الماء الجاري في غسل البخاري

هوية الكتاب

بطاقة تعريف: كورانی، علی، 1944 - م.

Kurani,Ali

عنوان واسم المؤلف: الماء الجاری فی غسل البخاری/ علي الكورانی العاملی.

تفاصيل المنشور: قم: نور علی نور، 1397.

مواصفات المظهر: 272ص.

ISBN : 9789648016475

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة : العربیة.

عنوان : بخاری، محمد بن اسماعیل ، 194 - 256 ق. -- نقد و تفسیر

عنوان : بيت النبي - رأي أهل السنة

عنوان : Muhammad, Prophet, d. 632 -- Family -- Views of Sunnites

عنوان : القرآن - دفاعات ودفاعات

Qur'an -- Apologetic works

عنوان : الخلفاء الراشدين - أحاديث السنة

*Caliphs, Orthodox -- Hadiths (Sunnite)

الأمويون - التاريخ

Umayyad dynasty-- History

ترتيب الكونجرس: BP119 /ب3 ك9 1397

تصنيف ديوي: 297/352

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 5380260

معلومات التسجيلة الببليوغرافية: فیپا

ص: 1

إشارة

الماء الجاري في غسل البخاري

علي الكوراني العاملي

2018-1440

ص: 2

مقدمه

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

1. تقرأ عن محمد بن إسماعيل البخاري فيعجبك أنه يتيم عصامي، نشأ في بخارى ثم جاءت به أمه وأخوه الى مكة وتركوه فيها ابن اثنتي عشرة سنة، فكان يعمل لمعيشته ويطلب العلم ست سنين، ثم عاش مثلها في المدينة، ثم تنقل في البصرة والكوفة وغيرها، وكان يسكن في محلات البخاريين.

ثم رجع الى بلده بخارى وهو في الثلاثينات،وكان يملي الحديث على الناس، وبدأ بتأليف كتابه الجامع الصحيح. وقال الإمام مسلمة بن قاسم الأندلسي إنه سرق كتاب العلل للمديني، ومنه ألف كتابه!

2. في تلك الفترة كان المأمون يمتحن القضاة والفقهاء والمحدثين في خلق القرآن، فقد رأى نفوذهم الكبير في الناس، وحقد عليهم أنهم أفتوا لأخيه الأمين بخلعه وساعدوه على حربه، فأراد ضرب نفوذهم، فوجد بعضهم يقول بقدم القرآن لأنه كلام اللّه، فجعل هذه المقولة سيفاً عليهم، وأمر بامتحانهم واحداً واحداً، فمن قال إن القرآن قديم غيرمخلوق فهومشرك يتخذ مع اللّه شريكاً، ولايستخدم في الدولة، ويستتاب، وقد يقتل.

ص: 3

في تلك الفترة لم يكن البخاري معروفاً، فلم يحضروه للإمتحان، وبعد أربع سنوات منبدء الإمتحان مات المأمون، فتابع أخوه المعتصم، ثم ولده الواثق سياسته، وواصلا امتحان العلماء، حتى جاء المتوكل فأدان موقف أخيه الواثق وأبيه المعتصم وعمه المأمون، وجعل الإمتحان بالعكس، فمن قال بخلق القرآن يمنع من الوظيفة ، وقد يقتل.

3. برز في زمن المتوكل أحمد بن حنبل، لأن المتوكل قال له: يا أحمد إني أريد أن أجعلك بيني وبين اللّه حجة، وكان لاينصب قاضياً ولا شيخاً إلا برأي أحمد، فصار بيت أحمد محجاً لهم، وكان ينفق عليهم من أموال المتوكل.

وقد حمل البخاري ما كتبه من صحيحه الى بغداد، وعرضه على أحمد فأعجبه وأكرمه، ثم زاره ثمان مرات كما قال، ثم جاء الى بغداد في آخر حياة أحمد، لكن علاقته معه خربت، لأنه تأثر بالكرابيسي فقال: لفظي بالقرآن مخلوق، لأن أفعالنا مخلوقة وتلاوتنا من أفعالنا، فحكم عليه أحمد وعلى الكرابيسي وجماعته بالضلال والكفر، وأنهم شر من الجهمية!

وتوفي أحمد، وتابع موقفه خليفته أبوبكرالمروذي وجماعته، وشددوا على الكرابيسي، فاضطر البخاري أن يغادر بغداد الى نيشابور، فكتبوا الى إمامها محمد بن يحيى الهذلي أن يمنعه من التحديث فمنعه وضيق عليه، فغادرها الى الري فعاداه جماعة أحمد وطردوه، فذهب الى بخارى، فكتبوا الى واليها أن يحضره ويمتحنه ويقتله إن ثبت عليه القول بخلق القرآن، فبعث في إحضاره فهرب من بخارى قاصداً سمرقند، وفي الطريق عرف أنهم أرسلوا الى واليها أن يمتحنه، فذهب الى قرية خرتنك التي له فيها أقارب، وبقي فيها مدة يسيرة وكان يعيش أزمة نفسية حادة من ظلم أتباع أحمد، والخليفة المعتمد!ومات في أوج ظلمهم له، وأزمته منهم!

4. مات البخاري مطارداً، محكوماً عليه بالكفر، لكن الخلافة تبنت كتابه لأنه مؤلف بتوصيتها، بتوجيه ابن حنبل المرجع المرضي عند المتوكل! ففيه كل المواصفات المطلوبة، من الطعن الخفي بأهل البيت (عليهم السلام) ، وتقديس الشيخين، والدفاع عن بني أمية،

ص: 4

والتجسيم!وبعد وفاة البخاري بحثوا عن نسخته فوجدوا مسودة ناقصة عند تلميذه الشاب الفربري.

قال في مقدمة فتح الباري/6:(إبراهيم بن أحمد المستملي قال: انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري، فرأيت فيه أشياء لم تتم، وأشياء مبيضة، منها تراجم لم يثبت بعدها شيئاً، ومنها أحاديث لم يترجم لها، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض! ومما يدل على صحة هذا القول أن رواية أبي إسحاق المستملي، ورواية أبي محمد السرخسي، ورواية أبي الهيثم الكشمهيني، ورواية أبي زيد المروزي، مختلفة بالتقديم والتأخير مع أنهم انتسخوا من أصل واحد! وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرة أو رقعة مضافة، أنه من موضع ما، فأضافه إليه! ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينها أحاديث)!

والطرة: ورقة طويلة كالطومار، والرقعة: ورقة عادية.

5.نقد علماؤنا روايات البخاري ومؤلفها من قديم، ولعل أشهر من كتب في الموضوع العلامة الباحث السيد ميرحامد الحسيني (قدس سره) ، فقد تضمن كتابه عبقات الأنوار، نقوداً بليغة للبخاري.

ثم كتب بأوفى منه مرجع الطائفة شيخ الشريعة الأصفهاني (قدس سره) (1266- 1339 ه ) كتابه:القول الصراح في نقد البخاري والصحاح، طبع في قم، وهو من أجل الكتب في الموضوع. ثم كتب الأميني صاحب الغدير (رحمه اللّه) نقوداً مهمة عليه في كتابه.ثم وجه الشيخ محمود أبورية، من علماء الأزهر نقوداً للبخاري في كتابه:أضواء على السنة المحمدية.

ثم كتب الشيخ محمد صادق النجمي:أضواء على الصحيحين، طبع في قم.

ثم كتب الشيخ حسين غيب الهرساوي رسالتين: الإمام البخاري وفقه أهل العراق والبخاري وصحيحه،كشف فيهما أوجهاً من ضعفه العلمي وتعصبه، طبعتا في قم.

وكتب آية اللّه السيد علي الميلاني: الصحيحان في الميزان، نقد فيه الكتابين ومؤلفيهما بنقد

ص: 5

مجموعة أحاديث رووها، فأورد عليها إشكالات علمية.

هذا مضافاً الى عشرات الكتب في نقد البخاري من عصره الى عصرنا، من علماء وباحثين سنة وشيعة، ومنها كتب لأزهريين وأساتذة أكاديميين، وبعضهم وصف البخاري بالأسطورة وبالصنم..الخ.

6. سميتُ الكتاب: الماء الجاري في غسل البخاري، وقمت فيه بعملين:

أولهما: بلورة أهم النقود الموجههة للبخاري وتلخيصها، وقد أنصفته في محنته. وكشفت حقائق جديدة حولها،منها لعبة المأمون في الإمتحان بخلق القرآن، وتكفيره من قال إن القرآن غير مخلوق، فوقع فيها جماعة من علماء المذاهب.

ثم كيف حوَّلها المتوكل الى امتحان بالعكس، فكفَّر من قال بخلق القرآن، ووقع البخاري في امتحانه، فكفره أحمد وجماعته وأرادوا قتله، فهرب في البلاد حتى مات.

والعمل الثاني:كشفت الجديد في عمل البخاري في كتابه، وخبثه في اختيار أحاديث وإخفاء غيرها، وحشده أقواله وأقوالاً تؤيد أفكاره لاسند شرعياً لها، فبلغت مع عناوينه نصف الكتاب، وتفننه في الطعن بأهل البيت المطهرين صلوات اللّه عليهم.وتفننه في الغلووإخفاء الضعف في الشيخين وبنتيهما، ثم في الدفاع بالباطل عن بني أمية، وأتباع السلطة من أعداء أهل البيت (عليهم السلام) .

ثم ختمته بتنظير البخاري لمذهب كعب الأحبار اليهودي في التنقيص من قدر اللّه سبحانه وتعالى وتجسيمه، فنسب اليه الظلم والعبث، ووصفه بالجسم الخاضع لقوانين الزمان والمكان ونواميس الطبيعة، كأي مخلوق، تعالى اللّه عما يصفون!

أملي أن يكون الكتاب على صغر حجمه وافياً بالموضوع، كاشفاً لحقائق وأفكار لم تظهر من قبل، و اللّه ولي التوفيق.

كتبه: علي الكوراني العاملي

بقم المشرفة في محرم الحرام 1440 هجرية

ص: 6

الفصل الأول: البخاري وفتنة المأمون بخلق القرآن

امتحن المأمون العلماء بخلق القرآن عشرين سنة

روينا عن الإمام الرضا (عليه السلام) أن المأمون كان ملحداً لا يؤمن باللّه تعالى، لكنه كان يحفظ ظاهر إسلامه، وكان يتبنى التشيع والقول بوصية النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) بالخلافة، ويناظر بذلك العلماء، ليغيض بني العباس، لأنهم عزلوه عن ولاية العهد، فكوَّن جيشاً بمساعدة أخواله الفرس وحارب أخاه الأمين وانتصرعليه وقتله! ثم أجبرالإمام الرضا (عليه السلام) علىقبول ولاية عهده، ليخوف العباسيين بأنه سينقل الخلافة الى بني علي (عليه السلام) .

وبعد سنتين تصالح مع العباسيين، فقام بقتل الإمام الرضا (عليه السلام) وعاد الى بغداد، خليفة منتصراً على العباسيين وفقهائهم، فخضعوا له!

كما كان المأمون عدواً لدوداً للأمويين، وعقيدتهم في التشبيه والتجسيم، فكتب منشور براءة من معاوية أثبت كفره، لكنه أخر نشره، ونشروه بعده.

ولما رجع الى بغداد وجد أن الفقهاء والمحدثين الذين أيدوا أخاه الأمين، يقولون بقدم القرآن، وأنه كلام اللّه غيرمخلوق لأنه صفة ذاتية للّه، أو لأنه جزء من ذات اللّه عند من يقول إن اللّه تعالى وجود مركب، فاتخذها حجة للإنتقام منهم، ورفع شعار أن القول بقدم القرآن شرك باللّه تعالى، لأنه يعني وجود شيئ قديم مع اللّه تعالى قبل الخلق. فأمر بامتحان المشايخ، فمن قال إن القرآن مخلوق شغَّله في وظائف الدولة ومن قال غيرمخلوق حبسه وحرمه، أو قتله!

ص: 7

ودام هذا الإمتحان بضع عشرة سنة، لأن المأمون بدأ بتنفيذه سنة 218، لما كان بطرطوس، ثم تبناه المعتصم والواثق، الى أن ألغاه المتوكل سنة232.

وهو امتحان خبيث بأمر مبهم، يمكن معه الحكم على من يجيب بالنفي أو بالإثبات! فقد أجاب بعضهم في زمن المأمون بأن القرآن قديم فقيل له أنت كافر تجعل مع اللّه شريكاً!وأجاب بعضهم في زمن المتوكل بأن القرآن مخلوق فقيل له تقول إن كلام اللّه مختلق، أو تقول إن اللّه مخلوق، لأن كلامه منه!

فكانت مادة امتحان المأمون، نفسها مادة امتحان المتوكل المعاكس!

قال اليعقوبي (2/467):(وصار المأمون إلى دمشق سنة 218، وامتحن الناس في العدلوالتوحيد، وكتب في إشخاص الفقهاء من العراق وغيرها، فامتحنهم في خلق القرآن، وأكفر من امتنع أن يقول القرآن غير مخلوق، وكتب أن لا تقبل شهادته، فقال كل بذلك، إلا نفراً يسيراً ).

وقد روى الطبري(7/197) قصة امتحان المأمون للفقهاء والمحدثين، وفيها رسائله من سوريا الى صاحب شرطته في بغداد، ونورد منها فقرات، قال:

(كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم في إشخاص سبعة نفر منهم محمد بن سعد كاتب الواقدي، وأبومسلم مستملي يزيد بن هارون، ويحيى بن معين، وزهير بن حرب أبوخيثمة، وإسماعيل بن داود، وإسماعيل بن أبي مسعود، وأحمد بن الدورقي، فأشخصوا إليه، فامتحنهم وسألهم عن خلق القرآن فأجابوا جميعاً إن القرآن مخلوق فأشخصهم إلى مدينة السلام، وأحضرهم إسحاق بن إبراهيم داره، فشهر أمرهم وقولهم بحضرة الفقهاء والمشايخ من أهل الحديث، فأقروا بمثل ما أجابوا به المأمون، فخلى سبيلهم.

وكتب المأمون بعد ذلك إلى إسحاق بن إبراهيم: أما بعد فإن من حق اللّه على خلفائه في أرضه أن يجهدوا للّه أنفسهم، وينصحوا له فيما استحفظهم، ويهدوا إليه من زاغ عنه، ويردوا من حاد عن أمره. ومما بينه أميرالمؤمنين برويته وطالعه بفكره، فتبين عظيم خطره من القول في القرآن ألايكون مخلوقاً، فتعرضوا بذلك لدفع خلق اللّه الذي بان به عن خلقه،

ص: 8

وتفرد بجلالته من ابتداع الأشياء كلها بحكمته وإنشائها بقدرته، والتقدم عليها بأوليته، التي لا يبلغ أولاها ولا يدرك مداها، وكان كل شئ دونه خلقاً من خلقه وحدثاً هو المحدث له، وضاهوا به قول النصارى في ادعائهم في عيسى بن مريم أنه ليس بمخلوق، إذ كان كلمة اللّه و اللّه عز وجل يقول:إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًاً، وتأويل ذلك أناخلقناه كما قال جل جلاله: وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا، وصفوا خلق اللّه وفعله بالصفة التي هي للّه وحده وشبهوه به!

وليس يرى أميرالمؤمنين لمن قال بهذه المقالة حظاً في الدين، ولا نصيباً من الإيمان واليقين، ولايرى أن يحل أحداً منهم محل الثقة في أمانة، ولا عدالة، ولا شهادة، ولا تولية لشئ من أمر الرعية!

فاقرأ على جعفر بن عيسى، وعبدالرحمن بن إسحاق القاضي كتاب أميرالمؤمنين بما كتب به إليك، وأنصصهما عن علمهما في القرآن، وأعلمهما أن أميرالمؤمنين لايستعين على شئ من أمور المسلمين، إلا بمن وثق بإخلاصه وتوحيده، وأنه لاتوحيد لمن لم يقر بأن القرآن مخلوق، وافعل ذلك بمن في سائر عملك من القضاة، واكتب إلى أميرالمؤمنين بما يكون منك في ذلك.

قال:فأحضرإسحاق بن إبراهيم لذلك جماعة من الفقهاء والحكام والمحدثين وأحضرأباحسان الزيادي، وبشر بن الوليد الكندي، وعلي بن أبي مقاتل، والفضل بن غانم، والذيال بن الهيثم، وسجَّادة، والقواريري، وأحمد بن حنبل، وقتيبة، وسعدويه الواسطي، وعلي بن الجعد، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وابن الهرش، وابن علية الأكبر، ويحيى بن عبدالرحمن العمري، وشيخاً آخر من ولد عمر بن الخطاب كان قاضي الرقة، وأبانصر التمار، وأبامعمر القطيعي، ومحمد بن حاتم بن ميمون، ومحمد بن نوح المضروب، وابن الفرخان، وجماعة منهم النضر بن شميل، وابن علي بن عاصم، وأبوالعوام البزاز، وابن شجاع، وعبدالرحمن بن إسحاق.

ص: 9

فأدخلوا جميعاًعلى إسحاق فقرأ عليهم كتاب المأمون هذا مرتين، حتى فهموه، ثم قاللبشر بن الوليد: ما تقول في القرآن؟ فقال: قد عرفت مقالتي لأميرالمؤمنين غير مرة. قال فقد تجدد من كتاب أميرالمؤمنين ما قد ترى فقال: أقول القرآن كلام اللّه. قال: لم أسألك عن هذا،أمخلوق هو؟قال: اللّه خالق كل شئ. قال: ما القرآن شئ. قال: هو شئ. قال: فمخلوق؟ قال: ليس بخالق. قال:ليس أسألك عن هذا، أمخلوق هو؟ قال: ما أحسن غير ما قلت لك. وقد استعهدت أميرالمؤمنين أن لا أتكلم فيه،وليس عندي غير ماقلت لك.

فأخذ إسحاق بن إبراهيم رقعة كانت بين يديه فقرأها عليه ووقفه عليها فقال: أشهد أن لا إله إلا اللّه أحداً فرداً، لم يكن قبله شئ، ولا بعده شئ، ولايشبهه شئ من خلقه، في معنى من المعاني ولاوجه من الوجوه. قال: نعم وقد كنت أضرب الناس على دون هذا.

فقال للكاتب: أكتب ما قال. ثم قال لعلي بن أبي مقاتل: ما تقول يا علي؟ قال: قد سمعت كلامي لأميرالمؤمنين في هذا غير مرة، وما عندي غير ما سمع، فامتحنه بالرقعة فأقر بما فيها ثم قال: القرآن مخلوق؟قال: القرآن كلام اللّه. قال: لم أسألك عن هذا، قال:هوكلام اللّه، وإن أمرنا أميرالمؤمنين بشئ سمعنا وأطعنا. فقال للكاتب:أكتب مقالته.

ثم قال للذيال نحواً من مقالته لعلي بن أبي مقاتل، فقال له مثل ذلك.

ثم قال لأبي حسان الزيادي: ما عندك؟قال: سل عما شئت. فقرأعليه الرقعة ووقفه عليها فأقر بما فيها، ثم قال: من لم يقل هذا القول فهوكافر. فقال القرآن مخلوق هو؟ قال: القرآن كلام اللّه و اللّه خالق كل شئ وما دون اللّه مخلوق، وأميرالمؤمنين إمامنا وبسببه سمعنا عامة العلم، وقد سمع ما لم نسمع وعلم ما لم نعلم، وقد قلده اللّه أمرنا، فصار يقيم حجنا وصلاتنا، ونؤدي إليه زكاة أموالنا، ونجاهد معه ونرى إمامته إمامة، وإن أمرنا إئتمرنا وإن نهانا انتهينا، وإن دعانا أجبنا. قال: القرآن مخلوق هو؟ فأعاد عليه أبوحسان مقالته، قال:إن هذه مقالة أميرالمؤمنين.قال قد تكون مقالة أميرالمؤمنين، ولايأمر بها الناس ولا يدعوهم إليها،وإن أخبرتني أن أميرالمؤمنين أمرك أن أقول قلت ما أمرتني به، فإنك الثقة المأمون عليه فيما أبلغتني عنه من شئ، فإن أبلغتني عنه بشئ صرت إليه. قال:ما أمرني أن أبلغك شيئاً.

ص: 10

قال علي بن أبي مقاتل: قد يكون قوله كاختلاف أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في الفرائض والمواريث ولم يحملوا الناس عليها. قال له أبوحسان: ما عندي إلا السمع والطاعة، فمرني آتمر، قال: ما أمرني أن آمرك وإنما أمرني أن أمتحنك.

ثم عاد إلى أحمد بن حنبل فقال له: ما تقول في القرآن؟ قال: هو كلام اللّه. قال: أمخلوق هو؟ قال: هو كلام اللّه لا أزيد عليها. فامتحنه بما في الرقعة، فلما أتى إلى:لَيْسَ كَمِثْلَهَ شَئْ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير، أمسك عن لايشبهه شئ من خلقه في معنى من المعاني ولا وجه من الوجوه، فاعترض عليه ابن البكاء الأصفر فقال: أصلحك اللّه إنه يقول سميع من أذن بصير من عين!

فقال إسحاق لأحمد بن حنبل:ما معنى قوله سميع بصير؟ قال: هو كما وصف نفسه. قال: فما معناه؟ قال لا أدري هو كما وصف نفسه.

ثم دعا بهم رجلاً رجلاً كلهم يقول: القرآن كلام اللّه، إلا هؤلاء النفر قتيبة وعبيد اللّه بن محمد بن الحسن، وابن علية الأكبر، وابن البكاء، وعبدالمنعم بن إدريس بن بنت وهب بن منبه، والمظفر ابن مرجا، ورجلاً ضريراً ليس من أهل الفقه ولا يعرف بشئ منه، إلا أنه دس في ذلك الموضع، ورجلاً من ولد عمر بن الخطاب قاضي الرقة، وابن الأحمر.

فكتب مقالة القوم رجلاً رجلاً ووجهت إلى المأمون، فمكث القوم تسعة أيام ثم دعابهم وقد ورد كتاب المأمون جواب كتاب إسحاق بن إبراهيم في أمرهم ونسخته: بسم اللّه الرحمن الرحيم. أما بعد فقد بلغ أميرالمؤمنين كتابك جواب كتابه كان إليك فيما ذهب إليه متصنعةُ أهل القبلة وملتمسوا الرئاسة، فيما ليسوا له بأهل من أهل الملة من القول في القرآن،وأمرك به أميرالمؤمنين من امتحانهم، وتكشيف أحوالهم، وإحلالهم محالهم.

تذكر إحضارك جعفر بن عيسى، وعبدالرحمن بن إسحاق، عند ورود كتاب أميرالمؤمنين مع من أحضرت ممن كان ينسب إلى الفقه ويعرف بالجلوس للحديث، وينصب نفسه للفتيا بمدينة السلام، وقراءتك عليهم جميعاً كتاب أميرالمؤمنين، ومسألتك

ص: 11

إياهم عن اعتقادهم في القرآن والدلالة لهم على حظهم، وإطباقهم على نفي التشبيه واختلافهم في القرآن، وأمرك من لم يقل منهم إنه مخلوق بالإمساك عن الحديث والفتوى في السر والعلانية، وتقدمك إلى السندي وعباس مولى أميرالمؤمنين بما تقدمت به فيهم إلى القاضيين بمثل ما مثل لك أميرالمؤمنين، من امتحان من يحضرمجالسهما، من الشهود وبث الكتب إلى القضاة في النواحي من عملك، بالقدوم عليك لتحملهم وتمتحنهم على ما حده أميرالمؤمنين، وتثبيتك في آخر الكتاب أسماء من حضر ومقالاتهم، وفهم أميرالمؤمنين ما اقتصصت. وأميرالمؤمنين يحمد اللّه كثيراً كما هو أهله، ويسأله أن يصلى على عبده ورسوله محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ويرغب إلى اللّه في التوفيق لطاعته وحسن المعونة على صالح نيته برحمته. وقد تدبر أميرالمؤمنين ما كتبت به من أسماء من سألت عن القرآن، وما رجع إليك فيه وما شرحت من مقالتهم.

فأما ما قال المغرور بشر بن الوليد في نفي التشبيه، وما أمسك عنه من أن القرآن مخلوق، وادعى من تركه الكلام في ذلك، واستعهاده أميرالمؤمنين فقد كذب بشر في ذلك وكفر،وقال الزور والمنكر!

ولم يكن جرى بين أميرالمؤمنين وبينه في ذلك ولا في غيره عهد ولا نظر أكثر من إخباره أميرالمؤمنين من اعتقاده كلمة الإخلاص، والقول بأن القرآن مخلوق، فادع به إليك وأعلمه ما أعلمك به أميرالمؤمنين من ذلك، وأنصصه عن قوله في القرآن واستتبه منه، فإن أميرالمؤمنين يرى أن تستتيب من قال بمقالته، إذ كانت تلك المقالة الكفر الصراح، والشرك المحض، فإن تاب منها فأشهر أمره وأمسك عنه، وإن أصر على شركه ودفع أن يكون القرآن مخلوقاً بكفره وإلحاده، فاضرب عنقه وابعث إلى أميرالمؤمنين برأسه!

وكذلك إبراهيم بن المهدي، فامتحنه بمثلما تمتحن به بشراً، فإنه كان يقول بقوله، وقد بلغت أميرالمؤمنين عنه بوالغ، فإن قال إن القرآن مخلوق فأشهر أمره، واكشفه وإلا فاضرب عنقه وابعث إلى أميرالمؤمنين برأسه إن شاء اللّه!

وأما علي بن أبي مقاتل فقل له: ألست القائل لأميرالمؤمنين إنك تحلل وتحرم والمكلم له

ص: 12

بمثل ما كلمته به، مما لم يذهب عنه ذكره.

وأما الذيال بن الهيثم فأعلمه أنه كان في الطعام الذي كان يسرقه في الأنبار وفيما يستولى عليه من أمرمدينة أميرالمؤمنين أبي العباس ما يشغله!

وأنه لو كان مقتفياً آثار سلفه، وسالكاً مناهجهم، ومحتذياً سبيلهم، لما خرج إلى الشرك بعد إيمانه!

وأما أحمد بن يزيد المعروف بأبي العوام وقوله إنه لا يحسن الجواب في القرآن فأعلمه أنه صبي في عقله لا في سنه، جاهل، وأنه إن كان لا يحسن الجواب في القرآن، فيسحسنه إذا أخذه التأديب، ثم إن لم يفعل كان السيف من وراء ذلك، إن شاء اللّه!وأما أحمد بن حنبل وما تكتب عنه،فأعلمه أن أميرالمؤمنين قد عرف فحوى تلك المقالة وسبيله فيها، واستدل على جهله وآفته بها!

وأما الفضل بن غانم فأعلمه أنه لم يخف على أميرالمؤمنين ما كان منه بمصر وما اكتسب من الأموال في أقل من سنة! وما شجر بينه وبين المطلب بن عبد اللّه في ذلك، فإنه من كان شأنه شأنه وكانت رغبته في الدينار والدرهم رغبته فليس بمستنكر أن يبيع إيمانه طمعاً فيهما، وإيثاراً لعاجل نفعهما، وأنه مع ذلك القائل

لعلي بن هشام ما قال، والمخالف له فيما خالفه فيه، فما الذي حال به عن ذلك ونقله إلى غيره؟

وأما الزيادي فأعلمه أنه كان منتحلاً ولاءً، وأول دعيٍّ كان في الإسلام خولف فيه حكم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (يقصد قاعدة الولد للفراش) وكان جديراً أن يسلك مسلكه! فأنكر أبوحسان أن يكون مولى لزياد، أو يكون مولى لأحد من الناس ( وذكر أنه إنما نسب إلى زياد لأمر من الأمور)!

وأما المعروف بأبي نصرالتمار فإن أميرالمؤمنين شبَّه خساسة عقله بخساسة متجره. وأما الفضل بن الفرخان فأعلمه أنه حاول بالقول الذي قاله في القرآن أخذ الودائع التي أودعها إياه عبدالرحمن بن إسحاق وغيره تربصاً بمن استودعه، وطمعاً في الإستكثار لما صار في يده، ولاسبيل عليه عن تقادم عهده وتطاول الأيام به، فقل لعبدالرحمن بن إسحاق لاجزاك اللّه

ص: 13

خيراً عن تقويتك مثل هذا وإيمانك إياه وهومعتقد للشرك، منسلخ من التوحيد!

وأما محمد بن حاتم وابن نوح والمعروف بأبي معمرفأعلمهم أنهم مشاغيل بأكل الربا عن الوقوف على التوحيد! وأن أميرالمؤمنين لو لم يستحل محاربتهم في اللّه ومجاهدتهمإلالإربائهم،وما نزل به كتاباللّه في أمثالهم لاستحل ذلك، فكيف بهم وقد جمعوا مع الإرباء شركاً، وصاروا للنصارى مثلاً!

وأما أحمد بن شجاع فأعلمه أنك صاحبه بالأمس، والمستخرج منه ما استخرجته من المال، الذي كان استحله من مال علي بن هشام، وأنه ممن الدينار والدرهم دينه.

وأما سعدويه الواسطي فقل له قبح اللّه رجلاً بلغ به التصنع للحديث والتزين به، والحرص على طلب الرئاسة فيه، أن يتمنى وقت المحنة فيقول بالتقرب بها مني، يُمتحن فيجلس للحديث.

وأما المعروف بسجادة، وإنكاره أن يكون سمع ممن كان يجالس من أهل الحديث وأهل الفقه القول بأن القرآن مخلوق، فأعلمه أنه في شغله بإعداد النوى وحكه لاصلاح سجادته، وبالودائع التي دفعها إليه علي بن يحيى وغيره، ما أذهله عن التوحيد وألهاه! ثم سله عما كان يوسف بن أبي يوسف ومحمد بن الحسن يقولانه، إن كان شاهدهما وجالسهما!

وأما القواريري ففيما تكشف من أحواله وقبوله الرشا والمصانعات ما أبان عن مذهبه وسوء طريقته وسخافة عقله ودينه، وقد انتهى إلى أميرالمؤمنين أنه يتولى لجعفر بن عيسى الحسني مسائله، فتقدم إلى جعفربن عيسى في رفضه وترك الثقة به، والإستنامة إليه.

وأما يحبى بن عبدالرحمن العمرى، فإنه كان من ولد عمر بن الخطاب، فجوابه معروف.وأما محمد بن الحسن بن علي بن عاصم، فإنه لو كان مقتدياً بمن مضى من سلفه لم ينتحل النحلة التي حكيت عنه، وإنه بعد صبي يحتاج إلى تعلم. وقد كان أميرالمؤمنين وجه إليك المعروف بأبي مسهر بعد أن نصه أميرالمؤمنين عن محنته في القرآن، فجمجم عنها ولجلج فيها، حتى دعى له أميرالمؤمنين بالسيف فأقر ذميماً فأنصصه عن إقراره! فإن كانمقيماً عليه فأشهر ذلك وأظهره، إن شاء اللّه.

ص: 14

ومن لم يرجع عن شركه ممن سميت لأميرالمؤمنين في كتابك، وذكره أميرالمؤمنين لك، أو أمسك عن ذكره في كتابه هذا، ولم يقل إن القرآن مخلوق بعد بشر بن الوليد وإبراهيم بن المهدي، فاحملهم أجمعين موثقين إلى عسكر أميرالمؤمنين، مع من يقوم بحفظهم، وحراستهم في طريقهم، حتى يؤديهم إلى عسكر أميرالمؤمنين، ويسلمهم إلى من يؤمن بتسليمهم إليه، لينصصهم أميرالمؤمنين، فإن لم يرجعوا ويتوبوا حملهم جميعاً على السيف، إن شاء اللّه!

وعجل إجابة أميرالمؤمنين بما يكون منك في خريطة بندارية مفردة عن سائر الخرائط، لتعرف أميرالمؤمنين مايعلمونه إن شاء اللّه. وكتب سنة:218

فأجاب القوم كلهم حين أعاد القول عليهم إلى أن القرآن مخلوق إلا أربعة نفر منهم أحمد بن حنبل، وسجادة، والقواريري، ومحمد بن نوح المضروب، فأمر بهم إسحاق بن إبراهيم فشدوا في الحديد، فلما كان من الغد دعا بهم جميعاً يساقون في الحديد، فأعاد عليهم المحنة فأجابه سجادة إلى أن القرآن مخلوق، فأمر بإطلاق قيده وخلى سبيله، وأصر الآخرون على قولهم فلما كان من بعد الغد عاودهم أيضاً فأعاد عليهم القول، فأجاب القواريري إلى أن القرآن مخلوق، فأمر بإطلاق قيده وخلى سبيله، وأصرأحمد بن حنبل ومحمد بن نوح على قولهما ولم يرجعا، فشدا جميعاً في الحديد، ووجها إلى طرسوس وكتب معهما كتاباً بإشخاصهما، وكتب كتاباً مفرداً بتأويل القوم فيما أجابوا إليه، فمكثوا أياماً، ثم دعا بهم فإذا كتاب قد ورد من المأمون على إسحاق بن إبراهيم، أن قد فهم أميرالمؤمنين ما أجاب القوم إليه، وذكر سليمان بن يعقوب صاحب الخبر، أن بشر بن الوليد تأول الآيةالتي أنزلها اللّه تعالى في عمار بن ياسر: إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالآيمَانِ، وقد أخطأ التأويل، إنما عنى اللّه عز وجل بهذه الآية من كان معتقد الإيمان مظهرالشرك، فأما من كان معتقد الشرك مظهرالإيمان فليس هذه له، فأشخصهم جميعاً إلى طرسوس ليقيموا بها إلى خروج أميرالمؤمنين من بلاد الروم.

ص: 15

فأخذ إسحاق بن إبراهيم من القوم الكفلاء ليوافوا العسكر بطرسوس فأشخص أباحسان، وبشر ابن الوليد، والفضل بن غانم، وعلي بن أبي مقاتل، والذيال بن الهيثم، ويحيى بن عبدالرحمن العمري، وعلي بن الجعد، وأباالعوام، وسجادة، والقواريري، وابن الحسن بن علي ابن عاصم، وإسحاق بن أبي إسرائيل، والنضر بن شميل، وأبانصر التمار، وسعدويه الواسطي، ومحمد بن حاتم بن ميمون وأبامعمر، وابن الهرش، وابن الفرخان، وأحمد بن شجاع، وأباهارون بن البكاء.

فلما صاروا إلى الرقة بلغتهم وفاة المأمون! فأمر بهم عنبسة بن إسحاق، وهو والي الرقة، أن يصيروا إلى الرقة، ثم أشخصهم إلى إسحاق بن إبراهيم بمدينة السلام، مع الرسول المتوجه بهم إلى أميرالمؤمنين، فسلمهم إليه، فأمرهم إسحاق بلزوم منازلهم، ثم رخص لهم بعد ذلك في الخروج ).

أقول: من الواضح أن المأمون أراد هدم مكانة القضاة والمحدثين ونفوذ هم، ومنع تأثيرهم على الناس، فاخترع لهم الإمتحان بخلق القرآن، ويكفي دليلاً أن رسائله لصاحب شرطته ذكرت لهم سيآت لاعلاقة لها بعقيدة قدم القرآن وخلقه!

**

وبالغ المعتصم والواثق في تطبيق مرسوم المأمون

فقد واصل المعتصم 218-227 ه سياسة أخيه المأمون في الإمتحان بخلق القرآن وزاد عليه امتحان الأسرى الذين اتفق مع الروم على إطلاقهم، فمن قال إن القرآن مخلوق أعطى فداءه وأطلقه، ومن لم يقل بأن القرآن مخلوق أبقاه عند الروم!

قال اليعقوبي(2/482): (صاروا إلى موضع يقال له نهر اللامس على مرحلتين من طرسوس، وحضر ذلك الفداء سبعون ألف رامح سوى من ليس معه رمح، وكان أبورملة وجعفر الحذاء واقفين على قنطرة النهر، فكلما مر رجل من الأسرى امتحنوه في القرآن، فمن قال إنه مخلوق فودي به، ودفع إليه ديناران وثوبان، فبلغ عدة من فودي به

ص: 16

خمس مائة رجل وسبع مائة امرأة، وكان هذا في المحرم سنة 231)!

ثم أحضر المعتصم أحمد بن حنبل فقال أحمد: أقول بقول أميرالمؤمنين! فأطلق سراحه، كما شهد بذلك المؤرخ اليعقوبي. وقد اخترعوا لأحمد بطولات كاذبة!

وأما الواثق ابن المعتصم فقد أبقى نُعيم بن حماد في سجنه بسامراء عشر سنين حتى مات، وأبقى أحمد بن نصر الخزاعي ثلاث عشرة سنة، ثم أحضره الواثق وقتله بيده وأرسل برأسه فنصبه ببغداد! (وقد فصلنا ذلك في سيرة الإمام علي الهادي (عليه السلام) ).

**

ألغى المتوكل سياسة المأمون، وأعاد بغض أهل البيت (عليهم السلام)

بادر المتوكل الى إلغاء سياسة عمه المأمون، فأخرج المسجونين القائلين بقدم القرآن، وغيرالإمتحان فجعله في خلق القرآن، فكان يسجن أو يقتل من يقول بخلق القرآن!(كتب المتوكل إلى الآفاق بالمنع من الكلام، والكف عن القول بخلق القرآن، وأن من تعلم علم الكلام أو تكلم فيه فالمطبق مأواه إلى أن يموت).(النهاية لابن كثير:10/348). والمطبق السجن تحت الأرض!

كما تواترت رواية المؤرخين بأن المتوكل كان ناصبياً شديد البغض لعلي (عليه السلام) !

قال ابن الأثير في الكامل «6/108»: «كان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب ولأهل بيته،وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى علياً وأهله بأخذ المال والدم)! أي يصادرمال الشيعي، ويقتله!

ثم قال ابن الأثير: وكان من جملة ندمائه عَبَّادة المخنث، وكان يشد على بطنه مخدة ويكشف رأسه وهوأصلع، ويرقص بين يدي المتوكل، والمغنون يغنون: قد أقبل الأصلع البدين خليفة المسلمين! يحكي بذلك علياً! والمتوكل يشرب ويضحك! ففعل ذلك يوماً والمنتصر(ابن المتوكل)حاضر، فأومأ إلى عَبَّادة يتهدده فسكت خوفاً منه، فقال المتوكل ما حالك؟فأخبره فقال المنتصر:يا أميرالمؤمنين إن الذي يحكيه هذا الكلب ويُضحك منه الناس هوابن عمك، وشيخ أهل بيتك وبه فخرك! فكل أنت لحمه إذا شئت، ولاتُطعم

ص: 17

هذا الكلب وأمثاله منه! فقال المتوكل للمغنين: غنوا جميعاً:

غَارَ الفَتَى لابنِ عَمِّهْ *** رأسُ الفَتى في حَرِ أمِّهْ»!

وقال النويري في نهاية الأرب «22/282»: «في هذه السنة أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي رضي اللّه عنهما، وهدم ما حوله من المنازل والدور، وأمرأن يسقى موضع قبره، وأن يمنع الناس من إتيانه )!

وقال ابن حجر في فتح الباري«1/60»: «وقد ثبت في صحيح مسلم عن علي أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال له: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق».

النصب والتجسيم توأمان فكل ناصبي مجسم وبالعكس

قال الذهبي في سيره «12/34»: «وفي سنة 234، أظهر المتوكل السنة، وزجر عن القول بخلق القرآن، وكتب بذلك إلى الأمصار، واستقدم المحدثين إلى سامراء، ورووا أحاديث الرؤية والصفات ». أي أحاديث التشبيه والتجسيم!

وقال أحمد في العلل(1/79): (استقدم المتوكل المحدثين إلى سامراء،وأجزل عطاياهم وأكرمهم، وأمرهم أن يحدثوا بأحاديث الصفات والرؤية (رؤية اللّه تعالى)! وجلس أبوبكر بن أبي شيبة في جامع الرصافة، فاجتمع إليه نحو من ثلاثين ألف نفس، وجلس أخوه عثمان في جامع المنصور فاجتمع إليه نحو من ثلاثين ألف نفس ).

وفي تاريخ بغداد «10/67»: «فكان فيهم مصعب الزبيري، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وإبراهيم بن عبد اللّه الهروي، وعبد اللّه وعثمان ابنا محمد بن أبي شيبة الكوفيان، وهما من بني عبس ).

وقال ابن تميم في المحن/271: «فخرَّج كل واحد منهم ثلاثين حديثاً في تثبيت القدر (الجبر) وثلاثين حديثاً في الرؤية (التجسيم) وغير ذلك من السنن، فتعلمها الناس حتى كثرت السنن، وفشَت ونمَت، وطُغيت البدعة وذلَّت»!!

أقول:الذين جمعهم المتوكل هم دعاة التجسيم والنصب! فمصعب الزبيري وابن أخيه

ص: 18

الزبير بن بكار، معروفان بنصبهما الشديد! وعثمان بن أبي شيبة الذي أكثر في مسنده منأحاديث النصب والتجسيم..الخ. وابن أبي الشوارب:أموي من بني العاص،جعله المتوكل قاضي القضاة في سامراء، وهو أستاذ ابن صاعد الذي نصبه المتوكل شيخ أهل الحديث في بغداد، ونصبه رئيس ميليشيا الحنابلة المجسمة، الذين كانوا يكفرون من خالفهم، ويقتلون من استطاعوا منهم!

وهشام بن عمار الذي سموه محدث الشام، كان يبيع الحديث بالصفحة! وهو صاحب حديث الكراسي،وأن اللّه يجلس على كرسي وحوله الأنبياء (عليهم السلام) على كراسي! وصاحب قصة التفحش مع المتوكل وابنه، والتي أخذ عليها جائزة سنية!

فأينما رأيت النصب أو التجسيم فابحث عن توأمه!

فيكون وصفهم للمتوكل بأنه«محيي السنة» بمعنى أنه: أحيا التجسيم وبغض أهل البيت (عليهم السلام) ! وحارب تنزيه اللّه تعالى، وحرم تأويل الآيات الموهمة للجسمية.

**

كشف أهل البيت (عليهم السلام) لعبة المأمون في فتنة خلق القرآن

كتب الإمام الهادي (عليه السلام) الى بعض شيعته ببغداد: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، عصمنا اللّه وإياك من الفتنة، فإن يفعل فَأَعْظِمْ بها نعمة،وإلايفعل فهي الهلكة. نحن نرى أن الجدال في القرآن بدعة اشترك فيها السائل والمجيب، فتعاطى السائل ما ليس له، وتكلف المجيب ما ليس عليه.وليس الخالق إلا اللّه وما سواه مخلوق، والقرآن كلام اللّه.لاتجعل له إسماً من عندك فتكون من الضالين! جعلنا اللّه وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب، وهم من الساعة مشفقون». «أمالي الصدوق/639».فقد أعطى الإمام (عليه السلام) القاعدة بأن كل ما سوى اللّه تعالى مخلوق، لكنه مَنَعَ من وصف القرآن بأنه مخلوق والجدل فيه، لئلا يتسرب الى الذهن حدوث المتكلم به.

ومعنى قوله (عليه السلام) : تكلف المجيب ما ليس عليه: أن اللّه تعالى لم يوجب في شريعة الإسلام

ص: 19

على أحد أن يعرف ذلك، ولا أمر بامتحان الناس فيه!

فإيجاب الحاكم معرفة ذلك والجواب عنه بدعة، وامتحان الناس فيها بدعة أخرى، ومن أجاب عليها أجاب بغير علم، على أمر لم يكلفه اللّه به ولا يستطيعه! فهو لا يعرف مفهوم وجود القرآن ولا كيفية فعل اللّه تعالى وخلقه، ولا مفهوم المخلوق وأنواع الخلق، والجعل، والتقدير، والتسوية. وما دام السائل لايفقه سؤاله، ولا اللغة التي يجب أن تستعمل فيه، فهو كمن يسأل عن مسألة رياضية بألفاظ عامية!

يقول الإمام (عليه السلام) بذلك من أين يعرف المأمون معاني خلق اللّه تعالى وفعله، ومعاني المخلوق وأنواعه، ومن كلفه بأن يوجب ذلك على الناس ويمتحنهم به!!

قال الشريف المرتضى في رسائله «1/152»:« إن القرآن مُحدثٌ لامحالة، وأمارات الحدث في الكلام أبي ن وأظهر منها في الأجسام وكثير من الأعراض. وما ليس بقديم وهوموجود محدث، وقد وصف اللّه تعالى القرآن بأنه محدث مصرحاً غير ملوح، ولا يجوز أن يصفه بغير ما يستحقه من الأوصاف.

فأما وصف القرآن بأنه مخلوق، فالواجب الإمتناع منه والعدل عن إطلاقه، لأن اللغة العربية تقتضي فيما وصف من الكلام بأنه مخلوق أومختلق أنه مكذوب مضاف إلى غير فاعله! وقد ورد عن أئمتنا (عليهم السلام) في هذا المعنى أخبار كثيرة تمنع من وصف القرآن بأنه مخلوق وأنهم (عليهم السلام) قالوا: لاخالق ولامخلوق).وقال الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف «6/119»: «كلام اللّه تعالى: فعله، وهو محدث، وامتنع أصحابنا من تسميته بأنه مخلوق لما فيه من الإيهام بكونه منحولاً. دليلنا على ما قلناه: ما ذكرناه في الأصول، فمنها قوله: مَايَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ، فسماه محدثاً. وقال: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا، وقال: بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ مُبِينٍ. فسماه عربياً والعربية محدثة. وقال: نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، وقال: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ، فوصفه بالتنزيل. وهذه كلها صفات المحدث. ومن وصفه بالقدم فقد أثبت مع اللّه تعالى قديماً آخر »!

**

ص: 20

الفصل الثاني: وقع البخاري بين سياسة المأمون والمتوكل

عاش البخاري في ظل الدولة الطاهرية

1. البخاري فارسي واسمه:محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مغيرة بن بردزبه. وصفه المزي في (تهذيب الكمال:24/237و238):(نحيف الجسم ليس بالطويل ولا بالقصير، ولد سنة 194، وتوفي سنة 256، وعاش 62سنة).

وكان البخاري أعمش يشكو مرض عينيه،وقد عميَ مرتين،وقالوا شفي بمعجزة.

وكان ابنه خادم الوالي يمان الجعفي فأسلم على يده وسماه مغيرة (السمعاني:2/68،والمزي:24/437).وقيل

معنى بردزبه بالبخارية: الفلّاح. والجعفي لأن جده أسلم على يد يمان الجعفي، بينما مات جده بردزبه على المجوسية.(تهذيب الكمال:24/234).

2. نشأ ببخارى وسافر صغيراً مع أمه وأخيه الى مكة، وأبقوه فيها يعمل ويتعلم، ثم سافر الى عدد من البلاد وكتب الحديث عن علمائها، ورجع الى بخارى عالماً، وهو في الثلاثينات وعاش فيها، وتزوج ورزق بنات ولم يرزق ذكوراً، وكان مقرباً لولاتها بحكم علاقة عائلته بهم، حتى اختلف معهم.

3. تقع بخارى اليوم في أُزبكستان وتبعد عن مشهد 760 كيلو متر، وتبعد عنها سمرقند 260، كيلومتر، وكانت بخارى عاصمة لمحيطها من قبل الإسلام.

4.حضر البخاري في نيسابور وكانت عاصمة إيران،درس إمام نيسابورمحمد بن يحيى الذهلي وكتب عنه الحديث، وكتب بعض الطلبة عنه، لكن جاء الأمر من بغداد بأنه مبتدع

ص: 21

ضال يقول:أفعال العباد مخلوقة ولفظه بالقرآن مخلوق! فحرم الذهلي درسه ونفاه من بخارى، فذهب الى الري فكتبوا الى الري فطردوه، وذهب الى بخارى فكتب الذهلي الى واليها أن يمتحنه فهرب الى قرية فيها أقاربه هي خرتنك قرب سمرقند، وما لبث أن توفي فيها مطارداً! والقرية شيعية، وقبره بيدهم!

بخارى فتحها أميرالمؤمنين (عليه السلام)

فتح المسلمون خراسان في عهد عمربن الخطاب، لكنه كان فتحاً أولياً، فكانت تنتقض عليهم، وبقيت هي وسمرقند في حكم ملوك بخاريين من أصول فارسية أو تركية، وكان المسلمون يرسلون اليها جيشاً فيقاتلهم ولاينتصر عليهم، لكثرة عددهم، فيتصالح معهم ويرجع عنهم، أو يعسكر قربهم ويبقى الحكم لغيره.وقد كتبنا في قراءة جديدة في الفتوحات (1/316): (أن سعيد بن عثمان بن عفان طمع بالخلافة، فدبَّرله معاوية مَقْلباً وأرسله بجيش ليفتح سمرقند،فوصل إلى بخارا فصالحهم على ثلاث مئة ألف وقبضها ولم يدخل بخارى، وطلب منهم رهائن حتى لايهاجموه من خلفه، فأعطوه عشرين شاباً من أبناء الأمراء رهينة فأخذهم وهاجم سمرقند، وحلف أن يفتحهافلم يستطع وجاءه سهم ففقأ عينه، فطلب من حاكمها أن يمر وسط المدينة ليبر يمينه! فرضي بذلك ومرَّ سعيد وسطها، ورمى حجراً نحو برجها، وبذلك برَّ بيمينه بأن يفتحها!

وعاد سعيد إلى المدينة بثروة، واستعفى معاوية من ولاية خراسان (ابن الأعثم ( 4/312) وكان معه العشرون شاباً الرهينة، فأنشأ بستاناً وشغَّلهم فيه فلاحين فحركهم معاوية ليقتلوه لأنه ضد تولية يزيد، وجاء مروان والي المدينة لنجدته بزعمهم فلم يجد مفتاح البستان! فانتظر على الباب حتى قتلوا سعيداً!

قال في تاريخ دمشق(21/223):«كان أهل المدينة عبيدهم ونساؤهم يقولون:

و اللّه لا ينالها يزيدُ *** حتى ينالَ هامَه الحديدُ *** إن الأمير بعدَهُ سعيدُ.

فقدم سعيد على معاوية فقال: يا ابن أخي ما شئ يقوله أهل المدينة؟ قال: ما تنكر من ذلك

ص: 22

يا معاوية!و اللّه إن أبي لخير من أبي يزيد، ولأمي خير من أم يزيد ولأنا خير منه، وقد استعملناك فما عزلناك بعد، ووصلناك فما قطعناك، ثم صار في يديك ما قد ترى، فحلأتنا عنه أجمع»!

فلا نعجب أن يكون معاوية دبر قتله، لأنه قتل كل من خالف ولاية يزيد بعده!

بعد حرب الجمل أرسل علي (عليه السلام) جعدة فأكمل فتح خراسان

قال اليعقوبي في تاريخه (2/183):«لما فرغ من حرب أصحاب الجمل، وجه جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي إلى خراسان ».

وفي شرح النهج(18/308) والطبري(4/46):«جعدة بن هبيرة ابن أخت علي بن أبي طالب (عليه السلام) هوالذي فتح القندهز، وكثيراً من خراسان، فقال الشاعر:

لولا ابن جعدةَ لم تُفتح قهندزكم *** ولا خراسانُ حتى ينفخ الصور).

والقهندز: الحصن، ويسمى به حصن بخارى، وكان عصياً على الفتح، وبفتحه بيد جعدة خضعت مدن خراسان وأفغانستان للحكم الإسلامي، فعينوا عليها الولاة، حتى كان عهد المأمون، فأعطاها لطاهر بن الحسين الخزاعي.

الدولة الطاهرية في خراسان

الدولة الطاهرية: نسبة الى طاهر بن الحسين الخزاعي الذي قاد جيش المأمون وقاتل أخاه الأمين وقتله وجاءه برأسه سنة 198 ه فجعله المأمون والي خراسان كلها، وكانت تشمل إيران الفعلية وبخارى وما وراء النهر، فاتخذ طاهر نيسابور عاصمة له، وكان مطلق اليد على أن يؤدي ماعليه من خراج. وتوفي طاهر بعد سنتين، فخلفه ابنه طلحة بن طاهر، ثم عبد اللّه بن طاهر213 - 230 ه ثم طاهر الثاني بن عبد اللّه بن طاهر 230 - 248 ه،ثم محمد بن طاهر 248- 259 ه وكان آخرحكام الدولة الطاهرية وكان ظالماً ماجناً، فاستنجد أهل خراسان بالقائد يعقوب بن الليث الصفاري، مؤسس الدولة الصفارية، فدخل نيسابور بجيشه سنة 259 وقبض على محمد بن طاهر، وأنهى دولتهم.

ص: 23

فكل حياة البخاري في فترة الدولة الطاهرية، وكان موته قبيل زوالها.

الذهلي والي بخاري الذي أراد قتل البخاري

الأمير خالد السدوسي الشيباني الذهلي، والي بخارى، قال عنه السمعاني(3/18) والزركلي(2/294): (ولي إمارة خراسان ثم إمارة بخارى وسكنها، وله بها آثار مشهورة محمودة. وكان عالماً بالحديث، فاستقدم إليها بعض كبار الحفاظ، وصنف له نصر بن أحمد البغدادي مسنداً، وطلب من البخاري أن يوافيه فامتنع، فأخرجه من بخارى إلى ناحية سمرقند فمات في إحدى قراها، وبلغ المعتمد الخليفة العباسي عنه ما أحقده عليه.واستأذن خالد للحج، فأذن له المعتمد، فمر ببغداد سنة 269، فقبض عليه وحبسه، فمات بها في الحبس).

وقال ابن الجوزي في المنتظم (12/225): (وكان يحب الحديث ويقول:أنفقت في طلب العلم أكثر من ألف ألف درهم، وكان قد سمع من ابن راهويه، وعلي بن حجر، وخلق كثير، فلما استوطن بخارى أقدم إلى حضرته حفاظ الحديث مثل: محمد بن نصر المروزي، وصالح جزرة، ونصر بن أحمد البغداديين، وغيرهم، وصنف له نصر مسنداً، وكان يختلف مع هؤلاء المسمين إلى المحدثين، وكان يمشي برداء ونعل، يتواضع بذلك، وبسط يديه بالإحسان إلى أهل العلم فغَشَوْهُ وقدموا عليه من الآفاق، وأراد من محمد بن إسماعيل البخاري أن يصير إلى حضرته فامتنع، فاعتل عليه باللفظ، فأخرجه من بخارى فمات بقرية.وكأنه عوقب بما فعل بالبخاري فزال ملكه، وكان قد ورد بغداد فحدث فسمع منه وكيع القاضي، وأبوطالب الحافظ وابن عقدة، ثم اعتقله السلطان فحبسه ببغداد، فمات بالحبس في هذه السنة، وكان السبب أنه اشتد على الظاهرية، ومال إلى يعقوب بن الليث القائم بسجستان ).

أقول: سبب نفيه للبخاري أنه كتب له محمد بن يحيى الذهلي أن يمتحنه، فطلب من البخاري أن يحضر للمناظرته، وربما لإثبات كفره وقتله، فهرب منه! كما أن سبب حبس الخليفة للوالي ميله الى الليث الصفار الثائر الذي قضى على الدولة الطاهرية.

ص: 24

تخبط البخاري بين مذهب المأمون ومذهب المتوكل

كانت الدولة الطاهرية مستقلة في إدارتها، فهي تؤدي الخراج للخليفة، لكن عليها أن تتبعه في العقائد والسياسة، ولذلك كانت تمتحن الناس في زمن المأمون والمعتصم والواثق، فمن قال بقدم القرآن تعاقبه. ثم صارت تمتحنهم بالقول بخلق القرآن في زمن المتوكل، فمن قال بخلق القرآن تعاقبه!

قال الشيخ الهرساوي في كتابه:الإمام البخاري وفقه أهل العراق/106ملخصاً: (أخذ البخاري في الكلام من ابن كلاّب والكرابيسي، وشمخصة، وإِسماعيل بن عرعرة.. وخالف في كتابه: خلق أَفعال العباد الجهمية، وبشر المريسي القائل بخلق القرآن. وقال عن الجهمية وكفَّرهم وقال: هم شرٌّ من اليهود والنصارى! مع أَنه أَظهر لنفسه مقالة حسين الكرابيسي بأن القرآن كلام اللّه غير مخلوق، وألفاظنا به مخلوقة وأفعالنا مخلوقة، ومن زعم أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب، فإني لم أَقله، إِلا أني قلت: أَفعال العباد مخلوقة ».

وقال الذهبي: وهذه التفرقة والتفصيل ما قالها أَحد قبله فيما علمت، وقال الإِمام أَحمد بن حنبل وأَئمة السنة: إنه غير مخلوق، إِلى أَن ظهرت مقالة حسين بن علي الكرابيسي، وهي أنَّ القرآن كلام اللّه غيرمخلوق، وإن أَلفاظنا به مخلوقة فأنكر الإِمام أحمد ذلك وعدَّهبدعة، وقال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق يريد به القرآن، فهو جهمي)!

والنتيجة: أن البخاري أخذ مذهب الكرابيسي فوقع في القول بخلق القرآن، بقوله لفظي بالقرآن مخلوق، فحكم عليهما أحمد بن حنبل بالكفر!

محمد بن يحيى الذهلي الذي نفى البخاري من نيشابور

قال الزركلي في الأعلام (7/135): (الذهلي مولاهم، النيسابوري،من حفاظ الحديث، ثقة من أهل نيسابور. رحل رحلة واسعة فزار بغداد والبصرة وغيرهما في طلب الحديث واشتهر، وروى عنه البخاري أربعة وثلاثين حديثاً. انتهت إليه مشيخة العلم

ص: 25

بخراسان،واعتنى بحديث الزهري فصنفه وسماه الزهريات، في مجلدين ). وقد نصبه الطاهري إمام نيسابور.

وفي تاريخ بغداد(2/30) وتاريخ دمشق(52/95): (قال محمد بن يحيى: ألا من يختلف إلى مجلسه لايختلف إلينا، فإنهم كتبوا إلينا من بغداد أنه تكلم في اللفظ ونهيناه فلم ينته، فلا تقربوه ومن يقربه فلا يقربنا. فأقام هاهنا مدة وخرج إلى بخارى).والذي كتب له هو أبوبكرالرازي خليفة أحمد، وكان رأيه رأي أحمد في أن من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، يجب نفيه واعتزاله، أو قتله.

قال ابن عبدالبر في الإنتقاء/106: (أحمد بن حنبل كان يقول:من قال القرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال: القرآن كلام اللّه ولايقول غير مخلوق ولا مخلوق فهو واقفي،ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع! وكان

الكرابيسي وعبد اللّه بن كلاب وأبوثور وداود بن علي وطبقتهم يقولون: إن القرآن الذي تكلم به اللّه صفة من صفاته لايجوز عليه الخلق،وإن تلاوة التالي وكلامه بالقرآن كسب له وفعل له وذلك مخلوق، وإنه حكاية عنكلام اللّه وليس هوالقرآن الذي تكلم اللّه به، وشبهوه بالحمد والشكر للّه، وهو غير اللّه).

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب(2/310 ):(عبد اللّه بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عمن قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فقال: هذا كلام الجهمية. قلت لأبي : إن الكرابيسي يفعل هذا، فقال: كذب هتكه اللّه )!

وقال أحمد (طبقات الحنابلة:1/29): (القرآن كلام اللّه تكلم به ليس بمخلوق. ومن زعم أن القرآن مخلوق فهم جهمي كافر، ومن زعم أن القرآن كلام اللّه ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أخبث من قول الأول!ومن زعم أن ألفاظنا به وتلاوتنا له مخلوقة، والقرآن كلام اللّه فهو جهمي! ومن لم يكفر هؤلاء القوم كلهم فهو مثلهم! قال له إبراهيم بن سعيد: يا أباعبد اللّه إن الكرابيسي وابن الثلجي قد تكلما فقال أحمد: فيم تكلموا؟ قال:في اللفظ. فقال أحمد: اللفظ بالقرآن غير مخلوق،ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق ، فهو جهمي كافر).

ص: 26

وفي بحر الدم/192وطبقات الحنابلة(1/109):(قال إسحاق سمعت أباعبد اللّه (أحمد) يقول:أخزى اللّه الكرابيسي لا يجالس ولايكلم، ولاتكتب كتبه، ولاتجالس من يجالسه. وقال في رواية شاهين بن السميدع: الحسين الكرابيسي عندنا كافر)!

وفي المسائل والرسائل لابن أحمد (1/235): (سألته عن الذي يقول: لفظي بالقرآن مخلوق قال: هذا كلام جهم، والجهمي كافر »

فهذه فتاوى صريحة من أحمد ابن حنبل بأن البخاري جهمي كافر! فالحكم بنفيه أو قتله موافق لقواعده! وقد صدق محمد بن يحيى الذهلي بأنهم كتبوا له من بغداد، قال:(كتبوا إلينا من بغداد أنه تكلم في اللفظ ونهيناه فلم ينته، فلا تقربوه).

فمشكلة البخاري ظهرت في بغداد، مع أحمد نفسه أي قبل موت أحمد سنة241، لكن البخاري زعم أنه حل المشكلة معه وأرضاه، والثابت عكس ذلك!

قال في طبقات الحنابلة (1/179):(قال محمد بن إسماعيل البخاري: قلت لأبي عبد اللّه أحمد بن حنبل: أنا رجل مبتلى قد ابتليت أن لا أقول لك، ولكن أقول فإن أنكرت شيئاً فردني عنه: القرآن من أوله إلى آخره كلام اللّه ليس شئ منه مخلوق، ومن قال: إنه مخلوق أو شئ منه مخلوق، فهوكافر.ومن زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق فهو جهمي كافر؟ قال: نعم ).

فزعم البخاري أنه عرض كلامه على أحمد فرضيه! لكن تلاميذ أحمد قالوا إنهم نهوا البخاري عن قول: لفظي بالقرآن مخلوق، فلم ينته! فيكون جهمياً واجب القتل عندهم! لكن تاريخه معهم شفع له، فلم يقبضوا عليه ويقتلوه فوراً.

**

ص: 27

الفصل الثالث: كفروا البخاري وتبنوا كتابه!

لو ارتد عبدالرزاق لماتركنا حديثه !

من تناقض علماء السلطة وأئمة المذاهب، أنهم فصلوا بين المؤلف وكتابه، فطعنوا فيعبدالرزاق الصنعاني بأنه مبتدع يتشيع، ثم قبلوا حديثه!

وطعنوا في البخاري وحكموا عليه بالكفر، وتبنوا كتابه! وقد صرحوا بالسبب الذي جعلهم يغضون رؤوسهم، ويرضون بالتناقض!وهو في عبدالرزاق أنهم سافروا الى صنعاء، وتلمَّذوا عنده سنين وكتبوا حديثه، ثم انكشف لهم أنه شيعي، فقد قال يوماً لشخص في مجلسه: لا تقذر مجلسنا بذكر ولد أبي سفيان! وقال في عمر:أنظروا الى هذا الأنوك يقول محمد، ولا يقول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ! وغير ذلك.

قال الذهبي في تذكرة الحفاظ(2/930) وسير أعلام النبلاء (9/572) عن الصراري قال:(بلغنا ونحن بصنعاء عند عبدالرزاق أن أصحابنا، يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وغيرهما، تركوا حديث عبدالرزاق وكرهوه، فدخلنا من ذلك غم شديد وقلنا: قد أنفقنا ورحلنا وتعبنا، فلم أزل في غم من ذلك إلى وقت الحج، فخرجت إلى مكة فلقيت بها يحيى بن معين فقلت له: يا أبازكريا، ما نزل بنا من شئ بلغنا عنكم في عبدالرزاق؟ قال: وما هو؟ قلنا: بلغنا أنكم تركتم حديثه، ورغبتم عنه! قال: يا أباصالح، لو ارتد عبدالرزاق عن الإسلام ما تركنا حديثه!

وقال أحمد بن زهير: سمعت يحيى بن معين، وبلغه أن أحمد بن حنبل تكلم في عبيد اللّه بن

ص: 28

موسى بسبب التشيع فقال يحيى: و اللّه العظيم، لقد سمعت من عبدالرزاق في هذا المعنى أكثر مما يقول عبيد اللّه بن موسى، ولكن خاف أحمد بن حنبل أن تذهب رحلته إلى عبدالرزاق )!

فشيوخ الأمة مضطرون الى قبول عبدالرزاق مهما كان دينه، حتى لايذهب تعبهم في التلمذ عليه وكتابة حديثه! وكان عبدالرزاق ذكياً يملي عليهم بمهنية ويداريهم!

وكفروا البخاري وتبنوا كتابه !

فقد حكموا على البخاري بأنه مبتدع كافر، وطاردوه من بغداد، ثم نيسابور، ثم الري، ثم بخارى، وأرادوا قتله، ومع ذلك قبلوا كتابه وغالوا فيه وتعصبوا له، وبعد مدة تعصبوا لمؤلفه ومدحوه!

والسبب: أن كتاب البخاري مفصل على مقاسهم، ومؤلف بطلبهم ورغبتهم، فهو يتضمن أصول الدين الأربعة عند الخليفة، وهي:

1- تبرير عزل قريش لأهل البيت (عليهم السلام) ،

والطعن فيهم بأسلوب مبطن!

2- تقديس الشيخين وبنتيهما، والغلو فيهم حتى لو استلزم الطعن بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !

3- تبني الأمويين والقرشيين أتباع الدولة، والدفاع عن سيآتهم وجرائمهم.

4- تبني تشبيه كعب الأحبار وتجسيمه للّه تعالى.

فما دام الكتاب بهذه المواصفات العظيمة، فليس مهماً أن يكون مؤلفه جهمياً محكوماً عليه بالكفر والقتل! وكذا حديث عبدالرزاق، فما دام فيه هذه المواصفات، فليس مهماً بعدها أن يكون عبدالرزاق شيعياً رافضياً أو كافراً!

قال الذهبي في سيره (12/462):(قال عبدالرحمن بن أبي حاتم في الجرح والتعديل: قدم محمد بن إسماعيل الري سنة خمسين ومئتين، وسمع منه أبي وأبوزرعة، وتركا حديثه عندما كتب إليهما محمد بن يحيى أنه أظهرعندهم بنيسابورأن لفظه بالقرآن مخلوق! قلت: إن تركا حديثه أو لم يتركاه، البخاري ثقة مأمون، محتج به في العالم )!

فليس مهماً عند الذهبي ما قاله أحمدفي البخاري، ولا ما كتبه في تكفيره إمام نيشابور

ص: 29

الذهلي،ولا طعن أبي حاتم وأبي زرعة، وهما من كبار الأئمة، بل المهم أن كتاب البخاري نجح وصار عالمياً، والحمد للّه!لأن الدين عندهم هذه الأصول الأربعة، وميزان الحق عندهم الشهرة والغلبة!

فأي كتاب أوشخص غلب خصومهم فهو على حق! أما المبدأ القرآني القائل:وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لايَعْلَمُونَ.. وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ. وأما أن المقياس الدليل لا الكثرة ولا الغلبة، فهذه بضاعة خذها أنت وبعها في السوق!

هل يمكن الفصل بين المؤلف وكتابه

قلت للمرجع السيد السيستاني حفظه اللّه:إن فلاناً عنده كتاب جيد فيه أفكار مقبولة، فقال إن مؤلفه غيرمقبول عند أحد من العلماء، ولايمكن الفصل بين المؤلف وكتابه! والأمر في البخاري أشد، لأن المؤلف المحدث إذا سقط عن الوثاقة والإعتبار العلمي، فلا يمكن قبول كتابه مهما كان ظاهره موافقاً لك،لأن الكتاب مخلوط بآراء مؤلفه، مطبوع بطابعه في اختيار حديث وترك حديث آخر.

وكتاب البخاري مجبولٌ بآرائه في هيكليته وأبوابه والألوف المؤلفة من عناوينه! وإيحاءاته في كل ما كتب ويترك، وما قال أو لم يقل!

فكيف يمكن أن تقبل آراءه وأنت ترفض عقيدته وتعتبره جهمياً كافراً! فالواجب على السني أن يرفض كتاب البخاري رفضاً تاماً!

خذوا ما رووا وذروا ما رأوا: لا تنطبق على البخاري !

قد يقال: عندكم حالة تشبه البخاري، فقد حكم أئمتكم (عليهم السلام) بانحراف بعض الرواة فسألوهم: مانصنع بكتبهم فقال لهم الأئمة (عليهم السلام) :خذوا بما رووا وذروا ما رأوا.

قال الطوسي في الغيبة/389: (سئل الشيخ يعني أباالقاسم رضي اللّه عنه عن كتب ابن أبي العزاقر بعدما ذُم وخرجت فيه اللعنة، فقيل له: فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها مِلاء؟

ص: 30

فقال: أقول فيها ما قاله أبومحمد الحسن بن علي صلوات اللّه عليهما وقد سئل عن كتب بني فضال فقالوا: كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء؟ فقال صلوات اللّه عليه: خذوا بما رووا وذروا ما رأوا ).

لكن تطبيق هذه القاعدة على البخاري لاتصح، لأنه مزج أراءه وتفنن في اختيار الأحاديث وتغييبها، وتقطيعها، وتفنن في عناوينه وأبوابه، وتفسيره، فصارت آراؤه مجبولة بأحاديثه، فلا يمكن تفكيك رأيه عن روايته!

وقد كشفنا نماذج من عمله البهلواني في إخفاء الحديث، أو تمييعه، وتبسيط الأمر العظيم، وتعظيم الأمر البسيط!

**

الكيد السياسي بين البخاري وخصومه !

كان البخاري يأتي الى بغداد ويظهرتبعيته لابن حنبل ومذهب السلطة فكانوا يظهرون الإعجاب به ويؤيدونه، وكان أحمد بن حنبل الوكيل العام للمتوكل، فلا بد أنه كان يعطي البخاري ويسخى عليه.

قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (9/46):(سمعت العقيلي:لما ألف البخاري كتابه الصحيح عرضه على ابن المديني ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وغيرهم، فامتحنوه،وكلهم قال: كتابك صحيح إلا أربعة أحاديث.قال العقيلي: والقول فيها قول البخاري، وهي صحيحة ».

وقال الذهبي في سيره (12/404): (قال محمد بن أبي حاتم:سمعت البخاري يقول: دخلت بغداد آخر ثمان مرات، في كل ذلك أجالس أحمد بن حنبل، فقال لي في آخر ما ودعته: يا أباعبد اللّه، تدع العلم والناس، وتصير إلى خراسان! قال: فأنا الآن أذكر قوله)! أي يتمنى لو كان أطاعه وسكن بغداد.

ص: 31

طمع البخاري بخلافة الإمام أحمد في بغداد

اتخذ المتوكل أحمد بن حنبل مرجعاً،قال المَلَطي في التنبيه/7: «قال أميرالمؤمنين المتوكل لأحمد بن حنبل:يا أحمد إني أريد أن أجعلك بيني وبين اللّه حجة، فأظهرني على السنة والجماعة. وما كتبته عن أصحابك عما كتبوه عن التابعين، مما كتبوه عن أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فحدثه ».

وروى أبويعلى في طبقات الحنابلة «1/233»:«حدثني أبي عن جدي قال: كنت في مسجد أبي عبد اللّه أحمد بن محمد بن حنبل،فأنفذ إليه المتوكل بصاحب له يعلمه أن له جارية بها صَرَعٌ،وسأله أن يدعو اللّه لها بالعافية،فأخرج له أحمد نعل خشب بشراك خوص للوضوء، فدفعه إلى صاحب له وقال له: تمضي إلى دار أميرالمؤمنين وتجلس عند رأس الجارية وتقول له: يقول لك أحمد: أيما أحب إليك تخرج من هذه الجارية أوأصفع الآخر بهذه النعل! فمضى إليه وقال له مثل ما قال أحمد، فقال المارد على لسان الجارية: السمع والطاعة، لو أمرنا أحمد أن لا نقيم في العراق ما أقمنا به! إنه أطاع اللّه، ومن أطاع اللّه أطاعه كل شئ، وخرج من الجارية وهدأت ، وزوجت ورزقت أولاداً!

فلما مات أحمد عاودها المارد،فأنفذ المتوكل إلى صاحبه أبي بكرالمروذي وعرفه الحال، فأخذ المروذي النعل ومضى إلى الجارية فكلمه العفريت على لسانها: لا أخرج من هذه الجارية ولا أطيعك! أحمد بن حنبل أطاع اللّه فأُمرنا بطاعته»!

ومعناه أن المروزي خليفة أحمد لم يعمل قبقابه! قال في تاريخ بغداد (5/189): (كانت أمه مرذوية وكان أبوه خوارزمياً، وهو المقدم من أصحاب أحمد، لورعه وفضله. وكان أحمد يأنس به وينبسط إليه وهوالذي تولى إغماضه لما مات وغسله قال أبوعلي: لم يكن في أصحاب أحمد أقدرعليه من أبي بكر وتوفي سنة خمس وسبعين ومائتين.ودفن قريباً من قبر أحمد ).ومعناه أن خلافته لأحمد كانت 34 سنة.

ص: 32

وكان للبخاري في بغداد محبون ومغالون !

كان صالح بن جزرة مغالياً في البخاري، يقدمه على المروذي وعلى أحمد نفسه، قال: (كان محمد بن إسماعيل يجلس ببغداد، وكنت أستملي له، ويجتمع في مجلسه أكثر من عشرين ألفاً! قال إسحاق بن زبرك: سمعت أباحاتم في سنة سبع وأربعين ومائتين يقول:قدم عليكم رجل من خراسان لم يخرج منها أحفظ منه، ولا قدم العراق أعلم منه، فقدم علينا البخاري.

سمعت أحمد بن نصر الخفاف يقول:محمد بن إسماعيل أعلم بالحديث من إسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل وغيرهما، بعشرين درجة. ومن قال فيه شيئاً، فمني عليه ألف لعنة)!

(تاريخ الذهبي:19/257).وادعاؤهم أنه أعلم من أحمد يغيظ أحمد وخليفته المروذي، فلا بد أن يكون

المروذي هو الذي كتب الى الذهلي بأن البخاري صار من اللفظية الجهمية وكفر!

بل يظهر من قول ابن حجر أن الحملة على البخاري بدأت من أحمد بن حنبل نفسه لأن الكرابيسي زميل أحمد، أول من قال بهذه المقوله، فعاداه أحمد وكفره!

قال في فتح الباري (13/410): (واشتد إنكار الإمام أحمد ومن تبعه على من قال:لفظي بالقرآن مخلوق، ويقال إن أول من قاله الحسين بن علي الكرابيسي أحد أصحاب الشافعي، فلما بلغ ذلك أحمد بَدَّعَه وهَجَره ).

