مناسك الحج والعمرة أحكام وآداب

هویة الکتاب

مناسك الحج والعمرة أحكام وآداب

طبقاً لفتاوى: سماحة المرجع الديني الشيخ الحاج محمد اليعقوبي (دام ظله)

الكاتب: آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي

لسان: العربية

الناشر: دار الصادقين - النجف اشرف - العراق

الطبعة الخامسة

2020م- 1441 ه-

ص: 1

اشارة

الطبعة الخامسة 2020م- 1441 ه-

الطبعة الاولى

2008م- 1428ه-

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

العمل بالأحكام التي تضمنتها هذه الرسالة الشريفة مُبرِئ للذمة إن شاء الله تعالى.

وتطبيق ما فيها من سنن وآداب ومستحبات موجب لزيادة الأجر وكمال العمل بلطف الله تبارك وتعالى.

والأخذ بما فيها من نصائح وتوجيهات مفيد ومساعد على إتقان الأداء بفضل الله تبارك وتعالى.

نسأل الله تعالى أن ينفعنا وجميع المؤمنين ببركة طاعته ويبلّغنا رضاه إنه ولي النعم

محمد اليعقوبي

ص: 3

ص: 4

مقدمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم، على سيّدنا ونبيّنا محمد وآله الطاهرين.

أما بعد، فلا يخفى ما للحج من أهمية بالغة في الإسلام، لِما يحمله من منافع ومكتسبات. معنوية ومادية

قال تعالى: ((وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ)). وقد رويت من طريق الفريقين أحاديث معتبرة، تدلُّ على تلك الأهمية البالغة. فعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (بُني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والولاية..الخ).

وتيسيراً لأداء هذه الفريضة الإلهية العظيمة، سعى فقهاء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) إلى بذل الجهد اللازم، واستفراغ الوسع المطلوب، في بيان الأحكام الشرعية المرتبطة بهذه الفريضة.

وبدورنا نحن في مؤسسة الحج في مكتب المرجع الدينيّ

ص: 5

الشيخ محمد اليعقوبيّ (دام ظله) نتشرف هنا بتقديم كتاب مناسك الحج والعمرة بطبعته الخامسة، بما تضمّنته من تنقيحٍ وزيادات، سواء على مستوى المتن، حيث تمّت إضافة جملة من المسائل الابتلائية، أو على مستوى الهوامش التوضيحية، إضافة إلى الاستفتاءات التي تقدم بها جمعٌ من الأخوة المرشدين الفضلاء، وأجاب عنها سماحته (دام ظله).وقد عُرضت هذه النسخة بتفاصيلها الجديدة، على سماحة المرجع، فأجاز العمل على طبقها. ولله الحمد والمنة أولا وآخرا.

مؤسسة الحج في مكتب المرجع الدينيّ

الشيخ محمد اليعقوبيّ (دام ظله)

الثاني عشر من شوال من عام 1441هج

ص: 6

الباب الأول:مقدمات الحج وأحكام عامة

اشارة

ص: 7

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحيم

فريضة الحَجّ

يلبي ملايين المسلمين دعوة ربّهم لزيارة بيته الحرام التي أبلغهم إياها على لسان خليله أبيهم إبراهيم(1) (عليه السلام) بعد أن حدد تبارك وتعالى له مكان البيت والمناسك التي يؤدّونها لتعود عليهم بالنفع في الدنيا والفلاح في الآخرة فقال تعالى: [وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ، وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ، ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ، ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ

ص: 9


1- قال تعالى: [مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا باللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ] (الحج: من الآية78).

الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ] (الحج: 26-30).ثم أكّد هذه الدعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوجبَ تلبيتها على من استطاع إليه سبيلاً بعد أن بيّن عظمة البيت الحرام وبركته، قال تعالى: [إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ] (آل عمران:96-97). وقال تعالى: [وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ] (البقرة: من الآية 196)، ووصف السعي بين الصفا والمروة -وهو من مناسك الحج- أنه من شعائر الله التي يكون تعظيمها من تقوى القلوب فقال تعالى: [إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ] (البقرة: 158).

وبيّن تعالى بعض آداب الحج فقال عزّت أسماؤه [الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ. لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ، ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ

ص: 10

آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا واللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ] (البقرة: 197-202).وقد واصل الأئمة المعصومون (عليهم السلام) التأكيد على وجوب هذه الفريضة والإسراع إلى أدائها عند حصول الاستطاعة والعقوبة على من تقاعس عنها؛ عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول: حجّوا واعتمروا تصحّ أجسامكم وتتسع أرزاقكم ويصلح إيمانكم، وتكفوا مؤونة الناس ومؤونة عيالاتكم)(1)، وورد في نهج البلاغة لأمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: (فرض عليكم حجَّ بيته الذي جعله قِبلةً للأنام يرِدونه ورود الأنعام ويألهون إليه ولوه الحمام، جعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته، وإذعانهم لعزّته واختار من خلقه سُمّاعاً أجابوا إليه دعوته، وصدّقوا كلمته، ووقفوا مواقف أنبيائه، وتشبّهوا بملائكته المطيفين بعرشه، يحرزون الأرباح في متجر عبادته، ويتبادرون عنده موعد مغفرته، جعله سبحانه للإسلام علماً، وللعائذين حرماً، فرضَ حجه وأوجب حقه، وكتب عليكم وفادته، فقال سبحانه: [وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً

ص: 11


1- وسائل الشيعة: مج8، كتاب الحج، أبواب وجوب الحج وشرائطه، باب1، ح20.

وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ])(1).وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا قدر الرجل على الحج فلم يحج فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام)(2) وعنه (عليه السلام): (من مات ولم يحج حجّة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق فيه الحج، أو سلطان يمنعه فليمت يهودياً أو نصرانياً)(3).

إنها معجزة أنَّ دعوةً عمرها آلاف السنين تحرّك الملايين من أكثر من (160) دولة (هي مجموع الدول التي تكوّن المعمورة) في كل سنة ليقطعوا المسافات البعيدة ويفارقوا الأهل والأموال والأحبة ويتجشموا المعاناة والمصاعب وهم لا يلتفتون إلى ذلك لأن قلوبهم وعقولهم ونفوسهم مشدودة إلى بيت ربّهم لينقطعوا إلى ربّهم عن كل علقة ويتجردوا عن كل شيء سواه ويعيشوا تلك الأجواء القدسية، وقد ورد عنهم عليهم السلام: (إن إبراهيم خليل الله أذَّن في الناس بالحج، فقال: أيها الناس إني إبراهيم خليل الله، إن الله يأمركم أن تحجّوا هذا البيت فحجّوه، فأجابه من يحج إلى يوم القيامة)(4)، وعن الإمام الباقر

ص: 12


1- وسائل الشيعة: مج8، كتاب الحج، أبواب وجوب الحج وشرائطه، باب 1، ح21.
2- المصدر السابق، باب6، ح10.
3- المصدر السابق، باب7، ح1.
4- وسائل الشيعة: مج8، كتاب الحج، أبواب وجوب الحج وشرائطه، باب1، ح4.

(عليه السلام) قال: (إن الله لما أمر إبراهيم ينادي في الناس بالحج قام على المقام فارتفع به حتى صار بإزاء أبي قبيس، فنادى في الناس بالحج، فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى أن تقوم الساعة)(1).لقد ربط الأئمة (عليهم السلام) مصير الدين بوجود الكعبة لأنها رمز وحدة المسلمين وعلامة توحيدهم ولأنها تشدّهم إلى خالقهم ورسوله العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) وشريعته المباركة قال الإمام الصادق (عليه السلام): (لا يزال الدين قائماً ما قامت الكعبة)(2).

وحذّر (عليهم السلام) الأمة من ترك هذه الشعيرة المباركة؛ فعن الصادق(عليه السلام) قال: (لو ترك الناس الحج لما نُوظروا العذاب، أو قال: أنزل عليهم العذاب)(3).ويجعل الأئمة (عليهم السلام) من واجب الحكومات إجبار الناس على أداء فريضة الحج إن تقاعسوا جميعاً عن أدائها فعن الإمام الصادق (عليه السلام): (لو عطّل الناس الحج لوجب على الإمام أن يجبرهم على الحج إن شاؤوا وإن أبوا فإن هذا البيت إنما وضع للحج)(4).

ص: 13


1- المصدر السابق، باب1، ح19.
2- المصدر السابق، باب4، ح5.
3- المصدر السابق، باب4، ح1.
4- وسائل الشيعة: مج8، كتاب الحج، أبواب وجوب الحج وشرائطه، باب5، ح1.

وقد التفت أعداء الإسلام من الداخل والخارج لعظمة هذا البيت وأثره في حفظ توحيد المسلمين ووحدتهم وبالتالي عزّتهم وكرامتهم ومنعتهم لذا سعوا إلى تدمير هذا الرمز مادياً بنسفه وإحراقه ومحو آثاره –وهذا ما حصل في مرات عديدة عبر التأريخ-، ومعنوياً بتفريغه من محتواه التوحيدي الخالص وتحويل شعائره إلى طقوس شكلية ونشر الشبهات التي أوجدت أناس متحجرين متعصبين لا يفقهون شيئاً غير لذّاتهم الجسدية ويرفضون أن يعلن المسلمون براءتهم من شياطين الإنس والجنّ عند بيته المحرم رغم أن الله تبارك وتعالى يقول: [وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ] (التوبة:3).وبالمقابل فقد حفلت الروايات الشريفة بآثار مباركة جليلة لمن حج البيت الحرام؛ فعن الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا أخذ الناس منازلهم بمنى نادى منادٍ: لو تعلمون بفناء مَنْ حَللتم لأيقنتم بالخَلَف بعد المغفرة)(1)، وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الحاج ثلاثة: فأفضلهم نصيباً رجل غفر له ذنبه ما تقدم منه وما تأخّر، ووقاه الله عذاب القبر، وأما الذي يليه فرجل غفر له

ص: 14


1- وسائل الشيعة: مج8، كتاب الحج، أبواب وجوب الحج وشرائطه، باب38، ح4.

ذنبه ما تقدّم منه، ويستأنف العمل فيما بقي من عمره، وأما الذي يليه فرجل حُفِظَ في أهله وماله)(1).

ص: 15


1- المصدر السابق، باب38، ح23.

ما قبل السفر

1.لا يجب على المسلم تحصيل الاستطاعة حتى يجب عليه الحج لكن إذا استطاع وجب عليه، ويستحب للمسلم أن يعمل ويكسب بقصد توفير الاستطاعة للحج ليؤجر على كسبه، ويعلّم الإمام (عليه السلام) شيعته كيف يوفّرون الاستطاعة للحج من دون أن تؤثّر عليهم فيقول (عليه السلام): (لو أن أحدكم إذا ربح الربح أخذ منه الشيء فعزله فقال: هذا للحج، وإذا ربح أخذ منه وقال: هذا للحج، جاء أبّان الحج وقد اجتمعت له نفقة عزم الله له فخرج، ولكن أحدكم يربح الربح فينفقه فإذا جاء أبّان الحج أراد أن يخرج ذلك من رأس ماله فيشقُّ عليه)(1).

2.يجب على الحاج أن يذهب إلى ربِّه نقياً طاهراً ليحظى بما أعدَّ الله تعالى لضيوفه، فيُطهِّر أمواله بدفع الحقوق الشرعية المتعلقة بذمته، ويتراضى مع الناس إذا كان لهم في ذمته شيء من الحقوق المادية – كالأموال – أو المعنوية – كالإيذاء

ص: 16


1- وسائل الشيعة: مج8، كتاب الحج، أبواب وجوب الحج وشرائطه، باب51، ح1.

والانتقاص والإهانة والتسقيط - ويطهِّر نفسه بالتوبة.3.وعليه أن يتقن عباداته بصورتها الصحيحة كالوضوء والغسل والصلاة والقراءة، لأن الصلاة عمود الدين، وأن يتعلم مسائلها الإبتلائية، كالشكوك وموارد القصر والتمام وسائر أحكام الصلاة الصحيحة.

4.ينبغي للحاج أن يبحث عن قافلة يتوفر فيها مرشد ديني له فضيلة علمية كافية وهمّة في الإرشاد والتوجيه وإحياء الشعائر الدينية كصلاة الجماعة وغيرها وأبويّة يرعى بها أيتام آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وورع ودين وحكمة في التصرف.

وأن يكون متعهد القافلة متديناً ورعاً وله معرفة كافية بمناسك الحج ومواطن الديار المقدّسة كالمواقيت ومواضع المناسك والآثار الدينية لكي يوقفهم على المناسك والشعائر بدقة وأن يكون خبيراً بشؤون رحلات الحج ومتطلباتها وأن يكون واسع الصدر صبوراً رحيماً بالحجاج حريصاً على خدمتهم ولا يكون همّه الربح المادي بل ابتغاء الأجر عند الله تعالى بهذه الخدمة الجليلة.

5.أن يصطحب معه نسخة من المصحف الشريف ليبتدئ بختمةٍ مع ابتداء السفر وينتهي بانتهائه لاستحباب ختم القرآن مرّة واحدة على الأقل أثناء سفر الحج.

6.وأن يصطحب كتاباً للأدعية ك(مفاتيح الجنان) ونحوه

ص: 17

ليواظب على المستحبات والأدعية المأثورة كدعاء كميل ليلة الجمعة والندبة يومها وأدعية الأيام والتوسل والزيارات. 7.أن يوفّر عدداً من الكتب النافعة في الأخلاق والموعظة والأسرار المعنوية للحج والأبعاد الاجتماعية والسياسية لمناسكه حتى يستغلّ وقته بالاستفادة منها بدل التسكع في الأسواق أو قضاء الوقت بأحاديث اللغو والغيبة خصوصاً وان الحاج يمتلك وقتاً فارغاً كثيراً حيث لا تأخذ المناسك منه إلا اليسير، وقد كتب الكثيرون في هذه الامور كالدكتور علي شريعتي الذي يروي احد الاساتذة المغربيين انه دخل على الشهيد الدكتور مفتح في مكة فرآه يقرأ في كتاب (الحج: الفريضة الخامسة) للشهيد الدكتور علي شريعتي وهو يبكي، وللشهيدة بنت الهدى ذكريات عن سفرتها الى الحج وتناولت كتب الاخلاق كجامع السعادات واحياء علوم الدين للغزالي الاسرار المعنوية للحج.

8.يستحب للحاج أن يوفّر شعر رأسه من الأول من ذي القعدة ويمتنع عن حلقه.

9.لا يغفل عن توفير احتياجاته الخاصة بمناسك الحج أو ما يتعلق بالسفر؛ ومنها ثوبا الإحرام وقطعة إضافية احتياطاً لتنجس الأخرى أو تلفها أو مساعدة أحدٍ محتاج إليها، ووثائق السفر وغيرها.

10.أن يصحب رسالة عملية خاصة بمناسك الحج لمرجع تقليده لكي يتعرف على تفاصيل الحج ومعالجات المشاكل

ص: 18

وأجوبة المسائل التي تواجهه والأفضل أن يصحب عدة رسائل للفقهاء الذين تدور الأعلمية بينهم ليعمل بأحوط الأقوال عند الاختلاف فالاحتياط سبيل النجاة خصوصاً في الحج الذي يجب مرّة واحدة في العمر.11.أن يقرأ آداب المعاشرة مع الإخوان والتعامل الإسلامي النظيف مع الآخرين لأن السفر ميزان الأخلاق وان مدة السفر التي تقرب من الشهر تتطلب شيئاً من الصبر وسعة الصدر والإيثار والتراحم والتعاطف والتعاون وغيرها. وتوجد كتب في آداب العشرة كما أن صاحب كتاب وسائل الشيعة جمع أحاديث الأئمة الأطهار (عليهم السلام) في الجزء الثامن من الكتاب تحت عنوان (آداب العشرة) فينبغي وضع خلاصة لها في دفتر خاص لتسهيل مراجعتها باستمرار.

12.أن يقرأ كتاباً عقائدياً يستعرض موارد الخلاف والجدال مع الطوائف الأخرى لأنه سيلتقي مع أنواع منهم وتثار مثل هذه الحوارات خصوصاً للقادم من حواضر العلم كالعراق الذي يمثل قلب الإسلام النابض بالحركة والوعي والفقه وسائر علوم الإسلام فلا بد أن يدافع عن الخط الإسلامي الأصيل المتمثل بمدرسة أهل البيت (عليهم السلام).

ملاحظة: أشير هنا إلى أن كثيراً من هذه النصائح لا أتوقع أن كل الحجاج قادرون على الأخذ بها وهنا تكون مسؤولية المرشد الديني كبيرة في ممارسته لوظيفته على طول السفرة

ص: 19

ليرشدهم إلى هذه الأمور وليحرص على إقامة صلاة الجماعة بهم وعقد المحاضرات والندوات ومجالس الذكر لأهل البيت (عليهم السلام) باستمرار وأن يبيّن لهم عظمة الفريضة التي انطلقوا لأدائها.13.ينبغي للمرأة أن تراجع الطبيبة وتستشيرها في تناول العلاج الذي يقطع عنها الدورة الشهرية لكي لا تنغّص عليها أداء مناسكها فإن أحكام الحائض في الحج ليست يسيرة وقد لا تؤدّيها كما يجب.

ص: 20

موجز مناسك العمرة والحج

تتضمن كتب (مناسك الحج) تفاصيل فقهية كثيرة قد تُشتّت ذهن القارئ وتفوّت عليه إمكانية حصر المقدار الواجب ليأخذ عنه فكرة إجمالية واضحة في ذهنه ثم يدخل في التفاصيل لذا ارتأينا أن نقوم بذلك بإذن الله تعالى.

يجب الحج على المسلم مرة واحدة في العمر، وما زاد عنه فهو مستحب وقد يجب بسبب طارئ كالنذر أو إفساد للحج الأول.

والشخص الذي لم يسبق له الحج يسمى (الصرورة) ويرد عنوانه في بعض الأحكام كاستحباب استنابته عند عدم استطاعته.

وإذا توفرت عناصر الاستطاعة وجبت على الإنسان المبادرة إلى الحج، ولا يجوز له التسويف والتكاسل وإذا لم يفعل في سنة الاستطاعة عُدَّ عاصياً فعليه المبادرة في السنة اللاحقة.

يقوم الحاج بفريضتين متلازمتين(1) في سفره:

ص: 21


1- هذا لمن يحج (حج التمتع) وهي وظيفة كل من يبعد منزله عن المسجد الحرام (88) كيلومتراً وأزيد أما من كان منزله دون ذلك فوظيفته (حج الإفراد) أو (حج القِران) وهو حج مستقل عن العمرة وتلاحظ استطاعة الحج بمعزل عن العمرة ويفترقان بأن الثاني (حج القِران) يسوق معه هدياً ليذبحه في منى دون الأول.

(أولاهما) عمرة التمتع وهي مراسيم دخوله إلى مكة ثم يبقى منتظراً موسم الحج ليؤدي (ثانيتهما) وهي فريضة الحج المباركة، وإنما سُمّيت عمرة التمتع لأنه بعد أن يؤديها تباح له الاستمتاعات الجنسية مع زوجته حتى يحرم للحج.وعمرة التمتع لا تكون إلا في أشهر الحج (شوّال، ذو القعدة، ذو الحجة) فمن سافر إلى مكة في غيرها فعليه أن ينوي العمرة المفردة وهي غير المرتبطة بالحج وتتضمن طواف النساء إضافة إلى مناسك عمرة التمتع وبلحاظ استقلالها عن الحج تسمى (المفردة).

وأول ما يجب عليه فعله هو الإحرام من المواقيت المحددة التي لا يجوز للذاهب إلى بيت الله الحرام تجاوزها إلا وهو محرِم.

و(الإحرام) حاله كحال الصوم والصلاة يتطلب منه القيام بأفعال معينة واجتناب أمور معينة تسمى (تروك الإحرام).

وميقات المسافر القادم في طريقه عبر المدينة المنورة هو مسجد الشجرة القريب من المدينة المنورة، أما المسافرون جوّاً إلى مدينة جَدَّة فإنهم يستأجرون حافلة مكشوفة السقف لتنقلهم

ص: 22

شمالاً إلى أقرب ميقات وهي الجحفة ويحرمون هناك ثم يهبطون إلى مكة (راجع ملحق مواقيت الإحرام)، وسنذكر بقية المواقيت في الموضع الخاص بها بإذن الله تعالى.وفي الميقات يتجرد الحاج من ملابسه الاعتيادية ويلبس ثوبي الإحرام ناوياً بلبسهما (عمرة التمتع إلى حج التمتع قربة إلى الله تعالى) ولا يدخل الإنسان حالة الإحرام أي تصبح تروك الإحرام عليه فِعليّة بمجرد لبس ثوبي الإحرام وإنما تتنجّز عليه بالتلبية التي هي كتكبيرة الإحرام بالنسبة للصلاة ثم يقصد مكة بسيارة مكشوفة لحرمة التظليل على المحرم أثناء السير، ومن حين عقد الإحرام يتوجب عليه اجتناب تروك الإحرام.

فإذا دخل مكة طاف بالبيت سبعة أشواط ثم يصلي ركعتي الطواف ثم يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط ثم يأخذ شيئاً ولو يسيراً من شعر رأسه أو لحيته وكل هذه الأفعال (الطواف، الصلاة، السعي، التقصير) يأتي بها بنفس النية المتقدمة وهي عمرة التمتع إلى حج التمتع.

فإذا تم ذلك فقد انتهت مناسك العمرة وتباح له تروك الإحرام حتى النساء عدا ما يتعلق بالأرض الحرام كالصيد ويبقى مُحِلاً غير مُحرِم حتى يبدأ موسم الحج.

ففي ليلة التاسع من ذي الحجة أو في صبيحته يجدد الإحرام بنية الحج هذه المرة من محل إقامته أو من البيت الحرام -وهو الأفضل- ويخرج إلى عرفات حيث يجب على الحاج أن

ص: 23

يتواجد هناك من أذان الظهر إلى أذان المغرب فيشتغل بالعبادة والذكر وبعض المستحبات. وبعد أذان المغرب يذهب إلى المشعر الحرام في مزدلفة فيمكث هناك حتى طلوع الشمس من يوم العاشر من ذي الحجة ويجمع خلال وجوده (49) حصاة لرمي الجمرات في منى ويستحب له أن يجمع (70) حصاة احتياطاً لعدم إصابة بعضها أو ضياعها.

وبعد وصوله إلى منى يذهب لرمي الجمرة الكبرى بسبع حصيّات ثم يذبح الهَديَ (ثم يحلق شعر رأسه ان كان الأحوط والاجدر بمن كان ممن يحج لأول مرة (حج صرورة) اما غيره فيتخير بين الحلق والتقصير فإذا أتمَّ مناسك منى الثلاث فقد أبيحت له تروك الإحرام إلا الطيب والنساء وما يتعلق بالأرض الحرام فيعود إلى ملابسه الاعتيادية وبقي عليه عملان:

(الأول): أن يبيت في منى ليلة الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة وفي نهار كل من هذين اليومين يذهب إلى الجمرات الثلاث ليرمي كل واحدة منها بسبع حصيّات مبتدءاً بالصغرى ومنتهياً بالكبرى، ويتخيّر الحاج بين المبيت بمنى أو قضاء الليل بالعبادة عند البيت الحرام.

(الثاني): أن يذهب إلى مكة ليطوف بالبيت سبعاً وهو (طواف الحج) ويصلي ركعتي الطواف ثم يسعى سبعة أشواط بين الصفا والمروة ثم يعود ليطوف بالبيت سبعاً وهو (طواف

ص: 24

النساء) ثم يصلي ركعتين فاذا فعل ذلك أبيحت له الاستمتاعات الجنسية مع زوجته ومن هنا سُمّيَ طواف النساء.ويمكن للحاج أن يقوم بهذه الأعمال مباشرة بعد انتهاء أعمال منى يوم العاشر أو يقضي بها ليلة الحادي عشر أو الثاني عشر ليجعلها من العبادة التي تكون بدل المبيت بمنى.

فإذا رمى الجمرات يوم الثاني عشر فينفر من منى بعد حلول الزوال وبانتهاء هذا الرمي وبإتيان طواف النساء تنتهي مناسك الحج بلطف الله تبارك وتعالى.

ص: 25

وجوب الحج وشروطه

وجوب الحج

يجب الحج على الإنسان البالغ العاقل المستطيع - وسيأتي شرح معنى الاستطاعة -، رجلاً كان أو امرأة(1)، في العمر مرة واحدة، وتُسمّى الحجة الأولى الواجبة الجامعة للشروط (حجة الإسلام)، والحجة الثانية ليست بحجة الإسلام، وإنما هي حجة مندوبة أي مستحبة، ولا تصبح واجبة إلا بسبب طارئ كالنذر أو اليمين، أو عقوبة على إفساد حجّه في بعض الحالات، كما لو جامع امرأته عامداً وملتفتاً إلى الحكم الشرعي قبل الوقوف بالمشعر الحرام، فإنه يجب عليه إكمال حجه فعلاً، والتكفير عن جماعه، وحجة أخرى عقوبة في العام القادم، وتسمى تلك الحجة بالحج الواجب بالإفساد، وكل هذه أسباب طارئة، وفي الأصل لا يجب الحج سوى مرة واحدة وهي (حجة الإسلام).

ص: 26


1- سؤال: ما صحة القول ان الشخص المقتدر ماديا يموت كافرا اذا لم يؤدِ فريضة الحج في حياته؟ بسمه تعالى: إذا كان تركه للحج استخفافاً بأوامر الله تعالى وعناداً لها، فهذا يعني أن أصل إسلامه محل نظر.

(مسألة -1) إذا توفرت شروط وجوب الحج وجب على المستطيع المبادرة إلى الحج، فلا يجوز له التهاون والتأخير في سنة الوجوب، ولا يجوز أن ينشغل بكسب أو أهل أو أولاد أو وظيفة اجتماعية أو سياسية وغيرها من شواغل الدنيا، وإذا أخّر كان آثماً –وقد تقدمت الروايات الشريفة في ذلك- وعليه أن يثبّت هذه الاستحقاقات في وصيته، وأن يبادر إلى الأداء في السنة اللاحقة وعليه أن يتحفظ على ما يمكّنه من أداء الفريضة في السنة اللاحقة.(مسألة -2) يتوقف السفر في العصر الحاضر على عدة مقدمات كتحصيل جواز السفر ورخصة الدخول (الفيزا) والتسجيل في قوافل الحجاج لدى المتعهدين وغيرها، ومثل هذه المقدمات يجب على الإنسان تحصيلها وتهيئتها، وإذا قصّر في ذلك فلم يتوفق إلى السفر فهو من المتهاونين في أدائها.

(مسألة – 3) لا تجب المبادرة إلى أول قافلة مسافرة، والمهم إدراك زمن الفريضة بمناسكها المطلوبة.

شروط الوجوب

اشارة

وهي:

1- البلوغ2- العقل3- الاستطاعة.

(الشرط الأول) البلوغ

فلا يجب الحج على غير البالغ ولا يجزي حج الصبي عن

ص: 27

حجة الإسلام وإن كان مراهقاً، لكن حجه وسائر عباداته تقع صحيحة ومقبولة إذا أُتي بها جامعة للشرائط.(مسألة – 4) يتحقق البلوغ عند الإنسان ذكراً أو أنثى بظهور علامات النضج الجنسي كحالة الشبق والشهوة والميل إلى الجنس الآخر والتأثّر بالأمور الجنسية وبعض التغيّرات الجسمية والنفسية، ويكون الاحتلام (أي خروج المني في اليقظة أو المنام) علامة قطعية على البلوغ عند الذكور، وكذا الحيض عند الإناث، ولا بلوغ عند الأنثى قبل إكمال تسع سنين قمرية حتى لو خرج منها دم بصفات الحيض، ولا يوجد مثل هذا الحد الأدنى للبلوغ عند الذكور، ولكن المعروف تأخّر الذكور عن الإناث في البلوغ، وإذا لم تحصل أي علامة فيتعيّن تحديد البلوغ بالسن، وهو إكمال خمس عشرة سنة قمرية عند الذكور وثلاث عشرة سنة عند الإناث. وتقل السنة القمرية عن الشمسية أحد عشر يوماً.(1)

(مسألة – 5) إذا خرج الصبي إلى الحج فبلغ قبل أن يُحرم من الميقات وكان مستطيعاً فلا إشكال في أن حجّه حجة الإسلام، وإذا أحرم فبلغ بعد إحرامه لم يجز له إتمام حجه ندباً، ويجزئه عن إحرام الواجب، لكن الأحوط له أن يعود إلى

ص: 28


1- سؤال: هل يشترط في صحة الحج المستحب للبالغ اذن ابيه؟ بسمه تعالى: لا يشترط اذن الأب في صحة حج البالغ، نعم إذا كان ذهابه للحج المستحب سببا لأذيته أو أذية أمه فانه يأثم بذلك.

الميقات ويجدد إحرامه بنية احتمال وجوبه، وإذا لم يتمكن من الرجوع إلى الميقات فيفعل ذلك من أقرب نقطة للميقات تتيسر له، وإن لم يتمكن فمن أدنى الحل أي حدود الحرم، وإلا فمن مكانه.(مسألة – 6) إذا حج الصبي ندباً معتقداً أنه غير بالغ فبان بعد أداء الحج أنه كان بالغاً أجزأ عن حجة الإسلام.

(مسألة – 7) يستحب للصبي المميز أن يحجّ ويعتبر في صحته إذن الولي على الأحوط.

(مسألة – 8) يستحب للولي أن يحرم بالصبي غير المميز ذكراً كان أو أنثى، وذلك بأن يلبسه ثوبي الإحرام، ويأمره بالتلبية ويلقّنه إياها إن كان قابلاً للتلقين وإلا لبّى عنه ويجنبه عمّا يجب على المحرم الاجتناب عنه، ويجوز أن يؤخّر تجريده عن الثياب إلى فخّ إذا كان سائراً من ذلك الطريق، ويأمره بالإتيان بكل ما يتمكّن منه من أفعال الحج وينوب عنه فيما لا يتمكن، ويطوف به ويسعى به بين الصفا والمروة ويقف به في عرفات والمشعر، ويأمره بالرمي إن قدر عليه وإلا رمى عنه، وكذلك صلاة الطواف، ويحلق رأسه وكذلك بقية الأعمال، والظاهر جواز الإحرام به مطلقاً وإن ورد في بعض النصوص التحديد بالإثغار.

(مسألة – 9) نفقة حج الصبي في ما يزيد على نفقة الحضر على الولي لا على الصبي إذا كان الولي هو من أخرج الصبي

ص: 29

معه استحباباً، أما إذا كان السفر لمصلحة تعود إلى الصبي صحية أو فكرية أو اجتماعية أو غير ذلك فلا يجب النفقة على الولي، وجاز الإنفاق على الصغير من ماله في حدود المصلحة له.(مسألة – 10) كفارة صيده على أبيه، وأما الكفارات التي تجب عند الإتيان بموجبها عمداً فالظاهر أنها لا تجب بفعل الصبي –وإن كان مميزاً- لا على الولي ولا في مال الصبي.

(الشرط الثاني) العقل

فلا يجب على المجنون وإن كان أدوارياً، نعم إذا أفاق المجنون في زمان يفي بالحج وكان مستطيعاً ومتمكناً من الإتيان بأعمال الحج وجب عليه وإن كان مجنوناً في بقية الأوقات.

(الشرط الثالث) الاستطاعة
اشارة

وجوب الحج مشروط بحصول الاستطاعة فلا يجب إلا على المستطيع وتعني الاستطاعة توفر عدة عناصر وهي:

1.وجود القدرة المالية (الأعمّ من كون القدرة نقداً موجوداً أو ممتلكات) الكافية لتوفير مصاريف الحج ومستلزماته ونفقة الذهاب والإياب ونحوها.(1)

ص: 30


1- سؤال: إذا كان عنده مقدار من المال يفي بمصارف الحج وكان ولده بحاجه إلى الزواج فهل يعد مستطيعاً ويجب عليه الحج، أم يجوز له صرف ماله في زواج ولده؟ بسمه تعالى: إذا كان الولد بحاجة إلى الزواج بحسب شأنيته، ولم يمكن تأجيله قُدِّم، وإلا حفظ الاستطاعة للحج. سؤال: هل فقد ثمن الهدي يمنع من تحقق الاستطاعة أم لا؟ بسمه تعالى: لا يمنع، لوجود البديل وهو الصوم عشرة ايام. سؤال: هل فقد ثمن الكفارة مع العلم بحصول موجبها منه يمنع من حصول الاستطاعة؟ بسمه تعالى: لا يمنع، لجواز تأخيرها.

2.أن يُبقي لأهله ما يكفيهم.

3.أن يعود بعد السفر إلى وضعه المالي الطبيعي من دون الوقوع في حرج أو ضيق بسبب إنفاقه المال في الحج.

4.عدم وجود المانع من السفر كتحصيل الإذن من الدولة التي يستوطنها أو التي يتوجه إليها.

5.أن يأمن على نفسه طيلة سفرته وعلى عياله أثناء غيابه.

مسائل في الاستطاعة المالية

(مسألة – 11) لا يجب على المسلم تحصيل الاستطاعة حتى يجب عليه الحج لكن إذا استطاع وجب عليه، ويستحب للمسلم أن يعمل ويكسب بقصد توفير الاستطاعة للحج ليؤجر على كسبه.(1)

ص: 31


1- - سؤال: هل يجوز لمن يريد الحج ان يستعمل جاهه أو يدفع اموالا للجهات المسؤولة حتى يحظى بالرخصة من دون المرور بالقرعة ونحوها من الضوابط الرسمية. بسمه تعالى: لا يجب عليه ذلك حتى لو كان مستطيعاً مالياً، نعم لو تعلق الحج بذمته لاستطاعته في سنين سابقة وجب عليه فعل هذا ونحوه من اجل تمكينه من ابراء ذمته مع مراعاة اخلاقيات التعامل مع الآخرين وعدم إذلال النفس وحفظ النظام الاجتماعي العام.

(مسألة – 12) لا يُقصد بالإمكانية المالية وجود المبلغ المطلوب عنده فعلاً، بل يقصد وجود مال عنده تفي قيمته بنفقات سفر الحج بكل متطلباته، شريطة أن لا يكون ذلك المال من مؤونته التي هو في أمسّ الحاجة إليها كدار السكنى والأثاث اللازمة فيها وغيرهما، ونقصد بأمس الحاجة أنه إذا صرفها في نفقات الحج وقع في ضيق وحرج، وكما تحصل الإمكانية المالية بوجود مال في يده فعلاً كذلك تحصل بوجود مال له في ذمة آخر ديناً إذا كان حالاً وكان بإمكانه استيفاؤه.(مسألة – 13) إن الإمكانية المالية التي هي العنصر الأول من الاستطاعة لا تعتبر أن تكون من بلده بل من مكانه، فإذا لم تكن لدى الشخص الإمكانية المالية في بلده، ولكنه ذهب إلى بلدة قريبة من الميقات كالمدينة المنورة بغرض التجارة، أو مهندس يُنتدب للعمل في مشروع هناك أو غير ذلك، فحصل على مال يفي بنفقات الحج منها، وجب عليه الحج، وكذلك لو ذهب إلى مكان قريب من الميقات متسكعاً، وحصل فيه على مال يكفي لنفقات سفر الحج وجب عليه ذلك، بل لو أحرم متسكعاً ثم حصل على مالٍ وافٍ للحج، وجب عليه أن يرجع

ص: 32

إلى الميقات والإحرام منه من جديد لحجة الإسلام، وإن لم يكن بإمكانه الرجوع إليه، فإن كان أمامه ميقات آخر وجب عليه الإحرام منه وإلا فمن مكانه، والأحوط الابتعاد منه بالمقدار الممكن والإحرام من هناك.(مسألة – 14) إذا لم يتوفر لديه نقدٌ كافٍ لكنه يملك داراً أزيد من حاجته أو سيارة كذلك فيجب عليه أن يتحول إلى المقدار المناسب له ويوفّر مال الاستطاعة، وكذا إذا كانت المرأة تملك حلياً وهدايا أزيد من المقدار اللائق بشأنها الاجتماعي فتبيعه لتوفّر مصاريف الحج إذا أمكن.

(مسألة – 15) إذا لم يتيسر بيع الدار ونحوه بثمن معقول غير مجحف ضمن المدة الزمنية المناسبة للحج سقطت عنه الاستطاعة.

(مسألة – 16) لا تُعَدُّ من الاستطاعة مقتضيات العرف الاجتماعي للمسافر وقاصد الحج من الهدايا ونحوها فلو لم تتوفر عنده فلا تعتبر مانعاً عن أداء الفريضة.

(مسألة – 17) لا يجب عليه اقتراض المبلغ الذي يمكنه من الاستطاعة ولكن إذا شاء الاقتراض من شخص أو جهة حكومية أو أهلية جاز إذا لم يسبّب له الاقتراض حرجاً عند تسديده بعد عودته.(1)

ص: 33


1- - سؤال: هل من المباح أن يقترض الشخص المال من المصرف او من احد الأصدقاء لأداء فريضة الحج؟ بسمه تعالى: نعم يمكن إذا كان أداؤه متيسراً من دون حرج أو ضرر.

(مسألة – 18) إذا ادّخر مالاً لصرفه في حاجة معينة كالزواج أو شراء قطعة أرض ولم يصرفه حتى حان زمن التهيؤ للحج عُدَّ مستطيعاً إذا كان كافياً إلا إذا كان ترك تلك الحاجة –كالزواج- يسبب له حرجاً أو ضرراً. (مسألة – 19) إذا كان لدى الإنسان الإمكانية المالية لنفقات سفر الحج براً فقط لا جواً وجب عليه الحج براً، وإذا كان يخشى من السفر براً، فلا يجب عليه الحج.

(مسألة – 20) إذا حصلت المرأة على مهرها من زوجها وكان وافياً بنفقات سفر الحج مع استثناء ما تتطلب شؤونها في حياتها الزوجية بحسب التقاليد أو العادات المتبعة صرفه فيها، شريطة أن يسبب عدم استثناء ذلك الحرج فيجب عليها الحج في هذه الحالة، وكذلك إذا استغنت عن الحلي والزينة عندها، وكانت وافية بنفقات الحج مع ما تفرض شؤونها في حياتها الزوجية صرفه فيها حسب التقاليد المتبعة التي يسبب تركها الحرج. ومن هذا القبيل ما تحصل عليه الزوجة عقيب زواجها من الهدايا والنقود بما تتحقق به الإمكانية المالية فإنها حينئذٍ مستطيعة فيجب عليها الحج.

(مسالة – 21) من كان يرتزق من الوجوه الشرعية –كالخمس والزكاة وغيرهما- وكانت نفقاته بحسب العادة مضمونة من دون مشقة لا يبعد وجوب الحج عليه فيما إذا ملك

ص: 34

مقداراً من المال يفي بذهابه وإيابه ونفقة عائلته، وكذلك من قام أحد بالإنفاق عليه طيلة حياته، وهكذا كل من لا يتفاوت حاله قبل الحج وبعده من جهة المعيشة إن صرف ما عنده في سبيل الحج.(مسألة – 22) إذا كان ما يملكه ديناً على ذمة شخص، وكان محتاجاً إليه في تمام نفقة الحج أو في بعضها، فإن كان الدين حالاً والمدين باذلاً عُدّ مستطيعاً، ووجب عليه أداء الحج ولو بمطالبة دينه وصرفه في نفقته.

وكذا إذا كان المدين مماطلاً وأمكن إجباره على الأداء ولو بالرجوع إلى المحاكم الحكومية، أو كان جاحداً وأمكن إثباته وأخذه أو التقاصّ منه، أو كان الدين مؤجلاً وبذله المدين من قبل نفسه قبل حلول الأجل، دونما إذا توقف بذله على مطالبة الدائن مع فرض كون التأجيل لمصلحة المدين كما هو الغالب.

وأما إذا كان المدين معسراً أو مماطلاً ولا يمكن إجباره، أو كان الإجبار حرجياً عليه، أو كان منكراً ولا يمكن إثباته ولا التقاصّ منه، أو كان ذلك مستلزماً للحرج والمشقة، أو كان الدين مؤجلاً تأجيلاً لمصلحة المدين ولم يبذل الدين قبل حلول الأجل، ففي جميع ذلك إن أمكن بيع الدين بأقل منه –ما لم يكن مجحفاً بحاله- بشرط وفائه بمصارف الحج ولو بضميمة ما عنده من المال، وجب عليه الحج، وإلا لم يجب.

(مسألة – 23) إذا استطاع شخص بإجارة نفسه لخدمة

ص: 35

الحجاج في طريق الحج، وعند ممارسة الأعمال، وجب عليه الحج، وإذا أتى به أجزأ عن حجة الإسلام.

الحج البذلي

كما تتحقق الاستطاعة بوجدان مؤونة الحج تتحقق ببذلها من قبل الآخرين (أشخاصاً أو جهات) ولا فرق بين بذل المال الكافي للحج، أو التكفل بالمستلزمات كدفع أجور النقل والإقامة والمصاريف الأخرى، ولا فرق في وجوب الحج بالبذل بين أن يكون الباذل واحداً أو متعدداً. ويعتبر أن يكون المبذول وافياً بمصارف ذهابه وإيابه، وبمصارف عياله إلا أن يكون عندهم ما يكفيهم إلى أن يعود، أو يكون غير متمكن من نفقتهم حتى مع ترك الحج.

(مسألة – 24) إذا وهب شخص مالاً لآخر، فلذلك صور:

الصورة الأولى: أن يهبه المال على أن يحج به، ففي هذه الصورة يجب عليه قبول الهبة والذهاب إلى الحج.

الصورة الثانية: أن يهبه المال ويخيّره بين أن يحج به أو يصرفه في جهة أخرى، ففي هذه الصورة يكون الأحوط له القبول، فإذا قبل وجب عليه الحج عند توفر سائر الشروط فيه.

الصورة الثالثة: أن يهبه المال من دون تعرض لفكرة الحج، ففي هذه الصورة لا يجب على الموهوب له القبول، نعم لو قبل وجب إذا كان واجداً لبقية الشروط.

ص: 36

(مسألة – 25) يتحقق البذل بالوصية كما إذا أوصى الميت بمال لشخص على أن يحج به أو يأمر وصيه بأن ينفق على حج شخص من ثلثه.(مسألة – 26) ثمن الهدي من المال المبذول، فإذا امتنع الباذل عن بذل الثمن لم يجب على المبذول له قبول البذل، إلا إذا كان متمكناً بنفسه من شرائه وأما الكفارات فهي على المباشر دون الباذل.

(مسألة – 27) لا يجب على المبذول له بالبذل إلا الحج الذي يكون وظيفته في الشريعة المقدسة إذا استطاع، فإن كان المبذول له من البعيد، وهو من يبعد منزله عن المسجد الحرام ستة عشر فرسخاً (88 كيلومتراً) فأزيد فوظيفته عند الاستطاعة حج التمتع من حجة الإسلام وإن كان من القريب وهو من يكون موطنه ومسكنه دون ستة عشر فرسخاً فوظيفته عند الاستطاعة حج الإفراد، وعلى هذا فإن بذل للبعيد مالاً على أن يحج به حج التمتع من حجة الإسلام وجب عليه القبول، وإن بذل له مالاً على أن يحج به حج الإفراد لم يجب عليه القبول.

(مسألة – 28) إذا بذل مالاً وافياً بنفقات حجة واحدة لجماعة فالمعروف والمشهور وجوبه على الكل غاية الأمر إذا سبق أحدهم الآخرين بقبض المال المبذول وجب عليه الحج وسقط عن الباقي، وإذا ترك الكل مع تمكن كل واحد من قبضه

ص: 37

فمقتضى الاحتياط استقرار الحج على الجميع.(مسألة – 29) لو تلف المال المبذول أثناء الطريق –مثلاً- بسبب من الأسباب كان ذلك كاشفاً عن عدم تحقق الاستطاعة البذلية للمبذول له، فلا يجب عليه الحج إلا إذا كانت عنده الإمكانية المالية لإتمامه، فعندئذٍ يجب عليه أن يتمّه ويجزي عن حجة الإسلام.

(مسألة – 30) لا يمنع الدَين من الاستطاعة البذلية إلا إذا كان الدين حالاّ وكان الدائن مطالباً والمدين متمكناً من أدائه إن لم يحج، فحينئذٍ لم يجب عليه الحج، وهكذا لو كان مؤجلاً ويعلم المدين أنه لو حج لا يتمكن من أداء دينه عند حلول أجله ومطالبة الدائن.

مسائل متنوعة في الشروط الأخرى للاستطاعة وموانعها

(مسألة – 31) لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحج الواجب إذا كانت مستطيعة، ولا يجوز للزوج منع زوجته عن الحج الواجب عليها، نعم يجوز له منعها من الخروج في أول الوقت مع سعة الوقت، كما يجب استئذانه في الحج المندوب، والمطلقة الرجعية كالزوجة ما دامت في العدة.(1)

ص: 38


1- - سؤال: المرأة المستطيعة للحج إذا كان زوجها يمنعها من ادائه بدعوى انه لا يطيق ان يرى زوجته تطوف وتسعى وتمشي مع الرجال فما هو حكمها؟ بسمه تعالى: ليس للزوج منع زوجته من أداء واجب شرعي، ودعواه غير مقبولة فإن الله تعالى غيور على عباده، والمرأة العفيفة لا خشية عليها. سؤال: امرأة استطاعت للحج وقد توفي زوجها في أشهر الحج فهل يجب عليها ان تخرج إلى الحج وهي في عدتها أم لا؟ بسمه تعالى: يجب عليها الحج، كما يجب عليها مراعاة واجبات الحداد.

(مسألة – 32) إذا نذر أن يزور الحسين (عليه السلام) في كل يوم عرفة مثلاً واستطاع بعد ذلك وجب عليه الحج وانحل نذره، وكذلك كل نذر يزاحم الحج.(مسألة – 33) يجب على المستطيع الحج بنفسه إذا كان متمكناً من ذلك، ولا يجزئ عنه حج غيره تبرّعاً أو بإجارة.

(مسألة – 34) إذا تضمن السفر التعرض إلى دفع ضريبة مالية معتد بها، فللحكم عدة صور: -

1-إذا كانت الضريبة شيئاً مألوفاً كالرسوم الحكومية التي تأخذها الدولة من كل حاج يدخل الديار المقدسة فهي لا تمنع عن وجوب الحج، ويجب عليه دفعها وإن كانت مضرة بحاله، مالم توجب الوقوع في المشقة والحرج، والا سقط وجوب الحج، الا إذا كان الحج مستقراً عليه، فانه يجب عليه، تخلصاً من العقاب الاخروي.

2-وإن كانت الضريبة اتفاقية وليست مألوفة، فإن كان مقدارها غير معتد به وجب دفعها ولا يجوز تأجيل الحج، وإن كان مقدارها معتداً به فإن كانت بحال يخل بشرط الأمن

ص: 39

والسلامة وتخلية السرب انتفى وجوب الحج بانتفاء أحد شروط الاستطاعة وإن لم تكن كذلك وجب دفعها.3-إذا كانت شيئاً غير مألوف من قبيل ما يفرضه اللصوص وقطاع الطرق، فلا أمن ولا يجب الحج.

(مسألة – 35) إذا كان الطريق الاعتيادي المألوف غير مأمون بسبب وجود لصوص أو قطاع طرق فيه سقط وجوب الحج. نعم إذا كان هناك طريق آخر أطول منه وأكثر مؤونة، ولكنه مأمون وجب الحج من ذلك الطريق على كل من لديه إمكانية مالية، ولا مبرر للتأجيل.

(مسألة – 36) من كان عنده أولاد صغار يخشى عليهم من الضياع إذا تركهم وسافر إلى الحج، فإنه لا أمن ولا يجب عليه الحج.

(مسألة – 37) من كان عنده مال معتد به في البلد يخاف عليه من الضياع والتلف إذا تركه وسافر إلى الحج، فإنه لا أمن حينئذٍ ولا يجب الحج، وكذلك إذا كانت عنده تجارة أو نحوها وخاف عليها من الضياع والتلف إذا تركها وذهب إلى الحج. والحاصل إنه كل من خاف على نفسه أو عرضه أو ماله رجلاً كان أم امرأة من الهلاك والضياع إذا سافر إلى الحج لم يجب.

(مسألة – 38) المرأة المستطيعة إذا خافت على نفسها من السفر إلى الحج بدون اصطحاب محرم لها، وهي غير متمكنة من اصطحابه، لم يجب عليها الحج، نعم إذا كانت واثقة ومطمئنة

ص: 40

من نفسها على الأمن والسلامة في السفر فسافرت وحجت صح حجها، ولا يجب عليها اصطحاب المحرم وإن أمكنها، ومن هنا ليس وجود المحرَم شرطاً أصلياً في وجوب الحج عليها، وإنما هو شرط إذا خافت من السفر بدونه.(مسألة – 39) الموظف الحكومي الذي عنده المقدرة المالية بقدر نفقات الحج ولكنه لم يحصل على إجازة للسفر إلى الحج، ولو سافر بدون الإجازة ثم إذا رجع يفقد وظيفته فإذا فقدها تعذر عليه استعادة وضعه المعاشي العادي بدون الوقوع في ضيق وحرج، فلا يجب عليه الحج.

(مسألة – 40) من يعمل أجيراً عند أرباب العمل ولديه الإمكانية المالية بقدر نفقات الحج ولكنه لم يحصل على إجازة منهم للسفر إلى الحج، ولو سافر والحال هذه ثم إذا رجع يفقد عمله عندهم ويقع في ضيق وحرج فلا يجب عليه الحج.

(مسألة – 41) من يعيش على الوجوه الشرعية، فإذا حصل على مال يفي بنفقات الحج وجب، فإن الوجوه الشرعية تكفل له استئناف وضعه المعاشي الاعتيادي بعد رجوعه من الحج بدون الوقوع في ضيق وحرج.

وكذلك من كانت نفقته مضمونة طيلة حياته كالزوجة مثلاً، أو من يعيش من صلات وهبات من أرحامه أو غيرهم كالإنسان العاجز عن العمل، فإن حاله قبل السفر إلى الحج وبعده على حد سواء، ولا يؤثر إنفاق ما لديه من المال على سفر الحج في

ص: 41

استئناف وضعه المعاشي بعد الرجوع.(مسألة – 42) من يعيش على عمله الحر بأجور كأصحاب المهن من النجارين والخياطين والبنائين والحدادين وغيرهم من أهل الفن، والجامع أن كل من يعيش طبيعياً بمهنته وحرفته وعمله الذاتي، فإنه إذا حصل على مال يفي بنفقات الحج وجب عليه، فإن المهنة والصنعة التي يتقنها تكفل له استعادة وضعه المعاشي بعد الرجوع، ومن هذا القبيل السائل بالكف فإنه إذا حصل على مال يفي بنفقات الحج وجب.

(مسألة – 43) إذا كان على الإنسان واجب أهم من حجة الإسلام كأداء دَين حالّ مطالب به شرعاً أو إنقاذ نفس محترمة من الهلاك، كما إذا كان عنده مريض لو تركه وذهب إلى الحج لمات أو غير ذلك مما يفوقه أهمية شرعاً، وجب تقديمه على الحج، ومع هذا إذا ترك المكلف الأهم وأنفق ما لديه من المال على الحج فحج صحّ حجه، وأجزأ عن حجة الإسلام وإن اعتُبر آثماً.

نعم لو كان الواجب الأهم مسقطاً للتكليف من أصله كما لو كانت عنده حاجة ماسّة إلى صرف ذلك المال فيها بحيث لو صرفه بالحج فإنه يقع في الضرر، فصرف المال في الحج وترك قضاء تلك الحاجة فإن حجه باطل لا يجزي عن حجة الإسلام.

(مسألة – 44) إذا كان على ذمة الإنسان خمس أو زكاة وكان عنده مال يفي بنفقات سفر الحج وجب عليه صرفه في

ص: 42

أداء الخمس أو الزكاة دون الحج، ومع هذا إذا أصرّ على الحج فحج به صحّ وأجزأ عن حجة الإسلام وإن اعتبر آثماً.(1)(مسألة – 45) إذا كان الخمس أو الزكاة متعلقاً بعين الأموال الموجودة عند الإنسان كأموال التجارة أو غيرها لا متعلقاً بذمته، وأراد أن يحج بتلك الأموال قبل إخراج خمسها أو زكاتها، فإن حجه يصحّ شريطة أن يكون ثمن هديه حلالاً، أو أنه مشترى في الذمة وكذا لباسه الذي يحرم به ويطوف ويصلي به، ولا يجوز التسامح والإهمال في إخراج الحقوق الشرعية من أمواله، ولا يجوز أن يجعل سفر الحج ذريعة للتأخير والإهمال.(2)

ص: 43


1- - سؤال: من حج ولم يدفع الخمس الا بعد اداء مناسك الحج فهل يصح حجه؟ بسمه تعالى: إذا كان ثمن هديه حلالا او انه مشترى في الذمة وكذا لباسه الذي يحرم به او يطوف ويصلي به فلا حاجة إلى اعادة حجه. سؤال: إذا دفع مبلغا من المال لدائرة الحج وحالت سنته الخمسية قبل الذهاب للحج فهل يجب اخراج خمس ذلك المال؟ بسمه تعالى: إذا ظهر اسمه ضمن الفائزين بالقرعة للحج ولو لبعض السنوات المقبلة وكان مستطيعا للحج فان هذا المال يعد مصروفا للمؤونة ولا خمس عليه اما فيما سوى ذلك فان الخمس يتعلق به ولكن لا يدفعه الا بعد قبضه.
2- - سؤال: لو كانت اموال الشخص مما تعلق بها الخمس هل يجزيه تخميس ما يحج به لصحة حجه على ان يسدّد خمس باقي امواله بعد الحج؟ بسمه تعالى: لا بأس بذلك من ناحية تصحيح الحج، إلا أن عليه أن يبرئ ذمته من كل ما تعلق بها، ولا يبخل على الله تعالى ببعض يسير مما رزقه الله تبارك وتعالى، {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} [محمد : 38]. سؤال: إذا اشترى الهدي من مال استقر عليه الخمس فهل يجزيه ذلك؟ بسمه تعالى: اذا كان الشراء بثمن كلي بالذمة – كما هو الغالب- أجتزأ به، وضمن مقدار الخمس من الثمن.

(مسألة – 46) مرّ أن وجوب الوفاء بالدين لا يمنع عن الاستطاعة المالية، وإنما يمنع عن وجوب الحج بها باعتبار أنه يفوقه أهمية، وأما في الاستطاعة البذلية فلا يمنع عن وجوبه من جهة أنه لا يجوز له صرف المال المبذول في غير الحج. نعم إذا كان سفر الحج يفوت عليه فرصة الوفاء بالدين، لم تجب الاستجابة.(مسألة – 47) لا أثر لمنع الوالد ولده عن الحج، فإن الولد إذا كانت لديه الإمكانية المالية لسفر الحج ذهاباً وإياباً وعند ممارسة الأعمال، وجب عليه الحج، وليس له أن يترك الحج إيثاراً لأبيه بذلك المال على نفسه، نعم إذا نذر الحج كان لوالده نقضه، كما أن الحج إذا كان مندوباً فله أن يتركه إيثاراً لأبيه.(1)

(مسألة – 48) إذا كان عنده مال يفي بمصارف الحج وكان

ص: 44


1- - سؤال: هل يشترط في صحة الحج المستحب للبالغ اذن ابيه؟ بسمه تعالى: لا يشترط اذن الأب في صحة حج البالغ، نعم إذا كان ذهابه للحج المستحب سببا لأذيته أو أذية أمه فانه يأثم بذلك.

جاهلاً به أو بوجوب الحج عليه أو كان غافلاً عنه أو عن وجوب الحج عليه، وكان جهله أو غفلته عن قصور لم يجب عليه الحج.وأما إذا كان جهله بوجوب الحج أو غفلته عنه عن تقصير ثم علم أو تذكر بعد أن تلف المال فلم يتمكن من الحج فالحج مستقر عليه إذا كان واجداً لسائر الشرائط حين وجوده، وأما لو كانت غفلته عن وجود المال أو جهله به عن تقصير –كتارك الفحص مع احتمال وجوده- فالأحوط استقرار الحج عليه.

(مسألة – 49) إذا حج عنه غيره تبرعاً أو نيابة مع كونه غير مستطيع، فإنه لا يجزئه عن حجة الإسلام إذا استطاع وعليه أن يأتي بها حين استطاعته.

ص: 45

وجوب الاستنابة عن الحي العاجز

النيابة عن الحي العاجز

النيابة عن الحي العاجز(1)

إذا استقر الحج على الإنسان - بمعنى اشتغال ذمته به - ولم يتمكن منه بنفسه - لمرض، أو حصر، أو هرم، أو كان ذلك حرجاً عليه ولم يُرجَ تمكنه من الحج بعد ذلك من دون حرج- وجبت عليه الاستنابة فوراً، وأما من لم يستقر عليه الحج وكان موسراً ولم يتمكن من المباشرة أو كانت حرجية عليه مع رجائه للتمكن في المستقبل فلا تجب عليه الاستنابة وإن كان ذلك مستحباً له، والأولى أن يختار رجلاً لم يحج من قبل لكي ينوب عنه، ولا بأس بإنابة المرأة عن الرجل.

ص: 46


1- - سؤال: إذا ملك الانسان مالاً يكفيه للحج ولكنه كان مريضاً، فهل يجب عليه ان يعالج نفسه ليتمكن من اداء الحج بنفسه؟ بسمه تعالى: علاج المرض من الضرورات فيجوز له صرف ما يحتاجه في العلاج، وإن أضرّ بالاستطاعة، ولو لم يعالج نفسه، وكان المال وافياً بالاستطاعة، وجب الحج عليه ويؤديه بالكيفية التي يقدر عليها. سؤال: هل يجوز ان يستأجر لأداء حجة الإسلام شخص اعلم مسبقا عجزه عن رمي جمرة العقبة يوم العيد؟ بسمه تعالى: هذا مخالف للاحتياط مع علمه المسبق بالعجز.

وببيان آخر: يعتبر في صحة النيابة عن الحي رجلاً كان أم امرأة أمران:أحدهما: استقرار الحج في ذمته، كما إذا كان مستطيعاً مالاً ولكن لم يُتح له أن يحج لمرض أو أي عائق آخر، أو أتيح له ذلك ولكنه تسامح وتساهل في ذلك، ولم يحج حتى عجز عن الحج لسبب من الأسباب.

والآخر: انقطاع أمله في استعادة قوته في التمكن من القيام المباشر للحج طول عمره.

(مسألة – 50) يجزي حج النائب عن الحي العاجز إذا مات وهو عاجز عن الأداء المباشر للحج، وإذا مات بعد استعادة قوته في التمكن من ذلك وارتفاع عذره فإنه لا يجزي، وأولى من ذلك ما إذا استعاد صحته وقوته في التمكن من الحج قبل حج النائب.

(مسألة – 51) من استقر عليه الحج من سنة سابقة إذا مات بعد الإحرام للحج في الحرم أجزأه عن حجة الإسلام، سواء في ذلك حج التمتع والقِران والإفراد، وإذا كان موته في أثناء عمرة التمتع أجزأ عن حجه أيضاً ولا يجب القضاء عنه حتى لو خرج من الحرم بعد دخوله لسبب من الأسباب، وإن مات قبل ذلك وجب القضاء عنه وإن كان موته بعد الإحرام وقبل دخول الحرم أو بعد الدخول في الحرم بدون إحرام.

والظاهر اختصاص الحكم بحجة الإسلام فلا يجري في الحج

ص: 47

الواجب بالنذر أو الإفساد، بل لا يجري في العمرة المفردة أيضاً، فلا يحكم بالإجزاء في شيء من ذلك.ومن مات بعد الإحرام مع عدم استقرار الحج عليه بأن تحققت استطاعته هذا العام فإن كان موته بعد دخوله الحرم فلا إشكال في إجزائه عن حجة الإسلام، وأما إذا كان قبل ذلك فالظاهر عدم وجوب القضاء عنه.

(مسألة – 52) من لم يتمكن من الأداء المباشر للحج لتدهور صحته أو هرمه، أو أي عائق آخر، مع انقطاع أمله في التمكن من ذلك نهائياً، فوظيفته الاستنابة، ومع تعذرها بسبب أو آخر، إلى أن مات، يجب على وليه أن يستنيب شخصاً يحجّ عنه نيابة وتخرج نفقات الحج من تركته، نعم إذا مات في سنة الاستطاعة فلا شيء عليه.

(مسألة – 53) إذا وجبت الاستنابة ولم يستنب ولكن تبرع متبرع عنه لم يُجزئه ذلك ووجبت عليه الاستنابة على الأحوط.

(مسألة – 54) يكفي في الاستنابة الاستنابة من الميقات ولا تجب الاستنابة من البلد.

الاستنابة في الحج عن الميت

(مسألة – 55) إذا وجب الحج على الإنسان بسبب ما لديه من الإمكانية المالية وتوفر سائر شروطه، ولم يحج إلى أن توفي، وجبت الاستنابة للحج عنه، وتسدد نفقات هذا الحج من تركته، فإذا كان الميت قد أوصى بأن يُحج عنه من تركته

ص: 48

أُخرجت نفقات الحجة البلدية من التركة، ومعنى أن نفقات الحج تخرج من التركة، أن الميت لو كان قد أوصى بثلثه ليصرف في وجوه البر والإحسان، فالواجب أولاً إخراج نفقات الحج من التركة ككل، ثم تقسيم الباقي إلى ثلاثة أقسام وتخصيص قسم منها للميت وفقاً للوصية(1).(مسألة – 56) إذا كان الميت قد أوصى بالحج عنه وأوصى بالثلث لأشياء أخرى، وجب الإنفاق من التركة على حجة بلدية عنه، ثم إخراج الثلث من الباقي وصرفه فيها تنفيذاً للوصية.

(مسألة – 57) إذا كان الميت قد أوصى بالحج عنه وبأمور أخرى كالصلاة والصيام ونحوهما، على أن يسدد الكل من الثلث، فحينئذٍ إن اتسع الثلث للجميع فهو المطلوب، وإن لم يتسع إلا لنصف النفقة التي تتطلبها الكل أخرج نصف نفقة الحج من الثلث، والنصف الآخر من الأصل، إذا كان الحج الموصى به حجة الإسلام.

(مسألة – 58) إذا مات شخص وعليه حجة الإسلام ولم

ص: 49


1- سؤال: إذا نذر بان تخرج له حجة فهل تخرج من أصل التركة ام من الثلث؟ بسمه تعالى: تخرج من الثلث. سؤال: إذا أوصى بان يحج عنه حجة الاسلام ولم يعين انها من ثلث ماله ام من أصل التركة فمن اين تخرج؟ بسمه تعالى: يجب قضاؤها من أصل التركة ما لم يقيدها بالثلث.

يوصِ بها لم يجب الاستئجار إلا من الميقات، بل يكفي من أقرب المواقيت إلى مكة فإن الواجب عليه الحجة الميقاتية، ولا حق له في التركة في حالة عدم الوصية إلا بمقدار نفقاتها دون الأكثر.(مسألة – 59) في مفروض المسألة السابقة إذا علم الوارث بذلك فاستأجر لحجة بلدية، ضمِن ما زاد عن الحجة الميقاتية الاعتيادية.

(مسألة – 60) إذا مات شخص رجلاً كان أم امرأة، وترك مالاً متعلقاً للخمس أو الزكاة، وهو في نفس الوقت لم يحج حجة الإسلام، وجب أن يدفع الخمس أو الزكاة أولاً، فإن وفى الباقي من التركة ولو للحد الأدنى من نفقات الحج، وجب صرفه فيه وإلا سقط وجوب الحج، وكان للورثة إذا لم يوجد دين أو وصية، ولا يجب عليهم تكميل النفقة من مالهم الخاص، نعم إذا كان الخمس أو الزكاة في ذمة الميت لا في نفس التركة ولم تفِ التركة للكل فالأظهر تقديم الحج على الخمس أو الزكاة ولا فرق في ذلك بين الدين الشرعي والدين العرفي، وإذا أوصى هذا الشخص بان يحج عنه حجة الإسلام من ماله على الرغم من أنه متعلق للخمس أو الزكاة، وجب على الوصي أن يخرج الخمس أو الزكاة أولاً، ثم ينفق من الباقي على الحج فإن وفى بنفقات الحجة البلدية وجب صرفه فيها، وإن لم يفِ إلا للحد الأدنى من نفقاته، وهي نفقات الحجة

ص: 50

الميقاتية أنفق عليها، وإلا كان للورثة شريطة أن لا يكون هناك دين أو وصية أخرى.(مسألة – 61) إذا مات شخص وعليه حجة الإسلام، فلا يجوز للورثة أن يتصرفوا في التركة قبل الاستنابة للحج عنه إلا إذا كانت أوسع من نفقة الحج فيجوز لهم التصرف في الزائد شريطة التزامهم بتهيئة النيابة المطلوبة، وعدم خوف فوتها وإلا لم يجز(1).

(مسألة – 62) إذا لم تتسع التركة بمجموعها للحد الأدنى من نفقات الحج سقط الحج، وكانت التركة كلها للورثة إذا لم يوجد دين أو وصية، ولا يجب على الورثة تكميل التركة لتفي نفقة الحج، وكذا إذا لم تكن للميت تركة أصلاً ولا فرق في ذلك بين أن يكون الميت قد أوصى بالحج عنه أو لا.

(مسألة – 63) إذا وجبت حجة الإسلام على شخص فمات قبل أن يحج، وجب الاستئجار عنه للحج في سنة موته ولا يجوز تأخير ذلك إلى سنة أخرى ولا يكون عدم وجدان الوارث من يقبل بأجرة الحجة الميقاتية في تلك السنة مبرراً للتأجيل، ويتعين عليه في هذه الحالة دفع الأجور للحجة البلدية من أصل التركة، وكذلك الحال إذا اقترح شخص أجرة أكبر من الأجرة الاعتيادية المقررة عادة للاستئجار في الحج ولم يوجد

ص: 51


1- - سؤال: هل تقضى حجة الاسلام من أصل التركة ام من الثلث؟ بسمه تعالى: تقضى حجة الإسلام المستقرة في ذمة الميت من أصل التركة.

من يقبل بالأجرة الاعتيادية وجب تلبية اقتراحه ولا يجوز التأجيل إلى سنة أخرى. (مسألة – 64) إذا اختلف الورثة فأقر بعضهم بأن على الميت حجة الإسلام وأنكر الآخرون أو تمردوا، فعلى الوارث المقرّ أن يدفع تمام نفقات الحج من حصّته إذا لم يوجد من يكمل له الباقي وإذا وجد أكثر من مقر توزعت عليهم النفقة بنسبة حصصهم من التركة، وإذا لم يؤدِ المقرون الآخرون دفع من حصته إن كانت وافية بتمام النفقة ويرجع عليهم، وإذا لم تفِ ولو بأبسط صورها سقط عنه الوجوب وحصته كلها له.

ويلاحظ هنا أنه إذا كان من المقرّين عادلان فقد ثبتت الحجة وتكون ملزمة للجميع حتى لغير المقرّين.

(مسألة – 65) إذا وجبت حجة الإسلام على شخص، ثم مات قبل أن يحج، ولم يوصِ بالحج عنه، وتبرع متبرع بالحج نيابة عنه، كانت التركة كلها للورثة ولا يجب عليهم أن يستثنوا مقدار نفقات الحج منها للميت وصرفه في مصلحته من وجوه البر والإحسان، بل الأمر كذلك إذا أوصى بالحج عنه من تركته، فإنه إذا وجد متبرع تبرع بالحج عنه سقطت الوصية بسقوط موضوعها وترجع التركة إلى الورثة، ولا يستثنى مقدار نفقات الحج منها لمصلحة الميت. نعم إذا كان الميت قد أوصى بإخراج حجة الإسلام من ثلثه وتبرع متبرع بالحج عنه لم يحق للورثة إهمال الوصية رأساً، بل وجب صرف مقدار نفقات

ص: 52

الحج من الثلث في وجوه البر والإحسان.(مسألة – 66) إذا كان الميت قد أوصى بأن يحج عنه من بلدته وجب على الوصي أو الوارث استئجار شخص للحجة البلدية عنه تنفيذاً للوصية، ولكن إذا خالف واستأجر شخصاً للحجة الميقاتية برئت بذلك ذمة الميت، ولا تجب إعادة الحج وإن اعتبر الوارث آثماً.

(مسألة – 67) إذا كان الميت قد أوصى بحجة الإسلام من بلدة أخرى غير بلدته، وجب على الوصي استئجار شخص للحج عنه من تلك البلدة، وتسدد نفقاته من الأصل، وإن كانت أكبر من نفقات الحج من بلدته شريطة أن يكون له في هذه الوصية غرض عقلائي، كما إذا كان الحج من تلك البلدة أكثر ثواباً لا مجرد إضرار بالورثة.

(مسألة – 68) إذا كان الميت قد عين مقداراً معيناً من ماله وأوصى بأن يحج به عنه، فحينئذٍ إن كان ذلك المال أكثر من الأجرة الاعتيادية بأعلى درجاتها أخرجت الأجرة الاعتيادية من الأصل والزائد من ثلث الباقي يصرف في وجوه البر.

(مسألة – 69) إذا كان الميت قد أوصى بالحج عنه بمال معين، وعلم الوارث أو الوصي أنه متعلق للخمس وجب عليه إخراج خمسه أولاً، ثم يصرف الباقي على الحج، ولا يسوغ له أن يصرف على الحج من المال الذي لا يزال الخمس فيه ثابتاً. نعم إذا كان الخمس ثابتاً في ذمة الميت وديناً عليه، لا في عين

ص: 53

ماله خارجاً قدم الحج عليه، هذا كله إذا كان الحج الموصى به حجة الإسلام، وأما إذا كان حجة أخرى فيجب عليه أولاً إخراج الخمس من ذلك المال، ثم إن الباقي إن كان بمقدار ثلثه دون الأزيد منه، وجب العمل بالوصية وصرفه على الحج وإن لم يفِ بالحج أنفق في وجوه الخير والإحسان.(مسألة – 70) من مات وعليه حجة الإسلام وجب على من تكون التركة في حيازته الاستئجار للحجة عنه، فإذا أهمل وتسامح إلى أن تلف المال كان ضامناً، وعليه الاستئجار للحج عن الميت من ماله بدل التالف،نعم إذا تلف المال المذكور في حيازته بدون تفريط وإهمال منه، فلا يضمن ووجب الإنفاق على الاستئجار للحج عنه من باقي التركة، وكذلك إذا كان المال في حيازة الوصي، فإنه إذا أهمل وتسامح في الإنفاق على الاستئجار للحج عن الميت وتلف ضمن، وعليه الاستئجار عنه من ماله الخاص، وإلا فلا ضمان عليه، ووجب الاستئجار عنه من باقي التركة.

(مسألة – 71) إذا علم الوارث أو الوصي باشتغال ذمة الميت بحجة الإسلام، وشك في أنه حج في حياته أو لا، وجب عليه الاستئجار للحج عنه.

(مسألة – 72) إذا علم الوارث أن الميت كان قد أوصى بحجة الإسلام، وبعد فترة زمنية شك في أن الوصي قد نفّذ الوصية واستأجر من يحج عنه، ففي هذه الحالة يجب عليه

ص: 54

الاستئجار للحج عنه، ما لم يكن واثقاً بالتنفيذ.(مسألة – 73) لا تبرأ ذمة الميت بمجرد عقد الإيجار، وإنما تبرأ بإتيان الأجير بكامل العمل خارجاً، وعلى هذا فإذا علم أن الأجير لم يقم بالحج عن الميت، إما لعذر أو عامداً وملتفتاً وجب الاستئجار للحج عنه مرة ثانية من التركة، وحينئذٍ فإن أمكن استرداد الأجرة من الأجير تعيّن إذا كانت الأجرة من مال الميت.

(مسألة – 74) إذا كانت الأجرة الاعتيادية على درجات تبعاً لنوعية الأجير واختلافه من جهة الفضل والشرف والعلم والدقة في التطبيق والمكانة، فلا مانع من استئجار الأفضل والأخذ بأعلى تلك الدرجات إذا كان الميت قد أوصى فتؤخذ أجرة الحجة الميقاتية الاعتيادية من الأصل، والزائد من الثلث.

كما يجوز الأخذ بأدناها، ولا مانع من استئجار من هو أفضل من الميت شرفاً وعلماً ومكانة، كما أنه لا مانع من استئجار من هو دون الميت فضلاً وعلماً شريطة أن لا تكون فيه مهانة للميت.

(مسألة – 75) إذا حج شخص حجة الإسلام، ثم أوصى بأن يحج عنه حجة أخرى، أخرجت نفقات ذلك من الثلث، وإذا أوصى بحج ولم يعلم أنه حجة الإسلام أم غيرها، اعتبرت نفقاته من الثلث.

(مسألة – 76) إذا كان المتصدي لعملية الاستئجار للحج

ص: 55

عن الميت الوارث فهو يعمل على طبق نظره اجتهاداً أو تقليداً، دون نظر الميت، إلا فيما إذا كان نظر الميت موافقاً للاحتياط، ونظر الوارث مخالفاً له، ومبنياً على الأصل العملي المؤمّن كأصالة البراءة، دون الدليل الاجتهادي، ففي هذه الحالة الأحوط والأجدر به وجوباً أن يعمل على طبق نظر الميت اجتهاداً أو تقليداً، وإذا كان المتصدي للعملية الوصي، فإن كان نظره مطابقاً لنظر الموصي اجتهاداً أو تقليداً فهو المطلوب، وإن كان مخالفاً له، فإن كان نظره مطابقاً للاحتياط دون نظر الموصي، فعليه أن يعمل على طبق نظره، وإن كان نظر الموصي مطابقاً للاحتياط دون نظره فعليه أن يعمل على طبق نظر الموصي تنفيذاً للوصية.(مسألة – 77) إذا علم الوصي أن الميت كان مقلداً لمجتهد لا يعلم أن رأيه في المسألة كان موافقاً للاحتياط أو مخالفاً له وجب عليه الاستئجار للحج عن الميت بشروط موافقة للاحتياط تطبيقاً لتنفيذ الوصية، وإذا علم الوارث بذلك لم يجب عليه العمل إلا بما يراه صحيحاً بحسب نظره اجتهاداً أو تقليداً دون نظر الموصي.

(مسألة – 78) إذا كان الميت قد عين شخصاً خاصاً وأوصى بأن يحج عنه وجب على الوصي استئجاره للحج عنه، وإن لم يقبل إلا بأجرة أكبر من الأجرة الاعتيادية اعتبر الزائد من ثلث الباقي وإن لم يمكن ذلك بسبب أو آخر استأجر غيره

ص: 56

بالأجرة الاعتيادية.(مسألة – 79) إذا كان الميت قد أوصى بأن يحج عنه، وعين أجرة لا يرغب أحد أن يحج بها، فحينئذٍ إن كان الحج الموصى به حجة الإسلام وجب تكميل نفقاتها من باقي التركة، وإن كان حجة أخرى بطلت الوصية ويصرف ما عينه من الأجرة في وجوه البر والإحسان.

(مسألة – 80) إذا باع شخص داره مثلاً من آخر بثمن معين كمائة دينار أو صالحها منه بذلك المبلغ واشترط عليه في ضمن العقد أن يُنفق ذلك المبلغ على الحج عنه بعد موته فعندئذٍ إن كان الحج الموصى به حجة الإسلام اعتبر المبلغ من التركة شريطة أن لا يكون زائداً على الأجرة الاعتيادية بأعلى مرتبتها، وإلا اعتبر الزائد من الثلث إذا كانت له تركة أخرى، ولو كانت التركة منحصرة به فإن كان بقدر الأجرة الاعتيادية أنفق على الحج وإن كان أزيد منها كان ثلثا الزائد للورثة وثلثه للميت ويصرف في وجوه البر والإحسان وإن كان أقل منها بدرجة لا يتسع للحد الأدنى من نفقات الحج كان المبلغ كله للورثة.

وإن كان الحج الموصى به حجة أخرى، فإن كان المبلغ بقدر ثلثه وجب على الوصي إنفاقه على الحجة، وإن كان أزيد من الثلث فالزائد للورثة، والباقي إن وفى بنفقات الحج فهو المطلوب، وإلا صرف في سائر وجوه البر، وكذلك الحال إذا كانت التركة منحصرة به، فإن ثلثيه للورثة وثلثه للميت، فإن

ص: 57

وفى بالحج فهو وإلا صرف في وجوه الخير والإحسان.وعلى هذا فإن امتنع المشروط عليه من العمل بالشرط، فإن كان الشرط حجة الإسلام فللحاكم الشرعي إجباره على العمل، فإن لم يكن ذلك انتقل الخيار إليه دون الورثة، وله حينئذٍ فسخ العقد فإذا فسخه انتقلت الدار إلى الميت، وبعد انتقالها إليه ينفق منها على الحج، فإن زاد اعتبر الزائد من الثلث كما مرّ، نعم لو كانت التركة منحصرة به، وكان أزيد من الأجرة الاعتيادية كان ثلثا الزائد للورثة، وعندئذٍ فيثبت الخيار لهم أيضاً من جهة امتناع المشروط عليه عن تسليم ثلثي الزائد إليهم.

وإن كان الشرط حجة أخرى، فإن كان المبلغ بقدر ثلثه ظهر حكمه مما مر، وإن كان زائداً على الثلث أو كانت التركة منحصرة به، ثبت خياران، أحدهما للميت والآخر للورثة، والأول انتقل إلى الحاكم الشرعي.

(مسألة – 81) إذا صالحه شخص على داره، أو باعها منه وشرط عليه أن يحج منه بعد موته، أو باع الدار لينفق ثمنها على الحج عنه، فهذا وإن لم يكن من الوصية، إلا أنه يجب عليه الوفاء بالشرط، فإن امتنع فلوارث الميت أن يطالب منه العمل بالشرط، فإن لم يقبل يرجع إلى الحاكم الشرعي لكي يجبره على العمل به، وإن لم يمكن ذلك أيضاً فللوارث أن يفسخ العقد بمقتضى خيار تخلف الشرط، على أساس أن الشرط بما أنه ملك

ص: 58

للمشروط له، فيكون من التركة، وينتقل الخيار إليه تبعاً لانتقاله.(مسألة – 82) إذا مات الوصي ولم يعلم أنه قام بتنفيذ الوصية قبل موته، فيجب الاستئجار من التركة إذا كان الحج الموصى به حجة الإسلام، ومن الثلث إذا كان حجة أخرى، وعلى هذا فإن كان الوصي قابضاً لمال الإيجار وكان موجوداً عنده أُخذ، ولا يعتنى باحتمال أنه قد استأجر من مال نفسه بديلاً عنه، وإن لم يكن موجوداً عنده فلا يحكم بضمانه لاحتمال أنه تلف عنده بدون تفريط وإهمال، هذا إذا لم تكن هناك قرينة على التنفيذ كظهور حاله الموجب للوثوق به.

(مسألة – 83) إذا تلف المال عند الوصي بلا تفريط وتقصير منه، وجب الاستئجار للحج عن الميت من بقية التركة وإن كانت موزعة بين الورثة إذا كان الموصى به حجة الإسلام، ومن بقية الثلث إذا كان الموصى به حجة أخرى، وكذلك الحال إذا مات الأجير قبل الشروع في العمل، ولا فرق فيه بين إمكان استرداد مال الإيجار من ورثة الأجير أو لا.

(مسألة – 84) إذا كان الميت قد أوصى بحج غير حجة الإسلام، وعين مالاً لنفقاته يحتمل أنه أزيد من الثلث، لم يجُز التصرف فيه وإنفاقه جميعاً على الحج، وإذا زاد عن الأجرة الاعتيادية أنفق الزائد على وجوه البر والإحسان.

(مسألة – 85) إذا كان عند أحد مال من شخص آخر، ومات صاحب المال بعد استقرار حجة الإسلام عليه، واحتمل

ص: 59

من يكون المال في حيازته أنه إذا رده إلى ورثته أكلوه ولم ينفقوا على الحج نيابة عنه، كانت وظيفته أن ينفق منه للحج عن الميت، فإن زاد من أجرة الحج رد الزائد إلى الورثة، ولا فرق فيه بين أن يقوم بنفسه مباشرة الحج نيابة عنه وبين أن يستأجر شخصاً آخر للحج عنه، كما أنه لا فرق بين أن يكون المال موجوداً عنده أو في ذمته.(مسألة – 86) إذا علم بالإمكانية المالية لدى الميت في زمن حياته، وشك في توفر سائر الشروط فيه فلا يجب القضاء، إلا إذا كانت لهذه الشروط حالة سابقة، وإذا كانت لها حالتان سابقتان متضادتان فلا يجب القضاء إلا إذا علم إجمالاً بأنه في الوقت الذي توفر فيه سائر الشروط كان مستطيعاً.

(مسألة – 87) من كانت عليه حجة الإسلام فلا يسوغ له أن يحج عن غيره تبرعاً أو إجارة، ولكن إذا أصر على ذلك وحج عن غيره كذلك فإن حجه يصحّ وإن اعتبر آثماً.

