المختار من مقتل بحار الانوار

هوية الکتاب

المختار من مقتل (بحار الانوار) عرض وثائقی موجز لأحداث ثورة الحسین علیه السلام

اسم الكتاب المختار من مقتل بحار الانوار المؤلف

اعداد: مجمع الفكر الاسلامي الناشر مجمع الفكر الاسلامي الطبعة الاولى المطبعة نمونه - قم تاريخ النشر محرم الحرام / 1411 طبع منه (2000) نسخة السعر (700) ریال

ص: 1

اشارة

ص: 2

المختار من مقتل (بحار الانوار) عرض وثائقی موجز لأحداث ثورة الحسین علیه السلام اعداد مجمع الفکر الاسلامی

ص: 3

روي في الخصال عن أمير المؤمنين (علیه السلام) إنّ الله تبارك وتعالى اطلع إلى الأرض فاختارنا واختار لنا شيعة ينصروننا ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون أموالهم وانفسهم فينا اولئك منا والينا.

بحار ج 4 ص 287

ص: 4

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسّلام على عباده الّذين اصطفی، محمّد وآله الطّاهرین.

***

الحسين عليه السّلام معلّم الأنسانية، وثورته مدرسة تنير للاجيال درب التسامي والشموخ وتدلّهم على طريق الحياة الحرة الكريمة، وما أحوج البشريّة المعذبة التي ترزح اليوم تحت نير الاستعباد والاستذلال إلى تعاليم الثورة الحسينيّة ودروسها.

فالحسين صلوات الله عليه فجر في ظلام العالم المسحوق تحت اقدام الجبابرة والطغاة، ودليل في متاهات الظّلم الّذي فرضه أبناء الشيطان على عالم الانسان، والصّرخة الّتي تزعزع من دویّها كيان المستكبرين والعابثين بشرف الانسان وقيمه العليا.

ومن الضروريّ في طريق استلهام دروس هذه الثورة الكبرى واستنطاق أحداثها ومفردات وقائعها واستلال المعاني والقيم العليا التي تفيض بها تلك الوقائع والأحداث إعداد النّصّ الّذي يصوّر الأحداث الّتي احتوتها وقعة الّطف الكبری تصویراً سلیمًا بعيداً عن الدّخائل والزوائد وخالياً عن النقول الضعيفة الّتي لا تستند إلى أصل والرّوايات الّتي لا تعتمد على مصدر وثيق قريب إلى عصر الحادث تطمئن إليه النفس ويركن إليه

ص: 5

الباحث.

هذه الضرورة لابد أن يقوم بانجازها الباحثون والدّارسون ولا نزعم أنّ هذا الكرّاس يمكنه ملأ هذا الفراغ، لكنّنا نأمل أن يسهلّ للباحثين الطريق إلى ذلك أو إلى شيء منه على أقل التقادير.

والعمل الّذي يقدّمه هذا الكرّاس، عبارة عن اختيار وتهذیب ما جاء في البحار حول مقتل الحسين صلوات الله عليه، وقد اُجريت على نصّ ما جاء في البحار، التعديلات التالية:

1- حذف بعض الرّوايات أو النقول التي لا تستند إلى اصل موثوق ولم تنقل في مصدر من المصادر المعروفة والمعتمد عليها.

2- تنظيم وترتيب الروايات حسب تسلسل الاحداث بالشكل الّذي يسهّل للمراجع متابعة مفردات الأحداث حسب تسلسل وقوعها، وهذا ما تطلّب منّا تقديم بعض الروايات أو تأخيرها ليتمّ وضعها في الموضع المناسب حسب تسلسل الأحداث..

وبذلك تم اختيار ما جاء في هذا الكرّاس.

والغاية الّتي كنّا نهدف إليها من وراء هذا العمل هو إعداد نصّ يروي حدیث عاشوراء يتّصف بنسبة يعتد بها من السلامة والوثوق، جامعاً بين الايجاز والنظم وسلامة النقل.

وأخيراً نقدّم شكرنا الجزيل إلى سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محسن الأراكي، الذي بذل جهده لإعداد هذا الكراس حتّى أنجزه بالنحو الذي تجده بين يديك، فجزاه الله عن ذلك خير جزاء المحسنين.

والله نسأل أن يتقبل منّا هذا اليسير وأن يوفقنا لخدمة دينه واتباع رسوله والأئمة الهادين من أهل بيته، وأن يحيينا ما حيينا على ولايتهم ومودتهم،

ص: 6

ويميتنا على حبّهم وطاعتهم.

اللّهم ارزقنا شفاعة الحسين (علیه السلام) يوم الورود، وثبّت لنا قدم صدق عندك مع الحسين (علیه السلام)، وأصحاب الحسين (علیه السلام)، الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام.

11 محرم الحرام - 1408 ه. ق.

مجمع الفكر الإسلامي

ص: 7

ص: 8

الفصل الأول: الحسين عليه السلام في مدينة الرسول صلى الله عليه وآله:

اشارة

ص: 9

ص: 10

1- موقف الحسين (علیه السلام) بعد وفاة أخيه

قال الشيخ المفيد في الإرشاد: روى الكلبي والمدائني وغيرهما من أصحاب السيرة قالوا: لما مات الحسن (عليه السلام) تحرّكت الشيعة بالعراق وكتبوا إلى الحسين (عليه السلام) في خلع معاوية والبيعة له، فامتنع عليهم. وذكر أنّ بينه وبين معاوية عهداً وعقداً لايجوز له نقضه، حتّى تمضي المدَّة، فاذا مات معاوية نظر في ذلك.

2- هلاك معاوية وكتاب يزيد إلى المدينة

فلمّا مات معاوية وذلك للنصف من شهر رجب سنة ستين من الهجرة كتب يزيد إلى الولید بن عتبة بن أبي سفيان وكان على المدينة من قبل معاوية أن يأخذ الحسين (عليه السلام) بالبيعة له ولا يرخّص له في التأخير عن ذلك، فأنفذ الوليد إلى الحسين في اللّيل فاستدعاه فعرف الحسين (عليه السلام) الّذي أراد، فدعا جماعة من مواليه وأمرهم بحمل السلاح، وقال لهم: إنَّ الوليد قد استدعاني في هذا الوقت، ولست آمن أن يكلّفني فيه أمراً لا اُجيبه إليه، وهو غير مأمون، فكونوا معي فاذا دخلت إليه فاجلسوا على الباب، فان سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه عنّي.

3- الحسين (علیه السلام) عند أمير المدينة

فصار الحسين (عليه السلام) إلى الولید بن عتبة فوجد عنده مروان بن الحكم فنعى إليه الوليد معاوية فاسترجع الحسين ثمّ قرأ عليه کتاب یزید وما

ص: 11

أمره فيه من أخذ البيعة منه له، فقال الحسين (عليه السلام): إنّي لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرَّا حتّى اُبايعه جهراً فيعرف ذلك الناس، فقال له الوليد: أجل فقال الحسين: فتصبح وترى رأيك في ذلك، فقال له الوليد: انصرف على اسم الله تعالى حتّى تأتينا مع جماعة الناس.

فقال له مروان: والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لاقدرت منه على مثلها أبداً حتّى تكثر القتلى بينكم وبينه احبس الرَّجل ولا يخرج من عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه، فوثب الحسين (عليه السلام) عند ذلك وقال: أنت يا ابن الزرقاء تقتلني أم هو؟ كذبت والله وأثمت، وخرج يمشي ومعه موالیه حتّى أتى منزله(1).

قال السيّد: كتب يزيد إلى الوليد يأمره بأخذ البيعة على أهلها(2) وخاصّة على الحسين (عليه السلام) ويقول: إنّ أبي عليك فاضرب عنقه، وابعث إلَّي برأسه، فأحضر الوليد مروان واستشاره في أمر الحسين، فقال: إنّه لا يقبل، ولو كنت مكانك ضربت عنقه، فقال الوليد: ليتني لم أك شيئاً مذكوراً.

ثمّ بعث إلى الحسين (عليه السلام) فجاءه في ثلاثين من أهل بيته ومواليه - وساق الكلام إلى أن قال -: فغضب الحسين (عليه السلام) ثمّ قال: ويلي عليك يا إبن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي؟ كذبت والله وأثمت.

ثمَّ أقبل على الوليد فقال: أيّها الأمير! إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله، وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرَّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن

ص: 12


1- إرشاد المفيد ص 182 و 183 وهكذا ما بعده
2- يعني المدينة

نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون، أیّنا أحقُّ بالبيعة والخلافة، ثمّ خرج (عليه السلام)(1).

قال المفيد: فقال مروان للوليد: عصيتني لا والله لا يُمكنك مثلها من نفسه أبداً فقال الوليد: ويح غيرك يا مروان إنّك اخترت لي التي فيها هلاك ديني ودنياي والله ما اُحبُّ أنَّ لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدُّنيا وملكها وإنّي قتلت حسیناً، سبحان الله أقتل حسيناً إن قال لا اُبايع، والله إنّي لأظنُّ أنَّ امرءاً يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عند الله يوم القيامة.

فقال له مروان: فإذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت، يقول هذا وهو غير الحامد له على رأيه(2).

4- لقاء الامام (علیه السلام) بمروان

قال السيّد: فلمّا أصبح الحسين (عليه السلام) خرج من منزله يستمع الأخبار فلقيه مروان بن الحكم فقال له: يا أبا عبد الله إنّي لك ناصح، فأطعني ترشد، فقال الحسين (عليه السلام): وما ذاك؟ قل حتّى أسمع، فقال مروان: إنّي آمرك ببيعة يزيد أمير المؤمنين فانّه خير لك في دينك ودنياك، فقال الحسين (عليه السلام): إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وعلى الاسلام السلام إذ قد بُلیت الأُمّة براعٍ مثل یزید، ولقد سمعت جدِّي رسول الله (صلّى الله عليه واله) يقول: الخلافة محرَّمة على آل أبي سفيان، وطال الحديث بينه وبين مروان حتّی انصرف مروان، وهو غضبان.

ص: 13


1- كتاب اللهوف ص 17 و 18
2- ارشاد المفيد ص 183

فلمّا كان الغداة توجّه الحسين (عليه السلام) إلى مكّة لثلاث مضين من شعبان سنة ستّين فأقام بها باقی شعبان وشهر رمضان وشوّالا وذا القعدة(1).

5- خروج الحسين (علیه السلام) من المدينة

قال محمد بن أبي طالب الموسوي: وتهيّأ الحسين (عليه السلام) للخروج من المدينة، ومضى في جوف الليل إلى قبر اُمّه فودَّعها، ثمّ مضى إلى قبر أخيه الحسن ففعل كذلك، ثمّ رجع إلى منزله وقت الصبح، فأقبل إليه أخوه محمّد إبن الحنفية وقال: يا أخي أنت أحبُّ الخلق إلَّي وأعزّهم علَّي ولست والله أدَّخر النصيحة لأحد من الخلق، وليس أحد أحقَّ بها منك لأنَّك مزاج مائي ونفسي وروحي وبصري وكبير أهل بيتي، ومن وجبت طاعته في عنقي، لأنَّ الله قد شرَّفك علَّي، وجعلك من سادات أهل الجنّة.

وساق الحديث كما مرَّ إلى أن قال: تخرج إلى مكّة فان اطمأنّت بك الدّار بها فذاك وإن تكن الاُخرى خرجت إلى بلاد اليمن، فانّهم أنصار جدِّك وأبيك، وهم أرأف الناس وأرقّهم قلوباً، وأوسع الناس بلاداً، فان اطمأنّت بك الدّار، وإلّا لحقت بالرِّمال وشعوب الجبال، وجزت من بلد إلى بلد، حتّى تنظر ما يؤول إليه أمر الناس ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين.

قال: فقال الحسين (عليه السلام): يا أخي والله لو لم يكن ملجأ، ولا مأوى لما بایعت یزید بن معاوية، فقطع محمّد ابن الحنفيّة الكلام و بکی، فبکی الحسين (عليه السلام) معه ساعة ثمّ قال: يا أخي جزاك الله خيراً، فقد نصحت وأشرت بالصواب، وأنا عازم على الخروج إلى مكّة، وقد تهيّأت لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي، وأمرهم أمري ورأيهم رأيي، وأمّا أنت يا أخي

ص: 14


1- اللهوف: ص 13

فلا عليك أن تقيم بالمدينة، فتكون لي عيناً لا تخفي عنّي شيئاً من اُمورهم.

6- وصيّة الحسين (علیه السلام) لأخيه ابن الحنفيّة

ثمّ دعا الحسين (عليه السلام) بدواة وبياض وكتب هذه الوصيّة لأخيه محمّد:

«بسم الله الرَّحمن الرَّحيم هذا ما أوصى به الحسين بن علِّي بن أبي طالب إلى أخيه محمّد المعروف بابن الحنفيّة أنّ الحسين يشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لاشريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله، جاء بالحقِّ من عند الحقِّ، وأنَّ الجنة والنار حقٌ، وأنَّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنَّ الله يبعث من في القبور، وأنّي لم أخرج أشَراً ولا بطراً ولا مُفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت لطلب الاصلاح في اُمَّة جدِّي صلّى الله عليه وآله اُريد أن آمر بالمعروف وأنهی عن المنكر، وأسير بسيرة جدِّي وأبي علّي بن أبي طالب (عليه السلام) فمن قبلني بقبول الحقِّ فالله أولى بالحقِّ، ومن ردَّ علَّي هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقِّ وهو خير الحاكمين، وهذه وصيّتي يا أخي إليك وما توفيقي إلّا بالله عليه توكّلت وإليه اُنيب.

قال: ثمّ طوى الحسين الكتاب وختمه بخاتمه، ودفعه إلى أخيه محمّد ثمَّ ودَّعه وخرج في جوف اللّيل.

قال: وقال شيخنا المفيد باسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لمّا سار أبو عبدالله من المدينة لقيه أفواج من الملائكة المسوَّمة في أيديهم الحراب على نجب من نجب الجنة، فسلّموا عليه، وقالوا: يا حجّة الله على خلقه بعد جدِّه وأبيه وأخيه، إنَّ الله سبحانه أمدَّ جدَّك بنا في مواطن كثيرة، وإنَّ الله أمدَّك بنا، فقال لهم: الموعد حفرتي وبقعتي الّتي أستشهد فيها وهي

ص: 15

کربلا، فاذا وردتها فأتوني، فقالوا: يا حجّة الله! مُرنا نسمع ونطع، فهل تخشی من عدوّ يلقاك فنكون معك؟ فقال: لا سبيل لهم علَّي ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي.

وأتته أفواج مسلمي الجنِّ فقالوا: يا سيّدنا، نحن شيعتك وأنصارك، فمرنا بأمرك، وما تشاء، فلو أمرتنا بقتل كل عدّو لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك، فجزاهم الحسين خيراً وقال لهم: أو ما قرأتم كتاب الله المنزل على جدِّي رسول الله «أينما تكونوا يدرككم الموت ولو کنتم في بروج مشيّدة»(1) وقال سبحانه: «لبرز الّذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم»(2) وإذا أقمت بمكاني فبماذا يبتلي هذا الخلق المتعوس؟ وبماذا يختبرون؟ ومن ذا يكون ساکن حفرتي بکربلا؟ وقد اختارها الله يوم دحا الأرض، وجعلها معقلاً لشيعتنا، ويكون لهم أماناً في الدُّنيا والآخرة ولكن تحضرون يوم السبت، وهو یوم عاشورا الَّذي في آخره اُقتل، ولا يبقى بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخوتي وأهل بيتي، ويسار برأسي إلى يزيد لعنه الله.

فقال الجنُّ: نحن والله يا حبيب الله وإبن حبيبه. لولا أنّ أمرك طاعة وأنّه لا يجوز لنا مخالفتك، قتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك، فقال صلوات الله عليه لهم نحن والله أقدر عليهم منكم، ولكن ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيي من حيّ عن بيّنة. انتهى ما نقلناه من كتاب محمّد بن أبي طالب.

ووجدت في بعض الكتب أنّه (عليه السلام) لمّا عزم على الخروج من المدينة أتته اُمّ سلمة رضي الله عنها فقالت: يا بنّي لا تحزنّي بخروجك إلى

ص: 16


1- النساء: 78
2- آل عمران آية 154

العراق، فانّي سمعت جدَّك يقول: يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها کربلا، فقال لها: يا اُمّاه وأنا والله أعلم ذلك، وإنّي مقتول لا محالة. وليس لي من هذا بدُّ وإنّي والله لاَعرف اليوم الَّذي اُقتل فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة الّتي اُدفن فيها، وإني أعرف من يُقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي، وإن أردت يا أمّاه اُريك حفرتي ومضجعي.

ثمَّ أشار (عليه السلام) إلى جهة کربلا فانخفضت الأرض حتّى أراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره، وموقفه ومشهده، فعند ذلك بكت اُمُ سلمة بكاء شديداً وسلّمت أمره إلى الله فقال لها: يا اُمّاه قد شاء الله عزّوجلَّ أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلمًا وعدواناً، وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشرَّدين، وأطفالي مذبوحين مظلومين، مأسورين مقيّدين وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً ولا معيناً.

وفي رواية اُخرى: قالت اُمُّ سلمة: وعندي تربة دفعها إلَّى جدُّك في قارورة، فقال: والله إنّي مقتول كذلك وإن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضاً ثمّ أخذ تربة فجعلها في قارورة، وأعطاها إيّاها، وقال: اجعليها مع قارورة جدِّي فاذا فاضتا دماً فاعلمي أنّي قد قُتلت.

7- خروج الامام (علیه السلام) إلى مكة

ثم قال المفيد: فسار الحسين إلى مكّة وهو يقرأ «فخرج منها خائفاً يترقّب قال ربِّ نجّني من القوم الظالمين»(1) ولزم الطريق الأعظم، فقال له أهل بيته: لو تنكّبت عن الطريق كما فعل إبن الزُّبیر کیلا يلحقك الطلب، فقال: لا والله لا اُفارقه حتّى يقضي الله ما هو قاض، ولمّا دخل الحسين

ص: 17


1- القصص: 18

(عليه السلام) مكّة، كان دخوله إيّاها يوم الجمعة، لثلاث مضين من شعبان، دخلها وهو يقرأ «ولمّا توجّه تلقاء مدين قال: عسى ربّي أن يهديني سواء السبيل»(1).

ص: 18


1- القصص: 22

الفصل الثاني: الحسين عليه السلام في مكة:

اشارة

ص: 19

ص: 20

1- نزول الامام (علیه السلام) بمكة

ثمَّ نزلها وأقبل أهلها يختلفون إليه، ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق وإبن الزُّبير بها قد لزم جانب الكعبة، وهو قائم يصلّي عندها ويطوف، ويأتي الحسين (عليه السلام) فيمن يأتيه، فيأتيه اليومين المتواليين، يأتيه بين كلِّ يومين مرَّة وهو (عليه السلام) أثقل خلق الله على ابن الزُّبير [لأنَّه] قد عرف أنّ أهل الحجاز لا يبايعونه مادام الحسين في البلد وأنّ الحسين أطوع في الناس منه وأجلُّ.

2- إجتماع الشيعة في الكوفة

وبلغ أهل الكوفة هلاك معاوية، فأرجفوا بیزید وعرفوا خبر الحسين وامتناعه من بيعته؛ وما كان من أمر ابن الزُّبير في ذلك وخروجهما إلى مكّة، فاجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل سلیمان بن صُرَد الخزاعيِّ فذكروا هلاك معاوية فحمدوا الله وأثنوا عليه، فقال سليمان: إنَّ معاوية قد هلك وإنَّ حسيناً قد تقبّض على القوم ببيعته، وقد خرج إلى مكّة، وأنتم شیعته وشيعة أبيه، فان کنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوِّه، فاكتبوا إليه فان خفتم الفشل والوهن فلا تغرُّوا الرَّجل في نفسه، قالوا: لا، بل نقاتل عدوّه، ونقتل أنفسنا دونه، فاكتبوا إليه.

3- كتب أهل الكوفة

فكتبوا إليه: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم للحسين بن علي من سليمان بن

ص: 21

صُرَد، والمسيّب بن نجَبة(1) ورفاعة بن شدَّاد البجلي وحبیب بن مظاهر(2) وشیعته المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة، سلام عليك فانّا نحمد إليك الله الَّذي لا إله إلا هو أمّا بعد فالحمد لله الَّذي قصم عدوَّك الجبّار العنيد، الَّذي انتزي على هذه الاُمّة فابتزَّها أمرها، وغصبها فيئها، وتأمّر عليها بغير رضیً منها ثمّ قتل خيارها، واستبقى شرارها، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها، فبعداً له کما بعدت ثمود، إنّه ليس علينا إمام فأقبل لعلَّ الله أن يجمعنا بك على الحقِّ والنعمان بن بشير في قصر الامارة، لسنا نجتمع معه في جمعة، ولا نخرج معه إلى عيد. ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتّى نلحقه بالشام إنشاء الله.

ثمَّ سرَّحوا بالكتاب مع عبدالله بن مسمع الهمدانِّي وعبدالله بن وأل وأمروهما بالنجا، فخرجا مسرعين حتّى قدما على الحسين بمكّة لعشر مضين من شهر رمضان.

ثمَّ لبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب وأنفذوا قيس بن مُسهِر الصيداويّ وعبدالله وعبد الرَّحمان ابني عبدالله بن زياد الأرحبيّ(3)

ص: 22


1- هذا هو الصحيح كما ضبطه في الإصابة -: بفتح النون والجيم بعدها موحدة - ابن ربيعة بن رباح بن عوف بن هلال بن سمح بن فزارة الفزاري، وقال: له ادراك وقال ابن سعد: كان مع علي في مشاهده وقال إبن أبي حاتم عن أبيه: قتل مع سليمان بن صرد في طلب دم الحسين سنة خمس وستين
2- كذا ضبطه إبن داود ونقله عن خط الشيخ قدّس سرّه وبعضهم يقول: مظهر، بفتح الظاء وتشديد الهاء وكسرها راجع ص 319 و 320 فيما سبق
3- في المصدر: وعبد الله وعبدالرحمن ابنا شداد الأرحبي. وفي المناقب ج 4 ص 90 وهكذا تذكرة خواص الأمّة لسبط ابن الجوزي ص 139 و 140 نقلاً عن ابن اسحاق «وعبدالرحمن بن عبدالله الأرحبي» ولعله الصحيح لما سيجيء بعد ذلك أنّه (عليه السلام) أرسل مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهر الصّيداوي، وعمارة بن عبدالله السلولي، وعبد الرحمان بن عبدالله الأزدي [الأرحبي] فان الظاهر أنهم هم الذين جاءوا من الكوفة رسلاً اليه

وعمارة بن عبدالله السلولي إلى الحسين (عليه السلام) ومعهم نحو مائة وخمسين صحيفة من الرَّجل والاثنين والأربعة.

وقال السيّد: وهو مع ذلك يتأبّی ولا يجيبهم، فورد عليه في يوم واحد ستّمائة كتاب، وتواترت الكتب حتّى اجتمع عنده في نُوبَ متفرِّقة اثنا عشر ألف كتاب.

وقال المفيد: ثمّ لبثوا يومين آخرين وسرَّحوا إليه هانیء بن هانىء السبيعيَّ وسعيد بن عبدالله الحنفيّ وكتبوا إليه «بسم الله الرَّحمن الرَّحيم إلى الحسين بن علي من شيعته من المؤمنين والمسلمين أمّا بعد فحيَّ هلا فانّ النّاس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك، فالعجل العجل، ثم العجل العجل، والسلام».

ثمَّ كتب شبث بن ربعيّ وحجّار بن أبجَر، ويزيد بن الحارث بن رويم، وعروة بن قيس، وعمر بن حجّاج الزبيديُّ ومحمّد بن عمرو التيميّ: أمّا بعد فقد اخضرَّ الجناب، وأينعت الثمار، وأعشبت الأرض، وأورقت الأشجار، فاذا شئت فأقبل على جند لك مجنّدة، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وعلى أبيك من قبلك.

وتلاقت الرُّسل كلّها عنده فقرأ الكتب وسأل الرُّسل عن الناس، ثمّ كتب مع هانيء بن هانيء، وسعيد بن عبدالله، وكانا آخر الرُّسل:

4- کتاب الامام (علیه السلام) لاهل الكوفة

«بسم الله الرَّحمن الرَّحيم من الحسين بن علّي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين أمّا بعد فانّ هانئاً وسعيداً قدما علي بكتبكم، وكانا آخر من قدم

ص: 23

علَّي من رسلكم، وقد فهمت كلَّ الَّذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلّكم أنّه ليس علينا إمام، فأقبل لعلَّ الله أن يجمعنا بك على الحقِّ والهدى، وأنا باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل، فان كتب إلي بأنه قد اجتمع رأي ملائکم، وذوي الحجي والفضل منكم، على مثل ما قَدَّمت به رسلكم وقرأت في كتبكم، فانّي أقدم إليكم وشيكاً إنشاء الله فلعمري ما الامام إلّا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط، الدائن بدین الحقِّ، الحابس نفسه على ذلك لله، والسلام».

ص: 24

الفصل الثالث: سفير الحسين (علیه السلام) إلى الكوفة:

اشارة

ص: 25

ص: 26

قال المفيد: ودعا الحسين (عليه السلام) مسلم بن عقيل فسرَّحه مع قيس بن مُسهر الصيداويِّ وعمارة بن عبدالله السلولي وعبدالرَّحمان بن عبدالله الأزديِّ، وأمره بالتقوى وكتمان أمره واللّطف، فان رأي الناس مجتمعين مستوسقين(1) عجّل إليه بذلك.

ثمَّ أقبل حتّى دخل الكوفة فنزل في دار المختار بن أبي عبيدة وهي الّتي تدعى اليوم دار مسلم بن المسيّب، وأقبلت الشيعة تختلف إليه، فكلمّا اجتمع إليه منهم جماعة، قرأ عليهم کتاب الحسين (عليه السلام) وهم يبكون، وبايعه الناس حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً، فكتب مسلم إلى الحسين (عليه السلام) يخبره ببيعة ثانية عشر ألفاً ويأمره بالقدوم، وجعلت الشيعة تختلف إلى مسلم بن عقيل - رحمه الله - حتّى علم بمكانه.

1- خطبة النعمان بن بشير الوالي الاموي على الكوفة

فبلغ النعمان بن بشير ذلك وكان والياً على الكوفة من قبل معاوية فأقرّه يزيد عليها؛ فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعد فاتّقوا الله عباد الله، ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة، فانّ فيها تهلك الرِّجال، وتسفك الدِّماء، وتغصب الأموال إني لا اُقاتل من لا يقاتلني، ولا آتي على من لم يأتَ علي، ولا اُنبّه نائمكم ولا أتحرش بكم، ولا آخذ بالقرف، ولا الظنَّة، ولا التهمة، ولكنّكم إن أبديتم صفحتكم لي، ونكثتم بيعتكم، وخالفتم إمامكم، فو الله الَّذي لا إله غيره، لأضربنّكم بسيفي ماثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن

ص: 27


1- قال: استوسق له الأمر: أي أمكنه

لي منكم ناصر، أما إنّي أرجو أن يكون من يعرف الحقَّ منكم أكثر من یردیه الباطل.

فقام إليه عبدالله بن مسلم بن ربيعة الحضرميُّ حليف بني أميّة فقال له: إنّه لا يُصلح ما ترى إلّا الغشم، وهذا الَّذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوِّك رأي المستضعفين، فقال له النعمان: إن أكون من المستضعفين في طاعة الله احبُّ إلي من أن أكون من الأعزِّين في معصية الله، ثمّ نزل.

2- کتب شیعة بني اُميّة إلى يزيد

وخرج عبد الله بن مسلم وكتب إلى يزيد بن معاوية كتاباً: أمّا بعد فانّ مسلم بن عقیل قد قدم الكوفة وبايعه الشيعة للحسين بن علي بن أبي طالب، فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قويّاً ينفذ أمرك، ويعمل مثلك عملك في عدوِّك، فإنَّ النّعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعّف.

[ثمَّ كتب إليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه](1) ثمّ كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقّاص مثل ذلك.

3- استشارة يزيد من سرجون الرّومي

فلمّا وصلت الكتب إلى یزید، دعا سرجون مولی معاوية فقال: ما رأيك؟ إنَّ الحسين قد نفذ إلى الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له وقد بلغني عن النعمان

ص: 28


1- ما بين العلامتين ساقط من نسخة الأصل موجود في نسخة المصدر ص 187. وهكذا طبعة الكمباني ص 172 ولا مناص منه لقوله بعد ذلك: «فلمّا وصلت الكتب» بصيغة الجمع

ضعف وقول سيّيء فمن ترى أن أستعمل على الكوفة؟ وكان يزيد عاتباً على عبيد الله بن زياد، فقال له سرجون: أرأيت لو نشر لك معاوية حيّا ما كنت آخذاً برأيه؟ قال: بلى، قال: فأخرج سرجون عهد عبيد الله على الكوفة، وقال: هذا رأي معاوية مات، وقد أمر بهذا الكتاب فضّم المصرين إلى عبيد الله، فقال له يزيد: أفعل، ابعث بعهد عبيد الله بن زیاد إليه.

4- کتاب يزيد إلى ابن زیاد

ثمَّ دعا مسلم بن عمرو الباهلي وكتب إلى عبيد الله معه «أمّا بعد فانّه كتب إلي شيعتي من أهل الكوفة ويخبرونني أنّ إبن عقيل فيها يجمع الجموع ليشقَّ عصا المسلمين، فسِر حين تقرء كتابي هذا حتّى تأتي الكوفة، فتطلب إبن عقيل طلب الخرزة حتّى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسّلام»، وسلّم إليه عهده على الكوفة، فخرج مسلم بن عمر و حتّى قدم على عبيد الله البصرة، وأوصل إليه العهد والكتاب، فأمر عبيد الله بالجهاز من وقته والمسير والتهيُّؤ إلى الكوفة من الغد ثمّ خرج من البصرة فاستخلف أخاه عثمان(1).

وقال إبن نما - ره -: رويت إلى حصين بن عبدالرَّحمن أنَّ أهل الكوفة كتبوا إليه: أنّا معك مائة ألف، وعن داود بن أبي هند عن الشعبيِّ قال: بايع الحسين (عليه السّلام) أربعون ألفاً من أهل الكوفة على أن يحاربوا من حارب، ويسلموا من سالم، فعند ذلك ردّ جواب كتبهم يمنّيهم بالقبول، ويعدهم بسرعة الوصول، وبعث مسلم بن عقیل.

5- أهل البصرة وكتاب الحسين (علیه السلام) إليهم

ص: 29


1- الارشاد: ص 187 - 188

إلى جماعة من أشراف البصرة كتاباً مع مولى له اسمه سليمان ويكنّى أبا رزین، يدعوهم إلى نصرته ولزوم طاعته، منهم يزيد بن مسعود النَّهشلُّي والمنذر ابن الجارود العبديُّ فجمع یزید بن مسعود بني تميم وبني حنظلة وبني سعد فلمّا حضروا قال: يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم؟ فقالوا: بخّ بخّ أنت والله فقرة الظهر، ورأس الفخر حللت في الشرّف وسطاً، وتقدَّمت فيه فرطاً، قال: فإنّي قد جمعتكم لأمر اُريد أن اُشاوركم فيه، وأستعين بكم عليه، فقالوا: إنّما والله نمنحك النّصيحة، ونحمد لك الرّأي فقل نسمع.

فقال: إنَّ معاوية مات فأهون به والله هالكاً ومفقوداً، ألا وإنّه قد انكسر باب الجور والاثم، وتضعضعت أركان الظّلم، وقد كان أحدث بيعة عقد بها أمراً ظنّ أن قد أحكمه، وهيهات والّذي أراد، اجتهد والله ففشل، وشاور فخذل، وقد قام يزيد شارب الخمور، ورأس الفجور، يدَّعي الخلافة على المسلمين، ويتأمّر عليهم مع قصر حلم وقلّة علم، لا يعرف من الحقِّ موطىء قدمه.

فاُقسم بالله قسمًا مبروراً لَجهاده على الدّين، أفضل من جهاد المشركين، وهذا الحسين بن علي ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل، له فضل لايوصف، وعلم لا ينزف، وهو أولى بهذا الأمر لسابقته وسنّه وقدمته وقرابته يعطف على الصغير، ويحنو على الكبير، فأكرم به راعي رعيّة، وإمام قوم وجبت لله به الحجّة، وبلغت به الموعظة، ولا تعشوا عن نور الحقِّ، ولا تسكّعوا في وهدة الباطل، فقد كان صخر بن قیس انخذل بكم يوم الجمل، فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله ونصرته، والله لا يقصّر أحد عن نصرته إلّا أورثه الله الذُّلَّ في ولده، والقلّة في عشيرته، وها أنا قد لبست للحرب لأمتها، وادَّرعت لها بدرعها من لم يقتل

ص: 30

وقال السيّد رحمه الله بعد ذلك: وكان الحسين (عليه السلام) قد كتب يمت، ومن يهرب لم يفت، فأحسنوا رحمكم الله ردَّ الجواب.

فتكلّمت بنو حنظلة فقالوا: أبا خالد! نحن نبل كنانتك، وفرسان عشيرتك، إن رمیت بنا أصبت، وإن غزوت بنا فتحت، لا تخوض والله غمرة إلّا خُضناها، ولا تلقي والله شدَّة إلّا لقيناها، ننصرك بأسيافنا، ونقيك بأبداننا، إذا شئت.

وتكلّمت بنو سعد بن زید، فقالوا: أبا خالد! إنَّ أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج من رأيك. وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال فحمدنا أمرنا وبقي عزُّنا فينا، فأمهلنا نراجع المشورة ويأتيك رأينا.

وتكلّمت بنو عامر بن تميم فقالوا: يا أبا خالد نحن بنو أبيك وحلفاؤك لا نرضى إن غضبت، ولا نقطن إن ظعنت، والأمر إليك فادعنا نجبك، ومرنا نطعك، والأمر لك إذا شئت.

فقال: والله يا بني سعد لئن فعلتموها لأرفع الله السيّف عنكم ابداً. ولا زال سيفكم فيكم.

ثمّ كتب إلى الحسين صلوات الله عليه: «بسم الله الرَّحمن الرَّحيم أمّا بعد فقد وصل إلى كتابك وفهمت ماندبتني إليه ودعوتني له، من الأخذ بحظيّ من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك، وإن الله لم يخل الأرض قطُّ من عامل عليها بخير أو دليل على سبيل نجاة، وأنتم حجّة الله على خلقه ووديعته في أرضه، تفرَّعتم من زیتونة أحمديّة، هو أصلها وأنتم فروعها، فأقدم سعدت بأسعد طائر، فقد ذلّلت لك أعناق بني تميم، وتركتهم أشدَّ تتابعاً في

ص: 31

طاعتك من الابل الظماء لورود الماء يوم خمسها(1) وقد ذلّلت لك رقاب بني سعد، وغسّلت درن صدورها بماء سحابة مزن حين استحلَّ برقها فلمع.»

فلمّا قرأ الحسين عليه السلام الكتاب قال: مالك آمنك الله يوم الخوف وأعزَّك وأرواك يوم العطش.

فلمّا تجهّز المشار إليه للخروج إلى الحسين (عليه السلام) بلغه قتله قبل أن يسير فجزع من انقطاعه عنه.

وأمّا المنذر بن جارود، فانّه جاء بالكتاب والرّسول إلى عبيد الله بن زیاد لأنّ المنذر خاف أن يكون الكتاب دسيساً من عبيد الله وكانت بحريّة بنت المنذر بن جارود تحت عبيد الله بن زياد فأخذ عبيد الله الرَّسول فصلبه، ثمَّ صعد المنبر فخطب وتوعّد أهل البصرة على الخلاف، وإثارة الأرجاف ثمّ بات تلك اللّيلة فلمّا أصبح استناب عليهم أخاه عثمان بن زیاد وأسرع هو إلى قصد الكوفة(2).

وقال إبن نما: كتب الحسين (عليه السلام) كتاباً إلى وجوه أهل البصرة، منهم الأحنف بن قيس، وقيس بن الهيثم، والمنذر بن الجارود، ویزید بن مسعود النهشلي وبعث الكتاب مع زرَّاع السدوسيَّ وقيل مع سليمان المكنّى بأبي رزين فيه: «إنّي أدعوكم إلى الله وإلى نبيّه، فانّ السنَّة قد اُميتت، فان تجيبوا دعوتي، وتطيعوا أمري أهدكم سبیل الرَّشاد» فكتب الأحنف إليه: أمّا بعد فاصبر إنَّ وعد الله حقٌ ولا يستخفّنّك الَّذين لا يوقنون، ثمّ ذكر أمر الرَّجلين مثل ما ذكره السيّد رحمهما الله إلى أن ذکر نزول إبن زياد الكوفة، فقال:

ص: 32


1- هو أن ترعى الإبل ثلاثة أيام وترد الرابع
2- كتاب اللّهوف: ص 32 - 38، طبعة الكمباني ص 304 و 305

6- نزول ابن زياد الكوفة

فلمّا أشرف على الكوفة نزل حتّى أمسى ليلًا فظنّ أهلها أنّه الحسين (عليه السلام) ودخلها مما يلي النجف فقالت امرأة: الله أكبر إبن رسول الله وربِّ الكعبة، فتصايح النّاس قالوا: إنّا معك أكثر من أربعين ألفاً وازدحموا عليه حتّى أخذوا بذنب دابّته وظنُّهم أنّه الحسين؛ فحسر اللثام، وقال: أنا عبيد الله، فتساقط القوم، ووطیء بعضهم بعضاً ودخل دار الإمارة، وعليه عمامة سوداء.

7- خطبة ابن زیاد بالكوفة

فلمّا أصبح قام خاطباً، وعليهم عاتباً، ولرؤسائهم مؤنباً، ووعدهم بالاحسان على لزوم طاعته، وبالاساءة على معصيته والخروج عن حوزته، ثمَّ قال: يا أهل الكوفة إنَّ أمير المؤمنين يزيد ولّاني بلدكم. واستعملني على مصرکم، وأمرني بقسمة فيئكم بينكم، وإنصاف مظلومكم من ظالمكم، وأخذ الحقِّ لضعيفكم من قويكم، والاحسان للسامع المطيع، والتشديد على المريب فأبلغوا هذا الرَّجل الهاشميَّ مقالتي ليتّقي غضبي. ونزل، يعني بالهاشميِّ مسلم ابن عقیل رضي الله عنه.

