التقابل وسلطة المعنى دراسة في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله)

هوية الکتاب

التقابل وسلطة المعني دراسة في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر ( رحمه الله )

رقم الايداع في دار الكتب والوثائق العراقية 1877 لسنة 2018م

مصدر الفهرسة: adr ILPaK-QI ara ILPak-QI

رقم تصنيف BP38.09.B3K43 2018 :Cl

المؤلف الشخصي: الخفاجي، كاظم فاخر. مؤلف.

العنوان : التقابل وسلطة المعنى : دراسة في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الاشتر (رحمه الله) /

بيان المسؤولية : تأليف أ. د. كاظم فاخر الخفاجي، م. د. ستار قاسم عبد الله.

بيانات الطبع: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: العراق، كربلاء : العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018 /

1439 للهجرة.

الوصف المادي : 59 صفحة ؛ 24 سم.

سلسلة النشر: العتبة الحسينية المقدسة : 426).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة، 136 وحدة الدراسات اللغوية، سلسلة دراسات في عهد

الإمام علي (علیه السلام) لمالك الاشتر(رحمه الله) ؛ 41).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر (الصفحات 56-58).

موضوع شخصي : الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359-406 للهجرة - نهج البلاغة.عهد

مالك الاشتر

موضوع شخصي : علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة -40 للهجرة -

خطب

مصطلح شخصي : علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة -40 للهجرة -

عهد مالك الأشتر

مصطلح موضوعي : التقابل (بلاغة عربية)

مصطلح موضوعي : اللغة العربية - بلاغة.

مصطلح موضوعي : اللغة العربية - المترادفات والاضداد.

مصطلح موضوعي : اللغة العربية الدلالة اللفظية

مؤلف اضافي : دراسة ل(عمل) : الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359-406 للهجرة - نهج

البلاغة. عهد مالك الأشتر.

اسم هيئة اضافي : العتبة الحسينية المقدسة. مؤسسة علوم نهج البلاغة. جهة مصدرة.

عنوان اضافي: نهج البلاغة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 1

اشارة

ص: 2

سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر( رحمه الله) (41)

وحدة الدراسات اللغوية

التقابل وسلطة المعني دراسة في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر( رحمه الله)

تأليف

أ. د. كاظم فاخرالخفاجي

م. د. ستارقاسم عبد الله

اِصْدَار

موسسه علوم نهج البلاغه

في العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

العتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1439ه - 2017م

العراق - كربلاء المقدسة -مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام

مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728243600 - 07815016633

الموقع الألكتروني: www.inahj.org

الإيميل: Info@ Inahj.org

تنویه:

إن الأفکار و الآراء المذکورۃ فی هذا الکتاب تعبر عن وجهة نظر کاتبها،

و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 4

مقدمة المؤسسة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر بها ألهم، والثناء بیا قدم، من عموم نعمٍ ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرین.

أما بعد:

فإن من أبرز الحقائق التي ارتبطت بالعترة النبوية هي حقيقة الملازمة بين النص القرآني والنص النبوي ونصوص الأئمة المعصومين (علیهم السلام).

وإنّ خير ما يُرجع إليه في المصادیق لَحديث الثقلين «کتاب الله وعترتي أهل بيتي» هو صلاحية النص القرآني لكل الأزمنة متلازماً مع صلاحيّة

ص: 5

النصوص الشريفة للعترة النبوية لكل الأزمنة.

وما كتاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله) إلا أنموذجٌ واحدٌ من بين المئات التي زخرت بها المكتبة الإسلامية التي اكتنزت في متونها كثيراً من الحقول المعرفية مظهرة بذلك احتياج الإنسان إلى نصوص الثقلين في كل الأزمنة.

من هنا:

ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تخصص حق معرفياً ضمن نتاجها المعرفي التخصصي في حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) وفكره، متخذة من عهده الشريف إلى مالك الأشتر (رحمه الله) مادة خصبة للعلوم الإنسانية التي هي أشرف العلوم ومدار بناء الإنسان

ص: 6

وإصلاح متعلقاته الحياتية وذلك ضمن سلسلة بحثية علمية موسومة ب(سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله )، التي تصدر بإذن الله تباعاً، حرصاً منها على إثراء المكتبة الإسلامية والمكتبة الإنسانية بتلك الدراسات العلمية والتي تهدف إلى بيان أثر هذه النصوص في بناء الإنسان والمجتمع والدولة متلازمة مع هدف القرآن الكريم في إقامة نظام الحياة الآمنة والمفعمة بالخير والعطاء والعيش بحرية وكرامة.

وكان البحث الموسوم ب(التقابل وسلطة المعني دراسة في عهد الإمام علي (عليه السلام) المالك الأشتر (رضوان الله عليه)) واحداً من تلك الدراسات التي عنت بهذا الجانب، إذ تناول فيه الباحثان التقابل وسلطة المعنى في

ص: 7

تحديد المفاهيم التي وردت في العهد الشريف، من خلال التقابلات القديمة التي جاءت بشكل فني و إبداعي وتوظيف تلك التقابلات في الكشف عن مقاصدها وجاءت هذه التقابلات في الذوات والصفات وتقابل الشواهد.

فجزى الله الباحثين خير الجزاء فقد بذلا جهدهما وعلى الله أجرهما، والحمد لله رب العالمين.

السيد نبيل الحسني الكربلائي

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

مدخل

التقابل في اللغة: أصل التقابل والمقابلة

في اللغة المواجهة قال: أبو زيد الانصاري (ت 215) يقال: لقيت فلانا قبلا ومقابلة وقبلا وقبليا وقبيلا وكله واحد وهو المواجهة ومن معاني التقابل والمقابلة بين الناس في اللغة أن يقبل بعضهم على بعض اما بالذات واما بالعناية والتوافر والمودة)(1).

قال تعالى: (مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ )(2)، ( إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ )(3)

والمقابل في اللغة ضد المدابر فيقال: رجل

ص: 9


1- ينظر النوادر في اللغة : 069-570.
2- سورة الواقعة : الآية 16.
3- سورة الحجر :الآية 47.

مقابل ومدابر اذا كان كريم الطرفين من أبيه وأمه. والمقابلة والتقابل واحد وهو قبالك وقبلتك اي اتجاهك(1) ويعني التقابل في اللغة فيها يعني التعادل اذ يقال: وزنه عادله وقابله وحاذاه (2). وعلى هذا فالتقابل المكاني أو المواقفي هو الأصل المعنوي للتقابل.

جاء في لسان العرب: الضد كل شيء ضاد شيئا ليغلبه، والسواد ضد البياض: والموت ضد الحياة وضد الشيء خلافه، يقال ضادني فلان اذا خالفك، فأردت طولا وأراد قصرا وأرادت ظلمه وأراد نورا فهو ضدك وضديدك وقد يقال: اذا خالفك فأردت وجها تذهب فيه ونازعك في ضده (3)، والتضاد ((ان يجمع بين المتضادين مع

ص: 10


1- ينظر : لسان العرب :14-15 (مادة قبل).
2- ينظر: المصدر نفسه :(مادة وزن).
3- ينظر لسان العرب (مادة الضد).