(مسألة – 88) تبين مما تقدم أن النيابة لا تكون مشروعة إلا عن الشخص الذي استقرت عليه حجة الإسلام، ولم يقم بأدائها إلى أن مات، أو كان مستطيعاً وأخّر تسامحاً وإهمالاً، ولم يحج حتى عجز عن الحج لسبب من الأسباب وانقطع أمله في التمكن من الأداء المباشر بالحج، وأما من مات ولم تستقر عليه حجة الإسلام، كمن مات في سنة استطاعته، فلا شيء عليه حتى تكون النيابة عنه مشروعة ويستحب للوارث أن يحج

ص: 60

عن الميت وإن لم يكن الحج واجباً عليه.(مسألة – 89) تجوز الاستنابة في الحج المندوب عن الأحياء والأموات على السواء، ولا تكون مشروطة بأي شروط ما عدا كون المنوب عنه مسلماً، ولا فرق في ذلك بين أن يكون المنوب عنه رجلاً أو امرأة، بالغاً وعاقلاً أو مجنوناً أو صبياً مميزاً.

شرائط النائب

1- البلوغ: فلا تصح نيابة الصبي، وأما المميز الموثوق به فلا تصح نيابته في الحج الواجب على الأحوط، وتصح نيابته في الحج المندوب بإذن الولي.

2- العقل: فلا تجزي استنابة المجنون سواء في ذلك ما إذا كان جنونه مطبقاً أم كان أدوارياً إذا كان العمل في دور جنونه، وأما السفيه فلا بأس باستنابته.

3- الإيمان: فلا تصح نيابة غير المؤمن وإن أتى بالعمل على طبق مذهبنا وحصل منه قصد القربة.

4- أن يكون النائب متمكناً من الأداء المباشر بكل واجبات الحج، وأما إذا كان عاجزاً عن القيام ببعض واجباته لمرض أو نحوه، فلا تجوز نيابته، كما إذا كان عاجزاً عن الطواف وصلاته، أو السعي بين الصفا والمروة أو غير ذلك، وإذا بادر والحال هذه وتبرع بالحج عن غيره فلا يكتفى بذلك.

نعم إذا لم يتمكن من رمي الجمرات الثلاث في اليوم

ص: 61

الحادي عشر والثاني عشر مباشرة، فلا بأس باستنابته، كما أنه إذا علم باضطراره أثناء الإحرام إلى التظليل أو نحوه لم يعق ذلك عن صحة الاستنابة.ولا يضرّ بصحة الاستنابة ما لو كان الشخص متمكناً من القيام بكل واجبات الحج من الأول واستؤجر للحج عن غيره ثم طرأ عليه العجز أثناء الأعمال، كما إذا مرض أو انكسرت رجله اتفاقاً فعجز عن القيام المباشر بالطواف والسعي ونحوهما.

5- أن لا يكون الإنسان مكلفاً بحجة الإسلام أو غيرها من الحج الواجب في سنته، فلا يجوز له أن ينوب عن غيره فيها ويهمل ما وجب عليه من الحج، ولكن إذا صنع ذلك غافلاً أو جاهلاً بوجوب الحج عنه صحت استنابته وحجته النيابية معاً.(1)

وإذا صنع ذلك عامداً وملتفتاً إلى أنه مكلف بالحج فعلاً فإن الإجارة لا تصح، وأما حجته النيابية فهي صحيحة، وإذا كانت

ص: 62


1- - سؤال: هل يجوز الحج نيابة عن والدي وعلماً اني لم أحج هل يجوز عني وعن والدي بحجه واحده علماً ان أموال الحج ليس مني وليس من اموال والدي المتوفي إنما من عمتي تعمل معلمه وعلماً ان عمتي لا تخمس؟ بسمه تعالى: الموسم الواحد لا يتحمل الا حجة واحدة فاذا كنت مستطيعا فلابد وان يكون الحج عنك، وان لم تكن مستطيعا وقد حصلت على اجارة فلا مانع بل يستحب لك ذلك، وما دام الباذل غير مخمس فالاحوط لك تخميس مبلغ لوازم الحج حسب ما ذكرنا في المناسك، راجع مسالة 45 صفحة 42.

الإجارة باطلة فإنه لا يستحق الأجرة المسماة وإنما يستحق أجرة المثل، وهي الأجرة التي يتقاضاها الأجراء عادة للقيام بمثل ذلك العمل، وعليه فإذا كانت الأجرة المعينة في الإجارة أكثر من أجرة المثل لم يكن له المطالبة بالزائد.(مسألة – 90) لا تعتبر في صحة عمل النائب العدالة، ولا الوثاقة، ولا الأمانة، ولا في صحة استئجاره ولكن بما أن ذمة الميت لا تبرأ بمجرد عقد الإيجار، وإنما ترتبط براءتها بأداء النائب للحج على الوجه الصحيح، فيتطلب ذلك من الوصي أو الوارث أن يستنيب شخصاً يكون واثقاً ومطمئناً بأنه يؤدي العمل على الوجه المطلوب، ولا يجوز له أن يستنيب من لا يثق به لأن وظيفته إحراز فراغ ذمة الميت عن الحج، ولا يمكن ذلك إلا أن يكون النائب مأموناً بأداء الحج بكامل واجباته وذا معرفة في تطبيقها وجديراً بالثقة وكذلك الحي العاجز الموسر الذي تكون وظيفته الاستنابة، فإن الواجب عليه أن يستنيب شخصاً جديراً بالثقة والأمانة، ومتأكداً بأنه يؤدي العمل على الوجه الصحيح والمطلوب حتى يحصل له الوثوق والاطمئنان بفراغ ذمته.

(مسألة – 91) إذا استقرت حجة الإسلام على شخص ثم صار مجنوناً، فإن انقطع الأمل عن استعادة عقله أُرسل شخص مكانه ليحج عنه نيابة وإن مات وجب على وليه أن يحج عنه مباشرة أو استنابة.

ص: 63

(مسألة – 92) لا تعتبر المماثلة في نيابة الحج بين النائب والمنوب عنه، فتصح نيابة المرأة عن الرجل وبالعكس، ولا يعتبر في نائب الرجل أن يكون رجلاً وفي نائب المرأة أن يكون امرأة، كما أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون النائب قد حج سابقاً أو لم يحج، لكن يستحب إنابة الرجل الصرورة وهو من لم يحج سابقاً.(مسألة – 93) تصح النيابة في الحج المندوب عن الحي رجلاً كان أو امرأة مطلقاً، أي سواء أكان عاجزاً أم لا وسواء أكانت بالتبرع أم بالإجارة، وفي الحج الواجب عنه شريطة أن يكون الوجوب مستقراً عليه، وأن يكون عاجزاً وميئوساً من التمكن بالقيام به مباشرة وأن يكون بالإجارة، ولا تصح بالتبرع وتصح عن الميت مطلقاً في الحج الواجب والمندوب، كانت بالتبرع أم بالإجارة.

(مسألة – 94) يعتبر في صحة عمل النائب امران: أحدهما قصد النيابة عن غيره، وهو المنوب عنه وثانيهما تعيينه ولو على وجه الإجمال، فلو أتى بعمل كان يقصد به النيابة عن غيره بدون تعيينه ولو إجمالاً، لم يقع عنه كما أنه لو أتى بعمل بدون أن يقصد النيابة عن غيره لم يقع عنه.

(مسألة – 95) كما تصح النيابة بالإجارة، تصح بالجعالة، وبالشرط في ضمن العقد أيضاً.

(مسألة – 96) إذا مات النائب قبل الإحرام، لم تبرأ ذمة

ص: 64

الميت عن الحج، ويجب على الوصي أو الوارث أن يستنيب شخصاً للحج عنه مرة ثانية، وإذا مات بعد الإحرام أجزأ عنه وبرئت ذمته وإن كان قبل دخول الحرم، ولا فرق في ذلك بين أقسام الحج، كما أنه لا فرق بين أن تكون النيابة بالإجارة أو بالتبرع.(مسألة – 97) إذا مات الأجير بعد الإحرام فإنه يستحق تمام الأجرة إذا كانت الأجرة على تفريغ ذمة الميت، وإذا كانت على الأعمال والمناسك توزع الأجرة عليها، فيستحق منها بالنسبة.

(مسألة – 98) إذا مات الأجير قبل الإحرام فإنه لا يستحق من الأجرة شيئاً مطلقاً، سواء أكانت الإجارة على تفريغ الذمة، أم كانت على الأعمال والمناسك، نعم ما صرفه من الأجرة على المقدمات إلى ما قبل الميقات، فلا يكون ضامناً، ولا يحق للوارث أو الوصي أن يطالبه به.

(مسألة – 99) إذا استأجر الوارث أو الوصي شخصاً للحجة البلدية عن الميت، ولم يعيِّن طريقاً خاصاً كان الأجير مخيراً في اختيار أي طريق شاء ، وأما إذا عيَّن طريقاً خاصاً وكان بنظره أصلح من سائر الطرق، فلا يجوز له العدول عنه، فإذا عدل عنه وذهب إلى الحج من طريق آخر وحج صح حجه وبرئت ذمة المنوب عنه، وأما استحقاق الأجرة كلها فإن كان الطريق المعين داخلاً في متعلق الإجارة فيستحق من الأجرة

ص: 65

بالنسبة، وإن لم يكن داخلاً في متعلقها بأن تكون الإجارة على الأعمال والمناسك، أو على تفريغ الذمة استحق تمام الأجرة، غاية الأمر أنه خالف الشرط.(مسألة – 100) إذا آجر أحد نفسه للحج عن شخص -مباشرة في سنة خاصة، ثم آجر نفسه للحج عن آخر في نفس تلك السنة كذلك، فإن الإجارة الثانية باطلة لأنها وقعت على ملك الغير بدون إذنه.(1)

(مسألة – 101) إذا آجر إنسان نفسه للحج عن شخص آخر في سنة معينة، وجب عليه أن يحج عنه في هذه السنة تنفيذاً للوفاء بالإجارة، ولا يجوز له التأخير إلى سنة أخرى، ولا التقديم، فإذا أخّر أو قدم فذمة الميت وإن برئت إلا أنه قيل بأن الأجير لا يستحق شيئاً على المستأجر، لا الأجرة المسماة، لعدم وفائه بالإجارة، ولا أجرة المثل، لأن ما أتى به لم يكن بإذن المستأجر وأمره، وهذا صحيح، لو لم تترتب عليها ثمرة كما لو كانت الإجارة مقيدة بهذه السنة على نحو وحدة المطلوب لأن ما في ذمة الميت مقيد بهذه السنة لنذر ونحوه، أما في غير ذلك بأن

ص: 66


1- - سؤال: إذا لم يكن المكلف مستطيعاً مالياً للحج ولكنه آجر نفسه لخدمة الحجاج، فهل تجزي هذه الحجة عن حجة الاسلام، وان لم يكن من شأنه ان يؤجر نفسه لمثل هذا العمل؟ بسمه تعالى: لا مانع منه من حيث العنوان الأولي، بل يستحب له اتخاذ التدابير الكفيلة بتيسير أمر الحج.

ترتب على فعل الأجير براءة ذمة الميت فالأحوط التصالح، كما لو كان الشرط على نحو تعدد المطلوب.(مسألة – 102) إذا منع ظالم أو عدو الأجير بعد الإحرام عن ممارسة أعمال الحج، أو منعه مرض عن ممارستها، كان حكمه حكم الحاج عن نفسه إذا صد أو أحصر، وسيأتي بيان ذلك في ضمن مسائل المصدود والمحصور. نعم على هذا انفسخت الإجارة إذا كانت مقيدة بهذه السنة الخاصة، وإلا ظل الحج في ذمته، وعليه الإتيان به في السنين القادمة.

(مسألة – 103) إذا مارس النائب محرمات الإحرام عامداً وملتفتاً إلى الحكم الشرعي أو اضطراراً فكفارتها عليه دون المنوب عنه، ولا فرق في بين أن تكون النيابة بالإجارة أو بالتبرع.

(مسألة – 104) إذا استأجر شخصاً للحج عن الميت بأجرة معينة، ثم قصرت الأجرة عن نفقات الحج فلا يجب على المستأجر تكميلها كما أنها إذا زادت عنها فلا يحق له أن يطالب الأجير بإرجاع الزائد.

(مسألة – 105) إذا كان الميت قد أوصى بصرف مبلغ معين من المال في الحج عنه سنين متعددة، وحدد لكل سنة مقداراً خاصاً منه، واتفق عدم كفاية ذلك المقدار لكل سنة فعلى الوصي أن يصرف نصيب سنتين أو أكثر في سنة واحدة للحج عنه.

ص: 67

(مسألة – 106) إذا مارس الأجير الاستمتاع بامرأته جماعاً قبل الوقوف بالمشعر الحرام فعليه الحج من قابل وكفارة ناقة وإتمام هذا الحج، فإذا أكمل هذا الحج فقد برئت ذمة الميت واستحق تمام الأجرة، وأما الحج في العام القادم فهو عقوبة عليه ويكون حاله حال سائر الكفارات.(مسألة – 107) يملك الأجير الأجرة بعقد الإيجار ولكن لا يجب على المستأجر تسليمها إليه إلا بعد إتيانه بالعمل المستأجر عليه، هذا إذا لم يشترط الأجير في ضمن العقد تسليم الأجرة قبل العمل وإلا وجب، والقرينة هنا على هذا الاشتراط موجودة وهي أن المتعارف الخارجي والمرتكز في أذهان الناس تقديم الأجرة قبل البدء بالعمل المستأجر عليه، ومنشأ ذلك أن الأجير في الغالب لا يتمكن من نفقات الحج بكاملها قبل أخذ الأجرة، وحيث أن عقد الإيجار الواقع بين الأجير والمستأجر في باب الحج مبني على ذلك، فيكون بمثابة شرط ضمني لتسليم الأجرة قبل الشروع في العمل.

(مسألة – 108) إذا آجر زيد نفسه للحج عن الميت، فليس له أن يستأجر شخصاً آخر للإتيان بالحج عنه، إلا إذا أذن المستأجر الأول بذلك، أو كانت هناك قرينة على أن مقصود المستأجر الأول ليس قيام الأجير بالحج عنه مباشرة، فيجوز له أن يستأجر غيره للقيام به.

(مسألة – 109) إذا استأجر الوارث أو الوصي لحج التمتع

ص: 68

باعتقاد سعة الوقت، ثم بان أن الوقت قد ضاق ولا يتمكن الأجير من الإتيان بعمرة التمتع وإدراك الحج بعدها فإن حصل ذلك اتفاقاً فعدل الأجير عن عمرة التمتع إلى حج الإفراد وأتى بعمرة مفردة بعده، برأت ذمة المنوب عنه، لكن الأجير لا يستحق الأجرة إذا كانت الإجارة على نفس الأعمال، نعم إذا كانت الإجارة على تفريغ ذمة الميت استحقها.وإذا كان ضيق الوقت مستنداً إلى إهمال الأجير، وتأخير السفر إلى الحج تساهلاً وتسامحاً، لم يكشف ذلك عن بطلان الإجارة ولا انقلاب الوظيفة من حج التمتع إلى حج الإفراد، ووقتئذٍ يثبت الخيار للمستأجر، وله فسخ الإجارة، واسترجاع الأجرة منه.

(مسألة – 110) تصح نيابة شخص واحد عن جماعة في الحج المندوب بدون فرق بين أن يكون هؤلاء الجماعة من الأحياء أو الأموات، ولا تصح في الحج الواجب، فإذا كان الحج واجباً على كل واحد من الشخصين أو الأشخاص احتاج كل منهم إلى نائب مستقل، ولا تتصور كفاية نائب واحد عن الجميع.

(مسألة – 111) يجوز لجماعة أن ينوبوا في سنة واحدة عن شخص واحد، سواء أكان ذلك الشخص حياً أم كان ميتاً، فيحج كل واحد منهم نيابة عنه، سواء أكان قصد بعضهم مختلفاً عن قصد البعض الآخر، كما إذا قصد أحدهم النيابة عنه

ص: 69

في حج مندوب وقصد الآخر النيابة عنه في حج واجب، أو قصدوا جميعاً النيابة عنه في حج واحد كحجة الإسلام احتياطاً، على أساس أن كل واحد منهم يحتمل أن عمل الآخرين ناقص في الواقع وباطل.(مسألة – 112) يجب تعيين نوع الحج من تمتع أو إفراد أو قران في عقد الإيجار، نعم لو كان الإيجار على الحج المندوب، ولم يعين نوعاً خاصاً منه، كان الإيجار على الجامع، وعليه فيكون الأجير مخيراً في تطبيق ذلك الجامع على أي نوع من أنواعه شاء، وأما إذا عيّن المستأجر نوعاً خاصاً من الحج، فلا يجوز للأجير العدول منه إلى غيره وإن كان أفضل، إلا بإذن المستأجر، فإذا عدل بدون إذنه لم يستحق على المستأجر شيئاً من الأجرة المسماة ولا المثل.

(مسألة – 113) الطواف حول البيت الشريف جزء من الحج، وجزء من العمرة، وهو مضافاً إلى ذلك مستحب في نفسه، وعبادة مستقلة من هذه الناحية، كالوضوء فإنه شرط للصلاة، ومع ذلك يكون عبادة مستقلة، وعلى هذا فيجوز للإنسان أن يطوف حول الكعبة الشريفة مستقلاً، بدون أن يضم إلى ذلك شيئاً آخر من أعمال العمرة أو الحج، وتجوز النيابة فيه عن الميت، وكذا عن الحي إذا كان غائباً عن مكة، أو حاضراً فيها ولم يتمكن من الطواف مباشرة، ولا يعتبر في الطواف المستحب المستقل أن يكون حال الطواف متوضئاً، ولكن لا بد

ص: 70

أن يكون متوضئاً حال الإتيان بركعتيه من صلاته.(مسألة – 114) يسوغ للنائب بعد الفراغ من أعمال الحجة النيابية أن يأتي بعمرة مفردة عن نفسه وعن غيره تبرعاً أو إجارة.

الحج المندوب

(مسألة – 115) يستحب لمن يمكنه الحج أن يحج وإن لم يكن مستطيعاً أو أنه أتى بحجة الإسلام، ويستحب الإتيان به في كل سنة لمن يتمكن من ذلك.

(مسألة – 116) يشترط في حج المرأة إذن الزوج إذا كان الحج مندوباً، وكذلك المعتدة بالعدة الرجعية، ولا يعتبر ذلك في البائنة.

(مسألة – 117) تستحب نية العود إلى الحج، وتكره نية عدم العود، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: (من خرج من مكة وهو لا يريد العود إليها فقد اقترب أجله ودنا عذابه).

(مسألة – 118) يستحب إحجاج من لا استطاعة له، كما يستحب الاستقراض للحج إذا كان واثقاً بالوفاء بعد ذلك، ولا ضير في كثرة الإنفاق في الحج.

ص: 71

العمرة

اشارة

وهي واجبة على المستطيع في العمر مرة واحدة كالحج

والعمرة على نوعين:

(الأول): العمرة المفردة، وهي مستحبة باستثناء العمرة الأولى للمستطيع، الذي تكون المسافة بين منزله وبين المسجد الحرام دون ستة عشر فرسخاً (أي دون 88 كيلومتراً)، فيما اذا لم يستطع الحج؛ لأن وظيفته مع الاستطاعة للحج، أن يحج ويعتمر مبتدئاً بالحج ومنتهياً بالعمرة على الأحوط. وتسمى مثل هذه الحجة بحجة الإفراد، وتعتبر العمرة فيها عملاً مستقلاً عن الحج، وليست جزءاً له، ولهذا تسمى بالعمرة المفردة. نعم تجب العمرة المفردة على من يبعد منزله عن مكة أكثر من المسافة المذكورة، إذا لم يتمكن من الحج، وتمكن من العمرة، فيجب عليه أن يأتي بها مفردة.(1)

ص: 72


1- - سؤال: ما حكم من سافر لأداء حجة الاسلام، ثم علم ان عمرته المفردة او بعض اعمالها التي اداها سابقا باطلة؟! فهل يجوز له تأجيلها لما بعد اعمال الحج؟ بسمه تعالى: ان وقع احرامه صحيحا للعمرة المفردة السابقة فعليه الاتيان بما يحل احرامه اي الطواف والسعي والتقصير فان أخل بأحدها وجب تداركه قبل ان يحرم لعمرة التمتع الى الحج فان لم يتيسر له ذلك اناب غيره. ويوجد من يقول بسقوط الاحرام الاول بمجرد انتهاء الشهر الذي احرم فيه لكنه قول ليس معتمدا. سؤال: من أدى العمرة المفردة في شهر رجب ولم يسبق له أداء حجة الإسلام هل يلزمه البقاء في الديار المقدسة الى أوان الحج لأدائه؟ ولو لم يفعل ذلك فهل يستقر الحج على ذمته؟ بسمه تعالى: إذا كان هذا هو السبيل الوحيد لأداء الحج الواجب عليه بتحقق شروطه، ولم يكن فيه ضرر عليه من جهة القوانين المعمول بها، فيجب عليه البقاء.

(الثاني): عمرة التمتع، وهي جزء من فريضة حج التمتع ، وعلى كل من يستطيع مالاً وبدناً وأمناً، ويبعد منزله عن المسجد الحرام ستة عشر فرسخاً أو أكثر من ذلك ، أن يعتمر ويحج بادئاً بالعمرة ومنتهياً بالحج، وتسمى الحجة التي تبدأ بالعمرة وتنتهي بالحج بحجة التمتع، فالعمرة تعتبر الجزء الأول من حجة التمتع، ولا تجب عليه العمرة المفردة وإن استطاع ذلك.(1)وبكلمة مختصرة: إن وظيفة القريب حج الإفراد والعمرة المفردة، بادئاً بالحج، ثم بالعمرة على الأحوط، ووظيفة البعيد

ص: 73


1- - سؤال: إذا احرم للعمرة المفردة بدلاً عن عمرة التمتع جهلاً أو نسياناً فما هو حكمه؟ بسمه تعالى: إذا كان في ارتكازه انه يؤدي ما وجب عليه من أفعال فلا ضير في هذا الاشتباه.

حج التمتع بادئاً بالعمرة ثم بالحج، ولا ترتبط صحة حج الإفراد بالعمرة المفردة، فلهذا لا يمثلان عبادة واحدة، بل عبادتين مستقلتين، ولا يستلزم بطلان أحدهما بطلان الأخرى، بينما ترتبط صحة حج التمتع بعمرة التمتع، فلهذا يمثلان عبادة واحدة، فبطلان أي منهما يستلزم بطلان الآخر.(مسألة – 119) كل من أراد أن يحج حجاً استحبابياً، سواء أكان قريباً أم بعيداً، تخيّر بين حج التمتع أو الإفراد أو القران، وإن كان الأول أفضل، وإذا أراد أن يأتي بالعمرة في غير موسم الحج، فلا بد من أن يأتي بالعمرة المفردة، ولا يجوز له الإتيان بعمرة التمتع إلا في أشهر الحج.

(مسألة – 120) يستحب الإتيان بالعمرة المفردة في كل شهر، ولا إشكال في جواز الإتيان بعمرة في شهر وإن كان في آخره، وبعمرة أخرى في شهر آخر وإن كان في أوله، والأقوى جواز الإتيان بعمرتين في شهر واحد خلافاً للمشهور الذي منع من ذلك فيما إذا كانت العمرتان عن نفس المعتمر أو عن شخص آخر.(1)

ص: 74


1- - سؤال: جواز أداء عمرتين في شهر واحد يحرص الذين يوفقّهم الله تعالى لأداء مناسك العمرة المفردة أن يجعلوها في الأيام الأخيرة من الشهر القمري – كشهر رجب الذي هو أفضل الشهور لأداء العمرة – ليحلَّ لهم الإتيان بعمرة ثانية عندما يدخل الشهر الجديد، لان المشهور عدم جواز الإتيان بعمرتين في شهر واحد، والمشكلة أن تحديد وقت السفر ليس بأيدينا فقد لا تتحقق لنا هذه الفرصة ونحن نريد استثمار السفرة للإتيان بأكثر من عمرة مفردة فما هو الحل؟ بسمه تعالى: هذا الذي قاله المشهور يختص بما لو أتى بعمرتين عن نفسه، أما إذا نوى بالأخرى النيابة عن غيره فلم يستشكلوا في الإتيان بعمرتين متتاليتين. وقد استدل المشهور على منع إتيان الشخص بعمرتين مفردتين عن نفسه في شهر واحد بما ورد في بعض الروايات عن المعصومين (عليهم السلام) (لكل شهر عمرة)، وقد بحثَتُ المسألة مفصلاً في موسوعة (فقه الخلاف) وطُبعت بكتاب مستقل أيضا، وقلتُ فيه: إن هذا الحديث لا يدلُ على اشتراط وقوع عمرة واحدة في الشهر، وعرضتُ أكثر من فهم له، ومنها: أ-إن الجملة لا تدل على الحصر والاشتراط، ولو دلّت فهو حصر إضافي أي بملاحظة ما قاله بعض فقهاء العامة من اشتراط عمرة واحدة في كل سنة فيردّ الإمام (عليه السلام) بإمكان الإتيان بالعمرة حتى ولو في كل شهرٍ. ب-إن الإمام (عليه السلام) يُبّين أحد الأعمال المسنونة للشهر، فكما أن من سنن كل شهر: صلاة أول الشهر وصوم ثلاثة أيام فيه (أول خميس وأربعاء في الوسط وآخر خميس) وتلاوة ختمة قرآن، والصدقة، فكذلك العمرة في كل شهر سُنةٌ لمن يتمكن من أداءها. وعلى هذا فان ما ورد في بعض الروايات أن الإمام (عليه السلام) كان يُحرمُ للعمرة لليليتين أو ثلاث بقين من شهر رجب ويأتي بعمرة أخرى في شعبان ليمتثل سنة الاعتمار في شهرين بدل عمرتين في شهر واحد وليس للشرط المذكور. وعلى أي حال فلم يقم عندي دليل معتبر على هذا الاشتراط ولا أجد مانعاً من إتيان الشخص بأكثر من عمرة مفردةٍ عن نفسه في شهرٍ واحد، ولكن لأجل بعض الوجوه التي ذكرتها في البحث، ولأنّ أداء العمل نيابة عن المعصومين (عليهم السلام) يزيد من قيمة العمل أضعافاً مضاعفة فقد نصحتُ بأن يؤتي بالعمرات المتعددة في شهر واحد نيابة عن المعصومين (عليهم السلام) ولو في كل يوم عمرة أو أكثر، واعرف أحد الفضلاء يؤدي في السفرة الواحدة اربع عشرة عمرة عن تمام المعصومين (عليهم السلام)، وفقّنا الله تعالى وإياكم لطاعته وبلوغ غاية رضاه.

ص: 75

ونحن ننصح هنا من أراد أن يعتمر عمرة بعد عمرة بلا فاصل أن ينويها نيابة عن المعصومين (سلام الله عليهم) لما فيها من الأجر المضاعف أو ينويها عن والديه وأقربائه، لأنه سينال نفس الأجر وزيادة مع وصول مثله إلى الآخرين ويتخلص من احتمال اشتراط الفصل .وعلى المشهور فإنه لا إشكال فيما إذا كانت إحدى العمرتين عن نفسه والأخرى عن غيره، أو كانت كلتاهما عن شخصين غيره، كما لا إشكال فيما إذا كانت إحداهما العمرة المفردة والثانية عمرة التمتع، فمن اعتمر عمرة مفردة يجوز له الإتيان بعمرة التمتع بعدها ولو كانت في نفس الشهر بلا إشكال، وكذلك الحال في الإتيان بالعمرة المفردة بعد الفراغ من أعمال حج التمتع.

ولا يجوز الإتيان بالعمرة المفردة بين عمرة التمتع والحج.

ص: 76

(مسألة – 121) مرّ أن العمرة المفردة تجب على القريب بالاستطاعة، ولا تجب على البعيد، وأما بالنذر أو اليمين أو العهد أو الشرط في ضمن العقد، فهي تجب على القريب والبعيد على حد سواء.

موارد التطابق بين نوعي العمرة

1- الإحرام: وصورته أن يلبس المكلف ثوبي الإحرام، وينويه ويلبي بقصد القربة، فإذا لبّى كذلك انعقد الإحرام، وأصبح محرماً، وحرمت عليه أشياء معينة سيأتي شرحها ضمن المسائل القادمة.

2- الطواف: وهو أن يقف إلى جانب الحجر الأسود، مراعياً أن يكون البيت الشريف إلى جانبه الأيسر، فيطوف حوله سبع مرات، بادئاً في كل مرة بالحجر، ومنتهياً في كل مرة إليه.(1)

3- صلاة الطواف: وهي ركعتان مخيراً فيهما بين الجهر والإخفات.

4- السعي بين الصفا والمروة: وهو أن يبدأ الإنسان بالصفا وينتهي بالمروة، ويعود من المروة إلى الصفا، وهكذا سبع مرات.

ص: 77


1- - سؤال: هل يضر بصحة الطواف الالتفات بالرأس والرقبة إلى الكعبة اثناء الطواف مع التحفظ على كون يسار بدنه الى جهة الكعبة؟ بسمه تعالى: لا يضرّ هذا المقدار لأن المهم اتجاه حركة الطائف ببدنه.

موارد الافتراق بين نوعي العمرة

1- موضوع عمرة التمتع من الناحية الزمانية أشهر الحج، وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة، بينما يكون موضوع العمرة المفردة من الناحية الزمانية تمام شهور السنة، وأفضلها للعمرة المفردة شهر رجب.

2- تشتمل العمرة المفردة على طواف آخر يسمى بطواف النساء، وهو آخر ما يأتي به المعتمر في هذه العمرة، بينما لا تشتمل عمرة التمتع إلا على طواف واحد.

3- لا يخرج المحرم عن الإحرام في عمرة التمتع إلا بالتقصير، بينما يخرج في العمرة المفردة بأحد أمرين: إما بالتقصير أو الحلق.

4- تمثل عمرة التمتع وحج التمتع عبادة واحدة، فلا يصح إنجاز العمرة بصورة مستقلة عن حج التمتع، ولا بد من إنجازهما في سنة واحدة في أشهر الحج، خلافاً للعمرة المفردة، فإنها لا تمثل مع حج الإفراد عبادة واحدة، بل هي تعتبر عبادة مستقلة عن الحج، ولهذا يجوز الإتيان بعمرة مفردة في سنة، وحج الإفراد في سنة أخرى.

5- لا يصح الإحرام لعمرة التمتع إلا من أحد المواقيت الخمسة، أو من محاذاتها، بينما يجوز الإحرام للعمرة المفردة من أدنى الحل في حالة عدم المرور على أحد تلك المواقيت ولا على محاذاته.

ص: 78

6- مرّ أن عمرة التمتع بما أنها مرتبطة بحج التمتع ثبوتاً وسقوطاً، ولا يصح إتيانها بصورة مستقلة عن الحج، فلذلك كل من أراد أن يأتي بعمرة مستحبة يتعين عليه أن يأتي بعمرة مفردة.

7- إن من تكون وظيفته حج التمتع، فلا تكتمل استطاعته إلا أن تتوفر بالنسبة إلى كلا الجانبين معاً، من عمرة التمتع وحجة التمتع، فإذا كان مستطيعاً للحج دون عمرة التمتع فلا يجب عليه شيء منهما، وهذا بخلاف من تكون وظيفته حج الإفراد، فإنه يكفي لكل من الحج والعمرة استطاعته، فإذا استطاع للحج وجب عليه الحج دون العمرة، وإذا استطاع للعمرة وجبت عليه العمرة دون الحج، وإذا استطاع للاثنين وجب عليه الاثنان مقدماً الحج على العمرة على الأحوط.

مسائل

(مسألة – 122) كل شخص أراد الإتيان بالعمرة المفردة، فإذا مر على أحد المواقيت أو من محاذاته التي يحرم منها لعمرة التمتع، وجب عليه أن يحرم منه، ولا يجوز له الاجتياز بدون إحرام بقصد الإحرام من أدنى الحل، وأما من كان في مكة وأراد الإتيان بالعمرة المفردة، فيجوز له أن يخرج من الحرم ويحرم لها من أدنى الحل، وهو النقطة التي تنتهي فيها منطقة الحل، وتبدأ منطقة الحرم المحيطة بمكة، والأولى أن يكون إحرامه

ص: 79

من أحد الأمكنة التالية: الحديبية، أو الجعرانة(1)،بينما لا يصح إحرام عمرة التمتع إلا من أحد المواقيت الخمسة، أو من محاذاتها، حتى لمن كان في مكة، وأراد الإتيان بها، فإن عليه أن يخرج إلى أحد تلك المواقيت، والإحرام منه، إلا إذا لم يتمكن من الذهاب إليه، وحينئذٍ فإن تمكن من الخروج عن الحرم والإحرام من هناك وجب، وإلا فمن مكانه، على تفصيل يأتي في ضمن المسائل الآتية.(مسألة – 123) من خرج من مكة بعد الفراغ من أعمال الحج، أو بعد الإتيان بالعمرة المفردة، إذا أراد الدخول إليها مرة ثانية، جاز بدون إحرام إذا كان قبل مضي الشهر الذي أتى بالحج أو العمرة المفردة فيه.

وأما غيره فلا يجوز له الدخول بدون إحرام، إلا من يتكرر دخوله فيها، والخروج منها كالحطاب والحشاش والمجتلبة، ويشمل الحكم كل من يتكرر دخوله فيها والخروج منها لحاجة تتطلب ذلك، كالممرض والمعلم والطالب الجامعي أو غير ذلك.

(مسألة – 124) من أتى بعمرة مفردة في أشهر الحج غير قاصد الحج وناوياً الرجوع إلى بلده بعد العمرة، فإذا بقي في مكة بعدها إلى يوم التروية، فإن نوى الحج انقلبت عمرته متعة، ولم يجز له الخروج منها، وترْك الحج، وإلا جاز له ذلك حتى في يوم التروية.

ص: 80


1- - اما التنعيم، فالاحوط عدم الاحرام منه

(مسألة –125) انقلاب العمرة المفردة المأتي بها في أشهر الحج إلى عمرة التمتع مختص بمن لم يكن قاصد الحج ثم قصده، أما من كان قاصد الحج فعليه أن يأتي بعمرة التمتع لحج التمتع بعدها.(مسألة – 126) يتحقق الانقلاب من حين قصدِه الحج وليس من حين العدول عن الرجوع إلى بلده والبناء على البقاء في مكة إلى يوم التروية أو غيره.

(مسألة – 127) حكم الانقلاب المذكور شامل لحج التمتع الواجب والمندوب.

(مسألة – 128) يجوز الإتيان بالعمرة المفردة في العشرة الأولى من ذي الحجة.

ص: 81

أنواع الحج

اشارة

الحج على ثلاثة أنواع بحسب كيفية أدائه وترتيب مناسكه، وليس اختيار أحدها موكول للمكلف وإنما يتعين لكل مكلف فرضه بلحاظ بُعد منزله عن المسجد الحرام، فمن كان البعد بين منزله عن المسجد الحرام أقل من ستة عشر فرسخاً (أي 88 كيلومتراً) ففرضه حج القران أو الإفراد، وأما إذا كانت المسافة بهذا المقدار أو أكثر من ذلك ففرضه حج التمتع.

نعم قد تنقلب وظيفة المتمتع إلى الإفراد لمرض أو عذر كما يأتي تفصيل ذلك بإذن الله تعالى. ولكن من أتى بخلاف فرضه حال الاختيار وبلا عذر فإنه لا يكفي عن حجة الإسلام.

ومن كان متوطناً في مدينتين: إحداهما دون الحد المذكور والأخرى أبعد منه فالميزان أغلبهما توطناً، فإن غلب عليه التوطن في الأول كان فرضه في حجة الإسلام الإفراد أو القران، وإن غلب عليه التوطن في الثاني كان فرضه في حجة الإسلام التمتع.

(مسألة – 129) البعد المتمثل ب-(88 كم) يلاحظ بين منزل الانسان والمسجد الحرام وليس من بلد الانسان او الى مكة

ص: 82

بحدودها.(مسألة – 130) المذكور أعلاه وظيفة من عليه حجة الإسلام، وأما في الحج المندوب فلا فرق بين أهل مكة وضواحيها ومن كان بعيداً عنها، فإنه مخير بين هذه الأقسام الثلاثة للحج وإن كان الأفضل حج التمتع. ومن وجب عليه الحج بنذر وشبهه أو بإجارة فالمدار على قصد الناذر والمستأجر.

ومن أفسد حجه وجب عليه أن يعيد حجه السابق الذي أفسده.

(مسألة – 131) إذا نوى البعيد الإقامة في مكة بقصد التوطن، حتى صدق عليه انه من حاضري المسجد الحرام، انقلبت وظيفته من التمتع إلى الإفراد بمجرد صدق العنوان عليه بحيث يُعدّ من أهلها، وقد حددت روايات معتبرة المدة بسنتين والمهم تحقق العنوان فمن اقام سنتين عُدّ من أهلها وقد يصدق بإقامة اكثر من سنة قليلا بحيث يدرك موسمين مع العزم على التوطن ، وقد لا يتحقق بإقامة سنة فقد كان في تلك الأزمنة حيث يصعب النقل من يبقى في مكة الى الموسم المقبل ليستزيد من العمرة والزيارة وليحج مرة أخرى او انه لم يدرك الوقوفين فيبقى في مكة ليحج من قابل كما ينقل عن السيد بحر العلوم (قده) من دون العزم على ان يكون من اهل مكة وليس مجاوراً فيها وسياتي مزيد من البيان في المسالة 150.

(مسألة – 132) إذا أقام البعيد في مكة بقصد المجاورة، فإن

ص: 83

كانت إقامته بعد استطاعته ووجوب الحج عليه، وجب عليه حج التمتع، وكذا لو أقام بمكة واستطاع في أقل من سنتين وكان يمكنه الحج قبل إكمال السنتين، وأما لو استطاع بعد الدخول في السنة الثالثة من إقامته بمكة فيكون فرضه الإفراد أو القران.(مسألة – 133) إذا نوى المكي الإقامة في بلد آخر بعيد سنتين أو أكثر فلا يلحقه حكم ذلك البلد إلا إذا عُد من أهله.

(مسألة – 134) من جاور مكة المعظمة وكان من نيته الرجوع إلى وطنه يشترط في استطاعته أن يملك مصارف الحج والرجوع إلى وطنه، فإذا كان يملك مصارف الرجوع إلى وطنه فقط فلا يجب عليه أن يصرفها في الحج.

(مسألة – 135) من جاور مكة المعظمة ولم ينقلب فرضه من حج التمتع إلى حج الإفراد أو القران فالأحوط أن يحرم من ميقات بلده أو من إحدى المواقيت الخمسة، وإذا أراد أهل مكة المعظمة الإتيان بحج التمتع المندوب أو المنذور أو بإجارة فالأحوط أن يكون إحرامهم من إحدى المواقيت الخمسة وتجديد النية في أدنى الحل والتلبية، ويأتي تفصيل ذلك في مبحث المواقيت.

النوع الأول: حج التمتع

اشارة

وهو عبادة مركبة من جزأين مترابطين: أحدهما عمرة التمتع، والآخر الحج، ويسمى (حج التمتع).

ص: 84

واجبات عمرة التمتع أمور

1- الإحرام: وصورته: أن يلبس ثوبي الإحرام ويقصد الإحرام لعمرة التمتع من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى، ويلبي، فإذا لبى انعقد الإحرام وأصبح محرماً، وحرمت عليه أشياء محددة يأتي شرحها.(1)

2- الطواف: وصورته: أن يبدأ بالطواف حول البيت الشريف من النقطة المحاذية للحجر الأسود مراعياً أن يكون البيت إلى جانبه الأيسر، فيطوف حول البيت سبع مرات لعمرة التمتع من حج التمتع حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى، وفي كل مرة يبدأ من المكان المحاذي للحجر، وينتهي إليه في كل مرة.

3- صلاة الطواف: وصورتها: ركعتان كصلاة الفجر مخيراً فيها بين الجهر والإخفات.

4- السعي: وصورته: أن ينوي السعي بين الصفا والمروة لعمرة التمتع من حج التمتع حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى، ويسير بادئاً من الصفا منتهياً إلى المروة، ويعود من المروة إلى الصفا، وهكذا حتى يصل عدد السعي بينهما إلى سبع مرات، ويسمى كل واحد منها شوطاً، أربع مرات ذاهباً من الصفا إلى المروة، وثلاث مرات ذاهباً من المروة إلى الصفا، فيكون ختام

ص: 85


1- - سؤال: إذا لبس الحاج ثوبي الأحرام قبل الميقات فهل يجب عليه فتح الازار وتحريك الرداء في الميقات ليصدق اللبس هناك أم لا؟ بسمه تعالى: ليس هذا ضرورياً، لأن الإحرام ينعقد بالتلبية وليس باللبس.

السعي عند المروة.5- التقصير: وهو أن يأخذ شيئاً من شعره أو أظفاره، وينوي بذلك التقصير لعمرة التمتع من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى، فإذا أتى المكلف بهذه الأعمال الخمسة خرج من إحرامه، وحلت عليه الأمور التي كانت قد حرمت عليه بسبب الإحرام، ولم يبق عليه حينئذٍ إلا أعمال الحج في وقتها.

واجبات حجة التمتع

أمور:

1- الإحرام: وصورته نفس صورة الإحرام لعمرة التمتع، غير أنه يقصد هنا الإحرام لحجة التمتع قربة إلى الله تعالى، ومكانه مكة المكرمة، وزمانه يجب أن يكون قبل ظهر اليوم التاسع من ذي الحجة، على نحو يتمكن من إدراك الوقوف الواجب بعرفات.

2- الوقوف بعرفات: وهو أن يكون الحاج متواجداً فيها من ظهر اليوم التاسع من ذي الحجة إلى الغروب، ولو تأخر عن أول الظهر بمقدار ساعة لأداء المستحبات المسنونة للموقف فلا ضير.

3- الوقوف بالمزدلفة: وهو أن يكون الحاج متواجداً فيها بعد أن يغادر من عرفات، والواجب هو فعلا المبيت شطراً من ليلة العيد بمزدلفة حتى يصبح فيها، والاحوط ان يبقى فيها الى

ص: 86

طلوع الشمس، وان كان الاظهر جواز الافاضة منها الى وادي محسّر قبل الطلوع بقليل، نعم لا يجوز تجاوز الوادي الى منى قبل طلوع الشمس.4- رمي جمرة العقبة: ووقته بين طلوع الشمس وغروبها، ويعتبر أن يكون بسبع حصيّات على سبيل التتابع لا دفعة واحدة.

5- الهدي: وهو عبارة عن الذبيحة التي يجب على الحاج أن يذبحها أو ينحرها يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة في منى.

6- الحلق أو التقصير: على الرجل الحاج بعد ذلك أن يحلق رأسه أو يقصر، وعلى المرأة التقصير دائماً، ونقصد بالحلق حلق شعر الرأس بتمامه، وبالتقصير أخذ شيء من الشعر أو الأظافر، ومكانه منى.

7- الطواف حول البيت: وهو كطواف عمرة التمتع، غير أنه ينويه باسم طواف حج التمتع قربة إلى الله تعالى.

8- صلاة الطواف: وهي كصلاة طواف العمرة، إلا أنه ينويها باسم صلاة طواف الحج كذلك.

9- السعي بين الصفا والمروة: وصورته نفس صورة السعي بينهما في العمرة، غير أنه ينويه لحج التمتع قربة إلى الله تعالى.

10- طواف النساء وصلاته: وهما كطواف العمرة والحج وصلاتهما.

11- المبيت في منى: وهو التواجد ليلتي الحادي عشر والثاني

ص: 87

عشر فيها ويكفي فيه من أول الليل إلى نصفه، أو من منتصفه إلى طلوع الفجر.12- رمي الجمرات الثلاث: مبتدءاً من الجمرة الأولى ومنتهياً إلى الجمرة العقبى في اليوم الحادي عشر والثاني عشر.

النوع الثاني: حج الإفراد

وهو وظيفة من يكون موطنه ومسكنه دون ستة عشر فرسخاً من المسجد الحرام، وهو واجب مستقل لا يرتبط بالعمرة، نعم إذا استطاع المكلف لهما معاً وجب الإتيان بهما كذلك مقدماً للحج على العمرة، على الأحوط كما سبق.

النوع الثالث: حج القِران

اشارة

وهو كحج الإفراد، ولا فرق بينهما إلا أن المكلف إذا صحب هدياً معه وقت الإحرام وساقه في حجه وجب عليه أن يضحي بذلك الهدي يوم العيد، ويسمى الحج حينئذٍ بحج القران، حيث أن الحاج يقرن معه الهدي وإذا لم يصحب هدياً مع وقت الإحرام سمي بحج الإفراد باعتبار أن الحاج يفرد بالحج، ولا يقرن معه الهدي.

موارد التطابق بين حج التمتع وحج الإفراد

في الأعمال التالية:

1- الإحرام.

ص: 88

2- الوقوف بعرفات وفي المزدلفة.

3- رمي جمرة العقبة.

4- الحلق أو التقصير للرجال، والتقصير فقط للنساء.

5- الطواف حول البيت الشريف وصلاة الطواف.

6- السعي بين الصفا والمروة.

7- طواف النساء وصلاته.

8- المبيت في منى ليلة الحادي عشر والثاني عشر.

9- رمي الجمرات الثلاث في اليوم الحادي عشر والثاني عشر.

وأما الذبح أو النحر فهو لا يجب في حج الإفراد إذ لم يصحب المؤدي له هدياً معه وقت الإحرام، وإلا كان من حج القران ووجب ذبحه أو نحره في منى.

الافتراق بين الحجتين في الأمور التالية

1- ترتبط صحة حج التمتع بكونه مسبوقاً بعمرة التمتع بصورة صحيحة، بينا لا ترتبط صحة حج الإفراد بذلك.

2- يجب في حج التمتع الذبح أو النحر في منى، ولا يجب ذلك في حج الإفراد لأنه لم يسق هدياً معه في وقت الإحرام.

3- موضع إحرام حج التمتع مكة المكرمة، وموضع إحرام حج الإفراد أدنى الحل كالجعرانة إذا كان من أهل مكة ومجاوريها وإلا فبحسب حاله كما سيأتي بإذن الله تعالى.

4- لا يجوز تقديم طواف الحج والسعي بين الصفا والمروة

ص: 89

في حج التمتع على الوقوف بالموقفين اختياراً، ويجوز ذلك في حج الإفراد.

ما يعتبر في حج التمتع

أمور:

1- النية بعناصرها الثلاثة، من نية القربة والإخلاص وقصد اسمه الخاص المميز له شرعاً.(1)

2- أن يكون مجموع العمرة والحج في أشهر الحج، وهي شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، فلو أحرم للعمرة قبل دخول شهر شوال بطل وإن وقعت بقية أعمالها فيه.

3- أن يكون الحج والعمرة في سنة واحدة، بادئاً بالعمرة ثم بالحج، فلو أتى بالعمرة وأخّر الحج إلى السنة القادمة لم يصح حج التمتع، ولا فرق في ذلك بين أن يقيم في مكة أو يرجع إلى أهله أو يبقى محرماً إلى السنة الآتية أو يحل منها بالتقصير.

4- إن موضع إحرام الحج مكة، والمراد بمكة هنا البلدة على امتدادها، فالأحياء الجديدة تعتبر جزءاً منها عرفاً، فيجوز الإحرام منها والأفضل أن يكون من المسجد الحرام، وأفضل مواضعه مقام إبراهيم (عليه السلام) أو حجر إسماعيل (عليه

ص: 90


1- - سؤال هل يستحب التلفظ بالنية في اعمال العمرة والحج؟ بسمع تعالى: نعم يستحب ذلك

السلام)، نعم لا يجوز الإحرام في قرية أو بلدة أخرى لها عنوانها المتميز واسمها الخاص، وإن كانت اتصلت بمكة من طريق توسع العمران.(مسألة – 136) يجوز للمكلف بعد الفراغ من أعمال عمرة التمتع الخروج من مكة إذا عرضت له حاجة مطلقاً بشرط أن يكون واثقاً من رجوعه إلى مكة وإدراكه الوقوف في عرفات، وإذا كان الوقت قبل الموقف بيوم أو يومين فإن الأحوط الأولى له أن يخرج محرماً بالحج ثم يعود إلى مكة بذلك الإحرام ويذهب منها إلى عرفات، وإذا لم يمكنه الرجوع إلى مكة ذهب من مكانه إلى عرفات.

وإن خرج من مكة بغير إحرام فإن رجع إليها قبل انقضاء الشهر الذي اعتمر فيه فلا يلزمه إحرام جديد لدخول مكة، فيحرم منها للحج، وإن رجع في غير الشهر الذي اعتمر فيه وجب عليه الإحرام من الميقات لعمرة التمتع ويأتي بها مرة أخرى وتكون هي عمرة التمتع له لاشتراط ارتباطها بالحج، أما عمرته الأولى فتنقلب مفردة وليس عليه أن يأتي بطواف النساء لها، وإن كان أحوط وأولى.

وإذا رجع إلى مكة في غير شهر عمرته محرماً بعمرة مفردة جهلاً أو غفلة صحّت، ولكن عليه أن يأتي بعمرة تمتع أخرى ولا تنقلب هذه العمرة المفردة إلى عمرة تمتع.

(مسألة – 137) يجوز للمكلف الخروج من مكة أثناء عمرة

ص: 91

التمتع بشرط أن يكون واثقاً من قدرته على الرجوع إلى مكة وإتمام العمرة، ثم إدراك الحج، وبشرط عدم فوات الموالاة في المواضع المشروطة فيها.(مسألة – 138) من كانت وظيفته حج التمتع لا يجوز له العدول إلى حج القران أو الإفراد في حال الاختيار وسعة الوقت، أما لو أحرم لعمرة التمتع ثم علم بضيق الوقت ولم يمكنه إتمامها لعدم درك الوقوف بعرفات وهو أول ركن في الحج ينقلب حجه إلى الإفراد وينقل نيته من العمرة إلى حج الإفراد، والأولى تجديد الإحرام وبعد إتمام الحج يأتي بعمرة مفردة ويسقط عنه حج التمتع، ولو علم ضيق الوقت قبل إحرام عمرة التمتع فالأحوط أن يحرم بنية حج الإفراد، وبعد إتمام الحج يأتي بعمرة مفردة ولكن في كفايته حينئذٍ عن حجة الإسلام إشكال، فإن كانت استطاعته باقية أو وجب الحج عليه سابقاً فالأحوط وجوباً الإتيان بحج التمتع في السنة الآتية، وكذلك لو أحرم في سعة الوقت بنية عمرة التمتع وأخر أعمال العمرة عمداً حتى ضاق الوقت ولم يمكنه إتيانها لفوات درك الحج، فالأحوط أيضاً أن ينقل نيته إلى حج الإفراد مع تجديد الإحرام وفي الاكتفاء به عن حجة الإسلام إشكال.

(مسألة – 139) إذا وصلت إلى الميقات وكانت حائضاً أو نفساء ولم تعلم بحصول النقاء لها لطواف العمرة أم لا أو كانت مطمئنة بعدم حصول النقاء، فالأحوط أن تحرم وتنوي بما هو

ص: 92

وظيفتها واقعا من عمرة التمتع أو حج الإفراد، فإن طهرت في وقت يسع لأعمال العمرة أتت بأعمال عمرة التمتع وبعدها تحرم للحج، وإن لم تطهر فعليها حج الإفراد بنفس إحرامها وبعد إتمام الحج تأتي بعمرة مفردة وصح حجها.(مسألة – 140) وقد تسأل عن المرأة التي احرمت لعمرة التمتع وهي طاهرة، ثم فاجأها الحيض بعد ذلك وقبل الطواف، فهل تنقلب وظيفتها من حج التمتع الى الافراد؟

والجواب: إن حصل لها النقاء قبل الحج فعليها الاتيان بعمرة التمتع، وان لم يحصل ذلك حتى ضاق الوقت عن الاتيان بأعمال العمرة، لفوات الوقوف بعرفات، فعليها نقل نيتها الى حج الافراد، وبعد إتمام الحج، تأتي بعمرة مفردة.

(مسألة – 141) لا يجوز لمن أحرم لعمرة التمتع المستحبة من المواقيت ودخل الحرم أن يلغيها ويعود إلى أهله ولو فعل كان آثماً وبقي محرماً حتى يأتي بتمام أعمالها الموجبة للإحلال.

ولو أتم عمرة التمتع ولكنه لم يحج ورجع إلى بلده عصى وبطلت عمرته لاشتراط ارتباطها بالحج ولا تنقلب مفردة.

(مسألة – 142) من أحرم لعمرة مفردة فلا يجوز له إبطالها إذا دخل الحرم، وإذا فعل عصى وبقي محرماً ولا يحل منها حتى يأتي بتمام أعمالها الموجبة للإحلال.

ص: 93

ص: 94

الباب الثاني:الأحكام التفصيلية لمناسك الحج والعمرة وآدابهما

اشارة

ص: 95

ص: 96

يبدأ المكلف بعمرة التمتع ثم حج التمتع، فالكلام في فصلين:

الفصل الأول: واجبات عمرة التمتع وآدابها

اشارة

وهي أمور:

الأمر الأول: الإحرام

اشارة

والكلام عن الإحرام يكون في عدة جهات:

الجهة الأولى: في مواقيت الإحرام

المواقيت هي مواضع عينها الشارع المقدس لأهل الآفاق يجب الإحرام منها على من قصد مكة لعمرة التمتع، إذ لا يجوز دخول مكة إلا محرماً كما تقدم، وتوجد مواقيت أخرى لمن يحرم للحج أو لإجراء بعض الأحكام الأخرى، ويبلغ مجموعها أحد عشر:

(الأول) مسجد الشجرة، وهو في مكان يسمى ذا الحليفة، ويقع قريباً من المدينة المنورة على طريق مكة، وهو ميقات أهل المدينة وكل من أراد الحج عن طريق المدينة سواء للعمرة أو

ص: 97

للحج.(مسألة – 143) الأحوط أن يحرم من نفس المسجد لا من خارجه، وإن كان الأقوى جوازه حواليه.(1)

(مسألة – 144) لا يجوز تأخير الإحرام عن مسجد الشجرة إلا لضرورة من مرض أو ضعف أو غيرهما من الموانع، فيجوز تأخير الإحرام إلى الجحفة إذا كان طريقه يمرّ عليها فيُحرم منها والطريق اليوم لا يتحقق فيه ذلك.

(مسألة – 145) يجوز للجنب والحائض الإحرام من نفس مسجد الشجرة في حال المرور من المسجد، بعد أن يكون قد لبس ثوبي الإحرام في خارج المسجد وفي حال المرور من المسجد ينوي ويلبي ، ولا يجوز لهما المكث في المسجد.

(مسألة – 146) إذا أراد الجُنب الإحرام من نفس مسجد الشجرة، ولم يتيسر له الاحرام حال الاجتياز لكثرة ازدحام الحجاج ولا يتيسر له غسل الجنابة، فله أن يتيمم ويدخل المسجد ويلبي.

(مسألة – 147) إذا لم يمكن للحائض الإحرام من نفس المسجد وبحال المرور ولا يمكنها أن تصبر حتى تطهر فلها أن

ص: 98


1- - سؤال : بناءً على التوسعة الجديدة في مسجد الشجرة واختفاء معالم المسجد الاصلي هل يجوز الإحرام من اي موضع في المسجد الجديد؟ بسمه تعالى: نعم يجوز له ذلك لأن موضع الإحرام أوسع من منطقة المسجد.

تحرم من خارج المسجد محاذياً له.(الثاني) الجحفة، وهو ميقات أهل الشام ومصر والمغرب وكل من يمر من هذا الطريق ولم يحرم من الميقات السابق عليها لعذر كما شرحناه في المسألة (144).

(الثالث) وادي العقيق، وهو ميقات أهل نجد والعراق والمشرق وكل من يمر من هذا الطريق من غيرهم، وهذا الميقات له ثلاثة أجزاء: (المسلخ) وهو اسم لأوله، و (الغمرة) وهو اسم لأوسطه، و (ذات العرق) وهو اسم لآخره.

(مسألة – 148) الأفضل أن يحرم من المسلخ وبعده من الغمرة، والأحوط أن لا يؤخر الإحرام إلى ذات عرق بل يحرم قبل الوصول إليه إلا في حال الضرورة أو التقية.

(الرابع) يلملم، اسم جبل في جنوب مكة، وهو ميقات لأهل اليمن وكل من يمر من ذلك الطريق.

(الخامس) قرن المنازل، وهو ميقات أهل الطائف وكل من يمر من ذلك الطريق.

(السادس) المنزل الذي يسكنه المكلف، وهو ميقات من كان منزله دون الميقات إلى مكة، فإنه يجوز له الإحرام من منزله بنية العمرة أو الحج ولا يلزمه الرجوع إلى الميقات، وإن كان الذهاب إلى الميقات لا مانع منه بل هو أولى.

(السابع) مكة المعظمة، وهي ميقات لحج التمتع فبعد إتمام عمرة التمتع يحرم منها لحج التمتع ويتوجه إلى عرفات.

ص: 99

(مسألة – 149) يجوز الإحرام لحج التمتع في أي موضع منها، والأفضل المسجد الحرام وأفضله مقام إبراهيم (عليه السلام) أو حجر إسماعيل (عليه السلام)، والأحوط أن يُحرم من أقرب المواضع إلى المسجد الحرام ليطمئن أنه أحرم في حدود مكة في صدر الإسلام.(الثامن) الجعرانة، وهي مكان خارج الحرم وعلى الأحوط هي ميقات أهل مكة لحج الإفراد أو القران، وعلى المشهور يجوز لأهل مكة الإحرام من منازلهم.

(مسألة – 150) في حكم أهل مكة من صدق عليه عنوان (حاضري المسجد الحرام) وقد حددته الروايات الصحيحة بانه من أقام فيها سنتين أو أكثر وإن لم يتخذها وطناً له هذا فيما اذا كانت قد حصلت استطاعته بعد تحقق الإقامة منه وأما لو كانت إقامته بحيث لم يصدق العنوان عليه وكانت الاستطاعة حاصلة قبل ذلك ففرضه حج التمتع، والاحوط وجوباً أن يحرم من ميقات بلده أو أحد المواقيت الخمسة، ويحرم للحج من مكة كما فصلناه سابقاً، ومن أراد حج الإفراد أو القران وهو من البلاد البعيدة عن مكة يحرم من أحد المواقيت الخمسة.

(التاسع) أدنى الحل بمعنى أقرب المواطن إلى الحرم، وهو ميقات العمرة المفردة بعد حج الإفراد أو القران.

(مسألة – 151) كل من كان في مكة وأراد الإتيان بالعمرة المفردة فميقاته أدنى الحل فيذهب خارج الحرم ويحرم منه،

ص: 100

والأفضل أن يحرم من الجعرانة أو الحديبية أو التنعيم عند المشهور وهو أقرب المواقيت إلى المسجد الحرام، وان كان الاحوط عندنا تجنّب الاحرام من التنعيم(1).وأما البعيد عن مكة إن أراد العمرة المفردة فعليه أن يحرم من أحد المواقيت التي يمر عليها، وكذلك لعمرة التمتع.

(العاشر) منطقة فخ، وهي ناحية من نواحي مكة المعظمة، وهو ميقات غير البالغين على قول ومعناه أن يجوز لغير البالغين تأخير الإحرام إلى أن يصلوا إلى فخ ويحرموا من هذا المكان، وهناك قول آخر وهو أن ميقات غير البالغين أحد المواقيت الخمسة، ولكن يجوز له تبديل اللباس المخيط بلباس الإحرام في فخ، والأحوط مراعاة هذا القول.

(الحادي عشر) محاذاة أحد المواقيت الخمسة لمن حج على طريق لا يؤديه إلى أحد المواقيت، يجب عليه أن يحرم محاذياً لأقرب المواقيت إليه، ومن كان في طريقه محاذياً لعدد من المواقيت فالأحوط أن يحرم محاذياً لأول المواقيت.

ويراد بالمحاذاة أن يكون الميقات إلى يمينه أو إلى يساره عند التوجه إلى مكة وليس إلى ظهره ولو قليلاً ويكون كل ذلك بالتقدير العرفي، والأحوط أن يكون الإحرام من أحد المواقيت الخمسة وعلى الحجاج المحترمين السعي لذلك.

ص: 101


1- - راجع مسالة 122 وهامشها ص 78.

أحكام المواقيت

(مسألة – 152) يثبت الميقات إما بالعلم أو بشهادة عدلين من الرجال أو بالشهرة في المحل وبشهادة أهل الاطلاع إذا أوجب الوثوق والاطمئنان.

(مسألة – 153) لا يجوز الإحرام قبل الميقات، ولو أحرم فلا اعتبار به وإن مر على الميقات محرماً، بل لا بد من تجديد الإحرام في نفس الميقات، نعم يستثنى من هذا الحكم موردان:

الأول: أن ينذر الإحرام قبل الميقات في مكان معين، مثلاً يحرم من النجف أو بغداد أو من قم أو من مشهد فإنه يصحّ ويجب العمل بالنذر ولا يلزمه التجديد في الميقات ولا المرور عليه.(1)

الثاني: إذا قصد إدراك العمرة المفردة في رجب لاستحبابه المؤكد وخشي عدم إدراكها إذا أخر الإحرام إلى الميقات جاز له الإحرام قبل الميقات حتى يقع إحرامه في رجب ويدرك ثواب العمرة المفردة، وتسّري هذا الحكم إلى عمرة سائر الشهور لا

ص: 102


1- - سؤال: هل يصح نذر الإحرام قبل الميقات ممن يعلم انه سيضطر بذلك إلى ارتكاب التظليل المحرم؟ بسمه تعالى: يصح الاحرام بالنذر قبل الميقات، ولكنه لا يبيح ارتكاب المخالفة لما يجب على المحرم فعله، ولا ملازمة بين الأمرين. ولو علم بوقوع المخالفة فلا يصح إحرامه بالنذر قبل الميقات، كما لو نذر الاحرام من بغداد قبل أن تنقله الطائرة إلى جدة، مع علمه بأنه سيقع في حرمة التظليل وسنذكر التفاصيل في مسالة 159.

يخلو عن إشكال.(مسألة – 154) كما لا يجوز تقديم الإحرام على الميقات لا يجوز تأخيره عنه، فلا يجوز لمن أراد الحج أو العمرة أو دخول مكة أن يتجاوز الميقات اختياراً إلا محرماً حتى إذا كان أمامه ميقات آخر بل لا بد من الإحرام في أول ميقات يمر به، فلو تجاوزه بدون الإحرام وجب العود إليه ليحرم منه.

(مسألة – 155) إذا أراد العمرة أو الحج وترك الإحرام من الميقات إما عن نسيان(1) أو غفلة أو جهل بالميقات أو عدم معرفته بالحكم الشرعي، فإن أمكنه الرجوع إلى الميقات للإحرام منه ولم يضيق وقت الحج وجب عليه ذلك، سواء دخل الحرم أو كان قبل دخوله، ولو لم يمكنه الرجوع إلى الميقات أو خاف فوات الحج فإن لم يدخل الحرم أحرم هناك، وإن دخل الحرم وأمكنه الرجوع إلى خارج الحرم ففي هذه الصورة يجب عليه الرجوع إلى خارج الحرم للإحرام من هناك، وإن لم يمكنه ذلك يلزمه الإحرام من مكانه وإن كان قد دخل مكة، وفي كل هذه

ص: 103


1- - سؤال: إذا نسى المكلف أن يحرم لحج التمتع أو تركه جاهلاً بوجوبه ولم يلتفت إلا بعد وقوفه في عرفات أو في المزدلفة فما هو تكليفه؟ بسمه تعالى: لو كان تذكره قبل الوقوف في عرفات بحيث يتمكن من الرجوع إلى مكة والاحرام منها وجب عليه ذلك، وإن لم يتمكن لضيق الوقت ونحوه أحرم من موضعه، وكذا إذا تذكّر بعد الوقوف في عرفات، ولو بقي على نسيانه أو جهله بالحكم حتى فرغ من حجّه فقد صحّ حجّه بفضل الله تبارك وتعالى.

الصور – عدا الصورة الأخيرة - يحتاط ويبتعد عن الحرم بالمقدار الممكن ثم يحرم، وهذا الاحتياط مهما أمكن لا يترك بالخصوص للمرأة الحائض.(1)(مسألة – 156) إذا مرت الحائض على الميقات ولم تحرم منه وكان ذلك عن جهلها بالحكم الشرعي لأنها تصورت أن الحائض لا يمكنها الإحرام من الميقات فحكمها حكم المسألة السابقة.(2)

(مسألة – 157) إذا مر على الميقات بدون الإحرام منه قاصداً لعمل خاص ولم يكن من نيته العمرة أو الحج وبعد الفراغ من عمله التفت إلى استطاعته أو صار مستطيعاً أو كان صبياً فبلغ فأراد العمرة والحج فإن كان يمكنه الرجوع إلى

ص: 104


1- - سؤال: شخص نسي أن يلبي في الميقات ولم يذكر حتى وصل إلى مكة المكرمة فما هو حكمه؟ بسمه تعالى: يعود إلى الميقات ويُحرِم منه من جديد، لان الاحرام ينعقد بالتلبية كتكبيرة الاحرام للصلاة.
2- - سؤال: إذا علمت المرأة قبل ان تحرم وهي حائض ان حيضها يستمر إلى ما بعد الحج والعمرة ولا ينتظرها الرفقة فهل يجوز لها الأحرام لعمرة التمتع وحجّها والاستنابة للطوافين وصلاتيهما؟ بسمه تعالى: ليس لها أن تحرم للحج وعمرة التمتع إذا علمت بذلك، ولا تتجاوز الميقات بل تبقى في جدّة أو المدينة المنوّرة اذا امكن لها ذلك إلى أن تعود، وان لم يمكن فلتذهب مع الرفقة وتأتي بأحكام الحائض عند أدائها المناسك.

الميقات يجب عليه ذلك للإحرام منه، وإن لم يمكنه الرجوع إلى الميقات فحكمه على المشهور حكم المسألة السابقة (155) وهذا الحكم غير بعيد.(مسألة – 158) إذا مر المستطيع على الميقات بدون إحرام عن علم وعمد، فإن كان يمكنه الرجوع إلى الميقات يجب عليه ذلك للإحرام منه وصحّ منه العمرة والحج، وإن لم يمكنه الرجوع إلى الميقات فقد فاته وقت العمرة والحج على الأقوى وعليه الحج في السنة الآتية، وإن كان الأولى أن يعمل طبق المسألة السابقة ويعيد الحج فيما بعد.

(مسألة – 159) المسافرون جواً من بلدانهم إلى جدة: إن حصل عندهم الاطمئنان أن الطريق الجوي يمر على بعض المواقيت (ونعلم ذلك من سؤال أهل الاختصاص) وصدق على هذا المرور انه تجاوز الميقات والمفروض عدم جواز عبور المواقيت إلا بإحرام فيجب الإحرام من الطائرة(1) أو من مدنهم ولما كان الإحرام قبل الميقات غير جائز فيمكن إيجابه بالنذر بالصيغة الشرعية وعليهم ذبح شاة كفّارة للتظليل المحرَّم على الرجال.

ص: 105


1- - سؤال: هل يجوز عبور الميقات بالطائرة من دون احرام لمن قصد النزول في جدة والإحرام منها بالنذر؟ بسمه تعالى: لا بأس بذلك، ولينوِ بسفره أنه قاصد جَدّة، ثم يخرج منها إلى أحد المواقيت - كالجُحفة - ويحرم منه.

وإن لم يحصل مثل هذا الاطمئنان -كما هو المنقول عن الثقات- أو قلنا أن عبور الطائرة لا يعدّ مروراً بالميقات (أو عقد المسافر عزمه على قصد السفر) من بلده إلى جدّة وليس إلى مكة فعلى هؤلاء أن يذهبوا من جدة إلى أحد المواقيت والأقرب إليهم هو الجحفة التي تبعد عن جدة حوالي (180) كم ويحرموا من هناك. وإذا تعذر عليهم ذلك فيتوجهون إلى مدينة وراءها ك-(رابغ) الواقعة على الطريق العام ويحرمون بالنذر لأنها قبل الميقات.والفرصة لمثل هذا العمل ميسّرة حيث توجد سيارات مكشوفة في مطار جدة يمكن استئجارها لهذا الغرض حيث يلتزم أتباع أهل البيت (عليهم السلام) بحرمة التظليل تأسياً برسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (سلام الله عليهم) من أهل بيته حتى أصبحت هذه الظاهرة من أوضح العلامات لشيعة أهل البيت (عليهم السلام). وإذا تعذّر الذهاب إلى الجحفة فيحرم الحجاج من جدة بالنذر والأحوط تجديده عند الوصول إلى الحديبية باعتبارها أدنى الحِل.

(مسألة – 160) تقدم أن المتمتع يجب عليه أن يحرم لحجه من مكة، فلو أحرم من غيرها –عالماً عامداً- لم يصح إحرامه وإن دخل مكة محرماً، بل وجب عليه الاستئناف من مكة مع الإمكان وإلا بطل حجه.

(مسألة – 161) إذا نسي المتمتع الإحرام للحج بمكة وجب

ص: 106

عليه العود مع الإمكان، وإلا أحرم في مكانه – ولو كان في عرفات- وصحّ حجه، وكذلك الجاهل بالحكم.(مسألة – 162) لو نسي إحرام الحج ولم يذكر حتى أتى بجميع أعماله صح حجه، وكذلك الجاهل.

الجهة الثانية: حقيقة الإحرام

وهي متقومة بأمرين: أحدهما النية، والآخر التلبية، أما لبس ثوبي الإحرام فهو ليس مقوماً للإحرام ولكنه أحد واجباته الذي يتنجّز وجوباً بمجرد النية والتلبية، لذا فيفترض بالمحرم أن يكون قد تجرّد من ملابسه الاعتيادية ولبس ثوبي الإحرام قبل أن ينوي ويلبي.

(أولاً) النية

وهي نية الإنسان الدخول في النسك –وهي العمرة هنا- فيصبح متلبساً فعلاً بعنوان العمرة، كالذي يتلبس بعنوان الصلاة بتكبيرة الإحرام، والدخول في النسك يستلزم تحريم أشياء عديدة على نفسه بإحرامه، ولا يلزم فيها تصور تلك الأشياء تفصيلاً، بل تكفي نية تحريمها على وجه الإجمال.وإلى جانب ذلك لا بد أن تتوفر في هذه النية الأمور التالية:

1- إن الإحرام بما أنه جزء العبادة فيجب أن ينويه باسم تلك العبادة المميزة لها شرعاً، فإذا أراد المكلف أن يأتي بعمرة التمتع من فريضة حج التمتع من حجة الإسلام، فعليه أن ينوي الإحرام لعمرة التمتع من حجة الإسلام، وإذا أراد أن يأتي بحج التمتع من حجة الإسلام، فعليه أن ينوي الإحرام لحج

ص: 107

التمتع من حجة الإسلام، وهكذا فلو أحرم من دون تعيين لم يصح.ولا يجب التلفظ بالنية والنطق بما ينويه وإن جاز له ذلك، بل استحب بأن يقول: (أُحرم لعمرة التمتع من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى) وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان الحج مستحباً أسقط كلمة (حجة الإسلام) وإذا كان الحج واجباً بالنذر أو العهد أو اليمين أو بالإفساد قصد الحج الواجب بذلك بديلاً عن قصد حجة الإسلام.

2- أن يقصد القربة والطاعة لله تبارك وتعالى بإحرامه لعمرة أو حج.

3- أن يقصد بإحرامه للعمرة أو الحج، الإخلاص ونقصد بذلك عدم الرياء، فالرياء في العبادة مبطل لها.

(ثانياً) التلبية

وبها ينعقد الإحرام كما تنعقد الصلاة بتكبيرة الإحرام ويتحقق بها الدخول في العبادة، أما حج القران فيمكن أن ينعقد بالتلبية أو الإشعار أو التقليد كما سيأتي بإذن الله تعالى.وتتكون التلبية من أربع فقرات، وصورتها أن يقول: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك. (والأحوط استحباباً أن يضيف إلى ما تقدم جملة أخرى بهذه الصيغة): إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك) وليجتهد أن يكون حاضر القلب مجيباً لدعوة ربه.

ص: 108

فإذا نوى الإحرام لعمرة التمتع مثلاً، ولبى وانعقد إحرامه أصبح محرماً شرعاً، وحرمت عليه أشياء عديدة معينة. وأما إذا نوى ولم يلبّ لم ينعقد إحرامه شرعاً، ولم يحرم عليه ما يحرم على المحرم.(مسألة – 163) لا يعتبر في صحة الإحرام العزم من المحرم حين النية على عدم ارتكاب ما يحرم زائداً على ما تقدم سابقاً، نعم قد يقال باعتبار العزم من المحرم على ترك خصوص الجماع والاستمناء عند النية في صحة الإحرام، ولكن الأقوى أنهما كسائر المحرمات.

(مسألة – 164) إذا نوى في مكان عمرة التمتع حج التمتع أو بالعكس لجهله بالحكم أو عن غفلة، فإن كان من نيته الإتيان بالعمل الذي أراده الله سبحانه منه الآن وأوجبه عليه وما يأتي به الآخرون وأتى بما يجب عليه وكان الاشتباه في اسم العمل صح عمله، والأفضل تجديد النية بعدما تنبه لذلك.

(مسألة – 165) إذا ظن أن حج التمتع مقدم على عمرة التمتع لجهله بالحكم أو عن غفلة، وفي الميقات أحرم بنية حج التمتع ليمضي إلى عرفات والمشعر وبعد الإتمام يأتي بالعمرة بطل إحرامه، ويجب عليه تجديد الإحرام من الميقات، وإن تجاوز عن الميقات يجب عليه الرجوع إليه.

وإن لم يمكنه الرجوع فإن كان خارج الحرم جدد الإحرام هناك، وإن كان في الحرم رجع إلى خارجه إن أمكنه ذلك وجدد

ص: 109

الإحرام من خارج الحرم وإلا أحرم من الحرم. وفي كل هذه الصور عليه أن يرجع إلى الوراء بالمقدار الممكن على الأحوط ثم يجدد الإحرام.(مسألة –166) يجب على المكلف أن يتعلم ألفاظ التلبية وصيغها، ويحسن أداءها بصورة صحيحة ويكفي في أدائها أن يقوم شخص بتلقينه بهذه الكلمات والصيغ، بأن يتابعه في النطق بها.

وأما إذا لم يُتح له أن يتعلم تلك الألفاظ، ولم يتيسّر له التلقين فيجب عليه التلفظ بما تيسّر له منها، والأحوط الأولى أن يأتي إضافة إلى ذلك بما يدل على معاني تلك الألفاظ، ويستنيب أيضاً من يحسن التلبية كاملة لأدائها نيابة عنه.

(مسألة – 167) تلبية الأخرس إنما هي بإشارته بإصبعه مع تحريك لسانه.

(مسألة – 168) إذا كان الصبي غير مميز، ولم يقدر على التلبية لبى عنه وليه.

(مسألة – 169) الأقرب أن لبس ثوبي الإحرام ليس من شروط صحة الإحرام، بل هو واجب مستقل على من يحرم، ومن هنا إذا ترك لبسهما وأحرم في ثيابه الاعتيادية صح إحرامه، وانعقد وإن اعتُبر آثماً.

(مسألة – 170) كما ينعقد إحرام حج القران بالتلبية فهو ينعقد بالإشعار، أو التقليد للهدي الذي يصطحبه معه، والتقليد

ص: 110

مشترك بين الناقة وغيرها من أقسام الهدي، وأما الإشعار فالمشهور أنه مختص بالناقة، والإشعار هو أن يشق سنام الإبل من الطرف الأيمن ويلطخه بدمه، والتقليد هو أن يعلق في رقبة هديه نعلاً خلقاً قد صلى فيه وهو الأفضل، وإن كان يمكن الاكتفاء بتعليق أي شيء لهذا الغرض، وإذا كان الإحرام بالإشعار فالأولى والأجدر ضم التقليد إليه أيضاً، والإحرام بالتلبية هو الأحوط منهما.(مسألة – 171) لا تشترط الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر في صحة الإحرام، فيصح من المحدث بالحدث الأكبر كالجنب والحائض والنفساء، ومن المحدث بالأصغر.

(مسألة – 172) لا يجب في النية إخطار الصورة التفصيلية لفريضة حج التمتع وغيرها، بل يكفي له أن ينوي الإتيان بواجباتها إجمالاً ثم يتعلمها ويأتي بالتدريج بها، كما لا تجب الإشارة إلى الوجوب أو الاستحباب.

(مسألة – 173) يجب على من اعتمر عمرة التمتع أن يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة القديمة، ونقصد بها مكة في زمن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم). وعلى من اعتمر العمرة المفردة إذا جاء من الخارج أن يقطع التلبية على الأحوط عند دخول الحرم، وإذا كان في مكة وخرج منها إلى أدنى الحل والإحرام منه للعمرة المفردة أن يقطع التلبية على الأحوط عند مشاهدة بيوت مكة القديمة.

ص: 111

(مسألة – 174) إذا شك المكلف بعد الإتيان بالتلبية أنه أتى بها صحيحة أو لا، بنى على الصحة تطبيقاً لقاعدة الفراغ، وإذا شك في أنه لبى أو لا، فإن كان قد تجاوز الميقات لم يعتن بشكه تطبيقاً لقاعدة التجاوز، وإلا وجبت عليه التلبية.(مسألة – 175) إذا نوى الإحرام ولبس الثوبين وشك في أنه لبى أو لا، بنى على أنه لم يلبِّ، فيجوز له ارتكاب ما يحرم على المحرم.

(مسألة – 176) إذا أتى المكلف بما يوجب الكفارة، وشك في أنه كان بعد التلبية حتى تجب عليه، أو قبلها حتى لا تجب، فالأظهر عدم وجوبها، بدون فرق في ذلك بين أن يكون كلاهما مجهولي التأريخ، أو التأريخ الزمني لأحدهما معلوماً وللآخر مجهولاً.

(مسألة – 177) يستحب غسل الإحرام في الميقات حتى من الحائض والنفساء أيضاً على الأقوى، وإذا خشي المسافر عدم تيسر الماء في الميقات جاز له أن يغتسل قبل ذلك، فإن وجد الماء في الميقات أعاد، وإذا اغتسل ثم أحدث بالأصغر، أو أكل أو لبس ما يحرم على المحرم قبل أن يحرم أعاد غسله.(1)

ص: 112


1- - سؤال: هل يجوز تقديم غسل الإحرام عن الميقات؟ بسمه تعالى: إذا خشي المسافر عدم تيسر الماء في الميقات جاز له أن يغتسل قبل ذلك، فان وجد الماء في الميقات اعاد. سؤال: هل ينتقض غسل الإحرام بارتكاب بعض محظورات الإحرام كالطيب؟ بسمه تعالى: لا ينتقض الغسل الاول بمعنى ان لوازم الطهارة المترتبة عليه تستمر الا انه يستحب اعادته من باب عدم الفصل بين الغسل والاحرام بما ينافي احكام الاحرام. سؤال: ما هو مقدار الفصل بين الإحرام وغسله؟ بسمه تعالى: لا مانع من الفصل الزماني بين الغسل والاحرام بمعنى كفاية الغسل اول النهار للإحرام في تمام النهار وكفاية الغسل اول الليل للإحرام في تمام الليل.
الجهة الثالثة: ما يجب على المحرم لبسه

(مسألة – 178) يجب على الرجل المحرم أن يحرم في ثوبين، وهما الإزار والرداء بعد تجرّده من ملابسه الاعتيادية التي يحرم عليه لبسها منذ إنشاء الإحرام حتى الإحلال منه بإتيان المناسك المقررة، ويكفي في الثوبين المذكورين صدق الإزار والرداء عرفاً، ويصدق الإزار على قطعة قماش يستر بها ما بين السرة والركبة، والرداء على قطعة قماش يستر بها ما بين المنكبين، ويحرم في حال لبسه لهذين الثوبين، ولا بأس بزيادتهما على الحد المذكور.

(مسألة – 179) الأظهر أن لبس ثوبي الإحرام واجب تعبدي على الرجل المحرم، وليس من شروط صحة إحرامه، فمن ترك لبسهما عامداً وملتفتاً إلى الحكم الشرعي وأحرم صح إحرامه، وحرم عليه ما يحرم على المحرم وإن كان عاصياً آثماً.

ص: 113

(مسألة – 180) الأحوط وجوباً أن يلبس ثوبي الإحرام بقصد القربة إلى الله سبحانه وإطاعة أمره وبقصد الإحرام. والأفضل أن يكون نزعه لثيابه أيضاً بقصد القربة والإطاعة لله تعالى.(مسألة – 181) يعتبر في ثوبي الإحرام نفس الشروط المعتبرة في لباس المصلي على الأحوط، بأن لا يكونا من الحرير الخالص، ولا من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ولا من الذهب على نحو يصدق أنه لابس للذهب، وأن لا يكونا حاكيين للبشرة ويلزم طهارتهما، نعم لا بأس بتنجسهما بنجاسة معفو عنها في الصلاة والأحوط أن لا يكونا من الجلد، ولا من الملبد ولا من المخيط بل من المنسوج.