وقال المفيد: وأقبل ابن زیاد إلى الكوفة، ومعه مسلم بن عمرو الباهلي وشريك بن الاُعور الحارثيُّ وحشمه وأهل بيته حتّى دخل الكوفة وعليه عمامة سوداء وهو متلثّم والنّاس قد بلغهم إقبال الحسين (عليه السلام) إليهم، فهم ينتظرون قدومه فظنّوا حين رأوا عبيد الله، أنّه الحسين (عليه السلام) فأخذ لا يمرُّ على جماعة من الناس إلّا سلّموا عليه، وقالوا: مرحباً بك يا إبن رسول الله قدمت خیر مقدم، فرأى من تباشرهم بالحسين ما ساءه، فقال مسلم بن

ص: 33

عمرو لما أكثروا: تأخّروا هذا الأمير عبيد الله بن زیاد.

وسار حتّى وافي القصر باللّيل ومعه جماعة قد التفوّا به، لا يشكّون انّه الحسين (عليه السلام) فأغلق النعمان بن بشير عليه وعلى خاصّته فناداه بعض من كان معه ليفتح لهم الباب فاطّلع عليه النعمان وهو يظنّه الحسين فقال: أنشدك الله إلّا تنحيّت والله ما أنا بمسلم إليك أمانتي ومالي في قتالك من إرب، فجعل لا يكلّمه؛ ثمَّ إنّه دنا وتدلّى النعمان من شرف القصر، فجعل يكلّمه فقال: افتح لافتحت فقد طال ليلك، وسمعها إنسان خلفه، فنکص إلى القوم الَّذين اتّبعوه من أهل الكوفة على أنّه الحسين (عليه السلام) فقال: یا قوم! إبن مرجانه والَّذي لا إله غيره، ففتح له النعمان فدخل وضربوا الباب في وجوه الناس وانفضّوا.

وأصبح فنادى في الناس الصّلاة جامعة، فاجتمع الناس فخرج إليهم فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعد فانّ أمير المؤمنين يزيد ولّاني مصرکم وثغركم وفيئكم وأمرني بانصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم، والاحسان إلى سامعكم ومطيعكم كالوالد البَرِّ، وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي، فليتّق امرء على نفسه، الصّدق ينبي [ء] عنك لا الوعيد(1) ثمَّ نزل.

وأخذ العرفاء بالناس أخذاً شديداً فقال: اكتبوا إلَّى العرفاء! ومن فيكم من طلبة أمير المؤمنين، ومن فيكم من أهل الحروريّة، وأهل الرّيب الّذين شأنهم الخلاف والنفاق والشقاق، فمن يجيء لنا بهم فبرئ، ومن لم يكتب لنا أحداً فليضمن لنا من في عرافته أن لايخالفنا منهم مخالف، ولايبغي علينا باغ،

ص: 34


1- هذا من الأمثال السائرة يضرب للجبان، يقول: إنه ينبيء عدوك عنك أن تصدقه في المحاربة وغيرها، لا أن توعده ولاتنفذ لما توعد به، راجع مجمع الأمثال ج 1 ص 398 تحت الرقم 2111 وسيجيء شرحه أوفي من ذلك في بيان المصنف قدّس سرّه

فمن لم يفعل برئت منه الذّمة وحلال لنا دمه وماله، وأيّما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه إلينا صُلب على باب داره واُلغيت تلك العرافة من العطاء.

8- ما أهل الكوفة عند مسلم وأمر معقل الشامي

ولمّا سمع مسلم بن عقیل رحمه الله مجيء عبيد الله إلى الكوفة، ومقالته الّتي قالها، وما أخذ به العرفاء والناس، خرج من دار المختار حتّى انتهى إلى دار هانيء بن عروة فدخلها، فأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هانيء على تستّر واستخفاء من عبيد الله، وتواصوا بالكتمان، فدعا إبن زیاد مولى له يقال له: معقل فقال: خذ ثلاثة آلاف درهم واطلب مسلم بن عقيل والتمس أصحابه فاذا ظفرت بواحد منهم أو جماعة فأعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم، وقل لهم: استعينوا بها على حرب عدوِّكم وأعلمهم أنّك منهم فانّك لوقد أعطيتهم إيّاها لقد اطمأنّوا إليك ووثقوا بك، ولم يكتموك شيئاً من اُمورهم وأخبارهم، ثمّ أغد عليهم ورُح حتّى تعرف مستقرّ مسلم بن عقيل، وتدخل عليه.

ففعل ذلك، وجاء حتّى جلس إلى مسلم بن عوسجة الأسديِّ في المسجد الأعظم، وهو يصلّي فسمع قوماً يقولون: هذا يبايع للحسين، فجاء وجلس إلى جنبه حتّى فرغ من صلاته ثمّ قال: يا عبد الله إنّي امرء من أهل الشام أنعم الله علي بحبِّ أهل البيت وحبِّ من أحبّهم وتباكا له وقال: معي ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنّه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فكنت اُريد لقاءه فلم أجد أحداً يدلّني عليه، ولا أعرف مكانه فانّي لجالس في المسجد الآن إذ سمعت نفراً من المؤمنين يقولون:

ص: 35

هذا رجل له علم بأهل هذا البيت، وإنّي أتيتك لتقبض منّي هذا المال، وتدخلني على صاحبك فانّي أخ من إخوانك، وثقة عليك، وإن شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه.

فقال له ابن عوسجة: أحمد الله على لقائك إيّاي، فقد سرَّني ذلك، لتنال الَّذي تحبُّ، ولينصرنَّ الله بك أهل بیت نبيّه عليه وعليهم السلام ولقد ساءني معرفة الناس إيّاي بهذا الأمر قبل أن يتمَّ مخافة هذا الطاغية وسطوته، فقال له معقل: لا يكون إلّا خيراً خذ البيعة علَّي! فأخذ بيعته وأخذ عليه المواثيق المغلّظة لينا صحنَّ وليكتمنّ فأعطاه من ذلك مارضي به ثمّ قال له: اختلف إلَّي أيّاماً في منزلي فانّي طالب لك الاذن على صاحبك، وأخذ يختلف مع الناس فطلب له الاذن فأذن له وأخذ مسلم بن عقیل بیعته، وأمر أبا ثمامة الصّائديَّ بقبض المال منه وهو الَّذي كان يقبض أموالهم، وما يعين به بعضهم بعضاً، ويشتري هم به السلاح، وكان بصيراً وفارساً من فرسان العرب، ووجوه الشيعة، وأقبل ذلك الرَّجل يختلف إليهم فهو أوّل داخل وآخر خارج، حتّى فهم ما احتاج إليه إبن زیاد من أمرهم، فكان يخبره به وقتاً فوقتاً(1).

وقال ابن شهر آشوب: لما دخل مسلم الكوفة سكن في دار سالم بن المسيّب فبايعه اثنا عشر ألف رجل، فلمّا دخل إبن زیاد انتقل من دار سالم إلى دار هانيء؟ في جوف اللّيل ودخل في أمانه وكان يبايعه الناس حتّى بایعه خمسة وعشرون ألف رجل فعزم على الخروج، فقال هانيء: لا تعجل وكان شريك بن الأعور الهمدانيُّ جاء من البصرة مع عبيد الله بن زیاد فمرض فنزل دار هانيء أيّاماً ثمَّ قال لمسلم: إنَّ عبيد الله يعودني وإنّي مطاولة الحديث، فاخرج إليه بسيفك فاقتله، وعلامتك أن أقول: «اسقوني ماء» ونهاه هانيء

ص: 36


1- إرشاد المفيد ص 188 - 190

عن ذلك. فلمّا دخل عبيد الله على شريك وسأله عن وجعه، وطال سؤاله ورأى أنَّ أحداً لا يخرج فخشي أن يفوته فأخذ يقول:

ما الانتظار بسلمى أن تحييبّها(1) *** كأس المنيّة بالتعجیل اسقوها

فتوهّم ابن زیاد وخرج، فلمّا دخل القصر أتاه مالك بن یربوع التميميُّ بكتاب أخذه من يدي عبدالله بن يقطر فاذا فيه: للحسين بن علّي (عليه السلام) أمّا بعد فانّي أخبرك أنّه قد بايعك من أهل الكوفة كذا فاذا أتاك كتابي هذا فالعجل العجل فانّ الناس كلّهم معك، وليس لهم في يزيد رأي ولا هوى، فأمر ابن زیاد بقتله(2).

وقال ابن نما: فلمّا خرج ابن زیاد دخل مسلم، والسيف في كفّه، قال له شريك: ما منعك من الأمر؟ قال مسلم: هممت بالخروج فتعلّقت بي أمرأة وقالت: نشدتك الله إن قتلت إبن زياد في دارنا، وبكت في وجهي، فرمیت السيف وجلست قال هانيء، يا ويلها قتلتني وقتلت نفسها والَّذي فررت منه وقعت فيه.

وقال أبو الفرج في المقاتل: قال هانيء لمسلم: إنّي لا أُحبُّ أن يقتل في داري، قال: فلمّا خرج مسلم قال له شريك: ما منعك من قتله؟ قال: خصلتان: أمّا إحداهما فكراهية هانيء أن يقتل في داره، وأمّا الاُخرى فحديث حدَّثنیه الناس عن النّبيِّ (صلّى الله عليه وآله) أنَّ الايمان قيَّد الفتك، فلا يفتك

ص: 37


1- كذا في نسخة الأصل والمصدر والصحيح كما في مقاتل الطّالبيين: ما الإنتظار بسلمى أن تحیّوها *** حيّوا سليمي وحيّوا من يحيّيها «كأس المنيّة بالتعجيل أسقوها» والشطر الأخير من زيادة شريك بن الأعور تصریحاً بما تواطئوا عليه
2- مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 91 و 92 باختصار وتلفيق

مؤمن، فقال له هانيء: أما والله لو قتلته لقتلت فاسقاً فاجراً کافراً(1).

ثمَّ قال المفيد: وخاف هانيء بن عروة عبيد الله على نفسه، فانقطع عن حضور مجلسه وتمارض، فقال إبن زیاد لجلسائه مالي لا أری هانئاً؟ فقالوا: هو شاك، فقال: لو علمت بمرضه لعدته، ودعا محمّد بن الأشعث، وأسماء بن خارجة بن عمرو بن الحجّاج الزّبيديَّ وكانت رويحة بنت عمر و تحت هانيء بن عروة وهي أمُّ يحيى بن هانيء فقال لهم: ما يمنع هانيء بن عروة من إتياننا؟ فقالوا: ما ندري وقد قيل إنّه يشتكي قال: قد بلغني أنّه قد برىء وهو يجلس على باب داره فالقوه ومروه أن لايدع ما عليه من حقّنا، فانّي لا اُحبُ أن يفسد عندي مثله من أشراف العرب.

فأتوه حتّى وقفوا عليه عشيّة وهو جالس على بابه، وقالوا له: ما يمنعك من لقاء الأمير؟ فانّه قد ذكرك وقال: لو أعلم أنّه شاك لعدته فقال لهم: الشكوى تمنعني فقالوا: قد بلغه أنّك تجلس كلّ عشيّة على باب دارك وقد استبطأك والابطاء والجفاء لا يحتمل السلطان، أقسمنا عليك لما ركبت معنا، فدعا بثيابه فلبسها ثمَّ دعا ببغلته فركبها حتّى إذا دنا من القصر كأنّ نفسه أحسّت ببعض الَّذي كان، فقال لحسّان بن أسماء بن خارجة: يا إبن الأخ إنّي والله لهذا الرَّجل لخائف، فما ترى؟ فقال: ياعمِّ والله ما أتخوَّف عليك شيئاً، ولم تجعل على نفسك سبيلاً؟ ولم يكن حسّان يعلم في أيِّ شيء بعث إليه عبيد الله.

فجاء هانيء حتّى دخل على عبيد الله بن زياد وعنده القوم، فلمّا طلع

ص: 38


1- مقاتل الطّالبیین ص 71 والحديث رواه أبو داود في سننه ج 2 ص 79 عن أبي هريرة ومعناه أن الإيمان يمنع من الفتك الذي هو القتل بعد الأمان غدراً كما يمنع القيد من التصرّف

قال عبيد الله: أتتك بحائن رجلاه(1).

فلمّا دنا من ابن زیاد وعنده شريح القاضي، التفت نحوه فقال:

اُريد حباءه ويريد قتلي *** عذيركً من خليلك من مراد

9- هانیء عند ابن زیاد

وقد كان أوَّل ما قدم مكرماً له ملطّفاً، فقال له هانيء: وما ذاك أيّها الأمير؟ قال: إيه يا هانيء بن عروة ما هذه الاُمور التي تربّص في دارك لأمير المؤمنين وعامّة المسلمين؟ جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك، وجمعت له الجموع، والسلاح والرجال في الدُّور حولك، وظننت أنَّ ذلك يخفى علي؟ قال: ما فعلت ذلك وما مسلم عندي قال: بلى قد فعلت، فلمّا كثر بينهما وأبی هانيء إلّا مجاحدته ومناكرته، دعا ابن زیاد معقلًا ذلك العين فجاء حتّى وقف بين يديه وقال: أتعرف هذا؟ قال: نعم، وعلم هانيء عند ذلك أنّه كان عيناً عليهم، وأنّه قد أتاه بأخبارهم فاُسقط في يده ساعة(2).

ص: 39


1- الحائن من الحين - بالفتح - وهو الهلاك، والحائن: الذي حان حينه وهلاکه قال الميداني في مجمع الأمثال تحت الرقم 57: كان المفضل يخبر بقائل هذا المثل فيقول: إنّه الحارث بن جبلة الغساني، قاله للحارث بن عیف العبدي، وكان ابن العيف قد هجاه فلمّا غزا الحارث بن جبلة، المنذر بن ماء السّماء، كان ابن العيف معه، فقتل المنذر، وتفرقت جموعه، وأسر ابن العيف، فأتي به إلى الحارث بن جبلة، فعندها قال : أتتك بحائن رجلاه يعني مسيره مع المنذر اليه، ثمَّ أمر الحارث سيافه الدّلامص فضربه ضربة دقت منكبه، ثمَّ بر أمنها و به خبل، وقيل: أول من قاله عبيد الأبرص حين عرض للنعمان بن المنذر في يوم بؤسه وكان قصده ليمدحه ولم يعرف أنه يوم بؤسه، فلمّا انتهى إليه قال له النعمان: ما جاء بك يا عبيد؟ قال: أتتك بحائن رجلاه فقال النعمان هلّا كان هذا غيرك؟ قال: البلايا على الحوايا: فذهبت كلمتاه مثلًا
2- قال الأخفش: ويقال: سقط في يده وأسقط - مجهولا - أي ندم، ومنه قوله تعالى: «ولما سقط في أيديهم» أي ندموا

ثمَّ راجعته نفسه، فقال: اسمع منّي وصدَّق مقالتي، فوالله ماكذبت، والله ما دعوته إلى منزلي ولا علمت بشيء من أمره حتّى جاءني يسألني النزول، فاستحييت من ردِّه وداخلني من ذلك ذمام فضیَّفته وآويته، وقد كان من أمره ما بلغك، فان شئت أن اُعطيك الآن موثقاً مغلّظا أن لا أبغيك سوءاً ولا غائلة ولا تينّك حتّى أضع يدي في يدك وإن شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتّى آتيك وأنطلق إليه فآمره أن يخرج من داري إلى حيث شاء من الأرض فأخرج من ذمامه وجواره.

فقال له ابن زیاد: والله لا تفارقني أبداً حتّى تأتيني به قال: لا والله لا أجيئك به أبداً، أجيئك بضيفي تقتله؟ قال: والله لتأتينّي به قال: والله لا آتيك به، فلمّا كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهليُّ وليس بالكوفة شاميُّ ولا بصريُّ غيره فقال: أصلح الله الأمير خلّني وإيّاه حتّى اُكلّمه فقام فخلّا به ناحية من ابن زیاد وهما منه بحيث يراهما فإذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان.

فقال له مسلم: يا هانيء أنشدك الله أن تقتل نفسك، وأن تدخل البلاء في عشيرتك، فوالله إنّي لأنفس بك عن القتل، إنَّ هذا ابن عمّ القوم وليّسوا قاتليه ولا ضائريه، فادفعه إليهم فانّه ليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصة، إنّما تدفعه إلى السلطان، فقال هانيء: والله إنّ علي في ذلك الخزي والعار أن أدفع جاري وضيفي وأنا حيٌّ صحيح أسمع وأری، شديد الساعد، كثير الأعوان، والله لو لم يكن لي إلّا واحد ليس لي ناصر لم أدفعه حتّى أموت دونه، فأخذ يناشده وهو يقول: والله لا أدفعه إليه أبداً.

فسمع ابن زیاد لعنه الله ذلك فقال: ادنوه منّي، فأدنوه منه، فقال: والله لتأتينّى به أو لأضربنَّ عنقك، فقال هانيء: إذاً والله تكثر البارقة حول دارك،

ص: 40

فقال ابن زیاد: والهفاه عليك، أبالبارقة تخوِّفني؟ وهو يظنُّ أنَّ عشيرته سيمنعونه ثمَّ قال: ادنوه منّي فأدني منه، فاستعرض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب به أنفه وجبينه وخدَّه حتّی کسر أنفه وسال الدماء على وجهه ولحيته، ونثر لحم جبينه وخدِّه على لحيته، حتّی کسر القضيب، وضرب هانيء يده على قائم سيف شرطيّ وجاذبه [الرَّجل] ومنعه.

فقال عبيد الله: أحروريٌّ سائر اليوم(1) قد حلَّ دمك جرُّوه، فجرُّوه فألقوه في بيت من بيوت الدار، وأغلقوا عليه بابه، فقال: اجعلوا عليه حرساً ففعل ذلك به فقام إليه حسّان بن أسماء فقال: أرُسلُ غَدر سایر اليوم(2)! أمرتنا أن تجيئك بالرَّجل حتّى إذا جئناك به هشمت أنفه ووجهه، وسيّلت دماءه على لحيته، وزعمت أنّك تقتله؟ فقال له عبيد الله: وإنّك لههنا؛ فأمر به فلهز وتعتع وأجلس ناحية فقال محمّد بن الأشعث: قد رضينا بما رأي الأمير، لنا كان أم علينا، إنّما الأمير مؤدِّب.

10- مذحج عند القصر

وبلغ عمرو بن الحجّاج أنَّ هانئاً قد قُتل فأقبل في مَذحِج حتّى أحاط بالقصر ومعه جمع عظيم، وقال: أنا عمرو بن الحجّاج وهذه فرسان مذحج ووجوهها لم نخلع طاعة ولم نفارق جماعة، وقد بلغهم أنّ صاحبهم قد قُتل فأعظموا ذلك فقيل لعبيد الله بن زياد: وهذه فرسان مذحج بالباب؟! فقال لشريح القاضي: ادخل على صاحبهم فانظر إليه ثمَّ اخرج فاعلمهم

ص: 41


1- أي: هل أصبحت من خوارج حروراء الكوفة بقية عمرك؟
2- أي: هل أصبحنا مرسلين من قبلك إلى هاني لتغدر به، وهذا في ما بقي من اعمارنا بعد أن لم نكن كذلك؟!

أنّه حيُّ لم يقتل، فدخل شريح فنظر إليه فقال هانی؛ء لمّا رأي شريحاً يا لله يا للمسلمين أهلكت عشيرتي أين أهل الدِّين أين أهل المصر، والدّماء تسيل على لحيته، إذ سمع الضجّة على باب القصر، فقال: إنّي لأظنّها أصوات مذحج، وشيعتي من المسلمين، إنّه إن دخل علىَّ عشرة نفر أنقذوني.

فلمّا سمع كلامه شریح خرج إليهم فقال لهم: إنَّ الأمير لمّا بلغه كلامكم ومقالتكم في صاحبکم أمرني بالدُّخول إليه فاتیته فنظرت إليه، فأمرني أن ألقاكم واُعرِّفكم أنّه حيٌّ وأنّ الّذي بلغكم من قتله باطل، فقال له عمرو بن الحجّاج وأصحابه: أمّا إذ لم يقتل فالحمد لله، ثمَّ انصرفوا.

11- خطبة ابن زیاد بعد حبس هانیء

فخرج عبيد الله بن زیاد فصعد المنبر ومعه أشراف الناس وشرطه وحشمه، فقال: أمّا بعد أيّها الناس، فاعتصموا بطاعة الله وطاعة أئمّتكم، ولا تفرَّقوا فتهلكوا وتذلّوا وتقتلوا وتجفوا وتحرموا، إنّ أخاك من صدقك؛ وقد أعذر من أنذر، والسلام.

ثمَّ ذهب لينزل فما نزل عن المنبر حتّى دخلت النظّارة المسجد من قبل باب التّمارين يشتدون ويقولون: قد جاء إبن عقیل، فدخل عبيد الله القصر مُسرعاً وأغلق أبوابه، فقال عبد الله بن حازم: أنا والله رسول إبن عقيل إلى القصر لأنظر ما فعل هانيء، فلمّا ضرب وحبس ركبت فرسي فكنت أوّل داخل الدّار على مسلم بن عقیل بالخبر، وإذا نسوة لمراد مجتمعات ينادین یا عبرتاه یا ثکلاه، فدخلت على مسلم فأخبرته الخبر، فأمرني أن اُنادي في أصحابه وقد ملأ بهم الدُّور حوله، كانوا فيها أربعة الآف رجل فقال: ناد: «یا منصور أمت» فناديت فتنادي أهل الكوفة واجتمعوا عليه.

ص: 42

12- خروج مسلم بن عقیل (علیه السلام)

فعقد مسلم رحمه الله لرؤس الأرباع كِندة ومَذحِج وقيم وأسد ومُضَر وهمدان وتداعى الناس واجتمعوا فما لبثنا إلّا قليلًا حتّى امتلأ المسجد من الناس والسوق ومازالوا يتوثّبون حتّى المساء، فضاق بعبيد الله أمره وكان أكثر عمله أن يمسك باب القصر، وليس معه إلّا ثلاثون رجُلًا من الشُّرطَ، وعشرون رجلًا من أشراف الناس وأهل بيته وخاصّته، وأقبل من نأى عنه من أشراف الناس يأتونه من قبل الباب الَّذي يلي دار الرُّومييّن، وجعل من في القصر مع إبن زیاد يشرفون عليهم فينظرون إليهم وهم يرمونهم بالحجارة ويشتمونهم ويفترون على عبيد الله وعلى اُمّه.

فدعا ابن زیاد کثیر بن شهاب وأمره أن يخرج فيمن أطاعه في مذحج، فيسير في الكوفة ويخذّل الناس عن ابن عقيل، ويخوِّفهم الحرب، ويحذَّرهم عقوبة السلطان وأمر محمّد بن الأشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة وحضرموت، فيرفع راية أمان لمن جاءه من الناس، وقال مثل ذلك للقعقاع الذُّهلي وشَبَث بن ربعيِّ التميميِّ وحجّار بن أبجَر السلميِّ وشمر بن ذي الجوشن العامريِّ، وحبس باقي وجوه الناس عنده استيحاشاً إليهم لقلّة عدد من معه من الناس.

13- تخذيل الأشراف للناس عن مسلم (علیه السلام)

فخرج كثير بن شهاب يخذّل الناس عن مسلم، وخرج محمّد بن الأشعث حتّى وقف عند دور بني عمارة فبعث ابن عقيل إلى محمّد بن الأشعث عبدّالرّحمن بن شريج الشيبانّي، فلمّا رأى ابن الأشعث كثرة من أتاه، تأخّر عن مكانه، وجعل محمّد بن الأشعث وكثير بن شهاب والقعقاء

ص: 43

بن ثور الذهلي وشبث بن ربعي يردّون الناس عن اللّحوق بمسلم، ويخوِّفونهم السلطان، حتّى اجتمع إليهم عدد كثير من قومهم وغيرهم، فصاروا إلى ابن زیاد من قبل دار الرُّوميّين، ودخل القوم معهم.

فقال كثير بن شهاب: أصلح الله الأمير! معك في القصر ناس كثير من أشراف الناس ومن شُرطك وأهل بيتك ومواليك، فاخرج بنا إليهم، فأبی عبيد الله، وعقد لشبث ابن ربعي لواء وأخرجه، وأقام الناس مع ابن عقیل يكثرون حتّى المساء، وأمرهم شديد، فبعث عبيد الله إلى الأشراف فجمعهم ثمَّ أشرفوا على الناس فمنّوا أهل الطاعة الزيادة والكرامة، وخوَّفوا أهل المعصية الحرمان والعقوبة، وأعلموهم وصول الجند من الشام إليهم.

وتكلّم كثير بن شهاب حتّى كادت الشمس أن تجب، فقال:

أيّها الناس الحقوا بأهاليكم، ولا تعجلوا الشرَّ، ولا تعرضوا أنفسكم للقتل، فانّ هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت، وقد أعطى الله الأمير عهداً لئنّ تمتم على حربه، ولم تنصرفوا من عشيّتكم، أن يحرم ذرِّيّتكم العطاء، ويفرِّق مقاتليكم في مفازي الشام، وأن يأخذ البريء منكم بالسقيم، والشاهد بالغائب، حتّى لا يبقى له بقيّة من أهل المعصية إلّا أذاقها وبال ماجنت أيديها، وتكلّم الأشراف بنحو من ذلك.

14- تفرّق النّاس عن مسلم (علیه السلام)

فلمّا سمع النّاس مقالتهم اخذوا يتفرَّقون وكانت المرأة تأتي ابنها أو أخاها فتقول: انصرف! النّاس يكفونك، ويجييء الرِّجل إلى ابنه أو أخيه ويقول: غداً تأتيك أهل الشام، فما تصنع بالحرب والشرِّ؟ إنصرف فيذهب به فينصرف، فما زالوا يتفرَّقون حتّى أمسى إبن عقيل، وصلّى المغرب

ص: 44

وما معه إلّا ثلاثون نفساً في المسجد.

فلمّا رأى أنّه قد أمسى وليس معه إلّا اُولئك النفر، خرج متوجّها إلى أبواب كندة فلم يبلغ الأبواب إلّا ومعه منهم عشرة ثمَّ خرج من الباب وإذا ليس معه إنسان يدلّه، فالتفت فإذا هو لايحسُّ أحداً يدّله على الطريق، ولا يدلّه على منزله، ولا يواسيه بنفسه إن عرض له عدوٌ.

15- مسلم في دار طوعة

فمضى على وجهه متلدَّداً في أزقّة الكوفة لا يدري أين يذهب؟ حتّى خرج إلى دور بني جبلة من كندة، فمضى حتّى اُتى إلى باب امرأة يقال لها طوعة أُم ولد كانت للأشعث بن قيس، وأعتقها وتزوَّجها أسيد الحضرميُّ فولدت له بلالاً، وكان بلال قد خرج مع النّاس، وأُمّه قائمة تنتظره.

فسلّم عليها إبن عقیل فردَۀت عليه السلام فقال لها: يا أمة الله اسقيني ماء فسقته وجلس ودخلت ثمّ خرجت فقالت: يا عبد الله ألم تشرب؟ قال: بلى قالت: فاذهب إلى أهلك، فسکت؛ ثمّ أعادت مثل ذلك، فسكت، ثمَّ قالت في الثالثة: سبحان الله يا عبد الله قم عافاك الله إلى أهلك فانّه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا اُحلّه لك، فقام وقال: يا أمة الله مالي في هذا المصر أهل ولا عشيرة، فهل لك في أجر ومعروف، ولعلّي مکافيك بعد هذا اليوم، قالت: یا عبدالله وماذاك؟ قال: أنا مسلم بن عقيل كذِّبني هؤلاء القوم، وغرُّوني وأخرجوني، قالت: أنت مسلم؟! قال: نعم، قالت: ادخل.

فدخل إلى بيت دارها غير البيت الَّذي تكون فيه، وفرشت له وعرضت عليه العشاء فلم يتعشِّ، ولم يكن بأسرع من أن جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت، والخروج منه، فقال لها: والله إنّه ليريبني كثرة دخولك إلى

ص: 45

هذا البيت وخروجك منه، منذ اللّيلة، إنَّ لك الشأناً قالت له: يا بنيٌّ اُلهُ عن هذا قال: والله لتخبريني قالت له: أقبل على شأنك، ولا تسألني عن شيء، فألحَّ عليها فقالت: يا بنّي لاتخبرنَّ أحداً من الناس بشيء ممّا اُخبرك به قال: نعم، فأخذ عليه الأيمان فحلف لها، فأخبرته فاضطجع وسكت.

ولمّا تفرّق الناس عن مسلم بن عقیل رحمه الله، طال على ابن زیاد وجعل لا يسمع لأصحاب ابن عقیل صوتاً كما كان يسمع قبل ذلك، فقال لأصحابه: أشرفوا فانظروا هل ترون منهم أحداً؟ فأشرفوا فلم يجدوا أحداً، قال: فانظروهم لعلّهم تحت الظلال قد كمنوا لكم فنزعوا تخاتج المسجد، وجعلوا يخفضون بشعل النار في أيديهم وينظرون. وكانت أحياناً تضييء لهم وتارة لاتضيء لهم كما يريدون فدلّوا القناديل وأطنان القصب تشدُّ بالحبال ثمّ يجعل فيها النيران ثمّ تدلّى حتّى ينتهي إلى الأرض، ففعلوا ذلك في أقصى الظّلال وأدناها وأوسطها حتّى فعل ذلك بالظّلة الّتي فيها المنبر فلمّا لم يروا شيئاً أعلموا ابن زیاد بتفرُّق القوم.

16- خروج ابن زیاد إلى المسجد وخطبته

ففتح باب السّدَّة الّتي في المسجد ثمَّ خرج فصعد المنبر، وخرج أصحابه معه وأمرهم فجلسوا قبيل العتمة وأمر عمر بن نافع فنادى: ألا برئت الذّمة من رجل. من الشُّرط أو العرفاء والمناكب أو المقاتلة صلّى العتمة إلّا في المسجد فلم يكن إلّا ساعة حتّى امتلأ المسجد من الناس، ثمّ أمر منادیه فأقام الصّلاة وأقام الحرس خلفه وأمرهم بحراسته من أن يدخل إليه من يغتاله، وصلّى بالناس.

ثمَّ صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: أمّا بعد فانّ ابن عقیل

ص: 46

السّفيه الجاهل قد أتى ما رأيتم من الخلاف والشّقاق، فبرئت ذمّة الله من رجل وجدناه في داره ومن جاء به فله ديته، اتّقوا الله عباد الله، وألزموا الطّاعة وبيعتكم، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلًا.

یا حصین بن نمير! ثكلتك اُمّك إن ضاع باب سكّة من سكك الكوفة، وخرج هذا الرَّجل ولم تأتني به، وقد سلّطتك على دور أهل الكوفة. فابعث مراصد على أهل الكوفة ودورهم، وأصبح غداً واستبرء الدُّور وجسَّ خلالها حتّى تأتيني بهذا الرَّجل، وكان الحصين بن نمير على شرطه، وهو من بني تميم، ثمَّ دخل ابن زیاد القصر وقد عقد لعمر و بن حریث راية وأمّره على الناس.

فلمّا أصبح جلس مجلسه وأذن للنّاس، فدخلوا عليه وأقبل محمّد بن الأشعث فقال: مرحباً بمن لا يستغشُّ ولا يتّهم، ثمَّ أقعده إلى جنبه، وأصبح ابن تلك العجوز فغدا إلى عبدالرَّحمن بن محمّد بن الأشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عند اُمه، فأقبل عبد الرَّحمن حتّى أتى أباه وهو عند إبن زیاد فسارَّه فعرف ابن زیاد سراره فقال له ابن زیاد بالقضيب في جنبه(1): قم فأتني به الساعة، فقام وبعث معه قومه لأنّه قد علم أنَّ كلَّ قوم يكرهون أن يصاب فيهم مثل مسلم بن عقیل.

17- مقاتلة مسلم في الكوفة

فبعث معه عبيد الله بن عبّاس السّلمي في سبعين رجُلًا من قيس حتّى أتوا الدّار الّتي فيها مسلم بن عقیل رحمه الله فلمّا سمع وقع حوافر الخيل وأصوات الرِّجال علم أنّه قد اُتي، فخرج إليهم بسيفه واقتحموا عليه الدار، فشدَّ عليهم يضربهم بسيفه حتّى أخرجهم من الدار، ثمَّ عادوا إليه فشدَّ

ص: 47


1- أي ضرب بالقضيب جنبه أن قم

عليهم كذلك، فاختلف هو و بکر بن حمران الأحمريُّ ضربتين فضرب بكر فم مسلم، فقطع شفته العليا وأسرع السّيف في السّفلى وفصلت له ثنيّتاه وضرب مسلم في رأسه ضربة منكرة وثنّاه باُخرى على حبل العاتق، كادت تطلع إلى جوفه.

فلمّا رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق البيت، وأخذوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في أطنان القصب ثمَّ يرمونها عليه من فوق البيت، فلمّا رأى ذلك خرج عليهم مصلتاً بسيفه في السّكّة فقال محمّد بن الأشعث: لك الأمان لا تقتل نفسك وهو يقاتلهم ويقول:

أقسمت لا اُقتل إلّا حُرَّاً *** وإن رأيت الموت شيئاً نكراً

ويخلط البارد سخناً مرَّا *** ردَّ شعاع الشّمس فاستقرّا

كلُّ امرىء يوماً ملاق شرَّا *** أخاف أن اُكذب أو اُغرّا

فقال له محمّد بن الأشعث: إنّك لا تِكذب ولا تُغرُّ ولا تُخدع إنَّ القوم بنو عمّك، وليسوا بقاتليك، ولا ضائريك، وكان قد اُثخن بالحجارة، وعجز عن القتال فانتهر(1) واستند ظهره إلى جنب تلك الدّار فأعاد إبن الأشعث عليه القول: لك الأمان، فقال: آمنٌ أنا؟ قال: نعم، فقال للقوم الَّذين معه ألي الأمان؟ قال القوم له: نعم إلّا عبيد الله بن العباس السّلمي فانّه قال: لا ناقة لي في هذا ولا جمل(2) ثمَّ تنحّي.

ص: 48


1- في المصدر: فانبهر: أي انقطع نفسه من شدَّة السِعی والقتال
2- قال الميداني: أصل المثل [لا ناقتي في هذا ولا جملي] للحارث بن عباد، حين قتل جساس بن مرة كليباً. وهاجت الحرب بين الفريقين. وكان الحارث اعتزلها. قال وقال بعضهم: إنّ أوّل من قال ذلك الصدوف بنت حليس العذرية على ما سيجيء بیانه مختصراً عند ایضاح المصنف لغرائب الحديث. راجع مجمع الأمثال ج 2 ص 220 تحت الرقم 3539

18- أسر مسلم (علیه السلام)

فقال مسلم: أمّا لو لم تأمنوني ما وضعت يدي في أيديكم، فأتی ببغلة فحمل عليها، واجتمعوا حوله ونزعوا سيفه، وكأنّه عند ذلك يئس من نفسه، فدمعت عيناه ثمَّ قال: هذا أوّل الغدر، فقال له محمّد بن الأشعث: أرجو أن لا يكون عليك بأس قال: وما هو إلّا الرجاء؟ اَين أمانكم؟ إنّا لله وإنّا إليه راجعون، و بکی، فقال له عبيد الله بن العبّاس: إنّ من يطلب مثل الَّذي طلبت إذا ينزل به مثل ما نزل بك لم يبك، قال: والله إنّي ما لنفسي بكيت، ولا لها من القتل أرثي، وإن كنت لم اُحبَّ لها طرفة عين تلفاً، ولكنّي أبكي لأهلي المقبلين، إنّي أبكي للحسين وآل الحسين (عليه السلام).

ثمَّ أقبل على محمّد بن الأشعث فقال: يا عبد الله إنّي أراك والله ستعجز عن أماني فهل عندك خير: تستطيع أنّ تبعث من عندك رجلًا على لساني أن يبلّغ حسيناً فانّي لا أراه إلّا وقد خرج اليوم أو خارج غداً وأهل بيته، ويقول له: إنَّ إبن عقيل بعثني إليك وهو أسير في يد القوم لا يرى أنّه يمسي حتّى يقتل، وهو يقول لك: ارجع فداك أبي واُمّي بأهل بيتك ولا يغررك أهل الكوفة فانّهم أصحاب أبيك الَّذي كان يتمنّى فراقهم بالموت أو القتل، إنَّ أهل الكوفة قد كذبوك وليس المكذوب رأي، فقال ابن الأشعث: والله لأفعلنَّ وأعلمنَّ إبن زياد أنّى قد أمنتك(1).

وقال محمّد بن شهر آشوب: أنفذ عبيد الله عمرو بن حریث المخزوميَّ ومحمّد بن الأشعث في سبعين رجلًا حتّى أطافوا بالدار، فحمل مسلم عليهم وهو يقول:

هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع *** فأنت لكأس الموت لاشكّ جارع

ص: 49


1- الارشاد ص 190 - 197، وفيه «ليس لكذوب رأي»

فصبر لأمر الله جلَّ جلاله *** فحكم قضاء الله في الحلق ذائع

فقتل منهم أحداً وأربعين رجلًا(1).

وقال محمّد بن أبي طالب: لما قتل مسلم منهم جماعة كثيرة، وبلغ ذلك ابن زیاد، أرسل إلى محمّد بن الأشعث يقول: بعثناك إلى رجل واحد لتأتينا به، فثلم في أصحابك ثلمة عظيمة، فكيف إذا أرسلناك إلى غيره؟ فأرسل إبن الأشعث: أيّها الأمير أتظنُّ أنّك بعثتني إلى بقّال من بقّالي الكوفة، أو إلى جرمقانّي من جرامقة الحيرة؟ أولم تعلم أيّها الأمير أنّك بعثتني إلى أسد ضرغام، وسيف حسام، في كف بطل همام، من آل خير الأنام، فأرسل إليه ابن زیاد أن أعطه الأمان فانّك لا تقدر عليه إلّا به.

أقول: روي في بعض كتب المناقب عن علي بن أحمد العاصميَّ، عن إسماعيل بن أحمد البيهقيِّ، عن والده، عن أبي الحسين بن بشران، عن أبي عمرو بن السّماك عن حنبل بن إسحاق، عن الحميديِّ، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دینار قال: أرسل الحسين (عليه السلام) مسلم بن عقیل إلى الكوفة وكان مثل الأسد، قال عمرو وغيره: لقد كان من قوَّته أنّه يأخذ الرَّجل بيده، فيرمي به فوق البيت.

