الخصائص الاسلوبية في كتاب الإمام علي

هوية الكتاب

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 350 لسنة 2017م

مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda

رقم تصنيف BP38.09. S5 K4 2016 :LC

المؤلف الشخصي: الخزاعي، عمار حسن.

العنوان: الخصائص الأسلوبية في كتاب الإمام علي (عليه السلام) إلى واليه على البصرة عثمان بن حنيف (رضوان اللّه عليه).

بيان المسؤولية: تأليف عمار حسن الخزاعي؛ تقديم سيد نبيل قدوري الحسني

بيانات الطبعة: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

1438ه = 2016م.

الوصف المادي: 120 صفحة

سلسلة النشر: الكتب العلمية - وحدة علوم اللغة العربية - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

تبصرة عامة:

تبصرة ببيلو غرافية: الكتاب يتضمن هوامش - لائحة المصادر (الصفحات 107 - 118).

تبصرة محتويات:

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجريا- رسائل - دراسة أسلوبية

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجريا - سیاسته وحكمه

موضوع شخصي: عثمان بن حنيف بن واهب، توفي حوالي 59 هجري - نقد و تفسیر.

مصطلح موضوعي: اللغة العربية - بلاغة.

مصطلح موضوعي: اللغة العربية - علم الأصوات.

مصطلح موضوعي: اللغة العربية - نحو

مؤلف إضافي: الحسني، نبيل قدوري حسن، 1965م، مقدم.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الخصائص الاسلولبية في كتاب الامام علي عليه السلام

الی واليه على البصرة عثمان بن حنيف

ص: 2

سلسلة الكتب العلمية

وحدة علوم اللغة العربية

الخصائص الاسلولبية في كتاب الامام علي عليه السلام

الی واليه على البصرة عثمان بن حنيف

تأليف

عمار حسن الخزاعي

اصدار

مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1438ه - 2017م

العراق : كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الاكبر عليه السلام

مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف : 07728243600 - 07815016633

الموقع الإلكتروني :

www.inahj.org

Email: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)

صدق اللّه العلي العظيم

فصلت : 30.

ص: 5

ص: 6

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مقدمة المؤسسة

الحمد للّه على ما أنعم، وله الشكر بما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاءٍ أسداها و تمام منن أولاها والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين ، محمد وآله الأطهار الأخيار.

أما بعد:

فالمنهج الأسلوبي هو واحد من المناهج السياقية، والبحث فيه يعتمد على كشف الخصائص الفنية، وهذه الخصائص قد حددها المختصون بالصوتية والنحوية والدلالية ، فدرسوا تأثيراتها على نفس المتلقي وذلك لما تحدثه من تحريك للحس الجمالي المكنون في النفس البشرية.

إلا أن ثمة مؤاخذات على هذا المنهج نسجل بعضا منها :

ص: 7

1 - إنّ جهد الباحث في الأسلوبية يرتكز على دراسة النص ضمن محددات عناصره، التي مر ذكرها دون النظر إلى صاحب النص، وما له من قدرة على اختيار هذه العناصر وتوظيفها في خطابه.

ومن ثمّ لا بُدَّ من التفريق بين حالات انتاج النص (مادة البحث أو عينة الدراسة) فهو يخرج مرةً من القائل تدويناً، وأخرى ارتجالاً.

ومما لا شكّ فيه وجود الفرق بين الحالتين، إذ قد يختار صاحب النص في حالة التدوين من المفردات ما يحرص فيه على إظهار الخصائص الفنية وتوخّي الأساليب البلاغية. وهذا الأمر قد لا يتاح للمتكلم المرتجل فيفوته التركيز على الإيقاعات الفنية والتراكيب المنمّقة.

ولذا : لا يهتم الأسلوبيون بشخصية صاحب النص ؛ لأنهم يركزون على النص خاصّة دون باقي عناصر العملية الخطابية ؛ وهذه مؤاخذة على المنهج حينما يأتي إلى دراسة نص لرجل كعلي بن أبي طالب (عليه السلام) فما يخرج من فمه (صلوات اللّه عليه) أو من تدوينه يكون جامعاً لا محالة لهذه العناصر والخصائص الفنية ، فهو لا يعيقه الارتجال ولا يلعثمه السؤال قابض على روح البلاغة وانفاسها والفصاحة وجوانحها.

2 - يخصص المنهج الأسلوبي عينة النص بمن قُصٍد به دون غيره ، بحيث يحصر تأثيره بالمتلقي الذي أرسله إليه النص دون سواه، وهذا لا يتلاءم مع عينة الدراسة، التي هي نصٌ للإمام علي (عليه السلام) ومن التجنّي

ص: 8

حصره فقط بعثمان بن حنیف دون غيره، إذ أنّ نص الإمام خارج عن المحددات الزمانية والمكانية والشخصية ، فهو يصلح لكل زمان ومكان لأنّ الإمام علي (عليه السلام) لم يهدف عثمان بن حنيف بحدّ ذاته ،وإنّما كان يهدف إلى معالجة حالة في المجتمع تتكرر على مر السنين. وهي ميزة متلازمة مع النص العلوي وذلك لما يقتضيه التلازم بين القرآن والعترة النبوية في التجدد والديمومية الإصلاحية.

وما البحث الذي بين أيدينا إلا واحد من البحوث القّيمة في مجالها التخصيصي والمعرفي والذي انبرى فيه الباحث إلى بيان هذه الحقيقة في خصوصية النص العلوي فأخضعه إلى منهج الأسلوبية فدرس فيه الظواهر الصوتية من سجعٍ وتوازٍ، ثم انتقل إلى دراسة الظواهر التركيبية من تقديم وتأخير، وحذف واستفهام، وتوكيد والتفات، وانتهاءً بإظهار الجوانب الدلالية في هذا النص الشريف، من تشبيه واستعارة وكناية، وختم البحث بنتائج لما تقدم.

ومن ثم فقد أضاف الباحث عنواناً جديداً ومادّة علمية خصبة إلى المكتبة الإسلامية واللسانية ، فقد بذل جهده وعلى اللّه تعالی أجره.

والحمد للّه رب العالمين.

السَّيِّد نَبِيل قَدُورِي حَسَن الحَسَنِي

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 9

ص: 10

المقدمة

المقدمة:

الحَمدُ للّهِ عَلى مِنَنِهِ المُتَّصِلَةِ وآلائِهِ المُتَواصِلَة، حَمداً مُتَوَاتِراً بَاقِياً بَقَاءَ حَولِه وَقُوّتِه، والصَّلاة والسَّلام على خُلاصَة خَلقِه، وَكَمال بَرِيَّتِه، مُحَمَّد وَآلِهِ المصطَفين المختَارين صلاةٌ نَرفَعُهَا مَعَ صَلاة اللّه وَمَلائِكَتِه.

أصبحت الدراسات الأسلوبية وسيلة مُثلى في الكشف عن خصائص الأدب، لأنَّها تعتمد في تطبيقاتها على قواعدٍ علميةٍ محددةٍ، تجعل من النتائج التي تتوصل إليها الدراسة أحكاماً متصفة بالموضوعية والعلمية.

ومن هنا انطلق البحث في معالجاته من افتراضات منهجية أهمّها : الكشف عن السمات الأسلوبية لرسالة الإمام علي (عليه السلام) إلى واليه على البصرة عثمان بن حنيف، وإبراز جماليات الأسلوب، وطرق المعالجات اللغوية التي تتحول فيها وظيفة الخطاب من التقريرية إلى وظيفتي التأثير والإقناع، ويكون ذلك من خلال سبر أغواره، وتشریح نصوصه، وفكّ

ص: 11

رموزه، ومن ثمَّ تأشير البنيات الأسلوبية ذات الهيمنة على بنيات الخطاب الأخرى.

وقد اقتضت طبيعة المادة أن يُقسَّم البحث على ثلاثة مباحثٍ يتقدمها تمهید، وتلحقها خاتمة، أشرتُ فيها إلى أهم النتائج التي توصل إليها البحث.

فالتمهيد تناولتُ فيه موجزاً تعريفياً بالمنهج الأسلوبي، وكذلك أوردت فيه ترجمة موجزة لمن تعلق به النص (عثمان بن حنيف)، مع نص الكتاب (مدونة البحث)، أما المبحث الأول فدرست فيه الظواهر الصوتية من سجعٍ وتوازٍ، والمبحث الثاني تناولت فيه الظواهر التركيبة من تقديم وتأخير، وحذف، واستفهام، وتوكيد، والتفات ، وأما المبحث الثالث فتعرضت فيه إلى الجوانب الدلالية من تشبيه واستعارة وكناية. وقد استنار البحث بمصادر ومراجع متنوعة قديمة وحديثة.

وأخيراً قال علي بن أبي طالب (عليه السلام):

ولا یَعرِفُ ما أقولُ إلّا مَن ضَرَبَ فی هذِهِ الصَّناعَهِ بِحَقٍّ ، وجَری فیها عَلی عِرقٍ،(وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ)(1)

وقوله عليه السلام :

ص: 12


1- نهج البلاغة : للإمام علي - عليه السلام - جمعه: الشريف الرضي، تقديم وشرح: الشيخ محمد عبده : 49/2

وَلَا یَعِی حَدِیثَنَا إِلَّا صُدُورٌ أَمِینَهٌ، وأَحْلاَمٌ رَزِینَهٌ(1). وقيل في وصف كلامه (عليه السلام): (ليس في أهل هذه اللغة إلا قائل بأن كلام علي بن أبي طالب هو أشرف الكلام، وأبلغه بعد كلام اللّه تعالی ونبيه (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، وأغزره مادة، وأرفعه أسلوباً وأجمعه الجلائل المعنی)(2).

ولذلك فأنا لا أقطع بأنّي أحطتُ بالموضوع بجوانبه جميعها، وإنّما هو جهدٌ إنسانيٌ لا يخرج عن تصورات عقلٍ يُخطئ ويُصيب ؛ فما كان من خيرٍ فهو من نعم اللّه تعالى ذكره، وأمَّا الخطأ فحسبي أنّي بذلتُ جُهدي وفوقَ كل ذي علمِ عليم، وما توفيقي إلا باللّه عليه توكلت وإليه أُنيب...

الباحث

ص: 13


1- المصدر السابق نفسه : ج129، 2.
2- المصدر السابق نفسه : 1 /6.

ص: 14

التمهيد

ص: 15

ص: 16

التمهيد

أولا: الأسلوبية

انبثقت الأسلوبية مطلعَ القرن العشرين، إثر الثورة التي أحدثتها لسانیات دي سوسير في مجال الدرس اللغوي، وهذه الثورة لم يقف وهجها عند حدود ذلك الدرس ؛ بل شمل الدراسات الأدبية والنقدية ، وكان من جملة ثمار تلك الثورة أن دعت إلى علمية النقد، والتخلي عن المناهج الانطباعية في الدراسات الأدبية ، فظهرت المناهج النَّصية كالأسلوبية التي تبنّت الطرح النسقي المغلق على النص، وذلك بعزلة عن كلّ ما هو خارج نطاق اللغة، واستقراء النص من خلال لغته وأساليبه التعبيرية، فهي تبحث عن الخصائص الفنية : الصوتية والنحوية والدلالية وما تحدثه من تأثيرات متنوعة في نفس المتلقي، وذلك بكشف مكامن الجمال والإبداع في الآثار الأدبية، وهي بذلك تبتعد عن اللغة المباشرة إلى اللغة الإيحائية الرامزة، (وبصورة مجملة فإنَّ البحث الأسلوبي إنَّما

ص: 17

يعني بتلك الملامح أو السمات المتميزة في تكوينات العمل الأدبي، وبواسطتها يكتسب تميزه الفردي أو قيمة الفنية، بصفته نتاجاً إبداعياً لفرد بعينه، أو ما يتجاوزه إلى تحديد سمات معينة لجنس أدبي بعينه)(1) ، ولا يقف البحث الأسلوبي عند التحديد للخواص الفنية، وإنَّما يتعدى ذلك إلى دراستها بمنهجية علمية لغوية.

وقد عُرِّفت الأسلوبية بتعريفات شتَّى منها تعریف ريفاتير الذي عرفَّها بأنَّها : (علم يهدف إلى الكشف عن العناصر المميزة، التي بها يستطيع الباحث مراقبة حرية الإدراك لدى القارئ المتقبل)(2)، وكذلك عُرِّفت بأنَّها: (علم وصفي يعني ببحث الخصائص والسمات التي تمّيز النص الأدبي بطريق التحليل الموضوعي للأثر الأدبي الذي تتمحور حوله الدراسة الأسلوبية)(3).

ومن هنا سنتّبع في دراستنا لرسالة الإمام علي (عليه السلام) إلى واليه على البصرة عثمان بن حنیف (رضوان اللّه عليه) منهجاً تحليلياً أسلوبياً، يهدف إلى كشف الخصائص الأسلوبية لخطاب الإمام علي (عليه السلام) في هذه الرسالة ومدی تمایزها في أساليبها الفنية، وكذلك قدرته (عليه السلام) في مدى

ص: 18


1- البحث الأسلوبي معاصرة وتراث : 25
2- الأسلوب والأسلوبية والنص الحديث : 83
3- الأسلوبية مدخل نظري ودراسة تطبيقية ، د. فتح اللّه أحمد سليمان، الدار الفنية للنشر، المطبعة الفنية ، (د.ط)، 1990م : 35

توظيف معجمه الفني الخاص من جهة، وقدرته على التأثير في المتلقي من جهةٍ أخرى.

ثانياً: عثمان بن حنيف (رضي اللّه عنه)

هو (عثمان بن واهب بن عكیم بن ثعلبة بن الحارث بن مجدعة بن عمرو بن حنش بن عوف بن عمرو بن عوف الأنصاري الأوسي القبائي)(1)، وهو أحد أصحاب النبي محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم)، وقد شهد معه أغلب مشاهده وحروبه(2)، وكان من الفقهاء في المدينة وممن يعقد الجلسات العلمية في المسجد النبوي يُحدِّث فيها الناس عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ناقلاً تعاليمه وآثاره(3)

، وقد كان من السابقين الذين تشيعوا لعلي (عليه السلام)، إذ تذكر المصادر أنَّه تصدَّى لأبي بكر حين اعتلى المنبر في المسجد النبوي وقد ادَّعى الخلافة فأنكر عليه ذلك مؤكّداً حق أهل بيت النبي محمد (صلى اللّه عليه وآله وسلم) فيها، وقال في تلك الحادثة : (سمعنا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) يقول :

أهلُ بيتي نجومُ الأرضِ ، فلا تتقدموهم وقدِّموهم ، فهم الولاةُ من بَعدِي

ص: 19


1- سير أعلام النبلاء، الذهبي : 2/ 320
2- ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة : 449/4
3- ينظر: مسند أحمد:138/4

فقام إليه رجل فقال : يا رسول اللّه وأي أهل بيتك ؟ فقال : عليٌّ والطَّاهرون من وُلدِه ) . وقد بيّن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، فلا تكن يا أبا بكر أول كافر به !لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(1))(2)

وهو أحد أفراد شرطة الخميس : وهم طليعة أصحاب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذين تشارطوا وتعاقدوا على الموت دفاعاً عنه ، وكذلك تعاهدوا على أن يكونوا أول من يبدأ بالقتال إذا نشبت الحرب معه (عليه السلام).(3)

وكان عثمان بن حنیف (رضي اللّه عنه) ذا بصر وعقل ومعرفة بالأمور الاقتصادية وقد أجمع الصحابة على حكمته وعدالته وقدرته في إدارة العراق لمَّا استشارهم في ذلك عمر بن الخطاب ، فأخذ بمشورتهم وولَّاه أمر العراق ، وبفضل إدارته ونزاهته أصبح خراج العراق أكثر من مائة وعشرين ألف ألف درهم، أي ما يعادل مائة وعشرين مليوناً. (4)

ص: 20


1- الأنفال : 27.
2- الاحتجاج، الطبرسي : 103/1
3- ينظر: الفوائد الرجالية ، محمد مهدي بحر العلوم: 3/ 78.
4- ينظر : الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر: 89/3 ، سير أعلام النبلاء: 2/ 320

وفي خلافة الإمام علي (عليه السلام) ولَّاه على البصرة، ولم يزل عليها حتَّى قدم عليه طلحة والزبير بصحبة عائشة ناكثين بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقاتلهما ومعه حكیم بن جبلة العبدي (رضوان اللّه عليه)، وبعد أن أخذت منهم الحرب مأخذها، تعاهدوا على إيقاف الحرب وعلى أن يبقی عثمان بن حنیف (رضي اللّه عنه) في دار الإمارة خليفة للإمام علي (عليه السلام) على حاله، وتبقى المدينة بيده حتَّى يقدم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فينظر في أمرهم وعلى ذلك تعاهدوا وتعاقدوا، وعندما فرَّق عثمان بن حنیف (رضي اللّه عنه) أصحابه غدروا به وأخلفوا العهد معه ، فقتلوا حرَّاسه وأسروه ونتفوا لحيته وجفون عينيه، ثمَّ أودعوه السجن واستولوا على بيت مال المسلمين(1)، ولمَّا أرادوا قتله هددهم بأخيه سهل بن حنیف (رضي اللّه عنه) الذي ولَّاه الإمام علي (عليه السلام) على المدينة، بأن يتتَّبع ذراريهم فيها فخافوا منه وأخلوا سبيله، فتركهم ولحِقَ بالإمام علي (عليه السلام). أمَّا وفاته فكانت في ملك معاوية بن أبي سفيان(2)

ثالثاً: نصُّ الكتاب

ومن كتاب له (عليه السلام) إلى عثمان بن حنيف الأنصاري وهو عامله على البصرة، وقد بلغه أنَّه دُعِي إلى وليمة قوم من أهلها، فمضى إليهم :

ص: 21


1- ينظر : الاستيعاب في معرفة الأصحاب 1023/3
2- ينظر : سير أعلام النبلاء: 2/ 320

أمَّا بَعدُ ، یا بنَ حُنَیف ٍ ، فَقَدْ بلَغَنِی أنَّ رَجُلاً من فِتیَهِ أهْلِ البَصْرَهِ دَعاكَ إلی مأْدُبَه ، فأسْرَعْتَ إلیْها ، تُسْتَطَابُ لكَ الألوَانُ ، وتُنْقَلُ إلیْكَ الجِفْانُ ، وما ظَنَنْتُ أنَّك تُجِیبُ إلی طَعامِ قَوْمٍ عائِلُهم مَجْفُوٌ ، وغَنِیُّهُم مَدْعُوٌّ .

فانْظر إلی ما تَقْضَمُهُ من هذا المَقْضَمِ ، فما اشْتَبَهَ علَیْكَ عِلْمُهُ فالْفِظْهُ ، وما أیْقَنْتَ بطِیبِ وُجُوْهِهِ فَنلْ مِنْهُ . ألا وإنَّ لكلِّ مأْمُومٍ إماما یَقْتَدی به، ویَسْتَضیءُ بِنُورِ علْمِهِ . ألا وإنَّ إمامَكُم قَدْ اكْتَفی مِن دُنْیاهُ بِطِمْرَیْهِ ، ومِن طُعْمِهِ بِقُرْصَیْهِ .

ألا وإنَّكُم لا تَقْدِرُونَ علی ذلِكَ ، ولكِنْ أعِینُونی بوَرَعٍ واجْتِهادٍ ، وعِفَّهٍ وسَدادٍ ، فو اللّه ِ ما كَنَزْتُ مِن دُنْیاكُم تِبْرا ، ولا ادَّخَرْتُ من غَنائِمِها وَفْرا ، ولا أعْدَدْتُ لِبَالی ثَوْبَیَّ طِمْرا .

بَلی كانَت فی أیْدینا فَدَكٌ مِن كُلِّ ما أظَلَّتْهُ السَّماءُ ، فَشَحَّت علیها نُفُوسُ قوْمٍ ، وسَخَتْ عنها نُفُوسُ آخَرینَ ، ونِعْمَ الحَكَمُ اللّه .

وما أصْنَع بِفَدَكٍ وغَیْرِ فَدَكٍ ، والنَّفسُ مظَانُّها فی غَدٍ جَدَثٌ ؛ تَنْقَطِعُ فی ظُلْمِتِهِ آثارُها ، وتَغِیبُ أخبارُها ، وحُفْرهٌ لوْ زِیدَ فی فُسْحَتِها، وأوْسَعَتْ یَدا حَافِرِها، لأضْغَطَها الحَجَرُ والمَدَرُ ، وسَدَّ فُرَجَها التُّرابُ المُتراكِمُ ، وإنَّما هِیَ نَفْسی أرُوضُها بالتَّقوی ، لِتَأْتِیَ آمنَهً یَوْمَ الخَوْفِ الأكْبرِ ، وتَثْبُتَ علَی جَوَانِبِ المَزْلَقِ .