(مسألة – 182) لا يجوز للرجل المحرم أن يلبس السراويل إلا أن لا يكون له إزار، ولا خفين إلا أن لا يكون له نعلان.

(مسألة – 183) إن وجوب لبس ثوبي الإحرام مختص بالرجل المحرم دون المرأة، فإنه يجوز لها أن تحرم في ملابسها الاعتيادية، شريطة أن تكون طاهرة والأحوط لها مراعاة سائر الشروط التي تقدمت في المسألة.

نعم لا يجوز للمرأة المحرمة أن تلبس الحرير الخالص والقفازين في جميع أحوال الإحرام.

(مسألة – 184) إذا تنجس أحد الثوبين أو كلاهما، فالأحوط والأجدر وجوباً المبادرة إلى التبديل أو التطهير.

ص: 114

(مسألة – 185) يسوغ للمحرم أن يزيد على ثوبي الإحرام ما يصلح له أن يلبسه في ابتداء الإحرام وأثنائه، كما يجوز للمحرم تبديل الثوبين بآخرين واجدين لنفس الشروط المعتبرة فيهما، ويجوز له بعد عقد الإحرام والتلبية التجرد منهما بدون تبديل، شريطة أن يكون آمناً من الناظر المحترم أو كون العورة مستورة بشيء آخر.(مسألة – 186) إذا لبس ثوبي الإحرام قبل أن يتجرد عن لباس المخيط إما نسياناً أو جهلاً بالحكم يجب عليه فوراً نزع المخيط عن بدنه وصح إحرامه، ولا يلزمه نزع المخيط من تحت بدنه، وكذلك لو لبس المخيط بعد الإحرام والتلبية فلا إشكال في صحة إحرامه ولكن يلزمه حينئذٍ إخراج الثوب من تحت ولو بشقه.

(مسألة – 187) الأفضل بل الأحوط عند الورود في مكة المعظمة أن يطوف في ثيابه التي أحرم فيها.

ملاحظة: ستأتي مسائل أخرى فيما يجوز وما لا يجوز للمحرم لبسه عند الحديث عن تروك الإحرام.

الجهة الرابعة: آداب الإحرام ومستحباته

وهي أمور:

الأول: أن يقوم الشخص بتنظيف جسده، وتقليم أظافره، وإزالة الشعر عن الإبطين، وأخذه من الشارب، وتنظيف الأسنان وغير ذلك.

ص: 115

الثاني: أن يوفر الرجل شعر رأسه منذ بداية شهر ذي القعدة، فلا يأخذ منه شيئاً إذا كان غرضه الحج منذ ذلك الحين.الثالث: غسل الإحرام، كما مرّ ويدعو المكلف عند الغسل بهذا الدعاء: (بِسمِ اللهِ وبِاللهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لِي نُوراً وطَهُوراً وحِرزاً وأمْناً مِن كُلِّ خَوفٍ، وَشِِفاءً منْ كلِّ داءٍ وسُقْمٍ. اللَّهُمَّ طَهِّرنِي وَطهِّرْ قَلبِي، واشرَح لي صدرِي، وأَجْرِ على لِساني مَحَبَّتَك، ومِدحَتَكَ والثَناءَ عليكَ، فإنّهُ لا قوةَ لِي إلا بِكَ، وقد عَلِمتُ أن قَوامَ دِيني التَسليمُ لكَ والاتّباعُ لِسُنّةِ نبيِّكَ صَلواتُكَ عليهِ وآلهِ).

ويستحب الإحرام في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم، وإن كانت نافلة صَليتَ ركعتين وأحرمت في دبرهما، فإذا انفتلت من صلاتك فاحمد الله وأثنِ عليه وصلِ على النبي وقل: (اللَّهمَّ إنّي أسألُكَ أن تَجعلَني مِمَّن استَجابَ لكَ وآمنَ بوَعدِكَ واتَّبعَ أمرَكَ، فإِني عبدُكَ وفي قبضَتِكَ لا أُوقى إلا ما وَقيتَ ولا آخذُ إلا ما أعطيتَ وقَد ذكرتَ الحجَّ فأسألُك أن تَعزِمَ لي عليهِ على كتابِكَ، وسُنَّةِ نبيِّكَ صلواتُكَ عليهِ وآلهِ، وتُقَوِّيَني على ما ضعُفتُ وتُسلم لي مناسِكي في يُسرٍ منكَ وعافية، واجْعلنِي من وَفدِكَ الذي رَضيتَ وارتَضيتَ وسَمَّيتَ وكتبتَ، اللّهمَّ إنِّي خَرَجتُ مِن شُقَّةٍ بَعيدةٍ وأنفقتُ مالي ابتغاءَ مرضاتِكَ. اللّهمَّ فَتمِّمْ لِي حجَّتي وعُمرتِي، اللّهمَّ إني أُريدُ التَمتُّع بالعُمرةِ إلى الحَجِّ على كتابِكَ وسُنَّةِ نبيِّكَ

ص: 116

صلَواتُك عليهِ وآلهِ، فإنْ عَرضَ لي عارِضٌ يحبِسُني فخلِّني حيثُ حبَستنِي بِقَدَرِكَ الذي قدَّرتَ عليَّ، اللهمَّ إن لَم تَكُن حجَّةٌ فَعُمرةٌ. أَحْرَمَ لكَ شَعري، وبَشَري ولَحمي ودَمي وعظامي ومُخِّي وعَصَبي مِنَ النساءِ والثيابِ والطيبِ، أبتغي بذلكَ وجهَكَ والدار الآخرةَ).ويقول عند لبس ثوبي الإحرام: (الحمدُ للهِ الذي رَزَقني ما أُواري بِهِ عَورتي وأُؤدي فيه فَرضِي وأعبُدُ فيهِ ربِّي وأنتهي فيه إلى ما أمَرَني. الحمدُ للهِ الذي قَصَدتُهُ فَبَلَّغنِي وأرَدتُه فأعانَنِي وقَبِلَنِي ولَمْ يَقْطَعْ بِي، ووَجْهُهُ أردتُ فَسَلَّمَنِي، فَهُوَ حِصنِي وكَهْفِي وحِرزِي وظَهرِي ومَلاذي ورَجائِي ومَنْجايَ وذُخْرِي وعُدَّتي في شِدّتي ورَخائِي).

ويستحب أن يعقب التلبية التي تقدم ذكرها في كيفية الإحرام بما يلي: (لَبَّيكَ ذا المَعارِجِ لَبَّيكَ ،لَبَّيكَ داعِياً إلى دارِ السَلامِ لَبَّيكَ ،لَبَّيكَ غَفَّارَ الذُنوبِ لَبَّيكَ ،لَبَّيكَ أهلَ التَلْبِيَةٍ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ ذا الجَلالِ والإكرامِ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ تُبْدِئُ والمَعادُ إليكَ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ تَستَغنِي ويُفتَقرُ إليكَ لَبَّيكَ ،لَبَّيكَ مَرغُوباً ومَرهُوباً إليكَ لَبَّيكَ ،لَبَّيكَ إنَّهُ الحَقُ لَبَّيكَ ،ذا النَعْماء والفَضلِ الحَسَنِ الجميلِ لَبَّيكَ ،كَشَّافُ الكُرَبِ العِظامِ لَبَّيكَ ،لَبَّيكَ عَبدُكَ وابنُ عَبدَيكَ لَبَّيكَ ،لَبَّيكَ يا كَريمُ لَبَّيكَ).

ويستحب بعد أن يحرم الحاج أن يكرر التلبية التي أحرم بها، وسائر التلبيات في مختلف الحالات والأوقات خصوصاً

ص: 117

عقيب كل صلاة فريضة أو نافلة، وعند اليقظة من النوم، وبالأسحار وعند استئناف السفر، وعند النزول في وادي، أو من واسطة النقل، وعند الركوب فيها، وهكذا، وحد التلبية في عمرة التمتع مشاهدة بيوت مكة القديمة، وفي حج التمتع زوال يوم عرفة، وفي العمرة المفردة دخول الحرم على الأحوط، كما تقدم.ففي الحديث عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من لبّى في إحرامه سبعين مرة إيماناً واحتساباً أشهد الله له ألف ألف ملك ببراءة من النار وبراءة من النفاق).

ويستحب أن يعلو صوت الرجال بالتلبية.

الجهة الخامسة: تروك ومحرمات الإحرام وكفاراتها
اشارة

وهي على أنواع:

الأول: ما يحرم على الرجل والمرأة المحرمين.

الثاني: ما يحرم على الرجل المحرم خاصة.

الثالث: ما يحرم على المرأة المحرمة خاصة.

ملاحظة: سيأتي عند ذكر هذه المحرمات ذكر كفارات المخالفة وهي لا تجب على من صدر منه الفعل جهلاً أو نسياناً، إلا في موارد سنذكرها في محالّها بإذن الله تعالى ومنها:

1- إذا نسي المكلف الطواف في الحج أو بعض أشواط السعي في عمرة التمتع، فأحل وواقع أهله، فإن عليه الكفارة

ص: 118

وكذلك الحال إذا أتى أهله بعد السعي في عمرة التمتع وقبل التقصير جاهلاً بالحكم.2- إذا أمر يده على رأسه أو لحيته عبثاً، فسقطت شعرة أو شعرتان أو أكثر بدون قصد وإرادة، وغافلاً عن ذلك أو جاهلاً به فإن عليه الكفارة.

(النوع الأول) ما يحرم على الرجل والمرأة المحرمين
اشارة

ويشمل عدة أشياء:

الأول: صيد الحيوان البري الممتنع بالأصالة
اشارة

(مسألة – 188) لا يجوز للمحرم رجلاً كان أو امرأة صيد الحيوان البري ولا قتله في الحل والحرم، سواء أكان الحيوان محلل الأكل، أم كان محرم الأكل، كما أنه لا فرق في حرمة قتله بين أن يكون بعد صيده أو ابتداءً.

(مسألة – 189) كما لا يجوز للمحرم صيد الحيوان البري، لا يجوز له إعانة شخص آخر على صيده بإراءته أو الدلالة عليه بالإشارة باليد أو غيرها من ألوان الإعانة، وإن كان ذلك الشخص الآخر محِلاً.

(مسألة – 190) لا يجوز للمحرم رجلاً كان أم امرأة إمساك الصيد من الحيوان البري، والاحتفاظ به، وإن كان صيده قبل إحرامه وفي وقت كان محلاً، ولا يجوز له أكل لحم الصيد وإن كان الصائد محلاً.

ص: 119

(مسألة – 191) إذا قتل المحرم صيداً أو ذبحه كان في حكم الميتة على المشهور، ويجتنب عن أكله حتى غير المحرم على الأحوط. وكذلك لا يحلّ للمحرم أكل صيد الحرم مقتولاً كان أو مذبوحاً وإن لم يكن القاتل محرماً.(مسألة – 192) الصيد إنما ينطبق على الحيوان النافر كالطيور مثلاً، وأما الحيوان الأهلي كالدجاج والغنم والبقر والإبل، فلا يصدق على أخذه الصيد وإن توحش، ولهذا لا يحرم على المحرم أخذه وإمساكه وذبحه والأكل من لحمه، وأما إذا شك في حيوان أنه بري أو أهلي، فالأظهر جوازه. ولا يختص حرمة الصيد بالحيوان الذي ينتفع عادة بلحومه كالطيور وغيرها، بل تعم غيره أيضاً كالسباع ونحوها. نعم ما يخاف منه على النفس يجوز قتله مطلقاً كالأسد وغيره من السباع كالأفعى والأسود الغدر والعقرب والفأرة وأما الحية فإذا أرادته فلا شيء عليه في قتلها.

(مسألة – 193) يختص الحكم بالحرمة بالحيوان البري النافر، وأما الحيوان البحري كالسمك أو نحوه فيجوز للمحرم صيده وإمساكه، ونقصد بالحيوان البحري ما يعيش فيه فقط، وأما ما يعيش في البر والبحر، فهو ملحق بالبري، فلا يجوز صيده. نعم إذا شك في حيوان أنه بري أو بحري جاز صيده، ويلحق بصيد الحيوان البري إمساك الجراد، فيحرم على المحرم صيده والاحتفاظ به وأكله ويرخص للمحرم أن يرمي الغراب

ص: 120

الأبقع والحداة ولا كفارة لو أصابهما وقتلهما.(مسألة – 194) فرخ الحيوان البحري والأهلي تابع لهما في الحكم وكذلك بيضهما.

كفارات الصيد

(مسألة – 195) في قتل النعامة جمل، وفي قتل بقرة الوحش بقرة، وفي قتل حمار الوحش جمل أو بقرة على الأحوط، وفي قتل الظبي والأرنب شاة، وكذلك في الثعلب على الأحوط الأولى.

(مسألة – 196) من أصاب صيداً وكانت كفارته إبلاً ولم يجدها، فعليه إطعام ستين مسكيناً لكل مسكين مد، وإن كانت قيمة الإبل أكثر، وأما إن كانت قيمتها أقل من ذلك لم يجب عليه إلا التصدق بمقدار قيمتها دون الأكثر، فإن لم يقدر على الاطعام صام ثمانية عشر يوما.

وإن كانت كفارته بقرة ولم يجدها، فليطعم ثلاثين مسكيناً، فإن لم يقدر على الإطعام صام تسعة أيام، وإن كانت كفارته شاة ولم يجدها فليطعم عشرة مساكين، فإن لم يقدر صام ثلاثة أيام.

(مسألة – 197) إذا قتل المحرم –رجلاً كان أم امرأة- حمامة ونحوها في خارج الحرم، فعليه شاة، وفي فرخها إذا تحرك حمل أو جدي، وفي كسر بيضها درهم على الأظهر، وإذا قتلها المحل في الحرم فعليه درهم من الفضة، وفي فرخها نصف درهم، وفي

ص: 121

بيضها ربعه، وإذا قتلها المحرم في الحرم فعليه الجمع بين الكفارتين هما الشاة وقيمة الحمامة، وإذا كسر البيض وقتل الفرخ فيه في الحرم فعليه في كل منهما كفارتان على الأحوط الأولى.(مسألة – 198) في قتل القطاة حمل قد فطم من اللبن وأكل من الشجر، وكذلك في قتل الحجل والدراج ونظيرهما على الأحوط، ولا كفارة في قتل العصفور والقبّرة والصعوة والأحوط ما قاله المشهور أن فيه مداً من الطعام، وفي قتل جرادة واحدة تمرة، وفي أكثر من واحدة كف من طعام وفي الكثير عرفاً شاة.

(مسألة – 199) في قتل اليربوع والقنفذ والضب وما أشبهها جدي، وفي قتل العظاية كف من الطعام، وفي قتل الزنبور متعمداً إطعام شيء من الطعام، وإذا كان القتل دفعاً لإيذائه فلا شيء عليه.

(مسألة – 200) يجب على المحرم أن ينحرف عن الطريق يميناً ويساراً إذا كان فيه جراد، فإن لم يتمكن فلا بأس بقتلها.

(مسألة – 201) لو اشترك جماعة من المحرمين رجالاً كانوا أم نساءً في قتل صيد، فعلى كل واحد منهم كفارة مستقلة.

(مسألة – 202) كفارة أكل الصيد ككفارة الصيد نفسه، فلو صاده المحرم وأكله فعليه كفارتان على الأحوط.

(مسألة – 203) من كان معه صيد ودخل الحرم يجب عليه

ص: 122

إرساله وإن كان محلاً، وإن لم يرسله حتى مات الصيد فعليه فداء، ولا يجوز له إمساكه بعد إحرامه وإن كان قبل أن يدخل الحرم، والأحوط أن عليه الفداء إذا مات عنده قبل أن يدخل الحرم.(مسألة – 204) لا فرق في وجوب الكفارة في قتل الصيد وأكله بين أن يكون عن عمد أو جهل أو نسيان.

(مسألة – 205) تتكرر الكفارة بتكرر الصيد جهلاً إذا كان مما يعذر فيه، أو نسياناً أو خطأً، وكذلك في العمد إذا كان الصيد من المحل في الحرم، أو من المحرم مع تعدد الإحرام، وأما إذا كان تكرار الصيد عمداً من المحرم في إحرام واحد، فلا يوجب تعدد الكفارة، وإنما يوجب في المرة الثانية الإدانة والعقوبة في الآخرة.

الثاني: الجماع

يحرم على المحرم الجماع قبلاً أو دبراً أثناء عمرة التمتع والعمرة المفردة والحج، ويجوز ذلك بعد التقصير من عمرة التمتع وبعد طواف النساء من العمرة المفردة والحج، وكذلك حكم المرأة المحرمة أيضاً.

(مسألة – 206) إذا جامع المحرم امرأته في أثناء عمرة التمتع، فمع الجهل بالحكم أو النسيان صحت عمرته سواء كان الجماع بعد الفراغ من السعي بين الصفا والمروة أم قبله، وأما مع العلم بالحكم والعمد فالأظهر صحتها أيضاً – حتى قبل الفراغ

ص: 123

من السعي خلافاً للمشهور وإن كان هو الأحوط-، ولكنه آثم وعليه كفارة مخيَّرة بين جمل أو بقرة أو شاة، وإن كان الأولى تقديم الجمل ومع العجز عنه البقرة، ومع العجز فالشاة، أي أن التخيير يكون بلحاظ حال المكلف، ويحسن به أن يحتاط بالإتيان بالعمرة من جديد –إن تمكن- قبل الحج، وإن لم يتمكن لضيق الوقت فبعده بنحو العمرة المفردة.(مسألة – 207) إذا جامع المحرم للحج امرأته قبلاً أو دبراً، عالماً عامداً، قبل الوقوف بالمزدلفة، وجبت عليه الكفارة وإتمام الحج وإعادته في العام القابل، سواء كان الحج فرضاً أم نفلاً، وكذلك المرأة إذا كانت محرمة وعالمة بالحال ومطاوعة له على الجماع، ولو كانت المرأة مكرَهة على الجماع فلا شيء عليها، وتجب على الزوج المكرِه كفارتان.

وكفارة الجماع بدنة، ومع العجز عنها شاة، ويجب التفريق بين الرجل والمرأة في حجتهما – بأن لا يجتمعا إلا إذا كان معهما ثالث- إلى أن يفرغا من مناسك الحج حتى أعمال منى ويرجعا إلى نفس المحل الذي وقع فيه الجماع، ولو رجعا من غير ذلك الطريق جاز أن يجتمعا إذا قضيا المناسك.

كما يجب التفريق بينهما أيضاً في الحجة المعادة من حين الوصول إلى محل وقوع الجماع إلى وقت الذبح بمنى، بل الأحوط استمرار التفريق إلى الفراغ من تمام الأعمال والرجوع إلى المكان الذي وقع فيه الجماع.

ص: 124

(مسألة – 208) إذا جامع المحرم امرأته عالماً عامداً بعد الوقوف بالمزدلفة، فإن كان ذلك قبل طواف النساء وجبت عليه الكفارة على النحو المتقدم، ولكن لا تجب عليه الإعادة، وكذلك إذا كان جماعه قبل إتمام الشوط الخامس من طواف النساء، وأما إذا كان بعده فلا كفارة عليه أيضاً.(مسألة – 209) من جامع امرأته عالماً عامداً في العمرة المفردة، وجبت عليه الكفارة على النحو المتقدم، ولا تفسد عمرته إذا كان الجماع بعد السعي، وأما إذا كان قبله بطلت عمرته، ووجب عليه أن يقيم بمكة إلى شهر آخر ثم يخرج إلى أحد المواقيت الخمسة المعروفة ويحرم منه للعمرة المعادة، ولا يجزئه الإحرام من أدنى الحل على الأحوط، والأحوط له إتمام العمرة الفاسدة أيضاً.

(مسألة – 210) إذا جامع المُحلّ زوجته المحرمة، فإن كانت مطاوعة وجبت عليها كفارة بدنه، وإن كانت مكرَهة فلا شيء عليها ووجبت الكفارة على زوجها على الأحوط.

بل الأحوط أن يغرم الكفارة عنها في الصورة الأولى أيضاً، وهذا الحكم شامل لمطلق المحلّ أي وإن لم يكن مسبوقاً بالإحرام.

(مسألة – 211) لا فرق في الجماع بين القبل والدبر وبين الزوجة الدائمة والمنقطعة خرج منه المني أم لم يخرج.

(مسألة – 212) إذا جامع المحرم مع غير زوجته اشتباها أو

ص: 125

زنى بها فحكمه حكم من جامع زوجته.(مسألة – 213) إذا لاعب المحرم زوجته عالماً عامداً فيما دون الفرج ولم يدخل بها وجب عليه الاستغفار، كما تجب عليه الكفارة على الأحوط وهي بدنة مطلقاً وإن لم يمنِ وصحّت عمرته وحجه، ولو كان ذلك قبل الوقوف بالمشعر وقبل السعي.

الثالث: تقبيل النساء

(مسألة – 214) يحرم على الرجل المحرم تقبيل زوجته عن شهوة، فلو قبلها وخرج منه المني فعليه كفارة جمل، وإذا لم يخرج منه مني فعليه كفارة شاة، وإن كان الأحوط والأجدر به أن يكفر بجمل. وأما إذا لم يكن التقبيل عن شهوة فكفارته دم شاة.

(مسألة – 215) إذا قبل الرجل بعد طواف النساء وخروجه عن الإحرام امرأته وهي محرمة بشهوة، فعليه دم شاة على الأظهر، ويحرم على المرأة المحرمة ما يناظر ذلك.

الرابع: مس النساء

(مسألة – 216) يحرم على الرجل المحرم أن يمسّ امرأته بشهوة، فإن فعل ذلك فعليه كفارة شاة، وإن أدى المس إلى الإمناء فعليه كفارة ناقة أو جمل، ولا يحرم عليه مس امرأته بدون شهوة، وإذا صنع ذلك فلا شيء عليه أيضاً. وإذا مس

ص: 126

الرجل المحرم المرأة الأجنبية بشهوة، فإن لم يؤدِّ إلى الإمناء فعليه كفارة دم شاة، وإن أدى إليه فعليه ناقة أو جمل، وإن فعل ذلك بدون شهوة، فلا كفارة عليه، ولكنه آثم، وتناظر المرأة المحرمة الرجل المحرم في ذلك.

الخامس: النظر إلى المرأة

(مسألة – 217) يحرم على الرجل المحرم النظر إلى المرأة الأجنبية بتركيز مؤد إلى الإمناء، فإذا فعل ذلك فعليه الإثم والكفارة، وهي ناقة أو جمل على الموسر، وبقرة على المتوسط، وشاة على الفقير، وأما إذا نظر إليها بشهوة بدون أن يؤدي إلى الإمناء، فلا كفارة عليه ولكن عليه إثم.

(مسألة – 218) إذا نظر الرجل المحرم إلى زوجته عن شهوة، فإن أدى إلى الإمناء فعليه كفارة ناقة أو جمل على الأحوط، وإن لم يؤد إلى الإمناء فلا شيء عليه، وكذلك إذا نظر إليها لا بقصد الشهوة ولكنه أدى اتفاقاً إلى الإمناء، والأجدر به أن لا ينظر إلى زوجته بشهوة أصلاً. والمرأة المحرمة مثل الرجل المحرم في ذلك.

(مسألة – 219) لا يحرم على الرجل المحرم الاستمتاع بزوجته بألوان من الاستمتاعات غير ما مر كمجالستها والتحدث إليها، وإن كان الأحوط الأولى تركها مطلقاً. نعم يحرم عليه الاستمتاع بهذه الأمور بشكل موجب للإمناء، فإذا فعل ذلك فعليه كفارة ناقة.

ص: 127

السادس: الاستمناء

(مسألة – 220) لا يجوز للمحرم إنزال المني مطلقاً بأي نحو كان ولو بالتخيل، لكن الكفارات تختلف بحسب الأسباب وقد تقدم ذكر بعض موارد الاستمناء في عناوين التقبيل والملامسة، وإليك بعض الأسباب الأخرى:

1- من عبث بذكره حتى أمنى -باليد أو بغيرها- فحكمه في الحج حكم الجماع، أي لزمته الكفارة وإتمام الحج وإعادته في العام القادم على الأحوط إذا وقع الفعل قبل الوقوف بمزدلفة، وكذا يتحد الحكم في العمرة المفردة على الأحوط، فتجب عليه الكفارة وإتمام العمرة وإعادتها في الشهر اللاحق.

2- من لاعب امرأته وهو محرم حتى أمنى من غير جماع فحكمه حكم الجماع.

3- إذا أمنى بالنظر إلى أجنبية لزمه بعير إن كان موسراً، وبقرة إن كان متوسطاً، وشاة إذا كان معسراً.

4- إذا أمنى بالنظر إلى زوجته أو مسها بشهوة فعليه بدنة كما تقدم.

5- إذا أمنى بالتخيل أو بالاستماع إلى حديث النساء أو أوصافهنّ فلم يثبت أن عليه كفارة ولكن الأحوط له أن يكفر كما في الفقرتين (3، 4) إذا كان قاصداً الإنزال بذلك.

السابع: عقد النكاح

(مسألة – 221) إذا عقد المحرم على امرأة وهو محرم كان

ص: 128

العقد باطلاً، سواء أكان لنفسه أم لغيره وسواء أكان ذلك الغير محرماً أو محلاً، كما أنه لا فرق فيه بين العقد الدائم والمنقطع، وكذلك الحال إذا وكّل غيره للعقد على امرأة، فإنه إذا عقد عليها وكالةً منه بطل، وإذا عقد فضولياً من قبله لم تصح إجازته، والأحوط أن لا يحضر المحرم رجلاً كان أم امرأة مجلس العقد والشهادة عليه، نعم قد تجب لدفع ظلم أو إثبات حق كما لا بأس أن يتعرض المحرم بخطبة النساء، ويجوز له الطلاق والرجوع إلى زوجته المطلقة الرجعية.(مسألة – 222) إذا عقد المحرم أو المحل للمحرم امرأة ودخل بها، فإن كان العاقد والزوج عالمين بتحريم العقد في هذه الحالة وبطلانه فعلى كل منهما كفارة ناقة، وإن كان أحدهما عالماً بالحال دون الآخر فعلى العالم كفارة دون الجاهل، وكذلك على المرأة إذا كانت محرمة وعالمة بالحكم الشرعي، وأما إذا لم تكن محرمة فإن كانت تعلم أن من يقوم بتزويجها محرم فمع ذلك قبلت تزويجها منه، فعليها كفارة دم ناقة، وإن كانت لا تعلم بذلك فلا شيء عليها.

(مسألة – 223) إذا عقد المحرم على امرأة فإنها تحرم عليه مؤبداً إذا كان عامداً وملتفتاً إلى الحكم الشرعي، وأما إذا كان جاهلاً به فلا تحرم عليه كذلك، ويجوز له التزويج بها بعد إحلاله.

ص: 129

الثامن: الطيب

(مسألة – 224) يحرم على المحرم استعمال الطيب شماً وأكلاً واطّلاءً وصبغاً وبخوراً، وكذلك لبس ما يكون عليه أثر منه، والمراد بالطيب كل مادة يطيّب بها البدن أو الثياب أو الطعام أو غيرها، مثل المسك والعنبر والورس والزعفران ونحوها، حتى العطور المتعارفة –كعطر الورد والياس والرازقي وما يشبهها- على الأظهر.(1)

ويستثنى من الطيب (خلوق الكعبة) وهو طيب كان يتّخذ من الزعفران وغيره يطلى به الكعبة المعظمة، فلا يجب على المحرم أن يجتنب شمه وإصابته لثيابه وبدنه، وإن أصابهما لم تجب إزالته بغسل ونحوه.

(مسألة – 225) يحرم على المحرم شمّ الرياحين وهي نباتات تفوح منها رائحة طيبة وتتخذ للشم، سواء التي يصنع منها الطيب –كالياسمين والورد- وغيرها، ويستثنى منها بعض أقسامها البرية كالشيح والقيصوم والخزامى والأذخر وأشباهها،

ص: 130


1- - سؤال: هل يجوز للمحرم استعمال الصابون والشامبو إذا لم يكن ذا رائحة عطرة أو كان ذا رائحة غير قوية؟ بسمه تعالى: لا بأس باستعماله إذا لم يكن مطيّباً. سؤال: هل يجوز للمحرم استعمال صابون الرقي (المسمى احياناً بصابون ابو الهيل) علماً انه يضاف إلى مواده الأولية عند صناعته مادة من نبات الغار ذي الرائحة العطرة؟ بسمه تعالى: إذا صدق عليه التطيب فلا يجوز للمُحرِم استعماله.

فإنه لا بأس بشمها على الأظهر.وأما الفواكه والخضروات الطيبة الرائحة –كالتفاح والسفرجل والنعناع- فيجوز للمحرم أكلها، ولكن الأحوط الإمساك عن شمها حين الأكل.

وكذلك الحال في الادهان الطيبة، فإن الأظهر جواز أكل ما يطعم منها ولا يعد من الطيب عرفاً، ولكن الأحوط أن يمسك عن شمها حين الأكل.

(مسألة – 226) لا يجب على المحرم أن يمسك على أنفه من الرائحة الطيبة حال سعيه بين الصفا والمروة، إذا كان هناك من يبيع العطور، وعليه أن يمسك على أنفه من الرائحة الطيبة في غير هذا الحال، نعم لا بأس بشم خلوق الكعبة على ما تقدم.(1)

(مسألة – 227) إذا تعمد المحرم أكل شيء من الطيب أو لبس ما يكون عليه أثر منه، فعليه كفارة شاة على الأحوط لزوماً، ولا كفارة عليه في استعمال الطيب فيما عدا ذلك، وإن كان التكفير أحوط.

(مسألة – 228) يحرم على المحرم أن يمسك على أنفه من

ص: 131


1- - سؤال: ان بعض الحجاج من سائر المذاهب الإسلامية يستعملون العطور فهل يجب على الحاج المؤمن الإمساك على أنفه من رائحة العطر المستخدم من قبلهم؟ بسمه تعالى: يجب عليه تجنب شم العطور الطيبة إذا أمكنه ذلك، أما إذا كان الأمر حرجياً ومضطراً إليه فلا بأس.

الروائح الكريهة، نعم لا بأس بالإسراع في المشي للتخلص منها.(مسألة – 229) لا بأس بشراء الطيب وبيعه وما فيها من رائحة طيبة إلا أنه لا يجوز استعمالها أو شمها ولو للاختبار.

(مسألة – 230) إذا مات المحرم في إحرام الحج قبل إتمام السعي يجب أن يغسّل بالماء القراح بدل ماء الكافور ولا يحنط بالكافور. وكذلك حكم المحرم للعمرة إذا مات قبل التقصير.

التاسع: ادِّهان البدن

(مسألة – 231) لا يجوز للمحرم ادهان جسده بالسمن ولو لم تكن فيه رائحة طيبة. ولا بأس بذلك إذا كان للضرورة أو العلاج.

(مسألة – 232) لا يجوز ادهان الجسد قبل الإحرام إذا كانت تبقى رائحته الطيبة إلى ما بعد الإحرام. ولا بأس بالأدهان إذا لم تبق رائحته وإن بقي أثره على الجسد.

(مسألة – 233) لا بأس بأكل السمن حال الإحرام إذا لم يكن معه ما فيه رائحة طيبة.

(مسألة – 234) إذا ادهن المحرم جسده بدهن مخلوط مع شيء فيه رائحة طيبة، وجبت عليه الكفارة على الأحوط وجوباً وإن كان عن اضطرار وللعلاج، وكفارته شاة. وإن كان جاهلاً بالحكم فالأحوط أن يطعم مسكيناً. وإذا كان لنفس الدهن رائحة طيبة فعليه الكفارة على الأحوط. وإن لم يكن للدهن رائحة طيبة، فلم تثبت فيه الكفارة وإن كان الأولى بل

ص: 132

الأحوط ذلك.

العاشر: الاكتحال

(مسألة – 235) الاكتحال على قسمين:

1- أن يكون الاكتحال بالكحل الأسود، أو أي كحل آخر يعد الاكتحال به زينة عرفاً، وهذا حرام على المحرم إذا قصد به الزينة على الأظهر، بل مطلقاً على الأحوط، نعم لا بأس بالاكتحال به حال الاضطرار لغرض التداوي والعلاج.

2- أن يكون الاكتحال بغير الكحل الأسود وما يعد مثله في التزين به، وهذا لا بأس به إذا لم يقصد به الزينة، وإلا فالأحوط تركه.

ولا كفارة في الاكتحال مطلقاً، وإن كان الأولى التكفير بشاة إذا اكتحل بما لا يحل له.

(مسألة – 236) إذا اضطر للاكتحال بقصد العلاج جاز ذلك بكحل ليس فيه رائحة طيبة.

الحادي عشر: الزينة

(مسألة – 237) يحرم على المحرم رجلاً كان أم امرأة الزينة، سواء أكان الدافع من ورائها قصد الزينة أم كان له غرض آخر، فإن ما يكون زينة في العرف العام، لا يجوز للمحرم التزين به وإن لم يكن بدافع الزينة، بل بغرض آخر، وما لا يكون زينة في العرف العام فيجوز للمحرم أن يستعمله

ص: 133

مطلقاً.وضابط ذلك: أن ما هو زينة للإنسان في العرف العام كإصلاح هندامه أو لباسه، أو لبس ما يكون زينة عندهم فإنه محرم على المحرم وإن لم يكن الدافع إليه قصد الزينة، وما لا يكون زينة للإنسان في العرف العام كلبس لباسه الاعتيادي، أو لبس ثوبي الإحرام فلا يكون محرماً على المحرم، ويستثنى من ذلك لبس المرأة الحلي التي كانت تعتاد لبسها قبل إحرامها فإنها زينة في العرف العام ومع هذا يجوز للمرأة المحرمة لبسها، ولكن لا يجوز لها إظهارها لزوجها ولا لغيره من الرجال.

وأما تختم الرجل المحرم بالخاتم فإن عد زينة في العرف العام لم يجز، وإن لم يكن لبس الخاتم بقصد الزينة كما لو قصد استحباب التختم أو خواص الخاتم أو حفظه أو ليحسب به أشواط الطواف فلا بأس به، ومن هذا القبيل لبس الساعة اليدوية ولا كفارة في ممارسة الزينة وإن كانت عن علم وعمد.

(مسألة – 238) يحرم على المحرم –رجلاً كان أم امرأة- استعمال الحناء إذا عدّ زينة في العرف العام وإن لم يكن بقصد الزينة، ويجوز له ذلك إذا لم يعد زينة عندهم.

ص: 134

الثاني عشر: النظر في المرآة

الثاني عشر: النظر في المرآة(1)(مسألة – 240) يحرم على المحرم –رجلاً كان أم امرأة- النظر في المرآة إذا كان المقصود بالنظر إصلاح صورته أو هندامه الطبيعي، وأما إذا كان بدافع آخر كالتأكد من عدم وجود حاجب على بشرة الوجه مثلاً، أو تأكد سائق السيارة على جلوس المسافرين في كراسيهم واستقرارهم فيها أو التعرف على ما خلفه من السيارات فلا بأس به.

ولا يعتبر لبس النظارة من النظر في المرآة فلا يحرم لبسها بشرط أن لا يكون زينة في العرف العام، وإلا لم يجز وإن كان بدافع آخر كالوقاية من الشمس أو لقراءة قرآن أو دعاء أو كتابة

ص: 135


1- - سؤال: العمارات والأبنية التي ينزل بها الحجاج في مكة المكرمة تحتوي معظمها أو كلها على مرايا منصوبه أمام مغاسل الماء أو في الحمامات وكذلك في المصاعد الكهربائية التي يستخدمها الحجاج للصعود والنزول في الطوابق المختلفة لتلك العمارات فكثيراً ما يتعرض المحرم للنظر إلى تلك المرايا غفلة أو سهواً أو نسياناً، فهل في ذلك كفارة وما هي؟ بسمه تعالى: ليتجنب النظر في تلك المرايا ما أمكنه ذلك، ولا شيء عليه لو حصل ذلك النظر. سؤال: هل يجوز للمحرم التقاط الصور بكاميرا الفيديو مع ما يستدعيه ذلك من النظر في الفتحة المخصصة للتحكم بالصورة أو الشاشة الجانبية؟ بسمه تعالى: لا بأس به.

شيء، أو لغرض طبي شريطة أن لا يصل إلى حد الاضطرار، وإلا جاز، ولا بأس بالنظر إلى الأجسام الشفافة كالماء الصافي التي ينطبع فيها صورة الناظر، ولا كفارة على المحرم إذا نظر في المرآة وإن اعتُبر آثماً.

الثالث عشر: الفسوق

(مسألة – 240) لقد جعل القرآن الكريم الفسوق من محرمات الإحرام، وفسر في الأحاديث بالكذب والسباب والمفاخرة. والظاهر أن المقصود من المفاخرة هنا هو ما يثبته الإنسان كذباً لنفسه من الفضائل والمكارم ويسلبها عن الغير، ويثبت الرذائل للغير ويسلبها عن نفسه، والحقيقة أن المفاخرة متفرعة عن الكذب والسباب. ووجوب الاجتناب عن الكذب والسباب والبذاء ثابت في كل حال إلا أنه من المعلوم أنه في الحج أشد وآكد.

وحرمته على الرجال والنساء. والأولى والأفضل للمحرم أن يحفظ نفسه عن جميع المعاصي ويشتغل بعبادة الله وذكره سبحانه وتعالى.

(مسألة – 241) لا كفارة في الفسوق على المشهور بل يجب الاستغفار وإعادة التلبية.

الرابع عشر: الجدال

(مسألة – 242) يحرم على المحرم الجدال، وهو الخصومة مع

ص: 136

القسم بقول: (لا والله) أو (بلى والله)، سواء كان الحالف صادقاً أو كاذباً أو كان المحرم رجلاً أو امرأة. والأحوط وجوباً ترك كل قسم بالله تعالى، سواء كان في حال الخصومة أم لا، وبكلمة (لا والله) أو بغيرهما من ألفاظ القسم مثل (والله) أو (تالله) بدون (لا وبلى). وكذلك ترك القسم بترجمة هذه الألفاظ وبسائر أسماء الله تعالى مثل (الرحمن) أو (الرحيم) مثلاً.نعم ليس من محرمات الإحرام إذا كان النزاع والخصومة بدون القسم بالله وأسمائه أو كان القسم بالنبي الأكرم والأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) أو بنفسه.

(مسألة – 243) لا بأس بالقسم للمحرم في مقامين:

الأول: إذا اقتضت الضرورة للقسم بلفظ الجلالة لإثبات حق أو دفع باطل، والأحوط إذا أقسم ثلاث مرات أن يكفّر بشاة.

الثاني: إذا أراد أن يجري عملاً للغير بقصد إظهار المودة والإكرام، فيقسم في جواب من يقول له: (والله لا تفعل ذلك لي) فيجيبه المحرم: (والله لأفعلن ذلك)، وكذا لا أثر للحلف بالله تعالى لغير الإخبار كما في يمين المناشدة كقول السائل: (أسألك بالله أن تعفيني) ويمين العقد –أي ما يقع تأكيداً لما التزم به من إيقاع أمر أو تركه في المستقبل- كقوله: (والله لأعطينك كذا)، فهذا ليس بجدال ولا كفارة له.

ص: 137

(مسألة – 244) على المشهور إذا أقسم المحرم صادقاً وكررها ثانية فلا كفارة عليه وعليه الاستغفار فقط، ولو أقسم ثالثاً تلزمه كفارة شاة، وإذا أقسم كاذباً تلزمه كفارة شاة ولو كررها ثانية فكفارته شاتان ولو أقسم ثالثاً فعليه كفارة بقرة.

الخامس عشر: قتل هوامّ الجسد

(مسألة – 245) لا يجوز للمحرم –رجلاً كان أم امرأة- قتل القمل في جسده، وإذا قتله عامداً وملتفتاً إلى الحكم الشرعي فإنه لا كفارة عليه وإن كان أحوط وأولى.

ولا يجوز للمحرم إلقاء القمل من جسده، نعم يجوز نقله من مكان إلى مكان آخر، وإذا نقله فكفارته كف من الطعام، وأما غيره من الدواب فيجوز إلقاؤه من جسده، كما يجوز نقله ويجوز قتل البرغوث لترتب الضرر على وجودها.

السادس عشر: إخراج الدم من البدن

السادس عشر: إخراج الدم من البدن(1)

(مسألة – 246) لا يجوز للمحرم إخراج الدم من جسده بنحو من الأنحاء سواء كان بحك أو بحجامة أو فصد أو أخذ الدم ونحو ذلك.

ص: 138


1- - سؤال: المريض بداء السكر الذي يستعمل الأنسولين بزرقه تحت الجلد، كثيراً ما يخرج منه الدم في عملية الزرق فان كان محرماً فهل تجب عليه كفارة شاة في كل مرة يخرج منها الدم بذلك؟ بسمه تعالى: يجوز له ذلك لضرورة العلاج ولا كفارة عليه.

(مسألة – 247) لا بأس بأخذ الدم أو الحجامة أو الفصد في حالة الإحرام إذا كان لضرورة، وكذلك لا بأس بشق الدمّل وحك الجرب مع الضرورة وإن أوجب ذلك خروج الدم.(مسألة – 248) لا بأس باستعمال المسواك للمحرم إلا مع العلم بخروج الدم فالأحوط حينئذٍ الاجتناب عن ذلك.

(مسألة – 249) لا بأس بتزريق الإبرة في الإحرام إلا مع العلم بخروج الدم فليجتنب عن ذلك إلا مع الضرورة.

(مسألة – 250) لا كفارة على إخراج الدم، وقد احتاط البعض بشاة.

(مسألة – 251) يجوز للمحرم إخراج الدم من غيره إذا كان محلاً كأخذ الدم منه أو قلع سنه أو حجامته.

السابع عشر: تقليم الأظفار

(مسألة – 252) لا يجوز للمحرم –رجلاً كان أم امرأة- تقليم ظفره وهو محرم ولو بعضه، إلا في الحالات التي ينشأ من بقائه الضرر أو الأذى فإنه يجوز حينئذٍ تقليمه، وإذا قلم أظفاره وهو جاهل بالحكم أو ناسٍ فلا شيء عليه، وإذا كان مع العلم والعمد فعليه كفارة، وهي مد من الطعام لتقليم كل ظفر، وإذا قلم أظافير اليدين العشرة في مجلس واحد كان عليه التكفير بشاة، وكذلك إذا قلم أظافير الرجلين العشرة في مجلس واحد، أو جمع بين أظافير اليدين والرجلين العشرين في مجلس واحد، وأما إذا قلم أظافير يديه في مجلس ورجليه في آخر فعليه التكفير

ص: 139

بشاتين.(مسألة – 253) إذا قلم المحرم أظافيره وهو محرم فأدمى اعتماداً على فتوى من جوزه، فالمشهور أن كفارته على المفتي، ولكنه لا يخلو عن إشكال بل منع.

(مسألة – 254) لا بأس للمحرم بتقليم ظفر غيره إن كان محلاً.

الثامن عشر: إزالة الشعر عن البدن

(مسألة – 255) لا يجوز للمحرم أن يزيل الشعر عن بدنه أو بدن غيره محرماً كان أو محلاً وسواء كانت الإزالة بالحلق أو النتف أو بالقص أو بالمكينة أو بالنورة قليلة وكثيرة وحتى الشعرة الواحدة، وتستثنى في موردين:

الأول: ما يسقط من الشعر حال الوضوء أو الغسل من أثر إمرار يده على وجهه أو بدنه دون قصد منه.

الثاني: أن تدعو الضرورة إلى إزالته مثل أن يكون الشعر نابتاً في أجفان العين ويتألم المحرم بذلك، أو أن كثرة الشعر أوجبت له صداعاً ولا علاج إلا بالحلق، أو كثرة الشعر أوجبت تكاثر القمل على جسده وهو يتألم منه ولا بد من التكفير في المورد الثاني.

(مسألة – 256) إذا حلق المحرم رأسه دون ضرورة وجب عليه الاستغفار والكفارة، والأحوط وجوباً أن يكفّر بشاة، وإذا كان الحلق لضرورة تلزمه الكفارة ولكنه مخير بين أن يكفر بشاة

ص: 140

أو يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين يعطي لكل واحد مدين من الطعام، والأولى إطعام عشرة مساكين لكل واحد مدان.والمد يساوي ثلاثة أرباع الكيلو تقريباً فيكون مقدار المدين كيلو ونصف تقريباً والمقصود من الطعام الحنطة والطحين والخبز والأرز.

(مسألة – 257) إذا أزال المحرم شعر رأسه بغير الحلق فالأحوط وجوباً أن يعطي كفارة الحلق، بل هذا الأمر لا يخلو عن قوة.

(مسألة – 258) إذا أزال المحرم شعر إبطيه كفّر بشاة، وكذلك على الأحوط وجوباً لو أزال شعر إحدى إبطيه.

(مسألة – 259) إذا حلق المحرم بعض رأسه بصورة يقال أنه حلق رأسه أو أزال شعر قسم من بدنه غير الرأس والإبطين، فالأحوط وجوباً كون حكمه حكم من حلق تمام الرأس، وكذلك لو أزال شعر بدنه بغير الحلق.

(مسألة – 260) إذا أزال المحرم شعرة واحدة أو أكثر من لحيته أو غيرها فكفارته أن يتصدق بكف من طعام، والأولى أن يكون مداً أو كفين من الطعام يطعم به مسكيناً.

(مسألة – 261) إذا أمرّ المحرم يده على رأسه ولحيته عبثاً وسقطت شعرة أو أكثر فليتصدق بكف من طعام، وأما إذا كان في الوضوء أو الغسل فلا شيء عليه.

ص: 141

(مسألة – 262) يجوز للمحرم حكّ رأسه أو بدنه ما لم يسقط الشعر عن رأسه وما لم يدمه.(مسألة – 263) إذا حلق المحرم رأس غيره أو أزال منه شعرة يستغفر ولا كفارة عليه، وإن كان الحلق أو إزالة الشعر بإجازة الغير وهو في حال الإحرام تلزمه الكفارة.

(مسألة – 264) إذا حلق المحرم رأسه أو أزال شعرة من بدنه عن نسيان أو لجهل بالحكم فلا شيء عليه.

التاسع عشر: قلع الضرس

(مسألة – 265) ذهب بعض الفقهاء إلى حرمة قلع الضرس على المحرم وإن لم يخرج به الدم، وأوجبوا له كفارة شاة، ولكن في دليله تأملاً، بل لا يبعد جوازه، وإن حرمته باعتبار خروج الدم في العملية غالباً.

العشرون: حمل السلاح

(مسألة – 266) لا يجوز للمحرم لبس السلاح، بل ولا حمله على وجه يعدّ مسلّحاً على الأحوط، والمراد بالسلاح كل ما يصدق عليه لفظه عرفاً، كالسيف والبندقية والرمح دون آلات التحفظ كالدرع والمغفر ونحوهما.

(مسألة – 267) لا بأس بوجود السلاح عند المحرم، ولا بحمله إذا لم يعدّ مسلحاً عرفاً، ومع ذلك فالترك أحوط.

(مسألة – 268) تختص حرمة التسلح بحال الاختيار، ولا

ص: 142

بأس به عند الاضطرار كالخوف من العدو أو السرقة.(مسألة – 269) كفارة التسلح –لغير الضرورة- شاة على الأحوط.

الحادي والعشرون: الارتماس

(مسألة – 270) لا يجوز للمحرم –رجلاً كان أم امرأة- الارتماس في الماء، وهو إدخال رأسه بكامله فيه، والأحوط شمول الحكم لغير الماء من المائعات.

(النوع الثاني) ما يحرم على الرجل المحرم خاصة
اشارة

وهي أمور نذكرها مع متابعة تسلسل النوع الأول:

الثاني والعشرون: لبس الثياب الاعتيادية

الثاني والعشرون: لبس الثياب الاعتيادية(1)

والمعروف في كتب السلف الصالح (قدس الله أرواحهم) عنوان (لبس المخيط) مع أن لبس المخيط بعنوانه ليس محرماً على المحرم، وإنما ورد المنع في الروايات الشريفة عن لبس أنواع محددة من الثياب وهي:

ص: 143


1- - سؤال: هل يجوز للمحرم استعمال الحزام الطبي - المشتمل على الخياطة لضرورة أو بدونها؟ بسمه تعالى: لا بأس به. سؤال: هل يجوز للمُحرِم ان يلف عورته بقطعة من القماش لئلا تبدو لو سقط أزاره؟ بسمه تعالى: لا بأس به.

1- الملابس التي تسلك في العنق وكل ثوب يسلك في العنق يسمى (قميصاً).

2- الملابس والثياب التي لها يدان أو فتحتان على نحو يتيح للابس أن يدخل يديه فيهما، وكل ثوب من هذا القبيل يسمى ب-(الدرع)، وهو محرم ولو لم يسلك في العنق كالعباءة، وليست الحرمة هنا مرتبطة بإدخال اليدين فعلاً في يدي العباءة ونحوها، فلو لبس العباءة بصورتها الاعتيادية دون أن يدخل يديه في يديها كان حراماً أيضاً.

3- السروال وهو ما تستر به العورة من الملابس الاعتيادية.

4- الثوب الذي فيه أزرار وتعقد بعضها ببعض، ويسمى ب-(الثوب المزرر) وهو حرام حتى لو لم يسلك في العنق ولم تكن له يدان، كما إذا لبس مما دون إبطيه ثوباً مزرراً، وليست الحرمة هنا قائمة بوجود الأزرار بل باستعمال تلك الأزرار بعقد بعضها بالبعض الآخر(1).

وهذه الأقسام الأربعة من الثياب محرمة، سواء تم صنعها بهذه الأنحاء عن طريق الخياطة أو عن طريق آخر، فما ينسج من

ص: 144


1- - سؤال: هل يجوز غرز الإزار بالإبرة ونحوها؟ بسمه تعالى: لا مانع منه الا على نحو الاحتياط الاستحبابي. سؤال: هل يجوز للمحرم ربط طرفي ردائه أو إمساكه بإبرة؟ بسمه تعالى: لا بأس به إذا كان محل الربط واحداً فقط من أعلاه مثلاً، والاحوط تركه.

الثياب على نحو يسلك في العنق أو له يدان حرام أيضاً، وكذلك ما يعوض فيه عن الأزرار بمادة لاصقة مثلاً.وأما استعمال المحرم للمخيط على غير هذه الأنحاء الأربعة فهو جائز، من قبيل أن يغطي جسده باللحاف المشتمل على الخياطة، لأن هذا ليس تقمصاً للّحاف ولا ادّراعاً له، ومن قبيل الحزام أو الهميان الذي توضع فيه النقود، ورباط الفتق الذي يستعمل لحفظ الأمعاء من النزول عبر الفتحة الحاصلة في الغشاء وغير ذلك.

وإذا لبس المحرم عالماً عامداً شيئاً مما حرم لبسه عليه فكفارته شاة، والأحوط لزوم الكفارة عليه ولو كان لبسه للاضطرار، وإن لم يعتبر آثماً باللبس في حالة الاضطرار ولا شيء على الجاهل والناسي.

(مسألة – 271) إذا اضطر المحرم إلى لبس القباء أو القميص لبرد ونحوه جاز لبسهما، لكن يجب عليه أن يقلب القباء بأن يجعل أعلاه أسفله وظاهره باطنه وذيله على كتفيه دون أن يلبسه بل يتردى به، وكذلك أيضاً في القميص يتردى به دون أن يلبسه، وإذا فقد المحرم الأزار واضطر إلى لبس السروال جاز له ذلك وعليه الكفارة على الأحوط.

(مسألة – 272) يجوز للمحرم شد العمامة وغيرها على بطنه، والأحوط أن لا يصل إلى صدره والأولى الاجتناب عن كل ذلك.

ص: 145

(مسألة – 273) إذا لبس المحرم ما لا يجوز لبسه عن نسيان أو لجهله بالحكم فبعد التوجه يجب عليه نزعه فوراً، فإن كان لبسه قبل التلبية جاز له أن يخرجه من فوق، وإن كان لبسه بعد التلبية وتحقق الإحرام يخرجه من تحت ولو بشقه، فإن لم يهمل في الصورتين فلا تجب عليه الكفارة وإن أهمل عمداً ولم يبادر إلى نزعه فوراً تجب عليه الكفارة، ويجري هذا التفصيل فيما إذا كان لبسه للممنوع عن علم وعمد.

الثالث والعشرون: لبس الخف والجورب

الثالث والعشرون: لبس الخف والجورب(1)

(مسألة – 274) يحرم على الرجل المحرم لبس الخف –وهو حذاء يستر ظهر القدم- والجورب ولبس كل ما يستر تمام ظهر القدم، وأما ستر تمام ظهر القدم بدون لبس كأن يضع عليه منديلاً مثلاً أو غطاء فلا باس بذلك.

وإذا لبس شيئاً من ذلك جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه وإذا لبسه عالماً عامداً كفّر بشاة.

ص: 146


1- - سؤال: هل يجوز للمحرم لبس النعال أو الخف المخيطين؟ بسمه تعالى: ليست المشكلة من جهة كونه مخيطاً، بل من جهة حرمة لبس ما يستر ظاهر القدم - كالخف. سؤال: القدم الصناعية هل يجوز سترها بخفّ أو نحوه؟ بسمه تعالى: لا بأس بذلك خصوصاً مع الاضطرار.
الرابع والعشرون: ستر الرأس والأذنين

الرابع والعشرون: ستر الرأس والأذنين(1)

لا يجوز للرجل المحرم ستر رأسه كله أو بعضه، والمراد بالرأس منابت الشعر دون الوجه، ولا يجوز ستر الأذنين مهما كان نوع الساتر اعتيادياً كالمنديل مثلاً أو غير اعتيادي كالطين، بل الأحوط عدم ستر الرأس بحمل شيء عليه أيضاً، والأحوط عدم ستر الرأس في وقت النوم أيضاً، ولا بأس بتغطية وجهه.

ويجوز الستر في حال الضرورة والصداع ونحو ذلك.

ولا تجب الكفارة على المرتكب إذا كان ناسياً أو جاهلاً أو معذوراً للاضطرار، أما في غير ذلك فالمشهور وجوب التكفير بشاة، وهو الأحوط الأولى، ولا يبعد كفاية التصدق بإطعام مسكين.

ص: 147


1- - سؤال: إذا كان برأس المحرم صلع أو تشويه يخجل من كشفه فهل يجوز له تغطيته؟ وهل عليه شيء في ذلك؟ بسمه تعالى: إذا كان مضطراً لذلك، كما لو كان ظهور هذا التشوّه حرجياً جاز له ستره بمقدار الضرورة ولا شيء عليه. سؤال: هل يجوز للمحرم ان ينشف رأسه بالمنديل ونحوه؟ بسمه تعالى: ليفعل ذلك من دون أن يحقق معنى ستر الرأس. سؤال: هل يجوز للمحرم والمحرمة الوقوف تحت دوش الحمامات إذا كان يضخ الماء بقوة بحيث يغطي الرأس؟ بسمه تعالى: لا بأس به فهذه التغطية ليست مقصودة بالمنع.
الخامس والعشرون: حرمة التظليل ووجوب البروز
اشارة

الخامس والعشرون: حرمة التظليل(1)ووجوب البروز

ص: 148


1- - سؤال: ذهبنا الى مسجد الشجرة لكي نحرم وبعد الإحرام اتضح انه لا وجود لسيارات مكشوفة أبدا وان المتعهد والباقي من المعتمرين مقلدين أحد المراجع الذي يجيز التظليل ليلا والمسافة 450 كيلو متر من مكان الإحرام الى مكة ولا يسمح لنا السائق أن نركب فوقها علما لو سمح لكان فيه أذية لنا وعند الانتهاء من العمرة ذهبنا لنعتمر لأرحامنا من مسجد التنعيم ولكن تكرر الحدث وفوجئنا بعدم وجود سيارات مكشوفة وأما المكشوفة لا توافق ركوبنا فوق سطحها؟ بسمه تعالى: تترتب عليكم كفارة التظليل ولا يسقطها كونكم مضطرين. سؤال: هل يحرم التظليل على كل حال ام هو خاص بحالة وجود الشمس او المطر فلو كان السفر ليلاً ولا يوجد مطر فلا يحرم التظليل؟ بسمه تعالى: حرمة التظليل مطلقة على كل حال لإطلاق الادلة وذكر الشمس والمطر في بعضها من باب اوضح المصاديق لا للحصر بها. ويُفهم من بعضها ان المطلوب من الحاج هو البروز والظهور لمن احرم له وليس بلحاظ ما ظهر له. سؤال: إذا قام شخص بالتظليل على المحرم حال سيره فهل تثبت الكفارة عليه أو على ذلك الغير، أم لا يثبت على أي منهما؟ بسمه تعالى: إذا أمر المحرم بذلك، أو علم وأقرّ الفعل، وجبت عليه الكفارة، وإذا أعانه الآخر على ذلك كان آثماً ولا كفارة عليه. سؤال: إذا اضطّر المحرم إلى التظليل بعض الوقت فهل يجوز له الاستمرار في التظليل ما لم يخرج من إحرامه ولو مع ارتفاع الضرورة؟ بسمه تعالى: لا يجوز له إلا بمقدار الحاجة كما لو اضطر إلى التظليل من الميقات إلى مكة، وعند نزوله في الفندق أمكنه الذهاب إلى الحرم من دون تظليل، فان الاضطرار الأول لا يسوّغ المخالفة في الجزء الثاني. سؤال: إذا دخل المحرم مكة المكرمة فجاء الى منزله المعيّن لسكناه قبل ان يحل من احرامه فهل يجوز له ركوب الباصات المسقفة إذا اراد الذهاب الى المسجد الحرام لأداء نسكه؟ بسمه تعالى: لا يجوز له التظليل لأن هذا الجزء من طيّ المسافة. سؤال: هل تتعدد الكفارة بحصول الاستظلال مرات عديدة؟ بسمه تعالى: لا تتعدد الكفارة ما دام في نفس الإحرام. سؤال: هل تجب الكفارة على الرجال المحرمين المرافقين للنساء إذا ركبوا السيارة المسقفة؟ بسمه تعالى: نعم تجب عليهم، والاضطرار يرفع الإثم فقط لا الكفّارة. سؤال: هل يجوز للمحرم استعمال المظلة وما يشبهها في الليل أو بين الطلوعين؟ بسمه تعالى: لا يجوز له ذلك لأننا نقول بحرمة التظليل مطلقاً. سؤال: هل يجوز للمحرم ركوب السيارات المكشوفة وان كان ذلك يستلزم التظليل الجانبي ولو جزئياً؟ بسمه تعالى: لا بأس بذلك لأن المقدار الواجب هو البروز إلى السماء وإن كان الاحوط ضم بعض البروز الجانبي إليه. سؤال: إذا أُجبر المحرم من قبل السلطات على التظليل المحرم فهل عليه كفارة؟ بسمه تعالى: نعم تجب عليه الكفارة، والاضطرار يرفع الإثم فقط لا الكفّارة. سؤال: هل يجوز التظليل في مكة عند الوصول اليها وفي عرفات حال الوقوف فيها وفي منى حال المبيت عند السير والتنقل فيها وكذا في حال الانتقال بين عرفات ومنى؟ بسمه تعالى: لا يجوز له ذلك ما دام يقطع المسافة باتجاه الحرم أو المواقف المقدسة الأخرى، نعم يجوز له التظليل إذا نزل في الفندق او محل الاستراحة، او في مخيمات عرفات ومنى. سؤال: إذا كان تنقل المحرم بسيارات نقل البضائع ممنوعاً والحصول على الأوتوبيسات المكشوفة صعباً، فهل يجوز ركوب السيارات المسقفة ودفع الكفارة؟ بسمه تعالى: نعم، يجوز له ذلك ويدفع الكفارة لأن الاضطرار يرفع الإثم فقط لا الكفارة.

ص: 149

والإضحاء

المعروف في كلمات الأصحاب (حرمة التظليل) لكن المستفاد من الروايات هو وجوب الإضحاء والبروز من كل ما يُكِنّ المحرم، ولا يحرم من التظليل إلا ما كان منافياً للواجب، لذا فالسائر ماشياً يجوز له أن يستظل بظل المحمل أو السيارة الحاملة لبضائعهم المرافقة لهم ونحوها، بينما يمكن القول احتياطا أنّه لا يجوز للراكب في السيارة المكشوفة والتي لا سقف فيها أن يستظل بالجدار الجانبي للسيارة إذا كان يمنع صدق البروز عليه كما لو كان جالساً على أرضية سيارة الحمل ذات الجدران العالية، فالعبرة إذن بتحقق عنوان البروز والإضحاء مما يُكنّ المحرم وليس عنوان التظليل.

(مسألة – 275) التظليل على قسمين:

الأول: أن يكون بالأجسام السائرة كالمظلة وسقف المحمل أو السيارة أو الطائرة ونحوها، وهذا محرم على الرجل المحرم،

ص: 150

راكباً كان أم راجلاً، إذا كان ما يظلله فوق رأسه، نعم لا بأس بالاستظلال بالسحابة السائرة.وأما إذا كان ما يظلله على أحد جوانبه، فالظاهر أنه لا بأس به للراجل مطلقاً، فيجوز له السير في ظل المحمل والسيارة ونحوها.

وأما الراكب فالأحوط أن يجتنبه إلا إذا كان بحيث لا يمنع من صدق الإضحاء (أي البروز للشمس) عرفاً، كأن كان الساتر الجانبي قصيراً لا يستتر به رأسه وصدره كجدران بعض السيارات المكشوفة.

الثاني: أن يكون بالأجسام الثابتة كالجدران والأنفاق والأشجار والجبال ونحوها، وهذا جائز للمحرم، راكباً كان أم راجلاً على الأظهر، لذا فإنّه يجوز له بعد وصوله مكة أن يتحرك تحت الجسور والأنفاق أو في ظل الحيطان.

(مسألة – 276) حرمة التظليل مطلقة ولا تختص بحال وجود الشمس أو المطر لإطلاق وجوب البروز في الليل أو النهار وفي كل الأحوال.

(مسألة – 277) ما تقدم من حرمة التظليل يختص بحال السير وطيّ المسافة، وأما إذا نزل المحرم في مكان سواء اتخذه منزلاً أم لا، كما لو جلس في أثناء الطريق للاستراحة أو لملاقاة الأصدقاء أو لغير ذلك فلا إشكال في جواز الاستظلال له.

(مسألة – 278) لا يجوز للمحرم الاستظلال أثناء تردده في

ص: 151

مكة وبين المشاعر المقدسة لأداء مناسكه كما إذا نزل مكة وأراد الذهاب إلى المسجد الحرام لأداء الطواف والسعي أو نزل منى وأراد الذهاب إلى المذبح أو مرمى الجمار فإنه لا يجوز له ركوب السيارة المسقفة أو رفع المظلة فوق رأسه.(مسألة – 279) لا فرق في حرمة التظليل بالظل المتحرك بحركة المحرم أثناء طي المسافة بين كون الحركة أفقية أو عمودية كالذي ينتقل أثناء حركته من سفح الجبل إلى أعلاه أو الجهة الأخرى منه بمصعد كهربائي أو طائرة عمودية، أما تحقق الحرمة في حركته بالمصعد الكهربائي بين طوابق العمارة التي ينزل فيها فإنه غير واضح، لعدم تحقق موضوع طيّ المسافة في هذه الحركة، ولعدم وجود معنى في الحديث عن البروز والإضحاء والتظليل لأن المصعد يتحرك داخل برج مقفل فأدلة الحرمة منصرفة عن مثله.

(مسألة – 280) لا بأس باستظلال المحرم بظل كالمظلة أو نحوها إذا كان واقفاً غير متحرك، كما في حالة الجلوس والنوم ونحوهما، كما يجوز له الاستظلال بظل ثابت حتى حال سيره وتحركه، ويجوز له أن يستتر من الشمس بيديه وذراعيه.

(مسألة – 281) يرخص للرجل المحرم بالتظليل للضرورة والخوف على صحته من حر أو برد، أو الخوف على سيارته من الضياع لو تركها وركب سيارة مكشوفة، أو على عائلته أو غير ذلك، وإذا ظلل جاهلاً أو ناسياً فلا كفارة عليه، وإن ظلل

ص: 152

عامداً عالماً كان عليه التكفير بشاة عن كل إحرام ظلل في أثنائه ولا فرق في ذلك بين أن يكون تظليله لضرورة أو بدون ضرورة، ولو ظلل في إحرام واحد مرات، فلا تجب عليه إلا كفارة واحدة.

(النوع الثالث) ما يحرم على النساء خاصة
اشارة

يحرم على المرأة المحرِمة ستر وجهها(1) كله أو بعضه ببرقع أو نقاب أو غيرهما، ويرخّص لها في تغطية وجهها حال النوم، وكذلك في ستر بعض وجهها عند الصلاة مقدمة لستر الرأس، كما يجوز لها أن تتحجب عن الأجنبي بأن تنزل ما على رأسها من الخمار أو نحوه من ملابسها إلى ما يحاذي أنفها أو ذقنها وإن مس ذلك وجهها مباشرة.

ويقال: إن كفارة ستر الوجه شاة إذا ارتكبت المرأة ذلك

ص: 153


1- - سؤال: هل يجوز للمرأة المحرمة (لإحرام الحج أو العمرة) تنظيف وجهها بالمنشفة؟ بسمه تعالى: الاحوط لها أن تنشف وجهها جزءاً جزءاً وليس بتغطية تمام الوجه. سؤال: هل يجوز للمحرم والمحرمة لبس الكمامة لتغطية الأنف والفم لغرض الوقاية من الأمراض المعدية كوباء كورونا والإنفلونزا وغيرهما؟ بسمه تعالى: لا بأس به بالنسبة للرجال، أما المرأة المحرمة فلا يجوز لها التنقب الساتر لوجهها أو بعضه، وهذا منه، وإذا اضطرت إلى ذلك كما لو كان احتمال العدوى معتداً بها فيجوز لها لبسه حال الإحرام.

عالمة عامدة، وهو الأحوط الأولى.ويحرم على المرأة المحرمة أيضاً لبس القفازين، وكذلك يحرم عليها لبس الحرير الخالص.

ص: 154

أحكام الحرم المكي وآداب دخوله
حدود الحرم

مكة المكرمة حرم الله تعالى وقد شرفها سبحانه وتعالى بنسبتها إليه، والحرم الشرعي أوسع من مكة وهو يعبر عن مساحة تدخل في ضمنها مكة المكرمة، وتقدّر هذه المساحة بمسافة بريد طولاً وعرضاً، والبريد يساوي أربعة فراسخ أي حوالي اثنين وعشرين كيلومتراً، والمسجد الحرام واقع في وسط هذه المسافة، ولكنه ليس في نقطة الوسط حقيقة فإن الحرم يمتد من بعض جوانبه أكثر مما يمتد من بعض جوانبه الأخرى (لاحظ المخطط نهاية الكتاب).

وقد حافظ المسلمون على علامات تعيّن حدود الحرم، وهذه الحدود التي تعيّنها العلامات المذكورة تشير إلى أماكن قريبة إلى الحرم من جهاته الأربع، وهي كما يلي:

1- يحدّ الحرم شمالاً باتجاه المدينة المنورة مكان يُسمى ب-(التنعيم)، والمسافة بينه وبين المسجد الحرام قدّرت بحوالي

ص: 155

سبع كيلو مترات.(1)

2- ويحد الحرم غرباً باتجاه جدّة مكان يسمى ب-(الحديبية)، ويبعد عن المسجد الحرام على ما قيل حوالي ثمانية عشر كيلومتراً.

3- ويحد الحرم شرقاً باتجاه نجد مكان يسمى ب-(الجعرانة)، ويبعد عن المسجد الحرام على ما قيل بما يزيد على أربعة عشر كيلومتراً.

4- ويحد الحرم جنوباً باتجاه عرفات والطائف مكان يسمى (نمرة)، وهي تبعد عن المسجد الحرام بما يزيد عن اثنين وعشرين كيلومتراً على ما يقال.

ص: 156


1- - سؤال: وصل الامتداد العمراني في مكة المكرمة إلى خارج الحرم من بعض الجهات، فهل يجوز الاحرام للعمرة المفردة من التنعيم مثلاً (والتي هي الآن جزء من مكة الحديثة)؟ بسمه تعالى: الاحوط عدم الاحرام من التنعيم لأنه وان كان ميقاتاً إلاّ أنه أصبح داخل مدينة مكة، ومقتضى النصوص (أن يدخل مكة محرماً) المتضمن للإحرام من خارجها، فالاحوط الإحرام من ميقات آخر يكون خارج مدينة مكة كالجعرانة مثلا، وما قيل أن التنعيم خارج مكة لا يجدي، لأن مكة تلحظ مع امتدادها عند تطبيق احكامها، وهكذا الائمة (عليهم السلام) يطبقون الاحكام على مكة بواقعها الحالي حيث توسعت في زمانهم (عليهم السلام) كثيرا، واذا كان في هذا الاحتياط حرج ومشقة فيسمح للمكلف بالرجوع الى مجتهد اخر ممن يقع في دائرة محتملي الاعلمية ويأخذ بقوله اذا كان يجيز الاحرام من التنعيم.

وهذه النقاط والأماكن التي ذكرناها قريبة من الحرم وليست منه، وكل ما هو خارج عن مساحة الحرم يسمى ب-(الحد) وتُسمى تلك الأماكن المحادّة للحرم (أدنى الحل).ولا يجوز للإنسان دخول مكة بل ولا دخول الحرم إلا محرماً في أي وقت من السنة، ولا بد أن يكون الإحرام ضمن عملية حج أو عمرة، فمن لم يقصد الحج إذا أراد دخول مكة أو الحرم لا بد له أن يحرم للعمرة من أحد المواقيت الخمسة أو من أدنى الحل على التفصيل السابق في فصل المواقيت، ويستثنى من هذا الحكم من كان يتكرر دخوله إلى مكة المكرمة وخروجه منها بموجب عمله، بل كل من كان متواجداً بمكة بصورة مشروعه إذا خرج إلى الحل ورجع قبل مضي الشهر الهلالي الذي اعتمر فيه جاز له الدخول بلا إحرام.

محرمات الحرم

يحرم على المكلف لأجل كونه في الحرم بغضّ النظر عن كونه محرماً أو غير محرم أمور:

(الأول) قلع شجر الحرم ونبته

(مسألة – 282) لا يجوز للمحرم –رجلاً كان أو امرأة- بل لكل مكلف وإن لم يكن محرماً أن يقلع أو يقطع أي شيء من أشجار الحرم ونباتاته، ولا بأس بما ينقطع عند المشي على النحو المعتاد والمتعارف، كما لا بأس بأن يترك الدواب في الحرم لتأكل

ص: 157

من حشيشه.وهناك استثناءات من الحرمة وهي:

1- الإذخر، وهو نبت معروف.

2- النخل وشجر الفاكهة.

3- الأعشاب التي تجعل علوفة للإبل.

4- ما غرسه الشخص بنفسه، أو نما في داره، أو في ملكه دون ما كان موجوداً فيه قبل التملك.

(مسألة – 283) الشجرة التي يكون أصلها في الحرم وفروعها في خارجه، أو بالعكس حكمها حكم الشجرة التي يكون جميعها في الحرم.

(مسألة – 284) كفارة قلع الشجرة أو قطعها قيمة تلك الشجرة، يتصدق بها، وفي قطع بعضها قيمة ذلك البعض، ولا كفارة في قلع الأعشاب وقطعها.

(الثاني) الصيد في الحرم

(مسألة – 285) يحرم الصيد في الحرم على الرجل المحرم والمرأة المحرمة، بل على كل مكلف وإن لم يكن محرماً، لأن ذلك من أحكام الحرم لا من أحكام المحرم، ولهذا لا يحل للمحرم بعد خروجه من الإحرام الصيد الحرمي ما دام هو في الحرم.

وتقدمت أحكامه وكفاراته في أول تروك الإحرام ومحرماته.

(الثالث) إقامة الحد أو القصاص أو التعزير على من جنى

ص: 158

في غير الحرم ثم لجأ إليه، فإنها غير جائزة، ولكن لا يُطعم الجاني ولا يُسقى ولا يُكلم ولا يُبايع ولا يؤوى حتى يضطر إلى الخروج منه فيؤخذ ويعاقب على جنايته.

(الرابع) أخذ لقطة الحرم

على قول والأظهر كراهته كراهة شديدة، وقال جماعة من الفقهاء بحرمة ذلك، فينبغي للحاج إذا وجد مالاً ضائعاً في الحرم أن لا يمدّ يده إليه حتى يعود إليه صاحبه إذا افتقده.وإذا أخذه فلا يجوز له تملّكه ولو عرّف به، بل يجب عليه التعريف وبعد انتهاء أمد التعريف وعدم وجدان المالك يتصدق به ويضمن المال لصاحبه.

محل ذبح الكفارة ومصرفها

تكرر فيما سبق في محرمات الإحرام أن في بعض الحالات يجب على المحرم أن يكفّر بذبح حيوان(1)، وكل من وجبت عليه الكفارة ولم يؤدها اعتُبر آثماً ولكن حجه لا يبطل بذلك ولا ترتبط صحة الحج بأداء الكفارة، فهي على هذا الأساس واجب مستقل ولا يجب الإسراع به، ولا بد أن نوضّح هنا مكان ذبح الحيوان الذي يجب التكفير بذبحه وطريقة التصرف

ص: 159


1- - سؤال: هل يعتبر في شاة الكفارة لأحرام الحج او العمرة شروط الهدي؟ بسمه تعالى: لا تعتبر شرائط الهدي في الكفارة.

فيه بعد ذبحه.أما مكان الذبح فإن كان كفارة لأجل الصيد في العمرة –الأعم من كونه عمرة تمتع أو عمرة مفردة – ذُبح في مكة المكرمة، وإن كان للصيد في إحرام الحج ذُبح في منى.

وإن كان لسبب آخر غير الصيد جاز ذبحها في أي مكان، وأمكن للمكلف تأخيرها إلى حين الرجوع إلى بلده، ويُستثنى من ذلك كفارة التظليل فإن الأحوط وجوباً أن تُذبح في منى إن كان الإحرام للحج، وفي مكة إن كان الإحرام للعمرة. وإذا تعذر عليه التكفير لعدم وجود المستحق في مكة ومنى ونحوه فيمكن تأخير ذبحها إلى حين عودته إلى بلده أو في أي مكان شاء.

أما طريقة التصرف فيجب التصدق بما كان لأجل الصيد، والاحوط التصدق(1) به مهما كان سبب الكفارة وعدم الأكل منه.

كما أن الأحوط وجوباً اشتراط الفقر في من يتصدق بشيء من الكفارة عليه.

ولا يجوز على الأحوط إعطاء جلد الذبيحة للجزار كأجر على ذبحه، ويجوز إعطاؤها له صدقة إن كان أهلاً لها.

ص: 160


1- - سؤال: هل يجوز لمن وجب عليه شيء من كفارات الاحرام ان يأكل منها؟ بسمه تعالى: الاحوط التصدق به مهما كان سبب الكفارة.

وإذا أكل المكلف شيئاً من لحم كفارته فالأحوط وجوباً أن يضمن قيمة ما أكل ويتصدق بتلك القيمة على الفقراء.

مستحبات الدخول في الحرم

(مسألة – 286) يستحب في دخول الحرم أمور:

الأول: النزول من المركوب عند وصوله الحرم والاغتسال لدخوله، وخلع نعليه وأخذهما بيده تواضعاً وخشوعاً لله سبحانه كما في رواية أبان بن تغلب أن الإمام الصادق (عليه السلام) هكذا فعل ثم قال (عليه السلام): (يا أبان، من صنع مثل ما رأيتني صنعت تواضعاً لله محا الله عنه مائة ألف سيئة وكتب له مائة ألف حسنة وبنى الله عز وجل له مائة ألف درجة وقضى له مائة ألف حاجة)(1).

الثاني: بناءً على قول الشيخ الصدوق (رضوان الله عليه) يدعو بهذا الدعاء عند دخول الحرم: (اللهمَّ إنكَ قُلتَ في كتابِكَ، وقولُكَ الحقُّ [وأَذِّنْ في النَاسِ بِالحَجِّ يَأتُوكَ رِجَالاً وَعَلى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِيْنَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ] اللّهمَّ إنّي أرجو أن أكونَ مِمَّنْ أجابَ دَعْوَتَكَ، قدْ جِئتُ مِنْ شُقَّةٍ بَعيدةٍ وفَجٍّ عَميقٍ سَامِعاً لِنِدائِكَ ومُستَجيباً لكَ، مُطِيعاً لأمرِكَ، وكُلُّ ذلكَ بِفَضلِكَ عَليَّ وإحسَانِكَ إليّ، فَلَكَ الحَمدُ على ما وفّقتَني له أَبتَغي بِذلكَ الزُلفةَ عِندكَ، والقُربَةَ إليكَ، والمَنزِلةً لَديكَ، والمَغفِرةَ لِذُنوبِي،

ص: 161


1- الكافي: ج4، صفحة 398.

والتَوبةَ عليّ منها بِمَنِّكَ. اللهمّ صلِّ على مُحمّدٍ وآلِ محمدٍ، وحرِّم بَدَنِي على النَارِ، وآمِنِّي من عَذابِكَ وعِقابِكَ بِرَحمَتِكَ يا أَرحَمَ الراحِمينَ).الثالث:أن يمضغ شيئاً من الإذخر عند دخول الحرم ليطيب به الفم.

مستحبات دخول مكة المكرمة

(مسألة – 287) يستحب لمن أراد أن يدخل مكة المعظمة أن يغتسل قبل دخولها وأن يدخلها بسكينة ووقار، ويستحب لمن جاء من طريق المدينة المنورة أن يدخل من أعلى مكة من عقبة المدنيين ويخرج من أسفلها من عقبة ذي طوى، وفي الحديث الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: (من دخلها بسكينة غفر له ذنبه)(1).

آداب دخول المسجد الحرام

(مسألة – 288) يستحب لمن أراد دخول المسجد الحرام أن يغتسل ويدخل المسجد حافياً على سكينة ووقار وخشوع وأن يكون دخوله من باب بني شيبة، ويقع هذا الباب –على حسب ما يقال- بإزاء باب السلام فعلاً، فالأولى أن يدخل من باب السلام، ويستحب أن يقف على باب المسجد ويقول: (السَّلامُ عليكَ أَيُّها النَبيُّ ورَحمةُ اللهِ وبركاتُه. بِسمِ اللهِ وبِاللهِ، وَمِنَ

ص: 162


1- الكافي: ج4، صفحة 400.

اللهِ، وَما شَاءَ اللهُ، السلامُ على أنبياءِ اللهِ ورُسلِهِ، وَالسلامُ على رسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَالسَلامُ عَلى إبراهيمَ خليلِ اللهِ، والحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ).ثم يدخل المسجد متوجهاً إلى الكعبة رافعاً يديه إلى السماء ويقول: (اللّهمَّ إنِّي أسألُكَ في مَقامِي هذا في أوَّلِ مَناسِكي أنْ تَقْبَلَ تَوبَتي وأَنْ تَتَجاوزَ عن خَطِيئَتِي وَأَنْ تَضَعَ عَنّي وِزْرِي. الحَمدُ للهِ الذي بَلَّغني بيتَهُ الحَرامَ. اللّهمَّ إنّي أُشْهِدُكَ أنَّ هذا بيتُكَ الحرامُ الذي جَعَلتَهُ مَثابَةً للنّاسِ وأمناً مُبارَكاً وهُدىً لِلعالَمينَ. اللّهمَّ إِنَّ العبدَ عَبدُكَ، والبَلدَ بَلَدُكَ والبيتَ بيتُكَ، جِئتُكَ أَطلُبُ رَحمَتَكَ، وأَؤمُّ طَاعَتَكَ، مُطِيعاً لأَمرِكَ، رَاضياً بِقَدرِكَ، أَسأَلُكَ مَسأَلةَ الفَقِيرِ إليكَ، الخائِفِ لِعُقُوبَتِكَ. اللّهمَّ افتَحْ لي أبوابَ رَحمَتِكَ، واستَعْمِلنِي بِطَاعَتِكَ ومَرضَاتِكَ).

ثم يخاطب الكعبة ويقول: (الحَمدُ للهِ الذي عَظَّمكِ وَشَرَّفَكِ وَكَرَّمَكِ وَجَعَلَكِ مَثَابَةً لِلنَاسِ وَأمناً وَمبَاركاً وَهُدىً لِلعَالَمينَ).