في طبقات الشافعية(2/229):(قال الذهلي: ألا من يختلف إلى مجلسه فلا يأتينا! فإنهم كتبوا إلينا من بغداد أنه تكلم في اللفظ ونهيناه فلم ينته فلا تقربوه!).

وفي طبقات الشافعية (2/229):(سأل بعضهم البخاري عما بينه وبين محمد بن يحيى؟ فقال البخاري:كم يعتري محمد بن يحيى الحسد في العلم، والعلم رزق اللّه يعطيه من يشاء ).

أقول: البخاري يكفر الجهمية، لكنه من اللفظية الذين يعتبرهم أحمد جهمية!

وفي طبقات الشافعية (2/230): (قال له أبوعمرو الخفاف: إن الناس خاضوا في قولك لفظي بالقرآن مخلوق: يا أباعمرو إحفظ ما أقول لك، من زعم من أهل نيسابور وقومس

ص: 33

والري وهمذان وبغداد والكوفة والبصرة ومكة والمدينة أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب فإني لم أقله، إلا أني قلت أفعال العباد مخلوقة! قلت: تأمل كلامه ما أذكاه! ومعناه إني لم أقل لفظي بالقرآن مخلوق، لأن الكلام في هذا خوض في مسائل الكلام وصفات اللّه التي لاينبغي الخوض فيها إلا للضرورة، ولكني قلت: أفعال العباد مخلوقة فإن كل عاقل يعلم أن لفظنا من جملة أفعالنا وأفعالنا مخلوقة، فألفاظنا مخلوقة!لقد أفصح بهذا المعنى في رواية أخرى صحيحة عنه، رواها حاتم بن أحمد بن الكندي قال: سمعت مسلم بن الحجاج فذكر الحكاية، وفيها أن رجلاً قام إلى البخاري فسأله عن اللفظ بالقرآن فقال: أفعالنا مخلوقة وألفاظنا من أفعالنا! وفى الحكاية أنه وقع بين القوم إذ ذاك اختلاف على البخاري فقال بعضهم قال: لفظي بالقرآن مخلوق، وقال آخرون: لم يقل )!

أقول: تأمل في كلامهم ما أغباهم! فقد وقعوا في فخ المأمون في الكلام في خلق القرآن فقالوا فيه بجهل! ثم جعلوا مقولاتهم ديناً يدينون به، ويتولون الناس ويتبرؤون منهم ويكفرونهم عليه، ويقتلونهم!

وقد تأثر البخاري بالكرابيسي، فقال لفظي بالقرآن مخلوق،أي تلاوتي له،لأن أفعالنا مخلوقة وتلاوتنا من أفعالنا، فاعتبرأحمد البخاري كالكرابيسي من اللفظية، وقال إنهم شر من الجهمية، وضيق عليه في بغداد بعد أن كان يدعوه الى المجيئ الى بغداد، ويغدق عليه من مال المتوكل! ثم ضيق عليه خليفته أبوبكر المروذي فذهب الى نيسابور، ثم الى الري، ثم الى بخارى، وكانت شرطتهم تلاحقه، وكانت حجة الذهلي: كتبوا الينا من بغداد أنهم نهوه فلم ينته!

وتقدم أن البخاري زار أحمد في بغداد ثمان مرات وعرض عليه صحيحه فمدحه، لكن أحمد غضب عليه وكفره مع الكرابيسي، ولما اشتدت الحملة علىه بعد أحمد، حاول إرضاءهم بأنه يكفر الجهمية، لكنهم لم يقبلوا منه وعدوه من مذهب الكرابيسي اللفظية، وهم عند أحمد جهمية وشرٌّ من الجهمية!

ص: 34

الإمتحان المدبر في نيسابور

دخل البخاري بغداد سنة مئتين سبع وأربعين، وبقي فيها ثلاث سنوات، ووجد قبولاً في أول أمره،، لكنه اضطر أن يفرَّ منها الى نيسابورسنة 250، ولم يعرف أهل نيسابور أنه مغضوب عليه في بغداد، فاستقبلوه بحفاوة.

قال ابن حجر في مقدمة فتح الباري/491:(قال حاتم بن أحمد بن محمود: سمعت مسلم بن الحجاج يقول:لما قدم محمد بن إسماعيل نيسابور استقبلوه من مرحلتين من البلد أو ثلاث، وقال محمد بن يحيى الذهلي في مجلسه:من أراد أن يستقبل محمد بن إسماعيل غداً فليستقبله، فإني أستقبله فاستقبله محمد بن يحيى وعامة علماء نيسابور، فدخل البلد فنزل دار البخاريين، فقال لنا محمد بن يحيى: لاتسألوه عن شئ من الكلام فإنه إن أجاب بخلاف ما نحن عليه وقع بيننا وبينه، وشمت بنا كل ناصبي ورافضي وجهمي ومرجئ!

قال: فازدحم الناس على محمد بن إسماعيل حتى امتلأت الدار والسطوح، فلما كان اليوم الثاني أو الثالث من يوم قدومه، قام إليه رجل فسأله عن اللفظ بالقرآن، فأعرض عنه البخاري ولم يجبه ثلاثاً، فألح عليه فقال البخاري: القرآن كلام اللّه غيرمخلوق، وأفعال العباد مخلوقة والإمتحان بدعة! فشغب الرجل وقال: قد قال لفظي بالقرآن مخلوق! قال: فوقع بين الناس اختلاف، فقال بعضهم قال لفظي بالقرآن مخلوق، وقال بعضهم: لم يقل!فوقع بينهم في ذلك اختلاف حتى قام بعضهم إلى بعض! فاجتمع أهل الدار فأخرجوهم!

وقال أبوأحمد بن عدي:حسده بعض شيوخ الوقت، فقال لأصحاب الحديث: إن محمد بن إسماعيل يقول:لفظي بالقرآن مخلوق!قال الذهلي: ألا من قال باللفظ فلا يحل له أنيحضرمجلسنا، فأخذ مسلم رداءه فوق عمامته وقام على رؤس الناس، فبعث إلى الذهلي جميع ما كان كتبه عنه على ظهر حمال. قلت: وقد أنصف مسلم فلم يحدث في كتابه عن هذا ولا عن هذا.

ص: 35

وقال الحاكم:سمعت أحمد بن سلمة النيسابوري يقول:دخلت على البخاري فقلت: يا أباعبد اللّه إن هذا رجل مقبول بخراسان، وقد لج في هذا الأمر حتى لايقدر أحد منا أن يكلمه فيه فما ترى؟قال: فقبض على لحيته ثم قال: وَأُفَوِّضُ أَمْرِى إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ. اللّهم إنك تعلم أني لم أرد المقام بنيسابور أشراً ولا بطراً ولا طلباً للرياسة،وإنما أبت عليَّ نفسي الرجوع إلى الوطن لغلبة المخالفين، وقد قصدني هذا الرجل حسداً لما آتاني اللّه! ثم قال: يا أحمد إني خارج غداً لتخلصوا من حديثه لأجلى!فخشيَ البخاري (القتل) وسافر!

وقال الحاكم: سمعت محمد بن نعيم يقول: سألت محمد بن إسماعيل لما وقع في شأنه ما وقع عن الإيمان فقال: قول وعمل، ويزيد وينقص، والقرآن كلام اللّه غيرمخلوق. وأفضل أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أبوبكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، على هذا حييت وعليه أموت، وعليه أبعث إن شاء اللّه تعالى).

أقول: يقصد البخاري أن عقيدته موافقة للحكومة، لكن موقف بغداد الرسمي منه وصل الى إمام نيسابور، فاحتفى به عند قدومه، ودس له في اليوم الثاني من يمتحنه ويسأله عن قوله: لفظي بالقرآن مخلوق. ويلح عليه، فيشغب المشاغبون عليه ويبدعوه ويشتموه، فيكون ذلك مبرراً لنفيه!

وقد قال البخاري إن الهذلي حسده ، وأجاب الهذلي بأنهم كتبوا له من بغداد!

الإمتحان المدبر في بخارى

لما ذهب الى بخارى، استقبلوه بحفاوة أيضاً، لكن الذهلي إمام نيسابور كتب الى والي بخارى خالد الذهلي، أن البخاري ضال مبتدع، فامتحنه فإن قال القرآن مخلوق فاقتله! فأراد الوالي امتحانه، فهرب من بخارى!

قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ( 9/44): (كان سبب مفارقة أبي عبد اللّه محمد بن إسماعيل البلد يعني بخارى، أن خالد بن أحمد الأمير سأله أن يحضر منزله فيقرأ الجامع والتاريخ على أولاده،فامتنع. فسأله أن يعقد لأولاده مجلساً لا يحضره غيرهم،فامتنع أيضاً،

ص: 36

فاستعان عليه بحريث بن أبي الورقاء وغيره حتى تكلموا في مذهبه، ونفاه عن البلد، فدعا عليهم فاستجيب له.

وقال ابن عدي: سمعت عبدالقدوس بن عبدالجباريقول: جاء محمد بن إسماعيل إلى خرتنك قرية من قرى سمرقند على فرسخين منها وكان له بها أقرباء فنزل عندهم، قال: فسمعته ليلة من الليالي يدعو: اللّهم إنه قد ضاقت علي الأرض بما رحبت فاقبضني إليك. قال فما تم الشهر حتى قبضه اللّه في سنة ست وخمسين ومائتين في شوال ).

وقال في شرح علل الترمذي (1/496): (وامتحن في آخر عمره بمسألة اللفظ بالقرآن فإنه قال: أفعال العباد مخلوقة فنسبه محمد بن يحيى الذهلي إلى القول بأن اللفظ بالقرآن مخلوق، وأمر بهجره وضيق عليه، فخرج البخاري من نيسابور إلى بخارى، فكتب محمد بن يحيى إلى والي بخارى في آخره، فنفاه من بخارى، فتوفي بقرية من قراها).

وقال الذهبي في سيره (12/465): (كان محمد بن إسماعيل يسكن سكة الدهقان وكان جماعة يختلفون إليه، يظهرون شعار أهل الحديث من إفراد الإقامة، ورفع الأيدي فيالصلاة وغير ذلك، فقال حريث بن أبي الورقاء وغيره: هذا رجل مشغب، وهويفسد علينا هذه المدينة، وقد أخرجه محمد بن يحيى من نيسابور، وهو إمام أهل الحديث، فاحتجوا عليه بابن يحيى، واستعانوا عليه بالسلطان في نفيه من البلد، فأخرج! قلت: خالد بن أحمد الأمير، قال الحاكم: له ببخارى آثار محمودة كلها، إلا موجدته على البخاري، فإنها زلة، وسبب لزوال ملكه.وكان قد مال إلى يعقوب بن الليث. فلما حج حبسوه ببغداد حتى مات لسنته، وهي سنة تسع وستين ومئتين ).

ومعناه أن البخاري قصد سمرقند فلاحقوه، وربما كتبوا الى واليها أن ينفيه منها، فعرف بذلك فلم يدخلها، وقصد قرية خرتنك التي فيها أقاربه.

أما اعتقال الوالي خالد الذي زعموا أن اللّه انتقم للبخاري منه، فكان بعد وفاة البخاري بثلاث عشرة سنة، لأنه أيد الثورة الصفارية التي قضت على الطاهريين.

**

ص: 37

الفصل الرابع: غلوهم في البخاري وكتابه

إعرف شخصية البخاري من أفكاره !

1.يقول البخاري: إذا رضع طفل من بقرة صارت البقرة أمه بالرضاعة، وصار أولادها إخوته وأخواته، وزوجها الثور أباه من الرضاعة!ويقول البخاري: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، فإن أحد جناحيه داء

والآخر شفاء! وقد نسبه الى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !

ويقول البخاري: إنه لم يكذب أبداً،أما نبي اللّه إبراهيم (عليه السلام) فكذب ثلاث كذبات!

وقال البخاري: (1/182):(فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة، فيقول انا ربكم! فيقولون: أنت ربنا! فلا يكلمه إلا الأنبياء فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ). يقصد ساقه التي وضعها في جهنم!

وزعم البخاري: أن شخصاً غش اللّه يوم القيامة فطلب منه أن يأخذه الى باب الجنة فيأخذه، فيقول يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فيضحك اللّه عز وجل منه، ثم يأذن له في دخول الجنة!وستعرف أنه صحح أحاديث عديدة تناقض للقرآن!

لم يفقه البخاري الشريعة فأفتى بالنسب بين الإنسان والحيوان !

قال شيخ الشريعة الأصفهاني (قدس سره) في القول الصراح في نقد الصحاح/90، ملخصاً: (قال صاحب الكفاية الحنفي: إذا شرب صبيان بلبن شاة فلا رضاع بينها لأنه لاحرمة بين الآدمي

ص: 38

والبهائم، لأن البهيمة لايتصورأن تكون أُمّاً للآدمي!وكان محمد بن إسماعيل البخاري يقول: تثبت به حرمة الرضاع، وقد استفتي في بخارى في زمن الشيخ أبي حفص الكبير: إذا رضع صبيان بلبن شاة فأفتى بثبوت الحرمة!

وقد وصف التفتازاني البخاريين بالبلادة، وقال أبوالكاتب:

لو الفرس العتيق أتى بخارى *** لصار بطبعه منها حمارا )

ضعفه في اللغةالعربية وخطؤه في تفسير ألفاظها !

من أمثلة ذلك تفسيره للدعاء بالإيمان، قال في (1/8): (دعاؤكم: إيمانكم، لقوله تعالى: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّى لَوْلا دُعَاؤُكُمْ. ومعنى الدعاء في اللغة: الإيمان )!

ولا تجد لغوياً في العالم فسر الدعاء بالإيمان، من بخارى الى السودان!

ومن جهله تفسيره أكملتُ بكملوا، قال في (1/16):(باب زيادة الإيمان ونقصانه، وقول اللّه تعالى: وَزِدْنَاهُمْ هُدَى، وقال: اليَوْمَ أكملتُ لكُم دِيَنكُم، فإذا ترك شيئاً من الكمال فهو ناقص)! ومن تحريفه أنه حذف كلمة اليوم في أول الآية، لأنه لو أبقاها لا نفضح تفسيره: اليوم كملوا دينكم!

وقال (6/49): (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ.أي لذووا سعة ) ومعناه: موسِّعوها. وتفسيره (6/57): (فَسَلامٌ لك:أي مسلم لك أنك من أصحاب اليمين).ومعناه: طوبى لك وهنيئاً لك.

كما يدل على جهله بالعربية ضعف عبارته، وأنه قد يستعمل اللفظ في غير معناه!

يروي عن ضعفاء ويقول إنهم عدول !

ألف سليمان بن خلف الباجي وهو إمام عندهم (توفي474) كتابه:التعديل والتجريح لمن خرج عنه البخاري في الجامع الصحيح. وهو مجلدان، وقد طبع أخيراً في المغرب بتحقيق أحمد البزار، أستاذ بكلية اللغة العربية بمراكش.

ص: 39

أما أستاذا البخاري أبوحاتم الرازي، وأبوزرعة، وهما إمامان كبيران عندهم، فقد تركا الرواية عن البخاري، وألف أبوحاتم الرازي كتاباً بإسم: بيان خطأ البخاري في علم الرجال! فبلغت في كتاب واحد أكثر من سبع مئة خطأ!قال في صفحة/164، الخطأ رقم:(771: أبومالك الغفاري سمع عمارة، روى عنه حصين وسلمة. وإنما سمع عمار بن ياسر).

كما ألف مسلمة بن قاسم الأندلسي كتاباً في الرواة الذين روى البخاري عنهم كتابه ونقد عدداً منهم!

وقال الذهبي(تاريخه:7/254):(ليس بالخبير برجال الشام. وهذه من أوهامه).

كما عدوا من أوهامه قوله (5/17): (أبومسعود عقبة بن عمرو الأنصاري، جد زيد بن حسن، شهد بدراً).ولم يشهد بدراً بل كان ساكناً فيها.

قال السمعاني في الأنساب (1/295):(عقبة بن عمرو البدري من الصحابة، نزل بدراً يعني هذه البئر فنسب إلى هذا الموضع، ولم يكن شهد هذه الوقعة)

يُضعِف البخاري الراوي ثم يروي عنه !

ومما طعنوا به على البخاري أنه ضعَّف رواة ثم روى عنهم! وفَسَّق شيخه محمد بن يحيى الهذلي، ثم روى عنه! قال في طبقات الشافعية (2/229): (وقد سأل بعضهم البخاري عما بينه وبين محمد بن يحيى؟فقال البخاري: كم يعتري محمد بن يحيى الحسد في العلم، والعلم رزق اللّه يعطيه من يشاء )!

وقال في فتح الباري(13/118): (قال الحاكم والكلاباذي: أخرج البخاري عن محمد بن يحيى الذهلي فلم يصرح به، وإنما يقول حدثنا محمد، وتارة محمد بن عبد اللّه فينسبه لجده. وتارة حدثنا محمد بن خالد، فكأنه نسبه إلى جد أبيه لأنه محمد بن يحيى بن عبد اللّه بن خالد بن فارس)!

وقال الذهبي في سيره (12/396): (محمد بن يحيى الذهلي الذي روى عنه الكثير ويدلسه

ص: 40

فيقول: حدثني عبد اللّه ولاينسبه ).

وقال الهرساوي في:البخاري وفقه أهل العراق /121و123، ملخصاً: (فصَّلنا الكلام في رجال البخاري الذين ضعَّفهم هو نفسه، ثم روى عنهم في الصحيح، لأنه ربما يضعِّف الراوي في الرجال ويذكره في ضعفائه، ثم يروي عنه في الصحيح!

قال ابن حجر في طبقات المدلِسين: محمد بن إِسماعيل بن المغيرة البخاري،الإمام. وصفه بذلك أَبو عبد اللّه بن مندة. والتدليس: إِخفاء عيب في الإِسناد، فهو خداع وخيانة.وتدليس المتن:أَن يدخل شيئاً من كلامه في الحديث بوجه يوهم أنه من الحديث.وتدليس الأسناد: أن يروي حديثاً لم يسمعه بصيغة توهم السماع. وقد ذم العلماء التدليس واعتبروه ضرباً من الغش والخداع والتمويه.قال سليمان بن داود المنقري: التدليس والغش والغرور والخداع والكذب.وقد حكموا بإسقاط الروايات المعنعنة للراوي المدلِّس.لكن دافعوا عن تدليس البخاري ومسلم بأن تدليس أئمة الحديث لايضر بإمامتهم ووثاقتهم، لأنهم جازوا القنطرة )!

إذا عبرت القنطرة فدلس، لأن الحرام يصير لك حلالاً !

قال الشيخ الهرساوي تحت عنوان تدليس البخاري/120،

ملخصاً:(وقد ذم العلماء التدليس لأنه من الغش وقد قال النبي (عليهماالسلام) : مَنْ غَشَّنا فَلَيْسَ مِنّا. وقال غندر: التدليس أَشد من الزنا, وتدليس الشيوخ أسوأ من غيره، ومن أَمثلته تدليس البخاري في شيخه محمد بن يحيى الذهلي.وقال الحاكم: روى عنه البخاري نيّفاً وأَربعين حديثاً.وقال الذَّهبي: لم يصرِّح به قط!

وقال ابن حجر في طبقات المدلِّسين:محمد بن إِسماعيل بن المغيرة البخاري الإِمام،وصفه بذلك أَبو عبد اللّه بن مندة، فقال فيه: أَخرج البخاري قال: فلان، وقال: أَخبرنا فلان، وهو تدليس». ( طبقات المدلسين/24 ).

وبعد إِثبات تدليس البخاري ومسلم، قالوا إن تدليس أئمة الحديث لا يضر بإمامتهم ووثاقتهم، لأنهم جازوا القنطرة!

ص: 41

قال السخاوي في فتح المغيث/21: (ومن ذلك إخراج البخاري ومسلم لجماعة ما اطلعنا فيهم على جرح ولا توثيق،فهؤلاء يحتج بهم لأن الشيخين احتجا بهم، ولأن الدهماء أطبقت على تسمية الكتابين بالصحيحين.

قلت: بل أفاد التقي ابن دقيق العيد أن إطباق جمهور الأمة أو كلهم على كتابيهما يستلزم إطباقهم أو أكثرهم على تعديل الرواة المحتج بهم فيهما اجتماعاً وانفراداً. قال: مع أنه قد وجد فيهم من تكلم فيه!

ولكن كان الحافظ أبوالحسن بن المفضل شيخ شيوخنا يقول فيهم: إنهم جازوا القنطرة، يعني أنه لايلتفت إلى ما قيل فيهم )!

أقول: وسبب تعصبهم للبخاري، أنه يدافع عن دين السلطة، وعن أناس اتخذوهم أنداداً، ووالوا الناس وعادوهم وقتلوهم، لأجلهم!

البخاري كتاب أبي بكر وعمر قبل اللّه ورسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

تقرأ البخاري فتجد أن عند المؤلف هدفاً مهماً دائماً، هو تقديس أبي بكر وعمر وبنتيهما، قبل تنزيه اللّه تعالى ورسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !ثم تقديس المجموعة التي تدور في فلكهم، ومدحها، والمبالغة فيها، والدفاع عنها!يظهر ذلك من تفننه في اختيارالعنوان والحديث، وترك غيره مما هو صحيح عنده، ومن أسلوبه في صياغة الحديث، وحرصه على تبرئتهم وإدانة من يخالفهم! فهؤلاء يجب تعظيمهم وإظهارمحاسنهم والستر على مساوئهم، مهما بلغ الثمن، حتى لو كان المساس بمقام النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، بل بمقام اللّه تعالى!

وسترى نماذج من عمله المستميت في مدح هؤلاء الأشخاص والشخصات !

ص: 42

البخاري: كتاب عائشة بقلم البخاري !

تقرأ البخاري فتجد عائشة في كل شيئ، فهي تحدث عن نفسها وشؤونها الشخصية مع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وعن أبي ها، وأمها الأردنية، وعن إخوتها وخاصة شقيقها عبدالرحمن، وعن أختها أسماء!

وتتحدث عن اللّه تعالى ورسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والوحي، وخصوصيات النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وأزواجه، وأسراره، وأصحابه، وعن الشريعة والأحكام، وعن مواضيع لا تخطر على بالك، فما أن تقرأ عنواناً حتى تنتظر بعده حديث عائشة!

قالوا إن أحاديث عائشة بلغت 2200 حديثاً، وإنها في البخاري 242حديثاً فقط، لكن دورها مفصلي، وحجمها كبير وبعضها في صفحات، وكأن البخاري وصلها ببعضها، فصار الواحد منها بعشرة!

أما عن تقديس البخاري لها فلاتسأل، فهي عنده المملي الأول، والمحترمة التي لايضرها ما لا يناسب، والصادق الذي لا يجوز تكذيبه، حتى لوتناقضت أقوالها، وحتى لو خالفت القرآن والمنطق، واللياقات.

سرق البخاري كتاب أستاذه وألف منه كتابه !

ارتكب البخاري عملاً غير شرعي وغيرأخلاقي، مع شيخه علي بن المدِيني، فسرق كتابه في أحوال الرواة، وألف منه كتابه الجامع الصحيح!

قال شيخ الشريعة (قدس سره) في القول الصراح في نقد الصحاح/89:(يدل على عدم ديانته ووثاقته، وتدليسه، وأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه، مع العلم بكراهته وعدم رضاه، وارتكب الكذب الصريح وأقدم على أمر قبيح، كما يظهر كلّه مما قاله مسلمة بن قاسم في تاريخه على ما نقل عنه، قال: وسبب تأليف البخاري الكتاب الصحيح: أن علي بن المديني ألف كتاب العلل، وكان ضنيناً به لا يخرجه إلى أحد، ولا يحدث به لشرفه وعظم خطره وكثرة فائدته، فغاب علي بن المديني في بعض حوائجه، فأتى البخاري إلى بعض بنيه

ص: 43

فبذل له مائة دينار، على أن يخرج له كتاب العلل ليراه ويكون عنده ثلاثة أيام، ففتنه المال وأخذ منه مائة دينار، ثم تلطف مع أمه فأخرجت الكتاب فدفعه اليه، وأخذ عليه العهود والمواثيق أن لايحبسه عنده أكثرمن الأمد الذي ذكر، فأخذ البخاري الكتاب وكان مائة جزء، فدفعه إلى مائة من الوراقين، وأعطى كل رجل منهم ديناراً على نسخه ومقابلته في يوم وليلة، فكتبوا له الديوان في يوم وليلة وقوبل، ثم صرفه إلى ولد علي بن المديني، وقال: إنما نظرت إلى شيئ فيه!وانصرف علي بن المديني فلم يعلم بالخبر، ثم ذهب البخاري فعكف على الكتاب شهوراً واستحفظه، وكان كثير الملازمة لابن المديني، وكان ابن المديني يقعد يوماً لأصحاب الحديث يتكلم في عللّه وطرقه، فلما أتاه البخاري بعد مدّة قال له: ما أجلسك عنا؟قال: شغل عرض لي، ثم جعل علي يلقي الأحاديث ويسألهم عن عللّها، فيبدر البخاري بالجواب بنصّ كلام علي في كتابه! فعجب لذلك، ثم قال له من أين علمت هذا! هذا قول منصوص، و اللّه ما أعلم أحداً في زماني يعلم هذا العلم غيري!

فرجع إلى منزله كئيباً حزيناً، وعلم أن البخاري خدع أهله بالمال حتى أباحوا له الكتاب، ولم يزل مغموماً بذلك ولم يثبت إلاّ يسيراً حتى مات!

واستغنى البخاري عن مجالسة علي والتفقه عنده بذلك الكتاب، وخرج إلى خراسان وتفقه بالكتاب، ووضع الكتاب الصحيح والتواريخ، فعظم شأنه وعلا ذكره، وهو أول من وضع في الإسلام كتاب الصحيح، فصار الناس له تبعاً بكتابه، واشتهر لدى العلماء في تأليف الصحيح).

واختصر القصة ابن حجر فقال في تهذيب التهذيب(9/46):(قال مسلمة:وألف علي بن المديني كتاب العلل وكان ضنيناً به، فغاب يوماً في بعض ضياعه، فجاء البخاري إلى بعض بنيه وراغبَهُ بالمال على أن يرى الكتاب يوماً واحداً! فأعطاه له فدفعه إلى النساخ فكتبوه له ورده إليه، فلما حضرعلي تكلم بشئ فأجابه البخاري بنص كلامه مراراً! ففهم القضية واغتم لذلك، فلم يزل مغموماً حتى مات بعد يسير! واستغنى البخاري عنه بذلك الكتاب، وخرج إلى خراسان ووضع كتابه الصحيح، فعظم شأنه وعلا ذكره، وهو أول

ص: 44

من وضع في الاسلام كتاباً صحيحاً، فصار الناس له تبعاً بعد ذلك )!

ثم رد ابن حجر تهمة السرقة عن البخاري، فقال:(إنما أوردت كلام مسلمة هذا لأبي ن فساده، فمن ذلك إطلاقه بأن البخاري كان يقول بخلق القرآن وهو شئ لم يسبقه إليه أحد، وقد قدمنا ما يدل على بطلان ذلك.

وأما القصة التي حكاها فيما يتعلق بالعلل لابن المديني فإنها غنية عن الرد لظهور فسادها، وحسبك أنها بلا إسناد، وأن البخاري لما مات علي كان مقيماً ببلاده، وأن العلللابن المديني قد سمعها منه غير واحد غيرالبخاري، فلو كان ضنيناً بها لم يخرجها! إلى غير ذلك من وجوه البطلان ).

لكن رد ابن حجر للتهمة لايصح،لأن راوي السرقة مسلمة بن القاسم إمام ثقة كبير القدر من الأجلاء بشهادة ابن حجر نفسه (لسان الميزان:6/35).وقد جعله من أقران الدارقطني، وكتابه الصلة معتمد، وقول البخاري بخلق القرآن لازم كلامه.

ثم إن مسلمة غير متهم في البخاري! فهو يمدحه(تهذيب التهذيب:9/46):(قال مسلمة في الصلة: كان ثقة جليل القدر، عالماً بالحديث، وكان يقول بخلق القرآن، فأنكر ذلك عليه علماء خراسان، فهرب، ومات وهو مستخف).

أما علي بن المديني فهو أستاذ البخاري، وهو إمام كبير ومؤلفات مهمة، وقد أملى على البخاري وغيره من كتابه العلل، لكن لم يمله كله، فكان البخاري بحاجة اليه!

وقد كذب ابن حجرأو نسي من تعصبه للبخاري، فقال إن ابن المديني عاش بعد البخاري، وقد ترجم هو للمديني وغيره، وذكروا أنه مات سنة234، أي قبل البخاري باثنتين وعشرين سنة! (تهذيب التهذيب: 9/44).

كما يؤيد سرقة البخاري لكتاب أستاذه ابن المديني أنه حكم عليه بالغرور الشديد! قال في تهذيب التهذيب (9/43): (ذكر لعلي بن المديني قول محمد بن إسماعيل: ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني، فقال: ذروا قوله، ما رأى مثل نفسه )! أي لاتصدقوه فهو كذاب مغرور، يرى نفسه أفضل من الكل!

ص: 45

المديني الذي سرق البخاري كتابه !

ومما يؤيد تهمة سرقة البخاري للكتاب:أن المديني شخصية استثنائية، وكتبه استثنائيةأيضاً، وفيما يلي صورة مقتضبة عنه:

ففي معجم البلدان:5/82 ومعارف ابن قتيبة/527):كان أصله من المدينة ونزل البصرة، وكان المقدم في حفاظ وقته، روى عن سفيان بن عيينة وحماد بن زيد وكتب عن الشافعي كتاب الرسالة وحملها إلى عبدالرحمن بن مهدي،وذكر أنه مات عند المتوكل بسامراء، سنة 234.

وقال شيخه سفيان بن عيينة (تقريب التهذيب:1/697، وتهذيب التهذيب:7/306): (يلومونني على حب علي، و اللّه لقد كنت أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني.

قال أبوحاتم الرازي: كان علي علماً في الناس في معرفة الحديث والعلل، وكان أحمد لايسميه إنما يكنيه، تبجيلاً له، وما سمعت أحمد سماه قط.

وقال النسائي: كأن اللّه خلقه للحديث. وروى عنه البخاري وأبوداود وسفيان بن عيينة ومعاذ بن معاذ، وأحمد بن حنبل وعثمان ابن أبي شيبة، وصالح بن أحمد بن حنبل. وروى عنه الترمذي والنسائي وابن ماجة بواسطة..الخ.وقال عبدالرحمن بن مهدي:علي بن المديني أعلم الناس بحديث رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . وقال العباس العنبري:كان الناس يكتبون قيامه وقعوده ولباسه، وكل شئ يقول ويفعل. وقال الأعين: رأيت علي بن المديني مستلقياً وأحمد عن يمينه وابن معين عن يساره وهو يملى عليهما.

وقال ابن المديني: تركت من حديثي مائة ألف فيها ثلاثون ألفاً لعباد بن صهيب. وقال أبوالعباس السراج: سمعت البخاري وقيل له ما تشتهي؟ قال: أشتهي أن أقدم العراق وعلي بن عبد اللّه حي، فأجالسه)!

وقال الشيخ عبدالمحسن العباد في مجلة الجامعة الإسلامية (6/312):

(قال النووي: وأجمعوا على جلالته وإمامته وبراعته في هذا الشأن، وتقدمه على غيره .قال أبوحاتم: كان ابن المديني علماً في الناس في معرفة الحديث والعلل.

ص: 46

وقال ابن حجر في التقريب: أعلم أهل عصره بالحديث وعلله.

وقال الذهبي في الميزان: إليه المنتهى في معرفة علل الحديث النبوي.

وقال أبوداود: ابن المديني أعلم باختلاف الحديث من أحمد بن حنبل.

ألف ابن المديني في الحديث مصنفات كثيرة العدد جليلة القدر.

روى عنه البخاري في الصحيح ثلاث مائة وثلاثة أحاديث. قال النووي:أحد أئمة الإسلام المبرزين في الحديث صنف فيه مائتي مصنف لم يسبق إلى معظمها، وعد منها:

1. كتاب الأسامي والكنى ثمانية أجزاء.

2. كتاب الضعفاء عشرة أجزاء.

3. كتاب المدلسين خمسة أجزاء.

4. كتاب أول من نظر في الرجال وفحص عنهم جزء.

5. كتاب الطبقات: عشرة أجزاء.

6. كتاب من روى عن رجل لم يره جزء.

7. كتاب علل المسند ثلاثون جزءا.

8. كتاب العلل لإسماعيل القاضي أربعة عشر جزءا.

9. كتاب علل حديث ابن عيينة - ثلاثة عشر جزءا.

10. كتاب من لا يجنح بحديثه ولايسقط جزءان.

11. كتاب الكنى خمسة أجزاء.

12. كتاب الوهم والخطأ: خمسة أجزاء.

13. كتاب قبائل العرب عشرة أجزاء.14. كتاب من نزل من الصحابة سائر البلدان خمسة أجزاء.

15. كتاب التاريخ عشرة أجزاء.

16. كتاب العرض على المحدث جزءان.

17. كتاب من حدث ثم رجع عنه جزءان.

ص: 47

18. كتاب الثقات والمثبتين عشرة أجزاء.

19. كتاب الأسامي الشاذة ثلاثة أجزاء.

20. كتاب تفسير غريب الحديث خمسة أجزاء.

21. كتاب مذاهب المحدثين جزءان.

ويوجد من آثاره كتاب علل الحديث ومعرفة الرجال، في خزانة أحمد الثالث في تركيا وصورته في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية بالقاهرة رقم 743.

أقول: فمن الطبيعي أن يطمع البخاري في كتال العلل، ويؤلف كتابه منه، وقد تقدم قول البخاري وقد سئل ما تشتهي؟فقال:(أشتهي أن أقدم العراق وعلي بن عبد اللّه حي، فأجالسه)!(تهذيب التهذيب:7/306) ولا بد أن أول ما يشتهيه كتاب العلل!

وأقدر أنه لو قورن كتاب البخاري به لظهر أن البخاري أخذ كتابه منه

وقد يبالغ البخاري ويكذب !

قال البخاري:(صنفت كتابي الجامع في المسجد الحرام،وما أدخلت فيه حديثاً حتى استخرت اللّه تعالى وصليت ركعتين وتيقنت صحته! قال ابن طاهر: الأصح أنه صنفه ببخارى). (تغليق التعليق:5/421).

وحاول ابن حجر أن يوجه كلامه فقال: (تقدم عنه أنه صنفه في ست عشرة سنة، فيحملأنه كان يصنفه في البلاد التي يرحل إليها فلاتنافي بين القولين).

لكن كلام البخاري صريحٌ بأنه ألف كتابه في المسجد الحرام، يعني كله!

وبالغوا وكذبوا في قوة حافظة البخاري ودقته !

فقد رووا في حفظه ودقته قصصاً، ليمدحوا كتابه! وأكثروا من رواية منامات أمه له، ومناماته لنفسه، ومنامات تلاميذه فيه!كقولهم إنهم رأوا النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يأتي لزيارته، وإنه يكش الذباب عن النبي فينفي عنه الكذب! وإنه يختم القرآن في كل يوم ختمة وثُلْثاً، وإنه كان

ص: 48

يغتسل ويصلي ركعتين قبل كل حديث يكتبه!

وقولهم إنه كان لايكتب عندما يملي عليهم الأستاذ، فسألوه فقال لهم: الآن أقرأ لكم، فقرأ عليهم خمسة عشر ألف حديث عن ظهر قلبه، فصححوا كتبهم عن حفظه! أي قرأ عليهم سبع مجلدات، وهي خمسة أضعاف كتابه الصحيح، وتحتاج قراءتها الى500 ساعة، بدون صلاة ولا طعام ولا نوم!

قال في طبقات الحنابلة (1/276):(سمعت حاشد بن إسماعيل يقول:كان أبوعبد اللّه محمد بن إسماعيل البخاري يختلف معنا إلى مشايخ الحديث في البصرة وهو غلام فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيام، فكنا نقول له إنك تختلف معنا ولا تكتب فما غناك فيما تصنع؟فقال لنا بعد ستة عشريوماً: إنكما قد أكثرتما عليَّ وألححتما فاعرضا علي ماكتبتما، فأخرجنا ماكان عندنا فزاد على خمسة عشرألف حديث، فقرأها كلها عن ظهرالقلب حتى جعلنا نحكم كتبنا على حفظه، ثم قال: أترون أني اختلف هدراً وأضيع أيامي! فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد!

وكان أهل المعرفة من أهل البصرة يَعْدُون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوهعلى نفسه، ويُجلسوه في بعض الطريق، فيجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يُكتب عنه.وكان شاباً لم يخرج وجهه)!

وقبل ابن حجر رواية المروزي فقال:(كنت نائماً بين الركن والمقام فرأيت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال لي:يا أبازيد إلى متى تدرس كتاب الشافعي ولاتدرس كتابي؟ فقلت: يا رسول اللّه وما كتابك؟ قال:جامع محمد بن إسماعيل! (التغليق:5/421).

ثم قال ابن حجر: (قلت: إسناد هذه الحكاية صحيح، ورواتها ثقات أئمة).

ثم ذكرمنامات في البخاري، منها: رأيت البخاري في المنام خلف النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والنبي يمشي، فكلما رفع النبي قدمه وضع أبوعبد اللّه قدمه في ذلك الموضع! ومنها: رأيت النبي في المنام فقال لي: أين تريد؟فقلت: أريد محمد بن إسماعيل البخاري. فقال: أقرئه مني السلام ).

ص: 49

وهذه المنامات، بين مكذوب، وما هو من تأثير الإيحاء النفسي! وستعرف عمل البخاري، وأنه متصنع بعيد عن الهالة التي صنعوها حول رأسه!

وروى ابن حجر منقبة كالمعجزة للبخاري!قال في شرح نخبة الفكر(8/12): (فعمد أصحاب الحديث إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، ودفعوها إلى عشرة، لكل واحد منهم عشرة أحاديث، وجعلوا سند الحديث الأول للثاني، وسند الثالث للرابع، والخامس والسابع إلى آخر المائة، وألقوا العشرة عليه مقلوبة، فألقاها الأول العشرة والبخاري ساكت على القلب، ثم جاء الثاني فألقى العشرة على الإمام وهو ساكت، الثالث، الرابع، العاشر، لما انتهى التفت إلى الأول قال: حديثك الأول قلت فيه كذا وصوابه كذا، الثاني قلت فيه كذا وصوابه كذا، يعني كون البخاري يحفظ الصواب ما هو بغريب، لكن الغريب كونه يحفظ الخطأ، ثم يرده إلىالصواب إلى تمام المائة!

ثم قال ابن حجر أو شراح كتابه: وهذه القصة يقدح فيها بعضهم لأن ابن عدي يرويها عن عدة من شيوخه ولم يسم واحداً منهم، فقالوا:ذكرها ابن عدي عن مجاهيل،لكن هؤلاء المجاهيل هم من شيوخ ابن عدي وهم عدد، ليسوا بواحد ولا اثنين ولا ثلاثة، وبعضهم يجبر بعضاً، وحينئذ تكون القصة ثابتة! نعم هم مجاهيل، لكن مجهول مع مجهول مع مجهول يتقوى بلا شك، والإمام البخاري أهل لمثل هذا).

أقول: زاد الحويني في دروسه(1/3) على هذه الأكذوبة: (والبخاري كان يحضر مجلسه مائة ألف، ولم يكن في وجهه شعرة)! لكن البخاري لم يدخل بغداد شاباً أبداً!

ثم إن نسبة كتاب نخبة الفكر لابن حجر مشكوكة، ودليل شراحه بأن كثرة المجاهيل تعطي معلوماً مردودة، فكثرة الأصفار لاتعطي رقم واحد! ومن الأصفار قولهم إن البخاري أهل لمثل هذا، فجعلوا السند أن البخاري أهل لمنقبة لم تثبت!

**

ص: 50

من غلوهم في كتاب البخاري

قال بعض الظرفاء: القرآن أصح كتاب بعد كتاب البخاري !

قال العيني(1/5): (اتفق علماء الشرق والغرب على أنه ليس بعد كتاب اللّه تعالى أصح من صحيحي البخاري ومسلم، فرجح البعض منهم المغاربة صحيح مسلم على صحيح البخاري، والجمهورعلى ترجيح البخاري على مسلم، لأنه أكثر فوائد منه.وقال النسائي: ما في هذه الكتب أجود منه).وفي مقدمة فتح الباري/8:(كتاباهما أصح الكتب بعد كتاباللّه العزيز.وقال الشافعي: ما أعلم في الأرض كتاباً في العلم أكثر صواباً من كتاب مالك.

وقال ابن الصلاح/20: (فإنما قال ذلك قبل وجود كتابي البخاري ومسلم).

وقال الجرجاني (تاريخ دمشق:52/74):

صحيح البخاري لو أنصفوه *** لما خُطَّ إلا بماء الذهب

هو الفرق بين الهدي والعمى *** هو السد بين الفتى والعطب

أسانيد مثل نجوم السماء *** أمام متون كمثل الشهب

به قام ميزان دين النبي *** ودان به العجم بعد العرب

حجاب من النار لا شك فيه *** يميز بين الرضا والغضب

وستر رقيق إلى المصطفى *** ونور مبين لكشف الريب

فياعالماً أجمع العالمون *** على فضل رتبته في الرتب

سبقت الأئمة فيما جمعت *** وفزت على رغمهم بالقصب

نفيت السقيم من الناقلين *** ومن كان متهما بالكذب

وأثبت من عدلته الرواة *** وصحت روايته في الكتب

وأبرزت في حسن تريبته *** وتبويبه عجباً للعجب

فأعطاك ربك ما تشتهيه *** وأجزل حظك فيما يهب

وخصك في عرصات الجنان *** بنعم تدوم ولا تنقضب).

ص: 51

وقال في القول الصراح/15، ملخصاً:(بالغ علماء العامة في الثناء على الصحيحين وذكروا أنهما أصح الكتب بعد القرآن الكريم، وحكى جماعة منهم إجماع الأمة على صحة الأحاديث المودعة فيهما، بل تعدى جماعة من محققيهم لإثبات كون أخبارهما مقطوعة الصدورعن سيد البشر (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بل ذكروا تصحيح النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كتاب البخاري، وإذنه في روايته عنه، بل كتاب مسلم أيضاً!

وقال السيوطي في تدريبه:قال إمام الحرمين: لو حلف إنسان بطلاق امرأة أن ما في الصحيحين مما حكما بصحته، من قول النبي، لزمه الطلاق لإجماع المسلمين على صحته. ثم حكى عن النووي أنه قال: خالفه أي ابن الصلاح المحققون والأكثرون فقالوا: يفيدالظن ما لم يتواتر، وقال: تلقي الأمة بالقبول إنما أفاد وجوب العمل بما فيها من غير توقف على النظر فيه، بخلاف غيرهما فلا يعمل به حتى ينظر فيه ويوجد فيه شروط الصحيح.ولا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على القطع بأنه كلام النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

وقد اشتد إنكار ابن برهان على من قال بقول الشيخ، وبالغ في تغليطه.

قال السيوطي: وكذا عاب ابن عبدالسلام على ابن الصلاح هذا القول. قال البلقيني: ما قاله النووي وابن عبدالسلام ومن تبعهما ممنوع، فقد نقل بعض الحفاظ المتأخرين مثل قول ابن الصلاح، عن جماعة من الشافعية كأبي إسحاق وأبي حامد الإسفراييني،والقاضي أبي الطيب، والشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وعن السرخسي من الحنفية، والقاضي عبدالوهاب من المالكية، وأبي يعلى، وابن الزعواني من الحنابلة، وابن فورك، وأكثر أهل الكلام من الأشعرية، وأهل الحديث قاطبة، ومذهب السلف عامة.

ثم قال السيوطي بعد أن نقل عن ابن تيمية وابن كثير موافقة ابن الصلاح: وهو الذي اختاره ولا أعتقد سواه) أي جزم بأن أحاديث البخاري أقوال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !

وقال الشيخ أبوزهرة في: الحديث والمحدثون، ملخصاً (1/296): (اختلف العلماء في أن أحاديث الصحيحين ثابتة بالعلم، أو الظن: قال الحافظ أبوعمرو بن الصلاح:جميع ما حكم مسلم بصحته في كتابه فهو مقطوع بصحته، وهكذا ما حكم البخاري بصحته

ص: 52

في كتابه، وذلك لأن الأمة تلقت الكتابين بالقبول سوى من لا يعتد بخلافه ووفاقه في الإجماع. ويستثنى من ذلك أحاديث يسيرة، تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني.وقد مال النووي إلى أن أحاديث الصحيحين التي لم تتواتر ثابتة بالظن لا بالعلم، وتعقب ابن الصلاح في شرحه لمسلم،فقال: وهذا الذي ذكره الشيخ خلاف ما قاله المحققون والأكثرون، فإنهم قالوا: أحاديث الصحيحين التي ليست بمتواترة إنما تفيد الظن، وتلقي الأمة بالقبول إنما أفادنا وجوب العمل بما فيهما، فإن أخبار الآحاد يجب العمل بها، إذا صحت أسانيدها ولا تفيد إلا الظن. فكذا الصحيحان. وقد انحاز إلى كلٍّ طائفةٌ من العلماء، ففريق يرجع كلام ابن الصلاح في أنها ثابتة عنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بطريق العلم النظري، وفريق آخر يرجح كلام النووي في أنها ثابتة بطريق الظن )!

حشر في كتابه أقواله وأقوال آخرين فكانت بقدر أحاديثه !

قال في عمدة القاري (1/10):(أكثرَ البخاري من أحاديث وأقوال الصحابة وغيرهم، بغير إسناد، فإن كان بصيغة جزم كقال ورويَ ونحوهما فهو حكم منه بصحته، وما كان بصيغة التمريض كروي ونحوه، فليس فيه حكم بصحته، ولكن ليس هو واهياً، إذ لو كان واهياً لما أدخله في صحيحه).

أقول: بلغت هذه الأقوال والتعليقات أكثر من 1500، فهي نصف أحاديثه، وتمثل عقائد الحكومة، ولامستند لها من حديث النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لكنه خلطها به!

أما عناوينه فبلغت نحوأربعة آلاف عنوان، ويسمونها التراجم، كما يأتي.

وقسَّم كتابه الى كتب وبلغت كتبه سبعة وتسعين كتاباً، في كل كتاب منها أبواب.

قال الشيخ العباد في كتابه الإمام البخاري (مجلة الجامعة الإسلامية:1/41):

1. عدد الأحاديث المرفوعة الموصولة بما فيها المكررة 7397 حديثاً

2. عدد الأحاديث المرفوعة المعلقة بما فيها المكررة 1341 حديثاً

ص: 53

3. عدد ما فيه من المتابعات والتنبيه على اختلاف الروايات 344 حديثاً.

4. عدد ما فيه من الموصول والمعلق والمتابعات المرفوعة 9082 حديثاً

5. عدد الأحاديث المرفوعة الموصولة بدون تكرار 2602 حديثاً.

6. عدد الأحاديث المعلقة بدون تكرار 159 حديثاً

7. عدد الأحاديث المرفوعة موصولة أو معلقة بدون تكرار2761 حديثاً,

وهذه الأعداد إنما هي في المرفوع خاصة دون ما في الكتاب من الموقوفات على الصحابة، والمقطوعات عن التابعين ومن بعدهم ).

أما عدد كتب البخاري فهي97 كتاباً، وعدد أبوابه 3882 باباً.

وقد أخذ الشيخ العباد هذه الأعداد من مقدمة فتح الباري/465و468و470. ثم ذكر ابن حجر/474 عدد ما رواه عن كل واحد من الصحابة، فكان سهم أبي هريرة أربع مائة وستة وأربعين حديثاً، وعبد اللّه بن عمر مائتين وسبعين حديثاً وعائشة مائتين واثنين وأربعين حديثاً،ولم يرو عن فاطمة الزهراء سيدة النساء (عليهاالسلام) إلا حديثاً واحداً، ورى عن علي (عليه السلام) تسعة وعشرين حديثاً، وروى عن عبد اللّه بن العباس نحواً من مأتين وسبعة عشر حديثاً، وعن أبي موسى الأشعري سبعة وخمسين حديثاً.وتبلغ أحاديث عائشة أضعاف غيرها، لطولها!

وذكروا أن أحاديث الشيخين بلا تكرار:2980حديثاً، ومجموع الأصول الخمسة: البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي:9180، حديثاً،أكثرها ضعيف فتكون أحاديث الكافي عندنا (16190) أضعاف أحاديث الأصول الخمسةكلها!

نسخة البخاري أوراق معلولة بالبياض والطرر والرقاع !

يكفي لسقوط كتاب البخاري عن الإعتبار العلمي، أن نسخته التي وصلتنا مسودةناقصة، أكملها أشخاص غير مؤلفها!

قال السيوطي في التعليق على تفسير الجلالين(18/12): (والحافظ ابن حجر يذكر عن أبي الوليد الباجي أن نسخة البخاري في هذا الموضع كانت غير محبوكة، يعني غير مجلدة،

ص: 54

أوراق، فسقطت بعض الأوراق ووضعت في غير محلها، وحصل التقديم والتأخير).يقصد أن البخاري قدم نبي اللّه شعيب على ثمود، مع أنه بعد صالح (عليهماالسلام) .

ويعتذر بأن هذا القسم من النسخة كان أوراقاً غير مجلدة!

وقال ابن حجر في مقدمة فتح الباري/6:(إبراهيم بن أحمد المستملي قال: انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري، فرأيت فيه أشياء لم تتم، وأشياء مبيضة،منها تراجم لم يثبت بعدها شيئاً، ومنها أحاديث لم يترجم لها، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض!

ومما يدل على صحة هذا القول أن رواية أبي إسحاق المستملي ورواية أبي محمد السرخسي، ورواية أبي الهيثم الكشمهيني، ورواية أبي زيد المروزي، مختلفة بالتقديم والتأخير، مع أنهم انتسخوا من أصل واحد!

وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرة أو رقعة مضافة، أنه من موضع ما، فأضافه إليه! ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينها أحاديث!

قال الباجي: وإنما أوردت هذا هنا لما عني به أهل بلدنا من طلب معنى يجمع بين الترجمة والحديث الذي يليها، وتكلفهم من ذلك من تعسف التأويل مالايسوغ)

أقول: يقصد الباجي أنه لايصح التعامل مع كتاب البخاري كنص متصل لأنه كان مسودة غيَّر تلاميذه فيه بالزيادة والنقصان، والتقديم والتأخير، وتفاوتت أقدم النسخ له! وعناوينهقدلاتنطبق على ماتحتها، فلا معنى لتعسف المتعسفين، ودعوى انطباق عناوينه على ما تحتها! فأي اعتبار علمي يبقى له؟!

والطرة: ورقة أو رقعة طويلة، ومنها الطرة لما طال من مقدم الشعر، قال الزمخشري(الفايق:3/117): (الطرة:القطعة المستطيلة من السحاب، شبهت بطرة الثوب).فهي رقعة كبيرة. وكان في مسودة البخاري بياضات، ومعها طرر ورقاع فاجتهد النساخ في إضافة ما أضافوه منها في أمكنته، واختلفت اجتهاداتهم!

قال ابن حجر(6/88): (وكأنه وجد هذه الترجمة في الطرة خالية عن حديث فظن أن هذا

ص: 55

موضعها)! وقال في (8/331): (كأنه استطرد من هذه لهذه، أو كان في طرة فنقلها الناسخ إلى غير موضعها )!!

واعترف ابن حجربعيوب النسخة، لكنه كابر فقال في فتح الباري (7/73): (قوله: باب مناقب أبي عبيدة بن الجراح. كذا أخَّر ذكره عن إخوانه من العشرة، ولم أقف في شئ من نسخ البخاري على ترجمة لمناقب عبدالرحمن بن عوف ولا لسعيد بن زيد وهما من العشرة، وإن كان قد أفرد ذكر إسلام سعيد بن زيد بترجمة، في أوائل السيرة النبوية. وأظن ذلك من تصرف الناقلين لكتاب البخاري كما تقدم مراراً أنه ترك الكتاب مسودة، فإن أسماء من ذكرهم هنا لم تقع فيهم مراعاة الأفضلية ولا السابقية ولا الأسنية، وهذه جهات التقديم في الترتيب، فلما لم يراع واحداً منها دل على أنه كتب كل ترجمة على حدة فضم بعض النقلة بعضها إلى بعض حسبما اتفق)!

وقال في فتح الباري(6/108): (هذه الترجمة يليق أن تذكر قبل بابين، فلعل تأخيرها من تصرف النقلة، ويؤيد ذلك أنهما سقطا جميعاً للنسفي ).وقال في فتح الباري(7/328):(ويحتمل أن يكون موضع هذه المتابعة بعد حديث القاسم بن محمد عن صالح بن خوات، فيكون متأخراً عنه ويكون تقديمه من بعض النقلة عن البخاري. ويؤيد ذلك ما ذكرته عن تاريخ البخاري فإنه بين في ذلك، و اللّه أعلم).

وقال في فتح الباري (11/491): (وقال الكرماني:لامناسبة لهذا الحديث بالجزأين الأولين، والأولى أنه لا يلزم أن يكون كل خبر في الباب يطابق جميع ما في الترجمة. ثم قال الكرماني: الظاهر أنه من تصرفات النقلة من أصل البخاري فإنه مات وفيه مواضع مبيضة من تراجم بلا حديث وأحاديث بلا ترجمة فأضافوا بعضاً إلى بعض! قلت: وهذا إنما يصار إليه إذا لم تتجه المناسبة، وقد بينا توجيهها، و اللّه أعلم).

وقال في فتح الباري(11/495): (الثاني حديث أنس في قصة أقراص الشعير وأكل القوم وهم سبعون أو ثمانون رجلاً حتى شبعوا. وقال الكرماني.. ويحتمل أن يكون إيراد هذا الحديث في هذه الترجمة من تصرف النقلة ).

ص: 56

وقال في فتح الباري(12/45): (وجرى الكرماني على ما وقع عند أبي نعيم فقال: هاهنا ثلاث تراجم متوالية والحديث ظاهر للثالثة، وهي من ادعى أخاً أو ابن أخ. قال: وهذا يؤيد ما ذكروا أن البخاري ترجم لأبواب، وأراد أن يلحق بها الأحاديث فلم يتفق له إتمام ذلك، وكان أخلي بين كل ترجمتين بياضاً فضم النقلة بعض ذلك إلى بعض)!

وقال في فتح الباري(12/307): (وأظنه وقع هنا تقديم وتأخير، فإن الحديث وما بعده يتعلق بباب الهبة والشفعة، ومن ثم قال الكرماني إنه من تصرف النقلة، وقد وقع عند ابن بطال هنا باب بلاترجمة. ثم ذكرالحديث وما بعده..

ويحتمل أن يكون في الأصل بعد قصة ابن اللتبية (إسم شخص) باب بلا ترجمةفسقطت الترجمة فقط، أو بيض لها في الأصل)!

أقول:هذا الإعترافات من ابن حجر وغيره باختلال نسخة البخاري، حجة عليهم، وهو يرد زعمهم أن عناوينه فيها سرٌّ إلهي،لأنه كتبها عند قبرالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !

شهادة المستملي والباجي طعن قوي في نسخة البخاري

فهما إمامان كبيران عندهم،لايمكنهم رد شهادتهما. أما المستملي فهوإبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن داود الحافظ، مات ببلخ سنة ست وسبعين وثلاث مئة.(السمعاني:5/287).وهو حافظ ثقة مشهور، له مؤلفات: معجم شيوخه، وطبقات أهل بلخ.(الإصابة:5/385، والعبر:3/، والتعديل:1/173، وشذرات الذهب:3/86).

وأما الباجي فقال الزركلي (3/125):(فقيه مالكي كبير،أصله من بطليوس ومولده في باجة بالأندلس. رحل إلى الحجاز سنة 426 ه، فمكث ثلاثة أعوام،وأقام ببغداد ثلاثة أعوام وبالموصل عاماً، وفي دمشق وحلب مدة. وعاد إلى الأندلس.

من كتبه: السراج في علم الحِجاج، وإحكام الفصول في أحكام الأصول. والمنتقى في شرح موطأ مالك والتعديل والتجريح لمن روى عنه البخاري ).

وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ(3/1173) ملخصاً: (الحافظ العلامة ذو الفنون أبوالوليد

ص: 57

سليمان بن خلف بن سعيد القرطبي. قال أبونصر بن ماكولا: فقيه متكلم أديب شاعر - سمع بالعراق ودرس الكلام وصنف. وكان جليلاً رفيع القدر والخطر، قبره بالمرية، مات في ستة أربع وسبعين ).

وترجموه في كتابه التعديل والتجريح وعدوا له أكثر من ثلاثين مؤلفاً (1/132) ففي في الفقه منها: فهرست شيوخ أبي الوليد الباجي،وكتاب المقتبس في علم مالك بن أنس، وكتابفرق الفقهاء ويسمى تاريخ الفقهاء، والتعديل والتجريح لمن خرج عنه البخاري، وتهذيب الزاهر لابن الأنباري في اللغة، وديوان شعره، ورسالته في الرد على الراهب الفرنسي الذي كتب الى المقتدر بن هود أمير سرقسطة يدعوه إلى المسيحية، فكتب الباجي جوابه.

والنتيجة: أنه لا يمكن تجاوز طعن أئمة موثقين كالمستملي والباجي ومسلمة بن قاسم، في البخاري ونسخته، والمكابرة بأن كتابه أصح كتاب بعد القرآن!

الفربري شاب مغال في البخاري

لما مات البخاري كان محمد بن يوسف الفربري في العشرينات من عمره:ولد سنة 231، وعاش نحو تسعين سنة الى سنة 320 هجرية (أنساب السمعاني:4/359 ).

وفَرْبَرْ: قرية قرب بخارى، بفتح الفاء والباء بمعنى الصحراء الواسعة. وكان مغالياً بالبخاري، وبعض قصصه عنه لايمكن تصديقها!

قال كما في (وفيات الأعيان(4/190) وسير الذهبي(12/398)):(سمع صحيح البخاري تسعون ألف رجل، فما بقي أحد يروي عنه غيري )!

فنسخته هي الوحيدة، ولو صح أنه سمعها معه تسعون ألفاً، لرواها غيره!

قال الذهبي في سيره (12/444و453):(قال: رأيت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في النوم، فقال لي: أين تريد؟ فقلت: أريد محمد بن إسماعيل البخاري، فقال: أقرئه مني السلام.

وقال محمد الوراق: دخل أبوعبد اللّه بفربر الحمام، وكنت أنا في مشلح الحمام أتعاهد

ص: 58

عليه ثيابه، فلما خرج ناولته ثيابه فلبسها،ثم ناولته الخف فقال: مسست شيئاً فيه شعر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ! فقلت: في أي موضع هو من الخف؟ فلم يخبرني! فتوهمت أنه في ساقه بينالظهارة والبطانة )!

يقصد أن البخاري يحمل شيئاً من شعر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وقد خبأه في مكان محفوظ، في نعاله، بين جلد النعال وبطانته! وهذا أسلوب العوام الذين يدعون الكرامات!

عناوين البخاري أو تراجمه: فضيحة بجلاجل !

أ. عدد أحاديث البخاري سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون بالمكررة. وقال ابن الصلاح:بإسقاط المكرر أربعة آلاف. (مقدمة فتح الباري/465). وعدد الكتب 91 كتاباً، وعدد الأبواب 3882 باباً.

والفضيحة أن أكثر عناوينه لاتنطبق على معنوناتها! مثلاً: تقرأ في أوله: باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقول اللّه جل ذكره:إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ. حدثنا الحميدي قال:حدثنا سفيان قال:حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول:سمعت عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه على المنبر قال: سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول:إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ مانوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).

فتسأل: وأي ربط لحديث عمر عن نية الهجرة، بكيفية بدء الوحي؟!

الجواب: لا شيئ، فأول حديث في البخاري كغريبة الإبل!

ثم تقرأ:حديثاً عن الحرث بن هشام، ثم حديثين عن عائشة، ثم عن جابر، ثم عن ابن عباس في الموضوع. ثم تقرأ حديث أبي سفيان لما أرسل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) رسالة الى هرقل في السنة السادسة للّهجرة، فأحضرهرقل أباسفيان وسأله عنه! وليس له ربط ببدء الوحي، فضلاً عن كيفيته!

ص: 59

ثم تقرأ: كتاب الإيمان، ومعناه أن باب بدء الوحي قبله لم يكن باباً من كتاب، بل هو باب وكتاب! ثم تقرأ تفسير آية، ثم تقرأ: باب أمور الإيمان. فما الفرق بين كتاب الإيمان وباب أمور الإيمان؟ لا أحد يعلم ولا البخاري يعلم، فهو كالعامي تستهويه العناوين! لأن أمور الإيمان أعم من ذات الإيمان، فالباب أعم من كتابه!

ثم تقرأ:باب: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، وفيه حديث: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ثم تقرأ بعده:باب أيُّ الاسلام أفضل وفيه حديث: يا رسول اللّه أي الاسلام أفضل قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده، فما الفرق بينهما، وهل يحتاج الثاني الى باب؟!

وهكذا، يرافقك التعجب وتُطالعك الإشكالات برؤوسها من أول الكتاب الى آخره. فكم من الأبواب المتداخلة، وكم مؤخر حقه التقديم وبالعكس، وكم من عنوان جعله باباً وليس بباب، بل هو جزء من باب تقدم، أو يأتي!

إنها غابة يتشابك فيها القصب والنبات، ويتكرر المكرر، ويغيب ما يجب أن يحضر! ويحضر الغائب في غير محله، ولا تشك وأنت تقرأ بأن المؤلف رغم جَوَلان ذهنه، لم يرتب كتابه، فهو مسودة أدركت مؤلفه الوفاة، قبل أن يكمله وينقحه!

ب. ثم جاء المتعصبون يفلسفون مسوة البخاري، فيزعمون أن في عناوينه سراً إلهياًً وحكمة بالغة، وعلوماً عميقة، فألفوا فيها كتباً وأكثروا من الحشو المنفوش!

وإني لأعجب من ابن حجر بمستواه،كيف تمحل في الدفاع عن عناوين البخاري والتنظيرلها، مع أنه نقل رأي الحافظ الباجي، وشكى من البياض والطرر والرقاع!قال الباجي: وإنما أوردت هذا هنا لما عني به أهل بلدنا من طلب معنى يجمع بين الترجمة والحديث الذي يليها، وتكلفهم من ذلك من تعسف التأويل مالا يسوغ )

يقصد أن الكتاب مسودة، عملت فيه أيدي النساخ، فلا يصح أن نعامله ككتاب لمؤلف واحد! فعقب عليه ابن حجر: وهذه قاعدة حسنة يفزع إليها حيث يتعسر وجه الجمع بين الترجمة والحديث، وهي مواضع قليلة جداً.

ص: 60

أقول: وكيف تكون قليلة جداً، وهي أكثر عناوين الكتاب!

ج.قال ابن حجر في مقدمته/11:(من ذلك قول مسلمة بن قاسم القرطبي وهو من أقران الدارقطني، لما ذكر في تاريخه صحيح مسلم قال:لم يضع أحد مثله فهذا محمول على حسن الوضع وجودة الترتيب. وقد رأيت كثيراً من المغاربة ممن صنف في الأحكام بحذف الأسانيد كعبدالحق في أحكامه وجمعه، يعتمدون على كتاب مسلم في نقل المتون وسياقها دون البخاري، لوجودها عند مسلم تامة وتقطيع البخاري لها. فهذه جهة أخرى من التفضيل لاترجع إلى ما يتعلق بنفس الصحيح، و اللّه أعلم.

وإذا تقرر ذلك فليقابل هذا التفضيل بجهة أخرى من وجوه التفضيل غيرما يرجع إلى نفس الصحيح!وهي ما ذكره الإمام القدوة أبومحمد بن أبي جمرة في اختصاره للبخاري قال: قال لي من لقيته من العارفين عمن لقي من السادة المقر لهم بالفضل: إن صحيح البخاري ما قرئ في شدة إلا فرجت، ولا ركب به في مركب فغرق! قال:وكان مجاب الدعوة، وقد دعا لقارئه (رحمه اللّه) تعالى، وكذلك الجهة العظمى الموجبة لتقديمه وهي ما تضمنته أبوابه من التراجم التي حيرت الأفكار وأدهشت العقول والأبصار، وإنما بلغت هذه الرتبة وفازت بهذه الخطوة لسبب عظيم أوجب عظمها، وهو ما رواه أبوأحمد بن عديعن عبدالقدوس بن همام قال: شهدت عدة مشايخ يقولون حول البخاري تراجم جامعه،يعني بيضها بين قبر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومنبره وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين ).

أقول: العجب من عالم كابن حجر تحول في رده على الباجي الى عامي قصاص، فالباجي الذي قال عنه إنه من أقران الدار قطني، هو شارح موطأ مالك، ومؤلف الموسوعات في الفقه وفي الرجال، ومنها تقييم للرواة الذين روى عنهم البخاري، يقول: إن المغاربة يعتمدون على متون مسلم لأنه لم يقطع النصوص ولايعتمدون على متون البخاري لأنه قطعها.فيجيبه ابن حجر:كلا إن البخاري أفضل لأن صوفياً قال لي إن صحيح البخاري ما قرئ في شدة إلا فرجت، ولا وضع في سفينة فغرقت!

ثم يقول ابن حجر للباجي: إن عناوين البخاري:(حيرت الأفكار، وأدهشت العقول

ص: 61

والأبصار! وإنما بلغت هذه الرتبة وفازت بهذه الحظوة لسبب عظيم أنه بيضها بين قبر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومنبره، وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين)!

وهذا هبوط عن الكلام العلمي الى كلام العوام المغفلين،بل كذبٌ من أجل البخاري الذي ألف كتابه ببخارى، ولم يبيضه وتركه مسودة، بشهادة ابن حجر نفسه!

د-.قال ابن حجر في مقدمته في فلسفة عناوين البخاري/11:(أول شئ وقع الكلام معه فيه من هذه المادة أول حديث بدأ به كتابه واستفتح به خطابه فرد كثيرٌمن هؤلاء نحوه سهام اللوم، وانتصر بعض، وبعض لزم من التسليم طريق القوم.ولنذكر ضابطاً يشتمل على بيان أنواع التراجم فيه، وهي ظاهرة وخفية، أما الظاهرة فليس ذكرها من غرضنا هنا وهي أن تكون الترجمة دالة بالمطابقة لما يورد في مضمنها، وإنما فائدتها الإعلام بما ورد في ذلك الباب من غير اعتبار لمقدار تلك الفائدة، كأنه يقول هذا الباب الذي فيه كيت وكيتأو باب ذكر الدليل على الحكم الفلاني مثلاً.وقد تكون الترجمة بلفظ المترجم له أو بعضه أو بمعناه، وهذا في الغالب قد يأتي من ذلك ما يكون في لفظ الترجمة احتمال لأكثر من معنى واحد فيعين أحد الإحتمالين بما يذكر تحتها من الحديث، وقد يوجد فيه ما هو بالعكس من ذلك، بأن يكون الإحتمال في الحديث والتعيين في الترجمة، والترجمة هنا بيان لتأويل ذلك الحديث نائبة مناب قول الفقيه مثلاً: المراد بهذا الحديث العام الخصوص، أو بهذا الحديث الخاص العموم، إشعاراً بالقياس لوجود العلة الجامعة، أو أن ذلك الخاص المراد به ما هو أعم مما يدل عليه ظاهره بطريق الأعلى أو الأدنى، ويأتي في المطلق والمقيد نظير ما ذكرنا في الخاص والعام، وكذا في شرح المشكل وتفسير الغامض، وتأويل الظاهر وتفصيل المجمل، وهذا الموضع هو معظم ما يشكل من تراجم هذا الكتاب، ولهذا اشتهر من قول جمع من الفضلاء: فقه البخاري في تراجمه.

وأكثر ما يفعل البخاري ذلك إذا لم يجد حديثاً على شرطه في الباب ظاهر المعنى في المقصد الذي ترجم به، ويستنبط الفقه منه، وقد يفعل ذلك لغرض شحذ الأذهان في إظهار مضمره، واستخراج خبيئه. وكثيراً ما يفعل ذلك أي هذا الأخير، حيث يذكر

ص: 62

الحديث المفسر لذلك في موضع آخر متقدماً أو متأخراً، فكأنه يحيل عليه ويومئ بالرمز والإشارة إليه!

وكثيراً ما يترجم بأمر ظاهره قليل الجدوي، لكنه إذا حققه المتأمل أجدى، كقوله باب قول الرجل ما صلينا، فإنه أشار به إلى الرد على من كره ذلك..

وللغفلة عن هذه المقاصد الدقيقة اعتقد من لم يمعن النظر أنه ترك الكتاب بلا تبييض ومن تأمل ظفر، ومن جد وجد!وقد جمع العلامة ناصرالدين أحمد بن المنير خطيب الإسكندرية أربع مائة ترجمة، وتكلم عليها ولخصها القاضي بدر الدين بن جماعة وزاد عليها أشياء. وتكلم على ذلك أيضاً بعض المغاربة وهو محمد بن منصور بن حمامة السجلماسي، ولم يكثر من ذلك بل جملة ما في كتابه نحو مائة ترجمة وسماه فك أغراض البخاري المبهمة في الجمع بين الحديث والترجمة.

وتكلم أيضاً على ذلك زين الدين علي بن المنير أخو العلامة ناصر الدين في شرحه على البخاري، وأمعن في ذلك.

ووقفت على مجلد من كتاب إسمه ترجمان التراجم،لأبي عبد اللّه بن رشيد السبتي، يشتمل على هذا المقصد وصل فيه إلى كتاب الصيام، ولو تم لكان في غاية الإفادة وإنه لكثير الفائدة مع نقصه، و اللّه تعالى الموفق ).

يقول ابن حجر:أيها الناس لاتعجلوا فإنه توجد علوم وأسرار في عناوين البخاري! ونقول: لوصحت أمثلة ابن حجر كلها فهي تستوعب مئة، أو ثلاثة مئة عنوان مثلاً، فأين بقية الأربعة آلاف أو نحوها؟!

ثم ذكر ابن حجر أن بعض المؤلفين ألفوا في تفسير عناوينه والتنظير لها! وإن صح كل ما قالوه، فهو يستوعب بضع مئات مثلاً!

لكن المشكلة في 3882، باباً وعنواناً وضعها البخاري وأكثرها عليه إشكالات!

ه. لا يتسع الكتاب لأن نستعراض عناوين البخاري وإشكالاتها، لكن نشير الى عناوينه

ص: 63

المتعلقة بالعلم والإيمان، لتعرف تداخلها وتكرارها، وقد ذكرنا رقم كل باب منها، لتعرف أمكنتها، وتباعدها أو قربها من بعضها:

3. كتاب العلم

1. باب فَضْلِ الْعِلْمِ

3. باب مَنْ رَفَع صَوْتَه بِالْعِلْم

5. باب طَرحِ الإِمَامِ الْمَسْأَلَة عَلى أَصْحَابه لِيَخْتَبِر مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ

6. باب مَا جَاءَ فِي الْعِلْمِ

7. باب مَا يُذْكَرُ فِي الْمُنَاوَلَةِ وَكِتَابِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعِلْمِ إِلَى الْبُلْدَانِ

10. باب الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ

11. باب مَا كَانَ النَّبِيُّ يَتَخَوَّلُهُمْ بِالْمَوْعِظَةِ وَالْعِلْمِ كَي لاَ يَنْفِرُوا

12. باب مَنْ جَعَلَ لأَهْلِ الْعِلْمِ أَيَّاما مَعْلُومَةً

13. باب مَنْ يُرِدِ اللّه بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ

14. باب الْفَهْمِ فِي الْعِلْمِ

15. باب الاِغْتِبَاطِ فِي الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ

19. باب الْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ

20. باب فَضْلِ مَنْ عَلِمَ وَعَلَّمَ

21. باب رَفْعِ الْعِلْمِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ

22. باب فَضْلِ الْعِلْمِ

27. باب التَّنَاوُبِ فِي الْعِلْمِ

28. باب الْغَضَبِ فِي الْمَوْعِظَةِ وَالتَّعْلِيمِ إ

34. باب كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ

37. باب لِيُبَلِّغِ الْعِلْمَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ

38. باب إِثْمِ مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

ص: 64

39. باب كِتَابَةِ الْعِلْمِ

40. باب الْعِلْمِ وَالْعِظَةِ بِاللَّيْلِ

41. باب السَّمَرِ بِالْعِلْمِ

42. باب حِفْظِ الْعِلْمِ

43. باب الإِنْصَاتِ لِلْعُلَمَاءِ

44. باب مَا يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ إِذَا سُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ

45. باب مَنْ سَأَلَ وَهْوَ قَائِمٌ عَالِمًا جَالِسًا

47. باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلا.

49. باب مَنْ خَصَّ بِالْعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ

50. باب الْحَيَاءِ فِي الْعِلْمِ

46. باب أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ

5. باب تَمَنِّي الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ

فهذه ثلاثة وثلاثون عنواناً في العلم، متداخلة متضاربة، ليس فيها تسلسل موضوعي ولا تاريخي، مضافاً الى عدم انطباق كثير منها على أحاديثها!

فماذا يعالج ابن حجر، وبمَ يعتذر المعتذر عن البخاري، وكيف يزعم المتنطع وجود بلاغة وفقاهةفي عناوينه وتراجمه الضعيفة المتداخلة، الفاقدة لأقل نظم علمي! واليك أيضاً عناوين الإيمان في البخاري:

2. كتاب الإيمان

1. باب الإِيمَانِ وَقَوْلِ النَّبِيِّ: بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ

3. باب أُمُورِ الإِيمَانِ

9. باب حَلاَوَةِ الإِيمَانِ

10. باب عَلاَمَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ

15. باب تَفَاضُلِ أَهْلِ الإِيمَانِ فِي الأَعْمَالِ

ص: 65

16. باب الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ

18. باب مَنْ قَالَ إِنَّ الإِيمَانَ هُوَ الْعَمَلُ

26. باب قِيَامُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنَ الإِيمَانِ

27. باب الْجِهَادُ مِنَ الإِيمَانِ

28. باب تَطَوُّعُ قِيَامِ رَمَضَانَ مِنَ الإِيمَانِ

29. باب صَوْمُ رَمَضَانَ احْتِسَابًا مِنَ الإِيمَانِ

31. باب الصَّلاَةُ مِنَ الإِيمَانِ

34. باب زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ

36. باب اتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ مِنَ الإِيمَانِ

41. باب أَدَاءُ الْخُمُسِ مِنَ الإِيمَانِ

6. باب الإِيمَانُ يَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ

23. باب حُسْنُ الْعَهْدِ مِنَ الإِيمَانِ

والكلام فيها كالكلام في عناوين العلم، وعناوين الصوم، والصلاة، والقرآن، ومسائل المعاملات، وغيرها. فلا بد للمنصف أن يقول إنها عناوين مسودة!

