الإمام علي (عليه السلام) يؤسس لأول دولة مدنية المبادئ والحريات والحقوق الانسانية

هوية الکتاب

الإمام علي (عليه السلام) يؤسس لأول دولة مدنية المبادئ والحريات والحقوق الانسانية

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 1874 لسنة 2018م

مصدر الفهرسة : IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda

رقم تصنيف BP37.35.N56 2018 :LC

المؤلف الشخصي : النعمة، رسول عبد الزهرة. مؤلف.

العنوان : الامام علي (عليه السلام) يؤسس لأول دولة مدنية : المبادئ

والحريات والحقوق الإنسانية /

بيان المسؤولية : تأليف الباحث رسول عبد الزهرة النعمة.

بيانات الطبع: الطبعة الأولى.

بيانات النشر : العراق، كربلاء : العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج

البلاغة، 2018 / 1439 للهجرة.

الوصف المادي : 63 صفحة : 15x21 سم.

سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة : 425).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة، 139 وحدة الدراسات السياسية، سلسلة

دراسات في عهد الامام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله) : 44).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر (الصفحات 61-62).

موضوع شخصي : علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة -

40 للهجرة - نظريته في الحكم.

موضوع شخصي : علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة -

40 للهجرة - ساسته وحكومته.

مصطلح موضوعي : نظام الحكم في الاسلام.

مصطلح موضوعي : النظام الإداري في الاسلام.

مصطلح موضوعي : الاسلام وحقوق الانسان.

اسم هيئة اضافي : العتبة الحسينية المقدسة. مؤسسة علوم نهج البلاغة. جهت مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

اشارة

ص: 2

سلسلة دراسات في عهد الإمام

علي (عليه السلام) لمالك الأشتر(رحمه الله ) (44)

وحدة الدراسات السياسية

الإمام علي (عليه السلام)

يؤسس لأول دولة مدنية

المبادئ والحريات والحقوق الإنسانية

تأليف

الباحث رسول عبد الزهرة النعمة

اصدار

مؤسسة علوم نهج البلاغة

فِیْ العَتَبةِ الحُسَيْنيَّةِ المُقَدَسَةِ

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

العتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1439ه - 2018م

العراق - كربلاء المقدسة -مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام

مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728243600 - 07815016633

الموقع الألكتروني: www.inahj.org

الإيميل: Info@ Inahj.org

تنویه:

إن الأفکار والآراء المذکورۃ فی هدا الکتاب تعبر عن وجهة نظر کاتبها،

و لا تعبر بالضرورۃ عن وجهة نظر العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بها ألهم والثناء بما قدم من عموم نعمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد و آله الطاهرین.

أما بعد:

فإن من أبرز الحقائق التي ارتبطت بالعترة النبوية هي حقيقة الملازمة بين النص القرآني والنص النبوي ونصوص الأئمة المعصومين (علیهما السلام) .

ص: 5

وإنّ خير ما يُرجع إليه في المصادیق لَحديث الثقلين «کِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِی أَهْلَ بَیْتِی » هو صلاحية النص القرآني لكل الأزمنة متلازماً مع صلاحيّة النصوص الشريفة للعترة النبوية لكل الأزمنة.

وما كتاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله) إلا أنموذجٌ واحدٌ من بين المئات التي زخرت بها المكتبة الإسلامية التي اكتنزت في متونها كثيراً من الحقول المعرفية مظهرة بذلك احتياج الإنسان إلى نصوص الثقلين في كل الأزمنة.

من هنا:

ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تخصص حقلاً معرفياً ضمن نتاجها المعرفي التخصصي في حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) و فکره، متخذة من عهده الشريف إلى مالك الأشتر (رحمه الله )

ص: 6

مادة خصبة للعلوم الإنسانية التي هي أشرف العلوم ومدار بناء الإنسان وإصلاح متعلقاته الحياتية وذلك ضمن سلسلة بحثية علمية موسومة ب(سلسلة دراسات في عهد الإمام علي ( علیه السلام) لمالك الأشتر ( رحمه الله )، التي تصدر بإذن الله تباعاً، حرصاً منها على إثراء المكتبة الإسلامية والمكتبة الإنسانية بتلك الدراسات العلمية والتي تهدف إلى بيان أثر هذه النصوص في بناء الإنسان والمجتمع والدولة متلازمة مع هدف القرآن الكريم في إقامة نظام الحياة الآمنة والمفعمة بالخير والعطاء والعيش بحرية وكرامة.

وكان البحث الموسوم ب(الإمام علي عليه السلام يؤسس لأول دولة مدنية المبادئ والحريات والحقوق الإنسانية) أحد البحوث التي تناقش بوادر أول دولة مدنية تأسست على هدي الدين الإسلامي الحق الذي ينتصر للفقير والمظلوم ويحارب الظالم

ص: 7

المتغطرس فرسم الإطار العام لحقوق الإنسان بما يحفظ له هيبته وضمان حياته.

فجزى الله الباحث خير الجزاء، فقد بذل جهده

وعلى الله أجره، والحمد لله رب العالمين.

السيد نبيل الحسني الكربلائي

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مقدمة

مشكلة البحث:

يعالج موضوعة وضع الإسلام في أطر كلاسيكيه من قبل الجماعات المتطرفة وتسليط الضوء على الأنموذج الناصع الذي يعطي انطباع حقيقي عن جوهر الرسالات السماوية وعدم إغفالها حقوق الانسان وفي مشروع أول دوله مدنيه تبناها الإمام علي (عليه السلام).

فرضية البحث:

تقديم دراسة عقلائيه بما يتلاءم مع تطلعات

ص: 9

الانسان المعاصر واثبات بالحجة والمصدر الموثوق أن أمير المؤمنين (عليه السلام) سبق الجميع في تطبيق حقوق الإنسان حيث مثل الحاكم العادل والمؤسس للصبغة الإنسانية التي مثلت خلافة السماء بحق.

مخطط البحث:

يقع البحث بفصلين: الأول في مشروع الدولة المدنية، المبحث الأول تمهيد / المبحث الثاني أسس الدولة المدنية / المبحث الثالث ملامح المدنية الجديدة / المبحث الرابع مشروع السجون الإصلاحية / المبحث الخامس الحكم الديمقراطي الإسلامي.

الفصل الثاني: الحقوق والحريات في عهد

الإمام علي عليه السلام.

المبحث الأول مدخل للحقوق والحريات

ص: 10

وهي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية

المبحث الثاني: التعددية وقبول الآخر المبحث الثالث في حرية التعبير عن الرأي.

المبحث الرابع: في حق المعتقد المبحث الخامس العدالة الاجتماعية/ المبحث السادس في حقوق المرأة/ المبحث السابع حقوق أخرى / المبحث الثامن في الخاتمة.

