بطاقة تعريف:الرَّجٰائي، السّیدِ مُحمَّدِ، 1310-1400.
عنوان واسم المؤلف: المنهج القویم في اثبات الامامة من الذکر الحکیم: اول کتاب في بابه یعني تدراسه.../ تالیف السّیدِ مُحمَّدِ الرَّجٰائي.
تفاصيل المنشور: إصفهان: بهار قلوب، 1420ق.= 1378.
مواصفات المظهر: 255ص.
ISBN : 964-92392-4-3
ملاحظة : العربیة.
ملاحظة: الببليوغرافيا مترجمة.
عنوان : علي بن أبي طالب (علیه السلام)، امام اول، 23 قبل الهجرة - 40 ه_ - إثبات الخلافة
عنوان :الإمامة
الإمامة - الجوانب القرآنية
ترتيب الكونجرس: BP223/ر3م 8 1378
تصنيف ديوي: 297/45
رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 79-1654
في اِثبٰاتِا لامَامَۃ مِنَ الذّکٚرِ الحَکیمِ
أوّل كتاب في بابه یُعْني بدراسة مسألة الإمامة
حكماً وموضوعاً ويُبيّن خصائص الإمام وصفاته على
ضوء مُعْطيات الآيات القرآنية فحسب
الجزء الأول والثاني
تَأليفُ
السّیدِ مُحمَّدِ الرَّجٰائي
ص: 1
الطبعة الثانية مزيدة ومنقّحة
جميع حقوق الطبع محفوظة ومسجّلة للناشر
الكتاب......................................... المنهج القويم
الموٴلف............................... السيّد محمّد الرجائي
الناشر ................ مؤسسة عاشوراء - قم المقدسة
الطبعة ...................... الأولى للناشر/ 627ھ 2009م
المطبعة ..................................................... کوثر
عدد المطبوع ................................. «1000» نسخه
الترقيم الدولي 7 - 12 - 7293 - 996
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله علىٰ أشرف الخلائقأجمعين وخاتم الأنبياء والمرسلين محمّد وعلىٰ آله الطاهرين، ولعنة الله علىٰ أعدائهم أجمعين إلىٰ يوم الدين .
وبعد، فهذه فصول تتضمّن آيات من الكتاب الكريم تدلّ علىٰ الشرائط المعتبرة في من يستحقّ الخلافة عن النبي صلّی الله علیه وآله .
إنّ القرآن الكريم يدلّ علىٰ أنّ نبينا سیّد المرسلين، وأشرف الخلائق أجمعين أبا القاسم محمّداً صلّی الله علیه وآله هو معصوم من السهو والخطأ، وعالم بالكتاب الذي هو تبيان لكلّ شيء، أجرى الله تعالىٰ علىٰ يده المعجزات الدالّة علىٰ رسالته منه تعالىٰ، و من أكبر تلك المعجزات القرآن الكريم .
كما أنّ له معجزات اُخرى لمن لم يقنع بمعجزة القرآن من تسبيح الحصىٰ، وشقّ القمر، وغيرهما، وقد أرسله الله تعالىٰ إلى الإنس والجنّ، كما قال عز وجلّ: ( وإذ صرفنا إليك نفراً من الجنّ يستمعون القرآن فلمّا حضروه قالوا انصتوا فلمّا قضيولّوا إلىٰ قومهم منذرین) .
ص: 3
ولمّا توفّاه الله تعالىٰ اختلفت اُمّته في خليفته، فقالت طائفة: إنّ خليفته علىٰ جميع الإنس والجنّ هو بمنزلته علماً وعملاً وعصمةً، عالم بالكتاب الذي هو تبیان لكلّ شيء، عارف بجميع اللغات.
فكما أنّ له الرئاسة في اُمور دين الإنس ودنياهم، كذلك الأمر بالنسبة إلى الجنّ، فهو يعرف ألسنتهم ويلتقيهم، ويجيب مسائلهم، ويبيّن لهم أحكامهم.
ولابدّ أن يعيّنه الله تعالىٰ ورسوله، وإنّ الذي عيّنه الله ونصبه خليفة للنبي صلّی الله علیه وآله بلا فصل، هو علي بن أبي طالب علیه السّلام، الذي هو نفس النبي صلّی الله علیه وآله وبمنزلته في جميع خصاله إلاّ النبوّة وخصائصه الشخصية، وساقوا الخلافة في ذرّيته الأحد عشر المعصومين علیهم السّلامُ ، وتسمّىٰ هذه الطائفة الشيعة الإثناعشرية.
وقالت طائفة: إنّ النبي صلّی الله علیه وآله لم ينصب خليفة ولا حاجة إليه، وإنّما الحاجة إلى الأمير، فالخلافة عندهم هي الإمارة، وهذا الاختلاف هو المنشأ للاختلاف في الاُصول الاعتقادية والفروع العملية، حتّىٰ قالت الشيعة: إنّ أعمال غيرهم باطلة، واعتقادهم لا يوجب السعادة الاُخروية .
ومن نظر من المسلمين إلىٰ هذا الاختلاف بریٰ نفسه بين الجنّة والنار، وعقله السليم يحكم بأنّه ليس معذوراً في ترك النظر في أدلّة الطرفين بلا تعصّب ولا تقليد للآباء، وقد استوفىٰ علماء الشيعة من قديم الأيّام في كتبهم الأدلّة القاطعة المقنعة علىٰ إثبات عقيدتهم، فجزاهم الله عن الإسلام خيراً .
وليعلم أنّ النجاة من النار لا تدور مدار التسمية، بل كلّ إنسان مسؤول عن نفسه، ويجب عليه تحصيل العلم بصحّة معتقده، وصحة عمله، فصحيحهما يوجب
ص: 4
السعادة والفوز بالجنّة، قال الله تعالىٰ: ( يا أيّها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبّئكم بما کنتم تعملون) (1).
ولا ينبغي للعاقل أن يتعصّب بغير حقّ لطائفة خاصّة ويعادي طائفة اُخرىٰ، فتكون عداوته لها موجبة لخذلانه، كما قال شعیب علیه السّلام: (ویا قوم لا يجرمنّكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد) (2).
بل ينبغي له التثبّت والبحث عن الحقيقة من دون تعصّب، حتّىٰ لا يكون ممّن قال الله تعالىٰ: (قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالاً * الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً) (3) .
والاعتقاد الصحيح هو الاعتقاد بوحدانيّة الله تبارك وتعالىٰ، وسلب صفات الممكن والمخلوق وكلّ صفة ناقصة عنه، وإثبات جميع الصفات الكمالية له .
والاعتراف بالأنبياء، والتصديق بنبينا صلّی الله علیه وآله وأنّه خاتم الأنبياء، وشريعته ناسخة الشرائع من قبله، وأنّ القرآن كتابه، وأنّ خليفته بلا فصل علي بن أبي طالب علیه السّلام وأولاده الأحد عشر المعصومون علیهم السّلام، وأن يتولّىٰ أولياء الله ويحبّهم ويتبرّأ من أعداء الله ويبغضهم، ويعتقد بجميع ما اُنزل على النبي صلّی الله علیه وآله .
والعمل الصحيح هو العمل الموافق للقرآن نصّه وظاهره، وللأخبار الصادرة عن
ص: 5
النبي صلّی الله علیه وآله والأئمّة المعصومين عليهم السّلام .
وإنّي اُقدّم هذه الفصول لمن يريد النظر في الأدلّة الموجبة للعلم بصحّة معتقدالشيعة، فإنّه لا يكفي في الاُصول الاعتقادية التقليد ولا الظنّ، بل لابدّ من القطع الحاصل من الأسباب العقلائية والبراهين القاطعة .
ولا حجّة أقوى وأتقن من أخذ المسلم بما اتّفقت عليه جميع فرق المسلمين، وهي نصوص القرآن الكريم (1)، والأخبار المتواترة عن سيّد المرسلین صلّی الله علیه وآله (2) ، وقد قال الله سبحانه وتعالىٰ: ( يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واُولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن کنتم تؤمنون
ص: 6
بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) (1) والردّ إليه سبحانه يكون بالردّ إلىٰ كتابه الكريم، والأخذ بمحكماته .
ونحن في هذا العرض إنّما نستفيد من القرآن الكريم ونستند إليه، ولا ريب أنّ المسلم المنصف – الذي آمن بالقرآن الكريم ولم يكن ممّن قال الله سبحانه: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) (2)- لو تدبّر في آياته الكريمة،لهداه إلىٰ موافقة ما يذهب إليه الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، من أنّ النبي صلّی الله علیه وآله قد عيّن خلفاءه الذين يخلفونه بعد وفاته، ولا تخلو الأرض منهم في كلّ عصر من الأعصار والأجيال، وهم الأئمّة المعصومون علیهم السّلام الذين هم بمنزلة النبي صلّی الله علیه وآله في جمیع خصاله إلاّ النبوّة وخصائصه الشخصية (3) .
وهم إثناعشر، أوّلهم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام ، وآخرهم الموجود في زماننا الغائب عن أنظارنا، وهو الإمام الحجّة الثاني عشر عجّل الله تعالی فرجه .
ص: 7
وهنا تجدر الإشارة إلىٰ أنّ هذا الموضوع يتمّ علىٰ مرحلتين :المرحلة الاُولىٰ: المرحلة النظرية، وهي إثبات أوصاف الإمام وخليفة النبي صلّی الله علیه وآله ومناقبه من القرآن الكريم، كما قدّمنا.
وهذه محاولة جادّة استنطقت فيها الآيات القرآنية التي تتكفّل بإثبات هذه العقيدة، بعد التدّبر التامّ من دون حاجة إلى الاستشهاد بخبر من طرق الشيعة ، أوآخر من طرق العامّة، مع كثرة الأخبار المتواترة علىٰ هذا المعنىٰ من الفريقين، وإن كانت هذه الكيفية من الاستدلال بالقرآن الكريم لها شواهد كثيرة، يرشد إليها كثير من الأخبار التي بأيدينا، علىٰ أنّنا سنشير إلىٰ بعض الروايات الواردة في تفسير هذه الآيات .
والتي يمكن لنا - إضافةً إلىٰ ذلك – التوصّل بها إلىٰ مطلب آخر، وهو إثبات فضائل الأئمّة المعصومین علیهم السّلام ومناقبهم من القرآن الكريم، والأخبار الصحيحة الدالّة عليها، بحيث يرتفع التشكيك في صحّة بعض الروايات الواردة في فضائلهم في كتاب الكافي الشريف لمحمّد بن يعقوب الكليني رحمه الله، حيث إنّه اشتمل علىٰ روايات في فضائلهم ربما يناقش البعض فيها، في حين أنّ أكثرها مطابق للروايات الصحيحة والقرآن الكريم .
وهنا يأتي دور المرحلة الثانية، وهي المرحلة التطبيقية، ولا ريب أنّ هذه المرحلة شائكة جدّاً، حيث لا يؤمن فيها من توسّط العاطفة، الأمر الذي يسبّب انحراف الخطّ الطبيعي عن مساره الأصيل .
ولأجل أن نتدارك الموقف بحزمً وإنصاف، نرجع إلى المصادر التاريخية
ص: 8
الموثوقة المتّفق عليها، لتجلّى لنا الشخصيات التي تمثّلت فيها تلك الصفات، حيثتنطبق عليها الآيات القرآنية انطباقاً طبيعياً،ونكون بذلك أكثر حيادية .
نسأل الله تعالىٰ أن يوفّقنا لنكون ممّن يستعمون القول فيتّبعون أحسنه، إنّه ولي ذلك .
ص: 9
في الآيات الدالّة على لزوم التدبّر في الكتاب والعمل بنصوصه وظواهره إعلم أنّ حجّية القرآن الكريم، ووجوب اتّباعه، والعمل به، أمر بديهي لا ريب فيها، وقد حثّ القرآن نفسه على التدبّر في آياته، والتفكّر في معانيه، والنبي صلّ الله علیه وآله قد أمر بالتمسّك به في الخبر المتواتر بين الفريقين .
كما تمسّك أئمّة أهل البيت عليهم السّلام بالقرآن في أحكامهم وغيرها، وأرجعوا إليه في أخبار متواترة عنهم (1).
ونذكر بعض الآيات الدالّة علىٰ ذلك ، وهي :الاُولىٰ : ( وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتّبعوه واتّقوا لعلّكم ترحمون * أن تقولوا إنّما اُنزل الكتاب علىٰ طائفتين من قبلنا وإن كنّا عن دراستهم لغافلين* أو تقولوا لو أنّا اُنزل علينا الكتاب لكنّا أهدىٰ منهم فقد جاءكم بيّنة من ربّكم وهدىً ورحمة فمن أظلم ممّن كذّب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آیاتنا
ص: 10
سوء العذاب بما كانوا يصدفون (1).
الثانية: (إتّبعوا ما اُنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء قليلاً مّا تذكرون (2) .
الثالثة: ( وما أنزلنا عليك الكتاب إلاّ لتبيّن لهم الذي اختلفوا فيه وهدىً ورحمةً القوم يؤمنون) (3).
الرابعة: (ولقد صرّفنا في هذا القرآن ليذّكّروا وما يزيدهم إلاّ نفوراً) (4) .
الخامسة: ولقد صرّفنا للناس في هذا القرآن من كلّ مثل فأبيٰ أكثر الناس إلاّ کفوراً) (5) .
السادسة: وكذلك أنزلناه قرآناً عربيّاً وصرّفنا فيه من الوعيد لعلّهم يتّقون أو يحدث لهم ذكراً) (6).
السابعة: (سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آیات بیّنات لعلّكم تذكّرون) (7).
الثامنة: (ولقد أنزلنا إليكم آیات مبیّنات و مثلاً من الذين خلوا من قبلك
ص: 11
وموعظة للمتّقين) (1).
التاسعة: (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كلّ مثل ولئن جئتهم بآية ليقولنّ الذين كفروا إن أنتم إلاّ مبطلون) (2).
العاشرة: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبّروا آياته وليتذكّر اُولوا الألباب) (3).
الحادية عشرة: (الله نزّل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثانيَ تقشعرّ منه جلود الذين يخشون ربّهم ثمّ تلین جلودهم وقلوبهم إلىٰ ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فماله من هاد) (4) .
الثانية عشرة: (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كلّ مثلً لعلهم يتذكّرون) (5).
الثالثة عشرة: (كتاب فصّلت آياته قرآناً عربيّاً لقومٍ يعلمون (6) .
الرابعة عشرة: (حم * والكتاب المبين * إنّا جعلناه قرآناً عربيّاً لعلّكم تعقلون) (7).
ص: 12
الخامسة عشرة: (هذا بصائر للناس وهدىً ورحمة لقومٍ يوقنون) (1) .
السادسة عشرة: ( ومن قبله کتاب موسىٰ إماماً ورحمةً وهذا كتاب مصدّقٌ لساناً عربيّاً لينذر الذين ظلموا وبشرىٰ للمحسنین) (2).
السابعة عشرة: (أفلا يتدبّرون القرآن أم علىٰ قلوبٍ أقفالها (3) .
الثامنة عشرة: (ولقد يسّرنا القرآن للذّكر فهل من مدّكر) (4).
التاسعة عشرة: وما هو إلّا ذكر للعالمين (ه).
العشرون: (أفلا يتدبّرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثير (5).
وهذه الآيات الشريفة وغيرها تدلّ بوضوح علىٰ أنّ الكتاب جعل عربياً ليتدبّر الذين بعث النبي صلّی الله علیه وآله فيهم آياته ويعقلوه، ويتّبعوا محكماته ونصوصه، ويأخذوا بأوامره ونواهيه، ويتّعظوا بمواعظه.
ثمّ إنّ دلالة آياته علىٰ أصناف :منها: ما هو نصّ في معناه، أو كالنصّ فيه بعد ملاحظة جميع الآيات المناسبة المعناه، كالآيات الدالّة على التوحيد، ونبوّة الأنبياء، ويوم القيامة،والثواب
ص: 13
والعقاب، ووجوب الصلاة والصيام ونحوها.
ويستفيد من هذا الصنف من يعرف اللغة العربية وفنونها، فعليهم أن يتدّبروا في هذه الآيات، وهذا الصنف حجّة موجب للعلم يجب اتّباعه.
ومنها: ما هو متشابه، ولعلّ المراد به ما يحتمل المعاني المتعدّدة، وقد ذمّ القرآن الكريم على اتّباعه في قوله سبحانه (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آیات محکمات هنّ اُمّ الكتاب واُخر متشابهات فأمّا الذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم يقولون آمنّا به ) (1) .
إنّ هذه الآية نصّ في المنع عن اتّباع الآيات المتشابهة، ولزوم الوقوف عندها، ويجب على المسلمين العمل بها، وهو يتوقّف علىٰ معرفة المتشابه، ولا يتحقّق معرفته إلاّ إذا خلا الإنسان عن العصبيّة الجاهليّة، وهجر متابعة الهوىٰ وتقليد الآباء .
ومنها: ما هو ظاهر في معناه، فإن كان ظاهراً عند المخاطبين ولو بمعونة القرائن الحالية ولم يكن من العامّ الذي اُخّر بیان خاصّه، أو المطلق الذي اُخّر بیان مقيّده علىٰ لسان النبي صلّی الله علیه وآله، أو من أودعه علمه، فهو حجّة ويكون من المحكمات.
وإن كان ظاهراً في معناه، لكن وقع بيان خلاف ظاهره من التخصيص والتقيية والتبيين في كلام النبي صلّی الله علیه وآله، أو من أودعه علمه، فلا يكون الظاهر حجّة إلاّ بعد ملاحظة البيان المخالف له .
ص: 14
وأمّا ما يستظهره كلّ ذي سليقة خاصّة بحسب تفكيره و تقليده لمعاشريه من أرحامه وأصدقائه وأهل بلده، فلا دليل علىٰ حجّيته، كمن يستظهر حركة الأرض من بعض الآيات، كقوله تعالىٰ: ( الذي جعل لكم الأرض مهداً وسلك لكم فيها سبلاً)(1)بزعم أنّ المراد به أنّها کمهد الطفل يتحرّك ويدور حول نفسه.
وكحسن الاعتقاد بجميع صحابة النبي صلّی الله علیه وآله، يستظهر حسنهم من قوله تعالىٰ (محمّد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفّار) (2)الآية، ويدّعي أنّه تعالىٰ مدح جميع من معه صلّی الله علیه وآله .
وإنّ الله سبحانه وتعالىٰ أنعم على الإنسان بالعقل، فينبغي له أن يستفيد من هذه النعمة، والعقل يحكم بأنّه لابدّ من تصحيح الاعتقاد بتطبيقه على القرآن لابحمل الاعتقاد عليه.
بل إنّ القرآن الكريم قد منع عن هذه الاستظهارات التي لا توجب العلم في آيات كثيرة نهىٰ فيها عن اتّباع غير العلم، كقوله سبحانه (ولا تقف ما ليس لك به علم) (3) .
ومنها: ما ليس نصّاً ولا ظاهراً في معناه بحيث يفهمه كلّ أحد، بل يحتاج فهم المراد منه إلىٰ بيان من هو قوله حجّة، وهو المعصوم أو من أرجع المعصوم إليه،كمفهوم الصلاة والحجّ والزكاة والصوم، وأمثال ذلك، ولا إشكال في حجّية قول
ص: 15
المعصوم، وأمّا آراء غيره فليست حكم الله تعالىٰ، والشيعة الإمامية ترجع في أمثال ذلك إلى المعصوم أو إلىٰ من أرجع إليه المعصوم ونحن في هذا العرض بصدد استنطاق القرآن الكريم لتعيين خليفة النبي صلّی الله علیه وآله وأوصافه، ولذا نتّبع الآيات المحكمات من نصوص الكتاب، أو ظواهره التي لا يعتريها احتمال الخلاف بعد تأیید بعضها ببعض، ورفع إجمال المجمل منهابمبيّنها، ونستفيد مطلوبنا منها، فنحن إذاً مصداق قوله تعالىٰ (والذين يمسّكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنّا لا نضيع أجر المصلحین (1).
وهذه الكيفية من الاستفادة من هذه الآيات الشريفة هي نعمة من نعم الله سبحانه أنعم بها علىٰ من يريد أن يعرف معاني الآيات الشريفة لو كان يعقل ، ولا يجرّه التعصّب لمتابعة الآباء إلىٰ طمس الحقائق - كما قال سبحانه وتعالىٰ في شأن بعضهم: (وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون) (2) هذا وإنّ احتجاجات أئمّتنا المعصومين علیهم السّلام بهذه الآيات مذكورة في كتب علماء الإمامية (3) .
ص: 16
ص: 17
ص: 18
ص: 19
ص: 20
وأمّا من خالف الشيعة في عقائدهم، فإنّهم لا يتبعون هذه الكيفية، ولا يمكنهم إثبات مطلوبهم من الآيات المحكمات، بل إنّهم يحتجّون بما يبدو لأوّل وهلة من ظاهر بعض الآيات.
مثلاً يحتجّون بقوله سبحانه (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واُولي الأمر منکم) (1) علىٰ وجوب إطاعة كلّ من يلي أمر المسلمين ويتسلّط عليهم، وإن كان من أكبر الظلمة والفاسقين .
ص: 21
مع أنّه سبحانه وتعالىٰ بيّن في عدّة من آيات القرآن الكريم شرائط الحاكم: فمنها : أن لا يكون ظالماً، قال تعالىٰ: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّکم النار (1)ولعن الظالمين والفاسقين في عدّة آيات.
ومنها : أن يكون عالماً، فقد قال سبحانه: (أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع أمّن لا يهِدّي إلاّ أن يهدیٰ) (2) والهداية إلى الحقّ موقوفة على العلم به والعصمة عن الخطأ، لأنّ المخطيء جاهل، وقال سبحانه: ( قل إنّما حرّم ربّي الفواحش _ إلىٰ قوله - وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) (3).
إلىٰ غير ذلك من الآيات التي تكون دلالة مجموعها – علىٰ ما يعتبر في اُولي الأمر الذين يجب إطاعتهم واتّباعهم - من المحكمات، وتدلّ علىٰ أنّ اُولى الأمر بمنزلة النبي صلّ الله علیه وآله في استمرار خط النبوّة، وليست الإمامة مجرّد إمارة .
واستدلّ بعض العامّة علىٰ عدم ذكر مسألة الإمامة في القرآن، بأنّ من ثبت عنده أنّ محمّداً صلّی الله علیه وآله رسول الله وطاعته واجبة واجتهد في طاعته. فإن قيل: إنّه يدخل الجنّة، فقد استغنىٰ عن مسألة الامامة. وإن قيل: لا يدخل الجنّة، كان هذا خلاف نصوص القرآن، فإنّه سبحانه أوجب الجنّة لمن أطاع الله ورسوله في غير موضع، كقوله تعالىٰ (ومن يطع الله والرسول فاُولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن اُولئك رفيقاً) (4) .
ص: 22
وقوله تعالىٰ (ومن يطع الله ورسوله يدخله جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظیم ) (1) .
أقول: إنّ الله سبحانه أوجب إطاعة اُولي الأمر أيضاً في قوله سبحانه (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واُولي الأمر منکم) (2)فمن لم يطع اُولي الأمر لم يطع الله تعالىٰ، لأنّه أمر بإطاعتهم، ولابدّ أن يعرف من هم اُولوا الأمر، فيقیّد به إطلاق الآيتين المذكورتين لو كان لهما إطلاق.
هذا لو سلّم أنّ الرسول لم يأمر بإطاعة الإمام ولم ينصبه ولم ينصّ عليه، وإلاّ فإطاعة الرسول لا تتحقّق إلاّ مع إطاعة الإمام؛ لأنّ الرسول أمر بها .
وتجدر الإشارة إلىٰ بعض نصوص الكتاب الصريحة في المراد، فإنّها تفيدنا في تنسيق هذا التأليف لإثبات المعتقد الصحيح في الإمامة وما يتفرّع عليها : الأوّل: أنّ مجرّد مصاحبة الأنبياء علیهم السّلام ليست فضيلة، لقوله تعالىٰ (ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوحٍ وامرأة لوطٍ كانتا تحت عبدین من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين) (3).
الثاني: أنّه كان حول النبي صلّی الله علیه وآله منافقون، لقوله تعالىٰ: (وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذّبهم مرّتين ثمّ يردّون إلىٰ عذاب عظيم ) (4).
ص: 23
الثالث: أنّ الله تعالىٰ يُطلع بعض عباده على الغيب، قال الله تعالىٰ: وذلك من أنباء الغيب نوحي إليك( (1) وفي قصّة موسىٰ مع العالم الذي قتل الغلام مخبراً عن الغيب، قال الله تعالىٰ: (وأمّا الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً) (2).
الرابع : أنّ بعض العلم ليس بالتعلّم وحده، بل ربما يكون بإفاضة الله تعالىٰ، كما أفاض علىٰ من لا يقدر على التعلّم، فجعل الصبي في المهد عالماً كعيسىٰ، قال الله تعالى: (فأشارت إليه قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبيّاً * قال إنّي عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيّا) (3)أو في حال الصبىٰ كيحييٰ، قال الله تعالىٰ: (یا يحييٰ خذ الكتاب بقوّة وآتيناه الحكم صبيّاً) (4). وعلّم الإنسان منطق الطیر کسليمان، قال الله تعالى: (وورث سلیمان داود وقال يا أيّها الناس علّمنا منطق الطير واُوتينا من كلّ شيء إنّ هذا لهو الفضل المبين) (5).
الخامس: أنّ الله تعالىٰ قادر علىٰ إحياء الموتى وإعاشتهم بين الناس، ومنهم عزیر، قال الله تعالى: (أو كالذي مرّ علىٰ قرية وهي خاوية علىٰ عروشها قال أنّی يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثمّ بعثه) (6) الآية.
ص: 24
السادس: أنّ الله تعالىٰ قادر علىٰ إبقاء الإنسان حيّاً، لقوله تعالىٰ: (فلولا أنّه كان من المسبّحين * للبث في بطنه إلىٰ يوم يبعثون) (1) .
أو إبقاء جسده، كقصّة أصحاب الكهف ، لقوله تعالىٰ (وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشمال) (2) الآية.
أو إبقاء طعامه وشرابه، لقوله تعالىٰ (فانظر إلىٰ طعامك وشرابك لم يتسنّه) (3).
وأخبر تعالىٰ عن نوح عليه السّلام أنّه لبث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين. فدلّ علىٰ أنّه يمكن بقاء البشر حيّاً مرزوقاً في مدّة طويلة.
السابع: أنّ التقيّة مشروعة، لقوله تعالىٰ (إلاّ من اُكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان) (4) .
الثامن : أنّه لابدّ من الاعتقاد بالبداء، لقوله تعالىٰ (يمحو الله ما يشاء ويثبت (5) .
التاسع: أنّ من كان عنده علم الكتاب أو بعضه، فهو قادر على التصرّف في الكون، لقوله تعالىٰ (قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك (6) .
ص: 25
في بعض الآيات التي تدلّ على احتياج المكلّفين إلى الحجّة وأنّ النبوّة والإمامة باختيار الله سبحانه لا باختيار الناس وهی آیات دالّة على احتياج المكلّفين من الإنس والجنّ إلىٰ حجّة بينهم وبين الله تبارك وتعالىٰ، و آيات اُخر دالّة علىٰ أنّ الله تعالىٰ هو يختار الحجّة، ليس للمكلّفين في ذلك خيرة.
الآية الاُولى: قوله تعالىٰ: ( وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون) (1) وهو دالّ علىٰ أنّ الغرض من خلقتهما هي عبادة الله تعالىٰ، وعبادته لا تتحقّق إلاّ بمعرفته تعالىٰ، ومعرفة كيفية العبادة اللائقة بحضرته تعالىٰ .
ولا تتحقّق المعرفة بها إلاّ من ناحيته تعالىٰ بالوحي إلىٰ من يكون هو المعلّم للمكلّفين كيفية عبادتهم، وهو الحجّة بين الله وبين خلقه، وهو نبي، أو خلیفته ووصيه المتلقّي منه ما يحتاج إليه المكلّفون بعد وفاة النبي صلّی الله علیه وآله؛ لأنّ النبي صلّی الله علیه وآله لم يبيّن لجميع اُمّته كلّ ما يحتاجون إليه في جميع الأزمان، فلابدّ أن يكون علّم ذلك
ص: 26
خليفته حتّىٰ يبيّن للناس، كما يأتي بيانه .
ثمّ كما تتوقّف كيفية عبادتهم علىٰ وجود نبيّ أو وصيه، كذلك تتوقّف عبادتهم علىٰ حياتهم المادّية، المتوقّفة بدورها علىٰ تنظيم أمر معاشهم في الملبوس والمأكول وغيرهما، المحتاجة إلى التجارات والصناعات وغيرهما ممّا لا يتمّ إلاّ بسنّ قوانين والقيام علىٰ تبليغها وإجرائها فيهم، ولا يعرف ذلك إلاّ من أوحى الله تعالىٰ إليه، حتّىٰ يبيّن ذلك للناس ويقيمه بينهم، فلذا يكون النبي رئيساً في أمر الدنيا والدين، وبعد وفاته يكون لخليفته الرئاسة في أمر الدنيا والدين أيضاً.
ثمّ إنّه يمكن أن يستفاد من هذه الآية بضميمة قوله تعالىٰ (الأرض وضعها للأنام) (1) الآية، وقوله تعالىٰ (خلق لكم ما في الأرض جميعاً)(2) وغيرهما من الآيات، أنّ الأرض وما يحتاج إليه في إدامة الحياة من حرارة الشمس والهواء والمطر والزرع وغيرها خلقت للمكلّفين، وهم خلقوا للعبادة، وعبادتهم تتوقّف علىٰ وجود الحجّة، فالأرض تتوقّف علىٰ وجود الحجّة، كما ورد في أخبار أهل البيت (3)
ص: 27
الآية الثانية: قوله تعالىٰ: (وقالوا لولا اُنزل هذا القرآن علىٰ رجلٍ من القريتين عظیم أهم يقسمون رحمة ربّك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتّخذ بعضهم بعضاً سُخریّاً ورحمة ربّك خيرٌ ممّا يجمعون) (1).
قوله تعالىٰ (عظيم ) يعني أنّه عظيم من حيث المال والجاه .
وقوله تعالىٰ (رحمة ربّك) لعلّ المراد به مايشمل القرآن، فإنّه رحمة، وسيأتي في أوصافه أنّه كذلك، فهذه الرحمة ليست بيد الناس حتّىٰ يقسّموها فيما بينهم، بل هي فضل الله يؤتيه من يشاء، كما آتاها النبي صلّی الله علیه وآله .
وسيأتي أنّ الأئمّة المعصومین علیهم السلام كانت نفوسهم المقدّسة مرتبة من القرآن، فهم المختصّون بالرحمة التي لا ينالها إلاّ النبي والإمام المعصوم، كما قال عیسی بن مریم: (آتاني الكتاب) (2) فمنصب الرسالة عن الله تعالىٰ بالمعنی الأعم الشامل للأوصياء لا يكون إلاّ لمن شملته الرحمة المذكورة، فالله سبحانه (3)
ص: 28
يعطي منصب الرسالة والإمامة، وليس للخلق في ذلك اختيار .
ثمّ إنّه تعالىٰ كأنّه استدلّ علىٰ ذلك بقوله (نحن قسمنا بينهم معيشتهم) يعني: أنّه إذا كانت معيشة الدنيا باختيار الله تعالىٰ وتقسيمه، فكيف لا يكون باختياره تعالىٰ ما هو أهمّ منها؟ وهو مقام النبوّة والخلافة لها .
وقوله تعالىٰ (ورفعنا بعضهم فوق بعض) يعني: في الدنيا ليكون بعضهم مسخّرین لبعض.
وأمّا قوله تعالىٰ (ورحمة ربّك) فيعني بها النعمة المعنوية، التي أكبرها وأعظمها مقام النبوّة والإمامة فهي (خيرٌ ممّا يجمعون) من الاُمور الفانية .
الآية الثالثة: قوله تعالىٰ: (وربّك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة)(1). قوله تعالىٰ (و يختار) أي: بعد أن يخلق يختار بعض المخلوقين ويصطفيه لمقام الرسالة والإمامة.
وقوله تعالىٰ (ما كان لهم الخيرة) يحتمل أنّ تكون لفظة «ما» موصولة، أي:يختار لهم الشيء الذي يكون خيرةً، فهو يختار لهم الإمام؛ لأنّه تعالىٰ هو العالم بما كان لهم الخيرة فيه. ويحتمل أن تكون نافية، أي: ليس لهم الخيرة في خصوص انتخاب الرسول والإمام، أو في كلّ ما لا يكون من أفعالهم وأعمالهم، فيشمل مقام الرسالة والإمامة علىٰ ما سيتبيّن من أنّهما ليسا من شؤون المخلوقين (2) .
ص: 29
في الآيات الدالّة علىٰ أنّ الله تعالىٰ جعل في كلّ زمان حجّة للمكلّفين نبيّاً أو خلفاءه الذين هم بمنزلته (1)
ص: 30
بعد أن تحقّق في الفصل السابق أنّ المكلفين محتاجون إلىٰ وجود الحجّة، نبيّن في هذا الفصل أنّ الله تعالىٰ جعل لهم حجّة من نبي أو خليفته، وهو الإمام المعصوم، وذلك من خلال عدّة من الآيات .
قوله تعالىٰ (وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة) (1) فإنّه يدلّ علىٰ أنّه مادامت الأرض مسكونة من المكلّفين ففيها خليفة الله؛ لعدم الفرق من حيث الأزمنة، ولا من حيث ما هو المناط في الجعل المذكور،وفي اعتراض الملائكة عليه، فلا وجه لاختصاص جعل الخليفة مدّة حياة آدم عليه السّلام .
مع أنّ الله تعالىٰ قال: (يا داود إنّا جعلناك خليفة في الأرض) (2) فلم ینقطع خلافة الله بموت آدم علیه السّلام .
والخليفة من يخلف غيره في ما يرجع إلى المستخلِف - بالكسر - وخليفة الله في الأرض من يتلقّىٰ ما استخلف فيه من الله تعالىٰ، فلابدّ إذن من أن يكون عالماً معصوماً حتّىٰ يحكم بالحقّ ولا يخطىء؛ لأنّ المخطيء جاهل.
قوله تعالىٰ (في الأرض) هل هو مكان الخليفة، بأن يكون آدم عليه السّلام خليفة الله علىٰ من في الأرض و غيرها مكانه الأرض، أو أنّه محلّ الخلافة .
ثمّ إنّه ذكر في معنى الخليفة وجوه : قال الشيخ الطوسي رحمة الله : قال قوم: سمّى الله تعالىٰ آدم خليفة؛ لأنّه جعل آدم
ص: 31
وذرّيّته خلفاء الملائكة؛ لأنّ الملائكة كانوا سكّان الأرض.
وقال ابن عبّاس: إنّه كان في الأرض الجنّ، فأفسدوا فيها، وسفكوا الدماء، فاُهلكوا، فجعل الله آدم وذرّيّته بدلهم .
وقال الحسن البصري: إنّما أراد بذلك قوماً يخلف بعضهم بعضاً من ولد آدم الذين يخلفون أباهم آدم في إقامة الحقّ وعمارة الأرض.
وقال ابن مسعود: أراد أنّي جاعل في الأرض خليفة يخلفني في الحكم بين الخلق وهو آدم ومن قام مقامه من ولده .
وقيل: إنّه يخلفني في إنبات الزرع، وإخراج الثمار، وشقّ الأنهار (1).
أقول: هذه الوجوه توجب إجمال المراد، ولا دليل علىٰ جميعها. ومقتضىٰ قوله تعالىٰ (والجانّ خلقناه من قبل من نار السموم) (2) أنّهم كانوا موجودين في الأرض، فجعل الله تعالىٰ آدم خليفته عليهم وعلىٰ ذرّيته، كما في بعض أخبارنا .
قوله سبحانه (ويقول الذين كفروا لولا اُنزل عليه آيةٌ من ربّه إنّما أنت منذر ولكلّ قومٍ هاد) (3).
قوله تعالىٰ (ويقول) : لعلّهم لم يعتدّوا بالآيات المنزلة علىٰ رسول الله صلۀی الله علیه وآله فاقترحوا نحو آیات موسىٰ وعيسىٰ عليهما السلام من انقلاب العصا حيّةً وإحياء الموتىٰ، فقال سبحانه: إنّما اُرسلت منذراً ومخوّفاً، وصحّة ذلك حاصلة بأيّة آية
ص: 32
كانت .
قوله سبحانه (ولكلّ قومٍ هاد) قيل: في المراد بالهادي وجوه :أحدها: أنّه النبي صلّی الله علیه وآله فهو خبرٌ بعد خبرٍ قدّم عليه الظرف، أي: إنّما أنت منذر وهاد لكلّ قوم.
قال الشيخ الطوسي رحمة الله في التبيان: قال الحسن وقتادة في رواية وأبوالضحىٰ وعكرمة: إنّه محمّد صلّی الله علیه وآله، وهو اختيار الجبائي (1).
أقول أوّلاً: هذا الاحتمال خلاف ظاهر قوله تعالىٰ (ولكلّ قوم) فإنّه ظاهر في وجود أقوام وهداة، وأنّ كلّ قوم لهم هادٍ غير المادي الذي لقوم آخرین، والنبي صلّی الله علیه وآله هادٍ لقومه في حياته. وأمّا بعد وفاته، فلا يكون هادياً للأقوام الذين يوجدون بعد وفاته. ولو كان المراد أنّه هادٍ لجميع الناس، لقيل: ولكلّ الناس أو لكلّ الأقوام هادٍ.
وثانياً: أنّه سبحانه أخبر عن أنّ النبي صلّی الله علیه وآله هادٍ بقوله سبحانه (وإنك لتهدي إلىٰ صراط مستقیم) (2) وأخبر عن أنّه ليس بهادٍ لبعض الناس بقوله سبحانه (وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم) (3) .
فهدایته تختلف عن إنذاره، فإنّ إنذاره يكون لجميع الناس، كما قال تعالىٰ: (تبارك الذي نزّل الفرقان علىٰ عبده ليكون للعالمين نذیراً ) (4) وقوله تعالى
ص: 33
وما أرسلناك إلاّ كافّة للناس بشيراً ونذيراً) (1) وهدايته تكون لبعضهم، فيكون ذلك قرينةً على أنّ قوله (ولكلّ قوم) ليس ظرفاً للإنذار والهداية، بل هو ظرف للهداية فقط، والحال أنّه لو كان «هاد»خبراً ثانياً لكان الظرف لهما جميعاً.
ثانيها: أن يكون هو الله سبحانه، وهذا الوجه کسابقه، فإنّه لو اُريد ذلك لكان المناسب أن يقال: إنّه هادٍ للمؤمنين، نظير قوله سبحانه (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدی للمتّقین) (2) وأمّا التعبير بكلّ قوم، فإنّه يقتضي تعدد الهداة .
ثالثها: أن يكون المراد الأنبياء، أي: لكلّ قوم نبي يهديهم، وهذا الوجه كسابقيه.
مع أنّه يقتضي أن يكون الأنبياء هداة فقط، أي: إنّما أنت منذر ولكلّ قوم نبي يهديهم ليسوا منذرين، وهو مناف لقوله تعالىٰ ( إنّا أرسلناك بالحقّ بشيراً ونذيراً وإن من اُمّة إلاّ خلا فيها نذير) (3) .
رابعها: أن يكون في كلّ زمان هادٍ حيّ، فالنبي صلّی الله علیه وآله منذر لجميع الناس إلىٰ يوم القيامة وهادٍ لهم في زمان حياته، ويكون بعد وفاته هادٍ حيّ هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وبعده أولاده المعصومون عليهم السّلام ، كلّ واحد هادٍ لعصره (4)، لأنّهم
ص: 34
اللائقون للهداية، كما نبيّن .
وبعد وفاة الإمام الحسن بن علي العسكري علیهما السّلام يكون الهادي ابنه الحجّة المهدي المنتظر الغائب عن الأنظار، إلىٰ أن يظهر من ستار الغيبة، ولعلّنا نتعرّض لكيفية هدايته للناس في حال غيبته عنهم عجّل الله تعالیٰ فرجه .
ثمّ إنّ المراد من قوله سبحانه (ولكلّ قوم هاد) الهداية إلى الدين، هداية قيادة، كهداية الله بالتوفيق، كما قال الله سبحانه: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) (1) .
أو الأعمّ منها ومن سائر أقسام الهداية، فإنّ الهداية لغةً هي: التوجيه نحو شيء، وتتحقّق بوجوه :الأوّل: الهداية بالبيان اللفظي وما يساويه من الكتابة والإشارة ونحوهما، وقد هدى الله سبحانه الناس كذلك بإرسال الأنبياء وإنزال الكتب، قال سبحانه: (شهر رمضان الذي اُنزل فيه القرآن هدىً للناس) (2) وقال تعالىٰ شأنه: (وأنزل التوراة (إنّما أنت منذر ولكلّ قوم هاد) فقال: المنذر رسول الله صلّی الله علیه وآله وعلي الهادي، وفي كلّ وقت و زمان إمام منّا يهديهم إلىٰ ما جاء به الرسول .
وروى الطبري بإسناده عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: لمّا نزلت وضع رسول الله صلّی الله علیه وآله يده علىٰ صدره، وقال: أنا المنذر ولكلّ قوم هادٍ، وأومأ بيده إلىٰ منكب علي عليه السّلام، فقال: أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون. التبيان 6: 227.
ص: 35
والإنجيل من قبل هدىً للناس)(1)وقال سبحانه: (قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسیٰ نور وهدىً للناس) (2) وقال سبحانه: (وأمّا ثمود فهديناهم فاستحبّوا العمىٰ على الهدیٰ) (3) وهذه الهداية قد تحقّقت من النبي صلّی الله علیه وآله .