19- مسلم على باب القصر

رجعنا إلى كلام المفيد رحمه الله قال: وأقبل ابن الأشعث بابن عقیل إلى باب القصر، واستأذن، فأذن له، فدخل على عبيد الله بن زياد، فأخبره خبر إبن عقيل، وضرب بكر إيّاه، وما كان من أمانه له، فقال له عبيد الله: وما أنت والأمان؟ كأنّا أرسلناك لتؤمنه، إنّما أرسلناك لتأتينا به، فسكت إبن

ص: 50


1- مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 93

الأشعث وانتهى بابن عقيل إلى باب القصر، وقد اشتدَّ به العطش، وعلى باب القصر ناس جلوس، ينتظرون الاذن، فيهم عمارة بن عقبة بن أبي معيط، وعمر و بن حريث، ومسلم بن عمرو وكثير بن شهاب وإذا قُلّة باردة موضوعة على الباب.

فقال مسلم: اسقوني من هذا الماء! فقال له مسلم بن عمرو: أتراها ما أبردها لا والله لاتذوق منها قطرة أبداً حتّى تذوق الحميم في نار جهنّم، فقال له ابن عقیل: ويحك من أنت؟ فقال: أنا الّذي عرف الحقّ إذ أنكرته، ونصح لامامه إذ غششته وأطاعه إذ خالفته، أنا مسلم بن عمرو الباهلُّي فقال له إبن عقیل: لاُمّك الثّكل ما أجفاك وأقطعك وأقسى قلبك، أنت يا ابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنّم منّي.

ثمّ جلس فتساند إلى حائط وبعث عمرو بن حریث غلاماً له فأتاه بقُلّة عليها منديل وقدح فصبَّ فيه ماء فقال له: اشرب فأخذ كلّما شرب امتلا القدح دماً من فمه، ولا يقدر أن يشرب، ففعل ذلك مرَّتين، فلمّا ذهب في الثالثة ليشرب سقطت ثناياه في القدح، فقال: الحمد لله لو كان لي من الرِّزق المقسوم لشربته، وخرج رسول ابن زیاد فأمر بادخاله إليه.

20- دخول مسلم (علیه السلام) على ابن زیاد

فلمّا دخل لم يسلّم عليه بالأمرة، فقال له الحرسيُّ: ألا تسلّم على الأمير؟ فقال: إن كان يريد قتلي فما سلامي عليه، وإن كان لايريد قتلي فليكثرنَّ سلامي عليه، فقال له إبن زیاد: لعمري لتقتلنّ، قال: كذلك؟ قال: نعم، قال: فدعني أوصي إلى بعض قومي، قال: افعل فنظر مسلم إلى جلساء عبيد الله بن زیاد، وفيهم عمر و بن سعد بن أبي وقّاص فقال: يا عمر إنَّ بيني وبينك

ص: 51

قرَابة، ولي إليك حاجة وقد يجب لي عليك نجح حاجتي، وهي سرٌّ، فامتنع عمر أن يسمع منه، فقال له عبيد الله بن زیاد: لم تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمّك؟ فقام معه فجلس حيث ينظر إليهما ابن زیاد، فقال له: إنَّ علَّي بالكوفة ديناً استدنته منذ قدمت الكوفة سبع مائة درهم، فبع سيفي ودرعي فاقضها عنّي وإذا قُتلت فاستوهب جثّتي من ابن زیاد فوارها، وابعث إلى الحسين (عليه السلام) من يردَّه فانّي قد كتبت إليه اُعلمه أنّ الناس معه، ولا أراه إلَّا مقبلًا.

فقال عمر لابن زیاد: أتدري أيّها الأمير ما قال لي؟ إنّه ذكر كذا وكذا فقال إبن زیاد: إنّه لايخونك الأمين ولكن قد يؤتمن الخائن أمّا ماله فهو له، ولسنا نمنعك أن تصنع به ما أحبَّ، وأمّا جثّته فانّا لانبالي إذا قتلناه ماصنع بها، وأمّا حسين فانّه إن لم يردنا لم نرده.

21- موقف مسلم (علیه السلام) عند ابن زیاد

ثمَّ قال ابن زیاد: إيه ابن عقیل، أتيت الناس وهم جمع فتشتّت بينهم، وفرَّقت كلمتهم، وحملت بعضهم على بعض، قال: كلّا لست لذلك أتيت، ولكن أهل المصر زعموا أنّ أباك قتل خيارهم، وسفك دماءهم، وعمل فيهم أعمال کسری وقيصر فأتيناهم لنأمر بالعدل، وندعوا إلى الكتاب، فقال له إبن زیاد: وما أنت وذاك یا فاسق؟ لم لم تعمل فيهم بذلك إذ أنت بالمدينة تشرب الخمر؟ قال مسلم: أنا أشرب الخمر؟ أما - والله - إنَّ الله ليعلم أنّك غير صادق، وأنّك قد قلت بغير علم وأنّي لست كما ذكرت، وأنّك أحقُّ بشرب الخمر منّي، وأولى بها من يلغ في دماء المسلمين ولغاً، فيقتل النّفس الّتي حرّم الله قتلها، ويسفك الذّم الَّذي حرَّم الله على الغصب والعداوة، وسوء الظنَّ،

ص: 52

وهو يلهو ويلعب، كأن لم يصنع شيئاً.

فقال له ابن زیاد: یا فاسق إنَّ نفسك منّتك ما حال الله دونه، ولم يرك الله له أهلًا فقال مسلم: فمن أهله إذا لم نكن نحن أهله؟ فقال ابن زیاد أمير المؤمنين يزيد، فقال مسلم: الحمد لله على كلِّ حال، رضينا بالله حكَمًا بيننا وبينكم فقال له إبن زیاد: قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الاسلام من الناس، فقال له مسلم: أما إنّك أحقُّ من أحدث في الاسلام مالم يكن وإنّك لاتدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السيرة ولؤم الغلبة، لا أحد أولى بها منك، فأقبل ابن زیاد يشتمه ويشتم الحسين وعليّاً وعقيلًا وأخذ مسلم لا يكلّمه.

22- مقتل مسلم عليه السلام

ثمّ قال ابن زیاد: اصعدوا به فوق القصر، فاضربوا عنقه ثمَّ أتبعوه جسده فقال مسلم رحمه الله: والله لو كان بيني وبينك قرابة ما قتلتني، فقال ابن زیاد: أين هذا الَّذي ضرب إبن عقيل رأسه بالسَّيف، فدعا بكر بن حمران الأحمريَّ فقال له: اصعد فليكن أنت الَّذي تضرب عنقه، فصعد به، وهو يكبّر ويستغفر الله ويصلّي على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ويقول: اللّهمَّ احكم بيننا وبين قوم غرُّونا وكذبونا وخذلونا. وأشرفوا به على موضع الحذَّائين اليوم، فضرب عنقه وأتبع رأسه جثَّته(1).

وقال السيّد: ولمّا قتل مسلم منهم جماعة نادي إليه محمّد بن الأشعث: یا مسلم لك الأمان، فقال مسلم: وأيُّ أمان للغدرة الفجرة ثمّ أقبل يقاتلهم، ويرتجز بأبيات حمران بن مالك الخثعمیِّ يوم القرن «أقسمت لا اُقتل إلّا

ص: 53


1- كتاب الارشاد ص 197 - 199

حرّاً» إلى آخر الأبيات، فنادى إليه إنّك لا تُكذب، ولا تُغرَّ، فلم يلتفت إلى ذلك، وتكاثروا عليه بعد أن اُثخن بالجراح، فطعنه رجل من خلفه فخرَّ إلى الأرض فاُخذ أسيراً فلمّا دخل على عبيد الله لم يسلّم عليه، فقال له الحرسیُّ: سلّم على الأمير، فقال له: اسكت ياويحك، والله ما هو لي بأمير، فقال إبن زیاد: لا عليك سلّمت أم لم تسلّم فانّك مقتول فقال له مسلم: إن قتلتني فلقد قتل من هو شرٌّ منك من هو خيرٌ منّي.

ثمَّ قال ابن زیاد: یا عاقَّ ویا شاقَّ، خرجت على إمامك وشققت عصا المسلمين، وألقحت الفتنة، فقال مسلم: كذبت يا ابن زیاد إنّما شقَّ عصا المسلمين معاوية وابنه يزيد، وأمّا الفتنة فانّما ألقحها أنت وأبوك زیاد بن عبيد عبد بني علاج من ثقيف وأنا أرجو أن يرزقني الله الشّهادة على يدي شرِّ بريّته.

ثمَّ قال السيّد بعد ما ذكر بعض ما مرَّ: فضرب عنقه ونزل مذعوراً، فقال له ابن زیاد: ما شأنّك؟ فقال: أيّها الأمير رأيت ساعة قتلته رجلًا أسود سيّيء الوجه حذائي عاضّاً على أصبعه أو قال شفتيه، ففزعت فزعاً لم أفزعه فطُّ؛ فقال ابن زیاد: لعلّك دهشت(1).

وقال المسعوديُّ: دعا ابن زیاد بكير بن حمران الَّذي قتل مسلمًا فقال: أقتلته؟ قال: نعم قال: فما كان يقول وأنتم تصعدون به لتقتلوه؟ قال: كان يكبّر ويسبّح ویهلّل ويستغفر الله، فلمّا أدنيناه لنضرب عنقّه قال: اللّهمّ احكم بيننا وبين قوم غرُّونا وكذبونا ثمَّ خذلونا وقتلونا، فقلت له: الحمد لله الَّذي أقادني منك وضربته ضربة لم تعمل شيئاً فقال لي: أو ما يكفيك في خدش منّي وفاء بدمك؟ أيّها العبد، قال ابن زیاد: وفخراً عند الموت؟ قال: وضربته الثانية

ص: 54


1- راجع كتاب اللّهوف ص 47 - 50، وذيل العاشر ص 306

فقتلته.

23- مقتل هانيء بن عروة

وقال المفيد: فقام محمّد بن الأشعث إلى عبيد الله بن زیاد فكلّمه في هانيء بن عروة، فقال: إنّك قد عرفت موضع هانيء من المصر، وبيته في العشيرة، وقد علم قومه أنّي وصاحبي سُقناه إليك وأنشدك الله لمّا وهبته لي فانّي أكره عداوة المصر وأهله، فوعده أن يفعل، ثمّ بدا له وأمر بهانئ في الحال فقال: أخرجوه إلى السّوق فاضربوا عنقه، فأخرج هانيء حتّى اُتي به إلى مكان من السّوق كان يباع فيه الغنم، وهو مكتوف فجعل يقول: وامذحجاه ولا مذحج لي اليوم، یا مذحجاه یامذحجاه أين مذحج؟

فلمّا رأى أنَّ أحداً لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثمَّ قال: أما من عصا أو سكّين أو حجارة أو عظم يحاجز به رجل عن نفسه؟ ووثبوا إليه فشُّدوه وثاقاً ثمَّ قيل له: امدد عنقك فقال: ما أنا بها بسخيّ، وما أنا بمعينكم على نفسي فضربه مولى لعبيد الله بن زیاد تركيّ، يقال له رشيد بالسّيف، فلم يصنع شيئاً فقال له هانيء: إلى الله المعاد اللّهمّ إلى رحمتك ورضوانك، ثمَّ ضربه أخرى فقتله.

وفي مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة رحمهما الله يقول عبدالله بن الزُّبير الأسدي(1).

فإن كنت لاتدرين ما الموت فانظري *** إلى هانیء في السّوق وابن عقیل

إلى بطل قد هشمّ السيف وجهه *** واخر يهوي من طمار قتیل

ص: 55


1- نسبة في ذيل الصحاح ص 726 إلى سليم بن سلام الحنفي، وفيه: «قد عفر السيف وجهه» ويروي: «قد کدح السيف وجهه» ويروي «قد عفر الترب وجهه»

أصابهما أمر اللعين فأصبحا *** أحاديث من يسري بكلِّ سبيل

تری جسدأ قد غيّر الموت لونه *** ونضح دم قد سال كلِّ مسيل

فتى كان أحيا من فتاة حيّیة *** وأقطع من ذي شفرتين صقيل

أيركب أسماء الهمالیج آمناً *** وقد طالبته مذحج بذحول

تطيف حواليه مرادو كلّهم *** على رقبة من سائل ومسؤل

فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم *** فكونوا بغايا أُرضيت بقليل

ولمّا قتل مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة رحمة الله عليهما بعث ابن زیاد برأسيهما مع هانيء بن أبي حيّة الوادعي والزُّبير بن الأروح التميميِّ إلى يزيد بن معاوية وأمر كاتبه أن يكتب إلى يزيد بما كان من أمر مسلم وهانيء فكتب الكاتب وهو عمرو بن نافع فأطال فيه وكان أوّل من أطال في الكتب فلمّا نظر فيه عبيد الله كرهه وقال: ما هذا التطويل وهذه الفضول اکتب:

24- کتاب ابن زیاد إلى يزيد - لعنهما الله - بقتل مسلم وهانيء رضوان الله عليهما

أمّا بعد فالحمد لله الَّذي أخذ لأمير المؤمنين بحقّه، وكفاه مؤنة عدوَّه اُخبر أمير المؤمنين أنَّ مسلم بن عقیل لجأ إلى دار هانيء بن عروة المراديِّ وإنِي جعلت عليهما المراصد والعيون ودسست إليها الرَّجال، وكدنهما حتّى أخرجتهما وأمكن الله منهما، فقدَّ متهما وضربت أعناقهما وقد بعثت إليك برأسيهما مع هانيء ابن أبي حيّة الوادعيِّ والزُّبير بن الأروح التميميِّ وهما من اهل السمع والطاعة والنصيحة فليسألهما أمير المؤمنين عمّا أحبَّ من أمرهما، فانَّ عندهما علمًا وورعاً وصدقاً والسلام.

ص: 56

فكتب إليه يزيد: أمّا بعد فانَّك لم تعد أن كنت كما اُحبُّ عملت عمل الحازم وصُلت صولة الشجاع الرّابط الجأش، وقد أغنيت وكفيت، وصدَّقت ظنّي بك ورأيي فيك، وقد دعوت رسوليك، وسألتهما وناجيتهما، فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت، فاستوص بهما خيراً، وإنّه قد بلغني أنَّ حسيناً قد توجّه نحو العراق، فضع المناظر والمسالح، واحترس واحبس على الظنّة، واقتل على التّهمة، واكتب إليَّ في كلِّ يوم مايحدث من خبر إنشاء الله(1).

وقال ابن نما: كتب يزيد إلى ابن زیاد: قد بلغني أنَّ حسينا قد سار إلى الكوفة، وقد ابتلى به زمانك من بين الأزمان، وبلدك من بين البلدان، وابتليت به من بين العمّال، وعندها تعتق أو تعود عبداً، كما تعبد العبيد.

قال المفيد - ره -: فصل: وكان خروج مسلم بن عقيل - رحمه الله - بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجّة سنة ستّين، وقتله - رحمه الله - يوم الأربعاء لتسع خلون منه يوم عرفه، وكان توجّه الحسين (عليه السلام) من مكّة إلى العراق في يوم خروج مسلم بالكوفة وهو يوم التروية، بعد مقامه بمكّة بقيّة شعبان و[شهر] رمضان وشوَّالا وذا القعدة وثمان لیال خلون من ذي الحجّة سنة ستّين، وكان قد اجتمع إلى الحسين (عليه السلام) مدَّة مقامه بمكّة نفر من أهل الحجاز، ونفر من أهل البصرة انضافوا إلى أهل بيته ومواليه.

ولما أراد الحسين التوجّه إلى العراق، طاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة وأحلَّ من إحرامه وجعلها عمرة، لأنّه لم يتمكّن من تمام الحجِّ مخافة أن يقبض عليه بمكّة فينفذ إلى يزيد بن معاوية، فخرج (عليه السلام) مبادراً بأهله وولده ومن أنضمَّ إليه من شیعته، ولم يكن خبر مسلم بلغه بخروجه يوم

ص: 57


1- ارشاد المفيد ص 199 - 200

خروجه على ما ذكرناه(1).

ص: 58


1- الارشاد ص 200 و 201

الفصل الرابع: خروج الحسين عليه السلام من مكة إلى العراق:

اشارة

ص: 59

ص: 60

قال السيّد رضي الله عنه: روى أبو جعفر الطبريُّ، عن الواقديِّ وزرارة بن صالح قالا: لقينا الحسين بن علي (عليهما السلام) قبل خروجه إلى العراق بثلاثة أيّام فأخبرناه بهوى الناس بالكوفة، وأنَّ قلوبهم معه، وسيوفهم عليه، فأومأ بيده نحو السماء ففتحت أبواب السّماء ونزلت الملائكة عدداً لا يحصيهم إلّا الله تعالى، فقال (عليه السلام): لولا تقارب الأشياء، وحبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء، ولكن أعلم يقيناً أنَّ هناك مصرعي ومصرع أصحابي، ولا ينجو منهم إلَّا ولدي علي.

ورويت بالإسناد، عن أحمد بن داود القميّ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جاء محمّد بن الحنفيّة إلى الحسين (عليه السلام) في اللّيلة الّتي أراد الحسين الخروج في صبيحتها عن مكّة فقال له: يا أخي إنَّ أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك، وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى، فان رأيت أن تقيم فانّك أعزُّ من بالحرم وأمنعه، فقال: يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم، فأكون الَّذي يستباح به حرمة هذا البيت، فقال له إبن الحنفيّة: فان خفت ذلك فصر إلى اليمن أو بعض نواحي البرِّ فانّك أمنع الناس به، ولا يقدر عليك أحد، فقال: أنظر فيما قلت.

فلمّا كان السحر، ارتحل الحسين (عليه السلام) فبلغ ذلك ابن الحنفيّة فأتاه فأخذ بزمام ناقته - وقد ركبها - فقال: يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك؟ قال: بلى قال: فما حداك على الخروج عاجلًا؟ قال: أتاني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بعد ما فارقتك فقال: يا حسين أخرج فان الله قد شاء أن يراك قتيلًا فقال محمّد بن الحنفيّة: إنا لله وإنّا إليه راجعون، فما معنی

ص: 61

حملك هؤلاء النسآء معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال؟ قال: فقال [لي صلّى الله عليه وآله]:

إنَّ الله قد شاء أن يراهنَّ سبايا، فسلّم عليه ومضى(1)كتاب اللّهوف ص 53 - 56(2).

قال: وجاءه عبدالله بن العباس وعبدالله بن الزُّبير فأشارا عليه بالامساك فقال لهما: إنَّ رسول الله قد أمرني بأمر وأنا ماض فيه، قال: فخرج إبن العباس وهو يقول: واحسيناه، ثمَّ جاء عبدالله بن عمر فأشار عليه بصلح أهل الضلال وحذّره من القتل والقتال، فقال: يا أبا عبد الرَّحمان أما علمت أنَّ من هوان الدُّنيا على الله تعالى أنَّ رأس يحيى بن زكريّا اُهدي إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل أما تعلم أنَّ بني إسرائيل كانوا يقتلون مابين طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس سبعين نبيّاً ثمَّ يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأن لم يصنعوا شيئاً فلم يعجّل الله عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام إتّق الله يا أبا عبد الرَّحمان، ولا تدع نصرتي(3).

ثمَّ قال المفيد - رحمه الله - وروي عن الفرزدق أنّه قال: حججت باُمّي في سنة ستّين، فبينما أنا أسوق بعيرها حتّى دخلت الحرام إذ لقيت الحسين (عليه السلام) خارجاً من مكّة، معه أسيافه وتراسه، فقلت: لمن هذا القطار؟ فقيل: للحسين بن علي (عليهما السلام) فأتيته وسلّمت عليه. وقلت له: أعطاك الله سؤلك وأملك فيما تحبُّ بأبي أنت واُمّي يا إبن رسول الله ما أعجلك عن الحجِّ؟ قال: لو لم اُعجّل لاُخذت ثمَّ قال لي: من أنت؟ قلت: رجل من العرب، ولا والله مافتّشني عن أكثر من ذلك.

ثمَّ قال لي: أخبرني عن الناس خلفك؟ فقلت: الخبير سألت قلوب

ص: 62


1-
2-
3- المصدر ص 26 و 27

الناس معك وأسيافهم عليك، والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء قال: صدقت لله الأمر من قبل ومن بعد، وكلُّ يوم [ربّنا] هو في شأن، إن نزل القضاء بما نحبُّ فنحمد الله على نعمائه، وهو المستعان على أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء، فلم يبعد من كان الحقُّ نيّته، والتقوى سيرته، فقلت له: أجل بلّغك الله ما تحبُّ وكفاك ما تحذر، وسألته عن أشياء من نذور ومناسك فأخبرني بها، وحرّك راحلته وقال: السّلام عليك ثمَّ افترقنا.

وكان الحسين بن علي (عليه السلام) لما خرج من مكّة اعترضه يحيى إبن سعيد بن العاص، ومعه جماعة أرسلهم إليه عمرو بن سعید، فقالوا له: انصرف أين تذهب؟ فأبى عليهم ومضى، وتدافع الفريقان واضطربوا بالسياط، فامتنع الحسين (عليه السلام) وأصحابه منهم امتناعاً قويّاً وسار حتّى أتى التنعيم، فلقي عيراً قد أقبلت من اليمن فاستأجر من أهلها جمالًا لرحله وأصحابه، وقال لأصحابها: من أحبَّ أن ينطلق معنا إلى العراق وفيناه کراه وأحسنّا صحبته، ومن أحبَّ أن يفارقنا في بعض الطريق أعطيناه کراه على قدر ماقطع من الطريق، فمضى معه قوم وامتنع آخرون.

وألحقه عبد الله بن جعفر بابنيه عون ومحمّد وكتب على أيديهما كتاباً يقول فيه: أمّا بعد فانّي أسألك بالله لمّا انصرفت حين تنظر في كتابي هذا فانّي مشفق عليك من هذا التوجّه الَّذي توجّهت له، أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك إن هلكت اليوم طفيء نور الأرض، فانّك علم المهتدين، ورجاء المؤمنين، ولا تعجل بالسير فانّي في أثر كتابي والسلام.

وصار عبد الله إلى عمر و بن سعيد وسأله أن يكتب إلى الحسين (عليه السلام) أماناً و يمتيه ليرجع عن وجهه، وكتب إليه عمرو بن سعید کتاباً يمنّيه فيه الصّلة، ويؤمنه على نفسه، وأنفذه مع يحيى بن سعيد، فلحقه یحیی

ص: 63

وعبدالله بن جعفر بعد نفوذ ابنيه، ودفعا إليه الكتاب وجهدا به في الرُّجوع، فقال: إنّي رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في المنام وأمرني بما أنا ماض له، فقالوا له: ما تلك الرؤيا؟ فقال: ما حدّثت أحداً بها ولا أنا محدِّث بها أحداً حتّى ألقى ربّي عزَّوجلَّ فلمّا يئس منه عبدالله بن جعفر أمر إبنیه عوناً ومحمّداً بلزومه، والمسير معه، والجهاد دونه، ورجع مع يحيى بن سعيد إلى مكّة.

1- منزل ذات عرق

وتوجّه الحسين (عليه السلام) إلى العراق مغذَّاً لايلوي إلى شيء حتّى نزل ذات عرق(1) وقال السيّد - رحمه الله:- توجّه الحسين (عليه السلام) من مكّة لثلاث مضين من ذي الحجّة سنة ستّين قبل أن يعلم بقتل مسلم، لأنّه (عليه السلام) خرج من مكّة في اليوم الَّذي قتل فيه مسلم رضوان الله عليه.

وروي أنّه صلوات الله عليه لمّا عزم على الخروج إلى العراق، قام خطيباً فقال: الحمد لله، وما شاء الله، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله وصلّى الله على رسوله وسلّم خطَّ الموت على ولد آدم مخطَّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتیاق يعقوب إلى يوسف، وخيّر لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي يتقطّعها عسلان الفلوات، بين النواويس وکربلا، فيملأن منّي أكراشاً جُوفاً وأجر بة سغباً لا محيص عن يوم خطَّ بالقلم، رضي الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويوفّينا اُجور الصابرين؛ لن تشذَّ عن رسول الله لحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس تقرُّبهم عينه، وتنجز لهم وعده، من كان فينا باذلًا مهجته موطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإنّي راحل

ص: 64


1- الارشاد 201 و 202

مصبحاً إن شاء الله(1).

وقال المفيد - رحمه الله - ولمّا بلغ عبيد الله بن زیاد إقبال الحسين (عليه السلام) من مكّة إلى الكوفة، بعث الحصين بن نمیر صاحب شرطه حتّى نزل القادسيّة، ونظم الخيل مابين القادسيّة إلى خفّان وما بين القادسيّة إلى القُطقُطانة، وقال للناس: هذا الحسين يريد العراق.

2- منزل الحاجر وكتاب الامام (علیه السلام) إلى أهل الكوفة

ولمّا بلغ الحسين الحاجز من بطن الرُّمَّة، بعث قيس بن مسهر الصيداويَّ ويقال إنّه بعث أخاه من الرَّضاعة عبد الله بن يقطر إلى أهل الكوفة، ولم يكن (عليه السلام) علم بخبر مسلم بن عقيل - رحمه الله - وكتب معه إليهم:

«بسم الله الرَّحمن الرَّحيم من الحسين بن علي إلى إخوانه المؤمنين والمسلمين سلام عليكم فإنّي أحمد إليكم الله الَّذي لا إله إلّا هو أمّا بعد فانَّ کتاب مسلم بن عقیل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم، واجتماع ملائكم على نصرنا والطلب بحقّنا، فسألت الله أن يحسن لنا الصنيع، وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر، وقد شخصت إليكم من مكّة يوم الثلثاء، لثمان مضين من ذي الحجّة يوم التروية، فاذا قدم علیکم رسولي فانکمشوا في أمركم وجدُّوا فانّي قادم عليكم في أيّامي هذه والسلام عليكم ورحمة الله وبرکاته».

وكان مسلم كتب إليه قبل أن يقتل بسبع وعشرين ليلة وكتب إليه أهل الكوفة أنّ لك ههنا مائة ألف سيف، ولاتتأخّر.

فأقبل قيس بن مُسهِر بكتاب الحسين (عليه السلام) حتّى إذا انتهى القادسيّة أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى عبيد الله بن زیاد [إلى الكوفة]

ص: 65


1- كتاب اللهوف 52 و 53

فقال له عبيد الله بن زیاد: اصعد فسُبَّ الكذَّاب الحسين بن علي(1).

وقال السيّد: فلمّا قارب دخول الكوفة، اعترضه الحصين بن نمير ليفتّشه فأخرج [قيس] الكتاب ومزَّقه، فحمله الحصين إلى إبن زیاد، فلمّا مثل بين يديه قال له: من أنت؟ قال: أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين علِّي بن أبي طالب وابنه عليهما السلام قال: فلماذا خرقت الكتاب؟ قال: لئلّا تعلم ما فيه، قال: وممّن الكتاب وإلى من؟ قال: من الحسين بن علي إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم، فغضب إبن زیاد فقال: والله لاتفارقني حتّى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم أو تصعد المنبر وتلعن الحسين بن علي وأباهُ وأخاه وإلّا قطعتك إربا إرباً، فقال قيس: أمّا القوم فلا اُخبرك بأسمائهم، وأمّا لعنة الحسين وأبيه وأخيه فأفعل، فصعد المنبر وحمد الله وصلّى على النبيِّ وأكثر من الترحّم على علّي وولده صلوات الله عليهم ثمَّ لعن عبيد الله بن زیاد وأباه ولعن عتاة بني اُميّة عن آخرهم، ثمَّ قال: أنا رسول الحسين إليكم وقد خلّفته بموضع كذا فأجيبوه(2).

ثمَّ قال المفيد: - رحمه الله - فأمر به عبيد الله بن زياد أن يرمي من فوق القصر، فرمي به فتقطّع، وروي أنّه وقع إلى الأرض مكتوفاً فتكسّرت عظامه وبقي به رمق، فأتاه رجل يقال له: عبدالملك بن عمير اللّخمیِّ فذبحه فقيل له في ذلك وعيب عليه، فقال: أردت أن اُريحه.

3- ماء من مياه العرب

ص: 66


1- الارشاد ص 202
2- اللهوف ص 66 و 67

ثمَّ أقبل الحسين من الحاجز يسير نحو العراق(1) فانتهى إلى ماء من مياه العرب فاذا عليه عبدالله بن مطيع العدوي، وهو نازل به، فلمّا رآه الحسين قام إليه فقال: بأبي أنت واُمّي يا ابن رسول الله ما أقدمك؟ واحتمله وأنزله، فقال له الحسين (عليه السلام): كان من موت معاوية ما قد بلغك، وكتب إلَّي أهل العراق يدعونني إلى أنفسهم.

فقال له عبدالله بن مطيع: اُذكرّك الله يا ابن رسول الله وحرمة الاسلام أن تنهتك، أنشدك الله في حرمة قريش، أنشدك الله في حرمة العرب، فوالله لئن طلبت ما في أيدي بني اُميّة ليقتلنّك، ولئن قتلوك لا يهابوا بعدك أحداً أبداً، والله إنّها لحرمة الاسلام تنهتك، وحرمة قريش وحرمة العرب، فلا تفعل ولا تأت الكوفة ولا تعرض نفسك لبني اُميّة، فأبي الحسين (عليه السلام) إلّا أن يمضي.

وكان عبيد الله بن زياد أمر فأخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام، وإلى طريق البصرة فلا يَدعون أحداً يلج ولا أحداً يخرج فأقبل الحسين (عليه السلام) لا يشعر بشيء حتّى لقي الأعراب فسألهم فقالوا: لا والله ماندري غير أنّا لانستطيع أن نلج ولانخرج، فسار تلقاء وجهه (عليه السلام).

4- لقاء زهير بالحسين (علیه السلام)

وحدَّث جماعة من فزارة ومن بجيلة قالوا: كنّا مع زهير بن القين البجلِّي حين أقبلنا من مكّة، وكنّا نسائر الحسين (عليه السلام) فلم يكن شيء أبغض علينا من أن ننازله في منزل: وإذا سار الحسين (عليه السلام) فنزل في منزل لم نجد بدَّا من أن ننازله، فنزل الحسين في جانب ونزلنا في جانب، فبينا نحن

ص: 67


1- في المصدر: الكوفة

جلوس نتغذَّى من طعام لنا إذا أقبل رسول الحسين (عليه السلام) حتّى سلّم، ثمَّ دخل، فقال: یا زهير بن القين إنَّ أبا عبدالله الحسين بعثني إليك لتأتيه، فطرح كلُّ إنسان منّا ما في يده، حتّى كأنّما على رؤوسنا الطير، فقالت له امرأته - قال السيّد وهي ديلم بنت عمرو - سبحان الله أيبعث إليك إبن رسول الله ثمَّ لا تأتيه؟ لو أتيته فسمعت كلامه ثمَّ انصرفت.

فأتاه زهير بن القين، فما لبث أن جاء مستبشراً، قد أشرق وجهه، فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه، فقوِّض وحمل إلى الحسين (عليه السلام) ثمَّ قال لامرأته: أنت طالق! الحقي بأهلك فانّي لا اُحبُ أن يصيبك بسببي إلّا خير.

5- منزل زرود

وقال رحمه الله: وروي عبدالله بن سليمان والمنذر بن المشمعلُّ الأسديّان قالا: لمّا قضينا حجّتنا، لم تكن لنا همة إلّا الإلحاق بالحسين في الطريق لنظر ما يكون من أمره فأقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين، حتّى لحقناه بزرود فلمّا دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حتّى رأى الحسين (عليه السلام) فوقف الحسين (عليه السلام) كأنّه يريده ثمَّ تركه ومضى، ومضينا نحوه فقال أحدنا لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا لنسأله، فانَّ عنده خبر الكوفة، فمضينا حتّى انتهينا إليه فقلنا: السلام عليك، فقال: وعلیکما السلام، قلنا: ممّن الرجل؟ قال: أسديُّ: قلنا له: ونحن أسديّان فمن أنت؟ قال: أنا بكر بن فلان فانتسبنا له ثمَّ قلنا له: أخبرنا عن الناس وراءك؟ قال: نعم، لم أخرج من الكوفة حتّى قتل مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة، ورأيتهما يُجرَّان بأرجلهما في السوق.

ص: 68

6- الثعلبيّة

فأقبلنا حتّى لحقنا بالحسين فسایرناه، حتى نزل الثعلبيّة مُمسياً فجئناه حين نزل فسلّمنا عليه فردَّ علينا السلام فقلنا له: يرحمك الله إنَّ عندنا خبراً إن شئت حدَّثناك به علانيةً وإن شئت سرَّاً، فنظر إلينا وإلى أصحابه، ثمَّ قال: ما دون هؤلاء سرُّ فقلنا له: رأيت الراكب الَّذي استقبلته عشیَّ أمس؟ فقال: نعم، قد أردت مسألته فقلنا: قد والله استبرءنا لك خبره، وكفيناك مسألته، وهو أمرء منّا ذو رأي وصدق وعقل، وإنّه حدَّثنا أنّه لم يخرج من الكوفة حتّى قتل مسلم وهانيء ورآهما يُجرَّان في السوق بأرجلهما، فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، رحمة الله عليهما يردَّد ذلك مراراً.

فقلنا له: ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك إلّا انصرفت من مكانك هذا وإنّه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة، بل نتخوَّف أن يكونوا عليك، فنظر إلى بني عقيل فقال: ماترون؟ فقد قتل مسلم؟ فقالوا: والله مانرجع حتّى نصيب ثأرنا أو نذوق ماذاق، فأقبل علينا الحسين (عليه السلام) فقال: لاخير في العيش بعد هؤلاء، فعلمنا أنّه قد عزم رأيه على المسير، فقلنا له: خار الله لك، فقال: يرحمكم الله، فقال له، أصحابه: إنَّك والله ما أنت مثل مسلم بن عقيل، ولو قدمت الكوفة لكان أسرع الناس إليك فسكّت.

7- منزل زبالة

ثم انتظر حتّى إذا كان السحر، فقال لفتيانه وغلمانه: أكثروا من الماء فاستقوا وأكثروا، ثمَّ ارتحلوا فسار حتّى انتهى إلى زبالة، فأتاه خبر عبدالله بن يقطر(1).

ص: 69


1- الارشاد ص 204 و 205

وقال السيّد: فاستعبر باكياً ثمَّ قال: اللّهمَّ اجعل لنا ولشیعتنا منزلاً کریمً، واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك، إنّك على كلِّ شيء قدير(1).

وقال المفيد رحمه الله: فأخرج للناس كتاباً فقرأ عليهم فإذا فيه «بسم الله الرَّحمن الرَّحيم أمّا بعد فانّه قد أتانا خبر فظيع: قتل مسلم بن عقيل، وهانيء بن عروة، وعبدالله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا فمن أحبَّ منكم الانصراف فلينصرف، في غير حرج، ليس عليه ذمام، فتفرَّق الناس عنه، وأخذوا يميناً وشمالًا حتّى بقي في أصحابه الَّذين جاؤا معه من المدينة، ونفر يسير ممّن انضموا إليه وإنّما فعل ذلك لأنّه (عليه السلام) علم أنّ الأعراب الَّذين إنّما اتّبعوه وهم يظنّون أنّه يأتي بلداً قد استقامت له طاعة أهلها، فكره أن يسيروا معه إلّا وهم يعلمون على مايقدمون.

8- بطن العقبة

فلمّا كان السحر أمر أصحابه: فاستقوا ماء وأكثروا، ثمَّ سار حتّى مرَّ ببطن العقبة، فنزل عليها، فلقيه شيخ من بني عِكرمة يقال له: عمر بن لوذان قال له: أين تريد؟ قال له الحسين: الكوفة، فقال له الشيخ: أنشدك الله لمّا انصرفت، فوالله ماتقدم إلّا على الأسنَّة، وحدِّ السيوف، وإنَّ هؤلاء الَّذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال ووطّأوا لك الأشياء فقدمت عليهم، كان ذلك رأياً، فأمّا على هذه الحال الّتي تذكر فانّي لا أرى لك أن تفعل، فقال له: يا عبد الله ليس يخفي علَّي الرأي ولكنّ الله تعالى لايُغلب على أمره.

ثمَّ قال (عليه السلام) والله لا يَدعونني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فاذا فعلوا سلّط الله عليهم من يذلّهم، حتّى يكونوا أذلَّ فرق

ص: 70


1- ذكره السيد في قيس بن مسهر الصّيداوي راجع اللهوف ص 67

الامم.

9- منزل شراف ولقاؤه (علیه السلام) بالحر

ثمَّ سار (عليه السلام) من بطن العقبة حتّى نزل شِرَافِ(1) فلمّا كان السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء وأكثروا ثمَّ سار حتّى انتصف النهار، فبينما هو يسير إذ كبّر رجل من أصحابه، فقال له الحسين (عليه السلام): الله أكبر لم كبّرت؟ فقال: رأيت النخل قال جماعة ممّن صحبه: والله إنَّ هذا المكان مارأينا فيه نخلة قطُّ، فقال الحسين (عليه السلام): فما ترونه؟ قالوا: والله نراه أسنّة الرِّماح وآذان الخيل، فقال: وأنا والله أرى ذلك.

ثمِّ قال (عليه السلام): مالنا ملجأ نلجأ إليه ونجعله في ظهورنا ونستقبل القوم بوجه واحد؟ فقلنا له: بلى هذا ذوجشم(2) إلى جنبك، فمل إليه عن يسارك، فان سبقت إليه فهو كما تريد، فأخذ إليه ذات اليسار، وملنا معه، فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل فتبيّنا [ها] وعدلنا فلمّا رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كأنّ أسنّتهم اليعاسيب، وكأنَّ راياتهم أجنحة الطير، فاستبقنا إلى ذي جشم فسبقناهم إليه وأمر الحسين (عليه السلام) بأبنيته فضربت، وجاء القوم زهاء ألف فارس، مع الحُرِّ بن یزید التميميِّ حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسين في حر َّالظهيرة، والحسين وأصحابه معتّمون متقلّدون أسیافهم.

