأصابع ويمصها، ويخلّل بعد الطعام ولا يكون التخلل بعودة الريحان وقضيب الرمان والخوص والقصب، وأن يلتقط ما يتساقط خارج السفرة ويأكله إلاّ في البراري والصحاري فإنّه يستحب فيها أن يدع المتساقط عن السفرة للحيوانات والطيور، وأن يكون أكله غداة وعشياً ويترك الأكل بينهما، وأن يستلقي بعد الأكل على القفا ويجعل الرجل اليمنى على اليسرى، وأن يفتتح

ص: 255

ويختتم بالملح وأن يغسل الثمار بالماء قبل أكلها، ولا يأكل على الشبع، ولا يمتلئ من الطعام، ولا ينظر في وجوه الناس لدى الأكل، ولا يأكل الطعام الحار، ولا ينفخ في الطعام والشراب، ولا ينتظر بعد وضع الخبز في السفرة غيره، ولا يقطع الخبز بالسكين، ولا يضع الخبز تحت الإناء، ولا ينظف العظم من اللحم الملصق به على نحو لا يبقى عليه شيء من اللحم، ولا يقشر الثمار التي تؤكل بقشورها، ولا يرمي الثمرة قبل أن يستقصي أكلها.

(مسألة 894) : قد عدّ من آداب شرب الماء أُمور: أن يشرب الماء مصاً لا عباً، ويشربه قائماً بالنهار ولا يشربه قائماً بالليل، وان يسمّي قبل شربه ويحمّد بعده ويشربه بثلاثة أنفاس وعن رغبة وتلذذ، وأن يذكر الحسين وأهل بيته() ويلعن قتلته بعد الشرب، وأن لا يكثر من شرب الماء، ولا يشربه على الأغذية الدسمة، ولا يشرب من محل كسر الكوز ومن محل عروته، ولا يشرب بيساره.

أحكام النذر

(مسألة 895) : النذر هو (ان يجعل الشخص لله على ذمته فعل شيء أو تركه).

(مسألة 896) : لا ينعقد النذر بمجرد النية بل لابد فيه من الصيغة ويعتبر في صيغة النذر اشتمالها على لفظ (لله) أو ما يشابهه من اسمائه المختصة به، فلو قال الناذر مثلاً (لله عليَّ أن آتي بنافلة الليل) أو قال (للرحمان عليّ أن اتصدق بمائة دينار) صح النذر، وله أن يؤدي هذا المعنى بأية لغة اُخرى غير العربية، ولو اقتصر على قوله (علي كذا) لم ينعقد النذر وان نوى في نفسه معنى (لله)، ولو قال (نذرت لله أن اصوم) أو (لله عليّ نذر صوم) ففي انعقاده اشكال فلا يترك مراعاة الاحتياط في ذلك.

(مسألة 897) : يعتبر في الناذر البلوغ والعقل والاختيار والقصد وعدم

ص: 256

الحجر عن التصرف في متعلق النذر، فيلغو نذر الصبي وإن كان مميزاً، وكذلك نذر المجنون - ولو كان ادوارياً - حال جنونه، والمكره، والسكران، ومن اشتد به الغضب إلى أن سلبه القصد أو الاختيار، والمفلس إذا تعلق نذره بما تعلق به حق الغرماء من امواله، والسفيه سواء تعلق نذره بمال خارجي أو بمال في ذمته.

(مسألة 898) : يعتبر في متعلق النذر من الفعل أو الترك أن يكون مقدوراً للناذر حين العمل، فلا يصح نذر الحج ماشياً ممن ليس له قدرة على ذلك، وكذلك يعتبر فيه أن يكون راجحاً شرعاً حين العمل كأن ينذر فعل واجب أو مستحب أو ترك حرام أو مكروه، وأما المباح فإن قصد به معنى راجحاً كما لو نذر أكل الطعام قاصداً به التقوّي على العبادة مثلاً انعقد نذره وإلاّ لم ينعقد، كما ينحل فيما إذا زال رجحانه لبعض الطوارئ كما لو نذر تقليل الطعام لتخفيف الوزن ثم اصبح نحيفاً فأصبح التقليل مضراً به.

(مسألة 899) : لا يصح نذر الزوجة بدون إذن زوجها فيما ينافي حقه في الاستمتاع منها، وفي صحة نذرها في مالها من دون اذنه - في غير الحج والزكاة والصدقة وبرّ والديها وصلة رحمها - اشكال فلا يترك مقتضى الاحتياط فيه، ويصح نذر الولد سواء أذن له الوالد فيه أم لا، ولكن إذا نهاه أحد الأبوين عما تعلق به النذر فلم يعد بسببه راجحاً في حقه انحل نذره ولم يلزمه الوفاء به، كما لا ينعقد مع سبق توجيه النهي إليه على هذا النحو.

(مسألة 900) : إذا نذر المكلف الاتيان بالصلاة في مكان بنحو كان منذوره تعيين هذا المكان لها لا نفس الصلاة، فإن كان في المكان جهة رجحان بصورة أولية - كالمسجد - أو بصورة ثانوية طارئة مع كونها ملحوظة حين النذر كما إذا كان المكان أفرغ للعبادة وأبعد عن الرياء بالنسبة إلى الناذر صح النذر وإلاّ لم ينعقد وكان لغواً.

(مسألة 901) : إذا نذر الصلاة أو الصوم أو الصدقة في زمان معين وجب

ص: 257

عليه التقيد بذلك الزمان في الوفاء، فلو أتى بالفعل - قبله أو بعده - لم يعتبر وفاءً، فمن نذر أن يتصدق على الفقير إذا شفي من مرضه، أو أن يصوم اول كل شهر، ثم تصدق قبل شفائه، أو صام قبل اول الشهر أو بعده لم يتحقق الوفاء بنذره.

(مسألة 902) : إذا نذر صوماً ولم يحدده من ناحية الكمية كفاه صوم يوم واحد، وإذا نذر صلاة من دون تحديد كيفيتها أو كميتها كفته صلاة واحدة تامة حتى لو كانت ركعة واحدة كالوتر، وإذا نذر صدقة ولم يحددها نوعاً وكماً اجزأه كل ما يطلق عليه اسم الصدقة، وإذا نذر التقرب إلى الله بشيء - على وجه عام - كان له أن يأتي بأيّ عمل قربي، كالصوم أو الصدقة أو الصلاة ولو ركعة الوتر من صلاة الليل، ونحو ذلك من طاعات وقربات.

(مسألة 903) : إذا نذر صوم يوم معين لم يجز له السفر - اذا طلع عليه الفجر وهو حاضر قادر على الصوم - في ذلك اليوم اختياراً من غير ضرورة، نعم يجوز له ذلك إذا وجد مرجّح شرعي أو عقلائي أو شخصي فيفطر ويقضيه ولا كفارة عليه واذا كان مسافراَ سفراً يوجب الإفطار لم تجب عليه الاقامة للوفاء بالنذر.

وإذا لم يسافر فإن صادف في ذلك اليوم أحد موجبات الإفطار كمرض أو حيض أو نفاس أو اتفق احد العيدين فيه أفطر وقضاه، أما إذا أفطر فيه - دون موجب - عمداً فعليه القضاء والكفارة، وهي كفارة حنث اليمين الآتي بيانها.

(مسألة 904) : إذا نذر المكلف ترك عمل في زمان محدود لزمه تركه في ذلك الزمان فقط، وإذا نذر تركه مطلقاً أي قاصداً الالتزام بتركه في جميع الأزمنة لزمه تركه مدة حياته، فإن خالف وأتى بما التزم بتركه عامداً أثم ولزمته الكفارة وقد بطل نذره ولا إثم ولا كفارة عليه فيما أتى به خطأ أو غفلة أو نسياناً أو اكراهاً أو اضطراراً، ولا يبطل بذلك نذره فيجب الترك بعد ارتفاع العذر.

ص: 258

(مسألة 905) : إذا نذر المكلف التصدق بمقدار معين من ماله ومات قبل الوفاء به ولكن بعد تحقق موضوعه، لم يخرج ذلك المقدار من أصل التركه، والاحوط وجوباً لكبار الورثة إخراجه من حصصهم والتصدق به من قبله.

(مسألة 906) : إذا نذر الصدقة على فقير لم يجزه التصدق بها على غيره، وإذا مات الفقير المعين قبل الوفاء بالنذر لم يلزمه شيء وكذلك إذا نذر زيارة أحد الأئمة (عليهم السلام) معيناً فإنه لا يكفيه أن يزور غيره وإذا عجز عن الوفاء بنذره فلا شيء عليه.

(مسألة 907) : من نذر زيارة أحد الأئمة (عليهم السلام) لا يجب عليه الغسل لها ولا أداء صلاتها الا إذا كان ذلك مقصوداً له في نذره والتزامه.

(مسألة 908) : المال المنذور لمشهد من المشاهد المشرفة إذا لم يقصد الناذر له مصرفاً معيناً يصرف في مصالحه، فينفق منه على عمارته أو انارته، أو لشراء فراش له أو لاداء أُجور خدمه والقائمين على حفظه وصيانته وما إلى ذلك من شؤون المشهد، فان لم يتسير صرفه فيما ذكر واشباهه أو كان المشهد مستغنياً من جميع الوجوه صرف في معونة زواره ممن قصرت نفقتهم أو قطع بهم الطريق أو تعرضوا لطارئ آخر.

(مسألة 909) : المال المنذور لشخص صاحب المشهد - من دون أن يقصد الناذر له مصرفاً معيناً - يصرف على جهة راجعة إلى المنذور له كأن ينفق على زواره الفقراء أو على مشهده الشريف أو على ما فيه احياء ذكره ونحو ذلك.(مسألة 910) : لو نذر التصدق بشاة معينة - مثلاً - فنمت نمواً متصلاً كالسمن كان النماء تابعاً لها في اختصاصها بالجهة المنذورة لها، وإذا نمت نمواً منفصلاً كما إذا أولدت شاة اخرى أو حصل فيها لبن فالنماء للناذر إلاّ إذا كان قاصداً للتعميم حين إنشاء النذر.

(مسألة 911) : إذا نذر المكلف صوم يوم إذا برئ مريضه أو قدم مسافره فتبين برء المريض وقدوم المسافر قبل نذره لم يكن عليه شيء.

ص: 259

(مسألة 912) : إذا نذر الأب أو الأم تزويج بنتهما من هاشمي أو من غيره في أوان زواجها لم يكن لذلك النذر أثر بالنسبة إليها وعدّ كأن لم يكن.

أحكام اليمين

(مسألة 913) : اليمين على ثلاثة أنواع:

1- ما يقع تأكيداً وتحقيقاً للأخبار عن تحقق أمرٍ أو عدم تحققه في الماضي أو الحال أو الاستقبال، والايمان من هذا النوع أما صادقة وأما كاذبة، والايمان الصادقة ليست محرمة ولكنها مكروهة بحد ذاتها، فيكره للمكلف أن يحلف على شيء صدقاً أو ان يحلف على صدق كلامه، وأما الايمان الكاذبة فهي محرمة، بل قد تعتبر من المعاصي الكبيرة كاليمين الغموس وهي اليمين الكاذبة في مقام فصل الدعوى، ويستثنى منها اليمين الكاذبة التي يقصد بها الشخص دفع الظلم عن نفسه أو عن سائر المؤمنين، بل قد تجب فيما إذا كان الظالم يهدد نفسه أو عرضه أو نفس مؤمن آخر أو عرضه، ولكن اذا التفت إلى إمكان التورية وكان عارفاً بها ومتيسرة له فالأحوط وجوباً ان يورّي في كلامه، بان يقصد بالكلام معنى غير معناه الظاهر بدون قرينة موضحة لقصده، فمثلاً إذا حاول الظالم الاعتداء على مؤمن فسأله عن مكانه وأين هو؟ يقول (ما رأيته) فيما إذا كان قد رآه قبل ساعة، ويقصد انه لم يره منذ دقائق مثلاً وهذا النوع من اليمين ليس من قسم الانشاء فليس هو المقصود بالكفّارة عند المخالفة، وإنما هو من قسم الأخبار فيقبل الصدق والكذب كما قدّمنا.

2- ما يقرن به الطلب والسؤال ويقصد به حث المسؤول على انجاح المقصود ويسمى ب (يمين المناشدة) كقول السائل: (اسألك بالله ان تعطيني ديناراً). واليمين من هذا النوع لا يترتب عليها شيء من اثم ولا كفارة لا على الحالف في احلافه ولا على المحلوف عليه في حنثه وعدم انجاح مسؤوله.

ص: 260

3- ما يقع تأكيداً وتحقيقاً لما بنى عليه والتزم به من ايقاع امر أو تركه في المستقبل ويسمى (يمين العقد) كقوله (والله لأصومنّ غداً) أو (والله لأتركن التدخين).

وهذا اليمين هي التي تنعقد عند اجتماع الشروط الآتية ويجب الوفاء بها وتترتب على حنثها الكفارة وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، وفي حال العجز عن هذه الامور يجب صيام ثلاثة ايام متواليات.واليمين من هذا النوع هي الموضوع للمسائل الآتية.

(مسألة 914) : يعتبر في إنعقاد اليمين ان يكون الحالف بالغاً عاقلاً مختاراً قاصداً غير محجور عن التصرف في متعلق اليمين، نظير ما تقدم في النذر.

(مسألة 915) : لا تنعقد اليمين الا باللفظ أو ما هو بمثابته كالاشارة من الأخرس، وتكفي أيضاً الكتابة من العاجز عن التكلم بَلْ لا يترك الاحتياط في الكتابة من غيره.

(مسألة 916) : لا تنعقد اليمين الا اذا كان المحلوف به هو الذات الالهية سواء بذكر اسمه المختص به كلفظ الجلالة (الله) وما يلحقه كلفظ (الرحمن)، أو بذكر وصفه أو فعله المختص به الذي لا يشاركه فيه غيره ك(مقلب القلوب والابصار) و(الذي فلق الحبة وبرأ النسمة)، أو بذكر وصفه أو فعله الذي يغلبُ إطلاقه عليه بنحو ينصرف اليه تعالى وإن شاركه فيها غيره بل يكفي ذكرُ فعله أو وصفه الذي لا ينصرف اليه في حد نفسه ولكن ينصرف إليه في مقام الحلف كالحي والسميع والبصير.

واذا كان المحلوف به بعض الصفات الإلهية أو ما يلحق بها كما لو قال (وحق الله، أو بجلال الله أو بعظمة الله) لم تنعقد اليمين إلاّ إذا قصد ذاته المقدسة.

(مسألة 917) : لا يحرم الحلف بالنبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) وسائر النفوس المقدسة والقرآن الشريف والكعبة المعظمة وسائر الامكنة المحترمة ولكن لاتنعقد اليمين بالحلف بها، ولا يترتب على مخالفتها إثم ولا كفارة.

ص: 261

(مسألة 918) : يعتبر في متعلق اليمين أن يكون مقدوراً في ظرف الوفاء بها، فلو كان مقدوراً حين اليمين ثم عجز عنه المكلف - لا لتعجيز نفسه - فان كان معذوراً في تأخيره ولو لاعتقاد قدرته عليه لاحقاً انحلت يمينه وإلاّ أثم ووجبت عليه الكفارة، ويلحق بالعجز فيما ذكر الضرر الزائد على ما يقتضيه طبيعة ذلك الفعل أو الترك والحرج الشديد الذي لا يتحمل عادة، فانه تنحل اليمين بهما.(مسألة 919) : تنعقد اليمين فيما اذا كان متعلقها راجحاً شرعاً كفعل الواجب والمستحب وترك الحرام والمكروه، وتنعقد أيضاً اذا كان متعلقها راجحاً بحسب الاغراض العقلائية الدنيوية أو مشتملاً على مصلحة دنيوية شخصية للحالف بشرط ان لا يكون تركه راجحاً شرعاً.

وكما لا تنعقد اليمين فيما اذا كان متعلقها مرجوحاً كذلك تنحل فيما اذا تعلقت براجح ثم صار مرجوحاً، كما لو حلف على ترك ممارسة الرياضة أبداً ثم ضرّه تركها بعد حين فانه تنحل يمينه حينئذٍ، ولو عاد إلى الرجحان لم تعد اليمين بعد انحلالها.

(مسألة 920) : لا تنعقد يمين الولد مع منع الوالد، ولا يمين الزوجة مع منع الزوج، ولا يعتبر في إنعقاد يمينهما اذن الوالد والزوج فلو حلف الولد أو الزوجة ولم يطلعا على حلفهما أو لم يمنعا مع علمهما به صح حلفهما ووجب الوفاء به.

(مسألة 921) : إذا ترك المكلف الوفاء بيمينه نسياناً أو اضطراراً أو اكراهاً أو عن جهل يعذر فيه لم تجب عليه الكفارة، مثلاً اذا حلف الوسواسي على عدم الاعتناء بالوسواس، كما اذا حلف ان يشتغل بالصلاة فوراً، ثم منعه وسواسه عن ذلك فلا شيء عليه اذا كان الوسواس بالغاً إلى درجة يسلبه الاختيار والا لزمته الكفارة.

ص: 262

أحكام العهد

(مسألة 922) : لا ينعقد العهد بمجرد النية بل يحتاج إلى الصيغة، فلا يجب العمل بالعهد القلبي وان كان ذلك احوط استحباباً، وصيغة العهد ان يقول (عاهدت الله، أو عليّ عهد الله أن أفعل كذا أو اترك كذا).

(مسألة 923) : يعتبر في منشئ العهد ان يكون بالغاً عاقلاً مختاراً قاصداً غير محجور عن التصرف في متعلق العهد على حذو ما تقدم اعتباره في النذر واليمين.

(مسألة 924) : لا يعتبر في متعلق العهد ان يكون راجحاً شرعاً كما مرّ اعتباره في متعلق النذر، بل يكفي ان لا يكون مرجوحاً شرعاً مع كونه راجحاً بحسب الأغراض الدنيوية العقلائية أو مشتملاً على مصلحة دنيوية شخصية مثل ما مرّ في متعلق اليمين.

