التحليل اللغوي لنهج البلاغة، منهج مادة الكتاب القديم في أقسام اللغة العربية الجزء الثاني

هوية الکتاب

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 1192 لسنة 2018 مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف BP38.02.S28 T3 2018 : LC المؤلف الشخصي: سطام، كاطع جار الله، مؤلف. العنوان: التحليل اللغوي لنهج البلاغة: منهج مادة الكتاب القديم في اقسام اللغة العربية بيان المسؤولية: تاليف الدكتور كاطع جار الله سطام، الدكتورة جنان ناظم حميد؛ تقديم السيد نبيل الحسني.

بيانات الطبع: الطبعة الاولى. بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018 / 1439 للهجرة. الوصف المادي: 456 صفحة؛ 24 سم. سلسلة النشر: العتبة الحسينية المقدسة؛ (398). سلسلة النشر: مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ (146)؛ سلسلة الدراسات في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضوان الله عليه)، (46).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية. تبصرة محتويات: التحليل اللغوي للعهد الشريف. موضوع شخصي: الشريف الرضی، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. عهد مالك الاشتر. موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - رسائل. موضوع شخصي: مالك بن الحارث الاشتر، توفي 39 للهجرة. مصطلح موضوعي: اللغة العربية - علم الاصوات. مصطلح موضوعي: اللغة العربية - علم الدلالة. مصطلح موضوعي: اللغة العربية - النحو. مصطلح موضوعي: اللغة العربية - بلاغة. مصطلح موضوعي: اللغة العربية - الصرف. مؤلف اضافي: حميد، جنان ناظم، مؤلف اضافي. مؤلف اضافي: الحسني، نبيل قدوري، - 1965، مقدم. اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة - جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

ص: 2

سلسلة الدراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله) (46) وحدة الدراسات اللغوية التحليل اللغوي لنهج البلاغة، منهج مادة الكتاب القديم في أقسام اللغة العربية التحلیل اللغوی للعهد الشریف تأليف الدكتور کاطع جارالله سطام الدكتورة جنان ناظم حميد

اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1439 ه - 2018 م

العراق: کربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600-07815016633 الموقع:

Www.inahj.org Email: inahj.org@gmail.com

تنویة: إن الأفکار والآراء الورادة فی هذا الکتاب تعبر عن وجهة نظر کاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 4

مقدمة المؤسسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدّم من عموم نعمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد و آله الطاهرين.

أمّا بعد:

فإنّ من أبرز الحقائق التي ارتبطت بالعترة النبوية هي حقيقة الملازمة بين النص القرآني والنص النبوي ونصوص الأئمة المعصومين (علیه السلام).

وإنّ خير ما يُرجع إليه في المصاديق لَحديث الثقلين «كتاب الله وعترتي أهل بيتي» هو صلاحية النص القرآني لكلّ الأزمنة متلازماً مع صلاحيّة النصوص الشريفة للعترة النبوية لكلّ الأزمنة.

وما كتاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله) إلا أنموذجٌ واحدٌ من بين المئات التي زخرت بها المكتبة الإسلامية، التي اكتنزت في متونها كثيراً من الحقول المعرفية مظهرة بذلك احتياج الإنسان إلى نصوص الثقلين في كلّ الأزمنة.

ص: 5

ومن هنا:

ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تخصِّص حقلاً معرفياً ضمن نتاجها المعرفي التخصصي في حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) و فکره، متّخذة من عهده الشريف إلى مالك الأشتر (رحمه الله) مادة خصبة للعلوم الإنسانية التي هي من أشرف العلوم ومدار بناء الإنسان وإصلاح متعلقاته الحياتية، وذلك ضمن سلسلة بحثية علمية موسومة ب (سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله)، التي تصدر بإذن الله تباعاً، حرصاً منها على إثراء المكتبة الإسلامية والمكتبة الإنسانية بتلك الدراسات العلمية التي تهدف إلى بيان أثر هذه النصوص في بناء الإنسان والمجتمع والدولة متلازمة مع هدف القرآن الكريم في إقامة نظام الحياة الآمنة والمفعمة بالخير والعطاء والعيش بحرية وكرامة.

وتعد هذه الدراسة المباركة الأولى في مجالها المخصوص في المناهج الدراسية لطلبة الجامعات، وقد جاءت استجابة لتوصيات لجنة وضع المناهج الدراسية في وزارة التعليم العالي باختيار عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله) کمادة لتدريس (مادة الكتاب القديم) في أقسام اللغة العربية وقد اشتملت هذه الدراسة على تحليل العهد الشريف لمالك الأشتر (رحمه الله) وفق المستويات اللغوية (الصوتية، والصرفية، والنحوية، والمعجمية، البلاغية).

فجزى الله الباحثين خير الجزاء على هذا الجهد، والحمد لله رب العالمين.

السيد نبيل الحسني الكربلائي رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمد و آله الطيبين الطاهرين وبعد.

فلمّا كانت الغاية من مادّة الكتاب القديم هي إيقاف دارس العربيّة على کتاب تراثي يتابع نصوصه متابعة لغويّة متكاملة وتمتزج فيه علوم العربيّة كلّها أدبا ولغة وبلاغة ويشدّ انتباه الطالب إلى قضايا النصّ الصوتيّة والصرفيّة واللغويّة والنحويّة والمعجميّة والعروضيّة وينبّه على اتقان القراءة ومراعاة أصوات العربيّة وصفاتها عند النطق ومراعاة تجاور الأصوات في اللفظة فضلا عن تطورات المعني فيها، تظهر الحاجة كبيرة إلى نصّ محكم عالي البلاغة، ألفاظه فصيحة لا ركاكة فيها ويكون محتواه تثقيفيّا للطالب يغذّي فيه أدب القرآن وتعاليم الدين ويرسخ القيم الاجتماعيّة الإنسانيّة في ذهنه، فلابدّ للطالب الجامعيّ في عصرنا الحاضر من دراسة كتاب قديم يوصل إليه المعلومة اللغويّة متكاملة وذات فائدة أخلاقيّة وأدبيّة. وليس في تراثنا ما يسدّ هذه الثلمة أفضل من كتاب نهج البلاغة للإمام عليّ علیه السلام الذي جمع فيه الشريف الرضيّ خطب ورسائل و حكم الإمام علیه السلام.

ويمثّل عهد أمير المؤمنين إلى مالك الأشتر نظاماً إداريا وقانوناً شرعيّا

ص: 7

و دستورا للحياة بما اشتمل عليه من الوصايا التي تحدّد الحقوق والواجبات بين الدولة والشعب؛ ولمّا وصل هذا العهد إلى أذن الأمين العام للأُمم المتحدة كوفي عنان قال: إنّ هذه العبارة من العهد يجب أن تعلّق على كلّ المؤسسات الحقوقية في العالم، والعبارة هي: "وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكوننَّ عليهم سُبَعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين، وإمّا نظير لك في الخلق"، وهذه العبارة جعلت كوفي عنان ينادي بأن تدرس الأجهزة الحقوقية والقانونية عهد الإمام لمالك الأشتر، وترشيحه ليكون أحد مصادر التشريع للقانون الدوليّ، وبعد مداولات استمرّت لمدّة سنتين في الأمم المتحدة صوّتت معظم دول العالم على اتخاذ عهد علي بن أبي طالب عليهما السلام لمالك الأشتر واحدا مصادر التشريع للقانون الدوليّ، وقد تمّ بعد ذلك إضافة فقرات أُخرى من نهج البلاغة غير العهد الشريف كمصادر للقانون الدولي.

وقد شكّلت وزارة التعليم العالي والبحث العلميّ لجنة لإعادة النظر في المناهج المقرّرة للدراسة في أقسام اللغة العربيّة كافة ولما تناهى إلى سمعنا بتشكيل تلك اللجنة ومباشرتها بالعمل قدَّمنا مقترحا لها يوصي بتدریس نهج البلاغة مادّة للكتاب القديم في السنتين الثانية والثالثة من الدراسة الجامعيّة الأوليّة ثم أوصت اللجنة باختيار عهد أمير المؤمنين للدراسة في مادّة الكتاب القديم للسنة الثالثة ضمن عدّة مختارات نثريّة وشعريّه انتخبتها للتدريس. ولما علمنا بانتخاب العهد الشريف للتدريس عقدنا العزم على تأليف هذا الكتاب المنهجيّ المخصّص لتدريس مادّة الكتاب القديم في أقسام اللغة العربيّة مشتملا على تحليل الخطبة الأولى والعهد الشريف.

وتشتمل رسالة أمير المؤمنين إلى الأشتر النخعي على عشرين مقطعا تبدأ

ص: 8

بوصايا للوالي بحسن الأدب والتواضع والقرب من الله تعالى والبعد عن مظاهر البذخ والترف وصفات المقربين للوالي وأسس اختيار الوزراء، ثم تقسيم الرّعيّة على سبع طبقات: الجنود، والكُتّاب، والقضاة، والعمّال، وأهل الخراج، والتجار، وذوو الصناعات، والطبقة السفلى. ويذكر مزایا كلّ طبقة منهم وحقوقها وواجباتها، ويختص العهد الشريف بوصايا دقيقة للسياسة وإدارة البلاد وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه والتحذير من سفك الدماء بغير حقّ والاستئثار بما الناس فيه أسوة.

وكلّ هذه المقاطع يعرضها علیه السلام بأسلوب أدبي بليغ وبعرض موجز يبتعد عن الإطالة المملّة والإنجاز المخلّ ليرسم لوحة أدبية تحرّك المشاعر وتجذبها نحو الخالق وتعطي كلّ موضوع قيمته الحقيقية.

وقد حلّلنا كلام أمير المؤمنين علیه السلام وفق المستويات اللغوية كلّها، بدءا بأصغر وحدة في التحليل اللغويّ وانتهاء بأكبرها، بأسلوب يغلب عليه السؤال والجواب؛ لإثارة أذهان الطلبة في توظيف علوم العربيّة للإجابة عمّا يوصل إلى فهم المراد من الكلام بدقّة إن شاء الله تعالى، يسبق ذلك مختصر للمعنى العامّ لكلّ موضوع، ويتم اشراك الطلبة في شرحه وبيانه اعتمادا على التوظيف اللغويّ لما سيتمّ توضيحه لهم من المستويات اللغويّة الخمسة وهي: (المستوى الصوتيّ والمستوى الصرفيّ والمستوى النحويّ والمستوى المعجميّ والمستوى البلاغيّ).

وإتماما للفائدة اللغوية أكثرنا من الشواهد القرآنية في تحليل كلامه علیه السلام لأنه قبس من الوحي الإلهيّ ولكننا تركنا تحليل الآيات القرآنية والنقاش فيها لأستاذ المادّة كي يناقش طلبته في محتواها، وقد توخّينا سرد الآيات ذات المداليل العمليّة المرتبطة بحياة المجتمع. وتوخّينا في تحليلنا اللغوي لكلامه علیه السلام تجنّب

ص: 9

التكرار والإعادة، فجموع التكسير المكرّرة في الخطبة والعهد لا نعيد تحليلها مرة بعد أخرى وكذا المصادر والمشتقات وسائر المسائل الصوتيّة والنحويّة والبلاغيّة. ولذا سارت الأسئلة التحليليّة نحو الاختصار مع تتابع المقاطع في الخطبة والعهد، فالمأمول من تأليفنا هذا الكتاب أن يتدرّب الطالب على قراءة قبس من نهج البلاغة وتحليله لغويّا وصولا الى حفظه كي يتسلّح بخزين لغويّ رصين يستقي منه الحكمة والتأثير في المتلقّين فضلا عن التطبيق العمليّ الصحيح لقواعد العربيّة التي تلقّاها تنظيرا وشرحا من أساتيذه في النحو والصرف والبلاغة وعلم اللّغة لأنّ الذي يرسّخ المادّة العلميّة في ذهن الطالب هو تطبيقها عمليّا بعد تلقيها نظريّا.

واعتمدنا في نقل المادّة اللغوية من عدّة كتب أبرزها شروح نهج البلاغة کشرح ابن أبي الحديد وشرح ابن میثم البحراني وشرح الميرزا الخوئي المسمّى منهاج البراعة وشرح محمد جواد مغنية المسمّى في ظلال نهج البلاغة وغيرها من الشروح. ومعجمات اللغة المبرّزة كمقاییس اللّغة لابن فارس والصحاح للجوهريّ والمفردات للراغب الأصفهانيّ. و کتاب الفروق اللغويّة لأبي هلال العسكريّ. وكتب الحديث المبرّزة كالكافي للكلينيّ وصحيحي البخاريّ ومسلم فضلا عن طائفة من كتب التفسير والنحو والصرف والبلاغة وعلم اللغة وفقهها.

وقد عمدنا إلى تفقير متن العهد الشريف إلى عشرين فقرة أو مقطعا بغية دراسة متن العهد كلّه من مقدمته حتى خاتمته إذ تخصّص محاضرة كاملة لكلّ مقطع. وربّما يجد الأخوة التدريسيون إسهابا في التحليل اللغوي لمقاطع العهد الشريف يفوق الوقت المخصص للمحاضرة الواحدة أو المساق الدراسي

ص: 10

السنويّ المخصص لتدريس مادة الكتاب القديم في السنة الثالثة، وحينئذ يكون أستاذ المادة مخيرا في الانتفاء بين الأسئلة المختلفة التي يراها أكثر نفعا من غيرها حفاظا على الوقت والجهد في المحاضرة نفسها وحفاظا على تدريس المقاطع العشرين كلّها في المساق الدراسي السنويّ.

ونقترح أن تكون مادّة الكتاب القديم من الموادّ التي يُمتحن فيها الطالب تحريریّا أسوة بسائر الموادّ حتّى لا يُتعامل معها تعاملا تنقصه الجدّة والاندفاع إن كان الامتحان فيها شفهيّا، لأنّ المشافهة والمحاورة إنّما تكون في تدريس هذه المادة أمّا في الامتحان فينبغي أن يكون تحريريّا فالكتاب القديم من الموادّ المهمّة التي تنماز عن غيرها بأنها جامعة لفنون اللغة المتفرقة في سائر المفردات المنهجيّة المقررة للتدريس في أقسام اللغة العربيّة، إذ تمثّل هذه المادة الجانب التطبيقيّ لها جميعا فتجعل من النصوص مسرحا تطبيقيا لما يدرسه الطالب، ولا ينتابنا الشكّ في أنّ ثمرة تدريس هذا المنهج المقترح في أقسام اللغة العربيّة ستنمّي التحصيل المعرفيّ للمادّة اللغويّة لدى الطالب وتعضد إلمامه بأسباب الفصاحة والبلاغة في لغته لأنّه يجد كلّ ما درسه نظريّا ممثّلا له بالأسئلة والتمرينات فيحصل التلاقي بين الظاهرة اللغوية والتطبيق لها.

والأمل معقود على الزملاء الأفاضل الذي سينهضون بتدريس مادّة الكتاب القديم في أقسام اللغة العربيّة في موافاتنا بملاحظهم السديدة وتصويباتهم القيّمة ومقترحاتهم النافعة كي نرأب بها ما انصدع من تحليلنا هذا فيأخذ طريقه في الاستدراك والتنقيح في الطبعات القادمة مع تسجيل اسم الأستاذ المتفضّل علينا بملحوظاته في قائمة الشكر والتقدير التي آثرنا حجبها عن الطبعة الأولى للكتاب.

والله ولي التوفيق.

ص: 11

ص: 12

التمهيد مالك الأشتر والعهد الشريف تعریفٌ ووصفٌ

ص: 13

ص: 14

التمهيد مالك الأشتر والعهد الشريف: تعريفٌ ووصفٍ أولا مالك الأشتر رضی الله عنه.

هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث المذحجيّ النخعيّ، كان فارسا شجاعا رئيسا من أكابر الشيعة وعظمائهم شديد الولاء لأمير المؤمنين علیه السلام. صحابيّ جليل أدرك النبيّ صبيّا وشهد له رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بالإيمان إذ روی ابن عبد البَرّ في كتابه الاستيعاب في حرف الجيم في باب جندب قائلا: لما حضرت أبا ذر الوفاة وهو بالربذة بكت زوجته فقال لها ما يبكيك فقالت ما لى لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض وليس عندي ثوب يسعك كفنًا ولا بدّ لي من القيام بجهازك، فقال أبشري ولا تبكي فإنّي سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول: لا يموت بين أبوين مسلمين ولدان أو ثلاثة فيصبران ويحتسبان فيريان النار أبدا وقد مات لنا ثلاثة من الولد، وسمعت أيضا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول لنفرٍ أنا فيهم: ليموتنّ أحدكم بفلاةٍ من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات،

ص: 15

فأنا لا أشكّ أنّي ذلك الرجل، والله ما كَذبت ولا كُذبت فانظري الطريق. قالت أم ذر: فقلت: أنّي وقد ذهب الحاجّ وتقطعت الطرق؟ فقال: اذهبي فتبصّري، قالت: فكنت أشتدّ إلى الكثيب فأصعد فأنظر ثم أرجع إليه فأُمرّضه، فبيّنا أنا وهو على هذه الحال إذ أنا برجال على ركابهم كأنّهم الرُّخم تخبّ بهم رواحلهم فأسرعوا إليّ حتّى وقفوا عليّ و قالوا: يا أمة الله ما لك؟ فقلت امرؤ من المسلمين يموت تکفّنونه؟ قالوا: ومن هو؟ قلت: أبو ذر، قالوا: صاحب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم؟ قلت: نعم فقدوه بآبائهم وأمّهاتهم، وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه فقال لهم أبشروا فإنّي سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول لنفرٍ أنا فيهم لیموتُنّ رجل منکم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين وليس من أولئك النفر إلّا وقد هلك والله ما كذبت ولا كذبت ولو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي أو لامرأتي لم أكفّن إلّا في ثوب لي أو لها، ثم مات أبو ذر بين أيديهم وفيهم مالك الأشتر فغسّلوه وكفّنوه ودفنوه.

وشهد أمير المؤمنين المالكٍ بالورع والشجاعة والمنزلة القريبة فقال علیه السلام مخاطبا أهل مصر لمِا ولاه عليهم:

"أما بعد: فقد بعثت إليكم عبداً من عباد الله تعالى لا ينام أيام الخوف، ولا ينكل عن الأعداء ساعات الروع، أشدّ على الكفار من حريق النار وهو مالك بن الحارث أخو مذحج، فاسمعوا له وأطيعوا أمره فيما طابق الحق، فإنه سيف من سيوف الله تعالى لا كليل الظُبة ولا نابي الضريبة فإن أمركم أن تنفروا فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا فإنّه لا يقدم ولا يحجم، ولا يؤخّر ولا يقدّم إلا عن أمري، وقد آثرتكم به على نفسي لنصيحته لكم وشدة شكيمته على عدوكم"

وكان مالك الأشتر رئیس قومه من أكابر الفرسان له شعر جيّد، سکن

ص: 16

الكوفة وشهد الجمل وصفّين. ولقّب بالأشتر، و الشتر هو قطع الشفة السفلى أو انقلاب الجفن إذ شقّ رأسه وشترت عينه في فتح دمشق وحرب اليرموك، وكان طويل القامة عريض الصدر عدیم المثيل في الفروسيّة، نُفي إلى حمص في أيّام عثمان بسبب اصطدامه بسعید بن العاص والي عثمان على الكوفة، ولمّا اشتدّت المعاداة لعثمان عاد إلى الكوفة ومَنع والي عثمان الذي كان قد ذهب إلى المدينة آنذاك من دخولها، وتولّى قيادة الكوفيّين الذين توجّهوا إلى المدينة، وله أثر كبير في قتل عثمان سنة 36 ه.

ومالك الأشتر هو الذي عانق عبد الله بن الزبير يوم الجمل فاصطرعا على ظهر فرسيهما حتى وقعا على الأرض فجعل عبد الله يصرخ من تحته اقتلوني ومالكا فلم يُعلم من الذي يعنيه لشدّة الاختلاط وثوران النقع، فلو قال اقتلوني والأشتر لقُتلا معًا فلما افترقا قال الأشتر:

أعائشُ لولا أنّني كُنت طَاويا *** ثَلاثًا لَألْفَيتِ ابْنَ أُخْتكِ هَالکا

غَداة یُنادي والرِّماحُ تنوشُه *** کوقعِ الصياصيّ اقْتلوني وَمالکا

فنجّاهُ منّي شِبعهُ وشبابُه *** وأنّي شيخٌ لمْ أكُن متماسكا

ومات الأشتر في سنة تسع وثلاثين متوجّها إلى مصر واليا عليها لعليّ علیه السلام إذ أرسل له معاوية من يدسّ له السمّ في العسل ولمّا وصل خبر مقتله إلى معاوية قال: إن لله جنودا منها العسل. ثمّ خطب معاوية فقال:

" أمّا بعد فإنّه كانت لعليّ بن أبي طالب يدان یمینان، قطعت احداهما يوم صفّين، وهو عمّار بن یاسر، وقطعت الأخرى اليوم وهو مالك الأشتر"

وكان الإمام علیه السلام يعتمد عليه ويدّخره للمهمّات فقال فيه يوم موته: "كان لنا

ص: 17

رجلا ناصحا، وعلى عدّونا شدیدا ناقما" الرسالة 34، و "إنّه ممّن لا يخاف وهنه ولا سقطته، ولا بطؤه عمّا الإسراع إليه أحزم" الرسالة 13. وقال علیه السلام:

"رحم الله مالکا، فلقد كان لي كما كنت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم".

وقال علیه السلام: لما جاءه نعي الأشتر رحمه الله:

"مَالكٌ وَمَا مَالِكٌ! وَاللهِ لَوْ كَانَ جَبَلاً لَكَانَ فِنْداً، وَلَوْ كَانَ حَجَراً لَكَانَ صَلْداً، لاَ يَرْتَقِيهِ الْحَافِرُ، وَلاَ يُوفِي عَلَيْهِ الطَّائِرُ"

ثانيا العهد الشريف

عهد أمير المؤمنين إلى مالك الأشتر يعدّ من جملة مآثر أمير المؤمنين علیه السلام، وهو أطول عهوده، يحتوي على القواعد والأصول التي تتعلّق بالقضاء وإدارة الحكم في الإسلام، والتضامن الاجتماعيّ، والتعاون الإنسانيّ، وحسن الإدارة والسياسة، وبيان الخراج وأهمّيّته، والنظر في عمارة الأرض وصلاح البلاد، وأثر الصناعة والتجارة في حياة الأمّة. ووصف الشارح ابن أبي الحديد المعتزليّ العهد بأنّه نسيجُ وحده، وهذا العهد صار إلى معاوية لمّا سمّ الأشتر ومات قبل وصوله إلى مصر، فظلّ يتعجّب منه معاوية بعد أن صار إليه، وكذلك عهده علیه السلام إلى محمّد بن أبي بكر الذي استولى عليه عمرو بن العاص لمّا قتل محمّدا فبقي العهدان في خزائن بني أُميّة حتى وُلّي عمر بن عبد العزيز فأظهر أحاديث عليّ علیه السلام.

ص: 18

وجاء في مقدمة شرح محمد عبده للنهج: "أعثرني حسن حظّي على عهد جليل لفارس حلبة البيان أمير المؤمنين علیه السلام إلى مالك الأشتر النخعيّ لمّا ولّاه مصر حين اضطرب أمر محمّد بن أبي بكر، ورأيت أنّه جَمع أمّهات السياسة، وأصول الإدارة، في قواعد حوت فصاحة الكلم وبلاغة الكلام وحسن الأسلوب فدُهشت لمّا لم أجد لهذا الكتاب تداولا على ألسنة المشتغلين بالعربيّة من طلبة الأزهر والمدارس الأخرى، مع أنّه كان من الواجب أنّ مثل هذا الكتاب يحفظ في الصدور لا في السطور".

ويعدّ هذا العهد أقدم وثيقة تاريخية لحقوق الإنسان وهو من أنفس الوثائق التاريخيّة الزاخرة بمبادئ الحكم وأساليب الإدارة وأصول التشريع وأخلاق المسؤولين، إذ يقول المفكّر المسيحي جورج جورداق في تعليقته على الدستور العلويّ: "فليس من أساس بوثيقة حقوق الإنسان التي نشرتها هيئة الأمم المتّحدة الّا ونجد له مثيلا في دستور ابن أبي طالب، ثمّ نجد في دستوره ما يعلو ويزيد مع أنّ الأُولى نتاج عقول كثير من البشر مقابل نتاج عبقريّ واحد".

وإذا كان العهد الشريف دستور حياة للحكومة الإسلاميّة بل للبشريّة جمعاء فإنّ نهج البلاغة كلّه قبس من نور الكلام الإلهي وشمس تضيء بفصاحة المنطق النبويّ، ونهج البلاغة وحدة متكاملة أوّله يشبه آخره وآخره معطوف على أوله، فملامح الحكومة العلويّة التي برزت على نحو جليّ في العهد الشريف تظهر تفاصيلها على نحو التأكيد واللزوم في سائر خطب نهج البلاغة ورسائله وحكمه، فقد أكّد الإمام علیه السلام موضوعات العهد الشريف بأقوال أخرى جُمعت في النهج منها قوله علیه السلام:

"لقد أصبحت الأمم تشكو ظلم رُعاتها، وأصبحت أشكو ظلم رعيّتي،

ص: 19

ولقد كنت بالأمس أميرا، واليوم مأمورا، وكنت ناهيا، واليوم منهیّا".

فالإمام علیه السلام يرى أنّ الحكم تكليف لا تشریف، فأوصى عمّاله أن يقتدوا به في تطليق الدنيا، فقال علیه السلام في كتاب له لعامله عثمان بن حنيف:

"أَلَا وَإِنَّ إِمَامَکُمْ قَدِ اکْتَفَی مِنْ دُنْیَاهُ بِطِمْرَیْهِ وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَیْهِ. أَلَا وَإِنَّکُمْ لَاتَقْدِرُونَ عَلَی ذَلِكَ، وَلَکِنْ أَعِینُونِی بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ، وَعِفَّهٍ وَسَدَادٍ، فَوَ اللّهِ مَا کَنَزْتُ مِنْ دُنْیَاکُمْ تِبْراً، وَلَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً، وَلَا أَعْدَدْتُ لِبَالِی ثَوْبِی طِمْراً، بَلَی! كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ، فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ، وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ آخَرِينَ، وَ نِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ".

وقال علیه السلام - أيضًا -:

"والله جعلني اماما لخلقه ففرض علىّ التقدير في نفسي ومطعمي ومشربي كضعفاء الناس، كي يقتدي الفقيرُ بفقري، ولا يُطغي الغنيّ غناه".

وقال علیه السلام أيضا:

"إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَی فَرَضَ فَرَضَ عَلَی أَئِمَّهِ اَلْعَدْلِ أَنْ یُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِضَعَفَهِ اَلنَّاسِ، کَیْلاَ یَتَبَیَّغَ(1) بِالْفَقِیرِ فَقْرُهُ!".

وأكّد علیه السلام لواليه الأشتر أهمّية العلم بكتاب الله وسنّة نبيّه صلی الله علیه و آله وسلم ففي كتاب علیه السلام لعامله قثم بن العباس:

"ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلّموا حتّى أخذ على أهل العلم أن يعلّموا"، وبنى علیه السلام حكمه على مكاشفة الأمّة بالقرار السياسيّ الإسلاميّ، ومصارحة الطبقات الشعبيّة بذلك. فهو علیه السلام يفهم الحكم کتکلیف شرعيّ وليس جمعه

ص: 20


1- يَتَبَيّغ: یهیج به الالم فيهلكه

کمنصب أو جاه فقال:

"أَمَا وَالَّذِی فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ، وَقِیامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النّاصِرِ، وَما أَخَذَ اللّهُ عَلَی الْعُلَماءِ أَلاَّ یُقارُّوا عَلَی کِظَّهِ ظالِمٍ، وَلا سَغَبِ مَظْلُومٍ، لأَلْقَیْتُ حَبْلَهَا عَلَی غَارِبِهَا، وَلَسَقَیْتُ آخِرَهَا بِکَأْسِ أَوَّلِها، وَلأَلْفَیْتُمْ دُنْیَاکُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِی مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ".

وقال علیه السلام أوّل استلامه الحكم:

"إنّ عليّ هذه الجبّة فإذا خرجت من الخلافة بأكثر منها فحاسبوني".

وقال أيضا:

"يا أهل الكوفة إنْ خرجت من عندكم بغير رحلي وراحلتي وغلامي فأنا خائن"، وقال علیه السلام:

"وَاللّهِ لَئِنْ أَبِیتَ عَلَی حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً، أَوْ أُجَرَّ فِی الأَغْلاَلِ مُصَفَّداً، أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ أَلْقَی اللّه وَرَسُولَهُ یَوْمَ الْقِیَامَهِ ظَالِماً لِبَعْضِ الْعِبَادِ، وَغَاصِباً لِشَیْءٍ مِنَ الْحُطَامِ".

وبيّن علیه السلام أنّ حكومته على منهج القرآن والسّنّة فقال:

"إنّ الله لم يخلقكم عبثا، ولم يترككم سدي، ولم يدعكم في جهالة ولا عمی، وأنزل عليكم الكتاب تبيانا لكلّ شيء بين يدي عذاب شديد".

فحكومته علیه السلام انعكاس للشريعة الإسلاميّة، وإصراره علیه السلام على العمل بكتاب الله في تطبيق العدل سبّب له أزمات سياسيّة مع القريبين والبعيدين، فقاطعته قبائل قريش التي استأثرت بالمال والهبات في العهد الذي سبق ولايته، وتركه كثيرون وتوجّهوا صوب معاوية، وقد نصحه ابن عباس قائلا: "فضّلِ العرب على العجم، وفضّلْ قريشا على سائر العرب، فأجابه علیه السلام بقوله:

ص: 21

"أتأمرني أن أطلب النصر بالجور، لا والله ما أفعل ما طلعت شمس أو لاح في السماء نجم، لو كان مالهم لي لساویت بینهم، فكيف والمال مال الله ؟!".

فالمهمّ عنده علیه السلام إقامة العدل، إذ قال لابن عباس عندما لقيه في الكوفة والإمام علیه السلام يخصف نعله:

"يا بن عباس ما قيمة هذا النعل، فقال: لا قيمة له.

فقال الإمام علیه السلام: إنّ هذا النعل أفضل من خلافتکم عندي إلّا أنْ أقيم حقّا أو أدفع باطلا".

وركّز الاعلان العالميّ لحقوق الإنسان على ثلاثة أمور: العدل، المساواة، الأخوّة، وكلّها في عهده علیه السلام وحكومته، إذ فتح باب الحوار مع المعارضين، ومارس الاقناع معهم وفرض علیه السلام الرفق بالرّعيّة على كلّ وال فلا ارهاق ولا استغلال، فمن وصاياه المكرّرة:

" أنصفوا الناس من أنفسكم، واصبروا لحوائجهم فانّهم خزّان الرّعيّة ولا تحسموا أحدا عن حاجته ولا تحبسوه عن طلبته ولا تبيعنّ للناس من الخراج كسوة شتاء ولا صيف ولا دابّة يعتملون عليها ولا عبدا ولا تضربنّ أحدا سوطا المكان درهم".

وفي وثيقة حقوق الإنسان أنّ البشر مولودون أحرارا، ومتساوون في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا العقل والضمير وعليهم أن يعملوا تجاه بعضهم بعضا بروح الأخوّة. وهذه الجمل نجدها بعينها في قوله علیه السلام في العهد الشريف: "الناس صنفان: امّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق". وأكدّ علیه السلام هذا المعنى في وصيّته لابنه الحسن علیه السلام بأن يعامل الناس بما يعامل نفسه فقال:

"يا بنيّ اجعل نفسك ميزانا في ما بينك وبين غيرك فأحبّ لغيرك ما تحبّ

ص: 22

لنفسك.. وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك"، وقال علیه السلام في أكثر من موضع:

" ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّا".

وقصّة الإمام علیه السلام مع اليهوديّ المعروفة بقصّة الدّرع شاهدة على سعة عدله، إذ نازعه اليهودي على درعه بعد أن كان له يد عليه فتوجّه وهو حاكم الأمّة المترامية الأطراف إلى القاضي شريح، فحكم القاضي لليهوديّ لأنّه كان منكرا و أمير المؤمنين كان مدّعيا ولم تكن معه بيّنة، وهذا من مظاهر مساواته علیه السلام بين الناس على اختلاف عقائدهم وطبقاتهم الاجتماعيّة، وكذا قصّته مع النصرانيّ الكفيف الذي كان يتسوّل في أسواق الكوفة إذ سأل علیه السلام عن ذلك ثمّ قال قولته المشهورة:

"استعملتموه حتّى إذا كبِرَ وعجَّز منعتموه، أنفقوا عليه من بيت المال".

واتّسمت سياسته علیه السلام بكفالة حرّيّة الرأي، ولم يكن علیه السلام يؤاخذ أحدا بالقوّة ولا يمنعهم من إبداء آرائهم، وينقل التاريخ أنّ عمر بن حريث مع سبعة نفر لمّا خرجوا إلى مكان يسمّى الخورنق خرج اليهم ضبّ، فبايعوه بإمرة المؤمنين ناكثين بيعة الإمام علیه السلام ومستهزئين بها، ثمّ أفلتوه، فقدموا إلى المدائن والإمام علیه السلام يخطب في المسجد فلمّا دخلوا نظر إليهم علیه السلام من فوق المنبر فقطع حديثه قائلا:

"أيّها الناس إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أسرّ الّي ألف حديث، وإنّي سمعت الله جلّ وعلا يقول: "يوم ندعو كلّ اناس بإمامهم"، وانّي أقسم بالله ليبعثنّ يوم القيامة ثمانية نفر يدعون بإمامهم وهو ضبّ ولو شئت أن أسمّيهم لفعلت"، فسقط عمر بن حریث على الأرض حياء ولؤما.

ولم يقطع علیه السلام عطاء الخوارج من بيت المال وأنفذه لهم مع خلافهم وانقلابهم

ص: 23

عليه وكان يحاورهم، ولم يعاقب أحدا منهم وعاملهم معاملة المفتونين فقال:

"ليس من طلب الحقّ فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه"، وكانت وصيته علیه السلام لمّا ضربه ابن ملجم أن يكون القصاص عادلا، فقال: "فإن أعش فأنا وليّ دمي... إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور".

ولمّا سبّه بعض الخوارج - وهو يخطب في مسجد الكوفة - وقال "قاتله الله ما أفقهه"، فهمّ أصحاب الإمام علیه السلام بقتله فمنعهم علیه السلام قائلا:

"انّما هو سبّ بسبّ أو عفو عن ذنب".

وحاور علیه السلام الناكثين إيمانا منه بحرّية الاعتقاد، ولم يقتلهم أو يعاقبهم لإيمانه بأنّ العقوبة لا تكون الّا بعد الذنب، فقال علیه السلام محاورا طلحة في معركة الجمل: أولم تبايعني أبا محمّد طائعا غير مكره، فقال طلحة: بايعتك والسيف على عنقي، قال: ألم تعلم أنّي ما أكرهت أحدا على البيعة ولو كنت مُكرها أحدا لأكرهت سعدا وابن عمر ومحمد بن مسلمة أَبوا البيعة واعتزلوا فتركتهم. وقال لطلحة والزبير لمّا استجازاه في الذهاب إلى العمرة: "ما العمرة تريدان، وإنّما تريدان الغُدرة، وسأستعين بالله عليكما" فهو علیه السلام لا يكتفي بمعرفته بنوایاهما، ما لم يتلبّسا بالجريمة. فلم يعتقلهما وكفل الحقوق السياسيّة لها. وحرّيّة التعبير عن الرأي كفلها علیه السلام حتى للأطفال قائلا: "لا تقصروا أبناءكم على تربيتكم فانّهم خلقوا لزمن غير زمانكم" أي افسحوا لهم مجالا للتعبير عن آرائهم واختيار طريقتهم في الحياة ضمن الشرع الإسلاميّ.

ومن مظاهر حريّة العقيدة والمساواة بين الناس أنّه علیه السلام تألّم للمرأة الذّميّة كما تألّم للمُسلمة في خطبته بعد هجوم جیش معاوية على الأنبار التي يقول فيها:

"وَلَقَدْ بَلغَنی أنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ کَانَ یَدْخُلُ عَلَی اَلْمَرْأهِ اَلمُسْلِمَهِ وَالْأُخْرَی

ص: 24

اَلْمُعاهِدَهِ فَیَنْتَزِعُ حِجْلَها وَقُلَبَها وَقَلائِدَهَا وَرُعُثَهَا مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إلاّ بالاسْتِرْجَاعِ وَاَلاسْتِرْحَامِ ثُمَّ انْصَرَفوا وافِرینَ مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ کَلِمٌ وَلاَ أُریقَ لَهُمْ دَمٌ فَلَوْ أنَّ امْرَأَ مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أسَفاً مَا کَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ کَانَ بِهِ عِنْدی جَدیراً"،

وكانت سیاسته علیه السلام هي التوزيع العادل للثروات فحال دون تضخّم الثروة عند بعضهم لمّا عيّن ولاة ذوي صفات حميدة لا بخلاء مفسدين فقال علیه السلام:

"لا ينبغي أن يكون على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل فتكون في أموالهم تهمة"، وساوی علیه السلام في العطاء بين واحدٍ من الأنصار وعدٍ له، فقال الأنصاريّ: يا أمير المؤمنين هذا غلام أعتقته بالأمس تجعلني وإيّاه سواء؟ فقال علیه السلام: انّي نظرت في كتاب الله فلم أجد لولد اسماعيل على ولد اسحاق فضلا، فهو علیه السلام ألغي الطبقيّة في أوّل خطبة خطبها إذ قال: "أيّها الناس ألا لا يقولنّ رجال منكم غدا قد غمرتهم الدنيا فاتّخذوا العقار.. ألا وأيّما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله يرى أنّ الفضل له على سواه لصحبته فانّ الفضل النيّر غدا عند الله"، فالناس في الحقوق سواء لا محاباة لقوىّ ولا إجحاف بضعيف، وقد عمد علیه السلام إلى القطائع التي وزّعت قبله على المقرّبين والرؤساء فانتزعها من القابضين عليها وأمر بردّها إلى بيت مال المسلمين لتوزيعها بين من يستحقّونها على سنّة المساواة وقال قولته المشهورة: "والله لو وجدته قد تُزُوِّج به النساء و مُلك به الاماء لرددته فإنّ في العدل سعة ومن ضاق به العدل فالجور عليه أضيق"

وقصّته مع أخيه عقيل خير دليل على عدله فلا يفضّل خاصّته على غيرهم - قال علیه السلام:

وَاللّهِ لَقَدْ رَأَیْتُ عَقِیلاً وَقَدْ أَمْلَقَ حَتَّی اسْتَماحَنِی مِنْ بُرِّکُمْ صَاعاً، وَرَأَیْتُ

ص: 25

صِبْیَانَهُ شُعْثَ الشُّعُورِ، غُبْرَ الألْوَانِ، مِنْ فَقْرِهِمْ، کَأنَّمَا سُوِّدَتْ وَجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ، وَعَاوَدَنِی مُؤَکِّداً، وَکَرَّرَ عَلَیَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً، فَأَصْغَیْتُ إِلَیْهِ سَمْعِی، فَظَنَّ أنّی أَبِیعُهُ دِینِی، وَأَتَّبِعُ قِیَادَهُ، مُفَارِقاً طَرِیقِی، فَأَحْمَیْتُ لَهُ حَدِیدَةً، ثُمَّ أدنَیتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِیَعْتَبِرَ بِهَا ، فَضَجَّ ضَجِیجَ ذِی دَنَفٍ مِنْ ألَمِهَا، وَکَادَ أَنْ یَحْتَرِقَ مِنْ مِیسَمِهَا، فَقُلْتُ لَهُ: ثَکِلَتْکَ الثَّوَاکِلُ، یَا عَقِیلُ! أَتَئِنُّ مِنْ حَدِیدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ، وَتَجُرُّنِی إِلَی نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ! أَتَئِنُّ مِنَ الاَذَی وَلاَ أَئِنُّ مِنْ لَظیً؟!"، ولمّا جاءته غنائم من أصفهان لم يبت ليلته حتى وزّعها، وعاتبه وزراؤه لأنّه أيقظهم من النوم وكان بإمكانه توزيعها في الصباح فقال لهم: "أنتم لا تضمنون لي عدم الموت غدا"، واهتم علیه السلام بالجانب الزراعيّ واستصلاح الأراضي، وكان قبل خلافته علیه السلام يغرس النخل ويحفر الآبار وهي إلى اليوم ماثلة في منطقة (أبيار عليّ)، وكان علیه السلام يعطي الأراضي مجّانا للناس ثمّ يساعدهم من بيت المال لأجل إحيائها، وكانوا يحصلون على الماء بحفر الأنهار والآبار بحرّيّة وبلا ضرائب تفرض عليهم، ولم يوجد فقير واحد في عهده علیه السلام، بدليل قوله علیه السلام: "لعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع".

والمقرّب لدى أمير المؤمنين مقرّب بورعه وتقواه وأمانته وإيمانه وهذا هو المعيار الرئيس الذي اعتمد عليه علیه السلام في انتخاب الولاة على الأمصار، أما ما اشتبه على بعض المرجفين من أنّ أمير المؤمنين علیه السلام لم يختلف عن عثمان بن عفان لمّا ولّى أبناء عمه من بني العباس وبني هاشم، فيكفي أن نسوق في ردّه قول العقاد: "إذ كان ممّا قيل مثلا: إنّ عليّا أقام عبد الله بن عباس على البصرة، وعبيد الله بن العباس على اليمن، ومحمد بن أبي بكر - ابن زوجته - على مصر، وهم أقرباؤه وخاصّة أهله، فهو إذن يصنع ما أنكره على حكومة عثمان من إيثار الأقرباء بالولايات وإقصاء الآخرين عنها، ولكنّها كما قلنا مقارنة بالأشكال

ص: 26

والحروف دون البواطن والغايات؛ لأنّ المقارنة الصحيحة بين العملين تسفر عن فارق بعید کالفارق بيت النقيض والنقيض، فبنو هاشم لم يكن لهم متّسع لعمل أو ولاية في غير حكومة الإمام، ولم يكن للإمام معتمد على غيرهم بعد أن حاربته قريش وأشاعت الفرقة والشغب بين أعوانه من أبناء الأمصار، وهم مع هذا لم يؤثروا بالولايات كلّها، ولم يؤثروا بالذي خصّهم منها ليستغلّوه ويجمعوا الثراء من غنائمه و أرزاقه، بل كانوا يُحاسبون على ما في أيديهم أعسر حساب، وكانوا لتضييقه عليهم في المراقبة يتركون ولاياتهم ويستقيلون منها، كما فعل ابن عباس حين هجر البصرة إلى مكّة. وقد بلغ من حسابه للولاة أنّه كان يحاسبهم على حضور الولائم التي لا يجمل بهم حضورها، كما فعل مع عثمان بن حنیف الأنصاريّ عامله على البصرة. وفي نهج البلاغة الرسالة (3) "رُوي أنّ شریح بن الحارث قاضي أمير المؤمنين علیه السلام اشتري على عهده داراً بثمانين ديناراً، فبلغه علیه السلام ذلك، فاستدعى شريحاً، وقال له:

بَلَغَنِي أَنَّكَ ابْتَعْتَ دَاراً بِثَمَانِينَ دِينَاراً، وَ كَتَبْتَ لَهَا كِتَاباً، وَ أَشْهَدْتَ فِیهِ شُهُوداً، فقال شریح: قد کان ذلك یا أمیر المؤمنین. قال: فنظر إلیه علیه السلام نظر مُغضب ثمّ قال له: يَا شُرَيْحُ، أَمَا إِنَّهُ سَيَأْتِيكَ مَنْ لاَ يَنْظُرُ فِي كِتَابِكَ، وَ لاَ يَسْأَلُكَ عَنْ بَيِّنَتِكَ، حَتَّى يُخْرِجَكَ مِنْهَا شَاخِصاً، وَ يُسْلِمَكَ إِلَى قَبْرِكَ خَالِصاً، فَانْظُرْ يَا شُرَيْحُ لاَ تَكُونُ ابْتَعْتَ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ غَيْرِ مَالِكَ، أَوْ نَقَدْتَ الثَّمَنَ مِنْ غَيْرِ حَلاَلِكَ! فَإِذَنْ أَنْتَ قَدْ خَسِرْتَ دَارَ الدُّنْيَا وَ دَارَ الْآخِرَةِ! أَمَا إِنَّكَ لَوْ كُنْتَ أَتَيْتَنِي عِنْدَ شِرَائِكَ مَا اشْتَرَيْتَ لَكَتَبْتُ لَكَ كِتَاباً عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ، فَلَمْ تَرْغَبْ فِي شِرَاءِ هَذِهِ الدَّارِ بِدِرْهَمٍ فَمَا فَوْقُ. وَ النُّسْخَةُ هَذِهِ: هَذَا مَا اشْتَرَى عَبْدٌ ذَلِيلٌ، مِنْ مَيِّتٍ قَدْ أُزْعِجَ لِلرَّحِيلِ، اشْتَرَى مِنْهُ دَاراً مِنْ دَارِ الْغُرُورِ، مِنْ جَانِبِ الْفَانِينَ، وَ خِطَّةِ الْهَالِكِينَ، وَ تَجْمَعُ هَذِهِ الدَّارَ حُدُودٌ أَرْبَعَةٌ: الْحَدُّ الْأَوَّلُ يَنْتَهِي إِلَى دَوَاعِي الْآفَاتِ،

ص: 27

وَ الْحَدُّ الثَّانِي يَنْتَهِي إِلَى دَوَاعِي الْمُصِيبَاتِ، وَ الْحَدُّ الثَّالِثُ يَنْتَهِي إِلَى الْهَوَى الْمُرْدِي، وَ الْحَدُّ الرَّابِعُ يَنْتَهِي إِلَى الشَّيْطَانِ الْمُغْوِي، وَ فِيهِ يُشْرَعُ بَابُ هَذِهِ الدَّارِ. اشْتَرَى هَذَا الْمُغْتَرُّ بِالْأَمَلِ، مِنْ هَذَا الْمُزْعَجِ بِالْأَجَلِ، هَذِهِ الدَّارَ بِالْخُرُوجِ مِنْ عِزِّ الْقَنَاعَةِ، وَ الدُّخُولِ فِي الطَّلَبِ الذُّلِّ وَ الضَّرَاعَةِ، فَمَا أَدْرَكَ هَذَا الْمُشْتَرِي فِيمَا اشْتَرَى مِنْهُ مِنْ دَرَكٍ، فَعَلَى مُبَلْبِلِ أَجْسَامِ الْمُلُوكِ، وَ سَالِبِ نُفُوسِ الْجَبَابِرَةِ، وَ مُزِيلِ مُلْكِ الْفَرَاعِنَةِ، مِثْلِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَتُبَّعٍ وَحِمْيَرَ، وَ مَنْ جَمَعَ الْمَالَ عَلَى الْمَالِ فَأَكْثَرَ، وَ مَنْ بَنَى وَ شَيَّدَ، وَ زَخْرَفَ وَ نَجَّدَ، وَ ادَّخَرَ وَ اعْتَقَدَ، وَ نَظَرَ بِزَعْمِهِ لِلْوَلَدِ، إِشْخَاصُهُمْ جَمِيعاً إِلَى مَوْقِفِ الْعَرْضِ وَ الْحِسَابِ، وَ مَوْضِعِ الثَّوَابِ وَ الْعِقَابِ، إِذَا وَقَعَ الْأَمْرُ بِفَصْلِ الْقَضَاءِ، وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ الْعَقْلُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَسْرِ الْهَوَى، وَ سَلِمَ مِنْ عَلاَئِقِ الدُّنْيَا"

فلو أنّ الإمام اختصّ أقرباءه بالولايات التي يحاسبون عليها هذا الحساب لما كان في اختصاصه ایّاهم مستبيح حقّ ولا مستبيح مال، فكيف وهو لا يختصّهم الّا بالقليل منها، فالمقارنة هنا مقارنة أشكال و حروف، و كلّ ما توحي إلى الناقد بها أنّه يذر الأقرباء هنا والأقرباء هناك"، وعيّن علیه السلام أهل الورع والايمان والكفاءة أمثال عمّار بن یاسر وسلمان المحمّديّ ومالك الأشتر الذي خصّه بهذا العهد الشريف، وما فيه من تأديب هو من باب (إيّاك أعني واسمعي يا جارة) لأنّ هذا العهد دستور حياة ينبغي على كلّ متصدٍ للرياسة على الناس عبر القرون أن يعمل به ويهتدي بهديه.

ص: 28

مقاطع العهد الشريف

ص: 29

ص: 30

المقطع الأول (في أعمال الحاكم)

وهو قوله علیه السلام "ومن عهد له علیه السلام كتبه للأشتر النَّخَعي رحمه الله، [لا ولاه] على مصر وأعمالها حين اضطرب أمر محمّد بن أبي بكر رحمه الله، وهو أطول عهد كتبه وأجمعه للمحاسن.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللهِ عَلِيٌ أَميِرُ الْمُؤْمِنِينَ، مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الاْشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ، حِينَ وَلاَّهُ مِصْرَ: جِبْوةَ خَرَاجِهَا، وَجِهَادَ عَدُوِّهَا، وَاسْتِصْلاَحَ أَهْلِهَا، وَعِمَارَةَ بِلاَدِهَا. أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللهِ، وَإِيثَارِ طَاعَتِهِ، وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ: مِنْ فَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ، الَّتِي لاَ يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلاَّ بِاتِّبَاعِهَا، وَلاَ يَشْقَى إِلاَّ مَعَ جُحُودِهَا وَإِضَاعَتِهَا، وَأَنْ يَنْصُرَ اللهَ سُبْحَانَهُ بَيَدِهِ وَقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ، فَإِنَّهُ، جَلَّ اسْمُهُ، قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ، وَإِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ. وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ نَفْسَهُ عِنْدَ الشَّهَوَاتِ، وَيَزَعَهَا عِنْدَ الْجَمَحَاتِ، فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، إِلاَّ مَا رَحِمَ اللهُ. ثُمَّ اعْلَمْ يَا مَالكُ، أَنِّي قدْ وَجَّهْتُكَ إِلَى بِلاَد قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ، مِنْ عَدْل

ص: 31

وَجَوْر، وَأَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ فِى مِثْلِ مَا كُنْتَ تَنْظُرُ فِيهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلاَةِ قَبْلَكَ، وَيَقُولُونَ فِيكَ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِيهِمْ، إِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحِينَ بِمَا يُجْرِي اللهُ لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِهِ. فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَامْلِكْ هَوَاكَ، وَشُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لاَ يَحِلُّ لَكَ، فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الاْنْصَافُ مِنْهَا فَيَما أَحْبَبْتَ وَكَرِهْتَ".

المعنى العام

ابتدأ المقطع بتوطئة لجامع النهج الشريف الرضّي ذكر فيها المناسبة التي كُتبت فيها هذه الرسالة التي عُرفت بعهد مالك الأشتر لأنّها كالوصية العامة لولاة المسلمين جميعا وذكر الرضيّ زمان العهد ومكانه وصاحبه وهو الأشتر النخعي، ثم شرع الرضي بسرد كلامه علیه السلام وفيه ابتدأ الإمام علیه السلام هذا العهد بتحديد السلطة التي أسندها للأشتر، وهي في أربعة أمور:

الأوّل: (جباية الأموال) وهي من الوظائف الماليّة.

الثاني: (جهاد العدو) الشؤون الحربيّة.

الثالث: (استصلاح حال المواطنين) ويشمل الأمن والثقافة والصحة ووظائف الدولة والخدمات، وما إلى ذلك من الشؤون الاجتماعيّة.

الرابع: (عمارة البلاد) وتعمّ الزراعة والصناعة والتجارة والإسكان والمواصلات.

وهنا أجمل الإمام حقوق الرّعيّة على الراعي في توفير الأمن في الداخل

ص: 32

والخارج، وتأمين الحياة الاقتصادية، والتعليم والتوجيه الاجتماعيّ، وإقامة العدل. ففي صدر هذا العهد أجمل هذه الحقوق اجمالا ثم فصّلها بعد ذلك تفصیلا.

المستوى الصوتيّ:

س: الفعل (اضطرب) في "حين اضطرب أمر أميرها" فيه إبدال صوتيّ، ما نوعه وعلّته؟.

في الفعل أُبدلت التاء طاء، لأنّ أصل الفعل المجرد (ضرب) وعند بنائه على افتعل صار (اضترب)، فجاورت الطاء التاء في المخرج نفسه (الأسناني اللثوي) مع اختلاف في صفتيهما فالضاد صوت مجهور مطبق والتاء صوت مهموس مرقّق فسبّب ذلك صعوبة في النطق، لذا قورب بين الصوتيّن بقلب التاء طاء لأنه صوت يشبه التاء في صفة الهمس ويشبه الضاد في صفة الإطباق فهو نظير لكليهما.

س: استعمل الإمام علیه السلام لفظة (الجَمَحَات) للتعبير عن خروج النفس عن حدها الطبيعيّ وهي من الجموح فهل يمكن استبدال لفظة (الطموح) بها لأداء المعنى ذاته؟ علّل ذلك صوتيّا من خلال النظر في التعاقب الصوتي على فاء اللفظة؟

قد يرد اللفظان بمعنى واحد معجميّا، يقال: جمحت المرأة فهي جِامح طامح بمعنی نشزت، وطمح الفرس تطميحا: رفع يديه. غير أنّ مشتقات

ص: 33

الجذرين (جمح وطمح) تشترك في معنى الخروج عن الشيء، فإذا كان خروجا عن المألوف سُمّي جماحا، نحو امتناع الفرس عن طاعة فارسها، وهو خروج عن الحالة الطبيعيّة. أمّا الطموح فهو خروج عن مستوى ما إلى أعلى منه، فيستعمل في مجال النفع والإيجاب . اما إذا استعمل في المرأة والفرس فهو مذموم لما فيه من الارتفاع على من له حقّ الطاعة، فالمرأة الطامح تعلو على زوجها، والفرس الطامح يرفع قدميه عنادا، فجمح بملحظ الجيم المركّبة بين الشدّة والرّخاوة فيه خروج عن الحدّ الطبيعي يستلزم جهدا فهو بمعنى ذهاب الشيء قُدُما بغلبة وقوّة: جمح الفرس جماحا: إذا اعتزّ فارسه حتى يغلبه، قال تعالى:

«لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ» [التوبة: 57].

أي: يسرعون إسراعا لا يردّه شيء كالفرس الجموح الذي لا يردّه اللجام فلا يستطيع أحد منعه، وإن تعرّض له أحد دفعه، وهذا حال المنافقين في فرارهم من المعارك. أمّا طمح فبملحظ الطاء المطبقة التي يرتفع معها اللسان إلى أعلى الحنك أفاد اللفظة دلالة على خروج بارتفاع وهو ليس خروجا عن المألوف وإنّما خروج في دائرة المألوف الطبيعيّ إلى ما هو أعلى منه، وفي النصّ المتقدّم أراد علیه السلام كبح هوى النفس التي إن تُرك لها المجال تردّت إلى أسفل سافلين فصارت أضلّ من الأنعام، لذا استعمل (جمحات) للدلالة على خروج النفس عن حدها الذي رسمه الله لها، ولم يستعمل لفظة (طمحات) لما فيها من الجانب الإيجابي على ما وضّحنا.

س: في النصّ المتقدّم إيحاء صوتيّ للفظة (يزعها) في قوله علیه السلام: "يزعها عند الجمحات" جعلها أولى في الاستعال من ألفاظ أخرى، نحو (یكفّها أو يمنعها

ص: 34

أو ينهاها)، فما أثر الصوت في إيثار هذه اللفظة على غيرها؟.

الجذر (وزع يَزع وَزَعَا) يدلّ على الكفّ والمنع، وهو يشمل المنع المادّيّ والمعنويّ، فالمنع الماديّ الظاهر نحو قوله تعالى:

«وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ» [النمل: 17].

أي: يُمنعون من الإخلال بالنظام فهم على كثرتهم لم يكونوا مُهملين أو متروكين، بل كان أفراد كلّ جنس محشور مع سليمان منتظمين بأن يردّ أوِلهم على آخرهم كي يقفوا جميعا في صف واحد لئلا يتقدموا في المسير على بعضهم، وكذا قوله تعالى:

«وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ» [فصلت: 19].

أي: يمنعون من الإفلات من هذا الحشر والجمع فيحبس آخرهم على أولهم بأن يوقف أوائلهم ليخلفهم أواخرهم ثم يساقون للحشر جميعا. والوازع: الذي يتقدّم الصفّ فيصلحه، يقدّم ويؤخّر، وجمعه: وزعة. غير أنّ هذا المنع يتصف بالانتظام والتقدير فهو منه متقن لا يبلغ فيه فيكون تفريطا ولا يتساهل فيه فيكون إفراطا، ولذا اقترن بالنفس الإنسانية في قوله علیه السلام التي تستدعي الفطرة السليمة أن يضبط كلّ امرئ نفسه عن هواها بمقدار معين يراعي العرف والشرع فليس المنع للنفس تامّا عن كلّ شيء كما يفعل المتصوّفة والرهبان ولیس النفس مطلقة كما يفعل السفهاء والفسقة، ولإيحاء جرس الكلمة أثر كبير في اكتسابها هذه الدلالة الدقيقة الذي هو المنع الداخليّ النابع من الصميم والوجدان وليس بأداة خارجية، فالوزع كفّ النفس عن هواها لتكون مساوقة للفطرة السليمة ولا تنفلت منها إلّا بمقدار منتظم محدّد حين يكون الجموح مرغوبا فيه كما في

ص: 35

ساحة الحرب مثلا، أمّا الكفّ والمنع فلا يفيدان الدلالة على المنع المنتظم لأنّ الكفّ يعني الرجوع إلى الوراء وهو خلاف الانطلاق، والمنع خلاف الإعطاء وهو في المادّيات كقوله تعالى:

«وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ» [الماعون: 7].

وأمّا النهي فخلاف الأمر وهو في المعقولات كما في قوله تعالى:

«وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى» [النازعات: 40].

المستوى الصرفيّ

س: استخرج أبنية الأفعال المزيدة الواردة في النصّ، مع بيان معاني الأحرف الزائدة في كلّ صيغة؟

1. ولّاه: فعل ماض لفيف مقرون، مزید بتضعیف العين على (فعّل)، والتضعيف أفاد التعدية إلى المفعول الثاني إذ يقال: وليِ فلان الأمرَ و ولّاه الوالي الأمرَ.

2. اضطرب: ماض مزید بهمزة الوصل والتاء على (افتعل) يفيد المطاوعة ومعنى المطاوعة هو إنّ أثر الفعل يظهر على مفعوله فكأنّه استجاب له، فمعنى (اضطرب فلان) أنّ ثمة من ضربه بشيء محسوس أو معقول فظهر أثر ذلك الشيء عليه، وقد يقال إنّ (اضطرب) معناه المبالغة في الضرب للأمر، وهو جانب معنويّ يفهم منه عدم استقرار الوضع.

ص: 36

3. تكفّل: ماض مزيد بالتاء وتضعیف العين، يفيد المبالغة في ضمان حصول النصر لمن نصر الله باتباع أوامره، فكفل يعني: ضمن. وتكفّل أبلغ منه لأنّ كلّ زيادة في المبني توجب اختلاف في المعنى، وقد يفيد (تكفّل) معنى التدرّج والاستمرار في حصول الفعل والمعنى المحصل من قوله علیه السلام: "قَدْ تَکَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ، وَ إِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ". أنّه تعالى ينصر أصحابه مع تعاقبهم في الأزمنة والعصور حتّى قيام الساعة.

4. أعزّه: ماض مزید بهمزة القطع ليفيد التعدية، والمجرّد: عزّ الشيء: قلّ وندر، وأعزّه: جعله عزيزا لا يُقدر عليه.

5. وجّهتك: ماض مثال مزید بتضعیف العين، والتضعيف أفاد الجعل، وأصله من الوجه وهو ما يقابل به الشيء، يقال: وجُه بالضم وجاهة:

صار ذا منزلة بين قومه، ووجّهت الشيء: جعلته على جهة.

6. يُستدل: مضارع مبنيّ للمجهول، مزید بهمزة الوصل والسين والتاء، يدلّ على الصيرورة، أي: صار ذا دليلٍ يعلمه بما یرید. و حذفت همزة الوصل لصياغة المضارع.

7. أحبّ: ماض مضعّف مزید بهمزة القطع، والمجرّد يأتي لمعنى آخر من الباب الخامس وهو ظهور الحَبّ على البشرة، ويبدو أن الحُبّ بمعنی الودّ مشتقّ من الحَبّ على البشرة إذ يقال: حبَّه وأحبّه بمعنى أصاب حبّة قلبه كما يقال: جلده إذا أصاب جلده، و دمغه إذا أَصاب دماغه، وبطنه إذا أصاب بطنه وغير هذا ولكنهم ذكروا أنّ المجرد (حبّ بمعنی ودّ) غير مستعمل فيبدو أنهم اكتفوا عنه بالمزيد أحبّ الدال على المبالغة منه ومع ذلك ذكر بعض المعجميّين المجرّد بمعنى الودّ فقالوا "حبّ

ص: 37

الإنسان: صار محبوبا وحبّ فلانا: ودّه".

س: استخرج المصادر المزيدة الواردة في النصّ، وبيّن دلالاتها؟

1. جباية : مصدر على فِعالة من جبیت المال أجبيه جباية، وهو مصدر دالّ على الحرفة لمن يقوم بجمع المال.

2. جهاد: مصدر من جاهد على فِعال، دالّ على المشاركة.

3. استصلاح: مصدر على استفعال من استصلح، أي: صيرورتها صالحة.

4. عمارة: مصدر من عمَر الناس الأرض عِمارة يعمُرونها من الباب الأول، وهي عامرة معمورة، والتعمير مبالغة من العبارة الذي هو مصدر دال على الحرفة وهو في قوله تعالى: «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» [التوبة: 19]. والآية نزلت في أمير المؤمنين الذي آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيله. وفيها تعريض بمن ظنّ أن سقاية الحاجّ وعارة المسجد أفضل من الإيمان والجهاد.

5. إيثار: مصدر من آثر على أفعل إيثارا (إفعالا)، وهو تفضيل طاعة الله تعالى على كلّ شيء، والأصل: أأثر ثم سهلت الهمزة وجوبا للقاعدة الصرفيّة في التقاء همزتين أوّل الكلمة، الأولى متحركة والثانية ساكنة فتقلب الساكنة حرف مدّ من جنس حركة الأولى.

6. جحود: مصدر على فُعول من جحد يفيد تغيّر الشيء من حال إلى آخر بصورة مفاجئة، وهو ما يعبّر عنه صرفیّا ب(العلاج)، والمصدر المقيس: (جحدا).

ص: 38

7. اتّباعها: مصدر على الافتعال من اتّبع على افتعل، أدغمت فاء اللفظة (تبع) في تاء الافتعال، وهو دالّ على المبالغة في التبعيّة.

8. إضاعتها: مصدر على إِفَعْلة على رأي سيبويه، أو على إفالة على رأي الأخفش، من: أفعل إفعالا ثم حصل إعلال لالتقاء الساكنين (عين الفعل وألف الصيغة)، وزيادة الهمزة في الصيغة أفادت التعدية لأن المجرد (ضاع) لازم و(أضاع) متعدٍ.

9. إعزاز: مصدر على إفعال من أعزّه: صيّره عزيزا بزيادة همزة القطع على أفعل.

10.الإنصاف: مصدر على الإفعال من أنصف على أفعل، وهو المعاملة بالعدل، وأنصفت فلانا من فلان: استوفيت له حقّه دون أن أظلم أحدهما فكأني وقفت في النصف منهما فالمجرد يدلّ على منتصف الشيء يقال: نصفت الشيء إذا بلغت نِصْفَهُ. تقول: نَصَفْتُ القرآن، أي بلغت النِصْفَ. ونَصَفَ عُمرَه ونَصَفَ الشيبُ رأسَه، ونَصَفَ الإزار ساقه. وعلى هذا المعنى دلت ألفاظ أخرى منها العَدل إذ هو من العِدل بالكسر ومعناه المِثْلُ. تقول: عندي عِدْلُ غلامِك وعِدْلُ شاتِكَ، إذا كانَ غلاماً يَعْدِلُ غلاماً وشاةً تعدل شاةً، وأما المعنى الصرفيّ للإنصاف فهو مجاز من بلوغ نصف الشيء وإظهاره بعدما كان خافيا لأن نصف الشيء حقيقة في التوسط بين أمرين والمساواة بينهما وتعادلهما دون جور على أحدهما.

11. التقوى: اسم مصدر من اتّقى اتّقاء، أي: اتّخذ وقاية، وهي الحفظ والصيانة، من وقى المجرّد، وقاه الله وقيا ووقاية، والأصل (وقوى) على

ص: 39

(فعلی) فأبدلت الواو تاء، وفي (التّقى اتّفاء) قلبت الواو تاء وأدغمت في تاء الافتعال.

س: لماذا حُذفت همزة الوصل من الفعل (شحّ) في قوله علیه السلام: "وشحّ بنفسك"، ولم تحذف من الفعل (علم) في قوله علیه السلام: "ثمّ اعلم يا مالك"؟.

لأنّ الفعل شحّ مضعّف، ويجوز في الأمر منه فكّ الادغام وعندئذ تلزمه همزة الوصل لسكون أوّله فيقال: اشحح، نحو «وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ» [لقمان: 19]، ويجوز الإدغام فيحرّك أوّله لانتقال حركة عينه إلى فائه لأجل الادغام، نحو قول جرير:

فغضّ الطرف إنّك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا

س: القول بتناوب الصيغ الصرفيّة محلّ خلاف بين اللغويّين، بيّن موقفك من هذه المسألة من خلال توضیح لفظة (ذخيرة) التي تفسّر بالمذخورة في قوله علیه السلام: "فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح"؟

ان مسألة التناوب يمكن قبولها من ناحية التفسير التقريبيّ لمعنى اللفظ، أمّا الدلالة الدقيقة للصيغة الصرفيّة فلا يمكن خروجها إلى صيغة أخرى، والذخيرة اسم لما يدّخر من النفائس ليوم الحاجة لها، فهي مذخورة، غير أنّ الفرق الدقيق بين فعيلة ومفعولة هنا، أنّ المفعول صيغة تفيد ما وقعت عليه بزمن معيّن دون غيره، أي في لحظة ادّخارها في زمن مضى. أمّا الذخيرة فهي ما يدّخره الإنسان في كلّ وقت وهو متخصّص بالنفائس دون غيرها، وقد يكون غير مدخور بعد، أي إنّ هناك أعمالا صالحة ربّما لم تتيسر له وعلى الوالي تحصيلها لتكون ممّا يدّخره ليوم شدّته، فالتاء في ذخيرة هي تاء النقل للاسمية، أي: ما يعدّ لأن يدّخر على مثال ذبيحة أي: ما أعدّ للذبح وان لم يذبح.

ص: 40

س: الرحمة هي العطف الالهيّ على الخليقة، وهي مأخوذة من مادّة (رحم) غير أنّ لها اشتقاقين متلازمين هما (الرحمن، الرحيم) فما الفرق الدلاليّ بين هاتين الصيغتين؟ الرحمن (فعلان) وهو صيغة مبالغة، أمّا الرحیم فهو (فعيل) صفة مشبّهة. والفرق بين الصيغتين واضح بين المبالغة والثبوت، وإنّما تتلازم هاتان الدلالتان في صفة الخالق تعالى لتجمع دعوة المخلوق لخالقه في زمن الدنيا إذ يحتاج فيها إلى دوام رحمة الخالق تعالی بصيغة الرحیم، ودعوة المخلوق لخالقه التي لا تخلو من المبالغة في طلب الرحمة في يوم شدّة الاحتياج اليها وهو يوم القيامة، لذلك يقال في حقّه تعالى: رحیم الدنيا ورحمن الآخرة، وكذلك تطلق لفظة الرحمن في الشدائد الدنيويّة التي يحتاج فيها إلى زيادة العطف الالهي، وهاتان الصفتان لا يفصل بينهما بالعطف؛ لأنّهما یلازمان دعوة العباد في دنياهم وآخرتهم.

س: كيف توجّه صرفیّا دلالة لفظة (الأشتر)؟

هي صفة مشبهّة من الشَّتَر، وهو عيب دالّ على شقّ في العين، والعيوب تأتي صفة ثابتة في صاحبها من الباب الرابع، يقال: شِترت عينه تشتَر شَتَرا، فهو أشتر على أفعل ومؤنثه شتراء على فعلاء، نحو: أعرج وعرجاء، غير أنّها في حقّ هذا المجاهد صفة للبطولة، فهي صفة مدح حازها لإقدامه في المعارك.

المستوى النحويّ

س: الجملتان (و من کتاب له علیه السلام) و (بسم الله الرحمن الرحیم) تعربان خبرا، عيّن المبتدأ لكلّ منهما؟.

المبتدأ في الجملة الأولى تقديره: هذا العهد المذكور هو من كتاب له علیه السلام، ويجوز أن يكون المبتدأ مؤخّرا، والتقدير: من كتاب له علیه السلام قوله: بسم الله، وأما

ص: 41

(بسم الله الرحمن الرحيم) فتُعرب خبرا لمبتدأ محذوف، تقديره: ابتدائي هو بسم الله، على رأي البصريّين، على حين يعربها الكوفيّون جارّا ومجرورا في محلّ نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره: قولي باسم الله الرحمن الرحیم.

س: استخرج الجمل الاعتراضيّة من النصّ، وبيّن محلّها الإعرابيّ ودلالتها؟.

الجمل المعترضة هي علیه السلام، (رحمه الله)، (سبحانه)، (جلّ اسمه). وهي جُمل لا محلّ لها من الإعراب تفيد الدعاء. أمّا سبحانه فتُعرب نائبا عن المفعول المطلق والتقدير: أسبّحه سبحانه، والمعنى تنزيه الله تعالى.

س: لمَ عُطفت لفظة (أعمالها) على مصر، مع أنّها جزء من الولاية على هذا المصر؟

القيام بأعمال مصر جزء من الولاية عليها، ولا يعطف الشيء على نفسه أو ما هو جزء منه إلا إذا أريد إبراز أهميّة هذا الجزء، والولاية للحاکم تشمل الأمور السياسيّة والعسكريّة والاداريّة والاقتصاديّة والثقافيّة، أي نواحي الحياة كلها.

س: ما نوع (إلّا) في قوله علیه السلام: "لا يسعد أحد الا باتّباعها" و "فإن النفس أمّارة بالسوء الا ما رحم الله"؟.

إلا في الجملة الأولى أداة حصر سبقها نفي، والمعنى: السعادة هي اتّباع أوامر الله، و إلا أداة استثناء ملغاة، نحو قوله تعالى:

«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» [آل عمران: 144].

فلا يُراد بها إخراج جزء من كلّ، وفي الجملة الثانية (إلا) أداة استثناء

ص: 42

أخرجت أصحاب النفوس الزكيّة الذين رحمهم الله لإخلاصهم وصدقهم من عموم الناس الذين تأمرهم نفسهم بالسوء ولم يعالجوها ویزکّوها، قال تعالى عن النفس «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا» [الشمس: 9]، والنفس لفظ يفيد العموم الملحظ (أل) الجنسيّة، أي: كلّ النفوس عدا ما رحم الله تعالی.

س: لمَ ورد المنادى مضموما في قوله علیه السلام: "ثمّ اعلم يا مالكُ"؟.

المنادی منصوب ولكنّه إن كان علما أو نكرة مقصودة فإنّه يُبنى على ما يرفع به في محلّ نصب، فمثال العلم: يا مالكُ، وهو الأشتر، ومثال النكرة المقصودة؛ یا طالبُ، والمراد طالب مقصود.

س: لم وردت لفظة (مصر) محرّكة بالفتح في قول الرضيّ: "لمّا ولّاه على مصرَ" مع إنها مسبوقة بحرف جرّ؟

لأنّ هذه اللفظة اسم علم أعجمي سُمّي به هذا البلد فمُنع من الصرف للعلمية والعجمة كما في قوله علیه السلام وكذا في قوله تعالى: «وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ» [يوسف: 99]، ورأى الزمخشري وغيره أنّ مصر معرّب من لسان العَجَم، فإنّ أصله مِصْرائيم فعُرّب، وعلى هذا إذا قيل: إنّه علم المكان بعينه، فلا ينبغي أن يصرف لانضمام العُجْمة إليه، ولذلك أجمع الجمهور على منعه من الصرف في قوله تعالى: «ادْخُلُوا مِصْرَ». أما صرف اللفظة في قوله تعالى: «اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ» [البقرة: 61] فإمّا أنْ يكون المراد اسم البلد نفسه، ولكنه نوّن لسكون وسطه، کما نوّن نوح وهود عليهما السلام في قوله تعالى: «وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ» [هود: 42]. وقوله تعالى: «إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ» [الشعراء: 124] أو يكون المراد بالمصر في هذه الآية بقعة من الأرض وليست

ص: 43

علما للبلد لأنّ المِصْر في أصل اللغة: الحَدّ الفاصل بين الشيئين.

س: ما نوع (ما) في قوله علیه السلام: "وإنّما يستدلّ على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده"؟.

(ما) الأولى زائدة كافّة لمجيئها بعد حرف التوكيد (انّ)، فكفته عن العمل، أمّا (ما) الثانية فهي اسم موصول، والجملة بعدها صلة لا محلّ لها من الإعراب، و (ما) وما بعدها في محلّ جرّ بالباء؟.

س: في النصّ ألفاظ تُعرب بدلا، عيّنها وبين نوع البدل في كلّ منها؟

1. لفظة (ابن) في: محمد بن أبي بكر، مالك بن الأشتر، وهي بدل كلّ من كلّ، والبدل تابع للمبدل منه في الإعراب، فابن الأول مرفوع لأنّ المبدل منه (محمد) يعرب فاعلا للفعل اضطرب. وابن في العبارة الثانية منصوب لأنّ المبدل منه (مالك) مفعول به للفعل ولّی.

2. لفظة (عليّ) بدل من (عبد الله)، مرفوع لأنّ المبدل منه فاعل وهو بدل كلّ من كلّ.

3. لفظة (جباية) بدل من (مصر)، وهو بدل اشتمال ؛لأنّ مصر تشتمل في ولايتها على هذه الأمور من الجهاد واستصلاح الأهل وعمارة البلاد وجباية الخراج، وهذه نحو قوله: أعجبني زيد علمه، والبدل (جباية) منصوب لأنّ المبدل منه (مصر) مفعول به للفعل (ولّی).

س: استعملت الأداتان (لمّا) و (حين) اللتان تدلّان على الظرفيّة الزمانيّة الشرطيّة غير العاملة، فهل يمكن استبدال أحدهما بالأخرى في قوله علیه السلام: "ومن کتاب له علیه السلام كتبه للأشتر النخعيّ... لمّا ولّاه على مصر وأعمالها حين اضطرب أمر أميرها"؟

ص: 44

إنّ دلالة هاتين الأداتين واحدة غير أنّ ثمّة فرقا دقیقا بينهما في الاستعمال في (لمّا) تستعمل لتشمل الزمن المطلق فهي سواء في الماضي والمستقبل کا قوله تعالى: «وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ» [يس: 32] والزمن هو يوم القيامة وقوله تعالى: «فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ» [ الأنعام: 77] و ما بعد لمّا يكون سببا لما قبلها ففي قوله علیه السلام هذا كان تولّي الاشتر مصر سببا لهذا الكتاب، أمّا (حين) فتدلّ على التوقيت، وما قبلها مظروف بما بعدها أي إنّ كتابة العهد كان في زمن التولية وفي قوله تعالى: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» [النحل: 6] تكون الأنعام جميلة في نظر مالكها في وقت رواحها من المرعی عصرا وفي وقت سروح إليه صباحا.

المستوى المعجميّ

س: في لفظة (الخراج) حصل تطوّر دلاليّ، بيّن نوعه من خلال تتبّعك للاستعمال اللغويّ تاريخيّا؟.

لفظة الخراج اسم من أخرج يخرج إخراجا، وهي في الأصل تدلّ على كلّ ما يخرج بمقدار معلوم محدّد، قال تعالى: «أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ» [المؤمنون: 72]، والخرج هو اسم أيضا من أخرج الا أنّه يكون مقابل عمل، أي هو الأجر على عمل شيء وهو غير معيّن بالمال ولا بالمقدار کما في قله تعالى: «قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ

ص: 45

فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا» [الكهف: 94]، فهم أرادوا أن يدفعوا أجرا لكنّه غير معیّن نوعه لذا سمّوه خرجا، أمّا الخراج فهو محدّد ممن يخرجه مقدارا لا نوعا، لذا قال: (فخراج ربك خير) لا يعلم نوعه لكنّه سبحانه يقدّره بمشيئته، ثم تطور الخراج ليصيرا دالّا على المقدار المعلوم نوعا فضلا عن كونه معلوما مقدارا و هو الضريبة التي تدفع على الأراضي الزراعيّة، وقيل إنّها خصّت بعد هذا التخصيص أيضا بما يفرض على أهل الذمّة من مال على أراضيهم، فاللفظ طرأ عليه تخصیص بعد عموم.

س: قرنَ أمير المؤمنين علیه السلام العدل بالجور، فهل يمكن أن يستبدل بالجور لفظة الظلم، وبالعدل لفظة الإنصاف الواردة في النصّ نفسه؟.

أصل الظُّلم نقصان الحقّ وإخفائه وحجبه ومنه سُمي الظلام لأنه تغطية للنور، وأما الجور فهو الْعُدُول عَن الْحق والابتعاد عنه، من قَوْلنَا: جَار عَن الطَّرِيق إذا عدل عَنهُ. وقوبل بَين النقيضين فَقيل فِي نقيض الظُّلم: الإنصاف وَهُوَ إظهار الْحق وبيانه وذلك بلزوم نصفه و عدم التطرف فيه بغية إخفائه، وأما نقيض الْجور فهو الْعدْل والاستقامة وذلك باتباع الحق وعدم مخالفته. ولمّا كان الجور والعدل من الميل عن الحقّ وإليه، اقترنا في کلام أمير المؤمنين، فلا يمكن استبدال الظلم بالجور؛ لأنّ الظلم تغطية للحق وتعمية عليه. والجور ترك الحقّ جانبا. وبهذا الملحظ سمي الجار جارا لأن بيته إلى الجانب من بيتك فيميل عن بابه يمينا أو شمالا.

س: استعمل علیه السلام الشحّ دون البُخل في قوله: "فإنّ الشحّ بالنفس الإنصاف منها فيما أحبّت أو كرهت"، في الفرق اللغويّ بين اللفظين أم أنّهما مترادفان؟

اللفظان ليسا مترادفين وإنّما تتقارب دلالتهما على معنى المنع من الاعطاء،

ص: 46

غير أنّ الشحّ هو منع مع حرص وهو غريزة في النفس تحملها على الامساك والتقتير. أمّا البخل فهو المنع فقط، وهو على هذا أقلّ مرتبة من الشحّ، واستعمل الإمام علیه السلام هذه اللفظة لإرادة الحرص على منع النفس من ارتكاب المحرّمات لا امتناعها فقط، وهو تأكيد أبلغ من النهي عن ارتكاب المحرّمات، أي احمل نفسك على الحرص على اجتناب المحرّمات، ثم عرّف الشحّ بالنفس بأنّه الإنصاف منها فيما أحبّت أو كرهت، أي أن تردع نفسك عن الشّرّ إن أحبّته، وتدفعها إلى الخير إن كرهته وصدّت عنه، والإقبال على الشيء المحرّم لابدّ من أن يقابله منع شديد يؤدّيه لفظ الشّحّ، قال تعالى: «وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»، وجاء اللفظ في سياق كلامه علیه السلام عمّن يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، فالإيثار على النفس يحتاج إلى التخلّص من الحرص الداخليّ حتى يصل إلى الفلاح.

س: في قوله علیه السلام: "ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها"، هل الجحود بمعنی الانکار؟.

الإنكار هو عدم معرفة الشيء «وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ» [يوسف: 58]. أمّا الجحود فهو عدم اعتراف بما هو ثابت في القلب معرفته و حقيقته، «وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ» [النمل: 14]، ولذا فسّره الراغب الأصفهاني بأنّه نفي ما في القلب إثباته، فالإنكار هو امتناع عن قبول أوامر الله قد تكون عن عدم معرفة أو عن عناد وعصيان، أمّا الجحود فلا يكون إلا عن معرفة قلبيّة يقينيّة «فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ» [الأنعام: 33]، ولذا استعمله علیه السلام في النصّ لاقترانه بالجزاء وهو الشّقاء.

ص: 47

س: تسمّى الأوامر الالهيّة بالفرائض تارة وأخرى بالواجبات، فما الفرق بين الاستعمالين؟ ولماذا استعملت الفرائض مقابل السنن في قوله علیه السلام: "واتباع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسننه"؟

الفرائض هي ما أوجبها الله تعالى على الناس كالصلاة والصوم وغيرهما وهي لما هو محدد في صفته وحاله من الفرض: الحَزُّ في الشيء. يقال: فرضتُ الخشبة إذ حززتها و جعلت لها حدودا

ومنه قوله تعالى في مبتدأ سورة النور «سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» [النور: 1] وفي الفرائض أحكام محددة واجبة التنفيذ لا تأويل فيها كآیات تفصيل الحجاب وغيرها. أما السنن فجمع سنّة وهي الطريق الواضح الذي يُتّبع وقد يكون مستقيما وهو طريق الأنبياء والصالحين وقد يكون مُهلكا كطريق الغاوين من أتباع إبليس. وفي قوله علیه السلام أضيفت السنن إلى ضمير لفظ الجلالة تفريقا بينها وبين سنّة الغاوین.

المستوى البلاغيّ

س: الالتفات أسلوب بلاغيّ له حالات متعدّدة، عيّنه في النصّ، وبيّن نوعه.

الالتفات من فنون علم المعاني؛ لأنّه یعنی بحال السامع، فهو أسلوب يستعمل لدفع الملل الحاصل من تكرار أسلوب المتكلّم به مع السامع، وذلك بتغيير جهة الكلام من الخطاب إلى الغيبة نحو: «حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ

ص: 48

وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ» [يونس: 22]، أو إلى التكلم وبالعكس، وكذلك يحصل الالتفات بتغيّر زمن التكلم من الماضي إلى المضارع أو الأمر أو بالعكس نحو: «اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا» [الروم: 48]، ويحصل بتغيّر الضمائر بين إفراد أو جمع أو تثنية نحو: «فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ» [البقرة: 17]. وفي القرآن الكريم والحديث الشريف وكلام الأئمة الأطهار يؤتى بالالتفات لأغراض دلاليّة هي الاهتمام وتركيز الذهن على المعنى الملتفت إليه، وفي كلام أمير المؤمنين علیه السلام نجد التفاتا من الغيبة إلى الخطاب في قوله علیه السلام: "هذا ما أمر به عبد الله عليّ امير المؤمنين... أمره بتقوى الله... ثمّ أعلم یا مالك أنّي قد وجّهتك" وهو من الزمن الماضي إلى الحاضر، والغرض من الالتفات هو التنبيه على الملتفت إليه، فبعد أن أوصى الإمام علیه السلام بما هو من مباني الإسلام العامّة في التقوى ومخافة الله توجّه علیه السلام بالحديث عن خصوص هذا العهد وهو حال البلاد المرسل إليها وإليه وهذا يستلزم تركيز الفكر على المهمّة الجديدة التي تشكّل محور هذه الرسالة.

وفي النصّ التفاتٌ من نوع آخر يندر استعماله وهو التحوّل من صيغة المبنيّ للمعلوم إلى المبنيّ للمجهول في قوله علیه السلام: "واتباع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسننه التي لا يُسعد أحد إلّا باتّباعها ولا يَشقى إلّا مع جحودها وإضاعتها" ولهذه المغايرة في بناء الفعلين ملمح دلاليّ يراد منه تنبيه الإنسان على أنّ أسباب شقائه هي من صنع يده واختياراته لذا أسند الفعل للفاعل الظاهر على حين أنّ أسباب السعادة هي ما يهيّئه الله له فطرة وتوفيقا.

س: التوكيد من فنون علم المعاني التي يراعى فيها حال المخاطب إن كان

ص: 49

منكرا أو متسائلا أو رافضا للقول، عیّن هذا الأسلوب؟

يظهر هذا الأسلوب جليّا في استعمال حرف التوكيد (إنّ) في قوله علیه السلام: «إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ» و (وإن الشحَّ بالنفس الإنصاف منها)، وكذلك يظهر في أسلوب القصر ب(إنّما) في قوله علیه السلام: "إنما يستدلّ على الصالحين.." ؛ لأنّه يحصر الاستدلال على الصالحين بكلام العباد في مدحهم، وهو أكثر توکيدا من استعمال حرف التوكيد إنّ.

س: أسلوب التقديم والتأخير يراد به الاهتمام بالمقدّم، استخرج هذا الأسلوب وبيّن نوع التقديم؟

في النصّ أنماط من التقديم والتأخير منها:

1. قوله علیه السلام: "جرت عليها دول" إذ قدّم الجار والمجرور وهو المتعلّق على الفاعل دول.

2. في قوله علیه السلام: "فليكن أحبَّ الذخائر إليك ذخيرةُ العمل الصالح" إذ قدّم خبر كان (أحبَّ) على اسمها وهو العمل الصالح. س: أسلوب الفصل والوصل من الأساليب البلاغيّة الخاصّة بالجمل، عيّنه واذكر الغاية منه؟

اذا كانت الجمل المتتالية بمعنى واحد لم يحتج إلى أدوات الربط (حروف العطف) لذا يسمّى عدم استعمال حروف العطف معها بأسلوب الفصل نحو: «يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ»، على حين إذا اختلفت معاني الجمل ولم يتساوَ معناها العامّ استُعملت أدوات العطف لربط بعضها ببعض وهذا هو أسلوب الوصل، نحو: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» فالعبادة تختلف عن الاستعانة، وأسلوب الوصل نجده في النصّ المتقدّم في قوله علیه السلام: "أمره ان يكسر من

ص: 50

نفسه عند الشهوات ويزعها عند الجمحات"، وفي قوله: "فاملك هواك وشحّ بنفسك".

س: في النصّ طباق استخرجه وبيّن نوعه؟

الطباق من فنون علم البديع، وهو نوع من المحسنّات المعنويّة إذ يجتمع لفظان في الكلام على نحو متقابل، وهو على نوعين: طباق الإيجاب إذا كانت اللفظتان متضادتين، أي: مختلفتان لفظا ومعنى، نحو: «وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ»، و طباق السلب إذا اجتمعت لفظتان متشابهتان لفظا ومعنى وبينهما نفي وإثبات، نحو: «يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ»، وفي النصّ طباق الإيجاب في قوله علیه السلام: "إلى بلاد قد جرت عليها دول من قبلك من عدل وجور"، و "فان الشحّ بالنفس الإنصاف منها فيما أحبت أو كرهت"، و "لا يسعد أحد إلّا باتباعها ولا يشقى الا مع جحودها" وهذا الأسلوب يوضّح المعنى ويؤكّده لدى المتلقي.

س: في النصّ اقتباسات، استخرجها وبيّن الفنّ البلاغيّ الذي تنتمي إليه؟

الاقتباس من فنون علم البديع وهو من المحسّنات اللفظيّة، ويكون بإدراج آية من القرآن الكريم أو من الحديث الشريف، وفي النصّ اقتباس من القرآن في قوله علیه السلام: «وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي» وهو اقتباس من سورة يوسف الآية 53، وكذلك في النصّ اقتباس من الحديث النبويّ في قوله علیه السلام: "وأن ينصر الله بيده وقلبه ولسانه" مقتبس من قوله صلّى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح مسلم ومسند أحمد وغيرهما: (مَنْ رَأَی مِنْکُمْ مُنْکَراً فَلْیُغَیِّرْهُ بِیَدِهِ، فَإِنْ لَمْ یَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ یَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، و ذَاك أَضْعَفُ اَلْإِیمَانِ).

ص: 51

س: في قوله علیه السلام: "يزعها عند الجمحات" استعارة، بيّن نوعها؟

شبّه الإمام علیه السلام نفس الإنسان بالفرس عندما تجمح بفارسها، أي: تخرج عن طاعته، ثمّ حذف المشبّه به (الفرس) وذكر لازما من لوازمه وهو الجماح، فهذه استعارة مكنيّة.

س: في قوله علیه السلام: "اني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك" مجاز، بيّن نوعه؟

لفظة بلاد جمع بلَد کجَمل جمال وجَبل جبال، والكلام عن مصر وهي بلد واحد وليست جمعا فأطلق الجمع وأريد به المفرد، وهذا مجاز مرسل بعلاقة الكليّة ففي قوله علیه السلام هذا عبّر عن مصر البلد المعروف بأجزائه وهي ما يشتمل عليه من المدن والقرى للتأكيد على كونه مسؤولا عن هذا البلد (مصر) بكلّ أجزائه، فالبلد بلد بمدنه وقراه وسائر ثغوره.

س: عُرف عن مالك الأشتر رضي الله عنه بالزهد والتقى، فلماذا صدرت الأوامر العلويّة له بالتزام هذه الخصال وهي من صفاته؟.

أمر بذلك لوجهين: الأوّل: التأكيد عليها من خلال التذكير بها، عملا بقوله تعالى: «فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ» [ق: 45]، والثاني: أنّه على أسلوب: إيّاك أعني واسمعي يا جارة، وهو أسلوب بلاغيّ يراد به إسماع غير المخاطب من خلال إصدار الأوامر لمن هو أعلى منه رتبة فيفهم منه العمل بها على نحو ما نجد في أدعية الأئمّة عليهم السلام بالغفران و إبعاد الكسل والتوفيق للطاعة، وهم من يأتي بها كلّها فما دونهم من الخلائق أولى.

ص: 52

المقطع الثاني (في خصال الحاكم)

قوله علیه السلام: "وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الَعَمْدِ وَالْخَطَاَ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ، وَ وَالِي الأمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، وَاللهُ فَوْقَ مَنْ وَلاَّكَ! وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ، وَابْتَلاَكَ بِهِمْ.

وَلاَ تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللهِ، فَإِنَّهْ لاَيَدَيْ لَكَ بِنِقْمَتِهِ، وَلاَ غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ. وَلاَ تَنْدَمَنَّ عَلَى عَفْوٍ، وَلاَ تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَةٍ، وَلاَ تُسْرِعَنَّ إِلَى بَادِرَةٍ وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً، وَلاَ تَقُولَنَّ: إِنِّي مُؤَمَّرٌ آمُرُ فَأُطَاعُ، فِي الْقَلْبِ، وَمَنْهَكَةٌ لِلدِّينِ، وَتَقَرُّبٌ مِنَ الْغِيَرِ. وَإِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً أَوْ مَخِيلَةً، فَانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ اللهِ فَوْقَكَ، وَقُدْرَتِهِ مَنْكَ عَلَى مَا لاَ تَقْدرُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ، فَإِنَّ ذلِكَ يُطَامِنُ إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ، وَيَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ، يَفِيءُ إِلَيْكَ

ص: 53

بِمَا عَزَبَاً_ عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ! إِيَّاكَ وَمُسَامَاةَ اللهِ فِي عَظَمَتِهِ، وَالتَّشَبُّهَ بِهِ فِي جَبَرُوتِهِ، فَإِنَّ اللهَ يُذِلُّ كُلَّ جَبَّارٍ، وَيُهِينُ كُلَّ مُخْتَال".

المعنى العام

عرض علیه السلام في هذا المقطع لبيان خصال الحاكم وعلاقته مع رعيته من العامّة والخاصّة لأنه والٍ على النّاس وبيده القدرة والأمر والنهي، وبيّنها في أمور هي:

1. أنْ يكون ملء قلبه المحبّة واللطف والرّحمة للرعيّة كافّة.

2. أنْ لا يستقوي بقدرته عليهم فيصير ذئبا وقع على غنم يأكلهم لأنّ رعاياه. إمّا إخوانه في الدّين المسلمين، وإمّا إخوانه في الإنسانية كغير المسلمين كافّة.

3. أنْ يصفح عن خطاياهم ويعفو عن ذنوبهم لجهلهم بحقائق الأمور.

4. أنْ لا يندم على عفو المجرم مهما كان.

5. أنْ لا يسرّ ويفرح لعقوبة المجرم إذا اقتضتها الضرورة.

6. أنْ يلازم الحلم ويجتنب الغضب.

7. أنْ لا يفسد قلبه بحديث الرياسة والسلطة.

8. أنْ يطيل النظر والتدبّر إلى عظم ملك الله حتّى يخضع قلبه ويدرك عجز نفسه الأمارة بالسوء.

9. أنْ لا يغترّ بالتفاف النّاس حوله فتطغى نفسه كفرعون الذي بارز الله في عظمته وجبروته، فأذلّه وصار عبرة لمن يخشی.

ص: 54

المستوى الصوتيّ

س: في قوله علیه السلام: "ولا تقولن إنّي مؤمّر آمر فأطاع، فان ذلك إدغال في القلب"، فُسّر الإدغال بالإدخال، فهل للتعاقب الصوتيّ على عين اللفظة أثر في التفريق بين دلالتها الخاصّة؟

يشترك صوتا الخاء والغين في المخرج، فكلاهما صوت حلقي، وكذلك يشتركان في الرخاوة غير أنّ الخاء صوت مهموس، والغين صوت مجهور، والخاء صوت مفخّم على حين يكون الغين مرقّقا، ومن هنا نجد اللفظين يشتركان في المعنى العامّ، غير أنّ الدغل هو دخول في مفسدة، يقال: "أدغل في الأمر: أدخل فيه ما يخالفه ويفسده"، وربّما يكون لصفة الاستقالة والترقيق في صوت الغين دلالة على الخفاء غير موجودة في صوت الخاء الأقرب إلى الاستعلاء والتفخيم، فصار الدخول مع الغين دالّا على الخفاء، يقال: دغل بمعنی دخل في مكان خفيّ ليختل الصّيد، فهو دخول مريب، ولذا أطلق على النبات الدخيل الملتف مع الزرع دَغَلا. ولاءمت هذه اللفظة ما يدخل في القلب من داء الكِبْر والعظمة.

س: كيف يمكن تفسیر (عزب) في قوله علیه السلام: "ويفيء إليك بها عزب عنك من عقلك"؟ وتفسير (نهك) في "فإنّ ذلك إدغال في القلب ومنهكة للدين"؟ اعتماد على النظائر الاشتقاقية الصوتيّة في باب الاشتقاق الكبير الذي أقرّه ابن جني في كتابه الخصائص.

المراد بالاشتقاق الكبير عند ابن جنّيّ هو الإبدال، أي أن يبدل صوت من

ص: 55

أصوات الكلمة بآخر ويبقى المعنى قريبا وذكر جملة من الأمثلة في بابين من كتابه الخصائص الأول: تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني والآخر إمساس الالفاظ اشباه المعاني. والجذر (عزب) دال على نمط من البعد وهذ المعنى موجود في جذر العين والزاي وما يثلثهما، فالجذر (عزّ) يدلّ على ندرة الشيء وبعده عن الأنظار، يقال: عزّ حتى لا يكاد یری. و (عزر) المجرّد يعني الطرد والعزل لأجل العقوبة بالضرب الذي هو الحدّ أما المزيد عزّر فيعني سلب العزر وإزالته وهو التقريب والاتباع كما في قوله تعالى: «وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ» [المائدة: 12]، و(العزوف) عن الشيء زهدٌ فيه وانصراف عنه، و (العزل والاعتزال تجنب الشيء والابتعاد عنه بالبدن أو بالقلب).

و (العزم) أصله إزالة ما سبق من عهد أو شرع ولذا سُمّي أولو العزم لأنهم جاؤوا بشريعة نسخت ما قبلها. وفي قوله تعالى «وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا» [طه: 115] معنى الآية أن آدم لم يأت بشريعة تنسخ ما قبلها إذ لا شرع قبله يمكن أن يُنسخ، ثمّ صار العزم والعزيمة عقدا للقلب على إمضاء أمر جديد وتعطيل السابق، ومن الجذر (عزا) ورد (عزين) في قوله تعالى: «عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ» [المعارج: 37]: أي جماعات في تفرقة وابتعاد، واحدتها عزة وأصله من عزوته فاعتزي أي نسبته فانتسب فكأنّهم جماعة استقلت بنفسها لنسبٍ أو دین.

ولذا لم يخرج (عزب) عن نظائره في باب الاشتقاق الكبير فدلّ على التنحّي عن المكان غير أنّ في عزب دلالة خاصّة على المبالغة في الابتعاد، فالعازب من

ص: 56

الكلأ: البعيد المطلب، وكلّ شيء يفوتك لا تقدر عليه فقد عزب عنك، فالعزوب بعدٌ مع تنحّ وشرود، وقيل: العازب لمن يبعد عن أهله وماله، ولذا استعملت هذه اللفظة لما خفي وغاب عن النظر كما في قوله تعالى: «عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ» [سبأ: 3] إذ فسّر العزوب بالاختفاء أو الغياب، أي أنّه لابدّ في العزوب من ابتعاد شديد على ما هو في حبّة الخردل فإنها مع غيابها عن الأنظار الا أنّها لا تبعد عن قدرة الخالق سبحانه، وكذلك في قوله علیه السلام استعمل العزوب لما بُعد من الثوابت العقليّة التي ذهبت عن ذهن صاحبها بعيدا بفعل داء التّعظّم والذي من شأنه أن يغيّب الحقائق عن صاحبها فيكون منالها صعبا الا بحلّ واحد وهو ما ذكره علیه السلام من إمعان النظر وتفكّر الخلق في عظيم قدرة الله، لاسيّما الوالي الذي يتعرّض لعزوب هذه الحقائق دون غيره بفعل المنصب والسلطان.

أمّا (نهك) فيتّفق مع (هلك) في صوتي الماء والكاف، ويختلفان في اللام والنون، وكلا الصوتيّن من مخرج واحد هو شجر الفم وهما متقاربان في الصفات فهما من الأصوات المتوسطة بين الشدّة والرخاوة إذ يخرج الصوت عند النطق بهما بلا قيد، وكلاهما صوت مجهور من مخرج واحد وهو اللثة، غير أنّ اللام صوت منحرف، والنون صوت خیشوميّ أغنّ، واللفظان يدلّان على الاضعاف والنقصان من الشيء، غير أنّه لا يبلغ الغاية مع (نهك) ويبلغها مع (هلك)، يقال: نهكته الحمّى: أضعفته ونقصت لحمه، ونهکه الأمر: جهده و غلبه، ونهك الثوب: لبسه حتى خلق، والمنهوك من الشعر يكون في بيت الرجز لما ذهب ثلثاه.

أمّا الهلاك فهو من هلك يهلك إذا فني ومات، غير أنّ الهلاك أعمّ من الموت

ص: 57

فهو يصيب الإنسان وغيره من المال والزرع وغير ذلك، فضلا عن أنّ الهلاك لا يأتي الا في مقام الذمّ، فيستعمل في القطيعة بين الأجيال «وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا» [مريم: 74]، وفي الابادة وانقطاع ذکر نسل الميّت «وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ» [غافر: 34]؛ لأنّ يوسف علیه السلام لم يكن له ولد يخلفه في النبوّة فاستعملت هذه اللفظة في سياق انقطاع النسل، نحو: «يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» [النساء: 172]، ولهذا نجده علیه السلام لم يستعمل (هلك) مع الدين؛ لأنّها تعني انتهاء الدين وهذا غيّر وارد، ولذا استعمل علیه السلام لفظة (النهك) للدلالة على هذا الضعف والنقصان من دين الوالي إذا لم يعمل بهذه التوجيهات.

س: كيف تعلّل حذف الصائت القصير (الضمّة) في لفظة (الأُكْل) في قوله علیه السلام: "تغتنم أُکْلهم"، وذكره في الآية الكريمة: «تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» [إبراهيم: 20]؟

وردت لفظة (الأُكل) قرآنيّا بضم الفاء والعين، وهي اسم لما يؤكل، لتدلّ على الوفرة في الثمر «وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ» [الأنعام: 141]، ووردت اللفظة في سياق العقاب بدلا

ص: 58

من ضدّها في الخير «فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ» [سبأ: 16] فقوبل بين الكثرة بالشرّ والكثرة بالخير. ولم تستعمل ساكنة العين، أمّا في قوله علیه السلام: "تغتنم أُكْلهم" فحذف الصائت يشير إلى ما يؤكل عن قلّة، فالرّعيّة مهما ارتفعت قدراتها المعيشيّة تقصر عن قُدرة الحكومة، ولذا يرقّق أمير المؤمنين قلب الوالي على رعيّته.

المستوى الصرفيّ

س: ما حركة عين مضارع الأفعال الآتية، ولماذا؟ وضّح ذلك من خلال ذكرك للضوابط المعتمدة في صياغة الأبواب الصرفيّة.