مراعات التقابل))(1)والمتضادان عند العسكري ((هما اللذان ينتفي أحدهما عند وجود صاحبه اذا كان وجود هذا على النحو الذي يوجد عليه ذلك كالسواد والبياض))(2).

وعند العودة إلى المصطلحات البلاغية القديمة نرى هناك تداخلات في كثير منها كما هو الحال في التضاد والخلاف، يكشف لنا ذلك أبو الطيب اللغوي بقوله: وليس كل ما خالف الشيء ضداله فالاختلاف أعم من التضاد إذا كان كل متضادين مختلفين وليس كل مختلفين ضدین (3).

وكذلك من المصطلحات المرادفة للتضاد المطابقة ويسمى التطابق أو الطباق ومر هذا المصطلح بتحولات كثيره حتى استقر عند العسكري

ص: 11


1- التعريفات للجرجاني :48.
2- الفروق اللغوية، ابو الهلال العسكري :29.
3- ينظر : كتاب الأضداد في كلام العرب، أبو الطيب اللغوي:33.

بالجمع بين الشيء وضده(1). وهناك مصطلح آخر يدل على الضدية، وهو الأضداد وكادت مباحثه أن تقتصر على كتب اللغة وحدها(2).

فقد نظر اللغويون القدامى إلى كليات الأضداد على أنها تمثل مظهرا من مظاهر الاشتراك اللفظي ودليلا على سعة لغة العرب وظرفها، إذ إن الكلمة نفسها تحمل معنيين متضادين، لكن هذين المعنيين لا يردان في الجملة متقابلين وإنما متواترين أو متعاقبين(3)

مفهوم التقابل :

بالعودة إلى البلاغيين القدامى نلاحظ تعدد

ص: 12


1- کتاب الصناعين، ابو الهلال العسكري :316.
2- ينظر على سبيل المثال، المزهر في علوم اللغة وانواعها: السيوطي . والاضداد في اللغة :ابن الانباري.
3- ينضر کتاب الاضداد، ابو الطيب اللغوي :28.

التعاريف للموضوع نفسه، فكل واحد منهم يقدم فهما خاصا وإن لم يبتعد كثيرا عن غيره لكنه أما أن يضيف أو يحذف أو يشعب الموضوع ويدخل فيه تفرعات كثيره لكنهم مجمعون على وضع العديد من الفنون البلاغية تحت عنوان المحسنات اللفظية ولم يتطرقوا إليها على انها وسيلة في إيصال الخطاب كما ينظر إليها في الأسلوبية الحديثة.

إن الباحث في التراث النقدي والبلاغي لا يستطيع إغفال الالتفاتات الذكية التي رصدت التضاد وبينت أبعاده العميقة بوصفه وسيلة من وسائل التعبير والايحاء في اللغة وطريقة من طرق العرب في كلامها، على نحو ما نجده عند عبد القاهر الجرجاني، اذ ربط التضاد بالصورة ومزجه بالاستعارة مزجا كاد أن يعده جزءا منها

ص: 13

فهو يرى ((أن الأشياء تزداد بيانا بالأضداد))(1)

لم يرد التقابل أسلوبا بدیع یا مستقلا ضمن التقسيمات البلاغية، وإنما أشير إليه بوصفه أحد أنواع المواجهة بين الأشياء، والمخالفة المعنوية التي تطرأ على اللفظ بإزاء اللفظ الآخر داخل السياق النصي الذي جمعها، وقد تجلت هذه الإشارات في مبحث التكافؤ وهو: أن يصف الشاعر شيئا أو يذمه، ويتكلم فيه أي معنی کان، فيأتي بمعنيين متكافئين، بحسب قول قدامه بن جعفر، وقد أشار إلى معنى التكافؤ بقوله: والذي أريد بقولي: متكافئين في هذا الموضع أي: متقابلين، إما من جهة المصادرة، أو السلب والإيجاب أو غيرهما من أقسام التقابل، مثل قول أبي الشعب العبسي:

ص: 14


1- أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني .

حُلُو الشمائلٍ وهُوَ مرُّ باسلٌ

يحمي الذمارَ صبيحة الأرهانٍ

فقوله:( مرّ وحلو) تكافؤ(1).

ويرى أحد الباحثين المعاصرين في الثنائيات الضدية في المنظور النقدي الحديث أن هناك ثلاث اتجاهات نقدية تدور حول مفهوم التضاد على المستوى البلاغي النقدي، اولهما يدور في الغالب في فلك القديم ويحلق في سماء فكره ويردد العبارات والشواهد نفسها اذ سيطرت فكرة المحسن البديعي والتنميق على بحوث اصحاب هذا الاتجاه في أثناء تناولهم للطباق والتضاد واستعان كثيرٌ منهم بنصوص القدماء، وإعادة ملاحظاتهم واستنتاجاتهم من دون تعليق

ص: 15


1- التقابل بين البلاغة العربية والأسلوبية المعاصرة (بحث) د. خالد کاظم حميدي، ص 1، نقد الشعر ص 147.

أو تجديد يلفت الانتباه، أو يثير القضية في المنظور الدلالي أو السياقي في النص اذ ان اصحاب هذا الاتجاه قلما تأثروا بموجة الحداثة وما رافقها من مناهج أسلوبية.

أما اصحاب الاتجاه الثاني: فهو مخالف في التناول لأصحاب الاتجاه الأول، فقد اهتم المعنيون بهذا المعنى بفنون البديع ولاسيما الطباق أو التضاد خارج مفهوم التحسين، بل إن بعضهم رفض تسميتها- أصلا - بالمحسنات وأصحاب هذا الاتجاه تتبعوا التضاد وآلياته على أنه عنصر بنائي في النص وليس شيئا عارضا أو دخیلا عليه وإنما هو جزء منه، فقد سلطوا الضوء عليه من حيث الوظيفة والاستعمال بطريقة تتسم بالعمق والحيوية وتجمع بين الاصالة و التجديد وأخيرا أصحاب الاتجاه الثالث: وهم من أفاد من المناهج النقدية الحديثة عموما ومن المناهج

ص: 16

البنيوية وامتداداتها التطبيقية في توظيف الثنائيات الضدية على وجه الخصوص حتی طغت على ابحاثهم(1).

ص: 17


1- ينظر : الثنائيات الضدية في شعر ابي العلاء المعري، د. علي عبد الإمام الأسدي :39 - 42.

المبحث الأول: التقابل في الذوات:

نسعى هنا إلى تبيان التقابل في عهد الإمام

علي (عليه السلام) لعامله مالك الأشتر على مستوى الأطراف المتخاطبة (الذوات) و مقامات المتخاطبين وردود أفعالهم؛ وذلك لبيان تماسك النص في الشكل العام والحياة التي بثها التقابل فيه مما جعله يتعدى الزمان الذي كُتٍبَ فيه؛ إذ إن الباحث في التقابل في المنظور النقدي الحديث يقف على ما لم يقف عليه من سبقه.

