معايير بناء الدولة بالاستناد إلى عهد الإمام علي (عليه السلام) إلى مالك الأشتر (رحمه الله)

هوية الکتاب

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 1873 لسنة 2018 م مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLIrda رقم تصنيف BP38.09.S5 K43 2018 :LC المؤلف الشخصي: الخليلي، ماهر جبار. مؤلف. العنوان: معايير بناء الدولة بالاستناد الى عهد الامام علي (عليه السلام) الى مالك الاشتر (رحمه الله) / بيان المسؤولية: تأليف أ. د. ماهر جبار الخليلي. بيانات الطبع: الطبعة الأولى. بيانات النشر: العراق، كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018 / 1439 للهجرة. الوصف المادي: 96 صفحة: 15ء21 سم. سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة: 431).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة، 140 وحدة الدراسات السياسية، سلسلة دراسات في عهد الامام علي (ع) لمالك الاشتر (ره)؛ 45). تبصرة ببليوجرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر (الصفحات 91 - 93). موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة - عهد مالك الاشتر - دراسة. موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - احاديث. موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - ساسته وحكومته. موضوع شخصي: مالك بن الحارث الاشتر النخعي، توفي 39 للهجرة - نقد وتفسير. مصطلح موضوعي: الاسلام والدولة. مصطلح موضوعي: نظام الحكم في الاسلام. مصطلح موضوع جغرافي: العراق - الاحوال السياسية - القرن 20. مؤلف اضافي: دراسة ل(عمل): الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة - عهد مالك الاشتر. اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة. مؤسسة علوم نهج البلاغة. جهة مصدرة. عنوان اضافي: نهج البلاغة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 1

اشارة

ص: 2

سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله) (45) وحدة الدراسات السياسية معايير بناء الدولة بالاستناد إلى عهد الإمام علي (علیه السلام) إلى مالك الاشتر (رحمه الله) تأليف أ. د. ماهر جبار الخليلي اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة العتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1439 ه - 2018 م العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع الألكتروني:

www.inahj.org الإيميل:

Info@ Inahj.org

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:

فإن من أبرز الحقائق التي ارتبطت بالعترة النبوية هي حقيقة الملازمة بين النص القرآني والنص النبوي ونصوص الأئمة المعصومين (علیهم السلام).

وإنّ خير ما يُرجع إليه في المصادیق لَحديث الثقلين «کتاب الله وعترتي أهل بيتي» هو صلاحية النص القرآني لكل الأزمنة متلازماً مع صلاحيّة

ص: 5

النصوص الشريفة للعترة النبوية لكل الأزمنة.

وما كتاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله) إلا أنموذجٌ واحدٌ من بين المئات التي زخرت بها المكتبة الإسلامية التي اكتنزت في متونها كثيراً من الحقول المعرفية مظهرة بذلك احتياج الإنسان إلى نصوص الثقلين في كل الأزمنة.

من هنا:

ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تخصص حقلاً معرفياً ضمن نتاجها المعرفي التخصصي في حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) وفكره، متّخذة من عهده الشريف إلى مالك الأشتر (رحمه الله) مادة خصبة للعلوم الإنسانية التي هي أشرف العلوم ومدار بناء الإنسان

ص: 6

وإصلاح متعلقاته الحياتية وذلك ضمن سلسلة بحثية علمية موسومة ب (سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله)، التي تصدر بإذن الله تباعاً، حرصاً منها على إثراء المكتبة الإسلامية والمكتبة الإنسانية بتلك الدراسات العلمية والتي تهدف إلى بيان أثر هذه النصوص في بناء الإنسان والمجتمع والدولة متلازمة مع هدف القرآن الكريم في إقامة نظام الحياة الآمنة والمفعمة بالخير والعطاء والعيش بحرية وكرامة.

وكان البحث الموسوم ب(معايير بناء الدولة بالاستناد إلى عهد الإمام علي عليه السلام إلى مالك الأشتر رضوان الله عليه) واحداً من تلك البحوث التي عنيت بالعهد الشريف وربطت فحواه بالواقع العراقي وسبل الإصلاح

ص: 7

السياسي والاقتصادي في البلد بالاعتماد على ما تضمّنه العهد الشريف من أسس لإدارة الدولة فجزى الله الباحث خير الجزاء فقد بذل جهده وعلى الله أجره، والحمد لله رب العالمين.

السيد نبيل الحسني الكربلائي رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

هدف البحث

هدف البحث الأساسي هو تقديم رؤية منهجية واضحة المعالم والأسس في بناء دولة عصرية في العراق عن طريق الإفادة من بعض المعايير أو المقاييس العلمية والقيمية الناجعة التي يقاس عليها المسؤول الناجح من غيره، والتي يجب أن يسير عليها المتصدي للمسؤولية كبر أو صغر منصبه في الدولة سعياً نحو الحلول الصحيحة في بناء الدولة.

بمعنى آخر إن المعايير تؤخذ من التجارب المطبقة فعليا والناجحة في تطوير بلدانها وشعوبها، وتستنبط كذلك من تراث الحكماء والفلاسفة والأولياء والأنبياء والمؤمنين، وما رسالة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام إلى مالك الأشتر

ص: 9

الا واحدة من أهم الحكم في التاريخ الانساني وفيها من الأسس والثوابت الكثير، وما علينا الا دراستها واستخراج الكنوز منها والسير وفقا لمضمونها لا جعلها شعارات وواجهات براقة بعيدا عن التطبيق الفعلي والتنفيذ العملي.

أهمية البحث

تبرز أهمية هذه الدراسة من الحاجة الماسة إلى الارتقاء بمستوى الأداء السياسي لأغلب الأشخاص المتصدين للعمل الحكومي لاسيما القيادات منهم.

إضافة إلى ذلك هناك حاجة ماسة إلى دراسة معايير بناء الدولة في ضوء أنظمة الجودة الشاملة، وأساليب تطبيقها، والمعوقات التي تواجهها، مع مقارنتها بعهد الإمام عليه السلام، مع كيفية التخلص من الآفات والأمراض

ص: 10

والعادات السيئة والتي أصبحت ثوابت وتمكنت من ذهنية وطبيعة الموظف في العراق، الصغير منهم والكبير بحيث صارت منظومة متجذرة ومتشعبة، وراسخة في المجتمع.

مشكلة البحث

تعاني الدولة العراقية من مشاكل كثيرة ومتعددة انعكست بمجموعها على الجوانب الاخرى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بل تعدى ذلك إلى نوعية القادة من أصغر مسؤول في الوظيفة إلى رأس الهرم في المسؤولية من مدير ووزير ورئيس وزراء ورئيس الجمهورية والقائد العام وغيرها من الألقاب الفخمة، والأسوأ من ذلك هو نوعيات الأساتيذ في الجامعات والمعلمين والمدرسين والمشرفين، فأصبح الانهيار شبه الشامل في المنظومة القيمية والخلقية.

ص: 11

من أجل ذلك بادر الباحث في هذه الدراسة إلى دراسة الواقع السياسي ومبادئئ تشکیل الدولة، متخذا من عهد الإمام علي عليه السلام المالك الأشتر رضوان الله عليه وسیلة وأداة في استنباط مبادئ ومعايير تستحق أن تكون مقياسا مهما لجودة الأداء السياسي والاقتصادي من أجل تحسين جودة المخرجات والمنتجات.

بناءً على ذلك يمكن تحديد الإشكالية الأساسية التي سعى الباحث إلى الإجابة عنها وطرح الحلول المناسبة لها، وهي: (ما هي الرؤية المنهجية لإعادة بناء الدولة في العراق وفقا لمبادئ ومعايير عهد الإمام علي عليه السلام إلى مالك الاشتر رضوان الله عليه، التي يمكن أن تكون مناسبة للتطبيق في الدولة العراقية الجديدة من أجل تجاوز المعوقات والمشاكل بأفضل الطرق وأقصرها وأقلها كلفة).

ص: 12

ومن هذه الإشكالية المركزية تتفرع أسئلة عدّة:

1) ما مشاكل ومعوقات بناء الدولة في العراق؟

2) ما المعايير التي جاء بها عهد الإمام عليه السلام ويمكنها أن تسهم في تطوير الأداء؟

3) ما الرؤية المنهجية لمواجهة التحديات وإعادة بناء الدولة وفقا لتلك المعايير؟

ص: 13

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد الطاهر الأمين وآل بيته الطيبين الطاهرين و أصحابه الغر الميامين.

إن الغاية من هذه الدراسة هو تقديم بعض الأفكار بشان المسار المستقبلي للدولة العراقية، وكيف يمكن المضي في تحقيق آمال وتطلعات الشعب العراقي في الحرية، والعدل، والمساواة، والتعايش من أجل استقرار البلد أولاً، ثم تطويره وتحويله إلى دولة متحكمة في قرارها وراعية لشعبها ثانيا، بخطوات واضحة وثابتة.

ولتحديد بعض الأساسيات أو المبادئ أو

ص: 14

المعايير لابد من دراسة تجارب الأمم المتقدمة، ثم المضي في استنباط نظام و معايير من تجاربنا المحلية سواء اسلامية كانت أم عربية أم عراقية، من أجل قيادة دولة المؤسسات إلى رحلة طويلة تجاه الهدف الأسمى وهو تأسیس دولة اتحادية ديمقراطية تعددية متقدمة في المجالات جميعها.

يقول عزّ من قائل بسم الله الرحمن الرحيم «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ»(1)، تخوض الآية الكريمة في مسألة الإصلاح ومن يكون مؤهلاً للاصلاح، وتهدف إلى معرفة الشخصيات التي يجب أن تكون مهيأة للقيام بهذا الدور بطريقة إيمانية وعلمية.

إن عهد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

ص: 15


1- سورة البقرة: (11 - 12)

إلى مالك الأشتر رضوان الله عليه عندما ولّاه على مصر يعد بحق منهاج عمل متكامل لكل والي أو حاكم يرغب في حكم الرعية حكماً أخلاقيا وإنسانياً؛ إذ تناول هذا العهد أدق التفاصيل في الإدارة.

مالك الأشتر رضوان الله عليه الذي قال عنه أمير المؤمنين عليه السلام «مالك لي كما كنت الرسول الله صلى الله عليه وآله» يعد من القادة القلائل الذين يتصفون بصفات نادرة تستحق الاشادة وتستحق الدراسة والتمحيص.

بين شخصية الحاكم ومنهجية الحكم يغوص الإمام عليه السلام في أعماق النفس البشرية، وما على الباحثين الا الجري وراء الدرر والسير الحثيث نحو الزوايا الخفية في تلك الكلمات النورانية للخروج بأفضل طبق علمي يقدَّم بأبهی

ص: 16

صورة حاملاً أفضل بضاعة إلى المتلقي الكريم.

في ضوء هذه الحقائق تم تحديد عنوان البحث (معايير بناء الدولة بالاستناد إلى عهد الإمام علي (عليه السلام) إلى مالك الأشتر رضوان الله عليه) الذي قام على ثلاثة محاور، الأول: بعنوان التراجع السياسي في العراق الأسباب والنتائج، في حين ناقش الثاني: المعايير التي جاء بها عهد الإمام عليه السلام والتي من الممكن أن تسهم في تطوير الأداء، أما المحور الأخير فخصص للرؤية المنهجية الحقة في مواجهة التحديات، واعتماد المعايير العلوية في بناء الدولة.