(مسألة 925) : اذا انشأ العهد مطلقاً أي غير مُعلِّق على تحقق امرٍ وجب الوفاء به على أي حال، واذا انشأه معلقاً على قضاء حاجته مثلاً كما لو قال (عليّ عهد الله أن أصوم يوماً اذا برئ مريضي) وجب عليه الوفاء به اذا قضيت حاجته.

ومتى خالف المكلف عهده بعد انعقاده لزمته الكفارة، وهي عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكيناً.

أحكام الوقف

(مسألة 926) : الوقف هو (تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة)، وإذا تمّ بشروطه الشرعية خرج المال الموقوف عن ملك الواقف وأصبح مما لا يوهب ولا يورث ولا يباع إلاّ في موارد معينة يجوز فيها البيع كما تقدّم في (المسألة442) وما بعدها.

ص: 263

(مسألة 927) : لا يتحقّق الوقف بمجرد النية، بل لابدّ من إنشائه بلفظ ك(وقفتُ هذا الفراش على المسجد) أو بفعل كإعطاء الفراش إلى قيّم المسجد بنية وقفه، ومثله تعمير جدار المسجد أو بناء أرض على طراز ما تُبنى به المساجد بقصد كونه مسجداً فإنه يكون وقفاً بذلك.

(مسألة 928) : يعتبر في الواقف: البلوغ، والعقل، والاختيار، والقصد، وعدم الحجر عن التصرف في الشيء المراد وقفه لسَفَه أو فَلَس، فلا يصحّ وقف الصبي والمجنون والمكره والغافل والساهي والمحجور عليه.

(مسألة 929) : يعتبر في الوقف أمور:

أ- عدم توقيته بمدة، فلو قال: (داري وقف على الفقراء إلى سنة) بطل وقفاً، ويصحّ حبساً إذا قصد ذلك.

ب- أن يكون منجّزاً، فلو قال: (هذا وقف بعد مماتي) لم يصحّ، نعم إذا فهم منه عرفاً أنه أراد الوصية بالوقف وجب العمل بها ضمن الثلث المخوّل به إذا كانت الوصية نافذة فيجعل وقفاً بعد وفاته.

ج- أن لا يكون وقفاً على نفس الواقف ولو في ضمن آخرين، فلو وقف أرضاً لأن يدفن فيها لم يصحّ، ولو وقف دكاناً لأن تصرف منافعه بعد موته على من يقرأ القرآن على قبره ويهدي إليه ثوابه صحّ، وإذا وقف بستاناً على الفقراء لتصرف منافعه عليهم وكان الواقف فقيراً حين الوقف أو أصبح كذلك بعده جاز له الانتفاع بمنافعه كغيره إلاّ إذا كان من قصده خروج نفسه.

د- قبض العين الموقوفة إذا كان من الأوقاف الخاصة، فلا يصحّ الوقف إذا لم يقبضها الموقوف عليه أو وكيله أو وليّه، نعم يكفي قبض الطبقة الموجودة عن الطبقات اللاحقة، بل يكفي قبض الموجود من الطبقة الأولى عمن يوجد منها بعد ذلك، وإذا وقف على أولاده الصغار وأولاد أولاده وكانت العين في يده كفى ذلك في تحقّق القبض ولم يحتج إلى قبض آخر.

ص: 264

ولا يعتبر القبض في صحة الوقف على العناوين العامة، فلو قال: (وقفتُ هذه الأرض مقبرة للمسلمين) صارت وقفّا وإن لم تقبض من قبل المتولي أو الحاكم الشرعي.

ه- أن يكون الموقوف عيناً خارجية ومما يمكن الانتفاع بها مدة معتدًّا بها منفعة محلّلة مع بقاء عينها، فلا يصحّ وقف الدين ولا وقف الأطعمة ونحوها مما لا نفع فيه إلاّ بإتلاف عينه ولا وقف الورد للشم مع أنه لا يبقى إلاّ مدة قصيرة، ولا وقف آلات اللهو المحرّم.

و- وجود الموقوف عليه حال الوقف إذا كان من الأوقاف الخاصة، فلا يصحّ الوقف على المعدوم في حين الوقف، كما إذا وقف على من سيولد له من الأولاد، وفي صحّة الوقف على الحمل قبل أن يولد إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه، نعم إذا لوحظ الحمل بل المعدوم تبعاً لمن هو موجود بالفعل بأن يجعل طبقة ثانية أو مساوياً للموجود في الطبقة بحيث لو وجد لشاركه صحّ الوقف.

(مسألة 930) : لا يعتبر قصد القربة في صحّة الوقف ولاسيما في الوقف الخاص كالوقف على الذرية، كما لا يعتبر القبول في الوقف بجميع أنواعه وإن كان اعتباره أحوط استحباباً.

(مسألة 931) : يجوز للواقف في وقف غير المسجد أن يجعل في ضمن إنشاء الوقف تولية الوقف ونظارته لنفسه مادام الحياة أو إلى مدة محددة وكذلك يجوز أن يجعلها لغيره، كما يجوز أن يجعل أمر التولية لنفسه أو لشخص آخر بأن يكون المتولي كل من يعيّنه نفسه أو ذلك الشخص، ولو جعل التولية لشخص لم يجب عليه القبول سواء أكان حاضراً في مجلس إيقاع الوقف أم كان غائباً ثم بلغه ذلك، ولو قبل التولية تعيّن ووجب عليه العمل بما قرّره الواقف من الشروط، ولكن له أن يعزل نفسه عن التولية بعد ذلك.

ص: 265

(مسألة 932) : يعتبر في متولي الوقف أن تكون له الكفاية لإدارة شؤونه ولو بالاستعانة بالغير، كما يعتبر أن يكون موثوقاً به في العمل وفق ما يقتضيه الوقف.

(مسألة 933) : إذا لم يجعل الواقف متولياً للوقف ولم يجعل حق نصبه لنفسه أو لغيره فالعين الموقوفة إن كانت وقفاً على أفراد معيّنين على نحو التمليك كأولاد الواقف - مثلاً - جاز لهم التصرف فيها بما يتوقف عليه انتفاعهم منها من دون أخذ إجازة أحد فيما إذا كانوا بالغين عاقلين رشيدين، وإن لم يكونوا كذلك كان زمام ذلك بيد وليّهم الشرعي، وأما التصرف في العين الموقوفة بما يرجع إلى مصلحة الوقف ومراعاة مصلحة البطون اللاحقة من تعميرها وإجارتها على الطبقات اللاحقة فالأمر فيه بيد الحاكم الشرعي أو المنصوب من قبله.

وإذا كانت العين الموقوفة وقفاً على جهة عامة أو خاصة أو عنوان كذلك كالبستان الموقوف على الفقراء أو الخيرات فالمتولي لهَ في حال عدم نصب الواقف أحداً للتولية وعدم جعل حق النصب لنفسه أو لغيرهَ هو الحاكم الشرعي أو المنصوب من قبله.

(مسألة 934) : تختصّ المساجد بأنه لا تولية لأحد عليها، فليس لواقف الأرض مسجداً أن ينصب متولّياً عليه بمعنى أن يكون له حق التصرف في الوقف - وهو المسجد - فيمنع من يشاء من الدخول ونحوه فللمساجد أحكام وآداب لا يكون لأحد تولية عليها، نعم تجوز التولية لموقوفات المسجد من بناء وفرش وآلات إنارة وتبريد وتدفئة ونحوها.

(مسألة 935) : إذا ظهرت خيانة من المتولي للوقف كعدم صرفه منافع الوقف في الموارد المقررة في الوقفية ضمّ إليه الحاكم الشرعي من يمنعه عنها، وإن لم يمكن ذلك عزله ونصب شخصاً آخر متولّيًا له.

ص: 266

(مسألة 936) : إذا خرب المسجد لم تخرج عرصته عن الوقفية ولا يجوز بيعها وإن تعذّر تعميره إلى الأبد، وأما غير المسجد من الأعيان الموقوفة مثل البستان والدار فتبطل وقفيّتها بالخراب الموجب لزوال العنوان إذا كانت الوقفية قائمة بذلك العنوان ومقيّدة ببقائه، كوقف البستان مادام كذلك وعندئذٍ يرجع ملكاً للواقف ومنه إلى ورثته حين موته، وهذا بخلاف ما إذا كان الملحوظ في الوقفية كلاًّ من العين والعنوان - كما هو الغالب - فإنه إذا زال العنوان فإن أمكن تعمير العين الموقوفة وإعادة العنوان من دون حاجة إلى بيع بعضها - كأن يصالح شخصاً على إعادة تعميرها على أن تكون له منافعها لمدة معينة ولو كانت طويلة نسبياً - لزم ذلك وتعيّن، وإن توقف إعادة عنوانها على بيعِ بعضها ليعمر الباقي فالأحوط لزوماً تعيّنه، وإن تعذّر إعادة العنوان إليها مطلقاً ولكن أمكن استنماء عرصتها بوجه آخر فهو المتعيّن، وإن لم يمكن بيعت، والأحوط لزوماً أن يشترى بثمنها ملك آخر ويوقف على نهج وقف الأول، بل الأحوط لزوماً أن يكون الوقف الجديد معنوناً بعنوان الوقف الأول مع الإمكان وإلاّ فالأقرب إليه، وإن تعذّر هذا أيضاً صرف ثمنها على الجهة الموقوفة عليها.

(مسألة 937) : ما يوقف على المساجد والمشاهد ونحوهما من آلات الإنارة والتكييف والفرش ونحوها لا يجوز نقلها إلى محلّ آخر مادام يمكن الانتفاع بها في المكان الذي وقفت عليه، وأما لو فرض استغناؤه عنها بالمرة بحيث لا يترتب على إبقائها فيه إلاّ الضياع والتلف نقلت إلى محلّ آخر مماثل له، بأن يجعل ما للمسجد لمسجدٍ آخر وما للحسينية في حسينية أخرى، فإن لم يوجد المماثل أو استغنى عنه بالمرة جعل في المصالح العامة.

هذا إذا أمكن الانتفاع به باقياً على حاله، وأما لو فرض أنه لا ينتفع إلاّ ببيعه بحيث لو بقي لضاع وتلف بيع وصرف ثمنه في ذلك المحل الموقوف عليه إن كان في حاجة إليه وإلاّ ففي المماثل ثم المصالح العامة مثل ما مرّ.

ص: 267

(مسألة 938) : لا يجوز صرف منافع المال الموقوف على ترميم مسجد معيّن في ترميم مسجد آخر، نعم إذا كان المسجد الموقوف عليه في غنى عن الترميم إلى أمد بعيد ولم يتيسّر تجميع عوائد الوقف وادّخارها إلى حين احتياجه فالأحوط لزوماً صرفها فيما هو الأقرب إلى مقصود الواقف من تأمين سائر احتياجات المسجد الموقوف عليه أو ترميم مسجد آخر حسب اختلاف الموارد.

(مسألة 939) : إذا احتاجت الأملاك الموقوفة إلى التعمير أو الترميم لأجل بقائها وحصول النماء منها، فإن لم يكن لها ما يصرف عليها في ذلك صرف جزء من نمائها وجوباً مقدّماً على حقّ الموقوف عليهم، وإذا احتاج إلى تمام النماء في التعمير أو الترميم بحيث لولاه لا يبقى للطبقات اللاحقة صرف النماء بتمامه في ذلك وإن أدّى إلى حرمان الطبقة الموجودة.

(مسألة 940) : إذا أراد المتولي للوقف بيعه بدعوى وجود المسوّغ للبيع لم يجز الشراء منه إلاّ بعد التثبّت من وجوده، وأما لو بيعت العين الموقوفة ثم حدث للمشتري أو لطرف ثالث شك في وجود المسوّغ للبيع في حينه جاز البناء على صحته، نعم إذا تنازع المتولي والموقوف عليه مثلاً في وجود المسوّغ وعدمه فرفعوا أمرهم إلى الحاكم الشرعي فحكم بعدم ثبوت المسوّغ وبطلان البيع لزم ترتيب آثاره.

الوصية

أحكام الوصية

(مسألة 941) : الوصية على قسمين:

أ- الوصية التمليكية وهي ان يجعل الإنسان شيئاً مما له من مال أو حق لغيره بعد وفاته.

ب- الوصية العهدية وهي ان يعهد الإنسان بتولي شخص بعد وفاته أمراً يتعلق به أو بغيره كدفنه في مكان معين أو تمليك شيء من ماله لأحد أو القيمومة على صغاره ونحو ذلك.

ص: 268

(مسألة 942) : يعتبر في الموصي البلوغ والعقل والرشد والاختيار، فلا تصح وصية المجنون والمكره، ولا وصية السفيه في أمواله وتصح في غيرها كتجهيزه ونحوه مما لا تعلق له بمال، وكذا لا تصح وصية الصبي إلا إذا بلغ عشر سنين فانه تصح وصيته في المبرات والخيرات العامة كما تصح وصيته لأرحامه وأقربائه، وأما الغرباء ففي نفوذ وصيته لهم اشكال، كما يشكل نفوذ وصية البالغ سبع سنين في الشيء اليسير، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيهما.

ويعتبر في الموصي أيضاً أن لا يكون قاتل نفسه متعمداً على وجه العصيان، فإذا أوصى بعد ما احدث في نفسه ما يجعله عرضة للموت من جرح أو تناول سم أو نحو ذلك لم تصح وصيته في ماله وتصح في غيره من تجهيز ونحوه مما لا تعلق له بالمال، وكذا تصح فيما إذا فعل ذلك خطأ أو سهواً أو على غير وجه العصيان مثل الجهاد في سبيل الله أو مع ظن السلامة فاتفق موته به، وكذا إذا عوفي ثم أوصى، أو أوصى بعد ما فعل السبب ثم عوفي ثم مات، أو أوصى قبل أن يحدث في نفسه ذلك ثم احدث فيها وان كان قبل الوصية بانياً على أن يحدث ذلك بعدها.

(مسألة 943) : لا يعتبر في صحة الوصية التلفظ بها أو كتابتها، بل يكفي كل ما يدل عليها حتى الإشارة المفهمة للمراد وإن كان الشخص قادراً على النطق، ويكفي في ثبوت الوصية وجود مكتوب للميت يعلم من قرائن الأحوال أنه أراد العمل به بعد موته، وأما إذا علم أنه كتبه ليوصي على طبقه بعد ذلك فلا يلزم العمل به.(مسألة 944) : إذا ظهرت للإنسان علامات الموت وجب عليه أمور:

منها: ردّ الأمانات إلى أصحابها أو من ينوب عنهم او إعلامهم بذلك او الايصال على نحو يطمئن بوصوله اليهم.

ومنها: الاستيثاق من وصول ديونه إلى أصحابها بعد مماته، ولو بالوصية بها والاستشهاد عليها، هذا في ديونه التي لم يحل اجلها بعد أو حلّ ولم

ص: 269

يطالبه بها الديان أو لم يكن قادراً على وفائها وإلاّ فتجب المبادرة إلى أدائها فوراً وإن لم يخف الموت.

ومنها: الوصية بأداء ما عليه من الحقوق الشرعية كالخمس والزكاة والمظالم إذا كان له مال ولم يكن متمكناً من أدائها فعلاً أو لم يكن له مال واحتمل - احتمالاً معتداً به - أن يؤدي ما عليه بعض المؤمنين تبرعاً واحساناً، وأما إذا كان له مال وكان متمكناً من الأداء وجب عليه ذلك فوراً من غير تقيد بظهور إمارات الموت.

ومنها: الاستيثاق من اداء ما عليه من الصلاة والصوم والكفارات ونحوها بعد وفاته ولو بالوصية به إذا كان له مال، بل إذا لم يكن له مال واحتمل - احتمالاً معتداً به - أن يقضيها شخص آخر عنه تبرعاً وجبت عليه الوصية به أيضاً، وربما يغني الإخبار عن الايصاء كما لو كان له من يطمئن بقضائه لما فات عنه - كالولد الأكبر - فيكفي حينئذٍ إخباره بفوائته.

ومنها: إعلام الورثة بما له من مال عند غيره أو في ذمته أو في محل خفي لا علم لهم به إذا عد تركه تضييعاً لحقهم، ولا يجب على الأب نصب القيم على الصغار إلاّ إذا كان إهمال ذلك موجباً لضياعهم أو ضياع أموالهم فإنه يجب على الأب والحالة هذه جعل القيم عليهم، ويلزم أن يكون أميناً.

(مسألة 945) : الحج الواجب على الميت بالاستطاعة والحقوق المالية - وهي الأموال التي اشتغلت بها ذمته كالديون والزكاة والمظالم - تخرج من أصل المال سواء أوصى بها الميت أم لا، نعم إذا أوصى بإخراجها من ثلثه تخرج من الثلث كما سيأتي.

(مسألة 946) : إذا زاد شيء من مال الميت - بعد أداء الحج وإخراج الحقوق المالية ان وجب - فان كان قد أوصى بإخراج الثلث أو الأقل منه فلا بد من العمل بوصيته، وإلا كان تمام الزائد للورثة ولا يجب عليهم صرف

ص: 270

شيء منه عليه حتى في ابراء ذمته مما تعلق بها من الواجبات المتوقفة على صرف المال كالكفارات والنذورات المالية والصلاة والصيام استيجاراً.

(مسألة 947) : لا تنفذ الوصية بغير حجة الإسلام والحقوق المالية فيما يزيد على ثلث التركة، فمن أوصى بنصف ماله مثلاً لزيد أو للصرف في الاستيجار للصلاة والصيام عنه توقف نفوذها في الزائد على الثلث على امضاء الورثة، فان امضوا في حياة الموصي أو بعد موته ولو بمدة صحت الوصية، وإلا بطلت في المقدار الزائد، ولو امضاها بعضهم دون بعض نفذت في حصة المجيز خاصة.

(مسألة 948) : إذا أوصى بأداء الخمس والزكاة وغيرهما من الديون، وباستئجار من يقضي فوائته من الصلاة، والصيام، وبالصرف في الأمور المستحبة كإطعام المساكين كل ذلك من ثلث ماله، وجب أداء الديون أولاً، فان بقي شيء صرف في أجرة الصوم والصلاة، فان زاد صرف الزائد في المصارف المستحبة، فإذا كان ثلثه بمقدار دينه فقط ولم يجز الوارث وصيته في الزائد على الثلث بطلت الوصية في غير الدين.