تقدمة

الحمد لله رب العالمين وأتم الصلاة والتسليم

على نبيه محمد و آله الطيبين الطاهرين، وبعد:

فمن رحم البداوة والصحراء والوحشية والجهل والتعصب ولدت الرسالات والإنسانية متمرده على تلك البيئة القاسية والقلوب الغليظة لترسم للإنسان حقوقه بكل معاني المحبة والسلام

ص: 11

والقوة في أخذ حقوق الفقراء وقد تمثلت بشخص علي ابن أبي طالب (عليه السلام) رجل العدالة والمبادئ السامية لعكس صورة طبق الأصل عن جوهر الإسلام الذي أرسلته السماء وتغذاه من خلق محمد الصادق الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم الرسل السماوية ومتلازمته معه لم تك الفطرة السليمة والأرحام المطهرة هي فقط من أوجدت هذه الشخصية المعطاء وإنما امتناعه عن كل ما كان يقوم به ذلك المجتمع المتخلف والمتوارث بالجهل والعادات السيئة والقديمة، فنشئ وهو يمقت كل ما يراه من ظلم وتفرقة وتشضي وقد ازدادت حكمته وتنامت إنسانيته وهو يرى البؤس والشقاء، فطهر لسانه وقوي ساعده بوجه الظلم والقبلية فمن هنا بدأت قصة الإصلاح تتنامی قبل تولي علي (عليه السلام) عرش الحكم فقد احترم الرأي الآخر ولم يشق

ص: 12

جموع المسلمين حتى في موعد الشروع بواجبة المرصود والمقدس إلى أن سنحت له الفرصة ليطرز أرقى معاني الجمال من احترام الرعية، والعطف على الأيتام، والدفاع عن المرأة والإنسان بكل اختلافاته، فلا يوجد في التاريخ من يسجل علیه فساداً، أو ظلماً، نزولا إلى ولاته وعمّاله، وكانت کلاته نهج مصنف للحقوق وتبيان لكل المفاهيم والنظم القيمة والطروحات البناءة، فلم يشبع بطنا، ولا يجلس مكتوف اليدين في قصر منيف، وإنما يستمر بمتابعاته الرعية وكان مساره في تحقيق أسس حقوق الانسان ومشروع أول دوله مدنيه استمدت مقتنياتها من دولة الإسلام الأولى للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) لتصل للخلافة الحقيقية التي صرحت بها السماء حيث عمل على استحداث المؤسسة بحسب العصر الجديد فكان بناء السجون الإصلاحية،

ص: 13

وتبني ثقافة الحوار واحترام المعتقدات غير الا سلاميه هي السياسة السائدة في دولته، وقد أخذ مفهوم حقوق الإنسان تطبقيه في فلسفة الإمام علي (عليه السلام) بطريقتين؛ الأولى: جمعت في نهجه التوعوي أي بالحكم، والإرشادات، والكلمة المعبرة، والمنحى الثاني: كان بالتطبيق العملي، وهو التعامل مع الرعية والعال بشكل ينسجم مع ما يتطابق مع مفاهیم حقوق الإنسان

المعاصرة.

ص: 14

الفصل الأول

أسس الدولة المدنية

تمهيد

لا يخفى علينا أن فجر الرسالة الإسلامية الذي جاء بمشروع ساوي خلَّص الإنسان من الاستعباد والفوضى والقبلية، وساوى بين كل الأصناف الحر، والعبد، والرجل، والمرأة، معبرا بذلك بدستور ساوي اسمه القران الكريم، كان رسالة كبيرة، ومنعطفاً واعداً في تاريخ البشرية، من الصعب توقف مسارها أو تكلؤها إذ إنَّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يستن الأحاديث والمواقف الآنية التي يعالج بها كل مستحدث بما يتلاءم مع ما يريده الله جل شأنه للإنسانية، إي على وفق المعايير الدينية

ص: 15

المنصوصة حيث لم تكن هناك دساتير تنظم حياة البشرية فكان الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو المنظم لذلك، وهذا معروف إلا إننا ما أردنا أن نوضحه في هذه العجالة أن مسيرة الإمام علي عليه السلام مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) و شهادته لهذه البادئة الرسالي وما تلا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من خلافة أصحابه جعلت الإمام علي (عليه السلام) إمام موقف تاريخي مهم وهو كيفية صناعة إطار مدني يترجم مع وضع الإنسان المدني المعاصر، فقد أصبح لزاما عليه استخدام قوالب جديدة في الدولة والحكم تتماشى مع العقلية الجديدة مستفيدا من أخطاء من سبقوه ورد فعل الانسان المختلف إي بمعنى تبني مفاهيم إنسانية جيدة تسهم في قبول الآخر وتلاءم الجميع وترجع الإسلام إلى مساره الحقيقي الذي عرفه من

ص: 16

متلازمته مع الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) و تشربه بإيمانه الصادق الذي نمت هذه الشخصية العظيمة منه إلى أن قال حبر ألأمه ابن عباس لو أن الشجر أقلام والبحر مداد والإنس والجن کتاب وحسًاب ما أحصوا فضائل أمير المؤمنين(1)، من هنا كان من الواجب الوقوف عند هذه الشخصية والتعرف على منجزاتها سيما وإن الرسول الأكرم نفسه قال فيه يوم برز لعمرو بن عبد بن ود العامري: ((خَرَجَ اَلْإِيمَانُ كُلُّهُ إِلَى اَلشِّرْكِ كُلِّهِ))(2) هذا هو من يحمل الصورة الناصعة والصادقة للإسلام الذي قام الكثيرون بتشويهه.

ص: 17


1- تذکرة الخواص، ص8 وكذلك أورده علي دخيل في نهج البلاغة، ج 1، ص6.
2- المصدر السابق نفسه.

أسس الدولة المدنية

من أثر تربيتة الإمام علي (عليه السلام) على يدي الرسالة السامية التي تبناها خاتم الرسل محمد (صلى الله عليه وآله) كان جل ما يطمح إليه عليّ (عليه السلام) إقامة دولة إسلامية عادلة راشدة حدد معالم أسسها الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية منذ الأيام الأولى لاستلامه الخلافة وكان أول أسسها وصيته الرجالاته الذين كلفهم بقيادة أمور المسلمين في الأمصار کوصيته (لمالك الأشتر) عندما ولاه مصر هذه الوصية التي اعتبرت منعطف تاريخي لدى الكثير من السياسيين ووثيقة لمشروع تأسیس دولة مدنية معاصرة تحترم الجميع وأن رؤيته لمفهوم الدولة بصيغتها العقلانية المطروحة في (وصية الأشتر) تجلت کرؤية دولية عقلانية منذ اليوم الأول لوفاة الرسول الكريم محمد

ص: 18

(صلى الله عليه وآله) وفي أثناء حادثة السقيفة التي ترك فيها صحابة الرسول ( عليه الصلاة والسلام على فراش الموت مع علّيَ (عليه السلام) وأهله وراحوا يتفاوضون ويتبايعون على الخلافة بغض النظر هنا عن النيات الحسنة أو السيئة لمن تواجد في السقيفة آنذاك وراح يفاوض في أمور السلطة مثلما تجلت أيضا عبر حکم من سبق الإمام (عليه السلام) حيث كان علي (عليه السلام) المرجع الحكيم الذي كثيرا ما لجأ إليه الحكام؛ لاستشارته عند الضرورات من أمور سیاستهم لشؤون الدولة، ثم سارت باعتراضاته على بعض الأحكام وتصحيحاته الدائمة للدولة وهو يمثل دور الناشط المدني والسياسي الذي يمتاز بالموقف والاهتمام حينها كان يمثل (عليه السلام) المنظمة المدنية التي ترجع الدولة له في العديد من الاستشارات والمواقف وصاحب

ص: 19

الدراية المتكاملة، وقد اكتشف نقاط الخلل واضعا في نظره مدنية الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) الأساس الصلب التي كان من معالمها وثيقة المدينة، واللبنة الإدارية الأولى في المنطقة.