ص: 17

المحور الاول

التراجع السياسي في العراق - الأسباب والنتائج

قبل التوسع في الأسباب التي أدت إلى الانهيار شبه الكامل في المنظومة الإدارية للدولة العراقية الجديدة، لابد من دراسة طبيعة التحديات التي تواجه مسيرة البناء السياسي في العراق مع دراسة أولويات الإصلاح السياسي، والسؤال الأبرز الذي يقفز إلى الأذهان: من أين تبدأ المسيرة الإصلاحية؟ ثم سؤال آخر: من الإنسان المؤهل للقيام بهذا الدور الصعب والكبير؟ أو بالاحرى ما صفاته ومقوماته ومبادئه؟ وما المؤسسات التي ستسهم في عملية الإصلاح؟ وهل هذه المؤسسات موجودة فعلا ولكنها تحتاج إلى إعادة

ص: 18

هيكلة وتفعيل نشاطها؟ أم لابد من استحداث مؤسسات جديدة مبنية على أسس صحيحة؟

ويمكن تحديد أبرز التحديات التي واجهت مسيرة بناء العملية السياسية كما تسمى أو عملية بناء الدولة ومؤسساتها، منذ لحظة ولادة العراق الجديد بعد عام 2003 م:

أولاً: بناء المجتمع الواحد الرصين المتماسك، المؤمن بالمصير المشترك من دون تمييز أو تعنصر لقومية أو مذهب أو دين أو عرق.

ثانياً: ترسيخ مبدأ المشاركة في السلطة وهو الأمر الذي افتقدته العملية السياسية في المرحلة السابقة إذ أصرت أطراف على مبدأ الحكم بالاغلبية متذرعة بالديمقراطية، وأصرت أطراف أخرى على التمسك بمبدأ التوافق السياسي استنادا على التقسيم العرقي،

ص: 19

وأصرت فئة ثالثة إلى مبدأ المعارضة لكل مشاريع بناء الدولة من دون إشراكها، ومن ثم فشل المشروع برمته.

ثالثاً: تعزيز وترسيخ القيم الديمقراطية في المجتمع، بمعنى خلق مجتمع ناضج ديمقراطيا یمارس نوعا من الديمقراطية المناسبة للطابع المحلي وليست الديمقراطية المستوردة الجاهزة الجامدة المغلفة بقيم وعادات غريبة وغير مناسبة.

رابعاً: الانحدار القيمي في المجتمع العراقي لأسباب متعددة منها كثرة الحروب وأساليب الطغيان وفقدان كثير من العوائل لشبابها وأربابها، والحصار الاقتصادي وضعف التوعية الدينية وغيرها من الأسباب، مما يتطلب إعادة بناء المنظومة الأخلاقية التي كان يتمتع بها

ص: 20

المجتمع العراقي سابقا بواسطة إنشاء مجتمع أخلاقي وقيمي وملتزم، يتألف من مواطنين لهم قيم دينية ومعنوية قوية ومتشبع بأعلى القيم الإنسانية والأخلاقية.

خامسا: المعايير العلمية في التعيين والاختيار والترفيع، إذ إن من الضرورة بمكان أن يتم بناء المجتمع على أسس علمية ومتطورة، بمعنى أن یکون المجتمع مبدعا ويتطلع إلى الأمام وفي هذا السياق لابد من منهجية وخطوات مدروسة؛ لأن الفرد العادي يميل إلى الراحة والسكون، ومن ثمّ يكون المجتمع مستهلك للتكنولوجيا فقط لذا لابد أن نخلق مجتمعا جادا عمليا يساهم في الحضارة العلمية والتكنولوجية المستقبلية.

سادساً: عدالة التوزيع لثروة البلد إذ لابد من انشاء منظومة تتسم بالعدالة الاقتصادية، يجري

ص: 21

فيها توزیع عادل ومتكافئ لثروة البلد، بمشاركة جميع الفئات والاطياف في الإنتاج والتوزيع والأرباح، وقبل ذلك في صنع القرار الاقتصادي المناسب لمصالح العراق العليا والعابر للمصالح الطائفية والحزبية والذاتية.

سابعاً: الجيش الوطني الموحد المدافع عن البلد ككل إذ لابد من أن تكون المنظومة الأمنية والعسكرية والوطنية المشتركة تحظى بثقة جميع العراقيين وتؤمن بالعراق الواحد القوي العزيز الخالي من الاستقواء على أبنائه، وليس فصائل متفرقة قائمة على أساس المذاهب والقوميات ومدعومة وممولة من خارج الحدود.

هذه أبرز التحديات التي تواجه مسيرة الاصلاح والتي فشلت فيها القوى السياسية بجميع أصنافها وركنت إلى مصالحها الخاصة

ص: 22

وبناء كيانها السياسي مدعوما بأموال الدولة لضمان بقائها على قيد الحياة السياسية في العراق لأطول فترة ممكنة.

ثم إن جميع الأحزاب السياسية المتواجدة على الساحة غير مؤمنة بالنظام الديمقراطي داخل أحزابها فكيف تستطيع تطبيق الإصلاح السياسي على البلاد في ظل غياب منهج الديمقراطية والمشورة في نظامها الداخلي.

وفي هذا الإطار لابد من توصيفٍ لأسباب فشل بناء الدولة في المرحلة السابقة:

1. إيمان السياسيين المطلق بأنهم الأفضل لقيادة البلد، وأن العملية السياسية الحالية هي الأفضل للعراق، وبديلها التقسيم أو الحرب والرغبة الشديدة في البقاء على دفة القيادة.

2. الرؤية السياسية الخاطئة وغير الصحيحة

ص: 23

بشأن بناء الدولة، وقد يعتقد بعضهم أنه ليس هناك رؤية ولكن واقع السلوك والأفعال تؤكد أن هناك مجموعة من الثوابت عند السياسيين تمثل وجود رؤية مع غياب التخطيط والاستراتيجية على المستوى القريب والمتوسط والبعيد المدى.

3. عدم السماح بتعديل مسار العملية السياسية غير المنضبطة.

4. التشريعات الخاطئة بدءاً من الدستور والقوانين الفرعية والتعليمات الإدارية غير المهنية.

5. اعتماد مبادئ الولاء على حساب الكفاءة والمذهب على حساب الوطن والقومية على حساب الوطنية والحزب على حساب العراق.

6. التشرذم السياسي الواسع للأحزاب في تجمعات صغيرة ثم الاندماج في تكتل طائفي كبير قبل الانتخابات ثم الصراع على المصالح

ص: 24

والجاه والسلطة والمال بعد الانتخابات ثم استعمال مصطلح الاستحقاق الانتخابي كبديل للمحاصصة الطائفية المرفوضة شعبيا والثابتة سياسيا، ويتم توزيع كل الدرجات الوظيفية من أصغرها إلى أكبرها على وفق هذا المبدأ، وكل ذلك على حساب البناء وخدمة الناس ومصالح البلد العليا التي غابت عن منظور أغلب السياسيين وماعادوا يعرفون ماهي فعلا المصالح العليا.

ومن هذه المنطلقات وبعد التشخيص الدقيق والمناسب للأسباب، ننتقل في محورنا الثاني إلى وضع معايير مهمة لبناء الدولة مستقاة من فكر وبلاغة يعسوب الدين ووصي رسول رب العالمين وإمام المتقين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، من الوثيقة الأكثر شهرة والأفضل بلاغة، والأقوى حكمة، وهي رسالته الشهير

ص: 25

والمدعاة بالعهد المرسل إلى مالك الأشتر رضوان الله عليه عندما ولاه على مصر وهي تحتوي من الكنوز والعبر والمباديء والدرر مايفوق الوصف، ولذلك ليس هناك من تراث غني بالمعرفة أفضل من هذا التراث.

وعلى وفق ما تقدم يمكن الخروج بجملة من المعايير والمباديء المناسبة للحكم بشكل عام ولحكم العراق بشكل خاص ماينطبق منها على الحالة العراقية، بالاستناد إلى ماذكر سابقا في هذا المحور، من أجل وضع العراق ثابتا بقدمين راسختين على سكة التنمية والتطور، إذ لابد من مراجعة الذات ومواجهة الأخطاء والسلبيات والعودة إلى تلك الأسس والمبادئ التي نصت عليها التشريعات السماوية والقيم الإنسانية فضلا عن تراث العلماء الصالحين والأئمة المعصومين وعلماء الفكر الانسانيين.

ص: 26

المحور الثاني

معايير من عهد الإمام (عليه السلام)

عندما نتأمل في كليات عهد الإمام عليه السلام نجدها دقيقة ومفصلة ومناسبة لطبيعة الحكم والإدارة، وخصوصية هذه الوصايا للقائد الشجاع والفارس الهمام مالك الأشتر رضوان الله عليه تشير بشكل واضح إلى الرابط بين منهج الحكم وشخصية الحاكم.

لقد قنن أمير المؤمنين عليه السلام نظرية سياسية في الحكم فيها (العدالة.. المساواة.. الإخلاص بالعمل.... إلخ)، لذلك عُدّتْ من أروع و أعظم التشريعات والتعليمات والوصايا والعهود في التاريخ البشري، وقد استقى منها الغرب والشرق دروس وعِبر في الكيفية التي يتولى فيها الحاكم وشرعيته وتعامله مع شعبه

ص: 27

والإنسانية(1).

تحدث الإمام عليه السلام عن سمو شخصية مالك وعظيم شأنه في رسالته التي بعثها لأهل مصر حينما ولاه عليهم جاء فيها:

«أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ بَعَثْتُ إِلَیْکُمْ عَبْداً مِنْ عِبَادِ اللّهِ عَزَّوَجَلَّ، لاَ یَنَامُ أَیَّامَ الْخَوْفِ، وَلاَ یَنْکُلُ عَنِ الْأَعْدَاءِ سَاعَاتِ الرَّوْعِ، أَشَدَّ عَلَی الْفُجَّارِ مِنْ حَرِیقِ النَّارِ، وَهُوَ مَالِکُ بْنُ الْحَارِثِ أَخُو مَذْحِجٍ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِیعُوا أَمْرَهُ فِیَما طَابَقَ الْحَقَّ، فَإِنَّهُ سَیْفٌ مِنْ سُیُوفِ اللّهِ، لاَ کَلِیلُ الظُّبَهِ، وَلاَ نَابِی الضَّرِیبَهِ؛ فَإِنْ أَمَرَکُمْ أَنْ تَنْفِرُوا فَانْفِرُوا، وَإِنْ أَمَرَکُمْ أَنْ تُقِیمُوا فَأُقِمُوا، فَإِنَّهُ لاَ

ص: 28


1- صباح محسن کاظم، الراعي والرعية والحاكم والمحكوم في عهد الامام علي - عليه السلام لمالك الأشتر، مقالة، مركز النور، 2010/08/08 الموقع الالكتروني: /See more at: http://alnoor.se more article.asp?id=86355sthash.NJtG42DX.dpuf

یُقْدِمُ وَلاَ یُحْجِمُ، وَلاَ یُؤَخِّرُ وَلاَ یُقَدِّمُ إِلَّا عَنْ أَمْرِی؛ وَقَدْ آثَرْتُکُمْ بِهِ عَلَی نَفْسِی لِنَصِیحَتِهِ لَکُمْ، وَشِدَّهِ شَکِیمَتِهِ عَلَی عَدُوِّکُمْ»(1).