ثانيها: الهداية بالتوفيق، وهو الذي يعطيه الله سبحانه المؤمن بعد إيمانه، قال سبحانه: (وما أصاب من مصيبة إلاّ بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه) (4)وقال تعالىٰ: (يهدي به الله من اتّبع رضوانه سبل السلام) (5).
وقوله تعالىٰ (الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب) پ(6) وقوله تعالىٰ(إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربّهم بإيمانهم) (7) وقوله تعالىٰ (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلىٰ صراط مستقیم) (8) وقوله تعالىٰ (ويزيد الله الذين اهتدوا هدىً) (9) وقوله تعالىٰ (والذين اهتدوا زادهم هدیً وآتاهم تقواهم (10) ولعلّ منه قوله تعالىٰ (إهدنا الصراط المستقیم).
ص: 36
فإنّ العبد وإن بلغ أعلىٰ مراتب التقوىٰ، كالنبي صلّی الله علیه وآله والإمام المعصوم، لكنّه يحتاج في كلّ آنٍ إلىٰ أن يوفّقه الله تعالىٰ لمرضاته، ولا يكله إلىٰ نفسه، قال الله تعالىٰ: (ولولا أن ثبّتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً) (1).
ولعلّ بعض مراتب الهداية في قوله تعالىٰ (هدىً للمتّقين) (2) هي الهداية الحاصلة من القرآن للمتّقين عقيب تحصيل التقوىٰ والسعي في تكميلها، فيناسب أن يكون الهداية الحقيقية الباطنية بقدر مراتب التقوىٰ، كلّما ازداد تقویٰ إزدادت هداية القرآن إيّاه .
الثالث: الهداية بأن يتقدّم شخص ويقود شخصاً.
قال في المقاییس : «ھ دی» أصلان: أحدهما التقدّم للإرشاد ... قولهم هديته الطريق هدايةً تقدّمته لأرشده، وكلّ متقدّم لذلك هاد ... وينشعب هذا فيقال: الهدیٰ خلاف الضلالة .. والهادية: العصا، لأنّها تتقدّم ممسكها كأنها ترشد (3) إنتهى .
وإطلاق الهادي في قوله تعالىٰ (لكلّ قومٍ هاد) يقتضي أن يكون هادياً بالمراتب الثلاث إلى الدين .
ثمّ إنّ الهادي إلى الدين لا يكون هادياً إليه إلاّ إذا كان عالماً بجميع الدين اُصوط وفروعاً، ولا يكون كذلك إلاّ إذا كان متّصلاً بالوحي ومعصوماً لا يخطىء کالنبی صلّی الله علیه وآله ،أو آخذاً علمه عن النبي كذلك وكان معصوماً لا يخطىء؛ لأنّ
ص: 37
المخطيء جاهل.
وأيضاً لا يكون هادياً بجميع مراتب الهداية إلاّ إذا كان متّصفاً بأعلىٰ مراتب التقوي؛ لأنّ بعض مراتب الهداية لا تحصل إلاّ بعد الإيمان والعمل الصالح، كما تقدّم .
ثمّ إنّ من قبل هذه الهداية فهو المهتدي؛ لأنّ إهتدىٰ مطاوع هدي، أي: قبل هداية الهادي، وأطاعه في جميع ما يأمر وينهىٰ، فيكون معترفاً بولاية الهادي وأنّه واجب الاطاعة.
ومن ذلك يظهر صحّة الروايات المفسّرة للاهتداء (1) بالاهتداء إلى الولاية، أي: ولاية الإمام المعصوم.
ثمّ إنّ الانتفاع بهداية الإمام المعصوم علیه السّلام يحصل أيضاً من جهة اتّصال نفس المهتدي به علیه السّلام، وذلك بتكميلها بأوصاف التشيّع الكاملة المذكورة في أخبار أهل البيت طلا ، فبذلك يستمدّ منه، وكلّما حصلت له حقيقة الاقتداء به علماً وعلماً وأوصافاً ظهرت معرفته عليه السّلام في قلبه .
فبقدر حصول الارتباط المعنوي به و ظهور مقامات ولايته الباطنية على النفس المتّصلة به يحصل له الهداية، حتّىٰ يكون تصديقه بإمامته کالعيان .
وإنّ الشيعة الإماميّة الاثنا عشرية تستوي عندهم غيبة إمام العصر وحضوره في الاعتقاد به، وحصول الهداية لهم من قيادته (2).
ص: 38
ومن ثَمّ ترى الشيعة الإماميّة دائماً في نموّ وازدیاد علىٰ عكس ما كان يتّفق في الاُمم الماضية في أزمنة الفترة، بل قد ارتفع من بينهم في زمن الغيبة أكثر العقائد الشنيعة والمذاهب الفاسدة المبتدعة، التي كانت شايعة منتشرة بينهم في زمان حضور الأئمّة المعصومين علیهم السّلام ، وهذا إنّما يدلّ علىٰ كمال عنايته علیه السّلام بهم ورعايته لهم وتسديد خطاهم، وإن كان غائباً عن أنظارهم، عجل الله تعالیٰ فرجه الشريف .
وقد ظهر بالبيان المذكور اندفاع مناقشات بعض المخالفين على الآية الشريفة والأخبار الدالّة علىٰ أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام هو الهادي، ولا بأس بالاشارة إلىٰ بعض شبههم والاجابة عنها: فمن تلك المناقشات: أنّه يقتضي حصر الهادي في غير النبي صلّی الله علیه وآله مع أنّه كان هادياً، كما قال سبحانه: ( وإنّك لتهدي إلىٰ صراط مستقیم) (2).
والجواب: أنّه صلّی الله علیه وآله كان هادياً في زمان حياته، والأئمّة المعصومون علیهم السّلام هداة كلّ واحد في عصره .
ص: 39
ومنها: أنّ الهادي لا ينحصر في النبي والإمام المعصوم؛ لأنّ غيرهما کسلمان وأبي ذرّ وأضرابهما كانوا هداةً.
والجواب: أنّ الهداية إلىٰ جميع الدین خاصة بالمعصوم، نعم لغيره الهداية في الجملة .
ومنها: أنّ کون شخصٍ مّا هادياً لا يقتضي أن يكون إماماً معصوماً.
والجواب : أنّ جعله تعالىٰ شخصاً ما هادياً إلىٰ دينه بجميع مراتب الهداية هو عبارة عن جعله واجب الاطاعة، حتّىٰ يكون تابعوه المطيعون له هم المهتدين،ووجوب الإطاعة لا يكون إلاّ للنبي صلّی الله علیه وآله أو الإمام المعصوم؛ لأنّ غير المعصوم ربّما يخطىء، والمخطىء لا يكون هادياً مطلقاً، بل قد يكون مضلاًّ.
ومنها: أنّه لا دلالة علىٰ تطبيقه علىٰ أميرالمؤمنين علي وأولاده المعصومین علیهم السّلام .
والجواب: أنّا إذا نظرنا بعد وفاة النبي صلّی الله علیه وآله إلى الأئمّة الاثني عشر ومن عاصرهم ممّن ادّعى الإمامة، بالتاريخ الصحيح الخالي عن العصبية ومتابعة الأهواء، لرأينا تقدّمهم علیهم السّلام علىٰ معاصريهم في العلم والتقوىٰ والورع، وغير ذلك من الصفات المعتبرة في الهادي على ما بيّناه .
قوله تعالىٰ (يوم ندعو كلّ اُناس بإمامهم فمن اُوتي كتابه بيمينه فاُولئك يقرؤون كتابهم ولا يظلمون فتيلا * ومن كان في هذه أعمىٰ فهو في الآخرة أعمىٰ وأضلّ سبيلاً) (1) .
ص: 40
قوله تعالىٰ «بامامهم» ظاهر في شخص يأتمّون به، وهو شخص واحد في كلّ زمان لجميع الناس المعاصرين له، أو أشخاص لكلّ طائفة من الناس .
والمعنىٰ: انّ كلّ اُناس من الأوّلين والآخرين من أتباع الأنبياء وأوصيائهم وأتباع غيرهم من أئمّة الضلالة يتقدّمهم إمامهم فيدعون به .
مثلاً یدعىٰ فرعون مع قومه وأتباعه، ويستأنس لهذا المعنىٰ بقوله تعالىٰ (يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار ) (1) وقوله تعالىٰ (وسيق الذين كفروا إلىٰ جهنّم زمراً) (2) واُناس جمع إنس: البشر .
والباء في «بإمامهم» للمصاحبة، أي: نحضرهم مع إمامهم .
وتدلّ الآية علىٰ أنّ كلّ اُناس لهم إمام حيّ في الحياة الدنيا؛ لأنّ الميّت ليس مقدّماً خارجاً يأتمّون به. نعم يمكن بقاء طريقته بعد موته، لكن يقدمهم بها شخص حيّ.
ولمّا كان دين الإسلام باقياً إلى انقضاء زمان التكليف، كان التدّين به باقياً، فلابدّ أن يكون للمتدّین به إمام يأتمّ به .
وعلىٰ هذا فالنبي صلّی الله علیه وآله إمام الناس، فإذا توفّاه الله تعالىٰ، فلابدّ أن يكون الإمام موجوداً، بعده بلا فصل؛ لئلّا يكون اُناس ليس لهم إمام، وممّا يدلّ علىٰ ما ذكرنا إفراد الإمام وجمع الإنس، فانّ كلّ جماعة لهم قائد واحد.
ص: 41
ثمّ إنّ ابن کثیر ذكر في تفسيره في الآية احتمالات ليسقط دلالتها علىٰ ما قلناه.
الأوّل: قال مجاهد وقتادة: إما مهم نبيّهم، وهذا كقوله تعالىٰ (ولكلّ اُمّة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط ) (1) .
أقول: وعلىٰ هذا يدعىٰ اُمّة موسىٰ، فيقال لهم: يا اُمّة موسىٰ، وهم جميع الناس الموجودين في زمانه إلىٰ زمان عیسیٰ علیه السّلام. وهكذا يدعىٰ الناس الذين كانوا في زمان عیسئ عليه السّلام إلى زمان نبیّنا علیه السّلام .
وفيه أنّ لازمه أن يدعیٰ من لم يؤمن بموسیٰ علیه السّلام في زمانه باسم موسىٰ، وهذا خلاف ظاهر الآية، فإنّ ظاهرها أنّ كلّ اُناس يصاحبون إمامهم ويأتون معه ويدخلون مدخله، فمن اتّبع الإمام الحقّ، فهو معه في الجنان، ومن اتّبع الإمام الضالّ، فهو معه في النار .
وأمّا قوله تعالىٰ (لكلّ اُمّة رسول فإذا جاء رسولهم) ففيه احتمالان : أحدهما: أنّ كلّ اُمّة قد قدّر الله لها رسولاً في الدنيا يرسله إليهم، فإذا جاءهم رسولهم قضي بينهم بالقسط، بأن يقضي من اتّبعه ما يستحقّه من الأجر والثواب، ولمن عصاه ما يستحقّه من الخزي والعذاب .
ثانيهما: مجيء رسلهم يوم القيامة، فإنّه إذا جاء رسولهم يوم القيامة قضي بينهم بالقسط، فمن اتّبعه يثاب ومن عصاه يعاقب، وعلىٰ أيّ تقدير ليس معنى الآيتين متّحداً.
الثاني: إمامهم کتابهم .
ص: 42
وفيه ما تقدّم، مع أنّه ينبغي أن يدعوا بما يعرفون، فالكفّار المنكرون للصانع رأس، أو الجاحدون بكتاب الله كيف يدعون بالقرآن، بأن يقال لهم: يا أهل القرآن.
الثالث: إمامهم کتاب عملهم، بقرينة قوله تعالىٰ بعد ذلك (فمن اُوتي كتابه بیمینه) .
وفيه أنّه خلاف الظاهر بغیر قرينة ولا حجّة ولا برهان .
الرابع: إمامهم ما كان يعبده وكان تابعاً له .
وفيه أنّه خلاف الظاهر، فإنّ الإمام لغة المقدّم الذي يتبعه التابعون، وقوله تعالىٰ(و إنهما لبإمام مبین) (1) لعلّ المراد وجوب اتّباع ذلك بما يقتضيه ويدلّ عليه .
قوله تعالىٰ (قل فللّه الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين)(2) . قوله تعالىٰ (الحجّة البالغة) يعني: البلوغ إلى المكلّفين من الجنّ والإنس ممّن كان في زمان النبي صلّی الله علیه وآله، أو يكون بعده إلىٰ آخر زمان التكليف، ولا تتمّ الحجة إلاّ بإزاحة العلّة، ولا تزاح العلّة إلاّ بوجود امام معصوم عالم لا يخطىء، قادر على المعجزة، مستمرّ علىٰ خطّ الرسالة الإلٰهية .
ويحتمل أن يكون المعنىٰ الحجّة البالغة أقصىٰ مرتبة الوضوح؛ لأنّ مراتب الحجّة تختلف وضوحاً وخفاءً. فالحجّة البالغة هي التي تبلغ قطع عذر المحجوج، وتزيل كلّ لبس وشبهة عمّن نظر فيها .
ص: 43
قوله تعالىٰ (فلو شاء لهداكم) قيل: أي هداية إكراه، أو خلقكم بحيث تهتدون بغیر اختیار ولا تحمّل تكليف .
قوله تعالىٰ (وما كان الله ليضلۀ قوماً بعد إذ هداهم حتّىٰ يبيّن لهم ما يتّقون) (1) وهو دلّ علىٰ أنّ كلّ قوم هداهم الله سبحانه لا يضلّهم حتّىٰ يبيّن لهم ما يرضيه وما يسخطه، ليعملوا بما يرضاه، ويجتنبوا عمّا يسخطه .
وحيث إنّ الله سبحانه لم يبيّن جميع ذلك في الكتاب بيان يعرفه كلّ من رجع إليه، ولا النبي صلّی الله علیه وآله فعل كذلك، فلا يتحقّق بيان ذلك كلّه إلاّ بتعيين إمام عالم معصوم عن الخطأ يخلف النبي صلّی الله علیه وآله ويبيّن عنه عن الله سبحانه لكلّ قوم ما يتّقون .
وأيضاً إنّ الناس بعد وفاة النبي صلّی الله علیه وآله قد اختلفوا اختلافا شديداً في الاُصولالاعتقادية والفروع العملية. وزاد الاختلاف فيهما إلىٰ زماننا، كما هو واضح للمطّلع علىٰ مذهب الفريقين في الاُصول والفروع.
ومنشأه الاختلاف في خليفة الرسول صلّی الله علیه وآله، والله سبحانه وتعالىٰ لا يضلّ عباده حتّىٰ يبيّن لهم ما يتّقون، فإن ضلّوا بعد البيان كان من قبل أنفسهم. فإمّا أن يقال: إنّه تعالى ورسوله صلّی الله علیه وآله لم يبيّنا لهم من يخلف الرسول ومن يرجعون اليه ليبيّن لهم ما يتّقون، فهذا مخالف للقرآن. وإمّا أن يقال: بيّن لهم أنّ خلفاءه الأئمّة المعصومون، فهو الذي نقول إنّ الآيات والأخبار دلّت عليه، وأمّا غير الأئمّة المعصومين، فلا يعرفون الأحكام النازلة من عند الله سبحانه حتّىٰ يبيّنوا للناس ما يتّقون، ولذا عملوا بالقياس والاستحسان والآراء، فضلّت بهم السبل .
ص: 44
في الآيات الدالّة علىٰ أنّ الله سبحانه وتعالىٰ قد عيّن في حياة نبيّنا خاتم الأنبياء صلّی الله علیه وآله خلفاءه تقدّم في الفصل الثالث أنّ الله تعالىٰ جعل في كلّ زمان حجّة للمكلّفين، وفي هذا الفصل نبيّن الآيات الدالّة علىٰ أنّ الله تعالىٰ قد عيّن في زمان نبيّنا صلّی اللهُ علیه وآله خليفته بعده، وليس للناس أن يعيّنوا له خليفة بعد وفاته من عند أنفسهم.
فنقول: لا يخفىٰ أنّ خليفة النبي صلّی اللهُ علیه وآله حسب الأوصاف التي يعتبرها القرآن الكريم _ علىٰ ما سنبيّنه _ يكون مثل النبي صلّی اللهُ علیه وآله في جميع خصاله إلاّ النبوّة وخصائصه الشخصية، بل الحاجة إلى النبي صلّی اللهُ علیه وآله هي بعينها الحاجة إلىٰ خليفته، فكما لا يمكن تعيين النبي صلّی اللهُ علیه وآله إلاّ بتعيين الله، فكذلك خليفته، ونشير إلىٰ بعض الآيات الدالّة علىٰ تعيين الخليفة في زمان حياة النبي صلّی اللهُ علیه وآله ، وعدم الحاجة إلىٰ تعیینه بعد وفاته .
قوله تعالیٰ (إنّما ولیّکم الله ورسوله والذین آمنوا الذین يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (1) .
ص: 45
الخطاب متوجّه إلى المشافهين ويشترك معهم غيرهم، أو إلى الأعمّ.
ويدلّ علىٰ حصر الولاية في الله تعالى ورسوله والمؤمنين الذين يزكّون في حال رکوع الصلاة، فالولاية المذكورة خاصّة بالمؤمنين المذكورين .
جعل الله تعالىٰ الولاية لرسوله والمؤمنين الموصوفين بما ذكر، فلابدّ أن يكون المراد من المؤمنين المذكورين من توفّرت فيهم الشروط الثلاثة المتقدّمة، وهي منحصرة بعلي أمير المؤمنين علیه السّلام وتابعيه، لما تقدّم بيانه. وهذه الولاية من سنخ ولاية الرسول صلّی اللهُ علیه وآله لا تكون لسلمان وأبي ذرّ وأضرابهما، فتكون لعلي علیه السّلام .
هذا، مع أنّه لم ينقل في التاريخ الموثوق به أنّ واحداً منهم غير أمير المؤمنین علیه السّلام تصدّق في ركوع صلاته، فنفس الآية تدلّ علىٰ ثبوت ولاية سنخ ولاية الرسول صلّی اللهُ علیه وآله لعلي علیه السّلام ،وحيث إنّه لا يكون نبياً، فلابدّ أن يكون إماماً،فما ثبت للرسول صلّی اللهُ علیه وآله من فرض الطاعة ثابت له، وهو المطلوب .
وبما ذکر اندفع الشبهات التي ذكروها لإخفاء الدلالة الظاهرة للآية : الأوّل: أنّ «إنّما» لا تدلّ على الحصر ، كما في قوله تعالىٰ (إنّما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء) (1) الآية. فإنّ مثل الدنيا لا ينحصر بما ذكر في الآية .
وفيه أنّ المفهوم عرفاً في جميع اللغات من «إنّما» هو الحصر، فإذا قيل: إنّما أكلت الخبز، فهم الناس منه الحصر، وكذا المفهوم من «إنّما» في الآية؛ لأنّ الممثّل له هي الحياة الدنيا من حيث إنّها مشوبة باللذّات التي يتخيّل الإنسانبقاءها، فإذا
ص: 46
هي قد ذهبت وذهب معها الشباب وأقبل الشيب والعجز وأقبلت معه الغصص والأحزان. والمثل الذي ينطبق عليها من جميع هذه الجهات منحصر بما ذكر في الآية .
الثاني: أنّ الولاية المذكورة في الآية ليست الولاية المستلزمة لوجوب الطاعة، بل بمعنى المحبّة والنصرة؛ لأنّ سياق الآيات التي قبلها يدلّ علىٰ ذلك .
وفيه أنّه لا دلالة لسياق الآيات علىٰ كون الولاية بمعنى المحبّة، بل إنّه لمّا كانت الولاية المستفادة من الآية محصورة في بعض خاصّ من المؤمنين كما بيّنا، كانت ولاية خاصّة، وهي رئاسة الدين والدنيا، وذلك أنّ سائر ولايات المؤمنين لا تختصّ ببعضهم دون بعض، فالولاية المذكورة في قوله تعالىٰ (والمؤمنون بعضهم أولياء بعض) المراد بها ولاية النصرة والمحبّة والتكافل لأجل امتثال أوامر الله تعاليٰ ونواهيه، فالآية تعطي ولاية المؤمنين بعضهم علىٰ بعض في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي ليس لأحد منهم الاعتراض علىٰ ممارسة الآخر لها، ومن هنا فهي لا تختصّ بطائفة خاصّة.
الثالث: أنّ قوله تعالىٰ (الذين آمنوا) صيغة جمع، فلا يصدق علىٰ علي عليه السّلام وحده .
أجاب عنه الشيخ الطوسي رحمة اللُ قال: قد يعبّر عن الواحد بلفظ الجمع إذا كان معظماً عالي الذكر، قال الله تعالىٰ (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون) وقال: (ربّ ارجعون) وقال: ولو شئنا لآتينا كلّ نفس هداها) ونظائر ذلك كثيرة.
وقال: (الذين قال لهم الناس إنّ الناس قد جمعوا لكم) ولا خلاف في أنّ المراد
ص: 47
به واحد، وهو نعیم بن مسعود الأشجعي، وقال: (أفيضوا من حيث أفاض الناس) والمراد رسول الله صلّی الله علیه وآله ، وقال: (الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا) نزلت في عبدالله بن أبي سلول(1).
الرابع: لو كان إعطاء الزكاة في الركوع شرطاً في الموالاة لوجب أن لا يتولّى الناس إلاّ على علیه السّلام ، فلا يتولّى الحسن ولا الحسين عليهما السّلام ولا سائر الأئمّة عليه السّلام .
وفيه أنّ الآية لا تدلّ على الاشتراط، بل تدلّ على الإشارة إلى المراد بالموصوف، كما يقال: جاء الذي رأيته بالأمس، أو جاء الذي سافرنا معه في السفر الفلاني مثلاً، وإذا دلّت الآية علىٰ أنّ الولاية أي الإمامة بعد الرسول صلّی اللهُ علیه وآله العلي علیه السّلام ، فيثبت ولاية أولاده المعصومين علیهم السّلام بنصّه عليها .
الخامس: أنّ علياً علیه السّلام لم يكن له مال حال عليه الحول حتّىٰ يجب عليه أن یزکّیه .
وفيه أن المراد بالزكاة مطلق التصدّق؛ لأنّ الزكاة قد قرنت بالصلاة في الآيات النازلة بمكّة، فلعلّ المراد بها الإنفاق المالي. وأمّا الزكاة الواجبة، فقد وجبت بالمدينة في السنوات الأخيرة.
قوله تعالىٰ (يقيمون الصلاة) يعني: الصلاة الصحيحة لا التي يقيمها المنافقون، وانطباقها علىٰ صلاة علي وأبنائه المعصومین علیهم السّلام قطعي، وعلىٰ صلاة من عارضهم قطعي العدم، وعلى المشكوك حاله مشكوك .
قوله تعالىٰ (وهم راكعون) حال من الضمير في «یؤتون» أي: يؤتونها في
ص: 48
حال ركوع الصلاة، وليس حالاً ممّن يقيمون الصلاة؛ لأنّها مشتملة على الركوع، فلا وجه لذكره ثانياً، وليس رکوعاً مستقلاًّ، فإنّه لم يعهد مشروعية ركوع ابتدائي، وليس معناه الخضوع والخشوع، لأنّ الركوع ظاهر في الانحناء.
والحاصل أنّ سياق الآية لمن تأمّلها يدلّ دلالة واضحة علىٰ أنّ قوله تعالىٰ (وهم راكعون) هو ركوع الصلاة. فالمستفاد من مجموع الآية أنّ الولاية منحصرة في الذين آمنوا ويؤتون الزكاة في حال ركوع الصلاة، وهذه الخصوصيّة لا يتّصف بها جميع المؤمنين. وقد ثبت اتّصاف أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام بها .
فإذا لوحظ أنّ المؤمنين كلّ واحد منهم ولي المؤمن الآخر، يظهر أنّ هذه الولاية غير تلك الولاية.
علىٰ أنّه قد ورد أنّ المراد بقوله تعالىٰ (الذين آمنوا) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، ونزل في شأنه هل أتىٰ، و آية النجویٰ .
قال الشيخ المفيد رحمه اللهُ : كما اشتهرت صدقة أمير المؤمنین علیه السّلام بخاتمه وهو في الركوع حتّىٰ علم به الخاصّ والعامّ، وشاعت نفقته بالليل والنهار والسرّ والإعلان، ونزل بها محكم القرآن ، ولم تخفَ صدقته التي قدّمها بين يدي نجواه، وصدقته الثالثة حتّىٰ جمع بين المسكين واليتيم والأسير، وورد الخبر به مفصّلاً في هل أتیٰ على الانسان (1) إنتهیٰ .
ذكر الشيخ الطوسي رحمة الله إشكالاً وجواباً، قال في التبيان: فإن قيل: لو كانت الآية
ص: 49
تفيد الإمامة لوجب أن يكون ذلك إماماً في الحال، ولجاز له أن يأمر وينهى ويقوم بما يقوم به الأئمّة.
قلنا: من أصحابنا من قال، إلى أن قال: إنّ الآية دلّت علىٰ فرض طاعته واستحقاقه للإمامة، وهذا كان حاصلاً له. وأمّا التصرّف فموقوف علىٰ ما بعد الوفاة، كما يثبت استحقاق الأمر لولي العهد في حياة الإمام الذي قبله، وإن لم يجز له التصرّف في حياته، وكذلك يثبت استحقاق الوصيّة للوصي وإن منع من التصّرف وجود الموصي (1) .
قوله تعالىٰ (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربیٰ ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً إنّ الله غفور شکور) (2) .
بیانه: أنّ قوله تعالىٰ (عليه) أي: علىٰ ما اتعاطاه من تبليغ الرسالة وبشارة المؤمنين، ومرجع الضمير وإن لم يكن مذكوراً صريحاً، لكنّه مستفاد ممّا قبل الآية ومن قوله بعدها (أم يقولون افترىٰ على الله كذباً فإن يشأ الله يختم علىٰ قلبك ويمح الله الباطل ويحقّ الحقّ بكلماته إنّه عليم بذات الصدور) .
والمعنىٰ: أنّي اُريد بتبليغي رسالتي من الله تعالىٰ أن أنفعكم بأن تسعدوا وتدخلوا الجنّة، ولا أطلب منكم أجراً علىٰ تبليغي من مال أو شيء آخر، إلاّ أجراً واحدة وهو مودّة قرابتي، فهي واجبة لأنّ رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله طلبها وجعلها أجر رسالته ويجب إطاعته، فاذا وجبت مودّة قرابته، فمقتضاه وجوب إطاعتهم؛ لأنّ
ص: 50
مخالفتهم وتكذيبهم ينافي المودّة .
ولا ريب في أنّ أمير المؤمنين عليّاً وفاطمة وأولادهما المعصومين عليهم السّلامُ من قرابته صلّی اللهُ علیه وآله ، كما لا ريب في أنّ عليّاً وأولاده المعصومين عليهم السّلام قالوا إنّا خلفاء الرسول صلّی اللهُ علیه وآله بلا فصل، فلابدّ من متابعتهم، وإنّ فاطمة علیه السّلام كانت غاضبة على الغاصبين منصب الخلافة، وإنّها دعت إلىٰ بعلها على علیه السّلام ، فلابدّ من إطاعتها .
قوله تعالىٰ (ومن يقترف حسنة) يشمل مودّة ذي القربى، فإنّها حسنة بلا ريب .
وقوله تعالىٰ (نزد له فيها حسناً) موافق لقوله تعالىٰ (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون) (1) وضدّ مودّتهم يكون سيّئة، فيكون مصداق قوله تعالىٰ (ومن جاء بالسيّئة فكبّت وجوههم في النار هل تجزون إلاّ ما کنتم تعملون) (2).
ثم إنّهم ذكروا في هذه الآية احتمالات أرادوا بها أن يسقطوا دلالتها، فلا بأس بذكرها والجواب عنها : الأوّل: أنّه خطاب لأهل مكّة، ويؤيّده ما كتب في عنوان السورة أنّها مكّية، والمعنىٰ: أنّي لا أسألكم علىٰ هذا الإبلاغ والنصح لكم مالاً تعطونيه، وإنّما أطلب منكم أن تكفّوا شرّ کم عنّي وتذروني أبلغ رسالات ربّي، فإن لم تنصروني، فلا تؤذوني بما بيني وبينكم من القرابة، بل تودّوني في قرابتي منكم .
ص: 51
وفيه أنّه ليس في الآية أن تكفّوا شرّكم، بل طلب منهم المودّة، فإن كان المخاطبون أهل مكّة مع بقائهم على الكفر، فإنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله لا يطلب مودّة الكافر.
وإن كان بعد إسلامهم، فإنّ المسلم يحترم الرئيس المطاع أكثر من أن يودّه مودّة القرابة، فعلىٰ كلّ لا يطلب النبي صلّی اللهُ علیه وآله منهم أن يودّوه لقرابته .
الثاني: أن يكون الخطاب لأهل مكّة، والاستثناء منقطع، والمعنىٰ: أنّي لا أسألكم علىٰ ما أدعوكم إليه من الهدى الذي يوجب سعادتكم شيئاً، لكن حبّي لكم بسبب قرابتكم منّي دفعني إلىٰ ذلك، فهو نظير قوله تعالىٰ (وأنذر عشيرتك الأقربين) (1).
وفيه أنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله يحبّ سعادة جميع الناس، حيث إنّه رحمة للعالمين، ولا يحبّ الكافر وإن كان من قرابته، فليس الدافع له علىٰ دعوتهم إلى الإسلام حبّ القرابة، وإنّما النبي صلّی اللهُ علیه وآله حبّه وبغضه في الله .
الثالث: أنّه خطاب للأنصار، بأن تكون الآية مدنية وإن كانت السورة مكّية، أي: لا أسألكم أيّها الأنصار أجراً إلاّ أن تحفظوا قرابتي منكم من جهة أخوال اُمّه آمنة علىٰ ما قيل، فتحبّوني وتنصروني، أو أنّ قرابتي لكم دفعتني إلىٰ أن أدعوكم إلى الهدی .
وفيه أنّ حبّ الأنصار للنبي صلّی اللهُ و علیه وآله وإيواءهم له ونصره ممّا لا يحتاج معه إلى السؤال، وأنّ دعوته عامّة لا تختصّ بقرابته من أمّه، مع ما تقدّم من أنّ النبي صلّی الله علیه وآله لا يحبّ الكافر لقرابته بل هو رحمة للعالمين .
ص: 52
الرابع: أنّه خطاب للناس، ويكون المراد من المودّة في القربي حبّ التقرّب إلى الله بالطاعة له، ويكون الاستثناء منقطعاً، والمعنىٰ لا أسألكم أجراً لكن أسألكم أن تعملوا بالطاعة التي تقرّبكم عند الله زلفىٰ، فتوادّوا الله و تتقرّبوا إليه بالطاعة .
وفيه أنّ القربیٰ کما في لسان العرب: الدنوّ في النسب والقربيٰ في الرحم (1) .
مع أنّه إذا أمكن التحفّظ على الاستثناء المتّصل، فلماذا يصار إلى الاستثناء المنقطع؟ .
الخامس: أن يكون الخطاب لمن واجههم النبي صلّی اللُ علیه وآله بالخطاب، لكن لا بما هم أشخاص مخصوصون من حيث كونهم من أهل مكّة أو من أقربائه، بل من حيث إنّهم بعض الناس الذين اُرسل إليهم، فيكون الغرض من خطابهم شموله للناس جميعهم، ويكون المراد بالمودّة في القربىٰ مودّة ذي القرابة في النسب بأحد وجهين :الأوّل: أقرباء الناس، أي: لا أسألكم على دعائي إلى الإسلام أجراً إلاّ أن تودّوا أقرباءكم، وفيه مضافاً إلىٰ أنّ مودّتهم مخصوصة بما إذا لم يحادّوا الله ورسوله، أنّه لا يناسب أن تكون أجر الرسالة، كما هو واضح .
الثاني: أقرباء النبي صلّی اللهُ علیه وآله وهو الظاهر المؤيّد بسائر الموارد الواردة في التوصية لذي القربیٰ، فاذا سأل النبي صلّی اللهُ علیه وآله أجراً للرسالة وجب إطاعته؛ لقوله تعالىٰ (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) فيجب مودّة القربىٰ وهي حبّتهم، كما يحبّ الإنسان أقاربه ولا يغضبهم .
فإن كان المراد بالقربیٰ خصوص علي وفاطمة والأئمّة المعصومین علیهم السّلامُ ،
ص: 53
اقتضیٰ وجوب المودّة إمامتهم؛ لأنّهم ادّعوا الإمامة وقالوا: إنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله عيّن خلفاءه وأصرّ علىٰ ذلك في مواطن كثيرة، وعيّنهم في الأئمّة الاثني عشر علیهم السّلامُ ،فمن لم يقبل منهم ذلك، فقد أسخطهم وأغضبهم ولم يودّهم؛ لأن مودّتهم لا تتحقّق مع ردّ قولهم ومغاضبتهم.
وإن كان المراد عموم أقربائه، وجب مودّة جميع أقرباء النبي صلّی اللهُ علیه وآله إلاّ من ثبت عدم وجوب مودّته، ويدّل أيضاً علىٰ إمامة المعصومين علیهم السّلام ؛ لأنّه لم يدّع أحد من أقربائه الإمامة بحقّ إلاّ الأئمّة المعصومون علیهم السّلامُ . وأمّا من ادّعى الإمامة من غير المعصومین، کعبد الله الأفطح و نظرائه، فقد دلّت الأدلّة القاطعة علىٰ بطلانه .
ثمّ إنّ الاستثناء إن كان متّصلاً، أي: لا أسألكم علىٰ تبليغ الرسالة شيئاً من الأجر إلاّ أجراً واحداً، وهو أن تودّوا أقربائي، فمودّة ذي القربىٰ واجبة من أجل أنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله جعلها أجر رسالته وسألهم أجره. وإن كان منقطعاً، أي: لا أسألكم علىٰ تبليغ الرسالة أجراً، لكن أسألكم مودّة ذي القربىٰ، كانت مودّتهم واجبة من أجل أنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله سألهم ذلك ابتداءً لا أجراً.
وأمّا قوله تعالىٰ (قل ما أسألكم عليه من أجر إلاّ من شاء أن يتّخذ إلىٰ ربّه سبيلاً) (1) وقوله تعالىٰ (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلاّ على الله وهو علىٰ كلّ شيء شهید) (2) فلا ينافيان طلبه مودّة ذي القربىٰ أجراً علىٰ رسالته؛ لأنّ لإبلاغ الأنبياء علیهم السّلامُ رسالتهم جهتين :
ص: 54
إحداهما: من حيث إنّهم عملوا بما أوجب الله عليهم من التبليغ، وأجر علىٰ ذلك على الله تعالىٰ، فمن هذه الحيثية لا يطلبون من الناس أجراً .
ثانيتهما: انتفاع الناس واهتداؤهم بما بلّغهم الأنبياء، وصيرورتهم ممّن أنعم الله عليهم بنعمة الإيمان، ومن هذه الحيثية يجب على الناس شكرهم؛ لأنّ شكر وليّ النعمة واجب عقلاً، ومن لم یشکر المخلوق لم یشکر الخالق، وشكرهم هو تحصیل مرضاتهم، فإن أدّوا بإزاء انتفاعهم بالهداية شيئاً، صحّ أن يعبّر عنه بالأجر .
و نبیّنا صلّی اللهُ علیه وآله جعل أجر تبليغه الذي يستحقّه من الناس عقلاً مودّة قرباه، وحيث إنّ نبيّنا صلّی اللهُ علیه وآله أفضل الأنبياء، ورسالته أفضل الرسالات، فلا عمل أعظم من تبليغه الرسالة في انتفاع الناس، ولابدّ أن يكون أجره معادلاً ومساوياً له، فيكون مودّة ذي القربيٰ من أعظم الفرائض، فعلى المسلمين الاهتمام لأداء هذه الفريضة التي يرجع نفعها إليهم، ويكون سبب نجاتهم وفوزهم. وبهذا البيان يمكن الجمع بين هذه الآيات.
أما الآية الاُولىٰ، فالمراد من جعل مودّة القربیٰ أجراً، هو الأجر الذي يعمله الناس قبال تبليغ الرسالة .
والمراد بالآية الثانية أنّ الأجر هو اتّخاذ السبيل إلى الربّ، وهو التديّن بما جاء به النبي صلّی اللهُ علیه وآله والعمل به، ومودّة القربيٰ وإطاعة أئمّة المعصومین علیهم السّلامُ من جملة ما جاء به، بل انّ السبيل قد فسّر بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام .
وقوله تعالىٰ (من شاء) و لا يدلّ علىٰ عدم الوجوب، بل المراد من شاء نجاة
ص: 55
نفسه، نظير قوله سبحانه (لا إكراه في الدين) (1) مع أنّ الالتزام به واجب .
والمراد بالآية الثالثة أنّ الأجر الذي يكون من الناس يرجع نفعه إليهم، فإنّ مودّة ذي القربىٰ وإطاعتهم يرجع نفعها إليهم، وهي _ أي: مودّة ذي القربيٰ _من الحسنات التي من يقترفها يزد الله له فيها حسناً، وأجر الرسالة هو الذي يعطيه الله نبیّه .
وقد تبيّن أنّه إذا وجبت مودّة ذوي القربىٰ، فهي تتحقّق بامتثال أوامرهم. وأمّا مخالفتهم ومعصيتهم، فإنّها تنافي المودّة : تعصى الإلٰه وأنت تظهر حبّه هذا لعمرك في الفعال قبيح لوكان حبّك صادقاً لأطعته إنّ المحبّ لمن يحب مطيع ثمّ إنّ الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها السّلام دعت الناس إلىٰ متابعة عليه السّلام ، فإطاعتها في ذلك تكون مودّتها، والحسنان عليهما السّلام لم يدعوا إلىٰ أنفسهما في زمان حياة أمير المؤمين علي بن أبي طالب عليه السّلام ، بل دعيا إلىٰ متابعة علي علیه السّلام ، فكلّ إمام من الأئمّة المعصومین علیهم السّلام يجب إطاعته؛ لأنّ مودّته إطاعته ومخالفته ترك للمودّة.
هذا.
والبعض العامّة مناقشات علىٰ دلالة الآية لا بأس بذكرها والإجابة عنها :منها : أنّ الآية الاُولىٰ في سورة الشورى وهي مّكية، ومن المعلوم أنّ عليّاً علیه السّلام تزوّج فاطمة علیها السّلام بالمدينة، فلا تشمل الآية _ حين نزولها _ الحسن والحسين علیها السّلام فضلاً عن غيرهما .
ص: 56
والجواب أولاً: أنّ هذه الآية بخصوصها مدنية علىٰ ما في المصحف وأسباب التنزيل.
وثانياً: أنّ الحكم عامّ شامل للموجودين ولمن يوجد بعد .
ومنها: أنّه لو أراد ذلك لقال المودّة لذي القربىٰ، فإنّ جميع ما في القرآن من التوجيه بحقوق ذوي قربى النبي صلّی اللهُ علیه وآله وذوي قربي الناس إنّما قيل فيها لذي القربىٰ، فلمّا ذكر هنا المصدر دون الاسم دلّ علىٰ أنّه لم يرد ذوي قرباه .
ومنها: أنّه لو أراد المودّة لهم، لقال للقربىٰ ولم يقل في القربيٰ، فلا يقال أسألك المودة في فلان، بل يقال: أسألك المودّة لفلان .
والجواب عنهما: ما ذكره في الكشّاف، حيث قال: جعلوا مكاناً للمودّة ومقرّاً لها، كقولك لي في آل فلان مودّة، ولي فيهم هویً وحبّ شدید، ترید اُحبّهم وهم مكان حبّي و محلّه، وليست «في» بصلة للمودّة كاللام إذا قلت إلاّ المودّة للقربىٰ، إنّما هي متعلّقة بمحذوف تعلّق الظرف به في قولك المال في الكيس، و تقديره: إلاّ المودّة ثابتة في القربيٰ ومتمكّنة فيها(1). إنتهىٰ .
أقول: ولا يخفىٰ أنّه أبلغ في إفادة طلب مرتبة خاصّة من المودّة الثابتة المستقرّة لهم، لا مطلق المودّة لذي القربيٰ .
ومنها : أنّ الأنبياء لا يسألون أجراً .
والجواب: قد ظهر ممّا بيّناه .
ومنها : أنّ القربیٰ معرّفة باللام، فلابدّ أن يكون معروفاً عند المخاطبين .
ص: 57
والجواب: أنّ اللام فيها ليس للعهد بل هي للجنس .
ومنها: أنّ المودّة إن أوجبت الطاعة - وكلّما وجبت الطاعة كان المطاع إماماً_ فيجب أن تكون فاطمة الزهراء علیها السّلام إماماً .
والجواب: أنّها لو أمرت باتبّاعها وجب إطاعتها، لكنّها أمرت باتبّاع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام .
ومنها: أنّ المودّة لا توجب الإطاعة، بدليل أنّ مودّة الحسن والحسین علیها السّلام واجبة في زمن النبي صلّی اللهُ علیه وآله وبعده قبل أن يصيرا إمامین .
والجواب: أنّهما كانا يأمران بإطاعة النبي صلّی اللهُ علیه وآله وأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، ولم يأمرا بإطاعة أنفسهما .
(يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واُولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن کنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً) (1) .
وبيانه: أنّ الخطاب في قوله تعالىٰ (يا أيها الذين) عامّ لجميع المؤمنين المشافهين والغائبين، والموجودين ومن يوجد، فيجب على الجميع إطاعته تعالىٰ وإطاعة الرسول صلّی اللهُ علیه وآله وإطاعة اُولي الأمر في جميع الأزمنة مالم يكونوا منصوبين الزمان خاصّ أو مکان خاصّ، وإلاّ فيجب إطاعتهم فيما نصبوا فيه .