ملامح المدنية الجديدة

إن أول ملامح الدولة المدنية المعاصرة التي أسسها الإمام علي (عليه السلام) هي ترك كل ما يشوب حياة الانسان المدني المعاصر، ومن ذلك إيقاف الفتوحات والتوسعة في الدولة الإسلامية لوجهة نظر أو وجود مآخذ ترافق تلك الفتوحات قد تحدث في ظل حكومته يمكن أن تقاس بمقاسات أخرى تشبه العادات الجاهلية التي كانت تشوب حياة الإنسان القديم ومنه العربي خصوصا کالسلب، والنهب، والغنائم والسبايا، ووضعها ضمن خراج الدولة أو ما

ص: 20

تسمى بالواردات في العصر الحديث، أي إنه جمد هذا المشروع ليبدأ بإعادة صقل وإصلاح ما موجود وكان كفيل بنجاح فكرة التكافل الاجتماعي التي تزينت بها معاجم الكتب والسير وهي أنه وجد سائل فتعجب في حكومته فقيل هذا غير مسلم وأمر بصرف راتب له إذن كان يتعامل مع الإنسان بشكله لا نوعه بالإضافة إلى موضوعنا وهو انه تعجب بوجود متسول أي إنه وفيق في مشروعه الاقتصادي حتى ذكر أصحاب السير أنه استطاع أن يسيطر على توازن الأسعار في السوق، وخلق مساواة في المتاجر بطريقة اقتصاديه اعتمدها من دون اللجوء للقوة والتشريع ألا وهي الإشراف المباشر من قبل الدولة على التجارة، بل وما يهمنا هنا هو كلمته المشهورة وهي انثروا القمح على اسطح الجبال وهي تقودنا إلى جانبين مهمين الا وهما: وصول الدولة إلى مرحلة من

ص: 21

الاكتفاء والاستقرار الاقتصادي، والنوعي بشكل ملحوظ، والجانب الأخر: هو اهتمامه قد تعدى الانسان وهذا من أهم المفاهيم والقيم المعاصرة، بل وتعداها بجدارة وليس باللوائح والمآثر الكلامية وإنما بالتطبيق الميداني برعاية حقوق الحيوان كذلك.

مشروع السجون الإصلاحية

من المؤكد أن فكرة السجون هي بحد ذاتها تعتبر موقع تعذیب و انتقام أو مصادرة رأي أو تغييب من اتهم أو ثبت عليه جرم أو جنحة موجهه الا أن الإمام علي (عليه السلام) اعتمدها كإصلاحيات للمجرمين والمذنبين بحق المظالم أي هم الأشخاص الخطرون والمجرمون بحق الناس باختلاف أنواعهم، أي هم ليسوا سجناء رأي أو أعداء للسلطة، ولا يوجد أي مصدر تاريخي

ص: 22

يشوب ذلك بالعكس، وسنتناول هذا الموضوع في المبحث الثاني بالأحداث التاريخية أن الإمام علي (عليه السلام) قد وردت عشرات القصص على من يكيل عليه التهم والسب أمام الناس، وفي السوق وفي المسجد، وهو يخطب من دون أن يأمر باعتقاله معبرا عن فكره الديمقراطي المعاصر ومحترمالكل رأي مختلف و إن كان هذا الشخص عليه شائبة كان علي (عليه السلام) ملتزما بجميع الضمانات الإنسانية للسجناء. فكان يخرج فئات من أهل السجن ليشهدوا الجمعة بشروط معينة ثم يعيدهم)(1).

وفي الموضوع ذاته أنه قام بتقنين مادة في دستوره تنهی عن الأخذ بالأقوال التي تنتزع تحت التعذيب کان نصها: ( مَنْ أَقَرَّ عَنْ تَجْرِيدٍ

ص: 23


1- المستدرك ص 431.

أَوْ حَبْسٍ أَوْ تَخْوِيفٍ أَوْ تَهْدِيدٍ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ).(1)

حيث إن فكرة السجن بوصفها مؤسسة إصلاحية علاجية تأهيلية لم تتبلور في الفكر القانوني الإنساني المعاصر إلا بعد مخاضٍ طويل، غير أنها وجدت تطبيقاً لها في بدايات الدولة الإسلامية، ولاسيما في فكر الفقيه الكبير والمفكر العظيم علي بن أبي طالب (عليه السلام) على نحو سبق فيه الأفكار الحديثة بمئات السنين، وإنه ما كان يبقي أحدا في السجن من دون حق، فقد كان يعرض السجون كل يوم جمعة، فمن كان عليه حد أقامه عليه ومن لم يكن عليه حد خلّی سبيله(2) وعلى ذلك سنتولى عرض فكرة السجن الإصلاحي في الفكر القانوني الإنساني أولاً، وفي الفكر الإسلامي الذي يمثله الإمام (عليه السلام)

ص: 24


1- الوسائل: ج 16، ص111.
2- المستدرك: ج 88، ص36.

ثانياً أما موضوع السجن بشكل عام قبل وبعد الإمام علي (عليه السلام) كان هدفه في العصور القديمة: هو الانتقام من الجاني وتعذيبه، أما هدف السجن في العصور الوسطى فالسجن في هذه الفترة يوافق أفكار الكنيسة حول العقوبة الذي تمثل بتطهير المجرم من الذنوب والخطايا من خلال الاقتصاص التطهيري، فعقوبة السجن لم تكن تستهدف سوى الانتقام والإرهاب بداعي تطهير المجرم؛ لأن هدف العقوبة كان آنذاك هو الردع فقط من دون الإصلاح، لذا نجد أن السجون كانت عبارة عن قلاع أو حصون قديمة يودع المجرمون فيها بسراديب مظلمة مكبلين بالسلاسل مع التعذيب وإجبارهم على القيام بأعمال السخرة(1) الا أن السجون في فلسفة علي (عليه السلام) ((أي دولة المدنية الإسلامية

ص: 25


1- علم العقاب : محمود معروف عبد الله ص19.

الحقيقية)) كان لا يسجن الشخص إلا بعد معرفة الحق وإنزال الحدود، لأن الحبس بعد ذلك ظلم کا ذکرنا(1)والسجون هي إصلاحيات تنوب عن أحكام قديمة وتم توقيف الأحكام القديمة والتقليل منها وهي الرجم والتعزير والجلد وقطع اليد وما إلى ذلك، إلا إن الملاحظ أن التعامل مع المواقف يكون بحسب الحالة فإذا كان يمكن إصلاحها بالسجون كان اختيارها أولى وهذا ما يؤيد بطلان الفكرة التي تعتمدها بعض الجهات المتخلفة التي تلسق نفسها بالإسلام معتبرة أن هذه الوسائل العقابية هي الوحيدة التي لا تستحدث بحسب التطبيق القديم للمشرع الإسلامي وعلى ذلك يمكن القول: إن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو أول من وضع قواعد الحد الأعلى وليس الأدنى لمعاملة

(1)

ص: 26


1- المستدرك: ج 17، ص403.

المسجونين وتنظيم السجون بوصفها مؤسسة إصلاحية تأهيلية علاجية، ثم انتشرت بعد ذلك فكرة السجون في الدولة الإسلامية وخاصة في العهدين الأموي والعباسي غير أن الغاية منها قد ابتعدت عن الإصلاح والتأهيل والتهذيب لتتحول إلى التنكيل والانتقام من السجناء، ولم يطبق الفكر الإصلاحي للسجن بعد أمير المؤمنين (عليه السلام) إلا في عهد الخلفية عمر بن عبد العزيز، الذي أكد في كتبه إلى عاله ما جاء به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)(1).