عناوين البخاري أوتراجمه كأحرف عمر السبعة !

وجه الشبه بينهما أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ربما يكون قال: نزل القرآن على سبعة أحرف أي سبعة أقسام من المعاني، فقال عمر بن الخطاب: نزل القرآن على سبعة أحرف فتجوز قرائتهبسبعة أشكال! فدوخ علماء السلطة الى يومنا هذا، والى يوم الدين في تفسير قوله، وتفسيركيف ينزل اللّه تعالى كتاباً بسبعة أشكال، أو بسبع نسخ كلها قرآن وكلها صواب، وكلها كافٍ شافٍ!

قال السيوطي في الإتقان (1/172): (عن ابن حبان أنه بلغ الإختلاف في الأحرف السبعة إلى خمسة وثلاثين قولاً،وقال: وهي أقاويل يشبه بعضها بعضاً وكلها محتملة،

ص: 66

ويحتمل غيرها )! بل هي خطأ من الأساس!

وقال أميرالمؤمنين (عليه السلام) :(إن اللّه تبارك وتعالى أنزل القرآن على سبعة أقسام كل قسم منها كاف شاف، وهي:أمر، وزجر، وترغيب، وترهيب، وجدل، ومثل، وقصص). (مصباح الفقيه:2/274).

وقال الإمام محمد الباقر (عليه السلام) (الكافي:2/630): ( كذبوا أعداء اللّه، ولكنه نزل على حرف واحد، من عند الواحد! ولكن الإختلاف يجئ من قبل الرواة).

فقول عمر خطأ منه، أو فهم خاطئ لقول النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . وكذلك عناوين البخاري وتراجمه، فإنما هي في مسودة معها بياضات، حاول النساخ ملأها، ولم ينقحها هو ولا هم،كما قال الحافظ الباجي، فكيف اعتبروها عناوين علمية متسلسلة، ثم عجزوا ويعجزون الى يوم الدين عن تفسيرها، كما عجزوا عن أحرف عمر السبعة!

شروح البخاري الكثيرة

لصحيح البخاري شروحٌ كثيرة ، لأنه كتاب الحكومة، وقد ذكر صاحب كشف الظنون منها اثنين وثمانين شرحاً! وهي بين مطيل كالفيروزآبادي ت817 وسماه: فتح الباري بالسيل الفسيح المجاري، وبين مختصركشرح الخطابي ت 388 ه:أعلام السنن في جزء، وأشهر شروحهخمسة:

1. فتح الباري في شرح صحيح البخاري، لابن حجر ت 852 ه.

2. عمدة القاري في شرح صحيح البخاري لمحمود العيني ت 855 ه.

3. التوشيح على الجامع الصحيح للسيوطي ت 911 ه.

4. إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري للقسطلاني ت 923 ه.

5. تحفة الباري لشرح صحيح البخاري لزكريا الأنصاري ت 926 ه .

وله مختصرات كثيرة أهمها: التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح للزبيدي ت 893 ه، وعليه شرح الشرقاوي وشرح صديق حسن خان ت 1307 ه).

(المكتبة الإسلامية للدكتور عماد جمعة:1/101).

ص: 67

ختمات البخاري لدفع الأعداء والأمراض والشدائد !

قال ابن حجر في مقدمة فتح الباري/11: (الإمام القدوة أبومحمد بن أبي جمرة في اختصاره للبخاري قال:قال لي من لقيته من العارفين عمن لقي من السادة المقر لهم بالفضل:إن صحيح البخاري ما قرئ في شدة إلا فرجت، ولا رُكب به في مركب فغرق. قال: وكان مجاب الدعوة ، وقد دعا لقارئه)!

ومعناه: أن ابن حجر يروي عن إمام صوفي، عن رجل صوفي، قال:كان مؤلف صحيح البخاري محمد بن إسماعيل البخاري مستجاب الدعوة، فدعا اللّه أن يجعل من قرأ كتابه مثله مستجاب الدعوة ، فاستجاباللّه له!

أو يقصد أن ذلك الإمام الصوفي كان مجاب الدعوة، فدعا لمن قرأ البخاري!

وفي مقال في مجلة البيان(عدد 169/10):(قال الجبرتي:وفي يوم الجمعة كتبوا قائمة أسماء المجاورينوالطلبة، وأخبروا الباشا أن الألف قرش لاتكفي طائفة من المجاورين، فزادها ثلاثة آلاف قرش من عنده فوزعها بحسب الحال:أعلى وأوسط وأدنى، فخص الأعلى عشرون قرشاً والأوسط عشرة والأدنى أربعة، وكذلك طوائف الأروقة بحسب الكثرة والقلة، ثم أحضروا أجزاء البخاري وقرؤوا »

إنها مأساة! الفرنسيون يدخلون القاهرة من كل باب، والمسلمون بزعامتهم ومرجعياتهم الدينية يقرؤون صحيح البخاري من أجل أن يرد العدو! وأنى له ذلك إذا لم يكن له رجال يحملونه هادياً لهم، والسيف ناصراً له!

يقول الدكتور علي بخيت الزهراني: « واحتل الفرنسيون القاهرة فلم يكن لمثل هذه الجموع الفوضوية التي كانت في البدع والخرافات أن تقاوم الجيش الفرنسي في قوته وتدريبه ونظامه، وكان الأولى بهؤلاء الطرقية أن يحملوا السلاح ليقاتلوا به الفرنسيين! وقد ظل علماء الأزهر وشيوخه يحافظون على هذه البدعة كلما ألمت بالبلاد مصيبة أو داهمتها كارثة، فبعد مرور ما يقارب تسعين عاماً على مجئ الفرنسيين إلى مصر قام الأسطول الإنجليزي بقصف

ص: 68

مدينة الإسكندرية، وتمكن من احتلالها، وكانت السادة العلماء الأعلام ولا سيما أستاذنا شيخ الإسلام، يقرؤون كتاب البخاري الشريف في الجامع الأزهر الأنور المنيف )!

وقال الجبرتي في عجائب الآثار (2/53): (واجتمع الأمراء والمشايخ والقاضي ووصل صحبة الأغا المذكور ألف قرش رومي أرسلها حضرة السلطان تفرق على طلبه العلم بالأزهر، ويقرؤون له صحيح البخاري ويدعون له بالنصر )

وقال الجبرتي(2/78): (وفي يوم الخميس ثامن عشرينه ورد مرسوم من الدولة فعمل الباشا الديوان في ذلك وقرؤوه وفيه الأمر بقراءة صحيح البخاري بالأزهر والدعاء بالنصر للسلطانعلى الموسقو(الروس) فإنهم تغلبوا واستولوا على قلاع ومدن عظيمة من مدن المسلمين. وأمر الباشا بتقرير عشرة من المشايخ من المذاهب الثلاثة يقرؤون البخاري في كل يوم،ورتب لهم في كل يوم مائتين نصف فضة لكل مدرس عشرون نصفاً من الضربخانة ووعدهم بتقريرها لهم على الدوام بفرمان).

وفي النجوم الزاهرة (10/204): (وفي شعبان تزايد الوباء بديار مصر وعظم في شهر رمضان، وقد دخل فصل الشتاء فاجتمع الناس بعامة جوامع مصر والقاهرة وخرج المصريون إلى مصلى خولان بالقرافة، واستمرت قراءة البخاري بالجامع الأزهر وغيره عدة أيام، والناس يدعون إلى اللّه تعالى ويقنتون في صلواتهم).

وفي أعيان العصر للصفدي(4/583): (ولما جاءت التتار، ورد مرسوم السلطان إلى مصر بجمع العلماء وقراءة البخاري ).

وفي مسامرات الظريف للسنوسي(1/105):(فحضر بجامع الزيتونة عند باب الشفاء، وأحضر نسخة من صحيح البخاري مجزأة عشرين جزءً، في غاية الضبط والصحة، وجمع معه تسعة عشر مدرساً من علماء جامع الزيتونة ).

وقال في مجموعة ملتقى أهل الحديث (ق.132 -145)ملخصاً: (من الإحتفالات التي كانت تزدهي بها بعض المدن الجزائرية، الإحتفال بيوم ختم البخاري يوم ليلة القدر، كان يجتمع فيه أعيان البلد وعلماؤه وحكامه وعامة الشعب في المسجد،ويحيون ليلهم بالصلاة والذكر.. وفي

ص: 69

اليوم التالي يفتتح مجلس الختم بعد صلاة الصبح بقراءة القرآن، وقراءة ترجمة الإمام البخاري، وبيان فضل كتابه الصحيح، ثم يقوم عالم من أعيان العلماء بقراءة آخر الأحاديث من هذا الكتاب ويختم المجلس بالدعاء المعهود.ومن تقاليد أهل الجزائر أنهم كانوا إذاأصابتهم المحن والبلايا في الأنفس والأموال والأولاد، فإنهم كانوا يلجؤون إلى عقد مجالس لختم البخاري.

كما أنهم كانوا يقرؤونه عند حلول الطعون والأمراض الوبائية التي تأتي على الأخضر واليابس، وهو عندهم من باب التوسل بالأعمال الصالحة ).

وفي العقود اللؤلؤية لابن وهاس الخزرجي (2/153):(وفي النصف من شهر شعبان حصل في نواحي عدن زلازل شديدة وأقامت أياماً وسقط بعض دور عدن وفزعوا عند ذلك إلى تلاوة القرآن، وقراءة البخاري ).

وقال القاسمي في قواعد التحديث (1/236): (قراءة البخاري لنازلة الوباء: وقد جرى على العمل بذلك كثير من رؤساء العلم ومقدمي الأعيان إذا ألمَّ بالبلاد نازلة مهمة، فيوزعون أجزاء الصحيح على العلماء والطلبة، ويعينون للختام يوماً يفدون فيه لمثل الجامع الأموي أمام المقام اليحيوي في دمشق وغيرها، وهذا العمل ورثه جيل عن جيل مذ انتشار ذاك القول ).

لم يكن يخطر لي أن يناقش أحد في هذا العمل ويزيفة بمقالة رنانة تطبع وتنشر! وتلك المقالة قدمها أحد الفضلاء الأزهريين في جمادى الآخر سنة1320لإحدي المجلات العلمية في مصر فنشرتها عنه، وهاكها بحروفها تحت عنوان: بماذا دفع العلماء نازلة الوباء؟ دفعوها يوم الأحد الماضي في الجامع الأزهر، بقراءة متن البخاري موزعاً كراريس على العلماء، جرياً على عادتهم من إعداد هذا المتن أوالسلاح الجبري لكشف الخطوب، وتفريج الكروب، فهو يقوم عندهم في الحرب مقام المدفع والصرام والأسل، وفي الحريق مقام المضخة والماء، وفي الهيضة مقام الحيطة الصحيحة، وعقاقيرالأطباء، وفي البيوت مقامالخفراء والشرطة! وعلى كل حال هومستنزل الرحمات.

ولما كان العلماء أهل الذكر فقد جئت أسألهم عن مأخذ هذا الدواء من كتاباللّه،

ص: 70

أو صحيح سنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أو رأي مستدل عليه لأحد المجتهدين الذين يقلدونهم، وإلا فعن أي حذاق الأطباء تلقوه ليتبين للناس منه أو من مؤلفاته، عمل تلاوة متن البخاري في درء الهيضة عن الأمة، وأن هذا داخل في نواميس الفطرة!

وإذا كان هذا السر العجيب جاء من جهة أن المقروء حديث نبوي، فلم خص بهذه المزية مؤلف البخاري، ولمَ لم يجز في هذا موطأ مالك، وهو أعلى كعباً، وأعرق نسباً، وأغزر علماً، ولا يزال مذهبه حياً مشهوراً!

وإذا جروا على أن الأمر من وراء الأسباب، فلم لا يقرؤه العلماء لدفع ألم الجوع كما يقرءونه لإزالة المغص أو القئ أو الإسهال، حتى تذهب شحناء الجراية من صدور كثير من أهل العلم، أي من أهل جامع الأزهر!

هذا وقد لهج الناس بآراء على أثر الإجتماع الهيضي الأزهري، فمن قائل: إنهم يخدعون أنفسهم بمثل هذه الأعمال بدليل أن من يصاب منهم لايعالج مرضه بقراءة كراسة من ذلك الكتاب، بل يعمد إلى المجربات من النعنع والخل وماء البصل وما شابه،أو يلجأ إلى الطبيب،ولاتلتفت نفسه إلى الكراسة التي تعالج بها الأمة، فهذا يدل على أن القوم يعملون على خلاف ما في وجدانهم لهذه الأمة، خادعين أنفسهم بتسليم أعمال سلفهم.

ومن قائل: إن عدواً من أعداء الدين الإسلامي أراد أن يشكك المسلمين فيه فدخل عليهم من جهة تعظيمه، فأوحى إلى قوم من متعالمية السابقين أن يعظموا من شأنه، ويرفعوا من قدره حتى يجعلوه فوق ما جاءت له الأديان..ولولا وقوف أهل الفكر منهم على أن هذا العمل ليس من الدين وأن القرآن يقول:وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ، لضلوا وأضلوا!

ولو كان هذا العمل من غير العلماء الرسميين لضربت عنهم وعن عملهم صفحاً، ولما خططت كلمة، ولكنه من علماء لهم مراكز رسمية، يزاحمون بها مراكز الأمراء، فيجب أن يؤبه لهم، وأن ينظر لعملهم بإزاء مركزهم عن الأمة التي يسألون عنها. و اللّه ولي التوفيق!

ص: 71

(من كتاب إصلاح المساجد من البدع لمحمد جمال الدين الحلاق (1/259).

قال الشيخ محمود أبورية في كتابه: أضواء على السنة المحمدية/381، والمنفلوطي في النظرات/287، وغيرهما:(رحم اللّه أستاذنا الإمام محمد عبده حيث قال في رجل وصفوه بأنه قد جد واجتهد، حتى بلغ ما لم يبلغه أحد، فحفظ متن البخاري كله عن ظهر قلب فقال الإمام:الحمد للّه لقد زادت عندنا نسخة في البلد، أي إن قيمة هذا الرجل الذي أعجب الناس به، لاتزيد على قيمة نسخة من كتاب البخاري، لا تتحرك ولا تعي)!

**

ص: 72

الفصل الخامس: انتقاص البخاري من نبينا وبقية الأنبياء (عليهم السلام)

هدف البخاري تبرير عمل أئمته حتى بتفضيلهم على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !

افتروا على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه كان يخطئ فيصحح له عمر! ويختلف مع عمر في الأمر فيوافق اللّه عمر وينزل الوحي برأيه! وسموا ذلك موافقات اللّه لعمر! وبلغوا بها سبعاً وعشرين موافقة، ومدحوه بها، ونظموا فيها الشعر!

قال البخاري(/149): « قال عمر: وافقني ربي في ثلاث: قلت يا رسول اللّه لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى؟وقلت يا رسول اللّه يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل اللّه آية الحجاب »

وقال ابن حجر في فتح الباري(1/423): « والمعنى وافقني ربي فأنزل القرآن على وفق ما رأيت، لكن لرعاية الأدب أسند الموافقة إلى نفسه! وليس في تخصيصه العدد بالثلاث ما ينفي الزيادة عليها، لأنه حصلت له الموافقة في أشياء غير هذه من مشهورها قصة أسارى بدر، وقصة الصلاة على المنافقين، وهما في الصحيح، وصحح الترمذي من حديث ابن عمر أنه قال: ما نزل بالناس أمرٌ قط فقالوا فيه وقال فيه عمر إلا نزل القرآن فيه على نحو ما قال عمر! وهذا دال على كثرة موافقته، وأكثر ما وقفنا منها بالتعيين خمسة عشر»!

وذكر عمر بن شبه عدداً من موافقات اللّه تعالى لعمر، بعضها واضح الكذب وبعضها فيه تحريف، وفي بعضها تخطئة صريحة للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !

ص: 73

أفانين البخاري في الذم والتنقيص والمدح والتقديس !

تفنن البخاري في خدمة دين السلطة وأفرط في استعمال معاريض الكلام، التي قال فيها عمر بن الخطاب (البيهقي:10/199):(لايسرني أن لي بما أعلم من معاريض القول، مثل أهلي ومالي).وقال ابن الأثير في النهاية (4/160): (معاريض الكلام، الذي هو كذب من حيث يظنه السامع، وصدق من حيث يقوله القائل).

وقال السرخسي(30/214): «وإن حذيفة رضي اللّه عنه من كبار الصحابة وكان بينه وبين عثمان بعض المداراة، فكان يستعمل معاريض الكلام فيما يخبره به ويحلف له عليه على سبيل المداراة، أو كأنه كان يحلف ما قالها ويعني ما قالها في هذا المكان، أو في شهركذا! فهذا ونحوه من باب استعمال المعاريض».

وقد أفرط البخاري في استعمال المعاريض والتورية في مدح من لايستحق، والإنتقاص ممن لا يستحق! وسنورد في الفصول التالية نماذج من عمله، فلو أردنا استقصاء ما فعله في كتابه لمديح أبي بكر وعمر وعائشة، لاحتجنا الى مجلد، ثم الى مجلد لكشف ما عمله للتنقيص من علي وفاطمة والحسن والحسن (عليهم السلام) .

بل إن انتقاصه عن عمد وغير عمد من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، يحتاج الى مجلد كامل!

صحح البخاري كذبة الغرانيق وأن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سجد للأصنام !

افترى القرشيون على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بأنه شهد بشفاعة أصنامهم وسجد لها! أي كذب بالإسلام وبالقرآن، وعبدأصنام قريش!

قال السيوطي في الدر المنثور(4/366): (أخرج البزار والطبراني وابن مردويه والضياء في المختارة بسند رجاله ثقات، عن ابن عباس قال: إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قرأ: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الآخْرَى، تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى! ففرح المشركون بذلك وقالوا: قد ذكر آلهتنا! فجاء جبريل فقال: إقرأ على ما جئتك به فقرأ: أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى،تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى!

ص: 74

فقال: ما أتيتك بهذا! هذا من الشيطان فأنزل اللّه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِىٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ).

وهذه هي القصة التي عرفت في عصرنا بالآيات الشيطانية، ونسج عليها الملحد سلمان رشدي الهندي كتابه، وتلقفته وسائل الإعلام العالمية، وأفتى الإمام الخميني (قدس سره) بقتل رشدي، ووضع جائزة لمن قام بذلك.

وقد بحثناها في كتاب ألف سؤال، وغرضنا هنا أن نثبت أن البخاري اجتزأها ورواها بأسلوبه في تبطين الطعن، لكن الخبير بأحاديثها يعرفها، قال في صحيحه (2/32، و: 4/239و:5/7، و:6/52): (عن عبد اللّه أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قرأ سورة النجم فسجد بها، فما بقي أحد من القوم إلا سجد! فأخذ رجل من القوم كفاً من حصى أو تراب فرفعه إلى وجهه وقال يكفيني هذا، فرأيته بعد ذلك قتل كافراً ).

وقالوا إن الذي أخذ كف حصى وسجد عليه هو أبوأحيحة سعيد بن العاص، أما الذي قتل في بدر فهو ابنه العاص.وكله من افترائهم، ولو رواه ألف بخاري!

قال اللّه تعالى: ولقد رآه بالأفق المبين وقال البخاري:رآه في كابوس

افتتح البخاري صحيحه بالطعن في النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأنه كان يشك في نبوته! فروى خرافة عن بدء الوحي، ثم كررها في كتابه (4/124، و6/88)!

قالت عائشة إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم يبعث في جوٍّ واضح،ولا رأى جبريل بالأفق المبين كما قال تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ بِالآفُقِ الْمُبِينِ، وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ.بل كان الأفق غائماً والنبوة مشكوكة! وأن شخصاً جاءه لا يعرفه فعامله بخشونة وأمره أن يقرأ، ولم يقبل عذره بأنهلايعرف القراءة، فغطه غطاً عنيفاً ثلاث مرات! أي عجنه وخنقه وحبس نفسه وكاد أن يقتله!فالغط العصر الشديد والكبس(النهاية:3/373)!

فعاد إلى منزله مرعوباً شاكياً إلى زوجته خديجة (عليهماالسلام) فطمأنته، لكنها بقيت في شك أيضاً! فأخذته إلى ورقة بن نوفل وهو قسيس عجوز من قبيلتها، ففحصه ثم طمأنه بأن الذي

ص: 75

جاءه جبريل، وأنه فعلاً نبي! لكن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عاد اليه الشك لما انقطع عنه الوحي! فقرر أن يلقي بنفسه من رأس جبل وينتحر! وذهب مراراً الى الجبل، فكان جبريل يأتيه ويمنعه!

قال البخاري(8/67):( باب التعبير وأول ما بدئ به رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الوحي: عن عائشة أنها قالت: أول ما بدئ به رسول اللّه من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، فكان يأتي حِرَاء فيتحنَّث فيه، وهو التعبدالليالي ذوات العدد، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها، حتى فجأه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فيه فقال: إقرأ، فقال له النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجَهد! ثم أرسلني فقال: إقرأ! فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد! ثم أرسلني فقال: إقرأ! فقلت:ما أنا بقارئ فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد!ثم أرسلني فقال:إقرأ باسم ربك! ثم أرسلني فقال: إقرأ باسم ربك الذي خلق، حتى بلغ ما لم يعلم!

فرجع بها ترجف بوادره، حتى دخل على خديجة فقال: زمِّلوني زمِّلوني، (غَطُّوني) فزمَّلوه حتى ذهب عنه الروع! فقال يا خديجة مالي! وأخبرها الخبر وقال: قد خشيت على نفسي! فقالت له: كلا، أبشر فو اللّه لايخزيك اللّه أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث،وتحمل الكَل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى بن قصي، وهو ابن عم خديجة أخو أبي ها، وكان امرءاً تنصَّر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبري فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء اللّه أن يكتب وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة:أي ابن عم إسمع من ابن أخيك فقال له ورقة: ابنَ أخي ماذا ترى؟ فأخبره النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، يا ليتني فيها جذعاً أكون حياً حين يخرجك قومك؟فقال رسول اللّه: أو مُخرجيَّ هم؟فقال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم ينشب ورقه أن توفي!

وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً كي يتردى من

ص: 76

رؤس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول اللّه حقاً، فيسكن لذلك جأشه وتقرُّ نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك! فإذا أوفى بذروة جبل تبدَّى له جبريل فقال له مثل ذلك )!

أقول وقلبي يقطر دماً: أي طعن في رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أكبر من أن تجعل الأفق المبين بنص اللّه تعالى كابوساً مظلماً؟ وأقسم باللّه أن القرشيات أسوأ من الإسرائيليات، ولم أر اليهود الذين آذوا موسى (عليه السلام) طعنوا عليه بمثل هذا الطعن! وجعلوه من الأساس شاكاً في نبوته! حتى طمأنه قسيس! ثم تأخر عليه الوحي فعاد اليه الشك وقرر أن ينتحر! ولذا قال أعداء الإسلام إن قسيساً بعث نبيكم وليس اللّه!

ولم يقف البخاري عند حديث شك النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في نبوته! فزعم أنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) غير معصوم حتى في تبليغ رسالة ربه، فقد كفر وخان الرسالة وغيَّر القرآن! واستبدل ذم أصنام قريش بمدحها،وسجد لها فعبدالأصنام مع قريش وكفر برب العالمين!

ثم زعم ثالثاً، أن نبينا (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليس أفضل من أنبياء بني إسرائيل (عليهم السلام) ! فموسى أفضل منه، ويونس خير منه، وعيسى (عليه السلام) خير منه ومن جميع الأنبياء (عليهم السلام) !

وزعم رابعاً، أن نبينا (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عصبي المزاج سئ الأخلاق مع المسلمين، غير مسدد في منطقه، فهو ينطق عن الهوى ويسب ويشتم ويلعن، ويجلد الناس ظلماً وعدواناً!

وزعم خامساً، أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ساذج ضعيف الشخصية والتدبير، يقع في أخطاء فظيعة، فيصححها له عمر، وينزل الوحي موبخاً له مؤيداً لعمر!

وزعم سادساً، أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ظالم لقومه، ظلمهم في بدر وأخذ منهم أسرى، وأخذ منهم فدية مقابل إطلاقهم، فعاقبه اللّه بهزيمته،وجرحه وكسر أسنانه في أحد!

وزعم سابعاً، أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) غير مسدد في حكمه وقضائه بين المسلمين، فقد يقضي لشخص بالباطل لأنه حاذق في كلامه!

وزعم ثامناً، أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ينهى عن الأمر ويرتكبه، فقد نهى المسلمين عن التمني وقول ( لو )، لكنه تمنى وقالها مرات!

ص: 77

وزعم تاسعاً، أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) صاحب ذهن مشوش ينسى كثيراً، فقد نسي أنه جُنُب فلم يغتسل وصلى! كما نسي عدد ركعات الصلاة ونقَّص منها! وأخطأ في قراءة القرآن في صلاته، فصحح له بدوي من خلفه!

وزعم عاشراً، أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) غلب عليه المرض في آخر حياته فأخذ يهذي ويهجر، وطلب من المسلمين أن يأتوه بدواة وقرطاس ليكتب لهم كتاباً يؤمِّنهم من الإختلاف والضلال إلى يوم القيامة، فرفض ذلك عمر وقال نبيكم غلب عليه الوجع، وأيده أكثر الحاضرين، ومنعوه منكتابة عهده لأمته، لأنه يهجر!

ثم تقول عائشة إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سُحِرَ وفقد ذاكرته، وبقي ستة أشهر مسحوراً، يخيَّلُ إليه أنه فعل الشئ وهو لم يفعله، ويتخيل أنه أتى زوجته ولم يأتها!

فماذا أبقى البخاري من شخصية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ،جازاه اللّه بما يستحق!

ناقض البخاري القرآن فقال إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سُحر !

قبل البخاري قول عائشة إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سُحِرحتى اختل عقله وبقي ستة أشهر مسحوراً، ولم يسأل البخاري عائشة:لماذا لم يره أحد مسحوراً غيرك؟وكيف صدق اللّه قول الكفار فقال:إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلاً مَسْحُوراً!

وقالت عائشة إنه سحر بعد الحديبية، لكنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعد رجوعه من الحديبية بقي في المدينة عشرة أيام، ثم ذهب الى خيبر، فأين الستة أشهر، وأين سقوط شعره؟! وزعمت عائشة أن يهودياً سَحَره فأخذ مشطه وبعض شَعره وعقده في خيط ودفنه في بئر! وقالت إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) استخرجه وفكَّ عقد الخيط، ولم يعاقب الذي سحره!

وقد روى البخاري هذه الخرافة في خمسة مواضع! قالت عائشة(4/91):(سُحر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشئ وما يفعله، سحره لبيد بن الأعصم اليهودي في مشط ومشاطة عقده في خيط جلد وألقاه في بئر ذِروان! فخرج إليها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) واستخرجه ولم يعاقب لبيداً، قال خشيتُ أن يثير ذلك على الناس شراً!

ص: 78

وفي: 4/68: « سُحر حتى كان يُخَيَّلُ إليه أنه صنع شيئاً ولم يصنعه »!

وفي: 7/88: « مكث النبي كذا وكذا، يخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتي »!

وفي: 7/29: « كان رسول اللّه سُحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن! قال سفيان: وهذاأشد ما يكون من السحر »!وكرره في ( 7/28 و 164 ).

وقال إمامهم ابن حجر عن الزهري أنه لبث ستة أشهر! وجدناه موصولاً بإسناد الصحيح فهو المعتمد »! ( فتح الباري: 10/192 ).ثم ذكر ابن حجر تأثير السحر على حواس النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وبعض عقله! قال المازري: وهذا كله مردود، لأن الدليل قد قام على صدق النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيما يبلغه عن اللّه تعالى، وعلى عصمته في التبليغ، والمعجزات شاهدات بتصديقه، فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها فغير بعيد أن يخيل إليه في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له، مع عصمته في أمور الدين!

أقول:هذا بعض كلامهم الطويل العليل! الذي يريدون به أن يقنعوك بصحة قزل عائشة، وأن نبيك (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان ستة أشهر مسحوراً، وانتثر شعر رأسه وصار أقرع أو كالأقرع، ويقولون نعم إنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) معصوم لا ينطق عن الهوى، لكن عصمته إنما هي في تبليغه الرسالة فقط ما عدا حديث الغرانيق طبعاً! أما في غير التبليغ فيصاب بالسحر وبالجنون، فيفقد التمييز في الأمور الدنيوية، ومنها استخلاف خليفته!

لقد فاقت القرشيات بافترائها على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كل ما افترته الإسرائيليات على أنبيائهم (عليهم السلام) ! ولذا قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « ما أوذي نبي مثل ما أوذيت »!

وقد رد هذه الفرية علماء الشيعة، وتجرأ على ردها بعض علماء السنة! قال النووي في المجموع(19/242): (تنبيه: قال الشهاب نقل في التأويلات عن أبي بكر الأصم أنه قال: إن حديث سحره (صلی اللّه عليه وآله وسلم) المروي هنا متروك لما يلزمه من صدق قول الكفرة أنه مسحور، وهو مخالف لنص القرآن حيث أكذبهم اللّه فيه. ونقل الرازي عن القاضي أنه قال: هذه الرواية باطلة، وكيف يمكن القول بصحتها و اللّه تعالى يقول: و اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس.

ص: 79

وقال:وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ ، ولأن تجويزه يفضى إلى القدح في النبوة، فلو وقعت هذه الواقعة لكان الكفار صادقين في تلك الدعوى ولحصل فيه ذلك العيب، ومعلوم أن ذلك غير جائز.ويقول القاسمي في محاسن التأويل: ولا غرابة في أن لا يقبل هذا الخبر لما برهن عليه، وإن كان مخرجاً في الصحاح وذلك لأنه ليس كل مخرج فيها سالماً من النقد سنداً أو معنى،كما يعرفه الراسخون).

أقول: أصل المشكلة عندهم أنهم يقبلون كلام عمر وعائشة والبخاري مهما كان، ولا يسمحون لأحد أن ينقده! أما نحن فنراه من خيالات عجائز مكة، ومن تأثير أحادث اليهوديات ونسبتهم القبيح إلى أنبيائهم (عليهم السلام) ، والى ربهم عز وجل!

اتهموا النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بأنه مفرط في الجنس ويلهو ويلعب !

زعم البخاري أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مفرط في الجنس، يأتي نساءه التسعة في ليلة واحدة، ويباشر زوجته وهي حائض، ويتبذَّل تبذلاً لايناسب إنساناً عادياً فيبول وهو واقف، ويستقبل ضيوفه وهو مضطجع، ويستمع الغناء، ويشاهد الرقص، ويشرب النبيذ! أما عمرفكان محافظاً أكثر منه، حيث قال له: أحجب نساءك فلم يفعل، فأنزل اللّه آية الحجاب، وأمره بما أمره به عمر!

كما زعم البخاري أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان مغرماً بزوجته عائشة، فكان يفضلها على زوجاته، ويستمع معها الغناء من جاريتين تغنيان لهما، ويحملها على كتفه ويضع خده على خدها لتشاهد من شباك الغرفة رقص الأحباش، ويأخذها معه في غزواته، وربما ترك جيشه وسابقها، وقد سبقها مرة، وسبقته مرة! وقد روت عائشة قصص حياتهما الشخصية، مما لايناسب زوجين مسلمين! ومع ذلك يقولون إن البخاري صحيحٌ من الجلد إلى الجلد، وأصح كتاب بعد كتاباللّه تعالى! ويقبلون منه مايخالف قطعيَّ العقل، ويتدينون بأحاديثه المتعارضة التي لوكلف عالم بالجمع بينها لقال كلفني بنقل صخور الجبال فهو أسهل!فإن الإنس والجن لايمكنهم جمع المتناقضات إلا بإسقاط بعضها!

ص: 80

قال أنس في البخاري(6/117): (إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان يتطوف على نسائه في ليلة واحدة، وله تسع نسوة)!

وقالت عائشة (البخاري:2/2): « دخل عليَّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبوبكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأقبل عليه رسول اللّه فقال: دعهما فلما غفل غمزتهما فخرجتا! وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب، فإما سألت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وإما قال: أتشتهين تنظرين؟ قلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خده، وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة، حتى إذا مللت قال: حسبك؟ قلت: نعم، قال: فاذهبي »!

وقالت عائشة (البخاري:2/256و:1/78): (كان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يباشرني وأنا حائض)!

وزعم البخاري أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان يعبدالأصنام !

افترى البخاري على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بأنه كان يعبدالأصنام ويذبح لها! وزعم أن ابن عم عمركان أتقى منه! قال (4/232، و6/225): (عن عبد اللّه بن عمر أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بَلْدَح، قبل أن ينزل على النبي الوحي، فقدمت إلى النبي سفرة فأبى(زيد) أن يأكل منها، ثم قال زيد: إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا ما ذكراسم اللّه عليه )!

وحاول شراح البخاري كابن حجر في فتح الباري(7/108) تبرير ذلك والقاضي عياض، وابن بطال، وابن منير، وأن السفرة قدمتها قريش إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فرفض أن يأكل منها، وتعمدوا في ذلك وتمحلوا!فالمصادر تكذبهم كمسند أحمد، والنسائي، والبيهقي، وابن حبان، والطبراني، وابن عساكر، وابن سعد..الخ. وبَلْدَح، وادٍ قرب مكة، كان فيها أصنام لقريش. (معجم البكري:1/273، وابن سعد:2/95، ومناقب آل أبي طالب:1/91).

ص: 81

وزعم أن عمر أمر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أحجب نساءك فنزلت الآيات !

صورت رواية السلطة كأن نساء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كن سافرات يختلطن بالرجال، فأخذت الغيرة عمرفقال له: أحجب نساءك فإنه يدخل عليك البر والفاجر، ويراهنَّ الرجال ويكلمونهن، فلم يطعه، فوافقه اللّه وأنزل آية الحجاب!

قال البخاري(5/149و:6/24): (قال عمر:وافقت اللّه في ثلاث، أو وافقني ربي في ثلاث: قلت يا رسول اللّه لواتخذت من مقام إبراهيم مصلى؟وقلت: يا رسول اللّه يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل اللّه آية الحجاب). وفي(1/105): (فإنه يكلمهن البر والفاجر ).

ويتعجب الإنسان من مدحهم لعمر بالطعن بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ! وكأن المطلوب تفضيله على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ! مع أن نساء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كنَّ محجبات! وكانت سورة النور نزلت وفيها آيات الحجاب، وآداب الأسرة والإختلاط.

أما آية الحجاب في سورة الأحزاب التي قصدها عمر فزادت في حجابهن بأن فرضتعليهنَّ أن لايكلمن الأجانب إلا من وراء ستر، وأن اللّه أراد منهن أن يتحلَّيْنَ بمتانة الشخصية ورصانة الكلام:فَلاتَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ، ولايكثرن

الرواح والمجئ، ولايتصدَّيْنَ للأمور السياسية: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ، وأن يكنَّ في مستوى أمهات المؤمنين، وإلا فليتنحَّيْنَ من حياة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !

وقد تناقضت أقوالهم في سبب نزول آية الحجاب حتى في البخاري، وقبلوا منها قول عمر إنه أمر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن يحجب نساءه فلم يفعل، فنزلت الآية!

وروى البخاري(6/24و26)أسباباً أخرى منها جلوس الثقلاء لمدة طويلة في بيت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قال أنس: ( أنا أعلم الناس بهذه الآية آية الحجاب. لما أهديت زينب بنت جحش إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وصنع طعاماً ودعا القوم فقعدوا يتحدثون، فجعل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يخرج ثم يرجع وهم قعود يتحدثون، فأنزل اللّه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ

ص: 82

لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ.. إلى قوله: مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، فضُرب الحجاب وقام القوم ).

وروى البخاري (1/46) أن عائشة صدَّقت عمر، وأن يدها مسَّت يد عمر، فنزلت آية الحجاب! (الأدب المفرد للبخاري/225).

ثم سحبت تصديقها لعمر في سبب نزول الآية (صحيح البخاري: 7/128).

وزعموا أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقع في خطأ فظيع فأنقده عمر

اخترعوا منقبة لأبي بكر وعمر في تبوك! فقالوا إن جيش تبوك وعدده ثلاثون ألفاً نفد طعامهم، فأمرهم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بذبح الجمال، فنهاه أبوبكر وعمر وأمراه أن يجمع ما بقي منزاد المسلمين ويدعو، ففعل فبارك اللّه لهم!

رواها البخاري (3/109و:4/13): (عن سلمة قال خفت أزواد القوم وأملقوا فأتوا النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في نحر إبلهم فأذن لهم فلقيهم عمر فأخبروه فقال: ما بقاؤكم بعد إبلكم، فدخل على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول اللّه ما بقاؤهم بعد إبلهم؟ فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ناد في الناس يأتون بفضل أزوادهم فبسط لذلك نطع وجعلوه على النطع فقام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فدعا وبارك عليه، ثم دعاهم بأوعيتهم فاحتثى الناس حتى فرغوا. ثم قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أشهد أن لا إله إلا اللّه وأني رسول اللّه).

وقال مسلم (1/42):« قالوا:يا رسول اللّه لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا، فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إفعلوا! قال فجاء عمر فقال: يا رسول اللّه إن فعلت قلَّ الظهر، ولكن أدعهم بفضل أزوادهم ثم ادع اللّه لهم عليها بالبركة، فقال رسول اللّه: نعم ).

وزعم البخاري أن عمر تقاسم مع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قدح العلم !

قال البخاري (1/28و:8/74و79) عن ابن عمر: « سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت حتى إني لأرى الريَّ يخرج في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب! قالوا فما أولته يا رسول اللّه؟ قال: العلم »!

ص: 83

وقد عقد بخاري لقدح علم عمر أبواباً عديدة (8/74،و 79 و81 ):باب اللبن، وباب إذا جرى اللبن في أطرافه أو أظافيره، وباب إذا أعطى فضله غيره في النوم، وباب القدح في النوم! وباب فضل العلم، وباب اللبن!

وقال الدارمي (1/101):« ذهب عمر بثلثي العلم، فذكر لإبراهيم فقال: ذهب عمر بتسعةأعشار العلم »!

لكن عمر كذبهم فقال كما في البخاري (3/6و19، و:8/157):«أُخْفِيَ عليَّ من أمر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ! ألهاني الصفق بالأسواق، يعني الخروج إلى تجارة »

وتكلم يوماً وهو يصلي وصاح بالراعي:ياصاحب الشول رُدَّ إبلك، فوبخه النبي وقال له: لا فقه لك يا ابن الخطاب! (عبدالرزاق:2/330)!

وقال عمر مرة: « كلكم أفقه من عمر » (سبل السلام:3 /149).وقال مرة:«كل الناس أفقه من عمر، حتى النساء في البيوت» (المبسوط:10/153).

«وقرأ عمر: وفاكهة وأَبّاً، فقال بعضهم هكذا وقال بعضهم هكذا! فقال عمر: دعونا من هذا، هذا لعمر اللّه هو التكلف، فما عليك أن لا ندري ما الأبُّ )! (الدر المنثور:6/317 والحاكم:2/290، بشرط الشيخين).

وقال أبوداوود (2/339):أمر برجم مجنونةٍ «فمر بها على عليِّ فقال: إرجعوا بها، ثم أتاه فقال: يا أميرالمؤمنين أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبيِّ حتى يعقل)!

وقال السرخسي في المبسوط (16/84):« روي أن عمركان يقضي في حادثة بقضية ثم ترفع إليه تلك الحادثة فيقضي بخلافها!فكان إذا قيل له في ذلك قال: تلك كما قضينا، وهذه كما نقضي)!

ولم يعرف عمر أكثر الحمل فأفتى بأنه أربع سنين! قال ابن قدامة (المغني:9/116): (ولو طلقها أو مات عنها فلم تنكح حتى أتت بولد بعد طلاقه أو موته بأربع سنين لحقه الولد وانقضت عدتها به!لأن عمر ضرب لامرأة المفقود أربع سنين ولم يكن ذلك إلا لأنه غايةالحمل)!

ص: 84

وذات يوم لم يعرف عمر كيف يتيمم فتمرغ بالتراب فضحك النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلما صار خليفة ألغى آية التيمم، وأسقط الصلاة عمن لم يجد ماء! (البخاري: 1/87 و90)

قال البخاري(1/91): (عن الأعمش عن شقيق قال: كنت جالساً مع عبد اللّه وأبي موسى الأشعري، فقال له أبوموسى: لو أن رجلاً أجنب، فلم يجد الماء شهراً، أما كان يتيمم ويصلي، فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة: فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّباً؟فقال عبد اللّه: لو رخص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا الصعيد.قلت:وإنما كرهتم هذا لذا؟قال: نعم!فقال أبوموسى:ألم تسمع قول عمار لعمر: بعثني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، فذكرت ذلك للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا فضرب بكفه ضربة على الأرض ثم نفضها، ثم مسح بها ظهركفه بشماله أو ظهر شماله بكفه ثم مسح بها وجهه. فقال عبد اللّه: ألم ترعمر لم يقنع بقول عمار!وزاد أبويعلى عن الأعمش عن شقيق قال:كنت مع عبد اللّه وأبي موسى فقال أبوموسى ألم تسمع قول عمار لعمر: إن رسول اللّه بعثني أنا وأنت فأجنبتَ فتمعكتَ بالصعيد فأتينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأخبرناه فقال:إنما كان يكفيك هكذا ومسح وجهه وكفيه).

ويظهر من رواية (كنز العمال:9/588) أن المتمعك يومها عمر، فقال لعمار:إتق اللّه يا عمار، فقال عمار: إن شئت لا أذكره ما حييت)!

فإلغاء عمر تشريع التيمم وآية التيمم، وإسقاطه فريضة الصلاة، بسبب عقدة نفسية من تمعكه وضحك النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) منه!وقد أمرعمرالناس إذا فقدوا الماء أن يتركوا الصلاة فأطاعوه!ولا غرابة فقد أطاعوه في إلغاء حق النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بأن يكتب عهده الى أمته وصاحوا في وجه نبيهم: القول ما قاله عمر، إن النبي يهجر! جازاهم اللّه!

ص: 85

وزعم أن قميص عمر أطول من قميص كل الناس

عقد البخاري في (8/74):(باب القميص في المنام: وروى فيه أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قُمُص، منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك، ومرَّ عليَّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره، قالوا: ما أولت يا رسول اللّه؟ قال الدين).

فقميص عمر يصل الى الأرض، فهو أطول من غيره، لأنه أدين من غيره!

نشر البخاري كذبة السلطة في رفع اللعن عن زعماء قريش !

اللعن مبدأ ثابت في الأديان الإلهية، ومعناه الطرد من رحمة اللّه تعالى، ويسمى مشابهه في الكنيسة:الحرمان الكنسي، ومشابهه في القوانين:الحرمان من الحقوق المدنية فهو حكم شرعي وعقيدة، وفي القرآن ست وثلاثون آية ورد فيها اللعن ومشتقاته، وقد لعن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من أخبره اللّه تعالى بطردهم من رحمته، وكان يلعن كبارهم في قنوت صلاته. فكان ذلك ثقيلاً على القرشيين، لأنهم يعتقدون بأن اللعنة أياً كانت فلها تأثير تكويني على الملعون!

ولما حكموا بعد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) رفعوا حكم اللعن عنهم، وقالوا إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) غضب وأخطأ، ثم تراجع وسحب لعنه ودعا لهم بالرحمة والمغفرة والبركة، فصار الملعون أحسن حظاً من غيره! قال البخاري(7/157):(عن أبي هريرة أنه سمع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: اللّهم فأيما مؤمن سببته، فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة).وقال مسلم(8/25):( سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: اللّهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر، وإني قد اتخذت عندك عهداً لن تخلفنيه.فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارةً وقربةً تقربه بها إليك يوم القيامة)!.

وكان عمر أكثرهم تشاؤماً من اللعن،حتى لو كان اللاعن بدوياً والملعون ناقة! (عن أبي عثمان قال: بينما عمر يسير على بعير له فلعنه، فقال من هذا اللاعن؟ قالوا:فلان. قال:تخلف عنا أنت وبعيرك، لا تصحبنا راحلة ملعونة )! (كنز العمال: 3/877).فكأن لعنته لناقته تؤثر رأساً، وقد تسري اليهم!

ص: 86

وكان معاوية يلعن علياً والحسنين (عليهم السلام) ، ويتصور أن لعنته تؤثر أثرها فيهم!

لم يوفر البخاري أحداً من الأنبياء (عليهم السلام)

وهذا منهج اليهود في الطعن بالأنبياء (عليهم السلام) ، أخذه منهم البخاري ورواة السلطة!

قال البخاري (4/131و:7/214، و:8/203):(عن أبي هريرة:قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : احتج آدم وموسى فقال له موسى: أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة؟ فقال له آدم:أنت موسى الذي اصطفاك اللّه برسالاته!

وطعن البخاري في نبي اللّه إبراهيم (عليه السلام) فقال:(4/112و113، و: 6/121) إنه كذب ثلاث كذبات، اثنتان للّه، وواحدة لغير اللّه! قال: ( لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات، ثنتين منهن في ذات اللّه عز وجل، قوله: إِنِّي سَقِيمٌ، وقوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا! وقال بينا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبار من الجبابرة فقيل له إن هاهنا رجلاًمعه امرأة من أحسن الناس فأرسل إليه فسأله عنها فقال من هذه؟ قال: أختي )!وزعم البخاري (5/226) أن إبراهيم (عليه السلام) لايشفع للناس بسبب كذباته الثلاث! وكرره في: (5/225 و:7/203 و: 8 /172 و183، و192، و201 )!

ونعم ما قاله الفخر الرازي في تفسيره (18/119):(إن قبلناه لزمنا الحكم بتكذيب إبراهيم (عليه السلام) وإن رددناه لزمنا الحكم بتكذيب الرواة، ولا شك أن صون إبراهيم (عليه السلام) عن الكذب أولى من صون طائفة من المجاهيل عن الكذب.)

ونسب إلى نبي اللّه موسى (عليه السلام) أنه بطَّاش، وأنه ضرب ملك الموت، ففقأ عينه! روى في(2/92و:4/130) عن أبي هريرة: (أرسل ملك الموت إلى موسى فلما جاءه صكه! فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبدلا يريد الموت! فرد اللّه عز وجل عليه عينه وقال: إرجع فقل له يضع يده على متن ثور، فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سنة، قال: أي رب ثم ماذا؟ قال: ثم الموت. قال: فالآن، فسأل اللّه أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، قال قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر)!

ص: 87

قال ابن حجر في فتح الباري(6/315):(فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها! وفي رواية عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة عند أحمد والطبري: كان ملك الموت يأتي الناس عياناً فأتى موسى فلطمه ففقأ عينه.)!

ونسب إلى موسى (عليه السلام) أنه ركض عارياً وراء ثيابه! فقد اتهم اليهود موسى (عليه السلام) بأن له أدرة، أي عنده فتق، فأراد اللّه أن يبرئه فأظهره لهم عارياً!

قال البخاري (4/129، و:6/28 و:1/73):( فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول ثوبي حجر! ثوبي حجر! حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عرياناً أحسن ما خلق اللّهوأبرأه مما يقولون، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضرباً بعضاه! فو اللّه إن بالحجر لندباً من أثر ضربه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً، فذلك قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللّهِ وَجِيهاً ).

ونسب إلى نبي اللّه سليمان (عليه السلام) أنه مفرط في الجنس،وينسى ذكر اللّه! قال (3/209، و:4/136و: 6/160): (قال سليمان بن داود (عليهماالسلام) لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين،كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل اللّه! فقال له صاحبه: قل إن شاء اللّه، فلم يقل إن شاء اللّه! فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل!والذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء اللّه لجاهدوا في سبيل اللّه فرساناً أجمعون )!

ونسب البخاري إلى أنبياء اللّه (عليهم السلام) أنهم يغضبون غضباً مفرطاً ينافي العصمة، انتقاماً لأنفسهم، فروى أن نبياً قرصته نملة فغضب وأحرق قرية النمل بالنار!

قال البخاري (4/22و100): ( قرصت نملة نبياً من الأنبياء (عليهم السلام) فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى اللّه إليه: إن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح اللّه )!

وزعم البخاري أن الشيطان يعبث بكل إنسان عند ولادته، حتى الأنبياء (عليهم السلام) إلا عيسى (عليه السلام) قال (4/94): (كل بني آدم يَطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد،

ص: 88

غيرعيسى بن مريم، ذهب يطعن فطعن في الحجاب )! وسبب استثناء عيسى (عليه السلام) حسب بزعمه أن أم مريم (عليهاالسلام) دعت لها: وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. فاستجاباللّه دعاءها، فلم يطعن الشيطان ابنها عندما خرج من رحمها!

ثم لماذا يسلط اللّه الشيطان على كل مولود من ولد آدم (عليه السلام) ، ليعبث به وبأمه! وما معنى أنه يطعن بإصبعيه في جنبه، وأنه بهذه الطعنة يتسلط عليه؟ وما معنى أنه طعن في جنبيَّعيسى (عليه السلام) ذهبت في الحجاب وفسروا الحجاب بالمشيمة، وفسروه بخيمة مريم وحجابها! الى آخر حشوهم وكذبهم!

**

ص: 89

الفصل السادس: البخاري في خدمة الخليفة المتوكل الناصبي!

المتوكل وأحمد والبخاري يبغضون علياً (عليه السلام) !

أما المتوكل فمشهور ببغض علي (عليه السلام) ، وقدكتبنا له ترجمة وافية في كتاب سيرة الإمام علي الهادي (عليه السلام) ووثقنا أنه كان مخنثاً يعيش مع فاسدين، وأن أخاه الواثق حبسه ليمنعه من الشذوذ! ثم توفي الواثق في شبابه، فتشاور كبير قضاته ابن أبي دؤاد، ورئيس وزرائه ابن الزيات، وقائد الجيش التركي إيتاخ، بأن ابن الواثق ولي العهد صغيرضئيل الجثة، فجاؤوا بأخيه المتوكل من سجن المخانيث الى كرسي الخلافة، ونصبوه خليفة!

(نثر الدرر:5/194، ووفيات الأعيان:5/99 ومروج الذهب:4/3، والكافي:1/498».

واشتهر بغض المتوكل لعلي (عليه السلام) قال ابن الأثير في الكامل «6/108»: «كان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب ولأهل بيته،وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى علياً وأهله بأخذ المال والدم)! أي صادرمال الشيعي وقتله!

ثم قال ابن الأثير: وكان من جملة ندمائه عَبَّادة المخنث، وكان يشد على بطنه مخدة ويكشف رأسه وهو أصلع، ويرقص بين يدي المتوكل، والمغنون يغنون: قد أقبل الأصلع البدين خليفة المسلمين! يحكي بذلك علياً! والمتوكل يشرب ويضحك! ففعل ذلك يوماً والمنتصر(ابن المتوكل)حاضر،فأومأ إلى عَبَّادة يتهدده فسكت خوفاً منه، فقال المتوكل ما حالك؟فأخبره فقال المنتصر:يا أميرالمؤمنين إن الذي يحكيه هذا الكلب ويُضحك منه الناس هوابن عمك، وشيخ أهل بيتك وبه فخرك! فكل أنت لحمه إذا شئت،ولاتُطعم

ص: 90

هذا الكلب وأمثاله منه! فقال المتوكل للمغنين: غنوا جميعاً:

غَارَ الفَتَى لابنِ عَمِّهْ *** رأسُ الفَتى في حَرِ أمِّهْ»!

وأما أحمد ابن حنبل،فكان في زمن المأمون والمعتصم والواثق يحدث بفضائل عليوأهل البيت (عليهم السلام) ، لكن هواه كان ضدهم، فلما جاء المتوكل واتخذه إماماً وبسط يده أظهر ما في قلبه من بغض علي (عليه السلام) !

قال الصدوق في علل الشرائع (2/468): (سمعت علي بن خشرم يقول:كنت في مجلس أحمد بن حنبل فجري ذكر علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال:لا يكون الرجل سنياً حتى يبغض علياً قليلاً! قال علي بن خشرم: فقلت: لايكون الرجل مسلماً حتى يحب علياً كثيراً! قال: فضربوني وطردوني من المجلس)!

وقال في علل الشرائع (2/467):(سمعت إبراهيم بن محمد بن سفيان يقول:إنما كانت عداوة أحمد بن حنبل مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن جده ذا الثدية الذي قتله علي بن أبي طالب يوم النهروان، وكان رئيس الخوارج )!

ويؤيد ذلك أن الطبري المؤرخ ألف في الرد على حنابلة بغداد كتاباً سماه: الرد على الحرقوصية، أي الحنابلة أتباع أحمد، الذي هو من ذرية حرقوص.

وأما البخاري فهو بطلٌ خَنَّاس تفنن في الطعن بعلي (عليه السلام) وهولابس ثوب الحيادي!

تذكير بأصول دين الخلافة القرشية

الركن الأول: تبرير ما فعلته السلطة بأهل بيت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ونصب العداء لهم

والإعراض عن علمهم وأحاديثهم وفضائلهم، والطعن فيهم بأسلوب مبطن.

الركن الثاني: تقديس الشيخين وبنتيهما، والدفاع عن شرعية خلافتهما، ونشر فضائلهما ومعجزاتهما، حتى لو استوجبت أحياناً الطعن في النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !

الركن الثالث: حب بني أمية والدفاع عنهم، وتبرير كل مساوئهم وجرائمهم، ومحاولة إثبات أنهم أخيار أبرار، مغفور لهم.

ص: 91

الركن الرابع: نشر تجسيم كعب الأحبار، وأن اللّه تعالى يرى في الآخرة كالقمر، وينزل من السماء ولا يصعد، ويجلس على عرشه كما يجلس الملوك على عروشهم، ويحمل عرشه ثمانية ملائكة أو حيوانات، وإن غضب يثقل عرشه على حامليه!

وقد خدم البخاري هذه الأصول الأربعة بابتكارات وأساليب ذكية مبطنة، بعضها سبقه اليها آخرون، وبعضها كان هو السابق فيها!

وقد أعجب كتاب البخاري من عرضه عليهم من جماعة المتوكل وأولهم أحمد بن حنبل وابن معين، وقد يكون أحمد حدث المتوكل عنه، فوجدوا فيه ضالتهم لأنه يدافع عن أركان دينهم هذه، فتبنوه رغم أنهم كفروا مؤلفه!

البخاري يروي عن الخوارج ولا يروي عن شخصيات أهل البيت !

1.مثال على ذلك موقفه من علي بن هاشم،قال ابن حجر (تهذيب التهذيب (7/342): (البخاري في الأدب المفرد ومسلم والأربعة:علي بن هاشم بن البريد البريدي العائذي مولاهم، أبوالحسن الكوفي الخزاز. روى عن هشام بن عروة، ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، والأعمش، وطلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد اللّه، ويزيد بن كيسان، وأبي الأشهب العطاردي، وصالح بياع الأكسية، والعلاء بن صالح، وإسماعيل بن أبي خالد، وفطر بن خليفة، وأبي هلال الراسبي، وطائفة.وعنه: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبومعاوية، وإسماعيل بن إبراهيم القطيعي، وأحمد بن منيع، وسعيد بن سليمان الواسطي، والعلاء بن هلال الرقي، وأبوبكر بن أبي شيبة، وعبد اللّه بن عمرو الضبي، وإسحاق بن أبي إسرائيل.وآخرون.

قال حنبل عن أحمد: ليس به بأس، وقال عبد اللّه بن أحمد عن أبي ه: ما أرى به بأساً.وقال ابن أبي خيثمة: وغير واحد عن ابن معين: ثقة. وقال أبوالحسن بن البراء عن ابن المديني: كان صدوقاً. زاد الباغندي عن ابن المديني: وكان يتشيع، وقال غيره عن علي: ثقة، وكذا قال يعقوب بن شيبة، وقال الجوزجاني: كان هو وأبوه غاليين في مذهبهما، وقال أبوزرعة:

ص: 92

صدوق. وقال أبوحاتم: كان يتشيع، ويكتب حديثه. وقال الأجري عن أبي داود: سئل عنه عيسى بن يونس فقال: أهل بيت تشيع، وليس ثم كذب.وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال كان غالياً في التشيع. وروى المناكير عن المشاهير.

قال عبد اللّه بن أحمد عن أبي ه: سمعت منه سنة تسع وسبعين ومائة أول سنة طلبت الحديث مجلساً، ثم عدت إليه المجلس الآخر وقد مات.

وقال ابن المثنى: مات سنة 81 1، قلت:وقال ابن سعد: كان صالح الحديث صدوقاً، وقال اللالكائي: له في مسلم حديثان، وقال ابن عدي: حدث عنه جماعة من الأئمة، ويروي في فضائل علي أشياء لا يرويها غيره، وهو إن شاء اللّه صدوق لا بأس به. ووثقه العجلي، وضعفه الدارقطني).

أقول: علي بن هاشم هذا من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) ، قدم بغداد وحدث بها، وتوفي في الكوفة سنة 181، وأنت ترى توثيق كبار المحدثين والرجاليين له، فلا عذر للبخاري بترك حديثه بحجة أنه شيعي، أو مغال في التشيع!

وقال الذهبي في ميزان الإعتدال(3/160):(علي بن هاشم بن البريد، أبوالحسن الكوفي الخزاز، مولى قريش، عن هشام بن عروة وجماعة.وعنه: أحمد، وابنا أبي شيبة، وخلق. وثقه ابن معين وغيره، وقال أبوداود: ثبت يتشيع، وقال البخاري: كان هو وأبوه غاليين في مذهبهما، قلت:ولغلوه ترك البخاري إخراج حديثه، فإنه يتجنب الرافضة كثيراً، كأنه يخاف من تدينهم بالتقية، ولا نراه يتجنب القدرية ولا الخوارج ولا الجهمية، فإنهم على بدعهم يلزمون الصدق، وعلي بن هاشم، قال أحمد: سمعت منه مجلساً واحداً. قلت: ومات قديماً في سنة إحدى وثمانين ومائة، فلعله أقدم مشيخة الإمام أحمد وفاة. قال جعفر بن أبان: سمعت ابن نمير يقول: علي بن هاشم كان مفرطاً في التشيع منكر الحديث. قال ابن حبان: حدثنا مكحول، سمعت جعفراً بهذا. قال أبوزرعة: صدوق. وقال النسائي: ليس به بأس).

أقول: برر الذهبي للبخاري عدم روايته عن علي بن هاشم بأنه رافضي،أي يقدم علياً (عليه السلام) على غيره، وقد روى الذهبي نفسه عن الرافضي إذا كان صدوقاً، لأن التقية تعني

ص: 93

المداراة ولا تعني الكذب، وقد نصوا على أن علي بن هاشم صدوق.

وقال البخاري في تاريخه الصغير(2/225):(قال أحمد: مات علي بن هاشم سنة تسع وثمانين ومائة، بن البريد أبوالحسن الخزازالعابدي مولى لهم،الكوفي)

وقال في الكبير(6/300):(الخزاز العائذي،عن كثير النواء وأبيه وشقيق بن أبي عبد اللّه، روى عنه محمد بن الصلت، قال أحمد:مات سنة..).

والنتيجة: أن البخاري لا يروي عن علي بن هاشم، وإن كان شيخ أحمد بن حنبل وإن كان وثقه كبارالعلماء، ثم يروي عن مبغضي أهل البيت (عليهم السلام) وأعدائهم!

قال السيد شرف الدين في أجوبة جار اللّه/71: (وإني و اللّه لأعجب من الشيخ البخاري يروي عن ألف ومئتين من الخوارج ويحتج بأكثر من مئة مجهول، ويعتمد على كثيرين ممن سبق الطعن بهم، كعكرمة البربري الخارجي، وإسماعيل بن أويس، وعاصم بن علي، وعمرو بن مرزوق، وأمثالهم، ويصحح حديث المرجئة والقدرية، ولا تأخذه لومة لائم فيالإحتجاج بمروان بن الحكم، والمغيرة بن شعبة، ومعاوية الأموي، وعمرو بن العاص، وأمثالهم، ولا يخجل من الإحتجاج بعمران بن حطان داعية الخوارج وزعيمهم، ثم يُعرض عن سبط رسول اللّه الأكبر، وريحانته من الدنيا الحسن بن علي إمام الأمة وسيد شباب أهل الجنة، وعن الصادقين من أهل البيت، وهم أعدال الكتاب، وسفينة النجاة وباب حطة، وأمان هذه الأمة ).

وقال في النص والإجتهاد/526:(أعرض إخواننا أهل السنة عن مذهب الأئمة من أهل البيت، فلم يعنوا بأقوالهم في أصول الدين وفروعه بالمرة، ولم يرجعوا إليهم في تفسير القرآن العزيز وهو شقيقهم إلا دون ما يرجعون إلى مقاتل بن سليمان المجسم المرجئ الدجال.

ولم يحتجوا بحديثهم إلا دون ما يحتجون بالخوارج والمشبهة والمرجئة والقدرية، ولو أحصيت جميع ما في كتبهم من حديث ذرية المصطفى (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ما كان إلا دون ماأخرجه البخاري وحده عن عكرمة البربري الخارجي المكذب! وأنكى من هذا كله عدم احتجاج البخاري في صحيحه بأئمة أهل البيت النبوي، إذ لم يرو شيئاً عن الصادق، والكاظم،

ص: 94

والرضا، والجواد، والهادي، والعسكري، وكان معاصراً له، ولا روى عن الحسن بن الحسن، ولا عن زيد بن علي بن الحسين، ولا عن يحيى بن زيد، ولا عن يحيى بن عبد اللّه بن الحسن ولا عن أخيه إدريس بن عبد اللّه، ولا عن محمد بن جعفر الصادق،ولا عن محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن المعروف بابن طباطبا، ولاعن أخيه القاسم الرسي، ولا عن محمد بن محمد بن زيد بن علي، ولا عن محمد بن القاسم بن علي بن عمر الأشرف بن زين العابدين صاحب الطالقان المعاصرللبخاري،ولا عن غيرهم من أعلام العترة الطاهرة، وأغصان الشجرة الزاهرة. كعبد اللّه بن الحسن، وعلي بن جعفر العريضي، وغيرهما من ثقل رسول اللّه وبقيته في أمته (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

أما ورب الكعبة، وباعث النبيين، لقد وقفت هنا وقفة المدهوش،وقمت مقام المذعور،وماكنت أحسب أن الأمر يبلغ هذه الغاية)!

أقول: كأن البخاري حلف يميناً أن لا يروي عن الشيعة! ويميناً أخرى أن يروي عن أعدائهم، ويميناً ثالثةً أن يدلس لمصلحة السلطة، وينصرسياساتها!

ونشير الى كذب مقولتهم إن الخوارج صادقون، فقد رووا هم أن الخوارج إذا احتاجوا الى حجة وضعوا لها الحديث كذباً على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كما يحرفون الأحاديث وقد وثقنا ذلك في المجلد الخامس من سيرة أميرالمؤمنين (عليه السلام) .

البخاري لا يروي عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)

قال الذهبي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في ميزان الإعتدال (1/414): (أحد الأئمة الأعلام، برٌّ صادقٌ، كبيرالشأن، لم يحتج به البخاري..سئل يحيى بن سعيد القطان عن الصادق فقال:مجالد أحب إليَّ منه، في نفسي منه شئ! لم يرو مالك عن جعفر حتى ظهر أمر بني العباس. قال مصعب: كان لايروي عن جعفر بن محمد حتى يضمه إلى آخر من أولئك الرقعاء! ثم يجعله بعده ).

أقول: من تعصب مالك بن أنس وطاعته للمنصور العباسي أنه لم يرو في موطئه عن

ص: 95

علي (عليه السلام) كما أمره المنصور! ومن تعصب البخاري أنه لم يرو عن الإمام الصادق (عليه السلام) مجاراة للمتوكل، مع أنه روى عن شياطين النواصب أعداء أهل البيت (عليهم السلام) !قال الحافظ محمد بن عقيل في العتب الجميل/37: (قال في تهذيب التهذيب: قال ابن المديني سئل يحيى بن سعيد القطان عن جعفر الصادق فقال: في نفسي منه شئ ومجالد أحب إلي منه.

وقال سعيد بن أبي مريم: قيل لأبي بكر عياش: مالك لم تسمع من جعفر وقد أدركته؟ قال: سألته عما يحدث به من الأحاديث أشئ سمعته؟ قال:لا ولكنها رواية رويناها عن آبائنا. وقال ابن سعد: كان جعفركثير الحديث ولا يحتج به ويستضعف. سئل مرة هل سمعت هذه الأحاديث عن أبي ك؟قال نعم، وسئل مرة فقال: إنما وجدتها في كتبه. قال ابن حجر:يحتمل أن يكون السؤالان وقعا عن أحاديث مختلفة، فذكر فيما سمعه أنه سمعه، وفيما لم يسمعه أنه وجده. هذا يدل على تثبته! قلت: احتج الستة في صحاحهم بجعفر الصادق، إلا البخاري فكأنه اغتر بما بلغه عن ابن سعد وابن عياش وابن القطان في حقه!على أنه احتج بمن قدمنا ذكرهم،أي بعض شياطين النواصب ومنافقيهم وهنا يتحير العاقل، ولا يدري بماذا يعتذر عن البخاري،وقد قيل في هذا:

قضية تشبه بالمرزئهْ *** هذا البخاريُّ إمام الفئهْ

بالصادق الصديق ما احتج في *** صحيحه واحتج بالمرجئه

ومثل عمران بن حطان ومر *** وان وابن المرأة المخطئه

مشكلة ذات عوار إلى *** حيرة أرباب النهى ملجئه

وحق بيت يممته الورى *** مغذة في السير أو مبطئه

إن الإمام الصادق المجتبى *** بفضله الآي أتت منبئه

أجلُّ من في عصره رتبةً *** لم يقترف في عمره سيئه

قلامة من ظفر إبهامه *** تعدل من مثل البخاري مائه.

والأبي ات من نظم شيخنا العلامة أبي بكر بن شهاب الدين أحسن اللّه إليه. وقول القطان

ص: 96

آنفاً في الإمام جعفر (عليه السلام) : ومجالد أحب إلي منه!كلمة جفاء مؤذية!ومجالد الذي يعينه هو مجالد بن سعيد الهمداني وقد ذكره في تهذيب التهذيب وذكر مقالاتهم فيه!ومنه تعلم في أي درك أنزلوا عالم أهل البيت الطاهر، و اللّه المستعان).

وقال ابن عقيل في النصائح الكافية/118: (وأكبر من هذا كله جرح بعضهم الإمام جعفرالصادق على آبائه وعليه أفضل الصلاة والسلام وتسورهم على سمي مقامه:

أرادت عراراً بالهوان ومن يرد *** عراراً لعمري بالهوان فقد ظلم

ثم قال ابن عقيل: وقد انجر بنا الكلام وطال ولكنه يعلم منه ما أصاب أهل البيب النبوي وشيعتهم، بما أساسه وأصله معاوية الطاغية، وما بثه ونشره وأيده بقوة السيف من سب علي وأهل بيته وانتقاصهم، ووبال ذلك كله عائد عليه في الآخرة:يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍمَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيداً.. جاء في صحيح مسلم من حديث جرير بن عبد اللّه: من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.

وأخرج ابن ماجة عن أنس وصححه: أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع فإن عليه مثل أوزار من تبعه، ولاينقص من أوزارهم شيئاً. وأيما داع دعا إلى الهدى فاتبع، فإن له مثل أجور من اتبعه ولاينقص من أجورهم شيئاً. ومن بوائقه العظيمة استخفافه بمقام النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وبأحكامه ووصاياه بأهل بيته وأنصاره).

أقول: أبوبكر بن شهاب الحضرمي من كبار علماء حضرموت (1262ه-1341) له مؤلفات: نوافج الورد الجوري، ورشفة الصادي، ونزهة الألباب في الأنساب.

والحافظ محمد بن عقيل من كبار علماء اليمن، قال الزركلي في الأعلام (6/269): ( 1279 - 1350 ه = 1863 - 1931 م ): محمد بن عقيل بن عبد اللّه بن عمر، من آل يحيى، العلوي الحسيني الحضرمي.رحَّالة، من بيت علم بحضرموت. مولده ببلدة مسيلة قرب تريم.

ص: 97

زار بعض بلاد الصين واليابان والهند والحجاز ومصر وأوربا والشام واليمن، للتجارة.وكان جل مقامه وعمله في سنقفورة.

ولجأ بعائلته إلى الحديدة ثغر اليمن على أثر خلاف بينه وبين السلطان عمرالقعيطي سلطان حضرموت، وتوفي فيها.وكان شديد التشيع. له كتب،منها: النصائح الكافية، تحامل فيه على معاوية بن أبي سفيان ونال منه، والعتب الجميل على علماء الجرح والتعديل ومذكرات عن رحلاته ضاع أكثرها، وثمرات المطالعة ).

قمة الخبث عند البخاري إخفاؤه الأحاديث الصحيحة !

قال البخاري: (أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح). (تغليق التعليق لابن حجر:5/418)

وأسوأ أعماله: انتقاؤه أحاديث بلغت نحو 2602 حديثاً، من مئة ألف حديث يحفظها!يضاف اليها تعليقاته، التي بلغت نصف كتابه!

وكمثال لعمله: رووا في تسمية النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) بأبي تراب أسباباً، واشتهر منها حديث عمار الصحيح بأن ذلك كان في غزوة العشيرة، وأن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مدحه وأخبر بأنه سيقتله أشقى الآخرين.

وروى خصوم علي (عليه السلام) أن سبب التسمية أن علياً اختلف مع فاطمة (عليهماالسلام) وغاضبها، وذهب ظهراً الى المسجد ونام، فجاء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلم يجده، ووجده في المسجد فجاءه وقال له: قم يا أباتراب!

فاختار البخاري حديث مغاضبته لفاطمة (عليهاالسلام) ! وترك حديث عمار الصحيح المشهور، واعتذر عن ذلك بأنه:(لا يعرف سماع يزيد من محمد، ولامحمد بن كعب من ابن خثيم، ولا ابن خثيم من عمار )!

وأجابه ابن حجر فقال (تهذيب التهذيب:9/130):(فما المانع من سماعه من عمار؟وعند ابن مندة من طريق محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق التصريح بسماع محمد بن كعب من ابن

ص: 98

خثيم، وسماع يزيد من محمد بن كعب، فإن في سياقه عن يزيد بن محمد بن خثيم عن محمد بن كعب قال: حدثني أبومحمد بن خثيم). فأظهر ابن حجر تحيز البخاري ضد علي (عليه السلام) وبغضه له!وفي غزوة خيبر:فتح النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) القسم الشرقي منها وترك فيها علياً (عليه السلام) ليرتب أمورها، وحاصرالقسم الغربي وهويبعد نحو عشرة كيلومترات، فعجز الصحابة عن فتح حصنها القموص، وقالوا للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أرسل الى علي!

فرأى البخاري رواية لسلمة بن الأكوع يقول فيها ذهبت فجئت بعلي على بعير، وكان تخلف عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو يقصد أنه تأخر في القسم المحرر من خيبر، فطار بها البخاري كما يطيرالوهابي بخبر ضد الشيعة، ورواها أربع مرات قائلاً إن علياً (عليه السلام) تخلف عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في خيبر!

ثم إن البخاري يحفظ في صحيحه أن علياً (عليه السلام) فتح كل حصون خيبر! ويحفظ ما استفاض في أن راية النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كانت دائماً مع علي (عليه السلام) ! لكنه وجد رواية للزهري توهم غير ذلك، فعنون لها باباً (4/12): (باب ما قيل في لواء النبي.. أن قيس بن سعد الأنصاري، وكان صاحب لواء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !

وكشفه ابن حجر فقال (6/89): (قوله:وكان صاحب لواء النبي.أي الذي يختص بالخزرج.وأخرج أحمد بإسناد قوي من حديث ابن عباس أن راية النبي كانت تكون مع علي،وراية الأنصارمع سعد بن عبادة).

فأظهر تحيز البخاري ضد علي (عليه السلام) وبغضه له، ومبغض علي (عليه السلام) منافق.

وفي سورتي المعوذتين، ترك البخاري الرواية التي تنص على أنهما من القرآن وروى الحديث الذي يوهم أنهما ليستا من القرآن، وكلتاهما في الصحة سواء!

الى آخر أفاعيله المغرضة، التي تخدم دين الحكومة!

ص: 99

زعم البخاري أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أعلن براءته من آل أبي طالب !

قال البخاري (7/73): (باب:يَبُلُّ الرَّحِمَ ببلالها:عن قيس بن أبي حازم أن عمرو بن العاص قال:سمعت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جهاراً غيرسرٍّيقول:إن آل [أبي طالب وفي كتاب محمد بن جعفر بياض] ليسوا بأوليائي، إنما وليي اللّه وصالح المؤمنين. زاد عنبسة بن عبدالواحد، عن بيان، عن قيس، عن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :ولكن لهم رحم أبلها ببلالها،يعني أصلها بصلتها).

قال في فتح الباري(10/352): (قال أبوبكر بن العربي:كان في أصل حديث عمرو بن العاص: إن آل أبي طالب فغُيِّر: آل أبي فلان كذا جزم به وتعقبه بعض الناس وبالغ في التشنيع عليه،ونسبه إلى التحامل على آل أبي طالب، ولم يصب!