قوله تعالىٰ (أطيعوا الرسول) إطاعة الرسول _ إن أخبر عن الله بما أوحىٰ إليه _ترجع إلىٰ إطاعة الله سبحانه، وإذا كلّفهم بما يراه مصلحة فقد أمضاه الله، كما
ص: 58
ورد أنّ الله حرّم الخمر، وحرّم رسول الله صلّی اللهُ علیه و المسكر من كلّ شيء، وما ورد من أن الله فرض الصلاة ركعتين، وزاد رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله فيهما ركعة في المغرب، وركعتين في العشاء والظهرين، واذا أمرهم بما هو حاكم على المسلمين وواليهم وسائس العباد وجب إطاعته؛ لأنّ الله أمر بإطاعته .
قوله تعالىٰ (اُولي الأمر) أي: أصحاب الأمر، وحيث إنّ إطاعة اُولي الأمر موقوفة علىٰ معرفتهم، فنقول: إنّ الأمر يحتمل فيه إرادة الأمر الانشائی، كقوله تعالى (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة) (1).
ويحتمل فيه إرادة الأمر التكويني، كقوله تعالىٰ (تنزّل الملائكة والروح فيهابإذن ربّهم من كلّ أمر) (2).
أمّا الأوّل، فاُولوا الأمر والنهي هم الذين يأمرون الناس بما يرجع إلىٰ وظائفهم الفردية والاجتماعية والسياسية، فإذا كان أمرهم عامّاً لجميع الأزمنة وجميع الأشخاص، فهم اُولوا الأمر بالنسبة إلى الجميع، في جميع الأزمنة والأمكنة ويجب إطاعتهم، ومن إطاعتهم إطاعة المنصوبين من قبلهم، کالاُمراء المنصوبين من قبل النبي صلّی اللهُ علیه وآله وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، كمالك الأشتر وأضرابه.
وقد بيّن الله تعالىٰ شروط من يجب طاعته، فيكون الواجدون لهذه الشروط اُولي الأمر.
فمنها: العلم؛ لأنّ عموم الطاعة له يقتضي أن يكون عالماً بجميع ما يأمر وينهى؛
ص: 59
لأنّه لو كان جاهلاً في بعضها ووجب إطاعته فيه لزم وجوب متابعة الجهل، وقد قال سبحانه: (ولا تقف ما ليس لك به علم) (1) وقال:( أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع أمّن لا يهدّي إلاّ أن يهدیٰ) (2) .
ومنها : أن يكون معصوماً؛ لأنّه لو كان مخطئاً لزم وجوب متابعة الجاهل؛ لأنّ الخطأ جهل مرکّب.
ومنها : أن يكون غير ظالم؛ لقوله سبحانه (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار) (3) .
ومنها: أن لا يكون كافراً، لقوله سبحانه (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) (4) والمرتدّ عن الإسلام _وهو المنكر للضروري الذي يرجع إلى انکار الرسالة _ كافر .
ثمّ إنّ الأئمّة المعصومين الاثني عشر علیهم السّلام واجدون لشروط اُولي الأمر الذين يجب إطاعتهم في كلّ زمان وكلّ مكان (5)، فإنّهم العالمون بالكتاب المعصومون
ص: 60
الهادون المهديون.
وقد أمروا الناس ونهوهم في أخبار كثيرة وصلت إلينا، فكلّ إمام علیه السّلام بيّن أحكاماً وقال: إنّ هذه الأحكام يجب العمل بها علىٰ جميع المكلّفين، فيجب اتّباع أوامر الأئمّة الاثني عشر علیهم السّلامُ ونواهيهم؛ لأنّهم أونو، الأمر الواجدون للشروط، ويكون مخالفوهم و المتقدّمون عليهم من الظالمين المرتدّین .
ص: 61
ثمّ إنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله والأئمّة المعصومين عليهم السّلام نصبوا أشخاصاً وأمروا بطاعتهم، فلهم إمارة في خصوص ما نصبوهم فيه .
ولا يشترط في الإمارة الخاصّة إلاّ المصالح التي يراها النبي صلّی اللهُ علیه وآله أو الإمام المعصوم عليه السّلام في الذي يولّيه من قبله، كالولاة الذين بعثهم النبي صلّی اللهُ علیه وآله وأمير المؤمنين عليه السّلام على البلاد، فإنّه لا يعتبر فيهم ما يعتبر في الإمارة العامّة؛ لأنّ زمان إمارتهم ومكانها محدودان، وإن صدر منهم خلاف، فالنبي صلّی اللهُ علیه وآله والإمام المعصوم عليه السّلام مشرفان عليهم يعز لانهم .
وأمّا الثاني وهو الأمر التكويني، فاُولوا الأمر هم الذين ينزل إليهم الأمر التكويني من الآجال والأرزاق وغيرهما. ولعلّه المراد بالأمر في قوله سبحانه (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنّا كنّا منذرين * فيها يفرق كلّ أمر حكيم * أمراً من عندنا إنّا كنّا مرسلین) (1) و قوله تعالىٰ (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمره (2).
وإذا كانت ليلة القدر باقية مدى الأيام والدهور، فلابد من بقاء من تنزل فيها الاُمور إليه، وهو الإمام الثاني عشر عجّل الله تعالیٰ فرجه .
قوله (وإن تنازعتم) خطاب إلى المؤمنين الذين يجب عليهم إطاعة الرسول واُولي الأمر، بمعنىٰ تنازع المؤمنين فيما بينهم؛ لأنّه لا معنى لمنازعة اُولي الأمر الذين يحب إطاعتهم .
ص: 62
لكن قال في الكشّاف: المراد إن اختلفتم أنتم واُولوا الأمر منكم في شيء من أمور الدين، فردّوه إلى الله ورسوله، أي : ارجعوا إلى الكتاب والسنّة (1) إنتهیٰ .
ولا يخفىٰ أنّ هذا هو التفسير بالرأي وخلاف الظاهر، فإنّ من قرنه الله بنفسه وبرسوله في وجوب الإطاعة كيف يجوز الاختلاف معه؟ وأمّا قوله تعالی (فردّوه إلى الله وإلى الرسول) فيحتمل أن يكون المعنىٰ وإلىٰ اُولي الأمر، من باب حذف ما يعلم، نظير قوله تعالىٰ (والله ورسوله أحقّ أن برضوه) (2) ويؤيّده الإرجاع إلىٰ اُولي الأمر في قوله تعالىٰ (ولو ردّوه إلى الرسول وإلى اُولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه) (3) .
ثمّ إنّ الاُمّة قد تنازعت في خليفة الرسول صلّی اللهُ علیه وآله، فيجب عليهم ردّ ذلك إلى الله، والردّ إليه هو الردّ إلىٰ كتابه، وقد بيّن الله سبحانه وتعالىٰ في كتابه شروط من يجب إطاعته، وتلك الشروط تنطبق علىٰ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام وأولاده المعصومین علیهم السّلام .
الردّ إلىٰ رسوله بعد وفاته هو الردّ إلىٰ سنّته، وقد ثبت عنه متواتراً أنّه أوصىٰ بعترته، وقال الله صلّی اللهُ علیه وآله : فاطمة بضعة منّي من أغضبها فقد أغضبني (4).
وهي سلام الله عليها بعد وفاة أبيها غضبت علىٰ من غصب حقّها وحقّ بعلها، وكانت ساخطة علىٰ أبي بكر وعمر، ويشهد لذلك أنّها أوصت فدفنت سرّاً.
ص: 63
ثمّ لا يخفىٰ أنّ غير المتعصّب إذا تأمّل وحقّق، فلا أقلّ أنّه يشكّ في أمر القوم بعد وفاة الرسول صلّی اللهُ علیه وآله ، لكن لا يشكّ في أنّ عليّاً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السّلام هم مصادیق قوله تعالىٰ (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) (1) فلا ينبغي العدول عنهم إلىٰ غيرهم (2).
ص: 64
ثمّ إنّ مقتضىٰ إطلاق وجوب طاعة الرسول، أنّه لو أمر بإحضار الماء ليشرب مثلاً وجب إطاعته، فينبغي أن يكون ذلك لاُولي الأمر أيضاً، وهذا لا يمكن الالتزام به في غير المعصوم .
وذكر الشيخ الطوسي رحمة الله في التبيان عن المفسّرين تأويلين لاُولي الأمر: أحدهما: قال أبو هريرة وفي رواية عن ابن عبّاس و میمون بن مهران والسدي والجبائي والبلخي والطبري: إنّهم الاُمراء. ثانيهما: قال جابر بن عبدالله وفي رواية عن ابن عبّاس ومجاهد والحسن وعطاء وأبي العالية: إنّهم العلماء، ثمّ ناقش فيهما. فراجع (1) .
أقول: وكلاهما غير صحيح؛ لأنّ الله سبحانه لا يأمر بإطاعة الاُمراء، ولا يقال للعلماء اُولوا الأمر؛ لأنّهم ليسوا ممّن له الأمر، بل يستفاد من قوله تعالىٰ ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرسول وإلىٰ اُولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (2) انّ اُولي الأمر معصومون .
قال في التبيان في تفسير الآية الأخيرة: عن أبي جعفر علیه السّلام : «هم الأئمّة المعصومون» لأنّه تعالىٰ بيّن أنّهم متىٰ ردّوه إلىٰ اُولي العلم علموه، والرّد إلىٰ من ليس بمعصوم لا يوجب العلم لجواز الخطأ بلا خلاف، سواء كانوا اُمراء السرايا أو العلماء (3).
ص: 65
ثم إنّه يقال للمخالفين للشيعة: إنّه ما المراد بأُولي الأمر؟ فإن كان كلّ من يتسلّط على المسلمين من الظلمة والفسّاق، فيكون شمر _ لعنه الله _ معذوراً في قتل سیّد الشهداء أبي عبدالله الحسین علیه السّلام .
رويٰ في لسان الميزان بإسناده عن أبي إسحاق، قال: کان شمر يصلّي معنا، ثمّ يقول: اللّهمّ إنّك تعلم أنّي شريف فاغفر لي، قلت: كيف يغفر الله لك وقد أعنت علىٰ قتل ابن بنت رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله؟ قال: ويحك فكيف نصنع، إنّ اُمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم، ولو خالفناهم كنّا شرّاً من هذه الحمر الشقاء، قلت: إنّ هذا العذر قبيح، فإنّما الطاعة في المعروف (1).
أقول: اعترف أنّ يزيد أمير واجب الاطاعة، لكن يطاع في المعروف، مع أنّالمأمور لا يعرف المعروف من غيره، وأين هذا الاعتقاد من قولنا بأنّ اُولي الأمر هم المعصومون عليهم السّلام.
قوله تعالىٰ (اليوم أكملت لکم دینکم وأتممت علیکم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) (2) دلّت الآية الشريفة علىٰ أنّ إكمال الدين قد تمّ في
ص: 66
وبيانه: أنّ قوله تعالىٰ (اليوم) يمكن أن يقال: إنّ ظاهره يوم معيّن ، وهو يوم نزول ولاية علي علیه السّلام ، وهو يوم تثبيت الدين والإسلام، لأنّ الظاهر أنّ المراد من اليوم هو اليوم المذكور في قوله سبحانه (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون) (1) وهو كان في أواخر أيّام النبي صلّی اللهُ علیه وآله ، فإنّ الكفّار كانوا يرجون إبطال الدين واضمحلاله، وارتداد المسلمين عن دينهم، كما قال سبحانه (ولا يزالون يقاتلوكم حتّىٰ یردّوکم عن دینکم إن استطاعوا) (2) .
لكنّهم بعد فتح مكّة وقوّة الإسلام يئسوا من إبطال الدين، وعلموا أنّه استقرّ و ثبت، وأنّه لا يزول وإن قتلوا النبي صلّی اللهُ علیه وآله ، فيئسوا من معارضة المسلمين وارتدادهم عن دينهم ، فالمراد من اليوم يوم معيّن .
ولكن قال في الكشّاف: اليوم لم يرد به يوماً بعينه، وانّما أراد به الزمان الحاضر(3)
ص: 68
وما يتّصل به ويدانيه من الأزمنة الماضية والآتية، إلىٰ أن قال: وقيل: اُريد يوم نزولها وقد نزلت يوم الجمعة، وكان يوم عرفة بعد العصر في حجّة الوداع إلىٰ آخر كلامه (1).
أقول : لا وجه لتأويل ظاهره، وهو اليوم المعيّن إلىٰ ما ذكره .
قوله تعالىٰ (أكملت لكم) إكمال الشيء هو البلوغ إلىٰ نهايته وإتمام نقصه، ولا يتحقّق إكمال الدين إلاّ بعد أن يبيّن الله سبحانه لجميع المكلّفين ما يحتاجون إليه من الدين،والخطاب متوجّه إلى جميع المكلّفين، ولا اختصاص بالمشافهين؛ لأنّ الدين لا يختصّ بهم.
قوله (دینکم) الدين هو الاُصول الاعتقادية من توحيد الله سبحانه، ومعرفة صفاته، ومعرفة الأنبياء، وأوصيائهم والمعاد. والفروع من العبادات، والمعاملات، والسياسات. وبعضها أعمال فردية، وبعضها اجتماعية، كإقامة الجمعة، وإجراء الحدود، وإدارة المجتمع الإسلامي.
ثمّ إنّ إكمال الدين في زمان النبي صلّی اللهُ علیه وآله إنّما يكون إذا عيّن خليفته؛ لاحتياج الدين إلىٰ وجود النبي صلّی اللهُ علیه وآله أو خليفته الذي هو مثله في جميع خصاله إلاّ النبوّة وخصائصه الشخصية لوجهين: أحدهما: أنّ إجراء بعض الأحكام لا يكون إلاّ بیده؛ لأنّ الأحكام الاجتماعية والسياسية لا تتحقّق بدونه .
ثانيهما: أنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله قد أودع الأحكام الشرعية جميعاً حتّىٰ أرش الخدش عنده ليبيّنها للناس عند حاجتهم إليها، فقوله سبحانه (أكملت لکم دینکم) إخبار
ص: 69
عن نصب خليفة النبي صالذي يكون بمنزلته علما وعملا وعصمه، وهو يتصدیٰ الجميع ما كان يتصدّىٰ له النبي صلّی اللهُ علییه وآله، وهذا ما يعتقده الشيعة .
وأمّا ما يقوله غير الشيعة في مسألة خليفة النبي صلّی اللهُ علیه وآله والأحكام التي تقوّلها المتصدّون للخلافة بعد النبي صلّی اللهُ علیه وآله ، فيرد عليهم أنّه: إن لم يكن وجود الخليفة والأحكام المستحدثة بعد النبي صلّی اللهُ علیه وآله من الدين، فلا حاجة عند الناس إليها؛ لأنّ الدين قد اُکمل في زمان النبی صلّی اللهُ علیه وآله .
وإن كانت من الدين، فإن زعموا أنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله لم يبيّنها، لزم عدم إكمال الدين في زمانه، وإن زعموا أنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله بيّن لجميع أصحابه جميع ما يحتاج إليه الاُمّة إلىٰ يوم القيامة، فغير صحيح لوجوه :
الأوّل: أنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله مبعوث إلى الإنس والجنّ، فإنّه يرى الجنّ ويستمع إلىٰ كلامهم، ويجيب عن مسائلهم، ثمّ إنّه لم يتمكّن من بیان جميع ما يحتاج إليه الاُمّة، ومن نظر إلىٰ تاريخ حياته مع أصحابه، يعترف بأنّه لم يبيّن جميع ما يحتاج إليه الإنس والجنّ إلى يوم القيامة لجميع أصحابه .
وقد أجاد في بيان ذلك الشيخ أسد الله التستري رحمه الله، حيث قال في کشف القناع: ولمّا بعث الله نبيّنا صلّ اللهُ علیه وآله إلى الناس کاففّة، كانوا كلّهم أهل شرك وعبادة لغير الله سبحانه، إلاّ بقايا من أهل الكتاب، فكانوا علىٰ ملل أنبيائهم المغيّرة وكتبهم المحرّفة، عدا ما لا يخلو الأرض منه عند الفترة، أو مع أوحديّ من أتباعه خاصّة، فلم يكن له همّ أوّلاً إلاّ دعوة الناس إلى الإقرار بالشهادتين، وترك أديانهم ومللهم السابقة .
ص: 70
وقد بقي علىٰ ذلك سنين كثيرة معروفة مدّة مكثه بمكّة بعد البعثة لا يأمرهم إلاّ بذلك وبقليل من الفروع والأحكام، بحسب ما اقتضته المصالح والحكم، وتحمّلته طباع أهل ذلك الزمن، فأسلم قليل منهم علىٰ عجز وخيفة وضعف بصيرة وقلّة معرفة بحقائق الشريعة المنيرة، إلاّ نفراً منهم هداهم الله لدينه لم يشكّوا ولم يزلّواء، ولم تأخذهم في الله لومة لائم، ولم يضرّهم خذلان خاذل، وكانت التكاليف تتبع الأعمّ الأغلب، ولا سيّما في بدو الشرع.
فلمّا كان من أمر النبي صلّی اللهُ علیه وآله مع قریش ما كان وهاجر من مكّة إلى المدينة، وقوي الإسلام وكثر أهل الإيمان، زادت تكاليفهم تدريجاً، إلىٰ أن نزل القرآن بتمامه نجوماً، واستقرّت الشريعة، وكمل الدين وتمّت النعمة، وذلك قبل وفاته بمدّة قليلة.
ثمّ إنّ المسلمين مع قرب عهدهم بالجاهلية، وقصر مدّة إسلامهم وتعلّمهم للشريعة، وكثرة المنافقين بينهم والمستضعفين والجهّال والكذّابة، كانوا في شدّة عظيمة من جهة الكفّار والأوباش، وضيق شديد من جهة المعاش، فكان أكثر أوقاتهم مصروفاً في الجهاد والاكتساب ولوازمهما، کتهيئة السلاح وعدّة السفر، وتعلّم السبق والرمي، ومعالجة الجروح ومزاولة الجرحىٰ، والاشتغال باُمور القتلىٰ، والخروج إلى الأسواق وإلى البساتين لإصلاح الأشجار وقطع الثمار، وإلى البلاد النائية والبراري والقفار للاكتساب والاتّجار،وكانوا مشغولين أيضاًبغير ذلك من لوازم الطبيعة البشرية وسائر الأفعال والأعمال الدنيوية والدينية .
فما كانوا ليحضروا عند النبي صلّی اللهُ علیه وآله لاستماع المواعظ وتعلّم المسائل، إلاّ عند
ص: 71
فراغهم من هذه العوائق والشواغل.
وربما كان يحضر بعضهم عند مسألة يسأل عنها، أو حكم يحكم به، أو فعل يصدر منه أو أمر أو نهي ويغيب عنه آخر، ولم يكن كلّهم يسألون ويفهمون أو يستفهمونه؛ لأنّ الله تعالىٰ كما روي عن أمير المؤمنین علیه السّلام نهاهم عن السؤال، حيث يقول: (يا أيّها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزّل القرآن تبد لكم)(1) الآية.
فامتنعوا من السؤال، وربما لم يهتدوا إلىٰ طريقه ووجهه عند عروض الحاجة الباعثة عليه، وقضاء الضرورة الملجئة إليه، وقد كانوا لأجل ذا وذلك ربما يحبّون ويتمنّون أن يجيء الأعرابي والطاري، فيسأل النبي صلّی اللهُ علیه وآله عن شيء حتّىٰ يسمعوا.
فلم يعرف معظمهم من الشريعة إلاّ ما كان ظاهراً مشهوراً من الأعمال التي كانوا يواظبون عليها غالباً أو مكرّراً، والتروك التي كانوا يتجنّبونها دائماً أو كثيراً، أو غير ذلك ممّا كانوا يحتاجون إليه ويتّفق لهم العلم به نادراً .
وهذه ربما خفي وجه بعضها عليهم، فلم يعلموا هل المأمور به واجب أو مندوب، والمنهي عنه محرّم أو مكروه؛ لعدم توقّف الامتثال علىٰ معرفة ذلك، فلم يكن يهتمّ بشأنه كثيراً مع العزم على الإطاعة مطلقاً.
وربما وقع منهم الخطأ العظيم فيما جعل النبي صلّی اللهُ علیه وآله أمره إليهم، وذلك كما في قصّة ماعز بن مالك لمّا أقرّ علىٰ نفسه بالزنا، وأمر النبي صلّی اللهُ علیه وآله برجمه، فهرب من الحفيرة، فلحقه الزبير ورماه بساق بعير، فسقط فلحقه الناس فقتلوه، ثمّ اُخبر
ص: 72
النبي صلّی اللهُ علیه وآله بذلك، فقال لهم : هلاّ تركتموه إذا هرب، فإنّما هو الذي أقرّ على نفسه، وقال أيضاً: أما لو كان علي حاضراً معكم لما ضللتم، ثمّ وداه من بيت مال المسلمين .
وقد أخطأ عمّار في كيفية التيمّم إلىٰ أن وبّخه النبي صلّی اللهُ علیه وآله وعلّمه كما هو معروف، فكيف حال سائر الصحابة ؟.
وربما وقع الاختلاف بينهم في زمانه كما وقع بين جماعة منهم، حيث تحاكم إليهم النبي صلّی اللهُ علیه وآله مع الأعرابي في القضيّة المعروفة المتّحدة أو المتعدّدة، فلم يحكم منهم بالحقّ إلاّ أمير المؤمنین علیه السّلام حتّىٰ صنع بالأعرابي ما صنع، وكما وقع بين أبي ذرّ وعثمان في زكاة مال التجارة إلىٰ أن رجعا إلى النبي صلّی اللهُ علیه وآله، فقال: القول ما قال أبوذرّ(1). إنتهىٰ موضع الحاجة من كلامه، وليرجع إلىٰ بقيته من أحبّ .
فقد تبيّن أنّه لم يكمل الدين في زمان حياة النبي صلّی اللهُ علیه وآله بتعليمه صلّی اللهُ علیه وآله الأحكام والكتاب جميع الناس الذين عاصروه، إلاّ ما يحتاجون إليه في اُصول دينهم وفروعه، فضلاً عن الذين يأتون بعده، وما يحدث من الفروع في الأعصار التالية .
فيتعيّن أن يكون تحقّق إكمال الدين بنصب خليفة النبي صلّی اللهُ علیه وآله الذي هو بمنزلته، وهو الذي علّمه النبي صلّی اللهُ علیه وآله الكتاب وأودعه علمه، فيكون الخليفة امتداداً لخطّ النبوّة، ولا يكون ذلك الشخص إلاّ أمیرالمؤمنين علياً علیه السّلام ، وأولاده المعصومين علیهم السّلام ، الذين يعلمون الكتاب الذي فيه ما يحتاج إليه الإنس والجنّ، المشتمل علىٰ جميع المعارف، وقد اجتمعت فيهم جميع الصفات التي دلّ القرآن
ص: 73
الكريم على اعتبارها في خليفة النبي صلّی اللهُ علیه وآله ، ولم تجتمع في غيرهم (1) .
الوجه الثاني: أنّ من الطبيعي أن تحدث بعد وفاته صلّی اللهُ علیه وآله وقائع لم تكن قد وقعت في زمانه صلّی اللهُ علیه وآله ولم يبيّن حكمها، ولا يستفاد من الكتاب ولا من النصوص الثابتة عنه، ولذا احتاج العامّة إلىٰ تخريجها بالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة التي رأوها، وقد اعترف بذلك ابن رشد في مقدّمة بداية المجتهد .
فعلىٰ مذهب غير الشيعة لم يكمل الدين، وأمّا علىٰ مذهبهم من وجود معصوم عالم بجميع الأحكام الجزئية والكلّية للوقائع المتجدّدة وغيرها، آخذ علمه من النبي صلّی اللهُ علیه وآله ، فيودعه عند معصوم آخر بعده يقوم مقامه، فقد اُكمل الدين .
الوجه الثالث: أنّ الدين الذي أكمله الله سبحانه لعباده لا اختلاف فيه؛ لأنّ حكم الله لا اختلاف فيه، فقد قال سبحانه و تعالىٰ : (ولو كان من عند غير الله
ص: 74
لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) (1).
وأيضاً أنّ الله سبحانه لم يجعل حكمه تبعاً للأهواء والآراء، فقال سبحانه مخاطباً لنبيّه: ( إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنین خصیماً) (2) وقال عزّوجلّ: ( قل إنّي علىٰ بيّنة من ربّي وكذّبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلاّ لله يقصّ الحقّ وهو خير الفاصلين) (3) وقال تعالىٰ: ( وما أنزلنا عليك الكتاب إلاّ لتبيّن لهم الذي اختلفوا فيه وهدىً ورحمة لقوم يؤمنون) (4).
وقال تعالىٰ : ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) (5) وقال تعالىٰ: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتّبعوه واتّقوا لعلّكم ترحمون * أن تقولوا إنّما اُنزل الكتاب علىٰ طائفتين من قبلنا وإن كنّا عن دراستهم لغافلين * أو تقولوا لو أنّا اُنزل علينا الكتاب لكنّا أهدیٰ منهم فقد جاءكم بيّنة من ربّكم وهدىً ورحمة فمن أظلم ممّن كذّب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصد فون عن آیاتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون) (6) .
وقال تعالىٰ: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتّبع أهواءهم واحذرهم أن
ص: 75
يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولّوا فاعلم أنّما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإنّ كثيراً من الناس لفاسقون * أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون )(1).
وبعد ذلك نقول: إنّ اختلاف العامّة في الاُصول والفروع ومذاهب أئمّتهم الأربعة أمر لا ينكر. فإن كان جميعها صحيحاً، لزم عدم إكمال الدين، كما يلزم أن يكون حكم الله سبحانه تابعاً للأهواء والآراء .
الوجه الرابع: لو سلّم أنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله بيّن جميع الأحكام، فمن يبلّغها إلىٰ اُمّته بعد وفاته إلىٰ يوم القيامة؟ فإن قالوا: إنّ اُمّته المعاصرين له يحفظونها ويبلّغونها إلىٰ من بعدهم، ففيه أنّهم قد اختلفوا في الفروع أشدّ الاختلاف، ألا ترىٰ أنّهم لم يحفظوا كيفية الأذان الذي كان يؤذّن في زمانه صلّی اللهَ علیه وآله خمس مرّات في اليوم والليلة .
قال محمّد بن أحمد بن رشد القرطبي المتوفّىٰ سنة (595) في بداية المجتهد ونهاية المقتصد: اختلف العلماء في الأذان علىٰ أربع صفات مشهورة : إحداها: تثنية التكبير فيه وتربيع الشهادتين وباقيه مثنىٰ، وهو مذهب أهلالمدينة مالك وغيره، واختار المتأخّرون من أصحاب مالك الترجيع، وهو أن يثني الشهادتين أوّلاً خفياً، ثم يثنّيهما مرّة ثانية مرفوع الصوت.
والصفة الثانية: أذان المكّيين، وبه قال الشافعي، وهو تربيع التكبير الأوّل والشهادتين، وتثنية باقي الأذان . والصفة الثالثة: أذان الكوفيين، وهو تربيع التكبير الأوّل، وتثنية باقي الأذان،
ص: 76
قال أبو حنيفة .
والصفة الرابعة: أذان البصريين، وهو تربيع التكبير الأوّل، وتثليث الشهادتين، وحيّ على الصلاة، وحيّ على الفلاح، يبدأ بأشهد أن لا إلٰه إلاّ الله، حتّىٰ يصل حيّ على الفلاح، ثمّ يعيد كذلك مرّة ثانية، أعني الأربع کلمات تبعاً، ثمّ يعيدهنّ ثالثة وبه قال الحسن البصري وابن سیرین (1).
الوجه الخامس: أنّ المراد من إكمال الدين هو إكماله بالنسبة إلى الناس جميعاً ولا يكون الدین کاملاً إلاّ إذا كان بحيث تتمّ الحجّة على الناس، والدین لا يختصّ بالعرب، بل يعمّ الناس أجمعين، فلابدّ وأن يكون له حافظ يمكنه بیان أحقّية الدين ورفع الشبهات عن الناس، وذلك بأن يكون له معجزة تدلّ علىٰ أحقّية الدين، كما كان الأئمّة المعصومون علیهم السّلام متمكّنين من الإعجاز، وقد ملئت كتب الشيعة من ذكر معجزاتهم، فأثبتوا بها أنّ الإسلام دين إلٰهي، ولا يكفي إعجاز القرآن لجميع الناس؛ لأنّ غير العربي ربما لا يفهم إعجازه.
وما ذكرناه من تفسير الآية هو ما يقتضيه ظاهرها، ولكن صاحب الكشّاف تمحّل في تفسيرها، فقال: «اليوم أكملت لکم دینکم» كفيتكم أمر عدوّكم، وجعلت اليد العليا لكم، كما تقول الملوك: اليوم كمل لنا الملك، وكمل لنا ما نريد، إذا كفوا من ينازعهم الملك، ووصلوا إلىٰ أغراضهم ومباغيهم، أو أكملت لكم ما تحتاجون إليه في تكليفكم، من تعليم الحلال والحرام، والتوقيف على الشرائع، وقوانين
ص: 77
القياس واُصول الاجتهاد(1) انتهىٰ .
أقول: أمّا المعنى الأوّل، فليس مطابقاً لمدلول الآية؛ لأنّ الدين هو الإسلام، وهو عبارة عن عقائد و أحكام ولا ربط له بالملك، فلا يقال كمل العقائد والأحكام لأنّ العدوّ صار مقهوراً .
وأمّا المعنى الثاني، فقد تبيّن ممّا ذكرنا أنّه لم يعلم جميع اُمّته جميع الحلال والحرام.
وأمّا قوله «و قوانين القياس واُصول الاجتهاد» فبطلانها من الواضحات لمن راجع ما كتبه علماء الشيعة في بطلانها، وقد منع الله رسوله عن ذلك وقال: «ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين) (2) .
ولا سبيل إلى العلم بملاكات الأحكام إلاّ للمعصومين الذين يتّخذون علومهم من الله، وكيف يدرك الفرق مثلاً بين جعل عتق الرقبة عد لإطعام عشرة مساكين في قوله تعالىٰ (فكفّارته طعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو کسوتهم أو تحرير رقبة ) (3) وبين جعله عدلاً لإطعام ستّين مسكيناً في قوله تعالىٰ (والذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسّا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير * فمن لم يجد فصيام شهرين متابعين من قبل أن يتماسّا فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكيناً) الآية (4) .
ص: 78
وحكى الشيخ الطوسي رحمة اللهُ في التبيان في تأويل قوله تعالىٰ (أكملت لكم دینکم) أقوالاً، أحدها: قال ابن عبّاس والسدي وأكثر المفسّرين: إنّ معناه أكملت لكم فرائضي وحدودي وأمري ونهيي وحلالي وحرامي بتنزیلي ما أنزلت و تبياني ما بيّنت لكم، فلا زيادة في ذلك ولا نقصان منه بالنسخ بعد هذا اليوم، وكان ذلك اليوم عام حجّة الوداع. إلىٰ أن قال: وهو اختيار الجبائي والبلخي .
الثاني: قال الحكم وسعيد بن جبير وقتادة: معناه أكملت لكم حجّكم، وأفردتكم بالبلد الحرام تحجّون دون المشركين، ولا يخالطكم مشرك، وهو الذي اختاره الطبري .
الثالث: قال الزجّاج : معنىٰ أكملت لكم الدين، كفيتكم خوف عدّوكم وأظهرتكم عليهم، كما تقول: الآن كمل لنا الملك وكمل لنا ما نريد، أي: كفينا ما كنّا نخافه .
الرابع: ما روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله علیها السّلام أنّ الآية نزلت بعد أن نصب النبي صلّی اللهُ علیه وآله علماً للاُمّة يوم غدیر خمّ منصرفه عن حجّة الورداع.
أقول: ظهر مامّ بيناه بطلان الوجوه الثلاثة، وأنّ ظاهر الآية موافق للقول الرابع المروي عن المعصومين علیهم السّلام .
ومعنىٰ قوله تعالیٰ (و أتممت علیکم نعمتي) أي : النعمة الدنیویة .الاُخرویة قد أتممتها علیکم، فلا نقص في النعمة علیکم .
وقد استعمل في القرآن الکریم إتمام النعمة في النعمتین» نعمة الدین بجعل الأحکام، ونعمة بما فیها من الخیرات والبرکات، فقال الله تعالیٰ : (هو الذي
ص: 79
ألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً) (1) ( أي: نعمة الدين أزالت عنكم الحسد والكبر وغيرهما، وقال الله تعالىٰ : (والله جعل لكم ممّا خلق ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكناناً وجعل لكم سرابيل تقيكم الحرّ وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتمّ نعمته عليكم لعلّكم تسلمون) (2).
وجعل الله تعالىٰ علّة وضع بعض الأحكام : أنّه إنّما يريد ليتمّ نعمته عليكم، مثل قوله بعد تشريع التيمّم (ولكن يريد ليطّهركم وليتمّ نعمته عليكم لعلّكم تشکرون) (3) فأخبر تعالىٰ بأنّه يريد إتمام النعمة بجعل هذا الحكم.
فلمّا جعل تمام الأحكام أخبر تبارك وتعالىٰ بأنّه قد أتمّ النعمة، ولم تبق بعد ذلك نعمة الدين ناقصة، بل صارت تامّة، وإذا تمّت نعمة الدين تتمّ نعمة الدنيا .
ولعلّ المراد با تمام النعمة ما هو أعمّ من الماديّة والمعنوية، لكن القوم بعد وفاة النبي صلّی اللهُ علیه وآله كفروا بأنعم الله، فأذاقهم الله ما ابتلوا به، وكان ما كان من الحوادث التي وقعت بعد وفاته صلّی اللهُ علیه وآله .
وإتمام النعمة كذلك إنّما يكون إذا أمنت البلاد، ووصل إلىٰ كلّ ذي حقّ حقّه، وتمتّع كلّ إنسان بعيشه، واكتسب السعادة الاُخروية، وهذا لا يتحقّق إلاّ إذا حكم العباد قائد سائس غير مخطيء، أي: معصوم عالم قوي، وهذا لا يكون إلاّ إذا تصدّىٰ للخلافة علي وأبناؤه الطاهرون علیهم السّلام .
ص: 80
وأمّا قوله تعالىٰ (ورضيت لكم الإسلام ديناً)، فالإسلام هو الدين، لّکنه إنّما رضیه لهم ديناً بعد الإكمال والإتمام، و تعیین خليفة النبي الذي يكون ضامناً لبقاء الدين .
وقد ظهر بالبيان المتقدّم أنّ إخباره تعالىٰ عن إكمال الدين إخبار عن نصب خليفة النبي صلّی اللهُ علیه وآله في زمان حياته، وهو بمنزلته علماً و عملاً وعصمةً، وقد بيّن الله سبحانه في كتابه شروط الخليفة، وهي متوفّرة في علي وأولاده المعصومين علیهم السّلام لا في غيرهم، ومن جانب الاعتساف واطّلع على التاريخ الصحيح يستفيد من هذه الآية الشريفة اُموراً : منها : أنّ من حضر السقيفة لتعيين خليفة النبي صلّی اللهُ علیه وآله، قد خالف القرآن؛ لأنّ الدين الذي أكمله الله عزّوجلّ لا يكون إكماله إلاّ بتعيين الله سبحانه خليفة النبي صلّی اللهُ علیه وآله .
ومنها : أنّ من استعمل الرأي والاستحسان والقياس في أحكام الله سبحانه، قد خالف القرآن؛ لأنّ الأحكام إن كانت من الدين، فقد أكملها الله وبيّنها لنبيه. وإن لم تكن من الدين،فلا حاجة عند الناس إليها.
ومنها : أنّ الخبر المنسوب إلى النبي صلّی اللهُ علیه وآله _ أنّه لمّا وجّه معاذ بن جبل إلى اليمن قاضياً، وسأله عمّا يحكم به إذا لم يجد في كتاب الله وسنّة نبيّه صلّی اللهُ علیه وآله، فقال: أجتهد رأيي لا آلو، قال: فضرب رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله علىٰ صدره، وقال: الحمد لله الذي وقّق رسول رسول الله لما يحبّ _ مجعول؛ لأنّه مخالف للقرآن؛لأنّه سبحانه أكمل الدين، و آراء الناس ليست أحكام الله تعالىٰ، ولم يجعل أحكامه تبعاً لآراء الناس،
ص: 81
حتّىٰ أنّه قال لنبيه صلّی اللهُ علیه وآله: (لتحكم بين الناس بما أراك الله ) .
ومنها: أنّ عموم الخبر المنسوب إلى النبي صلّی اللهُ علیه وآله_ أنّه قال: أصحابي كالنجوم بأیّهم اقتدیتم اهتديتم. لو اُريد منه كلّ من صحب النبي صلّی اللهُ علیه وآله؛ مجعول؛ لأنه مخالف للقرآن، ولأنّه قد وقع بينهم الاختلاف في أحكام الدين .
هذا وقد زعم بعض العامّة عدم دلالة الآية الشريفة علىٰ خلافة على علیه السّلام، فقال : إنّ هذه الآية لا دلالة فيها علىٰ علي عليه السّلام، ولا علىٰ إمامته، بل فيها إخبار الله بإكمال الدين وإتمام النعمة على المؤمنين ورضاه بالإسلام ديناً.
أقول: قد عرفت أنّ إكماله متوقّف علىٰ تعيين الخليفة، ولم يعيّن النبي صلّی اللهُ علیه وآله خليفةً إلاّ في من تمثّلت فيه الصفات المذكورة في القرآن، وهي لا توجد إلاّ في علي علیه السّلام .
قوله تعالىٰ (يا أيّها الرسول بلّغ ما اُنزل إليك من ربك وإن لمتفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس إنّ الله لا يهدي القوم الكافرين) (1) لا شكّ في أنّ الرسول صلّی اللهي علیه وآله قد قبضت روحه المقدّسة مؤدّياً رسالته مرضياً عند ربّه .
وسياق الآية يدلّ على أنّها واردة في واقعة خاصّة؛ لأنّ الرسول صلّی اللهُ علیه وآله كان مأموراً بتبليغ رسالته من أوّل بعثته، فأمره بتبليغ الرسالة ولاسيّما في أواخر حياته (2)(2) ، أو بعد قدومه إلى المدينة _ كما يقوله بعض العامّة - لا يكون إلاّ لواقعة
ص: 82
مهمّة .
وأيضاً سياق الآية يدلّ علىٰ أنّ ما اُمر بتبليغه أمر بالغ الأهمّية كان الرسول صلّی اللهُ علیه وآله يحذر من تبليغه، ويخاف من امتناع الناس عليه، وهو صلّی اللهُ علیه وآله كان قد بلّغ ما اُنزل إليه في الحلال والحرام، ولم يتداخله خوف في بيانهما، بل ولم يكن ينبغي أن يتداخله خوف في بيانهما، فسياق الآية يدلّ علىٰ أن الأمر خطير .
ولاسيّما في أواخر حياته، أو بعد دخوله المدينة، وقد قوي الإسلام وكثر الأتباع من المهاجرين والأنصار، إذن لم يكن ذلك الأمر حكماً راجعاً إلى الدماء من القتل ونحوه، أو الأعراض من النكاح والطلاق، أوالمال، ولا كان هو صلّی اللهُ علیه وآله ليخاف من تبلیغ مثل هذه الأحكام حتّىٰ يحتاج إلىٰ أن يعصمه الله منالناس، فدلّ خوفه صلّی اللهُ علیه وآله على أهميّة هذا الأمر الخطير .
وأيضاً إنّ قوله سبحانه (وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته) يدلّ علىٰ أنّ ما بلّغه من الأحكام قبل ذلك لن يعدّ تبليغاً ما لم يبلّغ هذا الذي اُنزل إليه؛ لأنّه عماد الجميع ورکنه، وممّا يتوقّف عليه توقّف الشيء على الجزء الرئيسي، كالرقبة في الإنسان، فهو حكم واحد قد اُمر بتبليغه، وعدم تبليغه يساوي سلب التبليغ عمّا کان بلّغه قبل ذلك .
ومن ذلك يظهر أنّه ينبغي أن يكون آخر الأحكام، أو قريباً منه؛ لأنّه في أوّل بعثته لم يبلّغ أصلاً ، فلو كانت الآية نازلة فيه _أي: في أوّل بعثته _ لم يكن للكلام معنی صحیح، فإنّه نظير أن يقال لمن لم يأكل الخبز: كل الخبز وإلاّ فما أكلت الخبز.
وكذا لا معنى له إن كان في وسط بعثته، فإنّه لا يقال بلّغ ما اُنزل إليك قبلاً، وإلاّ
ص: 83
فما بلّغت ما مضىٰ ممّا بلّغته، أو بلّغ ما ينزل إليك بعد ذلك وإلاّ فما بلّغت ما مضىٰ .
فالأمر بالتبليغ في هذه الآية أمر بتبليغ حکم واحد في آخر عمره، وعدم تبليغه يساوي عدم تبلیغ جميع ما بلّغه. وأنّ الذي اُمر بتبليغه کالرسالة، فإن لم يبلّغه فكأنّه لم يصنع شيئاً ولا قام بالرسالة، وهذا شاهد علىٰ أنّ الأمر الذي اُمر بتبليغه يجري مجرىٰ نفسه الشريفة التي لا عوض عنها، وهذه صفة من يكون قائماً مقامه في العباد والبلاد، وحافظاً لكلّ ما دعا إليه ودلّ عليه إلىٰ يوم المعاد .
فهذه الاُمور التي ذكرناها تدلّنا بوضوح لا يخالجه ريب أنّ ما أنزل إليه ممّا اُمر بتبليغه بهذه الشدّة، وأنّه تعالىٰ يعصمه لأجله من الناس، هو أهمّ الواجبات الذي يتوقّف عليه إجراء سائر الأحكام، وهو تبلیغ أمر الخلافة من بعده في من عيّنه الله سبحانه وتعالىٰ ليكون خليفة النبي صلّی اللهُ علیه وآله في جميع ما كان يتصدّىٰ لهمن تعليم الكتاب وبيان الأحكام وسياسة العباد .