1. يكُفّ عنك: الضمّ؛ لأنّ الفعل مضعّف متعدّ فهو من الباب الأول.

2. يفيء إليك: الكسر؛ لأنّ الفعل أجوف یائي وهو من الباب الثاني.

3. وترضى: الفتح لأنّ الفعل ناقص مكسور العين في الماضي مثل (بقِي) فأُعلت یاؤه في الماضي (رضِو) بقلبها ياء لمكان الكسرة قبلها فصار (رضِي) على حين أُعلت في المضارع بقلبها ألفا للفتحة قبلها والفعل من الباب الرابع.

4. ولا تندمنّ: الفتح لأنّ الفعل سالم مكسور العين في الماضي (ندِم) لدلالته على الامتلاء بالأسف وهي من الصفات العارضة للإنسان والفعل من الباب الرابع.

ص: 59

س: أذكر أحرف الزيادة في الأفعال الآتية، وبيّن دلالتها؟

1. وأَشعِرْ: أمر من أشعرَ المزيد بهمزة القطع التي دلّت على الاتّخاذ، أي:

اتّخذ الرحمة شعارا، والشعار هو لباس بعد الدثار.

2. تغتنمُ: مضارع افتعل المزيد بهمزة الوصل والتاء الدّالّة على الصيرورة.

3. استكفاك: ماض على استفعل المزيد بهمزة الوصل والسين والتاء والزيادة دالّة على الطلب ، أي : طلب حصول الكفاية في شأنهم.

4. ابتلاك: ماض على افتعل المزيد بهمزة الوصل والتاء الدّالّة على المبالغة من البلاء، والمجرّد بلا يبلو، قال تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ» [محمد: 31].

5. تبجّحنّ: مضارع على (تفعّل) حذف منه تاء المضارعة تخفیفا، وهو مزید بالتاء وتضعیف العين الدّالّة على الإظهار لما هو غير حسن على قلّة في بناء تفعّل أو دالّ على المبالغة من البجح وهو الفرح العارض المبني على زعم أو كذب.

6. ولا تُسرعنِ: مضارع من أسرع المزيد بهمزة القطع الدّالّة على المبالغة.

7. أحدث: ماض من أفعال المزيد بهمزة القطع الدّالّة على التعدية.

8. یُطامن: مضارع من فاعل المزيد بالألف الدّالّة على المشاركة.

9. يُذلّ: مضارع من أذلّ المزيد بهمزة القطع الدّالّة على التعدية.

10. یُهين: مضارع من أهان على أفعل المزيد بهمزة القطع الدّالة على التعدية.

11. ولّاك: ماض من فعّل (ولّی) المزيد بتضعیف العين الدّالّة على التعدية إلى المفعول الثاني.

ص: 60

س: زن الكلمات الآتية، واذكر الدلالة الصرفية لكلّ لفظة.

1. رحمة: فعلة، اسم دالّ على المرّة الواحدة من الرّحم، وهو مصدر غير مستعمل، وقیل الرحمة مصدر، واسم المرّة منه يكون بالوصف نحو: رحمة عظيمة.

2. محبّة: مَفْعَلة، اسم يدلّ على تكثير الحدث في المكان نحو: مقبرة.

3. اللُّطف: فُعل، مصدر للفعل لطُف من الباب الخامس.

4. ضاريا: فاعل، لمن اتّصف بالفعل لا قام به من ضري على الباب الرابع فهو صفة مشبّهة.

5. أخ: فع، اسم ذات محذوف اللام، وأصله بالواو (أخو) بدليل أخوان.

6. الدين : فِعل، اسم معنى لما يدين به الإنسان أي: ينقاد ويطيع، من دنته أدينه، وأدنته دينا: أطعته إلى أجل مسمّى، وهو من الانقياد والذلّ، ففي الدين ذلّ.

7. العلل: فِعل، جمع كثرة العلّة على فِعلة، وهي نوائب الدهر التي تغيّر أحداثه.

8. الخطأ: فَعَل، مصدر خطِئ يخطأ على الباب الرابع واضطربت المعجمات في التمييز بين الخطأ واشتقاقاته، والأظهر أنّ الخَطَأ مصدر مقیس من الباب الرابع نحو: فرِح فرحا وحزن حزنا الدالّ على الانفعالات النفسيّة العارضة، وقد يوصف به فيقال: شيء خطأ، من باب الوصف بالمصدر للمبالغة كما يقال: هذا رجل عَدْلٌ، وقد يكتفي بالصفة ويحذف الموصوف كما في قوله تعالى: «وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ» [النساء: 92] والاصل: قتلا خطأ، أمّا الخِطء بالكسر فهو

ص: 61

اسم مصدر من الخطأ، وهو اسم للذنب المرتكب عن قصد ودراية كما قال تعالى: «وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا» [الإسراء: 31] ومثل الخِطء في التعمد والقصد (الخطيئة) وهي اسم للذنب الكبير اكتسبت هذه الدلالة من بنائها الصرفيّ كالنطيحة والذبيحة، أما أخطأ فهمزته للتعدية: أخطأ الرامي الهدف: لم يصبه، وأخطأ الطريق: عدل عنه «ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا» [الأحزاب: 5] و مصدره الإخطاء. ومن مشتقات المزيد بالهمزة يظهر وقوع الخطأ على المفعول به ويجاوز الفاعل، ولذا ذكر المعجمیّون أنّ الخطأ متعمد نابع من ذات الفاعل وأنّ الإخطاء غير متعمّدٌ لأنه يجاوز الفاعل إلى المفعول به وفي هذا قصور يبعد عن القصد؛ لأن القرآن استعمل المجرد والمزيد بالهمزة بمعنی عدم القصد. فالصحيح أنّ القصد في مشتقات هذا الجذر مفهوم من البناء الصرفيّ (فِعل بالكسر و فَعيلة) الدالّتين على الاسماء، لا من تعدية الفعل أو لزومه کما ذهب المعجميّون.

9. عُقوبة: فُعولة، مصدر من عقُب يعقُب من الباب الخامس كالعذوبة والملوحة بمعنی الجزاء على الذنب، ويأتي المجرّد من الباب الأول عقب يعقب عقبا، أي: الجري بعد الجري، وآخر كلّ شيء عقبه، وعاقبه بذنبه آخذه به فهو اشتراك بين فعل و جزاء.

10. بادرة، فاعلة، اسم للعمل الذي تسرع به نحو الغير.

ص: 62

11. مندوحة: مفعولة، اسم لما فيه سِعة من القول ولذا قيل: "إنّ المعاريض لمندوحة عن الكذب" أي في التعريض بالقول من الاتساع ما يغني الرجل عن تعمّد ذلك، والندح: الأرض الواسعة، فيقال: إنك لفي مندوحة من كذا أي سعة، وفي حديث أمّ سلمة لعائشة عند خروجها للبصرة: "قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه"، أي: لا توسّعيه بالخروج إلى البصرة من ندحت الشيء ندحا: وسّعته، وروي فلا (تبدحيه) وهو العلانية، أرادت «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» [الأحزاب: 33].

12. إدغال: إفعال مصدر من أدغل، والدغل الفساد مثل الدخل، يقال: أدغل في الأمر: أدخل فيه ما يفسده ويخالفه.

13. منهكة: مفعلة، اسم لتكثير الشيء في المكان، أي المبالغة في الأذى والعقوبة.

14. تقرُّب: تفعّل، مصدر من تقرّب يفيد التدرّج.

15. أبّهة: فُعّلة، اسم من التّأبّه، تأبّه فلان على فلان تأبّها، إذا تكبّر ورفع قدره عنه، والمجرّد أبه وأبه بفتح العين وكسرها، إذا فطن، وأبّه الرجل: إذا فطّنه، وما أبهت للأمر: لم آنس به لضعفه، أي: التّكبّر والعظمة المتزايدة.

16. مَخْيَلة: مَفْعَلة اسم لتكثير الحدث في المكان مشتقّ من خال یخال خَيلا وخَیَلانا بمعنى ظنّ وهو من باب ظنّ وأخواتها، وفلان يمضي على المخيّل، أي ما اشتبهت نفسه من غير يقين فهو على غرر. والمخيلة مظنّة

ص: 63

الشّكّ، أي: موضعه، لذا هو متكبّر معجب بنفسه لظنّه فيها ما خالف حقيقته.

17. طماح: فعال، مصدر من طامح الدالّ على المشاركة.

18. مساماة: مفاعلة، مصدر من سامي، أي قابله في الارتفاع والعلوّ فهو يباريه في العلوّ، دالّ على المشاركة.

19. عَظَمَة: فعلة، مصدر من عظُم دالّ على الجانب المعنويّ وهو في حقّه تعالى، أمّا في حقّ الإنسان فهو ذمّ؛ لأنّه تكبّر، وأمّا فيها هو مادّي فالمصدر العِظَم بكسر فائه وفتح عينه و كلاهما من الباب الخامس.

20. تشبّه: تفعّل، مصدر من تفعّل، يدلّ على إظهار الشبه.

21. جبروت: فعلوت، صيغت دالّة على المبالغة في المصدر ومثله الرهبوت والرحموت.

22. محتال: مفتَعل، اسم فاعل من اختال أي تكبّر، والمجرّد خال، وهو الظنّ، واختال: تصرّف بطريقة تدلّ على التباهي، ولفظ المختال يجوز أن يكون اسم فاعل واسم مفعول معا والفيصل بينهما هو السياق لأن حركة ما قبل الآخر مقدرة على الألف، فمثال اسم الفاعل ما قوله علیه السلام هذا ومنه قوله تعالى: «وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ» [لقمان: 18] وهو فاعل الاختيال. ومثال اسم مفعول قولنا: المالُ مختالٌ فيه.

23. جبّار: فعّال، صيغة مبالغة من الجبر، وهو أصل دالّ على القوّة، جبر العظم: قوّاه، فهو جابر، و جبّار، وفي حقّ الخالق بمعنی قاهر الجبابرة، وفي حقّ الإنسان هو المتسلّط المتكبّر الذي يتعالى عن قبول الحقّ

ص: 64

24. الرّعيّة: فعيلة، والتاء فيها للنقل إلى الاسميّة، أي ما يرعاه الوالي وهم عامّة الشعب، والمرعيّ: ما يقوم الوالي وغيره برعايته ثمّ خصّت بدخول التاء بالفئة التي يرعاها وليّها دون غيرها قال صلى الله عليه وآله وسلم "كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته".

س: تفسّر صيغة (فعيل) في قوله علیه السلام: (أو نظير لك) على أنّها بمعنى (مناظر) أو (نِظْر) وحکی أبو عبيدة: (النِظْرُ والنَظيرُ بمعنىً واحد، مثل الندّ والنديد. فكيف يمكن نقض الترادف الدلالي التامّ بين الصيغ؟

يراد بالنظر تأمّل الشيء بالعين، وفي حديث عمران بن حصين قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: "النظر إلى وجه عليّ عبادة"، قال ابن الأثير: قيل معناه أنّ عليّا كرّم الله وجهه كان إذا برز قال الناس: لا اله الا الله ما أشرف هذا الفتى، ما أعلم، ما أكرم.. ما أشجع فكانت رؤيته علیه السلام تحملهم على كلمة التوحيد"، وصيغة فعيل من هذا الاصل يراد بها المثل والشبيه، فنظیرك: الذي يناظرك وتناظره، فلان نظيره، أي: مثله؛ لأنّه إذا نظر إليهما الناظر رآهما سواء، وتفسير النظير بمعنی المناظر هو لتقريب المعنى ولا يتعني الترادف التام بينهما، لأنّ صيغة فعيل تدلّ على الطبائع والصفات الثابتة، ولمّا كانت المشابهة بين المنظورين في الخلق وهو الهيئة التي أوجدها الخالق على هذه الصورة الظاهرة للعين دلّت المشابهة على الثبوت، فجاءت على فعيل لحصولها دون انفكاك ولا تغيير ثم تصرّفوا بها في غير العاقلين، أمّا المناظر فهو مشابه في لحظة النظر لا على سبيل الدوام، وهو وصف يقع من اثنين لما فيه من معنى المشاركة ولذا شاعت المناظرة بمعنی التحاور والنقاش، فالمناظر هو المشابه لصاحبه بالنظر العينيّ وهو تأمُّلُ الشيء بالعين،

ص: 65

فهي صيغة مؤقّتة خلافا لفعيل الدائمة في الحلقة الظاهرة أو السجيّة الكامنة. ولم يقل علیه السلام شبيه لك؛ لأنّ المشابهة تكون في الملامح الخارجيّة، وهذا غير مراد، فالنظير هو المقابل لنظيره في جنس أفعاله، إذ الناس متساوون في أفعالهم البشريّة ومتكافئون في حاجاتهم الأساسيّة للماء والهواء والعوارض المؤثرة من الأمراض والآفات الأخرى.

س: ممّ اشتقّ (يطامن) في قوله علیه السلام: (فإن ذلك يطامن إليك من طماحك) ذكر الراغب أن الجذر (طمن) بمعنى السكون بعد الانزعاج ومنه «وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ» [آل عمران: 126]، وذكر صاحب اللسان أنّ طمن غير مستعمل في الكلام وإنّما اطمأن، وذهب سيبويه إلى أنّ اطمأن مقلوب طأمن، وقال بعضهم: إنّه کاحمارّ ثم هُمز، واستعمال أمير المؤمنين (يطامن) فيه دلیل قطعي على أنّ المجرد هو (طمن) و عليه بُني (طامن) مزيدا بالألف ثم اشتق منه (طمأن) ملحقا بالرباعي بزيادة الهمزة ثالثة ومن هذا اشتقّ (اطمأنّ) بزيادة همزة الوصل في أوله والتضعيف في آخره كما في (اشرأبّ) من شرأب واشمأزّ من شمأز واقشعرّ من قشعر وغير هذا كثير من الأفعال التي وزنها افعلّل.

المستوى النحويّ

س: ما نوع (لا) في: (ولا تكونّن عليهم سبعا ضاريا)، و (فَإِنَّهْ لاَ يَدَيْ لَكَ بِنِقْمَتِهِ)؟

ص: 66

(لا) في القول الأوّل هي الناهية، والفعل مجزوم بها و حرّکت لامه بالفتح لأجل نون التوكيد. أمّا في القول الثاني فهي لا النافية للجنس، تعمل عمل (إنّ)، و (يدَي) اسمها مبنيّ على ما ينصب به وهو الياء لأنه مثنی و خبرها محذوف وجوبا، و (لك) جارّ ومجرور متعلّق بالخبر المحذوف. وحذفت نون المثنى للبناء لأن نون المثنى بمنزلة التنوين في الاسم المفرد ولما حذف تنوین المفرد بعد لا النافية للجنس نحو (لا طالبَ في الصف) حذف كذلك نون المثنى ونون الجمع فيقال: لا طالبَي في الصف بدلا من (لا طالِبين) إن أريد نفي جنس المثنى كلّه، ولو ثبت التنوين والنون لكان النفي للأفراد وتكون (لا) نافية وما بعدها مرفوع، واليد لفظ محذوف اللام والأصل: (يَدْي) فحذفت الياء حذفا سماعيّا وأعربت بالحركات.

س: ما نوع الواو في قوله علیه السلام: (اياك ومساماة الله في عظمته) وفي (وأشعر قلبك الرحمة للرعية)؟

الواو في القول الأوّل هي واو المعيّة التي لا تفيد اشتراك ما قبلها مع ما بعدها في الحكم بل تدلّ على المصاحبة، والاسم بعدها منصوب، فالمساماة منصوب على أنّه مفعول معه، أمّا في القول الثاني فالواو عاطفة تفيد اشتراك ما قبلها وما بعدها في الحكم، ويكون ما بعدها تابعا لما قبلها، فهي عطفت فعل الأمر أشعر على فعل الأمر قبله (شحَّ) بنفسك.

س: ما نوع الفاء في قوله علیه السلام: (إنّي مؤمّر آمر فأطاع)، وقوله: "وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبّهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك" و (واشعر قلبك الرحمة للرعية.. فانهم صنفان.... فأعطهم من عفوك)؟.

الفاء في القول الاوّل عاطفة إذ عطفت الفعل المبنيّ للمجهول من المضارع

ص: 67

أطاع على الفعل المبنيّ للمعلوم من المضارع آمر، والفاء في القول الثاني واقعة في جواب الشرط غير الجازم بالأداة إذا، والفعل (انظر) أمر مجزوم وعلامة جزمه السكون. والفاء في القول الثالث هي الفاء التفريعيّة التي تسمّى أيضا الفصيحة؛ لأنّها تبيّن الحدود الفرعية لما هو مجمل.

س: ما نوع التنوين في قوله علیه السلام: "ولا غنىً لك عن عفوه ورحمته"، وفي "ولا تندمنّ على عفوٍ"؟

في القول الاول التنوين هو تنوين العوض عن الألف المحذوفة لفظا لا خطّا، وغنى اسم لا النافية للجنس مبني على الفتح في محل نصب اسمها، أمّا في القول الثاني فالتنوين هو للتنكير الذي يفيد العموم، أي لا تندمن على عفوٍ أصدرته.

س: أين المفعول به الثاني في ما يأتي؟:

1. (وأشعر قلبك الرحمة للرعية)

المفعول الاول لأشعر هو (قلبك)، والثاني هو (الرحمة)

2.(فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحبّ وترضى أنْ يعطيك الله من عفوه و صفحه).

المفعول به الثاني للفعل أعطى هو (مثل) والمفعول الأوّل هو الهاء في أعطهم، و (مثل) مضافة إلى (الذي) والفعل (تحبّ) صلة للموصول لا محلّ لها من الإعراب، ويجوز أن تعرب (مثل) صفة للمفعول به المحذوف أي: أعطهم عفوا مثل الذي تحب.

3. (وقد استكفاك أمرهم).

المفعول الاول هو الضمير الكاف في (استكفاك)، والمفعول الثاني (أمرهم)،

ص: 68

أي: طلب منك كفاية أمرهم.

س: أستخرج الجمل التي لها محلّ من الإعراب، وبيّن هذا المحلّ؟

1. جملة: (يفرط منهم الزلل)، في محلّ نصب حال من اسم إنّ وهو الضمير (هم).

2. جملة (تغتنم أكلهم) في محلب نصب حال من اسم کان.

س: كيف تعرب (فوقك) في قوله علیه السلام: ووالي الامر عليك فوقك؟

فوق: ظرف مبنيّ على الفتح مضاف إلى الكاف وهو في محلّ رفع خبر للمبتدأ (والي الأمر).

المستوى المعجميّ

س: ذكر الإمام علیه السلام لفظتي الزلل والخطأ في قوله: "يفرط منهم الزلل... ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ" في الفرق بينهما؟.

کلا اللفظين بمعنی مجانبة الصّواب، غير أنّ الخطأ لا يلحظ فيه سوی تعدّي الصواب و مجاوزته إلى غيره، حتّى عدّه ابن فارس من معتلّ اللام الذي یهمز فكأنّه خطوة في الاتجاه غير الصحيح. أمّا الزلل فيلحظ معه سبب مجانبة الصواب، فهو خطأ يجرّ صاحبه إلى كبيرة ومصيبة أعظم كما في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» [البقرة: 208 - 209]، وفي الغالب يكون السبب غير إراديّ،

ص: 69

أي بتهيئة الظروف الخارجيّة المحدثة للزلل، فالأصل فيه قولهم: زلّت قدمه في الطين: انزلقت، فالطين سبب للوقوع والانغماس فيه، قال تعالى بعد نهي آدم وزوجه عن الأكل من الشجرة: «فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ» [البقرة: 36]، أي: عمل على جرّهما نحو الخطأ، وتسبّب بإخراجهما من الجنّة عن طريق القسم بالذات الإلهيّة بأنّه ناصح لهما، فهذا زلل لا تعمّد فيه، وقد يكون الزلل في اللسان، وذلك بأن تسقط السقطة ولا يريدها، ولكن تجري على لسانه بفعل التّسرّع تشبيها بالماء الزلال العذب؛ لأنّه يزلّ عن ظهر اللسان الرقّته، وقد يكون سبب الزلل ناشئا من التهاون في الأعمال «إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ» [آل عمران: 155]، «وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ» [النحل: 94]، أي الأيمان الماكرة يزلّ المؤمن.

والملاحظ أنّ الخطأ والزلل يقعان سهوا لا عمدا إذ قوبل الخطأ بالعمد في قوله تعالى: «وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا» [الأحزاب: 5]. وفي قوله علیه السلام: "يؤتى على أيديهم في العمد والخطأ".

وكذلك الزلل لا عمد فيه نحو المعصية، وإنّما هو انزلاق اليها بظرف موجب لها، بدليل النظير الصوتيّ وهو مادّة زلق في قوله تعالى: «وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ» [القلم:

ص: 70

51]، فالتثليث الصوتيّ يوضّح الانجرار نحو المعصية دون قصدها. وفي قوله علیه السلام "يفرط منهم الزلل" بيان لهذا الانجرار بدافع التّسرّع إذ تصدر الزلّة بالفعل (فرط) الدالّ على السبق والتقدّم، يقال: فرط أصحابه: إذا تقدّمهم للماء فرطا و فروطا، وكأنّ الزّلة تسبق منهم رغما عنهم، ولذا على الوالي أن يغفر ذلك وأن يعالج أسباب الزلل في مجتمعه.

ومن الألفاظ القريبة من الزلل والخطأ لفظ الغلظ، وهو وضع الشيء في غير موضعه، ويجوز أن يكون صوابا في نفسه. على حين الخطأ لا يكون صوابا على وجه، وقيل الغلط يكون في المنطق والكلام وهو أن لا تعرف وجه الصواب فيما تقول فيكون بدون قصد، بينما الخطأ يكون في الأفعال بغير قصد. فالغلط يمكن إصلاحه لأنّه أخطأ وجه الصواب.

س: ما الفرق بين العفو والصفح في قوله علیه السلام: "فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى ان يعطيك الله من عفوه و صفحه"؟.

إنّ العطف بين الالفاظ يدل قطعا على المغايرة بينها، وقد ذكر اللغويون الفرق بين العفو والصفح في معرض التفاتهم لتوضيح هذين اللفظين في قوله تعالى: «فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» [البقرة: 109] و آيات أخرى جمعت بين اللفظين، فذكروا أن العفو هو إسقاط للعقوبة من دون إسقاط الذنب، فمن عفا عن أحد فقد امتنع عن العقوبة مهما كانت إلّا إنّ المؤاخذة على الذنب لا تسقط بل تحجب تفضّلا منه و اختبارا لهم «فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا» [النساء: 153] أي: أعطى سبحانه فرصة للتوبة، وكذلك قال تعالى في حقّ المنهزمين في القتال من الذين آمنوا إذ أعطاهم فرصة أخرى للمشاركة في قتال الكفّار بعد فرارهم في معركة أحد

ص: 71

وبين سبحانه علّة العفو فقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ * وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ * فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» [آل عمران: 155 - 159].

أمّا الصفح فذكروا أنّه: التجاوز عن المذنب تماما بترك مؤاخذته وعقابه، وأصله من إبداء صفحة جميلة من الوجه، فالصفح أعلى من العفو والمسامحة إذ المسامحة: إيقاف المؤاخذة والذّم بغضّ النظر عن إسقاط العقوبة عن المذنب وكأنّ شيئا لم يكن.

وبالرجوع إلى الأصل المعجميّ والاستعمال اللغوي للفظين نرى أنّ الصفح مأخوذ من الصفح وهو الجانب، صفح يصفح من الباب الثالث، إذا تعدّى بنفسه فمعناه أعرض وترك، واذا تعدّى ب(عن) فمعناه عفا، ومنه صفحة الوجه أي عرضه، لذا يقال: صفحت الرجل: إذا سألك فمنعته، وهو أنّك أريته صفحتك معرضا عنه، أمّا صفحت عنه فذلك إعراض عن ذنبه كأنّه قد ولّاه صفحته، أي أعرض عن ذنبه لا عن ذاته وشخصه، والإعراض عن الذنب لا يعني إبداء صفحة جميلة من الوجه وإنّما الإعراض عن رؤيتك لهذا الذنب كأنّك تريد أن تنساه فلا تعاتب عليه وإن كان في القلب أثر منه، لذا فهو أعلى

ص: 72

بقليل من العفو إذ لا عتب على الذنب، وأمّا العفو فهو ترك العقوبة دون إزالة الذنب، وهو مأخوذ من عفا إذا ترك، عفت الابل المرعي: إذا تركت تناوله، وعفا شعر البعير: ترك ليطول حتى يغطّيه.

وللفائدة تجتمع إلى لفظتي العفو والصفح لفظتان أخريان هما الغفران والتكفير، قال تعالى: «رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ» [آل عمران: 193] وذكر اللغويّون أنّ اللفظتين دالّتان على الستر والتغطية، وقال الدكتور فاضل السامرّائيّ متابعة منه للمتقدّمين "المغفرة أكمل من لفظ التكفير فيتضمن الستر والإزالة؛ لأنّ المِغفرة آلة تُتّقي بها السهام فهي لحفظ الرأس،

ويبدو من مراجعة الاستعمال اللغويّ للّفظتين أنّ المغفرة أدنى من التكفير، وليس العكس؛ فاللفظان في المعجمات دالّان على الستر والتغطية، غير أنّ المعجمييّن يزيدون مع الكفر لفظة الستر أو التغطية فيعرّفون الغفر بلفظ واحد: ستر أو تغطية، ويعرّفون الكفر باللفظين، ونلاحظ من استعمال العرب أنّ الكفر يكون أبلغ من التغطية، يقال: غفر المتاع في الوعاء: أدخله وستره، والشيب بالخضاب: غطّاه، على حين يقال كفر الزرّاع، أي غطّى الحبّ بتراب الأرض، ورماد مکفور: سعت الريح عليه حتّى غطّته، فكان الكفر تغييبا للمغطّى لا حجبه فقط، ولذا يقال لمن يقابل المؤمن: کافر؛ لأنّه يغطّي الحقّ ولا يظهره بأشدّ التغطية، ولمّا كانت الذنوب سيّئات يتبعها أثر لا تمحى نتائجه نفسيّا أو أخرويّا استعمل معها الغفران؛ لأنّه تغطية لا تغييب إذ تبقى التّبعات للذنوب حسابها على الله، أمّا السّيّئات فهي قبائح يمكن أن تغيب فاستعمل معها التّكفير،

ص: 73

س: ما الفرق بين الإسراع والمبادرة في قوله علیه السلام: "ولا تسرعنّ إلى بادرة" وما یرادفهما كالسبق والعجل؟

يمكن القول إنّ الألفاظ الثلاثة: بدر، سرع، سبق) تأتي تباعا، والمعنى الجامع لها هو الحركة المنتظمة نحو نقطة الختام، فبداية الحركة هو البدر، لذلك يقال: بادر إلى الشيء بمعنى أوّل شروعه فيه، ويبدو أنّ البدر سمّي بذلك لأنّه أوّل ضیاء القمر، فالبدر يبدأ في الليلة التاسعة إلى الثانية عشرة، قال تعالى: «وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا» [النساء: 6] فكلمة بدار، مصدر بادر الدالّ على المشاركة، فهي تدلّ على النهي عن تسابق أولياء أمور اليتامى إلى أكل مال اليتيم قبل أن يدرك الحلم، فالبدار هو ابتداء أكل مال اليتيم، وهذا هو المعنى اللغويّ لأنّ بدر يدلّ على أوّل الحركة،

أمّا السرعة فتأتي بعد المبادرة، وهي خلاف البطء، يعني الانتظام في ميدان سباق قبل بلوغ نقطة الختام، قال تعالى: «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» [آل عمران: 133]، أي: اشتركوا في السرعة حتى إذا وصل أحدكم إلى نقطة النهاية قيل له سابق، ولمن بعده مصلّ ثمّ لاحق، فالسابق إلى الشيء الذي تقدّم على مجموعته في بلوغ الهدف، والسباق هو بلوغ نقطة الختام لذا تكون آية (وسابقوا إلى مغفرة) هي الأبلغ في الإيمان؛ لأنّها تحثّ على بلوغ نقطة الختام وعدم الانسحاب اکتفاء بالسرعة غير المثمرة، ومن هنا نفهم قيمة المدح الالهيّ لمن بلغ الدرجة الرفيعة في الإسلام في قوله تعالى: «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» [التوبة: 100]، أي: الذين

ص: 74

أسرعوا ثمّ وصلوا إلى أعظم غايات الإسراع في نصرة الإسلام، ولذا لا تشمل هذه الآية كلّ من أسرع في إظهار الإسلام وإنّما تخصّ من وصل فيه إلى أعلى مراتب النصرة والطاعة، فثمة من أظهر الإسلام أوّلا ولم يكن منه إيمان ونصرة ولم تفده هجرته قبل غيره کعبيد الله بن جحش زوج أم حبيبة الذي كان أوّل المهاجرين إلى الحبشة ثمّ ترك الإسلام وتنصّر. ولمّا رجعت زوجه من الهجرة تزوّجها الرسول صلى الله عليه وآله،

أمّا العجلة فهي حركة عشوائيّة بلا هدف ولا نقطة ختام لذا غلبت في موارد الذمّ، وسمّي العجل عجلا لحركته الهائمة بلا هدف، وسمّيت الوالهة من الابل التي فقدت وليدها عجول، وسمّيت الدنيا العاجلة، وأمّا «قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى» [طه: 84] فقد ارتقت دلالتها؛ لأنّ مآلها إلى الله، وإن تبعها ارتداد قوم موسی علیه السلام بعد ترکه لهم وذهابه إلى ربّه تعالی.

ولذا نجد الإمام علیه السلام يذكر إسراع الوالي إلى البادرة وهي اسم على زنة فاعلة لأوّل ما يخرج من فم الإنسان لحظة غضبه وحدّته، يقال: کانت منه بوادر، أي: سقطات؛ لأنّ أوّل ما يخرج لا يكون عن وعي ساعة الغضب، فهو من الأخطاء والزلّات، فنهاه الإمام علیه السلامعن هذا النوع من الكلام.

س: عبّر عن حدّة الطبع بلفظة الغرب: "ويكفّ عنك من غربك"، ما نوع التطور الدلاليّ الحاصل لهذه اللفظة، وضّحه عن طريق متابعة التأصيل المعجميّ للفظة؟

هذه اللفظة دالّة على الخفاء، وأصل إطلاقها من الغارب، وهو عنق البعير الذي يلي السنام العالي، سمّي بذلك لانخفاضه و خفائه بين سنام البعير ورأسه. وأطلق الغرب على الدّلو العظيمة لكثرة ما تخفيه فيها من المياه، ويطلق الغرب

ص: 75

على حدّ السيف؛ لأنّه يختفي في المقتول، ثمّ تطوّرت الدلالة نحو المعنويّات المجرّدة فسمّي ما يقابل الظهور (غرب) وهو الجهة التي تقابل الشرق، وبملحظ الخفاء في جهة الغرب اشتقّ لكلّ عجیب صيغة من هذا المعنى، فالغربة لما فيها من أمور خفيّة تنتظر المبتعد عن وطنه، و كذا الغراب لأنه صوته يؤذن بالاغتراب والترحال على وفق ما شاع في العرف العربيّ، وكذا أطلق الغرب على الحدّة في الطبع؛ لأنّ الغاضب يخرج قليلا من كثير يخفيه في نفسه، وهذا يعني حصول تخصیص دلاليّ للفظة.

س: هل يمكن استبدال الألفاظ الآتية بأخرى ذكرت المعجمات اللغوية أنّها مرادفة لها:

1. "ويفيء إليك بها عزب عنك"، ولم يقل: يرجع؟

الْفرق بَين الرُّجُوع والفيء أَن الْفَيْء هُوَ الرُّجُوع من قرب، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى «فإن فاءوا فإن الله غَفُور رَحِيم» يَعْنِي الرُّجُوع لَيْسَ بِبَعِيد وَمِنْه سمي مَالُ المُشْركين فَيْنا لذَلِك كَأَنَّهُ فَاء من جَانب إلى جَانب، وَیُقَال الْفَيْء التبع لِأَنَّهُ يتبع الشَّمْس وَإِذا ارْتَفَعت الشَّمْس إلى مَوضِع الْمَقال من سَاق الشَّجَرَة قد عقل الظل، وبهذا ناسب استعمال الفيء قبال العزوب في قول أمير المؤمنين للدلالة على الرجوع السريع بعد الترك.

2."وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم" ولم يقل: امتحنك بهم؟ أو محّصك، اختبرك، فتنك.

الابتلاء لا يكون إلّا بتحميل المكاره والمشاقّ وهو بهذا المعنى ملائم لحال الحاكم العادل مع الرّعيّة أن يتحمّل مشاقّهم وما يَكره منهم. والاختبار يكون بتحمّل المكروه والمحبوب، إذ يقال اختبره بالإنعام عليه، ولا يقال ابتلاه بذلك

ص: 76

لأنّ الابتلاء يقتضي استخراج ما عند المبتلى من الطاعة والمعصية، والاختبار يقتضي إظهار الخبر بحال المختبَر.

أما الفتنة فهي أشد الاختبار وأبلغه، وأصلها عرض الذهب على النار لتبيان صلاحه من فساده ومنه قوله تعالى: «يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ» [الذاریات: 13] وتكون في الخير والشرّ كما في قوله تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ» [الأنفال: 28] وقال تعالى «وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا» [الجن: 16] فجعل النعمة فتنة لأنّه قصد بها المبالغة في اختبار المنعم عليه بها كالذهب إذا أريد المبالغة في فحصهِ.

أمّا الامتحان والتمحيص فنظيران في باب الاشتقاق الكبير (الإبدال) لأنهما من الأصلين (محص، محن) وأصل المحص تخليص الشيء من العيوب و محو الشوائب عنه، يقال: محصت الذهب و محّصته إذا أزلت عنه ما يشوبه من خبث، قال تعالى «وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ» [آل عمران: 141]، فالتمحيص هو التخليص والتنقية للعاقل وغيره كتمحيص المؤمنين من الكافرين والذهب مما يشوبه، على حين يكون الامتحان لذوي الألباب خاصّة، فالمحن والامتحان بمعنی ابتلاء الناس واختبارهم كي ينماز الفاضل من المفضول بينهم، نحو قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ» [الممتحنة: 10]، «إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ» [الحجرات: 3].

3. "فإنّه لا يدي لك بنقمته" ولم يقل: بغضبه أو سخطه أو بلائه أو غيظه؟

ص: 77

النقمة لا تكون إلا جزاء وعقوبة وأصلها شدّة الإنكار تقول نقمت عليه الأمر إذا أنكرته عليه والفرق بين البلاء والنقمة: أن البلاء يكون ضررا ويكون نفعا وإذا أردت النفع قلت أبليته وفي القرآن «وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» [الأنفال: 17] ويقال: بلوته، وأصله أن تختبره بالمكروه وتستخرج ما عنده من الصبر به ويكون ذلك ابتداء. والغضب ضدّ الرضا، وهو إرادة العقاب المستحقّ بالمعاصي. والغيظ: هيجان الطبع بكثرة ما يكون من المعاصي، ولذلك يقال: (غضب الله على الكفار)، ولا يقال: اغتاظ منهم. والفرق بين الغضب والسخط: أنّ الغضب يكون من الصغير على الكبير ومن الكبير على الصغير والسخط لا يكون إلا من الكبير على الصغير يقال سخط الامير على الحاجب ولا يقال سخط الحاجب على الامير ويستعمل الغضب فيهما.

4. "ولا تندمنّ على عفو" ولم يقل: ولا تأسفنّ ولا تتوبنّ؟.

إنّ التوبة أخصّ من الندم فالندم يكون على فعلٍ قبيح أو حسن، ولا تكون التوبة إلا من قبح فكلّ توبة ندم وليس كلّ ندم توبة. والفرق بين الأسف والندم: أن التأسّف يكون على الفائت من فعلك وفعل غيرك والندم جنس من أفعال القلوب لا يتعلق إلا بواقع من فعل النادم دون غيره.

5. "ولا تبجحنّ بعقوبة" ولم يقل: ولا تفرحنّ أو تسرنّ، تحبرنّ، تجذلنّ أو تستبشرنّ؟.

إنّ البجح يعني الفرح العارض المبنيّ على زعم أو كذب مشوب بفخرٍ، ومعنى (ولا يبّجحوك بباطل لم تفعله): لا يفرحوك بأن ينسبوا إليك عملا عظيما لم تكن فعلته، والفرح قد يكون بِمَا لَيْسَ بنفع وَلَا لَذَّة كفرح الصَّبّي

ص: 78

بالرقص والعدو والسباحة وَغير ذَلِك مِمَّا يتعبه ويؤذيه. والسرور: انبساط القلب لنيل محبوب أو توقعه ولَا يكون إِلَّا بِمَا هُوَ نفع أو لَذَّة على الْحَقِيقَة وهو فرح خفيّ بلحاظ مادته (سرر)، بخلاف الحبور الذي هو سرور يظهر في الوجه أثره، فهو أشد السرور، ولذا خاطب تعالى أهل الجنة بقوله: «ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ» [الزخرف: 70] أي تفرحون فرحا ظاهرا للعيان. والجذل سرور عمیق ثابت مأخوذ من قولك جاذل أي منتصب ثابت لا يبرح مكانه فكأنه فرح متجذر في النفس، وجذل كلّ شيء أصله کالجذر للنبات. أما التبشير والاستبشار فسرُور بالبشارة وأصله من البشرَة لظُهُور ذلك فِي بشرة الوَجْه.

6. "وجدت عنها مندوحة" ولم يقل: سِعة؟

أصل الندح الأرض الواسعة، والمندوحة سعة في المكان المعلوم خاصّة وتستعمل مشتقات (ندح) في الأمكنة فيقال: وَتَنَدَّحَتِ الغنم من مرابضها، إذا تبدَّدتْ واتَّسعتْ من البِطنة. وانْدَحَّ بطنُ فلانٍ اندحاحاً: اتَّسع من البطنة. وانْداحَ بطنه انِدياحاً، إذا انتفخ وتدلَّى، من سِمَنٍ كان ذلك أو علَّة. وفي حديث أم سلمة أنَّها قالت لعائشة: "قد جَمَعَ القرآن ذَیْلَكِ فلا تَنْدَحيهِ"، أي لا توسِّعيه بالخروج إلى البصرة. ويستعمل مجازا كقولهم: لي عن هذا الأمر مَنْدوحَةٌ وَمَنْتَدَحٌ، أي سعةٌ في مكان آخر. أما السعة ففي الامكنة وفي الحال وفي الفعل كالقدرة والجود ونحو ذلك، ففي المكان نحو قوله (إن أرضي واسعة) وفي الحال قوله تعالى (لينفق ذو سعة من سعته) و قوله (على الموسع قدره) والوسع من القدرة ما يفضل عن قدر المكلف، قال (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) والسعة تكون في غير المعلوم مقداره كقوله تعالى (وسع كرسيه السموات والأرض).

ص: 79

7."وإذا أحدث لك ما انت فيه من سلطانك أُبّهة" ولم يقل: (من مُلكك).

الفرق بين السلطان والمَلِك: أنّ السلطان قوة اليد في القهر للجمهور الاعظم وللجماعة اليسيرة أيضا فيقال: الخليفة سلطان الدنيا ومَلِك الدنيا وتقول لأمير البلد: سلطان البلد ولا يقال له: مِلك البلد لأن المَلِك هو من اتّسعت مقدرته، فالمُلكُ هو القدرة على أشياء كثيرة، وللسلطان قدرة محدودة على أشياء كثيرة أو قليلة.

المستوى البلاغيّ

س: في قوله علیه السلام: (ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا) تشبیه، بيّن نوعه و طرفيه؟.

التشبيه من النوع المجمل إذ حذفت أداة التشبيه، وبقي وجه الشبه والمشبّه والمشبّه به، فشبّه الوالي بالأسد من حيث الضراوة وهي الجُرأة على الافتراس، وكذلك الوالي إذا شابه السبع الضاري صار ظالما للرعيّة ومع أدنی طبقاتها بلا رحمة.

س: ما نوع المجاز في قوله علیه السلام: "فانه لا يدَي لك بنقمته" و "يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الَعَمْدِ والْخَطَأ"؟.

المجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له في اصطلاح التخاطب بقرينة صارفة عن إرادة ما وضع له، وهو من فنون علم البيان. ولفظة (اليد) حقيقة يراد بها العضو المعروف الذي يشمل الكفّ والساعد والعضد، وتستعمل مجازا لمعان عدّة، نحو: الإنعام أو القوّة أو التسبّب في حصول أمر ما، قال تعالى «

ص: 80

وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ» [المائدة:64] «قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» [المؤمنون: 88] أي هو القادر على انفاذ أمره، «أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ» [البقرة: 237] أي القادر على التصرّف. وفي قوله علیه السلام: "فانه لا بد لك بنقمته" استعملت اليد بمعنى القدرة على مواجهة نقمة الخالق تعالى فهو مجاز لغوي مرسل علاقته سببية لأن اليد أداة البطش وسبب للقوة والقدرة، أما قوله علیه السلام: "یُؤْتَی عَلَی أَیْدِیهِمْ فِی الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ" فمجاز مرسل بعلاقة الجزئية لأن اليد جزء من سائر أجزاء جسد الإنسان الذي يبدر منه الغلط والخطأ. وفي الكلام كناية عن كونهم غير معصومين.

س: ما المراد بأسلوب التقسيم من فنون علم البديع، عرّفه واستشهد له من کلام الإمام علیه السلام؟

التقسيم هو استيفاء المتكلم أقسام الشيء بحيث لا يغادر شيئا، وهو آلة الحصر ومظنّة الاحاطة بالشيء، سمّاه الزمخشريّ التفصيل، وهو أسلوب بلاغيّ يتطلب خبرة ويحتاج إلى ملكة لغويّة، ونجده في الاستعمال القرآنيّ نحو قوله تعالى: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ» [فاطر: 32] وكذا في الحديث الشريف: "آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، واذا وعد أخلف واذا ائتمن خان"، ونجد هذا الأسلوب في كلامه علیه السلام في عدّة مواضع من النهج، ومنها قوله علیه السلام: "الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق" فهذا تقسیم عامّ للإنسانية كلّها، يجعل الناس كلّهم على اختلاف ألوانهم وأديانهم تحت مسمى الرّعيّة، والحاكم مسؤول عن ضمان أمنهم، فهم

ص: 81

في شراكة عادلة يتناصفون قسمين: أخوّة الدين والشبه في الإنسانية، وهما أدعى لاحترامهما كما يقول علیه السلام.

س: أسلوب التوكيد من فنون علم المعاني، وهو إنشاء غير طلبيّ يراعى فيه حال السامع، ويؤتى به للاهتمام به، استخرجه وبيّن أدواته؟

استعمل الإمام علیه السلام أسلوب التوكيد بصورة واضحة عن طريق نون التوكيد الثقيلة، وهي حرف يفيد التوكيد تتصل بأفعال الأمر أو الفعل المضارع، تتكون من نونين الأولى ساكنة والثانية متحرّكة بالفتح، في قوله علیه السلام: ولا تكوننّ، ولا تنصبنّ، ولا تندمنّ، ولا تسرعنّ، ولا تقولنّ، ولا تدخلنّ، ويبنى الفعل معها على الفتح عند مخاطبة المفرد.

واستعمل علیه السلام التوكيد بالحرف المشبّه بالفعل (إنّ)، نحو قوله علیه السلام: فإنّهم صنفان، فإنّك فوقهم، فإنّه لا يدَي لك، إنّي مؤمر، فإنّ ذلك يطامن، فإنّ الله يذلّ كلّ جبار، وأسلوب التوكيد يراد به التشديد على أهميّة اتّباع الأوامر والانتباه إلى معنى الجمل التي يريد المتكلّم إقرارها والالتزام بها.

ص: 82

المقطع الثالث (بين العامة والخاصّة)

قوله علیه السلام: "أَنْصِفِ اللهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ، وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوىً مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ، وَمَنْ ظَلَمَ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ، وَمَنْ خَاصَمَهُ اللهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ، وَكَانَ لله حَرْباً حَتَّى يَنْزعَ وَيَتُوبَ.

وَلَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللهِ وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ، فَإِنَّ اللهَ سَميِعٌ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِينَ، وَهُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ.

وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الاأمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ، وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ، وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ، فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ، وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ.

وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ، أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَؤُونَةً فِي الرَّخَاءِ، وَأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلاَءِ، وَأَكْرَهَ لِلإنْصَافِ، وَأَسْأَلَ بِالاإلْحَافِ وَأَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الإعْطَاءِ، وَأَبْطَأَ

ص: 83

عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ، وَأَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ، وَإِنَّمَا عَمُودُ الدِّينِ، وَجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْعُدَّةُ لِلأعْدَاءِ، الْعَامَّةُ مِنَ الأُمَّةِ، فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ، وَمَيْلُكَ مَعَهُمْ".

المعنى العام

في هذا المقطع أمر علیه السلام الأشتر بأنْ يراعي الإنصاف مع الله وخلقه، سواء بالنسبة إلى نفسه أو أهله أو من يهواه من رعيّته، فلا يهضم حقّ الله وحقّ أحد من عباده لرعاية هؤلاء فإنّه ظلم، والله خصمٌ للظالم. قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا» [النساء: 135]. وأنْ يرعى ما هو الأفضل في أداء الحقّ وما هو أعمّ لجميع الرّعيّة في إجراء العدل وما هو أجمع لرضا الرّعيّة في تمشية الأمور وإنْ كان يوجب سخط الخاصّة من أرباب النفوذ و أصحاب المقامات السّامية، وعلّل ذلك بأنّ غضب عامّة الرّعيّة وعدم رضاهم عن وضعهم يوجب الثورة والبلوى ولا يقدر الخاصّة مهما كانوا مُخلصين على مقاومة الثائرين كما حدث في زمان عثمان لعدم تأديته حقوق الناس، فاجتمعوا عليه من مصر والكوفة واليمن وحصروه ولم يقدر خاصّته کمروان بن الحكم وسائر رجال بني اميّة مع کمال نفوذهم ودهائهم أن يصدّوا سيل الثائرين والمهاجمين حتّى قُتل عثمان في داره وتبعه ما تبعه من الحوادث،

ص: 84

ولكن إذا كان العموم راضيا و موافقا مع الوالي فسخط بعض الخواصّ لا يؤثر شيئا، لأنّ الأفراد القليلين لا يقدرون على مقاومة الوالي. فالعنصر البشري مهمّ لإقامة الدين، ولو انحصر الدين بالفئة المترفة لجعلوه تبعا لأهوائهم، قال تعالى: «وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ» [المؤمنون: 71]. أما الفئة المستضعفة فهي التربة الخصبة التي ينمو فيها الإسلام ولا تعمل إلا في ظل الحق والعدل وهما الضامن لها ولذا اهتم علیه السلام بعوامّ الناس وساوى بينهم وبين الخاصّة تطبيقا لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (الناس متساوون كأسنان المشط).

وركّز علیه السلام في هذا المقطع على دور الناس والأخذ برأيهم فكان يشاور الصادقين نحو عمّار بن یاسر، وسلمان المحمّديّ، وكان علیه السلام يقول: "من شاور الرجال شاركهم في عقولهم"، ثم وصف الخاصّة الملاصقة بالوالي مع كمال أدبهم وتواضعهم بما يأتي:

1. هم أثقل النّاس على الوالي من جهة المؤونة وما يتوقّعون من معاش تشریفي کالخدم والحشم والغلمان والمماليك، كما كان في حال الرّخاء والعافية.

2. هم أقلّ النّاس معونة عند حلول البلاء وضيق الحال.

3. هم أكره النّاس للعدل والإنصاف لأنّ وضعهم يقتضي التعدّي على حقوق غيرهم.

4. هم أقلّ الناس شكرا للعطايا وأبطأ لقبول الاعتذار عند المنع.

5. هم أضعف صبرا في النوائب وتجاه الحوادث فيفرّون عن صفّ الجهاد عند شدّة البأس.

ص: 85

ثمّ وصف العامّة من النّاس بأنّهم عماد الدّين وحفّاظه، ويتشكّل منهم جماعة المسلمين والسّواد الأعظم وهم العدّة في الدّفاع عن الأعداء.

المستوى الصوتيّ

س: الإلحاف في قوله علیه السلام: "وأسألَ بالإلحاف" يفسر بالإلحاح في السؤال، فهل للمغايرة بين صوتي الفاء والحاء وتعاقبهما على لام الكلمة أثر في إحداث التمايز الدلاليّ بينهما؟ بيّن ذلك صوتيّا.

بالركون إلى جرس الفاء الخفيّ يمكن القول إنّ الألحاف هو طلب الحاجة على نحو خفيّ وهو اللائق بحال الفقراء المتعفّفين الممدوحين في قوله تعالى: «لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ» [البقرة: 273] إذ هم أغنياء في أعين الجهلة فلم يشِع أمرهم بالمسألة بين الناس لأنّهم لم يسألوهم سرّا ولا علانية، ومن هنا يفهم أنّ الإلحاح هو السؤال الظاهر المكرور بلحاظ جرس الحاء الاحتحاكي المكرور في مشتقات الجذر (لحح). وهذا الفرق الدلالي بين الإلحاف والإلحاح ملائم لحال الخاصّة من الرّعيّة إذْ هم مقرّبون من الوالي فيسألونه سرّا وخفية فهم أكثر الرّعيّة سؤالا بالإلحاف.

س: يذكر اللغويون أنّ (الآل) مقلوب (الأهل) تباعا لسيبويه، كيف تفسّر هذا صوتيّا في ضوء وقوفك على قوله علیه السلام: "أنصف الناس من نفسك ومن

ص: 86

خاصّة أهلك"،

اختلفوا في ألف (آل) أمنقلبة عن هاء أم عن واو؟ فذهب سيبويه إلى أن (آل) أصله (أهل)، لأنّه بمعناه ولأنّه يصغّر كتصغير أهل فيقال فيهما: (أُهَيل)، ورأى الكسائيّ أن (آل) أصله (أَوَل) و قلبت الواو ألفا، لتحرّكها وفتح ما قبلها، وأنّهم قالوا: إنّما هم (آل) لأنّ الإنسان يؤول إلى أصله و حسبه أي: يرجع، يقال: آل يؤول أوْلاً: إذا رجع، وسُمع من العرب قولهم: (أُوَيل) في التصغير.

ولكن ثمة فرقاً دلاليا بين (الأهل) و (الآل)، فالآل "خُصّ بالإضافة إلى أعلام الناطقين دون النكرات ودون الأزمنة والأمكنة، يقال: آل فلان ولا يقال آل رجلٍ ولا آل زمان كذا أو موضع كذا ولا يقال: آل الخيّاط، بل يضاف إلى الأشرف الأفضل، يقال: آل الله وآل السلطان، والأهل يضاف إلى الكل يقال: أهل الله وأهل الخياط، كما يقال: أهل زمن كذا وبلد كذا"، و(آل) جُمع على (أولو) أصله (أولون) کما جمع أهل على (أهلون)، ولا لم يستعمل (أولون) إلا مضافاً، حذفت نون الجمع لأجل الإضافة.

س: قال علیه السلام: "وليس أحدُ من الرّعيّة أثقل"، يقال إنّ (أحد) مقلوب عن (وحد)، فهل تصنّف هذه اللفظة ضمن الإعلال أم نبر الصائت الطويل؟ ولماذا؟.

اختلفوا في (أحد) الوارد في قوله تعالى (قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ) [الإخلاص: 1]، زنة وتأصيلاً على مذهبين: الأوّل: وهو أن (أحد) أصله (وَحَد) المنشعب من (واحد) بحذف الألف تخفيفا، ثمّ همزت الواو المفتوحة في (وحد) فقالوا: (أحد) كما قالوا: (أَجم) في (وَجم)، ولم يسمع إبدال الهمزة من الواو المفتوحة في غير هذا. ولمّا استعمل (أحد) صفة للباري دلّ على معنيين: الأوّل إنّه بمعنی

ص: 87

أصله الذي منه انشعب (واحد). والآخر إنّه بمعنى الأوّل. أي إنّ معنى (أحد) في قوله تعالى: «قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ [الإخلاص: 1] هو أنّه (تعالى) الأوّل الذي لا شيء قبله وهو أحد لا ثاني له ولا شريك معه.

وأما المذهب الثاني فظاهره أنّ (أحد) لا إبدال فيه ولا تغيير فكأنّه (فَعَل) من أصل مهجور، فاؤه همزة وعينه جاء ولا مه دال بمعنى (أوّل)، ومنه قيل: اليوم الأحد أي اليوم الأول، وكذلك هو في قوله تعالى: «قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ» [الإخلاص: 1] أي: الأول.

ورجّح كثيرُ من الباحثين المحدثين المذهب القائل: (أحد) مشتقّ من أصل ثلاثي فاؤه همزة وعينه حاء ولامه دال وهو أصل ساميّ قديم كان موجودا في العربيّة الجنوبيّة واللحيانيّة والنبطيّة، أما في العربيّة الحديثة فهُجر الاشتقاق من اللفظة تامّا. ولكن اشتقّت منه مفردات فاؤها واو ومنها (واحد)، وقد كان (أحد) في الساميّات يعني (واحد) اما العربيّة فخصّصت لكلّ من اللفظين معنی خاصّا فصارت (أحد) تطلق على ضربين الاول: الجنس والثاني الواحد. فمثال الأوّل قوله تعالى: «وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ» [التوبة: 6] وقوله تعالى «يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا» [الأحزاب: 32] وقوله تعالى: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» [البقرة: 285] ومثال الثاني قوله تعالى «قل هو الله أحد». و (أحد) المستعملة في الجنس تلزم الأفراد والتذكير وتقع بعد النفي والنهي والاستفهام والشرط.

ص: 88

المستوى الصرفيّ

س: استخرج الأفعال المزيدة، واذكر أحرف الزيادة، ثم بين المعنى الصرفيّ لها؟

1. أنصفْ: فعل أمر من أنصف المزيد بهمزة القطع وذكروا أنه بمعنی المجرّد (نصف) فكلاهما يأتي متعديا فيقال: "نَصَفَ الشيءُ الشيءَ يَنْصُفُه: بَلَغَ نِصْفَه. ونَصَفَ النهارُ يَنْصُف وينصِف وانْتَصَفَ و أَنْصَفَ: بَلَغَ نِصْفه، وَقِيلَ: كلّ مَا بَلغ نِصْفه فِي ذَاتِهِ فَقَد أَنْصَفَ؛ وكلُّ مَا بَلَغَ نِصْفَهُ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ نَصَفَ" ومعنى هذا أن (أنصف) يدل على المبالغة من (نصف) والإنصاف في المعاملة: العدالة، وذلك أن لا يأخذ من صاحبه من المنافع الا مثل ما يعطيه، ولا ينيله من المضارّ إلّا مثل ما يناله منه، فالإنصاف كأنّه الرضا بالنِّصف.

2. أدحض: مزید بهمزة القطع التي أفادت التعدية؛ الأنّ المجرّد هو دحض برجله على الباب الثالث: فحص بها، ودحضتِ الحُجّة دُحوضا: بطلت، ومنه قوله تعالى: «وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ» [الشورى: 16] أي باطلة زائلة. وقوله تعالى: «وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ

ص: 89

الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا» [الكهف: 56] أي ليُبطلوا ويُزيلوا.

3. خاصمه: مزید بالألف التي أفادت المشاركة في الخِصام والمخاصمة، أي: الجدل، والمجرّد يفيد الغلبة، يقال: خصمت فلانا: غلبته فيما خاصمته. أمّا اختصم فيفيد المبالغة «هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ» [الحج: 19] أي: فريقان، وأصل الخُصم بالضم هو جانب الشيء، خُصم الفراش: طرفه و جانبه، وأصل المخاصمة أن يتعلّق كلّ واحد بخُصم الآخر أي جانبه.

4. يُجحف: مزید بهمزة القطع التي تفيد المبالغة؛ لأنّ المجرّد منه متعدّ، يقال: جحفه يجحفه على الباب الثالث إذا قشّره و جرفه، وجحفت الدلو الماء: أخذته، وجحف له الطعام: غرف، وأجحف بالشيء: ذهب به، وجحفت به الفاقة: أفقرته، أي ذهبت به كلّه.

5. يُغتفر: مضارع مبنيّ للمجهول، مزید بالتاء وهمزة الوصل المحذوفة لأجل صياغة المضارع فهو على افتعل، والزيادة أفادت المبالغة ليس في كمّية الغفران وانّما في الإقدام على الغفران وتكلّفه، غفر المتاع في الوعاء: أدخله وستره، وغفر الله سبحانه ذنبه: غطّى عليه وعفا عنه، والجهد والمبالغة في قوله علیه السلام "وإنّ سخط الخاصّة يغتفر مع رضا العامّة"، واضح من سياق الكلام؛ لأنّه في الحثّ على الميل نحو العامّة دون الخاصة.

س: استخرج المصادر وبيّن دلالتها الصرفيّة؟

1. الظُّلم: من الفعل ظلَم يظلِم على الباب الثاني، والقياس الظَّلم الا أنّه غير مستعمل. وربّما جاء بالضم لخصوص الموضوع في كلّ منهما، ظلَمه

ص: 90

حقّه يظلِمه المصدر الحقيقي فَعل بالفتح والاسم الظُّلم بالضم.

2. السخط: من الفعل سخط يسخط على الباب الرابع، والقياس السَّخَط بفتحتين مثل غضِب غَضَبًا و فِرح فرحًا.

3. الشُّكر: مصدر شکر یشکُر على الباب الأوّل، والقياس الشَّکْر بالفتح، غير مستعمل.

4. الحق: من حقّه يحقّه على الباب الثاني، لأنّه مضعّف متعدّ.

5. العدل: من عدل يعدل على الباب الثاني.

6. المنع: من منعه على الباب الثالث والفعل متعدّ.

7. الصبر: من صبر يصبر على الباب الثاني.

8. الميل: من مال يميل على الباب الثاني.

9. الصغو: من صغا يصغو على الباب الأول.

10. الرِّضا: من الفعل رضي يرضى على الباب الرابع، نحو: كبِر کِبَرا، وصغِر صِغَرا في العمر، وربّما خصّ معتلّ اللام من الباب الرابع بِفعَل نحو يِلي الثوب بِلًی.

11. هوی: مصدر من هویه کرضيه على الباب الرابع فهو هو: أحبّه و «كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ» [الأنعام: 71] ذهبت بهواه وعقله وحيّرته.

12. إقامة: مصدر مقيس من أقام على أفعل، ومصدره الافعال، ومن معتلّ العين إفعلة على مذهب سیبویه بحذف ألف الإفعال لالتقائها بسكون العين بعد نقل حركتها إلى الصحيح الساكن قبلها أو إقالة على مذهب

ص: 91

الأخفش بحذف عين الإفعال.

13. إلحاف: مصدر من ألحف المزيد بهمزة القطع.

14. إعطاء: مصدر من أعطى المزيد بهمزة القطع.

15. تعجيل: مصدر من فعّل المزيد بتضعیف العين على التفعيل، عجّل تعجیلا.

16. رَخاء: مصدر على فَعال من الباب الخامس، رخُو العیش یرخو: رَخاء ورَخاوة، دالّ على الثبات فيما هو صفة ثابتة للعيش إذا اتّسع ولان وسهل کالكمال والجمال.

17. جِماع: فِعال، أصله اسم آلة كالرداء والحجاب والنطاق والمهاد فهو اسم لجمع الشيء ومعنی جماع المسلمين اجتماعهم وجماع كلّ شيء ما يجمع أصوله المتعدّدة، وربّما جعلوه بمعنى فاعل لتقريب المعنى، يقال: هذا الباب جماع الأبواب، أي الجامع لها الشامل لما فيها.

س: زن الألفاظ الآتية وزنا صرفيا محكما، وبيّن دلالتها الصرفيّة؟

1. نِعمة: اسم على فعلة، دالّ على هيئة حصول الإنعام.

2. نقمة: اسم على فعلة دالّ على هيئة حصول النقم، من نقمت عليه أنقم بالكسر: إذا أنكرت عليه فعله باللسان.

3. معونة: مَفُعْلة بضم الفاء، اسم مفعول من العون أي المساعدة، ثم حذفت واو مفعول على رأي سيبويه لالتقاء الساكنين عند صياغة مفعول أو مفولة على رأي الاخفش بحذف العين.

4. مَؤونة: اسم على فعولة، وأغلب المعجميّين على أنّه من المون، يقال: مان عياله يمونهم أي: قام بكفايتهم ونفقتهم، ثمّ همزت الواو، والمؤونة هي

ص: 92

القوت، وقيل من مأن الشخص يمأنه إذا احتمل مؤونته أي: قوّته فهو مائن، والمفعول مؤون.

5. بَلاء: اسم مصدر على فَعال من أبلاه إذا اختبره وامتحنه كما في قوله تعالى: «وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» [الأنفال: 17]، فهو كالنبات من أنبت في قوله تعالى: «وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا» [نوح: 17].

6. عُدّة: اسم على فُعلة، وهي صيغة تدلّ على موضع الحدث في الأشياء، نحو الصُّلعة موضع الصلع من الرأس، والغُرفة لمقدار ما يغترف، والعُدّة: ما أُعدّ لأمر يراد حدوثه، من أعددت الشيء إعدادا أي: هيّئته.

7. أمّة: اسم على فُعلة من الأمّ وهو القصد، والأمّة: الجماعة القاصدة لطريق واحد، فالأمّة كلّ جماعة يجمعهم أمرٌ ما إمّا دین أو زمان واحد أو مكان واحد «كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ» [البقرة: 213] أي صنفا واحدا أو على طريقة واحدة في الضلال والكفر، «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» [النحل: 120] أي قائما مقام جماعة في عبادة الله وتوحيده.

8. عمود: اسم ذات على فَعُول، وهو ما تعتمد عليه الخيمة، وجمعه عُمُد بضمتين، والعَمَد بفتحتين اسم دالّ على الجمع «فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ» [الهمزة: 9]، و"«خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا» [لقمان: 10]، وقيل: العمد بفتحتين هو جمع عماد أو جمع عمود، والعماد: الطول «إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ» [الفجر: 7] استعمل هنا دالّا على الأهمّيّة، يقال عمود

ص: 93

الامر قوامه الذي لا يستقيم الا به، وعمود الصبح: ابتداء ضوئه تشبيها بالعمود في الهيئة، وفي رواية أخرى للنهج (عماد).

9. خاصّة: اسم على فاعلة، والتاء للنقل للاسميّة، أي: اسم لما يخصّ، أي يفضّل، وهو أقرباء المرء، وكذا العامّة: اسم على فاعلة، والتاء للنقل إلى الاسميّة، أي الدلالة على الشعب.

10. ملمّات: جمع ملمّة على مفعلة، اسم فاعل من ألمّ أصلها (مُلمِمَة) ثم حصل نقل للكسرة لأجل الإدغام، وهي اسم للشديدة التي تنزل وتحيط بالفرد من نوازل الدهر، أي: شديدة نزلت به وضاممته.

11. أدعى، أقلّ، أبطأ، أحبّ، أعمّ: أسماء تفضيل على زنة أفعل، وإنّما قلبت واو أدعى ألفا لتحرّكها بعد الفتح.

12. مرصاد: مفعال، اسم آلة نحو: مفتاح، من رصد إذا ترقّب، و قيل اسم مكان «إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا» [النبأ: 21] أي مكان خاصّ بالترصّد و «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ» [الفجر: 14] أي: لا ملجأ ولا مهرب.

13. مضطهدين: جمع اسم الفاعل مُضطهد، من اضطهد على زنة (افتعل) وقلبت التاء طاء للمجانسة الصوتيّة قياسا في تاء الافتعال، تفيد المطاوعة، ضهده على الباب الثالث أي: قهره فاضطهد، نحو: جمعه فاجتمع.

14. عُذْر: اسم لما يأتي به الإنسان من حجّة يعتذر بها ليمحو سوء ما فعله، يقال: أعذر عذرا، والمصدر الإعذار، أي أتى بما صار به معذورا. وأصل العُذر مصدر لعذرته: رفعت اللوم عنه، أي: وجدت له حجّة، والاسم المعذرة.

ص: 94

15. عباد: فِعال، جمع كثرة لعابد، نحو نیام جمع نائم، ويجمع على عبّاد أيضا.

أمّا عبيد فاسم جمع واحده (عبد)، کنخل نخيل.

16. أعداء: أفعال جمع قلّة ل (عدوّ) وهو اسم جنس للواحد والجمع، والذكر والأنثى، ضد صدیق، والعِدي: اسم الجمع.

س: تفسّر لفظة (خصم) في قوله علیه السلام: "كان الله خصمه"، بمعنى مُخاصمه، ولفظة (حرب) في قوله علیه السلام: "وكان لله حربا" بمعنی مُحاربا، فهل الدلالة الصرفيّة للفظتين واحدة مع اختلاف الصيغة؟.

لمّا اختلفت الصيغتان فلا بدّ من اختلاف المعنى، فالخصم يطلق على المصدر من خصمته خصما، أي: نازعته، وخاصمته مخاصمة وخصاما للمشاركة بين الطرفين في الخصام كما في قوله تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ» [ البقرة: 206]، وأصل المخاصمة أن يتعلّق كلّ واحد بخُصم بالضمّ الآخر أي: جانبه. وصيغة المجرّد خصم خصما يعني أنّ الجدل من طرف واحد، والخصم مصدر من باب المغالبة، يقال: خاصمته فخصمته، أي: غلبته في الخصام، وإنّما استعمل الخصم للواحد والجمع لأنه مصدر فالوصف به من باب التشبيه البليغ فكما نقول: فلان أسد، نقول: فلان عدل وخصم وکرم والمراد كأنه الكرم والخصام والعدل، ولذا فالمخاصم ليس بمعنی الخصم؛ لأنّ اسم الفاعل يقيّد بزمن معيّن، هو مخاصم لفلان أي: حصل منه ذلك في زمن ما، أمّا خصم لفلان فهو من باب الوصف بالمصدر، وهو استعال يراد به المبالغة في جعل الفاعل كأنّه الحدث نفسه لكثرة تعاطيه ايّاه، على نحو قول الخنساء:

ترتَع ما رَتَعَتْ، حتَّى إذا ادّركتْ فإنما هي إقبالٌ وإدبار

ص: 95

فالناقة لشدّة ولهها على فصيلها تحوّل ركضها إلى عمليّة الاقبال والأدبار نفسها، وكذا فلان حرب لفلان أي: مبالغة في العداوة كأنّه الحرب نفسها. وهنا عبّر الإمام علیه السلام بالمصدر عن شدّة حرب الله و مخاصمته للحاكم الجائر.

المستوى النحويّ

س: ما نوع حتّى في قوله علیه السلام: "وكان لله حربا حتّى ينزع أو يتوب"؟

حتى هنا بمعنى (إلى)، غير أنّها تفترق عنها بعدم دخول الغاية أي: يرجع عن ظلمه بنيّته أوّلا ثمّ يسرع بلوازم التوبة من إعادة الحقّ لأهله، وحتّى في العربيّة على ثلاثة أنواع: أنْ تكون بمعنى (الواو) وهي العاطفة التي تدخل على الأسماء: أكلت السمكة حتى رأسها أي: ورأسها، وحتّى الاستئنافيّة: أكلت السمكة حتّى رأسُها بالضمّ، أي: حتّى رأسها أكلته، فيعرب رأسها مبتدأ، وحتّى التي بمعنى (الى) يقال: أكلت السمكة حتّى رأسِها بالكسر أي: إلى رأسها وهي الجارّة إذا دخلت على الاسم الظاهر نحو «سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ» [القدر: 5].

س: ما نوع إلّا في قوله علیه السلام: "فانك إلّا تفعل تظلم".

إلّا هنا مركّبة من (أن) الشرطیّة الجازمة و (لا) النافية، ثمّ قُلبت النون الساكنة لاما وأدغمت في اللام، وذلك حسب قواعد الادغام المعروفة للنون الساكنة إذا تلاها أحد حروف الإدغام (يرملون). والفعل بعدها مجزوم بأن وهو فعل الشرط، وتظلم جواب الشرط.

ص: 96

س: ما نوع (مَن) في قوله علیه السلام: "أنصف الله... ومَن لك هوى فيه" وقوله: "ومَن ظَلَم عباد الله كان الله خصمه"؟

(من) الأولى هي الموصولة، والجملة الاسميّة بعدها من المبتدأ (هوی) والخبر المقدّم (لك) والمتعلّق (فيه) صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب.

أمّا مَن الثانية فهي الشرطيّة الجازمة، تعرب مبتدأ، والفعل الماضي بعدها في محلّ جزم فعل الشرط، وجملة كان الله خصمه، خبر ل (من) في محلّ جزم جواب الشّرط.

س: ما نوع اللام في قوله علیه السلام: "وليكن أحبّ الأمور إليك أوسطها في الحق.... واجمعها لرضا الرّعيّة"؟.

اللام في (لیکن) هي لام الأمر المكسورة، والمضارع مجزوم بها، وحذفت عينه لالتقائها بسكون الجزم، ومثلها قوله تعالى: "لينفق ذو سعة من سعته"، واسم كان لفظة (أحبّ)، و خبرها لفظة (أوسطها).

واللام في (لرضا) هي الجارّة المكسورة، والاسم بعدها مجرور بالكسرة المقدّرة على الألف منع من ظهورها التعذّر.

واللام في (الحقّ) هي لام التعريف الساكنة لا عمل لها، وهي دالّة على استغراق صفات الأفراد وعلامتها صحّة تبديلها ب (کلّ)، نحو: أنت الرجل حقّا، أي: جامع كلّ صفاتهم، وهي نوع من (ال) تعريف الجنس وهي على ثلاثة أنواع: الدّالّة على حقيقة الجنس: الرجل أقوى من المرأة، والدّالّة على استغراق الجنس: «إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ» [العصر: 2]. والدّالّة على استغراق صفات الأفراد وهي هذه.

س: ما نوع الإضافة في قوله علیه السلام: "دعوة المضطرين"، "سخط العامّة"، "جماع

ص: 97

المسلمين"، "أحبّ الأمور"، "ملمّات الدهر"، "نعمة الله"؟

الإضافة في العربيّة على نوعين: المحضة وهي التي تكون بمعنی حرف من حروف الجرّ، وعليها قوله علیه السلام: "دعوة المضطهدين" فهي بمعنى اللام، أي دعوة لهؤلاء المظلومين، ومثلها "سخط العامّة" أي سخط لهم على الوالي الظالم، وهو بمعنى اللام في (نعمة الله)، أمّا "أحبّ الأمور" فالإضافة بمعنى (من) التبعيضيّة؛ لدلالة اسم التفضيل على اختيار بعض الأمور المحبّبة من غيرها، وفي "ملمّات الدهر" إضافة محضة بمعنى (في)، أي ملمّات تنزل في وقت من الدّهر دون غيره تمتحن فيها الأمّة.

أمّا النوع الثاني من الإضافة فهي غير المحضة، التي تكون من إضافة المشتقّات العاملة إلى معمولها، نحو: ضارب زید، و مضروب الأب، وحسن الوجه، أو من إضافة الصفة إلى الموصوف نحو: "زينة الكواكب" أي: الكواكب المزيّنة، وفي قوله علیه السلام: "جماع المسلمين" إضافة غير محضة، من نوع إضافة المصدر إلى عامله أي؛ (اجتماع المسلمين).

س: في النصّ مبتدآت نكرة من نحو قوله علیه السلام:

1. "وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من اقامة على ظلم"

2. "أنصف الله... ومن لك هوى فيه من رعیتك"

3. "وليس أحد من الرّعيّة أثقل على الوالي مؤونة من أهل الخاصّة"، بيّن المسوّغ للابتداء بها دون المعرفة؟

في العبارة الأولى المبتدأ هو (شيء) وهو اسم ليس مرفوع، وخبرها هو لفظة (أدعي)، أمّا مسوّغ الابتداء بالنكرة فهو كونها مخصوصة بجملة "من إقامة على

ص: 98

ظلم"، نحو: رجل من الكرام عندنا، وفي العبارة الثانية المبتدأ لفظة (هوی) نكرة منوّنة، خبرها الجارّ والمجرور (لك)، وجملة (لك هوی) صلة (من)، أمّا مسوّغ الابتداء بالنكرة فهو تقديم خبرها عليها. وفي العبارة الثالثة نكّر المبتدأ (أحد) وهو اسم ليس، وخبرها (أثقل)، ومسوّغ الابتداء بالنكرة هو تخصيصه بالجارّ والمجرور (من الرّعيّة).

س: أعرب الألفاظ: مؤونة، معونة، شکرا، عذرا، صبرا؟

هذه كلّها تمييزات لأسماء التفضيل التابعة لها، وهي: أثقل، أقلّ، أبطأ، أضعف.

س: ما نوع (دون) في قوله علیه السلام: "و من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده"؟

(دون) على ثلاثة أنواع: اما أن تكون ظرف مكان، أو اسما مجرورا إذا سبقت ب (من) نحو: «وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ» [الرحمن: 62]، أو تكون اسم فعل مبنيّا إذا أضيفت إلى ضمير الخطاب نحو: دونك الكتاب، أي: خذه، و (دون) في النصّ المتقدّم ظرف مکان مبنيّ على الفتح مضاف، و (عباده) مضاف إليه.

المستوى المعجميّ

س: استعمل الإمام علیه السلام لفظتي: الظلم والاجحاف، كلّ في مكانها، وفي هذا إشعار بتباين معناهما عن عموم دلالتهما، وضّح الفرق بينهما وعرّج على ذکر معنی الجور المرادف لهما.

ص: 99

إنّ الظُّلم تغطية للحقّ وحجبه ولذا سّمي الظلام لأنه تغطية للنور. وأمّا الإجحاف فمصدر أَجْحَفَ به، أي ذهب به. وأزاله حتى كأنه زواه في جحر. وهذا المعنى ملائم لما في قوله علیه السلام: "فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ یجْحِفُ بِرِضَی الْخَاصَّةِ" أي يزيله ويخفيه من دون ظلم ولا ذنب، ولكن التبعة تقع على الظالم كما في قوله علیه السلام: "مَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اَللَّهِ کَانَ اَللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ"، أما الْجور فخلاف الاسْتقَامَة في الحكم تَقول جَار الْحَاكِم في حكمه إذا فَارق الاسْتقَامَة فِي ذَلِك لأن الجور يعني تجنب الْحق والابتعاد عنه، من قَوْلنَا: جَار عَن الطَّرِيق إذا عدل عَنهُ.

س: عطف علیه السلام الميل على الصغو، فهل ثمّة فرق بين اللفظين؟ وكيف تفرق بينهما وبين السمع.

الصغو مصدر صغا يصغو إذا مَال وأصغى غَيره، وَفِي القرآن الكريم «إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا» [التحريم: 4] أَي مَالَتْ، وصغوك مَعَ فلَان أَي ميلك، والاصغاء هُوَ طلب إِدْرَاك المسموع بإمالة السّمع إليه یُقَال أصغت الناقة إذا أمالت رأسها إلى الرجل كأنها تسمع شيئا، فالصغو میل عاطفي يقع قصدا وعمدا والإصغاء هو إطراق السمع وهو اختيار وإدراك بخلاف السمع الذي ليس للإنسان فيه اختيار إذ ليس لك حيلة لتدفع بها الأصوات بعيدا عن سمعك فأنت تسمعها حتما، أما الميل فعامّ في كلّ شيء سواء في الحواسّ الظاهرة أم المشاعر الخفيّة.

س: ذكر علیه السلام لفظتي النقمة والسخط، فما الفرق بينهما؟ وما حقلهما الدلاليّ؟

النقمة معناها قريب من البلاء لكن النقمة لَا تكون إلا جَزَاء وعقوبة وَأَصلهَا شدَّة الْإِنْكَار تَقول نقمت عَلَيْهِ الْأَمر إذا أنكرته عَلَيْهِ وَقد تسمى النقمَة بلَاء وَالْبَلَاء لَا يُسمى نقمة إذا كَانَ ابْتِدَاء لأن الْبلَاء يكون ضَرَرا ويكون نفعا

ص: 100

وَإِذا أردْت النَّفْع قلت أبليته وَفِي القرآن (وليبلى المُؤمنِينَ مِنْهُ بلَاء حسنا) وَمن الضّر بلوته وأصله أَن تختبره بالمكروه وتستخرج مَا عِنْده من الصَّبْر وَيكون ذَلِك ابْتِدَاء.

وأما السخط فقريب من الغضب ذلك إنّ "الْغَضَب يكون من الصغير على الْكَبِير وَمن الْكَبِير على الصَّغِير والسخط لَا يكون إِلَّا من الْكَبِير على الصَّغِير يُقَال سخط الْأَمِير على الْحَاجِب وَلَا يُقَال سخط الْحَاجِب على الْأَمِير وَيسْتَعْل الغَضَب فيهمَا والسخط إذا عديته بِنَفسِهِ فَهُوَ خلاف الرِّضَا يُقَال رضيه وَسخطه وَإِذا عديته فَهُوَ بِمَعْنى الْغَضَب تقول سخط الله إذا أَرَادَ عِقَابه".

وممّا يدخل في الحقل الدلاليّ لهذه الألفاظ لفظتا الْكَرَاهَة والبغض فالْكَرَاهَة تسْتَعْمل فِي مَا لَا يسْتَعْمل فِيهِ البغض فَيُقَال أكره هَذَا الطَّعَام وَلَا يُقَال أبغضه كَمَا تقول أحبه وَالْمَراد أَنِّي أكره أكله کَمَا أَن المُرَاد بِقَوْلِك أُرِيد هَذَا الطَّعَام أَنَّك تُرِيدُ أكله أو شِرَاءَهُ، وكذا لفظتا (الغضب والغيظ) فالإنسان يجوز أَن يغتاظ من نَفسه وَلَا يجوز أَن يغْضب عَلَيْهَا وَذَلِكَ أَن الْغَضَب إِرَادَة الضَّرَر للمغضوب عَلَيْهِ وَلَا يجوز أَن يُريدِ الإنسان الضَّرَر، والغيظ يقرب من بَاب الْغمّ.

س: قال علیه السلام: "وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحقّ" تدل لفظة الوسط على الخير في سياقات المدح وهي تدلّ في أصل الاستعمال على نصف المسافة بين نقطتين، وضّح تطور الدلالة في مسار هذه اللفظة من خلال تتبّع استعمالها المعجميّ؟ قولُه علیه السلام هذا يؤكّد على الحاكم اعتناقه منهج الوسطيّة في اختياره لمقرّبيه، وليس المراد بالوسطيّة أن يكون بين الحقّ والباطل، بمعنى أن يختار من مقرّبيه الشخص الذي يعرف بالكذب والصدق معا، أو يعرف بمواقف الحقّ والباطل.

ص: 101

وإنّما المراد بالوسطيّة هي اختيار الأفضل والأقوى ثبوتا في الحقّ من الناس؛ لأنّ لفظة الوسط تدلّ على الإنصاف، ووسط الشيء ماله طرفان متساويان بالقدر، يقال: وسط العمر، أي: منتصفه، وسطهم يسطهم على الباب الثاني إذا جلس بينهم بشكل متساو عن كلّ طرف و (الصلاة الوسطى) ما بين النهار والليل إذا أريد بها الفجر، أو ما بين الركعتين والأربع إذا أريد بها المغرب، أو ما بين استراحتين إذا أريد بها العصر؛ لأنّها في قمّة انشغال الناس.

ولكون نقطة الوسط أفضل ما في الشيء استعمل الوسط في الدلالة على العدل والفضل، فأحمد الأشياء أوسطها، قال تعالى: «قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ» [القلم: 28] أي: خيّرهم وأعدلهم، وكذلك «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا» [البقرة: 143] أي: أمّة عادلة ومنصفة. ووسط الوادي خير موضع فيه و أكثر کلأ وماء، ولا يراد بالوسط الذّمّ أبدا إذ لا يقال: عليك أن تكون وسطا بمعنی خذ منها شيئا واترك أشياء؛ لأنّ نقطة الوسط إذا كانت مطلقة تكون من الشيء الواحد المتّصل بعضه ببعض، لا بين شيئين منفصلين والا كانت ذمّا وهذا لا يتأتى إلا بقرنها بما يميّز هذين المنفصلين، فيقال: هو وسط بين الحقّ والباطل.

س: ما نوع التطوّر الدلاليّ في لفظة (العذر)؟.

أصل العذر هو تحرّي الإنسان ما يمحو به ذنوبه، أعذر: أتی بما صار به معذورا، قال بعضهم: أصل العُذر من العَذَرة، وهو الشيء النجس، ومنه سمّيت القلفة العَذرة، فقيل: عذرت الصّبيّ إذا طهرته وأزلت عذرته، وكذا عذرت فلانا: أزلت نجاسة ذنبه بالغفر عنه، كقولك: غفرت له، أي: سترت

ص: 102

ذنبه. فالتطور الدلالي للفظة العذر من نوع رقيّ الدلالة بعد أن كانت هابطة.

المستوى البلاغيّ

س: ما نوع الأسلوب البلاغيّ في قوله علیه السلام: "وإنّما عمود الدين ... العامة من الامة"؟

في العبارة السابقة أسلوبان: الأوّل من أساليب علم المعاني، وهو الحصر ب(إنما) الذي يفيد التوكيد إذا كان السامع محتاجا للتّثبّت إذ ينحصر الموصوف بهذه الصفة وتكون له خاصّة، والأسلوب الثاني في تشبيه العامّة بأنّهم عمود الدين، ويعني علم البيان بهذا الأسلوب البلاغيّ، والذي يتنوع التشبيه فيه حسب أركانه الأربعة: المشبّه، والمشبّه به، وأداة التشبيه، ووجه الشّبه، وهنا حذفت أداة التشبيه، وشبّهت العامّة بالخباء، الذي هو ملجأ الإنسان، ثم حذف المشبّه به وبقي لازم منه وهو العمود، فهذه استعارة مكنيّة.

س: الكناية لفظ أرید به لازمه، استخرج هذا الأسلوب البلاغيّ من النصّ الذي بين يديك؟

1. نجد هذا الأسلوب في قوله علیه السلام: "وكان لله حربا حتى ينزع أو يتوب" فکنّی بالحرب عن أنّ غلظة الوالي مع رعيّته تجعله محاربا لله لكونه عاصيا في رعاية العامّة من الناس.

2. وفي قوله علیه السلام: "وهو للظالمين بالمرصاد" كناية عن أنّ الخالق سبحانه يسمع ويرى كلّ ما يقوم به الوالي، يرصده ويرقبه فيجازيه على عمله

ص: 103

بالمثل، والراصد بالشيء: الراقب له، والرَّصَد بفتحتين القوم يرصدون کالجرس "يجد له شهابا رصدا" أي: يرقبه ليصيبه.

3. لفظة العامّة كناية عن الطبقة الوسطى والفقيرة من الرّعيّة، ولفظة الخاصّة كناية عن بطانة الوالي القريبة منه والمطّلعة على مجريات حكمه، وهم المقرّبون إليه في مجلسه.

س: أسلوب تقديم ما حقّه التأخير من فنون علم المعاني، يستعمل لإبراز أهمّية المقدّم، ضع يدك على هذا الأسلوب في النصّ المتقدّم، مع بيان نوع التّقديم؟

1. في قوله علیه السلام: "ومن لك هوى فيه"، لك: شبه جملة في محلّ رفع خبر مقدّم لأنّ المبتدأ (هوی) نكرة لا مسوغ للابتداء بها إلّا بتقدّم الجارّ والمجرور عليها.

2. في "وليكن أحبَّ الأمور إليك أوسطُها" تقدّم خبر كان (أحبّ) على اسمها (أوسطها)،

3. في "وكان لله حربا" تقدّم الجارّ والمجرور على خبر كان (حربا)، واسم كان ضمير مستتر يعود على الحاكم الظالم.

4. في "وهو للظالمين بالمرصاد" تقدّم الجارّ والمجرور (للظالمين) على متعلّقه وهو الخبر شبه الجملة (بالمرصاد).

س: في النصّ اقتباس، استخرجه وبيّن أثره البلاغيّ؟ في قوله علیه السلام: "وهو للظالمين بالمرصاد" مقتبس من قوله تعالى: «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ» [الفجر: 14]، وفي قوله: "وأسأل بالإلحاف" اقتباس من قوله تعالى «لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ

ص: 104

يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ» [البقرة: 273]. والاقتباس بلاغة في تزيين الكلام لتلطيف وقعه على السامع وتعميق اثره.

ص: 105

ص: 106

المقطع الرابع أسس اختيار البطانة

قوله علیه السلام: "وَلْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ، وَأشْنَأَهُمْ عِنْدَكَ، أَطْلَبُهُمْ لِمَعَائِبِ النَّاسِ، فإنَّ في النَّاسِ عُيُوباً، الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا، فَلاَ تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا، فَإنَّمَا عَلَيْكَ تَطْهِيرُ مَا ظَهَرَ لَكَ، وَاللهُ يَحْكُمُ عَلَى مَا غَابَ عَنْكَ، فَاسْتُرِ الْعَوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ يَسْتُرِ اللهُ مِنْكَ ما تُحِبُّ سَتْرَهُ مِنْ رَعِيَّتِكَ.

أَطْلِقْ عَنِ النَّاسِ عُقْدَةَ كُلِّ حِقْدٍ، وَاقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ كُلِّ وِتْرٍ، وَتَغَابَ عَنْ كلِّ مَا لاَ يَضِح لَكَ، وَلاَ تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاعٍ، فَإِنَّ السَّاعِيَ غَاشٌ، وَإِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ.

وَلاَ تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلاً يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ، وَيَعِدُكَ الْفَقْرَ، وَلاَ جَبَاناً يُضعِّفُكَ عَنِ الأمُورِ، وَلاَ حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ، فَإِنَّ الْبُخْلَ وَالْجُبْنَ وَالْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللهِ.

شَرُّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً، وَمَنْ شَرِكَهُمْ فِي الآثَامِ، فَلاَ

ص: 107

يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً، فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الأَثَمَةِ، وَإِخْوَانُ الظَّلَمَةِ، وَأَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَنَفَاذِهِمْ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ وَأَوْزَارِهِمْ وَ آثَامِهِمْ، مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلی ظُلْمِهِ، وَ لاَ آثِماً عَلَى إِثْمِهِ، أُولئِكَ أَخَفُّ عَلَيْكَ مَؤُونَةً، وَأَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً، وَأَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً، وَأَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً، فَاتَّخِذْ أُولئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ وَحَفَلاَتِكَ، ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ، وأَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيَما يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِهَ اللهُ لأوْلِيَائِهِ، وَاقِعاً ذلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ."

المعنى العام

وصف علیه السلام في هذا المقطع النمّامين الساعين في طلب عيوب الناس وأمر الوالي بإبعادهم وبغضهم، ونبّه على أنّ من مصلحة الوالي الستر على عيوب النّاس وعدم التفتيش عنها لئلا ينفروا عنه. وأمر علیه السلام بتجنّب ما يوجب حقد النّاس ويجلب البغضاء في صدورهم.

وأمره علیه السلام بالتجاهل عن أمور لا يصحّ للوالي الدخول فيها من أحوال الناس الخاصّة التي ينبغي أن تحفظ لهم ولا تعلن، وأمر الوالي بالتوقّف عن تصديق من يسعى لديه بخبر حتّى يتفحّص ويتحقّق ووصف مثل هذا الساعي بأنّه غاش في صورة ناصح. ونهاه عن المشورة مع البخيل. والمشورة مع الجبان. والمشورة مع الحريص. وأشار علیه السلام إلى أنّ المشورة مع هؤلاء لا تهتدي إلى رأي صالح مصيب لأنّ ما ركز في طبعهم من مساوئ الأخلاق يؤثّر في رأيهم ويكدّره، فالبخيل يمنع عن الإيثار والبذل لكلّ أحد، والجبان لا يرى الحرب والجهاد مع الأعداء

ص: 108

مصلحة في حال من الأحوال، لأنّ جبنه يدعوه إلى حفظ النفس والاختفاء عن العدوّ، والحريص الجامع للدنيا يدعو إلى الشّره. ثمّ نبّه على أنّ هذه الذمائم ترجع إلى مبدأ واحد وهو سوء الظنّ بالله تعالى وقلّة معرفته.

ونبّه علیه السلام على أنّ الوزير إنْ كان وزيرا للوالي الشرّير من قبلُ فقد شركه في الآثام والمظالم فلا يجوز الاعتماد عليه واتّخاذه بطانة في أمور الحكومة فإنّه من أعوان الأئمة الظلمة، ثمّ أرشده إلى رجال آخرين يفضّلون على أمثال هؤلاء في وجوه منها:

1. أنهم مبرّؤون من الأوزار لعدم المعاونة على الظلم والإثم فيكون رأيهم أصوب.

2. أنهم أخفّ مؤونة لانّهم أهل صلاح ولم يعتادوا الإسراف في المعيشة وادّخار الأموال.

3. إنّ معونتهم للوالي أكثر من الوزراء السابقين لعدم تساهلهم و تسامحهم في تنفيذ الأمور.

4. إنّ صفاء قلوبهم لا تغيّره المطامع والمكائد فيكون حبّهم للوالي خالصا.

المستوى الصوتيّ

س: الفرار من توالي الأمثال ظاهرة صوتيّة ثابتة في لغتنا العربيّة، عرّف بها من خلال توجيه فتح عين صيغة (فَعْلة) عند جمعها بالألف والتاء في لفظتي: خَلَوَاتك و حَفَلَاتك جمعي (خَلْوة وحَفْلة)؟.

ص: 109

عند تتابع ثلاثة أصوات متشابهة أو ثلاثة مقاطع متساوية في الطول تلجأ العربيّة إلى المخالفة بينها بأن تقلب أحد الأصوات حرف مدّ نحو (دسّاها) أصله (دسسّها) بثلاث سینات، أو أن يحصل تغيير في مقاطع الكلمة المتشابهة بأن يدمج اثنان متشابهان في مقطع واحد کما في إسناد (كتب) إلى ضمائر الرفع المتحركة إذ أصل التشكيل الصوتيّ للفعل هوكَ، تَ، بَ وهو من ثلاثة مقاطع قصيرة، وعند زيادة تاء الفاعل (تُ) عليه يصبح التشكيل من أربعة مقاطع قصيرة، فيحصل دمج بين المقطعين الثاني والثالث ليتحولا إلى مقطع طويل كما في التشكيل كَ، تَب، تُ وكذا التشكيل المقطعيّ في الجمعين (خَلَوَاتك، حَفَلَاتك) توالت فيهما ثلاثة مقاطع طويلة في الأصل هي: (خَلْ، وا، تِك)، (حفْ، لا، تِك)، فخولف بين هذه الأمثال الثلاثة بأن انشطر المقطع الطويل المغلق الأول فيهما إلى قصیرین مفتوحين كما في (خَ، لَ، وا، تِك) و (حَ، فَ، لا، تِك).

س: تحدث التغيّرات الصوتيّة غالبا بين أصوات العلّة، ويدخل معها صوت الهمزة دون غيره من الأصوات الصحيحة، علّل هذه الظاهرة الصوتيّة من خلال توضيحك قلب الهمزة ألفا في صيغة التفضيل من الفعل أثر في قوله علیه السلام: "ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمرّ الحقّ لك"؟.

اسم التفضيل من (الأثر) أصله (أَأْثرُ) على وزن (أحسنُ)، ولكن عند اجتماع همزتين في الطرف الأولى متحركة والثانية ساكنة تقلب الثانية - عند القدماء - حرف مدّ من جنس حركة الأولى، ولمّا كانت الأولى مفتوحة هنا قلبت الثانية ألفا لأنّ الألف من جنس الفتحة، فصار اسم التفضيل (آثرُ). أمّا المحدثون فلم يرتضوا تعليل القدماء هذا لعدم المناسبة الصوتيّة بين الهمزة والألف ومن ثم

ص: 110

وجّهوا التغيير الصوتيّ الحاصل في لفظ التفضيل بالحذف والمدّ ذلك أن الأصل (أُ. أْ، ث-َ، ر-ُ) ورد فيه المقطع الأول طويلا مغلقا يشتمل على مثلث صوتيّ قلق لأن مكون من همزتين وفتحة فحذف منه الهمزة الثانية ثمّ مدّ الصائت القصير (الفتحة) ليتحول إلى صائت طويل (ألف) كما في التشكيل (أ-ً، ث-َ، ر-ُ).

س: للصائت القصير أثر في تحديد المعنى، فهل في حذفه أثر دلاليّ على بنية اللفظة؟ وضّح ذلك من خلال تلمّس الدلالة بين فتح عين لفظة (الخلف) في قوله علیه السلام: "وأنت واجد منهم خير الخَلَف"، وحذف حركتها في التعبير القرآنيّ «فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى» [الأعراف: 169].

الفعل (خلف يخلف) على الباب الأوّل ومصدره (خلفا) ساكن الفاء وهو ضدّ تقدّم وسلَف، وخلَف عن القوم: تأخّر عنهم، وخلف أباه: جاء بعده، ثم استعمل اسم جمع لكلّ من يأتي بعد، وغلب في الطالح "«فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا» [مريم: 59]، أمّا إذا ما حُرّكت العين صار المعني بالضّدّ أي أنّ الخَلَف هو اسم جنس إفراديّ لمن هو صالح من الولد أو الأمة: خير الخلَف لخير السلَف، وهو خلَف خير لأبيه، وقطع الحركة عن العين أوقف هذا الاتّجاه في المخلوفين إلى نقيضه، ومنهم من جعل ساكن العين دالّا على الحيّ والجامد معا. وهذا هو الراجح لأنّ الخلف في الأصل مصدر ثمّ صار اسما لمن يخلف سلفه حقيقة أو مجازا كاستعمال اللفظ دالا على الظرفية بمعنى الوراء کما قوله تعالى «وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ» [يس: 9] لكن تحريك عين اللفظ بالفتح منحها دلالة على الحركة والحيوية والنشاط وهذه من لوازم الأحياء الصالحين.

ص: 111

المستوى الصرفيّ

س: استخرج الأفعال المزيدة من النصّ، وبيّن أحرف الزيادة فيها والمعاني الصرفيّة التي أفادتها؟

1. أطلقْ: فعل أمر من أطلق المزيد بهمزة القطع، وأفادت الزيادة التعدية إلى غير ذات المتكلّم، فالمجرّد طلق يده بخير: فتحها، كناية عن الجود، وأطلق لغير نفسه، أطلقت البعير من عقاله أي: أفلتّه، وطلّقته أي: بعد جهد، ومنه «يا أيها التي إذا طلقتم النساء فطلقوه ته*«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ» [ الطلاق: 1].

2. استطعتَ: استفلت، فعل ماض على استفعل من طاع يطوع: إذا انقاد، ثم حذفت عينه لالتقاء سكونها مع سكون اللام لأجل اتّصال الفعل بضمير الرفع (استطوعْتَ). والطّوع من طاعه وهو الانقياد ويضادّه الكره «ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ» [فصلت: 11]، والاستطاعة (استِفالة) أو (استِفعلة) من الطّوع، ومعنی استطاع فلان من فعل كذا: صار ذلك الفعل متأتّيا له وطوع أمره. وفي قوله تعالى: «فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا» [الكهف: 97]. إذ ورد الفعل تامّا مرة ومحذوف التاء مرة أخرى ومعناه أنهم لم يقدروا على عبور السدّ

ص: 112

ولا خرقه فحذفت التاء من الفعل السهل وهو عبور السد وبقيت مع الأصعب وهو خرق السد. ومن المشتقات الأخرى (طوّع) في قوله تعالى: «فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ» [المائدة: 30] وهو مبالغة من الطوع.

3. تُحبّ: مضارع (أفعل) مزید بهمزة القطع التي تفيد الجعل "حبَبتُ فلانا بمعنى أصبت حبّة قلبه، نحو شغفته و كبدته وفادته، وأحببت فلانا: جعلت قلبي معرّضا لحبّه، لكن في التعارف وضع محبوب موضع محبّ، واستعمل حببت أيضا موضع أحببت، فمعنى المجرّد أنّ المفعول هو الذي يودّني، والمزيد يعني المتكلّم هو الذي يودّ المتكلّم معه.

4. تغابَ فعل أمر على وزن (تفاعَ) من تفاعل المزيد بالتاء والألف، والماضي تغابی، والزيادة أفادت التكلّف، أي إظهار الأمر على غير حقيقته لما يختصّ بالقبائح والأمور السّيّئة نحو: تجاهل وتعامي، ولكون لام الفعل ياء من غبي يغبي على الباب الرابع غباوة حذفت منفعل الامر للجزم.

5. تشبّه: تفعّل، مزید بالتاء وتضعیف العين، من الشبه، والزيادة دالّة على التّكلّف، أي إظهار الشيء على غير حقيقته فيما هو محمود، وهذا الشخص يظهر شبهه بالصالحين وهو ليس مثلهم.

6. تدخلنّ: مضارع من أدخل المزيد بهمزة القطع التي أفادت التعدية إلى المفعول الثاني مباشرة أو بوساطة حرف الجرّ «وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ» [محمد: 6]". أمّا المجرّد فهو متعدّ لمفعول واحد «ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ» [الحجر: 46].

ص: 113

7. يضعّفك: يفعّلك، مضارع فعّل المزيد بتضعیف العين، والزيادة أفادت التعدية إلى المفعول به؛ لأنّ المجرّد على الباب الخامس من الأفعال الازمة الدّالّة على الطبائع والصفات الثابتة، ضعف يضعف فهو ضعیف، خلاف القوّة أي ذهبت قوّته وصحّته، وضعّفه تضعيفا: صيّره ضعيفا،، وكذلك يقال: ضعّفت الحديث أي نسبته إلى الضعف، وضعّفت العدد جعلته ضعفين، كلّ حسب سياقه.

8. يزيّن: يفعّل مضارع زيّن المزيد بتضعیف العين، والزيادة تفيد الصيرورة أو التعدية للمفعول الثاني بوساطة حرف الجرّ اللام، زان الكرم صاحبه، وزيّنت الكرم لزيد: صيّرته حسنا فازدان، زیّنه إذا أظهر حسنه... «كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» [الأنعام: 108] «إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ» [الصافات: 6]، وتزيين الله للأشياء يكون بإبداعها مزيّنة وإيجادها كذلك. وتزيين الناس للشيء: بتزويقهم أو بقولهم، وهو أن يمدحوه ويذكروه بما يرفع منه وهذا معنى قوله علیه السلام.

9. يعاون: يفاعل من عاون المزيد بالألف الدّالّة على المبالغة في الإعانة؛ لأنّ أعان المزيد بهمزة القطع يدلّ على التعدية، قال تعالى: «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا» [الفرقان:4] والمجرّد غير مستعمل بمعنى المساعدة وإنّما من قولهم: عانت المرأة وعوّنت: صارت عوانا، والعوان: التّوسّط بين السنين «قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ» [البقرة:

ص: 114

68]، وتعاون يفيد المشاركة «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ» [المائدة: 2]، وربّما استعمل علیه السلام المبالغة في مساعدة الوزير للولاة الظلمة دون مجرّد ارتكاب هذه المساعدة ملاحظة منه علیه السلام لاحتمال كون الوزير مغصوبا أو متّقيا الخطر، فلم يقل علیه السلام: ممّن لم يعن ظالما على ظلمة.

10. فاتّخذ: افتعل من الأخذ، مزید بهمزة الوصل والتاء التي أفادت التعدية للمفعول الثاني وهو لفظة (خاصّة)، والمفعول الأوّل لفظة (أولئك)، «وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ» [المائدة: 116]. أي: اجعل هؤلاء خاصّة لك، ومعنى أخذ: حاز الشيء وتناوله بالسلم أو بالقهر وأبدلت الفاء تاء لمناسبة العين، وهو تأثّر رجعيّ في تاء الافتعال.

س: استخرج جموع التكسير الواردة في النصّ، واذكر أوزانها، ومفرداتها؟

1. معایب: جمع كثرة على مفاعل، وهو جمع معيبة، وهي اسم دالّ على الفعلة الناقصة، والتاء للنقل إلى الاسميّة، نحو الكبيرة والصغيرة اسم لما يرتكبه المرء من ذنوب، والجمع كبائر وصغائر. والمعيبة اسم لما يفعل من نقص.

2. عيوب: جمع كثرة على فُعول ومفردها عيب وهو مصدر دالّ على النقص والشين، من عابه يعيبه عيبا قال تعالى: «أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ

ص: 115

سَفِينَةٍ غَصْبًا» [الكهف: 79]، ويجمع المصدر بشرط اختلاف أنواعه فالعيب: قوليّ وفعليّ ولذا ساغ تكسيره.

3. غرائز: جمع كثرة على فعائل مفرده غريزة على فعيلة اسما دالّا على الطبيعة والسجية في صاحبها، فهي صفة مغروزة في الشخص.