ولو شِئْتُ لاهْتَدَیْتُ الطَّریقَ إلی مصَفَّی هذا العَسَلِ ، ولُبابِ هذا القَمْحِ ، ونَسائِجِ هذا القَزِّ ، ولكِن هَیْهاتَ أنْ یَغْلِبَنی هَوَایَ ، ویَقُودَنی جَشَعی إلی تَخَیُّرِ الأطْعِمَهِ ، ولَعلَّ بالْحِجازِ أوْ الیَمَامَهِ مَن لا طَمَعَ لَهُ فی القُرْصِ ، ولا عَهْدَ لَهُ

ص: 22

بالشّبَعِ ، أوْ أبیتَ مِبْطانا ، وحَوْلی بُطُونٌ غَرْثی وأكْبَادٌ حَرّی ، أوْ أكونَ كَما قالَ القائِلُ :

وحَسْبُكَ داءً أنْ تَبِیتَ بِبِطْنَة***وحَوْلَكَ أكبَادٌ تَحِنُّ إلی القِدِّ

أأقْنَعُ مِن نَفسِی بأنْ یقالَ هذا أمیرُ المُؤمِنینَ ، ولا أُشْارِكُهم فی مكارِه الدَّهرِ ، أوْ أكونُ أُسْوَهً لَهُم فی جُشُوبَهِ العَیْشِ فمَا خُلِقْتُ لِیَشْغَلَنِی أكْلُ الطَّیِّباتِ كالْبَهِیمَهِ المَرْبُوطَهِ هَمُّها عَلَفُها ، أو المُرْسَلَهِ شُغْلُها تَقَمّمُها، تَكْتَرِشُ من أعْلاَفها ، وتَلْهو عمَّا یُرادُ بِها ، أوْ أُتْرَكَ سُدیً وأُهْمَلَ عابِثاً ، أوْ أجُرَّ حَبْلَ الضَّلالَهِ ، أوْ أعْتَسِفَ طَرِیقَ المَتاهَةٍ .

وكأنِّی بقائِلِكُم یقولُ : إذا كان هذا قُوتُ ابن أبی طالِبٍ ، فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عن قِتالِ الأقْرانِ ، ومُنازَلَهِ الشّجْعَانِ .

ألا وإنَّ الشَّجَرَهَ البَرِّیَهَ أصْلَبُ عُوْدَاً ، والرَّواتِعَ الخَضِرَهَ أرَقُّ جُلُودا ، والنَّابتاتِ العَذیَّهَ أقْوی وُقُوداً وأبْطَأُ خُمُوداً ، وأنَا من رسُولِ اللّه ِ كالصِّنْوِ مِنَ الصِّنْوِ ، والذِّرَاعِ من العَضُدِ .

واللّه ِ ، لو تظاهَرَتِ العَرَبُ علی قِتالی لَما وَلَّیْتُ عنها ، ولوْ أمْكَنَتِ الفُرَصُ مِن رِقابِها لَسارَعْتُ إلیْها ، وسَأجْهَدُ فی أنْ أُطَهِّر الأرضَ مِن هذا الشَّخصِ المَعْكُوسِ ، والجِسْمِ المَرْكُوسِ، حَتَّی تخْرُجَ المَدَرَهُ من بیْنِ حَبِّ الحَصِیدِ . إلیْكِ عَنِّی یا دُنْیا، فَحَبْلُكِ علَی غارِبِكِ قَدْ انْسَلَلْتُ مِن مَخالِبِكِ ، وأفْلَتُّ من حَبائِلِكِ ، واجْتَنَبْتُ الذَّهابَ فی مَدَاحِضِكِ،

ص: 23

أیْنَ القوْمُ الَّذینَ غَرَرْتِهِم بمَداعِبِك ، أیْنَ الأمَمُ الَّذینَ فَتَنْتِهِم بِزَخارِفِكِ ؟ ! فهاهُم رَهائِنُ القُبُورِ ، ومَضامِینُ اللُّحُودِ .

واللّه ِ ، لوْ كنْتِ شَخْصا مَرئِیا ، وقالَبا حِسِیَّا ، لأقَمْتُ علَیْكِ حُدُودَ اللّه ِ فی عِبادٍ غَرَرْتِهِم بالأمانیّ ، وأُمَمٍ ألْقَیْتِهم فی المَهاوی ، ومُلُوكٍ أسْلَمْتِهِم إلی التَّلَفِ ، وأوْرَدْتِهِم موَارِدَ البَلاءِ؛ إذْ لا وِرْدَ ولا صَدَرَ.

هَیْهات، مَن وَطِئَ دَحْضَكِ زَلِقَ ، ومَن رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ ، ومَن ازْوَرَّ عَن حِبائِلِكِ وُفِّقَ ، والسَّالمُ مِنْكِ لا یُبالی إنْ ضَاقَ به مُنَاخُه ، والدُّنیا عندَه كیَوْمٍ حانَ انْسِلاخُهُ .

اغربی عَنِّی، فو اللّه لا أذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّینی ، ولا أسْلَسُ لَكِ فَتَقُودِینی .

وأیْمُ اللّه ِ _ یَمِینا أسْتَثْنِی فیها بمَشِیئه اللّه ِ _ لأرُوْضَنَّ نَفْسِی رِیاضَهً تَهُشُّ مَعَها إلی القُرْص إِذا قَدَرَت علَیْهِ مَطْعُوماً ، وتَقْنَعُ بالمِلْحِ مأدُوماً ، ولأدَعَنَّ مُقْلَتِی كَعَیْنِ ماءٍ نَضَبَ مَعِینُها، مُسْتَفْرَغَهً دُموعُها .

أتَمْتَلِی ءُ السَّائِمَهُ من رَعْیِها فَتَبْرُك؟، وتَشْبَعُ الرَّبِیضَهُ من عُشْبِها فَتَرْبِضُ؟ ، ویأكُلُ عَلِیٌّ من زَادِهِ فَیَهْجَعُ ؟ قَرَّت إذا عَیْنُهُ ، إذا اقْتَدَی بَعْدَ السِّنینَ المتَطاوِلَهِ بالْبَهِیمَهِ الهامِلَهِ ، والسَّائِمَهِ المَرْعِیَّهِ !

طوبَی لِنَفْسٍ أدَّتْ إلی ربِّها فَرْضَها ، وعَرَكَتْ بجَنْبِها بُؤسَها ، وهَجَرَتْ فی اللَّیْلِ غُمْضَها ، حَتَّی إذا غَلَبَ الكَرَی علیْها افْتَرَشَتْ أرْضَها ، وتَوَسَّدَتْ كَفَّها، فی مَعْشَرٍ أسْهَرَ عیُونَهُم خَوْفُ مَعادِهم ، وتَجافَتْ عَن مضاجِعِهِم جنُوبُهم ، وهَمْهَمَتْ

ص: 24

بِذكْرِ ربِّهِم شِفاهُهُم ، وتَقَشَّعَت بِطُولِ اسْتْغْفارِهِم ذُنُوبُهُم « أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ». فاتَّقِ اللّه َ یا بنَ حُنَیْف ٍ ، ولتكفف أقْراصُك، لِیَكونَ مِنَ النَّارِ خَلاصُكَ(1)

ص: 25


1- نهج البلاغة، جمعه الشريف الرضي ، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 529 - 536

ص: 26

المبحث الأول المستوى الصوتي

ص: 27

ص: 28

المبحث الأول: المستوى الصوتي

اشارة

اللغة : نظام من الإشارات جوهره الربط بين المعاني والهيئات الصوتية المكونة للألفاظ(1) ، والألفاظ هي (وحدات مادية تتكون من موادٍ صوتية وتتمثل في أحجام معينة، وتصاغ في أبنية صرفية تجعل منها أدوات قابلة للجمع والترتيب)(2) ، وعلى هذا الأساس أصبحت دراسة الصوت أولى المراحل في دراسة وفهم ماهية البناء النصي(3)، لأنه يشكل المادة الأولية في صياغة الخطاب الفنية بما يخلقه من دلالة لا تقيد بالإبلاغ فقط، وإنَّما بقدر ما يخلقه من شكلٍ تعبيريٍ يساهم بشكل فاعل في إثراء الدلالات التأثيرية للرسالة، على أنَّه لا توجد دلالات استقلالية جوهرية للأصوات ما لم تحظَ

ص: 29


1- ينظر : علم اللغة العام، فردینان دي سوسير، ت : د. يوئيل يوسف عزیز، دار آفاق عربية ،بغداد، 1985: 33
2- في مفهوم الإيقاع، محمد الهادي الطرابلسي، مجلة حوليات الجامعة التونسية ، عدد32 ،20:1999
3- ينظر : علم اللغة العام : 115- 122

بتراكمٍ بنائيٍ وسياقي(1) ، فالصوت إذن عنصر مهم من عناصر البنية الشعرية للخطاب(2) وبحسب رأي ريتشارد : إن الصوت في معظم الأحوال هو مفتاح التأثيرات(3)وقديما قالوا: (إنَّ الصوت هو آلة اللفظ ، وهو الجوهر الذي يقوم به التقطيع وبه يوجد التأليف(4)

ولذا سنحاول في دراستنا للمستوى الصوتي (الكشف عن كيفيات البناء فيه، ودلالات تشكيله ممَّا يؤلف مظهراً أسلوبياً يعدُّ جانباً من خصيصة التكوين والصناعة الأدبية(5)؛ لأنَّ الأصوات حينما تتكرر بنسق معين تمنح الرسالة قيمة انفعالية تساهم في بناء النسق العام للصور الدلالية والمحتويات الفكرية(6) .

وقد شكَّل السجع والتوازي (وهما من عناصر الصوت المهمّة) ملمحين اسلوبيين فاعلين في مدونة البحث، ولذلك سنخصّص كلَّاً منهما في محورٍ

ص: 30


1- ينظر : دينامية النص- تنظير وإنجاز ، د. محمد مفتاح، المركز الثقافي العربي ، بيروت، لبنان ،والدار البيضاء، المغرب ، ط1، 1987: 63
2- ينظر : تحليل الخطاب الشعري - استراتيجية التناص، د. محمد مفتاح، دار التنوير، بيروت ،لبنان، ط1، 31:1985
3- ينظر : موسيقى الشعر العربي ، شكري محمد عياد : 140
4- البيان والتبيين ، الجاحظ : 1/ 65
5- خصائص الأسلوب في شعر العباس بن الأحنف : 30
6- ينظر: اللغة الشعرية - دراسة في شعر حمید سعید: 138

دراسيّ معينٍ بدءً بالسجع وانتهاءً بالتوازي.

1. السجع

اشارة

السجع: السجع وجه من وجوه علم البديع، الذي تكمن أهميته في (بيان وجوه تحسين الكلام بعد رعاية تطبيقه على مقتضى الحال ووضوح الدلالة)(1)، وهو مقصد من مقاصد العقلاء يميل إليه الطبع وتتشوق إليه النفس ؛ لما يتضمن من الاعتدال في الخطاب(2) ، ومتی (تدربت الآذان على هذا النظام الخاص ألفته ، وتوقعته في أثناء سماعها، ومثل الوزن في هذا مثل كل شيء منظم التركيب ، منسجم الأجزاء... فالكلام الموزون ذو النغم الموسيقي يثير فينا انتباها عجيبا)(3) ، ولذلك عد السجع من أرفع مراتب الكلام، وأجل علوم البلاغة، والكلام المسجوع أفصح وأبلغ من غيره(4)، ويعرف بأنه تواطؤ فاصلتين من النثر على حرف واحد(5)، أما وظيفته في النثر فتتجلى بإنتاج الإيقاع(6). بما يمثله من (نمط تعبيري يعتمد التوازي الصوتي الذي يتلازم غالباً

ص: 31


1- الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني: 255، ينظر: جواهر البلاغة، محمود الهاشمي: 187.
2- ينظر الطراز، العلوي : 2/ 13.
3- موسيقى الشعر، ابراهيم أنيس : 10-11.
4- ينظر: الطراز، العلوي : 3/ 16-17.
5- الإيضاح في علوم البلاغة : 547.
6- ينظر : البلاغة العربية قراءة أخرى ، محمد عبد المطلب : 400

مع التوازي الدلالي من حيث كان منوطاً بنهاية الفواصل التي تمثل السّكتة الدلالية الطبيعية في الأداء اللغوي عموماً(1). والسّجع على أنواعٍ سندرس منها نوعين :

أ- السجع المطرَّف

عدد معين من المتواليات(2). وممّا ورد منه قوله (عليه السلام):

وَ مَا أَصْنَعُ بفدك وَ غَيْرِ فَدَكٍ وَ النَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَدٍ جَدَثُ يَنْقَطِعَ فِي ظُلْمَتِهِ أَثَارَهَا وَ تَغِيبُ أَخْبَارُهَا وَ حُفْرَةُ لَوْ زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا وَ أوسمعت یدا حَافِرِهَا الأضغطها الْحَجَرُ وَ الْمَدَرُ وَ سَدَّ فُرَجَهَا التُّرَابُ الْمُتَرَاكِمُ(3)

في هذا النص قد ساهمت السّجعة في بناء الهيكل الدلالي للنص، فكانت هناك قصدية في اختيار وتنويع الأصوات التي تنتهي بها المتواليات، وذلك في قوله (عليه السلام):

«تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا، وَ تَغِيبُ أَخْبَارُهَا، وَ حُفْرَةٌ لَوْ زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا،

وَ أَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا».

وهنا قد توافقت نهايات المتواليات بصوت (الألف)، الذي أسماه سیبویه

ص: 32


1- بناء الأسلوب في شعر الحداثة (التكوين البديعي)، د. محمد عبد المطلب :374
2- معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب ، كامل المهندس ومجدي وهبة : 197
3- نهج البلاغة ، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 530 -531

(ت 180ه) ب (الهاوي) ووصفه بأنَّه (حرفُ اتسع لهواء الصوت مخرجه أشد من اتساع مخرج الياء والواو، لأنَّك قد تضم شفتيك في الواو وترفع في الياء لسانك قبل الحنك... وهذه الثلاثة أخفى الحروف لاتساع مخرجها وأخفاهُنَّ وأوسعُهُنَّ مخرجاً : الألف، ثم الياء ، ثم الواو(1).

وقد عُدَّ صوت الألف في الدراسة الصوتية من أصوات اللين إضافة إلى صوتي الياء والواو(2) ، وأصوات اللين (تؤدى باندفاع الهواء من الرئتين ماراً بالحنجرة، ومتخذاً مجراه في الحلق والفم في ممرٍ ليس فيه حوائل تعترضه(3))، وبهذا فإنَّ صوت الألف بانطلاقته من الرئتين حتى خروجه إلى الفضاء حراً لا تعترضه أية حواجز، وهذا ملائم تماماً مع ما ورد في النص السابق الذي يتكلم فيه المرسل عن النفس ونهايتها التي تكون في (جدث)، وهو القبر(4)، فتنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها ، وقد جعل المتكلم الفاصلة لهاتين المتواليتين الألف، الذي اعطاها نهايات مفتوحة غير مغلقة في التلفظ، ما يجعلها تأخذ وقتاً أطول في النطق عند المتكلم بفعل المد الذي يأخذه صوت الألف بطبيعته النطقية، ومدّ الصوت جزء من الهندسة العاطفية للعبارة، يحاول فيها المتكلم

ص: 33


1- كتاب سيبويه :435/4 - 436
2- ينظر : المصطلح الصوتي : 160
3- التعليل الصوتي : 163
4- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية : 277/1(مادة : جَدَثَ)

تنظيم كلماته بحيث يقيم أساساً عاطفياً يستطيع بواسطته تفريغ عواطفه وانفعالاته(1).

هذا من جانب الصوت أمَّا من جانب الدلالة فالمرسل في هذا النص بصدد الوعظ والإرشاد ببيان نهاية النفس التي مهما بلغت من آثار وأخبار فإنَّ القبر سيكون النهاية الحتمية لها، وهذا المعنى يتناسب مع كيفية نطق الألف الذي يسير بمجرى الهواء بدون أن تعترضه أية حواجز فتكون نهايته مفتوحة، فثمت انسجام وتوافق مع ما ترمز إليه الرسالة من أنَّ النفس مهما بلغت و(بدون تحديد) من آثار وأخبار فإنَّها ستنقطع وستغيب في القبر، فعدم تقييد النفس بنوع معين من البلوغ في العلو والرقي، يتناسب مع عدم تقييد صوت الألف بحواجز معينة أو جعله في مخرج صوتيٍّ معين، وكذا الكلام في (فسحتها، وحافرها)، فالمرسل في صدد بیان حجم الحفرة (القبر) التي تمثل نهاية النفس ، فإنَّها مهما بلغت من فسحة ومهما كان جهد حافرها في توسعة المساحة، فستكون نهايتها الغلق والانسداد، فتناسب إرادة عدم التقييد في (حجم الحفرة، وجهد الحافر)، مع صوت الألف الذي لا يتقيد بحاجزٍ معين بل تكون نهايته مفتوحة غير مقيدة بمخرج معين. ثمَّ يغادر المرسل حالة الانفتاح والامتداد في الفواصل إلى حالة التكرار والاستمرار، وذلك بقوله :

(لَأَضْغَطَهَا الْحَجَرُ وَالْمَدَرُ).

ص: 34


1- قضايا الشعر المعاصر: 277

فانتهت المتوالية بصوت الراء الذي وصفه سیبویه بالمكرر وقال فيه : (هو حرفٌ شديد يجري فيه الصوت لتكريره وانحرافه إلى اللام، فتجافي للصوت كالرخوة، ولو لم يكرر لم يجر الصوت فيه(1))، وهذه الصفة الصوتية يمكن أن نفهم منها أنَّ عملية الضغط من قبل الحجر والمدر عملية مستمرة مع توالي الزمن إلى أن يتلاشى الجسد، وهذا الأمر يسنده دلالة الفعل (لأضغطها) الذي يدل على التجدد والحدوث. ثمَّ ينتقل المتكلم إلى فاصلة جديدة تبعا لمقتضيات الدلالة، وذلك بقوله :

(وَسَدَّ فُرَجَهَا التُّرابُ المُتَراكِمُ).

فانتهت المتوالية بصوت الميم، ومخرجه بحسب وصف سيبويه من بين

الشفتين(2)، أي تنطبق الشفتين حال النطق به فيتخذ الهواء مجراه في التجويف الأنفي محدثاً نوعاً من الحفيف لا يكاد يسمع(3)، وهذا الأمر يتلاءم مع ما يرمز إليه النص إذ الكلام عن انسداد الحفرة بالتراب المتراكم، ومن هنا يمكن القول بأنَّ هناك قصدية في اختيار الفاصلة وتوظيفها، فهو عندما تكلم عن الحفرة ومدی سعتها جعل الفاصلة بصوت الألف الذي يبقى الفم مفتوحاً حال النطق به، ليرمز بذلك إلى انفتاح الحفرة (القبر)، وعندما وصل إلى غلق

ص: 35


1- كتاب سيبويه : 4/ 435
2- ينظر : المصدر نفسه : 434/4
3- ينظر : الأصوات اللغوية ، ابراهيم أنيس : 48

الحفرة انتقل إلى صوت الميم الذي يكون مخرجه من بين الشفتين، أي ينغلق الفم تماماً حال النطق به ليمثل حالة الانغلاق التام عن الدنيا، الذي يصيب النفس عندما تصل إلى القبر ويهال عليها التراب. فالفاصلة تمازجت وانسجمت مع الدلالة العامة للخطاب ؛ (لأن الكلام في الحقيقة يكتسب طاقات دلالية خلَّاقة في نطاق الأصوات المكتبة معاني جديدة طارئة بمقتضی تفاعلها) مع بعضها بعضاً. وهذا من شأنه أن يجعل للكلمات وقعاً نفسياً في ذهن المستقبل عبر ربط الفكر بالإيقاع الفني للكلمات(1) .

ولا يستمر المرسل بنمط سجعي واحد على مدار الرسالة، بل ينوع في الأساليب بين الحين والآخر، وبحسب ما تقتضيه طبيعة الخطاب. ومن ذلك قوله (عليه السلام):

(أَلَا وَإِنَّ الشَّجَرَهَ الْبَرِّیَّهَ أَصْلَبُ عُوداً، وَالرَّوَاتِعَ الْخَضِرَهَ أَرَقُّ جُلُوداً، وَالنَّابِتَاتِ الْعِذْیَهَ أَقْوَی وَقُوداً وَأَبْطَأُ خُمُوداً)(2).

هنا زاوج المتكلم في صوت الفاصلة ما بين صوتي (التاء والدال)، فيسجع بالتاء ثمَّ يتبعها بالدال وبذلك منح النص نوعا من الحركة والتنوع الصوتي ، الذي يساهم في رفع سقف الانتباه للتلقي وزيادة التوقع لما سيأتي من كلام، ثمَّ إنَّ التاء والدال من مخرج واحد وهو (ممَّا بين طرف اللسان وأصول

ص: 36


1- تشریح النص - مقاربات تشريحية لنصوص شعرية معاصرة ، د. عبد اللّه محمد الغذامي : 107
2- نهج البلاغة، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 532

الثنايا)(1)، والاتحاد في المخرج يساهم في خلق جو ایقاعي متوازن.

ثمَّ إنَّنا نلاحظ انسجام سجعي من نوع آخر وهو توافق المتواليات في الطول مع توافق النهايات من مثل قوله (عليه السلام):

(إِلَيْكِ عَنِّي يَا دُنْيَا فَحَبْلُكِ عَلى غَارِبِكِ ، قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ ، وَ أَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ ، وَاجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ)(2).

وهذا الأسلوب منح النص إيقاعاً وحبكةً في التركيب، لأنَّه (يثير فينا انتباهاً عجيباً لما فيه من توقع لمقاطع خاصة، تنسجم مع ما تسمع من مقاطع ؛ لتُكوِّن منها جميعاً تلك السلسلة المتصلة الحلقات، التي لا تنبو إحدى حلقاتها عن مقاییس الأخرى)(3)، وقد عُدَّ هذا النوع من السَّجع أشرف الأنواع ، للاعتدال الذي ينتابه في جُلِّ فقراته(4).