فقال الحسين (عليه السلام) لفتيانه: اسقوا القوم وارو وهم من الماء، ورشّفوا الخیل ترشیفاً، ففعلوا وأقبلوا يملأون القصاع والطساس من الماء ثمَّ

ص: 71


1- كقطام: موضع أوماءة لبني أسد، أو جبل عال
2- ذو خشب خل، وفي المصدر: دو حسم، فليتحرر

يدنونها من الفرس فاذا عبَّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه، وسقي آخر، حتّى سقوها عن آخرها.

فقال علُّي بن الطعّان المحاربيُّ: كنت مع الحرِّ يومئذ، فجئت في آخر من جاء من أصحابه، فلمّا رأى الحسين (عليه السلام) مابي وبفرسي من العطش قال: أنخ الراوية! والراوية عندي السّقا ثمَّ قال: يا ابن الأخ أنخ الجمل! فأنخته، فقال: اشرب، فجعلت كلمّا شربت سال الماء من السّقاء فقال الحسين: اخنث السّقاء أي اعطفه فلم أدر كيف أفعل فقام فخنثه فشربت وسقیت فرسي.

وكان مجيء الحرِّ بن يزيد من القادسيّة، وكان عبيد الله بن زیاد بعث الحصين بن نمير و أمره أن ينزل القادسيّة، وتقدم الحرُّ بين يديه في ألف فارس يستقبل بهم الحسين (عليه السلام) فلم يزل الحرُّ موافقاً للحسين (عليه السلام) حتّى حضرت صلاة الظهر فأمر الحسين (عليه السلام) الحجّاج بن مسروق أن يؤذِّن.

10- خطبة الامام في أصحاب الحرّ

فلمّا حضرت الاقامة، خرج الحسين (عليه السلام) في إزار ورداء ونعلين فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: أيّها النّاس إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتبكم، وقدمت علَّى رسلكم أن: «أقدم علينا فليس لنا إمام لعلَّ الله أن يجمعنا وإيّاكم على الهدى والحقِّ» فان کنتم على ذلك فقد جئتكم، فأعطوني ما أطمئنَّ إليه من عهودكم ومواثيقكم وإن لم تفعلوا، وكنتم لمقدمي کارهين، انصرفت عنكم إلى المكان الَّذي جئت منه إليكم.

فسكتوا عنه ولم يتكلّموا كلمة، فقال للمؤذِّن: أقم، فأقام الصَّلاة فقال للحرِّ: أتريد أن تصلّي بأصحابك؟ فقال الحرُّ: لا بل تصلّي أنت ونصلّي

ص: 72

بصلاتك، فصلّى بهم الحسين (عليه السلام) ثمَّ دخل فاجتمع عليه أصحابه، وانصرف الحرُّ إلى مكانه الَّذي كان فيه، فدخل خيمة قد ضربت له، فاجتمع إليه خمسمائة من أصحابه وعاد الباقون إلى صفّهم الَّذي كانو فيه(1) ثمَّ أخذ كلُّ رجل منهم بعنان فرسه وجلس في ظلّها.

11- الخطبة الثانية

فلمّا كان وقت العصر أمر الحسين (عليه السلام) أن يتهيّأوا للرَّحيل ففعلوا ثمَّ أمر منادیه فنادى بالعصر وأقام فاستقدم الحسين وقام فصلّى بالقوم ثمَّ سلّم وانصرف إليهم بوجهه فحمد الله وأثنى عليه وقال: أمّا بعد أيّها الناس فانکم إن تتّقوا الله وتعرفوا الحقَّ لأهله، يكن أرضي لله عنكم، ونحن أهل بيت محمّد أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدَّعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان، فان أبيتم إلّا الكراهة لنا، والجهل بحقّنا، وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم وقدمت علي به رسلكم انصرفت عنكم.

فقال له الحرُّ: أنا والله ما أدري ماهذه الكتب والرُّسل الَّتي تذكر؟ فقال الحسين (عليه السلام) لبعض أصحابه: یا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللَّذين فيهما كتبهم إلّيَّ فأخرج خرجين مملؤين صحفاً فنثرت بين يديه فقال له الحرُّ: لسنا من هؤلاء الَّذين كتبوا إليك، وقد أمرنا أنّا إذا لقيناك لانفارقك حتّى نقدمك الكوفة على عبيد الله بن زیاد.

فقال الحسين (عليه السلام): الموت أدني إليك من ذلك ثمَّ قال لأصحابه: فقوموا فاركبوا، فركبوا وانتظر حتّى ركبت نساؤه فقال لأصحابه:

ص: 73


1- زاد في المصدر ص 207: فأعادوه

انصرفوا فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف فقال الحسين (عليه السلام) للحرِّ: ثكلتك اُمّك ماترید؟ فقال له الحرُّ: أمّا لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال الّتي أنت عليها ماتركت ذكر اُمّه بالثكل كائناً من كان، ولكن والله مالي من ذكر اُمّك من سبيل إلّا بأحسن ما نقدر عليه.

فقال له الحسين (عليه السلام): فما تريد؟ قال: اُريد أن أنطلق بك إلى الأمير عبيد الله بن زياد، فقال: إذاً والله لا أتّبعك، فقال: إذاً والله لا أدعك، فترادَّا القول ثلاث مرَّات، فلمّا كثر الكلام بينهما قال له الحرُّ: إنّي لم اُومر بقتالك إنّما اُمرت أن لا أُفارقك حتّى اُقدمك الكوفة فإذا أبيت فخذ طريقاً لا يدخلك الكوفة ولا يردُّك إلى المدينة يكون بيني وبينك نَصفاً حتّى أكتب إلى الأمير عبيد الله بن زياد فلعلّ الله أن يرزقني العافية من أن اُبتلى بشيء من أمرك فخذ ههنا.

فتیاسر عن طريق العُذيب والقادسيّة، وسار الحسين (عليه السلام) وسار الحرُّ في أصحابه يسايره، وهو يقول له: ياحسين إنّي اُذكّرك الله في نفسك فانّي أشهد لئن قاتلت لتقتلنَّ فقال له الحسين (عليه السلام): أفبالموت تخوّفني؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه وهو يريد نصرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فخوَّفه إبن عمّه وقال: أين تذهب فانّك مقتول؟ فقال:

سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى *** إذا ما نوى حقّاً وجاهد مسلمًا

وآسى الرِّجال الصالحين بنفسه *** وفارقَ مثبوراً وودَّع مجرما

فإن عشت لم أندَم وإن متُّ لم اُلم *** كفي بك ذُلًا أن تعيش وتُرغَما(1)

ص: 74


1- الارشاد ص 207 و 208

أقول: وزاد محمّد بن أبي طالب قبل البيت الأخير هذا البيت:

اُقدِّم نفسي لا أريد بقاءها *** لتلقي خميساً في الوغى وعرمرما

ثمَّ قال: ثمَّ أقبل الحسين (عليه السلام) على أصحابه وقال: هل فيكم أحدُّ يعرف الطريق على غير الجادَّة؟ فقال الطّرمّاح: نعم يا إبن رسول الله انا اخبر الطريق فقال الحسين (عليه السلام): سر بين أيدينا فسار الطّرمّاح واتّبعه الحسين (عليه السلام) وأصحابه وجعل الطّرمّاح يرتجز ويقول:

یا ناقتي لا تذعري من زجري *** وامضي بنا قبل طلوع الفجر

بخير فتيان وخير سفر *** آل رسول الله آل الفخر

السّادة البيض الوجوه الزُّهر *** الطّاعنين بالرِّماح السُّمر

الضّاربين بالسيّوف البتر *** حتى تحلّى بكريم الفخر

الماجد الجدُّ رحيب الصَّدر *** أثابه الله لخير أمر

عمّره الله بقاء الدَّهر

يا مالك النفع معاً والنصر *** أيّد حسيناً سيّدي بالنصر

على الطُّغاة من بقايا الكفر *** على اللّعينين سليلي صخر

یزید لازال حليف الخمر *** وإبن زیاد عهر بن العهر

وقال المفيد رحمه الله: فلمّا سمع الحرُّ ذلك تنحّى عنه، وكان يسير بأصحابه ناحية والحسين (عليه السلام) في ناحية، حتّى انتهوا إلى عُذيب الهجانات.

12- قصر بني مقاتل

ثمَّ مضى الحسين (عليه السلام) حتّى انتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل به وإذا هو بفسطاط مضروب، فقال لمن هذا؟ فقيل: لعبيد الله بن الحر

ص: 75

الجعفيِّ قال: ادعوه إلي! فلمّا أتاه الرسول قال له: هذا الحسين بن علي (عليهما السلام) يدعوك، فقال عبيد الله: إنّا لله وإنّا إليه راجعون والله ما خرجت من الكوفة إلّا كراهية أن يدخلها الحسين وأنا فيها، والله ما اُريد أن أراه ولايراني.

فأتاه الرَّسول فأخبره فقام إليه الحسين فجاء حتّى دخل عليه وسلّم وجلس ثمَّ دعاه إلى الخروج معه، فأعاد عليه عبيد الله بن الحرِّ تلك المقالة واستقاله ممّا دعاه إليه، فقال له الحسين (عليه السلام): فان لم تكن تنصرنا فاتّق الله [أن] لا تكون ممّن يقاتلنا، فوالله لا يسمع واعيتنا أحد ثمَّ لا ينصرنا إلّا هلك، فقال له: أمّا هذا فلا يكون أبداً إن شاء الله.

ثمَّ قام الحسين (عليه السلام) من عنده حتّى دخل رحله، ولمّا كان في آخر اللّيلة أمر فتيانه بالاستقاء من الماء، ثمَّ أمر بالرَّحيل فارتحل من قصر بني مقاتل.

فقال عقبة بن سمعان: فسرنا معه ساعة، فخفق (عليه السلام) وهو على ظهر فرسه خفقة ثمَّ انتبه وهو يقول: «إنّا لله وإنّا إليه راجعون» والحمد لله ربِّ العالمين ففعل ذلك مرَّتين أو ثلاثاً فأقبل إليه إبنه علُّي بن الحسين فقال: ممَّ حمدت الله واسترجعت؟ قال: يا بنَّي إنّي خفقت خفقة فعنّ لي فارس على فرس وهو يقول: القوم يسيرون، والمنايا تسير إليهم، فعلمت أنّها أنفسنا نعيت إلينا، فقال له: يا أبت لاأراك الله سوءاً، ألسنا على الحقِّ؟ قال: بلى والله الذي مرجع العباد إليه، فقال: فإنّنا إذاً ما نبالي أن نموت محقّين، فقال له الحسين (عليه السلام): جزاك الله من ولد خير ماجزی ولداً عن والده.

فلمّا أصبح نزل وصلّى بهم الغداة ثمَّ عجّل الركوب وأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرِّقهم فيأتيه الحرُّ بن یزید فیردُّه وأصحابه، فجعل إذا

ص: 76

ردَّهم نحو الكوفة ردَّا شديداً امتنعوا عليه، فارتفعوا.

ص: 77

ص: 78

الفصل الخامس: نزول الحسين عليه السلام بكربلاء:

اشارة

ص: 79

ص: 80

1- منزل نینوی وكتاب ابن زیاد للحرّ

فلم يزالوا يتسايرون كذلك حتّى انتهوا إلى نينوى بالمكان الَّذي نزل به الحسين (عليه السلام) فإذا راكب على نجیب له عليه سلاح متنكّباً قوساً مقبلًا من الكوفة، فوقفوا جميعاً ينتظرونه، فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرِّ وأصحابه ولم يسلّم على الحسين وأصحابه، ودفع إلى الحرِّ كتاباً من عبيد الله إبن زیاد لعنه الله فاذا فيه أمّا بعد فجَعجِع بالحسين حين بلغك كتابي هذا ويقدم عليك رسولي، ولا تنزله إلّا بالعراء في غير خضر وعلى غير ماء، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتيني بانفاذك أمري والسّلام.

فلمّا قرأ الكتاب قال لهم الحرُّ: هذا كتاب الأمير عبيد الله يأمرني أن اُجعجع بكم في المكان الَّذي يأتيني كتابه، وهذا رسوله وقد أمره أن لا يفارقني حتّى أنفذ أمره فيكم، فنظر یزید بن المهاجر الكنديُّ وكان مع الحسين (عليه السلام) إلى رسول إبن زیاد فعرفه فقال له: ثكلتك اُمَّك ماذا جئت فيه؟ قال: أطعت إمامي ووفيت ببيعتي، فقال له ابن المهاجر: بل عصيت ربّك، وأطعت إمامك في هلاك نفسك وكسيت العار والنّار، وبئس الأمام إمامك قال الله عوجل: «وجعلناهم أئمّة يدعون إلى النار ويوم القيامة لاینصرون»(1) فامامك منهم، وأخذهم الحرُّ بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في قرية فقال له الحسين (عليه السلام): دعنا ويحك ننزل هذه القرية أو هذه، يعني نينوى والغاضرية، أو هذه يعني شفيّة! قال: لا والله ما أستطيع ذلك هذا رجل قد بعث إلَّي عيناً علَّي فقال له زهير بن القين: إنّي والله لا أرى أن يكون بعد

ص: 81


1- القصص: 41

الَّذي ترون إلّا أشدَّ ممّا ترون، يا ابن رسول الله إنَّ قتال هؤلاء القوم السّاعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم، فلعمري ليأتينا من بعدهم مالا قبل لنا به، فقال الحسين (عليه السلام): ما كنت لأبدءهم بالقتال ثمَّ نزل وذلك اليوم يوم الخميس وهو اليوم الثاني من المحرَّم سنة إحدى وستّين(1).

2- خطبة الحسين (علیه السلام) عند نزوله بكربلاء

وقال السيّد رحمه الله: فقام الحسين (عليه السلام) خطيباً في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: إنّه قد نزل من الأمر ماقد ترون، وإنَّ الدُّنيا تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها ولم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش کالمرعي الوبيل ألا ترون إلى الحقِّ لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهي عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربّه حقّا حقّا فانّي لا أرى الموت إلّا سعادة، والحياة مع الظالمين إلّا برما.

فقام زهير بن القين فقال: قد سمعنا - هداك الله يا ابن رسول الله - مقالتك ولو كانت الدُّنيا لنا باقية، وكنّا فيها مخلّدين، لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها.

قال: ووثب هلال بن نافع البجلي فقال: والله ما كرهنا لقاء ربّنا، وإنّا على نيّاتنا وبصائرنا، نوالي من والاك، ونعادي من عاداك.

قال: وقام بُریر بن خُضير فقال: والله يا إبن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك، فيقطّع فيك أعضاؤنا ثمَّ يكون جدُّك شفیعنا يوم القيامة.

قال: ثمَّ إنَّ الحسين (عليه السلام) ركب وسار كلّما أراد المسير يمنعونه

ص: 82


1- الارشاد ص 209 و 210

تارة ويسایرونه اُخرى حتّى بلغ کربلا وكان ذلك في اليوم الثاني من المحرَّم(1).

وفي المناقب: فقال له زهير: فسِر بنا حتّى ننزل بكربلاء فانّها على شاطىء الفرات، فنكون هنالك، فان قاتلونا قاتلناهم، واستعنّا الله عليهم، قال: فدمعت عينا الحسين (عليه السلام) ثمَّ قال: اللّهم إنّي أعوذ بك من الكرب والبلاء، ونزل الحسين في موضعه ذلك، ونزل الحرُّ بن یزید حذاءه في ألف فارس، ودعا الحسين بدواة وبيضاء وكتب إلى أشراف الكوفة ممّن كان يظنُّ أنّه على رأيه:

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم من الحسين بن علَّي إلى سليمان بن صرد والمسيّب بن نجبة، ورفاعة بن شدّاد، وعبد الله بن وأل، وجماعة المؤمنين أمّا بعد فقد علمتم أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد قال في حياته: «من رأي سلطاناً جائراً مستحلًا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان ثمَّ لم يغيّر بقول ولا فعل، كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله» وقد علمتم أنَّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشّيطان، وتولّوا عن طاعة الرَّحمن، وأظهروا الفساد وعطلّوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرَّموا حلاله، وإنّي أحقُّ بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

وقد أتتني كتبكم وقدمت علَّى رسلكم بيعتكم، أنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فان وفيتم لي ببيعتكم فقد أصبتم حظّكم ورشدكم، ونفسي مع أنفسكم وأهلي وولدي مع أهاليكم وأولادكم، فلكم بي اُسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهودكم وخلعتم بيعتكم، فلعمري ما هي منکم بنكر لقد فعلتموها

ص: 83


1- كتاب اللهوف ص 69 و 70

بأبي وأخي وإبن عمّي والمغرور من اغتَّربكم، فحظَّكم أخطأتم، ونصيبكم ضيّعتم، ومن نكث فانّما ينكث على نفسه، وسيغني الله عنكم والسّلام.

ثمَّ طوي الكتاب وختمه ودفعه إلى قيس بن مُسهر الصّيداوي - وساق الحدیث کما مرَّ - ثمَّ قال: ولمّا بلغ الحسين قتل قیس استعبر باكياً ثمَّ قال:

«اللّهم اجعل لنا ولشيعتنا عندك منزلًا کریماً، واجمع بيننا وبينهم في مستقرٍّ من رحمتك إنّك على كلِّ شيء قدير».

قال: فوثب إلى الحسين (عليه السلام) رجل من شيعته يقال له هلال بن نافع البجلُّي فقال: يا ابن رسول الله أنت تعلم أنَّ جدَّك رسول الله لم يقدر أن يشرب الناس محبّته ولا أن يرجعوا إلى أمره ما أحبَّ، وقد كان منهم منافقون يِعدونه بالنصر، ويضمرون له الغدر، يلقونه بأحلى من العسل، ويخلفونه بأمرَّ من الحنظل، حتّى قبضه الله إليه، وإنَّ أباك عليّاً رحمة الله عليه قد كان في مثل ذلك، فقوم قد أجمعوا على نصره وقاتلوا معه النّاكثين والقاسطين والمارقين، حتّى أتاه أجله فمضى إلى رحمة الله ورضوانه، وأنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة، فمن نكث عهده، وخلع بيعته فلن يضرَّ إلّا نفسه، والله مغن عنه، فِسر بنا راشداً معافاً مشرِّقاً إن شئت، وإن شئت مغرِّباً، فوالله ما أشفقنا من قدر الله ولا كرهنا لقاء ربّنا، وإنّا على نيّاتنا و بصائرنا، نوالي من والاك، ونعادي من عاداك.

ثمَّ وثب إليه بریر بن خضير الهمدانيُّ فقال: والله يابن رسول الله لقد منَّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك تُقطّع فيه أعضاؤنا ثمَّ يكون جدُّك شفيعنا يوم القيامة بين أيدينا، لا أفلح قوم ضيّعوا إبن بنت نبّيهم، اُفّ لهم غداً ماذا يلاقون؟ ينادون بالويل والثبور في نار جهنّم.

قال: فجمع الحسين (عليه السلام) ولده وإخوته وأهل بيته، ثمَّ نظر

ص: 84

إليهم فبکی ساعة ثمَّ قال: اللّهم إنّا عترة نبيّك محمّد وقد اُخرجنا طُردنا واُزعجنا عن حرم جدِّنا وتعدَّت بنو اُميّة علينا اللّهمَّ فخذ لنا بحقّنا، وانصرنا على القوم الظالمين.

قال: فرحل من موضعه حتّى نزل في يوم الأربعاء أو يوم الخميس بکربلا وذلك في الثاني من المحرَّم سنة إحدى وستّين.

ثمَّ أقبل على أصحابه، فقال: الناس عبيد الدُّنيا والدِّين لعق على ألسنتهم يحوطونه مادرَّت معايشهم، فإذا محّصوا بالبلاء قلَّ الدَّيّانون.

ثمَّ قال: أهذه کربلاء؟ فقالوا: نعم يا إبن رسول الله، فقال: هذا موضع کرب و بلاء، ههنا مناخ ركابنا، ومحطُّ رحالنا، ومقتل رجالنا، ومسفك دمائنا. قال: فنزل القوم وأقبل الحرُّ حتّى نزل حذاء الحسين عليه السلام في ألف فارس ثمَّ كتب إلى ابن زیاد يخبره بنزول الحسين بكربلاء.

3- كتاب ابن زیاد إلى الحسين صلوات الله عليه

وكتب ابن زیاد لعنه الله إلى الحسين صلوات الله عليه: أمّا بعد یا حسين فقد بلغني نزولك بکربلا، وقد كتب إلَّي أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسّد الوثير، ولا أشبع من الحمير أو اُلحقك باللّطيف الخبير، أو ترجع إلى حكمي وحكم یزید بن معاوية والسّلام.

فلمّا ورد کتابه على الحسين (عليه السلام) وقرأه رماه من يده، ثمَّ قال: لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فقال له الرَّسول: جواب الكتاب؟ أبا عبدالله! فقال: ماله عندي جواب لأنّه قد حقّت عليه كلمة العذاب، فرجع الرَّسول إليه فخبّره بذلك، فغضب عدوُّ الله من ذلك أشدَّ الغضب، والتفت إلى عمر بن سعد وأمره بقتال الحسين، وقد كان ولّاه

ص: 85

الريَّ قبل ذلك، فاستعفی عمر من ذلك، فقال ابن زیاد: فاردد إلينا عهدنا فاستمهله ثم قبل بعد يوم خوفاً من أن يعزل عن ولاية الرَّيِّ.

4- نزول ابن سعد بكربلاء

وقال المفيد رحمه الله: فلمّا كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن

أبي وقّاص من الكوفة في أربعة الآف فارس فنزل بنينوى، فبعث إلى الحسين (عليه السلام) عروة بن قیس الأحمسيَّ فقال له: ائته فسله ما الَّذي جاء بك وما تريد! وكان عروة ممّن كتب إلى الحسين، فاستحيي منه أن يأتيه، فعرض ذلك على الرُّؤساء الَّذين كاتبوه وكلّهم أبي ذلك وكرهه.

فقام إليه كثير بن عبدالله الشّعبيُّ وكان فارساً شجاعاً لا يردُّ وجهه شيء فقال له: أنا أذهب إليه، ووالله لئن شئت لاُفتكنَّ به، فقال له عمر بن سعد: ما اُريد أن تفتك به، ولكن ائته فسله ما الَّذي جاء به، فأقبل كثير إليه، فلمّا رآه أبو ثمامة الصيداويُّ قال للحسين (عليه السلام): أصلحك الله يا أبا عبدالله! قد جاءك شرُّ أهل الأرض وأجرأه على دم وأفتكه، وقام إليه فقال اله: ضع سيفك، قال: لا والله ولا كرامة إنّما أن رسول إن سمعتم كلامي بلّغتكم ما اُرسلت إليكم، وإن أبيتم انصرفت عنكم، قال: فانّي آخذ بقائم سيفك ثمَّ تكلّم بحاجتك قال: لا والله لا تمسّه فقال له: اخبرني بما جئت به وأنا اُبلّغه عنك، ولا أدعك تدنو منه، فانّك فاجر، فاستبّا وانصرف إلى عمر ابن سعد فأخبره الخبر.

فدعا عمر بن سعد قُرَّة بن قيس الحنظلَّي فقال له: ويحك الق حسيناً فسله ما جاء به؟ وماذا يريد؟ فأتاه قرَّة فلمّا رآه الحسين مقبلًا قال: أتعرفون هذا؟ فقال حبیب بن مظاهر: هذا رجل من حنظلة تميم، وهو ابن اُختنا، وقد

ص: 86

كنت أعرفه بحسن الرّأي، وما كنت أراه يشهد هذا المشهد، فجاء حتّى سلّم على الحسين وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه، فقال له الحسين (عليه السلام): كتب إلَّى أهل مصرکم هذا أن أقدم، فأمّا إذا كرهتموني فأنا أنصرف عنكم، فقال حبیب بن مظاهر: ويحك ياقُرَّة أين تذهب؟ إلى القوم الظّالمين؟ انصر هذا الرَّجل الَّذي بآبائه أيَّدك الله بالكرامة، فقال له قرَّة: أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي، فانصرف إلى عمر بن سعد وأخبره الخبر، فقال عمر بن سعد: أرجو أن يعافيني الله من حر به وقتاله.

5- کتاب ابن سعد إلى ابن زیاد

وكتب إلى عبيد الله بن زیاد: «بسم الله الرَّحمن الرَّحيم أمّا بعد فانّي حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عمّا أقدمه وماذا يطلب؟ فقال: كتب إلَّي أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم، يسألوني القدوم إليهم ففعلت، فأمّا إذا كرهتموني، وبدالهم غير ما أتتني به رسلهم، فأنا منصرف عنهم».

قال حسّان بن قائد العبسيُّ: وكنت عند عبيد الله بن زیاد حين أتاه هذا الكتاب فلمّا قرأه قال: الآن إذ علقت مخالِبُنا به *** يرجو النّجاة ولاتَ حِينَ مناص

6- کتاب ابن زیاد إلى ابن سعد جواباً

وكتب إلى عمر بن سعد: «أمّا بعد فقد بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت فأعرض على الحسين أن يبايع ليزيد هو وجميع أصحابه، فإذا فعل ذلك رأينا رأينا والسّلام» فلمّا ورد الجواب على عمر بن سعد قال: قد خشيت أن لا يقبل

ص: 87

ابن زياد العافية(1).

وقال محمّد بن أبي طالب: فلم يعرض ابن سعد على الحسين ما أرسل به ابن زیاد لأنّه علم أنَّ الحسين لايُبايع يزيد أبداً.

7- خطبة ابن زیاد في أهل الكوفة

قال: ثمَّ جمع إبن زیاد النّاس في جامع الكوفة، ثمَّ خرج فصعد المنبر ثمَّ قال: أيّها النّاس إنكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبّون، وهذا أمير المؤمنين يزيد، قد عرفتموه حسن السّيرة محمود الطريقة، محسناً إلى الرعيّة، يعطي العطاء في حقّه، قد أمنت السبّل على عهده وكذلك كان أبوه معاوية في عصره، وهذا إبنه يزيد من بعده، يكرم العباد، ويغنيهم بالأموال، ويكرمهم، وقد زادكم في أرزاقكم مائة مائة، وأمرني أن أوفرّها عليكم واُخرجكم إلى حرب عدوِّه الحسين، فاسمعوا له وأطيعوا.

ثمَّ نزل عن المنبر ووفّر الناس العطاء وأمرهم أن يخرجوا إلى حرب الحسين (عليه السلام)، ويكونوا عوناً لابن سعد على حربه، فأوَّل من خرج شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف، فصار ابن سعد في تسعة آلاف، ثمَّ أتبعه بیزید بن ركاب الكلبيِّ في ألفين، والحصين بن نُمير السكونّي في أربعة آلاف، وفلاناً المازنّي في ثلاثة آلاف، ونصر بن فلان في ألفين، فذلك عشرون ألفاً.

ثمَّ أرسل إلى شبث بن ربعي أن أقبل إلينا وإنّا نريد أن نوجّه بك إلى حرب الحسين، فتمارض شبث، وأراد أن يعفيه ابن زیاد فأرسل إليه: أمّا بعد فانَّ رسولي أخبرني بتمارضك، وأخاف أن تكون من الذين إذا لقوا الَّذين آمنوا قالوا آمنّا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنّما نحن مستهزؤن،

ص: 88


1- الارشاد ص 210 و 211 والظاهر قد حسبت أن لا يقبل

إن كنت في طاعتنا فأقبل إلينا مسرعاً.

فأقبل إليه شبث بعد العشاء لئلا ينظر إلى وجهه فلا يرى عليه أثر العلّة فلمّا دخل رحّب به وقرَّب مجلسه، وقال: اُحبُّ أن تشخص إلى قتال هذا الرَّجل عوناً لابن سعد عليه، فقال: أفعل أيّها الأمير، فما زال يرسل إليه بالعساکر حتّى تكامل عنده ثلاثون ألفاً ما بين فارس وراجل، ثمَّ كتب إليه إبن زياد أنّي لم أجعل لك علّة في كثرة الخيل والرِّجال، فانظر لا اُصبح ولا اُمسي إلّا وخبرك عندي غدوة وعشيّة، وكان ابن زیاد يستحثُّ عمر بن سعد. لستّة أيّام مضين من المحرَّم.

8- دعوة حبيب لبني أسد إلى نصرة الحسين (علیه السلام)

وأقبل حبیب بن مظاهر إلى الحسين (عليه السلام) فقال: يا ابن رسول الله ههنا حيٌّ من بني أسد بالقرب منّا أتأذن لي في المصير إليهم فأدعوهم إلى نصرتك، فعسى الله أن يدفع بهم عنك، قال: قد أذنت لك، فخرج حبیب إليهم في جوف اللّيل متنكّراً حتّى أتي إليهم فعرفوه أنّه من بني أسد، فقالوا: ما حاجتك؟ فقال: إنّي قد أتيتكم بخير ما أتی به وافدٌ إلى قوم، أتيتكم أدعوكم إلى نصر ابن بنت نبيّكم فانّه في عصابة من المؤمنين الرَّجل منهم خير من ألف رجل، لن يخذلوه ولن يسلموه أبداً وهذا عمر بن سعد قد أحاط به، وأنتم قومي وعشيرتي، وقد أتيتكم بهذه النصيحة فأطیعوني اليوم في نصرته تنالوا بها شرف الدُّنيا والآخرة فاني اُقسم بالله لايقتل أحد منكم في سبيل الله مع إبن بنت رسول الله صابراً محتسباً إلّا كان رفيقاً لمحمّد (صلّى الله عليه وآله) في علّيّين قال: فوثب إليه رجل من بني أسد يقال له عبدالله بن بشر فقال: أنا أوَّل من يجيب إلى هذه الدَّعوة، ثمّ جعل يرتجز ويقول:

ص: 89

قد علم القوم إذا تواكلوا *** وأحجم الفرسان إذ تناقلوا(1)

أنّي شجاع بطل مقاتل *** كأنّني ليث عرين باسل

ثمَّ تبادر رجال الحيِّ حتّى التأم منهم تسعون رجلًا فأقبلوا يريدون الحسين (عليه السلام) وخرج رجل في ذلك الوقت من الحيِّ حتّى صار إلى عمر بن سعد فأخبره بالحال، فدعا إبن سعد برجل من أصحابه يقال له الأزرق فضمَّ إليه أربعمائة فارس ووجهه نحو حيِّ بني أسد، فبينما اُولئك القوم قد أقبلوا يريدون عسكر الحسين (عليه السلام) في جوف اللّيل، إذا استقبلهم خيل إبن سعد على شاطىء الفرات، وبينهم وبين عسكر الحسين اليسير، فناوش القوم بعضهم بعضاً واقتتلوا قتالًا شديداً، وصاح حبيب بن مظاهر بالأزرق ويلك مالك ومالنا انصرف عنّا، ودعنا يشقی بنا غيرك، فأبی الأزرق أن يرجع، وعلمت بنو أسد أنّه لا طاقة لهم بالقوم، فانهزموا راجعين إلى حيّهم، ثمَّ إنّهم ارتحلوا في جوف اللّيل خوفاً من ابن سعد أن يبيّتهم ورجع حبیب بن مظاهر إلى الحسين (عليه السلام) فخبّره بذلك فقال (عليه السلام): لا حول ولا قوَّة إلّا بالله.

قال: ورجعت خیل ابن سعد حتّى نزلوا على شاطىء الفرات، فحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء، وأضرَّ العطش بالحسين وأصحابه، فأخذ الحسين (عليه السلام) فأساً(2) وجاء إلى وراء خيمة النساء فخطا في الأرض تسع عشر خطوة نحو القبلة ثمَّ حفر هناك، فنبعت له عين من الماء العذب، فشرب الحسين (عليه السلام) وشرب الناس بأجمعهم، ومَلُاوا أسقيتهم، ثمَّ غارت العين، فلم ير لها أثر، وبلغ ذلك إبن زیاد فأرسل إلى عمر بن سعد:

ص: 90


1- تناضلوا: خل. والظاهر: تثاقلوا
2- الفأس: آلة ذات هراوة قصيرة يقطع بها الخشب وغيره. وقد يترك همزها

بلغني أنَّ الحسين يحفر الآبار، ويصيب الماء، فيشرب هو وأصحابه، فانظر إذا ورد عليك كتابي فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت وضيّق عليهم، ولا تدَعهم يذوقوا الماء، وافعل بهم كما فعلوا بالزكيّ عثمان فعندها ضيّق عمر بن سعد عليهم غاية التضييق.

9- العباس (علیه السلام) يطلب الماء

فلمّا اشتدَّ العطش بالحسين دعا بأخيه العبّاس فضمَّ إليه ثلاثين فارساً وعشرين راكباً، وبعث معه عشرين قربة، فأقبلوا في جوف اللّيل حتّی دنوا من الفرات فقال عمرو بن الحجّاج: من أنتم؟ فقال رجل من أصحاب الحسين (عليه السلام)، يقال له هلال بن نافع البجلُّي: إبن عمّ لك جئت أشرب من هذا الماء، فقال عمرو: اشرب هنيئاً فقال هلال: ويحك تأمرني أن أشرب والحسين بن علَّي ومن معه يموتون عطشاً؟ فقال عمرو: صدقت ولكن اُمرنا بأمر لا بدَّ أن نتهي إليه، فصاح هلال بأصحابه فدخلوا الفرات، وصاح عمر و بالناس واقتتلوا قتالًا شديداً، فكان قوم يقاتلون، وقوم يملُاون حتّى ملُاوها، ولم يقتل من أصحاب الحسين أحد ثمَّ رجع القوم إلى معسكرهم، فشرب الحسين ومن كان معه، ولذلك سمّي العبّاس (عليه السلام) السّقاء.

10- لقاء الحسين (علیه السلام) بابن سعد

ثمَّ أرسل الحسين إلى عمر بن سعد لعنه الله: أنّي اُريد أن اُكلّمك فالقني اللّيلة بين عسكري وعسكرك، فخرج إليه ابن سعد في عشرين وخرج إليه الحسين في مثل ذلك، فلمّا التقيا أمر الحسين (عليه السلام) أصحابه فتنحّوا عنه، وبقي معه أخوه العبّاس، وابنه علُّي الأكبر، وأمر عمر بن سعد أصحابه

ص: 91

فتنحّوا عنه، وبقي معه ابنه حفص وغلام له.

فقال له الحسين (عليه السلام): ويلك يا ابن سعد أما تتّقي الله الَّذي إليه معادك أتقاتلني وأنا إبن من علمت؟ ذَر هؤلاء القوم وكن معي، فانّه أقرب لك إلى الله تعالى، فقال عمر بن سعد: أخاف أن يهدم داري، فقال الحسين (عليه السلام): أنا أبنيها لك فقال: أخاف أن تؤخذ ضيعتي، فقال الحسين (عليه السلام): أنا أخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز فقال: لي عيال وأخاف عليهم، ثمَّ سكت ولم يجبه إلى شيء فانصرف عنه الحسين (عليه السلام)، وهو يقول: مالك ذبحك الله على فراشك عاجلًا ولا غفر لك يوم حشرك، فوالله إنّي لأرجو أن لا تأكل من برِّ العراق إلّا يسيراً فقال إبن سعد: في الشعير كفاية عن البرِّ مستهزئاً بذلك القول.

11- ليلة التاسع من محرّم

قال المفيد رہ: ونهض عمر بن سعد إلى الحسين (عليه السلام) عشيّة الخميس لتسع مضين من المحرَّم وجاء شمر حتّى وقف على أصحاب الحسين وقال: أين بنو اُختنا؟(1) فخرج إليه جعفر والعبّاس وعبد الله وعثمان بنو علّي (عليه السلام) فقالوا: ماترید؟ فقال: أنتم يا بني اُختي آمنون، فقال له الفئة: العنك الله ولعن أمانك أتؤمننا وإبن رسول الله لا أمان له.

ثمَّ نادى عمر: ياخيل الله اركبي! وبالجنّة أبشري! فركب الناس ثمَّ

ص: 92


1- وذلك لان ام البنين بنت حزام أم عباس وعثمان وجعفر وعبد الله كانت کلابية وشمر ابن ذي الجوشن کلابي ولذا أخذ من إبن زياد أماناً لبنيها، وذكر ابن جریر ان جریر بن عبد الله بن مخلد الكلابي كانت أم البنين عمته فأخذ لابنائها أمانا هو وشمر بن ذي الجوشن

زحف نحوهم بعد العصر والحسين (عليه السلام) جالس أمام بيته محتبيءٌ بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه، وسمعت اُخته الصّيحة، فدنت من أخيها وقالت: يا أخي أما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت؟ فرفع الحسين (عليه السلام) رأسه فقال: إنّي رأيت رسول الله الساعة في المنام، وهو يقول لي: إنّك تروح إلينا، فلطمت اُخته وجهها، ونادت بالويل فقال لها الحسين: ليس لك الويل يا اُخته(1) اسكتي رحمك الله، وفي رواية السيّد قال: يا اُختاه إنّي رأيت السّاعة جدّي محمّداً وأبي عليّاً واُمّي فاطمة وأخي الحسن وهم يقولون: یا حسين إنّك رائح إلينا عن قريب، وفي بعض الروايات: غداً، قال: فلطمت زینب (عليها السلام) على وجهها وصاحت، فقال لها الحسين (عليه السلام): مهلًا لا تشمتي القوم بنا(2).

قال المفيد: فقال له العبّاس بن علّي (عليه السلام): يا أخي أتاك القوم، فنهض ثمَّ قال: اركب أنت يا أخي حتّى تلقاهم وتقول لهم: مالكم؟ وما بدالكم؟ وتسألهم عمّا جاء بهم، فأتاهم العبّاس في نحو من عشرين فارساً فيهم زُهير بن القَين وحبیب بن مُظاهر فقال لهم العبّاس: ما بدالكم؟ وما تريدون؟ قالوا: قد جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو تناجزكم، قال: فلا تعجلوا حتّى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم، فوقفوا فقالوا: الله وأعلمه ثمَّ القنا بما يقول لك فانصرف العبّاس راجعاً يركض إلى الحسين (عليه السلام) يخبره الخبر، ووقف أصحابه يخاطبون القوم، ويعطونهم ويكفّونهم عن قتال الحسين.

فجاء العباس إلى الحسين (عليه السلام) وأخبره بما قال القوم، فقال:

ص: 93


1- مخفف يا أختاه، أي يا أُختي، كما يقال: يا أبه مخفف یا أباه بمعني يا أبي
2- راجع كتاب اللّهوف ص 79

ارجع إليهم فان استطعت أن تؤخّرهم إلى غد، وتدفعهم عنّا العشيّة لعلّنا نصلّي لربۀنا اللّيلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي كنت قد اُحبُّ الصّلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدُّعاء والاستغفار.