4. وُزراء: جمع كثرة على فُعلاء ومفرده وزير على فعيل، والوزير في الأصل صفة مشبّهة وفي اشتقاقه قولان: الأول: إنهّ مشتقّ من الوِزر وهو الثقل. لأنه الذي يحمل عن الوالي أثقاله ويعينه قال تعالى: «وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي» [طه: 29] ثم صار اسما لمن يقوم بهذه المهمّة، فهو شخص بعينه، وكان هارون علیه السلام في عهد موسی علیه السلام، ثم سمّي بذلك الأشخاص المساعدون للوالي كلّ حسب مهامه. والآخر: إنهّ مشتقّ من الوَزَر بمعنى الملجأ كما في قوله تعالى: «كَلَّا لَا وَزَرَ» [القيامة: 11] أي لا ملجأ.

5. أشرار: جمع قلّة على أفعال، ومفرده شرّ على فَعل ضدّ الخير، يقال: رجل شرّ على نحو رجل برّ ورجال أبرار، وذهب الأخفش إلى أنّ أشرار جمع شرير على فعیل کیتیم وأيتام و شریف وأشراف، وهذا خلاف القياس؛ لأنّ فعيلا صفة تجمع قلّة على أفعلة نحو أذلّة جمع ذليل، ويتيم اسم لا صفة بدلیل عدم جواز جمعه جمع سلامة للمذكّر.

6. آثام: جمع قلّة على أفعال ومفرده إثم على فِعل بكسر الفاء.

7. أعوان: جمع قلّة على أفعال، ومفرده عَون، وهو اسم دالّ على الواحد والجمع، والمعاونة: المظاهرة، والعون: الظهير على الأمر، فلان عوني - أي: معيني،

ص: 116

8. الأَثَمَة: جمع كثرة على فَعَلَة، مفرده آثم على فاعل نحو: طالب طلبة.

9. الظّلَمَة: جمع كثرة على فَعَلة، ومفرده ظالم، وصيغة فَعَلة جمع للكثرة تختلف عن الجمع الشائع (فُعّال) نحو طلّاب و ظلّام في أنّ الجمع على فَعَلة يراد به جمع الفاعلين الذكور الذين لهم فعل خاصّ يقومون به، وفعلهم ليس مطلقا بخلاف الجمع (فُّعال) إذ الفاعلون فيه ليسوا معنيّين بفعل خاصّ بل عامّ فالطلاب جمع لطالبي العلم والحاجة والتجارة والثأر والحق والباطل وسائر الأفعال، أما الطلبة فللعلم خاصّة، ومثله (حفظة) في «وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ» [الأنعام: 61] فهو جمع لمن يقوم بحفظ أمر بعينه دون الذين يقومون بالحفظ بصورة عامّة والذين جمعهم حفّاظ، لذلك خصّ الحفظة بالملائكة، وكذا الظلمة والأثمة فهم من يتّصفون باقتراف الظلم والإثم الذي يصدر من صنف خاصّ من الناس وهم ولاة أمور العامّة الذين يتجاوز ظلمهم المحيطين بهم ليشمل كلّ أفراد الأمّة، وربّما تعدّاه إلى الأجيال اللاحقة.

10. إخوان: جمع كثرة على فِعلان، ومفرده أخ معتلّ اللام على فعل، وأصله أخو، ويجمع قلّة على إخوة.

11. آرائهم: جمع قلّة على أعفال، ومفرده رأي، وحصل لهذه اللفظة تغيير بالقلب المكانيّ، فالأصل جمعها أرأاي على (أفعال) ثم قدّمت الهمزة الثانية التي هي عين الكلمة تمهيدا لتخفيفها، فصارت أَأْراي ثم قلبت الهمزة الثانية (العين) ألفا لالتقاء همزتين أوّل الكلمة، الأولى مفتوحة

ص: 117

والثانية ساكنة، ثم قلبت الياء همزة لتطرفها بعد ألف زائدة.

12. آصارهم: جمع قلّة على زنة أفعال ومفرده إصر وأصله (أَأْصار) ثم قلبت الهزة الثانية ألفا.

13. أوزارهم: مفرده وِزر وهو الذنب ووزنه أفعال وهو جمع قلّة.

14. آثامهم: جمع قلة مفرده إثم وأصله (أأثام) ثم قلبت الهمزة الثانية ألفا.

15. أوليائه: جمع كثرة على أفعلاء و مفرده وليّ على فعيل صفة مشبّهة.

س: صنّف المصادر الواردة في هذا المقطع من حيث الزيادة والتّجرّد، والقياس والسّماع، مبيّنا دلالاتها الصرفيّة؟.

المصادر المجرّدة في المقطع قسم منها قياسيّة هي: (ستر، عطف، شره، فقر، بخل، جبن)؛ لأنّ القياس في المصادر المجرّدة أن تأتي على فَعْل، نحو: السَّتر بالفتح والاسم السِّتر بالكسر، والعَطف، والفَقر، والشَّرَهُ مصدر مقیس من الفعل المجرّد على الباب الرابع للدلالة على الامتلاء بهذه الصفة نحو: فرح فَرَحا وحزن حزنا، والبُخل والجُبن مصدران قياسيّان من المجرّد على الباب الخامس الدّالّ على الطبائع والغرائز الثابتة،

وأما القسم الآخر من المصادر الثلاثية فسماعی کالحِرص مصدر حرَص عليه إذا أفرط في الرغبة، فأما أن يكون هذا الإفراط في المحمود فهو اشتداد الرغبة في النفع والهداية قال تعالى: «إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ» [النحل: 37] أو يكون في الذّمّ فهو من الجشع والرغبة في الامساك عن الأنفاق، أمّا المصدر المقيس فهو الحَرْص ولكنه من معنی آخر إذ يدلّ على الشّقّ، حرص القصّار الثوب إذا شقّه، وحرص المطر الأرض: لم يترك منها شيئا، فهذا من المتعدّي على القياس، ففُرّق بين المصدرين

ص: 118

لاختلاف المعني.

وكذا السَّوء والسُّوء، فالمصدر المستعمل هو السَّوء بالفتح للدلالة على عموم ما يكون من أذى وقبح وشرّ ونقص على حين السُّوء بالضم هو خاصّ لنوع ما من القبائح، يقال سُوء الظنّ، سُوء العاقبة، سُوء الفهم، سُوء الحال، سُوء الحظّ، قال تعالى: «وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ» [الأعراف: 188] أي: ضرر خاصّ به. فالاستعمال القرآنيّ جعل السَّوء لمقام العموم قال تعالى: «وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» [التوبة: 98] وواضح إرادتهم الدوائر فقوبلوا بعموم ما يعاقبون عليه من سوء. وفي قوله علیه السلام اتّباع للاستعمال القرآنيّ إذ جعل علیه السلام سُوء الظنّ بالله لمن يصدر منه واحد من الصّفات الثلاث الذميمة التي ذكرها: الحرص، البخل، الجبن. وهي صفات للمسلمين إذا ساء ظنّهم بالله، على حين اجتماع الصّفات كلّها لا يكون الا للمشركين أو المنافقين فتكون معه لفظة السَّوء الدّالّة على العموم قال تعالى: «وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا» [الفتح: 6].

والوِتر: هو اسم من وتره حقّه أي ظلمه وأنقصه ايّاه والمصدر وَتَرا، وربّما قصد به الحقد لما يبقى في النفس من آثار الظلم الذي لم يرفع، يقال: وتر فلانا: قتل عزيزه، والموتور: الذي يقتل له قتيل فلم يدرك بدمه «فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ» [محمد: 35] أي: ينقصكم أجوركم، وقال الفراء: هو مشتقّ من الوتر وهو الفرد، فكان المعنى: لن يفردكم بغير ثواب. والوتر بمعنى الفرد جاء بالفتح «وَالشَّفْعِ

ص: 119

وَالْوَتْرِ» [الفجر: 3] أي: الزوج والفرد، والمراد بالفرد يوم عرفة أو صلاة الليل ركعة أو ثلاث ركعات. فالقياس الفعل بالفتح، والفِعل بالكسر الاسم خلافا لمن يجعل الفتح والكسر مصدرين.

- النفاذ: مصدر من قولهم: نفذ السهم في الرميّة ينفذ نفوذا و نفإذا، «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ» [الرحمن: 33] ويبدو أنّ النفاذ لما هو معنويّ، يقال: نفذ فلان في الأمر نفاذا، ولذا استعمل الإمام علیه السلام النفاذ في الكلام عن الوزراء ذوي البصائر النافذة، والنفوذ مصدر دالّ على العلاج في المادّيّات، أي التغيير المفاجئ للحركة، نحو خمدت النار خمودا.

أمّا المصادر المزيدة فكلّها قياسيّة وهي:

- تصديق: على تفعيل وهو مقيس من صدّق الدّالّ على النّسبة، صدّق فلانا: نسبه للصدق، أي: اعترف به وآمن بأقواله ولم يكذّبها.

- مساعدة: مُفاعلة وهو مصدر ساعد على فاعَل الدالّ على المشاركة كأنّه ضمّ ساعده إلى ساعده، والسعد خلاف النحس.

- تطهير: تفعيل من طهّره على فعّل الدالّ على التعدية، أي نزهه عن الذمّ.

س: زن الألفاظ الآتية، واذكر معانيها الصرفيّة؟

1. جَبان: فَعال صفة مشبّهة من الباب الخامس.

2. شرُّ وزرائك: اسم تفضيل حذفت همزة القطع منه لكثرة الاستعمال، وأدغمت عينه في لامه فصار وزنه (فعل)، والقياس: أشرَرُ على أفعل.

3. مُرّ: صفة مشبّهة على فُعل من الباب الرابع.

ص: 120

4. غاشّ: اسم فاعل على زنة فاعل.

5. سبب: اسم دالّ على علّة حصول الشيء على زنة فَعل، والأصل فيه الطريق «وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ» [غافر: 36]، أي: نواحيها وطرقها، وهو أصل دالّ على الطريق الممتدّ ثم تُوُسّع فيه فصار يدلّ على كلّ شيء يتوصل به إلى غيره «فَأَتْبَعَ سَبَبًا» [الكهف: 85]، وسبّب الأسباب: أوجدها. أمّا السبّ بمعنى الشتم فهو من أصاب سبّته أي: عجزه وفي ذلك قطع لامتداده على خلاف المعجمات في ذهابها إلى أنّ الأصل هو القطع ثم تجوّز به إلى الطريق.

6. الإِلف: فِعل وهو صفة مشبّهة دالّة على المؤالف، يقال: ألِفه يألَفه ألفا إذا لزمه، ويأتي حسب السياق اسم مصدر لفعّل، يقال: ألّفت السهم إلفا: وهو الاجتماع والالتئام: إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم"، وفي قوله علیه السلام يراد به المؤالف على سبيل الدوام لا للمصالح الشخصيّة.

7. عقدة: اسم دالّ على موضع تركّز الحقد في نفس الوالي؛ لأنّ فُعلة لموضع الفعل من الشيء نحو: الصُّلعة والغُرفة، مأخوذ من العقد وهو الجمع بين أطراف الشيء «وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ» [الفلق: 4] وهي ما تعقده الساحرة.

8. بطانة: اسم آلة على فعالة وهي خلاف الطهارة، بطّنت ثوبي بآخر: جعلته تحته، وهم خاصّة الرجل الملاصقون له.

9. شتّی: جمع كثرة على فعلى، والمفرد شتيت، وهو المشتّت المبعّد، أي: الصفات المتباعدة، ومثل هذه الصفة في الجمع: مريض مرضی.

ص: 121

10. مشورة: اسم مفعول من شاره يشوره على وزن مفعلة إذا حذفنا واو مفعول بسبب التقاء الساكنين (عين الفعل وواو الصيغة) بعد نقل ضمّة العين المعتلة إلى الشين الساكنة، وهي ما ينصح به من رأي وغيره من: شار العسل يشوره شورا: استخرجه، ثم استعملت في أخذ أفضل الآراء والمعاني. قال تعالى: «وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» [آل عمران: 159] فالمشاورة في الأمر من باب إشعارهم بالمسؤولية وليس الالتزام برأيهم لأنه قال بعدها (فإذا عزمت فتوكل على الله).

11. الفضل: مصدر على زنة فَعل من فضَل يفضُل على الباب الأول وهو الزيادة في الشيء، واستعمل اسما للإحسان «وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا» [النساء: 32].

12. عورة: اسم على فَعلة لكلّ ما كان قبيحا من قول أو فعل.

س: لماذا استعمل الإمام علیه السلام الفعل المجرّد (شرك) في قوله: "شرّ وزرائك من كان قبلك للأشرار وزيرا ومن شِركهم في آثامهم" دون المزيد بالألف (شارك) مع أنّ (فاعَلَ) هو المسموع الغالب نحو قوله تعالى: «وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا» [الإسراء: 64]؟

المشاركة تقتضي المبادلة بين طرفين في أمر ما، فإبليس يشارك الناس ممّن يتابعه في أموالهم وأعراضهم لمّا يأتون بها من الحرام، ويرد المزيد بهمزة القطع على معنى الجعل، أشرك فلان فلانا: جعله شريکا له، فالأوّل صاحب المبادرة والثاني تابع: «وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي» [طه: 32] على حين يأتي المجرّد (شرِك)

ص: 122

من الباب الرابع وأفعاله تدلّ على الصفات العارضة، نحو: الفرح والحزن والغضب، يقال: شِركه في البيع والميراث يشرکه شركة، وهذا العروض في مشاركة الحكّام الأشرار يكون منه وفقا لمصالحه فيتزلّف للظلمة لينال عطاءهم ويكون هواه هو الدافع له لمشاركتهم، فهو شخص يتلوّن مع كلّ جهة تعود عليه بالنفع. أمّا الشراكة فتستدعي طرفين يتبادلان المشاركة وهذا الشخص يدخل متزلّفا ليدخل نفسه مع كلّ من يحصل منه نفع ولا يبقى على واحد بعينه.

المستوى النحويّ

س: تكرّرت (ما) خمس مرّات في قوله علیه السلام: "فإنّما عليك تطهير ما ظهر لك، والله يحكم على ما غاب عنك، فاستِر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحبّ ستره من رعيّتك". فهل كلّها بمعنى واحد؟ وضّح ذلك.

(ما) في (فإنما) هي الزائدة الكافّة لعمل (انّ) الحرف المشبّه بالفعل، فلا تنصب اسما ولا ترفع خبرا، لذا يعرب (عليك) جارّ ومجرور متعلّق بخبر المبتدأ (تطهير) المضاف إلى (ما) ظهر لك.

و (ما) الثانية اسم موصول بمعنى الذي في محلّ جرّ بالإضافة، وظهر صلتها.

و (ما) الثالثة اسم موصول بمعنى الذي غاب عنك.

و (ما) الخامسة هي اسم موصول و (تحبّ) صلته.

أمّا (ما) الرابعة في: ما استطعت، فهي اسم شرط غير جازم يفيد الزمان،

ص: 123

أي: مدّة استطاعتك قال تعالى: «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» [التغابن: 16] وجوّزوا في إعرابها أوجها:

1. ما مصدرية، والمصدر المؤول منصوب بفعل محذوف اي استطاعتكم.

2. ما ظرفية والمصدر المؤول منصوب على الظرفية متعلق باتّقوا والتقدير مدة استطاعتكم.

3. ظرفية مبتدأ وخبرها الجملة الفعلية قبلها.

4. شرطية زمانية: مدة استقامتكم. وهذا هو الأظهر.

س: في النصّ عمِل اسما الفاعل (واجد، واقع) عمل فعليهما، اذكر سبب إعمالهما، ثم عيّن فاعل كلّ منهما؟

عمل اسم الفاعل (واجد)؛ لأنّه وقع خبرا للمبتدأ (أنت) فرفع فاعلا مستترا يعود على الواجد وهو الحاكم، ونصب مفعولا هو خبر الخلف. وعمل اسم الفاعل (واقعا)؛ لأنّه وقع حالا، فرفع فاعلا وهو اسم الإشارة (ذلك)، وفي تعيين المشار إليه وجهان: إما على الناصح الذي تجرأ على النصح وكلمة الحقّ، أو على القول المرّ للحقّ الصادر من الناصحين لك.

س: كيف تعرب (كان) في: "ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمرّ الحقّ لك، وأقلّهم مساعدة فيما يكون منك ممّا كره الله لأوليائه"؟.

(كان) الأولى هي الناقصة، واسمها أفعل التفضيل (آثرهم) مرفوع بالضمّ، وخبرها اسم التفضيل (أقولهم) منصوب بالفتح، أمّا (كان) الثانية فهي التامّة التي تكون بمعنى: وقع أو حصل، وفاعلها مستتر يعود على (ما) الاسم الموصول قبلها، يقال: جئت فكان المطر، أي: وقع، والمراد في كلامه علیه السلام: فيما

ص: 124

يقع منك ممّا كِره الله أن يصدر منك كونك وليّا على رعيّتك.

س: ما المحلّ الإعرابيّ للجملتين: "فإنّ في الناس عُيوبا الوالي أحقّ من سترها" و "ولا تدخلنّ في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل ولا جبانا يضعّفك عن الأمور ولا حريصا يزيّن لك الشره بالجور"؟.

الجملة الأولى من المبتدأ (الوال)، وخبره (أحقّ من سترها) في محلّ نصب صفة للفظة (عيوبا)، أي: عيوبا يسترها الوالي.

والجملة من الفعل وفاعله المستتر (یعدل) بك عن الفضل في محلّ نصب صفة ل(بخيلا)، وكذا يضعّفك صفة ل(جبانا)، ويزيّن لك الشره صفة ل(حريصا).

س: ما نوع (لا) في الجملتين الآتيتين: "ولا تدخلنّ في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل" و "فلا يكون لك بطانة"، أعرب تفصيلا؟

(لا) في الجملة الأولى هي الناهية التي تدخل على المضارع المخاطب، والفعل بعدها مجزوم بها، وعلامة جزمه السكون، وحرّك آخره بالفتح لاتّصاله بنون التوكيد الثقيلة وهي حرف لا محلّ لها من الإعراب، و (لا) في الجملة الثانية هي الناهية أيضا وإن دخلت على مضارع غائب على ما نجد مع لا النافية، الا أنّ السياق يحدّد نوعها إذ قد تأتي ناهية داخلة على الغائب مادام الكلام مع المخاطب في الجملة السابقة، ومثلها قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ» [الحجرات: 11] فصدر الآية خطاب ثم كلام عن الغائبين، وهذا أسلوب بليغ لا يدلّ على النهي عن إتيان الفعل فقط وانّما عن أن يكون المنهيّ المخاطب في صورة قريبة أو من جنس هذا الفعل نفسه، كأنّه علیه السلام يقول: فلا يكوننّ لك بطانة بمعنى أني لا أريد أن أراهم عندك في حال من الأحوال وليس أن تمتنع عن أخذهم بطانة لك، والفعل بعدها مضارع

ص: 125

مجزوم بها وعلامة جزمه حذف النون لأنّه من الأفعال الخمسة، والفاعل هو واو الجماعة المحذوفة لاتصالها بنون التوكيد الخفيفة فحذفت لالتقاء الساكنين، وبني الفعل على الضمّ لاتّصاله بنون التوكيد الثقيلة إشارة إلى الواو المحذوفة.

س: كيف تعرب الظرفين (قبل) و (حيث) في قوله علیه السلام: "شرّ وزرائك من كان قبلك للأشرار وزیرا"، "واقعا ذلك في هواك حيث وقع"؟

الظرف الأوّل (قبلك) مبنيّ على الفتح في محلّ نصب صفة للوزير الذي يتقرّب لك والتقدير: شر الوزراء الذي كان للأشرار وزيرا سابقا. ويجوز أن يعرب (قبلك) مفعولا فيه ظرف زمان والتقدير: الذي كان للأشرار وزيرا في الزمن السابق. أما الظرف (حيث) مبنيّ على الضمّ في محل نصب مفعول فيه، فهو يصلح للجواب عن السؤال ب (أين)، وهو مضاف إلى الجملة الفعليّة بعده.

س: كيف تفسّر کسر آخر فعل الأمر والفعل المضارع في قوله علیه السلام: "فاستِر العورة ما استطعت يستِر الله منك ما تحبّ ستره"؟

فعل الأمر مجزوم وعلامة جزمه السكون، فالتقى سكون الفعل بالجزم بسكون اللام في لفظ الجلالة إذ همزة (ال) التعريف هي همزة وصل لا ينطق بها في درج الكلام، لذا يحرّك آخر الفعل فرارا من التقاء الساكنين، أمّا لماذا الكسر حركة دون الضمّ أو الفتح، فلأنّ الضمّ أو الفتح ينتج عنهما تفخيم لام لفظ الجلالة، والترقيق أكثر خفّة ولا يكون الا بالكسرة، وكذلك حركة المضارع من الفعل نفسه؛ لأنّه مجزوم أيضا لوقوعه في جواب الطلب، وليس المراد من العبارة رفع العقوبة عن المسيء وإنّما عدم البحث عن عيوب الناس الخاصّة بأن لا يكشف عمّا غاب عنه منها، وذلك يقمع أهل النّميمة، ويحفظ للناس أسرارهم وأمورهم الشخصية التي لا علاقة لها بسياسة الدولة.

ص: 126

المستوى المعجميّ

س: ورد الشَّرَهُ والحِرْصُ في سياق واحد هو قوله علیه السلام: "ولا حريصا یزیّن لك الشَّرَه بالجور "فما الفرق بينهما؟.

الحِرْصُ: الجَشَعُ. وقد حَرَصَ على الشيء يحرص بالكسر، فهو حَريصٌ.

والحَرْسُ: الشَقُّ. ومدلول الجذر (حرص) يفسر بنظيريه في باب الاشتقاق الأكبر (الإبدال) وههما (حرز، حرس) إذ المعنى الجامع لهذه الثلاثة هو جمع المال وكنزه والبخل في إخراجه حتى كأنّه حارّ من سكونه في خزائنه لأن الحرص أصله من المضعّف (حرّ). فالحرص في المال يبدو مذموما ولكنه في الأنفس محمود لأنه بمعنى الحفظ والرعاية قال تعالى: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ» [التوبة: 128] أما الشره فيعني غَلَبَةُ الحُرص. يقال: قدْ شره الرجل فهو شره. أي صار راغبا في تحصيل المال والسعي في كسبه وإن كان من حرام و أصل الشره من المضعف (شرّ) الذي يعني النشر والشيوع وهذا المعنى يلحظ في الأصول (شرح، شرد، شرم، شرخ، شرع، شرف، شرك) وغيرها.

س: وردت ألفاظ مترادفة في النصّ تدلّ على البغض والكره وهي: الشَّنَأ والحِقد والوِتر، كيف توضّح عدم تطابقها من خلال استعمالها جميعا في نصّ واحد؟.

الشنأ والشنآن بمعنى البغض الظاهر للعيان يقال: شنَأته شَنْءاً، وشُنْءاً،

ص: 127

وشِنْءاً، ومشنأً، وشنآنا، بالتحريك، كما في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى» [المائدة: 8] أما الحِقْدُ فيعني الضِعْن الداخلي، والجمع أَحْقادٌ. وتقول: حَقَدَ عليه يَحْقِد حُقْداً، وحَقِد عليه بالكسر حَقَداً. أما الوتر فيعني النقص ومنه الموتور: الذي قُتل له قتيل فلم يُدرك بدمِهِ. يقال : وتَرَهُ حقَّه، أي نقصه. وقوله تعالى: (ولنْ يَتِرَكُمْ أعالَکُمْ) أي لن يتنقَّصكم في أعمالكم. وقوله علیه السلام (أطلق عن الناس عقدة كلّ حقد واقطع عنك سبب كلّ وتر) معناه احلل عقدة الأحقاد من قلوب الناس بالعدل فيهم و حسن السيرة معهم. واقطع السبب في عداء الناس لك بالإحسان اليهم قولا وعملا.

س: قال علیه السلام: "وليس عليه مثل آصارهم وأوزارهم وآثامهم" هذه الألفاظ تفسّر معجميّا على أنّها بمعنى واحد هو الذنب والمعصية والخطيئة، فكيف عطف بعضها على بعض مع أنّ العطف يفيد التغاير؟.

هاهنا ألفاظ كثيرة تسلك في الترادف وينبغي التفريق بينها وهي:

1. الإثم اسم للأفعال المبطئة عن الثواب، وجمعه آثام، وهي الأفعال التي تقصر بصاحبها وتؤخّره عن فعل الواجب وأداء الفرائض من قولهم: ناقة آثمة، أي متأخرة. وقوله تعالى في ذكر الخمر والميسر «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا» [البقرة: 219] أي في تناولهما إبطاء عن الخيرات.

2. الأصر عقد الشيء وحبسه بقهره، يقال أصرته فهو مأصور وجمع الإصر آصار وهي الأفعال التي تحبس صاحبها قال تعالى: «وَیَضَعُ

ص: 128

عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ» [الأعراف: 107] أي الأمور التي تثبطهم وتقيدهم عن الخيرات وعن الوصول إلى الثوابات. وبهذا الملحظ استعمل الإصر بمعنى العهد المؤكد الذي يثبط ناقضه عن الثواب والخيرات، قال تعالى قال «قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي» [آل عمران: 81].

3. الحوب يفيد أنه مزجور عنه وذلك أن أصله في العربية الزجر ومنه يقال في زجر الابل حوب حوب وقد سمي الجمل به لأنّه يُزجر. قال تعالى: «وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا» [النساء: 2] ومعنى ( حوبا کبیرا) أنّ كافل اليتيم إذا كان موسرا ثم أكل مال اليتيم فقد جاء بإثم يستحق عليه الزجر.

4. الذنب ما يتبعه الذم، والاصل في الذنب الرذل من الفعل كالذّنَب الذي هو أرذل ما في صاحبه، فهو ما يتبع العبد من قبيح عمله. والذنوب هي الأفعال التي يتبعها ذم وتقريع.

5. الجرم ما ينقطع به عن الواجب وذلك أن أصله في اللغة القطع. فالجرم هو العمل القبيح الذي ينقطع به العبد عن الواجب.

6. الوزر أصله الثقل ويعبر به عن الاثم کما يعبر عنه بالثقل، قال «لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ» [النحل: 25]، وحمل وزر الغير في الحقيقة هو على نحو ما أشار إليه صلى الله عليه وسلم بقوله: "من سن سنة حسنة كان

ص: 129

له أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجره شيء، ومن سن سنة سيئة كان له وزرها ووزر من عمل بها" أي مثل وزر من عمل بها.

س: هل يمكن استبدال لفظة (الحجاب) بلفظة الستر في قوله علیه السلام: "الوالي أحقّ من سترها" ؟ ولماذا؟

فسر المعجميّون الحجاب بالسِتْرُ. وبينهما فرق ذلك أنّ الحجب يعني المنع مع القهر والقوة. وهو شائع في المحسوسات کحاجب العين وحاجب الأمير أما الستر فيعني الإخفاء والتغطية مع اللطف واللين ولذا شاع في المعنويات كالذنوب والعيوب وفي قوله تعالى: «وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا» [الإسراء: 45] معنی (حجابا مستورا): حجابا مخفيّا.

س: في قوله علیه السلام "فَإِنَّ الْبُخْلَ وَالْجُبْنَ وَالْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّی یَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللّهِ." فسوء الظّنّ بالله صفة جمعت البخيل والجبان والحريص من الناس، ولم يخرجهم من الإسلام، فهل الشّكّ في الله يخرجهم منه؟ بيّن ذلك في ضوء الوقوف على الفرق الدقيق بين الظّنّ والشّكّ قرآنيّا.

إن الشَّك اسْتِوَاء الطرفِين الجائزين في المسألة المشكوك في أمرها وَالظَّن رُجْحَان أحد الطرفِين الجائزين فيها. فأصل الشَّك فِي العربيّة من قَوْلك شَككت الشَّيْء إذا جمعته بِشَيْء تدخله فِيهِ وَالشَّكّ هُوَ اجْتِمَاع شَيْئَيْنِ فِي أمر واحد والشاكّ يجوز کَون مَا شكّ فِيهِ على إِحْدَى الصفتين لِأَنَّهُ لا دَلِيل هُنَاكَ وَلَا أَمارَة وَلذَلِك كَانَ الشاك لَا يحتَاج فِي طلب الشَّك إلى الظَّن وَالْعلم فيستعين بِالنّظرِ لا غير. أما الظانّ فيتحصل في نفسه على قوة الْمَعْني من غير بُلُوغ حَال الثِّقَة الثابتة وَلَيْسَ كَذَلِك الشَّك الَّذِي هُوَ وقُوف بَين النقيضين من غير تَقْوِيَة أَحدهمَا على الآخر.

ص: 130

فعلى هذا يكون الظن أشبه باليقين لأن الظان محرز للحق بدرجة معينة قال تعالى: «الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» [البقرة: 46]، بخلاف الشاكّ الذي يقف في منزلة بين منزلتين لا يدري في أيهما الحق فيحتاج إلى من ينوره ويأخذ بيده نحو الحق كدأب الرسل مع قومهم في قوله تعالى: «قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى» [إبراهيم: 10].

س: حصل للفظة (الحفلات) الواردة في النصّ، تخصیص دلاليّ، بيّنه من خلال تلمّس التطور التاريخيّ للفظة؟

الحفل دالّ على الاجتماع، حفَل الماء واللبن يحفِل حفلا: اجتمع، وحفَل الوادي بالسيل: جاء بملء جنبيه، وضرع حافل: كثير لبنه، من حفلت الشاة، أي: اجتمع اللبن في ضرعها، وحفل القوم: اجتمعوا في مجلسهم، والمحفل کمجلس: المجتمع أي مكان الاجتماع، وهو يستعمل دالّا على كلّ اجتماع في الخير أو الشّرّ، ولكلّ غاية: من الخطبة في الناس أو تعزية في ميّت، فيراد به كثرة المجتمعين، أمّا في العصر الحاضر فخصّت لفظة الحفلة بالناس المجتمعين في فرح أو طربٍ. وساعد على هذا التخصص الدلالة كون اللفظة على صيغة اسم المرة الدال على حصول الفعل مرة واحدة. وآكد منها لفظة المحفل التي خصت بالجلسة الدينية فيقال: محفل قرآني ولا يقال: حفلة قرآنية لأن المحفل مصدر میمي دال على المكان والزمان والحدث.

ص: 131

المستوى البلاغيّ

س: تعدّدت أساليب التوكيد في النصّ المتقدّم، اذكرها موضّحا أهميّة هذا الأسلوب البلاغيّ لدى المتلقّي؟

التوكيد يأتي مراعاة لحال السامع، وهو من فنون علم البيان، ويتّضح جليّا في هذا المقطع؛ لأنّ الإمام علیه السلام يأمر الحاكم بالأمور الأساسيّة في حكمه وهي اختيار البطانة أي: المقرّبين له، فاستعمل التوكيد بالحروف ومنها:

1. إنّ الحرف المشبّه بالفعل في نحو: "فإنّ الساعي غاشّ". 2. نون التوكيد الثقيلة في نحو: "فلا تكشفنّ عمّا غاب عنك"

3. التوكيد بالقصر نحو: "فإنّما عليك تطهير ما ظهر لك".

4. التوكيد الأسلوبي أي: تعديد الأوامر والنواهي بتكرار أسلوب التفضيل الذي غلب على النصّ، وفي هذا الأسلوب تأكيد على أفضلية المختارين، واستعمال التوكيد بأسلوب التقديم والتأخير الذي له أثر في تأكيد أهميّة المقدّم ولفت الانتباه إليه نحو: "فان في الناس عیوبا".

س: في النصّ کنایات لطيفة، استخرجها وبيّن معناها؟

في قوله علیه السلام: "استر العورة ما استطعت" کنّی بالعورة عن كلّ قبيح، من قول يسمعه عن الآخرين أو فعل يصدر منهم، والعورة في الأصل من ذهاب حسن العين بخلل احدى العينين دون الأخرى ثم سمّي الأمر القبيح أو ما فيه

ص: 132

خلل يستوجب ستره وعدم إبدائه عورة، منها العورة لسوءة الإنسان، والوقت الذي يجب فيه الاستئذان، والبيت غير المحكم، وفي هذه الكناية ترك للفظ إلى ما هو أحسن وأجمل إذ تذكر العورة تشبيها بالعين بدلا عن الألفاظ القبيحة التي يعاب عليها الإنسان.

وفي لفظة (البطانة) كناية عن الجماعة المقرّبة من الحاكم في مجلسه، وهم الذي لا يفارقونه ويشيرون عليه، من بطانة الثوب الملتصقة بالجسد.

وفي قوله علیه السلام: "أطلق عن الناس عقدة كلّ حقد" كناية عن ابتعاده عمّا يسيء إلى الناس من قرارات تثقل عليهم وتصعّب معايشهم، وهذا يورث عندهم حقدا على الحاكم ينعقد في صدورهم عليه.

س: أسلوب الحكيم من فنون علم البديع الذي يوصل الخطاب إلى المتلقّي بسرعة ويسر، وضّح ذلك من خلال النصّ المتقدّم؟.

نلاحظ حكمته علیه السلام في تدريج الأوامر للحاكم بما يستوعبه وييسّر عليه العمل بوصايا الإمام علیه السلام، فالأوّل ذكر له الصفات العامّة لمن يجالسون الحاكم من البخلاء والجبناء والحرصاء، واستعمل لهؤلاء ما يدلّ على العموم في اختيارهم لفظة البطانة؛ لأنّها دالّة على كلّ المقرّبين خيرهم وشرّهم، قال النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم: "ما بعث الله من نبيّ ولا استخلف من خليفة إلّا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه، وبطانة تأمره بالشّرّ وتحضّه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى"(1). ثم خصّص علیه السلام الأقرب من هؤلاء المغربلين أوّلا إلى غربلة ثانية بقوله مخصّصا بعد تعميم "من لم يعاون ظالما على ظلمه" فهذا المعيار مهمّ جدّا في تصنيف الأشخاص؛ لأنّه ينظر إلى الجانب العمليّ التطبيقيّ لأفعالهم فإنّ

ص: 133


1- رواه البخاري

الإنسان إذا تشبّه بالأخلاق کشفه عمله، فيقول علیه السلام: التمس من لا يعرف بالجُبن أو البخل فإذا وجدت هؤلاء اكشف عن صدقهم بأنّهم لم يكونوا ممّن تلطّخت أيديهم بأعمال فساد مع من كان قبلك من الحكومات. واستعمل علیه السلام في تخصیصه لفظة (الخاصّة) دون البطانة. وأسلوب التخصيص بعد التعميم والتدرّج في إيصال الأوامر أسلوب قرآنيّ معروف على ما نجد في تحريم الخمر، وما نجد من تفصیل بعد اجمال في أنواع الأنعام «ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» [الأنعام: 143].

س: ثمّة فن بلاغيّ تجده في قوله علیه السلام: "فاتّخذ أولئك خاصّة لخلواتك وحفلاتك"؟

في قوله علیه السلام: خلواتك وحفلاتك طباق إيجاب، وهو أن تكون كلمتان مختلفتان في اللفظ والمعنى ولكنّهما متقابلتان، والخلوات هي المجالس الخاصّة التي لا يحضرها الا القلّة التي يعتمد عليها الحاكم في إدارة حكمه، أمّا الحفلات فهي المجالس العامّة التي يحضرها الحاكم برفقة كثير من الناس للخطبة فيهم.

ص: 134

المقطع الخامس أسس التعامل مع البطانة

قوله علیه السلام: "وَالْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَالصِّدْقِ، ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَی أَلَّا یطْرُوكَ وَلَا یبْجَحُوكَ بِبَاطِلٍ لَمْ تَفْعَلْهُ، فَإِنَّ کَثْرَةَ الْإِطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ، وَتُدْنِی مِنَ الْعِزَّةِ.

وَ لَا یکُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَالْمُسِیءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ، فَإِنَّ فِی ذلِكَ تَزْهِیداً لِأَهْلِ الْإِحْسَانِ فِی الْإِحْسَانِ، وَتَدْرِیباً لِأَهْلِ الْإِسَاءَةِ عَلَی الْإِسَاءَةِ، وَأَلْزِمْ کُلاًّ مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَیسَ شَیءٌ بِأَدْعَی إِلَی حُسْنِ ظَنِّ رَاعٍ بِرَعِیتِهِ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَیهِمْ، وَ تَخْفِیفِهِ الْمَؤُونَاتِ عَلَیهِمْ، وَ تَرْكِ اسْتِکْرَاهِهِ إِیاهُمْ عَلَی مَا لَیسَ لَهُ قِبَلَهُمْ، فَلْیکُنْ مِنْكَ فِی ذلِكَ أَمْرٌ یجْتَمِعُ لَكَ بِهِ حُسْنُ الظَّنِّ بِرَعِیتِكَ، فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ یقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً طَوِیلاً، وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بَلَاؤُكَ عِنْدَهُ، وَ إِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ سَاءَ بَلَاؤُكَ عِنْدَهُ.

وَلَاتَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هذِهِ الْأُمَّةِ، وَاجْتَمَعَتْ بِهَا الْأُلْفَةُ،

ص: 135

وَ صَلَحَتْ عَلَیهَا الرَّعِیةُ، وَلَا تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَیءٍ مِنْ مَاضِی تِلْكَ السُّنَنِ، فَیکُونَ الْأَجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا، وَالْوِزْرُ عَلَیكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا. وَ أَکْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ، وَمُنَاقَشَةَ الْحُکَمَاءِ، فِی تَثْبِیتِ مَا صَلَحَ عَلَیهِ أَمْرُ بِلَادِكَ، وَ إِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ".

المعنى العام

في هذا المقطع أمر علیه السلام الأشتر برعاية العدالة والحقّ بين الناس وليس معنی هذا أنْ ينظر إلى جميعهم بنظرة واحدة ويكون المحسن والمسيء سواسية لديه فذلك يوجب تزهيد أهل الإحسان في الإحسان وتمسّك أهل الإساءة بها، ثمّ نبّهه على أنّ أفضل ما يتوجّه إليه الوالي هو جلب حسن ظنّ الرّعيّة وذلك يتمّ بأمرين: الأول: الإحسان بالرعایا ببذل ما يحتاجون من المؤونة والحوائج، والآخر: تخفیف ما يطلب منهم من الخراج والمؤونات وترك استكراههم على ما ليس في عهدتهم لجلب حسن ظنّهم واعتمادهم على الوالي فحسن الظنّ بالوالي إذا عمّ الرعايا يسهّل الأمر عليه في طاعتهم ولا يحتاج إلى بثّ العيون والمحافظين عليهم، وحسن الظنّ لا بدّ وأن يكون أثر التجربة والامتحان.

ثمّ وصّاه برعاية السنن الصالحة الّتي عمل بها صدور الامّة الإسلاميّة وشاعت بين المسلمين وألفوا بها، فلا يصحّ نقض هذه السنن وتبديلها بالبدع أو ترکها رأسا والمقصود منها السنن الحسنة الّتي عمل بها المسلمون اقتداء بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو عملوها في مشهد من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فأقرّهم عليها. فالسنن الحسنة يؤخذ بها وإن كانت للكفار کحلف

ص: 136

الفُضول إذ هو عُرف صالح يُراد به نصرة المظلوم وإعانة الفقير. وأوصاه علیه السلام بمدارسة العلماء والأخذ بالعلم الذي يستهدف خير البشرية كالأخذ من الحضارات التي سبقت أو الأمم المجاورة ما يفيد الناس في عيشهم بعد مناقشة الحكماء من قومه.

المستوى الصوتيّ

س: ما الفرق في التعليل الصوتيّ لقلب الصائت الطويل (الواو) صائتا آخر (الألف) في الفعل (استقام) بين القدماء والمحدثين؟.

استقام على وزن استفعل وأصله (استقْوَم) فنقلت حرکت الواو إلى القاف الساكنة قبلها لأنّ الصحيح أولى بالحركة من المعتلّ ثم قلبت الواو ألفا لتحركها في الأصل وسبقها بفتح الآن، وهذا تعليل القدماء. أما المحدثون فرأوا أنّ الذي جرى في تشكيل هذا النمط من الأفعال هو حذف للواو ومد الفتحة قبلها وليس قلبا للواو ألفا إذ الأصل: (إ- س، ت-َ ق، و-َ، م-َ) ولمّا كان المقطع الثالث (و-َ) مزدوجا صائتا حذفت قاعدته الواو ومدّت قمّته (الفتحة) وأعيد التشکیل المقطعيّ بنقل القاف لتكون قاعدة للمقطع الجديد (ق) كما في التشكيل: (إِ۔ س، ت-َ، ق-ً، م-َ).

س: علّل صوتیّا حذف الألف من فعل الأمر (راض) في قوله علیه السلام: " ثم رُضهم"؟

إنّ فعل الأمر يصاغ بحذف حرف المضارعة، وقطع الصائت القصير

ص: 137

(الحركة) من آخره، والمضارع هو (یروضُ) حذفت الياء من أوله والضمة من آخره فصار (رُوْضْ) فالتقى ساكنان فيه فحذف أولهما (الواو) فصار (رَض)

المستوى الصرفيّ

س: استخرج الأفعال المزيدة الواردة في النصّ، واضبط حركة حرف المضارعة فيها، ثمّ بيّن دلالتها الصرفيّة؟

1. يطروك: يحرّك حرف المضارعة (الياء) بالضمّ؛ لأنّ الماضي مزید بهمزة القطع، والهمزة أفادت التعدية، طري الشيء طراوة: غضّ ومنه قوله تعالى: «وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا» [النحل: 14] أي: غضّا جديدا، وأطراه: أحسن الثناء عليه.

2. يبجّحوك: يحرّك حرف المضارعة (الياء) بالضمّ أيضا؛ لأنّ الماضي مزيد بتضعیف العين التي أفادت التعدية، بجح به على الباب الرابع: فرح، وبجّحته فتبجّح.

3. تُحدث: يحرّك حرف المضارعة (التاء) بالضمّ؛ لأنّ الماضي مزيد بهمزة القطع التي أفادت التعدية، حدث الشيء حدوثا: صار بعد أن لم يكن، نقيض قدم، وأحدثه: أو جده.

4. تُدني: يحرّك حرف المضارعة (التاء) بالضمّ؛ لأنّ الماضي مزید بهمزة القطع التي أفادت التعدية، دنا يدنو دنوّا: قرب «ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّی» [النجم: 8]، وأدناه: قرّبه.

ص: 138

5. ألزمْ: فعل أمر ماضيه مزید بهمزة القطع التي تحذف في المضارع ويؤتی بحرف المضارعة مضموما، وفي الأمر يؤتي بهمزة قطع مفتوحة. وأفادت الزيادة التعدية إلى المفعول الثاني، لزمه على الباب الرابع يلزمه لزما ولزوما: لم يفارقه، وألزمه ايّاه فالتزمه.

6. يجتمع: یُحرّك حرف المضارعة بالفتح؛ لأنّ الفعل ليس من الصيغ الأربع التي يأتي مضارعها مضموما وهي: (أفعل، فعّل، فاعل، فعلل)، وهو مزید بهمزة الوصل والتاء، وأفادت الزيادة المطاوعة لصيغة فَعَل، جمعته فاجتمع.

7. أكثِرْ: على نحو ألزم، و همزة القطع أفادت التعدية للمفعول الأوّل، کثُر الشيء: نقيض قلّ، وأكثره.

س: استخرج المصادر القياسيّة، واذكر طريقة اشتقاقها، مبيّنا دلالتها الصرفيّة؟.

1. نَصَبا: مصدر مقيس على الفعل بفتحتين؛ لأنّه من الباب الرابع إذ تأتي الأفعال الدّالة على الصفات الطارئة من الامتلاء واخلوّ على الفَعَل، نحو: التَّعَب والفَرَح والغَضَب، ويقال: نِصب ينصَب نَصَبا بمعنی تعِب تَعَبا شديدا.

2. الورع: كسابقه، من أفعال الباب الرابع يدلّ على الامتلاء، ورع يرع ورعا و وراعة أي تحرّج من الاثم.

3. إطراء: مصدر على زنة إفعال، وهو قياس في صيغة أفعل نحو: أذهب إذهابا، دالّ على التعدية.

4. تزهيد: مصدر على زنة (التفعيل) وهو قياس في صيغة فعّل، نحو: قرّب

ص: 139

تقريبا، وهو دالّ على التعدية، فالمجرّد زهّد في الشيء على الباب الرابع زُهدا وزَهادة، أي: رغب عن الشيء قال تعالى: «وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ» [یوسف: 20] أي: الراغبين عنه.

5. تدريب: مصدر على التفعيل، وهو قياس من فعّل، والزيادة أفادت التعدية، درِب بالشيء من الباب الرابع دربا ودربة: لزمه ولصق به، وتسمّى العادة والتجربة: دُربة.

6. إساءة: مصدر على إفَعْلة على رأي سيبويه مقیس من (أفعل) الذي مصدره الأفعال، و حصل تغيير إعلاليّ بحذف الألف لالتقائها بسكون العين المعتلّة بعد نقل حركتها إلى الفاء الصحيحة، وعوّض بالتاء، وهو دالّ على المبالغة، ساءه سوءا: فعل به ما يكره فاستاء «إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ» [الإسراء: 7]، وأساء إليه إساءة: ضدّ أحسن.

7. الإحسان: مصدر على إفعال أيضا، وزيادة همزة القطع أفادت التعدية، يقال: حسُن الشيء على الباب الخامس: نقيض قبُح، فهو حسن فهذا لازم وأحسن متعدٍ، قال تعالى: «الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ» [السجدة: 7].

8. استكراه: مصدر على الاستفعال، من استكرهه المزيد بهمزة الوصل والسين والتاء، والزيادة دالّة على المبالغة، فيقال: كره الشيء کُرها وکَرها. وأكرهه غيره على فعله أي أجبره واستكرهه عليه، أبلغ من أكرهه عليه وذلك بأن يجبره على فعله بالقوة والقهر مع عدم قدرته

ص: 140

على فعله فقولنا: (أكرهت فلانا على فعل كذا) يعني إجباره على القيام بالفعل وهو قادر عليه لكنه يأبى ذلك. أما (استكرهته) فيعني إجباره على فعل لا طاقة له به، وهذا واضح في قوله علیه السلام (وَتَرْكِ اسْتِكْرَاهِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا لَيْسَ لهُ قِبَلَهُمْ) إذ المراد هو أن يترك الوالي إجبار الرعية على فعل شيء لا طاقة لهم به. فاستكره أكثر مبالغة من أكره الذي يعني الحمل على فعل الشيء المكروه «وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا» [النور: 33] أما استكره فيعني الحمل على فعل الشيء الذي يفوق القدرة والسعة. أمّا كرّه فيفيد الصيرورة، أي: جعل الشيء کریها، قال تعالى: «وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ» [الحجرات: 7].

9. أجر: مصدر على فَعْل قياسا من الأفعال كلّها، أجر يأجر من الباب الأوّل أجرا: جزاه، وهو الجزاء على العمل، وآجره غيره فالهمزة للتعديه، وأجرت المملوك: أكريته، واستأجرته: صيّرته أجيري.

10. مدارسة: مصدر على المفاعلة وهو قياس من (فاعل) المزيد بالألف، ويدلّ على المشاركة المحدّدة الجهة، أي: مشاركة الوالي للعلماء، امّا الاشتراك فهو تبادل المشاركة دون تحديد البادئ بالمبادرة.

11. مناقشة: مفاعلة من ناقش على فاعل، أي: الاشتراك في استقصاء الحقائق واستخراجها حتى لا يترك من المسألة شيئا؛ لأنّه مأخوذ من النقش، وهو استخراج شيء واستيعابه حتّى لا يترك منه شيء: نقش الشعر بالمنقاش: نتَفه.

12. تثبیت: مصدر على التفعيل من ثبّت، المزيد بتضعیف العين، الدّالّ على

ص: 141

المبالغة، ثبت على الشيء فهو ثابت: ضدّ الزوال قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا» [الأنفال: 45]، وأثبتُّه: صيّرته ثابتا محبوسا، قال تعالى: «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ» [الأنفال: 30] فمعنی یُثبوك: يحبسوك في دارك فلا تخرج منها، وكان هذا سبب هجرته صلی الله علیه و آله وسلم متخفّيا لأنّ القوم تربّصوا به ریب المنون، والتثبيت مبالغة في الثبات قال تعالى: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ» [إبراهيم: 27].

13. إقامة: مصدر على إفعلة أو إفالة من أفعل معتلّ اللام على الإفعال ثم حذف الألف التي هي أما عين الصيغة أو ألف الإفعال وعوّضت بتاء في الآخر.

14. تخفیف: مصدر على التفعيل من خفّفه، والزيادة أفادت التعدية، خفّ الثقل يخفّ، وخفّفته.

س: استخرج المشتقات من النصّ، وحدّد نوعها؟

1. المُحسن: اسم فاعل على زنة مفعل من أحسن.

2. المُسيء: اسم فاعل على مفعل من أساء يسيء، وحصل إعلال بالنقل.

3. والٍ: اسم فاعل على زنة فاعل من ولي فهو الوالي، حذفت الياء لأجل التنوين.

4. طويلا: صفة مشبّهة على فعيل، من الباب الخامس طال يطول.

ص: 142

5. أدعي: اسم تفضيل على أفعل، حصل إعلال للواو فقلبت ألفا لفتح ما قبلها.

6. أحقّ: اسم تفضيل أيضا وحصل إدغام للمتجانسين.

7. منزلة: مصدر ميميّ، نزل ينزل نزولا. ويراد بها المكانة والمرتبة (أنزلوا الناس منازلهم)، وتأتي في سياق آخر اسم مکان، منزلة القافلة: موضع نزولها.

8. صالحة: صفة مشبّهة على زنة فاعلة، وتأتي صيغة (فاعل) دالّة على الثبوت إذا لم يسمع منها فعيل، نحو: طاهر ومالح وغيرها. والصالحون ضدّ الطالحين، وهم الأخيار الذين لا يفسدون.

9. الماضي: اسم فاعل من مضى يمضي وهو النفاذ، قال تعالى: «فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ» [الزخرف: 8]، فهو ماض.

10. باطل: اسم فاعل من بطل الشيء يبطل على الباب الأوّل بطلا وبطولا وبطلانا «فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» [الأعراف: 118]، وهو ذهاب الشيء وقلّة مكثه، ثم سمّي به كلّ ما خالف الحقّ؛ لأنّه لا مکث له.

س: هل (علماء) في قوله علیه السلام: "وأكثر مدارسة العلماء" جمع عليم أم عالم؟ ولماذا؟

(علماء) جمع عليم قياسا في فعيل صفة مشبّهة من الصحيح، نحو: فقير و کریم: فقراء وكرماء، أمّا عالم فهو اسم فاعل وقیاس جمعه: عُلّام وعَلَمة، كطالب طُلّاب طَلَبة.

ص: 143

س: زن الكلمات الآتية، واذكر معانيها الصرفيّة؟

1. العزّة: فِعلة، مصدر هيئة من عزّ یعزّ على الباب الثاني عزّا و عزازة: قوي بعد ذلّة. والعزّة حالة مانعة للإنسان من أن يُغلب، من قولهم: أرض عِزاز، أي: صلبة قال تعالى: «وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ» [البقرة: 206]. وهنا أمره علیه السلام بأن يمنعهم من كثرة الإطراء؛ لأنّها تجعل الوالي مزهوّا بنفسه وتقرّبه من العزّة بنفسه، وهذه هيئة للعزّة مذمومة بأن يغترّ الإنسان بماله أو قوّته أو جاهه، والعزّة هيئة للقوّة والمنعة تحصل للمؤمن من الله منّة وتفضلا قال سبحانه: «وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ» [المنافقون: 8] أي جميع هذه الهيئات، فهو سبحانه يمنح المؤمن العزّة، ولا تكون له من نفسه.

2. قِبَلهم بكسر ثم فتح: ظرف مکان مبنيّ على زنة فِعَل بمعنى (عند) قال تعالى: «فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ» [المعارج: 36]. أمّا (قبل) فهو ظرف أيضا يكون للزمان أو للمكان.

3. سنّة: اسم على فُعلة وهي صيغة تدلّ على ظهور أثر الفعل في الموضع، والسّنّة هي الطريقة التي يظهر فيها أثر سیل الماء ومجراه، ويقال: سنّة الوجه: طريقة جريان الماء عليه، وسنّة الله: طريقة طاعته وحكمه، قال تعالى: «سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا» [الأحزاب: 62].

4. الأُلفة: اسم على فُعلة من الائتلاف، يقال: ألّفت بينهم ألفة فائتلفوا، وهو الاجتماع والالتئام.

ص: 144

5. سواء: اسم مصدر من ساوی بینهم يساوي مساواة، أي: عدل وجعلهم متساوين لا فرق بينهم. والسواء هو العدل من كلّ شيء، سواء الطريق، أي: المستقيم منه المعتدل المتساوي، قال تعالى: «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ» [آل عمران: 64]، أي: عدل، وسواء النهار: منتصفه.

المستوى النحويّ

س: استخرج الجُمل التي لها محلّ من الإعراب، وبيّن محلّها الإعرابي؟

1. جملة "ليس شيء بأدعي" في محلّ رفع خبر (أنّه) قبلها.

2. جملة "إنّه ليس شيء بأدعى" سدّت مسدّ مفعولي (اعلم) قبلها.

3. جملة "يجتمع لك بها" في محلّ رفع صفة لاسم كان، وهو (أمر).

4. جملة (عمل بها صدور هذه الأمّة) في محلّ نصب صفة ثانية للمفعول به (سنّة).

5. جملة "تضرّ بشيء من ماضي تلك السّنن" في محلّ نصب صفة للمفعول به (سنّة).

6. جملة (لم تفعله) في محلّ جرّ صفة للفظة (باطل) المجرورة بالباء.

7. جملة (تحدث الزهو) في محلّ رفع خبر إنّ.

س: في النصّ مصدران عملا عمل فعليهما، استخرجهما، وعلّل سبب إعمالهما؟

ص: 145

1. في قوله علیه السلام: "وترك استكراهه ایّاهم على ما ليس له قبلهم"، فالمصدر (استكراه) عمل عمل فعله (استكرههم)؛ وذلك لصحّة تأويله بأن والفعل، والتقدير: وترك أن يستكرههم على ما ليس له قبلهم، فالمصدر أضيف إلى فاعله، وهو (الوالي)، و نصب مفعولا به هو الضمير المنفصل (ايّاهم).

2. في "وتخفيفه المؤوناتِ عنهم" المصدر (تخفیف) عمل عمل فعله (خفّف) الصحّة تأويله بأن والفعل، فأضيف إلى فاعله، ونصب المفعول وهو (المؤونات) وعلامة النصب الكسرة؛ لأنه جمع مؤنّث سالم.

س: كيف توجّه حذف النون من (يطروك) في: "ثم رضهم على ألّا يطروك"؟

ألّا أداة مكوّنة من (أن) المصدرية الناصبة و (لا) النافية، وأدغمت النون مع اللام، ولذا الفعل (يطروك) منصوب وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنّه من الأفعال الخمسة، والواو ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل، والكاف ضمير متّصل في محلّ نصب مفعول به.

س: بيّن نوع اللام في "وإنّ أحقّ من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده"؟

اللام هي المزحلقة التي تفيد التوكيد، دخلت على خبر إنّ وهو (مَن) الاسم الموصول، و (حسن) فعل ماض، و (بلاؤك) فاعل، و (عنده) ظرف مفعول فيه، والجملة الفعليّة صلة ل(من)، واسم (إن) هو (أحقّ).

س: ما نوع الباء في: "ليس شيء بأدعى إلى حسن ظنّ والٍ برعيّته من إحسانهِ إِلَيْهِمْ"؟

ص: 146

يذكر النحويّون أنّها الباء الزائدة، والأظهر أنّها تفيد الالصاق والتمسّك بالشيء وهذا هو المعنى الرئيس للباء، والمراد: لا يوجد شيء يتمسّك به الوالي في دعوته لجلب حسن ظن الناس به أفضل من التمسك بالإحسان إليهم ثمّ المداومة على هذه الخصيصة لكسب ودّهم وضمان ولائهم.

س: ما نوع الفاء في (فيكون الأجر لمن سنّها) و (فليكن منك في ذلك أمر) و (فان في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان)؟

الفاء في الجملة الأولى هي السّببيّة مسبوقة بنفي، وبعدها فعل مضارع منصوب، والفاء في الجملة الثانية هي الفاء العاطفة، عطفت جملة "فليكن منك" على "واعلم أنّه ليس"، واللام هي لام الأمر، و(یکن) فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون، وحذفت عينه لالتقاء الساكنين، والفاء في الجملة الثالثة تعليليّة إذ بيّنت علّة المنع في مساواة المُحسن بالمسيء.

س: ما نوع (أل) في لفظتي: السنن والأجر في قوله علیه السلام: "ولا تحدثنّ سنّة تضرّ بشيء من ماضي تلك السّنن فيكون الأجر لمن سنّها"؟

(أل) في (السنن) هي العهديّة لسبق ذكرها في: "ولا تنقضنّ سنّة صالحة عمل بها صدور الأمّة"، أمّا في (الأجر) فهي لام التعريف.

س: ما إعراب (قِبَل) في "على ما ليس له قبلهم"، و(قَبل) في "وإقامة ما استقام به الناس قبلك"؟

(قِبَل): ظرف مکان بمعنى الجِهة في محلّ نصب مفعول فيه، وليس: فعل جامد ناقص مبنيّ على الفتح، واسمها مستتر يعود على (ما) الموصولة قبلها، أي: الشيء المكره، و(له) جارّ ومجرور خبر وقد جاء الظرف (قبل) دالا على المكان في قوله تعالى: «لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» [ البقرة:

ص: 147

177]، أمّا (قَبْل) فهو ظرف زمان في محلّ نصب مفعول فيه.

س: أعرب اسميّ الإشارة وما بعدها فيما يأتي: "عمل بها صدور هذه الأمّة"، و "بشيء من ماضي تلك السّنن"؟

(هذه) اسم اشارة للقريب مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة، والأمّة بدل من اسم الإشارة مجرور. واسم الإشارة (تلك) للبعيد في محلّ جرّ بالإضافة، والسّنن بدل من اسم الإشارة مجرور.

المستوى المعجميّ

س: اكتسبت لفظة (السنّة) تخصیصا دلاليّا، فصارت تطلق على أقوال الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلم وأفعاله، فهل هي بهذا المعنى في قوله علیه السلام: "ولا تنقض سنّة صالحة عمل بها صدور هذه الأمّة"؟

انّ لفظة (السّنّة) اكتسبت التخصيص من الناحية التّشريعيّة، أي ضمن استعمالها مع الشرع الإسلاميّ ومصطلحاته، أمّا من الناحية اللغويّة فهي مستعملة بقرينة دالّة على هذا الأصل، وهي في النصّ موصوفة بجملة (عمل بها صدور الأمّة) للتنبيه على إرادة غير المعنى الفقهيّ الذي صار عرفا عند الناس. والمراد من كلامه علیه السلام السنة العرفية على الرغم من إشارته في المقاطع السابقة إلى دول الجور والعدل التي سبقته أنّ تحرّي العدل والصّدق لا يمنع من الأخذ بسنّة السابقين: عادلين و جائرين من سنن الصلاح إذ قد يجري الله على يد الظالمين شيئا من الحقّ، وقال صلی الله علیه و آله وسلم: "ان الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر".

ص: 148

س: يفسّر الإطراء بالمدح والثناء، فما الفرق بين الألفاظ، أم هي مترادفة؟.

إنّ الإطراء مَدْح فِي الْوَجْه وَمِنْه قَوْلهم الإطراء يُورث الْغَفْلَة يُرِيدُونَ الْمَدْح فِي الْوَجْه وأما المدح فيكون مُوَاجهَة وغير مُواجهَة ويكون للحي وَالْمَيِّت والتقريظ لَا يكون إِلَّا للحي وَخِلَافَة التأبين وَلَا يكون إِلَّا للْمَيت، أما الثَّنَاء فمدح مُکَرر من قَوْلك ثنيت الْخَيط إذا جعلته طاقين وثنّيته بِالتَّشْدِيدِ إذا أضفت إليه خيطا آخر وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (سبعا من المثاني) يَعْنِي سُورَة الْحَمد لِأَنَّهَا تكَرر فِي كلّ رَكْعَة. والإطراء أبلغ من المدح لأنّ الإطراء مدحٌ بأحسنَ ما لدى الممدوح وأصله من الطراوة التي هي الغضاضة والليونة، ومعنى أطراه جعله طريّا من فرط المدح أي إنّ الإطراء يجمع المواجهة والتأثير في نفس الممدوح فيجعله لينا غضّا لِما يسمع . والمدح لا يؤدي هذا المعنى النفسي لأنه لا يستدعي المواجهة ولا التأثير في النفس.

س: ذكر علیه السلام لفظة النَّصَب "فإنّ حُسن الظّنّ يقطع عنك نصبا طويلا"، وهذه اللفظة استعملت فسرت بالتعب واللغوب، فما الفرق بين هذه الألفاظ الثلاث؟

النَّصَبُ بمعنى التَّعَبُ. قال تعالى: «فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا» [الكهف: 62] وأصله من نَصْبِ الشيءِ: وَضْعُهُ وضعاً ناتئاً كنَصْبِ الرُّمْحِ، والبِنَاء والحَجَرِ، والنَّصِيبُ: الحجارة تُنْصَبُ على الشيءِ، أي إن التعب سمّي نصبا لأنه يقعد بصاحبه فيجعله منتصبا في مكانه كأنّه رمحٌ ما به حركة وهو من لوازم المسافرين لأنّهم يظهر عليهم التعب من السفر. فعلى هذا النصب إعياء ظاهر. أمّا التعب فإعياء خفيّ يقال: تَعِبَ تَعَباً: أَعْيَا. وأَتْعَبَهُ غيرُه، فهو تَعِبٌ ومُتْعَبٌ. ولم ترد مشتقات (تعب) في التعبير القرآني.

ص: 149

أما اللُّغُوبُ فهو مآل النصب ونتيجة له وهو يعني الضعف في البدن، وذكر الراغب الأصفهانيّ أنّ أصله من قولهم: "سهم لَغِبٌ: إذا كان قذذه ضعيفة، ورجل لَغِبٌ: ضعيف بيّن اللَّغَابَةِ". فاللغوب نتيجة للنصب ومآل له كما في قوله تعالى: «الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ» [فاطر: 35] فقدم النصب الذي هو مقدمة للّغوب وأخر اللّغوب الذي هو نتيجة للنصب.

س: هل المراد بأهل الورع في قوله علیه السلام: "والصق بأهل الورع" أهل التقوى، ما الفرق بين اللفظين؟

التقوى من الجذر (وقي) الذي تدل مشتقاته على "دَفْعِ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ بِغَيْرِهِ. وَوَقَیْتُهُ أَقِيهِ وَقْيًا. وَالْوِقَايَةُ: مَا يَقِي الشَّيْءَ. وَاتَّقِ اللهَّ: تَوَقَّهُ، أَيِ اجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ کَالْوِقَايَةِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِ تَمْرَةٍ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ: اجْعَلُوهَا وِقَايَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا".

أما الورع فتدل مشتقاته عَلَى الْكَفِّ والاِنْقِبَاضِ. مِنْهُ الْوَرَعُ: الْعِفَّةُ، وَهِيَ الْكَفُّ عَمًّا لَا يَنْبَغِي: وَرَجُلٌ وَرعٌ. والورع في الشرع هو الكفّ عن الحلال مخافة الوقوع في الحرام.

س: ذكر علیه السلام لفظتي التدريب والرياضة بقوله: "فان في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريبا لأهل الاساءة على الاساءة"، وقال علیه السلام: "ثم رضهم على أن لا يطروك"، فما الفرق بين اللفظين؟

التدريب من الدَرْبُ وأصله المَضيق في الجبل. وقد دَرِبَ بالشيء إذا اعتاده ومضى فيه. تقول: ما زلت أعفو عن فلان حتى اتَّخّذَها دُرْبَةً. ورجل مُدَرَّبٌ ومَدَرِّبٌ، مثل مُجرّبٌ و مُجَرِّبٌ. وقد دَرَّبَتْهُ الشدائد حتى قَويَ ومَرَنَ عليها.

ص: 150

ودَرَّبْتُ البازيَ على الصيد، إذا ضَرَّبْتَهُ. فالتدريب مبالغة في طرق الدرب المعلوم والدأب عليه صالحا كان أم طالحا. أما الرياضة فمن رُضْتُ المُهْرَ أَرُوضُهُ رياضاً، ورِياضَةً، إذا سهلته للركوب فهو مَروضٌ. وكذلك رَوَّضْتُهُ تَرْويضاً، شدِّ للمبالغة. أي إن الرياضة تعني التذليل والتسهيل بخلاف التدريب الذي يعني المضي في الدرب. وبهذا الملحظ سمي الروض روضا لأنه أرض سُهّلت وأحييت بالنبات.

س: قال علیه السلام: "وان أحقّ من حسن ظنّك به لمن حسن بلاؤك عنده"، لماذا استعمل البلاء دون التجريب أو الاختبار؟

الْفرق بَين الاِبتِلَاء والاختبار أَن الاِبتِلَاء لَا يكون إِلَّا بتحميل المكاره والمشاق والاختبار يكون بذلك وبفعل المحبوب أَلا ترى أَنه يُقَال اختبره بالإنعام عَلَيْهِ وَلَا يُقَال ابتلاه بذلك وَلَا هُوَ مبتلى بِالنعْمَةِ كَمَا قد يُقَال إنّه مختبر بَها وَيجوز أَن يُقَال: إِن الاِبْتِلَاء يَقْتَضِي اسْتِخْرَاج مَا عِنْد المُبْتَلى من الطَّاعَة والْمَعْصِيَة، والاختبار وُقُوع الْخَبَر بِحَالَة فِي ذَلِك.

الْفرق بَين الفِتْنَة والاختبار، هو أنّ الفِتْنَة اشد الاختبار وأبلغه وَأَصلها عرض الذَّهَب على النَّار لتبيين صَلَاحه من فَسَاده وَمِنْه قَوْله تَعَالَى «يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ» [الذاریات: 13] وَيكون فِي الْخَيْر وَالشَّر كقَوله تَعَالَى «إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ» [التغابن: 15] و «وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا» [الجن: 16] فَجعل النِّعْمَة فتْنَة لِأَنَّهُ قصد بهَا المُبَالغَة فِي اختبار الْمَنعم عَلَيْهِ بِهَا كالذهب إذا أُرِيد الْمُبَالغَة فِي تعرّف حَاله أَدخل النَّار وَالله تَعَالَى لَا يختبر العَبد لتغيير حَاله فِي الْخَيْر وَالشَّر وإنّما المُرَاد بذلك شدَّة التَّكْلِيف.

ص: 151

أما التجريب فهُوَ تَكْرِير الاختبار والاكثار منه وَيدل على هَذَا أَن التفعيل هُوَ للْمُبَالَغَة والتكرير، وَأَصله من قَوْلك: جرّبه إذا داواه من الجرب فَنظر أصلح حَاله أم لَا وَمثله قرّد الْبَعِير إذا نزع عَنهُ القردان و قرّع الفصيل إذا داواه من القرع وَهُوَ دَاء مَعْرُوف وَلَا يُقَال إِن الله تَعَالَى يجرّب قِيَاسا على قَوْلهم يختبر ويبتلي لِأَن ذَلِك مجَاز وَالْمجَاز لَا يُقَاس عَلَيْهِ.

س: قال علیه السلام: "ثم رضهم على أن لا يطروك ولا يبجّحوك بباطل لم تفعله"، لماذا استعملت لفظة (يبجّحوك) دون يفرحوك أو يَسرّوك أو يبشروك؟

سبق التفريق بين هذه المترادفات في المقطع الثاني

س: في قوله علیه السلام: "فإنّ كثرة الإطراء تحدث الزّهو" فُسّر الزهو بالكِبْر فهل ثمة فرق معجميّ بينهما؟

الْفرق بَين الْكِبْر والزهو هو أَن الْکِبْر كالتكبّر إظهار عظم الشَّأْن وَهُوَ فِي الإنسان يظهر من رفع النَّفس فَوق الاِستِحْقَاق. والزهو أن يرفع الإنسان نفسه لا بشيء فيه بل بالمال أو الجاه وَمَا أشبه ذَلِك إذ يُقَال زُهي الرجل وَهُوَ مزهو كَأَن شَيْئا زهاه أَي رفع قدره عِنْده.

المستوى البلاغيّ

س: اذكر الفنون البلاغيّة في النّصوص الآتية، وإلى أي قسم من علوم البلاغة تنتمي؟

1. "ولا تنقضنّ سنّة صالحة عمل بها صدور هذه الأمّة": في النصّ مجاز

ص: 152

مرسل، علاقته الجزئيّة إذ عبّر علیه السلام بلفظة (الصّدور) عن الولاة، نحو التعبير بالعين عن الشخص المتجسّس کما في (وأرسل العيون)، والصدر يعبّر به عن الإقدام إلى الشيء والقيام به، يقال: تصدّر فلان المجلس، أي: جلس فيه وتولّى الكلام؛ لأنّه يبرز صدره وهو يتحدّث.

2. "ولا يكوننّ المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء": في النصّ طباق إيجاب إذ قابلت لفظة المحسن لفظة المسيء، وهما لفظتان مختلفتان في المعنى واللفظ، وهو من أقسام علم البديع.

3. "وألصق بأهل الورع والصدق": في النصّ كناية، أي إنّه علیه السلام أمر الوالي بملازمة أهل الورع دون غيرهم، فاللصق الذي يفيد اتّصال الشيء بالشيء دون مفارقة، وبه يعبّر عن قتل الدّابّة بالسيف، يقال: ألصق بالدابّة، أي: ألصق سيفه بها فعقرها، واللصيق من أقام في الحيّ وليس منهم بنسب. والكناية تبعث على التساؤل إذ المراد بلصوق الوالي بأهل الورع هو تقريبهم له دون غيرهم وتفضيلهم على الآخرين، واستشارتهم في تفاصيل الحكم كلّها.

4. "فليكن منك في ذلك أمر": في النصّ تقدیم خبر (كان) وهو (في ذلك)، وتأخير لاسمها وهو لفظة (أمر)، والتقديم هنا باعث على التشويق لمعرفة المتأخّر، وهو الأمر الذي وصف بأنّه جامع لحسن ظنّ الرّعيّة في الوالي، وهو من أقسام علم المعاني. ومثله قوله علیه السلام: "فإنّ في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان"

5. "فيكون الأجر لمن سنّها، والوزر عليك بما نقضت منها": في النصّ حذف للفعل الناقص (كان)، والتقدير: ويكون الوزر عليك، والحذف

ص: 153

هو من علم المعاني إذ يراعى فيه حال السامع في تحرّي البلاغة وعدم الاطالة، فهو حذف في محلّه للاستغناء عن تكرار الفعل الناقص بحرف العطف.

6. "على ألّا يطروك ولا يبجّحوك بباطل لم تفعله": في النصّ حذف أيضا إذ حذفت (أن) المصدريّة الناصبة بعد واو العطف لتقدّم ذكرها في المعطوف، ولذا جاء الفعل (يبجحوك) بعد الواو منصوبا بحذف نون الرفع على تقدير وجود (أن) المحذوفة.

7. "فإن كثرة الإطراء تُحدث الزّهو وتدني من العزّة": في النصّ ترکید بحرف التوكيد (انّ) وهو من علم المعاني، يراعى فيه احتياج المخاطب إلى توثيق الأوامر الصادرة من المتكلّم، وفي النصّ أيضا توکيد بالنون الثقيلة، وهو الغالب في أوامره علیه السلام لواليه على مصر.

ص: 154

المقطع السّادس التّقسيم العامّ للمجتمع على طبقات سبع

قوله علیه السلام: "وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِیَّةَ طَبَقَاتٌ لَا یَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ، وَلَا غِنَی بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ: فَمِنْهَا جُنُودُ اللَّهِ، وَمِنْهَا کُتَّابُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَمِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ، وَمِنْهَا عُمَّالُ الْإِنْصَافِ وَالرِّفْقِ، وَمِنْهَا أَهْلُ الْجِزْیَةِ وَالْخَرَاجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُسْلِمَةِ النَّاسِ، وَمِنْهَا التُّجَّارُ وَأَهْلُ الصِّنَاعَاتِ، وَمِنْهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَی مِنْ ذَوِی الْحَاجَةِ وَالْمَسْکَنةِ، وَکُلٌّ قَدْ سَمَّی اللَّهُ لَهُ سَهْمَهُ، وَوَضَعَ عَلَی حَدِّهِ فَرِیضَهً فِی کِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِیِّهِ صلی الله علیه و آله وسلم عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً. فَالْجُنُودُ، بِإِذْنِ اللَّهِ، حُصُونُ الرَّعِیَّةِ، وَزَیْنُ الْوُلَاةِ، وَعِزُّ الدِّینِ، وَسُبُلُ الْأَمْنِ، وَلَیْسَ تَقُومُ الرَّعِیَّةُ إِلَّا بِهِمْ.

ثُمَّ لَا قِوَامَ لِلْجُنُودِ إِلَّا بِمَا یُخْرِجُ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ الَّذِی یَقْوَوْنَ بِهِ عَلَی جِهَادِ عَدُوِّهِمْ، وَیَعْتَمِدُونَ عَلَیْهِ فِیمَا یُصْلِحُهُمْ، وَیَکُونُ مِنْ وَرَاءِ حَاجَتِهِمْ.

ثُمَّ لَا قِوَامَ لِهَذَیْنِ الصِّنْفَیْنِ إِلَّا بِالصِّنْفِ الثَّالِثِ مِنَ الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَالْکُتَّابِ، لِمَا یُحْکِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ، وَیَجْمَعُونَ مِنَ الْمَنَافِعِ، وَیُؤْتَمَنُونَ عَلَیْهِ مِنْ خَوَاصِّ الْأُمُورِ

ص: 155

وَعَوَامِّهَا. وَلَا قِوَامَ لَهُمْ جَمِیعاً إِلَّا بِالتُّجَّارِ وَذَوِی الصِّنَاعَاتِ، فِیمَا یَجْتَمِعُونَ عَلَیْهِ مِنْ مَرَافِقِهِمْ وَیُقِیمُونَهُ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ، وَیَکْفُونَهُمْ مِنَ التَّرَفُّقِ بِأَیْدِیهِمْ مَا لَا یَبْلُغُهُ رِفْقُ غَیْرِهِمْ.

ثُمَّ الطَّبَقَهُ السُّفْلَی مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْمَسْکَنَةِ الَّذِینَ یَحِقُّ رِفْدُهُمْ وَمَعُونَتُهُمْ.

وَفِی اللَّهِ لِکُلٍّ سَعَهٌ، وَلِکُلٍّ عَلَی الْوَالِی حَقٌّ بِقَدْرِ مَا یُصْلِحُهُ، وَلَیْسَ یَخْرُجُ الْوَالِی مِنْ حَقِیقَةِ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِکَ إِلَّا بِالِاهْتِمَامِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ، وَتَوْطِینِ نَفْسِهِ عَلَی لُزُومِ الْحَقِّ، وَالصَّبْرِ عَلَیْهِ فِیمَا خَفَّ عَلَیْهِ أَوْ ثَقُلَ".

المعنى العام

عرض علیه السلام في هذا المقطع من العهد الشريف لبيان طبقات النّاس والرّعيّة وأثبت للرّعية طبقات سبع. ومقصوده علیه السلام من قوله (واعلم أنّ الرّعيّة طبقات) ليس إثبات الطبقات بمعنى التمايز بينهم بحسب اللون والعرق والدين بل بیان اختلاف الرّعيّة في ما تتقنه من شئون الحياة البشريّة حيث إنّ الإنسان مدني بالطبع يحتاج إلى حوائج كثيرة في معاشه من المأكل والملبس والمسكن ولا يقدر فرد واحد بل أفراد على إدارة كلّ هذه الأمور فلا بُدّ أن تنقسم الرّعيّة بحسب مشاغلهم إلى طبقات فتتصدّى كلّ طبقة إلى شأن من الشؤون وشغلا من المشاغل، ثمّ يتبادل حاصل الأعمال بعضهم مع بعض فيتمّ أمر معيشتهم جميعا وتكمل حوائج حياتهم عملا بقوله تعالى: «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ

ص: 156

لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» [الزخرف: 32]، ولذا جعل أمير المؤمنين الرّعيّة سبع طبقات هي: (الجنود، الكتبة، القضاة، عمّال الحسبة (الشرطة)، جباة الجزية والخراج، التّجّار، الطبقة السفلى)، وفي المقاطع السبعة اللاحقة تفصيل لواجبات كلّ طبقة وحقوقها.

وقد بيّن علیه السلام في نظم طبقات الرّعيّة أنّه لا محلّ للعاطل ومن لا يعمل عملا يفيد المجتمع، فما ترى بين الامّة من جماعات لا يتصدّون لواحدة من هذه المشاغل ويعيشون أرغد عيش بين الرّعيّة ولكنّهم كاللّصوص وأرباب الربا والخيل والخدع ممّن يدّعون السحر والشعوذة وأصحاب التعاويذ والدراويش ومن حذا حذوهم. والسائلين بأكفّهم يدورون في الأسواق والدّور ويستغيثون بالنّاس لتحصيل المعاش والرزق بالتكدّي. ولو عدّ في مثل هذه العصور طبقات النّاس في أيّ بلد إسلامي لتبيّن وجود طبقات كثيرة لا تدخل في هذه السبعة.

المستوى الصوتيّ

س: علّل صوتیّا حذف الواو من (سعة) الواردة في قوله علیه السلام: "وفي الله لكل سعة"؟

السّعة من الوسع، وهي مصدر هيئة، والأصل فيه وِسعة، على نحو وِجهة، وعند مجيء الواو مکسورة ابتداء خفّفوها بالحذف مع نقل حركتها إلى ما بعدها، وأصلها (وِسعة) ولكنها لو هُمزت لصارت (إسعة) وفيها ثقل أيضا فلجئ إلى حذف الواو تخفيفا وكذا كلّ ما جاء مصدر هيئة من المثال الواوي تحذف واوه

ص: 157

کالزنة والعدة والصفة ولم ترد الواو ثابتة إلا في أليفاظ قليلة منها (وجهة) في قوله تعالى «وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا» [البقرة: 148] إذ أتموا في مصدر الهيئة (وجهة) فرقا بينه وبين الظرف (جِهة).

س: ما علّة قلب الياء ألفا في لفظتي قُضاة و وُلاة بين القدماء والمحدثين؟

رأى القدماء أنّ الياء قلبت ألفا لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها والأصل (قُضَيَة، وُلَيَة) على وزن (فُعَلَة)، على حين رأي المحدثون أن الذي جرى هو حذف الياء ودمج الفتحتين وأصل التشكيل المقطعي هو: قُضَيَةٌ = ق-ُ، ض-َ، ي-َ، ت-ُ ن، حذفت الياء في المقطع الثالث فصار. ق-ُ، ض-َ، ت-ُ ن. ودمجت الفتحتان فصارتا ألفا. فصار اللفظ (قضاة) أي (ق-ُ، ض-ً، ت-ُ ن)، وكذا (ولاة).

المستوى الصرفيّ

س: علّل ضمّ ما قبل واو الجماعة في الفعل (يكفُونهم) في قوله علیه السلام: "ويكفُونهم من الترفق بأيديهم"، وفتح ما قبل واو الجماعة في لفظة (يقوَون) في قوله علیه السلام: "من الخراج الذي يقوون به على جهاد العدوّ"، مستعينا بالقواعد الصرفيّة المتّبعة في إسناد الأفعال إلى ضمائر الرفع؟

الفعلان (يَكفي و یَقوی) معتلا اللام، وكلاهما يحذف لامه عند الاسناد إلى ضمير الرفع الساكن (الواو)، غير أنّ الفعل (يكفِي) ناقص من الباب الثاني، تحذف لامه الياء عند إسناده إلى واو الجماعة فيضمّ ما قبل واو الجماعة مناسبة للواو لأن الكسرة ثقيلة قبل الواو، أمّا الفعل (يقوى) فهو من الباب

ص: 158

الرابع ولامه (الياء) تقلب ألفا في المضارع (يقوى) وتحذف الألف عند اتّصال الفعل بالضمير الساكن (الواو)؛ لالتقاء الساكنين، ويحرّك ما قبل الواو بالفتحة للدلالة على الألف المحذوفة فضلا عن عدم ثقل الفتحة قبل الواو.

س: استخرج جموع التّكسير من النصّ، وبيّن نوعها، واذكر مفرداتها؟

1. جُنود: جمع كثرة على (فُعول)، وهو جمع جُند، ولفظة جند اسم جمع واحده جُنديّ، ويجمع قلّة على أجناد.

2. كُتّاب: جمع كثرة على (فُعّال) مفرده کاتب.

3. قُضاة: جمع كثرة على (فُعَلة)، مفرده قاضٍ.

4. عُمّال: جمع كثرة على (فُعّال)، مفرده عامل.

5. تجّار: جمع كثرة على (فُعّال)، مفرده تاجر.

6. حُصون: جمع كثرة على (فُعول) مفرده حِصن، وهو بناء يُتحصّن به لقوته.

7. وُلاة: جمع كثرة على (فُعلة)، مفرده الوالي.

8. معاقد: جمع كثرة على صيغة منتهى الجموع (مفاعل)، مفرده (مَعقد) على مفعل، وهو مصدر ميميّ، من عقد یعقد عقدا، نحو عقد البيع أو العهد وغيرها. والعقد مصدر استعمل اسما فجمع: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» [المائدة: 1]، والإمام علیه السلام استعمل المصدر الميميّ لما فيه من اختصاص يتميّز عن عموم دلالة العقد إذ يتحدَّد بالزمان والمكان والهيئة وبذلك يلمح إلى تنوّع العقود بين الكتّاب والقضاة والعمّال.

9. أمور: جمع كثرة على (فُعول) واحده أمْر.

دو ماه امی دهد وه

ص: 159

10. منافع: جمع كثرة على مفاعل جمع منفعة، وهي اسم من نفعه ينفعه على الباب الثالث، والمصدر: النفع.

11. مرافقهم: جمع كثرة على مفاعل جمع مِرفق بكسر الميم، وهو اسم آلة لما يوفّر للناس الراحة من الآلات والأدوات، أو جمع مَرفق بالفتح وهو مصدر ميميّ دالّ على ما يحقّق سهولة العيش وليونته بآلة مستعملة أو مادّة أوّلية قال تعالى: «وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا» [الكهف: 16]، وفعله رفق يُرفق من الباب الأوّل: أصلٌ دالّ على الراحة والموافقة بلا عنف.

12. أسواقهم: جمع قلّة على أفعال، مفرده سُوق، وهو مكان البيع والشراء.

13. أيديهم: جمع قلّة على أفعُل مفرده ید، وجمع الأيدي (أيادي) وهو جمع الجمع.

14. سُبُل: جمع كثرة على فُعُل بضمّتين، جمع سبيل، وهو الطريق، قياسا في الاسم الرباعيّ الذي ثالثه مدّ.

15. خواصّ: جمع كثرة على (فواعل) جمع خاصّة، وهو جمع مطّرد في فاعلة اسما أو صفة أصله (خواصِص)، ثم أُدغم المتجإنسان. والخاصّة اسم للمقرّبين من الولاة والرؤساء، فخاصّة الرجل: الذي يخصّه لنفسه، ويطلق على المفرد والجمع. «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» [الأنفال: 25]، وفي حديث الرسول صلّى الله عليه وآله: "إنّ الله عزّ وجلّ لا يعذّب العامّة بعمل الخاصّة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه، فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذّب الله الخاصّة والعامّة".

ص: 160

16. عوامّها: جمع كثرة على (فواعل) مفرده (عامّة).

س: ما نوع التاء المتصلة ب(مسلمة الناس) وما دلالتها؟

هي تاء النقل إلى الاسمية كتاء الذبيحة والنطيحة، وليست هي تاء التأنيث لأن مسلمة الناس لفظ يشمل المسلمين والمسلمات معا، وليست هي تاء المبالغة التي غالبا ما تأتي مع جموع الكثرة نحو: صيارفة وعبادلة وقياصرة، للتعويض عن ياء النسب أو للتعويض عن ياء منتهى الجموع، وأمارة تاء النقل إلى الأسماء أنها تدخل على الأسماء المشتقة كالصفة المشبهة واسم الفاعل واسم المفعول، وهي هنا داخلة على اسم الفاعل (مُسلم). وفي قوله علیه السلام "أهل الجزية والخراج من أهل الذمّة ومُسلمة النّاس" ورد أهل الذمّة ومسلمة النّاس تفصيلا للأهل الأوّل، فأهل الذمّة تفسير لأهل الجزية ومسلمة الناس تفسير لأهل الخراج.

س: استخرج المصادر المزيدة وبيّن دلالاتها؟

1. جِهاد: مصدر جاهد على زنة فِعال الذي يكثر في الفعل المزيد بالألف أما المصدر المقيس لفاعلَ فهو المُفاعلة.

2. تَرَفُّق: مصدر على تفعُّل، من المزيد بالتاء وتضعیف العين ترفَّق، الدال على مراعاة الرفق بهم على نحو متتابع متدرّج.

3. اهتمام: مصدر على افتعال، من المزيد بهمزة الوصل والتاء (اهتمّ) على افتعل. دالّ على إظهار الهمّة في التّوجّه إلى الله تعالى، يقال: همّه الأمر وأهمّه: أحزنه وشغله فاهتمّ به أي لزمه وأظهره.

4. استعانة: مصدر على زنة (استفعلة) على رأي سيبويه، بحذف ألف الاستفعال؛ لالتقائها بسكون العين (الواو)، أو (استفالة) على رأي الأخفش بحذف عين الاستفعال، وهو طلب العون من الله تعالى.

ص: 161

5. توطين: مصدر على زنة تفعيل، من وطّنه توطينا المزيد بتضعیف العين، يفيد اتخاذ الحقّ وطنا لنفسه، من وطَن به يطِن على الباب الثاني: أقام في الوطن.

6. لُزُوم: مصدر على فُعول، من لِزم الحقّ يلزَمه على الباب الرابع، أي: لم يفارقه، والغالب في (فُعُول) أن يأتي من اللازم سوى بعض الأفعال نحو: ركب ركوبا ولزم لزوما.

س: ما دلالة أحرف الزيادة في الأفعال الآتية، بيّن ذلك بعد بیان نوع الزيادة؟

1. سمّی: فعل مزید بتضعیف العين، التي أفادت الجعل، أي جعل الله له نصيبا باسمه، من سما يسمو إذا ارتفع، وأسماه هو، وسمّاه كذا تسمية أي لقّبه قال تعالى: «هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ» [الحج: 78] و «إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ» [النجم: 23]، وسمّى الأجل: عيّنه وحدّده، أمّا في قوله تعالي: «وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ» [الرعد: 33] أي الشركاء، قال صاحب المفردات: ليس المراد أن يذكروا أساميها نحو اللات والعزى، وإنّما المعنى إظهار تحقيق ما تدعونه إلها.

2. يعتمدون: مزید بهمزة الوصل والتاء، وحذفت الهمزة لصياغة المضارع (يفتعلون)، والزيادة تفيد الاتخاذ، أي اتخاذ الخراج عمادا وسندا في إصلاح حالهم.

3. يُصلحهم: مضارع مزید بهمزة القطع، من (أصلح إصلاحا)، والهمزة تفيد التعدية والمجرّد صلُح يصلُح على الباب الخامس ضدّ فسُد.

ص: 162

4. يحكمون: مزید بهمزة القطع، من أحكمه إحكاما، أي أتقنه فاستحکم، والزيادة تفيد المبالغة في الإتقان والمنع من الفساد، حكمه حكما أي: يتقنون عقده من المعاملات الاجتماعيّة.

5. يؤتمنون: مزید بهمزة الوصل والتاء، مبنيّ للمجهول من اؤتمن على الشيء، أي جعل أمينا عليه.

6. يجتمعون: مضارع اجتمع المزيد بهمزة الوصل والتاء، الذي يفيد المطاوعة يقال: جمعته فاجتمع.

7. يُقيمونه: مزید بهمزة القطع، من أقامه يقيمه إقامة، والزيادة تفيد الجعل، أي يجعلون الأسواق قائمة معمورة بالبضائع، من أقام البناء والعود ونحوه: عدّله وأزال عوجه، قال تعالى: «فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ» [الكهف: 77]، وأقام البناء: شيّده، وأقام الأسواق: عمّرها.

8. تعالى: مزيد بالتاء والألف على تفاعل، قلبت الواو ألفا لسبقها بالفتح، والزيادة تفيد المبالغة في العلوّ والتنزيه، علت عظمته وقدرته.

س: زن الألفاظ الآتية وزنا صرفیّا محكما، وبيّن دلالاتها الصرفيّة.

1. قِوام: فعال، وهو مصدر قاوم الدال على المشاركة والمصدر المقاومة، ومعنى المشاركة مفهوم في سياق القول "ثُمَّ لَاقِوَامَ لِلْجُنُودِ إِلَّا بِمَا یُخْرِجُ اللّهُ لَهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ الَّذِی یَقْوَوْنَ بِهِ عَلَی جِهَادِ عَدُوِّهِمْ" فكأنّ الجنود قد قاوموا شدّة الحرب بالخراج، وعدم إعلال واو ( قوام) ليصير: قياما سببه أن الواو لما صحّت في الفعل (قاوم) صحّت كذلك في المصدر (قوام) ومثله في التصحيح الواذ في قوله تعالى: «قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ

ص: 163

یَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا» [النور: 63]، إذ صحت و او (لواذ) لصحتها في الفعل (لاوذ فلان فلانا) إذا لاذ كلّ بصاحبه. وأما القيام فمصدر المجرّد (قام يقوم) وفيه قلبت الواو ياء لأنّها أعلت في الفعل فأعلت في المصدر كذلك.

2. سُفلی: فعلى، اسم تفضيل للمؤنّث والمذكر منه أسفل.

3. طَبقة: فَعَلة، اسم دالّ على جماعة متشابهين في نواحٍ متعدّدة، فهم على مستوى واحد من العلم والمعرفة. فطبقة المحدّثين لمن يجتمعون في الشبه في العمر والشيوخ والتلاميذ، وطبقة الشعراء من يجمعهم زمن واحد وموضوعات واحدة، وهكذا. والتاء هي الداخلة على (فَعَل) لتأنيث الجماعة البشريّة التي تضفي عليهم خصوصيّة أدقّ ممّا في لفظة (طبق) الدّالّة على الجماعة المتشابهة في جانب واحد، وأصل الطبق هو الماعون واستعير للجماعة المتشابهة في شيء دون أشياء أخرى، وقد تكون هذه الجماعة مشابهة لغيرها في زمان آخر، ولذا استعملت قرآنيّا: «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ» [الانشقاق: 19] أي: حالة مساوية لحالة طبق كان في زمان قبلكم، وهو ما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاريّ وغيره "عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ الله عَنْهُ، أَنَّ اَلنَّبِیِّ صَلَّی اَللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ، قَالَ: "لَتَتَّبِعُنَّ سُنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْراً بِشِبْرٍ، وَ ذِرَاعاً بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضُبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ. قُلْنَا: يَا رَسُولِ الله: اليَهُودَ، وَ النَّصَارَى قَالَ: "فَمَنْ"(1)

أمّا في تصنيف المجتمع فاستعملت الطبقة التساوي أفرادها في جوانب

ص: 164


1- رقم 3456

عديدة ضمن زمن واحد.

4. ذِمّة: فِعلة، اسم هيئة سُمّي به العهد الخاصّ بغير المسلمين. وجمعها ذِمَم. والذمام هو مطلق العهد؛ لأنّ الإنسان يُذمّ على إضاعته، فالذّمّ خلاف الحمد، ذمّه يذمّه على الباب الأوّل، وأهل الذّمّة أدّوا ما تعاهدوا عليه مع المسلمين وهو الجزية التي فرضت عليهم بعد نكثهم بعهودهم مع المسلمين، فأمنوا على دمائهم وأموالهم. وسمّي أَهلُ العهد بأَهلَ الذِّمَّةِ وهم الذين يؤدّون الجزية التزاما بالعهد الذي قطعوه على أنفسهم فإن ضيعوه لزمهم الذمّ.

5. حاجَة: فَعَلة اسم من حاجَهُ يحوجه حوجا: اضطرّه إلى الشيء، والحاجة بناء لتخصيص اسم لشيء معيّن فيه اضطرار، نحو حاجة يعقوب علیه السلام «وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا» [یوسف: 68] وهي إبعاد عين الحسد وإشعارهم بمرارة افتراق يوسف عنهم عندما يتفرّقون في الدخول؟ والحاجة: الحسد أو الغبطة «وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا» [الحشر: 9]. وفي النصّ المتقدّم هي الفقر، وجمعها: حوائج حملا لحاجة على حائجة.

6. حقيقة: فعيلة من حقّ الأمر يحقّ حقّا فهو حقيقة، والتاء نقتله للاسميّة فهو اسم مصدر، والجمع: حقائق، ومصاديق الحقيقة تختلف حسب الموضوع، فشرف الرجل من أهله وعياله حقيقة يلزمه حفظها والدفاع عنها، وحقيقة اللفظ: ما استعمل في معناه الأصليّ. والحقّ أصله المطابقة والموافقة، فحقّ الشيء: صحّت مطابقته للواقع، قال تعالى: «حَقِيقٌ

ص: 165

عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ» [الأعراف: 105] أي واجب عليّ أن أثبت ما هو مطابق، وعليّ علیه السلام مع الحقّ والحقّ معه؛ لأنّ أفعاله مطابقة لواقع القرآن ثابتة في ذلك.

7. جزية: فعلة، اسم لهيئة الجزاء، جزى فلان فلانا يجزي عليه وبه جزاء: كافأه عليه، فالجزاء الكفاية والغناء، وهو قيام الشيء مقام غيره ومكافأته إيّاه «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ» [لقمان: 33]، أمّا الجزية فهي ما يؤخذ من أهل الذّمّة، وتسميتها بذلك للاجتزاء بها عن سلامة عيشهم وأمانهم في الدولة الإسلامية التي تعتمد في مواردها على الخراج وهو في أموال المسلمين وعلى الجزية وهي في أموال غير المسلمين. أما سائر الامبراطوريات التي نشأت قبل الدولة الإسلامية فكانت تعتمد في مواردها على الغزو والنهب والسلب واحتلال الأراضي وسلب كلّ شيء خفّ وزنه وغلا ثمنه تماما كمجتمع الغاب بين أن تَقتل أو تُقتل.

8. الخَراج، اسم مصدر من أخرج يخرج إخراجا، وجعل المعجميّون الخرج والخراج بمعنى واحد وهو الأجر، وجمع الخرج: أخراج، وجمع الخراج: أخرِجة كجناح أجنحة، واجتمع اللفظان في قوله تعالى: «أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ» [المؤمنون: 72] فكأنّ الخراج مجتمع الخرج فاستعمل الواحد للناس والجمع للباري عز وجل. و منهم من فرّق بين الصيغتين، فجعل الخرج دالّا على الجعل،

ص: 166

وما تبرّعت به، والخراج دالّا على العطاء وما لزمك منه، وواضح أنّ اسم المصدر (الفَعال) يدلّ على ما هو محدّد معيّن ممّا يخرج، لذا جعل الخراج لما يفرض من ضريبة على الأراضي.

المستوى النحويّ

س: استخرج الجمل التي لها محلّ من الإعراب، وبيّن محلّها ثم استخرج التي لا محلّ لها من الإعراب، مع ذكر السّبب؟

الجمل التي لها محلّ من الإعراب في النصّ هي:

1. جملة "أنّ الرعيّة طبقات" أنّ حرف مشبّه بالفعل واسمها المنصوب (الرّعيّة) وخبرها المرفوع (طبقات) سدّ مسد مفعوليّ فعل الأمر: (اعلم).

2. جملة "لا يصلح بعضها الا ببعض". (لا) النافية والفعل المرفوع و فاعله مع متعلّقاته في محلّ نصب صفة لاسم أنّ (الرّعيّة).

أما الجمل التي لا محلّ لها من الإعراب:

1- الجمل الدّعائيّة: الجملة الاسميّة: "ان شاء الله"، والفعلية: "تعالى"

2- الجملة الابتدائيّة: "منها جنود الله" والجملة المعطوفة على هذه الجملة وهي: "ومنها كتّاب العامّة" وما بعدها.

س: ما نوع (لا) في:

1. "ثمّ لا قوام للجنود الا بما يخرج الله لهم"

ص: 167

لا نافية للجنس واسمها (قوام) مبني على الفتح، وخبرها محذوف وجوبا تقديره: كائن أو متحقّق، و (للجنود) جارّ ومجرور متعلّق بالخبر المحذوف، وإلّا: أداة استثناء ملغاة، والباء حرف جرّ، و(ما) اسم موصول في محلّ جرّ، والجملة الفعليّة بعدها خبر.

2. "ولا غنى ببعضها عن بعض": لا نافية للجنس واسمها (غنی) مبني على الفتحة المقدرة والخبر محذوف تقديره كائن أو موجود و ما بعده جارّ ومجرور.

3. "ممّا لا يبلغه رفق غيرهم": لا نافية غير عاملة لدخولها على الجملة الفعلية، من حرف جرّ، و (ما) موصولة في محلّ جرّ بالإضافة، و (يبلغه) فعل مضارع مرفوع، والهاء مفعول به، و (رفق) فاعل مضاف، وغيرهم مضاف إليه، والجملة الفعليّة المنفيّة صلة (ما)

4."ولا يصلح بعضها الا ببعض". لا نافيه غير عاملة لدخولها على الجملة الفعلية.

س: ما نوع الإضافة فيما يأتي: (جنود الله)، (خواصّ الأمور)، (جهاد عدوّهم)؟

الإضافة في جنود الله، حقيقيّة بمعنى اللام وتسمّى بالمحضة، أي: نسبة الجنود إلى الله تعالى؛ لأنّهم يدافعون عن حرم الله لا عن رغبات الحاكم الشخصيّة، وكذا هي في تراكيب أخرى نحو: "حصون الرّعيّة" و "أهل الجزية". والإضافة في "خواصّ الأمور" هي غير حقيقيّة من إضافة الصفة لموصوفها، أي: الأمور الخاصّة. أما الإضافة في "جهاد عدوّهم" غير حقيقيّة من إضافة المصدر العامل عمل فعله إلى مفعوله، أي: جهادهم عدوّهم، وكذا في: "توطين نفسه"، و "لزوم الحقّ".

ص: 168

س: ما نوع (إلّا) في جمل المقطع كلّه، ولماذا؟

(إلا) أداة استثناء ملغاة أفادت الحصر، وذلك لأنّها لم تخرج قليلا من كثير، وإنّما حصرت الحدث بفاعل معيّن، نحو: "لا يصلح بعضها إلّا ببعض" إذ حصرت قيام الرّعيّة بالجنود "وليس تقوم الرّعيّة الا بهم" إذ حصرت قوام الجند بالخراج" ثم لا قوام للجنود الا بما يخرج الله لهم من الخراج"، ويكون إعراب الجمل على ظاهرها فلا تعمل (إلا) النصب لما بعدها لأنّها ليست دالّة على الاستثناء، ففي الجملة "لا يصلح بعضها الا ببعض" (لا): نافية غير عاملة، و (يصلح): مضارع مرفوع، و(بعضها) فاعل مضاف إلى الهاء، و(إلّا) أداة استثناء ملغاة تفيد الحصر، وما بعدها جارّ ومجرور.

س: هل يمكنك توجيه إعراب (عهدا) في قوله علیه السلام: "وكلّ قد سمّى الله له سهمه ووضع على حدّه فريضة في كتابه أو سنّة نبيّه صلی الله علیه و آله وسلم عهدا منه عندنا محفوظا" على أكثر من وجه إعرابيّ واحد، ولماذا؟.

يمكن أن يعرب لفظ (عهدا) تمييزا منصوبا لرفع الإبهام في تسمية السهم أو يعرب حالا من المفعول به فريضة. والأَولى أن يكون منصوبًا على الإغراء أي الزموا عهدا من الله تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ» [البقرة: 185] فهُدی منصوب على الإغراء وبيّنات معطوف عليه.

س: ما مسوّغ الابتداء بالنكرتين: (سعة، كلّ) في قوله علیه السلام: "وفي الله لكلّ سعة، ولكلّ على الوالي حقّ"؟

ساغ الابتداء بالنكرة (سعة)؛ لأنّ خبرها (في الله) تقدّم عليها، و (لكلّ) متعلّق ب(سعة)، وكذلك الابتداء بالنكرة (حقّ) لتقدّم خبرها الجارّ والمجرور

ص: 169

(لكلّ) عليها.

س: عُطفت الطبقات السّتّ بعضها على بعضها بحرف العطف (الواو)، على حين عطفت الطبقة السابعة بحرف العطف (ثم)، وضّح ذلك؟

الواو حرف عطف يفيد الجمع غير الترتيبي، لذا استعمل لعطف الجمل التي توافقت في إظهار علّة اعتماد بعضها على بعض و بیان نقطة ارتكاز أحدهما على الأخرى بلفظة (القوام)، على حين (ثم) حرف عطف يفيد التعقيب والتراخي الذي نجده واضحا في كون هذه الطبقة هي خاتمة الطبقات، وكذا اختلفت عن سابقاتها في كونها تعتمد عليهم وهم قوام لها.