قوله: ليسوا بأوليائي:كذا للأكثر وفي نسخة من رواية أبي ذر بأولياء، فنقل ابن التين عن الداودي أن المراد بهذا النفي من لم يسلم منهم، أي فهو من إطلاق الكل وإرادة البعض، والمنفي على هذا المجموع لا الجميع! فإن من جملة آل أبي طالب علياً وجعفر وهما من أخص الناس بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لما لهما من السابقة والقدم في الإسلام ونصر الدين.وقد استشكل بعض الناس صحة هذا الحديث، لما نسب إلى بعض رواته من النُّصْب، وهو الإنحراف عن علي وآل بيته..لكن الراوي عن بيان وهو عنبسة بن عبدالواحد أموي قد نسب إلى شئ من النصب، وأما عمرو بن العاص وإن كان بينه وبين على ما كان، فحاشاه أن يُتهم! وللحديث محمل صحيح لايستلزم نقصاً في مؤمني آل أبي طالب وهو أن المراد بالنفي المجموع...ثم أورد ابن حجر تفسير قول اللّه تعالى تعالى لعائشة وحفصة:إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَمَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ.وأنه روي أن صالح المؤمنين في الآية علي (عليه السلام) فهو يعارض قول النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليس آل أبي طالب أوليائي!

ص: 100

ثم قال ابن حجر: قلتُ: فإن ثبت هذا ففيه دفع توهم أن في الحديث المرفوع نقصاً من قدر علي رضي اللّه عنه،ويكون المنفي أباطالب ومن مات من آله كافراً، والمثبت من كان منهم مؤمناً، وخص علي بالذكر لكونه رأسهم، وأشير بلفظ الحديث إلى لفظ الآية المذكورة، ونص فيها على عليٍّ تنويهاً بقدره، ودفعاً لظن من يتوهم عليه في الحديث المذكورغضاضة. ولو تفطن من كنى عن أبي طالب لذلك، لاستغني عما صنع. و اللّه أعلم).

أقول: أطمئن بأن ابن حجر يعلم أن عمرو العاص يبغض علياً (عليه السلام) ، وأنه يقصد بحديثه المزعوم أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أعلن البراءة من علي وأبي ه (عليهماالسلام) ! ولكن ابن حجر عالم سلطة يتبنى مذهبها الباطل! ومنه تبرئة عمرو من بغض علي (عليه السلام) حتى لايثبت أنه منافق، فزعم أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تبرأ من آل أبي طالب الكافرين فقط!

رد تكفير البخاري لأبي طالب (عليه السلام)

زعم القرشيون أن أباطالب مات كافراً! قال البخاري (6/18):

(قوله: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ. عن المسيب قال:لما حضرت أباطالب الوفاة جاءه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فوجد عنده أباجهل وعبد اللّه بن أبي أمية بن المغيرة فقال: أي عم قل لا إلهإلا اللّه كلمة أحاج لك بها عند اللّه. فقال له أبوجهل وعبد اللّه بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبدالمطلب؟ فلم يزل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة، حتى قال أبوطالب آخر ما كلمهم: على ملة عبدالمطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا اللّه!

قال فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : و اللّه لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فأنزل اللّه: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ. وأنزل اللّه في أبي طالب فقال لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ). وفي (2/98، و:4/247و:5/208، و:6/18).

وقال البخاري (8/190):عن آية: لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ: نزلت في أبي طالب.

وقال البخاري (2/157): عن أسامة بن زيد قال:(يا رسول اللّه أين تنزل في دارك بمكة؟

ص: 101

فقال: وهل ترك عقيل من رباع أو دور؟وكان عقيل ورث أباطالب، ولم يرثه جعفر ولاعلي شيئاً،لأنهما كانا مسلمين وكان عقيل وطالب كافرين)!

ملاحظات

1. متى كان أبوجهل وأصدقاؤه يأتون الى بيت أبي طالب، إلا ليطلبوا منه تسليم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليقتلوه. بينما هذا الحديث يصورهم أصدقاء جاؤوا لزيارته في مرضه فشهدوا احتضاره! وهذا كافٍ عندي للجزم بأن الحديث موضوع!

2. يقول الحديث إن آيتين نزلتا في ذلك اليوم: آية:56- القصص، وآية:113- التوبة، لكن كيف نزلت آيتان في حادثة واحدة، إحداهما من سورة مكية وبعضها مدني، والثانية من سورة براءة التي نزلت في آخر حياة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعد تبوك!

وقد اعترف ابن حجركما يأتي بأنه لو صح نزولها في أبي طالب لا بد أن تكون متأخرة عنوفاته! لكن البخاري يقول نزلتا يوم وفاته!

قال في فتح الباري (8/390):(قوله فأنزل اللّه:مَاكَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ. وهذا فيه إشكال لأن وفاة أبي طالب كانت بمكة قبل الهجرة اتفاقاً، وقد ثبت أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أتى قبرأمه لما اعتمر فاستأذن ربه أن يستغفر لها فنزلت هذه الآية، والأصل عدم تكرر النزول.

وقد أخرج الحاكم وابن أبي حاتم من طريق أيوب بن هانئ عن مسروق عن ابن مسعود قال خرج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوماً إلى المقابر فاتبعناه فجاء حتى جلس إلى قبر منها فناجاه طويلاً، ثم بكى فبكينا لبكائه فقال: إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي، واستأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي فأنزل عليَّ: مَاكَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ!

وأخرج أحمد من حديث ابن بريدة عن أبي ه نحوه، وفيه نزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب، ولم يذكر نزول الآية. وفي رواية الطبري من هذا الوجه لما قدم مكة أتى رسم قبر. ومن طريق فضيل بن مرزوق عن عطية: لما قدم مكة وقف على قبر أمه حتى سخنت

ص: 102

عليه الشمس رجاء أن يؤذن له فيستغفرلها فنزلت.

وللطبرائي من طريق عبد اللّه بن كيسان، عن عكرمة، عن ابن عباس، وفيه: لما هبط من ثنية عسفان،وفيه نزول الآية في ذلك. فهذه طرق يعضد بعضها بعضاً، وفيها دلالة على تأخير نزول الآية عن وفاة أبي طالب!

ويؤيده أيضاً أنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال يوم أحد، بعد أن شج وجهه: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. لكن يحتمل في هذا أن يكون الإستغفار خاصاً بالأحياء وليس البحث فيه.ويحتمل أن يكون نزول الآية تأخر وإن كان سببها تقدم، ويكون لنزولها سببان متقدم وهو أمر أبي طالب، ومتأخر وهو أمر آمنة، ويؤيد تأخير النزول ما تقدم في تفسير براءة من استغفاره (صلی اللّه عليه وآله وسلم) للمنافقين حتى نزل النهي عن ذلك. فإن ذلك يقتضي تأخير النزول وإن تقدم السبب.

ويشير إلى ذلك أيضاً قوله في حديث الباب وأنزل اللّه في أبي طالب: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ،لأنه يشعر بأن الآية الأولى نزلت في أبي طالب وفي غيره، والثانية نزلت فيه وحده. ويؤيد تعدد السبب ما أخرج أحمد من طريق أبي إسحاق عن أبي الخليل عن علي قال: سمعت رجلاً يستغفر لوالديه وهما مشركان، فذكرت ذلك للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأنزل اللّه: مَاكَانَ لِلنَّبِيِّ..الآية.

وروى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: وقال المؤمنون: ألا نستغفر لآبائنا كما استغفر إبراهيم لأبيه؟ فنزلت.

ومن طريق قتادة قال: ذكرنا له أن رجالاً فذكر نحوه.و اللّه أعلم).

أقول: يظهر من قول ابن حجر: و اللّه أعلم! أنه ليس عنده يقين في المسألة! لأنهم رووا لنزولها أسباباً متباعدة متضاربة، ونسوا السبب المنصوص عليه في الحديث، وهذا نموذج من ضياع علماء السلطة، أو تضييعهم للمسألة لتوافق هوى السلطة!

3. كيف يصح قول البخاري إن الآية نزلت في وفاة أبي طالب، وقد روى نفسه (5/115،و185، و202) أنها نزلت كاملة في رجوع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من تبوك، وأنها آخر ما نزل من

ص: 103

القرآن! لكن البخاري كبقية رواة السلطة ينسون ما قالوه!

4. كما رووا أن آية: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، نزلت يوم أحدلما شُجَّ وجهه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: اللّهم اهد قومي فإنهم لايعلمون.قال ابن طاووس في الطرائف/306:(قال الحسن بن مفضل:كيف يقال إنها نزلت في أبي طالب رضي اللّه عنه وهذه السورة من آخر مانزل من القرآن بالمدينة وأبوطالب مات في عنفوان الإسلام والنبي بمكة. وإنما هذه الآية نزلت في الحارث بن نعمان بن عبدمناف وكان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يحب إسلامه،فقال يوما للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إنا نعلم أنك على الحق وأن الذي جئت به حق ولكن يمنعنا من اتباعك أن العرب تتخطفنا من أرضنا لكثرتهم وقلتنا، ولا طاقة لنا بهم، فنزلت الآية ).

أقول:لم يثبت عندي وقت نزول الآية، لكن المؤكد أن نزولها في أبي طالب مكذوب!

5. الأدلة على إيمان أبي طالب رضي اللّه عنه كثيرة، أولها شهادة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وشهادة أبنائه، وثانيها نص أبي طالب في شعره على إيمانه بنبوة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قال:

1. ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً *** نبياً كموسى خط في أول الكتب

2. أنت الرسول رسول اللّه نعلمه *** عليك نزل من ذي العزة الكتب

3. أو تؤمنوا بكتاب منزل عجب *** على نبي كموسى أو كذي النون

4. وظلم نبي جاء يدعو إلى الهدى *** وأمر أتى من عند ذي العرش قيم

5. لقد أكرم اللّه النبي محمداً *** فأكرم خلق اللّه في الناس أحمد

6. وخير بني هاشم أحمد *** رسول الإله على فترةِ

7. و اللّه لا أخذل النبي ولا *** يخذله من بني ذو حسب

8. أنت النبي محمد *** قرمٌ أغرُّ مُسَوَّدُ

وروت المصادر قصة البيت الأخير، وهي كما في شرح النهج(14/77) عن الأصبغ بن نباتة عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) قال: (مرَّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بنفر من قريش وقد نحروا جزوراً وكانوا يسمونها الظهيرة، ويذبحونها على النصب، فلم يسلم عليهم، فلما انتهى إلى دار الندوة

ص: 104

قالوا: يمربنا يتيم أبي طالب فلا يسلم علينا! فأيكم يأتيه فيفسد عليه مصلاه؟ فقال عبد اللّه بن الزبعرى السهمي: أنا أفعل، فأخذ الفرث والدم فانتهى به إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهوساجد فملأ به ثيابه! فانصرف النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى أتى عمه أباطالب فقال:يا عم من أنا؟فقال:ولمَ يا بن أخ؟ فقص عليه القصة، فقال:وأين تركتهم؟ فقال: بالأبطح، فنادى في قومه: يا آل عبدالمطلب يا آل هاشم، يا آل عبدمناف، فأقبلوا إليه من كل مكان مُلَبِّين.قال: كم أنتم؟ قالوا: نحن أربعون قال: خذوا سلاحكم فأخذوا سلاحهم وانطلق بهم حتى انتهى إلى أولئك النفر، فلما رأوه أرادوا أن يتفرقوا فقال لهم: ورب هذه البنية لايقومن منكم أحد إلاجللته بالسيف!ثم أتى إلى صفاة كانت بالأبطح فضربها ثلاث ضربات حتى قطعها ثلاثة أفهارثم قال:يامحمد سألتني من أنت ثم أنشأ يقول ويومي بيده إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :

أنت النبي محمدُ *** قَرْمٌ أغَرُّ مسود

لمسوَّدين أكارمٍ *** طابوا وطاب المولد

نعم الأرومة أصلها *** عمرو الخضم الأوحد.

هشم الربيكة في الجفان *** وعيش مكة أنكد

فجرت بذلك سنة *** فيها الخبيزة تثرد

ولنا السقاية للحجيج *** بها يماث العنجد

والمأزمان وما حوت *** عرفاتها والمسجد

أنى تضام ولم أمت *** وأنا الشجاع العربد

وبطاح مكة لا يرى *** فيها نجيع أسود

وبنو أبي ك كأنهم *** أسد العرين توقد

ولقد عهدتك صادقاً *** في القول لا تتزيد

ما زلت تنطق بالصواب *** وأنت طفل أمرد

ثم قال: يامحمد أيهم الفاعل بك؟فأشار النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى عبد اللّه بن الزبعرى السهمي الشاعر، فدعاه أبوطالب فوجأ أنفه حتى أدماها، ثم أمربالفرث والدم فأُمِرَّ على

ص: 105

رؤس الملأ كلهم! ثم قال:يا ابن أخ أرضيت؟ثم قال: سألتني من أنت؟ أنت محمد بن عبد اللّه، ثم نسبه إلى آدم ثم قال: أنت و اللّه أشرفهم حسباً وأرفعهم منصباً! يا معشر قريش من شاء منكم يتحرك فليفعل،أنا الذي تعرفوني »! ورواها في ثمرات الأوراق: 2/3، وابن معد في كتابه الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب/346. والربيكة: طعام من تمر وأقط وسمن. والعنجد: الزبيب.

أقول: رحم اللّه أباطالب وسلام اللّه عليه، فقد كان عمره يومها نحو ثمانين سنة، وأخذ فهراً أي حجراً من أحجار الصفا فضربه بسيفه فقطعه، ثم ضرب القطعة فقطعها، ليظهر قوته لقريش، ثم اقتص منهم للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم وقف ومدحه بقصيدة!

فجزاه اللّه عن رسوله خير الجزاء، وأسكنه معه في الجنان، رغم أنف قريش!

انتقموا من الحمزة رضي اللّه عنه وقالوا كان سكيراً معربداً !

كررالبخاري هذه القصة الفجة، ورواها بزعمه عن علي (عليه السلام) وكأنها من المسلمات، وهي مكذوبة لغرض انتقام قريش من الحمزة رضي اللّه عنه!قال البخاري(4/41و42و43و: 3 /12و13و80 و113و114، و113:8/30): (عن ابن شهاب قال: أخبرني علي بن الحسين أن حسين بن علي (عليهماالسلام) أخبره أن علياً قال كانت لي شارف(ناقة) من نصيبي من المغنم يوم بدر وكان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أعطاني شارفا من الخمس فلما أردت أن ابتنى بفاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) واعدت رجلاً صواغاً من بني قينقاع أن يرتحل معي، فنأتي بإذخر (نبات) أردت أن أبي عه الصواغين، وأستعين به في وليمة عرسي.

فبينا أن أجمع لشارفيَّ متاعاً من الأقتاب والغرائر والحبال، وشارفاي مناخان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار، رجعت حين جمعت ماجمعت، فإذا شارفاي قد أُجِبَّتْ أسنمتهما وبقرت خواصر هما، وأخذ من أكبادهما، فلم أملك عيني حين رأيت ذلك المنظر منهما، فقلت: من فعل هذا؟ فقالوا: فعله حمزة بن عبدالمطلب، وهو في هذا البيت في شرب(مجلس خمر) من الأنصار، فانطلقت حتى أدخل على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

ص: 106

وعنده زيد بن حارثة، فعرف النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في وجهي الذي لقيت، فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : مالك؟ فقلت: يا رسول اللّه، ما رأيت كاليوم قط! عدا حمزة على ناقتيَّ فأجب أسنمتهما، وبقر خواصرهما، وهاهوذا في بيت معه شِرب! فدعا النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بردائه فارتدى، ثم انطلق يمشي وأتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة، فاستأذن فأذنوا لهم، فإذا هم شرب، فطفق رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يلوم حمزة فيما فعل، فإذا حمزة قد ثمل محمرة عيناه، فنظر حمزة إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ثم صعد النظر فنظر إلى ركبته، ثم صعد النظر فنظر إلى سرته، ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه، ثم قال حمزة: هل أنتم إلا عبيد لأبي ! فعرف رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قد ثمل، فنكص رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على عقبيه القهقري، وخرجنا )! وفي رواية: فرجع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقهقر

حتى خرج عنهم، وذلك قبل تحريم الخمر ).أقول: غرضهم من هذه الكذبة الخشنة: أن يقولوا للناس إن بني هاشم أهل سكر وعربدة، وإن حمزة سيد الشهداء رضوان اللّه عليه، الذي أذل قريشاً وقتل عتاتها، والذي مدحه اللّه ورسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ،كان سكيراً معربداً!

وينبغي أن نشير الى أن ابن شهاب ليس زهرياً بل يهودي حليف لهم، وكان معجباً بالإمام زين العابدين (عليه السلام) وعدواً لعلي وبقية أهل البيت (عليهم السلام) .

وكان عبدالملك بن مروان يقول له إذا جاءه: مافعل نبيك علي بن الحسين. وكان الإمام (عليه السلام) يوبخه أحياناً، وقال له يوماً كما في مستدرك الحاكم لو كنت في مكة لأريتك منفح أبي ك الحداد اليهودي، أي جده الذي ضرب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في أحد!

وقالوا أيقظ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) علياً وفاطمة (عليهماالسلام) للصلاة فرفضا !

قال البخاري(2/43، و:8/155): (أن حسين بن علي أخبره أن علي بن أبي طالب أخبره، أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) طرقه وفاطمة بنت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليلة، فقال: ألا تصليان؟ فقلت:يا رسول اللّه أنفسنا بيد اللّه، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلنا ذلك ولم يرجع إليَّ شيئاً، ثم سمعته وهو مولٍّ يضرب فخذه وهو يقول: وَكَانَ الآنْسَانُ أَكْثَرَ شَئٍْ جَدَلاً)!

ص: 107

يقول البخاري إن أخلاق علي (عليه السلام) كانت سيئة مع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكان متكاسلاً عن قيام الليل للعبادة، أو الفجر للفريضة، وإن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذمه، وقال إنه مجادل!

ومانسبه الى علي وفاطمة (عليهماالسلام) مردود، لأن اللّه طهرهم من هذه الأخلاق والعيوب وقد روى الترمذي(5/31) وعبدالرزاق(7/527): (عن أنس بن مالك: أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً. وفي الباب عن أبي الحمراء معقل بن يسار، وأمسلمة).

وطعن البخاري في علي (عليه السلام) بأنه جرئ على الدماء !

قال البخاري(4/38): (عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبدالرحمن وكان عثمانياً، فقال لابن عطية وكان علوياً: إني لأعلم ما الذي جرأ صاحبك على الدماء، سمعته يقول: بعثني النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والزبير فقال: إئتوا روضة كذا، وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتاباً، فأ تينا الروضة فقلنا الكتاب؟ قالت لم يعطني فقلنا: لتخرجن أو لأجردنك! فأخرجته من حجزتها.. فأرسل إلى حاطب فقال: لا تعجل، و اللّه ما كفرت ولا ازددت للإسلام إلا حباً، ولم يكن أحد من أصحابك إلا وله بمكة من يدفع اللّه به عن أهله وماله، ولم يكن لي أحد، فأحببت أن أتخذ عندهم يداً، فصدقه النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال عمر دعني أضرب عنقه فإنه قد نافق! فقال: وما يدريك لعل اللّه اطلع على أهل بدر فقال: إعملوا ما شئتم. فهذا الذي جرأه )!

قال المفيد في الإفصاح/49: (هذه أحاديث آحاد، وهي مضطربة الطرق والإسناد، والخلل ظاهر في معانيها والفساد، وما كان بهذه الصورة لم يعارض الإجماع، ولا يقابل حجج اللّه تعالى وبيناته الواضحات ، مع أنه قد عارضها من الأخبار التي جاءت بالصحيح من الإسناد).

ص: 108

حرف البخاري معنى صاحب الملف الأول في محكمة القيامة !

قال البخاري (4/242):(باب قوله: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ.عن أبي ذر رضي اللّه عنه أنه كان يقسم فيها أن هذه الآية: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ، نزلت في حمزة وصاحبيه وعتبة وصاحبيه يوم برزوا في يوم بدر.عن قيس بن عباد عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة. قال قيس وفيهم نزلت:هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ.، قال: هم الذين بارزوا يوم بدر: علي وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة).

وقال في (5/6و7): (عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة. الى آخر ما تقدم.ثم قال: عن أبي إسحاق سأل رجل البراء وأنا أسمع قال: أشهدَ عليٌّ بدراً؟ قال: وبارزَ ).

ملاحظات

1. ينص الحديث على أن أول ملف في محكمة الآخرة ملف علي (عليه السلام) ، لكن لامعنى لما ذكروه من أن موضوع الخصومة الذين بارزهم هو وحمزة وعبيدة بن الحارث، فقد قضى اللّه لهم عليهم، وأخذ ظلامتهم منهم، بل الموضوع ظلامته مع قريش.

ثم لماذا يتولى علي الشكوى ويجثو في المحكمة، وعمه حمزة أكبر منه سناً وشريكه في المبارزة، فلا بد أن تكون المخاصمة وشكواه على قريش لظلمها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعترته (عليهم السلام) . ويكون علي (عليه السلام) وكيلاً للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأصيلاً عن نفسه.

ومعنى ذلك أن ظلامة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من قريش هي الأولى في العالم، والأكثر تأثيراً وشراً على حياة البشرية، فكان ملفها الأول، والشاكي فيها بالوكالة والأصالة علي (عليه السلام) .

2. ورد أن مشاهد القيامة تبدأ بعرض الخلق على اللّه تعالى، ثم بمرحلة التناصف بين

ص: 109

البشر بعضهم مع بعض، وهي مرحلة طويلة، ثم يدخلون الى محشر الحساب، وتبدأ المحكمة بالقضايا الكبرى في تاريخ البشرية، شبيهاً بقضايا أمن الدولة. لذلك لا بد أن يكونموضوع الشكوى أكبر من المبارزين الثلاثة، وهو الذي يدل عليه سياق الآيات. راجع كتابنا: الولادات الثلاث.

3. نلاحظ أن المحدثين والمفسرين مشوا وراء البخاري كالقطيع إلا النادر، فجعلوا شكوى علي (عليه السلام) يوم القيامة ضد من بارزه في بدر، لكن الطبري قال في تفسيره (17/173): (قال آخرون منهم: بل الفريق الآخر الكفار كلهم من أي ملة كانوا. ذكر من قال ذلك عن جابر، عن مجاهد، وعطاء بن أبي رياح، وأبي قزعة، عن الحسين، قال:هم الكافرون والمؤمنون اختصموا في ربهم!كان عاصم والكلبي يقولان: أهل الشرك والإسلام حين اختصموا أيهم أفضل.. ولكن الآية قد تنزل بسبب من الأسباب، ثم تكون عامة في كل ما كان نظير ذلك السبب، وهذه من تلك، وذلك أن الذين تبارزوا إنما كان أحد الفريقين أهل شرك وكفر باللّه، والآخر أهل إيمان باللّه وطاعة له، فكل كافر في حكم فريق الشرك منهما في أنه لأهل الإيمان خصم، وكذلك كل مؤمن لأهل الشرك خصم ).

أقول:هذا هو الأمر المعقول،لأن مواجهة قريش للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم لعترته حرمت البشرية من نورالإسلام، فهي جريمة عالمية، وعلي يخاصم فيها عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

ويؤيده ما رواه الصدوق في الخصال/174، عن جابر قال: سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: يجئ يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى اللّه عز وجل: المصحف، والمسجد، والعترة. يقول المصحف: يا رب حرقوني ومزقوني، ويقول المسجد: يا رب عطلوني وضيعوني. وتقول العترة: يا رب قتلونا وطردونا وشردونا! فأجثوا للركبتين للخصومة، فيقول اللّه جل جلاله لي: أنا أولى بذلك).

ومعناه: أن اللّه تعالى يتولى الخصومة عن المصحف والمسجد والعترة، وعلي (عليه السلام) يتولى جانباًمن ظلم قريش للعالم، بظلمها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعترته (عليهم السلام) .

4.قال البخاري(7/197و:8/35): (قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أول ما يقضى بين الناس بالدماء).

ص: 110

وفي فتح الباري(11/343): (بين الناس يوم القيامة في الدماء أي التي وقعت بين الناس في الدنيا. والمعنى أول القضايا القضاء في الدماء)

أقول: وهذا إبعاد للقضية عن ظلم قريش للبشرية، وجعل المسألة حادثة قتل فقط، ولو صح قولهم فلا بد أن تكون خصومة علي (عليه السلام) دماء الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) ، ودم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعترته (عليهم السلام) .

5. نصت الأحاديث النبوية على خصومة علي (عليه السلام) يوم القيامة مع من بارزه في بدر، ومع كل من قاتلهم على تنزيل القرآن زتأويله، وبه يظهرخطأ البخاري أو تعمده!

ففي نهج البلاغة (2/49):(قام إليه رجل فقال: يا أميرالمؤمنين أخبرنا عن الفتنة وهل سألت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عنها؟فقال (عليه السلام) :لما أنزل اللّه سبحانه قوله: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ، علمت أن الفتنة لاتنزل بنا ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بين أظهرنا، فقلت: يا رسول اللّه ما هذه الفتنة التي أخبرك اللّه تعالى بها؟فقال:يا علي إن أمتي سيفتنون من بعدي..).

وقال في شرح النهج (9/205) ملخصاً: (هذا الخبرمروي عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) رواه كثير من المحدثين أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال له: إن اللّه قد كتب عليك جهاد المفتونين كما كتب على جهاد المشركين،قال فقلت:يا رسول اللّه، ما هذه الفتنة التي كتب على فيها الجهاد؟ قال: قوم يشهدون أن لا إله إلا اللّه وأني رسول اللّه وهم مخالفون للسنة. الى ان قال: أجل أصبت، فأعدَّ للخصومة فإنك مخاصِم، فقلت:يا رسول اللّه، لو بينت لي قليلاً! فقال: إن أمتي ستفتنمن بعدي، فتتأول القرآن وتعمل بالرأي، وتستحل الخمر بالنبيذ والسحت بالهدية والربا بالبيع،وتحرف الكتاب عن مواضعه، وتغلب كلمة الضلال، فكن جليس بيتك حتى تقلدها فإذا قلدتها جاشت عليك الصدور، وقلبت لك الأمور، تقاتل حينئذ على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله، فليست حالهم الثانية بدون حالهم الأولى!فقلت: يا رسول اللّه، فبأي المنازل أنزل هؤلاء المفتونين من بعدك؟أبمنزلة فتنة أم بمنزلة ردة؟

ص: 111

فقال: بمنزلة فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل. فقلت: يا رسول اللّه، أيدركهم العدل منا أم من غيرنا؟ قال: بل منا، بنا فتح وبنا يختم، وبنا ألف اللّه بين القلوب بعد الشرك. وبنا يؤلف بين القلوب بعد الفتنة.فقلت: الحمد للّه على ما وهب لنا من فضله).

والصحيح في وقت الحديث، ما رواه المفيد (رحمه اللّه) من أنه بعد سورة النصرالتي نزلت بعد حجة الوداع. وكذا رواه فرات في تفسيره/614، وغيره.

ففي أمالي المفيد/288، قال (عليه السلام) : (فأعدَّ للخصومة فإنك مخاصمٌ أمتي.قلت: يا رسول اللّه أرشدني الى الفلج، قال: إذا رأيت قوماً قد عدلوا عن الهدى إلى الضلال فخاصمهم، فإن الهدى من اللّه، والضلال من الشيطان. يا علي إن الهدى هو اتباع أمر اللّه دون الهوى والرأي!).ورواه الطبراني بدون ذكر مناسبته (المعجم الكبير:11/295) والسيوطي في جامعه (31/350) عن كتاب وكيع مطولاً.

6. روينا الكثير عن خصومة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة (عليهماالسلام) يوم القيامة مع الذين كذبوهم وظلموهم، ففي الصحيح في كامل الزيارات/548: (عن الصادق (عليه السلام) : (لما أسري بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى السماء قيل له: إن اللّه تبارك وتعالى يختبرك في ثلاث لينظر كيف صبرك، قال: أسلم لأمرك يا رب ولا قوة لي على الصبر إلا بك، فما هن، قيل له: أولهن الجوع والأثرة على نفسك وعلىأهلك لأهل الحاجة، قال: قبلت يا رب ورضيت وسلمت ومنك التوفيق والصبر. وأما الثانية فالتكذيب والخوف الشديد وبذلك مهجتك في محاربة أهل الكفر بمالك ونفسك، والصبر على ما يصيبك منهم من الأذى ومن أهل النفاق والألم في الحرب والجراح، قال: قبلت يا رب ورضيت وسلمت ومنك التوفيق والصبر.

وأما الثالثة فما يلقي أهل بيتك من بعدك من القتل، أما أخوك علي فيلقى من أمتك الشتم والتعنيف والتوبيخ والحرمان والجحد والظلم، وآخر ذلك القتل، فقال: يا رب قبلت ورضيت، ومنك التوفيق والصبر.

وأما ابنتك فتظلم وتحرم ويؤخذ حقها غصباً، الذي تجعله لها، وتضرب وهي حامل، ويدخل عليها وعلى حريمها ومنزلها بغير إذن، ثم يمسها هوان وذل ثم لا تجد مانعاً، وتطرح

ص: 112

ما في بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب!

قلت: إنا للّه وإنا إليه راجعون، قبلت يا رب وسلمت ومنك التوفيق للصبر، ويكون لها من أخيك ابنان، يقتل أحدهما غدراً ويسلب ويطعن، تفعل به ذلك أمتك! قلت: يا رب قبلت وسلمت إنا للّه وإنا إليه راجعون،ومنك التوفيق للصبر. وأما ابنها الآخر فتدعوه أمتك للجهاد ثم يقتلونه صبراً، ويقتلون ولده ومن معه من أهل بيته ثم يسلبون حرمه، فيستعين بي وقد مضى القضاء مني فيه بالشهادة له ولمن معه، ويكون قتله حجة على من بين قطريها، فيبكيه أهل السماوات وأهل الأرضين جزعاً عليه، وتبكيه ملائكة لم يدركوا نصرته.

ثم أخرج من صلبه ذكراً به أنصرك، وإن شبحه عندي تحت العرش، يملأ الأرض بالعدل ويطبقها بالقسط، يسير معه الرعب، يقتل حتى يشك فيه، قلت: إنا للّه. فقيل: إرفع رأسك، فنظرت إلى رجل أحسن الناس صورة وأطيبهم ريحاً، والنور يسطع من بين عينيه ومن فوقهومن تحته، فدعوته فأقبل إلي، وعليه ثياب النور وسيما كل خير، حتى قبل بين عيني، ونظرت إلى الملائكة قد حفوا به لا يحصيهم إلا اللّه عز وجل.فقلت: يا رب لمن يغضب هذا ولمن أعددت هؤلاء وقد وعدتني النصر فيهم فأنا أنتظره منك.. فقيل لي: أما أخوك فجزاؤه عندي جنة المأوي نزلاً بصبره، أفلج حجته على الخلائق يوم البعث..الخ.).

وروى الصدوق في الخصال/43:(عن النضر بن مالك قال:قلت للحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) :يا أباعبد اللّه حدثني عن قول اللّه عز وجل: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ؟

قال:نحن وبنو أمية اختصمنا في اللّه عز وجل، قلنا: صدق اللّه، وقالوا:كذباللّه فنحن وإياهم الخصمان يوم القيامة ). وهذا يؤيد ما تقدم، ويعضده.

كذبوا على علي أنه أراد أن يتزوج على فاطمة (عليهماالسلام)

كان علي (عليه السلام) مميزاً في طاعته للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلم يخالفه يوماً في شيئ، ولا صدر من النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أدنى لوم له، بل مدحه بأنواع مديح لم يمدح بها أحداً من الصحابة. بينما كثر توبيخه لصحابة تحبهم السلطة!

ص: 113

لذلك كان مهماً عندهم أن يثبتوا أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) غضب على علي (عليه السلام) ، فاخترعوا أموراً، ووضعوا أحاديث مكذوبة، مثل أن علياً (عليه السلام) خطب بنت أبي جهل فغضب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وصعد المنبر، وهدد أن يطلق منه فاطمة (عليهاالسلام) ، ومدح صهره زوج زينب وهو العاص بن الربيع، وقومه بني أمية!

والغلو والصنعة في حديثهم واضحان، فكيف ينقض النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) شريعة ربه في تعددالزوجات وقد نص القرآن عليه، وكيف يحرم على علي (عليه السلام) بنت أبي جهل وعنده أم حبيبة بنت عدو اللّه أبي سفيان!

قال البخاري (4/212): (باب ذكر أصهار النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) منهم أبوالعاص بن الربيع. إن المسور بن مخرمة قال: إن علياً خطب بنت أبي جهل فسمعت بذلك فاطمة، فأتت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقالت يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك، وهذا على ناكح بنت أبي جهل! فقام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسمعته حين تشهد يقول: أما بعد فإني أنكحت أباالعاص بن الربيع فحدثني وصدقني وإن فاطمة بضعة مني، وإني أكره أن يسوءها.و اللّه لا تجتمع بنت رسول اللّه وبنت عدو اللّه عند رجل واحد فترك عليٌّ الخطبة. وزاد عن ابن شهاب عن علي عن مسور قال: سمعت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وذكر صهراً له من بني عبدشمس، فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن، قال: حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي ).

ثم فتح البخاري(6/158)باباً آخر للموضوع:(باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف: عن المسور بن مخرمة قال: سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول وهوعلى المنبر: إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن يُنكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن،إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما هي بضعة منى يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها).

ص: 114

ملاحظات

1.لاحظ اللّهجة المعادية لعلي (عليه السلام) والمادحة لزوج زينب أبي العاص: (فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن، قال: حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي ).تعريضاً بعلي وأسرته، وكأنه حدثه فما صدق، ووعده فما وفى!

2. هذا الطعن بعلي (عليه السلام) يعجب فقهاء السلطة لكنهم غصوا بالحكم الشرعي في تعدد الزوجات كيف نقضه النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهوأولى الناس بتطبيق الشريعة!

وقد تفنن البخاري فأدخل فيه قاعدة الإستحسان فسمى الباب: باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف، يعني رحمة بغيرة البنت وإنصافاً لها!

3.قال ابن حجر في فتح الباري (9/286 ):(في رواية الزهري عن علي بن حسين عن المسور يخطب الناس على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم..هذا غلط والصواب كالمحتلم لأنه ولد بعد ابن الزبير فيكون عمره عند وفاة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثماني سنين. ووقع عند الحاكم من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي حنظلة أن علياً خطب بنت أبي جهل فقال له أهلها: لانزوجك على فاطمة.قلت:فكأن ذلك كان سبب استئذانهم، وجاء أيضاً أن علياً استأذن بنفسه..

فأخرج الحاكم بإسناد صحيح إلى سويد بن غفلة قال:خطب عليٌّ بنت أبي جهل إلى عمها الحرث بن هشام فاستشارالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال أعن حسبها تسألني فقال لا ولكن أتأمرني بها؟ قال: لا، فاطمة مضغة مني،ولا أحسب إلا أنها تحزن أو تجزع. فقال عليٌّ: لا آتي شيئاً تكرهه.

ولعل هذا الإستئذان وقع بعد خطبة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بما خطب ولم يحضر عليٌّ الخطبة المذكورة فاستشار فلما قال له لا لم يتعرض بعد ذلك لطلبها. ولهذا جاء آخر حديث شعيب عن الزهري فترك على الخطبة).

أقول: من فضائحهم أن البخاري وابن حجر قال إن المسور بن مخرمة كان عمره لما توفيالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثمان سنين، ثم ينقلون عنه فريتهم وأنه شهد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يخطب!

ص: 115

4.في فتح الباري(9/287):(في رواية الزهري:وإني لست أحرم حلالاً ولا أحلل حراماً،ولكن و اللّه لاتجمع بنت رسول اللّه وبنت عدو اللّه عند رجل أبداً، وفى رواية مسلم: مكاناً واحداً أبداً، وفى رواية شعيب: عند رجل واحد أبداً. قال ابن التين: أصح ما تحمل عليه هذه القصة أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حرم على عليٍّ أن يجمع بين ابنته وبين ابنة أبى جهل لأنه علل بأن ذلك يؤذيه وأذيته حرام بالإتفاق! ومعنى قوله لا أحرم حلالاً أي هي له حلال لو لم تكن عنده فاطمة وأما الجمع بينهما الذي يستلزم تأذى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لتأذى فاطمة به، فلا )!

ثم قال ابن حجر: (وفى الحديث تحريم أذى من يتأذى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بتأذيه لأن أذى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حرام اتفاقاً قليله وكثيره، وقد جزم بأنه يؤذيه ما يؤذى فاطمة فكل من وقع منه في حق فاطمة شئ فتأذت به فهو يؤذى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بشهادة هذا الخبر الصحيح ولا شئ أعظم في إدخال الأذى عليها من قتل ولدها ).

أقول:من الواضح أنه لايمكن الجمع بين هذه الأحاديث، فإن كان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) غضب وخطب وهدد، فكيف يستشيره علي (عليه السلام) بعد ذلك! ثم كيف حرَّم النبي ما نص اللّه على تحليله! وكيف يمكن الإستثناء من القاعدة القرآنية: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ. وخصوصية الزهراء (عليه السلام) لاتبرر ذلك!

أما حكمهم بأن كل أذية للزهراء (عليهاالسلام) ولو كانت صغيرة أذية للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فليتهم حكموا به على من جمعوا الحطب على بيتها وهددهم بحرقه بمن فيه، إن لم يبايعوا!

ومن الخطاب العاطفي العامي قول ابن حجر:(الغيرة على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أقرب إلى خشية الإفتتان في الدين. أن فاطمة كانت فاقدة من تركن إليه من يؤنسها ويزيل وحشتها من أمأو أخت، بخلاف أمهات المؤمنين). وهذا لايقره فقه ولامنطق!

كذب البخاري في سبب تكنية علي (عليه السلام) بأبي تراب

قال البخاري(1/114، و:4/208): (عبدالعزيز بن أبي حازم عن أبي ه أن رجلاً جاء إلى سهل بن سعد فقال: هذا فلان لأمير المدينة يدعو علياً عند المنبر، قال فيقول: يقول له

ص: 116

أبوتراب! فضحك وقال: و اللّه ما سماه إلا النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وما كان له إسم أحب إليه منه! فاستطعمت الحديث سهلاً وقلت:يا أباعباس كيف؟قال دخل علي على فاطمة ثم خرج فاضطجع في المسجد، فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أين ابن عمك؟ قالت: في المسجد، فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن ظهره، وخلص التراب إلى ظهره، فجعل يمسح التراب عن ظهره فيقول: أجلس يا أباتراب مرتين ).

وقال البخاري(1/114، و:7/140): (عن سهل بن سعد قال: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب وإن كان ليفرح به إذا دعي بها جاء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بيت فاطمة (عليهاالسلام) فلم يجد علياً في البيت فقال: أين ابن عمك؟ فقالت: كان بيني وبينه شئ فغاضبني فخرج فلم يَقِلْ عندي. فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لإنسان انظر أين هو؟ فجاء فقال: يا رسول اللّه هو في المسجد راقد، فجاء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب فجعل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يمسحه عنه وهو يقول قم أباتراب قم أباتراب ).

ملاحظات

1.يريد البخاري أن يقول: إن علاقة علي بفاطمة (عليهماالسلام) كانت سيئة فيها خلاف، وكان يصل الأمر الى أن علياً (عليه السلام) يخرج من البيت غاضباً من فاطمة وينام الظهيرة في المسجد! قال ابنحجر في فتح الباري(7/58): (ظاهره أن ذلك أول ما قال له ذلك،وروى ابن إسحاق من طريقه وأحمد من حديث عمار بن ياسر قال: نمت أنا وعلي في غزوة العشيرة في نخل،فما أفقنا إلا بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يحركنا برجله يقول لعلي: قم يا أباتراب، لما يرى عليه من التراب. وهذا إن ثبت حمل على أنه خاطبه بذلك في هذه الكائنة الأخرى.(يقصد بعد غزوة العشيرة)

ويروى من حديث ابن عباس أن سبب غضب علي كان لما آخى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بين أصحابه ولم يؤاخ بينه وبين أحد، فذهب إلى المسجد فذكر القصة وقال في آخرها: قم فأنت أخي. وحديث الباب أصح، ويمتنع الجمع بينهما لأن قصة المؤاخاة كانت أول ما قدم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) المدينة وتزويج علي بفاطمة ودخوله عليها كان بعد ذلك بمدة. و اللّه أعلم).

ص: 117

2. السبب الحقيقي لتسمية النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام) بأبي تراب في غزوة العشيرة لما نام هو وعمار في النخل، وهي أشهر الروايات في كتب الحديث والسيرة وأصحها،.لكنهم اخترعوا أنه غاضب فاطمة (عليهماالسلام) ونام في المسجد. واخترعوا أنه غضب لما آخى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بين أصحابه ولم يؤاخ بينه وبين أحد.

واختار البخاري أكثرالأسباب طعناً بعلي (عليه السلام) وهي اختلافه مع فاطمة (عليهاالسلام) ! وساعده أبوهريرة فقال: (كان بين علي وفاطمة كلام فدخل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وألقيَ له مثال فاضطجع عليه، فجاءت فاطمة فاضطجعت من جانب وجاء علي فاضطجع من جانب، فأخذ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يده فوضعها على سرته وأخذ يد فاطمة فوضعها على سرته،فلم يزل حتى أصلح بينهما، ثم خرج فقيل له: يا رسول اللّه دخلت وأنت على حال، وخرجت ونحن نرى البشرى في وجهك؟ قال:ما يمنعني وقد أصلحت بين اثنين أحب مَن على وجه الأرض إليَّ ).(علل الشرائع:1/56، عن القطان).

وقد روى البخاري حديث عمار الصحيح في غزوة العشيرة في تاريخه الكبير (1/71)، قال: (أخبرنا عيسى بن يونس قال: أخبرنا ابن إسحاق قال: أخبرني يزيد بن محمد بن خثيم، عن محمد بن كعب القرظي، عن محمد بن خثيم، عن عمار بن ياسر قال: كنت أنا وعلى رفيقين في غزوة العشيرة..

ثم قال البخاري:هذا إسناد لا يعرف سماع يزيد من محمد، ولا محمد بن كعب من ابن خثيم، ولا ابن خثيم من عمار ). وجعل ذلك عذراً لعدم روايته!

وأجابه ابن حجر في تهذيب التهذيب (9/130) كما تقدم، والبخاري يعرف صحة السماع في هذا السند، وكثرة طرق حديث عمار في غزوة العشيرة، فإن لم يصح منها هذا الطريق صح غيره، لكنه لايريد حديثاً فيه منقبة لعلي (عليه السلام) !بل يريد ما فيه طعن!

3. قال ابن هشام (2/434): (عن عمار بن ياسر، قال: كنت أنا وعلي ابن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة، فلما نزلها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأقام بها، رأينا أناساً من بني مدلج يعملون في عين لهم، وفي نخل، فقال لي على ابن أبي طالب: يا أبااليقظان، هل لك في أن

ص: 118

نأتى هؤلاء القوم فننظر كيف يعملون؟ قال: قلت: إن شئت، قال: فجئناهم، فنظرنا إلى عملهم ساعة، ثم غشينا النوم، فانطلقت أنا وعلى حتى اضطجعنا في صور من النخل، وفى دقعاء من التراب فنمنا، فو اللّه ما أهبَّنا إلا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يحركنا برجله، وقد تتربنا من تلك الدقعاء التي نمنا فيها، فيومئذ قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعلي بن أبي طالب: مالك يا أباتراب! لما يرى عليه من التراب. ثم قال: ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين؟ قلنا: بلى يا رسول اللّه، قال: أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، الذي يضربك يا علي على هذه ووضع يده على قرنه، حتى يبل منها هذه، وأخذ بلحيته). ورواه أحمد: 4/263، والحاكم:3/140، وصححه على شرط مسلم.ومجمعالزائد:9/101، ووثقه، ولا نطيل بسرد مصادره الكثيرة.

4. إذا قارنت بين الأسباب الثلاثة التي رووها للقب أبي تراب، تجد أن سبب غضبه من فاطمة (عليهاالسلام) وغضبه من المؤاخاة، غير طبيعيين ولا منسجمين مع أخلاق علي (عليه السلام) ، وأن سبب غزوة العشيرة أقوى الأسباب وروايته أقوى الروايات، لكن البخاري يبحث عما فيه طعن بعلي (عليه السلام) !

5. الظاهرأن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تعمد تلقيب علي (عليه السلام) بلقب ظاهره الذم ليفرح به خصومه وحساده، وهذه عادة بني هاشم أن يلقبوا حتى الصغار بألقاب عادية، ليأخذها الناس وينبزوهم بها، بدل أن ينبزوهم بألقاب يضعونها هم.

قال الإمام الباقر (عليه السلام) (الكافي:6/20):(إنا لنكني أولادنا في صغرهم مخافة النبز أن يلحق بهم). فأراد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بذلك أن يبعد لمز قريش السيئ عن علي (عليه السلام) ، فوضع له لقب أبي تراب لينبزوه به. وبما أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لا ينطق عن الهوى، فغرضه أن يكون لقب علي (عليه السلام) ظاهره الذم وباطنه المدح، وأنه أبوالبشر تشبيهاً له بآدم (عليه السلام) . وقد قال له النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أنا وأنت أبوا هذ الأمة.

تعمد البخاري تخريب حديث:لأعطين الراية غداً

1. روى عامة المحدثين والمؤرخين أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قصد خيبر بنحوألف مقاتل ورايته بيد علي (عليه السلام) ، فهو حامل رايته وقائد جيشه في كل المشاهد.

ص: 119

قال ابن هشام (3/791): (خرج في بقية المحرم إلى خيبر، واستعمل على المدينة نميلة بن عبد اللّه الليثي،ودفع الراية إلى علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، وكانت بيضاء). ولا بد أن يكون البخاري قرأه لأنه لم يترك كتاب حديث في عصره إلا قرأه، وقال إنه يحفظ عن ظهر قلب مئة ألف حديث!

وبدأ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالقسم الشرقي من خيبر وهوالنِّطَاة فحاصر حصن ناعم حتى فتحه، وروى النووي وغيره أن بابه كان من صخر فدحاه علي (عليه السلام) ، وكانت معه سبعة حصون، فأكمل فتحها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأمر علياً أن يرتب أمورها، وتوجه الى غرب خيبر ويسمى الكتيبة وحاصر حصن القموص أكبر حصونها نحو شهر، وعجز المسلمون عن فتحه، فقالوا للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إبعث الى علي، فأرسل من أحضره وكانت المسافة اليه نحو عشركيلومترات، فجاء وهو أرمد لأن اليهود دخنوا عليه، فشفاه النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأعطاه الراية فقصد الحصن ودحا بابه وقتل مرحباً وفتح اللّه عليه.

2. قام البخاري بعملين خبيثين:فشكك في أن راية النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كانت بيد علي (عليه السلام) ! وعقد باباً في أن لواء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بيد قيس،ثم كذب على علي (عليه السلام) بأنه تخلف عن خيبر.

قال (4/12):(باب ما قيل في لواء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .إن قيس بن سعد الأنصاري وكان صاحب لواء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم روى بعده مباشرة عن سلمة بن الأكوع قال:كان علي تخلف عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في خيبر وكان به رمد فقال: أنا أتخلف عن رسول اللّه! فخرج عليٌّ فلحق بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلما كان مساء الليلة التي فتحها في صباحها فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لأعطين الراية...).

ورد عليه ابن حجر فقال في فتح الباري(6/89):(قوله:وكان صاحب لواء النبي أي الذي يختص بالخزرج.. وأخرج أحمد بإسناد قوي من حديث ابن عباس أن راية النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كانت تكون مع علي. وراية الأنصار مع سعد بن عبادة ).

3. ومما يكذب البخاري أن المصاد روت أن علياً (عليه السلام) كان صاحب راية النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

فقد روى عبدالرزاق شيخ البخاري في مصنفه(5/288):(عن عامر أن راية النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كانتتكون مع علي بن أبي طالب، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة)

ص: 120

ورواه البخاري في تاريخه (6/258). وقال ابن سعد (3/23):(عن قتادة أن علي بن أبي طالب كان صاحب لواء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوم بدر، وفي كل مشهد).

وفي مجمع الزوائد (5/321):(رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح) وغيره.

وروى الحاكم وصححه (3 /137): (عن ابن دينار قال:سألت سعيد بن جبير فقلت: يا أباعبد اللّه من كان حامل راية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟ قال: فنظر إلي وقال كأنك رخيُّ البال! فغضبت وشكوته إلى إخوانه من القراء، فقلت: ألا تعجبون من سعيد أني سألته من كان حامل راية رسول اللّه، فنظر إلي وقال: إنك لرخي البال! قالوا:إنك سألته وهو خائف من الحجاج، وقد لاذ بالبيت، فسله الآن فسألته فقال: كان حاملها علي رضي اللّه عنه، هكذا سمعته من عبد اللّه بن عباس).

ومعنى: أنت رخي البال، أي تريد أن تجلب لي مشكلة، فمن يقول إن علياً (عليه السلام) حامل راية النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يتعرض لنقمة بني أمية! والبخاري بقوله إن علياً (عليه السلام) تخلف عن خيبر وإن قيساً صاحب لواء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ! يريد الطعن في علي (عليه السلام) ليرضي المتوكل!

4. وكذلك كذب البخاري على علي (عليه السلام) بأنه تخلف عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في خيبر، وهو ما لم يقله أحد من الرواة، ولا تفسير له إلا بغضه لأميرالمؤمنين (عليه السلام) !

قال البخاري (4/12):« عن سلمة بن الأكوع رضي اللّه عنه قال كان علي رضي اللّه عنه تخلف عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في خيبر، كان به رمد، فقال: أنا أتخلف عن رسول اللّه! فخرج علي فلحق بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلما كان مساء الليلة التي فتحها في صباحها فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :لأعطين الراية أو قال ليأخذن غداً رجل يحبه اللّه ورسوله، أو قال يحباللّه ورسوله يفتح اللّه عليه،فإذا نحن بعلي وما نرجوه، فقالوا هذا علي، فأعطاه رسول اللّه الراية، ففتح اللّه عليه ».

وكرر البخاري أنه تخلف عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثلاث مرات:(4/207، و250، و:5/76). ليثبت في ذهن الناس أن علياً (عليه السلام) تخلف عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في غزوة خيبر حتى أحضره النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في أواخرها وأعطاه الراية، ففتح حصن القموص!

وقد تشبث بكلام سلمة بن الأكوع: وكان علي تخلف عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في خيبر،

ص: 121

أي في القسم الأول المحرر من خيبروهوالنطاة! فأخذها البخاري ودلَّس بها أنه تخلف عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لما غزا خيبر! ولا يصح أنه لم يفهم كلام سلمة.

5.وجريمة البخاري الثالثة التجزئة والبتر لتغييب الحقائق،وهي عادته دائماً في كتابه!

قال ابن حجر (7/365 ):« وقع في هذه الرواية اختصار وهوعند أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم من حديث بريدة بن الخصيب، قال: لما كان يوم خيبر أخذ أبوبكر اللواء فرجع ولم يفتح له، فلما كان الغد أخذه عمر فرجع ولم يفتح له، وقتل محمود بن مسلمة، فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :لأدفعن لوائي غداً إلى رجل. وفي الباب عن أكثر من عشرة من الصحابة سردهم الحاكم في الإكليل، وأبونعيم، والبيهقي في الدلائل » ونحوه عمدة القاري ( 14/213).

ولا بد أن البخاري رأى الأحاديث الكثيرة في المئة ألف الصحيحة التي يحفظها تنص على جهاد علي (عليه السلام) ، وأنه فتح كل حصون خيبر! فلماذا أغمض عنها عينيه!

مثلاً حديث الضحاك الأنصاري قال:(لما سار النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى خيبر جعل علياً (عليه السلام) على مقدمته فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : من دخل النخل فهو آمن، فلما تكلم النبي نادى بها علي, فنظر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى جبرائيل يضحك فقال:مايضحكك؟! قال: إني أحبه! فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) : إن جبرائيل يقول إنه يحبك! قال (عليه السلام) : بَلَغْتُ أن يحبني جبرائيل؟قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :نعم، ومن هو خيرمن جبرائيل, اللّه عزَّ وجل». «الطبراني الكبير: 8/301، ومجمع الزوائد: 9/126، وأسد الغابة: 3/34».

بل نصوا على أن علياً (عليه السلام) فتح حصون خيبركلها.(السيرة الحلبية:2/737).

وقال في عون المعبود بشرح سنن أبي داود ( 8/172): «وقصة فتح هذه الحصون: أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ألبس علياً رضي اللّه عنه درعه الحديد وأعطاه الراية، ووجهه إلى الحصن، فلما انتهى علي إلى باب الحصن، اجتذب أحد أبوابه فألقاه بالأرض! ففتح اللّه ذلك الحصن الذي هو حصن ناعم، وهو أول حصن فتح من حصون النطاة على يده رضي اللّه عنه).

6. روى البخاري نفسه طرفاً من الأحاديث الصحيحة، ثم خرب ما رواه!

قال: (4/20، و207و:5/75و76و77): (أخبرني سهل رضي اللّه عنه قال قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

ص: 122

يوم خيبر:لأعطين الراية غداً رجلا ًيفتح اللّه على يديه، يحباللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله، فبات الناس ليلتهم يدوكون (يخوضون)أيهم يعطاها فغدوا كلهم يرجوها فقال: أين علي؟ فقيل يشتكي عينيه فبصق في عينيه ودعا له فبرأ، كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية فقال:قاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟فقال: أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم، فو اللّه لئن يهدي اللّه بك رجلاً خير لك من أن تكون لك حمر النعم ).

قال الطبري (2/301) (متوفى310):(فلما نزل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خيبرأخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس وأن أبابكر أخذ راية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم نهض فقاتل قتالاً شديداً ثم رجع، فأخذها عمر فقاتل قتالاً شديداً هو أشد من القتال الأول، ثم رجع، فأُخبر بذلك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: أما و اللّه لأعطينها غداً رجلاً يحباللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله، يأخذها عنوة.

قال: وليس ثَمَّ عليٌّ (أي في القسم الغربي المحاصر) فتطاولت لها قريش ورجا كلواحد منهم أن يكون صاحب ذلك، فأصبح فجاء علي على بعيرله حتى أناخ قريباً من خباء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو أرمد وقد عصب عينيه بشقة برد قطري، فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : مالك؟ قال: رَمِدْتُ بعد ك. فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :أدن مني فدنا منه فتفل في عينيه، فما وجعتاه حتى مضى لسبيله، ثم أعطاه الراية فنهض بها، وعليه حلة أرجوان حمراء قد أخرج خملها فأتى خيبر، وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر معصفر يمان، وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه،وهو يرتجز).

لاحظ أنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال سأعطي الراية غداً ولم يكن علي (عليه السلام) هناك، ولو كان في المدينة لاحتاج الى أيام ليصل الى خيبر، لأنها تبعد عن المدينة 175كيلو متراً.

وفي تفسير الثعلبي (9/50) (توفي427):(وذلك أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أعطى اللواء عمر بن الخطاب ونهض من نهض معه من الناس فلقوا أهل خيبر، فانكشف عمر وأصحابه (هربوا) فرجعوا إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يجبنه أصحابه، ويجبنهم! وكان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

ص: 123

قد أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس، فأخذ أبوبكر راية رسول اللّه، ثم نهض فقاتل قتالاً شديداً ثم رجع، فأخذها عمر فقاتل قتالاً شديداً هو أشد من القتال الأول، ثم رجع، فأخبر بذلك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: أما و اللّه لأعطين الراية غداً رجلاً يحباللّه ورسوله، ويحبه اللّه ورسوله، يأخذها عنوة، وليس ثَمَّ علي، فلما كان الغد تطاول لها أبوبكر وعمر وقريش رجاء كلُّ واحد منهم أن يكون صاحب ذلك، فأرسل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سلمة بن الأكوع إلى علي فدعاه، فجاء علي على بعير له حتى أناخ قريباً من خباء رسول اللّه، وهو أرمد قد عصب عينيه.الخ.).

وكان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يعطي الراية لوجهاء أصحابه، وكان الجميع يرجعون منهزمين! بل لميجرؤوا على العبور من آخر وادٍ والصعود الى الحصن!

7. فالبخاري وأتباع السلطة يروون إعطاء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الراية لعلي (عليه السلام) ، لكنهم يخفون فرار الصحابة المفضلين عندهم، ويقولون انكشفوا بدل أن يقولوا فروا!

ثم خففوا ما استطاعوا من شهادات النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) العظيمة في حق علي (عليه السلام) ، وقللوا ما استطاعوا من شجاعته حتى ادعى بعضهم أن الذي قتل مرحباً محمد بن مسلمة!

فتح علي (عليه السلام) اليمن فقال البخاري فتحها خالد بن الوليد !

شهد الذهبي في تاريخه (2/690): بصحة حديث جبن خالدوشجاعة علي (عليه السلام) : «عن البراء، أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعث خالد بن الوليد إلى اليمن، يدعوهم إلى الإسلام، قال البراء: فكنت فيمن خرج مع خالد فأقمنا ستة أشهر يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه!ثم إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعث علياً فأمره أن يُقفل خالداً إلا رجلٌ كان يمَّم مع خالد أحب أن يعقب مع علي فليعقب معه، فكنت فيمن عقب مع علي. وقال الذهبي: هذا حديث صحيح، أخرج البخاري بعضه»

ومعناه: أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حلَّ جيش خالد، لكن خالداً عصى وبقي مع بعض أصحابه للبحث عن خطأ لعلي (عليه السلام) ! وتوغل علي في اليمن فأسلمت على يده همدان وغيرها،

ص: 124

وقاتل في بعض المناطق وغنم غنائم ووزعها، وعزل منها الخمس لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، واختار جارية فقوَّم قيمتها وحسبها من سهمه من الخمس ولعله تزوجها. فرأى خالد في ذلك انتصاراً له يُعوض به عن فشله لمدة نصف سنة! فكتب إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مع بريدة وثلاثة أشخاص، ووصل بريدة إلى المدينة ففرح مبغضوا علي (عليه السلام) وقالوا له: عجل وأخبر النبي لتسقطمكانته عنده! فكانت النتيجة معكوسة عليهم! وغضب النبي غضباً شديداً، وقال لهم: إن حب علي إيمان وبغضه نفاق، وإنه وليهم من بعده.. الخ.

وحديث بريد صحيح، روته مصادرهم بصيغ عديدة، وروى البخاري قسماً منه وحذف الباقي لمرض في نفسه! ورواه مجمع الزوائد (9/127):« عن بريدة قال: (أبغضت علياً بغضاً لم أبغضه أحداً قط! قال: وأحببت رجلاً من قريش لم أحبه إلا على بغضه علياً! قال: فبعث ذلك الرجل على جيش فصحبته، ما صحبته إلا ببغضه علياً! وفي حديث: وأخذ عليٌّ جارية من الخمس،فدعا خالد بن الوليد بريدة فقال: إغتنمها فأخبر النبي ما صنع! فقدمت المدينة، ودخلت المسجد ورسول اللّه في منزله وناس من أصحابه على بابه فقالوا: ما الخبر يا بريدة؟ فقلت: خيراً فتح اللّه على المسلمين. فقالوا: ما أقدمك؟ قلت: جارية أخذها عليٌّ من الخمس فجئت لأخبر النبي، فقالوا: فأخبر النبي فإنه يسقط من عينه، ورسول اللّه يسمع الكلام فخرج مغضباً فقال: ما بال أقوام ينتقصون علياً! من تنقص علياً فقد تنقصني، ومن فارق علياً فقد فارقني، إن علياً مني وأنا منه، خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ!

يا بريدة:أما علمت أن لعليٍّ أكثر من الجارية التي أخذ، وأنه وليكم بعدي؟ فقلت: يا رسول اللّه، بالصحبة إلا بسطت يدك فبايعتني على الإسلام جديداً! قال: فما فارقته حتى بايعته على الإسلام »!

يعني عرف بريدة أنه كفر ببغضه لعلي، فتاب وجدد إسلامه! وحديث بريدة فيه تفاصيل مهمة، استوفيناها في سيرة أميرالمؤمنين (عليه السلام) في فتح اليمن.

ص: 125

فانظر ماذا فعل البخاري بحديث بريدة القاصم؟ وهو في المئة ألف حديث الصحيحةالتي يحفظها عن ظهر قلب؟! لم يستطع حذفه فزور فيه بمعاريض الكلام ليوهم أن خالداً قاتل وفتح، وأن علياً ذهب جابياً ليقبض الخمس!

قال البخاري في صحيحه (5/110): « عن بريدة قال: بعث النبي علياً إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض علياً وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟ فلما قدمنا على النبي ذكرت ذلك له، فقال: يا بريدة أتبغض علياً؟ قلت: نعم قال: لا تبغضه، فإن له في الخمس أكثر من ذلك ».

وقصة بريدة حجة بالغة على إمامة علي (عليه السلام) ، بحثناها في العقائد الإسلامية (4/91) وفي قراءة جديدة في الفتوحات (2/23) فاقرأ تزوير البخاري وكذبه المبطن، لتعرف خباثته التي ورثها من جده المجوسي فطعن بعضد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وناصره ووصيه!

قال البخاري(5/110): (باب: بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد رضي اللّه عنهما إلى اليمن قبل حجة الوداع: سمعت البراء: بعثنا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مع خالد بن الوليد إلى اليمن.قال ثم بعث علياً بعد ذلك مكانه فقال:مر أصحاب خالد، من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب، ومن شاء فليقفل، فكنت فيمن عقب معه. قال: فغنمت أواق ذوات عدد.

عن عبد اللّه بن بريدة عن أبي ه رضي اللّه عنه قال:بعث النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) علياً إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض علياً، وقد اغتسل. فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟ فلما قدمنا على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذكرت ذلك له فقال:يا بريدة أتبغض علياً؟ قلت: نعم. قال: لاتبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك.

من إنصاف ابن حجر، وقليلٌ ما هو:

قال في فتح الباري(8/49): (تنبيه: أورد البخاري هذا الحديث مختصراً، وقد أوردهالإسماعيلي،وهوالذي أخرجه البخاري من طريقه، فزاد فيه: قال البراء: فكنت ممن عقب معه، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا فصلى بنا علي وصفنا صفاً واحداً، ثم تقدم بين أيدينا فقرأ عليهم كتاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأسلمت همدان جميعاً، فكتب علي إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

ص: 126

بإسلامهم، فلما قرأ الكتاب خر ساجداً، ثم رفع رأسه وقال: السلام على همدان ).

أقول: لم يذكر البخاري وابن حجر أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حل جيش خالد، وأجاز لمن أراد من جنوده أن يلتحق بعلي (عليه السلام) ولا يقفل، فخالف خالد وبقي فيمن أثر عليهم!

ثم قال ابن حجر: أورده الإسماعيلي من طريق إلى روح الذي أخرجه البخاري من طريقه، فقال في سياقه:بعث علياً إلى خالد ليقسم الخمس!

أقول:من تعصبهم قولهم: بقي خالد ستة أشهر ولم يصنع شيئاً، ثم يقولون إنه غنم وذهب علي ليقبض أو ليقسم الخمس أو الفيئ! أي الهواء الذي غنمه خالد!

ثم قال ابن حجر: فاصطفى عليٌ منه لنفسه سبيئة، وفي رواية له فأخذ منه جارية ثم أصبح يقطر رأسه، فقال خالد لبريدة: ألا ترى ما صنع هذا! قال بريدة: وكنت أبغض علياً. ولأحمد من طريق عبدالجليل: أبغضت علياً بغضاً لم أبغضه أحداً، وأحببت رجلاً من قريش لم أحبه إلا على بغضه علياً).

أقول: هذا يدلك على أن العلاقات والولاءات والمجموعات في الصحابة من عهد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ،كانت لأجل الخلافة، وينكر ذلك غيرنا ليصوروهم ملائكة وأن أمور الخلافة جرت عفوياً بدون عمل وأهواء تعصبات، وخطط مسبقة!

ثم قال ابن حجر: (في رواية عبدالجليل: لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي!وفي آخره: فإذا النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قد احمر وجهه يقول:من كنت وليه فعليٌ وليه. وأخرجهالحاكم مطولاً.. وهذه طرق يقوي بعضها بعضاً ).

قالت عائشة: لم يوص النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) أبداً أبداً

قال البخاري(5/143، ونحوه 3/186): (عن الأسود قال: ذكر عند عائشة أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أوصى إلى علي، فقالت: من قاله؟ لقد رأيت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأنا لمسندته إلى صدري، فدعا بالطست فانخنث فمات، فما شعرت! فكيف أوصى إلى علي )!

أقول: من له أدنى معرفة بعلم النفس يجزم بأن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أوصى لعلي (عليه السلام) وأن عائشة

ص: 127

استعملت في نفيها هذا الأسلوب المتوتر غير المنطقي! وعائشة وجماعتهاينفون الوصية عند ذكر علي (عليه السلام) ، ويقولون لم يوص أبداً، فلنا الحق أن نختار خليفة!

قال بخاري ( 8/126):«قيل لعمر: ألا تستخلف؟قال:إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني أبوبكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني، رسول اللّه)!

فإذا جاء ذكر أبي بكر وأولاده قالت عائشة إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أوصى لهم بالخلافة وأراد أن يكتب بذلك عهداً! « قال لي رسول اللّه في مرضه: أدعي لي أبابكر أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أول »!

( مسلم 7/110، وأحمد: 6/144، وغيرهما. ورواه بخاري: 7/8، و: 8/126، بلفظ:

« أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد، أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون».

وقال ابن حجر (1/186 و: 13/177):« أفرط المهلب فقال: فيه دليل قاطع في خلافة أبي بكر، والعجب أنه قرر بعد ذلك أنه ثبت أن النبي لم يستخلف »!

أقول: كان عبدالرحمن بن أبي بكر أكثر صراحة من أخته فقال: « قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :إئتوني بكتاب وكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده أبداً » (الزوائد (5/181) أي ليكتب الخلافة لأبي بكر وبنيه! ولم يذكر عبدالرحمن لماذا لم يكتب النبي الخلافة لهم؟فهل اتهمه أحدٌ بأنه يهجر وقال: حسبنا كتاباللّه! وهل لغطوا واختلفوا وصاحوا فطردهم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: قوموا عني!

ولماذا لم يعهد أبوبكر لابنه عبدالرحمان وأوصى الى عمر؟

وقد عملت عائشة ليكون عبدالرحمن خليفة فقتله معاوية، وعملت قبله لابن عمها طلحة ليكون خليفة فقتله مروان في معركة الجمل، ثم كانت تهئ موسى بن طلحة، وادعي له أنه المهدي الموعود وسيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، فلم يملأ شيئاً! وزعمت أن بني تيم أسرع إلى الجنة!«قالت:دخل عليَّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) و هويقول:ياعائشة، قومك أسرع أمتي بي لحاقاً».(حياة الصحابة:2/365).

ص: 128

ملاحظات

1. قول عائشة عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :انخنث ومات، تعبير سيئ، أي استرخى ولوى رأسه ومات! قال الجوهري(1/281):(الإنخناث: التثني والتكسر والخنث: المسترخي المتثنى. وخنثت الشئ فتخنث أي عطفته فتعطف).

وقال الخليل(4/248): (الخنثى: الذي ليس بذكر ولا أنثى، ومنه أخذ المخنث).

2. قالت عائشة: مات ورأسه على فخذي، بين سحري ونحري، ورأسه بين حاقنتي وذاقنتي. والصحيح أنه توفي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ورأسه في حجر علي (عليه السلام) وآخرما تكلم به الوصية بالصلاة.قال في فتح الباري(8/106)، عن حديث عائشة:(وهذا الحديث يعارض ما أخرجهالحاكم وابن سعد من طرق أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مات ورأسه في حجر علي. وكل طريق منها لايخلو من شيعي فلا يلتفت إليهم!والحديث عن عائشة أثبت من هذا، ولعلها أرادت آخر الرجال به عهداً ).

3. تبنت السلطة حديث عائشة، في أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مات على صدرها، وأنه تمرض في غرفتها، ومات ودفن في غرفتها!فقد قالت عائشة (البخاري:5/144): (كان النبي يقول وهو صحيح إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير. فلما نزل به ورأسه على فخذي غشيَ عليه ثم أفاق، فأشخص بصره إلى سقف البيت ثم قال: اللّهم الرفيق الأعلى فقلت: إذاً لا يختارنا، وعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا به أ وهو صحيح. قالت: فكان آخر كلمة تكلم بها: اللّهم الرفيق الأعلى ).

4.واجه أتباع السلطة القرشية إشكالية، هي كيف أمر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالوصية ولم يوص هو، وقد تخبط رواة الخلافة القرشية، بل توحلوا في جوابهم!

فمرة قالوا: أوصى بالقرآن! ومرة قالوا: لم يكن عنده كثير مال ليوصي. ومرة قالوا: أراد أن يوصي وقال إيتوني بدواة وقرطاس، فأشفقوا عليه رحمة بحاله وقالوا له: حسبنا كتاباللّه، لا تكتب لنا كتاباً يؤمننا من الضلال!

قال البخاري(/186): (حدثنا طلحة بن مصرف قال: سألت عبد اللّه بن أبي أوفى

ص: 129

رضي اللّه عنهما: هل كان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أوصى؟فقال: لا. فقلت: كيف كتب على الناس الوصية أو أمر بالوصية؟! قال: أوصى بكتاب اللّه)!

وروى:( عن أخ جويرية بنت الحرث قال: ما ترك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عند موته درهماً ولا ديناراً ولا عبداً ولا أمة ولا شيئاً، إلا بغلته البيضاء، وسلاحه وأرضاً جعلها صدقة ).وروى: (عن عبد اللّه بن عمر أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: ماحق امرئ مسلم له شئ يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده).

وروى مسلم(5/70): (قال عبد اللّه بن عمر: ما مرت عليَّ ليلة منذ سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال ذلك، إلا وعندي وصيتي )!

روى مسلم حديث الغدير مع أنه كالبخاري في التعصب

رواه في (7/122) (قال يزيد بن حيان: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، رأيت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: يا ابن أخي و اللّه لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فما حدثتكم فاقبلوا، ومالا فلا تكلفونيه، ثم قال: قام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة، فحمد اللّه وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاباللّه فيه الهدى والنور فخذوا بكتاباللّه واستمسكوا به، فحث على كتاباللّه ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم اللّه في أهل بيتي، أذكركم اللّه في أهل بيتي، أذكركم اللّه في أهل بيتي، فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته؟قال: نساؤه من أهل بيته! ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: ومن هم؟قال هم آل على وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس. قال:كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم).

ص: 130

ثم رواه بلفظ: ألاوإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاباللّه عز وجل هوحبل اللّه من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة، وفيه فقلنا:من أهل بيته نساؤه؟ قال:لا، وأيم اللّه إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها فترجع إلى أبي ها وقومها! أهل بيته: أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده).

لكن البخاري استمات في تغييب حديث الغدير !

1. قال البخاري إنه يحفظ مئة ألف حديث صحيح، فلا بد أن يكون منها حديث الغدير، الذي أجمع الحفاظ على صحته وتواتره، وألف ابن عقدة المعاصرللبخاري كتاباً في طرقه، فبلغت 125طريقاً، وألف الطبري المؤرخ المعاصرللبخاري أيضاً مجلدين في شرحه وطرقه، وبلغت عنده نيفاً وسبعين طريقاً! (نهج الإيمان /133، وينابيع المودة:1/113، والسقيفة للخليلي/80).

لكنه غيبه وكأنه لاوجود لغدير خم ولا لخطبة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيه! بل تفنن في طمسه وتوهينه فرواه في تاريخه الكبير(1/375) عن سالم وقال: في إسناده نظر! ورواه في (4/193) عن سهم بن حصين، وقال: وسهم مجهول ولا يدرى!

ثم أخرج سمه ضد علي (عليه السلام) فرى في تاريخه (6/240) عن الناصبي أبي حصين عثمان بن عاصم أنه قال:(ما سمعنا هذا الحديث حتى جاء هذا من خراسان فنعق به! يعني أباإسحاق يعني: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه! فاتبعه على ذلك ناس)!

وقد ارتضى ذلك البخاري ، وقصده أن ناعقاً كذب هذا الحديث فنعق به!

2. ثم روى من أطرافه (1/6و:8/137):(عن ابن شهاب: قال رجل من اليهود لعمر:يا أميرالمؤمنين لو أن علينا نزلت هذه الآية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الآسْلامَ دِيناً، لاتخذنا ذلك اليوم عيداً! فقال عمر: إني لأعلم أي يوم نزلت هذه الآية، نزلت يوم عرفة في يوم جمعة).

ورواه في(5/186) وقال:(وإنا و اللّه بعرفة. قال سفيان:وأشك كان يوم الجمعة، أم لا)!

ص: 131

فلم يجرؤالبخاري أن يقول لم يكن يوم جمعة، فنقل عن سفيان شكه في ذلك، والصحيح أن عرفة ليست عيداً، وأنها كانت في حجة الوداع يوم ثلاثاء!

3. أثبت البخاري أنه محرف، ومفسر فاشل، لأنه بروايته عيد نزول أكملت لكم دينكم، أقر بأن أكمل هنا فعل رباني في تشريع الدين، ثم فسرها بكملوا إيمانكم!

قال في (1/7):(كتاب الإيمان: باب قول النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بني الاسلام على خمس. وهو قول وفعل ويزيد وينقص. قال اللّه تعالى:لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى. وقال وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ. وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا. وقوله: أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا. وقوله جل ذكره: فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا. وقوله تعالى: وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَاناً. والحب في اللّه والبغض في اللّه من الإيمان.

وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى عدي بن عدي: إن للإيمان فرائض وشرائع وحدوداً وسنناً، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان. فإن أعش فسأبي نها لكم حتى تعملوا بها، وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص!

وقال إبراهيم: ولكن ليطمئن قلبي. وقال معاذ: أجلس بنا نؤمن ساعة. وقال ابن مسعود: اليقين الإيمان كله.

وقال ابن عمر: لايبلغ العبدحقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر وقال مجاهد:شرع لكم:أوصيناك يامحمد وإياه ديناً واحداً.

وقال ابن عباس: شرعة ومنهاجاً سبيلاً وسنة.