ولما وصل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) خَبرَ وفاة الأشتر (رضوان الله عليه) جعل يتلهّف ويتأسّف عليه، ويقول: «لله درّ مالك، لو كان من جبلٍ لكان أعظم أركانه، ولو كان من حجرٍ كان صلداً، أما والله لیهدّنّ موتك، فعلى مثلك فلتبكِ البوا کي، ثم قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، والحمد لله ربّ العالمين، إنّي أحتسبه عندك، فإنّ موته من مصائب الدهر، فرحم الله مالكاً قد وفي بعهده، وقضى نحبه، ولقي ربه، مع أنّا قد وطنّا أنفسنا أن نصبر على كل مصيبةٍ بعد مصابنا برسول الله (صلى

ص: 29


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 411

الله عليه وآله) فإنها أعظم المصيبة»(1).

بشكل عام فإن شخصية مالك رضوان الله عليه كان لها الأثر البالغ في طبيعة الرسالة أو العهد، وجاءت تلك الوصايا متوالفة ومتناسقة مع ما يملکه الأشتر رضوان الله عليه من مبادئ وقيم وحسن التدبير.

في العهد كثير من المبادئ والقيم تطفوا مع صاحبها عندما يمتلكها وتغوص معه عندما يفقدها ومن ثمّ لابد من الوقوف على مجموعة من المعايير المستخرجة من بلاغة الإمام عليه السلام في عهده لنستطيع التمييز بين الفاقد و الطافي أولا ومن ثم بين من يريد أن يحكم علویا وآخر يردها ميكيافيليا.

ص: 30


1- عهد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى واليه على مصر مالك الأشتر (رضوان الله عليه)، العتبة العلوية المقدسة قسم الشؤون الفكرية، اعداد المستشار فليح سوادي، ط 1، 1931 ه - 2010 م

المعيار الأول: اختيار الحكام

من أولويات أي حاكم أو والي هو اختیار الحاشية أو الكادر الذين يعملون معه، ثم اختيار من ينوب عنه في الأماكن البعيدة، فما هي الصفات والسمات التي حددها الإمام عليه السلام للاختيار الصحيح؟ وهو أمر بالغ الأهمية إذ قال الإمام عليه السلام:

«ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُکْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِکَ فِي نَفْسِکَ، مِمَّنْ لاَ تَضِيقُ بِهِ الاُمُورُ، وَلاَ تُمَحِّکُهُ الْخُصُومُ، وَلاَ يَتَمَادَى فِي الزَّلَّةِ، وَلاَ يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْءِ إِلَى الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ، وَلاَ تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَع»(1)، وهنا يسجل الإمام عليه السلام الجانب النفسي في شخصية الوالي، وشخصية من يختاره أن لايتمادي في الزلة بل أن يكون حريصاً منضبطاً،

ص: 31


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 434

وأن لايتسامح في الحق إذا بان له ولاتميل نفسه إلى الطمع فياخذ من حقوق الناس وأن لا يخضع للضغوط.

واستمر الإمام (عليه السلام) في ذلك الوصف «وَلاَ يَکْتَفِي بِأَدْنَى فَهْم دُونَ أَقْصَاهُ، وَأَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ، وَآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ، وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ، وَأَصْبَرَهُمْ عَلَى تَکَشُّفِ الاُمُورِ، وَأَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُکْمِ، مِمَّنْ لاَ يَزْدَهِيهِ، إِطْرَاءٌ وَلاَ يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ، وَأُولَئِکَ قَلِيلٌ»(1)، وهنا يسجل الإمام عليه السلام مواصفات القاضي في شخصية الوالي أو الحاكم بأن يكون صابرا وطويل البال والنفس حتی تتكشف الأمور وتتضح الصورة، وأن یکون متفهما بشكل شامل وليس جزئيا بعد أن

ص: 32


1- المصدر نفسه

أعطى وقته للفهم الصحيح، مع العناية بالأدلة والحجج.

یکون انتخاب الحكام غير خاضع للمؤثرات التقليدية، وإنما يكون عن دراسة جادة للحاکم نفسياً وفكرياً وإدارة ومعرفة بشؤون الحكم والإدارة في ضوء الشريعة المقدسة(1).

بهذه المواصفات كيف يمكن لاختيار الحكام أن يكون معيارا للحكم والإدارة؟ في واقع الأمر أن الأمور تبدأ من هنا إذ أن حسن الاختيار للاشخاص وحده معيارا للتقييم وطبيعة الناس لاسيما في العراق تتحدث عن الحاشية دائما كلما نظفت حکمت الناس على المسؤول بالنظافة والعكس صحيح، ومن ثمّ فإن معيار الاختيار هو البداية الصحيحة للإصلاح الناجح.

ص: 33


1- آية الله الشيخ باقر شريف القرشي، المصدر السابق

وقبل الانتقال إلى المعيار الثاني لابد من الإشارة إلى فقرة مهمة وردت في كلمة الإمام عليه السلام عن العمال والولاة عند اختيارهم إذ قال: «ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَیْهِمُ الْأَرْزَاقَ فَإِنَّ ذَلِکَ قُوَّهٌ لَهُمْ عَلَی اسْتِصْلَاحِ أَنْفُسِهِمْ وَغِنًی لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَیْدِیهِمْ وَحُجَّهٌ عَلَیْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَکَ أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَکَ ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ وَابْعَثِ الْعُیُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ عَلَیْهِمْ فَإِنَّ تَعَاهُدَکَ فِی السِّرِّ لِأُمُورِهِمْ حَدْوَهٌ لَهُمْ عَلَی اسْتِعْمَالِ الْأَمَانَهِ وَالرِّفْقِ بِالرَّعِیَّهِ»(1).

إن الإمام عليه السلام يوصي بالراتب الجيد لأصحاب المسؤولية الكبرى حتى لايطمعوا بما تحت أيديهم من أموال الدولة ولكن الأكثر أهمية هو وصيته بأن يبعث العيون من أهل الصدق

ص: 34


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 435

والوفاء عليهم، وليس الجواسيس أهل الخسة والخيانة وبياعة الضمير، بطريقة رقابية تحفظ لهم أمانتهم وتمنع عنهم الانزلاق نحو النفس الأمارة بالسوء.

المعيار الثاني: الاتصال بالأشراف والصالحين

من بنود عهد الإمام عليه السلام أنه أمر مالك رضوان الله عليه بالاتصال بالأشراف والصالحين الذين يمثلون القيم الكريمة ليستعين بهم في إصلاح البلاد، وهذا قوله:

«ثُمّ الصَق بذِوَيِ المُرُوءَاتِ وَ الأَحسَابِ وَ أَهلِ البُيُوتَاتِ الصّالِحَةِ وَ السّوَابِقِ الحَسَنَةِ ثُمّ أَهلِ النّجدَةِ وَ الشّجَاعَةِ وَ السّخَاءِ وَ السّمَاحَةِ فَإِنّهُم جِمَاعٌ مِنَ الكَرَمِ وَ شُعَبٌ مِنَ العُرفِ ثُمّ تَفَقّد مِن أُمُورِهِم مَا يَتَفَقّدُ الوَالِدَانِ مِن وَلَدِهِمَا وَ لَا يَتَفَاقَمَنّ فِي نَفسِكَ شَيءٌ قَوّيتَهُم بِهِ وَ لَا تَحقِرَنّ لُطفاً تَعَاهَدتَهُم

ص: 35

بِهِ وَ إِن قَلّ فَإِنّهُ دَاعِيَةٌ لَهُم إِلَي بَذلِ النّصِيحَةِ لَكَ وَ حُسنِ الظّنّ بِكَ وَ لَا تَدَع تَفَقّدَ لَطِيفِ أُمُورِهِمُ اتّكَالًا عَلَي جَسِيمِهَا فَإِنّ لِليَسِيرِ مِن لُطفِكَ مَوضِعاً يَنتَفِعُونَ بِهِ وَ لِلجَسِيمِ مَوقِعاً لَا يَستَغنُونَ عَنهُ»(1).

يقول المثل إن الطيور على أشكاله تقع، بمعنى أن المتفاهمين والمنسجمين بالرؤى والأفكار يتصحابون ويترافقون، وعندما يكون الحاكم مرافقا لأشخاص دليل على توافقه إلى حد كبير معهم، وهنا التقييم والميزة بأن هؤلاء مرآة للشخص إن حسنوا حسن وإن وهنوا وهن، والإمام عليه السلام هنا يوصي بمرافقة الصالحين، وأهل البيوتات الصالحة وأهل الغيرة والكرم والسماحة والسخاء، ويؤكد على رعايتهم من الحاكم لأنهم ينصحون ويساندون ويراعون.

ص: 36


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 433

إن الإمام عليه السلام يوجه بإشاعة الفضيلة وتوطيد أركان الإصلاح الاجتماعي بين الناس، وهذه النقاط المهمة التي أدلى بها الإمام عليه السلام توجب التفاف المصلحين حول الولاة وتعاونهم معهم فيما يصلح أمر البلاد(1).

المعيار الثالث: التواضع الودود مع القاعدة.

صفات الحاكم أو الوالي المعتادة هي الآنفة والتكبر والتسلط والإعجاب بالنفس وأكثر الأحيان يرى نفسه دائما على حق، ورأيه أفضل الآراء، ولايجوز مناقشته أو مجادلته أو الاعتراض عليه، ولكن الإمام علي عليه السلام في هذا المجال قد وضع للتواضع كصفة مهمة للوالي مميزات وإيجابيات عديدة، فقال:

ص: 37


1- اية الله الشيخ باقر شريف القرشي، المصدر السابق

«وَلْیکُنْ آثَرُ رُؤُوسِ جُنْدِکَ عِنْدَکَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِی مَعُونَتِهِ وَ أَفْضَلَ عَلَیهِمْ مِنْ جِدَتِهِ بِمَا یسَعُهُمْ وَ یسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِیهِمْ حَتَّی یکُونَ هَمَّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فِی جِهَادِ الْعَدُوِّ فَإِنَّ عَطْفَکَ عَلَیهِمْ یعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَیکَ وَ إِنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَینِ الْوُلَاةِ اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ فِی الْبِلَادِ وَ ظُهُورُ مَوَدَّةِ الرَّعِیةِ وَ إِنَّهُ لَا تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلَّا بِسَلَامَةِ صُدُورِهِمْ، وَ لَا تَصِحُّ نَصِیحَتُهُمْ إِلَّا بِحِیطَتِهِمْ عَلَی وُلَاةِ الْأُمُورِ وَقِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ وَتَرْکِ اسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ فَافْسَحْ فِی آمَالِهِمْ وَ وَاصِلْ فِی حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَیهِمْ وَ تَعْدِیدِ مَا أَبْلَی ذُوُو الْبَلَاءِ مِنْهُمْ فَإِنَّ کَثْرَةَ الذِّکْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ وَ تُحَرِّضُ النَّاکِلَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»(1).