وفي رواية أخرى أن يقول عند باب المسجد: (بِسمِ اللهِ وبِاللهِ، وَمِنَ اللهِ وإلى اللهِ، وَما شَاءَ اللهُ وعلى ملّةِ رسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، وخيرُ الأسماءِ للهِ، والحمدُ للهِ، والسَّلامُ على رسولِ اللهِ، السلامُ على محمدِ بنِ عبدِ اللهِ، السلامُ عليكَ أيُّها النَبيُّ ورَحمةُ اللهِ وبركاتُه، السلامُ على أنبياءِ اللهِ ورُسلِهِ، السلامُ على إبراهيمَ خليلِ الرَّحمنِ، السلامُ على المُرسَلينَ

ص: 163

والحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، السلامُ علينا وعلى عِبادِ اللهِ الصَّالحينَ، اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ، وبارِكْ على محمّدٍ وآلِ محمدٍ، وارحَمْ محمداً وآلَ محمّدٍ كما صلَّيتَ وبارَكتَ وتَرَحّمتَ على إبراهيمَ وآلِ إبراهيمَ إنكَ حميدٌ مجيدٌ، اللهمَّ صلّ على محمدٍ عبدِكَ ورَسولِكَ وعلى إبراهيمَ خليلِكَ، وعلى أنبيائِكَ ورُسِلِكَ، وسلِّم عليهِم، وسلامٌ على المُرسَلينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، اللهمَّ افتَحْ لي أبوابَ رَحمَتِكَ، واستَعمِلنِي في طاعتِكَ ومَرضاتِكَ، واحفَظنِي بِحفظِ الإِيمانِ أبَداً ما أبقَيتَني، جلَّ ثَناءُ وَجهِكَ، الحمدُ للهِ الذي جَعَلَنِي مِنْ وَفدِهِ وزُوّارِهِ، وجَعَلَنِي ممَّن يَعمُرُ مَسَاجِدَهُ، وجَعَلَنِي ممّنْ يُناجِيهِ، اللهمَّ إنِّي عَبدُكَ وزَائِرُكَ وفي بيتِكَ، وعلى كل مَأتِيٍّ حَقٌ لِمَنْ أَتاهُ وزَارَهُ، وأَنتَ خيرُ مأتيٍّ وأكرمُ مَزورٍ، فأَسألُكَ يا أللهُ يا رَحمانُ وبِأَنَّكَ أنتَ اللهُ لا إلهَ إلا أنتَ وَحدَكَ لا شَريكَ لكَ، وبأنكَ واحدٌ صَمَدٌ لمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولمْ يَكُنْ له كُفُواً أحدٌ، وأن مُحمَّداً عَبدُكَ ورسُولُك صلَّى اللهُ عليهِ وعلى أهلِ بيتِهِ، يا جوادُ يا ماجِدُ يا جَبَّارُ يا كَريمُ، أسألُكَ أن تَجعَلَ تُحفَتَكَ إيّايَ بِزيارَتِي إيّاكَ أن تُعطِيَنِي فَكاكَ رَقَبَتِي مِنَ النّارِ).ثم يقول ثلاث مرات: (اللّهمَّ فُكَّ رَقَبَتِي مِنَ النّار).

ثم يقول: (وَأوْسِعْ علىَّ منْ رِزقِكَ الحَلالِ الطّيِّبِ، وادرَأْ عَنّي شَياطِينَ الجِنِّ والإِنْسِ، وشَرَّ فَسَقَةِ العَرَبِ وَالعَجَمِ).

وعند محاذاته الحجر الأسود يقول: (أشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شَريكَ لهُ، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسُولهُ، آمنتُ باللهِ، وكَفَرتُ بالجِبتِ والطّاغوتِ وباللاتِ والعُزَّى، وبعِبادَةِ الشّيطانِ وبعبادةِ كُلِّ ندٍّ يُدعى من دونِ اللهِ تعالى).

وقال الشيخ الصدوق عليه الرحمة: ثم انظر إلى الحجر الأسود وتوجه إليه وقل: (الحَمدُ للهِ الذي هَدَانَا لِهَذا وَمَا كُنَّا لِنَهتَديَ لَولا أنْ هَدَانَا اللهُ، سُبْحانَ اللهِ وَالحَمدُ للهِ وَلا إلَهَ إلا اللهُ وَاللهُ أكبَرُ مِنْ خَلقِهِ وَاللهُ أكبَرُ مِمَّا أخشَى وَأَحذَرُ لا إلَهَ إلا اللهُ

ص: 164

وَحدَهُ لا شَرِيكَ لهُ، لهُ المُلكُ وَلهُ الحَمدُ يُحيِي وَيُميتُ ويُميتُ ويُحيِي وَهُوَ حيٌّ لا يَموتُ بِيَدِهِ الخَيرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شيءٍ قَديرٌ. اللهمَّ صَلِّ عَلى مُحمَّدٍ وَآلِ مُحمَّدٍ وَبارِكْ عَلى مُحمَّدٍ وَآلِ مُحمَّدٍ وَتَرَحّمْ عَلَى مُحمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَأفضَلِ مَا صَلَّيتَ وَبَارَكتَ وَتَرَحّمْتَ عَلى إبراهيمَ وَآلِ إبراهيمَ إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ، وسَلامٌ عَلى جَميعِ النَبيِّينَ وَالمُرسَلينَ وَالحمدُ للهِ ربِّ العَالَ-مِينَ، اللهمَّ إنِّي أُؤمنُ بِوَعدِكَ وأُصَدِّقُ رُسُلَكَ وأَتَّبِعُ كِتَابَكَ).وفي رواية صحيحة عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (اللّهمَّ أمَانَتِي أَدَّيتُها، ومِيثاقِي تَعاهَدْتُهُ لِتَشهَدَ لي بالمُوافاةِ، اللّهمَّ تَصدِيقاً بِكِتابِكَ وعلى سُنَّةِ نَبيِّكَ صَلواتُكَ عليهِ وآله، أشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شَريكَ لهُ، وأنَّ محمداً عبدُهُ ورسُولهُ، آمنتُ باللهِ، وكَفَرتُ بالجِبتِ والطّاغوتِ وباللاتِ والعُزَّى، وعِبادَةِ الشّيطانِ وعبادةِ كُلِّ ندٍّ يُدعى من دونِ اللهِ).

ص: 165

فإن لم تستطع أن تقول هذا كله فبعضه وقل: (اللهمَّ إليكَ بَسَطْتُ يدي، وفيما عِندكَ عَظُمَتْ رَغبَتِي، فاقبَل سَبْحَتي، واغفِر لي وارحمنِي، اللهمّ إني أعوذُ بِكَ منَ الكُفرِ والفَقرِ ومواقِفِ الخِزيِ في الدُنيا والآخِرَةِ).

الأمر الثاني: الطواف

اشارة

هذا هو الواجب الثاني من واجبات العمرة بعد الإحرام، والطواف هو الدوران حول الكعبة المشرفة سبع مرات، والدورة الواحدة تسمى شوطاً، وتبدأ الدورة من الخط الموازي للحجر الأسود مراعياً أن يكون البيت في جانبه الأيسر، أي أن دورانه يكون عكس حركة عقرب الساعة.

(مسألة – 289) الطواف من أركان عمرة التمتع، كما هو من أركان العمرة المفردة ومن أركان الحج بأنواعه، إلا طواف النساء وإن كان واجباً إلا أنه ليس من أجزاء العمرة والحج.

(مسألة – 290) من ترك الطواف في عمرة التمتع عمداً وفات وقت تداركه بطلت عمرته، وكذلك في العمرة المفردة وفي أنواع الحج سواء مع العلم بالحكم أو الجهل به أو الجهل بالموضوع، والجاهل في الحج كما تجب عليه الإعادة للحج تجب عليه كفارة بدنة، والأحوط للعالم بالحكم أيضاً أن يكفّر بدنة. وثبوت هذه الكفارة في العمرة من باب الاحتياط.

ووقت فوات الطواف في عمرة التمتع أن لا يدرك مع

ص: 166

الإتيان به وبسائر أعمالها الوقوف بعرفات، ووقت فواته في أنواع الحج إتمام شهر ذي الحجة الحرام.(مسألة – 291) من أبطل عمرة التمتع على أثر التأخير في الطواف فقد قالوا ببطلان إحرامه على أثر عمله هذا وهو غير صحيح، إذ إن إحرامه قد انعقد صحيحاً ولا يتحلل منه إلا بنسك فعليه أن يأتي بعمرة مفردة للإحلال من إحرامه ويعيد الحج في العام القابل، ومضى حكم كفارته في المسائل السابقة.

(مسألة – 292) إذا نسي الطواف فلا تبطل عمرته وحجه ويجب الإتيان به وبصلاته متى تذكره، بل الأحوط وجوباً الإتيان بالسعي أيضاً وإن كان قد أتى به سابقاً. ولو عاد إلى وطنه وأمكنه الرجوع إلى مكة وجب عليه ذلك.

وإذا رجع إلى مكة وقد مضى الشهر الذي أحرم فيه أولاً وجب عليه تجديد الإحرام لدخول مكة. وإن لم يمكنه الرجوع أو كانت عليه مشقة يستنيب من يطمئن به ليطوف ويصلي ركعتيه ويسعى عنه.

ولو جامع أهله بعد تذكره تركه للطواف فكفارته بدنة على الأحوط وجوباً، وكذلك على الأحوط لو جامع أهله قبل التوجه، فإن كان طواف العمرة ينحر البدنة في مكة وإن كان طواف الحج ينحرها في منى.

(مسألة – 293) رعاية جميع شرائط الطواف وأحكامه في المريض الذي يطاف به واجبة بقدر الإمكان.

ص: 167

شرائط الطواف
الأول: النية

بأن يأتي بالطواف مع التوجه والتقرب إلى الله سبحانه وإخلاص النية.(مسألة – 294) لا يعتبر في النية التلفظ ولا إخطار صورة العمل تفصيلاً في القلب، بل يكفي أن يكون الداعي إلى العمل هو امتثال أمر الله تعالى والتقرب إليه المؤثر في وجود العمل، فالطواف وسائر العبادات الصادرة من المكلف مع التوجه والاختيار مثل سائر أفعاله الاختيارية.

الثاني: الطهارة من الحدثين الأكبر والأصغر

الثاني: الطهارة من الحدثين الأكبر والأصغر(1)

والحدث الأكبر هو ما يوجب الغسل كالجنابة والحيض والنفاس ومس الميت، والأصغر ما يوجب الوضوء، فلو طاف المحدث عمداً أو جهلاً أو نسياناً لم يصحّ طوافه.

(مسألة – 295) إذا أحدث المحرم أثناء طوافه فللمسألة

ص: 168


1- - سؤال: إذا أخذ من ماء زمزم المعد للشرب بمقدار الشرب وشرب مقدارا منه فهل يجوز له الوضوء بالمقدار المتبقي؟ بسمه تعالى: إذا كان المقصود بالسؤال مطلق ماء زمزم فانه معد للشرب وغيره، وان قصد به ماء زمزم الموقوف للشرب كالموجود في البرادات فالاحوط الالتزام بشرط الواقف. سؤال: إذا كانت المرأة غير قادرة على الطواف، ودار الأمر بين أن يُطاف بها على سرير خارج المطاف او يحملها غير المحرم على ظهره ويطوف بها داخل المطاف، فماذا تفعل؟ بسمه تعالى: إذا أمكن الثاني تعّين ولا وجه للمصير الى الاول.

صور:الأولى: أن يكون ذلك قبل إتمام الشوط الرابع، ففي هذه الصورة يبطل طوافه وتلزمه إعادته بعد الطهارة، حتى فيما إذا كان صدور الحدث بعد بلوغ النصف على الأظهر.

الثانية: أن يكون الحدث بعد إتمامه الشوط الرابع

ومن دون اختياره، ففي هذه الصورة يقطع طوافه ويتطهر، ويتمه من حيث قطعه.

الثالثة: أن يكون الحدث بعد إتمام الشوط الرابع

مع صدور الحدث منه بالاختيار، والأحوط في هذه الصورة أن يتم طوافه بعد الطهارة من حيث قطع، ثم يعيده.(مسألة – 296) إذا شك في الطهارة قبل الشروع في الطواف، فإن علم أن الحالة السابقة كانت هي الطهارة وكان الشك في صدور الحدث بعدها لم يعتن بالشك، وإلا وجبت عليه الطهارة قبل الطواف.

وإذا شك في الطهارة في الأثناء، فإن كانت الحالة السابقة هي الطهارة فحكمه ما تقدم، وإلا فإن كان الشك قبل تمام الشوط الرابع تطهر ثم استأنف الطواف، وإن كان الشك بعده أتمه بعد تجديد الطهارة.

(مسألة – 297) إذا شك في الطهارة بعد الفراغ من الطواف لم يعتن بالشك، وإن كانت الإعادة أحوط، ولكن تجب الطهارة لصلاة الطواف.

ص: 169

(مسألة – 298) إذا لم يتمكن المكلف من الوضوء لعذر فمع اليأس من زواله يتيمم ويأتي بالطواف، وإذا لم يتمكن من التيمم أيضاً جرى عليه حكم من لم يتمكن من أصل الطواف، فإذا حصل له اليأس من التمكن لزمته الاستنابة للطواف، والأحوط الأولى أن يأتي هو أيضاً بالطواف من غير طهارة.(مسألة – 299) يجب على الحائض والنفساء –بعد انقضاء أيامهما- وعلى المجنب الاغتسال للطواف، ومع تعذر الاغتسال واليأس من التمكن منه يجب الطواف مع التيمم، والأحوط الأولى حينئذٍ الاستنابة أيضاً، ومع تعذر التيمم واليأس من التمكن منه تتعين الاستنابة، وإذا استطاعت استعمال العلاج لقطع دم الحيض ليتسنى لها مباشرة المناسك فهو احوط وأفضل لان المباشرة طاعة لا تفّوت.

(مسألة – 300) إذا حاضت المرأة في عمرة التمتع حين الإحرام أو قبله أو بعده قبل الشروع في الطواف فإن وسع الوقت لأداء أعمالها قبل موعد الحج صبرت إلى أن تطهر فتغتسل وتأتي بأعمالها، وإن لم يسع الوقت لذلك فللمسألة صورتان:

الأولى: أن يكون حيضها حين إحرامها أو قبل أن تحرم، ففي هذه الصورة ينقلب حجها إلى الإفراد، وبعد الفراغ من الحج تجب عليها العمرة المفردة إذا تمكنت منها.

الثانية: أن يكون حيضها بعد الإحرام، ففي هذه الصورة

ص: 170

الأحوط أن تعدل إلى حج الإفراد أيضاً كما في الصورة الأولى، وإن كان الظاهر أنه يجوز لها الإبقاء على عمرتها من دون الطواف وصلاته، فتسعى وتقصّر ثم تحرم للحج، وبعدما ترجع إلى مكة بعد الفراغ من أعمال منى تقضي طواف العمرة وصلاته قبل طواف الحج.وإذا تيقنت المرأة ببقاء حيضها وعدم تمكنها من الطواف حتى بعد رجوعها من منى، ولو لعدم صبر الرفقة، استنابت لطوافها وصلاته، ثم أتت بالسعي بنفسها.

(مسألة – 301) إذا حاضت المحرمة أثناء طوافها فإن كان طروء الحيض قبل تمام الشوط الرابع بطل طوافها وكان حكمها ما تقدم في المسالة السابقة، وإذا كان بعده صح ما أتت به، ووجب عليها إتمامه بعد الطهر والاغتسال والأحوط الأولى إعادته بعد الإتمام أيضاً.

هذا فيما إذا وسع الوقت، وإلا سعت وقصرت وأحرمت للحج، ولزمها الإتيان بقضاء ما بقي من طوافها بعد الرجوع من منى وقبل طواف الحج على النحو الذي ذكرناه.

(مسألة – 302) إذا حاضت المرأة بعد الفراغ من الطواف وقبل الإتيان بصلاة الطواف، صح طوافها وأتت بالصلاة بعد طهرها واغتسالها، وإن ضاق الوقت سعت وقصرت وقضت الصلاة قبل طواف الحج.

(مسألة – 303) إذا طافت المرأة وصلت ثم شعرت

ص: 171

بالحيض ولم تدر أنه حدث قبل الطواف أو في أثنائه، أو قبل الصلاة أو في أثنائها أو أنه حدث بعد الصلاة بنت على صحة الطواف والصلاة. وإذا علمت أن حدوثه كان قبل الصلاة أو في أثنائها جرى عليها ما تقدم في المسألة السابقة.(مسألة – 304) إذا أخرت المحرمة لعمرة التمتع الطواف وسائر الأعمال عمداً وبلا عذر إلى أن حاضت وضاق وقتها ففي هذه الصورة ينقلب حجها إلى الإفراد على الأحوط وجوباً، والأحوط أن تجدد الإحرام أيضاً وبعد الفراغ من الحج تأتي بعمرة مفردة، ولكن مع هذه الحالة في كفاية حجها عن حجة الإسلام إشكال فعليها إعادة الحج من قابل.

(مسألة – 305) يستحب الطواف مؤكداً والإكثار منه عن نفسه وعن غيره، ولا يشترط في الطواف المستحب الطهارة من الحدث الأصغر وإن اشترط الوضوء لصلاة الطواف، ولا يجوز للجنب والحائض والنفساء دخول المسجد الحرام ولو عصى أو غفل أو نسي ودخل المسجد وطاف استحباباً ففي صحة طوافه إشكال.

(مسألة – 306) من كان معذوراً من الوضوء أو الغسل الكامل كمن وظيفته وضوء أو غسل الجبيرة أو المسلوس أو المبطون يعمل لكل من الطواف وصلاته كما يعمله للصلاة الواجبة، والأحوط للمبطون الطواف بنفسه وبالاستنابة،

ص: 172

والمستحاضة(1) وإن كان الأقوى جواز دخولها المسجد الحرام بدون الغسل أو الوضوء ولكن تعمل لكل من الطواف وصلاته كما تعمل لصلاتها اليومية.

الثالث: طهارة البدن واللباس من الخبث

الثالث: طهارة البدن واللباس من الخبث(2)

أي النجاسات على المشهور بين الأصحاب والدليل عليه غير ظاهر وإن كان الأحوط اعتبارها، نعم تعتبر الطهارة من النجاسة في صلاته فلا تصح بدونها، إلا إذا كان مما يعفى عنه في الصلاة كالدم إذا كان أقل من الدرهم، أو كان من القروح أو الجروح شريطة أن تكون في إزالته مشقة نوعيّة.(مسألة – 307) إذا صلى ثم علم أن بدنه أو شيئاً من ملابسه كان نجساً في أثناء الصلاة صحت صلاته، ولا إعادة عليه، نعم إذا كان عالماً بوجود نجاسة في بدنه أو ثوبه ثم نسي

ص: 173


1- - سؤال: ما هي وظيفة المحتاطة بالجمع بين تروك الحائض واعمال المستحاضة في الطواف وصلاته؟ بسمه تعالى: عليها عرض المورد على الفقيه فلعله يحسم الامر على اي من النحوين او يرجعها الى من يجزم بذلك، اذ ليس كل موارد الاحتياط الوجوبي من نمط واحد.
2- - سؤال: إذا جُرح اثناء الطواف واستمر الدم ينزف عدة ساعات فهل يجوز له الطواف على هذا الحال باعتبار ان هذا الدم مما يشق عليه الاجتناب عنه أو يلزمه الصبر إلى حين انقطاعه؟ بسمه تعالى: أمر الطواف موسع فيقطع الطواف ويأتي به عندما ينقطع الدم ويتطهر منه.

ذلك وصلى وتذكر بعد الصلاة فالأحوط والأجدر به وجوباً إعادتها مرة ثانية.(مسألة – 308) المشهور أن من اشتغل بالطواف وأصابت بدنه أو ثوبه نجاسة، أو علم أن بدنه وثوبه نجس فإن كان قبل إتمام الشوط الرابع قطع الطواف، وطهر الموضع المتنجس وكفاه أن يستأنف طوافاً جديداً، وإن كان بعد إكمال الشوط الرابع قطع وطهر وكان له أن يحتسب ما مضى، ويقتصر على تكميله، نعم إذا كانت النجاسة في ثوبه فقط، وأمكنه تبديله في نفس المطاف بدون حاجة إلى قطع الطواف كان له ذلك، ويواصل طوافه ولكنه لا دليل عليه، لذا فإنه على تقدير تسليم اعتبار الطهارة من النجاسة في صحة الطواف – إذ لا دليل على هذا التفصيل- فالأظهر أنه على كلا التقديرين يجوز له أن يحتسب ما مضى ويكتفي بتكميله شريطة أن تكون فترة خروجه للتطهير قليلة لا تخل بالموالاة عرفاً.

الرابع: الختان للمحرم من الرجال دون النساء

كما أن الأظهر اعتباره في الصبي المميز أيضاً شريطة أن يحرم بنفسه ومباشرة، وأن يطوف كذلك، ولا يعتبر في الصبي غير المميز إذا كان إحرامه من وليه.(مسألة – 309) من طاف حول البيت وهو غير مختون كان كتارك الطواف فيبطل حجه، وإذا استطاع المكلف وهو غير مختون فلذلك صور:

ص: 174

الأولى: أن يكون متمكناً من الختان والحج معاً في سنة الاستطاعة، ففي هذه الصورة يجب عليه الحج، ولا يجوز له تأخيره.الثانية: أن يكون متمكناً من الختان، ولكن لا يتمكن من الحج في هذه السنة فيؤجل الحج إلى السنة الأخرى.

الثالثة: أن لا يتمكن من الختان أصلاً لضرر أو حرج أو غير ذلك، ففي هذه الصورة يجب عليه الحج ويطوف بنفسه في عمرته وحجه، ويستنيب أيضاً من يطوف عنه ويصلي هو صلاة الطواف بعد طواف النائب.

الخامس: ستر العورة على الطائف

–رجلاً كان أم امرأة(1)- فإن كان رجلاً فعليه أن يستر عورتيه، وإن كان امرأة فعليها أن تستر كامل جسمها عدا الوجه والكفين على نحو ما اشترط في الصلاة.

واجبات الطواف

(مسألة – 310) الطواف كما مرّ، هو السير حول الكعبة الشريفة وتعتبر فيه أمور:

الأول: النية

ونريد بها أن تتوفر فيها العناصر التالية:

ص: 175


1- - سؤال: إذا ظهر بعض محاسن المرأة - كشعرها - في أثناء الطواف فما هو حكم طوافها؟ بسمه تعالى: تستره فور التفاتها إليه ولا شيء عليها.

1- قصد القربة، 2- قصد الإخلاص، 3- قصد الاسم الخاص المميز له شرعاً.

وصورتها أن ينوي ويقصد بلفظ أو بدونه مثلاً: (أطوف حول البيت سبعة أشواط لعمرة التمتع، أو لحج التمتع من حجة الإسلام، أو لعمرة مفردة، أو حج الإفراد من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى خالصاً لوجهه الكريم). وإن كان الحج مستحباً أسقط كلمة (حجة الإسلام) وإن كان منذوراً بدّل كلمة (المستحب) بكلمة (المنذور)، وإن كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، ولا يجب التلفظ بالنية، بل يكفي وجودها في القلب، ويعتبر أن تكون النية بتمام عناصرها مقارنة للطواف بتمام أشواطه من الابتداء إلى الانتهاء، وهذا ليس بمعنى أن لا تتقدم عليه، بل بمعنى أن لا تتأخر عن أول جزء من أجزائه، كما أن المراد من المقارنة ليس بمعنى أنه يجب أن يكون الطائف منتبهاً إلى نيته انتباهاً كاملاً كما كان في اللحظة الأولى، بل بمعنى أنه إذا نوى وبدأ بالطواف، ثم ذهل عن نيته وواصل طوافه على هذه الحالة من الذهول صح شريطة أن تكون النية كامنة في أعماق نفسه على نحو لو سأله سائل ماذا تفعل لانتبه فوراً إلى أنه يطوف قربة إلى الله تعالى.

الثاني: كون الطائف خارج الكعبة

ورخامها المبني في أسفل حائطها لدعم بنيانها المسمى بشاذروان، فإذا تجاوز الطائف مطافه، ودخل الكعبة بطل طوافه ولزمته الإعادة،

ص: 176

وكذلك إذا تجاوز إلى الشاذروان.

الثالث: الابتداء من الحجر الأسود

الموضوع في أحد أركان البيت، بأن يقف إلى جانب الحجر محاذياً له قريباً منه أو بعيداً، والأحوط والأجدر به أن يتأخر عنه قليلاً لكي يعلم بأن تمام بدنه يمر على تمام الحجر ناوياً أن يبدأ طوافه من النقطة التي تتحقق فيها المحاذاة بينه وبين الحجر.

الرابع: أن ينتهي في كل شوط بالحجر الأسود

الذي بدأ منه، ويحتاط في الشوط الأخير بتجاوز الحجر بقليل ناوياً بذلك التأكد من إكمال سبعة أشواط.

الخامس: أن يجعل الكعبة عند طوافه حولها على يساره

في جميع أحوال الطواف، فإذا استقبل الطائف الكعبة لتقبيل الأركان أو لغيره، أو ألجأه الزحام إلى استقبال الكعبة أو استدبارها، أو جعلها على اليمين، فذلك المقدار لا يعد من الطواف، فيعيد من حيث انحرف، والمقصود من وضع الكعبة على اليسار تحديد وجهة سير الطائف أي أن حركته الدائرية تكون عكس حركة عقرب الساعة، ولا يجب عليه أن ينحرف كتفه الأيسر عند مروره بالأركان لكي يكون محاذياً لبناء الكعبة، فإن هذه التدقيقات غير واجبة شرعاً.

السادس: الطواف حول حجر إسماعيل

بمعنى إدخاله في المطاف، فلا يجوز جعل الطواف بينه وبين الكعبة، فإذا دخل الطائف حجر إسماعيل بطل الشوط الذي وقع فيه، فلا بد من

ص: 177

إعادته، ولا يبطل أصل الطواف، وإن كان دخوله فيه عامداً وملتفتاً إلى الحكم الشرعي، هذا مع بقاء الموالاة عرفاً، وأما مع فوتها فيبطل أصل الطواف، وعليه استئنافه من جديد.(1)

السابع: أن يكون الطواف بخطواته المختارة

فلو حملته كثرة الزحام على نحو ارتفعت رجلاه من الأرض لم يكفِ، وإذا اتفق له ذلك وجب عليه أن يلغي تلك المسافة التي انتقل فيها محمولاً لا مشياً على الأقدام، ويعود إلى المكان الذي حملته كثرة الزحام، ويواصل طوافه منه، وإذا تعذّر الرجوع عليه كذلك فبإمكانه أن يسير حول البيت في اتجاهه بدون أن يقصد الطواف إلى أن يصل إلى ذلك المكان، فيقصد الطواف، كما أن بإمكانه أن يخرج من المطاف ويلغي ما أتى به، ويستأنف طوافاً جديداً، وإذا ألجأته كثرة الزحام على المشي بخطواته على أرض المطاف، واضطراره إليه كذلك، ولا يتمكن من الوقوف في الأثناء، وإلا لحملته كثرة الزحام فإن هذا كافٍ.

الثامن: أن يطوف حول البيت سبع مرات متواليات

عرفاً، ولا يجزئ الأقل من ذلك، ويسمى كل واحد من السبع بالشوط، فالطواف مركب من سبعة أشواط.

ص: 178


1- - سؤال: هل يجوز لمس الكعبة المعظمة أو حائط حجر إسماعيل (ع) حال الطواف الواجب؟ بسمه تعالى: لا بأس بذلك ما لم يكن منافياً لشرط اتجاه الحركة الذي ذكرناه.

التاسع: اعتبر المشهور في الطواف أن يكون بين الكعبة ومقام

إبراهيم، ويقدّر هذا الفاصل بستة وعشرين ذراعاً ونصف الذراع، وبما أن حجر إسماعيل داخل في المطاف فمحل الطواف من الحجر لا يتجاوز ستة أذرع ونصف الذراع، ولكن هذا الوجوب غير أكيد، والظاهر كفاية الطواف في مساحة أكبر من تلك المساحة، والمعيار في تحديدها إنما هو بصدق الطواف حول الكعبة الشريفة عرفاً وإن كان من خلف المقام.(1)

ص: 179


1- - سؤال: هل لخلف المقام مقام إبراهيم(عليه السلام) حدّ معين؟ بسمه تعالى: ليس له حد معين، والمهم تحقق العنوان، وهو قد يتّسع إذا كان المطاف مزدحماً والصلاة متصلة. سؤال: هل يشترط في جواز الطواف خلف المقام اتصال الطائفين إلى الكعبة؟ بسمه تعالى: نعم من أجل تحقق عنوان الطواف حول الكعبة. سؤال: لو ضاق الفضاء الذي يؤدى به صلاة الطواف (خلف مقام ابراهيم (عليه السلام) بحيث لا يستطيع الحاج أن يحافظ على الموالاة العرفية فهل يجوز له الصلاة خارج هذا الفضاء أم عليه الانتظار لتحصيل المكان المناسب وإن فاتت الموالاة العرفية؟ بسمه تعالى: يراعى الحدّين معاً – أي الموالاة وكون الصلاة عند مقام إبراهيم (عليه السلام) - ويصلي، فيتوسع في مكان الصلاة يميناً وشمالاً عن الخط النازل من مقام إبراهيم (عليه السلام) لكن لا يصل إلى حدّ القطع بالخروج عن صدق العنوان ويتوسّع في مقدار الموالاة بعد الطواف للضرورة بحيث لا يصل إلى درجة القطع بعدم الموالاة، وهذه المعاني وجدانية وعرفية وليس لها حد دقيق.

وقد تسال – عن حكم القران بين الطوافين في طواف الفريضة؟والجواب: القران بين طوافين في طواف الفريضة بأن يطوف سبعة أشواط ويلحقها بسبعة أخرى كطواف ثانٍ مؤجلاً ركعتي الطواف إلى ما بعد الطوافين مبطل للطواف الأول على الأظهر. نعم لا بأس به في الطواف المستحب.

(مسألة – 311) ينبغي للطائف أن يكون حافظاً لعدد الأشواط، لأن بعض صور الشك في عددها مبطل للطواف كما سيأتي بإذن الله تعالى، ويكفي في ضبط الطائف لعدد أشواط طوافه أن يكون واثقاً ومطمئناً به، ولو بالاتكال على ضبط غيره الذي يشاركه في الطواف شريطة أن يحصل له الوثوق والاطمئنان بصحة إحصائه وضبطه ولا يكفي الظن.

أحكام حالات الخروج من المطاف

وفيه مسائل:

(مسألة – 312) إذا خرج الطائف من المطاف فدخل الكعبة بطل طوافه، وعليه إعادته من جديد، والأحوط لمن تجاوز نصف عدد الأشواط أن ينوي بالطواف الجديد الأعم من تتمة المقطوع ومن طواف مستأنف جديد.

(مسألة – 313) يجوز للطائف أن يخرج من المطاف للوضوء إذا أحدث أثناء الطواف، فإذا خرج وتوضأ ثم عاد فعليه أن يتم طوافه إذا كان قد تجاوز النصف ولم تفتْ به الموالاة عرفاً، وإلا

ص: 180

بطل، وعليه إعادته من جديد.(مسألة – 314) إذا تنجس بدنه أو ثوبه أثناء الطواف جاز له الخروج لتطهير بدنه أو ثوبه – بناءً على وجوبه كما هو المشهور-، فإذا رجع فإن فاتت الموالاة فعليه أن يستأنف طوافاً جديداً، وإن لم تفت الموالاة فالأحوط والأجدر به وجوباً أن يأتي بطواف كامل بقصد الأعم من التكميل والاستئناف حسب ما هو المطلوب منه واقعاً.

ولو حاضت المرأة أثناء طوافها وجب عليها قطعه والخروج من المسجد فوراً، وقد مرّ حكم ذلك.

(مسألة – 315) إذا عرض على الطائف مرض مفاجئ كالصداع في الرأس أو الوجع في البطن أو غيره فله صور:

الأولى: أن يرتفع مرضه ويستعيد صحته بعد الخروج منه بفترة زمنية قصيرة لم تختل بها الموالاة عرفاً، ففي هذه الصورة تكون وظيفته أن يكمل ما نقص من طوافه، ولا شيء عليه.

الثانية: نفس الصورة السابقة ولكن كان زوال العلة يتطلب يوماً أو يومين بحيث تختل بها الموالاة عرفاً، ففي هذه الصورة إذا كان قد تجاوز نصف عدد الأشواط فيمكنه استنابة غيره لإكمال الباقي، وإن لم يتجاوز النصف انتظر إلى أن يزول العارض الصحي ويعيد طوافه من جديد.

الثالثة: إذا لم يرتفع مرضه إلى أن ضاق الوقت، ولم يتمكن من تكميل النقص، فوظيفته أن يستنيب من يأتي بطواف

ص: 181

جديد كامل، وإذا كان قد تجاوز النصف حين أصابه المرض فليقصد النائب الأعم من التكميل والاستئناف.(مسألة – 316) يجوز للطائف أن يخرج من المطاف لعيادة مريض أو تشييع جنازة، أو لقضاء حاجة لنفسه أو لمؤمن، وحينئذٍ فإن طالت مدة الخروج وفاتت الموالاة أو لم يبلغ النصف بطل طوافه إذا كان فريضة، وعليه إعادته من جديد، وإن لم تفت الموالاة وكان قد تجاوز النصف لم يبطل طوافه فوظيفته عندئذٍ التكميل.

(مسألة – 317) يجوز قطع الطواف أي رفع اليد عنه والغاؤه واستئناف طواف جديد في النافلة عمداً، وكذا يجوز قطع طواف الفريضة لحاجة أو ضرورة، بل مطلقاً على الأظهر، لكن عليه حينئذ إذا اراد الاعادة ان ينتظر مدة يبطل معها الطواف لفقدان الموالاة ونحو ذلك. (1)

ص: 182


1- – سؤال: ما حكم من قطع الطواف لصلاة الفريضة؟ بسمه تعالى: لو حان وقت الصلاة اثناء الطواف جاز له اداؤها ثم يتم الطواف من محل القطع مطلقا بلا فرق بين بلوغه النصف وعدمه وعليه ان لا يأتي بالمنافي خلال القطع. سؤال: إذا قامت الجماعة أثناء الطواف ولم يكن وقتاً للفريضة للطائف كالعصر والعشاء أو أنها أديت من قبل فما الحكم؟ بسمه تعالى: إذا لم يكن القطع معتدا به فلا مانع منه لجواز الاستراحة خلال الطواف فليكن هذا القطع منها. سؤال: إذا انتهى من طوافه واقيمت الجماعة ولم يشارك فيها فهل يضر هذا الفصل بين الطواف وصلاته؟ بسمه تعالى: يجوز ذلك على ان لا يضر الفصل الزماني بصدق الموالاة عرفاً. سؤال: لو قطع عليه الطواف في وقت ليس وقت صلاة كصلاة العصر فهل يكفي ان يصلي معهم صلاة مستحبة أو صلاة قضائية للبناء على الطواف من حيث قطعه؟ بسمه تعالى: نفس جواب السؤال السابق.

(مسألة – 318) خروج الطائف من المطاف عامداً وملتفتاً وبدون عذر مسوّغ جائز ولكنه مبطل للطواف وإن لم تفت به الموالاة عرفاً، والأحوط له إذا تجاوز النصف أن ينوي بالطواف الجديد الأعم من التكميل ومن كونه طوافاً مستأنفاً.(مسألة – 319) إذا خرج نسياناً وبتخيل أنه أكمل الطواف، ثم تذكر النقص، فإن كان الفاصل الزمني غير مخلّ بالموالاة رجع وأكمل بقية الأشواط بلا فرق بين كون عدد الأشواط المنسية أكثر من النصف أو أقل، وله أن يأتي بطواف كامل سبعة أشواط بنية الأعم من الإكمال واستئناف طواف جديد.

وعلى جميع التقادير إن كان قد عاد إلى وطنه ولا يمكنه الرجوع إلى مكة استناب من يطوف عنه.

(مسألة – 320) إن الطواف إذا كان مستحباً لم يبطل بقطع الطائف له عامداً وملتفتاً وخروجه من المطاف، فإذا قطع وخرج عن المطاف ثم رجع وبنى على ما أتى به فيكمله، صحّ طوافه.

ص: 183

(مسألة – 321) يجوز الجلوس للطائف أثناء الطواف في المطاف للاستراحة أو لسبب آخر، شريطة أن لا تكون فترة الجلوس بمقدار يضرّ بالموالاة، وإلا بطل طوافه.

النقصان في الطواف

(مسألة – 322) إذا نقص الطائف من طوافه عامداً وملتفتاً إلى الحكم الشرعي، فإن فاتت الموالاة بطل طوافه، وعليه استئنافه من جديد، وإن لم تفت الموالاة فإن كان لا يزال هو في المطاف جاز له أن يكمل النقص ويكتفي به ولا شيء عليه، وإن كان قد خرج من المطاف كفاه أن يستأنف طوافاً جديداً.

(مسألة – 323) إذا نقص من طوافه سهواً فلذلك صور:

الأولى: أن يتذكر ذلك قبل خروجه من المطاف، وبعد برهة قصيرة لم تختل بها الموالاة، ففي هذه الصورة يأتي بالباقي ويصح طوافه.

الثانية: أن يتذكر بعد خروجه من المطاف أو بعد فوات الموالاة، فحينئذٍ إن كان النقص شوطاً واحداً أتى به وصحّ، وإن لم يتمكن من الإتيان به مباشرة لسبب من الأسباب، ولو من أجل أن تذكره كان بعد الرجوع إلى بلده استناب غيره، وإن كان الناقص أكثر من شوط واحد وأقل من أربعة أشواط رجع وأكمل ما نقص مباشرة إن أمكن، وإلا فبالاستنابة، وإن كان الأحوط فيه وفيما إذا كان الناقص أربعة أشواط أو أكثر الإتيان

ص: 184

بطواف كامل بقصد الأعم من التكميل والاستئناف حسب ما هو المطلوب منه واقعاً.

الزيادة في الطواف
للزيادة في الطواف خمس صور:

الأولى: أن لا يقصد الطائف جزئية الزائد للطواف الذي بيده أو لطواف آخر، كما لو قصد الإتيان بشوط آخر بعد الأشواط السبعة بتوهم استحبابه مثلاً، ففي هذه الصورة لا يبطل الطواف بالزيادة.

الثانية: أن يقصد حين شروعه في الطواف الإتيان بالزائد على أن يكون جزءاً من طوافه الذي بيده، ولا إشكال في بطلان طوافه حينئذٍ ولزوم إعادته، وكذا لو بدا له القصد المذكور في الأثناء وأتى بالزائد، وإلا ففي بطلان الأشواط السابقة على قصد الزيادة إشكال.

الثالثة: أن يأتي بالزائد على أن يكون جزءاً من طوافه الذي فرغ منه قبل فوات الموالاة العرفية، بمعنى أن يكون قصد الجزئية بعد فراغه من الطواف، والأظهر في هذه الصورة أيضاً البطلان.

الرابعة: أن يقصد جزئية الزائد لطواف آخر ويتمّ الطواف الثاني، والزيادة في هذه الصورة غير متحققة، فلا بطلان من جهتها.

نعم، قد يبطل من جهة القِران (أي التتابع بين طوافين بلا فصل بينهما بصلاة الطواف) لأنه غير جائز بين فريضتين، بل

ص: 185

وكذا بين فريضة ونافلة، وأما القران بين نافلتين فلا بأس به وإن كان مكروهاً.الخامسة: أن يقصد حين شروعه في الطواف الإتيان بالزائد على أن يكون جزءاً من طواف آخر، ثم لا يتم الطواف الثاني أو لا يأتي بشيء منه أصلاً، وفي هذه الصورة لا زيادة ولا قران، إلا أنه مع ذلك قد يبطل الطواف لعدم تأتّي قصد القربة، كما إذا كان قاصداً للقران المحرّم مع علمه ببطلان الطواف به، فإنه لا يتحقق قصد القربة حينئذٍ وإن لم يتحقق القران خارجاً من باب الاتفاق.

(مسألة – 324) إذا زاد على الأشواط السبعة عن سهو وغفلة، فإن كانت الزيادة أقل من الشوط قطعه والمشهور وهو الأقوى صحة طوافه. وإن كانت الزيادة شوطاً أو أكثر فالأحوط إدامة الطواف حتى يتم أربعة عشر شوطاً بقصد القربة المطلقة (بمعنى التقرب إلى الله تعالى دون قصد الوجوب أو الاستحباب) ولا يصدق عليه حينئذٍ القران الممنوع لأنه لم يقصده وإنما أتى بالتكملة تطبيقاً للحكم الشرعي، وبعد الفراغ من الطواف يأتي بركعتين بقصد الطواف الواجب بدون تعيين للطواف الأول أو الثاني ثم يأتي بركعتين أُخريين للطواف بعد الفراغ من السعي.

الشك في عدد الأشواط

الشك في عدد الأشواط ما دام يتضمن احتمال النقص عن

ص: 186

كمال السبعة فهو مبطل للطواف، وعليه استئنافه من جديد ويستثنى من الحكم بالبطلان الصور التالية:الأولى: أن يكون الشك في العدد بعد الفراغ من الطواف والتجاوز عنه بالدخول في صلاة الطواف –مثلاً- فلا أثر للشك فيه حينئذٍ.

الثانية: أن يكون قد أكمل الأشواط جميعاً، وكان الشك بعد إكمالها في أنها سبعة تماماً أو أكثر، مع عدم احتمال النقصان فيه فإن طوافه صحيح ولا يعتني بشكه وإن لم يدخل بعد في صلاة الطواف، بل وإن لم يخرج من المطاف أيضاً.

الثالثة: أن يكون الشك في عدد الأشواط في طواف مندوب فإنه يبني على الأقل ويكمل، ويصح طوافه.

فالشك في عدد أشواط الطواف فيما عدا هذه الصور الثلاث مبطل، سواء أكان بين السادس والسابع والثامن، أم بين السادس والثامن، أو السادس والسابع، أو ما دون ذلك، نعم إذا شك بين السادس والسابع وبنى على السادس جهلاً منه بالحكم وأتم طوافه، فإن علم بالحال في الوقت وجب عليه استئناف الطواف من جديد، وإن استمر جهله إلى أن فاته وقت التدارك، فلا تبعد صحة طوافه.

أحكام الطواف

(مسألة – 325) إذا ترك الشخص الطواف فلذلك صور:

ص: 187

الأولى: أن يترك الطواف في عمرة التمتع عامداً وملتفتاً إلى وجوبه، ولو من أجل الخوف من الزحام وكثرة الناس في المطاف فلا يكون معذوراً، ولا يصح منه السعي بين الصفا والمروة وما بعده من الأعمال لو ترك الطواف متعمداً وتوجه إلى السعي، بل يجب عليه أن يطوف ثم يسعى ثم يقصّر حسب تسلسل أعمال العمرة ما دام في الوقت متسع، وأما إذا لم يكن الوقت متسعاً لذلك ولإدراك الوقوف بعرفات تبطل عمرته وعليه كفارة بدنة على الأحوط.الثانية: أن يتركه جاهلاً بالحكم وبأنه واجب والحكم في هذه الصورة كما تقدم في الصورة الأولى.

الثالثة: أن يترك طواف الحج فإن كان ذلك عن عمد وعلم بالحكم ولم يتدارك حتى انتهى الوقت بانتهاء شهر ذي الحجة، بطل حجه، وكذا إن كان تركه الطواف عن جهل بالوجوب ولم يتدارك إلى أن ينتهي الوقت وعليه كفارة بدنة.

الرابعة: إن ترك الطواف نسياناً أو غفلة لا يوجب بطلانه، بدون فرق بين طواف العمرة وطواف الحج وعلى هذا فإذا كان المنسي طواف العمرة، فإن تذكر في وقت يتمكن من الإتيان به في ذلك الوقت بدون أن يفوت منه الوقوف بعرفات وجب عليه ذلك، وإلا فعليه أن يقضيه بعد أعمال منى، وإذا كان طواف الحج فإن تذكر قبل الخروج من مكة وجب عليه الإتيان به، وإن تذكر بعد الرجوع إلى بلدته فله أن ينيب غيره للطواف عنه.

ص: 188

الخامسة: إذا ترك بعض أشواط الطواف نسياناً، وتذكره في أثناء السعي فعليه أن يرجع إلى المطاف ويكمل طوافه ثم يعود إلى المسعى ويتم سعيه، وإذا بدأ بالسعي ناسياً لطوافه ثم تذكر فعليه أن يقطع سعيه ويرجع ويطوف حول البيت، ويصلي ركعتيه ثم يعود ويستأنف السعي من جديد، نعم إذا تذكّر بعد الفراغ من السعي أنه لم يأتِ بالطواف، وجب عليه أن يأتي بالطواف وصلاته ولا تجب إعادة السعي وان كانت احوط.السادسة: إذا استمتع الناسي للطواف بأهله جماعاً، فعليه هدي، وحينئذٍ فإذا تذكر فإن كان تذكره بعد الرجوع إلى بلدته وكان الطواف المنسي طواف الحج فالاحوط استحباباً أن يبعث بهديه إلى منى ويذبح هناك إن وُجِد المستحق، وإن كان طواف العمرة بعث بهديه إلى مكة ويذبح فيها، وإذا تذكر وهو في مكة المكرمة يذبح الهدي في منى إن كان في الحج، وفي مكة إن كان في العمرة.

السابعة: إذا تذكر الناسي للطواف وهو في بلدته فحينئذٍ إذا رجع إلى مكة للإتيان به بنفسه ومباشرةً، فإن كان في شهر إحرامه – كالحاج في شهر ذي الحجة - دخل مكة بدون إحرام، ويأتي بالطواف حول البيت ولا شيء عليه، وإن كان في شهر آخر لم يجز له الدخول فيها بدون إحرام من أحد المواقيت

ص: 189

للعمرة المفردة(1) فإذا أحرم لها ودخل في مكة أتى بالعمرة المفردة كاملة، ثم بالطواف قضاءً أو بالعكس ولا يجب عليه الإحرام للطواف المنسي فقط، فإذا تذكّر بعد شهر ذي الحجة وهو في مكة لم يجب عليه أن يرجع إلى أحد المواقيت والإحرام منه لقضاء ذلك الطواف، وأما إذا استناب من يطوف عنه فعلى النائب أن يحرم من أحد المواقيت للعمرة المفردة لا للطواف الذي ناب فيه وإن كان دخوله في شهر ذي الحجة، شريطة أن لا يكون من الذين رجعوا عن الحج في نفس السنة.الثامنة: أنه إذا دخل في مكة في آخر يوم من ذي الحجة، ولكنه لا يتمكن من الإتيان بالطواف إلا في أول شهر محرم فلا يجب عليه أن يحرم حينما يدخل مكة.

التاسعة: من نسي بعض أشواط الطواف دون الكل وتذكر بعد الرجوع إلى بلده فإنه يجب عليه تداركه حتى بعد شهر ذي الحجة بنفسه أو بنائبه، وإن كان الأولى والأجدر أن يأتي بطواف كامل بقصد الأعم من التكميل والاستئناف حسب ما هو المطلوب منه واقعاً.

العاشرة: إنه ليس لقضاء الطواف المنسي أو بعض أشواطه وقت محدد شرعاً، فمتى تذكر وتمكن منه مباشرةً أو استنابةً وجب.

ص: 190


1- ولا تنطبق عليه المسألة 137 في خروج المعتمر أثناء عمرته، لأن الموضوع هنا من أتم عمرته لكنها كانت ناقصة.

(مسألة – 326) لا يحل لناسي الطواف ما كان حله متوقفاً عليه، كالطيب ما دام لم يأتِ به، فإذا أتى به حلّ سواء أكان بنفسه أو كان بنائبه، وكذلك إذا كان الحكم لو كان ناسياً لبعض أشواط الطواف، فلا يحل له الطيب إلا بعد تكميل النقص.(مسألة – 327) إذا لم يتمكن المحرم من الطواف بنفسه لمرض أو كسر أو غير ذلك، ففي هذه الحالة إن تمكن من الطواف بالاستعانة بالغير ولو بأن يطوف محمولاً على متن إنسان وجب عليه ذلك، ولا يصل الدور إلى الاستنابة، وإن لم يتمكن من ذلك أيضاً كفاه أن يستنيب شخصاً يطوف عنه، وأما بالنسبة إلى ركعتي الطواف فإن كان قادراً على إتيانهما مباشرة فعليه أن يأتي بهما بعد طواف النائب كذلك، وإلا فعلى النائب أن يأتي بهما نيابة عنه(1).

(مسألة – 328) إذا حمل المريض أو الصبي ليطوف به يمكن له قصد الطواف لنفسه أيضاً وصحّ الطوافان.

ص: 191


1- - سؤال: ما حكم من يطوف او يسعى بعض الاشواط على رجليه ثم يكمل باقي الاشواط بالعربة؟ بسمه تعالى: يصح طوافه وسعيه راكبا في العربة مع تحقق القصد منه ونسبة الفعل إليه ولكن المشي أفضل. سؤال: هل يجوز في حال الاختيار الطواف ركوباً على العربة أو الدراجة أو السرير أو لا؟ بسمه تعالى: لا بأس به لكن بشرط نسبة الفعل إليه أما إذا نسب إلى غيره كالمحمول بمحفّة فلا.

(مسألة – 329) لا يشترط حال الطواف أن يكون وجه الطائف إلى الأمام فقط بل يجوز له النظر إلى جهة اليمين أو اليسار وحتى إلى الوراء أو يدير بوجهه إلى طرفي اليمين واليسار، ويمكن له قطع الطواف لتقبيل الكعبة ويرجع إلى المكان الذي قطعه ويستمر في الطواف، ولكن كما مضى سابقاً يجب أن يكون جانبه الأيسر حال الطواف إلى جهة الكعبة.(مسألة – 330) من عرض له حال الطواف ما يوجب الإشكال كمن أخذه زحام الطائفين من غير اختيار إلى الوراء أو الأمام أو انحرف عن جهة الكعبة، وجب عليه أن يرجع إلى المكان الذي عرض له الإشكال ثم يستمر في الطواف. وإن شك في نفس المكان فليرجع قليلاً وينوي طواف المقدار الذي لم يطفه واقعاً. وإن رجع إلى الحجر الأسود وشرع منه بنية الطواف ففيه إشكال. وإن لم يمكنه الرجوع لنفس المكان يدور مع الناس حول الكعبة دون قصد الطواف حتى يصل إلى نفس المكان ويستمر في الطواف. وإن لم يأخذه زحام الطائفين، بل سبب له سرعة المشي أو بطأه وكان باختياره صح طوافه.

آداب الطواف ومستحباته

(مسألة – 331) من آداب الطواف أن يطوف الطائف خاضعاً وخاشعاً ومقصّراً في خطواته حول البيت، مشغولاً بالذكر وقراءة القرآن والدعاء والصلاة على محمد وآله، تاركاً

ص: 192

كل ألوان اللغو متوجهاً إلى الله تعالى في بيته العتيق. ومنها: أن يستلم الحجر الأسود ويقبله في الابتداء والانتهاء وفي نهاية كل شوط شريطة أن لا يزاحم أحداً ويؤذيه.

ومنها: أن يدعو أثناء الطواف بهذا الدعاء: (اللّهمّ إنّي أسألُكَ باسمِكَ الذي يُمشَى بِهِ على طََلَلِ الماءِ كَما يُمشى بهِ على جَدَدِ الأرض، وأسألُكَ باسمِكَ الذي يهتَزُّ له عرشُكَ، وأسألُكَ باسمِكَ الذي تهتزُّ لهُ أقدامُ ملائِكتُكَ، وأسألُكَ باسمِكَ الذي دعاكَ به مُوسى من جانِبِ الطورِ الأيمَنِ فاستَجَبتَ لهُ وألقيتَ عليهِ محَبَّةً منْكَ وأسألُكَ باسمِكَ الذي غَفَرتَ بهِ لمحمَّدٍ ما تقدّم من ذنبهِ وما تأخَّرَ وأتمَمتَ نعمَتَكَ عليهِ، أن تفعل بي كذا وكذا) أو ما أحببت من الدعاء وكلما انتهيت إلى باب الكعبة فصلّ على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

وتقول فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود: (رَبَّنَا آتِنَا في الدُنيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَارِ).

وقل في الطواف: (اللهمَّ إنّي إليكَ فقيرٌ، وإني خائِفٌ مُستَجيرٌ فلا تُغيِّر جِسمِي، ولا تُبَدِّل اسمِي).

ثم إن هناك آداباً وأدعية ترتبط بمواضع خاصة من الكعبة الشريفة، ينبغي للطائف مراعاتها عند الوصول إليها تباعاً في طوافه، وهي كما يلي:

تقدم أن الطواف يبدأ من النقطة المحاذية للحجر الأسود الواقع في ركن من أركان البيت العتيق، وهذا الركن في الجهة

ص: 193

الشرقية، وحينما يبدأ الطائف طوافه منه واضعاً البيت الشريف على يساره يمر بعد خطوات قصيرة بباب البيت الشريف ثم يواصل سيره إلى أن يصل إلى الركن الآخر للبيت الشريف، ويسمى ذلك الركن بالركن العراقي، ويقع في الجهة الشمالية وفي هذا الجانب يوجد حجر إسماعيل وميزاب البيت المطل عليه، ثم يصل الطائف في طوافه إلى الركن الثالث، ويسمى ذلك الركن بالركن الشامي، ويقع في الجهة الغربية، ومنه يواصل سيره نحو الركن الرابع والأخير المسمى بالركن اليماني الواقع في الجهة الجنوبية، وقبل أن يصل إلى الركن اليماني بمسافة قصيرة موضع للبيت الشريف يسمى بالمستجار، وهو يكون في النقطة المقابلة لباب البيت، وإذا وصل الطائف إلى المستجار فقد وصل إلى مؤخر البيت، ويسير الطائف بعد ذلك شوطاً كاملاً من الطواف، وبعد معرفة هذه المواضع التي يمر بها الطائف في طوافه حول البيت العتيق في كل شوط تعين محال الأدعية والآداب، وإذا بدأ الطائف طوافه من المحاذي للحجر الأسود ووصل إلى باب البيت في كل شوط، صلى على محمد وآل محمد، وإذا بلغ حجر إسماعيل قبيل الميزاب يرفع رأسه ثم يقول: (اللهمَّ أدخِلنِي الجَنَّةَ بِرَحمَتِكَ، وأجِرنِي بِرَحمَتِكَ من النارِ، وعافِني مِنَ السُّقمِ، وأَوسِعْ عليَّ منَ الرِزقِ الحَلالِ، وادْرَأْ عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الجِنِّ والإِنسِ، وشَرَّ فَسَقَةِ العَرَبِ والعَجَمِ).

ص: 194

وإذا جاز حجر إسماعيل ووصل إلى ظهر البيت قال: (يا ذَا المَنِّ والطَّولِ والجُودِ والكَرَمِ، إنَّ عَملِي ضَعِيفٌ فَضاعِفْهُ لِي وتَقَبَّلهُ منِّي إنَّك أنتَ السَّميعُ العَلِيمُ).وإذا صار بحذاء الركن اليماني قام فرفع يده إلى السماء ثم يقول: (يا أللهُ، يا وليَّ العافِيَةِ، وخالِقَ العافِيَةِ، ورَازِقَ العافِيَةِ، والمُنعِمُ بالعافِيَةِ، والمَنَّانُ بالعافِيةِ، والمُتَفَضِّلُ بالعافِيَةِ عليَّ وعلى جَميعِ خَلقِكَ، يا رَحمَانَ الدُنيا والآخِرةِ ورَحيمَهُما، صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ وارزُقنا العافِيَةَ، ودوامَ العافِيَةِ، وشُكرَ العافِيَةِ في الدنيا والآخرةِ، بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الراحِمينَ).

ويستحب للطائف استلام الأركان كلها في كل شوط، ويقول عند استلام الحجر الأسود: (أمانَتِي أدَّيتُها ومِيثاقِي تَعاهَدْتُهُ لِتَشْهّدَ لِي بالمُوافَاةِ).

فإذا فرغ من طوافه ذهب إلى مؤخّر الكعبة بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل، وبسط يديه على البيت وألصقَ بدنه وخدّه به وقال: (اللهمَّ البيتُ بيتُكَ، والعبدُ عبدُكَ، وهذا مكانُ العائِذِ بِكَ من النَّارِ).

ثم أقرَّ لربّه بما عمله؛ ففي الرواية الصحيحة أنه ليس من عبدٍ مؤمنٍ يقرُّ لربه بذنوبه في هذا المكان إلا غفرَ اللهُ له إن شاء الله، ويقول: (اللهمَّ إنّ عَمَلِي ضَعِيفٌ فَضاعِفهُ لِي، واغفِر لِي ما اطّلَعتَ عليهِ منّي وخَفِيَ على خلْقِكَ).

ثم يستقبل الركن اليماني، والركن الذي فيه الحجر الأسود

ص: 195

ويختم به ويقول: (اللهُمَّ قَنِّعنِي بِمَا رَزَقْتَنِي وَبَارِكْ لِي فِيمَا آتَيتَنِي).

ص: 196

الأمر الثالث: صلاة الطواف

اشارة

(مسألة – 332) إذا فرغ الطائف من الطواف وجبت عليه ركعتا الطواف، وتسمى بصلاة الطواف، وهي الواجب الثالث من عمرة التمتع، وصورتها كصلاة الفجر، ولكنه مخيّر في قراءتها بين الجهر والإخفات.

وتجب فيها النية، وصورتها –مثلاً-: (أصلي ركعتي الطواف لعمرة التمتع من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى)، وإذا كان الحج مستحباً أسقط كلمة (حجة الإسلام)، وإذا كان منذوراً بدل كلمة (حجة الإسلام) ب-(الحجة المنذورة) وإذا كان المصلي نائباً ذكر اسم المنوب عنه ونوى عنه.

(مسألة – 333) موضع الصلاة من الناحية المكانية خلف المقام ويجب الإتيان بها خلفه، والمقام هو الحجر الذي كان إبراهيم يقف عليه وقت بناء الكعبة، وهو على مقربة من البيت الشريف، فإن تعذّر الصلاة خلف المقام صلى في الموضع الأقرب فالأقرب إلى المقام، فإن تعذّر ففي أي موضع من المسجد شاء، وأما الطواف المندوب فيجوز الإتيان بصلاته في أي نقطة من المسجد أراد عامداً وملتفتاً.

(مسألة – 334) موضع الصلاة من الناحية الزمانية بعد الطواف، أو بفاصل قليل منه، فلا يجوز الفصل بينهما بفترة

ص: 197

طويلة تختل بها الموالاة العرفية بينها وبين الطواف عامداً وملتفتاً.(مسألة – 335) إذا ترك الطائف صلاة الطواف عامداً وعالماً بالحكم بطل حجه إذا لم يكن بإمكانه أن يتداركها قبل انتهاء وقت العمرة، وحينئذٍ عليه أن يأتي بالحج والعمرة في السنة القادمة.

(مسألة – 336) إذا ترك صلاة الطواف نسياناً، وبدأ بالسعي بين الصفا والمروة، ثم التفت، فإن كان التفاته أثناء السعي فعليه أن يقطعه ويذهب إلى المسجد ويصلي في محلها، ثم يرجع ويكمل سعيه، وإن كان بعد السعي يصلي في محلها، ولا تجب عليه إعادة السعي، وإن كانت الإعادة أولى وأجدر، وإن كان التفاته بعد الارتحال من مكة، فإن كان ارتحاله بمسافة قصيرة عرفاً، رجع إلى المسجد الحرام، ويصلي في محلها، أو يستنيب من يصلي عنه، والأحوط والأجدر به وجوباً أن تكون الاستنابة عند عدم تمكنه من الرجوع بنفسه. وإن كان بمسافة طويلة عرفاً، أو بعد الوصول إلى بلدته، صلاها في أي موضع ذكرها فيه، ولا يجب عليه حينئذٍ الرجوع إلى مكة بنفسه والصلاة في محلها وإن تمكن من ذلك، أو استناب شخصاً يصلي عنه، وكذلك الحال إذا كان التفاته بعد فوت الوقت.

(مسألة – 337) من نسي صلاة الطواف للعمرة وخرج من مكة إلى منى، ثم تذكر، فإنه يجب عليه أن يرجع إلى المسجد

ص: 198

ويصليها خلف المقام أو يستنيب إذا لم يتمكن. نعم إذا كان تذكره في عرفات صلى هناك.(مسألة – 338) إذا ترك المكلف صلاة الطواف جاهلاً بالحكم، فإن حكمه حكم الناسي بدون فرق في ذلك بين الجاهل المركب والبسيط وإن كان مقصراً.

(مسألة – 339) إذا ترك صلاة الطواف نسياناً أو جهلاً أو صلاها باطلة ولم يلتفت حتى مات، وجب على وليه قضاؤها، وكذلك إذا تركها جاهلاً بالحكم ولو كان مقصراً.

(مسألة – 340) يجب على الطائف أن يتأكد من صحة صلاته وقراءته، فإن كان فيها خطأ وجب عليه تصحيحها إذا كان متمكناً من ذلك، ولكنه إذا تماهل وتسامح ولم يقم بتصحيحها حتى ضاق الوقت معه، فالأظهر أن يصليها بما يتمكن ويعيدها بنية القربة المطلقة جماعة إن أمكن، وإلا فعليه أن يجمع بين الصلاة فرادى والاستنابة. نعم إذا كان الخطأ في غير القراءة تخير بين أن يصليها بنفسه ومباشرةً، وبين الاستنابة، وأما إذا لم يتمكن من تصحيحها فوظيفته أن يصليها حسب إمكانه، وإن كان الأحوط والأجدر به أن يجمع بينها وبين الصلاة جماعة والاستنابة إن أمكن.

(مسألة – 341) إذا كان في قراءته خطأ، وكان جاهلاً بذلك فصلى صحت صلاته وإن كان جهله مما لا يعذر فيه شريطة أن لا يكون مركباً، ولا تجب عليه الإعادة إذا علم بذلك بعد

ص: 199

الصلاة، بل في أثنائها إذا كان علمه بالحال بعد التجاوز عن محلها، وكذلك إذا كان جهله بسيطاً إن كان معذوراً فيه، نعم لو لم يكن معذوراً وجبت عليه الإعادة.

آداب صلاة الطواف ومستحباتها

(مسألة – 342) يستحب للطائف أن يقرأ في الركعة الأولى من ركعتي الطواف سورة التوحيد [قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ]، وفي الركعة الثانية سورة الجحد [قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ]، ثم يتشهد ويحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويسأله أن يتقبل منه، وأن يسجد بعد الصلاة ويقول في سجوده (سَجَدَ وَجهِي لكَ تَعَبُّداً ورِقّاً، لا إلَهَ إلا أنتَ حقّاً حقّاً، الأوّلُ قَبلَ كُلِّ شيءٍ والآخِرُ بَعدَ كُلِّ شيءٍ، وها أنا ذا بينَ يَديكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، واغفِرْ لي إنه لا يَغفِرُ الذَنبَ العَظيمَ غيرُكَ فاغْفِرْ لِي فَإنِّي مُقِرٌّ بِذُنُوبِي على نفسِي ولا يَدفَعُ الذَنبَ العَظيمَ غَيرُكَ).

ويستحب أيضاً أن يقول بعد الفراغ من صلاة الطواف: (اللهمَّ ارحَمنِي بِطَواعِيتِي إيَّاكَ، وَطَوَاعِيّتِي رَسُولِكَ. اللهمَّ جَنّبنِي أن أتَعَدَّى حُدُودَكَ، وَاجعَلنِي مِمَّنْ يُحبُّكَ ويُحبَّ رَسُولَكَ وَمَلائِكتَكَ وَعِبَادِكَ الصَالِحينَ).

ص: 200

الأمر الرابع: السعي

اشارة

الأمر الرابع: السعي(1)

(مسألة – 343) الواجب الرابع من واجبات عمرة التمتع السعي بين الصفا والمروة، وهما جبلان يقعان إلى جانب المسجد الحرام، وبينهما مسافة يقدر طولها بما يقارب أربعمائة متر، ويجب السعي بينهما، بمعنى السير من أحدهما إلى الآخر، ويعتبر فيه النية بتمام عناصرها الثلاثة:

1- قصد القربة، 2- الإخلاص، 3- قصد اسمه الخاص المميز له شرعاً، وصورتها مثلاً أن يقول: (أسعى بين الصفا والمروة لعمرة التمتع من حجة الإسلام بقصد التقرب إلى الله تعالى)، وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان الحج مستحباً أسقط كلمة (حجة الإسلام) وهكذا.

(مسألة – 344) لا تشترط فيه الطهارة من الحدث ولا من

ص: 201


1- - سؤال: هل يجوز السعي في المسعى الجديد الذي استحدث مؤخراً والذي يشك باستقباله للصفا والمروة أم لا؟ وإذا كان الجواب بالجواز فما هو الدليل على ذلك؟ بسمه تعالى: لا يشترط أن يكون الساعي مستقبلاً للجبلين بالدقة العقلية والمنقول تاريخيا أن المنطقة بينهما كانت أزقة وأسواقاً غير مستقيمة كالذي أدركناه بين الحرمين في كربلاء المقدسة فلا إشكال في السعي في الممر الجديد من هذه الناحية، مضافاً إلى أنه يقع بين امتدادي الجبلين الأصليين وقد شهد بذلك من رآه من الثقات من المعاصرين. سؤال: هل يجوز السعي من الطابق الثاني ام لا؟ بسمه تعالى لا يتوجه اليه مع تيسر السعي في الطابق الارضي والذي تحته.

الخبث وغيرها من الشروط التي ذُكرت في الطواف، فيجوز أن يسعى بين الصفا والمروة مع عدم توفر شيء من هذه الشروط في الساعي.(مسألة – 345) يجب الإتيان بالسعي على الكيفية التالية:

الأولى: أن يبدأ بالسعي من أول جزء من الصفا متجهاً نحو المروة، فإذا وصل إلى المروة اعتبر ذلك شوطاً، ثم يبدأ من المروة متجهاً نحو الصفا، فإذا وصل إلى الصفا اعتبر ذلك شوطاً آخر وهكذا يسير بينهما سبع مرات، ويسمى كل منها شوطاً، أربع مرات ذاهباً من الصفا إلى المروة، وثلاث مرات راجعاً من المروة إلى الصفا، ويكون ختام سعيه بالمروة، والأظهر اعتبار الموالاة بين الأشواط عرفاً، ولا يجب الصعود على الجبل الذي يمثل الصفا من طرف والمروة من طرف آخر، وإن كان ذلك أولى وأجدر.

(مسألة – 346) يجب على الساعي أن يستقبل المروة عند الذهاب إليها عرفاً، كما يجب استقبال الصفا عند الرجوع من المروة إليه كذلك، فلو استدبر المروة عند الذهاب من الصفا إليها، أو استدبر الصفا عند الذهاب من المروة إليه، بأن مشى القهقرى لم يجزئه ذلك، كذلك إذا سعى بينهما على يمينه أو يساره مستقبلاً الكعبة، أو مستدبراً، ولا بأس بالالتفات إلى اليمين أو اليسار أو الخلف عند الذهاب والإياب، ويجب أيضاً أن يكون السعي بينهما من المبدأ إلى المنتهى، فلو خرج من

ص: 202

المسعى ودخل في المسجد أو مكان آخر، ومنه ذهب إلى المروة أو إلى الصفا لم يجزئه، نعم لا يعتبر أن يكون السير من المسعى بخط مستقيم.(مسألة – 347) موضع السعي بين الصفا والمروة من الناحية الزمانية بعد الطواف وصلاته، فلو قدمه عليهما عامداً وملتفتاً بطل فتجب إعادته بعد الإتيان بهما، وإذا نسي الطواف وتذكره بعد سعيه أعاد الطواف ولا تجب عليه إعادة السعي وان كانت احوط، وقد تقدم حكم من نسي الطواف أو بعض أشواطه وتذكره أثناء السعي في أحكام الطواف.

(مسألة – 348) من بدأ السعي من المروة إلى الصفا، فإن كان في شوطه الأول ألغاه وبدأ من الصفا إلى المروة، وإن كان بعده ألغى الكل واستأنف السعي من جديد، ولا يبعد الاكتفاء بإلغاء الشوط الأول فقط مطلقاً من غير فرق بين أن يكون ذلك عن علم وعمد أو عن جهل أو نسيان.

(مسألة – 349) يجب على الساعي أن يباشر السعي بين الصفا والمروة بنفسه، ولا تجوز له الاستنابة مع التمكن من المباشرة، ولا يلزم بالسعي ماشياً وبإمكانه السعي راكباً أو محمولاً كيفما أحب وشاء، ولو تعذر ذلك كله استناب غيره للسعي عنه.

(مسألة – 350) يجوز له الجلوس على الصفا أو المروة، أو بينهما للاستراحة شريطة أن لا تختل به الموالاة العرفية، كما

ص: 203

يجوز له قطع السعي لشرب ماء أو لتطهير شيء أو غير ذلك بما لا يضر بالموالاة عرفاً.

أحكام السعي

(مسألة – 351) إذا ترك السعي عامداً أي بدون نسيان أو غفلة حتى مضى الوقت بفوات الوقوف بعرفات بطلت عمرته، وبالتالي حجه ولزمته الإعادة من قابل، ولا يبطل إحرامه بل يتحلل منه بالعدول إلى العمرة المفردة، سواء أكان عالماً بوجوب السعي أو جاهلاً بذلك.

(مسألة – 352) إذا ترك السعي نسياناً أتى به عند التذكر، وإن كان تذكره بعد الفراغ من أعمال الحج، وإن لم يتمكن منه مباشرةً أو كان فيه حرج أو مشقة لزمته الاستنابة ويصح حجه في كلتا الصورتين.

(مسألة – 353) الأحوط المبادرة إلى السعي بعد الفراغ من الطواف وصلاته، وإن كان الظاهر جواز تأخيره إلى الليل لرفع التعب أو للتخفيف من شدة الحر، نعم لا يجوز تأخيره إلى الغد في حال الاختيار.

(مسألة – 354) إذا زاد في سعيه عامداً وعالماً بطل سعيه، ولو زاد جاهلاً أو ناسياً لم يبطل، ونقصد بالزيادة هنا نظير ما تقدم في الطواف، بأن يأتي بالشوط الثاني بقصد أنه جزء من السعي، فلو أتى به كعمل مستقل لم يضر وإن وقع عقيب

ص: 204

السعي.(1)(مسألة – 355) إذا زاد في سعيه خطأً صح سعيه، وإذا كان الزائد شوطاً كاملاً أو أكثر استحب له أن يضيف له ستة أشواط أخرى حتى يكون سعيه كاملاً، ويكون ختامه عند الصفا.

(مسألة – 356) إذا نقص الساعي من أشواط السعي عامداً وعالماً بالحكم أو جاهلاً بذلك، ولم يكن بإمكانه تداركه حتى مضى الوقت بفوات الوقوف بعرفات بطل حجه، ولزمته الإعادة من قابل ويتحلل من إحرامه بالعدول إلى العمرة المفردة.

(مسألة – 357) إذا نقص من أشواط سعيه نسياناً وجب عليه التدارك متى تذكر بإكمال السعي وتكميل النقص، وإن كان التذكر بعد الفراغ من أعمال الحج أو الرجوع إلى بلدته وجب عليه أن يرجع بنفسه لتكميل السعي وإن لم يتمكن من ذلك بنفسه استناب غيره لذلك، والأولى في هذه الصورة أن يأتي بنفسه أو بنائبه بسعي كامل بقصد الأعم من التكميل والاستئناف، ولا فرق في ذلك بين أن يكون نسيانه بعد إتمام

ص: 205


1- - سؤال: مرشد الحجاج قد يتقدم ويتأخر اثناء السعي وهو غافل عن كونه زيادة في السعي فماذا حكمه؟ بسمه تعالى: لابد من تحقق عنوان السعي من الصفا إلى المروة أو بالعكس، فلا يأتي بما ينافيه كالعودة خلاله في الاتجاه المعاكس، اما مجرد الرجوع قليلاً، لغرض ما، ثم العودة لإكمال السعي، فليس من الزيادة المبطلة.

الشوط الرابع أو قبله، هذا إذا كان حافظاً للشوط المنسي، وإلا بطل سعيه وعليه استئنافه من جديد.(مسألة – 358) إذا نقص من أشواط سعيه في عمرة التمتع نسياناً فأحل باعتقاد أنه فرغ من السعي، فعليه كفارة بقرة على الأظهر بدون فرق في ذلك بين أن يكون إحلاله بتقليم الأظفار، أو قص الشعر، فحينئذٍ فإن كان حافظاً للشوط المنسي وجب تداركه بتكميل النقص، وإلا وجب استئنافه من جديد.

(مسألة – 359) يجب على الساعي أن يضبط عدد أشواط السعي فلو شك فيه بطل سعيه، إلا في حالتين:

الأولى: أن يكون شكه في الأشواط زيادة ونقيصة، أو نقيصة فقط بعد التقصير شريطة احتمال أنه كان حين العمل ملتفتاً إلى ما يعتبر في صحة السعي.

الثانية: أن يكون شكه في الزيادة فقط وقد حدث وهو على المروة فلا يدري أن الشوط الذي انتهى عنه فعلاً هل هو السابع أو أكثر منه.

وأما في غير هاتين الحالتين فالشك فيه مبطل مهما كان نوعه وشكله وبذلك يظهر أن حكم الشك في عدد أشواط السعي حكم الشك في عدد أشواط الطواف.

آداب السعي ومستحباته

(مسألة – 360) يستحب للساعي أن يصعد على الصفا بنحو ينظر إلى البيت لو لم يكن حاجب ويتوجه إلى الركن

ص: 206

الذي فيه الحجر الأسود، ويحمد الله عز وجل ويثني عليه ويذكر من آلائه وبلائه وحسن ما صنع إليه ما قدر على ذكره، ثم يقول (اللهُ أكبر) سبع مرات (الحمد لله) سبع مرات و(لا إله إلا الله) سبع مرات. ويقول ثلاث مرات (لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ، يُحيِي ويميت وهو حيٌّ لا يموت، بيدِهِ الخيرُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ) ثم يصلي على محمدٍ وآل محمد، ثم يقول ثلاث مرات (اللهُ أكبرُ على ما هدانا، والحمدُ للهِ على ما أوْلانا، والحمدُ للهِ الحيُّ القَيُّومِ، والحمدُ للهِ الدائِم).ثم يقول ثلاث مرات (أشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسُولُهُ، لا نَعبُدُ إلا إياهُ مُخلِصينَ له الدينَ ولو كَرِهَ المُشرِكونَ).

ثم يقول ثلاث مرات (اللهمَّ إني أسألُكَ العفوَ والعافِيةَ واليقينَ في الدُنيا والآخرةِ). وثلاث مرات (اللهمَّ آتِنَا في الدُنيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَارِ).

ثم يقول (اللهُ أكبرُ) مائة مرة (لا إلهَ إلا الله) مائة مرة (الحمدُ لله) مائة مرة (سبحانَ الله) مائة مرة.

ثم يقول (لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ وحدَهُ وحدهُ، أنجَزَ وعدَه، ونَصَرَ عبدَهُ، وغَلبَ الأحزَابَ وحدَه، فَلَهُ المُلكُ وله الحَمدُ وحدَهُ وحدَهُ، اللهمَّ بارِك لي في الموتِ وفِيما بَعدَ الموتِ، اللهمَّ إني أعوذُ بكَ من ظُلمَةِ القبرِ ووَحشَتِهِ، اللهمَّ أظِلَّني في ظلِّ عَرشِكَ يومَ لا ظلَّ إلا ظلَّكَ).

ويستودع الله دينه ونفسه وأهله كثيراً، فيقول (أستَودِعُ

ص: 207

اللهَ الرَّحمنَ الرَّحيمَ الذي لا تَضيعُ ودايِعُهُ ديني ونَفسِي وأهلِي، اللهمَّ استَعمِلني على كتابِك وسُنَّةِ نبيِّكِ وتَوَفَّني على ملَّتِهِ وأعِذني من الفِتنَةِ).ثم يقول (اللهُ أكبر) ثلاث مرات، ثم يعيدها مرتين، ثم يكبّر واحدة، ثم يعيدها فإن لم يستطع هذا فبعضه.

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه إذا صعد الصفا استقبل الكعبة، ثم رفع يديه ثم قال (اللهمّ اغْفِرْ لي كلَّ ذَنبٍ أذنَبتُهُ قطّ، فإن عُدتُ فَعُدْ عَلَيَّ بالمَغفِرَةِ فَإنَّكَ أنتَ الغَفُورُ الرَّحيمُ، اللهمّ افعَل بِي ما أنتَ أهلُهُ فإنَّك إن تَفعَل بي ما أنتَ أهلُهُ تَرحمَني، وإن تُعَذّبْني فأنتَ غَنيٌّ عن عَذابي، وأنا مُحتاجٌ إلى رَحمَتِكَ، فَيا مَن أنا مُحتاجٌ إلى رَحمَتِهِ ارحَمنِي، اللهمّ لا تَفعَل بي ما أنا أهلُهُ فإنكَ إن تَفعَل بي ما أنا أهلُهُ تُعَذِّبنِي ولَم تَظلِمنِي، أصبَحتُ أتَّقِي عَدلَكَ ولا أخافُ جَورَكَ، فيَا مَنْ هو عَدلٌ لا يَجُورُ ارحَمنِي).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) إن أردت أن يكثر مالك فأكثر من الوقوف على الصفا.

ويُستحب أن يسعى بين الصفا والمروة ماشياً، وأن يمشي على سكينة ووقار وخضوع وخشوع حتى يأتي محل المنارة الأولى فيهرول إلى محل المنارة الأخرى، ثم يمشي مع سكينة ووقار حتى يصعد على المروة فيصنع عليها كما صنع على الصفا، ويرجع من المروة إلى الصفا على هذا النهج أيضاً.

ص: 208

الأمر الخامس: التقصير

(مسألة – 361) وهو الواجب الخامس والأخير من عمرة التمتع، ومعناه أخذ شيء من ظفر يده أو رجله أو شعر رأسه أو لحيته أو شاربه ناوياً به التقصير لعمرة التمتع من حجة الإسلام مثلاً قربة إلى الله تعالى، ولا يكفي النتف عن التقصير، ولا يجزي حلق الرأس، بل يحرم عليه الحلق.

(مسألة – 362) موضعه من الناحية التسلسلية بعد السعي، ولكن لا تجب المبادرة إليه بعده، ويجوز فعله في أي موضع شاء، سواء أكان في المسعى أم في منزله ام غيرهما.

(مسألة – 363) حكم من ترك التقصير متعمداً فأحرم للحج بطلان عمرته، سواء أكان عالماً بالحكم أم جاهلاً به وتحول حجه من التمتع إلى الإفراد، فيأتي بأعمال حج الإفراد، ثم يأتي بعمرة مفردة بعد الحج، والأحوط الأولى الإعادة في السنة القادمة.

(مسألة – 364) من ترك التقصير نسياناً فأحرم للحج صحت عمرته، والأحوط لو لم يكن أقوى وجوب التكفير عليه بشاة.

(مسألة – 365) إذا قصّر المحرم –رجلاً كان أم امرأة- في عمرة التمتع حل له جميع ما كان يحرم عليه بسبب إحرامه ما عدا الحلق، وأما الحلق فإن كان المكلف قد أتى بعمرة التمتع في

ص: 209

شهر شوال جاز له الحلق إلى نهاية شوال، وأما إذا أتى بها خلال شهر ذي القعدة وما بعده إلى حين الإحرام للحج، فالأظهر أن لا يحلق حتى بعد الإحلال بالتقصير، وإذا حلق عامداً وملتفتاً كفّر بشاة، ولو فعل ذلك جاهلاً فلا شيء عليه.وقد تسأل: أن المعتمر في عمرة التمتع إذا كان ملبداً أو معقوصاً هل عليه التقصير أيضاً أو الحلق؟

والجواب: أن عليه التقصير دون الحلق.

(مسألة – 366) إذا جامع الرجل المحرم امرأته بعد السعي وقبل التقصير جاهلاً بالحكم، فالأظهر أن عليه كفارة ناقة أو جمل.

(مسألة – 367) يحرم التقصير على المعتمر قبل الفراغ من السعي، فلو فعله عامداً وعالماً وجبت عليه كفارة إزالة الشعر وأما إذا فعله جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه.

(مسألة – 368) لا يجب طواف النساء في عمرة التمتع، ولا بأس بالإتيان به رجاءً.

ص: 210

الفصل الثاني:واجبات الحج وآدابه

اشارة

وهي أمور:

الأمر الأول: الإحرام للحج

اشارة

(مسألة – 369) الإحرام للحج هو الواجب الأول من واجبات حج التمتع، حيث ينوي الإحرام للحج متقرباً إلى الله تبارك وتعالى، وصورتها –مثلاً-: (أُحرِم لحج التمتع من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى) وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان الحج مستحباً أسقط كلمة (حجة الإسلام).

(مسألة – 370) صورة إحرام الحج صورة إحرام عمرة التمتع في الكيفية والشروط والعناصر التي يجب توفرها فيه والواجبات والتروك والمحرمات والمستحبات والمكروهات، وقد تقدم توضيح جميعها في إحرام عمرة التمتع، ولا اختلاف بين الإحرامين إلا في النية.