دعاؤكم: إيمانكم لقوله تعالى: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّى لَوْلا دُعَاؤُكُمْ.ومعنى الدعاء في اللغة: الإيمان.

فانظر الى حشو البخاري هذا، الذي لا علاقة له بالباب ولا بالكتاب!

ثم وضع في (1/16) عنواناً فسر فيه آيات منها آية إكمال الدين، فقال: (باب زيادة الإيمان ونقصانه، وقول اللّه تعالى: وَزِدْنَاهُمْ هُدًى. وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً، وقال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ

ص: 132

دِينَكُمْ، فإذا ترك شيئاً من الكمال فهو ناقص!

ثم روى بعده عن أنس عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال:يخرج من النار من قال لا إله إلا اللّه وفى قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا اللّه، وفي قلبه وزن ذرة من خير).

فلاحظ تحريفه وتخبطه، فقد فسر:أكملت لكم دينكم، بأكملوا دينكم، وجعل من ترك شيئاً من الكمال ناقصاً، ثم بشرالناقصين بأنهم يخرجون من النار!وهذا حشو وليس تفسيراً، لأن إكمال الدين فعل إلهي في الشريعة والأمة، وليس أمراً بتكميل الدين وزيادة الهدى.ثم لاحظ تحريفه حيث حذف كلمة اليوم في أول الآية، ثم فسر أكملت بأكملوا، ولا معنى لقوله: اليوم أكملوا دينكم!

4.وبعد أن خرب البخاري معنى آية: أكملت لكم دينكم، روى حديثاً عن عائشة (8/210) في تخريب معنى آية التبليغ،فقدفسرته بأن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم يكتم شيئاً من الوحي، قالت: (من حدثك أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كتم شيئاً من الوحي فلا تصدقه، لأن اللّه تعالى يقول: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ..).فيكون المعنىعندها: بلغ الجميع، فإن لم تفعل فما بلغت شيئاً!

لكن عمر رد كلام عائشة فقال إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم يبين كل شيئ! قال: (وددت أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم يفارقنا حتى يعهد الينا عهداً في الجد والكلالة وأبواب من أبواب الربا)! (البخاري:6/243)، وقال عمر:( آخر القرآن آية الربا، وإن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم يبينها لنا حتى مات ). (سنن الدارمي: 1 / 51 ).

والصحيح أن الآية لاتقصد جميع ما أنزل اليه، لأنها نزلت في آخر عمره بعد أن بلغ بل تقصد أمراً معيناً هو ولاية علي (عليه السلام) والصحيح أيضاً أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مأمور أن يكلم الناس على قدر عقولهم، فقد يقول شيئاً أولا يقول، حسب المصلحة.

5. فرح ابن تيمية بعمل البخاري فقال:(إن البخاري طعن في حديث الغدير) (منهاج السنة:7/323ومجموعة الفتاوى:4/418) لكن إمامهم الألباني قال (الأحاديث الصحيحة 4 / 330)

ص: 133

إن جملة: من كنت مولاه فعلي مولاه، متواترة، وجملة: اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، صحيحة. وبذلك كشف كذب ابن تيمية!

وروى البخاري حديثاً غريباً في وصية النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !

روى البخاري في الأدب المفرد /44: (عن نعيم بن يزيد قال: حدثنا علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لما ثقل قال: يا علي إئتني بطبق أكتب فيه ما لاتضل أمتي،فخشيت أن تسبقني نفسه، فقلت: إني لأحفظ من ذراعاً من الصحيفة، وكان رأسه بين ذراعي وعضدي وأوصى بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم، وقال كذاك حتى فاضت نفسه، وأمر بشهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً عبده ورسوله. من شهد بهما حرم على النار).وأحمد (1/90) والمسند الجامع (13/173) وفي هامشه: وأخرجه ابن سعد (2/243)، والنسائى في مسند علي، والضياء (2/380/762) وتهذيب الكمال( 21/482) من طرق، وقال عن بعض طرقه: رجال هذا الإسناد الرباعي عند أحمد والبخاري ثقات كلهم، خلا نعيم بن يزيد الكوفي، فقد جهله أبوحاتم الرازى. ولما كان نعيم بن يزيد من وسطي التابعين، فقد رضيه الشيخ أحمد شاكر وحسن حديثه. وهذا بعينه مذهب الحافظ الذهبي القائل في خاتمة ديوان الضعفاء: وأما المجهولون من الرواة، فإن كان من كبار التابعين أو أوساطهم ؛ احتمل حديثه وتلقى بحسن الظن).

أقول:ارتضى البخاري نعيم بن يزيد بسكوته عنه، فالحديث عنده صحيح، وهو إدانه لمن رفض أن يكتب وصيته،لأنه يدل على أنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان مصراً على أن يكتب الى آخر لحظات عمره الشريف، أي ظهر الإثنين بعد أربعة أيام من رزية الخميس!

والخبير يعرف أن الحديث مسروق من أحاديث الوصية لعلي، وحديثه لفاطمة (عليهم السلام) .

ص: 134

وقالوا اتهم علي (عليه السلام) عائشة وقال للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) طلقها

قال البخاري(3/154و155، و:5/38، و58و60: (قالت عائشة: كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذا أراد أن يخرج سفراً أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج سهمي فخرجت معه، بعد ما أنزل الحجاب، فأنا أُحمل في هودج وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع، فرجعتفالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه، فأقبل الذين يرحلون لي فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يثقلن ولم يغشهن اللحم، وإنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكرالقوم حين رفعوه ثقل الهودج فاحتملوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منزلهم وليس فيه أحد فأممت منزلي الذي كنت فيه، فظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إليَّ، فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين أناخ راحلته، فوطَّأ يدها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة، حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا معرسين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك وكان الذي تولى الإفك عبد اللّه بن أبي ابن سلول !

فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهراً والناس يفيضون من قول أصحاب الإفك ويريبني في وجعي أني لا أرى من النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) اللطف الذي كنت أرى منه حين أمرض، إنما يدخل فيسلم ثم يقول كيف تيكم، لا أشعر بشئ من ذلك حتى نقهت، فخرجت أنا وأم مسطح قِبَل المناصع متبرزنا لانخرج إلا ليلاً إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في البرية، أو في التنزه، فأقبلت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم نمشي

ص: 135

فعثرت في مرطها فقالت تعس مسطح، فقلت لها: بئسما قلت أتسبين رجلاً شهد بدراً؟ فقالت: يا هنتاه ألم تسمعي ما قالوا! فأخبرتني بقول الإفك فازددت مرضاً إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي دخل على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسلم فقال: كيف تيكم؟ فقلت: إئذن لي إلى أبوي! قالت وأنا حينئذ أريد أن استيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فجئتأبويَّ فقلت لأمي يا أمتاه ما يتحدث الناس؟ قالت: يا بنية هوني عليك، فو اللّه لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها، ولها ضرائر إلا كثرن عليها.قالت فقلت: سبحان اللّه ولقد تحدث الناس بهذا؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لايرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، حتى أصبحت فدعا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله. فأما أسامة فأشار عليه بالذي يعلم في نفسه من الود لهم، فقال: أهلك يا رسول اللّه، ولا نعلم و اللّه إلا خيراً.

وأما علي بن أبي طالب فقال:يا رسول اللّه لم يضيق اللّه عليك والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك، فدعا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بريرة فقال:أي بريرة هل رأيت من شئ يريبك؟ قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمراً قط أغمصه، غيرأنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله!قالت: فقام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من يومه فاستعذر من عبد اللّه بن أبي ّ وهو على المنبر فقال: يا معشرالمسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي! و اللّه ما علمت على أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي.

فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: يا رسول اللّه أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية (في عدائه لأبي بكر) فقال لسعد: كذبت لعمر اللّه لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضيرفقال:كذبت لعمر اللّه و اللّه لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على المنبرفنزل، فخفضهم حتى سكتواوسكت.

ص: 136

وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، فأصبح عندي أبواي قد بكيت ليلتين ويوماً، حتى أظن أن البكاء فالق كبدي! قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكى إذ استأذنت امرأة من الأنصار فأذنت لها، فجلست تبكي معي، فبينا نحن كذلك إذ دخل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فجلس ولم يجلس عندي من يوم قيل فيَّ ما قيل قبلها، وقد مكث شهراً لايوحى إليه في شأني شئ. قالت: فتشهد ثم قال يا عائشة، فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرؤك اللّه، وإن كنت ألممت فاستغفري اللّه وتوبي إليه، فإن العبدإذا اعترف بذنبه ثم تاب تاباللّه عليه. فلما قضى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة وقلت لأبي : أجب عني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قال: و اللّه ما أدرى ما أقول لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ! فقلت لأمي: أجيبي عني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيما قال. قالت: و اللّه ما أدرى ما أقول لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قالت: وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن، فقلت: إني و اللّه لقد علمت أنكم سمعتم ما يتحدث به الناس، ووقر في أنفسكم وصدقتم به ولئن قلت لكم إني بريئة و اللّه يعلم أني لبريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر و اللّه يعلم أني بريئة لتصدقني و اللّه ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبايوسف إذ قال: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ. ثم تحولت على فراشي وأنا أرجو أن يبرئني اللّه، ولكن و اللّه ما ظننت أن ينزل في شأني وحياً، ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمرى، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في النوم رؤيا يبرئني اللّه. فو اللّه ما رام مجلسه ولاخرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتى أنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات، فلما سرى عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو يضحك، فكانأول كلمة تكلم بها أن قال لي:يا عائشة أحمدي اللّه فقد برأك اللّه. فقالت لي أمي: قومي إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقلت:لاو اللّه لا أقوم إليه ولا أحمد إلا اللّه، فأنزل اللّه تعالى:إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالآفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَخَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الآثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ. فلما أنزل اللّه هذا في براءتي قال أبوبكر الصديق

ص: 137

وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه: و اللّه لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً، بعد ما قال لعائشة. فأنزل اللّه تعالى: وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَليَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

فقال أبوبكر الصديق: بلى و اللّه إني لأحب أن يغفر اللّه لي، فرجع إلى مسطح الذي كان يجرى عليه، وكان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يسأل زينب بنت جحش عن أمري فقال:يا زينب ما علمت ما رأيت؟ فقالت: يا رسول اللّه أحمي سمعي وبصرى، و اللّه ما علمت عليها إلا خيراً، قالت وهي التي كانت تساميني فعصمها اللّه بالورع.قالت: وطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك.

قال ابن شهاب: فهذا الذي بلغني من حديث هؤلاء الرهط.ثم قال عروة: قالت عائشة: و اللّه إن الرجل الذي قيل له ما قيل،ليقول: سبحان اللّه فوالذي نفسي بيده ماكشفت من كنف أنثى قط. قالت: ثم قتل بعد ذلك في سبيل اللّه.

عن الزهري قال: قال لي الوليد بن عبدالملك: أبلغك أن علياً كان فيمن قذف عائشة؟ قلت:لاولكن قد أخبرني رجلان من قومك أبوسلمة بن عبدالرحمن وأبوبكر بن عبدالرحمن بن الحرث أن عائشة رضي اللّه عنها قالت لهما: كان عليٌّ مُسَلِّماً في شأنها فراجعوهفلم يرجع،وقال مسلماً بلا شك فيه ). أي متيقناً.

ملاحظات على قصة الإفك

1.أوردنا رواية عائشة بطولها،لأن البخاري أعادها وكررها، ولأن السلطة رفعتها راية لتبرئة عائشة مما اتهمت به، وقالت صدقت عائشة بأن آيات البراءة نزلت فيها وليس في مارية القبطية رضي اللّه عنها، وجعلوها أعظم فضائل عائشة!

وعقيدتنا أن اتهام عائشة كان في السنة الرابعة قبل الأحزاب لأنها ذكرت سعد بن معاذ الي استشهد في حرب الأحزاب، وآيات التبرئة نزلت في السنة الثامنة أو التاسعة بعد اتهامهم لمارية القبطية رضي اللّه عنها، وهو المناسب لوصفه تعالى للمبرأة بالغافلة، لسذاجة مارية

ص: 138

وطهارتها (عليهاالسلام) . قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالآفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَخَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الآثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ. الى أن قال: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ.يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَالْحَقُّ الْمُبِينُ. الْخَبِيثَاتُ للَّخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ للَّخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ للَّطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ للَّطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ.

2.روى البخاري في عدة مواضع (3/155، و156، و:5/58،و:6/7، و:8/163)أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) استشار علياً (عليه السلام) في أمر عائشة فقال له: ( يا رسول اللّه لم يضيق اللّه عليك والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك).

وقالت عائشة(5/60): (كان عليٌّ مُسَلِّماً في شأنها، فراجعوه فلم يرجع) تقصد أنه كان يتهمها بيقين! وطعنوا في علي (عليه السلام) بأنه اتهمها وأشار بطلاقها!ولم يتكلم (عليه السلام) في اتهامها بكلمةقط! ومع ذلك تكلموا عليه وتركوا أبابكر الذي حكم عليها بالخيانة وطلب من النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن يقيم عليها الحد ويرجمها!

قالت عائشة: (فبلغ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن عائشة قد بلغها الأمر، فجاء إليها فدخل عليها وجلس عندها وقال:يا عائشة إن اللّه قد وسع التوبة! فازددت شراً إلى ما بي! فبينا نحن كذلك إذ جاء أبوبكر فدخل عليَّ فقال: يا رسول اللّه ما تنتظر بهذه التي قد خانتك وفضحتني! قالت: فازددت شراً إلى شر!

قالت: فأرسل إلى علي فقال: يا علي ما ترى في عائشة؟ قال: اللّه ورسوله أعلم قال لتخبرني ما ترى في عائشة؟ قال: قد وسع اللّه النساء، ولكن أرسل إلى بريرة خادمها فسلها فعسى أن تكون قد اطلعت على شئ من أمرها، فأرسل إلى بريرة.. وروى أن بريرة برأتها). رواه في مجمع الزوائد(9/229) عن الطبراني، ووثقه فقال: فيه خصيف وقد وثقه جماعة، وضعفه آخرون، وبقية رجاله رجال الصحيح).

ص: 139

وقد وثق محدثهم الألباني خصيفاً، وصحح عند ثلاثة أحاديث في سنن ابن ماجة!

3. أظهر اللّه حقيقة الرجل القبطي الذي اتهموا به مارية، واسمه مابور، وكشفوا عليه فوجدوه ممسوحاً ليس له ما للرجال! فجعلت عائشة صفوان بن المعطل المتهمة به مثله! فقالوا كما في فتح الباري (8/350) كان عنيناً وحصوراً، وقالت عائشة: (و اللّه إن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول: سبحان اللّه فوالذي نفسي بيده ما كشفت من كنف أنثى قط )!

وقال الطبري(2/270): (وكانت عائشة تقول لقد سئل عن صفوان بن المعطل فوجدوه رجلاً حصوراً، ما يأتي النساء، ثم قتل بعد ذلك شهيداً).

لكن رووا بسند صحيح أنه كان متزوجاً وشبقاً للنساء، وأن زوجته شكته للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بأنهلايدعها تصوم، فسأله فقال: (وأما قولها يفطرني إذا صمت، فأنا رجل شاب لا أصبر)! (فتح الباري:8/349)

ومن تعصبات ابن حجر الكثيرة أنه صحح هذه الرواية في شبق صفوان، ثم ردها بدون حجة، لأنه يريد أن يمسح ابن المعطل ويجعله ممسوحاً كمابور القبطي!

وقال في الإصابة(2/358): (روى أبوداود من طريق أبي صالح عن أبي سعيد قال: جاءت امرأة صفوان إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقالت:يارسول اللّه إن زوجي صفوان يضربني. الحديث وإسناده صحيح، ولكن يشكل عليه أن عائشة قالت في حديث الإفك إن صفوان قال:و اللّه ما كشفت كنف أنثى قط! ويمكن أن يجاب بأنه تزوج بعد ذلك)!

4. بحث شراح البخاري تفاصيل كثيرة عن مقولات عائشة في قصة الإفك، ولم يقل أحد منهم لماذا لم يرو حديث الإفك غيرها! ولعل أطول من كتب في قصة الإفك ودافع عن عائشة ابن حجر في فتح الباري (8/342، وما بعدها).

أما نحن فنعتقدأن اتهامها كان في السنة الرابعة في غزوة المريسيع،وآيات البراءة نزلت في السنة الثامنة لما اتهمت مارية، فجعلتها عائشة تبرئة لها من تهمة قبل أربع سنوات!

5. توجد مسائل عديدة لم يبحثوها في قصة الإفك:

* المكان الذي تخلفت فيه عائشة والزمان، وهل توفي ابن سلول قبل الحادثة، وفي أي ليالي

ص: 140

الشهركانت، وهل كان ضوء قمر لتبحث فيه عن حبات عقدها الذي انفرط؟

* هل بنيت مراحيض لبيوت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قبل الحادثة أم بعدها؟

* رووا أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) طرد عائشة من بيته! وروى ابن حجر( 8/352): (أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لما بلغه قول أهل الإفك وكان شديد الغيرة قال: لاتدخل عائشة رحلي! فخرجت تبكي حتىأتت أباها فقال:أنا أحق أن أخرجك فانطلقت تجول لا يؤويها أحد حتى أنزل اللّه عذرها)! وفي رواية ستة أشهر، وقد رد ذلك ابن حجر لكن يجب بحثه ذلك.

* خلطت عائشة ورواة السلطة بين مسائل تتعلق بنساء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : فآيات الإيلاء في سورة البقرة كانت في أول الهجرة، وهجرالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعائشة شهراً كان في السنة الرابعة بعد غزوة المريسيع. وتهمة مارية لما حملت أو وضعت حملها في السنة الثامنة. وهجره لنسائه ومنهن عائشة ثلاثة أشهر، وذهابه الى بيت مارية البعيد عن المسجد، كان في السنة التاسعة. وقد جهل رواة قريش مجرى الأحداث وتواريخها، أو تعمدوا التضليل لمصلحة عائشة وحزبها، فخلطوا هذه الأحداث ببعضها!

* تعمد علماء السلطة أن لا يبحثوا اتهام المنافقين والمنافقات لمارية أم إبراهيم رضي اللّه عنهما، مع أن عائشة تقول:ماغرت على أحد كما غرت من مارية لأنها كانت جميلة، ورزقت منه بولد وحرمنا منه! ثم أقرت بأنها كذبت لما قال لها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن ابراهيم إنه يشبهني؟ فقالت:لا أرى شبهاً! ثم تقول إنها ندمت على قولها..الخ.

ما ذنب علي (عليه السلام) إذا لم تطق عائشة ذكرإسمه !

قال البخاري(1/162و:5/140):(قالت(عائشة): لما مرض رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مرضه الذي مات فيه، فحضرت الصلاة فأذن فقال مروا أبابكر فليصل بالناس، فقيل له إن أبابكر رجل أسيف إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس.

وأعاد، فأعادوا له، فأعاد الثالثة فقال: إنكن صواحب يوسف! مروا أبابكر فليصل بالناس.فخرج أبوبكر فصلى فوجد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من نفسه خفه فخرج يهادي بين رجلين

ص: 141

كأني أنظر رجليه يخطان الأرض من الوجع، فأراد أبوبكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنمكانك.ثم أتى به حتى جلس إلى جنبه! فقيل للأعمش: وكان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يصلي وأبوبكريصلي بصلاته والناس يصلون بصلاة أبي بكر؟فقال: برأسه نعم! رواه أبوداود عن شعبة عن الأعمش بعضه، وزاد أبومعاوية: جلس عن يسار أبي بكر فكان أبوبكر يصلي قائماً.

قالت عائشة: فخرج بين رجلين تخط رجلاه الأرض، وكان بين العباس ورجل آخر.قال عبيد اللّه بن عبد اللّه، فذكرت ذلك لابن عباس ما قالت عائشة، فقال لي: وهل تدري من الرجل الذي لم تسم عائشة؟ قلت: لا. قال: هو علي بن أبي طالب).

قال الألباني في إرواء الغليل (1/178):(قال: أسَمَّتْ لك الرجل الذي كان مع العباس؟ قلت: لا، قال: هو علي بن أبي طالب. رواه البخاري (1/79 1) ومسلم (2/20 ورواه أحمد (6 /228 ) وفي آخره: ولكن عائشة لا تطيب له نفساً [بخير]. وسنده صحيح)!

أقول: هذا الحديث لا يصح عندنا، لأن أبابكر كان في جيش أسامة، وقد ترك معسكره مع عمر وعادا ليلاً، ورتبوا صلاته بالناس، فعلم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال وقعت الفتنة، وذهب الى المسجد، ولما وصل تأخر أبوبكر وانسل من المسجد، ولم يظهر حتى توفي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . وقد استوفى علماؤنا بحث صلاة أبي بكر المزعومة!

**

ص: 142

الفصل السابع: انتقاص البخاري من مقام فاطمة الزهراء (عليهاالسلام)

يا فاطمة لن أشفع لك !

1. قال البخاري (3/191):(عن أبي هريرة قال:قام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حين أنزل اللّه عزوجل وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ،قال:ياعباس بن عبدالمطلب لاأغني عنك من اللّه شيئاً،ويا صفية عمة رسول اللّه،لاأغني عنك من اللّه شيئاً. ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من اللّه شيئاً )!

2. وقال البخاري:(6/17، و:4 /161):(عن ابن عباس قال لما نزلت:وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ، جعل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يدعوهم قبائل قبائل. قال يا بني عبدمناف:إشتروا أنفسكم من اللّه يا بنى عبدالمطلب إشتروا أنفسكم من اللّه:يا أم الزبير بن العوام عمة رسول اللّه، يا فاطمة بنت محمد، إشتريا أنفسكما من اللّه، لا أملك لكما من اللّه شيئاً، سلاني من مالي ما شئتما ).

3. وقال البخاري (4/161): (عمر وبن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ، جعل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ينادى يا بني فهر يا بني عدي ببطون قريش..جعل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يدعوهم قبائل قبائل).

4. وقال البخاري (6/16):(عن ابن عباس قال:لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ، صعد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على الصفا فجعل ينادي: يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظرما هو؟ فجاء أبولهب وقريش

ص: 143

فقال:أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقيَّ؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقاً. قال: نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ! فقال أبولهب: تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فنزلت تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ. مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ).

5. وقال البخاري (6/94):(عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال لما نزلت:وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَالأَقْرَبِينَ، ورهطك منهم المخلصين. خرج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى صعد الصفا فهتف يا صباحاه فقالوا من هذا فاجتمعوا إليه فقال:أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي..الخ).

لاحظ أن في الآية زيادة: وهطك منهم المخلصين.وأن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خاطب في بعض الروايات عشيرته الأقربين فقط، كما أمرته الآية. وفي بعضها خاطب كل قريش، لكنه لم يكن يومها مأموراً أن يصدع بما يؤمر إلا في أول السنة الرابعة!

عداء البخاري لعلي وليونته مع الزهراء (عليهماالسلام)

لايدع البخاري حديثاً في علي (عليه السلام) إلا وانتقصه فيه حتى الأحاديث الصحيحة المتواترة!وقد رأيت عمله في حديث الغدير، ونسبته فتح اليمن الى خالد، مع أنه هو روى في الصحيح أن خالداً بقي ستة أشهر ولم يصنع شيئاً، فأرسل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام) وأمر بحل جيش خالد بالكلية!

كما رأيت أن البخاري جعل راية النبي (عليه السلام) في خيبر بيد غير علي (عليه السلام) ، وافترى عليه بأنه تخلف عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ..الخ! وهو يعرف أن سلمة بن الأكوع يقصد بقوله وكان تخلف عنه، تخلف في القسم الأول من خيبر بأمرالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فجعلهاالبخاري تخلف عن غزوة خيبر!

أما الزهراء (عليه السلام) فترى في أحاديثه التي ذكرها فيها، أنه يحترمها أكثر من بقية أهل البيت (عليهم السلام) ، فهويكتب بعد ذكر إسمها (عليهاالسلام) ولايكتب ذلك لعلي ولا لنساء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وقد ثبت ذلك في النسخ الخطية للبخاري، وتراه لايطعن بفاطمة (عليهاالسلام) إلا إذا احتاج الى

ص: 144

ذلك تبعاً،كأن يطعن بعلي (عليه السلام) بأنه كان سيئ الخلق معها وكان يحدث بينهماجدل ومشادة، فيخرج من البيت وينام في المسجد! أو عندما يطرق النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بابهما ويوقظهما للصلاة، فيقولان إن أنفسنا بيد اللّه إن شاء بعثنا فقمنا الى الصلاة، وإن شاء أبقانا نائمين! فيذهب النبي غاضباً عليهما، وهو يضرب يده على فخذه، ويقول: وَكَانَ الآنْسَانُ أَكْثَرَ شَئٍْ جَدَلاً!

أما إذا اضطرلانتقاص فاطمة (عليهاالسلام) فلايتردد كانتقاصه لها عندما واجهت أبابكر وطالبته بإرثها من أبي ها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فأجابهابأن إرثه لخليفته وليس لأسرته! فغضبت عليه بدون حق، والحق دائماً مع أبي بكر، وفاطمة هي المخطئة!

روت عائشة احترام النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الخاص لفاطمة (عليهاالسلام)

قال البخاري (4/183، و:7/141): قالت عائشة: (فأقبلت فاطمة (عليهاالسلام) تمشي لا و اللّه ما تخفى مشيتها من مشية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلما رآها رحب بها، قال: مرحباً بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه، أو عن شماله).

وكانت إذا جاءته وقف لها وأجلسها الى جنبه وقال:« فاطمة حوراء إنسية، فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة» ( أمالي الصدوق/546 ).

وكانت آخر من يودعه النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأول من يزوره إذا رجع

قال البخاري (3/140): (عن ابن عمر قال: أتى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بيت فاطمة بنته فلم يدخل عليها! وجاء علي فذكرت له ذلك فذكره للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: إني رأيت على بابها ستراً موشَّى، فقال:مالي وللدنيا! فأتاها علي فذكر ذلك لها فقالت: ليأمرني فيه بما شاء، قال:ترسل به إلى بني فلان أهل بيت بهم حاجة ).ونحوه مسند أحمد (2/21) وابن حبان (14/266)، وابن أبي شيبة(8/135) وفيه أن ذلك الستر قرامٌ أي ثوب ملون أعرابي ثمنه أربعة دراهم، كانت تنشره في مؤخر البيت).

وقال ابن حجر في فتح الباري(8/89 ):« كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين،

ص: 145

ثم يثني بفاطمة (عليهاالسلام) ثم يأتي أزواجه، وفي لفظ: ثم بدأ ببيت فاطمة (عليهاالسلام) ثم أتى بيوت نسائه ».

وروى الطبرسي في مكارم الأخلاق/94:(عن زرارة، عن أبي جعفرالباقر (عليه السلام) قال: كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذا أراد السفرسلم على من أراد التسليم عليه من أهله، ثم يكون آخر من يسلم عليه فاطمة (عليهاالسلام) فيكون توجهه إلى سفره من بيتها، وإذا رجع بدأ بها، فسافر مرة وقد أصاب علي (عليه السلام) شيئاً من الغنيمة، فدفعه إلى فاطمة ثم خرج، فأخذت سوارين من فضة وعلقت على بابها ستراً، فلما قدم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دخل المسجد، فتوجه نحو بيت فاطمة (عليهاالسلام) كما كان يصنع، فقامت فرحة إلى أبي ها صبابة وشوقاً إليه فنظر (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فإذا في يدها سواران من فضة وإذا على بابها ستر، فقعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حيث ينظر إليها، فبكت فاطمة وحزنت وقالت: ما صنع هذا أبي قبلها، فدعت ابنيها ونزعت الستر من بابها وخلعت السوارين من يدها، ثم دفعت السوارين إلى أحدهما والستر إلى الآخر، ثم قالت لهما:إنطلقا إلى أبي فاقرئاه السلام وقولا له: ما أحدثنا بعدك غير هذا، فما شأنك به؟فجاءاه فأبلغاه ذلك عن أمهما، فقبلهما رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والتزمهما وأقعد كل واحد منهما على فخذه، ثم أمر بذينك السوارين فكسرا فجعلهما قطعاً قطعاً، ثم دعا أهل الصُّفَّة فقسمه بينهم قطعاً ثم جعل يدعو الرجل منهم العاري الذي لا يستتر بشئ. وكان ذلك الستر طويلاً، وليس له عرض، فجعل يؤزر الرجل، فإذا التقى عليه قطعه حتى قسمه بينهم أزراً ).وروت عائشة لنفسها شبيه ذلك!قال البخاري(3/108): (عن عائشة أنها كانت اتخذت على سهوة لها ستراً فيه تماثيل فهتكه النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاتخذت منه نمرقتين فكانتا في البيت يجلس عليهما).ومسند أحمد(1/103) والنسائي (8/214)، وغيرها.

روى البخاري حديث عمرو العاص وكتم غيره

روى البخاري (4/192و:5/113)أن عمروالعاص سأل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :« أي الناس أحب إليك؟قال: عائشة فقلت: من الرجال؟ فقال: أبوها.فقلت: ثم مَن؟ قال: ثم عمر بن الخطاب، فعدَّ رجالاً، فسكتُّ مخافة أن يجعلني في آخرهم )!

ص: 146

ولم يرو البخاري الحديث المضاد له، الذي استفاض في مصادرهم، ولا بد أنه كان ضمن المائة ألف حديث التي يحفظها، وقد رواه أحمد ( 4/275 ) قال: «استأذن أبوبكر على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسمع صوت عائشة عالياً وهي تقول: و اللّه لقد عرفت أن علياً أحب إليك من أبي ومني، مرتين أو ثلاثاً، فاستأذن أبوبكر فدخل فأهوى إليها (ضربها) فقال: يا بنت فلانة ألا أسمعك ترفعين صوتك على رسول اللّه »! والنسائي (5/139، و365، وأبوداود:2/477).

وروى النسائي (5/139): «عن جميع بن عمير قال دخلت مع أمي على عائشة فسمعتها تسألها من وراء الحجاب عن علي؟ فقالت: تسأليني عن رجل ما أعلم أحداً كان أحب إلى رسول اللّه منه، ولا أحب إليه من امرأته »

وفي تفسير ابن كثير ( 3/493 ) عن ابن حوشب: « دخلت مع أبي على عائشة فسألتها عن علي فقالت: تسألني عن رجل كان من أحب الناس إلى رسول اللّه وكانت تحته ابنته وأحب الناس إليه؟ لقد رأيت رسول اللّه دعا علياً وفاطمة وحسن وحسيناً رضي اللّه عنهم فألقىعليهم ثوباً فقال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً! قالت فدنوت منهم فقلت: يا رسول اللّه وأنا من أهل بيتك؟ فقال: تنحي فإنك على خير»!

وفي كنز العمال(11/334) عن مسند البزار، عن عروة قال:«قلت لعائشة: من كان أحب الناس إلى رسول اللّه؟ قالت: علي بن أبي طالب!

قلت: أي شئ كان سبب خروجك عليه؟ قالت: لم تزوج أبوك أمك؟ قلت: ذلك من قدر اللّه، قالت: وكان ذلك من قدر اللّه »! وقالوا: رجاله ثقات.

وتمسك النواصب برواية ابن العاص: « قال ابن حزم: فقد فضلها رسول اللّه على أبي ها وعلى عمر وعلى علي وفاطمة، تفضيلاً ظاهراً »!

ص: 147

نزل الوحي على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بواسطة فاطمة (عليهاالسلام)

أجمع المسلمون على المقام العظيم لفاطمة الزهراء (عليهاالسلام) ورووا أحاديثها واحترام النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لها احتراماً خاصاً مقصوداً لإفهام المسلمين مكانتها!

قال البخاري (4/71):« بينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ساجد وحوله ناس من قريش المشركين، إذ جاءه عقبة بن أبي معيط بسلى جزور، فقذفه على ظهرالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلم يرفع رأسه حتى جاءت فاطمة (عليهاالسلام) فأخذت من ظهره ودعت على من صنع ذلك، فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : اللّهم عليك الملأ من قريش، اللّهم عليك أباجهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وعقبة بن أبي معيط، وأمية بن خلف أو أبي بن خلف ».

أقول: كفى بذلك فضيلة، فالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فهم أن دعاء فاطمة (عليهاالسلام) على من المشركين إلهامٌ من اللّه تعالى، وفهم أنه وحيٌ له وإجازة له من ربه بأن يدعو عليهم، فدعا!وفي رواية أخرى للبخاري(4/71 و:1/65و131و:3/234و:4/39):(عبد اللّه بن مسعود حدثه أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان يصلي عند البيت وأبوجهل وأصحاب له جلوس إذ قال بعضهم لبعض:أيكم يجئ بسلاجزور بني فلان يضعه على ظهر محمد إذا سجد؟قال قائل منهم: ألا تنظرون إلى هذا المرائي! أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها فيجئ به، ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه! فانبعث أشقى القوم فجاء به، فنظر حتى إذا سجد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وضعه على ظهره بين كتفيه، وأنا أنظر لا أغني شيئاً لو كان لي منعة، قال: فجعلوا يضحكون ويحيل بعضهم على بعض، ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ساجد لايرفع رأسه، حتى جاءته فاطمة (عليهاالسلام) فطرحت عن ظهره، فرفع رأسه ثم قال: اللّهم عليك بقريش ثلاث مرات!فشق عليهم إذ دعا عليهم. قال: وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة، ثم سمى: اللّهم عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط،وعد السابع لم أحفظه.قال:فوالذي نفسي بيده، لقد رأيت الذين عد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) صرعى في القليب. سحبوا إلى القليب قليب بدر.

ص: 148

ثم قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : وأتبع أصحاب القليب لعنة! فألقوا في بئر، غير أمية أو أبي ّ، فإنه كان رجلاً ضخماً، فلما جروه تقطعت أوصاله، قبل أن يلقى في البئر).

جاءت الى أبي ها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهم يحفرون الخندق بكسرة خبز !

قال البخاري في تاريخه الكبير(1/128) عن أنس، وعن علي (عليه السلام) قال:( كنا مع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حفر الخندق إذ جاءته فاطمة ومعها كسرة خبز فدفعتها إلى النبي،فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ما هذه الكسرة؟ قالت: قرصاً خبزتها للحسن والحسين جئتك منه بهذه الكسرة، فقال: أما إنه أول طعام دخل فم أبي ك منذ ثلاث). ومسند أحمد (3/213) ومجمع الزوائد (10/312).وفيه: فقال: ما هذه؟ فقالت: قرص خبزته، فلم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة ).

وفي مسند زيد بن علي (عليهماالسلام) /461،وعيون أخبار الرضا (2/44):(عن علي قال:كنا مع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حفرالخندق،إذ جاءت فاطمة (عليهاالسلام) ومعها كسيرة من خبز، فدفعتها إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: ما هذه الكسيرة؟قالت: قرص شعير خبزته للحسن والحسين، جئتك منه بهذه الكسيرة، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :يا فاطمة، أما إنه أول طعام دخل في في أبي ك منذ ثلاثة أيام )!

لما جرح النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) انقضت فاطمة (عليهاالسلام) كالصقر الى أحُد

قال البخاري(3/229): (عن سهل رضي اللّه عنه، أنه سئل عن جرح النبي يوم أحد فقال: جرح وجه النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه فكانت فاطمة (عليهاالسلام) تغسل الدم وعلي رضي اللّه عنه يسكب، فلما رأت أن الدم لا يزيد إلا كثرة، أخذت حصيراً فأحرقته حتى صار رماداً ثم ألزقته، فاستمسك الدم).ورواه أربع مرات أخرى، ففي(3 /227):(وأدميَ وجهه وكسرت رباعيته وكان علي يختلف بالماء في المجن).ونحوه (1/66) و: (5/38) و: (7/19).

ص: 149

ملاحظة

لم يذكر البخاري كيف أحست فاطمة (عليهاالسلام) بجرح أبي ها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وكيف جاءت من المدينة الى أحُد تعدو على قدميها! ولم يذكر أين كان الصحابة وقتها؟أما بقية مؤلفي السلطة فيتبعون البخاري كما يتبع القطيع كُرَّازه، إلا من شذ وندر، فلاتجد عندهم معلومة تنفعك عن حضور فاطمة (عليهاالسلام) في أحُد! فغاية ما ذكروه عن مجيئها (عليهاالسلام) ما سمح به الخليفة والبخاري! سنن ابن منصور (2/305) وأحمد (5/330) وابن ماجة(2/1147) وفتح الباري (1/306) وتحفة الأحوذي(6/218).

أما الصحابة فكما وصفهم اللّه تعالى كانوا يركضون صعوداً على جبل أحد، أو فراراً نحو المدينة، أو نحو تبوك والأردن، وهم يقولون نحن أولى بالقيادة من النبي، فلوكنا نقود المعركة ما هزمنا!وقد أجابهم اللّه تعالى فقال:وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الأَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَىْ لا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَئٍْ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا! قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ..

وقد روت مصادرنا مجيئ الزهراء (عليهاالسلام) الى أحد:

قال القمي في تفسيره (1/124): (خرجت فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تعدو على قدميها، حتى وافت رسول اللّه وقعدت بين يديه، فكان إذا بكى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بكت لبكائه وإذا انتحب انتحبت. ونادى أبوسفيان: موعدنا وموعدكم في عام قابل فتقبلُ، فقال رسول اللّه لأميرالمؤمنين: قل: نعم ).

ص: 150

أما بكاء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فكان حباً وشكراً لفاطمة (عليهاالسلام) ، وأما بكاء فاطمة (عليه السلام) فكان تأثراً لوحدة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وجراحه! ويظهر أنها (عليهاالسلام) وصلت لما جاء علي وجبرئيل بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الحفرة في ساحة المعركة، إلى ظل الصخرة، وصاح إبليس: قتل محمد!

ففي المناقب(1/166):« وصاح إبليس من جبل أحد:ألا أن محمداً قد قتل! فصاحت فاطمة (عليهاالسلام) ووضعت يدها على رأسها، وخرجت تصرخ »!

أما علي (عليه السلام) فلم يسلم من ذمهم!فزعموا أنه أعطى سيفه إلى فاطمة (عليهاالسلام) لتغسله من الدم مفتخراً بنفسه فوبخه النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال له: لست أحسن من غيرك! إن كنت قد أحسنت القتال اليوم، فلقد أحسن سهل بن حنيف وعاصم بن ثابت، والحارث بن الصمة، وأبودجانة» ( الحاكم:3 /409).

أقول: لا أظن أن علياً (عليه السلام) أعطاها سيفه يومها لتغسله، خاصة أن الحرب لم تنته، وأن الماء في عين المهراس كانت تحت الأرض بأمتار، كما رأيتها.

واليك جانباً من ظروف المعركة:

قال الطبرسي في إعلام الورى(1/178):(أقبل يومئذ أبي بن خلف وهوعلى فرس له وهو يقول:هذا ابن أبي كبشة، بؤ بذنبك لانجوتُ إن نجوت. ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بين الحارث بن الصمة وسهل بن حنيف يعتمد عليهما، فحمل عليه فوقاه مصعب بن عمير بنفسه، فطعن مصعباً فقتله،فأخذ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عنزة كانت في يد سهل بن حنيف ثم طعن أبي اً في جربان الدرع، فاعتنق فرسه فانتهى إلى عسكره وهو يخور خوار الثور، فقال أبوسفيان: ويلك ما أجزعك إنما هو خدش ليس بشئ! فقال: ويلك يا ابن حرب، أتدري من طعنني، إنما طعنني محمد وهو قال لي بمكة إني سأقتلك، فعلمت أنه قاتلي، و اللّه لوأن ما بي كان بجميعأهل الحجاز لقضت عليهم!فلم يزل يخور الملعون حتى صار إلى النار! وفي كتاب أبان بن عثمان: أنه لما انتهت فاطمة وصفية إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ونظرتا إليه قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعلي: أما عمتي فاحبسها عني، وأما فاطمة فدعها،فلما دنت فاطمة (عليهاالسلام) من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ورأته قد شُج في وجهه وأدميَ فوه إدماء صاحت، وجعلت تمسح الدم

ص: 151

وتقول: اشتد غضباللّه على من أدمى وجه رسول اللّه. وكان يتناول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

ما يسيل من الدم ويرميه في الهواء فلا يتراجع منه شئ! قال الصادق (عليه السلام) : و اللّه لو سقط منه شئ على الأرض لنزل العذاب.قال أبان بن عثمان: حدثني بذلك عنه الصباح بن سيابة قال قلت:كسرت رباعيته كما يقوله هؤلاء؟ قال:لا و اللّه ما قبضه اللّه إلاسليماً ولكنه شج في وجهه. قلت:فالغار في أحد الذي يزعمون أن رسول اللّه صار إليه؟ قال و اللّه ما برح مكانه، وقيل له: ألا تدعو عليهم؟قال: اللّهم اهد قومي!

ورمى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ابن قميئة بقذافة فأصاب كفه حتى ندر السيف من يده، وقال: خذها مني وأنا ابن قميئة! فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أذلك اللّه وأقمأك! وضربه عتبة بن أبي وقاص بالسيف حتى أدمى فاه، ورماه عبد اللّه بن شهاب بقلاعة فأصاب مرفقه، وليس أحد من هؤلاء مات ميتة سوية).

وفي سنن البيهقي(1/269):(خرج علي حتى ملأ درقته من المهراس، ثم جاء به إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليشرب منه فوجد له ريحاً فعافه، فلم يشرب منه وغسل عن وجهه الدم وصب على رأسه وهو يقول: اشتد غضباللّه على من دمَّى وجه نبيه).

وروى في تاريخ دمشق(20/386) تفصيلاً عن أبي سعيد الخدري جاء فيه:(نظرت إلى وجهه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فإذا وجنتيه مثل موضع الدرهم في كل وجنة، وإذا شجة في جبهته عند أصولالشعر وإذا شفته السفلى تدمى، وإذا رباعيته اليمنى شظية، وإذا على جرحه شئ أسود، فسألت ما هذا على وجهه؟فقالوا حصير محرق. وسألت: من دمى وجنتيه فقيل ابن قميئة،فقلت: من شجه في جبهته؟ فقيل: ابن شهاب (والد الزهري المعروف) فقلت: من أصاب شفته؟ فقيل عتبة (أخ سعد بن وقاص) فجعلت أعدو بين يديه حتى نزل ببابه، فما نزل إلا حمَلْاً!

وأرى ركبتيه مجحوشتين يتكئ على السعدين: سعد بن عبادة وسعد بن معاذ حتى دخل بيته. وكانت وجوه الخزرج والأوس في المسجد، على باب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يحرسونه، فَرَقاً من قريش أن تَكِرَّ).

ص: 152

رواية: نساؤك يسألنك العدل في عائشة زعمت عائشة أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان يفضلها على نسائه،ولم يسمع لشكواهن منها وأنهن أرسلن فاطمة ابنته (عليهاالسلام) ثم غيرها اليه فلم يسمع منهن، وأجابهم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إن عائشة أحب اليه، وإن الوحي نزل عليه وهو في لحاف عائشة!

وكل هذا في اعتقادي من اختراع عائشة، ولا يتسع المجال لإثبات ذلك من نصوصه!

قال البخاري(3/132):(عن عائشة:إن نساء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كنَّ حزبين، فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة. والحزب الآخر: أم سلمة وسائر نساء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكان المسلمون قد علموا حب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أخرها حتى إذا كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في بيت عائشة، بعث صاحب الهدية إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في بيت عائشة.فكلم حزب أم سلمة فقلن لها: كلمي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يكلم الناس فيقول من أراد أن يهدي إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) هدية فليهده حيثكان من نسائه، فكلمته أم سلمة بما قلن، فلم يقل لها شيئاً، فسألنها فقالت: ما قال لي شيئاً، فقلن لهافكلميه. قالت: فكلمته حين دار إليها أيضاً فلم يقل لها شيئاً! فسألنها فقالت: ما قال لي شيئاً. فقلن لها: كلميه حتى يكلمك، فدار إليها فكلمته فقال لها:لاتؤذيني في عائشة، فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة! قالت فقلت أتوب إلى اللّه من أذاك يا رسول اللّه. ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأرسلت إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تقول: إن نساءك ينشدنك اللّه العدل في بنت أبي بكر، فكلمته فقال:يا بنية ألا تحبين ما أحب؟ قالت:بلى. فرجعت إليهن فأخبرتهن فقلن: إرجعي إليه، فأبت أن ترجع، فأرسلن زينب بنت جحش فأتته فأغلظت وقالت: إن نساءك ينشدنك اللّه العدل في بنت ابن أبي قحافة! فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة، وهي قاعدة فسبتها حتى أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لينظر إلى عائشة هل تكلم؟ قال:فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها. قالت فنظرالنبي إلى عائشة وقال: إنها بنت أبي بكر )!

وقال البخاري في الأدب المفرد(1/210):(عن عائشة قالت:أرسل أزواج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

ص: 153

فاطمة إلى النبي فاستأذنت والنبي مع عائشة في مرطها (لحافها).. قال: أي بنية! أتحبين ما أحب؟قالت:بلى قال: فأحبي هذه فقامت، فخرجت فحدثتهم. فقلن: ما أغنيت عنا شيئاً فارجعي إليه، قالت: و اللّه لا أكلمه فيها أبداً. فأرسلن زينب فاستأذنت فأذن لها فقالت له ذلك، ووقعت فيَّ زينب تسبني، فطفقت أنظر هل يأذن لي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلم أزل حتى عرفت أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لايكره أن أنتصر، فوقعت بزينب فلم أنشب أن أثخنتها غلبة فتبسم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم قال: أما إنها ابنة أبي بكر).

قال في فتح الباري(5/151):(وعن عائشة قالت:دخلت عليَّ زينب بنت جحش فسبتنيفردعها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأبت فقال:سبيها فسببتها حتى جف ريقها في فمها! وفي هذا الحديث منقبة ظاهرة لعائشة، وأنه لاحرج على المرء في إيثار بعض نسائه بالتحف، وإنما اللازم العدل في المبيت والنفقة )!

أقول: نسيت عائشة فقالت إنها فهمت أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يسمح لها أن تسب ضرتها، وقالت مرة: إنه أمرها أن تسبها! ولا يعقل أنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يأمر بالسب، أو يسمح به!

وادعاء عائشة أنها أحب أزواج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) اليه، مردود، ومديحها لنفسها كذلك.

ضيعوا تسبيح الزهراء (عليهاالسلام) وحفظناه

قال البخاري(6/193، و:4/48و208، و:6/93و192، و:7/149):(عن ابن أبي ليلى حدثنا عليٌّ أن فاطمة (عليهاالسلام) أتت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى، وبلغها أنه جاءه رقيق، فلم تصادفه، فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته عائشة. قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم فقال: على مكانكما، فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني فقال: ألا أدلكما على خير مما سألتما. إذا أخذتما مضاجعكما أو أويتما إلى فراشكما، فسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين، فهو خيرلكما من خادم.

باب خادم المرأة: إن فاطمة (عليهاالسلام) أتت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تسأله خادماً فقال:ألا أخبرك ما هو خير لك منه: تسبحين اللّه عند منامك ثلاثاً وثلاثين، وتحمدين اللّه ثلاثاً وثلاثين، وتكبرين اللّه أربعاً

ص: 154

وثلاثين، ثم قال سفيان: إحداهن أربع وثلاثون، فما تركتها بعد. قيل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين)!

وقال البخاري(1/205): (جاء الفقراء إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقالوا ذهب أهل الدثور من الأموالبالدرجات العلى والنعيم المقيم، يصلُّون كما نصلي ويصومون كما نصوم، ولهم فضل أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون!

قال: ألا أحدثكم بما إن أخذتم أدركتم من سبقكم، ولم يدرككم أحد بعدكم وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلامن عمل مثله؟تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ).

ملاحظات

1. عَلَّمَ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) صلاة أربع ركعات، تتكرر فيها التسبيحات الأربع،وسماها: صلاة جعفر، وتصلى عادة لقضاء الحاجة.

وعلم الزهراء (عليه السلام) ذكر اللّه مئة مرة، وسماه تسبيح فاطمة (عليهاالسلام) أراد بذلك تخليدها قدوةلأمته في العبادة، وفي ذكر اللّه تعالى. وتخليد جعفر (عليه السلام) قدوة في العبادة.

2. روى البخاري وغيره تسبيح فاطمة (عليهاالسلام) ، وكان المسلمون وخاصة الصوفية يسبحونه بعد الصلاة، فقد رأيت في مسجد قرب فندق في إستانبول سُبَحاً كثيرة معلَّقَةً على عمود، ليستعملها المصلون بعد الصلاة في تسبيح الزهراء (عليهاالسلام) !

وروى البخاري استحباب هذا التسبيح، ولم يسمه باسم فاطمة (عليهاالسلام) وروى أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) علمه للفقراء، وذكر ثوابه بنحو ما رويناه.

3.ابتكرت الزهراء (عليهاالسلام) عملاً بسيطاً بليغاً، فاتخذت من تربة قبر حمزة سبحة من أربع وثلاثين حبة،تَعُدَّ بها تسبيحها، وفي كتاب المزار للمفيد/150: (كانت مسبحتها من خيط من صوف مفتَّل، معقود عليه عدد التكبيرات، فكانت بيدها تديرها تكبِّر وتسبِّح، إلى أن قتل حمزة بن عبدالمطلب فاستعملت تربته، فلما قتل الحسين (عليه السلام) عُدل بالأمر اليه، فاستعملوا

ص: 155

تربته لما فيهامن الفضل والمزية )

( ورواه جامع أحاديث الشيعة:5/268، عن مكارم الأخلاق/147،والوسائل: 6/455).والمزية حديث فضل تربة كربلاء، وأن جبرئيل (عليه السلام) جاء بها الى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

(راجع: مسند أحمد: 6/294، والحاكم: 3/177 و: 4/398، وفيها صحيح على شرط الشيخين، ومجمع الزوائد: 9/185، باب مناقب الحسين، ومستدرك الوسائل:5/56، وفيه: وتكون السبحة بخيوط زرق،أربعاً وثلاثين خرزة، وهي سبحة مولاتنا فاطمة (عليهاالسلام))

4. روينا قصة تسبيح الزهراء (عليهاالسلام) عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) بأوفي من رواية البخاري وأنه قال لرجل من بني سعد (علل الشرائع:2/367):(ألا أحدثك عني وعن فاطمة؟ إنها كانت عندي وكانت من أحب أهله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إليه. وإنها استقت بالقربة حتى أثر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت يدها، وكسحت البيت حتى غبرت ثيابها وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد فقلت لها: لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك حرَّ ما أنت فيه من هذا العمل. فأتت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فوجدت عنده حُداثاً، فاستحت وانصرفت. قال:فعلم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنها جاءت لحاجة، قال فغدا علينا ونحن في لفاعنا (شبيه اللحاف) فقال: السلام عليكم يا أهل اللفاع! فسكتنا واستحيينا لمكاننا، ثم قال: السلام عليكم، فسكتنا ثم قال السلام عليكم فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف وقد كان يفعل ذلك يسلم ثلاثاً فإن أذن له وإلا انصرف!فقلت: وعليك السلام يا رسول اللّه، أدخل. فلم يعدُ أن جلس عند رؤوسنا فقال: يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد؟ فقلت: أنا و اللّه أخبرك يا رسول اللّه، إنها استقت بالقربة حتى أثر في صدرها، وجرت بالرحا حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألتيه خادماًيكفيك حرَّ ما أنت فيه من هذا العمل. قال: أفلا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين قال فأخرجت فاطمة (عليهاالسلام) رأسها فقالت:رضيت عن اللّه ورسوله،رضيت عن اللّه ورسوله، رضيت عن اللّه ورسوله).

ص: 156

5. يبدأ التسبيح عندنا بالتكبير أربعاً وثلاثين ثم بالتحميد ثم بالتسبيح ثلاثاً وثلاثين وفضله كثير، قال الإمام الصادق (عليه السلام) (تسبيح فاطمة الزهراء (عليهاالسلام) من الذكر الكثير الذي قال اللّه عز وجل: أُذْكُرُوا اللّه ذِكْراً كَثِيراً). (الكافي:2/500).

وثوابه عظيم، قال الإمام الصادق (عليه السلام) (الكافي:3/342): (من سبح اللّه في دبر الفريضة تسبيح فاطمة الزهراء (عليه السلام) مائة مرة، وأتبعها بلا إله إلا اللّه، غفر اللّه له).

وقال المحقق الحلي (رحمه اللّه) في المعتبر/248:(عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:ما عبد اللّه بشئ أفضل من تسبيح الزهراء (عليهاالسلام) ولوكان شئ أفضل منه لنحله رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة (عليهاالسلام) وكان يقول: تسبيح فاطمة (عليهاالسلام) في كل يوم دبر كل صلاة أحب إلي من صلاة ألف ركعة في كل يوم ). والحمد للّه أن المصلين الشيعة يهتمون بهذا التسبيح!

**

غضب فاطمة (عليهاالسلام) على أبي بكر

1. قال البخاري(8/3): (عن عائشة أن فاطمة والعباس أتيا أبابكريلتمسان ميراثهما من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهما حينئذ يطلبان أرضيهما من فدك وسهمهما من خيبر فقال لهما أبوبكر: سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول لانورث، ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال!و اللّه لا أدع أمراً رأيت رسول اللّه يصنعه فيه إلا صنعته. قال: فهجرته فاطمة (عليهاالسلام) ، فلم تكلمه حتى ماتت).

2. قال البخاري(4/42): (عروة بن الزبيرعن عائشة: فغضبت فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فهجرت أبابكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت! وعاشت بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ستة أشهر).

3. قال البخاري(5/82): (عن عائشة: إن فاطمة (عليهاالسلام) بنت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مما أفاء اللّه عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبوبكر: إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: لا نورث، ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد في هذا

ص: 157

المال، وإني و اللّه لا أغير شيئاً من صدقة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن حالها التي كان عليها في عهد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته، فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها عليٌّ ليلاً، ولم يؤذن بها أبابكر، وصلى عليها ).

4.قال البخاري (5/25و209):(عن عائشة:فقال أبوبكر: سمعت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: لا نورث. ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد في هذا المال. و اللّه لقرابة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أحب إلى أن أصل من قرابتي).

5. قال البخاري(4/209):(باب مناقب قرابة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومنقبة فاطمة (عليهاالسلام) بنت النبي، وقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : فاطمة سيدة نساء أهل الجنة. وفيه:فتكلم أبوبكر فقال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أحب إليَّ أن أصل من قرابتي. قال: أرقبوامحمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في أهل بيته..إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني ).

ملاحظات

1. حرص البخاري على القول إن خلاف فاطمة (عليهاالسلام) مع أبي بكر خلاف مالي على إرثها من أبي ها وعلى مزرعة فدك، التي كان أعطاها إياها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وصادرها أبوبكر! لكن كيف نصدق ذلك وفاطمة (عليهاالسلام) بنص النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لا تغضب لنفسها أبداً، وغضبها إنما هو غضب اللّه تعالى ورضاها رضاه!

وكيف نصدق ذلك، وقد أخبرها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنها ستلحق به سريعاً!

وكيف نصدق ذلك، وقد قالت الكثير في أبي بكر وعمر، في خطبتها القاصمة في المسجد ومما قالت:(حتى إذا اختار اللّه لنبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دار أنبيائه، ظهرت حسيكة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الآفلين، وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرة

ص: 158

فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً وأحمشكم فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم ووردتم غير شربكم. هذا، والعهد قريب، والكلْم رحيب، والجرح لما يندمل، والرسول لما يقبر، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة! ألا في الفتنة سقطوا: وإنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ. فهيهات منكم، وكيف بكم، وأنى تؤفكون! وكتاباللّه بين أظهركم أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة، وأعلامه باهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة، وقد خلفتموه وراء ظهوركم!

ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة ومهبط الوحي الأمين، والطبين بأمر الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخسران المبين! و اللّه لوتكافُّوا عن زمام نبذه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لاعتلقه،

ولسار بهم سيراً سُجحاً، لا يُكلم خشاشه، ولا يُتعتع راكبه،ولأوردهم منهلاً نميراً فضفاضاً تطفح ضفتاه، ولأصدرهم بطاناً قد تخيَّر لهم الريَّ، غير متحل منه بطائل إلا بغمر الماء، وردعة سورة الساغب، ولفتحت عليهم بركات السماء والأرض، وسيأخذهم اللّه بما كانوا يكسبون!

أما لعمري و اللّه لقد لقحت، فنظرةً ريثما تنتجوا، ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً وزعافاً ممقراً، هنالك يخسر المبطلون ويعرف التالون غِبَّ ما أسس الأولون ). (بلاغات النساء /13، والإحتجاج:1/131، وأمالي الطوسي/374).

2. حصر البخاري روايات الموضوع بعائشة ومخرمة الذي كان عمره يومها أقل من ثمان سنين! ولم يرو البخاري جواب الزهراء (عليهاالسلام) لأبي بكر، ولا روى كلامه ولا أمره بمهاجمة بيتها، ثم إعلانه أنه لا يجبر علياً على بيعته مادامت فاطمة الى جنبه، ثم أمره بمهاجمة بيتها مرة ثانية..الخ.

لم يرو البخاري شيئاً من ذلك، لأن غرضه تغييب الحقيقة!

كما أن عائشة قالت إن علياً (عليه السلام) بايع أيام السقيفة بعد زيارة أبي بكر لهم،وقالت إنه لم يبايع إلا بعد وفاة فاطمة (عليهاالسلام) ! وهذا يعني اضطرابها في الدفاع عن أبي ها!

ص: 159

4. كتبنا في السيرة النبوية عند أهل البيت (عليهم السلام) خلاصة ما جرى تلك الأيام، ونورد هنذا رواية ابن قتيبة وهو من أتباع السلطة، لتعرف مدى تزوير البخاري!

قال في كتابه الإمامة والسياسة (1/30): ( إن أبابكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها! فقيل له: يا أباحفص إن فيهافاطمة! فقال: وإنْ! فخرجوا فبايعوا إلا علياً، فوقفت فاطمة على بابها فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضراً منكم! تركتم رسول اللّه جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا ولم تروا لنا حقاً!فأتى عمر أبابكرفقال له:ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟ فقال أبوبكر لقنفذ وهو مولى له: إذهب فادع لي علياً، قال فذهب إلى علي فقال له: ما حاجتك؟ فقال: يدعوك خليفة رسول اللّه، فقال علي: لسريع ما كذبتم على رسول اللّه، لا أعلم لرسول اللّه خليفة غيري! فرجع فأبلغ الرسالة قال: فبكى أبوبكر طويلاً. فقال عمرالثانية: لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة، فقال أبوبكر لقنفذ: عد إليه فقل له: خليفة رسول اللّه يدعوك لتبايع، فجاءه قنفد فأدى ما أمر به، فرفع عليٌّ صوته فقال: سبحان اللّه، لقد ادعى ما ليس له! فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة فبكى أبوبكر طويلاً!ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة فدقوا الباب، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول اللّه، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة! فلما سمع القوم صوتها وبكاءها، انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تنصدع وأكبادهم تنفطر!وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا علياً، فمضوا به إلى أبي بكر فقالوا له: بايع، فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا: إذاً و اللّه الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك، قال: إذن تقتلون عبد اللّه وأخا رسوله! قال عمر:أما عبد اللّه فنعم، وأما أخو رسوله فلا، وأبوبكر ساكت لايتكلم! فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك، فقال:لا أكرهه على شئ ما كانت فاطمة إلى جنبه، فلحق علي بقبر رسول اللّه يصيح ويبكي وينادي:ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي! فقال عمر لأبي بكر: إنطلق بنا

ص: 160

إلى فاطمة، فإنا قد أغضبناها فانطلقا جميعاً فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما، فأتيا علياً فكلماه فأدخلهما عليها، فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط،فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام! فتكلم أبوبكر فقال:يا حبيبة رسول اللّه! و اللّه إن قرابة رسول اللّه أحب إلي من قرابتي وإنك لأحب إلي من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك أني متُّ ولا أبقى بعده، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول اللّه، إلا أني سمعت أباك رسول اللّه يقول:لانورث، ما تركنا فهو صدقة! فقالت: أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تعرفانه وتفعلان به؟ قالا: نعم!فقالت:نشدتكما اللّه ألم تسمعا رسول اللّه يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟ قالا: نعم سمعناه من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !

قالت: فإني أشهد اللّه وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه!فقال أبوبكر: أنا عائذ باللّه تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم انتحب أبوبكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: و اللّه لأدعون اللّه عليك في كل صلاة أصليها!

ثم خرج باكياً فاجتمع إليه الناس فقال لهم: يبيت كل رجل منكم معانقاً حليلته مسروراً بأهله، وتركتموني وما أنا فيه!لاحاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي! قالوا: يا خليفة رسول اللّه إن هذا الأمرلايستقيم،وأنت أعلمنا بذلك، إنه إن كان هذا لم يقم للّه دين. فقال:و اللّه لولا ذلك وما أخافه من رخاوة هذه العروة ما بت ليلة ولي في عنق مسلم بيعة، بعدما سمعت ورأيت من فاطمة! قال: فلم يبايع علي كرم اللّه وجهه حتى ماتت فاطمة، ولم تمكث بعد أبي ها إلا خمساً وسبعين ليلة )!

أما روايات أهل البيت (عليهم السلام) لهجوم القوم على بيت علي وفاطمة (عليهماالسلام) ، فهي متعددة منها مارواه سُليم بن قيس الهلالي العامري المتوفى 76 هجرية، في كتابه المعروف:كتاب سُلَيْم/147، قال: (وقال عمر لأبي بكر: أرسل إلى علي فليبايع، فإنا لسنا في شئ حتى يبايع ولو قد بايع

ص: 161

أمناه. فأرسل إليه أبوبكر: أجب خليفة رسول اللّه، فأتاه الرسول فقال له ذلك. فقال له علي: سبحان اللّه ما أسرع ما كذبتم على رسول اللّه، إنه ليعلم ويعلم الذين حوله أن اللّه ورسوله لم يستخلفا غيري! وذهب الرسول فأخبره بما قال له. قال: إذهب فقل له: أجب أميرالمؤمنين أبابكر، فأتاه فأخبره بما قال، فقال له علي: سبحان اللّه ما و اللّه طال العهد فينسى! فو اللّه إنه ليعلم أن هذا الاسم لايصلح إلا لي، ولقد أمره رسول اللّه وهو سابع سبعة فسلموا علي بإمرة المؤمنين! فاستفهم هو وصاحبه عمر من بين السبعة فقالا: أحقٌّ من اللّه ورسوله؟ فقال لهما رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : نعم، حقاً حقاً من اللّه ورسوله، إنه أميرالمؤمنين وسيد المسلمين وصاحب لواء الغر المحجلين، يقعده اللّه عز وجل يوم القيامة على الصراط فيدخل أوليائه الجنة وأعداءه النار! فانطلق الرسول فأخبره بما قال. قال: فسكتوا عنه يومهم ذلك! فلما كان الليل حمل علي فاطمة على حمار وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين فلم يدع أحداً من أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلا أتاه في منزله،فناشدهم اللّه حقه ودعاهم إلى نصرته، فما استجاب منهم رجل غيرنا الأربعة، فإنا حلقنا رؤوسنا وبذلنا له نصرتنا..الخ).

مع أبي ها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في مرض وفاته

قال البخاري (7/141 و:5/138):(عن مسروق قال: حدثتني عائشة أم المؤمنين قالت: إنا كنا أزواج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عنده جميعاً لم تغادر منا واحدة، فأقبلت فاطمة تمشي لاو اللّه ما تخفى مشيتهامن مشية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلما رآها رحب قال: مرحباً بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم سارَّها، فبكت بكاء شديداً، فلما رأى حزنها سارَّها الثانية، فإذا هي تضحك! فقلت لها أنا من بين نسائه: خصك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالسر من بيننا، ثم أنت تبكين! فلما قام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سألتها: عما سارَّك؟ قالت: ما كنت لأفشي على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سره. فلما توفي قلت لها:عزمت عليك بمالي عليك من الحق، لما أخبرتني! قالت: أما الآن فنعم، فأخبرتني قالت: أما حين سارني في الأمر الأول، فإنه أخبرني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة، وأنه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى ذلك

ص: 162

إلا أجلي قد اقترب، فاتقي اللّه واصبري، فإني نعم السلف أنا لك. قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارني الثانية قال:يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة).وفي رواية البخاري(4/210):( فأخبرني أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت، ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته أتْبَعُه، فضحكت ).

وفي رواية (4/183):(فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن! فسألتها عما قال فقالت:ما كنت لأفشي سر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى قبض النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسألتها فقالت: أسر إليَّ أن جبريل كان يعارضني.. ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقاً بي فبكيت، فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين، فضحكت لذلك ).

ملاحظات

1. قولها (عليهاالسلام) لعائشة: ماكنت لأفشي سر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فيه تعريض بعائشة التي أفشت سر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فنزل فيها قوله تعالى: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُاللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِىَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ. ثم هددهما اللّه بقوله: إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَمَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ).

2. قوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لفاطمة (عليهاالسلام) : أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين. ورد عندنا أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: سيدة نساء العالمين، وأن قوله تعالى لمريم (عليهاالسلام) : إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ. يعني نساء عالمها، أما الزهراء (عليهاالسلام) فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.وقوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : سيدة نساء أهل الجنة يساوي ذلك، لأنه يشمل النساء الأولين والآخرين.

ص: 163

من نعي فاطمة الزهرء (عليهاالسلام) لأبي ها (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

قال البخاري(5/144): (عن أنس رضي اللّه عنه قال: لما ثقل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جعل يتغشاه فقالت فاطمة (عليهاالسلام) : واكرب أباه! فقال لها: ليس على أبي ك كرب بعد اليوم. فلما مات قالت: يا أبتاه.. أجاب رباً دعاه.. يا أبتاه.. من جنة الفردوس مأواه.. يا أبتاه.. إلى جبريل ننعاه.

فلما دفن قالت فاطمة (عليهاالسلام) : يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول اللّه التراب )!

وفي ذكرى الشيعة(2/57): (ويجوز النوح بالكلام الحسن،وتعداد فضائله باعتماد الصدق، لأن فاطمة (عليهاالسلام) فعلته في قولها:

يا أبتاه من ربه ما أدناه، يا أبتاه إلى جبريل أنعاه، يا أبتاه أجاب ربا دعاه. وروي أنها أخذت قبضة من تراب قبره (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فوضعتها على عينيها،وأنشدت:

ماذا على من شم تربة أحمد *** أن لا يشم مدى الزمان غواليا

صُبَّت علي مصائب لو أنها *** صبت على الأيام عدن لياليا).

روايتهم: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها !

قال البخاري(4 /151و:5/97، و8/16): (عن عروة بن الزبير:أن امرأة سرقت في عهد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في غزوة الفتح ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه، قال عروة: فلما كلمه أسامة فيها تلون وجه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال:أتكلمني في حد من حدود اللّه! قال أسامة: أستغفر لي يا رسول اللّه. فلما كان العشي قام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خطيباً فأثنى على اللّه بما هو أهله،ثم قال:أما بعد فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )!

ص: 164

ملاحظة

كرر البخاري هذا الحديث مرات، وظاهره حرص النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على إجراء العدالة، والنهي عن الشفاعة في الحد!وأفاض فيه المؤلفون والخطباء! وظاهره أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مثالٌ في العدالة، وأن فاطمة (عليهاالسلام) أعز أهله عليه.

لكنه مدح يستبطن الذم ويحكم باحتمال صدور السرقة من فاطمة (عليهاالسلام) ، وهو ما يريده الذي وضع الحديث وهو عروة أو الزهري أو آخر!

فالمسلم يسأل:أليس اللّه أذهب الرجس عن فاطمة وطهرها تطهيراً، فكيف تفرض فيها إمكان أن تسرق، وتستحق الحد الشرعي؟!وهل يصح أن يقول اللّه تعالى:لو أن نبيي سرق لوجب عليه الحد! إن ضرب مثل المعصية بمعصوم، هو تنقيص من مقامه في أعين الناس.لذلك لايمكن قبول أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ضرب مثلاً بفاطمة، وقد يكون ضربه بغيرها ثم جعلوه فاطمة (عليهاالسلام) !

ويأتيك متنطع لايقبله لعائشة مثلاً ويقبله لفاطمة (عليهاالسلام) ،كما لم يقبلوا عبس وتولى لعثمان، وقبلوها للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وهذا من مرضهم!

مسائل تكشف نُخبط البخاري في السيرة !

المسألة الأولى:

اتفق المؤرخون والمحدثون على أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بقي ثلاث سنين لم يدع الناس عامة الى الإسلام، فقد بُعث أولاً إلى بني هاشم خاصة، فجمعهم لحمايته من قريش، ولم يدعُ الناس حتى أمره اللّه إلابعد ثلاث سنوات.

قال ابن هشام (1/169): « وكان بين ما أخفى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أمره واستتر به إلى أن أمره اللّه تعالى بإظهار دينه ثلاث سنين فيما بلغني من مبعثه، ثم قال اللّه تعالى له: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ، إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ » ونحوه سيرة ابن إسحاق (2/126) والإستيعاب لابن عبدالبر(1/34)، وعامة المصادر.

ص: 165

ونورد فيما يلي رواية إسلام أبي ذر، تصور الظروف المحيطة بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في هذه المرحلة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) ، قال(الكافي: 8 /297، وأمالي الصدوق /567): (إن أباذر كان في بطن مُرّ (واد قرب مكة) يرعى غنماً له، فأتى ذئب عن يمين غنمه فهش بعصاه على الذئب، فجاء الذئب عن شماله فهش عليه أبوذر، ثم قال له أبوذر: ما رأيت ذئباً أخبث منك ولا شراً! فقال له الذئب: شرٌّ و اللّه مني أهل مكة بعث اللّه عز وجل إليهم نبياً فكذبوه وشتموه! فوقع في أذن أبي ذر! فقال لامرأته: هلمي مِزودي وأداتي وعصاي، ثم خرج على رجليه يريد مكة ليعلم خبر الذئب وما أتاه به!حتى بلغ مكة فدخلها في ساعة حارة وقد تعب ونصب، فأتى زمزم وقد عطش فاغترف دلواً فخرج لبن! فقال في نفسه: هذا و اللّه يدلني على أن ما خبرني الذئب وما جئت له حق، فشرب وجاء إلى جانب من جوانب المسجد، فإذا حلقة من قريش فجلس إليهم فرآهم يشتمون النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كما قال الذئب! فما زالوا في ذلك من ذكر النبي والشتم له حتى جاء أبوطالب من آخر النهار، فلما رأوه قال بعضهم لبعض: كفُّوا فقد جاء عمه! قال فكفوا فلما دنا منهم أكرموه وعظموه، فلم يزل أبوطالب متكلمهم وخطيبهم إلى أن تفرقوا. فلما قام أبوطالب تبعته فالتفت إلي فقال: ما حاجتك؟ فقلت:هذا النبي المبعوث فيكم. قال:وما حاجتك إليه؟ فقال له أبوذر:أؤمن به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشئ إلا أطعته.فقال أبوطالب: تشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً رسول اللّه؟ قال فقلت: نعم، أشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً رسول اللّه. فقال قال: وتفعل؟ قلت: نعم قال: فتعال غداً في هذا الوقت إليَّ حتى أدفعك إليه، قال: بتُّ تلك الليلة في المسجد حتى إذا كان الغد جلست معهم، فما زالوا في ذكر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وشتمه حتى إذا طلع أبوطالب، فلما رأوه قال بعضهم لبعض: أمسكوا فقد جاء عمه! فأمسكوا، فلما قام أبوطالب تبعته فالتفت إلي فقال: ما حاجتك؟ (فأعاد عليه ما قاله) فقال: قم معي فتبعته فدفعني إلى بيت فيه حمزة فسلمت عليه وجلست، فقال لي: ما حاجتك؟ فقلت: هذا النبي المبعوث فيكم؟ فقال: وما حاجتك إليه؟قلت: أؤمن به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشئ إلا أطعته.فقال: تشهد أن لا إله إلا اللّه

ص: 166

وأن محمداً رسول اللّه؟ قال: فشهدت قال: فدفعني حمزة إلى بيت فيه جعفر فسلمت عليه وجلست فقال لي جعفر: ما حاجتك؟ فقلت: هذا النبي المبعوث فيكم قال: وما حاجتك إليه؟ فقلت: أو من به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولايأمرني بشئ إلا أطعته فقال: تشهد أن لا إله إلا اللّهوحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله؟ قال فشهدت فدفعني إلى بيت فيه علي سلمت وجلست فقال:ما حاجتك؟ فقلت:هذا النبي المبعوث فيكم؟ قال:وما حاجتك إليه؟قلت:أؤمن به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشئ إلا أطعته، فقال: تشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً رسول اللّه؟ قال: فشهدت فدفعني إلى بيت فيه رسول اللّه فسلمت وجلست فقال لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ما حاجتك؟ قلت:النبي المبعوث فيكم؟قال: وما حاجتك إليه؟ قلت: أؤمن به وأصدقه ولا يأمرني بشئ إلا أطعته، فقال: تشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً رسول اللّه؟فقلت: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً رسول اللّه، فقال لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :يا أباذر إنطلق إلى بلادك، فإنك تجد ابن عم لك قد مات وليس له وارث غيرك، فخذ ماله وأقم عند أهلك حتى يظهر أمرنا! قال: فرجع أبوذر فأخذ المال وأقام عند أهله حتى ظهر أمر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ).

أقول: هذه ظروف حياة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) التي نزل فيهاقوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ، وبقيت هكذا حتى نزل قوله تعالى: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ، إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِين . وكان ذلك في أول السنة الرابعة.

فلا تصح رواية البخاري وغيره بأنه لما نزلت الآية صعد على الصفا ونادى في قبائل قريش، وليس معه بنو هاشم يحمونه! كما لا يصح أيضاً لأن فاطمة (عليه السلام) لم تكن مولودة يومها.ولا يصح أيضاً، لأن العباس عمه لم يكن يومها مسلماً.