ص: 38


1- شرح نهج البلاغة لابن میثم البحراني: ج 5 ص 152

المقصود من الخطاب هم الجند ولكن الواقع يشمل عموم القاعدة الاجتماعية وإن كان هناك خصوصية للجند، الوصايا تسهم بشكل كبير في ضبط إيقاع الجند في الميدان، وتعبر سياسة الإمام عليه السلام عن مضمون إنساني كبير مستند إلى التعمق في النفس البشرية، فدراسته لنفسية الجندي وعاداته ومشاكله وطبيعة علاقته بالمراتب الأعلى هي في حد ذاتها التفاتة سابقة لزمانها وعالية الدقة والتفصيل في الولاء والالتزام والانضباط.

إن التواضع والتقرب الودود من الجندي أو الفقير ليس معيبا ولاتنزيل من قدر، أو نزول إلى مستوى بسيط ولكنه دواء سحري لخلق أجواء حميمة بين الرئيس والمرؤوس بين المدير والموظفين بين القائد والجنود، وهي السبيل للانتاج والإنجاز.

ص: 39

المعيار الرابع: النظر إلى ماسبق.

التفاتة نادرة أخرى من الإمام علي عليه السلام تتعلق بنظرة الناس إلى مبدأ العدل عند الحاكم أو الحكام وكيف أن مجرد سن قانون قد ينفع ناس ويضر آخرين، فقال:

«ثُمَّ اعْلَمْ یَا مَالِكُ أَنِّی قَدْ وَجَّهْتُكَ إِلَی بِلَادٍ قَدْ جَرَتْ عَلَیْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ مِنْ عَدْلٍ وَجَوْرٍ وَأَنَّ النَّاسَ یَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ فِی مِثْلِ مَا کُنْتَ تَنْظُرُ فِیهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلَاهِ قَبْلَكَ وَیَقُولُونَ فِیكَ مَا کُنْتَ تَقُولُ فِیهِمْ وَإِنَّمَا یُسْتَدَلُّ عَلَی الصَّالِحِینَ بِمَا یُجْرِی اللّهُ لَهُمْ عَلَی أَلْسُنِ عِبَادِهِ فَلْیَکُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَیْكَ ذَخِیرَهُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَامْلِكْ هَوَاكَ وَشُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لَایَحِلُّ لَكَ، فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الْإِنْصَافُ مِنْهَا فِیمَا أَحَبَّتْ أَوْ کَرِهَتْ»(1).

ص: 40


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 427

بمعنى أن الامام يرى في طريقة التعامل بين الحاكم الجديد وبين من سبقه مسألة في غاية الأهمية وتترتب عليها كثيرٌ من النتائج في المرحلة القادمة، ولذا فهو يوجه بضرورة أن تختلف الإجراءات باتجاه إحقاق الحقوق ورد المظالم ودفع الضرر عن الناس ثم يوجه الحاكم بضبط النفس الأمارة بالسوء فيما أحبت وكرهت ولاتتجه بالقرارات حسب الأهواء.

المعيار الخامس: النظرة الإنسانية

إن الإمام علي عليه السلام بعظمته بوصفه إماماً، ورقيّه بوصفه إنساناً، وبراعته بوصفه حاکماً، وحنكته بوصفه قائداً، وصف طبيعة الرعية بالتعدد والتنوع على مستويات عدّة، فكيف يمكن أن يكون التعدد عنصراً إيجابياً؟ أو كيف يمكن توظيفه ايجابيا؟

ص: 41

قال عليه السلام: «وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِیةِ وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَاللُّطْفَ بِهِمْ وَلَاتَکُونَنَّ عَلَیهِمْ سَبُعاً ضَارِیاً تَغْتَنِمُ أَکْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِی الدِّینِ أَوْ نَظِیرٌ لَكَ فِی الْخَلْقِ یفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ وَیؤْتَی عَلَی أَیدِیهِمْ فِی الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِی تُحِبُّ وَتَرْضَی أَنْ یعْطِیكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ وَ وَآلِی الْأَمْرِ عَلَیكَ فَوْقَكَ وَاللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ وَابْتَلَاكَ بِهِمْ وَلَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا یَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ وَلَا غِنَی بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ»(1).

(السبع الضاري) مصطلح واضح نابع من صميم أفعال الغابة ومجتمع الحيوان، وهو إشارة

ص: 42


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 428

واضحة إلى مستوى القوة التي يمتلكها الحاكم أو الوالي وكيف يمكن أن يستخدم تلك القوة؟ فالوالي عليه أن لا يحاسب الناس بقوة بطش على ما صدر منهم من أخطاء وعلل وزلل بسيطة بمعنى أن يتناسب العقاب مع مستوى الخطأ أو الجرم وأن يمنح دائما الصفح والعفو على أن يستمر في الإفراط في العقوبة، من أجل أن تنعم البلاد بالأمن والأمان، مذكرا بقدرة الله فوق الجميع وان من يظلم الناس فقد اعلن الحرب على الله ومابالك بمن حارب الله ورسوله فكيف ينجو من عظيم نقمته جل وعلا.

والأوضح في هذا المجال ماذكره الإمام عليه السلام من وصايا أخرى للحاكم تتعلق بطبيعة تفكير الوالي بعد اتخاذه القرارات المهمة أو المصيرية فقال:

ص: 43

«وَلَا تَنْدَمَنَّ عَلَی عَفْوٍ وَلَا تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَهٍ وَلَا تُسْرِعَنَّ إِلَی بَادِرَهٍ وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَهً وَلَا تَقُولَنَّ إِنِّی مُؤَمَّرٌ آمُرُ فَأُطَاعُ فَإِنَّ ذلِكَ إِدْغَالٌ فِی الْقَلْبِ وَمَنْهَکَهٌ لِلدِّینِ وَتَقَرُّبٌ مِنَ الْغِیَرِ وَإِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِیهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَهً أَوْ مَخِیلَهً فَانْظُرْ إِلَی عِظَمِ مُلْكِ اللَّهِ فَوْقَكَ وَقُدْرَتِهِ مِنْكَ عَلَی مَا لَا تَقْدِرُ عَلَیْهِ مِنْ نَفْسِكَ فَإِنَّ ذلِكَ یُطَامِنُ إِلَیْکَ مِنْ طِمَاحِكَ وَیَکُفُّ عَنْکَ مِنْ غَرْبِكَ وَیَفِیءُ إِلَیْكَ بِمَا عَزَبَ عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ»(1).

في الواقع أنها وصايا نفسية و منهجية في طبيعة تفكير الشخص المسؤول بأن لا يندم على قرار العفو والصفح مهما كانت نتائجه سلبية أم إيجابية، وأن لايفرط ولا يتباهي بقرار العقوبة، وان لايبرر أفعاله بأنه يمتلك الأمر والملك وعلى الآخرين الطاعة.

ص: 44


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 428

والعظيم في هذه الوصية الأخيرة أنه رَبَطَها بصدأ القلب عند الإنسان ومهلكة الدين كله، ثم جعل ذلك إيذانا بالتقرب من الخصوم للدين أو هو إشارة إلى التقرب من الشيطان، محذرا من هذا التصرف ومنذراً بحجم النتائج السلبية وموجها للمسؤول كيفية التخلص من هذا التفكير من خلال تذكير النفس بشكل دائم بقدرة الله وعظيم سلطانه على المسؤول وعلى الجميع، وفي ذلك تقویما لشرود العقل وتعديلا الانحرافه.

المعيار السادس: مواكبة العلماء والحكماء.

أكد الإمام عليه السلام في عهده على ضرورة التواصل مع فئة العلماء والحكماء والأدباء والمفكرين، وأهل الرأي للمشاورة في شؤون البلاد وماينفعها اقتصادياً وسياسيا واجتماعيا،

ص: 45

قال عليه السلام:

«وَأَکْثِرْ مُدَارَسَهَ الْعُلَمَاءِ وَمُنَاقَشَهَ الْحُکَمَاءِ فِی تَثْبِیتِ مَا صَلَحَ عَلَیْهِ أَمْرُ بِلاَدِكَ وَإِقَامَهِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ»(1).

إن العلماء مرآة الأمة وواجهتها أمام الأمم الأخرى فهم رموز ونجوم وشموس سواطع تتباهى بهم وترتقي بعلمهم وفكرهم إلى مستويات أعلى، وإن تهاونت في ذلك فلا خير ولابركة فيها، إذ سيكون للجهلة موقع السمو، يقول أرسطو: (الفرق بين المتعلم والجاهل كالفرق بين الحي والميت) ويقول الفيلسوف دیریك بوك (إذا كنت تعتقد أن التعليم مكلفاً، فجّرب الجهل) أما المفكر الفرنسي جان جاك روسو فيقول (الناس الذين يعرفون القليل يتحدثون كثيراً، أما الذين يعرفون

ص: 46


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 431

الكثير فلا يتحدثون إلا قليلا)، إذ إن التعليم من أهم عناصر الحياة في التطور والرقي، ولا خلاف على أن التعليم مسؤولية مجتمع بأكمله تبدأ من الأسرة وصولا إلى وجهاء المجتمع ومراجع الدين وطبقة السياسيين فضلا عن القضاة وأهل القانون(1).

المعيار الثامن: توزيع الثروة

الخراج أو ثروة البلاد أو مصادر عيشه فهو عصب الاقتصاد للدولة ومصدر قوتها وتقديرا لحجمها دوليا، ولذلك لم يغب هذا الأمر عن فكر الإمام عليه السلام فقال:

«وَتَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ فَإِنَّ فِي

ص: 47


1- د. ماهر الخليلي، إنصاف العلماء واجب وطني، مقالة، 5 / 9 / 2015، مؤسسة النور للثقافة والإعلام، الموقع الالكتروني: //:http www.alnoor.se/article.asp?id=284511 sthash.uhsmrP3o.dpuf

صَلاَحِهِ وَصَلاَحِهِمْ صَلاَحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ وَلاَ صَلاَحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلاَّ بِهِمْ لأَنَّ النَّاسَ کُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ»(1).

وهذه الالتفاتة هي معيار قوي المضمون والمحتوى بمعنى أنه مقياس لنجاح تنمية البلاد أو فشلها، إذ إن العناية والرعاية بالأشخاص العاملين على الخراج أو الموظفين المنوط بهم مسؤولية العمل في المال العام هي من الاولويات عند الحاكم؛ لأن صلاحهم يعني صلاح الدولة والناس والتنمية ثم التطور، وعدم صلاحهم يعني دمار وتراجع وانهيار للدولة وللناس، وربط الإمام عليه السلام ذلك بعلاقة توليفية غاية في الدقة، وقال (إن الناس عيال على الخراج وأهله) بمعنى أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين أهل

ص: 48


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 436

الحراج وهم العاملين في بنية رأس مال الدولة، وحياة الناس أو الشعب، وبذلك قد أوجد الإمام عليه السلام هذا المعيار ليكون بداية مهمة لأي إصلاح.