وانّ ذلك لممّا يحكم به بديهة العقل، وهو أنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله إن لم يعيّن خليفته فستكون الاُمّة بعد وفاته حیاریٰ، وسيضمحلّ الإسلام وأحكامه تدریجاً بسبب تلاعب من سيتصدّىٰ للأمر كما رأينا، ولذلك عیّن النبي صلّی اللهُ علیه وآله خليفته من بعده، ولم يعيّن إلاّ المعصوم، وهو علي علیه السّلام وبنوه المعصومون علیهم السّلام .
وقد ورد في أخبار أهل البيت علیهم السّلام أنّ الآية نزلت في شأن خلافة علي علیه السّلام.
هذا، ولكن بعض مفسّري العامّة قد فسّر الآية الشريفة بما لا يمكن تصديقه. قال القاضي عبدالجبّار: ربما قيل في قوله تعالىٰ ب(لّغ ما اُنزل إليك ) الآية،
ص: 84
معلوم أنّه إذا لم يبلّغ الرسالة (1) فما فائدة التكرار ؟ وجوابنا: أنّ المراد بقوله «بلّغ ما اُنزل إليك من ربّك» هو القرآن، وبيّن أنّه إن لم يبلّغ القرآن لا يكون قد بلّغ الرسالة أجمع، فليس ذلك بتكرار، بل هو تنبيه علىٰ أنّ في جملة ما حمل من الرسالة ما لا ينطق القرآن به، ومتىٰ لم يبلغ القرآن لم يتمّ إبلاغ الرسالة أجمع إلىٰ آخر كلامه (2) .
أقول: إنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله كان يبلّغ ما ينزل عليه من القرآن ولم يكن يخاف من أحد.
وقال في الكشّاف: «بلّغ ما اُنزل إليك» جميع ما اُنزل إليك وأيّ شيء أنزل إليك، غير مراقب في تبليغه أحداً، ولا خائف أن ينالك مکروه «وإن لم تفعل» وإن لم تبلّغ جميعه كما أمرتك «فما بلّغت رسالته» وقرىء رسالاته، فلم تبلّغ إذاً ما كلّفت من أداء الرسالات، ولم تؤدّ منها شيئاً قطّ، وذلك أنّ بعضها ليس بأولیٰ بالأداء من بعض، وإن لم تؤدّ بعضها فكأنّك أغفلت أداءها جميعها إلخ (3) .
أقول: إن أراد أنّ المراد ما اُنزل إليك جميع ما اُنزل إليك، فهو تفسیر بالرأي؛ لأنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله قد بلّغ ما اُنزل إليه من أوّل بعثته إلىٰ ما قبل نزول هذه الآية، فلابدّ أن يكون المعنىٰ بلّغ هذا المقدار الذي اُنزل إليك قبل نزول هذه الآية، وحينئذ إن كان هذا البعض كسائر ما اُنزل إليه ولم يكن له أهمّية توجب عدم جدوىٰ ما بلّغه قبل ذلك، كان نظير أن يكون الشخص مأموراً بأكل قرص خبز جميعه، فأكله وبقي
ص: 85
منه جزء لم يأكله، فيقال له: كل هذا البعض وإن لم تأكل ما أكلت جميع القرص، وهو من توضيح الواضحات.
قال الشيخ الطوسي رحمة اللهُ في التبيان: قال ابن عبّاس: معناه إن كتمت آية ممّا اُنزل إليك فما بلّغت رسالته، والمعنىٰ أنّ جريمته کجريمته لولم يبلّغ شيئاً ممّا أُنزل إليه في أنّه يستحقّ به العقوبة من ربِّه (1).
أقول: ما ذكره ليس مطابقاً للواقع، وما ذكرناه هو الظاهر من الآية الموافق لما حكاه الشيخ في التبيان عن أبي جعفر وأبي عبدالله علیهما السّلام: إنّ الله تعالىٰ لمّا أوحىٰ إلى النبي صلّی اللهُ علیه وآله أن يستخلف علياً علیه االسّلام كان يخاف أن يشقّ ذلك على جماعة من أصحابه، فأنزل الله تعالىٰ هذه الآية تشجيعاً له على القيام بما أمره بأدائه.انتهىٰ .
وأمّا قوله تعالىٰ (إنّ الله لا يهدي القوم الكافرين) فلعلّه يدلّ علىٰ أن من لا یقبل منك ما اُمرت بتبلیغه من أمر خلافة علي علیه السّلام فهو من الکافرین ولیس علیكهداهم. ویحتمل أن یکون النبي صلّی اللهُ علیه وآله خائفاً من أن لا تقبل اُمّنه ذلك، فیصیروا مرتدّین، مع أنّه کان حریصاً علیٰ هدایتهم، فقال الله تبارك وتعالیٰ : إنّ الکافرین لا یهتدون .
قوله تعالیٰ( ولتکن منکم اُمّة یدعون إلی الخیر ویأمرون بالمعروف وینهون عن المنکر واُولئك هم المفلحون * ولا تکونوا کالذین تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البیّنات واُولئك لهم عذال هطیم) (2) أوجب الله
ص: 86
تعالیٰ أن تکون اُمّة من جمیع المکلّفین یفعلون ما ذکر في الآیة من الدعوة إلی الخیر والأمر بالمعروف والنهي عن المنکر، فإنّ الخطاب متوجّه إلیٰ عامّةالمکلّفین ، مسائر الخطابات القرآنیّة، فیدلّ علیٰ لزوم أن یکون في کلّ زمان من أزمنة التکلیف بعد هذا الخطاب من یدعوا إلی الخیر، ویأمر بالمعروف وینهیٰ عن المنکر .
والمراد باخیر والمعروف والمنکر الواقعي منها ممّا یحتاج إلیه المکلّفون، ولا یتحقّق العلم به إلاّ لمن یتلقّیٰ من الله تعالیٰ بالوحي وغیره ، أو یتلقّیٰ ممّن یوحی إلیه، وهو لا یکون إلاّ العالم بجمیع ذلك المعصوم عن الخطأ؛ لأنّ المخطیء جاهل. فإذا وجب وجود من یکون منّصفاً بذلك، وجب إطاعتهم علی الجمیع،وإلاّ کان وجوب دعوتهم لغواً، فیستفاد منه وجوب احتفاف الناس حول من یفعل في کلّ زمان، وهو الإمام المعصوم، وهذا یقتضي توحید الناس أجمع علیٰ ویستفاد ذلك أیضاً من قوله تعالیٰ (ولا تکونوا کالذین تفرّقوا) الآیة، ولنا أن نتسائل هل عملت هذه الآمّة بعد نبیّها بهذه الآیة، أو تفرّقت کما نریٰ، ففرقة بالمعروف وناهیاً عن المنکر، کما تعتقد أنّ أولاده الإحدیٰ عشر کذلك، وأنّ فاطمة الزهرا هلیها السّلام التي یرضی الله لرضاها و یغضب لغضبها_ کما صرّحت نصوص الفریقین_قد ماتت وهة غاضبة علیٰ أبي بکر وعمر، .هي في الفرقة التي تعتقد إمامة بعلها علي ابن أبی طالب علیه السّلام . وفرقة تعتقد خلاف ذلك .
ولا ریب ولا شكّ أنّ أهل البیت علیهم السّلام في الفرقة الناجیة ، إذن غیرهم هم الذین تفرّقوا من بعد ما جاءتهم البینات .
ص: 87
في الآیات الدالّة علی الصفات التی یعتبر توفّرها في النبي صلّی اللهُ علیه وآله وخلیفته تقدّم في الفصل السابق الآیات الدالّة علیٰ أنّ الذین قد اُکمل في زمان حیاة النبي صلّی اللهُ علیه وآله،الذي لابدّ أن یکون متصفاً بجمیع صفات النبي إلاّ النبوّة، ونذکر في هذا الفصل الآیات الدالّة علیٰ صفاتهما لنطبقها علیٰ من اتّصف بها .
الأوّل: أن یکونا کافرین بالله تعالیٰ في عمرهما ولو في لحظة ، بل لابدّ أن یکونا موحّدین مؤمنین معصومین من أوّل حیاتهما إلیٰ وفاتهما؛لقوله تعالیٰ (وإذ ابتلیٰ إبراهیم ربّه بکلمات فأتمّهنّ قال إنّي جاهلک للناس إماماً قال ومن ذرّیتي قال لا ینال عهدي الظلالمین ) (1) .
وبیانه: أنّ معنی الابتلاء في قوله سبحانه (ابتلیٰ) لعلّه بمعنیٰ وصول نقمة أونعمة إلیٰ شخص المبتلیٰ، یصیر بها ما فیه بالقوّة من الإیمان أو الشقاوة فعلیّاً،
ص: 88
وينكشف بسببها حاله لنفسه أو لغيره في اختياره ما يريد الله سبحانه، أو اختياره ما تشتهيه نفسه .
قوله تعالى (بكلمات) قيل فيها وجوه : أحدها: ما تعبّد به من السنن الحنفية .
ثانيها: الأوامر والنواهي المتعلّقة بذبح الولد والهجرة وغيرهما .
ثالثها: أنّ الكلمات قوله تعالىٰ (إنّي جاعلك للناس إماماً قال ومن ذرّيتي) بأن يكون قوله تعالىٰ (إنّي جاعلك للناس إماماً) بمنزلة البيان للكلمات، وقوله تعالىٰ (قال ومن ذرّيتي) بمنزلة البيان لقوله تعالىٰ (فأتمّهنّ) ولعلّه أنسب من المعنيين الأوّلين .
رابعها: أنّ الكلمات هي التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه، وهي التي لا تنفد وإن نفد البحر، كما أشارت إليها آية اُخرىٰ.
قوله تعالى (فأتمهنّ) قيل فيه وجوه: أحدها: أن التكاليف أو السنن وما شرع له قد قام بها كلها، كما قال تعالى وإبراهيم الذي وقى)(1).
ثانيها: أنّه أتمّ_ أي: إبراهيم عليه السّلام _ الإمامة التي قد نالها بأن طلبها لذرّيته ، فأتمّها إلى الثاني عشر عجّل الله تعالىٰ فرجه .
ثالثها: أنّ الله سبحانه أتمّ الإمامة في ذرّيته .
قوله تعالىٰ (قال إنّي جاعلك) يحتمل وجهين :
ص: 89
أحدهما: أنّه بيان لقوله (وإذ ابتلىٰ) فإنّه مجمل يفسّره قوله (إنّي جاعلك) إلى آخره، أي: إنّ الله تعالیٰ ابتلى ابراهيم بالكلمات التي هي الإمامة، فأكرمه بها.
ثانيهما: أنّه ابتلي بالكلمات وأتمّهنّ، ثمّ جعله إماماً (1).
قوله تعالىٰ (للناس إماماً) الإمام هو المتقدّم الذي يقتدىٰ به ويتّبع ويطاع في أوامره ونواهيه، وهو يقتضي عموم العلم والعصمة، فإنّ الله تعالىٰ لا يجعل الجاهل إمام واجب الاتّباع، بعد أن نهيٰ عن اتّباع الجهل في قوله تعالىٰ (ولا تقف ما ليس لك به علم) (2) وغيرها من الآيات، وغير المعصوم مخطىء والمخطىء جاهل .
ثمّ إنّ إبراهيم علیه السّلام كان نبيّاً قبل أن يصير إماماً، كما في بعض الأخبار .
والدليل على كونه نبيّاً قبل ذلك أنّ ذبح إسماعيل علیه السّلام كان من جملة ما ابتلاه الله به، وإسماعيل علیه السّلام قد ولد له في آخر أيّامه؛ لقوله تعالىٰ (في الحمد لله الذي وهب الي على الكبر إسماعيل ) (3) .
ص: 90
وأيضاً إنّ قوله «ومن ذرّيّتي» يدلّ علىٰ وجود الذرّية له، وقد سأل الله تعالىٰ أن يجعل فيهم الإمامة، فتدلّ الآية علىٰ أنّ الإمامة لها مراتب، وقد نال مرتبة منها بالنبوّة، ثمّ بلغ أعلىٰ مرتبة بعد ذلك ، ولعلّها مرتبة اُولي العزم .
فإذا ثبت تحقّق هذه المرتبة في ذرّيته، فللآية دلالة علىٰ أنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله من اُولي العزم، وأنّ مرتبة الأئمّة المعصومين علیهم السّلام مرتبة اُولي العزم؛ لأنّ الله تعالىٰ يقول: (ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذرّيّتهما النبوّة والكتاب) (1) وقال سبحانه: (ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون * ونجيناه وأهله من الكربالعظيم * وجعلنا ذرّيته هم الباقين) (2) ولا ريب في أنّ الذرية الباقية من نوع هو إبراهيم عليهما السّلام ، وأنّ الأئمّة المعصومین علیهم السّلام من ذرّية إبراهيم علیه السّلام .
ومعنىٰ قوله تعالىٰ (ومن ذرّيّتي) أي: إجعل من ذرّيتي إماماً، وقد استجاب الله دعاءه، حيث قال سبحانه: ( وجعلنا في ذرّيته النبوّة والكتاب) (3). وسيأتي أنّ الأئمّة المعصومين عليهم السّلام الواجدون للكتاب، فإذا كانوا كذلك، فهم الأئمّة الذين قال إبراهيم عليه السّلام : ( ومن ذرّيتي) .
ثمّ إنّ الإمامة هي الرئاسة الدينية، وهي لا تكون للكافر والمشرك والعاصي حال الإمامة ، مؤمناً كان قبل ذلك أو كافراً، ومن الطبيعي أنّ إبراهيم علیه السّلام لا يطلب من الله سبحانه أن يجعل منصب الإمامة للعاصي حال كونه عاصياً، لأنّ من شرط
ص: 91
الإمام كونه مؤمناً متّقياً حال الإمامة .
فطلبه الإمامة لبعض ذرّیته: إمّا أن يكون مخصوصاً بمن كان معصوماً في تمام عمره، أو للأعمّ منه وممّن كان كافراً في بعض أيّام عمره، وصار مؤمناً حال وصول منصب الإمامة إليه، فأخبره الله سبحانه بأنّ منصب الإمامة لا ينالها الظالم ولو في بعض أيّام عمره، بل يختصّ بمن يولد موحّداً مؤمناً، كما قال عيسى عليه السّلام في المهد (إنّي عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيّاً) (1) علىٰ ما تقدّم بيانه .
والمراد من قوله تعالىٰ (عهدي) هو الإمامة حتّىٰ يطابق الجواب السؤال (2) ،
ص: 92
ص: 93
واحتمل بعضهم إرادة الدين ، أي : لا ينال دیني الظالمين. أو إطاعة الله، أي: لا ينال طاعتي عدوّي .
وهذه الاحتمالات بعيدة عن ظاهر الكلام. وأبعد من الجميع إرادة عهد النبوّة،وذلك لأنّ إبراهيم عليه السّلام كان نبيّاً، ثمّ بلغ مقام الإمامة، فسأل هذا المقام لبعض ذرّيته.
ومعنىٰ قوله تعالى (الظالمين) الظالمين في بعض أيّام عمرهم؛ لأنّ المسؤول جعل الإمامة للعادل وله فردان:
أحدهما: العادل في جميع عمره .
ثانيهما: الظالم في بعض أيّام عمره، العادل حال الإمامة، فأخبر سبحانه بأنّ الظالم في بعض أيّام عمره لا يناله عهد الإمامة حتّىٰ حال عدالته؛ لصدق كونه ظالماً ولو لكونه كذلك في بعض أيّام عمره .
وفيه إشارة إلىٰ أنّ الإمامة باختيار الله تعالىٰ دون العباد؛ لأنّهم إنّما يختارون على ظاهر الحال، ولعلّ باطن من يختارونه فاسد بالظلم وسوء الأعمال، فإذا كان (1)
ص: 94
الظالم مطلقاً ممنوعاً من عهد الله تعالىٰ وإمامته، فلم يبق طريق إلىٰ معرفة من يناله العهد إلاّ لمن يطّلع علىٰ سريرته، وهو الله تبارك وتعالىٰ .
ثمّ إنّ الظلم هو التعدّي عن الحدّ الشرعي أو العقلي، سواء كان عن تعمّد أو خطأ، فمن قتل غيره خطئاً كان ظالماً وإن لم يعاقب، فغير الظالم بهذا المعنىٰ هو المعصوم، واستعمل الظلم في القرآن الكريم في موارد لعلّه يجمعها الظلم للنفس، حتّى أنّ إيقاع الظلم بالغير متضمّن لظلم النفس؛ لأنّ جميع المعاصي ظلم لها . فمن تلك الموارد الشرك والكفر، قال سبحانه: ( يا بنيّ لا تشرك بالله إنّ الشرك لظلم عظیم) (1) وقال سبحانه: (والكافرون هم الظالمون (2).
ومنها: المعاصي، قال سبحانه: ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم) (3) .
ومنها: ما يوجب الوقوع في المشقّة، ولعلّ منه قوله تعالىٰ (ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) (4) وقوله تعالىٰ (قالا ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين) (5)(5) فلعلّ المراد وقوعهما في مشقّة الدنيا، فإنّهما كانا قبل ظلمهما في الجنّة وكانا في راحة، لكنّهما خالفا الله في الأمر الإرشادي واُطلق علىٰ هذه المخالفة الغواية والعصيان. وقيل: إنّه من ترك الأولىٰ.
ص: 95
وعلى كلّ لم يشر کا طرفة عين.
وقوله تعالىٰ (قال ربّ إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنّه هو الغفور الرحیم (1) لعلّ المراد منه أيضاً أنّه أوقع نفسه في مشقّة؛ لأنّه لمّا دخل المدينة وقتل القبطي طلبه فرعون ليقتله (فغفر له) و أي: ستر عليه ونجّاه .
وقيل: إنّه من ترك الأولىٰ، أو قاله انقطاعاً إلى الله.
والدليل علىٰ أنّه ليس المراد بالظلم هنا هو العصيان قوله (وفخرج منها خائفاً يترقّب قال ربّ نجني من القوم الظالمين) (2) فإنّه دالّ علىٰ أنّ قتله القبطي لم يكن ذنباً، وإلاّ لم يكونوا ظالمين بطلب القود. فالقوم كانوا ظالمين بأحد المعنيين الأوّلين، وظلم موسیٰ علیه السّلام لنفسه بالمعنى الثالث؛ لأنّ الأنبياء كانوا أئمّة للناس .
وحاصل ما استفيد من الآية الشريفة أنّ الإمامة لا تصلح لمن كان كافراً مشركاً عابداً للوثن في بعض أيّام عمره، وأنّ دعاء إبراهيم عليه السّلام أن يجعل الله سبحانه من ذرّیته إماماً مخصوص بمن كان مؤمناً في تمام عمره. وقد استجاب الله سبحانه دعاءه، وجریٰ ذلك في أولاده إسماعيل وموسىٰ وعيسىٰ وغيرهم علیهم السّلام إلىٰ أن انتهىٰ إلىٰ نبيّنا صلّی اللهُ علیه وآله وعلي علیه السّلام وأولاده المعصومين علیهم السّلام ، ولا يكون في غير علي علیه السّلام ممّن كان كافراً ولو في بعض أيّام عمره .
و ببيان أوضح إنّ الأقسام المنصوّرة أربعة : الأوّل: الكافر أو العاصي في جميع أيّام عمره من أوّله إلىٰ آخره .
ص: 96
الثاني: المؤمن المطيع الله سبحانه وتعالىٰ من أوّل عمره إلىٰ آخره.
الثالث: الكافر أو العاصي في أوّل عمره، الذي صار مؤمناً مطيعاً في آخره .
الرابع: عکس الثالث .
ويتصوّر إمامة الثالث والرابع في حالين : إحداهما: حال الكفر والعصيان .
ثانيتهما: حال الإيمان والاطاعة لله سبحانه .
وإنّ إبراهيم عليه السّلام الذي وصل إلىٰ منصب الإمامة بعد أن ابتلاه الله بالكلمات وأتمّها، وكان في أرقىٰ مرتبة الإيمان بالله والتوحيد له، لا يطلب الإمامة للقسم الأوّل، وهو واضح، ولا يطلبها للثالث والرابع حال کفرهما وعصيانهما، بل إنّما يطلب: إمّا للثاني فقط، أوله وللثالث والرابع حال الإيمان والإطاعة لله سبحانه .
وحينئذٍ إن فرض أنّ طلب إبراهيم عليه السّلام الإمامة يشمل الثالث والرابع حال الإيمان والإطاعة، لم يناسبه قوله تعالىٰ في الجواب (لا ينال عهدي الظالمين) فجوابه تعالى قرينة على اختصاص طلبها بالقسم الثاني .
وبما ذكرنا اتّضح أنّ ما ذكره الرازي في الجواب عن استدلال الشيعة بالآية الشريفة على اعتبار العصمة في الإمام بقوله: كلّ ما ذكرتموه معارض بأنّه لو حلف لا يسلم علىٰ كافر، فسلّم علىٰ إنسان مؤمن في الحال إلاّ أنّه كان كافراً قبل بسنين متطاولة، فإنّه لا يحنث، فدلّ على ما قلناه، ولأنّ النائب عن الكفر لا يسمّیٰ کافراً، والنائب عن المعصية لا يسمّى عاصياً، فكذا القول في نظائره (1) .
ص: 97
في غير محلّه؛ لأنّ قياس المورد بالمثال المذكور غير صحيح، حيث إنّ إبراهيم عليه السّلام لا يطلب الإمامة للظالم حال تلبّسه بالظلم ، بل يطلبها: إمّا للمؤمن في تمام عمره، أو للمؤمن حال إيمانه وإن كان قبله ظالماً، فلا يناسب الجواب بأنّ الإمامة لا تنال الظالم حال کونه ظالما، فتعين أن يكون المراد أنها لا تنال من كان ظالماً ولو قبل إيمانه .
فقد ظهر من هذا البيان أنّ الآية الكريمة تنفي خلافة الثلاثة المتقدّمين علىٰ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام؛ لأنّهم كانوا كافرين قبل أن يسلموا. وتدلّ علىٰ ثبوت الإمامة لعلي علیه السّلام؛ لأنّه لولم يكن ينالها أحد لا الظالم ولا غيره، لأجاب الله تعالىٰ إبراهيم عليه السّلام أنّه لا ينال عهدي أحداً لا خصوص الظالمين .
ثمّ إنّه قد تبيّن ممّا ذكرنا أن الأخبار التي رواها العامّة من طرقهم وزعموا دلالتها علىٰ خلافة الغاصبين منصب الخلافة، مخالفة للقرآن، فهي مفتعلة مكذوبة إن كان المراد بها أن تصل إليهم الإمامة الشرعية التي هي رئاسة الدين والدنيا، واستمرار خطّ النبوّة الذي دلّت الآيات الشريفة المذكورة في الفصل المتقدّم علىٰ ثبوتها من زمان آدم عليه السّلام إلى انقضاء التكليف، نعم إن كان المراد بها وصول الإمارة العصبية إليهم فهو لا ينكر .
الثاني: من صفات خليفة النبي صلّی اللهُ علیه وآله أنّه يشهد يوم القيامة عند الله علىٰ من عاصره من الإنس والجنّ علىٰ أعمالهم الخفية والجلية، كما يشهد النبي صلّی اللهُ علیه وآله عليها.
والشهيد علىٰ كلّ فرد من الإنس والجنّ لابدّ أن تتوفّر فيه اُمور ثلاثة :
ص: 98
الأوّل: أن يكون عدلاً عند الله تعالىٰ حتّىٰ يقبل شهادته عنده .
الثاني: أن يكون عالماً بجميع الأحكام، اُصولها وفروعها، معصوماً لا يخطىء؛ لأنّ المخطيء جاهل ولا تقبل شهادة الجاهل.
الثالث: أن يكون مطّلعاً علىٰ معتقدات الإنس والجنّ في شرق الأرض وغربها وملكاتهم وأحوالهم وأعمالهم الصغيرة والكبيرة حتّىٰ يتحمّل الشهادة، وهذا ما يعتقده الشيعة من أنّ خليفة النبي صلّی اللهُ علیه وآله علي بن أبي طالب وأولاده المعصومين عليه السّلام شهداء كذلك، كالنبي صلّی اللهُ علیه وآله كل علىٰ أهل عصره. وأمّا غير الشيعة فلا أئمّتهم كذلك، ولا هم يعتقدون فيهم ذلك .
وينبغي هنا ذكر بعض الآيات الدالّة علىٰ ما نحن بصدده : فمنها: قوله تعالىٰ (فكيف إذا جئنا من كلّ اُمّة بشهيد وجئنا بك علىٰ هؤلاء شهيدا) (1) ومنها: قوله سبحانه (ویوم نبعث في كلّ اُمّة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيداً على هؤلاء ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكلّ شيء) (2) و آیات مشتملة علىٰ ذلك، كقوله تعالىٰ (إنّا أرسلناك شاهداً ومبشّراً ونذيراً) .
تدلّ هذه الآيات علىٰ أنّ لكلّ اُمّة شهيداً واحداً يشهد لهم وعليهم غير الشهداء الاُخر، فإنّهم ليسوا مطّلعين علىٰ جميع الأعمال الجوارحية والقلبية .
ص: 99
بیان: قوله تعالى (إذا جئناه)أي: يوم القيامة، بقرينة قوله تعالى (وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون) (1) وقوله تعالى (كل أمة)يشمل جميع الإنس والجن.
وأما قوله تعالى(بشهید) فالشهودوالشهادة:الحضورعندالشيء مع العلم به، والمشاهدة له بالبصرأوالبصيرة بتنزيلها منزلةالبصر،أوالأعلى من البصر والبصيرة، كشهود الله سبحانه الأشياء.
والشاهد هو الحاضر المعاين للشيء، وكذلك الشهيد. ولعل الفرق بينهما أنه لوحظ في الثاني حيثية الاتصاف بالشهود.
ثم إن الحضور يكون بوجوه: أحدها: حضور الأشياء جميعها عنده سبحانه حضور المخلوق عند خالقه،وممكن الوجود المتوقف وجوده على وجود الواجب، قال سبحانه وتعالى: (إن الله كان على كل شي شهيدا) (2).
ثانيها: حضور موجود عند موجود آخر، يبصره بعينه أو ببصيرته من دون أنيطلع على جميع أعماله الجلية والخفية مما يضمره في قلبه من الإيمان ومراتبه أو النفاق، وسائر الصفات الحسنة والرذيلة ثالثها: إحاطة مخلوق بجميع ما يعمله الإنس والجن وإن لم يكن حاضر عنده حسا، ويصدق الشاهد والشهيد على مثله.
ص: 100
ثم إنه ليس المراد بالشهيد الملائكة؛ لقوله تعالى في الآية الثانية(من أنفسهم) بل المراد به أحد احتمالين: الأول: أن يكون المراد به نبي كل أمة حتى بعد وفاته إلى أن يأتي نبي آخر؛ لأن الأنبياء علیهم السلام أحياء عند الله تعالى، فإنهم من حيث النبوة أفضل من الشهداء الذينهم أحياء عند ربهم یرزقون، لكن ربما ينافي هذا الاحتمال ما ورد في قوله تعالى حكاية عن عيسى علیهم السلام (وكنت عليهم شهيدة مادمت فيهم فلما توقيتي كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهید) (1). فإنه نفي كونه شهيدا عليهم بعد أنتوقاه الله من بينهم .
الثاني: أن يكون المراد به عدلا حيا موجودا في كل زمان .
قال في التبيان في تفسير الآية الشريفة: الثانية وفي ذلك دلالة على أن كل عصر لا يخلو ممن يكون قوله حجة على أهل عصره عدل عند الله، وهو قول الجبائي و أكثر أهل العدل، وهو قولنا، وإن خالفناهم في من هو ذلك العدل والحجة (2) ثم إن الشهادة المذكورة تتوقف على العلم بجميع أعمال المشهود له وعليه، وهو يحصل بالعلم بالكتاب الذي هو تبيان لكل شيء، ولعله الوجه في تذييل الآية الثانية المذكورة بقوله سبحانه ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء).
ويدل عليه أيضأ قوله تعالى (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم
ص: 101
الكتاب ) (1).حيث جعل الشاهد الله و من يعلم الكتاب الذي هو تبيان لكل شيء، وقد أثبتنا أن الذين عندهم علم الكتاب هم النبي صلی الله علیه و الله و الأئمة المعصومون علیهم السلامفهم الشهداء كل في زمانه (2). وهم المرادون من المؤمنين في قوله تعالى ( وقل
ص: 102
اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) (2)
فإن العمل يشمل الخفي والجلي، وإذا اطلعوا عليه فيشهدون .
وقد ظهر مما بينا أن المستفاد من الآيات الشريفة أمور: أحدها: أن الشهيد عالم بجميع أعمال العباد خيرها وشرها، وهو موقوف على العلم بجميع أحكام الدين أصولا وفروعآ، بلا فرق بين الأحكام الفردية والاجتماعية، والسياسية والأخلاقية و غيرها، معصوم عن الخطأ، لأن المخطىءجاهل .
ثانيها: عصمته؛ لأن قبول شهادته في كل شيء يتوقف على عدم خطئه، فيكون معصومة.
ثالثها: أن ظرف تحمل الشهادة هي الحياة المادية الدنيوية؛ لقوله تعالى حكاية عن عيسی عليه السلام( وكنت عليهم شهیدآ ما دمت فيهم فلما توقيتني كنت أنت الرقيب
ص: 103
عليهم وأنت على كل شيء شهید) (1) وهو من أولي العزم، فلعل سائر الأنبياء كذلك، نعم إن نبينا( صلی الله علیه و اله) شاهد بعد وفاته أيضا، كما يدل عليه الأخبار.
ولا ينافيه قوله تعالى (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهیدا) (2) لأنه كما يحتمل رجوع ضمیر موته إلى أهل الكتاب يعني اليهود، كذلك يحتمل رجوعه إلى عيسئ(علیه السلام)، أي: إن اليهود يؤمنون بعیسئ بعد نزوله من السماء في زمان الحجة عجل الله فرجه .
وجميع ما ذكر لا يتم إلا على ما يعتقده الشيعة الإمامية من أن النبي( صلی الله علیه واله)، شهید على جميع العباد فی زمان حياته، وأن أمير المؤمنين علياپآ (علیه السلام) بعد وفاة النبي الله (صلی الله علیه واله)، وهكذا أولاده المعصومون ( علیهم السلام)،من بعده شهداء كلهم في زمانهم، وبعد وفاة الإمام الحسن العسكري ( علیه السلام)، يكون الشهيد الحجة الثاني عشر ( علیه السلام)، الموجودالغائب عن الأنظار وسيظهر ويملأ الأرض عدلا وقسطآ.
نعم إن أخبارنا تدل على أن النبي ( صلی الله علیه واله)، وخلفاءه الأئمة المعصومين ( علیه السلام)، شهداء في جميع الأزمنة، وربما يساعد عليه قوله تعالى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبكم بما كنتم تعملون) (3) .
والعمل يشمل العمل الجوارحي والعمل القلبي، من الإيمان والكفر والحسد
ص: 104
والكبر وغيرها، فلابد أن يكون من يرى العمل مطلعآ على جميع ذلك. و مما يدل على أن المراد من المؤمنين طائفة خاصة منهم أن الخطاب في عملكم: إما متوجه إلى خصوص المشافهين، أو عام لجميع المكلفين إلى يوم الدين. وعلى كلا التقديرين لابد أن يكون الراؤون غير المرئيين .
ومنها: قوله سبحانه ( وكذلك جعلناكم أمة و سطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهیدآ) (1).
ومعنى قوله تعالى (وكذلك) ؛ أي: وهكذا (جعلناكم) أي: جعلآ تكوينيآ؛ لأنه المناسب للتعليل في قوله تعالى ( لتكونوا شهداء) فإن الوسط من يكون وسطآ عملآ، لا من كان مكلفآ بأحكام وسط .
وضمير المخاطبين «کم»: إما عام استغراقي لكل فرد فرد من أسلم لسانآ، واما خاص بالمؤمن العادل، وإما خاص بالأئمة المعصومين (علیهم السلام) .
والمعنى الأول غير صحيح؛ لأن المنافقين ورؤساء الضلال والمرتدين ليسوا وسطآ.
وكذا المعنى الثاني: أما أولا، فلا الوسط هو العدل واقعآ من جميع الجهات في الاعتقاد والحال والأعمال الاجتماعية والفردية، وكونه كذلك موقوف على العلم بجميع تلك الجهات غير مخطىء فيها؛ لأن المخطىء منحرف عن الوسط وإن كان معذورآ، فلا يتحقق الوسط بقول مطلق إلا في المعصوم وثانية: أن الشهادة تقتضي العلم بفعل المشهود له أو عليه، والمؤمن العادل لا
ص: 105
يعلم حال الناس في خلواتهم ولا ما في نفوسهم من الإيمان والنفاق .
فيتعين المعنى الثالث .
وأما لفظ «الناس» في قوله تعالى (على الناس) فهو إسم جمع على ما قيل، واللام يفيد العموم، أي: جميع الجماعات من الإنسان. والمحتمل فيه أمور :
أحدها: جميع الناس ممن آمن برسول الله والله ( صلی الله علیه و اله)، ومن لم يؤمن، فلابد أن يكون الشاهد فردآ خاصا لئلآ يلزم اتحاد الشاهد والمشهود عليه .
ثانيها: اليهود والنصارى وغيرهم ممن لم يؤمن برسول الله ، قاله ابن کثیر .
ثالثها: المكذبون للأنبياء، فإن المصدقين للأنبياء من أممهم يشهدون لهم على المكذبين لهم بأنهم قد بلغوا رسالاتهم. ومقتضى إطلاق الناس لجميع الناس هو المعنى الأول .
وأما قوله تعالى ( ويكون الرسول عليكم شهيدآ) فيحتمل أن يكون المخاطب أحد ثلاثه :
الأول: الشهداء، أي: يكون الرسول شهيدآ على الشهداء، وهم الأمة الوسط .
الثاني: جميع الناس ، فيكون الرسول شهيدا على جميع الناس في جميع الأعصار .
الثالث: المشافهون بالخطاب، وهم المعاصرون للرسول ( صلی الله علیه و اله).
ومنها: قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون * وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل علیکم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا
ص: 106
ليكون الرسول شهيد عليكم وتكونوا شهداء على الناس) (1).
فالخطاب في قوله تعالى (يا أيها الذين ) عام، ولكن يمكن تقييده ببعض المؤمنين، إن كانت الخطابات المذكورة بعد ذلك متحدة مع هذا الخطاب. ويمكن إبقاؤه على العموم،وتخصيص الخطاب في قوله تعالى ( هو اجتباكم) ببعض المؤمنين .
قوله تعالى ( وجاهدوا في الله حق جهاده) لعل هذا الخطاب خاصبالمعصومین؛ لأن تكليف غيرهم بالجهاد في الله حق جهاده غیر مقدور لهم،والتكليف بغير المقدور لا يقع من الله تعالى .
قوله تعالى (هو اجتباكم) و الاجتباء لغة: الاختيار، كما في لسان العرب عن ابن سيده: واجتبي الشيء اختاره، إلى أن قال: وقوله تعالى (وكذلك يجتبيك ربك ) (2) قال الزجاج : معناه وكذلك يختارك ويصطفيك، وهو مشتق من جبيت الشيء إذا خلصته لنفسك، ومنه جبیت الماء في الحوض، قال الأزهري: وجباية الخراج جمعه و تحصیله مأخوذ من هذا (3)إنتهی .
واستعمل في القرآن في شأن الأنبياء، كقوله تعالى في وصف إبراهيم (عليه السلام)،(شاكرة لأنعمه اجتباه) (4)
وقوله تعالى في آدم (عليه السلام)،لا ثم اجتباه ربه فتاب
ص: 107
علیه) (1) و قوله تعالى في يونس ( علیه السلام)، الا صاحب الحوت (فاجتباه ربه فجعله من الصالحين ) (2) وقوله تعالى ( ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ) (3) وقوله تعالى في يوسف (عليه السلام)، ( وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك ) (4) وقوله تعالى في الأنبياء ( علیه السلام)، ( ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم) (5)وقوله تعالی ( ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل ومتن هدینا واجتبينا) (6).
وبملاحظة هذه الآيات يظهر أن الاجتباء يختص ببعض المؤمنين، وهم الأئمة المعصومون ( عليهم السلام)، فالاجتباء بحقيقة معناه يساوق جعل العبد مخلصا مخصوصآ بالله لا نصيب لغيره تعالى فيه، وهذه صفة لا توجد إلا في المعصومين .
ومعنى قوله تعالى (ما جعل عليكم) أن الأحكام المجعولة عليكم لا حرج فيها، فمن وطن نفسه على العمل بها لم يكن عليه حرج، أو أنه لم يجعل عليكم حكمة حرجية، فلو فرض صيرورة بعض الأحكام بالنسبة إلى بعض المكلفين حرجيآ سقط عنه، لكن الاحتمال الأول غير بعيد .
وأما قوله تعالى (ملة أبيكم ) فإن كان المراد به الأب الروحي، أمكن شمول الخطاب لجميع المؤمنين. وأما إن كان المراد الأب الجسمي ، فإنه يختص بذريته.
ص: 108
ولعل المراد ذريته من إسماعيل ( علیه السلام)، بقرينة اتحاد المخاطبين في أبيكم وسماكم .
قوله تعالى (هو سماكم المسلمين ) لعله إشارة إلى قوله تعالى فيما حكاه عن إبراهيم ( علیه السلام)، ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لكم) (1)فإنهما طلبا من الله أن يجعل من ذريتهما أمة مسلمة، فهو دليل على أن إبراهيم (علیه السلام)،سماهم المسلمين. ويحتمل أن يكون المعنى الله سماكم المسلمين من قبل نزول القرآن وفي هذا القرآن .
والمراد من الإسلام ما قاله نوح (علیه السلام)، (وأمرت أن أكون من المسلمين ) (2) لا ما قيل للأعراب حيث قالت آما، وهو قوله تعالى (قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ) (3) ومعنى قوله تعالى (ليكون الرسول شهيد عليكم) أي: على الذين اجتباهم الله، وهم المعصومون( علیه السلام)، بالبيان المتقدم .
ومنها: قوله تعالى ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ) (4) .
فإن قوله تعالى والشهداء و إن كان المراد بهم الشهيد من كل أمة، فهم الأئمة المعصومون ( علیهم السلام) ، وإن كان المراد المؤمنین حقا، فهم شهداء عند الله سبحانه على
ص: 109
أن الدین حق قد بلغه الإمام المعصوم ( علیه السلام) (1) ويحتمل إرادة أن المؤمنين يشهد بعضهم على بعض بالإيمان .
في الآيات الدالة على أن النبي صلی الله علیه واله والأئمة المعصومين علیه السلام لا هم الواجدون لكتاب الله بالوجود العيني فهم متصفون بجميع أوصاف الكتاب وهذا الفصل داخل في الفصل المتقدم؛ لأن ذلك من الأوصاف التي اعتبرها الكتاب فيهم، لكن أفردناه لعظم شأنه، وهي عدة آيات :
قوله تعالى ( وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون * وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون *بل هو آیات بینات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون ) (1).
قد أخبر سبحانه وتعالى عن أن الكتاب المنزل على النبي (صلی الله علیه و اله)، بما له من الصفات من كونه تبيان لكل شيء ونورة وذكر وغيرها من الصفات، له وجود عيني علمي في صدور الذين أوتوا العلم، ولم يخصه بصدر النبي ( صلی الله عليه والله) .
وإثبات ذلك يتوقف على بيان المراد من هذه الآيات:
ص: 111
وتوضيح ذلك: قوله سبحانه (أنزلنا إليك الكتاب ) الكتاب هو الجمع بين الشيئين .
قال في الجمهرة: وقد كتب الكتاب يكتبه كتبا إذا جمع حروفه، وأصل الكتب ضمك الشيء إلى الشيء) (1).
وقال في تهذيب اللغة: وقال شمر: الكتب جمعك بين الشيئين (2) وقال في المقاییس: يدل على جمع شيء إلى شيء من ذلك الكتاب والكتابة (3) أقول: ولعل المعنى الجامع هو جمع أمور في محل على ما يلائمها، ولا يختص بالمنقوش في القرطاس ونحوه، قال سبحانه وتعالى: ( أولئك كتب في قلوبهم الإيمان ) (4)وقال سبحانه: ( كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير) (5).
ولعل المعنئ كتب على الشيطان على نحو يناسب ذلك، والتعبير بالكتابة للدلالة على الثبوت والتحقق، وإذا أريد التوق من شيء كتب، فلعل استفادة اللزوم من الكتابة في أمثال قوله تعالى (كتب عليكم الصيام) (6) من هذه الجهة،
ص: 112
لا لوضع الكتابة لمعنى الوجوب واللزوم.
ويحتمل أن يكون المعنى أن ذات الشيطان هي كتابة ذلك، كما قيل: إن الكتابة هي إثبات المكتوب في رقه اللائق به و إظهاره في ذلك، فالصورة تكتب في المرآة لأنها تنقش فيها، وصورة العمل بخصوصيات المكان والزمان والفاعل تنقش في خیال من رآها، والقلم قد كتب بمداد من صفتك وعملك، والمكان والزمان صورة العمل في اللوح المحفوظ، فلا يضمحل من الوجود، والنجار قد كتب السرير بمداد الخشب والهيئة الخاصة ، فالسرير کتاب .
أقول: وورق الأشجار کتاب، والإنسان كتاب ، ينسب إلى أمير المومنین ( علیه السلام)، أنه قال : وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر وأنت الكتاب المبين الذي بأحرفه يظهر المضمر (1) وأما قوله سبحانه (فالذين آتيناهم الكتاب) فقد قيل: في المراد بهم وجوه :
الأول: أهل الكتاب من اليهود والنصارى.
الثاني: المسلمون .