(مسألة 949) : إذا أوصى بأداء ديونه وبالاستئجار للصوم والصلاة عنه وبالإتيان بالأمور المستحبة ولم يذكر اخراج ذلك من ثلث ماله وجب أداء ديونه من أصل المال، فان بقي منه شيء صرف الثلث في الاستئجار للصلاة والصوم والإتيان بالأمور المستحبة إذا وفى الثلث بذلك، وإلا فان أجاز الورثة الوصية في المقدار الزائد وجب العمل بها، وان لم يجزها الورثة وجب الاستئجار للصلاة وللصيام من الثلث، فان بقي منه شيء يصرف في المستحبات.

(مسألة 950) : إذا أوصى بوصايا متعددة وكلها من الواجبات التي لا تخرج من الأصل أو كلها من التبرعات والخيرات فان زادت على الثلث ولم يجز الورثة جميعها ورد النقص على الجميع بالنسبة ما لم تكن قرينة حالية أو مقالية على تقديم بعضها على البعض عند التزاحم.

ص: 271

(مسألة 951) : إذا أوصى بإخراج ثلثه ولم يعين له مصرفاً خاصاً عمل الوصي وفق ما تقتضيه مصلحة الميت، كأداء ما علُقَ بذمته من الواجبات مقدماً على المستحبات، بل يلزمه مراعاة ما هو اصلح له مع تيسر فعله على النحو المتعارف، ويختلف ذلك باختلاف الأموات، فربما يكون الأصلح أداء العبادات الاحتياطية عنه وربما يكون الأصلح فعل القربات والصدقات.

(مسألة 952) : إذا أوصى بإخراج ثلثه، فان نصّ على إرادة ابقاء عينه وصرف منافعه أو وجدت قرينة حالية أو مقالية على ذلك تعيّن العمل بموجبه، والا وجب إخراج الثلث عيناً أو قيمة وصرفه في موارده من غير تأخير في ذلك وان توقف على بيع التركة، نعم إذا وجدت قرينة على عدم إرادة الموصي التعجيل في الإخراج جاز التأخير فيه بمقدار ما تقتضيه القرينة، مثلاً لو أوصى بإخراج ثلثه مع الالتفات إلى أن الإسراع فيه يتوقف على بيع الدار السكنية لورثته المؤدي إلى تشردّهم - وهو ما لا يرضى به يقيناً - كان ذلك قرينة على اذنه في التأخير إلى الزمان الذي يتمكن فيه الورثة أو وليهّم من تحصيل مسكن لهم ولو بالإيجار.

(مسألة 953) : إذا أوصى من لا وارث له الا الإمام(ع) بجميع ماله للمسلمين والمساكين وابن السبيل لم تنفذ الا بمقدار الثلث منه كما هو الحال فيما إذا أوصى بجميعه في غير الأمور المذكورة وسبيل الباقي سبيل سهم الإمام(ع) من الخمس.

(مسألة 954) : إذا أوصى بوصيةٍ تمليكية أو عهدية ثم رجع عنها بطلت، فلو أوصى لزيد مثلاً بثلث ماله ثم عدل عن وصيته بطلت الوصية، وإذا أوصى إلى شخص معين ليكون قيّماً على صغاره ثم أوصى إلى غيره بذلك بطلت الوصية الأولى وتصح الثانية.

(مسألة 955) : يكفي في الرجوع عن الوصية كل ما يدل عليه، فلو أوصى

ص: 272

بداره لزيد مثلاً ثم باعها بطلت الوصية، وكذا إذا وكلّ غيره في بيعها مع التفاته إلى وصيته.

(مسألة 956) : إذا أوصى بثلثه لزيد ثم أوصى بنصف ثلثه لعمرو كان الثلث بينهما بالسوية، ولو أوصى بعين شخصية لزيد ثم أوصى بنصفها لعمرو كانت الثانية مبطلة للأولى بمقدار النصف.

(مسألة 957) : إذا وهب بعض أمواله في مرض موته واقبضه وأوصى ببعضها الآخر ثم مات، فان وفى الثلث بهما أو امضاهما الورثة صحّا جميعاً، وإلاّ يحسب المال الموهوب من الثلث فان بقي شيء حسب منه المال الموصى به.

(مسألة 958) : إذا اعترف في مرض الموت بدين عليه فان لم يكن متّهماً في اعترافه يخرج المقدار المعترف به من أصل التركة، ومع الاتهام يخرج من الثلث، والمقصود بالاتّهام وجود إمارات يُظن معها بكذبه، كأن يكون بينه وبين الورثة معاداة يظن معها بأنه يريد بذلك إضرارهم، أو كان له محبة شديدة مع المقرّ له يظن معها بأنه يريد بذلك نفعه.

(مسألة 959) : إذا اوصى لشخص بمال فقبل الموصى له الوصية ملك المال بعد موت الموصي وان كان قبوله في حياته، ولا يكفي مجرد عدم رفضه للوصية في دخول المال في ملكه بوفاة الموصي إلا إذا كان عدم الرد معبّراً عن القبول.

(مسألة 960) : إذا قبل الموصى له الوصية ومات في حياة الموصي أو بعد موته قامت ورثته مقامه فاذا قبلوا الوصية ملكوا المال الموصى به إذا لم يرجع الموصي عن وصيته.

(مسألة 961) : لا يعتبر في الوصية العهدية وجود الموصى له في حال الوصية أو عند موت الموصي، فلو اوصى باعطاء شيء من ماله الى من

ص: 273

سيوجد بعد موته - كولد ولده - فان وُجد أُعطي له والا كان ميراثاً لورثة الموصي، نعم إذا فهم منه ارادة صرفه في مورد آخر اذا لم يوجد الموصى له صرف في ذلك المورد ولم يكن ارثاً.

وأما الوصية التمليكية فلا تصح للمعدوم إلى زمان موت الموصي، فلو اوصى بشيء من ماله لما تحمله زوجة ابنه بعد وفاته لم تصح، وتصح للحمل حين وجود الوصية فان ولد حياً ملك المال بقبول وليه وإلا بطلت ورجع إلى ورثة الموصي.

(مسألة 962) : إذا عيّن الموصي شخصاً لتنفيذ وصيته تعيّن ويسمى (الوصي)، ويعتبر ان يكون عاقلاً ويطمأن بتنفيذه للوصية إذا تضمّنت اداء الحقوق الواجبة عن الموصي بل مطلقاً على الاحوط لزوماً، والمشهور بين الفقهاء (رضى الله عنهم) انه لا تصح الوصاية إلى الصبي منفرداً وان كان كذلك، إذا اراد منه التصرف في حال صباه مستقلاً، وإن كان الأحوط مراجعة الحاكم الشرعي في التصرف، واما إذا اراد ان يكون تصرفه بعد البلوغ أو مع اذن الوليّ فلا بأس بذلك.

وإذا كان الموصي مسلماً اعتبر ان يكون الوصي مسلماً ايضاً على الاحوط لزوماً.

(مسألة 963) : يجوز للموصي ان يوصي إلى اثنين أو أكثر، وفي حالة تعدد الاوصياء ان نصّ الموصي على أنّ لكل منهم صلاحية التصرف بصورة مستقلة عن الاخرين أو على عدم السماح لهم بالتصرف الا مجتمعين اخذ بنصّه، وكذا إذا كان ظاهر كلامه احد الامرين ولو لقرينة حالية أو مقالية، وإلا فلا يجوز لايّ منهم الاستقلال بالتصرف ولا بدّ من اجتماعهم.

وإذا تشاح الوصيان بشرط الانضمام ولم يجتمعا بحيث كان يؤدي ذلك إلى تعطيل العمل بالوصية فان لم يكن السبب فيه وجود مانع شرعي لدى

ص: 274

كل واحد منهما عن اتباع نظر الاخر اجبرهما الحاكم الشرعي على الاجتماع، وان تعذر ذلك او كان السبب فيه وجود المانع عنه لدى كليهما عالج الحاكم الشرعي الأمر بنحو أو آخر كضمّ الحاكم إلى احدهما شخصاً آخر حسب ما يراه من المصلحة وينفذ تصرفهما.

(مسألة 964) : لا يجب على من يعينه الموصي لتنفيذ وصيته قبول الوصاية بل له ان يردها في حياة الموصي بشرط ان يبلغه الرد، بل الاحوط لزوماً اعتبار تمكنه من الايصاء إلى شخص آخر ايضاً، فلو كان الردّ بعد موت الموصي أو قبل موته ولكن لم يبلغه حتى مات فلا أثر له وتكون الوصاية لازمة، وكذلك إذا بلغه الردّ ولم يتمكن من الايصاء إلى غيرهَ لشدّة المرض مثلاً على الاحوط وجوباً، نعم إذا كان العمل بالوصية حرجياً على الموصى اليه جاز له ردّها.

(مسألة 965) : ليس للوصي ان يفوض امر الوصية إلى غيره بمعنى ان يعزل نفسه عن الوصاية ويجعلها له، كما ليس له ان يجعل وصياً لتنفيذها بعد موته إلا إذا كان مأذوناً من قبل الموصي في الايصاء، نعم له ان يوكّل من يثق به في القيام بما يتعلق بالوصية ما لم يكن مقصود الموصي مباشرة الوصي له بشخصه.

(مسألة 966) : إذا اوصى إلى اثنين مجتمعين ومات احدهما أو طرأ عليه جنون أو غيره مما يوجب إرتفاع وصايته أقام الحاكم الشرعي شخصاً آخر مكانه، واذا ماتا معاً نصب الحاكم اثنين ويكفي نصب شخص واحد ايضاً إذا كان كافياً بالقيام بشؤون الوصية.

(مسألة 967) : إذا عجز الوصي عن انجاز الوصية - لكبر السنّ ونحوه - حتى على سبيل التوكيل او الاستيجار ضمّ اليه الحاكم الشرعي من يساعده في ذلك.

(مسألة 968) : لا بأس بالايصاء إلى عدة اشخاص على الترتيب، كأن يقول (زيد وصيي فأن مات فعمرو وصيي)، فوصاية عمرو تتوقف عندئذٍ على موت زيد.

ص: 275

(مسألة 969) : الوصي أمين، فلا يضمن مايتلف في يده الا مع التعدي او التفريط، مثلا: إذا اوصى الميت بصرف ثلثه على فقراء بلده فنقله الوصي إلى بلد آخر وتلف المال في الطريق ضمنه لتفريطه بمخالفة الوصية.

(مسألة 970) : تثبت دعوى مدعي الوصية له بمال بشهادة مسلمين عدلين، وبشهادة مسلم عادل مع يمين المدعي، وبشهادة مسلم عادل مع مسلمتين عادلتين، وبشهادة اربع مسلمات عادلات، ويثبت ربع الوصية بشهادة مسلمة عادلة ونصفها بشهادة مسلمتين عادلتين وثلاثة ارباعها بشهادة ثلاث مسلمات عادلات كما تثبت الدعوى الآنفة الذكر بشهادة رجلين ذميين عدلين في دينهما عند الضرورة وعدم تيسّر عدول المسلمين.

واما دعوى القيمومة على الصغار من قبل ابيهم او جدهم او الوصاية على صرف مال الميت فلا تثبت الا بشهادة عدلين من الرجال ولا تقبل فيها شهادة النساء منفردات ولا منضمات إلى الرجال.

الكفارات

أحكام الكفارات

(مسألة 971) : الكفارات على خمسة أقسام: فانها اما ان تكون معينة أو مرتبة أو مخيرة أو ما اجتمع فيها الترتيب والتخيير أو تكون كفارة الجمع، وفيما يلي امثلة للجميع:

أ- كفارة الظهار والقتل خطأً مرتبة وهي عتق رقبة فان عجز صام شهرين متتابعين فان عجز اطعم ستين مسكيناً، وايضاً كفارة من افطر في قضاء شهر رمضان بعد الزوال مرتبة وهي اطعام عشرة مساكين فان عجز صام ثلاثة ايام.

ب- كفارة من تعمد الافطار في يوم من شهر رمضان أو خالف العهد مخيرة، وهي عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكيناً.

ص: 276

ج- كفارة حنث اليمين والنذر اجتمع فيها التخيير والترتيب وهي عتق رقبة أو اطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فان عجز صام ثلاثة ايام متواليات.

د كفارة قتل المؤمن عمداً وظلماً كفارة جمع وهي عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين واطعام ستين مسكيناً.

ه- كفارة من حلف بالبراءة من الله أو من رسوله (صلى الله عليه وآله) أو من دينه أو من الائمة (عليهم السلام) ثم حنث كفارة معينة وهي اطعام عشرة مساكين.

(مسألة 972) : إذا اشترك جماعة في القتل العمدي وجبت الكفارة على كل واحد منهم، وكذلك في قتل الخطأ.

(مسألة 973) : إذا ثبت على مسلم حدّ يوجب القتل كالزاني المحصن واللائط فقتله غير الامام أو المأذون من قبله وجبت الكفارة على القاتل، نعم لاكفارة في قتل المرتد إذا لم يتب.(مسألة 974) : لو نذر صوم يوم أو أيام فعجز عنه فالاحوط وجوباً ان يتصدق لكل يوم بمدّ (750 غراماً تقريباً) من الطعام على مسكين، أو يدفع له مدين (1.5كيلو غراماً تقريباً) من الطعام ليصوم عنه.

(مسألة 975) : المشهور أن في جز المرأة شعرها في المصاب كفارة الافطار في شهر رمضان وفي نتفه أو خدش وجهها إذا ادمته أو شق الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته كفارة يمين، ولكن الاظهر عدم الوجوب نعم التكفير أحوط.

(مسألة 976) : لو تزوج بامرأة ذات بعل أو في العدة الرجعية لزمه أن يفارقها، والاحوط أن يكفر بخمسة أصوع من دقيق وإن كان الاقوى عدم وجوبه.

(مسألة 977) : لو نام عن صلاة العشاء الآخرة حتى خرج الوقت أصبح صائماً على الاحوط استحباباً.

ص: 277

(مسألة 978) : العجز عن العتق الموجب للانتقال إلى الصيام ثم الاطعام في الكفارة المرتبة متحقق في هذا الزمان لعدم الرقبة المملوكة، واما العجز عن الصيام الموجب لتعين الطعام فيتحقق بالتضرر به أو بكونه شاقاً مشقة لا يتحمل عادة، واما العجز عن الاطعام والاكساء في كفارة اليمين ونحوها الموجب للانتقال إلى الصيام فيتحقق بعدم تيسر تحصيلهما ولو لعدم توفر ثمنهما أو احتياجه إليه في نفقة نفسِهِ أو واجبي النفقة عليه.

(مسألة 979) : المدار في الكفارة المرتبة على حال الاداء، فلو كان قادراً على الصوم ثم عجز أطعم ولا يستقر الصوم في ذمته، ويكفي في تحقق العجز الموجب للانتقال إلى البدل فيها العجز العرفي في وقت التكفير فلو كان عجزه لمدة قصيرة كأسبوع مثلاً لزمه الانتظار، ولو صدق العجز عرفاً فأتى بالبدل ثم طرأت القدرة اجتزأ به، بل يكفي الشروع فيه، فاذا عجز عن الصوم فدخل في الاطعام ثم تمكّن منه اجتزأ بإتمام الاطعام.

(مسألة 980) : يجب التتابع في صوم الشهرين من الكفارة المخيرة والمرتبة وكفارة الجمع، كما يجب التتابع بين صيام الأيام الثلاثة في كفارة اليمين والنذر، والمقصود بالتتابع عدم تخلّل الافطار ولا صوم آخر غير الكفارة بين أيامها، فلا يجوز الشروع في الصوم في زمان يعلم انه لا يسلم له بتخلل العيد أو تخلل يوم يجب فيه صوم آخر الا إذا كان ذلك الصوم مطلقاً ينطبق على صوم الكفارة كما لو نذر قبل تعلق الكفارة بان يصوم اليوم الأول من شهر رجب فان صومه لا يضرُّ بالتتابع بل يحسب من الكفارة ايضاً مع قصدها، بخلاف ما إذا نذر ان يصومه شكراً - مثلاً - فانه يضرّ بالتتابع.(مسألة 981) : انما يضر الافطار في الأثناء بالتتابع فيما إذا وقع على وجه الاختيار، فلو وقع لعذر كالمرض وطرّو الحيض والنفاس - لا بتسبيب منه - والسفر الاضطراري دون الاختياري ونسيان النية إلى فوات وقتها لم يجب الاستئناف بعد زوال العذر بل يبني على ما مضى.

(مسألة 982) : يكفي في تتابع الشهرين من الكفارة صيام شهر ويوم واحد

ص: 278

متتابعاً، ويجوز له التفريق بعد ذلك لأي عارض يعدُّ عذراً عرفاً وان لم يبلغ درجة الضرورة، واما التفريق إختياراً لا لعذر اصلاً فالاحوط لزوماً تركه.

(مسألة 983) : من وجب عليه صيام شهرين يجوز له الشروع فيه في أثناء الشهر ولكن الاحوط وجوباً حينئذٍ ان يصوم ستين يوماً وان كان الشهر الذي شرع فيه مع تاليه ناقصين أو مختلفين، وأما لو شرع فيه من أول الشهر فيجزيه شهران هلاليان وان كانا ناقصين.

(مسألة 984) : يتخير في الإطعام الواجب في الكفارات بين تسليم الطعام إلى المساكين وإشباعهم، ولا يتقدر الإشباع بمقدار معين بل المدار فيه عرض الطعام الجاهز عليهم بمقدار يكفي لإشباعهم مرة واحدة قل أو كثر، واما نوعه فيجب ان يكون مما يتعارف التغذي به لغالب الناس من المطبوخ وغيره وان كان بلا ادام وهو ما جرت العادة باكله مع الخبز ونحوه، والافضل ان يكون مع الادام وكل ما كان اجود كان افضل.واما في التسليم فاقل ما يجزي تسليم كل واحد منهم مد (750 غراماً تقريباً) والافضل بل الاحوط استحباباً مدان (1.5 كيلو غرام تقريباً) ويكفي فيه مطلق الطعام كالتمر والارز والزبيب والماش والذرة والحنطة وغيرها، نعم الاحوط لزوماً في كفارة اليمين والنذر الاقتصار على تسليم الحنطة أو دقيقها.