(مسألة – 371) موضع إحرام الحج مكة المكرمة، ويراد بها البلدة على امتدادها طولاً وعرضاً، فالأحياء الجديدة التي تشكل الامتداد والتوسعة لمكة وتعتبر جزءاً منها عرفاً، يجوز الإحرام فيها، والأحوط أن يكون الإحرام مما يلي المسجد

ص: 211

الحرام ليكون في مكة القديمة، والأفضل أن يكون من المسجد الحرام وأفضل مواضعه مقام إبراهيم (عليه السلام) وحجر إسماعيل (عليه السلام). ولا يجوز الإحرام من بلدة أو قرية أخرى لها عنوانها المتميز والخاص وإن اتصلت بمكة من طريق توسعة العمران.(مسألة – 372) يجب على الحاج أن يحرم قبل زوال اليوم التاسع من ذي الحجة على نحو يتمكن من إدراك الوقوف الواجب بعرفات، ولا يجوز التأخير عن ذلك، والأفضل أن يحرم في اليوم الثامن، ويمكنه أن يحرم قبل اليوم الثامن بيوم أو يومين أو ثلاثة أيام دون أكثر منها على الأظهر عامداً وملتفتاً، ولا فرق في ذلك بين الصحيح والمريض والشيخ الكبير، ولا بين الرجل والمرأة، نعم إذا أراد أن يخرج من مكة بعد الفراغ من عمرة التمتع اختياراً، أو لحاجة ضرورية إلى بلدة قريبة أو بعيدة، فقد تقدم أنه يجوز له الخروج إذا كان واثقاً بعدم فوات الحج منه، والأفضل أن يخرج منها محرماً بإحرام الحج ، وقيل إنه وإن كان قبل ذي الحجة.

(مسألة – 373) لا يجوز تأخير الإحرام إلى ما بعد زوال يوم عرفة، ولو فعل بنحو يتمكن بعد الإحرام من إدراك الركن وهو مسمى الوقوف بعرفات بين الزوال والغروب صح وإن كان آثما.

(مسألة – 374) لا يجوز أن يحرم للعمرة المفردة أثناء أعمال

ص: 212

الحج، نعم لا مانع منه بعد إتمام أعمال الحج قبل طواف النساء.(مسألة – 375) من ترك الإحرام نسياناً أو جهلاً منه بالحكم إلى أن خرج من مكة ثم تذكر أو علم بالحكم، وجب عليه الرجوع إلى مكة ولو بعد وصوله عرفات والإحرام من مكة، فإن لم يتمكن من الرجوع لضيق الوقت أو لعذر آخر يحرم من موضعه، وإذا تذكر أو علم بالحكم بعد الوقوف بعرفات لم يجب عليه الرجوع جزماً وإن تمكن ويحرم من مكانه، ولو لم يتذكر ولم يعلم بالحكم إلى أن فرغ عن الحج صح حجه ولا شيء عليه.

(مسألة – 376) من ترك الإحرام عامداً عالماً بالحكم وجب عليه أن يتداركه، فإن تدارك قبل الوقوف بعرفات صح حجه ولا شيء عليه، وإن لم يتمكن من تداركه قبل الوقوف بها بطل حجه، وعليه الإعادة في السنة القادمة.

(مسألة – 377) من أحرم لحج التمتع فالأحوط أن لا يطوف حول البيت طوافاً مندوباً قبل الخروج إلى عرفات، ولو طاف جدد التلبية بعد الطواف.

آداب إحرام الحج

(مسألة – 378) إحرام الحج يشارك إحرام العمرة فيما له من آداب ومستحبات، وقد تقدم ذكرها في إحرام العمرة، ويستحب لمن أحرم للحج وخرج من مكة ملبياً في طريقه أن يرفع صوته إذا أشرف على الأبطح، فإذا توجه إلى منى بسكينة

ص: 213

ووقار، يقول: (اللهمَّ إيَّاكَ أرجُو، وَإيَّاكَ أدعُو، فَبَلّغنِي أمَلِي، وَأصلِحْ لِي عَمَلِي) فإذا وصل إلى منى قال: (الحَمدُ للهِ الذِي أَقدَمَنيهَا صَالِحاً في عَافِيةٍ، وَبَلَّغنِي هذا المَكَانَ) ثم يقول (اللهمَّ هذه منَى، وهِيَ مِما مَنَنتَ بِهِ عَلينَا مِنَ المَنَاسِكِ، فَأَسألُكَ أنْ تَمُنَّ عَليَّ بِما مَننتَ بِهِ عَلى أنبِيَائِكَ، فَإنَّمَا أَنا عَبدُكَ فِي قَبضَتِكَ) ويستحب له المبيت في منى ليلة عرفة، ويقضي تلك الليلة في عبادة الله تعالى وطاعته والصلاة في مسجد الخيف والتعبد فيه تمام الليلة، فإذا طلع الفجر صلى الفجر في منى، وعقّب إلى طلوع الشمس، ثم اتجه إلى عرفات ماراً من وادي محسّر، ولا بأس أن يخرج من منى قبل طلوع الشمس، ولكن ينبغي أن لا يتجاوز وادي محسّر قبل طلوع الشمس، ولا إثم عليه لو تجاوز، ولو شاء أن يخرج من منى قبل طلوع الفجر فلا بأس، ولا إثم عليه أيضاً، غير أن ذلك مكروه، كل هذا فيما لو اتجه من مكة إلى منى، وأما إذا سلك طريقاً إلى عرفات لا يمر بمنى كما هو الغالب في الطريق العام للحجاج في الفترة المعاصرة، فلا إثم عليه، فإذا توجه الحاج إلى عرفات قال: (اللهمَّ إليكَ صَمَدتُ وإيّاكَ اعتَمَدتُ ووَجهَكَ أردتُ، فأَسألُكَ أن تبارِكَ لي في رِحلَتِي وأن تَقضِي لي حاجَتي وأن تَجعَلنِي مِمَّن تُباهِي بِهِ اليومَ مَن هو أفضَلَ منِّي).

ص: 214

الأمر الثاني: الوقوف بعرفات

اشارة

الأمر الثاني: الوقوف بعرفات(1)

(مسألة – 379) الواجب الثاني من واجبات حج التمتع: الوقوف بعرفات، والمراد منه التواجد فيها من دون فرق بين أن يكون تواجده فيها راكباً أو راجلاً، واقفاً أو قاعداً، أو على أية حالة أخرى.

(مسألة – 380) تبعد عرفات عن مكة القديمة حوالي اثنين وعشرين كيلومتراً، وهي أبعد النقاط التي يجب على الحاج أن يقصدها في حجه عن مكة، ثم يأخذ بعد ذلك بالاقتراب من مكة بالانتقال من عرفات إلى المشعر، ومنه إلى منى، وعرفات رقعة واسعة من الأرض وتكون خارج الحرم، وتتصل حدودها به، ويفصل بينها وبين المشعر الحرام منطقة تسمى بالمأزمين.

وقد حدد في الروايات الموقف بعرفات بنقاط متميزة(2) معروفة وقتئذٍ، كبطن عرنة، وثوية، ونمرة، وذي المجاز، وبعض هذه الأسماء لا يزال موجوداً أو محدداً على الخرائط المختصة

ص: 215


1- - سؤال: إذا كانت المرأة حائضاً أو نفساء فهل يضر ذلك بوقوفها في عرفات أو المزدلفة؟ بسمه تعالى: لا يضر ذلك بوقوفها في الموقفين. سؤال: هل التحديدات الموجودة للمشاعر المقدسة معتبرة يمكن الاعتماد عليها؟ بسمه تعالى: الظاهر حصول الاطمئنان بصحتها، وإمكان الاعتماد عليها.

بالموقف، ولا يزال مسجد نمرة موجوداً ومتميزاً الآن، وكيف كان فالموقف لا يزال معلوماً بحدوده وعلاماته المنصوبة في أطرافه، ولا يجوز الوقوف في الأماكن المذكورة والنقاط المحاذية للموقف بل لا بد أن يكون الوقوف في مكان محاط بتلك النقاط والأماكن، ولا فرق بين أن يكون في الجبل أو السهل، وإن كان الأولى والأفضل أن يكون في السفح من ميسرة الجبل.(مسألة – 381) زمانه: يبدأ الوقوف من حين زوال الشمس من يوم عرفة إلى الغروب، والوقوف في تمام هذه المدة واجب، يأثم المكلف بتركه، ويسمى هذا الوقوف بالوقوف الاختياري بعرفات، ولكن لا يبطل الحج إذا اقتصر على الوقوف فترة قصيرة خلال هذه المدة، نعم لو ترك الوقوف بها رأساً حتى في تلك الفترة القصيرة عامداً وملتفتاً بطل حجه، وكذلك إذا تركه عن جهل لا يعذر فيه.

(مسألة – 382) تجب النية في الوقوف بعرفات بتمام عناصرها الثلاثة، من قصد القربة، وقصد الإخلاص، وقصد اسمه الخاص المميز له شرعاً، وصورتها –مثلاً-: (أقف بعرفات من الظهر إلى غروب الشمس لحج التمتع من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى) وإذا كان مفرداً بدل كلمة (التمتع) بكلمة (الإفراد) وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان الحج مندوباً أسقط كلمة (حجة الإسلام).

(مسألة – 383) يعتبر في الوقوف أن يكون عن اختيار فلو

ص: 216

نقل الحاج نائماً أو كان مغمى عليه أو مغشياً من أول ظهر اليوم التاسع إلى غروب الشمس لم يتحقق منه الوقوف الواجب.(1)(مسألة – 384) لا يجوز للحاج الإفاضة من عرفات –أي الخروج منها- قبل غروب الشمس عامداً وملتفتاً، وإذا خرج كذلك اعتبر آثماً وعليه كفارة جمل أكمل الخامسة، ينحره في منى يوم العيد، وإن لم يتمكن صام ثمانية عشر يوماً في مكة، أو في الطريق، أو في بلدته، ولا تعتبر فيه الموالاة وإن كانت هي الأحوط، ولكن لا يفسد حجه، وإذا ندم ورجع فلا شيء عليه، وإذا خرج من عرفات قبل الغروب جاهلاً أو ناسياً وجب عليه الرجوع عند العلم أو التذكر، وإن لم يرجع عامداً عالماً فالأظهر أن عليه الكفارة لصدق الإفاضة قبل المغرب عليه عمداً، هذا إذا تمكن من الرجوع، وأما إذا لم يتمكن منه بعد الالتفات فلا شيء عليه جزماً.

(مسألة – 385) من لم يدرك الوقوف الركني بعرفات، وهو الوقوف في برهة قصيرة خلال النهار نسياناً أو جهلاً يعذر فيه أو غيره من الأعذار، كتأخر وصوله إلى مكة وجب عليه الوقوف الاضطراري، وهو الوقوف برهة من ليلة العيد، وإذا

ص: 217


1- - سؤال: إذا نوى الحاج الوقوف بعرفة او المزدلفة ونام تمام الوقت هل يجزيه وقوفه؟ بسمه تعالى: لا مانع من هذه الناحية، وإن كان بذلك قد فوَّت فرصة عظيمة للطاعة.

فعل ذلك صح حجه ولا شيء عليه.

متابعة قضاة الحرمين في تعيين زمان الوقوف

(مسألة – 386) إذا ثبت هلال ذي الحجة عند قاضي أهل السنة، وحكم بذلك ولم يثبت عندنا، فلذلك صور:

الأولى: ما إذا احتمل كون حكمه مطابقاً للواقع كما لو بنوا على رؤية الهلال في بلدٍ ما من الأرض لا يكون حجة لاختلاف الآفاق إلا أنه يمكن أن يكون صحيحاً لوجود احتمال وحدة الهلال لجميع البلدان المتحدة بالليل الذي رؤي الهلال في اوله، ففي هذه الحالة تجب المتابعة والوقوف والتواجد معهم في نقلة جماعية زماناً ومكاناً، ولا تجوز المخالفة لهم، وإن لم تكن هناك تقية. ومن خالف في هذه الحالة ولم يقف معهم بعرفات، ووقف في اليوم الثاني فإن وقوفه غير مجزٍ، لأن وظيفته الواقعية هي الوقوف معهم، دون الوقوف في اليوم التالي الذي هو أيضاً مشكوك كونه يوم عرفة.

الثانية: ما إذا علم بعدم مطابقة حكمه للواقع، مع افتراض عدم التمكن من المخالفة للتقية، ففي هذه الحالة أيضاً لا إشكال في وجوب المتابعة والوقوف معهم، والاجتزاء بذلك الوقوف، لأن الوقوف إذا كان مخالفاً للتقية كان مبغوضاً، ولا يمكن التقرب به.

الثالثة: نفس الصورة السابقة، ولكن لا تقية بمعنى أن بإمكان الشخص أن يقف بعرفات والتخلف عنهم في الوقوف

ص: 218

اعتيادياً في يوم عرفة بدون خوف وخطر، ففي هذه الحالة جرت سيرة المحتاطين من المتفقهين على الجمع بين الوقوف معهم والوقوف يوم عرفة إن أمكن، ولو بمسمى الوقوف، ولا بأس به لمن قدر عليه.

آداب الوقوف بعرفات ومستحباته

(مسألة – 387) إن يوم عرفة يوم دعاء وتضرع وخضوع وخشوع إلى الله تعالى، ويستحب أن يكون الحاج على طهارة، وقد جاء في الحديث: (إنما تعجل الصلاة وتجمع بينها لتفرغ نفسك للدعاء، فإنه يوم دعاء ومسألة) ثم تأتي الموقف وعليك السكينة والوقار، فاحمد الله وهلله ومجده واثن عليه وكبره مائة مرة، واحمده مائة مرة، وسبحه مائة مرة، واقرأ: قل هو الله أحد مائة مرة، وتخير لنفسك من الدعاء ما أحببت، واجتهد فإنه يوم دعاء ومسألة، وتعوّذ بالله من الشيطان، فإن الشيطان لن يذهلك في موطن قط أحب إليه من أن يذهلك في ذلك الموطن، وإياك أن تشتغل بالنظر إلى الناس، وأقبل قِبَل نفسك وتقول: (اللهمَّ إني عَبدُكَ فَلا تَجعَلنِي مِن أخيَبِ وَفدِكَ، وَارحَمْ مسِيرِي إلَيكَ مِنَ الفَجِّ العَميقِ) وتقول: (اللهمَّ ربَّ المشاعرِ كُلِّها فُكَّ رَقَبَتِي منَ النَّارِ، وأَوسِعْ عليَّ مِنْ رِزقِكَ الحَلالِ، وادْرَأ عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الجِنِّ والإِنس) وتقول: (اللهمَّ لا تَمكُرْ بي ولا تَخْدَعنِي ولا تَسْتَدرِجنِي) وتقول: (اللهمَّ إنِّي أسألُكَ بِحَولِكَ وَجُودِكَ وَكَرَمِكَ وَفَضلِكَ وَمَنِّكَ يا أسمَعَ السامِعينَ ويا أبصَرَ الناظِرينَ

ص: 219

ويا أسرَعَ الحاسِبينَ ويا أرحَمَ الرَّاحِمينَ، أسألُكَ أن تُصَلِّي على مُحمّدٍ وآل محمّد وأن تفعل بي كذا وكذا) وتقول وأنت رافع رأسك إلى السماء: (اللهمّ حاجَتِي التي إنْ أعطَيتَنيها لمْ يَضُرَّني ما مَنَعتَنِي وإنْ مَنَعتَنِي لمْ ينفَعنِي ما أعطَيتَنِي، أَسأَلُكَ خَلاصَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ. اللهمّ إني عَبدُكَ ومِلكُ يَدِكَ وناصِيَتِي بيَدِكَ وأجَلِي بِعِلمِكَ، أَسأَلُكَ أنْ تُوَفِّقَنِي لِما يُرضِيكَ عنِّي وأن تسلم منّي مناسكي التي رتَّبها إبراهيمُ خليلُكَ ودَلَلْتَ عَليها حَبيبَكَ محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) اللهمّ اجعَلنِي ممّن رَضيتَ عَمَلَهُ وأَطَلتَ عُمرَهُ وأحيَيتَهُ بَعدَ الموتِ حياةً طَيِّبةً) وقد جاء في الحديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي (عليه السلام): (ألا أعلمك دعاءً يوم عرفة، وهو دعاء من كان قبلي من الأنبياء؟ فقال علي: بلى يا رسول الله، قال: فتقول: لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ، يحيي ويميتُ ويُميتُ ويحيي وهو حيٌّ لا يموتُ بيده الخيرُ وهو على كل شيء قدير، اللهمّ لك الحمدُ أنت كما تقول وخير ما (مّما) يقول القائلون، اللهم لك صلاتي وديني ومحياي ومماتي، ولك تِراتي وبك حولي ومنك قوتي، اللهم إني أعوذ بك من الفقر، ومن وسواس الصدر، ومن شتات الأمر، ومن عذاب النار، ومن عذاب القبر، اللهم إني أسألك من خير ما يأتي به الرياح، وأعوذ بك من شر ما يأتي به الرياح، وأسألك خير الليل وخير النهار).

ص: 220

وقد جاء في الحديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقف بعرفات، فلما همت الشمس أن تغيب قبل أن يندفع قال: (اللهمّ إني أعوذُ بكَ من الفَقرِ ومِن تَشَتُّتِ الأمرِ ومن شَرِّ ما يَحدُثُ بالليلِ والنهارِ، أمسَى ظُلمِي مُستَجِيراً بعَفوِكَ، وأمسَى خَوفِي مُستَجيراً بأَمانِكَ، وأَمسى ذُلِّي مُستَجِيراً بِعِزِّكَ، وأَمسى وجهيَ الفانِي البالِي مُستَجِيراً بِوَجهِكَ الباقِي، يَا خَيرَ مَنْ سُئِلَ ويا أجْودَ من أعطى، جَلِّلنِي بِرَحمَتِكَ، وأَلبِسنِي عافِيَتَكَ، واصرِفْ عَني شَرَّ جَميعِ خَلقِكَ) ثم تطلب حاجتك وتسأل ما شئت.وقد جاء في الحديث: (إذا غربت الشمس يوم عرفة فقل: (اللهمَّ لا تَجْعَلهُ آخِرَ العهدِ من هذا الموقِفِ، وارْزُقْنِيهُ من قابلٍ أبداً ما أبقَيتَني؛ واقلِبْنِي اليومَ مُفلِحاً مُنجِحاً مُستَجاباً لي مَرحُوماً مَغفُوراً لي بِأَفضَلِ ما يَنقَلِبُ بِهِ اليومَ أحدٌ مِن وَفدِكَ وحُجّاجِ بيتِكَ الحَرامِ، واجعَلنِي اليومَ مِن أكرَمِ وَفدِكَ عليكَ وأعطِني أفضَلَ ما أَعطَيتَ أحَداً مِنهُم مِن الخَيرِ والبَرَكَةِ والرَّحمَةِ والرِّضوانِ والمَغفِرَةِ، وبارِكْ لي فيما أرجِعُ إليهِ من أهلٍ أو مالٍ أو قليلٍ أو كثيرٍ، وبارِك لهم فيَّ).

وينبغي للحاج أن يدعو في هذا اليوم بما أحب، وبالمأثور من الأدعية كدعاء الإمام الحسين (عليه السلام)، ودعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام)، وسيأتي نص الدعائين في آخر هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

ص: 221

الأمر الثالث: الوقوف في المزدلفة

اشارة

(مسألة – 388) وهذا هو الواجب الثالث من واجبات حج التمتع، يجب على الحاج الوقوف فيه بعد الإفاضة من عرفات، أي الخروج منها بعد غروب الشمس متجهاً نحو المشعر الحرام، ويراد بالوقوف التواجد فيه، سواء أنام أم لم ينم، وهو اسم لفسحة من الأرض تسمى بالمزدلفة، وتبعد عن مكة القديمة حوالي عشر كيلومترات، وتكون داخل الحرم، وحد الموقف طولاً من المأزمين إلى وادي محسّر، وهما حدان وليسا من الموقف إلا عند الزحام وضيق الوقت، فيمتد الموقف ويشمل المأزمين، وهي المنطقة الواقعة بين المشعر وعرفات.

(مسألة – 389) تعتبر في الوقوف بالمشعر الحرام النية، وصورتها –مثلاً-: (أقف بالمشعر الحرام شطراً من ليلة العيد الى طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لحج التمتع من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى)، وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان الحج مستحباً أسقط كلمة (حجة الإسلام).

(مسألة – 390) قد تسأل: ان من افاض من عرفات متجها نحو المشعر الحرام، هل يجب عليه ان يبيت ليلة العيد فيه؟

والجواب: ان ذلك وان كان مشهورا بين العلماء، الا ان الاظهر عدمه، نعم يجب المبيت شطراً من ليلة العيد في مزدلفة

ص: 222

حتى يصبح فيها.(مسألة – 391) المشهور بين العلماء أنه لا يجوز الخروج من المشعر قبل طلوع الشمس، ولكن لا يبعد جواز الخروج منه قبل طلوعها بقليل بنحو لا يجتاز من وادي محسر إلا أن تطلع الشمس.

(مسألة – 392) الوقوف بالمشعر الحرام بمعنى التواجد فيها شطرا من ليلة العيد، وهو اليوم العاشر من ذي الحجة إلى طلوع شمس ذلك اليوم واجب، إلا أن الحج لا يختل بالإخلال بالوقوف في بعض هذه المدة، إذ يكفي لصحة الحج أن يقف برهة من الزمن بين الطلوعين ولو لم يستوعب تمام المدة.

(مسألة – 393) يستثنى من الحكم المتقدم النساء والصبيان والخائف والضعفاء كالشيوخ والمرضى، فيجوز لهم بعد الوقوف في المزدلفة ليلة العيد فترة قصيرة أن يفيضوا منها ليلاً قبل الفجر إلى منى ويرموا جمرة العقبة ليلاً.(1)

(مسألة – 394) من وقف في المشعر الحرام فترة قصيرة من ليلة العاشر، وترك الوقوف ما بين الطلوعين عامداً عالماً بالحكم، صح حجه، ولكنه عليه إثم وكفارة جمل، وإن كان

ص: 223


1- - سؤال: هل يجب على المرافق للنساء حين الإفاضة ليلا من المشعر الرجوع لأدراك الموقف ام لا؟ بسمه تعالى: الظاهر وجوب الرجوع لإدراك الموقف في وقته اذا تيسر وكان باستطاعته ترك النساء بهذا المقدار.

جاهلاً بالحكم فعليه كفارة شاة، وإذا وقف في المشعر بعد طلوع الفجر فترة قصيرة، ثم خرج منه قبل طلوع الشمس متعمداً، فإن كان جاهلاً بالحكم فلا شيء عليه، نعم إن كان مقصراً فعليه إثم، وإن كان عالماً به فعليه كفارة شاة.(مسألة – 395) من لم يتمكن من الوقوف بين الطلوعين في المزدلفة، وهو الوقوف الاختياري لنسيان أو لعذر آخر كعدم توفر واسطة نقل، أو لغير ذلك فإنه يجزيه أن يقف وقتاً ما بين طلوع الشمس إلى ظهر يوم العيد، ويصحّ حجه حينئذٍ، ويسمى هذا الوقوف بالوقوف الاضطراري، ولو تركه عمداً فسد حجه.

إدراك الوقوفين أو أحدهما

تقدم أن كلاً من الوقوفين –الوقوف في عرفات والوقوف في المزدلفة- ينقسم إلى قسمين: اختياري واضطراري، فالوقت الاختياري للوقوف بعرفات يمتد من زوال يوم التاسع من شهر ذي الحجة إلى الغروب، والوقت الاضطراري له يمتد من ليلة العيد –العاشر من ذي الحجة- إلى الفجر والوقت الاختياري للوقوف بالمزدلفة يمتد بالمبيت شطراً من ليلة العيد إلى طلوع الشمس والوقت الاضطراري له يمتد من طلوع الشمس من يوم العيد إلى الزوال.

والمطلوب من المكلف إدراك الاختياري من الوقوفين كليهما، وإلا فله حالات:

الأول: أن لا يدرك شيئاً من الوقوفين: الاختياري منهما

ص: 224

والاضطراري أصلاً لتعذّر وصوله إليهما في الوقت المحدد أو أي مانع آخر، ففي هذه الصورة يبطل حجه ويجب عليه الإتيان بعمرة مفردة بنفس إحرام الحج ويجب عليه الحج في السنة القادمة فيما إذا كانت استطاعته باقية أو كان الحج مستقراً في ذمته.الثانية: أن يدرك الوقوف الاختياري في عرفات والاضطراري في المزدلفة.

الثالثة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات والاختياري في المزدلفة، ففي هاتين الصورتين يصح حجه بلا إشكال.

الرابعة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في كل من عرفات والمزدلفة، والأظهر في هذه الصورة صحة حجه وإن كان الأحوط إعادته في السنة القادمة إذا بقيت شرائط الوجوب أو كان الحج مستقراً في ذمته. نعم إذا كان عدم إدراكه الوقوف في الوقت الاختياري مستنداً إلى سوء اختياره وتسامحه وإهماله بطل حجه ولم يعوض إدراكه الوقوف في الوقت الاضطراري عن ذلك وعليه الإثم والحج من قابل.

الخامسة: أن يدرك الوقوف الاختياري في المزدلفة فقط، ففي هذه الصورة يصح حجه أيضاً.

السادسة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في المزدلفة فقط، ففي هذه الصورة لا تبعد صحة الحج، إلا أن الأحوط أن يأتي

ص: 225

ببقية الأعمال قاصداً فراغ ذمته عما تعلق بها من العمرة المفردة أو إتمام الحج، وأن يعيد الحج في السنة القادمة.السابعة: أن يدرك الوقوف الاختياري في عرفات فقط، والأظهر في هذه الصورة بطلان الحج فينقلب حجه إلى العمرة المفردة، ويستثنى من ذلك ما إذا وقف في المزدلفة ليلة العيد وأفاض منها قبل الفجر جهلاً منه بالحكم كما تقدم ولكنه إن أمكنه الرجوع ولو إلى زوال الشمس من يوم العيد وجب ذلك وإن لم يمكنه صح حجه وعليه كفارة شاة.

الثامنة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات فقط، ففي هذه الصورة يبطل حجه فيقلبه إلى العمرة المفردة.

آداب الوقوف بالمشعر الحرام ومستحباته

(مسألة – 396) يستحب للحاج عند الإفاضة من عرفات إلى المشعر أن يتحلى بالسكينة والوقار، ويتضرع إلى الله تعالى، ويطلب منه خير الدنيا والآخرة، وأن يؤجل المغرب والعشاء إلى حين وصوله إلى المشعر، فيجمع بينهما بأذان وإقامتين.

وقد جاء في الحديث: (لا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة، وتقول: اللهمَّ هذه جَمعٌ، اللهمّ إني أسأَلُك أنْ تَجمَعَ لي فيها جوامِعَ الخيرِ. اللهمّ لا تُؤَيّسنِي من الخيرِ الذي سألتُك أن تَجمَعَهُ لي في قلبي، وأطلبُ إليكَ أن تُعرِّفَنِي ما عَرَّفتَ أولياءكَ في مَنزِلي هذا، وأن تَقِيَنِي جوامِعَ الشَّرِّ. وإن استطعت أن تحيي تلك الليلة فافعل، فإنه بلغنا أن أبواب السماء لا تغلق تلك

ص: 226

الليلة لأصوات المؤمنين، لهم دوي كدويّ النحل، يقول الله جل ثناؤه: أنا ربُّكم وأنتم عبادي أدّيتم حقّي وحقَّ عليَّ أن أستجيبَ لكم، فَيحُطّ تلك الليلة عمن أراد أن يحط عنه ذنوبه ويغفر لمن أراد أن يغفر له).ويستحب للحاج أن يكون على طُهر بعد صلاة الفجر، فيقف ويحمد الله عزَّ وجل ويثني عليه، ويذكر آلائه وبلائه ما يقدر عليه، ويصلي على النبي، ويقول: (اللهمّ ربَّ المَشْعَرِ الحرامِ، فُكَّ رَقَبَتِي من النّارِ، وأَوسِعْ عَليّ من رِزقِكَ الحلالِ، وادرَأ عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الجِنِّ والإنسِ، اللهمّ أنتَ خيرُ مَطلوبٍ إليهِ وخيرُ مَدعوٍّ وخيرُ مسؤولٍ، ولِكُلِّ وافدٍ جائِزةٌ فاجعَلْ جائِزَتِي في مَوطِني هذا أن تُقِيلَني عَثرَتِي وتَقبَلَ مَعذِرَتِي وأن تَجاوزَ عن خَطيئَتِي ثمّ اجعَلِ التَقوى من الدُنيا زادي) ثم أفض.

ص: 227

واجبات يوم العيد

(مسألة – 397) إذا طلعت شمس يوم العيد –العاشر من ذي الحجة- على الحاج وهو في المشعر انتهى ما عليه في هذا المكان ولزمه التوجه نحو منى، وهو يعني الاقتراب من مكة، لأن منى أقرب إلى مكة من المشعر ولا تبعد عنها إلا حوالي ثلاثة كيلومترات، ويحدها طولاً من ناحية مكة العقبة ومن ناحية المشعر وادي محسّر.

وأما عرضاً فليس لها حدود واضحة، فكل ما سمي ب-(منى) في لسان أهل تلك البلاد فهو منى، والأحوط عدم التجاوز عن ذلك بالابتعاد عرضاً إلى نقاط يشك في كونها من منى.

ويجب على الحاج أن يقوم بثلاثة أعمال في نهار يوم العيد في منى، وهي: رمي جمرة العقبة، والذبح، والحلق أو التقصير، ونذكرها فيما يلي تباعاً.

1- الأمر الرابع: رمي جمرة العقبة

اشارة

(مسألة – 398) وهو الرابع من واجبات الحج، (وجمرة العقبة) اسم لموضع مخصوص، وهي واحدة من ثلاث جمرات، وتعتبر جمرة العقبة أقربها إلى مكة، ولا يجب في يوم العيد رمي سواها.

ص: 228

(مسألة – 399) الكيفية: وكيفية الرمي:أولاً: تجب النية وصورتها –مثلاً-: (أرمي جمرة العقبة سبعاً في حج التمتع من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى).

وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان الحج مستحباً أسقط كلمة (حجة الإسلام).

ثانياً: أن يكون الرمي بسبع حصيات ولا يجزئ الأقل من ذلك، ولا ضرر من الزيادة.

ثالثاً: أن يكون رميها على نحو التتابع لا دفعة واحدة.

رابعاً: إيصالها إلى الجمرة بالرمي، فلا يكفي وضعها على الجمرة من دون رمي، ولا رميها من دون إصابتها للجمرة كسقوطها قبل الوصول إلى الجمرة، وأن يكون الرمي مباشرة فلا يكفي توجيه الحصاة إلى جسم أو آلة ليوجهها إلى الجمرة. (1)

وإذا رمى وشك في إصابة الجمرة ألغى تلك الرمية من الحساب ورمى مرة أخرى حتى يستيقن بالإصابة، نعم إذا شك

ص: 229


1- - سؤال: هل يجب إصابة الجمرة ام يكفي الرمي في الحوض؟ بسمه تعالى: يجب رمي موضع الجمرة وهو الموضع المخصوص من الارض والذي عرف عبر التاريخ بعلامات عديدة كالصخرة أو الأكمة أو الأعلام أو الأعمدة. سؤال: هل يجزي رمي الجمرة الكبرى من الطابق الثاني عند شدة الزحام في يوم العيد؟ بسمه تعالى: لا بأس به إذا لم يتمكن من الرمي من الطابق الأرضي مع تحرّيه لذلك.

بعد دخوله في واجب آخر مترتب عليه، أو كان بعد دخول الليل فلا يعتني به.خامساً: أن يقع الرمي بين طلوع الشمس وغروبها من اليوم العاشر، ويستثنى من ذلك من سبق أنهم مرخصون في الإفاضة من المشعر أي الخروج منه في الليل، فإنهم مرخصون بالرمي أيضاً في تلك الليلة دون الذبح أو النحر فيها إلا الخائف.(1)

سادساً: أن تكون الحصيات مأخوذة من الحرم –ويستثنى من الحرم المسجد الحرام ومسجد الخيف- وأن تكون أبكاراً، بمعنى عدم العلم بأنها كانت مستعملة في الرمي قبل ذلك.

أحكام رمي جمرة العقبة

وحكم رمي جمرة العقبة أنه واجب كما عرفت، وإذا تركه المكلف نسياناً أو جهلاً بالوجوب ثم التفت إلى الحال فله صور:

الأولى: أن يتذكر في نفس يوم العيد فيؤديه ولا تجب عليه إعادة ما أتى به من أعمال الحج المترتبة على الرمي كالذبح

ص: 230


1- - سؤال: إذا كان الزوج لا يأمن على زوجته بذهابها إلى منى ليلاً لرمي جمرة العقبة ولا يتيسر توفير سيارة لنقلها إلى الجمرة نهاراً أو يتيسّر ذلك ولكن الزحام شديد فهل يجوز لها ان تستنيب للرمي؟ بسمه تعالى: ليهيئ كل المقدمات التي تمكنهما من امتثال الواجب من دون تساهل أو تقصير وإذا تعذّر عليها الرمي نهاراً فيرخّص للنساء الرمي ليلاً في بعض الموارد (راجعها في المناسك) .

والتقصير والطواف.الثانية: أن لا يتذكر إلى أن يمضي نهار يوم العيد فيتذكر في ليلة الحادي عشر أو نهاره فيقضيه في نهار اليوم الحادي عشر ويفرق بينه وبين الرمي المفروض في ذلك النهار، ويقدم القضاء على أداء وظيفة ذلك النهار جاعلاً القضاء صباحاً والأداء عند الظهر على الأحوط، ولا تجب عليه إعادة ما أتى به من أعمال الحج.

الثالثة: أن يتذكر بعد مضي اليوم الحادي عشر وقبل خروجه من منى فيجب عليه أن يرمي إلى الثالث عشر، وإذا كان في مكة والتفت وجب عليه الرجوع إلى منى والرمي، ولا تجب عليه إعادة ما أتى به من أعمال الحج وإذا كان التذكر خلال أيام التشريق فعليه أن يبادر إلى الرجوع والرمي على نحو يحصل الرمي في أيام التشريق التي تمتد من اليوم الحادي عشر إلى نهاية اليوم الثالث عشر من ذي الحجة.

الرابعة: أن يلتفت إلى الحال بعد الخروج من مكة والتوجه نحو بلده فلا يجب عليه الرجوع، بل الأحوط قضاؤه في السنة التالية في وقته مخيراً بين الذهاب بنفسه أو الاستنابة.

(مسألة – 400) إذا ترك المكلف رمي جمرة العقبة وهو عامد في تركه وعالم بالأحكام وتسلسل المناسك ووجوبها، فإن استمر على تركه بطل حجه، وإذا تداركه قبل مضي وقته صح، والاحوط له حينئذٍ أن يعيد ما أتى به من الأعمال المترتبة على

ص: 231

الرمي كطواف الحج والسعي، كما يترتب عليه كفارة الحلق إذا كان قد حلق.(مسألة – 401) إذا ترك الحاج رمي جمرة العقبة عن علم وعمد، ومضى إلى مكة، وطاف طواف الحج قبل الحلق والذبح، فعليه كفارة شاة، كما أن عليه أن يرجع إلى منى، ويرمي ويذبح، ثم يحلق أو يقصر، وبعد ذلك يعود إلى مكة، ويعيد الطواف قبل مضي الوقت على الاحوط، فإن فعل ذلك صح حجه، وإلا بطل.

وكذلك إذا رمى جمرة العقبة ولكنه ترك الحلق أو التقصير عامداً عالماً بتسلسل الأعمال، ومضى إلى مكة، وطاف طواف الحج، وسعى بين الصفا والمروة، فإن عليه دم شاة، ووجوب أن يرجع إلى منى ويحلق ويقصر فيها، ثم يعيد الطواف والسعي فإن صنع ذلك صح حجه وإلا فسد.

آداب رمي الجمرات

(مسألة – 402) يستحب أن يكون الحاج على طهارة في حال الرمي، وإذا أخذ حصاة الجمار وأتى الجمرة القصوى التي عند العقبة رماها من قبل وجهها، أي مستدبر القبلة ويرمي غيرها وهو مستقبل لها، ويقول والحصى بيده: (اللهمَّ هذه حُصَيَّاتي فأحصِهِنَّ لي وارفعْهُنَّ في عمَلِي)، ثم يرمي فيقول مع كل حصاة: (اللهُ أَكبَرُ اللهمَّ ادْحَر عَنِّي الشَّيطانَ، اللهمّ تَصدِيقاً بِكتابِكَ وعلى سُنَّةِ نَبيِّكَ، اللهمّ اجعَلهُ لي حَجاً مَبرُوراً وعَمَلاً

ص: 232

مَقبُولاً وسَعياً مَشكُوراً وذَنْباً مَغفُوراً)، فإذا رجع من الرمي قال: (اللهمَّ بِكَ وَثِقتُ وعَليكَ تَوكَّلتُ، فَنِعمَ الرَّبُّ ونعمَ المَولى ونِعمَ النَّصيرُ).

2- الأمر الخامس: الذبح والنحر في منى

اشارة

وهو الخامس من واجبات حج التمتع.

(مسألة – 403) موضعه من الناحية المكانية منى، وإذا ضاقت منى بالناس وتعذرت ممارسة الواجبات فيها اتسعت رقعة منى شرعاً فشملت وادي محسّر، وعليه فإذا أنجز الناس واجبات منى في الوادي كفى، وهي منطقة بين منى والمشعر وتفصل الأولى عن الثانية، وإذا تعذر الذبح في منى بسبب منع السلطات وتعيين المجازر خارج منى جاز للحاج أن يذبح في تلك المجازر، أو في مكة شريطة أن لا يتمكن من الذبح في منى طوال ذي الحجة بسبب أو آخر وإلا وجب التأخير، وإذا ذبح في غير منى جهلاً بالحكم أو نسياناً، أو لاعتقاد أن المكان الفلاني الذي يذبح فيه من منى، فلا يبعد صحة ذبحه، وإذا شك في نقطة أنها من منى أو لا، فلا يجزي الذبح أو النحر فيها.

(مسألة – 404) موضعه من الناحية الزمانية: يوم العيد على الأحوط، فإذا لم يأتِ به في ذلك اليوم عامداً أو غير عامد فالأحوط أن يأتي به خلال أيام التشريق، وهي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وإذا لم يأت به خلال تلك الأيام وجب عليه أن يأتي به خلال شهر ذي الحجة.

ص: 233

(مسألة – 405) موضعه من ناحية تسلسل الواجبات: بعد الرمي وإن قدمه على الرمي جاهلاً أو ناسياً صح، ولم يحتج إلى الإعادة وإن قدمه عليه عامداً وملتفتاً بوجوب البدء بالرمي أولاً، فالأحوط إعادته بعد أن يرمي، وإن كان الأقوى عدم وجوب الإعادة.(مسألة – 406) من لم يتمكن من الذبح أو النحر في منى يوم العيد بسبب من الأسباب فلا يجب عليه أن يؤخر الحلق أو التقصير أيضاً، ولكنه لا يتحلل به من إحرامه لو فعله حتى يُتم أعمال يوم النحر.

(مسألة – 407) تجب فيه النية عند المباشرة، أو عند التوكيل بأن ينوي –مثلاً -: (أذبح الشاة لحج التمتع من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى)، وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان حجاً مستحباً أسقط كلمة (حجة الإسلام).(1)

(مسألة – 408) إذا ترك الحاج الذبح أو النحر في يوم العيد عامداً وملتفتاً إلى موضعه التسلسلي، وأتى بسائر واجبات الحج من الحلق أو التقصير والطواف فإن استمر على تركه بطل حجه، وإن تداركه قبل مضي وقته صح، ولا يجب عليه إعادة

ص: 234


1- - سؤال: إذا استناب النائب عن غيره في الحج شخصاً في الذبح له فعن من ينوي الذبح؟ عن النائب ام عن المنوب عنه؟ بسمه تعالى: يذبح النائب للنسك الذي تلبّس به (وهو حج التمتع مثلاً) نيابة عن غيره.

الحلق والتقصير ولكن تجب إعادة الطواف.(1)وإذا تركه نسياناً أو جهلاً بالحكم، ثم تذكر وجب عليه تداركه وإن كان التذكر في آخر ذي الحجة، ولا تجب عليه إعادة ما أتى به من الأعمال المترتبة عليه حتى الطواف.

(مسألة – 409) يجب أن يكون الهدي من أحد الأنعام الثلاث: الإبل والبقر والغنم، ولا يجزي من الإبل إلا ما أكمل السنة الخامسة، ودخل في السادسة، ولا يجزي من البقر والمعز إلا ما أكمل الثانية ودخل في الثالثة على الأحوط، ولا يجزي من الضان إلا ما أكمل الشهر السابع ودخل في الثامن، والأحوط أن يكون قد أكمل السنة الواحدة ودخل في الثانية، وإذا تبين له بعد الذبح أنه لم يبلغ السن المعتبر فيه لم يجزئه ذلك ولزمته الإعادة.

ويعتبر في الهدي أن يكون تام الأعضاء، فلا يجزي الأعور والأعرج والمقطوع أذنه والمكسور قرنه من الداخل والخصي، وأن لا يكون مهزولاً عرفاً، والأحوط الأولى أن لا يكون مريضاً ولا موجوءاً، ولا مرضوض الخصيتين ولا كبيراً لا مخ

ص: 235


1- - سؤال: إذا كان المكلف يأتي بالحج الاستحبابي لنفسه فهل يجوز له ترك الذبح بمنى تخفيضاً لنفقات الحج لأن الهدي يكلّف مبلغاً معتداً به في هذه الأيام؟ بسمه تعالى: ليس له ذلك إلا أن يصدق عليه عنوان (عدم وجدان الهدي)، فينتقل إلى البدل وهو صيام عشرة أيام.

له، ولا فاقد القرن أو الذنب من أصل خلقته، ولا بأس بأن يكون مشقوق الأذن أو مثقوبها، وإذا لم يتيسر الهدي الواجد لكل هذه الشروط أجزأه ما تيسر له من الهدي.(مسألة – 410) لا يجوز أن يشترك شخصان يقومان في حجة الإسلام في هدي واحد، بل لا بد من ذبيحة مستقلة لكل منهما.

(مسألة – 411) إذا اشترى هدياً باعتقاد سلامته فنقد ثمنه، ثم علم أن به عيباً فالظاهر جواز الاكتفاء به.

(مسألة – 412) إذا اشترى هدياً باعتقاد أنه سمين فبان مهزولاً أجزأه وإن كان الانكشاف قبل الذبح أو النحر، ولا فرق في ذلك بين أن يملك الهدي بالشراء أو الإرث أو الهبة.

(مسألة – 413) إذا ذبح الهدي(1) وبعد الذبح شك في أنه كان واجداً للشروط أو لا، يحكم بصحته وعدم وجوب الإعادة شريطة احتمال أنه كان ملتفتاً في وقت الذبح إلى ما يعتبر في صحته، وكذلك إذا شك بعد الذبح أنه كان بمنى أو كان في محل آخر، نعم إذا شك في نقطة أنها من منى أو لا لم يكف الذبح فيها، إلا على نحو قرّبه بعض الأساطين(2) وهو غير تام، وإذا شك في أصل الذبح فإن كان الشك بعد الدخول في الحلق أو

ص: 236


1- - سؤال: هل يجوز الذبح بالسكين الإستيل أم لا؟ بسمه تعالى: إذا كانت حادة وقاطعة فلا بأس.
2- السيد الشهيد الصدر الأول (قدس سره) في (موجز أحكام الحج) ووافقه الشيخ الفياض (دام ظله الشريف) في (مناسك الحج).

التقصير لم يعتن بشكه تطبيقاً لقاعدة التجاوز.(مسألة – 414) إذا شك الحاج في هزال هديه فذبحه امتثالاً لأمر الله تعالى رجاءً، وبعد الذبح ظهر أنه كان سميناً أجزأه ذلك.

(مسألة – 415) إذا اشترى هدياً سليماً وصحيحاً، وبعد الشراء مرض وصار مهزولاً، أو أصابه كسر في رجله أو قرنه من الداخل أو غير ذلك أو عيب كما إذا صار أعور أو أعرج أو مقطوع الأذن أجزأه ذبحه ولا يجب عليه تبديله بالهدي الصحيح.

(مسألة – 416) إذا ضل هديه ثم اشترى مكانه هدياً آخر فإن وجد الأول قبل ذبح الثاني ذبح الأول، وأما الثاني فهو بالخيار إن شاء ذبحه، وإن شاء لم يذبحه، فإنه كسائر أمواله وإن وجده بعد ذبحه الثاني ذبح الأول أيضاً.

(مسألة – 417) إذا وجد شخص هدياً ضالاً وجب تعريفه عليه إلى اليوم الثالث عشر، فإن لم يجد صاحبه ذبحه عصر اليوم الثالث عشر عن صاحبه بمنى.

(مسألة – 418) من لم يجد الهدي وتمكن من ثمنه فعليه أن يدع ثمنه في مكة عند ثقة ليشتري به هدياً ويذبحه عنه في منى إلى آخر ذي الحجة، فإن مضى الشهر انتهى وقته فحينئذٍ يجب عليه أن يذبحه في السنة القادمة.

(مسألة – 419) إذا لم يتيسر للحاج الهدي ولا ثمنه، فعليه

ص: 237

صيام عشرة أيام بديلاً عنه، ثلاثة أيام في الحج: اليوم السابع والثامن والتاسع من ذي الحجة، وسبعة أيام إذا رجع إلى بلدته، والأظهر أن يكون صيام السبعة في بلدته متوالياً، ويجوز أن يكون صيام الثلاثة من أول ذي الحجة بعد التلبس بإحرام عمرة التمتع.(1)ويجب التتابع في صيام الأيام الثلاثة مطلقاً، سواء أصام تلك الأيام في العشرة الأولى من ذي الحجة أم بعد أيام التشريق، أم في العشرة الأخيرة، كان في الطريق أم في مكة أم في بلدته، ولا تجزي إذا كانت متفرقة، وإذا لم يرجع الحاج إلى بلده، وأقام بمكة فعليه أن يصبر حتى يرجع أصحابه إلى بلدهم، أو يمضي شهر كامل ثم يصوم السبعة.

(مسألة – 420) من يجب عليه صوم ثلاثة أيام في الحج، إذا لم يتمكن من الصوم في اليوم السابع، أخّر إلى ما بعد أيام التشريق وحينئذٍ فإن كان في مكة، صام ثلاثة أيام متابعات فيها وإن لم يتمكن من البقاء فيها فإن شاء صام الأيام الثلاثة في الطريق، وإن شاء صامها في بلدته، ولا يجوز الجمع بين الثلاثة والسبعة بأن يصوم عشرة أيام متواليات، وإذا لم يصم الحاج الثلاثة حتى أهل هلال محرم سقط الصوم عنه وتعين عليه

ص: 238


1- - سؤال: المتمتع إذا لم يملك ثمن الهدي ولا يستطيع الصوم فما هو حكمه؟ بسمه تعالى: يُعلم الحاكم الشرعي بذلك.

الهدي في السنة القادمة.(مسألة – 421) من كان في منى لممارسة أعمال الحج فيها، لا يجوز له أن يصوم أيام التشريق وهي اليوم (11، 12، 13) من ذي الحجة ويجوز أن يصوم اليوم الثالث عشر إذا كان في مكة وليس في منى.

كما أنه يجوز لغير الحاج أن يصوم هذه الأيام الثلاثة في بلده أو مكان آخر.

(مسألة – 422) إذا تيسر له الهدي بعد يوم العيد خلال أيام التشريق أو بعدها حتى في العشرة الأخيرة من ذي الحجة، فإن كان ذلك قبل صيامه الأيام الثلاثة في الحج، فلا إشكال في أن وظيفته الهدي دون الصيام، وإن كان ذلك بعد صيام الأيام الثلاثة فيه فإن وظيفته الهدي أيضاً.

(مسألة – 423) الحاج إذا ترك صيام الأيام الثلاثة في تمام ذي الحجة فإن وظيفته الهدي في السنة الأخرى، ولا فرق في ذلك بين أن يكون ترك صيامها عن اختيار أو نسيان أو جهل، بل الأمر كذلك إذا كان تركها لعذر كالمرض أو نحوه.

(مسألة – 424) إذا صام المكلف ثلاثة أيام في الحج فإنه يجوز له أن يصوم سبعة أيام بعد ذي الحجة في بلده، لأن صوم الأيام الثلاثة مؤقت بذي الحجة دون صوم الأيام السبعة.

(مسألة – 425) إن المكلف إذا نسي صيام الأيام الثلاثة في مكة، ورجع إلى بلده وتذكر في وقت يتمكن من الهدي فيه فإن

ص: 239

وظيفته الهدي.(مسألة – 426) إن المكلف إذا صام الأيام الثلاثة في ذي الحجة، ثم مات في بلده إذا رجع قبل أن يصوم السبعة فلا يجب على وليه القضاء.

(مسألة – 427) إن من لم يتمكن من الهدي مستقلاً، وتمكن من الشركة فيه مع غيره فإن وظيفته الصيام.(1)

(مسألة – 428) إذا وكل الحاج شخصاً في الذبح أو النحر عنه، ثم شك في أنه ذبحه أو نحره أو لا، بنى على عدمه إلا إذا كان الوكيل ثقة وأخبره بذبحه أو نحره فإنه يكتفي به، أو حصل له الاطمئنان بذلك.

(مسألة – 429) لا تعتبر شرائط الهدي في الكفارة.

(مسألة – 430) يجب على الحاج أن يذبح هديه أو ينحره في منى مباشرة أو بالوكالة، ولا يعتبر الإيمان في الوكيل ويكفي إسلامه، ولا بد أن تكون النية مستمرة من صاحب الهدي إلى الذبح، ولا يشترط نية الذابح وإن كانت أحوط وأولى.(2)

ونعني باستمرار النية كونها كامنة في أعماق نفسه على نحو لو سأله سائل: ماذا صنعت، لانتبه فوراً إلى أنه وكّل فلاناً

ص: 240


1- - سؤال: هل يجوز الاشتراك في هدي واحد إذا كان الحج مستحبا؟ بسمه تعالى: إذا لم يتمكن من الهدي مستقلاً، انتقلت وظيفته إلى الصيام.
2- - سؤال: هل يجوز للحاج ان يذبح عن غيره قبل ان يذبح لنفسه؟ بسمه تعالى: لا بأس بذلك لأن ذباحة الحيوان ليست من منافيات الإحرام.

بالذبح عنه ونوى القربة فيه، ومن هنا لو نوى الصلاة وكبّر ثم ذهل عن نيته وواصل صلاته على هذه الحال من الذهول صحّت صلاته ما دامت النية كامنة في أعماقه على نحو لو سأله سائل: ماذا تفعل؟ لانتبه فوراً إلى أنه يصلي قربة إلى الله تعالى، وهكذا الحال في سائر العبادات، حيث لا يمكن أن يكون المصلي منتبهاً إلى نيته انتباها كاملاً في جميع أحوال الصلاة من المبدأ إلى المنتهى.

مصرف الهدي

(مسألة – 431) يجب على الحاج إذا وجد الفقراء في منى أن يتصدق عليهم من لحوم ذبيحته، ويجوز له أن يأكل منها وعائلته وإخوانه، هذا إذا لم يسق هديه معه، وإلا وجب عليه أن يتصدق بثلث منها للفقراء، وثلث منها للقانع والمعتر(1)، ويأكل هو وأهله من الثلث الباقي، هذا في فرض التمكن من ذلك، وإلا فلا شيء عليه.

(مسألة – 432) لا معنى لما قيل من أن الحاج إذا كان يأخذ الوكالة عن فقير في بلده فيقبض ثلثه وكالة عنه فإنه يكفي ذلك، ويعوض عن إطعام الفقير، لأن المأمور به في الآية الشريفة عنوان إطعام البائس الفقير الموجود في منى وهو لا ينطبق عرفاً

ص: 241


1- - فُسِّر القانع بالذي يرضى ويقتنع إذا أُعطي، والمعتر بالمتوقع الذي يعتري ويتعرض ولا يسأل وإن لم يكن فقيراً كالأهل والجوار الذين يتوقعون من شخص.

على تقبل الحاج للثلث وكالةً عن فقير يبعد عن منى مئات الفراسخ، ولا يحصل على شيء من الذبيحة، كما أن المأمور به عنوان الإطعام، لا مجرد إنشاء التمليك.(1)(مسألة – 433) لا يعتبر الإيمان في الفقير، وإذا وجد الحاج فقراء في منى تصدق باللحم عليهم مهما كان مذهبهم ونوعهم.

(مسألة – 434) يجوز إخراج لحوم الأضاحي من منى.

(مسألة – 435) لا يضمن الحاج حصة الفقراء إذا تلفت، بل لو أتلفها عامداً وملتفتاً إلى الحكم الشرعي لم يضمن، لأن الظاهر من الآية الشريفة والروايات أن وجوب إطعام الفقراء من الذبيحة وجوب تكليفي من دون أن تكون الذبيحة متعلقة لحقهم.

آداب الذبح أو النحر

(مسألة – 436) يستحب أن يقول عند الذبح أو النحر: (وَجَّهتُ وَجهِيَ للّذي فَطرَ السَمَاواتِ والأرضِ حَنيفاً ومَا أنا من المُشرِكينَ، إنَّ صلاتِي ونُسُكي ومَحيَايَ ومَماتي للهِ ربِّ العالَمينَ، لا شريكَ لهُ وبِذلكَ أُمِرتُ وأنا منَ المُسلِمينَ، اللهمّ مِنكَ ولكَ، بِسمِ اللهِ واللهُ أكبرُ، اللهمّ تَقَبَّل منِّي كما تَقَبّلتَ مِن

ص: 242


1- - سؤال: في الوقت الحاضر لا يمكن تقسيم الهدي إلى ثلاثة اقسام حتى ان الحكومة تمنع من ان يأكل منه صاحبه وكذا تمنع من توزيع شيء منه على الفقراء والمؤمنين فما هو تكليف الحاج؟ بسمه تعالى: ليس عليه العمل بمقتضى هذا التقسيم.

إبراهيمَ خَليلِكَ ومُوسى كَلِيمِكَ ومحمدٍ حبيبِكَ صلى اللهُ عليهِ وعليهمِ).

3- الأمر السادس: الحلق والتقصير

اشارة

وهو الواجب السادس من واجبات حج التمتع.

(مسألة – 437) موضعه من الناحية المكانية منى، وإذا خرج منها نسياناً أو جهلاً منه بالحكم، ولم يؤد هذا الواجب، فإن تذكر أو علم بالحكم وجب عليه الرجوع إلى منى مع التمكن فإن تعذر الرجوع أو تعسّر عليه حلق أو قصر في مكانه وبعث بشعر رأسه إلى منى، وإذا خرج منها تاركاً للحلق أو التقصير عامداً وملتفتاً إلى الأحكام الشرعية وتسلسل المناسك فإن استمر على تركه بطل حجه، وإن تداركه في وقته صح، وحينئذٍ فإن كان قد طاف بالبيت وسعى قبل الحلق أو التقصير عن عمد وعلم فعليه أن يعيدهما بعد الحلق أو التقصير ويكفر بدم شاة.

(مسألة – 438) موضعه من الناحية الزمانية نهار يوم العيد على الأحوط، وإذا أخّره عن نهار يوم العيد عامداً وملتفتاً إلى الحكم الشرعي وأتى به بعدها إلى آخر أيام التشريق أو بعدها، بل إلى آخر ذي الحجة صح حجه، ولكن إذا كان قد طاف بالبيت وسعى قبل الحلق أو التقصير عالماً عامداً فعليه الإعادة والكفارة كما مرّ، وإذا تركه نسياناً أو جهلاً بالحكم حتى نفر من منى وجب عليه الرجوع في أي وقت تذكر لأدائه مع التمكن،

ص: 243

وإن تعذر الرجوع أو تعسر حلق أو قصر في موضعه وأرسل بشعره إلى منى.وكذا من خرج من منى قبل الحلق أو التقصير لحاجة ناوياً الرجوع إليها لأداء أعمالها ولكن تعذر عليه الرجوع لسبب أو آخر، فإن وظيفته الحلق أو التقصير في مكانه وإرسال شعره إلى منى.

(مسألة – 439) موضعه من ناحية تسلسل الأعمال بعد رمي جمرة العقبة والذبح، ولكن إذا قدمه على الذبح جاهلاً بالحكم أو ناسياً أو عالماً عامداً صح، ولا تجب عليه إعادته بعد الذبح، وأما إذا قدمه على الرمي، فإن كان جاهلاً أو ناسياً صح أيضاً، ولا تجب إعادته، وإن كان عامداً عالماً بالحال فالأحوط وجوب إعادته بعد الرمي ولو بإمرار الموسى.(1)

(مسألة – 440) وكيفيته، أن الرجل الحاج إذا كان مسبوقاً بحجة أو أكثر، فوظيفته التخيير بين الحلق أو التقصير، ونريد

ص: 244


1- -سؤال: إذا اخر الذبح عن عمد فهل يستطيع الحلق او التقصير ام لا بد من وقوعه بعد الذبح؟ بسمه تعالى: يجب الاتيان بالحلق بعد الذبح او شراء الهدي وتهيئته على الاحوط، ولكن إذا قدم الحلق او التقصير فلا تجب الإعادة. سؤال: هل يجوز للحاج ان يرمي جمرة العقبة ثم يقصر او يحلق ثم يذبح هديه؟ بسمه تعالى: لا بأس به مع عدم التعمد كما لو حصل جهلاً أو اشتباهاً، وكذا مع الاطمئنان بتحصيل الهدي قبل ذلك.

بالحلق حلق شعر الرأس بتمامه، سواء أكان بالموس أو بالماكنة التي لا تبقي شعراً (والتي يسمونها نمرة صفر)، وإن كان في حجته الأولى (الصرورة) فالاحوط له أن يختار الحلق، نعم إذا لبد الرجل الحاج شعر رأسه أو عقصه فالأظهر وجوب الحلق عليه تعييناً وإن لم يكن صرورة.(1)وأما المرأة الحاجة، فيتعين عليها التقصير وإن كان شعر رأسها ملبداً أو معقوصاً.

(مسألة – 441) نيته: تجب فيه النية بتمام عناصرها الثلاثة، من نية القربة والإخلاص وقصد اسمه الخاص وعنوانه المخصوص المميز له شرعاً، وصورتها – مثلاً: (أحلق، أو أقصر في حج التمتع من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى مخلصاً لوجهه الكريم)، وإن كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإن كان مستحباً أسقط كلمة (حجة الإسلام) وهكذا.

(مسألة – 442) أثره، إذا حلق المحرم أو قصر حل له كل شيء يحرم عليه بالإحرام ما عدا الطيب والنساء والصيد الإحرامي (أي المحرّم عليه بسبب كونه محرماً ولو كان خارج الحرم)، ويجوز له حينئذٍ أن يلبس ثيابه الاعتيادية، وأن يغطي رأسه بما يشاء، وهكذا.

ص: 245


1- - سؤال: النائب عن غيره في الحج هل يجب عليه الحلق إذا كان المنوب عنه صرورة ولم يكن النائب صرورة؟ بسمه تعالى: لا يتعين عليه.

(مسألة – 443) الخنثى المشكل يجب عليه التقصير إذا لم يكن ملبداً أو معقوصاً، وإلا جمع بين التقصير والحلق، ويُقدم التقصير على الحلق.(مسألة – 444) من أراد الحلق وعلم أن الحلاق يدميه فعليه أن يقصّر أولاً ثم يحلق.(1)

آداب الحلق ومستحباته

(مسألة – 445) يستحب أن يكون الحاج مستقبلاً القبلة، وأن يبدأ فيه من الطرف الأيمن، وأن يقول حين الحلق: (اللهمّ أعطِني بِكُلِّ شَعْرَةٍ نوراً يومَ القيامَةِ) وأن يدفن شعره في خيمته في منى، وأن يأخذ من لحيته وشاربه ويقلّم أظافره بعد الحلق.

ص: 246


1- - سؤال: شخص صرورة جُرح رأسه فيتعسر عليه الحلق هل يجزيه التقصير؟ بسمه تعالى: لا بأس بذلك

الأمر السابع والثامن والتاسع:طواف الحج وصلاته والسعي

اشارة

الواجب السابع والثامن والتاسع من واجبات الحج الطواف وصلاته والسعي.

(مسألة – 446) كيفيتها وشرائطها هي نفس الكيفية التي ذكرناها في طواف العمرة وصلاته وسعيها، غير أن النية تختلف، فينوي هنا أنه يطوف ويصلي ويسعى بين الصفا والمروة لحج التمتع، بدلاً من عمرة التمتع.

(مسألة – 447) موضعه من الناحية الزمانية، يمتد من اليوم العاشر من ذي الحجة إلى آخر أيامه، فيجوز تأخيره إلى ما بعد أيام التشريق، بل إلى آخر ذي الحجة على الأظهر، وإن كان الأحوط أن لا يؤخره عن اليوم الحادي عشر، وكذلك الأمر في السعي فإن موضعه التسلسلي بعد الطواف وركعتيه.

(مسألة – 448) موضعه من ناحية تسلسل المناسك بعد الوقوف بالموقفين وأعمال منى يوم العيد، فلا يجوز تقديم طواف الحج وصلاته، والسعي على الوقوف في الموقفين ولو قدم ذلك على الوقوف بهما عامداً أو غير عامد لم يجزئ وتجب عليه الإعادة في موضعها التسلسلي.

نعم يستثنى من ذلك المعذور والشيخ الكبير والمرأة الكبيرة والمرأة التي تخاف من الحيض والمريض، فيجوز لهؤلاء بعد

ص: 247

التلبس بإحرام الحج تقديم الطواف وصلاته والسعي على الوقوف بالموقفين.ويجوز لهؤلاء المعذورين أن يقدموا طواف النساء(1) أيضاً على الوقوف بالموقفين وإن كان الأحوط عدم تقديمه.

(مسألة – 449) يسوغ للخائف على نفسه أو عرضه أو ماله من دخول مكة أن يقدم الطواف وصلاته والسعي على الوقوف بالموقفين، بل يجوز له تقديم طواف النساء أيضاً، فيمضي بعد الانتهاء من أعمال منى إلى بلده أو بلد آخر.

(مسألة – 450) لا يجوز تقديم طواف الحج على الحلق أو التقصير، فلو قدمه بأن ذهب إلى مكة فطاف قبل أن يحلق أو يقصر، فإن كان عامداً عالماً بالحال فعليه التكفير بشاة، وإعادة ما أتى به من الطواف وصلاته والسعي بعد أن يحلق ويقصر، وإن كان جاهلاً بالحكم أو ناسياً ثم التفت إلى الحال حلق أو قصر، ولا كفارة عليه ولا إعادة.

(مسألة – 451) أثره، إذا طاف الحاج رجلاً كان أم امرأة وصلى صلاة الطواف، وسعى بين الصفا والمروة حل له الطيب، وبقي عليه من محرمات الإحرام شيئان:

ص: 248


1- - سؤال: هل يجوز تقديم طواف النساء لمن يخاف عدم تمكنه من ادائه بعد الحج لشدة الزحام؟ بسمه تعالى: يُرخَّص للمريض وكبير السن والمرأة التي تخاف الحيض بتقديم طواف الحج والنساء على الوقوفين.

أحدهما: النساء، ونريد بحرمة النساء هنا خصوص الاستمتاع بها جماعاً، وأما سائر أنواع الاستمتاعات فهي تحل له بالحلق أو التقصير، وكذلك عقد النكاح.والآخر: الصيد الإحرامي.

وإذا طاف طواف النساء حلّ له النساء، وإذا زالت الشمس في اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة حل له الصيد، وأما الصيد الحرمي فقد ظل عليه محرماً ما دام في الحرم.

(مسألة – 452) إذا طاف الرجل طواف النساء، ثم قبل امرأته بشهوة وهي لم تطف طواف النساء فعليه كفارة دم شاة.

(مسألة – 453) من كان يجوز له تقديم طواف الحج وصلاته والسعي على الوقوف بالموقفين، فإذا قدمهما عليه فإنه لا يحل له الطيب حتى يأتي بتمام أعمال منى، من رمي جمرة العقبة والذبح والحلق أو التقصير.

(مسألة – 454) حكمه، من ترك الطواف أو صلاته، أو السعي عامداً وملتفتاً إلى الحكم الشرعي فإن تداركه قبل مضي الوقت صحّ، وإن لم يتدارك حتى انتهى الوقت بانتهاء ذي الحجة بطل حجه.

ومن ترك الطواف أو السعي جاهلاً بالوجوب، واستمر على هذه الحالة ولم يتدارك قبل مضي الوقت، بطل حجه أيضاً وعلى تارك الطواف جهلاً كفارة بدنة.

ومن ترك صلاة الطواف جاهلاً بوجوبها تداركها في محلها،

ص: 249

ومع عدم التمكن صلاها في مكانه وإذا نسي صلاة الطواف فإن تذكر وهو في مكة وجب عليه الإتيان بها في محلها، وإن تذكر بعد الخروج من مكة، فإن كان التذكر بعد الابتعاد عن مكة بمسافة قليلة وجب عليه أن يرجع ويصلي في محلها، أو يستنيب من يصلي عنه، والأحوط وجوباً أن تكون الاستنابة في حال عجزه من القيام بها مباشرة.ومن ترك الطواف نسياناً أتى به، وإذا كان قد سعى طاف وأعاد سعيه على الاحوط، وإذا تذكر الطواف بعد خروجه من مكة وعدم تمكنه من الرجوع استناب شخصاً يطوف عنه نيابةً، ويسعى أيضاً كذلك على الأحوط الأولى، بل لا يبعد جواز الاستنابة حتى في حال التمكن من المباشرة، ومن ترك السعي نسياناً جرى عليه الحكم نفسه.

وحال العجز عن المباشرة للطواف أو السعي في الحج لمرض أو نحوه حال العجز عن مباشرتهما كذلك في العمرة، وقد سبق حكمه فالعاجز عن الطواف يطاف به، ومع العجز عن ذلك أيضاً يستنيب من يطوف عنه، والعاجز عن السعي ولو راكباً يستنيب من يسعى عنه.

وتعتبر المرأة التي طرأ عليها الحيض أو النفاس عاجزة عن الطواف إذا لم يتيسر لها المكث في مكة إلى حين طهرها، وتستنيب من يطوف عنها ويصلي صلاة الطواف، ثم تسعى بنفسها بين الصفا والمروة بعد طواف النائب وصلاته.

ص: 250

(مسألة – 455) إن من نسي طواف الحج وتذكر بعد خروجه من مكة، ولم يتداركه مباشرة ولا استنابة عامداً وعالماً بالحكم فإن كان تذكره في ذي الحجة في وقت يتمكن من تداركه فيه بنفسه أو بنائبه وقبل خروجه ودخول شهر آخر، ومع ذلك تسامح ولم يقم بتداركه فيه عن علم وعمد بطل حجه باعتبار أنه حينئذٍ تارك للطواف عامداً وملتفتاً في وقته، وإن تذكر بعد خروج شهر ذي الحجة فحينئذٍ وإن وجب عليه قضاؤه، إلا أنه إذا تركه ولو عامداً وملتفتاً لم يبطل حجه وإن اعتبر آثماً.(مسألة – 456) الطواف المنسي إن كان طواف عمرة التمتع، فإن تذكر بعد انتهاء الوقت، فعليه أن يقضيه بعد أعمال منى وإن كان طواف الحج وتذكر بعد الخروج من مكة فقد مر حكمه.

(مسألة – 457) إذا استمتع الناسي للطواف بأهله جماعاً وهو ناسٍ فعليه هدي، وحينئذٍ فإن تذكر وهو في بلده، فإن كان المنسي طواف الحج بعث بهديه إلى منى، ويذبح فيها، وإن كان طواف العمرة بعث بهديه إلى مكة ويذبح فيها. وإن تذكر وهو في مكة، فإن كان المنسي طواف الحج بعث بهديه إلى منى، وإن كان طواف العمرة ذبح في مكة.

(مسألة – 458) إذا تذكر بعد شهر ذي الحجة أنه ترك الطواف وهو في مكة، فلا يجب عليه أن يحرم من جديد للطواف المنسي لأنه ظل محرماً بالنسبة إلى الطيب والنساء ما لم يأت

ص: 251

بطواف الزيارة وطواف النساء.(مسألة – 459) إذا تذكر وهو في بلده ورجع ودخل في مكة في آخر يوم من شهر ذي الحجة، ولكنه لا يتمكن من الإتيان بالطواف إلا بعد هلال شهر محرم، فإنه لا يجب عليه أن يحرم ويدخل في مكة.

(مسألة – 460) ليس لقضاء الطواف المنسي وقت محدد، فيجوز الإتيان به طول السنة.

(مسألة – 461) إذا كان المنسي بعض الطواف دون الكل، وجب تدارك ذلك البعض بالمباشرة أو بالاستنابة، وإن كان الأولى والأجدر أن يأتي بطواف كامل بقصد الأعم من التكميل والاستئناف.

آداب طواف الحج والسعي

(مسألة – 462) آداب طواف الحج وسعيه هي آداب طواف العمرة وسعيها التي تقدمت في العمرة، وآداب صلاة الطواف هي آداب صلاة طواف العمرة، ويستحب للحاج عند إرادة الوصول إلى المسجد للطواف أن يقف على باب المسجد ويقول: (اللهمّ أعِنِّي على نُسكِكَ وسَلِّمنِي لهُ وسَلِّمهُ لي، أسألُكَ مَسألةَ العَليلِ الذَّليلِ المُعتَرِفِ بِذَنبِهِ أنْ تَغفِرَ لي ذُنُوبِي وأن تُرجِعَني بِحاجَتي.اللهمّ إني عَبدُكَ والبَلدُ بَلَدُكَ والبيتُ بيتُكَ، جِئتُ أطلبُ رَحمَتَكَ وأَؤمُّ طاعَتَكَ مُتَّبِعاً لأمرِكَ راضِياً بِقَدَرِكَ، أسألُكَ مَسألةَ المُضطَرِّ إليكَ المُطيعِ لأمرِكَ المُشفِقِ من عذابِكَ

ص: 252

الخائِفِ لِعُقُوبَتِكَ أن تُبَلِّغَنِي عَفوَكَ وتُجِيرَني منَ النَّارِ بِرَحمَتِكَ).فإذا فرغ من هذا الدعاء ودخل المسجد يتجه قبل البدء بالطواف إلى الحجر الأسود، فيستلمه ويقبله إذا أتيح له ذلك بدون إيذاء للآخرين، وإلا اكتفى باستلامه بيده، ويقبل يده بعد الاستلام، وإن لم يتيسر له ذلك أيضاً كما هو الغالب استقبل الحجر وكبّر، وقال: (اللهمَّ أمانَتي أدَّيتُها ومِيثاقِي تَعاهَدتُهُ لِتَشهَدَ لي بالمُوافاةِ).

ص: 253

الأمر العاشر والحادي عشر:طواف النساء وصلاته

(مسألة – 463) الواجب العاشر والحادي عشر طواف النساء وصلاته، وهما واجبان مستقلان، ولهذا لا يبطل الحج بتركهما وإن كان عن علم وعمد.

(مسألة – 464) كما يجب طواف النساء على الرجال يجب على النساء، فلو تركه الرجل حرمت عليه النساء، ولو تركته المرأة حرم عليها الرجال، والنائب عن الغير يأتي بطواف النساء عن المنوب عنه لا عن نفسه.(1)

(مسألة – 465) موضعه من الناحية التسلسلية بعد طواف الحج وصلاته والسعي، فلا يجوز تقديمه عليهما ولا على السعي، فلو قدمه عليه وجبت إعادته بعد السعي، وإن كان التقديم عن جهل، بل لا يبعد وجوباً الإعادة وإن كان ذلك عن

ص: 254


1- - سؤال: النائب عن غيره في الحج هل يأتي بطواف النساء لنفسه او عن المنوب عنه؟ بسمه تعالى: يطوف بنية النيابة كسائر مناسك الحج، الا إن آثار الطواف وعدمه تترتب عليه. سؤال: هل يجب طواف النساء على كبار السن من الرجال والنساء الذين لا يرجون النكاح؟ بسمه تعالى: نعم يجب بغضّ النظر عن آثاره.

نسيان.(مسألة – 466) أثره: إذا طاف الحاج –رجلاً كان أم امرأة- طواف النساء، حل له ما كان قد حرم عليه بالإحرام، وهو الاستمتاع الجِماعي، ولم يبق عليه من محرمات الإحرام إلا الصيد الإحرامي، فإنه لا يحل له وإن كان في الحل، إلا بزوال اليوم الثالث عشر من ذي الحجة. وأما حرمة الصيد في الحرم، وحرمة قلع الشجر، وما ينبت في الحرم فهما ثابتان على المكلف على أساس حرمة الحرم، ويشترك فيها المحرم والمحل على سواء.

(مسألة – 467) الكيفية: طواف النساء وصلاته كطواف الحج وصلاته في الكيفية والشرائط ويختلف في النية إذ ينوي هنا طواف النساء وصلاته.

(مسألة – 468) صورة النية –مثلاً-: (أطوف طواف النساء لحج التمتع من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى) وإذا كان نائباً عن الغير ذكر اسم المنوب عنه، وقصد الطواف عنه، وإذا كان الحج مستحباً أسقط كلمة (حجة الإسلام) وصورتها في الصلاة مثلاً: (أصلي ركعتي طواف النساء لحج التمتع قربة إلى الله تعالى) وهكذا على ما مرّ.

(مسألة – 469) حكمه: العاجز عن مباشرة طواف النساء بالاستقلال لمرض أو غيره يستعين بغيره فيطوف ولو محمولاً على متن إنسان، وإذا لم يتمكن من ذلك أيضاً لزمته الاستنابة، وأما العاجز عن صلاة الطواف مباشرة يستنيب من يصلي عنه.

ص: 255

(مسألة – 470) من ترك طواف النساء سواء أكان عامداً عالماً بالحكم، أم كان جاهلاً أو ناسياً ظلت حرمة النساء عليه إلى أن يتداركه، ومع تعذر المباشرة أو تعسرها استناب من يطوف عنه، فإذا طاف النائب حلت له النساء، وأما إذا مات الحاج قبل تداركه، فإن أوصى به خرج من ثلثه، وإلا لم يجب قضاؤه على وليه وإن كان الأحوط لأوليائه البالغين إخراجه.(1) وحكم نسيان الصلاة في طواف النساء كحكم نسيان الصلاة في طواف الحج، وقد تقدم في المسألة (454).

(مسألة – 471) من يجوز له تقديم طواف النساء على الوقوف بالموقفين كالخائف أو غيره من المعذورين، فإذا قدمه عليه فإنه لا تحل له النساء حتى يأتي بمناسك الحج جميعاً.

(مسألة – 472) إذا حاضت المرأة ولم تنتظر القافلة طهرها، جاز لها في هذه الحالة ترك طواف النساء والخروج مع رفقتها، ويجب عليها على الأحوط أن تستنيب لطوافها ولصلاته، وكذلك إذا حاضت بعد إكمال أكثر من نصف الطواف، فإنه

ص: 256


1- - سؤال: إذا لم يطف الرجل طواف النساء فهل يحرم على زوجته تمكينه من نفسها؟ بسمه تعالى: يحرم عليها من جهة وجوب النهي عن المنكر لا من جهة تروك الاحرام ولوازمها فأنها غير معنية بها. سؤال: إذا حج عن المستطيع العاجز عن الحج بنفسه وترك النائب طواف النساء فهل تحرم النساء على المنوب عنه ام على النائب؟ بسمه تعالى: تحرم على النائب لأنه هو الذي أحرم فحرمت عليه النساء.

يجوز لها ترك الباقي والخروج مع رفقتها، وتستنيب لبقية الطواف، ولصلاته على الأحوط وجوباً.

ص: 257

الأمر الثاني عشر: المبيت في منى

اشارة

الأمر الثاني عشر: المبيت في منى(1)

(مسألة – 473) الواجب الثاني عشر من واجبات الحج المبيت في منى، ونقصد به تواجد الحجاج فيها في الليل، ولا يجب التواجد فيها في النهار إلا بقدر ما يتطلبه رمي الجمرات.

ص: 258


1- - سؤال: العلامات الجديدة لحدود منى تشخّص ان نهاية منى تقع عند طرف الجمرة الكبرى بحيث لو اراد الحاج ان يرمي الجمرة مستدبراً للقبلة ولو على بعد ذراع واحد منها فانه سوف يكون خارج حدود منى فما هي وظيفته حينئذٍ؟ بسمه تعالى: هذه العلامة صحيحة لذا لم يجزِ رمي العقبة الكبرى من خلفها لأنه يكون خارج منى. سؤال: هل أرضية الانفاق الواصلة بين مناطق منى تعد من منى أم لا؟ وما هو الدليل على ذلك؟ بسمه تعالى: نعم الانفاق من منى ما دامت قد شُقّت داخل حدودها، لأن العبرة في منى المنطقة المحددة، أما كلمة (الوادي) فوردت للإشارة والتعريف وليس للتقييد فلا مانع من الوقوف على الجسور أو المبيت في الأبنية الموجودة. سؤال: هل يجزي المبيت على السفح أم يجب أن يكون في الوادي؟ وما الدليل على ذلك؟ بسمه تعالى: سفح الجبلين المكتنفين لمنى منها لكن الاحوط أداء المناسك في الوادي ما دام فيه متسع فإذا ضاق بالحجيج (زادهم الله شرفاً) أمكنهم الارتفاع إلى السفح، بل إلى وادي محسّر كما في النصوص.

(مسألة – 474) يعتبر فيه ما اعتبرناه في سائر المناسك العبادية من قصد القربة وإخلاص النية وتعيين الفعل بالالتفات إليه ولو ارتكازاً.(1)(مسألة – 475) يجب على الحاج التواجد في منى ليلتين، وهما ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر، ويجوز لعموم الحجيج (عدا من لم يجتنب الصيد والنساء) الإفاضة من منى بعد حلول ظهر يوم الثاني عشر، أما هما ومن دخل عليه ليل الثالث عشر فيجب عليهم المبيت ليلة الثالث عشر أيضاً إلى طلوع الفجر.

(مسألة -476) يكفي في التواجد المطلوب في كل ليلة أن يكون في منى من أول الليل إلى أن يتجاوز منتصفه، أو يكون فيها قبل منتصف الليل إلى الفجر، فيسمح لمن بقي من أول الليل إلى منتصفه في منى أن يغادرها إلى مكة أو غيرها، وكذلك يسمح له أن يكون خارج منى إلى قبيل نصف الليل مع التواجد فيها حينئذٍ من النصف إلى الفجر.(2)

ص: 259


1- - سؤال: رجل بقي في منى من دون نية المبيت لاعتقاده عدم وجوبه وانما بقي فيها ليتسنى له الرمي اول النهار بسهولة فهل يلزمه شيء؟ بسمه تعالى: المبيت في منى نسك فلابد فيه من النية، ويكفي فيها الارتكاز الذهني بلزوم المكث في ذلك المكان.
2- - سؤال: هل يجب المبيت في منى تمام الليل ام يجوز الخروج منها في شطر منه؟ بسمه تعالى: إذا مكث في منى نصف الليل وشيئاً من النصف الآخر صدق عليه المبيت، والأولى البقاء تمام الليل.

ويستثنى ممن يجب عليه المبيت من الحجاج عدة أصناف:1- المعذور كالمريض والممرض والخائف على نفسه أو عرضه أو ماله من المبيت في منى.

2- من اشتغل بالعبادة في مكة المكرمة تمام ليلته ما عدا الحوائج الضرورية، كالأكل والشرب ونحوهما، وكذلك يجوز لمن خرج من منى بعد دخول الليل إلى مكة أن يبقى فيها مشتغلاً بالعبادة إلى الفجر.(1)

3- من طاف بالبيت وبقي في عبادته ثم خرج من مكة قاصداً العود إلى منى وتجاوز بيوتها القديمة، فيجوز له أن ينام في الطريق قبل أن يصل إلى منى.

وهؤلاء الأصناف معذورون من المبيت في منى.

ولا يجب المبيت في ليلة الثالث عشر إلا على عدة أشخاص:

ص: 260


1- - سؤال: مذاكرة العلم وقراءة المجالس الحسينية هل تعتبر من العبادة التي تكفي للاشتغال بها في مكة بدلا عن المبيت في منى؟ بسمه تعالى: نعم هي منها مع تحقق الاخلاص ان شاء الله تعالى.

1- من لم يجتنب الصيد في إحرامه.

2- من أتى النساء على الأحوط.

3- من دخل عليه غروب اليوم الثاني عشر، وهو لا يزال في منى.

(مسألة – 477) إذا تهيأ الحاج للخروج من منى، وتحرك من مكانه ولكنه من جهة الزحام(1) أو مانع آخر، لم يتمكن من الخروج قبل الغروب من منى، وحينئذٍ فإن أمكنه المبيت فيها وجب ذلك، وإن لم يمكنه أو كان المبيت حرجياً عليه، جاز له الخروج ولا شيء عليه، وإن كان الأولى والأجدر أن يكفر بشاة.