الثالث: محمد و آله ( علیهم السلام) (2) ويؤيده قوله تعالى ( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه
ص: 113
حق تلاوته) المؤول بالأئمة (عليه السلام) (1)؛ لأن حق تلاوة القرآن موقوف على فهم غوامضه والعمل بمضامينه، وهو مختص بالأئمة ( علیهم السلام).
قوله تعالى ( يؤمنون به) أي: بالكتاب، أو بالنبي ( صلی الله علیه و اله).
قوله تعالى ( ومن هؤلاء) فيه احتمالان :الأول: كقار مكة.
الثاني: أهل الكتاب .
وأما قوله تعالى (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك ) فمعناه: أنك ما كنت تفعل القراءة والكتابة، لا أنك ما كنت تعرف أن تقرأ ولا أن تخط، بل كان يعرف ذلك، لكنه لم يفعل حتى يكون القرآن من مثله معجزة خالدة له .
قوله تعالى (بل هو آيات) أي: الكتاب المتصف بالأوصاف التي يأتي بيانها في الفصل الآتي له وجود عيني خارجي في صدور الذين أوتوا العلم، وهذا الوجود العيني مختص بالنبي ومن يتلوه علما وعملا وعصمة؛ لأن سائر وجوداته ليست متصفة بالصفات التي يأتي ذكرها، فإن وجود المنقوش في القراطيس ونحوها يعرفه كل من عرف الخط، مسلما كان أو كافرة، عربية أو عجمآ .
و وجوده المقروء يعرفه كل من عرف القراءة، حتى الأطفال يقرؤون القرآن كما يقرؤون غيره من الكتب، ووجوده الحفظي متير لكل من أراد حفظه: إما
ص: 114
بالقراءة من الخط المنقوش، أو من متابعة قار يقرأه، والأطفال يقرؤون القرآن عن ظهر القلب في حين أنهم لا يعرفون الخط.
وله وجود في قلوب المؤمنين المتقين العالمين به، لكن ليس له الأوصاف التي يأتي بيانها، فإن من أوصافه ما ذكره الله تعالى في قوله (ولو أن قرآن، سیرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتی ) (1) أي: لكان هذا القرآن، وإن هذه الصفة وغيرها لا توجد في المؤمنين المتقين .
قوله تعالى (في صدور) يدل على صدور جماعة لا صدر واحد، فإنه لا شك في أن صدر نبینا ( صلی الله علیه و اله)، مشتمل على حقيقة الكتاب مع تمام أوصافه، والصدور الأخر التي تشتمل عليه لابد أن تكون كصدر النبي ( صلی الله علیه و اله) علما وعملا وعصمة،و هي صدور أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأولاده المعصومین (علیهم السلام) .
هذا وللعامة أقوال في الآية لا بأس بالإشارة إلى مواضع الخلل فيها :الأول: أن الكتاب ليس عبارة عن المقروء، ولا عن النقش في القرطاس ونحوه الذي هو الخط، بل أنه آیات ودلالات واضحات في صدور العلماء، وهم النبي ( صلی الله علیه و اله)، والمؤمنون؛ لأنهم حفظوه ورعوه ورسخ معناه في قلوبهم .
قال ابن كثير: إن هذا القرآن آيات بينة واضحة الدلالة على الحق أمر ونهيآ وخبرآ يحفظه العلماء، يسره الله عليهم حفظ وتلاوة و تفسير، كما قال تعالى :( ولقد یسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر) (2)
ص: 115
أقول: هذا التفسير لا يعضده ظاهر الآية؛ لأن قوله «بل» إضراب عن سابقه، وهو أن يكون الكتاب عبارة عن المقروء من القرطاس المحفوظ عن ظهر القلب بالسماع من قار يقرأه، أو من الخط المنقوش، أوكونه راسخا في قلوب المؤمنين، فإن جميع ذلك لا يجعل الكتاب آية وعلامة على وجود الله تعالى، مع أن الآية الشريفة تدل على أن الكتاب علامات على وجود الله ومحلها صدر النبي ) صلی الله علیه و اله)،والأئمة المعصومين (عليه السلام) .
الثاني: أن معنی کون الكتاب في صدور الذين أوتوا العلم، أنه أعطيت هذه الأمة الحفظ، ومن كان قبلها ما كانوا يقرؤون الكتاب إلا من الخط، فإذا طبقوه لم يحفظوا ما فيه إلآ اليسير .
قال في الكشاف: بل القرآن آيات بينات في صدور العلماء به وحقاظه، وهما من خصائص القرآن کون آیا ته بنات الإعجاز، وكونه محفوظا في الصدور يتلوه أكثر الأمة ظاهرآ، بخلاف سائر الكتب، فإنها لم تكن معجزات وما كانت تقرأ إلا من المصاحف (1).
وحاصل کلامه أن القرآن معجزة في فصاحته ويحفظ في الصدور، وليس له شأن آخر.
وفيه أن الحفظ عن ظهر القلب لا يكون من خصائص العلماء، فإن الأطفال الصغار ومن لا يفهم اللغة العربية يحفظون القرآن، مع أن دعوی اختصاص القرآن بكونه محفوظآ و مقروء عن ظهر القلب دون سائر الكتب مما يكذبه الوجدان، لأن
ص: 116
أشعار العرب محفوظة وتقرأ عن ظهر القلب .
الثالث: أن يكون الضمير في قوله «بل هو» راجعة إلى النبي ( صلی الله علیه و اله) أي: كونه أميآ لا يقرأ ولا يكتب، هو آيات بينات في صدور العلماء من أهل الكتاب؛ لأنه منعوت بهذه الصفة في كتبهم.
قال ابن كثير: العلم بأنك ما كنت تتلو من قبل هذا الكتاب كتابا ولا تخطه بيمينك آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب (1).
وقال الشيخ الطوسي في التبيان: قيل: معناه بل هي آیات واضحات في صدور العلماء بأنه أمي لا يقرأ ولا يكتب على صفته في التوراة والإنجيل في قول ابن عباس (2).
قلت: كان الأنسب على هذا المعنى أن يفرد قوله «آیات» لأن كون النبي( صلی الله علیه و اله)،أميآ آية واحدة لا آیات، ولو جعل مرجع الضمير «العلم» بأنه لا يقرأ ولا يكتب فكذلك آية بينة لا آیات .
وقد تبين أن هذه المعاني التي ذكروها غير صحيحة، بل الصحيح ما ذكرناه،أي: ليس الكتاب من المقروء، ولا من الخط المكتوب في القرطاس، ولا ما رسخ في قلوب المؤمنين مما يعملون به، بل الكتاب له وجود عيني، وهو آيات في صدور الذين أوتوا العلم، فمرتبة منه عند الذي عنده علم من الكتاب، ومرتبة أعلى من ذلك عند الأنبياء (عليهم السلام)، وعند نبينا محمد( صلی الله علیه و اله)، جميع مراتبه، وكذا عند
ص: 117
الأئمة المعصومين ( علیه السلام)، بجميع مراتب الهداية التي لا تحصل إلا بعد العلم بالكتاب.
ثم إن ظاهر الآية أنه بعد نزوله يكون كذلك، فلا يشمل الأنبياء الماضين، بل يختص بالنبي (صلی الله علیه و اله)، والأئمة الهداة المعصومين (عليه السلام).
إن قلت: إن الآية الشريفة تدل على وجود آيات الكتاب في صدور جمع ولم يبين المراد بهم، والنبي ( صلی الله علیه و اله)، ممن علم إرادته، وأما غيره فلا دلالة عليه.
قلت: تبين ما ذكرناه وما سنذكره أن الكتاب له أوصاف كثيرة، وهذه لأوصاف غير موجودة في غير أمير المؤمنين علي وأولاده المعصومين( علیهم السلام) . فإن لم تكن موجودة فيهم، لزم أن لا تكون في أحد، هذا مع أنه يعلم بوجود هذه الأوصاف فيهم من لاحظ أحوالهم وتاريخهم.
وقوله تعالى ( وما يجحد بآیاتنا) يدل على أن المنكر للآيات - التي هي في صدور الذين أوتوا العلم - من الظالمين، وتشمله الآيات الواردة في ذم الظالمين .
ثم إن الكتاب الذي في صدور الذين أوتوا العلم ليس بعربي ولا غيره، ولعله يدل عليه قوله سبحانه (إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) (1) أي: جعلنا الكتاب عربي ليعقله الناس الذين بعث فيهم النبي( صلی الله علیه و اله) .
وقد ورد في بعض الأخبار أن الكتاب الذي يكون مع الأنبياء هو الاسم الأكبر الذي يعلم به علم كل شيء.
الآية الثانية: التي تدل على اتحادهم مع الكتاب قوله سبحانه (والذي
ص: 118
أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصیر *ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير * جنات عدن يدخلونها ) (1) الآيات (2)
وهذه الآية الشريفة دلت على أن الكتاب الذي نزل على النبي( صلی الله علیه و اله)، المشتمل على علم ما كان وما يكون الموصوف بصفات الهادي والنور والرحمة وغيرها مماذكرت له، قد أورثه الله عباده المصطفين، وليس هو المنقوش بين الدقتين،فإنه وصل إلى غير المصطفين بل غير المسلمين .
وبيان ذلك: أن قوله تعالى (ثم) يدل على التراخي، ومقتضاه أن يكون الكتاب الذي أوحي إلى النبي ( صلی الله علیه و اله)والمذكور في الآية السابقة منتقلا إلى العباد المصطفين الذين يكونون بعد وفاة النبي( صلی الله علیه و اله)، كما كان عند النبي الله، وأما
ص: 119
الأنبياء (عليهم السلام)، فقد آتاهم الله الكتاب .
قوله تعالى (أورثنا الكتاب ) الإرث هو انتقال شيء بعد موت صاحبه إلى غيره، وهذا المعنى لا ينطبق على الكتاب؛ لأنهم تلقوه عن النبي( صلی الله علیه و اله)، في حياته، فكيف يرثون ما حصل لهم في حياة الموروث ؟
أقول: يمكن أن يقال: إن الإرث هو انتقال شيء من أحد إلى غيره بحيث يبقى بعده بغير العقود المتعارفة، فيصح أن يقال: إن زيد ورث أخلاق أبيه، مع أنه انتقلت إليه في أيام حياته .
وأجاب عنه الشيخ الطوسي( مرحمه الله)، في التبيان، قال: ومعنى الإرث انتهاء الحكم إليه ومصيره لهم، كما قال تعالى (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ) (1) وقيل: المراد أورثناهم الإيمان بالكتب السالفة، وكان الميراث انتقال الشيء من قوم إلى قوم، والأول أصح (2). وأما معنى إيراث الكتاب، ففيه احتمالان :الأول: أن المراد إيراث حقيقة الكتاب لا الموجود بین دقتي المصحف، فإنه لا يختص بالعباد المصطفين، لأنه وصل إلى أيدي الكفار والمنافقين، ولاالموجود اللفظي منه المقروء من النقوش، أو عن ظهر القلب؛ لأن الكفار والمنافقين قادرون على القراءة كذلك، ولا الموجود من معانيه التصورية، أو بعض معانيه التصديقية، لأن من كان مطلعا على اللغة العربية يعرفها وإن لم يكن مسلمآ.
بل الوجود العيني منه بمراتبه، فمرتبته العليا أورثها العباد المصطفون، وهي
ص: 120
التي أعطيها الأنبياء وأوصياؤ هم(علیه السلام) .
والذي يدل على أن الكتاب ليس هو المقروء والخط المنقوش قوله سبحانه حكاية عن مریم (فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة - إلى قوله سبحانه -فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا * قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبیآ) (1) فإن هذا القول منه( علیه السلام)، في المهد يدل على أن نفسه المقدسة كتاب، ولعل هذا القول هو المراد من تکليمه الناس في قوله سبحانه (إذ قال الله يا عیسی بن مریم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيد تك بروح القدس تكلم الناس في المهد وکهلآ وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة و الإنجيل ) (2).
ص: 121
وظاهر الآيتين أنه قال وهو في المهد آتاني الكتاب، وهو متحد مع نفسه المقدسة، ويدل عليه أيضأ قوله تعالى بعد ذكر إبراهيم (ووهبنا له إسحاق ويعقوب کلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذریته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريا ويحيئ وعیسی وإلياس كل من الصالحين * وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاعوك؟ فضلنا على العالمين * ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقیم * ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون * أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة) الآية (2) فإن بعض المذكورين لم يذكر له کتاب خارج.
كما يدل عليه قوله تعالى ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرین ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه)
ص: 122
الآية (1). ولعل قوله تعالى ( يا يحيئ خذ الكتاب بقوة ) (2) برید به ذلك .
الاحتمال الثاني: أن يكون المراد إيراث الكتاب بمراتبه من المرتبة الأولى وهي العلم بقراءته إلى المرتبة العليا المتحدة مع نفوس الأنبياء والأئمة المعصومین( علیهم السلام)، ، ثم إنه يصدق إيراث الكتاب بإیراث علمه، فإن عمل به کان ممدوحآ، وإلا كان مذموما، كما قال الله تعالى: (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدني) (3) وقال تعالى: (إن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شق منه مريب ) (4).
وعلى كلا الاحتمالين، فالآية تدل على أن الكتاب بما له من الصفات والمراتب قد أورثه الله تعالى هذه الأمة، ولا يليق بالمرتبة العالية إلا السابق بالخيرات .
قوله تعالى (الذين اصطفينا )في معنى الاصطفاء والمراد به احتمالان : الأول: اختيارهم للمرتبة العالية المساوقة لمرتبة النبوة والإمامة، ويمكن أن يعرف معنى المصطفين من الآيات التي ذكر فيها الاصطفاء، وهي قوله تعالى (إن الله اصطفى لكم الدین) (5) لأن الغرض من خلقة الإنسان هو تدينه بالدين، فالدين من أحسن ما اصطفي له .
ص: 123
وقوله تعالى ( إن الله اصطفى آدم ونوح و آل إبراهيم ) (1)وقوله تعالى(وقل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفی ) (2) وقوله تعالى (يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ) (3) وقوله تعالى ( إن الله اصطفاه) (4)وقوله تعالى ( إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي ) (5) وقوله تعالى ( ولقد اصطفيناه في الدنيا ) (6) وقوله تعالى (الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس) (7)وقوله تعالى ( و إنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ) (8).
والمستفاد من هذه الآيات أن الاصطفاء هو اختيار الله عبد من عباده وجعله خالصة مخلصة لله تعالى، كالأنبياء( علیهم السلام)، والأولياء.
الاحتمال الثاني: أن يكون المراد بالاصطفاء اختيارهم على سائر الناس بجهة اختصوا بها، أي: إن الله اصطفى هذه الأمة مثلا على سائر الأمم، نظير قوله تعالى (یا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتکم علی
ص: 124
العالمين ) (1) أي: بالآيات التي نزلت عليهم والنعم التي أنعمها عليهم، كما قال تعالى: (ولقد اخترناهم على علم على العالمين * وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبین ) (2)ولم يكن بنو إسرائيل كلهم من المصطفين الأخيار، بل إن بعضهم آذوا موسی (علیه السلام).
وكذا قيل في اصطفاء مريم في قوله تعالى ( إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ) (3) أي : من حيث إنها أنجبت بدون بعل، وكان رزقها يأتيها في محرابها، فلا ينافي أفضلية سيدة النساء فاطمة الزهراء (عليه السلام)، وإن لم تكن لها هذه الخصوصية .
قوله تعالى ( فمنهم) في مرجع الضمير احتمالات : الأول: أن يرجع إلى «عبادنا» لا إلى «الذین» نظير قوله تعالى (ولقد أرسلنا نوح وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون) (4) أي : من ذريتهما ، فمع أنه قد جعل في ذريتهما النبوة والكتاب، إلا أن من الذرية أيضأ مهتد وكثير منهم فاسقون.
الثاني: أن يرجع إلى «الذين اصطفينا» ويكون المراد أنه ولد من الذين اصطفينا من عبادنا من هو ظالم لنفسه إلى آخر الآية.
الثالث: أن يكون المرجع «الذين اصطفينا» أيضا، لكن يكون المراد من
ص: 125
الاصطفاء الاحتمال الثاني، بأن يكون الظالم لنفسه ممن اصطفاه الله حيث جعله من هذه الأمة، لكن لم يعرف حق الكتاب وانحرف عنه وكان من المنافقين .
قوله تعالى (ظالم لنفسه ) للظلم مراتب: فظلم للنفس يوجب استحقاق العقاب، وآخر يوجب استحقاق العتاب، وثالث يوجب الوقوع في المشقة.
وقد استعمل الظلم في القرآن في معاني متعددة كما تقدم قوله تعالى (و منهم مقتصد )أي: معتدل في أمور دينه متن ليس بظالم لنفسه، ولم يصل إلى حد السابقين بالخيرات .
قوله تعالى (ومنهم سابق بالخيرات) متحد مع قوله تعالى (والسابقون السابقون * أولئك المقربون) (1) أو مع قوله تعالى (والسابقون الأولون) (2) قوله تعالى (ذلك هو الفضل الكبير) ففيه احتمالان :الأول: أن يرجع إلى المقتصد والسابق .
الثاني: أن يرجع إلى الجميع، ويكون قرينة على أن المراد بالظالم من تاب وكان من أهل النجاة، وهو خصوص من كان من الذرية، أو الأعم منه .
وحاصل المعنى: أن الكتاب الذي أوحي إلى النبي بمراتبه باق بعده في من اصطفاه الله، الذين هم السابقون بالخيرات، وبعد ملاحظة سائر الآيات، وملاحظة أوصاف الكتاب والمتصفین بها، لا يبقى ريب ولا شك في أن المراد بإیراث الكتاب بمرتبته العالية هو إيراثه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأولاده
ص: 126
المعصومين( علیهم السلام) و لبعض المحققين بيان في اتحاد الكتاب الناطق مع الصامت .
حيث قال: ولا يخفى عليك أن الكتاب كتابان: کتاب صامت، وكتاب ناطق مشتمل على ما اشتمل عليه الصامت، كما أن الصامت مبين لما اشتمل عليه الناطق کمضاهاة مكتوب القرآن لملفوظه، فهماكالسبابتين .
وكل منهما دال على الآخر، كالمرآتين المتقابلتين اللتين يظهر في كل منهما الآخر بما انعكس فيها، فإن كل ما اشتمل عليه القرآن من معرفة الله سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله وآثاره، ومعرفةحقائق الأشياء في المبدأ والبرزخ والمعاد و وجوه الحكمة فيها، وبيان صفات المواليد الثلاثة، وأحوال الانسان وشقاوته وسعادته، وما يؤدي إلى كل منهما، وبيان ما وقع وما يقع وأحكام الله سبحانه وغيرها مما يدل عليها دلالة لفظية موجودة في نفس الإمام (عليه السلام)، منقوشة بالوجود العلمي الذي هو أعلى مرتبة من الوجود اللفظي والكتبي .
وكل ما يحكي عنه القرآن بجميع أنواعه حكاية لفظية وضعية، يدل عليه علوم الإمام( عليه السلام)، دلالة علمية مرآتية، فكما أن المطلع على ألفاظ القرآن ينتقل منها إلى تلك المعاني، كذلك المطلع على علومه ينتقل إليها، وكل أثر يوجده الأول من التقريب والتعريف والتعليم والبشارة والإنذار والتكميل والترقي إلى عالم القدس والنصح والدعاء إلى الله سبحانه بأنواع المقربات يترتب على الثاني أيضا، بل الموجود في الثاني المعاني والألفاظ قوالب لها تحكي عنها، فإن الإمام( علیه السلام)، هو الذي عنده علم الكتاب، وكل شيء أحصى الله سبحانه في الإمام المبين بالوجود
ص: 127
العلمي وفي الكتاب الكريم بالوجود اللفظي .
وفرق ظاهر بین کتاب العلم ونفس العالم المتقش فيها العلوم، فالإمام (عليه السلام)، بهذا الاعتبار کتاب ناطق كتب الله سبحانه في لوحه معاني القرآن وألفاظه و تجلی فيه بصفاته وآياته وأفعاله مع استجماعه لسائر الشؤون من تخلقه بما يستحقه القرآن من الأخلاق و علمه بما يرغب إليه من الأفعال وامتثاله لأحكامه في جميع المقامات، فهو كتاب إلهي وانقياد وعمل بمقتضاه، فهو الداعي إلى الله على نحو دعاء القرآن مع زيادة القبول والدعاء بالفعل، فإن أخلاقه وأعماله تدعو العارف بها إلى التشبه بها خصوصا مع المناسبة الظاهرية في هيكل البشرية .
فهما من حيث الحكاية متشاركان في جميع المقامات، وإن ازداد الثاني على الأول بأمور أخر، وكل منهما يدل على صاحبه، ويشهد بحقيقته ويبينه؛ إذ جميع صفات الإمام( علیه السلام)، لا مسطور في الكتاب، ويشهد له بذلك، وإلا لم يكن تبيانا لكل شيء، كما أن جميع صفات القرآن لفظا ومعنى وغيرهما تحصى في الإمام( علیه السلام) ،ويشهد له بالحقيقة تفصيلا علم ولفظ وتخلقة، وهو على صورة القرآن تمام مع إجابته وقبوله .
فإن قلت: فعلى هذا الثقل الأكبر هو الإمام (علیه السلام)، دون الكتاب، والخبر مصرح بخلافه .
قلت: إذا لاحظنا سائر مراتب القرآن ومقاماته دون مقام اللفظ والكتب والنقش، فمن جملة مقاماته مقام قلب النبي( صلی الله علیه و اله)، والإمام إذ هو آیات بینات. إنتهى
ص: 128
أقول: ويحتمل أن يكون الخبر المذكور واردة على ما يوافق فهم المستمعين (1).
ص: 129
(2)قوله تعالى (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آیاته و يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) (3).
وتعليم الكتاب في قوله تعالى هو (ويعلمهم الكتابه )على أنحاء : الأول: قراءته عليهم، فإنه بلسان عربي مبين، وهم أهل اللسان يفهمون معانيه، ويبين لهم ما لا يفهمونه،كمفهوم الصلاة والصوم والحج ونحوها، فإنها أسماء
ص: 130
الأعمال اخترعها الشارع وبينها في أخبار، وهذا نظير مخترع الطيارة فإنه يعلم جميع ما يكون به وجودها. وإن أراد تعليم ما وضع له لفظها بين جميع ما يتحقق به وجودها.
الثاني: قراءته عليهم وتعليمهم مفاهيم الألفاظ المخترعة، وتعليم إشاراته ولوازم الكلام، ويختص بهذا التعليم بعض الأمة.
الثالث: تعليم حقیقته بانتقاله إلى المتعلم، بحيث يكون صدر المتعلم وجودآ عينية للقرآن متصف بصفاته، ولعله لذا ذكر التعليم بعد التزكية؛ لأن علم الكتاب لايحصل إلا في قلب زكي نقي طاهر مطهر، فإن علم الكتاب يعطي العالم قدرة التصرف في التكوينيات.
كما حكى الله تعالى في القرآن بقوله (قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ) (1) فإنه علم بعض الكتاب، كما هو ظاهر كلمة «من» وإذا كان هذا يعطي قدرة التصرف المذكور، فكيف بمن علم الكتاب كله، ولم يزك أحد كتزكية علي وفاطمة وابنائهما المعصومین صلوات الله عليهم أجمعين، فهم اللايقون لتعلم حقيقة الكتاب .
وأيضا إن رسول الله( صلی الله علیه و اله)، آدی رسالته بتزكية أمته وتعليمهم الكتاب والحكمة، ولا يتم ذلك إلا بتعليمه واحدا من أمته جميع مراتب القرآن يبقى بعد وفاته یزکي أمته ويعلمهم الكتاب، ولا ينقطع ذلك بل يأتي آخر، وهكذا إلى آخر زمان التكليف، ولم يكن أحد لايقة لذلك إلا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأولاده
ص: 131
المعصومون (عليهم السلام) ، والأخبار في كونهم مع القرآن كثيرة (1).
ص: 132
في أوصاف الكتاب وهي موجودة في النبي(صلی الله علیه واله) والأئمة المعصومين ( علیه السلام).
تقدم في الفصلين السابقين أن النبي (صلی الله علیه واله ) وخلفاءه متصفون بصفات الكتاب، ولكي يتضح الأمر بصورة كاملة لابد أن نذكر في هذا الفصل أوصاف الكتاب،وهي كثيرة
الأول: أحسن الحديث، قال الله سبحانه: (الله نزل أحسن الحديث كتابآ متشابهة مثاني) (1) ومما لا شك فيه أن الإنسان العاقل مال بطبعه إلى طلب الكمال، وساع الی إلىمعرفة أسباب الوصول إليه، مضافة إلى نزعته ورغبته في الاطلاع على ما مضى من الحوادث وما يأتي، وللاستماع إلى الحديث عنها .
وأحسن الحديث هو الخبر المطابق للواقع، المبين طریق نيل الإنسان إلى الكمال ، فالكتاب هو أحسن الحديث، لأنه يحدث عن المبدأ والمعاد وما مضى
ص: 133
ويأتي، وعن طريق سعادة الإنسان في الدارين، وما يؤول إليه أمر الانسان من الجنة والنار وأوصافهما .
وعليه فإن النبي والإمام الواجدين للكتاب هما أحسن الحدیث، تحكي أقوالهما وأحوالهما وأعمالهما وأخلاقهما، عن الكمال المطلق الذي يميل إليه الإنسان العاقل .
الثاني: الآيات، قال الله سبحانه وتعالى: (بل هو آيات بينات في صدورالذين أوتوا العلم) (1) وقال تعالى: ( هو الذي ينزل على عبده آیات بینات) (2)
وقال تعالى: (کتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون) (3) والنبي (صلی الله علیه و اله)، والأئمة المعصومون( علیهم السلام)، الذين لهم مرتبة من الكتاب آیات
بینات (4)، فإتهم علامات جليلة واضحة لعظمة الله وقدرته وهم خزنة علم الله،
ص: 134
فهم أكبر آيات الله.
وبذلك يظهر أن المعرضين عنهم من مصادیق المعرضين عن آيات الله، قال الله سبحانه: ( والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقیم) (2) و سنبين أن الصراط المستقيم هو صراط النبي( صلی الله علیه و اله)، والأئمة المعصومین (علیه السلام) فمن كان على صراطهم، فهو الذي صدق بآيات الله ولم يكذب بها، ومن كذبهم وخالفهم وأعرض عنهم ولم يعتقد إمامتهم، فهو المكذب بآيات الله، كما قال الله تعالى: ( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها) (3) و قال سبحانه: (ألم تكن آیاتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون - إلى قوله تعالى - فاتخذتموهم سخرية حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون ) (4) وقال سبحانه: (كذلك أتتك آياتنا فنسيتها) (5)وقال سبحانه: ( وإذا تتلى عليهم
ص: 135
آیاتنا ولی مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرأ فبشره بعذاب أليم (1).
الثالث: البشير النذير، قال سبحانه: (فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقین و تنذر به قوما لدا) (2) وقال سبحانه: ( مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين) (3) و قال سبحانه: ( تبيانا لكل شيء وهدى ورحمه وبشرى للمسلمين ) (4) و قال سبحانه: (لینذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنین ) (5).
اللغة: البشارة هي وعد وصول الخير والثواب الموجب للسرور الذي يظهر في بشرة الوجه والبشرة ظاهر جلد الإنسان، والبشارة بالخير والنذارة بغيره .
والقرآن مبشر يبشر بالثواب على الخيرات، ومنذر يخوف من الموبقات، والإنسان بطبيعته البشرية يميل إلى الدنيا وما فيها، ويغفل عن الآخرة، فيحتاج دائما إلى ترغیب وترهيب ليجتهد في كسب الخيرات، ويتقي من ضرر المهلكات فالنبي( صلی الله علیه و اله)، والإمام( علیه السلاتم)، الواجدان للكتاب يكونان كذلك، يرغبان في ثواب
ص: 136
الآخرة بأقوالهما وأعمالهما وأحوالهما.
الرابع: بصائر، قال الله تعالى: (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ) (1)وقال سبحانه: (هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) (2) وقال سبحانه: (بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرونه ) (3) .
قال في الصحاح: البصر حاسة الرؤية، وأبصرت الشيء رأيته ، قال : وبصرت بالشيء علمته ، والبصير العالم ، والتبصر التأمل والتعرف، قال: والبصيرة الحجة والاستبصار في الشيء (4) وقال في المقاييس: العلم بالشيء، يقال: هو بصیر به ومن هذه البصيرة، قال: والبصيرةالبرهان، وأصل ذلك كله وضوح الشيء (5).
أقول: البصائر جمع البصيرة، فإن أدرك الشيء كما يدرك بالبصر وهو حاسة الرؤية، بأن يكون وضوحه کوضوح الشيء المرئي بالعين، أطلق على المبصر أنه بصیر وإن لم يكن بالة، فإطلاق البصير عليه سبحانه وتعالى يكون إطلاقة حقيقية والبصائر هي الأمور التي توضح الشيء وضوحا، كما إذا رئي بالعين مشاهدة .
وآيات الكتاب المجيد كذلك، فهي تكون تبيانا لما خفي من العلوم والمعارف
ص: 137
والمدركات الباطنية، وبها ترتفع الغشاوة والعشاوة عنالبصيرة الباطنية، فيصير الإنسان بصيرة بعد أن كان أعمى .
فالنبي والله ( صلی الله علیه و اله)، والأئمة المعصومون (علیه السلام)، بصائر للناس، فمن اتصل بهم وغرف من علومهم أبصر داء نفسه ودواءها، وعرف الأصول الاعتقادية والأحكام الفرعية،وأبصر منافع دنياه وما يوجب سعادته وشقاوته .
الخامس: البينات، قال الله سبحانه وتعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البنات والهدئ من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ) (1).
البينة: ما يبين به الشيء، ويطلق على الحجة؛ لأنها تبين حقية ما قامت عليه، فهي مأخوذة من البيان، وإذا كان القرآن بينة، فالنبي (صلی الله علیه و اله)، والأئمة المعصومون
الواجدون للكتاب بينات.
السادس: برهان، قال الله سبحانه: (يا أيها الناس قد جاءکم برهان من ربكم ) (2) والقرآن برهان يبرهن به ويستدل به؛ لإعجازه واشتماله على المعارف الحقة، وإخباره عما وقع وعما يقع، يدفع به شبهات شياطين الإنس والجن، ويظفر به على من خالف الحق، فالنبي (صلی الله علیه و اله)، والإمام المعصوم لئلا برهانان .
مبارك :
ص: 138
السابع : لعلكم ترحمون) (1) وقال سبحانه: (وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منکرون ) (2) وقال سبحانه: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آيات) (3).
قال الخليل: البركة من الزيادة والنمو.
أقول: بركات السماء المطر تحيا به الأرض، وبرکات الأرض ثمرات الأشجار والزروع. والكتاب المبارك هو الكتاب الذي له برکات وخیرات: والكفر والأخلاق الرذيلة، وهوى النفس وميلها إلى المعاصي والنيات السيئة، ترتفع ببركة قراءته وتبيانه ومواعظه وزواجره ودلالاته، وغيرها من سائر بركاته، وبه يطلب إقالة العثرات باستجلاب حال التوبة الماحية للعثرات، ويستشفئ به من الأمراض الباطنية لترتفع ببركته.
فالقرآن يهطل على أهله بركات كثيرة، ظاهرية وباطنية، سماوية وأرضية.
والنبي(صلی الله علیه واله)، والإمام المعصوم (علیه السلام)، لهما برکات تهطل على من اتصل بهم واتبعهم .
الثامن: تبيان لكل شيء، قال الله سبحانه: (ونزلنا عليك الكتاب تبیانا لكل شيء) (4) وتدل الآية الشريفة على أن الكتاب النازل إلى النبي(صلی الله علیه و اله)، والله مبين لكل شيء من المبدأ والمعاد وما كان وما یکون، وإذا كان النبي(صلی الله علیه و اله)، الله والأئمة
ص: 139
المعصومون(علیهم السلام)، واجدين للكتاب، فهم عالمون بكل شيء.
قوله تعالى ( ونزلناه) كيفية نزول الكتاب وإن كانت مجهولة عندنا، إلا أنه لابد من الاعتراف بها على ما هو الواقع .
قوله سبحانه (الكتاب) که تقدم أن مادة كتب تدل على مجموعة أمور على طبق ما يلائمها، وتقدم احتمال أن يكون المراد من الكتاب هو ما اشتمل على الاسم الأعظم، وأنه متحد مع هذا القرآن النازل على النبي (صلی الله علیه واله ).
ومعنى قوله تعالى (تبيانا) أي: مبینا، وكيفية تبيينه الأشياء على أنحاء لا يعرفها إلا من أنزل عليه، وهو النبي (صلی الله علیه و اله)، ومن كان مثله، وهم الأئمة المعصومون( علیه السلام) .
وأما قوله تعالى (لكل شيء) فهو عام لجميع الأشياء من صفات الله سبحانه على أكمل وجه، والاسم الأعظم، وبدء الخلق، وما هو كائن وما يكون من العرش والكرسي والسماوات والأرضين وما فيها، والشرائع والأحكام، وكل ما فرض آنه شيء.
فالواجد للكتاب العالم به يعرف كل شيء، ويعرف الاسم الأعظم، ويقدر على كل شيء بإذن الله سبحانه، وقد حكى الله سبحانه قصة سليمان( علیه السلام)، حيث قال:( أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين * قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك واني عليه لقوي أمين قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ) (1)فأحضر عرش المرأة من سبأ - ولعلها
ص: 140
في اليمن - إلى سليمان (عليه السلام)، في الشامات قبل أن تطرف عينه، مع أنه كان عنده علم بعض الكتاب على ما يقتضيه كلمة (من الكتاب) ، فكيف بمن عنده علم
الكتاب كله.
فالنبي( صلی الله علیه و اله)، والأئمة المعصومون( علیهم السلام)، عالمون بكل شيء، حيث إنهم واجدون كل الكتاب، وقد أقر مخالفوا الشيعة باشتمال الكتاب على كل شيء.
فقال النيشابوري في تفسيره: وكيف لا وفيه - أي : في القرآن - نبأ الأولين وخبر الآخرين وحكم ما بين الخلائق أجمعین (1).
وقال ابن كثير في تفسيره: قال ابن مسعود: قد بين لنا في هذا القرآن كل علم وكل شيء. وقال مجاهد: كل حلال وحرام. وقول ابن مسعود أعم وأشمل، فإن القرآن قد اشتمل على كل علم نافع، من خبر ما سبق وعلم ما سيأتي، وكل حلال وحرام، وما الناس محتاجون في أمر دنياهم ودينهم و معاشهم ومعادهم (2) إنتهى .
أقول: ويؤيد كونه أعم وأشمل ما دل من الآيات على وجود کتاب مشتمل على كل شيء، وهو قوله تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيء) (3) وقوله سبحانه (ولا رطب ولا يابس إلآ في كتاب مبين ) (4)، وقوله تعالى (وكل شيء أحصيناه کتابآ) (5).
ص: 141
وما دل على أن ما في السماء والأرض في كتاب مبين، وهو قوله تعالى( وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين) (1) وقوله سبحانه (وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبین) (2) وقوله سبحانه (عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) (3) .
فهذه الآيات تدل على وجود کتاب فيه كل شيء، فإذا ضممنا إليها ما دل على أن آيات هذا القرآن هي آيات الكتاب المبين، وهو قوله تعالى (تلك آيات الكتاب المبين) (4).
وقوله سبحانه (تلك آيات الكتاب وقرآن مبین ) (5) وقوله تعالى (وطس تلك آیات القرآن وكتاب مبين) (6).
وقوله تعالى (حم * والكتاب المبين * إنا جعلناه قرآنا عربيآ) (7) وقوله تعالى (حم *والكتاب المبين * إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) (8)
ص: 142
كان المستفاد من مجموع هذه الآيات وغيرها أن الكتاب المنزل على النبي(صلی الله عليه و اله)، هو الكتاب المبين المشتمل على كل شيء.
وإذا كان تبيان لكل شيء، وهو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم، أي: النبي (صلی الله عليه و اله) والأئمة المعصومون( علیهم السلام) . و لعلهم المراد بقوله تعالى (وكل شيء أحصيناه في إمام مبین ) (1).
وعلم أنهم العالمون بكل شيء، ومنه ما كان يعلمه آدم( عليه السلام)، الذي علمه الله الأسماء كلها، وجميع ما كان يعلمه سائر الأنبياء، فهم ورثة علومهم، والتفاضل يكون بالعلم والتقوى، كما مدح الله سبحانه العلم في كتابه (يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجاته (2).
وبذلك يظهر أن نبينا (صلی الله عليه و اله) والأئمة الطاهرین( علیهم السلام)، أفضل من جميع الأنبياء؛ لأنهم أعلم منهم، وكذا من الملائكة، لقوله تعالى 0وعلم آدم الأسماء ) (3) الآية .
ثم إن علينا أن نؤمن بأن الكتاب تبيان لكل شيء، ويعرف أهله منه كل شيء، وإن كان غيرهم لا يعرفون إلا النصوص والظواهر .
والعجب من صاحب الكشاف حيث قال: فإن قلت: كيف كان القرآن تبیانا لكل شيء؟ قلت: المعنى أنه بين كل شيء من أمور الدين، حيث كان نضا على بعضها وإحالة على السنة، حيث أمر فيه باتباع رسول الله(صلی الله عليه و اله) وطاعته، وقيل: - ما ينطق
ص: 143
عن الهوى - وحتآ على الإجماع في قوله (ويتبع غير سبيل المؤمنين) وقد رضي رسول الله (صلی الله علیه و اله) لأمته اتباع أصحابه والاقتداء بآثارهم في قوله «أصحابي کالنجوم بأتهم اقتدیتم اهتديتم» وقد اجتهدوا وقاسوا ووطأوا طرق القياس والاجتهاد، فكانت السنة والإجماع والقياس والاجتهاد مستندة إلى تبیان الكتاب، فمن ثم كان تبيان لكل شيء (1) إنتهى .
أقول: أما يخاف الله تعالى من هذا التفسير بالرأي، وهل كانت الأحكام ناقصة حتى جاء أبو حنيفة وقاس الأحكام بعضها على بعض ؟!
وردت في القرآن الكريم عدّة آيات بعضها يدلّ على اختصاص علم الغيب بالله سبحانه، وبعضها علىٰ نفي النبي صلّی اللهُ علیه وآله علم الغيب عن نفسه، وبعضها علىٰ نفي علمه ببعض الأشياء، وبعضها علىٰ أنّ علم النبي صلّی اللهُ علیه وآله قابل للازدياد ، فقد يتوهّم التنافي بين هذه وبين ما تقدّم من أنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله واجد لكتاب الله تعالىٰ بجميع صفاته، عالم بجميع ما فيه، وهو تبيان كلّ شيء، فلا بأس بذكر هذه الآيات والجواب عنها بما يرفع التنافي، فنقول هي أقسام.
الأوّل: ما دلّ على اختصاص الغيب بالله تعالىٰ، وهو قوله تعالىٰ (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلاّ هو) (2) وقوله تعالىٰ (فقل إنّما الغيب لله) به (3) وقوله
ص: 144
تعالىٰ (ولله غيب السماوات والأرض) (1) وقوله تعالىٰ (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلاّ الله) (2) وقوله تعالىٰ (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا اُجبتم قالوا لا علم لنا إنّك أنت علاّم الغيوب) (3).
الثاني: ما دلّ علىٰ أنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله لا يعلم الغيب، وهو قوله تعالىٰ (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إنّي ملك إن أتّبع إلاّ ما يوحيٰ إليّ) (4) وقوله تعالىٰ (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّني السوء) (5) ويجمع بين هذين القسمين من الآيات بأن يقال : إنّ علم الغيب خاصّ بمن يعلم الغيب من ذاته لا بعلم مستفاد من غيره .
وتوضيحه: أنّ الغيب ما غاب عن الحواسّ، وليس شيء بغيب عند الله، فإنّ كلّ شيء عنده شهادة. والغيب المطلق ما غاب عن جميع الخلق ولا يعلمه إلاّ الله (6).
ص: 145
وأمّا الأنبياء وأوصياؤهم، فإنّهم يعلمون بعض ما غاب عن الناس أو كلّه، وليس ذلك بغيب؛ لأنّهم لا يعلمون شيئاً إلاّ بتعليم الله، فيكون ذلك مدركاً بحواّسهم، وما كان مدركاً بالحواسّ بتعليم الغير يكون شهوداً، وإن كان غيباً بالنسبة إلىٰ غيره .
وقد أشار أمير المؤمنین علیه السّلام إلىٰ ذلك في نهج البلاغة، حيث قال علیه السّلام في جواب من قال إنّك تعلم الغيب: يا أخا كلب ليس هو بعلم غیب، وإنّما هو تعلّم من ذي علم، وإنّما علم الغيب علم الساعة، وما عدّده الله سبحانه بقوله (إنّ الله عنده علم الساعة وينزّل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأيّ أرض تموت) الآية، فيعلم الله سبحانه ما في الأرحام من ذكر واُنثى، وقبيح أو جمیل، وسخي أو بخيل، وشقي أو سعيد، ومن يكون في النار حطباً أو في الجنان للنبيين مرافقاً .
فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلاّ الله، وما سوىٰ ذلك فعلم علّمه الله نبّيه فعلّمنيه، ودعا لي بأن يعيه صدري، وتضطمّ عليه جوارحي (2).
واتّضح بما ذكرنا أنّ قوله تعالىٰ حكاية عن نبيّه صلّی اللهُ علیه وآله (لو كنت أعلم الغيب) معناه أنّه لو كان عالماً بالغيب بذاته ولم يكن متعلّماً عن غيره لاستكثر من الخير
ص: 146
ولم يمسّه السوء، فإنّ الغني بالذات خیر محض ولا يمسّه سوء ونقص، فنفي علم الغيب عنه صادق على الحقيقة .