هناك حقيقة واضحة لا غبار عليها وهي أن الإسلام بعد المنبع الرئيس لكل النظريات التي تهدف إلى حفظ حقوق الإنسان وحرياته؛

ص: 27


1- الجريمة والعقوبة والمؤسسات الإصلاحية: حسن طالب، ص 172

وصيانة كرامته بما هو إنسان وان كان مجرماً، لذلك اهتم الفقه الإسلامي بالسجن والسجين، ومن الملاحظ أن لفظة السجن مؤسسة بوصفها مؤسسة عقابية وكعقوبة قد وردت في القرآن الكريم في سورة يوسف في ثمانية مواضع والسجن كعقوبة وإن عرف في زمان الرسول الأكرم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غير أنه لم يكن هناك مكان يحبس فيه الشخص المجرم، فكان الحبس يتم أما بساحة المسجد النبوي أو في الدهاليز أو في البيوت ومنها بیت المضرور، وجدير بالذكر أن السجن لم يكن سوی عقوبة من نوع التعازير وليست من نوع الحدود أو القصاص أو الديات، وظل عدم وجود مكان معين يحبس فيه الأشخاص وهذا ما لا يخفى على الجميع من موضوع الأسرى من

ص: 28

الحروب وهاتيك الموضوعات (1) وكانت أصلا بداية فكرة السجون بحسب المؤرخين حينا تولى الإمام علي (عليه السلام) الخلافة اهتم بالسجن ایَّما اهتمام فبني سجناً في الكوفة من قصب وسماه (نافعاً) فنقبه اللصوص وهربوا منه، ثم بني سجناً آخر من مدر وسیاه (مخیساً) وتلاحظ النزعة الإصلاحية لهذين السجنين من اسميها فالسجن الأول اسمه (نافع) والنفع ضد الضرر، أما الثاني فقد سماه (عليه السلام) مخیس والتخسيس يعني التليين والمرونة، هذا من حيث الاسم، أما من حيث المعاملة العقابية فقد عمد الإمام (عليه السلام) إلى وضع قواعد خاصة في معاملة المسجونين ترمي إلى الحفاظ على كرامة الإنسان بما هو إنسان أولاً وكونه مسلماً ثانياً. فنجد أن هناك عناية بالسجين من نواحي الجسد

ص: 29


1- أحكام السجون بين الشريعة والقانون، احمد الوائلي ص 45.

والروح والفكر، فكان الإمام علي (عليه السلام) يتابع طعامهم وشرابهم وكان يصرف لهم كسوة صيفية وأخرى شتوية وفي حال مرض أحد السجناء فكان يعالج داخل المؤسسة العقابية وان لم يكن له خادم يقوم بخدمته قوَّم له واحداً، وان كان مرضه لا يرجى شفاؤه أو خطراً على حياته فينقل إلى بيته لعلاجه ومن ثم يصدر قراراً بإعفائه من مدة محكوميته، وكان يسمح للمسجونين بالخروج والمشي داخل المؤسسة العقابية، بل نجد أن الإمام (عليه السلام) قد أقر للسجناء بحق الخروج لأداء صلاة الجمعة والعیدین، مع حق ذويهم وأهلهم في زيارتهم، ثم نجد أن الإمام (عليه السلام) قد أقر تعلیم السجناء القراءة والكتابة والأحكام الدينية والعقائدية والمواظبة على ممارستها، ثم أكد على ضرورة معاملة السجناء النزلاء بالحسنی من

ص: 30

قبل القائمين على إدارة المؤسسة العقابية وذلك كله يتم تحت إشرافه ورقابته المباشرين، بل كان يوصي عماله في الأمصار الأخرى بذلك كله، هذا الفكر الإصلاحي أصبح نقطة الانطلاق فيما بعد اللفكر الجنائي الإسلامي والإنساني) عموماً في الاهتمام بالسجن والسجين(1).

أسس الحكم الديمقراطي الإسلامي

من أهم المفاهيم المعاصرة هو مفهوم الديمقراطية ولسنا هنا بصدد التعريفات الا ان جل ما نود الإشارة له هو أن حكم الإمام علي (عليه السلام) كان يمثل هذا النوع من الحكم بنضرة المستشرقين والباحثين بشكل عام، وإن لم يشيروا لهذا المصطلح بصورة مباشرة إلا إنه لا

ص: 31


1- السياسة الجزائية في فقه العقوبات الإسلامي المقارن د احمد الحصري ص 389.

يوجد ذكر عكس ذلك وإنما احترام الحريات العامة هو السائد في نظر عل (عليه السلام) ومنها قوله (عليه السلام) ضمن كلام واضح وجميل ((يا أيُّها الناسُ ، إنّ آدمَ لَم يَلِدْ عَبدا و لا أمَةً ، و إنّ النّاسَ كلَّهُم أحْرارٌ))(1). وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام) (الناس كلهم أحرارا، إلا من أقر على نفسه بالعبودية) ومن هذا وغيره، ومن المبادئ التي أراد تحقيقها الإمام علي (عليه السلام) احترام الجميع وإرساء العدالة الإلهية وكفالته الشهيرة لأديان غير المسلمين و ما يتعلق مباشرة بموضوع الأقليات وهو مبدإ المساواة بين البشر وهو ما يعزز المفهوم الديمقراطي للحياة العامة والسياسية. فموضوع الأقليات في العصر الحديث يجد إطارا مرجعيا في مبدإ

ص: 32


1- غرر الحكم: ص 445 ، حكمة 10371 للقاضي ناصح الدين الامدي.

المساواة بالصيغة التي أشارت إليها حقوق الإنسان، واعتبرت لدى كثيرين مرجعاً عالمياً معاصراً لهذا المبدأ إلا أنه يسهل القول بأن الإسلام سبق هذه الوثائق في تقرير جملة المبادئ التي تضمنتها حمايته لحق الإنسان في العيش الحر الكريم، وعلى رأس تلك المبادئ وأخصها مبدأ المساواة بين البشر. فالقرآن الكريم يشير إلى وحدة المنشأ للناس كافة عندما يخاطبهم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى» (1)و الواقع العربي الذي عاشه العرب هو كأنموذج ساد الشرق الأوسط والعالم الثالث عامة، حيث إن الأنظمة المبنية على مفاهيم عضوية قد فشلت بشكل كبير في توفير الرفاهية عبر ادعائها الديمقراطية(2)، ولأن المعايير المدنية مفتوحة على

ص: 33


1- سورة الحجرات أيه: 13
2- المواطنة والهوية الوطنية لمعهد الأبحاث دار العارف

مصراعيها فقد يتبناها أي شخص أو مذهب فكري عکس الإسلام الذي يستمد جذوره من السماء وهذا التشخيص ينبغي أن لا يثير فينا الاستغراب كون أن الإعلان الأصلي لحقوق الإنسان وضع عام 1948 يوم كان عدد الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة لا يتجاوز ستة وخمسين عضوا معظمهم من الدول الغربية، يضاف إلى ذلك أن اللجنة الخماسية التي وضعت الإعلان كان كل أعضائها من أصحاب النزعة الليبرالية.