(مسألة 985) : التسليم إلى المسكين تمليك له وتبرأ ذمة المكفر بمجرد ذلك، ولا تتوقف على أكله الطعام فيجوز له بيعه عليه أو على غيره.

(مسألة 986) : يتساوى الصغير والكبير في الاطعام إذا كان بنحو التسليم، فيعطى الصغير مداً كما يعطى الكبير وان كان اللازم في الصغير التسليم إلى وليّه الشرعي، واما إذا كان الاطعام بنحو الاشباع فاللازم احتساب الاثنين من الصغار بواحد إذا كانوا منفردين بل وان اجتمعوا مع الكبار على الاحوط وجوباً، ولا يعتبر فيه اذن من له الولاية والحضانة إذا لم يكن منافياً لحقه.

(مسألة 987) : يجوز التبعيض في التسليم والاشباع فيشبع البعض ويسلم

ص: 279

إلى الباقي، ولا يجوز التكرار مطلقاً بان يشبع واحداً مرات متعددة أو يدفع اليه امداداً متعددة من كفارة واحدة ويجوز من عدة كفارات، كما لو افطر تمام شهر رمضان فيجوز له اشباع ستين مسكيناً معينين في ثلاثين يوماً أو تسليم ثلاثين مداً من الطعام لكل واحد منهم.

(مسألة 988) : اذا تعذر إكمال العدد الواجب في الاطعام في البلد وجب النقل إلى غيره، وان تعذر لزم الانتظار ولا يكفي التكرار على العدد الموجود على الاحوط وجوباً.

(مسألة 989) : الكسوة لكل مسكين ثوب وجوباً، وثوبان استحباباً، ولا يكتفى فيها بكسوة الصغير جداً كأبن شهرين على الاحوط لزوماً.

(مسألة 990) : لا تجزي القيمة في الكفارة لا في الاطعام ولا في الكسوة بل

لا بد في الاطعام من بذل الطعام اشباعاً أو تمليكاً، كما انه لا بد في الكسوة من بذلها تمليكاً.(مسألة 991) : يجب في الكفارة المخيرة التكفير بجنس واحد، فلا يجوز ان يكفر بجنسين كأن يصوم شهراً ويطعم ثلاثين مسكيناً في كفارة الافطار في شهر رمضان.

(مسألة 992) : المراد بالمسكين الذي هو مصرف الكفارة هو الفقير المستحق للزكاة، ويشترط فيه الإسلام بل الإيمان على الاحوط لزوماً، ولكن يجوز دفعها إلى الضعفاء من غير أهل الولاية - عدا النُصّاب - إذا لم يجد المؤمن، ولا يجوز دفعها إلى واجب النفقة كالوالدين والأولاد والزوجة الدائمة، ويجوز دفعها إلى سائر الأقارب بل لعله أفضل.

(مسألة 993) : من عجز عن بعض الخصال الثلاث في كفارة الجمع اتى بالبقية وعليه الاستغفار على الاحوط لزوماً، وان عجز عن الجميع لزمه الاستغفار فقط.

ص: 280

(مسألة 994) : اذا عجز عن الاطعام في كفارة القتل خطأً فالاحوط وجوباً ان يصوم ثمانية عشر يوماً ويضم اليه الاستغفار، فان عجز عن الصوم اجزأه الاستغفار وحده.

(مسألة 995) : إذا عجز عن الخصال الثلاث في الكفارة المخيرة لافطار شهر رمضان عمداً فعليه التصدق بما يطيق، ومع التعذر يتعين عليه الاستغفار، ولكن إذا تمكن بعد ذلك لزمه التكفير على الاحوط وجوباً.

وإذا عجز عن الخصال الثلاث في الكفارة المخيرة لحنث العهد فليصم ثمانية عشر يوماً، فان عجز لزمه الاستغفار.

(مسألة 996) : إذا عجز عن صيام ثلاثة أيام في كفارة الافطار في قضاء شهر

رمضان بعد الزوال، وفي كفارة اليمين والنذر فعليه الاستغفار، وهكذا الحال لو عجز عن اطعام عشرة مساكين في كفارة البراءة.(مسألة 997) : يجوز التأخير في اداء الكفارة المالية وغيرها بمقدار لا يعدّ توانياً وتسامحاً في اداء الواجب، وان كانت المبادرة إلى الاداء احوط استحباباً.

(مسألة 998) : يجوز التوكيل في اداء الكفارات المالية ولا يجزئ التبرع فيها على الاحوط لزوماً أي لا يجزئ اداؤها عن شخص من دون طلبه ذلك، كما لا يجزئ التبرع عنه من الكفارة البدنية أي الصيام وان كان عاجزاً عن ادائه، نعم يجوز التبرع عن الميت في الكفارات المالية والبدنية مطلقاً.

(مسألة 999) : من الكفارات المندوبة ما روى عن الصادق(ع) من أن كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الإخوان، وكفارة المجالس أن تقول عند قيامك منها: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين)، وكفارة الضحك أن يقول: (اللهم لا تمقتني)، وكفارة الاغتياب الاستغفار للمغتاب، وكفارة الطيرة التوكل، وكفارة اللطم على الخدود الاستغفار والتوبة.

ص: 281

أحكام الإرث

(مسألة 1000) : الأرحام في الإرث ثلاث طبقات، فلا يرث أحد الأقرباء في طبقة إلا إذا لم يوجد للميت أقرباء من الطبقة السابقة عليها، وترتيب الطبقات كما يلي:

الطبقة الاولى: الأبوان والأولاد مهما نزلوا، فالولد وولد الولد كلاهما من الطبقة الأولى، غير أن الولد يمنع الحفيد - وهو ابن الابن - والسبط - وهو ابن البنت - عن الإرث عند اجتماعهما مع الولد، وهو محل اجماع المسلمين الا اننا استشكلنا فيه لذا الزمنا الجد بأن يوصي بأشراك احفاده واسباطه في الميراث بمقدا حصة واسطتهم الى الجد – ابيهم او امهم-.

الطبقة الثانية: الأجداد والجدات مهما تصاعدوا، والأخوة والأخوات أو أولادهما عند فقدهما، وإذا تعدد أولاد الأخ منع الأقرب منهم الأبعد عن الميراث، فإبن الأخ مقدم في الميراث على حفيد الأخ، وهكذا كما أن الجد يتقدم على أبي الجد.

الطبقة الثالثة: الأعمام والأخوال والعمات والخالات، وإذا لم يوجد أحد منهم قام أبناؤهم مقامهم ولوحظ فيهم الأقرب فالأقرب، فلا يرث أبناء الأعمام والأخوال مع وجود العم أو الخال أو العمة أو الخالة.

نعم، استثنى المشهور حالة واحدة، وهي أن يكون للميت عم لاب أي يشترك مع أبي الميت في الأب فقط، وله ابن عم من الأبوين أي يشارك أبا الميت في الوالدين معاً، فإن ابن العم - في هذه الحالة - يقدم على العم، ولم يتم الدليل عليه، فالأحوط التصالح، وقد اشترطوا ان لا يكون معهما عم للابوين ولا للام ولا عمة ولا خال ولا خالة، ولو تعدد العم للأب

ص: 282

أو ابن العم للابوين أو كان معهما زوج أو زوجة ففي جريان الحكم المذكور اشكال فلا يترك مقتضى الاحتياط في ذلك وهو التصالح كما ذكرنا.وإذا لم يوجد للميت أقرباء من هذه الطبقات ورثته عمومة أبيه وامه وعماتهما وأخوالهما وخالاتهما وأبناء هؤلاء مع فقدهم، وإذا لم يوجد للميت أقرباء من هذا القبيل ورثته عمومة جده وجدته وأخوالهما وعماتهما وخالاتهما، وبعدهم أولادهم مهما تسلسلوا بشرط صدق القرابة للميت عرفاً والأقرب منهم يقدم على الأبعد.

وهناك بإزاء هذه الطبقات الزوج والزوجة، فإنهما يرثان بصورة مستقلة عن هذا الترتيب على تفصيل يأتي.

إرث الطبقة الأولى

السهم المفروض لكل من الأبوين مع وجود الذرية هو السدس، ومع عدمها فللأم الثلث مع عدم الحاجب، والسدس بوجوده، أما الأب فلا فرض له وإنما له الباقي، وللبنت الواحدة النصف، وإذا تعددت - اثنتان فأكثر - فلهنّ الثلثان.

أما الذكور - اتحد أو تعدد - فلا فرض لهم.

وإذا كان الورثة كلهم أصحاب فروض - كأبوين وبنت - واعطوا فروضهم وبقي شيء من التركة فإنه يوزع الباقي عليهم بنسبة فروضهم، وهذه العملية تسمى (الرد).

وإذا نقصت التركة عن الفروض - كأبوين وبنتين وزوجة - فإنه يؤخذ النقص من بعض أصحاب الفروض، وسيأتي تفصيل ذلك في مسائل بإذن الله.

(مسألة 1001) : إذا لم يكن للميت قريب من الطبقة الاولى إلاّ ابناؤه ورثوا المال كله، فإن كان له ولد واحد - ذكراً كان أو انثى - كان كل المال له، وإذا تعدد أولاده وكانوا جميعاً ذكوراً أو اناثاً تقاسموا المال بينهم بالسوية، وإذا

ص: 283

مات عن أولاد ذكور واناث كان للولد ضعف البنت، فمن مات عن ولد وبنت واحدة قسم ماله ثلاثة أسهم واعطي للولد سهمان، وللبنت سهم واحد.

(مسألة 1002) : إذا لم يكن للميت قريب من الطبقة الاولى غير أحد ابويه فقط أخذ المال كله، ومع وجود الأبوين معاً يأخذ الأب ثلثي المال وتأخذ الام الثلث مع عدم الحاجب، ومع وجود الحاجب من الأقرباء ينقص سهم الام من الثلث إلى السدس ويعطى الباقي للأب.

والمقصود بالحاجب ان يكون للميت اخوة أو أخوات تتوفر فيهم الشروط الآتية، فانهم عندئذٍ وإن لم يرثوا شيئاً إلاّ أنهم يحجبون الام عن الثلث فينخفض سهمها من الثلث إلى السدس، والشروط هي:

1- وجود الأب حين موت الولد.

2- أن لا يقلوا عن اخوين، أو اربع أخوات، أو أخ واختين.

3- أن يكونوا أخوة الميت لأبيه وامه أو للأب خاصة.

4- أن يكونوا مولودين فعلاً، فلا يكفي الحمل.

5- أن يكونوا مسلمين.

6- أن يكونوا احراراً.

(مسألة 1003) : الاحتمالات المتصورة لتركيبة الورثة كثيرة، شرحنا في كتابنا (الرياضيات للفقيه) امكان ضبطها وحصرها، لكن الفقهاء (قدس الله أرواحهم) دأبوا على ذكر الصور الرئيسية منها في الرسائل العملية.

فلو اجتمع الأبوان مع الأولاد فلذلك صور:

منها: أن يجتمع الأبوان مع بنت واحدة ولا تكون للميت أخوة تتوفر فيهم الشروط المتقدمة للحجب فيأخذ الأبوان السدسين والبنت النصف ويرد الزائد على الجميع بالنسبة، فيقسم المال خمسة أسهم، فلكل من الأبوين سهم واحد وللبنت ثلاثة أسهم.

ص: 284

ومنها: أن يجتمع الأبوان مع بنت واحدة وللميت أخوة تجتمع فيهم الشروط المتقدمة للحجب فذهب بعض الفقهاء (رضى الله عنهم) إلى ان حكمها حكم الصورة السابقة فيقسم المال خمسة أسهم ايضاً ولا أثر لوجود الأخوة، ولكن المشهور قالوا ان الأخوة يحجبون الأم فيقسم المال اسداساً، وتعطى ثلاثة اسهم كاملة منها للبنت كما تعطى ايضاً ثلاثة أرباع سدس آخر، وتنخفض حصة الأم إلى السدس فتكون حصة الأب السدس وربع السدس، فبالنتيجة يقسم المال أربعة وعشرين حصة: تعطى أربعة منها للام وخمسة منها للأب، والباقي - وهو خمس عشرة حصة - للبنت، والمسألة لا تخلو عن اشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيما به التفاوت بين الخمس والسدس من حصة الأم.

ومنها: أن يجتمع الأبوان مع ابن واحد، فيقسم المال إلى ستة أسهم، يعطى كل من الأبوين منها سهماً، ويعطى الولد سهاماً أربعة، وكذلك الحال إذا تعدد الأولاد مع وجود الأبوين، فإن لكل من الأب والأم السدس وتعطى السهام الأربعة للأولاد يتقاسمونها بينهم بالسوية إن كانوا جميعاً ذكوراً أو ذكوراً وإناثاً فإنها تقسَّم بينهم للذكر ضعف ما للانثى، أما إذا كانت الذرية من الإناث خاصة فقد تقدمت كيفية التوزيع.

(مسألة 1004) : إذا اجتمع احد الأبوين مع الأولاد فله صور ايضاً:

منها: أن يجتمع أحد الأبوين مع بنت واحدة، فيعطى ربع المال للأب أو الأم، ويعطى الباقي كله للبنت.

ومنها: أن يجتمع أحد الأبوين مع ابن واحد أو عدّة ابناء للميت، وفي هذه الحالة يعطى أحد الأبوين سدس المال والباقي للابن، ومع التعدد يقسم بينهم بالسوية.

ومنها: أن يجتمع أحد الأبوين مع بنات للميت، فيأخذ الأب أو الأم خمس المال ويكون الباقي للبنات يقسم بينهن بالسوية.

ص: 285

ومنها: أن يجتمع أحد الأبوين مع ابن وبنت معاً، فيعطى سدس المال للأب أو الأم ويقسم الباقي بين أولاده للذكر ضعف حصة الأنثى.

(مسألة 1005) : إذا لم يكن للميت ابن أو بنت بلا واسطة كان الارث لأولادهما فيرث ولد الابن حصة أبيه وإن كان انثى، ويرث ولد البنت حصة امه وإن كان ذكراً، فلو مات شخص عن بنت ابن وابن بنت اخذت البنت سهمين واخذ الأبن سهماً واحداً، واذا تعدد أولاد الابن أو أولاد البنت فان كانوا جميعاً ذكوراً أو اناثاً تقاسموا حصة أبيهم أو أمهم بالسوية والا قسمت بينهم للذكر ضعف ما للانثى.

إرث الطبقة الثانية

ميراث الأخوة والأخوات وأبنائهم:

(مسألة 1006) : القواعد العامة في ميراث هذه الطبقة أن الأخوة والأخوات للأبوين أو للأب يأخذون ميراثهم بالتفاضل، وان الأخوة للأبوين يحجبون الأخوة للأب فقط إذا اجتمعوا.

وإذا كانت الأخت واحدة فلها النصف بالفرض وإن تعدّدت فلهنّ الثلثان بالفرض، أما إذا كانوا ذكوراً فقط أو ذكوراً وإناثاً فلا فرض لهم ويأخذون الباقي.

أما الأخوة والأخوات للأم فيأخذون السدس إذا كان منفرداً ويتقاسمون الثلث بالسوية إذا تعددوا.

وإذا اجتمع أخوة وأخوات من الأبوين ومن الأم أعطي كلالة الأم سهمهم المفروض وأعطي الباقي للأخوة والأخوات من الأبوين بحسب ما ذكرناه، ولمزيد من التفصيل نقول: إنّ إرثهم يكون على أنحاء:

ص: 286

1- أن يكون وارث الميت أخاً واحداً، أو أختاً واحدة، فللأخ أو الأخت - في هذه الحالة - المال كله سواء أكان من طرف الأب أم من طرف الأم أم من الطرفين معاً.

2- أن يرثه إخوة فقط أو أخوات فقط أو أخوة وأخوات وكلهم لأبيه وأمه، أو كلهم لأبيه فقط، فيقسم المال بينهم بالسوية إن كانوا جميعاً من جنس واحد أي ذكوراً فقط أو اناثاً فقط، وإلاّ قسّم للذكر ضعف ما للأنثى، فللأخت سهم وللأخ سهمان.

3- أن يرثه أخوة أو أخوات أو أخوة وأخوات وكلهم لامه، فيقسم المال بينهم بالسوية، وان تنوّع الجنس.

4- أن يجتمع الأخ للأبوين مع الأخ للأب دون أخ للأم، فيرث المال كله الأخ للأبوين، ولا يرث الأخ للأب شيئاً، ومع تعدد الأخوة للأبوين - في هذه الحالة - يتقاسمون المال بالسوية، وهكذا الحكم عند اجتماع الأخت للأبوين مع الأخت للأب دون الأخت للأم، ومع اختلاف الورثة في الذكورة والأنوثة يقسم المال للذكر ضعف ما للأنثى.

5- أن يجتمع الأخوة أو الأخوات للأبوين - أو الإخوة أو الأخوات للأب إذا لم يكن إخوة أو أخوات للأبوين - مع أخ واحد أو أخت واحدة للام، فيعطى للأخ أو الأخت للام سدس المال، ويقسم الباقي على سائر الأخوة أو الأخوات بالسوية إلا إذا اختلفوا في الذكورة والأنوثة فيعطى للذكر ضعف ما للأنثى.

6- أن يجتمع الإخوة أو الأخوات للأبوين - أو الإخوة أو الأخوات للأب إذا لم تكن إخوة أو أخوات للأبوين - مع إخوة أو أخوات أو إخوة وأخوات للام، فينقسم الميراث ثلاثة أسهم يعطى سهم منها للأخوة والأخوات من الأم، يتقاسمونه بالسوية ذكوراً وإناثاً والسهمان الآخران للباقين للذكر ضعف ما للأنثى.

ص: 287

7- أن يجتمع الإخوة من الأبوين مع إخوة للأب وأخ واحد أو أخت واحدة للام، فيحرم الإخوة للأب من الميراث ويعطى للأخ أو الأخت من الأم سدس المال، ويقسم الباقي - كله - على إخوته من الأبوين بالسوية، وهكذا الحكم عند اجتماع الأخوات من الأبوين مع الأخوات من الأب مع أخ واحد أو أخت واحدة للام، ولو اختلفوا في الذكورة والأنوثة يعطى للذكر ضعف ما للأنثى.