يبدأ تقابل الذوات في النص من نقطة الشروع الأولى حينما قال (عليه السلام): ((بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللهِ عَلِيٌّ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ حِينَ وَلَّاهُ مِصْرَ جِبَايَةَ خَرَاجِهَا وَ جِهَادَ عَدُوِّهَا وَ اسْتِصْلَاحَ

ص: 18

أَهْلِهَا وَ عِمَارَةَ بِلَادِهَا))(1)

يتجلى تقابل الذوات في عتبة النص ومطلعه بين المرسل والمرسل إليه والأمر بينهما (الذوات) إذ نلحظ تبلور مكانة الذاتين من خلال الأمر الذي يصدر من الأعلى إلى الأدنى، ومن خلال تتبع صيغ الأمر سوف نتعرف على ما كان عليه الإمام علي (عليه السلام) من تقواه ومكانته في الزهد، وإيثار طاعته في حدود الله سبحانه وتعالى، وإن لم يكن ذلك في النص بشكل صريح، ولكن نلمس ذلك من جملة وصاياه عليه السلام لمالك الأشتر، التي كشفها السياق لنا وهو ما يسمى بالبلاغة العربية القديمة (الاكتفاء) إذ يحذف بعض الكلام لدلالة الباقي على الذاهب(2)، وهو ضرب من الإيجاز البليغ، بعد ذلك تأتي تفرعات

ص: 19


1- نهج البلاغة :457.
2- ينظر : العمدة ابن رشيق القيرواني : 201/1 .

الذوات على مستوى عال من الإتقان فقد أضافت قوة حجاجية إقناعية في كلامه عليه السلام) عندما قابل بين مالك الاشتر والرعية والولاة السابقين في قوله: ((ثُمَّ اعْلَمْ یا مالِک، اَنّی قَدْ وَجَّهْتُک اِلی بِلاد قَدْ جَرَتْ عَلَیها دُوَلٌ قَبْلَک، مِنْ عَدْل وَ جَوْر، وَ اَنَّ النّاسَ ینْظُرُونَ مِنْ اُمُورِک فی مِثْلِ ما کنْتَ تَنْظُرُ فیهِ مِنْ اُمُورِ الْوُلاةِ قَبْلَک، وَ یقُولُونَ فیک ما کنْتَ تَقُولُ فیهِمْ))(1).

ان هذا النص يعكس التقابل بين الإمام (عليه السلام) ومالك (رضوان الله عليه) من جهة وبين الإمام (عليه السلام) والولاة الاخرين من جهة ثانية وبين مالك (رضوان الله عليه) والرعية من جهة ثالثة. وهذا التقابل يأتي بقصد ولغرض عام في تدبير الأمور على ما يرام فالإمام کان

ص: 20


1- نهج البلاغة :458.

یعي ما لدى المواجه من قوه وأثر في الاقناع عند ابرازها بهذا النسق التعبيري الذي جعل مالك الاشتر وهو الوالي مقام الناس عندما عاد بذاكرته للولاة السابقين وكيف كان ينتظر منهم الاحسان مثل ما الناس تنتظر منه ذلك، وكل ذلك من خلال التقابل وبلاغة القول (أما التجليات التقابلية في انتاج النصوص والرسائل والمخاطبات اليومية فهي كثيرة، وقوية الحضور وحسبنا التأمل والتدبر فيما نقول، ومايقال لنا لنقف على حقيقة هذا الامر كثير ما يكون التفكير التقابلي سببا في احداث بلاغة القول))(1).

من هنا تأتي أهمية التقابل من خلال ترك

فسحة تصورية للمتلقي في فهم النص وكشف مکنوناته؛ إذ لم يعد يعرف التقابل بالمواجهة فقط

ص: 21


1- نظرية التأويل التقابلي : 304.

وانا بالإشارة والتلميح والتماثل والتقارب وما إلى ذلك من خلال التقابلات المتعددة وبطرق مختلفة. فمنشأ التقابل في صناعة النص هو تطالب المعاني واستدعائها في الذهن بغية التكامل فالمعنی یکمل غيره توسیعا أو تفریعا أو تأكيدا أو تقسیما، أو غير ذلك من العلاقات الحادثة بين المعاني في ذهن منشئها سواء اكان هذا التطالب أو التداعي بين المعاني الأول اي بين المعنى الاساس القابل للتفريع(1)، وهذا التطالب للمعاني وجدناه في النص، ثم أن الإمام (عليه السلام) یکرر في عرض المقابلات مابين الذوات كما في قوله: ((أَنْصِفِ اللهَ وَ أَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسکَ، وَ مِنْ خَاصَّةِ أَهْلِکَ، وَ مَنْ لَکَ فِیهِ هَوًی مِنْ رَعِیَّتِکَ،

ص: 22


1- ينظر: التقابل وبلاغة الخطاب في رسالة المعاش والمعاد اللجاحظ، بحث، د. على عبد الامام، مجلة اوروك للعلوم الانسانية، جامعة المثنى كلية التربية، المجلد الثامن - العدد الثاني، نیسان 2015.

-

فَإِنَّکَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ؛ وَ مَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللهِ کَانَ اللهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادهِ(1).

الملاحظ أن تقابل الذوات يستمر في النص حتى يأخذ مساحة واسعة منه، وهذا الاستمرار لم يأت من فراغ أو لمجرد التعبير وإنا لفائدة كان يقصدها المتكلم، وأرجع البلاغيين التكرار في الكلام إلى أغراض عدة وهو أحد علامات الجمال البارزة، ومصدر دال على المبالغة في المعنى العام، يعني الإعادة يأتي لتأكيد الكلام: («كَلَّا سَيَعْلَمُونَ *«ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ)(2).

إن بلاغة الإمام (عليه السلام) ونبعه الفياض كان واضحا في جميع نصوصه التي وردت عنه، وانه لم يتخذوتيرة واحدة في عرض التقابلات

ص: 23


1- نهج البلاغة :459.
2- سورة النبأ : الآية، 4، 5.

بل نوّع في ذلك وبطرق عدة عبر الخطاب؛ إذ مال إلى الذكر الصريح في التقابل بین الذوات و إلى التلميح والإشارة في أحيان أخرى وهنا يصرح في قوله ((وَلاَ يَکُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَالْمُسِيءُ عِنْدَکَ بِمَنْزِلَة سَوَاء، فَإِنَّ فِي ذَلِکَ تَزْهِيداً لاِهْلِ الاْحْسَانِ فِي الاْحْسَانِ، وَتَدْرِيباً لاِهْلِ الاْسَاءَةِ عَلَى الاْسَاءَةِ، وَأَلْزِمْ کُلاًّ مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ))(1)، كان ذكر الطرفين في الخطاب وعدم ترك مجال للتأويل والتحليل في حال إخفاء المقابل الآخر وذلك لأهمية الطرفين عند القائل الذي عبر عن هذه الأهمية بالذكر.

وقد لمسنا أن التقابل الخفي والظاهر - هو النواة المؤسسة لتصورات النص وفحوى مكنونه بعد اخراجه من مفهوم البلاغة المعيارية القديمة

ص: 24


1- نهج البلاغة :461.