ب- السجع الموازي

وهذا النوع من السجع يُعدُّ أكثر إيقاعاً من سابقه ؛ لما يشترط فيه من التوافق في الفاصلة إضافة إلى التوافق بالوزن في اللفظة الأخيرة(5)، وبالشرط

ص: 37


1- كتاب سيبويه : 633/4
2- نهج البلاغة، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 533
3- موسيقى الشعر، إبراهيم أنيس، 11
4- ينظر : المثل السائر، ابن الأثير: 1/ 333 - 335
5- خزانة الأدب وغاية الأرب: 411/2

الثاني زاد على سابقه (السجع المطرف) بسمة إيقاعية جعلت منه أكثر فاعلية في النص. ومن أمثلة ذلك قوله (عليه السلام):

(هَیْهاتَ مَنْ وَطِیءَ دَحْضَكِ زَلِقَ ، وَ مَنْ رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ)(1). فاللفظتان (زلق، غرق) اتحدتا بالوزن، إذ هما على زئة (فَعِلَ)، وكذلك بصوت السجع (القاف)، وهو من الأصوات المجهورة(2) ما أعطى النص دفعةً ايقاعيةً ولوناً جديداً يساهم في شدِّ الانتباه وإثراء التواصل بدفعات دلالية متدفقة، إذ التوافق في وزن اللفظة الأخيرة مع صوت السَّجع له علاقة بالمعنى في النص المتقدم، ذلك أنَّ (الزلق) يكون في البر، و(الغرق) يكون في البحر، وبالنتيجة يصبح هناك توافق وتساوي فيمن يعقد قرانه مع الدنيا، فإنَّ رفقته ستنتهي معها بطلاق ذي بينونة كبرى لا رجعة فيه، أو أنَّ الذي يلهث خلف بهرج الدنيا الزائف فإنَّه لا ينفك عن الإصابة بلعنتها سواء لجأ إلى البر أم إلى البحر، فالنتيجة تكون واحدة هي الهلاك ولات حين مناص. فكأنَّ المرسل في موقع المحذر من عواقب الدنيا، ولذلك استدعى منه أن يزيد من أثر إيقاعه في الكلام فيزداد تبعاً لذلك تواصل وانتباه المستقبل للنص.

وفي متواليات أخرى يزيد المرسل من حدة الايقاع كما في قوله (عليه السلام): (أَنْ أُطَهِّرَ الْأَرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوسِ وَالْجِسْمِ

ص: 38


1- نهج البلاغة ، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 534
2- ينظر كتاب سيبويه : 4/ 434

الْمَرْكُوسِ)(1).

(فالمعكوس، والمركوس) كلمتان توافقتا بالوزن وكذلك بصوت السجع، وهو صوت السين وهو تناسب استدعاه المعنى، فكأنَّ المتكلم أراد لفت انتباه المخاطب إلى هاتين اللفظتين بالذات لما لهما من أهمِّية ومركزية في الخطاب ، فهما يشيران إلى (معاوية بن أبي سفيان)(2) رأس الفرقة وقائد الافتراق، فجاء بهما على غير ما اعتادت عليه أُذن المخاطب فيما سبق من كلام، وضمَّنهما أكثر من لونٍ صوتي، فإضافة إلى السَّجع المتوازي ضمَّتا الجناس غير التام، وتوارد أكثر من لونٍ صوتي يُشكّل وقفة تأملية لمتلقي الخطاب ؛ لأنَّها تكشف زیف أحد رؤوس الشر والفساد، فكان الانتقال بالفاصلة إلى الصوت الصفيري (السين) جاء للفت الانتباه إلى هذه الشخصية السيئة.

وممَّا سبق فقد شكَّل السَّجع خصيصةً أسلوبيةً مميزة في محتوى الرسالة ، وكان مقصوداً من لدن المرسل متلائماً مع الجانب الدلالي للخطاب ، ولم تكن الفاصلة مرتبكة مع ما قبلها ؛ بل منتظمة وشديدة الارتباط (بما قبلها من الكلام، بحيث تنحدر على الأسماع انحداراً ، وكأنَّ ما سبقها لم يكن إلّا تمهيداً لها)(3) ، فالسجع صورة نغمية يُراد منها جعل الكلام بصيغ متوافقة منسجمة ،

ص: 39


1- نهج البلاغة، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 533
2- شرح نهج البلاغة ، ابن میثم البحراني :113/5
3- البديع في ضوء أساليب القرآن ، عبد الفتاح لاشين ، 146

وهو الصورة المتمِّمة للتوازن بين متواليات النص وأحداثه .

2. التوازي

يُساهم التوازي في هندسة البنية الشكلية للنص، وكذلك البنيات التعبيرية ، فهو يعمل على صياغة المعنى العام للعمل الأدبي بما يحمله من طاقاتٍ دلاليةٍ متوافقةٍ أو مختلفة ؛ ولذلك عُدَّ عنصراً تأسيسياً وتنظيمياً وخاصيةً لصيقةً بكلِّ الآداب العالمية، سواء كانت قديمةً أم حديثةً وشفويةً أم مكتوبةً)(1)، وسواء كانت شعراً أم نثراً(2).

وعُرِّف بأنَّه (تشابه البنيات واختلاف في المعاني)(3)، أو هو (تنمية لنواة معينة بإركام قسري أو اختياري، لعناصر صوتية ومعنوية وتداولية ، ضماناً لانسجام الرسالة)(4)، فهو أداة سبك فاعلة لما لها من أثر ظاهر في تماسك أجزاء النص ومكوناته ، وهذه الخاصية لسيقة به لاعتماده على التوليف المتوافق بين البنيات النحوية المتعاقبة، التي يتحكم في امتداداتها وتكراراتها نمو النص، فهو يستمدُّ مادّته من نبع عواطف وانفعالات المنتج. و قد شكّل التوازي خصيصةٌ أسلوبية بارزة في مدونة البحث، وامتاز بخصوبته المنتجة بالرسالة ، وممِّا ورد منه قوله (عليه السلام):

ص: 40


1- ينظر: التلقي والتأويل - مقاربة نسقية ، محمد مفتاح : 149
2- ينظر: قضايا الشعرية : 108
3- ينظر : مدخل إلى قراءة النص الشعري : 259
4- تحليل الخطاب الشعري (استراتيجية التناص)، د. محمد مفتاح : 25

(فَوَ اللّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْیَاكُمْ تِبْراً،وَلَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً،وَلَا أَعْدَدْتُ لِبَالِی ثَوْبِی طِمْراً،وَلَا حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً)(1)

انتظم هذا النص بجو ایقاعي منتظم، وذلك بالتوافق في البنية التركيبية ، الذي يمكن أن نمثِّله بالآتي:

نفي + فعل ماضي + تاء الفاعل + شبه جملة (جار ومجرور) + مضاف إليه + مفعول به

ما + كنز + تُ + من دنیا+ كم + تبرا

لا + ادّخر + تُ + من غنائمها + ها + وفرا

لا + أعدد + تُ + لبالي + ثوبي + طمرا

لا + حز + تُ + من أرض + ها + شبرا

وهذا التشاكل التركيبي منح النص إيقاعاً متميزاً شكَّل سمةً تنبيهيةً للمخاطب، مهمَّتها لفت الانتباه إلى ما ورد في النص وزيادة التفاعل التواصلي مع المادة المرسلة، ولم يكتفِ المتكلم بالجانب الإيقاعي كمؤشرٍ اسلوبي ؛ بل عمد إلى انتهاك الانتظام النحوي بتقديم شبه الجملة (من دنیاكم، من غنائمها، ولبالي ثوبي، من أرضها) على المفعول به (تبرا، وفرا، طمرا، شبرا)، ليخلق مؤشراً يستوقف متلقي الخطاب وهو (ابن حنيف)، وينبِّهه إلى السنة التي اتبعها إمامه، فيعرف بذلك مخالفته التي ارتكبها.

ومن هنا نشأت بين المتواليات مفارقةً بالأداء اللغوي، فهو من جانب يلتزم بالتوافق الكمي في البناء التركيبي للمتواليات، ومن جانب آخر ينتهك النظام

ص: 41


1- نهج البلاغة ، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 530

المعياري للملفوظات ، وهذه المفارقة تنقلنا إلى المفارقة بين فعل المرسل الرافض للدنيا ، وبين فعل المخاطب المخالف لما أراده منه إمامه. فبنية التوازي أصبحت تمثِّل (الترابط الموجود بين الثابت والمتحول، ففي أحد القطبين نجد استعادة ثابت، يمثِّل تكراراً خالصاً، وفي قطب آخر نجد غياب الثابت والمتحول، وهو بمثابة اختلاف خالص)(1)، وبذلك لم تقتصر وظيفة التوازي على البعد الإيقاعي المتأتِ من تكرار التراكيب وانتظامها، وإنَّما زاد على ذلك بتبليغ رسالة إلى المستقبل(2) . فهو يعمل على الجنبتين الإيقاعية و الدلالية .

وممَّا ورد من ذلك أيضا قوله (عليه السلام):

(وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِیبُ إِلَی طَعَامِ قَوْمٍ،عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ،وَغَنِیُّهُمْ مَدْعُوٌّ)(3) . فقد ورد التوازي في (عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ،وَغَنِیُّهُمْ مَدْعُوٌّ) والبنية التركيبية لهاتين المتواليتين متكونة من :

مبتدأ + ضمير (الهاء) في محل جر مضاف إليه + ميم الجماعة + خبر

عائل + ه + م + مجفو

غني + ه + م + مدعو

ص: 42


1- من النص المعياري إلى التحليل اللساني، الشعرية البنيوية أنموذجا ، خالد سليكي ، مجلة عالم الفكر، مجلد 23، العدد 1، 2، يوليو، سبتمر، اكتوبر، دیسمبر: 392
2- التوازي في شعر يوسف الصائغ وأثره في الايقاع والدلالة سامح الرواشدة، مجلة أبحاث اليرموك، م19، 26، 1998، ص19
3- نهج البلاغة ، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 529

فتوافقت البنية التركيبية، وكذا البنية الصرفية في (مجفو، مدعو)، والفاصلة (الواو) أيضاً، بالإضافة إلى أسلوب الطباق بين (عائلهم، غنيهم)، (مجفو، مدعو)، فحملت هذه الكلمات الأربع ثلاثة ألوانٍ بلاغية : (التوازي ، السجع، الطباق)، ما جعلها مثقلة بالحمولات الدلالية، ومشحونة بالانفعال والعاطفة، فشكلت مؤشراً اسلوبياً زاد من شدة فاعليته الطباق ؛ لأنَّ الكلمات المتناقضة أو المتخالفة في المعنى عندما تتقابل يحدث نوعٌ من التداعي والتبادر في سياق التعبير(1)، وهذا الأسلوب يجعل المستقبل أكثر تواصلية مع الرسالة، لأنَّه يحاول مسايرة المرسل باكتشاف الطرف المقابل للكلام وهو الضد لما ذُكِر.

ومن التوازي أيضاً قوله (عليه السلام):

(لَأَقَمْتُ عَلَيْكِ حُدُودَ اللَّهِ فِي عِبَادٍ غَرَرْتِهِمْ بِالْأَمَانِيِّ وَ أُمَمٍ أَلْقَيْتِهِمْ فِي المهاوي وَ مُلُوكٍ أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى التَّلَفِ وَ أَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلَاءِ إِذْ لَا وِرْدَ ولأ صَدْرَ) .

في هذا النص عمد المتكلم إلى التأنُّق الموسيقي المتواشج مع الارتقاء الدلالي، وذلك بواسطة التوازي الذي ابتنت عليه المتواليات في قوله (عليه السلام):

(فِي عِبَادٍ غَرَرْتِهِمْ بِالْأَمَانِيِّ وَ أُمَمٍ أَلْقَيْتِهِمْ فِي المهاوي وَ مُلُوكٍ أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى

ص: 43


1- لغة الشعر عند المعري ، د. زهير غازي زاهد: 30

التَّلَفِ)(1).

فجاءت المتواليات متوافقة على بنية تركيبية واحدة هي :

اسم مجرور + فعل ماضي + فاعل ضمير مستتر تقديره (أنتِ) + مفعول به + شبه جملة من الجار والمجرور

عبادٍ + غررت + أنتِ + هم + بالأماني

أممٍ + ألقيت + أنتِ + هم + في المهاوي

ملوكٍ + أسلمت + أنتِ + هم + إلى التلف

وهذا الانتظام الموسيقي منح النص بعداً تأثيرياً ساهم في تحريك المشاعر؛ لأنَّ (أثر الكلمة الملفوظة لا يتحدد في إثارة حاسة السمع، وإنما في إثَّارة الجوانب الروحية الكامنة في ذات الإنسان أيضاً)(2).

وممَّا سبق يمكننا القول أنَّ الموسيقى الصوتية تُعدُّ من الأدوات المثلى لتذوق شعرية النص الأدبي؛ ولذلك يسعى المتلقي الواعي بجهد حثيث من أجل التعرف عليها وعلى ما تحمل من رمزية ، فهي (أداة تبليغ مثلى للتعبير عن الحالات النفسية والمواقف العاطفية)(3)، فضلاً عن إنَّها بنية فكرية(4) تساهم في بناء الجو العام للنص الأدبي.

ص: 44


1- نهج البلاغة، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 534
2- جرس الألفاظ ودلالتها في الجهد البلاغي والنقدي عند العرب، د. ماهر مهدي هلال : 310
3- نظرية إيقاع الشعر العربي : 42
4- ينظر: التقابل الجمالي في النص القرآني : 214

المبحث الثاني المستوى التركيبي

ص: 45

ص: 46

المبحث الثاني: المستوى التركيبي

اشارة

يتعامل الأديب مع اللغة بطريقة خاصة، وحرفة متقنة تتلاءم مع ما يمتلك من رصيد ثقافي ومعرفي، فهو يبتعد في جُلِّ عباراته عن التعبيرات السطحية والأنساق اللغوية المتعارفة، والمعاني التقريرية المألوفة، إلى التراكيب المبتكرة ، واللغة التصويرية التي تناغي اصالته الإبداعية، وهو في ذلك يتعامل مع مواد أولية ذات خواص معجمية قابلة للتركيب والتعديل والزراعة في السياق بشكل متطور متجدد ذي نمط أسلوبي يحمل بصمتة الخاصة(1)، فيعمل على (اجتراح علاقات جديدة تقود إلى ضخ دماء جديدة في السياق تبعث فيه الحيوية والمغايرة)(2)، بهدف إثارة المتلقي والتأثير به، إذ القيمة ليست في المفردات ذاتها، ولا في النظام النحوي ؛ ولكن (في الاختيار الدقيق بين المفردات

ص: 47


1- ينظر : جدلية الإفراد والتركيب : 181
2- التلقي والنص الشعري - قراءة في نصوص شعرية معاصرة من العراق والأردن وفلسطين والإمارات، ذياب شاهين : 134

والنظام النحوي، والكلمة في التركيب غيرها مجردة مفردة، لأنَّها مجردة مفردة لا هوية لها ولكن شخصيتها الدلالية تتميز عندما توضع في تركيب)(1) يقترحه المبدع أو يختاره من بين متاحات متعددة، أو يتعمد فيه إلى خرق النظام المعياري المتعارف للغة بغية الوصول إلى شكل لغوي يتوافق مع انفعاله ومقصديته .

وسنحاول في هذا المبحث تلمس أهم المواطن التركيبية التي شكلت وقفات أسلوبية ساهمت في كشف خصائص أسلوب المرسل في رسالته.

أولا: التقديم والتأخير

اشارة

يعدُّ التقديم والتأخير أصل من أصول العربية، تتمتع الكلمة فيه بقدرٍ وافرٍ من حرية الحركة(2)، ذلك أنَّها في (أثناء الجملة تحمل معها ما يدلُّ على صفتها الإعرابية ، وما دام للكلمة مثل هذه الصِّفة فلها من الحرِّيَّة في التَّنقل في أثناء الجملة ، ما لم يكن لغيرها من الكلمات في غير العربيَّة) (3)، فهي تلازمها أكثر من غيرها من اللغات، وهي قضية ذوق لغوي أكثر من كونها مذهباً نحوياً ، ذلك أنَّ هناك نظاماً معیارياً معتاداً يطرق الذهن من أول وهلة، وهو غير صارم يمكن مخالفته، بل فيه من المسامحة ما يكفي في إغراء المبدع في مخالفته والتمرد

ص: 48


1- النحو والدلالة - مدخل لدراسة المعنى النحوي الدلالي ، د. محمد حماسة : 171
2- ينظر: إحياء النحو، إبراهيم مصطفى: 56
3- النحو العربي ، نقد وتطبيق : 87، ينظر: نحو وعي لغوي ؛ مازن المبارك : 73 وما بعدها

عليه، ومجرد المخالفة ينبئ عن قصدٍ ما يثير انتباه السامع، وتلك سمة أسلوبية تقتضي من المتلقي الواعي تتبعها من أجل بيان أثرها وفعاليتها في الرسالة(1) ، وقد عدَّه عبد القاهر الجرجاني (ت 471ه) من خصائص النظم، فقال عنه :

(فلا تزال ترى شعراً يروقك مسمعه، ويلطف لديك موقعه، ثمَّ تنظر فلا تجد سبب أن راقك ولطف عندك، أن قُدِّم فيه شيء، وحوّل اللفظ عن مكانه إلى مكان آخر)(2).

وقد شكَّل التقديم والتأخير خصيصةً أسلوبيةً مائزةً في مدونة البحث، وكانت ترتكز في أغلب مواضعها على ثلاثة أغراض:

1. الاهتمام

وهو من المعاني المهمة التي تترشَّح عن خصيصة التقديم والتأخير، وقد قال عنه سيبويه : (إنَّما يقدِّمون الذي بيانه أهم لهم وهم ببيانه أعني)(3).

وممَّا ورد من هذا المعنى قوله (عليه السلام):

(فَاتَّقِ اللّهَ یَا بْنَ حُنَیْفٍ ، وَلْتَكْفُفْ أَقْرَاصُكَ ؛ لِیَكُونَ مِنْ النَّارِ خَلاَصُكَ )(4).

(لِیَكُونَ مِنْ النَّارِ خَلاَصُكَ) هذه الجملة تمثل خاتمة الرسالة، ولم يأتِ بها

ص: 49


1- ينظر: اللغة ، ج. فندریس، تعریب عبد المجيد الدواخلي، ومحمد القصاص: 187
2- دلائل الإعجاز : 106
3- كتاب سيبويه : 34/1
4- نهج البلاغة ، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 536

المرسل على النظام المعتاد، بل جاء بها وفق هندسة بنائية تخالف ما أعتدت عليه أذن المستقبل، فقدَّم (من النار) وهو خبر (ليكون)على اسمها (خلاصك) من أجل تشكیل وقفة تأمُليَّة عند متلقي الرسالة تستوقفه ؛ وتمتدَّ به إلى فترة زمنية أكثر ممَّا لو أنهى الرسالة على وفق النظام المعتاد، إضافة إلى ذلك ما تحمله المتوالية من دلالة تشتمل على تعليل لما سبق عرضه في النص، وهو في حالة الالتزام بما سبق سيكون الخلاص من النار، وهذا بحدِّ ذاته يستثير المستقبل ويستوقفه ويعمل على تدعيم التواصل، ويكشف أيضاً عن اهتمام المرسل بالخبر (من النار) ولذلك قدمَّه وجاء به على غير موضعه. ومن هذا المعنى أيضاً قوله (عليه السلام):

(أَلا وَ إِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ وَ يَسْتَضِىءُ بِنُورِ عِلْمِهِ)(1) .

فقدم خبر (إنَّ) (لكلِّ) على اسمها (إماماً)، فأصبح للكلام قيمة شعرية وإيصالية في غاية من الأهمية لم تأت بدون هذا الخرق، إذ يسهم الموقع الجديد للكلمة في تفسير قيمة التقديم الفنية(2)، وتقديم لفظة (مأموم) جاء لبيان أهميتها في السياق لما لها من مركزية في الكلام، فهي تستحوذ على اهتمام المرسل؛ لأنَّ غرض الرسالة إنَّما جاء من أجل المأموم، ومن أجل بيان مخالفته

ص: 50


1- نهج البلاغة ، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 530
2- شعر صلاح عبد الصبور - دراسة أسلوبية (رسالة ماجستير)، أنسام محمد راشد، كلية التربية ، الجامعة المستنصرية، 1997: 170

لإمامه ، فالتقديم هنا جاء لغرض بیان قيمة هذه اللفظة التعبيرية .

ومما ورد أيضا قوله (عليه السلام) :

(وَ سَدَّ فُرَجَهَا التُّرَابُ الْمُتَرَاكِمُ)(1).

فقدم المفعول به (فُرَجَها) على الفاعل (التُّرابُ).

فالمرسل كان مهتماً بانغلاق الحفرة التي هي القبر، ولذلك قدَّم (فرجها) وهي فتحت الحفرة على التراب وهو مادة الغلق، لأنَّ اهتمام المرسل كان منصباً في بيان كون الحفرة (القبر) مهما كانت سعتها فهي بالتالي تنغلق على الميت معلنةً نهاية علاقته بالدنيا. فذهن المتكلم وهو يفكّر في تكوين جملة ، يكون متلّبساً (ببعض الأفكار أكثر من بعضها الآخر، والفكرة الأهم هي الَّتي تشغل ذهن المتكلّم أولا فيكون التعبير عنها بكلمات تنطلق أولاً أيضاً، لأن الجملة صورة لما يتسلسل في ذهن المتكلّم)(2).