س: أعرب ما تحته خطّ ممّا يأتي:

1. "لا قوام لهذين الصنفين الا بالصنف الثالث". (الصنفين): بدل من اسم الإشارة المجرور بحرف الجرّ (هذين)، وهو مجرور بالياء لأنّه مثنی. و (الثالث): صفة للمجرور بالباء وهو الصنف، المجرور أيضا بالكسرة.

2. "فيما خفّ عليه أو ثقل"، خفّ: فعل ماض مبنيّ على الفتح، والفاعل مستتر يعود على (ما) الموصولة قبله في محلّ جرّ ب(في)، والجملة من خفّ وفاعله صلة ل(ما) لا محلّ لها من الإعراب، و (عليه) جارّ ومجرور متعلق ب (خفّ).

3. "من الخراج الذي يقوون به على جهاد عدوّهم". الذي: اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ بدل من الخراج.

4. "ويجمعون من المنافع، ويؤتمنون عليه من خواصّ الأمور". يؤتمنون: فعل مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع بثبوت النون؛ لأنّه من الأفعال

ص: 170

الخمسة، والواو ضمير متّصل مبني في محلّ رفع نائب فاعل، والجملة معطوفة على جملة "يجمعون من المنافع".

5. "ولا قوام لهم جميعا الا بالتُّجار وذوي الصناعات فيما يجتمعون عليه".

جميعا: حال من الطبقات المذكورة المشار اليها ب(میم) الجماعة والجارّ والمجرور (لهم) متعلّق بخبر (لا) النافية للجنس المحذوف، وتقديره: متحقّق لهم، (ذوي): اسم معطوف على التّجّار، مجرور وعلامة جرّه الياء لأنّه من الأسماء السّتّة، وهو مضاف، والصناعات مضاف إليه مجرور بالكسرة لأنّه جمع مؤنّث سالم، و (ذوي) مفرده: ذو بمعنی صاحب، وتثنيته: ذوا، كما في قوله تعالى: «يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ» [المائدة: 95].

المستوى المعجميّ

س: ما التطور الدلالي للفظة الصلاة وممّ اشتقّ فعلها (صلّی)؟

أصل اشتقاق الصلاة قديم عند العرب وأصله من الصُّلوين وهما العظمان البارزان على جانبي العجر ومعنی (صلّی فلان) حرّك صلوَيه. وهذا الاستعمال ورد ابتداء عند العرب قبل الإسلام لمّا كانوا يركعون لأوثانهم فيحرّك كلّ منهم صلویه بحركة تشبه الركوع لدى المسلمين اليوم ثمّ تطوّر معنى الصلام في الإسلام فارتقت دلالتها من الركوع للوثن إلى الركوع لله تبارك وتعالى واتسعت دلالتها من تحريك الصلوين فقط إلى حركات أخرى في السجود

ص: 171

والقيام والتسليم والقنوت وسائر حركات الصلاة ثم انتقل مجرى الدلالة في الصلاة من المحسوس إلى المجرّد عندما أسند إلى الباري عزّ وجلّ والملائكة إذ لا توجد حرکات مرئية في صلاة الباري عزّ وجلّ وملائكته ولذا فسّرت هذه الصلاة من الله بالرحمة ومن الملائكة بالدعاء.

س: ما المراد بالجزية لغة واصطلاحا وهل يُعدّ تطبيقها قدحا في الشرع الإسلامي؟

في قوله تعالى: «قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ» [التوبة: 29] وردت لفظة الجزية دالّة على ما يؤخذ من أهل الذّمّة جزاء لمقاتلتهم المسلمين، ولا تؤخذ الجزية من عامّة أهل الكتاب بدلیل صيغة المفاعلة الدّالّة على المشاركة في الأمر بالقتال إذ لم تقل الآية: واقتلوا الذين لا يؤمنون، وإنّما قال: قاتلوا؛ لأنّهم يقاتلونکم، فالقتال في الإسلام لا يكون إلّا دفاعا عن النفس بدلیل آیات القرآن الأخرى المفسرّة لهذه الآية منها: «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» [الممتحنة : 8]، و «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» [البقرة: 190]. ولفظة الجزية بنفسها تدلّ على مقابلة عمل حصل، کما في قوله تعالى: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» [المائدة: 38] و «فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ» [المائدة: 85]، فهو ما يقابل الخير أو يقابل الشّرّ، والدين الإسلاميّ لا يجبر الناس على الدخول

ص: 172

فيه على نحو ما يفسّر به ظاهر الآية من مقابلة من لا يؤمن بالله واليوم الآخر ولا يحرّم ما حرّم الدين الإسلاميّ، وإنّما المراد مقابلة المعتدين من هؤلاء المشركين الذين لم يحرّموا على أنفسهم خيانة العهود مع المسلمين، وآية الجزية وردت في سیاق آية براءة من المعاهدين الناقضين «وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ» [التوبة: 12]. وتعضدها آيات أخرى «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» [البقرة: 256] ولا يوجد دليل على نسخها، و «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» [یونس: 99] و «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» [النحل: 125] و «لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ» [البقرة: 272]، «وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» [الرعد: 7].

فإذا ما انتهوا عن القتال و محاربة الإسلام والمسلمين رفعت عنهم الجزية، أمّا إذا استمرّوا بالعداء فتؤخذ منهم لإخضاعهم إلى قانون الدولة الإسلاميّة، وهو ما أشارت إليه لفظة (وهم صاغرون) أي: مذعنون لهذه القوانين العادلة. فإذا حسنت أعمالهم رفع عنهم هذا الجزاء الذي يعيّن مقداره الحاكم بطريقة أو جب فيها الإسلام مراعاة الحالة الاقتصاديّة لمن تؤخذ منهم كلّ حسب قدرته. وسيرة

ص: 173

أمير المؤمنين علیه السلام وهو القرآن الناطق تؤكّد ذلك لمّا فرض للنصرانيّ الذي رآه يتسوّل في الكوفة جعلا من بيت مال المسلمين، بعد أن كبِر في السّنّ قائلا: "ما أنصفتموه، استعملتموه حتى إذا کَبِر وعجّز منعتموه، أجروا له من بیت المال راتبا". وكذلك المنازعة التي جرت مع اليهوديّ إذ حكم قاضي المسلمين لليهودي على أمير المؤمنين علیه السلام؛ لأنّه كان مدّعيا أنّ الدرع له ولا يملك بيّنة، واليهوديّ منكر لذلك.

س: تعدّ لفظة (وراء) من الأضداد، فهي تدلّ على (الخلف) و (الأمام) كما في قوله تعالى «أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا» [الكهف: 79]، فهل التضادّ متحقّق في هذه اللفظة؟.

لفظة (وَرَاء) اختلفت فيها أقوال المفسرين واللغويين، فأصحاب کتب الأضداد يذهبون إلى أنها من ألفاظ التضادّ، مستدلّين على دلالتها على الخلف بقوله تعالى: «وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا» [مريم: 5]، وعلى الأمام بقوله تعالى: «أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا» [الكهف: 79]، وقوله تعالى «مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ» [الجاثية: 10]، وقيّد بعض اللغويّين دلالتها على الأمام، فاشترط أن تكون لفظة (الوراء) منساقة في المواقیت والأزمنة، وعليه قوله تعالى: «مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ»، و «وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ» [إبراهيم: 17]، و «لَعَلِّی

ص: 174

أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» [المؤمنون: 100] ولذا أخرج بعض المفسّرين هذه اللفظة من باب التضادّ فقال الطبريّ المفسّر: "وقد جعل بعض أهل المعرفة بكلام العرب (وراء) من حروف الأضداد، وزعم أنه يكون لما هو أمامه ولما هو خلفه... وقد أغفل وجه الصواب في ذلك، وإنّما قيل لما بين يديه هو ورائي؛ لأنّك من ورائه، فانت ملاقيه كما هو ملاقيك، فصار إذ كان ملاقيك من ورائك وأنت أمامه" وفسروا إرادة الخلف في قوله تعالى: «أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا» [الكهف: 79] بأنه خلفهم يتتبعهم. وصرف بعضهم دلالة (الوراء) إلى المواراة أي الستر، ليشمل بذلك الخلف والإمام مادام فيه ما هو مستور، فالوراء "اسم لما توارى عنك سواء كان أمامك أم خلفك".

والظاهر أنّ اللفظ ليس من التضادّ؛ لأنّ دلالة الوراء على الخلف تدخل في باب الترادُف لا حمل اللفظ على معنی وآخر ضده، فضلا عن أنّ دلالة اللفظة على الأمام لا تستحصلّ إلا بالتأويل، وليست حاصلة بصورة مستقلّة عن السياق كما هو حال ألفاظ التضادّ الأخرى، فالمحصّل من مدلول لفظة الوراء: "إنّما هي من المُواراة والاستتار، فما استَتَر عنك فهو وَراء، خَلْفَكَ كان أو قُدّامَكَ هذا إذا لم تَرَه أو تشاهده، فأمّا إذا رأيته فلا يكون الذي أمامك وَراء".

س: في النصّ المتقدّم اصطلح الإمام علیه السلام على تسمية كلّ طبقة باسم معيّن، تتبّع التطوّر الدلالي لتلك الأسماء في زماننا؟.

1. طبقة الجنود تطوّرت إلى الجيش.

2. طبقة كتّاب العامّة والخاصّ تطوّرت إلى ما يعرف بموظّفي الدّولة من

ص: 175

موظّفي الدوائر الخدميّة وموظّفي الوزارات خاصّة.

3. طبقة القضاة يقابلها وزارة العدل إشارة إلى أهميّة استقلال القضاء.

4. عمّال الإنصاف والرفق يقابلهم أصحاب المناصب من المحافظين ومديري النواحي والاقضية ورؤساء المجالس البلديّة وهكذا.

5. أهل الجزية والخراج تقابلهم وزارة الماليّة ودوائر الضريبة.

6. التجّار وأهل الصناعات تقابلهم وزارة التجارة والمعادن.

7. الطبقة السّفلى وتقابلهم دائرة الرعاية الاجتماعيّة، وإنّما سمّيت بالسّفلى لملحظ أنّها لا تقدّم عملا نافعا تتبادل به مع أعمال الطبقات الأخرى، وإنّما هي تعتمد عليهم کلّیّا.

س: قال علیه السلام: "من ذوي الحاجة والمسكنة"، فما الفرق بين المسكين والمحتاج والفقير والمُعدم والمُملق؟

إنّ الْفَقِير الَّذِي لَا يسْأَل، والمسكين الَّذِي يسْأَل وَيدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى «للْفُقَرَاء الَّذين أحْصرُوا فِي سَبِيل الله» إلى قوله تعالى «يَحْسبُهم الْجَاهِل أَغْنِيَاء من التعفف» فوصفهم بالفقر وَأخْبر مَعَ ذَلِك عَنْهُم بالتعفف حَتَّى يَحْسبهُم الجاهل بحالهم أَغْنِيَاء من التعفُّف وَلَا يَحْسبهُم أَغْنِيَاء إِلَّا وَلَهُم ظَاهر جميل وَعَلَيْهِم برّة حَسَنَة وقيل لأعرابي أفقير أَنْت فَقَالَ بل مِسْكين وَأنْشد من البَسِيط أمَّا الفقيرُ الَّذي كانتْ حلُوبَتُهُ وَفْقَ العِيالِ فَلَمْ يُتركْ لهُ سَبَد

فَجعل للْفَقِير حلوبة، والْمِسْکِين الَّذِي لَا شَيْء لَهُ. فَأَما قَوْله تعالى «فَكَانَت لمساكين يعْملُونَ فِي الْبَحْر» فَأثْبت لَهُم ملك سفينة وسَمَّاهُمْ مَسَاكِين فإنّه رُوِيَ أَنهم كَانُوا أُجراء فِيهَا ونسبها إِلَيْهِم لتصرّفهم فِيهَا والكون فِيهَا كَمَا قَالَ تعالى

ص: 176

وَقرن فِي بيوتكن» إذ نسب البيوت إليهنّ بحكم تصرفنّ فيها إذ هي للنبي كما في قوله تعالى: «لَا تدْخلُوا بيُوت النَّبِي».

أمّا الفرق بين الْفقر والْحَاجة فهو أَن الْحَاجة هِيَ النُّقْصَان وَلِهَذَا يُقَال الثَّوْب يحْتَاج إلى خزمة وَفُلَان يحتاج إلى عقل وَذَلِكَ إذا كَانَ نَاقِصا وَلِهَذَا قَالَ المتكلمون الظُّلم لَا يكون إِلَّا من جهل أو حَاجَة أَي من جهل بقبحه أو نُقْصَان زَاد جبره بظُلْم الْغَيْر. والفقر خلاف الْغنى فَأَمّا قَوْلهم فلَان مفتقر إلى عقل فَهُوَ اسْتِعَارَة ومحتاج إلى عقل حَقِيقَة.

وأمّا الْفرق بَين الْفقر والإعدام فهو أنّ الإعدام أبلغ فِي الْفقر وَقَالَ أهل اللُّغَة المعدم الَّذِي لَا يجد شَيْئا وَأَصله من الْعَدَم خلاف الْوُجُود وَقد أعدم كأنّه صَار ذَا عدم وَقيل فِي خلاف الْوُجُود: عدم للْفرق بَين الْمُعْنيين وَلم يقل: عَدمه الله وإنّما قيل: أعدمه الله وَقيل فِي خِلَافه: قد وجد وَلم يقل وجده الله وإنّما قيل: أوجده الله وَقَالَ بَعضهم: الإعدام فقر بعد غنی.

وأمّا الْفرق بَين الْفَقِير والمُملق فهو إنّ المُملق مُشْتَقّ من الملق وَهُوَ الخضوع والتضرع فَلَمَّا كَانَ الْفَقِير فِي أَكثر الْحَال خاضعا متضرعا سمي مملقا وَلَا يكون إلّا بعد غنی كأنّه صَار ذَا ملق کما تَقول: أطفلت الْمَرْأَة إذا صَار لَهَا طِفْل وَيجوز أَن يُقَال: إِنّ الإملاق نقل إلى عدم التَّمَكُّن من النَّفَقَة على الْعِيَال وَلِهَذَا قَالَ الله تَعَالَى «وَلَا تقتلُوا أَوْلَادكُم خشيَة إملاق» أَي خشيَة الْعَجز عَن النَّفَقَة عَلَيْهِم.

ص: 177

المستوى البلاغيّ

س: في النصّ کنایات، استخرجها موضّحا المراد بها؟

تعدّدت الكنايات في النصّ، وهي في قوله علیه السلام:

1. "وكلّ سمّى الله له سهمه" وهذا كناية عن نصيبه المفروض، فأراد علیه السلام بالسهم الاستحقاق لكلّ ذوي الاستحقاق إجمالا، والسهم يطلق في الاقتراع إذ يسهم كلّ رجل بسهم ويفوز كلّ واحد بما يصيبه "فساهم فكان من المدحضين" ثمّ سُمّي السّهم الواحد كأنّه نصيب من أنصباء، وحظّ من حظوظ.

2. قوله علیه السلام: "في كتابه أو سنّة نبيّه"، والكتاب كناية عن القرآن الكريم.

3. قوله علیه السلام: "فالجنود بإذن الله" أراد علیه السلام بجملة (بإذن الله) التنبيه على أنّ المراد بهم جنود الحقّ، لا مطلق الجنود.

4. قوله علیه السلام: "الطبقة السفلى"، كناية عن طبقة الفقراء والمساكين؛ لأنّهم يعتمدون على الطبقات المنتجة السابقة.

5. "ويكفونهم من الترّفق بأيديهم": كناية عن جلبهم للبضائع من أماكن متعدّدة؛ لأنّ المرفق يستعمل في حمل الحقائب والمواد المختلفة.

س: استخرج المجاز في النصّ، واذكر نوعه؟.

المجاز في النص عباراته متعدّدة:

1. في قوله علیه السلام عن الجنود أنّهم: زين الولاة، وعزّ الدين، وسبل الأمن،

ص: 178

فهذا مجاز مرسل بعلاقة السّببيّة، أي أنّ الجنود هم سبب أمن الناس وعزّ الدين وهيبة الولاة.

2. في قوله علیه السلام: "اعلم انّ الرّعيّة طبقات" مجاز بعلاقة الحاليّة، أي: حالهم من حيث وظائفهم التي يقومون بها، على نحو: «إنّ الأبرار لفِي نعيم» أي: حالهم.

س: في النصّ تشبیه بلیغ، استخرجه وعرّف بهذا النوع من التشبيه؟

التشبيه البليغ ما حُذف منه أداة التشبيه، ووجه الشّبه، وهو في قوله علیه السلام: "الجنود حصون الرّعيّة" إذ شبّه علیه السلام الجنود بالحصون من حيث حفظهم الشعب و حیاطتهم إيّاهم كحال الحصن الذي يُحيط ساكنيه ويمنعهم من الأخطار.

س: في النصّ طباق إيجاب، استخرجه وعرّف بهذا الفنّ؟.

طباق الإيجاب هو تقابل لفظين مختلفين في المعنى واللفظ في العبارة، وهو في قوله علیه السلام: "كتاب العامّة والخاصّة" إذ قابل علیه السلام بين العامّة والخاصّة، وكذا المقابلة بين الخفّة والثقل في قوله علیه السلام: "والصبر عليه فيما خفّ أو ثقل".

س: أي فنّ بلاغيّ تجده في قوله علیه السلام: "وليس يُخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه الله تعالى من ذلك الا بالاهتمام والاستعانة بالله"؟

هذا الفنّ يعرف بالمدح بما يشبه الذّمّ؛ لأنّه علیه السلام ذكر إلزام الله الوالي بأمور حقّة ثم استثني ما يخرج من هذه الأمور بقوله: (الاستعانة بالله)، فهو برّز هذا المستثنى الذي يؤكّد المستثنی منه.

س: أي فنّ بلاغي تجده في تقسيم الإمام علیه السلام الناس على طبقات، ولماذا جمع القضاة والعمال والكتّاب في طبقة واحدة، بيّن ذلك؟

أسلوب التقسيم هو ممّا يعرف في علم البديع بأسلوب الحكيم لما فيه من

ص: 179

تيسير الموضوع المطروح وتبسيطه إلى ذهن السامع، فتقسيم الرّعيّة إلى طبقات ییسّر على الوالي فهم متعلّقات كلّ واحدة من هذه الطبقات، وإنّما جمع علیه السلام الطبقات الأساسيّة الثلاث: القضاة، العمّال، الكتّاب؛ لأنّ وجه الحاجة اليهم واحد، وهو قوله علیه السلام: لما يحكمون من المعاقد، وكذا أسلوب التفصيل بعد الإجمال هو من أسلوب الحكيم لما فيه من زيادة ترسيخ للمعارف في أذهان السّامعين، ونجده في عرض الإمام علیه السلام للصفات السّبع عموما، ثم الكلام عنها تفصيلا، وكذا في قوله علیه السلام: "ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذّمّة ومسلمة الناس"، فأهل الذّمّة تفصيل وبيان لأهل الجزية، ومسلمة الناس بيان لأهل الخراج

س: أسلوب الحذف من علم البيان يراعى فيه حال المخاطب، وبلاغة الأسلوب في اجتناب التكرار المخلّ، بيّن هذا الأسلوب في النصّ الذي بين يديك؟

يظهر الحذف في قوله علیه السلام:

1. حذف المبتدأ في "ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذّمّة ومسلمة الناس" وتقديره: وهم من أهل الذّمّة ومسلمة الناس، وذلك استغناء عنه بحرف (من) الذي بعّض هذا المحذوف. وكذا قوله علیه السلام: "الطبقة السّفلي من أهل الحاجة والمسكنة".

2. حذف اسم كان في قوله علیه السلام: "ويكون من وراء حاجتهم" لتقدّم ذكر المبتدأ في جملة: "ويعتمدون عليه فيما يصلحهم"، والتقدير: وما يكون من وراء حاجتهم، أي (ما) الموصولة.

3. حذف خبر ليس في "وليس يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه الله تعالى

ص: 180

من ذلك الا بالاهتمام"، فاسم ليس هو الجملة الفعليّة "يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه الله تعالى"، وخبرها محذوف، والتقدير: وليس يخرج الوالي خروجا کائنا الا بالاهتمام والاستعانة بالله،

4. حذف المضاف إليه في: "وفي الله لكلّ سعة"، أي: لكلّ طبقة سعة، وإنّما استغني عن ذكر لفظة طبقة؛ لأنّ مدار الكلام عنها، وذكرها يُعدّ إطنابا مخلّا ببلاغة الكلام.

ص: 181

ص: 182

المقطع السابع الطبقة الأولى (الجنود)

وهو قوله علیه السلام: "فَوَلَّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِی نَفْسِكَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِإِمَامِكَ، وَأَنْقَاهُمْ جَیباً، وَأَفْضَلَهُمْ حِلْماً مِمَّنْ یبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ، وَیسْتَرِیحُ إِلَی الْعُذْرِ، وَیرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ، وَینْبُو عَلَی الْأَقْوِیاءِ، وَمِمَّنْ لَایثِیرُهُ الْعُنْفُ، وَلَایقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ.

ثُمَّ الْصَقْ بِذَوِی الْمُرُوءَاتِ وَالْأَحْسَابِ، وَأَهْلِ الْبُیوتَاتِ الصَّالِحَةِ، وَالسَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ، ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَالشَّجَاعَةِ، وَالسَّخَاءِ وَ السَّمَاحَةِ، فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْکَرَمِ، وَشُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ.

ثُمَّ تَفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا یتَفَقَّدُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا، وَ لَا یتَفَاقَمَنَّ فِی نَفْسِكَ شَیءٌ قَوَّیتَهُمْ بِهِ، وَ لَا تَحْقِرَنَّ لُطْفاً تَعَاهَدْتَهُمْ بِهِ وَ إِنْ قَلَّ، فَإِنَّهُ دَاعِیةٌ لَهُمْ إِلَی بَذْلِ النَّصِیحَةِ لَكَ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَ.

وَلَاتَدَعْ تَفَقُّدَ لَطِیفِ أُمُورِهِمُ اتِّکَالاً عَلَی جَسِیمِهَا، فَإِنَّ لِلْیسِیرِ مِنْ لُطْفِكَ

ص: 183

مَوْضِعاً ینْتَفِعُونَ بِهِ، وَلِلْجَسِیمِ مَوْقِعاً لَایسْتَغْنُونَ عَنْهُ.

وَلْیکُنْ آثَرُ رُؤُوسِ جُنْدِكَ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِی مَعُونَتِهِ، وَ أَفْضَلَ عَلَیهِمْ مِنْ جِدَتِهِ، بِمَا یسَعُهُمْ وَ یسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِیهِمْ، حَتَّی یکُونَ هَمَّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فِی جِهَادِ الْعَدُوِّ، فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَیهِمْ یعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَیكَ.

وَ إِنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَینِ الْوُلَاةِ اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ فِی الْبِلَادِ، وَ ظُهُورُ مَوَدَّةِ الرَّعِیةِ، وَ إِنَّهُ لَا تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلَّا بِسَلَامَةِ صُدُورِهِمْ، وَ لَا تَصِحُّ نَصِیحَتُهُمْ إِلَّا بِحِیطَتِهِمْ عَلَی وُلَاةِ الْأُمُورِهِم، وَقِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ، وَتَرْكِ اسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ.

فَافْسَحْ فِی آمَالِهِمْ، وَ وَاصِلْ فِی حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَیهِمْ، وَ تَعْدِیدِ مَا أَبْلَی ذُوُو الْبَلَاءِ مِنْهُمْ، فَإِنَّ کَثْرَةَ الذِّکْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ، وَ تُحَرِّضُ النَّاکِلَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

ثُمَّ اعْرِفْ لِکُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا أَبْلَی، وَ لَا تَضُمَّنَّ بَلَاءَ امْرِئٍ إِلَی غَیرِهِ، وَ لَا تُقَصِّرَنَّ بِهُ دُونَ غَایةِ بَلَائِهِ، وَ لَا یدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِئٍ إِلَی أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلَائِهِ مَا کَانَ صَغِیراً، وَلَاضَعَةُ امْرِئٍ إِلَی أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلَائِهِ مَا کَانَ عَظِیماً.

وَارْدُدْ إِلَی اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَا یضْلِعُكَ مِنَ الْخُطُوبِ، وَیشْتَبِهُ عَلَیكَ مِنَ الْأُمُورِ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعالی لِقَوْمٍ أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ: «یا أَیهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِی شَیءٍ فَرُدُّوهُ إِلَی اللَّهِ وَالرَّسُولِ، فَالرَّدُّ إِلَی اللَّهِ: الْأَخْذُ بِمُحْکَمِ کِتَابِهِ، وَالرَّدُّ إِلَی الرَّسُولِ: الْأَخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَیرِ الْمُفَرِّقَةِ".

ص: 184

المعنى العام

وصف أمير المؤمنين الجنود في المقطع الساق بأنّهم:

1. حصون الرّعيّة وسور الوطن فلا حِفظ للبلدان ولا دفع للأعداء إلاّ بهم.

2. زينة للولاة أمام العدوّ الخارجي والمخالف الدّاخلي.

3. عزّ للدّين بجهادهم الأعداء الكافرين.

4. سببٌ للأمن الداخليّ فلا يجترئ اللّصّ أن يسلب أموال النّاس خوفا من الجنود.

وتعرض علیه السلام في هذا الفصل لبيان ما يلزم أن يتّصف به الجنديّ من الأوصاف حتّى يستحقّ مقام الولاية على السائرین وهذا هو من أهمّ أمور النظام العسكريّ. وقد أنشئت في هذه العصور معاهد وكليّات ومدارس لتعليم النظام العسكريّ وإعداد الضبّاط والأُمراء في الجيوش. وتتضمّن هذه التعليمات تمرینات وتدريبات عسكريّة شاقّة في دورات متعدّدة. ولكنّ الإسلام يتوجّه إلى روحيّة الجنديّ أكثر ممّا يتوجّه إلى تدريبه العمليّ، فإنّ الجنديّ إنّما يواجه العدوّ ويدافع عنه بروحه وإيمانه وقوّة عقيدته أكثر ممّا يعتمد على قوّة جسمه وأعماله، فالبطولة الفائقة تعتمد على قوّة الروح والايمان في الجند والقادة أكثر ممّا تعتمد على قوّة الجسم والتدريبات العمليّة، وقد وصف علیه السلام من يستحقّ مقام الولاية على الجند وينبغي أن يكون أميرا بسبعة أوصاف:

ص: 185

1. أن يكون أنصح لله ورسوله وللإمام المفترض الطاعة من سائر الأفراد.

2. أن يكون أطهر أفراد الجيش قلبا وسريرة و تجنّبا عن الفواحش و المنكرات.

3. أن يكون أثبتهم حلما وتسلّطا على نفسه تجاه ما يثير الغضب.

4. أن يكون ممّن يقبل الاعتذار عن ارتكب خلافا ويتّصف بالعفو والصفح عن المذنب.

5. أن يكون موصوفا بشدّة الشكيمة تجاه الأعداء رقيق القلب يرأف بالضعفاء.

6. أن يكون مقاومة للمتمردين من المتنفذين في الدولة لإحراز المنافع الشخصية.

7. أن يكون حليما و صبورا تجاه الشدائد ومفكّرا في حلّ ما ينوبه من العقد.

وإحراز هذه الصفات الكريمة في الأفراد يحتاج إلى درس کامل عن أحوالهم وإلى تجارب وامتحانات متتالية. فقرّر علیه السلام أمارتين على وجود هذه الصفات العالية النفسانية. الاولى: الاسرة والبيت، فذوى الأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة هم المؤدّبون والمربّون تربية صحيحة. والعلامة الأخرى ما يُستفاد من حال الفرد نفسه فقد دخل في جماعة المسلمين خلقٌ كثير من سائر الشعوب لا يُعرف لهم أسرة أو بيت ويُعبّر عنهم بالموالي فكان الاعتماد عليهم يرجع إلى ما يستفاد من أخلاقهم فبيّن لذلك أربعة أوصاف:

1. النجدة، وهي صفة تنبئ عن علوّ الهمّة وإظهار القيادة.

2. الشجاعة، وهي صفة تنبئ عن الغيرة و سرعة الاقدام في الدفاع عما يجب حفظه.

ص: 186

3. السخاء، وهي صفة تنبئ عن بسط اليد و عدم حبّ المال والادّخار وحبّ الإيثار على الأغيار.

4. السّماحة، وهي صفة تنبئ عن التسلّط على الناس بحسن الخلق و بسط الجود.

فهذه صفات شخصية إذا اجتمعت في فرد تؤهله للإمرة وتوجب الاعتماد عليه في إعطاء الولاية على الجند.

ثمّ أشار في آخر هذا الفصل إلى أنّ أفضل رؤساء الجند وأمراء الجيوش من يواسيهم في المعونة ويوفّر عليهم فيما يجده من المؤونة ولا يقتصر على خصوص رواتبهم المقرّرة المحدودة بحيث يغنيهم عمّا يحتاجون إليه من مؤونة أنفسهم وأهلهم.

المستوى الصوتيّ

س: هل لتعاقب الصّائتين القصيرين (الفتحة والضمة) على الضاد في لفظة (الضَّعف) أثر في توجيه معنى اللفظة؟ بيّن ذلك من خلال توضيحك معنی قوله علیه السلام: "ولا يقعد به الضعف"؟.

من اللغويين من لم يجد أثرا صوتيّا لتعاقب الفتح والضم على فاء هذه اللفظة، فلم يفرّقوا في المعنى بين (الضَّعف والضُّعف)، وعدّوا التعاقب فيها من باب اللغات. وذكر الخليل أنّ الضَّعف بالفتح في العقل والرأي على حين الضُّعف بالضمّ في البدن. والدرس الصوتيّ الحديث يرى أنّ الفتح دالّ على الاتّساع

ص: 187

والشمول وامتداد الصّوت، على حين أنّ الضمّ خاصّ في موضع محسوس لملحظ ضمّ الشفتين. فالضّعف بالفتح عامّ يشمل المادّيّ وهو ضعف البدن والعقل، ويشمل المعنويّ من ضعف الحجّة والفتور النفسيّ. والاستعمال القرآنيّ جاء بالفتح ليدلّ على كلا الجانبين «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ» [الروم: 54] وهو ضعف البدن والعقل معا، و «الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ» [الأنفال: 66] وهو الضّعف النّفسيّ عند لقاء المسلم الواحد لعشرة من عدوّه، لذلك أمر التعبير القرآنيّ المسلمين بالصبر وهو خلاف الضَّعف النفسيّ. على حين تأتي القوّة خلافا للضُّعف البدني. ويأتي الضُّعف بالضمّ في موضع معيّن من الجسد، نحو: ضعف البصر مثلا من بين عموم ضعف البدن، أو ضعف الحماس لقضية ما ضمن الجانب المعنويّ كلّه. ولذا ورد کلام أمير المؤمنين علیه السلام بالضعف بالفتح ليدلّ على النّهي عن اختيار القائد الضعيف في البدن وفي الرأي والحزم واتّخاذ القرارات العسكريّة.

س: هل لإيثار صوت اللام على الباء أو الثاء أو الراء أو السين أو الصاد أو الفاء أثر في توجيه معنى لفظة (الناكل) في قوله علیه السلام: "تهزّ الشجاع وتحرّض الناكل"؟

المعنى المحوري بين (نکب، نکث، نکر، نکس، نکص، نکف، نكل) واحد هو الميل عن الصواب. جاء في مفردات الراغب: نَکَلَ عَنِ الشَّيْءِ: ضَعُفَ وَ عَجَزَ، وَنَكَلْتُهُ: قَيَّدْتُهُ، والنَّكْلُ: قَيْدُ الدَّابَّةِ، وحديدةُ اللِّجَامِ، لكونهما مانِعَيْنِ، والجمْعُ:

ص: 188

الأَنْکَالُ. قال تعالى: «إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا» [المزمل 12] ونَكَّلْتُ به: إذا فَعَلْتُ به ما یُنَکَّلُ به غيرُه، واسم ذلك الفعل نَكَالٌ. قال تعالى: «فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا» [ البقرة 66] . فإنّ استعمال (الناكل) في قول أمير المؤمنين أليق بسياق القول لأنّ الحديث عن الحرب والقتال. وقد ذكر الإمام (الشجاع) والناكل خلافه وهو الذي يميل إلى الخور والتقاعس والتراخي عن القتال ويوصف اللام بأنه صوت جانبي لأنه يخرج من جانبي اللام فكأنّه بهذه الصفة أكسب لفظة (الناكل) معنی مجانبة الحقّ وهو هنا يعني تجنّب جهاد العدوّ فاحتيج أن يحرض على الجهاد.

ويقال: نكب عن كذا. أي: مَالَ. قال تعالى: «عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ» [المؤمنون 74] والمَنْكِبُ: مُجْتَمَعُ ما بين العَضُدِ والكَتِفِ، وجْمعُه: مَنَاکِبُ، ومنه استُعِيرَ للأَرْضِ. قال تعالى: «فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا» [الملك 15] واسْتِعَارَةُ المَنْكِبِ لها کاسْتِعَارَةُ الظَّهْرِ لها في قوله: «مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ» [فاطر 45]، وواضح من هذا أن الأصل في نكب هو المنكب وهو جانب البدن ولا يرى إلا بميل الرأس جانبا ومنه اشتق الناكب وهو مخصوص بالميل عن جادة الطريق.

وأصل النَّكْثُ نَكْثُ الأَكْسِيَةِ والعَزْلِ وهو قَرِيبٌ مِنَ النَّقْضِ، واستُعِيرَ لِنَقْضِ العَهْدِ قال تعالى: «وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ» [التوبة 12]، «إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ» [الأعراف 135] والنّكْثُ كالنّقْضِ.

والإِنْكَارُ: ضِدُّ العِرْفَانِ. يقال: أَنكَرْتُ كذا، ونَکَرْتُ، وأصلُه أن يَرِدَ على القَلْبِ ما لا يتصوَّره، وذلك ضَرْبٌ من الجَهْلِ. قال تعالى: «فَلَمَّا رَأى

ص: 189

أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ» [هود 70]، «فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ» [يوسف 58] وقد يُستعمَلُ ذلك فيما یُنْکَرُ باللّسانِ، وسَبَبُ الإِنْکَارِ باللّسانِ هو الإِنْكَارُ بالقلبِ لكن ربّما يُنْكِرُ اللّسانُ الشيءَ وصورتُه في القلب حاصلةٌ، ويكون في ذلك كاذباً. وعلى ذلك قوله تعالى: «يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا» [ النحل 83]، «فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ» [المؤمنون 69]، «فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81)» [غافر 81].

والنَّکْسُ: قَلْبُ الشيءِ عَلَى رَأْسِهِ، ومنه: نُكِسَ الوَلَدُ: إذا خَرَجَ رِجْلُهُ قَبْلَ رَأسِهِ، قال تعالى: «ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ» [الأنبياء 65] والنُّكْسُ في المَرَضِ أن يَعُودَ في مَرَضِهِ بعد إِفَاقَتِهِ، ومن النَّكْسِ في العُمُرِ قال تعالى: «وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ» [يس 68].

والنُّکُوصُ: الإِحْجَامُ عن الشيء. قال تعالى: (نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ) [الأنفال 48].

ويقال: نَکَفْتُ من كذا، واسْتَنْکَفْتُ منه: أَنِفْتُ. قال تعالى: «لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ» [النساء 172]، وأصله من: نَکَفْتُ الشيْءَ: نَحَّيْتُهُ، ومن النَّكْفِ، وهو تَنْحِيَةُ الدَّمْعِ عن الخَدِّ بِالإِصْبَعِ، وبَحْرٌ لا يُنْكَفُ. أي: لا يُنْزَحُ، والانْتِكَافُ: الخُرُوجُ مِنْ أَرْضٍ إلى أَرْضٍ.

س: في قوله علیه السلام: "واردد إلى الله ما يضلعك من الأمور" روي (يضلعك) بالضاد والظاء، فهل ثمّة فرق صوتيّ بين (یضلع ويطلع) يؤثّر في المعنى العامّ؟ وضّح ذلك.

ضلع بالضاد يدلّ على الميل والاعوجاج عموما في البدن وفي العمل وفي

ص: 190

الرأي، على حين ظلع بالظاء يدّل على الميل في المشي فقط، يقال: ظلع البعير: غمز في مشيه، ثمّ اتّسعت المعاني بالملازمة الاشتقاقيّة، فالضّاد لكونه صوتا أسنانيّا لثويّا يلاحظ معه الإطباق بصورة أوضح ممّا هو مع الظاء، فالميل في معنی ضلع يرافقه الدلالة على الاعوجاج وبه سمّي ضلع الإنسان بلحاظ اعوجاجه، والملحظ التّسمية لهذا العضو قيل: تضلّع الرجل إذا امتلأ أكلا، أي إنّ الشيء من كثرته ملا أضلاعه، ولذا قيل: حمل مضلع، أي ثقيل، أي إنّ ثقله يصل إلى أضلاعه، ومن هنا كان معنى قوله علیه السلام: وارددْ ما يضلعك، أي: ما يثقلك ويصعب عليك حمله وحلّه من الأمور ممّا يجعلك تميل عن الحقّ لو عملت برأيك.

أمّا ظلع بصوت الظاء الأسنانيّ فالرخاوة في صفة هذا الصّوت أكثر وضوحا ممّا يجعل الميل في معناه يذهب إلى الدلالة على الضعف، فالبعير الظالع هو المائل في مشيته، وهذا ضعف فيه، ولذا يقال: ارْبَعْ على ظلعك، أي: انته عمّا لا تطيقه لما فيك من ضعف، ومعنى قوله علیه السلام باستعمال لفظة يظلعك أمر بردّ ما يضعفه من الخطوب، أي يجعله ضعيفا أمام الرّعيّة، والمعنى مع صوت الضاد أنسب لعموم دلالة ضلع على ما يثقل على الوالي حمله من الخطوب سواء بضعف قدرته البدنيّة أو الفكريّة، لاسيّما وأنّ استشهاده علیه السلام بالآية القرآنيّة يدلّ على القضايا الفكريّة التي تحتاج إلى بعد نظر في معاني الآيات.

س: يصاغ فعل الأمر من المضعّف فيجوز الإدغام وفكّه من أمر المخاطب، كيف تعلل اختیار فكّ الإدغام في قوله علیه السلام: "واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب"؟

يجوز أمر المفرد المخاطب من المضعّف بالإدغام، وذلك بتحريك آخره

ص: 191

لأجل الادغام، وتقدير السكون عليه بالجزم من فعل الأمر، والقياس فكّ الإدغام لتسكين آخر فعل الأمر الذي يناقض الادغام، وهو أن يكون الأوّل ساكنا والثاني متحركا، فيمكن أن يقال: واردد، أو: ردّ بفتح الدال، وإنّما اختار علیه السلام المقيس من أمر المخاطب المفرد لما في فكّ الادغام من تكرار لصوت الدال المفخّم، وهذا يحدث تشديدا أبلغ من الادغام المرقّق بفتح الأخر.

س: كيف تفسّر صوتيّا إبدال الواو تاء في لفظة (اتّکال) في قوله علیه السلام: "ولا تدع تفقّد لطيف أمورهم اتّكالا على جسیمها"، وضّح ذلك مستعينا بمعطيات الدّرس الصوتيّ الحديث؟

الفعل (اتّكل) على صيغة افتعل يفيد الاتّخاذ، أي: اتّخذ وكيلا. وفاء الفعل (وكل) عند صياغتها على افتعل تبدل تاء، ثمّ تدغم هذه التاء مع تاء الافتعال فيصير اتّكل، إذ تقتضي القاعدة الصرفيّة للإبدال في صيغة الافتعال جعل الواو أو الياء إذا كانتا فاء للصيغة تاء للمناسبة الصوتيّة بين الجهر في أصوات المدّ والهمس في التاء.

س: علّل صوتیا حذف صوت المدّ (الواو) من الألفاظ: (جدته، يسع، تدع) في قوله علیه السلام: "و أفضل عليهم من جدته بما يسعهم ويسع من وراءهم" وقوله علیه السلام: "ولا تدع تفقّد لطيف أمورهم اتّكالا على جسيمها"؟.

1. حذفت الواو في لفظة (جدة) وهي من الفعل: وجد يجد على الباب الثاني متابعة للقاعدة الصرفيّة في حذف الواو من صيغة فِعلة، إذا أريد بها الهيئة. أمّا وجهة فبقي صوت الواو على رغم ثقله مراعاة لأمن لبسه بالظرف (جهة)، فالمراد من قوله تعالى: «وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا» [البقرة: 148] ليس هو الظرف، أي جهة الشّرق أو الغرب، وإنّما المراد القبلة التي قد تكون نحو جهة

ص: 192

من الجهات الستّ، ووجهة المسلمين هي هيئة التّوجّه نحو الكعبة الشريفة أما غيرهم فله وجهة أخرى.

أمّا ما قيل: إنّ (وِجهة) ظرف، و(جهة) مصدر فهذا ينافي الدلالة العامّة لصيغة فِعلة. أمّا في (يسع) فالقاعدة المعتمدة عند صياغة الأفعال واويّة الفاء أن يحذف منها الصّائت الطّويل (الواو) إذا وقع بين فتح و کسر تخلّصا من الثّقل المقطعيّ، أمّا إذا وقع الصّائت الطويل بين فتحتين فلا يحذف؛ لخفّة ذلك على اللسان، غير أنّه مع الفعل (وسع) تحذف (الواو) لكون لام الفعل من أصوات الحلق، فالعين تحدث تغييرا مقطعيّا يجعل النّطق بوجود الواو منقسما إلى مقطعين متباينين.

أمّا حذف الواو مع (تدَع) فهو حاصل للعلّة الصوتيّة المذكورة آنفا. مع ملاحظة أنّ هذا الفعل ممّا روي بلا ماضٍ إذ لم يسمع ودَعَ ولا وادِع، واستغنوا عنهما ب(ترك وتارك) على حين استعمل المضارع والأمر (يدع، دع)، ووردت قراءة بذكر الواو من ماضيه في قوله تعالى «مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى» [الضحى: 3] أي: لم يتركك، وفي قوله علیه السلام: لا تدع، أي: لا تترك.

س: كيف تعلّل صوتيّا قلب الواو همزة في لفظة (بلاء)، وقلبها ياء في لفظة (حيطة)؟.

1. تقلب الواو همزة إذا تطرّفت بعد ألف زائدة، وتعليل هذا صوتيّا مردُّه إلى التخلص من المقطع المديد في آخر اللفظة بقفله بالهمزة، فلفظة (بلاء) أصلها (بلاو) وتشكيلها الصوتيّ هو: (بَ، لاو) والمقطع الثاني جاء مديدا وفيه ثقل عند الوصل فحذفت الواو وجيء بالهمزة قفلا للمد الذي ينشطر عند الوصل إلى مقطعين أوّلهما طويل مفتوح (لا) والآخر قصير مفتوح صائته قصير (ء-)

ص: 193

بحسب حركة الإعراب.

2. وأما (حيطة) فمصدر هيئة، والأصل (حِوْطة)، الّا أنّ الواو تقلب یاء إذا سبقت بكسرة؛ وذلك للثقل الصوتيّ الحاصل من مجيء الواو بعد کسر وهذا تعليل القدماء، وفي الدرس الحديث حذفت الواو تخلصا من المزدوج الصوتيّ بين الواو والكسرة ومدّت الكسرة قبلها فصارت ياء ساكنة.

المستوى الصرفيّ

س: استخرج الأفعال المزيدة، واذكر أحرف الزيادة فيها موضّحا المعاني الصرفيّة التي أفادتها هذه الأحرف؟. .

1. ولِّ: فعل أمر من ولّى يولّي، مزید بتضعیف العين التي أفادت التعدية إلى المفعول الثاني، لأنّ المجرّد: ولي الأمر فهو والٍ، وولّيته الأمر فهو متولٍّ، و (ولِّ) على زنة (فعِّ) حذفت اللام لسكون الياء في صيغة الأمر.

2. يُبطئ: مضارع مزید بهمزة القطع من (أبطأ)، وأفادت الزيادة فيه التعدية إلى المفعول به بوساطة حرف الجرّ؛ لأنّ المجرّد لازم على الباب الخامس (بطُؤ یبطُؤ) وأبطأ إبطاء ضدّ أسرع، وأبطأ به الشيء: أخّره،

3. يستريح: مضارع مزید بهمزة الوصل والسّين والتّاء، وحذفت الهمزة لصياغة المضارع من استراح. والزيادة أفادت الصّيرورة، أي: إيجاد الراحة النّفسيّة إلى ما يقدّمه من عذر.

4. يُثيره: مضارع مزید بهمزة القطع، من أثاره، والزيادة أفادت التعدية لأنّ المجرّد لازم يقال: ثار الغبار يثور ثورا وثورانا، وقد أثرته «وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا» [فاطر: 9].

5. تفقّد: أمر من المضارع المزيد بالتاء و تضعیف العين، والزيادة تفيد طلب

ص: 194

المفقود، قال تعالى: «وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ» [النمل: 20]، أي: طلب ما فقده من الطير؛ لأنّ الفقد هو ضياع الشّيء بعد وجوده، أي: اسهر على مصلحتهم وابحث عن احتياجاتهم وراعها.

6. يتفاقمنّ: مضارع مزيد بالتاء والألف من (تفاقم)، والزيادة دالّة على المبالغة في الفقم، وهو الامتلاء والعِظم، يقال: أصاب من الماء حتى فُقم، وفقِم الأمر على الباب الرابع فَقْمًا وَفَقَما بحركتين: عظم ولم يجر على استواء، والمعنى أنّ ما تقدمه لهم ممّا تقوّيهم هو فرض عليك لا تفضّل منك، فلا يزداد العطاء في نظرك عظمة فتمنعه عنهم، وقیل انّ الفقم هو اعوجاج وقلّة استقامة من: فقِم فلان على الباب الرابع إذا تقدّمت الثنايا السفلى فلا تقع عليها العليا.

7. قوّيتهم: ماض مزید بتضعیف العين، والزيادة أفادت التعدية، فالمجرّد على الباب الرابع قوِي فلان يقوى فهو قويّ، وقوّاه الله.

8. تُحقّرنّ: مضارع مزید بتضعیف العين، والزيادة أفادت المبالغة، يقال: حقَر الشيءَ يحقِرُه على الباب الثاني: استصغره واستهان به، وفي الحديث: "لا تَحْقِرنّ من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق"، وحقّر الشيء: بالغ في الاستهانة به واستصغاره.

9. تعاهدتهم: ماض مزيد بالتاء والألف، وأفادت الزيادة معنى المبالغة، أي: أكثرت من إعطائه إيّاهم والالتزام بإيصاله لهم.

10. تُعظّم: مضارع مزید بتضعیف العين من عظّم، والزيادة أفادت التعدية؛ لأنّ المجرّد هو عظم الشيء فهو عظيم.

ص: 195

11. تستصغر: مضارع مزید بهمزة الوصل المحذوفة لصياغة المضارع والسين والتاء، والزيادة أفادت الصيرورة، أي: تجعله صغيرا.

12. ينتفعون: مضارع مزید بهمزة الوصل والتاء، والزيادة أفادت المطاوعة، نفعته فانتفع.

13 . يستغنون: مضارع مزید بهمزة الوصل والسين والتاء، والزيادة أفادت الصيرورة، استغنی: صار في غنى عن الشيء.

14. واساهم: ماض مزيد بالألف، والزيادة أفادت المشاركة، أي: مشاركتهم في الأسى وهو الحزن. ومجرّده من (أسا)، ويبدو أنّ المشتقات كلّها من هذا الأصل المهموز الفاء فما سمع منها بالواو إنما هو مقلوب من الهمزة، ولذا روي هذا الفعل في كلامه علیه السلام بلغتين (واساهم و آساهم). والأصل هو الهمز ووصف صاحب اللسان "واساهُ: لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ فِي آسَاهُ، یُبْنَی عَلَى يُواسي" يريد أنّ همزة المؤاساة قلبت واوا تخفيفا، ثمّ جرى القلب في الفعل فقيل: (واسی يواسي واسِ)، وما سمع من أصل مثال واويّ من هذه المادّة فمعناه يبتعد عن معنى الأسى الذي هو الحزن؛ لأنّه بمعنی الحلاقة، يقال: أوساه: حلقه و قطعه، والموسى: شفرة الحلاقة. وفي هذا الجذر بابان: الأوّل: أسا يأسو فهو آس، بمعنى المداواة والعلاج، قال المتنبيّ يصف أسدا: يطأُ الثَّرى مُترفّعا من تیهِ فَكأنّه آسٍ يجسُّ عليلا.

والثاني: من أسي يأسي أسي من الباب الرابع بمعنی حزن، قال تعالى:«قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ» [المائدة: 26]، أي: لا تحزن، وصرّح صاحب المفردات بأنّ الأصل من الباب الرابع، وأمّا الباب الأوّل فمبنيّ عليه وهو إزالة الأسي.

ص: 196

15. واصلْ: أمر مزید بالألف، والزيادة دلّت على المبالغة، يقال: وصلت الشيء على الباب الثاني وصلا وصلة: بلغته، وواصلته مواصلة ووصالا إذا أكثر من الوصل.

16. تُحرّض: مضارع من حرّض المزيد بتضعیف العين، والزيادة أفادت معنى السّلب، أي: إزالة الحرض، وهو المرض النّفسيّ، حرض يحرَض حرضًا بفتحتين، بمعنی مرض، «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ» [الأنفال: 65] أي: أزل حرضهم وهو عدم قيامهم للجهاد. ويقال لمن أشرف على الهلاك وذهب عقله: حَرَضٌ، «قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ» [یوسف: 85] وهو من إذابة الهمّ، وفي قوله علیه السلام المراد من تحريض الناكل هو إزالة ما به من حرض في نكوهم أي: ضعفهم وعجزهم.

17. أبلی: ماض مزید بهمزة القطع، والزيادة أفادت التعدية المجازيّة، فالمجرّد لازم من الباب الرابع، يقال: بلي الثوب يبلی بلی وبلاء، وأبلاه هو، فهذه تعدية مادّيّة لما هو محسوس كالثوب، أمّا أبلى في الحرب بلاء حسنا فهي تعدية مجازيّة تشبيها ببلي الثوب، والمفعول محذوف للعلم به، أي: أبلى نفسه في الحرب إذا اجتهد في الحرب والقتال. أمّا الابتلاء وهو بمعنى الاختبار فهو من الباب الأوّل متعدّ بنفسه «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ» [محمد: 31] وكذا بلاه الهمّ: كأنّه اختبره، ومنه يقال: فلان بلي أسفار وبلوها، أي: بلاه الهمّ والسفر والتجارب.

18.تقصّرنّ: مضارع من قصّر المزيد بتضعیف العين، والزيادة أفادت التعدية

ص: 197

المعنويّة، فالقُصر أنْ لا يبلغ الشيء مداه و نهايته من الباب الأوّل، يقال: قصَر السّهم عن الهدف: لم يبلغه، وقصَر الصلاة: لم يتمّ فيها لا أنّه لم يبلغ مداها قال تعالى: «وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ » [النساء: 101]، وقصّر شعره: جزّ بعضه: «لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ» [الفتح: 27]، وقصّر في الأمر: تواني، وكأنّه قصّر همّته في الأمر، وقصّر عنه: لم يبلغه.

س: استخرج المصادر القياسيّة من النصّ، واذكر القاعدة الصرفيّة التي تحكمها؟

1. الغضب: مصدر مقيس من الباب الرابع الدالّ على الانفعالات الطارئة والامتلاء النفسيّ بها، غضب يغضب غضبا، نحو فرح فرحا.

2. شجاعة: مصدر مقیس من أفعال الباب الخامس الدّالّة على الطبائع والغرائز، شجع شجاعة، ونحوها كالنظافة والطّهارة وكذا السماحة الواردة في هذا المقطع.

3. سخاء: مصدر مقيس من أفعال الباب الخامس: سخُو يسخُو سخاء وسخاوة فهو سخيّ أي: جواد؛ لأنّ الأفعال الدالّة على الغرائز والطبائع قياسها الفَعال والفَعالة، أمّا سخِي على الباب الرابع فهو لما دلّ على داء، أي: أصابه ظلع وهو أن تعترض الريح بين الجلد والكتف ومصدره سَخًی.

4. بذل: الفَعْلُ مصدرٌ مقيس من الأفعال المجرّدة كلّها المتعدي منها واللازم، يقال: بذله يبذله: أعطاه، وكذا المصادر على هذه الصيغة في

ص: 198

النصّ، نحو: (همّا) و (الترك).

5. تفقّد: مصدر مقيس على التفعّل من الفعل المزيد بالتاء وتضعیف العين.

6. جهاد: مصدر على فِعال، وهو شائع من فاعل، والقياس فيه المفاعلة، يقال: جاهد جهادا و مجاهدة.

7. استبطاء: مصدر على الاستفعال وهو مقيس من استفعل المزيد بهمزة الوصل والسين والتاء، استبطأ استبطاء. وكذا الاستثقال في النصّ نفسه من استثقل بمعنى إيجاد الشيء على صفة ما، أي: إيجاد الجنود هذه الولاية ثقيلة و بطيئة في مدّتها.

8. انقطاع: مصدر على الانفعال، وهو مقيس من (انفعل) المزيد بهمزة الوصل والنون، الذي يفيد المطاوعة، قطعت الشيء فانقطع.

9. تعديد: مصدر على التفعيل، وهو مقيس من فعّل المزيد بتضعیف العين، من الفعل الصّحيح اللام عدّد تعدیدا.

10. حُسن: مصدر على فعل بضمّ الفاء، وهو مقيس من أفعال الباب الخامس للدلالة على الصفات الثابتة، نحو: البعد والقرب والصغر، وكذا لفظة العنف في النصّ من الباب الخامس: عنُف عليه وبه ضدّ الرفق، وكذا لفظة اللطف من الباب الخامس: لطف لطفا ولطافة فهو لطيف، أي: الرفق واللين.

11. استقامة: مصدر على (استفعلة) على مذهب سیبویه، بحذف ألف الاستفعال؛ لالتقائها مع عين الفعل، أو استفالة على مذهب الأخفش في حذف عين الفعل وإبقاء ألف الاستفعال.

12. سلامة: مصدر على (فعالة) مقيس لما دلّ على الثبوت غير أنّه من الباب

ص: 199

الرابع، يقال: سلم من الآفة الظاهرة والباطنة سلامة.

13. ظُهور: مصدر على (فُعول) مقيس من (ظهَر يظهَر) على الباب الثالث للدلالة على المفاجأة، أي: التغيير الطارئ للفعل نحو: الدُّخول والهُفوت والسُّجود.

س: وردت لفظتا (الجُنود) و (الجُند) في المقطع، فما الدلالة الصرفيّة لكلّ من هذين الجمعين؟

الجُند: اسم جنس جمعيّ يفرّق بينه وبين واحده بالياء، فمفرده: جنديّ، ومثلها: کُرد کردیّ و رُوم روميّ، وكذلك كلّ اسم جنس جمعيّ يفرّق بينه وبين واحده بالتاء نحو: تمر وتمرة وورد ووردة، أمّا الجنود: فهو جمع كثرة على فُعول لاسم الجنس الجمعي جند، کما جمع التمر على تمور والزهر على زهو ويجمع في القلّة على الأجناد کالأوراق والأزهار جمعي وَرق وزَهر.

س: استخرج جموع التكسير الواردة في النصّ، مبيّنا نوعها وذاكرا مفرداتها؟

1. ضُعفاء: جمع كثرة على فُعلاء مقيس في (فعيل) وصفا لمذكّر صحيح اللام، نحو کریم و كرماء، ورحیم رحماء.

2. أقوياء: جمع كثرة على أفعلاء مقيس في (فعيل) وصفا لمذكر معتلّ اللام أو مضعّف، نحو: وليّ وأولياء، وشديد أشدّاء.

3. أحساب: جمع قلّة على (أفعال) مفرده (الحَسَب) وهو ما يعدّه الإنسان من مفاخر آبائه.

4. بيوتات: جمع الجمع إذ المفرد: بیت، و جمعه في الكثرة (بُيوت)، ثمّ جمعت البيوت على بيوتات جمعا سالما بالألف والتاء، ويفيد جمع الجمع بالألف والتاء التخصيص والتعظيم فالبيوتات أقلّ عددا من البيوت ولكنّها

ص: 200

أعظم شرفا وأعلى شأنا و كذا الرجالات.

5. سوابق: جمع كثرة على صيغة منتهى الجموع، وهو أن يأتي بعد ألف جمعها حرفان أو أكثر، وهو مقيس في جمع ما كان على (فاعلة) اسما أو صفة، وهنا مفرده (سابقة) اسما للأمر السابق منهم والمعروف عندهم.

6. شُعب: جمع كثرة على فُعل، وهو جمع مقيس لما كان على زنة (فُعلة) من الأسماء، ومفرده شُعبة، نحو: غُرفة وغُرَف. وكذا (دُوَل) جمع كثرة على (فُعل) مفرده دُولة بالضم.

7. أمورهم: جمع كثرة على (فُعول)، وهو جمع مقيس لما كان اسما مفردا على زنة (فَعْل)، نحو: قلب قلوب، قصْر قصور، صقْر صقور كذا أمْر أمور.

8. رؤوس: جمع كثرة مفرده: رأس.

9. خلوف: جمع كثرة مفرده خلف بفتحتين، أي: الولد الصالح الذي تخلّف مع أهله، فالخلوف هم المتخلّفون، وهو جمع مقيس لفعل بمعنی مفعول.

10. قلوبهم: جمع كثرة مقيس من المفرد (فعل) وهو قلب، وكذلك لفظة صدورهم جمع صدر،

11. وُلاة: جمع كثرة على (فُعَلة) مقيس في ما كان على (فاعل) صفة لمذكّر عاقل من معتلّ اللام نحو (الوالي الولاة، القاضي القضاة)، وحصل إعلال بقلب الياء ألفا لتحرّكها وسبقها بفتح.

12. آمالهم: جمع قلّة على (أفعال)، مقيس من الاسم المفرد على (فعل) فرده أمل، ثم حصل إعلال بقلب الهمزة الثانية ألفا؛ لاجتماع همزتين أوّل الكلمة، الأولى مفتوحة، والثانية ساكنة.

ص: 201

13. فِعالهم: جمع كثرة على (فعال) وهو جمع مقيس من الاسم المفرد (فعل)، نحو: ذئب وذئاب.

س: زن الكلمات الآتية، واذكر دلالتها الصرفيّة؟

1. ولدهما: اسم جمع لا مفرد له من لفظة، نحو: الرهط، ويراد بالولد كلّ ما ولد، ويطلق على الذكر والأنثى والمثنى والجمع،

2. داعية: فاعلة، اسم دالّ على المبالغة، والتاء للنقل إلى الاسميّة، نحو: رجل طاغية، وراوية للشعر، وهذا لطف داعية إلى الاخلاص لك كأنّ هذا اللطف حلّ محلّ دواع للإخلاص.

3. رسول: فعول، صيغة مبالغة يستوي فيها المذكّر والمؤنّث

4. لطيف: فعيل، صفة مشبّهة من الباب الخامس، وكذا: جسيم ويسير وعظيم وصغير.

5. مودّة: مفعلة، مصدر ميمي دالّ على كثرة الفعل في المكان، نحو: المقبرة والمطبعة، أي: الموضع الذي يكثر فيها المودّة والحبّ.

6. موضع: مفعل، اسم مكان، وكذا موقع، وقیاس اسم المكان من المثال ان يأتي على مفعِل بكسر العين.

7. نصيحة: فعيلة، اسم لما يقدّم للإصلاح من القول، ولذا تجمع على (فعائل)، نحو: صحيفة وصحائف.

8. حيطة: فِعلة، اسم دالّ على الهيئة من الحوط، وهو الالتفاف حول الوالي لحفظه وصيانته بالحذر من كلّ خطر.

9. ضِعة: علة، مصدر هيئة أصله (وِضعة)، ثمّ حذفت فاؤه، وهو من الباب الخامس: وضع الرجل يوضع ضِعة بفتح الضاد وكسرها، أي:

ص: 202

صار وضيعا، والمراد به الرجل الدنيّ من الخفض والانحطاط. ويقال في حسبه ضعة، أمّا وضَع الشيء من الباب الثالث يضعه، أي: حطّه.

10. قُرّة: فُعلة من قرّ يقرّ على الباب الرابع دالّة على موضع الحدث في المكان، لذا اقترنت بالعين؛ لأنّ السكون والراحة تظهر في العين التي تبرد دمعتها لعدم اضطراب النّفس.

11. نَجدة: فعلة، اسم دالّ على المرّة الواحدة، من نجد على الباب الخامس نجادة ونجدة، فهو نجيد، وهو المرتفع الهمّة.

12. مدّتهم: فعلة، اسم دالّ على موضع المدّ في الشّيء، ويراد بها الغاية الزمان والمكان، والبرهة من الدّهر.

13. ثناء: فعال، اسم مصدر من أثنى اثناء، أو ثنّى عليه، أي: وصفه بالمدح.

14. بلاء: اسم مصدر على فَعال من أبلی ابلاء.

15. شجاع: فُعال، صفة مشبّهة من شجع على الباب الخامس الدالّ على الطبائع.

16. صالحة: فاعلة، صفة مشبّهة من صلح على الباب الخامس صلاحا ضدّ فسد.

17. غاية: فعلة، من اللفيف المقرون غوى يغوي على الباب الثاني، وهي اسم ذات معنويّ مفرد لاسم الجنس الجمعيّ (غاي) على زنة فَعَل، على وزن اسم الجنس الجمعيّ آي مفرده آية، وشجر مفرده شجرة، والغاية تطلق ويراد بها اقصى الشيء ومداه،

18. أفضل: في العبارة الأولى دلّ على التفضيل، فهو اسم مضاف إلى المفضّل عليه، والفتحة على اللام علامة نصبه؛ لأنّه مفعول به ثان

ص: 203

لفعل الأمر: ولّ.

أمّا أفضل في العبارة الثانية فدلّ على الحدث فهو فعل ماض فاعله مستتر، والفتحة على اللام علامة بناء الفعل الماضي.

المستوى النحويّ

س: ما نوع الفاء في:

1. (فولّ من جنودك أنصحهم).

الفاء هي فاء الاستئناف التي تأتي بعد انتهاء كلام سابق ثمّ تذكر كلاما جديدا ذا صلة، ولكنّه بأبعاد أخرى. ومثل هذه الفاء في النصّ قوله علیه السلام: ( فانسح في آمالهم).

2. (ثمّ الصق بذوي المُروآت... فإنّهم جماع من الكرم)

الفاء في هذه الجملة هي فاء التعليل التي تأتي لبيان علّة ما سبق، فالأمر باللصوق بذوي المروءات تعليل لكونهم جماع من الكرم. ومثلها عبارات كثيرة في هذا المقطع من العهد كما في قوله علیه السلام: "فانّ لليسير"، "فانّه داعية لهم إلى بذل النصيحة لك"، "فانّ كثرة الذكر لفعالهم تهزّ الشجاع"، "فانّ عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك"، "فقد قال...".

3. (واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب فقد قال الله تعالى لقوم أحبّ ارشادهم)؟

الفاء هي التفريعيّة التي تسمّى الفاء الفصيحة؛ لأنّها تفصّل ما تقدّمها من

ص: 204

إجمال، وكأنّ التقدير: فإن أردت أن تعرف ما الردّ إلى الله فهو كذا.

س: ما نوع الواو في: "وَلاتَصِحُّ نَصِیحَتُهُمْ إِلاّ بِحِیطَتِهِمْ عَلَی وُلاهِ الْأُمُورِهِمْ، وَ قِلَّهِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ، وَ تَرْكِ اسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ"؟

الواو الأولى هي واو الاستئناف؟؛ لأنّها تتكلّم عن النصيحة المرجوّة من رؤساء الجند للوالي، وقبلها الكلام عن إيثار الوالي لهم. والواو الثانية هي العاطفة إذ عطفت أوصاف النصيحة للوالي والثالثة عاطفة أيضا.

س: ما نوع (لا) في: "ولا يتفاقمنّ في نفسك شيء" و"ولا تصحّ نصيحتهم الا بحيطتهم على ولاة أمورهم"؟.

(لا) في الجملة الاولى هي الناهية، وإن دخلت على الغائب؛ لدلالة السياق على معناها، وهي نحو قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ» [الحجرات: 11]، والمضارع مجزوم بها وعلامة جزمه السكون، وحُرّك الفعل بالفتح لأجل نون التوكيد الثقيلة التي لا محلّ لها من الإعراب، و (شيء) فاعل يتفاقمنّ، و (في نفسك) متعلّق به. و (لا) في الجملة الثانية هي النافية، والفعل بعدها مرفوع بالضم، والفاعل نصيحتهم.

س: ما نوع (حتّى) في: "حتّى يكونَ همّهم همّا واحدا في جهاد العدوّ"؟

(حتّى) هي الجارّة التي تفيد الغاية، والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة بعد حتّى، و (همّهم) فاعل (يكون)، والفعل والفاعل و (أن) المضمرة قبله في تأويل مصدر في محلّ جرّ ب (حتّى).

س: علام يعود الضمير في: "فانّهم جماع من الكرم"؟

الضمير المتّصل بأنّ هو اسمها في محلّ نصب، وهو يعود على ذوي المروءات والأحساب. ويجوز أن يعود على الفضائل المذكورة، أي هذه الفضائل من

ص: 205

المروءات والإحسان والبيوتات الصالحة والسوابق الحسنة والنجدة والسخاء فكلّها جماع من الكرم، أي: جامعة لأصناف الكرم؛ لأنّ غير العاقل ممكن أن يشار إليه بضمير العقلاء، نحو: «فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ» [الشعراء: 77] أي: الأصنام.

س: عيّن فعل الشّرط وجوابه في: "ولا تحقّرنّ لطفا تعاهدتهم به وإنْ قلّ"، "فإنّ كثرة الذكر الحسن فعالهم تهزّ الشّجاع وتحرّض الناكل إنْ شاء الله"؟.

فعل الشّرط في الجملة الأولى (قلّ) وهو ماض مبني على الفتح، في محلّ جزم ب(إن) والفاعل مستتر يعود على اللطف، وجوابه مقدّم عليه للاهتمام، أي: إنّ قلّ اللطف منك فلا تحقّرنّه.

وفعل الشّرط في الجملة الثانية (شاء) وهو ماض مبنيّ في محلّ جزم، ولفظ الجلالة فاعل، أمّا جواب الشّرط فهو مقدّم أيضا للاهتمام، والتقدير: ان شاء الله تهزّ الشجاع، وجملة (ان شاء الله) جملة شرطيّة تخصّصت دلالتها بالدّعاء فهي لا محلّ لها من الإعراب.

س: ما نوع الإضافة في التراكيب: "بذل النّصيحة"، "جهاد العدوّ"، "ترك استبطاء"، "حسن الظّنّ"، "لطيف أمورهم"، "أهل النجدة"؟

الإضافة في بذل النّصيحة وجهاد العدوّ وترك الاستبطاء غير محضة، من نوع إضافة العامل إلى معموله، أي إضافة الفعل إلى المفعول به، والأصل: بذلوا النّصيحة، وجاهدوا العدوّ، وتركوا الاستبطاء، والإضافة في حسن الظّنّ، ولطيف أمورهم غير محضة من نوع إضافة الصّفة إلى الموصوف، أي: الظّنّ الحسن، والأمور اللطيفة. وأمّا الإضافة في أهل النّجدة فهي إضافة محضة بمعنى اللام، أي: أهل للنجدة ينتمون.

ص: 206

س: بیّن مفعولي الفعل (ولّی) في: "فولّ من جنودك أنصحهم"

الفعل (ولّی) متعدّ بالتضعيف إلى المفعول الثاني إذا كان بمعنى الزعامة والرياسة، إذ المجرد متعد إلى واحد كقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ» [التوبة: 123]: ومع التضعيف يتعدى إلى اثنين لفظا أو تقديرا فمثال اللفظ الظاهر قوله تعالى: «وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» [الأنعام: 129] ومثال التقدير ما في قول أمير المؤمنين علیه السلام هذا إذ المفعول الأوّل هو (أنصحهم)، والثاني مقدّر، ولم يذكر المفعول الثاني استغناء عنه بدلالة سياق الكلام، وهو أمره علیه السلام باختيار رؤساء الجنود، والتقدير: ولّ أنصح جنودك قيادة الجند، على حين يأتي الفعل (ولّی) لازما إذا كان بمعنی هرب كما في قوله تعالى: «لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا» [الكهف: 18].

س: استخرج الجمل التي لها محلّ من الإعراب في النصّ المتقدّم، ثمّ اذكر هذا المحلّ؟

1. جملة "قوّيتهم عليه" في محلّ رفع صفة للفاعل (شيء) قبلها، والفعل (قوّيتهم) ماض مبنيّ على السكون؛ لاتّصاله بتاء الفاعل، والهاء ضمير متّصل في محلّ نصب مفعول به، والميم للجماعة. و (علیه) جارّ ومجرور متعلّق بالفعل (قوي).

2. جملة " تعاهدتهم به" في محلّ رفع عطفا على الجملة السابقة.

3. جملة "ينتفعون به" في محلّ نصب صفة لاسم (انّ) المتأخّر (موضعا)، والفعل ينتفعون مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعل، و (به) جارّ ومجرور متعلّق بينتفعون.

ص: 207

جملة "يعطف قلوبهم عليك" في محلّ رفع خبر (إنّ)، و (يعطف) مضارع مرفوع، والفاعل مستتر يعود على العطف، و (قلوبهم) مفعول به مضاف للضمير (هم).

5. جملة "أحبّ إرشادهم" في محلّ جرّ صفة ل (قوم) المجرور باللام، والفعل (أحبّ) ماض مبنيّ على الفتح، وفاعله مستتر يعود على لفظ الجلالة، و (إرشادهم) مفعول به منصوب مضاف إلى الضمير (هم).

6. جملة "الآية القرآنيّة" في محلّ نصب مقول القول قبلها.

7. جملة "تنازعتم" في محلّ جزم فعل الشّرط بعد إنّ الشّرطيّة، والفعل (تنازعتم) ماض مبنيّ على السكون لاتصاله بتاء الفاعل.

8. جملة "فردّوه" في محلّ جزم جواب الشّرط، وذلك لاقترانها بالفاء، والفعل (ردّوه) أمر مجزوم بحذف النون؛ لأنّه من الأفعال الخمسة، والواو ضمير متّصل في محلّ رفع فاعل، والهاء ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به.

9. جملة "الأخذ بمحكم كتابه" في محلّ رفع خبر للمبتدأ (الرّدّ) و (الی الله) متعلّق بالفعل ردّ.

س: أعرب مفصّلا ما تحته خطّ: "وأطهرهم جيبا"، "ولا تدع تفقد لطیف أمورهم اتّكالا على جسيمها"، "وَلْیکُنْ آثَرُ رُؤُوسِ جُنْدِكَ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِی مَعُونَتِهِ"، "بما يسعهم ويسع من وراءهم"، "وتعديد ما أبلی ذوو البلاء منهم"، "ثم اعرف لكل امرئ منهم ما ابلی"، "ولا تقصرنّ به دون غاية بلائه"، "الأخذ بسنّته الجامعة غير المفرّقة"، (واطیعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الامر).

1- جيبا: تمييز منصوب رافع للإبهام عن النسبة، وعلامة نصبه تنوين الفتح.

ص: 208

2- اتّكالا: مفعول لأجله منصوب، وعلامة نصبه تنوين الفتح.

3- من: اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب خبر (لیکن)، والفعل (واساهم) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف، والفاعل مستتر تقديره (هو)، والهاء مفعول به، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول صلة الموصول (من) لا محلّ لها من الإعراب.

4- من وراءهم: (من) اسم موصول في محلّ نصب مفعول به للفعل (يسع) الذي فاعله مستتر يعود على الاسم الموصول (ما) في: بما يسعهم، الذي هو في محلّ جرّ بحرف الجرّ الباء. و (وراءهم) ظرف مبنيّ على الفتح مضاف إلى (هم) متعلّق بمحذوف يعرب صلة ل (ما)، وهذا المحذوف يقدّر بجملة: هو كائن.

5- ما: اسم موصول مضاف إليه المصدر (تعديد)، وهو مضاف، و (أبلی) فعل ماض مبنيّ على الفتح، و(دوو) فاعل مرفوع بالواو؛ لأنّه من الأسماء الخمسة، والجملة من الفعل والفاعل صلة ل (ما) لا محلّ له من الإعراب.

6- ما: اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به لفعل الأمر (اعرف)، والجملة (أبلی) بعده صلة.

7- دون: ظرف مبنيّ على الفتح في محلّ نصب مفعول فيه، وهو مضاف، و (غاية) مضاف إليه وهو مضاف إلى بلائه.

8 غیر: صفة ثانية للسنّة، مجرور وعلامة جرّه الكسرة مضافا إلى (المعرّفة)، والصفة الأولى هي (الجامعة).

9- أولي: اسم منصوب وعلامة نصبه الياء لأنّه ملحق بجمع المذكّر السالم، وحذفت النون للإضافة، معطوف على الرسول، وهو مضاف، والأمر مضاف

ص: 209

المستوى المعجميّ

س: مشتقات (وجد) من المشترك اللغوي ما معانيه في العربيّة؟

لما تعددت معاني المشتقات من الجذر (وجد) تعدّدت المصادر المسموعة لهذا الفعل، فقيل إنّ الفعل (وجد) إذا دلّ على الحزن أو الحب بتعديته بالباء فيقال: وجد به، ومصدره الوِجد بكسر الواو، واذا دلّ على الغضب فيقال: وجد عليه، ومصدره موجدة. واذا أريد به إيجاد الشيء، فيقال: وجد ضالّته ومصدره الوجود. واذا أريد به الغنى فيقال: وجد المال أو المطلوب يجده وَجدا و جِدة: استغني ومصدره الوجدان والجِدة والوُجد بضم الواو، قال تعالى:

«أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ» [الطلاق: 6] أي: تمكّنكم و قدر غناكم. وفي هذا المقطع أمر علیه السلام الوالي بالإفضال على الجند من جدته، أي: قدر تمكّنه على العطاء، فالمراد الهيئة الحاصلة ممّا يجده متوفّرا عنده، ومصدر الهيئة يأتي على فِعلة، أي: وجدة ثمّ تحذف فاؤه تخلّصا من الثقل الصوتيّ الحاصل من كسر الواو، وكذا في كلّ ما كان واويّ الفاء، نحو هبة وعدة وصلة.

س: إذا كان الغيّ هو الضلال وما خالف الرشد، و (الغاية) مشتقّة من هذا اللفظ ودالّة على نهاية الشيء ومداه، فما الرابط بين هذين المعنيين؟ و كيف يمكن توضيح العلاقات الاشتقاقيّة المتباينة المنشعبة من هذه المادّة المعجميّة؟

الجذر (غوى) يدلّ على الاختفاء، وذلك من ملاحظة المعنى العامّ للنظائر المعجميّة لهذه المادّة الدّالّة على الخفاء، وهي الأفعال: غاب، وغام، وغار أي:

ص: 210

ابتعد واختفى في مكان منخفض، وغاص: اختفى في الماء. و كذا غوى: اختفاء بسبب الخروج عن الحيّز المعلوم مکانيّا أو زمانیّا، ومنه نلاحظ الاشتقاقات المختلفة، فغوغاء من الناس هم الكثرة المختلطة التي لا يعرف فيهم العالم من الجاهل، أمّا الغاية المكانيّة والغاية الزمانية فهي النقطة التي تعلمها في ذهنك و تختفي عن حسّك؛ لأنّها شيء استقبالي لم يتحقّق حصوله الّا بالذهاب إليه، كالغار الذي تجهل ما بداخله، و كذا سمّيت الغارة؛ لأنّها تخرج من الغار، أي من مكان مجهول. أمّا الغيّ فلوحظ فيه نتيجة المعنى اللغويّ لهذه المادّة إذ غلّب فيه نتيجة معنى الخروج عن المألوف وهو الضياع والتيه حتى صار نقيضا للرشد الذي هو الإقامة على الطريق مع تصلّب فيه قال تعالى: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ» [البقرة: 256].

س: في قوله علیه السلام: "لا تحقرنّ لطفا تعاهدتهم به". يفسّر الحقير واللطيف بالصغير، فهل هذه الألفاظ مترادفة لتفسّر بعضها ببعض؟.

إنّ الحقير من كلّ شَيْءَ مَا نقص عَن الْمِقْدَار الْمَعْهُود لجنسه يُقَال هَذِه دجَاجَة حقيرة إذا كَانَت نَاقِصَة الْخلق عَن مقادير الدَّجَاج وَيكون الصغر فِي السنّ وَفِي الحجم تَقول طِفْل صَغِير وَحجر صَغِير وَلَا يُقَال حجر حقير لِأَن الْحِجَارَة لَيْسَ لَهَا قدر مَعْلُوم فإذا نقص شَيْء مِنْهَا عَنُه سمي حقيرا كَمَا أَن الدَّجَاج والحجل وَمَا أشبههَا لَهَا أقدار مَعْلُومَة فإذا نقص شَيْء من جُمْلَتهَا عَنهُ سمّي حَقِيراً وَالصَّغِير يكون صَغِيرا بِالْإضافة إلى مَا هُوَ أكبر مِنْهُ وَسَوَاء كَانَ من جنسه أو لَا فالكوز صَغِير بِالْإضافة إلى الجرّة والجمل صَغِير بِالْإضافة إلى الْفِيل وَلَا يقل للجمل صَغِير على الإطلاق وإنّما يَقُول هُوَ صَغِير بِجنب الْفِيل.

واللطف هو التَّدْبِير الَّذِي ينفذ فِي صَغِير الْأمور وكبيرها فَالله تَعَالَى لطيف

ص: 211

وَمَعْنَاهُ أَن تَدْبيره لَا يخفى عَنهُ شَيْء وَالْأَصْل فِي اللَّطِيف التَّدْبِير ثمَّ حذف وأجريت الصّفة للمدبر على جِهَة الْمُبَالغَة وَفُلَان لطيف الْحِيلَة إذا كَانَ يتَوَصَّل إلى بغيته بالرفق والسهولة ويكون اللطف حسن الْعشْرَة.

س: ذكر علیه السلام لفظة الرسول والإمام بقوله: "فولّ من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامة"، فهل ثمّة فرق بين الرسول والإمام؟ وضّح ذلك معرجا على لفظة النبيّ التي تستعمل مرادفة للرسول في الكلام؟

جاء في الأثر أنّ بعض أصحاب الإمام الرضا علیه السلام سأله فقال: جُعلت فداك أخبرني ما الفرق بين الرسول والنبيّ والإمام؟ قال: الفرق بين الرسول والنبي والإمام، أنّ الرسول الذي ينزل عليه جبرئیل علیه السلام فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحی، وربما رأى في منامه نحو رؤيا ابراهيم علیه السلام، والنبيّ ربما سمع الكلام وربما رأى الشخص ولم يسمع، والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص.

وأما في اللغة فالنَّبِي مشتقّ من النبوة وهي المكان المرتفع ولذا ذكروا أنّ النبي يكون صَاحب معْجزَة، أما الرَّسُول فقد يكون رَسُولا لغير الله تَعَالَى فَلَا يكون صَاحب معْجزَة، والإنباء عَن الشَّيْء قد يكون من غير تحميل النبأ، والإرسال لَا يكون إلا بتحميل رسالة، والنبوّة يغلب عَلَيْهَا الإضافة إلى النَّبِي فَیُقَال نبوّة النَّبِي لِأَنَّهُ يسْتَحق مِنْهَا الصّفة الَّتّي هِيَ على طَرِيقه الْفَاعِل والرسالة تُضَاف إلى الله لِأَنَّهُ المُرْسل بهَا وَلِذا ذكر التعبير القرآني (برسالاتي) في قوله تعالى: «قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ» [الأعراف: 144] وَلم يقل (بنبوتي)، والرسالة جملَة من الْبَيَان يحملهَا القائم بهَا ليؤديها إلى غَيره والنبوة تَكْلِيف الْقيام بالرسالة فَيجوز إبلاغ

ص: 212

الرسالات وَلَا يجوز إبلاغ النبوات، وأما الإمام: فاسم لمن يؤتمّ به في أقواله وأفعاله، ويقوم بتدبير الإمامة، وسياستها. ويطلق على المؤتمّ به، إنسانا كأن يقتدى بقوله أو فعله، أو كتابا، أو غير ذلك محقّا كان أو مبطلا، وجمعه: أئمة. قال تعالى: «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ» [ الأنبياء: 73]، وقال تعالى: «فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ» [التوبة: 12].

س: لم أوثر لفظ (الجسيم) دون (الكبير والعظيم) في قوله علیه السلام: "ولا تدع لطيف أمورهم اتّكالا على جسيمها" وما الفرق بين هذه الثلاثة؟

الْفرق بَين الْعَظِيم وَالْكَبِير أَن الْعَظِيم قد يكون من جِهَة الْكَثْرَة وَمن غير جِهَة الْكَثْرَة وَلذَلِك جَازَ أَن يُوصف الله تَعَالَى بِأَنَّهُ عَظِيم ولا يُوصف بِأَنَّهُ كثير. وَقد يعظم الشَّيْء من جِهَة الْجِنْس وَمن جِهَة التضاعف وَفرق بَعضهم بَين الْجَلِيل والْكَبِير بإن قَالَ الْجَلِيل فِي أَسمَاء الله تَعَالَى هُوَ الْعَظِيم الشَّأْن الْمُسْتَحق اللحمد والْكَبِير فِيمَا يجب لَهُ من صفة الْحَمد والْأَجَل بِمَا لَيْسَ فَوْقه من هُوَ أجل مِنْهُ وأما الْأَجَل من مُلُوك الدُّنْيَا فَهُوَ الَّذِي ينْفَرد فِي الزَّمَان بِأَعْلَى مَرَاتِب الْجَلالَة، والجلال إذا أطلق كَانَ مَخْصُوصًا بعظيم الشَّأْن وَيُقَال حكم جليلة للنفع بهَا ويوصف المَال الْكثير بِأَنَّهُ جليل وَلَا يُوصف الرمل الْكثير بذلك لما كَانَ من عظم النَّفْع فِي المَال وَسميت الجلّة لعظمها والمجلّة الصَّحِيفَة سمّيت بذلك لما فِيهَا من عَظِيم الحكم والعهود.

وأما الجسيم فاشتقاقه من الجسم وهُوَ الجرم المشتمل على الطَّوِل والعرض والعمق وذَلِكَ أَنه إذا زَاد فِي طوله وَعرضه وعمقه قيل إِنَّه جسم وأجسم من غَيره. وقَوْلهم أَمر جسیم مجاز وَلَو كَانَ حَقِيقَة لجاز فِي غير الْمُبَالغَة فَقيل أَمر

ص: 213

جسيم و كل مَا لَا يُطلق إِلَّا فِي مَوضِع مَخْصُوص فَهُوَ مجَاز. ولجوء أمير المؤمنين إلى المجاز في وصف أمور الرّعيّة أليق بتجسيدها وتشخيصها للوالي فقابل بين اللطيف الذي وهو الدقيق الجسم، والجسيم وهو العظيم الجسم منها.

س: الآمال في قوله علیه السلام: "فافسح في آمالهم" جمع أمل، فهل هو مرادف للرجاء، أم لا؟ وضّح ذلك؟

إنّ الرَّجَاء هُوَ الظَّن بِوُقُوع الْخَيرْ الَّذِي يعترى صَاحبه الشَّك فِيهِ إِلَّا أَنّ ظَنّه أغلب وَلَيْسَ هُوَ من قبيل الْعلم وَالشَّاهِد أَنه لَا يُقَال أَرْجُو أَن يدْخل النَّبِي الْجنَّة لكَون ذَلِك متيقنا وَيُقَال أَرْجُو أَن يدْخل فلَان الْجنَّة إذا لم يعلم ذَلِك، فالرجاء الأمل فِي الْخَيْر وَلَا يكون الرَّجَاء إِلَّا عَن سَبَب يَدْعُو إليه من كرم المرجو أو مَا بِهِ إليه وَيَتَعَدَّى بِنَفسِهِ تَقول رَجَوْت زيدًا وَ الْمَراد رَجَوْت الْخَيْر من زيد لِأَن الرَّجَاء لَا يتَعَدَّى إلى أَعْيَان الرِّجَال، أمّا الأمل فرَجَاء يسْتَمرّ، فلأجل هَذَا قيل للنَّظَر فِي الشيء إذا استمرّ وَطَالَ تَأمل وَأَصله من الأميل وَهُوَ الرمل المستطيل.

س: تفسّر الرأفة في قوله علیه السلام: "ويرأف بالضعفاء" بالرحمة، فهل ثمّة فرق دلاليّ بينهما بدلا من القول بترادفهما؟

إن الرأفة أبلغ من الرَّحْمَة وَلِهَذَا قيل إِن في قَوْله تعالى: (رؤوف رَحِيم) تَقْدِيمًا وتأخيرا لأَن التوكيد يكون فِي الأبلغ فِي الْمَعْنى فإذا تقدم الأبلغ في اللَّفْظ کَانَ مُؤَخرا في المعنى.

س: في قوله علیه السلام: "فان قرّة عين الولاة... ظهور مودّة الرّعيّة، وأنّه لا تظهر مودّتهم إلّا بسلامة صدورهم"، تفسّر المودّة بالحبّ، فهل اللفظان مترادفان أم ثمّة اختلاف بينهما؟

الْفرق بَين الْحبّ والوِدّ هو إنّ الْحبّ يكون فِي مَا يُوجِبهُ میل الطباع وَالْحكمَة

ص: 214

جَمِيعًا والودّ ميل الطباع فَقَط أَلا ترى أَنَّك تَقول أُحِبّ فلَانا وأودّه وَتقول أُحبّ الصَّلَاة وَلَا تَقول أودّ الصَّلَاة، والمودّة والمحبّة كلاهما اسم لتكثير الفعل في موضعه، ونقطة ظهور المودّة من الرّعيّة تكون في طاعة الناس لوليّ أمرهم والتلفظ بكلمات التعظيم بلا نفاق مع الاخلاص في العمل والامتثال للأوامر بلا تردّد. وهي لفظة لا تقتصر على الحبّ وحده؛ لمعناها المعجميّ ولصيغتها الصرفيّة الدّالّة على موضع ظهور الودّ بصورة كثيرة، وبقرينة الظهور في "لا تظهر مودتهم الا..." لذا تستلزم الطاعة، وهي كذلك في قوله تعالى «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [الشوری: 23] أي: الحبّ والطاعة للقربی، وعدم عصيانهم.

المستوى البلاغیّ

س: استخرج الكنايات الواردة في النصّ، وبيّن المعنى المراد منها، والغرض من هذه الكنايات؟

1. في قوله علیه السلام: "وأطهرهم جيبا" کنّى بالجيب عن الأمانة، وكنّي بقوله: "يبطئ عن الغضب" عن الحلم، وبقوله: "يستريح إلى العذر" بالتسامح، والغرض الرئيس لفنّ الكناية هو أن يراد من اللفظ لازمه، وذلك لبعث التساؤل عند المتلقّي ممّا يؤكّد الوصف في ذهن السامع.

وقوله: "ما يتفقّد الوالدان من ولدهما" كناية عن الشفقة بهم، والغرض من الكناية هنا ترقيق قلب الوالي في طريقة تعامله مع جنوده. وفي قوله علیه السلام:

ص: 215

"ما يضلعك من الخطوب" كناية عن الأمور الصعبة، والغرض منها المبالغة في وصف أثر هذه الأمور على الوالي، وكذلك قوله علیه السلام: "ثمّ الصق بذوي المروءات" كناية عن طول الملازمة والاهتمام بهم، وغرضها المبالغة في القرب، وكذلك قوله علیه السلام: "قرّة عين الولاة" كناية عن رضاهم و سرورهم،

س: استخرج المجاز، وبيّن نوعه؟

1. في قوله علیه السلام: "وليكن آثر رؤوس جندك عندك" مجاز مرسل بعلاقة الجزئيّة إذ عبّر عن قادة الجند بالرؤوس، وهي جزء من الشخص القائد، لملحظ أهمّيّة الرأس من الجسد، الذي بذهابه يموت الإنسان، وكذا بذهاب القائد يهزم الجيش.

2. في قوله علیه السلام: "فإنّهم جماع الكرم" مجاز مرسل بعلاقة المسبّبيّة، إطلاقا لاسم اللازم على ملزومه، أي: الكرم ناتج فيهم عن البيوتات الصالحة وطهارة المنبت؟

س: استخرج الاستعارة، وبيّن نوعها؟

1. في قوله علیه السلام: "ينبو على الأقوياء" استعارة مكنيّة إذ شبّه قائد الجند بالسيف الصارم على أقوى الفرسان، ثم حذف السيف (المشبّه به)، وأبقى لازما من لوازمه وهو النبوّ والارتفاع بالضربة الحاسمة.

2. في قوله علیه السلام: "ولا يقعد بك الضعف" جعل الضعف كأنّه إنسان حيّ يقوم بإقعاد صاحبه، فاستعارة هذا الفعل الذي هو للأحياء استعارة لما لا يعقل وهو الضعف، وهذه استعارة تمثيليّة، فهذا يعرف عند المحدثين بالتشخيص، وهو من لطيف الاستعارة وبليغ المجاز على نحو ما نجد في قوله تعالى: «حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ» [یونس: 90] و «وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى

ص: 216

الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ» [الأعراف: 154] إذ نسبت صفات العقلاء وأفعالهم لغير العقلاء وللمعاني. ويمكن عدّه مجازا لغويّا.

س: في النصّ جناس وطباق، استخرجهما وبيّن المراد منهما؟

1. في قوله علیه السلام: "ولا يدع لطيف أمورهم اتّكالا على جسيمها" طباق قوبل فيه بين اللطيف والجسيم، وهذا طباق إيجاب وهو فنّ معروف في علم البديع تتقابل فيه كلمتان مختلفتان لفظا ومعنى، وكذا الطباق بين (الصغير) و (العظيم) في قوله علیه السلام: "أن تعظّم من بلائه ما كان صغيرا... أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما"

2. في قوله علیه السلام: "فانّ عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك" جناس غير تام، وهما بمعنى واحد وبينهما ثلاثة أحرف متشابهة.

س: في النصّ اقتباسان، استخرجها، ووضّح فائدة الاقتباس، والى أي فنون البلاغة ينتمي؟

الاقتباس ينتمي إلى علم البديع، والغرض منه تزيين الكلام بما يطيّب الأسماع، ونجده في اقتباس أمير المؤمنين علیه السلام من القرآن الكريم الآية التاسعة والخمسين من سورة النساء . وكذا في اقتباسه علیه السلام من القرآن الكريم لفظة التحريض في قوله تعالى لنبيّه مخاطبا من تقاعس عن القتال من المؤمنين: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ» [الأنفال: 65]، والإمام علیه السلام قال: "يحرّض النّاكل".

س: التّفصيل بعد الاجمال فنّ بلاغيّ من شأنه تعليم المتلقي وإفهامه بأيسر

ص: 217

الأساليب، استخرجه ووضّح المراد منه؟

هذا الأسلوب واضح في مواضع عدّة من النصّ، منها تفصيل الإجمال في قوله علیه السلام: "أنقاهم جيبا وأفضلهم حلما"، فوضّح علیه السلام هذا العموم بستّ جمل متتالية بعده وهي "مِمَّنْ يُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ، وَيَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ، وَيَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ، وَيَنْبُو عَلَى الاَقْوِيَاءِ، وَمِمَّنْ لاَ يُثِيرُهُ الْعُنْفُ، وَلاَ يَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ." وكذا وضّح علیه السلام المراد بجملة "من وراءهم" بقوله: "من خلوف أهليهم"، أي : الذين تركهم وراءه، لكيلا يتصوّر أنّ المراد هو جهة الخلف وإنّما الباقون من أهله وعياله. وكذا تفصيل المراد ب"الردّ إلى الله" بجملة توضيحيّة هي: "الأخذ بمحكم كتابه"، وتفصيل المراد بالردّ إلى الرسول بجملة الأخذ بسنّته.

س: أي فنّ بلاغيّ تجده في قوله علیه السلام: "ثمّ أهل النجدة والشجاعة"؟

في النصّ إيجاز بالحذف إذ حذف الفعل (الصق)، وذلك للاستغناء عنه بتقدّم ذكره، وهذا إيجاز في محلّه، والتقدير: ثمّ الصق بأهل النجدة والشجاعة.

ص: 218

المقطع الثامن الطبقة الثانية (القضاة)

قوله علیه السلام: "ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ، مِمَّنْ لاَ تَضِيقُ بِهِ الأمُورُ، وَلاَ تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ، وَلاَ يَتَمادَى فِي الزَّلَّةِ، وَلاَ يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْءِ إِلَى الْحَقِّ إذَا عَرَفَهُ، وَلاَ تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَعٍ، وَلاَ يَكْتَفِي فَهْمٍ بِأَدْنَى دُونَ أَقصَاهُ، أَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ، وَآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ، وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ، وَأَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ الأمُورِ، وَأَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ، مِمَّنْ لاَ يَزْدَهِيهِ إطْرَاءٌ، وَلاَ يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ، أُولئِكَ قَلِيلٌ. ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ، وافْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ مَا يُزيِلُ عِلَّتَهُ، وَتَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ، وَأَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لاَ يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ، لِيَأْمَنَ بِذلَكَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ. فَانْظُرْ فِي ذلِكَ نَظَراً بِلِيغاً، فَإِنَّ هذَا الدِّينَ قَدْ كَانَ أَسِيراً فِي أَيْدِي الأَشْرَارِ، يُعْمَلُ فِيهِ بِالْهَوَى، وَتُطْلَبُ بِهِ الدُّنْيَا".

ص: 219

المعنى العام

إدارة شؤون الدولة تحتاج إلى قانون يتضمّن تعيين الحقوق والحدود بين الأفراد، ورفع الاختلاف بينهم عند النزاع، فضلا عن قوّة لإجراء هذه القوانين، وقد تعرّض علیه السلام في هذا المقطع إلى القوّة القضائيّة وما يلزم في القاضي من الأوصاف والألقاب ليكون أهلا للتصدّي لمنصب القضاء والحكم بين الناس، فأمر علیه السلام باستقلال القوّة القضائيّة وأن يكون المتصدّي للقضاء من أفضل أفراد الامّة لأنّ المفضول لا يحكم على الفاضل والأفضل، ثمّ فسّر علیه السلام الأفضل بأنّه الذي تجتمع فيه الشروط الستة وهي:

1. أنْ لا تضيق به الأمور لقلّة الإحاطة بوجوه تدبيرها وعدم قوّة التحليل والتجزئة للقضايا الواردة عليه فيحار فيها ويعرضه الشكّ والترديد في حلّها وفصلها.

2. أنْ لا تمحكه الخصوم، أي لا يغلبه الخصم في النقاش والجدال.

3. أنْ لا يتمادي في الزّلّة، فإذا عرض له رأي ثمّ تبيّن له أنّه خلاف الحقّ ينبغي عليه العودة إلى الحق، وأن لا يخشى الرجوع إلى الحقّ حفظا لجاهه وخوفا من الشناءة كما يفعله قضاة السوء.

4. أن لا يحصر في الحُجّة أي لا يعيا في المنطق، لأنّ من الناس من إذا زلّ حُصر عن أن يقنع المقابل لما أصابه من العيّ.

5. أن لا يحدّث نفسه بالطمع في الاستفادة من المترافعين فيتوجّه إلى

ص: 220

الأوفر منهم ثروة أو جاها ليفيد من ماله أو جاهه، ثمّ يجرّه ذلك إلى أخذ الرشوة والميل عن الحقّ.

6. أن يكون دقيقا في كشف تفاصيل القضيّة المعروضة عليه فلا يكتفي بالنظر السطحي في دعوى الخصوم، بل يتدبر القضيّة ويقلبها في نظره وصولا إلى كشف الجرم.

ولم يكتف علیه السلام بهذه الشروط إذ أكملها بستّة أخرى هي:

1. أن لا يأخذ بأحد طرفي الشبهة حتّى يفحص فيظهر له الحقّ بدلیل علميّ يوجب الاطمئنان.

2. أن يأخذ الخصم بالحجج، فلا يقصّر في جمع الدلائل والأمارات على فهم الحقيقة.

3. أن لا ينهر الخصوم ولا يصيح في وجوههم ليسع لهم بيان الحال، قال الشارح المعتزلي: وهذه الخصلة من محاسن ما شرطه علیه السلام، فإنّ القلق والضجر والتبرّم قبيح وأقبح ما يكون من القاضي.

4. أن يكون أصبر الناس على كشف حقيقة الأمور بالبحث وجمع الدلائل.

5. أن يحكم عند وضوح الحقّ صريحا وقاطعا ولا يؤخّر صدور الحكم.

6. أن لا يؤثّر فيه المدح والثناء من المتداعيينِ أو غيرهما فيصير متكبّرا . ولا يؤثّر فيه تحريض الغير فيجلب نظره إلى أحد الخصمين.

وأعلن علیه السلام بعد بيان هذه الأوصاف أنّ الجامعين لها قليلون. وقد ظهر منه علیه السلام في قضاياه الكثيرة ما يقضي منه العجب، فممّا ذكر من ذلك أنّه سافر عبد مع مولى له شابّ فادّعى العبد أثناء السفر أنّه هو المالك لسيّده وأنّه عبده وتعامل معه معاملة المسترقّ فدخلا الكوفة وترافعا عند عليِ علیه السلام ولم يكن هناك

ص: 221

بيّنة لأحدهما ولم يعترف العبد المتجاوز للحقيقة بوجه من الوجوه، فأحضرهما يوما وأمر بحفر ثقبين في جدار وأمرهما بإخراج رأسيهما من الثقبين، ثمّ نادی بصوت عال یا قنبر اضرب عنق العبد، فلمّا سمع العبد ذلك هابه وأخرج رأسه من الثقبة فورا فصار ذلك اعترافا له بالحقيقة.

المستوى الصوتيّ

س: علّل ضم الباء في الجمع (شُبُهات) بعد أن كانت ساكنة في المفرد (شُبْهة)؟

السبب هو التخلص من المقاطع الصوتية المتماثلة في الجمع إذ لو قيل (شُبْهاتٌ) بسكون الباء لكان تشكيل الكلمة من ثلاثة مقاطع كلها طويلة هي (شُبْ، ها، تُن) و فرارا من توالي الأمثال حرّکت الباء بالضم اتباعا لحركة الهاء وصار تشكيل الكلمة من أربعة مقاطع اثنين قصيرة واثنين طويلة كما في التشكيل: (شُ، بُ، ها، تُن).

س: ما أثر التعاقب الصوتيّ على لام (اغتال واغتاب)، وضّح ذلك من خلال تتبّع الصفات الصوتيّة للام والباء؟

كثيرا ما تختلف رواية ألفاظ العهد في صوت واحد فيظهر بعد ذلك فرق دلالي بين الألفاظ. إذ نُقل أنّ (اغتيال الرجال) يروي - أيضا - (اغتياب الرجال) والفرق بين اللفظين هو أنّ الاغتيال يعني الأخذ والقتل على غرّة وغفلة من المقتول، والاغتياب هو الغيبة والنميمة بالقول واللسان. وهنا لاءم صوت

ص: 222

اللام في الاغتيال بجرسه المجهور الجانبي الرخو الدلالة على القتل غيلة وخفية على حين لاءم جرس الباء المنفجر بين الشفتين الدلالة على التكلم خلف الناس بما يغمُّهم لو سمعوه.

المستوى الصرفيّ

س: استخرج الأفعال المزيدة في النصّ، وبيّن أحرف الزيادة، والمعنى الصرفيّ المحصّل منها؟

1. اختر: فعل أمر على زنة (افتل) من (افتعل) المزيد بهمزة الوصل والتاء.

وحذفت عينه لالتقائها بسكون آخر الأمر، والزيادة دالّة على المبالغة من طلب ما هو خير وفعله، يقال: خار فلانٌ الرجلَ على غيره يخيره خيرة وخِيرَا: فضّله، و خار الشيءَ: انتقاه، واختار الرجل عليهم مبالغة في ذلك كقوله تعالى: «وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ» [الدخان: 32].

2. يتمادي: مضارع على زنة (يتفاعل) مزيد بالتاء والألف، والزيادة تفيد التدرّج في الابتعاد عن الغاية، من المدى وهو الغاية.

3. تُمحکه: مضارع على زنة (یُفعل) من أمحك، مزید بهمزة القطع، والزيادة أفادت التعدية؛ لأنّ المجرّد محك الرجل يمحك بمعنی لجّ فهو ماحك. والمَحْكُ التادي واللجاج، تماحك الخصمان: تلاجّا.