المرتبط بالطباق والتضاد على مستوى المفردة، والانشغال في دلالته على التواجه والتفاعل عن طريق عرض الأشياء والأفكار على ما يقابلها أو يماثلها أو يضادها أو يجاريها أو ينميها أو يشرحها أو يكشف عللها وأسبابها، على وفق علامات متباينة بين العناصر والمستويات المتقابلة بوصف النص کون لغوياً متقابلاً يعكس الخطابات الذهنية المتقابلة للمعنى عند منتجة(1).

فالتقابل أسٌّ من أسس تماسك النص وآلية ناجعة لتحليل الخطاب تسمح بتحفيز الفكر البشري في الفهم والتفهيم والتبليغ والتأويل فيكون النص بذلك قادرا على التأثير والاقناع وهو يتجه بموضوعاته الانسانية النبيلة وافكاره الرفيعة، بأسلوب أدبي جميل إلى المتلقي الذي

ص: 25


1- ينظر: نظرية التأويل التقابلي، محمد بازي :46، 167، 169.

يستقبله من حيث هو بناء من العلاقات اللسانية التداولية الجامعة للقضايا وحاملاتها من الالفاظ والجمل والفقرات والمقاطع والنصوص الموازية واشتقاقاتها والتراكيب البلاغية السياقية(1).

وفي قوله (عليه السلام): ((ولاتَنْقُضْ سُنّةً صالِحَةً عَمِلَ بها صدورُ هذِهِ الاُمَةِ وَاجْتَمَعَتْ بِها الاُلْفَة وَصَلُحَتْ عليها الرعِيَّةُ وَلاتَحْدُثَنَّ سنّةً تَضُرُّ بشىء مِنْ ماضى تلكَ السُّنَنِ فيكونُ الأجْرُ لِمَنْ سَنَّها وَالوِزْرُ عليكَ بِما نَقَضْتَ مِنها))(2)، رسم له طريق عبر بيان عمل الصالحين وسننهم وما كان لهم من أعمال البر وما بين عمله الوالي) من خلال ما يسير عليه من اتباع أعمالهم أو مخالفتها، وما يتحقق عليه من أثر من

ص: 26


1- ينظر : التقابل وبلاغة الخطاب في رسالة المعاش والمعاد للجاحظ.
2- نهج البلاغة :463.

جراء ذلك، كانت هذه المواجهة في التعبير بارزة في اظهار ذلك التحذير من المخالفة والنهي عن إحداث أي تغير في سنن الصالحين وهذا مرده إلى قول الحديث الشريف الوارد عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم): (( مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَ أَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ وَ مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَ وِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ))(1).

يهتم الإمام (عليه السلام) بالسلوك الواجب اتباعه بين الأطراف المتقابلة فكان على الوالي -کیا مر علينا- أن يتبع سنة الصالحين وابتعاده عن هوى النفس وما شاكل ذلك من الغرائز الإنسانية المتعددة عبر مقابلتها بما يناسبها من

ص: 27


1- الاستبصار في مختلف الاخبار، ابي جعفر محمد ابن الحسن الطوسي، تحقيق محمد جواد مغنیه، تصحیح يوسف البغدادي، دار الأضواء الطبعة الأولى.

الحالات والمعاني في التعبير المباشر أو الاشارة والتلميح، فالأشياء عند الجرجاني تزداد بیانا بالأضداد ، كل تلك المقابلات اخرجت لنا نصا بهذه الروعة مفعما بالدلالة والعمق والارشاد، قلما نجد نظيرا له في النصوص التراثية المماثلة، کا وإن تحليل النص بهذا الشكل هو لكشف البنيات الدلالية المتقابلة التي يتأسس عليها خطاب النص في اثناء صياغته، أي إدراك الأشياء بمقابلاتها، وليس القصد بالتقابل دوما التضاد - وهو الأمر الذي أشرنا إليه في بداية البحث بل التماثل والتناظر والتشابه إلى آخره، وحضور ذوات متعددة في ذهن الكاتب جعلته يضع لكل ذات مقابل لا على أساس التضاد وإنما على أساس البيان والإرشاد والدلالة.

فصّل الإمام (عليه السلام) القول في الرعية على أساس بيان الذوات وما يصلح لكل قسم

ص: 28

من هذه الرعية وبيان حقوقه وواجباته: ((وَ اعْلَمْ اَنَّ الرَّعِیهَ طَبَقاتٌ لایصْلُحُ بَعْضُها اِلاّ بِبَعْض، وَ لا غِنی بِبَعْضِها عَنْ بَعْض. فَمِنْها جُنُودُ اللّهِ، وَ مِنْها کتّابُ الْعامَّةِ وَ الْخاصَّةِ، وَ مِنْها قُضاةُ الْعَدْلِ، وَ مِنْها عُمّالُ الاْنْصافِ وَ الرِّفْقِ، وَ مِنْها اَهْلُ الْجِزْیةِ وَ الْخَراجِ مِنْ اَهْلِ الذِّمَّةِ وَ مُسْلِمَةِ النّاسِ، وَ مِنْها التُّجّارُ وَ اَهْلُ الصِّناعاتِ، وَ مِنْهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلی مِنْ ذَوِی الْحاجَةِ وَ الْمَسْکنَةِ. وَ کلٌّ قَدْ سَمَّی اللّهُ لَهُ سَهْمَهُ))(1)، إن فصل الذوات على هذا الأساس من التخصص أعطى لكل ذات قبالها من عمل على اساس ما تأخذه من وظيفة في المجتمع وما يترتب عليها من آثار، فكانت المقابلة مابين الوظيفة العائدة على الذات وما بين التعامل الذي يجب معها من قبل الوالي (الذات المقابلة).

ص: 29


1- نهج البلاغة :463.

فالتقابل هو أحد مفردات علم البلاغة الذي يشمل مفردات عدة دارت حولها قضايا هذا العلم، وإن تعريف البلاغة هي قدرة المتكلم على ایصال مقصده إلى المستمع على وفق ما يتطلب المقام، ومن زاوية نظر تأویلية التقابل تقوم بتوسيع ما ينطبق على البلاغة الانتاجية ليشمل التأويلية البليغة، القادرة على بلوغ التفهيم، إبلاغ مقاصد النص - موضوع التأويلية إلى القراءة بأعلى درجات الإيضاح والدقة والتماسك(1).

عند الاطلاع على القراءات النقدية الحديثة وخصوصا نظرية القراءة والتلقي التي صدح بها (ایزر) وما أعطى من قيمة عالية في النص للقارئ حيث ترك له مجالات واسعة في المداخلة وفهم النص من خلال ما يضيفه هذا القارئ

ص: 30


1- ينظر : نظرية التأويل التقابلي، محمد بازي :178.

للنص من مخزون ثقافته وهي تناص لثقافات الآخرين (ذوات الآخرين).

في ظل فهم التقابل خارج فكرة المحسن البديعي وإيمانا بنظرية القراءة والتلقي والمساحة التي أعطتها للقارئ في فهم النص يمكن من خلال ذلك التعبير عن التقابل بمختلف انواعه الخفي والظاهر) بروح النص من خلال ما

يضيفه من تماسك للنص وجمالية في استرسال معانيه وأفكاره.