2. التشويق

وهو من المعاني التي تترشَّح عن خرق الانتظام اللغوي بتقديم ما حقُّه

التأخير في الكلام (3).

ص: 51


1- نهج البلاغة، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 531
2- نظام الجملة العربية ؛ سناء البياتي : 41؛ وينظر : اللغة ؛ فندريس : 188، 192 ، 195
3- ظ : مفتاح العلوم :291، 337، 340، 342، البرهان في علوم القرآن : 151/3

وممَّا ورد منه قوله (عليه السلام):

(وَ تَوَسَّدَتْ كفها فِي مَعْشَرٍ أَشْهُرٍ عیونهم خَوْفُ مَعَادِهِمْ)(1).

فقدَّم المفعول به (عُيُونَهُم) على الفاعل (خُوفُ)، وذلك من أجل تشویق المستقبل وتوثيق تواصله مع المرسل، لأنَّ المتكلم عندما قدَّم (عيونهم)، وهو المفعول به أحدث عند المستقبل تشويقا لمعرفة سبب سهر العيون، الذي أخَّره عن موقعه المعياري ابتغاء جذب الانتباه والتركيز، وهذا الأسلوب يعمل كمنشطٍ للتواصل الذي قد يخفت في بعض الأحيان فينعشه المتكلم بمثل هذه الأساليب التي يكثف فيها (المستوى الجمالي للتعبير عن طريق خلق بنية تتداخل فيها العلاقات وتتبادل فيها التفاعلات بفنية تعتمد قيمتها من النحو الابداعي)(2).

3. التخصيص

وهو من المعاني التي تنتج عن طريق خلخلة النظام النحوي، وذلك بتقديم بعض المفردات على بعض(3)، ومن المواقع التي وردت بهذا المعنى قوله (عليه السلام):

ص: 52


1- نهج البلاغة ، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 536
2- البلاغة والأسلوبية ، محمد عبدالمطلب : 248
3- ينظر: مفتاح العلوم :291، 337، 340، 342، البرهان في علوم القرآن : 151/3 وما بعدها

(بَلى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ، فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ ، وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ آخَرِينَ ، وَ نِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ)(1).

قدم خبر (كانت) وهو (في أيدينا) على اسمها (فدك)، وأراد من هذا الخرق المعياري لفت انتباه المتلقي إلى عبارة (في أيدينا) لما لها من خصوصية، وكذلك ليبين أنّ التصرف في فدك كان من خصوصيتهم (عليهم السلام)؛ لأنّ التقديم يفيد معنى التخصيص، وقد ترشّح هذا المعنى من خلال خلخلة النظام المعياري المعتاد تبعها انتقائية مقصودة للمفردات، ثمَّ بناؤها وفق سمات أسلوبية تتلاءم مع الرسالة الذي يريد الباث إيصالها إلى المستقبل، وبهذا الفهم يكون التقديم والتأخير بنية خاصة تفيد دلالة معينة لا يمكن أن تتأتي من البناء الأصلي للعناصر اللغوية(2).

ومن هذه النصوص نستشف ثورة المتكلم على النظام المعياري، وميله إلى تشكیل كیان علائقي يليق بالمفهوم التأثيري الذي يريد أن يوجده في المستقبل ، فيبني (كیان علائقي في المفهوم التأثيري كما هو في المفهوم التعبيري)(3)، وهو لا يقصد دائماً من الخرق تولید دلالات جديدة، لأنَّ خلخلة بعض المواقع

ص: 53


1- نهج البلاغة ، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 530
2- ينظر: التفكير الأسلوبي رؤية معاصرة في التراث النقدي والبلاغي في ضوء علم الأسلوب الحديث : 199
3- البلاغة والأسلوبية - نحو نموذج سيميائي لتحليل النص ، هزیش بلیث ، ترجمة: محمد العمري : 35

للكلمات (لا يغير بالضرورة دائماً في المعنى الأساسي للجملة، ولكنَّه قد يحدث تأثيراً معنوياً أسلوبياً ينقل مواقع التركيز المعنوي من كلمة إلى أخرى)(1)، عن طريق إبراز هذه الكلمة بشكل يتحقق معه الهدف المبتغى من الرسالة.

ثانيا: الحذف

يُعدُّ الحذف من الممارسات التي تشترك فيها اللغات الإنسانية كافة، وهو في العربية أكثر وضوحاً من غيرها ؛ لما جُبِلَت عليه العربية من الميل للإيجاز(2)، ويعرف بأنَّه : (إسقاط جزء الكلام أو كلَّه لدليل)(3) أو هو (إسقاط لصيغ داخل النص التركيبي في بعض المواقف اللغوَّية، وهذه الصيغ يفترض وجودها نحویًّا ؛ لسلامة التركيب وتطبيقاً للقواعد)(4)، ولذلك عدَّ من مؤشرات الانحراف عن المستوى المعياري في الجملة(5)، وقد قال عنه عبد القاهر الجرجاني : (هو باب دقيق المسلك، لطيف المأخذ، عجيب الأمر، شبیه بالسحر، فإنّك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة

ص: 54


1- التطور الدلالي بين لغة الشعر ولغة القرآن - دراسة دلالية مقارنة، عودة خليل أبو عودة : 75
2- ظاهرة الحذف، طاهر سليمان حمودة : 9
3- البرهان في علوم القرآن، محمد بن عبد اللّه الزركشي : 3/ 102
4- الحذف والتقدير، علي أبو المكارم: 200
5- ينظر : المصطلحات الأساسية في لسانیات النص، نعمان بوقرة ، 106

أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتَّم ما تكون بياناً إذا لم تُېِن)(1)، فالحذف يمثل ظاهرة أسلوبية تعمل على تفجير الشحنات الفكرية لدى المستقبل وجعل ذهنه في حالة استنفار دائم(2).

وقد ورد بصور متعددة في مدونة البحث، منها على سبيل المثال قوله (عليه السلام):

«ولو شِئْتُ لاهْتَدَیْتُ الطَّریقَ إلی مصَفَّی هذا العَسَلِ ، ولُبابِ هذا القَمْحِ ، ونَسائِجِ هذا القَزِّ»(3).

عمد المرسل في هذا الموقع إلى حذف المفعول به للفعل (شئت)، وذلك من أجل ترشيق الأداء، ولعدم الحاجة إلى ذكره لوضوح الكلام بدونه إذ التقدير :

(ولو شئت الهداية لاهتديت الطريق)، فكان الغرض طلب الإيجاز الذي يستدعيه المقام التواصلي ولو (ظهر المحذوف لنزل قدر الكلام من علوِّ بلاغته ، ولصار إلى شيء مُستَدرَك مسترذل، ولكان مبطلاً لما يظهر على الكلام من طلاوة الحسن والرِّقة)(4)، وبهذا يكون للحذف غايات أسلوبية لا تتأتي فيما لو ذكر المحذوف.

ص: 55


1- دلائل الإعجاز، عبد القاهر الجرجاني : 146
2- الأسلوبية - مدخل نظري ودراسة تطبيقية ، فتح اللّه احمد سليمان : 29
3- نهج البلاغة، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 531
4- الطراز، العلوي : 2/ 51

ومن مواضع الحذف الأخرى قوله (عليه السلام):

(هَیْهاتَ مَنْ وَطِیءَ دَحْضَكِ زَلِقَ ، وَ مَنْ رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ ، وَ مَنِ ازْوَرَّ عَنْ حِبالِكِ وُفِّقَ ،وَالسّالِمُ مِنْكِ لا یُبالِی إنْ ضاقَ بِهِ مُناخُهُ)(1)

عندما يقرأ المتلقي هذا النص يكتشف من الوهلة الأولى وجود فراغات قد تعمَّد المرسل في إيرادها، ليجعل منها منبهاً أسلوبياً دلالياً يستوقف المستقبل، ولو تمعَّنا به لوجدنا الفراغات الأولى تكمن في جواب الشرط في قوله (زلق ، غرق، وفق) وهذه الأفعال تتعدى إلى المفعول به عن طريق حرف الجر، ولم يُذكَر المتعلق لدلالة ما قبله عليه، والتقدير : (من وطئ دحضك زلق في دحضك، ومن ركب لججك غرق في لججك، ومن ازور عن حبائلك وفق في ازوراره)، ولو تتبعنا النص إلى آخره لوجدنا المرسل يوسِّع من دائرة الحذف حتى يصل إلى حذف جواب الشرط بأكمله ، وذلك في قوله (عليه السلام):

(وَ السَّالِمُ مِنْكِ لَا يُبَالِي أَنْ ضَاقَ بِهِ مُنَاخُهُ).

فحذف جواب الشرط في قوله (عليه السلام): (إن ضاق به مناخه)، والتقدير : (إن ضَاقَ بِهِ مُنَاخُهُ) لا يبالي، وما سوَّغ الحذف في هذا الموضع دلالة ما سبق على الكلام المحذوف ، بحيث يستطيع المستقبل تقديره بمجرد العودة إلى الكلام السابق، وهذا ما يجعل الحذف وسيلة مهمة من وسائل التماسك

ص: 56


1- نهج البلاغة ، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 534

النصي(1)؛ لكونه يمثل علاقة قبلية عندما يكون تقدير المحذوف بالرجوع إلى ما سبق من الكلام(2)، وهكذا أسلوب في الكلام يجعل من المتلقي في تواصل دائم مع مفاصل النص من أجل ردم الفراغات التي قد تظهر في ثناياه، ولا يحدث الحذف اعتباطاً وإنَّما تحدده متطلبات السياق(3) .

ويظهر من النص المتقدم أن الحذف حقق تناسب أسلوبياً وفضاءً دلالياً أوسع ممَّا يحققه النص لو ذكر المحذوف، لأنَّه سيجعله بدائرة المذكور وسيقید ذهن المتلقي بما ذُكِر، ولكن لمَّا وقع الحذف وبالموقع المناسب خلق فضاءاتٍ مفتوحةً في النص، وأعطاه شيئاً من الامتداد والشمولية، وكذلك منح المستقبل حريةً في استشعار المحذوف بما يتناسب مع أفقه وثقافته، فحذف متعلق (زَلِقَ وغَرِق ووُفِّق) لكي يعطي مساحات واسعة، وتقديرات مفتوحة تشمل كل ما من شأنه أن يكون مزلقا للإنسان في الدنيا، وكذا في (غرق)، أمَّا (وفق) فإنَّها تأخذ مساراً دلالياً بشكل مفاجأةً أسلوبيةً للمستقبل؛ لأنًّ التقدير فيه سيأخذ الجانب المضاد لما سبق، فينتقل الذهن من تصور الجوانب السلبية إلى الجوانب الايجابية المتأتية عن كل ما من شأنه جلب التوفيق للإنسان، ومن هنا يكون الحذف في موقعه المناسب أبلغ بياناً من الذكر وأعمق في الدلالة، وقد قال

ص: 57


1- النص والخطاب والإجراء: روبرت ديبوجراند، ترجمة : د. تمام حسان 301
2- ينظر:لسانیات النص - مدخل إلى انسجام الخطاب،محمد الخطابي، 21
3- الإسلام والأدب ، محمود البستاني : 109

الجرجاني عن هكذا نوع من الحذف : (رُبَّ حذفٍ هو قلادة الجِيد وقاعدة التجويد)(1).

ثالثا: الاستفهام

الاستفهام : استخبار، والاستخبار هو طلب من المخاطب الاستعلام عن أمر ما(2)، وقد يكون سؤالاً عمَّا لا علم للمتكلم به، أو عمَّا هو معلوم(3)، والأول يُسمَّى استفهاماً حقيقياً وهو الأصل، أمَّا الآخر فيطلق عليه الاستفهام غير الحقيقي، وهو الذي يخرج إلى دلالات أخرى يكشف عنها السياق بمعيَّة القرائن(4)، والمعول عليه في ذلك (أن يكون المستفهم ليس في حاجة إلى فهم شيء من المخاطب بالاستفهام، بل هو ينشئ معاني يقتضيها المقام قاصداً إعلام المخاطب بها، لا أن يستعلم هو من المخاطب عن شيء)(5)، وهذا ما يُسمَّى بتجاهل العارف. والاستفهامات الواردة في مدونة البحث تنتمي للنوع الثاني (الاستفهام غير الحقيقي).

وممَّا ورد منه قوله (عليه السلام):

ص: 58


1- دلائل الإعجاز: 116
2- ينظر: دلائل الإعجاز : 14 ، نهاية الإيجاز : 158
3- ينظر : البرهان في وجوه البيان : 113
4- ينظر: الإيضاح في علوم البلاغة الخطيب القزويني :68/3
5- التفسير البلاغي للاستفهام في القران الكريم:5/1

«أأقْنَعُ مِنْ نَفْسِی بِأَنْ یُقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ وَ لاَ أُشَارِكُهُمْ فِی مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَهً لَهُمْ فِی جُشُوبَهِ الْعَیْشِ فَمَا خُلِقْتُ لِیَشْغَلَنِی أَكْلُ الطَّیِّبَاتِ كَالْبَهِیمَهِ الْمَرْبُوطَهِ هَمُّهَا عَلَفُهَا أَوِ الْمُرْسَلَهِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا وَ تَلْهُو عَمَّا یُرَادُ بِهَا أَوْ أُتْرَكَ سُدًی أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلاَلَهِ أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِیقَ الْمَتَاهَهِ»(1).

في هذا النص ورد استفهام غير حقيقي، لأنَّ المتكلم فيه لا يبتغي الجواب من المخاطب، وإنَّما يهدف من تساؤله دلالة أخرى تتضمن نفي ما ورد من معنى، وبذلك خرج الاستفهام عن معناه الحقيقي لإفادة دلالة جديدة انبثقت عن السياق، وهي الإنكار(2)، وبه ينكر المخاطب ما ورد في التساؤل، فهو لا يقنع بأن يقال له أمير المؤمنين مع عدم مشاركتهم في مكاره الدهر، أو ألَّا يكون لهم أسوة في جشوبة العيش.

وقد تكرر الاستفهام بالهمزة في موضع آخر، وذلك بقوله (عليه السلام):

«أتمتلىء السائمه مِنْ رِعْيِهَا فتبرك وَ تَشْبَعُ الربيضه مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ وَ يَأْكُلُ عَلِىُّ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعُ قَرَّتْ إِذاً عینه إِذَا أَقْتَدِي بَعْدَ السِّنِينَ الطاولة بِالْبَهِيمَةِ الْهَامِلَةِ وَ السَّائِمَةِ الْمَرْعِيَّةِ»(3)

ص: 59


1- نهج البلاغة ، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 532
2- ينظر: البرهان في علوم القران : 328/2
3- نهج البلاغة ، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 535

وهنا ورد أيضا استفهام بواسطة الهمزة وهو غير حقيقي خرج لإفادة معنی التعجُّب من أن يكون المتكلم همُّه الزاد، وإذا حصل عليه هجع واستقر، وفيه تعريض بمستقبل الرسالة بألَّا يكون كما تكون البهيمة التي همُّها زادها من غير أن تفكر بمصدره، ولا بالسبيل الذي أوصله إليها، وإنَّما غاية ما تبتغيه هو الوصول إليه وبأي طريقة كانت، وهذا الأمر يرشدنا إلى ما فعله المستقبل (ابن حنیف) من تلبيته المسرعة لدعوة أحد فتيان البصرة، فهو لم يسأل عن مصدرها أو عن المدعوين إليها، ولذلك عاتبه المرسل بوصفه لهذه المأدبة بأنَّها أُعدّت للأغنياء، أما الفقراء فلم يكن لهم سبيل إليها، ولم يكن ابن حنيف منتبه لذلك وإنَّما شغلته مناقلة الصحون وطيب الأكل، وهذا المعنى نجده بقوله (عليه السلام):

«أمَّا بَعدُ ، یا بنَ حُنَیف ٍ ، فَقَدْ بلَغَنِی أنَّ رَجُلاً من فِتیَهِ أهْلِ البَصْرَهِ دَعاكَ إلی مأْدُبَه ، فأسْرَعْتَ إلیْها ، تُسْتَطَابُ لكَ الألوَانُ ، وتُنْقَلُ إلیْكَ الجِفْانُ ، وما ظَنَنْتُ أنَّك تُجِیبُ إلی طَعامِ قَوْمٍ عائِلُهم مَجْفُوٌ ، وغَنِیُّهُم مَدْعُوٌّ »(1)

وممَّا ورد من الاستفهام أيضا قوله (عليه السلام):

«إِلَيْكِ عَنِّي يَا دُنْيَا فَحَبْلُكِ عَلى غَارِبِكِ ، قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ ، وَ أَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ ، وَاجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ ، أَيْنَ الْقَوْمُ الَّذِينَ غَرَرْتِهِمْ بِمَدَاعِبِكِ ، أَيْنَ الْأُمَمُ الَّذِينَ فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِكِ ؟ هَا هُمْ رَهَائِنُ الْقُبُورِ، وَ مَضَامِينُ

ص: 60


1- نهج البلاغة ، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 529

اللُّحُودِ)(1)

ورد الاستفهام في هذا النص بواسطة اسم الاستفهام (أين)، الذي يسأل به عن المكان(2)، وهو غير حقيقي لأنَّه موجَّه إلى غير العاقل (الدنيا)، وبذلك لا يبتغي المتكلم الجواب منها، بل هو أجاب بالنيابة عنها بقوله : (هَا هُم رَهَائِنُ القُبُورِ، وَمَضَامِينُ اللُّحُود) ، فخرج الاستفهام عن معناه المباشر إلى معنى آخر ثانوي ينبثق من السياق وهو التعجب، فالمرسل في صدد التعجب من فعل الدنيا بالقرون والأمم ، فهي غرَّتهم بالمداعبة، وفتنتهم بالزخارف، ولمَّا أقبلوا عليها وأجابوها لما تريد تخلَّت عنهم لتتركهم رهائن القبور، ومضامين اللحود، ورهين القبر أي حبيسه(3)، أمَّا مضامين اللحود فمعناها ودائع اللحود(4)، فالمرسل يُذكِّر المستقبل بما تؤول إليه عاقبة من تغرُّه الدنيا بمداعبها أو بزخرفها، فإنَّه سينتهى به الأمر إلى أن يكون حبيس القبر، ووديعة عند اللحد إلى اليوم الذي سيوفَّى به أجر ما عمل، وستتخلَّى عنه الدنيا وتتركه إلى لا رجعة ولا لقاء، وبذلك عليه ألَّا يغترَّ ببهرج الدنيا الزائف.

إلى هنا يمكن القول أنَّ أسلوب الاستفهام كان حاضراَّ في مدونة البحث وقد وظَّفه المرسل بشكل مقصود فأنتج غاياتٍ فاعلة شكّلت محوراً أسلوبياً

ص: 61


1- المصدر نفسه : 533 -534
2- ينظر : كتاب سيبويه : 219/1، شرح المفصل : 45/7، مفتاح العلوم : 15
3- ينظر : العين الخليل بن أحمد الفراهيدي : 44/4 (مادة : رهن)
4- ينظر: المحكم والمحيط الأعظم : 214/8 (مادة : ضمن)، لسان العرب : 275/13

متميزاً، وكان حضوره في الأداء التعبيري أكثر من مساهمته في الأداء الوظيفي للغة، ولا سيّما إذا عرفنا أنَّ الاستفهامات كلَّها كانت من باب تجاهل العارف، الذي لا يبتغي الجواب بقدر ما يهدف إلى إثارة المستقبل وتنبيهه من الغفلة، ولومه على انشغاله بمغريات الدنيا الزائلة الفانية.

وما سبق عرضه من النصوص التي ورد فيها الاستفهام لا يمكن تقييدها بما تمَّ تأويلهِ، لأنَّ (بنية الاستفهام الواحدة قد يُستَشَفُّ منها أكثر من دلالة، لذا قد تختلف وجهات النظر حولها تبعاً لوقعها في النفس)(1)، ومن هنا عُدَّ الاستفهام بنية توليدية تتجاوز فيها الصياغة المعنى الأصلي إلى معانٍ جديدة يتمُّ الوصول إليها عن طريق القرائن(2).

رابعاً: التوكيد

وهو معنى أسلوبي مكتنز بالدلالة وليس مجرَّد وظيفة نحوية شكلية(3) ، وغرضه تقوية الشيء وتمكينه في النفس، وذلك بإزالة الشكوك وإماطة الشبهات عن الخبر الوارد في الرسالة(4).

وقد ورد التوكيد في مدونة البحث بصورٍ متعددة منها :

ص: 62


1- تحولات البنية في البلاغة العربية : 115
2- ينظر: تحولات البنية في البلاغة العربية : 105
3- ينظر: التداولية عند العلماء العرب : 206
4- ينظر : الطراز : 176/2 ، النحو العربي نقد وتوجيه : 234

قال (عليه السلام) :

«أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً،یَقْتَدِی بِهِ وَیَسْتَضِیءُ بِنُورِ عِلْمِهِ؛أَلَا وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَی مِنْ دُنْیَاهُ بِطِمْرَیْهِ،وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَیْهِ،أَلَا وَإِنَّكُمْ لَاتَقْدِرُونَ عَلَی ذَلِكَ،وَلَكِنْ أَعِینُونِی بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ،وَعِفَّهٍ وَسَدَادٍ»(1)

وقوله (عليه السلام):

«وَ كَأَنِّي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ : إِذَا كَانَ هَذَا قُوتَ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الْأَقْرَانِ وَ مُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ ؛ أَلا وَ إِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً، وَالرَّوَائِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً، وَالنَّبَاتَاتِ الْبَدَوِيَّةَ أَقْوى وُقُوداً، وَ أَبْطَأُ خُمُوداً»(2)

في النصِّ الثاني يستحضر المتكلم حالة السامع ويقرأ ما يدور في خلده من تصوراتٍ حول الكلام السابق ، فهو قد بين نوعية طعامه وملبسه بقوله :

»َلَا وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَی مِنْ دُنْیَاهُ بِطِمْرَیْهِ،وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَیْهِ».