لم يكتف الإمام عليه السلام بهذا وإنما أوجد مصطلح عمران الأرض عندما قال:

«وَلْيَکُنْ نَظَرُکَ فِي عِمَارَةِ الاَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ لاَنَّ ذَلِكَ لاَ يُدْرَكُ إِلاَّ بِالْعِمَارَةِ وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَة أَخْرَبَ الْبِلاَدَ وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلاً»(1).

وهذا الكلام فيه تفصيلات كثيرة وعميقة ودقيقة ولكن معيار هذا الحديث واضح وجلي للحاذق والمؤمن، إذ إن الإشارة الأولى للإمام عليه السلام في كيفية توجيه النظر إلى موضوع

ص: 49


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 436

أموال الدولة وثروتها وخراجها ابتداءً، بمعنی أن تكون هناك فلسفة واضحة لكيفية ادارة هذه الأموال، والهدف الأساس من واقع جمعها في بیت المال، وبذلك هو يطرح سؤالا مها: هل إن الحاكم ينظر إلى إدارة الدولة من خلال كمية الأموال والخراج الذي يتم جمعه منها؟ أو إنه ينظر إلى كيفية صرف هذه الأموال في عمران الأرض وتنمية البلاد؟ وهو ما نصح به الحاكم بان يكون معياره الأساس هو عمران الأرض، وخدمة الناس، وبناء الدولة، وزيادة الواردات منها، ثم حذر الامام عليه السلام من أن الذي يطلب الخراج وزيادة الأموال من دون التفكير في عمارة الأرض فقد خرب البلاد وأهلك العباد.

ص: 50

المعيار التاسع: الانضباط الوظيفي.

الموظفون في جهاز الدولة هم الفئة الأهم في عملية بناء الدولة، لأنهم الأقرب إلى صنع القرار ومن ثم الاهتمام بمستوى قدراتهم واخلاقهم وامكانياتهم أمر ضروري جدا، فهم الحلقة الوسط بين الحاكم والمحكومين، ويتولون عملية نقل القرارات المهمة والمؤثرة والمتعلقة بأمور الدولة والمواطنين، وهذا يتطلب الأمانة والنزاهة والثقافة والالتزام، وهذا ما قاله الإمام عليه السلام:

«ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ فَوَلِّ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ وَاخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَكَائِدَكَ وَأَسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُوهِ صَالِحِ الاَخْلاَقِ مِمَّنْ لاَ تُبْطِرُهُ الْكَرَامَةُ فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلاَف لَكَ بِحَضْرَةِ مَلاَ وَلاَ تَقْصُرُ بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْ إِيرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمَّالِكَ عَلَيْكَ وَإِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَى

ص: 51

الصَّوَابِ عَنْكَ فِيَما يَأْخُذُ لَكَ وَيُعْطِي مِنْكَ وَلاَ يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ وَلاَ يَعْجِزُ عَنْ إِطْلاَقِ مَا عُقِدَ عَلَيْكَ وَلاَ يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفْسِهِ فِي الاُمُورِ فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بِقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ»(1).

قرارات الدولة أو قرارات الحاكم منوطة بالموظفين الأقرب إلى دائرة صنع القرار الضيقة، وهؤلاء يمتلكون القدرة على التغيير والتلاعب، ولذلك لابد من توفر قدر عالٍ من الصفات الفاضلة من الأمانة والكفاءة والضبط والالتزام، والإمام عليه السلام يؤكد على الحاكم بخيار القوم وخيار الصفات فيهم لضمان كتم الأسرار وعدم التغيير والتلاعب والانتماء إلى الخصوم.

ويستمر الإمام عليه السلام في توصيف معیاره في الانضباط الوظيفي على أسس الاختيار الدقيق:

ص: 52


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 437

«ثُمَّ لاَ يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ وَاسْتِنَامَتِكَ وَحُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّضُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلاَةِ بِتَصَنُّعِهِمْ وَحُسْنِ خِدْمَتِهِمْ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَالاَمَانَةِ شَيْءٌ وَلكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ فَاعْمِدْ لاَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً وَ أَعْرَفِهِمْ بِالاَمَانَةِ وَجْهاً فَإِنَّ ذلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ لِلّهِ وَلِمَنْ وُلِّيتَ أَمْرَهُ وَاجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْر مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ، لاَ يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا وَلاَ يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا وَمَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْب فَتَغَابَيْتَ عَنْهُ أُلْزِمْتَهُ»(1).

وهنا قد أوجد الإمام عليه السلام آليه اختیار فيها معايير محددة وآليات مهمة من دون الاعتماد على الرأي الشخصي والفراسة الذاتية للحاکم

ص: 53


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 437

التي يشوبها كثير من العواطف وقصر الأفق، وعادة ما يختار الحاكم على آلية المقربين والآخرين ممن يؤدون الخدمات الشخصية والمتملقين من أجل المناصب والامتيازات.

ومن وأهم معايير التي وضعها الإمام علي عليه السلام في اختيار الموظفين:

1. ذكر الله في الاختيار.

2. بأن يكون هناك اختبار موثق.

3. وان يكون هناك له سيرة حسنة في خدمته السابقة وتكون موثقة وموثوقة.

4. له نشاط واضح في خدمة الناس.

5. المراقبة في الأداء.

ص: 54

المعيار العاشر: حماية الملكية الفردية

التجارة والصناعة في البلدان من أهم القطاعات المسهمة في تنمية وتطوير البلاد ولهذين القطاعين دورٌ مهمٌ في إدارة الشؤون الاقتصادية في البلاد وقد أوصى الإمام عليه السلام برعايتهم والاهتمام بشؤونهم اذ قال:

«ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَذَوِی الصِّنَاعَاتِ وَأَوْصِ بِهِمْ خَیْراً الْمُقِیمِ مِنْهُمْ وَالْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ وَالْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ وَأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ وَجُلاَّبُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِوَ الْمَطَارِحِ فِی بَرِّكَ وَبَحْرِكَ وَسَهْلِكَ وَجَبَلِكَ وَحَیْثُ لاَ یَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا وَلاَ یَجْتَرِؤُونَ عَلَیْهَا فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لاَ تُخَافُ بَائِقَتُهُ وَصُلْحٌ لاَ تُخْشَی غَائِلَتُهُ وَتَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وَفِی حَوَاشِی بِلاَدِكَ»(1).

ص: 55


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 438

إن هذا المعيار يتعلق بالملكية الفردية وحق التملك الذي نصت عليه الكتب السماوية ومن ثمّ فإن اهتمام الإمام عليه السلام لقطاعي التجارة والصناعة لم يات من فراغ وإنما جاء عن عمق في النصوص الربانية، فالملكية الفردية أساس النمو والتطور، وإلا لا يمكن للدولة أن تقود جميع القطاعات مرکزيا، ولذلك فقد أوصى الإمام عليه السلام بان يكون الحاكم مساند لعملهم وليس موجها، بان يكون مصدر إصلاح لعقبات أعمالهم، وأن يقوم بتسهيل الإجراءات وإزالة المعوقات والتعقيدات ووضع جميع المنافع التي تسهل أعمالهم لأنهم سند وقوة للدولة.

المعيار الحادي عشر: انظمة الحماية الاجتماعية

ما يصفه الإمام عليه السلام في المقطع الآتي هو في واقعه نظام حماية اجتماعية واسع الأفق،

ص: 56

فالحديث عن الفقراء أمر يبدأ ولا ينتهي، ولكن كيف نصح الامام عليه السلام الوالي في التعامل مع هذا الملف:

قال الامام عليه السلام «ثُمَّ اللهَ اللهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لاَ حِيلَةَ لَهُمْ مِنَ الْمَسَاکِينِ وَالْمُحْتَاجِينَ وَأَهْلِ الْبُؤْسَى وَ الزَّمْنَى فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَمُعْتَرّاً وَاحْفَظ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ وَقِسْماً مِنْ غَلاَّتِ صَوَافِي الْإِسْلاَمِ فِي کُلِّ بَلَ فَإِنَّ لِلْأَقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلاَدْنَى وَکُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ»(1).

هذا الحديث يمتد بشكل واسع ليشمل كل فئات المجتمع، إذ إن الإمام عليه السلام يؤكد على رعاية الفقراء والمساكين بان يخصص لهم

ص: 57


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 439

راتباً من بيت المال وأرباحاً من ثروة البلاد وأن يكون للبعيد منهم مثل القريب، بمعنى أن يكون هناك تساوٍ في العطاء، وبذلك فان الإمام عليه السلام لم يشترط في ذلك رعاية الموظفين فقط ولا طالب بأن يراعي المنتجين فقط، ولم يطالب بان يرعي الحاكم العاملين فقط وإنما توسع إلى فئات الشعب الأخرى، وهذا أمر واضح يوافق ما جاء في انظمة الرعاية الاجتماعية المطبقة في البلدان المتقدمة.

ثم يعود الإمام عليه السلام ليحذر الحاكم من عدم تطبيقه هذا النظام ونتائجه السلبية وامور أخرى فقال:

«وَلَا یَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ فَإِنَّکَ لَاتُعْذَرُ بِتَضْیِیعِکَ التَّافِهَ لِإِحْکَامِکَ الْکَثِیرَ الْمُهِمَّ فَلَا تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ وَتَفَقَّدْ

ص: 58

أُمُورَ مَنْ لَایَصِلُ إِلَیْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُیُونُ وَتَحْقِرُهُ الرِّجَالُ فَفَرِّغْ لِأُولَئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْیَهِ وَالتَّوَاضُعِ فَلْیَرْفَعْ إِلَیْكَ أُمُورَهُمْ ثُمَّ اعْمَلْ فِیهِمْ بِالْإِعْذَارِ إِلَی اللّهِ یَوْمَ تَلْقَاهُ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ بَیْنِ الرَّعِیَّهِ أَحْوَجُ إِلَی الْإِنْصَافِ مِنْ غَیْرِهِمْ وَکُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَی اللّهِ فِی تَأْدِیَهِ حَقِّهِ إِلَیْهِ»(1).

يوجه الامام عليه السلام الحاكم بان لاينشغل عن هؤلاء ابدا مهما كانت حجم المسؤوليات، ولابد من متابعة البعيد عن العيون ممن لا تستطيع ماكنة الاليات الحكومية الوصول اليهم فعليه أن يفرغ من وقته لهؤلاء لانهم سبيله الدخوله الجنة واذا ماقصر في حقهم أو في تادية الخدمات يكونوا سببا لدخوله جهنم لانهم الأولى والاحوج من كل مسؤولياتك الاخرى.