في ختام عرض (تقابل الذوات) نقف على ما تحدث عنه (عليه السلام) عن القضاة في قوله:

((ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُکْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِکَ فِي نَفْسِکَ، مِمَّنْ لاَ تَضِيقُ بِهِ الاُْمُورُ، وَلاَ تُمَحِّکُهُ الْخُصُومُ، وَلاَ يَتَمَادَى فِي الزَّلَّةِ، وَلاَ يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْءِ إِلَى الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ، وَلاَ تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى

ص: 31

طَمَع، وَلاَ يَکْتَفِي بِأَدْنَى فَهْم دُونَ أَقْصَاهُ، وَأَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ، وَآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ، وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ، وَأَصْبَرَهُمْ عَلَى تَکَشُّفِ الاُْمُورِ، وَأَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُکْمِ، مِمَّنْ لاَ يَزْدَهِيهِ إِطْرَاءٌ وَلاَ يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ وَأُولَئِکَ قَلِيلٌ؛ ثُمَّ أَکْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ، وَافْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ مَا يُزِيلُ عِلَّتَهُ، وَتَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ، وَأَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْکَ مَا لاَ يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِکَ، لِيَأْمَنَ بِذَلِکَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَکَ. فَانْظُرْ فِي ذَلِکَ نَظَراً بَلِيغاً، فَإِنَّ هَذَا الدِّينَ قَدْ کَانَ أَسِيراً فِي أَيْدِي الاَْشْرَارِ، يُعْمَلُ فِيهِ بِالْهَوَى، وَتُطْلَبُ بِهِ الدُّنْيَا))(1).

كان هذا التفصيل الدقيق لأحوال القضاة وكيفية اختيارهم، الذي ميزهم بعديد من المميزات والمؤهلات التي يحملونها عن غيرهم،

ص: 32


1- نهج البلاغة، 464 - 465.

ثم أشار للمعاملة الخاصة معهم؛ لأن في ذلك أمانا لهم ورفع حاجتهم للناس حتى يظهر ذلك على عملهم الذي هو أساس قیام عمله وحكومته وهو العدل.

في المشهد النقدي العربي اليوم غالبا ما تأخذ

متابعة الأعمال الدارسة والشارحة لنصوص الأدب، خط المقابل المهادن، والحليف المناصر للنص، فلا يعدو أن يكون دورها محصورا في التفسير أو التأويل أو المقاربة من جانب من الجوانب اعتمادا على لغة واصفة تستند إلى مرجعية من المرجعيات النظرية أو المنهجية وهو ما نجده عادة في الدراسات الأكاديمية التي انجزت على شکل بحوث جامعية، ثم نشرت بعد ذلك(1).

هذا الاتجاه يعتمد على التجريب المنهجي،

(1)

ص: 33


1- ينظر : نظرية التأويل التقابلي، 217.

المرتبط بالسياق الذي أنجز فيه، وهو يقوم على التطبيق المطلق للمنهج المعتمد في المقاربة ويدفع إلى السير في اتجاه واحد من دون النظر إلى الاتجاهات الأخرى الممكنة ونادرا ما نجد دراسة نقدية هادفة تقارب مستويات العمل و تخلق معه حوارا حقيقيا عبر جهاز منهجي متسق يخرج بنتائج هامه، مدعومة بتبريرات كافية(1).

ص: 34


1- ينظر : نظرية التأويل التقابلي: 218.

المبحث الثاني: تقابل الصفات

يعد تقابل الصفات، من العناصر البليغة التي ضمنت لعهد الإمام علي (عليه السلام) قوة حجاجية وإقناعية، وفائدة أخلاقية، ولعل ما يشد القارئ لخطابة هو تصور الصفات أو الطباع بهذا الشكل المتقابل، وهو دليل على إدراك وتمثيل حقيقي لصفات الانسان وسلوکه راسها بذلك لوحة تعبيرية هي غاية في الجمال والروعة والانسجام(1). وبما أن التقابل اساس الحياة وعصبها فقد بني عليه الإمام (عليه السلام) خطابة وتوسع به في الانتاج وصناعة المعنى وقديما قال ابن سيدة: ((ومقابلة الشيء بنقيضه أذهب في الصناعة ))(2)

ص: 35


1- ينظر: التقابل وبلاغة الخطاب في رسالة المعاش والمعاد اللجاحظ.
2- شرح المشكل في شعر المتنبي، ابن سيدة : تحقيق مصطفی

(1)

غير أن التقابل على وفق النقد الحديث، يتجاوز النقيض وحده، ليسع اناطا أخر مثل: الترتيب أو التأذي أو التوازي أو الترادف أو التخالف وغير ذلك من الإمكانيات التي يبنی عليها الخطاب(2).

بدأ (عليه السلام) في عرض الصفات عبر الخطاب في الذكر الصريح عندما قابل في قوله: ((... جَرَتْ عَلَيْها دُوَلٌ قَبْلَكَ، مٍنْ عَدْل وَجَوْر))(3) مقتضى الكلام يتطلب هذا الذكر الكال الصورة عند المتلقي، والأخذ بمجامع فكره، فالتقابل يضل خاصية لغوية، وتعبيرية وفكرية، وإنسانية ولذلك نجده يتجسد إمامنا في

ص: 36


1- السقا و حامد عبد المجيد :217.
2- ينظر : التقابل وبلاغة الخطاب في رسالة المعاش والمعاد للجاحظ.
3- نهج البلاغة :458.

سائر الأنماط التواصلية.

ومن الملاحظ أن تحليل الخطاب بحاجة إلى أدوات وبلاغات قادرة على تبين كيفيات تشكل موضوعاته في الوعي المدرك، والباني للأفكار والمعاني لدى الكتاب، والمؤلفين، والخطباء، والسياسيين، والاعلامين، ولذلك يضاف التقابل إلى الأدوات التي قدمتها نظريات تحليل الخطاب لما يقدمه النموذج التقابلي من مفاهيم وتصورات قادرة على تفكيك الخطاب على مستوى الاستراتيجيات التخاطبية(1).

كانت دقة الصفات موزعة في النص على حساب ما يقتضيه المعنى في ايصال فكرة القائل للإمام (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضوان الله عليه) بمعنى أعم لكل من يتلقی

ص: 37


1- ينظر : نظرية التأويل التقابلي:302- 303.

هذا النص، لذا عبر الإمام (عليه السلام) عن طبقتين مهمتين في المجتمع مشيرا إلى صفات كل منها، والأثر المترتب في الإفراط بإحداهن على الأخرى، وهي الصفات المتعلقة بخاصة الوالي من طرف، وصفات عامة الرعية من طرف اخر فقد قال (عليه السلام): ((وَلْيَکُنْ أَحَبَّ الاُْمُورِ إِلَيْکَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ، وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ، وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ، فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ، وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ؛ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَؤُونَةً فِي الرَّخَاءِ، وَأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلاَءِ، وَأَکْرَهَ لِلاْنْصَافِ، وَأَسْأَلَ بِالاْلْحَافِ، وَأَقَلَّ شُکْراً عِنْدَ الاْعْطَاءِ، وَأَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ، وَأَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ؛ وَإِنَّمَا عِمَادُ الدِّينِ وَجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَالْعُدَّةُ لِلاْعْدَاءِ، الْعَامَّةُ

ص: 38

مِنَ الاْمَّةِ؛ فَلْيَکُنْ صِغْوُکَ لَهُمْ، وَمَيْلُکَ مَعَهُمْ))(1)

حمل النص كثيرا من التقابلات البنائية التي كانت وراءها دلالات كثيرة تدل على عمق النظرة التي كان يحملها مرسل النص، فالعلاقات القائمة بين طبقات المجتمع على أساس تناقض الصفات كل طبقة بحسب مقتضى المصلحة، فالمبدع هو الذي يدرك ما وراء الظاهر العيني ويغوص إلى الأشياء التي يدق المسلك إليها(2).