فمضى العبّاس إلى القوم، ورجع من عندهم، ومعه رسول من قبل عمر ابن سعد يقول: إنّا قد أجّلناكم إلى غد، فان استسلمتم سرَّحنا بكم إلى عبید الله بن زیاد وإن أبيتم فلسنا بتارکیکم، فانصرف.

12- خطبة الامام (علیه السلام) ليلة عاشوراء

وجمع الحسين (عليه السلام) أصحابه عند قرب المساء.

قال علُّي بن الحسین زین العابدین (عليهما السلام): فدنوت منه لأسمع مايقول لهم وأنا إذ ذاك مريض، فسمعت أبي يقول لأصحابه: اُثني على الله أحسن الثناء وأحمده على السرّاء والضرَّاء اللّهم إنّي أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوَّة، وعلّمتنا القرآن وفقّهتنا في الدِّين وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة، فاجعلنا من الشاکرین.

أمّا بعد فانّي لا أعلم أصحاباً أوفي ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بیت أبرَّ وأوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي خيراً، ألا وإنّي لأظنُّ(1) يوماً لنا من هؤلاء ألّا وإنّي قد أذنت لكم، فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم حرج منّي ولا ذمام، هذا اللّيل قد غشیکم فاتّخذوه جَملًا.

فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبدالله بن جعفر: لم نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبداً، بدأهم بهذا القول العبّاس بن علّي وأتبعته الجماعة عليه فتكلّموا بمثله ونحوه، فقال الحسين (عليه السلام): يا

ص: 94


1- في المصدر: لا أظن

بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم بن عقيل فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم، فقالوا: سبحان الله ما يقول النّاس؟ نقول إنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام، ولم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب. معهم بسيف، ولا ندري ماصنعوا، لا والله مانفعل ذلك ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلنا، ونقاتل معك حتّى نرد موردك فقبّح الله العيش بعدك.

وقام إليه مسلم بن عوسجة، فقال: أنحن نخلّي عنك، وبما نعتذر إلى الله في أداء حقك؟ لا والله حتّى أطعن في صدورهم برمحي، وأضربهم بسيفي ماثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، والله لا نخلّيك حتّى يعلم الله أنّا قد حفظنا غيبة رسول الله فيك، أما والله لو علمتُ أنّي اُقتل ثمَّ اُحيى ثمَّ اُحرق ثمَّ اُحيى ثمَّ اُذرى، يفعل ذلك بي سبعين مرَّة، ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة، ثمَّ هي الكرامة الّتي لا انقضاء لها أبداً.

وقام زُهير بن القين فقال: والله لوددت أنّي قُتلت ثمَّ نشرت ثمَّ قتلت حتّى اُقتل هكذا ألف مرَّة، وأن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك، وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك.

وتكلّم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً في وجه واحد، فجزَّاهم الحسين خيراً وانصرف إلى مضربه(1).

وقال السيّد: وقيل لمحمّد بن بشر الحضرميِّ في تلك الحال: قد اُسر ابنك بثغر الريّ، فقال: عند الله أحتسبه ونفسي ما اُحبُّ أن يؤسر وأنا أبقى بعده، فسمع الحسين (عليه السلام) قوله، فقال: رحمك الله أنت في حلّ من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك فقال: أكلتني السّباع حيّاً إن فارقتك، قال:

ص: 95


1- كتاب اللّهوف ص 84

فأعط ابنك هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه، فأعطاه خمسة أثواب قیمتها ألف دينار.

قال: وبات الحسين وأصحابه تلك اللّيلة، ولهم دويُّ كدويّ النّحل، مابين راكع وساجد، وقائم وقاعد، فعبر إليهم في تلك اللّيلة من عسكر عمر بن سعد اثنان وثلاثون رجلًا.

13- الحسين (علیه السلام) و زینب ليلة العاشر

رجعنا إلى رواية المفيد قال: قال علُّي بن الحسين (عليهما السلام): إنّي جالس في تلك اللّيلة الّتي قُتل أبي في صبيحتها وعندي عمّتي زينب تمرِّضني(1) إذا اعتزلَ أبي في خباء له، وعنده فلان(2) مولى أبي ذرِّ الغفاريُّ وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول:

یا دهرُ اُفّ لكَ من خليلِ *** كم لكَ بالإشراق والأصيل

من صاحب وطالبِ قتیلِ *** والدَّهرُ لايقنعُ بالبديلِ

وإنّما الأمر إلى الجليل *** وكلُّ حيّ سالك سبيلي

فأعادها مرَّتين، أو ثلاثاً حتّى فهمتها وعلمت ما أراد فخنقتني العبرة، فرددتها ولزمت السكوت، وعلمت أنّ البلاء قد نزل، وأمّا عمّتي فلمّا سمعت ما سمعت وهي امرأة ومن شأن النساء الرقّة والجزع، فلم تملك نفسها أن وثبت تجرُّ ثوبها وهي حاسرة حتّى انتهت إليه، وقالت: واثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت اُمّي فاطمة، وأبي علُّي وأخي الحسن يا خليفة

ص: 96


1- یُقال: مرّضه - من باب التّفعيل - إذا أحسن القيام عليه في مرضه وتكفّل بمداواته، قال في اللِّسان: جاءت فعّلت هنا للسّلب وإن كانت في أكثر الأمر إنّما تكون للإثبات
2- جون. خل. وفي المصدر: جوین

الماضي، وثال الباقي، فنظر إليها الحسين (عليه السلام) وقال لها: يا اُخته الايذهبنَّ حلمك الشّيطان! وترقرقت عيناه بالدُّموع، وقال: لوترك القطا [ليلًا] لنام(1) فقالت: يا ويلتاه أفتغتصب نفسك اغتصاباً؟ فذلك أقرح لقلبي وأشدُّ على نفسي، ثمَّ الطمت وجهها، وهوت إلى جيبها وشقّته وخرَّت مغشيّة عليها.

فقام إليها الحسين (عليه السلام) فصبَّ على وجهها الماء وقال لها: يا اُختاه اتّقي الله وتعزِّي بعزاء الله، واعلمي أنَّ أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لايبقون، وأنَّ كلَّ شيء هالك إلّا وجه الله تعالى، الَّذي خلق الخلق بقدرته، ويبعث الخلق ويعودون وهو فرد وحده، وأبي خير منّي واُمّي خير منّي وأخي خير منّي ولي ولكلِّ مسلم برسول الله اُسوة، فعزَّها بهذا ونحوه، وقال لها: يا اُختاه إنّي أقسمت عليك فأبرِّي قسمي لاتشقّي عليَّ جيباً، ولا تخمشي عليَّ وجهاً، ولا تدعي علیَّ بالويل والثّبور إذا أنا هلكت، ثمَّ جاء بها حتّى أجلسها عندي.

ثمَّ خرج إلى أصحابه فأمرهم أن يقرن بعضهم بيوتهم من بعض وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض، وأن يكونوا بين البيوت فيقبلوا القوم في وجه واحد والبيوت من ورائهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم قد حفّت بهم، إلّا الوجه الَّذي يأتيهم منه عدوُّهم، ورجع (عليه السلام) إلى مكانه فقام ليلته كلّها يصلّي ويستغفر ويدعو ويتضرَّع، وقام أصحابه كذلك يصلّون ويدعون

ص: 97


1- القطا: جمع قطاة وهي طائر في حجم الحمام صوته قطا قطا. وهذا مثل. قال الميداني: نزل عمرو بن مامة على قوم من مراد، فطرقوه ليلا فأثاروا القطا من أماكنها فرأتها امرأته طائرة، فنبهت المرأة زوجها فقال: إنّما هي القطا، فقالت: لو ترك القطا ليلًا لننام. يضرب لمن حمل على مكروه من غير إرادته، وقيل غير ذلك. راجع بمجمع الأمثال ج 2 ص 176 تحت الرقم 3231

ويستغفرون.

قال المفيد: قال الضحّاك بن عبدالله: ومرَّت بنا خيل لابن سعد تحرسنا وإنَّ حسينا (عليه السلام) ليقرأ «ولا يحسبنَّ الَّذين كفروا أنّما نملي لهم خيرٌ لأنفسهم إنّما نملي لهم ليزدادوا إثمًا ولهم عذاب مهينٌ، ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطيّب» فسمعها من تلك الخيل رجل يقال له: عبدالله بن سمير، وكان مضحاكاً وكان شجاعاً بطلًا فارساً شريفاً فاتكاً فقال: نحن وربّ الطيّبون میّزنا بكم، فقال له بَریر بن الخُضير: يا فاسق أنت يجعلك الله من الطيّبين؟ قال له: من أنت ويلك، قال: أنا برير بن الخضير فتسابا.

ص: 98

الفصل السادس: أحداث يوم عاشوراء

اشارة

ص: 99

ص: 100

قال المفيد: وأصبح الحسين فعبّأ أصحابه بعد صلاة الغداة، وكان معه اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلًا فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه وحبیب بن مظاهر في ميسرة أصحابه، وأعطى رايته العباس أخاه، وجعلوا البيوت في ظهورهم وأمر بحطب وقصب كان من وراء البيوت أن يترك في خندق كان قد حفر هناك، وأن يحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم.

وأصبح عمر بن سعد في ذلك اليوم وهو يوم الجمعة، وقيل يوم السبت فعبّأ أصحابه، وخرج فيمن معه من الناس نحو الحسين، وكان على ميمنته عمرو بن الحجّاج، وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن، وعلى الخيل عروة بن قیس، وعلى الرَّجّالة شبث بن ربعيِّ وأعطى الراية دُريداً مولاه، وقال محمّد بن أبي طالب: وكانوا نيّفاً على اثنين وعشرين ألفاً، وفي رواية عن الصادق (علیه السلام) ثلاثين ألفاً.

قال المفيد: وروي عن علي بن الحسين انه قال: لما اصبحت الخيل تقبل على الحسين (عليه السلام) رفع يديه وقال: اللّهم انت ثقتي في كل كرب ورجائي في كلّ شدة وانت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، كم من کرب يضعف عنه الفؤاد، وتقلُّ فيه الحيلة، ويخذل فيه الصَّديق ويشمت [فيه] العدوُّ، أنزلته بك وشکوته إليك رغبة منّي إليك عمّن سواك، ففرَّجته وكشفته، فأنت ولُّي كلِّ نعمة وصاحب كلِّ حسنة، ومنتهي كلِّ رغبة.

قال: فأقبل القوم يجولون حول بیت الحسين، فيرون الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الخطب والقصب الَّذي كان اُلقي فيه، فنادى شمر إبن ذي الجوشن بأعلا صوته: يا حسين أتعجّلت بالنار قبل يوم القيامة؟ فقال

ص: 101

الحسين (عليه السلام): من هذا كأنّه شمر بن ذي الجوشن؟ فقالوا: نعم، فقال له: يابن راعية المعزى أنت أولى بها صّليّاً، ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين (عليه السلام) من ذلك، فقال له: دعني حتّى أرميه فانّ الفاسق من أعداء الله وعظماء الجبّارين، وقد أمكن الله منه، فقال له الحسين (عليه السلام): لا ترمه فانّي أكره أن أبدءهم بقتال.

1- خطبة بُرَير بن خُضَير

وقال محمّد بن أبيطالب: وركب أصحاب عمر بن سعد، فقُرِّب إلى الحسين فرسه فاستوى عليه، وتقدَّم نحو القوم في نفر من أصحابه، وبين يديه بُریر بن خُضير فقال له الحسين (عليه السلام): كلّم القوم، فتقدَّم برير فقال: یا قوم أتّقوا الله فانّ ثقل محمّد قد أصبح بين أظهركم، هؤلاء ذرِّيّته وعترته وبناته وحرمه، فهاتوا ما عندكم وما الَّذي تريدون أن تصنعوه بهم؟ فقالوا: نريد أن نمكّن منهم الأمير إبن زياد، فيرى رأيه فيهم، فقال لهم بُرير: أفلا تقبلون منهم أن يرجعوا إلى المكان الَّذي جاؤا منه؟ ويلكم يا أهل الكوفة أنسيتم كتبكم وعهودكم الّتي أعطيتموها وأشهدتم الله عليها، يا ويلكم أدعوتم أهل بیت نبيّكم، وزعمتم أنّكم تقتلون أنفسكم دونهم، حتّى إذا أتوكم أسلمتموهم إلى إبن زیاد، وحَلّأتموهم عن ماء الفرات بئس ما خلّفتم نبيّكم في ذرِّيته، مالكم لاسقاكم الله يوم القيامة، فبئس القوم أنتم.

فقال له نفر منهم: يا هذا ماندري ما تقول؟ فقال بُرير: الحمد لله الَّذي زادني فيكم بصيرة اللّهمَّ إنّي أبرء إليك من فعال هؤلاء القوم اللّهمّ ألق بأسهم بينهم، حتّى يلقَوك وأنت عليهم غضبان فجعل القوم يرمونه بالسهام فرجع بُرير إلى ورائه.

ص: 102

2- خطبة الامام (علیه السلام) یوم عاشوراء

وتقدّم الحسين (عليه السلام) حتّى وقف بازاء القوم، فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنّهم السيل، ونظر إلى إبن سعد واقفاً في صناديد الكوفة فقال: الحمد لله الَّذي خلق الدُّنيا فجعلها دار فناء وزوال، متصرِّفة بأهلها حالًا بعد حال، فالمغرور من غرَّته والشقيُّ من فتنته، فلا تغرَّنكم هذه الدُّنيا، فانّها تقطع رجاء من ركن إليها وتخيّب طمع من طمع فيها، وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم وأعرض بوجهه الكريم عنكم، وأحلَّ بكم نقمته، وجنّبكم رحمته، فنعم الربُّ ربّنا، وبئس العبيد أنتم! أقررتم بالطاعة، وآمنتم بالرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله) ثمَّ إنكم زحفتم إلى ذرِّيته وعترته تريدون قتلهم، لقد استحوذ عليكم الشيطان، فأنساكم ذكر الله العظيم، فتبّاً لكم ولا تريدون، إنّا لله وإنّا إليه راجعون، هؤلاء فرم کفروا بعد إيمانهم فبعداً للقوم الظالمين.

فقال عمر: ويلكم كلّموه فانّه إبن أبيه، والله لو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً لما انقطع ولا حصر، فكلّموه فتقدَّم شمر لعنه الله فقال: يا حسين ما هذا الَّذي تقول؟ أفهمنا حتّى نفهم، فقال: أقول أتّقوا الله ربّكم ولا تقتلوني، فأنّه لايحلُّ لكم قتلي، ولا انتهاك حرمتي، فانّي إبن بنت نبيّكم وجدَّتي خديجة زوجة نبيّكم ولعلّه قد بلغكم قول نبيّكم: الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة - إلى آخر ما سيأتي برواية المفيد -

وقال المفيد: ودعا الحسين (عليه السلام) براحلته فركبها ونادى بأعلا صوته: يا أهل العراق - وجلّهم يسمعون - فقال: أيّها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما يحقُّ لكم علَّي، وحتّى أعذر عليكم، فإن أعطيتموني النّصف، کنتم بذلك أسعد وإن لم تعطوني النّصف من أنفسكم

ص: 103

«فاجمعوا أمركم وشرکاء کم ثمَّ لا يكن أمركم عليكم غمّة ثمَّ اقضوا إلَّي ولا تنظرون» «إنَّ وليّي الله الَّذي نزَّل الكتاب وهو يتولّى الصالحين».

ثمّ حمد الله وأثنى عليه وذكر الله بما هو أهله، وصلّى على النبي وعلى ملائكته وعلى انبيائه، فلم يسمع متکلم قطُّ قبله ولا بعده ابلغ منه في منطقٍ.

ثمَّ قال: أمّا بعد فانسبوني فانظروا من أنا، ثمَّ راجعوا أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست إبن نبيّكم، وإبن وصيّه وإبن عمّه؟ وأوَّل مؤمن مصدِّق لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) بما جاء به من عند ربّه؟ أوليس حمزة سيِّد الشهداء عمِّي؟ أولیس جعفر الطيّار في الجنّة بجناحين عمِّي؟ أولم يبلغكم ما قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لي ولأخي: هذان سیِّدا شباب أهل الجنَّة؟ فإن صدقتموني بما أقول وهو الحقَّ، والله ماتعمّدت كذباً مذ علمت أنَّ الله يمقت عليه أهله، وإن كذَّبتموني فإنَّ فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم، إسألوا جابر بن عبدالله الأنصاريَّ وأبا سعيد الخُدريَّ وسهل بن سعد الساعديَّ وزيد بن أرقم وأنس بن مالك(1) يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لي ولأخي أما في هذا حاجزلكم عن سفك دمي؟

فقال له شمر بن ذي الجوشن هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما يقول فقال له حبیب بن مظاهر: والله إنّي لَأراك تعبد الله على سبعين حرفاً وأنا أشهد أنّك صادق ماتدري مايقول قد طبع الله على قلبك.

ص: 104


1- مات جابر بن عبدالله سنة 74 وشهد جنازته الحجاج والظاهر أنه بالكوفة وأبو سعيد الخدري سنة 64 - 74 وسهل بن سعد هو آخر من مات بالمدينة سنة احدى. وتسعين وزيد بن أرقم سنة 66 بالكوفة، وأنس بن مالك آخر من مات بالبصرة سنة 71 وكان قاطناً بها

ثمِّ قال لهم الحسين (عليه السلام): فان کنتم في شكّ من هذا أفتشکّون أنّي ابن بنت نبيّكم؟ فوالله ما بين المشرق والمغرب إبن بنت نبيٍّ غيري فيكم، ولا في غيركم ويحكم أتطلبوني بقتیل منكم قتلته؟ أو مال لكم استهلكته؟ أو بقصاص من جراحة؟ فأخذوا لايكلّمونه. فنادی یا شبث بن ربعي یا حجّار بن أبجَر يا قيس بن الأشعث یا یزید بن الحارث ألم تكتبوا إلي أن قد أينعت الثمار، واخضرَّ الجناب، وإنّما تقدم على جند لك مجنّد؟ فقال له قيس بن الأشعث: ماندري ماتقول ولكن انزل على حكم بني عمّك، فانّهم لن يُرُوك إلا ما تحبُّ، فقال لهم الحسين (عليه السلام): لا والله لا اُعطيكم بيدي إعطاء الذَّليل، ولا اُقرَّ لكم إقرار العبيد.

ثمَّ نادى: يا عباد الله إنّي عذت بربّي وربكم أن ترجمون، وأعوذ بربّي وربّكم من كلِّ متكبّر لايؤمن بيوم الحساب.

ثمَّ إنّه أناخ راحلته وأمر عُقبة بن سَمعان بعقلها، وأقبلوا يزحفون نحوه(1).

وفي المناقب روي بإسناده، عن عبد الله بن محمّد بن سليمان بن عبدالله إبن الحسن، عن أبيه، عن جدِّه، عن عبد الله قال: لمّا عبّأ عمر بن سعد أصحابه لمحاربة الحسين بن علي (عليهما السلام) ورتّبهم مراتبهم، وأقام الرايات في مواضعها، وعبّأ أصحاب الميمنة والميسرة، فقال لأصحاب القلب: اثبتوا.

وأحاطوا بالحسين من كلّ جانب حتّى جعلوه في مثل الحلقة، فخرج (عليه السلام) حتّى أتّى النّاس فاستنصتهم فأبوا أن ينصتوا حتّى قال لهم: ویلکم ما عليكم أن تنصتوا إلي فتسمعوا قولي، وإنّما أدعوكم إلى سبيل

ص: 105


1- الارشاد ص 217 و 218

الرَّشاد، فمن أطاعني كان من المرشدين، ومن عصاني كان من المهلكين، وكلكم عاص لأمري غير مستمع قولي فقد ملئت بطونكم من الحرام، وطبع على قلوبكم، ويلكم ألا تنصتون؟ ألا تسمعون؟ فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بينهم وقالوا: أنصتوا له.

روى في الاحتجاج عن مصعب بن عبد الله قال: لمّا استكفَّ الناس بالحسين (عليه السلام) ركب فرسه واستنصت النّاس فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً وبؤساً لكم وتعساً حين استصرختمونا ولهين، فأصرخناکم موجفين، فشحّذتم علينا سيفاً كان في أيدينا، وحششتم علينا ناراً أضرمناها على عدوِّكم وعدوِّنا فأصبحتم ألباً على أوليائكم، ويداً لأعدائكم، من غير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، ولا ذنب كانا منّا إليكم.

فهلّا - لكم الويلات - إذكرهتمونا والسيف مشيم(1)، والجأش طامن، والرأي لم يستحصف، ولكنّكم استسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدَّبي(2)، وتهافتُّم إليها كتهافت الفراش، ثمَّ نقضتموها سفها وضلّة، بعداً وسحقاً لطواغیت هذه الأمّة، وبقيّة الأحزاب، ونبذة الكتاب، ومطفيء السّنن، ومواخيء المستهزئين، الَّذين جعلوا القرآن عضين، وعصاة الأمم، وملحق العهرة بالنّسب، لبئس ما قدَّمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون.

أفهؤلاء تعضدون؟ وعنّا تتخاذلون؟ أجل والله الخذل فیکم معروف نبتت عليه اُصولكم وتأزَّرت عليه عروقكم، فكنتم أخبث شجر للناظر، وأكلة

ص: 106


1- يقال شمت السيف أغمدته وشمته سللته وهو من الأضداد
2- الدبي: أصغر الجراد، يقال: جاء الخيل كالدبي فبلغ السيل الربي

للغاصب ألا لعنة الله على الظّالمين الناكثين الَّذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلًا.

ألا وإنّ الدَّعيَّ إبن الدَّعيَّ قد تركني بين السِّلَّة والذِّلَّة، وهيهات له ذلك، هيهات منِّي الذِّلَّة؟ أبي الله ذلك رسوله والمؤمنون وجدود طهرت، وحجور طابت، أن نؤثر طاعة اللّثام على مصارع الكرام، ألا وإنّي زاحِفٌ بهذه الُأسرة على قِلَّة العدد، وكثرة العدوّ، وخذلة النّاصر، ثمَّ تمثَّل فقال:

فإن نَهزِم فهزَّامون قُدماً *** وإن نُهزَم فغير مُهزَّمينا(1)

وَروى في المناقب قريباً من هذا وفيه زيادَةً على ماذكر:

وَمَا إن طَبَّنا جبنٌ ولكن *** منایانا ودولةُ آخرینا

ألا! ثمَّ لا تلبثون بعدها إلّا كريثَ مايُركب الفرس، حتّى تدور بكم الرَّحى، عهد عهده إلَّي أبي عن جدَّي فأجمعوا أمركم وشرکاء کم ثمَّ كيدوني جميعاً فلاتنظرون إنّي توكّلت على الله ربّي وربّكم ما من دابّة إلّا هو أخذ بناصيتها إنَّ ربّي على صراط مستقيم اللّهمَّ احبس عنهم قطر السماء، وابعث عليهم سنين كسني يوسف، وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مصبّرة، ولا يدع فيهم أحداً إلّا [قتله] قتلة بقتلة، وضربة بضربة، ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم، فانهم غرُّونا وكذبونا وخذلونا، وأنت ربّنا عليك توكّلنا وإليك أنبنا وإليك المصير.

ثمَّ قال: أين عمر بن سعد؟ ادعوا لي عمر! فدعي له، وكان كارهاً لا يحبُّ أن يأتيه فقال: يا عمر أنت تقتلني؟ تزعم أن يوليّك الدَّعيُّ بن الدعيِّ بلاد الريِّ وجرجان، والله لاتتهنّأ بذلك أبداً، عهداً معهوداً، فاصنع ما أنت صانع، فانّك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة، ولكأنّي برأسك على قصبة قد

ص: 107


1- الاحتجاج ص 154

نصب بالكوفة، يتراماه الصبيان ويتّخذونه غرضاً بينهم.

فاغتاظ عمر من كلامه، ثمَّ صرف بوجهه عنه، ونادي بأصحابه: ما تنتظرون به؟ احملوا بأجمعكم إنّما هي أكلة واحدة، ثمَّ إنَّ الحسين دعا بفرس رسول الله المرتجز فركبه، وعبّأ أصحابه.

3- توبة الحرّ

ثمَّ قال المفيد رحمه الله: فلما رأى الحرُّ بن یزید أنَّ القوم قد صمّموا على قتال الحسين (عليه السلام) قال لعمر بن سعد: أي عمر! أمقاتلٌ أنت هذا الرَّجل؟ قال: إي والله قتالًا شديداً أيسره أن تسقط الرؤوس، وتطيح الأيدي، قال: أفمالكم فيما عرضه عليكم رضی؟ قال عمر: أما لو كان الأمر إلى لفعلت، ولكن أميرك قد أبى، فأقبل الحرُّ حتّى وقف من الناس موقفاً ومعه رجل من قومه يقال له قُرَّة بن قيس فقال له: يا قرَّة هل سقيت فرسك اليوم؟ قال: لا، قال: فما تريد أن تسقيه؟ قال قرَّة: فظننت والله إنّه يريد أن يتنحّي ولا يشهد القتال، فكره أن أراه حين يصنع ذلك فقلت له: لم أستقه وأنا منطلق لأسقيه، فاعتزل ذلك المكان الَّذي كان فيه فوالله لو أنّه اطّلعتي على الَّذي يريد لخرجت معه إلى الحسين(1).

فأخذ يدنو من الحسين قليلًا قليلًا، فقال له مهاجرين أوس: ماترید یا إبن یزید؟ أتريد أن تحمل؟ فلم يجبه فأخذه مثل الأفكل وهي الرّعدة، فقال له المهاجر: إنَّ أمرك لمريب، والله مارأيت منك في موقف قطُّ مثل هذا، ولو قيل لي: من أشجع أهل الكوفة؟ لما عدوتك، في هذا الَّذي أرى منك؟ فقال له الحرُّ: إنّي والله اُخيرّ نفسي بين الجنّة والنّار، فوالله لا أختار على الجنّة شيئاً

ص: 108


1- كذب عدو الله، فإنه قد رأي الحر بعد ذلك حين يقاتل ذبّاً عن آل رسول الله

ولو قطّعت واحرقت.

ثمَّ ضرب فرسه فلحق الحسين (عليه السلام) فقال له: جعلت فداك.

يا إبن رسول الله أنا صاحبك الَّذي حبستك عن الرُّجوع، وسايرتك في الطريق، وجعجعت بك في هذا المكان، وما ظننت أنَّ القوم يردُّون عليك ما عرضته عليهم، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، والله لو علمت أنّهم ينتهون بك إلى ما أرى ماركبت مثل الَّذي ركبت، وأنا تائب إلى الله ممّا صنعت، فتری لي من ذلك توبة؟ فقال له الحسين (عليه السلام): نعم يتوب الله عليك فانزل فقال: أنا لك فارساً خير منّي راجلًا اُقاتلهم على فرسي ساعة، وإلى النزول ما يصير آخر أمري، فقال له الحسين (عليه السلام) فاصنع يرحمك الله ما بدا لك.

فاستقدم أمام الحسين (عليه السلام) فقال: يا أهل الكوفة لاُمّكم الهبَل والعَبر(1) أدعوتم هذا العبد الصّالح حتّى إذا أتاكم أسلمتموه؟ وزعمتم أنّكم قاتلو أنفسكم دونه ثمَّ عدتم عليه لتقتلوه؟ أمسكتم بنفسه، وأخذتم بكلكله. وأحطتم به من كلِّ جانب لتمنعوه التوجّه إلى بلاد الله العريضة، فصار كالأسير في أيديكم: لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضراً، وحلأتموه ونساءه وصبيته وأهله عن ماء الفرات الجاري تشربه اليهود والنصارى والمجوس، وتمرغ فيه خنازير السّواد وكلابهم، وهاهم قد صرعهم العطش، بئسما خلفتم محمّداً في ذرِّيته، لا سقاكم الله يوم الظّمأ.

فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل، فأقبل حتّى وقف أمام الحسين (عليه السلام) ونادى عمر بن سعد: يادُرید أدن رايتك فأدناها ثمَّ وضع سهما في كبد نوسه ثمَّ رمى وقال: اشهدوا أنّي أوّل من رمى النّاس.

ص: 109


1- الهبل: الثكل، والعبر: الموت يقال عبر القوم: ماتوا

4- الحملة الُأولى

وقال السيّد: فقال (عليه السلام) لأصحابه: قوموا رحمكم الله إلى الموت الَّذي لابدَّ منه فانَّ هذه السهام رسل القوم إليكم، فاقتتلوا ساعة من النهار حملة وحملة، حتّى قتل من أصحاب الحسين (عليه السلام) جماعة، قال: فعندها ضرب الحسين (عليه السلام) يده على لحيته. وجعل يقول: اشتدَّ غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولداً، واشتدَّ غضبه على النصارى إذ جَعلوه ثالث ثلاثة واشتدَّ غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه، واشتدَّ غضبه على قوم اتّفقت كلمتهم على قتل إبن بنت نبيّهم، أما والله لا اُجيبهم إلى شيء ممّا يريدون حتّى ألقى الله تعالى، وأنا مخضّبٌ بدمي.

5- مقتل الحرّ

وقال محمّد بن أبي طالب وصاحب المناقب و ابن الأثير في الكامل ورواياتهم متقاربة: إنَّ الحرَّ أتى الحسين (عليه السلام) فقال: يا إبن رسول الله كنت أَوَّل خارج عليك فأذن لي لأكون أوَّل قتيل بين يديك، وأوَّل من يصافح جدَّك غداً، وإنَّما قال الحرُّ: لَأكون أوَّل قتيل بين يديك والمعنى يكون أوَّل قتيل من المبارزين وإلّا فانَّ جماعة كانوا قد قتلوا في الحملة الُأولى كما ذكر، فكان أوّل من تقدّم إلى براز القوم، وجعل ينشد ويقول:

إنّي أنا الحرُّ ومأوى الضَّيفِ *** أضربُ في أعناقكم بالسيفِ

عن خير مَن حلَّ بأرض الخَيف *** أضربكم ولا أرى مِن حَيف

وروي أنَّ الحرَّ لمّا لحق بالحسين (عليه السلام) قال رجل من تميم يقال له يزيد إبن سفيان: أما والله لو لحقته لأتبعته السنان، فبينما هو يقاتل وإنَّ فرسه لمضروب على اُذنيه وحاجبيه وإنَّ الدماء لتسيل إذ قال الحصين: یا یزید

ص: 110

هذا الحرُّ الَّذي كنت تتمنّاه، قال: نعم، فخرج إليه فما لبث الحرُّ أن قتله، وقتل أربعين فارساً وراجلًا، فلم يزل يقاتل حتّى عرقب فرسه، وبقي راجلَّا وهو يقول:

إنّي أنا الحرُّ ونجل الحرِّ *** أشجع من ذي لبدهزبر

ولست بالجبان عند الكرِّ *** لكنّني الوقّاف عند الفرِّ

ثمَّ لم يزل يقاتل حتّى قُتل رحمه الله، فاحتمله أصحاب الحسين (عليه السلام) حتّى وضعوه بين يدي الحسين (عليه السلام) و به رمقُّ، فجعل الحسين يمسح وجهه، ويقول: أنت الحرُّ كما سمّتك اُمّك، وأنت الحرُّ في الدُّنیا، وأنت الحرُّ في الآخرة ورثاه رجل من أصحاب الحسين (عليه السلام) وقيل: بل رثاه علُّى بن الحسين (عليه السلام).

لَنِعمَ الحرُّ حرُّ بني ریاح *** صبورٌ عندَ مُختَلَفِ الرِّماحِ

ونعم الحرُّ إذ نادی حُسیناً *** فَجادَ بنفسه عندَ الصِّياحِ

فيا ربّي أضفه في جنانٍ *** وزوِّجه مع الحُور الملاحِ

وروي أنَّ الحرَّ كان يقول:

آليت لا اُقتل حتّى أقتلا *** أضربهم بالسّيف ضرباً معضلا

لا ناقل عنهم ولا معلّلا *** لا عاجز عنهم ولا مبدِّلا

أَحمي الحسين الماجد المؤمّلا

قال المفيد رحمه الله: فاشترك في قتله: أيّوب بن مسرَّح ورجل آخر من فُرسان أهل الكوفة انتهى كلامه(1).

وقال ابن شهر آشوب: قتل نيّفا وأربعين رجُلًا منهم، وقال إبن نما، ورویت باسنادي أنّه قال للحسين (عليه السلام): لما وجّهني عبيد الله إليك

ص: 111


1- الارشاد ص 222

خرجت من القصر فنودیت من خلفي: أبشر يا حرُّ بخير، فالتفتُّ فلم أر أحداً فقلت والله ما هذه بشارة وأنا أسير إلى الحسين، وما اُحدِّث نفسي باتّباعك، فقال (عليه السلام): لقد أصبت أجراً وخيراً.

6- مقتل ساير أصحاب الحسين (علیه السلام)

قالوا: وكان كلَّ من أراد الخروج ودّع الحسين (عليه السلام) وقال: السلام عليك يا إبن رسول الله! فيجيبه وعليك السلام ونحن خلفك، ويقرأ (عليه السلام) «فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلًا».

ثمَّ برز بُریر بن خُضير الهمدانيّ بعد الحُرِّ وكان من عباد الله الصّالحين فبرز وهو يقول:

أنا بُرير وأبي خُضير *** ليث يروع الأسد عند الزئر

يعرف فينا الخير أهل الخير *** أضربكم ولا أرى من ضير

كذا فعل الخير من بُرير

وجعل يحمل على القوم وهو يقول: اتقربوا منّي يا قتلة المؤمنين! اقتربوا منّي يا قتلة أولاد البدريّين! اقتربوا منّي يا قتلة أولاد رسول ربِّ العالمين وذرِّیته الباقين! وكان بُرير أقرأ أهل زمانه، فلم يزل يقاتل حتّى قتل ثلاثين رجلًا، فبرز إليه رجل يقال له يزيد بن معقل فقال لبُرير: أشهد أنّك من المضلّين، فقال له بُرير: هلّم فلندع الله أن يلعن الكاذب منّا وأن يقتل المحقُّ منّا المبطل، فتصاولا فضرب يزيد لبُرير ضربة خفيفة لم يعمل شيئاً، وضربه بُرير ضربة قدَّت المغفر، ووصلت إلى دماغه، فسقط قتيلًا، قال: فحمل رجل من أصحاب ابن زیاد فقتل بُريراً رحمه الله وكان يقال لقاتله: بحير بن أوس الضّبيُّ فجال في ميدان الحرب وجعل يقول:

ص: 112

سلي تخبري عنّي وأنت ذميمة *** غداة حُسين والرِّماح شوارع

ألم آت أقصي ما كرهت ولم يحل *** غداة الوغى والرَّوع ما أنا صانع

معي مزنيُّ لم تخنه كعوبه *** وأبيض مشحوذ الغرارین قاطع(1)

فجرَّدته في عصبة ليس دينهم *** كديني وإنّي بعد ذاك لقانع

وقد صبروا للطَّعن والضّرب حسراً(2) *** وقد جالدوا لو أنّ ذلك نافع

فأبلغ عبید الله إذ ما لقيته *** بأنّي مطيع للخليفة سامع

قتلت بُريراً ثمَّ جُلت لهمّة *** غداة الوغى لما دعا من يقارع

قال: ثمَّ ذكر له بعد ذلك أنَّ بُريراً كان من عباد الله الصالحين وجاءه إبن عمّ له، وقال: ويحك يا بحير قتلت بُریر بن خُضير فبأيِّ وجه تلقى ربّك غداً؟ قال: فندم الشقيُّ وأنشأ يقول:

فلو شاء ربّي ما شهدت قتالهم *** ولا جعل النعماء عند إبن جائر

لقد كان ذا عاراً عليَّ وسُبّة *** يعيرّ بها الأبناء عند المعاشر

فياليت إنّي كنت في الرحم حيضة *** ويوم حسين كنت ضمن المقابر

فيا سوءتا ماذا أقول لخالقي *** وما حجّتي يوم الحساب القُماطر(3)

ثمَّ برز من بعده وَهب بن عبدالله بن حَباب الكلبيُّ وقد كانت معه اُمّه يومئذ فقالت: قم يا بنيَّ فانصر إبن بنت رسول الله، فقال: أفعل يا اُمّاه ولا اُقصّر فبرز وهو يقول:

إن تنكروني فانا إبن الكلب *** سوف تروني وترون ضربي

وحملتي وصولتي في الحرب *** أدرك ثأري بعد ثأر صحبي

ص: 113


1- قوله «مزني» أي رمح مزني، وكعوب الرمح: النواشر في أطراف الانابيب وعدم خیانتها: كناية عن كثرة نفوذها وعدم کلالها، والغراران: شفرتا السيف منه رحمه الله
2- جمع حاسر: الذي لا مغفر عليه ولا درع
3- يقال: يوم قاطر بالضم: شديد وهنا يحتمل أن يكون وصفا للحساب، أووصفا لليوم

وأدفع الكرب أمام الكرب *** ليس جهادي في الوغي باللّعب

ثمَّ حمل فلم يزل يقاتل حتّى قتل منهم جماعة فرجع إلى اُمّه وامرأته فوقف عليهما فقال: يا اُمّاه أرضيت؟ فقالت: ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين (عليه السلام) فقالت امرأته: بالله لاتفجعني في نفسك! فقالت اُمّه: يابنيَّ لا تقبل قولها وارجع، فقاتل بين يدي إبن رسول الله فيكون غداً في القيامة شفيعاً لك بين يدي الله، فرجع قائلًا:

إنّي زعيم لك اُمُّ وَهب *** بالطعن فيهم تارة والضرب

ضرب غلام مؤمن بالرَّبِّ *** حتّى يذيق القوم مرَّ الحرب

إنّي امرء ذو مرَّة وعصب *** ولست بالخوَّار عند النكب

حسبي إلهي من عليم حسبي

فلم يزل يقاتل حتّى قتل تسعة عشر فارساً وأثني عشر راجلًا ثمَّ قُطعت يداه فأخذت امرأته عموداً وأقبلت نحوه وهي تقول فداك أبي واُمّي قاتل دون الطيّبين حرم رسول الله، فأقبل كي يردَّها إلى النساء فأخذت بجانب ثوبه، وقالت: لن أعود أو أموت معك، فقال الحسين: جزيتم من أهل بيتي خيراً! ارجعي إلى النساء رحمك الله، فانصرفت، وجعل يقاتل حتّى قتل رضوان الله عليه، قال: فذهبت امرأته تمسح الدَّم عن وجهه فبصر بها شمر، فأمر غلاماً له فضربها بعمود كان معه فشدخها وقتلها، وهي أوَّل أمرأة قتلت في عسكر الحسين.