8- أن يجتمع للميت إخوة أو أخوات أو إخوة وأخوات من الأبوين معاً ومن الأب خاصة وإخوة أو أخوات أو إخوة وأخوات للام فقط، فلا يرث الإخوة والأخوات للأب - كما في الصورة السابقة - ويعطى للإخوة والأخوات من الأم ثلث المال، يقسم بينهم بالسوية ذكوراً وإناثاً، والثلثان الآخران لمن كان من الأبوين يقسم بينهم بالسوية ان كانوا جميعاً ذكوراً أو جميعاً ذكوراً أو إناثاً وإلا قسّم للذكر ضعف ما للأنثى.

(مسألة 1007) : إذا مات الزوج عن زوجة وإخوة، ورثته الزوجة - ربع التركة او ثمنها على تفصيل يأتي - وورثه إخوته وفقاً لما عرفت في المسائل السابقة، وإذا ماتت الزوجة عن إخوة وزوج كان للزوج نصف المال والباقي للإخوة طبقاً لما سبق.

ويلاحظ هنا انه في بعض صور وراثة الأخوات تكون السهام المفروضة أكثر من الفريضة فيرد النقص على الأخوات من الأبوين أو من الأب دون الأخوات من الأم، مثلاً إذا ماتت المرأة عن زوج وأختين من الأبوين أو من الأب وأختين من الأم فان سهم المتقرب بالأم الثلث وسهم الأختين من الأبوين أو الأب الثلثان وذلك تمام الفريضة ويزيد عليها سهم الزوج وهو النصف، فيرد النقص على الأختين من الأبوين أو الأب.

فتقسم التركة ستة أسهم، للأختين من الأم اثنان منها كما لو لم يوجد زوج لأختهم المتوفاة، ويعطى للزوج ثلاثة أسهم هي نصف التركة ويبقى

ص: 288

سهم واحد للأختين من الأب أو الأبوين، وهذا معنى أن الأخوات للأب أو الأبوين يرد النقص عليهن دون الأخوات من الأم.

(مسألة 1008) : إذا لم يكن للميت إخوة قامت ذريتهم مقامهم في اخذ حصصهم، فلو خلّف الميت أولاد أخ لام وأولاد أخ للأبوين أو للأب كان لأولاد الأخ الواحد للام السدس وان كثروا، ولأولاد الأخ للأبوين أو للأب الباقي وان قلّوا.

أما إذا تعدّد الأخوة - أي آباء أولاد الأخوة - وُزِّع الميراث على الأخوة والأخوات كما لو كانوا موجودين ثم قسّمت حصة كل منهم على أولاده، فتُقسم حصة أولاد الإخوة أو الأخوات من الأم بينهم بالتساوي وان اختلفوا في الذكورة والأنوثة، أما حصة أولاد الإخوة أو الأخوات من الأبوين أو الأب فالأقرب أنها تقسم بينهم بالتفاضل، أي يعطى للذكر ضعف حصة الأنثى لكن الأحوط هو الرجوع إلى الصلح.

ميراث الأجداد والجدات وإن علوا

للجد والجدة من الأم الثلث وان انفرد، أما الأجداد والجدات من الأب فلا فرض لهم.

وتقسم تركة طرف الأم بينهم بالتساوي وطرف الأب بالتفاضل.

(مسألة 1009) : ان الأجداد والجدات هم من الطبقة الثانية - كما سبق - ولكن لا يرث الجدّ أو الجدة الابعد مع وجود الأقرب، ولأرث الأجداد والجدات صور نذكر منها:

1- أن ينحصر الوارث في جدٍ أو جدة لأبيه أو لامه فالمال كله للجد أو الجدة.

2- أن يرثه جده وجدته لأبيه، فللجد الثلثان وللجدة الثلث.

3- أن يرثه جده وجدته لأمه، فيقسم بينهم المال جميعاً بالسوية.

ص: 289

4- أن يرثه أحد جديه لأبيه مع أحد جديه لامه، فللجد أو الجدة من الام الثلث والباقي للجد أو الجدة من الأب.

5- أن يرثه جداه لأبيه - الجد والجدة - وجداه لامه، فيعطى للجدين من الأب ثلثان، للجد منه ضعف ما للجدة، ويعطى للجدين من الام ثلث يقسم بينهما بالسوية.

(مسألة 1010) : إذا مات الرجل وله زوجة وجدان - الجد والجدة - لأبيه وجدان لامه، يعطى لجديه من الام ثلث مجموع التركة يقسم بين الجد والجدة على السواء وترث الزوجة نصيبها - على تفصيل سيأتي - ويعطى الباقي لجده وجدته لأبيه للذكر منهما ضعف حظ الأنثى.

(مسألة 1011) : إذا ماتت المرأة عن زوج وجد وجدة اخذ الزوج نصف المال والباقي للجد والجدة بحسب صنفه إن كانا من الأب أو أم وفقاً للتفصيلات السابقة.

اجتماع الأخوة والأجداد

(مسألة 1012) : إذا اجتمع الأخ أو الأخت أو الأخوة أو الأخوات مع الجد أو الجدة أو الأجداد والجدات ففيه صور:

الاولى: أن يكون كل من الجد أو الجدة والأخ أو الأخت جميعاً من قبل الأم ففي هذه الصورة يقسم المال بينهم بالسوية وإن اختلفوا في الذكورة والأنوثة.

الثانية: أن يكونوا جميعاً من قبل الأب، ففي هذه الصورة يقسم المال بينهم بالتفاضل للذكر ضعف حصة الانثى مع الاختلاف في الذكورة والأنوثة، وإلاّ فبالسوية.

ص: 290

الثالثة: أن يكون الجد أو الجدة للأب والأخ أو الأخت للأبوين، وحكم هذه الصورة حكم الصورة الثانية أي أن الأخوة والأخوات من الأبوين لا يحجبون الجد والجدة من الأب، وبالعكس، خلافاً لما تقدم من أنه إذا كان للميت أخ أو أخت للأب فقط فلا إرث له إذا كان معه أخ أو أخت للأبوين.الرابعة: أن يكون الأجداد أو الجدات متفرقين فكان بعضهم للأب وبعضهم للأم سواء أكانوا جميعاً ذكوراً أم اناثاً أم مختلفين في الذكورة والأنوثة، وكانت الأخوة أو الأخوات ايضاً كذلك، أي كان بعضهم للام وبعضهم للأب كانوا جميعاً ذكوراً أو اناثاً أو مختلفين فيهما، ففي هذه الصورة يقسم المال على الشكل التالي: للمتقرب بالأم من الأخوة أو الأخوات والأجداد أو الجدات جميعاً الثلث يقسمونه بينهم بالسوية ولو مع الاختلاف في الذكورة والأنوثة، وللمتقرب بالأب منهم كذلك الثلثان الباقيان يقتسمونهما بينهم بالتفاضل للذكر ضعف حصة الأنثى مع الاختلاف في الذكورة والأنوثة وإلاّ فبالسوية.

الخامسة: أن يكون مع الجد أو الجدة من قبل الأب أخ أو أخت من قبل الأم، ففي هذه الصورة يكون للأخ أو الأخت السدس إن كان واحداً، والثلث إن كان متعدداً، يقسم بينهم بالسوية والباقي للجد أو الجدة واحداً كان أو متعدداً، نعم في صورة التعدد يقسم بينهم بالتفاضل مع الاختلاف في الذكورة والأنوثة وإلاّ فبالسوية.

السادسة: أن يكون مع الجد أو الجدة للأم أخ للأب أو أخ وأخت أو أكثر، ففي هذه الصورة يكون للجد أو الجدة الثلث واحداً كان أو متعدداً ومع التعدد يقسم المال بينهم بالسوية، وللأخ الثلثان إن كان واحداً ومع التعدد يقسم بينهم بالسوية ومع الاختلاف في الذكورة والأنوثة يكون للذكر ضعف ما للأنثى.

ص: 291

وإذا كانت مع الجد أو الجدة للام أخت للأب فإن كانتا اثنتين فما فوق فلهن الثلثان وإن كانت واحدة فلها النصف وللجد أو الجدة الثلث في كلتا الصورتين، فيبقى السدس زائداً من الفريضة في الصورة الأخيرة، ولا يترك الاحتياط بالصلح فيه.السابعة: أن يكون الأجداد أو الجدات متفرقين فكان بعضهم للأب وبعضهم للام وكان معهم أخ أو أخت للأب واحداً كان أو أكثر، ففي هذه الصورة يقسم المال على النحو التالي: للجد أو الجدة من قبل الأم الثلث، ومع التعدد يقسم بينهم بالسوية ولو مع الاختلاف في الذكورة والأنوثة، وللجد أو الجدة والأخ أو الأخت للأب جميعاً الثلثان الباقيان يقسمان بالتفاضل مع الاختلاف وإلاّ فبالسوية، وإذا كان معهم أخ أو أخت للام يكون للجد أو الجدة للام مع الأخ أو الأخت الثلث بالسوية ولو مع الاختلاف في الذكورة والأنوثة، وللجد أو الجدة للأب الثلثان يقسمان بالتفاضل مع الاختلاف فيهما وإلاّ فبالسوية.

الثامنة: أن يكون مع الأخوة أو الأخوات المتفرقين جد أو جدة للأب، ففي هذه الصورة يكون للأخ أو الأخت للام السدس إن كان واحداً والثلث إن كان متعدداً يقتسمونه بينهم بالسوية، وللأخ أو الأخت للأب مع الجد أو الجدة له الباقي يقتسمونه للذكر ضعف ما للأنثى مع الاختلاف وإلاّ فبالسوية، وإن كان معهم جد أو جدة للام فقط فللجد أو الجدة مع الأخ أو الأخت للام جميعاً الثلث يقتسمونه بينهم بالسوية وللأخ أو الأخت للأب الباقي يقتسمونه بينهم بالتفاضل مع الاختلاف وإلاّ فبالسوية.

(مسألة 1013) : أولاد الإخوة لا يرثون مع الإخوة شيئاً، فلا يرث ابن الأخ وإن كان للأبوين مع الأخ أو الأخت وإن كان للأب أو الأم فقط، هذا فيما إذا زاحمه، وأما إذا لم يزاحمه كما إذا ترك جداً لامه وابن أخ لامه وأخاً لأبيه فإن ابن الأخ حينئذٍ يشارك الجد في الثلث ويُعطى الثلثان لأخيه.

ص: 292

إرث الطبقة الثالثة

وتشمل الأعمام والعمات والأخوال والخالات وان علوا - أي أعمام وعمات الأب أو الأم وخالاتهما - أو نزلوا - كأولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات - مع مراعاة قاعدة ان الأقرب يمنع الأبعد، وبعض القواعد الخاصة في هذه الطبقة:

منها: إن الأعمام والعمات للأبوين يحجبون الأعمام والعمات للأب فقط ولا يحجبون من هم للأم فقط.

ومنها: أن الأعمام والعمات للأبوين يقتسمون حصصهم بالتفاضل، بينما يأخذ طرف الخؤولة بالتساوي وهذه مسائل تطبيقية للتوضيح.

ومنها: إذا اجتمع عنوان الخؤولة والعمومة بغضّ النظر عن عدد أفرادهما كان لعنوان الخؤولة الثلث وللعمومة الثلثان على تفصيل يأتي إن شاء الله.

(مسألة 1014) : لميراث طرف العمومة صور:

منها: أن ينحصر الوارث في عمّ واحد أو عمّة واحدة، فالمال كلّه للعمّ أو العمّة سواء أكانا مشتركين مع أب الميت في الأب والأمّ معاً (العمّ أو العمّة للأبوين) أم في الأب فقط (العمّ أو العمّة للأب) أم في الأمّ فقط (العمّ والعمّة للأمّ).

ومنها: أن يموت الشخص عن أعمام أو عمّات، كلّهم أعمام أو عمّات للأب، أو للأمّ أو للأبوين فيقسّم المال عليهم بالسويّة.

ومنها: أن يموت الشخص عن عمّ وعمّة كلاهما للأب أو كلاهما للأبوين فللعمّ ضعف ما للعمّة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون العمّ أو العمّة واحداً أو أكثر من واحد.

ص: 293

ومنها: أن يموت الشخص عن أعمام وعمّات للأمّ، وفي هذه الصورة أيضاً ننصح بالتصالح بينهما على الفرق في نتائج القسمة بينهم بالتفاضل أو بالتساوي.ومنها: أن يموت الشخص عن أعمام وعمّات، بعضهم للأبوين وبعضهم للأب وبعضهم للأمّ، فلا يرثه الأعمام والعمّات للأب وإنما يرثه الباقون، فإذا كان للميت عمّ واحد أو عمّة واحدة للأمّ يعطى السدس ويأخذ الأعمام والعمّات للأبوين الباقي يقسّم بينهم للذكر ضعف حظّ الأنثى، وإذا كان للميت عمّ للأمّ وعمّة لها معاً كان لهما الثلث يقسّم بينهما مع مراعاة الاحتياط الذي نصحنا به آنفاً.

ومنها: أن يموت الشخص عن أعمام وعمّات بعضهم للأب وبعضهم للأمّ، فيقوم المتقرّب بالأب - في هذه الصورة - مقام المتقرّب بالأبوين في الصورة السابقة.

(مسألة 1015) : الأخوال والخالات من الطبقة الثالثة - كما مرّ - وللخال المنفرد المال كلّه والخالان فما زاد يقسّم بينهم بالسويّة وللخالة المنفردة المال كلّه وكذلك الخالتان والخالات، وإذا اجتمع الذكور والإناث بأن كان للميت خال فما زاد وخالة فما زاد - سواء أكانوا للأبوين أم للأب أم للامّ - ففي كون القسمة بينهم بالتساوي أو بالتفاضل إشكال فلا يترك الاحتياط بالتصالح في الزيادة، وإذا اجتمع منهم المتقرّبون بالأب والمتقرّبون بالأمّ والمتقرّبون بالأبوين ففي سقوط المتقرّبين بالأب - أي الخال المتحد مع أمّ الميت في الأب فقط - وانحصار الإرث بالباقين إشكال فلا يترك الاحتياط بالصلح، وعلى كل تقدير فمع الاختلاف في الذكورة والأنوثة يجري الإشكال المتقدّم في كون القسمة بالتساوي أو بالتفاضل فلا يترك الاحتياط بالتصالح أيضاً.

(مسألة 1016) : إذا اجتمع من الأعمام والعمّات واحد أو أكثر مع واحد أو أكثر من الأخوال والخالات قسّم المال ثلاثة أسهم فسهم واحد للخؤولة

ص: 294

وسهمان للعمومة، وإذا لم يكن للميت أعمام وأخوال قامت ذرّيتهم مقامهم على نحو ما ذكرناه في الأخوة.(مسألة 1017) : إذا كان ورثة الميت من أعمام أبيه وعمّاته وأخواله وخالاته، ومن أعمام أُمّه وعمّاتها وأخوالها وخالاتها، أعطي ثلث المال لهؤلاء المتقرّبين بالأم وفي كون التقسيم بينهم بالسويّة أو بالتفاضل إشكال فلا يترك الاحتياط بالتصالح، وأعطي ثلث الباقي لخال الأب وخالته، ويقسّم بينهما بالسويّة ويعطى الباقي لعمّ الأب وعمّته وفي كون التقسيم بينهما بالسويّة أو بالتفاضل إشكال فلا يترك الاحتياط بالتصالح، وإذا لم يكن للميت أحد من هؤلاء كان الإرث لذرّيّتهم مع رعاية الأقرب فالأقرب.

ويحسُنُ مراجعة الحاكم الشرعي في هذا المورد وسائر الموارد التي احتطنا فيها أعلاه ليبّت في استحقاق كل من الورثة.

إرث الزوج والزوجة

(مسألة 1018) : للزوج نصف التركة إذا لم يكن للزوجة ولد وإن نزل، وله ربع التركة إذا كان لها ولد ولو من غيره، وباقي التركة يقسّم على سائر الورثة.

وللزوجة - إذا مات زوجها - ربع المال إذا لم يكن للزوج ولد وإن نزل، ولها الثمن إذا كان له ولد ولو من غيرها، والباقي يعطى لسائر الورثة.

غير أنّ الزوجة لها حكم خاصّ في الإرث بحسب المشهور فإنّ بعض الأموال لا ترث منها مطلقاً ولا نصيب لها فيها ولا في قيمتها وثمنها، وهي الأراضي بصورة عامّة كأرض الدار والمزرعة وما فيها من مجرى القنوات، وبعض الأموال لا ترث منها عيناً ولكنها ترث منها قيمة بمعنى أنها لا حقّ لها في نفس الأعيان، وإنما لها نصيب من ماليتها وذلك في الأشجار والزرع والأبنية التي في الدور وغيرها، فإنّ للزوجة سهمها في قيمة تلك الأموال

ص: 295

والعبرة بقيمتها يوم الدفع، والذي تراه انه حكم ولائي صادر من المعصوم فتحتاج فعليته الى امضاء الولي الفقيه الجامع للشرائط والا فيكون حكم القسم الأول كالثاني والاحوط التصالح بين الورثة والزوجة أمهُّم غالباً فالراجح مراعاة جانبها.ولو بذل الوارث لها نفس الأعيان بدلاً عن القيمة وجب عليها القبول فتصبح شريكة مع الوارث في العين.

وأما غير تلك الأموال من أقسام التركة فترث منه الزوجة كما يرث سائر الورثة.

ثم إنّ طريقة التقويم فيما ترث الزوجة من قيمته هي ما تعارف عند المقوِّمين في تقويم مثل الدار والبستان عند البيع من تقويم البناء أو الشجر بمعزل عن الأرض، وهو أمر متداول بينهم عند تقدير قيم العقارات، فيعطى إرث الزوجة من قيمته المستنبطة على هذا الأساس.

(مسألة 1019) : لا يجوز لسائر الورثة التصرّف فيما ترث منه الزوجة حتى فيما لها نصيب من قيمته كالأشجار وبناء الدار إلاّ مع الاستئذان منها.

(مسألة 1020) : إذا تعدّدت الزوجات قسّم الربع أو الثمن عليهن، ولو لم يكن قد دخل بهن أو ببعضهن، نعم من لم يدخل بها وكان قد تزوّجها في مرضه الذي مات فيه فنكاحها باطل ولا مهر لها ولا ميراث، ولكن الزوج إذا تزوّج امرأة في مرض موتها يرث منها ولو لم يدخل بها.