فالتقابل سمة من سمات التخاطب وبناء القول عند العرب. ولو تأملنا مايقال وما يكتب، لتبين لنا أن التقابل المعنوي في الكون وما فيه، ينعكس على البنيات القولية المنتجة، وهو ما يبرر هذا التوجه نحو المعاني المتقابلة في

ص: 39


1- نهج البلاغة :459 - 460.
2- اسرار البلاغة :29.

التخاطب(1).

وبالعودة إلى نص الإمام (عليه السلام) الموجه إلى مستشاري الوالي يشير (عليه السلام) إلى مجموعة من الصفات في قوله ((وَلاَ تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِکَ بَخِيلاً يَعْدِلُ بِکَ عَنِ الْفَضْلِ وَ يَعِدُکَ الْفَقْرَ، وَلاَ جَبَاناً يُضْعِفُکَ عَنِ الاُْمُورِ، وَلاَ حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَکَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ؛ فَإِنَّ الْبُخْلَ وَالْجُبْنَ وَالْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى، يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللهِ))(2).

ومن الملاحظ أن تقابلات الصفات الظاهرة على سطح النص تتبلور بشكل خفي في ذهن المتلقي فالإمام (عليه السلام) پرید ضمنا عکس هذه الصفات المعلنة.

ص: 40


1- ينظر: نظرية التأويل التقابلي :303.
2- نهج البلاغة :460، 461.

قرن الإمام (عليه السلام) في عرض الصفات في هذا النص بأسلوب التعليل الذي يعد وسيلة ضرورية لتوسيع دائرة دلالة النص، لان النص له دلالات عدة قد تتسع وقد تضيق والعلة والسبب في اللغة بمعنى واحد.

بعد عدّهٍ (عليه السلام) لتلك الصفات بيّن اسبابها في انها ناتجة عن سوء الظن بالله تعالى، وتأسيسا على ذلك يمكننا ان نحيل بعضا من بواعث التضاد في أسلوب الإمام (عليه السلام) الأهمية مايوصي به وما يترتب عليه في حال ترکه وعدم الأخذ به وتطبيقه في شؤون الرعية.

كانت نظرة الإمام (عليه السلام) نظرة العارف عن بصيرة فهو يصف القادة من خلال فرز صفاتهم عن باقي جنود الرعية في قولة: ((فَوَلِّ مِنْ جُنُودِکَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِکَ لِلَّهِ

ص: 41

وَلِرَسُولِهِ وَ لاِمَامِکَ، وَأَنْقَاهُمْ جَيْباً، وَأَفْضَلَهُمْ حِلْماً، مِمَّنْ يُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ، وَيَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ، وَيَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ، وَيَنْبُو عَلَى الاَْقْوِيَاءِ، وَمِمَّنْ لاَ يُثِيرُهُ الْعُنْفُ، وَلاَ يَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ))(1).

لابد لهذه الصفات من صفات مواجهة أخرى من خلالها امتاز بها القادة عن غيرهم وبموجبها كانت لهم الصدارة.

فاذا شرعنا في تأمل المواجهات المتحكمة في الكنايات البلاغية العربية القديمة بحثنا عن السمات العميقة فيها، فأننا سنقف حتما عند هذه الآلية في صناعة النصوص وتأويلها، وهذا ما يجعل عملنا مركبا يبدأ من الافتراض فالاستكشاف، ثم التحليل والاستنتاج ليأتي بعد

(1) نهج البلاغة :463.

ص: 42


1- نهج البلاغة :463.

التصور، ثم تطبيقه) (1)

من يقرأ النص يقف مذهولا من روعة ما

فيه من دقة في الوصف والتعبير تارة تراه يصنف المجتمع على اساس ميزات كل صنف وما يتحمله من مهمة في المجتمع فقد وصف القضاة تم بين صفات القادة في الدفاع عن الرعية.

بعد ذلك تعرض الإمام (عليه السلام) الصفات حاشية الوالي في قوله: ((ثُمَّ الْصَقْ بِذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَالاْحْسَابِ، وَأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ، وَالسَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ; ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَالشَّجَاعَةِ، وَالسَّخَاءِ وَالسَّمَاحَةِ; فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ، وَشُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ ))(2)

بعد بيان هذه الصفات التي يفتقدها غيرهم

ص: 43


1- ينظر : نظرية التأويل التقابلي :151.
2- نهج البلاغة : 464.

(المقابل) يتبع تلك الصفات بالتعليل (فأن) والتي تتكرر على طول النص بوصفها تأكیدا العرض تلك الأفكار من خلال بيان الأسباب، ان النظرة السطحية للنص تطلعنا على صفات معينة من دون ذکر مقابلاتها إذ إن المتلقي يحصل عليها من خلال التأويل الذي ينشئه على ضوء الاطر المتقابلة الغائبة انطلاقا من الأطر الماثلة(1).

يقوم النموذج التقابلي على مفاهیم

وتصورات قادرة على تفكيك الخطاب على مستوى الاستراتيجيات التخاطبيه، وعلى مستوى اللغة والأساليب، والأسانيد الحجاجية الموظفة، ومهارات التعبير، وآداب الخطاب، والتلطف وغير ذلك من ادوات التحليل أو التخيل الممكنة التي يستدعيها كل مقام نتج عنه خطاب معين (2).

ص: 44


1- ينظر :نظرية التأويل التقابلي :194.
2- ينظر : نظرية التأويل التقابلي :316.

ومن خلال التصورات التقابلية التي نتجت من تأويل النص نستطيع وصف عهد الإمام (عليه السلام) بالدستور قال في دستوره لمالك عن احوال العال: (( ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِکَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً، وَلاَ تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَأَثَرَةً، فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ. وَتَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَالْحَيَاءِ، مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ، وَالْقَدَمِ فِي الاِْسْلاَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَإِنَّهُمْ أَکْرَمُ أَخْلاَقاً وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً، وَأَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَاقاً، وَأَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الاُْمُورِ نَظَراً. ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الاَْرْزَاقَ، فَإِنَّ ذَلِکَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلاَحِ أَنْفُسِهِمْ))(1).

والقارئ لنص الإمام (عليه السلام) يتبين فكره البليغ جليا في النظر بأمر العال عبر بيانه الصفاتهم ووصاياه فيهم وتعامل الوالي معهم،

ص: 45


1- نهج البلاغة :466.