(والطمر : الثَّوب الخَلَق)(3)، أمَّا (القرص): فالمقصود به الخبز(4)، والمعنى أنَّ المتكلم يصف نفسه بأنَّه إمام قد اكتفى من الدنيا بثوبين خَلِقَين ومن الطعام

ص: 63


1- نهج البلاغة، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 530
2- نهج البلاغة، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح : 532
3- جمهرة اللغة : 759/2 (مادة : طمر)
4- ينظر : تهذيب اللغة : 284/2 (مادة : قرص)

برغيفين من الخبز، ولمَّا كان هو البطل المجرَّب الذي لا يقهر ولا يغلب، أحسَّ بنزوع الشك ودبيبه في ذهن المستقبل، والشك يكمن في كيفية اجتماع هذه القوة الهائلة مع الطعام البسيط (رغيفين من الخبز) ، ولذلك سارع المرسل إلى ردم هذه الفجوة في الاستقبال ومعالجة الشك بتوكيد الخبر مع شاهد محسوس من الطبيعة، فجاء بمقارنة موضوعها النبات وكمية الغذاء الذي يحصل عليه من الأرض والسماء ، والبيئة التي يعيش فيها، فابتدأ بالشجرة البرية، وهي الشجرة التي تنبت في الصحراء(1) ، وبطبيعتها تكون أصلب عوداً، أما إذا ذهبنا في الجهة المقابلة وهي (الروائع الخَضِرَة): وتعني النباتات التي تنبت في الأرض التي يتوفر فيها كل شيء من خصوبة التربة ووفرة المياه ؛ ولذلك فهي في سعة لا يمنع عنها شيء، ومع ذلك فإنَّ هذه النباتات تتميز بهشاشتها ونعومتها ورقتها ما يجعلها خير مناطق الرعي(2).

ولم يكتف المرسل بذلك وإنَّما عزَّز كلامه بمثال آخر وهو (النّابِتَات العِذيَة): وهي (الزَّرع الَّذِي لا يُسقى إلَّا مِن ماءِ المَطَرِ لبُعدِه مِنَ المِياهِ)(3) ، وهذه النباتات تكون أقوى وقوداً للنار وأبطأ خموداً فيها. ووجه المقارنة التشابه ما بين المرسل الذي يكتفي بالطعام البسيط جداً لكنَّه يمتلك قوةً عظيمةً وبأساً شديداً، شديدا، وبين نباتات الصحراء التي تفتقر إلى الخصوبة وإلى الماء ولكنَّها

ص: 64


1- ينظر: تهذيب اللغة : 134/15 (مادة: بَرَّ)
2- ينظر : لسان العرب : 113/8 (مادة : رَتَعَ)
3- المحكم والمحيط الأعظم : 229/2 (مادة : عَذَيَ)

مع ذلك تكون أصلب عوداً، وكذلك النباتات العذية وهي التي تعيش على ماء المطر وبطبيعة الحال يكون ماء المطر قليلاً لهذه النباتات ؛ لأنَّه يكون ضمن فصل معين من السنة، ومع هذا فهي أقوى وقوداً للنار، وأبطأ خموداً فيها أمَّا النباتات التي يتوفر لها كل شيء ولا يمنع عنها شيء فتكون رقيقةً ناعمةً هشَّة، وبذلك لا تعد كثرة الطعام وتنوعه مقياسا للقوة والشجاعة، بل يكون العكس في أغلب الأحوال، وهذا ما يثبته الواقع، إذ تجد في الأعم الأغلب الأشخاص المميزين ينتمون إلى عوائلٍ فقيرة عرِكتهُم قلة المعونة واختبرهم العوز أيَّما اختبار، فصاروا يلمعون من شدة طرق النوائب. فالمرسل قد برهن على ما جاء به مؤكداً برهانه ب- (أنَّ) التي يكون الأصل فيها أن تأتي للتوكيد ، ولا يحتاجها المتكلم في الخبر الذي ليس للمخاطب ظنٌّ في خلافه(1) ؛ ولذلك جاء بها المتكلم عندما أحسَّ بتسرب الشك إلى ذهن المستقبل، من أجل يستحكم الخبر في نفسه (لانَّ وظيفة الخبر حينئذٍّ هي تثبيت هذا المعنى في تلك النفس الرافضة له، فلا بدَّ أن تكون العبارة ووثاقتها ملائمة لحال النفس، قادرة على الإقناع)(2)

وبهذا الأسلوب فإنَّ المرسل يمنح حالة الاستقبال وما ينبثق عنها من مستجدات حال التواصل أهمية بالغة، فيسعى إلى اطفاء عناصر التشويش التي قد تحدث بس بسبب كمية المعلومات الجديدة من جهة، وغرابتها من جهةٍ

ص: 65


1- ينظر : دلائل الإعجاز: 325
2- خصائص التراكيب : 81

أخرى بأساليب لغوية مضادة.

ومن أساليب التوكيد التي استعلمت في مدونة البحث وشكّلت خصيصة أسلوبية (القَسَم)، الذي تكرَّر خمس مرات بصيغته الصريحة المباشرة، ومن تلك المواضع قوله (عليه السلام) :

«فَوَ اللَّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْیَاكُمْ تِبْراً وَ لَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً وَ لَا أَعْدَدْتُ لِبَالِی ثَوْبِی طِمْراً»(1)

وقوله (عليه السلام):

«وَاللّهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا، وَ لَوْ أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا، وَ سَأَجْهَدُ فِي أَنْ أُطَهِّرَ الْأَرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوسِ وَالْجِسْمِ الْمَرْكُوسِ ، حَتّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ بَيْنِ حَبِّ الْحَصِيدِ»(2)

ابتدأت النصوص السابقة بالقسم الصريح، وهذا بطبيعته يجلب انتباه المستقبل ويسترعي تركيزه ويثير اهتمامه ويشعره بأنَّه يحمل رسالة مهمة، ما يجعله يتوجَّه إليه بكافة حواسه؛ لأن المتكلم عندما يبدأ كلامه بالقسم فذلك يعني أنَّه سيأتي بكلام مهم يستدعي الانصات له والاهتمام به ، فكأنَّ المرسل في النصوص السابقة يحاول استثارة المستقبل وتحريك كل قنواته التواصلية من

ص: 66


1- نهج البلاغة، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح : 530
2- المصدر نفسه : 533

أجل أن يستحكم كلامه في ذهنه، فبدأ بقسم صريح لكون الكلام الذي بعد القسم يستدعي التركيز من المستقبل، فهو في النص الأول تكلم عن حقيقة علاقته بالدنيا التي لم يأخذ منها شيئاً، وبالتالي على المستقبل الذي يأتمُّ ألَّا تغرَّه الدنيا فيعطيها أكثر ممَّا تستحق، وفي النص الثاني كذلك ابتدأه بالقسم، وكان موضوعه بيان مدى القوة الإيمانية التي يتمتع بها المرسل، وكذلك الثبات ورباطة الجأش على الموقف السليم، وإن عارضت العرب بأسرها فإنَّه عازم على تطهير الأرض من (معاوية بن أبي سفيان)، وهذا الأمر يستلزم من المستقبل كذلك الثبات على مواقفه حتى وإن تفرقت عنه الناس فيما إذا لم يجب الولائم التي تكون خاصة بالأغنياء دون الفقراء، فإنَّ عليه الالتزام بما يمليه عليه الواجب الشرعي الذي يتطلب مراعاة كافة فئات المجتمع.

وقد يلجأ المرسل إلى تأكيد خطابه بأكثر من مؤكد، كما في قوله (عليه السلام) :

«وَ أَيْمُ اللَّهِ يَمِيناً أَسْتَثْنِي فِيهَا بِمَشِيَّةِ اللَّهِ لأرضن نَفْسِي رِيَاضَةً تَهِشُّ مَعَهَا إِلَى الْقُرْصِ إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ مطموما وَ تَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً وَ لَأَدَعَنَّ مقلتي كَعَيْنِ مَاءٍ نَضَبَ مَعِينُهَا»(1)

احتوى هذا النص بين طياته على أكثر من مؤكد ما يجعله يسجل وقفة عند القارئ، وهذه المؤكدات ابتدأت بالقسم (وأيم اللّه)، المفعول المطلق (رياضةً)

ص: 67


1- نهج البلاغة ، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح : 535

ثمَّ لام التوكيد ونون التوكيد الثقيلة في (لأروضنَّ)، وفي (لأدَعنَّ)، فاجتمعت ستة مؤكدات ، وزيادة المؤكدات في الكلام تجعل منه أكثر تأثيراً وأشدُّ وقعاً في النفس.

ما سبب إتيان المرسل بهذه الكمية من المؤكدات ؛ فلأنَّه في معرض الحديث عن سمات نفس مثالية عالية استطاع صاحبها أن يروضها كيفما شاء، ويجعلها محكومة به لا محكوماً بها، وهذا الأمر مناف لما اعتادت عليه الناس بل في بعض الأحيان يكون من الصعب الاقتناع بوجود نفس بهكذا سموٍ وصفاء بحيث يروضها صاحبها (رِيَاضَةً تَهشُّ مَعَها إلى القُرصِ إذَا قَدَرت عَلَيهِ مَطعُوماً، وتَقنَعُ بِالمِلحِ مَأدُوماً)، وتهش : ترتاح(1)، وتُسرُّ وتفرحُ(2)، فيكون المعنى تفرح برغيف الخبز، وتقنع بالملح إداماً، وهذا الأمر لم يأت عن فطرةٍ خواصٍّ متفردةٍ تحلَّت بها، وإنَّما جاءت من الرياضة، التي هي من (راضَ الدابَّة يَرُوضُها روضاً ورِيَاضَةً : وطَّأَها وذلَّلَها أو عَلَّمها السير)(3)(3)، أي أنَّ المتكلم هو من قام بتعليم نفسه وتذليلها إلى أن وصلت إلى هذا الشأن الرفعة وعلو المقام، ولكي يضمن المرسل تواصل المستقبل معه جاء بهذه الكميات من المؤكدات من أجل أن يردم الشكوك التي قد تأتي من غرابة المعلومات الواردة في نص الرسالة، التي قد تثير تساؤلات المستقبل وتستوقفه

ص: 68


1- ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية : 3/ 1028 (مادة : هَشَشَ)
2- ينظر: المحكم والمحيط الأعظم : 88/4 (مادة : هَشَّ)
3- لسان العرب : 164/7 (مادة : روض)

بل قد يصل به الأمر إلى الشك فيها أو رفضها؛ ولذلك عمد المرسل إلى توثيقها وتأكيدها بالقسم من أجل أن تستحكم في ذهن المستقبل وتأخذ حيزها الكامل. وقد تبيَّن مما سبق أن التوكيد لا يأتي اعتباطاً في الخطاب وإنَّما (تفرضه سياقاتٌ تواصليةٌ معينة)(1)

خامساً: الالتفات

والالتفات نوع من التفنُّن في صياغة الجمل ؛ وذلك بالانتقال من بنيةٍ إلى أخرى ، والكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب آخر كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع، وأيقظ للإصغاء إليه من إجرائه على أسلوب واحد(2)، و هو على ما يرى ابن الأثير(ت630ه) الانتقال من صيغة إلى صيغة ، كالانتقال خطاب حاضر إلى غائب ، أو من خطاب غائب إلى حاضر، أو من فعل ماض إلى مستقبل، أو من مستقبل إلى ماض أو غير ذلك(3)، أو (هو الخروج من نوع إلى نوع ، وسلوك سبيل بعد سبيل)(4). وقد شكَّل الالتف-ات سمة أسلوبية في مدونة البحث.

وممَّا ورد منه :

ص: 69


1- تداولية الخطاب السردي : 144
2- ينظر: الكشاف ، الزمخشري : 14/1
3- ينظر: المثل السائر : 408/1
4- ينظر: الغيث المسجم في شرح لامية العجم ، صلاح الدين الصفدي : 275/1

«أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً،یَقْتَدِی بِهِ وَیَسْتَضِیءُ بِنُورِ عِلْمِهِ؛أَلَا وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَی مِنْ دُنْیَاهُ بِطِمْرَیْهِ،وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَیْهِ،أَلَا وَإِنَّكُمْ لَاتَقْدِرُونَ عَلَی ذَلِكَ،وَلَكِنْ أَعِینُونِی بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ،وَعِفَّهٍ وَسَدَادٍ»(1)

انتقل المتكلم في هذا النص من التكلم بصيغة الغائب «َلَا وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَی مِنْ دُنْیَاهُ بِطِمْرَیْهِ،وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَیْهِ»، إلى التكلم بصيغة المتكلم «وَلَكِنْ أَعِینُونِی بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ،وَعِفَّهٍ وَسَدَادٍ» والجهة واحدة، ونرى المتكلم في النص السابق قد تكلم في البداية عن قاعدة عامة، وهي أنَّ لكُلِّ مأموم إماماً يسترشده في أموره، بعدها خصَّص الكلام بالمخاطب فقال له : «أَلَا وَإِنَّ إِمَامَكُمْ»، ولم يشر إلى نفسه بل أشار إلى لازمتين من لوازمه هما : « قَدِ اكْتَفَی مِنْ دُنْیَاهُ بِطِمْرَیْهِ،وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَیْهِ» ، ثم يشير إلى نفسه صراحة فيقول : «وَلَكِنْ أَعِینُونِی بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ،وَعِفَّهٍ وَسَدَادٍ»

، وهذا التسلسل مع المتلقي يجعل منه في ترقُّب وتواصل دائم مع مجريات النص، ولم يلتزم المتكلم جهة خطاب واحدة، وإنَّما تنقَّل بين جهتين خطابيتين رغم أن الكلام عن قضية واحدة هي بين الإمام والمأموم، وأراد بذلك أن يدفع الملل الذي قد يحدث جرَّاء إيراد الكلام على وتيرة واحدة، والكلام (إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع ، وإيقاظا للإصغاء إليه من إجرائه على

ص: 70


1- نهج البلاغة ، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 530

أسلوب واحد)(1).

وممَّا ورد أيضاَ من الالتفات قوله (عليه السلام):

«أَمَّا بَعْدُ؛ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إِلى مَأْدَبَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا، تُسْتَطَابُ لَكَ الْأَلْوَانُ ، وَ تُنْقَلُ إلَيْكَ الْجِفَانُ ، وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلى طَعَامِ قَوْمٍ عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ، وَ غَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ»(2).

ففي هذا النص لم يستمر المتكلم على نسق واحد؛ بل تنقَّل في البنيات الأسلوبية ، فهو انتقل من الفعل الماضي(فأسرعت) إلى الفعل المضارع المبني للمجهول (تُستطاب ، تُنقل)، فحقق بذلك مؤشراً أسلوبياً إذ المستقبل يتوقع الاستمرار على هيئة معينة في الكلام، إِلّا أنَّ المرسل يفاجئ المستقبل ويأتي ببنية تخالف توقّعه.

وممّا ورد أيضا من الالتفات قوله (عليه السلام):

«إِلَيْكِ عَنِّي يَا دُنْيَا فَحَبْلُكِ عَلى غَارِبِكِ ، قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ ، وَ أَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ ، وَاجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ»(3).

ص: 71


1- الكشاف : 56/1 ، مفتاح العلوم : 269، البرهان في علوم القرآن : 197/3 ، الإتقان في علوم القرآن : 435
2- نهج البلاغة، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 529
3- المصدر نفسه : 033

في هذا النص انتقل المتكلم من الجملة الاسمية «فَحَبْلُكِ عَلى غَارِبِكِ» إلى الجملة الفعلية «قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ»، وهو انتقال مقصود قد تطلَّبه الموقف التخاطبي، فهو عندما جاء بالجملة الإسمية فإنَّه أراد دلالتها التي تدل على الثبوت والاستقرار، ولذلك جاء بها في التعبير عن موقفه الرافض للدنيا عندما قال لها حبلك على غاربك كناية عن رفضه لها وعدم التشبث بها ، وعدل إلى الجملة الفعلية عندما تطلب المقام منه الحركة ؛ لأنَّ الانسلال من مخالب الدنيا والإفلات من حبائلها واجتناب الذهاب في مداحضها يتطلب حركة وانتقال في الاتِّجاه المعاكس لاتجاه الدنيا ، وهذه التنقلات ما بين البنيات الأسلوبية المتنوعة تعمل على تحريك المشاعر بالإضافة إلى تكثيف الشعرية في الرسالة(1).

ص: 72


1- ينظر: تطور الأساليب النثرية في الأدب العربي ، أنيس المقدسي : 56

المبحث الثالث المستوى الدّلالي

ص: 73

ص: 74

المبحث الثالث: المستوى الدلالي

اشارة

يتحدَّد المجال الدلالي عن طريق العلاقات التي تنبثق بين الألفاظ في نظام لغوي معين مرتبط بسیاق خارجي(1)، ولا يمكن له أن يتكامل بصورته النهائية في ظلِّ جانب لغوي معين، وإنَّما يكون ذلك عن طريق تواشج وانصهار كافة المستويات اللغوية ؛ (لأنَّ كل عنصر لغوي مكانه في نظام معين أو وظيفة أو قيمة تستمد من العلاقات التي يرتبط بها مع العناصر الأخرى من ذلك النظام)(2)، إضافة إلى السياق الذي يولد فيه النص، فهو يمنح المتواليات طاقاتٍ مختلفةٍ عمَّا كانت عليه في إحداث الأثر وتحريك المخيلة(3)، والدلالة بهذا المفهوم (لا يمكن أن تمنح نفسها بسهولة لمن يعتقد أنَّه يستطيع العثور عليها

ص: 75


1- خصائص الأسلوب في شعر العباس بن الأحنف : 249
2- علم الدلالة ، جون لاينز: 69
3- السياق ودلالته في توجيه المعني، فوزي ابراهيم عبدالرزاق (اطروحة دكتوراه) : 7 - 8

في البنية النصية وحدها)(1) ؛ ولذلك فهي تحتاج إلى قارئ مثالي فظن بحيث يستطيع الكشف عن الدلالة الحقيقية للعلامات اللغوية، عن طريق السياق العام للنص(2)، وهذا الأمر لا يَتمُّ عن طريق البحث عن معنى الكلمة؛ وإنَّما بالتفتيش عن الطريقة التي تستعمل فيها(3)، ذلك أنَّ كُلَّ كلمة (توفِّر لنفسها قانونها الخاص)(4) في الاستعمال اللغوي.

والدلالة (دراسة المعنى أو العلم الذي يدرس المعنى أو ذلك الفرع من علم اللغة الذي يتناول نظرية المعني)(5)، وهي النتيجة الطبيعية التي يسعى لتحقيقها المتكلم عن طريق الألفاظ التي ترتبط مع بعضها بعلاقات مختلفة كالصوت والتركيب، فيتحقق بذلك غرضه في إيصال المعنى، ثمَّ أنَّها الهدف المنشود والغاية الموجودة التي تدفع بالمتكلم إلى اختيار أنماطٍ مختلفة من الكلام لإيصال ما يريده إلى السامع أو المتلقي.

وسنتعرَّض في هذا المبحث بعد التعريف بمضمون الرسالة إلى ثلاثة أساليب بلاغية ، هي : التشبيه والاستعارة والكناية .

ص: 76


1- الصوت الآخر - الجوهر الحواري للخطاب الأدبي : 224
2- تحولات النص - بحوث ومقالات في النقد الأدبي : 65
3- ينظر : علم الدلالة - أصوله ومباحثه في التراث العربي ، منقور عبد الجليل : 88
4- قضايا الشعرية : 19
5- علم الدلالة :31

أولاً: مضمون الرسالة

الرسالة موجَّهة من الخليفة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى أحد ولاته وهو عثمان بن حنیف (رضي اللّه عنه)، يعاتبه فيها بسبب تلبيته الوليمة دعاه إليها أحد فتيان البصرة، وهذه الوليمة كانت خاصة بالأغنياء فقط دون الفقراء، ولو تفحصنا هذه الرسالة لوجدنا أغلب محتواها يخالف الموضوع الذي سيقت من أجله، ولم يذكر المتكلم المخاطب سوى في أول الرسالة بقوله :

«أمّا بَعدُ ، یَابنَ حُنَیفٍ ، فَقَد بَلَغَنی أنَّ رَجُلاً مِن فِتیَهِ أهلِ البَصرَهِ دَعاكَ إلی مَأدُبَهٍ فَأَسرَعتَ إلَیها ، تُستَطابُ لَكَ الأَلوانُ ، وتُنقَلُ إلَیكَ الجِفانُ ، وما ظَنَنتُ أَ نَّكَ تُجیبُ إلی طَعامِ قَومٍ ، عائِلُهُم مَجفُوٌّ ، وغَنِیُّهُم مَدعُوٌّ . فَانظُر إلی ما تَقضَمُهُ مِن هذَا المَقضَمِ ، فَمَا اشتَبَهَ عَلَیكَ عِلمُهُ فَالفِظهُ ، وما أیقَنتَ بِطیبِ وُجوهِهِ فَنَل مِنهُ»(1)

وفي آخرها بقوله :

«فَاتَّقِ اللّهَ یَا بْنَ حُنَیْفٍ ، وَلْتَكْفُفْ أَقْرَاصُكَ ؛ لِیَكُونَ مِنْ النَّارِ خَلاَصُكَ»(2).