ثمّ إنّ بعض الآيات التي تدلّ علىٰ نفي علم الغيب عن غير الله مطلق يمكن تقییده بأنّه لا يعلم الغيب إلاّ الله، أو من ارتضاه من رسول، لقوله تعالىٰ (وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء) (1) وقوله تعالىٰ (عالم الغيب فلا يظهر علىٰ غيبه أحداً * إلاّ من ارتضیٰ من رسول فإنّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا) (2) .
الثالث: ما دلّ على انحصار العلم بخمسة أشياء بالله تعالىٰ؛ وهو قوله تعالىٰ (إنّ الله عنده علم الساعة وينزّل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأيّ أرض تموت إنّ الله عليم خبير) (3) وقوله تعالى (يسألونك عن الساعة أيّان مرساها قل إنّما علمها عند ربّي) (4) وقوله تعالىٰ ( ويقولون متىٰ هذا الوعد إن كنتم صادقين * قل إنّما العلم عند الله) (5) .
والجواب: أنّه لو سلّم دلالة هذه الآيات على انحصار العلم بالساعة بالله تعالىٰ لكانت مخصّصة لسائر ما دلّ على أنّ غير الله تعالىٰ يعلم كلّ شيء بوحي ونحوه، لكن يمكن أن يقال: إنّ المراد من قوله تعالىٰ «ما توعدون» في آية (قل إن أدري
ص: 147
أقريب ما توعدون أم يجعل له ربّي أمداً* عالم الغيب فلا يظهر علىٰ غيبه أحداً *إلاّ من ارتضیٰ من رسول) (1) هو وقوع الساعة، فيكون داخلاً في قوله «عالم الغيب» إمّا لأنّ اللام فيه للجنس فيشمله، أو للعهد الذكري، ّبه، ويكون حاصل المعنىٰ: قل ما أدري أقريب أم بعيد موعد عذابكم إلاّ أن يطلعني الله على الغيب مطلقا، أو علىٰ خصوص غيب الساعة .
وأمّا الأربعة الباقية، فيمكن منع دلالة الآية على انحصار العلم بها بالله .
والآية الدالّة علىٰ أنّ الله سبحانه يظهر علىٰ غيبه من ارتضیٰ من رسول أظهر من هذه الآية، فيمكن تقييدها بأنّه لا يعلم هذه الأربعة إلاّ من ارتضىٰ الله من رسول، أو لايعلم جميعها. وما ذكرناه احتمال والعلم عند الله تعالیٰ.
الرابع: ما دلّ علىٰ عدم علم النبي صلّی اللهُ علیه وآله ببعض الاُمور، وهو قوله تعالىٰ (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم) (2) وقوله تعالىٰ (قل ما كنت بدعاً من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتّبع إلاّ ما يوحىٰ إليّ) (3) وقوله تعالىٰ ( وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون) (4) وقوله تعالىٰ (والذين من بعدهم لا يعلمهم إلاّ الله) (5) .
فأمّا الجواب عن الآية الاُولىٰ، فأوّلاً: أنّه يمكن أن يكون الخطاب لغير
ص: 148
النبي صلّی اللهُ علیه وآله كما يحتمل في صدر الآية (وممّن حولكم من الأعراب منافقون لكنّه بعيد .
وثانياً: أنّ العلم لعلّه بمعنى المعرفة؛ لأنّه قد تعدّىٰ إلىٰ مفعول واحد، أي: لا تعرفهم، ويقال عرفاً علىٰ من يعرف شيئاً ولا يرتّب الأثر عليه أنّه لا يعرفه، فالمعنىٰ لا تعرفهم، أي: لا ترتّب الأثر علىٰ معرفتك .
وثالثاً: يراد بذلك لا تعلمهم من عند نفسك، وإن كنت تعلمهم من جهة تعليم اللهتعالیٰ .
وقيل: المعنىٰ لا تعلمهم بالأمارات والحواس الظاهرية، مع فطنتك وصدق فراستك وعلمك الباطني بهم، وذلك لشدّة مهارتهم في النفاق، وتحفّظهم بإظهار الوفاق الدالّ عليه السياق بقوله « مردوا على النفاق» أي: تمهّروا وتمرّنوا.
ولعلّ النكتة في إظهار أنّه لا يعلمهم أنّه أبقىٰ للإسلام، فإنّ المنافقين لو علموا أنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله والله يعلم أحوالهم لتفرّقوا عنه مخافة أن يدلّ الناس عليهم، وفي اجتماعهم حوله شوكة للإسلام ظاهراً، وفي تفرّقهم ضرر عليه بقاءً .
هذا مع أنّه لو علم عامّة الناس أنّه يعلم الغيب لتوهّموا فيه الاُلوهية، فاقتضت المصلحة الإلٰهية أن لا يظهر من النبي صلّی اللهُ علیه وآله ما يوهم خلاف بشريته إلاّ في مواطن الحاجة إلى الإعجاز .
وأمّا الجواب عن الآية الثانية، فهو أنّ المعنىٰ أنّي لا أدري ما يفعل بي لولا الوحي إليّ، ولكنّي أتّبع القرآن، ولا يحصل اتّباع القرآن إلاّ بعد الوحي به، فإذا كان عالماً بالقرآن وفيه تبيان كلّ شيء، فهو عالم بعد الوحي بكلّ شيء.
ص: 149
وأمّا الجواب عن الآية الثالثة، فهو ّعلم الساعة أي العلم بزمان وقوعها تحقيقاً لعلّه من العلم بالغيب الذي لم يظهره الله علىٰ أحد من خلقه .
وأمّا الجواب عن الآية الرابعة، فهو أنّ الحصر إضافي فيها، فإنّ الملائكة الحافظين لهم والشيطان ولعلّ بعض الجنّ كانوا يعلمونهم، هذا مع أنّه حكاية لقول موسى علیه السّلام ، كما يظهر من الآيات السابقة فلاحظ .
الخامس: ما دلّ علىٰ أنّ علمه صلّی اللهُ علیه وآله قابل للزيادة، وهو قوله تعالىٰ ( وقل ربّزدنی علماً) (1).
وهذه الآية ليست صريحاً في أنّه لم يكن يعلم ما كان، ولعلّ المراد ازدیاد علمه بالله وصفاته سبحانه وتعالىٰ، فلا تنافي بين ذلك وبين قوله تعالىٰ (تبياناً لكلّ شيءٍ) (2) لأنّ صفاته تعالىٰ لا نهاية لها، كما أنّ القرب إليه لا نهاية له، فيزداد علمه بالله، مع أنّه يعلم ما كان وما يكون من المخلوقات والحوادث(3) .
ص: 150
ولعلّه يستفاد من قوله تعالىٰ (وقل ربّ زدني علماً) أنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله والأئمّة المعصومین علهیم السّلام في ازدياد دائم؛ لأنّ الله سبحانه جعل الزيادة في الدرجات
بالأعمال، وأنّهم عليهم السّلام لا تنقطع عنهم الزيادة بعد وفاتهم؛ لأنّ من سنّ سنّة حسنة فله أجر من عمل بها، فلا تستبعد زيادة درجاتهم بالصلاة عليهم، أو النيابة عنهم في أفعال الخير .
السادس: ما دلّ علىٰ عدم علمه صلّی اللهُ علیه وآله بالأجل المحتوم، وأنّ العلم به مخصوص بالله تعالىٰ، وهو قوله سبحانه (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده اُمّ الكتاب) وقوله تعالىٰ (قضىٰ أجلاً وأجل مسمّىً عنده) فإنّهما يدلاّن علىٰ أنّ علم المحتوم يختص بالله سبحانه، فكيف يقال إنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله والأئمّة المعصومين عليهم السّلام يعلمون ما كان وما یکون ؟.
والجواب: أنّ إطلاق الآية يمكن أن يفسّره قوله تعالىٰ (إلاّ من ارتضىٰ من رسول) ثمّ إنّ صریح القرآن أنّ غير الله كان يعلم الغيب بتعليم الله، فلاحظ قصّة صاحب موسیٰ علیه السّلام الذي قتل الغلام وخرق السفينة وأقام الجدار، ولاحظ إخبار عیسیٰ علیه السّلام قومه بما يدّخرون في بيوتهم.
التاسع: المثاني، قال الله سبحانه وتعالى: (الله نزل أحسن الحدیث کتابآ
ص: 151
متشابآ مثاني تقشعر منه جلود) الآية (1)، وقال سبحانه: ( ولقد آتيناك سبعآ منالمثاني والقرآن العظيم ) (2).
والمثاني جمع مثنی، وهي تكرير الكلام المشتمل على الحكم والمواعظ، ليتقرر ويثبت في نفس الإنسان، و تکریره یوجب ارتعاد فرائص الانسان، وانقراع سمعه بكلام عظيم، ليوحشه عن هذه النشأة ويخرجه عنها، ويؤنسه إلى ذكر الله، ويلين قلبه القاسي، وهو الذي يقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلین جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله.
ولا يخفى أن المثاني في الآية الأولى وصف لتمام الكتاب، ولكن في الآية الثانية يحتمل أن تكون «من» للتبعيض، أي: سبعة وهي الفاتحة، وهو بعض الكتاب الذي هو المثاني كما روي، وأن تكون للبيان، أي: سبعة هي المثاني وهي الفاتحة؛ لأنها تثنى في الركعتين. ويحتمل كلاهما من باب الاستعمال في أكثر من معنی، فلاحظ .
وإذا كان الكتاب مثاني، فالأئمة المعصومون علیهم السلام أيضا مثاني يتكرر من كل واحد منهم الحكم والمواعظ.
وأيضا كل واحد منهم عاش في زمان بين أناس وتختلف ظروفه عن الآخر، حتى يكون مثالا للدين في زمانه وأسوة يقتدى به، كما أن الأنبياء كانوا كذلك، فكان يوسف عليه السلام أسوة للعقة، وأيوب عليه السلام أسوة للصبر على البلاء، وهكذا .
ص: 152
ثم إنه يحتمل أن تكون المثاني مأخوذة من الثناء، وعليه فكل واحد منهم يثني على الله عملا، فإنهم بأعمالهم ثناء لله و تمجيد له؛ لأن الأثر الكامل يكون ثناء عملية لذي الأثر، كما أن الكتاب المتقن المتين ثناء لصاحبه .
العاشر: حبل الله، قال الله سبحانه وتعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوان وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) (1) قوله تعالى (اعتصموا) أي: استمسكوا، فإن العصم هو الإمساك، والاعتصام الاستمساك.
قوله تعالى (بحبل ) لعل الحبل هو الشيء الممتد يشد به، ويوصل به شيء بقوة صوريا كان أو معنويآ.
وقد حمله بعضهم على معنى آخر، كما في مفردات الراغب، حيث قال: واستعير للوصل ولكل ما يتوصل به إلى شيء، قال الله عز وجل: (واعتصموا بحبل الله جميعآ)، فحبله هو الذي معه التوصل به إليه من القرآن والعقل، وغير ذلك مما إذا اعتصمت به أداك إلى جواره، ويقال للعهد حبل (2) إنتهى .
ص: 153
أقول: وعلى ما ذكره فاستعمال الحبل يكون مجاز، لكن لا يبعد أن يكون استعماله في المعنى المذكور حقيقية، لأن لكل شيء عوالم ونشآت وأنحاء من الوجود، واللفظ موضوع للدلالة عليها. مثلا قيل: الرزق لغة ما ينتفع به، والمتبادر منه عند العرف الطعام والشراب، لكن يمكن أن يقال: إن رزق كل مخلوق ما به قوام وجوده وكماله اللايق به، فالطعام رزق للبدن، والعلم رزق للروح.
ثم إنه لا ريب أن القرآن حبل الله، يجب على جميع المكلفين أن يعملوا به ويتبعوه، وهو الاعتصام به. وضد الاعتصام التفرق في الدين، وقد نهاهم الله تعالى عنه، وبين لهم أن تفرقهم كان ناشئا من عدم اعتقادهم بالدين، فإنهم حينما كانواكقارا كانوا أعداء، تنشأ عداوتهم عن تكالبهم على الدنيا وشهواتها؛ لأنهم لميعتقدوا باليوم الآخر حتى يخافوا سوء الحساب .
فكل واحد منهم يسعى إلى إشباع شهوات نفسه في هذه الدنيا، فيعادي من يزاحمه في ذلك، ولكن ببركة الدين - أي: الإيمان بالله وبالرسول وباليوم الآخر - الذي أنعم الله عليهم به قد ألف بين قلوبهم، فنهاهم الله عن التفرق في الدين، وأمرهم بالاعتصام به .
وذم الله سبحانه الذين تفرقوا في دينهم، فقال سبحانه و تعالى: (أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) (1) وقال سبحانه: ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعآ الست منهم في شيء ) (2) وقال سبحانه: ( ولا تكونوا من المشركين * من الذين
ص: 154
فرقوا دينهم وكانوا شيعا) (1) وقال سبحانه: ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات) (2) فالاعتصام بحبل الله يكون بالاعتصام بالقرآن، وهو السبيل إلى الله، وقد قال سبحانه: (ولا تتبعوا السبل فتفرق بکم عن سبيله ) (3) وسبيل الله تعالی و صراطه هو الدين، كما في قوله تعالى ( قل إني هداني ربي إلى صراط مستقیم دینا قیما ) (4) والقرآن يهدي إلى الصراط المستقيم، قال سبحانه: (وقد جاءکم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقیم ) (5).
فمن تمسك بالقرآن الذي هو حبل الله وعمل به واتبعه، أنجاه من المهالك ووصله بعالم القدس، وجذب روحه إليه، وعصمه من أمواج الفتن، وهداه الصراط المستقيم.
والنبي (صلی الله علیه و اله)، والأئمة المعصومون علیهم السلام) الذين هم مرتبة من الكتاب مصادیق حبل الله (6)، قد أوجب الله الاعتصام بهم، فولاية أمير المؤمنين علي علیه السلام وأولاده
ص: 155
المعصومین علیه السلام هي من الدين، وعدم قبول ولايتهم يكون من التفرق في الدين،وترك العمل بالقرآن الكريم.
ولا يخفى أن مراتب الدین متفاوتة، ويجب الاعتصام بجميع مراتبه، ومنهاترتیب آثار الإسلام على مظهر الشهادتين، وإن لم يكن معتقد بولاية الأئمة المعصومین علیهم السلام من العامة غير الناصبين لهم، وهو حكم ثانوي، وإلا فالذي أمر الله سبحانه به هو الاعتصام بالقرآن، وهو يهدي إلى إمامة الأئمة الإثني عشر علیهم السلام.
ثم إن الآية الشريفة دلت على أن خلاف الاعتصام بحبل الله - أي: دينه - هو التفرق في الدين، وهذه الأمة قد تفرقت في دينها بعد النبي صلی الله علیه و اله.
ودين الحق لا يخلو: إما أن يكون في جانب علي بن أبي طالب عليه السلام وفاطمة الزهراء عليه السلام وأهل بيته علیهم السلام، وإما أن يكون في جانب مخالفيهم .
لكن لما ثبت بالآيات المادحة لعلي وأهل بيته عليهم السلام الواردة فيهم قطعا أن الحق معهم وأنهم مع الحق، علم أن من خالفهم هو الذي تفرق في دينه، وذلك ظاهر بالأدلة المتقدمة .
ويدل على ذلك أيضا أمره سبحانه وتعالى بتذكر نعمته، وسيأتي أن أظهر مصادیقها هي نعمة الولاية لعلي وأهل بيته علیهم السلام .
ص: 156
ويدل عليه أيضا الغاية المذكورة بقوله تعالى (لعلكم تهتدون) وسيأتي أن الاهتداء هو قبول الهداية التي هي هداية المتقين، وهم الذين اتبعوا الأئمة الهداة إلى الحق، والذين هم علي وأولاده المعصومون علیهم السلام .
الحادي عشر: الحكيم، قال الله سبحانه: ( ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم ) (1) وقال سبحانه:( تلك آيات الكتاب الحكيم) (2) وقال عزوجل: ( والقرآن الحکیم) (3) وقال سبحانه: (كتاب أحكمت آیاته ثم فضلت ) (4) وقال سبحانه: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آیات محکمات هن أم الكتاب ) (5) وقال سبحانه: (كذلك أنزلناه حكما عربيا) (6) وقال سبحانه:(حكمة بالغة فما تغن النذر) (7) قال في المقاییس: حكم - الحاء والكاف والميم - أصل واحد، وهو المنع وأول ذلك الحكم، وهو المنع من الظلم وسميت حكمة الدابة لأنها تمنعها ..... والحكمة هذا
ص: 157
قياسها، لأنها تمنع من الجهل (1) وقال في الصحاح: الحكم مصدر قولك حكم بينهم يحكم، أي: قضئ وحكم له وحكم عليه، والحكم أيضا الحكمة من العلم، والحكيم العالم، وصاحب الحكمة والحكيم المتقن للأمور (2)والكتاب الحكيم المشتمل على جميع العلوم وما كان وما يكون يعطي المطالب الصحيحة المطابقة للواقع وليس فيه شيء لا حكمة فيه ، فإذا كان الكتاب حکیمآ و محکم و متقنآ، فالنبي صلی الله علیه و اله والإمام علي علیه السلام حكیمان محکمان في أفعالهما وتروكهما، فلا ينسب إليهما أمر ليس مطابقة للحكمة، فيكونان معصومین .
وإلا -أي: إن صدر عنهما فعل خطئا أو جهلا بمبدئه أو عاقبته أو لهوی نفساني لا يطابق العقل السليم أو لظلم أو بخل أو غير ذلك - فلا يكونان حکیمين على الإطلاق، وقد فرضنا أنهما واجدين للكتاب المشتمل على جميع العلوم، فهما حکیمان على الإطلاق في طول عمرهما .
ولا يبعد أن يكون مفهوم الحكم الجامع لجميع موارد استعماله هو كون الفعل الصادر متقنة ومتينة على أساس قوي وحقيقة واقعية .
فالحكمة إصابة الحق بالعلم والعقل، والحكيم من كان فعله أو تركه مصيبة للحق والواقع مطابقة للعقل السليم، ولا يشوبه خلاف الواقع لجهل أو لداع نفساني ونحوهما .
ص: 158
والله سبحانه حکيم، أي: أن جميع أفعاله من الخلق والرزق والرحمة والعذاب وغيرها فعلا وتركا متقن وصواب، ومطابق للواقع الذي لا يمكن أن يكون وراءه واقع أصح منه، ولا يصدر منه فعل لا يطابق الحكمة؛ لأنه: إما لجهل،أو بخل، أو خوف، أو سائر الدواعي الفاسدة، والله تعالى منه عن ذلك كله .
والفرق بينه وبين العليم أن العلم مبدأ الحكمة، والحكم بين الناس هو إتقان الأمر الذي اختلفوا فيه ، والإحكام الإتقان، وكتاب محكم، أي: متقنة المطالب قوية المفاهيم .
ثم إن الحكمة في جميع الأفعال والتروك تستدعي العلم بالمصالح العامة لجميع الناس، والعلم بالمفاسد العامة لهم، والعلم بالمصالح والمفاسد الشخصية الراجعة إلى نفسه، فهو يعلم الخير كله والشر كله .
وهذا المقام لا يصل إليه إلا من هو متصل بالوحي، أو بمن اتصل بالوحي، ولا يدعيه أحد من الأمة في حق غير علي علیه السلام وبنيه المعصومين عليهم السلام .
وفي القرآن المجيد إيماء إلى أن منصب الحكم من الله ليس بالاكتساب، ولذا قد يكون الصبي حكيمة؛ لأن الله أعطاه الحكم، قال الله سبحانه: (وآتيناه الحكم صبيا ) (1) وقال سبحانه: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) (2) فقد ظهر أن المصداق الظاهر لقوله تعالى وومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرآ
ص: 159
كثيرآ) هو النبي صلی الله علیه و اله والأئمة المعصومون عليهم السلام، فمعرفة الإمام المعصوم والاستضاءة من نوره هما من الحكمة، فمن أوتي ذلك فقد أوتي خيرا كثيرا (1).
الثاني عشر: الذكر والذكرى والتذكرة، قال سبحانه: ( إن هو إلا ذكر وقرآن مبین) (2) وقال سبحانه: ( وإنه لذكر لك ولقومك ) (3) وقال سبحانه: (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى* إلآ تذكرة لمن يخشی ) (4) وقال سبحانه: (كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به و ذكرى للمؤمنين ) (5).
قال في الصحاح: الذكر والذكرى خلاف النسيان، والذكر الصيت والثناء، والتذكرة ما يستذكر به الحاجة (6) .
وقال في المقاییس: ذكرت الشيء خلاف نسيته، ثم حمل عليه الذكر باللسان، ويقولون: اجعله منك على ذكر بالضم، أي: لا تنسه (7) إنتهئ .
ولعل المعنى الجامع هو الاستحضار في مقابل النسيان وعدم التوجه، فذكر
ص: 160
بالقلب، وذكر باللسان، وذكر عن نسیان، وذكر بمعنى إدامة الحفظ .
والفرق بين الذكر والهداية أن الهداية هي التوجيه نحو شيء، والذكر هو استحضار الشيء. وذكر الله عبده هو لطفه ورحمته الخاصة في مقابل ترکه، وإلا فكل موجود محتاج في وجوده إليه سبحانه .
والقرآن حضور للمعارف المتعلقة بالمبدأ والمعاد وما بينهما لاشتماله عليها،فالإرتباط به تلاوة ومطالعة وغيرهما يكون موجبة للتذكر، قال سبحانه: (فذكر بالقرآن من يخاف وعید ) (1) وقال سبحانه: ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مکر) (2) والقرآن يذكر العبد بربه، و منسي نعمته وما نسي من عهده الأول، ويرفع غشاوة الغفلة والنسيان عن قلبه، ولما كان القرآن تبیانا لكل شيء لا خطأ فيه، فهو ذكر لا خطأ فيه .
والكتاب ذكر في جميع مراتبه، ومنها مرتبة وجوده العلمي ومرتبة وجوده الذي هو قلب النبي صلی الله علیه والله والإمام المعصوم علیه السلام، فهما ذکر ان معصومان لا خطأ فيهما .
وقد أطلق الذكر على الرسول في قوله تعالى (قد أنزل الله إليكم ذكرآ * رسولآ يتلو عليكم آيات الله مبینات) (3) بناء على أن يكون «رسولا» بدلا عن «
ص: 161
ذکرآ» واحتمل کونه مفعول ذکرآ.
ثم إن كون القرآن ذكر إما مبالغة نظير زيد عدل، أو أنه ذكر بالمعنى الفاعلي .
وقد ظهر بالبيان المذكور صحة الأخبار المفسرة للذكر والتذكرة ومايشتق منهما بالنبي صلی الله علیه و اله والإمام المعصوم عليه السلام (1)، وكذا صحة الأخبار المفسرة لمتبعى
ص: 162
الذكر بشيعتهم، وللمعرضين عن الذكر بمعانديهم .
ونذكر فيه تطبيق بعض الآيات المشتملة على كلمة الذكر .
منها: قوله تعالى (ما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) (2) تقدم أن الذكر لغة هو إحضار الواقع على ما هو عليه، وأهل الذكر من كان كلامه مطابقة للواقع، ويحصل من كلامه العلم، وهو الاعتقاد بالشيء على ما هو عليه، ويدل على اعتبار کون کلامه موجب للعلم مفهوم قوله تعالى (إن کنتم لا تعلمون ). ولأهل الذكر الواقعي الذي يحصل من قوله العلم مصادیق : منها: علماء اليهود والنصارى الذين عندهم جميع التوراة والإنجيل الصحيح لا المحترفين، أو بعضهما غير المحترف المشتمل على أوصاف الأنبياء علیهم السلام، وقدكان في زمان النبي صلی الله علیه و اله جماعة من علمائهم عرفوا صحة نبؤة نبينا بما عندهم من التوراة والإنجيل، فيمكن شمول أهل الذكر لهم.
ومن مصادیقه کل معصوم عالم بشيء، مثل نبينا صلی الله علیه واله والأئمة المعصومين علیهم السلام ، فإنهم أهل الذكر؛ لأنهم يحملون الذكر في نفوسهم الشريفة، كما يقال للعلماء أهل العلم، ويصح إطلاق الذكر عليهم أيضا، كما تقدم إطلاقه على
ص: 163
الرسول، والأئمة المعصومون أهل رسول الله صلی الله علیه و اله ما وهو ذکر، فهم أهل الذكر .
وبما ذكر ظهر أنه ليس المراد بأهل الذكر أهل التوراة والإنجيل المحترفين؛ لأن الله تعالى لا يأمر بسؤالهم، ولا من كان محكوم بالعدالة ظاهرة، بل ولا من كان عادلا واقعة؛ لأنه يحتمل فيه الخطأ، ولا يحصل العلم من خبره، ولا المجتهد ؛ لعدم حصول العلم من إخباره عن الحلال والحرام لاحتمال خطئه .
والمراد بالمسؤول من يحصل من قوله العلم، أي: الاعتقاد بالشيء على ما هو عليه في الواقع، لأنه أوجب السؤال على من لا يعلم، والمراد به السؤال لتحصيل العلم، ولا يحصل العلم إلآ من إخبار المعصوم ونحوه.
ومنها: قوله سبحانه (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (1) وهو إما من إضافة الذكر إلى الفاعل، أي: ذكر الله عبده يوجب اطمئنان القلب، أو من إضافته إلى المفعول، أي: ذكر العبد ربه يوجب اطمئنان القلب، ولعلهما متلازمان؛ لقوله تعالى (فاذكروني أذكركم ) (2).
ولعل المراد بذكر الله التوجه إليه، وهو لا يكون إلا إذا كان العبد مطيعة له، فمن كان عالما بالله تعالى وبصفاته، وعالم بما أحبه وبما أبغضه وبما يريده، وكان في نياته وأحواله وأعماله متوجها إلى الله تعالى ولم يحب إلا ما أحبه الله تعالى، ولم يبغض إلا ما أبغضه الله تعالى، ولم يرد إلا ما أراده، ولم يرض إلا بما يرضاه، فهو ذکر بعنوان مطلق .
ص: 164
والنبي صلی الله علیه و اله والأئمة المعصومون علیهم السلام الذين في صدورهم كتاب الله هم ذکر الله بقول مطلق، فهم أرباب القلوب المطمئنة، ومصادیق قوله تعالى (يا أيتها
النفس المطمئنة* ارجعي إلى ربك راضية مرضية ) ومن عرفهم واتبعهم حصل له اطمئنان القلب بقدر اتباعه لهم (1).
ومنها: قوله تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (2) والذكر في هذه الآية يحتمل أمورة:
أحدها: خصوص الرسول، نظير قوله تعالى (ذكرآ رسولا) (3) ويمكن أن يقال: إن قوله تعالى قبله (يا أيها الذي نزل عليه الذكر) (4) يبعده .
ثانيها: الذكر بجميع مراتبه حتى مرتبة وجوده العلمي التي هي صدور النبي صلی الله علیه و اله والأئمة المعصومین علیهم السلام، وحفظه في هذه المرتبة هو بقاء وجوده العيني .
ثالثها: مابين الدفتين والمقروء.
ص: 165
والضمير في قوله تعالى ( وإنا له) يرجع إلى الذكر، وعن الفراء يجوز أن الهاء في «له» كناية عن النبي صلی الله علیه و اله، ولعل مراده الذي نزل عليه الذكر، وهو بعيد .
قوله تعالى (لحافظون) يحتمل وجوها .
أحدها: الحفظ إلى آخر الدهر، فلا ينسخه کتاب .
ثانيها: الحفظ عن الزيادة والنقيصة والتحريف والتغيير، ومثله قوله تعالى (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) (1) فالقرآن ليس كالتوراة والإنجيل، بل هو محفوظ عن كيد المشرکین .
ثالثها: حفظه في جميع مراتبه، فالمكتوب من المحو والتمزيق، والمقروء من الغلط في الإعراب ومخارج الحروف، والمحفوظ عن ظهر القلب من النسيان، ووجوده المتحقق في وعائه عن التغيير والتبديل والزيادة والنقيصة، ووجوده الخارجي الذي هو قلب النبي صلی الله عليه واله والأئمة المعصومین علیهم السلام عن الموت، فوجوده الخارجي محفوظ بإمام معصوم حي باق .
ومنها: قوله تعالى (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) (2)ونظائره من الآيات الذاتية للمكذبين بالذكر والتذكرة والذكر، والمعرضين عنها، وهذه الآيات تنطبق على المعرضين عن مرتبة وجودها العيني الذي هو صدور النبي صلی الله علیه و اله والأئمة المعصومين عليهم السلام .
ص: 166
الثالث عشر: رحمة للمؤمنين، قال عز من قائل: (هذا بصائر من ربکم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ) (1) وقال: ( ونزلنا عليك الكتاب تبیانا لكل شيء وهدى ورحمه وبشرى للمسلمين ) (2) وقال: ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) (3) قال في الصحاح: الرحمة الرقة والتعطف (4).
وقال في المقاييس: أصل واحد يدل على الرقة والعطف والرأفة (5) .
وقال في القاموس: الرقة والمغفرة والتعطف کالمرحمة (6) وفي مفردات الراغب: رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم (7) .
وفي أقرب الموارد: رقة القلب و انعطاف يقتضي التفضل والإحسان والمغفرة (8) أقول: الرحمة مذكورة مع الرأفة، قال عز من قائل: و(بالمؤمنين رؤوف
ص: 167
رحیم (1). مذكورة مع المغفرة، قال سبحانه: ( غفورا رحيما) (2) فلعلها مغايرة لهما مفهومة، كما أن الرقة خلاف الغلظة، فلا يبعد أن تكون الرحمة ضد الشدة والعذاب، قال سبحانه: (أشداء على الكفار رحماء بينهم) (3) وقال سبحانه:(يعذب من يشاء ويرحم من يشاء) (4) .
والرحمة هي العطف الحاصل للراحم نحو المرحوم، المنبعث عن ملاحظةحاجته وضره، المقتضي لإصلاح شأنه وجبر كسره، و تطلق على الخير الواصل إلى المرحوم، وهي قد تكون عامة، كالوجود والرزق ودفع المكاره وإعطاء المنافع وإصلاح الشأن، وقد وسعت رحمته كل شيء من مؤمن وكافر وجماد ونبات وحيوان وغيرها .
وقد تكون خاصة بطائفة، كالقرب إلى الله سبحانه وإلى نعيم الجنان، فإنها خاصة بالمؤمنين المتقين، فمن أراد أن تشمله هذه الرحمة ، فليكن منهم، وقد فاز بهذه الرحمة السعداء على تفاوت درجاتهم في السعادة، وحرم منها الأشقياء على تفاوت درجاتهم في الشقاوة .
والقرآن الكريم رحمة خاصة بالمؤمنين، فهم بتخلقهم بخلقه وعملهم بما فيه على اختلاف مراتبهم في ذلك يفوزون بالسعادات .
وأما الظالمون أنفسهم بالمعاصي والشرك برب العالمين، فإنهم بمعزل عن
ص: 168
التخلق والعمل بما في القرآن، وأبعد عن الفوز بهذه الرحمة، وقد قال سبحانه: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون ) (1) فإذا كان الكتاب رحمة، فهو بجميع مراتبه رحمة، فالنبي صلی الله علیه و اله والأئمة المعصومون علیهم السلام مصادیق رحمة الله، وقد قال الله سبحانه في النبي صلی الله علیه و اله (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم ) (2).
الرابع عشر: الروح، قال الله تبارك وتعالى: ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نور نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقیم ) (3) وقال تعالى: (يلقي الروح منأمره على من يشاء من عباده لینذر يوم التلاق) (4).
قوله تعالى (وكذلك ) أي : كما أوحينا إلى سائر الأنبياء أوحينا إليك .
قوله تعالى (أوحينا) ذكر الراغب في المفردات أن أصل الوحي الإشارة السريعة.
أقول: ومنه إلقاء أمر في ذي روح إلقاء خفية وإن لم يكن إنسانا، كما قال سبحانه: ( وأوحى ربك إلى النحل ) (5) ولعل الوحي يصدق على الإلقاء بواسطة
ص: 169
خفية، فالإلهام على هذا وحي، فإذا كان المراد من الروح المذكور في الآية ملكا صدق الوحي بإرساله إلى النبي؛ لأنه خفي وإلقاؤه إليه خفي أيضا.
والمراد من قوله تعالى ( إليك) هو أي: في حال كونك بشر ذا جسم عنصري، فلا ينافي ذلك مقام روحه الذي هو نور، وهو أول ما خلق الله، كما في الخبر .
قوله تعالى (روحا من أمرنا) يحتمل أمورة: أحدها: القرآن ولعله لكونه سبب لحياة الأرواح، كما أن بالروح حياة الأبدان،فالإنسان ميت معنى، وإن كان حي صورة، إلا أن يحين بالعلم، والقرآن روح یحیی به حياة باقية حقيقية، ويؤيده الضمير في قوله تعالى ( جعلناه ) أي: جعلنا الروح نورا، والنور قد أطلق على القرآن في سائر الآيات.
ويؤيده أيضا قوله (ما الكتاب) إذ يمكن أن يقال: إنه يفيد أنك لم تكن تدري الكتاب، فعلمته بعد ما أوحيناه إليك، فهو الروح الذي أوحيناه .
ثانيها: روح القدس المودع في الرسل (1)، وهو المقام الرفيع الملازم للرسالة
ص: 170
والإمامة والعصمة، وهو نور لمن كان معه، لأنه مقام نوري لا ظلمة معه .
ثالثها: ملك أعظم من جبرئیل و میکائیل علیهم السلام (2)، ويؤيده قوله تعالى (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) (3) وقوله تعالى(يوم يقوم الروح والملائكة صقا) (4) ويمكن إرادة جميع المعاني المذكورة منكلمة الروح، وسيأتي بيانه .
قوله تعالى (ما كنت تدري ما الكتاب ) يحتمل أن يكون المراد من الكتاب الاسم الأعظم الذي يكون عند الأنبياء، (5) ولعل المراد بقول عیسی علیه السلام (آتاني الكتاب) (6) هو ذلك، فإن كان ملازما للنبوة، فالمعنى انك ما کنت تدري الاسم
ص: 171
الأعظم قبل أن يوحى إليك وقبل نبوتك .
ويحتمل أن يكون المراد به الكتاب الذي أنزل إليك، والمعنى أنك لم تكن تدري ما الكتاب بالتفصيل حتى نزل عليك به جبرئيل. ويحتمل أن يراد ما کنت تعلمت الكتابة .
قوله تعالى (ولا الإيمان) أي: المرتبة الكاملة منه الملازمة للنبوة والإمامة لا أصل الإيمان؛ كيف لا وقد كان مؤمنا قبل نزول الوحي، ومعصومة لم يشرك بالله طرفة عين بالضرورة، فيتعين أن يكون المراد به ما ذكر، وهو الذي يدل عليه بعض الأخبار (1).
قوله تعالى (من نشاء ) المراد به الناس إن أريد من الروح القرآن، وإن فسر الروح بأحد المعنيين الأخيرين كان المراد به الرسل والأئمة المعصومین علیهم السلام.
ويمكن أن يقال: إن معنى قوله تعالى (وكذلك أوحينا إليك روحا) كقوله تعالى (يلقي الروح من أمره) (2) الآية، هو إعطاؤه العقل الكامل الذي هو روح القدس، وهو خلق من الملكوت أعظم من جبرئیل و میکائیل علیهما السلام ، كما في الخبر،
ص: 172
ولعله لتجرده عن المادة العنصرية، وهو الوجود العيني للكتاب، ما كنت تعلم من قبل وجودك البشري ذلك العلم، ولا الإيمان الكامل الذي يحصل بعد العلم؛ لأنه كلما كثر العلم ازداد الإيمان، فهو نظير قوله تعالى ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى الی) (1) والنبي صلی الله علیه واله، له وجود بشري مثل سائر البشر، وإن كان يمتاز عنهم، والفرق بينه وبين غيره إنما هو في الروح الموجود معه الذي جعله الله نورا يهدي به من يشاء .
الخامس عشر: شفاء لما في الصدور، قال الله تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) (2) وقوله تعالى (قد جاءكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور) (3) وقوله تعالى (قل هو للذينآمنوا هدى وشفاء) (4).
فإنه يشفي الأمراض الباطنية الروحية من الجهل والكفر والأخلاق الذميمة والعادات السيئة التي تؤدي إلى موت روحاني، فترتفع ببركته، ويستدل به لرفع الشكوك والشبهات؛ لأنه تبيان لما خفي من العلوم والمدركات الباطنية، ويهدي إلى الطريق الموصل إلى المطلوب من نعم الآخرة والأولى ومصالحهما، ويرتفع ببركته الغشاوة عن البصيرة الباطنية، فيصير الإنسان بصيرة بعد ما كان أعمى .
ص: 173
كما يشفي الأمراض الجسمانية، وقد وردت الأخبار بالاستشفاء به عموماوبخصوص بعض الآيات لبعض الأمراض.
ثم إنه شفاء لمن استنصحه. وأما من نظر فيه بأهوائه، فلا يزيده إلآ ضلالة وخسارة، كنظر مخالفي الشيعة فيه، واستدلالهم به على عدالة جميع الصحابة، فإنهم لما عدلوا عن وصي النبي صلی الله علیه و اله وخليفته الذي نص الله على لسان رسوله أنه علي بن أبي طالب علیه السلام ، فقد تعدوا حدود الله، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون، فلا تستبعد عدم هدايتهم بالقرآن، مع أنهم يقرءونه بأحسن صوت .
ولهم تفاسير قد أتعبوا فيها نفوسهم في تفسير كلماته وإعرابه ومعانيه، لكنهم لم يصلوا إلى هداية القرآن، فإنه يهدي للتي هي أقوم، وهي ولاية علي علي علیه السلام وأولاده المعصومین علیه السلام .
فإذا كان الكتاب بجميع مراتبه شفاء، فالنبي صلی الله علیه و اله والأئمة المعصومون علیهم السلام يشفون جميع الأمراض الروحية والجسمية. وقد كان عيسى علیه السلام يبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله، ونبينا صلی الله علیه و اله أفضل منه وهو وارث الأنبياء، كما في الأخبار (1).
ص: 174
ثم إن هذا يقتضي عموم العلم والعصمة؛ لأن شفاء الأمراض الروحية إنما يكون بعد الإحاطة بجميعها والعلم بعلاجها، فلابد أن يكون الشافي عالما بجميع ما يوجب البعد والهوان، وعالمة بجميع ما يوجب القرب إلى الله ليشفيه من مرض الروح، وهو البعد والهوان، ويجعله من المقربين من دون خطأ فيه، لأن المخطىء جاهل، وربما زاد مرضاً على مرض.
لا يجوز أن يتطرق إلى وهم أحد أن الاستشفاء بالقرآن الكريم والنبي والإمام علیهما السلام، شرك؛ لأن الشرك هو استناد ما يقع إلى غير الله سبحانه.
وأما الاستناد إليه بواسطة الأسباب، فليس بشرك ألبتة، بل قيل: أبي الله أن يجري الأمور إلا بأسبابها، فكما أن شرب الدواء نافع للمريض؛ لأن الله قد جعل فيه هذه الخاصية، كذلك القرآن الكريم ألفاظه ونقوشه شفاء للأمراض، كما أن الاتصال بالنبي صلی الله علیه و اله، والإمام علیه السلام، كذلك .
والأخبار(2) بالاستشفاء بهما كثيرة، هذا مع أنهما ربما يسألان الله شفاء الأمراض .
ص: 175
السادس عشر: الصدق والحق، قال الله سبحانه: ( والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق)( (1) وقال سبحانه وتعالى: (قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا ) (2) وقال سبحانه: (فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه ) (3).
وإذا كان الكتاب صدقة، فجميع مراتبه صدق، فالنبي صلی الله علیه و اله والأئمة المعصومون علیهم السلام صادقون؛ لاتحادهم مع الكتاب، فهم مصادیق قوله سبحانه ( یا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقین) (4) وإطلاق الكون مع الصادقین في جميع أفعالهم وأقوالهم يقتضي إمامتهم وعصمتهم .
وتوضيحه: أن قوله سبحانه ( يا أيها الذين خطاب إلى جميع المؤمنين في جميع الأزمنة. وقوله سبحانه (كونوا مع) ليس المراد من المعية المأمور بها المعية في المكان أو الصقع، بل مناسبة المقام تقتضي أن يكون المراد المعية معهم فيالصدق في جميع مصادیقه، من الصدق في النيات والملكات والحالات والأقوال والأفعال .
قوله سبحانه (الصادقين ) قد ذكر في المقاييس أن «ص د ق» يدل على قوة في الشيء قولا وغيره، من ذلك الصدق خلاف الكذب، ستي لقوته في نفسه،
ص: 176
ولأن الكذب لا قوة له هو باطل، وأصل هذا من قولهم «شيء صدق» أي: صلب ورمح صدق، ويقال: صدقوهم القتال، وفي خلاف ذلك كذبوهم(1) إنتهى .
وقال الراغب في المفردات: وقد يستعمل الصدق والكذب في كل ما يحق ويحصل في الاعتقاد، نحو صدق ظني وكذب، ويستعملان في أفعال الجوارح،قال تعالى: ( رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) (2) أي: حققوا العهد بما أظهروه من أفعالهم. وقوله تعالى (ليسأل الصادقين عن صدقهم) (3) أي: يسأل من صدق بلسانه عن صدق فعله، وقوله تعالى (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق) (4) فهذا صدق بالفعل، أي: حقق رؤيته.