4. تُشرف: مضارع على زنة (تُفعل) من أشرف، مزید بهمزة القطع،

ص: 223

والزيادة دلّت على الدخول في الشيء؛ لأنّ المجرّد لازم من الباب الخامس، يقال: شرُف الرجل فهو شريف، أي: عال، وأشرف عليه:

اطّلع عليه من فوق.

5. يكتفي: مضارع على زنة (يفتعل) من اكتفى المزيد بهمزة الوصل والتاء، والزيادة أفادت المطاوعة، كفيته فاکتفی.

6. لا يزدهیه: مضارع على زنة (يفتعل) من ازدهی المزيد بهمزة الوصل والتاء، والزيادة أفادت المبالغة في جعله مزهوّا؛ لأنّ المجرّد متعدّ مبنيّ للمجهول، يقال: زُهي الرجل إذا تعظّم وتفخّر كأنّ شيئا صيرّه على حال الكِبر والفخر. وازدهاه الشيء: صيّره على نحو المبالغة.

7. يستميله: مضارع على زنة (يستفعل)، من استمال المزيد بهمزة الوصل والسين والتاء، والزيادة تفيد الصيرورة، يقال: مال إليه ميلا، وأماله وميّله إليه، دالّة على التعدية. واستماله إليه: صيّره مائلا.

8. أكثر: أمر على (أفعل) من أكثر المزيد بهمزة القطع، والزيادة أفادت التعدية، يقال: كثر الشيء على الباب الخامس و أكثره هو.

9. أفْسِح: أمر على زنة (أَفْعِل) من أفسح المزيد بهمزة القطع، والزيادة أفادت التعدية، يقال: فسُح المكان: اتّسع، وأفسح المكان له: وسّعه، وتفسّح: صار واسعا بالتدريج «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ» [المجادلة: 11].

10. يزيل: مضارع على (یفعل) من أزال المزيد بهمزة القطع، والزيادة أفادت التعدية، زال الشيء يزول زوالا: تنحّى عن مكانه، وأزاله «وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ

ص: 224

الْجِبَالُ» [إبراهيم: 46]. وأمّا زاله المجرّد المتعدّي فهو بمعنى تمييز الشيء عن غيره، يقال: زال الشيء يزيله زيلا إذا مازه منه.

11. أعطه: أمر على زنة (أفع)، حذفت لامه (الياء) لتسكينها بصيغة الأمر.

وهو من الفعل أعطى على زنة أفعل، المزيد بهمزة القطع، والزيادة أفادت التعدية «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» [الكوثر: 1]، وهو الإنالة، ومجرّده غير مستعمل بهذا المعنى وما سمع منه قولهم: ظبي عطو: يرفع رأسه لتناول الأوراق.

س: استخرج المصادر المقيسة من النصّ المتقدّم، وبيّن دلالاتها الصرفيّة؟

1. تكشُّف: مصدر تكشّف المزيد بالتاء والتضعيف للدلالة على التدرّج.

2. اتّضاح: مصدر على الافتعال وهو قياسيّ من (افتعل) المزيد بهمزة الوصل والتاء، أبدلت الواو تاء لوقوعها عينا لهذه الصيغة، وهو يدلّ على المبالغة في الوضوح.

3. إطراء: مصدر على الأفعال مقيس من أفعل المزيد بهمزة القطع، قلبت الواو همزة لتطرّفها بعد ألف زائدة: إطراو، والزيادة دالّة على التعدية.

4. إغراء: مصدر على الأفعال، من (أفعل) المزيد بهمزة القطع، والزيادة أفادت التعدية، غري به: أولع غرا، والغراء: ما يلصق به، وأغريت فلانا به: ألهجته به «وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» [المائدة: 14].

5. تعاهد: مصدر على التفاعل من تعاهد، المزيد بالتاء والألف، والزيادة

ص: 225

دالّة على المبالغة في إحداث العهد به، أي: أكثر من الإلمام به والاطلاع على قضائه في الأمور.

6. اغتيال: مصدر على الافتعال من اغتال (افتعل) المزيد بهمزة الوصل والتاء، وهو دالّ على المبالغة في القتل الخفيّ، وهو فعل مشتقّ من (الغيل) وهو الشجر المجتمع الملتفّ، الذي يختفي من تحته، ويسمّى الماء الجاري تحت هذا الشجر غيلا، وتسمّى الخديعة غيلة؛ لأنّها أمر يجري في خفاء، واغتاله: قتله غيلة، أي: خديعة، فذهب به إلى موضع خفيّ فقتله.

7. طمع: مصدر على (فعل) وهو قياس من أفعال الباب الرابع الدالّة على الامتلاء بالصفات العارضة، طوع يطمع والمصدر الطَمَع قال تعالى: «ادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ» [الأعراف: 56] وهو نزوع النفس إلى الشيء.

8. تبرّما: مصدر على (تفعّل) من تبرّم، المزيد بالتاء وتضعیف العين، والزيادة أفادت الإظهار، أي: إظهار البرم، وهو الإعياء من الأمر والضجر والمجرّد على الباب الرابع الدالّ على الأمراض الجسديّة والنفسيّة، برِم بكذا يبرَم برما: ضجره، وبرمت بالأمر: عييت به، وأبرمني: أعياني، قال الحسين علیه السلام: "ولا أرى الحياة مع الظالمين الّا برما" أي: إعياء، وأمّا برمه وأبرمه فهو من الباب الثاني بمعنى أحكم فتله.

9. مراجعة: مصدر على المفاعلة من راجعه على فاعل المزيد بالألف الدالّة على المشاركة.

س: زن الألفاظ الآتية، ثمّ اذكر دلالتها الصرفيّة؟

ص: 226

1. زلّة: على زنة (فَعلة) من المضعّف زلّ، وهي دالّة على المرّة الواحدة من الزلل.

2. علّة: (فِعلة) من المضعّف علّ، وهو مصدر هيئة للفعل اللازم علّ المريض يعلّ فهو عليل، وأعلّه الله تعالى فهو معلّ.

3. منزلة: اسم مكان من نزل نزولا على الباب الثاني، والتاء للتخصيص، على زنة مفعلة.

4. بليغا: فعيل من بلُغ يبلُغ على الباب الخامس بلاغة فهو بليغ صفة مشبّهة.

5. أسير: فعيل، صفة مشبّهة من أسَرَه يأسُرُه على الباب الثاني أسرا فهو أسير قال تعالى: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا» [الإنسان: 8].

6. قضاء: فعال مصدر سماعيّ من قضى يقضي على الباب الثاني قضيا وقضاء، أي: حكم.

7. أشرار: أفعال، جمع قلّة مفرده شرّ، يقال: رجل شرّ، مبالغة في الوصف من المصدر کزند وأزناد على رأي يونس، وقال الأخفش واحده: شریر كيتيم وأيتام، أمّا شرّير فصيغة مبالغة يجمع سالما على شرّيرين.

8. خصم: الخَصْمُ مصدر خَصَمْتُهُ، أي: نازعته خَصْماً، يقال: خاصمته وخَصَمْتُهُ مُخَاصَمَةً وخِصَاماً، قال تعالى: «وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ» [البقرة 204]، «وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ» [الزخرف 18]، ثم سمّي المُخَاصِم خصما، واستعمل للواحد والجمع، وربّما يثنّى إذا أريد به

ص: 227

الفريق قال تعالى: «هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ» [الحج: 19] ويجمع على خصوم، وأمّا الخصيم صفة فيجمع على خصماء، وهو أيضا بمعنى المخاصم صفة ثابتة غير مقيّدة بزمن المضيّ.

9. حُجّة: فُعلة، اسم لما يحجّ ويقصد به الحقّ، قال تعالى «قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ» [الأنعام: 149].

10. قليل: فعيل، صفة مشبّهة من قلّ الشيء يقِلّ على الباب الثاني، قال تعالى: «وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ» [سبأ: 13]، وشيء قليل جمعه قُلُل مثل: سرير وسُرُر، وقوم قليلون وقليل قال تعالى: «وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ» [الأعراف: 86].

11. الناس: لفظ مختلف في وزنه، فمن الصرفيّين من جعله مشتقّا من الأُنس، لأنّ الإنسان بطبعه أن يأنس بغيره، فيكون الأصل في صياغته على (أُناس) بزنة فعال، اسم جمع، ولمّا دخلت عليه (ال) التعريف حذفت همزته (فاء اللفظة) تخفیفا، فصار: الناس على زنة (العال) بدل الأناس. ومنهم من جعله مشتقّا من (النوس) وهو الحركة وتذبذب الشيء في الهواء، والإنسان من شأنه أن يتحرّك لطلب الرزق، فيكون وزن (ناس) على (فعل)، ثمّ قلبت الواو (عين اللفظة) ألفا لسبقها بالفتح، والناس بزنة (الفعل). ومن جعله مشتقّا من النسيان، وهو صفة غالبة للإنسان، قال بحصول قلب مكانيّ في اللفظة فقدّمت اللام على العين وصار: نیس من نسي، ثمّ أعلّت الياء لسبقها بالألف، وصار ناس على زنة (فلع)، والأظهر الوجه الثاني.

ص: 228

المستوى النحويّ

س: ما نوع اللامين في قوله علیه السلام: "ليأمن بذلك اغتيال الرجال له"؟

اللام الأولى هي لام التعليل، والفعل المضارع بعدها منصوب بأن مضمرة بعد اللام، واللام الثانية هي الجارّة، والهاء ضمير متّصل في محلّ جرّ بها.

س: كيف تعرب الألفاظ: عند، لدى، دون، في قوله علیه السلام: "ولا تكتفي بأدنی فهم دون أقصاه" و "وأصر مهم عند اتّضاح الحكم" و "وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره" و "ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك"؟

1. دون: ظرف مکان مبنيّ وهو مضاف، و (أقصاه): مضاف إليه مجرور بالفتحة التي منع ظهورها التعذّر، وهو مضاف للهاء.

2. عند ظرف زمان مفعول فيه مبنيّ على الفتح، وهو مضاف، و (اتّضاح) مضاف إليه.

3. لدي ظرف مکان مبنيّ و قلبت ألفه ياء لأجل الإضافة إلى ضمير الكاف.

4. عند ظرف مکان مبنيّ على الفتح، مضاف إلى الكاف، متعلّق باغتيال الرجال، و (له) جارّ ومجرور متعلّق باغتيال الرجال أيضا. نحو: «وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا» [الكهف: 86].

س: عيّن الفاعل للفعلين: يزيل و تقلّ في قوله علیه السلام: "وافسح له في البذل ما يُزيل علّته، وتقلّ معه حاجته إلى الناس"؟ يُزيل: فعل مضارع مرفوع بالضمّ، وفاعله مستتر يعود على (ما) قبله،

ص: 229

و (علّته) مفعول به منصوب بفتحة الياء، وهو مضاف للهاء. أمّا (تقلّ) فهو فعل مضارع مرفوع بالضمّ، وفاعله لفظة (خاصّته).

س: عيّن نائبي الفاعل للفعلين: يُعمَل وتُطلَب؟

يُعمل: فعل مبنيّ للمجهول مرفوع بالضمّ، ونائب الفاعل هو الجارّ والمجرور (فيه). وتُطلب: مضارع مرفوع بالضمة، و (الدنيا) نائب الفاعل.

س: عيّن مفعولي (أعطى) في قوله علیه السلام: "وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره؟

أعطى فعل أمر مجزوم بحذف حرف العلّة، والفاعل: مستتر تقديره أنت، والمفعول الأوّل هو الضمير (الهاء) المتصل بالفعل، والمفعول الثاني هو الاسم الموصول (ما) في محلّ نصب على المفعوليّة الثانية، و (لا) نافية، و (يطمع) مضارع مرفوع، فاعله مستتر يعود على القاضي، والجملة صلة ل(ما) لا محلّ لها من الإعراب.

س: ما إعراب (نظرا) في قوله علیه السلام: "فانظر في ذلك نظرا بليغا؟ وهل يمكن أن تعرب حالا، ولماذا؟

انظر: فعل أمر مبنيّ على السكون، وفاعله مستتر تقديره أنت، و (نظرا) مفعول مطلق منصوب، و (بليغا) صفته، ولا تعرب حالا؛ لأنّ الحال وصف منتقل مشتقّ، وهذا مصدر.

س: بيّن نوع الإضافة في العبارات الآتية "أفضل رعيّتك" و "اغتيال الرجال" و "تعاهد قضائه"؟

1. الإضافة محضة، بمعنی (من)، أي: أفضل رجل من رعيّتك.

2. الإضافة محضة بمعنى اللام، أي: اغتيال للرجال.

ص: 230

3. الإضافة غير محضة فهي من إضافة المصدر إلى المفعول، أي: تعاهدك قضاءه.

س: هل يمكنك أن تذكر أكثر من وجه إعرابيّ للفظة (ما) في قوله علیه السلام: "وافسح له في البذل ما يزيل علّته"؟

(ما) اسم موصوف بالجملة الفعليّة بعدها، ويمكن أن تعرب مفعولا للفعل افسح، أي: افسح شيئا يكفيه ويزيل علّته، ويمكن أن تعرب مفعولا لفعل محذوف دلّ عليه البذل، أي: يبذل له ما يزيل علّته، ويمكن إعرابها مفعولا مطلقا، أي: يفسح له فسحا يزيل علّته، وبذا تكون (ما) في معنى مصدر. ويمكن إعرابها بدلا من لفظة (البذل).

س: أعرب ما تحته خطّ ممّا يأتي: "وأولئك قليل" و "ولا يحصر من الفيء إلى الحقّ إذا عرفه" و "وأقلّهم تبرّما بمراجعة الخصم" و "فانّ هذا الدين قد كان أسيرا بأيدي الأشرار" و "ممّن لا تضيق به الأمور".

1. قليل: خبر مرفوع بتنوين الضمّ، للمبتدأ (أولئك) وهو اسم اشارة مبنيّ.

2. اذا: اسم شرط غير جازم.

3. تبرّما: تمييز مزيل للإبهام من النسبة في التفضيل.

4. الدين: بدل من اسم الإشارة (هذا) الواقع اسما ل (انّ)، (أسيرا): خبر لكان قبلها، واسمها مستر يعود على الدين. ( أيدي) اسم مجرور بحرف الباء، وعلامة جرّه الكسرة، منع من ظهورها الثقل، وهو مضاف، والأشرار مضاف إليه.

5. ممّن جار ومجرور متعلّق بظرف تقديره: مستقر يعرب حالا من فاعل

ص: 231

أفضل في قوله: ثمّ اختر للحكم أفضل رعيّتك ممّن لا تضيق".

س: استخرج الجمل التي لها محلّ من الإعراب، مع ذكر محلّها الإعرابيّ؟

1. جملة "قد كان أسيرا" في محلّ رفع خبر (إنّ) في: إنّ هذا الدين.

2. جملة "يعمل فيه بالهوى" في محلّ نصب حال من الدين.

3. جملة "تطلب به الدنيا" في محلّ نصب عطفا على الجملة الحاليّة قبلها.

4. جملة "يزيل علّته" في محلّ نصب صفة ل (ما) قبلها، اذا كانت (ما) اسميّة، أي: بمعني شيء. أو بدلا، والتقدير: بذلا يزيل علّته أو شيئا يزيل علّته.

المستوى المعجميّ

س: ذكر علیه السلام لفظة (الحصر)، وفسّرت بالعيّ في النّطق أو الحُبسة، فما الفرق بين هذه الثلاث بحسب تحرّى الجذور المعجميّة لهما؟

الحَبْس: المنع من الانبعاث، قال عزّ وجلّ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ» [المائدة: 106] والحُبسة في الكلام عاهة في النطق ينعقد فيها اللسان برهة ثم ينطلق. أما الْحَصَر

ص: 232

فهُوَ الحَبْس مَعَ التَّضْيِيق يُقَال: حصرهم فِي الْبَلَد أي مَنعهم عَن الانفساح فِي الرَّعْي وَالتَّصَرُّف فِي الْأمور، والحَصَر في المنطق أقوى من الحُبسة إذ هو عيب نطقي دائم كالعرج والخرس يحول دون الانطلاق الكلام. أما العيّ فعجز يلحق البدن بسبب التعب من تولّي الأمر قال تعالى: «أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ» [ق: 15] والْعِيُّ في المنطق عجز عارض في أثناء استرسال الكلام كأنّ المتكلم یعیی فجأة أي يتعب. وهذه العيوب النطقية لا تؤهل الشخص لأنْ يكون قاضيا بين الناس.

س: ذكر علیه السلام لفظتي البذل والعطاء والهبة، فما الفرق الدّقيق بينهما؟

أَن الْإِعْطَاء هُوَ اتِّصَال الشَّيْء إلى الآخِذ لَهُ أَلا ترى أَنَّك تُعْطِي زيدا المَال ليَرُدهُ إلى عَمْرو وتعطيه ليتجر لَك بِهِ، وَالْهِبَة تَقْتَضِي التَّمْلِيك فإذا وهبته لَهُ فقد ملكته إِيَّاه ثمَّ كثر استِعْمَال الْإِعْطَاء حَتَّى صَار لَا يُطلق إِلَّا على التَّمْلِيك فَيُقَال أعطَاهُ مَالا إذا ملّكه إِيَّاه وَالْأَصْل مَا تقدّم. وأما البذل فضِدُّ المنْعِ، وهو إعطاء الكثير عن طيب نفس و قريب منه التبذير، وكلّ من طابتْ نفسُه بإعطاءِ شيءٍ فَهُوَ باذلٌ، والبِذْلَةُ من الثِّياب مَا يُلْبَسُ فَلَا يُصان.

س: ذكر علیه السلام الفيء إلى الحقّ، فما فرقه عن الرجوع إلى الحقّ؟

سبق أن فرقنا بين الفيء والرجوع في المقطع الثاني.

س: في لفظة (الأسير) تطوّر دلالي ما نوعه؟

أص الأسر كان يطلق على الشدّ بالإسار وهو القدّ، وسمّي الأسير؛ لأنّهم كانوا يشدّونه بالقدّ، يقال: هذا لك بأسره أي: بقدّه، یعني جميعه كما يقال برمّته. ثمّ سمّي كلّ أخيذ أسيرا و إن لم يشدّ بإسار، أي إنّ لفظة الأسير حصل لها تطور دلالي فعممّت دلالتها بعد أن كانت خاصّة بالمشدود بالقيد.

ص: 233

س: المقطع يتحدّث عن القضاء وصفات القضاة، وعبّر الإمام علیه السلام عنه بالحكم بين الناس، فما الفرق بين القضاء والحكم؟

الفرق بَين الحكم والْقَضَاء أَن الْقَضَاء يَقْتَضِي فصل الْأَمر على التَّمام من قَوْلك قَضَاهُ إذا أتمه وَقطع عمله وَمِنْه قَوْله تَعَالَى «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ» [الأنعام: 2] أَي فصل الحكم بِهِ، «وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا» [الإسراء: 4] أَي فصلنا الْإِعْلَام بِهِ. وَقَالَ تَعَالَى «فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ» [سبأ: 14] أَي فصلنا أَمر مَوته، «فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ» [فصلت: 12] أَي فصَل الْأَمر بِهِ، وَالْحكم يَقْتَضِي الْمَنْع عَن الْخُصُومَة من قَوْلك أحكمته إذا منعته. وَيجوز أَن يُقَال: الحكم فصل الْأَمر على الْإحْکَام بِمَا يَقْتَضِيهِ الْعقل وَالشَّرْع فإذا قيل: حكم بِالْبَاطِلِ فَمَعْنَاه أَنه جعل الْبَاطِل مَوضِع الْحق وَيسْتَعْمل الحكم فِي مَوَاضِع لَا يسْتَعْمل فِيهَا الْقَضَاء كَقَوْلِك: حكم هَذَا کَحكم هَذَا أَي هما متماثلان فِي السَّبَب أو الْعلَّة أو نَحْو ذَلِك.

المستوى البلاغيّ

س: أسلوب الفصل والوصل من فنون علم البيان، عرّف به، واستخرج

ص: 234

أمثلته من النّصّ؟

الوصل: عطف جملة على أخرى بالواو، والفصل: ترك هذا العطف بين الجملتين، وإنّما يترك العطف بين الجمل لأنّ الثانية إمّا تكون جوابا عن الأولى نحو قول الشاعر:

ليسَ الحجابُ بمقصٍ عنك لي أَمَلا إنّ السَّماءَ تُرجّي حين تحتجبُ أو توکیدا

الناسُ للناسِ من بدوٍ ومن حضرٍ بعضٌ لبعضٍ وإنْ لم يشعروا خَدَمُ

أو بيانا لها نحو و قله تعالى: «اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ» [الرعد: 2].

وفي قوله علیه السلام: "فإنّ هذا الدين قد كان أسيرا في أيدي الأشرار، يعمل فيه بالهوى وتطلب به الدنيا" فجملة "يعمل فيه بالهوى" جاءت بالفصل؛ لأنّها بيان لما قبلها وهو جملة "كان أسيرا في يد الأشرار"، وجملة "تطلب به الدنيا" جاءت بالوصل لاختلاف المعني.

س: استخرج أسلوب التوكيد، وبيّن طريقته والغاية منه؟

في الجملة السابقة "فانّ هذا الدين قد كان أسيرا" استعملت (إنّ) المشبّهة بالفعل التي تفيد التوكيد، و (قد) حرف التحقيق الذي يزيد التركيب تأكيدا، ثمّ الجملة التوضيحيّة بعدها، وهذه المؤكّدات تجري في علم البيان مراعاة لمقتضى حال المتلقّي إذ تفيد عدم الاغترار بمظاهر الدين إذ هو أفضل سبيل للتغطية على الفساد.

ص: 235

س: كثُرت الكنايات في النصّ، عرّف هذا الفنّ، واستخرج أمثلته، وبيّن المراد منها؟

الكناية لفظ أريد به غير معناه الموضوع له، وإنّما أريد لازم معناه مع جواز إرادة المعنى الأصليّ، وفي قوله علیه السلام: "لا تضيق به الأمور" كناية عن ذكائه وفطنته في التّوصّل إلى حلّ ما صعب من الأمور.

وفي قوله علیه السلام: "ولا تمحّکه الخصوم" كناية عن كونه حليما، فهو لا يغضب ولا تصيبه اللجاجة بسبب المهاترات بين الخصوم، فلا تمسّ هيبته. وفي "ولا يتمادي في الزّلّة" كناية عن كونه من المتّقين «وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ» [آل عمران: 135].

وفي "ولا يحصر من الرجوع إلى الحقّ إذا عرفه" كناية عن نزاهته وحبّه للعدل، فالإنسان الذي لا يهمّه إحقاق الحقّ عندما تتضح له المسألة التي حكم خلاف العدل فيها يحصل له عيّ إذا ما رجع في حكم صدر منه وبان جهله في الوصول إلى الحقيقة فيحتبس لسانه ويتلعثم، أمّا من كان خلقه حبّ الحقّ فهو يفرح بالتّوصّل إلى الحقيقة، وينطلق لسانه بالنطق بها. وليس اللفظ على ظاهره من حصول عيّ في نطق الحاكم يمنع من اختياره.

وفي "ولا تشرف نفسه على طمع": كناية عن كونه من أهل الغني والعزّة، فلا يقبل الرشي وإن أصابه فقر، فلا يطلب الخير من نفوس جاعت ثم شبعت.

وفي "لا يكتفي بأدنی فهم دون أقصاه" كناية عن صبره في متابعة القضايا وتحرّي بواطنها.

وفي "وأوقفهم في الشّبهات" كناية عن ورعه.

ص: 236

وفي "أقلّهم تبرّما بمراجعة الخصم" كناية عن سعة صدره.

وفي "أصرمهم عند اتّضاح الحقّ" كناية عن عدم تأخير النطق بالحكم، وعدم تأخير تنفيذه.

س: في النصّ استعارة، استخرجها، وبيّن نوعها؟

في: "فإنّ هذا الدين قد كان أسيرا" شبّه علیه السلام الدين بالرجل المأسور عند الأعداء، فحذف المشبّه به (الرجل)، وأبقى لازمة من لوازمه وهو الأسر ولكن بصيغة الوصف الثابت، وهذه استعارة مكنيّة.

س: في النصّ إيجاز، وهو فنّ بلاغيّ من فنون علم البيان، عیّن موضعه، واشرح المراد منه؟.

في قوله علیه السلام واصفا حال الدين بأنّه "يعمل فيه بالهوى وتطلب به الدّنيا" عبارة فيها ایجاز بضغط المعنى الكبير بألفاظ قليلة، فهذه العبارة تجري مجری الحكم القصار، فهي تختصر کلاما طويلا عن كون الدين بثقليه: الكتاب والحديث النبويّ الشريف حمّال أو جه، ويمكن لمن لا صدق له أن يحمل الآيات والنّصوص على هواه، ويتّخذ هذا سبيلا لتحقيق رغباته الشّخصيّة وأطماعه، فعلى الإنسان أن يتحرّى التفسير الصحيح من أهله، وهم (أهل الذكر): «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» [النحل: 43]، وحمل المتشابه على المحكم، والتعمّق في العلم ومحاربة الجهل.

ص: 237

ص: 238

المقطع التاسع الطبقة الثالثة (العمِال)

قوله علیه السلام: "ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ، فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً، وَلاَ تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وأَثَرَةً، فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ.

وَتوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَالْحَيَاءِ، مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ، وَالْقَدَمِ فِي الإسْلاَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلاَقاً، وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً، وَأَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَافاً، وَأَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الأمُورِ نَظَراً. ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الأرْزَاقَ، فَإِنَّ ذلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلاَحِ أَنْفُسِهِمْ، وَغِنىً لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ، وَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ.

ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ، وَابْعَثِ الْعُيُونَ، مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالوَفَاءِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لأمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الأمَانَةِ، وَالرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ.

وَتَحَفَّظْ مِنَ الأعْوَانِ، فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَةٍ اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ، اكْتَفَيْتَ بِذلِكَ شَاهِداً، فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ،

ص: 239

وَأَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ، ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ، وَ وَسَمْتَهُ بِالْخِيانَةِ، وَقَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ."

المعنى العام

المراد بعمّال الوالي هم الذين يستعين بهم في إدارة شؤون الدولة المترامية الأطراف، فهم الرؤساء الإداريّون، ويقابلهم اليوم رؤساء المحافظات والأقضية والنواحي، وليس عمّال الخراج؛ لأنّه علیه السلام خصّهم بكلام دقيق يلي هذا المقطع، وهم عمّال السواد والصدقات والوقوف والمصالح وغيرها، فأمره أن يستعملهم بعد اختبارهم وتجربتهم وأن لا يولّيهم محاباة لهم ولمن يشفع فيهم ولا أثرة ولا إنعاما عليهم لأن ذلك يجمع ضروب الجور والخيانة فأما الجور فلأنه قد عدل عن المستحّق إلى غيره. وأما الخيانة فلأن الأمانة تقتضي تولية الأكفاء ومن لم يولّهم فقد خان الله، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم "من استعمل رجلا من عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله وخان المؤمنين".

ثمّ أمر علیه السلام بانتخاب العمّال من أهل البيوتات الصالحة والمتقدّمة في الإسلام، ولم تكن هناك شهادة على صلاحيّة الفرد غير النظر في البيت والأسرة الّتي رُبّي فيها ونشأ في ظلّها، وهؤلاء المرَّبون في البيوت الصالحة موصوفون بكرم الأخلاق وصيانة العرض وقلّة الطمع والنظر في عواقب الأمور، ثمّ أوصى بوفور الأرزاق والرواتب عليهم، لئلا يضطرّوا إلى الاختلاس ممّا في أيديهم

ص: 240

من أموال الخراج ويتمّ الحجّة عليهم إن خانوا، ثمّ أوصي بتفقّد أعمالهم وبثّ العيون عليهم لحثّهم على حفظ الأمانة والرفق بالرّعيّة، ثمّ شرّع عقوبة الخائن الّذي ثبُتت خیانته باتّفاق أخبار العيون والمتفقّدين في البلد بعرضهم على السياط وعزلهم عن العمل وإعلان خيانتهم للعموم وتقليدهم بعار التهمة وانفصالهم عن شغلهم أبدا.

المستوى الصوتيّ

س: علّل صوتيّا قلب الواو ياء في لفظة الخيانة في قوله علیه السلام: "فانّهما جماع من الجور والخيانة"، على حين لا يعلّ هذا الصائت الطويل في ألفاظ أخرى نحو: قوام، لواذ؟

خيانة أصلها (خِوانة) على فعالة من خان يخون، ولما أعلت الواو في الفعل الماضي بقلبها ألفا قلبت كذلك في المصدر یاء تخفيفا فضلا عن أمن اللبس بغيرها. أمّا قوام فاسمٌ على فِعال ولو قلبت واوه ياء لالتبس بمصدر الثلاثي (قام يقوم) وهو (قیام) الذي قلبت فيه الواو ياء تخفیفا، وأما (لِواذ) فمصدر (لاوذ) المزيد بالألف وهو بمنزلة (الملاوذة) ولما لم تعلّ الواو في الماضي لم تعل كذلك في المصدر.

س: میم الجماعة صامت ساكن، علّل صوتيّا ضمّها في قوله علیه السلام: "فاستعملهمُ اختبارا" و "أسبغ عليهم الأرزاق" وعدم تحريكها في: "فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لاُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الأمَانَةِ"؟

ص: 241

الأصل في ميم الجماعة المتصلة بالأفعال أن تكون ساكنة ولكنها تحرك بحركة ما قبلها من باب الاتباع إن وليها حرف ساكن وذلك تخلصا من التقاء الساكنين كما في "فاستعملهمُ اختبارا" و "أسبغ عليهُمُ الأرزاق"، على حين تلازم السكون إن وليها حرف متحرّك كما في (لاُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ).

المستوى الصرفيّ

س: استخرج الأفعال المزيدة، وبيّن نوع الزيادة، ومعناها الصرفيّ؟

1. استعملهم: فعل أمر مزید بهمزة الوصل والسين والتاء، والزيادة تفيد الصيرورة، أي: اجعلهم وصيّرهم عمّالا عندك.

2. لا تولّهم: مضارع على (تفعّل) من فعّل المزيد بتضعیف العين، والزيادة أفادت التعدية إلى المفعول الثاني، وهو غير مذکور استغناء بالسياق، أي: لا تولّهم الرئاسة والإدارة، والهاء هو المفعول الأوّل.

3. توخّ: فعل أمر محذوف اللام لتسكينه بصيغة الأمر، من (تفعّل) المزيد بالتاء وتضعيف العين. والزيادة أفادت المبالغة من وخت الناقة تخي وخيا، اذا سارت في قصد، والوخي سير في قصد.

4. أسبغْ: أمر من أسبغ المزيد بهمزة القطع، والزيادة أفادت التعدية، سبغ الشيء: طال وتمّ، وأسبغ الوضوء: أتمّه، قال تعالى: «أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً» [لقمان: 20]

ص: 242

5. خالفوا: ماض مزيد بالألف على (فاعل)، والزيادة أفادت الدلالة على المشاركة، كأنّ كلّ واحد يأخذ طريقا غير طريق الآخر في حاله أو قوله، يقال: خلفه يخلفه: جاء بعده، والخلف ضدّ قدّام، و خلف عن أصحابه: تخلّف، وأخلفه الوعد: قال ولم يفعله، وخالف أحدهما الآخر: صارا ضدّین، فالمعنى يدلّ على المبالغة؛ لأنّ الضّدّيّة معنويّة؟

6. تحفّظ: أمر من تحفّظ على (تفعّل) المزيد بالتاء وتضعيف العين، والزيادة أفادت الإظهار، نحو: تحرج: أظهر الحرج من الأمر، فتحفّظ: أظهر حفظه ورعايته للأمر بنفسه ولم يركن إلى عمّاله فهو محترز منهم.

7. اجتمعت: ماض مزید بهمزة الوصل والتاء، والزيادة دالّة على المطاوعة، يقال: جمعه يجمعه فاجتمع. ومثله كفيته فاکتفی.

8. أصاب: ماض مزید بهمزة القطع، والزيادة أفادت التعدية، يقال: صابت السحابة عليه تصوب على الباب الأوّل أي: أمطرت، والصيّب السحاب المختصّ بالصوب، والصّوب هو نزول المطر، والصّواب هو نزول شيء واستقراره، ولملحظ نزوله واستقراره جعل الصّواب لما خالف الخطأ. وأصله عامّ فيما ينزل ويستقرّ.

9. قلّدته: ماض على فعّل، مزید بتضعیف العين، والزيادة أفادت التعدية إلى المفعول، يقال: قلدت الحبل فهو قليد أي: فتلته، والقلادة: المفتولة التي تجعل في العنق وبها شبّه كلّ ما يتطوّق به، وكلّ ما يحيط بشيء. وقلّدته كذا: ألزمته إياه كأنه قلادة في عنقه، قال تعالى: «لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ» [الزمر: 63] أي: ما يحيط بها، وقيل خزائنها، اشارة إلى قدرته تعالى

ص: 243

وحفظه لها.

س: استخرج المصادر المقيسة من النصّ، واذكر أوزانها، ثمّ بيّن دلالاتها الصرفيّة؟

1. اختبار: مصدر على الافتعال من اختبر، دالّ على إظهار الْخَبَر بِحَالَة هؤلاء العمال، وَالْخَبَر الْعلم بحقيقة الشَّيْء.

2. محاباة: مصدر على المفاعلة من یحابي يحابي والمصدر دالّ على المشاركة لأن مَن حاباك فقد حابيته والمراد ب (وَلاَ تَوَلِّهِم مُحَابَاةً وأَثَرَةً) أي لا تبادل الولاة الحبوة، وهي القرب منهم والميل اليهم يقال: حبا يحبو: دنا.

3. خيانة: فعالة، مصدر من المجرّد خانه يخونه خونا وخيانة، كأنّها حرفة له لا ينفكّ عنها.

4. تجربة: مصدر على تفعلة، من فعّل مضعّف العين، يقال: جرّبه تجریبا و تجربة: اذا اختبره. والتجربة تفيد المرّة من التجريب. والمجرّد على الباب الرابع يفيد داء يصيب الإنسان والحيوان من شيء ينبت على الجلد من جنسه. ثمّ اشتقّ منه المجرّب لمن قد جرّبته الأمور وأحكمته.

5. اشرافا: مصدر على الأفعال من المزيد بهمزة القطع أشرف، وهو دالّ على الاطّلاع على الشيء من موضع عال.

6. استصلاح: مصدر على الاستفعال من استصلح المزيد بهمزة الوصل والسين والتاء، للدلالة على صيرورتهم صالحين في أنفسهم.

7. تناول: مصدر على التفاعل، من تناول المزيد بالتاء والألف، هو دالّ على مطاوعة (فاعل) يقال: ناولته الشيء فتناوله، أي: أخذه، وهو من النول بمعنى العطاء، يقال: نلته أنوله على الباب الأوّل، ونوّلته: أعطيته،

ص: 244

وهذا الفعل استعمل قرآنيا من الباب الرابع في قوله تعالى: «لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ» [آل عمران: 92] فالأفعال نحو (نال ينال، ونام ينام، وخاف يخاف وغيرها) كلها من الباب الرابع لخلو عينها أو لامها من أحرف الحلق فلا تحمل على الباب الثالث فضلا عن دلالتها على الانفعالات النفسيّة العارضة كالفرح والغضب والحزن.

8. أمانتك: مصدر على فعالة من المجرّد أمُن يأمُن على الباب الخامس مثل: بلغ بلاغة وفصح فصاحة، وهو مقيس للدلالة على الصفات الثابتة، أمّا أمِن من الباب الرابع فهو دالّ على الامتلاء بمعنى ضدّ الخوف، ومصدره أَمَنا وأَمَانا، وفي النصّ استعملت الأمانة اسما لما يؤمن عليه الوالي، على نحو استعمالها في قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» [الأنفال: 27]، أي: ما ائتمنتم عليه، وقال تعالى: "«إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا» [الأحزاب: 72] مع اختلافهم في مصداق هذه الأمانة إذ قيل هي العقل أو كلمة التوحيد أو العدالة أو حروف التّهجّي، وعن أهل البيت علیهم السلام أنّها الولاية من ادّعاها بغير حقّها فقد کفر قال أبو عبد الله الصادق علیه السلام - كما في عيون أخبار الرضا وبصائر الدرجات -: "إنّ الله تبارك وتعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام، فجعل أعلاها وأشرفها أرواح أصحاب الكساء، وقال: إنّهم أحبّاؤه وحججه على خلقه وإنّه خلق جنّته لمن تولّاهم وناره لمن

ص: 245

خالفهم وعاداهم وادّعي منزلتهم، فولايتهم أمانة عند خلقه، فأيّكم يحملها بأثقالها ويدّعيها لنفسه؟ فأبتِ السموات والأرض والجبال وأشفقن من ادّعاء منزلتها وتمنّي محلّها من عظمة ربّهم"

9. تعاهدك: مصدر على التفاعل، من تعاهد المزيد بالتاء والألف، وهو دالّ على المبالغة في رعاية أمورهم وحفظها، والتي هي أمور الوالي نفسه التي أوكلها اليهم، فالعهد هو الحفظ والرعاية للشيء حالا بعد حال، عهد فلان إلى فلان: ألقى إليه العهد والوصاية بالحفظ، وعاهده: اشترك معه في الحفظ قال تعالى: «وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا» [الأحزاب: 15] إذ عاهدوا الله على الايمان ونصرة الرسول وعهد الله لهم الجنّة.

س: زن الألفاظ الآتية وزنا صرفیّا محكما، واذكر دلالاتها الصرفيّة؟

1. عقوبة: اسم مصدر على فعولة، من عاقبه معاقبة وعقوبة، فالعقاب والمعاقبة مصدران مقیسان، والعُقوبة اسم مصدر يختصّ بالعذاب؛ لأنّه يكون تتبع الذنب، وهذه كلّها مبنيّة على العقب وهو مؤخّر القدم، يقال: عقب فلان فلانا: إذا جاء عقبه أي بعده وتلاه. أمّا العاقبة فهي اسم ذات لما يأتي تاليا في الخير والشّرّ «قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» [الأعراف: 128] أي: الجنّة، وأما في سياق الشرّ فقوله تعالى: «فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا» [الطلاق: 9].

2. أثرة: اسم مصدر على فَعَلَة من استأثر فلان بالشيء استئثارا: استبدّ به، وفي الحديث "سترون بعدي أثرة" أي: استئثارا بالفيء، والأثر:

ص: 246

بقيّة الشيء.

3. حیاء: مصدر على فَعال کالجَمال والکَحال والبَهاء وغيرها من أفعال السجايا الثابتة، وأصل الهمزة واو، ثمّ قلبت همزة لتطرّفها بعد ألف زائدة، من حيي يحيا على الباب الرابع حياة: ضدّ الموت، واستحیی استحياء وهو شعور بالتضايق من إظهار ما يمجّه الآخرون ويأباه الأدب والحشمة. وأحياه: جعله حيّا، واستحياه: صيّره حيّا فاستبقاه ولم يقتله، قال تعالى: «وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ» [الأعراف: 141].

4. وفاء: اسم مصدر على فعال من (أوفي) المزيد بالهمزة كأنبت نباتا، والمجرّد يأتي لازما ومتعديا فأما اللازم فيقال منه: وفي الشيءُ وُفِيًّا، کصُلِیٍّ: تَمَّ، وكثُرَ، فَهو وَفِيٌّ ووافٍ، والمتعدي يقال منه: وَفي بالعَهْدِ، کَوَعَی، وفيًا: ضِدُّ غَدَرَ. وإنّما قلنا إن الوفاء اسم مصدر لا مصدر لأن المصادر التي على الفعال تأتي من الباب الخامس لما دلّ على الثبوت، نحو: الجمال والكمال والرشاد والبهاء. ولم يأت فعل من الوفاء على الباب الخامس

5. حَدوة: فعلة، مصدر دالّ على المرّة، من حدا إبله يحدوها حدوا، أي: غنّى لها لتسير في ليل، أمّا حداهُ على، فمعناه: ساقه، والإمام علیه السلام قال: حدوةً لهم، أي: دافعا لهم على حفظ الأمانة لما يرونه منك من متابعتهم.

6. مَقام: مصدر ميميّ على زنة مَفعل، من قام يقوم ثمّ حصل إعلال بالنقل إلى الصحيح الساكن (القاف) ثمّ قلبت عين الفعل ألفا؛ لتحرّكها بعد

ص: 247

فتح الفاء.

7. تُّهَمَة: فُعَلَة (ضمّ ففتح ففتح): اسم مصدر من أوهم ایهاما، يقال: أوهمت في الحساب: إذا تركت منه شيئا، أي: أسقطت. أمّا المجرّد فهو على الباب الرابع من وهم يهم إذا غلط، ووهم في الشيء بهم على الباب الثاني: ذهب وهمه إليه، وهذا من خطرات القلب، أي: ظننت، ومراد الإمام علیه السلام أنّه من المزيد بهمزة القطع، أي: ما يرتكبه بيده من التلبيس على الآخرين حتى يُكشف.

س: استخرج جموع التكسير الواردة في النصّ، وبين نوعها ثمّ اذكر مفرداتها؟

1. عمّال: جمع كثرة على زنة فُعّال ومفرده: عامل، نحو: طالب وطلّاب.

2. أعمال: جمع قلّة على زنة أفعال، ومفرده: عمل، نحو: قلَم وأقلام.

3. أعراض: جمع قلّة على زنة أفعال، ومفرده: عِرض بكسر الفاء، نحو: ثِقل وأثقال وعرض الرجل: حسبه، وقيل هو نفسه؛ لأنّه يعرض للآخرين ويظهر مصانا. وفلان نقيّ العرض، أي: بريء من أن يشتم أو يسابّ، مأخوذ من العرض بفتح الفاء خلاف الطول.

4. مطامع جمع كثرة على وزن منتهى الجموع (مفاعل)، ومفرده: مطمع، نحو: مکتب و مکاتب.

5. عواقب: جمع كثرة على وزن منتهى الجموع (فواعل)، ومفرده: عاقبة، نحو ناصية ونواص.

6. أرزاق: جمع قلّة على أفعال، ومفرده: رِزق بكسر الفاء.

7. أنفسهم: جمع قلّة على أفعل، ومفرده: نفس، صحیح العين واللام على فعل.

ص: 248

8. عُيون: جمع كثرة على فُعول، ومفرده: عين.

9. الأعوان: جمع قلّة على أفعال، ومفرده: عون، معتلّ العين على فَعْل، وهو الظهير على الأمر من العون وهو المعاونة والمظاهرة، فلان عوني: أي: معيني، قال تعالى: «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا» [الفرقان: 4].

10. أخبار: جمع قلّة على أفعال، ومفرده: خَبَر على فَعَل محرّك العين.

المستوى النحويّ

س: بيّن نوع الفاء في قوله علیه السلام: "ثمّ انظر في أمور عمّالك فاستعملهم" و "ولا تولّهم محاباة وأثرة فانّهم جماع من شعب الجور" و "وتحفظ من الأعوان فإنّ أحد منهم بسط يده" و "اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت عليه العقوبة"؟.

1. الفاء في (فاستعملهم) عاطفةٌ طلبا على طلب؛ وفيها عطف استعماله العمال على النظر في أمورهم عطفا مرتبا.

2. الفاء في (فإنهم) هي التعليليّة؛ لأنّها بمعنى اللام، أي: تجيب عن تساؤل سابق وهو: لماذا لا تولّهم محاباة.

3. الفاء في (فإنّ أحدا) هي الاستئنافيّة التفسيرية؛ لأنّها تذكر حالة جديدة تحصل من هؤلاء العمّال يبيّن فيها الإمام علیه السلام كيفيّة معالجتها.

4. الفاء في (فبسطت) هي العاطفة؛ لأنّها تعطف بسط العقوبة بعد الاكتفاء بحصول الشهادة على الجرم، وفيها رُتِّبت العقوبة على حصول الإدانة.

ص: 249

س: علّل استعمال حرف العطف (أو) بدلا من الواو في قوله علیه السلام: "وحجّة عليهم إنْ خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك"؟

الواو حرف عطف يفيد التشريك في الحكم بين المعطوف والمعطوف عليه، أمّا (أو) فهو حرف عطف يفيد المغايرة بين المعطوفين في الحكم، والمراد أنّ بسط الرزق على العمّال لا يدع لهم حجّة إنْ فعلوا أحد أمرين: مخالفة أمر الوالي أو خيانته، أي: إنْ أتوا بواحد من هذين الأمرين تقوم عليهم الحجّة، أمّا إن استعملت الواو فلا تقام الحجّة الّا بحصول الأمرين منهم معا، وهذا ما لا يقوم معه استقرار للرعية، وهو مثل استعمال (أو) في قوله تعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا» [النساء: 3] إذ جعل أغلب المفسّرين الواو بمعنى (أو).

وتأويل الواو ب (أو) في غاية الاعتساف؛ ذلك إنّ (أو) هي للاختيار في أصل وضعها، فلو كان المراد انکحوا من النساء (مثنی أو ثلاث أو رباع) لفُهم منه أنّ نکاح الواحدة باطل شرعا؛ لأنّه ليس مذكورا بين هذه الاختیارات، ثم يكون الخوف من الإقدام على واحد من هذه الاحتمالات في قوله تعالى: «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً» نقيضا للأمر بالتعدد ابتداء. فضلا عن ان الرجل مخيّر في واحد من هذه الاختيارات، فأمّا أن ينكح اثنتين فلا يحق له التثليث، او ينكح ثلاثة، فلا يحق له نكاح الرابعة، وبعد هذا كلّه لا يتحقق النكاح أصلا مع وجود (أو)؛ لان (أو) يستدعي أن يعقد الرجل على اثنتين أو ثلاث أو أربع في آن واحد ويبني عليهن في ليلة واحدة ليتحقق له نكاح المثني أو الثلاث أو الرباع، وهذا متعذّر عرفا و باطل شرعا، فينبغي القول ببقاء (الواو) على معناها العامّ

ص: 250

وهو الجمع، ولكن ليس جمعا لرجل واحد فتكون المحصلة تسع نساء؛ لان المذكور أوّلا جنس الرجال وهو الضمير في (انكحوا)، فيكون المعنى: يجوز الجنس الرجال أن يقدموا على أربعة أنواع من الزيجات، وهي: الزواج بواحدة، والزواج باثنتين، والزواج بثلاث، والزواج بأربع، والعطف بالواو في هذا المقام أليق ومتعيّن؛ إذ يفهم منه حريّة الانتقال من نوع إلى آخر صعودا أو نزولا لأنّها لا تفيد الترتيب.

س: ثمّة وجهان في إعراب (ما) في قوله علیه السلام: "وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم"، بيّن هذين الوجهين، مرجّحا واحدا منها؟

(ما) امّا أن تكون موصولة فتعرب اسما موصولا مبنيّا في محلّ جرّ بالإضافة، و (تحت) بعدها ظرف یعرب خبرا لمبتدأ محذوف تقديره: هو تحت أيديهم، والجملة الاسميّة من المبتدأ المحذوف وخبره صلة ل(ما) لا محلّ لها من الإعراب. وهذا الوجه هو الراجح. ويمكن أن تعرب (ما) اسما بمعنى (شيء) مضاف إلى المصدر قبله وهي موصوفة، وما بعدها صفتها، والتقدير: تناول شيءٍ مجبيّ، وفي هذا بُعد.

س: ثمّة عدّة أوجه التقدير عامل الرفع للفظة (أحد) في قوله علیه السلام: "فإنْ أحد منهم بسط يده إلى خيانة"، اذكر هذه الوجوه، ورجّح أيسرها تعلُّما؟

الوجه الأوّل أن يعرب (أحد) فاعلا لفعل محذوف يفسّره الفعل المذكور بعد (أحد)، أي: فإن بسط أحد منهم يبسط يده. وهذا ما قال به أغلب البصريّين في إعرابهم الاسم المرفوع بعد إن وإذا الشرطيتين كقوله تعالى: «وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ» [التوبة: 6]. والوجه الثاني أن يكون (أحد) فاعلا متقدّما

ص: 251

للفعل المذكور بعده وهو رأي الكوفيين. ويمكن أن يعرب (أحد) مبتدأ، والفعل بعده خبره، وهذا هو مذهب الأخفش. ويمكن أن نرجّح الوجه الثاني لما فيه من تيسير في الإعراب الموافق للمعنى فالاسم المرفوع بعد أداة الشرط هو الفاعل الحقيقي سواء تقدّم عليها أم تأخّر عنها، وهذا الإعراب يحافظ على ظاهر النّص دون القول بالحذف أو احتمال الابتداء والخبر مع أنّ السياق يستعمل أسلوب الشّرط الذي هو سياق زمني أظهر ما يتّضح في الجملة الفعليّة التي منع البصريّون تقدّم الفاعل على فعله في سياقها مع أنّه في المعنى هو هو سواء تقدّم أم تأخّر وينبغي أن يراعي في النحو المعنى لا التركيب اللفظيّ.

س: استخرج الجمل التي لها محلّ من الإعراب، وبيّن محلّها الإعرابيّ؟.

1. جملة "اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك" في محلّ جرّ صفة للفظة خيانة قبلها.

2. جملة "اكتفيت بذلك شاهدا" في محلّ نصب حال، وهذا رأي ضعيف لعدم اشتمال الجملة الفعليّة هذه على ضمير يعود على صاحب الحال، وهي لا محلّ لها من الإعراب لعدم اقترانها بالفاء.

3. جملة "فبسطت عليه العقوبة في بدنه" في محلّ جزم جواب الشرط الاقترانها بالفاء.

4. جملة "وأخذته بما أصاب" في محلّ جزم عطفا على جملة جواب الشرط المجزومة قبلها.

5. جملة "فانّ ذلك قوّة لهم" الجملة الاسميّة من إنّ حرف التشبيه واسمها (اسم الإشارة في محلّ نصب) و خبرها المرفوع (قوّة) في محلّ جزم جواب الشرط: إنْ خالفوا أمرك.

ص: 252

س: أعرب المنصوبات: (اختبارا، محاباة، أخلاقا، شاهداء أهل التجربة، عار التهمة، أمانتك)،

1. اختبارا منصوب على أنّه مفعول لأجله، أي: لأجل اختباري لك وتأكّدي من صلاحك استعملتك. وكذلك إعراب: محاباة وأثرة.

2. أخلاقا: تمييز رافع للإبهام من صيغة التفضيل (أكرم). وكذلك (شاهدا) تعرب تمييزا رافعا للإبهام من الفعل اكتفى، والفعل (اكتفيت) فعل ماض مبنيّ على السكون لاتصاله بتاء الفاعل.

3. أهل: مفعول به لفعل الأمر توخّ، وهو مضاف للتجربة.

4. عار: مفعول به ثان للفعل (قلّدته)، وهذا الفعل ماض مبنيّ على السكون لاتصاله بتاء الفاعل، والهاء مفعول به أوّل.

5. أمانتك: مفعول به للفعل (ثلموا)، وهو فعل ماض مبنيّ على الضمّ لاتصاله بواو الجماعة التي تعرب فاعلا، و (أمانة) مضاف إلى الضمير الكاف.

س: روي الضمير في قوله علیه السلام "فإنهما جماع من الجور والخيانة" مثنّی تارة ومجموعة أخرى أي (إنّهما، إنّهم) فما معنى العبارة في كلتا الروايتين؟.

المقصود برواية (إنّهما جماعٌ من شعب الجور والخيانة) هو إنّ المحاباة والأثرة جماع من شعب الجور. فعلى الوالي أنْ لا يولّي العمال محاباة وأثرة، كأن يعطونه شيئا على الولاية فيولّيهم ويستأثر بذلك دون مشاورة فيهم ولأجل ذكر المحاباة والأثرة روي الضمير بلفظ المثنى بعدهما (فإنّهما جماع من شعب الجور والخيانة)، أمّا الجور فللخروج بهما عن واجب العدل المأمور به شرعا، وأمّا الخيانة فلأنّ التحرّي في اختيارهم من الدين وهو أمانة في يد الناصب لهم، فكان نصبهم

ص: 253

من دون ذلك بمجرّد المحاباة والاثرة خروجا عن الأمانة ونوعا من الخيانة، وربما يكون في تفسير جملة (جماع من شعب الجور والخيانة) بالتولية بالمحاباة والاثرة تكلّف تعسّف، فلا إشكال في أنّ هذه التولية جور وخيانة ولكن لا ينطبق عليها أنّها جماع من شعب الجور والخيانة إلاّ بالتكلّف. فالأظهر أنّ هذه الجملة راجعة إلى العمّال الشاغلين للأعمال قبل حکومته علیه السلام. ففي نسخة أخرى من العهد وردت العبارة بلفظ (فإنهم جماع من الجور والخيانة)، والمراد هو إنّ العمّال الشاغلين للأعمال في زمان عثمان ومن تقدّمه كانوا جمعا من شُعب الجور والخيانة، فإنّ الخلفاء الّذين تقمّصوا الخلافة بغير حقّ خافوا على مقامهم من ثورة طلاّب الحقّ واستعملوا في أعمالهم من يوافقهم في نفاقهم ويعينهم على جورهم وشقاقهم ممّن ينحرف عن الحقّ ويميل إلى الباطل لضعف عقيدته ورقّة ديانته و إيمانه.

المستوى المعجميّ

س: استعمل الإمام علیه السلام لفظة البَدن في قوله: "فبسطت عليه العقوبة في بدنه" فهل يمكن استعمال لفظة جسده أو جسمه لتأدية المعنى ذاته؟

الْفرق بَين الْجَسَد وَالْبدن أَنّ الْبدن هُوَ مَا علا من جَسَد الإنسان بلا رأس ولا يدين وَلِهَذًا یُقَال للدرع الْقصير الَّذِي يُلبس على الصَّدْر: بَدن لِأَنَّهُ يَقع على الْبدن. قال تعالى: «فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ» [یونس: 92]. وَلما كَانَ الْبدن هُوَ أعلى الْجَسَد

ص: 254

وأغلظه قيل لمن غلظ من السّمن: قد بدن وَهُوَ بدین، وَالْبدن الْإِبِل المسمّنة للنحر ثمَّ كثر ذَلِك حتى سمِّي مَا يتَّخذ للنحر بُدنه سمینه کَانَت أو مَهْزُولَة. والجسد الجسم تاما ولكن بلا حياة، قال تعالى: «وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ» [الأعراف: 148]. فقد صنعوا عجلا من الذهب سمعوا خوار الريح فيه الريح فخُيّل إليهم أنّ فيه حياة. أما الجسم فللحيّ ولا يطلق على الميت إلا من باب التشبيه كما قال تعالى: «وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ» [المنافقون: 4].

س: في قوله علیه السلام: "ثمّ أسبغ عليهم الأرزاق"، هل يعني هذا إكمالها أو إتمامها، بيّن ذلك في ضوء مقابلة هذه العبارة بقوله تعالى: «وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً» [لقمان: 20]؟ وقوله تعالى: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا» [المائدة: 3].

الفرق بَين الكَمَال والتمام هو إنّ الكامل خلاف الناقص والتام خلاف القبيح، نقول: صلاة كاملة إذا لم ينقص ركن منها، ونقول: صلاة تامّة إذا جيء بها على أحسن وجه من حيث حضور القلب والتأني في القراءة، أي إنّ في التمام زيادة على الكمال ففي قوله تعالى: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا» معنى الآية أنّ دين الله قد اكتمل بلا نقص ولكنه ليس بأبهى صورة ولذلك اعتراه التفسير العقليّ الذي قاد إلى هذا الاختلاف الكبير بين المسلمين. وأما نعمته تعالى وهي العترة الطاهرة فعيّنت للمسلمين بأفضل ما يكون التعيين بدأ بأمير المؤمنين وانتهاء بالحجة

ص: 255

القائم فلا مجال للاختلاف والجدل في النعمة. وهذه الآية بمنزلة حديث الثقلين المشهور. فإكمال الدين بالقرآن الكريم وإتمام النعمة بالعترة الطاهرة.

وأما الإسباغ فأصله من قولهم: درع سَابِغٌ أي: شامل واسع. قال الله تعالى: «أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» [سبأ: 11]، ومنه استعير إِسْبَاغُ الوضوء أي أن يغطي الماء الأعضاء كلّها كما يُغطي الدرع البدن، وقال تعالى: «أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ» [لقمان: 20] أي نشر عليكم نعمته ظاهرة باطنة فأحاطت بكم كما يحيط الدرع بالبدن. وكل هذا يلحظ فيه الامتداد والانتشار والاحاطة بلحاظ النظائر الصوتيّة سبب، سبل، سبر، سبق، سبح وغيرها.

س: قال علیه السلام: "وحجّة عليهم إنْ خالفوا أمرك" هل يمكن استبدال لفظة البرهان أو الدليل بالحجة، بيّن ذلك؟

الدَّلِيل أصله لمن يتَقَدَّم القَوْم فِي الطَّرِيق ويلحظ فيه معنى التقدم في التفريق بينه وبين الحجة والبرهان. فالاِسْتِدْلَال یعني طلب الشَّيْء من جِهَة غَيره وتقديمه للخصم. الدليل هو أعمّ هذه الألفاظ لأنه العلامة التي تُرشد و تهدي، والدليل الهادي الذي يهتدى به، قال تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا» [الفرقان: 45].

و الْحجَّة هِيَ الاسْتقَامَة فِي النّظر والمضي فِيهِ على سنَن مُسْتَقِیم من ردّ الْفَرْع إلى الأَصْل، وَهِي مَأْخُوذَة من المحجّة وَهِي الطَّرِيق المُسْتَقيم، فالْحجَّة مُشْتَقَّة من معنى الاسْتقَامَة فِي القَصْد يقال: حجّ يحجّ إذا استقام فِي قَصده، والحجّة أخص

ص: 256

من الدليل بملمح مواجهة الخصم فهي من القصد، وهي الوجه الذي يكون به الظفر عند الخصومة كأنّها الدليل المبين للمحجة أي القصد المستقيم قال تعالى: «قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ» [الأنعام: 149].

والبرهان مستعمل في القرآن بمعنى أخصّ من الدليل والحجّة لأنّه يدل على الدليل القطعي اليقيني الصادق الذي لا يعتريه الشك ولا التكذيب، وقد اقترن البرهان بالصادقين في التعبير القرآني قال تعالى: «وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» [البقرة: 111] والْفرق بَين الدّلَالَة والبرهان أَن الْبُرْهَان لَا يكون إِلَّا قولا يشْهد بِصِحَّة الشَّيْء وَالدّلَالَة تكون قولا وغيره كالرموز والعلامات الشائعة في زماننا.

س: قال علیه السلام: "وابعث العيون" ولم يقل: أرسل، فيما الفرق بينهما؟ ولم أوثر الأرسال على نظيره في هذا السياق القوليّ؟

إنّ الْفرق بَين الْإِرْسَال والبعث هو إن إرسال فلان إلى فلان يَقْتَضِي حمله رسالة إليه أو خبرا أو مَا أشبه ذَلِك من عذاب أو رحمة، والإرسال أشبه بالامتداد في المكان. أما البعث فيجوز أَن يُبْعَث الرجلُ إلى آخر لحَاجَة تخصه هو دون الباعث أو المبعوث إليه کَالصَّبِيِّ تبعثه إلى البستان يأكل منه، فَتَقول بعثته وَلَا تَقول أَرْسلتهُ لِأَن الْإِرْسَال لَا يكون إِلَّا برسالة وَمَا يجْرِي مجْراهَا، والبعث أمضى من الإرسال و أشدّ في طلب الأمر وهو أشبه بالبحث والإثارة كما في بعث الموتى ولذا فرّق التعبير القرآني بينهما في لفظ قصّة موسى والسحرة: «قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ» [الأعراف: 111 - 112]، فعقّب بذكر (ساحر) لأنه ذكر الإرسال في سياقه على حين ذكر

ص: 257

(سحّار) الدال على المبالغة لما ذكر البعث في قوله تعالى: «قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ» [الشعراء: 36 - 37].

المستوى البلاغيّ

س: لأيّ فنّ بلاغيّ يمكنك أن تنسب قوله علیه السلام: "والقدم في الإسلام المتقدّمة"؟.

في لفظ (القَدم) مجاز مرسل علاقته جزئية إذ ذُكرت القدم والمراد نفس المسلم التي قادته إلى الإسلام كما في قوله تعالى «وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ» [الأنفال: 12] فذكر البنان وأراد مجمل الجسد. ولفظة (القدم) تدلّ على السبق والتقدّم في الإسلام، ومثله ما في قوله علیه السلام "وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم"، فهو مجاز مرسل علاقته الجزئيّة إذ عبّر بالعين عن الجواسيس الذين يعتمدهم الوالي في متابعة أحوال العمّال ومدى صدقهم وعدلهم. فعبّر بالعين الجارحة عن هؤلاء الأشخاص.

وفي لفظ (المتقدمة) توکيد بالترديد الاشتقاقيّ، أي تكرار اللفظ المتقدّم بآخر من مادّته، ف(المتقدّمة) صفة تعود على القدم، وليس على الإسلام، والمتقدّمة تعني السابقة في الإسلام.

س: استخرج الاستعارة من النصّ، وبيّن نوعها؟

1. في قوله علیه السلام: "ووسمته بالخيانة" إذ إنّ الوسم يختصّ بالأنعام التي يرعاها صاحبها، فيسمها بوسم خاصّ به ليميّزها عن غيرها، وذلك

ص: 258

بالكيّ بواسطة الميسم، فشبّه الإمام علیه السلام ما يفعل بهذا العامل من عقوبة، بالحيوان الذي يسمه صاحبه، ثمّ حذف المشبّه به وهو الحيوان وأبقى لازمه وهو الوسم، فالاستعارة مكنيّة.

2. في قوله علیه السلام: "وقلّدته عار التهمة" استعارة مكنيّة أيضا؛ لأنّه علیه السلام شبّه نسبة التهمة إلى العامل المقصّر المشهود عليه بالجرم وعدم انفکاکه عنه بتقليد القلادة إذ تقلّد البدنة بتعليق شيء في عنفها ليعلم أنّها هدي، ثمّ حذف القلادة وأبقى لازمها وهو التقليد إذ استعار لفظ التقليد لتعليق نسبة التهمة إليه ملاحظة لشبهها بما قلّد به من الشعار المحسوس.

3. في قوله علیه السلام: "أو ثلموا أمانتك" استعار لفظ الثّلم للدلالة على الخيانة في أمر من أمور الحكم المكلّفين بحفظها وإدارة شؤونها، فشبّه التجاوز في أمر واحد دون باقي الأمور والجوانب بثلم الاناء، وهو كسره من شفته أي: حافّته و طرفه دون كسره كلّه، ثمّ أطلق على الخلل في الحائط أو الطريق، فحذف الإناء وأبقى لازمه وهو الثلم فهي استعارة مكنيّة.

س: استخرج الكنايات الواردة في النصّ، وبيّن المراد منها؟

1. في قوله علیه السلام: "أخذته بما أصاب من عمله، ثمّ نصبته بمقام المذلّة" في هذا النصّ کنایتان: الشطر الأوّل أراد بها العقوبة المادّيّة، أي: عقوبة التعزير بالجلد أو قطع اليد للسرقة، وكذا العقوبات الماليّة بإرجاع المسروق ومصادرة أمواله وأموال عائلته التي أخذت بفعل خيانته. وفي الشطر الثاني أراد علیه السلام أن يكنّي عن العقوبة المعنويّة بقوله: نصبته بمقام المذلّة، فالنّصب: إقامة الشيء بحيث يراه الجميع، فلا يتكتّم على فعله؛ لأنّه خائن، وإنّما يصرّح به بين الناس وفي الأسواق وكلّ

ص: 259

مكان ليكون عبرة لغيره.

2. في قوله علیه السلام: "أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام المتقدّمة" کنّی علیه السلام بالقدم عن البيوت المتقدّمة في الدين أو الخير، ولهم في ذلك أصل معروف. س: الإيجاز من فنون علم البديع، وهو فنّ بلاغيّ دقيق، يأتي لأغراض يراعى فيها المقام و حال السامع، استخرجه وبيّن نوعه.

في قوله علیه السلام: "فانّ ذلك قوّة لهم على استصلاح أنفسهم، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم" في هذا النصّ ايجاز بالحذف، الأوّل عن طريق استعمال اسم الإشارة (ذلك) ليدلّ على الجملة المتقدّمة بكاملها، وهي: "ثمّ أسبغ عليهم الأرزاق" إذ استغني عن إعادة هذه الجملة بالإشارة اليها بلفظة واحدة. ومثل هذا الانجاز ما في قوله علیه السلام: "اكتفيت بذلك شاهدا"، أي: باجتماع أخبار العيون عندك، وكذا ايجاز عن طريق العطف بالواو إذ أغنى العطف عن إعادة العامل، فقال: "وغنى لهم" بدل أن يقول: "وانّ ذلك غنى لهم.

ص: 260

المقطع العاشر الطبقة الرابع (عمّال الخراج)

قوله علیه السلام: "وَتفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ، فَإِنَّ فِي صلاَحِهِ وَصلاَحِهِمْ صَلاَحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ، وَلاَ صَلاَحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلاَّ بِهِمْ، لأنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ.

وَلْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الأرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ، لأنَّ ذلِكَ لاَ يُدْرَكُ إِلاَّ بَالْعِمَارَةِ، وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ أَخْرَبَ الْبِلاَدَ، وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلاً.

فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلاً أَوْ عِلَّةً، أَوِ انْقِطَاعَ شِرْبٍ أَوْ بَالَّةٍ، أَوْ إِحَالَةَ أَرْضٍ اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ، أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ، خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِمَا تَرْجُو أَنْ یصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ، وَلاَ يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَؤُونَةَ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلادِكَ، وَتَزْيِينِ وِلاَيَتِكَ، مَعَ اسْتِجْلاَبِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ، وَتَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ، مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ، بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ، وَالثِّقَةَ

ص: 261

مِنْهُمْ بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ فِي رِفْقِكَ بِهِمْ، فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الأمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوهُ طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ، فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَهُ، وَإِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الأرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا، إِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لإشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلاَةِ عَلَى الْجَمْعِ، وَسُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ، وَقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ.

المعنى العام

في هذا المقطع توجّه علیه السلام إلى أمر الخراج وهو المصدر الرئيس في ذلك العصر لخزانة الحكومة وما يلزمها من المصارف في شتّى حوائجها من أرزاق الجند ورواتب العمّال على اختلاف طبقاتهم، فما من غنيّ ولا فقير إلا وينتفع من موارد الدولة العادلة. ونبّه على أنّ المبدأ الوحيد للخراج هو عمران البلاد بالزرع والغرس وما يتحصّل منه عوائد جديدة وبيّن أنّ التوليدات المثمرة إنّما هي من الزراعة وتربية المواشي.

وأمره أن يرفع الثقل في مقدار الخراج المضروب عليهم وجور العمّال في أخذ الخراج، وأمره بالتوجّه إلى الآفات الطارئة في المحاصيل الزراعيّة والحيوانيّة لئلّا يصيب الغلّة آفة كالجراد والبرق والبرد وغيرها، أو أن ينقص الماء في النهر أو طمّ القنوات في أثر السيول أو الزلازل ونحوها. أو قلّة الأمطار في ما يسقى بماء المطر أو كثرة الأمطار الموجبة للسيول الجارفة للزرع والشجر. أو إحالة أرض اغتمرها غرق يعني أنّ الأرض قد تحوّلت في أثر السيول أو تكرار الزرع فلم يحصل منها زرع لأنّ الغرق غمرها وأفسد زرعها، أو أجحف بها عطش

ص: 262

فأتلفها، فلا بدّ من سماع الشكوى والتحقيق عنها والتخفيف على الزرّاع وبذل المساعدة لهم بحيث يصلح أمرهم ويتمكّنوا من الاشتغال بالعمران. ونبّه على أنّ هذا التخفيف والمساعدة لم يذهب هدرا لأنّه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك، وزينة لولايتك فانّ زينة الوالي عمران البلاد وراحة العباد.

وبهذا تكتسب حسن ثنائهم عليك و تسرّ باستفاضة العدل فيهم مع اعتمادك على فضل قوّتهم بما ذخرت عندهم من توجّهك عليهم وتوجّههم عليك بالوثوق بك والاعتماد بعدلك ورفقك. وربّما حدث عليك حادث وتحتاج إلى الاقتراض منهم أو طلب المعونة منهم أو مساعدتهم لك بنفوسهم فيجيبونك ويساعدونك بطيب أنفسهم. وخلُص علیه السلام من ذلك إلى ضابطين مهمين: أوّلهما: إنّ العمران محتمل ما حمّلته، والآخر: إنّ خراب الأرض يكون من فقر أهلها وإعوازهم مصارف عمرانها. ثمّ نبّه على أنّ إعواز أهل الأرض ناشئ عن وُلاة السّوء الّذين لا همّ لهم إلّا جمع المال والأخذ من الرّعايا بكلّ حال، لسوء ظنّهم ببقائهم على العمل وخوفهم من العزل وعدم انتفاعهم بالعبر واعتقادهم بالعقوبة من الله في الآخرة.

المستوى الصوتيّ

س: كيف توجّه صوتيّا تعاقب الصوائت القصيرة على شين الشّرب؟.

إنّ الفتحة صائت مختزل من الألف وهي تشير إلى الانفتاح والسعة محاكاة لحركة أعضاء النطق عند التلفّظ بالألف، ولذا نجد أنّ الشَّرب بالفتح

ص: 263

يعطي الدلالة على المصدريّة وهو حدث مجرّد من قيدي الزمان والمكان، فهو عامّ في الأمور الماديّة والمعنويّة، ولذا من معاني الشَّرب بالفتح: الفهم، يقال شرَب يشرُب على الباب الأوّل إذا فهِم. أمّا الضمّة فهي صائت مختزل من الواو، وبلحاظ اجتماع الشفتين واستدارتهما عند النطق بها خلافا للفتحة فإنّ دلالة الضمّ تشير إلى التخصيص المكانيّ، فالشُّرب بمعنى تناول السائل من ماء أو عصير أو حساء، فهو مصدر من الباب الرابع شِرب يشرَب، وعدّه بعض اللغويّين اسما لما يشرب. أمّا الشِّرب بالكسر فيتّجه به الصائت القصير (الكسرة) التي هي بعض الياء نحو الحصّة المقدّرة قال تعالى في ناقة صالح: «قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ» [الشعراء: 155] أی: لكلّ منكم حصّة في يوم، وقال تعالى: «وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ » [القمر: 28] أي: يحضره صاحبه فلكلّ حصّة مقدّرة من الماء يحضر لها صاحبها. أمّا قوله تعالى: «فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ» [الواقعة: 55] فقد ورد بقراءات ثلاث، والمراد عمليّة شرب الحميم، وهو الماء الحارّ، وهي عمليّة مادّيّة؛ لأنّها تعبّر عن العذاب الواقع عليهم لذا فالضّمّ هو الأنسب. وفي كلامه علیه السلام أراد بكسر شين (الشِّرب) الحصّة المعيّنة من الماء لسقي الأراضي.

س: علّل حذف الصّائت الطّويل (الواو) إذا كان عينا لفعل الأمر، وفق معطيات الدرس الصوتيّ الحديث من خلال معالجة الفعلين (كان) و (استقام) في قوله علیه السلام: "وليكن نظرك" و "ولم يستقم أمره"؟

(ليكن) أصله (ليكوْنْ) ولما دخلت عليه لام الأمر سکنت نونه فالتقى ساکنان (الواو والنون) فحذفت الواو لالتقاء الساكنين، وفي الدرس الصوتيّ الحديث أن الواو لم تحذف كليّا بل قصرت لتؤول إلى ضمة وذلك في التشكيل

ص: 264

(يَ، کو، نُ) وبعد حذف ضمة النون للجزم وتقصير الواو المديّة إلى ضمّةٍ تخلّصا من المقطع المديد (كون) في الطرف صار التشكيل (يَ، کُن).

س: كيف تفسّر صوتيّا تحريك ما قبل واو الجماعة بالضّمّ مع الفعل (احتمل) في قوله علیه السلام: "احتملُوه طيّبة أنفسهم"، وتحريك ما قبل واو الجماعة بالفتح مع الفعل (شکا) في قوله علیه السلام: "فان شکَوا ثقلا"؟

(احتملَ) فعل ماض صحيح عند إسناده إلى واو الجماعة يُبني على الضمّ فيصير (احتملُوا)، وأمّا (شکا) فمعتلّ الآخر وعند إسناده إلى واو الجماعة يلتقي ساکنان الالف وواو الجماعة في (شَکَاو) فتحذف الألف تخلصا من التقاء الساكنين وتبقى الفتحة بعدها أمارة لها فيصير (شکَوا)، ولكن الدرس الحديث لا يقبل بهذا التعليل ويرى أن ما جرى هو تقصير للألف ليؤول إلى فتحة وليست الألف محذوفة حذفا تامّا، وأصل التشكيل المقطعي هو (شَ، کا + و) = (شَ، کاو) فصار المقطع الثاني مديدا وللتخلص من ثقله قُصّر الصائت الطويل (الألف) إلى صائت قصير (الفتحة) فصار اللفظ (شکَو) بلا حذف للألف ولكن بتقصيرها وثمّ زيدت الألف الفارقة خطًا لا نطقا.

المستوى الصرفيّ

س: استخرج الأفعال المزيدة من النصّ المتقدّم، وبيّن نوع الزيادة، والمعاني الصرفيّة التي خرجت اليها؟

1. يُدرَك: مضارع مبنيّ للمجهول من أدرك المزيد بهمزة القطع، والزيادة

ص: 265

للتعدية، فالدَّرَك محرّك يدلّ على لحوق الشيء بالشيء ووصوله إليه، وأدرك الفرس الطريدة: لحقها ولم يفوّتها، وأدركت القِدرَ: بلغت أناها قال تعالى «حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ» [یونس: 90] و «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ» [الأنعام: 103]، ودارك الرجل صوته: تابعه، وتدارك القوم: لحق آخرهم أوّلهم.

2. أخرب: فعل ماض مزید بهمزة القطع التي أفادت التعدية، فالمجرّد لازم، خرب الموضع خرابا على الباب الرابع، فهو خرب، وأخربه وخرّبه مبالغة، ومنه قوله تعالى: «يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ» [الحشر: 2] بهمزة القطع التي تفيد قيامهم بهذا العمل وإيقاع الخراب على بيوتهم.

3. أهلك: فعل ماض مزید بهمزة القطع التي أفادت التعدية، فالمجرّد لازم على الباب الثاني، هلك الشيء يهلك هلاكا وأهلكه غيره «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ» [الأنفال: 42] «وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ» [الجاثية: 24] والهلاك في حقّ العباد يكون بمعنى إنزال الفقر بهم والخوف، وهلاك الشيء: فساده کما في قوله تعالى: «وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ» [البقرة: 205]، وهلاك شخص موته «إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ» [النساء: 176].

4. يستقم: مضارع مجزوم من استقام المزيد بهمزة الوصل والسين والتاء، والزيادة أفادت المطاوعة من أفعل، أقمته فاستقام أو الصيرورة أي: يصير مستقيما.

5. اغتمرها: ماض مزید بهمزة الوصل والتاء، والزيادة دلّت على المبالغة،

ص: 266

غمر الماء الأرض: علاها على الباب الأوّل، والغمر هو إزالة أثر الشيء، وقيل للماء الكثير الذي يزيل أثر سيله: غمر وغامر، واغتمر مبالغة في ذلك.

6. خفّفت: ماض على فعّل بتضعیف العين، والزيادة أفادت التعدية، خفّ الحمل على الباب الثاني لازم، وخفّفته.

7. عوّدتهم: ماض على فعّل بتضعیف العين، والزيادة افادت التعدية إلى المفعول الثاني، ولم يظهر في النصّ لتبعيضه، والتقدير: عوّدتهم العدلَ. ویقال: عاد يعود إليه: رجع، وأعاده إليه: أرجعه،. ويقال أيضا: عادَهُ واعْتادَهُ. وتَعَوَّدَهُ، أي صار عادة له.

8. عوّلت: ماض على فعّل مزید بتضعیف العين، والزيادة أفادت المبالغة؟ لأنّ العول أصله النقصان في الميزان يُقَالُ: عَالَ الميزانُ إذا ارْتَفَعَ أَحدُ طَرَفيه عَنِ الْآخَرِ؛ وتوسعوا فيه فقالوا: عَالَ الرجلُ يَعُولُ إذا افْتقر، وعَالَ يَعُولُ إذا كَثُر عِيالُه؛ وقد صرّح أمير المؤمنين في نهج البلاغة بأن الفقر وكثرة العيال قرينان فقال في الحكمة (141): "قِلَّةُ اَلْعِیَالِ أَحَدُ اَلْيَسَارَيْنِ" ونظيره قولهم: "العيال سوس المال" وقولهم: "لا مال لكثير العيال"، ولذا يمكن فهم دلالة الفعل (عال يعول) على الفقر وكثرة العيال معا لأن المحصّل واحد. ومَعْنَى قَوْلِهِ تعالى: «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا» [النساء: 3] ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا أَي ذَلِكَ أَقرب أَن لَا تَجُوروا وتَمِيلوا، وَقِيلَ ذَلِكَ أَدْنى أَن لَا يَكْثُر عِيَالكم، والأظهر صرفيا أن يقال: عَالَ الرجلُ يَعُول إذا جَارَ، وأَعالَ يُعِيلُ إذا كَثُر عِيالُه.

ص: 267

9. ثم توسّعوا في المعنى أكثر فاستعمل العول للدلالة على صوت المحتاج فقالوا: العَوْل والعَوْلة رَفْعُ الصَّوْتِ بِالبُكَاءِ،، والعَوْلُ والعَوِيل: الاِسْتِغَاثَةُ، وأَعْوَلَ الرجلُ والمرأَةُ وعَوَّلا: رَفَعا صَوْتَهُمَا بِالْبُكَاءِ وَالصِّيَاحِ، والتعويل مبالغة في العويل ومجاز منه إذ يقال: عوّلت على فلان إذا اتّكأت عليه واعتمدت، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: مُعَوَّلي عَلَى فُلَانٍ أَي اتِّكالي عَلَيْهِ وَاسْتِغَاثَتِي بِهِ.

10. احتملوه: ماض مزید بهمزة الوصل والتاء، والزيادة أفادت المطاوعة، يقال: حمّلته فاحتمل.

11. أعوز: الزيادة أفادت المبالغة في الحاجة، يقال: عوِز الرجلُ يعوز من الباب الرابع والمصدر (العَوَز) بفتح الواو: افتقر. وأعوز الأمر: اشتدّ، فالإعواز مبالغة من العوز، وإذا لم تجد شيئا عازني يعوزني من الباب الأول، والمصدر العوْز بسكون الواو.

س: استخرج المصادر المقيسة من النصّ، واذكر معناها الصرفيّ؟

1. صلاح: مصدر على فعال، وهو مصدر مقیس من أفعال الباب الخامس التي تدلّ على الغرائز، يقال: صلُح يصلُح صَلاحًا: ضدّ الفَساد، ونحو ذلك الکَمال والجَمال، فهو صليح، ومن الباب الثالث فهو صالح.

2. 2- عمارة: مصدر على فِعالة دالّ على الحرفة، قال تعالى: «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» [التوبة: 19]، والفعل عمَر یعمُر من الباب الأول، قال تعالى: «إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ

ص: 268

يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ» [التوبة: 18]، (عمارة المسجد الحرام) أي: حفظ بنائه، وهو نقيض الخراب.

3. عمران: هو مصدر من عمَر المكانُ عَمْرًا وعِمرانا، وهو مصدر دالّ على المبالغة في العمر، وهو البقاء زمانا أطول، وهو نحو: الكُفران والخُسران والشُّكران، أي: مضاعفة العمارة، وسمّيت الزيارة التي فيها عِمارة المسجد: عُمرة، ثمّ توسعوا فيها فأطلقت في زماننا على قصد البيت الحرام وإن لم يكم فيها عمارة له.

4. استجلاب: مصدر على الاستفعال مقيس من استفعل، مزید بهمزة الوصل والسين والتاء، وهو يفيد الطلب، أي طلب جلب الخراج، والمجرد جلَب يجلُب على الباب الأوّل بمعنی نقل المتاع أو الأنعام من موضع إلى آخر، وهذا يصاحبه الحداء الصياح، فقالوا: جلب على فرسه: صاح به من خلفه واستحثّه للسبق، وأجلب فلان على فلان: اذا صاح عليه، والجلبة: الصوت قال تعالى: «وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ» [الإسراء: 64] أي: أجمع عليهم من ركبان جندك ومشاتهم من يجلب عليهم بالدعاء إلى طاعتك، فللشيطان خیل ورجل، أي: مشاة من الجنّ والانس ممّن يعصي الله.

5. انقطاع: مصدر على الانفعال، مزید بهمزة الوصل والنون، يفيد المطاوعة، قطعته فانقطع،

6. الغرق: مصدر مقيس من أفعال الباب الرابع الدّالّة على الامتلاء والخلوّ، غرِق يغرَق غَرَقا نحو فرِح فرحًا و عطِش عطشًا.

ص: 269

7. تزيين: مصدر على التفعيل من فعّل المزيد بتضعیف العين، وهو دالّ على المبالغة في الزين الذي هو ضدّ الشين، يقال: زانه وزيّنه: اذا أظهر حسنه قال تعالى: «َبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ» [الحجرات: 7].

8. وِلاية: مصدر على الفعالة، دالّ على الحرفة، ولي الأمر يليه ولاية على الباب السادس،

9. إِجمامك: مصدر على الأفعال من أجمّ المزيد بهمزة القطع، بفكّ الادغام، نحو: أعدّ إعدادا، والهمزة للتعدية، يقال: جمّ الماء يجمّ: إذا تُرك لم يسق منه فكثُر واجتمع جمّا و جموما، وأجمّه هو: ترکه يجتمع، وجُمّة الماء: معظمه وكثيره ومنه قوله تعالى: «وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا» [الفجر: 20]، أي: كثيرا، وجمّ الفرس جماما: ذهب إعياؤه، وأجمّه: ترك ركوبه ليرتاح، وإجمامك لهم، أي: تركهم ليرتاحوا إذا ما تعبوا.

10. استفاضة: مصدر على استفعلة بحذف ألف الاستفعال، أو على استقالة بحذف عين الفعل والأصل: استفياضا على الاستفعال، ومعنى «تَبَجُّحِك بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ» هو صيرورتك العدل فائضا بينهم، يقال: فاض الخير يفيض شاع، واستفاض: صار فائضا.

11. انتفاعهم: مصدر على الافتعال من انتفع على افتعل، دالّ على المطاوعة نفعته فانتفع.

12. إحالة: مصدر على إفعلة أو إقالة، من أفعل المزيد بهمزة القطع، والأصل أفعل إفعالا، أي: أحال إحوالا، ثمّ حصل إعلال بنقل فتحة العين إلى الفاء و حذف أحد الساكنين. والمعنى المبالغة في تغيّر الأرض؛ لأنّ المجرّد يدلّ على التغيّر، يقال: حال الشيء: أتی علیه حول، أي سنة واحدة

ص: 270

فتغيّر، وحالت الدار تحول حولا: أتى عليها حول فتغيّرت، وإحالة الأرض في قوله علیه السلام تغيّرها عمّا عليه من الاستواء فلم ينجب زرعها ولا أثمر نخلها، وذلك يكون على أثر السيول والأمطار الغزيرة.

س: زن الألفاظ الآتية وزنا صرفیّا محكما، واذكر دلالتها الصرفيّة؟

1. عيال: فِعال، وهو جمع كثرة مفرده عائل بمعنى فقير ومعنى (النَّاسَ کُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ) أنهم فقراء إلى الخراج وجُمّاعه، ويجوز أن يكون العيال جمعا لعیّل على فيعل، من عاله إذا تحمّل ثقل مؤنته، ومعنی عيال فلان: الذين يمونهم، أي: يكفيهم نفقتهم وما يحتاجونه، ولا يراد منه الأولاد فقط إذ يقال: عيال الله، أي: فقراؤه.

2. عباد: فِعال جمع كثرة مفرده عابد، أمّا عبيد فهو اسم جمع مفرده عبد مثل نخل ونخيل.

3. علّة: فعلة اسم هيئة من علّ الرجل يعلّ من المرض علّا فهو عليل، فالعلّة: المرض، وكذلك العلّة اسم مصدر من اعتلّه عن كذا، أي: أعاقه، فالعلّة حدث يشغل صاحبه عن وجهة، كأنّ تلك العلّة صارت شغلا ثانيا منعه عن شغله الأوّل، اعتلّه الدهر. وكلاهما مراد في النصّ.

4. قلّة: فِعلة من قلّ الشيء يقلّ قلّا فهو قليل ضدّ الكثير، وكثر استعمال القلّة مصدرا صريحا وهي في الأصل مصدر هيئة.

5. طيّبة: فيعلة، صفة مشبّهة من الأجوف طاب يطيب فهو طيّب وهي طيّبة.

6. ثِقة: علة، من المثال وثِق به يثِق على الباب السادس، وأصله (وِثقة) مصدر هيئة فحذفت الواو تخفيفا، ويبدو أنّ المصدر المقيس (وثقًا) غير

ص: 271

مستعمل فاستغني عنه بالثقة، وكثيرا ما تقتصد العرب في الاشتقاق من الأصل المعتل لما يصحبه من ثقل وكثرة إعلال.

7. بالّة: فاعلة من بلّ الشيءَ بالماء: ندّاه، بلًّا و بلّة وبلالا، وبالّة على فاعلة، والتاء فيه نقلته للاسميّة فهو دالّ على الأرض القليلة الماء فهي الأرض المعتمدة على المطر فحسب، فإذا قلّ المطر يقال: أصيبت بالبالّة.

8. مؤونة: فَعولة من مان عياله يمون مونا: اذا قام بكفايتهم، والأصل مَوُوْنة ثمّ قلبت الواو الأولى همزة لأنها مضمومة.

9. معتمدا: مفتعِل، اسم فاعل من اعتمدت فلانا اعتمادا: إذا بالغت في قصده والاشكال عليه، يقال: عمدت فلانا أعمده عمدا إذا قصدت إليه، وعميد القوم: سيّدهم ومعتمدهم الذي يعتمدونه ويفزعون اليه.

10. ذُخر: اسم مصدر على فُعل بالضّمّ اسم للمذخور من الأشياء. والمصدر الذَّخر بالفتح من ذخره يذخره على الباب الثالث بمعنى إحراز شيء وحفظه.

11. ثِقل، روي بكسر فسكون، واختلفت النُّسخ في ضبطه. والثِّقل بكسر ففتح مصدر يكون في المنزلة الثابتة والشأن کالكِبر والصِّغر والعظم يقال للشيء: ثِقل يثقَل ثِقَلا إذا عظمت منزلته وعلا شأنه. و الثّقل بفتحتين وهو أشبه بالانفعال العارض نحو الفرح والغضب. ويستعار الثَّقَل بفتحتين لما هو نفيس من الأشياء، فيطلق على متاع المسافر لأنه نفيس عنده في طريق سفره. وبهذا الملحظ ورد اللفظ في الحديث: "اني تارك فيكم الثَّقَلين: كتاب الله وعترتي"(1))، واستعمل التعبير القرآني وجود (1)

ص: 272


1- لحديث في مسند أحمد 3 17 وصحيح الترمذي 2 308 والمستدرك للحاكم 3 109 وذخائر العقبى للطبري 16 و ينابيع المودة للقندوزي الحنفي 25 والسلسلة الصحيحة للالباني 1761 وورد في صحيح مسلم بلفظ: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني تارك فيكم الخليفتين من بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي وانهما لن يتفرّقا حتى یردا عليّ الحوض»

(الثقلان) للجنّ والإنس إذ هما أهم مخلوقين على الأرض. وأما (الثُّقل) بالضم فيكون في الحجم من الباب الخامس (ثقُل يثقُل). أمّا الثِّقْل بكسر فسكون فهو اسم لما هو ثقيل من الأشياء المادّيّة ويجمع على أثقال کما في قوله تعالى: «وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا» [الزلزلة: 2] ثمّ يستعار للذنوب.

المستوى النحويّ

س: بيّن عمل المشتقات والمصادر في ما يأتي واذكر السبب:

1. (معتمدا فضلَ قوّتهم): (معتمدا) اسم فاعل عامل لأنّه حال من ضمير (خفّفت). و (فضل) مفعول به لاسم الفاعل.

2. (طيّبة أنفسُهم): طيّبة صفة مشبهة عملت عمل فعلها اللازم فرفعت فاعلا وهو ( أنفسهم) لوقوعها حالا من ضمير الفاعل وهو واو الجماعة في (احتملوه).

3. (استجلابك حسنَ ثنائهم)، عمل المصدر (استجلابك) المضاف إلى فاعله (الكاف) عمل فعله فنصب المفعول (حسن) المضاف إلى (ثنائهم)، وذلك لأنّه مصدر مضاف يصحّ تقديره ب(أن) والفعل

ص: 273

للمضارع والمستقبل، أو (ما) والفعل ان أردنا المضيّ.

4. (فإنّ العمران محتملٌ ما حمّلته)، محتمل: اسم فاعل عمل عمل فعله فنصب (ما) بعده؛ لأنّه واقع خبرا ل(انّ).

س: ما نوع اللام فيما يأتي:

1. "وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج" اللام هنا هي لام الأمر جزمت الفعل المضارع الناقص (يكون)، بالسكون فحذفت عين الفعل لالتقائها بسكون لامه. و (نظرك) اسم كان، وخبرها (أبلغ) اسم تفضيل منصوب بالفتح.

2. "لأنّ الناس كلّهم عيال على الخرج وأهله"

اللام هنا هي لام التعليل؟ و (أنّ) حرف مشبّه بالفعل، و (الناس) اسمها، و (كلّهم) توكيد، و (عيال) خبرها.

3. "وإنّما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع".

اللام هنا هي لام السّبب، وهي جارّة لما بعدها (إشراف)، وهو مضاف و (أنفس) مضاف إليه وهو مضاف أيضا إلى (الولاة) نحو: «إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا» [الإنسان: 9].

4. "من إجمامك لهم".

اللام هنا هي الجارّة للضمير بعدها.

س: بيّن نوع (مَن) فيما يأتي:

1. "ومَن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد"

(مَن) هنا اسم شرط جازم في محلّ رفع مبتدأ، و (طلب) فعل ماض مبنيّ على

ص: 274

الفتح في محلّ جزم فعل الشرط، والفاعل مستتر يعود على الوالي، و (الخراج) مفعول به، و (أخرب) فعل ماض مبنيّ على الفتح في محلّ جرّ جواب الشرط، والفاعل مستتر، و (البلاد) مفعول به.

2."فانّ في صلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم".

(من) هنا هي اسم موصول في محلّ جرّ باللام و (سواهم) سوی: ظرف مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف للتعذّر، مضاف إلى (هم) في محلّ رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هم سواهم، والجملة صلة ل(من) الموصولة التي لا محلّ لها من الإعراب.

س: ما نوع (ما) فيما يأتي:

1. "فإنْ شكوا ثقلا... خفّفت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم"

2. "وتفّقد أمر الخراج بما يصلح أهله"

3. "بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم"

4. "بما عوّدتهم من عدلك"

(ما) في هذه الجمل هي الموصولة، في محلّ جرّ بحرف الجرّ قبلها، والأفعال التي بعدها صلتها.

5. "فربّما حدث من الأمور ما إذا عوّلت فيه عليهم من بعد احتملوه"

(ما) الأولى هي الكافّة؛ لأنّها كفّت (ربّ) عن عملها فهي حرف زائد یكفّ ما قبله عن العمل (ربّما كافّة ومكفوفة)، و (حدث): فعل ماض مبنيّ على الفتح و (من الأمور) جارّ و مجرور. و (ما) الثانية هي اسم موصول في محلّ رفع فاعل، و (اذا) أداة شرط غير جازمة، (عوّلت): فعل ماض مبنيّ على السكون لاتّصاله بتاء الفاعل، و (احتملوه) فعل ماض مبنيّ على الضّمّ لاتصاله بواو الفاعل،

ص: 275

والهاء مفعول به، وجملة فعل الشرط وجوابه صلة (ما) لا محلّ لها من الإعراب.

6. "فانّ العمران محتمل ما حمّلته"

(ما) هنا اسم موصول في محلّ نصب مفعول به لاسم الفاعل (محتمل)، والجملة بعدها من الفعل والفاعل والمفعول صلتها لا محلّ لها من الإعراب.

س: ما نوع (لا) في:

1. "ولا صلاح لمن سواهم الّا بهم"

لا هنا هي النافية للجنس، و (صلاح) خبرها مبنيّ على الفتح في محلّ نصب اسم (لا)، و خبرها محذوف وجوبا تقديره: کائن، و (لمن) جارّ و مجرور.

2."لأنّ ذلك لا يدركُ الّا بالعمارة"

لا هنا نافية غير عاملة لدخولها على الجملة الفعلية.

3. "ولا يثقلنّ عليك شيء"

لا هنا هي الناهية، والفعل بعدها مضارع مبنيّ على الفتح لاتصاله بالنون الثقيلة، في محلّ جزم بلا الناهية، و (شيء) فاعله.

س: استخرج الجمل التي لها محلّ من الإعراب، ذاكرا نوع المحلّ؟

1. جملة "اغتمرها غرق" في محلّ جرّ صفة للفظة (أرض).

2. جملة "شكوا ثقلا" في محلّ جزم فعل الشرط بأداة الشرط (إنْ)، وكذا جملة جواب الشرط، والفعل والفاعل (خفّفت) في محلّ جزم، لأنّ الفعل ماض لا يشترط اقترانه بالفاء نحو «وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا» [آل عمران: 97].

3. جملة "خفّفت به المؤونة عنهم" في محلّ رفع صفة ل (شيء).

4. جملة "يعودون به عليك" في محلّ رفع صفة لخبر (إنّ) وهو (ذخر).

ص: 276

5. جملة "لا يدرك " في محلّ رفع خبر (لأنّ)، واسمها هو اسم الإشارة المبنيّ في محلّ نصب.

6. الجملتان "ومن جلب الخراج... أخرب البلاد" مِن فعل الشرط وجوابه في محلّ رفع خبر لاسم الشرط الجازم وهو (مَن) الذي هو في محلّ رفع مبتدأ.

س: أعرب ما تحته خطّ:

1. "لم يستقم أمره الا قليلا"

قليلا: صفة لموصوف محذوف تقديره: زمنا قليلا.

2. "ما إذا عوّلت فيه عليهم من بعدُ احتملوه"

إذا: أداة شرط غير جازمة، و (بعد) ظرف مقطوع عن الإضافة مبنيّ على الضّمّ في محلّ جرّ ب (من)، والتقدير: بعد ذلك الارفاق،

3. فإنّ في صلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم؟

صلاحا: اسم انّ منصوب وعلامة نصبه تنوين الفتح، وخبر (انّ) هو الجارّ والمجرور (في صلاحه).

المستوى المعجميّ

س: في قوله علیه السلام: "أو أجحف بها عطش" هل يمكن استبدال الظمأ أو الصدى بلفظ العطش؟ وضّح ذلك من خلال الوقوف على الفروق المعجميّة الدقيقة بين الألفاظ.

كلّ من الظمأ والعطش والصدى مصادر الأفعال الباب الرابع الدالّة على

ص: 277

الخلوّ، والفرق بينها أنّ العَطَش ضِدُّ الرِّيَ وهو الحاجة إلى شُرب الماء بغية الارتواء فهو کالجوع إزاء الشبع يقال: عطِش عَطَشَا وأعْطَشْته، وعَطَّشْت الإبَل إذا زِدَّت على ظِمْئِها فِي حَبْسها عَن المَاء وَذَلِكَ أَن يكونَ نوبتُها فِي الْيَوْم الثالِث أو الرابعِ فتسْقِيها فوْقَ ذَلِك بِيَوْم فإذا لم تُبالِغْ قلت أَعْطَشْتها. والصَّدَي هو شِدَّة العَطَش وَقد صَدِی صَدًی فَهُوَ صادٍ وصَدِ وصَدْيانُ وَالْأُنثَى صَدْیی وَالْجمع صِدَاءٌ، وأما الظَّمَأ فهو أهونُ العَطَش وَقد ظَمئ ظَمَأً، كأنّه أول العطش.

س: عبّر الإمام علیه السلام عن فرح الوالي وسوروه بلفظة التبجّح فما الفرق بين الفرح والسرور والتبجّح؟

سبق التفريق بينها في المقطع الثاني في تحليل قوله علیه السلام (ولا تبجّحن بعقوبة).

س: ذكر علیه السلام (إعواز أهل الأرض)؛ فلم لم يستعمل (فقرهم)؟

العوز مقدمة للفقر فالذي يزرع أرضه يأمل في نفسه أن يكتفي منها بسد حاجته. فإذا لم يظفر منها بشيء فهو معوز، يقال: أعْوَزَهُ الشيء، إذا احتاج إليه فلم يقدر عليه. والإعوازُ: مقدمة للفقر. وعَوِزَ الرجل و أَعوَزَ، أي افتقر ابتداء. وأَعْوَزَهُ الدهر، أي أحوجه. وأما الفقر فمتمكّن في صاحبه وإنّما سمي الفقير كذلك لأنه كمن کسرت فقار ظهره من الحاجة.

س: ذكر علیه السلام سوء الظّنّ معلّلا به نفسيّة الوالي الظالم لأهله، فهل الظّنّ بمعنی الشّكّ؟

سبق التفريق بينهما في المقطع الرابع

ص: 278

المستوى البلاغيّ

س: استخرج الكنايات الواردة في النصّ، ووضّح المراد منها؟

1. في قوله علیه السلام: "لإشراف أنفس الولاة على الجمع" كناية عن الطمع.

2. "وسوء ظنّهم بالبقاء" كناية عن كون الرئاسة عندهم تشريفا وليست خدمة للعباد، فهم لا يحرصون على بلادهم.

3. "وقلّة انتفاعهم بالعبر" كناية عن عدم تقواهم.

س: عیِّن نوع الفنّ البلاغيّ فيما يأتي:

1. "لم يستقم أمره": فيه استعارة تمثيليّة، فالأمر لا يستقيم لأنّه لا يعقل، وإنّما الاستقامة من شأن العقلاء. فاستعير للأمر مبالغة في شبه الأمر بشخص له استقامة.

2. "فانّه ذخر": تشبيه بليغ حذف منه أداة الشّبه ووجه الشّبه إذ شبّه علیه السلام ما يقوم به الوالي من تخفيفه المؤونة عنهم بما يدّخره الإنسان من الكنوز ليوم شدّته، والأصل أنّه كالذّخر في الانتفاع به.

3. "الناس كلّهم عيال على الخراج" فيه استعارة مكنيّة إذ شبّه علیه السلام الخراج بالرجل الذي يعول أسرته، ثمّ حذف الرجل وأبقى لازمه وهو اعالته لعياله.

4. "وتبجّحك باستفاضة العدل": فيه استعارة مكنيّة إذ شبّه علیه السلام العدل بالبحر الذي يفيض ماؤه ثمّ حذف المشبّه به و أبقى لازمه وهو الفيضان.

ص: 279

س: في النصّ أساليب متنوّعة للتوكيد، وهو فنّ مهم من علم المعاني، عيّن هذه الأساليب؟

1. أسلوب الحصر بأداة النفي (لا) والاستثناء (إلّا) الملغاة، وهو أقوى أنواع التوكيد، وهو في قوله علیه السلام: "لا يدرك الّا بالعمارة" و "لم يستقم الّا قليلا" و "لا صلاح لمن سواهم الّا بهم".

2. أسلوب القصر بإنّما، كما في قوله علیه السلام: "وإنّما يؤتى خراب الأرض من إعراز أهلها" وقوله: "وإنّما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع".

3. التكرار اللفظيّ لكلمة (الصلاح) بالترديد الاشتقاقيّ، ممّا يزيد في تأكید هذا الأمر بقوله علیه السلام: "بما يصلح أهله، فإنّ صلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم، ولا صلاح.." إذ تكرّرت اللفظة باشتقاقاتها خمس مرّات.

4. توكيد لفظيّ في قوله علیه السلام: "لأنّ الناس كلّهم عيال" إذ أكّدت لفظة الناس وهي اسم (انّ) ب (كلّ) المضاف إلى الهاء توكيدا لفظيّا.

5. استعمال الحرف المشبّه بالفعل (إنّ) نحو: "فانّه ذخر"، "فانّ العمران..."

6. استعمال النون الثقيلة وهي حرف التوكيد المتّصل بآخر الفعل في "ولا يثقلنّ عليك شيء".