أمَّا جُلُّ الرسالة فكان المرسل يتحدَّث بها عن نفسه تارة يمتدحها وأخرى

ص: 77


1- نهج البلاغة، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 529 - 530
2- المصدر نفسه : 536

يوبخها، ويمكن تفسير ذلك وفق الاستراتيجية التضامنية، وهي أحدى استراتيجيات التخاطب وتُعرَّف بأنَّها : (محاولة جادة للتقرُّب من المخاطب وتقريبه)(1)، ويتضامن المتكلم مع المخاطب في حالة التنازل عن سلطته في التخاطب ، ولا يحدث ذلك بالعكس إذا ما احتفظ بسلطته، ويرجع ذلك إلى اختيار المتكلم الذي يؤثِّر فيه عاملان: العلاقة السابقة بينه وبين المخاطب ، والسلطة التي يمتلكها أحد طرفي الخطاب، وهذان العاملان مردُّهما إلى تصنيف (ليتش) للعلاقات الاجتماعية، إذ جعلها على صنفين : صنف عمودي ومحوره السلطة، وآخر أُفقي يتحدَّد على أساسه ما أسماه (براون وجيلمان) معيار التضامنية(2)، وإذا ما تضامن المتكلم صار (حريصاً على أن يحفظ عرى التواصل، حتى يجلب أقصى ما يمكن من عاجل المنفعة لنفسه ولمخاطبه، فيجتهد في التوسل بما يجلب إقبال المخاطب على سماعه وفهم مراده وتلقيه له بالقبول، طمعاً في أن يبادله نفس الحرص على التواصل وعلى الوصول إلى المنفعة المشتركة)(3)، وعلى هذا فالمرسل في مدونة البحث كان متضامناً مع المستقبل، بدليل تنازله عن سلطته في التخاطب في كثير من مواضع الرسالة، وجعله من نفسه مع ما تحمل من قداسة مثلاً في بعض الأمثلة من قبيل قوله :

ص: 78


1- ينظر: استراتيجيات الخطاب مقاربة تداولية : 258
2- ينظر : المصدر نفسه : 257 -258
3- اللسان والميزان : 223

«أأقْنَعُ مِنْ نَفْسِی بِأَنْ یُقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ وَ لاَ أُشَارِكُهُمْ فِی مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَهً لَهُمْ فِی جُشُوبَهِ الْعَیْشِ فَمَا خُلِقْتُ لِیَشْغَلَنِی أَكْلُ الطَّیِّبَاتِ كَالْبَهِیمَهِ الْمَرْبُوطَهِ هَمُّهَا عَلَفُهَا أَوِ الْمُرْسَلَهِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا وَ تَلْهُو عَمَّا یُرَادُ بِهَا أَوْ أُتْرَكَ سُدًی أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلاَلَهِ أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِیقَ الْمَتَاهَهِ».(1)

وكذلك قوله (عليه السلام):

«أتمتلىء السائمه مِنْ رِعْيِهَا فتبرك وَ تَشْبَعُ الربيضه مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ وَ يَأْكُلُ عَلِىُّ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعُ قَرَّتْ إِذاً عینه إِذَا أَقْتَدِي بَعْدَ السِّنِينَ الطاولة بِالْبَهِيمَةِ الْهَامِلَةِ وَ السَّائِمَةِ الْمَرْعِيَّةِ»(2).

وهذا الكلام موجّه إلى المستقبل ولكن بصورة غير مباشرة ، فالمرسل بعید كل البعد عن هذه الأمور التي ذكرت، ولكنه نسبها لنفسه مع أن المستقبل قد اقترفها عندما لبى تلك الدعوة، وبتلبيته هذه لم يشارك الرعية في مكاره الدهر أو جشوبة العيش، وقد شغله أكل الطيبات عن الفقراء من الرعية واكتفى بوصفه أميراً عليهم، فاستحقَّ مثلاً قاسياً وهو البهيمة التي همُّها علفها، وهذا يدلُّ على الدرجة الرفيعة التي كان يتمتع بها عثمان بن حنیف (رضي اللّه عنه)، إذ إنَّه ارتكب عملاً قد نعده اليوم وفق تصوراتنا بسيطة؛ لكنَّه مع ابن

ص: 79


1- نهج البلاغة ، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 532
2- المصدر نفسه : 535

حنیف بما يمتلكه من منزلة عالية في الدين والعلم كان أمراً عظيماً، وخطأً جسيماً لا ينبغي لمثله أن يقع به ؛ ولذلك جاء التوبيخ شديداً مؤلماً، وعندما نصل إلى ختام الرسالة لا نجد المرسل يوجه الأمر بالصيغة المباشرة إلى المخاطب، وإنَّما جعله أمراً مجازياً أسنده إلى أقراص المستقبل فيقول له :

«فَاتَّقِ اللّهَ یَا بْنَ حُنَیْفٍ ، وَلْتَكْفُفْ أَقْرَاصُكَ ؛ لِیَكُونَ مِنْ النَّارِ خَلاَصُكَ»

والأقراص : جمع قرص، وهو الخبز(1)، فطلب المرسل من المستقبل أن تكفَّ أقراصه، والمراد أن يكف هو، وقد وجه الأمر إلى الأقراص (الخبز)؛ للمنزلة التي يتمتع بها ابن حنيف، وهذه المنزلة جعلت من المرسل أن يحرف سياق الأمر المباشر عن المستقبل، أمَّا سبب ذكر الخبز دون غيره من الأطعمة الأخرى ؛ لكونه رمزاً عرفياً يدل على مجمل الأطعمة عند اطلاقه، أو ليذكِّره بالخبز الذي هو طعام الفقراء في الأعم الأغلب، وبهذا فإنَّ المرسل أمر الأقراص بأن تكف والمراد أمر المستقبل بأن يكف عن هكذا موائد عن طريق الإشارة، وكما يقال : الإشارة أبلغ من التصريح.

ثانياً: التشبيه

التشبيه من المجاز(2) ، لأنَّ المتشابهين في أكثر الأشياء إنَّما يتشابهان بالمقارنة

ص: 80


1- ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية : 1050/3 (مادة قرص)
2- ينظر: الخصائص : 442/2 ، المثل السائر: 70/2

على المسامحة والاصطلاح لا على الحقيقة(1)، وهو يرمي إلى وصف أحد الأشياء بما اتصف به الآخر من غير تفضيل بينهما(2)، (ويقع بين شيئين بينهما اشتراك في معان تعمهما ويوصفان بها، وافتراق في أشياء ينفرد كل واحد منهما بصفتها، وإذا كان الأمر كذلك ؛ فأحسن التشبيه هو ما أوقع بين شيئين اشتراكهما في الصفات أكثر من انفرادهما فيها حتى يدني بهما إلى حال الاتحاد)(3)، أمّا الغرض منه فهو تعريف المشبَّه وتقريبه إلى الذهن بإخراجه من الغموض والخفاء إلى البيان والظهور(4)، ولذلك اقتضى أن يكون المشبّه به (أعرف بجهة التشبيه من المشبّه وأخص بها وأقوى حالاً معها)(5).

ومن ثمّ فالتشبيه في مدونة البحث كان له أثراً فاعلاً في خلق الانزياحات المتنوعة ممّا شكل خصيصة أسلوبية ساهمت في اثراء المعنى، ومما ورد منه قوله (عليه السلام):

«فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا،

ص: 81


1- العمدة ابن رشيق القيرواني: 268/1
2- ينظر: التعبير البياني ، شفيع السيد: 18
3- نقد الشعر، أبو الفرج قدامة بن جعفر: 124
4- ينظر: النكت في اعجاز القرآن ، علي بن عيسى الرماني : 81، العمدة: 287/1 ، سر الفصاحة ، ابن سنان الخفاجي : 237
5- مفتاح العلوم : 164

أَو الْمُرْسَلَةِ شُغْلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أعْلافِهَا، وَ تَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا»(1) .

ورد التشبيه بالبهيمة المربوطة التي لا همَّ لها سوى الحصول على العلف، أو غير المربوطة (المرسلة) التي همها وشغلها التقمم : وهو طلب الأكل(2) .

فالمرسل ينفي أن يكون مخلوقاً من أجل الأكل أو يكون مشغولاً بالأكل كما هو حال البهيمة المربوطة أو المرسلة. ولم يكتف (عليه السلام) بعرض الصورة التشبيهية بل نزع إلى تكرارها وتفصيلها؛ لأنَّ التشبيه (كلَّما كان أوغل في التفصيل كانت الحاجة إلى التوقف والتذكر أكثر)(3)، وهذا الأمر يضيف إليه قيمة جمالية وفنية .

ومنه أيضاً قوله (عليه السلام):

«وَأَنَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ كَالصِّنْوِ مِنَ الصِّنْوِ وَالذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ»(4)

فالمشبَّه هو المرسل (الإمام علي عليه السلام)، والمشبَّه به رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)، وأداة التشبيه (الكاف). والصنو من : (فلانٌ صِنوُ فلانٍ

ص: 82


1- نهج البلاغة، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 532
2- ينظر : المحكم والمحيط الأعظم: 146/6 (مادة : قمم)
3- أسرار البلاغة : 121
4- نهج البلاغة ، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 532 - 533.

أي أخُوهُ لِأَبَوَيهِ وشَقيقُه)(1)، ويطلق أيضا على النخلتين أو الثلاث إذا خرجن من أصل واحد فكل واحدة منهنَّ تسمَّى صنوا(2)ينظر: الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي، جابر عصفور: 145(3) نهج البلاغة ، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 534


1- العين : 7/ 158 (مادة : صنو)
2- ينظر : الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية :2404/6(مادة : صنا)§ً، وعلى هذا يكون وجه الشبه شدة الاتصال والاشتراك بالأصل، إذ الإمام علي (عليه السلام) يشترك مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) بالأصل النسبي والرسالي. ويتجلی سرُّ هذه الصورة التشبيهية في براعة المرسل في بناء العلاقات بين المشبَّه والمشبَّه به ؛ وذلك بتجسيد الكلمات بصور حيَّةٍ وإعادة هيكلتها بما ينسجم مع أحاسيسه ومشاعره، فيخلق لنفسه نظاماً فريداً خاصاً به
3- ، يتلاءم مع القصد الذي يريد إيصاله إلى المستقبل، فعمد إلى شيء محسوس (الصنو) واتخذ منه أداةً يقرب بها مفهوم الاتصال ما بينه وبين الرسول الكريم محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم). ومنه أيضا قوله (عليه السلام): «وَ السَّالِمُ مِنْكِ لَا يُبَالِي أَنْ ضَاقَ بِهِ مُنَاخُهُ وَ الدُّنْيَا عِنْدَهُ كیوم حَانَ انْسِلَاخُهُ»

عَن جِلدِهِ)(1) ووجه الشبه سرعة الذهاب، فالإمام (عليه السلام) يصف السالم من الدنيا بأنَّ الدنيا عنده كيوم حان انقضاؤه، وبذلك لا تشكِّل له أدنى اهتمام لأنَّها بحكم المعدوم بالنسبة إليه . ومن التشبيه أيضاً قوله (عليه السلام):

«وَ اللّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْیَاكُمْ تِبْراً،وَلَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً،وَلَا أَعْدَدْتُ لِبَالِی ثَوْبِی طِمْراً،وَلَا حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً»(2)

ورد التشبيه بقوله : «ولا أَخَذْتُ مِنْهُ إِلاَّ كَقُوتِ أتانٍ دَبِرَةٍ».

المشبَّه قوت المرسل، والمشبه به قوت الأتان الدبرة، والأتان : انثی الحمار(3)، ودبرة : من دبر الدابة : أي ظهرها، وأتان دبرة أي الدابة التي عقر ظهرها(4) ينظر لسان العرب : 594/4 (مادة : عقر)(5)، فيكون وجه الشبه قلة الأخذ من الدنيا، إذ شبَّه المرسل ما أخذه من الدنيا بما تأخذه الأتان الدبرة من قوت، وهي تأخذ القليل بسبب عقر ظهرها أي مرضها، فجوهر التأثير في الصورة التشبيهية يكمن في هيئتها العامة التي تتشكَّل من زوايا التشبيه المختلفة، وعلاقات المفردات في البناء التشبيهي الذي

ص: 84


1- معجم مقاییس اللغة : 3/ 94 (مادة : سلخ)
2- نهج البلاغة ، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 530
3- معجم مقاییس اللغة: 48/1 (مادة : أتن)
4-
5-

يتكون من المحسوس والمتخيل أو المعنى الظاهر والخفي(1)، أما حسن التشبيه فلا يأتي من كثرة الصفات التي يشترك فيها المشبَّه والمشبَّه به، بقدر ما يأتي من تقريب الصور المتباعدة بحيث تصبح بينها مناسبة واشتراك(2)

فنلاحظ فيما سبق من تشبيه أنَّ المرسل يعتمد في صوره التشبيهية على الهيئات المختلفة، ما يجعل المتلقي في رقابة دائمة مع النص من أجل اكتشاف الخيوط المشتركة بين هذه الصور، وقد عُدَّ هذا النوع من المشابهة الأبهى من بين الأنواع الأخرى(3) .

ثالثاً: الاستعارة

عرفت الاستعارة بتعريفات كثيرة نظراً لأهميتها، ومن تلك التعريفات : (أن تريد تشبيه الشيء، فتدع أن تفصح بالتشبيه ، وتظهره وتجيء إلى اسم المشبَّه به فتعيره المشبَّه وتُجریه عليه)(4)، أو هي (استعمال لفظ في غير ما وضع له ؛ لعلاقة المشابه مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي الذي وضع اللفظ له)(5)، فهي انحراف عن علاقات اللغة المألوفة، وتمرد على الاستعمال العادي

ص: 85


1- البلاغة العربية في ضوء الأسلوبية ونظرية السياق : محمد بركات حمدي : 106
2- ينظر: العمدة : 292/1
3- في الشعرية : 46
4- دلائل الإعجاز: 67
5- ينظر : مفتاح العلوم : 359

للغة (1) ، وفيها يحاول المنشئ خلق عالم دلالي جديد متجاهلا ما تواضع عليه النظام اللغوي من رصف للعبارات، وكذا ما أقَّره المعجم من دلالات للملفوظات فيعتمد رصفاً جديداً بعلاقات جديدة تتحول فيها الدلالة متخذةً مساراً منحرفاً عن المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي، أو من المعنى إلى معنی المعنى(2)، وهذا لا يعني اختفاء المعنى الأساسي (وإلا لم تكن هناك استعارة ولكنه يتراجع إلى مستوى ثانٍ خلف المعنى الاستعاري)(3). أمَّا طريقة المنشئ في الاستعارة فهي غالباً ما تكون خاصة لا يجوز التقليد فيها ؛ لأنَّها آية الموهبة(4). وقد شكّلت الاستعارة مؤشرلً أسلوبياَ في مدونة البحث لما اتخذته من محورية فاعلة في الرسالة، ومما ورد منها قوله (عليه السلام):

«إِلَيْكِ عَنِّي يَا دُنْيَا ... ، قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ ، وَ أَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ ، وَاجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ ، أَيْنَ الْقَوْمُ الَّذِينَ غَرَرْتِهِمْ بِمَدَاعِبِكِ ، أَيْنَ الْأُمَمُ الَّذِينَ فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِكِ ؟ هَا هُمْ رَهَائِنُ الْقُبُورِ، وَ مَضَامِينُ اللُّحُودِ»(5).

في هذا النص يخاطب الإمام (عليه السلام) الدنيا خطاب العقلاء؛ فيمنحها

ص: 86


1- ينظر: نظرية الأدب : أوستن وارين ورینیه ویليك ، ترجمة: محي الدين صبحي، خالد الطرابيشي : 253
2- ينظر: دلائل الإعجاز: 67
3- بلاغة الخطاب وعلم النص: 166
4- ينظر: كتاب أرسطو طاليس في الشعر : 128
5- نهج البلاغة، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 533 - 534

صورة العاقل الذي يعي ما يسمع، وكلامه مع الدنيا في مجمله تجاوز فيه المستوى المعجمي الحرفي للملفوظات، خارقاً نظام الحقيقة إلى المجاز مستعيناً بالتصوير الاستعاري، ليجعل منه سمة أسلوبية فارقة تميز الخطاب مع الدنيا عن باقي الخطابات الأخرى؛ ولذلك جاء النص مهيمناً عليه التراكم الاستعاري مع توظيف الجانب الموسيقي، الذي تجلّى بتوافق فواصل الملفوظات محققاً بذلك السجع، كما في (مخالبك، حبائلك، مداحظك ، بمداعبك، بزخارفك)، إضافة إلى ذلك نجد خصيصة إيقاعية أخرى قد انتظمت فيها الملفوظات، وهي خصيصة التوازي التي سيطرت على متواليات النص السابق في أنماط متناسقة ومتساوقة في الطول والكمية. ويمكن ملاحظة ذلك بما يأتي :

النسق الأول : انسَلَلتُ مِن مَخَالِبِكِ

أَفلَتُّ من حَبَائِلِكِ

النسق الثاني : أَينَ القُرُونُ الَّذِينَ غَرَرتِهِم بِمَدَاعِبِكَ

أَينَ الأُمَمُ الَّذِينَ فَتَنتِهِم بِزَخَارِفِكِ

أمَّا التوظيف الاستعاري في النص فيمكن أن نتلمَّسه في قوله (عليه السلام): «قَد انسَلَلتُ مِن مَخَالِبِكِ» والمخلب : هو الظفر للسبع يخلب به

ص: 87

الفريسة، أي يشق جلدها(1) ، فمثَّل الدنيا بسبع له مخالب ثم حذف المشبه (به السبع) وجاء بلازم من لوازمه وهي المخالب، وهذا النوع من الاستعارة يسمى استعارة مكنية : والاستعارة المكنية ما لم يُصَّرح فيها بلفظ المشبَّه به مع ذكر لازمة من لوازمه(2).

أمَّا (انسللت) فهي من (سلل : السَّلُّ: انتزاعُ الشَّيءِ وإخراجُه في رِفق، والانسِلالُ: المُضِيُّ والخُرُوجُ مِن مَضيق أَو زِحَام )(3) ، ومن هنا فالمرسل يصف الدنيا بأنَّها سبع له مخالب محيطة بالفريسة من كل جانب ؛ ولذلك فالخروج والافلات من هذا السبع صعب للغاية.

ويمكن أن تكون صعوبة الانسلال من الدنيا متأتية من كثرة المقبلين عليها ، التي تسببت بزحام وضيق بحيث لا يتمكن الخارج منها أن يفلت بسهولة ؛ لأنَّه سيكون عكس التيار. فرسم المرسل منظراً جديداً للدنيا بواسطة استحداث علاقة لغوية جديدة بين مفردات متنافرة في أصل الوضع، وقيمة هذه العلاقة تتحدد من خلال ما تنتجه من (صورٍ جديدةٍ وغريبةٍ وصادمةٍ عن طريق تغيير

ص: 88


1- ينظر: العين : 269/4 - 270 (مادة : خَلَبَ)، المحكم والمحيط الأعظم: 270/5
2- ينظر : علم أساليب البيان، غازي يموت : 249، معجم المصطلحات البلاغية وتطورها، أحمد مطلوب : 1/ 142
3- لسان العرب: 338/11 (مادة : سلل)

علاقات اللغة)(1).. ما يدفع المتلقي إلى تكرار التأمل في واقعه الجديد ب (رؤيةٍ شعرية لا تستمد قيمتها من مجرد الجدة أو الطرافة، وإنَّما من قدرتها على اثراء الحساسية وتعميق الوعي)(2).

أما قوله (عليه السلام):

«أَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ» .

الافلات : التخلص من الشيء فجأة(3) ، والحبائل: شرك الصَّائد(4)،(وهي ما يصاد بها من أي شيء كان)(5).

فشبَّه المرسل الدنيا بالصياد ثم حذف المشبه به وجاء بلازم المشبه وهو (الحبائل)، والمرسل في هذه الفقرة يقول للدنيا بأنِّي أفلت من حبائلك، أي تخلصت من شرك مصائدك فجأة من دون أن تحسي بي ، وهذا يدل على خبرته ومعرفته الكاملة بالأساليب التي تستعملها الدنيا من أجل اصطياد الانسان ؛ لهذا لم تستطع اصطياده .

ص: 89


1- اللغة الشعرية في الخطاب النقدي العربي - تلازم التراث والمعاصرة، محمد رضا مبارك : 65
2- الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي ، د. جابر أحمد عصفور : 18
3- ينظر : تهذيب اللغة : 205/14 (مادة : فلت)
4- ينظر: جمهرة اللغة: 1/ 283 (مادة : حبل)
5- لسان العرب : 11/ 136 (مادة : حبل)

أما قوله (عليه السلام):

«وَاجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ» .

الاجتناب : الابتعاد(1) ، والمداحض : جمع مدحض، وهو المكان الزلق الذي لا تثبت عليه الأقدام(2)، فالمرسل في هذه العبارة يمثل الدنيا بالمكان الزلق عن طريق الاستعارة المكنية، ويقول لها ابتعدت عن الذهاب في مزالقك فضلاً عن الاقتراب منك. وممَّا سبق فالاستعارة لون مجازي برَّاق (يضفي علاقات لغوية جديدة توازن بين المعاني والألفاظ)(3).