ورأيت حديثاً أنَّ وهب هذا كان نصرانيّاً فأسلم هو واُمّه على يدي الحسين فقتل في المبارزة أربعة وعشرين راجلًا واثني عشر فارساً ثمَّ اُخذ أسيراً فأتي به عمر بن سعد فقال: ما اشدَّ صولتك؟ ثمَّ أمر فضُربت عنقه ورمي برأسه إلى عسكر الحسين (عليه السلام) فأخذت اُمّه الرأس فقبّلته ثمَّ

ص: 114

رمت بالرأس إلى عسكر إبن سعد فأصابت به رجلًا فقتلته، ثمَّ شدَّت بعمود الفسطاط، فقتلت رجلين، فقال لها الحسين: ارجعي، يا اُمّ وهب أنت وابنك مع رسول الله فانَّ الجهاد مرفوع عن النّساء فرجعت وهي تقول: إلهي لا تقطع رجائي، فقال لها الحسين (عليه السلام): لا يقطع الله رجاك يا اُمَّ وهب.

ثمَّ برز من بعد عمرو بن خالد الأزديُّ وهو يقول:

إليك يانفس إلى الرَّحمان *** فأبشري بالرّوح والرَّيحان

اليوم تجزين على الاحسان *** قد كان منك غابر الزَّمان

ما خطَّ في اللّوح لدي الدّيّان *** لا تجزعي فكلُّ حيّ فان

والصبر أحظى لك بالأمانِّي *** يا معشر الأزد بني قحطان

ثمَّ قاتل حتّى قتل - رحمه الله -.

وفي المناقب: ثمَّ تقدَّم ابنه خالد بن عمرو، وهو يرتجز ويقول:

صبراً على الموت بني قحطان *** كي ما تكونوا في رضى الرَّحمان

ذي المجد والعزَّة والبرهان *** وذي العُلى والطَّول والاحسان

يا أبتا قد صرتَ في الجنان *** في قصر ربّ حسن البنيان(1)

ثمَّ تقدَّم فلم يزل يقاتل حتّى قتل - رحمة الله عليه -

وقال محمّد بن أبي طالب: ثمَّ برز من بعده سعد بن حنظلة التميمي وهو يقول:

صبراً على الأسياف والأسنّة *** صبراً عليها لدخول الجنّة

وحُور عين ناعمات هنَّه *** لمن يريد الفوز لا بالظنّة

يا نفس للراحة جهدنّه *** وفي طلاب الخير فارغبنّه(2)

ص: 115


1- في مناقب آل أبي طالب: في قصر در حسن البنيان
2- قوله: «هنه» الهاء للسكت، وكذا قوله «فاجهدنه» و «فارغبنه» منه رحمه الله

ثمّ حمل وقاتل قتالًا شديداً ثمَّ قُتل رضوان الله عليه.

وخرج من بعده عُمير بن عبدالله المذحِجيُّ وهو يرتجز ويقول:

قد علمت سعد وحيُّ مَذحِج *** أنّي لدي الهيجاء ليث مُحرج

أعلو بسيفي هامة المدجّج *** وأترك القرن لدي التعرُّج

فريسة الضّبع الأزلِّ الأعرج

ولم يزل يقاتل حتّى قتله مسلم الضِّبابيُّ وعبدالله البجليُّ.

ثمَّ برز من بعده مسلم بن عوسجة - رحمه الله - وهو يرتجز:

إن تسألوا عنّي فانّي ذو لبد *** من فرع قوم من ذرى بني أسد

فمن بغانا حائد عن الرَّشد *** وكافر بدین جبّار صمد

ثمَّ قاتل قتالًا شديداً.

وقال المفيد وصاحب المناقب بعد ذلك: وكان نافع بن هلال البجلُّي يقاتل قتالًا شديداً ويرتجز ويقول:

أنا إبن هلال البجلُّي(1) *** أنا على دين علي

ودينه دين النبىِّ

فبرز إليه رجل من بني قُطيعة، وقال المفيد: هو مزاحم بن حریث، فقال: أنا على دين عثمان، فقال له نافع: أنت على دين الشيطان، فحمل عليه نافع فقتله.

7- الحملة الثانية:

فصاح عمرو بن الحجّاج بالناس: يا حمقى أتدرون من تقاتلون؟

ص: 116


1- كذا في النسخ، والظاهر أن القائل هلال بن حجّاج فقال: أنا هلال البجلي *** أنا على دين علي *** ودينه دين النبي

تقاتلون فُرسان أهل المصر وأهل البصائر وقوماً مستميتين لا يبرز منكم إليهم أحد إلّا قتلوه على قلّتهم، والله لو لم ترموهم إلّا بالحجارة لقتلتموهم، فقال له عمر بن سعد - لعنه الله -: الرأي ما رأيت فأرسل في النّاس من يعزم عليهم أن لا يبارزهم رجل منهم، وقال: لو خرجتم إليهم وحُداناً لأتوا علیکم مبارزة.

ودنا عمرو بن الحجّاج من أصحاب الحسين (عليه السلام) فقال: يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدِّين وخالف الإمام، فقال الحسين (عليه السلام): يا ابن الحجّاج أعليّ تحرضِّ الناس؟ أنحن مرقنا من الدَّين وأنتم ثبتُّم عليه؟ والله لتعلمنَّ أينا المارق من الدِّين، ومن هو أولى بصلي النار.

8- مقتل مسلم بن عوسجة

ثمَّ حمل عمرو بن الحجّاج لعنه الله في ميمنته من نحو الفرات فاضطربوا ساعة فصرع مسلم بن عوسجة وانصرف عمرو وأصحابه وانقطعت الغبرة فاذا مسلم صريع. وقال محمّد بن أبي طالب: فسقط إلى الأرض و به رمق فمشى إليه الحسين، ومعه حبیب بن مظاهر فقال له الحسين (عليه السلام): رحمك الله يا مسلم «فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدَّلوا تبديلًا» ثمَّ دنا منه حبيب فقال: يعزُّ علَّى مصرعك يا مسلم أبشر بالجنَّة، فقال له قولًا ضعيفاً: بشّرك الله بخير، فقال له حبيب: لولا أعلم أنّي في الأثر لأحببت أن توصي إلَّي بكلِّ ما أهّمك فقال مسلم: فانّي أوصيك بهذا وأشار إلى الحسين (عليه السلام) فقاتل دونه حتّى تموت، فقال حبيب:

ص: 117

لأنعمتك عيناً ثمَّ مات رضوان الله عليه.

قال: وصاحت جارية له يا سيّداه يا إبن عوسجتاه فنادى أصحاب إبن سعد مستبشرين قتلنا مسلم بن عوسجة فقال شبث بن ربعيّ لبعض من حوله: ثكلتكم اُمّهاتكم أما إنكم تقتلون أنفسكم بأیدیکم وتذلّون عزّكم، أتفرحون بقتل مسلم بن عوسجة أما والَّذي أسلمت له لرُب موقف له في المسلمین کریم، لقد رأيته يوم آذر بیجان قتل ستّة من المشركين قبل أن تلتام خيول المسلمين.

9- الحملة الثالثة

ثمَّ حمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة، فثبتوا له(1) وقاتلهم أصحاب الحسين (عليه السلام) قتالًا شديداً وإنّما هم اثنان وثلاثون فارساً، فلا يحملون على جانب من أهل الكوفة إلّا كشفوهم، فدعا عمر بن سعد بالحصين بن نُمير في خمسمائة من الرَّماة، فاقتلوا(2) حتّى دنوا من الحسين وأصحابه، فرشقوهم بالنبل، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم، وقاتلوهم حتّى انتصف النهار، واشتدَّ القتال، ولم يقدروا أن يأتوهم إلّا من جانب واحد لاجتماع أبنيتهم، وتقارب بعضها من بعض، فأرسل عمر بن سعد الرَّجال ليقوِّضوها عن أيمانهم وشمائلهم، ليحيطوا بهم وأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين يتخلّلون فيشدُّون على الرَّجل يعرض وينهب، فيرمونه عن قريب فيصرعونه فيقتلونه.

ص: 118


1- في بعض النسخ وهكذا نسخة الارشاد زیادة وهي: وطاعنوه وحمل على الحسين (عليه السلام) وأصحابه من كل جانب وقاتلهم الخ
2- في الأصل وهكذا سائر النسخ: فاقتتلوا. وهو سهو

فقال إبن سعد: احرقوها بالنار فأضرموا فيها فقال الحسين (عليه السلام): دعوهم يحرقوها فانّهم إذا فعلوا ذلك لم يجوزوا إليكم فكان كما قال (عليه السلام). وقيل: أتاه شبث بن ربعيّ وقال: أفزعنا النساء ثكلتك اُمّك، فاستحيا وأخذوا لا يقاتلونهم إلّا من وجه واحد، وشدَّ أصحاب زُهير بن القَين فقتلوا أبا عُذرة الضبابي من أصحاب شمر. فلم يزل يُقتل من أصحاب الحسين الواحد والاثنان فيبين ذلك فيهم لقلّتهم ويقتل من أصحاب عمر العشرة فلا يبين فيهم ذلك لكثرتهم.

10- صلاة الحسين (علیه السلام) في ظهر عاشوراء

فلمّا رأى ذلك أبو ثمامة الصيداويُّ قال للحسين (عليه السلام): يا أبا عبدالله نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك، ولا والله لا تقتل حتّى اُقتل دونك واُحبُّ أن ألقى الله ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة، فرفع الحسين رأسه إلى السماء وقال: ذكّرت الصلاة جعلك الله من المصلّين، نعم هذا أوَّل وقتها ثمَّ قال: سلوهم أن يكفّوا عنّا حتّى نصلّي، فقال الحصين بن نُمير: إنّها لا تُقبل، فقال حبیب بن مظاهر: لاتقبل الصّلاة زعمت من إبن رسول الله وتُقبل منك يا ختّار، فحمل عليه حصين بن نُمير وحمل عليه حبیب فضرب وجه فرسه بالسيف فشبَّ(1) به الفرس ووقع عنه الحصين فاحتوشته أصحابه فاستنقذوه فقال الحسين (عليه السلام) لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله: تقدَّما أمامي حتّى اُصلّي الظهر فتقدَّما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتّى صلّى بهم صلاة الخوف.

وروي أنَّ سعید بن عبد الله الحنفىَّ تقدَّم أمام الحسين، فاستهدف لهم

ص: 119


1- شبّ الفرس شبابا - بالكسر - رفع يديه وقمص وحرن

يرمونه بالنبل كلمّا أخذ الحسين (عليه السلام) يميناً وشمالًا، قام بين يديه، فما زال يرمي به حتّى سقط إلى الأرض وهو يقول: اللّهم العنهم لعن عاد وثمود، اللّهم، أبلغ نبيّك السلام عنّي وأبلغه مالقيت من ألم الجراح، فانّي أردت بذلك نصرة ذرِّية نبيّك ثمَّ مات رضوان الله عليه، فوجد به ثلاثة عشر سهمًا سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرِّماح.

ثمَّ قالوا: ثمَّ خرج عبدالرَّحمان بن عبدالله اليزنٌّي وهو يقول:

أنا إبن عبدالله من آل يزن *** ديني على دين حسين وحسن

أضربكم ضرب فتى من اليمن *** أرجو بذاك الفوز عند المؤتمن

ثمَّ حمل فقاتل حتّى قتل.

11- مقتل عمرو بن قرظة الأنصاري

وقال السيّد: فخرج عمرو بن قَرَظَة الَأنصاريُّ فاستأذن الحسين (عليه السلام) فأذن له فقاتل قتال المشتاقين إلى الجزاء، وبالغ في خدمة سلطان السماء، حتّى قتل جمعاً كثيراً من حزب إبن زیاد، وجمع بين سداد وجهاد، وكان لا يأتي إلى الحسين سهم إلّا اتّقاه بيده، ولا سيف إلّا تلقّاه بمهجته، فلم يكن يصل إلى الحسين سوء حتّى اُثخن بالجراح، فالتفت إلى الحسين وقال: يا إبن رسول الله أوفيت؟ قال: نعم، أنت أمامي في الجنّة، فاقرء رسول الله منّي السلام، وأعلمه أنّي في الأثر، فقاتل حتّى قتل رضوان الله عليه.

وفي المناقب أنّه كان يقول:

قد علمت كتيبة الأنصار *** أن سوف أحمي حوزة الذِّمار

ضرب غلام غير نكس شاري *** دون حسين مهجتي وداري!

ص: 120

12- مقتل جون مولى أبي ذرِّ الغفاري

وقال السيّد: ثمَّ تقدَّم جون مولى أبي ذرِّ الغفاري وكان عبداً أسود، فقال له الحسين: أنت في إذن منّي فانّما تبعتنا طلباً للعافية، فلا تبتل بطريقنا، فقال: يا ابن رسول الله أنا في الرَّخاء ألحس قصاعكم، وفي الشدَّة أخذلكم، والله إنَّ ريحي لمنتن، وإنَّ حسبي للثيم، ولوني لأسود، فتنفس علَّي بالجنَّة، فتطيب ريحي ويشرف حسبي، ويبيضَّ وجهي؟ لا والله لا اُفارقكم حتّى يختلط هذا الدَّم الأسود مع دمائكم(1).

وقال محمّد بن أبي طالب: ثمَّ برز للقتال وهو ينشد ويقول:

كيف يرى الكفّار ضرب الأسود *** بالسيف ضرباً عن بني محمّد

أذبُّ عنهم بالّلسان واليد *** أرجو به الجنّة يوم المورد

ثمَّ قاتل حتّى قتل: فوقف عليه الحسين (عليه السلام) وقال: اللّهمَّ بيّض وجهه، وطيّب ريحه، واحشره مع الأبرار، وعرِّف بينه وبين محمّد وآل محمّد.

وروي عن الباقر (عليه السلام) عن علّي بن الحسين (عليه السلام) أنَّ الناس كانوا يحضرون المعركة، ويدفنون القتلى، فوجدوا جَوناً بعد عشرة أیّام يفوح منه رائحة المسك رضوان الله عليه.

وقال صاحب المناقب: كان رجزه هكذا:

كيف يرى الفجّار ضرب الأسود *** بالمشرِّفي القاطع المُهَنّد

بالسيف صلتاً عن بني محمّد *** أذبُّ عنهم باللّسان واليد

أرجو بذاك الفوز عند المورد *** من الإله الأحد الموحّد

إذ لا شفيع عنده كأحمد

وقال السيّد: ثم برز عمر [و] بن خالد الصيداويُّ فقال للحسين (عليه

ص: 121


1- كتاب اللهوف ص 94 - 96

السلام): يا أبا عبد الله قد هممت أن ألحق بأصحابي، وكرهت أن أتخلّف وأراك وحيداً من أهلك قتيلًا فقال له الحسين: تقدَّم فانّا لاحقون بك عن ساعة، فتقدَّم فقاتل حتّى قتل.

[قال:] وجاء حنظلة بن سعد الشباميُّ(1) فوقف بين يدي الحسين يقيا السهام والرِّماح والسيوف بوجهه ونحره، وأخذ ينادي: يا قوم إنّي أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح وعاد، وثمود والَّذين من بعدهم وما الله يريد ظلمًا للعباد، ويا قوم إنّي أخاف عليكم يوم التّناد، يوم يولّون مدبرين مالكم من الله من عاصم، یا قوم لا تقتلوا حسيناً فيسحتكم الله بعذاب، وقد خاب من افترى(2).

وفي المناقب: فقال له الحسين: يا إبن سعد إنّهم قد استوجبوا العذاب حين ردُّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحقِّ، ونهضوا إليك يشتمونك وأصحابك، فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين قال: صدقت جعلت فداك أفلا نروح إلى ربّنا فنلحق باخواننا؟ فقال له: رُح إلى ما هو خير لك من الدُّنيا وما فيها، وإلى ملك لا يبلى فقال: السلام عليك يا إبن رسول الله صلّى الله عليك وعلى أهل بيتك وجمع بيننا وبينك في جنّته قال: آمين آمين، ثمَّ استقدم فقاتل قتالًا شديداً فحملوا عليه فقتلوه رضوان الله عليه.

وقال السيّد: فتقدَّم سُوید بن عمرو [و] بن إبي المطاع وكان شريفاً كثير الصلاة فقاتل قتال الأسد الباسل، وبالغ في الصبر على الخطب النازل حتّى سقط بين القتلى وقد اُثخن بالجراح، فلم يزل كذلك وليس به حراك،

ص: 122


1- في الأصل الشامي وهو سهو والصحيح ما في الصلب كما في الطبري ج 6 ص 254 والشبام بطن من همدان
2- اللهوف ص 96 و 97

حتّى سمعهم يقولون: قتل الحسين، فتحامل وأخرج سکّيناً من خفّه وجعل يقاتل حتّى قتل(1).

وقال صاحب المناقب: فخرج يحيى بن سليم المازنُّي وهو يرتجز ويقول:

لَأضربنَّ القوم ضرباً فيصلا *** ضرباً شديداً في العداة معجّلا

لا عاجزاً فيها ولا مُوَلولا *** ولا أخاف اليوم موتا مقبلا

لكنّني كاللّيث أحمي أشبلا

ثمَّ حمل فقاتل حتّى قتل رحمه الله.

ثمَّ خرج من بعده قُرُّة بن أبي قرَّة الغفاريُّ وهو يرتجز ويقول:

قد علمت حقّاً بنو غفار *** وخندق بعد بني نزار

بأنّي اللّيث لدى الغيار *** لأضربنَّ معشر الفجّار

بکلِّ عضب ذکر بتّار *** ضرباً وجيعاً عن بني الأخيار

رهط النبيِّ السّادة الأبرار

قال: ثمَّ حمل فقاتل حتّى قتل رحمه الله.

وخرج من بعده مالك بن أنس المالكيُّ وهو يرتجز ويقول:

قد علمت مالكها والدُّودان *** والخندفيّون وقيس عيلان

بأنَّ قومي آفة الأقران *** لدي الوغى وسادة الفُرسان

مباشرو الموت بطعن آن *** لسنا نرى العجز عن الطّعان

آل علّي شیعة الرَّحمان *** آل زیاد شيعة الشّيطان

ثمَّ حمل فقاتل حتّى قتل رحمه الله، وقال إبن نما: اسمه أنس بن حارث الكاهلُّي.

وفي المناقب ثمَّ خرج من بعده عمر [و] بن مطاع الجعفيُّ وهو يقول:

ص: 123


1- اللّهوف ص 98

أنا ابن جُعف وأبي مُطاع *** وفي يميني مرهف قطّاع

وأسمر في رأسه لمّاع *** يرى له من ضوئه شعاع

اليوم قد طاب لنا القراع *** دون حسين الضّرب والسّطاع

يرجى بذاك الفوز والدّفاع *** عن حَرِّ نار حين لا انتفاع

ثمَّ حمل فقاتل حتّى قتل رحمه الله.

وقالوا: ثمَّ خرج الحجّاج بن مسروق، وهو مؤذِّن الحسين (عليه السلام) ويقول:

أقدم حسين هادياً مهديّاً *** اليوم تلقي جدَّك النبيّا

ثمَّ أباك ذا النَّدا عليّاً *** ذاك الَّذي نعرفه وصيّا

والحسن الخير الرضي الوليّا *** وذا الجناحين الفتى الكميّا

وأسد الله الشّهيد الحيّا

ثمَّ حمل فقاتل حتّى قتل رحمه الله.

13- مقتل زهير بن القين

ثمَّ خرج من بعده زُهير بن القَين رضي الله عنه وهو يرتجز ويقول:

أنا زُهير وأن ابن القَين *** أذودكم بالسّیف عن حسين

إنَّ حسيناً أحد السّبطين *** من عترة البرَّ التقيَّ الزَّين

ذاك رسول الله غير المين *** أضربكم ولا أری من شین

يا ليت نفسي قسمت قسمين

وقال محمّد بن أبيطالب: فقاتل حتّى قتل مائة وعشرين رجلًا فشدَّ عليه كُثير بن عبد الله الشعبيُّ ومهاجر بن أوس التميمي، فقتلاه، فقال الحسين (عليه السلام) حين صرع زهير: لا يبعدك الله يا زهیر! ولعن قاتلك لعن

ص: 124

الَّذين مسخوا قردة وخنازير.

ثمَّ خرج سعيد بن عبدالله الحنفيُّ وهو يرتجز:

أقدم حسين اليوم تلقى أحمداً *** وشيخك الحبر عليّاً ذا النّدا

وحسناً كالبدر وافي الأسعدا *** وعمّك القرم الهمام الأرشدا

حمزة ليث الله يدعي أسداً *** وذا الجناحين تبوّأ مقعداً

في جنَّة الفردوس يعلو صعداً

وقال في المناقب: وقيل: بل القائل لهذه الأبيات هو سوید بن عمر [و] بن أبي المطاع قال: فلم يزل يقاتل حتّى قتل.

14- مقتل حبیب بن مظاهر

ثمَّ برز حبیب بن مُظاهر الأسديُّ وهو يقول:

أنا حبيب وأبي مظهَّر *** فارس هيجاء وحرب تسعر

وأنتم عند العديد أكثر *** ونحن أعلى حجّة

وأظهر وأنتم عند الوفاء أغدر *** ونحن أوفي منكم وأصبر

حقّاً وأنمى منكم وأعذر(1)

وقاتل قتالًا شديداً وقال أيضاً:

اُقسم لو كنّا لكم أعداداً *** أو شطرکم وليّتم الأكتادا(2)

یا شرَّ قوم حسباً وآدا *** وشرَّهم قد علموا أندادا

ثمَّ حمل عليه رجل من بني تميم فطعنه فذهب ليقوم فضربه الحصين بن

ص: 125


1- كذا في النسخ والصحيح ما نقله الطبري عن أبي مخنف بتقديم وتأخير هكذا: أنتم أعدّ عدّة وأكثر *** ونحن أوفي منكم وأصبر ونحن أعلى حجّة وأظهر *** حقّاً وأتقى منكم وأعذر
2- الكتد مثل الكتف: مجتمع الكتفين من الإنسان والآد: القوّة كالأيد. منه رحمه الله

نُمیر لعنه الله على رأسه بالسيف فوقع ونزل التميميُّ فاحتزَّ رأسه فهدَّ مقتله الحسين (عليه السلام)، فقال: عند الله أحتسب نفسي وحُماة أصحابي وقيل: بل قتله رجل يقال له بُدیل بن صُريم وأخذ رأسه فعلّقه في عنق فرسه، فلمّا دخل الكوفة رآه إبن حبيب وهو غلام غير مراهق فوثب إليه فقتله وأخذ رأسه.(1)

وقال محمّد بن أبيطالب: فقتل اثنين وستّين رجُلا فقتله الحصين بن نمير وعلّق رأسه في عنق فرسه.

ثمَّ برز هلال بن نافع الجبلي وهو يقول:

أرمي بها معلمة أفواقها *** والنَّفس لا ينفعها إشفاقها

مسمومة تجري بها أخفاقها *** ليملأنَّ أرضها رشاقها

فلم يزل يرميهم حتّى فنیت سهامه، ثمَّ ضرب يده إلى سيفه فاستلّه وجعل يقول:

أنا الغلام اليمنُّي البجلي *** ديني على دين حسين وعلّي

إن اُقتل اليوم فهذا أملي *** فذاك رأيي واُلاقي عملي

فقتل ثلاثة عشر رجلًا فكسّروا عضديه واُخذ أسيراً فقام إليه شمر فضرب عنقه.

قال: ثمَّ خرج شابٌ قتل أبوه في المعركة وكانت اُمّه معه، فقالت له اُمّه: اخرج يا بنَّي وقاتل بين يدي إبن رسول الله! فخرج فقال الحسين: هذا شابٌ

ص: 126


1- قال الطبري نقلًا عن أبي مخنف ان بدیل بن صريم أخذ رأس حبيب وأقبل به إلى إبي زياد في القصر، فبصر به ابنه القاسم بن حبيب وهو يومئذ مراهق فلزمه کلما دخل دخل معه وإذا خرج خرج معه ليجد منه غرة فيقتله فلم يجد إلى ذلك سبيلًا حتى إذا كان زمان مصعب فدخل عسكرة فإذا قاتل أبيه في فسطاطه فدخل عليه يوماً وهو قائل نصف النهار فضربه بسيفه حتی برد. إنتهى باختصار

قتل أبوه ولعلَّ اُمّه تكره خروجه فقال الشابّ: اُمّي أمرتني بذلك، فبرز وهو يقول:

أميري حسين ونعم الأمير *** سرور فؤاد البشير النّذير

علُّي وفاطمة والده *** فهل تعلمون له من نظير؟

له طلعة مثل شمس الضّحى *** له غرَّة مثل بدر منیر

وقاتل حتّى قتل وحزَّ رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين (عليه السلام) فحملت اُمّه رأسه، وقالت: أحسنت يا بنَّي يا سرور قلبي ويا قرَّة عيني، ثمَّ رمت برأس ابنها رجلًا فقتلته وأخذت عمود خيمته، وحملت عليهم وهي تقول:

أنا عجوز سيّدي ضعيفة *** خاوية بالية نحيفة

أضربكم بضربة عنيفة *** دون بني فاطمة الشريفة

وضربت رجلين فقتلتهما فأمر الحسين (عليه السلام) بصرفها ودعا لها.

وفي المناقب ثمَّ خرج جُنادة بن الحارث الأنصاريُّ وهو يقول:

أنا جناد وأنا ابن الحارث *** لَستُ بخوَّار ولا بناکث

عن بيعتي حتّى يرثني وارث *** اليوم شلوي في الصّعيد ماکث

قال: ثمَّ حمل فلم يزل يقاتل حتى قتل رحمه الله.

قال: ثمَّ خرج من بعده، عمرو بن جُنادة وهو يقول:

أضق الخناق من ابن هندوارمه *** من عامه بفوارس الأنصار

و مهاجرین مخضِّبين رماحهم *** تحت العَجاجة من دم الكفّار

خضبت على عهد النبيِّ محمّد *** فاليوم تخضب من دم الفجّار

واليوم تخضب من دماء أراذل *** رفضوا القرآن لنصرة الأشرار

طلبوا بثأرهم ببدر إذ أتوا *** بالمرهفات وبالقنا الخطّار

ص: 127

والله ربّي لا أزال مضارباً *** في الفاسقين بمرهف بتّار

هذا على الأزديِّ حقٌّ واجب *** في كلِّ يوم تعانق وكرار

قال: ثمَّ خرج عبد الرَّحمن بن عروة فقال:

قد علمت حقّاً بنو غفار *** وخندف بعد بني نزار

لنضربنَّ معشر الفجّار *** بكلِّ غضب ذکر بتّار

یا قوم ذودوا عن بني الأخیار ** بالمشرِّفي والقنا الخطّار

ثمَّ قاتل حتّى قتل رحمه الله.

15- مقتل عابس بن أبي شبيب الشاكري

وقال محمّد بن أبيطالب: وجاء عابس بن [أبي] شبيب الشاكريُّ معه شَوذب مولى شاكر، وقال: یا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟ قال: ما أصنع؟ اُقاتل حتّى اُقتل قال: ذاك الظنُّ بك، فتقدَّم بين يدي أبي عبدالله حتّى يحتسبك كما احتسب غيرك فانَّ هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب فيه الأجر بكلِّ ما نقدر عليه، فانّه لا عمل بعد اليوم وإنّما هو الحساب.

فتقدَّم مسلّم على الحسين (عليه السلام) وقال: يا أبا عبد الله أما والله ما أمسى على وجه الأرض قريب ولا بعيدٌ أعزُّ علَّي ولا أحبُّ إلَّي منك، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضّيم أو القتل بشيء أعزَّ من نفسي ودمي لفعلت، السّلام عليك يا أبا عبد الله أشهد أنّي علي هُداك وهدى أبيك، ثمَّ مضى بالسّيف نحوهم.

قال ربيع بن تمیم: فلمّا رأيته مقبلًا عرفته وقد كنت شاهدته في المغازي، وكان أشجع الناس، فقلت: أيّها النّاس هذا أسد الأسود، هذا ابن [أبي] شبيب لا يخرجنَّ إليه أحد منكم، فأخذ ينادي: ألا رجل؟ ألا رجل؟.

ص: 128

فقال عمر بن سعد: ارضخوه بالحجارة من كلِّ جانب، فلمّا رأى ذلك ألقى درعه ومِغفَره ثمَّ شدَّ على النّاس فوالله لقد رأيت يطرد أكثر من مائتين من النّاس ثمَّ إنَّهم تعطّفوا عليه من كلِّ جانب، فقتل، فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدَّة هذا يقول: أنا قتلته، والآخر يقول كذلك فقال عمر بن سعد: لا تختصموا هذا لم يقتله إنسان واحد حتّى فرَّق بينهم بهذا القول.

16- الأخوان الغفاریان

ثمَّ جاءه عبدالله وعبد الرَّحمن الغفاریّان، فقالا: يا أبا عبدالله السّلام عليك [إنَّه] جئنا لنقتل بين يديك، وندفع عنك، فقال: مرحباً بكما ادنوا منّي، فدنَوا منه، وهما يبكيان فقال: يا أبني أخي ما يبكيكما؟ فوالله إنّي لأرجو أن تكونا بعد ساعة قريري العين، فقالا: جعلنا الله فداك والله ما على أنفسنا نبكي ولكن نبكي عليك نراك قد اُحيط بك، ولا نقدر على أن ننفعك، فقال: جزاكما الله يا ابني أخي بوجد کما من ذلك ومواساتكما إيّاي بأنفسكما أحسن جزاء المتّقين ثمَّ استقدما وقالا: السّلام عليك يا إبن رسول الله، فقال: وعليكما السّلام ورحمة الله وبركاته فقاتلا حتّى قتلا.

قال: ثمَّ خرج غلام تركيُّ كان للحسين (عليه السلام) وكان قارئاً للقرآن، فجعل يقاتل ويرتجز ويقول:

البحر من طعني وضربي يصطلي *** والجوَّ من سهمي ونبلي يمتلي

إذا حسامي في يميني ينجلي *** ينشقُّ قلب الاسد المبجّل

فقتل جماعة ثمَّ سقط صريعاً فجاءه الحسين (عليه السلام) فبكى ووضع خدَّه على خدِّه ففتح عينه فرأى الحسين (عليه السلام) فتبسّم ثمَّ صار إلى ربّه رضي الله عنه.

ص: 129

قال: ثمَّ رماهم یزید بن زیاد بن الشعثاء بثمانية أسهم ما أخطأ منها بخمسة أسهم وكان كلمّا رمي قال الحسين (عليه السلام): اللّهم سدِّد رميته، واجعل ثوابه الجنّة فحملوا عليه فقتلوه.

وقال ابن نما: حدَّث مهران مولى بني كاهل قال: شهدت کربلا مع الحسين (عليه السلام) فرأيت رجلًا يقاتل قتالًا شديداً لا يحمل على قوم إلَّا کشفهم ثمَّ يرجع إلى الحسين (عليه السلام) ويرتجز ويقول:

أبشر هديت الرُّشد تلقى أحمداً *** في جنّة الفردوس تعلو صعداً

فقلت: من هذا؟ فقالوا: أبو عمرو النهشلُّي وقيل:

الخثعميُّ فاعترضه عامر بن نهشل أحد بني اللّات من ثعلبة فقتله واجتزَّ رأسه، وكان أبو عمرو هذا متهجّداً كثير الصَّلاة.

وخرج یزید بن مهاجر فقتل خمسة من أصحاب عمر بالنُّشّاب، وصار مع الحسين (عليه السلام) وهو يقول:

أنا يزيد وأبي المُهاجر *** كأنّني ليث بغيل خادر

یا ربِّ إنّي للحسين ناصر *** ولابن سعد تارك وهاجر

وكان يكنّى أبا الشعشاء من بني بهدلة من كندة.

قال: وجاء رجل فقال: أين الحسين؟ فقال: ها أنا ذا قال: أبشر بالنّار تردها السّاعة، قال: بل اُبشّر بربّ رحيم، وشفيع مطاع، من أنت؟ قال: أنا محمّد بن الأشعث قال: اللّهمّ إن كان عبدك كاذباً فخذه إلى النّار، واجعله اليوم آية لأصحابه فما هو إلّا أن ثنی عنان فرسه فرمي به وثبتت رجله في الركاب فضربه حتّى قطعه ووقعت مذاكيره في الأرض، فوالله لقد عجبت من سرعة دعائه.

ثمَّ جاء آخر فقال: أين الحسين؟ فقال: ها أناذا، قال: أبشر بالنّار، قال:

ص: 130

أبشّر بربّ رحيم، وشفيع مطاع، من أنت؟ قال: أنا شمر بن ذي الجوشن، قال الحسين (عليه السلام): الله أكبر قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): رأيت كأنَّ كلباً أبقع يلغ في دماء أهل بيتي وقال الحسين: رأيت كأنَّ كلاباً تنهشني وكأنَّ فيها كلباً أبقع كان أشدَّهم علَّي، وهو أنت، وكان أبرص.

ونقلت من الترمذي: قيل للصادق (عليه السلام) كم تتأخّر الرؤيا؟

فذكر منام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فكان التّأويل بعد ستّين سنة.

17- الأخوان الجابریان

وتقدَّم سيف بن أبي الحارث بن سريع ومالك بن عبدالله بن سريع الجابریّان بطن من همدان يقال لهم: بنو جابر - أمام الحسين (عليه السلام) ثمَّ التقيا فقالًا: عليك السّلام يا إبن رسول الله! فقال: وعليكما السّلام ثمَّ قاتلا حتّى قتلا.

ثمَّ قال محمّد بن أبي طالب وغيره: وكان يأتي الحسين (عليه السلام) الرَّجل بعد الرَّجل فيقول: السّلام عليك يا ابن رسول الله فيجيبه الحسين، ويقول: وعليك السلام ونحن خلفك، ثمَّ يقرأ «فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر» حتّى قتلوا عن آخرهم رضوان الله عليهم ولم يبق مع الحسين إلّا أهل بيته.

18- مقتل علي بن الحسين الأكبر (علیه السلام)

وقال أبو الفرج في المقاتل: حدَّثني أحمد بن سعيد، عن يحيى بن الحسن عن بكر بن عبد الوهّاب، عن إسماعيل بن [أبي زياد] إدريس، عن أبيه، عن

ص: 131

جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليهما السلام) أنَّ أوّل قتيل قتل من وِلد أبي طالب مع الحسين إبنه عليُّ.

قالوا: ثمَّ تقدَّم علُّي بن الحسين (عليه السلام) وقال محمّد بن أبي طالب وأبو الفرج: واُمّه ليلى بنت أبي مرَّة بن عروة بن مسعود الثقفيِّ وهو يومئذ ابن ثماني عشرة سنة وقال ابن شهر آشوب: ويقال: إبن خمس وعشرين سنة.

قالوا: ورفع الحسين سبّابته نحو السماء وقال: اللّهمَّ اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك، كنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إلى وجهه، اللّهم امنعهم بركات الأرض، وفرِّقهم تفريقاً، ومزِّقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترض الولاة عنهم أبداً، فانّهم دعونا لینصرونا ثمَّ عدوا علينا يقاتلوننا.

ثمَّ صاح الحسين بعمر بن سعد: مالك؟ قطع الله رحمك! ولا بارك الله لك في أمرك، وسلّط عليك من يذبحك بعدي على فراشك. كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ثمَّ رفع الحسين (عليه السلام) صوته وتلا: «إنَّ الله اصطفی آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرِّية بعضها من بعض والله سميع عليم(1)».

ثمَّ جمل علُّي بن الحسين على القوم، وهو يقول:

أنا علُّي بن الحسين بن علّي *** من عصبة جدُّ أبيهم النبيُّ

والله لا يحكم فينا إبن الدَّعيّ *** أطعنكم بالرُّمح حتّى ينثني

أضربكم بالسيف أحمي عن أبي *** ضرب غلام هاشميّ علويّ

فلم يزل يقاتل حتى ضجَّ الناس من كثرة من قتل منهم، وروي أنّه قتل على عطشه مائة وعشرين رجلاً ثمَّ رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة

ص: 132


1- آل عمران: 34

فقال: يا أبه! العطش قد قتلني، وثقل الحديد أجهدني، فهل إلى شُربة من ماء سبيل أتقوَّى بها على الأعداء؟ فبكى الحسين (عليه السلام) وقال: يا بني يعزُّ على محمّد وعلى علِّي بن أبي طالب وعلَّي أن تدعوهم فلا يجيبوك، وتستغيث بهم فلا يغيثوك، يا بنَّي هات لسانك، فأخذ بلسانه فمصّه ودفع إليه خاتمه وقال: أمسكه في فيك وارجع إلى قتال عدوِّك فانّي أرجو أنّك لا تمسي حتّى يسقيك جدُّك بكأسه الأوفي شربة لا تظمأ بعدها أبداً، فرجع إلى القتال وهو يقول:

الحرب قد بانت لها الحقائق *** وظهرت من بعدها مصادق

والله ربَّ العرش لا نفارق *** جموعكم أو تُغمد البوارق

فلم يزل يقاتل حتّى قتل تمام المائتين ثمَّ ضربه مُنقِذ بن مرَّة العبدَّي على مفرق رأسه ضربة صرعته، وضربه الناس بأسيافهم، ثمَّ اعتنق فرسه فاحتمله الفرس إلى عسكر الأعداء فقطّعوه بسيوفهم إرباً إرباً.

فلمَّا بلغت الرُّوح التراقي قال رافعاً صوته: يا أبتاه هذا جدِّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد سقاني بكأسه الأوفي شربة لا أظمأ بعدها أبداً وهو يقول: العجل العجل! فانَّ لك كأساً مذخورة حتّى تشربها الساعة، فصاح الحسين (عليه السلام) وقال: قتل الله قوماً قتلوك ما أجرأهم على الرَّحمان وعلى رسوله، وعلى انتهاك حرمة الرَّسول، على الدُّنيا بعدك العَفا.