(مسألة – 478) من ترك المبيت بمنى رأساً عامداً وعالماً بالحكم، وبدون عذر فحجه وإن لم يبطل بذلك ولكن عليه إثم وكفارة دم شاة عن ترك المبيت في كل ليلة.(2)

ومن ترك المبيت في منى نسياناً أو جهلاً منه بالحكم فإن عليه الكفارة على الأحوط، ويلحق الجاهل المعذور بالناسي وإن

ص: 261


1- - سؤال: لو خرج من مكة متوجها إلى منى فمنعه الزحام من الوصول مع عدم تقصيره في ذلك فهل تجب عليه الكفارة؟ بسمه تعالى: إذا كان ذلك في النصف الاول فليمكث النصف الثاني والا فالاحوط ان عليه الكفارة خصوصا مع التقصير في حساب الامور.
2- - سؤال: إذا قصد الحاج المبيت في منى ثم دعت الضرورة إلى خروجه منها وترك المبيت فهل يلزمه شيء؟ بسمه تعالى: عليه الكفارة.

كان بسيطاً، والجاهل المقصر بالعالم وإن كان مركباً، وأما الأشخاص المعذورون من المبيت في منى فلا كفارة على الصنف الثاني والثالث، وأما الصنف الأول فلا يبعد وجوب الكفارة عليه.(مسألة – 479) إذا أفاض الحاج من منى ثم رجع إليها بعد دخول الليلة الثالثة عشرة لحاجة لم يجب عليه المبيت فيها.

مستحبات منى

(مسألة – 480) يستحب للحاج التواجد بمنى الأيام الثلاثة نهاراً وليلاً، وينبغي له أن يؤثر المكث في منى مهما أمكن على الخروج ولو للطواف المندوب.

ويستحب أيضاً أن يكبر الحاج في منى في أعقاب خمس عشرة صلاة ابتداءً من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث عشر، والأفضل في كيفية هذا التكبير أن يقول: (اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ وللهِ الحمدُ، اللهُ أكبرُ على ما هَدانا، الله أكبرُ على ما رزَقَنا من بَهِيمَةِ الأنعامِ، والحمدُ لله على ما أبلانا).

ويستحب ذكر الله في أيام التشريق والإكثار فيه، والصلاة والتسبيح والتهليل والحمد في مسجد الخيف، فإن له شأناً عند الله تعالى، وحتى ورد في بعض الروايات أن مائة ركعة فيه تعادل عبادة سبعين عاماً.

ص: 262

الأمر الثالث عشر: رمي الجمار

اشارة

الأمر الثالث عشر: رمي الجمار(1)

(مسألة – 481) الثالث عشر من واجبات الحج رمي الجمار الثلاث، الأولى والوسطى وجمرة العقبة في كل من اليوم الحادي عشر والثاني عشر، ومن بات ليلة الثالث عشر في منى فقد وجب عليه الرمي في اليوم الثالث عشر على الأحوط.

(مسألة – 482) كيفيته: وهو متحد في الكيفية والشروط مع ما تقدم من رمي جمرة العقبة يوم العيد، ونضيف هنا أنه يجب الترتيب بين الجمرات الثلاث في الرمي، ابتداءً من الجمرة الأولى وانتهاءً بجمرة العقبة، فلو خالف ورمى الوسطى قبل الأولى، أو العقبة قبل الوسطى وجب الرجوع إلى السابقة وأعاد رمي اللاحقة، بدون فرق بين أن يكون عالماً أو جاهلاً أو

ص: 263


1- - سؤال: هل يكفي رمي الجمرات من الدور الثاني (الطابق العلوي)؟ بسمه تعالى: يتحرى الحاج الرمي من الطابق الأرضي ما استطاع إلى ذلك سبيلا فإذا تعذر عليه فلا مانع من رمي الجمار من الطوابق العلوية. سؤال: هل يجوز نقل حصى رمي الجمار الى بلد آخر؟ بسمه تعالى: لا يفعل ذلك، وليتعلق بالمبدأ وهو الله تبارك وتعالى وليس بهذه. سؤال: هل تجب المماثلة بين النائب والمنوب عنه في الرمي؟ ولو أناب الرجل امرأة لترمي عنه فهل يصح ان ترمي عنه ليلاً؟ بسمه تعالى: لا تجب المماثلة، ومع استنابة الرجل للمرأة فالاحوط ان ترمي عنه نهاراً.

ناسياً، نعم يستثنى من ذلك صورة واحدة وهي ما إذا نسي فرمى جمرة قبل سابقتها أربع حصيّات أجزأه إكمالها سبعاً بعد رمي سابقتها، ولا تجب عليه إعادة رمي اللاحقة.(مسألة – 483) تجب النية في رمي كل جمرة، وصورتها –مثلاً-: (أرمي هذه الجمرة بسبع حصيات لحج التمتع من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى) وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان الحج مستحباً أسقط كلمة (حجة الإسلام) وإذا كان إفراداً أسقط كلمة (حج التمتع) ويعوض بكلمة (حج الإفراد).

(مسألة – 484) وقته: يجب إيقاع رمي الجمرات في النهار، ولا يجزي في الليل اختياراً، ويستثنى من ذلك الخائف على نفسه أو عرضه أو ماله، فيجوز له الرمي في الليلة السابقة على النهار فيرمي في ليلة اليوم الحادي عشر ما يجب عليه في نهار ذلك اليوم من الرمي وهكذا.

(مسألة – 485) من ترك الرمي في اليوم الحادي عشر نسياناً أو جهلاً وجب عليه قضاؤه في اليوم الثاني عشر، ومن تركه في اليوم الثاني عشر كذلك قضاه في اليوم الثالث عشر، والمتعمد بحكم الناسي والجاهل على الأحوط.

والأحوط أن يفرّق بين الأداء والقضاء، وأن يقدم القضاء على الأداء، والأحوط أن يكون القضاء أول النهار والأداء عند الزوال.

ص: 264

(مسألة – 486) من ترك رمي الجمار نسياناً أو جهلاً فذكره أو علم به في مكة وجب عليه أن يرجع إلى منى ويرمي فيها، وإذا كان المتروك رمي يومين أو ثلاثة فالأحوط أن يقدّم الأقدم فواتاً، ويَفْصل بين وظيفة يوم ويوم بعده بمقدار من الوقت.وإذا ذكره أو علم به بعد خروجه من مكة لم يجب عليه الرجوع لتداركه، والأحوط الأولى أن يقضيه في السنة القادمة بنفسه إن حج أو بنائبه إن لم يحج.

(مسألة – 487) المعذور الذي لا يستطيع الرمي بنفسه كالمريض يستنيب غيره، والأولى أن يحضر عند الجمار مع الإمكان ويرمي النائب بمشهد منه، وإذا رمى عنه مع عدم اليأس من زوال عذره قبل انقضاء الوقت فاتفق زواله فالأحوط أن يرمي بنفسه أيضاً، ومن لم يكن قادراً على الاستنابة – كالمغمى عليه- يرمي عنه وليه أو غيره.

(مسألة – 488) إذا كان المعذور عن الرمي نهاراً الذي ذكرنا حكمه في المسألة السابقة قادراً على الرمي ليلاً – كالنساء- فالأحوط له الجمع بين الاستنابة المذكورة والرمي ليلاً.

(مسألة – 489) من ترك رمي الجمار في أيام التشريق متعمداً لم يبطل حجه، والأحوط أن يقضيه في العام القابل بنفسه إن حج أو بنائبه إن لم يحج.

(مسألة – 490) إذا لم يتمكن الحاج من أن يبقى في منى أيام التشريق لا نهاراً ولا ليلاً لسبب من الأسباب، جاز له رمي

ص: 265

جميع الأيام في ليلة واحدة والاحوط ضم الاستنابة إليها.(1)

ص: 266


1- - سؤال: ما هي الامور التي تنصحون الحجاج باصطحابها؟ بسمه تعالى: اول هذه الامور واهمها المرشد الديني ذو الفضيلة العلمية والأخلاق الحميدة الحريص على هداية الحجاج وتعريفهم مناسكهم وثانيها: المتعهد الامين الذي يخلص في خدمة الحجاج طالباً الاجر والثواب من الله تبارك وتعالى الخبير بشؤون رحلات الحج ومتطلباتها والبصير بالأماكن والمشاهد والشعائر المعظمة حتى يوقفهم على المناسك والشعائر بدقة، وثالثها: القرآن الكريم اذ من المستحب ختم القرآن مرة في سفرته الى الحج ، ورابعها: كتاب مناسك الحج لمرجع تقليده حتى يراجعه باستمرار عند كل موقف يصل اليه والافضل ان يأخذ عدة كتب للمراجع الذين تدور الاعلمية فيهم ويعمل بأحوط الاقوال، وخامسها: كتاب الادعية والسنن والمستحبات ، وسادسها: بعض المستلزمات الضرورية كثوبي الاحرام والافضل ان يأخذ بديلاً له خشية تنجسه او تلفه ومقص للتقصير وماكنة للحلق ودفتر وقلم ليسجل مذكراته ومشاهداته ونظراته. وسابعها: بعض الكتب التي تناولت الجوانب الاخلاقية والروحية والاجتماعية للحج لكي يعيش المسلم المعاني الحقيقية لمناسك الحج وليملأ وقته بما هو مفيد بدلاً من الأحاديث الفارغة او التسكع في الاسواق. وقد كتب الكثيرون في هذه الامور كالدكتور علي شريعتي الذي يروي أحد الاساتذة المغربيين انه دخل على الشهيد الدكتور مفتح في مكة فرآه يقرأ في كتاب (الحج: الفريضة الخامسة) للشهيد الدكتور علي شريعتي وهو يبكي، وللشهيدة بنت الهدى ذكريات عن سفرتها الى الحج وتناولت كتب الاخلاق كجامع السعادات واحياء علوم الدين للغزالي الاسرار المعنوية للحج. وثامنها: ان يقرأ آداب المعاشرة مع الاخوان والتعامل الاسلامي النظيف مع الآخرين لان السفر ميزان الاخلاق وان مدة السفرة البالغة عشرين يوما بالمعدل تتطلب شيئا من الصبر وسعة الصدر والايثار والتراحم والتعاطف والتعاون وغيرها. وتوجد كتب في آداب العشرة كما ان صاحب كتاب وسائل الشيعة جمع أحاديث الائمة الاطهار (عليهم السلام) في الجزء الثامن من الكتاب فينبغي وضع خلاصة لها في دفتر خاص لتسهل مراجعتها باستمرار واشير هنا الى ان كثيرا من هذه النصائح لا اتوقع ان كل الحجاج قادرون على الاخذ بها وهنا تكون مسؤولية المرشد الديني كبيرة في ممارسته لوظيفته على طول السفرة ليرشدهم الى هذه الامور وليحرص على اقامة صلاة الجماعة بهم وعقد المحاضرات والندوات ومجالس الذكر لأهل البيت (عليهم السلام) باستمرار وان يبيّنوا لهم عظمة الفريضة التي انطلقوا لأدائها ومنها قول الامام الصادق (عليه السلام): (الحجاج يصدرون على ثلاثة أصناف: صنف يعتق من النار وصنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته امه وصنف يحفظ في أهله وماله فذاك أدنى ما يرجع به الحجاج) وعن الامام الصادق (عليه السلام) قال: (الحاج والمعتمر وفد الله إن سألوه اعطاهم وإن دعوه أجابهم وإن شفعوا شفعهم وإن سكتوا ابتدأهم ويعوضون بالدرهم الف درهم) وعن الامام الرضا (عليه السلام): (ما وقف أحد في تلك الجبال الا استجيب له فأما المؤمنون يستجاب لهم في آخرتهم واما الكفار فيستجاب لهم في دنياهم). سؤال: تختلف عناوين المكلفين الذين يذهبون إلى حج بيت الله الحرام، أو أداء العمرة المفردة، مما يسبب اختلاف الحكم الشرعي المتعلق بذمتهم من ناحية الصلاة، فهل يتمونها أو يقصرون؟ والعناوين المتصورة في المقام هي: 1/ متعهدو قوافل حجاج بيت الله الحرام. أ – فيما إذا كان سفرهم مرة واحدة في السنة لخدمة الحجاج وأداء مهامهم المطلوبة منهم. ب – فيما إذا تعددت سفراتهم للعمرة المفردة بالإضافة إلى الحج. 2/ موظفو هيئة الحج باختلاف مهامهم الإدارية والفنية واللوجستية ونحوها حيث يتعارف عنهم أداء وظيفتهم في دوائرهم الرسمية طيلة السنة ما عدا أيام الحج أو العمرة فقد يسافرون لأداء وظيفتهم في الديار المقدسة. 3/ بعض العناوين الوظيفية التي تعطى فرصة للحج ويستفاد من خدماتها أثناء فترة الحج أ- الكادر الطبي من أطباء ومعاونين وممرضين ونحو ذلك. ب- الكادر الإعلامي المرافق لهيئة الحج والذي يؤدي وظيفته الإعلامية في الحج. ج – موظفو وزارة النقل حيث يستفاد منهم في حافلات النقل أو الطيران الجوي. 4/ الأخوة الفضلاء مرشدو قوافل الحجاج والعمرة المفردة وكذلك الأخوات المرشدات. بسمه تعالى 1- أ. لا يصدق عليه في هذا الحال إن عمله السفر فصلاته قصر. ب- إذا جعل عمله هذه السفرات والتهيئة لها ومتابعة شؤونها فصلاته تمام. 2- بعض المنتسبين يكلّف بمهام في المدينة المنورة والبعض الآخر في مكة المكرمة، وحينئذٍ لا يبعد أن تكون المدينة أو مكة محلاً لعملهم في هذه الفترة فكأنَّ دائرتهم تنقل أعمالها في الموسم إلى مكة والمدينة أو أنَّ لعملهم محلِّين أحدهما مكة أو المدينة في أيام الحج والعراق في بقية أيام السنة، نعم من كان عمله في مكة ومرَّ بالمدينة زائراً فيقصِّر فيها، ومن كان عمله في المدينة وذهب إلى مكة في أيام الموسم لأداء الفريضة فقط فإنه يقصِّر فيها كذلك. 3- أ،ب: لا يصدق عرفاً أن محل عملهم مكة فهم ليسوا كالذين ذكرناهم في السؤال الثاني. ج - إذا كان عملهم السفر- كقائد السيارة والطائرة- فإنه يتم في الطريق وفي الأماكن التي يمكث فيها قليلاً بما لا ينافي استمرارية العمل، أما المكث الطويل كعشرة أيام وأكثر فإنها تنافي العنوان المذكور، وحينئذٍ ينوي الإقامة ويتم. 4- كالذي ذكرناه في الفرعين أ،ب من السؤال الأول. سؤال: هل ان الاحتياطات المذكورة في الرسالة العملية بعدم صحة صلاة كل من الرجل والمرأة إذا كانا متحاذيين حال الصلاة او كانت المرأة متقدمة على الرجل يجري في المسجد الحرام ايضاً؟ بسمه تعالى: الصلاة في المسجد الحرام مستثناة من هذا الحكم. سؤال: إذا نوى المسافر الإقامة في مكة المكرمة عشرة ايام ثم خرج بعد مضي العشرة إلى عرفات ثم ذهب إلى المشعر ثم الى منى ثم عاد إلى مكة فما حكم صلاته من جهة القصر والتمام في عرفات والمشعر ومنى؟ بسمه تعالى: يتم فيها جميعاً إذا أتم إقامة عشرة أيام في مكة قبل خروجه إلى عرفة. سؤال: وما هو حكم من ذهب إلى عرفات في مفروض السؤال السابق قبل إتمام العشرة لمانع منعه من البقاء فيها إلى تمام العشرة بعد ان صلى في مكة صلاة رباعية بنية الإقامة؟ بسمه تعالى: إذا كان عالماً بأنه سوف لا يتم عشرة أيام قبل الخروج إلى عرفات لم تصح إقامته ولا يترتب أثر على صلاته الرباعية. سؤال: هل التخيير بين القصر والإتمام في مكة والمدينة أو المسجدين فيهما ابتدائي أو استمراري؟ بسمه تعالى: التخيير استمراري في كل فريضة يؤديها. سؤال: ما حكم الصلاة في المسجد والروضة الشريفة المباركة في المدينة المنورة إذا لم يتوفر لدينا ما يصح السجود عليه، وهل يختلف الحكم إذا كانت الصلاة نافلة؟ بسمه تعالى: أرض المسجدين من المرمر الطبيعي فيصح السجود عليه، ويتحرى المصلي ما يصح السجود عليه. سؤال: يلاحظ احياناً خروج بعض ابناء الطائفة الحقة من المسجدين الشريفين حين اقامة الجماعة فيهما فما هو رأيكم؟ بسمه تعالى: لم نفعل ذلك نحن عندما حججنا بل صلينا بصلاتهم ثم صلينا ما شاء الله تبارك وتعالى. سؤال: أداء الصلاة في التوسعة المستحدثة لمسجد النبي ص هل له من الفضل ما للصلاة في المسجد الأصلي؟ بسمه تعالى: إن شاء الله تعالى، ما دام الإخلاص في النية متحققاً. سؤال: مسجد القبلتين في المدينة المنورة شملته التوسعة الحديثة فجعلوا من الدور الأرضي كله دورات للمياه وأصبح المسجد فوق الدور الأرضي فما هو حكم التخلي في دورات المياه فيه؟ بسمه تعالى: لا يجوز التخلّي في دورات المياه هذه بناءاً على صحة ما ورد في السؤال. سؤال: هل يستحب الغسل لدخول المسجد الحرام في كل مرة يقوم بالذهاب للمسجد؟ بسمه تعالى: نعم يستحب ذلك. سؤال: هل يستحب ختم القران في مكة المكرمة؟ بسمه تعالى: نعم يستحب ذلك. سؤال: هل يستحب الغسل لدخول الحرم النبوي؟ بسمه تعالى: نعم يستحب ذلك. سؤال هل يجوز اخذ الأجرة على تعليم الحجاج مناسكهم؟ بسمه تعالى: لا يجوز.

ص: 267

ص: 268

ص: 269

ص: 270

أحكام المصدود

(مسألة – 491) المصدود – رجلاً كان أو امرأة- هو الممنوع عن الحج أو العمرة بعد تلبسه بالإحرام من قبل السلطات أو العدو.

(مسألة – 492) المصدود عن العمرة المفردة يتحلل من كل شيء أحرم منه حتى النساء، بالحلق أو التقصير، ولا يجب عليه الهدي، لأنه لا يسوق هدياً معه.

ومن صد عن عمرة التمتع، فإن أدى ذلك إلى صده عن الحج أيضاً فوظيفته أن يذبح هدياً في مكانه، ويتحلل به والأحوط ضم التقصير إليه أيضاً، وأما إذا لم يؤدِّ إلى ذلك، بأن يكون متمكناً من الحج، كما إذا خلى سبيله في وقت يتمكن من إدراك الوقوف في الوقت الاختياري بالمشعر الحرام، فلا تترتب عليه أحكام المصدود بل تنقلب وظيفته من التمتع إلى الإفراد فإذا أتى بحج الإفراد ثم بالعمرة المفردة كفى ذلك.

(مسألة – 493) المصدود عن الحج إن كان مصدوداً عن

ص: 271

الوقوف بالموقفين فعليه أن يذبح هدياً في محل الصدّ، فإذا ذبحه تحلل من كل شيء قد حرم عليه حتى النساء، والأحوط ضم الحلق أو التقصير إليه أيضاً.وإن كان مصدوداً عن الطواف والسعي فحسب، فإن لم يستمر صده إلى آخر ذي الحجة بأن خلى سبيله بعد أيام التشريق أو في العشرة الأخيرة قام بنفسه بالطواف والسعي، فإذا طاف وسعى صح حجه ولا شيء عليه، ولا يكون حينئذٍ من المصدود، وإن استمر صده إلى آخر ذي الحجة، فعليه أن يستنيب من يطوف عنه، ويصلي ركعتيه، ويسعى ثم يطوف عنه طواف النساء، ويصلي ركعتيه، فإذا صنع النائب ذلك صح حجه، ولا تجري عليه أحكام المصدود أيضاً، وإن لم يكن متمكناً من الاستنابة أيضاً فحينئذٍ يكون مصدوداً ووظيفته أن يذبح الهدي في مكانه، ويضم إليه الحلق أو التقصير أيضاً على الأحوط، ويتحلل بذلك وعليه الحج في العام القادم إذا لم تكن استطاعته وليدة تلك السنة، أو كانت ولكن تبقى بعد رجوعه من سفره، نعم إذا لم تبق بعد الرجوع، ولم تتجدد له بعد ذلك، سقط عنه الوجوب.

وإن كان مصدوداً عن مناسك منى خاصة، لم تجر عليه أحكام المصدود، فإنه في هذه الحالة إن كان متمكناً من الاستنابة فيستنيب للرمي والذبح في منى، ثم يحلق أو يقصر في مكانه ويرسل شعره إليها، وبذلك يتحلل ثم يأتي ببقية المناسك، وإن

ص: 272

لم يكن متمكناً من الاستنابة جاز له أن يذبح هديه في مكانه ثم يحلق أو يقصر فإن من لم يتمكن من الذبح في منى لا بالمباشرة ولا بالاستنابة جاز له أن يذبح في خارج منى كمكة أو غيرها، وأما وجوب الرمي فهو مشروط بالتمكن ومع العجز عنه حتى بالاستنابة فلا وجوب. وبعد ذلك يذهب بنفسه إلى مكة فيطوف حول البيت طواف الحج، ويصلي ركعتيه فيسعى بين الصفا والمروة، ثم يرجع إلى البيت فيطوف طواف النساء، ويصلي ركعتيه، فإذا صنع ذلك فقد فرغ عن الحج ويحل له كل شيء قد حرم عليه حتى النساء.والحاصل: أن المصدود عن أعمال منى ليس مصدوداً عن الحج لكي يكون مشمولاً للآية الشريفة والروايات.

(مسألة – 494) لا يسقط الحج عن المصدود بتحلله بالهدي، وعليه الحج من قابل، إلا إذا كانت استطاعته وليدة تلك السنة، ولم تبق بعد الرجوع من سفره، فحينئذٍ سقط الوجوب عنه ما لم تتجدد الاستطاعة له بعد ذلك.

(مسألة – 495) إذا صد عن الرجوع إلى منى للمبيت فيها ورمي الجمرات لم يضر بحجه، وعليه أن يستنيب من يرمي عنه إن أمكن.

(مسألة – 496) من تعذر عليه إكمال حجه لمانع غير الصد والحصر يبطل ولا شيء عليه.

(مسألة – 497) لا فرق في الهدي المذكور بين أن يكون

ص: 273

جملاً أو بقرة أو شاة، ولا تعتبر فيه شروط الهدي، وإذا لم يتمكن من الهدي، فإن كان مصدوداً في الحج وجب عليه أن يصوم عشرة أيام بدلاً عنه، وأما إذا كان مصدوداً في العمرة المفردة فلا يجب عليه الصوم، لعد وجوب الصوم عليه اصلاً.(مسألة – 498) من جامع امرأته عامداً وعالماً بالحكم قبل الوقوف بالمشعر، ثم صد ومنع عن إكمال الحج من قبل السلطات فإن أحكام المصدود تجري عليه في هذه الحجة مع وجوب الحج عليه من قابل.

(مسألة – 499) إذا ساق المكلف هدياً معه، ثم صد ومنع عن الحج كفى ذبح ما ساقه، فإن المعيار فيه إنما هو بصدق الذبح أو النحر مهما كان نوع الذبيحة أو المنحور.

أحكام المحصور

(مسألة – 500) المحصور –رجلاً كان أو امرأة- هو الممنوع عن الحج أو العمرة المفردة بمرض أو نحوه بعد تلبسه بالإحرام.

فإن كان محصوراً في عمرة مفردة تخير بين أن يرسل الهدي إلى محله، وهو مكة، فإذا بلغ الهدي محله حلق أو قصر في مكانه، وبين أن يذبح أو ينحر في مكانه، ثم يحلق أو يقصر فيه، فإذا فعل ذلك أحل من كل شيء قد حرم عليه، ما عدا النساء، وأما النساء فلا تحل له إلا بالإتيان بعمرة مفردة أخرى.

وإن كان محصوراً في الحج فحكمه ما تقدم في العمرة المفردة، غير أن النساء لا تحل للمحصور في العمرة المفردة إلا

ص: 274

بالإتيان بعمرة مفردة أخرى، ولكنها تحل للمحصور في الحج بالذبح والحلق أو التقصير، ولا تتوقف حليتها على الإتيان بعمرة مفردة بعد الحصر.وأما المحصور في عمرة التمتع فقط دون الحج، فلا تترتب عليه أحكامه، بل تنقلب وظيفته حينئذٍ من التمتع إلى الإفراد، كما تقدم في المصدود.

(مسألة – 501) إذا أحصر في الحج وأرسل هديه إلى محله وهو منى، وبعد ذلك خف مرضه واستعاد صحته، وحينئذٍ فإن اعتقد أنه إذا واصل سفره إلى مكة أدرك الموقفين أو أحدهما وجب عليه ذلك، والالتحاق بالناس في الموقفين أو المشعر خاصة، فإذا صنع ذلك صح حجه إفراداً، والأحوط أن يأتي بعمرة مفردة بعده أيضاً، وإن احتمل ذلك بدون الوثوق والاطمئنان، فالأحوط وجوباً أن يواصل سفره برجاء إدراك الموقف، فإن أدرك كفى ولا شيء عليه غير أعمال منى وما بعدها من طواف الحج وصلاته والسعي ثم طواف النساء وصلاته، فإذا أكمل ذلك فقد تم حجه، وإن لم يدرك المواقف فلذلك صورتان:

الأولى: إن كان عدم إدراكه مستنداً إلى مرضه، ففي هذه الصورة تترتب عليه أحكام المحصور على أساس أن مرضه هو الموجب لفوات الحج عنه، وعندئذٍ فإن كان قد ذبح هديه في منى فعليه أن يحلق أو يقصر في مكانه، فإذا فعل ذلك حل له كل

ص: 275

شيء قد حرم عليه حتى النساء، وإن لم يذبح هديه فعليه أن يقوم بذبحه، فإذا ذبح ثم حلق أو قصر أحلّ من كل شيء حتى من النساء.الثانية: إن كان عدم إدراكه مستنداً إلى تقصيره وتسامحه في السير والتعطيل والإهمال فيه بدون مبرر وموجب، ولو واصل سفره اعتيادياً لكان مدركاً للحج، ففي هذه الصورة لا تترتب عليه أحكام المحصور باعتبار أن فوات الحج غير مستند إلى مرضه، وحكمه أن يأتي بعمرة مفردة وعليه الحج في قابل.

(مسألة – 502) إذا أحصر الحاج عن مناسك منى فقط لم تجر عليه أحكام المحصور، فإن المكلف إذا عجز عن الذبح في منى مباشرة استناب، فإن عجز عن الاستنابة أيضاً جاز له الذبح خارج منى كمكة أو غيرها. وأما الحلق أو التقصير فمع العجز عنه في منى سقط وجوبه فيها، فيجوز حينئذٍ الحلق أو التقصير في خارج منى وإرسال الشعر إليها. وأما الرمي فإن تمكن منه ولو بالاستنابة وجب وإلا سقط وجوبه عنه، ولا يجب قضاؤه في السنة القادمة أيضاً، وإن كان أولى وأجدر.

(مسألة – 503) إذا أُحصر الرجل فأرسل هديه إلى محله، ثم آذاه رأسه قبل أن يبلغ الهدي محله جاز له أن يذبح شاة في محله، أو يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين مدان ويحلق.

(مسألة – 504) لا يسقط الحج عن المحصور بتحلله بالهدي

ص: 276

والحلق أو التقصير، بل عليه الحج من قابل، شريطة أن لا تكون استطاعته وليدة تلك السنة، أو كانت ولكنها تبقى بعد رجوعه من السفر.(مسألة – 505) المحصور في الحج إذا لم يجد هدياً ولا ثمنه صام عشرة أيام على ما تقدم.

ص: 277

ص: 278

الباب الثالث:أدعية وزيارات

اشارة

ص: 279

ص: 280

مقامات شريفة في مكة تستحب زيارتها

هناك أماكن شريفة في مكة المكرمة وما حولها توحي بذكريات دينية عالية لمن يتفقدها:

منها: غار حراء، وهو الغار الذي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتعبّد فيه قبل إبلاغه بالنبوة ونزول الوحي عليه فيه.

ومنها: المكان الذي دُفِنَ فيه أبو طالب وخديجة أم المؤمنين رضوان الله عليهما في مقبرة الحجون، وفيه قبر عبد المطلب جد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمِّه آمنة بنت وهب - على قول-.

ومنها: منزل خديجة أم المؤمنين الذي كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يسكنه معها بعد زواجه منها، وفيه ولدت الصدّيقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وهو الآن مسجد.

آداب توديع الحرم المكي

يستحب للمسافر إذا أراد الخروج من مكة أن يودّع البيت الحرام ويطوف حوله سبعة أشواط، ويسمّى هذا الطواف ب-(طواف الوداع)، ويستلم الحجر الأسود ويحمد الله ويُثني عليه ويصلّي على محمد وآله.

ويستحب له أن يقول إذا فرغ من طوافه (اللهمّ صلِّ على

ص: 281

محمدٍ عبدِكَ ورسُولِك ونَبيِّكَ وأمينِكَ وحبيبِكَ ونَجِيبِكَ وخِيَرَتِكَ من خَلقِكَ، اللهمّ كما بلّغَ رسالاتِكَ وجاهَدَ في سبيلِكَ وصدَعَ بأمرِكَ وأُوذيَ في جنبِك وعبَدَكَ حتى أتاه اليَقينُ، اللهم أقْلِبنِي مُفلِحاً مُنجِحاً مُستَجاباً لي بأفضَلِ ما يَرجِعُ به أحدٌ من وَفدِكَ من المَغفِرةِ والبَركَةِ والرَحمةِ والرِضوانِ والعافِيةِ، اللهمّ إن أمتَّني فاغفِر لي وإن أحيَيتَني فارزُقنِيهُ من قابِلٍ، اللهمَّ لا تَجعَلهُ آخِرَ العهدِ من بيتِكَ، اللهمّ إني عبدُكَ وابنُ عبدِك وابنُ أمَتِكَ أدْخَلتَنِي حَرَمَكَ وأَمنَكَ، وقد كان في حُسنِ ظَنِّي بكَ أن تَغفِرَ لي ذُنوبِي فإن كُنتَ قد غَفَرتَ لي ذُنوبي فازْدَد عني رضاً وقرِّبنِي إليكَ زُلفَى وإن كُنتَ لم تَغفِرْ لي فَمِنَ الآنَ فاغفِرْ لي قَبلَ أن تَنأى عَن بيتِكَ دارِي، وهذا أوانُ انصِرافِي، إنْ كُنتَ أذِنتَ لِي غيرَ راغبٍ عَنكَ ولا عن بيتِكَ ولا مُستَبدِلٍ بكَ ولا بهِ. اللهمَّ احفَظنِي من بينِ يَديَّ ومِن خَلفِي وعنْ يَمينِي وعن شِمالِي حَتَّى تُبَلِّغَنِي أهلِي، واكفِنِي مؤونَةَ عِبادِكَ وعيالِي فإنَّكَ وليُّ ذلكَ من خَلقِكَ وِمنِّي).

في أهمية زيارة المدينة المنورة على مشرفها آلاف التحية والسلام

يستحب للحاج استحباباً مؤكداً بعد الفراغ من مناسك الحج وزيارة بيت الله الحرام الإتيان إلى المدينة المنورة التي أظهر الله بها دينه لزيارة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وابنته فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) وأئمة البقيع (عليهم

ص: 282

السلام) وسائر المشاهد المشرفة.فإن زيارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من تمام الحج كما ورد في الأحاديث الكثيرة.

فقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (أتموا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا خرجتم إلى بيت الله الحرام فإن تركه جفاء وبذلك أمرتم، وأتموا بالقبور التي ألزمكم الله حقها وزيارتها).

وقال الإمام الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام): (إذا حج أحدكم فليختم بزيارتنا، لأن ذلك من تمام الحج).

فلا ينبغي المسامحة في التشرف إلى المدينة المنورة وأداء حقها، وعلى الزوار المحترمين أن يغتنموا الفرصة الثمينة من وجودهم في أرض الوحي والرسالة للزيارة والعبادة، لا أن تذهب أوقاتهم بالكسل والبطالة والسياحة وسائر الأعمال التي لا تنفعهم في آخرتهم، بل يصرفوها بالعبادة والزيارة والدعاء وخصوصاً الصلاة في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد ورد في الأحاديث المستفيضة أن الصلاة فيه تعدل ألف صلاة، وبحسب بعض الأحاديث تعدل عشرة آلاف صلاة فيما سواها.

والأفضل لإخواننا المؤمنين والأخوات المؤمنات أن يغتنموا هذه الفرصة من الزمان وشرافة المكان ويجعلوا صلواتهم الواجبة والمندوبة في المسجد النبوي الشريف، وإضافة على ذلك

ص: 283

الاشتغال بقضاء الصلوات الفائتة التي على عهدتهم، سواء القطعية منها أو الاحتمالية لتفريغ ذمتهم.وعليهم بالدعاء في ذلك المكان المقدس بجوار الروضة المحمدية المباركة لأنفسهم ولوالديهم ولأقربائهم ولإخوانهم المؤمنين، لا سيما لجميع المؤمنين والمسلمين في شتى أقطار الأرض الذين هم في المحنة والبلاء والعذاب على أيدي شياطين الإنس وطواغيت الزمان.

وفي الأحاديث المعتبرة: (مكة حرم الله، والمدينة حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحرمة الصيد في المدينة وقطع شجرها ونبتها كحرمة الصيد وقطع الشجر والنبت في حرم الله) وتحمل هذه الأحاديث على الكراهة الشديدة على الأقوى وإن كان الأحوط الاجتناب، وبالنسبة إلى صيد ما بين الحرّتين(1) لا يترك هذا الاحتياط وخصوصاً بالنسبة إلى الزوار المحترمين الذين هم وردوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم ضيوف عنده.

وحد الحرم من (عائر) إلى (وعير) وهما جبلان يكتنفان المدينة المنورة من المشرق والمغرب.

ص: 284


1- الحرتان موضعان تكتنفان بالمدينة أحدهما من المشرق والآخر من المغرب.

كيفية زيارة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)

روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (من أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة) وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (من زارني في حياتي وبعد موتي كان في جواري يوم القيامة).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لسبطه الإمام الحسين (عليه السلام): (يا بني من زارني حياً وميتاً، ومن زار أباك حياً وميتاً، ومن زار أخاك حياً وميتاً، ومن زارك حياً وميتاً، كان حقاً عليّ أن أزوره يوم القيامة أخلصه من ذنوبه وأدخله الجنة).

آداب الزيارة

يستحب الغسل لمن يريد زيارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الأئمة الطاهرين (سلام الله عليهم أجمعين)، وأن يلبس ثياباً طاهرة نظيفة، وأن يقصّر خطاه في طريقه إلى الروضة المقدسة وعليه السكينة والوقار، وأن يشتغل لسانه –وهو يمضي إلى الحرم المطهر- بالتكبير والتسبيح والتهليل والصلاة على محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) والأفضل لمن يريد الدخول للحرم الشريف الاستئذان كما قال الشيخ الكُفعمي في المصباح: (فإذا أردت الدخول على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو أحد مشاهد الأئمة (عليه السلام) فقل:

ص: 285

اللهمَّ إنِّي وَقَفتُ عَلى بابٍ مِنْ أبوابِ بُيُوتِ نَبيِّكَ صَلوَاتُكَ عَليهِ وآلِه، وَقَد مَنَعتَ النَاسَ أنْ يَدخُلُوا إلا بإذنِهِ فَقُلتَ: [يَا أيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَدخُلُوا بُيُوتَ النَبيِّ إلا أنْ يُؤذنَ لَكُمْ]اللهمَّ إني أَعتَقِدُ حُرمَةَ صَاحِبِ هذا المَشهَدِ الشَريفِ في غَيبَتهِ كَمَا أعتَقِدُهَا في حَضرَتِهِ وَأَعلَمُ أنْ رَسُولَكَ وخُلَفاءَكَ عليهم السلام أحيَاءٌ عِندَكَ يُرزَقُونَ يَرونَ مَقَامِي ويَسمَعُونَ كَلامِي ويَردُّونَ سَلامِي، وأنَّكَ حَجَبتَ عَن سَمعِي كَلامَهُمْ وفَتَحتَ بَابَ فَهمِي بِلَذِيذِ مُنَاجاتِهم، وإنِّي أستَأذِنُكَ يَا رَبِّ أولاً وأستَأذِنُ رَسُولَك (صلى الله عليه وآله وسلم) ثَانياً وَأستأذِنُ خَلِيفَتَكَ الإمَامَ المُفتَرضَ عَليَّ طَاعَتُهُ) ولما تصل إلى هذه الجملة (وَأستأذِنُ خَلِيفَتَكَ الإمَامَ المُفتَرضَ عَليَّ طَاعَتُهُ) تذكر اسم الإمام الذي تريد زيارته واسم أبيه وبعد إتمام دعاء الاستئذان تقبل باب العتبة المقدسة وتقول: (بِسمِ اللهِ وباللهِ وفي سَبيلِ اللهِ وَعلى مِلَّةِ رَسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) اللهمَّ اغفِرْ لِي وارحَمنِي إنَّكَ أنتَ التَوَّابُ الرَحيمُ).

آداب زيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

قال المحدث القمي عليه الرحمة: (فإذا أردت دخول مسجده (صلى الله عليه وآله وسلم) فقف على الباب واقرأ إذن الدخول وادخل من باب جبرئيل وقدم رجلك اليمنى عند الدخول ثم قل: (اللهُ أكبَرُ) مائة مرة، ثم صلي ركعتين تحية المسجد، ثم امضِ إلى الحجرة الشريفة فإذا بلغتها فاستلمها

ص: 286

بيدك وقبلها وقل: (السَلامُ عَليكَ يَا رَسُولَ اللهِ، السَلامُ عَلَيكَ يَا نَبيَ اللهِ، السَلامُ عليكَ يَا مُحمَّدَ بن عَبدِ اللهِ، السَلامُ عَلَيكَ يَا خَاتَمَ النَبيِّينَ، أَشهَدُ أَنَّكَ قَد بَلَّغتَ الرِسَالةَ وَأَقمتَ الصَلاةَ وآتَيتَ الزَكاةَ وَأمَرتَ بِالمَعرُوفِ وَنَهَيتَ عَنِ المُنكَرِ وَعبَدتَ اللهَ مُخلِصاً حَتى أتاكَ اليَقينُ، فَصَلَواتُ اللهِ عَلَيكَ وَرَحمَتُهُ وَعَلى أهلِ بَيتِكَ الطَاهِرينَ).

كيفية زيارته (صلى الله عليه وآله وسلم)

اشارة

ورد في زيارته (صلى الله عليه وآله وسلم) عدة زيارات تتفاوت في كيفيتها ويصدق على كل منها عنوان الزيارة:

الزيارة الأولى:

ما نقله ثقة الإسلام الكليني (قدس سره) في الكافي والشيخ الطوسي (قدس سره) في التهذيب بسند صحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام)، ونقله أيضاً الشيخ الصدوق (قدس سره) ونحن ننقل عن الكافي:

قال الصادق (عليه السلام): ثم تأتي قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم تقوم فتسلم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم تقوم عند الاسطوانة المقدمة من جانب القبر الأيمن عند رأسه الشريف عند زاوية القبر وأنت مستقبل القبلة، ومنكبك الأيسر إلى جانب القبر ومنكبك الأيمن مما يلي المنبر فإنه موضع رأس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقول:

(أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهَدُ أنَّ مُحمّداً عبدُهُ ورسولُهُ، وأَشهَدُ أَنَّكَ رسُولُ اللهِ، وأشهَدُ أنَّكَ

ص: 287

محَمّدُ بنُ عبدِ اللهِ، وَأَشهَدُ أَنَّكَ قَد بَلَّغتَ رِسَالاتِ ربِّكَ ونَصَحتَ لأُمَّتِكَ وَجاهَدتَ في سَبِيلِ اللهِ وعَبَدْتَ اللهَ حتَّى أتاكَ اليَقِينُ بالحِكمَةِ والمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وأدَّيتَ الذي عليكَ مِنَ الحَقِّ، وأنَّكَ قد رَأُفتَ بالمُؤمنينَ وغَلُظتَ على الكافِرينَ فَبَلَغَ اللهُ بِكَ أفضَلَ شَرفِ مَحَلِّ المُكَرَّمينَ، الحمدُ للهِ الذي استَنقَذَنا بِكَ مِنَ الشِّركِ والضَّلالَةِ، اللهمَّ فاجْعَلْ صَلواتِكَ وصَلَواتِ ملائِكَتِكَ المُقَرَّبينَ وعِبادِكَ الصّالحينَ وأنبِيائِكَ المُرسَلينَ وأهلِ السَّماواتِ والأرَضِينَ ومَنْ سَبَّحَ لكَ يا ربَّ العالَمينَ مِنَ الأوَّلينَ والآخِرينَ على محمّدٍ عبدِكَ ورَسولِكَ ونَبيِّكَ وأَمِينِكَ ونَجيِّكَ وحَبيبِكَ وصَفِيِّكَ وخَاصَّتِكَ وصَفوَتِكَ وخِيَرَتِكَ مِن خَلقِكَ، اللهمّ أعطِه الدَّرَجةَ والوَسيلَةَ مِنَ الجَنةِ وابعَثهُ مَقَاماً مَحمُوداً يَغبِطُهُ بِهِ الأوَّلونَ والآخِرونَ، اللهمَّ إنَّكَ قُلتَ: وَلَو أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُم جَاؤوكَ فَاستَغْفَروا اللهَ واستَغفَرَ لَهُمُ الرَّسولُ لَوَجَدوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً، وَإِنِّي أَتَيتُ نَبِيِّكَ مُسْتَغفِراً تَائِباً مِن ذُنُوبِي وإِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إلى اللهِ ربِّي ورَبِّكَ لِيَغفِرَ لِي ذُنُوبِي).وإن كانت لك حاجة فاجعل قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خلف كتفيك، واستقبل القبلة وارفع يديك واسأل حاجتك فإنها أحرى أن تقضى إن شاء الله.

ص: 288

دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) عند قبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)

ويمكنك أن تدعو بالدعاء الذي كان يدعو به الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) فقد نقل أنه كان يسند ظهره إلى القبر ويستقبل القبلة ويقول:

(اللهمَّ إليكَ ألجأتُ ظَهرِي، وإلى قَبرِ محمَّدٍ عَبدِكَ ورَسُولِكَ أسنَدتُ ظَهرِي وَالقِبلَةً التي رَضيتَ لِمُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم) استَقبَلتُ، اللهمَّ إنِّي أصبَحتُ لا أَملِكُ لِنَفسِي خَيرَ مَا أرجُو، وَلا أدفَعُ عَنهَا شَرَّ مَا أحذَرُ عَليهَا، وَأصبَحتِ الأُمُورُ بِيَدِكَ فَلا فَقيرَ أفقَرُ مِني، إنِّي لِمَا أَنزَلتَ إليَّ مِن خَيرٍ فَقيرٌ، اللهمَّ اردُدنِي مِنكَ بِخَيرٍ فَإنَّهُ لا رَادَّ لِفَضلِكَ، اللهمَّ إنِّي أَعوذُ بِكَ مِن أنْ تُبَدِّلَ اسمِي أو تُغَيِّرَ جِسمِي أو تُزيلَ نِعمَتَكَ عَنِّي، اللهمَّ كرِّمنِي بِالتَقوَى وَجَمِّلنِي (وَحَمّلنِي) بِالنِعَمِ واغمُرنِي بِالعافِيةِ وارزُقنِي شُكْرَ العافِيةِ).

وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه عندما كان ينتهي إلى قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يضع يده على القبر الشريف ويقول:

(أسأَلُ اللهَ الذي اجتَبَاكَ وَاختَارَكَ وَهَدَاكَ وَهَدَى بِكَ أنْ يُصَلِّي عَلَيكَ، إنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَبِيّ، يَا أيُّهَا الذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسلِيماً),

قال العلامة المجلسي (قدس سره) في بحار الأنوار: (اعلم أن

ص: 289

استدبار قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن كان ظاهراً مخالفاً للآداب، لكن لا بأس به إذا كان التوجه إلى الله تعالى وكان الغرض الاستظهار به (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن في هذا الزمان الأولى تركه للتقية).

الزيارة الثانية

وهي التي رواها إبراهيم بن أبي البلاد عن الإمام أبي الحسن (عليه السلام) (الظاهر هو الإمام السابع)، قال إبراهيم: (قال لي أبو الحسن (عليه السلام): كيف تقول في التسليم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قلت: الذي نعرفه ورويناه. قال (عليه السلام): أأعلمك ما هو أفضل من هذا؟ قلت: نعم جعلت فداك. فكتب (عليه السلام): -وأنا قاعد- بخطه وقرأه عليّ: إذا وقفت على قبره (صلى الله عليه وآله وسلم) فقل:

(أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأشهَدُ أنَّكَ محَمّدُ بنُ عبدِ اللهِ، وأَشهَدُ أَنَّكَ رسُولُ اللهِ، وأشهَدُ أنَّكَ خَاتَمُ النَبيِّينَ، وَأَشهَدُ أَنَّكَ قَد بَلَّغتَ رِسَالاتِ ربِّكَ ونَصَحتَ لأُمَّتِكَ، وَجاهَدتَ في سَبِيلِ رَبِّكَ وعَبَدْتَه حتَّى أتاكَ اليَقِينُ وَأَدَّيتَ الذي عَلَيكَ مِنَ الحَقِّ. اللهمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ عَبدِكَ ورَسولِكَ ونَجِيِّكَ وأَمِينِكَ وصَفِيِّكَ وخِيَرَتِكَ مِن خَلقِكَ أَفضَلَ ما صَلَّيتَ عَلى أَحدٍ مِن أنبِيائِكَ وَرُسُلِكَ، اللهمّ سَلِّم عَلى مُحمّدٍ وآلِ مُحمَّدٍ كَما سلَّمتَ على نُوحٍ فِي العَالمينَ، وَامنُن عَلى مُحمَّدٍ وآلِ محمّدٍ كما مَنَنتَ على مُوسى وهَارُونَ، وَبارِك عَلى محمَّدٍ

ص: 290

وآلِ محمَّدٍ كما بَاركتَ على إبراهيمَ وآلِ إبراهيمَ إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ.اللهمّ صَلِّ على مُحمَّدٍ وآلِ محمّدٍ وتَرَحَّمْ عَلى مُحمَّدٍ وآلِ محمّدٍ . اللهمَّ رَبَّ البيتِ الحَرامِ، ورَبَّ المسجد الحرام، وَربَّ الرُكنِ والمَقامِ، وربَّ البلدِ الحرامِ، وربَّ الحِلِّ والحَرامِ، وربَّ المَشعَرِ الحرامِ بلِّغ رُوحَ نَبيِّكَ محمَّدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم) مِنِّي السلام).

الزيارة الثالثة

نقلها أبي نصر البزنطي عن الإمام أبي الحسن الرضا (عليه السلام):

(السَلامُ على رَسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) (السَلامُ عليكَ يا رسُولَ الله، السَلامُ عليكَ يا حَبيبَ اللهِ، السَلامُ عليكَ يَا صَفوَةَ اللهِ. السَلامُ عَليكَ يا أمينَ اللهِ، أشهدُ أنَّكَ قد نصحتَ لأمتكَ وجاهَدتَ في سبيلِ اللهِ وعَبدتَهُ حَتَّى أتاكَ اليقينُ، فَجَزاكَ اللهُ أفضَلَ ما جَزى نَبيَّاً عَن أمَّتِهِ، اللهمَّ صَلِّ على مُحمَّدٍ وآلِ محمّدٍ أفضَلَ ما صلَّيتَ على إبراهيمَ وآلِ إبراهيمَ إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ).

الزيارة الرابعة

نقلها الشيخ الكفعمي عليه الرحمة:

(السَلامُ على رَسولِ اللهِ أمينِ اللهِ على وحيِهِ وَعَزائِمِ أمرهِ،

ص: 291

الخَاتمِ لِما سَبقَ والفَاتِحِ لِما استُقبِلَ وَالمُهَيمِنِ على ذلِكَ كُلِّهِ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركاتُهُ، السَلامُ على صاحِبِ السَكِينةِ، السَلامُ على المدفونِ بالمَدينةِ، السلامُ على المَنصُورِ المُؤيَّدِ السَلامُ على أبي القاسِمِ محمدٍ ورَحمةُ اللهِ وبركاتُه).ولا يخفى أنه نقل لزيارته (صلى الله عليه وآله وسلم) زيارات طويلة، ولكن لأجل الاختصار اكتفينا بهذه الزيارات الأربع، والمهم في الزيارة سواء في زيارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الأئمة الطاهرين (سلام الله عليهم أجمعين) هو الخضوع والخشوع ورقة القلب والارتباط المعنوي معهم.

ومن أراد الزيارات الطويلة أمكنه مراجعة الكتب المفصلة، ومن جملتها بحار الأنوار للعلامة المجلسي (قدس سره).

الأعمال والأوراد في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد الفراغ من زيارته

لقد ورد في الحديث الصحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (إذا فرغت من الدعاء عند القبر فأت المنبر وامسحه بيدك وخذ برمّانتيه وهما السفلاوان وامسح عينيك ووجهك به فإنه يقال إنه شفاء للعين، وقم عنده فاحمد الله واثنِ عليه وسل حاجتك فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة، وإن منبري على ترعة من ترع الجنة وقوائم المنبر رتب في الجنة والترعة هي الباب الصغير، ثم مقام النبي فصل ما بدا لك، فإذا دخلت

ص: 292

المسجد فصل على محمد وآله وإذا خرجت فاصنع مثل ذلك وأكثر من الصلاة في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله))(1).ونقل العلامة المجلسي (قدس سره) في بحار الأنوار عن الشيخ المفيد والسيد بن طاووس والشهيد الأول وغيرهم (رضوان الله عليهم) أنه إذا فرغ الزائر من الدعاء والزيارة عند قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرأ سورة [إِنَّا أَنزَلْناهُ] أحد عشر مرة، ثم يتوجه إلى مقام النبي (صلى الله عليه وآله) الواقع بين القبر والمنبر ويأتي إلى الاسطوانة التي بجنب المنبر فيقف بحذائها ويجعل المنبر أمامه ويصلي أربع ركعات صلاة الزيارة، وإن لم يمكنه يصلي ركعتين وبعد السلام والتسبيح يقول: (اللهمَّ هَذا مَقَامُ نَبيِّكَ وَخِيَرَتِكَ مِن خَلقِكَ جَعَلتَهُ رَوضَةً مِنْ رِياضِ جَنَّتِكَ وَشَرَّفْتَهُ عَلى بِقَاعِ أرضِكَ بِرَسُولِكَ، وَفَضَّلْتَهُ بِهِ وَعَظَّمْتَ حُرمَتَهُ وَأظهَرتَ جَلالَتَهُ وَأوجَبتَ عَلى عِبادِكَ التَبَرُكَ بِالصَلاةِ وَالدُعاءِ فِيهِ، وَقَد أقَمتَنِي فِيهِ بِلا حَولٍ وَلا قُوَّةٍ كَان مِني في ذَلكَ إلا بِرَحمَتِكَ، اللهمَّ وَكَما أنَّ حَبيبَكَ لا يَتقدَّمُهُ في الفَضلِ خَلِيلُكَ فاجعَلْ استجَابةَ الدُعَاءِ في مَقَامِ حَبيبِكَ أفضَلَ مَا جَعَلتَهُ في مَقَامِ خَليلِكَ، اللهمَّ إنِّي أسألُكَ في هَذا المقَامِ الطَاهِرِ أنْ تُصَلِّي عَلى مُحمَّدٍ وَآلِ مُحمَّدٍ وَأنْ تُعيذَنِي مِنَ النَارِ وَتَمُنَّ عَليَّ بِالجَنَّةِ وَتَرْحَمَ مَوقِفِي وَتَغفِرَ زَلَّتِي وَتُزَكِّيَ عَمَلِي وَتُوَسِّعَ لِي في رِزقِي وَتُديمَ عَافيَتي وَرُشدِي وَتُسبِغَ نِعمَتَكَ عليَّ

ص: 293


1- الكافي: ج4، ص 553، الوسائل، ج10، ص 270.

وَتَحفظَنِي في أهلِي وَمَالِي وَتَحرُسَنِي مِن كُلِّ مُتَعدٍّ عَليَّ وَظالِمٍ لِي وَتُطيلَ عُمرِي وَتُوفِّقَنِي لما يُرضِيكَ عَنِّي وَتعصِمَني عَمَّا يُسخِطُك عَليَّ اللهمَّ إنِّي أتَوسَّلُ إلَيكَ بِنَبيِّكَ وَأهلِ بَيتِهِ حُجَجِكَ عَلى خَلقِكَ وَآيَاتِكَ في أرضِكَ أنْ تَستَجِيبَ لِي دُعَائِي وَتُبلِّغَنِي في الدِينِ وَالدُنيَا أمَلِي وَرَجَائِي، يَا سَيَّدِي وَمَولايَ قَدْ سَألتُكَ فَلا تُخَيِّبنِي وَرَجَوتُ فَضلَكَ فَلا تَحرِمنِي فَأنا الفَقِيرُ إلى رَحمَتِكَ الذِي لَيسَ لِي غَيرُ إحسَانِكَ وَتَفضُّلِكَ فأسألُكَ أنْ تُحرِّمَ شَعرِيْ وَبَشَرِي عَلى النَارِ وَتُؤتِيَنِي مِنَ الخَيرِ مَا عَلِمتُ مِنهُ وَما لَم أعلَمْ وَادفَعْ عَنِّي وَعَن وُلْدِي وَإخوَانِي وَأخَوَاتِي مِنَ الشَرِّ مَا عَلِمتُ مِنهُ وَمَا لَمْ أعلَمْ، اللهمَّ اغفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِجَميعِ المُؤمِنينَ وَالمؤمِناتِ إنَّكَ عَلى كُلِّ شيءٍ قَديرٌ).وبعد الفراغ من الدعاء يأتي إلى المنبر ويمسحه بيده ويأخذ برمّانتيه السفلاوين ويمسح بهما وجهه وعينيه ثم يقرأ كلمات الفرج:

(لا إلَهَ إلا اللهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ، لا إلَهَ إلا اللهُ العَلِيُّ العَظِيمُ، سُبحَانَ اللهِ رَبِّ السَمَاوَاتِ السَبعِ وَرَبِّ الأَرَضِينَ السَبعِ وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَينَهُنَّ وَرَبِ العَرشِ العَظِيمِ، وَسَلامٌ عَلى المُرسَلينَ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ).

ثم قل: (أَشهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأشهَدُ أنَّ مُحمَّداً رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ، الحَمدُ للهِ الذِي عَقَدَ بِكَ عِزَّ الإسلامِ وَجَعلَكَ مُرتَقَى خَيرِ الأَنَامِ وَمَصعَدَ الدَاعِي إلى

ص: 294

دَارِ السَلامِ، الحَمدُ للهِ الذِي خَفَضَ بِانتصَابِك عُلوَّ الكُفرِ وَسُمُوَّ الشِركِ وَنَكَسَ بِكَ عَلَمَ البَاطِلِ وَرَايَةَ الضَلالِ أشهَدُ أنَّكَ لَمْ تُنصَبْ إلا لِتَوحِيدِ اللهِ سُبحَانَهَ وَتَمجِيدِهِ وَتَعظِيمِ اللهِ وَتَحمِيدِهِ وَلِمَواعِظِ عِبادِ اللهِ وَالدُعَاءِ إلى عَفوِهِ وَغُفرَانِهِ، أشهَدُ أنَّكَ قَد استَوفَيتَ مِن رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلهِ) بِارتِقَائِهِ في مَراقِيكَ وَاستِوائِهِ عَلَيكَ حَظَّ شَرَفِكَ وَفَضلِكَ وَنَصِيبَ عِزِّكَ وَذُخرِكَ وَنِلْتَ كَمَالَ ذِكرِكَ وَعَظَّمَ اللهُ حُرمَتَكَ، وَأوجَبَ التَمَسُّحَ بِكَ، فَكَمْ قَد وَضَعَ المصطَفَى (صَلّى اللهُ عَليهِ وَآلهِ) قَدَمَهُ عَليكَ وَقامَ لِلنَاسِ خَطِيباً فَوقَكَ، وَوَحَّدَ اللهَ وَحَمِدَهُ، وأثنى عَلَيهِ وَمَجَّدَهُ وَكَمْ بَلَّغَ عَليكَ مِنَ الرِسَالَةِ وَأدَّى مِنَ الأمَانةِ وَتَلا مِنَ القُرآنِ وَقَرأ مِنَ الفُرقَانِ وَأخبَرَ مِنَ الوَحيِ وَبَيَّنَ الأمرَ وَالنَهيَ وَفَصَّلَ بينَ الحَلالِ وَالحَرامِ وَأمَرَ بِالصَلاةِ وَالصِيَامِ وَحثَّ العِبادَ عَلى الجِهَادِ وَأنبَأ عَن ثَوابِهِ في المَعَادِ).ثم بعد ذلك يقف في الروضة المباركة الواقعة بين القبر والمنبر ويقول:

(اللهمَّ إنَّ هذهِ رَوضَةٌ مِن رِيَاضِ جَنَّتِكَ وَشُعبَةٌ مِن شُعَبِ رَحمَتِكَ التِي ذَكَرَهَا رَسُولُكَ وَأبَانَ عَن فَضلِهَا وَشَرفِ التَعَبُّدِ لَكَ فِيهَا، وَقَد بَلَّغْتَنِيهَا في سَلامَةِ نَفسِي فَلَكَ الحَمدُ يَا سَيّدِي عَلى عَظِيمِ نِعمَتِكَ عَليَّ في ذَلِكَ وَعَلى مَا رَزَقتَنِيهُ مِن طَاعَتِكَ وَطَلَبِ مَرضَاتِكَ وَتَعظِيمِ حُرمَةِ نَبِيِّكَ (صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ) بِزِيَارَةِ قَبرِهِ وَالتَسلِيمِ عَليهِ وَالتَرَدُّدِ في مَشَاهِدِهِ وَمَوَاقِفِهِ، فَلَكَ

ص: 295

الحَمدُ يَا مَولايَ حَمداً يَنتَظِمُ بِهِ مَحَامِدُ حَمَلَةِ عَرشِكَ وَسُكَّانِ سَماوَاتِكَ لَكَ وَيَقصُرُ عَنهُ حَمدُ مَن مَضَى وَيَفضُلُ حَمدَ مَن بَقِيَ مِن خَلقِكَ، وَلَكَ الحَمدُ يَا مَولايَ حَمدَ مَن عَرفَ الحَمدَ لَكَ وَالتَوفِيقَ لِلحمدِ مِنكَ، حَمداً يَملأ مَا خَلقَتَ وَيبلُغُ حَيثُما أردتَ وَلا يُحجَبُ عَنكَ وَلا يَنقَضِي دُونَكَ وَيبلُغُ أقصَى رِضَاكَ وَلا يَبلُغُ آخِرَهُ أوَائِلَ مَحَامِدَ خَلقِكَ لَكَ، وَلَكَ الحَمدُ مَا عُرفَ الحمدُ وَاعتُقِدَ وَجُعلَ ابتدَاءُ الكَلامِ الحمدُ، يَا بَاقيَ العزِّ وَالعَظمَةِ وَدَائمَ السُلطانِ وَالقُدرَةِ وَشَدِيدِ البَطشِ وَالقُوةِ وَنَافذَ الأمرِ وَالإرَادَةِ وَوَاسِعَ الرَحمَةِ وَالمَغفِرةِ وَربَّ الدُنيَا وَالآخِرةِ كَم مِن نِعمةٍ لَكَ عَليَّ يَقصُرُ عَن أيسَرِهَا حَمدِي وَلا يَبلُغُ أدنَاهَا شُكرِي، وَكَمْ مِن صَنَايِعَ مِنكَ إليَّ لا يُحيطُ بِكَثرَتِها وَهمي وَلا يُقَيِّدُهَا فِكرِي اللهمّ صَلِّ عَلى نَبيِّكَ المُصطَفى عَينِ البَريِّةِ طِفلاً وَخَيرُها شَابّاً وَكهلاً، أطهَرُ المُطَهَّرِينَ شِيمَةً وَأجوَدُ المُستَمطِرينَ دَيمَةً وَأعظَمُ الخَلقِ جُرْثُومَةً، الذِي أوضَحتَ بِهِ الدِلالاتِ وَأقَمتَ بِهِ الرِسَالاتِ وَخَتَمتَ بِهِ النُبُوّاتِ وَفَتَحتَ بِهِ بَابَ الخَيراتِ وَأظهرتَهُ مَظهَراً وَابتَعَثتَهُ نَبيّاً وَهادِياً أمِيناً مَهديّاً دَاعِياً إليكَ وَدَالاً عَلَيكَ وَحُجّةً بَينَ يَديكَ، اللهمّ صَلِّ عَلى المَعصُومِينَ مِن عِترَتِهِ وَالطَيّبينَ مِن أُسرَتِهِ، وَشَرِّفْ لَدَيكَ بِهِ مَنَازِلَهُم، وَعَظّمْ عِندكَ مَراتِبَهُم، وَاجعَلْ في الرَفِيقِ الأعلَى مَجَالِسَهُم، وَارفَعْ إلى قُربِ رَسُولِكَ دَرَجَاتِهمْ، وَتَمِّمْ بِلِقَائِهِ سُرُورَهُم وَوَفِّرْ بِمَكَانِهِ أُنسَهُم).

ص: 296

ثم يأتي إلى مقام جبرئيل (عليه السلام) فإنه كان مقامه إذا استأذن على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذه الاسطوانة تحت الميزاب وعندما يخرج الزائر من باب فاطمة (عليها السلام) يقع الميزاب فوق رأسه ويقع الباب من جهة البقيع فيصلي في هذا المكان ركعتين ويقول:(يَا مَنْ خَلَقَ السَماوَاتِ وَمَلأهَا جُنُوداً مِنَ المُسَبِّحِينَ لَهُ مِن مَلائِكَتِهِ وَالمُمَجِّدِينَ لِقُدرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَأفرَغَ عَلى أبدَانِهِم حُلَلَ الكَرَامَاتِ، وَأنطَقَ ألسِنَتَهُم بِضُرُوبِ اللُغاتِ، وَألبَسَهُم شِعَارَ التَقوَى، وَقَلَّدَهُم قَلائِدَ النَهيِ وَجَعلَهُم أوفرَ أجنَاسِ خَلقِهِ مَعرِفَةً بِوَحدَانِيَّتِهِ وَقُدرَتِهِ وَجَلالَتِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَأكمَلَهُم عِلماً بِهِ وَأشَدَّهُم فَرَقاً وَأدوَمَهُم لَهُ طَاعَةً وَخُضُوعاً وَاستِكَانَةً وَخُشُوعاً، يَا مَن فَضّلَ الأمينَ جِبرئِيلَ (عليه السلام) بِخَصَائِصِهِ وَدَرَجاتِهِ وَمَنازِلِهِ وَاختَارَهُ لِوَحيِهِ وَسَفَارَتِهِ وَعهدِهِ وَأمَانَتِهِ وَإنزَالِ كُتُبِهِ وَأوَامِرِهِ عَلى أنبِيائِهِ وَرُسِلِهِ، وَجَعَلَهُ وَاسِطَةً بَينَ نَفسِهِ وَبَينَهُم أَسألُكَ أنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحمّدٍ وَآلِ مُحمّدٍ وَعَلى جَمِيعِ مَلائِكَتِكَ وَسُكَّانِ سَمَاوَاتِكَ، أعَلَمِ خَلقِكَ بِكَ وَأخوَفِ خَلقِكَ لَكَ وَأقرَبِ خَلقِكَ مِنكَ وَأعمَلِ خَلقِكَ بِطاعَتِكَ، الذِينَ لا يَغشَاهُم نَومُ العُيونِ وَلا سَهوُ العُقولِ وَلا فَترةُ الأبدَانِ، المُكرَّمِينَ بِجِوَارِكَ وَالمُؤتَمَنينَ عَلى وَحيِكَ المُجتَنِبينَ الآفاتِ وَالمُوقَّينَ السِيِّئاتِ، اللهُمَّ وَاخصُصْ الرُوحَ الأمِينَ صَلوَاتُكَ عَليهِ بَأضعَافِها مِنكَ وَعَلى مَلائكَتِكَ المُقرَّبِينَ وَطَبقاتِ الكَرُّوبِيِّينَ وَالرَوحَانِيّينَ وَزِدْ في

ص: 297

مَرَاتِبِهِ عِندكَ وَحُقوقِهِ التي لَهُ عَلى أهلِ الأرضِ بِما كانَ يَنزِلُ بِهِ مِن شَرايِعَ دِينِكَ وَما بَيَّنتَهُ عَلى ألسِنةِ أنبِيَائِكَ مِن مُحَلاتِكَ وَمُحَرَّمَاتِكَ اللهُمّ أكثِرْ صَلَوَاتِكَ عَلى جِبرَئِيلَ فِإنَّهُ قُدوَةُ الأنبِيَاءِ وَهَادِي الأصفِيَاءِ وَسَادِسُ أصحَابِ الكِسَاءِ، اللهُمّ اجعَلْ وُقُوفِي في مَقَامِهِ هَذا سَبَباً لِنُزُولِ رَحمَتِكَ عَليَّ وَتَجَاوُزِكَ عَنِّي).ثم قل:

(أيْ جَوادُ أيْ كَريمُ أيْ قَريبُ أيْ بَعيدُ أسألُكَ أنْ تُصَلّي عَلى مُحمّدٍ وَآلِ محمّدٍ وَأن تُوفّقَنِي لِطَاعَتِكَ وَلا تُزيلَ عَنّي نِعمَتَكَ وَأنْ تَرزُقَنِي الجَنةَ بِرَحمَتِكَ وَتُوسِّعَ عَليّ مِن فَضلِكَ وَتُغنِيَنِي عَن شِرارِ خَلقِكَ وَتُلهِمَنِي شُكرَكَ وَذِكرَكَ وَلا تُخَيّبَ يَا ربِّ دُعائِي وَلا تَقطَعْ رَجَائِي بِمُحمّدٍ وَآلِهِ).

ثم تأتي اسطوانة أبي لبابة المعروفة ب-(اسطوانة التوبة) فتُصلي ركعتين ثم تقول:

(بِسمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحِيمِ، اللهُمّ لا تُهِنِّي بِالفَقرِ وَلا تُذِلَّنِي بِالدَينِ وَلا تَرُدّنِي إلى الهَلَكَةِ وَاعصِمنِي كَي أعتَصِمَ وَأصلِحنِي كَي أنصَلِحَ وَاهدِنِي كَي أهتدِيَ، اللهُمّ أعِنّي عَلى اجتهَادِ نَفسِي وَلا تُعذِّبنِي بِسُوءِ ظَنِّي وَلا تُهلِكنِي وَأنتَ رَجَائِي، وَأنتَ أهلٌ أنْ تَغفِرَ لِي وَقَد أخطَأتُ وَأنتَ أهلٌ أنْ تَعفُوَ عَنِّي وَقَد أقرَرتُ وَأنتَ أهلٌ أن تُقِيلَ وَقد عَثرتُ وَأنتَ أهلٌ أنْ تُحسِنَ وَقد أسَأتُ، وَأنتَ أهلُ التَقوَى وَالمغفِرةِ فَوَفّقنِي لِمَا تُحِبُّ وَتَرضَى، وَيسِّرْ لِي اليَسِيرَ وَجَنّبنِي كلَّ عَسيرٍ، اللهُمّ أغنِنِي بِالحَلالِ مِن

ص: 298

الحَرامِ، وَبِالطَاعاتِ عَنِ المَعَاصِي، وَبالغِنى عَنِ الفَقرِ، وَبِالجنةِ عَنِ النَارِ، وبِالأبرارِ عَنِ الفُجّارِ، يَا مَنْ لَيسَ كَمِثلِهِ شيء وَهُوَ السَمِيعُ البَصيرُ وَأنتَ عَلى كُلّ شَيءٍ قَدِيرٌ).دعاء آخر يُقرأ في مقام جبرئيل (عليه السلام) أيضاً:

(يَا جَوادُ يا كَريمُ، يا قَريبُ غَيرُ بعِيدٍ أسألُكَ بِأنَّكَ أنتَ اللهُ ليسَ كَمِثلِكَ شَيءٌ أن تَعصِمَنِي مَنَ المَهالِكِ وأنْ تُسَلِّمَنِي مِنَ آفاتِ الدُنيا والآخرةِ وَوَعثاءِ السَفرِ وسُوءِ المُنقَلَبِ، وأنْ تَرُدَّنِي سَالِماً إلى وَطنِي بَعدَ حَجٍّ مَقبُولٍ وَسَعيٍ مَشكُورٍ وَعَمَلٍ مُتَقَبَّلٍ، ولا تَجعَلهُ آخِرَ العَهدِ مِن حَرَمِكَ وَحَرَمِ نَبيِّكَ صَلّى اللهُ عليهِ وآلهِ).

زيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند الوداع والخروج من المدينة المنورة

في الكافي والتهذيب بسند صحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (إذا أردتَ أن تخرج من المدينة فاغتسل ثم ائت قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدما تفرغ من حوائجك فودّعه واصنع مثل ما صنعت عند دخولك وقل:

اللهُمّ لا تَجعَلْهُ آخِرَ العَهدِ مِن زِيارَةِ قَبرِ نَبيِّكَ فَإنْ تَوَفَّيتَنِي قَبلَ ذَلِكَ فَإنّي أَشهَدُ في مَمَاتِي عَلَى مَا أشهَدُ عَليهِ في حَيَاتِي أنْ لا إلَهَ إلا أنتَ وَأنَّ مُحمّداً عَبدُكَ وَرَسولُكَ).

وقال الشيخ الكفعمي: تقول في وداع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هكذا:

ص: 299

(اللهُمّ لا تَجعَلْهُ آخِرَ العَهدِ مِن زِيارَةِ نَبيِّكَ، فَإنْ تَوَفَّيتَنِي قَبلَ ذَلِكَ فَإنّي أَشهَدُ في مَمَاتِي عَلَى مَا أشهَدُ عَليهِ في حَيَاتِي أنْ لا إلَهَ إلا أنتَ وَأنَّ مُحمّداً عَبدُكَ وَرَسولُكَ، وَأنّكَ قَد اختَرتَ مِن أهلِ بَيتهِ الأَئمةَ الطَاهِرينَ الذينَ أذهَبتَ عَنهمُ الرِجسَ وَطهَّرتَهُم تَطهِيراً فَاحشُرنَا مَعَهُم وَفي زُمرَتِهِم وَتحتَ لِوائِهِم وَلا تُفرّقْ بَينِي وَبَينهُم في الدُنيا وَالآخِرةِ يَا أرحَمَ الرَاحِمينَ).ويناسب قراءة هذه الزيارة عند وداعه (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن كان الظاهر ورودها لوداع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من بعيد:

(السَلامُ عَليكَ يَا رَسُولَ اللهِ، السَلامُ عَليكَ أيُّهَا البَشيرُ النَذِيرُ، السَلامُ عَلَيكَ أيُّهَا السِرَاجُ المُنيرُ، السَلامُ عَلَيكَ أيُّهَا السَفِيرُ بَينَ اللهِ وَبينَ خَلقِهِ، أشهَدُ يَا رَسُولَ اللهِ أنَّكَ كُنتَ نُوراً في الأصلابِ الشَامِخَةِ وَالأرحَامِ المُطَهّرةِ لَم تَنَجِّسكَ الجَاهِليَةُ بَأنجاسِها وَلَمْ تُلبِسكَ مِن مُدلَهِمّاتِ ثِيَابِها، أشهدُ يَا رَسُولَ اللهِ أنّي مُؤمِنٌ بِكَ وَبِالأئمَةِ مِن أهلِ بَيتِكَ مُوقِنٌ بِجَميعِ مَا أتَيتَ بِهِ، رَاضٍ مُؤمنٌ، وَأشهدُ أنَّ الأئمةَ مِن أهلِ بَيتِكَ أعلامُ الهُدى وَالعُروةُ الوُثقَى وَالحُجَّةُ عَلى أهلِ الدُنيا اللهُمّ لا تَجعَلهُ آخِرَ العَهدِ مِن زِيَارةِ نَبيّكَ عليه السلام، وَإنْ تَوَفَّيتَنِي فَإنّي أشهَدُ في مَماتِي عَلى مَا أشهدُ عَليهِ في حَياتِي أنَّكَ أنتَ اللهُ لا إلهَ إلا أنتَ وَحدَكَ لا شَريكَ لَكَ، وَأنَّ مُحمّداً عَبدُك وَرَسُولُكَ وَأنَّ الأئمةَ مِن أهلِ بَيتهِ أولِياؤكَ وَأنصَارُك وَحُجَجُكَ عَلى خَلقِكَ

ص: 300

وَخُلفَاؤكَ في عِبادِكَ وَأعلامُكَ في بِلادِكَ وَخُزّانُ عِلمِكَ وَحفَظَةُ سِرِّكَ وَتَرَاجِمةُ وَحيِكَ، اللهُمّ صَلِّ عَلى محمَدٍ وَآلِ محمَدٍ وَبَلِّغْ رُوحَ نَبيّكَ محمّد في سَاعَتِي هَذه وَفي كُلِّ سَاعةٍ تَحيةً مِنّي وَسَلاماً، وَالسَلامُ عَليكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَرَحمةُ اللهِ وَبركاتُهُ، لا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ تَسلِيمِي عَليكَ).

زيارة الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام)

لا يخفى أن قبر السيدة المظلومة الكبرى فاطمة الزهراء سلام الله عليها قد بقي في الخفاء كما خفي قدرها، واختلف في موضع قبرها:

نُقلَ عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: (دفنت في بيتها، فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد).

وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة لأن فاطمة عليه السلام بين قبره ومنبره).

قال الشيخ الصدوق (رضوان الله عليه): (قد اختلفت الروايات في موضع قبر فاطمة سيدة نساء العالمين (عليها السلام)، فمنهم من روى أنها دُفنت في البقيع، ومنهم من روى أنها دفنت بين القبر والمنبر وأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما قال: ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة لأن قبرها بين القبر والمنبر، ومنهم من روى أنها دفنت في بيتها

ص: 301

فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد وهذا هو الصحيح عندي).ونظير هذا الكلام نقل أيضاً عن الشيخ المفيد والشيخ الطوسي قدس سرهما.

وأما كيفية زيارتها (سلام الله عليها):

الزيارة الأولى: زيارة مختصرة رواها الشيخ الطوسي في التهذيب عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) (والظاهر أن المقصود به أبو جعفر الثاني الإمام محمد الجواد (عليه السلام)) قال (عليه السلام) لإبراهيم العريضي: (إذا صرت إلى قبر جدتك (فاطمة) عليها السلام فقل:

(يَا مُمتَحَنةُ امتَحَنَكِ اللهُ الذِي خَلَقَكِ قَبلَ أنْ يَخلُقَكِ، فَوَجَدَكِ لِمَا امتَحَنَكِ صَابرةً، وَزَعَمنَا أنّا لَكِ أولِياءٌ وَمُصَدّقُونَ وَصَابِرُونَ لِكُلّ مَا أتَانَا بِهِ أبُوكِ وَأتَانَا بِهِ وَصِيُّهُ، فَإنَّا نَسألُكِ إنْ كُنّا صَدّقنَاكِ إلا ألحَقتِنَا بِتَصدِيقِنا لَهُمَا لِنُبشِّرَ أنُفُسَنا بِأنّا قَد طَهُرنَا بِوِلايَتِكَ).

الزيارة الثانية: زيارة مختصرة رواها السيد ابن طاووس عليه الرحمة في الإقبال:

(السَلامُ عَلَيكِ يا سيّدةِ نسَاءِ العَالمينَ، السَلامُ علَيكِ يَا والِدةَ الحُجَجِ على النَاسِ أجمَعينَ، السَلامُ عليكِ أيَّتُها المَظلُومةُ

ص: 302

المَمنُوعةُ حَقُّها، اللهُمّ صَلِّ على أمَتِكَ وَابنةِ نَبيِّكَ صلاةً تُزلِفُهَا فَوقَ زُلفى عِبادِكَ المُكرَّمينَ مِن أهلِ السَمَاواتِ وَالأرَضِينَ).فقد روي أن من زارها بهذه الزيارة واستغفر الله غفر الله له وأدخله الجنة.

الزيارة الثالثة: زيارة ذكرها الشيخ الصدوق مع إضافة الصلوات على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين، وروى أصل الزيارة الشيخ الطوسي في التهذيب، وذكر أنها تُزار عليها السلام في أحد مكانين: إما في المسجد يعني في الروضة بين قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمنبر أو في بيتها (عليها السلام)، وعند الزيارة تقف وتقول:

(السَّلامُ عَليكِ يا بِنتَ رَسُولِ اللهِ، السَّلامُ عليكِ يا بِنتَ نَبيِّ اللهِ، السَّلامُ عليكِ يا بِنتَ حَبيبِ اللهِ، السَّلامُ عليكِ يا بِنتَ خَليلِ اللهِ، السَّلامُ عليكِ يا بنت صفيِّ اللهِ، السَّلامُ عليكِ يا بنتَ أمينِ اللهِ، السَّلامُ عليكِ يا بنتَ خَيرِ خَلقِ اللهِ، السَّلامُ عليكِ يا بنتَ أفضَلِ أنبِياءِ اللهِ ورُسُلِهِ ومَلائِكتِهِ، السَّلامُ عليكِ يا بنتَ خَيرِ البَرِيَّةِ، السَّلامُ عليكِ يا سيِّدةِ نِساءِ العالمينَ مِنَ الأوَّلِينَ والآخِرينَ، السَّلامُ عليكِ يا زوجَةَ وليِّ اللهِ وخَيرِ الخَلقِ بَعدَ رسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، السَّلامُ عليكِ يا أُمَّ الحَسَنِ والحُسَينِ سيِّدَي شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ، السَّلامُ عليكِ أيَّتها

ص: 303

الصِّدِّيقَةُ الشَّهِيدَةُ، السَّلامُ عليكِ أيَّتها الرَّضِيَّةُ المَرضِيَّةُ، السَّلامُ عليكِ أيّتُها الفاضِلَةُ الزَّكِيَّةُ، السَّلامُ عليكِ أيَّتُها الحَورَاءُ الإنسيَّةُ، السَّلامُ عليكِ أيتها التَّقيَّةُ النَّقِيَّةُ، السَّلامُ عليكِ أيَّتُها المُحَدَّثَةُ العَلِيمَةُ، السَّلامُ عليكِ أيَّتها المَظلُومَةُ المَغصُوبَةُ، السَّلامُ عليكِ أيَّتها المُضطَهَدةُ المَقهُورَةُ، السَّلامُ عليكِ يا فاطِمَةُ بِنتِ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) ورَحمَةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ، صلّى الله عليكِ وعلى رُوحِكِ وبَدَنِكِ أشهَدُ أنَّكِ مَضيتِ على بيِّنَةٍ من ربِّكِ وأنَّ مَن سَرَّكِ فَقَد سَرَّ رَسُولَ اللهِ (ص) ومَن جَفاكِ فَقَد جَفا رَسولَ اللهِ (ص)، ومَن آذاكِ فقَد آذى رَسُولَ اللهِ (ص) ومَنْ وَصَلَكِ فقَد وَصَلَ رَسُولَ اللهِ (ص)، ومن قَطَعَكِ فَقَد قطَعَ رسُولَ اللهِ (ص)، لأنَّكِ بِضعَةٌ مِنهُ ورُوحُهُ التي بينَ جَنبَيهِ كما قالَ (صلى الله عليه وآله وسلم): أُشْهِدُ اللهَ ورُسُلَهُ ومَلائِكَتَهُ أنِّي راضٍ عَمَّنْ رَضِيتِ عَنهُ، ساخِطٌ على مَن سَخِطتِ عَلَيهِ، مُتَبَرِّئٌ مِمَّنْ تَبَرَّأتِ منهُ، مُوالٍ لِمَنْ والَيتِ، مُعَادٍ لِمَنْ عَادَيتِ، مُبغِضٌ لِمَنْ أَبغَضتِ مُحِبٌّ لِمَن أَحبَبتِ، وكَفى بِاللهِ شَهِيدَاً وَحَسِيباً وَجازِياً ومُثِيباً).ثم يقول:

(اللهُمّ صَلِّ وَسلِّمْ عَلى عَبدِكَ وَرَسُولِكَ محمّدٍ بِنِ عَبدِ اللهِ خَاتَمَ النَبيّينَ وَخَيرِ الخَلائِقِ أجمَعِينَ، وَصَلّ عَلى وَصيّهِ عَليّ بنِ أبي طَالِبٍ أميرِ المؤمِنينَ، وَإمامِ المُسلِمينَ وَخَيرِ الوَصيّينَ، وَصلِّ عَلى فَاطِمةَ بِنتَ محمّد سَيدةِ نِساءِ العَالمينَ وَصلِّ عَلى سَيّديْ

ص: 304

شَبابِ أهلِ الجنةِ الحسَنِ وَالحُسينِ، وَصَلّ عَلى زَينِ العَابِدينَ، عَليّ بنِ الحُسينِ، وَصَلّ عَلى محمدٍ بنِ عَليّ باقرِ العلمِ، وَصَلّ عَلى الصَادقِ عَنِ اللهِ جعفرِ بنِ محمّد، وصَلّ على الكاظمِ الغَيظِ في اللهِ مُوسى بنِ جعفرٍ، وصَلّ على الرِضَا عليّ بنِ مُوسى، وصَلّ عَلى التقيِّ محمدِ بنِ عليٍّ، وصَلِّ على النقيِّ عليِّ بنِ محمدٍ، وصَلِّ عَلى الزكيِّ الحسنِ بنِ عليٍّ، وَصلِّ عَلى الحُجةِ ابنِ الحسنِ بنِ عليٍّ، اللهُمَّ أحيِ بهِ العَدلَ وَأمِتْ بهِ الجَورَ وَزيِّنْ بِطُولِ بَقائهِ الأرضَ وَأظهِرْ بهِ دِينَكَ وَسُنَّةَ نَبيّكَ حَتى لا يَستخفِيَ بِشيءٍ مِنَ الحقِّ مَخافةَ أحَدٍ مِنَ الخَلقِ وَاجعَلنا مِن أعوَانِهِ وَأشياعِهِ وَالمقبُولِينَ في زُمرَةِ أولِيائِهِ يَا رَبَّ العَالمينَ، اللهُمّ صَلِّ على محمدٍ وَأهلِ بيتِهِ الذينَ أذهَبْتَ عَنهمُ الرِجسَ وَطهّرتَهُمْ تَطهِيراً).ولا يخفى أنه ذكر لها (صلوات الله عليها) زيارات أُخر ولكن لأجل الاختصار اكتفينا بهذه الزيارات الثلاث.