فهو من كذبات أبي هريرة، الذي قال عنه علي (عليه السلام) إنه أكذب الأحياء على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والزهري مثل أبي هريرة، فقد قال له زين العابدين (عليه السلام) :(وأما أنت يازهري، فلوكنت بمكة لأريتك كيرأبيك!). (شرح النهج:4/102، والغارات:2/577).

ص: 167

أي أريتك منفخ الحداد الذي كان يستعمله أبوك!وجده كان يهودياً حداداً، وهو الذي اتفق مع أربعة على قتل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وضربه في أحُد بحجر في وجهه!

المسألة الثانية:

كانت علاقة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعشيرته متينة من أصلها، ولما تكاثر طلقاء قريش في المدينة بعد فتح مكةأخذوا يقولون إنهم يقبلون النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولا يقبلون بني عبدالمطلب، وإنه فيهم كالنخلة نبتت في كبا، أي مزبلة!

فبلغ ذلك النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فغضب غضباً شديداً،وصعد المنبر وتحداهم في أنسابهم وأحسابهم، واشتهرت القضية، فعقد الهيثمي باباً بعدة صفحات (8/214) بعنوان: باب في كرامة أصله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ! وقد بحثناها في كتاب ألف سؤال.

وروى في الزوائد (9 /170):(أتاه العباس فقال: يا رسول اللّه إني انتهيت إلى قوم يتحدثون، فلما رأوني سكتوا، وما ذاك إلا لأنهم يبغضونا! فقال رسول اللّه ( ص ): أوَقد فعلوها! والذي نفسي بيده لايؤمن أحدهم حتى يحبكم، أيرجون أن يدخلوا الجنة بشفاعتي، ولايرجوها بنوعبدالمطلب )!

وفي الزوائد (9/258): (جلس على المنبر ساعة وقال: أيها الناس مالي أوذى في أهلي! فو اللّه إن شفاعتي لتنال حي حا وحكم وصدا وسلهب، يوم القيامة)! وقال الهيثمي: (رواه أبويعلى، ورجاله رجال الصحيح) ولذلك فرواياتهم التي تقول إن شفاعتي لاتنفع عترتي ولا بني هاشم ولا أباطالب، مكذوبة لإبعاد عترته عن خلافته (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

المسألة الثالثة:

أخفى البخاري حديث الدار المعروف وأن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دعا عشيرته وأنذرهم! وهوالأمرالطبيعي، وبدائله التي ذكرها البخاري تبدو عليها الصنعة والوضع!

قال السيوطي في الدر المنثور(5/97): (وأخرج ابن إسحق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبونعيم، والبيهقي في الدلائل، من طرق، عن علي رضي اللّه عنه قال:

ص: 168

لما نزلت هذه الآية على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ، دعاني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: يا علي إن اللّه أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فضقت بذلك ذرعاً، وعرفت أني مهما أبادؤهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمتُّ عليها حتى جاء جبريل فقال:يا محمد إنك إن لم تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك، فاصنع لي صاعاً من طعام، واجعل عليه رجل شاة،واجعل لنا عساً من لبن،ثم اجمع لي بني عبدالمطلب حتى أكلمهم وأبلغ ما أمرت به(وهم يومئذ أربعون رجلاً)ففعلت ما أمرني به،ثم دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبوطالب وحمزة والعباس وأبولهب، فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به، فلما وضعته تناول النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بضعة من اللحم فشقها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصحفة، ثم قال:كلوا بسم اللّه، فأكل القوم حتى نهلوا عنه، ما ترى إلا آثار أصابعهم! و اللّه إن كان الرجل الواحد ليأكل ما قدمت لجميعهم!

ثم قال: إسق القوم يا علي، فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا جميعاً! وأيم اللّه إن كان الرجل منهم ليشرب مثله! فلما أراد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن يكلمهم بَدَرَه أبولهب إلى الكلام فقال: لقد سحركم صاحبكم! فتفرق القوم ولم يكلمهم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ! فلما كان الغد قال:يا علي إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فعد لنا بمثل الذي صنعت بالأمس من الطعام والشراب ثم اجمعهم لي،ففعلت ثم جمعتهم ثمدعاني بالطعام فقربته، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا وشربوا حتى نهلوا، ثم تكلم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: يا بني عبدالمطلب إني و اللّه ما أعلم أحداً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني اللّه أن أدعوكم إليه، فأيكم يوازرني على أمري هذا؟فقلت وأنا أحدثهم سناًّ: إنه أنا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيع).

وقد حذف السيوطي منها ما أثبته الطبري وهو: فأيكم يوازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي، ووصيي، وخليفتي فيكم؟

ص: 169

ورواها البلاذري، وجاء في روايته (1/118): (لما نزلت على النبي: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ، اشتد ذلك عليه وضاق به ذرعاً، فمكث شهراً أو نحوه جالساً في بيته حتى ظن عماته أنه شاكٍ، فدخلن عليه عائدات، فقال: ما اشتكيت شيئاً، ولكن اللّه أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فأردت جمع بني عبدالمطلب لأدعوهم إلى اللّه.قلن: فادعوهم، ولاتجعل عبدالعزى فيهم يعنين أبالهب، فإنه غير مجيبك إلى ما تدعوه إليه، وخرجن من عنده، وهن يقلن: إنما نحن نساء،فلما أصبح رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعث إلى بني عبدالمطلب.

فحضروا ومعهم عدة من بني عبدمناف، وجميعهم خمسة وأربعون رجلاً، وسارع إليه أبولهب، وهو يظن أنه يريد أن ينزع عما يكرهون إلى ما يحبون. فلما اجتمعوا، قال أبولهب:هؤلاء عمومتك وبنو عمك، فتكلم لما تريد، ودع الصلاة، واعلم أنه ليست لقومك بالعرب قاطبة طاقة، فما رأيت يا بن أخي أحداً قط جاء بني أبي ه بشر مما جئتهم به!

وأسكت رسول اللّه فلم يتكلم في ذلك المجلس، ومكث أياماً، وكبر عليه كلام أبي لهب، فنزل جبريل فأمره بإمضاء ما أمره اللّه به وشجعه عليه فجمعهم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثانية فقال: الحمد للَّه أحمده، وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، ثم قال:إن الرائد لا يكذب أهله، و اللّه لوكذبت الناس جميعاً ما كذبتكم، ولو غررت الناس ما غررتكم، و اللّه الذي لا إله إلا هو، إني لرسول اللّه إليكم خاصة وإلى الناس كافة. و اللّه لتموتن كما تنامون،ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، ولتجزون بالإحسان إحساناً وبالسوء سوءً، وإنها للجنة أبداً والنار أبداً، وأنتم لأول من أنذر!

فقال أبوطالب:ما أحب إلينا معاونتك ومرافدتك وأقبلنا لنصيحتك، وأشد تصديقنا لحديثك وهؤلاء بنو أبي ك مجتمعون، وإنما أنا أحدهم غير أني و اللّه أسرعهم إلى ما تحب، فامض لما أمرت به، فو اللّه لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أني لا أجد نفسي تطوع لي فراق دين عبدالمطلب حتى أموت على ما مات عليه، وتكلم القوم كلاماً لينا، غير أبي لهب فإنه قال: يا بني عبدالمطلب، هذه و اللّه السوءة، خذوا على يديه قبل أن يأخذ على يده غيركم!

ص: 170

فإن أسلمتوه حينئذ ذللتم، وإن منعتموه قتلتم! فقال أبوطالب: و اللّه، لنمنعه ما بقينا ).

قال الأميني في الغدير (1/207): (نذكر لفظ الطبري بنصه حتى يتبين الرشد من الغي! قال في تاريخه (2/217) من الطبعة الأولى:(إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني اللّه تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يوازرني على هذا الأمرعلى أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت وإني لأحدثهم سناً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً:أنا يانبي اللّه أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا. قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع).وقال الأميني(2/279):(أخرجه أبوجعفر الإسكافي المتكلم المعتزلي البغدادي المتوفى240، في كتابه نقض العثمانية وقال: إنه روي في الخبر الصحيح. لكن حرفوه لإرضاء قريش، ورواه الطبري في تاريخه كاملاً وأبهمه في تفسيره فقال: ثم قال: إن هذا أخي، وكذا وكذا!وتبعه ابن كثير(النهاية:3/40، والتفسير (3/351)!

أقول: لابد أن البخاري كان يحفظ هذا الحديث في المئة ألف الصحيحة التي يحفظها لكنه لم يروه لأنا يخالف دين السلطة، ولذلك وقع في تناقض فروى نشاط النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في الدعوة، ولم يكن بدأ بها، وروى شفاعته لأسرته، ولم تكن مطروحة، وروى قوله لفاطمة (عليهاالسلام) قبل ولادتها، ومخاطبته لبعضهم قبل إسلامه!

المسألة الرابعة:

لم يعلن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دعوته للناس حتى نزل عليه في أول السنة الرابعة قوله تعالى: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ. وأخبره جبرئيل أنه قتل الفراعنة الستة من قريش في يوم واحد وأمره أن يعلن، فخرج (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الى حِجْر إسماعيل أولاً، وبعدها صعد على الصفا ذات يوم. وقد وثقنا ذلك في السيرة النبوية.وأن آية إنذار العشيرة نزلت في أوائل السنوات الثلاث من بعثته (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ويوماقال أبولهب: (تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا!

ص: 171

فنزلت:تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ.مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ)).وسورة تبت السادسة برواية ابن عباس. (مجمع البيان:10/211).

فإن قلت: آية إنذار العشيرة في سورة الشعراء، وترتيبها في رواية ابن عباس المتقدم اليها نحو أربعين، فكيف تكون نزلت قبلها؟ وجوابه: أن لا اعتبار بروايات تسلسل السور، إلا ما كان معه دليل، والدليل هنا الرواية الصحيحة المتقدمة.

المسألة الخامسة:

نص المفسرون على أن سورة الشعراء مكية إلا الآيات الأربعة الأخيرة التي فيها ذكر الشعراء، فهي مدنية، وكانت تسمى هي والقصص والنمل الطواسين، فلما أمر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن توضع فيها آيات الشعراء سميت بها.

المسألة السادسة:

أن البخاري غيب الصحيح عن عمد وقصد! وخلط مهمة إنذار الأقربين وإنذار الناس، الذي بدأ أول السنة الرابعة.وقد ذكرنا غضب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على طعنهم في أسرته وأنه تحداهم أن يسألوه عن آبائهم! وأن عمر وقع على قدميه يقبلهما!

**

ص: 172

الفصل الثامن: أحاديث أفلتت من البخاري

طمس البخاري الصحاح في أهل البيت (عليهم السلام) وأفلت منه بعضها

اضطر البخاري أن يروي عن عدد من الشيعة على كره منه!وترجم العلماء لعشراتالرواة الشيعة، الذين روى عنهم البخاري ومسلم، واحتجا بهم.

وقد حرص البخاري أن يطمس الفضائل الأساسية لأهل البيت (عليه السلام) كحديث الدار، وحديث المبيت على الفراش، وحديث الغدير، وحديث الكساء، وحديث الثقلين، وحديث المودة في القربى، وحديث قتال علي (عليه السلام) على تأويل القرآن، للناكثين والقاسطين والمارقين، وحديث المهدي (عليه السلام) ..الخ.

فقد أفلت منه عدد منها، بعضه في صحيحه، وبعضه في بقية كتبه، وقد عبرنا عن هذه الأحاديث بأنها أفلتت، لأنها بمقتضى منهج البخاري يجب أن يحذفها ويخفيها، ولوأعاد النظر فيها لحذفها، لأنها تتنافى مع منهج كتابه في تقديس الشيخين وبنتيهما، وإخفاء فضائل غيرهم!

أفلت من البخاري حديث كخ كخ !

أجمع المسلمون على أن اللّه تعالى شرع لآل محمَّد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مالية خاصة في ميزانية الدولة الإسلامية هي الخمس وسهم ذوي القربى، وحرم عليهم الصدقات. وروى البخاري ذلك، وسمى الصدقات لهم كخ كخ، أما لأزواج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فليست كخاً! وقد اتفق على ذلك

ص: 173

فقهاء المذاهب،ولم ينتبهوا إلى خطورة دلالته على أئمتهم! ولو انتبه البخاري لأخفاه في مئات وألوف ما أخفاه!

وزعم مخالفونا أن الخمس لأهل البيت (عليهم السلام) خمس غنائم الحرب فقط، وهذا لايصح لأنه حرم عليهم الصدقة الى يوم القيامة والغنائم تنتهي، فلو كان الخمس محصوراً فيها لما حرم عليهم الصدقات!قال البخاري (2/135): ( أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال النبي: كِخْ كِخْ ليطرحها! ثم قال: أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة). ورواه أيضاً:4/36، ومسلم:3/117، والبيهقي: 7/29، وأحمد:2/279، وفيه: فأدخل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فانتزعها منه ثم قال: أما علمت أن الصدقة لا تحل لآل محمد! والدارمي: 1/386، بعنوان: باب الصدقة لا تحل للنبي ولا لأهل بيته، والزوائد:1/284، عن أحمد والطبراني، وغيرهم.

قال في فتح الباري (3/280و:2/133):(قوله: كخ كخ، بفتح الكاف وكسرها كلمة تقال لردع الصبي عند تناوله ما يُستقذر.وفي رواية معمر: إن الصدقة لا تحل لآل محمد.قوله: باب الصدقة على موالي أزواج النبي:لم يترجم لأزواج النبي ولا لموالي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لأنه لم يثبت عنده فيه شئ، وقد نقل ابن بطال أنهن أي الأزواج لايدخلن في ذلك باتفاق الفقهاء!وقد تقدم أن الأزواج ليسوا في ذلك من جملة الآل فمواليهم أحرى بذلك.قال ابن المنير: إنما أورد البخاري هذه الترجمة ليحقق أن الأزواج لايدخل مواليهن في الخلاف ولايحرم عليهن الصدقة، قولاً واحداً )!

يعني: أن الصدقات ليست على حراماً على أزواج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وليست كخاًكخاً!

ونلاحظ أن أتباع مذاهب السلطة يقرون بهذا الحق نظرياً وينسونه عملياً، ثم يشرك بعضهم في الخمس نساء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كما أشركهن في المودة والصلاة على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !

وقال البخاري(2/133):(كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يؤتى بالتمر عند صرام النخل فيجئ هذا بتمره وهذا من تمره حتى يصير عنده كوماً من تمر، فجعل الحسن والحسين يلعبان بذلك التمر، فأخذ أحدهما تمرة فجعله في فيه فنظر إليه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأخرجهامن فيه فقال: أما علمت أن آل محمَّد لا يأكلون الصدقة )!

ص: 174

أفلت من البخاري حديث جعله النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قنبلة مغلفة !

لو فهم البخاري معنى هذا الحديث لما رواه، قال (4/67): (عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال:خطبنا علي فقال: ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب اللّه، وما في هذه الصحيفة؟فقال:فيها الجراحات وأسنان الإبل، والمدينة حرم ما بين عير إلى كذا، فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى فيها محدثاً فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل. ومن تولى غير مواليه فعليه مثل ذلك!وذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلماً فعليه مثل ذلك)!

وروى البخاري(8/12) عن سعد قال:(سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام، فذكرته لأبي بكرة فقال: وأنا سمعته أذناي ووعاه قلبي من رسول اللّه ).

ملاحظة

أوصى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أمته في حجة الوداع بأهل بيته (عليهم السلام) ، ولعن من ادعى لغير أبيه، أو تولى غير مواليه، أو لم يعط الأجرة لنبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !

فقد روى ابن ماجة(2/905) أنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خطبهم في حجة الوداع على راحلته فقال: « ومن ادعى إلى غير أبي ه أو تولى غير مواليه، فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل » والترمذي (2/293) وأحمد (4/239) والدارمي (2/244 و 344 ) وتقدمت رواية البخاري (2/221، و: 4/67).

واستعمل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) هذا الأسلوب الكنائي متعمداً إبهامه ليصل الى الأجيال ولاتطمسه قريش! وكتبه النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في صحيفة صغيرة وعلقها في ذؤابة سيفه الذي ورَّثه لعلي (عليه السلام) ! كماروى البخاري (4/67) ومسلم (4/115)والترمذي (3/297) وفي تلك الصحيفة: لعن من تولى غير مواليه!ويقصد من تولى غيره وغير علي (عليه السلام) لأنهما الأبوان المعنويان لهذه الأمة! ولو عرف البخاري معناه لمزقه!

ويدل على أن معناه ذكرنا أن عقوبة اللعن والتخليد في النار لايستحقها الولد الذي يهرب

ص: 175

من أبيه وينتسب إلى آخر، ثم يتوب! بينما هذا يخلد في النار ولايقبل منه صرف أي توبة، ولا عدل، أي فدية! وهذه عقوبة العناد والتكبر والردة، والخروج من الملة، لاعقوبة ولد يقول أبي فلان ثم يتوب!

ويؤيد ما قلناه رواية أحمد (4/186) أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أطلق هذه اللعنة لما ذكر أهل بيته (عليهم السلام) وحقهم في المودة والخمس، قال:« خطبنا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهوعلى ناقته فقال: ألا إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي، وأخذ وبرة من كاهل ناقته، فقال: ولا ما يساوي هذه أو ما يزن هذه. لعن اللّه من ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه »!

وقد نصت مصادرنا على أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسره في مرض وفاته، فقد أمر علياً (عليه السلام) أن يصعد المنبر قال له: «يا علي انطلق حتى تأتي مسجدي ثم تصعد منبري،ثم تدعو الناس إليك، فتحمد اللّه تعالى وتثني عليه وتصلي عليَّ صلاة كثيرة، ثم تقول: أيها الناس إني رسول رسول اللّه إليكم وهويقول لكم: إن لعنة اللّه ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبي ه، أو ادعى إلى غير مواليه، أو ظلم أجيراً أجره! فأتيت مسجده وصعدت منبره، فلما رأتني قريش ومن كان في المسجد أقبلوا نحوي فحمدت اللّه وأثنيت عليه، وصليت على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) صلاة كثيرة ثم قلت: أيها الناس إني رسول رسول اللّه إليكم وهو يقول لكم: ألا إن لعنة اللّه ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلينولعنتي، على من انتمى إلى غير أبي ه، أو ادعى إلى غير مواليه، أو ظلم أجيراً أجره. قال: فلم يتكلم أحد من القوم إلا عمر بن الخطاب فإنه قال: قد أبلغت يا أباالحسن ولكنك جئت بكلام غير مفسر!

فقلت: أُبْلِغُ ذلك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فرجعت إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأخبرته الخبر فقال: إرجع إلى مسجدي حتى تصعد منبري فاحمد اللّه وأثن عليه وصل عليَّ ثم قل: أيها الناس ما كنا لنجيئكم بشئ إلا وعندنا تأويله وتفسيره. ألا وإني أنا أبوكم، ألا وإني أنا مولاكم،ألاوإني أنا أجيركم»!(أمالي المفيد/353، والطوسي/123).

وفي معاني الأخبار/118: «قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) :أنا وأنت أبوا هذه الأمة، فلعن اللّه

ص: 176

من عقنا! قل آمين، فقلت: آمين»!

وهي أبوة معنوية كأبوة إبراهيم (عليه السلام) لأمتنا: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ..وهي أعلى رتبةً من الأبوة الحقيقية،لأن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مؤسس الأمة وعلي (عليه السلام) وزيره وعضده في جهاده ، وولي الأمة بعده..ورواه الصدوق في أماليه بأسانيد/65 و411 و755.

فضح البخاري الصحابة بدون قصد فروى رزية يوم الخميس !

روى أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أمرهم أن يلتزموا له بعهده الذي سيكتبه لهم، فرفضوا أن يكتبه واتهموه بأنه خرفان، فطردهم! قال البخاري(4/31):(عن ابن عباس أنه قال:يوم الخميس وما يوم الخميس! ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء، فقال: اشتد برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وجعه يوم الخميس فقال:إئتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فتنازعوا ولاينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: هجر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه،وأوصى عند موته بثلاث: أخر جوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ونسيت الثالثة).

وقد بحثنا هذا الموضوع في السيرة بعنوان:انقلاب الأمة على نبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حياته! وقوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه!لاتفسير له إلا أن القرشيين قرروا إن أصرعلى كتابة عهده أن يعلنوا الردة! فكان اعترافهم به وبالقرآن، خيراً من الردة!

صحَّحَ البخاري أن الصحابة في جهنم لا ينجو منهم إلا أفراد !

أعلن مالك ندمه على أنه روى في الموطأ أحاديث الحوض التي نصت على أن الصحابة يدخلون جهنم ولاينجو منهم إلا أفراد قليلون!

ولم يصلنا ندم البخاري! قال (7/207): (عن أنس عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال ليردنَّ عليَّ ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول أصحابي! فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك! ليردن عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم. فأقول:

ص: 177

إنهم مني! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقاً سحقاً لمن غيَّر بعدي!

إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى.

عن أبي هريرة أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: بينا أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلمَّ! فقلت: أين؟ قال: إلى النار و اللّه قلت وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى! ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلمَّ! قلت: أين؟ قال: إلى النار و اللّه. قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى! فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم!وفي رواية: إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم وسيؤخذ ناس من دوني فأقول يا رب مني ومن أمتي! فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك، و اللّه ما برحوا يرجعون على أعقابهم )!

إنها صورة رهيبة نزل بها جبريل الأمين (عليه السلام) ليبلغها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى الأمة في حجة الوداع! تخبر بكارثة على صحابته، جزاءً لهم على الكارثة التي سينزلونها في أمته! ولا ينجو منهم إلا مثل ( هَمَل النَّعم ) أي الغنم المنفردة عن القطيع! ومعناه أن قطيع الصحابة في النار، ولا يفلت إلا من خالف جمهورهم!

وهي حقيقةٌ مذهلةٌ، تستوجب إعادة النظر في عقيدتنا في الصحابة، وهي صعقةٌ للسني المسكين، الذي تربى على حب كل الصحابة، وخير القرون، والجيل الفريد ورسم لهم من كلام أبوية ومحيطه الصورة المثالية! فإذا به أمام صورة مخيفة لهم!

اعترف البخاري بتحريفهم صلاة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومحافظة علي (عليه السلام) عليها !

قال البخاري(1/و191و200):(عن مطرف بن عبد اللّه قال: صليت خلف علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، أنا وعمران بن حصين، فكان إذا سجد كبر، وإذا رفع رأسه كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر. فلما قضى الصلاة أخذ بيدي عمران بن حصين فقال: قد ذكرني هذا صلاة محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أو قال: لقد صلى بنا صلاةَ محمد عليه الصلاة والسلام ).

ص: 178

أقول: تواترت الرواية عندنا أن القرشيين غيروا بعد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى الصلاة، فزادوا وأنقصوا، وأن أهل البيت (عليهم السلام) تمسكوا

بسنة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حرفياً.ويكفي دليلاً على ذلك أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أعاد مقام إبراهيم (عليه السلام) الى مكانه فألصقه بالكعبة، فاستدرك عمر على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأعاد المقام الى موضعه في الجاهلية!

روى البخاري بشارة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالأئمة الإثني عشر (عليهم السلام)

قال البخاري (8/27):(جابر بن سمرة قال: سمعت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: يكون اثنا عشر أميراً. فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي : إنه قال: كلهم من قريش).

وقال في تاريخه الكبير(1/446): (سمعت جابر بن سمرة، سمع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يكون بعدي اثنا عشر خليفة ).

وقال في (8/411): (عون بن أبي جحيفة، عن أبي ه قال: سمعت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: لا يزال أمر أمتي صالحاً حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش).

أقول:لايمكن تفسير هذا الحديث إلا بالأئمة الإثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) ، وقد فصلنا ذلك في رسالة:البشارة النبوية بالأئمة الإثني عشر (عليهم السلام) .

روى شهادة عمر بأن علياً (عليه السلام) أعلم الصحابة

قال البخاري (5/149): (عن ابن عباس قال قال عمر رضي اللّه عنه: أقرؤنا أُبَيّ، وأقضانا عليٌّ، وإنا لندع من قول أبي ٍّ وذاك أن أبي اً يقول لا أدع شيئاً سمعته من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد قال اللّه تعالى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا).

قال ابن حجر في فتح الباري(8/127): (وأما قوله: وأقضانا عليٌّ، فورد في حديث مرفوع أيضاً عن أنس رفعه: أقضى أمتي علي بن أبي طالب.أخرجه البغوي. وعن عبدالرزاق عن معمر عن قتادة عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مرسلاً: أرحم أمتي بأمتي أبي بكر، وأقضاهم عليٌّ.الحديث، ورويناه موصولاً في فوائد أبي بكر محمد بن العباس بن نجيح من حديث

ص: 179

أبي سعيد الخدري مثله،وروى البزار من حديث ابن مسعود قال:كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة عليرضي اللّه عنه).

أقول: من الواضح أنهم أضافوا: أرحم أمتي قبل أقضى أمتي، لمصلحة أبي بكر، وكأن ابن حجر تأسف لأنه مرسل، أي غير صحيح!

وروى البخاري أعلمية علي (عليه السلام) صريحاً عن عائشة في تاريخه الكبير(3/ 228) قالت: (أعلم الناس بالسنة علي بن أبي طالب).

روى البخاري تحديد أهل البيت بالمصطلح النبوي

قال البخاري في كنى تاريخه الكبير/25:(عن أبي الحمراء قال: صحبت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تسعة أشهر فكان إذا أصبح كل يوم يأتي باب علي وفاطمة فيقول:السلام عليكم أهل البيت: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً).

أقول: يحتج بعضهم بأن أهل البيت تشمل كل بني هاشم والأزواج. والجواب: أن المعنى اللغوي يشمل، لكن آل البيت هنا مصطلح نبوي محدد محصور، ويكفي لذلك أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم يسمح لأم سلمة رضي اللّه عنها أن تدخل معهم في الكساء! فعندما يقول (عليهاالسلام) إني تارك فيكم الثقلين، أو صلوا عليَّ في صلاتكم وأهل بيتي، أو آل محمد، فهو يقصد آله بالمصطلح الإسلامي وليس اللغوي.ولذلك لم تدع أي من نسائه أنها من الذين أذهباللّه عنهم الرجس.وإنما ادعي ذلك لهن بعد حياتهن!

روى البخاري وجوب قرن آل النبي به في الصلاة عليه

قال البخاري: (6/27): (باب قوله:إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً، عن كعب بن عجرة قيل: يا رسول اللّه أما السلام عليك فقدعرفناه، فكيف الصلاة؟ قال:قولوا اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللّهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

ص: 180

عن أبي سعيد الخدري قال: قلنا يارسول اللّه هذا التسليم فكيف نصلى عليك؟ قال: قولوا: اللّهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم.قال أبوصالح عن الليث: على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم )

ورواه مجمع الزوائد(10/163): عن بريدة قال: قلنا يا رسول اللّه قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟قال قولوا: اللّهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وآل محمد، كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وسميت الصلاة الإبراهيمية لأنها تجعل آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كآل إبراهيم (عليه السلام) .

راجع: موطأ مالك: 1/165، وكتاب الأم: 1/140، والبخاري: 4/118 9 و: 6/27 و: 7/156، ومسلم: 2/16، وابن ماجة: 1/293، وأباداود: 1/221، والترمذي: 5/38، والنسائي: 3/45، وأحمد: 4/118 و 244 و: 5/353 و 424، والدارمي:1/165 و 309، والحاكم: 1/268، والبيهقي: 2/146 و 378، وكنز العمال: 2/266 والدر المنثور: 5/215، والمجموع: 3/466، والمغني: 1/580.

قال ابن حجر في فتح الباري(8/410): (إن التشبيه ليس من باب إلحاق الكامل بالأكمل، بل من باب التهييج ونحوه، أو من بيان حال ما لا يعرف بما يعرف لأنه فيما يستقبل، والذي يحصل لمحمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من ذلك أقوى وأكمل).

روى أن المهدي عجل اللّه تعالی فرجه الشريف من ولد فاطمة (عليهاالسلام)

رواه في تاريخه الكبير (3/346)عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: المهدي حق وهو من ولد فاطمة (عليهاالسلام) . قال:في إسناده نظر) لكن رواه في التاريخ الكبير (8 /406): (عن قتادة، عن سعيد بن المسيب: المهدي من ولد فاطمة (عليهاالسلام) ). وارتضاه.

ص: 181

وروى البخاري أن عيسى ينزل ويصلي خلفه (عليهماالسلام)

وروى في صحيحه (4/143) عن أبي هريرة قال: (قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم وقال:قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لايقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيراً من الدنيا ومافيها.ثم يقول أبوهريرة: واقرؤوا إن شئتم:وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ).

ورووا أن أباهريرة كان مستعجلاًيتصورأنه سيدرك المسيح (عليه السلام) ! قال عبدالرزاق (11/402): (عن يزيد بن الأصم قال:كنت أسمع أباهريرة يقول: تروني شيخاً كبيراً قد كادت ترقوتاي تلتقي من الكبر، و اللّه إني لأرجو أن أدرك عيسى وأحدثه عن رسول اللّه فيصدقني).

وفي مسند أحمد(2/298) «إني لأرجو إن طال بي عمر أن ألقى عيسى بن مريم (عليهاالسلام) ، فإن عجل بي موت فمن لقيه فليقرؤه مني السلام )!

وهذا من جهل أبي هريرة وعدم اطلاعه على بقية روايات المهدي وعيسى (عليهماالسلام) !

وأفلت من البخاري أن معاوية إمام الدعاة الى النار !

قال البخاري(1/115و:3/207)قال ابن عباس: (كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة وكان عمار ينقللبنتين لبنتين فمر به النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومسح عن رأسه الغبار وقال: ويح عمار تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلى اللّه، ويدعونه إلى النار)!

وقد بحثنا تأثيرهذا الحديث والهزة التي حدثت في جيش معاوية في حرب صفين.

ص: 182

روى البخاري: هلاك أمتي على يد بني أمية !

قال البخاري (4/178و:8/88):(باب قول النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء عن سعيد قال:كنت جالساً مع أبي هريرة في مسجد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالمدينة ومعنا مروان، قال أبوهريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول: هَلَكَةُ أمتي علي يدي غَلَمَةٍ من قريش. فقال مروان: لعنة اللّه عليهم من غلمة! فقال أبوهريرة: لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت. فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام، فإذا رآهم غلماناً أحداثاً قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم!قلنا: أنت أعلم).

في نهج البلاغة(1/184)قال أميرالمؤمنين (عليه السلام) :(ألا إن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية، فإنها فتنة عمياء مظلمة عمت خطتها، وخصت بليتها، وأصاب البلاء من أبصر فيها، وأخطأ البلاء من عمي عنها، وأيم اللّه لتَجِدُنَّ بني أمية لكم أرباب سوء بعدي،كالناب الضروس، تعذم بفيها وتخبط بيدها، وتزبن برجلها، وتمنع درها!لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم إلا نافعاً لهم أو غير ضائر بهم. ولايزال بلاؤهم حتى لايكون انتصار أحدكم منهم إلا كانتصار العبدمن ربه، والصاحب من مستصحبه! ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشية، وقطعاً جاهلية،ليس فيها منار هدى، ولا علم يرى، نحن أهل البيت منها بمنجاة، ولسنا فيها بدعاة.ثم يفرجها اللّه عنكم كتفريج الأديم،بمن يسومهم خسفاً،ويسوقهم عنفاً، ويسقيهم بكأس مصبرة، لايعطيهم إلا السيف، ولايحلسهم إلا الخوف).

لكن البخاري تعمد تحريف معنى الشجرة الملعونة

قال البخاري(4/250 و:5/227، و: 7 /214): (عن ابن عباس قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً للَّنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلا طُغْيَانًا كَبِيراً. قال: هي رؤيا عين، أريها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليلة أسرى به إلى بيت المقدس، قال: والشجرة الملعونة في القرآن؟ قال: هي شجرة الزقوم ). وتفسيره

ص: 183

لها بالزقوم ينافي السياق الذي فرَّع الشجرة على قوله: وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ! فدل على أنها شجرة شر في المجتمع البشري! فتفسيرها ببني أمية هو الصحيح، الذي وردت به الرواية عند الشيعة والسنة.

وأفلت منه ذكر مجلس زياد ورأس الحسين (عليه السلام)

غطى البخاري على معاوية ودافع عنه، وعلى واليه على الكوفة زياد بن عبيد، وقد كانت أمه سمية متزوجة من عبيد، فادعى أبوسفيان بعد عشرين سنة أنه زنى بها فحملت زياداً، فجعله معاوية أخاه مخالفاً للقاعدة النبوية المجمع عليها: الولد للفراش وللعاهر الحجر، وأطاعه البخاري فقال: (2/183): (زياد بن أبي سفيان زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة رضي اللّه عنها).

لكن أفلت منه ذكره مجلس ابنه عبيد وهو ينكت رأس الحسين (عليه السلام) ، فقال (4/216):

( عن أنس بن مالك:أتي عبيد اللّه بن زياد برأس الحسين بن علي، فجعل في طست فجعل ينكته، وقال في حسنه شيئاً، فقال أنس:كان أشبههم برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكان مخضوباًبالوسمة). أي بالسواد.

**

ص: 184

الفصل التاسع: أبوبكر وعمرعند البخاري قدس الأقداس!

غلو البخاري في تقديس أبي بكر وعمر وبنتيهما

أصل الخلاف بين السنة والشيعة وجوب اتِّباع أهل البيت (عليهم السلام) أو اتباه الصحابة؟ وقد جعل السنيون موقف الناس من الشيخين مقياس الدين كله!بينما أصرَّ الشيعة على أن المسلم حرٌّ في اعتقاده في الصحابة ما وصل إليه علمه، لأن المسلمين مكلفون باتِّباع القرآن وأهل البيت (عليهم السلام) ، وأحرارٌ في غيرهم!لكن الحكومة القرشية شنت حملة شعواء على من لايعتقد بهما، وأباحوا دمه وماله!

قال أحمد بن حنبل في كتاب العلل(3/8 ): «قال عبد اللّه بن أحمد:سألت ابن معين عن زكريا بن يحيى الكسائي الشيعي، فقال: رجل سوء يحدث بأحاديث سوء. يستأهل أن يحفر له بئر فيلقى فيها»!

وهذه سياستهم معنا لقرون، وقد طبق فتاواهم الدواعش في العراق وغيره!

ولو جمعنا الذين قتلوهم لأجل أبي بكر وعمر، لكانوا بعدد سكان دولة!

ولو أحصينا الطرق التي تفننوا وقتلوهم بها، لكانت قاموساً في ابتكار الجريمة!

أبوبكر أفضل الخلق بعد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عند البخاري

أبوبكر بن أبي قحافة عند البخاري:خيرالخلق بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فهو مقدس بكله، ومعصوم في كل أفعاله وأقواله، ولا يقاس به لا عليٌّ، ولا عثمان، ولا حتى عمر بن الخطاب! وكلما رأى البخاري نقيصة في أبي بكر رفضها، أو سترها، أو تأولها، فهو لا يقبل عليه كلمة

ص: 185

ولا نصف كلمة!

وإذا سألته: هل هما عندك أفضل من أنبياء اللّه تعالى وأوصيائهم (عليهم السلام) ؟

يقول لك: نعم هما أفضل من جميع الناس في جميع الأمم، لكن أتوقف في تفضيلهما على جميع الأنبياء (عليهم السلام) ، لاعلى بعضهم!

وقد تعلم البخاري، وهولايعرف قبائل قريش: أن أبابكر من علياء قريش وقالوا له إنه يلتقي مع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعد كذا جداً، فهو ابن عمه.

وإذا قلت له: إن بني تيم عشيرة أبي بكر لاوزن لهم ولا ذكر، فهم في مكة قلةً وذلة، وكان أبوقحافة عضروطاً،يعمل بشبع بطنه عند ابن جدعان، وكانوا لايستطيعون أن يحموا أنفسهم، فقالوا إن أبابكر استجار بابن الدغنة رئيس جماعة صغيرة من السودان،ثم ندم ورفض جوار أبي بكر ورده عليه!

فيقول لك البخاري: كلا، كان أبوبكر من كبارقريش وأثريائهم، كما قالت سيدتنا عائشة، وهو الذي رد جوار ابن الدغنة من إيمانه وتوكله على اللّه!

وإذا قلت له: إنه أسلم بعد أكثر من خمسين كما قال سعد بن أبي وقاص، لقال لك: لقد اشتبه سعد وغيره، بل أبوبكر أول من أسلم.

وسيغضب عليك إن قلت له: كيف تروي أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أمر أبابكر أن يصلي مكانه بالناس في مرض وفاته، وكان أبوبكر جندياً في معسكر أسامة خارج المدينة، وعلي يقول إنه عصى أميره وتسلل ليلاً الى المدينة لما أخبرتهم عائشة بأن وضع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ميؤوس فجاؤوا ليرتبوا أمرهم، وأن الآية تقول لهما: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِىَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ. إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَمَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ.

وقد قرأ البخاري تفسيرها، وقرأ قول علي (عليه السلام) لحاخام اليهود. (الخصال/371):

(وأما الثانية يا أخا اليهود، فإن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أمَّرني في حياته على جميع أمته وأخذ على

ص: 186

جميع من حضره منهم البيعة والسمع والطاعة لأمري، وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب ذلك، فكنت المؤدي إليهم عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أمره إذا حضرته والأميرعلى من حضرني منهم إذا فارقته، لاتختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شئ من الأمر في حياة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولا بعد وفاته.ثم أمر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بتوجيه الجيش الذي وجهه مع أسامة بن زيد عند الذي أحدث اللّه به من المرض الذي توفاه فيه، فلم يدع أحداً من أفناء العرب ولا من الأوس والخزرج وغيرهم من سائر الناس ممن يخاف عليَّ نقضه ومنازعته، ولا أحداً ممن يراني بعين البغضاء ممن قد وترته بقتل أبي ه أو أخيه أو حميمه، إلا وجهه في ذلك الجيش، ولا من المهاجرين والأنصار والمسلمين والمؤلفة قلوبهم والمنافقين، لتصفوَ قلوب من يبقى معي بحضرته، ولئلا يقول قائل شيئاً مما أكرهه، ولا يدفعني دافع من الولاية والقيام بأمر رعيته من بعده.

ثم كان آخر ما تكلم به في شئ من أمرأمته أن تمضي جيش أسامة ولايتخلف عنه أحد ممن أنهض معه، وتقدم في ذلك أشد التقدم، وأوعز فيه أبلغ الإيعاز وأكد فيه أكثرالتأكيد!

فلم أشعر بعد أن قبض النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلا برجال من بعث أسامة بن زيد وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم وأخلوا مواضعهم،وخالفوا أمر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيما أنهضهم له وأمرهم به وتقدم إليهم من ملازمة أميرهم، والسير معه تحت لوائه، حتى ينفذ لوجهه الذي أنفذه إليه! فخلفوا أميرهم مقيماً في عسكره وأقبلوا يتبادرون على الخيل ركضاً إلى حل عقدة عقدها اللّه عز وجل لي ولرسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في أعناقهم فحلوها، وعهد عاهدوا اللّه ورسوله فنكثوه، وعقدوا لأنفسهم عقداً ضجت به أصواتهم واختصت به آراؤهم من غير مناظرة لأحد منا بني عبدالمطلب، أو مشاركة في رأي، أو استقالة لما في أعناقهم من بيعتي!

فعلوا ذلك وأنا برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مشغول وبتجهيزه عن سائر الأشياء مصدود، فإنه كان أهمها وأحق ما بدئ به منها، فكان هذا يا أخا اليهود أقرح ما ورد على قلبي، مع الذي أنا فيه من عظيم الرزية وفاجع المصيبة، وفقد من لاخلف منه إلا اللّه تبارك وتعالى، فصبرت عليها إذ أتت بعد أختها على تقاربها وسرعة اتصالها)!

ص: 187

لكن البخاري يقول لك: كلا، فقد قالت أم المؤمنين إن أباها كان في المدينة، وإن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: مروه فليصل بالناس! وأما كلام علي فهو تهمة لأبي بكر وعمر، ونحن نحرم الدخول بين الصحابة ونقول رضي اللّه عنهم جميعاً!

وإن قلت له: إن أبابكر وعمر معروفان بالخوف والجبن، فقد قال علي (عليه السلام) فيهما وفي عثمان (كتاب سليم/248): (ألا إن العجب كل العجب من جهال هذه الأمة وضلالها وقادتها وساقتها إلى النار، لأنهم قد سمعوا رسول اللّه يقول عوداً وبدءاً: ما ولت أمة رجلاً قط أمرها وفيهم أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا! فولوا أمرهم قبلي ثلاثة رهط ما منهم رجل جمع القرآن ولا يدعي أن له علماً بكتاباللّه ولا سنة نبيه،وقد علموا يقيناً أني أعلمهم بكتاباللّه وسنة نبيه وأفقههم وأقرأهم لكتاباللّه،وأقضاهم بحكم اللّه، وأنه ليس رجل من الثلاثة له سابقة مع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولا غناء معه في جميع مشاهده، فلا رمى بسهم ولا طعن برمح ولا ضرب بسيف، جبناً ولؤماً ورغبة في البقاء!

وقد علموا أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قاتل بنفسه فقتل أبي بن خلف، وقتل مسجع بن عوف، وكان من أشجع الناس وأشدهم لقاء وأحقهم بذلك.

وقد علموا يقيناً أنه لم يكن فيهم أحد يقوم مقامي، ولا يبارز الأبطال ولا يفتح الحصون غيري، ولا نزلت برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) شديدة قط،ولا كربهُ أمر، ولا ضيق ومستصعب من الأمر، إلا قال: أين أخي علي، أين سيفي، أين رمحي، أين المفرج غمي عن وجهي، فيقدمني، فأتقدم فأفديه بنفسي ويكشف اللّه بيدي الكرب عن وجهه، وللّه عز وجل ولرسوله بذلك المن والطول، حيث خصني بذلك ووفقني له ).ويجيبك البخاري: كلا، نحن نعترف بشجاعة علي، لكن أبابكر وعمر أشجع من علي، وأفضل، فهم شجعان في غير القتال!

وإذا قلت للبخاري: أنت رويتَ قول عمر إن خلافة أبي بكر فلتة دبرناها خمطاً وخلسةً بدون مشورة، فمن عاد لمثلها فاقتلوه، فحكم على الفاعل بالقتل، وعلى البيعة بالبطلان: (من بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فلايبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا) !

ص: 188

فكيف تقول إن بيعتهما شرعية؟!

فيقول لك البخاري: هذا تواضع من عمر، وبيعتهما شرعية وصحيحة، تمت عن مشورة وإجماع وانعقدت، فهي جامعة لكل شرائط الصحة.

ومهما قلت للبخاري في أبي بكر وعمر (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فعنده جواب، وليس المهم عنده أن تقتنع بجوابه أو يقتنع الناس، وحتى الملكان الشهيدان!

أبوبكر أفضل الناس وهو بمنزلة والدالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

وقد رواه البخاري على لسان علي (عليه السلام) ليكون حجة على شيعته! قال (4/195): (عن محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي أي الناس خير بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟ قال: أبوبكر. قلت: ثم من؟قال:ثم عمر.وخشيت أن يقول عثمان، قلت:ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين )!

وقال البخاري(4/191): (باب فضل أبي بكر بعد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : عن ابن عمر قال: كنا نخيِّر(نفاضل) بين الناس في زمن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فنخير أبابكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان رضي اللّه عنهم).ولا ذكر لعلي (عليه السلام) حتى بعد عثمان!

وقال البخاري (4/191):(باب فضل أبي بكر بعد النبي: باب قول النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :لو كُنْتُ مُتَّخِذاً خَلِيلاً. عن ابن عباس عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً، لاتخذت أبابكر، ولكن أخي وصاحبي ولكن أخوة الإسلام أفضل كتب

أهل الكوفة إلى ابن الزبير في الجد فقال: أما الذي قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : لو كنت متخذاً من هذه الأمة خليلاً لاتخذته. أنزله أباً، يعني أبابكر).

يعني أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنزل أبابكر بمنزلة أبيه (عليه السلام) !

وقال البخاري (4/203): (عن ابن عمر قال: كنا في زمن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لانعدل بأبي بكر أحداً، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لانفاضل بينهم). يقصد

أن الصحابة فضلوا هؤلاء الثلاثة فقط، بالترتيب الذي حكموا به ولم يزيدوا.

وقال البخاري (4/190):(عن ثابت البناني عن أنس عن أبي بكر رضي اللّه عنه قال قلت

ص: 189

للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنا في الغار: لوأن أحدهم نظرتحت قدميه لأبصرنا!فقال: ما ظنك يا أبابكر باثنين اللّه ثالثهما!

باب قول النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر: خطب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الناس وقال: إن اللّه خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبدماعند اللّه.قال فبكى أبوبكر فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول اللّه عن عبدخُيِّر؟وكان أبوبكر أعلمنا.فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إن من آمن الناس عليَّ في صحبته وماله أبابكر، ولوكنت متخذاً خليلاً غير ربي، لا تخذت أبابكر خليلاً، ولكن أخوة الإسلام ومودته ).

ملاحظات

1. يقصد البخاري أن رتبة الخلة أعلى الرتب، وأن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جعلها لربه عز وجل فقط، وأنهلم ولن يتخذ خليلاً غير اللّه، وإلا فأحق إنسان بها أبوبكر! (ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لا تخذت أبابكر خليلاً)! لكنه البخاري روى أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) اتخذ أباهريرة خليلاً فقال(2/54): (قال أبوهريرة: أوصاني خليلي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بثلاث).وروى مسلم أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) اتخذ أباذر خليلاً، قال أبوذر: (2/159): (أوصاني خليلي أبوالقاسم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بثلاث) فهذا يكذب حصر الخلة باللّه تعالى!

2. أجمع أتباع مذاهب السنة على تربيع الخلفاء بعلي (عليه السلام) ومذهب النواصب والأموية الثليث، وهو ما اختاره البخاري!

3. يقصد البخاري بقوله: (ما ظنك يا أبابكر باثنين اللّه ثالثهما!) أن النبي أول وأبابكر ثان، والثالث اللّه تعالى، وهو فهم عجمي للآية، أو عامي، لأن الآية: إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ تقصد أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان ثانياً فالأول أبوبكر، وهو لايقصد بالآية الترتيب، بل يقصد أنه لم يكن معه إلا واحد لايغني عنه! فأنزل اللّه عليه سكينته وجنوده عليه، ولم يقل عليهما!

ص: 190

4. بحثنا في السيرة النبوية عند أهل البيت (عليهم السلام) ، حديث:سدوا الأبواب إلا باب علي، وأثبتنا أن منزل أبي بكر كان في السنح قرب أحُد، ومنزل عمر كان قرب مسجد قباء، فكلاهما بعيد عن المسجد أميالاً!

وسبب وضعهم حديث الخوخة، أن أبابكر لما استخلف كان يخاف أن يغتال، فجاء بالحارث بن كلدة طبيب السموم من الطائف وكان لا يأكل طعاماً حتى يأكل منه، حتى قال له يوماً: إرفع يدك يا أبابكر فالطعام مسموم! فماتا معاً!

كما كان أبوبكر يخاف من المرور بين المصلين، ففتح في قبلي المسجد خوخة أي باباً صغيراً كان يدخل منه الى المحراب.ثم لما استخلف عمرفتح خوخة من مكان آخر في قبلي المسجد، فصار لكل منهما خوخة بعد وفاة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأضاف رواة السلطة الخوختين الى الحديث النبوي، كذباً على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !

وروى البخاري في تاريخه الكبير (1/407): (عن عائشة أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال واشتد وجعه: أهريقوا عليَّ سبع قرب لم تحلل أوكيتهن، لعلي أعهد إلى الناس وسدوا هذه الأبواب إلا باب أبي بكر.عن جسرة عن عائشة عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : سدوا هذه الأبواب إلا باب علي، وقال محدوج:عن جسرة عن أم سلمة عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وحديث الزهري أصح وتابعه عروة عن عائشة ).

أقول: هذا من تخبط عائشة وحزبها، في أحاديث عهد النبي ووصيته (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

وقول البخاري: وحديث الزهري أصح، يقصد أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) استثنى باب بيت أبي بكر، أصح من حديث استثنائه باب علي (عليه السلام) . لكن أبابكر لم يكن لبيته باب على ساحة المسجد، بل كان بيته في السنح على بعد فرسخ من المدينة!

5. استدلوا بمانسبوه الى الخدري أنه قال:(وكان أبوبكر أعلمنا. فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إن مِن آمن الناس عليَّ في صحبته وماله: أبابكر).فدليل علمه أنه بكى لما سمع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: إن عبداً خيره اللّه.فكان أكثرهم تنبهاً لكلام النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فصار الأعلم! لكن ثبت جهله بإرث الجدة، وبمعنى: وفاكهة وأبّا، وغيرها كثير.

ص: 191

وقالالبخاري بشره رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالجنة

قال في التاريخ الكبير(8/442): ( كان أبوذريقول:التمست النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في بعض حوائط المدينة فإذا هو قاعد تحت نخلة، فسلم على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: ما جاء بك؟ فقال جئت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأمره أن يجلس وقال: يأتينا رجل صالح فسلم أبوبكر، ثم قال: يأتينا رجل صالح، قال: فجاء عمر فسلم وقال له مثله، وقال يأتينا رجل صالح، فأقبل عثمان بن عفان.ثم جاء عليٌّ فسلم فرد عليه مثله ومع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حصيات فسبحن في يده فناولهن أبابكر فسبحن في يده، ثم عمر فسبحن في يده ، ثم عثمان فسبحن في يده )!

أقول: هذاحديث مفصل على الخلفاء الثلاثة، حسب ترتيبهم، وقد أجروا على أيديهم نفس المعجزة التي وقعت للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . كما أنه مذهب بني أمية في تثليث الخلفاء،فلم تسبح الحصى في يد علي (عليه السلام) !

وقالوا كان أبوبكر رقيق القلب والنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قاسي القلب !

«نظرت عائشة إلى رجل من العرب مرَّ وهي في هودجها فقالت:ما رأيت رجلاً أشبه بأبي بكر من هذا! فقلنا لها: صفي أبابكر، فقالت:رجل أبي ض تخالطه صفرة، نحيف، خفيف العارضين، أجنأ، لايستمسك إزاره يسترخي عن حقويه، معروق الوجه، غائر العينين ناتئ الجبهة، عاري الأشاجع ». (تاريخ الطبري: 3/424، و نهاية الأرب (19/24).

والأجنأ: الأحدب قليلاً. عاري الأشاجع: ليس عليها شعر(لسان العرب:1/514). وإزاره لايستمسك:أي عظام حقويه صغيرة لا يثبت عليها إزاره الذي كان يشد على البدن كالتنورة، فكان أبوبكر يرفع إزاره دائماً حتى لا يسقط وتظهر عورته.وكان أبوبكر غضوباً كئيباً!ودافع الفخر الرازي عن جده فقال: «في حديث عائشة أنها قالت: إن أبابكر رجل أسيف، أي حزين. قال الواحدي: والقولان متقاربان لأن الغضب من الحزن والحزن من الغضب». (تفسير الرازي:15/10).

قال البخاري(1/175):(عن عائشة قالت:لما ثقل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جاء بلال يؤذنه

ص: 192

بالصلاة،فقال: مروا أبابكر أن يصلي بالناس فقلت:يا رسول اللّه،إن أبابكر رجل أَسِيف، وإنه متى ما يقم مقامك لايسمع الناس، فلو أمرت عمر. فقال: مروا أبابكر يصلي،فقلت لحفصة: قولي له إن أبابكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك لايسمع الناس، فلو أمرت عمر قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :إنكن لأنتن صواحب يوسف!مروا أبابكر أن يصلي بالناس.فلما دخل في الصلاة وجد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في نفسه خفة فقام يهادي بين رجلين ورجلاه يخطان في الأرض، حتى دخل المسجد فلما سمع أبوبكرحسه ذهب أبوبكر يتأخر، فأومأ إليه رسول اللّه فجاء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى جلس عن يسار أبي بكر فكان أبوبكر يصلي قائماً وكان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يصلي قاعداً يقتدي أبوبكر بصلاة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والناس مقتدون بصلاة أبي بكر رضي اللّه عنه )!

أقول: والجواب على هذا الحديث أن أبابكر كان في معسكرأسامة خارج المدينة بفرسخين، وأن عائشة بعثت له أن يحضر، ثم بعثت له أن يصلي، فاختلف المصلون في الخبر فبعثوا بلالاً، فغضب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وذهب الى المسجد وهو مريض، فلما أحس به أبوبكر قطع صلاته وانسل من المسجد ولم يظهر حتى توفي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !

ومجيئ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يدل على أنه لم يأمر أبابكر بالصلاة، وإلا لم يجئ! وما ذكروه من أن صلاة الجماعة صارت بإمامين، لا تصح عند أحد من المذاهب!

هذا، وقد روى أتباع السلطة أحاديث في رقة قلب أبي بكر وعمر، وقسوة قلب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ! وزعموا أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم تدمع عينه على أحد أبداً! وهذا انتقاص خبيث من النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لمدح الشيخين وعائشة! فقد روى أحمد (6/141) في وفاة سعد بن معاذ:«قالت عائشة:فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتي، وكانوا كما قال اللّه عز وجل: رحماء بينهم قال علقمة:قلت: أي أمه، فكيف كان رسول اللّه يصنع؟قالت:كانت عينه لا تدمع على أحد! ولكنه كان إذا وَجَد (حَزِن) فإنما هو آخذ بلحيته). أي يشد بشعر لحيته!

ص: 193

وقالوا أول من يستقي للخلائق أبوبكر !

وقال البخاري(4/185): (إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: رأيت الناس مجتمعين في صعيد فقام أبوبكر فنزع ذنوباً(دلواً) أو ذنوبين وفي بعض نزعه ضعف و اللّه يعفر له ثم اخذها عمر فاستحالت بيده غرباً (دلوا كبيراً)فلم أر عبقرياً في الناس يفري فريه، حتى ضرب الناس بعطن ). حتى شرب الناس وبركوا!

وقال البخاري: يدعى أبوبكر من جميع أبواب الجنة !

قال البخاري(4/193): (أباهريرة قال:سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: من أنفق زوجين من شئ من الأشياء في سبيل اللّه دعيَ من أبواب، يعني الجنة يا عبد اللّه هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة،ومن كان أهل الصيام دعي من باب الصيام وباب الريان فقال أبوبكر: ما على هذا الذي يدعى من تلك الأ بواب من ضرورة،وقال هل يدعى منها كلها أحد يا رسول اللّه؟قال نعم،وأرجوأن تكون منهم يا أبابكر).

وقالوا فضله النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على عمر وقال: أتركوا لي صاحبي !

وقال البخاري(4/192): (عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه قال كنت جالساًعند النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذ أقبل أبوبكرآخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أما صاحبكم فقد غامر(جاء مخاصماً) فسلَّم وقال:يا رسول اللّه إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شئ فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى عليَّ، فأقبلت إليك! فقال: يغفر اللّه لك يا أبابكر ثلاثاً. ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل أثَمَّ أبوبكر؟ فقالوا:لا، فأتى إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسلم عليه فجعل وجه النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يَتَمَعَّر حتى أشفق أبوبكر، فجثى على ركبتيه فقال:يا رسول اللّه،و اللّه أنا كنت أَظْلَم! مرتين.فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إن اللّه بعثني إليك فقلتم كذبت، وقال أبوبكر صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟! مرتين فما أوذي بعدها). أي لم يؤذوا أبابكر بعد ذلك.

ص: 194

وقال البخاري: إن جبل أحد ثبت ببركة أبي بكر !

قال البخاري(4/197):قال أنس(إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) صعد أحداً وأبوبكر وعمر وعثمان، فرجف بهم فقال: أثبت أحُد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان).

ولو كان هذا الحديث صحيحاً لنشره رواة السلطة في زمن أبي بكر وعمر!

وزعمت عائشة أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان يزورهم يومياً مرتين !

قال البخاري(1/122 3/58، و:4/254):(أن عائشة قالت: لم أعقل أبويَّ قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) طرفي النهار بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون خرج أبوبكر مهاجراً قبل الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة).والدغنة: مسترخية الشفة واللسان!

وقال البخاري (3/23): (عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: لَقَلَّ يوم كان يأتي على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلايأتي فيه بيت أبي بكر أحد طرفي النهار، فلما أُذن له في الخروج إلى المدينة لم يرعنا إلا وقد أتانا ظهراً..الخ.).

وقال البخاري(4/255، ز358 و:7/39و91، وخلق أفعال العباد/66): (قالت عائشة: فبينما نحن يوماً جلوس في بيتنا في نحرالظهيرة، قال قائل لأبي بكر: هذا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) متقنعاً في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبوبكر: فداه اللّه أبي وأمي، و اللّه ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر، قالت: فجاء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاستأذن فأذن له فدخل. فقال حين دخل لأبي بكر: أخرج من عندك، قال: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول اللّه، قال: فإني قد أذن لي في الخروج. قال: فالصحبة بأبي أنت يا رسول اللّه، قال: نعم. قال: فخذ بأبي أنت يا رسول اللّه إحدى راحلتي هاتين، قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : بالثمن. قالت: فجهزناهما أحثَّ الجهاز ووضعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها، فأوكت به الجراب، ولذلك كانت تسمى ذات النطاق، ثم لحق النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأبوبكر بغار في جبل يقال له ثور).

ص: 195

ملاحظات

1. ولدت عائشة حسب رواية البخاري في السنة الخامسة من البعثة، فعمرها عند الهجرة ست سنين، وتزوجها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في المدينة بعد الهجرة!وقد وصفت عائشة هذا الزواج المأساوي المزعوم، فقال البخاري(4/251): (باب تزويج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عائشة وقدومها المدينة وبنائه بها: عن عائشة رضي اللّه عنها قالت:تزوجني النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأنا بنت ست سنين فقدمناالمدينة، فنزلنا في بني الحرث بن خزرج، فوعكت فتمرق شعري، فوفى جميمة (تمرط ثم نبت) فأتتني أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي فصرخت بي فأتيتها لاأدري ما تريد بي، فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار، وإني لأنهج (أبكيبشدة ) حتى سكن بعض نفسي، ثم أخذت شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي، ثم أدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن على الخير والبركة، وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهن فأصلحن من شأني، فلم يرعني إلا رسول اللّه ضحى، فأسلمنني إليه، وأنا يومئذ بنت تسع سنين)!

أقول: هذا كلام عائشة والبخاري، أما نحن فنقول كان عمرها لما تزوجها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نحو العشرين سنة، وكانت متزوجة أو معقودة على مطعم بن جبير، فطلقها أبوبكر، وكان لها ولد إسمه عبد اللّه يظهر أنه مات صغيراً، فقد قال لها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تكني بابنك عبد اللّه، وقالت إن أختها أسماء أكبر منها بعشر سنين.. ويؤيده أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال لها (كنت لك كأبي زرع لأم زرع) (6/147)!وكان أبوزرع الزوج الثاني أراح أم زرع بعد تعبها مع الأول!

ولا مجال لهذا البحث، ومقصودنا زعمها أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان يجيئ الى بيتهم مرتين كل يوم، لكن لم ينقل ذلك غيرها؟ وكيف كان يذهب الى بيتهم صبحاً وعصراً وأهل بيته يحرسونه من قريش ليلاً ونهاراً؟! ولماذا لم ينقل له أي عمل أو قول أو حادثة في بيت أبي بكر، مع أنه ذهب اليه حسب قول عائشة أكثر من سبع مئة مرة في السنة، وألوف المرات في الثلاثة عشر سنة بعد البعثة!

ص: 196

ثم زعمت أنه كان يأتيهم مرتين في اليوم في المدينة وبيتهم في السنح قرب جبل أحد!

لذلك لانصدق هذه المبالغة، ولا أن زفافها المأساوي كان في بيتهم في المدينة في السنح،خاصة أن بيت أبي بكر كان خيمة شعر كما رووا الى أن صار خليفة!

قال ابن سعد في الطبقات (3/186): (وكان منزله بالسنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بني الحارث بن الخزرج،وكان قد حجر عليه حجرة من شعر، فما زاد على ذلك، حتى تحول إلى منزله بالمدينة. فأقام هناك بالسنح بعدما بويع له ستة أشهر يغدو على رجليه إلى المدينة، وربما ركب على فرس له وعليه إزار ورداء ممشق، فيوافي المدينة فيصلي الصلوات بالناس، فإذا صلى العشاء رجع إلى أهله ).

راجع المجلد السابع من الغدير، فقد خصص الأميني (رحمه اللّه) أكثره لحياة أبي بكر.

2. وقالت عائشة إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أتاهم يوم الهجرة ضحى أو ظهراً، لكن روى الجميع أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خرج من منزله بعد المغرب، فأين كان في هذه المدة؟ قال ابن هشام(2/333): (ثم خرج في فحمةالعشاء، والرصد من قريش قد أطافوا به ينتظرون انتصاف الليل، وكان يقرأ: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ). والذي نقوله إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خرج ليلاً، ووجد في طريقه أبابكر فأخذه معه لحكمة، نظنها ظناً، ولا نعلمها.

غطى البخاري على أبي بكر مهانته وذلته في مكة

من المشهور في السيرة النبوية أن نوفل ابن العدوية ضرب أبابكر وطلحة وربطهما بحبل واحد، وطرحهما في الشمس، ولم يدافعا عن نفسيهما، ولا دافع عنهما بنو تيم،لأنهم كانوا قلة وذلة، ولعلهم لايبلغون ثلاثين نفساً، وكان أبوبكر فقيراً، وكان أبوه يخدم ابن جدعان بطعام بطنه، قال الخليل (2/326): (العضروط: الذي يخدمك بطعام بطنه، وهمالعضاريط والعضارطة ).

وقد أخفى البخاري ذلك، فلم يرو في كتبه عن نوفل بن خويلد كلمة واحدة!

قال ابن هشام(1/181): (ونوفل بن خويلد بن أسد بن عبدالعزى، وكان من شياطين

ص: 197

قريش، وهو الذي قرن بين أبى بكر الصديق وطلحة بن عبيد اللّه رضي اللّه عنهما في حبل حين أسلما، فبذلك كانا يسميان القرينين، قتله علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوم بدر).

وقال الذهبي في تاريخه(1/140) (فشدهما في حبل واحد ولم يمنعهما بنو تيم ).

وقال في شرح النهج (13/253): (فضربه نوفل بن خويلد مرتين حتى أدماه، وشده مع طلحة بن عبيد اللّه في قَرَن، وجعلهما في الهاجرة ).

وفي خصائص السيوطي(1/339): (أخرج الواقدي والبيهقي عن الزهري قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوم بدر: اللّهم اكفني نوفل بن خويلد، ثم قال:من له علم بنوفل؟ فقال علي: أنا قتلته يا رسول اللّه. فكبر وقال: الحمد للّه الذي أجاب دعوتي فيه).

أخفى البخاري سبب إسلام أبي بكر وطلحة واخترع ابن الدغنة

اشتهر الحديث في سبب إسلام أبي بكر وطلحة، ورواه المؤرخون وأصحاب المغازي، وصححه المتأخرون كالسيوطي والألباني، واشتهر لقب القرينين لأبي بكر وطلحة.، لكن البخاري ترك ذلك كله وركز على حماية ابن الدغنة لأبي بكر، ولم يشرك معه طلحة قرينه، ولاوجد له ابن دغنة أخرى!

وقد حذف ذلك لئلايقال إنهما أسلما طمعاً بإرشاد الرهبان والأحبار! فقد لقيا الرهبان في الشام واليمن وأرشداهما الى اتباع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لأنه سينتصر ويملك العرب! وتؤيد ذلكرواية مصادرنا في أن إرشاد اليهود كان سبب إسلام أبي بكر وعمر وجماعة من الصحابة القرشيين!

قال السيوطي في كفاية الطالب (1/83 ): (باب سفر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مع عمه أبي طالب إلى الشام وما ظهر فيه من الآيات وإخبار بحيرا عنه:أخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، والبيهقي، وأبونعيم، والخرائطي في الهواتف، عن أبي موسى الأشعري قال: خرج أبوطالب إلى الشام فخرج معه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في أشياخ قريش فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم، فخرج إليهم الراهب، وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت لهم، فجعل يتخللّهم حتى جاء فأخذ بيد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال:

ص: 198

هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه اللّه رحمة للعالمين. وذكر قصة بحيرا مع أبي طالب والنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بروايات، ثم قال:عن ابن عباس، أن أبابكر الصديق صحب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو ابن ثمان عشرة سنة والنبي ابن عشرين سنة وهم يريدون الشام في تجارة حتى إذا نزل منزلاً فيه سدرة قعد في ظلها، ومضى أبوبكر إلى راهب يقال له بحيرا يسأله عن شيئ فقال له: من الرجل الذي في ظل الشجرة؟ قال: محمد بن عبد اللّه بن عبدالمطلب. قال: هذا و اللّه نبي، ما استظل تحتها بعد عيسى بن مريم إلا محمد! ووقع في قلب أبي بكر الصديق، فلما بعث النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) اتبعه )!

وروى البيهقي في دلائل النبوة (2/166):(قال طلحة بن عبيد اللّه: حضرت سوق بصرى، فإذا راهب في صومعته يقول: سلوا أهل هذا الموسم أفيهم أحد من أهل الحرم؟قال طلحة: قلت نعم أنا.فقال: هل ظهرأحمد بعد؟ قال قلت:ومن أحمد؟ قال: ابن عبد اللّه بن عبدالمطلب، هذا شهره الذي يخرج فيه، وهو آخر الأنبياء، مخرجه من الحرم ومهاجره إلىنخل وحرة وسباخ، فإياك أن تُسبق إليه. قال طلحة: فوقع في قلبي ما قال، فخرجت سريعاً حتى قدمت مكة فقلت: هل كان من حدث؟ قالوا: نعم محمد بن عبد اللّه الأمين تنبأ، وقد تبعه ابن أبي قحافة، قال: فخرجت حتى دخلت على أبي بكر فقلت: أتبعت هذا الرجل؟ قال: نعم، فانطلق إليه فادخل عليه فاتبعه، فإنه يدعو إلى الحق. فأخبره طلحة بما قال الراهب فخرج أبوبكر بطلحة فدخل به على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأسلم طلحة وأخبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بما قال الراهب، فسر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بذلك، فلما أسلم أبوبكر وطلحة أخذهما نوفل بن خويلد بن العدوية فشدهما في حبل واحد، ولم يمنعهما بنو تيم، وكان نوفل بن خويلد يدعى أسد قريش، فلذلك سمي أبوبكر وطلحة القرينين).

وروته عامة كتاب السيرة، مثل ابن كثير في النهاية (3/39 و40).

وأبلغ منه ما رواه ابن خلكان في وفيات الأعيان (3/65) قال:(وأبوبكر رضي اللّه عنه أول من طلب من النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الدلالة على نبوته. وسبب ذلك أن أبابكر كان باليمن في تجارة، ونبئ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو غائب، ومرأبوبكر رضي اللّه عنه في طريقه على دير فيه راهب باليمن

ص: 199

هو ورفقته، فسألهم الراهب هل فيكم خطيب؟ قالوا: نعم وأشاروا إلى أبي بكر فدعاه إليه وحده فقال له الراهب: من أين أنت؟ فقال من مكة فقال هل ظهر بها أحد يدعي النبوة؟ فقال: لا فقال الراهب عندي صورة أريكها فإن عرفت أحداً يشبهها فعرفني، فعرض عليه الصورة فقال: هذه صورة رجل يعرف بمحمد بن عبد اللّه بن عبدالمطلب. فقال الراهب: هذا هو النبي المدعو به، وهو خاتم الأنبياء، يظفر بأعدائه ويعلو دينه الأديان. فقال أبوبكر: ما عرفنا هذا منه ولا ادعاه ولا عرف بالعلم ولا يحسن الكتابة، ولا خالط اليهود والنصارى.فقال الراهب: هذا هو النبي نفسه! وقيل إن الراهب قال لأبي بكر: وأنتالخليفة من بعده على أهل دينه، فرجع أبوبكر من عند الراهب ولم يشعر أحداً من رفقته بما قال له الراهب. فلما قدم مكة قالت له أمه سلمى أم الخير: ما بلغك ما حدث من صديقك محمد، زعم أنه نبي نبأه اللّه وأرسله إلى قومه وكافة الخلق! فقال لها: وأين هو؟ قالت: بجبل حراء، فأسرع أبوبكرنحو الجبل فرآه في غار فسلم عليه وقال: بلغني أنك ادعيت النبوة والرسالة! فقال له: لست بمدع وقد فعل اللّه ذلك بي. قال له: فما الدليل على صدقك؟قال: هل جربت عليَّ كذباً؟قال: لاو اللّه، غيرأن هذا أمر لايقبل بغير دليل. فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : دليله ما قاله لك الراهب! قال أبوبكر: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أنك رسول اللّه. أنا أول متابع لك على هذا الأمر)!

وروى النويري في نهاية الأرب (16/150): (عن دحية بن خليفة الكلبى أن قيصرالروم أدخله بيتاً عظيماً (غرفة كبيرة) فيها صور الأنبياء المرسلين (عليهم السلام) فقال:أنظر من صاحبك من هؤلاء،فنظرت فإذا صورة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كأنما ينطق! فقلت: هو هذا، فقال: صدقت، ثم أراني صورة عن يمينه فقال:من هذا؟ قلت: هذه صورة رجل من قومه اسمه أبوبكر، فأشار إلى صورة أخرى عن يساره فقلت: هذه صورة رجل من قومه يقال له عمر، فقال:إنا نجد في الكتاب أن بصاحبيه هذين يتم اللّه أمره).ونحوه عن حكيم بن حزام، وابن مطعم.

وروى ابن عساكر(30/31): (عن عبد اللّه بن مسعود قال: قال أبوبكر الصديق إنه

ص: 200

خرج إلى اليمن قبل أن يبعث النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: فنزلت على شيخ من الأزد عالم قد قرأ الكتب، وعلم من علم الناس علما كبيراً، وأتت عليه أربع مائة سنة إلا عشر سنين، فلما رآني قال لي: أحسبك حرمياً؟ قال أبوبكر: قلت: نعم أنا من أهل الحرم. قال: وأحسبك قرشياً؟ قال قلت: نعم أنا من قريش. قال وأحسبك تيمياً؟ قال قلت: نعم أنا من تيم بن مرة. أناعبد اللّه بن عثمان بن كعب بن ضمضم بن مرة. قال: بقيت لي منك واحدة، قلت: ما هي؟قال: تكشف لي عن بطنك. قلت:لاأفعل إن لم تخبرني لم ذاك؟ قال: أجد في العلم الصحيح الزكي الصادق، أن نبياً يبعث في الحرم يتعاون على أمره فتى وكهل، فأما الفتى فخواض غمرات ودفاع معضلات، وأما الكهل فأبي ض نحيف على بطنه شامة، وعلى فخذه اليسرى علامة، وما عليك أن تريني ما سألتك، فقد تكاملت لي فيك الصفة، إلا ما خفي عليَّ! قال أبوبكر: فكشفت له عن بطني فرأى شامة سوداء فوق سرتي، فقال: أنت هو ورب الكعبة!الى أن قال أبوبكر: فحفظت وصيته وشعره، وقدمت مكة وقد بعث النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فجاءني عقبة بن أبي معيط وشيبة بن ربيعة وأبوجهل بن هشام وأبوالبختري بن هشام، وصناديد قريش، فقلت لهم: هل نابتكم نائبة أو ظهر فيكم أمر؟ قالوا: يا أبابكر أعظم الخطب وأجل النوائب، يتيم أبي طالب يزعم أنه نبي! ولولا أنت ما انتظرنا به،فإذ قد جئت فأنت الغاية والكفاية لنا! قال أبوبكر: فصرفتهم على حس مس،وسألت عن النبي فقيل إنه في منزل خديجة فقرعت عليه الباب فخرج إلي، فقلت: يا محمد فقدت من منازل أهلك، واتهموك بالفتنة، وتركت دين آبائك وأجدادك! قال: يا أبابكر إني رسول اللّه إليك، وإلى الناس كلهم فآمن باللّه. فقلت وما دليلك على ذلك؟ قال:الشيخ الذي لقيته باليمن! فقلت: وكم من مشايخ لقيت باليمن وآمرت وأخذت وأعطيت! قال: الشيخ الذي أفادك الأبي ات. قلت ومن خبرك بهذا يا حبيبي؟ قال: الملك العظيم الذي يأتي الأنبياء قُبَل. قلت:مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا اللّه وأنك رسول اللّه. قال أبوبكر: فانصرفت، وما بين لابتيها أشد سروراً من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بإسلامي).

ص: 201

ملاحظات

1. نرجح رواية ابن خلكان، لأنها تتفق مع بقية روايات الأحبار والرهبان والكهان ومع روايات مصادرنا عن أهل البيت (عليهم السلام) ، ولأنها أكثر اتساقاً مع منطق الأمور.

وقد روى حديث ابن مسعود عن راهب اليمن، مضافاً الى ابن عساكر: أسد الغابة:

3 /208، والسيرة الحلبية:1/444، و286، والصوعق المحرقة/248.

2. قول النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث ابن مسعود:يا أبابكر إني رسول اللّه إليك، وإلى الناس كلهم، فآمن باللّه. يدل على أنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان بدأ بدعوته العامة، وذلك في أول السنة الرابعة من بعثته، بعد أن كفاه اللّه المستهزئين الستة وقتلهم اللّه في يوم واحد، وأمره: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ، إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ »

ففي سيرة ابن هشام «1/169»: «وكان بين ما أخفى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أمره واستتر به إلى أن أمره اللّه تعالى بإظهار دينه ثلاث سنين فيما بلغني من مبعثه، ثم قال اللّه تعالى له: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ.. الآيات».

وفي الإستيعاب «1/34»:«وكان أول يوم أوحى اللّه تعالى إليه فيه يوم الإثنين فأسرَّ رسول اللّه «ص» أمره ثلاث سنين أو نحوها،ثم أمره اللّه تعالى بإظهار دينه والدعاء إليه، فأظهره بعد ثلاث سنين من مبعثه ».