ثم عدل بعد العمال إلى كتّاب الوالي وحفظة سره فقال: ((ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ کُتَّابِکَ فَوَلِّ عَلَى أُمُورِکَ خَيْرَهُمْ، وَاخْصُصْ رَسَائِلَکَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَکَايِدَکَ وَأَسْرَارَکَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُوهِ صَالِحِ الاَْخْلاَقِ، مِمَّنْ لاَ تُبْطِرُهُ الْکَرَامَةُ، فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْکَ فِي خِلاَف لَکَ بِحَضْرَةِ مَلاَ، وَلاَ تَقْصُرُ بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْ إِيرَادِ مُکَاتَبَاتِ عُمِّالِکَ عَلَيْکَ، وَإِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَى الصَّوَابِ عَنْکَ، فِيمَا يَأْخُذُ لَکَ وَيُعْطِي مِنْکَ، وَلاَ يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَکَ، وَلاَ يَعْجِزُ عَنْ إِطْلاَقِ مَا عُقِدَ عَلَيْکَ، وَلاَ يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفْسِهِ فِي الاُْمُورِ، فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَکُونُ بِقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ))(1).

بعد هذا التفصيل في أحوالهم (الكتّاب) لم يخف شيء من صفاتهم وما يتميزون به من

ص: 46


1- نهج البلاغة :468.

مهارات على غيرهم حتى حظوا بهذا القدر ثم بعد ذلك استوصي بالتجار فقال: ((وَ أَوْصِ بِهِمْ خَيْراً: المُقِيمِ مِنْهُمْ والْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ وَ الْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ، فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ، وَ أَسْبَابُ الْمَرَافِقِ وَ جُلَّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَالْمَطَارِحِ، فِي بَرِّك وَ بَحْرِك وَسَهْلِكَ وَجَبَلِكَ وَ حَيْثُ لَايَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا وَ لَايَجْتَرِئُونَ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لَاتُخَافُ بَائِقَتُهُ، وَ صُلْحٌ لَاتُخْشَى غَائِلَتُهُ، وَ تَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وَ فِي حَوَاشِي بِلَادِكَ. وَاعْلَمْ- مَعَ ذلِكَ- أَنَّ فِي كَثِيْرٍ مِنْهُمْ ضِيْقاً فَاحِشاً، وَشُحّاً قَبِيحاً))(1)، يقدّر وضوح التقابل في ذهن منتج النص بقدر وضوحه في النص وفي تلقيه وتأويله وقوة وضوح المقابل دليل على بلاغة القول(2)، وهذا ما كان حاضرا في نص الإمام (عليه السلام) من

ص: 47


1- نهج البلاغة :469.
2- ينظر : نظرية التأويل التقابلي :268.

تقابلات عدة ناتجة عن حضورها في ذهن الإمام (عليه السلام).

ص:48

المبحث الثالث تقابل الشواهد:

الشاهد من الحجج الجاهزة أو غير الصناعية

كما يسميها أرسطو(1)، والشاهد في الخطاب العربي وسننه القولية يتمثل في الآيات القرآنية الكريمة والحديث النبوي الشريف، والامثال والحكم، والابيات الشعرية، وهي نصوص توسع مدارك المتأمل عبر مقابلتها لمعاني ما حوله من المواقف والحالات، وترغيبه فيما ينفعه، وتنفيره ممايضره لذلك كان الشاهد دعامة قوية وحجة بالغة في جميع المواقف التي يحضر فيها وقد عبر عنه الجاحظ بقوله (ومدار العلم على الشاهد والمثل)(2)، ونجد الشاهد حاضرا بقوة في أغلب التراث العربي عبر امتداد مراحله المتعددة من الشعر الجاهلي، كذلك نجد الشاهد

ص: 49


1- ينظر: الخطاب الحجاجي انواعه وخصائصه، هاجر مدقن: 63.
2- البيان والتبين :271/1.

حاضراّ في الخطاب القرآني: «كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا»(1)، ويعد الشاهد عند الإمام (عليه السلام) عنصرا مرادفا للحجة والدليل والبرهان، ودعامة أساسية لإرساء الحقائق، عبر الخطاب ومن خلاله للمتلقي، في عهده لمالك (رضوان الله عليه) قال: ((وَارْدُدْ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ مَا يُضْلِعُکَ مِنَ الْخُطُوبِ، وَيَشْتَبِهُ عَلَيْکَ مِنَ الاْمُورِ؛ فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى لِقَوْم أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْمْرِ مِنْکُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ»(2) فَالرَّدُّ إِلَى اللهِ الاْخْذُ بِمُحْکَمِ کِتَابِهِ، وَالرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ الاَْخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ فال

إلى الله: الاخ بگم كتابه، وال إلى الشولي: الأبشيه الجايعة غير المفرقة)) (3)من خلال مطالعة النص

ص: 50


1- سورة الجمعة :اية 5.
2- سورة النساء: آية 59.
3- نهج البلاغة :465.

نلاحظ كيف أن الإمام (عليه السلام) اورد المعنى ثم قابله في الشاهد الذي كان مماثلاً لما أورده من معنی مع ذكر الشاهد بين (عليه السلام) کيفية الرد لله وللرسول (صل الله عليه واله وسلم)، إذ يقوم التقابل الاستشهادي على الإتيان بمعنی ثم تأكيده بمعنى آخر يجري مجرى الاستشهاد على الاول والحجة على صحته(1).

من الملاحظ أن الاستشهاد في عهد الإمام (عليه السلام) لم يأخذ مساحة واسعة في خطابه الموجه لمالك (رضوان الله عليه)، ولكن اقتصر على مقتضى حاجة المقام اليه، هاهو يورد شاهدا آخر في قوله ((وَإِذَا قُمْتَ فِي صَلاَتِکَ لِلنَّاسِ، فَلاَ تَکُونَنَّ مُنَفِّراً وَلاَ مُضَيِّعاً، فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ وَ لَهُ الْحَاجَةُ.؛ وَقَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ (صلى

(1)

ص: 51


1- نظرية التأويل التقابلي : 407.

الله عليه وآله) حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى الْيَمَنِ کَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ؟ فَقَالَ: صَلِّ بِهِمْ کَصَلاَةِ أَضْعَفِهِمْ وَ کُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً))(1)، مع وجود الشاهد الذي يعد تأكيدا للكلام اردف كلامه بالتعليل للتقابل علامات، أو سياء ولا نتكلم عن التقابل الاعبر حضور احد العنصرين في مقابل عنصر اخر انه تواجه شيئين، أو شخصين، أو وضعين، أو حالين، قد يدل احدهما على الآخر بصورة وان كان غائبا فهو علامة وسيماء على بنية تقابلية قائمة على الحضور التام أو الجزئي(2).

في ظل هذا نلحظ التواجه عبر التوجيه والإرشاد في قول الإمام (عليه السلام) لمالك (رضوان الله عليه) ((وَ إِیَّاکَ وَ الْمَنَّ عَلَی رَعِیَّتِکَ بِإِحْسَانِکَ، أَوِ التَّزَیُّدَ فِیمَا کَانَ مِنْ فِعْلِکَ، أَوْ

ص: 52


1- نهج البلاغة :47.
2- ينظر : نظرية التأويل التقابلي :175.

أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَکَ بِخُلْفِکَ فَإِنَّ الْمَنَّ یُبْطِلُ الْإِحْسَانَ وَ التَّزَیُّدَ یَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ وَ الْخُلْفَ یُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَ اللَّهِ وَ النَّاسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی کَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ(1)))(2).

فالنص القرآني الموظف في سياق خطاب الإمام (عليه السلام) افاد نوعين من التقابل الأول، وهو بائن في صلب الشاهد القرآني و متبلور من فحوى معناه، فالمقت يأتي من القول من دون العمل.

اما التقابل الآخر، فيستشف من معنی الفكرة في التقابل الأول المقابل للمعنى في النص القرآني المستشهد به، وهو منطلق فعال

ص: 53


1- سورة غافر: الآية 36.
2- نهج البلاغة :476.

في صناعة الخطاب وتوهج بلاغة. فقد برع الإمام (عليه السلام) في توظيف شواهده البينية المبينة على التقابل لإدراكه اهميتها في الاقناع والتأثير، فقد نتجت القضية ثم يأتي بمقابلها من الشواهد لغرض التوثيق والتوكيد نراه في النصح بقوله: واردد إلى الله ورسوله، يقابلها بالطاعة لله والرسول، ومن الملفت للنظر أن جميع الشواهد مبنية على التقابل بأنواعه المختلفة وذلك راجع لاتساع نقدية التقابل في بناء العهد ودلالاته فالمعاني يطلب بعضها بعضا من اجل التكامل وتوسيع المدارك والافهام.

وبوسع التأويل التقابلي أن يمدنا بمزيد من المعاني المنبثقة من الافتراضات الدلالية التي يتأسس عليها هذا الخطاب فالمثل يتقابل مع الفكرة المطروحة، ويتموضع بمثابة حجة جاهزة تؤدي وظيفة التدعيم، كونها تكتسب قوتها من

ص: 54

مصادقة الناس عليها وتواترها في الفعل الجمعي، فضلا عن كونها تؤدي وظيفة إعادة التوازن بين المرسل والمرسل اليه، عندما يصيب عملية التخاطب خفوت في تفاعلها.

وبذلك يقدر التقابل بالمثل کونه آلية من آليات الخطاب الإقناعي البلاغي غير المباشر في تقريب المعاني من الإفهام بضروب من الأمثلة المركبة ترکیبا تقابلیا حتی تناسب التصورات والفكرة التي يدافع عنها ویروم ایصالها(1).

ص: 55


1- ينظر : التقابل وبلاغة الخطاب في رسالة المعاش والمعاد للجاحظ مجلة اوروك العلمية للعلوم الانسانية، جامعة المثنى، كلية التربية، 65

الخاتمة

حاول البحث قراءة الخطاب في عهد الإمام (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضوان الله عليه) بأدوات وإمكانيات تحليلية تستند على أساس التقابل الأسلوبي فالمعاني تصنع بأبعاد وعلامات متقابلة خارج نظرة المحسن البديعي للتقابل المعهود في معاجم اللغة فقط، وإنما تقترح آليات لتوسيع مفهوم التقابل ليشمل التجاور والمحاذاة والتقريب بين المعاني عبر المواجهة بين الذوات والصفات والشواهد على مستوى التصورات والتعرف والإدراك وذلك من أجل فهم النص وافهامه انطلاقا من بنيته وسياقاته التي تتساند فيما بينها في اثناء القراءة والتلقي وبذلك نكون قد قدمنافها مغايرة لقراءة اي خطاب خارج ما هو متعارف في فهم وتحليل النصوص وهذا يدعونا لإعادة النظر في العديد من النصوص خارج الادوات التقليدية المتبعة.

ص: 56

المصادر

القرآن الكريم

1. الاستبصار في مختلف الأخبار، أبو جعفر محمد بن

الحسن الطوسي، تحقيق محمد جواد مغنیه، تصحیح

يوسف البغدادي، دار الأضواء، الطبعة الأولى (د، ت).

2. اسرار البلاغة في علم البيان، للإمام عبد القاهر

الجرجاني، تحقيق محمد رشيد رضا، دار الكتب العلمية،

بیروت، الطبعة الأولى 1988م.

3. البيان والتبين لأبي عثمان عمر بن بحر الجاحظ (ت

255ه)، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة

الطبعة الخامسة، 1980م.

4. الثنائيات الضدية في شعر ابي العلاء المعري، د. علي عبد

الإمام، تموز للطابعة والنشر، الطبعة الأولى 2013م.

5. الخطاب الحجاجي (أنواعه وخصائصه)، هاجر مدقن،

منشورات الاختلاف الجزائر العاصمة، الجزائر الطبعة

الاولى 2013 م.

ص: 57

6. شرح المتكل من شعر المتنبي، لابن سيده، تحقیق

مصطفى السقا وحامد عبد المجيد، الهيأة المصرية

العامة للكتب، القاهرة 1976م .

7. العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، لأبي علي الحسن

بن القيرواني، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد،

مطبعة السعادة، مصر، الطبعة الثانية.

8. الفروق اللغوية، للأمام الأديب أبي هلال العسكري

(390)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان (د، ت)

9. كتاب الأضداد في كلام العرب، لأبي الطيب عبد

الواحد بن علي اللغوي الحلي (ت، 351ه)، تحقيق

عزت حسن، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر

دمشق، الطبعة الثانية، 1999م.

10. کتاب التعريفات، للشريف علي بن محمد الجرجاني،

دار احیاء التراث العربي، بیروت لبنان، الطبعة الأولى،

2013م.

11. کتاب الصناعتين، لابي هلال العسكري، تحقيق علي

محمد البنجاوي ومحمد ابو الفصل، مطبعة عیسی

البابي الحلبي وشركائه، الطبعة الثانية، 1971 م

ص: 58

12. لسان العرب، لابن منظور (ت 711)، مطبعة دار احیاء

التراث العربي، منشورات آداب الحوزة، قم، ایران،

الطبعة الأولى، 1405 ه.

13. نظرية التأويل التقابلي، محمد بازي، دار الأمان، الرباط،

الطبعة الأولى، 2013م.

14. النوادر في اللغة، أبو زيد الأنصاري، تحقيق ودراسة،

محمد عبد القادر أحمد، دار الشروق بيروت، الطبعة

الأولى.

15. نهج البلاغة، شرح محمد عبده، تحقيق، فاتن خليل

مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر، بيروت لبنان،

الطبعة الأولى .

البحوث

1. التقابل وبلاغة الخطاب في رسالة المعاش والمعاد

اللجاحظ، د. علي عبد الإمام مهلهل الأسدي، أوروك

للعلوم الإنسانية مجلة تصدر عن كلية التربية جامعة

المثنی، المجلد الثامن العدد الثاني، نیسان 2015م .

ص: 59

المحتويات

مقدمة المؤسسة ... 5

مدخل ... 9

المبحث الأول تقابل الذوات: ... 18

مفهوم التقابل ... 21

المبحث الثاني: تقابل الصفات ... 35

المبحث الثالث تقابل الشواهد: ... 49

الخاتمة ... 56

المصادر ... 57

ص: 60

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.