(مسألة 1021) : الزوجان يتوارثان - فيما إذا انفصلا بالطلاق الرجعي - ما دامت العدّة باقية، فإذا انتهت أو كان الطلاق بائناً فلا توارث.

(مسألة 1022) : إذا طلّق الرجل زوجته في حال المرض ومات قبل انقضاء السنة - أي اثني عشر شهراً هلالياً - ورثت الزوجة عند توفّر شروط ثلاثة:

ص: 296

1- أن لا تتزوّج المرأة بغيره إلى موته أثناء السنة.

2- أن لا يكون الطلاق بأمرها ورضاها بعوض أو بدونه.

3- موت الزوج في ذلك المرض بسببه أو بسبب أمر آخر، فلو برئ من ذلك المرض ومات بسبب آخر لم ترثه الزوجة.

(مسألة 1023) : ما تستعمله الزوجة من ثياب ونحوها بإذن من زوجها لها بذلك من دون تمليكها إيّاها يعتبر جزءًا من التركة، يرث منه مجموع الورثة ولا تختصّ به الزوجة.

مسائل متفرقة في الإرث

(مسألة 1024) : يُعطى مجاناً من تركة الرجل لأكبر أبنائه حين وفاته مصحفه وخاتمه وسيفه وثياب بدنه دون ما أعدّه للتجارة ونحوها وهي تسمى ب(الحبوة)، وإذا تعدّد غير الثياب كما إذا كان له خاتمان ففي كون الجميع من الحبوة إشكال، وكذلك الإشكال في كون الرحل ومثل البندقية والخنجر وما يشبههما من الأسلحة من الحبوة، فلا يترك الاحتياط بمصالحة الابن الأكبر مع سائر الورثة بشأنها.

(مسألة 1025) : إذا كان على الميت دين فإن كان مستغرقاً للتركة وجب على الولد الأكبر صرف مختصّاته آنفة الذكر في أداء الدين أو فكّها بما يخصّها منه، وإذا لم يكن مستغرقاً فإن كان مزاحماً لها لنقص ما تركه غيرها عن وفائه كان على الولد الأكبر الإسهام في أدائه من تلك المختصّات بالنسبة أو فكّها بما يخصّها منه، وإذا لم يكن مزاحماً فالأحوط وجوباً له أن يسهم أيضاً في أدائه بالنسبة، فلو كان الدين يساوي نصف مجموع التركة صرف نصف تلك المختصّات في هذا السبيل، وفي حكم الدين فيما ذكر كفن الميت وغيره من مؤونة تجهيزه التي تخرج من أصل التركة.

ص: 297

(مسألة 1026) : يعتبر في الوارث أن يكون مسلماً إذا كان المورّث كذلك، فلا يرث الكافر من المسلم وإن ورث المسلم الكافر، وكذلك يعتبر فيه أن لا يكون قد قتل مورّثه عمداً ظلماً، وأما إذا قتله خطأً محضاً - كما إذا رمى بحجارة إلى طيرٍ فوقعت على مورّثه ومات بها - أو خطأً شبيهاً بالعمد - كما إذا ضرب مورّثه بما لا يقتل عادة قاصداً ضربه لا قتله فأدّى إلى قتله - لم يمنع ذلك من إرثه منه، نعم لا يرث من ديّته.

(مسألة 1027) : الحمل يرث إذا انفصل حياً، ويجوز قبل ولادته تقسيم التركة على سائر الورثة، ولكن إذا لم يطمئن بكونه أنثى فالأحوط وجوباً أن يعزل له نصيب ذكر أو ذكرين بل أزيد منه إذا احتمل تعدّده احتمالاً معتدًّا به، فإن ولد حياً وتبيّن أنّ المعزول أزيد من نصيبه قسّم الزائد على سائر الورثة بنسبة سهامهم.

(مسألة 1028) : لا توارث بين ولد الزنى وبين أبيه الزاني وأمّه الزانية ومن يتقرّب بهما، فلا يرثهم كما لا يرثونه، ويثبت التوارث بينه وبين أقربائه من غير الزنى كالولد والحفيد وكذلك الزوج والزوجة فيرثهم ويرثونه، وإذا مات مع عدم الوارث الشرعي فإرثه للإمام (عليه السلام).

(مسألة 1029) : الإمام (عليه السلام) هو وارث من لا وارث له بنسب أو سبب آخر، وسبيل إرثه منه سبيل سهمه (عليه السلام) من الخمس وأمره في عصر الغيبة بيد الحاكم الشرعي والأحوط لزوماً أن يرجع فيه إلى المرجع الأعلم المطّلع على الجهات العامة.

(مسألة 1030) : إذا غاب الشخص غيبة منقطعة لا يعلم معها حياته ولا موته فحكم أمواله أن يتربّص بها أربع سنين يفحص عنه فيها بإذن الحاكم الشرعي فإذا جهل خبره قسّمت أمواله بين ورثته الذين يرثونه لو مات حين انتهاء مدة التربّص، ولا يرثه الذين يرثونه لو مات بعد انتهاء مدة التربص، ويرث هو مورّثه إذا مات قبل ذلك ولا يرثه إذا مات بعد ذلك، ويجوز أيضاً تقسيم أمواله بعد مضيِّ عشر سنوات من فقده بلا حاجة إلى الفحص.

ص: 298

(مسألة 1031) : إذا مات المتوارثان واحتمل في موت كل منهما السبق واللحوق والاقتران أو علم السبق وجهل السابق ورث كلّ منهما الآخر، وطريقة ذلك أن يبنى على حياة كل واحد منهما حين موت الآخر فيورّث مما كان يملكه حين الموت ولا يورّث مما ورثه من الآخر.

كتاب الحدود و التعزيرات

الحدّ: عقوبة محدّدة شرعاً فرضها الله تبارك وتعالى على من يرتكب جريمة معينة كالزنا وشرب الخمر والسرقة واللواط، ويقابله (التعزير) وهي عقوبة غير محدّدة شرعاً، وتُرك تقديرها إلى الحاكم الشرعي ولا ترقى إلى مقدار الحدّ، وهي تتعلق بالجرائم والجنح غير التي يعاقب فاعلها بالحد.

وقد اهتم الشارع المقدس بإقامة الحدود، وذم من يتهاون فيها ويتركها مع القدرة على إجرائها، روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) في تفسير قول الله عز وجل {يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}(الروم : 19) أنّه (عليه السلام) قال (لَيْسَ يُحْيِيهَا بِالْقَطْرِ وَلَكِنْ يَبْعَثُ اللَّهُ رِجَالا فَيُحْيُونَ الْعَدْلَ فَتُحْيَا الأَرْضُ لإِحْيَاءِ الْعَدْلِ، وَلإِقَامَةُ الْحَدِّ لِلَّهِ أَنْفَعُ فِي الأَرْضِ مِنَ الْقَطْرِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً).

وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله (سَاعَةٌ مِنْ إِمَامٍ عَدْلٍ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ سَبْعِينَ سَنَةً وَ حَدٌّ يُقَامُ لِلَّهِ فِي الأَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً).

ومن حديث روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال (اللَّهُمَّ... فَإِنَّكَ قَدْ قُلْتَ لِنَبِيِّكَ (صلى الله عليه وآله)، فِيمَا أَخْبَرْتَهُ بِهِ مِنْ دِينِكَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ عَطَّلَ حَدّاً مِنْ حُدُودِي فَقَدْ عَانَدَنِي وَطَلَبَ مُضَادَّتِي).

وعن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) قال (إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَدَعْ شَيْئاً تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الأُمَّةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلا أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ وَبَيَّنَهُ لِرَسُولِهِ (صلى الله عليه وآله) وَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْ ءٍ حَدّاً وَ جَعَلَ عَلَيْهِ دَلِيلا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَ جَعَلَ عَلَى مَنْ تَعَدَّى الْحَدَّ حَدّاً).

ص: 299

إن الحكمة من تشريع قانون العقوبات في الشريعة من حدود وتعزيرات هو لمنع وقوع الجريمة والعدوان، فإن الناس لا يصلحها إلا الخوف من قوة القانون، ولإقامة العدل والقسط وصيانة حقوق الناس، وتوفير الحياة المستقرّة الآمنة، قال تعالى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ}(البقرة : 179) ولما كانت هذه الحدود والتعزيرات وسائر الأحكام الاجتماعية - كالقضاء وولاية أمر الأمة - لم تُشرّع لتبقى حبراً على ورق ومعطّلة بحجة عدم وجود البيئة المناسبة فقد جعلت هذا الاهتمام من الشارع المقدس بإقامة الحدود أحد الأدلّة على لزوم سعي مراجع الدين القائمين بوظائف النيابة عن المعصوم (عليه السلام) لإقامة وضع يساعد على إجرائها، أما بإقامة حكومة إسلامية لو تمت مقوّمات نجاحها، أو بإيجاد قوة مؤثرة داخل الحكومات القائمة ونحوها من الأساليب التي ييسّرها الله تعالى بلطفه، كما نهض بذلك ثلّة من أفذاذ علمائنا العاملين في فترات من الزمن.(مسألة 1032) : إقامة الحدود والتعزيرات وسائر الأحكام الاجتماعية، من وظائف المجتهد الجامع للشرائط المتصدي للأمور العامة، ولا يحق لأي أحد إجراءها إلا بأمره وأذنه، إلا في موارد خاصة.

كتاب القضاء

القضاء وظيفة إلهية عظيمة، وهو من ميراث الأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين)، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (اتَّقُوا الْحُكُومَةُ فَإِنَ الْحُكُومَةَ إِنَّمَا هِيَ لِلإِمَامِ الْعَالِمِ بِالْقَضَاءِ، الْعَادِلِ فِي الْمُسْلِمِينَ، لِنَبِيٍّ أَوْ وَصِيِّ نَبِيٍّ).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لشريح لما ولاّه القضاء: (يَا شُرَيْحُ قَدْ جَلَسْتَ مَجْلِساً لا يَجْلِسُهُ إِلا نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ أَوْ شَقِيٌّ) فبالقضاء العادل تحفظ الحقوق ويُزال الظلم وينبسط الأمن، وتطمئن الرعية وتستقيم السلطة.

ص: 300

وقد ورد التحذير الشديد من تصدّي غير المؤهلين للقضاء الذين لم يستمدّوا شرعيتهم من المجتهد الجامع للشرائط المتصدي لولاية أمور الأمة.

في صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (لَمَّا وَلَّى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عليه السلام) شُرَيْحاً الْقَضَاءَ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لا يُنْفِذَ الْقَضَاءَ حَتَّى يَعْرِضَهُ عَلَيْهِ).

وعن سالم بن مكرّم الجمّال قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) : (إِيَّاكُمْ أَنْ يُحَاكِمَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً إِلَى أَهْلِ الْجَوْرِ وَلَكِنِ انْظُرُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ يَعْلَمُ شَيْئاً مِنْ قَضَائِنَا فَاجْعَلُوهُ فِيمَا بَيْنَكُمْ قَاضِياً فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ قَاضِياً فَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال (الْحُكْمُ حُكْمَانِ: حُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحُكْمُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَمَنْ أَخْطَأَ حُكْمَ اللَّهِ حَكَمَ بِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ).

وبهذه المناسبة نحذّر كل من يتصدّى للحكم بين الناس سواء كانوا من القضاة في المحاكم الوضعية، أو الذين يحكمون في خلافات العشائر من يُسمّون ب(الفريضة) أو الذين يحكمون في خلافات التجّار في السوق من (أهل المصلحة) وغيرهم.نعم، يمكن أن يصحّحوا أحكامهم بعرضها على الجهة الدينية الشرعية قبل البتّ بها كما تقدّم في شرط أمير المؤمنين (عليه السلام) على شريح القاضي.

تعريف القضاء:

القضاء هو فصل الخصومة بين المتخاصمين، والحكم بثبوت دعوى المدّعي أو بعدم حقّ له على المدّعى عليه.

ص: 301

والفرق بينه وبين الفتوى:

أنّ الفتوى: عبارة عن بيان الأحكام الكلّيّة من دون النظر إلى تطبيقها على مواردها، وهي - أي الفتوى - لا تكون حجّة إلاّ على من يجب عليه تقليد المفتي بها، والعبرة في التطبيق إنّما هي بنظره دون نظر المفتي.

وأمّا القضاء: فهو الحكم بالقضايا الشخصيّة التي هي مورد الترافع والتشاجر، فيحكم القاضي بأنّ المال الفلاني لزيد، أو أنّ المرأة الفلانيّة زوجة فلان، وما شاكل ذلك، وهو نافذ على كلّ أحد حتى إذا كان أحد المتخاصمين أو كلاهما مجتهداً.

نعم، قد يكون منشأ الترافع الاختلاف في الفتوى، كما إذا تنازع الورثة في الأراضي، فادّعت الزوجة ذات الولد الإرث منها، وادّعى الباقي حرمانها فتحاكما لدى القاضي، فإنّ حكمه يكون نافذاً عليهما وإن كان مخالفاً لفتوى من يرجع إليه المحكوم عليه.

(مسألة 1033) : القضاء من الواجبات الاجتماعية، بمعنى أنه يجب على المجتمع ككيان تأهيل بعض أفراده لممارسة القضاء وفضّ الخصومات بين الناس، وإذا لم يفعلوا أثم الجميع.

(مسألة 1034) : يُعيَّن القضاة من قبل الحاكم الشرعي المتصدي للقضايا العامة، وهو الذي يتكفل بإجراء المخصصات المالية التي تكفل لهم حياة كريمة لتمنع ضعاف النفوس من أخذ الرشوة ونحوها، ففي عهد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى مالك الأشتر (وأكثر تعاهد قضائه (القاضي) وأفسح له في البذل ما يزيح علّته وتقل معه حاجته إلى الناس).(مسألة 1035) : تحرم الرشوة على القضاء ولا فرق بين الآخذ والباذل.

(مسألة 1036) : القاضي على نوعين: القاضي المنصوب، وقاضي التحكيم.

(مسألة 1037) : تعيين القاضي الذي يتحاكم إليه المتخاصمون متوقف على رضاهما معاً به إن كان قاضي التحكيم، أما إذا أريد رفع الدعوى إلى

ص: 302

القاضي المنصوب فتعيينه بيد المدّعي على المشهور، ولا بأس به على أن يراعي القاضي اختلافهما في التقليد إذا حصل، أو يوكل الأمر إلى الحاكم الشرعي، وكذا إذا تداعيا واختلفا في القاضي الذي يترافعان إليه.

(مسألة 1038) : يعتبر في القاضي أمور:

الأول: البلوغ، الثاني: العقل، الثالث: الذكورة، الرابع: الإيمان، الخامس: طهارة المولد، السادس: العدالة، السابع: الرشد، الثامن: الاجتهاد في القاضي المنصوب.

(مسألة 1039) : كما أن للحاكم أن يحكم بين المتخاصمين بالبينة وبالإقرار وباليمين، كذلك له أن يحكم بينهما بعلمه بشرط رضا المتخاصمين بذلك منعاً للتهمة والتشكيك. ولا فرق في ذلك بين حق الله تعالى وحق الناس.

(مسألة 1040) : يعتبر في سماع الدعوى أن تكون على نحو الجزم، ولا تسمع إذا كانت على نحو الظن أو الاحتمال.

(مسألة 1041) : إذا ادّعى شخص مالاً على آخر، فالآخر لا يخلو من أن يعترف له، أو ينكر عليه، أو يسكت، بمعنى: أنّه لا يعترف ولا ينكر، فهنا صور

ثلاث:الاُولى: اعتراف المدّعى عليه، فيحكم الحاكم على طبقه ويؤخذ به.

الثانية: إنكار المدّعى عليه، فيطالب المدّعي بالبيّنة، فإن أقامها حكم على طبقها وإلاّ حلف المنكر، فإن حلف سقطت الدعوى، ولا يحلّ للمدّعي - بعد حكم الحاكم - التقاصّ من مال الحالف نعم، لو كذّب الحالف نفسه جاز للمدّعي مطالبته بالمال، فإن امتنع حلّت له المقاصّة من أمواله.

الثالثة: سكوت المدّعى عليه، فيطالب المدّعي بالبيّنة، فإن لم يقمها ألزم الحاكم المدّعى عليه بالحلف إذا رضي به المدّعي وطلبه، فإن حلف فهو، وإلاّ فيردّ الحاكم الحلف على المدّعي.

ص: 303

وأمّا إذا ادّعى المدّعى عليه الجهل بالحال، فإن لم يكذّبه المدّعي فليس له إحلافه، وإلاّ أحلفه على عدم العلم.

(مسألة 1042) : لا تسمع بيّنة المدّعي على دعواه بعد حلف المنكر وحكم الحاكم له.

(مسألة 1043) : إذا امتنع المنكر عن الحلف وردّه على المدّعي، فإن حلف المدّعي ثبت له مدّعاه، وإن نكل سقطت دعواه.

(مسألة 1044) : لو نكل المنكر بمعنى أنّه لم يحلف ولم يردّ الحلف، فالحاكم يردّ الحلف على المدّعي، فإن حلف حكم له.

(مسألة 1045) : ليس للحاكم إحلاف المدّعي بعد إقامة البيّنة إلاّ إذا كانت دعواه على الميّت، فعندئذ للحاكم مطالبته باليمين على بقاء حقّه في ذمّته زائداً على بيّنته.

(مسألة 1046) : الظاهر عدم اختصاص الحكم المذكور بالدين وإنما يجري في أي مورد يكون مظنة لتعليل الإمام الكاظم (عليه السلام) في رواية عبد الرحمن بن أبي

عبد الله (فإن فَلا حَقَّ لَهُ، لأَنَّا لا نَدْرِي لَعَلَّهُ قَدْ أَوْفَاهُ بِبَيِّنَةٍ لا نَعْلَمُ مَوْضِعَهَا أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ قَبْلَ الْمَوْتِ).