وفي سيرة ابن إسحاق «2/126»: «ثم إن اللّه تعالى أمر رسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن يصدع بما جاء به، وأن ينادي الناس بأمره، وأن يدعو إلى اللّه تعالى، وكان ربما أخفى الشئ واستسر به، إلى أن أمر بإظهاره ثلاث سنين من مبعثه ».

وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :كما في تفسير ابن كثير: 3/363، وتفسير مقاتل: 2/466: «يا بني عبدالمطلب إني بعثت إليكم خاصة، وإلى الناس عامة »

وفي مسند الشاميين(2/66) والإرشاد(1/49): قال لهم:«يا بني عبدالمطلب إن اللّه بعثني إلى الخلق كافة وبعثني إليكم خاصة فقال عزوجل: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ. أنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان، تملكون بهما العرب والعجم، وتنقاد

ص: 202

لكم بهما الأمم، وتدخلون بهما الجنة وتنجون بهما من النار: شهادة أن لا إله إلا اللّه، وأني رسول اللّه، فمن يجيبني إلى هذا الأمرويؤازرني عليه وعلى القيام به، يكن أخي، ووصيي، ووزيري، ووارثي، وخليفتي من بعدي ».

وهذا دليل على أن إسلام أبي بكر لم يكن في أول البعثة كما زعموا، فلايصح عده من السابقين الأولين في قوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، بل يمكن ادعء أنه من السابقين الثانيين!

3.روت مصادرنا أن علاقات قريش باليهود كانت وثيقة، وكانوا يحدثونهم بأنه سيبعث نبي من مكة،ويقولون لهم هوكاذب لكنه سيملك العرب مثل نبوخذ نصر، وكانوا يرشدون من يأملون منهم أن يؤمنوا ظاهراً ليكون له شأن في دولته، ولهذا كثرالإسلام في القرشيين من القبائل الصغيرة الذليلة طمعاً في أن ينجح ابن عبدالمطلب في نبوته ويقيم دولة، ويكون لهم دور فيها!

بل كان هؤلاء مستعجلين يحثون النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن يفتح معركة مع قريش في مكة لأن بني هاشم أربعون مقاتلاً شجاعاً، يستطيعون هزيمة قريش،وكان حسابهم صحيحاً الى حد بعيد، لكن اللّه تعالى أراد المعركة مع قريش في بدر، فجبنوا، فوبخهم بقوله تعالى:أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَاإِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ.

وقال المفسرون إنهم المنافقون المكيون! وجاء في رواية سعد بن عبد اللّه الأشعري الصحيحة (كمال الدين/463) أنه سأل الإمام المهدي (عليه السلام) عن قول ناصبي له:(أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعاً أو كرهاً؟ لمَ لم تقل له: بل أسلما طمعاً، وذلك بأنهما كانا يجالسان اليهود ويستخبرانهم عما كانوا يجدون في التوراة، وفي سائر الكتب المتقدمة الناطقة بالملاحم من حال إلى حال، من قصة محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومن عواقب أمره، فكانت اليهود تذكر أن محمداً

ص: 203

يسلط على العرب كما كان بختنصرسلط على بني إسرائيل،ولا بد له من الظفر بالعرب كما ظفر بختنصر ببني إسرائيل، غير أنه كاذب في دعواه أنه نبي، فأتيا محمداً فساعداه على شهادة ألا إله إلا اللّه، وبايعاه طمعاً في أن ينال كل واحد منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت أموره واستتبت أحواله، فلما آيسا من ذلك تلثما وصعدا العقبة مع عدة من أمثالهما من المنافقين على أن يقتلوه،فدفع اللّه تعالى كيدهم وردهم بغيظهم لم ينالوا خيراً. كما أتى طلحة والزبير علياً (عليه السلام) فبايعاه وطمع كل واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد، فلما أيسا، نكثا بيعته وخرجا عليه، فصرع اللّه كل واحد منهما، مصرع أشباههما من الناكثين )!.

قصة استجارة أبي بكر بابن الدغنة مكذوبة

قال البخاري(1/122و:2/58، و:3/59و:7/91): (إن عائشة رضي اللّه عنها قالت: لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) طرفي النهار بكرة وعشية! فلما ابتلي المسلمون (في السنة الخامسة سنة الهجرة) خرج أبوبكر مهاجراً قبل الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد (في عدن) لقيه ابن الدُّغِنَّة وهو سيد القارة (أحباش)فقال: أين تريد يا أبابكر؟ فقال أبوبكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض فأعبدربي.

قال ابن الدغنة: إن مثلك لا يخرج ولا يُخرج، فإنك تكسي المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وأنا لك جار فارجع فاعبدربك ببلادك. فارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر،فطاف في أشراف كفار قريش فقال لهم:إن أبابكر لايخرج مثله ولا يُخرج، أتخرجون رجلاً يكسو المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة، وآمنوا أبابكر وقالوا لابن الدغنة: مر أبابكر فليعبدربه في داره،فليصل وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك، ولايستعلن به، فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا.

فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر: فطفق أبوبكر يعبدربه في داره،ولايستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره،ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره، وبرز فكان يصلي فيه ويقرأ

ص: 204

القرآن، فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، يعجبون وينظرون إليه، وكان أبوبكر رجلاً بكاء لايملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا له: إنا كنا أجرنا أبابكر على أن يعبدربه في داره،وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفناء داره، وأعلن الصلاة والقراءة، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فأته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبدربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الإستعلان! قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة أبابكر فقال: قد علمت الذي عقدت لك عليه،فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترد إليَّ ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أنفرت في رجل عقدت له. قال أبوبكر: إني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار اللّه ).

ملاحظات

1. أول هذا الحديث في السنة الخامسة لما هاجر المسلمون الى الحبشة، وآخره بعد ثمان سنوات لما هاجرالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الى المدينة،وقد وصلتهما عائشة فجعلت رد جوار ابن الدغنة متصلاً بالهجرة، لكن الفاصلة بينهما سنوات.

ثم إن أبابكر وطلحة لم يكونا بحاجة الى الهجرة ولا الجوار، فقد آذاهما نوفل بن خويلد ثم تركهما بسبب أنه من أسد عبدالعزى،فلا حق له على قبيلة تيم بقانون قريش، فيتعين أن يكون أبوبكرخرج الى اليمن للتكسب وكان يتاجر الى صنعاء وعدن وحضرموت ولقي ابن الدغنة كما ذكروا في برك الغماد في آخر عدن لا في طريق الحبشة، ورجع الى مكة مع ابن الدغنة.

2. السبب الذي ذكروه لرد ابن الدغنة جوار أبي بكر، ضعيف وغير مفهوم، قالوا: كان يقرأ القرآن ويبكي في بيته وقد يسمعه بعض الناس، وكان ابن الدغنة وقريشاً راضين بذلك، ثم بنى في فناء داره خيمة أو شيئاً سماه مسجداً كان يقرأ فيه القرآن، فقد يجتمع عليه بعض الناس، فغضبت قريش وخافت أن يضل به بعض الرجال والنساء والأطفال! لكن لا فرق بين الحالتين فبيته كان صغيراً، وبيته في المدينة كان خيمة شعر حتى صار خليفة؟

ص: 205

3. تقول رواية ابن هشام إن أبابكر استأذن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في الهجرة فأذن له، وذلك أيام الهجرة في السنة الخامسة. قال ابن هشام (1/249): (عن عائشة: حين ضاقت عليه مكة وأصابه فيها الأذى،ورأى من تظاهر قريش على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأصحابه ما رأى،استأذن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في الهجرة فأذن له، فخرج أبوبكر مهاجراً، حتى إذا سار من مكة يوماً أو يومين، لقيه ابن الدغنة ).

وقالت عائشة إنه لقي ابن الدغنة في بَرْك الغِماد، وهي بُرَك ماء غامر في آخر حضرموت اليمن. وورد أنه كان يتردد الى صنعاء وعدن، كغيره من القرشيين الذين يذهبون للكسب، فيكون حديث ابن الدغنة، ووصله بالهجرة من ابتكارالرواة!

3. يكفي لردهم، أن ابن الدغنة استعمل لأبي بكر نفس التعبيرالذي رووه لخديجة عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: قال ابن الدغنة: إن مثلك لا يخرج ولا يُخرج، فإنك تكسي المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق ).

والحديثان لايصحان عندنا لأن حديث خديجة يقول إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان في شك من نبوته! وحديث ابن الدغنة من أصله موضوع كاسمه، والدغنة مسترخية اللسان!

**

الهجرة برواية البخاري

قال البخاري(4/254): (قال أبوبكر(لابن الدغنة): إني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار اللّه. ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يومئذ بمكة فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : قد أريت دار هجرتكم، رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين، وهما الحرتان، فهاجر من هاجر قِبَل المدينة حين ذكر ذلك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة، وتجهز أبوبكر مهاجراً، فقال له رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي، قال أبوبكر: هل ترجوذلك بأبي أنت؟ قال:نعم، فحبس أبوبكر نفسه على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر!

ص: 206

قال عروة:قالت عائشة:فبينما نحن يوماً جلوس في بيتنا في حرالظهيرة فقال قائل لأبي بكرهذا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مقبلاً متقنعاً في ساعة لم يكن يأتينا فيها! قال أبوبكر:فدىً له أبي وأمي، و اللّه إن جاء في هذه الساعة إلا لأمر فجاء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاستأذن فأذن له فدخل فقال حين دخل لأبي بكر: أخرج من عندك قال إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول اللّه. قال: فإني قد أذن لي في الخروج، قال:فالصحبة بأبي أنت يا رسول اللّه؟ قال: نعم. قال:فخذ بأبي أنت يا رسول اللّه إحدى راحلتي هاتين. قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : بالثمن. قالت: فجهزناهما أحث الجهاز(بسرعة)ووضعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكت به الجراب، ولذلك كانت تسمى ذات النطاق، ثم لحق النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأبوبكر بغار في جبل يقال له ثور، فمكث فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد اللّه بن أبي بكر، وهو غلام شاب لقنٌ ثقفٌ فيرحل من عندهما سحراً،فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلايسمع أمراً يُكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسلها حتى ينعق بها عامر بغلس، يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث.

واستأجر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأبوبكر رجلاً من بني الديل وهو من بني عبدبن عدي هادياً خريتاً، والخريت الماهر بالهداية، قد غمس حلفاً في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين كفار قريش، فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غارثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق السواحل. فانقلبوايوماً بعد ما أطالوا انتظار هم فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر به رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته:يامعاشرالعرب هذا جدكم الذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بظهر الحرة،فعدل لهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الإثنين من شهر ربيع الأول، فقام أبوبكر للناس، وجلس رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) صامتاً فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يحيي أبابكر

ص: 207

حتى أصابت الشمس رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأقبل أبوبكر حتى ظلل عليه برادئه، فعرف الناس رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عند ذلك.

فلبث رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في بني عمر وبن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى، وصلى فيه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالمدينة وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين،وكان مربداً للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حين بركت به راحلته: هذا إن شاء اللّه المنزل. ثم دعا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الغلامين فساو مهما بالمربد ليتخذه مسجداً فقالا: بل نهبه لك يا رسول اللّه، فأبى رسول اللّه أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجداً، وطفق رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ينقل معهم اللبن في بنيانه ).

أقول:في رواية البخاري للّهجرة تحريف وإخفاء حقائق، من أجل مدح أبي بكر، أو للتغطية على مطاعنه! فلا تواعده مع أبي بكر صحيح، ولا ذهابه الى بيته، ولا تهيئة أبي بكر للرواحل، بل كان أبوبكر تلك الليلة يبحث عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وجاء الى بيته فوجد علياً (عليه السلام) نائماً مكانه، ورجع فلقي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأخذه معه.

ولا كانت أسماء بنت أبي بكر في مكة، وقد سمتها عائشة ذات النطاقين، بل كانت في المدينة حاملاً مقرباً، ووضعت عبد اللّه ابن الزبيرلما وصل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الى قباء!

وقد جاءه علي (عليه السلام) ليلاً الى الغار وجاء له بناقته القصواء فهاجر عليها، ودخل بها المدينة، فأمر علياً (عليه السلام) فاشترى من أبي بكر جملاً بثمان مئة درهم للدليل ابن أريقط، ومات الجمل في الطريق، فاستأجر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) غيره.

وقد استوفينا ذلك في السيرة النبوية عند أهل البيت (عليهم السلام) ووثقناه من مصادر غيرنا.

ترك أبوبكر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في قباء وذهب الى السنح !

قال البخاري(1/111): (عن أنس قال قدم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) المدينة فنزل أعلى المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، فأقام النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيهم أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى بني

ص: 208

النجار فجاؤوا متقلدي السيوف، كأني أنظر إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على راحلته وأبوبكر ردفه، وملأبني النجارحوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب وكان يحب أن يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم).

ملاحظات

أخفى البخاري ورواة السلطة أن أبابكر ترك النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في قباء!

قال ابن هشام(2/342): « نزل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في قباء. ونزل أبوبكر على خبيب بن إساف أحد بني الحارث بن الخزرج بالسنح ».

وقال ابن سعد (3/174):« نزل أبوبكر على خارجة بن زيد بن أبي زهير وتزوج ابنته، ولم يزل فيبيت الحارث بن الخزرج بالسنح، حتى توفي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ».

وفي أسد الغابة (3/219): « وكان منزله بالسنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير، وكان قد حجر عليه حجرة من شعر، فما زاد على ذلك حتى تحول إلى المدينة ».

وقال ابن خلدون ( 2 ق 2 / 15 ): « ونزل (عليه السلام) بقبا على سعد بن خيثمة، وقيل على كلثوم بن الهدم، ونزل أبوبكر بالسنح في بني الحرث ».

وأخطأابن أبي الحديد أو كذب للتغطية على أبي بكرفقال في شرح النهج(13/305): «وأما حال علي فلما أدى الودائع، خرج بعد ثلاث من هجرة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فجاء إلى المدينة راجلاً قد تورمت قدماه فصادف رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نازلاً بقباء على كلثوم بن الهدم فنزل معه في منزله. وكان أبوبكر نازلاً بقباء أيضاً في منزل خبيب بن يساف، ثم خرج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهما معه من قباء »!

وهذا لايصح لأن منزل خبيب ليس في قباء، بل في السنح غربي المدينة بفرسخين!

وقد ذكرت مصادرنا إصرار أبي بكر على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن يذهب المدينة فرفض قبل وصول علي (عليه السلام) فقال له أبوبكر لن يصل فكان يتوقع أن يقتل!

وفي الكافي (8/338 ):«فقال له أبوبكر: إنهض بنا إلى المدينة، فإن القوم قد فرحوا

ص: 209

بقدومك وهم يستريثون إقبالك إليهم فانطلق بنا ولا تقم هاهنا تنتظر علياً، فما أظنه يقدم عليك إلى شهر! فقال له رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : كلا ما أسرعه، ولست أريم حتى يقدم ابن عمي وأخي في اللّه عز وجل وأحب أهل بيتي إليَّ، فقد وقاني بنفسه من المشركين! قال: فغضب عند ذلك أبوبكر واشمأز، وداخله من ذلك حسد لعلي (عليه السلام) فانطلق حتى دخل المدينة، وتخلف رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بقبا ينتظر علياً »!وفي الطرائف/411، من حديث سعيد بن جبيرعن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: (إن أبابكر لما قدم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الى قبا فنزل بها ينتظر قدوم علي (عليه السلام) قال له أبوبكر: إنهض بنا إلى المدينة، فإن القوم يستبشرون بقدومك وهم يسترهبون إقبالك إليهم فانطلق بنا ولا تقم هاهنا تنتظر علياً، فما أظنه يقدم عليك شهراً ولا دهراً! فقال له رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : كلا بفيك الحجر، ما أسرع أن يقدم ولا أزيل قدماً عن قدم حتى يقدم علي ابن عمي وأخي في اللّه وأحب أهل بيتي إلي، فقد وقاني بنفسه من المشركين وخفت غيره أن يدلهم علي، فغضب عند ذلك أبوبكر واشمأز وجهه ودخله من ذلك حسد لعلي وكان أول عداوة بدت منه لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في علي، وأول خلاف على رسول اللّه وسترها في نفسه حقداً، فانطلق حتى دخل المدينة وحده وتخلف رسول اللّه ينتظر قدوم علي (عليه السلام)).

أقول: وفي قول النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :وخفت غيره أن يدلهم عليَّ! تأكيد على أنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وجد أبابكر في الطريق فأخذه معه، حتى لا يعرف المشركون منه مكانه.وهي أشد عبارة قالها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لأبي بكر!

**

لا يتسع الكتاب لنقض مناقب البخاري المدعاة لأبي بكر !

فقد حشد البخاري له مناقب محرفة أو مكذوبة، في هجرته مع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفي حروبه، وفي السقيفة وحروب الردة، الى أن مات مسموماً هو والحارث ابن كلدة طبيب السموم في يوم واحد، وقيل كتب عهداً بالخلافة لعمر!

**

ص: 210

الفصل العاشر: عمر عند البخاري أفضل من أبي بكرومن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !

عمر نبي كامل الأوصاف وإن لم يأته جبرئيل (عليه السلام) !

النبي الفعلي عند البخاري هو رسول اللّه محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، لكن عمر أيضاً له درجة النبوة! قال البخاري(4/149):«قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم، فإنه عمر)!

وقال السيوطي في الخصائص(2/219): «قالوا: يا رسول اللّه كيف محدث؟ قال: تتكلم الملائكة على لسانه»!

وقال في تحفة الأحوذي (10/119): « فيه إبانة عن فضل ما جعله اللّه لعمر من أوصاف الأنبياء وخلال المرسلين (عليهم السلام) »!

وفي فيض القدير (5/414): « أوصاف جمعت في عمر، لوكانت موجبة للرسالة، لكان بها نبياً )!

وقال ابن تيمية في الرد على المنطقيين/513: « فأما درجة السابقين الأولين كأبي بكر وعمر فتلك لايبلغها أحد! وقد ثبت في الصحيحين عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال: قد كان في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي فعمر! وفي حديث آخر: إن اللّه ضرب الحق على لسان عمر وقلبه!وقال عليٌ: كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر!وفي الترمذي وغيره:لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر، ولو كان بعدي نبي ينتظر لكان عمر»!

وقال ابن تيمية في منهاجه (6/75): «وكلام عمر من أجمع الكلام وأكمله، فإنه ملهم

ص: 211

محدث! كل كلمة من كلامه تجمع علماً كثيراً »!

ورفعوا درجة عمر على درجة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فصار لاينطق عن الهوى إن هو إلا حديث الملائكة! والنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قد يخطئ وينطق عن الهوى فيصحح له عمر!

فعمر زميل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وله الحق أن يعترض عليه وأن يمنعه من كتابة عهده لأمته! وله الحق أن يكون مهندس نظام الحكم بعد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كما فعل في السقيفة!

فإن قلت: إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) معصوم، فجوابه وعمر يهرب منه الشيطان فهومعصوم! ومع ذلك ابتكر الذهبي قاعدة لعصمة عمر وأبي بكر! قال في كتابه: الموقظة في علم مصطلح الحديث/84،بعد أن قسم طبقات أئمة الجرح والتعديل:ما نصه: «والعصمة للأنبياء (عليهم السلام) والصديقين، وحكام القسط »!

وعمر عنده أول حكام القسط والعدل أو ثانيهم، فهو معصوم عصمة تامة!

عمر معصوم وعصمته أقوى من عصمة نبينا (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

قال البخاري (4/96):«استأذن عمر على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن، فلما استأذن عمرقمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ورسول اللّه يضحك، فقال عمر: أضحك اللّه سنك يا رسول اللّه؟ قال: عجبت من هؤلاء اللاتي كنَّ عندي فلما سمعنَ صوتك ابتدرنَ الحجاب! قال عمر: فأنت يا رسول اللّه كنت أحق أن يَهَبْنَ، ثم قال:أيْ عدوات أنفسهن،أتهبنني ولاتهبنَ رسول اللّه؟قلن: نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ! قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجَّاً إلاسلك فجاً غير فجِّك » وكرره البخاري في:4/199 و: 7/93، فعمرمعصومٌ من كل الذنوب، فهوأفضل من النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !لأن الشيطان لايهرب من النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ،بل صارعه حتى في صلاته فأعانه اللّه عليه!

قال ابن القيم في زاد المعاد (1/268): «كان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يصلي فجاءه الشيطان ليقطع عليه صلاته، فأخذه فخنقه حتى سال لعابه على يده »! ورواه في فقه السنة(1/265)

ص: 212

والألباني في تمام المنة/304، والبيهقي:2/264 وأحمد:2/298.

قال النووي في شرح مسلم (15/165): « وهذا الحديث محمولٌ على ظاهره أن الشيطان متى رأى عمر سالكاً فجّاً هرب هيبة من عمر،وفارق ذلك الفج وذهب في فج آخر، لشدة خوفه من بأس عمر أن يفعل فيه شيئاً )!

وقال في فتح الباري (7/38): « فيه فضيلة عظيمة لعمر، تقتضي أن الشيطان لا سبيل له عليه، ولايلزم من ذلك ثبوت العصمة له، لأنها في حق النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) واجبة وفي حق غيره ممكنة! ووقع في حديث حفصة عند الطبراني في الأوسط بلفظ: إن الشيطان لايلقى عمر منذ أسلم إلا خرَّ لوجهه، وهذا دل على صلابته في الدين، واستمرار حاله على الجد الصِّرْف والحق المحْض ».

أقول: كلام ابن حجر تلبيس للتخفيف من وقع الكذبة! فقد رأى أنهم جعلوا عمر معصوماً بدرجة فوق درجة عصمة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ! فاخترع لتغطيتها القول بأنها عصمة جائزة وعصمة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) واجبة! ولامانع أن تكون العصمة الجائزة لغير النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أفضل من الواجبة! وهذا تلاعبٌ بالألفاظ لمدح عمر وطعن بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !وزعموا أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال:« أتاني جبريل فقال:أقرئ عمر السلام وأعلمه أن غضبه عز ورضاه عدل» (كنز العمال:11/579 و: 10/365 و:12 /555، والدر المنثور:6/420)

وزعموا أن اللّه تعالى أمر اللّه نبيه أن يراعي الأدب في التعامل مع عمر، ولما ارتكب معه خطأ نزلت آية تؤنبه! قال عمر بن شبة في تاريخ المدينة (3/864): «وجه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) غلاماً من الأنصار وقت الظهيرة ليدعوه، فدخل فرأى عمر بحالةٍ فكره عمر رؤيته ذلك، فأنزل اللّه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَئْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ »

وزعم الترمذي (5/281) أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فضله على جميع أهل الأرض بمن فيهم هو فقال: (ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر )! ولم يستثن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أحداً!

ص: 213

حلل البخاري الخمر من أجل عمر !

كان عمر يشرب النبيذ ولايَسكر، ويقول: الحرام ما أسكر،قال البخاري(6/242): (باب ما جاء في أن الخمر ما خامرالعقل من الشراب. عن ابن عمر قال: خطب عمر على منبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال:إنه قد نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل. والخمر ما خامرالعقل. قال قلت: يا أباعمرو فشئ يصنع بالسند من الرز؟ قال ذاك لم يكن على عهد النبي أو قال على عهد عمرفهذا أثبت حديث للكوفيين في المسكر ثم خالفوه).

وفي نصب الراية(4/162): (قال العقيلي: إن أعرابياً شرب من إداوة عمر نبيذاً فسكر فضربه الحد!ورواه العقيلي في كتابه وزاد فيه: فقال الأعرابي: إنما شربته من إداوتك! فقال عمر إنما جلدناك على السكر)!أي لماذا لم تكن مدمناً مثلي!وقال في المبسوط(24/11):(المسكر ما يتعقبه السكر، وهو الكأس الأخير).

وحذف البخاري من حديثه: وما أسكر كثيره فقليله حرام! ولم يرو شيئاً من أحاديث تحريم الخمر إن كان شاربها مدمناً ولم يسكر، مثل عمر!

وكرر (6/21):(ماخامر العقل) وحلل الجعة (البيرة) فقال (6/242): (باب الخمر من العسل وهوالبتع. وقال معن:سألت مالك بن أنس عن الفقاع فقال:إذا لم يسكرفلا بأس به، وقال ابن الدراوردي:سألنا عنه فقالوا لايسكرلا بأس به)!

وترك البخاري ما رواه النسائي(8/299):(كل شراب أسكر كثيره، فقليله حرام).ومثله ابن ماجة: 2/1124، وأبوداود: 2/185، والترمذي: 3/3.

كما لم يرو البخاري قول عمر المشهور للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في الخمر: انتهينا انتهينا!

قال في الدر المنثور(1/252):(أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبدبن حميد وأبوداود والترمذي وصححه والنسائي وأبويعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبوالشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي والضياء المقدسي في

ص: 214

المختارة عن عمر أنه قال: اللّهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فإنها تذهب المال والعقل، فنزلت يسئلونك عن الخمر والميسر. التي في سورة البقرة، فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللّهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً!فنزلت الآية التي في سورة النساء: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى، فكان منادي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذا أقام الصلاة نادى أن: لايقربن الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللّهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً! فنزلت الآية التي في المائدة، فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ فهل أنتم منتهون؟ قال عمر: انتهينا انتهينا).والمائدة آخر سورة من القرآن، وقد نزلت قرب وفاة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !

روى البخاري طرفاً من حفلة خمر فيها أبوبكر وعمر وأنس !

رووا أن أحد عشر صحابياً شربوا الخمر وغنوا بشعر لأبي بكر ينوح على قتلى المشركين في بدر! فجاء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) غاضباً وبيده سعفة أو مكنسة، ليضربهم بها!

وتتفاجأ بأن الحديث صحيح رواه تمام الرازي المتوفى414، في الفوائد:2/228، برقم: 1593، وفي طبعة: 3/481: « بسنده صحيح عن أبي القموص قال:«شرب أبوبكر الخمر قبل أن تحرم فأخذت فيه، فأنشأ يقول:

تَحَيَّيْ بالسلامة أمَّ بكرٍ *** وهل لك بعد رهطك من سلامِ

ذريني أصطبح يا بكر أني *** رأيت الموت نقَّبَ عن هشام

فودَّ بنو المغيرة أن فدوْهُ *** بألف من رجال أو سوام

فكائن بالطويِّ طويِّ بدر *** من القينات والخيل الكرام

فكائن بالطويِّ طويِّ بدر *** من الشيزى تُكلل بالسنام

فبلغ ذلك النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقام معه جريدة يجر إزاره حتى دخل عليه، فلما نظر إليه قال: أعوذ من سخط اللّه ومن سخط رسوله، و اللّه لا يلج لي رأساً أبداً!

فذهب عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ما كان فيه، وخرج، ونزل عليه: فَهَلْ أنتمْ مُنْتَهُون! فقال عمر:

ص: 215

انتهينا و اللّه» ورواه ابن هشام (2/549)وفيه أبي ات في إنكار الآخرة قال:

يخبرنا الرسول بأن سنحيا *** وكيف حياة أصداءٍ وهامِ »!

وذكر ابن حجر في فتح الباري(10/31) أن تلك الحفلة كانت في بيت أبي طلحة، وكانوا عشرة صحابة أو أكثر، وكان ساقيهم أنس بن مالك!ثم قال:«ولأحمد عن يحيى القطان، عن حميد، عن أنس:كنت أسقي أباعبيدة وأبي بن كعب وسهيل بن بيضاء، ونفراً من الصحابة عند أبي طلحة. ووقع عند عبدالرزاق عن معمر بن ثابت وقتادة وغيرهما، عن أنس، أن القوم كانوا أحد عشر رجلاً،وقد حصل من الطرق التي أوردتها تسمية سبعة منهم،وأبهمهم في رواية سليمان التيمي عن أنس، ومن المستغربات ما أورده ابن مردويه في تفسيره من طريق عيسى بن طهمان عن أنس، أن أبابكر وعمركانا فيهم!وهو منكرمع نظافة سنده، وما أظنه إلا غلطاً »!

أقول:كلام ابن حجر ردٌّ للصحيح بلا حجة!فإذا صح الحديث فلا استغراب!

ويؤيد صحة القصة: أن عائشة اهتمت بنفي نظم أبي بكر للأبي ات الكفرية، فقد روى البخاري (4/263)دفاعها عنه فقال: « عن عائشة أن أبابكر تزوج امرأة من كلب يقال لها أم بكر، فلما هاجر أبوبكر طلقها فتزوجها ابن عمها هذا الشاعر، الذي قال هذه القصيدة ورثى كفار قريش، وفيها:

يحدثنا الرسول بأن سنحيا *** وكيف حياة أصداء وهام »

لكنها نفت نظمها، لأنها تنكرالنبوة والآخرة! أما إنشادها فأقل مصيبةً!

وروى ابن حجر في الإصابة (7/39 ) أن عائشة كانت غاضبة لأن الناس لم يصدقوها! «كانت تدعو على من يقول إن أبابكر الصديق قال هذه القصيدة ثم تقول: و اللّه ما قال أبوبكر بيت شعر في الجاهلية ولا في الإسلام، ولكن تزوج امرأة من بني كنانة فلما هاجر طلقها فتزوجها ابن عمها هذا الشاعر، فقال هذه القصيدة يرثي كفار قريش الذين قتلوا ببدر، فتحامى الناس أبابكر من أجل المرأة التي طلقها وإنما هوأبوبكر بن شعوب »!

راجع في الموضوع: أمالي الطوسي/737، بسبعة أبي ات، وابن هشام: 2/549 بتسعة أبي ات، والغدير:6/251،

ص: 216

و 7/96 و:7/95، وفتح الباري:10 /30، وسيرة ابن كثير:2/535، و مستدرك الوسائل: 17/83، والسقيفة أم الفتن/74، وفيض القدير:1/117، والإصابة: 7/38، والزوائد: 5/51، والهداية الكبرى/106، وأمالي المرتضى: 2/18، وأحاديث الشعر للمقدسي/57، والنهاية لابن كثير: 3/412، والثعلبي في تفسيره: 2/142.

البخاري يحترم كعب الأحبار لأنه نبي عند عمر !

كان عمر يرى أن كعب الأحبار نبي، ويسأله عن مستقبله، قال له: «أنشدك باللّه يا كعب أتجدني خليفة أم ملكاً؟ قال: بل خليفة فاستحلفه فقال كعب: خليفة و اللّه من خير الخلفاء، وزمانك خير زمان »!(مجمع الزوائد:9/65).

وكان عمر يعتقد بما يقوله كعب حتى لو خالف العقل! فقد صدقه بأن الجراد صيد البحر يحل للمحرم، لأن الحوت ينثره من أنفه كل ستة أشهر!

ويظهر أن البخاري لايوافق على تعظيم كعب الأحبار، فقد نقل عن معاوية قوله (8/160): (إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب)!

ومع ذلك تبنى البخاري نبوءة كعب بأن الكعبة ستهدم، وعقد لها في (2/159): باباً بعنوان: باب هدم الكعبة! وروى فيه عن عائشة: (يغزو جيش الكعبة فيخسف بهم). وليس في النصأنه سيهدمها، لكنه في عنوان البخاري!

قال ابن حجر (3/368): (قيل:هذا الحديث يخالف قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً، ولأن اللّه حبس عن مكة الفيل ولم يمكن أصحابه من تخريب الكعبة وأجيب: بأن ذلك أمريقع في آخرالزمان قرب قيام الساعة )

فأحنى رأسه كالبخاري وقال إن الكعبة سوف تهدم،لأن عمر قبل ذلك من كعب!

ص: 217

وقال البخاري فاتت النبي (عليه السلام) الصلاة ولم تفت عمر !

كانت مبارزة علي (عليه السلام) لعمرو بن عبدود ظهراً، وذهب معه جماعة ليتفرجوا على المبارزة منهم حذيفة وجابرالأنصاري والزبير وعمر، وبعد انتصار علي (عليه السلام) أمرالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عمر أن يبرز لضرار بن الخطاب أحد الذين عبروا الخندق مع عمرو فنكص عمر عنه.

وقال أميرالمؤمنين (عليه السلام) كما في كتاب سُليم/247: «ولقد نادى ابن عبدود يوم الخندق باسمه، فحاد عنه ولاذ بأصحابه حتى تبسم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مما رءآ به من الرعب!وقال: تقدم يا حبيبي يا علي..و اللّه يحكم بيننا وبين من ظلمنا حقنا وحمل الناس على رقابنا ».

وبعد قتل عمرو والفرسان الذين عبروا معه، أرسل اللّه عليهم الريح فزعموا أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) انشغل عن الصلاة يومهاحتى ذهب وقتها!

قال البخاري(1/147): «إن عمر جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش! قال:يا رسول اللّه ماكدت أصلي العصرحتى كادت الشمس تغرب؟ قال النبي: و اللّه ماصليتها!فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لهافصلى العصر بعدما غربت الشمس،ثم صلى بعدها المغرب»!أقول:يدل على كذب ما نسبه البخاري الى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن مبارز علي (عليه السلام) لعمرو وهبوب الريح عليهم يوم الأربعاء قبل الظهر! وزعموا أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم يصل ذلك اليوم العصر، أو فاتته أربع صلوات! وزعم عمر أنه ذهب إلى الخندق قبل صلاة العصر، فكان يسبهم وهم في الطرف الثاني من الخندق، وظل يسبهم ويسبهم ساعات إلى قريب المغرب، ولم يضربه أحد منهم بسهم ولا بحجر!

ثم رجع عمر سالماً وأدرك صلاة العصر آخر الوقت، فحكى ذلك للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال له أنت خير مني لأني لم أصلها أبداً!فرجعوا إلى المدينة مساء ذلك اليوم والمسافة من الخندق إلى المدينة نحو ساعة فوصلوا إلى بطحان، وهو واد متصل بالمدينة (فتح الباري:2/347) وصلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) العصر التي فاتته مع المغرب!

ص: 218

وهي منقبة زعمها عمر لنفسه ولاتصح لأنهم رجعوا إلى المدينة قبيل الظهر، فنزل جبرئيل (عليه السلام) فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لاتصلوا الظهر إلا في بني قريظة.

والصحيح أن عمر ذهب والتقى بقرشيين وتحدث معهم ففاتته الصلاة، فقال إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاتته، أماهو فصلاها في آخر الوقت فهوأفضل من النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !

تبرير البخاري لانغلاق ذهن عمر كلياً !

قال اللّه تعالى: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ). فالورثة الكلالة هم الأقارب ما خلا الولد والوالدين، أي الأقارب البعيدين.

وقدانغلق ذهن عمر بالكلية عن فهم الكلالة فصارت عنده عقدة!وقد راجع فيها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مراراً وشرحها له لكن لافائدة! واستعان بحفصة فأملاها عليها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكتبهاله، لكن لا فائدة! ثم سأله عنها فشرحها له النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . ثم لقنه إياها حذيفة،لكن لا فائدة!

وقال:وقد سألت رسول اللّه فما أغلظ لي في شئ ما أغلظ لي فيها حتى طعن بإصبعه في صدري ثم قال يا عمرتكفيك آية الصيف التي نزلت في آخر سورة النساء.ثم قال لحفصة: إذا رأيت من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) طيب نفس فسليه عنها، فرأت منه طيب نفس فسألته فقال: أبوك ذكرلك هذا؟ ما أرى أباك يعلمها! فكان عمر يقول: ما أراني أعلمها وقد قال رسول اللّه ما قال!ويقول إن فهم الكلالة أحب إلي من واردات بلاد الشام!بل أحب إليه من الدنيا وما فيها!

ثم أغلق ذهنه عنها تماماً فقال في خطبته في المسجد:الكلالة الكلالة الكلالة وأخذ شد بلحيته! ثم قرر عمر أن يبذل جهداً علمياً ويفهمها فألف فيها كتاباً للمسلمين .ثم مزق الكتاب وتبرأ منه وقال:إشهدوا أني لم أقض في الكلالة!

ثم قرر أن يوصي الأمة بها في آخر خطبة خطبها بأن تبذل جهودها لفهم الكلالة وقال:

ص: 219

ما أدع بعدي شيئاً هو أهم إلي من أمر الكلالة. وقال: إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من لا يقرأ القرآن وإن مت فعليكم بها!

وقد روى أحاديثها مسلم وغيره من أمهات المصادر، وفيها عمليات عمر المتنوعة مع الكلالة! قال مسلم (2/81): (خطب عمر يوم الجمعة فذكر نبي اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وذكر أبابكر. قال إني رأيت كأن ديكاً نقرني ثلاث نقرات وإني لا أراه إلا حضور أجلي. ثم إني لا أدع بعدي شيئاً أهم عندي من الكلالة!وما راجعت رسول اللّه في شئ ما راجعته في الكلالة، وما أغلظ لي في شئ ما أغلظ لي فيها!

وبسبب هذه الماساة لعمر مع الكلالة، قرر البخاري أن يغطي على عمر، فلم يرو شيئاً منأخبار الكلالة صاحبة الجلالة!قال البخاري (6/242):(خطب عمرعلى منبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال إنه قد نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء.. والخمر ما خامر العقل. وثلاث وددت أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم يفارقنا حتى يعهد الينا عهداً الجد والكلالة وأبواب من أبواب الربا ).

ومعناه أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) توفي قبل أن يبين الكلالة، فلا لوم على عمر! بل على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لأنها لم يبينها للمسلمين،وخالف أمر اللّه له بالتبليغ!

قالوا أمر النبي بقطع النخيل فنهاه عمر !

ذكرت المصادر أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أمر بقطع بعض النخلات من بساتين بني النضير وهي نخلات ملتفة تقع بين معسكره وحصونهم، اختبؤوا فيها ليلاً ورموا خيمته بسهام، فقطع منها أو من سعفها الملتف بقدر الضرورة، ويؤيد ذلك أنهم سموها البويرة، ومعناها قطعة الأرض الصغيرة التي كانت بوراً غير مغروسة ثم غرست. لاحظ قول ابن شهرآشوب في المناقب (1/170): «ثم حاصرهم نيفاً وعشرين يوماً وأمر بقطع نخلات، قوله: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللّهِ، وهي البويرة في قول حسان ».

فالمقطوع نخلات لغرض مشروع! لكن رواة السلطة صوروا الأمر كأنه إبادة منطقة

ص: 220

نخيل واسعة، وغرضهم أن يبرروا ما ارتكبه بعضهم القادة في الفتوحات أو الحروب الداخلية من إحراق أشجار وبيوت!

قال البخاري (5/23و:6/58): «إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حرَّق نخل بني النضير وقطعه وهي البويرة). وفي (3/67و:5/23): (ولها يقول حسان بن ثابت:

وهان على سراة بنى لؤي *** حريق بالبويرة مستطير

قال فأجابه أبوسفيان بن الحرث:

أدام اللّه ذلك من صنيع *** وحرق في نواحيها السعير

ستعلم أينا منها بنزه *** وتعلم اي أرضينا تضير).

وعلت أصواتهم لإثبات منقبة لعمر وأبي بكر،لأنهما أعقل من النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأرحم،فنهوه عن ذلك! قال السرخسي (10/32): «وأمر بقطع النخيل بخيبر حتى أتاه عمر فقال: أليس أن اللّه تعالى وعدك خيب؟فقال: نعم. فقال: إذاً تقطع نخيلك ونخيل أصحابك! فأمر بالكف عن ذلك! ولما حاصر ثقيفاً أمر بقطع النخيل والكروم، حتى شق ذلك عليهم »!

وفي السير الكبير(1/55): « قال الراوي: فأخبرني رجال رأوا السيوف في نخيل النطاة وقيل لهم: هذا مما قطع رسول اللّه! والنطاة إسم حصن من حصون خيبر »!وفي دلائل النبوة للبيهقي(5/157، وسننه: 9/90): « وزاد عروة في روايته قال: وأمر رسول اللّه المسلمين حين حاصروا ثقيفاً أن يقطع كل رجل من المسلمين خمس نخلات أو حبلات من كرومهم! فأتاه عمر بن الخطاب فقال: يا رسول اللّه إنها عفاء، لم تؤكل ثمارها! فأمرهم أن يقطعوا ما أكلت ثماره، الأول فالأول »!

كما رووا أن أبابكر كان أعقل وأرحم من النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأوصى بأن لا يقطع الشجر! وكلها روايات باطلة موظفة لمدح عمر وأبي بكر ولو بالطعن بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ! تعويضاً لهما عن فرارهما وعدم مشاركتهما يوماً في قتال، فلا ضربا بسيف ولا رميا بسهم!

ص: 221

فضيحة صارت فضيلة..مثل صارخ لتزوير البخاري !

إقرأ معي في البخاري(1/32 ):( باب الغضب في الموعظة والتعليم: عن أبي بردة عنأبي موسى قال: سئل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن أشياء كرهها فلما أكثر عليه غضب،ثم قال للناس سلوني عما شئتم! قال رجل: مَنْ أبي ؟قال أبوك حذافة! فقام آخر فقال: مَن أبي يا رسول اللّه؟ فقال أبوك سالم مولى شيبة! فلما رأى عمر ما في وجهه قال: يا رسول اللّه إنا نتوب إلى اللّه عز وجل!

باب: من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث: عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خرج فقام عبد اللّه بن حذافة فقال: من أبي ؟ فقال أبوك حذافة، ثم أكثر أن يقول سلوني! فبرك عمر على ركبتيه فقال: رضينا باللّه رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نبياً، فسكت! )

هل رأيت الأمور الغريبة في هذا النص! يقول البخاري: أكثروا السؤال على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فغضب! وجعل عنوان الباب الغضب في التربية والتعليم، يعني غضب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ! ثم قال: قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : سلوني عما شئتم! فكيف غضب من أسئلتهم، ثم قال لهم سلوني ما شئتم عما شئتم! فسألوه هل هم أولاد شرعيون، أو أولاد زنا! فما هذا السؤال العجيب وما المناسبة؟! وما هذا الجواب من النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟! ولماذا بلغ غضبه أوجه، وجبرئيل إلى جنبه! فبرَّأ صحابياً، وفضح آخر على رؤوس الأشهاد، وأعلن أنه ابن زنا!

ثم أصرَّ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على المسلمين: سلوني سلوني سلوني! فقام عمر وأعلن التوبة؟! فهدَّأ الموقف وسكت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !

فما القصة، وما سبب هذا الغضب والتحدي والفضح النبوي!وما هذه التوبة العمرية، التي اختصرها البخاري وفصلها غيره، حتى رووا أنه قبَّل رجل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو يسترضيه! فلكي تحصل على أجوبة لهذه الأسئلة عليك أن تجمع أشلاء هذه القصة في مصادر الحديثوستجدها قطعاً مجزأة، وفوق القطعة عنوان مضلل لتغطيتها! وستجد

ص: 222

أن بعض قطعها مفيدة جداً كالتي رواها مسلم وبيَّن فيها أن غضب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم يكن من أسئلة المسلمين، كما زعم البخاري! بل كان لشئ كربه بلغه عن أصحابه! فصعد المنبر وخطب وطلب منهم أن يسألوه عن أنسابهم وتحداهم فخافوا وبكوا، فقام عمروتاب!

قال مسلم في صحيحه(7/92): ( عن أنس بن مالك قال: بلغ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن أصحابه شئ فخطب! فقال: عرضت عليَّ الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً!

قال فما أتى على أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوم أشد منه! قال: غطَّوْا رؤسهم ولهم خنين! قال فقام عمر فقال: رضينا باللّه رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً! قال فقام ذاك الرجل فقال: من أبي ؟ قال: أبوك فلان، فنزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ!

وروى جزءً منها في(3/167) فالمسألة إذن غضبٌ نبويٌّ لما بلغه عن (أصحابه) وخطبةٌ نبوية نارية بحضور جبرئيل! وتحدٍّ نبوي لهم في أنسابهم! وبكاء أصحاب الفرية من الخوف! وأن ذلك اليوم كان أشد يوم مر عليهم مع نبيهم!وأن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أجابهم وطعن في نسبهم وتحداهم أن يسألوه عن نسبهم! فسأله بعضهم عن نسبه ففضحه النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الرحيم! فقام عمر إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وبرك عند رجليه وقبل قدمه! وأعلن توبته وتوبتهم!

فأين هذا مما فعله البخاري فنسب الذنب إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأنه غضب في تعليمه للمسلمين من سؤال سألوه! وأين بروك التلميذ بين يدي أستاذه، من بروك عمر على أقدام النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقبلها ليسامحه في طعنه بأسرته!لقد بلغ من خبث البخاري وبراعته أنه مزق الحديث أشلاء، واخترع لكل شلو عنواناً، و باباً، واتهم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بسوء الخلق!كل ذلك ليغطي على عمر!

ففي صحيحه(1/31): ( عقدباباً باسم: باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره، فجعله من نوع غضب المدرس والواعظ!

وفي ص32: ( جعله من نوع تأدب التلميذ بين يدي معلمه فسمى الباب: باب من

ص: 223

برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث!

وفي ص 136و8/143: ( وضع جزءً منه تحت عنوان: باب وقت الظهر عند الزوال! بمناسبة أن خطبة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) النارية القاصعة كانت عند الزوال! فقام عبد اللّه بن حذافة السهمي فقال: من أبي ؟ قال: أبوك حذافة. ثم أكثر أن يقول سلوني، فبرك عمر على ركبتيه فقال: رضينا باللّه رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً. فسكت. ثم قال: عرضت على الجنة والنار آنفاً في عرض هذا الحائط، فلم أر كالخير والشر).

وفي(4/73): ( جعل جزءً منه تحت عنوان: ما جاء في قول اللّه: وَهُوَالَّذِي يَبْدَؤُاْ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ، بحجة أن الراوي قال:قام فينا النبي مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم!

وفي (7/157): ( عقد له باباً باسم باب التعوذ من الفتن! وكأن الموضوع كان حديثاً هادئاً للأمة عن الفتن الآتية، وأن عمر قال: رضينا باللّه رباً وبمحمد رسولاً. نعوذ باللّه من الفتن!

وفي (8/142): ( عقد باباً باسم: باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه وحشر فيها آية: لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ! مع أنه كان ينبغي أن يسمي الباب: بابوجوب امتثال أمر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذا أمر بالسؤال، لأن موضوع الآية المحشورة كراهة السؤال، وموضوع الحديث أمر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) المكرر المشدد لمؤذيه من قريش أن يسألوه! ولعل البخاري يقصد بكراهة السؤال كراهة إلحاح المعلم على تلاميذه بقوله سلوني! وأن الخطأ كان من النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لإلحاحه عليهم أن يسألوه! وأن عمرصحح خطأ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !

ماذا قال شراح البخاري؟

لاخبر عند شراح الصحاح عن القضية! فلا رأوا ولا سمعوا ولا قرؤوا، ولا شموا رائحة شئ يستوجب التساؤل والبحث!

قال شيخهم ابن حجر في فتح الباري: (قوله قال رجل: هو عبد اللّه بن حذافة بضم أوله

ص: 224

وبالذال المعجمة والفاء، القرشي السهمي، كما سماه في حديث أنس الآتي.

قوله فقام آخر: هو سعد بن سالم مولى شيبة بن ربيعة، سماه ابن عبدالبر في التمهيد في ترجمة سهيل بن أبي صالح، وأغفله في الإستيعاب ولم يظفر به أحد من الشارحين ولا من صنف في المبهمات ولا في أسماء الصحابة، وهو صحابي بلا مرية، لقوله فقال من أبي يا رسول اللّه؟ ووقع في تفسير مقاتل في نحو هذه القصة أن رجلاً من بني عبدالدار قال من أبي ؟ قال سعد: نسبه إلى غير أبي ه بخلاف ابن حذافة!

قوله فلما رأى عمر، هو بن الخطاب، ما في وجهه أي من الغضب، قال: يا رسول اللّه إنا نتوب إلى اللّه أي مما يوجب غضبك. وفي حديث أنس الآتي بعد أن برك عمر على ركبتيه فقال: رضينا باللّه رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً، والجمع بينهما ظاهر، بأنه قال جميع ذلك فنقل كل من الصحابيين ما حفظ،ودل على اتحاد المجلس اشتراكهما في نقل قصة عبد اللّه بن حذافة.

قال ابن بطال: فهم عمر منه أن تلك الأسئلة قد تكون على سبيل التعنت أو الشك فخشيأن تنزل العقوبة بسبب ذلك! فقال رضينا باللّه رباً الخ.فرضي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بذلك، فسكت!

قوله وقال سلوني: في حديث أنس المذكور فصعد المنبر فقال: لا تسألوني عن شئ إلا بينته لكم! وفي رواية سعيد بن بشير عند قتادة عن أبي حاتم: فخرج ذات يوم حتى صعد المنبر، وبيَّن في رواية الزهري المذكورة في هذا الباب وقت وقوع ذلك وأنه بعد أن صلى الظهر، ولفظه: خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة ثم قال: من أحب (!) أن يسأل عن شي فليسأل عنه فذكر نحوه. قوله: فقام رجل فقال يا رسول اللّه من أبي ؟بيَّن في حديث أنس من رواية الزهري اسمه، وفي رواية قتادة سبب سؤاله، قال فقام رجل كان إذا لاحى أي خاصم دعي إلى غير أبيه، وذكرت إسم السائل الثاني وأنه سعد، وإني نقلته من ترجمة سهيل بن أبي صالح من تمهيد بن عبدالبر.

وزاد في رواية الزهري الآتية بعد حديثين فقام إليه رجل فقال:أين مدخلي يا رسول اللّه؟قال: النار! ولم أقف على إسم هذا الرجل في شئ من الطرق كأنهم أبهموه عمداً للستر عليه! وللطبراني من حديث أبي فراس الأسلمي نحوه، وزاد: وسأله رجل في الجنة أنا؟ قال: في

ص: 225

الجنة، ولم أقف على إسم هذا الآخر!

ونقل ابن عبدالبر عن رواية مسلم أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال في خطبته: لا يسألني أحد عن شئ إلا أخبرته، ولو سألني عن أبي ه، فقام عبد اللّه بن حذافة، وذكر فيه عتاب أمه له وجوابه، وذكر فيه فقام رجل فسأل عن الحج فذكره، وفيه: فقام سعد مولى شيبة فقال مَن أنا يا رسول اللّه؟ قال أنت سعد بن سالم مولى شيبة.

وفيه فقام رجل من بني أسد فقال: أين أنا؟ قال: في النار! فذكر قصة عمرفلما رأى عمر ما بوجه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الغضب. بين في حديث أنس أن الصحابة كلهم فهموا ذلك، ففيرواية هشام فإذا كل رجل لافاً رأسه في ثوبه يبكي، وزاد في رواية سعيد بن بشير: وظنوا أن ذلك بين يدي أمر قد حضر!

وفي رواية موسى بن أنس عن أنس الماضية في تفسير المائدة:فغطوا رؤوسهم ولهم خنين! زاد مسلم من هذا الوجه: فما أتى على أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوم كان أشد منه! قوله: فقال إنا نتوب إلى اللّه عز وجل..زاد في رواية الزهري: فبرك عمر على ركبته فقال رضينا باللّه رباً وبالاسلام ديناً وبمحمد رسولاً، وفي مرسل السدى عند الطبري في نحو هذه القصة فقام إليه عمر فقبل رجله! وقال رضينا باللّه رباً، فاعف عفا اللّه عنك، فلم يزل به حتى رضى!

وفي هذا الحديث غير ما يتعلق بالترجمة:

مراقبة الصحابة أحوال النبي ص وشدةإشفاقهم إذا غضب، خشية أن يكون لأمر يعم فيعمهم، وادلال عمر عليه وجواز تقبيل رجل الرجل، وجواز الغضب في الموعظة، وبروك الطالب بين يدي من يستفيد منه، وكذا التابع بين يدي المتبوع إذا سأله في حاجة، ومشروعية التعوذ من الفتن عند وجود شئ قد يظهر منه قرينة وقوعها، واستعمال المزاوجة في الدعاء في قوله:أعف عفا اللّه عنك، والا فالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) معفو عنه قبل ذلك.

قال ابن عبدالبر: سئل مالك عن معنى النهي عن كثرة السؤال فقال: ما أدري أنهى عن الذي أنتم فيه من السؤال عن النوازل أو عن مسألة الناس المال)!!

أقول:تعرف بذلك أن الشراح جميعاً يعرفون أن الصحابة طعنوا في أسرة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

ص: 226

وأنه غضب غضباً شديداً ووبخهم وذمهم وتحداهم، وكان معه جبرئيل (عليه السلام) يوجهه ولكن الشراح تبانوا على التغطية على عمر وجماعته، ولو على حساب نبيهم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !

والقضية كانت قريش بقيادة عمر، لما جاء طلقاؤهم ألوفاً الى المدينة بعد فتح مكة ينتظرونوفاة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليأخذوا دولته، فكانوا يخططون الخطط ويفعلون الأفاعيل لتشوية صورة علي والعترة وبني هاشم عامة، حتى شكى الأنصار والعباس للنبي بأن قومك القرشيين ينالون من أسرتك، وكان عمر يقول إن مثل محمد كنخلة نبتت في كبا، أي مزبلة، فأمر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالصلاة جامعة وحضر الأنصار بالسلاح، وخطب خطبة عظيمة عن القيامة والشفاعة والجنة والنار، وعن اختيار اللّه لأسرته من آل إبراهيم وإسماعيل، ثم قال: فليقم الطاعن في أسرتي وليسألني من أبوه! فخافوا وبكى بعضهم، وجاء عمر وقبل قدميه!

إن البخاري يعرف ذلك جيداً ويحفظ أحاديثه، ولكنه من حزب عمر وقريش، ضد عترة النبي، بل ضد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ! وقد بينا هذه الحادثة الخطيرة في كتاب:ألف سوال وإشكال على المخالفين لأهل البيت الطاهرين (1/192) مسألة 59، فراجع.

الصراع بين أبي بكر وعمر

قال البخاري ( 6 / 47 ): « قدم ركب من بني تميم على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال أبوبكر: أمِّر القعقاع بن معبد. وقال عمر: أمِّر الأقرع بن حابس.فقال أبوبكر: ما أردت إلا خلافي! فقال عمر: ما أردت خلافك! فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزل في ذلك: لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ »

وروى البخاري (6/46، و: 8 /145): « عن ابن أبي مليكة قال: كاد الخيِّران أن يهلكا أبابكر وعمر، رفعا أصواتهما عند النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل آخر، قال نافع لا أحفظ اسمه، فقال أبوبكر لعمر: ما أردت إلا خلافي! قال: ما أردت خلافك! فارتفعت أصواتهما في

ص: 227

ذلك فأنزل اللّه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ، الآية. قال ابن الزبير: فما كان عمر يُسمع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعد هذه الآية حتى يستفهمه »!

أقول: لاحظ أن السورة بدأت بالنهي على التقديم بين يدي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد فعل ذلك أبوبكر وعمر فقالا له: إفعل كذا، ولا تفعل كذا! وكأنهما أصحاب الحق في تعيين الولاة، كما قالا من قبل: لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمر شيئٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا!

كما نهت السورة عن الجدل عند رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ورفع الصوت فوق صوته، وقد تجادلا بالمراء، ورفعا صوتيهما فوق صوته!

كما جعلت عقوبة ذلك إحباط العمل، فهي معصية تستوجب التوبة والإستغفار، ولم يرووا أنهما تابا واعتذرا من النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وطلبا أن يستغفر لهما!

وقد أخفى المفسرون علاقة أبي بكر وعمر بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ! وزعموا أن عمر كان يطبق حدود اللّه تعالى ويتأدب بأدب القرآن، فكان يكلم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بصوت منخفض طول عمره كأخي السرار، أي كمن يقول للآخر سراً! وذلك ليغطوا أنه كان ينادي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالصياح من وراء الحجرات، كما فعل عندما تأخر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عمداً عن صلاة العشاء فصاح عمر:نام النساء والصبيان! قال مسلم (2/115): فخرج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال: « ما كان لكم أن تنزروا رسول اللّه على الصلاة! وذاك حين صاح عمر بن الخطاب»!

كما غطوا صياح عمر وأصحابه في وجه النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لما قال في مرض وفاته: إيتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً، فصاح عمر: لا تقربوا له شيئاً، حسبنا كتاباللّه، إن النبي ليهجر! وصاح أنصاره: القول ما قال عمر! حتى طردهم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال:قوموا عني!

وزعموا أن المنادين من وراء الحجرات ليسا أبابكر وعمر، بل وفد بني تميم الذين تصايح الشيخان لأجل ترئيس فلان أو فلان عليهم! (فتح الباري: 8 /453)!

ص: 228

وقد صور رواة السلطة أن العلاقة بين أبي بكر وعمر كانت مثالية، والواقع أنها كانت شراكة ومكايدة! فقد كتب أبوبكر مرسوماً خلافياً لجماعة (صححه السرخسي (3/9) فأخذه عمر فمزقه: (فعادوا إلى أبي بكر وقالوا له: أنت الخليفة أم عمر؟ بذلت لنا الخط ومزقه عمر! فقال: هو ان شاء )!

وروى الطبري الشيعي في المسترشد/252، قول عمر في أبي بكر من حديث: (كان و اللّه أحسد قريش كلها، وا لهفتاه على ضئيل بني تيم بن مرة، و اللّه لقد تقدمني ظالماً وخرج إلي منها آثماً، فقيل له تقدمك ظالماً قد عرفنا، فكيف خرج إليك منها آثماً؟ قال: إنه لم يخرج إلي منها إلا بعد يئس منها، أما و اللّه لو كنت أطعت زيد بن الخطاب ما تلمظ من حلاوتها بشئ أبداً)!

وقد يئس منها بعد أن سَمُّوه في طعامه، فمات هو والطبيب الحارث بن كلدة!

**

ص: 229

الفصل الحادي عشر: غلو البخاري في عائشة وحفصة

البخاري: كتاب عائشة بقلم البخاري !

كتبنا هذا العنوان في الفصل الرابع، وقلنا: أما عن تقديس البخاري لعائشة فلاتسأل، فهي عنده المملي الأول لكتابه، والمحترمة التي لا يضر بها ما لا يناسب، والصادقة التي لا يجوز تكذيبها، حتى لوتناقضت أقوالها، وحتى لو خالفت القرآن والمنطق، واللياقات.

وصف البخاري عائشة بأنها حنطية ورجح أنها شقراء

قال البخاري في التاريخ الكبير(4/104):(سهيل بن ذكوان السندي المكي، قال عباد بن العوام: كنا نتهمه بالكذب قلت له: صف لي عائشة، قال: كانت أدماء. وقال غير عباد: كانت عائشة شقراء بيضاء ).

وقالت عائشة (البخاري:4/251و:6/134): (تزوجني النبي وأنا بنت ست سنين. فأسلمنني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين) والصحيح أنها كانت في العشرينات!

روايات عائشة المخجلة في البخاري

أكثر البخاري من أحاديث عائشة عن حيضها وتقبيل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لها، ومقاربته لها، واغتساله معها! ونكتفي بنموذج واحد من عدم حيائها:

قال البخاري(1/68):(باب الغسل بالصاع ونحوه: حدثنا عبد اللّه بن محمد قال: حدثني عبدالصمد قال: حدثني شعبة قال: حدثني أبوبكر بن حفص قال: سمعت أباسلمة

ص: 230

يقول:دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة، فسألها أخوها عن غسل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فدعت بإناء نحو من صاع، فاغتسلت ).

وقد ارتضى ابن حجر (1/113) رأي القاضي عياض: (أنهما رأيا عملها في رأسها وأعالي جسدها، مما يحل نظره للمحرم، لأنها خالة أبي سلمة من الرضاع، أرضعته أختها أم كلثوم، وإنما سترت أسافل بدنها، مما لا يحل للمحرم النظر إليه.وإلا لم يكن لاغتسالها بحضرتهما معنى! وفي فعل عائشة دلالة على استحباب التعليم بالفعل، لأنه أوقع في النفس)!

أقول: فهل رأيت في طول التاريخ وعرضه، وفي طول الدنيا وعرضها، امرأة تعلم أقاربها الرجال غسل الجنابة عملياً! وهل رأيت فقيهاً لا يخجل عنها ويفتي باستحباب تعليم المرأة للرجال الغسل عملياً وأنه أفضل من تعليمهم بالوصف!

وهل يرضى ذلك ابن حجر والحجريون لزوجاتهم وبناتهم؟!

كانت عائشة تثق باليهود وتؤمن بالدجال حسب ثقافتهم

قالت عائشة إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان لايعلم عذاب القبر حتى علمته خادمتها اليهودية فنفاه النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكذبها، ثم قبله، وأخذ يدعو اللّه بالنجاة منه في كل صلاة!

قال البخاري(2/27): (عن عائشة زوج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن يهودية جاءت تسألها فقالت أعاذك اللّه من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أيعذب الناس في قبورهم؟ فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عائذاً باللّه من ذلك!

ثم ركب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذات غداة مركباً فخسفت الشمس، فرجع ضحى فمر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بين ظهراني الحجر، ثم قام يصلي. ثم رفع فسجد وانصرف فقال ما شاء اللّهأن يقول، ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر)!

وقال البخاري (7/158):(عن عائشة قالت دخلت عليَّ عجوزان من عجز يهود المدينة فقالتا لي: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم فكذبتهما، ولم أنعم أن أصدقهما، فخرجتا ودخل على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقلت يا رسول اللّه إن عجوزين وذكرت له فقال: صدقتا إنهم

ص: 231

يعذبون عذاباً تسمعه البهائم كلها، فما رأيته بعد في صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر)!

وقد أبهم البخاري عمداً موقف النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لكن ابن حجر صرح به فقال في فتح الباري(3/187): (عن عائشة: أن يهودية كانت تخدمها! فلا تصنع عائشة إليها شيئاً من المعروف إلا قالت لها اليهودية: وقاك اللّه عذاب القبر قالت فقلت: يا رسول اللّه هل للقبر عذاب؟ قال: كذبت يهود، لا عذاب دون يوم القيامة! ثم مكث بعد ذلك ما شاء اللّه أن يمكث، فخرج ذات يوم نصف النهار و هو ينادي بأعلى صوته: أيها الناس، إستعيذوا باللّه من عذاب القبر، فإن عذاب القبر حق! وفي هذا كله أنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إنما علم بحكم عذاب القبر إذ هو بالمدينة في آخر الأمر كما تقدم تاريخ صلاة الكسوف في موضعه!و قد استشكل ذلك بأن الآية المتقدمة مكية و هي قوله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا، وكذلك الآية الأخرى و هي قوله تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا).

وقال البخاري(1/202):(فقال: نعم عذاب القبر. قالت: فما رأيت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعد صلى صلاة، إلاتعوذ من عذاب القب! كان يدعو في الصلاة: اللّهم إني أعوذ بك من عذاب القبر،وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ).

أقول: حاول ابن حجرأن يجيب عن إشكال أن عذاب القبر كان نزل في مكة في قوله تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ.ولم يوفق، والإشكال الأهم أنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تعلم من يهودية!

ملاحظات

1. جاء اليهود بعد المسيح (عليه السلام) الى جزيرة العرب ينتظرون آخر نبي موعود، وطالت إقامتهم خمسة قرون، وتكلم كثير منهم العربية، وكان لهم صلات وثيقة بالقرشيين بحكم مكانتهم في العرب وأنهم أبناء عمهم إسماعيل (عليه السلام) . وكان العرب يحترمونهم كعلماء ويرجعون إليهم في مسائل التاريخ والتنبؤ بالمستقبل، وكانت عائشة وأبوها معجبين بالثقافة اليهودية!

ص: 232

روى مالك في الموطأ(2/943): « أن أبابكر دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها! فقال أبوبكر: إرقيها بكتاب اللّه ».

فهي تثق بدعاء العجوز اليهودية أكثر مماتثق بنفسها وما علمها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !

وقصد أبي بكر بقوله: إرقيها بكتاباللّه، أي بالتوراة وليس القرآن، لأن اليهودية لاتحفظ القرآن ولا تعتقد به! فهو يعني أن الخادمة اليهودية بمستوى أن ترقي زوجة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !وقد أفتى فقهاؤهم بأنه يجوز للمسلم أن يسترقي اليهودي! وهذا من عجائب عائشة!

2. صح عندنا عن أهل البيت (عليهم السلام) أنه: ( ليس يعذب في القبركل ميت، وإنما يعذب من محض الكفر، ولاينعم كل ماض لسبيله، وإنما ينعم منهم من محض الإيمان محضاً، فأما سوى هذين الصنفين فإنه يلهى عنهم. وكذلك روي أنه لايسأل في قبره إلا هذان الصنفان ) (المسائل السروية للمفيد/62)3. كما كانت عائشة تؤمن بدجال اليهود الموعود، الذي اخترعوا له المخاريق والقدرات الهائلة، وكانوا يخوفون به المسلمين وغيرهم!

فقد رأت عائشة وحفصة سودة وقد تزينت فأرادتا إيذاءها فقالتا:(خرج الدجال خرج الدجال! فخافت سودة، وكانت امرأة طويلة فدخلت خباء كان لوقودهم! قالت: واستضحكنا فدخل رسول اللّه فإذا سودة تنتفض فقال: مالَك؟ فقالت: يا رسول اللّه خرج الدجال؟ فقال: لا، وهو خارج؟ فأخذ بيدها وأخرجها وجعل ينفض بكم قميصه عن وجهها وعن خمارها أثر الدخان ونسج العنكبوت ». (الآحاد والمثاني للضحاك: 6 / 208 )

4. عقيدتنا أن حديث عائشة عن عذاب القبرمكذوب على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . وأما الدجال فقد بحثناه في المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) ، وقلنا إن الدجال عند مذاهب الخلافة ثلاثة: دجال عمر وهو ابن صياد، ودجال تميم الداري وهو في جزيرة، ودجال كعب وهو في اليمن، وكلها أحاديث لا تصح عندنا. والصحيح أنه يهودي يخرج من بلخ بعد ظهور المهدي (عليه السلام) ومعه النواصب، فهو حركة ضد المهدي (عليه السلام) بعد ظهوره.

ص: 233

والمعجزات المدعاة له كلها مكذوبة.

ويؤيد مذهبنا فيه رواية البخاري (8/102) أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أجاب من قال له: (يقولون إن معه جبل خبز ونهر ماء! قال: هو أهون على اللّه من ذلك)! فحديث البخاري هذا يكذب مخاريقه التي رواها له البخاري وغيره!

5.كان لليهود دور في عداء قريش للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفي حروبها معه، وفي أخذها خلافته من عترته، ونشك أنهم في مرض وفاته وضعوا السم في دوائه الذي أعطوه إياها رغماً عنه! قال عائشة كما روى البخاري(5/143): (لددناه في مرضه فجعل يشيرالينا أن لا تلدوني، فقلناكراهية المريض للدواء، فلما أفاق قال: ألم أنهكم أن تلدوني؟! قلنا: كراهية المريض للدواء، فقال: لا يبقى أحد في البيت إلا لُدَّ وأنا أنظر، إلا العباس فإنه لم يشهد كم )!

ولا بد أن خادمة عائشة اليهودية أعدت مرهم اللدود.

ورواه في(8/40 و42) وفيه أنه أحس باللدّ فنهاهم ولكنهم عصوا فعاقبهم!

ورواه الحاكم (4/202) وفيه:والذي نفسي بيده لايبقى في البيت أحد إلا لد،إلا عمي. قال فرأيتهم يلدونهم رجلاً رجلاً! قالت عائشة: ومن في البيت يومئذ فيذكر فضلهم، فلدّ الرجال أجمعون،وبلغ اللدود أزواج النبي فلددن امرأة امرأة)!

وقال قال النووي في شرح مسلم (14/198):(إنما أمر بلدهم عقوبة لهم حين خالفوه في إشارته إليهم لا تلدوني، وفيه تعزيز المتعدي بنحو من فعله الذي تعدى به )

والصحيح أنه أمر بلدهم ليفهم أجيال أمته بأنه قد سُم، وأن المتهم بدمه هؤلاء!

كانت عائشة تؤكد أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أوصى بالخلافة لأبي ها وأخيها !

زعمت أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أراد أن يكتب كتاباً بالخلافة لأبي ها وأخيها، حتى لايضل المسلمون بعده، وحتى لا ينافسهما فيها أحد!فقالت كما روى البخاري (7/8):(قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه، وأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون! ثم قلت: يأبى اللّه ويدفع المؤمنون ).

ص: 234

ورواه عنها مسلم في صحيحه (7/110): (قال لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في مرضه:أدعي لي أبابكر أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً، فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ ويقول قائل: أنا أولى)! وقد قالت ذلك عائشة بعد وفاة عمر، فلم تكن تجرؤ عليه في حياته، لأن شعاره كان: أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم يوص الى علي (عليه السلام) ولا غيره!

قال البخاري (8/126): (قيل لعمر:ألا تستخلف؟قال:إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبوبكر، وإن أترك فقد ترك من هو خيرمني رسول اللّه).

ولكن عائشة ضاهت حديث الدواة المتواتر حيث أمرهم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن يأتوه بدواة وقرطاس ليكتب لهم لايضلون بعده، فرفضوه واتهموه بأنه خرفان والعياذ باللّه!

أما إذا أراد أن يوصي الى غير علي (عليه السلام) فلا يقولون له: تهجر، جازاهم اللّه.

**

ترملت حفصة فعرضها أبوها للزواج

أما حفصة فمات زوجها وترملت، فعرضها عمر على أبي بكر وعثمان فلم يقبلا الزواج بها، قال عبد اللّه بن عمر(البخاري:5/17،و 6/130و132و137):( حين تأيمت حفصة بوفاة زوجها، قال عمر:فلقيت عثمان بن عفان فعرضتُ عليه حفصة فقلتُ إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر؟ قال:سأنظر في أمري، فلبثت ليالي فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا! قال عمر: فلقيت أبابكر فقلت إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر؟ فصمت أبوبكر فلم يرجع إليَّ شيئاً، فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأنكحتها إياه).ولايتسع المجال لذكر صفاتها وسبب زواج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بها.

وكانت عائشة تدير حفصة، فنسب اللّه الأمر اليها والفعل اليهما !

قال اللّه تعالى:(وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِىَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ.

ص: 235

إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَمَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ.عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا.

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً للَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحِينِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ.

عمر في وثيقة تاريخية: يبهم معنى الآيات إبهاماً !

قال البخاري (3/103): (عن عبد اللّه بن عباس قال: لم أزل حريصاً على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) اللتين قال اللّه لهما: إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللّه فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا! فحججت معه فعدل وعدلت معه بالإداوة، فتبرز حتى جاء فسكبت على يديه من الإداوة فتوضأ فقلت: يا أميرالمؤمنين من المرأتان من أزواج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) اللتان قال لهما: إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللّه؟فقال: وا عجبي لك يا ابن عباس! عائشة وحفصة، ثم استقبل عمرالحديث يسوقه فقال: إني كنت وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فينزل هو يوماً وأنزل يوماً فإذا نزلت جئته من خبر ذلك اليوم من الأمر وغيره، وإذا نزل فعل مثله.وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصحت على امرأتي فراجعتني فأنكرت أن تراجعني فقالت: ولم تنكر أن أراجعك،فو اللّه إن أزواج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليراجعنه، إن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل، فأفزعني فقلت: خابت من فعل منهن بعظيم. ثم جمعت عليَّ ثيابي فدخلت على حفصة فقلت:أتغاضبإحداكن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) اليوم حتى الليل؟ فقالت: نعم! فقلت خابت وخسرت أفتأمن إن يغضباللّه لغضب رسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فتهلكين!لاتستكثري على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولاتراجعيه

ص: 236

في شئ ولا تهجريه، واسأليني ما بدا لك، ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يريد عائشة.

وكنا تحدثنا أن غسان تُنعل النعال لغزونا، فنزل صاحبي يوم نوبته فرجع عشاء فضرب بابي ضرباً شديداً وقال: أنائم هو؟ ففزعت فخرجت إليه وقال: حدث أمر عظيم! قلت: ما هو أجاءت غسان؟ قال: لا بل أعظم منه وأطول، طلق رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نساءه! قال قلت: قد خابت حفصة وخسرت كنت أظن أن هذا يوشك أن يكون، فجمعت عليَّ ثيابي فصليت صلاة الفجر مع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فدخل مشربة له فاعتزل فيها، فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي، قلت: ما يبكيك، أولم أكن حذرتك، أطلقكن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟ قالت: لا أدري هوذا في المشربة!

فخرجت فجئت المنبر فإذا حوله رهط يبكى بعضهم، فجلست معهم قليلاً ثم غلبني ما أجد فجئت المشربة التي هو فيها،فقلت لغلام له أسود: إستأذن لعمر، فدخل فكلم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم خرج فقال ذكرتك له فصمت، فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر، ثم غلبني ما أجد فجئت فذكر مثله فجلست مع الرهط الذين عند المنبر، ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت:إستأذن لعمر فذكر مثله فلما وليت منصرفاً، فإذا الغلام يدعوني قال: أذن لك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فدخلت عليه فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش، قد أثرت الرمال بجنبه، متكئ على وسادة من أدم حشوها ليف، فسلمت عليه ثم قلت وأنا قائم: طلقت نساءك؟ فرفع بصره إليَّ فقال: لا، ثم قلت وأنا قائم أستأنس(لأؤنسه): يا رسول اللّه لو رأيتني وكنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا على قوم تغلبهم نساؤهم فذكره، فتبسم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم قلت: لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يريد عائشة، فتبسم أخرى، فجلست حين رأيته تبسم، ثم رفعت بصري في بيته فو اللّه ما رأيت فيه شيئاً يرد البصر غير أهبة ثلاثة (جلود لم تدبغ) فقلت: أدع اللّه فليوسع على أمتك، فإن فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لايعبدون اللّه! وكان متكئاً فقال:

ص: 237

أوَفي شك أنت يا ابن الخطاب؟أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا! فقلت يا رسول اللّه إستغفر لي.

فاعتزل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة وكان قد قال: ما أنا بداخل عليهن شهراً من شدة موجدته عليهن حين عاتبه اللّه، فلما مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها فقالت له عائشة:إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهراً، وإنا أصبحنا لتسع وعشرين ليلة أعدها عداً، فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : الشهر تسع وعشرون. وكان ذلك الشهر تسعاً وعشرين.