وعلى ذلك قوله ( والذي جاء بالصدق وصدق به ) (5) أي: حقق ما أورده قولآ بما تحراه فعلا، ويعبر عن كل فعل فاضل ظاهرا وباطنا بالصدق، فيضاف إليه ذلك الفعل الذي يوصف به، نحو قوله (في مقعد صدق عند مليك مقتدر)(6) وعلى هذا أن لهم قدم صدق عند ربهم، وقوله (أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق ) (7) إلى آخر ما ذكره (8)
ص: 177
ويمكن أن يقال: إن الكون مع الصادق واقع لا يتحقق إلا إذا علم كونه صادقا والعلم بكونه صادقة في أقواله وأعماله وأفعاله لا يحصل إلا إذا كان معصومآ: لأن خبر غير المعصوم وفعله وعمله يحتمل فيه الخطأ، ومن احتمل فيه ذلك لا يعلم کونه صادقا.
ولبعض العامة شبهات في معنى الآية لا بأس بذكر بعضها والجواب عنها : منها : أن المراد کونوا معهم في الصدق وتوابعه، فاصدقوا كما يصدق الصادقون ولا تكونوا كاذبین .
والجواب: أنه لو قال اصدقوا مع الصادقین، كما قال في موضع آخر:اركعوا مع الراكعين، لما كان دل إلا على أن المطلوب أن يصدقوا كما يصدق الصادقون. لكنه قال كونوا مع الصادقين، ومعناه طلب الكون معهم مطلقا بدون الاختصاص بالكون معهم في الصدق، وهو يقتضي الكون معهم في جميع الأحوال بالمتابعة لهم، وهذا هو معنى الإمامة .
ومنها: أن الأمر بالكون مع الصادقین نظير قوله سبحانه (وأشهدوا ذوي عدل منكم ) (1) ولم يقل من علم أنهم ذوو عدل منكم، ونحن علينا الاجتهاد بحسب الإمكان في معرفة الصدق والعدالة .
والجواب: أن الألفاظ موضوعة لمعانيها الواقعية، والعادل من يكون عادلآ واقعآ، والصادق من يكون صادقة واقعة، ولو ستم وجود دليل على كفاية الاجتهاد
ص: 178
بحسب الإمكان في معرفة العادل، فلا دليل عليها في معرفة الصادق الذي يجب الكون معه .
ثم إن النبي صلی الله علیه واله والأئمة المعصومین علیهم السلام مصاديق للصدق المذكور في آيات أخر، وهي : الأولى: قوله تعالى (ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين و آتی المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتي الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) (1).
فإن النبي صلی الله علیه واله والأئمة المعصومين عليهم السلام أتم مصاديقه، ولا يعلم موف بجميع عهوده وملتزم بجميع ما ذكر في الآية غير المعصوم ومن يتلوه مرتبة .
الثانية: قوله سبحانه (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله علیه ) (2) فإنهم أكمل من صدقوا وحققوا ما عاهدوا الله عليه .
الثالثة: قوله سبحانه ( والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون* لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين * ليكقر الله عنهم أسوء الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون) (3) .
ص: 179
فإن ظاهر قوله تعالى (وصدق) أن المصدق هو الذي جاء بالصدق، فمن حقق ما أورده قو بما تحراه فعلا فهو مصداق للآية، لكن مصادیقه التامة هم النبي صلی الله علیه واله والأئمة المعصومون عليهم السلام، فإنهم جاؤوا بالصدق وحققوه عملآ"، ومن مصاديق الصدق القرآن، فمن قرأ القرآن فقد جاء بالصدق قوة، فإن عمل بجميع ما فيه فقد صدق به وحققه فعلا.
وفي بعض الأخبار أن الذي جاء بالصدق النبي صلی الله علیه و اله والذي صدق به علي أمير المؤمنین علیه السلام .
ولعل المراد بالموصول الجنس الشامل للرسول صلی الله علیه و اله و أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وإنما خص الرسول بالجزء الأول من الصلة لكونه فيه أظهر وأقوى، وكذا خص
الجزء الثاني بأمير المؤمنین علیه السلام؛ لأنه فيه أحوج إلى البيان .
وأما قوله (ليكقر الله) به على ما ذكرنا من أن صدر الآية عام للجميع، فالتكفير يكون عن الذين عملوا السوء، وأما على الاختصاص بعلي عليه السلام، على ما روي، فقد يقال: بأن المراد أسواؤه عند قومه، فإن الله سبحانه يكرها، أي: يغطيها عندهم بنصره على الكافرين وإحسانه إليهم، وإظهار شرفه وفضله، ولذا قال في الآية التي بعدها (أليس الله بكاف عبده ) (1).
ثم إذا صح كون النبي صلی الله علیه و اله، والإمام المعصوم علیه السلام، كتابآ، فالتصديق بهما هو اتباعهما، فمن لم يتبعهما لم يصدق بهما، بل يكون مصداقا لقوله سبحانه (فمن
ص: 180
أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه)(1).
الرابعة: قوله سبحانه (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ) (2).
وعموم قوله تعالى (والذين آمنوا) شامل لجميع من آمن بالله والرسول وإن خلط عملا صالحا وآخر سيئا، بل وإن لم يعمل الصالحات، إذا كان مؤمنا بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله، ومنه ولاية الأئمة المعصومین علیهم السلام ، لكن وصفهم بأنهم الصديقون ربما يقتضي التقييد ببعض المؤمنين .
وأما قوله تعالى (الصديقون) فقد قال الراغب في المفردات: والصديق من كثر منه الصدق، وقيل: بل يقال لمن لا يكذب قط، وقيل: بل لمن لا يتأتى منه الكذب لتعوده الصدق، وقيل: بل لمن صدق بقوله و اعتقاده وحقق صدقه بفعله قال: ( واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقة نبيا) (3)وقال: (وأمه صديقه) (4) وقال:(من النبيين والصديقين والشهداء ) (5) فالصديقون هم قوم دوين الأنبياء في الفضيلة على ما بنت في الذريعة إلى مكارم الشريعة (6) إنتهى .
أقول: الصديق مبالغة في الصدق، ولا يحصل بمجرد الإيمان بالله والرسل، بل
ص: 181
يتوقف حصوله على كونه كثير الصدق، فهو مخصوص ببعض المؤمنين، ولعل قوله سبحانه و تعالى (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين )(1) يدل على أن الصديقين طائفة خاصة.
الخامسة: قوله سبحانه حكاية عن إبراهيم علیه السلام، (واجعل لي لسان صدق في الآخرين ) (2) قوله سبحانه (لسان صدق) لعله أراد به شخصا ذا لسان صدق؛ لأنه سأله فيالآخرين، وهو زمان لا يكون إبراهيم عليه السلام، موجودآ فيه، فلا معنى لأن يسأل أن يجعل لسانه لسان صدق، فإذا أريد الشخص تعین کونه صادقة من أول عمره إلى آخره - وهو منحصر في المعصومين علیهم السلام، من أول عمرهم إلى آخره، کالنبي صلی الله عليه و اله والأئمة المعصومین علیهم السلام - لأن إرادة شخص ذي لسان صدق في بعض الأحواللا يحتاج إلى الدعاء، فإن لكل شخص لسان صدق في بعض الأحوال، ولا يوجدمن يكذب من أول عمره إلى آخره.
ثم إنه قد تبين من هذه الآيات أن الصادقين هم المعصو مون، فإن الصدق في قراءة سورة الحمد في كل يوم عشر مرات في قوله ( إياك نعبد وإياك نستعين) لايتيسر إلا للمعصوم ومن يتلوه کما مر.
قال في البحار أقول: الصادق هو من لا يكذب في قوله ولا فعله، والصدق في
ص: 182
قراءة سورة الحمد يوجب العصمة؛ لأنه يقول كل يوم عشر مرات أو أكثر ( إياك نعبد) وقد سمى الله طاعة الشيطان عبادة في مواضع، وكل معصية طاعة للشيطان.
وقس على ذلك قوله (إياك نستعين) وسائر ما يقول الإنسان ويدعيه من الإيمان بالله واليوم الآخر، وحب الله تعالى والإخلاص له والتوكل عليه و غير ذلك، وأخبار الخاصة والعامة مشحونة بذلك، فظهر أن الصادق حقيقة هو المعصوم (1) إنتهی .
السابع عشر: الصراط المستقيم، قال سبحانه: (وهذا صراطي مستقيمآ فاتبعو) (2) ولعل المراد به القرآن، ويؤيده قوله تعالى (إنما تنذر من اتبع الذكر) (3) وقوله سبحانه (فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه) (4) و قوله سبحانه (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربکم ) (5) لاتحاد الأمر باتباع الصراط واتباع الذكر، واتباع النور الذي أنزل مع النبي صلی الله علیه واله واتباع ما أنزل إليه صلی الله علیه واله.
والصراط في قوله تعالى (صراطي) الجادة كما قيل؛ لأنه يسترط السابلة، أي: يبتلع أبناء السبيل على اختلافهم، وقيل: لأنهم يسترطون الطريق .
ص: 183
ثم إن الصراط - أي: الطريق - يكون في كل شيء بحسبه، فطريق تحصیل الغني التجارة، وطريق تحصيل الصحة للمريض شرب الدواء .
والصراط إلى الله، وإلى رضوانه وكرامته، وإلى مقام أوليائه عنده، وإلى إفاضاته المعنوية والبركات الباطنية، وإلى ثوابه ونعمته في البرزخ والقيامة الكبرى والخلود في الجنان، هو الدين أصولا وفروع، قال سبحانه وتعالى: (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقیم دینا قيما) (1).
والقرآن هو الدين، والواجدون له أصوط وفروعا وأخلاق وأعمالا اجتماعية وفردية، هم وجود الدين في الخارج، وهم النبي صلی الله علیه و اله ، وأميرالمؤمنين وأولاده المعصومون علیهم السلام (2).
لأنهم في كل مقام منه قد استجمعوا جميع أنحائه، ففي مقام معرفة الله سبحانه وصفاته ومراتب الإيمان هم كل المعرفة والإيمان، وفي مقام كل صفة حسنة من العقل وجنوده هم الكاملون فيه، وفي مقام العمل هم الذين يطابق عملهم ما هو
ص: 184
المطلوب في الدين، بحيث لا يخرج شيء من صفاتهم وعملهم عن الدين، بل كل ما كان زائدة على ما وجد فيهم، فهو الخارج عن الدين وليس جزء منه .
وليس للدين شأن خارج عن شؤونهم، فهم أرباب الدین بقول مطلق،ومعرفتهم كذلك معرفة الدين، ومعرفة الدين معرفة الصراط المستقيم، والاقتداء بهم هو العمل بالدين، وهو عبادته تعالى كما يستحقه، قال سبحانه: ( إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقیم) (1) وقال: ( وإنه لعلم للساعة فلا تمترين بها واتبعون هذا صراط مستقیم )(2).
وحاصل الكلام: أن الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه إلى السعادات هو الدين، والدین لو كان قالب ح يا وجسمة مرئية، لكان النبي صلی الله علیه و اله، والأئمة المعصومين عليهم السلام ، فهم الصراط المستقیم و سبيل الله، وصراط العزيز الحميد .
ويصح أن يقال: إنهم على صراط مستقيم؛ لأن أجسامهم تتحمل الدين، فهم على الدين القيم الذي لا عوج فيه، كما مر نظيره في الذكر من أنهم ذكر وأهل الذكر.
ومن عرفهم كذلك فقد عرف الدين، فإن اقتدى بهم وتبعهم، فقد سلك الصراط المستقيم، وإن خالفهم وعاندهم، فقد تنكب عن الصراط المستقیم .
الثامن عشر: العزيز، قال الله سبحانه: ( إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم
ص: 185
وإنه لكتاب عزیز) (1).
قال في المقاييس: «ع ز زه يدل على شدة وقوة وما ضاهاهما من غلبة وقهر .
قال الخليل: العزة لله جل ثناؤه وهو العزيز، ويقال عز الشيء حتى يكاد لا يوجد.
قال بعد حکايته عن الخليل: الأحسن أن يقال لا يكاد يقدر عليه (2) إنتهى .
يعني: لندرته لا تصل إليه الأيدي، فالعزة لله تعالى، والقرآن عزيز لا يوجد مثله، غالب قاهر في علومه و معارفه وحججه، دافع للشكوك والأباطيل .
فالنبي صلی الله علیه و اله،والأئمة المعصومون علیهم السلام، الواجدون للكتاب أعزاء لا عزيز أعز منهم، ومن اتصل بالقرآن بجميع مراتبه، وانقطع إليه وتخلق به، غلب ودفع كل آفة
وسوء في الدارين، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين الذين آمنوا حقيقة وعملوا بمقتضى إيمانهم .
أی: عظم في عیني، إلیٰ أن قال: والعظمة من التعظیم والزهو والنحو إنتهیٰ .
والقرآن عظیم یکبر علیٰ ما سواه، ومن کات صدره الکتاب قهو عظیم، لیس في المخلوقین من هو أکبر منه، ومن اتّصل به یجبر هونه وذلّه في الدنیا والآخرة .
العشرون: الفرقان، قال الله تعالى: ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ) (1).
والقرآن فرقان يفرق للعالمين بين الحق والباطل في ظلمة هذه الدار التي هي مزرعة الآخرة، ويلتبس فيها الحق بالباطل على كثير من الناس؛ للجهل بمصالحهم، وللعصبية الباطلة، والتقاليد الزائفة، والعادات السيئة .
وقد بين القرآن ما يوجب سعادة الناس فحتهم عليه، وما يوجب شقاوتهم فحذرهم عنه، وبين الأصول الاعتقادية والفروع العملية، وبين من يستحق الإمامة ومن لا يستحق، وذكر قصص الأنبياء وأمهم وما جرى عليهم في مخالفتهمالأنبيائهم.
ولكونه فرقان كذلك أمرنا بعرض الأخبار التي لا طريق إلى إثبات حجيتها وصدورها عن المعصومين عليهم السلام، علیه، و الأخذ بما وافقه وترك ما خالفه، وفرقانيته كذلك عامة للعالمين .
ولعل له فرقانية خاصة تحصل للمتقين بسبب اتباعهم له، فيحصل لهم بالسير
ص: 187
العملي والسلوك الخارجي حالة يفرقون بها بين الحق والباطل، ولعله المراد بقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانآ) (1) .
وإذا كان القرآن فرقان فالنبي صلی الله علیه و اله، والإمام المعصوم علیه السلام، اللذان في صدورهما القرآن فرقانان يفترقان بين الحق والباطل بأقوالهما وأفعالهما وأحوالهما،
و سيرهما العملي في العبادات والمعاملات والاجتماعيات، بحيث يكون التعدي عن ذلك موجبة للسقوط إلى أحد طرفي التفريط أو الافراط المذمومين، بل إن فرقانية القرآن محتاجة إلى بيانهم.
ثم إن القرآن فرقان واقعي لجميع ما يحتاج إليه العباد معصوم عن الخطأ، فيكون النبي صلی الله علیه و اله، والإمام علیه السلام، فرقانین (2) لجميع ما يحتاج إليه العباد، معصومینعن الخطأ، لأن المخطيء يزعم أنه فرق بين الحق والباطل، مع أنه لم يفرق لأنه جاهل .
وليس المراد بالفرقان تفرق آیاته في النزول كما هو ظاهر، وإن كان قد فرقتآیا ته ولم ينزل دفعة واحدة ليتهيأ الناس لتلقيه، كما قال تعالى (وقرآنا فرقناه التقرأه على الناس على مكث ونلناه تنزيلا) (3).
ص: 188
الحادي والعشرون: القول الفصل، قال الله تعالى: ( إنه لقول فصل * وما هو بالهزل) (1). الفصل لغة كما في المقاییس: يدل على تمييز الشيء وإيانته عنه،يقال: فصلت الشيء فصلا والفيصل الحاكم إلى آخر کلامه (2) .
والقول الفصل مضمون الكلام الذي ينتهي إليه في الصحة والموافقة للواقع،ويفصل به الحق عن الباطل من كل شيء، والنبي صلی الله علیه و اله، و الإمام المعصوم علیه السلام،
يفصلان بين الحق والباطل؛ لكونهما مرتبة الوجود العيني للكتاب . والفاصل بين الحق والباطل لابد أن يكون عالما بهما، والعلم بهما يقتضي عدم الخطأ، فإن المخطيء جاهل، فلا يكون فاصلا بينهما إلا إذا كان معصوماً.
الثاني والعشرون: القيم، قال الله سبحانه: ( ولم يجعل له عوجا قيمة لينذر بأسآ شديدة من لدنه) (3) وقال سبحانه: ( رسول من الله يتلو صحفة مطهرة * فيها كتب قيمة ) (4) .
والكتاب القيم الذي لا عوج فيه يقام به ويعدل به جميع الأمور التي ترد على الإنسان من داخل وخارج، لكن بشرط أن يعرف الانسان كيفية عرضها على الكتاب؛ لأنها متوقفة على فهمه، ولذا ورد عرض الأخبار عليه والأخذ بما وافقه
ص: 189
وطرح ما خالفه .
وإذا كان الكتاب في صدر النبي صلی الله علیه و اله، والإمام المعصوم عليهم السلام،، فهما قيمان يقام بهما ويعدل بهما جميع الأشياء، فالحق ما رضياه، والباطل ما رداه، فكل نية أو خاطر أو حال أو عمل أو علم أو شيء من الأشياء وافق رضاهما فهو الحق، وما خالفه فهو الباطل .
الثالث والعشرون: الكريم، قال الله سبحانه: ( إنه لقرآن کریم * في كتاب مکنون ) (1).
وكرم في اللغة كما في المقاييس: شرف في الشيء في نفسه، أو شرف في خلق من الأخلاق، إلى أن قال: وكرم السحاب أتى بالغيث، وأرض مكرمة للنبات إذاكانت جيدة النبات، والكرم في الخلق يقال هو الصفح عن ذنبالمذنب (2) إنتهى .
ولا يبعد أن يكون مقتضى شرافة الشيء ونفاسته في كل شيء بحسبه، فإذا أعطى الكريم كان عطاؤه جيدا على قدر کرمه، والعطاء الجيد أن يكون مالأ حسنآ أو كثيرآ.
وهكذا القرآن کریم يكرم عليك بما تحتاج إليه، ويدر عليك الأرزاق المادية والمعنوية، ويعطيك المواهب الجسمانية والروحانية، وهو كريم على الله سبحانه .
وإذا كان القرآن في صدر النبي صلی الله علیه واله و الإمام المعصوم علیه السلام، لا فهما کریمان
ص: 190
يكرمان على من سواهم، فبوجودهما أقام الله الأرض والسماء وما فيهما، وهما کریمان على الله تعالى .
الرابع والعشرون: الكلمة، قال الله سبحانه: (واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدآ) (1).
ولعل معنى الكلمة هو كل ما يدل على معنی، سواء كان صوتا أو إخطارا في النفس، كما يخطر المريض الذي لا يقدر على التكلم في ذهنه قراءة الحمد مثلا فإن هذا الاخطار كلام له معنى، أو كما يفعل الأخرس فعلا قائم مقام اللفظ کالاشارة، فإنه يتحقق التكلم بها، والكتابة، كما يشهد بذلك أنهم إذا حكوا في كتبهم كلاما عن غيرهم يقولون بعد انتهائه: إنه كلمته أو كلامه .
ولعل للكلمة وجودات أخرى بحسب العوالم. ولا يعتبر کون الكلام صادرآ من مقطع الفم، كما قال سبحانه: ( اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم )(2).
وليس مطلق الدلالة على الشيء كلاما أو كلمة، مثلا الدخان يدل على وجود النار ولا يقال له كلمة .
وكتاب الله كلماته التي لا مبدل لها، ووجوده العيني قلب النبي صلی الله علیه و اله، والإمام المعصوم علیه السلام .(3)
ص: 191
ثم إن كثرة الكلمات تابعة لكثرة المعاني، ولما كانت صفاتهم من العلم والكرم والزهد والتقوى كثيرة، فالكلمات الدالة عليها كثيرة، كما أنه لا نهاية لصفات الله تعالى الجمالية والجلالية، ولا يحيط بها إلا هو، ولذا كانت الكلمات الدالة عليها لا نهاية لها، كما قال تبارك وتعالى: (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ) (2) وليس ذلك مبالغة، بل هو إخبارمن الله تعالى عن حقيقة .
ولا بأس في التعرض لبعض الآيات المشتملة على الكلمة : فمنها: قوله تعالى (إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسیح عیسی بن مریم )(3) قوله سبحانه (بكلمة منه) ؛ أي: من الله تعالى، كما في قوله تعالى ( إنما المسيح عیسی بن مریم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم) (4) وكون عیسئ علیه السلام،كلمة يحتمل وجوهآ : أحدها: أنه كلمة من حيث دلالته على معنى، وهو قدرة الله تعالى على إيجاد بشر من أم بلا أب .
وإنما أطلق عليه الكلمة مع أن كل مخلوق کلمة يدل على صانعه تبارك وتعالى؛
ص: 192
لأن دلالتها أقوى من غيرها، لكن على هذا يكون إطلاق الكلمة عليه مجازيآ على حسب ما نفهم من معنى الكلمة من أنها لفظ أو نحوه تدل على معنى، و على المعنى الذي ذكرناه يمكن أن يكون حقيقة .
ويمكن أن يقال: بأن الصورة الإنسانية تدل على الإنسانية، وهي أشرف مخلوقات الله تعالى. لأن الأنبياء على هذه الصورة، وهي صورة آدم علیه السلام، فهو كلمة الله تعالى .
وهذه الصورة قد انسلخت عن حقيقتها في غير المؤمنين، من الكفار والمنافقين وأعداء محمد و آله الطاهرین صلوات الله عليهم أجمعين، ومن يرى باطنهم يراهم كلابآ وخنازير،ولعله المراد بقوله تعالى (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا )(1).
ثانيها: أنه ليس كلمة حقيقة، بل هو موجد بكلمة «کن» المذكورة في قوله تعالى،(إن مثل عيسئ عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له کن فیکون) (2)
فأطلق عليه الكلمة مجازآ.
ثالثها: أنه مثل كلمة الله تعالى يترتب عليه ما يترتب على كلام الله تعالى، فكما أن الناس يهتدون بكلام الله كذلك يهتدون به .
ومنها: قوله تعالى (وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى
ص: 193
وكلمة الله هي العليا) (1) .
ويحتمل أن يكون المراد من الكلمة في الموضعين: دعوة الكفار إلى الكفر، ودعوة الله إلى الإسلام وكلمة التوحيد .
ومنها: قوله سبحانه (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا) (2). وفي قوله تعالى (كلمة ربك) وجوه :
أحدها: أن معنی تمامية الكلمة أنها بلغت الغاية التي أرسل رسوله لها، من أخباره وأحكامه ومواعیده صدق وعد، فيكون إشارة إلى قوله تعالى (اليومأكملت لکم دینکم) (3) ونته بذلك على أن الشريعة لا تنسخ .
ثانيها: أن يكون المراد كلمة العذاب على من لا يهتدي، وكلمة دخول المؤمنين الجنة .
ثالثها: أنه القرآن، فهو يحفظ بحفظ الله تعالى .
أقول: ويحتمل أن يكون الكلمة هي كلمة «کن» التي بها إيجاده تعالى لشيء، فيعبر عنه بها، وأما واقعه فالله تعالى عالم به، ومعنى تمامها أن الموجود بها تام، والموجود التام هو الموجود الذي لا يشذ عنه فضيلة، المشتمل على جميع صفات الكمال في جسده وروحه وعقله وديانته وعلمه وفضله وتقواه، العادل في جميع أطواره وأعماله و شؤونه، والموجود التام في جميع الفضائل هو التام في الصدق
ص: 194
والعدل، ومصداقه النبي صلی الله علیه و اله، والإمام المعصوم عليه السلام .
وفي أخبارنا أن الإمام إذا ولد یکتب ملك بين عينيه هذه الآية (1)، لأن صورة الإنسان تدل على إنسانية حامل الصورة ، فإن كانت الدلالة تامة ومطابقة للواقع،فصورته كلمة دالة على الإنسانية، والكلمات التامات هم النبي صلی الله علیه و. اله، والأئمة المعصومون علیهم السلام .
وأما دلالة صورة غيرهم على الإنسانية الكاملة، فليست تامة؛ لعدم وجود الانسان الكامل غير المعصومین، نعم تختلف دلالة الصورة باختلاف مراتب الناس.
وأما إذا لم تكن الصورة الإنسانية مطابقة لواقعها كالكقار والمنافقين، فليست كلمة تامة.
ومنها: قوله سبحانه ووجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون) (2) والفاعل في قوله سبحانه (وجعلها ) إما هو الله سبحانه وإنا إبراهيم عليه السلام.
والضمير راجع إلى البراءة المستفادة من قوله سبحانه قبل ذلك (وإذ قال
ص: 195
إبراهيم لأبيه وقومه إني براء مما تعبدون) والبراءة من عبادة غير الله تعالى هيتوحيد الله والعبادة له خالصآ.
و جعل الله هذه البراءة في عقبه أي في ذريته، يكون إشارة إلى الإمامة؛ لأنها قد جعلت ملازمة لمن لم يعبد صنم"، كما مر بيانه في قوله سبحانه (لا ينال عهدي الظالمين) فيختص بالمعصومین علیهم السلام، فهذه الكلمة - أي: البراءة من الشرك - قولا و عملا في عقبه إلى يوم القيامة .
ومنها: قوله سبحانه (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها) (1) وفي قوله تعالى (كلمة التقوي) وجوه :أحدها: الإيمان، وهو الشهادتان . ثانيها: كلمة بسم الله الرحمن الرحيم، وإضافتها إلى التقوى لأنها سبب لها و أساسها.
ثالثها: أن تكون الإضافة بيانية، أي: وألزمهم التقوى، فالنبي صلی الله علیه و اله، والمؤمنون هم المتقون .
الخامس والعشرون: المهيمن، قال الله تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق
ص: 196
مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنة عليه) (1).
قيل: المهيمن هو المشتمل على الشيء الحافظ عليه.
والكتاب مصدق صحة ما في الكتب السابقة النازلة على الأنبياء، وحافظ لما فيها باشتماله على ما فيها وزيادة حتى يكتفى به عنها، ويعرف به التحريف في الموجود منها في أيدي اليهود والنصارى، فإنه ليس هو النازل على الأنبياء،ولولا ما في القرآن مما قاله موسى وعيسئ علیهما السلام، الظن أنهما قالا ما هو المحترف الموجود بين أيديهم .
والنبي صلی الله علیه واله، و الإمام المعصوم عليه السلام، لكونهما واجدين للكتاب مهيمنان علی الكتب النازلة، عالمان بما فيها، معصومان عن الخطأ والنسيان، وهذا المقام ليس الأحد إلا للنبي صلی الله علیه و اله والأئمة المعصومين علیهم السلام .
السادس والعشرون: المجيد، قال الله تعالى:( ق والقرآن المجيد).
قال في المقاييس: مجد يدل على بلوغ النهاية، ولا يكون إلا في محمود منه، المجد بلوغ النهاية في الكرم، والله الماجد والمجيد لا كرم فوق كرمه، وتقول العرب: ماجد فلان فلانا فاخره، ويقولون: في كل شجر نار، واستمجدا المرخ (2)
والعفار (3)، أي: استكثرا من النار وأخذا منها ما هو حسبهما، فهما قد تناهيا في
ص: 197
ذلك حتى أنه يقتبس منهما (1) إنتهی .
فإذا كان صدر النبي صلی الله علیه و اله، والإمام المعصوم عليه السلام، كتابة مجيدة، فقد تناهيا فيما يحمد وفي الكرم.
السابع والعشرون: النعمة، قال سبحانه: ( واذكروا نعمة الله عليكم و ما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به ) (2) بناء على أن يكون الواو في قوله (و ما أنزل) للتفسير ونحوه، أي: أذكروا نعمة الله التي هي الكتاب، ويحتمل إرادة الأعم من الكتاب وغيره، ويستفاد كونه نعمة من المقابلة للباطل في قوله سبحانه (أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون) (3) فالإيمان بالباطل المستلزم الترك الإيمان بالکتاب کفران نعمة الله تعالى .
وأيضا الكتاب دين، وقد جعل الله سبحانه إتمام النعمة مع إكمال الدين في قوله سبحانه (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت علیکم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (4) و إكمال الدین ملازم لإتمام النعمة.
وأيضا الكتاب صراط مستقیم، وان الله سبحانه قد أنعم على النبيين بأن جعلهم على الصراط المستقيم، فقال سبحانه: (إهدنا الصراط المستقیم صراط الذين أنعمت عليهم).
ص: 198
والنبي صلی الله علیه و اله، والأئمة المعصومون عليهم السلام، الواجدون للكتاب من أعظم نعم الله سبحانه (1)، ولقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم.
ولعظم هذه النعم قال سبحانه: ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) (2) فإن مقتضى إطلاقه آنهم يسألون عن كل نعمة من أكل وشرب وغيرهما، لكن فشر في بعض أخبارنا بأنه يسألهم عن نعمة واحدة من أدى شكرها لم يسأل عن غيرها و هي نعمة الدين، الذي ركنه ولاية الأئمة المعصومین علیهم السلام ، فمن لم يتولهم سئل عن كل نعمة، ولو منعنا وجود آية أطلقت النعمة على الكتاب، فلا ريب في كونه من أعظم النعم.
وبهذا البيان يظهر انطباق الآيات الذاتية لكفران النعمة على مخالفيهم و معانديهم، كقوله سبحانه (ألم تر إلى الذين بذلوا نعمة الله كفرآ وأحلوا قومهم دار البوار) (3) و قوله سبحانه ( يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها و أكثرهم
ص: 199
الكافرون) (2) وقوله تعالی (فبأي آلاء ربکما تکذبان) .
الثامن والعشرون: النور، قال تعاليٰ: ( فالذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتّبعوا النور الذي ٱنزل معه أولئك هم المفلحون) (3) وقال تعالىٰ:( فآمنوا بالله و رسوله والنور الذي أنزلنا)(4) والنور خلاف الظلمة، والفرق بينه وبين الهداية أنّ الهداية هي الدلالة والإرشاد، فيمكن فرض تحقّق الهداية وإن لم يكن نور، كما في هداية الحيوانات إلى ما يلائمها.
والفرق بينه وبين العلم أنّ العلم ربما ينفكّ عن النورانية كعلم الشيطان، لكن لا بتحقّق النور إلاّ مع الإيمان، وكلّما كمل الإيمان والتقوىٰ كان النور أقوىٰ.
وكما أنّ الظلمة حسّية مرئية وباطنية يراها في هذا العالم الأنبياء والأوصياء وتنكشف بعد الموت النفس الإنسان ولأهل ذلك العالم تمام الانكشاف، وتبقىٰ أبداً إلىٰ أن تنتهي إلىٰ ظلمة جهنّم.
كذلك النور حسّي مرئي بواسطة الشمس والقمر والنجوم وغيرها، وله مراتب في الشدّة والضعف، وباطني له مراتب في الشدّة والضعف أيضاً، وينکشف تمام
ص: 200
الانكشاف بعد الموت .
وحيث كان النور خلاف الظلمة، فإطلاقه على الحسّي والباطني حقيقي؛ والقرآن نور به يظهر العلوم والمعارف وسائر الأمور المتعلّقة بالنشأتين، ويوجب بصيرة الباطن، فهو نور في أعلىٰ مراتبه .
والنبي الله (صلی الله علیه وآله وسلم)والإمام المعصوم علیه السّلام الواجدان للكتاب نوران لاظلمة فیهما أصلاً، معصومان عن الذنب والخطأ، فإنّ الخطأ هو الجهل وهو ظلمة، وهما أكمل وأتمّ مظهر لله سبحانه بما أودع فيهما من المقامات ، فهما نور الله تعالىٰ، ونور الله لا يطفأ.
والمؤمن المقتدي بالقرآن - أي: التابع للنبي صلی الله علیه و آله و سلم والإمام المعصوم علیه السّلام ؟ -يحصل له النور بمقدار القرب إليهما، كما يكون الشخص في الظلمة علىٰ حسب بعده عنهما إلىٰ أن يبلغ آخر درجاتها، كالمعاند لهم والغاصب لحقوقهم، وبذلك يظهر صحّة الأخبار المفسّرة للنور بالإمام، والظلمة بعدوّه (1).
ص: 201
التاسع والعشرون: الهادي، قال الله عزّوجلّ: و ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين (1) وقال تعالىٰ شأنه: و مصدّقاً لما بين يديه وهدىً وبشرىٰ للمؤمنين ) (2) وقال سبحانه: (هذا بيان للناس وهدىً وموعظة للمتّقين ) (3) وقال سبحانه: (تلك آيات الكتاب الحكيم هدىً ورحمة للمحسنین) (4) وقال سبحانه: (يهدي به الله من اتّبع رضوانه سبل السلام )(5) وقال سبحانه:وإنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) (6) وقال سبحانه :(ويرى الذين أوتوا العلم الذي ٱنزل إليك من ربّك هو الحق ّ ويهدي إلى صراط العزيز الحميد) (7) وقال سبحانه: (إنّا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنّا به) (8) وقال سبحانه: ( قالوا يا قومنا إنّا سمعنا كتاباً ٱنزل من بعد موسىٰ مصدّقاً لما بين يديه يهدي إلى الحقّ وإلىٰ طريق مستقیم )(9) وقد دلّت هذه الآيات الشريفة على أمور :
ص:202
منها : أنّ الكتاب هادٍ إلىٰ صراط العزيز الحميد في ظلمة هذه الدنيا وفتنهاالتي هي الجهالات والشبهات الباطلة والاعتقادات الفاسدة وما شاكلها، كالأخبار الكاذبة، وبدع المبتدعين، وتسويلات الشياطين، والتعصّب لمتابعة الآباء، ورؤية كلّ شيء بخلاف ما هو عليه .
والهداية إلىٰ صراط العزيز الحميد تكون بالهداية إلى الله وما وصف به نفسه من صفاته الجمالية و الجلالية، وإلىٰ معرفة أنبيائه وأوصيائهم المعصومين، وإلىٰ ما يقرب إلىٰ رضوانه ويبعّد عن غضبه .
والنبي (صلی الله علیه و آله و سلم) والإمام المعصوم علیه السّلام أيضاً يكونان كذلك يهديان إلى جميع أنواع الهداية (1) (1).
ومنها: أنّ هداية الكتاب إلى جميع ذلك هداية واقعية لا خطأ فيها، وإلاّ لم يكن هادياً بجميع مراتب الهداية، والنبي (صل الله علیه و آله و سلم) والإمام علیه السلام هادیان كذلك، فيكونان معصومین عن الخطأ والسهو .
ومنها: أنّ الكتاب لمّا كان هادياً إلىٰ جميع ما يحتاج إليه المتقون والمؤمنون، فمن أهمّ مظاهر الهداية وأعظمها حاجةً هي الهداية إلى خليفة النبي، فإن لم يهد إليه لم يكن هدىً للمتقين، وهدايته إليه بما بيّنه في الآيات التي تعرّضنا لها من
ص:203
أوصاف الإمام علیه السّلام وخصائصه، مثل أنّ الإمام هادٍ، وأنّه يعلم الكتاب الذي هو تبیان كلّ شيء، وغير ذلك وسيأتي ما يدل على ذلك،و لم تجتمع هذه الصفات إلاّ في أمير المؤمنين علي عليه السلام وأولاده المعصومين علیه السّلام.
ومنها : أنّ الاهتداء هو قبول الهداية، فمن قبل هداية القرآن المتّحدة مع هداية النبي صل الله علیه و آله و سلم والإمام المعصوم علیه السّلام يكون مهتدياً، فهو مصداق قوله سبحانه ( وإنّي الغفّار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثمّ اهتدیٰ) (1) أي: أطاع الإمام المعصوم علیه السّلام واعتقد إمامته وولايته.
ومنه يظهر أنّه يمكن الاستدلال به على اشتراط صحّة الأعمال بالاعتقاد بولاية الإمام، فإنّه الاهتداء المذكور في الآية الشريفة (2).
و بهذا البيان ظهر صحّة الأخبار التي تدلّ علىٰ تطبيق آیات الهداية في القرآن على الأئمّة المعصومين علیه السّلام ، وذلك لاتّحادهم مع القرآن، فهم الهداة .
وكذا الأخبار الدالّة على ذمّ من أعرض عن الهداة، فإنّها مطابقة للآيات الذامّه لمن أعرض عن الهداة، كقوله تعالىٰ( ومن أضلّ ممّن اتّبع هواه بغير هدیً من
ص:204
الله ) (1)(1) فإنّ كتاب الله هدیً من الله بجميع مراتبه، فمن اتبع غير النبي صلّ الله علیه و آله وسلّم والأئمّة المعصومين علیه السّلام فقد اتّبع هواه بغير هدیً من الله.
فالهدیٰ هو الكتاب بمراتبه، ومنها النبي صلّ الله علیه و آله و سلّم والأئمة المعصومون علیه السّلام.
ومنها: أنّ الكتاب حيث إنّه هادٍ بجميع مراتب انهدايه المعنوية، فهو مظهر لاسم الله الهادي، فقد تجلّىٰ الله جلّ وعلا في كتابه باسم الهادي، فالنبي صلّ الله علیه و آله وسلّم والإمام المعصوم عليه السّلام مظهران لاسم الهادي، وبذلك يظهر معنى الخبر: نحن الأسماء الحسنيٰ.
وهم مصداق الٱمّة المذكورة في قوله تعالىّ (وممّن خلقنا ٱمّة يهدون بالحقّ و به یعدلون) (2) فإنّ قوله تعالىٰ ( يهدون) معناه الهداية إلىٰ جميع موارد الحقّ، وهي موقوفة على العلم والعصمة، والمصادیق الواضحة لمن يهدي كذلك هم النبي صلّ الله علیه و آله و سلّم والأئمة المعصومون علیه السّلام، بل الهداية كذلك منحصرة فيهم .
للقرآن أوصاف أخر: الأول: أنّ من أوصاف القرآن أنّه لا يمكن الإحاطة بكنهه وحقيقته، فلذا لا یقدر أحد علىٰ أن يأتي بمثله، كما قال الله تعالىٰ (قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ علىٰ أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثلهم) (3) وإذا كان صدر
ص: 205
النبي صلّ الله علیه و آله وسلّم والإمام المعصوم علیه اسّلام قرآناً، فلا يقدر أحد أن يبلغ إلى معرفة حقيقتهما.
الثاني: أنّه لا يفهم حقيقة القرآن إلا المطهّرون، قال الله تعالىٰ: {إنّه لقرآن کریم* في كتاب مكنون *لا يمسّه إلاّ المطهّرون} (1).
ولعل المعنىٰ أنّ القرآن الذي هو في كتاب مكنون - أي: مستور - لا يمسّه إلاّ المطهّرون، وهو غير ما يقرؤه الناس، وغير المنقوش على القرطاس، فإنّهما ليسا في كتاب مكنون .
ومعنیٰ عدم مسّه عدم إدراكه، ويمكن جعله للأعمّ من المسّ المعنوي والمسّ الحسّي، ولذا لا يمسّه المحدث، ولعلّه لذلك تمسّك في بعض الروايات بقوله {لا يمسّه إلاّ المطّهرون} علىٰ عدم جواز مس المحدث لكتابة القرآن على القراطيس والألواح وغيرها، أو هو من باب الاستعمال في أكثر من معنى، ومسّ المطّهرين القرآن الذي هو في كتاب مكنون هو وجوده العلمي في صدورهم المقدّسة .
وقد اتّفق المسلمون ونصّت الآيات وشهدت الأخبار أنّ النبي صلّ الله علیه و آله وسلّم من المطّهرين، وكذا علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السّلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا، وكذا المعصومون من ولد الحسين علیهم السّلام، وسيأتي بيان مفاد الآية.
ومن ذلك يظهر أنّ في صدر فاطمة الزهراء سلام الله عليها حقيقة القرآن الذي ذكرنا أوصافه، فإنّها المعصومة المطّهرة، وعلى هذا فهي سلام الله عليها أفضل من
ص:206
مریم علیها السّلام الثالث: قال الله تعالى {لو أنزلنا هذا القرآن علىٰ جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله }(1).
قال في التبيان: يقول الله تعالىٰ معظّماً لشأن القرآن الذي أنزله مكبراً لحاله في جلالة موقعه، بأنّه لو ٱنزل القرآن علىٰ جبل لرئي الجبل خاشعاً، والمراد به المثل، وتقديره: لو كان الجبل ممّا ينزل عليه القرآن ولو شعر به مع غلظه وجفاء طبعه وكبر جسمه لخشع لمنزلته تعظيماً لشأنه، ولتصدّع من خشيته، فالإنسان أحقّ بهذا لو عقل الأحكام التي فيه (2)، إنتهىٰ .
قلت: إذا كان صدر النبي صلّ الله علیه و آله وسلّم والإمام المعصوم علیه الّسلام قرآناً، فله هذه الجلالة والعظمة، ولذا ينبغي الخشوع والخضوع لهما لهذا المقام الذي أعطاهما الله تعالىٰ،قال الله تعالىٰ: {يا أيّها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقوله } (3) وقال تعالىٰ: { إن الذين يغضّون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقويٰ} (4) وذلك لأنّ المتّقي لمّا عرف جلالتهما خاضع بقلبه لهما .
الرابع: قال الله تعالىٰ : { ولو أنّ قرآناً، سیّرت به الجبال أو قطّعت به الأرض أو
ص: 207
کلّم به الموتی} (1).
قيل: إنّ جواب «لو» محذوف، أي: كان هذا القرآن. فإذا كان صدر النبي صلّ الله علیه و آله وسلّم والإمام المعصوم علیه السّلام قرآناً، فهما قادران علىٰ تسيير الجبال وتكليم الموتىٰ
وتقطيع الأرض.
ويحتمل أن تكون القدرة على المذكورات بعض ما يكون من الآثار للقرآن، ويكون المراد القدرة علىٰ كلّ تصرف في الكون، فإذا كان صدر النبي صلّ الله علیه و آله وسلّم والإمام المعصوم علیه السّلام قرآناً كذلك، فلهم التصّرف كذلك (2)، ويسمّىٰ
ص: 208
ذلك بالولاية التكوينية، والنبي صلّ الله علیه و آله وسلّم يقدر على الإتيان بالمعجزات، من ردّ الشمس وشقّ القمر علىٰ ما روي، وغيرهما .