ص: 59


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 439

ولم يكتف الامام عليه السلام بهؤلاء بل وسع دائرتهم ليشمل لذوي الحاجات الخاصة وأن يوفر لهم وقتاً لينظر في أمورهم: قال عليه السلام:

«وَاجْعَلْ لِذَوِی الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِیهِ شَخْصَكَ وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فِیهِ لِلَّهِ الَّذِی خَلَقَكَ وَتُقْعِدَ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَشُرَطِكَ حَتَّی یُکَلِّمَكَ مُتَکَلِّمُهُمْ غَیْرَ مُتَتَعْتِعٍ فَإِنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) یَقُولُ فِی غَیْرِ مَوْطِنٍ لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّهٌ لَا یُؤْخَذُ لِلضَّعِیفِ فِیهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِیِّ غَیْرَ مُتَتَعْتِعٍ ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ وَالْعِیَّ وَنَحِّ عَنْهُمُ الضِّیقَ وَالْأَنْفَ یَبْسُطِ اللَّهُ عَلَیْكَ بِذلِكَ أَکْنَافَ رَحْمَتِهِ وَیُوجِبُ لَکَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ وَأَعْطِ مَا أَعْطَیْتَ هَنِیئاً وَامْنَعْ فِی إِجْمَالٍ وَإِعْذَارٍ»(1).

ص: 60


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 439 - 440

المعيار الثاني عشر: القيادة المباشرة منضبطة الزمن.

من أهم الأمور في تقوية الإدارة والقيادة هي التولي المباشر للأمور ثم المتابعة في تطبيق التوجيهات وهذا ماکد عليه الإمام وجعله معیارا مهما لنجاح إدارة الحاكم، قال الإمام عليه السلام:

«ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا یعْیا عَنْهُ کُتَّابُكَ وَمِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ یوْمَ وُرُودِهَا عَلَیكَ بِمَا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ وَأَمْضِ لِکُلِّ یوْمٍ عَمَلَهُ فَإِنَّ لِکُلِّ یوْمٍ مَافِیهِ وَ اجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِیما بَینَكَ وَ بَینَ اللَّهِ أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِیتِ وَ أَجْزَلَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ وَ إِنْ کَانَتْ کُلُّهَا لِلَّهِ إِذَا صَلَحَتْ فِیهَا النِّیةُ

ص: 61

وَ سَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِیةُ»(1).

لقد وضع الإمام عليه السلام في هذه الكلمات القصيرة منظومة زمنية لانجاز الأعمال وليس فقط معيارا للقيادة المباشرة والمتابعة، فقوله (يوم ورودها) دليل على عدم تأخير البريد بين المسؤولين ودوائر الدولة لأنها تتعلق بحقوق الناس وأحوالهم وأموالهم وحياتهم والتأخير قد يأتي بالضرر عليهم، ثم يستمر ليقول (وامض لكل يوم عمله) بما يعني أن يخصص الأعمال على الايام حتى لا تختلط الأمور أولاً، ولسرعة الانجاز وعدم التأجيل ثانيا.

في واقع الأمر هناك كثيرٌ من المعايير الاخرى التي من الممكن استخراجها من هذا الكنز الأدبي والبلاغي لأمير المؤمنين ولكن أكتفي بهذا

ص: 62


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 440

المقدار، لأنتقل إلى المحور الثالث المتعلق بضرورة الإفادة من هذه المعايير في تنضيج رؤية واضحة نحو منهجية الإصلاح في الدولة العراقية في المرحلة القادمة.

ص: 63

المحور الثالث

الرؤية المنهجية لمواجهة التحديات

لابد من اساليب علمية ممنهجة وسائرة على خطوات ثابتة ورصينة لمواجهة التحديات اولا ومن ثم المراهنة والبدء بعملية اصلاح جذرية مسنودة ومقومة من الشعب بجميع فئاته واطيافه ومرجعياته وقياداته، ومن يقف امام هذه المسيرة بالضد يُستَنتَج بانه غير خاضع للقرار الوطني ومعرقل لعملية الاصلاح المنشودة ولابد من ابعاده عن دائرة القرار والاجماع الوطني المؤمل.

لقد تم تحديد سبب التحديات في المحور الأول ثم حددنا اثني عشر معيارا في المحور الثاني نستمر في تشخيص الواقع ومواجهة كل تحدي باساليب علمية لغرض تحديد المسارات الواجب اتباعها في عملية الاصلاح.

ص: 64

لا يختلف اثنان أن العراق منذ الازل يتمتع بالتنوع الاجتماعي وعاشت فيه أقوام متعددة وأدیان مختلفة وهذه ليست ميزته المنفرد بها وانما كثير من البلدان لازالت تتمتع بالتنوع العرقي والاجتماعي والقومي ولكنها استطاعت أن تتجاوز تلك الجزيئيات الصغيرة وتنتقل إلى بناء البلاد بشكل اكثر قوة واسرع وتيرة.

في مقولة مهمة لامير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام «لايعرف الحق بالرجال اعرف الحق تعرف أهله»(1) بمعنى ان هناك مقاییس ومبادئ من الواجب اتباعها لغرض معرفة الرجال الذين يسيرون على هذه المبادئ وليس العكس، وبناءً على المفاهيم السابقة يمكن تلخيص أهم المبادئ الواجب اتباعها في المرحلة المقبلة:

ص: 65


1- بحار الأنوار: ج 40 ص 126

أولاً: مبدأ التسامح والعفو ابتداءً:

يقول الله جل وعلا في كتابه العزيز «وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»(1) وال(جدال) معناه فتل الحبل وإحكامه وتستعمل هذه المفردة في البناء المحكم وما أشبههُ، وفي النقاشِ والحوار المحتدم بين فريقين افراداً أو جماعاتٍ يحاولُ كلُ فريقٍ ثنيَ الآخر عن أفكارهِ وآرائهِ ومعتقداتهِ باستخدامِ قوة المنطق(2).

ويقول العزيز القدير أيضاً «وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ زاد

ص: 66


1- سورة العنكبوت / 46
2- الشيخ ناصر مکارم الشيرازي، الامثل في تفسير كتاب الله المنزل، مؤسسة الاعلمی للمطبوعات، الجزء العاشر، بيروت - لبنان، 2007 م، سورة العنكبوت، ص 74

مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(1)، تناولت هذه الآية موضوع التعامل مع الخصم وفيها نهيٌ قويٌ قاطعٌ عن سبِّ آلهةِ الكفارِ والمشركينَ وكلِ مايُعبدُ خارجَ الذاتِ الإلهيةِ، لانّ هذا سوف يدعوهم إلى أن يعمدوا بالجهل والعدوان إلى توجيه السب إلى ذات الله المقدسة وفي ذلك مساواة المؤمن بالكافر بالتعامل(2).

إن التسامح لا يعني المساواة أو التنازل أو التساهل بل التسامح هو قبل كل شيء اتخاذ موقف إيجابي فيه إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية المعترف بها عالميا، لا يجوز بأي حال الاحتجاج بالتسامح لتبرير المساس بهذه القيم الأساسية، والتسامح ممارسة ينبغي أن

ص: 67


1- سورة الأنعام / 108
2- الشيخ ناصر مکارم الشيرازي، الامثل، الجزء الرابع، ص 185

یأخذ بها الأفراد والجماعات والدول(1).

في عصرنا الحاضر نماذج من الشخصيات الفذة التي استطاعت أن تبني أوطانها بسرعة كبيرة وارادة مذهلة أثارت إعجاب العالم أجمع، وكانت انطلاقتهم الأولى بعد الاضطهاد والحروب والظلم هو مبدأ التسامح، وفي مقدمتهم محرر الهند المهاتما غاندي الهندوسي، السياسيُ البارزُ الذي قاوم الاستبدادَ بالعصيانِ المدني الشامل المستند إلى السلم وعدم العنف وأدت سياسته في نهاية المطاف إلى استقلالِ الهند(2).

ص: 68


1- إعلان مبادئ بشأن التسامح، المؤتمر العام لليونسكو في دورته الثامنة والعشرين، باريس، 16 تشرين الثاني / نوفمبر 1995 م، المادة الاولى، الفقرة الاولى والثانية
2- الاسم الحقيقي لغاندي هو (موهنداس کرمشاند غاندي). للمزيد عن حياة غاندي ينظر: موهنداس کرمشاند (المهاتما) غاندي، موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، المجلد الرابع، الطبعة الأولى 1986، ص 315 - 32؛ الموقع الالكتروني: http://www.marefa.org/index.php/%D

ذكر الكاتب الكبير عباس محمود العقاد ان فلسفة غاندي تنبع من إيمانه العميق بالسلام والمحبة وجسد ذلك بمبادئ صاغها في كلمات خالدة:

- اذا قابلت الإساءة بالاساءة فمتى تنتهی الإساءه.

- إن علينا أن نحارب العدو بالسلاح الذي يخشاه هو، لا بالسلاح الذي نخشاه نحن.

- علينا احترام الديانات الاخرى كاحترامنا لدينا فالتسامح المجرد لا يكفي(1).

ثانيا: اختيار الحاشية

إن أهم الأمور التي تسهم بشكل كبير

ص: 69


1- عباس محمود العقاد، روح عظیم المهاتما غاندي، شركة فن الطباعة، مصر، 1999 م

في نجاح الدولة واجراءات الحكم هو حسن اختيار الاشخاص للمناصب، وقد سبق وان سجلنا معیارا خاصا (وهو الخامس)(1) للامام عليه السلام يتعلق بالجانب النفسي في شخصية الوالي وشخصية من يختاره، أن يكون متواضعا، وأن لايتسامح في الحق وأن لا يكون طماعا عندما قال «ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُکْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ مِمَّنْ لاَ تَضِيقُ بِهِ الاُمُورُ وَلاَ تُمَحِّکُهُ الْخُصُومُ وَلاَ يَتَمَادَى فِي الزَّلَّةِ وَلاَ يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْءِ إِلَى الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ وَلاَ تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَع»(2).

في موضع آخر من نهج البلاغة قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:

«وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَایَنْبَغِی أَنْ یَکُونَ الْوَالِی

ص: 70


1- انظر ص 42
2- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 434

عَلَی الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالْمَغَانِمِ وَالْأَحْکَامِ وَإِمَامَهِ الْمُسْلِمِینَ الْبَخِیلُ فَتَکُونَ فِی أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ وَلَا الْجَاهِلُ فَیُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ وَلَا الْجَافِی فَیَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ وَلَا الْحَائِفُ لِلدُّوَلِ فَیَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْمٍ وَلَا الْمُرْتَشِی فِی الْحُکْمِ فَیَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ وَیَقِفَ بِهَا دُونَ الْمَقَاطِعِ وَلَا الْمُعَطِّلُ لِلسُّنَّهِ فَیُهْلِکَ الْأُمَّهَ»(1).

ما اروعك ياوريث الانبياء، نعم فالعراق يحتاج اليوم رجلا بهذه المواصفات ليس ملاكا ولكن منصف ليس نبيا ولكن رحيم ليس معصوما ولكن عزيز النفس وهذا طلب ليس خياليا ابدا فالعراق يفيض بالعلماء والزهاد والكفاءات ولكنهم عزلوا وغيبوا سهوا أو عمدا.