(مسألة 1047) : لا فرق في الدعوى على الميّت بين أن يدّعي المدّعي ديناً على الميّت لنفسه أو لموكّله أو لمن هو ولي عليه، ففي جميع ذلك لا بدّ في ثبوت الدعوى من ضمّ اليمين إلى البيّنة، كما أنّه لا فرق بين كون المدّعي وارثاً أو وصيّاً أو أجنبيّاً.

(مسألة 1048) : لو ثبت دين الميّت بغير بيّنة، كما إذا اعترف الورثة بذلك، أو ثبت ذلك بعلم الحاكم، أو بشياع مفيد للعلم، واحتمل أنّ الميّت قد أوفى دينه، فهل يحتاج في مثل ذلك إلى ضمّ اليمين أم لا ؟ وجهان، الأقرب هو الأول.

ص: 304

(مسألة 1049) : لو أقام المدّعي على الميّت شاهداً واحداً وحلف، فالمعروف ثبوت الدين بذلك، وهل يحتاج إلى يمين آخر ؟

فيه خلاف، قيل بعدم الحاجة، وقيل بلزومها، والأصح الثاني.

(مسألة 1050) : لو قامت البيّنة بدين على صبي أو مجنون أو غائب، فهل يحتاج إلى ضمّ اليمين ؟ فيه تردّد وخلاف، والأظهر انه كسابقه لعموم التعليل إذا كان احتمال الوفاء وارداً.

(مسألة 1051) : لا يجوز الترافع إلى حاكم آخر بعد حكم الحاكم الأوّل، ولا يجوز للآخر نقض حكم الأوّل إلاّ إذا لم يكن الحاكم الأوّل واجداً للشرائط، أو كان حكمه مخالفاً لما ثبت قطعاً من الكتاب والسنّة، أو استجدت أدلة تثبت خطأ الحكم الأول.

(مسألة 1052) : إذا طالب المدّعي بحقّه، وكان المدّعى عليه غائباً، ولم يمكن إحضاره فعلاً، فعندئذ إن أقام البيّنة على مدّعاه حكم الحاكم له بالبيّنة وأخذ حقّه من أموال المدّعى عليه ودفعه له وأخذ منه كفيلاً بالمال. والغائب إذا قدم فهو على حجّته، فإن أثبت عدم استحقاق المدّعي شيئاً عليه استرجع الحاكم ما دفعه للمدّعي ودفعه للمدّعى عليه ومع فقد العين يصار الى البدل.(مسألة 1053) : إذا كان الموكّل غائباً، وطالب وكيله الغريم بأداء ما عليه من حقّ ثبت عليه بالإقرار أو البينة، وادّعى الغريم التسليم إلى الموكّل أو الإبراء، فإن أقام البيّنة على ذلك فهو، وإلاّ فعليه أن يدفعه إلى الوكيل وليس للحاكم إحلاف الوكيل على بقاء الحق، إلاّ إذا ادعى الغريم علم الوكيل بالتسليم أو الإبراء.

(مسألة 1054) : إذا حكم الحاكم بثبوت دين على شخص وامتنع المحكوم عليه عن الوفاء جاز للحاكم حبسه وإجباره على الأداء. نعم، إذا كان المحكوم عليه معسراً لم يجز حبسه، بل ينظره الحاكم حتى يتمكّن من الأداء.

ص: 305

أحكام اليمين

(مسألة 1055) : لا يصحّ الحلف إلاّ بالله وبأسمائه تعالى، ولا يعتبر فيه أن يكون بلفظ عربي، بل يصحّ بكلّ ما يكون ترجمة لأسمائه سبحانه.

(مسألة 1056) : يجوز للحاكم أن يحلّف أهل الكتاب بما يعتقدون به، ولا يجب إلزامهم بالحلف بأسمائه تعالى الخاصّة.

(مسألة 1057) : هل يعتبر في الحلف المباشرة، أو يجوز فيه التوكيل فيحلف الوكيل نيابةً عن الموكّل؟ الظاهر هو اعتبار المباشرة.

(مسألة 1058) : إذا علم أنّ الحالف قد ورّى في حلفه وقصد به شيئاً آخر فالظاهر عدم كفايته.

(مسألة 1059) : لو كان المُنكِر هو الكافر غير الكتابي المحترم ماله، كالكافر الحربي أو المشرك أو الملحد ونحو ذلك، فقد ذكر بعض أنّهم يستحلفون بالله، وذكر بعض أنّهم يستحلفون بما يعتقدون به على الخلاف المتقدّم، ولكنّ الظاهر أنّهم لايستحلفون بشيء فإذا ثبت لمسلم حق عليه حكم له به ولا يستمع إلى إنكار هذا المدعى عليه.

(مسألة 1060) : المشهور عدم جواز إحلاف الحاكم أحداً إلاّ في مجلس قضائه، ولكن لا دليل عليه، فالأظهر الجواز لكن بمحضر الخصم أو من ينوب عنه أو شاهدين عادلين حسماً للريبة والاختلاف.

(مسألة 1061) : لو حلف شخص على أن لا يحلف أبداً، ولكن اتّفق توقّف إثبات حقّه على الحلف جاز له ذلك ولا تنحلّ اليمين فيحتاط بدفع كفارة حنث اليمين نعم إذا أخذ الناذر بعين الاعتبار عدم الحلف حتى في مثل هذا المورد وما يستتبعه من ضياع حقه وجب عليه الالتزام بما عقد عليه عزمه.

ص: 306

(مسألة 1062) : إذا ادّعى شخص مالاً على ميّت، فإن ادّعى علم الوارث به والوارث ينكره فله إحلافه على عدم العلم، وإلاّ فلا يتوجّه الحلف على الوارث.(مسألة 1063) : إذا ادّعى شخص مالاً على ميّت، وادّعى علم الورثة بموته، وأنّه ترك مالاً عندهم، فإن اعترف الورثة بذلك لزمهم الوفاء، وإلاّ فعليهم الحلف إمّا على نفي العلم بالموت أو نفي وجود مال للميّت عندهم.

(مسألة 1064) : لاتثبت الدعوى في الحدود إلاّ بالبيّنة أو الإقرار، ولا يتوجّه اليمين فيها على المنكر.

(مسألة 1065) : لا ملازمة في الاثبات بين الحقين المترتبين على السرقة، وهما حق الله تعالى بالحد وحق الناس بالغرم، فإذا حلف المنكر للسرقة مع عدم البيّنة، سقط عنه الغرم، ولو أقام المدّعي شاهداً وحلف غرم المنكر، وأمّا الحدّ فلا يثبت إلاّ بالبيّنة أو الإقرار ولا يسقط بالحلف، فإذا قامت البيّنة بعد الحلف جرى عليه الحدّ.

(مسألة 1066) : إذا كان على الميّت دين، وادّعى الدائن أنّ للميت في ذمّة شخص آخر ديناً بحيث يكون الميت مديناً للمدعي ودائناً للاخر، فإن كان الدين مستغرقاً للتركة رجع الدائن إلى المدّعى عليه وطالبه بالدين، فإن أقام البيّنة على ذلك فهو، وإلاّ حلف المدّعى عليه، وإن لم يكن مستغرقاً فإن كان عند الورثة مال للميّت غير المال المدّعى به في ذمّة غيره رجع الدائن إلى الورثة وطالبهم بالدين، فأن أقام بينة أو اقروا له لزمهم الدفع، والا كان لهم الحلف بعدم العلم وان لم يكن عندهم مال للميت لا عينه ولا بدله باعتبار تصرفهم بالتركة فتارةً: يدّعي الورثة عدم العلم بالدين للميّت على ذمّة آخر، وأخرى: يعترفون به، فعلى الأوّل: يرجع الدائن إلى المدّعى عليه، فإن أقام البيّنة على ذلك أو اقر له به فهو، وإلاّ حلف المدّعى عليه، وعلى الثاني: يرجع إلى الورثة وهم يرجعون إلى المدّعى عليه ويطالبونه بدين الميّت، فإن

ص: 307

أقاموا البيّنة على ذلك أو اقر لهم به حكم بها لهم، وإلاّ فعلى المدّعى عليه الحلف. نعم، لو امتنع الورثة من الرجوع إليه فللدائن أن يرجع إليه ويطالبه بالدين على ما عرفت.

(مسألة 1067) : تثبت الدعوى في الأموال بشهادة عدل واحد ويمين المدّعي، والمشهور على انه يعتبر في ذلك تقديم الشهادة على اليمين، فلو عكس لم تثبت بمعنى أن الأحوط له إعادة اليمين بعد شهادة العدل هذا كلّه في الدعوى على غير الميت. وأمّا الدعوى عليه فقد تقدّم الكلام فيها.

(مسألة 1068) : الظاهر ثبوت المال المدّعى به بشهادة عدل واحد ويمين المدعي مطلقاً، عيناً كان أو ديناً، والأقرب عدم ثبوت غير المال من الحقوق الآخرى بهما.

(مسألة 1069) : إذا ادّعى جماعة مالاً لمورثهم، وأقاموا شاهداً واحداً، فإن حلفوا جميعاً قسّم المال بينهم بالنسبة، وإن حلف بعضهم وامتنع الآخرون ثبت حقّ الحالف دون الممتنع، فإن كان المدّعى به ديناً أخذ الحالف حصّته ولا يشاركه فيها غيره، وإن كان عيناً شارك المدعى عليه في العين بنسبته والأحوط للمدعى عليه أن يتصالح مع الورثة الآخرين بنسبة حصصهم، وكذلك الحال في دعوى الوصيّة بالمال لجماعة، فإنّهم إذا أقاموا شاهداً واحداً ثبت حقّ الحالف منهم دون الممتنع.

(مسألة 1070) : لو كان بين الجماعة المدّعين مالاً لمورثهم صغيرٌ فالمشهور أنه ليس لوليّه الحلف لإثبات حقّه، بل تبقى حصّته إلى أن يبلغ فإن مات الصبي قبل بلوغه قام وارثه مقامه، فإن حلف فهو، وإلاّ فلا حقّ له.

وفي فرض المسألة نظر، لأن الولي إن كان عالماً بالحق فإنه شاهد تتم به شهادة الآخر، وتتحقق البينة، وإن كان لا يعلم لم يجز له الحلف.

ص: 308

(مسألة 1071) : إذا ادّعى بعض الورثة أنّ الميّت قد أوقف عليهم داره - مثلاً نسلاً بعد نسل وأنكره الآخرون، فإن أقام المدّعون البيّنة ثبتت الوقفيّة، وكذلك إذا كان لهم شاهد واحد وحلفوا جميعاً، وإن امتنع الجميع لم تثبت الوقفيّة وقسّم المدّعى به بين الورثة بعد إخراج الديون والوصايا إن كان على الميّت دين أو كانت له وصيّة، وبعد ذلك يحكم بوقفيّة حصّة المدّعي للوقفيّة أخذاً بإقراره، ولو حلف بعض المدّعين دون بعض ثبتت الوقفيّة في حصّة الحالف، فلو كانت للميّت وصيّة أو كان عليه دين اُخرج من الباقي، ثمّ قسّم بين سائر الورثة.

(مسألة 1072) : إذا امتنع بعض الورثة عن الحلف ثمّ مات قبل حكم الحاكم، قام وارثه مقامه، فإن حلف ثبت الوقف في حصّته، وإلاّ فلا.

(مسألة 1073) : تجري القسمة في الأعيان المشتركة المتساوية الأجزاء، وللشريك أن يطالب شريكه بقسمة العين، فإن امتنع اُجبر عليها.

(مسألة 1074) : تتصوّر القسمة في الأعيان المشتركة غير المتساوية الأجزاء على صور:

الاُولى: أن يتضرّر الكلّ بها.

الثانية: أن يتضرّر البعض دون بعض.

الثالثة: أن لا يتضرّر الكلّ.

فعلى الاُولى: لا تجوز القسمة بالإجبار وتجوز بالتراضي.

وعلى الثانية: فإن رضي المتضرّر بالقسمة فهو، وإلاّ فلا يجوز إجباره عليها.

وعلى الثالثة: يجوز إجبار الممتنع عليها.

(مسألة 1075) : إذا طلب أحد الشريكين القسمة لزمت إجابته، سواء أكانت القسمة قسمة إفراز أم كانت قسمة تعديل.

ص: 309

والأوّل: كما إذا كانت العين المشتركة متساوية الأجزاء من حيث القيمة، كالحبوب والأدهان والنقود وما شاكل ذلك. والثاني: كما إذا كانت العين المشتركة غير متساوية الأجزاء من جهة القيمة، كالثياب والدور والدكاكين والبساتين والحيوانات وما شاكلها. ففي مثل ذلك لا بدّ أوّلاً من تعديل السهام من حيث القيمة، كأن كان ثوب يسوى ديناراً، وثوبان يسوى كلّ واحد نصف دينار، فيجعل الأوّل سهماً والآخران سهماً، ثمّ تقسّم بين الشريكين. وأمّا إذا لم يمكن القسمة إلاّ بالردّ، كما إذا كان المال المشترك بينهما سيّارتين تسوى إحداهما ألف دينار - مثلاً - والاُخرى ألفاً وخمسمائة دينار، ففي مثل ذلك لا يمكن التقسيم إلاّ بالردّ، بأن يردّ من يأخذ الأغلى منهما إلى الآخر مائتين وخمسين ديناراً، فإن تراضيا بذلك فهو، وإلاّ بأن طلب كلّ منهما الأغلى منهما - مثلاً - عيّنت حصّة كلّ منهما بالقرعة.

(مسألة 1076) : لو كان المال المشترك بين شخصين غير قابل للقسمة خارجاً، وطلب أحدهما القسمة ولم يتراضيا على أن يتقبّله أحدهما ويعطى الآخر حصّته من القيمة، اُجبرا على أحد أمرين، أما الاقتراع لتعيين من يتقبل العين ويعطى حصة الآخر من القيمة، أو البيع وقسّم الثمن بينهما.

(مسألة 1077) : إذا كان المال غير قابل للقسمة بالإفراز أو التعديل، وطلب أحد الشريكين القسمة بالردّ وامتنع الآخر عنها، اُجبر الممتنع عليها، وخُيِّرا في إجراء القرعة لتعيين من يتقبّل العين، فإن لم يمكن جبره عليها اُجبر على البيع وقسّم ثمنه بينهما، وإن لم يمكن ذلك أيضاً باعه الحاكم الشرعي أو وكيله وقسّم ثمنه بينهما.

(مسألة 1078) : القسمة عقد لازم فلا يجوز لأحد الشريكين فسخه ولو ادّعى وقوع الغلط والاشتباه فيها، فإن أثبت ذلك بالبيّنة فهو، وإلاّ فلا تسمع دعواه. نعم، لو ادّعى علم شريكه بوقوع الغلط فله إحلافه على عدم العلم.

ص: 310

(مسألة 1079) : إذا ظهر بعض المال مستحقّاً للغير بعد القسمة، فإن كان في حصّة أحدهما دون الآخر بطلت القسمة، وإن كان في حصّتهما معاً فإن كانت النسبة متساوية صحّت القسمة ووجب على كلّ منهما ردّ ما أخذه من مال الغير إلى صاحبه، وإن لم تكن النسبة متساوية، كما إذا كان ثلثان منه في حصّة أحدهما وثلث منه في حصة الآخر، بطلت القسمة أيضاً.(مسألة 1080) : إذا قسّم الورثة تركة الميّت بينهم، ثمّ ظهر دين على الميّت، فإن أدّى الورثة دينه من اموالهم الخاصة أو أبرأ الدائن ذمّته أو تبرّع به متبرّع صحّت القسمة، وإلاّ بطلت، فلا بدّ أوّلاً من أداء دينه منها ثمّ تقسيم الباقي بينهم، ولهم أن يجيزوا القسمة السابقة ويخرجوا الدين من حصصهم بالنسبة.

فصل في أحكام الدعاوي

(مسألة 1081) : المدّعي هو الذي يدّعي شيئاً على آخر ويكون ملزماً بإثباته عند العقلاء، كأن يدّعي عليه شيئاً من مال أو حقّ أو غيرهما أو يدّعي وفاء دين أو أداء عين كان واجباً عليه ونحو ذلك. ويعتبر فيه: العقل وكذا البلوغ إلا إذا ترتّب على دعوى الصبي أثر كتوجيه التهمة إلى المدعى عليه.

وقيل: يعتبر فيه الرشد أيضاً، ولكنّ الأظهر عدم اعتباره.

(مسألة 1082) : يعتبر في سماع دعوى المدّعي أن تكون دعواه لنفسه أو لمن له ولاية الدعوى عنه، فلا تسمع دعواه مالاً لغيره إلاّ أن يكون وليّه أو وكيله أو وصيّه، كما يعتبر في سماع الدعوى أن يكون متعلّقها أمراً سائغاً ومشروعاً، فلا تسمع دعوى المسلم على مسلم آخر بان له في ذمّته خمراً أو خنزيراً أو ما شاكلهما، وأيضاً يعتبر في ذلك أن يكون متعلّق دعواه ذا أثر شرعي، فلا تسمع دعوى الهبة أو الوقف من دون تنجزهما بالقبض ونحوه.

ص: 311

(مسألة 1083) : إذا كان المدّعي غير من له الحقّ، كالولي أو الوصي أو الوكيل المفوّض، فإن تمكّن من إثبات مدّعاه بإقامة البيّنة فهو، وإلاّ فله إحلاف المنكر، فإن حلف سقطت الدعوى، وإن ردّ المنكر الحلف على المدّعي فإن حلف ثبت الحقّ، وإن لم يحلف سقطت الدعوى من قبله فحسب، ولصاحب الحقّ تجديد الدعوى بعد ذلك.

فروع في المقاصة

(مسألة 1084) : إذا كان مال شخص في يد غيره جاز له أخذه منه بدون إذنه، وأمّا إن كان ديناً في ذمّته فإن كان المدّعى عليه معترفاً بذلك وباذلاً له فلا يجوز له أخذه من ماله بدون إذنه، وكذلك الحال إذا امتنع وكان امتناعه عن حقّ، كما إذا لم يعلم بثبوت مال له في ذمّته، فعندئذ يترافعان عند الحاكم، وأمّا إذا كان امتناعه عن ظلم، سواء أكان معترفاً به أم جاحداً، جاز لمن له الحقّ المقاصّة من أمواله، والظاهر أنّه لا يتوقّف على إذن الحاكم الشرعي أو وكيله وإن كان تحصيل الإذن أحوط، وأحوط منه التوصّل في أخذ حقّه إلى حكم الحاكم بالترافع عنده، وكذا تجوز المقاصّة من أمواله عوضاً عن ماله الشخصي إن لم يتمكّن من أخذه منه.(مسألة 1085) : تجوز المقاصّة من غير جنس المال الثابت في ذمّته، ولكن مع تعديل القيمة، فلا يجوز أخذ الزائد.