(1)

ص: 34


1- للمطبوعات:108

الفصل الثاني

الحقوق والحريات في عهد الإمام علي

مدخل

إن جل ما يطمح له الإمام علي (عليه السلام) هو عالم مليء بالسلام، والتسامح، والحب والوئام، ويُحترَم الإنسان بذاته الطبيعية الا صفاته. فيما انه استخدم النظام الإسلامي بوصفه دستوراً الهياً متأصلاً لتوحيد الجهد البشري، في الوقت الذي كان يتيح المعلومة والمعرفة والحزين العلمي الذي حصل عليه من فجر الرسالة ومعرفته العامة لطبيعة ذلك النوع من البشر ومتغيراتهم، كان (علیه السلام) لا يُنَظّرُ فقط وإنما كان يطبق هذه المضمونات بشكل عملي، وما أردنا الإشارة إليه في هذه العجاله أن مقتصر الحريات والمفاهيم المعاصرة

ص: 35

التي تناولناها هي فقط من یکثر اللغط عنها في العصر الحديث، وتمثل فيها الحريات فنحن لم نتطرق إلى كل مواد لائحة حقوق الإنسان التي تضمنت ثلاثين مادة فلا يهمنا أكثرها فهي حق الحياة، والزواج، والتنقل، وهي بديهية؛ وإنما الحريات التي تتصدر المحافل، والمنظمات، والسياسات، والمدافعين عن حقوق الانسان کالدفاع عن الطبقات الهشة والمهمشة، وهي طبقات الأطفال، والنساء، والتعددية وحقوق الأقليات والعدالة الاجتماعية، وقبول الأخر، وحرية التعبير، وما إلى ذلك ، التي يمكن التعبير عن أكثرها بالاجتماعية، والاقتصادية، وقد تناولنا في هذا المبحث فقط ذات الأهمية كما ذكرنا وكيف أن الإمام علي (عليه السلام) قد تناولها في المجالين والنظري العملي.

ص: 36

التعددية وقبول الآخر

مع أن الإمام (عليه السلام) كان يرى أنه الأحق بالخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن الرسالة العظيمة التي صنعت منها السماء أعظم دوله في تاريخ البشرية، لا يمكن أن تنتهي بوفاة النبي الأكرم من دون أن تستمر برجل يراه مناسبا لإكمال المسيرة، وعلى الرغم من كل ذلك فقد احترم رأي طيف من المجتمع ولم يشق صف المسلمين متقبلا للرأي الآخر وإن أكثر ما اشتهر عن الإمام علي (عليه السلام) هو احترامه للجميع حتى انه أكرم عائشة خير إكرام بالرغم من أنها ألّبت عليه جموع المسلمين، ولم يقم بأي عمل ضدها، بل هيَّأَ لها حين انتهت الحرب عشرین خادمة يقمن بواجبها، وكل الذي بدر منه عتاب في قول، إذ قال لها: (ما أنصفكِ

ص: 37

الذين أخرجوك إذ صانوا حلائلهم وأبرزوك ).(1)

وإن أهم مثال لقبوله للتعددية هو عهده المالك الأشتر الذي أشار فيه: ((إنَّ النَّاسِ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَ إِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ))(2)ما يعني انه يقبل أي إنسان حتى وان لم يك مسلم ويوجه باحترامه وتقبله وما دل على ذلك كذلك هوساعه لصوت الناقوس في الكنائس والأديرة وهم في دولته وقد أشكل عليه البعض الا انه قال لهم هل تعلمون ماذا يعني صوت هذا الناقوس أو يدل قالوا ماذا قال انه يقول لا اله الا الله إلى تكملة الحديث(3)

ص: 38


1- الجمل والنصرة في حرب البصرة: للمفید، ص206.
2- تحف العقول: ص 90.
3- بحار الأنوار: ج 2، ص 322.

وإن أهم نص يبين أن الإمام علي (عليه

السلام) رجل كما يسمى باليوم بالمثقف والمعاصر ينفتح على الجميع وينظر للأمور بطريقة مدنية جديدة ويتعامل مع الناس على ما هم عليه وليس ما يريده هو، وصيته لمالك الأشتر في عهده له لأهالي مصر، قوله ((ثُمَّ اعْلَمْ يَا مَالِكُ أَنِّي قَدْ وَجَّهْتُكَ إِلَى بِلَادٍ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ مِنْ عَدْلٍ وَ جَوْرٍ، وَ أَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ فِي مِثْلِ مَا كُنْتَ تَنْظُرُ فِيهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلَاةِ قَبْلَكَ..)) (1)في إشارة واضحة الاحترامه لحرية الناس وعدم التأكيد على تطبيق سياسة الإمام علي (عليه السلام) أو الدين الإسلامي وتشريعاته وما يوضح هذا المعنى أكثر بالرغم من أن بينه وبين الخوارج دما الا ان ذلك لم يمنعه في أن يمدهم بالعطاء من بيت مال

ص: 39


1- تحف العقول: ص 90 للحسن بن علي الحراني.

المسلمين وهذا مؤشر أخر على مدى تمسك علي (عليه السلام) بالحق والإنصاف والعدل. وانه لم يمنعهم من دخول المساجد وعاملهم معاملة المفتونين المشتبهين بالرغم من أنهم تطاولوا على

حكمه وحكومته، بل راح أكثر من ذلك يلتمس لهم الأعذار وقد أكد أن من لديه دعوى مع شخص اللجوء للقضاء ونلاحظ ذلك في قوله ((ان الحدود لا تستقيم الا على الحاجة والمقاضاة وإحضار البينة))(1).

حرية التعبير عن الرأي:

من الموضوعات الحديثة والمدنية ذات الأهمية هو حرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي کجز من حريات الإنسان المعاصر وفي مجمل أبحاثنا عن هذا الموضوع في المنطقة العربية

ص: 40


1- الدينوري الأخبار الطوال ص 130

ادعوا

وجدنا أن الإمام علي (عليه السلام) كان هو بحد ذاته يؤكد على أن يكون الإنسان شجاع في تعزيز حريته في كل المجالات حيث يقول ((لا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَ قَدْ جَعَلَكَ اللّهُ حُرّاً))(1)، حيث جسد الإمام علي (عليه السلام) احترامه لحرية التعبير عن الرأي مصداقاً لخلافه السماء فوصفه إنساناً، ناهيك عن كونه حاکماً يحمل فكراً أزلياً، فمنذ أن رفض إبليس السجود لكائن خلقه الله من الطين بدأت حرية احترام الرأي من الله جل شأنه، وناقشه بصورة عادلة، ولم ينكل به بل تركة وهو القادر على كل شيء، ومن هنا أصبح الزاما على أصحاب الرسالات الالتزام بهذا النهج فعلي (عليه السلام) لم يستخدم السيف لكل ناقد ولكل متمرد على الحكم، و لم يستخدم السلاح متذرع بالحفاظ على أمن الدولة أو أن الدولة تمر

ص: 41


1- نهج البلاغة للشريف الرضي ص 140

بحالة استثنائية أو حالة طوارئ، ليقوم بتصفية كل المعارضين للحكم ولو معارضي الرأي لكنه يأبی لنفسه ذلك، ولأنه رجل ينطلق من منطلقات التشريع الإلهي معتمدا على القاعدة الشرعية ( أن لا استخدام للسيف إلا باستخدامه من الطرف الآخر) أما إذا كانت المعارضة في ضمن الأطر السلمية والنقد، فلا يجوز التعاطي معها بالقمع والتجاوز على الحريات. لذلك عندما كان يخطب على منبر الكوفة انبرى له رجل ممن یکفرونه وقال قاصدا الإمام (لله أبوه کافرا ما أفقهه) فانبرت له جماعة تريد قتله فمنعهم الإمام (عليه السلام) ناهيا إياهم (( اِتْرَكوهُ فهُوَ سَبٌّ بِسَبٍّ أَوْ عَفْوٌ عَنْ ذَنْبٍ.))(1). وكأنه بذلك أراد أن يؤسس لحرية التعبير ويقنن حرية النقد حتى لرأس السلطة فهو ليس فوق النقد واکبر

ص: 42


1- نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي ص197

من أن ينتقد، وهناك العديد من الروايات التي تؤكد على تبني الإمام علي (عليه السلام) هذا المفهوم التحرري، إما حق التظاهر فكان واضح وجلي في رده على عمر أول صعوده المنبر متسائلا إذا ما اخطأ فأجاب الإمام (عليه السلام) ((إذن

القومناك بسيوفنا ))(1).