ص: 71


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 189

ثالثا: المرونة في التعامل السياسي وعدم الانغلاق:

الانظمة السياسية الحديثة تعتمد على كفاءة الاشخاص الذين يتولون حقيبة الخارجية لانهم واجهة البلاد أمام العالم، فضلا عن إسهامهم الكبير في دفع الاخطار و کسب الحلفاء والاصدقاء، وهذا الأمر يتطلب المرونة والكفاءة والحذاقة وسرعة البديهة، فضلا عن النظرة المتساوية للبشر وهذا ما أكد عليه أمير المؤمنين عليه السلامة في مقولته الشهيرة «وَلَا تَکُونَنَّ عَلَیْهِمْ سَبُعاً ضَارِیاً تَغْتَنِمُ أَکْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِی الدِّینِ أَوْ نَظِیرٌ لَكَ فِی الْخَلْقِ» وبذلك فقد أرسى الإمام عليه السلام هذا المبدأ ليكون منهجا عاما في سياسة الحاكم.

قال حكيم الأدباء جبران خليل جبران (لم يجيء يسوع من وراء الشفق الأزرق ليجعل الألم

ص: 72

رمزاً للحياة، بل جاء ليجعل الحياة رمزاً للحق والحرية).

من هذه المفاهيم والمنطلقات للاولياء والحكماء على حد سواء، يمكننا اختيار أنموذجاً مهما السياسي ناجح استطاع بفكره الناضج وتشخيصه الدقيق أن يصنع السلام والتصالح ومن ثم التحديث والتنمية والتطور وهو الدكتور مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق(1).

ص: 73


1- الدكتور مهاتير محمد: ولد في كانون الأول عام 1925 ودرس الطب بسنغافورة واصبح طبيبا ثم ولج عالم السياسة منذ عام 1964 عندما اصبح عضوا في مجلس النواب، ودرس الشؤون الدولية بجامعة هارفارد بالولايات المتحدة الامريكية عام 1967، وفصل من الحزب بعد ان ألف كتاب (معضلة الملايو) عام 1970 م، وهو الكتاب الذي أثار ضجة، انتقد فيه شعب الملايو واتهمه بالكسل ودعا فيه الشعب الثورة صناعية تنقل ماليزيا من إطار الدول الزراعية المتخلفة إلى دولة ذات نهضة اقتصادية عالية، وبعدها عاد للعمل الحكومي عام 1972 وتدرج من وزیر تعلیم و صناعة ثم نائب لرئيس الوزراء ثم اصبح رئيسا للوزراء عام 1981 وبدأ مسيرة اصلاح شاملة للدولة. للمزيد انظر: ماهر جبار محمد علي الخليلي، مهاتير محمد ودوره في تحديث ماليزيا 1969 - 1991، اطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية الآداب، جامعة بغداد، قسم التاريخ، بغداد، 2014 م

كان اسلوب مهاتير محمد ومرونته في التعامل السياسي والاداري مثل معاملة الشخصيات السياسية الداخلة ضمن ائتلافه أو المعارضة مميزاً جدا، ولعل رده للانتقادات التي وجهت اليه في مراحل مختلفة من حكمه تؤكد بعد النظر والثقة بالنفس والقدرة على إدارة الخلاف.

ثالثا: الاستثمار والخصخصة أساس إصلاح الاقتصاد

منذ ثمانينيات القرن العشرين والعراق يمر بمآسي بل كوارث اقتصادية، من عدم التخطيط إلى اقتصاد الحروب والمجهود الحربي إلى توقف عملية انشاء البنى التحتية إلى حصار التسعينيات

ص: 74

ثم دمار البلاد مع الاحتلال في 2003 م.

إن الانتقال من الاقتصاد الاشتراكي إلى الاقتصاد الحر يتطلب كثيراً من الاجراءات المهمة وفي مقدمتها إعادة صياغة القوانين الاقتصادية بشكل يتلائم مع الواقع الجديد، ومن ثم فان الأمور جرت عکس هذا الاتجاه مما تسبب بمشاكل كثيرة.

القطاع الخاص أهم محور من محاور التنمية في البلاد إذ يجب الاعتماد عليه كمحرك ابتدائي النمو الاقتصاد، وبطريقة علمية ومساندة من باقي دول العالم، لاسيما الدول المتقدمة، لضمان نمو اقتصادی مفید و مرتبط مع کارتلات دولية ضامنة للنجاح.

الاقتصاد العراقي متهاوي وغير قادر على الاستجابة للتحديات وقد أصابه الركود

ص: 75

والتباطؤ والانهيار وعدم وضوح الرؤية.

من أجل ذلك وفي سبيل الإصلاح لابد أن تستمر الحكومة في تقليص دورها في مجال الانتاج الاقتصادي والاعمال الاخرى، وضرورة اتباع نظرية الإوز الطائرة التي يتعود صياغاتها الأولى إلى النصف الثاني من ثلاثينيات القرن العشرين صاغها الاقتصادي الياباني اكاماتزو بوصفها أنموذجاً تاريخياً لمراحل النمو الاقتصادي.

يتحدث اکاماتزو في أنموذجه النظري على ثلاث منحنيات رئيسة تحدد المرحلة التي يمر بها البلد الأخذ بالنمو:

منحنی الاستيراد: تحدد تركيبة الواردات نوعية مرحلة النمو والتنمية التي يمر بها اقتصاد البلد المعني.

ص: 76

منحنى الانتاج: حيث يوضح هذا المنحنی مستوى تطور القوى الإنتاجية وتركيبة المنتجات في اقتصاد البلد المعني.

منحنى الصادرات: يوضح هذا المنحنی نوعية ومدی دینامیکية سلة الصادرات بحسب ارتقاء نوع المنتجات التي يتم تصديرها للخارج: كثيفة العمالة / كثيفة رأس المال / كثيفة التقنية، كثيفة المهارة وتعد هذه المنحنيات الثلاثة بمثابة الإحداثيات التي تحدد موقع كل بلد جاء متأخراً في مضمار النمو والتقدم في إطار نموذج الإوز الطائر من حيث الارتفاع والمسافة(1).

ص: 77


1- محمود عبد الفضيل، العرب والتجربة الآسيوية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2012 م، ص 14

رابعا: التشريع أساس الاصلاح.

لابد من عملية تقليص الضوابط، ولا مجال للشك في أن الانظمة (الضوابط) تؤدي دورا اساسيا في إدارة المجتمع، فأية دولة بلا انظمة وقوانين هي دولة تغرق في فوضى، ومن دون النظام سيكون هناك ضياع للجهود والأموال ولن يكون هناك تطور، إلا إنه من غير المرغوب فيه هو أن يكون هناك إفراط في الانظمة.

تكمن الحكمة بالتاكيد في القدرة على التمييز فيما بين الانظمة والقوانين المثمرة والمساندة في تحقيق اهداف المجتمع وتلك التي تعد غير مثمرة، وهي تكمن في اتخاذ القرارات الصائبة في التبادلات التجارية، لذا لن تكون الحكومة غير مسؤولة وستلبي احتياجات المجتمع الاوسع، فضلا عن متطلبات النمو السريع والاقتصاد

ص: 78

المنافس والمتين.

سُئِلَ الدكتور مهاتير عن الفساد الاداري والمالي في ماليزيا وكيف جرت معالجته والخطوات التي اتخذت للتخلص منه فأجاب:

(يجب أن يكون لديك إدارة جيدة، وأن تواجه الفساد، وحتي تمنع الفساد يمكن أن تضع بعض القوانين الصارمة.. ولكن الأهم من ذلك هو تطوير نظام إداري يكون واضحاً جداً، إذا عملت بسرعة وضمن سقف زمني محدد لكل إجراء، فلن يكون هناك فرصة للفساد، ولكن إذا سمحت للموظفين بتأخير المعاملات فإنهم سيؤخرون الإجراءات حتی يدفع لهم صاحب المعاملة المال، إن الوقت هو المال بالنسبة للعمل والاقتصاد، فإذا أخرت المعاملات فسترتفع التكاليف ويتضرر الناس

ص: 79

والاقتصاد، ولذلك يُحدّد المطلوب من الموظف بوضوح تام، فإذا لم يفعل، فسيستنتج أنه فاسد، ومن ثمّ سيحاسب ويتخذ الإجراء اللازم بحقه، من الصعب التخلص من الفساد، بمجرّد وجود قانون، لا بد من آليات تعمل لتسريع العمل ومنع الفساد، لدينا في ماليزيا مؤسسة ضد الفساد Anti Corruption Agency، ولكن أهم شيء هو الإجراءات Procedures، ولذلك لدينا في الحكومة دليل الإجراءات Manual of Procedures، كل عمل له إجراءاته وخطواته المحددة)(1).

خامسا: الاهتمام بالتنمية البشرية

التنمية البشرية مصطلح يدل على علم حديث التداول منذ بداية العقد التسعيني للقرن

ص: 80


1- ماهر جبار محمد علي الخليلي، المصدر السابق، ص 256

العشرين حسب بعض المصادر ولكن واقع الحال ان هذا العلم قد وجد مع القرآن الكريم وولادته الحقيقية من الشريعة المحمدية حتى باتت أسسه ومناهجه وغاياته واضحة ملموسة على ارض الواقع، بسبب الهدف المشترك والاساس للقرآن الكريم ولمن اوجد علم التنمية البشرية وهو الإنسان غاية رسالة السماء تشخيصا وتحديدا(1).

التعليم حجر الاساس في بناء المجتمع وقد كان لدى العراق احد افضل الانظمة التعليمية في العالم في سبعينيات القرن الماضي، ولكنه تراجع في التسعينيات نتيجة الحصار ويعاني اليوم النظام التعليمي من مشاكل عميقة، غير انه من اجل الرحلة التي يجب ان يمضي عليها جيلنا الثاني، يجب ان تسن معايير جديدة وان تتحقق نتائج جديدة.

ص: 81


1- طلال فائق الكمالي، التنمية البشرية في القرآن الكريم - دراسة موضوعية، مرکز کربلاء للدراسات والبحوث، کربلاء 1435 ه، ص 29

مع الآية القرانية «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ»(1) أول آيات القرآن الكريم نزلت على الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم، وكلمة (اقرأ) اي (تعلّم) هي سر نجاح كثيرٍ من تجارب النهضة في العالم ومنها ماليزيا، اذ أصبحت شعاراً لبدء عملية الإصلاح بمعنى ان الرؤية تقول بان الله سبحانه وتعالى بدأ المشروع الاصلاحي للمجتمع الجاهلي من خلال التعلم والتفكر والتعقل وترجمها وحورها إلى مفاهيم وأفكار ناضجة تتعلق بالتعليم والمعرفة وحولها إلى سياسة تعليمية عامة ذات أبعاد واسس ثابتة وواضحة(2).

ص: 82


1- سورة العلق، آية 1
2- محسن محمد صالح، النهوض الماليزي قراءة في الخلفيات ومعالم التطور الاقتصادي، مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبو ظبي، 2008 م، ص 38

الخاتمة والتوصيات

لابد من توفير الارضية المناسبة والمناخ الملائم عندما يكون القرار النهائي والحقيقي باعادة بناء الدولة وهذا لايتم الا من خلال مجموعة من المتطلبات الاساسية:

1. القرار السياسي: الخطوة الأساسية وقبل أي شيء اآخر هو العمل على خلق استقرار سیاسيا في العراق وإلا كل حديثنا عن الاصلاح هباءا منثورا، لابد من قرارات جريئة وشجاعة تتخذ من رؤساء الكتل والشخصيات المتنفذة القادرة والمتحكمة بالقرار السياسي في العراق على اجراء تعديلات في ثوابتها وافکارها ومنهاجها الذي تأسس بعد عام 2003.