(مسألة 1086) : الأظهر جواز المقاصّة من الوديعة إذا كانت من نفس الجنس على كراهة، أما إذا اختلفا فالأحوط عدم المقاصّة.

(مسألة 1087) : لا يختصّ جواز المقاصّة بمباشرة من له الحقّ، فيجوز له أن يوكّل غيره فيها، بل يجوز ذلك للولي أيضاً، فلو كان للصغير أو المجنون مال عند آخر فجحده جاز لوليّهما المقاصّة منه، وعلى ذلك يجوز للحاكم الشرعي أن يقتصّ من أموال من يمتنع عن أداء الحقوق الشرعيّة من خمس أو زكاة.

ص: 312

فصل في دعوى الأملاك

(مسألة 1088) : لو ادّعى شخص مالاً لا يد لأحد عليه حكم به له، فلو كان كيس بين جماعة وادّعاه واحد منهم دون الباقين قضي له.

(مسألة 1089) : إذا تنازع شخصان في مال ففيه صور:

الاُولى: أن يكون المال في يد أحدهما.

الثانية: أن يكون في يد كليهما.

الثالثة: أن يكون في يد ثالث.

الرابعة: أن لا تكون عليه يد.

أمّا الصورة الاُولى: فتارةً: تكون لكلّ منهما البيّنة على أنّ المال له، واُخرى: تكون لأحدهما دون الآخر، وثالثة: لا تكون بيّنة أصلاً. فعلى الأوّل: إن كان ذو اليد منكراً لما ادّعاه الآخر حكم بأنّ المال له مع حلفه، وأمّا إذا لم يكن منكراً بل ادّعى الجهل بالحال وأنّ المال انتقل إليه من غيره بإرث أو نحوه فعندئذ يتوجّه الحلف إلى مَن كانت بيّنته أكثر عدداً، فإذا حلف حكم بأنّ المال له وإذا تساوت البيّنتان في العدد اُقرع بينهما فمن أصابته القرعة حلف وأخذ المال. نعم، إذا صدّق المدّعي صاحب اليد في دعواه الجهل بالحال، ولكنّه ادّعى أنّ من انتقل منه المال إليه قد غصبه، أو كان المال عارية عنده أو نحو ذلك، فعندئذ إن أقام البيّنة على ذلك حكم بها له، وإلاّ فهو لذي اليد.

وعلى الثاني: فإن كانت البيّنة للمدّعي حكم بها له، وإن كانت لذي اليد حكم له مع حلفه، وأمّا الحكم له بدون حلفه ففيه إشكال، والأظهر العدم.

ص: 313

وعلى الثالث: كان على ذي اليد الحلف، فإن حلف حكم له، وإن نكل وردّ الحلف على المدّعي فإن حلف حكم له، وإلاّ فالمال لذي اليد.وأمّا الصورة الثانية: ففيها أيضاً قد تكون لكلّ منهما البيّنة، واُخرى تكون لأحدهما دون الآخر، وثالثة لا بيّنة أصلاً.

فعلى الأوّل: إن حلف كلاهما أو لم يحلفا معاً قسّم المال بينهما بالسويّة، وإن حلف أحدهما دون الآخر حكم بأنّ المال له.

وعلى الثاني: كان المال لمن عنده بيّنة مع يمينه، وفي جواز الاكتفاء بالبيّنة وحدها إشكال، والأظهر عدمه.

وعلى الثالث: حلفا، فإن حلفا حكم بتنصيف المال بينهما، وكذلك الحال فيما إذا لم يحلفا جميعاً، وإن حلف أحدهما دون الآخر حكم له.

وأمّا الصورة الثالثة: فهي كالرابعة من حيث عدم كون موضوع الدعوى في يد أحدهما، والفرق أنه في هذه الصورة، إذا صدّق من بيده المال أحدهما أو كليهما وكان عادلاً فيكون شاهداً عادلاً يؤثّر في تحقق البيّنة وزيادة عددها في الموارد التي يلحظ فيها ذلك كما تقدّم، وإن لم يعترف بأنّه لهما كان حكمها حكم الصورة الرابعة بلا فرق.

وأمّا الصورة الرابعة: ففيها أيضاً قد تكون لكلّ منهما بيّنة على أنّ المال له، وأخرى تكون لأحدهما، وثالثة لا تكون بيّنة أصلاً.

فعلى الأوّل: إن حلفا جميعاً أو نكلا جميعاً كان المال بينهما نصفين، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان المال للحالف.

وعلى الثاني: فالمال لمن كانت عنده البيّنة.

وعلى الثالث: فإن حلف أحدهما دون الآخر فالمال له، وإن حلفا معاً كان المال بينهما نصفين، وإن لم يحلفا كذلك اُقرع بينهما.

ص: 314

ثمّ إنّ المراد بالبيّنة في هذه المسألة هو شهادة رجلين عدلين أو رجل وامرأتين، وأمّا شهادة رجل واحد ويمين المدّعي فهي لا تكون بيّنة وإن كانت يثبت بها الحقّ على ما تقدّم.

(مسألة 1090) : إذا ادّعى شخص مالاً في يد آخر، وهو يعترف بأنّ المال لغيره وليس له، ارتفعت عنه المخاصمة، فعندئذ إن أقام المدّعي البيّنة على أنّ المال له حكم بها له، ولكن بكفالة الغير على ما مرّ في الدعوى على الغائب.

(مسألة 1091) : إذا ادّعى شخص مالاً على آخر وهو في يده فعلاً، فإن أقام البيّنة على أنّه كان في يده سابقاً أو كان ملكاً له كذلك فلا أثر لها، ولا تثبت بها ملكيّته فعلاً، بل مقتضى اليد أنّ المال ملك لصاحب اليد. نعم، للمدّعي أن يطالبه بالحلف. وإن أقام البيّنة على أنّ يد صاحب اليد على هذا المال يد أمانة له أو إجارة منه أو غصب عنه حكم بها له وسقطت اليد الفعليّة عن الاعتبار. نعم، إذا أقام ذو اليد أيضاً البيّنة على أنّ المال له فعلاً، حكم له مع يمينه. ولو أقرّ ذو اليد بأنّ المال كان سابقاً ملكاً للمدّعي وادّعى انتقاله إليه ببيع أو نحوه، فإن أقام البيّنة على مدّعاه فهو، وإلاّ فالقول قول ذي اليد السابقة مع يمينه.

فصل في الاختلاف في العقود

(مسألة 1092) : إذا اختلف الزوج والزوجة في العقد، بأن ادّعى الزوج الانقطاع، وادّعت الزوجة الدوام، أو بالعكس، فالظاهر أنّ القول قول مدّعي الدوام وعلى مدّعي الانقطاع إقامة البيّنة على مدّعاه، فإن لم يمكن حكم بالدوام مع يمين مدّعيه، وكذلك الحال إذا وقع الاختلاف بين ورثة الزوج والزوجة.

(مسألة 1093) : إذا ثبتت الزوجية باعتراف كلّ من الرجل والمرأة، وادّعى شخص آخر زوجيّتها له، فإن أقام البيّنة على ذلك فهو، وإلاّ فله إحلاف أيّهما شاء.

ص: 315

(مسألة 1094) : إذا ادّعى رجل زوجيّة امرأة وهي غير معترفة بها ولو لجهلها بالحال، وادّعى رجل آخر زوجيّتها كذلك، وأقام كلّ منهما البيّنة على مدّعاه، حلف أكثرهما عدداً في الشهود، فإن تساويا اُقرع بينهما، فأيّهما أصابته القرعة كان الحلف له، وإذا لم يحلف أكثرهما عدداً أو من أصابته القرعة لم تثبت الزوجية، لسقوط البيّنتين بالتعارض واذا أنكرت الزوجة الزوجية مع كل منها، فان أقام احدهما البينة على أنها زوجته فهو، وان لم تكن بينة لأي منهما، فللزوجة أن تحلف وبذلك تنتهي الدعوى، نعم اذا حكم الحاكم بانها زوجته بالبينة أو نحوها، وهي كانت تعلم بعدمها واقعاً ويكذب البينة لم تجز حينئذً لها ترتيب آثار الزوجية.

(مسألة 1095) : إذا اختلفا في عقد، فكان الناقل للمال مدّعياً البيع، وكان المنقول إليه المال مدّعياً الهبة، فالقول قول مدّعي الهبة، وعلى مدّعي البيع الإثبات سواء كانت الهبة لازمة - بأن وقع التصرف فيها أو كانت لذي رحم - أو جائزة.

وأمّا إذا انعكس الأمر، فادّعى الناقل الهبة، وادّعى المنقول إليه البيع، فالقول قول مدّعي البيع، وعلى مدّعي الهبة الإثبات.

(مسألة 1096) : إذا ادّعى المالك الإجارة، وادّعى الآخر العارية، فالقول قول مدّعي العارية، ولو انعكس الأمر كان القول قول المالك وفي الحكمين تردد.(مسألة 1097) : إذا اختلفا فادّعى المالك أنّ المال التالف كان قرضاً وادّعى القابض أنّه كان وديعة، فالقول قول المالك مع يمينه وأمّا إذا كان المال موجوداً وكان قيميّاً فالقول قول من يدّعي الوديعة.

(مسألة 1098) : إذا اختلفا فادعى المالك أن المال كان وديعة وادعى القابض أنه كان رهنا فإن كان الدين ثابتا فالقول قول القابض مع يمينه وإلا فالقول قول المالك.

ص: 316

(مسألة 1099) : إذا اتفقا في الرهن وادعى المرتهن أنه رهن بألف درهم مثلا وادعى الراهن أنه رهن بمائة درهم. فالقول قول الراهن مع يمينه.

(مسألة 1100) : إذا اختلفا في قبض العين على نحو البيع أو الإجارة، فادعى القابض البيع والمالك الإجارة، فالظاهر أن القول قول مدعي الإجارة. وعلى مدعي البيع اثبات مدعاه.

(مسألة 1101) : إذا اختلف البائع والمشتري في الثمن زيادة ونقيصة، فإن كان المبيع تالفا، فالقول قول المشتري مع يمينه وإن كان المبيع باقيا، لم يبعد تقديم قول البائع مع يمينه، كما هو المشهور.

(مسألة 1102) : إذا ادعى المشتري على البائع شرطا كتأجيل الثمن أو اشترط الرهن على الدرك أو غير ذلك كان القول قول البائع مع يمينه وكذلك إذا اختلفا في مقدار الأجل وادعى المشتري الزيادة.

(مسألة 1103) : إذا اختلفا في مقدار المبيع مع الاتفاق على مقدار الثمن، فادعى المشتري أن المبيع ثوبان مثلا، وقال البائع أنه ثوب واحد فالقول قول البائع مع يمينه وإذا اختلفا في جنس المبيع أو جنس الثمن كان المورد من موارد التداعي، فإن لم تثبت دعوى أحدهما ببينة أو حلف حكم بالانفساخ.

(مسألة 1104) : إذا اتفقا في الإجارة واختلفا في الأجرة زيادة ونقيصة، فالقول قول مدعي النقيصة، وعلى مدعي الزيادة والاثبات، وكذلك الحال فيما إذا كان الاختلاف في العين المستأجرة زيادة ونقيصة مع الاتفاق في الأجرة أو كان الاختلاف في المدة زيادة ونقيصة مع الاتفاق في العين ومقدار الأجرة.

(مسألة 1105) : إذا اختلفا في مال معين، فادعى كل منهما أنه اشتراه من زيد واقبضه الثمن، فإن اعترف البائع لأحدهما دون الآخر، فالمال للمقر له وللآخر احلاف البائع على ما يأتي سواء أقام كل منهما البينة على مدعاه، أم

ص: 317

لم يقيما جميعا نعم إذا أقام غير المقر له البينة على مدعاه سقط اعتراف البائع عن الاعتبار وحكم له بالمال وعلى البائع حينئذ أن يرد إلى المقر له ما قبضه منه باعترافه وإن لم يعترف البائع أصلا، فإن أقام أحدهما البينة على مدعاه حكم له وللآخر إحلاف البائع فإن حلف سقط حقه وإن رد الحلف إليه، فإن نكل سقط حقه أيضا، وإن حلف ثبت حقه في أخذ الثمن منه وإن أقام كل منهما البينة على مدعاه، أو لم يقيما جميعا توجه الحلف إلى البائع. فإن حلف على عدم البيع من كل منهما سقط حقهما وإن حلف على عدم البيع من أحدهما سقط حقه خاصة، وإن نكل ورد الحلف إليهما فإن حلفا معا قسم المال بينهما نصفين وإن لم يحلفا جميعا سقط حقهما. وإن حلف أحدهما دون الآخر كان المال للحالف، وإن اعترف البائع بالبيع من أحدهما لا على التعيين جرى عليه حكم دعويين على مال لا يد لأحد عليه، كما تقدم في أحكام الصورة الرابعة من (المسألة 1089).

(مسألة 1106) : لو ادّعى كلّ من شخصين مالاً في يد الآخر، وأقام كلّ منهما البيّنة على أن كلا المالين له، حكم بملكيّة كلّ منهما لما في يده مع يمينه.

(مسألة 1107) : إذا اختلف الزوج والزوجة في ملكيّة شيء، فما كان من مختصّات أحدهما فهو له وعلى الآخر الإثبات، وما كان مشتركاً بينهما كأمتعة البيت وأثاثه، فإن علم أو قامت البيّنة على أنّ المرأة جاءت بها فهي لها، وعلى الزوج إثبات مدعاه من الزيادة، فإن أقام البيّنة على ذلك فهو، وإلاّ فله إحلاف الزوجة وإن لم يعلم ذلك قسّم المال بينهما، وكذلك الحال فيما إذا كان الاختلاف بين ورثة أحدهما مع الآخر أو بين ورثة كليهما.

(مسألة 1108) : إذا ماتت المرأة وادّعى أبوها أنّ بعض ما عندها من الأموال عارية وكان هذا الاحتمال وارداً، فالأظهر قبول دعواه، وللآخر إحلافه على عدم نقله الملكية لابنته، وأمّا إذا كان المدّعي غيره - كزوجها أو والدي

ص: 318

زوجها - فعليه الإثبات بالبيّنة، وإلاّ فهي لوارث المرأة مع اليمين. نعم، إذا اعترف الوارث بأنّ المال كان للمدّعي وادّعى أنّه وهبه للمرأة المتوفّاة انقلبت الدعوى، فعلى الوارث إثبات ما يدّعيه بالبيّنة أو استحلاف منكر الهبة.

فصل في دعوى المواريث

(مسألة 1109) : إذا مات المسلم عن ولدين كانا كافرين في بعض مراحل حياتهما، والكافر لا يرث من المسلم، وأسلما وكان إسلام أحدهما قبل وفاة الأب والثاني بعدها، واختلفا في أيهما المتقدم على الوفاة، فعلى مدّعي التقدّم الإثبات، وإلاّ كان القول قول أخيه مع حلفه إذا كان منكراً للتقدّم، وأمّا إذا ادّعى الجهل بالحال فلمدّعي التقدّم إحلافه على عدم العلم بتقدّم إسلامه على موت أبيه إن ادّعى عليه علمه به.

(مسألة 1110) : لو كان للميّت ولد كافر ووارث مسلم، فمات الأب وأسلم الولد وادّعى الإسلام قبل موت والده وأنكره الوارث المسلم، فعلى الولد إثبات تقدّم إسلامه على موت والده، فإن لم يثبت لم يرث.

(مسألة 1111) : إذا كان مال في يد شخص، وادّعى آخر أنّ المال لمورثه الميّت، فإن أقام البيّنة على ذلك وأنّه الوارث له دفع تمام المال له، وإن علم أنّ له وارثاً غيره دفعت له حصّته، وتحفّظ على حصّة الغائب وبحث عنه، فإن وجد دفعت له، وإلاّ عوملت معاملة مجهول المالك إن كان مجهولاً أو معلوماً لا يمكن إيصال المال إليه، وإلاّ عومل معاملة المال المفقود خبره.

(مسألة 1112) : إذا كان لامرأة ولد واحد ولكل منهما مال، وماتت المرأة وولدها، وادّعى أخو المرأة أنّ الولد مات قبل المرأة، وادّعى زوجها أنّ المرأة ماتت أوّلاً ثمّ ولدها، فللزوج القدر المتيقن من حقه على تقدير موت الولد في حياة أمه، ويكون النزاع بين الأخ والزوج إنّما يكون في نصف مال المرأة

ص: 319

وسدس مال الولد، وأمّا النصف الآخر من مال المرأة وخمسة أسداس مال الولد فللزوج على كلا التقديرين، فعندئذ إن أقام كلّ منهما البيّنة على مدّعاه حكم بتنصيف المال المتنازع عليه بينهما مع حلفهما، وكذلك الحال إذا لم تكن بيّنة وقد حلفا معاً، وإن أقام أحدهما البيّنة دون الآخر فالمال له، وكذلك إن حلف أحدهما دون الآخر، وإن لم يحلفا جميعاً اُقرع بينهما.

(مسألة 1113) : حكم الحاكم إنّما يؤثّر في رفع النزاع ولزوم ترتيب الآثار عليه ظاهراً، وأمّا بالنسبة إلى الواقع فلا أثر له أصلاً، فلو علم المدّعي أنّه لا يستحقّ على المدّعى عليه شيئاً ومع ذلك أخذه بحكم الحاكم لم يجز له التصرّف فيه، بل يجب ردّه إلى مالكه، وكذلك إذا علم الوارث أنّ مورثه أخذ المال من المدّعى عليه بغير حقّ.

ففي صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) : إِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَالأَيْمَانِ وَبَعْضُكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَيُّمَا رَجُلٍ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْئاً فَإِنَّمَا قَطَعْتُ لَهُ بِهِ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ).

ص: 320

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.