قال حميد بن مسلم: فكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنّها الشمس الطالعة تنادي بالويل والثبور، وتقول: يا حبيباه یا ثمرة فؤاداه، یا نور عيناه! فسألت عنها فقيل: هي زينب بنت علّي (عليه السلام) وجاءت وانكبّت عليه فجاء الحسين فأخذ بيدها فردَّها إلى الفسطاط وأقبل (عليه السلام) بفتيانه وقال: أحملوا أخاكم، فحملوه من مصرعه فجاؤوا به حتّى

ص: 133

وضعوه عند الفسطاط الَّذي كانوا يقاتلون أمامه.

19- مقتل أولاد جعفر وعقيل

وقال المفيد وإبن نما بعد ذلك: ثمَّ رمي رجل من أصحاب عمر بن سعد يقال له: عمرو بن صُبيح عبدالله بن مسلم بن عقيل بسهم فوضع عبدالله يده على جبهته يتّقيه فأصاب السهم كفّه ونفذ إلى جبهته فسمّرها به، فلم يستطع تحريكها ثمَّ انحني عليه آخر برمحه فطعنه في قلبه، فقتله.

وحمل عبدالله بن قُطبة الطائيُّ على عون بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب فقتله، وحمل عامر بن نهشل التميميُّ على محمّد بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب فقتله، وشدَّ عثمان بن خالد الهمدانيُّ على عبدالرَّحمان بن عقیل بن أبي طالب فقتله.

قال محمد بن أبي طالب وغيره:

ولمّا قتل أصحاب الحسين ولم يبق إلّا أهل بيته، وهم ولد علّي، وولد جعفر وولد عقيل، وولد الحسن، وولده ( عليه السلام) اجتمعوا يودِّع بعضهم بعضاً، وعزموا على الحرب فأوَّل من برز من أهل بيته عبدالله بن مسلم بن عقیل بن أبي طالب وهو يرتجز ويقول:

اليوم ألقى مسلمًا وهو أبي *** وفتية بادوا على دين النبيِّ

ليسوا بقوم عرفوا بالكذب لكن خیار وکرام النسب

من هاشم السّادات أهل الحسب

وقال محمّد بن أبي طالب: فقاتل حتّى قتل ثمانية وتسعين رجلًا في ثلاث حملات ثمَّ قتله عمر و بن صُبيح الصيداويُّ وأسد بن مالك.

وقال أبو الفرج: عبدالله بن مسلم أمّه رقيّة بنت علي بن أبي طالب

ص: 134

(عليه السلام) قتله عمرو بن صُبيح فيما ذكرناه عن المدائني وعن حمید بن مسلم، وذكر أنَّ السهم أصابه وهو واضع يده على جبينه فأثبته في راحته وجبهته، ومحمّد بن مسلم بن عقيل اُمّه أم ولد قتله فيما رويناه عن أبي جعفر محمّد بن علي (عليهما السلام) أبو جرهم الَأزديّ ولقيط بن إِياس الجُهنيُّ.

وقال محمّد بن أبي طالب وغيره: ثمَّ خرج من بعده جعفر بن عقيل وهو يرتجز ويقول:

أنا الغلام الأبطحيُّ الطالبيُّ *** من معشر في هاشم وغالب

ونحن حقّاً سادة الذَّوائب *** هذا حسین أطيب الأطائب

و من عترة البَرِّ التقيِّ العاقب

فقتل خمسة عشر فارساً وقال ابن شهر آشوب: وقيل قتل رجلين ثمَّ قتله بشر بن سوط الهمداني وقال أبو الفرج: اُمّه اُمُّ الثغر بنت عامر العامريُّ قتله عروة ابن عبدالله الخثعميُّ فيما رويناه عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) وعن حمید بن مسلم.

وقالوا: ثمَّ خرج من بعده أخوه عبدالرَّحمان بن عقيل وهو يقول:

أبي عقيل فاعرفوا مكاني *** من هاشم وهاشم إخواني

کهول صدق سادة الأقران *** هذا حسین شامخ البنيان

وسیِّد الشِّيب مع الشُّبّان

فقتل سبعة عشر فارساً ثم قتله عثمان بن خالد الجهنيُّ.

ثمَّ قالوا: وخرج من بعده محمّد بن عبدالله بن جعفر بن أبيطالب وهو يقول:

نشكو إلى الله من العدوان *** قتال قوم في الرَّدی عمیان

قد تركوا معالم القرآن *** ومحكم التنزيل والتبیان

ص: 135

وأظهروا الكفر مع الطغيان

ثمَّ قاتل حتّى قتل عشرة أنفس، ثمَّ قتله عامر بن نهشل التميميُّ.

ثمَّ خرج من بعده عون بن عبدالله بن جعفر وهو يقول:

إن تنكروني فأنا إبن جعفر *** شهید صدق في الجنان أزهر

يطير فيها بجناح أخضر *** كفي بهذا شرفاً في المحشر

ثمَّ قاتل حتّى قتل من القوم ثلاثة فوارس وثمانية عشر راجلاً، ثمَّ قتله عبدالله بن بطّة الطائيُّ.

قال أبو الفرج بعد ذکر قتل محمّد وعون: وإنَّ عوناً قتله عبدالله بن قُطنة التيهاني وعبيد الله بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، ذكر يحيى بن الحسن فيما أخبرني [به] أحمد بن سعيد عنه أنّه قتل مع الحسين (عليه السلام) بالطفِّ.

20- مقتل القاسم بن الحسن (علیه السلام)

ثمَّ قال أبو الفرج ومحمّد بن أبي طالب وغيرهما: ثمَّ خرج من بعده عبدالله بن الحسن بن علِّي بن أبي طالب (عليه السلام) وفي أكثر الروايات أنّه القاسم بن الحسن (عليه السلام) وهو غلام صغير لم يبلغ الحلم، فلمّا نظر الحسين إليه قد برز اعتنقه وجعلا يبكيان حتّى غُشي عليهما، ثمَّ استأذن الحسين (عليه السلام) في المبارزة فأبي الحسين أن يأذن له، فلم يزل الغلام يقبّل يديه ورجليه حتّى أذن له، فخرج ودموعه تسيل على خدَّيه وهو يقول:

إن تنكروني فأنا إبن الحسن *** سبط النبيِّ المصطفى والمؤتمن

هذا حسين كالأسير المرتهن *** بين اُناس لا سُقوا صوب المزن

وكان وجهه كِفلقة القمر، فقاتل قتالًا شديداً حتّى قتل على صغره خمسة

ص: 136

وثلاثين رجلًا. قال حميد: كنت في عسكر ابن سعد فكنت أنظر إلى هذا الغلام عليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ما أنسى أنّه كان اليسرى، فقال عمرو بن سعد الأزديُّ: والله لَأشدَّن عليه، فقلت: سبحان الله وما تريد بذلك؟ والله لو ضربني ما بسطت إليه يدي، يكفيه هؤلاء الَّذين تراهم قد احتوشوه قال: والله لأفعلنَّ فشدَّ عليه فما ولّى حتّى ضرب رأسه بالسيف ووقع الغلام لوجهه، ونادی: یا عمّاه.

قال: فجاء الحسين كالصقر المنقضّ فتخلّل الصفوف وشدَّ شدَّة اللّيث الحرِب فضرب عمراً قاتله بالسيف فاتّقاه بيده فأطنّها من المرفق فصاح ثمَّ تنحّى عنه، وحملت خیل أهل الكوفة ليستنقذوا عمراً من الحسين، فاستقبلته بصدورها، وجرحته بحوافرها، ووطئته حتّى مات فانجلت الغبرة فاذا بالحسين قائم على رأس الغلام، وهو يفحص برجله، فقال الحسين: يعزُّ والله على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا يُعينك، أو يعينك فلا يغني عنك، بعداً لقوم قتلوك.

ثمَّ احتمله فكأنّي أنظر إلى رجلي الغلام يخطّان في الأرض، وقد وضع صدره على صدره، فقلت في نفسي: ما يصنع؟ فجاء حتّى ألقاه بين القتلى من أهل بيته.

ثمَّ قال: اللّهم احصهم عدداً واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم احداً، ولا تغفر لهم أبداً؛ صبراً يا بني عمومتي، صبراً يا أهل بيتي لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً.

ثمَّ خرج عبدالله بن الحسن الَّذي ذكرناه أوّلًا وهو الَأصحُّ أنّه برز بعد القاسم وهو يقول:

إن تنكروني فأنا ابن حيدرة *** ضرغام آجام وليث قسورة

ص: 137

على الأعادي مثل ريح صرصرة

فقتل أربعة عشر رجلاً ثمَّ قتله هانيء بن ثُبَیت الحضرميُّ فاسودَّ وجهه.

قال أبو الفرج: كان أبو جعفر الباقر (عليه السلام) يذكر أنَّ حرملة بن كاهل الأسديَّ قتله، وروي عن هانيء بن ثبیت القابضیُّ أنَّ رجلاً منهم قتله.

ثمَّ قال: وأبو بكر بن الحسن بن علَّي بن أبي طالب واُمّه اُمُّ ولد، ذكر المدائنيُّ في إسنادنا عنه، عن أبي مخنف، عن سليمان بن أبي راشد أنَّ عبدالله بن عُقبة الغنويَّ قتله، وفي حديث عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنَّ عقبة الغنويَّ قتله(1).

21- مقتل إخوة الحسين (علیه السلام)

قالوا: ثمَّ تقدَّمت إخوة الحسين عازمين على أن يموتوا دونه، فأوَّل من خرج منهم أبو بكر بن علَّي واسمه عبيد الله واُمّه ليلى بنت مسعود بن خالد ابن ربعيّ التميمية فتقدم وهو يرتجز:

شيخي عليٌّ ذو الفِخار الأطول *** من هاشم الصّدق الكريم المفضل

هذا حسین بن النبيِّ المرسل *** عنه نحامي باُلحسام المصقل

تفديه نفسي من أخٍ مبجّل

فلم يزل يقاتل حتّى قتله زَحرُ بن بدر النخعيُّ وقيل عبيد الله بن عقبة الغنويُّ قال أبو الفرج: لا يعرف اسمه، وذكر أبو جعفر الباقر (عليه السلام) في الاسناد الَّذي تقدَّم أنَّ رجلاً من همدان قتله، وذكر المدائنيُّ أنّه وجد في ساقية مقتولاً لا يدري من قتله.

ص: 138


1- مقاتل الطالبيين ص 61

قالوا: ثمَّ برز من بعده أخوه عمر بن علَّي وهو يقول:

أضربكم ولا أری فیکم زُحَر *** ذاك الشقيُّ بالنبيِّ قد كفر

یا زحريا زحر تدانِ من عمر *** لعلّك اليوم تبوَّء من سقر

شرَّ مكان في حريق وسعر *** لَأنَّك الجاحدُ یا شرَّ البشر

ثمَّ حمل على زحر قاتل أخيه فقتله، واستقبل القوم وجعل يضرب بسيفه ضرباً منكراً وهو يقول:

خلّوا عداة الله خلّوا عن عمر *** خلّوا عن اللّيث العبوس المكفهر

يضربکم بسيفه ولا يفرُّ *** وليس فيها كالجبان المنجحر

فلم يزل يقاتل حتّى قتل.

ثمَّ برز من بعده أخوه عثمان بن علي واُمّه اُمُّ البنين بنت حزام بن خالد من بني كلاب، وهو يقول:

إنّي أنا عثمان ذو المفاخر *** شيخي علي ذو الفعال الظّاهر

وابن عمِّ للنّبي الطّاهر *** أخي حسين خيرة الأخایر

وسيّد الكبار والأصاغر *** بعد الرَّسول والوصيِّ القاصر

فرماه خُولي بن يزيد الأصبحيُّ على جبينه فسقط عن فرسه، وحزَّ رأسه رجل من بني أبان بن حازم، قال أبو الفرج: قال يحيى بن الحسن، عن علي ابن إبراهيم عن عبيد الله بن الحسن وعبد الله بن العباس قالا: قتل عثمان ابن علّي وهو إبن إحدى وعشرين سنة وقال الضحّاك باسناده: إنَّ خولَّي بن یزید رمی عثمان بن علي بسهم فأسقطه(1).

وشدَّ عليه رجل من بني أبان دارم وأخذ رأسه، وروي عن علي (عليه

ص: 139


1- في المصدر، فأوهطه، وهو الأصحّ: يقال أوهطه: أضعفه وأوهنه وأثخنه ضرباً وقيل: صرعة صرعة لا يقوم منها

السلام) أنه قال: إنّما سميّته باسم أخي عثمان بن مظعون(1).

أقول: ولم يذكر أبو الفرج عمر بن علّي في المقتولين يومئذ.

قالوا: ثمَّ برز من بعده أخوه جعفر بن علّي، واُمّه اُمُّ البنين أيضاً، وهو يقول:

إني أنا جعفر ذو المعالي *** ابن علّي الخير ذو النوال

حسبي بعمّي شرفاً وخالي *** أحمي حسيناً ذي النّدى المفضال

ثمَّ قاتل فرماه خُولُّي الَأصبحيُّ فأصاب شقيقته أو عينه.

ثمَّ برز أخوه عبدالله بن علّي وهو يقول:

أنا ابن ذي النجدة والافضال *** ذاك علُّى الخير ذو الفعال

سیف رسول الله ذو النكال *** في كلِّ قوم ظاهر الأهوال

فقتله هانيء بن ثُبَیت الحضرميُّ

22- مقتل العبّاس بن علي (علیه السلام)

قال أبو الفرج: وكان العبّاس رجلًا وسيمًا جميلًا يركب الفرس المطهّم ورجلاه يخطّان في الأرض، وكان يقال له: قمر بني هاشم، وكان لواء الحسين (عليه السلام) معه، حدَّثني أحمد بن سعيد، عن يحيى بن الحسن، عن بكر إبن عبد الوهّاب، عن ابن أبي اُويس عن أبيه، عن جعفر بن محمّد (عليه السلام) قال: عبّأ الحسين بن علّي أصحابه فأعطى رايته أخاه العباس، حدَّثني أحمد بن عيسى، عن حسين بن نصر، عن أبيه، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنَّ زيد بن رقاد وحکیم بن الطُّفيل الطائيَّ قتلا العبّاس بن علي (عليه السلام) وكانت اُمُّ البنين اُمُّ هؤلاء الأربعة

ص: 140


1- مقاتل الطالبيين ص 58

الإخوة القتلى تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجی ندبة وأحرقها، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها، فكان مروان يجييء فيمن يجييء لذلك، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي وذكر ذلك محمّد بن علي بن حمزة، عن النوفلي، عن حمّاد بن عيسى الجهنّي، عن معاوية بن عمّار، عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام)(1).

قالوا: وكان العبّاس السقّاء قمر بني هاشم صاحب لواء الحسين (عليه السلام) وهو أكبر الأخوان، مضي يطلب الماء فحملوا عليه وحمل عليهم وجعل يقول:

لا أرهب الموت إذا الموت رقا *** حتّى أواري في المصاليت لقى

نفسي لنفس المصطفى الطّهر وقي *** إنِّي أنا العبّاس أغدو بالسِّقا

ولا أخاف الشرَّ يوم الملتقى

ففرَّقهم فكمن له زید بن ورقاء من وراء نخلة وعاونه حکیم بن الطُّفيل السنبسيُّ فضربه على يمينه فأخذ السيف بشماله وحمل وهو يرتجز:

والله إن قطعتُم يميني *** إنّي اُحامي أبداً عن ديني

وعن إمام صادق اليقين *** نجل النبيِّ الطاهر الأمين

فقاتل حتّى ضعف، فكمن له الحكم بن الطفيل الطائيُّ من وراء نخلة فضربه على شماله فقال:

يا نفس لا تخشِي من الكفّار *** وأبشري برحمة الجبّار

مع النبيِّ السيد المختار *** قد قطعوا ببغيهم يساري

فأصلِهم يا ربِّ حرَّ النار

فضر به ملعون بعمود من حديد فقتله، فلمّا رآه الحسين (عليه السلام)

ص: 141


1- مقاتل الطالبيين ص 59

صريعاً على شاطىء الفرات بکی وأنشأ يقول:

تعدَّيتمُ یا شرَّ قوم ببغيكم *** وخالفتُم دين النبيِّ محمّد

أما كان خير الرُّسل أوصاكُم بنا *** أما نحن من نجل النبيِّ المسدَّد

أما كانت الزّهراء اُمّي دونكم *** أما كان من خير البريّة أحمد

لُعنتم واُخزيتم بها قد جَنيتم *** فسوف تلاقوا حرَّ نار توقّد

23- وحدة الحسين صلوات الله تعالى عليه

ثمَّ التفت الحسين عن يمينه فلم ير أحداً من الرِّجال، والتفت عن يساره فلم ير أحداً، فخرج علُّي بن الحسین زین العابدین (عليه السلام) وكان مريضاً لا يقدر أن يقلّ سيفه واُمُّ كلثوم تنادي خلفه: يا بنَّي ارجع فقال: یا عمّتاه ذريني اُقاتل بين يدي ابن رسول الله، فقال الحسين (عليه السلام): یا اُمَّ كلثوم خذيه لئلّا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمّد (صلّى الله عليه وآله).

24- مقتل الرّضيع

ولمّا فجع الحسين بأهل بيته وولده، ولم يبق غيره وغير النساء والذَّراري نادي: هل من ذابّ یذبُّ عن حرم رسول الله؟ هل من موحّد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجوا الله في إغاثتنا؟ وارتفعت أصوات النساء بالعويل فتقدَّم (عليه السلام) إلى باب الخيمة فقال: ناولوني عليّاً ابني الطفل حتّى اُودِّعه، فناولوه الصبيَّ.

وقال المفيد: دعا ابنه عبد الله قالوا: فجعل يقبّله وهو يقول: ويل لهؤلاء القوم إذا كان جدُّك محمّد المصطفى خصمهم، والصبيُّ في حجره، إذ رماه

ص: 142

حرملة بن كاهل الأسديُّ بسهم فذبحه في حجر الحسين، فتلقّى الحسين دمه حتّى امتلأت كفّه، ثمَّ رمى به إلى السماء.

وقال السيّد: ثمَّ قال: هوَّن علىّ ما نزل بي أنّه بعين الله، قال الباقر (عليه السلام) فلم يسقط من ذلك الدَّم قطرة إلى الأرض.

قالوا: ثمَّ قال: لا يكون أهون عليك من فصيل، اللّهمَّ إن كنت حبست عنّا النصر، فأجعل ذلك لما هو خير لنا.

25- خروج الحسين (علیه السلام) إلى القتال

ثمَّ قالوا: ثمَّ قام الحسين (عليه السلام) وركب فرسه وتقدَّم إلى القتال وهو يقول:

كفر القوم وقدماً رغبوا *** عن ثواب الله ربِّ الثقلين

قتل القوم عليّاً وابنه *** حسن الخير كريم الأبوين

حنقاً منهم وقالوا أجمعوا *** إحشروا النّاس إلى حرب الحسين

یالقوم من اُناس رُذَّل *** جمع الجمع لأهل الحرمین

ثمَّ ساروا وتواصوا كلّهم *** باجتیاحی لرضاء الملحدین

لم يخافوا الله في سفك دمي *** لعُبيد الله نسل الكافرين

وإبن سعد قد رماني عنوة *** بجنود کوکوف الهاطلين

لا لشيء كان منّي قبل ذا *** غير فخري بضياء النّيرين

بعلي الخير من بعد النبيِّ *** والنبيِّ القرشيِّ الوالدين

خيرة الله من الخلق أبي *** ثمَّ اُمّي فأنا إبن الخیرین

فضّة قد خلصت من ذهب *** فأنا الفضّة وإبن الذَّهبين

من له جدٌّ كجدِّي في الورى *** أو کشيخي فأنا ابن العلمين

ص: 143

فاطم الزَّهراء اُمّي وأبي *** قاصم الكفر ببدر وحنين

عبدالله غلاماً يافعاً *** وقريش يعبدون الوثنين

يعبدون اللّات والعزَّى معاً *** وعلي كان صلّى القبلتين

فأبي شمسٌّ واُمّي قمر *** فأنا الكوكب وإبن القمرين

وله في يوم اُحد وقعة *** شفت الغلَّ بفضِّ العسكرين

ثمَّ في الأحزاب والفتح معاً *** كان فيها حتف أهل الفيلقين

في سبيل الله ماذا صنعت *** اُمّة السوء معاً بالعترتين

عترة البَرِّ النبيِّ المصطفى *** وعلي الورد يوم الجحفلين

ثمَّ وقف (عليه السلام) قبالة القوم وسيفه مُصلت في يده آئساً من الحياة عازماً على الموت وهو يقول:

أنا إبن علِّي الطُّهر من آل هاشم *** كفاني بهذا مَفخراً حين أفخر

وجدّي رسول الله أكرم من مضى *** ونحن سراج الله في الخلق نزهر

وفاطم اُمّي من سلالة أحمد *** وعمّي يُدعى ذا الجناحين جعفر

وفينا كتاب الله اُنزل صادقاً *** وفينا الهدى والوحي بالخير يذكرُ

ونحن أمان الله للناس كلّهم *** نسرُّ بهذا في الأنام ونجهر

ونحنُ ولاة الحوض نسقي ولاتنا *** بكأس رسول الله ما ليس ينكر

وشيعتنا في الناس أكرم شيعة *** ومبغضنا يوم القيامة يخسر

ثمَّ إنّه دعا النّاس إلى البراز، فلم يزل يقتل كلَّ من دنا منه من عيون الرِّجال، حتّى قتل منهم مقتلة عظيمة، ثمَّ حمل ( عليه السلام) على الميمنة، وقال «الموت خير من ركوب العار» ثمَّ على الميسرة وهو يقول:

أنا الحسين بن علي *** آليت أن لا أنثني

أحمي عيالات أبي *** أمضي على دين النبيِّ

ص: 144

قال السيّد: ثمَّ إنَّ الحسين (عليه السلام) دعا النّاس إلى البراز فلم يزل يقتل كلَّ من برز إليه حتّى قتل مقتلة عظيمة وهو في ذلك يقول:

القتل أولى من ركوب العار *** والعار أولى من دخول النّار

قال بعض الرّواة: فوالله ما رأيت مكثوراً قطُّ(1) قد قتل ولده وأهل بيته وصحبه أربط جأشاً منه، وإن كانت الرّجال لتشدُّ عليه فيشدُّ عليها بسيفه فتنكشف عنه انکشاف المعزى إذا شدَّ فيها الذئب، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكّملوا ألفاً فينهزمون بين يديه كأنّهم الجَراد المنتشر، ثمَّ يرجع إلى مركزه وهو يقول: «لا حول ولا قوَّة إلّا بالله العلِّي العظيم»(2).

وقال إبن شهر آشوب ومحمّد بن أبي طالب: ولم يزل يقاتل حتّى قتل ألف رجل وتسعمائة رجل وخمسين رجلاً سوى المجروحين، فقال عمر بن سعد لقومه: الويل لكم أتدرون لمن تقاتلون؟ هذا إبن الَأنزع البطين، هذا إبن قتّال العرب فاحملوا عليه من كلِّ جانب، وكانت الرُّماة أربعة آلاف، فرموه بالسهام فحالوا بينه وبين رحله(3).

وقال إبن أبي طالب وصاحب المناقب والسيّد: فصاح بهم: ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان! إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم وارجعوا إلى أحسابكم إذ كنتم أعراباً، فناداه شمر فقال: ما تقول يا إبن فاطمة؟ قال: أقول: أنا الَّذي اُقاتلكم، وتقاتلوني، والنساء ليس عليهنَّ جناح فامنعوا عُتاتكم عن التعرُّض لحرمي مادمت حيّاً، فقال شمر: لك هذا،

ص: 145


1- المكثور: المغلوب وهو الذي تكاثر عليه الناس فقهروه، قال في التاج وفي حديث مثل الحسين: «ما رأينا مکثوراً أجرأ مقدماً منه»
2- کتاب الملهوف ص 105 ومثله في الطبري ج 6 ص 259 عن عبدالله بن عمّار بن [عبد] هيغوث
3- مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 110

ثمّ صاح شمر: إليكم عن حرم الرَّجل، فاقصدوه في نفسه فلعمري لهو كفو کریم قال: فقصده القوم وهو في ذلك يطلب شربة من ماء، فكلّما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم حتّى أحلوه عنه(1).

وقال إبن شهر آشوب: وروى أبو مخنف عن الجلوديِّ أنَّ الحسين (عليه السلام) حمل على الَأعور السلميّ وعمرو بن الحجّاج الزَّبيدي وكانا في أربعة آلاف رجل على الشريعة، وأقحم الفرس على الفرات، فلمّا أولغ الفرس برأسه ليشرب قال (عليه السلام): أنت عطشان وأنا عطشان والله لاذُقت الماء حتّى تشرب، فلمّا سمع الفرس كلام الحسين (عليه السلام) شال رأسه ولم يشرب كأنّه فهم الكلام، فقال الحسين (عليه السلام) فأنا أشرب فمدَّ الحسين (عليه السلام) يده فغرف من الماء فقال فارس: يا أبا عبد الله تتلذَّذ بشرب الماء وقد هتکت حرمك؟ فنفض الماء من يده، وحمل على القوم، فكشفهم فاذا الخيمة سالمة(2).

قال أبو الفرج: قال(3): وجعل الحسين (عليه السلام) يطلب الماء وشمرٌّ يقول له: والله لا ترده أو ترد النّار فقال له رجل: ألا ترى إلى الفرات یا حسين كأنّه بطون الحيتان والله لا تذوقه أو تموت عطشاً فقال الحسين (عليه السلام): اللّهم أمته عطشاً قال: والله لقد كان هذا الرَّجل يقول: اسقوني ماء فيؤتي بماء فيشرب حتّى يخرج من فيه، ثمَّ يقول: اسقوني قتلني العطش، فلم يزل كذلك حتّى مات(4).

ص: 146


1- اللّهوف ص 106
2- مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 58
3- القائل حمید بن مسلم برواية أبي مخنف
4- مقاتل الطالبيين ص 86

فقالوا: ثمَّ رماه رجل من القوم يكنّى أبا الحتوف الجعفيّ(1) بسهم فوقع السهم في جبهته، فنزعه من جبهته، فسالت الدِّماء على وجه ولحيته، فقال (عليه السلام): اللّهمَّ إنَّك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العُصاة، اللّهمَّ أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً ولا تذر على وجه الأرض منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً.

ثمَّ حمل عليهم كاللّيث المغضب، فجعل لا يلحق منهم أحداً إلَّا بعجه(2) بسيفه فقتله والسّهام تأخذه من كلِّ ناحية وهو يتّقيها بنحره وصدره ويقول: يا اُمّة السوء بئسما خلفتم محمّداً في عترته، أما إنكم لن تقتلوا بعدي عبداً من عباد الله فتهابوا قتله، بل يهون عليكم عند قتلكم إيّاي، وأيم الله إنّي لأرجو أن يكرمني ربّي بالشهادة بهوانكم، ثمَّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون.

قال: فصاح به الحصين بن مالك السّكونُّي فقال: يا إبن فاطمة وبماذا ينتقم لك منّا؟ قال: يلقي بأسكم بينكم ويسفك دماءكم، ثمَّ يصبُّ عليكم العذاب الأليم. ثمَّ لم يزل يقاتل حتّى أصابته جراحات عظيمة.

وقال صاحب المناقب والسيّد: حتّى أصابته اثنتان وسبعون جراحة وقال إبن شهر آشوب: قال أبو مخنف عن جعفر بن محمّد بن علي (عليهم السلام) قال: وجدنا بالحسين ثلاثاً وثلاثين طعنة وأربعاً وثلاثين ضربة، وقال الباقر (عليه السلام): اُصيب الحسين (عليه السلام) ووجد به ثلاث مائة وبضعة وعشرون طعنة برمح وضربة بسيف اُورمية بسهم، وروي ثلاثمائة وستّون جراحة، وقيل ثلاث وثلاثون ضربة سوى السّهام وقيل: ألف وتسعمائة جراحة، وكانت السهام في درعه كالشوك في جلد القُنفذ، وروي أنّها

ص: 147


1- واسمه زیاد بن عبدالرحمن. قيل والصحيح: أبا الجنوب کنی باسم ولده جنوب
2- نفحه خ ل

كانت كلّها في مقدَّمه(1).

قالوا: فوقف (عليه السلام) يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال، فبينما هو واقف إذ أتاه حجر فوقع في جبهته فأخذ الثوب ليمسح الدَّم عن وجهه، فأتاه سهم محدَّد مسموم له ثلاث شعب، فوقع السّهم في صدره - وفي بعض الرِّوايات على قلبه - فقال الحسين (عليه السلام): «بسم الله وبالله وعلى ملَّة رسول الله» ورفع رأسه إلى السَّماء وقال: إلهي إنّك تعلم أنهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن نبي غيره، ثمَّ أخذ السهم فأخرجه من قفاه فانبعث الدَّم كالميزاب، فوضع يده على الجرح فلمّا امتلأت رمی به إلى السّماء، فما رجع من ذلك الدَّم قطرة، وما عرفت الحمرة في السماء حتّى رمي الحسين (عليه السلام) بدمه إلى السماء، ثمَّ وضع يده ثانياً فلمّا امتلأت لطخ بها رأسه ولحيته، وقال: هكذا أكون حتى ألقي جدِّي رسول الله وأنا مخضوب بدمي وأقول: يا رسول الله قتلني فلان وفلان.

ثمَّ ضعف عن القتال فوقف، فكلمّا أتاه رجل وانتهى إليه انصرف عنه حتّى جاءه رجل من كندة يقال له: مالك بن اليسر فشتم الحسين (عليه السلام) وضربه بالسيّف على رأسه وعليه بُرنُس فامتلأ دماً فقال له الحسين (عليه السلام): لا أكلت بها ولا شربت وحشرك الله مع الظّالمين، ثمَّ ألقى البرنس ولبس قلنسوة واعتمَّ عليها وقد أعيا وجاء الكنديُّ وأخذ البرنس وكان من خزّ، فلمّا قدم بعد الوقعة على امرأته فجعل يغسل الدَّم عنه، فقالت له امرأته، أتدخل بيتي بسلب إبن رسول الله؟ اخرج عنّي حشى الله قبرك ناراً، فلم يزل بعد ذلك فقيراً بأسوء حال ویبست يداه وكانتا في الشّتاء ينضحان دماً و في الصّيف تصيران یا بستين كأنّهما عودان.

ص: 148


1- راجع مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 110 و 111. كتاب اللّهوف ص 106 و 114

26- مقتل عبدالله بن الحسن

وقال المفيد والسيّد: فلبثوا هنيئة ثمَّ عادوا إليه وأحاطوا به فخرج عبدالله بن الحسن بن علي (عليه السلام) وهو غلام لم يراهق، من عند النساء يشتدُّ حتّى وقف إلى جنب الحسين (عليه السلام) فلحقته زینب بنت علي (عليه السلام) لتحبسه فقال الحسين (عليه السلام): احبسيه يا اُختي! فأبى وامتنع امتناعاً شديداً وقال: لا والله لا اُفارق عمّي، وأهوى أبجَر بن كعب - وقيل: حرملة بن كاهل - إلى الحسين (عليه السلام) بالسّيف فقال له الغلام: ويلك يا إبن الخبيثة أتقتل عمّي؟ فضربه بالسّيف، فاتّقاه الغلام بیده فأطنّها إلى الجلد فاذا هي معلّقة، فنادى الغلام: يا اُماه فأخذه الحسين (عليه السلام) فضمّه إليه وقال: يابن أخي اصبر على ما نزل بك، واحتسب في ذلك الخير، فانَّ الله يلحقك بآبائك الصّالحين(1). قال السيّد: فرماه حرملة بن کاهل بسهم فذبحه، وهو في حجر عمّه الحسين (عليه السلام).

ثمَّ إنَّ شمر بن ذي الجوشن حمل على فسطاط الحسين (عليه السلام) فطعنه بالرُّمح ثمَّ قال: علَّي بالنار أحرقه على من فيه فقال له الحسين (عليه السلام): يا ابن ذي الجوشن أنت الداعي بالنّار لتحرق على أهلي، أحرقك الله بالنار،- وجاء شبَث فوبّخه فاستحيى وانصرف.

قال: وقال الحسين (عليه السلام): ابعثوا إلي ثوباً لا يُرغب فيه، أجعله تحت ثيابي، لئلا اُجرَّد، فاُثي بتبّان فقال: لا ذاك لباس من ضربت عليه بالذِّلَّة فأخذ ثوباً خلقاً فخرقه وجَعله تحت ثيابه - فلمّا قتل جرَّدوه منه - ثمَّ استدعی الحسين (عليه السلام) بسراويل من حبرة ففزَّرها ولبسها وإنّما فزَّرها لئلّا يسلبها، فلمّا قتل سلبها أبجَر بن کعب وترکه (عليه السلام) مجرَّداً، فكانت

ص: 149


1- الارشاد ص 220. اللّهوف ص 107 و 108

يد أبجر بعد ذلك ييبسان في الصّيف كأنّهما عودان ويترطّبان في الشتاء فینضحان دماً وَقیحاً إلى أن أهلكه الله تعالى.

قال: ولمّا اُثخن بالجراح وبقي كالقُنفذ، طعنه صالح بن وهب المزنُّي على خاصرته طعنة فسقط (عليه السلام) عن فرسه إلى الأرض على خدِّه الأيمن، ثمَّ قام صلوات الله عليه.

27- زینب في المعركة

قال: وخرجت زینب من الفسطاط وهي تنادي: وا أخاه واسيّداه واأهل بیتاه ليت السماء أطبقت على الأرض، وليت الجبال تدكدكت على السهل، وقال: وصاح الشمر: ما تنتظرون بالرَّجل؟ فحملوا عليه من كلِّ جانب فضر به زُرعة بن شريك على كتفه وضرب الحسين زرعة فصرعه، وضر به آخر على عاتقه المقدَّس بالسيّف ضربة كبا (عليه السلام) بها لوجهه، وكان قد أعيا، وجعل (عليه السلام) ينوء ويكبو، فطعنه سنان بن أنس النخعيُّ في ترقوته ثمَّ انتزع الرُّمح فطعنه في بواني صدره ثمَّ رماه سنان أيضاً بسهم فوقع السّهم في نحره فسقط (عليه السلام) وجلس قاعدا، فنزع السّهم من نحره وقرن كفّيه جميعاً وكلّمّا امتلأتا من دمائه خضّب بهما رأسه ولحيته، وهو يقول: هكذا حتّى ألقى الله مخضّباً بدمي، مغصوباً علي حقّي.

28- مقتل الحسين (عليه السلام)

فقال عمر بن سعد لرجل عن يمينه: انزل ويحك إلى الحسين فأرحه، فبدر إليه خَولُّي بن يزيد الأصبحيُّ ليحتزَّ رأسه فارُعد، فنزل إليه سنان بن أنس النخعيُّ فضربه بالسيّف في حلقه الشريف، وهو يقول: والله إنّي لأحتزُّ

ص: 150

رأسك وأعلم أنّك ابن رسول الله وخير الناس أباً واُمّاً، ثمَّ احتزَّ رأسه المقدَّس المعظّم صلّى الله عليه وسلّم وكرَّم.

وروي أنَّ سنانا هذا أخذه المختار فقطع أنامله أنملة أنملة ثمَّ قطع يديه ورجله وأغلى له قِدراً فيها زيت ورماه فيها وهو يضطرب(1).

وقال صاحب المناقب ومحمّد بن أبي طالب: ولما ضعف (عليه السلام) نادی شمر: ما وقوفكم؟ وما تنتظرون بالرَّجل؟ قد أثخنته الجراح والسّهام احملوا عليه ثكلتكم اُمّهاتكم، فحملوا عليه من كلِّ جانب، فرماه الحصين بن تميم في فيه وأبو أيّوب الغنويُّ بسهم في حلقه، وضربه زرعة بن شريك التميميُّ [على كتفه] وكان قد طعنه سنان بن أنس النخعيُّ في صدره، وطعنه صالح بن وهب المزنُّي على خاصرته فوقع (عليه السلام) إلى الأرض على خدِّه الأيمن، ثمَّ استوى جالسا ونزع السّهم من حلقه ثمَّ دنا عمر بن سعد من الحسين (عليه السلام).

قال حميد: وخرجت زینب بنت علّي (عليه السلام) وقُرطاها يجولان بین اُذنيها وهي تقول: ليت السماء انطبقت على الأرض، يا عمر بن سعد أيُقتل أبو عبدالله وأنت تنظر إليه؟ ودموع عمر تسيل على خدَّيه ولحيته، وهو يصرف وجهه عنها، والحسين (عليه السلام) جالس، وعليه جبّة خزَّ وقد تحاماه النّاس، فنادى شمر: ويلكم ما تنتظرون به؟ اقتلوه ثكلتكم اُمّهاتكم، فضربه زُرعة بن شريك فأبان كفّه اليسرى ثمَّ ضربه على عاتقه ثمَّ انصرفوا عنه، وهو يكبو مرَّة ويقوم اُخرى.

فحمل عليه سنان في تلك الحال فطعنه بالرُّمح فصرعه، وقال لخولي بن یزید: احتزّ رأسه! فضعف وارتعدت يده، فقال له سنان: فتَّ الله عضدك،

ص: 151


1- كتاب اللّهوف ص 108 - 112

وابان يدك فنزل إليه شمر لعنه الله وكان اللّعين أبرص، فضر به برجله فألقاه على قفاه ثمَّ أخذ بلحيته، فقال الحسين (عليه السلام): أنت الأبقع الَّذي رأيتك في منامي؟ فقال: أتشبهني بالكلاب؟ ثمَّ جعل يضرب بسيفه مذبح الحسين (عليه السلام) وهو يقول:

أقتلك اليوم ونفسي تعلم *** علمًا يقيناً ليس فيه مزعم

ولا مجال لا ولا تكتّم *** إنَّ أباك خير من تكلّم

وروي في المناقب بإسناده عن عبدالله بن میمون، عن محمّد بن عمرو إبن الحسن قال: كنّا مع الحسين بنهر کربلا ونظر إلى شمر بن ذي الجوشن وكان أبرص فقال: الله أكبر الله أكبر، صدق الله ورسوله قال رسول الله: كأنّي أنظر إلى كلب أبقع يلغ في دم أهل بيتي.