(هنا قطع البخاري كلام عمر، وأكمل الحديث من عائشة، فرجعت به أربع سنوات لأنها تحدثت عن آيات تخيير النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نساءه نزلت في سورة الأحزاب في السنة الرابعة للّهجرة، وسورة التحريم واعتزال النبيي (عليه السلام) نساءه ، وخبر غزو هرقل وغسان للمدينة كان في السنة التاسعة، فاعرف شيطنة البخاري وتزويره، واعرف ما أخفاه عمر!

قالت عائشة: فأنزلت آية التخيير فبدأ بي أول امرأة فقال: إني ذاكرلك أمراً ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك. قالت:قد أعلم أن أبويَّ لم يكونا يأمراني بفراقه. ثمقال: إن اللّه قال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً. وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ للَّمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيماً.

قلت: أفي هذا أستأمر أبويَّ؟فإني أريد اللّه ورسوله والدار الآخرة.ثم خير نساءه فقلن مثل ما قالت عائشة.

ثم رجع البخاري الى السنة التاسعة وسورة التحريم فقال: (عن أنس قال: آلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من نسائه شهراً وكانت انفكت قدمه فجلس في علية له، فجاء عمر فقال: أطلقت نساءك؟ فقال: لا، ولكني آليت منهن شهراً، فمكث تسعاً وعشرين، ثم نزل فدخل على نسائه ).

ص: 238

ملاحظات

1.نزلت آية تخيير النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لنسائه في سورة الأحزاب في السنة الرابعة أما سورة التحريم واعتزاله نساءه فكانت في التاسعة.

ويؤيده ما رواه في فتح الباري(9/249): (عن ابن عباس قال: أصبحنا يوماً ونساء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يبكين فخرجت إلى المسجد فجاء عمر فصعد إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو في غرفة له فذكر هذه القصة مختصراً.فحضور ابن عباس ومشاهدته لذلك يقتضى تأخر هذه القصة عن الحجاب، فإن بين الحجاب وانتقال بن عباس إلى المدينة مع أبويه نحو أربع سنين، لأنهم قدموا بعد فتح مكة ).

2. محور سورة التحريم قضية واحدة هي:تظاهرعائشة وحفصة على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ولم يذكر فيها قضية غيرها أبداً، وكل آياتها تدور في فلكها، لأنه تعالى أراد أن يسلط الضوء على عملهما،ويشبعه ضوءاً ليبقى في وجدان الأمة.

وقد تعلم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من ربه عز وجل فأنزل المسلمين في غديرخم، وجعل مطلبه منهم واحداً ولم يذكر غيره، وهو ولاية علي (عليه السلام) ، ليشبعه ضوءاً، ولم يخلطها بشيئ غيرها، لتبقى في وجدان الأمة.

3. في السورة بحوث مهمة،لايتسع لها المجال، لذلك نقتصرعلى ما يتفق مع سياق الكتاب ونلاحظ فيها أن بيت عمر بعيد عن المسجد، فهو في العوالي قرية قرب المدينة، وكذلك بيت أبي بكرفي السنح قرب أحد، لكن رواة السلطة كذبوا فجعلوهما بجوار المسجد وقالوا أمر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بسد الأبواب عن ساحة المسجد إلا باب أبي بكر وعمر، لا باب علي (عليه السلام) !

ثم قالوا إلا خوخة أبي بكر وخوخة عمر، والخوخة مدخل صغير من قِبلة المسجد فتحه أبوبكر ليدخل منه الى المحراب رأساً، لأنه يخاف أن يمر بين الناس! ثم فتح عمر خوخة غيرها! فالخوخات كانت بعد وفاة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فكذب رواة الحكومة وجعلوها على لسان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفي حديثه!

ص: 239

4.هجر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نساءه واعتكف في مشربة أم إبراهيم خارج المدينة، والمشربة غرفة بناها لمارية لما حملت بإبراهيم (عليه السلام) واشتد إيذاؤهن لها!

قالت عائشة (طبقات ابن سعد:8/212): « ما غرتُ على امرأة إلا دون ما غرتُ على مارية! وذلك أنها كانت جميلة من النساء جعدة، وأعجب بها رسول اللّه وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيت لحارثة بن النعمان فكانت جارتنا، فكان رسول اللّه عامة النهار والليل عندها، حتى فرغنا لها فجزعت! فحولها إلى العالية، فكان يختلف إليها هناك، فكان ذلك أشد علينا، ثم رزق اللّه منها الولد وحرمنا منه ».فاعترفت عائشة بأذاها لمارية مند تزوج بها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في السنة السابعة، وبأنها تفرغت وحفصة لأذى هذه المؤمنة الغافلة الغريبة! وكان من أذيتهن الكلام والضرب والشد بالشعر! فخشي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عليها وعلى حملها، وكان له بستان صغير فيه غلامه أبورافع وزوجته، فبنى لها غرفة وأسكنها عندهم وكان يذهب إليها.ولما رزقت بإبراهيم (عليه السلام) نشط العمل القرشي ضدها،لأن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) صار له وارث من صلبه!

وبلغت بهم الوقاحة أن اتهموها فغضب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) واعتزلهن وسكن في بيت مارية، فنزلت آيات الإفك وبراءة مارية، فقلبتها عائشة لها في قصتها التي كانت في غزوة العشيرة قبل أربع أو خمس سنين!

قال ابن كثير(3/710): ( رجع رسول اللّه إلى المدينة لليال بقين من ذي الحجة في سفرته هذه (فتح مكة) وفي ذي الحجة منها ولد إبراهيم بن رسول اللّه من مارية القبطية، فاشتدت غيرة أمهات المؤمنين منها حين رزقت ولداً ذكراً)!

وروى الحاكم (4/39) عن عائشة أنها لم تتهم مارية غيرها، قالت: أهديت مارية إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومعها ابن عم لها، قالت: فوقع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عليها وقعة فاستمرت حاملاً، قالت فعزلها عند ابن عمها، قالت فقال أهل الإفك والزور: من حاجته إلى الولد ادعى ولد غيره! وكانت أمةً قليلة اللبن فابتاعت له ضائنة لبون فكان يغذي بلبنها فحسن عليه لحمه!

ص: 240

قالت عائشة: فدُخل به على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذات يوم فقال: كيف ترين؟فقلت من غُذِّيَ بلحم الضأن يحسن لحمه!قال: ولا الشبه؟ قالت: فحملني ما يحمل النساء من الغيرة أن قلت: ما أرى شبهاً! قالت: وبلغ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ما يقول الناس! فقال لعلي: خذ هذا السيف فانطلق فاضرب عنق ابن عم مارية حيث وجدته! قالت: فانطلق فإذا هو في حائط على نخلة يخترف رطباً قال فلما نظر إلى علي ومعه السيف استقبلته رعدة فسقطت الخرقة فإذا هو لم يخلق اللّه له ما للرجال، شئ ممسوح »!

أما نحن فنقول إن عائشة اتهمت مارية، وقد اعترفت أعلاه بنصف الإتهام!

5.قال جارعمر إن طلاق النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أزواجه كان أعظم من غزو هرقل للمدينة المنورة، وهو يدل على أن مصاهرة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لشخصيات قريش كانت تحقق التعادل السياسي لمصلحة الإسلام،وطلاقهن يسبب اختلال التعادل وارتداد قريش والعرب! لذلك رجح النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو لايعمل إلا بالوحي أن يسجل غضبه من بعض أزواجه، ويهجرهن شهراً.

6. لم يصرح القرآن بالكلمة التي أسرها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لزوجته فأفشتها وتعاونت مع صاحبتها ضده؟ وتحير فيها ابن حجر فقال(9/253): (قوله فاعتزل النبي نساءه من أجل ذلك الحديث الذي أفشته حفصة إلى عائشة.كذا في هذه الطريق لم يفسرالحديث المذكور الذي أفشته حفصة، وفيه أيضاً: وكان قال ما أنا بداخل عليهن شهراً من شدة موجدته عليهن حين عاتبه اللّه، وهذا أيضاً مبهم، ولم أره مفسراً)!

لكن رواة السلطة حاولوا أن يجعلوه كلمة صغيرة من الشؤون الشخصية للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مع أزواجه! فقالوا إنه نام مع مارية في حجرة حفصة، فتظاهرتا عليه فحرم مارية على نفسه، وقالوا شرب كوب عسل له رائحة عند بعضهن، فأخبرتاه أن لفمه رائحة، فحرم العسل على نفسه!

وقد أكد البخاري على رواية العسل!(6/69و167، و:7 /232) لكن الآيات ترد كلامهم، لأنها تحشدجيشاً جراراً مقابل عملهما وتظاهرهما عليه، وهذا يدل على أنه عملهما خطير على

ص: 241

الرسالة! لاحظ قوله تعالى:وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَمَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ..عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ.. فحشد هذا الجيش لايكون لمسألة شخصية داخلية!

وقد روينا أن قريشاً نشطت بعد فتح مكة لتأخذ خلافة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتعاظم عملهم بعد حجة الوداع، وحاولواغتياله مرات، فأراد أن يطمنهم بأنهم سينجحون في خطتهم ويلي الأمربعده أبوبكر، فليحفظوا إيمانهم بنبيهم والقرآن، فأخبر عائشة بذلك فأخبرت حزبها. فالكلمة تتصل بالخلافة!

قال علي (عليه السلام) : ( إن العرب كرهت أمر محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وحسدته على ما آتاه اللّه من فضله، واستطالت أيامه حتى قذفت زوجته! ونَفَّرت به ناقته! مع عظيم إحسانه إليها وجسيم مننه عندها، وأجمعت مذ كان حياً على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته )! ( شرح النهج: 20 / 298 ).

وفي الصراط المستقيم للبياضي(3/169): (في رواية أنه أعلم حفصة أن أباها وأبابكر يليان الأمرفأفشت إلى عائشة،فأفشت إلى أبي ها فأفشى إلى صاحبه).

ويؤيد ذلك ما رواه الطبراني في أوسطه:3/14، والزوائد:7/126):(عن أبي هريرة وفيه: ثم قال لي:يا حفصة ألا أبشرك؟فقلت:بلى بأبي وأمي يا رسول اللّه فأعلمني أن أباك يلي الأمرمن بعده، وأن أبي يليه بعد أبي ك، وقد استكتمني ذلك فاكتميه)!

كان قرآن عمر صحيفة عند حفصة !

نعتقد أن القرآن كان مجموعاً عند علي (عليه السلام) ، وأوصاه النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن يكتبه بنسق معينويعطيه لمن يحكم بعده، فإن لم يقبلوه، ورَّثه لأبنائه الأئمة (عليهم السلام) ، ولايعطيه لأحد، حتى لا يكون في الأمة قرآنان!

فعرضه عليهم فلم يقبلوا نسخته، وقال عمر: نحن نجمعه!

كما رووا في البخاري (7/102) أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال للمسلمين: (خذوا القرآن من أربعة:

ص: 242

من عبد اللّه بن مسعود، وسالم، ومعاذ، وأبي ّ بن كعب).

فلم يأخذه عمر من علي (عليه السلام) ولا من هؤلاء الأربعة، وقال: نحن نجمعه.

وقد اعتمد البخاري في جمع القرآن رواية زيد بن ثابت، وهويهودي أمه أنصارية، كان كاتباً لعمر، وعمره بضع عشرة سنة،قال (5/211): (فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ.. إلى آخرها. وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه اللّه، ثم عند عمر حتى توفاه اللّه، ثم عند حفصة بنت عمر).

فلم يكمل عمر جمع القرآن وبقي مسودات عند حفصة، ولما أراد عثمان جمعه طلب الصحيفة من حفصة فلم تعطها، وأصرعليها ووسَّط الوسائط فلم تعطها فجمعوا القرآن ونشروه. ثم خافوا أن تنشرها حفصة ويكون فيها ما يخالف مصحف عثمان، فصادروا النسخة يوم موت حفصة وأحرقوها!

قال عمر بن شبة في تاريخ المدينة (3/1003): (عن ابن شهاب قال حدثني أنس قال: لما كان مروان أميرالمدينة أرسل إلى حفصة يسألها عن المصاحف ليمزقها وخشي أن يخالف الكتاب بعضه بعضاً فمنعتها إياه! قال الزهري: فحدثني سالم قال: لما توفيت حفصةأرسل مروان إلى ابن عمر بعزيمة ليرسلن بها، فساعة رجعوا من جنازة حفصة أرسل بها ابن عمر فشققها ومزقها، مخافة أن يكون في شئ من ذلك خلاف لما نسخ عثمان )!

وبذلك تعرف أن صحيفة عمر كان فيها تحريفات لم يتحملها جماعة عثمان، لأنها تخالف المصحف الذي جمعه خليفتهم! ولذلك صادروها وأحرقوها، ونعم ما فعلوا لأنها كانت فضيحة كبيرة، ولذلك لم تعطهم إياها حفصة.

ففيها بدل المعوذتين سورتا الحفد والخلع الركيكتين، وفيها تأكيدات عمر بأنه ضاع من القرآن أكثره، وأن سورة الأحزاب كانت كسورة البقرة، وأن سورة براءة ضاع أكثرها، وفيها أن آيات حذفت من القرآن برأي الخليفة.آية الرجم، وآية لا ترغبوا عن آبائكم! وآية:

ص: 243

ولو حميتم كما حموا! وآية: حق جهاده في آخر الزمان!وآية: الولد للفراش!وآية لو كان لابن آدم واديان! وآية وهو أب لهم، وآية ذات الدين ووادي التراب! وآية التسبيحات الأربع، وآية: ألا بلغوا قومنا! وآيات عائشة التي أكلتها السخلة!

وفيها قراءات مرفوضة عند المسلمين رواها البخاري، مثل:أمضوا إلى ذكر اللّه، وعظاماً ناخرة، وصراط من أنعمت عليهم، وغير الضالين، والحي القيام، وحذف الواو من آية الأنصار، ومحاولة تحريف آية نزلت في علي (عليه السلام) .

وفيها: نظريات لايقبلها المسلمون، كالتوسع في نص القرآن، وأن القرآن كله صواب مالم تجعل الرحمة عذاباً والعذاب رحمة، وأنه نزل بسبعة أحرف أو أشكال!

فلم تعطهم حفصة الصحيفةمحافظة على سمعة أبي ها! راجع توثيقنا لذلك في كتاب: تدوين القرآن/65، وألف سؤال وإشكال.

أعطى اليهود عمر بستاناً فجعل ولايته لحفصة

لما هاجر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جاءه في قباء رئيس بني النضير واسمه مخيريق وأسلم على يده، ودعا قومه فأبوا، واستشهد مع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في أحد، فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :مخيريق سابق يهود، وسلمان سابق فارس، وأوصى بماله كله للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يفعل به ما أراه ربه، وكان سبع بساتين فأمره اللّه أن يوقفها ويجعل ولايتها لفاطمة (عليهاالسلام) . (المناقب: 1/146 والإصابة: 6 / 46، وسنن أبي داود:2/ 33، وتاريخ المدينة: 1 / 173، وفتح الباري: 6 / 140).

في المقابل أعطى يهود خيبر بستاناً لعمر إسمه ثمغ، فأوقفه وجعل ولايته لحفصة! قال عبد اللّه بن عمر:(أن عمرتصدق بمال له على عهد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكان يقال له ثمغ وكان نخلاً فقال عمر:يا رسول اللّه إني استفدت مالاً وهو عندي نفيس فأردت أن أتصدق به فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تصدق بأصله لايباع ولا يوهب ولايورث!وكان يقال له ثمغ وكان نخلاً) (البخاري:3/184، 194و196، و197، وابن ماجة: 2/81 والنسائي: 6/229و230 والترمذي: 2/417 والأم: 4/55 و أحمد: 2/12 و 55 5، والمغني:11/317، والمجموع:15/321). وفي مسند

ص: 244

أحمد(2/125):(أصاب أرضاً من يهود بني حارثة يقال لها ثمغ).

وفي الشرح الكبير (6/276):(حفصة تلي وقفه وتأكل منه وتشتري رقيقاً).

وفي المغني(6/222):(تليه حفصة ما عاشت ثم يليه ذوي الرأي من أهله ).

وفي المجموع(15/325): (ابتاعت حفصة حلياً بعشرين ألفاً فحبسته على نساء آل الخطاب فكانت لاتخرج زكاته ).

وهناك بحث في بني حارثة وسبب سخائهم على عمر، وفي تشبه عمر بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وبحث في مالية عمر وحصة كل واحد من ورثته! وذكرنا هنا ثمغ لأن البخاري ذكرها.وقد عقدناباباً لماليات (الخلفاء) الأربعة في سيرة أميرالمؤمنين (عليه السلام) .

**

ص: 245

الفصل الثاني عشر: دفاع البخاري بالباطل عن بني أمية والمقربين من السلطة

دفاعه عن إمام الدعاة الى النار: معاوية

روى البخاري أقوى حديث في ذم معاوية، وهو حديث مقتل عمار بن ياسر، وأنه تقتله الفئة باغية التي تدعو الى النار، فمعاوية بنصه:إمام الدعاة الى النار، وكفى!

لكن البخاري يحبه، فأراد أن يدخله الجنة! فوجد أم حرام بنت ملحان وهي أم أنس خادم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فروى كذب ابنها لأجلها على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !

إقرأ قول البخاري(3/201):(باب الدعاء بالجهاد والشهادة، للرجال والنساء. وقال عمر:أرزقني شهادة في بلد رسولك! عن إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك أنه سمعه يقول(وقالت أم أنس معه): كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه،وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت(بل تزوجته بعد وفاة النبي- أبويعلى:6/351) فدخل عليها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأطعمته وجعلت تُفَلِّي رأسه، فنام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم استيقظ وهويضحك! قالت فقلت: وما يضحكك يا رسول اللّه؟ قال: ناس من أمتي عرضوا عليَّ غزاة في سبيل اللّه يركبون ثبج هذا البحر، ملوكاً على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة، شك إسحاق! قالت: فقلت يا رسول اللّه أدع اللّه أن يجعلني منهم، فدعا لها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم وضع رأسه، ثم استيقظ وهو يضحك، فقلت:وما يضحكك يا رسول اللّه؟قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل اللّه كما قال في الأول.

ص: 246

قالت فقلت: يا رسول اللّه أدع اللّه أن يجعلني منهم. قال: أنت من الأولين! فركبت البحر في زمن معاوية بن أبي سفيان، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت).

وكرره البخاري مرات في: 3/203و 221، و: 7/140، و:3 / 203، و:8 /73).

وقال ابن حجر (6/74): ( في هذا الحديث منقبة لمعاوية، لأنه أول من غزا البحر، ومنقبة لولده يزيد، لأنه أول من غزا مدينة قيصر).

وقصده أن معاوية أوجب واستحق الجنة لأنه غزا قبرص في البحر، فلايضره حربه لعلي (عليه السلام) وقتله ألوف المسلمين! ويزيد استحق الجنة لأنه أول من غزا القسطنطينة، ولا يضره قتله سيد الحسين (عليه السلام) ، ولا استباحة المدينة، ولا ضرب الكعبة بالمنجنيق!

وقال البخاري(3 / 203):( بنت ملحان قالت: نام النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوماً قريباً مني، ثم استيقظ يتبسم، فقلت ما أضحكك؟قال أناس من أمتي عرضوا عليَّ يركبون هذا البحرالأخضركالملوكعلى الأسرة! قالت:فادع اللّه أن يجعلني منهم فدعا لها، ثم نام الثانية ففعل مثلها، فقالت مثل قولها فأجابها مثلها، فقالت:أدع اللّه أن يجعلني منهم،فقال:أنت من الأولين! فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازياً أول ماركب المسلمون البحر مع معاوية،فلما انصرفوا من غزوهم قافلين فنزلوا الشام، فقربت إليها دابة لتركبها، فصرعتها فماتت).

وقال البخاري (3/232): « فحدثتنا أم حرام أنها سمعت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول:أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا! قالت: قلت يا رسول اللّه أنا فيهم؟ قال: أنت فيهم! ثم قال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم! فقلت: أنا فيهم يا رسول اللّه؟ قال: لا»

ص: 247

ملاحظات

1. مكذوبات البخاري ورواته في هذا الموضوع، مركبة، ومتداخلة!

* فبنت ملحان وتسمى الرميصاء أي العمشاء لمرض في عينيها، هي أم أنس خادم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولم تكن في حياة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) زوجة عبادة بن الصامت، بل ترملت مدة وتزوجت بأبي طلحة، ثم بآخر، ثم رجعت الى الأول، ثم ترملت منه، وقرب رواح عبادة الى الشام تزوج بها وأخذها معه الى الشام، ثم بعثه معاوية مع أبي ذر الى قبرص ليقبضوا مال الصلح من القبارصة، الذين انسحب من جزيرتهم هرقل، فصالحهم المسلمون بدون قتال!

* وانتظرهم معاوية في طرسوس وجاؤوا بالمال، ووقع خلاف في تقسيمه.

* وبنت ملحان تزعم أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان يزورها في بيتها فتطعمه وتفلِّي رأسه وكأنَّ رأسالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيه قمل كرؤوس رجالهم!

ثم زعمت أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان ينام في بيتها قريباً منها، وهي امرأة أرملة! وذلك لايصدق من سلوك النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مع امرأة أجنبية! لكن الشراح قبلوا زعم بنت ملحان لأن البخاري رواه ولأنها أم أنس! وقد وثقنا حقيقتها وكذبها على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، في المجلد الثاني من جواهر التاريخ، وغيره.

* وابنها أنس بن مالك خادم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) شهد عليه علي (عليه السلام) بالكذب، ودعا عليه بالبرص والوضح فأصيب به، وشهد عليه الإمام الباقر (عليه السلام) بأنه كذب لمصلحة الأمراء، قال: « إن أول ما استحل الأمراء العذاب لكذبة كذبها أنس بن مالك على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه سمَّرَ يد رجل إلى الحائط! ومن ثم استحل الأمراء العذاب »! (علل الشرائع: 2 / 541، وألف سؤال وإشكال: 2 / 440 ).

* كما كذب أنس بأن أمه من أهل الجنة وأن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سمع خشفتها أي حركة مشيها في الجنة، ورآها دخلت الجنة قبلة!

* كما كذب البخاري لعمر بأنه دعا أن يرزق الشهادة في المدينة، ولم يروه عنه أحد،

ص: 248

وكذب أنس بأن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) رأى بيت عمر وجاريته الحسناء في الجنة!

* لم يغز المسلمون قبرص ولا كان فيها قتال، ويقصد البخاري غزوها سنة28 هجرية. ولم يكن غزواً ولا ذهب معاوية الى قبرص!

والصحيح أن العلاء الحضرمي والي البحرين غزا في البحر جنوب إيران وفتح الى شيراز، قبل عشر سنين من غزوة معاوية المدعاة، فغضب عليه عمر العلاء وعزله! فهو أول من غزا في البحر. وقد وثقنا ذلك في: قراءة جديدة في الفتوحات الإسلامية، وفيالسيرة النبوية.

وقد روت عامة المصادر غزوة العلاء مثل: الطبقات: 4 / 361، وتاريخ دمشق: 60/37، وأسد الغابة: 4 / 7، وسير الذهبي: 1 / 264، والإصابة: 2 / 288، وفتوح البلاذري:1/ 104، والنهاية: 7 / 146، وابن خلدون: 7 / 240، وحلية الأولياء: 1 / 8، والإستيعاب: 3 / 1087، والمنتظم: 4 / 242، والاكتفاء للكلاعي: 4/317، والتراتيب الإدارية:1/370).

دفاعه عن يزيد بن معاوية قاتل الحسين (عليه السلام)

وكذلك كذبواغزوة يزيد للقسطنطينية! فقد أرسل معاوية جيشاً إلى جهة القسطنطينية، وأعلن أنه بقيادة ابنه يزيد ليعده لخلافته، فتثاقل يزيد لا نشغاله في لهوه في دير مُرَّان قرب دمشق، فسكت عنه معاوية!وانتظر الجيش قائده العتيد حتى أصابهم الجوع والمرض والوباء ومات كثيرمنه وأخذ الروم بعضهم أسرى، ومات أبوأيوب الأنصاري!

ولما بلغ الخبر يزيد حمد اللّه لأنه لم يكن معهم! فغضب معاوية وأصرَّ عليه أن يذهب فقال بعضهم إنه ذهب على مضض ورجع بدون قتال،وقالوا إنه وصل إلى باب القسطنطينية ولمسه بيده أو ضربه بسيفه، أو بعمود حديد وأن ضربته خرقت ذلك الباب العظيم! وكل ذلك أكاذيب!

قال اليعقوبي(2/228):(قال عبد اللّه بن عمر: نبايع من يلعب بالقرود والكلاب، ويشرب الخمر، ويظهر الفسوق! ما حُجَّتنا عند اللّه!

ص: 249

وأغزى معاوية يزيد ابنه الصائفة ومعه سفيان بن عوف العامري، فسبقه سفيان بالدخول إلى بلاد الروم، فنال المسلمين في بلاد الروم حمًّى وجدري! وكانت أم كلثوم بنت عبد اللّه بن عامر تحت يزيد بن معاوية وكان لها محباً، فلما بلغه ما نال الناس من الحمىوالجدري قال:

ما إن أبالي بما لاقتْ جموعُهُمُ *** بالغذْقذونة من حُمّى ومن مُومِ

إذا اتكأتُ على الأنماط في غرف *** بدير مُرَّانَ عندي أم كلثوم

فبلغ ذلك معاوية فقال:أقسم باللّه لتدخلن أرض الروم فليصيبنك ما أصابهم فأردف به ذلك الجيش، فغزا به حتى بلغ القسطنطينية )!

وفي تاريخ دمشق (65/404): (فنزلوا منزلاً يقال له الفرقدونة، فأصابهم بها الموت وغلاء شديد فكبُر ذلك على معاوية، فاطَّلع يوماً على ابنه يزيد وهو يشرب وعنده قينة تغنيه. الخ. فقال: أقسم عليك يا يزيد لترتحلن حتى تنزل مع القوم وإلا خلعتك، فتهيأ يزيد للرحيل ).

لكن الصحيح ما رواه البلاذري (5/86):(وأمر يزيد بالغزو فتثاقل واعتلّ فأمسك عنه، وأصاب الناس جوع وأمراض فأنشأ يزيد يقول..البيتين.

* أما أبوأيوب رضي اللّه عنه فمات في المعسكر، وأوصاهم أن يحملوا جنازته ويعطوا للروم مالاً حتى يدفن في أقرب نقطة من سور القسطنطينة!

روى أحمد(5/423) وابن حجر في تعجيل المنفعة(1/452): ( غزا أبوأيوب مع يزيد بن معاوية فقال: إذا أنا متُّ فأدخلوني أرض العدو فادفنوني تحت أقدامكم حيث تلقون العدو)! وسند الرواية صحيح عندهم، وهي تشير إلى أن معسكرهم كان خارج بلاد العدو، قرب أنطاكية كما في شعر يزيد.

وفي رواية الحاكم(3/457) والإستيعاب (4/1607): ( إذا أنا مت فاركب ثم اسع في أرض العدو ما وجدت مساغاً فإذا لم تجد مساغاً فادفني ثم ارجع )!

وفي النهاية (8 /59): (ولينطلقوا فيبعدوا بي في أرض الروم ما استطاعوا ).

ص: 250

( ونحوه تاريخ دمشق: 16 / 59، والإصابة: 2 / 200، وغريب الحديث:2 / 713، وأسد الغابة: 2 / 82، وسير الذهبي: 2 / 404، والطبقات: 3 / 485، والروض الأنف:4/94). وهذا دليل على أن يزيداً لم يصل إلى القسطنطينية، ولم يدخل أرض العدو أصلاً، إلا في الإعلام الأموي!

دفاعه عن خالد بن الوليد

1. خالد بن الوليد، أبوه الوليد بن المغيرة رئيس بني مخزوم، وأشد المشركين على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفيه نزل قوله تعالى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً. وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً. وَبَنِينَ شُهُوداً. وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً. ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ. كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً. سَأُرْهِقْهُ صَعُوداً. إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ. فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. الخ.

وهو: العُتُلُّ الزَّنِيم، الذي لم يتسع له حلم اللّه العظيم فأنزل فيه قوله:وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ. هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ. مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ. عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ. وقد اتفق المؤرخون والمفسرون على نزول هذه الآيات في الوليد، ففي تفسير الجلالين /758: « دعيٌّ في قريش،وهو الوليد بن المغيرة. ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة».

وابن إسحاق: 2 / 140، والقرطبي: 19 / 71. وعشرات المصادر.

وفيه يقول فيه أبوطالب رضي اللّه عنه، كما في سيرة ابن إسحاق(3/135):

وليدٌ أبوه كان عبداً لجدنا *** إلى علجة زرقاء جاش بها البحر

وتيم ومخزوم وزهرة منهم *** وكانوا لنا مولى إذا ابتغيَ النصر

فقد سفهت أحلامهم وعقولهم *** وكانوا كجفر شرما جهلت جفر.

يقصد أن المغيرة أباالوليد لقيط ولدته رومية في سفينة في جدة، وكان عبداً لبني هاشم، ثم تحالف مع بني مخزوم وصار ابنه رئيسهم!

2. ورث خالد أباه المغيرة في عدائه للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فكان أحد المهاجمين التسعة عشر لقتل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليلة هجرته، وشارك في حروب قريش للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولما رأى ميزان القوة مال الى جانب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جاءه هو وعمرو العاص وأسلما، وبقي خالد مخلصاً لأبي ه،فكان يفتخر به

ص: 251

ويمدحه مع أن اللّه تعالى ذمه بشدة، قال خالد (الطبري:2/512):

أنا ابن الوليد العودِ *** أنا ابن عامر وزيد).

3. عند فتح مكة أرسله النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الى بني جديمة ليأخذ زكاتهم، فخدعهم حتى وضعوا أسلحتهم فكتفهم وقتل منهم ثمانين رجلاً، لأن له عندهم ثأراً بعمه، وادعى أنهم لم يكونوا مسلمين، فغضب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال: اللّهم إني أبرأ اليك مما فعل خالد! وأرسل علياً (عليه السلام) فأعطى دياتهم وأرضاهم!

وقد غطى البخاري وابن حجر على خالد فقال البخاري(5/107):(عن سالم عن أبي ه: بعث النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الاسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر ودفع إلى كل رجل منا أسيره، حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره فقلت:و اللّه لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره! حتى قدمنا على النبي فذكرناه له فرفعالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يده فقال: اللّهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين)!

ومر ابن حجر على هذه الجريمة بسرعة واختصار وقال:(8/45) بعثه (داعياً ولم يبعثه مقاتلاًً.. وأنكر عليه العجلة وترك التثبت في أمرهم، قبل أن يعلم المراد من قولهم صبأنا )!

4. كان خالد يبغض علياً وفاطمة (عليهماالسلام) وكان أحد المهاجمين لبيت فاطمة (عليهاالسلام) ليحرقوه إن لم يخرجوا ويبايعوا أبابكر.

5. أرسله أبوبكر لحرب طلحية ومسيلمة، وكلفه أن يقتل في طريقه مالك بن نويرة الذي شهد له رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالجنة،لأنه

اعترض على خلافة أبي بكر فخدعهم خالد فوضعوا أسلحتهم فكتفهم وقتلهم، ووضع رأس مالك تحت القدر وتزوج امرأته من ليلته، فحكم عليه عمر بالقتل بمالك بن نويرة، فعفا عنه أبوبكر!

6. أمره أبوبكر بعد أن يسلِّم في آخرصلاته أن يقتل علياً (عليه السلام) ، ثم ندم فقال في صلاته: لا يفعلن خالد ما أمرته، السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته!

7. وثقنا في كتاب: قراءة جديدة في حروب الردة والفتوحات، أنه لم يضرب بسيف ولا

ص: 252

برز الى فارس أبداً، وأنه هرب مرات في حرب اليمامة وغيرها! وقتل خمسة آلاف من بني حنيفة غدراً بعد أن وقع الصلح معهم! وأنه لم يخض أي معركة في العراق أو الشام وفلسطين كما زعموا، بل كان يحفظ نفسه، فإذا انتصر المسلمون تصدر للأمر والنهي!

8. أرسل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جيشاً من ثلاثة آلاف جندي بقيادة جعفر بن أبي طالب رضي اللّه عنه لقتال الروم في مؤتة، قريباً من القدس، وأبلى جعفر وابن حارثة وابن رواحة بلاء عظيماً، مع عدد من أصحابه نحو العشرين، فاستشهدوا، ووصف النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من على منبره بطولتهم وشهادتهم.فاضطرب جيش المسلمين وانهزموا، فأخذ الراية ثابت بن أقرم وحاول أن يواصل المعركة، فلم يطعه إلا قلة، وأطاعوا خالد بن الوليد الذي انهزم بهم! « وانهزم المسلمون أسوأ هزيمة، وأتبعهم المشركون فجعل قطبة بن عامر يصيح: يا قوم يقتل الرجل مقبلاً أحسن من أن يقتل مدبراً فما يثوب إليه أحد » ( الإمتاع: 1/340 ).«وفي حديث أبي عامر انهزم المسلمون أسوأ هزيمة رأيتها قط، حتى لم أر اثنين جميعاً »! ( سبل الهدى: 6/150 ).

لكن البخاري نسب الى خالد بطولة خارقة، ونقل عن لسانه (5/87) قوله:

«لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية»!

وزادوا على كذبة خالد أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لما وصف المعركة للمسلمين في المدينة وأخبرهم بشهادة جعفر وزيد وابن رواحة، قال: وأخذ الراية خالد، والآن حمي الوطيس! أخذها سيف من سيوف اللّه ففتح اللّه على يده! فرفع إصبعيه فقال: اللّهم هو سيف من سيوفك فانتصر به فيومئذ سمي سيف اللّه! فجعلوا بطولاته المكذوبة على لسان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وجعلوا المعركة سبعة أيام!

أما الحقيقة فقال المُرِّي «لما قتل ابن رواحة نظرت إلى اللواء قد سقط، فنظرت إلى اللواء في يد خالد منهزماً، واتبعناه فكانت الهزيمة »!( تاريخ دمشق: 68/87 ). «فجعل قطبة بن عامر يصيح:يا قوم، يقتل الرجل مقبلاً أحسن من أن يقتل مدبراً، يصيح بأصحابه فما يثوب إليه أحد، ويتبعون صاحب الراية منهزماً »

ص: 253

ولما رجع الجيش إلى المدينة:«لقيهم الصبيان يشتدون، وجعل الناس يَحْثُونَ على الجيش التراب ويقولون:يا فُرَّار، فررتم في سبيل اللّه! عن عبد اللّه بن عمر قال: فحاص الناس وكنت فيمن حاص،فقلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف؟ ثم قلنا: لو دخلنا المدينة قُتلنا، فقدمنا المدينة في نفر ليلاً فاختفينا )! تاريخ دمشق (49/337) والواقدي (2/763، والطبري:2/323).

فانظر الى البخاري كيف تبنى كذبة خالد بأنه قطع تسعة أسياف على رؤوس الروم! (5/87 و107) وأكملها بكذبة على لسان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بأنه سمى خالداً سيف اللّه!

هذا، وقد استوفينا ترجمة خالد في: قراءة في الفتوحات، وغيره.

دفاعه عن عمرو العاص

1. كتبنا ترجمة وافية لعمرو العاص في المجلد الرابع من سيرة أميرالمؤمنين (عليه السلام) . وغرضنا هنا أن نبين كيف دافع البخاري عنه بالباطل!

والمعروف أنه ابن العاص بن وائل، لكن علياً (عليه السلام) لم يسمه ابن العاص بل ابن النابغة باسم أمه، وهي بغي في مكة، ولما ولدت عمرواً ادعاه خمسة، فاختارت العاص لأنه بقولها ينفق عليها أكثر.وبعضهم ينفون عمرواً عن العاص، لأن اللّه تعالى قال:إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ) والأبتر لاعقب له. (أسباب النزول للواحدي/307).

2. أرسلت قريش عمرواً مرتين الى النجاشي، ليرد المسلمين الذين هاجروا اليه فرجع خائباً!وكان معه عمارة أخ خالد، فعشق عمرو زوجته، وقتله.

قال له الإمام الحسن (عليه السلام) (الاحتجاج:1/411):« وأنت عدو لبني هاشم في الجاهلية والإسلام،وقد هجوت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بسبعين بيتاً فقال: اللّهم إني لا أحسن الشعر ولا ينبغي لي أن أقوله، فالعن عمرواً بكل بيت ألف لعنة »!

3. وكان عمرو يكذب على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ،قال علي (عليه السلام) :(العجب من طغاة أهل الشام يقبلون قول عمرو ويصدقونه، وقد بلغ من حديثه وكذبه وقلة ورعه أن يكذب على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد لعنه سبعين لعنة تترى على عقبه إلى يوم القيامة!ما لقيتُ من هذه الأمة

ص: 254

من كُذابها ومنافقيها! اللّهم العن عمرواً، والعن معاوية بصدهما عن سبيلك واستخفافهما بنبيك (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكذبهما عليه وعليَّ»(كتاب سليم/279).

4. كان عمرو صديق معاوية وهو أكبر منه بأربعين سنة، فقد عاش تسعاً وتسعين سنة(الإصابة:6/120) وكانت لهما حفلات خمر وهجاء للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فدعا عليهما ودعاؤه مستجاب: الّلهم اركسهما ركساً، ودُعَّهما إلى النار دعّاً» رواه أبويعلى: 13 /429، والطبراني:11/38، وابن أبي شيبة: 7/508، وصححوه.

5. أسوأ ما تبناه البخاري من كذب عمرو العاص قوله إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تبرأ من علي وكل آل أبي طالب، وتقدم ذلك في الفصل السادس، قال البخاري (7/73): (عمرو بن العاص قال:سمعت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جهاراً غيرسريقول:إن آل أبي طالب ليسوا بأوليائي، إنما وليي اللّه وصالح المؤمنين).

وقد استبشر النواصب بحديث عمرو وجعلوه ناسخاً لقول النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : من كنت مولاه فعلي مولاه، وحديث الثقلين، وكل الأحاديث في حق عترته (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

قال ابن تيمية في منهاجه (7/76): (كما ثبت في الصحيح أنه قال: إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء وإنما وليي اللّه وصالح المؤمنين! فبيَّنَ أن أولياءه صالح المؤمنين.وكذلك في حديث آخر: إن أوليائي المتقون حيث كانوا وأين كانوا ). وكرره في فتاويه:10/543، وتفسيره:2/48، ومجموع الفتاوى: 11/164، و: 27 / 435 , و: 28/227، و 543، وجامع الرسائل / 510 والفتاوى الكبرى: 4 / 353! وتلميذه: ابن قيم في جلاء الأفهام / 226، وابن رجب/ 347.

والمهم عندهم أن يتشبثوا بما يقول إن علياً (عليه السلام) ليس ولي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، بل الصحابة!

6. ومن كذبات عمرو حديثه في تفضيل أبي بكر وعائشة (4/192و: 5/113) قال:إن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته فقلت أي الناس أحب إليك قال عائشة فقلت من الرجال فقال أبوها فقلت ثم من قال ثم عمر بن الخطاب فعد رجالا. فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم)

وقد بينا أن عائشة روت أن أحب الناس الى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاطمة وعلي (عليهماالسلام) .

ص: 255

دفاعه عن سعد بن أبي وقاص

1.سعد بن أبي وقاص الزهري، زعم أنه كان ثالث المسلمين، وأنه أسلم وعمره 17سنة (المنتظم:5/281) وقال ابنه محمد: «قلت لأبي : أكان أبوبكر أولكم إسلاماً؟ فقال: لا، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين» (الطبري:2/60).

ولعل هذا هو السبب في أن أبابكر لم يوله منصباً، لكن عمر ولاه على العراق فلم يطعه المثنى بن حارثة الشيباني، فمات! وأمرعمر عتبة بن غزوان والي البصرة بأن يطيع سعداً فلم يقبل، فمات! وأمر العلاء الحضرمي والي البحرين أن يطيعه فلم يفعل، فمات! والمتهم بموتهم عندنا الحكومة قتلتهم بسم اليهود!

وكان عمر يتعصب لسعد، فقد شكوا له جبنه، وأنه لا يجيد الصلاة، وأنه يحتجب عن الناس، فلم يقبل عليه شكاية!

2. وجعله عمر من أعضاء شورى الخلافة فعظم سعد عند نفسه، وصار يرى أنه يستحق الخلافة، فقال لمعاوية:(أنساب الأشراف/344): « و اللّه إني لأحق بموضعك منك، فقال معاوية: يأبى عليك ذلك بنو عذرة! وكان سعد فيما يقال لرجل من بني عذرة ). وقد طعنوا في نسبه، ووروى البخاري أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على لسان سعد رد طعنهم في نسبه!(الأدب المفرد:1/266).

3, كان سعد رامياً صياداً، ولم يكن فارساً، فلم يبرز يوماً لأحد ولا قتل في المعكرة عدواً. وكان قائد معركة القادسية، لكنه لم يشارك فيها، وادعى أنه خرجت في فخذه دملة، فذمه الناس وقال في جبنه الشعراء.وغطى على حبنه وجود قادة فرسان ميدانيين أداروا المعركة ومن أبرزهم هاشم المرقال ابن أخيه وحجر بن عدي، وعمرو بن معدي كرب.

4. وكثيراً ما يمدح سعد نفسه! قال البخاري (4/212): (سمعت سعداً يقول جمع لي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أبويه يوم أحد ). أي قال لي:إرم فداك أبي وأمي.

وقال (5/33): نثل لي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كنانته يوم أحد فقال ارم فداك أبي وأمي..عن ابن شداد

ص: 256

قال سمعت علياً يقول ما سمعت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يجمع أبويه لأحد غير سعد )!

وقد أثبتنا في السيرة أن هذا لا يصح، فقد كان سعد فاراً، ولم يرجع إلا بعد المعركة!

وزعم سعد في رواية النسائي(6/57) أنه رجع من فراره الى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ورمى عنه بألف سهم، ففدَّاه النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بأبي ه وأمه، ودعا له أن يسدد اللّه سهمه ويستجيب دعوته، فصارسهمه مسدداً، وصارت دعوته مستجابة!

5. كان سعد والياً على العراق، وعبد اللّه بن مسعود والياً على بيت المال، فاقترض منه سعد مبلغاً كبيراً، ثم طالبه ابن مسعود فلم يرده، واشتهر خلافهما، وكانا يتشاتمان، ويتهمه ابن مسعود بأكل الحرام، وانقسم الناس في الكوفة بينهما، وتدخل هاشم المرقال للإصلاح بينهما فلم يستطع، وبقي المبلغ في ذمة سعد حتى مات، وكان من الأثرياء!

**

ص: 257

الفصل الثالث عشر: مضاهأة البخاري لليهود في التشبيه والتجسيم

معبود البخاري جسم يرى وينزل ولا يصعد !

من الحقائق البديهية أن ما يرى بالعين يجب أن يكون جسماً يقع عليه الضوء فينعكس على العين، فيُرى. وعندما تقول هذا الشيئ يرى فمعناه أنه جسم!

وبذلك تعرف أن البخاري ومن تبعه مجسمة!

ومن الحقائق البديهية أن الجسم خاضع لقوانين المكان والزمان، فلا بد أن يكون المكان والزمان مخلوقين قبله!فالقائلون برؤية اللّه بالعين يجعلونه مخلوقاً لا خالقاً!

قال البخاري (1/195) عن أبي هريرة قال: (إن الناس قالوا يا رسول اللّه هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا يا رسول اللّه. قال: فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا. قال: فإنكم ترونه كذلك! ).

وفي البخاري (2/141):(عن عبد اللّه بن عمر قال:ذكر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوماً بين ظهري الناس المسيح الدجال فقال: إن اللّه ليس بأعور، إلا أن المسيح الدجال أعور العين )!يعني طمأنهم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بأن عيني ربهم سالمتان، والحمد للّه!

وفي هامش شرح الترمذي(6/188) قال ابن العربي:(إن اللّه لم ينزل هذه الآية:لا تُدركُهُالأبصَار، لنفي الرؤية للّه، ولا جاءت بها عائشة، فإنه سبحانه وتعالى يرى في الدنيا والآخرة، جوازاً ووقوعاً )! فهذا إمام المجسمة والوهابية!

ص: 258

معبود البخاري يضع قدمه في جهنم لتمتلئ !

قال اللّه تعالى: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ. أي امتلأتُ ياربي ولا مزيد، ووفيتَ بوعدك بأن تملأني،كما تقول لشخص: هل شبعت؟ فيقول: هل من مزيد! على الإستفهام، بمعنى أنه لا مزيد على ما أكلتُ.

وروى القمي في تفسيره (2/326) عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:(هواستفهام لأن اللّه وعد النار أن يملأها فتمتلئ النار فيقول لها: هل امتلأت؟وتقول هل من مزيد؟على حد الإستفهام، أي ليس فيَّ مزيد ).

وقال الشريف الرضي في تلخيص البيان/312: (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ: بمعنى لامن مزيد فيَّ وليس ذلك على طريق طلب الزيادة، وهذا معروف في الكلام، ومثله قوله (عليه السلام) : وهل ترك عقيل لنا من دار؟ أي ما ترك لنا داراً ).

وقال ابن منظور في لسان العرب (11/706): (قال ابن سيده:هل كلمة استفهام..يَوْمَ نقولُ لجهنَّم هَلِ امْتَلأْتِ وتقولُ هَلْ مِنْ مزيدٍ؟ قالوا: معناه قد امْتَلأْتُ).

لكن البخاري وغيره من مؤسسي المذاهب عجمٌ لا يعرفون دقائق اللغة العربية، ففسروا الآية بأنها طلب للمزيد! ووضعوا حديث وضع اللّه قدمه فيها لتمتلئ!

قال البخاري(6/47و224و:8/167و186): (عن أنس عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال:وتقول هل من مزيد حتى يضع قدمه فتقول قط قط.. فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول قط قط..حتى يضع فيها رب العالمين قدمه فينزوي بعضها إلى بعض ثم تقول قدْ قدْ بعزتك وكرمك،حتى يضع فيها قدمه فتمتلئ ويرد بعضها إلى بعض وتقول قط قط قط. وعزتك).

وقال في فتح الباري(8 /456): (اختلف النقل عن قول جهنم هل من مزيد فظاهر أحاديث الباب أن هذا القول منها لطلب المزيد، وجاء عن بعض السلف أنه استفهام إنكار كأنها تقول: ما بقي في موضع للزيادة.

ص: 259

فروى الطبري من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة في قوله هل من مزيد: أي هل من مدخل قد امتلأت! ومن طريق مجاهد نحوه، وأخرجه بن أبي حاتم من وجه آخر، عن عكرمة عن ابن عباس وهو ضعيف. ورجح الطبري أنه لطلب الزيادة على ما دلت عليه الأحاديث المرفوعة )!

أقول: اختار ابن حجر أن يخضع اللغة العربية للفهم الأعاجم الذي تبنته السلطة، وهو التصور اليهودي للّه تعالى، وأنه جسم له رجل كرجل الإنسان!

والعالم الذي يتبع السلطة قد ينسى علمه، وقد ينسى لغته، وحتى عقله!

يتعرف الناس على ربهم من رجله المحروقة !

قال البخاري: (1/182):(فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة، فيقول أنا ربكم! فيقولون: أنت ربنا! فلايكلمه إلا الأنبياء فيقول:هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ). يقصد ساقه التي وضعها في جهنم وعليها أثر الإحتراق!

ومن الهرطقة اليهودية عند البخاري !

قال البخاري في (1/195):(فيأتيهم اللّه عز وجل فيقول أنا ربكم، فيقولون هذا مكاننا حتىيأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم اللّه فيقول: أنا ربكم فيقولون: أنت ربنا. فيدعوهم فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته، ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل وكلام الرسل يومئذ: اللّهم سلِّم سلم، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا نعم. قال: فإنها مثل شوك السعدان، غيرأنه لايعلم قدر عظمها إلا اللّه، تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم من يوبق بعمله، ومنهم من يخردل ثم ينجو، حتى إذا أراد اللّه رحمة من أراد من أهل النار أمر اللّه الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد اللّه، فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم اللّه على النار أن تأكل أثر السجود،فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار الا أثر السجود فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب

ص: 260

عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يفرغ اللّه من القضاء بين العباد ).

أقول: جمع البخاري في هذا الحديث المزعوم بين تجسيم اليهود، وبين تصوراتهم العامية عن الآخرة والجنة والنار! راجع كتابنا الولادات الثلاث.

زعم البخاري أن شخصاً يخدع اللّه تعالى ويدخل الجنة !

ثم قال البخاري(1/196):(ويبقى رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولاً الجنة مقبلاً بوجهه قبل النار فيقول: يا رب إصرف وجهي عن النار قد قشبني ريحها، وأحرقني ذكاؤها، فيقول: هل عسيت إن فُعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك، فيقول: لا وعزتك، فيعطى اللّه ما يشاء من عهد وميثاق فيصرف اللّه وجهه عن النار، فإذا اقبل به على الجنة رأى بهجتها سكت ما شاء اللّه أن يسكت، ثم قال: يا رب قدمني عند باب الجنة، فيقول اللّهله: أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت؟ فيقول: يا رب لا أكون أشقى خلقت، فيقول: فما عسيت إن أعطيت ذلك أن لا تسأل غيره، فيقول: لا وعزتك لا أسأل غير ذلك، فيعطى ربه ما شاء من عهد وميثاق فيقدمه إلى باب الجنة، فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور، فيسكت ما شاء اللّه أن يسكت فيقول: يا رب أدخلني الجنة، فيقول اللّه تعالى: ويحك يا ابن آدم ما أغدرك! أليس قد أعطيت العهد والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت!فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فيضحك اللّه عز وجل منه، ثم يأذن له في دخول الجنة، فيقول له: تمن فيتمنى حتى إذا انقطعت أمنيته قال اللّه عز وجل: زد من كذا وكذا، أقبل يذكره ربه عز وجل، حتى إذا انتهت به الأماني قال اللّه تعالى لك: ذلك ومثله معه)!

معبود البخاري ينزل الى الدنيا ولا يصعد !

روى البخاري(2/47) عن أبي هريرة أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال:(ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له)!

ص: 261

وروى البخاري نحوه (4/149، و150 و: 8 /197، ورواه في الأدب المفرد/207)

وروى الصدوق بسند صحيح/183، أن الإمام الكاظم (عليه السلام) : ( ذكر عنده قوم يزعمون أن اللّه تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا، فقال: إن اللّه تبارك وتعالى لا ينزل، ولا يحتاج إلى أن ينزل، إنما منظره في القرب والبعد سواء، لم يبعد منه قريب، ولم يقرب منه بعيد، ولم يحتج بل يحتاج إليه وهو ذو الطول، لا إله إلا هو العزيز الحكيم. أما قول الواصفين: إنه تباركوتعالى ينزل، فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة، وكل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به، فظن باللّه الظنون فهلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد، فتحدوه بنقص أو زيادة أو تحرك أو زوال أو نهوض أو قعود، فإن اللّه جل عن صفة الواصفين ونعت الناعتين وتوهم المتوهمين).

وروى في/176، عن أبي قرة إبراهيم بن أبي محمود قال قلت للرضا (عليه السلام) :(يا ابن رسول اللّه ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال: إن اللّه تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا؟ فقال: لعن اللّه المحرفين الكلم عن مواضعه، و اللّه ما قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كذلك، إنما قال: إن اللّه تبارك وتعالى ينزل ملكاً إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي: هل من سائل فأعطيه، هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، يا طالب الخير أقبل، يا طالب الشر أقصر، فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء، حدثني بذلك أبي عن جدي عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)).

وأفتى ابن تيمية والوهابية بقتل من لايؤمن بحديث النزول !

قال ابن حجر في الدرر الكامنة (1/180): (فذكروا أنه(ابن تيمية) ذكر حديث النزول فنزل عن المنبر درجتين فقال كنزولي هذا! فنسب إلى التجسيم!

ورده على من توسل بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أو استغاث فأشخص من دمشق في رمضان سنة خمس وسبعمائة فجرى عليه ما جرى وحبس مراراً، فأقام على ذلك نحو أربع سنين أو أكثر وهو

ص: 262

مع ذلك يشتغل ويفتي، إلى أن اتفق أن الشيخ نصرا قام على الشيخ كريم الدين الآمليشيخ خانقاه سعيد السعداء فأخرجه من الخانقاه وعلى شمس الدين الجزري فأخرجه من تدريس الشريفية، فيقال إن الآملي دخل الخلوة بمصر أربعين يوماً فلم يخرج حتى زالت دولة بيبرس وخمل ذكر نصر، وأطلق ابن تيمية إلى الشام!

وافترق الناس فيه شيعاً، فمنهم من نسبه إلى التجسيم لما ذكر في العقيدة الحموية والواسطية وغيرهما من ذلك كقوله أن اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقية للّه، وأنه مستو على العرش بذاته فقيل له: يلزم من ذلك التحيز والإنقسام فقال أنا لا أسلم أن التحيز والإنقسام من خواص الأجسام فألزم بأنه يقول بتحيز ذات اللّه!

ومنهم من ينسبه إلى الزندقة لقوله أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لايستغاث به وأن في ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وكان أشد الناس عليه في ذلك النور البكري فإنه لما عقد له المجلس بسبب ذلك. قال بعض الحاضرين: يعزر، فقال البكري لا معنى لهذا القول، فإنه إن كان تنقيصاً يقتل، وإن لم يكن تنقيصاً لايعزر!

ومنهم من ينسبه إلى النفاق لقوله في علي ما تقدم، ولقوله إنه كان مخذولاً حيث ما توجه، وأنه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها، وإنما قاتل للرئاسة لا للديانة، ولقوله إنه كان يحب الرئاسة..الخ.).

وقال ابن بطوطة في رحلته (1/90 ): (وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيمية كبير الشام، يتكلم في الفنون إلا أن في عقله شيئاً.. وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم، فكان من جملة كلامه أن قال: إن اللّه ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا! ونزل ربعة من ربع المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء، وأنكر ما تكلم به، فقامت العامة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيديوالنعال ضرباً كثيراً حتى سقطت عمامته )!

ص: 263

زعم البخاري أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تعلم التوحيد من حاخام !

قال البخاري (6/33): ( عن عبد اللّه بن عمرقال:جاء حبر من الأحبار إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: يا محمد إنا نجد أن اللّه يحمل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع،فيقول أنا الملك! فضحك النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر )!

وتبنى إمام الوهابية في آخر فصل من كتابه التوحيد حديث الحاخام وقال:(وفي رواية لمسلم: والجبال والشجر على إصبع، ثم يهزهن فيقول: أنا الملك أنا اللّه. إن هذه العلوم وأمثالها باقية عند اليهود الذين في زمنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم ينكروها ولم يتأولوها وإن الحبر لما ذكر ذلك للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) صدقه، ونزل القرآن بتقرير ذلك)!

وروى البخاري عن عائشة ما يبطل مذهب المجسمة !

روى البخاري (6/50 ): (عن مسروق قال قلت لعائشة:ياأُمَّتَاه هل رأى محمد ربه؟ فقالت: لقد قَفَّ شعري مما قلت! أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب:من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت:لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ. ومن حدثك أنه يعلم ما في غدٍ فقد كذب ثم قرأت: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً، ومن حدثك أنه كتم فقد كذب ثم قرأت: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّك..الآية.. ولكنه رأى جبرئيل في صورته مرتين ).وفي مسلم (1/110): (من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على اللّه الفرية ).

قال الشيخ محمد عبده في تفسير المنار (9/139):(فعائشة وهي من أفصح قريش، تستدل بنفي الإدراك على نفي الرؤية مع ما علم من الفرق بينهما، وتستدل على نفيها أيضاً بقوله تعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلا وَحْياً، وقد حملوا هذا وذاك على نفي الرؤية في هذه الحياة الدنيا، ولكن إدراك الأبصار للرب سبحانه محال في الآخرة كالدنيا ).

ص: 264

وهاجم ابن خزيمة عائشة وهو إمام عند المجسمين في كتابه التوحيد/225، فقال: (هذه لفظة أحسب عائشة تكلمت بها في وقت غضب، ولوكانت لفظة أحسن منها يكون فيها درك لبغيتها كان أجمل بها، ليس يحسن في اللفظ أن يقول قائل أو قائلة: قد أعظم ابن عباس الفرية، وأبوذر، وأنس بن مالك، وجماعات من الناس الفرية على ربهم! ولكن قد يتكلم المرء عند الغضب باللفظة التي يكون غيرها أحسن وأجمل منها. نقول كما قال معمر بن راشد لما ذكر اختلاف عائشة وابن عباس في هذه المسألة: ما عائشة عندنا أعلم من ابن عباس،وإذا اختلفا فمحال أن يقال قد أعظم ابن عباس الفرية على اللّه، لأنه قد أثبت شيئاً نفته عائشة. الخ ).

وهاجم الحنابلة المجسمة في بغداد المؤرخ الطبري وأرادوا قتله، ورجموا بيته بالحجارة! ولما توفي منعوا دفنه في مقابر المسلمين! وهاجموا ابن حبان المحدث المعروف شبيهاً بما فعلوا بالطبري! (معجم الأدباء: 9/57 ).

أبونا آدم عند البخاري نسخة من اللّه تعالى !

روى البخاري(7/125) عن أبي هريرة أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: (خلق اللّه آدم على صورته، طولهستون ذراعاً، فلما خلقه قال: إذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك.فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة اللّه، فزادوه ورحمة اللّه فكل من يدخل الجنة على صورة آدم. فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن)!

قال الصدوق في كتابه التوحيد/152: (تركت المشبهة من هذا الحديث أوله وقالوا:

إن اللّه خلق آدم على صورته، فضلوا في معناه وأضلوا. عن الحسين بن خالد، قال:قلت للرضا (عليه السلام) : يا ابن رسول اللّه إن الناس يروون أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال:إن اللّه خلق آدم على صورته، فقال: قاتلهم اللّه، لقد حذفوا أول الحديث، إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مر برجلين يتسابان فسمع أحدهما يقول لصاحبه: قبح اللّه وجهك ووجه من يشبهك، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا عبد اللّه لا تقل هذا لأخيك فإن اللّه عز وجل خلق آدم على صورته).

ص: 265

أي خلق اللّه آدم على صورة المشتوم،فلا تقبح صورته التي اختارها اللّه لآدم وأولاده. ولكنهم حرفوه فقالوا كما قال اليهود إن اللّه على صورة البشر!

وقال في فتح الباري(5/133): (واختلف في الضمير على من يعود، فالأكثر على أنه يعود على المضروب لما تقدم من الأمر بإكرام وجهه، وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد وأحمد من طريق ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة مرفوعا لا تقولن قبح اللّه وجهك ووجه من أشبه وجهك، فإن اللّه خلق آدم على صورته، وهو ظاهر في عود الضمير على المقول له ذلك).

وقال ابن خزيمة المشبه في كتابه التوحيد/84: (توهم بعض من لم يتحر العلم أن قوله: على صورته يريد صورة الرحمن عز ربنا وجل عن أن يكون هذا معنى الخبر، بل معنى قوله:خلق آدم على صورته، الهاء في هذا الموضع كناية عن اسم المضروب والمشتوم، أراد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن اللّه خلق آدم على صورة هذا المضروب الذي أمر الضارب باجتناب وجهه بالضرب، والذي قبح وجهه، فزجر (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن يقول: ووجه من أشبه وجهك، لأن وجه آدم شبيه وجوه بنيه، فإذا قال الشاتم لبعض بني آدم: قبح اللّه وجهك ووجه من أشبه وجهك، كان مقبحاً وجه آدم صلوات اللّه عليه وسلامه، الذي وجوه بنيه شبيهة بوجه أبي هم، فتفهموا رحمكم اللّه معنى الخبر، لا تغلطوا ولا تغالطوا فتضلوا عن سواء السبيل، وتحملوا على القول بالتشبيه الذي هو ضلال).

لكن المشبهة أشربوا في قلوبهم التجسيم وخالفوا عائشة، وخالفوا أهل البيت (عليهم السلام) ، وخالفوا كباراً من أئمتهم كابن خزيمة، وأصروا على تحريف الحديث، فقال ابن باز في فتاويه(4/368):(الضمير في قوله:على صورته، يعود على اللّه بدليل ماجاء في رواية أخرى صحيحة:على صورة الرحمن،وهو ظاهر السياق)!

وقد عرفت السياق، واتضح لك أن تجسيم الوهابية وأجدادهم هو خلاف السياق!

**

تم ما كتبناه من نقد كتاب البخاري، وما لم نكتبه أكثر

والحمد للّه رب العالمين!

ص: 266

فهرس موضوعات الكتاب

مقدمة...3

الفصل الأول/البخاري وفتنة المأمون بخلق القرآن...7

امتحن المأمون العلماء بخلق القرآن عشرين سنة...7

وبالغ المعتصم والواثق في تطبيق مرسوم المأمون...16

ألغی المتوكل سياسة المأمون، و أعاد بغض أهل البيت عليهم السلام...17

النصب و التجسيم توأمان فكل ناصبي مجسم وبالعكس...18

كشف أهل البيت عليهم السلام لعبة المأمون في فتنة خلق القرآن...19

الفصل الثاني/وقع البخاري بين سياسة المأمون والمتوكل...21

عاش البخاري في ظل الدولة الطاهرية...21

بخاري فتحها أمير المؤمنين عليه السلام...22

بعد حرب الجمل أرسل علي عليه السلام جعدة فأكمل فتح خراسان...23

الدولة الطاهرية في خراسان...23

الذهلي والي بخاري الذي أراد قتل البخاري...24

تخبط البخاري بين مذهب المأمون ومذهب المتوكل...25

محمد بن يحيی الذهلي الذي نفي البخاري من نيشابور...25

الفصل الثالث/كفروا البخاري وتبنوا كتابه!...28

لو ارتد عبدالرزاق لماتركنا حديثه!...28

وكفروا البخاري وتبنوا كتابه!...29

هل يمكن الفصل بين المؤلف وكتابه...30

خذوا ما رووا وذروا ما رأوا: لا تنطبق علی البخاري!...30

الكيد السياسي بين البخاري وخصومه!...31

طمع البخاري بخلافة الإمام أحمد في بغداد...32

وكان للبخاري في بغداد محبون ومغالون!...33

الإمتحان المدبر في نيسابور...35

الإمتحان المدبر في بخاري...36

الفصل الرابع/غلوهم في البخاري وكتابه...38

إعرف شخصية البخاري من أفكاره!...38

ص: 267

لم يفقه البخاري الشريعة فأفتی بالنسب بين الإنسان والحيوان!...38

ضعفه في اللغة العربية وخطؤه في تفسير ألفاظها!...39

يروي عن الضعفاء ويقول إنهم عدول!...39

يُضعِف البخاري الراوي ثم يروي عنه!...40

إذا عبرت القنطرة فدلس، لأن الحرام يصير لك حلالاً!...41

البخاري كتاب أبي بكر وعمر قبل اللّه ورسوله صلی اللّه عليه وآله وسلم...42

البخاري: كتاب عائشة بقلم البخاري!...43

سرق البخاري كتاب أستاذه وألف منه كتابه!...43

المديني الذي سرق البخاري كتابه!...46

وقد يبالغ البخاري ويكذب!...48

وبالغوا وكذبوا في قوة حافظة البخاري ودقته!...48

من غلوهم في كتاب البخاري...51

قال بعض الظرفاء: القرآن أصح كتاب بعد كتاب البخاري!...51

حشر في كتابه أقواله وأقوال آخرين فكانت بقدر أحاديثه!...53

نسخة البخاري أوراق معلولة بالبياض والطرر والرقاع!...54

شهادة المستملي والباجلي طعن قوي في نسخة البخاري...57

الفربري شاب مغال في البخاري...58

عناوين البخاري أو تراجمه: فضيحة بجلاجل!...59

عناوين البخاري أو تراجمه كأحرف عمر السبعة!...66

عناوين البخاري الكثيرة...67

ختمات البخاري لدفع الأعداء والأمراض والشدائد!...68

الفصل الخامس/انتقاض البخاري من نبينا وبقية الأنبياء عليهم السلام...73

هدف البخاري تبریر عمل أئمته حتی بتفضيلهم علی النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم!...73

أفانين البخاري في الذم والتنقيض والمدح والتقديس!...74

صحح البخاري كذبة الغرانيق وأن النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم سجد للأصنام!...74

قال اللّه تعالی: ولقد رآه بالأفق المبين و قال البخاري: رآه في كابوس...75

ناقض البخاري القرآن فقال إن النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم سُحر!...78

اتهمو النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم بأنه مفرط في الجنس ويلهو ویلعب!...80

وزعم البخاري أن النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم كان یعبد الأصنام!...81

وزعم أن عمر أمر النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم: أحجب نساءك فنزلت الآيات!...82

ص: 268

وزعموا أن النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم وقع في خطأ فظيع فأنقده عمر...83

وزعم البخاري أن عمر تقاسم مع النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم قدح العلم!...83

وزعم أن قميص عمر أطول من قميص كل الناس...86

نشر البخاري كذبة السلطة في رفع اللعن عن زعماء قريش!...86

لم يوفر البخاري أحداً من الأنبيیاء عليهم السلام...87

الفصل السادس/البخاري في خدمة الخليفة المتوكل الناصبي!...90

المتوكل وأحمد والبخاري يبغضون علياً عليه السلام!...90

تذكير بأصول دين الخلافة القرشية...91

البخاري يروي عن الخوارج ولا يروي عن شخصيات أهل البيت!...92

البخاري لايروي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام...95

قمة الخبث عند البخاري إخفاؤه الأحاديث الصحيحة!...98

زعم البخاري أن النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم أعلن براءته من آل أبي طالب!...100

رد تكفير البخاري لأبي طالب عليه السلام...101

انتقموا من الحمزة رضي اللّه عنه وقالوا كان سكيراً معربداً!...106

وقالوا أيقظ النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم علياً وفاطمة عليهماالسلام للصلاة فرفضا!...107

وطعن البخاري في علي عليه السلام بأنه جرئ علی الدماء!...108

حرف البخاري معنی صاحب الملف الأول في محكمة القيامة!...109

كذبوا علی علي أنه أراد أن يتزوج علی فاطمة عليهماالسلام...113

كذب البخاري في سبب تكنية علي عليه السلام بأبي تراب...116

تعمد البخاري تخريب حديث:لأعطين الراية غداً...119

فتح علي عليه السلام اليمن فقال البخاري فتحها خالد بن الوليد!...124

قالت عائشة: لم يوص النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام أبداً أبداً...127

روی مسلم حديث الغدير مع أنه كالبخاري في التعصب...130

لكن البخاري استمات في تغييب حديث الغدير!...131

وروي البخاري حديثاً غريباً في وصية النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم!...134

وقالوا اتهم علي عليه السلام عائشة وقال للنبي صلی اللّه عليه وآله وسلم طلقها...135

ملاحظات علی قصة الإفك...138

ما ذنب علي عليه السلام إذا تطق عائشة ذكر إسمه!...141

الفصل السابع/انتقاص البخاري من مقام فاطمة الزهراء عليهاالسلام...143

يا فاطمة لن أشفع لك!...143

ص: 269

عداء البخاري لعلي وليونته مع الزهراء عليهماالسلام...144

روت عائشة احترام النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم الخاص لفاطمة عليهاالسلام...145

وكانت آخر من يودعه النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم وأول من يزوره إذا رجع...145

روی البخاري حديث عمروالعاص وكتم غيره...146

نزل الوحي علی النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم بواسطة فاطمة عليهاالسلام...148

جاءت إلی أبي ها صلی اللّه عليه وآله وسلم وهم يحفرون الخندق بكسرة خبز!...149

لما جرح النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم انقضت فاطمة عليهاالسلام كالصقر الی أحُد...149

ضيعوا تسبيح الزهراء عليهاالسلام وحفظناه...154

غضب فاطمة عليهاالسلام علی أبي بكر...157

مع أبي ها صلی اللّه عليه وآله وسلم في مرض وفاته...162

من نعي فاطمة الزهراء عليهاالسلام لأبي ها صلی اللّه عليه وآله وسلم...164

روايتهم: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها!...164

مسائل تكشف نُخبط البخاري في السيرة!...165

الفصل الثامن/أحاديث أفتلت من البخاري...173

طمس البخاري الصحاح في أهل البيت عليهم السلام وأفلت منه بعضها...173

أفلت من البخاري حديث كخ كخ!...173

أفلت من البخاري حديث جعله النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم قنبلة مغلفة!...175

فضح البخاري الصحابة بدون قصد فروی رزية يوم الخميس!...177

صحَّحَ البخاري أن الصحابة في جهنم لا ينجو منهم الإفراد!...177

اعترف البخاري بتحريفهم صلاة النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم ومحافظة علي عليه السلام عليها!...178

روی البخاري بشارة النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم بالأئمة الإثني عشر عليهم السلام...179

روی شهادة عمر بأن علياً عليه السلام أعلم الصحابة...179

روی البخاري تحدید أهل البيت بالمصطلح النبوي...180

روی البخاري وجوب قرن آل النبي به في الصلاة عليه...180

روی أن المهدي عجل اللّه تعالی فرجه الشريف من ولد فاطمة عليهاالسلام...181

وروی البخاري أن عيسی ينزل ويصلي خلفه عليهماالسلام...182

وأفلت من البخاري أن معاوية إمام الدعاء الی النار!...182

روی البخاري: هلاك أمتي علی يد بني أمية!...183

لكن البخاري تعمد تحريف معنی الشجرة الملعونة...183

وأفلت منه ذكر مجلس زياد ورأس الحسين عليه السلام...184

ص: 270

الفصل التاسع/أبوبكر وعمر عند البخاري قدس الأقداس!...185

غلو البخاري في تقديس أبي بكر وعمر وبنتيهما...185

أبوبكر أفضل الخلق بعد النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم عند البخاري...185

وقالالبخاري بشرة رسول اللّه صلی اللّه عليه وآله وسلم بالجنة...192

وقالوا كان أبوبكر رقيق القلب والنبي صلی اللّه عليه وآله وسلم قاسي القلب!...192

وقالوا أول من يستقي للخلائق أبوبكر!...194

وقال البخاري: يدعی أبوبكر من جميع أبواب الجنة!...194

وقالوا فضله النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم علی عمر وقال: أتركوا لي صاحبي!...194

وقال البخاري: إن جبل أحد ثبت ببركة أبي بكر!...195

وزعمت عائشة أن النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم كان يزورهم يومياً مرتين!...195

غطی البخاري علی أبي بكر مهانته وذلته في مكة...197

أخفی البخاري سبب إسلام أبي بكر وطلحة واخترع ابن الدغنة....198

قصة استجارة أبي بكر بابن الدغنة مكذوبة...204

الهجرة برواية البخاري...206

ترك أبوبكر النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم في قباء وذهب الی النسخ!...208

لا يتسع الكتاب لنقض مناقب البخاري المدعاة لأبي بكر!...210

الفصل العاشر/عمر عند البخاري أفضل من أبي بكر ومن النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم!...211

عمر نبي كامل الأوصاف وإن لم يأته جبرئيل عليه السلام!...211

عمر معصوم وعصمته أقوی من عصمة نبينا صلی اللّه عليه وآله وسلم...212

حلل البخاري الخمر من أجل عمر!...214

روی البخاري طرفاً من حفلة خمر فيها أبوبكر وعمر وأنس!...215

البخاري يحترم كعب الأحبار لأنه نبي عند عمر!...217

وقال البخاري فاتت النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم الصلاة ولم تفت عمر!...218

تبرير البخاري لانغلاق ذهن عمر كلياً!...219

قالوا أمر النبي بقطع النخيل فنهاه عمر!...220

فضيحة صارت فضيلة..مثل صارخ لتزوير البخاري!...222

الااصراع بين أبي بكر وعمر...227

الفصل الحادي عشر/غلو البخاري في عائشة وحفصة...230

البخاري: كتاب عائشة بقلم البخاري!...230

ص: 271

وصف البخاري عائشة بأنها حنيطة ورجح أنها شقراء...230

روايات عائشة المخجلة في البخاري...230

كانت عائشة تثق باليهود وتؤمن بالدجال حسب ثقافتهم...231

كانت عائشة تؤكد أن النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم أوصی بالخلافة لأبي ها وأخيها!...234

ترملت حفصة فعرضها أبوها للزواج...235

وكانت عائشة تدير حفصة،فنسب اللّه الأمر اليها والفعل اليهما!...235

عمر في وثيقة تاريخية: يبهم معنی الآيات إبهاماً!...236

كان قرآن عمر صحيفة عند حفصة!...242

أعطی اليهود عمر بستاناً فجعل ولايته لحفصة...244

الفصل الثاني عشر/دفاع البخاري بالباطل عن بني أمية والمقربين من السلطة...246

دفاعه عن إمام الدعاة الی النار: معاوية...246

ملاحظات...248

دفاعه عن يزيد بن معاوية قاتل الحسين عليه السلام...249

دفاعه عن خالد بن الوليد...251

دفاعه عن عمروالعاص...254

دفاعه عن سعد بن أبي وقاص...256

الفصل الثالث عشر/مضاهأة البخاري لليهود في التشبيه والتجسيم...258

معبود البخاري جسم يری وينزل ولا يصعد!...258

معبود البخاري يضع قدمه في جهنم لتمتلئ!...259

يتعرف الناس علی ربهم من رجله المحروقة!...260

ومن الهرطقة اليهودية عند البخاري!...260

زعم البخاري أن شخصاً يخدع اللّه تعالی ويدخل الجنة!...261

معبود البخاري ينزل الی الدنيا ولا يصعد!...261

وأفتی ابن تيمية والوهابية بقتل من لايؤمن بحديث النزول!...262

زعم البخاري أن النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم تعلم التوحيد من حاخام!...264

وروی البخاري عن عائشة ما يبطل مذهب الجسمة!...264

أبونا آدم عند البخاري نسخة من اللّه تعالی!...265

ص: 272

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.