أما قوله (عليه السلام):

«أَینَ الْقُرُونُ الَّذِینَ غَرَرْتِهِمْ بِمَدَاعِبِك».

ف (القرن: الأمة تأتي بعد الأمة، قيل : مدته عشر سنين ، وقيل : عشرون سنة، وقيل: ثلاثون، وقيل: ستون، وقيل: سبعون، وقيل: ثمانون وهو مقدار التوسط في أعمار أهل الزمان، وفي النهاية : أهل كل زمان، مأخوذ من الاقتران، فكأنه المقدار الذي يقترن فيه أهل ذلك الزمان في أعمارهم

ص: 90


1- ينظر : القاموس المحيط : 69/1 (مادة : الجنب)
2- ينظر: العين : 101/3 (مادة : دحض)، لسان العرب: 148/7
3- الصورة الفنية في المثل القرآني - دراسة نقدية وبلاغية : 152

وأحوالهم)(1)، والمداعبة : الممازحة(2) وكذلك اللعب(3).

فمثَّل المرسل الدنيا بامرأة من خلال تأنيث الخطاب ، ووصفها بأنَّها مداعبة أي ممازحة ملاعبة، وبهذه الأساليب تغري القرون وتأخذ جُلَّ اهتماماتهم، ولكن سرعان ما تتبين حقيقة الدنيا وما فيها، فهي عبارة عن مزاح ولعب ولا شيء منها حقيقة ولكن بعد فوات الأوان، وذلك عندما يُلبِّي الإنسان مجبوراً نداء الموت وهو الحقيقة التي تكشف له زيف الدنيا وبهرجها الخدَّاع، فالمرسل يبدأ هذه الفقرة بسؤال بواسطة اسم الاستفهام (أين)، ويردفه بسؤال آخر يكرِّر فيه اسم الاستفهام (أين) الذي يسأل عن المكان بقوله: (أَينَ الأمَمُ الَّذِينَ فَتَنتِهِم بِزَخَارِفِكِ ؟)، والفتنة : (الاِبتِلَاءُ والاِمتِحَانُ والاِختِبَارُ، وأصلها مأخوذ مِن قَولِك فَتَنتُ الفِضَّةَ والذَّهَبَ إذا أذبتهما بِالنَّاِر لِتُمَيِّزَ الرَّدِيءَ مِنَ الجيِّدِ)(4)، أمَّا الزخرف (الزُّخرُفُ: الذَّهب، هَذَا الأَصل، ثمَّ سُمِّى كُلّ زِينَة : زُخرُفاً)(5) ويطلق الزخرف كذلك على كل مموَّهٍ ومزوَّر(6). فالمرسل أعاد السؤال الأول بصياغة أخرى تحمل ذات الدلالة، وأراد بذلك توكيد المعني

ص: 91


1- لسان العرب : 376/1(مادة : قرن)
2- ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية : 1/ 125 (مادة: دعب)
3- ينظر : لسان العرب: 1/ 376 (مادة : دعب)
4- لسان العرب : 317/13 (مادة : فتن)
5- المحكم والمحيط الأعظم: 336/5 (مادة : زخرف)
6- ينظر : تاج العروس : (مادة : زَخرَفَ)

واستحكامه في ذهن المستقبل، فكرر له معنى الوهم والخيال الذي تتمثل به الدنيا مع ما تحمله من زينة مزورة مموهة، وهي ابتلاء بما تحمل من وهم ومجانبة للحقيقة.

وقد جمع الباث فيما سبق بين صور متضادة، تتجلى بتمثيلاته للدنيا بصور متعددة، إذ صورها بصورة السبع الذي يمتلك مخالب، ثمَّ بالصياد وهي صفة تنطبق على الإنسان والحيوان، ثمَّ بالمكان الزلق وهي صفة لغير العاقل (الجماد)، بعدها يسند إليها صفة المرأة التي تمارس فنَّ المداعبة والملاعبة. وهذا الجمع بين الصور المتضادة مع التمثيل يمنح الاستعارة حيويةً وجمالاً وحسناً(1). وقيمة هذه العلاقة تتحدد من خلال ما تنتجه من (صور جديدة وغريبة وصادمة عن طريق تغيير علاقات اللغة)(2).

ثمَّ يردفه بالجواب مباشرة «هاهم رَهَائِنُ الْقُبُورِ وَ مَضَامِينُ اللُّحُودِ»، فبدأ الجواب ب (ها) التي تستعمل (للتنبيه بمنزلتها في هذا)(3)، والغرض منها تنبیه المخاطب على ما يساق إليه من كلام(4) وكذلك التوكيد(5)، فالمرسل ساق الجواب بعد أن صدَّره بأداة تنبيهية وتوكيدية ؛ ليعطي كلامه قوة إنجازيه أكبر

ص: 92


1- ينظر: النقد الأدبي الحديث : 125.
2- اللغة الشعرية في الخطاب النقدي العربي - تلازم التراث والمعاصرة، محمد رضا مبارك : 65
3- كتاب سيبويه : 354/2
4- ينظر : لسان العرب: 480/15 (مادة : ها)
5- ينظر: معاني القران، الأخفش : 140/1

تعمل على رفع مستوى تأثير الرسالة لدى المتلقي، وكرَّر المعنى ذاته بالمتوالية الثانية «مَضَامِينُ اللُّحُودِ» من أجل أن يستحكم الكلام في ذهن المستقبل ويحقق هدف الرسالة ، وهو التحذير من الوهم المتصور بشيء اسمه الدنيا، والاهتمام بالحقيقة واليقين وهي الآخرة. وقد عمد المرسل إلى تحویل الدنيا وهي مفهوم ذهني إلى تجلٍ محسوس يمارس سلوك الكائن الحي، وبذلك أتاحت المكونات الاستعارية في سياق نظمها (للعين أن تری مشهداً لن يتحقق إلا بسحر الخيال)(1).

ومن جملة ما ورد من الاستعارة أيضا قوله (عليه السلام):

( أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلَالَةِ أَوْ أغتسف طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ)(2). فالضلالة : (ضدُّ الهُدى والرَّشاد )(3)، والاعتساف: من (العَسفُ: السّيُر على غير هدى، وركوب الأمر من غير تدبیر)(4)، أما المتاهة فهي الهلاك(5)، وهذا النوع من الاستعارة يسمَّى الاستعارة التصريحية: وهي ما صُرِّح فيها

ص: 93


1- البنيات الدالة في شعر أمل دنقل : 93
2- نهج البلاغة ، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح : 532
3- تهذيب اللغة : 390/11 (مادة : ضل)، لسان العرب : 390/11 (مادة : ضلل)
4- العين: 1/ 339 (مادة : عسف)
5- ينظر لسان العرب : 489/13 (مادة : توه)

بلفظ المشبه به(1) ، فاستعار المرسل الحبل وهو محسوس للضلالة وهي غير محسوس، وكذا الطريق للمتاهة، وهذا الأسلوب المتضمن إبراز المعاني العقلية بصورة حسية يُعدُّ سمةً من سمات كمال البيان(2).

ومن هنا تظهر قيمة الاستعارة برفع درجة التوتر المتولد لدى المستقبل بما تحمله من مساحة في المفارقة بين ما هو مرتكز في الوعي الذهني، وبين الجديد وغير المتوقع بالنسبة للمستقبل(3) ، فالمرتكز في الذهن عدم وجود حبل للضلالة ولا طريق للمتاهة ، ولكن المرسل خرق القانون اللغوي وأحدث هذه المفارقة، والاستعارة بذلك خلقت (واقعا جديداً أكثر من تقنينها لما هو موجود سلفاً، وهذا الخلق يؤدي إلى إيجاد مشابهات جديدة ناتجة عن بعض الخصائص التفاعلية المنتقاة)(4) من عالم اللغة والخيال، إضافة إلى تأثيرها في العواطف والنفوس بما تعرضه من (الصور والصفات والأعمال عرضاً حسِّياً مجسَّماً ؛ ليرى القارئ في ألفاظها من الألوان والمعاني ما يراه إذا هو نظر إلى رسم وتبصَّر في خيال)(5)، وأراد بذلك النفي عن نفسه جر حبل الضلالة أو السير على غير هدى في طريق الهلاك ، ولذلك يتوجب على المستقبل اتِّباعه ولا

ص: 94


1- ينظر : علم أساليب البيان : 269، معجم المصطلحات البلاغية وتطورها: 1/ 142
2- ينظر: دينامية النص - تنظير وإنجاز : 151
3- ينظر : بنية اللغة الشعرية : 109
4- دينامية النص - تنظير وإنجاز : 57
5- البيان في ضوء أساليب القرآن : 193

سيَّما إذا كان المستقبل هو مُنصَّب من لدن المرسل في إدارة مدينة البصرة ، وبذلك شكَّلت الاستعارة خصيصة أسلوبية فاعلة في محتوى الرسالة .

رابعاً: الكناية

يعد أسلوب الكناية من المجاز كما قرَّره معظم البلاغيين(1)، وقد عرفها عبد القاهر الجرجاني بقوله: (أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني، فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة، ولكن يجيء إلى معنى هو تاليه وردفه في الوجود، فيومئ به إليه ويجعله دليلاً عليه)(2).

واختصرها الزمخشري (ت: 538ه) بقوله: (أن تذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له)(3)، وإذا ما أراد المتلقي أن يكتشف مفهوم الكناية عليه أن يقابل ويوازن بين دلالة الألفاظ الحرفية في اللغة، وبين ما تتركه هذه الدلالة من آثار في النص(4) )، وتعتمد على التلميح والإيحاء والترميز والإشارة(5)، ما يجعلها أبلغ من التصريح(6)؛ ولذلك يعتمد عليها المتكلم في إعطاء خطابه مساحة أوسع من الدلالة، ولملفوظاته مزيداً من الحرية والحركة من خلال تحريرها من

ص: 95


1- ينظر العمدة : 268/1 ، مفتاح العلوم: 24، الطراز : 375/1
2- دلائل الإعجاز : 66
3- الكشاف : 279/1
4- ينظر : الأسلوب والأسلوبية : 75
5- ينظر: الأسلوبية ونظرية النص: 118
6- ينظر : دلائل الإعجاز: 55، البرهان في علوم القرآن : 2/ 300

قيود المعجم.

وممَّا ورد من الكناية في رسالته (عليه السلام):

«وَاللّهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا، وَ لَوْ أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا، وَ سَأَجْهَدُ فِي أَنْ أُطَهِّرَ الْأَرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوسِ وَالْجِسْمِ الْمَرْكُوسِ ، حَتّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ بَيْنِ حَبِّ الْحَصِيدِ»(1)

المعكوس : من (العكس: ردَّك آخر الشيء على أوّله)(2).

والمركوس من (الركس : قلب الشَّيء على رأسه. أو ردَّ أوله على آخِره)(3)، وفي هذا الكلام يصف أمير المؤمنين (عليه السلام) معاوية بن أبي سفيان بأنه معكوس كناية عن ارتداده عن الإسلام إلى الجاهلية التي تمثل أصله الأول، ومركوس كناية عن تقليبه للأمور وجعل الباطل منها حقاً والحق باطلاً خدمةً لمصالحه ومنافعه ؛ لأنَّ الشيء إذا قلب على رأسه أصبح خلاف الحقيقة.

أمَّا المدرة من المَدَرُ وهو: (قِطَعُ الطينِ اليابِسِ ، و قِيلَ : الطين العِلكُ الَّذي لا

ص: 96


1- نهج البلاغة، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 533
2- العين : 191/1 (مادة : عكس)، ينظر : المحكم والمحيط الأعظم: 259/1
3- المحكم والمحيط الأعظم: 714/6 (مادة : ركس)، لسان العرب : 100/6

رَملَ فِيهِ، وَاحِدَتُهُ مَدَرَةٌ)(1)، أمَّا حبُّ الحصيد فهو: القمح المحصود(2)، فيكون المعنى : حتى تخرج قطعة الطين اليابس من بين القمح المحصود.

وقطعاً لا يقصد المرسل هذا المعنى بل يقصد معنىً آخر، وهو أنَّه (عليه السلام) يقسم في حالة اتاحة الفرص له ؛ فإنَّه لا يهدأ إلا بعد أن يطهر

الأرض من معاوية بن أبي سفيان، ويبين حقيقته ومعدنه الفاسد، إذ هو كقطعة طين بين حب القمح وقطعة الطين شيء فاسد بالنسبة لحب القمح، أو حتَّى يخرجه من تخفِّيه وتلونه بلون الصالحين، إذ هو كقطعة طين يابسة متخفية بين حب القمح الكثير. ولم يذكره باسمه مباشرة بل ذكره بلازمتين من لوازمه هما : الارتداد (معكوس) وتقليب الأمور (مركوس)، وإنَّما لجأ إلى أسلوب الكناية الذي يتضمن خرق المعنى الحرفي والمعجمي للملفوظات ؛ لتشكيل صورةٍ تتضمن خيالاً أوسع ويعطيها شيئاً من الاستتار والتخفي، وبذلك يحفز المستقبل إلى البحث عنها ويحاول جاداً اكتشاف ما يقصده المرسل، وإذا ما تمَّ له التوصل إلى المعنى المقصود أشاع له ذلك في نفسه بهجةً وسرواً .

ومن الكناية أيضا ما ورد بقوله (عليه السلام):

(إِلَيْكِ عَنِّي يَا دُنْيَا فَحَبْلُكِ عَلى غَارِبِكِ)(3) .

ص: 97


1- لسان العرب : 162/5 (مادة : مدر)
2- ينظر: العين : 112/3 (مادة : حصد)، تاج العروس : 31/8
3- نهج البلاغة ، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 535 - 536

(الغارِبُ: الكاهِلُ مِنَ الخُفِّ، وَهُوَ مَا بَينَ السَّنام والعُنُق، وَمِنهُ قَولُهُم : حَبلُكِ عَلَى غَارِبكِ. وَكَانَتِ العربُ إذا طَلَّقَ أحدُهُم امرأَته، فِي الجَاهِلِيَّةِ ، قَالَ لَهَا : حَبلَكِ عَلَى غَارِبك أَي خَلَّيتَ سَبِيلَكِ، فاذهَبي حَيثُ شِئتِ)(1).

فالمرسل يخاطب الدنيا ويقول لها: اذهبي حيث شئت لا حاجة لي فيك ، فأنا لست من طلابك ، وفيه إشارة ورمز إلى المستقبل (ابن حنيف) بأن لا يتمسك بالدنيا ولا يكون من طلابها، بسبب فعله السابق الذي كان يُعد من أفعال أهل الدنيا ؛ لأنَّ الوليمة التي يكون المدعو إليها فقط الأغنياء بخلاف الفقراء تكون وليمة دنيوية لا يُبتغي فيها وجه اللّه تعالى، وإنَّما يُبتغي من ورائها استمالة قلب الوالي بغية تنفيذ مصالح شخصية.

ومن الكناية كذلك قوله (عليه السلام):

«طوبي لِنَفْسٍ أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا وَ عركت بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا وَ هَجَرَتْ فِي اللَّيْلِ غُمْضَهَا حَتَّى إذالكری علیها افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا وَ تَوَسَّدَتْ كفها فِي مَعْشَرٍ أَشْهُرٍ عیونهم خَوْفُ مَعَادِهِمْ»(2)

افترشت من : (فَرَشَ: الفَاءُ وَالرَّاءُ وَ الشِينُ أصلٌ صَحيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَمهِيدِ

ص: 98


1- لسان العرب : 644/1 (مادة : غرب)، ينظر: تاج العروس : 1/ 644
2- نهج البلاغة ، ضبط نصه وابتكر فهارسه : صبحي الصالح: 533

الشَّيءُ وَبَسطِهِ)(1)، والفرش متاع البيت(2)، وقد قال (عليه السلام): « افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا وَ تَوَسَّدَتْ كفها»، كناية عن فقر هذه النفس واطمئنانها، وتواضعها ، لأنَّ افتراش الأرض وتوسد الكف يرمز إلى عدم وجود المتاع، وكذلك يدل على الاطمئنان ؛ إذ لو كانت غير مطمئنَّة لكان فعلها على غير ذلك بأن تأخذ احتياطاتها وحذرها لا أن تسلم وتفترش الأرض، إضافة إلى رمزية التواضع ؛ لأنَّ المتكبر یأبی أن يفعل ذلك. واختيار هذه الكلمات دون غيرها في أداء المعنى، إنَّما يتمُّ بقصدية واختيار المرسل، إذ الكلمات أرواح تختزن في داخلها عواطف ومشاعر تتفاعل داخل السياق بعضها مع بعض ؛ فتتولد إثر هذا التفاعل دلالاتٍ تبعث على التأمل والتفكر من أجل اكتشاف لونها الجديد(3).

فالنصوص السابقة كانت تشي بزخم دلالي نتج عن تراكم المعنى الكنائي المستتر وراء ألفاظها، ما جعلها أكثر تأثيراً في ذهن المتلقي ؛ لكون المرسل فيها قد خرق الانتظام المعجمي المتعارف إلى دلالات جدید تتلاءم مع ظروف انتاج الخطاب. وفي ضوء ما سبق فقد شكلت الكناية خصيصة أسلوبية فاعلة في مضمون الرسالة.

ص: 99


1- مقاییس اللغة : 4 /486 (مادة : فرش)
2- ينظر : ديوان الأدب : 114/1
3- قضايا النقد الأدبي والبلاغة : محمد زكي العشماوي ، دار الكاتب العربي، مطبعة الوادي ، 1967م: 241

ص: 100

الخاتمة

ص: 101

ص: 102

الخاتمة

في ضوء ما سبق يمكن الإشارة إلى أهم النتائج التي تمخضت عنها الدراسة ، وهي ما يمكن تلخيصه بالنقاط الآتية :

1. غلب الأسلوب غير المباشر على لغة الرسالة، وهذه الخصيصة نجدها واضحة في مادة الرسالة التي كان المرسل فيها يتكلم عن نفسه في أغلبها ويقصد المستقبل.

2. كشفت هذه الرسالة عن قيمة عثمان بن حنیف (رضي اللّه عنه) المميزة بالنسبة للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ؛ فهو وبَّخه بعنف وبشدة لمجرد استجابته لوليمة دُعي لها الأغنياء دون الفقراء، وهذا بحدِّ ذاته يكشف عن المقام السامي لعثمان بن حنيف الذي لم يناسبه ذلك الفعل.

3. شكَّل الإيحاء الصوتي خصيصة أسلوبية فاعلة في محتوى الرسالة، وقد

ص: 103

نتج عن التوافق الحاصل بين الصوت والمعنى، بواسطة الارتباط الوثيق بين شكل اللفظة وطبيعة النسق داخل المتوالية، بحيث كان الصوت مشاركاً في أداء المعنى، وقد ظهر ذلك بوضوح من خلال اختيار وانتقاء الألفاظ ذات الموسيقى الموحية.

4. لم يكن السجع الوارد في الرسالة متكلفاً، بل كان منسجماً في هيكله التنظيمي ومساهماً بشكل فاعل في بناء الأطر الدلالية.

5. شكَّل التوازي ملمحاً أسلوبياً بارزاً في محتوى الرسالة، ويرجع هذا التوظيف الأسلوبي إلى المحاولة الجادة من لدن المرسل في لفت انتباه المستقبل، ويتجلى ذلك بتكرار بعض الأنساق ذات الوقع الخاص.

6. كان للجانب التركيبي حضوره الأسلوبي في الرسالة من خلال خصائص (التقديم والتأخير)، التي وفَّرت ثلاثة معان (الاهتمام، التشويق، التخصيص)، إضافةً إلى تحريك الجانب الانفعالي والشعوري لدى المستقبل، أما الحذف فقد حقق تناسباً أسلوبياً وفضاءات مفتوحة ، وبذلك منح المستقبل حرية في استشعار المحذوف بما يتناسب مع افقه وثقافته ، وأمَّا الاستفهام الوارد في الرسالة فإنَّه جاء على غير حقيقته، وقد أفاد الإنكار والتعجب، وأمَّا التوكيد فقد جاء في المواضع المناسبة التي استدعاها مقام التخاطب ؛ ولذلك لم يكن متكلفاً في جلِّ مواضعه.

7. أكثر المرسل من أساليب البيان في رسالته ؛ ليبتعد بأسلوبه عن التقريرية

ص: 104

والمباشرة مستغلاً طاقات هذه الأساليب للوصول إلى الإقناع والتأثير في المستقبل؛ ولذلك عدل بلفظ عن آخر للتعبير عن معان ودلالات عميقة ؛ فرسم من خلال التصوير بأساليب البيان من تشبيه واستعارة وكناية خصيصة أسلوبية عامة، هي العدول بلفظ دون آخر للتعبير عن المعنى المراد، بشكل جميل وموح؛ لتشكِّل لوناً مهماً من ألوان التصوير البياني.

8. أخذ المستوى الدلالي مساحته الأسلوبية في الرسالة من خلال التشبيه الذي كان واضحاً في صوره قريباً من الذهن، وكذلك الأمر في العلاقات التي تربط بين طرفي التشبيه ، أمَّا وجه الشبه ؛ فهو قریب لا يحتاج في ادراكه إلى تأويل وتفكير، وكذا الأمر بالنسبة للاستعارة التي لا نكاد نجد فيها صوراً صعبة تحتاج في فهمها إلى أعمال الذهن وكدِّه، وكذلك الأمر بالنسبة للكناية.