ولقد نقل عن السيد ابن طاووس عليه الرحمة في الإقبال أنه قال: (ثم بعد الزيارة تصلي صلاة الزيارة وهي ركعتان تقرأ في كل ركعة (الحمد) مرة وستين مرة سورة (قل هو الله أحد) فإن لم تستطع فصل ركعتين: في الأولى الحمد وسورة الإخلاص (قل هو الله أحد) وفي الثانية الحمد وسورة (قل يا أيها الكافرون) فإذا سلّمت قلتَ:

(اللهُمّ إنّي أتوَجَّهُ إليكَ بِنَبيّنا محمّدٍ وَبَأهلِ بَيتِهِ صَلواتُكَ

ص: 305

عَلَيهِم وَأسألُكَ بِحَقِّكَ العَظيمِ عَلَيهِمُ الذِي لا يَعلمُ كُنهَهُ سِواكَ، وَأسألُكَ بِحقِّ مَنْ حَقُهُ عِندَكَ عَظيمٌ، وَبأسمَائِكَ الحُسنَى التِي أمَرتَنِي أنْ أدعُوكَ بِها، وَأسألُكَ بِاسمِكَ الأعظَمِ الذِي أمرتَ بِهِ إبراهيمَ أنْ يَدعُو بِهِ الطَيرَ فَأجَابَتْهُ، وَباسمِكَ العَظيمِ الذِي قُلتَ للنَارِ كُونِي بَرداً وَسَلاماً عَلى إبراهيمَ فَكانتْ بَرداً، وَبِأحبِّ الأسمَاءِ إليكَ وأشرَفِها وَأعظَمِهَا لَدَيكَ وَأسرَعِهَا إجَابةً وَأنجَحِها طِلْبَةً وَبِمَا أنتَ أهلُهُ وَمُستَحِقُّهُ وَمُستَوجِبُهُ وَأتوسَّلُ إليكَ وَأرغبُ إليكَ وَأتضَرَّعُ وَأُلِحُّ عَليكَ، وَأسألُكَ بِكُتُبِكَ التي أنزَلتَها عَلى أنبِيائِكَ وَرُسِلِكَ صَلَواتُكَ عَلَيهِم مِنَ التَوراةِ وَالإنجِيلِ وَالزَبُورِ وَالقُرآنِ العَظيمِ فإنَّ فِيها اسمَكَ الأعظَمِ وَبِما فِيها مِن أسمَائِكَ العُظمَى أنْ تُصَلّيْ عَلى محمّد وَآلِ محمّدٍ وَأنْ تُفَرِّجَ عَن آلِ محمّدٍ وَشِيعَتِهِمْ وَمُحِبِّيهِمْ وَعَنّى وَتَفتَحَ أبَوابَ السَماءِ لِدُعائِي وَتَرفَعَهُ في عِلِّيينَ وَتَأذنَ في هذا اليومِ وَفي هَذهِ السَاعةِ بِفَرَجِي وَإعطَاءِ أمَلِي وَسُؤلِي في الدُنيا وَالآخِرةِ، يَا مَن لا يَعلَمُ أحَدٌ كَيفَ هُوَ وَقدرَتُهُ إلا هُوَ، يَا مَن سَدَّ الهَواءَ بِالسَماءِ، وَكَبَسَ الأرضَ عَلى الماءِ وَاختارَ لِنَفسِهِ أحسَنَ الأسمَاءِ، يَا مَن سَمَّى نَفسَهُ بِالاسمِ الذِي يُقضَى بِهِ حَاجَةُ مَن يَدعُوهُ، أسألُكَ بِحقِّ ذَلك الاسمِ فَلا شَفِيعَ أقوَى لِي مِنهُ أنْ تُصلِّي عَلى محمّدٍ وآلِ محمدٍ وَأنْ تَقضِي لِي حَوَائِجِي وَتُسمَعَ بمحمدٍ وَعليّ وفاطمةَ والحسنِ وَالحسينِ وعليّ بنِ الحسينِ ومحمدِ بن عليٍّ وجعفرِ بنِ محمدٍ وَموسى بنِ جعفرٍ وَعليِّ بنِ

ص: 306

موسى وَمحمدِ بنِ عليٍّ وَعليِّ بنِ محمدٍ وَالحسنِ بنِ عليٍّ وَالحجةِ المنتظِرِ لإذنِكَ صَلواتُكَ وَسلامُك ورَحمتُكَ وبَركاتُكَ عليهِم صَوتِي لِيَشفَعُوا لِي إليكَ وَتُشفّعَهُم فيَّ وَلا تَرُدَّنِي خَائِباً بِحقِّ لا إلهَ إلا أنتَ).ثم تسأل حوائجك تقضى إن شاء الله.

زيارة أئمة البقيع

وهم: الإمام الحسن المجتبى والإمام زين العابدين علي بن الحسين والإمام محمد الباقر والإمام جعفر الصادق صلوات وسلامه عليهم أجمعين، وقبورهم في وسط البقيع في بقعة واحدة.

إذا أردت زيارتهم تفعل مثل ما ذكرناه في آداب الزيارة من الغسل ولبس الثياب الطاهرة النظيفة وقصر الخطى ويأتي على سكينة ووقار والاستئذان للدخول ثم لما تقف عند عتبة تلك القبور الطاهرة تقول:

(يَا مَوالِيِّ يَا أبنَاءَ رَسُولِ اللهِ عَبدُكُم وَابنُ أمَتِكُمْ الذَلِيلُ بَينَ أيدِيكُمْ، وَالمُضعِفُ في عُلُوِّ قَدْرِكُم، وَالمُعتَرِفُ بِحقِّكُمْ، جَاءَكُم مُستَجِيراً بِكم، قَاصِداً إلى حَرمِكُم مُتَقرِّباً إلى مَقَامِكم، مُتَوسِّلاً إلى اللهِ بِكُم، أأدخلُ يَا مَواليِّ؟ أأدخلُ يَا أولياءَ اللهِ؟ أأدخلُ يا ملائكةَ اللهِ المُحْدِقِينَ بِهذا الحَرمِ المُقيمينَ بِهذا المَشهَدِ؟).

وتدخل بعد الخشوع والخضوع ورقة القلب وتقدِّم رجلك اليمنى وتقول:

ص: 307

(اللهُ أكبرُ كَبيراً، وَالحمدُ للهِ كَثيراً، وَسُبْحانَ اللهِ بُكرةً وَأصيلاً، وَالحمدُ للهِ الفَردِ الصَمَدِ، المَاجِدِ الأحَدِ المُتَفَضِّلِ المَنَّانِ المُتَطَوِّلِ الحَنّانِ الذِي مَنْ بِطَولِهِ وَسَهَّلَ زِيارةَ سَادتِي بِإحسَانِهِ، وَلَمْ يَجعَلْنِي عَن زِيارَتِهم مَمنُوعاً بَلْ تَطوَّلَ وَمَنَحَ).ثم اقترب من قبورهم المقدسة واستقبلها واستدبر القبلة واقرأ الزيارة.

ونحن نذكر هنا زيارتين: الأولى مفصّلة والثانية مختصرة، نقل الأولى في الكافي والفقيه والتهذيب وننقل هنا من الفقيه. والزيارة الثانية نقلها الشيخ الكفعمي في المصباح.

الزيارة الأولى:

(السَلامُ عليكُم يا أئمةَ الهُدى، السَلامُ علَيكُم يا أهلَ التَقوى، السَلامُ عليكُم يَا حُجَجَ اللهِ على أهلِ الدُنيا، السَلامُ عليكُم أيُّها القوَّامونَ في البريَّةِ بالقِسطِ، السَلامُ علَيكُم يا أهلَ الصَفوَّةِ، السَلامُ علَيكُم يا أهلَ النَجوَى. أشهَدُ أنكُم قد بَلَّغتُم ونَصَحتُم وًَصبَرتُم في ذاتِ اللهِ عَزَّ وَجلَّ وَكُذِّبتُمْ، وَأُسِيئَ إلَيكُم فَغَفَرتُم، وَأشهَدُ أنَّكُمُ الأئمةُ الرَاشِدونَ، وَأنَّ طَاعَتَكُم مَفروضَةٌ، وَأنَّ قَولَكُم الصِدقُ، وَأنَّكُم دَعَوتُم فَلَم تُجَابُوا، وَأمَرتُم فَلَم تُطاعُوا، وَأنَّكُم دَعائمُ الدِينِ، وَأركانُ الأرضِ، لَم تَزَالُوا بِعَينِ اللهِ، يَنسَخُكُم في أصلابِ المُطَهَّرينَ، وَينقُلُكم في أرحَامِ المُطهَّراتِ، لم تُدَنِسكُمُ الجَاهِليةُ الجَهلاءُ وَلم تَشْرَكْ فِيكم

ص: 308

فِتنُ الأهوَاءِ، طِبتُم وَطابَت مَنبَتَكم، أنتمُ الذينَ مَنَّ بِكم عَلَينا دَيَّانُ الدِين فجَعَلَكم في بُيُوتٍ أذِنَ اللهُ أنْ تُرفعَ وَيُذكرَ فِيها اسمُهُ، وَجعلَ صَلوَاتِنا عَليكُم رَحمةً لَنّا وَكفَارةً لِذُنُوبِنا إذا اختارَكم لَنَا، وَطَيَّبَ خَلْقَنا بِما مَنَّ عَلَينا مِن وِلايَتِكُم، وَكُنَّا عِندَهُ بِفَضلِكُم مُعتَرِفِينَ، وَبِتَصدِيقِنا إيَّاكُم مُقرِّينَ، وَهذا مَقامُ مَنْ أسرَفَ وَأخطأ وَاستَكَانَ وَأقرَّ بِما جَنَى، وَرَجَا بِمَقَامِهِ الخَلاصَ، وَأنْ يَستَنقِذَهُ بِكم مُستَنقِذُ الهَلكَى مِنَ النَار فَكُونُوا لِي شُفَعَاءَ، فَقَد وَفدْتُ إلَيكُم إذْ رَغِبَ عَنكُم أهلُ الدُنيا، وَاتخَذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً، وَاستَكبَرُوا عَنها، يَا مَنْ هُوَ قَائمٌ لا يَسهُو وَدائمٌ لا يَلهُو وَمحيطٌ بِكلِّ شيءٍ، لكَ المَنُّ بِما وَفَّقتَنِي وَعرَّفتَنِي بِما ائتَمَنتَنِي عَليهِ إذْ صَدَّ عَنهُ عِبادُكَ، وَجِهلُوا مَعرِفَتَهم، وَاستَخفُّوا بِحَقِّهم، وَمَالُوا إلى سِواهُم، فَكَانتِ المِنَّةُ مِنكَ عَليَّ مَعَ أقوامٍ خَصَصتَهُم بِما خَصَصتَنِي بِهِ فَلكَ الحَمدُ إذْ كُنتُ عِندكَ في مَقامِي مَكتوباً، فَلا تَحرِمْنِي ما رَجوتُ، وَلا تُخَيِّبنِي فِيمَا دَعَوتُ).ثم ادعُ لنفسك بما تريد ثم صلّ صلاة الزيارة ثمان ركعات لكل إمام ركعتين. وإذا لم يتمكن الزائر من الإتيان بها في البقيع لا بأس بالإتيان بها بعد الخروج من البقيع في مكان آخر بقصد الرجاء.

ص: 309

الزيارة الثانية لأئمة البقيع (عليهم السلام):

(السَلامُ عَليكُمْ يَا خُزَّانَ عِلمِ اللهِ، وَحَفظَةَ سِرِّهِ، وَتَرَاجِمَةَ وَحيِهِ، أَتَيتُكُم يَا بَنِي رَسُولِ اللهِ عَارفاً بِحقِّكُم، مُستَبصِراً بِشأنِكُم، مُعَادِياً لأعدَائِكُم، مُوالِياً لأولِيائِكُم، بِأبِي أنتُم وَأمِّي، صَلَّى اللهُ عَلى أروَاحِكُم، وَأبدَانِكُم. اللهُمّ إنِّي أتَوَلَّى آخِرَهُم كَمَا تَوَلَّيتُ أوَّلَهُم، وَأبرَأُ مِنْ كُلِّ وَلِيجَةٍ دُونَهُم آمنتُ بِاللهِ وَكَفرتُ بِالجِبتِ وَالطَاغُوتِ وَاللاتِ وَالعُزَّى، وَكُلِّ نِدٍّ يُدعَي مِن دُونِ اللهِ).

زيارة أئمة البقيع سلام الله عليهم عند الوداع:

(السََلامُ عَليكُم أئمةَ الهُدَى وَرَحمةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ، أستَودِعُكمْ اللهَ وأقرَأُ عَلَيكُمُ السَلامَ، آمَنّا باللهِ وبالرَسولِ وبِما جِئتُمْ بِهِ وَدَلَلتُم عليهِ، اللهمَّ فَاكتُبنَا مَعَ الشَاهِدينَ ولا تَجعَلهُ آخرَ العَهدِ مِنِّي لِزيَارَتِهِم، وَالسَلامُ عَليهِم وَرَحمةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ).

ثم تسأل من الله تعالى أن لا يجعله آخر العهد من زيارتك لأئمتك (عليهم السلام).

وهذه الزيارة الآتية مذكورة في الفقيه والتهذيب في ذيل الزيارة الجامعة بعنوان الوداع ونحن ننقلها من الفقيه:

(السَلامُ عَلَيكُم سَلامَ مُودِّعٍ، لا سَئِمٍ وَلا قَالٍ وَلا مَالٍّ، وَرَحمةُ اللهِ وَبَركاتُهُ عَلَيكُم يَا أهلَ بَيتٍ النُبوَّةِ إنَّهُ حَمِيدٌ مَجيدٌ، سَلامَ وَلِيٍّ غَيرِ رَاغبٍ عَنكُم، وَلا مُستَبدِلٍ بِكُم وَلا مُؤْثِرٍ

ص: 310

عَليكُم، وَلا مُنحَرِفٍ عَنكُم، وَلا زَاهِدٍ في قُربِكُم، لا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ العَهدِ مِن زِيارَةِ قُبورِكُم، وَإتيَانِ مَشَاهِدِكُم وَالسَلامُ عَلَيكم، وَحَشَرَنِي اللهُ في زُمرَتِكُم، وَأورَدَنِي حَوضَكُم، وَجَعَلَنِي مِن حِزبِكُم وَأرضَاكُم عَنّي، وَمَكَّنَنِي مِن دَولَتِكُم، وَأحيَانِي في رَجعَتِكُم، وَمَلَّكَنِي في أيَّامِكُم وَشَكَرَ سَعيِي بِكم، وَغَفَرَ ذَنبِي بِشفَاعَتِكُم، وَأقَالَ عَثرتِي بِمَحَبَّتِكُم وَأعلَى كَعبِي بِموَالاتِكم، وَشَرَّفَنِي بِطاعَتِكم، وَأعَزَّنِي بِهُداكُم، وَجَعَلَنِي مِمَّنْ انقَلَبَ مُفلِحاً مُنجِحاً، غَانِماً سَالماً، مُعافىً غَنياً، فَائزاً بِرضوانِ اللهِ وَفضلِهِ وَكِفايَتِهِ، بِأفضَلِ مَا يَنقلِبُ بِهِ أحَدٌ مِن زُوَّارِكُم وَمَوَالِيكُم وَمُحبِّيكُم وَشِيعَتِكُم، وَرَزَقَنِي اللهُ العَودَ ثُمَّ العَوْدَ أبداً مَا أبقَانِي رَبِّي، بِنيَّةٍ صَادِقةٍ، وَإيمانٍ وَتَقوَى وَإخباتٍ، وَرِزقٍ وَاسِعٍ حَلالٍ طَيِّبٍ. اللهُمَّ لا تَجعَلْهُ آخِرَ العَهدِ مِن زِيارَتِهِم وَذِكْرِهِم، وَالصَلاةِ عَلَيهِم، وَأوجِبْ لِيَ المغفِرةَ والرَحمةَ وَالخيرَ وَالبركةَ وَالتقوَى وَالفوزَ وَالنُورَ وَالإيمانَ، وَحُسْنَ الإجَابةِ، كَما أوجَبتَ لأولِيائِكَ العَارِفينَ بِحَقِّهِم، المُوجِبينَ طَاعَتَهم، وَالرَاغِبينَ في زِيارَتِهم المُتَقرّبِينَ إليكَ وَإليهِم. بِأبِي أنتم وَأُمِّي وَنَفسِي وَأهلِي وَمَالي، اجعَلُونِي في هَمِّكُم، وَصَيِّرُونِي في حِزبِكُم، وَأدخِلُونِي في شَفَاعَتِكُم، وَاذكُرُونِي عِندَ رَبِّكُم، اللهُمّ صَلِّ عَلى محمّدٍ وآلِ محمّدٍ، وَأبلِغْ أروَاحَهم وَأجسَادَهُم مِنِّي السَلامَ، وَالسَلامُ عَليهِ وَعلَيهِم وَرحمةُ اللهِ وَبركاتُه، وَصَلَّى اللهُ عَلى محمّد وآلهِ وَسَلَّمَ كَثيراً، وَحَسبُنا اللهُ وَنِعمَ الوَكيلُ).

ص: 311

زيارة إبراهيم بن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفاطمة بنت أسد والدة أمير المؤمنين (عليه السلام) وحمزة (عليه السلام) عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسائر شهداء أحد رضوان الله عليهم أجمعين:إبراهيم بن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمه ماريّة القبطية، كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحبه حباً شديداً، ومات وعمره يقارب السنتين، ودُفن في البقيع، ونقل زيارته العلامة المجلسي في البحار عن الشيخ المفيد والسيد ابن طاووس وغيرهما بهذه الكيفية:

(السَلامُ عَلى رَسولِ اللهِ، السَلامُ عَلى نَبيِّ اللهِ السَلامُ عَلى حَبيبِ اللهِ، السَلامُ عَلى صَفِيِّ اللهِ، السَلامُ عَلى نَجِيِّ اللهِ، السَلامُ عَلى محمّدِ بنِ عَبدِ اللهِ سَيّدِ الأنبياءِ وَخَاتَمِ المُرسَلِينَ وَخِيَرَةِ اللهِ مِنْ خَلقِهِ في أرضِهِ وَسَمائِهِ، السَلامُ عَلى جَميعِ أنبِياءِ اللهِ وَرُسُلِهِ، السَلامُ عَلى السُعَدَاءِ وَالشُهَدَاءِ وَالصَالحِينَ، السَلامُ عَلَينا وَعَلى عِبَادِ اللهِ الصَالِحِينَ، السَلامُ عَليكَ أيُّها الرُوحُ الزَاكِيةُ، السَلامُ عَلَيكَ أيَّتُهَا النَفسُ الشَريفَةُ، السَلامُ عَليكَ أيَّتُها السُلالَةُ الطاهِرةُ، السَلامُ عَليكَ أيَّتُها النَسَمَةُ الزَاكيةُ، السَلامُ عَليكَ يَا ابنَ خَيرِ الوَرَى، السَلامُ عَليكَ يَا ابنَ النَبيِّ المُجتَبى، السَلامُ عَليكَ يَا ابنَ المبعُوثِ إلى كَافَةِ الوَرى، السَلامُ عَليكَ يَا ابنَ البَشيرِ النَذيرِ، السَلامُ عَلَيكَ يَا ابنَ السِرَاجِ المُنيرِ، السَلامُ عَلَيكَ يَا ابنَ المُؤيَّدِ بِالقُرآنِ، السَلامُ عَلَيكَ يَا ابنَ المُرسَلِ إلى

ص: 312

الإنسِ وَالجانِّ، السَلامُ علَيكَ يَا ابنَ صَاحِبِ الرَايةِ وَالعَلامَةِ، السَلامُ عَلَيكَ يَا ابنَ شَفِيعِ يَومِ القِيامَةِ السَلامُ عَلَيكَ يَا ابنَ مَنْ حَبَاهُ اللهُ بِالكَرَامَةِ، السَلامُ عَلَيكَ وَرحمةُ اللهِ وَبَركاتُهُ، أشهَدُ أنَّكَ قَد اختَارَ اللهُ لَكَ دَارَ إنعَامِهِ قَبلَ أنْ يَكتُبَ عَليكَ أحكَامَهُ أو يُكلِّفَكَ حَلالَهُ وَحَرَامَهُ، فَنَقَلَكَ إليهِ طَيِّباً زَاكِياً مَرضِيّاً طَاهراً مِن كُلِّ نَجَسٍ مُقَدَّساً مِن كلّ دَنَسٍ، وَبَوّأكَ جَنةَ المأوَى، وَرَفَعَكَ إلى الدرَجاتِ الُعلى، وَصَلّى اللهُ علَيكَ صَلاةً يُقِرُّ ِبها عَينَ رَسُولِهِ وَيُبَلِّغُهُ أكبَرَ مَأمُولِهِ، اللهمّ اجعَلْ أفضَلَ صَلواتِكَ وَأزكَاهَا وَأنمَى بَركاتِكَ وَأوفَاهَا عَلى رَسُولِكَ وَنبيِّكَ وَخِيَرَتِكَ مِن خَلقِكَ محمدٍ خَاتَمِ النَبيّينَ وَعَلى مَا نَسَل مِن أولادِهِ الطَيِّبينَ، وَعَلى مَا خَلَفَ مِن عِترتِهِ الطَاهِرينَ، بِرَحمَتِكَ يا أرحمَ الرَاحِمينَ، اللهمّ إنّي أسألُكَ بحقِّ محمدٍ صَفيِّكَ وَإبراهيمَ نَجلُ نَبيّكَ أنْ تَجعَلَ سَعيِي بِهم مَشكُوراً، وَذنِبي بِهم مَغفوراً، وَحَياتِي بِهم سَعيدةً، وَعَافِيَتِي بهم حميدةً، وَحَوَائِجِي بِهم مَقضِيَّةً، وَأفعَالِي بهم مَرضيَّةً، وَأمُورِي بِهم مَسعُودَةً، وَشُؤونِي بهِم محمودَةً، اللهُمّ وَأحسِنْ لِيَ التَوفيقَ، وَنَفِّسْ عَنّي كُلَّ هَمٍّ وَضِيقٍ، اللهُمّ جَنّبنِي عِقَابَكَ، وَامنَحنِي ثَوَابَكَ، وَأسكِنِّي جِنانَكَ، وَارزُقنِي رِضوَانَكَ وَأمانَك، وَأشرِكْ في صَالِحِ دُعائِي وَالِدَيَّ وَوُلدِي وَجَميعَ المؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ الأحيَاءِ مِنهُم وَالأموَاتِ إنَّكَ وَليُّ البَاقِياتِ الصَالحاتِ، آمِينَ رَبَّ العَالمَِينَ).ثم تسال حوائجك وتصلي ركعتين.

ص: 313

زيارة فاطمة بنت أسد والدة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وقبرها الشريف بجوار أئمة البقيع (عليهم السلام) تقف عند قبرها وتقول:(السَلامُ على نبيِّ الله، السَلامُ على رَسولِ اللهِ، السَلامُ على محمدٍ سيّدِ المرسَلينَ، السَلامُ على محمدٍ سَيّدِ الأوّلِينَ، السَلامُ عَلى محمّدٍ سَيّدِ الآخرينَ، السَلامُ على مَن بَعثَهُ اللهُ رَحمَةً لِلعَالَمِينَ السَلامُ عَليكَ أيُّها النَبيّ وَرحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، السَلامُ عَلى فَاطمةَ بِنتِ أسَدٍ الهَاشِميّةِ السَلامُ عَليكِ أيَّتُها الصِدّيقةُ المرضِيّةُ، السَلامُ عليكِ أيّتُها التَقيّةُ النَقيّةُ السَلامُ عَليكِ أيَّتُها الكَريمةُ الرَضيّةُ، السَلامُ عَليكِ يَا مَن ظَهَرَتْ شَفَقَتُهَا عَلى رَسُولِ اللهِ خَاتَمِ النَبيينَ، السَلامُ عَليكِ يَا مَن تَربيتُها لِولِيّ اللهِ الأمِينِ، السَلامُ عَليكِ وعَلى رُوحِكِ وَبَدَنِكِ الطَاهِرِ، السَلامُ عَليكِ وَعَلَى وَلَدِكِ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، أشهَدُ أنَّكِ أحسَنتِ الكَفَالَةَ وَأدَّيتِ الأمَانَةَ، وَاجتَهدْتِ في مَرضاةِ اللهِ وَبالَغْتِ في حِفظِ رَسُولِ اللهِ، عَارِفةً بِحَقِّهِ، مُؤمِنةً بِصِدقِهِ، مُعتَرِفَةً بِنُبُوَّتِهِ، مُستَبصِرةً بِنَعمَتِهِ، كَافِلَةً بِتَربِيَتِهِ مُشفِقَةً عَلى نَفسِهِ، وَاقِفَةً عَلى خِدمَتِهِ، مُختَارَةً رِضَاهُ، وَأشهَدُ أنَّكِ مَضيتِ عَلى الإيمَانِ وَالتَمَسُّكِ بِأشرَفِ الأديَانِ، رَاضِيةً مَرضيّةً طَاهِرةً زَكيَّةً تَقيَّةً نَقيَّةً، فَرَضِيَ اللهُ عَنكِ وَأرضَاكِ، وَجَعَلَ الجَنَّةَ مَنزِلَكِ وَمَأوَاكِ، اللهُمّ صَلّ على محمّدٍ وَآلِ محمّدٍ وَانفعنِي بِزيَارَتِها، وَثبّتْنِي عَلى مَحَبَّتِهَا، وَلا تَحرِمنِي شَفَاعَتَها وَشَفَاعَةَ الأئمةِ مِن ذُرِّيَتِها

ص: 314

وَارزُقنِي مُرَافَقَتَها وَاحشُرنِي مَعَهَا وَمَعَ أولادِها الطاهِرينَ، اللهُمّ لا تَجعَلْهُ آخِرَ العَهِدِ مِن زِيارَتِي إيَّاهَا وَارزُقنِي العَودَ إليهَا أبَداً مَا أبقَيتَنِي، وَإذا تَوفّيتَنِي فَاحشُرنِي في زُمرَتِها وَأدخِلنِي في شَفَاعَتِها بِرَحمَتِكَ يَا أرحَمَ الرَاحمينَ، اللهُمّ بِحَقِّها عِندَكَ وَمَنزِلَتِها لَدَيكَ اغِفِرْ لِي وِلِوَالِدَيَّ وَلِجَمِيعِ المُؤمِنينَ وَالمؤمِناتِ، وَآتِنا في الدُنيا حَسَنَةً وَفي الآخِرةِ حَسَنَةً وَقِنَا بِرَحمَتِكَ عَذَابَ النَارِ). ثم تصلي ركعتين للزيارة وتدعو بما تريد.زيارة حمزة (رضي الله تعالى عنه) عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقبره الشريف في أحد.

نقل المحدث القمي (عليه الرحمة) عن رسالة فخر المحققين (قدس سره) المسماة بالرسالة الفخرية: (ويستحب زيارة حمزة (رضي الله عنه) وباقي الشهداء بأُحد لما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: من زارني ولم يزر عمي حمزة فقد جفاني.

ونقل المحدث القمي أيضاً عن الشيخ المفيد (قدس سره) أنه كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر في حياته بزيارة حمزة (عليه السلام) وكان يُلِمُّ به وبالشهداء، ولم تزل فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تغدو وتروح إلى قبر حمزة (عليه السلام) والمسلمون يتناوبون على زيارته وملازمة قبره.

ص: 315

وأما كيفية زيارته: تقف عند قبره وتقول:

(السَلامُ عليكَ يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلهِ، السَلامُ عَليكَ يَا خَيرَ الشُهَدَاءِ، السَلامُ عَليكَ يَا أسَدَ اللهِ وَأسَدَ رَسُولِه، أشهَدُ أنَّكَ قَد جَاهَدتَ في اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَجُدتَ بِنَفسِكَ وَنصَحتَ رَسُولَ اللهِ وَكُنتَ فِيمَا عِندَ اللهِ سُبحانهُ رَاغباً بِأبِي أنتَ وَأمِّي أتَيتُكَ مُتقرِّباً إلى رَسولِ اللهِ صَلى اللهُ عَليهِ وآلهِ بِذلكَ رَاغباً إليكَ في الشَفاعَةِ، أبتغِي بِزيَارَتِكَ خَلاصَ نَفسِي مُتَعَوّذاً بِكَ من نَارٍ استَحَقَّها مِثلِي بِمَا جَنيتُ عَلى نَفسِي هَارِباً مِن ذُنُوبِي التي احتَطبتُها عَلى ظَهرِي، فَزِعاً إليكَ رَجاءَ رَحمةِ رَبِّي، أتَيتُكَ مِن شُقَّةٍ بَعيدِةٍ طَالِباً فَكاكَ رَقَبَتِي مِنَ النارِ، وقَد أوْقَرَتْ ظَهرِي ذُنُوبِي وَأتيتُ مَا أَسخَطَ رَبّي وَلم أجِدْ أحَداً أفزَعُ إليهِ خَيراً لِي مِنكُم أهلَ بَيتِ الرَحمةِ، فَكُنْ لِي شَفِيعاً يَومَ فَقرِي وَحَاجَتِي فَقَد سِرتُ إليكَ مَحزُوناً، وَأتَيتُكَ مَكروباً، وَسَكبْتُ عَبرَتِي عِندَكَ بَاكِياً، وَصِرتُ إليكَ مُفرَداً، وَأنتَ مِمَّنْ أمَرنِيَ اللهُ بِصِلَتِهِ، وَحَثَّنِي عَلى بِرِّهِ، وَدَلَّنِي عَلى فَضلِهِ وَهَدَانِي لِحُبِّهِ، وَرَغَّبَنِي في الوِفَادَةِ إليهِ، وألهَمَنِي طَلبَ الحَوَائِجِ عِندَهُ، أنتُمْ أهلُ بَيتٍ لا يَشقَى مَن تَوَلاكُم، وَلا يَخِيبُ مَن أتَاكُم، وَلا يَخسَرُ مَن يَهوَاكُم، وَلا يَسعَدُ مَن عَادَاكُمْ).

ثم تصلي ركعتين.

زيارة سائر شهداء أُحد رضوان الله عليهم:

تقف عند قبورهم بأحُد وتقول:

ص: 316

(السَلامُ عَلى رَسُولِ اللهِ، السَلامُ عَلى نَبيِّ اللهِ، السَلامُ عَلى محمدٍ بنِ عبدِ اللهِ، السَلامُ عَلى أهلِ بَيتِهِ الطاهِرينَ، السَلامُ عَلَيكُمْ أيُّهَا الشُهداءُ المؤمِنونَ، السَلامُ عَليكُم يَا أهلَ بَيتِ الإيمَانِ وَالتَوحِيدِ، السَلامُ عَليكُم يَا أنصَارَ دِينِ اللهِ وَأنصَارَ رَسُولِهِ عَليهِ وَآلهِ السَلامُ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَارُ، أشْهَدُ أنَّ اللهَ اختَارَكم لِدِينِهِ وَاصطَفَاكُم لِرَسُولِهِ، وَأشهَدُ أنَّكُم قَد جَاهَدتُم في اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَذَبَبْتُمْ عَن دِينِ اللهِ وَعَن نَبِيِّهِ وَجُدْتُم بِأنفسِكُم دُونَهُ، وَأشهَدُ أنَّكُم قُتِلتُم عَلى مِنهَاجِ رَسُولِ اللهِ فَجَزَاكُمُ اللهُ عَن نَبِيِّهِ وَعَنِ الإسلامِ وَأهلَهُ أفضَلَ الجَزَاءِ، وَعَرَّفَنا وُجُوهَكُم في مَحَلِّ رِضوَانِهِ وَموضِعِ إكرَامِهِ، مَعَ النَبيّينَ وَالصِدِّيقِينَ وَالشُهَدَاءِ وَالصَالحينَ وَحَسُنَ أولِئكَ رَفِيقاً، أشهدُ أنَّكُم حِزبُ اللهِ، وَأنَّ مَن حَارَبَكم فَقد حَاربَ اللهَ، وَأنّكم لَمِنَ المُقَرَّبينَ الفَائِزينَ الذينَ هُم أحيَاءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ، فَعَلَى مَن قَتَلَكُم لَعنةُ اللهِ وَالملائكةِ وَالناسِ أجمعينَ، أتَيتُكُم يَا أهلَ التَوحِيدِ زَائِراً، وَبِحَقِّكُم عَارفاً، وَبِزيَارَتِكُم إلى اللهِ مُتَقرِّباً، وَبِمَا سَبَقَ مِن شَريفِ الأعمَالِ وَمَرضيِّ الأفعَالِ عَالِماً، فَعَلَيكُم سَلامُ اللهِ وَرَحمَتُهُ وَبَرَكاتُه، وَعَلى مَن قَتَلَكُم لَعنةُ اللهِ وَغَضَبُهُ وَسَخَطُهُ، اللهُمَّ انفَعنِي بِزِيَارَتِهِم وَثَبّتْنِي عَلى قَصدِهِم وَتَوَفَّنِي على مَا تَوَفَّيتَهُم عَليهِ وَاجمَعْ بَينِي وَبينَهم في مُستَقَرِّ دَارِ رَحمَتِكَ، أشهدُ أنَّكُم لَنا فَرَطٌ وَنحنُ بِكم لاحِقُونَ).وتكرر قراءة سورة [إنَّا أنزَلنَاهُ في لَيلَةِ القَدْرِ] ما تمكنت،

ص: 317

وتصلي لكل شهيد بأحد ركعتين إن تمكنت من ذلك.

زيارة باقي مساجد ومشاهد المدينة المنورة:

يستحب إتيان المساجد والمشاهد كلها التي حول المدينة المنورة.

فقد ورد في الحديث الصحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (لا تدع إتيان المشاهد كلها: مسجد (قبا) فإنه المسجد الذي أُسس على التقوى من أول يوم، و (مشربة أم إبراهيم) ومسجد (الفضيخ) وقبور الشهداء، و (مسجد الأحزاب) وهو مسجد الفتح).

قال: (وبلغنا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا أتى قبور الشهداء قال: السلامُ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).

وليكن فيما تقول عند مسجد الفتح:

(يَا صَرِيخَ المَكرُوبِينَ، وَيَا مُجِيبَ المُضطَرِّينَ اكشِفْ عَنِّي هَمِّي وَغَمِّي وَكَرْبِي كَمَا كَشَفْتَ عَن نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلهِ هَمَّهُ وَغَمَّهُ وَكَرْبَهُ وَكَفَيتَهُ هَولَ عَدُوِّهِ في هَذا المَكَانِ).

وورد في حديث آخر أنه سُئل الإمام الصادق (عليه السلام): (أنا نأتي المساجد التي حول المدينة فبأيها نبدأ؟ فقال (عليه السلام): ابدأ ب-(قباء) فصلّ فيه وأكثر، فإنه أول مسجد صلى فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه العرصة، ثم ائتِ (مشربة أم إبراهيم) فصلّ فيها وهي مسكن

ص: 318

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومصلاه ثم تأتي مسجد (الفضيخ) فتصلي فيه فقد صلى فيه نبيك، فإذا قضيت هذا الجانب أتيتَ جانب أحد فبدأت بالمسجد الذي دون الحَرَّة فصليت فيه، ثم مررت بقبر حمزة بن عبد المطلب فسلّمت عليه، ثم مررت بقبور الشهداء).ولا يخفى أنه يقال للغرفة مشربة، ومشربة أم إبراهيم كانت تسكنها ماريّة القبطية زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأم إبراهيم (عليه السلام)، ومن الدور التي كان يسكنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو مسجد.

ومسجد (الفضيخ) يقع شرقي مسجد (قبا) على قرب منه وإنما سُمّي ب-(الفضيخ) لوجود نخل التمر فيه، ولهذا المسجد اسم آخر (مسجد رد الشمس) لأنه رُدّت فيه الشمس لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه على ما جاء في الروايات(1).

وغير هذا المسجد يوجد مسجد آخر في محلة بني النضير يسمى أيضاً مسجد الفضيخ وينقل أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند غزوته لبني النضير صلى فيه ستة أيام.

وفي ناحية أحد يوجد مسجد اسمه (مسجد الحرة) يقرب من حرة المدينة، ومسجد آخر في جنب جبل أحد كان مكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أيام غزوة أحد،

ص: 319


1- راجع الكافي: ج4، ص 562.

ومسجد الأحزاب المسمى بمسجد الفتح كان أيضاً مكان صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أيام غزوة الأحزاب.ومن المساجد المشهورة في المدينة المنورة مسجد أمير المؤمنين (عليه السلام) ومسجد فاطمة سلام الله عليها ومسجد سلمان (عليه السلام) ومسجد القبلتين ومسجد المباهلة ومسجد الغمامة.

وغير خفي على القارئ الكريم أن في المدينة المنورة وحواليها مساجد كثيرة شيد كل منها بمناسبة وقضية وحادثة مهمة، فكل واحدة من هذه المساجد تذكّر الإنسان بالحوادث والوقائع التأريخية المهمة التي وقعت في صدر الإسلام على يد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام وأصحابه الذين اتبعوه بإحسان.

فزيارة هذه المساجد في الحقيقة توجب إحياء تلك المعنويات التي كان يتمتع بها المسلمون في الصدر الأول وبسببها تمكّنوا من الدفاع عن الإسلام والتوحيد والوقوف أمام الشرك والمشركين مع قلّة العدد وفقدان الإمكانات اللازمة وفي أحرج الحالات، وجعلوا كلمة الله هي العليا وكلمة أعدائه هي السفلى وتحملوا أنواع الأذى في سبيله.

كما ونذكر أيضاً عند زيارتنا لهذه المساجد ذكريات عن حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما تحمله من ألوان المصاعب والمتاعب والأذى لأجل تبليغ رسالته السماوية

ص: 320

الخالدة وما تحمّله أهل بيته عليهم السلام في هذا السبيل.ومن المناسب على الزوار المحترمين أن يصلّوا في كل مسجد ركعتين تحية المسجد ويرفعوا بعدها أكف الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى لأنفسهم ولوالديهم ولإخوانهم المؤمنين ولا سيما للمؤمنين والمسلمين الذين هم في المحنة والبلاء والعذاب في شرق الأرض وغربها.

ومن المساجد التي ورد التأكيد بالصلاة فيها (مسجد الغدير) الواقع بين طريق مكة والمدينة لأن في هذا المكان نصب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام) بالخلافة والإمامة من بعده بأمر من الله تعالى، كما قال الإمام الصادق (عليه السلام): (يستحب الصلاة في مسجد الغدير لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أقام فيه أميرَ المؤمنين (عليه السلام) وهو موضع أظهر الله عز وجل فيه الحق)(1).

ولكن كما مضى سابقاً أفضل المساجد هناك بعد مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مسجد (قبا) كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (من أتى مسجد قبا فصلى فيه ركعتين رجع بعمرة)(2).

ص: 321


1- الكافي: ج4، ص 567.
2- كامل الزيارات: ص 25، البحار: 97، ص 215.

دعاء الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عرفة

روى بشر وبشير ابنا غالب الأسدي قالا: كنّا مع الحسين بن علي (عليهما السلام) عشية عرفة فخرج (عليه السلام) من فسطاطه متذللاً خاشعاً فجعل يمشي هوناً هوناً حتى وقف هو وجماعة من أهل بيته وولده ومواليه في ميسرة الجبل مستقبل البيت ثم رفع يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين ثم قال:

(الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَيْسَ لِقَضائِهِ دافِعٌ وَلا لِعَطائِهِ مانِعٌ وَلا كَصُنْعِهِ صُنْعُ صانِعٍ وَهُوَ الجَوادُ الواسِعُ، فَطَرَ أَجْناسَ البَدائِعِ وَأَتْقَنَ بِحِكْمَتِهِ الصَّنائِعِ وَلا تَخْفى عَلَيْهِ الطَلائِعِ وَلا تَضِيعُ عِنْدَهُ الوَدائِعُ جازي كُلِّ صانِعٍ وَرايِشُ كُلِّ قانِعٍ وَراحِمُ كُلِّ ضارِعٍ مُنْزِلُ المَنافِعِ وَالكِتابِ الجامِعِ بِالنُّورِ السَّاطِعِ وَهُوَ لِلدَّعَواتِ سامِعٌ وَللْكُرُباتِ دافِعٌ وَلِلْدَّرَجاتِ رافِعٌ وَلِلْجَبابِرَةِ قامِعٌ ؛ فَلا إِلهَ غَيْرُهُ وَلا شَيءَ يَعْدِلُهُ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيٍْ قَدِيرٌ، اللّهُمَّ إِنِّي أَرْغَبُ إِلَيْكَ وَأَشْهَدُ بِالرُّبُوبِيَّةِ لَكَ مُقِرَّا بِأَنَّكَ رَبِّي وَإِلَيْكَ مَرَدِّي.

اِبْْتَدأتَنِي بِنِعْمَتِكَ قَبْلَ أَنْ أَكُونَ شَيْئاً مَذْكُوراً وَخَلَقْتَنِي مِنَ التُرابِ ثُمَّ أسْكَنْتَنِي الأصْلابَ آمِنا لِرَيْبِ المَنُونِ وَاخْتِلافِ الدُّهُورِ وَالسِّنِينَ، فَلَم أَزَلْ ظاعِناً مِنْ صُلْبِ إلى رَحِمٍ فِي تَقادُمٍ مِنْ الأيَّامِ الماضِيَةِ وَالقُرُونِ الخالِيَةِ، لَمْ تُخْرِجْنِي لِرأْفَتِكَ بِي وَلُطْفِكَ لِي وَإِحْسانِكَ إِلَيَّ فِي دَوْلَةِ أَئِمَّةِ الكُفْرِ الَّذِينَ نَقَضُوا

ص: 322

عَهْدَكَ وَكَذَّبُوا رُسُلَكَ، لكِنَّكَ أَخْرَجْتَنِي لِلَّذِي سَبَقَ لِي مِنَ الهُدى الَّذِي لَهُ يَسَّرْتَنِي وَفِيهِ أَنْشّأْتَنِي وَمِنْ قَبْلِ ذلِكَ رَؤُفْتَ بِي بِجَمِيلِ صُنْعِكَ وَسَوابِغِ نِعَمِكَ، فَابْتَدَعْتَ خَلْقِي مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى وَأَسْكَنْتَنِي فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ بَيْنَ لَحْمٍ وَدَمٍ وَجِلْدٍ لَمْ تُشْهِدْنِي خَلْقِي، وَلَمْ تَجْعَلْ إِلَيَّ شَيْئاً مِنْ أَمْرِي ثُمَّ أَخْرَجْتَنِي لِلَّذِي سَبَقَ لِي مِنَ الهُدى إلى الدُّنْيا تامّاًَ سَوِيّاً وَحَفَظْتَنِي فِي المَهْدِ طِفْلاً صَبِيّاً، وَرَزَقْتَنِي مِنَ الغِذاءِ لَبَناً مَرِيّاً وَعَطَفْتَ عَلَيَّ قُلُوبَ الحَواضِنِ وَكَفَّلْتَنِي الأُمَّهاتِ الرَّواحِمَ وَكَلأتَنِي مِنْ طَوارِقِ الجانِّ وَسَلَّمْتَنِي مِنَ الزِّيادَةِ وَالنُّقْصانِ، فَتَعالَيْتَ يا رَحيمُ يا رَحْمنُ حَتَّى إِذا اسْتَهْلَلْتُ ناطِقاً بِالكَلامِ أَتْمَمْتَ عَلَيَّ سَوابِغَ الإنِعْامِ وَرَبَّيْتَنِي زائِداً فِي كُلِّ عامٍ، حَتَّى إِذا اكْتَمَلَتْ فِطْرَتِي وَاعْتَدَلَتْ مِرَّتِي أَوْجَبْتَ عَلَيَّ حُجَّتَكَ بِأَنْ أَلْهَمْتَنِي مَعْرِفَتَكَ وَرَوَّعْتَنِي بِعَجائِبِ حِكْمَتِكَ، وَأيْقَظْتَنِي لِما ذَرَأْتَ فِي سَمائِكَ وَأَرْضِكَ مِنْ بَدائِعِ خَلْقِكَ وَنَبَّهْتَنِي لِشُكْرِكَ وَذِكْرِكَ وَأَوْجَبْتَ عَلَيَّ طاعَتَكَ وَعِبادَتَكَ وَفَهَّمْتَنِي ما جاءتْ بِهِ رُسُلُكَ وَيَسَّرْتَ لِي تَقَبُّلَ مَرْضاتِكَ وَمَنَنْتَ عَلَيَّ فِي جَمِيعِ ذلِكَ بِعَوْنِكَ وَلُطْفِكَ. ثُمَّ إِذْ خَلَقْتَنِي مِنْ خَيْرِ الثَّرى لَمْ تَرْضَ لِي يا إِلهِي نِعْمَةً دُونَ أُخْرى وَرَزَقْتَنِي مِنْ أَنْواعِ المَعاشِ وَصُنُوفِ الرِّياشِ بِمَنِّكَ العَظِيمِ الأَعْظَمِ عَلَيَّ وَإِحْسانِكَ القَدِيمِ إِليَّ، حَتَّى إِذا أتْمَمْتَ عَلَيَّ جَمِيعَ النِّعَمِ وَصَرَفْتَ عَنِّي كُلَّ النِّقَمِ لَمْ يَمْنعْكَ جَهْلِي وَجُرْأَتِي عَلَيْكَ أَنْ دَلَلْتَنِي إلى ما يُقَرِّبُنِي إِلَيْكَ وَوَفَّقْتَنِي لِما يُزْلِفُنِي لَدَيْكَ،

ص: 323

فَإِنْ دَعَوْتُكَ أَجَبْتَنِي وَإِنْ سَأَلْتُكَ أَعْطَيْتَنِي وَإِنْ أَطَعْتُكَ شَكَرْتَنِي وَإِنْ شَكَرْتُكَ زِدْتَنِي ؛ كُلُّ ذلِكَ إِكْمالٌ لأنْعُمِكَ عَلَيَّ وَإِحْسانِكَ إِلَيَّ فَسُبْحانَكَ سُبْحانَكَ مِنْ مُبْدِيٍ مُعِيدٍ حَمِيدٍ مَجِيدٍ وَتَقَدَّسَتْ أَسْماؤُكَ وَعَظُمَتْ آلاؤُكَ. فَأَيُّ نِعَمِكَ يا إِلهِي أحْصِي عَدَداً وَذِكْراً أَمْ أَيُّ عَطاياكَ أَقُومُ بِها شُكْراً؟ وَهِي يا رَبِّ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصِيها العادُّونَ أَوْ يَبْلُغَ عِلْما بِها الحافِظُونَ، ثُمَّ ما صَرَفْتَ وَدَرَأْتَ عَنِّي اللّهُمَّ مِنَ الضُّرِّ وَالضَّرَّاءِ أَكْثَرُ مِمَّا ظَهَرَ لِي مِنَ العافِيَةِ وَالسَّرَّاءِ، وَأنا أَشْهَدُ ياإِلهِي بِحَقِيقَةِ إِيْمانِي وَعَقْدِ عَزَماتِ يَقِينِي وَخالِصِ صَرِيحِ تَوْحِيدِي وَباطِنِ مَكْنُونِ ضَمِيرِي وَعَلائِقِ مَجارِي نُورِ بَصَرِي وَأَسارِيرِ صَفْحَةِ جَبِينِي وَخُرْقٍ مَسارِبِ نَفْسِي وَخَذارِيفِ مارِنِ عِرْنيني وَمَسارِبِ سِماخِ سَمْعِي وَما ضُمَّتْ وَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِ شَفَتايَ وَحَرَكاتِ لَفْظِ لِسانِي وَمَغْرَزِ حَنَكِ فَمِي وَفَكّي وَمَنابِتِ أَضْراسِي وَمَساغِ مَطْعَمِي وَمَشْرَبِي وَحِمالَةِ اُمِّ رَأْسِي وَبُلوعِ فارِغِ حَبَائِلِ عُنُقِي وَما اشْتَمَلَ عَلَيْهِ تامُورُ صَدْرِي وَحَمائِلُ حَبْلِ وَتِينِي وَنِياطِ حِجابِ قَلْبِي وَأَفْلاذِ حَواشِي كَبِدِي وَما حَوَتْهُ شَراسِيفُ أضْلاعِي وَحِقاقُ مَفاصِلِي وَقَبْضُ عَوامِلِي وَأَطْرافِ أَنامِلِي وَلَحْمِي وَدَمِي وَشَعْرِي وَبَشَرِي وَعَصَبِي وَقَصَبِي وَعِظامِي وَمُخِّي وَعُرُوقِي وَجَمِيعِ جَوارِحِي وَما انْتَسَجَ عَلى ذلِكَ أَيّامَ رِضاعِي وَما أَقَلَّتِ الأَرْضُ مِنِّي وَنَوْمِي وَيَقْظَتِي وَسُكُونِي وَحَرَكاتِ رُكُوعِي وَسُجُودِي ؛ أَنْ لَوْ حاوَلْتُ وَاجْتَهَدْتُ مَدى الأعْصارِ وَالأحْقابِ لَوْ عُمِّرْتُها أَنْ

ص: 324

أُؤَدِّي شُكْرَ وَاحِدَةٍ مِنْ أَنْعُمِكَ ما اسْتَطَعْتُ ذلِكَ إِلاّ بِمَنِّكَ المُوجَبِ عَلَيَّ بِهِ شُكْرُكَ أَبَداً جَدِيداً وَثَناءً طارِفاً عَتِيداً ! أَجَلْ، وَلَوْ حَرَصْتُ أَنا وَالعادُّونَ مِنْ أَنامِكَ أَنْ نُحْصِيَ مَدى إِنْعامِكَ سالِفِهِ وَآنِفِهِ ما حَصَرْناهُ عَدَداً وَلا أَحْصَيْناهُ أَمَداً. هَيْهاتَ أَنَّى ذلِكَ وَأَنْتَ المُخْبِرُ فِي كِتابِكَ النَّاطِقِ وَالنَّبَأ الصَّادِقِ: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لا تُحْصُوها، صَدَقَ كِتابُكَ اللّهُمَّ وَإِنْباؤُكَ، وَبَلَّغَتْ أَنْبِياؤُكَ وَرُسُلُكَ ما أَنْزَلْتَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَحْيِكَ وَشَرَعْتَ لَهُمْ وَبِهِمْ مِنْ دِينِكَ غَيْرَ أَنِّي يا إِلهِي أَشْهَدُ بِجُهْدِي وَجِدِّي وَمَبْلَغِ طاعَتِي وَوُسْعِي، وَأَقُولُ مُؤْمِناً مُوقِناً: الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً فَيَكُونَ مَوْرُوثاً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي مُلْكِهِ فَيُضادَّهُ فِيما ابْتَدَعَ وَلا وَلِيُّ مِنَ الذُّلِّ فَيُرْفِدَهُ فِيما صَنَعَ، فَسُبْحانَهُ سُبْحانَهُ لَوْ كان فِيهما آلِهَةٌ إِلاّ اللهُ لَفَسَدَتا وَتَفَطَّرَتا ! سُبْحانَ الله الواحِدِ الأحَدِ الصَّمَدِ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْوا أَحَد، الحَمْدُ للهِ حَمْداً يُعادِلُ حَمْدَ مَلائِكَتِهِ المُقَرَّبِينَ وَأَنْبِيائِهِ المُرْسَلِينَ وَصَلّى الله عَلى خِيرَتِهِ مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ وَآلِهِ الطَيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ المُخْلِصِينَ وَسَلَّمَ).

ثُمَّ اندفع فِي المسألة واجتهد فِي الدّعاء وَقال وَعيناه سالتا دموعاً:

(اللّهُمَّ اجْعَلْنِي أَخْشاكَ كَأَنِّي أَراكَ وَأسْعِدْنِي بِتَقْواكَ وَلا تُشْقِنِي بِمَعْصِيَتِكَ وَخِرْ لِي فِي قَضائِكَ وَبارِكْ لِي فِي قَدَرِكَ حَتَّى لا اُحِبَّ تَعْجِيلَ ما أَخَّرْتَ وَلا تَأْخِيرَ ما عَجَّلْتَ، اللّهُمَّ اجْعَلْ

ص: 325

غِنايَ فِي نَفْسِي وَاليَّقِينَ فِي قَلْبِي وَالإِخْلاصَ فِي عَمَلِي وَالنُّورَ فِي بَصَرِي وَالبَصِيرَةَ فِي دِينِي وَمَتِّعْنِي بِجَوارِحِي وَاجْعَلْ سَمْعِي وَبَصَرِي الوارِثَيْنِ مِنِّي، وَانْصُرْنِي عَلى مَنْ ظَلَمَنِي وَأَرِنِي فِيهِ ثارِي وَمَآرِبِي وَأَقِرَّ بِذلِكَ عَيْنِي، اللّهُمَّ اكْشِفْ كُرْبَتِي وَاسْتُرْ عَوْرَتِي وَاغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَاخْسَأْ شَيْطانِي وَفُكَّ رِهانِي وَاجْعَلْ لِي يا إِلهِي الدَّرَجَةَ العُلْيا فِي الآخرةِ وَالأوّلى، اللّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ كَما خَلَقْتَنِي فَجَعَلْتَنِي سَميعاً بَصِيراً وَلَكَ الحَمْدُ كَما خَلَقْتَنِي فَجَعَلْتَنِي خَلْقا سَوِيّا رَحْمَةً بِي وَقَدْ كُنْتَ عَنْ خَلْقِي غَنِيّا بِما بَرَأْتَنِي فَعَدَّلْتَ فِطْرَتِي. رَبِّ بِما أَنْشَأْتَنِي فَأَحْسَنْتَ صُورَتِي رَبِّ بِما أَحْسَنْتَ إِلَيَّ وَفِي نَفْسِي عافَيْتَنِي رَبِّ بِما كَلأتَنِي وَوَفَّقْتَنِي رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَهَدَيْتَنِي رَبِّ بِما أَوْلَيْتَنِي وَمِنْ كُلِّ خَيْرٍ أَعْطَيْتَنِي رَبِّ بِما أَعْطَيْتَنِي وَسَقَيْتَنِي رَبِّ بِما أَغْنَيْتَنِي وَأقْنَيْتَنِي رَبِّ بِما أعَنْتَنِي وَأَعْزَزْتَنِي رَبِّ بِما أَلْبَسْتَنِي مِنْ سِتْرِكَ الصَّافِي وَيَسَّرْتَ لِي مِنْ صُنْعِكَ الكافِي ؛ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَعِنِّي عَلى بَوائِقِ الدُّهُورِ وَصُرُوفِ اللَّيالِي وَالأيَّامِ وَنَجِّنِي مِنْ أَهْوالِ الدُّنْيا وَكُرُباتِ الآخرةِ وَاكْفِنِي شَرَّ ما يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ فِي الأَرْضِ، اللّهُمَّ ما أَخافُ فَاكْفِنِي وَما أَحْذَرُ فَقِنِي وَفِي نَفْسِي وَدِينِي فَاحْرُسْنِي وَفِي سَفَرِي فَاحْفَظْنِي وَفِي أَهْلِي وَمالِي فَاخْلُفْنِي وَفِيما رَزَقْتَنِي فَبارِكْ لِي وَفِي نَفْسِي فَذَلِّلْنِي وَفِي أَعْيُنِ النَّاسِ فَعَظِّمْنِي وَمِنْ شَرِّ الجِنِّ وَالإِنْسِ فَسَلِّمْنِي وَبِذُنُوبِي فَلا تَفْضَحْنِي وَبِسَرِيرَتِي فَلا تُخْزِنِّي وَبِعَمَلِي فَلا تَبْتَلِنِي وَنِعَمَكَ فَلا

ص: 326

تَسْلُبْنِي وَإِلى غَيْرِكَ فَلا تَكِلْنِي إِلهِي إلى مَنْ تَكِلُنِي إلى قَرِيبٍ فَيَقْطَعُنِي أَمْ إلى بَعِيدٍ فَيَتَجَهَّمُنِي أَمْ إلى المُسْتَضْعِفِينَ لِي وَأَنْتَ رَبِّي وَمَلِيكُ أَمْرِي؟أَشْكُو إِلَيْكَ غُرْبَتِي وَبُعْدَ دارِي وَهَوانِي عَلى مَنْ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي، إِلهِي فَلا تُحْلِلْ عَلَيَّ غَضَبَك فَإِنْ لَمْ تَكُنْ غَضِبْتَ عَلَيَّ فَلا أُبالِي سُبْحانَكَ غَيْرَ أَنَّ عافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي، فَأَسْأَلُكَ يا رَبِّ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الأَرْضُ وَالسَّماواتُ وَكُشِفَتْ بِهِ الظُّلُماتُ وَصَلُحَ بِهِ أَمْرُ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ أَنْ لا تُمِيتَنِي عَلى غَضَبِكَ وَلا تُنْزِلْ بِي سَخَطَكَ لَكَ العُتْبى لَكَ العُتْبى حَتَّى تَرْضى قَبْلَ ذلِكَ. لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ رَبَّ البَلَدِ الحَرامِ وَالمَشْعَرِ الحَرامِ وَالبَيْتِ العَتِيقِ الَّذِي أَحْلَلْتَهُ البَرَكَةَ وَجَعَلْتَهُ لِلنَّاسِ أَمْنا، يا مَنْ عَفا عَنْ عَظِيمِ الذُّنُوبِ بِحِلْمِهِ يا مَنْ أَسْبَغَ النَّعَماءِ بِفَضْلِهِ يا مَنْ أَعْطى الجَزِيلَ بِكَرَمِهِ يا عُدَّتِي فِي شِدَّتِي يا صَاحِبِي فِي وَحْدَتِي يا غِياثِي فِي كُرْبَتِي يا وَلِيِّي فِي نِعْمَتِي يا إِلهِي وَإِلهَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَرَبَّ جَبْرئِيلَ وَمِيكائِيلَ وَإِسْرافِيلَ وَرَبَّ مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ وَآلِهِ المُنْتَجَبِينَ وَمُنْزِلَ التَّوْراةِ وَالإنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالفُرْقانِ وَمُنَزِّلَ كهيَّعَصَّ وَطهَ وَيَّس وَالقُرْآنَ الحَكِيم، أَنْتَ كَهْفِي حِينَ تُعْيِينِي المَذاهِبُ فِي سَعَتِها وَتَضِيقُ بِيَ الأَرْضُ بِرُحْبِها وَلَوْلا رَحْمَتُكَ لَكُنْتُ مِنَ الهالِكِينَ، وَأَنْتَ مُقِيلُ عَثْرَتِي وَلَوْلا سَتْرُكَ إِيَّايَ لَكُنْتُ مِنْ المَفْضُوحِينَ وَأَنْتَ مُؤَيِّدِي بِالنَّصْرِ عَلى أَعْدائِي وَلْولا نَصْرُكَ إِيَّايَ لَكُنْتُ مِنَ المَغْلُوبِينَ. يا

ص: 327

مَنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِالسُّمُوِّ وَالرِّفْعَةِ فَأَوْلِياؤُهُ بِعِزِّهِ يَعْتَزُّونَ يا مَنْ جَعَلَتْ لَهُ المُلُوكُ نَيْرَ المَذَلَّةِ عَلى أَعْناقِهِمْ فَهُمْ مِنْ سَطَواتِهِ خائِفُونَ يَعْلَمُ خائِنَةَ الأعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورِ وَغَيْبَ ما تَأْتِي بِهِ الأزْمِنَةُ وَالدُّهُورِ يا مَنْ لا يَعْلَمُ كَيْف هُوَ إِلاّ هُوَ يا مَنْ لا يَعْلَمُ ما هُوَ إِلاّ هُوَ يا مَنْ لا يَعْلَمُهُ إِلاّ هُوَ يا مَنْ كَبَسَ الأَرْضَ عَلى الماءِ وَسَدَّ الهَواءَ بِالسَّماء يا مَنْ لَهُ أَكْرَمُ الأسَّماء، يا ذا المَعْرُوفِ الَّذِي لا يَنْقَطِعُ أَبَداً يا مُقَيِّضَ الرَّكْبِ لِيُوسُفَ فِي البَلَدِ القَفْرِ وَمُخْرِجَهُ مِنْ الجُبِّ وَجاعِلَهُ بَعْدَ العُبُودِيَّةِ مَلِكاً يا رادَّهُ عَلى يَعْقُوبَ بَعْدَ أَنْ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الحُزْنُ فَهُوَ كَظِيمٌ، يا كاشِفَ الضُّرِّ وَالبَلْوى عَنْ أَيُّوبَ وَمُمْسِكَ يَدَيْ إِبْراهِيمَ عَنْ ذَبْحِ ابْنِهِ بَعْدَ كِبَرِ سِنِّهِ وَفَناءِ عُمُرِهِ، يا مَنِ اسْتَجابَ لِزَكَرِيَّا فَوَهَبَ لَهُ يَحْيى وَلَمْ يَدَعْهُ فَرْداً وَحِيداً، يا مَنْ أَخْرَجَ يُونُسَ مِنْ بَطْنِ الحُوتِ يا مَنْ فَلَقَ البَحْرَ لِبَنِي إِسْرائِيلَ فَأَنْجاهُمْ وَجَعَلَ فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ مِنَ المُغْرَقِينَ يا مَنْ أَرْسَلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ يا مَنْ لَمْ يَعْجَلْ عَلى مِنْ عَصاهُ مِنْ خَلْقِهِ يا مَنْ اسْتَنْقَذَ السَّحَرَةَ مِنْ بَعْدِ طُولِ الجُحُودِ وَقَدْ غَدَوا فِي نِعْمَتِهِ يَأْكُلُونَ رِزْقَهُ وَيَعْبُدُونَ غَيْرَهُ وَقَدْ حادُّوهُ وَنادُّوهُ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ. يا الله يا الله يا بَدِيءُ يا بَدِيعُ لا نِدَّ لك يا دائِماً لا نَفادَ لَكَ يا حَيّاً حِينَ لا حَيَّ يا مُحْيِيَ المَوْتى يا مَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ، يا مَنْ قَلَّ لَهُ شُكْرِي فَلَمْ يَحْرِمْنِي وَعَظُمَتْ خَطِيئَتِي فَلَمْ يَفْضَحْنِي وَرَآنِي عَلى المَعاصِي فَلَمْ يَشْهرْنِي يا مَنْ حَفِظَنِي

ص: 328

فِي صِغَرِي يا مَنْ رَزَقَنِي فِي كِبَرِي يا مَنْ أَيادِيهِ عِنْدِي لا تُحْصى وَنِعَمُهُ لا تُجازى يا مَنْ عارَضَنِي بِالخَيْرِ وَالإحْسانِ وَعارَضْتُهُ بِالإساءَةِ وَالعِصْيانِ يا مَنْ هَدانِي لِلإِيمانِ مِنْ قَبْلِ أَنْ أَعْرِفَ شُكْرَ الاِمْتِنانِ، يا مَنْ دَعَوْتُهُ مَرِيضاً فَشَفانِي وَعُرْياناً فَكَسانِي وَجائِعاً فَأَشْبَعَنِي وَعَطْشاناً فَأَرْوانِي وَذَلِيلاً فَأَعَزَّنِي وَجاهِلاً فَعَرَّفَنِي وَوَحِيداً فَكَثَّرَنِي وَغايِباً فَرَدَّنِي وَمُقِلاً فَأَغْنانِي وَمُنْتَصِراً فَنَصَرَنِي وَغَنِيّاً فَلَمْ يَسْلُبْنِي وَأَمْسَكْتُ عَنْ جَمِيعِ ذلِكَ فَابْتَدَأَنِي؛ فَلَكَ الحَمْدُ وَالشُّكْرُ يا مَنْ أَقالَ عَثْرَتِي وَنَفَّسَ كُرْبَتِي وَأَجابَ دَعْوَتِي وَسَتَرَ عَوْرَتِي وَغَفَرَ ذُنُوبِي وَبَلَّغَنِي طَلَبِي وَنَصَرَنِي عَلى عَدُوِّي وَإِنْ أَعُدَّ نِعَمَكَ وَمِنَنَكَ وَكَرائِمِ مِنَحِكَ لا اُحْصِيها، يا مَوْلايَ أَنْتَ الَّذِي مَنَنْتَ أَنْتَ الّذِي أَنْعَمْتَ أَنْتَ الَّذِي أَحْسَنْتَ أَنْتَ الَّذِي أَجْمَلْتَ أَنْتَ الَّذِي أَفْضَلْتَ أَنْتَ الَّذِي أَكْمَلْتَ أَنْتَ الَّذِي رَزَقْتَ أَنْتَ الَّذِي وَفَّقْتَ أَنْتَ الَّذِي أَعْطَيْتَ أَنْتَ الَّذِي أَغْنَيْتَ أَنْتَ الَّذِي أَقْنَيْتَ أَنْتَ الَّذِي آوَيْتَ أَنْتَ الَّذِي كَفَيْتَ أَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَ أَنْتَ الَّذِي عَصَمْتَ أَنْتَ الَّذِي سَتَرْتَ أَنْتَ الَّذِي غَفَرْتَ أَنْتَ الَّذِي أَقَلْتَ أَنْتَ الَّذِي مَكَّنْتَ أَنْتَ الَّذِي أَعْزَزْتَ أَنْتَ الَّذِي أَعَنْتَ أَنْتَ الَّذِي عَضَدْتَ أَنْتَ الَّذِي أَيَّدْتَ أَنْتَ الَّذِي نَصَرْتَ أَنْتَ الَّذِي شَفَيْتَ أَنْتَ الَّذِي عافَيْتَ أَنْتَ الَّذِي أَكْرَمْتَ، تَبارَكْتَ وَتَعالَيْتَ فَلَكَ الحَمْدُ دائِماً وَلَكَ الشُّكْرُ وَاصِباً أَبَداً، ثُمَّ أَنا يا إِلهِي المُعْتَرِفُ بِذُنُوبِي فَاغْفِرْها لِي.أَنا الَّذِي أَسَأْتُ أَنا الَّذِي أَخْطَأْتُ أَنا الَّذِي هَمَمْتُ أَنا الَّذِي جَهِلْتُ أَنا الَّذِي غَفَلْتُ

ص: 329

أَنا الَّذِي سَهَوْتُ أَنا الَّذِي أَعْتَمَدْتُ أَنا لَّذِي تَعَمَّدْتُ أَنا الَّذِي وَعَدْتُ أَنا الَّذِي أَخْلَفْتُ أَنا الَّذِي نَكَثْتُ أَنا الَّذِي أَقْرَرْتُ أَنا الِّذِي اعْتَرَفْتُ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَعِنْدِي، وَأَبُوُء بِذُنُوبِي فَاغْفِرْها لِي يا مَنْ لا تَضُرُّهُ ذُنُوبُ عِبادِهِ وَهُوَ الغَنِيُّ عَنْ طاعَتِهِمْ وَالمُوَفِّقُ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْهُمْ بِمَعُونَتِهِ وَرَحْمَتِهِ. فَلَكَ الحَمْدُ إِلهِي وَسَيِّدِي أَمَرْتَنِي فَعَصَيْتُكَ وَنَهَيْتَنِي فَارْتَكَبْتُ نَهْيَكَ فَأَصْبَحْتُ لا ذا بَراءَةٍ لِي فَأَعْتَذِرُ وَلا ذا قُوَّةٍ فَأَنْتَصِرُ فَبِأَيِّ شَيٍْ أَنْتَصِرُ فَبِأَيِّ شَيٍْ أَسْتَقْبِلُكَ يا مَوْلايَ أَبِسَمْعِي أَمْ بِبَصَرِي أَمْ بِلِسانِي أَمْ بِيَدِي أَمْ بِرِجْلِي؟ أَلَيْسَ كُلُّها نِعَمَكَ عِنْدِي وَبِكُلِّها عَصَيْتُكَ يا مَوْلايَ؟

فَلَكَ الحُجَّةُ وَالسَّبِيلُ عَلَيَّ يا مَنْ سَتَرَنِي مِنَ الآباءِ وَالاُمَّهاتِ أَنْ يَزْجُرُونِي وَمِنَ العَشائِرِ وَالإِخْوانِ أَنْ يُعَيِّرُونِي وَمِنَ السَّلاطِينِ أَنْ يُعاقِبُونِي، وَلَوْ اطَّلَعُوا يا مَوْلايَ عَلى ما اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنِّي إِذاً ما أَنْظَرُونِي وَلَرَفَضُونِي وَقَطَعُونِي ؛ فَها أَنا ذا يا إِلهِي بَيْنَ يَدَيْكَ يا سَيِّدِي خاضِعٌ ذَلِيلٌ حَصِيرٌ فَقِيرٌ لا ذو بَراءةٍ فَأَعْتَذِرُ وَلا ذو قُوَّةٍ فَأَنْتَصِرُ وَلا حُجَّةٍ فَاحْتَجُّ بِها وَلا قائِلٌ لَمْ أجْتَرِحْ وَلَمْ أَعْمَلْ سُوءاً، وَما عَسى الجُحُودُ وَلَوْ جَحَدْتُ يا مَوْلايَ يَنْفَعُنِي كَيْفَ وَأَنَّى ذلِكَ وَجَوارِحِي كُلُّها شاهِدَةٌ عَلَيَّ بِما قَدْ عَمِلْتُ؟

وَعَلِمْتُ يَقِينا غَيْرَ ذِي شَكٍّ أَنَّكَ سائِلِي مِنْ عَظائِمِ الاُمُورِ وَأَنَّكَ الحَكَمُ العَدْلُ الَّذِي لا تَجُورُ وَعَدْلُكَ مُهْلِكِي وَمِنْ كُلِّ

ص: 330

عَدْلِكَ مَهْرَبِي فَإِنْ تُعَذِّبْنِي يا إِلهِي فَبِذُنُوبِي بَعْدَ حُجَّتِكَ عَلَيَّ وَإِنْ تَعْفُ عَنِّي فَبِحِلْمِكَ وَجُودِكَ وَكَرَمِكَ، لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ المُسْتَغْفِرِينَ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ المُوَحِّدِينَ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الخائِفِينَ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الوَجِلِينَ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الرَّاجِينَ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الرَّاغِبِينَ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ المُهَلِّلِينَ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ السَّائِلِينَ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ المُسَبِّحِينَ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ المُكَبِّرِينَ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ رَبِّي وَرَبُّ آبائِيَ الأوّلِينَ. اللّهُمَّ هذا ثَنائِي عَلَيْكَ مُمَجِّداً وَإِخْلاصِي لِذِكْرِكَ مُوَحِّداً وَإِقْرارِي بآلائِكَ مُعَدِّداً، وَإِنْ كُنْتُ مُقِرّا إِنِّي لَمْ أُحْصِها لِكَثْرَتِها وَسُبُوغِها وَتَظاهُرِها وَتَقادُمِها إلى حادِثٍ ما لَمْ تَزَلْ تَتَعَهَّدُنِي بِهِ مَعَها مُنْذُ خَلَقْتَنِي وَبَرَأْتَنِي مِنْ أَوَّلِ العُمرِ مِنَ الإغْناءِ مِنَ الفَقْرِ وَكَشْفِ الضُّرِّ وَتَسْبِيبِ اليُسْرِ وَدَفْعِ العُسْرِ وَتَفْرِيجِ الكَرْبِ وَالعافِيَةِ فِي البَدَنِ وَالسَّلامَةِ فِي الدِّينِ، وَلَوْ رَفَدَنِي عَلى قَدْرِ نِعْمَتِكَ جَمِيعُ العالَمِينَ مِنَ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ ما قَدَرْتُ وَلا هُمْ عَلى ذلِكَ، تَقَدَّسْتَ وَتَعالَيْتَ مِنْ رَبٍّ عَظِيمٍ رَحِيمٍ لا تُحْصى آلاؤُكَ وَلا يُبْلَغُ ثَناؤُكَ وَلا تُكافى نَعْماؤكَ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَتْمِمْ عَلْينا نِعَمَكَ وَأَسْعِدْنا بِطاعَتِكَ سُبْحانَكَ لا إِلهَ إِلاّ

ص: 331

أَنْتَ، اللّهُمَّ إِنَّكَ تُجِيبُ المُضْطَرَّ وَتَكْشِفُ السُّوءَ وَتُغِيثُ المَكْرُوبَ وَتُشْفِي السَّقِيمَ وَتُغْنِي الفَقِيرَ وَتَجْبُرُ الكَسِيرَ وَتَرْحَمُ الصَّغِيرَ وَتُعِينُ الكَبِيرَ وَلَيْسَ دُونَكَ ظَهِيرٌ وَلا فَوْقَكَ قَدِيرٌ وَأَنْتَ العَلِيُّ الكَبِيرُ، يا مُطْلِقَ المُكَبَّلِ الأسِيرِ يا رازِقَ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ يا عِصْمَةَ الخائِفِ المُسْتَجِيرِ يا مَنْ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا وَزِيرَ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَعْطِنِي فِي هذِهِ العَشِيَّةِ أَفْضَلَ ما أَعْطَيْتَ وَأَنَلْتَ أَحَداً مِنَ العالَمِينَ مِنْ عِبادِكَ مِنْ نِعْمَةٍ تُولِيها وَآلاءٍ تُجَدِّدُها وَبَلِيَّةٍ تَصْرِفُها وَكُرْبَةٍ تَكْشِفُها وَدَعْوَةٍ تَسْمَعُها وَحَسَنَةٍ تَتَقَبَّلُها وَسَيِّئَةٍ تَتَغَمَّدُها إِنَّكَ لَطِيفٌ بِما تَشاءُ خَبِيرٌ وَعَلى كُلِّ شَيٍْ قَدِيرٌ، اللّهُمَّ إِنَّكَ أَقْرَبُ مَنْ دُعِيَ وَأَسْرَعُ مَنْ أَجابَ وَأَكْرَمُ مَنْ عَفى وَأَوْسَعُ مَنْ أَعْطى وَأَسْمَعُ مَنْ سُئِلْ يا رَحْمنَ الدُّنْيا وَالآخرةِ وَرَحِيمَهُما لَيْسَ كَمِثْلِكَ مَسْؤولٌ وَلا سِواكَ مَأْمُولٌ، دَعَوْتُكَ فَأَجَبْتَنِي وَسَأَلْتُكَ فَأَعْطَيْتَنِي وَرَغِبْتُ إِلَيْكَ فَرَحِمْتَنِي وَوَثِقْت بِكَ فَنَجَّيْتَنِي وَفَزِعْتُ إِلَيْكَ فَكَفَيْتَنِي، اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَنَبِيِّكَ وَعَلى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ أَجْمَعِينَ وَتَمِّمْ لَنا نَعْماءَكَ وَهَنِّئْنا عَطائَكَ وَاكْتُبْنا لَكَ شاكِرِينَ وَلآلائِكَ ذاكِرِينَ آمِينَ آمِينَ رَبَّ العالَمِينَ. اللّهُمَّ يا مَنْ مَلَكَ فَقَدَرَ وَقَدَرَ فَقَهَرَ وَعُصِيَ فَسَتَرْ وَاسْتُغْفَرَ فَغَفَرَ يا غايَةَ الطَّالِبِينَ وَمُنْتَهى أَمَلِ الرَّاجِينَ يا مَنْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيٍْ عِلْماً وَوَسِعَ المُسْتَقِيلينَ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَحِلْماً، اللّهُمَّ إِنَّا نَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ فِي هذِهِ العَشِيَّةِ الَّتِي شَرَّفْتَها وَعَظَّمْتَها بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ

ص: 332

وَرَسُولِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَأَمِينِكَ عَلى وَحْيِكَ البَشِيرِ النَّذِيرِ السِّراجِ المُنِيرِ الَّذِي أَنْعَمْتَ بِهِ عَلى المُسْلِمِينَ وَجَعَلْتَهُ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ. اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَما مُحَمَّدٌ أَهْلٌ لِذلِكَ مِنْكَ يا عَظِيمُ فَصَلِّ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ المُنْتَجَبِينَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ أَجْمَعِينَ وَتَغَمَّدْنا بِعَفْوِكَ عَنّا، فَإِلَيْكَ عَجَّتِ الأصْواتُ بِصُنُوفِ اللُّغاتِ فَاجْعَلْ لَنا اللّهُمَّ فِي هذِهِ العَشِيَّةِ نَِصيباً مِنْ كُلِّ خَيْرٍ تَقْسِمُهُ بَيْنَ عِبادِكَ وَنُوراً تَهْدِي بِهِ وَرَحْمَةً تَنْشُرُها وَبَرَكَةً تُنْزِلُها وَعافِيَةً تُجَلِّلُها وَرِزْقاً تَبْسُطُهُ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللّهُمَّ اقْلِبْنا فِي هذا الوَقْتِ مُنْجِحِينَ مُفْلِحِينَ مَبْرُورِينَ غانِمِينَ وَلا تَجْعَلْنا مِنَ القانِطِينَ وَلا تُخْلِنا مِنْ رَحْمَتِكَ وَلا تَحْرِمْنا ما نُؤَمِّلُهُ مِنْ فَضْلِكَ وَلا تَجْعَلْنا مِنْ رَحْمَتِكَ مَحْرُومِينَ وَلا لِفَضْلِ ما نُؤَمِّلُهُ مِنْ عَطائِكَ قانِطِينَ وَلا تَرُدَّنا خائِبِينَ وَلا مِنْ بابِكَ مَطْرُودِينَ، يا أَجْوَدَ الأجْوَدِينَ وَيا أَكْرَمَ الأكْرَمِينَ إِلَيْكَ أَقْبَلْنا مُوقِنِينَ وَلِبَيْتِكَ الحَرامِ آمِّينَ قاصِدِينَ فَأَعِنّا عَلى مَناسِكِنا وَكَمِّلْ لَنا حَجَّنا وَاعْفُ عَنّا وَعافِنا فَقَدْ مَدَدْنا إِلَيْكَ أَيْدِينا فَهِيَ بِذِلَّةِ الاِعْتِرافِ مَوْسُومَةٌ، اللّهُمَّ فَأَعْطِنا فِي هذِهِ العَشِيَّةِ ما سَأَلْناكَ وَاكْفِنا ما اسْتَكْفَيْناكَ فَلا كافِيَ لِنا سِواكَ وَلا رَبَّ لَنا غَيْرُكَ، نافِذٌ فِينا حُكْمُكَ مُحِيطٌ بِنا عِلْمُكَ عَدْلٌ فِينا قَضاؤُكَ اقْضِ لَنا الخَيْرَ وَاجْعَلْنا مِنْ أَهْلِ الخَيْرِ، اللّهُمَّ أَوْجِبْ لَنا بِجُودِكَ عَظِيمَ الأجْرِ وَكَرِيمَ الذُّخْرِ وَدَوامَ اليُسْرِ وَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا

ص: 333

أَجْمَعِينَ وَلا تُهْلِكْنا مَعَ الهالِكِينَ وَلا تَصْرِفْ عَنّا رَأْفَتَكَ وَرَحْمَتَكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ اللّهُمَّ اجْعَلْنا فِي هذا الوَقْتِ مِمَّنْ سَأَلَكَ فَأَعْطَيْتَهُ وَشَكَرَكَ فَزِدْتَهُ وَثابَ إِلَيْكَ فَقَبِلْتَهُ وَتَنَصَّلَ إِلَيْكَ مِنْ ذُنُوبِهُ كُلِّها فَغَفَرْتَها لَهُ يا ذا الجَلالِ وَالاِكْرامِ، اللّهُمَّ وَنَقِّنا وَسَدِّدْنا وَاقْبَلْ تَضَرُّعَنا يا خَيْرَ مَنْ سُئِلْ وَيا أَرْحَمَ مَنْ اسْتُرْحِمَ يا مَنْ لا يَخفى عَلَيْهِ إِغْماضُ الجُفُونِ وَلا لَحْظُ العُيُونِ وَلا ما اسْتَقَرَّ فِي المَكْنُونِ وَلا ما انْطَوَتْ عَلَيْهِ مُضْمَراتُ القُلُوبِ أَلا كُلُّ ذلِكَ قَدْ أَحْصاهُ عِلْمُكَ وَوَسِعَهُ حِلْمُكَ.سُبْحانَكَ وَتَعالَيْتَ عَمّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّا كَبِيراً تُسَبِّحُ لَكَ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالأَرْضونَ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيٍْ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ، فَلَكَ الحَمْدُ وَالمَجْدُ وَعُلُوُّ الجَدِّ ياذا الجَلالِ وَالاِكْرامِ وَالفَضْلِ وَالإنْعامِ وَالأيْادِي الجِسامِ وَأَنْتَ الجَوادُ الكَرِيمُ الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ، اللّهُمَّ أَوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ الحَلالِ وَعافِنِي فِي بَدَنِي وَدِينِي وَآمِنْ خَوْفِي وَاعْتِقْ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ، اللّهُمَّ لاتمْكُرْ بِي وَلا تَسْتَدْرِجْنِي وَلا تَخْدَعْنِي وَادْرَأْ عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الجِنِّ وَالإنْسِ).