حرية المعتقد

كان (عليه السلام) يشار له بحريه المعتقد

وبشواهد عده واقرب دليل هو الرواية التي تذكر سماع الأمام علي (عليه السلام) صوت أجراس الكنائس والأديرة في الحيرة بالقرب من الكوفه(2) إما وثيقة الإمام (عليه السلام) المالك فقد تضمنت عددا من الحقوق والحريات

ص: 43


1- أهل البيت تنوع ادوار ووحده هدف لباقر الصدر ص89.
2- بحار الأنوار ج 2 ص 322.

العامة، أهمها حرية العقيدة وذلك نلحظه في موقفه المتسامح مع أهل الذمة بالرغم من أنهم أقليات، ولا يمثلون عنصر ضغط على الدولة إلا إن الإمام (عليه السلام) كان يراعي حقوقهم، بل جاء في الروايات التاريخية ( انه لما أقدم بسر بن أرطأة بالهجوم على الأنبار وقام بسلب المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة تألم الإمام (عليه السلام) لكلاهما من دون أن يفرق بينهما فقال: ((وَ لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَ الْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَ قُلُبَهَا وَ قَلَائِدَهَا وَ رُعُثَهَا مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلَّا بِالاسْتِرْجَاعِ وَ الِاسْتِرْحَامِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلًا مِنْهُمْ كَلْمٌ وَ لَا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ. فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً...))(1).

ص: 44


1- نهج البلاغة ص 13.

فالإمام (عليه السلام) كان يتألم للمسلمة وما جرى عليها كما تألم للمعاهدة من دون تفریق. هذا مما يدلل لنا مدى شمولية الإنسانية بالإسلام في فلسفة الإمام علي (عليه السلام) وإن المسلم محترم في الدولة الإسلامية بوصفه مواطن كذلك المواطنون الآخرون من أصحاب الديانات الأخرى أن لهم حقوقا وواجبات کیا للمسلمين حقوق وواجبات. وكان موقفه مستمدا من موقف القران مع أهل الذمة بقول الله في كتابه ««لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ »(1)، فيما بدأ ذلك واضحا في حق الملكية الخاصة: ((وَ لَا تَمَسُّنَّ مَالَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مُصَلٍّ وَ لَا مُعَاهَدٍ))(2)، مشيرا في المساواة بين بني البشر: ((یا أيُّها الناسُ ، إنّ آدمَ لَم

ص: 45


1- سورة البقرة 265.
2- نهج البلاغة ص 149.

يَلِدْ عَبدا و لا أمَةً ، و إنّ النّاسَ كلَّهُم أحْرارٌ))(1). وكما ذكرنا في مورد سابق، وتجد ذلك واضحا وجليا في موقفه مع أحد الأنصار عندما اعترض عليه بمساواته في العطاء بينه وبين عبده الذي اعتقه منذ فترة وجيزة؛ إذ أعطى الإمام (عليه السلام) كلاهما ثلاثة دنانير فساوي بين العبد ومولاه فاحتج المولى عليه قائلا: (يا أمير المؤمنين هذا غلام أعتقته بالأمس تجعلني وإياه سواء فقال: إِنِّي نَظَرْتُ فِي كِتَابِ اَللَّهِ فَلَمْ أَجِدْ لِوُلْدِ إِسْمَاعِيلَ عَلَى وُلْدِ إِسْحَاقَ فَضْلاً .

)(2).

وأخيرا فقدندد الإمام علي (عليه السلام)

بمعاوية عندما كان يأمر بالإغارة على أطراف العراق من دون أن يفرق بين المسلمين أو النصارى، فقال الإمام (عليه السلام): ((ويحك

ص: 46


1- غرر الحكم: 447.
2- الكليني في الروضة ج 8 ص 69

ماذنب أهل الذمة في قتل عثمان))(1).

العدالة الاجتماعية

من أكثر ما يطمح له الإنسان المعاصر هو الحكم الديمقراطي، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين كل بني البشر، ولعل أجمل قصه في هذا السياق هي في خلافة الإمام علي (عليه السلام) إذ كان المسيحي مواطناً له ما للمسلم من حقوق، بل الحاكم يضع نفسه مقابل أي مسيحي عادي ويشهد موقفه (عليه السلام) عندما ضاع درعه وهو قاصد حرب صفين أو عندما وجده عند رجل مسيحي وطلب الإمام (عليه السلام) القضاء في الموضوع ذهب مع خصمه إلى القاضي (شريح )، فوقف الخليفة الحاكم مع الرجل المسيحي أمام القاضي من دون أي تميز، قال

ص: 47


1- نهج السعادة ج5 ص 308

(عليه السلام) المدعي أنها درعي ولم أبع ولم أهب، فسأل القاضي الرجل المسيحي ما تقول فيما يقوله (عليه السلام) فقال ما الدرع الا درعي وما أمير المؤمنين عندي بكاذب فالتفت شريح القاضي إلى أمير المؤمنين قائلا هل من بينة ياعلي تشهد أن الدرع لك فضحك علي (عليه السلام) وقال أصاب شريح ليس لي بينة فقضى شريح بالدرع للمسيحي فأخذها ومشى وأمير المؤمنين ينظر إليه إلا إن الرجل لم يخط خطوات حتى عاد يقول: أما أنا فاشهد أن هذه أحكام الأنبياء أمير المؤمنين يدنيني إلى قاض يقضي عليه، ثم قال: الدرع درعك والله وقد كنت کاذب فيها ادعيت. وفي مسار العدالة نفسه يروى أنه تحاكم الإمام عليٌ (عليه السلام) أمام عمر، وكان الخصم يهودیًّا، وكان عمر ينادي عليه قائلاً: يا أبا الحسن، وهو يتحاكم أمامه،

ص: 48

فظهر الغضب على وجه عليّ (عليه السلام) فظن عمر أن عليًّا (عليه السلام) يتبرم من وقوفه مع اليهودي على قدم المساواة، فقال عمر لعلي (عليه السلام): أكرهت أن يكون خصمك یهودیًّا؟ فقال علي (عليه السلام): إنما غضبت لأنك لم تسؤَّ بيني وبين خصمي اليهودي إذ | ناديته باسمه، وناديتني بکنیتي.

حقوق المرأة

كان أكثر من حفظ حق المرأة وعزز وجودها الإنساني هو الإمام علي (عليه السلام)، فكان يتعامل مع الذكر كما الأنثى ومن أدبه الكامل تسليمه على النساء من قومه، ومشيه مع المرأة القضاء شأن من شؤونها، حتى و إن جلب له الأمر مشقة.

فعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال:

ص: 49

رجع الإمام علي (عليه السلام) إلى داره في وقت القيظ، فإذا امرأة قائمة تقول: إن زوجي

ظلمني، و أخافني، و تعدى علي. فقال الإمام (عليه السلام): يا أمة الله ! اصبري حتى يبرد النهار ثم أذهب معك إن شاء الله، فقالت: يشتد غضبه علي . فطأطأ الإمام (عليه السلام) رأسه ثم رفعه و هو يقول: لا و الله أو يؤخذ للمظلوم حقه غير متعتع ! أين منزلك ؟ وحيث وقف الإمام (عليه السلام) على باب المنزل قال: (السلام علیکم) فخرج شاب مفتول الجسم، فقال له الإمام (عليه السلام): (يا عبد الله، أتق الله فإنك قد أخفتها و أخرجتها فقال الفتى:و ما أنت و ذاك ؟ وأخذيتوعد بتعذيبها فقال أمير المؤمنين: (آمرك بالمعروف، وأنهاك عن المنكر، تستقبلني بالمنکر و تنكر المعروف؟) فأقبل الناس من الطرق يلقون التحية على الإمام (عليه السلام)

ص: 50

و يقولون: سلام عليكم يا أمير المؤمنين! فسقط في يديه، فقال: يا أمير المؤمنين! أقلني عثرتي،فو الله لأكون لها أرضا تطأني. فالتفت الإمام إلى المرأة قائلا ) يا أمة الله ! ادخلي منزلك و لا تلجئي زوجك إلى مثل هذا و شبهه. وما يؤكد احترامه المكانة المرأة والفخر بها قوله (عليه السلام) ((وَ لَمْ یَجْمَعْ بَیْتٌ وَاحِدٌ یَوْمَئِذ فِی الاِْسْلاَمِ غَیْرَ رَسُولِ اللّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ - وَ خَدِیجَةَ وَ أَنَا ثَالِثُهُمَا))(1) وما يؤكد تذکره للمرأة كذلك.

ويفخر الإمام علي (عليه السلام) على عدوه معاوية في مقارنة يراد منها توضیح حقه وما يسعى إليه من خير للمجتمع إذ يقول (عليه السلام): (( وَ مِنّا خَیْرُ نِساءِ الْعالَمینَ وَ مِنْکُمْ حَمّالَهُ الْحَطَ-بِ))(2)وفي تقبله لشهادة المرأة واحترامه

ص: 51


1- نهج البلاغة ص 103.
2- نهج البلاغة ص 134.

المكانتها روي أن شکت امرأة تسمى سوده بنت عمارة الحمدانية إلى الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام) أحد ولاته الكبار وهو والي صدقاته على الأهواز وكانت تحت سلطته منطقة واسعة تقول سوده: «القد جئت إلى علي ابن أبي طالب (عليه السلام) في رجل ولاه صدقاتنا فجار علينا، فصادفته قائم يصلي، فلما رآني أنفتل من صلاته ثم أقبل علي برحمة ورفق ورأفة وتعطف وقال: ألك حاجة؟ قلت: نعم، فأخبرته الخبر، فبكى الإمام (عليه السلام) ثم قال: اللهم أنت الشاهد عليَّ وعليهم، وإني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك، ثم أخرج قطعة جلد كتب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم («قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ

بن

اله

ص: 52

خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » (1)فإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بها في يدك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك والسلام، ثم دفع الرقعة إلى، فو الله ما ختمها بطين ولا خزمها فجئت بالرقعة إلى صاحبه فانصرف عنا معزولاً. في هذه الواقعة التاريخية كثير من الدروس البليغة في السياسة والحكم والإدارة والتعاطي مع أمور الناس حتى ولو كانت بسيطة أو صغيرة فالإمام علي (عليه السلام) كان ينظر من زاوية مختلفة وحساسة جدا حيث أن التهاون في الأمور الصغيرة التي قد تبدوا عادية في نظر البعض هو ما يؤدي إلى الفساد والظلم، وما إلى ذلك إماما نسب إليه عن حديثه عن النساء ونعته لهن بناقصات العقول وما إلى ذلك فقد أسهب في هذا الموضوع كثيرا السيد محمد حسين فضل الله في كتاباه (دنيا المرأة) وكذلك كتابه (تأملات إسلامية حول المرأة) فبعض هذه

ص: 53


1- سورة الأعراف: الآية 85.

المعاني ظاهرية في حال تحققت الروايات فيها ولنا أن نختم هذا المجال بوصيته عند مماته قوله: ((ااِتَّقُوا اَللَّهَ فِي اَلضَّعِيفَيْنِ اَلْايَتامَ وَ اَلنِّسَاءَ))(1).

أخريات

لعلنا في هذه العجالة مررنا على بعض الشواهد وباختصار؛ لأن وفرت الأخبار والمآثر الشخصية الإمام علي (عليه السلام) لا تسعها المقام، فلا يفوتنا أن نذكر بعض المواد التي لا تخلو من الأهمية فيما يجدر الذكر هنا هو إنسانيته ورفقه بالحيوان وقد وجدنا كثيراً من المواقف والقصص انطلق الإمام علي (عليهالسلام) في تشريعه لحقوق الحيوان من قوله تعالى: «وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى

ص: 54


1- أمالي الطوسي ص 370.

رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ » (1)أن علي ابن أبي طالب أول من

أسس لحماية الحيوان في التأريخ فينقل له مواقف متعددة تعكس البعد الإنساني والقيم الرفيعة له (عليه السلام) ويتمثل بالواجب الحقوقي لبني البشر وبقيه المخلوقات، فقد نقل لنا التأريخ أنه أمر ببناء مربدا للضوال من الحيوانات يقوم بإطعامهم. ويقيها قرص البرد وحر الصيف، ويطعمها ويعلفها من بيت المال فينفق عليها إلى أن يمر عليها زمن من يدعيها يقدم البينة وإلا فتستخدم إن أمكن الاستفادة منها وإلا تترك في مكانها. -كما كان يوصي المصدقین (جامعي الزكاة) أن لا يطلعوا بالحيوان بالضاحية، أو بالهجير، وكان يوصي كثيرا عاله بالرفق بالحيوان ((لا تفصلوا الناقة عن فصيلها))، ((لا تنهكوا الأم بالحلب أفلا يبقى شيء لوليدها)) کہا ويوصي

(1)

ص: 55


1- سورة الأنعام: الآية 38.

عماله كما جاء في وصيته لمالك الأشتر في دستوره العظيم ((لَهُ فَإِذَا أَتَیْتَهَا فَلاَ تَدْخُلْ عَلَیْهَا دُخُولَ مُتَسَلِّطٍ عَلَیْهِ وَ لاَ عَنِیفٍ بِهِ وَ لاَ تُنَفِّرَنَّ بَهِیمَةً وَ لاَ تُفْزِعَنَّهَا وَ لاَ تَسُوءَنَّ صَاحِبَهَا منهَا ..)) إما الرواية الشهيرة التي يقول فيها انشروا القمح على أسطح الجبال... في دلالة واضحة على رعاية الحيوان(1).