س: للفاصلة الصوتيّة أثر في تنغيم الكلام، وهي في علم البديع تسمّى في الكلام المنثور بالسجع، وضّح المراد بهذا المصطلح، وبيّن المكان استعمال السجع في نهج البلاغة شبهة لدى المرجفين بنسبة النهج إلى أمير المؤمنين؟

احتواء النهج على السجع من الشبهات الكبيرة لدى المشكّكين بنهج البلاغة، لأنه ظاهرة أدبية متأخّرة، وأمّا السجع قبل الإسلام فقد نهى عنه الرسول صلی الله علیه و آله وسلم،

ص: 280

وما ورد في النهج يخالف ذلك النهي. وردّ مناصرو النهج ومؤيدوه - أولهم الشّرّاح - ذلك بأن السجع على نوعين: الأول: السجع المتكلف الذي يغلب اللفظ على المعنی کسجع الكهّان الذين يعنون بالكلمات المنمّقة ذات الفواصل المشتركة على حساب المعاني وهذا النوع من السجع مرفوض، وهو الذي نهی النبي (صلى الله عليه وآله) عن الاتيان به في الكلام، والآخر: هو السجع المستحسن، وفيه تنساب الكلمات فتغمر السامع بالتأثير والشدّ، وهذا السجع محمود عند الأدباء، وقد أخذ به القرآن الكريم في سورة المكيّة، كالذاريات والواقعة والرحمن والقمر، وما ورد في القرآن من العبارات المسجوعة يفوق ما ورد في النهج جميعه، وكذا أخذ الرسول صلی الله علیه و آله وسلم بالسجع في كثير من أقواله. ولمّا وقف بعض الشراح على قوله علیه السلام: (هَلْ مِنْ مَناصٍ أَوْ خَلاصٍ أَوْ مَعاذٍ أَوْ مَلاذٍ أَوْ فِرارٍ أَوْ مَحارٍ) وقوله علیه السلام: (فَاتَّقُوا اللهَ تَقِیَّهَ مَنْ سَمِعَ فَخَشَعَ وَ اقْتَرَفَ فَاعْتَرَفَ وَ وَجِلَ فَعَمِلَ) قال: "إنّك إذا لاحظت كلّ لفظة منها وجدتها آخذة برقبة قرينتها، جاذبة إليها، دالّة عليها بذاتها، ومحسنات كلامه علیه السلام غنيّة عن الإظهار، غیر محتاجة إلى التذكار" بل إنّ بعض المشكّكين لم يعترف بهذه الشبهة، كمحمد طاهر درویش الذي قال: "استناد بعض المشكّكين في نهج البلاغة إلى شیوع السجع فيه لا يصلح دليلا على إطلاقه؛ لأنّ الرسول والخلفاء قبل عليّ وغيرهم من الفصحاء كانوا يسجعون".

وقد أُعجب البلغاء والأدباء بأسجاع امير المؤمنين علیه السلام، ومنهم قدامة بن جعفر الذي قسّم السجع على أنواع، ومثّل لكلّ نوع فقال: "... فمما أتي في نهاية النظم قول أمير المؤمنين رض - في بعض خطبه: "أينَ من سعی واجتهَدَ، و جَمَعَ وعدّدَ، وزخْرفَ ونجّدَ، وبنَی و شیَّدَ) فأتبع كلّ حرف بما هو في جنسه،

ص: 281

وما يحسن معه نظمه، ولم يقل: این من سعی ونجد، وزخرف وشید، و بنی وعدد، ولو قال ذلك لكان مفهوما ومن قائله مستقيما، وكان مع ذلك فاسد النظم، قبیح التأليف" يريد أنّ اختلال الترتيب في كلمات الإمام علیه السلام يفسد النظم والتأليف.

ص: 282

المقطع الحادي عشر الطبقة الخامسة (الکُتّاب)

قوله علیه السلام: "ثُمّ انظُر فِي حَالِ كُتّابِكَ، فَوَلّ عَلَي أُمُورِكَ خَيرَهُم، وَ اخصُص رَسَائِلَكَ التّيِ تُدخِلُ فِيهَا مَكَايِدَكَ وَ أَسرَارَكَ بِأَجمَعِهِم لِوُجُوهِ صَالِحِ الأَخلَاقِ مِمّن لَا تُبطِرُهُ الكَرَامَةُ، فيَجَتَرِئَ بِهَا عَلَيكَ فِي خِلَافٍ لَكَ بِحَضرَةِ مَلاَ، وَ لَا تَقصُرُ بِهِ الغَفلَةُ عَن إِيرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمّالِكَ عَلَيكَ، وَ إِصدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَي الصّوَابِ عَنكَ، وَفِيمَا يَأخُذُ لَكَ وَ يعُطيِ مِنكَ، وَ لَا يُضعِفُ عَقداً اعتَقَدَهُ لَكَ، وَ لَا يَعجِزُ عَن إِطلَاقِ مَا عُقِدَ عَلَيكَ، وَ لَا يَجهَلُ مَبلَغَ قَدرِ نَفسِهِ فِي الأُمُورِ، فَإِنّ الجَاهِلَ بِقَدرِ نَفسِهِ يَكُونُ بِقَدرِ غَيرِهِ أَجهَلَ. ثُمّ لَا يَكُنِ اختِيَارُكَ إِيّاهُم عَلَي رَاسَتِكَ وَ استِنَامَتِكَ وَ حُسنِ الظّنّ مِنكَ، فَإِنّ الرّجَالَ يَتَعَرّضُونَ لِفِرَاسَاتِ الوُلَاةِ بِتَصَنّعِهِم وَ حُسنِ خِدمَتِهِم، وَ لَيسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ النّصِيحَةِ وَ الأَمَانَةِ شَيءٌ وَ لَكِنِ اختَبِرهُم بِمَا وُلّوا لِلصّالِحِينَ قَبلَكَ، فَاعمِد لِأَحسَنِهِم كَانَ فِي العَامّةِ أَثَراً، وَ أَعرَفِهِم بِالأَمَانَةِ وَجهاً، فَإِنّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَي نَصِيحَتِكَ لِلّهِ وَ لِمَن وُلّيتَ أَمرَهُ. وَ اجعَل لِرَأسِ كُلّ أَمرٍ

ص: 283

مِن أُمُورِكَ رَأساً مِنهُم، لَا يَقهَرُهُ كَبِيرُهَا، وَ لَا يَتَشَتّتُ عَلَيهِ كَثِيرُهَا، وَ مَهمَا كَانَ فِي كُتّابِكَ مِن عَيبٍ فَتَغَابَيتَ عَنهُ أُلزِمتَهُ".

المعنى العام

اختلف الشراح في المراد من الكتّاب، فذهب بعضهم إلى أنّهم الوزراء لأنّ الوزير صاحب تدبير الأمير وإليه تصل مکتوبات العمّال، وعنه تصدر الأجوبة. ورأى آخر أنّ الوزير وإن كان يشتغل بالكتابة وإنشاء ما يهمّ من الكتب في بعض الأزمان الّا أنّه ليس هو الكاتب فلا يصح لغة وعرفا توصيف الوزراء بالكتّاب. ويبدو أنّ المراد بالكتّاب هم غير الوزراء؛ لأنّ الوزراء هم الحكام من الذين يُعيِّنهم الوالي وقد خصّهم علیه السلام بالكلام في أول العهد، أمّا الكتّاب فمنهم كتّاب الوالي الذين يحرّرون أوامره ومرافق الدولة وفروعها، وهم المسؤولون عن تنظيم ما يرد على الوالي من مکاتبات وقضايا، ومنهم كاتب السّرّ الذي أوصى علیه السلام أن يكون أجمع الكتّاب للأخلاق الصالحة. ومنهم كاتب الدّيوان العامّ الذي ترد عليه مکاتبات العمّال ويتكلّف جوابها وفق منهج الوالي. ومنهم عامّة الكتاب الذين أشار اليهم علیه السلام بقوله: "واجعل لرأس كلّ أمر من أمورك رأسا منهم"، وتتجلى أهمية إفراد الكتاب بمقطع خاص من العهد الشريف بأن من أهمّ النظم الرّئيسة في الدّول الرّاقية والمتمدّنة آنذاك هو نظام الديوان والكتابة، فقد اهتمّ به الملوك والرّؤساء من عهد قدیم و تمثّل في النظام الإسلامي في عهد النّبي صلّى الله عليه و آله في كتابة آي القرآن، ودار حول النّبي صلى الله عليه وآله وسلم اثنا عشر كاتبا يوصفون بكتّاب الوحی یرأسهم أمير المؤمنين علیه السلام، وقد

ص: 284

اهتمّ النّبي صلّى الله عليه وآله وسلم بالكتّاب في زمن البعثة حتّى جعل فداء أسرى الحروب الكاتبين تعليم الكتابة لعشر نفر من المسلمين، وكان عليّ علیه السلام هو الكاتب المخصوص للنّبي صلّى الله عليه وآله يتولّي كتابة العهود والمواثيق بينه وبين النّاس في مواقف كثيرة منها كتابه عهد الصّلح بين المسلمين وقبائل اليهود الساكنين حول المدينة في صدر الهجرة، ومنها العهد التاريخي المنعقد بينه صلّی الله عليه وآله وسلم وبين قريش في واقعة الحديبيّة حيث منعت قبائل قريش المسلمين من دخول مكّة المكرّمة لأداء العمرة وصدّوهم في وادي حديبيّة وعرّضوهم للحرب، فامتنع النبيّ صلّى الله عليه وآله عن إثارة حرب في هذه الواقعة وتردّد بينه وبين قریش عدّة من الرّجال حتّى تمكّن سهيل بن عمرو من عقد صلح بين النبيّ صلّى الله عليه و آله مع قريش في ضمن شروط ثقيلة على المسلمين وتولّى عليّ علیه السلام كتابة هذا العهد، كما في سيرة ابن هشام.

المستوى الصوتيّ

س: هل يمكن ذكر الصّائت القصير (الفتح) بدل حذفه في لفظة (القَدْر) في قوله علیه السلام: "ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور" وما بعدها، على نحو ما نجد في قوله تعالى «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ» [الأنعام: 91] إذ قُرئت لفظة (قَدْره) بفتح الدال أيضا، ولماذا؟

لا يمكن فتح الدال في لفظة (القدْر) ثم يقال: إنّ اللفظين بمعنى واحد وذلك لتباين المعني بين فتح الدال وسكونها، فالفتح هو جزء من الصّائت

ص: 285

الطويل (الألف) الذي يدلّ على الانفتاح والسعة لجريان الهواء بلا عائق عند النطق به، ولذا يدخل هذا الصّائت القصير في بناء (فَعَل) للدلالة على الامتلاء بالحدث، نحو: الفرح والغضب والعطش وغيرها، وفي لفظة (قَدَر) يؤدّي تحريك العين إلى معنى الامتلاء بالشيء حتى يصل إلى مبلغه، لذا يمكن تفسيره بالمقدار لتوضيح معناه فقوله تعالى: «فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى» [طه: 40] معنى (على قدر) أي: مقدار، أمّا القدْر بسكون العين فهو مصدر مقيس من قدَر الشيءَ يقدِره. وحذف الصائت القصير من عين اللفظة يسحب منها دلالة الامتلاء بمبلغ ما قدّر، ويجعلها عامّة في ما يبلغه الشيء، دون الوصول إلى حدّ معيّن على ما هو في القدر بالفتح. فلا يصحّ تفسير صيغة (فَعْل) ساكنة العين بالمقدار؛ لأنّه لا نهاية محدّدة، ولذا استعمل علیه السلام لفظة القدْر ساكنة الدال؛ لأنّه علیه السلام يتكلّم عن طاقات الكاتب التي من شأنها أن تنمو وتصل إلى حدود تميّزه في خدمة الوالي، لذا قید مدلول هذه اللفظة المطلقة بلفظة (مبلغ) التي تعني المقدار، أي: لا يجهل مقدار قدره الذي يستوعب التّطوّر والابداع، ولم يقل (قدَره) بالتحريك، لأنّ ذلك يجعل الكاتب يقف عند حدّ لا يتعداه. وفي الآية القرآنيّة تعدّ القراءة بالقدَر محرّكا خاطئة؛ لأنّ ذلك يعني إثبات مقدار الله سبحانه وهو تعالى خارج عن الحد والتقدير، ولذا نجد أغلب اللغويين يرجحون قراءة (القدْر) في قراءة هذه الآية تجنّبا للوقوع بهذا التفسير الذي يفرضه تحريك السّاكن.

وفي قوله تعالى «أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ» [البلد: 5] المراد هو: أيحسب أن لن نجعل رزقه في مقدار معيّن ضيّق يبلغه ولا يزاد فيه شيئا. أي: من تقدير الرزق وليس من القدرة بمعنى السيطرة والتّمكّن، لأن الإنسان المذكور

ص: 286

في سورة البلد يذكر المال لا القوة كما في الآية بعدها «يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا» [البلد: 6].

المستوى الصرفيّ

س: أذكر أحرف الزيادة في الأفعال الآتية، وبيّن معناها الصرفيّ؟

1. تُبطره: مضارع من (أبطر) المزيد بهمزة القطع المحذوفة لصياغة المضارع، والبطر هو شدّة المرح، وتجاوز الحدّ فيه من الباب الرابع، وبطر الحقّ: أنْ يتكبّر عنه فلا يفعله، وبطر النعمة: سوء احتمالها وقلّة القيام بحقّها وصرفها إلى غير وجهها «وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ» [الأنفال: 47] و «وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا» [القصص: 58] أصله بطرت معیشته فصُرف عنها الفعل ونُصب.

2. يجترئ: مضارع ماضيه مزید بهمزة الوصل والتاء (اجترأ) والزيادة أفادت معنى إظهار الجرأة، يقال: جرؤ على الباب الخامس فهو جريء، والجُرأة الإقدام على الشيء بلا خوف، واجترأ فلان على غيره أظهر جرأته وإقدامه.

3. اعتقده: ماض مزید بهمزة الوصل والتاء، والزيادة أفادت معنى الاتخاذ إذ يقال: عقد الحبل فانعقد، أي: جمع بين أطرافه، وأعقده غيره، واعتقد مالا: اقتناه، كأنه اتخذ کیسا معقودا مشتملا على المال، واعتقد الضيعة:

ص: 287

اتّخذها، ويستعار للمعاني الاعتقاد الذي هو اتخاذ عقيدة معينة.

4. يتعرّضون: مضارع مزيد بالتاء وتضعیف العين (تعرّض) على تفعّل والزيادة تفيد التدرّج في حصول الفعل، يقال: عرض الشيء له على الباب الثاني: أظهره له، وتعرّض له: تصدّی، يقال: تعرّضوا لنفحات رحمة الله، وتعرّضَ للمسألة: تصدّى لها وطلبها، أو واجهها، وتعرّض للمعروف: تصدّی.

5. يتشتّت: مضارع مزيد بالتاء وتضعیف العين (تشتّت) على تفعّل، والزيادة تفيد المطاوعة، يقال: شتّ الشيء: تفرّق وشتّته فتشتّت.

6. تغابیت: ماض مزيد بالتاء والألف على تفاعل (تغابی) يفيد التّكلّف وهو إظهار الشيء على غير حقيقته، أي: إظهار الغباء. ويكون في الأمور غير المحمودة، نحو: تغافل وتجاهل وتثاقل، والمجرّد غبِي على الباب الرابع بمعنی قلّة الفطنة. وغبيت في الشيء: جهلته.

7. وُلّيت: ماض مبنيّ للمجهول مزید بتضعیف العين، والزيادة أفادت التعدية إلى المفعول الثاني، والأصل: ولّي الله تعالى إيّاك أمره ثمّ بُني للمجهول، ولّيتَ أمرَه والتاء نائب فاعل.

س: زن الألفاظ الآتية وزنا صرفیّا محكما، واذكر دلالتها الصرفيّة؟

1. كرامة: فَعالة، مصدر مقیس من أفعال الباب الخامس الدّالّة على الطبائع نحو: الشَّجاعة والفَصاحة، يقال: كرُم يكرُم كرامة. وفي النصّ الكرامة اسم مصدر من كرّمه الوالي كرامة، لأنّ الإمام علیه السلام ذكر أنّ الكرامة لا تبطر الكاتب، أي: لا تصيّره بطِرا، فهي كرامة عليه من الوالي بوضعه في هذا المنصب، وليست سجيّة فيه إذ لو كانت غريزة فيه لما حملته على البطر.

ص: 288

2. فِراسة: فِعالة اسم مصدر من التّفرّس، وهو إصابة النظر في الأمور، يقال: فرَس الشيء على الباب الثاني: دقّه، ومنه سمّي الفرس؛ لأنّه يركل الأرض بقوائمه ويطؤها، وفرس فريسته: دقّ عنقها، وأبو فراس: الأسد. والفَراسة بالفتح: الحذق بركوب الخيل وأمرها، فهو مصدر على فَعالة دالّ على سجيّة ثابتة كالكرامة والشجاعة.

3. استنامة: مصدر على (استفعلة) أو على (استقالة)، قياس في من استفعل، يقال: استنام إلى كذا: سكن إليه كأنه صار نائما.

4. تصنُّع: مصدر مقیس من (تفعّل) على (التفعُّل)، وهو دالّ على التكلّف، أي: إظهار الشيء على غير حقيقته، وهو في إظهار الأمور الحسنة، نحو: التبصّر والتجلّد والتحلّم. والتصنّع: تكلّف حسن السمت والتزيّن.

5. 5- الصّواب: فَعال، اسم مصدر من أصاب كذا، أي: وجد ما طلب.

6. 6- نصيحة: فعيلة، اسم لما ينصح به، نصحا وهو تحرّي فعل أو قول فيه صلاح صاحبه قال تعالى: «وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ» [الأعراف: 79].

7. مكائد: مفاعل، جمع كثرة على صيغة منتهى الجموع، والمفرد مکِيْدة على مفِعلة، وأصلها (مَکْيِدَة) ثمّ حصل إعلال بنقل الكسرة إلى الصحيح الساكن قبلها. وهو اسم مکان معنويّ للأمر الذي هو مظنّة كثرة الكيد فيه، نحو: المقبرة المكان القبر، کاد یكید کیدا: مکر

8. الملأ: فَعَل، وهو اسم جمع لا واحد له من لفظه يدلّ على الجماعة من الأشراف وعِلية القوم الذين يملؤون العين رَواء ومنظرا، والنفوس بهاء وجلالا، قال تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ

ص: 289

مُوسَى [البقرة: 246]، والفعل ملأ يملأ على الباب الثالث والمصدر المَلْء، والمِلْء: اسم لمقدار ما يأخذه الإناء إذا امتلأ، وفلان مِلْء العين أي: معظّم عند من رآه كأنّه ملأ عينه من رؤيته.

9. وجود: مصدر من وجد الشيء يجده على الباب الثاني وجدا ووجدا وجدة ووجودا، ويكون بالحواس، يقال: وجدت الشيء، ووجدت طعم الشيء، و خشونته، وصوته، ووجدت الشبع أو الغضب، وكذلك وجود بالفعل كمعرفة الله تعالى، والإمام علیه السلام استعمل لفظة الوجود للدلالة على حصول هذه الصّفات في الكاتب واقعا مدرکا وليس ادّعاء فيه فقال: "بأجمعهم لوجود صالح الأخلاق" ولم يقل: بأجمعهم لصالح الأخلاق تأكيدا على حصولها منهم واقعا.

المستوى النحويّ

س: ما نوع (ما) في: "ولكن اختبرهم بما ولّوا للصالحين قبلك"؟

(ما) موصولة، فهي اسم مبنيّ في محلّ جرّ بالباء، والتقدير: بالولاية التي ولّوها، والعائد محذوف.

س: ما نوع (كان) في: "فاعمد لأحسنهم كان في العامّة أثرا"؟

يجوز أن تكون ناقصة، واسمها مستتر يعود على (أحسنهم)، وخبرها الجارّ والمجرور (في العامّة)، و (أثرا) تمييز لأفعل التفضيل (أحسنهم). ويجوز أن تكون زائدة غير عاملة سماعا إذ توسّطت بين اسم التفضيل وتمييزه. ومن

ص: 290

مواضع زيادة كان أن تأتي بين المتلازمين کالفعل ومفعوله والصفة والموصوف والمبتدأ والخبر وغير ذلك.

س: علّل إعمال المصدر في قوله علیه السلام: "ثمّ لا يكن اختيارك إيّاهم على فراستك"؟.

عمل المصدر (اختيارك) عمل فعله، فنصب مفعولا به وهو الضمير المنفصل (إيّاهم)، والفاعل ضمير الكاف الذي أضيف المصدر إليه فبقي المفعول به منصوبا. والمصدر (اختیار) اسم (كان) الناقصة، وخبرها محذوف يتعلّق به الجارّ والمجرور (على فراستك).

س: علّل الابتداء بالنّكرة في قوله علیه السلام: "وليس وراء ذلك من النّصيحة والأمانة شيء"؟

النّكرة (شيء) هي اسم للفعل الماضي الناقص (ليس)، وخبرها ظرف المكان (وراء) المبنيّ على الفتح، وإنّما ساغ الابتداء بالنّكرة لتقدّم خبرها عليها.

س: أعرب مفصّلا قوله علیه السلام: "ومهما كان في كتّابك من عيب فتغابیت عنه أُلزمته".

(الواو) استئنافيّة، و (مهما) اسم شرط جازم، و (كان) فعل ماض ناقص مبنيّ على الفتح في محلّ جزم فعل الشّرط، (في كتّابك) جارّ ومجرور خبر ل (كان)، (من) حرف جرّ يفيد التبعيض، (عیب) اسم مجرور لفظا مرفوع محلّا على أنّه اسم کان، والجملة من كان واسمها و خبرها في محلّ جزم فعل الشرط، (فتغابیت) الفاء عاطفة، وتغابی: فعل ماض مبنيّ على السكون لاتصاله بتاء الفاعل، (عنه) جارّ ومجرور متعلّق بالفعل تغابی. (ألزمته) فعل مبنيّ للمجهول مبنيّ على السكون لاتصاله بالتاء، والتاء ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع نائب

ص: 291

فاعل، والهاء ضمير متّصل في محلّ نصب مفعول به. والجملة الفعليّة في محلّ جزم جواب الشّرط.

المستوى المعجميّ

س: قال علیه السلام: "ولا تقصّر به الغفلة عن إيراد مکاتبات عمّالك عليك"، لماذا اختار الإمام علیه السلام لفظة الغفلة دون السهو أو النسيان؟.

سبق أن فرّقنا بين هذه الثلاثة في تحليل المقطع الثالث من الجزء الأول.

س: يفسر التّشتّت معجميّا بالتّفرّق والتفكيك، فهل تؤدّي هاتان اللفظتان المعنى ذاته في قوله علیه السلام: "ولا يتشتّت عليه كثيرها"؟

التشتت تفريق في انتشار وتبعثر، يقال شتّ جمعهم شتّا وشتاتا، وجاءوا أشتاتا أي متفرّقي النظام، قال تعالى: «يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ» [الزلزلة: 6] والتشتت خلاف الألفة فقال تعالى: «وَقُلُوبُهُمْ شَتَّی» [الحشر: 14] أي هم بخلاف من وصفهم بقوله تعالى: «وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ» [الأنفال: 63]. والتفكيك خلاف الاستمساك والالتصاق لأن التفكيك ما يصعب من التفريق وهو تفريق الملتزقات من المؤلفات، أما التفريق فخلاف الجمع ويكون في الملتزقات و في غيرها ولهذا لا يقال فككت النِّخالة بل فرّفتها.

س: وضّح انتقال مجرى الدلالة في الألفاظ الآتية:

1. لفظة البطر في قوله علیه السلام: "ولا تبطره الكرامة فيجترئ بها عليك"

البطر، أصله من الشّقّ، بطر بطنه: شقّه، والبيطار هو معالج الدّواب بشقّ

ص: 292

بطنها، البيطر: المشقوق، وهو أصل مادّيّ، ثمّ انتقلت الدلالة من المجال المادّيّ إلى المجال المعنويّ، فصار يعبّر به عن تجاوز الحدّ في المرح. وبطر النعمة كأنّه انشقّ عن الوجه المحمود للنعمة فلم يتحمّلها.

2. الفراسة "ثمّ لا يكن اختيارك ايّاهم على فراستك واستنامتك وحسن الظّنّ منك"

الفراسة: أصل اللفظة من الفَرس وهو وطْءُ الشيءِ الشيءَ بالأرجل ودقِّه، ثمّ انتقلت من المجال المادّيّ (المحسوس) إلى المجال المجرّد (المعنويّ) فصارت تدلّ على إصابة النظر في الأمر والمسألة كأنّه وطأها ووقف على علّتها.

3. لفظتا الإصدار والجواب في قوله علیه السلام: "وإصدار جواباتها على الصواب عنك".

الإصدار: أصله من صرف الرعاء لدوابّهم عن الماء بعد إيرادهم ايّاه، أصدر الرعاء دوابّهم: سقوها وصرفوها عن الماء، والمجرّد صدر عن الماء «لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ» [القصص: 23] ثمّ انتقلت الدلالة من المجال المادّيّ إلى المعنويّ فقيل: أصدر الأمر: إذا أنفذه وأذاعه. والأصل في إرجاع المواشي عن الماء بعد سقيها، ثمّ انتقل إلى ارجاع الجوابات إلى أصحابها بعد النظر. أمّا جواباتها: فأصل الجواب هو القطع والحرق على الباب الأوّل «وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ» [الفجر: 9] يقال: جبت الأرض جوبا: قطعتها، والجوبة كالغائط، لأنّه كالحرق في الأرض، ثمّ انتقلت الدلالة من قطع الأرض إلى مراجعة الكلام بمرحلتين: الأولى جواب الكلام وهو ما يقطع الجوب فيصل من فم القائل إلى سمع المستمع، ثمّ حصل تخصیص بما يعود من

ص: 293

الكلام دون المبتدأ من الخطاب «وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ» [الأعراف: 82] فالجواب يقال في مقابلة السؤال. يقال: أجاب عن سؤاله إجابة، والاسم الجابة كالطاعة والطاقة.

4. الصّواب: أصله نزول المطر واستقراره، والنازل صوب، قال تعالى: «أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ» [البقرة: 19] وأصابهم: اذا وصل إلى المرمى. ثمّ انتقلت الدلالة للمجرّد فصار الصواب في القول أو الفعل كأنّه أمر نازل مستقرّ قراره وهو خلاف الخطأ.

المستوى البلاغيّ

س: اذكر الفنون البلاغيّة في العبارات الآتية:

1. "فانّ الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل"

في العبارة أسلوب الإيجاز، وهو من فنون علم المعاني إذ تعدّ العبارة حكمة بليغة اختصر فيها علیه السلام معنى واسع، وهو أن لا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور فيرفعها فوق محلّها و مرتبتها.

2." واجعل لرأس كل أمر من أمورك رأسا منهم"

في العبارة استعمال مجاز إذ شبّه علیه السلام الأمر المهمّ بالرأس، وهو مجاز لغويّ، لأنّ الأمور لا رأس لها، ولكن الأهمّية بعضها يوصف بالرأس. و "رأسا منهم": مجاز

ص: 294

مرسل بعلاقة الجزئيّة إذ عبّر بلفظة الرأس الثانية عن الكاتب المختصّ بأمر مهمّ من بين الأوامر المهمّة الأخرى.

3. "واخصص رسائلك التي تدخل فيها مكايدك وأسرارك بأجمعهم لوجود صالح الأخلاق"

في استعمال لفظ (المكيدة) استعارة تمثيليّة، فهذه اللفظة لم تستعمل على حقيقتها إذ إنّ الكيد بمعنى: المكر والخبث، وهو ضرب من الاحتيال، وهو مذموم على حقيقته «فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ» [الصافات: 98]، وإذا استعير في الانتصار للخير صار محمودا، و مكائد الوالي العادل تكون في نصرة الحقّ وأمن الرّعيّة، وذلك بالتّورية في الكلام أو التّعريض فيه "في المعاريض مندوحة عن الكذب". وبذا شبّهت هيئة هذه الأساليب من الوصول إلى مجازاة الظلمة بهيئة الكائد الذي يخفي إنزال ضرّه ويظهر أنّه لا يريده، ومثل هذا قوله تعالى: «كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ» [يوسف: 76] أي: مکّناه من استرجاع أخيه بلا خداع أو كذب، وإنّما كانت تورية من قول المنادي بالسّرقة إذ لم يكن يعلم بحقيقة الأمر. وكذا قوله تعالى: «وَأَكِيدُ كَيْدًا» [الطارق: 16] أي: أجازيهم على عملهم بإمهالهم في الدّنيا دون عقوبة، فهو انتقام من حيث لا يشعرون جزاء على کیدهم وارادتهم الضّرّ،

4. "واصدار جواباتها على الصّواب عنك".

في هذه العبارة أسلوب التعريض إذ ينبّه فيه الإمام علیه السلام على ما جرى في عهد عثمان من إصدار مروان بن الحكم لجوابات عثمان إلى الولاة، وتصرّفه في الحكم دون الرجوع إلى وليّه حتى جرى ما جرى من انقلاب الناس عليه و قتله.

ص: 295

ص: 296

المقطع الثاني عشر الطبقة السادسة (التّجّار وذوو الصناعات)

قوله علیه السلام: "ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَذَوِی الصِّنَاعَاتِ، وَأَوْصِ بِهِمْ خَیْراً: الْمُقِیمِ مِنْهُمْ، وَالْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ، وَالْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ، فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ، وَأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ، وَجُلَّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَالْمَطَارِحِ، فِی بَرِّكَ وَبَحْرِكَ، وَسَهْلِكَ وَجَبَلِكَ، وَحَیثُ لَا یلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا، وَلَا یجْتَرِؤُونَ عَلَیهَا، فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لَا تُخَافُ بَائِقَتُهُ، وَصُلْحٌ لَا تُخْشَی غَائِلَتُهُ، وَتَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وَفِی حَوَاشِی بِلَادِكَ. وَاعْلَمْ مَعَ ذلِكَ أَنَّ فِی کَثِیرٍ مِنْهُمْ ضِیقاً فَاحِشاً، وَشُحّاً قَبِیحاً، وَاحْتِکَاراً لِلْمَنَافِعِ، وَتَحَکُّماً فِی الْبِیاعَاتِ، وَذلِكَ بَابُ مَضَرَّهٍ لِلْعَامَّةِ، وَعَیبٌ عَلَی الْوُلَاةِ، فَامْنَعْ مِنَ الْإِحْتِکَارِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) مَنَعَ مِنْهُ. وَلْیکُنِ الْبَیعُ بَیعاً سَمْحاً: بِمَوَازِینِ عَدْلٍ، وَأَسْعَارٍ لَا تُجْحِفُ بِالْفَرِیقَینِ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ، فَمَنْ قَارَفَ حُکْرَةً بَعْدَ نَهْیكَ إِیاهُ فَنَکِّلْ بِهِ، وَعَاقِبْ فِی غَیرِ إِسْرَافٍ.

ص: 297

المعنى العام

التجارة شُغل شریف حثّ عليها الشرع الإسلامي لكونِها وسيلة لتبادل الحاصلات الزراعيّة والمنتجات الصّناعيّة، وهذا التبادل ركن رئيس في ديمومة حياة المجتمع، وقد وردت أخبار كثيرة في مدح التجارة والترغيب إليها ففي الخبر عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: تسعة أعشار الرزق في التجارة وواحدة في سائر المكاسب. والأخبار في فضل التجارة كثيرة مستفيضة، وكفى في فضل التّجارة أنها كانت شغل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يبعث نبيّا، و قد سافر إلى الشّام في التجارة مع عمّه أبي طالب علیه السلام وهو غلام لم يبلغ الحلم، ثمّ صار عاملا لخديجة بنت خويلد وسافر إلى الشّام للتجارة مرّة اخرى، وقد أعجبت خديجة بأمانته وكفايته فتزوّجها.

وقد وصف علیه السلام التّجار بما لا مزيد عليه من خدمتهم في الاجتماع الإنسانيّ وحمايتهم المدنيّة البشريّة فقال: (والمضطرب بماله) أي من يجعل ماله متاعا يدور به في البلاد البعيدة يقطع المفاوز ويعرّض نفسه للأخطار ليصل حوائج كلّ بلد إليه. ووصفهم بأنّهم موادّ المنافع وأسباب المرافق.

وفي العصر الحديث صارت التجارة محورا للسّياسة العامّة للدّول العظمی وصارت المنافع التجاريّة أساسا لسياسة الدّول ومثارا للحروب الهائلة ومدارا للمعاملة مع الشّعوب، ونبّه علیه السلام إلى أنّ الروابط التّجاريّة تفيد الشّعوب وعامّة البشريّة من جهة أنها سبب لاستقرار السّلم والصّلح بين أفراد الامّة وبين الشّعوب فقال علیه السلام (فانهم سلم لا تخاف بائقته وصلح لا تخشى غائلته) فيالها

ص: 298

من جملة ذهبيّة حيّة فيها الحلّ الناجع لاستقرار الصّلح العالميّ والسّلم العامّ بين الشعوب.

وأمر علیه السلام بتفقّد أحوال التجار تكمیلا لتوصيته لهم بالخير والحماية لرؤوس أموالهم عن التّلف والسّرقة بأيدي اللّصوص، وهذه توصية بإقرار الأمن في البلاد وفي طرق التّجارة بحرا وبرّا، وقد التفت الأمم الرّاقية إلى ذلك فاهتمّوا باستقرار الأمن في البلاد والطّرق، وفي حفظ رؤوس الأموال التّجاريّة عن المكائد والدسائس المذهبة لها، فقال علیه السلام: (تفقّد أمورهم بحضرتك) أي في البلد، (وفي حواشي بلادك) أي في الطّرق والأماكن البعيدة.

ثمّ نبّه علیه السلام على أخلاق التّجار وأهمّها رعايتهم المحتاجين في معاشهم، و تجنّبهم خلق الشحّ وطلب الادّخار والاستكثار من المال الكامن في طبع الكثير منهم، فإنّه يؤول إلى الاستعمار والتسلّط على أجور الزرّاع والعمّال إلى حيث يؤخذون عبيدا وأسرى لأصحاب رؤوس الأموال فوصفهم بقوله علیه السلام: إن في كثير منهم (ضيقا فاحشا) أي حبّا بالغا في جلب المنافع وازدياد رقم الأموال المختصّة بهم ربما يبلغ إلى الجنون ولا يقف بالملايين والمليارات. و (وشحّا قبیحا) يمنع من السّماح على سائر الأفراد بما يزيد على حاجته بل بما لا يقدر على حفظه وحصره و (احتكارا للمنافع) بلا حدّ ولا حساب حتّى ينقلب إلى جهنّم. و (تحكّما في البياعات) أي يؤول ذلك الحرص الجهنّمي إلى تشكيل الشركات والانحصارات الجبّارة فيجمعون حوائج النّاس بمكائدهم وقوّة رؤوس أموالهم ويبيعونها بأيّ سعر أرادوا وبأيّ شروط خبيثة تحفظ مزید منافعهم وتقهر النّاس وتشدّد سلاسل مطامعهم ومظالمهم على أكتافهم . واستنتج علیه السلام من ذلك مفسدتين مهلكتين: أولهما: (باب مضرّة للعامّة) وأيُّ مضرّة أعظم من الأسر

ص: 299

الاقتصادي في أيدي ثعابين رؤوس الأموال. والآخر: (وعيب على الولاة) وأيّ عيب أشنأ من تسليم الامّة إلى هذا الأسر المهلك. فشرّع علیه السلام لسدّ هذه المفاسد، المنع من الاحتكار للمنافع. والاحتكار على وجهين، الأول: احتكار الأجناس كحبس الطّعام، أو مطلق الأقوات بغية انتظار الغلاء. والآخر: احتكار المنافع، وهو الحرص على أخذ الربح زائدا عن المقدار.

المستوى الصوتيّ

س: علّل صوتيّا قلب الصّائت الطويل (الياء) همزة في لفظة (البائع)، وقلبها ألفا في لفظة (المبتاع) من قوله علیه السلام: "وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع"؟

البائع أصله (البايع) ورأى الصرفيّون القدماء أن الياء لما وقعت عينا في اسم فاعل أعلّت في فعله (باع) بقلبها ألفا، أُعلت كذلك في اسم الفاعل فقلبت همزة. أما الأصواتيّون المحدثون فلم يرضوا بهذا التعليل ورأوا أن الذي جرى في اللفظة هو حذف الياء وبقاء کسرتها بعد الألف فاجتلبت الهمزة وسطا بين الألف والهمزة كما في التشكيل: (با، يِ، عُ) والمقطع الثاني مكوّن من مزدوج صوتي (الياء والكسرة) فحذفت الياء وبقيت الكسرة كما في التشكيل (با -ِ) فظهر المقطع الأول من قمّتين وهذا لا يجوز في مقاطع العربيّة فانزلق النطق من الألف إلى الكسرة بصوت الهمزة.

أمّا (مبتاع) فاسم مفعول من ابتاع وأصل الألف في الفعل واسم المفعول ياء

ص: 300

لأنهما من البيع (ابتَيَع، مبتَيَع) ولما تحركت الياء وسبقت بفتح قبت ألفا فيهما على وفق توجيه الصرفيّين القدماء، لكن الأصواتيّين المحدثين رفضوا هذا التعليل ورأوا أن الذي حصل هو حذف الياء واجتماع الفتحتين فصارتا ألفا كما في التشكيل:

ابتَيَع = (إِب، تَ، يَ، عَ) المقطع الثالث مزدوج صوتي فخفف بحذف الياء.

= (إِب، تَ -َ، عَ) فاجتمعت الفتحتان على التاء فصارتا ألفا.

مبتَيَع = (مُب، تَ، يَ، عُ) المقطع الثالث مزدوج صوتي فخفف بحذف الياء

= (مُب، تَ -َ، عُ) فاجتمعت الفتحتان على التاء فصارتا ألفا.

المستوى الصرفيّ

س: استخرج جموع التّكسير الواردة في النصّ، وبيّن نوعها، واذكر مفرداتها؟

1. تُجّار: فعّال جمع كثرة، مفرده تاجر، من تجر يتجر على الباب الأوّل وهو الذي يبيع ويشتري، واسم الجمع منه تَجْر بفتح وسكون.

2. موادّ: فواعل، جمع كثرة على صيغة منتهى الجموع، مفرده مادّة على زنة فاعلة والمادّة هي الزيادة المتّصلة، من مدّ الله في عمره يمدّ مدّا على الباب الأوّل: طوّل له وأمهله، وهو أصل يدلّ على الجرّ واتّصال شيء بشيء، مدّ النهر ومدّه نهر آخر، أي: زاد فيه وواصله. ومدّ النهار: ارتفاعه «أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ

ص: 301

عَلَيْهِ دَلِيلًا» [الفرقان: 45].

3. المنافع: مفاعل، جمع كثرة على صيغة منتهى الجموع، مفرده منفعة على زنة مفعلة، وهي مصدر ميمي من نفعه ينفعه نفعا على الباب الثالث ضدّ ضرّه.

4. أسباب: أفعال، جمع قلّة مفرده سبب، وهو الحبل وكل شيء يتوصّل به إلى غيره

5. المرافق: مفاعل، جمع كثرة على صيغة منتهى الجموع، مفرده على زنة مفعل، ويجوز أن يكون اسم مکان من رفق يرفق على الباب الأوّل ضدّ العنف، والمرفق بكسر العين هو موصل الذراع في العضد، ومرافق الدار: مصابّ الماء فيها، ويجوز أن يكونا مصدرا میمیّا بمعنى الرفق وهذا هو الرّاجح؛ لأنّه علیه السلام أضاف إليه لفظة الأسباب، أي: الطّرق المؤديّة لرقّة العيش وسهولته.

6. جلّابها: فُعّال جمع كثرة، مفرده جالب على زنة (فاعل)، نحو: طالب وطلّاب، من جلب يجلب على الباب الثاني جلبا: أتي بالشيء من موضع آخر، والجلب: المتاع.

7. المَباعد: مَفاعل، جمع كثرة على صيغة منتهى الجموع، مفرده مَبعد على (مَفعل)، وهو اسم مكان لما هو بعيد، يقال: بعُد يبعُد على الباب الخامس ضدّ القرب.

8. المطارح: مَفاعل، جمع كثرة مفرده مَطرح على (مَفعل) وهو المكان المطروح لصعوبة الوصول إليه، من طرح الشيء يطرحه على الباب الثالث أي: رماه.

ص: 302

9. مَواضعها: مفاعل جمع كثرة، مفرده (موضع) على (مفعل) اسم مکان من وضع الشيء يضعه على الباب الأوّل وضعا، دالّ على الخفض والحطّ.

10. حواشي: فواعل، جمع كثرة على صيغة منتهى الجموع، مفرده حاشية، وهي جانب الشيء، من حشا يحشو حشوا على الباب الأوّل، والحشو: ما يملأ به الوسادة، وفلان حشو بني فلان، أي: من رذّالهم؛ لأنّ الذي تحشّى به الأشياء لا يكون من أفخر المتاع بل أدونه. و حاشية الثوب: جانبه، وكذا الحشو: فضل الكلام. و أراد علیه السلام بحواشي البلاد: أطرافها؛ لأنّها بعيدة عن المركز الذي عبر عنه بقوله (بحضرتك).

11. موازین: مفاعیل، جمع كثرة على صيغة منتهى الجموع، مفرده میزان على (مفعال)، وهو آلة الوزن. وهذه اللفظة ممنوعة من الصرف، وإنّما صرفت و جرّت بالكسرة بدل الفتحة لإضافتها لما بعدها.

12. أسعار: أفعال، جمع قلّة مفرده: سعر بكسر الفاء، من سعر النار يسعرها على الباب الثالث إذا هيّجها وألهبها. وسمّي سعر الطعام؛ لأنّه يرتفع ويعلو، كما أنّ سعير النار هو توقّدها وارتفاعها، والسّعر بضمّ الفاء هو الجنون؛ لأنّه يستعر في الإنسان ويشتعل، ناقة مسعورة لحدّتها وهياجها كأنّها مجنونة. قال تعالى: «فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ» [القمر: 24]

س: زن الألفاظ الآتية وزنا صرفیّا محكما، واذكر دلالتها الصرفيّة؟

1. استوص: فعل أمر على زنة (استفع) من استوصی، المزيد بهمزة الوصل والسين والتاء، وحذفت لامه في الأمر لاعتلالها، والزيادة تفيد

ص: 303

الصيرورة، أي: أوص نفسك بالتّجار خيرا، والمعنى: اجعلها تتعهّد هؤلاء التّجار.

2. أوص: أمر على زنة (أفع) من أوصى المزيد بهمزة القطع، والزيادة أفادت التعدية إلى المفعول به؛ لأنّ المجرّد لازم، وصت الأرض تصي: اتّصل نباتها، وأوصاه بشيء أوصل رغبته إليه بما يعمل به. و أوص بهم خيرا، أي: أوص عمّالك بالتّجار وذوي الصناعات خيرا.

3. بائقة: فاعلة، والتاء للنقل إلى السميّة، وهي الشّرّ والدّاهية، يقال: باقت القوم بائقة، أي: أصابتهم. وأصابتنا بوقة: دفعة من المطر شديدة أو منكرة، باق يبوق: جاء بالشّرّ والخصومات، وفي الحديث: لا يدخل الجنّة من لا يأمن جاره بوائقه، أي: ظلمه أو شرّه.

4. غائلة: فاعلة، والتاء للنقل إلى الاسميّة، وهي اسم لما يأتي من الشّرّ، غاله الشيء على الباب الأوّل واغتاله: اذا أهلكه من حيث لم يدر ولم يحسّ به، والغول يراد به السّعلاة، وجمعها غِيلان والداهية والهلكة والمنيّة، وكلّ ما زال به العقل، غالته غول: أهلكته هلكة، وفي صفة خمر الآخرة «لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ» [الصافات: 47] من إثم أو رجس أو صداع.

5. يلتئم: يفتعل، مضارع ل (التأم) على زنة افتعل المزيد بهمزة الوصل والتاء، وأفادت الزيادة معنى المطاوعة، لاءم بين القوم ملاءمة: أصلح وجمع، واذا اتّفق الشيئان فقد التأما. أي: انّهم لا يمكنهم التوافق والاجتماع إلى الأماكن البعيدة ذات الطرق الصّعبة، والمجرّد منه يفيد معنى الإصلاح، لأم الجرح والصدع يلأمه على الباب الثالث إذا سدّه

ص: 304

فالتأم.

6. حضرتك: فعلة، اسم دالّ على المرّة من حضر يحضر حضورا، والحضرة إذا حضر بخیر، اسم للهيئة، وحضرة فلان بالفتح يراد بها قربه و فناؤه، وكلّمه بحضرة فلان أو بمحضره أي: بمشهد منه.

7. احتکارا: مصدر احتكر على افتعل المزيد بهمزة الوصل والتاء، والزيادة أفادت المبالغة في الحكر، والحكر هو الحبس، حكر الطعام يحكره على الباب الخامس حكرا: جمعه وحبسه، واحتكره مبالغة من ذلك فهو يتربّص به الغلاء.

8. حُكرة: فعلة، اسم من الاحتكار، يفيد موضع الحكر من الشيء، أي: ما ظهر من الاحتكار لمادّة معيّنة ممّا يحتكره التّجار.

9. تحكّما: مصدر تحكّم على تفعّل، مزید بالتاء وتضعيف العين، والزيادة أفادت التدرّج في رفع الأسعار وتضعيف الميزان.

10. البياعات: جمع سلامة للمفرد بياعة بكسر الباء وهي السّلعة جمعت جمعا مؤنّثا سالما.

11. بائع: اسم فاعِل على زنة (فاعل) ثمّ قلبت الياء همزة، وهو الذي يقوم ببيع سلعته، باع يبيع بيعا على الباب الثاني فهو بائع، واسم المفعول مبيع أو مبيوع.

12. مضرّة پ: مفعلة، اسم لتكثير الحدث في المكان، أي: موضع كثرة الضّرر وعدم النفع، نحو مقبرة.

13. قارفَ: فعل ماض على زنة (فاعل) يفيد المشاركة. من قولهم: قارف فلان الخطيئة: خالطها، وأصل ذلك من القرف والاقتراف، وهو قشر اللحاء

ص: 305

عن الشجر، واستعير الاقتراف للاكتساب السّيّء قال تعالى: «وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا» [التوبة: 24] وفي هذا مبالغة في إتيان السّيّئة، والمجرّد قرف فلانا: عابه أو اتّهمه. أمّا قارف المزيد بالألف فيقال: قارف فلان أمرا، اذا جاء بما يعاب به، وفي قول الإمام علیه السلام: قارف حكرة، أي: أتاها وفعلها لا مجرّد أنّه داناها؛ لأنّ مقارفة الشيء: اكتسابه وكأنّه لابسه فأصل القرف مخالطة الشيء والالتباس به.

14.نكّلْ: فعل أمر من نکّل على زنة (فعّل) مزید بتضعیف العين، والزيادة أفادت التعدية نكل عن الشيء ينكل على الباب الثاني: عجز وضعف وجبن، وأصله من المنع، فالنكل: القيد؛ لأنّه يمنع من الحركة قال تعالى: «إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا» [المزمل: 12]، و نکّلت به تنکیلا، والاسم النّكال، أي: فعل به ما يمنعه من المعاودة ويمنع غيره من إتيان مثل صنيعه.

10. عاقبْ: فعل أمر من عاقبَ على (فاعل) مزید بالألف، والمصدر العقاب والمعاقبة، والعقوبة اسم، والأصل فيه تأخير شيء وإتيانه بعد غيره، عقبه: خلفه وجاء عقبه، وأعقبه: جازاه، وعاقبت الرجل بذنبه لا تكون إلّا في العذاب قال تعالى: «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ» [النحل: 126] عقوبة؛ لأنّها تكون آخرا أي تتلو الذنب، و اسم الفاعل منه المعاقب وهو الذي أدرك ثأره، وعاقبة كلّ شيء آخره.

ص: 306

المستوى النحويّ

س: استخرج الجمل التي لها محلّ من الإعراب، ذاكرا محلّها الإعرابيّ؟

1. جملة "لا تخاف بائقته" في محلّ رفع صفة لخبر (إنّ) النكرة (سلم). وكذا جملة "لا تخشى غائلته" صفة ل (صلح).

2. جملة "إنّ في كثير منهم ضيقا فاحشا" - إنّ واسمها (ضيقا) الموصوف ب (فاحشا) و خبرها (في كثير) ومتعلّقه (منهم) - في محلّ نصب، لأنّها سدّت مسدّ مفعولي (اعلم).

3. جملة "منع منه" الجملة من الفعل (منع) وهو ماض مبنيّ على الفتح وفاعله المستتر الذي يعود على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومتعلّقه (منه) في محلّ رفع خبر (إنّ)، أمّا اسمها فهو لفظة (رسول) المضافة إلى لفظ الجلالة.

4. جملة "لا تجحف بالفريقين" (لا) النافية والفعل المضارع المرفوع و متعلّقه (بالفريقين) في محلّ جرّ صفة للفظة (أسعار) النكرة.

5. جملة الأمر "فنكّل به" من فعل الأمر وفاعله المستتر (أنت) والجار والمجرور (به) في محلّ جزم جواب الشّرط لأداة الشّرط (من).

س: أعرب ما تحته خطّ فيما يأتي:

1. "وأوص بهم خيرا، المقيم منهم والمضطرب بماله"

خيرا: صفة لمفعول مطلق محذوف، والتقدير: أوص عمّالك بالتّجار وذوي

ص: 307

الصناعات إيصاءً خيرا، و (خيرا) صفة لمفعول مطلق محذوف كما في قوله تعالى: «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا» [العنكبوت: 8]، إذ تعرب مفعولا مطلقا نائبا عن المصدر فهو صفة على حذف مضاف أي: إيصاء ذا حُسن.

المقيم: بدل من الضمير (هم) في (بهم). ويجوز أن يعرب عطف بیان.

2."فانّهم موادّ المنافع... في برّك وبحرك... وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها"

حيث: ظرف مکان مبنيّ على الضّمّ مضاف إلى ما بعده، و (لا) نافية غير عاملة و (يلتئم) فعل مضارع مرفوع، وفاعله (الناس). جملة في محلّ جرّ مضاف إليه.

3. "واعلم - مع ذلك أنّ في كثير منهم ضيقا فاحشا.. وذلك باب مضرّة للعامة"

ذلك: اسم اشارة مبنيّ على الفتح، وهو في الموضع الأوّل في محلّ جرّ بحرف الجرّ (مع) والجارّ والمجرور اعتراض بين الفعل (اعلم) و معمولیه، و (ذلك) في الموضع الثاني في محلّ رفع مبتدأ، أي: ذلك المشار إليه من صفاتهم المتقدّم ذكرها. و (باب) خبر مضاف إلى مضرّة.

4. " فمن قارف حكرة بعد نهيك إيّاه فنکّل به"

إيّاه: ضمير نصب منفصل مبنيّ في محلّ نصب مفعول به، والعامل فيه المصدر (نهيك) المجرور باضافة (بعد) إليه. و (بعد) ظرف زمان متعلّق بالفعل (قارف) وهو مضاف. وإنّما عمل المصدر فأضيف إلى فاعله (الضمير الكاف) و نصب مفعولا (إيّاه) لصحّة تأويله بأن والفعل، أي: بعد أن نهيته.

س: ما فائدة تعريف الجمعين (مواد المنافع) بأل التعريف والإضافة في دلالة النص؟

ص: 308

أبلغ علیه السلام في إفادة ما للتّجارة من الأهميّة في أمر الاقتصاد فجاء بكلمة الموادّ جمعا مضافا مفيدا للعموم، وبكلمة المنافع جمعا معرّفا باللاّم مفيدا للاستغراق، فأفاد أنّ كل مادّة لكلّ منفعة مندرج في أمر التّجارة، فالتّجارة تحتاج إلى ما يتّجر به من الأمتعة وإلى سوق تباع تلك الأمتعة، ثمّ يؤخذ بدلها متاعا آخر ويبدّل بمتاع آخر فيستفاد من هذه المبادلات كلّها أرباحا.

المستوى المعجميّ

س: قيل إن البيع والشراء يدلّان على معنيين مختلفين فيهما من الأضداد، كيف توجّه ذلك انطلاقا من استعمال لفظة (مبتاع) في هذا المقطع؟

المبتاع وهو المشتري وابتاعه بمعنى اشتراه، ويبدو أنّ ما يحصل في عمليّة البيع وهو تبادل السلعة الذي لا يتمّ الّا بوجود طرفين: بائع ومشتر، لذا اشترك الطرفان في هذه العمليّة فيقال: باع للبائع والمشتري والمساوم، ويقال: ابتاع، إذا باعه وإذا اشتراه، فصارت هذه الصيغ من الأضداد للّفظة على حين أنّ اسم الفاعل يحدّد الطرف المعطي والآخذ منهما، فيقال: بائع و مشتر،

وقد استعمل التعبير القرآني الاشتراء والشراء مع مفعولين أحدهما صریح والآخر مقترن بالباء والفرق بين الاشتراء والشراء يتضح في اقترانهما بمفعوليهما فمع الاشتراء يكون المفعول الصريح مأخوذا وغير الصریح مطروحا كما في «اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى»، و «وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا» و «اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ» و «يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا» [آل عمران:

ص: 309

77] و «اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ» [آل عمران: 177] و «وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا» [النحل: 95] و «يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ» [لقمان: 6] فمعنی (اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى): أخذوا الضلالة وتركوا الهدی. وذلك أن كلّ كافر بالله فإنّه مستبدلٌ بالإيمان كفرًا، باکتسابه الكفرَ الذي وُجد منه، بدلا من الإيمان الذي أمر به وكلّ مشترٍ شيئاً فإنما يستبدل مكانَ الذي يُؤخذ منه من البدل آخرَ بديلا منه. فكذلك المنافقُ والكافر، استبدلا بالهدى الضلالةَ والنفاق، فأضلهما الله، وسلبهما نورَ الهدى، فترك جميعَهم في ظلمات لا يبصرون، وإنّما جاء الاشتراء مذموما في معظم التعبير القرآنيّ لأنّه يجري على رغبة المشتري وهواه فإن كان بشرا جاء اشتراؤه قبيحا لأنه يترك الخير ويأخذ غيره ولم يأت الاشتراء جميلا إلا مع الباري عزّ وجلّ في قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ» [التوبة: 111].

أمّا الشراء من الفعل المجرّد (شری) فمستعمل في التعبير القرآني مع مفعولين الصريح منهما مطروح وغير الصريح هو المأخوذ أي على النقيض من (اشتری)، وبهذا الاستعمال يكون الشراء بمعنى البيع كما في شأن إخوة يوسف «وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ» [يوسف: 20] والمعنى: وباع إخوة يوسف يوسف، فأما إذا أراد الخبر عن أنه ابتاعه، قال: "اشتريته" وكذا قوله تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ» [البقرة: 207] فالآية في أمير المؤمنين علیه السلام لمّا بات على فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الهجرة من مكة إلى المدينة فباع لنفسه في سبيل الله

س: استعمل الإمام علیه السلام لفظتي الخوف والخشية في قوله: "لا تخاف بائقته

ص: 310

وصلح لا تخشى غائلته" في الفرق بين هاتين اللفظتين؟

(الخشية) هي ما يتبع الأمر المخوف منه من نتائج تتعلّق بمنزلة المكروه، ولا يسمّى الخوف من نفس المكروه خشية، وهي حدث عارض أيضا لأن فعلها خشي يخشى من الباب الرابع «وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا» [التوبة: 24] فالخوف من خسارة التجارة لعدم الربح فيها، والخشية من كسادها وهو عدم رجوع أصل المال فيها.

وقد اجتمع الخوف والخشية في «وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى» [طه: 77]، أي: لا تخف من لحوق فرعون بك وبقومك، ولا تخشى الغرق. وكذلك «وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا» [النساء: 9]، أي يخافون عليهم الفقر إذا أكلوا من مال اليتيم، ويخشون تبعات الفقر من تعريض اليتيم للقتل والامتهان وضياع المستقبل. أو ليخافوا من أكل مال اليتيم لأنه حرام، وليخشوا ما يتبعه أكلهم لهذا المال من أن يصار ويخلف في ذريته كما صنع هو بهؤلاء اليتامی.

وعلى هذه الشاكلة يممكن تأويل معنى اللفظتين في قول الإمام علیه السلام

س: اقترنت لفظة الإسراف بالتبذير في المال، فما الفرق بين اللفظتين، في ظل استعمال الإمام علیه السلام للفظة الإسراف مع العقوبة بقوله: "وعاقبه من غير اسراف"؟

التبذير في المال خاصّة وهو التفريق، وأصله إلقاء البذر وطرحه، فاستعير لكلّ مضيّع لماله، فتبذير البذر: تضييع في الظاهر لمن لم يعرف مآل ما يلقيه.

ص: 311

قال الله تعالى: «إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ» [الإسراء 27]، وقال تعالى: «وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا» [الإسراء 26] والتبذير تضييع للمال المملوك في الحلال أو الحرام. أما الإسراف فتجاوز الحدّ في كلّ فعل يفعله الإنسان، وقد يكون في المال المملوك كما في قوله تعالى: «وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا» [ الفرقان 67] أو في المال غير المملوك كأكل مال اليتامى «وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا» [النساء: 6] ويكون الإسراف في الكبائر کالزنا كما في قوله تعالى: «إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ» [الأعراف: 81] والقتل: «وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا» [الإسراء: 33]، والإسراف في القتل أن يقتل وليّ الدم غير قاتله، أو بالعدول عنه إلى من هو أشرف منه، أو بتجاوز قتل القاتل إلى غيره حسبما كانت الجاهلية تفعله.

س: قال علیه السلام: "واعلم - مع ذلك أنّ في كثير منهم ضيقا فاحشا و شحّا قبيحا"؛ فهل يمكن استبدال لفظة البخل أو الضّنّ بالشّحّ، وضّح ذلك؟

إنّ الشُّح هو الْحِرْص على منع الْخَيْر؛ يُقَال: زند شُحاح إذا لم يورِ نَارا، وسمّي الحريص بذلك لمنعه الخير وهو قادر عليه. وَ الْبخل منع الْحق فلا يُقَال لمن يُؤَدِّي حُقُوق الله تَعَالَی بخیل. أما الضنّ فأَصله أَن يكون بالمعاني وَالْبخل بالهيئات وَلِهَذَا تَقول هُوَ ضنين بِعِلْمِهِ وَلَا يُقَال بخيل بعلمه لِأَن الْعلم معنى لا هيئة، قَالَ الله تَعَالَى «وَمَا هُوَ على الْغَيْب بضنين» وَلم يقل ببخیل.

ص: 312

المستوى البلاغيّ

اذكر نوع الفنّ البلاغيّ في ما يأتي:

1. "المضطرب بماله، والمترفّق ببدنه"

في هذه العبارة كنایتان، فالمضطرب بماله كناية عن التاجر الذي يسافر، يقال: اضطرب التاجر بماله: انتقل من بلد إلى بلد، ومن معاني (الضّرب) السّير في الأرض قال تعالى: «وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ» [النساء: 101].

وفي (المترفّق ببدنه) كناية عن أرباب الصّناعات، للذي يعتمد عليه في الكسب بكدّ عضلاته، وارتفق: اتّكأ على مرفق يده، أي: المعتمد على يديه وقوّة بدنه في طلب رزقه.

2. "فانّهم موادّ المنافع"

في الجملة توكيد بالأداة (إنّ) الحرف المشبّه بالفعل، ودخول (ال) الجنسيّة على لفظة (المنفعة) مجموعة لتدلّ على الاستغراق، أي: كلّ المنافع التي يحصّلها البلد هم أساسها ومدادها، فالتّجارة من فوائدها نشر العقيدة الإسلاميّة على ما نجد من إسلام دول كاملة في أفريقيا كتونس والجزائر وفي آسيا كأندنوسيا والصّين واليابان وفي أوربا کجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.

3. "في برّك وبحرك وسهلك وجبلك"

في العبارة طباق إيجاب إذ تشتمل على كلمتين مختلفتين في اللفظ والمعنى، كلّ منهما يقابل الآخر، فالبَرّ يقابل البحر، والسّهل يقابل الجبل.

ص: 313

4. "فإنّهم سلم لا تخاف بائقته": في هذه العبارة توكيد بالحرف المشبّه، وكذا استعمال المصدر (سلم) لوصف المبتدأ والإخبار عنه، ويعدّ الوصف بالمصدر أسلوبا بلاغیّا يفيد المبالغة في إثبات الصّفة لموصوفها حتّى كأنّ بينهما مطابقة كاملة. اذ انّ التّجّار وذوي الصّناعات هم وسائل لتحقيق السّلم بين الشّعوب لما يعقدونه من معاهدات ومبایعات تطفئ نار الحرب بين الأمم، والإخبار عنهم بالمصدر (سلم) يفيد التّأكيد على أنّهم السّبب الرئيس في حصول الأمن والسلام. فالتّجارة تكون أساسا للسلم بين الشّعوب، ووصف السّلم بأنّه لا يخاف بائقته تأكيد على أنّ المقصود بالتّجّار هم الذين تكون تجارتهم بلا دهاء ولا مكر أو قصد سوء.

5. "انّ في كثير منهم ضيقا فاحشا... واحتكارا للمنافع وتحكّما في البياعات"

في العبارة أسلوب فصل بين الجملتين (احتكارا للمنافع) وجملة (تحكّما في البياعات) بحرف العطف الواو، مع أنّ ظاهر الجملتين يوحي بأنّ معناهما واحد الّا أنّ ثمّة فرقا بينهما استلزم الفصل، فاحتكار المنافع هو المعروف في الشّريعة الإسلاميّة من حبس الطعام عن السّوق حتى يكثر الطّلب عليه فيرتفع سعره. أمّا التّحكّم في البياعات فهو تشكيل الشّركات الجبّارة فيجمعون رؤوس أموال الناس ويبيعونها بأي سعر أرادوا وبأي شروط، فالمراد الحرص على أخذ الأرباح من التجارات زائدا عن المقدار المشروع بحيث تؤدّي إلى تشکیل الشّركات وتحالفها على أسعار معيّنة فيخرج وضع السّوق عن طبعه، وحينئذ لابدّ من تدخّل الحكومة لتعيين الأسعار لكلّ جنس من البضائع بصورة عادلة.

6."وذلك باب مضرّة للعامّة": في الجملة تشبیه بلیغ إذ حُذفت أداة التّشبيه ووجه الشّبه، وبقي المشبّه وهو الاحتكار للمنافع والتّحكّم في البياعات،

ص: 314

شبّهه علیه السلام بباب المضرّة، أمّا وجه الشّبه فواضح لأنّ الباب هو وسيلة لدخول الأشياء الخارجيّة إلى داخل البيت، والاحتكار هو وسيلة لدخول الضّرر الاقتصاديّ على البيت الكبير وهو البلاد الإسلاميّة.

ص: 315

ص: 316

المقطع الثالث عشر الطّبقة السّابعة (الطّبقة السّفلى)

قوله علیه السلام: "ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ فِی الطَّبَقَةِ السُّفْلَی مِنَ الَّذِینَ لَاحِیلَةَ لَهُمْ وَ الْمَسَاکِینِ وَ الْمُحْتَاجِینَ وَأَهْلِ الْبُؤْسَی وَالزَّمْنَی، فَإِنَّ فِی هذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَمُعْتَرّاً، وَاحْفَظْ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِیهِمْ، وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَیتِ مَالِكَ، وَقِسْماً مِنْ غَلَّاتِ صَوَافِی الْإِسْلَامِ فِی کُلِّ بَلَدٍ، فَإِنَّ لِلْأَقْصَی مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِی لِلْأَدْنَی، وَ کُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِیتَ حَقَّهُ، فَلَا یشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ، فَإِنَّكَ لَاتُعْذَرُ بِتَضْییعِ التَّافِهَ لِأَحْکَامِكَ الْکَثِیرَ الْمُهِمَّ.

فَلَا تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ، وَلَاتُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ، وَتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لَایصِلُ إِلَیكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُیونُ، وَتَحْقِرُهُ الرِّجَالُ. فَفَرِّغْ لِأُلئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْیةِ وَ التَّوَاضُعِ، فَلْیرْفَعْ إِلَیكَ أُمُورَهُمْ، ثُمَّ اعْمَلْ فِیهِمْ بِالْإِعْذَارِ إِلَی اللَّهِ یوْمَ تَلْقَاهُ، فَإِنَّ هؤُلَاءِ مِنْ بَینِ الرَّعِیةِ أَحْوَجُ إِلَی الْإِنْصَافِ مِنْ غَیرِهِمْ، وَکُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَی اللَّهِ فِی تَأْدِیةِ حَقِّهِ إِلَیهِ. وَتَعَهَّدْ أَهْلَ الْیتْمِ وَذَوِی الرِّقَّةِ فِی السِّنِّ

ص: 317

مِمَّنْ لَاحِیلَةَ لَهُ، وَلَا ینْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ، وَذلِكَ عَلَی الْوُلَاةِ ثَقِیلٌ، وَ الْحَقٌّ کُلُّهُ ثَقِیلٌ، وَقَدْ یخَفِّفُهُ اللَّهُ عَلَی أَقْوَامٍ طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ، وَوَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللَّهِ لَهُمْ."

المعنى العام

التعبير عن ذوي الحاجة والمسكنة بالطبقة السفلى جاء أمّا من كونهم لا يقدّمون عملا نافعا في المجتمع فيحصل التبادل بين عملهم مع أعمال الطبقات الأخرى، فكان لا بدّ لمن هم في الطبقة السفلى أن يعيشوا من عمل سائر الطبقات، أو جاءت تسميتهم بالطبقة السفلى نظرا إلى ظاهر حالهم عند النّاس حيث إنّهم عاجزون عن الحيلة والاكتساب وهم مساكين ومحتاجون والمبتلون بالبؤس والزّمانة ولكنه علیه السلام سوّاهم مع سائر النّاس في الحقوق وأظهر بهم أشدّ العناية والاهتمام وقسّمهم على ثلاثة أقسام.

1. القانع، وقد فُسّر بمن يسأل لرفع حاجته ويرضى بما يكسب.

2. المعترّ، وهو السّيِّئ الحال الّذي لا يسأل الحاجة بلسانه ولكن يعرض نفسه أملا بأن يرحم ويتوجّه إليه فكأنه يسأل بلسان الحال لا باللسان.

3. من اعتزل في زاوية بيته لا يسأل بلسانه ولا يعرض نفسه على الناس لقضاء حوائجه، إمّا لرسوخ العفاف وعزّة النّفس فيه، وإمّا لعدم قدرته على ذلك كالزّمني وهم الّذين بيّن علیه السلام حالهم في قوله علیه السلام (و تفقّد أمور من لا يصل إليك منهم، ممّن تقتحمة العيون وتحقره الرّجال) وقد

ص: 318

وصّى علیه السلام فيهم بأمور:

1. حفظ حقوقهم والعناية بهم طلبا لمرضاة الله وحذرا من نقمته لأنهم لا يقدرون على الانتقام ممن يهضم حقوقهم.

2. جعل لهم قسما من بیت المال العام الّذي يجمع فيه الصّدقات الواجبة والمستحبّة وأموال الخراج الحاصل من الأراضي المفتوحة عنوة.

3. جعل لهم قسما من صوافي الإسلام في كلّ بلد، والصوافي هي الأرضون الّتي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وكانت صافية رسول الله صلّى الله عليه وآله، فلمّا قبض صارت لفقراء المسلمين، ولما يراه الإمام من مصالح الإسلام.

4. أن لا يصير الزهو بمقام الولاية موجبا لصرف النّظر عنهم وعدم التوجّه إليهم مغترّا باشتغاله بأمور هامّة عامّة، فبيّن علیه السلام أنّ إحكام الأمور المهمّة الكثيرة لا يصير كفّارة لصرف النظر عن الأمور الواجبة القصيرة.

5. الاهتمام بهم وعدم العبوس في وجوههم عند المحاضرة والمصاحبة لإظهار الحاجة.

ثمّ أوصى بالتفقّد عن القسم الثالث المعتزل بإيفاد رجال ثقات من أهل الخشية والتواضع وخصّص طائفتين من العجزة بمزيد التّوصية والاهتمام هما:

أ: الأيتام الّذين فقدوا آباءهم وحُرموا من محبّتهم وعطفهم.

ب: المعمّرون إلى أرذل العمر الّذين أنهكتهم الشيّبة واسقطت قواهم فلا يقدرون على انجاز حوائجهم بأنفسهم، وأشار إلى أنّ رعاية هذه الطبقة على الولاة ثقيل بل الحقّ كلّه ثقيل.

ص: 319

المستوى الصوتيّ

س: علّل صوتيّا وفق معطيات علم الأصوات الحديث ما يأتي:

1. حذف الصّائت الطّويل (الواو) في لفظة (ثقة) في قوله علیه السلام: "ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتّواضع"

(ثِقة) على زنة (عِلة) أصلها (وِثقة) على (فِعلة) فهي مصدر هيئة، وحذفت الواو تخفيفا وذلك إنّ حقها أنْ تقلب همزة لمجيئها طرفا وهي مكسورة ولكن الهمز لا يزيل الثقل فحذفت حذفا تاما ونقلت حركتها إلى ما بعدها، كما في التشكيل (وِث، قَ، تُن)، وعند حذف الواو يبقى التشكيل (-ِث، قَ، تُن) وهذا يقتضي نبر الكسر لمجيئها ابتداء فتتولد الهمزة، ولكن ذلك يزيد اللفظة ثقلا فأُخّرت الكسرة لتكون حركة للثاء كما في التشكيل (ثِ، قَ، تُن).

2. قلب الصّائت الطّويل (الواو) یاء في لفظة (حيلة) في قوله علیه السلام: "ومن الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين"

حيلة أصلها (حِوْلة) على (فِعْلة) لأنّها هيئة التحول أي التقلب من حال إلى غيره، ولما سكنت الواو بعد كسرة قلبت ياء وهذا هو تعلیل القدماء، أمّا في الدرس الحديث فإنّ ما جرى للواو هو حذف تامّ تبعه مدّ الكسرة قبلها فصارت ياء كما في التشكيل: (حِو، لَ، تُن) و في المقطع الأوّل مزدوج صوتيّ غير متجانس مكوّن من الواو والكسرة فحُذفت الواو ومُدّت الكسرة قبلها كما في التشكيل (حي، لَ، تُن).

ص: 320

المستوى الصرفيّ

س: استخرج الأفعال المزيدة، ثمّ اذكر أحرف الزيادة، وبيّن معانيها الصرفيّة؟

1. استحفظك: ماض مزید بهمزة الوصل والسين والتاء على استفعل، والزيادة أفادت معنى الطلب، أي: طلب الله تعالى منك الحفظ فلا تضيّعه.

2. استرعیت: ماض مبنيّ للمجهول من استرعى على (استفعل) المزيد بهمزة الوصل والسين والتاء، وقلبت ألف استرعى ياء لاتّصال الفعل بتاء الفاعل، والزّيادة أفادت الطّلب، أي: طلب منك رعايته، أي: مراقبة الله في حفظ حقّه، من رعیت النجوم: رقبتها، ورعيته: رقبته ولاحظته حفظا له.

3. تُعذر: ماض مبنيّ للمجهول من (أعذر) على أفعل، مزید بهمزة القطع، والزيادة أفادت الصيرورة، أعذر: صار ذا عذر، والعذر هو تحرّي الإنسان ما يمحو به ذنوبه، والمعنى: أنّك لا تأتي بعذر مقبول إذا ضيّعت هؤلاء. وقيل: "أعذر من أنذر" أي: أتی بما صار به معذورا.

4. تُشخص: مضارع من أشخص على أفعل المزيد بهمزة القطع، والزيادة أفادت التعدية إلى المفعول الأوّل، لأنّ المجرد لازم إذ يقال: شخص بصره يشخص على الباب الثالث فهو شاخص: إذا فتح عينيه وجعل لا

ص: 321

يطرف، وشخص من بلد إلى بلد أي: حجّ «وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ» [إبراهيم: 42]، والشخص هو سواد الإنسان المرئيّ من بعيد، وشخص الشيء:

ارتفع، وشخص النجم: طلع، والمراد أن لا يرفع الوالي همّه عنهم.

5. تُصعّر: مضارع من صعّر المزيد بتضعیف العين، والزيادة أفادت المبالغة في الصعر وهو إمالة العنق كبرا، وهو من الصعر وهو داء في البعير يجعله يلوي عنقه، صعر يصعر على الباب الرابع صعرا بفتحتين فهو أصعر، وفي الإنسان ميل الوجه أو أحد الشّقّين، وأصعره: أماله عن النظر إلى الناس، وصعّر خدّه: أماله كبرا،

6. تقتحمه: مضارع من اقتحم على زنة افتعل، مزید بهمزة الوصل والتاء، والزيادة أفادت المبالغة في بذل الجهد في قحم الشيء، فالاقتحام: توسّط شدّة مخيفة «فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ» [البلد: 11] و «هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ» [ص: 59] أي: دخل عنوة في مكان يخيفه. من المجرّد قحم الفرس فارسه يقحمه على الباب الثالث: توغّل به ما يخاف عليه، وقحم فلان نفسه في الأمر: رمى بنفسه فيه من غير رويّة، وأقحم بهمزة القطع تفيد التعدية إلى المفعول الثاني: أقحم فرسه النّهر، أي: أدخله. والمعنى: تنظر العيون إليه نظرا يدخله في مكانة يكرهها، فهي تحتقره وتزدريه.

7. ففرّغ: أمر من فرغ على زنة فعّل المزيد بتضعیف العين، والزيادة أفادت التعدية إلى المفعول إذ المجرّد لازم فيقال: فرغ يفرغ على الباب الأوّل فراغا و فروغا: خلاف الشّغل، قال تعالى: «فإذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ»

ص: 322

[الشرح: 7]. وفرّغ نفسه لكذا، أي: جرّدها من الانشغال بغير هذا الأمر، أمّا أفرغ الماء من الدّلو فهو من فرغ على الباب الرابع، يقال: فرغ الشيءُ وأفرغه غيره ثمّ استعير للمعنويات كقوله تعالى: «وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ» [الأعراف: 126].

8. تعهّد: ماض على تفعّل، مزید بالتاء وتضعیف العين، والزيادة أفادت التدرّج، من عهد إلى فلان بكذا يعهد عهدا على الباب الرابع، أي: أوصاه بحفظ الشيء ومراعاته حالا بعد حال، والتّعهّد: التّحفّظ بالشّيء و تجديد العهد به.

9. يخفّفه: مضارع على يُفعّل، من خفّف المزيد بتضعیف العين، والزيادة أفادت التعدية والمبالغة، فيقال: خفّ الثقلُ يخفّ على الباب الثاني ضدّ ثقل، وخفّفه فلانٌ.

10. صبّروا: ماض من صبّر على فعّل مزید بتضعیف العين، والزيادة أفادت الجعل، يقال: صبر على البلاء يصبر على الباب الثاني، وصبّره: جعل له صبرا، وأصبره: أمره بالصّبر، وصابر: بالغ في الصبر ومجاهدة النفس قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» [آل عمران: 200]،

س: زن الألفاظ الآتية وزنا صرفیّا محكما، ثمّ اذكر دلالتها الصرفيّة؟

1. البؤسی: فُعلى اسم مصدر من البؤس بالضّمّ، مثل قربی اسم للأقارب، والفعل من بئس يبأس على الباب الرابع وهو الشّدّة والمكروه، وفي الحرب يقال: بأْس، وفي العذاب والنكاية: بأساء قال تعالى: «لَيْسَ

ص: 323

الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ» [البقرة: 177] وإن كان في العيش فهو بؤسي، أي: اشتدّت حاجته.

2. الزّمني: فَعلى جمع كثرة مفرده زَمِن، أي مبتلى لكبر سنّه بأمراض الشّيخوخة، يقال: أزمن الرجل: أتى عليه الزمان، من زمِن يزمَن فيما دلّ على الأدواء، والجمع على فَعلى لِما دلّ على هلاك فهو مرض وهلکی و موتی.

3. قانعا: اسم فاعل من قنع، أمّا من الباب الثالث بمعنی رفع رأسه يسأل من الصّدقة، يقال: قنع يقنع قُنوعا، وفي قوله تعالى: «مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ» [إبراهيم: 43] المهطع هو المسرع والمقنع هو الذي رفع رأسه، أو من قنع على الباب الرابع يقنع قناعة، أي: رضي بالقسم، واختلفوا في تفسير القانع والمعترّ في قوله تعالى: «وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» [الحج: 39] ويمكن القول إنّ القانع إمّا أن يكون فقيرا فيكون بمعنی

ص: 324

السّائل الذي يرضى بما أعطيته ولا يسخط ولا يلوي شدقه غضبا من قنِع يقنَع على الباب الرابع أو أن يكون غير محتاج فهو الراضي بما يعطي عند ذبح البدن فهو يرضى بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها. وفي قول الإمام علیه السلام هو السّائل المحتاج الذي يرضى بما يُعطی.

4. معترّا: مفتعل، اسم فاعل من اعترّه بمعنی اعترضه، وهو الذي يمرّ بك ولا يسأل، أي: المارّ بك لتطعمه فهو يقصدك ولا يسأل، من عرّه يعرّه إذا رماه بشرّ، والعرّ: الجرب يلازم صاحبه ويعترض بدنه، وقيل للمضرّة معرّة تشبيها بالجرب. فمن معنى الملازمة قيل: المعترّ الذي يلمّ بك ولا يسأل، أما الذي يسأل فهو المسكين.

5. غلّات: جمع مؤنّث سالم، مفرده غلّة على زنة فعلة، وهي ما يتناوله الإنسان من دخل الأرض، أي: فائدتها، وأغلّت الضّيعة: أعطت الغلّة، واغتلّ القوم: بلغت غلّتهم، وسمّي نتاج الأرض غلّة لأنّه يدخل في حيازة صاحب الأرض، فالغلّة اسم ذات مثل سلّة، يحتوي انتاجها، فالغلّ هو إدخال الشّيء وتخلّله حتى ينغرز في شيء آخر، غلات الشيء في الشيء: إذا أثبتّه فيه، أي: توسّط فيه، لذا يسمّى الحقد غلّا؛ لأنّه يتوسّط القلب، ويدخل الصّدر، والعطش يسمّى غلّة بالضّمّ؛ لأنّه كالشّيء ينغلّ في الجوف بحرارة، والماء الجاري فيما بين الشجر يسمّى غلل بفتحتين، والقيد غلّ؛ لأنّه يجعل الأعضاء وسطه، وكذا تسمّى الخيانة إغلالا لأنّه يدخل في حوزته ما يخفيه، والغلّان بالضمّ الأودية الغامضة لأنّ سالكها ينغلّ فيها.

6. صوافي: فواعل جمع كثرة مفرده (صافية) على زنة فاعلة، وهي أرض

ص: 325

الغنيمة التي صفت وخلصت للمسلمين، فهي أرض غير مملوكة لشخص، والصفو خلاف الكدر، وهو خالص الشيء، والمراد أنّ سهم الفقراء في ميزانيّة الدولة لا تحرمهم من الأموال التي هي مشاع بين المسلمين، بل من هذه وتلك، أي إنّها الأراضي التي لم يوجف عليها بخیل ولا ركاب، وكانت صافية لرسول الله صلّى الله عليه وآله فلمّا قبض صارت لفقراء المسلمين.

7. خشية: فَعلة، مصدر خشیه يخشاه على الباب الرابع خشيا وهو خوف يشوبه تعظيم، والخشية: المرّة الواحدة منه، وقيل إنّ الخشية مصدر لخشي، ومصدر المرّة: خشية واحدة.

8. يُتم: فعل بضمّ الفاء، مصدر من يتِم یيتم على الباب الرابع، وهو في الإنسان لمن فقد أباه قبل بلوغه، وفي البهائم لمن فقد أمّه. فهو يتيم قال تعالى: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا» [الإنسان: 8]، ويقال لكلّ منفرد يتيم؛ لأنّه انقطع عن مادّته التي خرج منها وجمع يتيم أيتام ویتامی.

9. الرّقّة: فِعلة مصدر من رقّ يرِقّ على الباب الثاني فهو رقیق، ضدّ غلظ، ورقَقت له أرِقّ رقّة، أي: الرحمة. والرِّقّ: جلد رقيق يكتب فيه، والرّقيق: المملوك من العبيد، والرّقّة: كلّ أرض إلى جانبها ماء لما فيها من الرّقّة بالرطوبة الواصلة اليها.

10. العاقبة: فاعلة، والتاء للنقل إلى الاسميّة، فهي اسم لآخر كلّ شيء، نحو: خاتمة الكتاب قال تعالى: «وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» [الأعراف: 128] ورأى صاحب المفردات أنّ الأصل في العاقبة للثواب، وتستعار

ص: 326

للعقوبة من باب المزاوجة كقوله تعالى: «فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ» [الحشر: 17] وفي المقطع وردت عاقبة الخير للولاة العادلين.

11. موعود: مفعول من وعده یعده وعدا على الباب الثاني، فهو واعد، والمفعول الثاني هو الموعود، وعدته كذا، فوعدت يقتضي مفعولين الثاني منهما مكان أو زمان أو أمر من الأمور، نحو: وعدت زيدا يوم الجمعة مكان كذا وأن أفعل كذا، وقوله تعالى «وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ» [البروج: 2] إشارة إلى يوم القيامة. والوعد عامّ في الخير والشّرّ، أمّا الوعيد ففي الشّرّ خاصّة كما في قوله تعالى: «وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ» [إبراهيم: 14].، وفي النصّ يذكر الإمام علیه السلام ولاة الحقّ الذين يطلبون عاقبة الخير ثقة منهم بصدق وعد الله لهم «أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» [يونس: 55].

12. مهمّ: مفعل، اسم فاعل من أهمّه الأمر: اذا أقلقه وأحزنه، والهمّ: الحزن، همّه المرض: أذابه يهمّه على الباب الأوّل همّا. و أهمّه بزيادة همزة القطع يفيد المبالغة يقال: أهمّني كذا، أي: حملني على أن أهمّ به، قال تعالى : «ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ» [آل عمران: 154]، فزيادة الهمزة للمبالغة فيقال: همّ وأهمّ ک (سری وأسرى).

ص: 327

المستوى النحويّ

س: أعرب ما تحته خطّ في ما يأتي:

1. "ثمّ اللهَ اللهَ في الطبقة السفلى"

الله: يعرب لفظ الجلالة الأوّل منصوبا على التحذير، والتقدير: احذروا الله أو اتّقوا الله. ولفظ الجلالة الثاني يعرب توكيدا للفظ الجلالة الأوّل. والسّفلى: صفة للطبقة مجرورة، وهي (فعلی) لأفعل التفضيل (أسفل).

2. "واحفظ الله ما استحفظك من حقّه فيهم"

(ما): حرف مصدريّ ظرفيّ، و (استحفظك): فعل ماض مبنيّ على الفتح، والفاعل مستتر يعود على الله تعالى، والكاف مفعول به، والمصدر المؤوّل في محلّ نصب ظرف زمان متعلّق ب (احفظ): احفظ الله مدّة استحفاظك من حقّه فيهم، أو يعرب المصدر المؤوّل في محلّ نصب مفعول مطلق من الفعل (احفظ) والتقدير: احفظ الله استحفاظك....

3. "فإنّ للأقصى منهم مثل الذي للأدنى، وكلٌّ قد استرعیت حقّه"

مثل: اسم إنّ منصوب، مضاف إلى الاسم الموصول (الذي).

و (کلّ): مبتدأ مرفوع، والتنوين عوض عن المضاف إليه، والتقدير: وكلّهم.

4. "ثمّ اعمل فيهم بالإعذار إلى الله سبحانه يوم تلقاه"

يوم: مفعول فيه منصوب بالفتح، مضاف إلى الجملة الفعليّة بعده.

5." وتعهّد أهل اليتم وذوي الرّقّة في السّنّ، ممّن لا حيلة له ولا ينصب"

ص: 328

ذوي: اسم معطوف على المفعول به (أهل اليتم) وهو منصوب، وعلامة نصبه الياء لأنّه جمع مذكر سالم وهو مضاف، والرّقّة مضاف إليه، وحيلة: اسم (لا) النافية للجنس مبنيّ على الفتح في محلّ نصب، وخبرها محذوف وجوبا، تقديره: کائنة، أي: لا حيلة كائنة أو موجودة له،

س: استخرج الجمل التي لها محلّ من الإعراب، واذكر محلّها الإعرابيّ؟

1. جملة: "قد استرعیت حقّه" الجملة من الفعل المبنيّ للمجهول المبنيّ على السكون لاتصاله بتاء الفاعل، مع الفاعل والمفعول به (حقّه) في محلّ رفع خبر للمبتدأ (كلّ).

2. جملة: "لا تعذر بتضييع التّافه" الجملة من الفعل المجزوم ب(لا) الناهية وفاعله المستتر المقدّر بأنت، ومتعلقه الجارّ والمجرور (بتضييع) والمضاف إليه (التافه) في محلّ رفع خبر (إنّ) المشبّهة بالفعل، واسمها الضمير المتّصل بها (الكاف).

3. جملة: "تلقاه" الجملة من الفعل المضارع المرفوع بالضّمة المقدّرة على الألف، والفاعل المستتر الذي يعود على المخاطب وهو (الوالي)، والمفعول به الضمير (الهاء) في محلّ جرّ بإضافة (يوم) اليها.

4. جملة: "فأعذر إلى الوالي" الجملة من الفاء الفصيحة وهي لتفريع الكلام. وفعل الأمر المبنيّ على السكون، وفاعله المستتر فيه (الوالي) ومتعلقه الجارّ والمجرور في محلّ رفع خبر للمبتدأ (كلّ).

5. جملة: "طلبوا العافية" الجملة من الفعل الماضي المبنيّ على الضّمّ لاتّصاله بواو الجماعة (ضمير الفاعل) والمفعول به (العاقبة) في محلّ جرّ صفة ل (أقوام).

ص: 329

المستوى المعجميّ

س: ذكر علیه السلام المساكين والمحتاجين، فهل اللفظتان بمعنى الفقراء والبائسين، وضّح ذلك؟.

الفرق بين المحتاج والفقير هو إنّ المحتاج هو الذي نقصت مؤنته فجأة ذلك أنّ الحاجة هي النقصان ولهذا يقال: الثوب يحتاج إلى خزمة وفلان يحتاج إلى عقل وذلك إذا كان ناقصا ولهذا قال المتكلّمون الظلم لا يكون إلا من جهل أو حاجة أي من جهل بقبحه أو نقصان زاد جبره بظلم الغير، والفقر خلاف الغني فأما قولهم فلان مفتقر إلى عقل فهو استعارة ومحتاج إلى عقل حقيقة.

والفقير الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل، فالمسكين أضعف حالا وأبلغ في جهة الفقر، ويدل عليه قوله تعالى «لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ» [البقرة: 273] فوصفهم بالفقر وأخبر مع ذلك عنهم بالتعفّف حتى يحسبهم الجاهل بحالهم أغنياء من التعفف ولا يحسبهم أغنياء إلا ولهم ظاهر جميل وعليهم بزة حسنة. والمسكين الذي لا شيء له فقوله تعالى: «أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ» [البلد: 16] يعني هو المطروح على التراب لشدة الاحتياج. «أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا» [الكهف: 79] فإنما أثبت لهم ملك السفينة

ص: 330

وسماهم مساكين لأنهم كانوا إجراء فيها ونسبها إليهم إذ هم يعملون في البحر.

والبائس الذي يسأل بيده، وإنّما سمي من هذه حاله بائسا لظهور أثر البؤس عليه بمد يده للمسألة وهو على جهة المبالغة في الوصف له بالفقر، وهو أشد حالا من المسكين لان المسكين هو الذي يكون في نهاية الفقر وقد ظهر عليه السكون للحاجة وسوء الحال ولكنه لا يسأل بيده بل يسأل بلسان الحال بخلاف البائس الذي يمد يده من شدة الفقر.

س: في قوله علیه السلام: "وذوي الرّقّة في السّنّ" هل يمكن عدّ لفظة السنّ من المشترك اللفظيّ؟.

يمكن أن يكون المراد بلفظة (السنّ) العمر فيكون المراد بذوي الرقّة في السن هم الشيوخ الكبار الذين بلغوا في السنّ غاية يرقّ لهم ويرحم عليهم، ويمكن أن يكون بالسن واحد الأسنان فيكون الكلام مجازا مرسلا علاقته جزئية إذ ذكر السنّ والمراد الجسد كله، والتعبير عن الشيخوخة برقّة السن نظير لوهن العظم في التعبير عن المعنى نفسه في قوله تعالى: «قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا» [مريم: 4]

س: هل المراد بلفظة التّافه في قوله علیه السلام: "فإنّك لا تعذر بتضييع التّافه لإحكامك الكثير المهمّ" صغائر الأمور أو قليلها أو حقيرها، وضّح ذلك مستعينا بالسّياق فضلا عن المعنى المعجميّ؟

يفاد من سياق القول إن التافه بمعنى القليل لأنه ذكر الكثير بعده ويبدو أنّ التافه يجمع بين القلة والخسّة معا إذ يقال: تفه الشيء کفرح تفها بالتحريك على القياس: قل وخسّ، فهو تفّه وتافه، وتفُه فلان تفوها وتفاهة إذا حمُق ورجل تافه العقل قليله.

ص: 331

س: أمر الإمام علیه السلام الوالي بأن يجعل للطبقة السّفلى قسما من بيت المال بقوله: "اجعل لهم قسما من بيت مالك"، فلماذا لم يستعمل لفظة (نصيبا) أو (حصّة) أو (حظّا) أو قسطا) بدلا عن (قسما)؟

إنّ الحصّة تعني القطع والظهور وأصلها من الحصص وهو أن يحص الشعر عن مقدم الرأس حتى ينكشف، قال تعالى: «قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ» [يوسف: 51] أي بان عن الباطل وانكشف فالحصّة تعنی التبيين والكشف بلا تكافؤ ولا مساواة وهو معنى لا يتضّمنه النصيب الذي يقتضي أن يكون عن مقاسمة متكافئة بين اثنين فأكثر، والفرق بين النصيب والحظ أن النصيب يكون في المحبوب والمكروه يقال وفاه الله نصيبه من النعيم أو من العذاب، ولا يقال حظّه من العذاب إلا على استعارة بعيدة لأنّ أصل الحظّ هو ما يحظّه الله تعالى للعبد من الخير، والنصيب ما نصب له ليناله سواء كان محبوبا أو مكروها.

والفرق بين النصيب والقسط هو أن النصيب يجوز أن يكون عادلا وجائرا وناقصا عن الاستحقاق وزائدا يقال نصيب مبخوس وموفور، والقسط الحصّة العادلة في الماديّات والمعنويّات من قولك أقسط إذا عدل.

وأما القِسم فكل ما كان عن مقاسمة متكافئة في المال وشبهه، وما لم يكن عن مقاسمة فليس بقسم فالإنسان إذا مات وترك مالا ووارثا واحدا قيل هذا المال كله حظّ هذا الوارث ولا يقال هو قسمه لأنّه لا مقاسم له فيه فالقسم ما كان من جملة مقسومة والحظّ قد يكون ذلك وقد يكون الجملة كلها. فالأليق بسياق القول في هذه الجملة أن يستعمل لفظ القسم لأن الكلام عن مال يتقاسم بالتساوي بين مستحقيه.

ص: 332

س: ما التّطوّر الدلاليّ الحاصل للفظة (العذر) الواردة في قوله علیه السلام: "فانّك لا تعذر بتضييع التّافه لإحكامك الكثير المهمّ".

في هذه اللفظة حصل رقيّ في الدلالة، لأنّ الأصل هو من العذرة وهو الشيء النجس، يقال: عُذّر الصّبيّ إذا طُهّر وأُزيلت عذرته، ثمّ انتقلت من إزالة العذرة إلى إزالة الذنب، فقيل: عذّرت فلانا: أزلت نجاسة ذنبه بالعفو عنه، كقولك غفرت له، أي: سترت ذنبه، وعذّر يفيد كثرة ترديد العذر، ويكون لغير المحقّ في عذره قال تعالى: «وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» [التوبة: 90] أمّا المحقّ في العذر فهو المعتذر، واعتذر يفيد الإتيان بالعذر أيضا ولكن على سبيل المبالغة والجهد قال تعالى: «يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» [التوبة: 94]، وعذرته المجرّد بمعنی قبلت عذره، وتعذّر: تكلّف العذر في الحجة لنفسه.

المستوى البلاغيّ

س: استخرج الفنون البلاغيّة المستعملة في النصّ المتقدّم؟

1. في النصّ فنّ الاقتباس، وهذا الفنّ من علم البديع وفي النصّ اقتباس من القرآن الكريم في موضعين: قوله علیه السلام: "فانّ في هذه الطّبقة قانعا ومعترّا"

ص: 333

وهذا اقتباس من قوله تعالى: «وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» [الحج: 36]. وكذا الاقتباس في قوله علیه السلام: "ولا تصعّر خدّك لهم" إذ هو من قوله تعالى: «وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ» [لقمان: 18]

2. في النصّ کنایات، ففي قوله علیه السلام: "الطّبقة السّفلى" كناية عن الفقراء والمساكين إذ عبّر علیه السلام بالسّفلى وهو فُعلى التفضيل مؤنّث أسفل؛ لأنّهم لا يشاركون طبقات المجتمع في تبادل المنافع، وتقديم الخدمات، نظرا إلى ظاهر حالهم عند الناس فهم عاجزون عن الاكتساب، وليس في ذلك انتقاص لهم، وإنّما من حيث المشاركة في المجتمع.

وفي قوله علیه السلام: "أهل البؤسي" كناية عن أصحاب الحاجة الذين هم في شدّة، وضائقة ماليّة "والزّمني" كناية عن أصحاب العاهات والأمراض المزمنة.

وقوله علیه السلام: "قانعا و معترّا" فانّ القانع هو السائل لحاجته ويرضى بما يعطى، أمّا المعتّرّ فهو كناية عن سيّئ الحال الذي لا يسأل بلسانه وإنّما يعرض نفسه في أماكن الترحّم، ولا يسأل، فكأنّه يسأل بلسان حاله.

وقوله علیه السلام: "ولا تصعّر خدّك لهم" كناية ن تكبّر الوالي، فانّه يميل وجهه عنهم كثيرا تشبيها بالمتكبّر، وهو مأخوذ من الصعر وهو داء يصيب البعير فیلوي منه عنقه، وصعّر تكلّف إظهار الصعر وتمثيل التصعير لأنّ مصاعرة الخدّ هيئة المحتقر المستخفّ في غالب الأحوال.

ص: 334

"ذوي الرقّة في السّنّ" كناية عن المعمّرين إلى أرذل العمر الذين أهلكتهم الشيبة فلا يقدرون على انجاز حوائجهم بأنفسهم. فهم بلغوا في الشيخوخة حدّا رقّ معه جلدهم وضعف عظمهم.

"العاقبة": كناية عن حسن الخاتمة و مجازاتهم خيرا، والانتقام من الظالمين.

"موعود الله" كناية عن رضا الله واستخلافهم في الأرض، ومجازاتهم بالجنّة.

3. في النصّ مجاز عقليّ في قوله علیه السلام: "ممّن تقتحمة العيون" إذ نسب إلى العيون الاحتقام، بعلاقة السّببيّة، فالعيون سبب في ايحاءات النّظر.

4. في النصّ تفصیل بعد اجمال في قوله علیه السلام: "الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين وأهل البؤسي والزّمني فانّ في هذه الطبقة قانعا ومعترّا" إذ أجمل علیه السلام هذه الأصناف بقوله: "الطّبقة السفلى" ثمّ فصّلهم بذكر المساكين والمحتاجين وأهل البؤسي والزمني والقانع والمعترّ، وان كان بعضهم يدخل في بعض الّا أنّه علیه السلام عدّدهم بحسب تعدّد صفاتهم لمزيد من العناية بهم، فلا يتثاقل الوالي عنهم. ومثل هذا نجده في قوله علیه السلام: "أهل اليتم وذوي الرّقّة في السّنّ ممّن لا حيلة له، ولا ينصب للمسألة نفسه" فمن لا حيلة له تفصيل لأهل اليتم، ولا ينصب نفسه للمسألة هو تفصيل لذوي الرّقّة في السّنّ ممّن لا يقوى على المجيء للسّؤال مع حاجته وفقره.

5. في النصّ استعمل الإمام علیه السلام أسلوب التّرغيب، بعبارات: "والحقّ كلّه ثقیل" ليوطّن نفس الوالي على تحمّل أعباء العمل بالحقّ، وكذا في "وقد يخفّفه الله على أقوام طلبوا العافية" إذ رغّبه علیه السلام في اتّباع هذا المنهج ناسبا تخفیف ثقل هذا الطريق إلى الله تعالى تشجيعا للوالي على استسهال الصعوبات على نهج من طلبوا العافية واستسهلوا ذلك.

ص: 335

6. في قوله علیه السلام: "وكلّ قد استرعيت حقّه" أسلوب إيجاز بالحذف إذ حذف المضاف إليه من (كلّ)، وتقدير الكلام: وكلّ الأصناف المذكورة بتفصيلاتها قد استرعيت حقّها، وهو حذف في محلّه إذ لا حاجة إلى إعادة ذكر مع تقدّمه.

ص: 336

المقطع الرابع عشر تقسيم أوقات الوالي معهد

قوله علیه السلام "وَاجْعلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ، وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً، فَتَتَواضَعُ فِيهِ لله الَّذِي خَلَقَكَ، وَتُقعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَشُرَطِكَ، حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَعْتِعٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ عَلَيْهِ السَّلامُ يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ: "«لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَعْتِعٍ". ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ وَالْعِيَّ، وَنَحِّ عَنْكَ الضِّيقَ وَالأنَفَ، يَبْسُطِ اللهُ عَلَيْكَ بَذلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ، وَيُوجِبُ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ، وَأَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً، وَامْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وَإِعْذَارٍ! ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لاَ بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا: مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُكَ، وَمِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ عِنْدَ وَرُودِهَا عَلَيْكَ مِمَّا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ.

وَأَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ، فإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيهِ، وَاجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ تعالى أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ، وَأَجْزَلَ تِلْكَ القْسَامِ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لله إِذَا

ص: 337

صَلَحَتْ فيهَا النِّيَّةُ، وَسَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ. وَلْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ لله بِهِ دِينَكَ: إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الَّتي هِيَ لَهُ خَاصَّةً، فَأَعْطِ اللهَ مِن بَدَنِكَ فِي لَيْلِكَ وَنَهَارِكَ، وَوَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِهِ إِلَى اللهِ مِنْ ذلِكَ كَاملاً غَيْرَ مَثْلُومٍ وَلاَ مَنْقُوصٍ، بَالِغاً مِنْ بَدَنِكَ مَا بَلَغَ.

وَإِذَا قُمْتَ فِي صلاَتِكَ لِلنَّاسِ، فَلاَ تَكُونَنَّ مُنَفّرِاً وَلاَ مُضَيِّعاً، فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ وَلَهُ الْحَاجَةُ. وَقَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى الَيمنِ كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ؟ فَقَالَ: "صَلِّ بِهِمْ كَصَلاَةِ أَضْعَفِهِمْ، وَكُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً"

المعنى العامّ

بعد أن فرغ علیه السلام من وصف النّظام العامّ وتقرير القوانين التشكيلات الدّولة وتنظيم أمر طبقات الامّة، توجّه إلى بيان ما يرتبط بالوالي نفسه في ثلاث نقاط:

الاولى: ما يلزم على الوالي بالنسبة إلى عموم من يرجع إليه في حاجة ويشكو إليه في مظلمة فوصّاه بأن يعيّن وقتا من أوقاته لإجابة المراجعين إليه وشرط عليه:

1. أن يظهر لهم في مكان يصلون إليه بلا حاجب ويأذن للعموم من ذوی الحاجات في الدخول عليه.

2. أن يستقبلهم بتواضع وحسن خلق مستبشرا برجوعهم إليه في حوائجهم.

ص: 338

3. أن يمنع جنده وأعوانه من التعرّض لهم وينحّى الحرس والشّرط الّذين يرعب النّاس منهم عن هذه الجلسة ليقدر ذوو الحاجة من بیان مقاصدهم وشرح مآربهم ومظالمهم بلا رعب وخوف وحصر في الكلام.

4. أن يتحمّل من السّوقة والبدويّين خشونة آدابهم وكلامهم العاري عن كلّ ملاحة وأدب.

5. أن لا يضيّق عليهم في مجلسه ولا يفرض عليهم آدابا يصعب مراعاتها ولا يلقاهم بالكبر وأبهّة الولاية والرّياسة.

6. أن لا يقرن عطاءه لهم بالمنّ والأذى والخشونة والتآمّر حتّى يكون هنيئا وإن لم يقدر على إجابة ما طلبوا يردّهم ردّا رفيقا جميلا ويعتذر عنهم في عدم إمكان إجابة طلبتهم.

الثانية: ما يلزم عليه فيما بينه وبين أعوانه و عمّاله المخصوصين به من الكتّاب والخدمة كما يأتي:

1. يجيب عمّاله وكتّابه في حلّ ما عجزوا عنه من المشاكل الهامّة.