وقال ابن شهر آشوب: روى أبو مخنف عن الجلودیِّ أنّه كان صرع الحسين (عليه السلام) فجعل فرسه يحامي عنه، ويثبُ على الفارس فيخبطه عن سرجه، ويدوسه حتّى قتل الفرس أربعين رجلاً، ثمَّ تمرَّغ في دم الحسين (عليه السلام) وقصد نحو الخيمة وله صهیل عال ويضرب بيديه الأرض.

وقال السيّد رضي الله عنه: فلمّا قتل صلوات الله عليه ارتفت في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة، فيها ريح حمراء، لا ترى فيها عين ولا أثر، حتّى ظنَّ القوم أنَّ العذاب قد جاءهم، فلبثوا كذلك ساعة ثمَّ انجلت عنهم.

29- سلب الحسين (علیه السلام)

قال السيّد: ثمَّ أقبلوا على سلب الحسين (عليه السلام) فأخذ قميصه إسحاق بن حُويّة الحضرميُّ فلبسه فصار أبرص، وامتعط شعره وروي أنّه

ص: 152

وجد في قميصه مائة وبضع عشرة: مابين رمية وطعنة وضربة، وقال الصّادق (عليه السلام): وجد بالحسين (عليه السلام) ثلاث وثلاثون طعنة وأربعة وثلاثون ضربة، وأخذ سراويله أبجَر بن کعب التيميُّ وروي أنّه صار زَمِناً مقعداً من رجليه، وأخذ عمامته أخنس بن مرثد بن علقمة الحضرميُّ وقيل: جابر بن یزید الأوديُّ فاعتمَّ بها فصار معتوهاً، وفي غير رواية السيّد: فصار مجذوماً، وأخذ درعه مالك بن بشير الكنديُّ فصار معتوها.

فقال السيّد: وأخذ نعليه الأسود بن خالد، وأخذ خاتمه بجدل بن سلیم الكلبيُّ فقطع أصبعه (عليه السلام) مع الخاتم، وهذا أخذه المختار فقطع يديه ورجليه وتركّه يتشحطّ في دمه حتّى هلك، وأخذ قطيفة له (عليه السلام) كانت من خزّ قيس بن الأشعث، وأخذ درعة البتراء عمر بن سعد، فلمّا قتل عمر إبن سعد وهبها المختار لأبي عمرة قاتله، وأخذ سيفهُ جَميع بن الخلق الأزديُّ ويقال: رجل من بني تميم، يقال له: الأسود بن حنظلة، وفي رواية إبن سعد: أنّه أخذ سيفه القلافس(1) النهشلُّي وزاد محمّد بن زكريّا أنّه وقع بعد ذلك إلى بنت حبيب بن بديل، وهذا السيّف المنهوب ليس بذي الفقار، وإن ذلك كان مذخوراً ومصوناً مع أمثاله من ذخائر النبوَّة والإمامة، وقد نقل الرُّواة تصديق ما قلناه وصورة ما حكيناه.

قال: وجاءت جارية من ناحية خيم الحسين (عليه السلام) فقال لها رجل: يا أمة الله إنَّ سيّدك قتل، قالت الجارية: فأسرعت إلى سيّدتي وأنا أصيح، فقمن في وجهي وصحن.

ص: 153


1- كذا في المصدر ص 115، وهكذا تذکرة الخواص ص 144، والمصنف اختار كلمة «الفلان» وهي نسخة

30- نهب الخيام وحرقها

قال: وتسابق القوم، على نهب بيوت آل الرَّسول وقرَّة عين الزَّهراء البتول، حتّى جعلوا ينزعون ملحفة المرأة عن ظهرها، وخرجن بنات الرَّسول وحرمه يتساعدن على البكاء، ويندبن لفراق الحُماة والأحبّاء.

وروي حميد بن مسلم قال: رأيت امرأة من بكر بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد فلمّا رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين (عليه السلام) فسطاطهنَّ، وهم يسلبونهنَّ أخذت سيفا وأقبلت نحو الفسطاط، فقالت: يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول الله لا حكم إلّا لله یا ثارات رسول الله، فأخذها زوجها وردَّها إلى رحله.

قال: ثمَّ أخرجوا النساء من الخيمة، وأشعلوا فيها النّار، فخرجن حواسر مسلّبات حافيات باکیات، يمشين سبايا في أسر الذِّلّة، وقلن بحق الله إلّا ما مررتم بنا على مصرع الحسين، فلمّا نظرت النسوة إلى القتلى، صحن وضربن وجوههنَّ.

31- زینب عند الحسين (علیه السلام)

قال: فوالله لا أنسی زینب بنت علي (عليه السّلام) وهي تندب الحسين وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب: وامحمّداه صلّى عليك مليك السماء، هذا حسين مرمّل بالدماء، مقطّع الأعضاء، وبناتك سبايا، إلى الله المشتکی، وإلى محمّد المصطفى، والى على المرتضى وإلى حمزة سيّد الشهداء، وامحمّداه هذا حُسين بالعراء، يسفي عليه الصّبا قتيل أولاد البغایا، یا حزناه یا کرباه، اليوم مات جدُّي رسول الله، يا أصحاب محمّداه، هؤلاء ذرّية المصطفى يساقون سوق السّبايا.

ص: 154

قال: فأبكت والله كلَّ عدوّ وصديق. ثمَّ إنَّ سكينة اعتنقت جسد الحسين (عليه السلام)، فاجتمع عدَّة من الأعراب حتّى جرُّوها عنه.

32- وطیء الأجساد بسنابك الخيول

قال: ثمَّ نادى عمر بن سعد في أصحابه: من ينتدب للحسين فيوطىء الخيل ظهره، فانتدب منهم عشرة وهم إسحاق بن حُويّة الَّذي سلب الحسين (عليه السلام) قميصه، وأخنس بن مرثد، وحکیم بن الطفيل السنبسيُّ، وعمرو بن صُبيح الصّيداوي، ورجاء بن مُنقذ العبديُّ، وسالم بن خيثمة الجعفيُّ، وواحظ بن ناعم، وصالح بن وهب الجعفيُّ، وهانیء بن ثُبیت الحضرميُّ، واُسيد بن مالك، فداسوا الحسين (عليه السلام) بحوافر خيلهم حتّى رضّوا ظهره وصدره.

وقال صاحب المناقب ومحمّد بن أبي طالب: قتل الحسين (عليه السلام) باتّفاق الرِّوايات يوم عاشورا عاشر المحرَّم سنة إحدى وستّين، وهو إبن أربع وخمسين سنة وستّة أشهر ونصف قالا: وأقبل فرس الحسين (عليه السلام) وقد عدا من بين أيديهم أن لا يؤخذ، فوضع ناصيته في دم الحسين (عليه السلام) ثمَّ أقبل يركض نحو خيمة النساء، وهو يصهل ويضرب برأسه الأرض عند الخيمة حتّى مات، فلمّا نظر أخوات الحسين وبناته وأهله إلى الفرس ليس عليه أحد، رفعن أصواتهنَّ بالبكاء والعويل ووضعت اُمَّ کلثوم يدها على اُمِّ رأسها ونادت: وامحمّداه، واجدَّاه، وانبيّاه، واأبا القاساه، واعليّاه، واجعفراه واحمزتاه، واحسناه، هذا حُسين بالعراء، صريع بکربلا، محزوز الرأس من القفا، مسلوب العامة والرداء، ثمّ غُشي عليها.

فأقبل أعداء الله لعنهم الله حتّى أحدقوا بالخيمة، ومعهم شمر، فقال:

ص: 155

ادخلوا فاسلبوا بَزَّتهنَّ، فدخل القوم لعنهم الله فأخذوا ما كان في الخيمة حتّى أفضوا إلى قُرط كان في اُذن اُمِّ كلثوم اُخت الحسين (عليه السلام) فأخذوه وخرموا اُذنها، حتّى كانت المرأة لتنازع ثوبها على ظهرها حتّى تغلب عليه، وأخذ قيس بن الأشعث لعنه الله قطيفة الحسين (عليه السلام) فكان يسمّى قيس القطيفة، وأخذ نعليه رجل من بني أود، يقال له الأسود، ثمَّ مال الناس على الورس والحلي والحلل والابل فانتهبوها

33- علي بن الحسین زین العابدین (علیه السلام)

وقال المفيد رحمه الله: قال حميد بن مسلم: فانتهينا إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) وهو منبسطٌّ على فراش وهو شديد المرض، ومع شمر جماعة من الرّجالة فقالوا له: ألا نقتل هذا العليل! فقلت: سبحان الله أتقتل الصّبيان إنّما هذا صبيُّ وإنّه لما به فلم أزل حتّى دفعتهم عنه، وجاء عمر بن سعد فصاحت النساء في وجهه وبكين، فقال لأصحابه: لايدخل أحد منكم بيوت هؤلاء النساء، ولاتعرضوا لهذا الغلام المريض فسألته النّسوة أن يسترجع ما اُخذ منهنَّ ليستترن به، فقال: من أخذ من متاعهم شيئاً فليردَّه. فوالله ماردَّ أحد منهم شيئاً، فوكّل بالفسطاط وبيوت النساء وعلي بن الحسين جماعة ممّن كان معه، وقال: إحفظوهم لئلّا يخرج منهم أحد ولا يُساء إليهم.

34- رؤوس الشهداء

وقال محمّد بن أبي طالب: ثمَّ إنَّ عمر بن سعد سرَّح برأس الحسين (عليه السلام) يوم عاشورا مع خولي بن يزيد الأصبحيّ، وحميد بن مسلم إلى ابن زیاد ثمَّ أمر برؤوس الباقين من أهل بيته وأصحابه فقطّعت وسرّح

ص: 156

بها مع شمر بن ذي الجوشن إلى الكوفة وأقام ابن سعد يومه ذلك وغده إلى الزوال فجمع قتلاه فصلّى عليهم ودفنّهم، وترك الحسين وأصحابه منبوذين بالعراء، فلمّا ارتحلوا إلى الكوفة عمد أهل الغاضريّة من بني أسد، فصلّوا عليهم ودفنوهم، وقال ابن شهر آشوب: وكانوا يجدون لأكثرهم قبوراً ویر پون طيوراً بيضا.

ص: 157

ص: 158

خاتمة:

ص: 159

ص: 160

خاتمة في الزيارة المشتملة على أسماء الشّهداء

ولنذكر هنا زيارة أوردها السيّد في كتاب الاقبال يشتمل على أسماء الشهداء وبعض أحوالهم رضوان الله عليهم وأسماء قاتليهم لعنهم الله.

قال: روینا بإسنادنا إلى جدِّي أبي جعفر الطوسيّ، عن محمّد بن أحمد إبن عيّاش، عن الشيخ الصّالح أبي منصور بن عبدالمنعم بن النعمان البغداديّ رحمهم الله قال: خرج من النّاحية سنة اثنتين وخمسين ومائتين على يد الشيخ محمّد بن غالب الاصفهاني حين وفاة أبي رحمه الله وكنت حديث السنَّ، وكتبت أستأذن في زيارة مولاي أبي عبدالله (عليه السلام) وزيارة الشهداء رضوان الله عليهم فخرج إلي منه.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم إذا أردت زيارة الشهداء رضوان الله عليهم فِقف عند رجلي الحسين (عليه السلام) وهو قبر علي بن الحسين (عليهما السلام) فاستقبل القبلة بوجهك فانَّ هناك حومة الشّهداء وأومیء وأشر إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) وقل:

السَّلام عَلَیْكَ یا أَوَّلَ قَتیلٍ مِنْ نَسْلِ خَیْرِ سَلیلٍ مِنْ سُلالَهِ إبراهِیْمَ الخَلِیلِ، صلّی اللَّه عَلَیْكَ وَعلی أبیكِ، إذْ قالَ فیكَ: قَتَلَ اللَّهُ قَوْماً قَتَلوكَ یا بُنَیَّ! ما أَجرأَهُمْ علی اْلرَّحْمنِ، وعَلَی انْتِهاكِ حُرمَهِ الرَّسُولِ عَلی الدُّنیا بَعْدكَ العَفا، کأنّی بِكَ بَینَ یَدَیهِ ماثلًا، ولِلکافِرِینِ قائلًا:

أَنَا عَلیُّ بْنُ الحُسینِ بْنِ عَلیّ *** نحنُ وبیتِ اللَّهِ أَوْلی بِالنَبیّ

ص: 161

أُطْعِنُکُمْ بِالرُّمْحِ حَتّی یَنْثَنی *** أَضْرِبُکُمْ بِاْلسَّیْفِ أَحْمی عَنْ أبی

ضَرْبَ غُلامٍ هاشِمیّ عَرَبی *** وَاللَّهِ لا یَحْکُمْ فینا ابْنُ الدّعیّ

حَتّی قَضَیْتَ نَحْبَكَ، وَلَقَیْتَ رَبَّكَ، أَشهَدُ أنّكَ أوْلی بِاللَّهِ وَبِرَسُولِه، وَأَنَّكَ اْبنُ رَسولِهِ، وحُجَّتِهِ وَأمِینهِ وابنُ حُجَّتِهِ وَأمِینهِ حَکَمَ اللَّهُ لكَ علی قاتِلِكَ مُرَّهَ بنِ مُنْقِذِ بْنِ النُّعمانِ العَبْدیِّ - لَعَنَهُ اللَّهُ وأَخزَاهُ - وَمَنْ شَرِکَهُ فی قتلِكَ، وَکانُوا عَلَیكَ ظَهیراً، وَأَصْلاهُمُ اللَّهُ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصیراً، وَجَعَلَنا اللَّهُ مِنْ مُلاقیكَ، وَمُرافِقی جَدِّكَ وَأَبیكَ وعمِّكَ وَأخیكَ، وَأُمِّكَ الْمَظْلومَهَ، وَأَبرَءُ إِلَی اللَّهِ مِنْ أَعْدائِكَ اولی اْلجُحودِ، السَّلامُ عَلَیْكَ وَرَحْمَهُ اللَّهِ وَبَرَکاتُهُ.

السَّلامُ عَلی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحسینِ، الطِّفلِ الرَّضیعِ، المَرْمیِّ الصَّرِیعِ المُتَشَحِّطِ دَماً، المُصَعَّدِ دَمُهُ فی السَّماءِ، المَذْبوحِ بِالسّهْمِ فی حِجْرِ أبیهِ لَعَنَ اللَّهُ رامِیهِ حَرْمَلَهَ بنَ کاهلٍ الأسدیّ وَذَوِیْهِ.

السَّلامُ عَلی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَمیرِ الْمُؤْمِنِینَ، مُبْلِی الْبَلاءِ، وَالْمُنادِی بِالْوِلاءِ فی عَرَصَهِ کَربَلاءَ، المَضْرُوبِ مُقْبِلًا وَمُدْبراً، لَعَنَ اللَّه قاتِلهُ هانِیءَ بْنُ ثُبَیْتٍ الحَضْرَمیّ.

السَّلامُ عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوَاسِي أَخَاهُ بِنَفْسِهِ، الاآخِذِ لِغَدِهِ مِنْ أَمْسِهِ، الْفَادِي لَهُ، الْوَاقِي السَّاعِي إِلَيْهِ بِمَائِهِ الْمَقْطُوعَةِ يَدَاهُ - لَعَنَ اللّهُ قَاتِلِيهِ يَزِيدَ بْنَ الرُّقادِ الجُهَنیَّ، وَحَكِيمَ بْنَ الطُّفَيْلِ الطَّائِيَّ.

السَّلامُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، الصَّابِرِ نَفْسَهُ مُحْتَسِباً، وَالنَّائِي عَنِ الْأَوْطَانِ مُغْتَرِباً، الْمُسْتَسْلِمِ لِلْقِتَالِ، الْمُسْتَقْدِمِ لِلنِّزَالِ، الْمَكْثُورِ بِالرِّجَالِ، لَعَنَ اللّهُ قَاتِلَهُ هَانِيءَ بْنَ ثُبَيْتٍ الْحَضْرَمِيَّ.

ص: 162

السَّلامُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، سَمِيِّ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، لَعَنَ اللّهُ رَامِيَهُ بِالسَّهْمِ خُولِيَ بْنَ يَزِيدَ الْأَصْبَحِيَّ الْإِيَادِيَّ، وَالْأَبَانِيَّ الدَّارِمِىَّ(1).

السَّلامُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، قَتِيلِ الْأَبَانِيِّ الدَّايِّ(2) لَعَنَهُ اللّهُ، وَضَاعَفَ عَلَيْهِ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ، وَصَلَّى اللّهُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ الصَّابِرِينَ.

السَّلامُ عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ الْحَسَنِ الزَّكِيِّ الْوَلِيِّ، الْمَرْمِيِّ بِالسَّهْمِ، الرَّدِيِّ، لَعَنَ اللّهُ قَاتِلَهُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُقْبَةَ الْغَنَوِيَّ.

السَّلامُ عَلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَسَنِ الزَّكِيِّ، لَعَنَ اللّهُ قَاتِلَهُ وَرَامِيَهُ حَرْمَلَةَ بْنَ كَاهِلَ الْأَسْدِيَّ.

السَّلامُ عَلَى الْقَاسِمِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، الْمَضْرُوبِ [علی] هَامَتُهُ الْمَسْلُوبِ لاَمَتُهُ، حِينَ نَادَى الْحُسَيْنَ عَمَّهُ، فَجَلاَ عَلَيْهِ عَمُّهُ كَالصَّقْرِ، وَهُوَ يَفْحَصُ بِرِجْلِهِ التُّرَابَ، وَالْحُسَيْنُ يَقُولُ: «بُعْداً لِقَوْمٍ قَتَلُوكَ، وَمَنْ خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَدُّكَ وَأَبُوكَ».

ثُمَّ قَالَ: «عَزَّ وَاللّهِ عَلَى عَمِّكَ أَنْ تَدْعُوهُ فَلاَ يُجِيبُكَ، أَوْ يُجِيبُكَ وَأَنْتَ قَتِيلٌ جَدِيلٌ فَلاَ يَنْفَعُكَ، هذَا وَاللّهِ يَوْمٌ كَثُرَ وَاتِرُهُ وَقَلَّ نَاصِرُهُ، جَعَلَنِي اللّهُ مَعَكُمَا يَوْمَ جَمْعِكُمَا، وَبَوَّأَنِي مُبَوَّأَكُمَا، وَلَعَنَ اللّهُ قَاتِلَكَ عَمْرَو بْنَ سَعْدِ بْنِ نَفِيلٍ الْأَزْدِيِّ وَأَصْلاَهُ جَحِيماً، وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً أَلِيماً.

السَّلامُ عَلَى عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الطَّيَّارِ فِي الْجِنَانِ، حَلِيفِ الْإِيمَانِ، وَمُنَازِلِ الْأَقْرَانِ، النَّاصِحِ لِلرَّحْمنِ، التَّالِي لِلْمَثَانِي وَالْقُرْآنِ، لَعَنَ اللّهُ

ص: 163


1- یريد رجلاً من بني أبان بن دارم
2- یريد رجلاً من بني أبان بن دارم

قَاتِلَهُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ قُطَيَّةَ النَّبَهَانِيِّ.

السَّلامُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، الشَّاهِدِ مَكَانَ أَبِيهِ، وَالتَّالِي لِأَخِيهِ، وَوَاقِيهِ بِبَدَنِهِ، لَعَنَ اللّهُ قَاتِلَهُ عَامِرَ بْنَ نَهْشَل التّمِيميِّ.

السَّلامُ عَلَى جَعْفَر بْنِ عَقِيل، لَعَنَ اللّهُ قَاتِلَهُ وَرامیَهُ بِشْرَ بْنَ حُوطٍ الْهَمْدَانِيِّ.

السَّلامُ عَلَى عَبْدِ الرَّحمنِ بْنِ عَقِيلٍ، لَعَنَ اللّهُ قَاتِلَهُ وَرَامِيَهُ عَثمانَ بْنَ خَالِدِ بْنِ أَسَدٍ الْجُهَنِّيَّ(1).

السَّلامُ عَلَى الْقَتِيلِ ابْنِ الْقَتِيلِ: عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ، وَلَعَنَ اللّهُ قاتِلَهُ عامِرَ بنَ صَعصَعَةَ [وقیلَ أَسَدَ بنَ مالِك].

السّلاَمُ عَلَی أَبی عَبَیْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِیلٍ، وَلَعَنَ اللهُ قاتِلَهُ وَرَامِیهُ عَمْرَو بْنَ صَبِیحِ الصَّیْدَاوِیّ.

السَّلامُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ عَقِيلٍ، وَلَعَنَ اللّهُ قَاتِلَهُ لَقِيطَ بْنَ نَاشِرِ(2) الْجُهَنِيَّ.

السَّلامُ عَلَى سُلَيْمَانَ مَوْلَى الْحُسَيْنِ ابْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَعَنَ اللّهُ قَاتِلَهُ سُلَيْمَانَ بْنَ عَوْفٍ الْحَضْرَمِيَّ.

السَّلامُ عَلَى قَارِبٍ مَوْلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ.

السَّلامُ عَلَى مُنْجِحٍ مَوْلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ.

السَّلامُ عَلَى مُسْلِمِ بْنِ عَوْسَجَةَ الْأَسَدِيِّ، الْقَائِلِ لِلْحُسَيْنِ وَقَدْ أَذِنَ لَهُ

ص: 164


1- في بعض النسخ: عمر بن خالد بن أسد، وهو تصحيف
2- لقيط بن یاسر خل

فِي الاْءِنْصِرَافِ: أَنَحْنُ نُخَلِّي عَنْكَ؟ وَبِمَ نَعْتَذِرُ إِلَى اللّهِ مِنْ أَدَاءِ حَقِّكَ، وَلاَ وَاللّهِ حَتَّى أَكْسِرَ فِي صُدُورِهِمْ رُمْحِي هذا، وَأَضْرِبَهُمْ بِسَيْفِي مَا ثَبَتَ قَائِمُهُ فِي يَدِي، وَلاَ أُفَارِقُكَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعِي سِلاَحٌ أُقَاتِلُهُمْ بِهِ لَقَذَفْتُهُمْ بِالْحِجَارَةِ، ثُمَّ لَمْ أُفَارِقْكَ حَتَّى أَمُوتَ مَعَكَ.

وَكُنْتَ أَوَّلَ مَنْ شَرَى نَفْسَهُ، وَأَوَّلَ شَهِيدٍ شَهَدَ للّهِ قَضَى نَحْبَهُ فَفُزْتَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، وَشَكَرَ اللّهُ اسْتِقْدَامَكَ وَمُوَاسَاتَكَ إِمَامَكَ، إِذْ مَشَى إِلَيْكَ واَنْتَ صَرِيعٌ، فَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللّهُ يَا مُسْلِمَ بْنَ عَوْسَجَةَ وَقَرَأ: « فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً» لَعَنَ اللّهُ الْمُشْتَرِكِينَ فِي قَتْلِكَ: عَبْدَ اللّهِ الضِّبابیَّ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ خُشکارَةَ الْبَجَلیَّ، وَمُسْلِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الضِّبابیِّ.

السَّلامُ عَلَى سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْحَنَفِيِّ، الْقَائِلِ لِلْحُسَيْنِ وَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِنْصِرَافِ: لاَ نُخَلِّيكَ حَتَّى يَعْلَمَ اللّهُ أَنَّا قَدْ حَفِظْنَا غَيْبَةَ رَسُولِ اللّهِ (صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِيكَ، وَاللّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَى ثُمَّ أُحْرَقُ ثُمَّ أُذْرَى وَيُفْعَلُ ذلِكَ بِي سَبْعِينَ مَرَّةً مَا فَارَقْتُكَ، حَتَّى أَلْقَى حِمَامِي دُونَكَ وَكَيْفَ أَفْعَلُ ذلِكَ وَإِنَّمَا هِي مَوْتَةٌ أَوْ قَتْلَةٌ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ هِيَ بَعْدَهَا الْكَرَامَةَ الَّتِي لاَ انْقِضَاءَ لَهَا أَبَداً. فَقَدْ لَقِيتَ حِمَامَكَ، وَوَاسَيْتَ إِمَامَكَ، وَلَقِيتَ مِنَ اللّهِ الْكَرَامَةَ فِي دَارِ الْمُقَامَةِ، حَشَرَنَا اللّهُ مَعَكُمْ فِي الْمُسْتَشْهِدِينَ، وَرَزَقَنَا مُرَافَقَتَكُمْ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ.

السَّلامُ عَلَى بِشْرِ بْنِ عُمَرِ الْحَضْرَمِيِّ، شَكَرَ اللّهُ لَكَ قَوْلَكَ لِلْحُسَيْنِ وَقَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الْإِنْصِرَافِ: أَكَلَتْنِي إِذًا السِّبَاعُ حَيّاً إِذَا فَارَقْتُكَ وَأَسْأَلُ عَنْكَ الرَّكْبَانَ، وَأَخْذُلُكَ مَعَ قِلَّةَ الْأَعْوَانِ، لاَ يَكُونُ هذَا أَبَداً.

السَّلامُ عَلَى يَزِيد بْنِ حُصَيْنٍ الْهَمدَانِي المشرقيّ الْقَارِي، المُجَدَّلِ

ص: 165

بِالْمَشْرَفِّي. السَّلامُ عَلَى عُمْرَ بْنِ كَعْبٍ الأنْصَارِي.

السَّلامُ عَلَى نَعِيمِ بْنِ عَجْلانِ الأَنْصَارِي.

السَّلامُ عَلَى زُهَيْرِ بْنِ الْقَيْنِ الْبَجَلِيِّ، الْقَائِلِ لِلْحُسَيْنِ وَقدْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِنْصِرَافِ: لاَ وَاللّهِ لاَ يَكُونُ ذلِكَ أَبَداً، أَتْرُكُ ابْنَ رَسُولِ اللّهِ أَسِيراً فِي يَدِ الْأَعْدَاءِ، وَأَنْجُو؟ لاَ أَرَانِيَ اللّهُ ذلِكَ الْيَوْمَ.

السَّلامُ عَلَى عَمْرِو بْنِ قُرْظَةَ الْأَنْصَارِيِّ. السَّلامُ عَلَى حَبِيبِ بْنِ مُظَاهِرٍ الْأَسَدِيِّ. السَّلامُ عَلَى الْحُرِّ بْنِ يَزِيدِ الرِّيَاحِيِّ.

السَّلامُ عَلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَيْرٍ الْكَلْبِيِّ.

السَّلامُ عَلَى نَافِعِ بْنِ هِلاَلِ الْبَجَلِيِّ(1) الْمُرَادِيِّ.

السَّلامُ عَلَى أَنَسِ بْنِ كَاهِلِ الْأَسْدِيِّ.

السَّلامُ عَلَى قَيْسِ بْنِ مُسْهِرِ الصَّيْدَاوِيِّ.

السَّلامُ عَلَى عَبْدِ اللّهِ وَعَبْدِ الرَّحْمنِ ابْنَيْ عُرْوَةَ بْنِ حَرَّاقٍ الْغِفَارِيَّيْنِ.

السَّلامُ عَلَى جَوْنَ مَوْلَى أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ.

السَّلامُ عَلَى شَبِيبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ النَّهْشَلِيِّ. السَّلامُ عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ يَزِيدَ السَّعْدِيِّ. السَّلامُ عَلَى قَاسِطٍ وَكِرْشٍ(2) ابْنَيْ زُهَيْرٍ التَّغْلِبِيَّيْنِ.

السَّلامُ عَلَى كِنَانَةِ بْنِ عَتِيقٍ. السَّلامُ عَلَى ضَرْغَامَةَ بْنَ مَالِكٍ.

السَّلامُ عَلَى جُوَيْنِ بْنِ مَالِكٍ الضَّبُعِيِّ. السَّلامُ عَلَى عَمْرِو بْنِ ضُبَيْعَةَ [الضَّبُعِيِّ]. السَّلامُ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثُبَيْتٍ الْقَيْسيِّ.

ص: 166


1- هو في الطبري ج 6 ص 253 وكامل إبن الأثير ج 4 ص 29 والبداية ج 8 ص 184 «الجملي» نسبة إلى جمل بن كنانة
2- کردوس خل

السَّلامُ عَلَى عَبْدِ اللّهِ وَعُبَيْدِ اللّهِ ابْنَي يَزِيْدَ بْنِ ثُبَيْتٍ الْقَيْسِيِّ.

السَّلامُ عَلَى عَامِرِ بْنِ مُسْلِمٍ. السَّلامُ عَلَى قَعْنَبِ بْنِ عَمْرٍو النَّدِّي النَّمْرِيِّ.

السَّلامُ عَلَى سَالِمٍ مَوْلَى عَامِرِ بْنِ مُسْلِمٍ. السَّلامُ عَلَى سَيْفِ بْنِ مَالِكٍ. السَّلامُ عَلَى زُهَيْرِ بْنِ بِشْرٍ الْخَثْعَمِيِّ. السَّلامُ عَلَى بَدْرِ بْنِ مَعْقِلٍ الْجُعْفِيِّ.

السَّلامُ عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ مَسْرُوقٍ الْجُعْفِي.

السَّلامُ عَلَى مَسْعُودِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَابْنِهِ. السَّلامُ عَلَى مَجْمَعِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْعَائِدِيِّ. السَّلامُ عَلَى عَمَّارِ بْنِ حَسَّانِ حَيّانِ بْنِ شُرَيْحٍ الطَّائِيِّ.

السَّلامُ عَلَى حَبابِ بْنِ الْحَارِثِ السَّلْمَانِيِّ الْأَزْدِيِّ.

السَّلامُ عَلَى جُنْدُبِ بْنِ حِجْرِ الْخَوْلاَنِيِّ. السَّلامُ عَلَى عُمَرَ بْنِ خَالِدِ الصَّيْدَاوِيِّ. السَّلامُ عَلَى سَعِيدٍ مَوْلاَهُ. السَّلامُ عَلَى يَزِيدَ بْنِ زِيَادِ بْنِ مُهاصِرِ الْكِنْدِيِّ. السَّلامُ عَلَى زَاهِرٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْحَمْقِ الْخُزَاعِيِّ. السَّلامُ عَلَى جَبَلَةِ بْنِ عَلِيٍّ الشَّيْبَانِي.

السَّلامُ عَلَى سَالِمٍ مَوْلَى بَنِي الْمَدِينَةِ الْكَلْبِيِّ. السَّلامُ عَلَى أَسْلَمِ بْنِ كَثِيرٍ الْأَزْدِيِّ الَأعرَجِ. السَّلامُ عَلَى زُهَیرِ بنِ سُلَیمِ الْأَزْدِيِّ.

السَّلامُ عَلَى قَاسِمِ بْنِ حَبِيبِ الْأَزْدِيِّ. السَّلامُ عَلَى عُمَر بْنِ جُندَبِ الْحَضْرَمِيِّ. السَّلامُ عَلَى أَبِي ثُمَامَةَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الصَّائِدِيِّ.

السَّلامُ عَلَى حَنْظَلَةَ بْنِ أَسْعَدَ الشَّامِيِّ. السَّلامُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْكَدَر الْأَرْحَبِيِّ. السَّلامُ عَلَى عَمَّارِ بْنِ أَبِي سَلاَمَةَ الْهَمْدَانِيِّ. السَّلامُ عَلَى عَابِسِ(1) بْنِ شَبِيبِ الشَّاكِرِيِّ.

ص: 167


1- في الأصل: عائش

السَّلامُ عَلَى شَوْذَبَ مَوْلَى شَاكِرٍ. السَّلامُ عَلَى شَبِيبِ بْنِ الْحَارثِ بْنِ سَرِيعٍ. السَّلامُ عَلَى مَالِكِ بْنِ عَبْدِاللّهِ بْنِ سَرِيعٍ.

السَّلامُ عَلَى الْجَرِيحِ الْمَأْسُورِ سَوَّارِ بْنِ أَبِي حَمِيرِ الْفَهْمِيِّ الْهَمْدَانِيِّ. السَّلامُ عَلَى الْمُرْتَب مَعَهُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْجَنْدَعِيِّ.

السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا خَيْرَ أَنْصَارٍ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ. بَوَّأكُمُ اللّهُ مُبَوَّءَ الْأَبْرَارِ، اَشْهَدُ لَقَدْ كَشَفَ اللّهُ لَكُمُ الْغِطَاءَ، وَمَهَّدَ لَكُمُ الْوِطَاءَ، وَأَجْزَلَ لَكُمُ الْعَطَاءَ، وَكُنْتُمْ عَنِ الْحَقِّ غَيْرَ بَطَاءٍ، وَأَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌاءَ، وَنَحْنُ لَكُمْ خُلَطَاءُ فِي دَارِ الْبَقَاءِ. وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَركَاتُهُ.

ص: 168

الفهرس

مقدمة...5

الفصل الأول: الحسين (علیه السلام) في مدينة الرسول (ص):...9

1- موقف الحسين (علیه السلام) بعد وفاة أخيه...11

2- هلاك معاوية وكتاب يزيد إلى المدينة...11

3- الحسين (علیه السلام) عند أمير المدينة...11

4- لقاء الامام بمروان...13

5- خروج الحسين (علیه السلام) من المدينة...14

- وصيّة الحسين (علیه السلام) لأخيه ابن الحنفيّة...15

7- خروج الامام (علیه السلام) إلى مكة...17

الفصل الثاني: الحسين (علیه السلام) في مكة...19

1- نزول الامام (علیه السلام) بمكة...21

2- اجتماع الشيعة في الكوفة...21

3- كتب أهل الكوفة...21

4- کتاب الامام لأهل الكوفة...23

الفصل الثالث: سفير الحسين (علیه السلام) إلى الكوفة...25

ص: 169

1- خطبة النعمان بن بشير الوالي الأموي على الكوفة...27

2- کتب شیعة بني اُميّة إلى يزيد...28

3- استشارة يزيد من سرجون الرّومي...28

4- کتاب يزيد إلى ابن زیاد...29

5- اهل البصرة وكتاب الحسين إِليهم...29

6- نزول ابن زياد الكوفة...31

7- خطبة ابن زیاد بالكوفة...33

8- اهل الكوفة عند مسلم وامر معقل الشامي...35

9- هانيء عند ابن زیاد...39

10- مذحج عند القصر...41

11- خطبة ابن زیاد بعد حبس هانیء...42

12- خروج مسلم بن عقیل (علیه السلام)...43

13- تخذيل الاشراف للناس عن مسلم (علیه السلام)...43

14- تفرّق النّاس عن مسلم (علیه السلام)...44

15- مسلم في دار طوعة...45

16- خروج ابن زیاد إلى المسجد وخطبته...46

17- مقاتلة مسلم في الكوفة...47

18- أسر مسلم (علیه السلام)...49

19- مسلم على باب القصر...50

20- دخول مسلم (علیه السلام) على ابن زیاد...51

21- موقف مسلم (علیه السلام) عند ابن زیاد...52

22- مقتل مسلم عليه السلام...53

ص: 170

23- مقتل هانيء بن عروة...55

46- کتاب ابن زیاد إلى يزيد - لعنهما الله - بقتل مسلم وهانیء رضوان الله عليهما...56

الفصل الرابع: خروج الحسين (علیه السلام) من مكة إلى العراق...59

1- منزل ذات عرق...64

2- منزل الحاجر وكتاب الامام (علیه السلام) إلى أهل الكوفة...65

3- ماء من مياه العرب...66

4- لقاء زهير بالحسين (علیه السلام)...67

5- منزل زرود...68

6- الثعلبية...69

7- منزل زبالة...69

8- بطن العقبة...70

9- منزل شراف ولقاؤه (علیه السلام) بالحر...71

10- خطبة الامام في أصحاب الحرّ...72

11- الخطبة الثانية...73

12- قصر بني مقاتل...75

الفصل الخامس: نزول الحسين (علیه السلام) بكربلاء...79

1- منزل نینوی وكتاب ابن زیاد للحرّ...81

2- خطبة الحسين (علیه السلام) عند نزوله بكربلاء...82

3- كتاب ابن زیاد إلى الحسين صلوات الله عليه...85

ص: 171

4- نزول ابن سعد بكربلاء...86

5- كتاب ابن سعد إلى ابن زیاد...87

6- كتاب ابن زیاد إلى ابن سعد جواباً...87

7- خطبة ابن زیاد في أهل الكوفة...88

8- دعوة حبيب لبني أسد إلى نصرة الحسين...89

9- العبّاس (علیه السلام) يطلب الماء...91

10- لقاء الحسين (علیه السلام) بابن سعد...91

11- ليلة التاسع من محرّم...92

12- خطبة الامام (علیه السلام) ليلة عاشوراء...94

13- الحسين (علیه السلام) وزينب ليلة العاشر...96

الفصل السادس: أحداث يوم عاشوراء...99

1- خطبة برير بن خضير...102

2- خطبة الامام (علیه السلام) یوم عاشوراء...103

3- توبة الحر...108

4- الحملة الأُولى...110

5- مقتل الحرّ...110

6- مقتل ساير أصحاب الحسين عليه السلام...112

7- الحملة الثانية:...116

8- مقتل مسلم بن عوسجة...117

9- الحملة الثالثة...118

10- صلاة الحسين (علیه السلام) في ظهر عاشوراء...119

ص: 172

11- مقتل عمرو بن قرظة الأنصاري...120

12- مقتل جون مولى أبي ذر الغفاري...121

13- مقتل زهير بن القين...124

14- مقتل حبیب بن مظاهر...125

15- مقتل عابس بن أبي شبيب الشاكري...128

16- الأخوان الغفاریان...129

17- الأخوان الجابریان...131

18- مقتل علي بن الحسين الأكبر (علیه السلام)...131

19- مقتل أولاد جعفر وعقيل...134

20- مقتل القاسم بن الحسن (علیه السلام)...136

21- مقتل إِخوة الحسين (علیه السلام)...138

22- مقتل العباس بن علي عليه السلام...140

23- وحدة الحسين صلوات الله تعالى عليه...142

24- مقتل الرّضيع...142

25- خروج الحسين (علیه السلام) إلى القتال...143

26- مقتل عبدالله بن الحسن...149

27- زینب في المعركة...150

28- مقتل الحسين (عليه السلام)...150

29- سلب الحسين (علیه السلام)...152

30- نهب الخيام وحرقها...154

31- زینب عند الحسين (علیه السلام)...154

32- وطیء الأجساد بسنابك الخيول...155

ص: 173

33- علي بن الحسین زین العابدین...156

34- رؤوس الشهداء...156

خاتمة في الزيارة المشتملة على أسماء الشهداء...161

الفهرس...169

ص: 174

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.