ص: 56


1- من لا يحضرة الفقيه للصدوق 349

الخاتمة

مع إننا أوجزنا كثيرا ولم نقتفي الكثير من الروايات التي تشعبت في كتب المذاهب عامه والمدنيين من مستشرقين ومهتمين في مجال حقوق الانسان، ولم نتطرق لكل الحقول الاجتماعية والاقتصادية بشكل كامل، وفقط إذ أخذنا الأكثر أهمية في الإعلام في الوقت الحاضر، ومن هذا المنطلق تجد أن تراثنا الإسلامي يسبق التشريعات الحديثة بمئات السنين في تقنين مبادئ حقوق الانسان، فلم يذكر التاريخ غير بعض المهتمين بحقوق الانسان وقد تغاضواعن سفر الإمام علي الإسلامي بدءاً من وثيقة [مانحنا کارتا] الذي أصدره الملك الانجليزي جون [1215م] التي تعد أقدم وثيقة دستورية في التاريخ الانجليزي في حين أن الوثيقة الدستورية لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر تعد من

ص: 57

أقدم الوثائق الحقوقية التي تحمل في جنباتها الكثير من الحنان الإنساني العميق الذي يحيط به الإمام (عليه السلام) دستوره في المجتمع، والتي سبقت (مانحنا کارتا) بقرون عدة، ترى فيها أبعاداً إنسانية كبيرة وعمقا في الرؤية ورشادا في الفكرة. فهل يوجد أعمق من هذا المعنى دلالة على الشمول الإنساني والإحاطة لكل بني البشر من هذه العبارة، التي سجلها الإمام (عليه السلام) في دستوره العلوي إذ قال: ((وَ أَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ وَ الْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَ اللُّطْفَ بِهِمْ، وَ لَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَ إِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ)) (1).

وكتبت مجلة الحقوق العراقية في عددها الثاني سنة 1941م قائلة (لا مراء بأن عهد الإمام علي

ص: 58


1- تم ذكر المصدر سابقا / تحف العقول 90

عليه السلام إلى مالك الأشتر عامله على مصر من أنفس الوثائق التاريخية الزاخرة بمبادئ الحكم وأساليب الإدارة وأصول التشريع، وأخلاق المسئولين، وإذا كانت الحضارة اليونانية تفخر على عالم العصر الحاضر بشريعة سولون، والتاريخ الانجليزي يباهي حضارة اليوم بوثيقة (المانحنا کارتا)، والثورة الفرنسية تزهو بين تاريخ الثورات (بإعلان حقوق الانسان)، الذي لم يفتئ حتى زال بسرعة بعد أن تغير لفض مواطن إلى مسيو بعدة سنوات، وقبل حتی موت نابليون فحسب الحضارة العربية الزاهرة مجدة وسموا أنها قدمت للأجيال المتعاقبة منذ أربعة عشر قرنا هذا العهد الأميري الخالد على الدهر بأعدل المبادئ المقررة في فقه السياسة والتشريع). وفي نفس السياق يقول المفكر المسيحي جورج جرداق في تعليقه على الدستور العلوي لعلي بن أبي طالب

ص: 59

(عليه السلام) (فليس من أساس بوثيقة حقوق الإنسان التي نشرتها هيئة الأمم المتحدة إلا وتجد له مثيلا في دستور ابن أبي طالب ثم تجد في دستوره مايعلو ویزید) مع الأخذ بعين الاعتبار الفارق الزمني بين الوثيقتين، وأن الأولى كانت انتاج عقول كثيرة من بني البشر والثانية كانت نتاج عبقري واحد هو علي بن أبي طالب (عليه السلام). ولعل المفارقة الأكبر هي ان وثيقة الأمم المتحدة كتبت وقليلا ما طبقت موادها في الواقع فما زال العالم والمجتمعات البشرية تلحظ الفارق الكبير بين موادها و نظریات میکافيلي أو المنطق الذرائعي [البراغماتي] الذي يسوغ للدول انتهاك هذه الحقوق، في حين أن عليا جسدها على الواقع بعدالته والقوانين التي سنها في ذلك الوقت مع رعيته حتى بقت مقولته التي لم يقلها حاکم غیره تثير استغراب وتعجب الكثيرين

ص: 60

من ناقدي التاريخ أو مؤرخي تاريخ الأمم التي قال فيها:( لقد أصبحت الأمم تشكوا ظلم رعاتها وأصبحت أشكوا ظلم رعيتي، ولقد كنت بالأمس أميراً واليوم مأمورًا، وكنت ناهيا واليوم منهياً)(1)، وما أردنا بصدق الإشارة بهذه البحث المختصر تسليط الأضواء على سيرة الإمام علي (عليه السلام) الإصلاحية الحافلة بالمبادئ والحقوق في الوقت الذي يغض الطرف العالم غير المتدين عن هذا الرجل العظيم ويحفل بلائحة حقوق الإنسان التي لم تنتج الا بعد أن تيقظ العالم من حربين عالميتين انتهكت فيها الحقوق الحريات، وبعد أن أقرت عصبت الأمم المتحدة مجموعه من الاتفاقات الشكلية تم إقرار لائحة حقوق الانسان في 10/ 12/ 1948، ولا

زالت هذه الحقوق التي اشتملت على ثلاثين

ص: 61


1- نهج البلاغة ص 186.

مادة نظرية لا يلتزم بها كل الدول التي وقعت عليها ومن يتحدثون بها كأنها أعجوبة العصر الا إن علي (عليه السلام) أسس لأول دولة مدنية معروفة المعالم ودستورها القران الكريم المنزل من السماء سابقا الجمعية العامة للأمم المتحدة بما يقارب رابعة عشر قرن وقد رسخ طروحاته بصورة عملية وبصدق تام.

ختاماً : العذر لكثر الهفوات والاقتصار.

ص: 62

المصادر والمراجع:

القران الكريم

1. نهج البلاغة للشريف الرضي شرح علي دخيل.

2. تحف العقول عن آل الرسول أبو محمد الحسن

الحراني

3. ترجمه الإمام علي أبي القاسم ابن الحسن ابن

عساکر

4. حقوق الانسان عند الإمام علي د غسان السعد

5. من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق محمد ابن

علي القمي

6. الأمالي للشيخ الطوسي

7. غررالحکم و درر الكلم عبد الواحد بن محمد بن تمیم

8. نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة محمد باقر

9. أهل البيت تنوع أهداف ووحدة هدف محمد

باقر الصدر

ص: 63

10. الجمل والنصرة في حرب البصرة

11. بحار الأنوار ج 2 للعلامة المجلسي

12. الأخبار الطوال للدنيوري

13. السياسة الجزائية في فقه العقوبات الاسلاميه الأحمد الحصيري

14. المواطنة والهوية الوطنية لمعهد الأبحاث دار العارف للمطبوعات

15. علم العقاب د محمد معروف

16. الجريمة والعقوبة والمؤسسات الاصلاحية د

حسن طالب

17. إحكام السجون بين الشريعة والقانون د احمد

الوائلي

18. المستدرك على الصحيحين د يوسف المرعشي

19. وسائل الشيعة الحر العاملي

20. دنيا المرأة محمد حسين فضل الله

21. علي ميزان الحق محمد حسين فضل الله.

ص: 64

المحتويات

مقدمة المؤسسة .. 5.

مقدمة ... 9

مشكلة البحث: ... 9

فرضية البحث: ... 9

مخطط البحث: ... 10

تقدمة ... 11

الفصل الاول ... 15

أسس الدولة المدنية ... 15

تمهید ... 15

أسس الدولة المدنية ... 18

ملامح المدنية الجديدة ... 20

مشروع السجون الإصلاحية ... 22

أسس الحكم الديمقراطي الإسلامي ... 31

الفصل الثاني ... 35

الحقوق والحريات في عهد الإمام علي ... 35

مدخل ... 35

التعددية وقبول الآخر ... 37

حرية التعبير عن الرأي: ... 40

حرية المعتقد ... 43

العدالة الاجتماعية ... 47

حقوق المرأة ... 49

أخريات ... 54

الخاتمة ... 57

المصادر : ... 63

ص: 65

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.