ثم رفع رأسه وبصره إلى السماء وعيناه ماطرتان كأنّهما مزادتان، وقال بصوتٍ عالٍ:

(يا أَسْمَع السَّامِعِينَ يا أَبْصَر النَّاظِرِينَ وَيا أَسْرَعَ الحاسِبِينَ وَيا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ السَّادَةِ المَيامِينَ، وَأَسأَلُكَ اللّهُمَّ حاجَتِي الَّتِي إِنْ أَعْطَيْتَنِيها لَمْ يَضُرَّنِي ما

ص: 334

مَنَعْتَنِي وَإِنْ مَنَعْتَنِيها لَمْ يَنْفَعْنِي ما أَعْطَيْتَنِي ؛ أَسأَلُكَ فَكاكَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَكَ المُلْكُ وَلَكَ الحَمْدُ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيٍْ قَدِيرٌ يا رَبِّ يا رَبِّ). وكان يكرر قوله: (يا رَبِّ)، وشغل من حضر ممن كان حوله عن الدعاء لأنفسهم وأقبلوا على الاستماع له والتأمين على دعائه ثم علت أصواتهم بالبكاء معه وغربت الشمس وأفاض الناس معه.

وفي بعض نسخ كتاب الإقبال توجد بعد: (يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ…) هذه الزيادة:

(إِلهِي أَنا الفَقِيرُ فِي غِنايَ فَكَيْفَ لا أَكُونُ فَقِيراً فِي فَقْرِي إِلهِي أَنا الجاهِلُ فِي عِلْمِي فَكَيْفَ لا أَكُونُ جَهُولاً فِي جَهْلِي؟

إِلهِي إِنَّ اخْتِلافَ تَدْبِيرِكَ وَسُرْعَةَ طَواءِ مَقادِيرِكَ مَنَعَا عِبادَكَ العارِفِينَ بِكَ عَنِ السُّكُونِ إلى عَطاءٍ وَاليَّأْسِ مِنْكَ فِي بَلاءٍ، إِلهِي مِنِّي ما يَلِيقُ بِلُؤْمِي وَمِنْكَ ما يَلِيقُ بِكَرَمِكَ، إِلهِي وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِاللُّطْفِ وَالرَّأْفَةِ لِي قَبْلَ وُجُودِ ضَعْفِي أَفَتَمْنَعُنِي مِنْهُما بَعْدَ وَجُودِ ضَعْفِي؟

إِلهِي إِنْ ظَهَرَتِ المَحاسِنُ مِنِّي فَبِفَضْلِكَ وَلَكَ المِنَّةُ عَلَيَّ وَإِنْ ظَهَرَتِ المَساوِيُ مِنِّي فَبِعَدْلِكَ وَلَكَ الحُجَّةُ عَلَيَّ، إِلهِي كَيْفَ تَكِلُنِي وَقَدْ تَكَفَّلْتَ لِي وَكَيْفَ أُضامُ وَأَنْتَ النَّاصِرُ لِي، أَمْ كَيْفَ أَخِيبُ وَأَنْتَ الحَفِيُّ بِي؟

ها أَنا أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِفَقْرِي إِلَيْكَ وَكَيْفَ أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِما هُوَ

ص: 335

مَحالٌ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ، أَمْ كَيْفَ أَشْكُو إِلَيْكَ حالِي وَهُوَ لا يَخْفى عَلَيْكَ، أَمْ كَيْفَ أُتَرْجِمُ بِمَقالِي وَهُوَ مِنْكَ بَرَزٌ إِلَيْكَ، أَمْ كَيْفَ تُخَيِّبْ آمالِي وَهِي قَدْ وَفَدَتْ إِلَيْكَ، أَمْ كَيْفَ لا تُحْسِنُ أَحْوالِي وَبِكَ قامَتْ؟إِلهِي ما أَلْطَفَكَ بِي مَعَ عَظِيمِ جَهْلِي وَما أَرْحَمَكَ بِي مَعَ قَبِيحِ فِعْلِي! إِلهِي ما أَقْرَبَكَ مِنِّي وَأَبْعَدَنِي عَنْكَ وَما أَرْأَفَكَ بِي ! فَما الَّذِي يَحْجُبُنِي عَنْكَ؟

إِلهِي عَلِمْتُ بِاخْتِلافِ الآثارِ وَتَنَقُّلاتِ الأطْوارِ أَنَّ مُرادَكَ مِنِّي أَنْ تَتَعَرَّفَ إِلَيَّ فِي كُلِّ شَيٍْ حَتَّى لا أَجْهَلَكَ فِي شَيٍْ، إِلهِي كُلَّما أَخْرَسَنِي لُؤْمِي أَنْطَقَنِي كَرَمُكَ وَكُلَّما آيَسَتْنِي أَوْصافِي أَطْمَعَتْني مِنَنُكَ، إِلهِي مَنْ كانَتْ مَحاسِنُهُ مَسَاوِيَ فَكَيْفَ لا تَكُونُ مَساوِؤُهُ مَساوِيَ، وَمَنْ كانَتْ حَقائِقُهُ دَعاوي فَكَيْفَ لا تَكُونُ دَعاواهُ دَعاوي، إِلهِي حُكْمُكَ النَّافِذُ وَمَشِيئَتُكَ القاهِرَةِ لَمْ يَتْرُكا لِذِي مَقالٍ مَقالاً وَلا لِذِي حالٍ حالاً، إِلهِي كَمْ مِنْ طاعَةٍ بنَيْتُها وَحالَةٍ شَيَّدْتُها هَدَمَ اعْتِمادِي عَلَيْها عَدْلُكَ بَلْ أَقالَنِي مِنْها فَضْلُكَ، إِلهِي إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي وَإِنْ لَمْ تَدُمِ الطَّاعَةُ مِنِّي فِعْلاً جَزْماً فَقَدْ دامَتْ مَحَبَّةً وَعَزْماً، إِلهِي كَيْفَ أَعْزِمُ وَأَنْتَ القاهِرُ وَكَيْفَ لا أَعْزِمُ وَأَنْتَ الآمِرُ؟

إِلهِي تَرَدُّدي فِي الآثارِ يُوجِبُ بُعْدَ المَزارِ فاجْمَعْنِي عَلَيْكَ بِخِدْمَةٍ تُوصِلُنِي إِلَيْكَ، كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ فِي وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ إِلَيْكَ أَيَكُونُ لِغَيْرُكَ مِنَ الظُّهُورِ ما لَيْسَ لَكَ حَتَّى يَكُونَ

ص: 336

هُوَ المُظْهِرَ لَكَ؟مَتى غبْتَ حَتَّى تَحْتاجَ إلى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ وَمَتى بَعُدْتَ حَتَّى تَكُونَ الآثارُ هِيَ الَّتِي تُوصِلُ إِلَيْكَ؟

عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقِيباً وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلَ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصِيباً، إِلهِي أَمَرْتَ بِالرُّجُوعِ إلى الآثارِ فَأرْجِعْنِي إِلَيْكَ بِكِسْوَةِ الأنْوارِ وَهِدايَةِ الاِسْتِبْصارِ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ مِنْها كَما دَخَلْتُ إِلَيْكَ مِنْها مَصُونَ السِّرِّ عَنْ النَّظَرِ إِلَيْها وَمَرْفُوعَ الهِمَّةِ عَنِ الاِعْتِمادِ عَلَيْها إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيٍْ قَدِيرٌ. إِلهِي هذا ذُلِّي ظاهِرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ وَهذا حالِي لا يَخْفى عَلَيْكَ مِنْكَ أَطْلُبُ الوُصُولَ إِلَيْكَ وَبِكَ أَسْتَدِلُّ عَلَيْكَ فَاهْدِنِي بِنُورِكَ إِلَيْكَ وَأَقِمْنِي بِصِدْقِ العُبُودِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ، إِلهِي عَلِّمْنِي مِنْ عِلْمِكَ المَخْزُونِ وَصُنِّي بِسِتْرِكَ المَصُونِ إِلهِي حَقِّقْنِي بِحَقائِقِ أَهْلِ القُرْبِ وَاسْلُكَ بِي مَسْلَكَ أَهْلِ الجَذْبِ، إِلهِي أَغْنِنِي بِتَدْبِيرِكَ لِي عَنْ تَدْبِيرِي وَبِاخْتِيارِكَ عَنْ اخْتِيارِي وَأوْقِفْنِي عَلى مَراكِزِ اضْطِرارِي، إِلهِي أَخْرِجْنِي مِنْ ذُلِّ نَفْسِي وَطَهِّرْنِي مِنْ شَكِّي وَشِرْكِي قَبْلَ حُلُولِ رَمْسِي، بِكَ أَنْتَصِرُ فَانْصُرْنِي وَعَلَيْكَ أَتَوَكَّلُ فَلا تَكِلْنِي وَإِيَّاكَ أَسْأَلُ فَلا تُخَيِّبْنِي وَفِي فَضْلِكَ أَرْغَبُ فَلا تَحْرِمْنِي وَبِجَنابِكَ أَنْتَسِبُ فَلا تُبْعِدْنِي وَبِبابِكَ أَقِفُ فَلا تَطْرُدْنِي، إِلهِي تَقَدَّسَ رِضاكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ عِلَّةٌ مِنْكَ فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ عِلَّةٌ مِنِّي؟

إِلهِي أَنْتَ الغَنِيُّ بِذاتِكَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ النَّفْعُ مِنْكَ فَكَيْفَ لا

ص: 337

تَكُونُ غَنِيّا عَنِّي؟إِلهِي إِنَّ القَضاء وَالقَدَرَ يُمَنِّيِني وَإِنَّ الهَوى بِوَثائِقِ الشَّهْوَةِ أَسَرَنِي فَكُنْ أَنْتَ النَّصِيرَ لِي حَتَّى تَنْصُرَنِي وَتُبَصِّرَنِي وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ حَتَّى اسْتَغْنِي بِكَ عَنْ طَلَبِي، أَنْتَ الَّذِي أَشْرَقْتَ الأنْوارَ فِي قُلُوبِ أَوْلِيائِكَ حَتَّى عَرَفُوكَ وَوَحَّدُوكَ وَأَنْتَ الَّذِي أَزَلْتَ الأغْيارَ عَنْ قُلُوبِ أَحِبَّائِكَ حَتَّى لَمْ يُحِبُّوا سِواكَ وَلَمْ يَلْجَأَوا إلى غَيْرِكَ أَنْتَ المُوْنِسُ لَهُمْ حَيْثُ أَوْحَشَتْهُمُ العَوالِمُ وَأَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَهُمْ حَيْثُ اسْتَبانَتْ لَهُمْ المَعالِمُ، ماذا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ وَما الَّذِي فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ؟!

لَقَدْ خابَ مَنْ رَضِيَ دُونَكَ بَدَلاً وَلَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغى عَنْكَ مُتَحَوَّلاً، كَيْفَ يُرْجى سِواكَ وَأَنْتَ ما قَطَعْتَ الإحْسانَ وَكَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِكَ وَأَنْتَ ما بَدَّلْتَ عادَةَ الاِمْتِنانِ؟

يا مَنْ أَذاقَ أَحِبَّاءَهُ حَلاوَةَ المُؤانَسَةِ فَقامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَمَلِّقِينَ وَيا مَنْ أَلْبَسَ أَوْلِياءهُ مَلابِسَ هَيْبَتِهِ فَقامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُسْتَغْفِرِينَ، أَنْتَ الذَّاكِرُ قَبْلَ الذَّاكِرِينَ وَأَنْتَ البادِيُ بِالإحْسانِ قَبْلَ تَوَجُّهِ العابِدِينَ وَأَنْتَ الجَوادُ بِالعَطاءِ قَبْلَ طَلَبِ الطَّالِبِينَ وَأَنْتَ الوَهَّابُ ثُمَّ لِما وَهَبْتَ لَنا مِنَ المُسْتَقْرِضِينَ، إِلهِي اطْلُبْنِي بِرَحْمَتِكَ حَتَّى أَصِلَ إِلَيْكَ وَاجْذُبْنِي بِمَنِّكَ حَتَّى أُقْبِلَ عَلَيْكَ، إِلهِي إِنَّ رَجائِي لا يَنْقَطِعُ عَنْكَ وَإِنْ عَصَيْتُكَ كَما أَنَّ خَوْفِي لا يُزايِلُنِي وَإِنْ أَطَعْتُكَ فَقَدْ دَفَعَتْنِي العَوالِمُ إِلَيْكَ وَقَدْ أَوْقَعَنِي عِلْمِي بِكَرَمِكَ عَلَيْكَ، إِلهِي كَيْفَ أَخِيبُ وَأَنْتَ أَمَلِي أَمْ كَيْفَ اُهانُ وَعَلَيْكَ

ص: 338

مُتَّكَلِي، إِلهِي كَيْفَ أسْتَعِزُّ وَفِي الذِّلَّةِ أَرْكَزْتَنِي أَمْ كَيْفَ لا أَسْتَعِزُّ وَإِلَيْكَ نَسَبْتَنِي؟إِلهِي كَيْفَ لا أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذِي فِي الفُقَراءِ أَقَمْتَنِي أَمْ كَيفَ أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذِي بِجُودِكَ أَغْنَيْتَنِي وَأَنْتَ الَّذِي لا إِلهَ غَيْرُكَ تَعَرَّفْتَ لِكُلِّ شَيٍْ فَما جَهِلَكَ شَيٌْ وَأَنْتَ الَّذِي تَعَرَّفْتَ إِلَيَّ فِي كُلِّ شَيٍْ فَرَأَيْتُكَ ظاهِراً فِي كُلِّ شَيٍْ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ لِكُلِّ شَيٍْ.

يا مَنْ اسْتَوى بِرَحْمانِيَّتِه فَصارَ العَرْشُ غَيْباً فِي ذاتِهِ مَحَقْتَ الآثارَ بِالآثارِ وَمَحَوْتَ الأغْيارَ بِمُحِيطاتِ أَفْلاكِ الأنْوارِ، يا مَنْ احْتَجَبَ فِي سُرادِقاتِ عَرْشِهِ عَنْ أَنْ تُدْرِكَهُ الأبْصارُ يا مَنْ تَجَلّى بِكَمالِ بَهائِهِ فَتَحَقَّقَتْ عَظَمَتُهُ من الاِسْتِواءِ، كَيْفَ تَخْفى وَأَنْتَ الظَّاهِرُ أَمْ كَيْفَ تَغِيبُ وَأَنْتَ الرَّقِيبُ الحاضِرُ؟

إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيٍْ قَدِيرٌ وَالحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ).

دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) يوم عرفة

اَلحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ، اَللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ بَديعَ السَّماواتِ وَالأرضِ ذَا الجَلالِ والاِكرامِ، رَبِّ الأَربابِ، وَإِلهَ كُلِّ مَألُوه، وَخالِقَ كُلِّ مَخلُوق، وَوارِثَ كُلِّ شَيءٍ، لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ، وَلا يَعزُبُ عَنهُ شَيء، وَهُوَ بِكُلِّ شَيء مُحيطٌ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شِيء رَقيبُ.

ص: 339

أَنتَ اللهُ لا إِلهَ اِلاّ اَنتَ الاَحَدُ المُتَوَحِّدُ الفَردُ المُتَفَرِّدُ، وَأَنتَ اللهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنتَ الكَريمُ المُتَكَرِّمُ العَظيمُ المُتَعَظِّمُ الكَبيرُ المُتَكَبِّرُ، أَنتَ اللهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنتَ العَلِيُّ المُتَعالِ الشَّديدُ الِمحالِ، أَنتَ اللهُ لا إِلهَ إِلاّ اَنتَ الرَّحمنُ الرَّحيمُ العَليمُ الحَكيمُ، أَنتَ اللهُ لا إِلهَ اِلاّ اَنتَ السَّميعُ البَصيرُ القَديمُ العَليمُ الحَكيمُ، أَنتَ اللهُ لا إِلهَ اِلاّ اَنتَ السَّميعُ البَصيرُ القَديمُ الخَبيرُ، أَنتَ اللهُ لا إِلهَ اِلاّ اَنتَ الكَريمُ الاَكرَمُ الدّائمُ الادوَمُ، أَنتَ اللهُ لا إِلهَ اِلاّ اَنتَ الاوَّلُ قَبلَ كُلِّ أَحَد وَالآخِرُ بَعدَ كُلِّ عَدَد، أَنتَ اللهُ لا إِلهَ اِلاّ اَنتَ الدّاني في عُلُوِّهِ وَالعالي في دُنُوِّهِ، أَنتَ اللهُ لا إِلهَ اِلاّ اَنتَ ذُو البَهاءِ وَالَمجدِ وَالكِبرياءِ وَالحَمدِ. أَنتَ اللهُ لا إِلهَ اِلاّ اَنتَ الَّذي اَنشَأتَ الأشياءَ مَن غَيرِ سِنخ، وَصَوَّرتَ ما صَوَّرتَ مِن غَيرِ مِثال، وَابتَدَعتَ المُبتَدَعاتِ بِلا احتِذاء. أَنتَ الَّذي قَدَّرتَ كُلَّ شَيء تَقديراً، وَيَسَّرتَ كُلَّ شَيء تَيسيراً، وَدَبَّرتَ ما دُونَكَ تَدبيراً. اَنتَ الَّذي لَم يُعِنكَ عَلى خَلقِكَ شَريكٌ، وَلَم يُوازِكَ في أَمرِكَ وَزيرٌ، وَلَم يَكُن لَكَ مُشابِهٌ وَلا نَظيرٌ. أَنتَ الَّذي اَرَدتَ فَكانَ حَتماً ما اَرَدتَ وَقَضَيتَ فَكانَ عَدلاً ما قَضَيتَ، وَحَكمتَ فَكانَ نِصَْفاً ما حَكَمتَ. أَنتَ الَّذي لا يَحويكَ مَكانٌ، وَلَم يَقُم لِسُلطانِكَ سُلطانٌ، وَلَم يُعيِكَ بُرهانٌ وَلا بَيانٌ. أَنتَ الَّذي اَحصَيتَ كُلَّ شَيء عَدَداً، وَجَعَلتَ لِكُلِّ شَيء أَمَداً، وَقَدَّرتَ كُلَّ شَيء تَقديراً. أَنتَ الَّذي قَصُرَتْ الأوهامُ عن ذَاتِيَّتكَ، وعَجَزَتِ الأفهَامُ عَن كَيفِيَّتِكَ، وَلَك تُدرِكِ الأَبصارُ مَوضِعَ أَينِيَّتِكَ. أَنتَ

ص: 340

الَّذي لا تُحَدُّ فَتَكُونَ مَحدُوداً، وَلَم تُمَثَّلْ فَتَكُونَ مَوجُوداً، وَلَم تَلِد فَتَكُونَ مَولُوداً أَنتَ الَّذي لا ضِدَّ مَعَكَ فَيُعانِدَكَ، وَلا عِدلَ لَكَ فَيُكاثِرَكَ، وَلا نِدَّ لَكَ فَيُعارِضَكَ. أَنتَ الَّذي ابتَدَأ وَاختَرَعَ وَاستَحدَثَ وَابتَدَعَ وَأَحسَنَ صُنعَ ما صَنَعَ.سُبحانَكَ ما اَجَلَّ شَأنَكَ، وَأَسنى في الاَماكِنِ مَكانَكَ، وَاَصدَعَ بِالحَقِّ فُرقانَكَ. سُبحانَكَ مِن لَطيف ما أَلطَفَكَ، وَرَؤُوف ما أَرأَفَكَ، وَحَكيمٍ ما أَعرَفَكَ. سُبحانَكَ مِن مَليكٍ ما أَمنَعَكَ، وَجَوادٍ ما أَوسَعَكَ، وَرَفيعٍ ما اَرفَعَكَ، ذُو البَهاءِ وَالَمجدِ وَالكِبرياءِ وَالحَمدِ. سُبحانَكَ بَسَطتَ بِالخَيراتِ يَدَكَ، وَعُرِفَتِ الهِدايَةُ مِن عِندِكَ، فَمَنِ الَتمَسَكَ لِدينٍ اَو دُنياً وَجَدَكَ. سُبحانَكَ خَضَعَ لَكَ مَن جَرى في عِلمِكَ، وَخَشَعَ لِعَظَمَتِكَ ما دُونَ عَرشِكَ، وَانقادَ لِلتَسليمِ لَكَ كُلُّ خَلقِكَ. سُبحانَكَ لا تُحَسُّ وَلا تُجَسُّ وَلا تُمَسُّ وَلا تُكادُ وَلا تُماطُ (وَلا تُحاطُ) وَلا تُنازَعُ وَلا تُجارى وَلا تُمارى وَلا تخادَعُ وَلا تُماكَرُ. سُبحانَكَ سَبيلُكَ جَدَدٌ وَأَمرُكَ رَشَدٌ وَأَنتَ حَيُّ صَمَدٌ. سُبحانَكَ قَولُكَ حُكمٌ، وَقَضاؤُكَ حَتمٌ، وَاِرادَتُكَ عَزمٌ. سُبحانَكَ لا رادَّ لِمشِيَّتِكَ، وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِكَ. سُبحانَكَ باهِرَ الآياتِ، فاطِرَ السَّماواتِ، بارِئَ النَّسمَاتِ.

لَكَ الحَمدُ حَمداً يَدُومُ بِدَوامِكَ، وَلَكَ الحَمدُ حَمداً خالِداً بِنعمَتِكَ، وَلَكَ الحَمدُ حَمداً يُوازي صُنعَكَ، وَلَكَ الحَمدُ حَمداً يَزيدُ عَلى رِضاكَ، وَلَكَ الحَمدُ حَمداً مَعَ حَمدِ كُلِّ حامِد،

ص: 341

وَشُكراً يَقصُرُ عَنهُ شُكرُ كُلِّ شاكِر، حَمداً لا يَنبَغي إلا لَكَ وَلا يُتَقَرَبُ بِهِ اِلاّ إِلَيكَ، حَمداً يُستَدامُ بِه الأِوَّلُ وَيُستَدعى بِه دَوامُ الآخِرِ، حَمداً يَتَضاعَفُ عَلى كُرُورِ الاَزمِنَةِ وَيَتَزايَدُ اَضعافاً مُتَرادِفَةً، حَمداً يَعجِزُ عَنْ اِحصائِهِ الحَفَظَةُ وَيَزيدُ عَلى ما اَحصَيتَ في كِتابِكَ الكَتَبَةُ، حَمداً يُوازِنُ عَرشَكَ الَمجيدَ وَيُعادِلُ كُرسِيَّكَ الرَّفيعَ، حَمداً يَكمُلُ لَدَيكَ ثَوابُهُ وَيَستَغرِقُ كُلَّ جَزاءٍ جَزاءُهُ، حَمداً ظاهِرُهُ وِفقٌ لِباطِنهِ وَباطِنُهُ وَفَقٌ لِصدقِ النِيَّةِ به، حَمداً لَم يَحمَدكَ خَلقٌ مِثلَهُ وَلا يَعرِفُ أَحدٌ سِواكَ فَضلَهُ، حَمداً يُعانُ مَنِ اجتَهَدَ في تَعديدِهِ وَيُؤَيَّدُ مَن أَغرَقَ نَزعاً في تَوفِيَتِهِ، حَمداً يَجمَعُ ما خَلَقتَ مِنَ الحَمدِ وَيَنتَظِمُ ما أَنتَ خالِقُهُ مِن بَعدُ، حَمداً لا حَمدَ أَقرَبُ إِلى قَولِكَ مِنهُُ وَلا اَحمَدَ مِمَّن يَحمَدُكَ بِه، حَمداً يُوجِبُ بِكَرَمِكَ المَزيدَ بِوُفُورِهِ وَتَصِلُهُ بِمَزيدٍ بَعدَ مَزيدٍ طَولاً مِنكَ، حَمداً يَجِبُ لِكَرَمِ وَجهِكَ وَيُقابِلُ عِزّ جَلالِكَ.رَبِّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد المُنتَجَبِ المُصطفَى المُكَرَّمِ المُقَرَبِ أَفضَلَ صَلَواتِكَ، وَبارِك عَلَيهِ أَتَمَّ بَرَكاتِكَ، وَتَرَحَّم عَلَيهِ أمتَعَ رَحَماتِكَ. رِبِّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِه صَلاةً زاكِيَةً لا تَكُونُ صَلاةٌ أَزكى مِنها، وَصَلِّ عَلَيهِ صَلاةً نامِيَةً لا تَكُونُ صَلاةٌ أَنمى مِنها، وَصَلِّ عَلَيهِ صَلاةً راضِيَةً لا تَكُونُ صَلاةٌ فَوقَها. رَبِّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ صَلاةً تُرضيهِ وَتَزيدُ عَلى رِضاهُ، وَصَلِّ عَلَيهِ صَلاةً تُرضيكَ وَتَزيدُ عَلى رِضاكَ لَهُ، وَصَلِّ عَلَيهِ صَلاةً لا

ص: 342

تَرضى لَهُ إِلاّ بِها وَلا تَرى غَيرَهُ لَها أَهلاً. رَبِّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِه صَلاةً تُجاوِزُ رِضوانَكَ، وَيَتَّصِلُ اِتّصالُها بِبَقائِكَ، وَلا تَنفَدُ كَما لا تَنفَدُ كَلِماتُكَ رَبِّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ صَلاةً تَنتَظِمُ صَلَواتِ مَلائِكَتِكَ وَاَنبِيائِكَ وَرُسُلِكَ وَاَهلِ طاعَتِكَ، وَتَشتَمِلُ عَلى صَلَواتِ عِبادِكَ مِن جِنِّكَ وَاِنسِكَ وَأهلِ اِجابَتِكَ، وَتَجتَمِعُ عَلى صَلاةِ كُلِّ مَن ذَرَأتَ وَبَرَأتَ مِن اَصنافِ خَلقِكَ. رَبِّ صَلِّ عَليهِ وآلِهِ صَلاةً تُحيطُ بِكُلِّ صَلاةٍ سالِفَةٍ وَمُستأنَفَةٍ، وَصَلِّ عَلَيهِ وَعَلى آلِه صَلاةً مَرضِيَّةً لَكَ وَلِمَن دُونَكَ، وَتُنشِئُ مَعَ ذلِكَ صَلَواتٍ تُضاعِفُ مَعَها تِلكَ الصَّلَواتِ عِندَها وَتَزيدُها عَلى كُروُرِ الاَيّامِ زِيادَةً في تَضاعيفَ لا يَعُدُّها غَيرُكَ. رَبِّ صَلِّ عَلى أَطائِبِ أَهلِ بَيتِهِ الَّذينَ اختَرتَهُم لاِمرِكَ، وَجَعَلتَهُم خَزَنَةَ عِلمِكَ، وَحَفَظَةَ دينِكَ، وَخُلَفاءَكَ في اَرضِكَ، وَحُجَجَكَ عَلى عِبادِكَ، وَطَهَّرتَهُم مِنَ الرِّجسِ وَالدَّنَسِ تَطهيراً بِاِرادَتِكَ، وَجَعَلتَهُمُ الوَسيلَةَ إِلَيكَ وَالمَسلَكَ إِلى جَنَّتِكَ. رَبِّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ صَلاةً تُجزِلُ لَهُم بِها مِن نِحَلِكَ وَكَرامَتِكَ، وَتُكمِلُ لَهُمُ الأشياءَ مِن عطاياكَ وَنَوافِلِكَ، وَتُوَفِّرُ عَلَيهِمُ الحَظَّ مِن عَوائِدِكَ وَفَوائِدِكَ. رَبِّ صَلِّ عَلَيهِ وَعَلَيهِم صَلاةً لا أَمَدَ في أَوَّلِها، وَلا غايَةَ لأمَدِها، وَلا نِهايَةَ لآخِرِها. رَبِّ صَلِّ عَلَيهم زِنَةَ عَرشِكَ وَما دُونَهُ، وَمِلءَ سَماواتِكَ وَما فَوقَهُنَّ، وَعَدَدَ أَرضِكَ وَما تَحتَهُنَّ وَما بَينَهُنَّ، صَلاةً تُقَرِّبُهُم مِنكَ زُلفىً وَتَكُونُ لَكَ وَلَهُم رِضاًً ومُتَّصِلَةٌ بِنَظائِرهِنَّ أَبَداً.

ص: 343

اَللّهُمَّ إِنَّكَ أَيَّدتَ دِينَكَ في كُلِّ أَوانٍ بِإمِام اَقَمتَهُ عَلَماً لِعِبادِكَ وَمَناراً في بِلادِكَ، بَعدَ اَن وَصَلتَ حَبلَهُ بِحَبلِكَ، وَجَعَلتَهُ الذَّريعَةَ إِلى رِضوانِكَ، وَافتَرَضتَ طاعَتَهُ وَحَذَّرتَ مَعصِيَتَهُ، وَاَمَرتَ بِامتِثالِ أَمرِهِ وَالاِنتهاءِ عِندَ نَهيهِ، وَاَن لا يَتَقَدَّمُه مُتَقَدِّمٌ، وَلا يَتَأخَّرَ عَنهُ مُتَأخِّرٌ، فَهُوَ عِصمَةُ اللاّئِذينَ، وَكَهفُ المُؤمِنينَ، وَعُروَةُ المُتَمَسِّكينَ وَبهاءُ العالَمينَ.اَللّهُمَّ فَأوزِع لِولِّيكَ شُكرَ ما أَنعَمْتَ بِهِ عَلَيهِ، وَأَوزِعنا مِثلَهُ فِيهِ، وَآتِه مِن لَدُنكَ سُلطاناً نَصيراً وَافتَح لَهُ فَتحاً يَسيراً، وَاَعِنهُ بِرُكنِكَ الاَعَزِّ، وَاشدُد أَزرَهُ، وَقَوِّ عَضُدَهُ، وَراعِهِ بِعَينِكَ وَاحمِهِ بِحِفظِكَ، وَانصُرهُ بِمَلائِكَتِكَ، وَامدُدهُ بِجُهدِكَ الاَغلِبِ، وَأَقِم بِهِ كِتابَكَ وَحُدُودَكَ وَشرائِعَكَ، وَسُنَنَ رَسُولِكَ صَلَواتُكَ اَللّهُمَّ عَلَيهِ وَآلِهِ، وَأَحيي بِه ما أَماتَهُ الظّالِمونَ مِن مَعالِمِ دِينِكَ، وَأجلُ بِهِ صَداءَ الجَورِ عَن طَريقَكَ، وَاَبن بِه الضَّرَّاءَ مِن سَبيلِكَ وَأَزِلْ بِهِ النّاكِبينَ عَن صِراطِكَ، وَامحَق بِهِ بُغاةَ قَصدِكَ عِوَجاً، وَأَلِن جانِبَهُ لأوليائِكَ، وَابسُط يَدَهُ عَلى اَعدائِكَ، وَهَب لَنا رَأفَتَهُ وَرَحمَتَهُ وَتَعَطُّفَهُ وَتَحَنُّنَهُ وَاجعَلنا لَهُ سامِعينَ مُطيعينَ، وَفي رِضاهُ ساعِينَ، وَإلى نُصرَتِهِ وَالمُدافَعَةِ عَنهُ مُكنِفينَ، وَاِلَيكَ وَاِلى رِسُولِكَ صَلَواتُكَ اَللّهُمَّ عَلَيهِ وَآلِهِ بِذلِكَ مُتَقَرِّبينَ.

اَللّهُمَّ وَصَلِّ عَلى أَولِيائِهِمُ، المُعتَرِفينَ بِمَقامِهِمُ، المُتَّبِعينَ مَنهَجَهُمُ، المُقتَفِينَ آثارَهُمُ المُستَمسِكينَ بِعُروَتِهُمُ المُتَمسِّكينَ بِوِلايَتَهُمُ، المُؤتَمّينَ بِاِمامَتِهُمُ، المُسّلِّمينَ لأمرِهُمُ، الُمجتَهِدينَ في

ص: 344

طاعَتِهِمُ، المُنتَظِرينَ اَيّامَهُمُ، المادّينَ إِلَيهِم اَعيُنَهُم، الصَّلَواتِ المُبارَكاتِ الزّاكِياتِ النّامِياتِ الغادِياتِ الرّائِحاتِ وَسَلِّم عَلَيهِم وَعَلى أَرواحِهِم، وَاجمَع عَلى التَّقوى أَمرَهُم، وَأَصلِح لَهُ شُؤُونَهُم وَتُب عَلَيهِم إِنَكَ أَنتَ التَّوابُ الرَّحيمُ، وَخَيرُ الغافِرينَ، وَاجعَلنا مَعَهُم في دارِ السَّلامِ، بِرَحمَتِكَ يا اَرحَمَ الرّاحِمينَ.اَللّهُمَّ هذا يَومُ عَرَفَةَ، يَومٌ شَرَّفتَهُ وَكَرَّمتَهُ وَعَظَّمتَهُ، نَشَرتَ فِيه رَحمَتَكَ، وَمَنَنتَ فيهِ بِعَفْوِكَ وَأَجْزَلتَ فيهِ عَطِيَّتَكَ، وَتَفَضَّلتَ بِهِ عَلى عِبادِكَ. اَللّهُمَّ وَأَنا عَبدُكَ الَّذي أَنعَمتَ عَلَيهِ قَبلَ خَلقِكَ لَهُ وَبَعدَ خَلقِكَ إِيّاهُ، فَجَعلتَهُ مِمَّن هَدَيتَهُ لِدينِكَ، وَوَفَّقتَهُ لِحَقِّكَ، وَعَصَمتَهُ بِحَبلِكَ، وَأَدخَلْتَهُ في حِزبِكَ، وَأرشَدتَهُ لِمُوالاةِ أَولِيائِكَ، وَمُعاداةِ أَعدائِكَ، ثُمَّ اَمرتَهُ فَلَم يَأتَمِر، وَزَجَرتَهُ فَلَم يَنزَجِر، وَنَهَيتَهُ عَن مَعصِيَتِكَ فَخالَفَ اَمرَكَ اِلى نَهيِكَ، لا مُعانَدَةً لَكَ وَلا استِكباراً عَلَيكَ، بَل دَعاهُ هَواهُ اِلى ما زَيَّلتَهُ وَاِلى ما حَذَّرتَهُ، وَاَعانَهُ عَلى ذلِكَ عَدُّوكَ وَعَدُوُّهُ، فَأقدَمَ عَلَيهِ عارِفاً بِوَعيدِكَ راجِياً لِعفوِكَ واثِقاً بِتَجاوُزِكَ، وَكانَ أَحَقَّ عِبادِكَ مَعَ ما مَنَنْتَ عَلَيهِ أَن لا يَفعَلَ، وَها أَنا ذا بَينَ يَدَيكَ صَاغِراً ذَليلاً خاضِعاً خاشِعاً خائِفاً مُعتَرِفاً بِعَظيم مِنَ الذُّنوبِ تَحَمَّلتُهُ وَجَليل مِنَ الخَطايا اجتَرَمتُهُ، مُستَجيراً بِصَفحِكَ، لائِذاً بِرَحمَتِكَ، مُوقِناً اَنَّهُ لا يُجيرُني مِنكَ مُجيرٌ، وَلا يَمنَعُني مِنكَ مانِعٌ، فَعُد عَلَيَّ بِما تَعُودُ بِه عَلى مَن أسرَفَ (اقتَرَفَ) مِن تَغَمُّدِكَ، وَجُد عَلَيَّ بِما تَجُودُ بِه عَلى مَن أَلقى بِيَدِه إلَيكَ مِن عَفوِكَ، وَامنُن عَلَيَّ بِما لا

ص: 345

يَتَعاظَمُكَ أَن تَمُنَّ بِه عَلى مَن أَمَّلَكَ مِن غُفرانِكَ، وَاجعَل لِي في هذا اليَومِ نَصيباً أَنالُ بِه حَظّاً مِن رِضوانِكَ، وَلا تَرُدَّني صِفراً مِمّا يَنقَلِبُ بِهِ المُتَعَبِّدُونَ لَكَ مِن عِبادِكَ، وَاِنّي وَاِن لَم أُقَدِّم ما قَدَّمُوهُ مِن الصّالِحاتِ فَقَد قَدَّمتُ تَوحيدَكَ وَنَفيَ الأضدادِ وَالأندادِ وَالأشباهِ عَنكَ، وَأَتَيتُكَ مِنَ الأَبوابِ الّتي اَمَرتَ أَن تُؤتى مِنها، وَتَقَرَّبتُ اِليكَ بِما لا يَقرُبُ أَحَدٌ مِنكَ إلاّ بِالتَّقَرُّبِ بِه، ثُمَّ اَتبعتُ ذلِكَ بِالإنابَةِ اِلَيكَ وَالتَّذَلُّلِ وَالاِستِكانَةِ لَكَ وَحُسنِ الظَّنِّ بِكَ وَالثِقَةِ بِما عِندَكَ، وَشَفَعتُهُ بِرَجائِكَ الَّذي قَلَّ ما يَخيبُ عَلَيهِ راجيكَ، وَسَألتُكَ مَسأَلَةَ الحَقيرِ الذّليلِ البائِسِ الفَقيرِ الخائِفِ المُستَجيرِ، وَمَعَ ذلِكَ خيفَةً وَتَضَرُّعاً وَتَعَوُذاً وَتَلَوُّذاً لا مُستَطيلاً بِتَكبُّرِ المُتَكَبِّرينَ، وَلا مُتَعالِياً بِدالَّةِ المُطيعينَ، وَلا مُستَطيلاً بِشَفاعَةِ الشّافِعينَ، وَأَنا بَعدُ أَقَلُّ الاَقَلِّينَ، وَاَذَلُّ الاَذَلِّينَ، وَمِثلُ الذَرَّةِ اَو دُونِها. فَيا مَن لَم يُعاجِلِ المُسيئينَ، وَلا يَندَهُ المُترَفينَ، وَيا مَن يَمُنُّ بِأِقالَةِ العاثِرينَ، وَيَتَفَضَّلُ بِإنظارِ الخاطِئينَ، اَنا المُسيءُ المُعتَرِفُ، المُذنِبُ المُقتَرِفُ، الخاطِئُ العاثِرُ، أَنا الَّذي أَقدَمَ عَلَيكَ مُجتَرِئاً، اَنا الَّذي هابَ عِبادَكَ وَاَمِنَكَ، أَنا الَّذي لَم يَرهَبْ سَطوَتَكَ، وَلَم يَخَفْ بَأسَكَ، أَنا الجاني عَلى نَفسِهِ، اَنا المُرتََهَنُ بِبَلِيَّتِهِ، أَنا القَليلُ الحَياءِ، اَنا الطَّويلُ العَناءِ.بِحَقِّ مَنِ انتَجَبتَ مِن خَلقِكَ، وَبِمَنِ اْصطَفَيتَهُ لِنفِسكَ، بِحَقِّ مَنِ اختَرتَ مِن بَرِيَّتِكَ، وَمَنِ اْجتَبَيتَ لِشَأنِكَ، بِحَقِّ مَن وَصَلتَ طاعَتَهُ بِطاعَتِكَ، وَمَنْ جَعَلتَ مَعصِيَتَهُ كَمَعصِيَتِكَ، بِحَقِّ مَن

ص: 346

قَرَنْتَ مُوالاتَهُ بِمُوالاتِكَ، وَمَن نُطْتَ مُعاداتَهُ بِمُعاداتِكَ، تَغَمَّدْني في يَومي هذا بِما تَتَغَمَّدُ بِه مَن جَأرَ اِلَيكَ مُتَنَصِّلاً، وَعاذَ بِاستِغفارِكَ تائِباً، وَتَوَّلَّني بِما تَتَوَلى بِه اَهلَ طاعَتِكَ وَالزُّلفى لَدَيكَ وَالمَكانَةِ مِنكَ، وَتَوَحَّدني بِما تَتَوَحَّدُ بِه مَن وَفى بِعَهدِكَ، وَاَتعَبَ نَفسَهُ في ذاتِكَ، وَاَجهَدَها في مَرضاتِكَ، وَلا تُؤاخِذني بِتَفريطي في جَنبِكَ، وَتَعَدّي طَوري في حُدُودِكَ، وَمُجاوَزَةِ اَحكامِكَ، وَلا تَستَدرِجني بِإمِلائِكَ لِي اِستِدراجَ مَن مَنَعَني خَيرَ ما عِندَهُ وَلَم يَشرُكْكَ في حُلُولِ نِعمَتِهِ بي، وَنَبِّهني مِن رَقدَةِ الغافِلينَ، وَسِنَةِ المُسرِفينَ، وَنَعسَةِ الَمخذوُلينَ، وَخُذ بقَلبي إِلى مَا استَعمَلتَ بِهِ القانِتينَ، وَاستَعبَدتَ بِهِ المُتَعَبِّدينَ، وَاستَنقَذْتَ بِهِ المُتهاوِنينَ، وَأَعِذني مِمّا يُباعِدُني عَنكَ وَيَحُولُ بَيني وَبَينَ حَظّي مِنكَ، وَيَصُدُّني عَمّا اُحاوِلُ لَدَيكَ، وَسَهِّل لي مَسلَكَ الخَيراتِ اِلَيكَ، وَالمُسابَقَةَ اِلَيها مِن حَيثُ أَمَرتَ وَالمُشاحَّةَ فيها عَلى ما أَرَدتَ، وَلا تَمَحَقْني فيمَن تَمحَقُ مِنَ المُستَخِفّينَ بِما أَوعَدتَ، وَلا تُهلِكني مَعَ مَن تُهلِكُ مِنَ المُتَعَرّضينَ لِمَقتِكَ، وَلا تُتَبِّرني فيمَن تُتَبِّرُ مَنَ المُنحَرِفينَ عَن سَبيلِكَ ونَجِّني مِن غَمَراتِ الفِتنَةِ، وَخَلِّصني مِن لَهَواتِ البَلوى وَاَجِرني مِن أَخذِ الإمِلاءِ، وَحُلْ بَيني وَبَينَ عَدّوٍّ يُضِلُّني، وَهَوىً يُوبِقُني، وَمَنقَصَةٍ تَرهَقُني، وَلا تُعرِض عَنّي إعراضَ مَن لا تَرضى عَنهُ بَعدَ غَضَبِكَ، وَلا تُؤيِسني مِنَ الأمَلِ فيكَ، فَيَغلِبَ عَلَيَّ القُنُوطُ مِن رَحمَتِكَ، وَلا تَمتَحِنِّي بِما لا طاقَةَ لي بِه، فَتَبهَظَني مِمّا تُحَمِّلُنيهِ مِن فَضلِ

ص: 347

مَحَّبَتِكَ، وَلا تُرسِلني مِن يَدِكَ اِرسالَ مَن لا خَيرَ فيهِ وَلا حاجَةَ بِكَ اِلَيهِ، وَلا إِنابَةَ لَهُ، وَلا تَرمِ بي رَميَ مَن سَقَطَ مِن عَينِ رِعايَتِكَ، وَمَنِ اشتَمَلَ عَلَيهِ الخِزيُ مِن عِندِكَ، بَل خُذْ بِيَدي مِن سَقطَةِ المُرتَدِّينَ، وَوَهلَةِ المُتَعَسِّفينَ وَزَلَّةِ المَغرُورِينَ، وَوَرطَةِ الهالِكينَ، وَعافِني مِمّا ابتَلَيْتَ بِهِ طَبَقاتِ عَبيدِكَ وَاِمائِكَ، وَبَلِّغني مَبالِغَ مَن عُنيتَ بِه، وَأَنعَمتَ عَلَيهِ وَرَضيتَ عَنهُ، فَأَعشْتَهُ حَميداً وَتَوَفَّيتَهُ سَعيداً، وَطَوِّقني طَوقَ الإقلاعِ عَمّا يُحبِطُ الحَسَناتِ وَيَذهَبُ بِالبَركاتِ، وَأَشعِرْ قَلبِيَ الاِزدِجارَ عَن قَبائِح السَّيِّئاتِ، وَفَواضِحِ الحَوْباتِ، وَلا تَشغَلني بِما لا أُدرِكُهُ إِلاّ بِكَ عَمّا لا يُرضِيكَ عَنّي غَيرُهُ، وَاَنزِع مِن قَلبي حُبَّ دُنيا دَنِيَّةٍ تَنهى عَمّا عِندَكَ، وَتَصُدُ عَنِ اِبتِغاءِ الوِسيلَةِ اِلَيكَ، وَتُذهِلُ عَن اَلتَّقَرُبِ مِنكَ، وَزَيِّنْ لِيَ التَّفَرُدَ بِمُناجاتِكَ بِاللَّيلِ وَالنَّهارِ، وَهَب لي عِصمَةً تُدنيني مِنْ خَشيَتِكَ، وَتَقطَعُني عَن رُكُوبِ مَحارِمِكَ، وَتَفُكَّني مِن أَسرِ العَظائِمِ، وَهَبْ لِيَ التَّطهيرَ مِنْ دَنَسِ العِصيانِ، وَأَذهِب عَنّي دَرَنَ الخَطايا، وَسَرْبِلني بِسِربالِ عافِيَتِكَ، وَرَدِّني رِداءَ مُعافاتِكَ، وَجَلِّلني سَوابِغَ نَعمائِكَ، وَظاهِرْ لَدَيَّ فَضْلَكَ، وَأَيِدّني بِتَوفيقِكَ وَتَسديدِكَ، وَأَعِنّي عَلى صالِحِ النِّيَّةِ وَمَرضِيّ القَولِ وَمُستَحسَنِ العَمَلِ، وَلا تَكِلني اِلى حَولي وَقُوَّتي دُونَ حَولِكَ وَقُوَّتِكَ، وَلا تُخزِني يَومَ تَبعَثُني لِلِقائِكَ، وَلا تَفضَحْني بَينَ يَدَي أَولِيائِكَ، وَلا تُنسِني ذِكرَكَ، وَلا تُذهِبْ عَنّي شُكْرَكَ، بَلْ أَلزِمْنيهِ في أَحوالِ السَّهوِ عِندَ غَفَلاتِ الجاهِلينَ لآِلائِكَ،

ص: 348

وَأَوزِعني أَن أُثنِيَ بِما أَولَيتَنِيهِ، وَاَعتَرِفَ بِما اَسدَيتَهُ إِلَيَّ، وَاجْعَلْ رَغبَتي اِلَيكَ فَوقَ رَغَبَةِ الرّاغِبينَ، وَحَمدي اِيّاكَ فَوقَ حَمدِ الحامِدينَ، وَلا تَخذُلْني عِندَ فاقَتي اِلَيكَ، وَلا تُهلِكْني بِما اَسدَيتُهُ اِلَيكَ، وَلا تَجبَهْني بِما جَبَهتَ بِه المُعانِدينَ لكَ، فَاِنّي لَكَ مُسلِّمٌ، أَعلَمُ اَنَّ الحُجَّةَ لَكَ وَاَنَّكَ أَولى بِالفَضلِ وَأَعوَدُ بِالاِحسانِ وَاَهلُ التَّقوى وَاَهلُ المَغفِرَةِ، وَاَنَّكَ بِأنَ تَعفُوَ اَولى مِنكَ بِأن تُعاقِبَ، وَاَنَّكَ بِأَن تَستُرَ اَقرَبُ مِنكَ إِلى أَن تَشهَرَ، فَأَحيِني حَياةً طَيِّبَةً تَنتَظِمُ بِما أُريدُ، وَتَبلُغُ بي ما أُحِبُّ مِنْ حَيثُ لا آتي ما تَكرَهُ، وَلا اَرتَكِبُ ما نَهَيتَ عَنهُ، وَاَمِتني مِيتَةَ مَنْ يَسعى نُورُهُ بَينَ يَدَيهِ وَعَن يَميِنِهِ، وَذَلِّلني بَينَ يَدَيكَ، وَأَعِزَّني عِندَ خَلقِكَ، وَضَعني اِذا خَلَوتُ بِكَ، وَاْرفَعْني بَينَ عِبادَكَ، وَاَغنِني عَمَن هُوَ غَنيٌّ عَنّي، وَزِدني اِلَيكَ فاقَةً وَفَقْراً، وَأَعِذني مِن شَماتَةِ الأعداءِ، وَمِن حُلُولِ البَلاءِ، وَمِنَ الذُّلِ وَالعَناءِ، وَتَغَمّدْني فيما اْطَّلَعْتَ عَلَيهِ مِنّي بِما يَتَغَمَّدُ بِه القادِرُ عَلى البَطشِ لَولا حِلْمُهُ، وَالآخِذُ عَلى الجَريرَةِ لَولا اَناتُهُ، وَاِذا أَرَدتَ بِقَومٍ فِتْنَةً اَو سُوءاًً فَنَجِّني مِنها لِواذاً بِكَ، وَاِذا لَم تُقِمني مَقامَ فَضيحَة في دُنياكَ فَلا تُقِمْني مِثلَهُ في آخِرَتِكَ، وَاشْفَعْ لي اَوائِلَ مِنَنِكَ بِأَواخِرِها، وَقَديمَ فَوائِدِكَ بِحَوادِثِها، وَلا تَمدُدْ لي مَدّاً يَقسُو مَعَهُ قَلبْي، وَلا تَقرَعْني قارِعَةً يَذهَبُ لَها بَهائِي، وَلا تَسُمني خَسيسَةً يَصغُرُ لَها قَدري، وَلا نَقيصَةً يُجهَلُ مِن أَجلِها مَكانِي، وَلا تَرُعْني رَوعَةً أُبلِسُ بِها، وَلا خِيفَةً اُوجِسُ دُونَها،

ص: 349

اِجعَل هَيبَتي في وَعيدِكَ، وَحَذَري مِن إِعذارِكَ وَإنذارِكَ، وَرَهْبَتي، عِندَ تِلاوَةِ آياتِكَ، وَاعمُر لَيلي بِإيقاضي فيهِ لِعِبادَتِكَ، وَتَفَرُّدي بِالتَّهَجُّدِ لَكَ، وَتَجَرُّدي بِسُكُوني اِلَيكَ، وَاِنزالِ حَوائِجي بِكَ، وَمُنازَلَتي اِيّاكَ في فَكاكِ رَقَبَتي مِن نارِكَ، وَاِجارَتي مِمّا فِيهِ أهلُها مِن عَذابِكَ، وَلا تَذَرنِيْ في طُغيَانِي عَامِهاً، وَلا فِي غَمرَتي ساهِياً حَتّى حين، وَلا تَجْعَلْني عِظَةً لِمَنِ اَتَّعَظَ، وَلا نَكالاً لِمَنِ اعتَبَرَ، وَلا فِتْنَةً لِمَن نَظَرَ، وَلا تَمكُرْ بي فيمَن تَمكُرُ بِهِ، وَلا تَستَبدِل بي غَيري، وَلا تُغَيِّر لي اِسْماً، وَلا تُبَدِّل لي جِسماً، وَلا تَتَّخِذْني هُزُواً لِخَلقِكَ، وَلا سُخْرِيّاً لَكَ، وَلا مُتَّبِعاً إِلاّ لِمَرضاتِكَ، وَلا مُمتَهَناً اِلاّ بالاِنتِقامِ لَكَ، وَأَوجِدْني بَردَ عَفوِكَ، وَحَلاوَةَ رَحمَتِكَ، وَرَوحِكَ وَرَيحانِكَ، وَجَنَّةِ نَعيمِكَ، وَأَذِقني طَعمَ الفَراغِ لِما تُحِبُّ بِسَعَةٍ مِن سَعَتِكَ، وَالاِجتِهادِ فيما يُزلِفُ لَدَيكَ وَعِندَكَ، وَأتحِفني بِتُحفَةٍ مِن تُحَفاتِكَ، وَاجعَل تِجارَتي رابِحَةً، وَكَرَّتي غَيرَ خاسِرَةٍ، وَاَخِفْني مَقامَكَ، وَشَوِّقني لِقاءَكَ، وَتُب عَلَيَّ تَوبَةً نَصُوحاً، لا تُبقِ مَعَها ذُنُوباً صَغيرَةً وَلا كَبيرَةً، وَلا تَذَرْ مَعَها عَلانِيَةً وَلا سَريرَةً، وَانزَعِ الغِلَّ مِن صَدري لِلمُؤمِنينَ، وَاعطِفْ بِقَلبي عَلى الخاشِعينَ، وَكُن لي كَما تَكُونُ لِلصّالِحينَ، وَحَلِّني حِليَةَ المُتَّقينَ، وَاجعَلْ لي لِسانَ صِدق في الغابِرينَ، وَذِكراً نامِياً في الآخِرينَ، وَوافِ بي عَرَصَةَ الأوَّلِينَ، وَتَمِّمْ سُبُوغَ نِعْمَتِكَ عَليَّ وَظاهِرْ كَراماتِها لَدَيَّ، وَاْملأ مِن فَوائِدكَ يَديّ، وَسُقْ كَرائِمَ مَواهِبِكَ إلَيَّ، وَجاوِر بِيَ

ص: 350

الأطيَبينَ مِن اَولِيائِكَ في الجِنانِ الّتي زَيَّنتَها لأصفِيائِكَ، وَجَلِّلني شَرائِفَ نِحَلِكَ فِي المَقاماتِ المُعَدَّةِ لأحِبّائِكَ، وَاْجعَلْ لي عِندَكَ مَقيلاً آوي اِليهِ مُطْمَئِناً وَمَثابَةً أَتَبَوَؤُها وَأَقَرُّ عَيناً، وَلا تُقايِسْني بِعَظِيماتِ الجَرائِرِ، وَلا تُهلِكْني يَومَ تُبلى السَّرائِرُ، وَأزِلْ عَنَّي كُلَّ شَكٍّ وَشُبهَةٍ، وَاْجعَل لي في الحَقِّ طَريقاً مِن كُلِّ رَحْمَةٍ، وَأَجزِلْ لي قِسَمَ المَواهِبِ مِنْ نَوالِكَ، وَوَفِّر عَلَيَّ حُظُوظَ الإحسانِ مِن اِفضالِكَ، وَاْجعَل قَلبي واثِقاً بِما عِندَكَ، وَهَمّي مُستَفرَغاً لِما هُوَ لَكَ، وَاستَعمِلْني بِما تَستَعمِلُ بِه خالِصَتَكَ، وَاَشرِب قَلبي عِندَ ذُهُولِ العُقُولِ طاعَتَكَ، وَاجمَع لِيَ الغِنى وَالعَفافَ، وَالدَّعَةَ وَالمُعافاةَ، وَالصِّحَّةَ وَالسَّعَةَ، وَالطُّمَأنينَةَ وَالعافِيَةَ، وَلا تُحبِطْ حَسَناتي بِما يَشُوبُها مِن مَعصِيَتِكَ وَلا خَلَواتي بِما يَعرِضُ لي مِن نَزَعاتِ فِتنَتِكَ وَصُن وَجْهيَ عَنِ الطَّلَبِ اِلى أَحَد مِنَ العالَمينَ، وَذُبَّني عَن اِلِتماسِ ما عِندَ الفاسِقينَ، وَلا تَجعَلني لِلظّالِمينَ ظَهيراً، وَلا لَهُم عَلى مَحوِ كِتابِكَ يَداً وَنَصيراً، وَحُطْني مِنْ حَيثُ لا أَعلَمُ حِياطَةً تَقيني بِها، وَافتَح لي أَبوابَ تَوبَتِكَ وَرَحمَتِكَ وَرَأفَتِكَ وَرِزقِكَ الواسِعِ اِنّي اِلَيكَ مِنْ الرّاغِبينَ وَاَتمِمْ لي إنعامَكَ اِنَّكَ خَيرُ المُنعِمينَ، وَاجعَل باقِيَ عُمري في الحَجّ وَالعُمرَةِ ابتِغاءَ وَجهِكَ يا رَبَّ العالَمينَ، وَصَّلى الله عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ الطَّيبينَ الطّاهرينَ، وَالسَّلامُ عَلَيهِ وَعَلَيهم أَبَدَ الآبِدينَ).

ص: 351

ص: 352

دروس وعبر من مناسك الحج

إن مناسك الحج حافلة بالمواعظ والعبر والدروس المعنوية لمن تأمل فيها؛ ابتداءً من استعداده للسفر وتحضيره لمستلزماته وجوازه فيتذكر هل حصّل جواز مروره على الصراط وهل حصّن نفسه وقلبه من الرذائل المعنوية كما اصطحب شهادة للتطعيم ضد الأوبئة وهل حضّر زاده للآخرة بالتقوى [فَإنَّ خَيرَ الزَادِ التَقوَى] كما حضّر أمتعته لسفره مهما طالت مدّته فإنها لا تتجاوز أياماً معدودة أما الموت فهو سفر إلى حياته الدائمة.

ويتذكر برفقاء السفر قرناءه في القبر فالرفيق المريح المؤنس هو كالعمل الصالح القرين لصاحبه في القبر والرفيق المشاكس المتعب كالعمل السيئ [وَقَيّضنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ] [فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ] وهذا لمجرد التذكرة وإلا فالفرق شاسع.

ثم يذكر نعمة ربّه عليه إذ سخّر له من الآلات ما تطوي به المسافات البعيدة دون عناء فيكرر قوله تعالى كلما ركب وسائط النقل [سُبحَانَ الذِي سَخَّرَ لَنَا هّذا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرِنِينَ].

وحينما يفارق أهله ووطنه ومحل عمله ونمط حياته الذي تعوّده يتذكر غربته بعد الموت ومفارقته لمالِه وأحبته الذين أفنى عمره لخدمتهم ولم يصحبه إلا عمله.

وحينما يتجرد عن ملابسه ويرتدي ثوبي الإحرام

ص: 353

يستشعر ذهابه إلى ربه وحيداً فريداً [وَلَقَدْ جِئتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكتُمْ مَا خَوَّلنَاكُمْ وَرآءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ الذِينَ زَعَمتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ] مؤتزراً كفنه فقط، وأن يفهم من الإحرام تخلّيه وتوبته عن سيرته السابقة وبدء صفحة جديدة بيضاء من العمل لا يملؤها إلا بما هو صالح.وحينما يطوف حول بيت ربه يعلّم نفسه كيف يجعل الله تبارك وتعالى هدفاً في كل تفاصيل حياته ومحوراً لكل أعماله، ثم يصلي لربه فلا يعبد إلا الله ولا يسجد إلا لله ولا يطيع إلا الله ولا يخضع إلا لله، فإذا فعل ذلك كفاه الله حقارة وذل وطاعة غيره والخنوع والعبودية للمخلوقين.

وحينما يجلس وسط المسجد الحرام وفي قبالة بيته يستشعر الهيبة والجلالة لخالقه العظيم وامتنانه وشكره لجليل نعمه وجميل صنعه ويستشعر الحياء من التقصير في حق طاعته والهمّة والعزيمة في التغيير نحو علاقة أفضل مع ربه.

وهكذا يسترسل في هذه الأجواء والمعاني القدسية في سعيه بين الصفا والمروة ووقوفه في عرفات والمشعر الحرام ومبيته في منى وذبحه للهدي وحلقه لرأسه حتى إذا وقف لرمي الجمرات أخذه الحماس لرمي النفس الأمّارة بالسوء بسهام الورع والتقوى والشوق إلى رضوان الله تبارك وتعالى ورمي شياطين الإنس وطواغيت الأرض وأولياء الشيطان بسهام

ص: 354

الإخلاص لله تبارك وتعالى والالتزام بشريعته الكاملة وعدم الانخداع بالمغريات أو الخوف ونحوها من الوسائل البالية لشياطين الإنس والجن.ولو شاهدتم معي منظر المسلمين من شتى دول العالم على اختلاف جنسياتهم وألوانهم ولغاتهم يسعون بصوت واحد في كتائب وألوية ومجاميع وترتفع أمامهم أعلامهم وراياتهم متوجهين جميعاً نحو الجمرات ليرجموا الشياطين التي تبدو عاجزة ساكنة جامدة متحجرة لا تملك أن تدفع عن نفسها ويرجع الجميع مزهوّين بالانتصار وإصابة الشياطين لرأيتم منظراً مهيباً مهولاً وكم تمنيت لو أن هذه الملايين توحدت بهذه الهيئة وبهذا الحماس والاندفاع لترفض طواغيت الأرض والقوى المستكبرة لاستطاعت أن تهزمها بدون سلاح ولا تحتاج أزيد من هذه الحجارة ولكن عليها أن ترجم أهواء النفس الأمّارة بالسوء قبل ذلك فإنّ النصر على الأعداء لا يتحقق إلا بعد الانتصار في ميدان الجهاد الأكبر داخل النفس مع جنود الشياطين.

وهناك على صعيد منى وداخل الحرم المكي الشريف وفي كل زمان ومكان تعيش الأمل والأمنيات السعيدة يوم العيد الأكبر حينما يأذن الله تبارك وتعالى لوليّه الأعظم بالظهور فيوحّد هذه الجموع ويقودها نحو الخير والسعادة ويحكم بالقسط والعدل؛ لذلك أكثِروا من الدعاء له (أرواحنا له الفداء) بالحفظ

ص: 355

والتأييد والنصر وتعجيل الفرج.وحينما تتجول في مكة ستجد في كل مكان ذكرى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ومَعلَماً من معالم الإسلام التي لها مكان شامخ في قلوب أهله؛ فهنا ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهنا عاش في كنف جده عبد المطلب وعمه أبي طالب، وبين هذه الأزقّة كان يتردد، وفي هذا الغار الذي يسمو عالياً ويطلّ على الإنسانية كلها كان يتعبد، وفي هذا الشِعب حاصرته قريش مع عمه وزوجته وأصحابه عدة سنين عاشوا فيها سنوات محنة، وهنا كان بيت الزوجية السعيدة المثالية التي قضاها مع أم المؤمنين خديجة، هذه الأرض وفي ثرى هذه البقعة الطاهرة (الحُجُون) دفنت أجساد جده وعمه وأمه وزوجته، ومن هنا انطلق نور الإسلام ليضيء للبشرية طريق السعادة والكمال، وهذا هو البيت العتيق الذي جعله الله مثابةً وأمناً يتوجه إليه المسلمون من كل أصقاع الأرض.

هذه هي مكة ومعالمها التي اغتصب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منها قلبه ونفسه وروحه غصباً وهو يغادرها إلى ارض الهجرة (المدينة المنورة) بأمر الله تبارك وتعالى فمضى (صلى الله عليه وآله) وهو يلتفت إلى الوراء ليملأ ناظريه من الأرض المقدسة حيث يتوسطها أول بيت وضع للناس وودع فيها ذكريات الأهل والأحبة وسنوات الجهاد

ص: 356

والدعوة إلى الله تبارك وتعالى والعبادة المخلصة له وأشفقَ على قلبه الربُّ الرؤوف الرحيم فطيَّب قلبه بكلمات نزل بها الروح الأمين [إنَّ الذِي فَرَضَ عَلَيكَ القُرآنَ لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ] وصدق الله وعده فأعاد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى مكة فاتحاً منتصراً بعد ثمان سنوات.وتقطع الطريق من مكة إلى المدينة وهي تزيد على أربعمائة كيلومتراً فتتذكر معاناة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه كيف قطعوها ورجال قريش الأشداء تلاحقهم وتبحث عنهم وهم قلّة مستضعفون حتى أنجاهم الله تبارك وتعالى.

وفي المدينة حيث المسجد النبوي الشريف الذي شهد مقرّ أعظم قيادة عرفتها الإنسانية وأكملها وأنبلها وأشرفها ومنها أقام دولته المباركة التي ما لبثت أن أشرقت بنورها على الأرض كلها وتقف عند مرقد الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) وستشعر أنك أمام قائدك ونبيك الذي تعرض عليه أعمال الأمة كلها أسبوعياً مرة أو مرتين [وَقُلِ اعمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤمِنُونَ] وحينئذٍ يستحضر المسلم كل سجل أعماله ليصلح السيئ منها ويطلب القبول والزيادة من الصالح ببركة أحب الخلق إلى الله تبارك وتعالى، وقريباً من المرقد الشريف بيت علي وفاطمة (عليهما السلام) الذي أذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ببقاء بابه مشرعة إلى

ص: 357

المسجد وسدّ كل الأبواب إلا هي وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يستأذن للدخول عليها وتتذكر ما جرى على هذا البيت وأهله بعد رحيله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم تزور الأئمة الهداة المظلومين في البقيع وقبور عظماء الإسلام وأبنائه البررة الذين اختارهم الله تعالى من دون الأجيال ليكونوا الطليعة الرسالية التي تحملت أعباء تأسيس بناء الإسلام الشامخ. وتتجول في معالم مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فهذا مسجد قبا الذي صلى فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أول وصوله إلى المدينة بعد هجرته من مكة، وهذا مسجد القبلتين الذي كان يصلي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه إلى القبلة الأولى بيت المقدس فنزل عليه الروح الأمين بأمر الله تبارك وتعالى بالتحول إلى الكعبة فاستدار وأتم صلاته، وهذه بقية المساجد، وهذه آثار الخندق الذي حفره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه حول المدينة لحمايتها من هجمة قريش الظالمة، وهناك في أحُد رقدَ سبعون شهيداً يتقدمهم حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير ونظراؤهم من خيرة أبناء الإسلام فقدَهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في معركة أحد نتيجة عصيان بعض أصحابه وميلهم إلى الدنيا فحولوا النصر إلى خسارة، وهذا هو جبل أحد الذي استدار حوله خالد بن الوليد بمن معه من المشركين لينقضّ على جيش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فخاطبه بعد مدة وكان

ص: 358

عائداً إلى المدينة (أُحُدٌ: جَبلٌ يُحِبُّنا ونُحِبُّه) حيث استودع في ظله تلك الثلة الطاهرة.أكتبُ هذه الكلمات ولا أصدق أن سنة كاملة(1) مرّت على تلك الأيام وكيف طابت نفوس المؤمنين بمغادرة تلك المشاهد المشرفة وكم أَهلُّوا من الدموع وقذفوا الزفرات والآهات من أعماقهم وهم يلقون نظرات الوداع عليه وها نحن نتجرع مرارة الفراق ويعتصر قلوبنا الألم حتى يأذن الله تبارك وتعالى لنا بالعودة إليها أو يقبضنا إليه راضين مرضيين إنه ولي كل نعمة وصاحب كل حسنة وهو أرحم الراحمين.

ص: 359


1- كتبت هذه الكلمات قبيل موسم الحج عام 1425.

حديث الإمام السجَّاد (عليه السلام) مع الشبلي في أسرار الحج

حديث الإمام السجَّاد (عليه السلام) مع الشبلي في أسرار الحج(1)

لمّا رجع مولانا زين العابدين (عليه السلام) من الحجّ استقبله الشِبْلِيّ، فقال (عليه السلام) له: (حججت يا شبلي؟). قال: نعم، يا ابن رسول الله. فقال (عليه السلام): (أَنَزلْتَ الميقات وتجرّدت عن مخيط الثياب واغتسلت؟) قال: نعم، قال (عليه السلام): (فحين نزلت الميقات نويت أنّك خلعت ثوب المعصية، ولبست ثوب الطاعة؟) قال: لا، قال (عليه السلام): (فحين تجرّدت عن مخيط ثيابك نويت أنّك تجرّدت من الرياء والنفاق والدخول في الشبهات؟) قال: لا، قال (عليه السلام): (فحين اغتسلت نويت أنّك اغتسلت من الخطايا والذنوب؟) قال: لا، قال (عليه السلام): (فما نزلت الميقات، ولا تجرّدت عن مخيط الثياب، ولا اغتسلت)، ثم قال (عليه السلام): (تنظّفت وأحرمت وعقدت بالحج؟) قال: نعم، قال (عليه السلام): (فحين تنظّفت وأحرمت وعقدت الحجّ، نويت أنّك تنظّفت بنورة(2) التوبة الخالصة لله تعالى؟) قال: لا، قال (عليه السلام): (فحين أحرمت نويت أنّك حرّمت على نفسك كلّ محرّم حرّمه الله عزّ وجلّ؟) قال: لا، قال (عليه السلام): (فحين عقدت الحجّ نويت أنّك قد حللت كلّ عقد لغير الله؟) قال: لا،

ص: 360


1- مستدرك الوسائل 10: 166172، نقلاً عن كتاب شرح النخبة.
2- في نسخة: بنور

قال (عليه السلام) له: (ما تنظّفت ولا أحرمت ولا عقدت الحج)، قال له (عليه السلام): (أدخلت الميقات وصلّيت ركعتي الإحرام ولبّيت؟) قال: نعم. قال (عليه السلام): (فحين دخلت الميقات نويت أنّك بنيّة الزيارة؟) قال: لا، قال (عليه السلام): (فحين صلّيت الركعتين نويت أنّك تقرّبت إلى الله بخير الأعمال من الصلاة، وأكبر حسنات العباد؟) قال: لا. قال (عليه السلام): (فحين لبّيت نويت أنك نطقت لله سبحانه بكلّ طاعة، وصمت عن كلّ معصية؟) قال: لا، قال (عليه السلام) له: (ما دخلت الميقات ولا صلّيت ولا لبّيت). ثم قال (عليه السلام): (أدخلت الحرم ورأيت الكعبة وصلّيت؟) قال: نعم، قال (عليه السلام): (فحين دخلت الحرم نويت أنّك حرّمت على نفسك كلّ غيبة تستغيبها المسلمين من أهل ملّة الإِسلام؟) قال: لا، قال (عليه السلام): (فحين وصلت مكّة نويت بقلبك أنّك قصدت الله؟) قال: لا، قال (عليه السلام): (فما دخلت الحرم ولا رأيت الكعبة ولا صلّيت)، ثم قال (عليه السلام): (طُفتَ بالبيت ومسست الأركان وسعيت؟) قال: نعم، قال (عليه السلام):(فحين سعيت نويت أنّك هربت إلى الله، وعرف منك ذلك علاّم الغيوب؟) قال: لا، قال (عليه السلام): (فما طفت بالبيت ولا مسست الأركان ولا سعيت)، ثم قال (عليه السلام) له: (صافحت الحجر ووقفت بمقام إبراهيم (عليه السلام) وصلّيت به ركعتين؟) قال: نعم، فصاح (عليه السلام) صيحة

ص: 361

كاد يفارق الدنيا، ثم قال: (آه آه)، ثم قال (عليه السلام): (من صافح الحجر الأسود، فقد صافح الله تعالى، فانظر يا مسكين، لا تضيّع أجر ما عظم حرمته، وتنقض المصافحة بالمخالفة، وقبض الحرام نظير أهل الآثام)، ثم قال (عليه السلام): (نويت حين وقفت عند مقام إبراهيم (عليه السلام) أنّك وقفت على كلّ طاعة، وتخلّفت عن كلّ معصية؟) قال: لا، قال (عليه السلام): (فحين صلّيت فيه ركعتين نويت أنّك صلّيت بصلاة إبراهيم (عليه السلام) وأرغمت بصلاتك أنف الشيطان؟) قال: لا، قال (عليه السلام) له: (فما صافحت الحجر الأسود ولا وقفت عند المقام ولا صلّيت فيه ركعتين)، ثم قال (عليه السلام) له: (أَشْرَفْتَ على بئر زمزم، وشربت من مائها؟) قال: نعم. قال (عليه السلام): (نويت(1) أنّك أشرفت على الطاعة، وغضضت طرفك عن المعصية؟) قال: لا، قال (عليه السلام): (فما أشرفت عليها ولا شربت من مائها)، ثم قال (عليه السلام) له: (أَسَعَيْتَ بين الصفا والمروة، ومشيت وتردّدت بينهما؟) قال: نعم، قال (عليه السلام) له: (نويت أنّك بين الرجاء والخوف؟) قال: لا، قال (عليه السلام):(فما سعيت ولا مشيت، ولا تردّدت بين الصفا والمروة)، ثم قال (عليه السلام): (أَخَرَجْتَ إلى منى؟) قال: نعم، قال (عليه السلام): (نويت أنك آمنت الناس من لسانك وقلبك ويدك؟) قال: لا، قال (عليه

ص: 362


1- في نسخة: أنويت.

السلام): (فما خرجت إلى منى)، ثم قال (عليه السلام) له: (أوقفت الوقفة بعرفة، وطلعت جبل الرحمة، وعرفت وادي نمرة، ودعوت الله سبحانه عند الميل والجمرات؟) قال: نعم. قال (عليه السلام): (هل عرفت بموقفك بعرفة معرفة الله سبحانه أمر المعارف والعلوم، وعرفت قبض الله على صحيفتك واطّلاعه على سريرتك وقلبك؟) قال: لا، قال (عليه السلام): (نويت بطلوعك جبل الرحمة أنّ الله يرحم كلّ مؤمن ومؤمنة، ويتولّى كلّ مسلم ومسلمة؟) قال: لا، قال (عليه السلام): (فنويت عند نمرة أنّك لا تأمر حتّى تأتمر، ولا تزجر حتّى تنزجر؟) قال: لا، قال (عليه السلام): (فعندما وقفت عند العَلَم والنمرات، نويت أنّها شاهدة لك على الطاعات، حافظة لك مع الحفظة بأمر ربّ السماوات؟) قال: لا، قال (عليه السلام): (فما وقفت بعرفة، ولا طلعت جبل الرحمة، ولا عرفت نمرة، ولا دعوت ولا وقفت عند النمرات)، ثم قال (عليه السلام): (مررت بين العلمين، وصلّيت قبل مرورك ركعتين، ومشيت بمزدلفة ولقطت فيها الحصى، ومررت بالمشعر الحرام؟) قال: نعم، قال (عليه السلام): (فحين صلّيت ركعتين نويت أنّها صلاة شكر في ليلة عشر تنفي كلّ عسر وتيّسر كلّ يسر؟) قال: لا، قال (عليهالسلام):(فعندما مشيت بين العلمين ولم تعدل عنهما يميناً وشمالاً، نويت ألاّ تعدل عن دين الحقّ يميناً وشمالاً لا بقلبك، ولا بلسانك، ولا بجوارحك؟) قال: لا، قال (عليه

ص: 363

السلام): (فعندما مشيت بمزدلفة ولقطت منها الحصى نويت أنّك رفعت عنك كلّ معصية وجهل، وثبّتَّ كلّ علم وعمل؟) قال: لا، قال (عليه السلام): (فعندما مررت بالمشعر الحرام نويت أنّك أشعرت قلبك إشعار أهل التقوى والخوف لله عزّ وجلّ؟) قال: لا، قال (عليه السلام): (فما مررت بالعلمين، ولا صلّيت ركعتين، ولا مشيت بالمزدلفة، ولا رفعت منها الحصى، ولا مررت بالمشعر الحرام)، ثم قال (عليه السلام) له: (وصلت منى ورميت الجمرة، وحلقت رأسك، وذبحت هديك، وصلّيت في مسجد الخيف، ورجعت إلى مكّة، وطفت طواف الإفاضة؟) قال: نعم، قال (عليه السلام): (فنويت عندما وصلت منى ورميت الجمار أنّك بلغت إلى مطلبك، وقد قضى ربّك لك كلّ حاجتك؟) قال: لا، قال (عليه السلام): (فعندما رميت الجمار نويت أنّك رميت عدوّك ابليس وغضبته بتمام حجّك النفيس؟) قال: لا، قال (عليه السلام): (فعندما حلقت رأسك نويت أنّك تطهّرت من الأدناس ومن تبعة بني آدم، وخرجت من الذنوب كما ولدتك أُمّك؟) قال: لا، قال (عليه السلام): (فعندما صلّيت في مسجد الخيف نويت أنّك لا تخاف إلاّ الله عزّ وجلّ وذنبك، ولا ترجو إلاّ رحمة الله تعالى؟) قال: لا، قال (عليه السلام): (فعندما ذبحت هديك نويت أنّك ذبحت حنجرة الطمع بما تمسّكت به من حقيقة الورع، وأنك اتّبعت سنّة إبراهيم (عليه السلام) بذبح ولده وثمرة فؤاده وريحان قلبه،

ص: 364

وحاجه(1) سنّته لمن بعده، وقرّبه إلى الله تعالى لمن خلقه؟) قال: لا. قال (عليه السلام): (فعندما رجعت إلى مكّة وطفت طواف الإفاضة نويت أنّك أفضت من رحمة الله تعالى ورجعت إلى طاعته، وتمسّكت بودّه، وأدّيت فرائضه، وتقرّبت إلى الله تعالى؟) قال: لا، قال له زين العابدين (عليه السلام): (فما وصلت منى، ولا رميت الجمار، ولا حلقت رأسك، ولا أدّيت نسكك، ولا صلّيت في مسجد الخيف، ولا طفت طواف الإفاضة، ولا تقرّبت، ارجع فإنّك لم تحجّ). فطفق الشبلي يبكي على ما فرّطه في حجّه، وما زال يتعلّم حتّى حجّ من قابل بمعرفة ويقين.

ص: 365


1- ربما تكون (وأحييت)

ص: 366

خرائط لبعض المشاعر المشرَّفة

مخطط مواقيت الإحرام المكاني وحدود الحرم

خارطة المشاعر

الحرم المكي

خارطة المسجد النبوي الشريف

خارطة المشاعر المقدسة

موقع مواقيت الاحرام

الكعبة المشرَّفة

المناسبات الدينية

مواقيت الصلوات في الحرمين

ص: 367

ص: 368

الصورة

ص: 369

الصورة

ص: 370

الصورة

ص: 371

الصورة

ص: 372

الصورة

ص: 373

الصورة

ص: 374

المناسبات الدينية

خلال وجود الحجاج في الحرمين الشريفين

من الفترة بين 23/ذي القعدة- 19/ذي الحجة

وفي بعض المناسبات أعمال عبادية راجعها في كتاب (مفاتيح الجنان)

23- ذو القعدة: شهادة الإمام الرضا (عليه السلام) (على رواية) عام 203ه-.

25-ذو القدة: دحوّ الأرض.

آخر ذي القعدة: شهادة الإمام الجواد (عليه السلام) سنة 220 ه-.

الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة هي المشار إليها بقوله تعالى: [وَالفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ].

1- ذو الحجة: زواج أمير المؤمنين (عليه السلام) من الزهراء (عليها السلام) سنة 2 ه-.

3- ذو الحجة: النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يأمر علياً (عليه السلام) بإبلاغ سورة براءة سنة 9 ه- بعد استلامها ممن أخذها أول مرة.

7-ذو الحجة: شهادة الإمام الباقر (عليه السلام) سنة 114 ه- على يد هشام بن عبد الملك، وعمره (عليه السلام) 57 سنة.

8-ذو الحجة: خروج الإمام الحسين (عليه السلام) من مكة إلى العراق سنة 60 ه-.

ص: 375

8-ذو الحجة: يوم التروية.

8-ذو الحجة: خروج مسلم بن عقيل بالكوفة وتخلّي الناس عنه واستشهاده.

9-ذو الحجة: أغلق النبي (صلى الله عليه وآله) الأبواب إلى مسجده إلا باب علي بن أبي طالب (عليه السلام).

9-ذو الحجة: يوم عرفة.

10-ذو الحجة: عيد الأضحى المبارك.

11-ذو الحجة: أول أيام التشريق.

18-ذو الحجة: عيد الغدير الأغر، يوم تنصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) وأخذ البيعة له من الناس مِن قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمحضر أكثر من مائة ألف مسلم جمعهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غدير خم سنة 10 ه- بعد حجة الوداع وفيها نعى إليهم نفسه الشريفة.

ص: 376

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.