2. يتولّى بنفسه إصدار الحوائج الّتي عرضت على أعوانه ويصعب عليهم إنفاذها لما يعرض عليهم من التّرديد في تطبيق القوانين أو الخوف ممّا يترتّب على انفاذها من نواح شتّی.

3. أن لا يؤخّر أىّ عمل عن يومه المقرّر ويتسامح في إمضاء الأمور في أوقاتها المقرّرة.

الثالثة: ما يلزم عليه فيما بينه وبيّن الله فوصّاه بأمرين رئيسين:

1. إنّ الولاية بما فيها من المشاغل و المشاكل لا تحول بينه وبين ربّه وأداء ما

ص: 339

يجب عليه من العبادة والتوجّه إلى الله، فقال علیه السلام: اجعل أفضل أوقاتك وأجزل أقسام عمرك بينك وبين الله في التوجّه إليه والتضرّع والدعاء لديه وإن كان كلّ عمل من أعمالك عبادة للهّ مع النيّة الصالحة وإصلاح حال الرّعيّة.

2. أن يحرص على إقامة الفرائض المخصوصة، وإن كانت شاقّة ومتعبة لبدنه كالصّوم في الأيّام الحارّة، والصّلاة بمالها من المقدّمات في شدّة البرد وفي الفيافي والأسفار الطائلة بحيث لا يقع خلل فيها يؤدّيه من الأعمال ولا منقصة فيه من التّسامح والإهمال.

المستوى الصوتيّ

س: ما الايحاء الصوتيّ الذي يحمله التّكرار المقطعيّ في لفظة (تعتع) في قوله علیه السلام: "حتى يكلّمك متكلّمهم غير متعتع"؟

أفضل ما قيل في تأصيل الرباعيّ المضاعف في العربيّة الذي تشابه فيه الحرفان الأول والثالث والحرفان الثاني والرابع هو إنه أصل مركّب من أصلين ثنائيين متشابهين وهذا التشابه المقطعيّ في الرباعي المضاعف أكسب اللفظة معنی مردّدا متواليا فكأن الفعل يردّد مرّة بعد أخرى حتّى الفراغ وتكاد تطبق أقوال المفسّرين والمعجميّين على أنّ أمثلة الرباعيّ المضاعف الواردة في القرآن الكريم تفيد الدلالة في الأصل على ترجيع الحدث مرّة بعد أخرى وصولا إلى اکتماله، وهذا يعضد نشأتها من أصل ثنائيّ کُرِّر تکریرا جزئيّا تارة فدلّ على

ص: 340

اكتمال الحدث في الأصول الثلاثيّة وتكريرا تاما تارة أخرى في الأصول الرباعية ليدلّ على تكرير ذلك الحدث وترجيعه مرة بعد أخرى، فلفظة (صرصر) في قوله تعالى: "«وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ» [الحاقة: 6] أصلها الثنائي (صرّ) الذي ينشأ منه بعد تكريره جزئيا المضعّف (صرّ)، ومعناه جمع الشيء بشدّة حتى يسمع له صوتا، ومنه قوله تعالى: «فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ» [الذاريات: 29] ومعنى (في صرّة) في صيحة ولم تُقبل من موضع إلى موضع إنما هو كقولك أقبل يشتمني أي أخذ يشتمني فكأنّها اقتربت منه واجتمعت إليه ثم صاحت، والصرّة الجماعة المنضمّ بعضهم إلى بعض كأنهم صُرّوا أي جُمعوا في وعاء. ويكرّر الأصل الثنائي تكريرا تامّا فينشأ منه (صرصر) وهو ترجيع لمعنى جمع الشيء بشدة حتى تسمع له صوتا و جلبة، فالريح وصفت بالصرصر في الآية لأنّها متكرّر فيها البرد كما تقول قد قلقلت الشيء وأقللت الشيء إذا رفعته من مكانه إلا أنّ قلقلته رددته أي كررت رفعه وأقللته رفعته فليس فيه دليل تكرير، وكذلك صرصر وصرّ إذا سمعت الصوت غير مكرّر قلت قد صرّ وإذا أردت أن الصوت تكرر قلت: صرصر، وكذا التعتعة لأنها عيب نطقيّ وعيّ في الكلام يردّد فيه المتكلم الحروف مرّة تلو الأخرى في أثناء النطق.

س: ما أثر تعاقب الصّائت (الفتح والكسر) على فاء لفظة (الضّيق) في قوله علیه السلام: "ونحّ عنهم الضّيق والأنف"؟

الفتح يمنح اللفظة دلالة عامّة لإطلاقه في مجرى النطق دون تغيير مجری الهواء أو وضع اللسان والشّفتين وأعضاء النّطق الأخرى، أمّا الكسر ففيه عمل زائد على ما في الفتح بانسدال الحنك نحو الأسفل وتضييق المخرج عن شجر

ص: 341

الفم، وهذه الصّفات الصوتيّة ألقت بظلالها على المعاني الدّقيقة للفظة الواحدة، وصار الفتح يدلّ على عموم الحدث فيراد به المصدريّة، على حين يدلّ الكسر على الاسميّة على وفق ما سبقت الإشارة إليه في الفرق بين الشَّرب والشِّرب والشُّرب، ففي لفظة (الضَّيق) يدلّ الضائت القصير (الفتح) على عموم معنی مخالفة الاتّساع، فهو يشمل المادّيات والمعنويّات معا. أمّا الضِّيق بالكسر فهو خاصّ بالمادّيات، نحو: ضيق المكان أو المعاش، أي الحالة الماديّة. وفي قوله علیه السلام في هذا النصّ على الكسر، يراد به أمر الوالي أن لا يضيّق عليهم في مجلسه ولا يفرض عليهم آدابا يصعب مراعاتها، فهذا ضيق مادّي، أمّا الجانب المعنويّ فعبرّ عنه الإمام علیه السلام بلفظة الأنف، أي: أمره للوالي أن لا يتكبّر عليهم ولا يلقاهم بأبّهة الرياسة والولاية، ولو جاء اللفظ بالكسر لفهم نهي الوالي عن أن يكون صدره ضيّقا بهم، وهذا أمر نفسيّ قد لا يكون ظاهرا أمامهم أو ظهوره ينعكس بالتّكبّر عليهم وهو ما ذكره علیه السلام معطوفا على لفظة الأنف، ونظير هذا التّوجيه الصوتيّ للفظة الضّيق، ما ذُكر في تفسير قوله تعالى: «وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ» [النمل: 70] إذ قرأ الجمهور بالفتح وابن كثير بالكسر، وفسّر الفتح بأنّه ضيق الصّدر أي: الضّيق المعنويّ كما في قوله تعالى: «فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ» [هود: 12]، فالله تعالى نهى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يضيق صدره لما يلقى من أذى المشركين على تبليغه ايّاهم الوحي، وهو مستعار للجزع والكدر، وإنّما تكسر الضّاد في الشّيء المعاش وضيق السّكن.

ص: 342

المستوى الصرفيّ

س: استخرج الأفعال المزيدة، واذكر أحرف الزيادة فيها، وبيّن دلالتها الصرفيّة؟

1. تتواضع: مضارع من تواضع على زنة تفاعل، مزید بالتاء والألف، والزيادة أفادت الإظهار، أي: أظهر التذلّل وعدم التكبّر والمجرّد وضع يضع وضعا على الباب الثالث دالّ على الخفض.

2. تُقعد: مضارع من أقعد على أفعل، مزید بهمزة القطع التي أفادت التعدية لأنّ المجرّد لازم، قعد عن جلوس يقعد على الباب الأوّل، وأقعد عنهم جنده،

3. يكلّمك: مضارع من كلّم على زنة (فعّل) بتضعیف العين، وأغلب المعجمييّن على أنّ هذا الفعل لا مجرّد له، کلّمه أي: حدّثه وخاطبه تکلیما وكلاما. أمّا المجرّد فهو بمعنى الجرح، كلمه كلما بفتحتين على الباب الثاني أي: جرحه فهو مكلوم، ومن المعجمييّن من جعل الكلام من المجرّد كلم لأنّ كليهما مدرك بإحدى الحاسّتين، فالكلام مدرك بحاسة السّمع والكلم بحاسّة البصر، يقال: جرح اللسان كجرح اليد.

4. تُقَدَّس: فعل مضارع مبنيّ للمجهول، من المجرّد تقدّس على تفعّل مزید بالتاء وتضعيف العين، والزيادة أفادت التدرّج، قدس الشيء قداسة على الباب الخامس: طهر وقدّست الله: نزّهته عمّا لا يليق بألوهيّته،

ص: 343

وتقدّس: تطهّر، وتقدّس الله: تنزّه.

5. احتمل: فعل أمر من احتمل المزيد بهمزة الوصل والتاء، والزيادة أفادت المبالغة، حمل الشّيء واحتمله، وفي النصّ احتمل الخرق.

6. أمض: فعل أمر من أمضى على زنة أفعل المزيد بهمزة القطع، وحذفت لامه لجزمها بصيغة الأمر، والزيادة أفادت التعدية، مضى الشيء يمضي مضيّا، وأمضى الأمر: أبعده،

7. تقرّبت: فعل ماض على تفعّل مزيد بالتاء و تضعیف العين، والزيادة أفادت التدرّج في القرب إلى الله تعالى.

8. وجّهني: فعل ماض على فعّل، مزید بتضعیف العين، والزيادة أفادت التعدية إذ المجرّد لازم، وجه الرجل وجاهة على الباب الخامس: صار وجيها، أي: ذا جاه و قدر، ووجّهه في حاجة فتوجّه، وواجهت فلانا: جعلت وجهي لقاء وجهه، أي: الاشتراك في ذلك.

9. تُخلص: مضارع من أخلص، مزید بهمزة القطع التي أفادت التعدية، خلص الشيء خلوصا على الباب الأوّل: صار خالصا، وهو تنقية الشيء وتهذيبه قال تعالى: «فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ» [یوسف: 80]، أي: انفردوا خالصين عن غيرهم، وخلّصه من كذا فخلص.

س: استخرج جموع التكسير الواردة في النصّ، واذكر مفرداتها؟

1. أعوانك: جمع قلّة على زنة أفعال، ومفرده (عون) معتلّ العين، والعون

ص: 344

هو الظّهير على الأمر، اسم جمع إفراديّ يطلق على الواحد والجمع، فالعون هو المعين المساعد المظاهر، والعون العسكريّ هو المدّ والنجدة.

2. أحراسك: جمع قلّة على زنة أفعال، مفرده حَرَس، اسم جمع لا واحد له من لفظه نحو: ركب وصحب، قال تعالى: «وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا» [الجن: 8]. أو مفرده على مذهب الأخفش حارس وهو حافظ المكان.

3. شُرَطك: فُعَل، جمع كثرة مفرده: شُرطة، وشُرطة اسم دالّ على الجمع، نحو عُصبة وأمّة وثلُّة، وقيل إنّ الشُّرط اسم جنس مفرده شرطيّ، وسموا شرطا لأنّهم جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها من قولهم: أشرط من إبله وغنمه، أي: أعدّ منها شيئا للبيع، والشَّرْط: العلامة جمعها أشراط قال تعالى: «فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ» [محمد: 18].

4. أكناف: أفعال جمع قلّة مفرده کَنَف، وهو الجانب يقال: كنفه يكنفه، أي : حاطه وصانه.

5. مواقيت: مفاعیل جمع ميقات على زنة (مِفعال) وهو من الوقت فقلبت الواو ياء، وقته على الباب الثاني فهو موقوت، إذا بيّن له وقتا. وكذا وقّت الله الصلاة: حدّد لها وقتا، فالوقت مقدار من الزمان قدّر لأمر ما. والميقات هو الوقت المضروب للشيء، میقات الصلاة موعدها، والآخرة ميقات الخلق: موعدهم، فالميقات: الوعد الذي جعل له وقت قال تعالى: «إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا» [النبأ: 17]، وقد يقال الميقات للمكان الذي يجعل وقتا للشيء كميقات الحجّ.

ص: 345

س: زن الألفاظ الآتية وزنا صرفیّا محكما، مع ذكر دلالتها الصرفيّة؟

1. متتعتع: متفعلل، اسم فاعل من تتعتع على تفعلل، نحو تدحرج فهو متدحرج، فعل خماسيّ مزيد بالتاء، والزيادة تفيد المطاوعة، يطاوع فعلل الرباعيّ المجرّد، يقال: تعتع في كلامه: تردّد فيه، من عيّ ونطق بصعوبة وتقطّع، وتعتع الباب: حرّكه بعنف وشدّة، وتعتع الشيء تعتعة: قلقله وحرّکه بعنف فتتعتع تتعتعا، وهو تكرار مقطعي ل(تع) المضعّف يتعّ على الباب الثاني تعّا وهو الحركة العنيفة، وقد تعتعه إذا عتله وأقلقه، وهي تعتعة وتلتلة أيضا، وهو أن تقبل به وتدبر به وتعنّف عليه في ذلك.

والحديث الذي تمثّل به الإمام علیه السلام يروى في المعجمات بصيغة اسم المفعول (غير متعتَع) من الرباعي المجرّد لا من المزيد بالتاء بمعنى أنّه أكره في شيء حتى يقلق ويتعتع. وإنّما ورد في النصّ بالمزيد دلالة على أنّ ما فيه من صعوبة إبداء حاجته هو ردّ فعل منه محتوم بسبب تصرّف من الوالي أو جنده.

2. العِيّ: مصدر على فِعْل خاصّ في الكلام، من عيي يعيا في منطقه، اذا حصر، وهو ضدّ البيان فهو عييّ أي عاجز عن البيان، أمّا العجز في التصرّف فهو من عيي أو عيَّ بالأمر - الادغام أكثر - يعيا عَيّا على الباب الرابع إذا لم يهتد لوجه مراده أو عجز عنه ولم يطق إحكامه فهو عيّ، وأعيا الماشي: كلّ وتعب قال تعالى: «أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ» [ق: 15] «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» [الأحقاف: 33].

3. الخُرق: اسم من خرق يخرق على الباب الرابع خرقا فهو أخرق وخرق

ص: 346

وهي خرقاء، وهو الحُمق وهو أمر معنويّ له أصل ماديّ من الباب الثاني خرَق يخرِق خَرقا: قطع الشيء على سبيل الفساد، مأخوذ من خرق الثوب: شقّه وتمزيقه وخرق الحائط جعل فيه ثقبا، وخرق الأرض: جوبها، واختراق الريح: مرورها، ومن ملحظ العنف في احداث الشّقّ الماديّ ورد هذا الفعل في الرجل الذي لا يرفق بالآخرين في كلامه فهو جاهل لا يحسن عمله وتصرّفه وفي الحديث: "الرفق يمن والخرق شؤم".

4. الأَنَف: مصدر على فَعَل من أَنِف منه يأنف على الباب الرابع أنفا وأنفة: استنکف، وأصل هذا المعنى من الأنف، وهو الجارحة المعروفة إذ تنسب الحميّة والغضب أو الذّلّة إليه، فإذا شمخ بأنفه فعل فّعل المتكبّر، واذا ترب أنفه فعل فعل الذليل، ولمّا كان الأنف بارزا من الوجه كأنّه أوّله قيل: أنف كلّ شيء أوّله، واستأنف الشيء: أخذ بأنفه أي: مبدأه، ومنه: روضة أُنُف أي: لم يرعها أحد.

5. هنيئا: صفة مشبّهة على فعيل، وتذكر المعجمات أنّه من الباب الرابع أو الخامس سواء، ويبدو أنّه من الباب الرابع لأنّه في المادّيّات من الأشياء، يقال: هنِئت الماشية تهنأ هنَأ وهنْأ بفتح وسكون: أصابت حظّا من البقل، وهنِئ الطعام: ساغ، وأمّا هنُؤ الأمر فهو من الباب الخامس يهنُؤ هناءة، وهو ما أتاك بلا مشقّة. والهنيء في النصّ من الباب الرابع لأنّه عطاء الوالي لذوي الحاجة قال تعالى: «وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا» [النساء: 4]

6. مباشرتها: مصدر على مفاعلة من باشر على فاعل، مزید بالألف، يدلّ

ص: 347

على المشاركة المعنويّة للأمور، فهو يلامس أمور عمّاله بنفسه لا بوساطة غيره فهو يليها دون غيره، والأصل فيها المباشرة المادّيّة، وهو الافضاء بالبشرتين، وكنّى بها عن الجماع في قوله تعالى: «فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ» [البقرة: 187] لأنّ البشرة هي ظاهر جلد الإنسان.

7. إجمال: مصدر على إفعال من أجمل في كلامه أي: اعتدل فلم يفرط، وأجمل الصّنيعة: حسّنها وكثّرها، فالزيادة أفادت التعدية إلى المفعول بواسطة حرف الجرّ؛ لأنّ المجرّد لازم من الباب الخامس: جمل الشيء جمالا: كثر حسنه فهو جميل، وأجمل في الشيء: حسّنه، ومن ملحظ كثرة الحسن سمّي الجمل بذلك لحسنه الشّديد في نظرهم واذا كبر البعير سمّي جملا أي نبت شعره، وأصل الجميل عند العرب الشّحم المذاب، ومن ملحظ الكثرة قيل للجماعة غير المنفصلة: جملة، والمجمل ما يحتاج إلى بيان لأنّه مشتمل على جملة أشياء كثيرة غير مفصّلة.

8. النّيّة: فِعلة من نوى الشيء ينوي على الباب الثاني نيّة، أي قصده، والنّيّة والنوى: الوجه الذي ينويه المسافر من قرب أو بعد، والنوى: التّحوّل من مكان إلى مكان آخر أو من دار إلى غيرها، والنوى: البعد، والناحية يذهب اليها، ونواك: قصدك، ونيّة: الوجه يذهب فيه وينويه المسافر.

9. منفّر: مفعّل، اسم فاعل من نفّره، المزيد بتضعیف العين، والزيادة أفادت التعدية، نفر عن الشيء ينفر نفورا، أي: الانزعاج عن الشيء والابتعاد عنه قال تعالى: «وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا» [الإسراء: 41].

10. مضيّع: مفعّل، اسم فاعل من ضيّعه، المزيد بتضعیف العين، التي تفيد

ص: 348

التعدية، ضاع الشيء يضيع ضياعا، أي: ذهب وفقد، وضاع المال: تلف، وأضعته وضيّعته، «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى» [آل عمران: 195].

11. أجزلُ: أفعلُ، اسم تفضيل من جزُل یجزُل جزالة على الباب الخامس، أي: عظم وكثر، وجزُل اللفظ: استحكمت قوّته. وفي النصّ أجزل الأقسام، أي: أكثرها وأعظمها، وهذا الفعل في الأصل من جزَل يحجزِل الشيء على الباب الثاني جزلا إذا قطعه قطعا عظيما. ثمّ استعير للكثرة على الباب الخامس، فالجزل: ما عظم من الحطب ويبس، وجاء أيضا على الباب الرابع في الداء، وهو من قولهم: جزِل البعير جزلا: حدثت في غاربه دبرة لا تبرأ فهو أجزل وهي جزلاء.

المستوى النحويّ

س: لم نصبت الألفاظ (مجلسا، هنيئا، غير متتعتع، کاملا، خاصّة، بالغا، منفّرا، الخرق، بينك، حين)؟

1. مجلسا: منصوب على أنّه مفعول مطلق؛ لأنّ مجلسا مصدر ميميّ، ويجوز أن يكون منصوبا على أنّه مفعول فيه إذا أريد بمجلس اسم المكان.

2. هنيئا: حال من الإعطاء، ويجوز أن يعرب تمييزا رافعا للإبهام عن النّسبة.

3. غير متتعتع: غير، منصوب على أنّه حال من المتكلّم، وهو مضاف، ومتتعتع مضاف إليه، والإضافة أفادت التخصيص لا التعريف، وأمّا

ص: 349

(غير مثلوم) في "ووفّ ما تقربت به إلى الله سبحانه من ذلك كاملا غير مثلوم" فحال ثانية و (بالغا) حال ثالثة.

4. کاملا: حال من المتقرّب به؛ لأنّ (ما) في "ما تقرّبت" موصولة بمعنی الّذي في محل نصب مفعول به ل(وفّ) الذي يعرب فعل أمر مجزوم بحذف الياء وفاعله مستتر فيه،

5. خاصّة: حال من (إقامة الفرائض) في قوله علیه السلام: "وليكن في خاصّة ما يخلص به لله دينك إقامة فرائضه التي هي له خاصّة"

6. بالغا: حال ثالثة من المتقرّب به ولذا نصب اسم الفاعل (بالغا) مفعولا وهو (ما) الاسم الموصول، وصلتها (بلغ) فعل ماض مبنيّ وفاعله مستتر.

7. منفّرا: خبر (كان)، واسمها هو الضمير المستتر في (تكوننّ) وهو فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، وبني على الفتح لاتّصاله بنون التّوكيد الثّقيلة.

8. الخرق: منصوب لأنّه مفعول به لفعل الأمر (احتمل).

9. بينك: ظرف مکان متعلّق بكون محذوف يعرب صلة ل(ما) الموصولة، والتقدير: في ما هو كائن بينك، و (بين) معطوف على الأولى.

10. حين: ظرف مبني على الفتح أنّه مفعول فيه مضاف، والجملة بعده في محل جرّ مضاف إليه.

س: اذكر الوجه الإعرابيّ لرفع الألفاظ الآتية: أمور، إجابة، اقامة، العلّة، حقّه، صدور؟.

1. أمور: مرفوع على أنّه مبتدأ، وخبره محذوف تقديره: هنا أمور، أو هناك

ص: 350

أمور أو هذه أمور، وإنّما جاز الابتداء بالنكرة لأنّ الخبر المحذوف مقدّم عليها،

2. إجابة: مرفوع على أنّه مبتدأ، وهو مضاف إلى عمّالك، والخبر مقدّم وهو الجارّ والمجرور (منها).

3. إقامة: مرفوع على أنّه اسم ل(یکن)، مضاف إلى فرائضه، والجارّ والمجرور (في خاصّة) متعلق بمحذوف تقديره (کائنة) يعرب خبرا الكان، وقدّم الجار والمجرور على اسم كان في قوله علیه السلام: "وليكن في خاصّة ما يخلص به لله دينك إقامةُ فرائضه التي هي له خاصّة".

4. العلّة: مرفوع على أنّه مبتدأ، و(به) جارّ ومجرور متعلّق بالخبر المقدّر، أي: العلّة كائنة به، والجملة الاسميّة من المبتدأ والخبر صلة للموصول (من) الذي يعرب اسما ل (إنّ) في "فإنّ في النّاس من به العلّة".

5. حقّه: مرفوع على أنّه نائب فاعل للفعل (يؤخذ) وهو مضاف والهاء مضاف إليه.

صدور: مرفوع على أنّه فاعل للفعل (تحرج) في: "بما تحرج به صدور أعوانك " أي: تضيّق، من حرج صدره يحرج على الباب الرابع.

س: ما المحلّ الإعرابيّ للمبنيّات الآتية:

1. (بُدّ) في: "لابدّ لك من مباشرتها"،

(بدّ): اسم (لا) النّافية للجنس، مبنيّ على الفتح في محلّ نصب، و (لك) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف يعرب خبر (لا) النافية للجنس، أي: لا بدّ حاصلة لك، وجملة (لا بدّ من مباشرتها) في محلّ رفع صفة له (أمور)

2. (ما) في: "وإنّ لكلّ يوم ما فيه" وفي: "وأعط ما أعطيت"

ص: 351

(ما): اسم موصول مبنيّ على السّكون في محل نصب اسم إنّ، و (فيه) صلة ل (ما)، و (ما) في "وأعط ما أعطيت" يجوز أن تكون موصولة في محلّ نصب مفعول به أول، والمفعول الثاني محذوف تقديره: المحتاجين، والفعل بعدها صلتها. ويجوز أن تكون مصدريّة، وهي والفعل بعدها مصدر مؤوّل في محلّ نصب مفعول مطلق، أي: وأعط إعطاء هنيئا.

3. (تلك) في "أفضل تلك الأقسام".

(تلك): اسم إشارة للمؤنّث وهو (المواقیت) مبنيّ في محلّ جرّ بإضافة (أفضل) إليه، والمواقیت بدل من اسم الإشارة،

4. الّتي في "التي هي له"

(التي): اسم موصول مبنيّ في محل جرّ صفة ل (فرائضه)، و (هي): مبتدأ، و (له) خبرها، والجملة الاسميّة من المبتدأ والخبر صلة الموصول.

5. كيف في "كيف أصلّي بهم"،

كيف: اسم استفهام مبنيّ في محل نصب حال، و (أصلّي) مضارع مرفوع بالضّمّ المقدّر على الياء للثّقل.

6. الّذي في: "فتتواضع فيه لله الذي خلقك"

(الذي): اسم موصول مبني في محل جر صفة للفظ الجلالة.

س: ما المحلّ الإعرابيّ للجمل الآتية:

1. "حتى يكلّمك متكلّمهم"

جملة في محلّ جرّ بحرف الجرّ (حتى) الذي يفيد الغاية. والفعل يكلّمك: منصوب بأن مصدريّة مضمرة بعد حتى، والكاف في محلّ نصب مفعول به،

ص: 352

ومتكلّمهم فاعل،

2. "يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته"

جملة في محلّ جزم جواب الطّلب لأنّها واقعة في سياق الأمر: ثمّ احتمل، و نحّ، والفعل المضارع (يبسط) مجزوم بالسكون، وحرّك بالكسر منعا لالتقاء سكون الجزم بسكون اللام في (لفظ الجلالة).

3. "لا يؤخذ للضعيف فيها حقّه من القويّ"

جملة في محلّ رفع صفة للنكرة (أمّة).

س: أين مفعول القول في : "يقول في غير موطن..."، و أين مفعولي أعط في "فأعط الله من بدنك في ليلك ونهارك"؟

جملة "لن تقدّس أمّة لا يؤخذ فيها للضعيف حقّه من القوي غير متتعتع" في محلّ نصب مقول القول. والمفعول الأوّل ل (أعط الله) هو لفظ الجلالة، و (بدنك) هو المفعول الثاني، ومن زائدة للتبعيض والتقدير (بعضا من بدنك).

المستوى المعجميّ

س: في النصّ المتقدّم وردت لفظة القُدس، فهل هي ملازمة لمعنى الطُّهر، أم ثمّة فرق بينهما، وضّح ذلك؟

التقديس إزالة الخبث المعنويّ الكامن في النفوس بخلاف التطهير الذي قد يعني إزالة النجاسة المحسوسة، وقوله (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) أي نطهر الأشياء ارتساما لك و قيل: نقدّسك أي؛ نَصِفك بالتقديس، وقوله تعالى:

ص: 353

«قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ» [النحل: 102] يعني به جبريل علیه السلام من حيث إنه ينزل بالقدس من الله أي بما يطهّر به نفوسنا من القرآن والحكمة والفيض الإلهي، والبيت المقدس هو المطهر من الشرك، وكذلك الأرض المقدّسة. أما الطهارة فتكون في الخلقة والمعاني لأنها تقتضي منافاة العيب يقال فلان طاهر الأخلاق وتقول المؤمن طاهر مطهر يعني أنه جامع للخصال المحمودة، والكافر خبیث لأنه خلاف المؤمن وتقول هو طاهر الثوب والجسد. وخلاف الطهارة الرجس والنجس قال تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [الأحزاب: 33]

س: هل يمكن استبدال لفظة الجسم أو الجسد بلفظة البدن الواردة في قوله علیه السلام: "فأعط الله من بدنك"؟

سبق ان ذكرنا الفرق بين البدن والجسم والجسد في المقطع التاسع.

س: قال علیه السلام: "ووفّ ما تقرّبت به إلى الله سبحانه من ذلك کاملا غير مثلوم" فهل الثلم رديف الكسر، أم هناك فرق بين اللفظتين؟

الثلم فصل طرف الشيء ويكون في الجرم الرخو کالرغيف و نحوه أما الكسر فليس له موضع معيّن من الجرم الذي لا يكون إلّا صلبا کالحجر والزجاج ونحو ذلك.

س: نبّه الإمام علیه السلام إلى ضرورة مراعاة المرضى في إمامة الصلاة بقوله: "فانّ في الناس من به العلّة" فهل المرض والعلّة والسّقم والداء كلّها بمعنى واحد، وضّح ذلك معجميّا؟

ص: 354

العِلَّةُ بمعنى المرض مشتقة من العلَلُ وهو الشربُ الثاني. يقال: عَلَلٌ بعد نَهَلٍ. وعلَّهُ يَعِلُّهُ ويَعِلُّهُ، إذا سقاه السقية الثانية. كأنَّ تلك العلَّةَ صارت شُغلاً ثانياً منَعَت العليل من شُغله الأول. وهذا المعنى ملائم لاختيار العبارة في هذا المقطع لأنّ العلّة شغلت صاحبها عن عمله الرئيس وهو الصلاة.

أما السَّقم فهو المرض المختصّ بالبدن قال تعالى: «فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ» [الصافات: 145] وهو يقعد بصاحبه عن أيّ عمل كما في خبر نبيّ الله إبراهيم علیه السلام لمّا رام هدم الأصنام «فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ» [الصافات: 89] کي يقعد في البلدة ولا يخرج مع قومه للعمل، والمرض قد يكون في النفس كالجبن والبخل والنفاق قال تعالى: «فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا» [البقرة: 10] فهذا مرض في النفس، وقد يكون في البدن كما في قوله تعالى: «وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ» [الفتح: 17]، وأما الداء فمرض ينتقل من أحد إلى آخر أي يدور بين الناس وأصله في الجوف وقد يطلق على سائر أعضاء البدن يقال: رجلٌ دَوٍ بكسر الواو، أي فاسد الجوف من داءٍ؛ وامرأةٌ دَوِيَةٌ. ودَويَ صدره أيضاً، أي ضَغِنَ. والملحظ الانتقال والشيوع في اشتقاق الداء اشتق منه دویّ الريح والشجر فقالوا: دوّت الريح أي انتقلت وسمع صوتها.

س: تتبّع تطوّر دلالة لفظة الصلاة معجميّا وفق المنهج التاريخي؟

انّ الأصل في هذه اللفظة من الصلا، وهو وسط الظّهر من الإنسان والدّواب، يقال: صلّى الفرس في السّباق: جاء مصلّيا، وهو الثاني في السّباق، أي الذي يتلو السّابق؛ لأنّ رأسه عند صلوي السابق أي مغرز ذنبه، وتحريك الصّلوين وهما العظمان النّاتئان أسفل الظهر كان من الكفّار لتعظيم أصنامهم، ثمّ انتقل هذا اللفظ من المعنى الماديّ في تحريك الظهر إلى المجرّد، وهو الدّعاء

ص: 355

أثناء عبادة الأصنام وطلب الحوائج منها. ثمّ ارتقى هذا المعنى في زمن البعثة النبوية من الدّعاء بالباطل إلى الدّعاء الحقّ وهو الدّعاء من الله تعالى لأنّه الخالق وهو المعبود بحقّ. والصّلاة لهذا اسم مصدر من صلّى ولا يقال تصلية لأنّها اسم وضع موضع المصدر، صلّى صلاة بمعنی دعا، والصّلاة من الله رحمة وتزكية لأنّ الصّلاة الانعطاف، فصلاته تعالى انعطافه على الرسول بالرحمة انعطافا مطلقا، ومن النّبيّ على المؤمنين استغفار ومن الملائكة على النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم استغفار ومن النبيّ لأمّته دعاء لهم ومن المسلمين على النبيّ دعاء إذ انّه بالصلاة على النبيّ تنال الرحمة. ثمّ تخصّصت دلالة هذه اللفظة بالحركات المعلومة في التّشريع الإسلاميّ من سجود و رکوع وقنوت إذ هي العبادة المخصوصة تسمية للشيء باسم بعض ما يتضمّنه.

وثمّة أصل آخر هو الصلي، أي حرّ النار، صليت العود بالنار على الباب الرابع صَلَى بفتحتين: أحرقته، «وَيَصْلَى سَعِيرًا» [الانشقاق: 12]، وحاول بعض اللغويين أن يجعل الصّلاة بمعنى الدّعاء من هذا الأصل، فذهب إلى أنّ صلّى الرجل بمعنى السّلب أي: أزال عن نفسه بهذه العبادة الصلي وهو نار الله الموقدة.

المستوى البلاغيّ

استخرج الفنون البلاغيّة المبرّزة في النصّ

1. في النصّ اقتباس من الحديث النبويّ الشّريف، وهو أسلوب يستلزم

ص: 356

استمالة نفس المخاطب إلى القيام بما أمر به امتثالا للرسول صلى الله عليه وآله.

2. في قوله علیه السلام: "تفرّغ فيه شخصك" كناية عن الجدّ في متابعة قضايا الرّعيّة؛ والشخوص وهو الارتفاع، فالشّخص سواد الإنسان وغيره یری من بعيد لأنّه يرتفع واقفا، ويقال: أشخص الرامي إذا جاز سهمه الغرض من أعلاه، وشخص البصر: توسّع بلا حركة - فمراد الإمام علیه السلام أن يكون الوالي هو من يقابل هؤلاء دون غيره، ويكون في أتمّ الاستعداد لذلك.

3. في قوله علیه السلام: "وله الحاجة" كناية عن أصحاب الحرف والعمّال الذين يشتغلون بصناعتهم، وهم غير متفرّغين، أي مرتبطين بأوقات عملهم.

4. في قوله علیه السلام: "التي هي له خاصّة" كناية عن العبادات من صيام وصلاة، وهي من الفرائض التي لا يطّلع عليها سوى الله تعالى، والتي من شأنها أن تقوّي إيمان الوالي وتورثه الورع والتّقوى، وكذلك هذه الكناية وردت بعبارة أخرى هي: "أعط الله من بدنك" أي: اجتهد في الصّلاة والقيام لله.

5. في النصّ "وصلّ بهم صلاة أضعفهم" تشبيه من النّوع المجمل إذ ذكر المشبّه وهو صلاة الوالي والمشبّه به صلاة الأضعف من رعيّته، وأداة التّشبيه الكاف، أمّا وجه الشّبه فلم يذكر وذلك لدلالة السّياق عليهم، فصلاة الأضعف تكون قصيرة في الآيات التي تقرأ فيها فضلا عن تقصير مدّة الرّكوع والسّجود واختصار الدّعاء في القنوت.

6. في النصّ طباق إيجاب في قوله علیه السلام: "في ليلك ونهارك" ولم يقل في يومك

ص: 357

لإرادة شمول اليوم كلّه في العبادة.

7. في النصّ استعمال ما يعرف بأسلوب الحكيم، وهو تقديم النّصح بطريقة السّؤال والجواب، وذلك واضح في قوله علیه السلام: "وقد سألت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم حين وجّهني إلى اليمن: كيف أصلّي بهم، فقال: ..."

8. في قوله علیه السلام: "ثمّ أمور من أمورك ... منها" أسلوب إيجاز بالحذف إذ حذف الخبر وذكر المبتدأ نكرة، وذلك لتشويق الأذهان إلى سماع ما يفهم عن الخبر المحذوف، وهو (الأمور) التي سيذكرها الإمام علیه السلام لاحقا.

ص: 358

المقطع الخامس عشر (الإعلام وأثره في الحكم)

قوله علیه السلام: "وَأَمَّا بَعْدَ هذا، فَلاَ تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلاَةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ، وَقِلَّةُ عِلْمٍ بِالأمُورِ، وَالاْحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دوُنَهُ فَيَصْغُرُ عِندَهُمْ الْكَبِيرُ، وَيَعْظَمُ الصَّغِيرُ، وَيَقْبُحُ الْحَسَنُ، وَيَحْسُنُ الْقَبِيحُ، وَيُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ، وَإِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ لاَ يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الأمُورِ، وَلَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ، وَإِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنَ: إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ فِي الْحَقِّ، فَفِيمَ احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِيهِ، أَوْ فِعْلٍ كَرِيمٍ تُسْدِيهِ، أَوْ مُبْتَلَىً بِالْمَنعِ، فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا أَيِسُوا مِنْ بَذْلِكَ! مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَيْكَ مَؤُونَةَ فِيهِ عَلَيْكَ، مِنْ شَكَاةِ مَظْلِمَةٍ، أَوْ طَلَبِ إِنْصافٍ فِي مُعَامَلَةٍ."

ص: 359

هذا المقطع يصف فيه أمير المؤمنين علیه السلام حاجة الوالي إلى التواصل مع رعيته تماما کوسائل الإعلام في عصرنا التي يطلّ من خلالها الحاكم على الجماهير وفي ذلك الزمن كانت وسائل التواصل بين الراعي والرّعيّة محدودة وأهمّها إنّ يشخص الوالي بنفسه محدثا الناس بلا حجب ولا أستار. وقد سعى الإسلام في رفع الحجاب بين الوالي والرّعيّة إلى النّهاية، فكان النّبيّ صلّى الله عليه وآله يختلط مع الناس كأحدهم فيجتمعون حوله للصّلاة في كلّ يوم خمس مرّات، وكانوا يفدون إلى بيته لاستماع آي القرآن والوعظ وعرض الحوائج في أيّ وقت حتّى يقبلون على أبواب دور نسائه ويدخلونها من دون استئذان فنزلت الآية «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ» [الأحزاب: 53]، وكانوا يصيحون عليه من وراء الباب ليستحضرونه حتّى نزلت الآية «إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ» [الحجرات: 4]. وأول من وضع الحاجب بينه وبين الرّعيّة هو عمر بن الخطاب كما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، وفي صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما أن عمر كان يحتجب عن الصحابة إذ جاء في صحيح البخاري " 7353 حَدَّثَنَا مُسَدَدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي عَطَاءٌ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَیْرٍ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو مُوسَى عَلَى عُمَرَ فَكَأَنَّهُ وَجَدَهُ مَشْغُولًا فَرَجَعَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللهَّ بْنِ قَيْسٍ، ائْذَنُوا لَهُ، فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: «إِنَّا کُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا»، قَالَ: فَأْتِنِي عَلَى هَذَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ لَأَفْعَلَنَّ بِكَ، فَانْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسٍ

ص: 360

مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالُوا: لاَ يَشْهَدُ إِلَّا أَصَاغِرُنَا، فَقَامَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ فَقَالَ: «قَدْ کُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا»، فَقَالَ عُمَرُ خَفِيَ عَلَيَّ هَذَا مِنْ أَمرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ". واشتدّ الحجاب في أيّام بني أميّة فكان المراجعون يُحجبون وراء الباب شهورا وسنة، قال الشارح المعتزلي: أقام عبد العزيز بن زرارة الكلابي على باب معاوية سنة في شملة من صوف لا يؤذن له.

وموضوع كلامه علیه السلام هذا ليس الحجاب بهذا المعنى، بل المقصود النّهي عن غيبة الوالي من بين النّاس وعدم الاختلاط معهم بحيث يعرف أحوالهم وأخبارهم فربما ينتهز خواصّه هذه الفرصة فيموّهون عليه الحقائق، كما يريدون ويعرضون عليه الأمور بخلاف ما هي عليه فيستصغر عنده الكبير وبالعكس ويقبح بإضلالهم عنده الحسن و بالعكس ولا يتميّز عنده الحقّ من الباطل إذ الوالي بشر لا يعلم الغيب وليست للحقّ علامات محسوسة كي يعرف الصدق من الكذب.

المستوى الصوتيّ

س: اهتمّ علماء الصوت المحدثين بما يعرف بمصطلح التنغيم وأثره في توجيه معنى الكلام، قف على هذا المصطلح من خلال توجيهك لموسیقی الكلام في قوله علیه السلام: "ففيم احتجابك من واجب حقّ تعطیه" مبيّنا کيفيّة الأداء الصوتيّ لهذه العبارة؟

التنغيم هو الارتفاع أو الانخفاض في درجة الصّوت أثناء الكلام، نتيجة

ص: 361

تذبذب الوترین الصوتييّن الّلذين يحدثان النغمة الموسيقيّة، فهو يدلّ على العنصر الموسيقيّ في نظام اللغة. وهو عامل مهمّ في أداء المعنى من تعجّب و تحسّر واستفهام ونفي وأمر ونهي ونداء وغير ذلك، وقديما ألمح ابن جنيّ إلى هذه الظّاهرة، ونبّه الجاحظ عليها في أثر الأصوات في الحيوانات من حدو الابل لتسرع في مشيها وتزيد نشاطها. والنغمة على أربعة مستويات:

1. النغمة المنخفضة: وهي أدنى النّغمات، وهي ما تختم به الجملة الإخباريّة، والجملة الاستفهاميّة التي لا تجاب بنعم أو لا، أي: الاستفهام التّقريريّ نحو: «أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ» [الزمر: 36].

2. النّغمة المتوسطة بلا تكلف: وهي التي يبدأ الكلام بها، ويستمرّ الكلام على مستواها من غير انتقال.

3. النّغمة العالية: وتأتي قبل نهاية الكلام متبوعة بنغمة منخفضة أو عالية نحو: أزيد موجود؟

4. النّغمة فوق العالية (الصّاعدة): التي تأتي مع الانفعال أو التعجب أو الأمر، نحو: أزيد موجود وقد غادر الجميع؟

وفي سؤال الإمام علیه السلام للوالي عن سبب احتجاجه عن الرّعيّة مع أنّ هذا واجب عليه استفهام فيه دلالة التّعجّب واضحة إذ كيف يقصر عن أمر لابدّ له من القيام به في إعطاء أو منع، وهو بذلك يزيح الشّبهات عنه. ولذا فانّ الاستفهام التّعجّبيّ في هذه العبارة يؤدّي بالنغمة فوق العالية (الصّاعدة) لما فيها من مشاعر الانفعال والتّأثّر من تصرّف في غير محلّه، ونلاحظ أنّ التنغيم يقوم بوظيفة التّرقيم من علامات كالنّقطة والفاصلة والشّرطة وعلامة الاستفهام وعلامة التّأثّر، لذا نضع بعد انتهاء العبارة هذه علامة الاستفهام يتلوها علامة

ص: 362

التّعجّب (؟!).

المستوى الصرفيّ

س: زن الكلمات الآتية وزنا صرفیّا محكما، واذكر دلالتها الصرفيّة؟

1. تطوّلنّ: فعل مضارع على (تفعلنّ) من (طوّل) على زنة فعّل المزيد بتضعیف العين، والزيادة أفادت المبالغة، طال الشيء يطول طولا: ضدّ العرض على الباب الأوّل، أي: امتدّ، وأطاله غيره وطوّله، وقيل انّ الطويل من طال على الباب الخامس صفة مشبّهة.

2. احتجابك: (افتعالك)، مصدر من احتجب على افتعل المزيد بهمزة الوصل والتاء، والزيادة أفادت المطاوعة، حجبه يحجبه على الباب الأوّل، أي: منعه.

3. شعبه: فُعله، اسم دالّ على أثر الحدث في الموضع، من شعب الشيء يشعبه على الباب الثالث: فرّقه، وجمع الشّعبة الشّعب، وهي الفرقة من الشيء، يقال شعب الجسم: أطرافه، أمّا الشعب فهو اسم جمع يطلق على الجماعة الكبيرة ترجع لأب واحد وهو أوسع من القبيلة،

4. الحسن: الفعل، صفة مشبّهة من حسن يحسن على الباب الخامس حسنا فهو حسن: ضدّ القبيح،

5. القبيح: فعيل، صفة مشبّهة من قبح يقبح على الباب الخامس قبحا فهو قبيح ضدّ الحسن.

ص: 363

6. يشابُ: (یُفعل) فعل مضارع مبنيّ للمجهول من شابه الشيء يشوبه شوبا على الباب الأوّل، أي: خلطه "لشوبا من حميم الصافات 67" أي: خلطا.

7. بشر: (فعل)، اسم جنس إفراديّ يطلق على الواحد والجمع والمذكّر والمؤنّث، ويجمع على أبشار، من البشرة وهي ظاهر الجلد، وسمّی به الإنسان اعتبارا بظهور جلدة من الشّعر بخلاف الحيوانات التي عليها الصّوف أو الشّعر أو الوبر، يقال: بشر الجراد والأرض إذا أكلته، وأبشرت الرجل وبشّرته: أخبرته بخبر سارّ يبسط بشرة وجهه، وبشِر به: فرح وسُرّ.

8. تواری: (تفاعل) فعل ماض مزيد بالتّاء والألف، والزيادة أفادت المطاوعة: واریت الشّيء فتوارى، أي: استتر قال تعالى: «فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ» [ص: 32]، والمجرّد: وري یري وريا على الباب السادس أي: خرجت ناره من وراء المقدح، وأوراه غيره، قال تعالى: «أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ» [الواقعة: 71].

9. تسديه: (تفعله) فعل مضارع من أسدى على (أفعل) مزید بهمزة القطع، والزيادة أفادت التعدية إلى المفعول الثاني بوساطة حرف الجرّ، والمجرد متعدّ، سدت المرأة النّسج: أقامت سداه ومدّته، أي رتّبت خيوطه الطّويلة، والسّدي والسّداة من الثوب: خيوطه التي تمدّ طويلا، الواحدة سداة، يقال: ما أنت بلحمة ولا سداة، أي: لا تضرّ ولا تنفع، وأسدت المرأة النسيج: أقامت سداه مبالغة في ذلك، ومن هذا

ص: 364

المعنى الماديّ انتقلت الدلالة إلى المجرّد بملحظ امتداد خيوط السّدی، قيل: أسدى فلان معروفا إلى فلان بمعنى أدّاه له وقدّمه، وبملحظ أنّ السّدي خيوط ممتدّة لا تجتمع مع بعضها وإنّما تمدّ انتظارا للحمة عبّر عن الاهمال، فقيل: ابل سدی بمعنی مهملة، وعليه قوله تعالى: "أيحسب الإنسان أن يترك سدى القيامة" أي: مهملا لا يؤمر ولا ينهى.

10. أيسوا: (عفلوا)، فعل ماض حصل فيه قلب مكانيّ، والأصل: يئس من الشيء بأس على الباب الرابع يأسًا، واليأس: قطع الرجاء، أي: القنوط، قال ابن فارس في مقاییس اللغة: ليست ياء في صدر كلمة بعدها همزة الّا هذه. وأمّا أيس فهو لغة من يئس.

11. شکاة: (فعلة)، وأصل اللام فيها واو ثمّ قلبت ألفا لتحرّكها وفتح ما قبلها، وهو مصدر من شکاه یشکوه على الباب الأوّل شكوا و شكاية وشكاة، والاسم: الشّكوى، أي: أظهر توجّعه من شيء ما. وهو مأخوذ من أصل مادّيّ هو فتح الشّكوة وإظهار ما فيها، وهي سقاء صغير يجعل فيه الماء كأنّه أظهر ما في قلبه من حزن، ومنه المشكاة آلة للإضاءة وهي كوّة غير نافذة فيها مصباح قال تعالى: «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ» [النور: 35].

12. مظلمة: (مفعلة)، اسم دالّ على الظلامة التي يطلبها المظلوم ويشكو منها أي: ما أخذ منه ظلما، فطلب مظلمته. ومثلها الظليمة والظلامة وهو ما تطلبه عند الظالم وهو اسم ما أخذه منك. أمّا المظلمة بالكسر مصدر ميميّ من ظلمه يظلمه على الباب الثاني ظلما، وهو وضع الشيء في غير موضعه، أمّا بنقصان أو زيادة وامّا بعدول من وقته أو مكانه،

ص: 365

ظلمت السّقاء: تناولته من غير وقته، وظلمت الأرض حفرتها ولم تكن موضعا للحفر، والظلم مجاوزة الحقّ لهذا يستعمل في الذّنب الكبير والصّغير.

13. معاملة: (مفاعلة)، مصدر من المزيد بالألف: عامله يعامله معاملة، وهو مصدر دالّ على المشاركة في الفعل، يقال: عامل فلان فلانا: اذا تصرّف معه في بيع أو شراء أو غير ذلك. وعاملة بالمثل: تصرّف معه بمثل تصرّفه معه، أي: تبادلا الفعل.

المستوى النحويّ

س: بيّن نوع الإضافة فيما يأتي:

1. "احتجاب الولاة".

الإضافة محضة بمعنى اللام، والمعنى: احتجاب للولاة، فاحتجاب الولاة على أنواع منها: أن يتّخذ حجابا على بابه يمنع عن ورود الناس إليه الّا مع الاذن، واليوم يعرف بالحمايات والحرس الشّخصي. و قد يحتجب عن الناس بأن يكفّ نفسه عن الاختلاط بهم فتنقطع أخبارهم وأحوالهم عنه، أي: لا ينصت إلى مطالبهم فلا يصلّي بهم أو يشاركهم في أفراحهم وأحزانهم إذا ما ألّمت بالبلد قضيّة ما.

2. "أحد رجلين".

الإضافة محضة، بمعنى (من) أي: أنت واحد من رجلين، فالمراد بيان حاله

ص: 366

والى أي نوع ينتسب.

3."قلّة علم بالأمور".

الإضافة غير محضة فلا يكسب المضاف شيئا من المضاف إليه، لأنّها من إضافة الصّفة إلى موصوفها، والمعنى: الاحتجاب عن الرّعيّة ناشئ من العلم القليل بالأمور.

س: اذكر المحلّ الإعرابيّ للجمل الآتية:

1. "يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه"

الجملة في محلّ رفع خبر للمبتدأ (الاحتجاب)، و (يقطع) فعل مضارع مرفوع و فاعله مستتر يعود على الاحتجاب، و (علم) مفعول به مضاف إلى (ما) الموصولة وصلتها الجملة الفعلية بعدها: احتجبوا.

2. "لا يعرف ما توارى عنه النّاس"

الجملة في محلّ رفع صفة للخبر (بشر)، وهو خبر للمبتدأ الوالي، والفعل (تعرف) فاعله مستتر يعود على المبتدأ (الوالي)، ومفعوله (ما) الموصولة وصلتها جملة توارى عنه الناس.

3. "تعرف بها ضروب الصّدق"

الجملة في محلّ رفع صفة ل (سمات) التي تعرب اسما ل (لیست) و خبرها (على الحقّ) أو محذوف تقديره كائنة على الحقّ. والفعل (تعرف) مبنيّ للمجهول، و (ضروب) نائب عن الفاعل مضاف إلى الصّدق.

4. "سخت نفسك بالبذل في الحقّ"

الجملة في محلّ رفع صفة ل (امرؤ) الذي يعرب خبرا لمبتدأ محذوف تقديره

ص: 367

أنت، وأمّا هي حرف تفصيل، والتقدير: امّا أنت امرؤ سخت نفسك... أو مبتلى بالمنع

5. "تعطیه"

الجملة في محلّ جرّ صفة للفظة (واجب) المجرور ب (من) قبلها، و (واجب) مضاف إلى حقّ: واجب حقّ تعطيه.

س: أعرب ما تحته خطّ:

1. "يقطع عنهم ما احتجبوا دونه"

دونه: دون ظرف مکان منصوب على الظرفية مضاف إلى الهاء.

2. "ففيم احتجابك من واجب حقّ تعطيه"

الفاء رابطة، و (فيم) متكوّن من حرف الجرّ (في) و (ما) اسم استفهام، حذفت ألفه للتفرقة بين (ما) الاستفهاميّة و (ما) الخبريّة الموصولة، وذلك تخفيفا منهم لكثرة استعمال (ما) الاستفهاميّة، فاشتهر حذف ألفها إذا دخل عليها حرف الجرّ، نحو: علامَ، وبمَ، وعمّ، و (ما) في محلّ جرّ بحرف الجرّ (في) والجارّ والمجرور متعلّق بخبر مقدّم للمبتدأ (احتجابك).

3. "فما أسرعَ كفَّ الناس عن مسألتك"

أسرع: فعل ماض جامد لإنشاء التّعجّب، والفاعل مستتر وجوبا والتّقدير هو يعود على (ما)، و (کفّ) مفعول به مضاف، و (ما) نكرة تامّة تعجّبيّة بمعنی شيء في محلّ رفع مبتدأ، و "عن مساءلتك" جارّ ومجرور متعلّق ب (أسرع).

4. "مع أنّ أكثر حاجات الناس إليك ما لا مؤونة فيه عليك"

مؤونة: اسم لا النافية للجنس، مبنيّ على الفتح في محلّ نصب اسم (لا)

ص: 368

النافية للجنس، و (فيه) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف يعرب خبرا مرفوعا ل (لا) النافية للجنس، والتقدير: لا مؤونة حاصلة فيه عليك.

5. "وأمّا بعد هذا فلا تطوّلنّ احتجابك".

(بعد) ظرف مبني مضاف إلى اسم الإشارة. (أي المتقدّم) و (أمّا) شرطيّة تفصيليّة، وفعل الشّرط محذوف تقديره: مهما يكن من شيء بعد هذا، وجواب الشّرط (فلا تطوّلنّ).

المستوى المعجميّ

هل يمكن استبدال لفظ (العلامات) بلفظ (السمات) في: "ولَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ"؟.

السمات جمع سمة على وزن (علة) من الوسم يقال: وسمه يسمه على الباب الثاني وسما: اذا أثّر فيه بسمة وكيّ، والميسم: المكواة، أي: آلة الوسم، فالوسم: التأثير، والسّمة هي الأثر قال تعالى: «سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ» [الفتح: 29] وو «سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ» [القلم: 16] أي: نعلّمه بعلامة يعرف بها، فالفرق بين السمة والعلامة: أن السمة ضرب من العلامات مخصوص وهو ما يكون بالنار في جسد حیوان مثل سمات الإبل وما يجري مجراها أما العلامة فعامّة في كلّ ما يحصل به علم مادّة كان أم معنی کعلامات الإعراب وعلامات الساعة وعلامات المدينة وغير ذلك فالسمة أخصّ من العلامة لأنّها تعني الوسم وهنا اختار أمير المؤمنين لفظ السمة تجسيدا لمعنى

ص: 369

الصدق والكذب للمتلقي فاستعمل لفظ السمات لهما تشبيها لهما بالأحياء.

س: قال علیه السلام: "فما أسرع كفّ الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك"، فهل اليأس بمعنى القنوط أو الخيبة، أم ثمّة فرق معجميّ بينها؟

الفرق بين القنوط والخيبة واليأس هو أن القنوط أشد مبالغة من اليأس وأما الخيبة فلا تكون إلّا بعد الأمل لأنّها امتناع نیل ما أمل، فأمّا اليأس فقد يكون قبل الامل وقد يكون بعده، والرجاء واليأس نقیضان يتعاقبان كتعاقب الخيبة والظفر، والخائب المنقطع عما أمل، والفرق بين الخيبة واليأس أنّ الخائب منقطع عمّا أُمل.

س: السّخاء والجود والكرم ألفاظ مترادفة ظاهرا، فلماذا استعمل الإمام علیه السلام مع نفسيّة الوالي الفعل (سخا) دون (جاد) أو (کرم) في قوله علیه السلام: "امّا امرؤ سخت نفسك بالبذل"؟

الفرق بين السخاء والجود أن السخاء هو أن يلين الإنسان عند السؤال ويسهل مهره للطالب من قولهم: سخوت الأديم أسخوه سخوا إذا ليّنته وأرض سخاوية لينة ولهذا لا يقال الله تعالى سخي، والجود كثرة العطاء من غير سؤال من قولك جادت السماء إذا جادت بمطر غزير، والفرس الجواد الكثير الإعطاء للجري والله تعالی جواد لكثرة عطائه فيما تقتضيه الحكمة، والفرق بين الجود والكرم أن الجواد هو الذي يعطي مع السؤال. والكريم: الذي يعطي من غير سؤال مرّة بعد أخرى.

ص: 370

المستوى البلاغيّ

س اذكر أبرز الفنون البلاغيّة في النصّ المتقدّم؟

1. في النصّ أسلوب إيجاز بالحذف في قوله علیه السلام: "امّا امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحقّ... أو مبتلى بالمنع" إذ حذف المبتدأ بعد امّا، وكذلك بعد أو، والتّقدير: امّا أنت امرؤ... أو أنت مبتلى، وذلك لدلالة سياق المخاطبة عليه، لذا هو ايجاز بلاغيّ في محلّه.

2. في النصّ إيجاز بالقصر في قوله علیه السلام: "وإنّما الوالي بشر" وقوله علیه السلام: "وإنّما أنت أحد رجلين"، فإنّما أداة قصر، و (ما) کفّت إن عن العمل، والإيجاز حاصل في أسلوب القصر لأنّ المعنى المراد منه القصر كبير، وهو تخصيص المذكور الأوّل بالثّاني إذ حصر حال الوالي في حال البشريّة مبالغة في تقرير هذا الحكم، فهو قصر اضافيّ، فإنّما تجيء لخبر لا يجهله المخاطب ولا يدفع صحّته، والمراد بها التّأكيد على هذا المعنى،

3. في النصّ أسلوب استفهام، وقد خرج الاستفهام إلى معنى التّعجّب في قوله علیه السلام: "ففيم احتجابك من واجب حقّ تعطيه أو فعل کریم تسديه" وما يثير التّعجّب أن لا حجّة في احتجاب الوالي ان كان سخيّا؛ لأنّ الجواد لا يتضايق من البذل للناس.

4. في النصّ أسلوب التّعجّب بصيغة التّعجب القياسيّة (ما أفعله) في قوله علیه السلام: "فما أسرع كفّ الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك"

ص: 371

وهو أسلوب يدلّ على الدّهشة والاستغراب لاستعظام شيء فيه صفة بارزة، لذا تعجّب علیه السلام من احتجاب الوالي عن رعيّته في الحالة الثانية، وهي كونه بخيلا لأنّه بمنعه العطاء على الطّالبين سيحملهم على اليأس من جوده فيسرعون إلى الابتعاد عنه ولا يصيبه ضرر من لقائهم.

5. في النصّ ما يعرف في علم البديع بأسلوب الحكيم نجده في قوله علیه السلام: "وإنّما أنت أحد رجلين: امّا امرؤ... أو مبتلى" فهذا التّقسيم لحال الوالي مع رعيّته على أمرين أسلوب حكيم في إيصال الأمر إلى المخاطب.

6. في النصّ طباق إيجاب في قوله علیه السلام: "فيصغر عندهم الكبير، ويعظم عندهم الصّغير، ويقبح الحسن ويحسن القبيح، ويشابّ الحقّ بالباطل".

7. في قوله علیه السلام: "وإنّما الوالي بشر" کنّى الإمام علیه السلام بلفظة البشر عن كونه لا يعلم الغيب، ولا يعرف ما استتر عنه الّا بعلامة تدلّ عليه، وليست للحقّ علائم محسوسة ليعلم الصّدق من الكذب، فهو يعتمد على أقوال الخواصّ الذين يوهمون عليه الحقائق وبذا يختلط الحقّ بالباطل، فعليه أن لا يحتجب عنهم.

ص: 372

المقطع السادس عشر (الحكم الديمقراطيّ)

قوله علیه السلام: "ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وبِطَانَةً، فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَتَطَاوُلٌ، وَقِلَّةُ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ، فَاحْسِمْ مَادَّةَ أُولئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الأَحْوَالِ، وَلاَ تُقْطِعَنَّ لأحَدٍ مِنْ حَاشِيتِكَ وَحَامَّتِكَ قَطِيعةً، وَلاَ يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقَادِ عُقْدَةٍ، تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ النَّاسِ، فِي شِرْبٍ أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ، يَحْمِلُونَ مَؤُونَتَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ، فَيَكُونَ مَهْنَأُ ذلِكَ لَهُمْ دُونَكَ، وَعَيْبُهُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ. وَأَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَكُنْ فِي ذلِكَ صَابِراً مُحْتَسِباً، وَاقِعاً ذلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ خَاصَّتِكَ حَيْثُ وَقَعَ، وَابْتَغِ عَاقِبَتَهُ بِمَا يَثْقُلُ عَلَيْكَ مِنْهُ، فَإِنَّ مَغَبَّةَ ذلِكَ مَحْمُودَةٌ. وَإِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً، فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ، وَاعْدِلْ عَنكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ، فَإِنَّ فِي ذلِكَ رِيَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ، وَرِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ، وَ إِعْذَاراً تَبْلُغُ فِيه حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ".

ص: 373

المعنى العامّ

للحاكم أتباع وحاشية وأقارب يرون سلطانه سلطانا لهم، فيتجبّرون على الناس زاعمين بأنّ لهم أن يصدروا الأوامر، وأنّ على الناس أن تسمع وتطيع، وإذا كان الحاكم شخصية ضعيفة تغلبوا على أمره، واتّخذوا مال الله دُولا، وعباده خِولا، والصالحين حَربا، والفاسقين حزبا، فتمتلئ قلوب الرّعيّة عليه حقدا وكراهية، وحدث له ولهم ما حدث لعثمان وبطانته. والإمام يحذّر عامله من الذين يمتّون إليه بسبب من الأسباب، ويبين له كيف ينبغي أن يعاملهم ویروضهم على العدل.

فأمر علیه السلام الأشتر بأن يقتلع أسباب الظلم والغطرسة في خاصته وبطانته، من الجذور، بأن لا يتخذ منهم مستشارا له، ولا يسند إليهم أي منصب، ولا يمنحهم الضِّيع أو الأرض بما يضرّ الآخرين من المزارعين، وإذا أُوذي الحاكم وتضرّر من جفوة أقاربه لنصرته الحق فعليه ان يصبر ويحتسب عند الله، فإن للصابر المحتسب حسن العاقبة دنيا وآخرة. هذا هو رأي الإمام علیه السلام في الحاكم إذ هو أجير مؤتمن، وعليه أنْ يُخلص ويُتقن العمل، وإذا اتّهمه الناس بالتقصير وجب عليه أن يبرّئ نفسه بالحجّة والدليل. وللرعية أن تحاسب وتعارض، لأن الحق لها تمارسه وتعتصم به ساعة تشاء. ولا صورة للديمقراطية التي تحلم بها الإنسانية إلا هذه الصورة المشرقة التي سبقت الحكم الديمقراطي الحاضر بمئات السنين بعد مرّت الدول الديمقراطية بحقبة سوداء من الشعارات الزائفة، والانقلابات العسكرية، والانتخابات المزوّرة التي تُنفق عليها الأموال

ص: 374

الطائلة من قوت الشعب والشركات وحملة الأسهم.

المستوى الصوتيّ

س: علّل صوتيّا قلب الواو ياء في اللفظتين (الدنيا، رياضة).

علل القدماء قلب الواو ياء في (الدنيا) ونحوها بأن الواو إذا وقعت لاما لوصف على (فُعلی) قلبت یاء تخفیفا، فالدنيا أصلها (الدُنوی) والعليا أصلها (العُلوي) فقلبت الواو ياء للسبب المذكور آنفا، ولم يرض المحدثون بهذا التعليل ورأوا أنّ الذي جرى في الدنيا والعليا وأشباههما هو وجود مزدوج صوتي ثقيل في الطرف لتباعد قاعدته عن قمته هو المقطع الطويل المفتوح (و-ً) وبين مخرج الواو الشفوي والألف الحنجري بون واسع فلجأوا إلى التقريب بين ركني المقطع بأن حذفوا الواو واجتلبوا الياء لأن الياء من شجر الفم وهي أقرب من الواو إلى مخرج الألف.

وأما رياضة فأصلها رِواضة فقال القدماء إنّ الواو إذا وقعت عينا في مصدر أو جمع تكسير مسبوقة بكسر ومتلوة بالألف قلبت یاء نحو: صيام أصله صِوام، ورياض أصله رِواض، وزيارة أصله زِوارة، ورياضة أصله رِواضة.

ولم يرض المحدثون بهذا التعليل فرأوا أن الذي جرى في مثل هذه اللفاظ هو وجود مثلث صوتي متجاور ومتنافر مؤلّف من تتابع الكسرة والواو والألف في نسق صوتي واحد فلجأوا إلى التقريب بين أركان هذا المثلث الصوتيّ روما للخفة فحذفوا الواو واجتلبوا الياء ليكون التتابع مقبولا من الكسرة إلى الياء إلى الألف.

ص: 375

المستوى الصرفيّ

س: زن الألفاظ الآتية وزنا صرفیّا محكما، واذكر دلالتها الصرفيّة؟

1. استئثار: مصدر على الاستفعال قياسا من استأثر على زنة (استفعل)، والزيادة أفادت الطّلب، استأثر بالشيء استئثارا، يقال: خصّ به نفسه و جعل أثره باقيا عنده، فالأثر هو ما بقي من الشيء، والاسم: الأثرة، واستأثر بالسلطة: استبدّ بها وانفرد بها، واستأثره بالشيء: أعطاه ايّاه دون غيره من الناس.

2. تطاوُل: مصدر على التفاعُل، من الفعل تطاول، المزيد بالتاء والألف، والزيادة أفادت التّكلّف في إظهار الطول، تطاول على غيره: على وارتفع وتكبّر، كأنّه أظهر طوله عليه، والطّول ضدّ العرض، طال الشيء: امتدّ، و به یکنّی عن مدّ الجسم تكبّرا، تطاول إلى الشيء: مدّ عنقه ليراه، وتطاول عليهم الليل: امتدّ قال تعالى: «وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ» [القصص: 45].

3. حامّتّك: حامّة على زنة (فاعلة)، والتاء للنقل إلى الاسميّة وهو اسم جمع لا مفرد له دالّ على الخاصّة من الأهل والولد أي: القرابة، وجمعه: حوامّ، من الحمّة وهي العين الحارّة، والحميم هو الماء الشّديد الحرارة، يقال: حمّ الماءَ يحمُّه على الباب الأوّل: سخّنه، والحميم: القريب

ص: 376

المشفق، قال تعالى: «وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا» [المعارج: 10]، فكأنّه الذي يحتدّ حماية لذويه، و قيل لخاصّة الرجل حامّته لذلك، واحتمّ فلان لفلان: احتدّ، وذلك أبلغ من اهتمّ لما فيه من معنى الاحتمام.

4. تُقطعنّ: فعل مضارع من أقطع، المزيد بهمزة القطع التي أفادت التعدية للمفعول الثاني، يقال: قطع الشيء يقطعه على الباب الثالث قطعا، و قطع رحمه قطيعة: هجرهم وصدّهم بترك البرّ والإحسان إليهم، وأقطعه الشيء منحه إياه.

5. قطيعة: اسم على (فعيلة) من أقطعه الحاكم قطيعة: أي: قطعة من الأرض، فالتاء للنقل إلى الاسميّة، أي: انّ القطيعة اسم خاصّ بما يملّكه الحاكم لمن يريد من اتباعه منحة من أرض المسلمين.

6. مهنأ: مفعل، مصدر ميميّ من هنأه كذا یهنأه على الباب الثالث، وهو كلّ ما لا يلحق فيه مشقّة ويأتيه بلا تعب، أصله من هو هنُؤ فهو هنيْء الطعام فهو هنِيْء.

7. الآخرة: اسم علی (فاعلة) يدلّ على النّشأة الثانية، قال تعالى: «وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى» [الضحى: 4]، والتأخير ضدّ التقديم قال تعالى: «لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ» [المدثر: 37] فالآخر والآخرة بكسر الخاء صفة على فاعل، يقال: جاء آخِر، أي أخيرا، والجمع أواخر، والآخرة مقابل الأولى. أمّا الآخَر فهو اسم على أفعل التفضيل والأنثى أخرى. والآخِرة مقابل الدّنيا وهي فاعلة والتاء فيها للنقل إلى الاسميّة، أي: اسم يراد به دار الحياة والبقاء بعد الموت.

8. محتسبا: اسم فاعل على (مفتعل) من احتسب. المزيد بهمزة الوصل

ص: 377

والتاء، والزيادة أفادت الصيرورة، أي: صيرورة المعدود ضمن ما يعدُّ من أعماله في الآخرة، فالحساب من العدّ، يقال: حسَب الشيء يحسبِه حسبا وحسابا، أي: عددته، قال تعالى: «لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ» [يونس: 5]، والحَسَب بفتحتين: الشرف في الآباء، واحتسب فلان ابنه: إذا مات كبيرا فعدّ من الأشياء المذخورة له عند الله تعالى، يقال: احتسب الشيء: ضحّی به وطلب ثواب الله يوم الحساب.

9. مغبّة: مفعلة، اسم لتكثير الحدث في المكان، فهي عاقبة كلّ شيء وآخره، وتكون حسنة أو سيّئة، "غبّ الصباح یُحمد القوم السرى"، يقال: غبّ الأمر يغبّ على الباب الثاني: صار إلى آخره ونتيجته، وهو مأخوذ من الغبّ وهو أن تردّ الابل يوما وتدع يوما، فهو دالّ على زمان وفترة فيه، ويقال: لحم غابّ إذا لم يؤكل لوقته بل يترك وقتا وفترة، وكذلك غبّ الأمر: اذا بلغ آخره.

10. أصحر: فعل أمر من أصحر على أفعل، مزید بهمزة القطع، والزيادة أفادت الدّخول في المكان، أصحر: دخل الصّحراء، نحو: أجبل أي دخل الجبل، وأغار: دخل الغور.

11. تقويمهم: مصدر على التفعيل من قوّمهم على (فعّل) مزید بتضعیف العين، والزيادة أفادت الصّيرورة، قام الشيء يقوم قياما: اذا انتصب قال تعالى: «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ» [آل عمران: 191]، وأقامه غيره، وقوّمت الشيء تقويما لأنّك تقيم هذا مکان ذاك، قوّم المعوجّ: عدّله وأزال عوجه، وقوّم الأخلاق: هذّبها وأصلحها، وقوّم الخطأ: صحّحه، وهو أصل دالّ على الانتصاب في

ص: 378

القامة ثمّ أخذ منه معنى العزم على الحفاظ على الشيء ومراعاته،

س كيف تفرق صرفيا بين القرب القرابة والقربى والقربان والمقربة؟

1. القُرب مصدر الثلاثي (قرَب يقرَب) من الباب الثالث ويستعمل في المكان كما في قوله تعالى: «وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ» [البقرة: 35] والزّمان كما في «اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ» [الأنبياء: 1]

2. القَرابة على فَعالة، مصدر بمعنى الدنوّ في النسب، من قرُب يقرُب من الباب الخامس، أي: دنا ضدّ بعُد.

3. القُربي: اسم مصدر على فُعلى وذكر اللغويّون أنّ القرابة في النّسب، والقربي في الرّحم قال تعالى: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [الشوری: 23].

4. القربان: ما قُرّب إلى الله تعالى وهو اسم مصدر من التقريب، قال تعالى:«وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ» [المائدة: 27].

المستوى النحويّ

س: بيّن الوجه الإعرابيّ من رفع أو نصب أو جرّ ظاهر على الألفاظ الآتية؟

ص: 379

1. استئثارٌ في قوله علیه السلام: "فيهم استئثارٌ أو تطاول..."

استئثار: مرفوع لأنه مبتدأ، وإنّما ساغ الابتداء بالنّكرة لتقدّم خبرها وهو الجارّ والمجرور (فيهم) عليها.

2. الأحوال في قوله علیه السلام: "بقطع أسباب تلك الأحوال"

الأحوال: اسم مجرور لأنّه يعرب بدلا من اسم الإشارة (تلك) الذي هو مضاف إليه، والأسباب مضاف.

3. محتسبا وواقعا في قوله علیه السلام: "وكن في ذلك صابرا محتسبا واقعا ذلك من قرابتك حيث وقع"

محتسبا: منصوب بتنوين النّصب؛ لأنّه يعرب خبرا ثانيا للفعل الناقص كان، و (كن) فعل أمر مجزوم بالسكون، واسمها ضمير المخاطب المستتر فيها.

أمّا لفظ (واقعا) فهو منصوب؛ لأنّه يعرب حالا من الالزام في قوله علیه السلام: "وألزم الحقّ" أي: واقعا ذلك الالزام، ولذا عمل اسم الفاعل (واقعا) لكونه حالا فرفع فاعلا وهو اسم الإشارة (ذلك).

4. الحقّ في قوله علیه السلام: "وألزم الحقّ من لزمه من القريب والبعيد"

الحقّ: مفعول به أوّل لفعل الأمر (ألزم) المزيد بهمزة القطع التي تفيد التعدية إلى المفعول الثاني وهو (من) الموصولة، والجملة الفعلية (لزمه) صّلة الموصول.

5. حيفا في قوله علیه السلام: "وان ظنّت الرّعيّة بك حيفا فأصحر لهم"؟

حيفا: مفعول أوّل للفعل (ظنّ) وهو من أفعال القلوب يأخذ مفعولين أصلها مبتدأ وخبر، و (بك) جارّ ومجرور متعلّق بالمفعول الثاني ل (ظنّ)، والتقدير: ظنّت الرّعيّة حيفا كائنا بك.

ص: 380

س: بيّن المحلّ الإعرابيّ للجمل الآتية:

1. "تضرّ بمن يليها"

الجملة في محلّ جرّ صفة للفظة عقدة.

2. "يحملون مؤونته على غيرهم"

الجملة في محلّ نصب (حال) من الناس في "اعتقاد عقدة تضرّ بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون مؤونته على غيرهم"

3. "فأصحر لهم بعذرك"

الجملة في محلّ جزم جواب الشّرط للأداة (إن)، وفعل الشّرط هو جملة (ظنّت الرّعيّة).

4. "تبلغ به حاجتك"

الجملة في محلّ نصب صفة للفظة (إعذارا) التي هي اسم انّ الحرف المشبّه بالفعل.

س: في قوله علیه السلام: "وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه فانّ مغبّة ذلك محمودة" يفسّر حرف الباء بأنّه بمعنى (مع)، ما رأيك في مسألة تناوب حروف الجرّ؟

ذكر اللغويّون للباء عدّة معان أوصلوها إلى ثلاثة عشر معنی، واقتصر سيبويه على المعنى الرّئيس وهو الإلصاق حقيقة، نحو: أمسكت به، أي: ممسكا بشيء من جسمه أو ثوبه أو مجازا، نحو: مررت به، أي: ألصقت مروري بمكان يقرب من زيد، وأبرز ما قيل في مجيء الباء بمعنی حرف آخر هو مجيؤها بمعنى (في)، أي: بمعنى الظّرف الزّماني أو المكاني، وجعلوا منه «إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ» [القمر: 34] و «وَلَقَدْ نَصَرَکُمُ

ص: 381

اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» [آل عمران: 123]. وأن يكون بمعنى (عن) وجعلوا عليه «الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا» [الفرقان: 59] أي: عنه، و «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ» [المعارج: 1 ] أي: عن عذاب، وأن تكون بمعنى (على)، وجعلوا عليه «وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» [آل عمران: 75] أي: على قنطار، وأن يكون بمعنی (مع) وتسمّى باء المصاحبة، وجعلوا عليه «قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ» [هود: 48] أي: مع سلام، و «وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ» [المائدة: 61] أي: مع الكفر، وغيرها من المعاني، وفي النصّ قيل انّ معنى قوله علیه السلام المتقدّم هو: وابتغ عاقبته مع ما يثقل عليك منه فانّ مغبة ذلك محمودة".

والقول بتناوب الصّيغ محلّ خلاف لأنّه يخرج النصّ عن ظاهره دون مسّوغ من قرينة حاليّة أو مقاميّة فإبقاء الحرف على معناه اللغويّ يحفظ للنّصّ معناه الذي أورده المتكّلم في ذلك النّظام مستعملا هذا الحرف دون غيره، والإمام علیه السلام أراد أن يذكّر الوالي بأنّ عاقبة فعله من تحرّيه الحقّ مع قرابته يوصله إلى رضا الله تعالى وان عانى الأمرين من الحاح القرابة والخاصّة ومكائدهم، فالإمام علیه السلام أكّد على كون الوالي لا مفرّ له من تحمّل ثقلهم لأنّهم لن يسكتوا عن تأخيرهم بالعطاء مع قربهم من الوالي وهو القائم عليه، لذا عبّر عن هذا الأمر المحتوم

ص: 382

التصاقه بالوالي بحرف الباء التي تفيد الإلصاق. ولو استعمل علیه السلام (مع) بدلا عن (الباء) لفهم مصاحبة الوالي لثقل هؤلاء دون انغماسه في مشكلاتهم أو قد يتكفّل بشكاواهم وزيره أو صاحبه، وبذا لا يلامس تذمّرهم من القريب وهذا خلاف ما أراده علیه السلام.

المستوى المعجميّ

س: ورد الجسم والقطع في قوله علیه السلام: "فاحسم مؤونة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال" فما الفرق بينهما؟.

القطع يكون ظاهرا وخافيا كالقطع في الشيء الملزق المموه فأما الظاهر فقطع السبب وهو الحبل ويقال قطعه في المناظرة لأنه قد يكون ذلك من غير أن يظهر ومن غير أن يقطع شغبه وخصومته. أما الحسم فإزالة أثر الشيء، يقال قطعه فحسمه أي ازال مادته وبه سمي السيف حساما أي إن الحسم هو نهاية القطع، وهنا جاء قطع الأسباب مقدمة لحسم المؤونة تماما كالفرق اللغوي بين اللفظتين إذ القطع مقدمة والحسم نتيجة.

س: قال علیه السلام: "وان ظنّت الرّعيّة بك حيفا" يفسر الحيف بالظلم والجور، فهل هذا على وجه المطابقة أم ثمّة خطّ فاصل بين هذه المترادفات؟

الحيف الحمل على الشيء حتى ينقصه، وأصله من قولك تحيّفت الشيء إذا تنقّصته من حافّاته. أما الظلم فيعني إخفاء الحقّ وتغطيته ومنه اشتق الظلام والفرق بين الجور والظلم أن الجور خلاف العدل والاستقامة في الحكم، يقال:

ص: 383

جار الحاكم في حكمه والسلطان في سيرته إذا فارق الاستقامة في ذلك ويكون الجور على جهة القهر. والحيف في هذه العبارة موافق لسياق القول الذي ورد فيه لفظ (ظن الرّعيّة) والظلم والجور لا يكونان ظنا واعتقادا بل يقينا وجزما أما الحيف فهو أقل منهما لأنه يعني نقصان حافّة الشيء لا كله وهذا ملائم للظن المذكور قبله.

المستوى البلاغيّ

س اذكر أبرز الفنون البلاغيّة الواردة في النصّ المتقدّم، مبيّنا الغاية منها؟

1. في النصّ استعارة مكنيّة في قوله علیه السلام: "فأصحر لهم بعذرك" إذ شبّه الإمام علیه السلام إظهار الوالي لعذره إلى رعيّته بخروج الرجل إلى الصحراء إذ ينكشف الرجل ويظهر للعيان لأنّ الصحراء فضاء واسع لا نبات فيه فلا يواريه شيء، قالت أم سلمة رض لعائشة: "سكّن الله عقيراك فلا تصحريها، أي: لا تبرزها إلى الصحراء"، وإصحار الرجل معناه ظهوره و عدم اختفائه، وبذا حذف المشبّه به وهو الرجل وبقي لازم من لوازمه وهو دخوله الصحراء وانکشاف أمره.

وفي هذه العبارة فنّ آخر هو ايجاز معنى عميق لا يؤدّي الّا بألفاظ كثيرة، بعبارة موجزة من لفظين و متعلّق، فهي تقوم مقام الأمثال إذ تبيّن سياسة عامّة للرؤساء في إظهار أنفسهم للرعيّة وتقديم خططهم الإصلاحيّة، والمغزى من تصرّفاتهم التي قد تبدو للعامّة موضع تساؤل واشتباه، وقد

ص: 384

بيّن علیه السلام أنّ فوائد هذا العمل متعدّدة إذ يرفع ظنونهم السّيّئة به، وكذلك یروّض بهذا العمل نفسه على كونها مسؤولة ولابد من تقديم العذر المناسب لكلّ خطوة يقوم بها، فضلا عن الرّفق بالرّعيّة إذهم المعنيّون بكلّ تغيير ولابدّ من اطلاعهم على منهج الوالي في سياستهم فهم الهدف الذي من أجله صار واليا عليهم، ويُعدّ هذا كلّه ترويضا لهم على اتّباع أسلوب قائدهم في النهوض بالحقّ والقيام ببناء البلد.

2. في النصّ کنایات بألفاظ هي: لخاصّة، البطانة، الحامّة، القرابة، إذکنّی علیه السلام عن القريبين إليه نسبا بالقرابة والحامّة، غير أنّ الحامّة من درجة النسب منهم أقرب من المذكورين بلفظة (القرابة)، وكذا کنّی علیه السلام عن القريبين إليه بلفظتي: الخاصّة والبطانة، فخاصّة الرجل من يفضي اليهم بأسراره وقد يكونون من غير ذوي نسب له، أمّا البطانة فهم مستشاروه، وقد لا يأتمنهم على أسراره، عن أبي سعيد الخدريّ، قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: "ما بعث من نبيّ ولا استخلف من خليفة الّا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه، وبطانة تأمره بالشّرّ وتحضّه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى"

3. في النصّ أسلوب توکيد باستعمال نون التّوكيد الثّقيلة: (لا تقطعنّ)، (لا يطمعنّ) وكذلك بالحرف المشبّه بالفعل، وهو واضح في النصّ، وهو من مراعاته علیه السلام للمخاطب إذ اهتمّ الإمام علیه السلام بالتأكيد على البطانة ففي النصّ كرّر توصية الوالي بالحذر منهم مع أنّه علیه السلام نبّهه على ذلك في أوّل رسالته، وهذا لعظم خطرهم على البلاد، فتقريبهم واعطاؤهم من مال المسلمين فيه ظلم للرعيّة وأذى على الوالي نفسه، وليس ما حصل

ص: 385

لعثمان بن عفّان ببعيد إذ بتقريبه أبناء عمومته وأقاربه ما حمل الناس على الثّورة عليه وقتله.

ص: 386

المقطع السابع عشر (السّياسة الخارجيّة)

قوله علیه السلام: "وَ لَا تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ لِلَّهِ فِيهِ رِضًى، فَإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ، وَ رَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ، وَ أَمْناً لِبِلَادِكَ، وَ لَكِنَّ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِهِ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ، فَخُذْ بِالْحَزْمِ، وَ اتَّهِمْ فِي ذَلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ.

وَ إِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ عَدُوٍّ لَكَ عَقْدَةً، أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً، فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ، وَ ارْعَ ذِمَّتَكَ بِالْأَمَانَةِ، وَ اجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَيْتَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ عزوجلّ شَيْءٌ النَّاسُ عَلَيْهِ أَشَدُّ اجْتِمَاعاً، مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ، وَ تَشَتُّتِ آرَائِهِمْ، مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ، وَ قَدِ لَزِمَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ، فَلَا تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ، وَ لَا تَخِيسَنَّ بِعَهْدِكَ، وَ لَا تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ، فَإِنَّهُ لَا يَجْتَرِئُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا جَاهِلٌ شَقِيٌّ. وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ عَهْدَهُ وَ ذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ، وَ حَرِيماً يَسْكُنُونَ إِلَى مَنْعَتِهِ وَ يَسْتَفِيضُونَ

ص: 387

إِلَى جِوَارِهِ، فَلَا إِدْغَالَ، وَ لَا مُدَالَسَةَ، وَ لَا خِدَاعَ فِيهِ، وَ لَا تَعْقِدْ عَقْداً يَجُوزُ فِيهِ الْعِلَلُ، وَ لَا تُعَوِّلَنَّ عَلَى لَحْنِ قَوْلٍ بَعْدَ التَّأْكِيدِ وَ التَّوْثِقَةِ، وَ لَا يَدْعُوَنَّكَ ضِيقُ أَمْرٍ لَزِمَكَ فِيهِ عَهْدُ اللَّهِ، إِلَى طَلَبِ انْفِسَاخِهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، فَإِنَّ صَبْرَكَ عَلَى ضِيقٍ تَرْجُو انْفِرَاجَهُ وَ فَضْلَ عَاقِبَتِهِ، خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ تَخَافُ تَبِعَتَهُ، وَ أَنْ تُحِيطَ بِكَ فِيهِ مِنَ اللَّهِ طِلْبَةٌ، لَا تَسْتَقِيلَ فِيهَا دُنْيَاكَ وَ لَا آخِرَتَكَ."

المعنى العامّ

تعرّض علیه السلام في هذا الفصل إلى الرّوابط الحكومیّة الإسلاميّة الخارجيّة وحثّ على رعاية الصلح وقبول الدّعوة إليه، وهذا الدّستور ناشئ من جوهر الإسلام الذي كان شريعة الصّلح والسّلام والأمن، فانّه نهض بشعارين ذهبيّين هما الإسلام والإيمان، والإسلام مأخوذ من السّلم، والإيمان مأخوذ من الأمن وهذان الشعاران اللّذان نهض الإسلام بهما إعلام بأنّ هذا الدّين يدعو إلى استقرار الصلح والأمن بين البشر، وقد نزلت في القرآن الشريف آیات محکمات تدعو إلى الصّلح واستتباب السّلام، فقال تعالى: «وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» [الأنفال: 61]. و «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ» [البقرة: 208]

والسبب في ترغيب الإسلام في الصلح والسّلم أنّ الإسلام، دین برهان وتفكير وشريعة تبيان ودليل والاستفادة منها يحتاج إلى محيط سالم وطمأنينة،

ص: 388

والحرب المثيرة للأحقاد والتعصّبات منافية للتوجّه إلى البرهان والتعقّل في أيّ بیان، وقد نبّه علیه السلام إلى ما في الصّلح من الفوائد القيّمة فذكر أنّ في الصّلح:

1. دعة لجنودك: فالحرب متعبة للأبدان منهكة للقوى، فيحتاج الجند إلى دعة واستراحة لتجديد القوى والاقتدار على مقاومة العدی.

2. (وراحة من همومك ): فالحرب تحتاج إلى ترسيم خطّة صحيحة تؤدّى إلى الظّفر فإذا حمي الوطيس واحمرّ الموقف من دم الأبطال وارتج الفضاء من العويل والويل لا يقدر القائد من التفكير وترسیم خطط ناجحة، والصّلح يريحه من الهموم ويفتح أمامه فرصة الفكر وترسيم الخطط للظفر بالعدوّ.

3. (وأمنا لبلادك) فالحرب تثير الضّغائن وتحرّض العدوّ على الإغارة في البلاد وسلب الأمن والرّاحة عن العباد. ثمّ حذّر علیه السلام من الغفلة بعد الصّلح ووصّى أن يكون المسلمون على فطنة من كيد الأعداء، لأنّ العدوّ إذا رأى التفوّق لعدوّه في الحرب وأيس من الغلبة عليه يلتجئ باقتراح الصّلح، ثمّ لم يلبث أن يفكّر في الخديعة وطلب الظّفر بالمكر والدّهاء من شتّى النواحي ويقارب ليتمكن من درس نقاط الضعف وينتهز الفرصة للهجوم.

المستوى الصوتيّ

س: لم قلبت الواو تاء في اتّهم؟

ص: 389

اتّهم مشتقّ من وَهِمْتُ في الحساب أَوْهَمُ وهماً، إذا غلِطت فيه وسهوت. ووَهَمْتُ في الشيء، بالفتح أَهِمُ وَهْماً، إذا ذهب وَهْمُكَ إليه وأنتَ تريدُ غيره. وتَوَهَّمْتُ، أي ظننت. وأَوْهَمْتُ غيري إيهاماً. والتَوهيمُ مثله. واتَّهَمْتُ فلاناً بكذا، والاسم التُهَمَةُ بالتحريك، وأصل التاء فيه واوٌ. أي (اوتهم، وُهمة) فأما في الفعل فإن الواو والتاء لما تقاربا في المخرج وثقلت الواو ابتداء قلبت الواو تاء وأدغمت التاء بالتاء فصار (اتّهم)، وأما التهمة فأصلها بالواو المضمومة وكان حق الواو أن تقلب همزة لأنها مضمومة ابتداء كما في أُولى أصلها (وُولي) ولكن لن يزول الثقل بهمز واو (الوُهمة) لاجتماع الهمزة والهاء وكلاهما من حروف الحلق فلجؤوا إلى قلب الواو تاء لأنّها من مخرج قريب من محرجها. وإنّ الكلم العربي شاع فيه قلب الواو أو الياء تاء كتاء أخت واثنتان وكلتا وتراث وتجاه وتولج وتترى وغير ذلك.

س: في لفظة (دعة) حذف للواو؛ لأنّ الأصل (ودع) فما هو التّفسير الصوتيّ لهذا الحذف، وهل عوّض بالصّامت (التاء) عن الصائت الطّويل؟

سبق أن ذكرنا أنّ علّة حذف الواو من صيغة مصدر الهيئة (فعلة) من المثال الواوي هي التخفيف فدعة أصلها (وِدعة) بكسر الواو نحو (هبة، زنة، عدة، صفة، صلة، شية) وغيرها، وليست هذه المصادر مأخوذة من صيغة الفَعْل کما ذهب الصرفيّون القدماء الذي قالوا إن هذه أصلها (الودع، الوهب، الوزن، الوعد، الوصف، الوصل، الوشي) ولكن حذفت الواو وعوِّضت بتاء في الآخر، وإنّما رفضنا هذا التوجيه لثلاثة أسباب: أولها لا موجب لحذف الواو من الصيغة الخفيفة (الفَعل) وإنّما تحذف الواو فرارا من الثقل وهذه الصيغة لا ثقل فيها والسبب الثاني إنّ اللفظة إذا حصل فيها حذف و تعویض ينبغي

ص: 390

أن يهجر اللفظ الثقيل من كلام العرب ويبقى اللفظ الجديد الخفيف وهذا لا يثبت مع هذه الألفاظ إذ نجد الأصل والفرع مستعملين معا. والسبب الثالث وهو الأهم أن بين الفعل والعلة فرقا دلاليا وهو أن الفعل مصدر صریح والعِلة مصدر هيئة فلا موجب لزعم الصرفيّين القدماء.

المستوى الصرفيّ

س: زن الأفعال الآتية، واذكر أحرف الزيادة فيها، مبيّنا المعنى الصرفيّ لكلّ صيغة منها؟

1. قارب: فاعَل، فعل ماض مزيد بالألف، والزيادة أفادت المشاركة يقال: قربه يقربه قربا بضم الفاء على الباب الرابع أي: دنا منه واقترب، وقارب فلان فلانا: ناغاه بکلام حسن أي: حادثه محادثة حسنة، وقارب في الأمر: ترك الغلوّ وقصد السّداد، وقارب النّهاية: أوشك أن ينتهي كأنه شاركها في القرب، وقوله علیه السلام: قارب ليتغفّل، معناه: قاربه عدوّه بصلحه، فحذف المفعول ومتعلّقه لدلالة السّياق عليه.

2. يتغفّل: يتفعّل، مضارع من تغفّل على تفعّل، مزيد بالتاء وتضعيف العين، والزيادة أفادت التدرّج، أي: قاربه بصلحه ليطلب غفلته فيظفر به. والغفلة سهو يعتري الإنسان من قلّة التّحفّظ والتّيقّظ، يقال: غفل عن الشيء غفولا: ترکه وسها عنه، وأغفله غيره والاسم الغفلة، والتغافل والتّغفّل: تعمّده المضي في الغفلة شيئا فشيئا، أي إنّ (تغفّله)

ص: 391

معناه تخدّعه و تحيّن غفلته أي: سهوه عن الشيء وعدم تیقّظه.

3. اتّهم: افتعل، فعل أمر من اتّهم على زنة (افتعل) مزید بهمزة الوصل والتاء، والزيادة أفادت إظهار التهمة أي الجهر بها بعد ما كانت خفيه، یقال: وهم يهم على الباب الثاني: اذا ذهب وهمه إليه وهو يريد غيره، وأوهمت الشيء إذا أغفلته. ويقال: وهِم في الحساب يوهم على الباب الرابع: غلط، والوهم تصوّر شيء وتخيّله، وتوهّمت الشيء: تخيّلته، واتّهمت فلانا، أي: أبديت له التّهمة ورميته بها وهذا هو معنى الإظهار في صيغة افتعل،

4. ألبسته: ماض مزید بهمزة القطع، والزيادة أفادت التعدية إلى المفعول الثاني، يقال: لبس الثوب على الباب الرابع لبسا: استتر به، وألبسه غيره،

5. استولوا: استفعلوا، ماض من استوبل المزيد بهمزة الوصل والسين والتاء، والزيادة أفادت إيجاد الشيء على صفة، أي انّهم وجدوا الغدر و بیلا عليهم فاستثقلوا الغدر لما فيه من سوء العاقبة. والوبيل: الشّديد والثّقيل، من الوابل وهو المطر الشّديد، يقال: وبلت السماء تبل على الباب الثاني: اذا أتت بوابل، قال تعالى: «وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» [البقرة: 265]،

6. أفضاه: ماض على أفعل، مزید بهمزة القطع التي أفادت التعدية، وقد ورد هذا الفعل لازما، ولم نقف على تعديته الّا في كلام أمير المؤمنين علیه السلام، يقال: أفضى الرجل: دخل في الفضاء وهو المكان المتّسع، وأفضى إلى

ص: 392

الأرض: مسّها براحته، وأفضى الأمر إلى كذا: وصل، وأفضى إلى المكان: وصل إليه، وقوله تعالى: «وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا» [النساء: 21] كناية عن النّكاح.

7. يستفيضون: يستفعلون، مضارع من استفاض على (استفعل) مزید بهمزة الوصل والسين والتاء، والزيادة أفادت المبالغة في الفيض، وهو جریان الشيء بسهولة، فاض الماء: كثر حتى سال، وفاض الخير: كثر، واستفاض: انتشر، والمعنى ينتشرون في جوار هذه الرحمة الإلهيّة.

8. تعوّلنّ: مضارع على تفعّلنّ، من عوّل تعويلا، إذا استغاث واعتمد على غيره، يقال: عالَ يَعُولُ عَوْلًا: جَارَ ومالَ عَنِ الْحَقِّ. وأصله النقصان في الميزان یُقَالُ: عَالَ الميزانُ إذا ارْتَفَعَ أَحدُ طَرَفيه عَنِ الآخَرِ، وتوسّعوا فيه فقالوا: عَالَ الرجلُ يَعُولُ إذا افْتقر، وعَالَ يَعُولُ إذا كَثُر عِيالُه؛ وقد صرح أمير المؤمنين في نهج البلاغة بأن الفقر وكثرة العيال قرينان فقال في الحكمة (141): "قِلَّةُ اَلْعِيَالِ أَحَدُ اَلْیَسَارَيْنِ" ونظيره قولهم: "العيال سوس المال" وقولهم: "لا مال لكثير العيال"، ولذا يمكن فهم دلالة الفعل (عال يعول) على الفقر وكثرة العيال معا لأن المحصل واحد. ومَعْنَى قَوْلِهِ تعالى: «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا» [النساء: 3] ذلِكَ أَدنى أَلَّا تَعُولُوا أَي ذَلِكَ أَقرب أَن لَا تَجُوروا و تَمِیلوا، وَقِيلَ ذَلِكَ أَدْنى أَن لَا يَكْثُر عِيَالكم والأظهر صرفيا أن يقال: عَالَ الرجلُ يَعُول إذا جَارَ، وأَعالَ يُعِيلُ إذا كَثرُ عِيالُه.

ثم توسعوا في المعنى أكثر فاستعمل العول للدلالة على صوت المحتاج وعده

ص: 393

فقالوا: العَوْل والعَوْلة رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْبُكَاءِ،، والعَوْلُ والعَوِيل: الاِسْتِغَاثَةُ، وأَعْوَلَ الرجلُ والمرأَةُ وعَوَّلا: رَفَعا صَوْتَهُمَا بِالْبُكَاءِ وَالصِّيَاحِ؛ والتعويل مبالغة في العويل ومجاز منه إذ يقال: عوّلت على فلان إذا اتّكأت عليه واعتمدت وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: مُعَوَّلي عَلَى فُلَانٍ أَي اتِّكالي عَلَيْه وَاسْتِغَاثَتِي بِهِ.

9. تستقبل: مضارع على تستفعل من (استفعل) المزيد بهمزة الوصل والسين والتاء، والزيادة أفادت الصيرورة يقال: استقبلت فلانا أي صيرته قُبُلا لي، والاستقبال ضدّ الاستدبار، والاقبال: التّوجّه نحو القُبل قال تعالى: «فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ» [الصافات: 50] والمقابلة: المواجهة، واستقبله: واجهه وأقبل نحوه، وأمّا قبل الأمر فمعناه: أخذه عن طيب خاطر قابلا بها، وثمة رواية أخرى ل(تستقبل) هي (تستقيل) وهو مضارع من استقال على استفعل، مزید بهمزة الوصل والسين والتاء، والزيادة أفادت الصيرورة، أي: صيرورته مقالا، قال يقيل قيلولة: نام نصف النّهار، والقائلة: الظّهيرة، والقيلولة: النوم فيها «أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا» [الفرقان: 24] والمقيل مصدر ميميّ من القيلولة، ومنه أقال الله عثرته، أي: صفح عنه وعفا، وترك ذنبه، واستقاله: صيّره كذلك.

س: زن الألفاظ الآتية وزنا صرفیّا محكما، وبيّن المعنى الصرفيّ لكلّ منها؟

1. صُلح: اسم مصدر على فُعل، من أصلح بينهم إصلاحا وصلاحا، والمجرّد صلح الشيء صلاحا: لم يفسد، والصلح هو ازالة النّفار بين الناس قال تعالى: «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ

ص: 394

الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128)» [النساء: 128].

2. جُنّة: فُعلة، وهي اسم دالّ على كلّ ما استتر به من سلاح، وكذلك السّترة، يقال: استجنّ بجنّة، أي: استتر بسترة، والمِجنّ: التّرس، من جنّ عليه الليل وأجنّه جنونا إذا ستره قال تعالى: «فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ» [الأنعام: 76]، وأجنّه: جعل له ما يجنّه نحو: قبرته وأقبرته، وهو دالّ على ستر الشيء عن الحاسّة، وفي الحديث "الصّوم جُنّة" أي: وقاية من الشّهوات، والفرق بين (الجُنّة والجِنّة والجَنّة) أن الجُنة بالضم تعني الدرع الواقي الذي يستتر به عند القتال، والجَنّة بالفتح كلّ بستان ذي شجر یُستتر بأشجاره. و الجنة بالكسر مجتمع الجِن سُموا بذلك لاستتارتهم واختفائهم عن أنظار الناس. والجامع لهذه الألفاظ الثلاثة هو الستر والاختفاء،

3. أهوائهم: أفعال، جمع قلّة مفرده هوى، وهو مصدر من هويه يهواه هوى على الباب الرابع من اللفيف المقرون، بمعنى أحبّ، والهوى: ميل النّفس إلى شهوة، جمع التنوّع هوى كلّ واحد.

4. عواقب: فواعل، جمع كثرة على صيغة منتهى الجموع، مفرده عاقبة، اسم لما يأتي آخر الشيء.

5. حریم: فعيل، صفة للموضع المحرّم الذي لا ينتهك، فحريم البشر هو ما حولها يحرّم على غير صاحبها أن يحفر فيه، والحريم من كلّ شيء: ما تبعه محرم بحرمته من مرافق وحقوق، وحریم المسجد: الموضع المحيط به، وذكر علیه السلام أنّهم يسكنون إلى جواره ليأمنوا، من حرم الشيء

ص: 395

بضمّ العين: منع، حرما بضمّ الفاء و حراما ضدّ الحلال، فحریم صفة مشبّهة، مكان حريم أي مقدّم، حرّمه فهو حریم بمعنی محروم من حرم علي وكل ما حرّم فلا ينتهك يوصف بالحريم كالثوب المحرم ونساء الرجل ومرافق الدار وغيرها.

6. جواره: فِعال، مصدر من جاوره جوارا ومجاورة، لأنّه مائل عنه من الجور وهو الميل، جار عن الطريق، واستجار: طلب جواره،

7. إدغال: مصدر على إفعال، من أدغل، المزيد بهمزة القطع التي أفادت التعدية، أدغل في الأمر: إذا أدخل فيه ما يخالطه فيفسده، والدغل بفتحتين: الشجر الملتّف ولذلك هو مكان يخاف فيه الاغتيال، ومنه سمّي الفساد الدغل ومنه ما رواه الواقدي في (شرح ابن أبي الحديد 8: 258) وهو قول أبي ذر الغفاري لعثمان بن عفان بن أبي العاص: اني سمعت النبي صلّى اللهَّ عليه وآله يقول: "إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتّخذوا مال اللهَّ دولا، وعباده خولا، ودینه دغلا "

8. مُدالسة: مصدر على مفاعلة من دالس الرجل يدالسه دِلاسا و مدالسة إذا خادعه و خانه، وهو مزید بالألف، التي أفادت المبالغة في الخيانة من الدّلس وهو اختلاط الظلام، والدّلس الخديعة، ومنه التّدليس في البيع وهو كتمان عيب السّلعة عن المشتري بأن يريه الشيء ويعرّفه له بخلاف ما هو عليه كأنّه خادعه وأتاه في الظلام، والتّدليس في الأسناد هو أن يحدّث عن الشيخ الأكبر ولعلّه ما رآه وإنّما سمعه ممّن هو دونه أو ممّن سمعه منه.