وآخر دعوانا أنِ الحمد للّه ربِّ العالمين والصلاة والسلام على محمَّد وآله الطاهرين

ص: 105

ص: 106

المصادر والمراجع

1- الإتقان في علوم القرآن : أبو الفضل جلال الدين بن عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت: 911ه)، تحقيق : مركز الدراسات القرآنية ، المملكة العربية السعودية، وزارة الشؤون الإسلامية للأوقاف والدعوة والإرشاد ، مجمع الملك فهد الطباعة المصحف الشريف، الأمانة العامة للشؤون العلمية، (د. ط)، (د.ت).

2- الاحتجاج، الشيخ الطبرسي (ت 548ه)، تعليق السيد محمد باقر

الخرسان، دار النعمان، النجف الأشرف ، (د.ط)، (1386ه - 1966م).

3- إحياء النّحو، إبراهيم مصطفی ، مطبعة لجنة التأليف والنشر، مصر (د.ط)، 1951م.

4- استراتيجيات الخطاب (مقاربة لغوية تداولية)، عبد الهادي بن ظافر الشهري، دار الكتب الجديدة المتحدة، بيروت - لبنان، ط1، 2004م.

5- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري

ص: 107

القرطبي (ت: 463ه)، تحقيق علي محمد البجاوي ، دار الجبل، بیروت - لبنان ، ط1، (1412ه، 1992م).

6- الإسلام والأدب، د. محمود البستاني، المطبعة ستارة، قم، ط1، 1422ه.

7- الأسلوب والأسلوبية والنص الحديث، د. محمد القضاة، الشعر والمناهج النقدية الحديثة - بحوث الحلقة الدراسية لمهرجان المربد الشعري الثالث عشر، 11/24 - 12/1 ، 1997م، دار الشؤون الثقافية العامة - بغداد، (د.ط) 1998م.

8- الأسلوبية - مدخل نظري ودراسة تطبيقية ، د. فتح اللّه احمد سلیمان ، الدار الفنية للنشر والتوزيع، القاهرة، (د.ط) 1990.

9- الأسلوبية مدخل نظري ودراسة تطبيقية ، د. فتح اللّه أحمد سليمان، الدار الفنية للنشر، المطبعة الفنية، (د. ط)، 1990م.

10- الأسلوبية ونظرية النص، د. إبراهيم خليل، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 1997م.

11- الإصابة في تمييز الصحابة، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي (ت: 852ه)، تحقیق علي محمد البجاوي، دار الجبل، بیروت، ط1، 1412ه.

12- الأصوات اللغوية : إبراهيم أنيس، مكتبة الأنجلو المصرية (د.ط)، 2007م.

13- الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني (ت 739ه)، تحقيق: د. رحاب عكاوي ، دار الفكر العربي، بیروت، لبنان، ط1، القاهرة، 1995م.

14- البحث الأسلوبي معاصرة وتراث، رجاء عيد، دار المعارف، مصر، ط1، 1993م.

15- البديع في ضوء أساليب القرآن : د. عبد الفتاح لاشين، دار الفكر العربي ، القاهرة، (د.ط)، 1419ه - 1999م.

ص: 108

16- البرهان في علوم القرآن : بدر الدين محمد بن عبد اللّه الزركشي (ت: 794ه)، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة دار التراث ، القاهرة، (د.ط)، (د.ت).

17- بلاغة الخطاب وعلم النص، د. صلاح فضل، عالم المعرفة، سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، (د.ط)، 1992م.

18- البلاغة العربية في ضوء الأسلوبية ونظرية السياق : محمد بركات حمدي ، دار وائل للنشر، ط1، 2003م.

19- البلاغة العربية قراءة أخرى : د. محمد عبد المطلب ، الشركة المصرية العالمية للنشر، لونجمان، مصر، ط1، 1997م.

20- البلاغة والأسلوبية - نحو نموذج سيميائي لتحليل النص، هزیش بليث ، ترجمة : محمد العمري، منشورات دراسات سال، الدار البيضاء، ط1، 1989.

21- البلاغة والأسلوبية، الدكتور محمد عبد المطلب، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، سلسلة دراسات أدبية، (د.ط) 1984م.

22- بناء الأسلوب في شعر الحداثة (التكوين البديعي)، د. محمد عبد المطلب ، (د.ط)، 1988م.

23- البيان في ضوء أساليب القرآن، د. عبد الفتاح لاشين، دار الفكر العربي ، القاهرة ، ط 2، 1998م.

24- البيان والتبيين ، أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (255 ه)، تحقیق عبد السلام محمد هارون، دار الجبل، بیروت، (د.ط)، (د.ت).

25- تاج العروس من جواهر القاموس ، محمد بن عبد الرزاق الحسيني أبو الفيض الملقب بمرتضى الزبيدي (1205ه)، تحقيق مجموعة من المحققين، دار الهداية، (د.ط)، (د.ت).

26- تحولات البنية في البلاغة العربية ، د. أسامة البحيري، دار الحضارة للطبع

ص: 109

والنشر والتوزيع، طا، 2000م.

27- تحولات النص - بحوث ومقالات في النقد الأدبي، د. إبراهيم خليل، منشورات وزارة الثقافة ، عمان، المملكة الأردنية الهاشمية ، ط1، 1999.

28-تداولية الخطاب السردي دراسة تحليلية في وصف القلم للرافعي، محمود طلحة ، تقديم د. مسعود صحراوي ، عالم الكتب الحديث ، أربد - الأردن، ط1، 2012م.

29- التداولية عند العلماء العرب دراسة تداولية لظاهرة الأفعال الكلامية في التراث اللساني العربي، د. مسعود صحراوي، دار الطليعة للطباعة والنشر، بیروت، ط1، 2005م.

30- تشريح النص - مقاربات تشريحية لنصوص شعرية معاصرة، د. عبد اللّه محمد الغذامي، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان ، ط1، 1987

31- تطور الأساليب النثرية في الأدب العربي، أنيس المقدسي، دار العلم للملايين، بیروت، ط6، 1979م.

32- التطور الدلالي بين لغة الشعر ولغة القرآن - دراسة دلالية مقارنة، عودة خليل أبو عودة، مكتبة المنار، الزرقاء، الأردن، ط1، 1985م.

33- التعبير البياني (رؤية بلاغية نقدية)، د. شفيع السيد، ط2، دار الفكر العربي، 1982.

34- التعبير القرآني، الدكتور فاضل صالح السامرائي، مطابع دار الحكمة للطباعة والنشر - جامعة الموصل، (د.ط)، 1987م.

35- التفسير البلاغي للاستفهام في القرآن الكريم، د. عبد العظيم المصطفي ، مكتبة وهبة ، ط 2، 1428ه - 2007م.

36- التفكير الأسلوبي، رؤية معاصرة في التراث النقدي البلاغي في ضوء علم الأسلوب الحديث ، د. سامي محمد عبابنة، جدارا للكتاب العالمي، عمان الأردن ،

ص: 110

عالم الكتاب الحديث ، أربد، عمان، 2007م.

37- التقابل الجمالي في النص القرآني، د. حسن جمعة، دراسة جمالية فكرية أسلوبية ، منشورات دار النمير للطباعة والنشر، دمشق، ط1، 2005م.

38- التلقي والتأويل، مقاربة نسقية ، محمد مفتاح، المركز الثقافي العربي ، بیروت الحمراء، ط1، 1994م.

39- التلقي والنص الشعري - قراءة في نصوص شعرية معاصرة من العراق والأردن وفلسطين والإمارات، ذياب شاهين، دار الكندي للنشر والتوزيع، أربد ، الأردن، ط1، 2004.

40- تهذيب اللغة، محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي أبو منصور (370ه)، تحقيق محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث العربي، بیروت، ط1، 2001م.

41- جدلية الإفراد والتركيب في النقد العربي القديم، محمد عبد المطلب ، الشركة المصرية العالمية للنشر، لونجمان، مصر، ط1، 1995م.

42- جرس الألفاظ ودلالتها في الجهد البلاغي والنقدي عند العرب، د. ماهر مهدي هلال، دار الحرية للطباعة ، بغداد ، (د.ط)، 1980م.

43 - جمهرة اللغة ، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (321ه)، تحقيق رمزي منير بعلبكي ، دار العلم للملايين - بيروت ، ط1، 1987م.

44 - جواهر البلاغة : السيد أحمد الهاشمي، قرأه وقدم له : د. يحيى مراد، مؤسسة المختار القاهرة، ط 2، 1427ه -2006م.

45 - الحذف والتقدير في النحو العربي : د. علي أبو المكارم : دار غریب ، القاهرة، ط1، 2007م.

46- خزانة الأدب وغاية الأرب، ابن حجة الحموي (ت 837ه)، شرح عصام شعيتو، دار مكتبة الهلال، بیروت، ط1، 1987م.

ص: 111

47- خصائص التراكيب، محمد حسنين موسی، دار التضامن للطباعة ، القاهرة، ط 2، 1980م.

48 - الخصائص، أبو الفتح عثمان بن جني (392ه) تحقيق محمد علي النجار، دار الهدى للطباعة ، بيروت ، ط 2، 1952م.

49- دلائل الإعجاز، عبد القاهر الجرجاني (ت 471ه)، حققه وقدم له ، الدكتور محمد رضوان الداية، والدكتور فايز الداية ، مكتبة سعد الدين، ط 2، دمشق، 1407ه -1987م.

50- دينامية النص - تنظير وإنجاز، د. محمد مفتاح، المركز الثقافي العربي ، بیروت، لبنان، والدار البيضاء، المغرب، ط1، 1987.

51- ديوان الأدب، أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم بن الحسين الفارابي ، (350ه)، تحقيق د. أحمد مختار عمر، مراجعة د. إبراهيم أنيس، مؤسسة دار الشعب للصحافة والطباعة والنشر، القاهرة، (د.ت)، 1424ه -2003م.

52- سر الفصاحة ، ابن سنان الخفاجي الحلبي (466ه)، تحقيق عبد المتعال الصعيدي، مطبعة محمد علي صبيح، (د.ط)، 1969م.

53- سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي، تحقيق وتخریج وتعليق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بیروت - لبنان، ط 9، (1413ه -1993م)

54- شرح المفصل للزمخشري، موفق الدين أبو البقاء يعيش بن علي بن يعيش الموصلي (643ه)، تحقيق د. إميل بديع يعقوب ، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية ، بيروت - لبنان ، ط1، 2001م.

55- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي (393ه)، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بیروت، ط4، 1407ه - 1987م.

ص: 112

56- صفوة شروح نهج البلاغة : شرح ابن ابي الحديد المعتزلي، و شرح الشيخ محمد عبده ، تعلیق : د. صبحي الصالح، جمعه ونسقه : اركان التميمي، انتشارات انوار الهدی، ط1، 1424ه -2000م.

57- الصوت الآخر - الجوهر الحواري للخطاب الأدبي، فاضل ثامر، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، ط1، 1992.

58 - الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي : جابر عصفور، دار الثقافة للطباعة، وزارة الأوقاف، عمان، 1979م.

59- الصورة الفنية في المثل القرآني - دراسة نقدية وبلاغية ، د. محمد حسين علي الصغير، دار الرشيد للنشر، الجمهورية العراقية، (د.ط) 1981.

60- الطراز، الإمام يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم العلوي اليمني (749ه)، تحقيق د. عبد الحميد هنداوي، مكتبة القرية، بیروت، ط1، 2002م.

61- ظاهرة الحذف في الدرس اللغوي : طاهر سليمان حمودة، دار الجامعية ، الإسكندرية ، (د.ط)، 1998م.

62- علم أساليب البيان : غازي يموت، دار الأصالة ، بيروت - لبنان، ط1، 1403ه - 1983م.

63- علم الدلالة، جون لاينز، ترجمة مجيد عبدالحليم الماشطة، وحليم حسين فالح، وكاظم حسین باقر، مطبعة جامعة البصرة، كلية الآداب ، 1980م.

64- علم الدلالة - أصوله ومباحثه في التراث العربي، منقور عبد الجليل ، منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق ، (د.ط)، 1983م.

65- علم اللغة العام، فردینان دي سوسير، ت : د. يوئيل يوسف عزیز، دار آفاق عربية ، بغداد، (د.ط)، 1985م.

66- العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، أبو الحسن بن رشيق القيرواني الأزدي

ص: 113

(456ه)، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بیروت، ط4، 1972م.

67- العين ، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري (170 ه)، تحقيق د. مهدي المخزومي، د. إبراهيم السامرائي ، دار ومكتبة الهلال، (د.ط)، (د.ت).

68- الغيث المسجم في شرح لامية العجم، صلاح الدين خليل بن أبيك الصفدي (ت764ه)، طبعة جديدة مصححة، دار الكتب العملية، ط3، 1424ه/ 2002م.

69- الفوائد الرجالية، السيد مهدي بحر العلوم، تحقیق محمد صادق بحر العلوم، حسين بحر العلوم، مطبعة افتاب ، مكتبة الصادق، طهران، ط1، 1463ش.

70- في الشعرية، كمال أبو ديب ، مؤسسة الأبحاث العربية ، بيروت، لبنان ، ط1، 1987.

71- في النحو العربي ، نقد وتوجيه، الدكتور مهدي المخزومي، منشورات المكتبة العصرية، ط1، بیروت، 1384 ه - 1964م.

72- القاموس المحيط ، العلامة اللغوي مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي (817ه)، إعداد وتقديم محمد عبد الرحمن المرعشي، دار إحياء التراث العربي ، بيروت - لبنان ، ط 2، 1424ه - 2003م.

73- قضايا الشعر المعاصر، نازك الملائكة، دار العلم للملايين بيروت، ط7، 1983م.

74- قضايا الشعرية، رومان یاكسون، ترجمة : محمد الولي و مبارك حنون، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط1، 1988.

75- قضايا النقد الأدبي والبلاغة، محمد زكي العشماوي ، دار الكاتب العربي ، مطبعة الوادي، (د.ط)، 1967م.

ص: 114

76- كتاب سيبويه : أبو بشر عمرو ابن عثمان ابن قنبر، تحقيق وشرح: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط 3، 1408ه - 1988م.

77- كتاب أرسطوطاليس في الشعر، تحقيق: شكري محمد عياد، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، 1967م.

78- الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد جار اللّه الزمخشري (538 ه)، ومعه كتاب الانتصاف فيما تضمنه الكشاف لابن منير الإسكندري (683ه)، وتخريج أحاديث الكشاف للإمام الزيلعي، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط3، 1407ه.

79- لسان العرب، محمد بن مكرم بن علي أبو الفضل جمال الدين بن منظور الأنصاري الرويفعي الإفريقي (711ه)، دار صادر، بیروت، ط3، 1414 ه.

80- اللسان والميزان أو التكوثر العقلي ، د. طه عبد الرحمن، مركز الثقافة العربي ، بيروت - لبنان ، ط1، (د.ت).

81- لسانیات النص، مدخل إلى انسجام الخطاب : محمد الخطابي، المركز الثقافي العربي الدار البيضاء، ط 2، 2006م.

82- اللغة الشعرية (دراسة في شعر حمید سعید)، محمد كنوني، ط1، دار الشؤون الثقافية العامة ، آفاق عربية ، بغداد، 1997م.

83- اللغة الشعرية في الخطاب النقدي العربي - تلازم التراث والمعاصرة ، محمد رضا مبارك، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد، ط1، 1993م.

84- اللغة، ج. فندریس، تعریب عبد المجيد الدواخلي، ومحمد القصاص، مكتبة الأنجلو المصرية ، (د.ط)، 1995م.

85- المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، ابن الأثير، تحقيق: كامل محمد عويضة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان ، ط1، 1988.

ص: 115

86- المحكم والمحيط الأعظم، أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيدة المرسي (458ه)، تحقيق عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1421ه -2000م.

87- مسند أحمد، أحمد بن حنبل (ت: 241ه)، دار صادر، بیروت - لبنان، (د.ط)، (د.ت)

88- المصطلحات الأساسية في لسانیات النص وتحليل الخطاب، دراسة معجمية، د. نعمان بوقرة، عالم الكتب الحديث ، جدارا للكتاب العالمي، عمان ، ط1، 1429ه - 2009م.

89- معجم المصطلحات البلاغية وتطورها: أحمد مطلوب، مطبعة المجمع العلمي العراقي، 1403ه - 1983م.

90- معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب : مجدي وهبة ، وكامل المهندس ، مكتبة لبنان، بیروت، ط 2، 1984م.

91- مفتاح العلوم، أبو يعقوب يوسف بن محمد بن علي السكاكي (626ه)، تحقيق د. عبد الحميد هنداوي ، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية ، بیروت، ط1، 2000م.

92- مقاییس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكریا (395ه)، اعتنی به د. محمد عوض مرعب والآنسة فاطمة محمد أصلان، (د.ط)، 1429ه -2008م.

93 - موسيقى الشعر، إبراهيم أنيس، مطبع الأنجلو المصرية ، القاهرة، ط 2، 1952م

94- موسيقى الشعر العربي، د. شكري محمد عياد، دار المعرفة ، القاهرة ، ط1، 1968.

95- النحو والدلالة - مدخل لدراسة المعنى النحوي الدلالي، د. محمد

ص: 116

حماسة، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، ط1، 1983م.

96- نحو وعي لغوي، د. مازن المبارك، مؤسسة الرسالة، بیروت، (د.ط)، 1399ه - 1979م.

97- النص والخطاب والإجراء، روبرت ديبوجراند ، ترجمة : د. تمام حسان، عالم الكتب ، ط 2 ، القاهرة ، 1428ه - 2007م.

98- نظرية الأدب ، أوستن وارين ورینیه ویليك، ترجمة: محي الدين صبحي، خالد الطرابيشي، 1972م.

99- النقد الأدبي الحديث ، د. محمد غنيمي هلال، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، (د.ط)، (د.ت).

100- نقد الشعر، أبو الفرج قدامة بن جعفر الكاتب البغدادي (337ه)، تحقيق محمد عبد المنعم الخفاجي، دار الكتب العلمية بيروت ، (د.ط)، (د.ت).

101 - النكت في إعجاز القرآن ، أبو الحسن علي بن عيسى الرماني (386ه) ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن ، (د.ط)، (د.ت).

102- نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز، فخر الدين محمد بن عمر الرازي (606ه)، تحقیق د. نصر اللّه حاجي مفتي اوغلي، دار صادر بیروت، ط1، 1426ه.

103- نهج البلاغة، وهو مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ضبط نصه وابتكر فهارسه الدكتور صبحي الصالح، مطبعة وفا، ط4، 1431 ه.

الرسائل والأطاريح

1- خصائص الأسلوب في شعر العباس بن الأحنف (رسالة ماجستير)، فرحان بدري كاظم، كلية التربية / ابن رشد ، جامعة بغداد، 1997.

2 - السياق ودلالته في توجيه المعني، فوزي ابراهيم عبدالرزاق

ص: 117

(اطروحة دكتوراه)، كلية الآداب - جامعة بغداد، 1416ه -1996م.

3 - شعر صلاح عبد الصبور - دراسة أسلوبية (رسالة ماجستير)، أنسام محمد راشد، كلية التربية ، الجامعة المستنصرية ، 1997.

4 - نظام الجملة العربية ، سناء حميد البياتي (رسالة ماجستير)، إشراف د. خديجة الحديثي، كلية الآداب جامعة بغداد ، (1404ه -1983م).

المجلات والدوريات

1- تحليل الخطاب الشعري - استراتيجية التناص - د. محمد مفتاح، دار التنوير، بیروت، ط1، 1985.

2 - التوازي في شعر يوسف الصائغ وأثره في الإيقاع والدلالة، سامح الرواشدة، مجلة ابحاث اليرموك، مج16، ع6، 1998.

3 - في مفهوم الإيقاع، محمد الهادي الطرابلسي، مجلة حوليات الجامعة التونسية ، عدد 32، 1999.

4 - لغة الشعر عند المعري ، دراسة لغوية فنية في سقط الزند، د. زهير غازي زاهد، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد، ط1، 1989.

5- مدخل إلى قراءة النص الشعري ، محمد مفتاح، مجلة فصول، مج 16، ع1، 1997م.

6 - من النص المعياري إلى التحليل اللساني، الشعرية البنيوية إنموذجاً، خالد سلیكي، مجلة عالم الفكر، مجلد 23، العدد 1، 2، يوليو، سبتمر ،

اكتوبر، دیسمبر

ص: 118

المحتويات

مقدمة المؤسسة:...7

مقدمة المؤسسة ...7

المقدمة: ...11

التمهيد: ...17

أولا : الأسلوبية: ... 17

ثانيا: عثمان بن حنيف (رضي اللّه عنه): ...19

ثالثا: نص الكتاب: ...21

المبحث الأول: المستوى الصوتي ...29

1. السجع:...31

أ- السجع المطرف: ...32

ب- السجع الموازي:.. 37

2. التوازي: ...40

المبحث الثاني: المستوى التركيبي ...47

أولا : التقديم والتأخير:...48

1. الاهتمام:...49

2. التشويق: ...51

3. التخصيص: ...52

ثانيا: الحذف: ...54

ثالثا: الاستفهام: ...58

ص: 119

رابعا: التوكيد : ...62

خامسا: الالتفات:...69

المبحث الثالث: المستوى الدلالي ...75

أولا : مضمون الرسالة: ...77

ثانيا: التشبيه: ...80

ثالثا: الاستعارة : ...85

رابعا: الكناية:...95

الخاتمة ...103

المصادر والمراجع...107

الرسائل والاطاریح...117

المجلات والدوریات...118

ص: 120

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.