2. التوافق بين الثوابت السياسية ومعايير أمير المؤمنين عليه السلام: بمعنى ان تتوافق

ص: 83

الثوابت السياسية مع مع شعارات الدين المرفوعة من الكتل والاحزاب الدينية، واولويات هذا التوافق هو السير على تلك المعايير وجعلها ثوابت سياسية حقيقية لا شعارات براقة لاطعم ولا لون ولا رائحة ولا نتائج، ومنها تكوين رؤية فكرية ناضجة تنبني عليها العملية السياسية، واليوم نحن بحاجة إلى مراجعة وفحص واعادة النظر في بعض هذه الثوابت والاراء والرؤية ومحاولة ایجاد قواسم مشتركة ومستويات وسطی يقف عليها الجميع بثبات وقوة ويتمسكون بها لتكون ارضية قوية تنبني عليها اسس جديدة واضحة ورصينة للمرحلة المقبلة

3. تشريع القوانين الصحيحة: من أولويات الاصلاح ايضا هو تشريع قوانين المؤسسات الدستورية الكاملة منها المحكمة الدستورية

ص: 84

العليا والمحكمة العسكرية العليا، واعطاء صلاحيات واسعة لمنظومة الإدعاء العام في الدفاع عن المال العام وسمعة البلد الخارجية والحفاظ على أراضيه ومكانته، فضلا عن تحديد آليات انتخاب ديمقراطية في مجلس القضاء الأعلى والمحاكم الأخرى ليكون التغيير منهاجا مؤسسيا وليس ارتجاليا وعاطفيا ومصلحيا.

4. ضبط قانوني الاحزاب والانتخابات: البداية الصحيحة تؤدي إلى نتائج جيدة والاصلاح يبدأ مع قانوني الاحزاب والانتخابات وضبطهما بالاتجاه الصحيح للبناء السياسي، بحيث يكون قانون الاحزاب موحداً ووطنياً وشاملاً لكل العراقيين من دون تمييز أو تهميش أو اقصاء وان يكون عراقيا وطنيا بحتا بمعنى أن لا تكون هناك احزابٌ دينية

ص: 85

أو عرقية أو قومية وانما هناك احزابٌ عراقية شاملة لكل العراق يكون عندها فروع في كل المحافظات وممثلين لها من كل الاطياف وتكون الديمقراطية موجودة في نظامها الداخلي وتكون برامجها موحدة ومتفق عليها على اساس وطني وليس مناطقياً أو مذهبياً أو قومياً، ولذلك لابد من تعديل القانون الذي اقره البرلمان منذ مدة قصيرة الذي هو عبارة عن ثوب مفصل تفصيلاً ليكون على مقياس الاحزاب الحاكمة.

والامر ینطبق مع قانون الانتخابات اذ لابد من تعدیله بما يلائم النظام الديمقراطي الحقيقي من خلال اعتماد نظام الدوائر المتعددة على اساس ان كل دائرة مقعد يتنافس عليه عدد من المرشحين يفوز به من يحصل على اعلى الاصوات في تلك الدائرة من دون أن يكون هناك تدخل

ص: 86

من اي جهة كانت ولا من الاحزاب الكبيرة ولا من رؤساء الكتل وغيرها وننتهي من ظاهرة صعود مرشح فشل في الانتخابات ولم يحصل الا على اصوات قليلة ثم نجده عضوا في البرلمان أو في منصب مرموق في الدولة بترشيح من رئيس الكتلة وعلى اساس المقاعد التعويضية وهي طريقة تلاعب واضحة بالديمقراطية واصوات الناخبين.

5. حسن اختيار الاشخاص: لابد من ايجاد آليات ثابتة في اختيار الشخصيات السياسية التي تتولى المسؤوليات في مفاصل الدولة جميعها لاسيما المراكز الحساسة التي تعد من أهم الاجراءات الاصلاحية، وتكون هذه الاليات علمية ومهنية بالدرجة الاساس وبعيدة عن مبدأ الاستحقاق الانتخابي وهو الوجه الثاني للمحاصصة.

ص: 87

6. حماية الابداع والفكر: ان التميز والابداع والرقي في العمل والمخرجات الجيدة من ناحية النوعية تتطلب قاعدة معرفية كبيرة، و تشخیص جوانب القوة والضعف في كل عنصر من عناصر الأداء، والعمل على تعزيز عوامل القوة بكل الاجراءات الممكنة ومعالجة جذرية لمواطن الضعف وتصحيحها، ولا يتم ذلك الا من خلال تطبيق نظام تقويمي شامل لكل مؤسسات الدولة بما يسمى نظام الجودة الشاملة المطبق اليوم في كل العالم ويتطور بشكل سريع ويتحدث بشكل اسرع ولذلك لابد من مواكبة الانظمة العالمية في هذا الاطار واعتماده كمنظومة تقييمية وتقويمية تساعد على اكتشاف السلبيات والاخطاء والعلل وتصحيحها باسرع وقت قبل ان تترتب عليها خسائر مادية ومعنوية

ص: 88

كبيرة تهدم البناء وتؤخر التقدم.

7. اعتماد المبادئ والقيم الاقتصادية العالمية: الثوابت الاقتصادية في عالم الاقتصاد العالمي كثيرة ومؤثرة وناجحة واذا ما كان القرار بالاصلاح الاقتصادي موجود في اروقة السياسيين فلابد من قيم ومباديء واسس لبناء منظومة هذا الاصلاح وأهم هذه المبادئ:

1. احترام الوقت.

2. تنويع مصادر الدخل القومي.

3. نظام مصرفي فعال.

4. التركيز على البنى التحتية.

5. مبدأ تكافؤ الفرص.

6. الاعتماد على الذات.

وهناك قيم اقتصادية ايضا مطبقة في كل

ص: 89

الشركات والمؤسسات الناجحة منها:

((الالتزام بمواعيد الدوام / الجودة العالية / الالتزام بمواعيد التسليم للبضائع / التفرقة بين الخاص والعام / استعمال التقنية الحديثة / الاخلاص في العمل والحرص على سمعة المؤسسة / المرتب على قدر الجهد المبذول فكلما زاد الجهد زاد المرتب / السعي إلى تطوير الذات وتحسين المستوى المعيشي / الانضباط الشديد والالتزام بالتعليمات / الحرص على اختيار المديرين ليكونوا قدوة لموظفيهم... وغيرها كثير)).

ص: 90

المصادر

القران الكريم

1) إعلان مبادئ بشأن التسامح، المؤتمر العام لليونسكو في دورته الثامنة والعشرين، باريس، 16 تشرين الثاني / نوفمبر 1995 م، المادة الاولى، الفقرة الاولى والثانية.

2) اية الله الشيخ باقر شريف القرشي، شرح العهد الدولي للإمام علي عليه السلام لواليه مالك الأشتر على مصر، الموقع الالكتروني.

http://arabic.balaghah ./net /content

3) زین العابدین قرباني، میثاق إدارة الدولة، تعريب: قاسم البيضاني، منشورات المحبين - مطبعة کوثر، ط 1، 1433 ه- 2012 م.

4) الشيخ ناصر مکارم الشيرازي، الامثل في تفسير كتاب الله المنزل، مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، الجزء العاشر، بيروت - لبنان، 2007 م.

5) صباح محسن کاظم، الراعي والرعية والحاكم والمحكوم في عهد الامام علي - عليه السلام لمالك الأشتر، مقالة، مركز النور، 08 / 08 / 2010 الموقع الالكتروني:

ص: 91

See more at: http://alnoor.se/article.asp?id=86355st hash. NJtG42DX.dpuf

6) طلال فائق الكمالي، التنمية البشرية في القران الكريم - دراسة موضوعية، مرکز کربلاء للدراسات والبحوث، کربلاء 1435 ه.

7) عباس محمود العقاد، روح عظیم المهاتما غاندي، شركة فن الطباعة، مصر، 1999 م.

8) الكتاب: نهج البلاغة / تحقيق: صبحي الصالح |/ ت: 40 / الطبعة الأولى 1387 - 1967 م.

9) الكتاب: شرح نهج البلاغة / المؤلف: ابن میثم البحراني / ت: 679 / الطبعة الأولى 1362 ش / مرکز النشر: قم - إيران.

10) ماهر الخليلي، انصاف العلماء واجب وطني، مقالة، 5 / 9 / 2015، مؤسسة النور للثقافة والاعلام، الموقع الالكتروني: - http://www.alnoor.se/article.as p?id=284511sthash.uhsmrP30.dpuf

11) ماهر جبار محمد علي الخليلي، مهاتير محمد ودوره في تحديث مالیزیا 1969 - 1991، اطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية الآداب، جامعة بغداد، قسم التاريخ، بغداد،

ص: 92

2014 م.

12) محسن محمد صالح، النهوض الماليزي قراءة في الخلفيات ومعالم التطور الاقتصادي، مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبو ظبي، 2008 م.

13) محمود عبد الفضيل، العرب والتجربة الاسيوية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2012 م.

14) موهنداس کرمشاند (المهاتما) غاندي، موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، المجلد الرابع، الطبعة الأولى 1986، صص 315 - 32؛ الموقع الالكتروني: http://www.marefa.org/index.php/%D .00000000

ص: 93

المحتويات

مقدمة المؤسسة...5

هدف البحث...9

أهمية البحث...10

مشكلة البحث...11

المقدمة...14

المحور الاول...18

التراجع السياسي في العراق - الأسباب والنتائج...18

المحور الثاني..27

معايير من عهد الإمام (عليه السلام)...27

المعيار الأول: اختيار الحكام...31

المعيار الثاني: الاتصال بالأشراف والصالحين...35

المعيار الثالث: التواضع الودود مع القاعدة...37

المعيار الرابع: النظر إلى ماسبق...40

المعيار الخامس: النظرة الإنسانية...41

المعيار السادس: مواكبة العلماء والحكماء...45

المعيار الثامن: توزيع الثروة...47

ص: 94

المعيار التاسع: الانضباط الوظيفي...51

المعيار العاشر: حماية الملكية الفردية...55

المعيار الحادي عشر: انظمة الحماية الاجتماعية...56

المعيار الثاني عشر: القيادة المباشرة منضبطة الزمن...61

المحور الثالث...64

الرؤية المنهجية لمواجهة التحديات...64

أولاً: مبدأ التسامح والعفو ابتداءً:...66

ثانيا: اختيار الحاشية...69

ثالثا: المرونة في التعامل السياسي وعدم الانغلاق:...72

ثالثا: الاستثمار والخصخصة أساس إصلاح الاقتصاد...74

رابعا: التشريع أساس الاصلاح...78

خامسا: الاهتمام بالتنمية البشرية...80

الخاتمة والتوصيات...83

المصادر...91

ص: 95

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.