9. خداع: مصدر على فعال من خادعه مخادعة وخداعا، وهو مزید بالألف،

ص: 396

وأفادت الزيادة معنى المبالغة في الخدع «يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ» [البقرة: 9] أي: أولياؤه تفضيعا لفعلهم، وهو أصل دالّ على الاخفاء، خدعه يخدعه على الباب الثالث خدعا، اذا ختله وأراد به المكروه من حيث لا يعلم، والاسم الخديعة، والمخدع بضم وسكون وفتح: الخزانة.

10. تجوّز: مضارع من جوّز الأمر تجويزا، على فعّل، مزید بتضعیف العين، والزيادة أفادت الجعل، أي جعله جائزا مباحا و سوّغه، من جاز الموضع إذا سلكه، وأجازه: خلّفه وقطعه.

11. لحن: مصدر من لحن في كلامه يلحن على الباب الثالث، فهو لاحن ولحن، وهو امالة الكلام عن جهته الصحيحة أي: هو أداء المقصود بلفظ يحتمل غيره من المعنی کالتورية والتعريض، أي: لا تعتمد على التلاعب في الكلام في عهودك، وعليه «وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ» [محمد: 30]. أي الكلام المورّی به المزال عن جهة الاستقامة والظهور.

واختلفوا في تأويل الآية فمنهم من جعل لحن القول: خطؤه ومنهم من فسر اللحن بالفطنة والذكاء باستعمال التورية في الكلام والتعريض وأبرزهم الراغب: اللحن صرف الكلام عن سننه الجاري عليه، وجعل الآية ممّا أزيل عن التصريح و صرفه بالتعريض، وهو محمود عند أكثر الأدباء من حيث البلاغة، قيل للفطن بما يقتضي فحوى الكلام: لحن. وعليه "ولعلّ بعضكم ألحن بحجّته من بعض" أي: أفصح وأقدر على الحجّة. والأولى أن يكون المراد هو الفطنة في هذه الآية، والمعنى انّ لحن القول هو بغض الإمام علیه السلام الظاهر على لسان

ص: 397

المنافقين. لأن لحن القول يعني الميل عن الحق ميلا يبدو حسنا للمتلقي باستعمال التورية والتنميق والتزوير فهو میل خفيّ لا ظاهر فيؤنف منه، وبهذا المعنى شاع استعمال اللفظ في الغناء لأنه قول منمّق مزخرف.

12. التّوثقة: مصدر على التفعلة من وثّق المزيد بتضعیف العين، يقال: وثّقه توثيقا وتوثقة نحو التجريب والتجربة، والزيادة أفادت المبالغة في تأكيده.

13. انفساحه: مصدر على الانفعال من انفسح على انفعل مزید بهمزة الوصل والنون، والزيادة أفادت المطاوعة، فسح له المكان يفسح على الباب الثالث فسحا: وسّعه له فانفسح.

14. انفراجه: مصدر على الانفعال أيضا من انفرج، مزید بهمزة الوصل والنون، يفيد المطاوعة، فرّج الله الهمّ فانفرج انفراجا: كشفه.

10. تبعته: تبِعة (فعِلة)، اسم يراد به الشيء الذي لك فيه بغية، شبه ظلامة ونحوها أي: ما اتبع به، وكذا التباعة ككتابة تبعه يتبعه على الباب الرابع تبعا: قفا أثره ومشي خلفه «قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» [البقرة: 38]، وأتبعه إذا كان قد سبقه فلحق به قال تعالى: «إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ» [الحجر: 18] والتّبيع: التابع وخصّ بولد البعير إذا تبع أمّه، والتَّبَع بفتحتين أيضا التابع، واحد وجمع «وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ» [غافر: 47].

16. طَلِبة: فَعِلة، اسم من طالبه مطالبة وطلابا: اذا طلبه بحقّ، والاسم

ص: 398

الطلبة والطّلب، وطلب يطلب على الباب الأوّل طلبا: الفحص عن وجود الشيء، عينا كان أو معنى «أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا» [الكهف: 41]

حد المستوى النحويّ

س: أعرب الألفاظ التي تحتها خطّ في النصّ المتقدّم؟

1. رضا: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة المقدّرة على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين (الألف والتنوين)، وتنوين الفتح عوض عن الألف المحذوفة لفظا لا خطّا، وإنّما ساغ الابتداء بالنّكرة لأنّ الخبر تقدّم عليها، وهو الجارّ والمجرور (فيه).

2. جاهل: في قوله علیه السلام: "فإنّه لا يجتري على الله إلا جاهل شقيّ": جاهل: فاعل مرفوع للفعل يجتري؛ لأنّ الاستثناء مفرّغ، فالجملة للحصر وليست للاستثناء؛ لأنّ المستثنى منه غير موجود، و (شقيّ) صفة لجاهل،

3. خير: في قوله علیه السلام: "فانّ صبرك على ضيق أمر ترجو انفراجه وفضل عاقبته خير من عذر تخاف تبعته"، خير: مرفوع على أنّه خبر (انّ) الحرف المشبّه بالفعل، واسمها (صبرك).

4. الجذر: في قوله علیه السلام: "ولكن الحذر كلّ الحذر من عدوّك بعد صلحه"، الحذر: مفعول به منصوب على التحذير، وناصبه مقدّر، أي: إلزم

ص: 399

الحذر، و(كلّ) توكيد مضاف إلى الحذر الثاني، و(لكن) حرف استدراك.

5. ذمّة: "أو ألبسته منك ذمّة"، ذمة: مفعول به ثان للفعل ألبسته، والهاء في الفعل ضمير متّصل في محلّ نصب مفعول أوّل، و(منك) جارّ ومجرور متعلّق بألبسته.

6. جنّة: "واجعل نفسك جنّة دون ما أعطيت"، جنّة: مفعول ثان لفعل الأمر (اجعل) الذي يستتر فيه الفاعل وهو المخاطب الوالي، و(نفسك) مفعول أوّل.

7. إدغال: "فلا إدغال ولا مدالسة ولا خداع فيه"، إدغال: اسم (لا) النافية للجنس مبنيّ على الفتح في محل نصب، وخبرها محذوف وجوبا تقديره موجود.

8. عقدا: "ولا تعقد عقدا"، عقدا: مفعول به، والفاعل مستتر في الفعل تعقد لأنّه مجزوم ب(لا) الناهية.

س: اذكر الحالة الإعرابيّة للأفعال الآتية، وعلّل لكلّ منها؟

1. "ويستفيضون إلى جواره" يستفيضون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنّه من الأفعال الخمسة، والواو: ضمير منفصل في محل رفع فاعل، وهو مرفوع لخلوّه من الناصب والجازم.

2. "ربمّا قارب ليتغفّل" يتغفّل: فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه الفتح،، وعامل النّصب هو أن المصدريّة الناصبة بعد لام التّعليل، والفعل بعدها في تأويل مصدر يتعلّق بالفعل قارب.

3. "وأن تحيط بك من الله فيه طَلِبة"، تحيط : فعل مبنيّ للمجهول منصوب ب(أن) المصدريّة النّاصبة، و(طلبة) نائب الفاعل، معطوف على لفظة

ص: 400

(عذر)، والمعنى: خير من عذر ومن إحاطة طَلِبة الله بك.

4. "ولا يدعونّك ضيق أمر"، يدعونّك: فعل مضارع مبنيّ على الفتح لاتّصاله بنون التوكيد الثّقيلة في محل جزم ب (لا) والفاعل هو لفظة (ضيق) ونون التوكيد لا محلّ لها من الإعراب، والكاف ضمير متّصل في محل نصب مفعول به.

5. "فحط عهدك بالوفاء"، الفاء: رابطة لجواب الشّرط، و(حُط) فعل أمر مجزوم من حاط يحوط.

6. "واجعل نفسك جنّة دون ما أعطيت" اجعل: فعل أمر وفاعله، والمفعول (نفسك)، و(دون) ظرف مبنی مضاف، و(ما) موصولة في محلّ جرّ بالإضافة إلى دون، و (أعطيت) ماض مبنيّ على الفتح لاتصاله بتاء الفاعل، صلة الموصول لا محلّ له من الإعراب، ويجوز أن تكون (ما) مصدريّة وهي والفعل في محلّ جرّ بالإضافة.

س: اذكر المحلّ الإعرابيّ للجمل الآتية، وبيّن السّبب؟

1. "دعاك إليه عدوّك": الجملة من الفعل الماضي المبنيّ على الفتح المقدّر على الألف للتعذّر، وفاعله (عدوّك) ومفعوله ضمير الكاف المتصل بالفعل دعاك في محلّ نصب صفة ل(صلحا).

2. "لله فيه رضا": الجملة الاسميّة من المبتدأ المؤخّر وخبره المقدّم في محلّ نصب حال من (صلحا) ذلك لأنّ (الصلح) لمّا وصف بجملة "دعاك إليه عدوّك" خصص واقترب من المعرفة.

3. "ربّما قارب ليتعفّل": الجملة من ربّما الكافة والمكفوفة وما بعدها في محلّ رفع خبر ل (إنّ) الحرف المشبّه بالفعل، التي اسمها المنصوب هو لفظة

ص: 401

(العدوّ).

4. "ليس من فرائض الله شيء": الجملة في محلّ رفع خبر (انّ) قبلها، واسم انّ هو الضمير المتّصل بها (الهاء)، وتفصيل إعراب هذه الجملة هو أنّ (ليس) فعل ماض جامد ناقص تعمل عمل كان، واسمها (شيء)، وخبرها الجارّ والمجرور (من فرائض)، وإنّما ساغ مجيء المبتدأ نكرة لتقدّم خبره عليه.

5. "فإنه ليس من فرائض الله عزّوجلّ شيءٌ الناسُ أشدُّ عليه اجتماعا من تفریق أهوائهم"

فيها عدة أوجه إعرابية للشراح أفضلها أن يقال: (أنّه) حرف مشبه بالفعل والهاء اسمها. (ليس) فعل ماض ناقص، (من فرائض) جار ومجرور متعلق باستقرار محذوف في محل نصب خبر ليس مقدم، (شيء) اسم ليس مرفوع. وجملة (ليس شيء من فرائض الله) في محلّ رفع خبر (إنّ)، (الناس) مبتدأ مرفوع، (أشدّ) خبر للمبتدأ وهو اسم تفضيل (عليه) جار ومجرور متعلق بالاجتماع بعده، (اجتماعا) تمييز منصوب، (من تعظيم الوفاء) جار ومجرور متعلق باسم التفضيل (أشدّ) وأفعل التفضيل يكمّل بالإضافة أو لفظة (من)، والجملة الاسمية (الناس أشدّ..) في محل نصب حال من (شيء) أو في محل رفع صفة له.

6. "لا يجترئ على الله إلّا جاهل" الجملة من (لا) النافية، والفعل المضارع المرفوع بالضّمّة المقدّرة على الياء للثقل، وفاعله (جاهل)، في محلّ رفع خبر (انّه) واسمها الهاء.

7. "أفضاه بين عباده": هذه الجملة الفعليّة في محلّ نصب صفة للفظة

ص: 402

(أمنا) الذي هو المفعول الثاني ل(جعل).، وإعرابها مفصّلا: أفضاه: فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف للتعذّر، والفاعل مستتر يعود على لفظ الجلالة، والهاء ضمير متّصل في محلّ نصب مفعول به، و (بين) ظرف مبني مضاف إلى عباده.

8. "يسكنون إلى منعته" الجملة الفعليّة في محلّ نصب صفة للفظة (حريما) المعطوفة على (أمنا)، والإعراب المفصّل، يسكنون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنّه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله.

9. "تجوّز فيه العلل" الجملة من الفعل المضارع المرفوع و فاعله المستتر ومفعوله (العلل) في محلّ نصب صفة للمفعول به (عقدا).

10."لزمك فيه عهد الله": الجملة من الفعل الماضي (لزم) وفاعله (عهد الله) ومفعوله (ضمير الكاف) في محلّ جرّ صفة للمضاف إليه (أمر) في: (ضيق أمر).

11. "ترجو انفراجه" الجملة من المضارع المرفوع وفاعله المستتر ومفعوله (انفراجه) في محلّ جرّ صفة للمضاف إليه (أمر).

12. "تخاف تبعته": الجملة من المضارع المرفوع وفاعله المستتر ومفعوله المنصوب (تبعته) في محلّ جرّ صفة ل(غدر).

13."فلا تستقبل فيها دنياك ولا آخرتك" الجملة من الفعل المضارع المرفوع المنفي ب(لا) النافية، وقبلها فاء التّفريع (الفصيحة)، وفاعله المستتر ومفعوله (دنياك) في محلّ رفع صفة للفاعل (طلبة).

ص: 403

المستوى المعجميّ

س: اجتمعت لفظتا العهد والذّمّة في قوله علیه السلام: "فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمّتك بالأمانة" في الفرق بينهما إذا ما علمت أنّ العطف يفيد المغايرة؟.

إنّ العهد ما كان من الوعد مقرونا بشرط نحو قولك: إنْ فعلتَ كذا فعلتُ كذا وما دمتَ على ذلك فأنا عليه، قال الله تعالى «وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا» [طه: 115] أي أعلمناه أنك لا تخرج من الجنّة ما لم تأكل من هذه الشجرة، والعهد يقتضي الوفاء و هو بين طرفين يلتزمان به معا، أما الذّمة فخلافها الأمانة كما في سياق قول الإمام علیه السلام لكنّ الذمّة وهي مشتقّة من الذم لأنّ الذمِّة والذِّمام كلّ عهد يلْزمك الذم إذا ضَیَّعْتَه لأنها تقع من طرف واحد، ولذا يسمّى أَهلُ العهد بأَهلَ الذِّمَّةِ وهم الذين يؤدّون الجزية التزاما بالعهد الذي قطعوه على أنفسهم فإن ضيّعوه لزمهم الذمّ، ورجل ذِمِّيٌّ معناه رجل له عهد إن ترکه استحق الذم، والعرب تقول: بئر ذَمَّةٌ وذَميمٌ وذَميمةٌ قليلة الماء لأنها تُذَمُّ، وأَذَمَّتْ ركاب القوم إذْماماً أَعيت وتخلفت وتأَخرت عن جماعة الإبل ولم تلحق بها كأَنها حَمَلَت الناس على ذَمِّها، وبلحاظ فعل الذم سمي العهد والكَفالةُ بالذمة في كلام العرب لأن الذم كثيرا ما يكون عاقبة لذلك في عرفهم إذ يتلو هذا التعهّد نقض ونكث فيحصل الذم فالقتال.

س: ذكر الإمام علیه السلام لفظتي: التّفرّق والتّشتّت في موضع واحد بقوله علیه السلام: "مع تفرّق أهدافهم، وتشتّت آرائهم" وهذا يعني أنّ ثمّة فرق بينهما، وضّح ذلك؟

ص: 404

التشتّت تفريق في انتشار و تبعثر، يقال شت جمعهم شتا وشتاتا، وجاءوا أشتاتا أي متفرقي النظام، قال تعالى: «يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ» [الزلزلة: 6] والتشتت خلاف الألفة فقال تعالى: «وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى» [الحشر: 14] أي هم بخلاف من وصفهم بقوله «وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ» [الأنفال: 63]، أما التفريق فخلاف الجمع وهو جعل الشيء مفارقا لغيره. فقوله تعالى: «قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» [البقرة: 136] معناه لا نجعل الانبياء مفارقين بعضهم من بعض، بأن نؤمن ببعض، ونكفر ببعض.

س: وردت الألفاظ: الغدر، الختل، الإدغال، المدالسة، الخداع في (فَلاَ تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ،... وَلاَ تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ،... فَلاَ إِدْغَالَ، وَلاَ مُدَالَسَةَ، وَلاَ خِدَاعَ فِيهِ) فيما المعنى الدقيق لهذه المترادفات؟.

1. الغدر نقض العهد الذي يجب الوفاء به.

2. الحتل: الكمون للعدو والاختباء له في موضع طلبا للفجأة وأخذه على غفلة منه، يقال: خَتَلَ الذِّئبُ الصَّيدَ خَتْلاً: تَخَفَّى له وکُلُّ خادِعٍ فهو خاتِلٌ وَخَتُولٌ كصَبُورٍ، والخِتْلُ بالكسر: "کُلُّ مَوضِعٍ يُخْتَتَلُ فيه مِثْلُ الكِنّ.

3. الإدغال من الدَغَلُ وهو الفِّسادُ، مثل الدَخَلِ. يقال: قد أَدْغَلَ في الأمر، إذا أَدْخَل فيه ما يخالفُه ويُفسِده. وأصل الدَغَلُ: الشجرُ الكثير الملتفُّ الذي لا يعرف ضارّه من نافعه، فالإدغال هو لبس الحق بالباطل.

4. المُدالَسَةُ أصلها من الدلس وهو الظلمة وتعني إخفاء عيب الشيء فكأنَّه

ص: 405

يأتيك بالشين به في الظلام وأنت تحسبه زينا.

5. الخداع هو التظاهر باجتلاب نفع أو دفع ضرّ، والمراد خلافه ولا يقتضي أن يكون بعد تدبّر و نظر وفكر ألا ترى أنه يقال خدعه في البيع إذا غشّه وإن كان ذلك بديهة من غير فکر و نظر.

المستوى البلاغيّ

س اذكر أبرز الفنون البلاغيّة الواردة في النصّ المتقدّم.

1. في قوله علیه السلام: "أو ألبسته منك ذمّة" استعار لفظ اللبس لإدخاله في أمان الذّمّة ملاحظة لشبهها بالقميص ونحوه من حيث شدّة الاتّصال، فهذه استعارة تمثيليّة، ومثلها «هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ» [البقرة: 187] فجعل التّقوى لباسا على طريق التّمثيل والتّشبيه.

2. "واجعل نفسك جنّة دون ما أعطيته" هذه أيضا استعارة تمثيليّة، استعار لفظ الجنّة لنفسه ملاحظة لشبهها بالتّرس ونحوه، فشبّه (نفسك) بالمجنّ الذي يستتر به المحارب، فحذف وجه الشّبه وهو الاستتار، وأبقى لازمة وهو السّتر (جنّة).

3. "وقد جعل الله عهده وذمّته أمنا... وحريما يسكنون إلى منعته ويستفيضون إلى جواره "استعار علیه السلام لفظ الحريم للعهد، وجعل السكون إلى منعته والاستفاضة إلى جواره، ووجه الاستعارة هو الاطمئنان إليه والأمن من الفتنة بسببه فأشبه الحريم المانع، والحريم هو المكان الذي

ص: 406

يحرم على أحد انتهاکه.

4. "ولا تعقد عقدا تجوّز فيه العلل": وهذا كناية عن أمره بإحكام ما يعقد من الأمور؛ لأنّ العلل جمع علّة خلاف الصّحّة، والمراد بها الأحداث المفسدة للعقد.

5. "وأن تحيط بك من الله فيه طلبة لا تستقبل بها دنياك ولا آخرتك": في النصّ كناية، فإحاطة الطلبة وهو ما يطالب به يوم القيامة من لزوم العهد، فالعهد كناية عن لزومها له، ووصف علیه السلام الطلبة بأنّها لا تستقبل دنياه ولا آخرته، أراد أنّه لا يكون لك معها دنيا تستقبلها وتنتظر خيرها لعدم الدّنيا هناك، ولا آخرة يستقبلها إذ لا يستقبل في الآخرة إلا الأمور الخيرية، ومن أحاطت به طلبته من الله فلا خير له في الآخرة يستقبله، والمعنى مع رواية "لا يستقيل بها" أوجه، أي: لا يكون لك من تلك الطِّلبة والتبعة إقالة في الدّنيا والآخرة، أي: عفو الهيّ.

6. "واتّهم في ذلك حسن الظّنّ" كناية عن الحذر من العدوّ بعد الصّلح، أي: اطرد حسن الظّنّ تجاه العدوّ سواء في حالة الحرب أم السّلم، وخاصّة بعد الصّلح، فلابدّ أن تكون فطنا من كيد الأعداء إذ قد يلجأ العدوّ إلى الخديعة والمكر والدّهاء فيقارب ليدرس نقاط الضّعف وينتهز الفرصة للهجوم.

7. "ولا تعوّلنّ على لحن القول" في لحن القول كناية عن الإبهام في الكلام، والخروج عن ظاهر ألفاظ المعاهدة، وذلك باستعماله التورية والتعريض في أداء المقصود بلفظ يحتمل غيره من المعنى من أجل أن ينقضها إذا طرأت صعوبة على إجرائها، وهذا أمر بالسعي في صراحة

ص: 407

ألفاظ المعاهدة، ووضوح نصوصها بعد التأكيد والتوثيق.

8. في النصّ تقديم وتأخير نحو: "لله فيه رضا" و "فإنّ في الصّلح دعة" وغير ذلك ممّا ذكر في المستوى النحويّ، ولا يخفى أهميّة أسلوب التقديم والتأخير في تأكيد معنى ما قدّم على غيره، والتّنبيه على أهمّيته من تحبيب الصّلح لأنّ مآله لله وهو المقدّم نحو الجملة الأولى، أو التّشويق إلى معرفة ما أخّر نحو الجملة الثانية، ومنه تقديم الجارّ والمجرور على متعلّقه، لإفادة التّخصيص نحو: "وان عقدت بينك وبين عدوّ لك عقدة" إذ تقدّم (لك) على المفعول به (عقدة) وذلك لإفادة القصر والتّخصيص إذ إنّ العقدة التي عقدها لا تكون إلّا لك دون غيرك.

ص: 408

المقطع الثامن عشر (حُرمة النفس الإنسانيّة)

قوله علیه السلام: "إِيَّاكَ وَالدِّمَاءَ وَسَفْکَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْنَى لِنِقْمَة، وَلاَ أَعْظَمَ لِتَبِعَة، وَلاَ أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَة، وَانْقِطَاعِ مُدَّة، مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا، وَاللهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالْحُکْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ، فِيمَا تَسَافَکُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلاَ تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَم حَرَام، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَ يُوهِنُهُ، بَلْ يُزِيلُهُ وَ يَنْقُلُهُ، وَلاَ عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اللهِ وَلاَ عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمْدِ، لاَنَّ فِيهِ قَوَدَ الْبَدَنِ، وَإِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَإ وَأَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَوْ سَيْفُكَ أَوْ يَدُكَ بِالْعُقُوبَةِ، فَإِنَّ فِي الْوَکْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً، فَلاَ تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ".

ص: 409

المعنی العامّ

توجّه علیه السلام في هذا المقطع إلى علاج الأمراض الأخلاقيّة والجنائية الّتي ابتليت بها الامّة العربية في الجاهليّة العمياء فبادر إلى القول (إيّاك والدّماء وسفكها) إذ كانت العرب في الجاهليّة غارقة في سفك الدّماء ظلما وعدوانا فانقلبت إلى أمّة سفّاكة تلذّذ من قتل النّفوس ويزيدها نشاطا إذا كان المقتول رجلا شريفا وبطلا فارسا فتفتخر بسفك دمه وتنظم عليه الأشعار الرّائقة المهيّجة وترنّمها وتغنّي بها في حفلاتها. وجاء الإسلام مبشّرا بشعار الإيمان والأمن ولكن ما لبث أن ابتلى بالهجومات الحادّة الّتي ألجأته إلى تشريع الجهاد، فاشتغل العرب المسلمون بقتل النفوس في ميادين الجهاد، حقّا في الجهاد المشروع، وباطلا في شتّى المناضلات الّتي أثارها المنافقون فيما بينهم بعض مع بعض أو مع الفئة الحقّة حتّى ظهرت في الإسلام حروب دمويّة هائلة تُعدّ القتلى فيها بعشرات الالوف كحربي الجمل وصفّين. ثمّ بيّن علیه السلام أنّ القتل إن كان خطأ فلا بدّ من الانقياد لأولياء المقتول بأداء الدية من دون مسامحة واعتزاز بمقام الولاية، وكلام أمير المؤمنين علیه السلام يدلّ على إنّ المؤدّب من الولاة إذا تلف تحت يده إنسان في الحدّ فعليه الدية.

المستوى الصوتيّ

س: قال الإمام علیه السلام: (فإنّ في الوكزة فما فوقها مقتلة"، وهنا يعبّر الإمام علیه السلام عن الضّرب المفضي إلى القتل بالوكز، وفي التعبير القرآنيّ: «فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ

ص: 410

شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ» [القصص: 15] فهل يمكن استبدال الوخز بالوكز لأداء المعنى نفسه؟.

الفرق بين الوخز والوكز أن الوخز يكون بآلة دقيقة كالإبرة وما أشبهها والوكز يكون بآلة صلبة كالعصا والرمح، وجرس الكاف في (وکز) يحاكي الاتّصال الشديد بين الألة والجسد وفيه مقتلة حتما کما في سياق القول في التعبير القرآني والعهد الشريف، أما جرس الخاء في (وخز) فيحاكي رقّة التعامل بين طرف الآلة والجسد كطرف الإبرة مثلا، واشترك الجدران (وخز ووکز) بأن الواو فيهما يحاكي حركة الآلة في الهواء وأن الزاي في آخرهما يحاكي نفاذ الآلة في الجسد واختلفا في عين اللفظ فاختلفت دلالتهما تبعا لذلك.

المستوى الصرفيّ

س زن الألفاظ الآتية وزنا صرفیّا محکما، وبيّن معانيها الصرفيّة؟

1. الدّماء: فِعال، جمع كثرة مفرده دم، على زنة (فع)، ولامه محذوفة حذفا سماعيّا، وتردّ عند النّسب: دمويّ.

2. أحرى: أفعل، اسم تفضيل من حرى الشيء يجري على الباب الثاني: قصد حراه، أي: جانبه فهو حرى أن يفعل كذا، أي: جدير وخليق، و تحرّی: طلب ما هو أجدر بالاستعمال «وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا» [الجن: 14].

3. نِعمة: فِعلة، اسم دالّ على هيئة الانعام، من ذلك قوله تعالى: «وَإِنْ

ص: 411

تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ» [النحل: 18] أي: هيئات النّعمة الواحدة لا يمكن عدّها فكيف بالنّعم كلّها.

4. انقطاع: انفعال مصدر من انفعل المزيد بهمزة الوصل والنون، والزيادة أفادت المطاوعة، قطع الشيء فانقطع.

5. مبتدی: مفتعل، اسم فاعل من ابتدأ على زنة افتعل المزيد همزة الوصل والتاء، والزيادة أفادت المبالغة، بدأ الشيء وابتدأه قال تعالى: «الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ» [السجدة: 7]، وبدأت بكذا وابتدأت: قدّمت.

6. تسافكوا: تفاعلوا، ماض على تفاعل المزيد بالتاء والألف، والزيادة أفادت التشارك في سفك الدّماء، أي: صبّها و اراقتها قال تعالى: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» [البقرة: 30].

7. تقوّينّ: تفعّلنّ، مضارع من قوّى المزيد بتضعیف العين، والزيادة أفادت التعدية، قوي فلان يقوى على الباب الرابع فهو قويّ: ضدّ الضعيف، وقوّاه الله تعالى.

8. سلطانك: فعلان، مصدر بمعنى قدرة الملك، من سلط يسلط على الباب الخامس سلاطة وسلوطة، أي: القهر والشّدة، وسلّطه فتسلّط قال تعالى: «وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ

ص: 412

قَدِيرٌ» [الحشر: 6]. وسلطان الدّم: تبيّغه، وسلطان كلّ شيء: شدّته، والسّلطان: الحجّة والبرهان لما يلحق من الهجوم على القلوب المحقّقة المتفقّهة قال تعالى: «وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا» [الإسراء: 33]، ثمّ سمّي به الوالي نفسه.

9. حرام: فعال، مصدر من حرم يحرم على الباب الخامس حرما و حراما، ضدّ الحلال «وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ» [الأنبياء: 95] وحرمه الشيء يحرمه على الباب الثاني حريما وحرمانا: منعه، وقد يوصف الشيء بالمصدر من باب المبالغة في الوصف، على نحو: رجل عدل، فيقال: رجل حرام بمعنی محرّم، وكذلك الشهر الحرام، وفي النصّ استعمل المصدر حرام صفة، فقال علیه السلام: "بسفك دم حرام".

10. قود: بفتحتين، اسم مصدر من أقاده إذا قتل القاتل بالقتيل قودا، واستقدت الحاكم، أي: سألته أن يقيد القاتل بالقتيل، وفي الحديث: من قتل عمدا فهو قود، فالقود: القصاص، وقتل القاتل بدل القتيل، وقد أقدته به أقيده إقادة. أمّا القَوَد فهو مصدر من قاده يقوده قودا على الباب الأوّل، وهو نقيض السّوق فهو من أمام، وذاك من خلف، وكذا القيادة والقياد، قاد الفرس مشى أمامه آخذا بمقوده، وهو أصل يدلّ على امتداد في الشيء، قوِد قوَدا على الباب الرابع فهو أقود: طال ظهره وعنقه، وسمّي قتل القاتل قوَدا لأنّه يُقاد إليه.

11. سوطك: السوط فعل، وهو اسم آلة سماعيّ يضرب بها، مأخوذ من الفعل ساط الشيء يسوطه سوطا على الباب الثاني: اذا خلط بعضه

ص: 413

ببعض، وسمّي السّوط لأنّه يخالط الجلدة، وهو الجلد المضفور الذي يضرب به «فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ» [الفجر: 13] تشبيها بما يكون في الدّنيا من العذاب بالسوط إشارة إلى ما خلط لهم من أنواع العذاب المشار إليه في «إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا» [النبأ: 25].

12. مقتلة: مفعلة، اسم لتكثير الحدث في المكان، نحو: مقبرة ومدرسة ومطبعة، وربّما استعمل الإمام علیه السلام هذه الصّيغة من تكثير القتل في عمليّة الوكز للإشارة إلى امكانيّة حصوله بأداة واحدة مبالغة على سبيل إثبات هذا الأمر.

13. نخوة: فعلة، اسم مرّة من نخا ينخو: افتخر وتعظّم، ونخا فلانا: مدحه، وأنخی: زادت نخوته. وتذكر المعجمات أنّ النخوة مصدر دالّ على الكبر والعظمة لا مصدر مرّة ويقال: نُخي فلان فهو منخيّ على نحو زُهي فهو مزهوّ ولا يقال زَها ثمّ جعلت لمن يتصرّف باعتزاز وفخر ومروءة وحماسة حسب الاستعمال المعاصر، يقال: يدافع عن المظلوم بكلّ نخوة.

14. تؤدّي: تفعّل، مضارع من أدّى على فعّل، مزید بتضعیف العين، والزيادة أفادت التعدية لأنّ المجرّد لازم من قولهم: أدى اللبن يأدي أديّا وأدوّا: اذا وصل إلى حال الرؤوب عندما يخثر، وهو بين اللبنين ليس بالحامض ولا بالحلو، وأدّاه إلى: يؤدّي تأدية وأداء بمعنى إيصال الشيء إلى صاحبه.

10. يفرط: يفعل مضارع من أفرط مزید بهمزة القطع التي أفادت المبالغة في التّقدّم، فرط يفرط على الباب الأوّل إذا تقدّم قال تعالى: «قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا

ص: 414

نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى» [طه: 45] أي: يتقدّم، والافراط: أن يسرف في التّقدّم، والتّفريط: أن يقصّر في الفرط (سلب التقدّم) «فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ» [الأنعام: 38] أي: ما قصّرنا.

المستوى النحويّ

س: أعرب ما تحته خطّ من الألفاظ:

1. (إِيَّاكَ وَالدَّمَاءَ وَسَفْکَهَا)

ايّاك: ضمير منفصل مبنيّ على الفتح في محلّ نصب مفعول به بفعل مضارع محذوف والتقدير: أُحذِّرك. ولما حذف الفعل انفصل الضمير.

والدّماء: الواو عاطفة لما قبلها، (الدماء) مفعول به منصوب لفعل أمرٍ محذوف تقديره: احذر الدماء. وكذا (وسفكها) الواو عاطفة و (سفكها) منصوب بفعل الأمر (احذر)،

2. (وَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالْحُکْمِ بَیْنَ اَلْعِبَادِ): مبتدئ: خبر مرفوع، والمبتدأ لفظ الجلالة (الله) و (سبحانه) نائب عن المفعول المطلق لفعل محذوف تقديره: اسبّحه سبحانه، والجملة لا محلّ لها من الإعراب.

3. (تَسَافَکُوا مِنَ اَلدِّمَاءِ یَوْمَ اَلْقِیَامَهِ): يوم: ظرف زمان منصوب، وهو مضاف و (القيامة) مضاف إليه.

4. (وَ لاَ عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اَللَّهِ): عذر: اسم (لا) النافية للجنس مبنيّ على الفتح في محلّ نصب، وخبرها محذوف تقديره كائن أو حاصل، وفيه) جارّ ومجرور

ص: 415

متعلّق بخبر لیس.

5. (لِأنَّ فِیهِ قَوَدَ اَلْبَدَنِ)، قود: اسم (أنّ) منصوب بالفتح، ومضاف إلى البدن، والجارّ والمجرور (فيه) متعلق بمحذوف تقديره (كائن أو مستقر) يعرب خبر (أنّ) مقدّم على اسمها.

س: أين جواب الشرط في: (وَ إِنِ اُبْتُلِیتَ بِخَطَإٍ وَ أَفْرَطَ عَلَیْكَ سَوْطُكَ أَوْ سَیْفُكَ أو یَدُكَ بِعُقُوبَةٍ، فَإِنَّ فِی اَلْوَکْزَهِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً، فَلاَ تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّیَ إِلَی أَوْلِیَاءِ اَلْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ)؟

الجواب هو فلا تطمحنّ...، وجملة (فإنّ في الوكزة...) اعتراضية تفسيرية لإفراط السوط واليد والسيف وغيرها مما يفسّر بالوكزة فما فوقها، و (فوقها): ظرف مکان منصوب متعلّق بمحذوف صلة (ما) الموصولة قبلها، و (فوق) مضاف إلى الماء، و (ما) الموصولة في محلّ جرّ عطفا بالفاء (فما) على الوكزة، و (حقّهم): مفعول به منصوب للفعل (تؤدّي) وهو مضاف إلى الضمير (الهاء) المتّصل به والميم حرف للجماعة، والفعل تؤدّي: منصوب ب(أن) المصدرية وعلامة نصبه الفتح الظاهر على الياء لخفّة الفتحة دون الضمّة، والمصدر المؤوّل من أن الناصبة والفعل تؤدّي في محلّ جرّ ب(عن). و (فَلاَ تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ): نخوة: فاعل مرفوع للفعل (تطمحنّ)، وهو فعل مجزوم ب (لا) الناهية، وحرّك آخره بالفتح لاتّصاله بنون التوكيد.

س: عيّن ما له محلّ إعرابيّ من الجمل الآتية، مع ذكر المحلّ الإعرابيّ إن و جد؟

1. (ليس شيء أدعي) "الجملة من (ليس) الفعل الجامد الناقص، واسمها (شيء) و خبرها (أدعي) في محلّ رفع خبر (إنّ) التي اسمها الضمير الهاء.

ص: 416

2. "يضعفه" الجملة الفعليّة من الفعل المضارع (يضعف) المرفوع بالضّمّ، وفاعله المستتر يعود على (سفك الدّم)، ومفعوله (ضمير الهاء) المتّصل به العائد على السلطان، جملة لا محلّ من الإعراب لأنّها صلة ل(ما) الاسم الموصول و (ما) اسم موصول في محلّ جرّ ب(من) المدغمة معها، والأصل: من ما.

3. وهنه: الجملة من الفعل والفاعل والمفعول أيضا لا محلّ لها من الإعراب لأنّها معطوفة على جملة لا محلّ لها من الإعراب.

4. يزيله: الجملة من الفعل المضارع المرفوع بضمّة اللام وفاعله المستتر الذي يعود على (سفك الدّم) ومفعوله (الهاء) العائد على السلطان لا محلّ لها من الإعراب لأنّها جملة استئنافيّة، بعد (بل) حرف للإضراب الانتقالي.

5. ابتليت: الجملة من الفعل الماضي المبنيّ للمجهول (ابتلي) المبنيّ على السكون لاتّصاله بالتاء وهي نائب الفاعل في محلّ جزم فعل الشّرط المجزوم ب(ان) الشّرطيّة.

6. "فإنّ في الوكزة فما فوقها مقتلة" الجملة الاسميّة من إنّ الحرف المشبّه بالفعل واسمها (مقتلة) وخبرها (في الوكزة) في محلّ جزم جواب الشّرط المقترن بالفاء الرّابطة.

ص: 417

المستوى المعجميّ

س: قال الإمام علیه السلام: "لأنّ فيه قود البدن" أي: عقوبة القصاص، معلّلا تحريم العمد على القاتل للمقتول، فلماذا استعمل علیه السلام لفظة البدن دون الجسد أو الجسم، وضّح الفروق اللغويّة بين هذه الألفاظ مستعينا بالأصل المعجميّ المذكور لها.

الْفرق بَين الْجَسَد وَالْبدن هو أَن الْبدن هُوَ مَا علا من جَسَد الإنسان وَلِهَذَا يُقَال للدرع الْقصير الَّذِي يلبس على الصَّدْر بدن لِأَنَّهُ يَقع على الْبدن وجسم الإنسان کُله جَسَد، وَالشَّاهِد أَنه يُقَال لمن قطع بعض أَطْرَافه إِنَّه قطع شَيْء من جسده وَلَا يُقَال شَيْء من بدنه، وَلما كَانَ الْبدن هُوَ اعلى الْجَسَد وأغلظه قيل لمن غلظ من السّمن قد بدن وَهُوَ بدین وَالْبدن الْإِبِل المسمنة للنحر ثمَّ كثر ذَلِك حتى سمي مَا يتَّخذ للنحر بدنه سمینه کَانَت أو مَهْزُولَة.

المستوى البلاغيّ

س: اذكر أبرز الفنون البلاغيّة المستعملة في النصّ المتقدّم؟

1. في قوله علیه السلام: "قود البدن" كناية عن القصاص في قتل العمد، وإنّما ذكر لفظة البدن، للدلالة على أنّ القصاص واقع على البدن دون القصاص

ص: 418

الماليّ، فالمراد هو قتل القاتل، أي: إزالة حياة بدنه.

2. في قوله علیه السلام: "أفرط عليك سوطك أو يدك بالعقوبة" كناية عن القتل شبه العمد، ولذا نهاه علیه السلام عن عدم تأدية الدّية إلى أهل المقتول.

3. "فانّ في الوكزة فيما فوقها مقتلة" كناية عن الضّربة غير الشّديدة، وهي الوكزة، (وما فوقها) كناية عن الأقوى من الوكزة، وفي ذلك تأكيد على أنّ هذه الأنواع من الضّرب قلّت أو كثرت تستوجب الدّية فهي قتل محسوب عليه ارتكابه وان لم يتعمّد، فعلى الوالي أن يتنبّه على هذا الحكم ولا يتساهل في أرواح النّاس وأداء حقوقها.

4. في قوله علیه السلام: "ممّا يضعفه ويوهنه بل يزيله وينقله"

أسلوب التدرّج في اثبات ما يحصل لسلطة الوالي إن تعسّف وسفك دماء شعبه، باستعمال (بل) التي أفادت الانتقال والتّرقي من صفة إلى أخرى هي المراد تأكيد حصولها إذ إنّ الحكم بهذا الأسلوب سينتهي بالزوال بعد مروره بالوهن والضّعف، ومعنى الاضراب في سياق القول هو أن يكون ما قبل (بل) مسکوتا عنه وما بعدها هو الذي يثبت حكمه كقولنا: انشد الشاعر شعرا بل نثرا.

5. في قوله علیه السلام: "فإنّه ليس شيء أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدّة...".

في هذه العبارة استعمال للألفاظ منكّرة، وفي التّنكير دلالة على التّعميم، وفي هذا ترهيب من سفك الدّماء، لعموم ما يحصل لدى المخاطب من صور النّقمة والتبعة، فضلا عن تخويفه من زوال النّعم على الوالي ورعيّته دون تخصیص لنوع معيّن من هذه النّعم، وتأكيد هذا كلّه بشمول حكم الوالي المخاطب ومن قبله

ص: 419

ومن بعده من الحكومات بلفظة (مدّة)، أي: انقطاع مدّة كلّ من كان على هذا النّهج في السّفك والتّنكيل بالشّعب.

ص: 420

المقطع التاسع عشر (وصايا أخلاقية)

قوله علیه السلام: "وَإِيَّاكَ وَالإعْجَابَ بِنَفْسِكَ، وَالثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا، وَحُبَّ الإطْرَاءِ، فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ، لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ.

وَإِيَّاكَ وَالْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ، أَوِ التَّزَيُّدَ فِيَما كَانَ مِنْ فِعْلِكَ، أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ، فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الإحْسَانَ، وَالتَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ، وَالخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَاللهِ وَالنَّاسِ، قَالَ اللهُ سبحانه: (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ)

و إيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ بِالأمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا، أَوِ التَّسَاقُطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا، أَوِ الَّلجَاجَةَ فِيهَا إِذا تَنَكَّرَتْ، أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إذَا اسْتَوْضَحَتْ، فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ، وَأَوْقِعْ كُلَّ أَمَرٍ مَوْقِعَهُ.

وَإيَّاكَ وَالاْسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ وَالتَّغَابِيَ عَمَّا تُعْنَى بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ

ص: 421

لِلْعُيُونِ، فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْكَ لِغَيْرِكَ، وَعَمَّا قَلَيلٍ تَنْكَشِفُ عَنْكَ أَغْطِيَةُ الأمُورِ، وَيُنْتَصَفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ، امْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ، وَسَوْرَةَ حَدِّكَ، وَسَطْوَةَ يَدِكَ، وَغَرْبَ لِسَانِكَ، وَاحْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذلِكَ بِكَفِّ الْبَادِرَةِ، وَتَأْخِيرِ السَّطْوَةِ، حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُكَ فَتَمْلِكَ الاْخْتِيَارَ، وَلَنْ تَحْكُمْ ذلِكَ مِنْ نَفْسِكَ حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِكْرِ الْمَعَادِ إِلَى رَبِّكَ.

وَالْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا مَضَى لِمَنْ تَقَدَّمَكَ: مِنْ حُكُومَةٍ عَادِلَةٍ، أَوْ سُنَّةٍ فَاضِلَةٍ، أَوْ أَثَرٍ عَنْ نَبِيِّنَا (صلی الله علیه و آله) أَوْ فَرِيضَةٍ فِي كِتَابِ اللهِ، فَتَقْتَدِيَ بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِهِ فِيهَا، وَتَجْتَهِدَ لِنَفْسِكَ فِي اتِّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكَ فِي عهْدِي هذَا، وَاسْتَوْثَقْتُ بِهِ مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ، لِكَيْلاَ تَكُونَ لَكَ عِلَّةٌ عِنْدَ تَسَرُّعِ نَفْسِكَ إِلَى هَوَاهَا، فَلَنْ یَعْصِمْ مِنَ السُّوءِ وَ لا یُوَفَّقُ لِلْخَیْرِ اِلاّ اللّهُ تَعالی.

وَ قَدْ کانَ فِیما عَهِدَ الَیَّ رَسُولُهُ علیه السلام فِی وَصایاهُ: "تَخْضِیضاً عَلَی الصَّلاهِ وَ الزَّکاهِ وَ ما مَلَکَتْ أَیْمَانُکُمْ"، فَبِذلِكَ أَخْتِمُ لَكَ مَا عَهِدَ، وَ لاَ قُوَّهَ اِلاّ بِاللّهِ الْعَلِیِّ الْعَظیمِ".

المعنى العامّ

حذّر أمير المؤمنين علیه السلام الوالي من الإعجاب بالنفس والغُرور والتمييز العنصريّ بين الناس، فالله تعالى بعث نبيّه محمّدا صلّى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين، لنشر التوحيد وهداية البشر إلى عبادة الله وحده تحت شعار (لا إله إلّا الله)، وردعهم عن عبادة الأصنام والأنداد الّذين لا ينفعون ولا يضرّون، ورفع الإسلام التمييز العنصري ومحا الامتيازات الزائفة. ففي يوم فتح مكّة قام رسول

ص: 422

اللهّ على باب الكعبة فقال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، نصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا كلّ مأثرة أو دم أو مال يُدّعي فهو تحت قدميّ هاتين إلاّ سدانة البيت، وسقاية الحاجّ، وقتل الخطأ شبه العمد بالسوط والعصا ففيه الدية مغلّظة: مائة من الإبل أربعون منها أولادها في بطونها. يا معشر قريش: إنّ الله قد أذهب عنکم نخوة الجاهليّة وتعظّمها بالآباء، الناس من آدم و آدم من تراب، ثمّ تلا هذه الآية: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» [الحجرات: 13]، ثمّ قال: يا معشر قريش، ما ترون إنّي عامل فيكم؟ قالوا: خيرا، أخ کریم وابن أخ کریم. قال: فاذهبوا فأنتم الطلقاء. ولذا نبّه علیه السلام على النهي عن أمور ينبغي للوالي تجنُّبها باعثها الرئيس هو حب الذات وهي:

1. المنّ على الرّعيّة عند الإحسان إليهم لأنّ المنّ يجلب الأنانيّة وحبّ بالذات، قال الله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى» [البقرة: 264].

2. التزيّد في الفعل الناشئ عن تعظيم النفس، فيرى حقيرٌ عملَه كبيرا و قليلَه كثيرا فيذهب بنور الحقّ لكونه كذِبًا وزورا.

3. خلف الوعد مع الرعايا، وهو أيضا ناشئ عن إكبار النفس وتحقير الرعايا فلا يحترم تعهّده معهم. وخلف الوعد وإن كان قبيحا ومذموما ولكنّه من الأمراء والولاة أشنع، لاشتماله على الزهو والكبِر وتحقير الطرف الآخر، وقد عدّ الله خلف الوعد من المقت الكبير فقال تعالى «كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ» [الصف: 3].

ص: 423

4. العجلة في الأمور، وسببها خفّة العقل كما يُلحظ لدى الصبيان وغير المثقّفين من بني الإنسان، وقد رُوی (أنّ العجلة من الشيطان)، والعجلة من الغرائز الكامنة في البشر من ناحية طبعه الحيواني كما قال الله تعالى: «خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ» [الأنبياء: 37].

5. الاستئثار، وهو أن يجلب كلّ شيء إلى نفسه ويخصّص كلّ ما يناله بنفسه فيتجاوز على حقوق إخوانه ويمنع الحقوق المتعلّقة بماله، والاستئثار ملازم للإنسان المحبّ لذاته. ومردُّه إلى الجهل والفقر اللذين سادا في العرب طيلة قرون الجاهليّة، فنهى علیه السلام عن ذلك.

6. الغفلة والتسامح في تنظيم أمور الرّعيّة وبسط العدل بينهم. إذ يقبح مثل هذا في عيون الناس فإنّ التسامح في أخذ حقّ المظلوم من الظالم مستقبح عُرفا و شرعا.

7. الاستكبار والبطش إذ هما من آثار الإمارة والسلطان، فانّ السلطان بطبعه سريع الغضب وشديد الانتقام والحكم على من أساء إليه فوصّاه بقوله علیه السلام (ولن تحكم ذلك من نفسك حتّى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربّك).

ثمّ بيّن علیه السلام للوالي المرجع القانونيّ الّذي يجب عليه العمل به في أمور هي:

1. السيرة العمليّة للحاكم العادل الّذي كان قبله، فإنّها محترمة ومرضيّة عند الله وعند الناس.

2. السنّة المأثورة الفاضلة الصادرة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بنقل الجماعات أو الثقات.

ص: 424

3. الفرائض المقرّرة في كتاب الله في محكم آياته. وشرط عليه في العمل بها بما شاهد من عمله وتطبيق القوانين على موضوعاتها ليأمن من الاشتباه في التفسير وفهم المقصود فلا يخطأ في التطبيق.

المستوى الصوتيّ

س: بيّن أثر تعاقب الصّوامت على فاء لفظة (خُلف) التي وردت مضمومة الفاء في قوله علیه السلام: "أو أن تَعهدهم فتُتبع موعدَك بخُلف"؟

الخَلف بالفتح ضدّ القدّام، لأنّ الفتح صائت قصير ينطق باتّساع وانفتاح لذا فإنّه يراد به عموم الحدث، فيقال خلَف أباه يخلِفه خَلفا بفتح وسکون، ثمّ يستعمل هذا المصدر اسما فيطلق على عموم المستخلفين، من الصّالح والطّالح قال تعالى: «فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا» [مريم: 59] ولاتساع مدلوله استُعمل ظرفا بمعنی (وراء) قال تعالى: «وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ» [يس: 9].

أمّا الخِلف بكسر فسكون فبملحظ التّخصيص في الكسر وما يرافق نطقها من تغيير في الحنك الأسفل جُعل الخِلف لمعنى المخالفة التي لا يراد منها المضادّة، يقال: خِلفٌ للرجل المختلف مع آخر بأن يأخذ كلّ واحد غير طريق الآخر في حالٌ أو قولٌ.

أما الخُلف بضم فسكون فلمّا ظهر فيه عمل زائد في النّطق من استدارة

ص: 425

الشّفتين اتّجه المعنى نحو المخالفة المذمومة التي يصعب على النفس قبولها لما يلزمه من كذب، لذا يطلق على المخالفة في الوعد وعدم إنجازه، و بهذا الملحظ استعمل الخُلف بالضّمّ في قوله علیه السلام.

أمّا الخَلَف بفتحتين فنقيض السلف بفتحتين أيضا وهو مخصّص بالصّالح من الناس الذي يخلفون غيرهم واحدا كان أم جميعا فيقال: الخَلَف الهادي للحُجّة المنتظر عجّل الله فرجه الشريف. ونقول: هم خير خلف لخير سلف الجماعة من الأخيار.

س: علّل صوتيّا إدغام النّون في الميم في لفظتي (عمّا) و (ممّا) في قوله علیه السلام: "والتّغابي عمّا تعني به ممّا قد وضح للعيون"؟.

الأصل (عن ما) ولمّا اشتركت الميم والنون في صفتي الجهر والرخاوة والغنّة وتقاربتا في المخرج إذ النون شجرية والميم شفوية قلبت النون میما وأدغمت الميم بالميم.

س: تكرّرت صيغة التّحذير (ايّاك) في النصّ، فبأيّ نغمة تؤدّي هذه اللفظة صوتيّا؟

تؤدّي هذه اللفظة وما بعدها بالنّغمة الصّاعدة (فوق العالية) لأنّ المراد بها تنبيه المخاطب على أمر خطير قد يُهلکه وهو في غفلة من أمره، والمراد بتكرار أسلوب التّحذير الذي استعمله الإمام علیه السلام في الجمل: (ايّاك والاعجاب بنفسك، وايّاك والمنّ على رعيّتك بإحسانك، وايّاك والعجلة بالأمور قبل أوانها) هو تنبيه الحاكم على هذه الأمور التي كثيرا ما يُتناسى العمل بها لأبّهة السلطان وتزلّف الناس حوله، ولا يؤدّي هذا التحذير مراده في إيقاظ الغافل الّا بالنّغمة الصّاعدة التي تعيد للوالي صحوة ضميره وتنبّهه نحو حقائق الأمور.

ص: 426

المستوى الصرفيّ

س: زن الأفعال الآتية، واذكر المعاني الصرفيّة التي تؤدّيها؟

1. يبطل: يُفعل، مضارع من أبطله، مزید بهمزة القطع التي أفادت التّعدية إلى المفعول، والمجرّد لازم هو بطَل الشيء يبطُل على الباب الأوّل بُطلا وبُطلانا. والباطل ضدّ الحقّ، أي: لم يثبت «فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» [الأعراف: 118].

2. تنکّرتْ: تفعّلت، ماضٍ من تفعّل، المزيد بالتاء وتضعیف العين، والزيادة أفادت المطاوعة يقال: نَکَّرَهُ فتَنَكَّرَ، أي غيَّره فتغيَّر إلى مجهول. ومعنى إياك (والَّلجَاجَةَ فِي الأمور إذا تَنَکَّرَتْ) هو صيرورتها مجهولة صعبة الحلّ. وقال تعالى: «قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ» [النمل: 41] فمعنی (نکّروا العرش) جعله بحيث لا يعرف فتنكّر. ويقال في المجرّد: نَكِرْتُ الرجلَ بالكسر أنكَرُه من الباب الرابع نُكْراً ونُكوراً و نُكرة بالضّمّ.

3. استوضحت: استفعلت، ماض مزید بهمزة الوصل والسين والتاء، والزيادة أفادت المطاوعة من (فعّل)، يقال: وضّحت الأمور فاستوضحت. ويجوز أن تكون الزيادة بمعنى الطلب، إذ يقال في المجرّد: وضَح الأمرُ يضِحُ على الباب الثاني وضوحا بان وجهه، واستوضحه: سأله أن يوضّحه له أي طلب منه التوضيح.

ص: 427

4. تُعنى: تُفعل مضارع مبنيّ للمجهول، وأكثر ما يأتي المجرّد ملازما للبناء للمجهول فيقال: عُنِيَ بالحاجة فهو مُعْنِيٌّ بها. وورد معلوما أيضا فقيل: عَناهُ الأَمرُ يَعْنيه عِنايةً وعُنِيّاً أهَمَّه. والفرق بينهما أن المجهول (عُنِيتُ بحاجتك) معناه قصَدْتُها والمعلوم منه متعدٌ بنفسه فيقال: عَنَیْتُ الشيء أَعنِيه إِذا كنت قاصِداً له. وأما المعلوم اللازم (عَنَيتُ بكذا وعَنَيت في كذا) فمعناه حرصت عليه واهتممت به والمصدر هو العَناء والعِنايةُ. ومعنى قوله علیه السلام (إياك وَالتَّغَابِيَ عَمَّا تُعْنَی بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ) يحمل على معنى الاهتمام والحرص لا القصد إذ هو تحذير للوالي من التغافل عمّا بيهتمّ به ويحرص على تنفيذه ممّا قد وضح للعيون کما کان عثان يعمل أقاربه أعمالا شنيعة بمرأى و مسمع من الناس و يتغابی عنها.

5. احترسْ: افتعل، أمر من احترس، مزید بهمزة الوصل والتاء، والزيادة أفادت الاتخاذ، فيقال: حرس الشيء يحرسه على الباب الأوّل حرسا: حفظه، واحترس من كذا: اتخذ حارسا لنفسه شخصا كان أو كلبا أو سلاحا وما أشبه ذلك.

6. ينتصف: يفتعل، مضارع من انتصف المزيد بهمزة الوصل والتاء على افتعل، والزيادة أفادت معنى الطلب و معنی انتصف المظلوم: طلب الإنصاف لنفسه. ويقال: أنصفت المظلوم فانتصف. فهذا مطاوعة، وأنصف الرجل صاحبه إنصافا: أعطاه النصفة، أي: الإنصاف.

7. تُكثر: تُفعل مضارع من أكثر المزيد بهمزة القطع التي أفادت التعدية إلى المفعول، كثرُ الشيءُ وأكثرهُ فلان.

8. تتذكّر: تتفعّل، مضارع من تذكّر المزيد بالتاء و تضعیف العين، والزيادة

ص: 428

أفادت التدرّج في ذكر الشيء، يقالك ذكره يذكره ذِكرا، وتذكّره مرّة بعد أخرى.

9. تقدّمك: تفعّلك، ماض مزيد بالتاء وتضعیف العين، والزيادة أفادت الصيرورة، أي صار سابقا لك، يقال: قدِم يقدَم على الباب الرابع قدما أي تقدّم، وأقدمه وقدّمه بمعنی، و قدّم بين يدي الله، أي: تقدّم «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» [الحجرات: 1]، أي: لا تتقدّموا عليهما في القول والفعل.

10. تقتدي: تفتعل، مضارع من اقتدى المزيد بهمزة الوصل والتاء، والزيادة أفادت المبالغة في القدو، أي: التسننّ بالشيء واتّباعه، وهو دالّ على اقتباس بالشيء واهتداء به حتى يأتي مساويا، فلان يقدر به فرسه: اذا لزم سنن سيره لأنّه تقدير في السّير، وتقدّي فلان على دابّته: اذا سار سيرة على استقامة، قال تعالى «أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ» [الأنعام: 90] أي إنّه صلى الله عليه وآله اهتدى بهديهم لا بهم، فاجتمعت لديه فضائل وخصائص فاق بها جميع النّبيّين.

11. شاهدت: فاعلت، ماض مزيد بالألف، والزيادة أفادت المبالغة، يقال: شهِده يشهده على الباب الرابع بمعنی حضره فهو شاهد، وشاهده يشاهده بمعنى عاينه وفيه معنى أكثر من الحضور أي إنّ المزيد يعني الحضور مع المشاهدة امّا بالنظر أو بالبصيرة وتقتضي المشاهدة الوقوع من طرفين لأنها على بناء المشاركة (فاعل).

12. استوثقت: استفعلت، ماض مزید بهمزة الوصل والسين والتاء،

ص: 429

والزيادة أفادت الطلب فمعنى (وَاسْتَوْثَقْتُ بِهِ مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ)، أي: طلبت الثقة بهذا العهد.

13. تجتهد: تفتعل، مضارع من اجتهد المزيد بهمزة الوصل والتاء، والزيادة تفيد الإظهار أي إظهار الجهد وإفراغ الطاقة، يقال: جهدت رأيي وأجهدته: أتعبته بالفكر، والاجتهاد: أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمّل المشقّة، والجهاد والمجاهدة: استفراغ الوسع في مدافعة العدوّ.

س: زن الألفاظ الآتية وزنا صرفیّا محكما، واذكر معناه الصرفيّ؟

1. الشيطان: أمّا فَيعال من شطَن بمعنی تباعد؛ لأنّه مطرود من رحمة الله، يقال: شطنت الدار: بعُدت. أو فَعلان من شاط يشيط بمعنى احترق، فهو مخلوق من النار ومآله إلى النار. والوجه الأول أظهر لأنّ الشيطان مصروف في التعبير القرآني كما في قوله تعالى: «إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا» [النساء: 117] فهذا يعني أنه فَیعال ولو كان من (شیط) لكان على (فَعلان) فيمنع من الصرف فضلا عن ظهور مناسبة اشتقاق الشيطان من معنى البعد عن رحمة الله أما احتراقه في نار جهنّم فأمر مؤجّل إلى يوم القيامة وتسمية الشيء بحاله الحاضر أولى من تسميته بفعله المؤجّل.

2. التّزيّد: التفعّل، مصدر من تزيّد، والمراد بزيادة التاء وتضعیف العين التكلّف، أي: إظهار الشيء على غير حقيقته والغالب في معنى التكلّف لصيغة تفعّل هو إظهار الحسن نحو: تصبّر وتحلّم، والمراد هنا أن يستعظم الوالي إحسانه إلى الرّعيّة فيراه زائدا كبيرا وهو ليس كذلك فلا يستحق إحسانه مثل هذا الفضل الزائد لدى الرّعيّة لعلمهم بأنه

ص: 430

إحسان محدود على الرغم من إن الوالي يراه زائدا.

3. أوان: اسم مصدر على (فَعال) کالزمان والنبات، والمصدر الأون، يقال قد آنَ أَوْنُك أَي أَوانك، والآن: الوقت الذي أنت فيه. والأوان: الحين، وجمع الأوان آوِنة على أفعلة كزمان وأزمنة، ويجمع بالألف والتاء فيقال: الأوانات، كالزمانات والنباتات.

4. التّساقط: التّفاعُل، مصدر من تفاعل المزيد بالتاء وتضعیف العين، والزيادة أفادت تكلّف السقوط، نحو قولنا تغابی فلان إذا تكلّف الغباء و (معنى التَّسَاقُطَ فِي الأمور عِنْدَ إِمْكَانِهَا) أي: لا تدّعي السقوط والتقاعس في الأمور مع قدرتك على القيام بها.

5. اللجاجة: الفعالة، مصدر من لجِجت تلجّ على الباب الرابع لجاجا ولجاجة: تمادى في الخصومة وتعاطي الفعل المزجور عنه قال تعالى: «أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ» [الملك: 21].

6. أُسوة: على وزن فُعلة الدالّ على موضع الفعل في حيّزه، قال تعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا» [الأحزاب: 21] والأُسْوَةُ والإسْوَةُ القُدْوة، يقال: ائتَسِ به أي اقتدَ به وکُنْ مثله، وفلان يَأتَسِي بفلان أَي يرضى لنفسه ما رضيه وَيَقْتَدِي به وكُنْ في مثل حاله. والقوم أُسْوةٌ في هذا الأَمر أَي حالُهم فيه واحدة. والأصل في الجذر (أسو) أن يدل على المداواة والإصلاح يقال: أسوت الجرح: داويته، وأسوت بين القوم: أصلحت، ويقال أيضا: أسيت فلانا: عزيته بأن قلت له: ليكن لك فلان

ص: 431

أسوة فقد أصيب بمثل ما أصبته فرضي فكأنّ الأصلين الواوي واليائي بمعنى واحد، والأسوة في قوله علیه السلام: "ايّاك والاستئثار فيما الناس فيه أسوة"؛ مجاز من القدوة والمراد الشيء الفريد والنفيس الذي يقبل عليه الناس ويرغب كلهم بالاستحواذ عليه شرعا نحو لباس أو طعام أو دار أو سيف أو فرس أو امرأة وغير ذلك فيستأثر الوالي به ويمنع الرّعيّة من محاولة الظفر به.

7. مأخوذ: مفعول، من أخذ الشيء يأخذه على الباب الأوّل فهو آخذ، والشيء مأخوذ.

8. أغطية: أفعلة، جمع قلّة، مفرده غطاء، رباعيّ مذكّر ثالثه مدّ.

9. حميّة: فعيلة بناء النقل للاسميّة، فهي اسم للحالة الغضبيّة إذا ثارت وكثرت في النفس، حميت على فلان، أي: غضبت عليه، قال تعالى: «إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ» [الفتح: 26]، مأخوذة من حمي النهار وأحميت الحديدة إحماء.

10. سَورة: فعلة، اسم مرّة من سار یسور سورا، اذا غضب وثار، وذلك لأنّه أصل دالّ على الارتفاع والعلوّ، ومنه سور المدينة لارتفاعه، وسورة الغضب: سطوته وحدّته، وسورة الحمّة: وثوبها.

11. سَطْوة: فَعْلة، مصدر المرّة من سطا به يسطو على الباب الأوّل سطوا، وهو البطش برفع اليد قالت تعالى: «وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا» [الحج: 72] من سطا الفرس: إذا قام على رجليه رافعا

ص: 432

12. تأخير: تفعيل، مصدر أخّر الشيء فتأخّر، ضدّ تقدّم، ولم يرد فعل مجرّد له.

13. المعاد: مفعل، من عاد يعود عودا: الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه، حصل إعلال بالنقل ثمّ قلبت الواو ألفا، يستعمل اسما للمكان أو اسما للزمان أو مصدرا میمیّا، وفي النصّ أريد به المصدر الميميّ (بذکر المعاد إلى ربّك)، قال تعالى: «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ» [القصص: 85] قيل مكّة، وعن الإمام علیه السلام أراد الجنّة التي خلقه فيها بالقوّة في ظهر آدم.

14. ربّك: الرّبّ: فعل، اسم من أسماء الله تعالى، وهو في الأصل مصدر بمعنى إصلاح الشيء والقيام به، يقال: ربّ فلان ضيعته: إذا قام على إصلاحها، وربّ ولده أصلحه، وربّيته مبالغة على (فعّل) وأصله بثلاث باءات فقلبت الثالثة ياء والمصدر التربية. والله تعالى ربٌّ لأنّه مصلح أحوال خلقه فهو ربّ كلّ شيء مطلقا، ولا يقال في غيره الّا بالإضافة كقوله تعالى: «وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ» [يوسف: 42].

15. اتّباع: افتعال، مصدر من اتّبع، مزید بهمزة الوصل والتاء الدّالّة على المبالغة في التبع بفتحتين، تبعه يتبعه على الباب الرابع تبعا وتباعة: مشی خلفه أو مرّ به فمضى معه «وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)» [يس: 20].

16. تسرُّع: تفعّل، مصدر من تسرع المزيد بالتاء وتضعیف العين، يفيد المطاوعة،: سرّعته فتسرّع من السرعة ضدّ البطء، ويقال: سرُع على

ص: 433

الباب الخامس فهو سريع، وسارع في الشيء: مبالغة في السرعة.

17. فُرَص: جمع كثرة على فُعَل مفرده فرصة وهي النوبة، وأصلها من اقتطاع شيء عن شيء، فرصت الشيء: قطعته ثمّ يقال للنهزة فرصة لأنّها خلسة كأنّها اقتطاع شيء بعجلة.

المستوى النحويّ

س: أعرب ما تحته خطّ من النّصّ؟

1. الإعجاب: مفعول به منصوب لفعل محذوف والتقدير: واحذر الإعجاب.

2. أوانها: مضاف إليه مجرور بكسرة النون، وهو مضاف للهاء، والمضاف هو الظرف المنصوب (قبل)، وكذا إعراب إمكانها.

3. التّساقط: معطوف على العجلة، منصوب بفتحة الطاء، والعجلة مفعول به لفعل محذوف تقديره: واتّق العجلة.

4. موضعه: مفعول فيه منصوب بفتحة العين لأنّه اسم مکان مشتقّ على زنة مفعل، وهو مضاف، والهاء مضاف إليه، وكذا إعراب موقعه.

5. أسوة: خبر مرفوع، والمبتدأ لفظة (الناس)، والجملة الاسميّة من المبتدأ والخبر صلة الموصول (ما) قبلها.

6. التغابي: اسم معطوف منصوب، وعلامة نصبه الفتح الظاهر على الياء، والمعطوف عليه لفظة الاستئثار الذي هو مفعول به لفعل محذوف

ص: 434

تقديره: اتّق.

7. قليل: صفة لاسم مجرور بحرف الجرّ (عن) و (ما) المدغمة بها زائدة. أو هي اسم موصول مضاف وقليل مضاف إليه كقوله تعالى: «قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ» [المؤمنون: 40].

8. حميّة: مفعول به منصوب مضاف إلى (نفسك)، والعامل فيه فعل الأمر: املك، والفاعل: مستتر وهو المخاطب.

9. بكفّ: الباء حرف جرّ، وكفّ: اسم مجرور، وهو مصدر مضاف إلى مفعوله (البادرة)، من المبنيّ للمجهول كفّت البادرة، والتقدير: بكفّك البادرة.

10. همومك: مفعول به منصوب، وهو مضاف إلى الضمير الكاف، والعامل فيه الفعل (تكثر).

11. فريضة: اسم مجرور لأنه معطوف على (نبيّنا) الاسم المجرور ب(عن).

12. تسرّع: اسم مضاف إليه مجرور، والمضاف هو الظرف المنصوب (عند).

س: استخرج الأفعال المنصوبة الواردة في النصّ، واذكر عامل النصب فيها؟

1. ليمحق: منصوب ب(أن) مضمرة بعد لام التعليل.

2. أن تعدّوا: منصوب ب(أن) المصدريّة قبله، والمصدر المؤوّل من أن والفعل في محلّ نصب عطفا على المنّ، أي: واتّق الوعد المتبوع بخلف بضمّ الفاء.

3. فتتبّع: منصوب عطفا على (تعدهم) المنصوب قبله ب(أن) والفاعل

ص: 435

مستتر تقديره أنت، و(هم) ضمير مبنيّ في محلّ نصب مفعول به.

4. يسكن: مضارع منصوب ب (أن) المضمرة بعد حتّى، والفاعل (غضبك)، والمصدر المؤوّل من (أن يسكن) في محلّ جرّ ب(حتّى) و شبه الجملة من الجارّ والمجرور متعلّق ب (املك)، وكذا إعراب: حتى تكثر همومك.

5. فتملك: مضارع منصوب عطفا على (يسكن) والكاف فاعله، الاختيار: مفعوله.

6. ولن تحكم: مضارع منصوب، وفاعله مستتر فيه، واسم الإشارة (ذلك) مبنيّ في محلّ نصب مفعول به، وهو منصوب ب (لن) حرف النفي والنصب.

7. أن تتذكّر: مضارع منصوب ب (أن) المصدريّة الناصبة قبلها، والفاعل مستتر فيه، و(ما) اسم موصول في محلّ نصب مفعول به، و(مضی) صلتها، والمصدر المؤوّل في محلّ رفع خبر للمبتدأ (الواجب).

8. فتقتدي: مضارع منصوب وعلامة نصبه الفتحة، لأنه معطوف بالفاء على (أن تتذكّرَ)، وفاعلة مستتر فيه.

9. لكيلا تكون: اللام حرف جرّ، (كي) ناصبة، (لا) نافية زائدة، (تكون) مضارع ناقص منصوب، والمصدر المؤوّل من كي وما بعدها مجرور باللام ومتعلّقان بالفعل قبلهما. (لك) متعلّقان بخبر مقدّم محذوف (علّة) اسم تكون. وتقدير (لِكَيْلاً لَا تَكُونَ لَكَ عِلَّةٌ) هو (لنفي كون العلة مستقرة لك) ومثله في الإعراب قوله تعالى: «لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ» [الأحزاب: 37]. والتقدير (لنفي كون الحرج مستقرا على المؤمنين).

ص: 436

س: فيما يأتي عيّن الجمل التي لها محلّ إعرابيّ، والتي ليس لها محلّ، ثمّ بيّن المحلّ الإعرابيّ للصّنف الأوّل؟

1. "يبطل الإحسان" الجملة من الفعل المضارع وفاعله المستتر العائد على المنّ، ومفعوله (الإحسان) في محلّ رفع خبر ل(انّ).

2. "يذهب بنور الحقّ" الجملة من الفعل المضارع وفاعله المستتر العائد على التّزيّد، ومتعلّقاتها (بنور الحقّ) في محلّ رفع خبر (انّ) المحذوف لدلالة العطف عليها والجملة هي: فانّ المنّ يبطل الإحسان والتزيّد يذهب...

3. "يوجب المقت" الجملة من الفعل المضارع وفاعله المستر العائد على الخلف، ومفعوله (المقت) في محلّ رفع خبر انّ، على نحو الجملة الثانية.

4. "كبُر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" الجملة الفعليّة كلّها في محلّ نصب مقول القول، وتفصيل إعراب الآية هو أنّ فيها إعرابين:

الأول: کبُر: فعل ماض، (مقتا) تمييز منصوب محوّل من الفاعل نحو: (اشتعل الرأس شيبا) والأصل (اشتعل شيب الرأس) وكذا التقدير في قوله علیه السلام هو (كبر قول المقت)، و(عند) ظرف مبني متعلّق بكبُر، مضاف إلى لفظ الجلالة يتعلّق بمحذوف يعرب صفة للمقت. (أن تقولوا) مصدريّة ناصبة، والفعل بعدها منصوب بحذف نون الرفع لأنّه من الأفعال الخمسة و (ما) موصولة في محلّ نصب مفعول القول. (لا تعلمون) لا النافية، و تعلمون: مضارع مرفوع بثبوت النون صلة ل(ما) لا محلّ له من الإعراب، والمصدر المؤوّل (أن تقولوا) في محلّ رفع فاعل للفعل (كبر)

الآخر: المصدر المؤوّل (أن تقولوا) في محلّ رفع مبتدأ مؤخّر خبره جملة كبُر مقتا، وفاعل (کبر) مستتر.

ص: 437

5. تنکّرت: الجملة من الفعل الماضي المبنيّ على الفتح لاتّصاله بتاء التأنيث الساكنة، وفاعله المستتر العائد على الأمور في محلّ جرّ بالإضافة والمضاف هو (إذا) ظرف لما يستقبل من الزمن شرطيّة غير جازمة، وكذلك إعراب: اذا استوضحت.

6. "تنكشف" الجملة من المضارع وفاعله (أغطية) لا محلّ لها من الإعراب لأنّها مستأنفة.

7. "تقدّمك": الجملة من الفعل الماضي المبنيّ على الفتح، وفاعله المستتر العائد على (من) الموصولة، ومفعوله (الضمير الكاف) المتّصل به لا محلّ لها من الإعراب لأنّها صلة (من) الموصولة.

8. "صلّى الله عليه وآله": الجملة من الفعل الماضي المبنيّ على الفتح المقدّر على الألف للتعذّر، وفاعله (لفظ الجلالة) ومتعلّقاتها، لا محلّ لها من الإعراب لأنّها معترضة للدعاء.

9. "شاهدت": الجملة من الفعل الماضي المبنيّ على السكون لاتصاله بتاء الفاعل لا محلّ لها من الإعراب لأنّها صلة (ما) الموصولة قبلها، و (ما) في محلّ جرّ ب(الباء) والمفعول به محذوف دلّ عليه سياق القول قبله والتقدير: شاهدت شيئا قبلك. و كذا إعراب "ممّا عملنا به" "عهدت" و"استوثقت" كلها لا محلّ لها من الإعراب لأنّهما صلة (ما) الموصولة.

ص: 438

المستوى المعجميّ

س: ذكر الإمام علیه السلام لفظة (المقت) التي تفسّر بالبغض، فهل المعنيان مترادفان أم بينهما فرق؟ وضّح ذلك مستعينا بالأصول المعجميّة للفظين.

البغض نفار النفس عمّا تكره وهو مقترن بالعداوة في التعبير القرآني كما في قوله تعالى: «وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ» [المائدة: 14] وهذا يعني أن البغض لما له عقل فلا يكون في البهائم ولا في الجمادات فلا يقال أبغض هذا الطعام أو هذه الفرس. وتستعمل الكراهة فيما لا يستعمل فيه البغض فيقال أكره هذا الطعام وأكره هذه الفرس. وأما المقت فهو البغض الشديد للشيء القبيح عرفا و شرعا کنکاح المقت وهو أن يتزوج الرجل امرأة أبيه في الجاهلية، قال تعالى: «وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا» [النساء: 22]. وفي قوله علیه السلام: "الْخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ عِندَ الله وَالنَّاسِ" واءم استعمال المقت وهو أشد البغض في سياق ذكر الإخلاف بالوعد فإنّه أمر قبیح عرفا و شرعا لدى كلّ الناس وفي جميع الديانات.

س: استعمل علیه السلام لفظة (العجلة) في قوله: "ايّاك والعجلة"، وكذلك لفظة (السرعة) في قوله: "عند تسرّع نفسك إلى هواها" فما الفرق بين اللفظين؟.

العجلة تعني التقدم بالشيء قبل وقته - وهو مذموم والسرعة: تقديم الشيء

ص: 439

في أقرب أوقاته - وهو محمود - ويشهد للأول قوله تعالى: «وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ» [طه: 114]، «أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ» [النحل: 1] وللثاني في قوله تعالى: «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» [آل عمران: 133]. أما قوله تعالى: «قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى» [طه: 84]. فمن باب المقابلة بين سؤال الخالق لموسی و جواب موسی «وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى * قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ * فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي» [طه: 83 - 86] فلفظ العجلة - إذن مذموم لأنه في سياق ذمّ قوم موسى لمّا أظّلّهم السامريّ وعبدوا العجل.

المستوى البلاغيّ

س استخرج الفنون البلاغيّة المبرّزة في النصّ المتقدّم؟

1. في قوله علیه السلام: "وعمّا قليل تنكشف عنك أغطية الأمور" في العبارة استعارة مكنيّة إذ شبّه غموض الأمور بالمرأة المغطّاة، وانکشافها بانکشاف غطاء المرأة ثمّ حذف المشبّه به (المرأة) وأبقى لازما من لوازمها وهي

ص: 440

(الغطاء)، فكما أنّ المرأة عند زوجها لا تنكشف الا له فكذلك عند قيام الوالي بأمور باطلة يعمّي عنها ويسترها فإنّه سيُفضح يوما ويُعرف عمله أمام الخلائق.

2. "املك حميّة أنفك" في هذه العبارة كناية عن الأنفة والاستكبار معا؛ لأنّ الإنسان إذا اشتدّ غضبه وغيضه يتحرّك منخراه (ورقتي المنخر) ويزفر زفرات متوالية كأنّ حرارة جوفه المتّقدة من غضبه وتكبّره على أمور رعيّته تخرج من أنفه، وإنّما أريد التّكبّر والغضب معا لأنّه علیه السلام أفرد للغضب عبارة (سورة غضبك) وما يسفر عنها بعبارة (غرب لسانك وسطوة يدك) وكذا ينسب إلى الأنف التكبّر لوحده بلا غضب بعبارة: شمخ بأنفه لأنّه إذا تكبر رفع رأسه، والأنف أوّل الوجه و طرفه يبرز فيه، وكنّي بالأنف عن الرفعة والكبرياء فيقال: أشمّ الأنف أي: يأبی الذلّ من ارتفاع الأنف عزّة لا تكبّرا.

فالتكبّر على الناس يكون باحتقار الوالي قضاياهم وعدم الاهتمام لمصيرهم الذي عبّر عنه علیه السلام بقوله (التغابي عمّا تعني به) فأمره أن يملك هذه الأمور.

3. في النصّ اقتباس قرآنيّ من سورة الصّفّ الآية الثالثة، وهو فنّ جميل، وفي الآية نفسها أسلوب تعجّب غير قياسيّ لتعظيم الأمر في قلوب السامعين وهو أن يقولوا ما لا يفعلون، فقولهم هذا هو مقت خالص لا شوب فيه، لذا جعل (مقتا) تمييزا مفسّرا لهذا القول،

4. في عبارة التساقط كناية عن التفريط في أمور الدولة والرّعيّة، وذلك بغضّ النظر عنها إذا حان وقتها فيسامح فيها ويغمض عينيه مع تیسّرها، وربّما كان هذا منه حرصا على الدنيا ومطامعها، فلا يأخُذ في

ص: 441

هذه الأمور حدّا حاسما رعاية لمصلحة ما، وفي قوله "يتساقط فيها" تشبيه بالشخص الغريق الذي يسقط في نهر حتى يبلغ قعره فلا يرى منه شيء، فالوالي لا يرى منه فعل ظاهر وعمل ناجع في هذه القضايا مع إمكان حلّها لديه.

وهذه العبارة يقاربها قوله علیه السلام: "أو الوهن عنها إذا استوضحت" ولكنّ العبارتين غير مترادفتين؛ لأنّه علیه السلام عبّر بالتساقط في الأمور عن الضعف الماديّ للحاكم فهو لا يعمل بالقصاص والعقوبات على مستحقّيها، على حين عبّر ب(الوهن في الأمور) عن الضعف المعنويّ أي: الإجراءات الاعتباريّة بحقّ القضايا المشكلة للدولة. وفي هاتين الجملتين تحذير منه علیه السلام عن التفريط، وكذلك حذّره من الافراط بعبارتين متقاربتين هما: "العجلة فيها قبل أوانها" وجملة "اللجاجة فيها عند تنکّرها" فنهاه عن استعجال الأمور التي لم تنته بعد، وعن الإصرار في إنجاحها وتكرير الطلب على القيام بها إذا صعبت وتنکّرت ولم تعد يسيرة.

5. في النصّ ما يعرف بأسلوب الحكيم، وهو يظهر في مواضع

أ. في تدرّجه علیه السلام بذكر ما يجبّ أن يقتدى به، تدرّجا تصاعديّا إذ أمر الوالي أن يعمل بما مضى مبتدئا بالحكومات العادلة ثمّ الأثر النّبويّ ثمّ العمل بأوامر القرآن الكريم، تشجيعا منه علیه السلام للوالي بالعمل بدستور المسلمين وهو القرآن الكريم إذا ما وجد له واقعا عمليّا في حكومات سابقة.

ب في قوله علیه السلام مخاطبا الأشتر: "لكيلا تكون لك علّة عند تسرّع نفسك إلى هواها" مع أنّ الأشتر معروف بورعه وتقواه حتى أنّه علیه السلام شبّهه بنفسه لمّا قال عند استشهاده: "كنت لي كما كنت انا لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وهذا الأسلوب فيه من

ص: 442

الحكمة الشيء العظيم لأنّه أسلوب: ايّاك أعني واسمعي يا جارة، قال الإمام الصادق علیه السلام: "نزل القرآن بإيّاك أعني واسمعي يا جارة والآيات على هذا الأسلوب كثيرة منها: «وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ» [الزمر: 65] بمعنى أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يستثن من حبط العمل فكيف بمن لم يعصمهم الله ولم يصطفِهم، وأراد علیه السلام وهو يخاطب الأشتر أن يُسمع كلّ وال في أنّ الحجة واقعة عليه بهذا العهد العلويّ لطريقة التعامل مع الرّعيّة فهو عهد مفصّل محیط بطبقات المجتمع كلّها والسياسات الداخليّة والخارجيّة للبلاد، فإذا ما تسرّعت النفس إلى الأهواء وأفسدت فالإمام علیه السلام أقام الحجّة لأنّه الهادي كما في تفسير الدر المنثور للسيوطي وغيره قوله تعالى: «وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» [الرعد: 7] بأن نقل قول الرسول صلی الله علیه و آله وسلم: أنا المنذر وأنت الهادي يا عليّ بك يهتدي المؤمنون بعدي، ومخاطبة مالك بتسرّع نفسه إلى هواها هو تعريض بمن يعمل هذا الأمر لينتفع به كلّ من يلي أمر البلاد في زمنه وبعده، وإنّما الإمام علیه السلام يعلم بمنزلة مالك ويدعو له، وهذا الأسلوب فيه وقع بليغ على الأسماع لأنّه إذا كان (مالك) على مكانته الجليلة لا علّة له في زلّة تقع منه في مدّة ولايته، فكيف بغيره ممّن لم يبذل جهدا ولم يساهم بنصرة.

6. في قوله علیه السلام: "ممّا عملنا به فيها" في هذه العبارة ایضاح بعد ابهام إذا إنّه علیه السلام أمره باتّباع أمور أوردها منكّرة: حكومة عادلة، سنّة صالحة، أثر عن نبيّنا صلی الله علیه و آله وسلم، فريضة في كتاب الله، فلم يعيّن الحكومة العادلة، ولا أشار إلى السنّة الفاضلة، ولا ذكّر بالأثر، غير أنّه علیه السلام قال بعدها: ممّا عملنا به فيها، فأوضح أنّه يريد شخصه الكريم في كلّ ما تقدّم ذكره،

ص: 443

فحكومته لو عرفت بالعدل وسنّته في مواجهة الصعاب هي منار شامخ يحكي عن خلافة الله تعالى في أرضه.

7. في قوله علیه السلام: "ولن تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربّك" كناية عن أنّ الحكم ليس منصبا تشريفیّا فيه الغني والراحة ومتعة الدنيا، وإنّکا هو منصب تكليفيّ فيه شقاء على الحاكم لأنّه راع في أمّته ومسؤول عنها، فعليه أن يوطّن نفسه ليحمل التبعات بالزهد في الدنيا، واستجلاب الهموم لنفسه بأن يروّضها على الانصراف عن الملذّات والتفكير بآخرته فقط، وهذه وصيّة لتزكية نفسيّة الحاكم ودفعه لأن يكون من المتّقين، وصفاتهم معروفة ذكرها علیه السلام في الخطبة (188) التي يصف فيها المتّقين.

ص: 444

المقطع العشرون دعاء الختام

قوله علیه السلام "وَ قَدْ کَانَ فِیَما عَهِدَ إِلَیَّ رَسُولُهُ علیه السلام فِی وِصَایَاهُ: تَحْضِیضاً عَلَی الصَّلَاةِ وَ الزَّکَاةِ وَ مَا مَلَکَتْ أَیْمَانُکُمْ"، فَبِذَلِكَ أَخْتِمُ لَكَ مَا عَهِدَ، وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَظِیمِ، ومن هذا العهد وهو آخره؛ وَ أَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ بِسَعَةَ رَحْمَتِةِ، وَ عَظِیمَ قُدْرَتَهُ عَلَی إِعْطَاءِ کُلِّ رَغْبَة، أَنْ یُوَفِّقَنِی وَ إِیَّاكَ لِمَا فِیهِ رِضَاهُ مِنَ الْإِقَامَهِ عَلَی الْعُذْرِ الْوَاضِحِ إِلَیْهِ وَ إِلَی خَلْقِهِ، مَعَ حُسْنِ الثَّنَاءِ فِی الْعِبَادِ، وَ جَمِیلِ الْأَثَرِ فِی الْبِلَادِ، وَ تَمَامِ النِّعْمَةِ، وَ تَضْعِیفِ الْکَرَامَةِ، وَ أَنْ یَخْتِمَ لِی وَ لَكَ بِالسَّعَادَةِ وَ الشَّهَادَةِ، وَ إِنَّا إِلَیْهِ رَاغِبُونَ، وَ السَّلَامُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ کَثِیراً."

ص: 445

المعنى العامّ

ختم علیه السلام كلامه بالابتهال إليه سبحانه، وسأله برحمته التي وسعت كلّ شيء أن يوفقه للقيام بحقوقه تعالى و حقوق عباده، ويكون محمودا عنده وعندهم، وأن يختم حياته بالشهادة في سبيل الله ومرضاته، وقد استجاب سبحانه لدعاء الإمام حيث استشهد بسيف الغدر، وهو في محرابه. أما جميل الذكر فلا تمرّ ثانية من الدهر إلا ويتردّد فيها اسم علي بن أبي طالب بالتعظيم والتقديس نطقا وكتابة مذ كان والى آخر يوم في الدنيا، وفوق ذلك كلّه أنّ الملايين من شيعته في كلّ عصر وجيل يتقرّبون إلى الله بالولاء له وبالثناء عليه لقول الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم: "حبّ علي براءة من النار"، إذ رُوي هذا الحديث مستفيضا في كتب الشيعة ورواه فريق غيرهم منهم المحبّ الطبري في الرياض النضرة بلفظ" ان رسول الله صلی الله علیه و آله قال: "حبّ علي يأكل الذنوب كما تأكل النار الحطب"، وليس من شكّ في أنّ المراد بالحب هنا يشمل المتابعة في العمل، قال تعالى: «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا» [الكهف: 110]، وقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: "اعملي يا فاطمة، ولا تقولي: أنا بنت محمد، فإني لا أغني عنك عند الله شيئا"، وقال أمير المؤمنين علیه السلام: "لا تكن ممّن يحب الصالحين ولا يعمل عملهم، و يبغض المذنبين، وهو أحدهم".

ص: 446

المستوى الصوتيّ

س: انمازت خاتمة العهد بالتّوافق في فواصل العبارات، بيّن الأثر الصوتيّ للفاصلة في الكلام معتمدا النصّ المتقدّم؟.

يسمّى توافق الفاصلتين في فقرتين أو أكثر في الحرف الأخير سجعا، وهو خاصّ بالنّثر. وفي القرآن الكريم يسمّى توافق أواخر الآي بالفاصلة القرآنية، وفي الشّعر (قافية)، والمراد بالتّوافق هو تشابه أو اتّحاد حروف الفاصلة. وفنّ السّجع من الفنون البديعيّة اللفظيّة في علم البلاغة إذ يعطي رونقا ونغمة موسيقيّة للكلام فيكون له أثر حسن في نفس السّامع، غير أنّ السّجع لا يحسن الّا إذا توافّرت فيه عناصر معيّنة أوّلها عدم التّكلّف، ففي الموروث ترد أسجاع متصنّعة تصاغ فيها نهايات العبارات لأجل الحفاظ على الإيقاع الموحّد دون الاهتمام بالمعنى، وهذا يخالف سجع الأحاديث النّبويّة أو الحكم أو خطب الأئمة الأطهار علیه السلام ومناجاتهم. وترد الفاصلة القرآنية تابعة للمعاني وليس العكس. و فضلا عن عدم تكلّف السّجع لابدّ من عدم تكرار الكلمات المسجوعة نفسها، وأفضله ما تساوت فقراته في الطّول، أي إنّ الجمل متساوية في عدد کلماتها ومتنوّعة، على نغمة إيقاع متشابهة، ليحصل من ذلك جرس موسيقيّ وإيقاع يجذب انتباه السّامع، ويعطي للتعبير قوّة وتأثيرا ووضوحا، ويساعد على ترسيخ الفكرة، لذا نجده يستعمل بكثرة في القرآن الكريم والحديث النّبويّ الشّريف، والحكم والأمثال.

وفي خاتمة عهده علیه السلام ثمة ميل إلى السّجع غير المتكلّف إذ انتهت بعض الجمل

ص: 447

المتعاطفة بالصّوت ذاته، وكالهاء والدال وغيرهما كما في قوله علیه السلام: "بسعة رحمته وعظيم قدرته" وكذا في: "تمام النّعمة وتضعيف الكرامة"، وفي "السّعادة والشّهادة" وفي: "مع حسن الثّناء في العباد، وجميل الأمر في البلاد". ونلاحظ توافق الجمل في عدد کلماتها فضلا عن نهاياتها، وإنّما ظهر هذا الفنّ في خاتمة العهد دون مقاطع العهد المتقدّمة توافقا مع المعنى المراد إبرازه في هذه الخاتمة القصيرة، وهو التأكيد على أنّ كلّ ما قدّم من توصيات للحاكم الإسلاميّ جاء لهدف واحد وغاية محدّدة من ابتغاء مرضاة الله، لذا توسّل علیه السلام بقدرته تعالى ورحمته أن يوفّقه وواليه إلى الإخلاص في طاعته فاستعمل علیه السلام صوت الهاء المهتوت الذي فيه من ضعف الصّوت ما يوحي بالمسكنة والحاجة إلى رحمة الله، واستعمل صوت الدّال القوي في توجيه الدّعاء إلى ما يخصّ الرّعيّة وحالها، ولعلّ في تنوّع أصوات الفواصل لفتا للأذهان نحو تنوّع المعاني من صوت الهاء في خطاب الخالق إلى صوت الدّال مع الرّعيّة ثمّ صوت التّاء في طلب المكافأة على الثّبات على الحقّ والامتثال لأوامر الله سبحانه.

المستوى الصرفيّ

س: زن الألفاظ الآتية وزنا صرفیّا محكما، مبيّنا معناها الصرفيّ؟

1. سعة: عِلة، وهي مصدر من وسِعه الشيء يسَعه سِعة، والوِسع: القدرة والطاقة، قال تعالى: «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا» [البقرة: 286].

ص: 448

2. رغبة: فَعلة، اسم للمرّة والمصدر الرَّغَب كما في قوله تعالى: «وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ» [الأنبياء: 90]، يقال: رغِب فيه يرغُب على الباب الرابع.

3. يوفّق: یُفعّل مضارع من وفّقه مزید بتضعیف العين التي أفادت المبالغة في الوفق، وهو الملاءمة بين الشّيئين، يقال: اتّفق الشيئان: تقاربا وتلاءما، ووافقته: صادفته كأنّهما اجتمعا متوافقين، والتّوفيق في الخير دون الشّرّ.

4. الواضح: فاعل، صفة مشبّهة من وضَحَ الأمرُ يَضِحُ وُضوحاً فهو واضح، إذا: بان.

5. خَلْق: فَعْل، مصدر من خلَقه يخلُقه إذا قدّره على الباب الأوّل خَلْقا ثمّ سُمّي به المخلوقين وهم الناس، فهو اسم جمع لا واحد له من لفظه، والخُلق بمعنى السّجيّة كأنّها قدّرت على صاحبها.

6. تمام: فعال، مصدر من تمّ يتِمّ على الباب الثاني تَمّا و تماما، أي: انتهى إلى حدّ لا يحتاج إلى شيءٍ خارج عنه.

7. تضعیف: مصدر على التفعيل، من ضعّفه المزيد بتضعیف العين، والزيادة أفادت السلب لأن المجرد ضعُف یعني هزُل وضمَر والمزيد بالتضعيف يفيد سلب الضعف والهُزال، فمعنى ضعّف الشيء: جعله اثنين، والتضعيف خلاف الضَّعف لأن معناه أن يزاد على أصل الشيء فيجعل مثلين أو أكثر وكذلك الإضعاف والمضاعفة. والاسم الضِّعف بكسر الضاد.

8. سعادة: فَعالة، مصدرٌ من سعِد يسعَد على الباب الرابع سَعَداً وسعادة:

ص: 449

خلاف الشّقاوة فهو سعيد، وأسعده الله فهو مسعود. والسعادة: معاونة الأمور الإلاهيّة للإنسان على نيل الخير، وأعظم السّعادات هي الجنّة، قال تعالى: «وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ» [هود: 108].

9. شَهادة: فَعالة، اسم من استُشْهِد فلانٌ على ما لم يسم فاعله. فالشهيد هو المحتضر، سمّي بذلك لحضور الملائكة إيّاه، أو لأنّهم يشهدون في تلك الحالة ما أعدّ لهم من النعيم أو لأنّهم تشهد أرواحهم عند الله، أو لأنّ الله تعالى وملائكته شهود له بالجنّة، أو لأنّه ممّن يُستشهَد يوم القيامة على الأمم الخالية، والشهادة في الأصل مصدر من شهد بكذا شهادة على الباب الرابع: أدّى ما عنده من الشهادة فهو شاهد، واستشهده:

طلب شهادته.

10. السّلام: فَعال، اسم مصدر من سلّمه الله تعالى تسليما، والمجردّ سِلم من الآفة يسلَم على الباب الرابع سلامة.

11. الطّيّبون: جمع سلامة الطيّب على زنة فيعل، وهو صفة مشبّهة من الأجوف طاب يطيب على الباب الثاني طِيبا و طيبة وتطبابا ضدّ الخبيث قال تعالى: «وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا» [النساء: 2].

12. الطّاهرين: فاعلين، جمع سلامة مفرده طاهر، صفة مشبهة من طهُر يطهُر على الباب الخامس طهارة، والاسم الطّهر ضدّ النّجاسة.

ص: 450

المستوى النحويّ

س أعرب ما تحته خطّ من النصّ المتقدّم؟

1. أنا: ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ، وخبره جملة (أسأل الله) المتكوّنة من الفعل المضارع وفاعله المستتر ومفعوله لفظ الجلالة.

2. تمام: اسم مجرور معطوف على ما قبله، واختلفوا في تعيين المعطوف فأمّا أن يكون (تمام) معطوفا على (ما) في قوله علیه السلام: (لما فيه) والتقدير: أسأل الله توفيقي لذا ولتمام النعمة، أو أن يكون معطوفا على الإقامة) لأنّ تمام النعمة وما بعدها ممّا فيه رضا. والأحسن أن يكون معطوفا على (حسن) لأنّها تفريع لما أجمله علیه السلام بقوله: من الإقامة على العذر.

3. الطّاهرين: صفة ثانية ل (آله)، والصّفة الأولى هي (الطّيّبين) ولم يعطف بينها لثباتهما معا فيهم صلوات الله عليهم.

4. تسليما: مفعول مطلق منصوب مبيّن للنوع، و (كثيرا) صفته.

5. والسّلام: مبتدأ مرفوع، وخبره محذوف لدلالة السّياق عليه، أي: والسّلام ختام الكلام، والواو استئنافية.

س: بيّن نوع الإضافة فيما يأتي:

1. "إعطاء كلّ رغبة": (إعطاء كلّ) إضافة غير محضة لأنّها من إضافة المصدر إلى مفعوله الثاني والتقدير: إعطاء الله الناسَ كلّ. و (كلّ رغبةٍ): إضافة غير محضة بمنزلة إضافة الصفة إلى الموصوف لأن (کلّ) بمعنی

ص: 451

الصفة المقدمة على موصوفها والتقدير (الرغبة التامّة).

2. "حسن الثّناء": إضافة غير محضته؛ لأنّها من إضافة الصّفة إلى موصوفها، والتقدير: الثّناء الحسن، وكذلك في: (جميل الأثر، وتمام النعمة، وتضعيف الكرامة) إذ التقدير: الأثر الجميل، النعمة التامة، الكرامة المضاعفة.

3. "رسول الله" إضافة محضة بمعنى اللام.

المستوى المعجميّ

س: قال علیه السلام: "وتمام النّعمة، وتضعيف الكرامة"، نجد استعمال لفظة التّمام مع النّعمة على نحو ما نجد في قوله تعالى: "اليوم أكملت لکم دینکم وأتممت علیکم نعمتي..." فهل يمكن استبدال الإكمال بالإنتمام، ولماذا؟

الْفرق بَين الْكَمَال والتمام هو إن الكامل خلاف القبيح والتام خلاف الناقص. وَلِهَذَا قَالَ أصَاحب النّظم: القافية تَمام الْبَيْت وَلَا يُقَال كَمَال الْبَيْت وَيَقُولُونَ البَيت بِکَمَالِهِ اي بَاجتماعه ونظمه الحسن وَالْبَيْت بِتَمَامِهِ أَي بقافيته وَيُقَال هَذَا تَمام حَقك للْبَعْض الَّذِي يتم بِهِ الْحق وَلَا يُقَال کَمَال حَقك.

ص: 452

المستوى البلاغيّ

س: اذكر أبرز الفنون البلاغيّة الواردة في النصّ المتقدّم؟

1. في قوله علیه السلام: "إنّا إليه راجعون": قدّم الجارّ والمجرور (إليه) على متعلّقه وهو اسم الفاعل (راجعون) الذي يعرب خبرا ل (إنّ)، وفي هذا التّقديم سرّ بلاغيّ مهمّ، وهو تخصيص الرّجوع بالله تعالى، أي: التأكيد على أنّ الرجوع إلى الله لا إلى غيره، لذلك قدّم الجهة التي ينتهي إليها الرجوع قبل الفعل للتأكيد على كونها وحدها المخصوصة برجوع الخلق. وفي هذا تنبيه من الإمام علیه السلام على صدق نيّته في سؤاله الشّهادة لإيمانه بخالقه، وفي رواية أخرى (راغبون) والمعنى قريب لكن رواية الرجوع اقتباس من القرآن الكريم في قوله تعالى: «الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» [البقرة: 46].

وفي هذه العبارة فنّ آخر هو أسلوب الفصل إذ لم تعطف هذه العبارة على ما قبلها لأنّها بمثابة التّعليل لطلبه علیه السلام الشّهادة كأنّه يقول: أطلب الشّهادة ليقين بك سبحانك مرجعا للخلائق.

2. في قوله علیه السلام: "والسّلام على رسول الله... وسلّم تسليما كثيرا": أسلوب إطناب بتكرار السّلام على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، ولكنّه إطناب في محلّه إذ استدعى السّلام الأوّل ختم دعائه علیه السلام المتقدّم، ثمّ استدعت جملة العطف (وسلّم تسليما كثيرا) للإشارة إلى صيغة الصّلاة النّبويّة الكاملة

ص: 453

التي تذكر الصّلاة معطوفة على التّسليم اتّباعا لقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» [الأحزاب: 56].

3. "الإقامة على العذر": في هذه العبارة بلاغة واضحة إذ كنّى الإمام علیه السلام عن أسلوبه في إقامة دين الله وهدي المصطفی صلی الله علیه و آله وسلم، فبيّن علیه السلام أنّ نهجه في التّعامل مع أمور الحكم هو في استفراغ الوسع والطّاقة في تطبيق شريعة الله، وإن قوبل هذا بالجاهلين والحمقى والظلمة، فانّه يتحرّى معهم سبل الإصلاح قبل أن يردّ على هؤلاء النّفر من رعیّته ردّا فيه ما يوهم بالغرابة وفي حقيقته عمل بما أُوتي من أبواب العلم المحمّديّ لذا فعذره إلى الله تعالى يكون واضحا لا غبار عليه، وعذره إلى الخلق كذلك.

ولمّا كانت هذه العبارة باستعمال لفظ العذر الدّالّ على ما يقدّم ليمحو به الإنسان قبحا صدر منه، يثير تساؤل بعضهم في أنّه علیه السلام لا ذنب عنده يستلزم تقديم العذر، بيّن علیه السلام أنّه عذرٌ لما يظهر للآخرين من أمور مع أصحاب القلاقل والفتنة، لذا فهذا العذر يستتبع الخير عند الخلق وعند خالقهم تعالى، ففصّل علیه السلام صفات هذا العذر بأربعة أمور: اثنان منها عند الناس بقوله: حسن الثّناء من العباد وجميل الأثر في البلاد، ومع الخالق بقوله: تمام النّعمة وتضعيف الكرامة. فالعُذر اسم من الإعذار إلى الله عن طريق المبالغة في الإتيان بأوامره لذا هو علیه السلام قائم على العذر متمكّن منه مهیمن عليه، بتوسّله إلى الله تعالى بسعة رحمته وعظيم قدرته أن يجعله على هذه الصّورة المجتهدة في الاتيان بأوامره.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

ص: 454

المحتويات

ص: 455

محتویات

مقدمة المؤسسة...5

مقدمة...7

تمهید...15

المقطع الأول...31

المقطع الثاني...53

المقطع الثالث...83

المقطع الرابع...107

المقطع الخامس...135

المقطع السادس...155

المقطع السابع...183

المقطع الثامن...219

المقطع التاسع...239

المقطع العاشر...261

المقطع الحادي عشر...283

المقطع الثاني عشر...297

المقطع الثالث عشر...317

المقطع الرابع عشر...337

المقطع الخامس عشر...359

المقطع السادس عشر...373

المقطع السابع عشر...387

المقطع الثامن عشر...409

المقطع التاسع عشر...421

المقطع العشرون...445

ص: 456

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.