على أنّه قد ورد في القرآن ذكر بعض من له شيء من الولاية التكوينية، قال عزّمن قائل { قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك فلمّا رآه مستقرّاً عنده }(2) الآيات، حيث أحضر عرش المرأة التي حكی الله تعالىٰ عنها في كتابه، وكان عنده علم بعض الكتاب علىٰ ما يقتضيه كلمة «من» فكيف بمن كان عنده علم الكتاب كلّه، وفي آية ٱخرىٰ قال عيسئ علیه السّلام : وأبريء الأكمه والأبرص وأحيي الموتیٰ} (3).
وقيل: إنّ «لو» للامتناع، فلا دلالة في الآية على الوقوع؛ لأنّ المعنى انّه لو كان قرآن سیّرت به الجبال، أو قطّعت به الأرض، أو كلّم به الموتىٰ، لكان هذا القرآن، فيمكن أن يقال: إنّه لا يوجد قرآن كذلك. نعم لو وجد لكان هذا القرآن، بل يحتملأن يكون الجواب لما آمن الكفّار به .
أقول: لعلّ الكتاب المبين كلّه هذا القرآن، فإذا كان من عنده علم من الكتاب قادراً علىٰ أن يقطع الأرض، فكيف بمن عنده علم الكتاب كلّه .
ص: 209
في بعض الآيات الدالّة بمعونة التدبّر فيها علىٰ مدح أهل البيت علیهم السّلام وبعض الآيات الدالّة علىٰ ذمّ مخالفيهم وأعدائهم لا يخفىٰ أنّ الآيات القرآنية مدحت أشخاصاً بخصوصهم كالأنبياء عليهم السّلام وذمّت أشخاصاً كذلك، کالكفّار والمنافقين الذين ظهر نفاقهم .
والمسلمون يعرفون الفريقين، يتولّون ويحبّون الأنبياء علیهم السّلام والمؤمنین حقّاً ويجتنبون المعروفين بالكفر والنفاق، ويبتعدون عنهم.
كما أنّ القرآن قد مدح طائفة، وذمّ طائفة ٱخرىٰ، ولم يصرّح بالمراد منهم، فكان بنا أعظم الحاجة إلىٰ تمييز الممدو حين عن المذمومين لنعرف من مدحهم وأمر باتّباعهم ومحبّتهم لنتأسي بهم، ومن ذمّهم وأمر بمخالفتهم لنجتنب سیر تهم .
فقال الله سبحانه في الطائفة الٱولىٰ: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير ٱولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وکلاً وعد الله الحسنىٰ وفضّل الله المجاهدين على القاعدين أجرة عظيما* درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله
ص: 210
غفور رحيما) (1) .
وقال تعالىٰ شأنه: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجاتوالله بما تعملون خبيرم ) (2) وقال سبحانه: ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنّما يتذكّر أولوا الألباب ) (3) وقال سبحانه: ( أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع أمّن لا يهدّي إلاّ أن يهدیٰ فما لكم كيف تحكمون ) (4) إلىٰ غير ذلك من الآيات .
وقال تعالىٰ في الطائفة الثانية:( ومن الناس من يقول آمنّا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين *يخادعون الله والذين آمنوا) إلىٰ قوله تعالىٰ( صمّ بكم عمي فهم لا يرجعون )(5) وقال سبحانه: ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتّبع كلّ شيطان مريد) (6) .
وقال تعالىٰ: ( ومن الناس من يتّخذ من دون الله أنداداً )(7) وقال تعالى:( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا } (8) وقال تعالى: ( وممّن حولكم
ص: 211
من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ) (1).
إلى غير ذلك من الآيات الذامّة لعنوان کلي لابد لنا من تمییز هم حتّىٰ لا نكون مصداق قوله تعالىٰ {إذ تبرّأ الذين اتّبعوا من الذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب * وقال الذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّة فنتبرّأ منهم كما تبرّأوا منّا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من الناره) (2) فلابدّ لنا من استعلام الطائفتين استعلاماً لا يشوبه شکّ ونكون علىٰ علم، و أعني به الاعتقاد بالشيء علىٰ ما هو عليه .
والآيات القرآنية تدلّنا علىٰ مدح أهل البيت علي بن أبي طالب وفاطمة وأولادهما المعصومين عليهم السّلام، وذمّ مخالفيهم وغاصبي حقوقهم ومناصبهم.
وقد تقدّم في الفصول السابقة صفات الخليفة، ونبيّن في هذا الفصل الآيات الدالّة علىٰ أنّ الخليفة في أهل بيت النبي صلّ الله علیه و آله وسلّم لا في مخالفيهم، فهذا الفصل يدلّنا علىٰ تعيين ما اختلف المسلمون فيه، وهو خليفة النبي صلّ الله علیه و آله وسلّم بلا فصل، هل هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام أو غيره؟ وذلك مع قطع النظر عمّا هو مسلّم بين الفريقين أنّ عليّاً علیه السّلام واجد للصفات المعتبرة في الخليفة والتي دلّت آیات القرآن على اعتبارها فيه.
ولذلك أقول: قد وردت آيات في مدح أهل البيت باتّفاق المفسرین، کآية
ص: 212
التطهير ونحوها، ووردت آيات تنطبق عليهم من باب أحد المصادیق انطباقاً ظاهراً، ووردت آيات يمكن انطباقها عليهم بعد تجرید معاني الألفاظ عن الخصوصيات التي ليست دخيلة في الحكم علىٰ موضوعه، فهنا مقامات ثلاثة : الأول: في الآيات المادحة لهم باتّفاق المفسّرین .
الثاني: الآيات التي تنطبق عليهم (علیهم السّلام) أو علىٰ مخالفيهم من حيث إنّهم أظهر مصاديقها .
الثالث: الآيات التي تنطبق عليهم (علیهم السّلام) أو علىٰ مخالفيهم بعد تجرید معنى الآية عن الملازمات التي لا خصوصية لها في ترتّب الأثر على المعنىٰ بعد التأمّل وضمّ الآيات بعضها إلىٰ بعض لتبيّن المراد منها، والاستعانة في فهم بعضها من البعض الآخر.
ولابد قبل ذلك من ذکر مقدّمة، وهي: أنّ القرآن كما في الخبر: يجري كما تجري الشمس والقمر (1). وقد ضرب الله سبحانه فيه الأمثال، قال الله سبحانه وتعالىٰ: {ولقد صرّفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل } (2) وقال سبحانه: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كلّ مثل} (3) وقال سبحانه: {ولقد أنزلنا إليكم آيات مبیّنات و مثلاً من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتّقين } (4) وقال
ص:213
سبحانه: {ولقد كان في قصصهم عبرة } (1) .
وينتقل من المثل المضروب إلىٰ ما يماثله، ولذا ينتقل من القضية الجزئية إلىٰ كلّيها، وليس الانتقال من اللفظ إلى المعنىٰ واستفادة المطلب من الكلام، منحصراً في ما استعمل فيه اللفظ ابتداءً، بل يكون من وجوه ٱخر : أحدها: ما جرت طريقة العقلاء عليه من بيان الأمور الكلّية في ضمن الأمثلة الجزئية للانتقال إلىٰ علّة الحكم التي توجب كلّية الحكم.
وتوضيحه: أنّ لكلّ مطلب من المطالب المذكورة في القرآن معانی محدودة جزئية ترتبط بذلك المطلب الخاصّ، وله أيضاً حقائق كلّية لا تختصّ بموارد الآيات، تستحصل من تجريد الجزئيات عن الخصوصيات التي لا دخل لها في نفس تلك الحقيقة، فمثلاً أنّ من نزلت فيهم آية لهم خصوصیات لیست دخيلة في الحكم المذكور فيها، وإنّما مناط الحكم القدر المشترك الحاصل فيهم وفي من كان مثلهم فيما هو الملحوظ في مورد الآية من أعمالهم وأوصافهم.
فالجزئيات ومنها مورد الآية مثلاً داخلة تحت كلّي يعمّ الأفراد الماضية والآتية، فكلّ خبر أو إنشاء تعلّق بموضوع جزئي حقيقي، فإنما يتعلّق به من حيث العنوان الكلّى الذي هو المناط في تعلّقه .
قال بعض المحقّقين: إنّ المؤمن الذي ذكر في قوله تعالىٰ في سورة يس (وجاء من أقصى المدينة رجل) (2) شخص خاصّ قيل له ٱدخل الجنّة، قال: یا
ص: 214
ليت قومي يعلمون .
لكن الذي يرتبط بوقوع هذا الخطاب عليه من خصوصياته هو إيمانه، وأعماله الصالحة من دعوة قومه، وتحمل الأذىٰ في جنب الله سبحانه مثلاً، دون شكله ولونه ونسبه واسمه .
فتنزيل الآية هو ذلك الشخص بعينه، ويجري في من كان عمله مثل عمله،فمفاده قضية كلّية، هو أنّ كلّ من آمن وعمل كذا مثلاً يقال له ٱدخل الجنّة ممّن مضیٰ وممّن يأتي كلّما كان شخص بصفة كذا وقع عليه الحكم المذكور.
أقول: وهي طريقة العقلاء في بيان الأمور الكلّية في ضمن الأمثلة الجزئية للانتقال إلى علّة الحكم كما أشرت؛ لأنّ كلِّ ما يقع على شيء لابدّ له من علّة يختصّ بها ذلك الشيء من حيث إنّها موجبة للأثر الخاصّ، وإلاّ كان كلّ شيء علّة لكلّ شيء، وكان كلّ شيء يترتّب علىٰ كل شيء، فعلّة الحكم هي التي توجب كلّية الحكم وجزئيته .
ثانيها: أن يكون من قبيل الكناية، فتارة يكون المعنى المقصود بالإفادة من الكلام خارجاً عن مفاد الكلام، وٱخرىٰ يكون المقصود إفادة مضمون الكلام والمعنى الخارج عنه معاً،كقولهم فلان مهزول الفصيل إذا كان لبيان أنًه جواد فقط، أو لبيان هزال فصيله، منضمّاً إلىٰ أنّه جواد .
ولعلّ من ذلك كثير من القصص والحكايات التي وضعها الحكماء والعقلاء الإفادة معان مغايرة لها لينتقل منها إليها من كان ذا لبّ وبصيرة، كما يؤمیء إليه مطابقة جملة منها لمواعظ شافية، أو مطالب عالية، فلا مانع من أن يكون لآيات
ص: 215
القرآن العزيز مدالیل کنائية ومثالية .
وتكون الحكمة في القصص المذكورة في القرآن ممّا جرىٰ على الأنبياء وأممهم وغيرهم أنّها سیقت لبيان إفادتها والانتقال منها إلىٰ ما يشابهها في هذه الٱمّة، ونحوه ممّا يوجب تقوية العقول، والتنبّه بإرشادهم إلىٰ نتائج أعمالهم، وغيرذلك من الفوائد .
ثالثها: أن يذكر ما جرىٰ علىٰ موضوع شخصي بعنوان کلّي للإشارة إلىٰ جریان الحكم المذكور في نظائره، مثل قوله تعالىٰ {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } (1) فإنّه حكم كلّي وإن كان مورده موضوعاً شخصياً .
رابعها: أن يحكي المتكلّم شيئاً ویسکت عن ردّه في مقام لو كان كذباً لكان عليه ردّه، فيستفاد من الكلام صحّته .
خامسها: أن يكون اللفظ له معاني ومصادیق بحسب العوالم المختلفة، يعرفها من نزل الوحي عليهم وفي بيتهم، کالرزق فإنّ العلم مصداقه، وهو رزق الأرواح،كما أنّ المأكول والمشروب رزق الأبدان .
فيهذه الوجوه وغيرها (2) يمكن أن يكون للآيات القرآنية مداليل قد عرفها
2: 216
أئمة أهل البيت علیهم السّلام ، وبذلك يمكن تصحيح أكثر الروايات المشتملة علىٰ فضائل النبي صلّ الله علیه و آله وسلّم والأئمة المعصومين عليهم السّلام المذكورة في الكافي وبصائر الدرجات، وغيرهما والتي جمع أكثرها في كتاب بحار الأنوار بالوجوه المذكورة، فإنّها موافقة للقرآن، بل للأخبار الصحيحة.
وبذلك يظهر مكانة الرواة، وإنّ رميهم بالضعف أو الغلوّ ربما يكون ناشئاً عن عدم التوجّه إلىٰ ما ذكرنا من موافقة مضمون رواياتهم للآيات القرآنية .
وبهذا البيان يتّضح إمكان تصحيح الأخبار المفسّرة للآيات الواردة في مدائح المؤمنين - عامّة أو خاصّة - بالنبي صلّ الله علیه و آله وسلّم والأئمة المعصومین علیهم السّلام، فإنّ الملاك إنكان هو الإيمان، فهم أجلى مصادیقه وأكمل أفراده .
وكذا صحّة الروايات المفسّرة للآيات الواردة في ذمّ الكفّار والمنافقين - عامّة أو خاصّة كفرعون وأضرابه - بأعدائهم، فإنّ فرعون إنّما ذمّ لتكبٍّره على الله وادّعائه مالم يكن فيه من الربوبية، لا للونه وشكله ونسبه، فكلّ من كان علىٰ
ص:217
صفته، فهو مستحقّ للمذمة التي ذمّ بها فرعون (1) وإتماماً لما ذكر نشير إلىٰ أمرين : الأمر الأوّل: قد يكون إرادة المعاني المختلفة من باب استعمال اللفظ وإرادة أكثر من معنىٰ واحد، وجوازه محلّ الخلاف، فبعضهم أحاله زاعماً أنّ اللفظ فانٍ في المعنىٰ، ولا يمكن إفناء شيء واحد في شيئين في زمان واحد، وبعضهم نفیٰ وقوعه وإن أجازه.
ولكن لا يبعد جوازه عقلاً ووقوعه، نعم لابدّ من قرينة على الاستعمال.
أمّا جوازه عقلاً، فلأنّ المحال إفناء جسم واحد في جسمين، وباب الاستعمال ليس من ذلك؛ لأنّ المعنىٰ أمر اعتباري فيمكن أن يلحظ إفناء اللفظ في المعنيين .
ويدلّ عليه أنّه لو كان اللفظ مشتركاً بين معنيين في لغتين، بأن كان لفظ واحد له معنیٰ بالفارسية وله معنيٰ بالعربية، وكان للمولىٰ عبدان فارسي وعربي، ثمّ خاطبهما بإحضار ما یرید بهذا اللفظ، فكلّ منهما يحضر له ما يفهمه من اللفظ، هذا بناءً علىٰ أنّ اللفظ فانٍ في المعنىٰ، ولكن لا يبعد أن يكون اللفظ علامة للمعنىٰ.
وأمّا الوقوع، فربما يدلّ عليه بعض الأبيات .
الأمر الثاني: في الفرق بين تنزيل القرآن و تأويله. فأمّا تنزيل القرآن، فهو متنه الذي أنزله جبرئیل علیه السّلام ، ويمكن إطلاق التنزيل علىٰ ما ينزله جبرئیل علیه اسّلام مع
ص: 218
القرآن بیاناً للمراد من الآية، وقد فهمه جبرئیل علیه السّلام بقرينة لفظية أو حالية ونحو ذلك .
مثلاً ورد في خبر أبي الجارود، عن أبي جعفر علیه السّلام إلى أن قال: فنزلت { يا أيّها الرسول بلّغ ما ٱنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل} الحديث (1). ولم يذكر فيه كلمة «في علي» .
وورد في الخبر المروي في روضة الواعظين والاحتجاج عن أبي جعفر عليه السّلام إلىٰ أن قال: فقال: { يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك - في علي - وإن لم تفعل و الحديث (2). فذكر فيه أنّ كلمة «في علي» قد نزلت، فيمكن أن يقال: إنّ جملة «في علي» لم تكن في متن القرآن، لكن نزلت مع الآية أنزلها جبرئیل علیه السّلام لدلالة قرينة مقالية أو حالية علىٰ أن المراد ممّا أنزل ما ٱنزل في حق عليه السّلام .
وأمّا التأويل، فهو ما تؤول إليه الآية، ويكون من مصاديقها، أو ما يكون الملاك التامّ في مورد الآية، وبه يتعدّىٰ من موردها إلى نظيره، مثلاً لفرعون وهامان نظیران من جميع الجهات في ما به الفرعونية، التي هي ملاك الذمّ في آياته، وهو العتوّ على الله تعالىٰ ، وذلك بعد إلغاء خصوصية لون فرعون وجسده ونسبه، و غير ذلك ممّا لا دخل له في هذا الملاك، فيتعدّى في حكم فرعون وهامان إلىٰ نظيريهما.
وبهذا البيان يظهر أنّ الأخبار المذكورة في الكافي المشتملة علىٰ بعض
ص: 219
الخصوصيات غير الموجودة في القرآن وذكر فيها أنّه تنزيل محمولة علىٰ ذلك (1) إذا عرفت ذلك فلنشرع في ذكر المقامات الثلاثة، فنقول :
في بعض الآيات المادحة لأهل البيت والأئمّة المعصومين علیهم السّلام باتفاق المفسّرين و غيرهم و هي آیات :
الآية الأولى: قال الله تعالىٰ: ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراه) (2) وقد يقال: إنّها نزلت على الرسول صلّ الله علیه و آله وسلّم، وهو معصوم مطهّر من كلّ رجس، فيكون خارجاً عن المخاطبين. لكن الأظهر شمولها له صلّ الله علیه و آله وسلّم أيضاً؛ لأنّ المراد من إذهاب الرجس أنّهم مطهّرون من أوّل وجودهم لا إذهابه من حين نزول الخطاب.
والاحتمالات فيها ثلاثه : الأول: أن يكون المخاطبون خصوص أزواج النبي صلّ الله علیه و آله وسلّم : لوقوع الآية في سياق الآيات الواردة فيهّن. نظیر توجّه الخطاب ب«أهل البيت» إلىٰ زوجة إبراهيم علیه السّلام في قوله تعالىٰ{ قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنّه
ص: 220
حمید مجید ) (1) ويدفع هذا الاحتمال أوّلاً: أنّ الآية متوسطة بين آيتين هما خطابان إلىٰ خصوص أزواج النبي صلّ الله علیه و آله وسلّم، فلو كان المراد بها خصوصهّن لكان اللازم تأنيث الضمير کالآيتين المذكورتين، وأمّا ما ذكر من آية سورة هود فالخطاب فيها لإبراهيم عليه السّلام وزوجته وليس مختصّاً بها .
وثانياً: أنّ إذهاب الرجس يقتضي العصمة، ولم تكن الأزواج معصومات، ولذا لا يصحّ أن يراد بالخطاب النبي صلّ الله علیه و آله وسلّم وأزواجه؛ لأنّهنّ لم يكنِّ معصومات.
الثاني أن يكون المخاطبون النبي الله وأزواجه وعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين علیهم السّلام .
ويدفعه: أنّه لو ٱريد منها الارادة التكوينية لاقتضت العصمة، ولا ريب أنّ أزواج النبي صلّ الله علیه و آله وسلّم وسائر أقربائه غير علي وفاطمة والحسن الحسين علیهم السّلام لم يكونوا معصومین. ولا يخفىٰ أنّه على هذا الاحتمال - لو صحّ - تكون الآية شاملة لعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السّلام قطعاً .
الثالث: أنّ يكون المخاطب خصوص علي وفاطمة والحسن والحسين علیهم السّلام وهو الذي يناسبه تذكير الضمير، وهناك قرائن ٱخر تقتضي الاختصاص بهم.
ولا يخفىٰ أنّ هذا التشقيق إنّما هو بالنظر إلىٰ نفس الآية. وأمّا مع ملاحظة الأخبار الواردة من الفريقين في تفسير الآية وشأن نزولها، فلا شكّ في اختصاصها بهم.
هذا قال الشيخ المفيد رحمة الله في الفصول المختارة: لا خلاف بين الأمّة أن الآية من
ص: 221
القرآن قد يأتي أوّلها في شيء، وآخرها في غيره، ووسطها في معنىٰ، و أوّلها في سواه، وليس طريق الاتّفاق في معنى إحاطة وصف الكلام بالآي.
وقد نقل المخالف والموافق أنّ هذه الآية نزلت في بيت ٱمّ سلمة - رضي الله تعالیٰ عنها - ورسول الله صلّ الله علیه و آله وسلّم في البيت ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين علیهم السّلام وقد جلّلهم بعباءة خيبرية، وقال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، فأنزل الله عزّوجلّ ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهرّكم تطهيراً )فتلاها رسول الله صلّ الله علیه و آله و سلّم ، فقالت أمّ سلمة رضي الله عنها: یا رسول الله ألست من أهل بيتك ؟ فقال لها: إنّك إلىٰ خير، ولم يقل إنّك من أهل بيتي .
حتّىٰ روىٰ أصحاب الحديث أنّ عمر سئل عن هذه الآية، فقال: سلوا عنها عائشة، فقالت عائشة: إنّها نزلت في بيت أختي أمّ سلمة فاسألوها عنها، فإنّها أعلم بها منّي، فلم يختلف أصحاب الحديث من الناصبة و لا أصحاب الحديث من الشيعة في خصوصها في من عدّدناه، وحمل القرآن في التأويل علىٰ ما جاء به الأثر أولىٰ من حمله على الظنّ والترجيم (1) (2).
ص: 222
وينبغي توضيح معنى الآية، فنقول : قوله تعالىٰ ( إنّما) كلمة حصر تقتضي حصر إرادة الله تعالىٰ في إذهابالرجس عن أهل البيت (علیهم السّلام) ،وهو متحقّق حين نزول الآية، وإذهاب جنس الرجس بحيث لا يكون فيهم رجس أصلاً يقتضي العصمة عن کلّ ذنب وخطأ،فتكون «إنّما» ابتداء الكلام ولا ترتبط بسابقها .
وزعم الزمخشري أنّ كلمة «إنّما» تعليل لصدر الآية وسابقتها، قال: ثمّ بين أنّه
ص: 223
إنّما نهاهنّ وأمرهنّ ووعظهنّ لئلاّ يقارف اهل بیت رسول الله (صلّ الله علیه و آله) المآثم،وليتصوّنوا عنها بالتقوىٰ، واستعار للذنوب الرجس وللتقوىٰ الطهر؛ لأنّ عرض المقترف للمقبحات يتلوّث بها ويتدنّس، كما يتلوث بدنه بالأرجاس.
وأمّا المحسنات، فالعرض معها نقيّ مصون كالثوب الطاهر، وفي هذه الاستعارة ما ينفرأولي الألباب عمّا كرهه الله لعباده ونهاهم عنه، ويرغّبهم فيما رضيه لهم وأمرهم به (1) إنتهىٰ .
وفيه أنّ تذکیر ضمیر «عنکم» ينافي ذلك، والعجب أنّه من أهل الأدب فكيف تغافل عن ذلك ؟!.
ثمّ إنّه إن كانت «إنّما» تعليلاًّ، فينبغي أن يتأخّر عن الآية اللاحقة، وهي قوله تعالىٰ{ واذکرن ما يتلىٰ في بيوتكنّ من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيراً }.
إن قلت: هب أنّه غفل عن ذلك، لكن يقال : إنّ المراد الأعمّ من أزواج النبي صلّ الله علیه و آله وسائر أقربائه، فغلب جانب الذكور.
قلت: إنّ الأحكام السابقة التي جعلت كلمة «إنّما» تعليلاً لها قد خو طب في بعضها نساء النبي خاصّة، وهي قوله {يا نساء النبي لستنّ كأحد من النساء إن اتّقیتنّ فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً * وقرن في بيوتكنّ ولا تبرّجن تبرّج الجاهليّة الأولىٰ وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله} وليس لسائر أقرباء النبي( صلّ الله علیه و آله) أحكام خاصّة مذكورة في الآيات
ص: 224
حتّىٰ تعلّل بكلمة «إنّما» .
فلابدّ ٰعلیٰ فرض إرادة العموم أن تكون كلمة «إنّما» تعليلاً لقوله «وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله» وهو غير مستقيم؛ لأنّ هذه الأمور ل تختصّ بأهل البيت وأقرباء النبي (صلّ الله علیه و آله) ، بل هي واجبة على جميع المسلمين، فلا وجه لتخصيص أهل البيت بالذكر حينئذ .
قوله تعالى {يريد} يحتمل أمرين : الأوّل: الإرادة التكوينية التي يتعقّبها المراد لا محالة، فإن كان إخباراً عن تحقّقها ووقوعها، فقد ثبتت عصمتهم. وإن كان إخباراً عن أنها ستتحقّق، فلا محالة قد تحقّقت؛ لأنّ الله لا يخلف الميعاد .
ولعلّ الإتيان بالفعل المضارع للدلالة علىٰ أنّ الممكن يحتاج إلى الواجب في كلّ آنٍ، فلابدّ في وجوده من إعطاء الوجود له، فإذهاب الرجس لابدّ أن يستمرّ، ولا يكفي الأذهاب في زمان، والفعل المضارع يدلّ علىٰ ذلك.
الثاني: الإرادة التشريعية، بمعنى أنّه تعالىٰ أمركم بأشياء ونهاكم عن أشياء، كي تمتثلوا أوامره ونواهيه، لعلّة أن يذهب عنكم الرجس ويطهّركم تطهيرا، نظير قوله تعالىٰ ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهّركم ) (1) وبناءً علىٰ هذا الاحتمال لا دلالة علىٰ وقوع إذهاب الرجس عنهم، لأنّ الإرادة التشريعية لا تقتضي وقوع المراد؛ لتخلّفها عنه في من لم يمتثل أوامره ونواهيه، وظاهر کلام الزمخشري المتقدّم آنفاً أنّ المراد بالإرادة هي التشريعية .
ص: 225
أقول فيه أوّلاً : أنّ الإرادة التشريعية لا تناسب كلمة الحصر؛ لأنّها ثابتة في حقّ غير أهل البيت، فإنّ الله قد أراد وكلّف جميع الناس بالصلاة وغيرها. نعم يحتمل أن يكون ما توجّه إلى المعصومين من التكاليف بالإرادة التشريعية منحصراً فيهم لعدم قابليّة غيرهم له.
وثانيا: أنّه لو لم يمتثل أوامر الله سبحانه ونواهيه أحد، فلا شكّ في أنّ النبي (صلّ الله علیه و آله) وعلياً وفاطمة والحسن والحسين ( علیهم السّلام) يفعلون ذلك وقد فعلوا، فيلزمه
ترتّب الغاية لهم من الإرادة التشريعية، وهو إذهاب الرجس وتطهيرهم تطهيرا.
وعلى كلّ تقدير فالآية تدلّ علىٰ تحقّق الغاية في حقّهم.
قوله تعالىٰ {ليذهب عنكم الرجس} الإذهاب يصدق في الأعمّ من رفع ما هو موجود، ودفع تحقّق ما كانت له قابلية الوجود، وإذا خلق الله أرواحهم أنواراً لا ظلمة فيها، فقد أذهب عنهم الظلمة بأن جعلهم من أوِّل الأمر أنواراً، و لا يعتبر في صدق الإذهاب وجود الشيء حتّىٰ يقال: أذهبه عنهم، بل يكفي في الصدق إمكان وجوده، فلا يقال أذهب الرجس عن الجدار؛ لعدم الشأنية فيه .
وقال الشيخ المفيد( رحمة الله )في المسائل العكبرية: والإذهاب عبارة عن الصرف،وقد يصرف عن الإنسان ما لم يعتره، كما يصرف ما اعتراه، ألا ترىٰ أنّه يقال في الدعاء: صرف الله عنك السوء، فيقصد إلى المسألة منه تعالىٰ عصمته من السوء دون أن يراد بذلك الخبر عن سوء به، والمسألة في صرفه عنه (1) .
ولا بأس بذکر کلام اللغويين في معنى الرجس :
ص: 226
قال الراغب: الرجس الشيء القذر، والرجس يكون علىٰ أربعة أوجه: إمّا من حيث الطبع، وإمّا من جهة العقل، وإمّا من جهة الشرع، وإمّا من كلّ ذلك (1).
أقول: هذا تطبيق منه علىٰ موارد الاستعمال .
قال في تهذيب اللغة: قال الزجّاج : الرجس في اللغة اسم لكلّ ما استقذر من عمل ... و قال ابن السكّيت : .... والرجس الشيء القذر ... وقال الليث : والرجس في القرآن العذاب کالرجز وكلّ قذر رجس (2) .
وقال في المقاييس: الرجس أصل يدلّ على اختلاط، يقال: هم في مرجوسة من أمرهم أي اختلاط ... و من الباب الرجس القذر لأنّه لطخ وخلط (3).
أقول: لعلّ معنى الرجس هو المستقذر الذي ينبغي التنزّه عنه، ففي بعض الأشياء يكون مساوقاً لنجاسته، وفي بعضها لبعده عن النورانية، قال الله تعالىٰ: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقاً حرجاً كأنّما يصّعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون} (4) ثمّ إنّ للايمان مراتب، فمقابله أيضاً كذلك، فإذهاب الرجس بتمامه لازم تحقّ الإيمان الكامل، وإلاّ فبمقدار الإيمان، وكذا في مقابله وهو الكفر يختلف الرجس باختلاف مراتبه. قال تعالىٰ: { وإذا ما ٱنزلت سورة فمنهم من يقول أيّكم زادته
ص: 227
هذه إيماناً فأمّا الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلیٰ رجسهم وماتوا وهم كافرون } (1).
وهو يفيد أنّ الرجس ضدّ الإيمان، وأنّه يزداد كما يزداد الإيمان، فإذا بلغ الإيمان المبثوث على الجوارح والجوانح إلىٰ كماله، فقد ذهب الرجس بتمامه .
إنّ الكذب على الله وعلىٰ رسوله بل مطلقا، والغضب على المؤمنين لإطاعتهم ربّ العالمين، من الرجس وقد أذهب الله ذلك عنهم (علیهم السّلام)، وإنّا نعلم قطعاً أنّ علياً (علیه السّلام) قال: إنّي خليفة رسول الله (صلّ الله علیه و آله) بالنصّ عليّ من الله ومن رسوله، وهو لا يكذب؛ لأنّ الكذب من الرجس، وإنّه غضب علىٰ أبي بكر وعمر وأتباعهما، وهو من الرجس إن لم يكن بحقّ، وإنّ فاطمة علیها السّلام قد أقرّت بإمامة علي علیه السّلام ، لأنّ من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، فكيف لا تقرّ بها وهي المعصومة،وهي سلام الله عليها ماتت غاضبة على الغاصبين منصبه، ولا تغضب لغير رضا الله سبحانه؛ لأنّ الغضب كذلك من الرجس .
وإذا ثبت بهذه الآية الشريفة أنّ فاطمة عليها السّلام معصومة لا تكذب ولا تخطيء،ولم تمت ميتة جاهلة، فاعتقادها بإمامة بعلها يدلّ علىٰ أنّه خليفة رسول الله صلّ الله علیه و آله
وغضبها على الغاصبين يدلّ علىٰ بعدهم عن رحمة الله، وأيضاً قولها يفيد العلم لجميع المسلمين، وإذا حصل من قولها العلم لجميع المسلمين، فلا مجال لمطالبتها بالبيّنة .
ص: 228
فاذا طلبت إرثها من المتسلّطين على إرث أبيها عدواناً، فإنّها لا تكذب، بل هي تعلم أنّها ترث، فيكون الخبر الذي اختلقه الغاصب ووضعه من أنّ النبي (صلّ الله علیه و آله ) قال: «ما تركناه صدقة» كذباً وزوراً، ولذا جادلتهم بالقرآن الكريم، وأظهرت أنّ زوجها أعلم منهم بعموم القرآن وخصوصه، فإنّ من طهّره الله، فهو من المطهّرین المذكورين في قوله تعالىٰ { لا يمسّه إلا المطهّرون} وقد تقدم أنّ المراد من المسّ درك حقيقة القرآن واتّحاد أنفسهم المقدّسة به، فهم أعرف بالقرآن من غيرهم.
أضف إلىٰ ذلك أنّ النبي( صلّ الله علیه و آله) لو كان لا يورث المال، لوجب عليه أن يبلّغ هذاالحكم إلى ابنته وبعلها، وإلاّ فلم يبلّغ أحكام الله كاملة، ولم يكن له عذر في ذلك،فمن ذلك يعلم ضرورة أنّ هذا الحكم المزعوم لم يكن، وأنّ الأنبياء كغير هم تورث أموالهم علىٰ كتاب الله .
الآية الثانية: قال الله تبارك وتعالى: (فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) (1) .
والبهل في اللغة: التلاعن، قال في المصباح المنیر: باهله مباهلة من باب قاتل لعن كلّ منهما الآخر، وابتهل إلى الله تعالىٰ ضرع إليه (2) إنتهىٰ .
وعدّ في المقاييس من معانيه التضرّع في الدعاء ، فإن المتباهلين يدعو کلّ
ص: 229
واحد منهما علىٰ صاحبه (1) إنتهیٰ قال في التبيان: من معانيه الدعاء بهلاك الكاذب، قال: كاللعن وهو المباعدة من رحمة الله عقاباً علىٰ معصيته، فلذلك لا يجوز أن يلعن من ليس بعاص من طفل أو بهيمة أو نحو ذلك (2) إنتهىٰ .
أقول: إنّ موضوع المباهلة إرادة تمييز المحقّ من المبطل، وذلك لا يصحّ أن يفعل إلاّ بمن هو مأمون الباطن، مقطوع علىٰ صحّة عقيدته، فلذا كان ينبغي علىٰ كلّ واحد منهما أن يأتي بأعزّ الأنفس عليه، ليظهر أنّه على الحقّ؛ إذ لا إنسان پرید هلاك أعزّ الأنفس أعني نفسه و نفس من يحبّه، وإنّما يأتي بهم لعلمه بأنّه لا يصيبهم عذاب، وقد عرف النصارىٰ ذلك، فلذا انصرفوا عن المباهلة .
ويفهم من قوله ( فنجعل لعنة الله على الكاذبين) و أنّ الذين أتىٰ بهم النبي ( صلّ الله علیه و آله) ليسوا كاذبين ولو بكذبة واحدة، وهذا مدح بليغ لهم. فتأمّل .
قوله تعالى ( أنفسنا) وفي المراد به ثلاثة احتمالات : الأوّل: أنّه نفس النبي (صلّ الله علیه و آله)وشخصه .
ویرده أولا: أن النبي (صلّ الله علیه و آله) داخل في قوله تعالىٰ «ندعو» فيلزم کون الداعي والمدعو واحداً، أو فقل دعوة الشخص نفسه، وهو كما ترىٰ .
وثانياً: أنّ لازمه إهمال ذكر علي علیه السّلام في الآية، مع أنّه ذكر فيها جميع من كان مع النبي(صلّ الله علیه و آله)من فاطمة وولديها علیهم السّلام ولا يعلم له وجه .
ص: 230
الثاني: أنّ المراد به الجماعة المتّحدة في جهة، وهو هنا بمعنی جماعتنا الشاملة النفس النبي وعلي وفاطمة والحسنین صلوات الله عليهم أجمعين. نظير قوله تعالىٰ (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فیهم رسولاً من أنفسهم ) وقوله تعالىٰ (فاقتلوا أنفسكم) .
ویرده أولاً : ما تقدّم في الجواب الأوّل على الاحتمال الأوّل؛ إذ يلزم دعوة النبي (صلّ الله علیه و آله) نفسه في ضمن الجماعة.
وثانياً: أنّه لا يبقىٰ معه وجه لإفراد الأبناء والنساء بالذكر، فإنّهما داخلان في «أنفسنا» على هذا المعنىٰ .
الثالث: أن يراد به من هو بمنزلة النبي (صلّ الله علیه و آله) في جميع خصاله وفضائله سوی النبوّة، وهذا هو المتيقّن بعد بطلان سابقيه، ويعضده أنّه تعالى ذكر جميع من كان مع
النبی ( صلّ الله علیه و آله) كلاً بانفراده، فعني بالنساء فاطمة علیها السّلام وبالأبناء الحسنین علیهما السّلام فيبقىٰ علي علیه السّلام فينطبق «أنفسنا» عليه، ويدلّ علىٰ أنّ فيه خصال النبي (صلّ الله علیه و آله) جميعها إلاّالنبوّة، فيدلّ على أنّه أفضل من كلّ من كان النبي (صلّ الله علیه و آله) أفضل منه، وأيضاً أنّ النبي (صلّ الله علیه و آله) يحبّ نفسه لأنّها محبوبة لله، وعلي علیه السّلام محبوب عنده کنفسه، وحبّ النبي(صلّ الله علیه و آله) وبغضه لا يكونان إلاّ في الله، فيكون حبّ النبي لعلي علیهما السّلام من أجل أنّه أفضل العباد بعده .
فإذا كان أمير المؤمنين علي عليه السّلام نفس النبي (صلّ الله علیه و آله) في علمه وزهده وورعه، وكونه رحمة للعالمين، وشجاعته، فأيّ عاقل يرضى بأن لا يكون هو المقدّم علىٰ غيره، وهل هناك ظلم أكبر من حرمان المسلمين، بل الناس من تأميره علیه السّلام
ص: 231
والاهتداء بهداه.
في بعض الآيات المادحة للنبي (صلّ الله علیه و آله) والأئمة المعصومين علیهم السّلام بالانطباق عليهم لكونهم أظهر الأفراد منها: قوله تعالى ( إنّ الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا) (1) وقال تعالى: ( إنّ الأبرار لفي نعيم) (2).
والأبرار جمع برّ صفة مشبهة، من برّ يبرّ بكسر الباء وفتحها برّاً بكسر الباء ومبرّة، فهو برّ بفتح الباء .
وقد بيّن الله سبحانه البّر في قوله (ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيّين و آتی المال علىٰ حبّه ذوي القربىٰ واليتامىٰ والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في
ص: 232
البأساء والضرّاء وحين البأس ٱولئك الذين صدقوا وٱولئك هم المتّقون ) (1).
وقال تعاليٰ: (ليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقىٰ وأتوا البيوت من أبوابها) (2) وقال تعالىٰ: ( لن تنالوا البرّ حتّىٰ تنفقوا ممّا تحبّون) (3) .
وهذه الأوصاف المذكورة موجودة في النبي (صلّ الله علیه و آله) والأئمة المعصومین علیهم السّلام فإنّهم مؤمنون حقيقة، وقد بذلوا طعامهم علىٰ حبّ الله وفي سبيله، كما بيّن حالهم في سورة هل أتيٰ، وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة و أوفوا بعهودهم، وصبروا في البأساء والضرّاء وهم من الصادقين، فهم أظهر مصاديق الأبرار .
ومنها: قوله تعالىٰ ( والسابقون السابقون * أولئك المقرّبون ) (4) أي:
ص: 233
السابقون إلى الإيمان في كلّ زمان، فإنّ المؤمنين سبقوا غيرهم من أهل عصرهم إلى الإيمان، إذ إنّ معنى السبق هو تقدّم البعض على البعض، كما في قوله تعالىٰ( وفاستبقوا الخيرات ) (1).
فإن قيل: إنّ المراد أن يتسابق اثنان ويسبق أحدهما الآخر، فيمكن أن يقال: إنّ المؤمنين في كلّ زمان إن جاهد أحدهم حتّىٰ بلغ الإيمان الكامل بدرجاته المبثوثة في الجوارح والجوانح، فقد سبق سائر المؤمنين وهو من السابقين .
قلنا: إنّ من المحتمل أن يكون المراد السابق من ابقين، فيختصّ بالمؤمنين السابقين المذكورين في قوله تعالىٰ ( والسابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار) (2)(2) إلا أنّ ظاهر التقييد بكونهم الأوّلين من المهاجرين والأنصار وجود سابقين من غيرهم .
فلعلّ المراد بهم من ذكرهم الله تعالىٰ في قوله (إنّ الذين هم من خشية ربّهم مشفقون * والذين هم بآيات ربّهم يؤمنون * والذين هم بربّهم لا يشركون * والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنّهم إلىٰ ربّهم راجعون : أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) (3)(3) .
أو المراد بهم السابقون في التقوىٰ على المتسابقين إليها وهم المقّربون، وهؤلاء ينبغي أن يكونوا في مرتبة راقية كمرتبة النبوّة؛ لأنّ الله تعالىٰ قال في حقّ
ص: 234
عیسی عليه السّلام : ( وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين ) (1) ولا ريب في أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام من السابقين المقرّبين .
ومنها: قوله تعالىٰ ( إنّما يخشى الله من عباده العلماء) (2) فإن النبي ( صلّ الله علیه و آله) والأئمّة المعصومین علهیم السّلام من أجلیٰ مصاديق العلماء؛ لأنّهم يعلمون الكتاب المشتمل علىٰ علم ما كان وما يكون، فهم مصادیق قوله تعالىٰ ( إن في ذلك لآيات للعالمين ) (3) وقوله تعالىٰ (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (4) . وقد وردت أخبار كثيرة في الكافي والبحار وغيرهما في تطبيق ما جاء في القرآن الكريم من المدح للمؤمنين والمتّقين والمتوكّلين والصابرین وسائر الفضائل على الأئمّة المعصومین علیهم السّلام ، فليرجع إليها من أراد .
وهم أجلىٰ وأتمّ مصاديق أولي النهىٰ، والعلماء، وعباد الرحمٰن، والشجرة الطيّبة، والذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا.
في بعض الآيات التي تنطبق على الأئمة المعصومين ععلیهم السّلام أو علىٰ مخالفيهم بعد تجريد معانيها عن الخصوصيات التي لا دخل لها في ترتّب الحكم، أو تدلّ على مدح الأئمة المعصومين عليهم السّلام أو ذمّ أعدائهم بعد إرجاعها إلىٰ بعض الآيات الٱخر
ص: 235
منها: قوله تعالىٰ (وهدوا إلى الطيّب من القول وهدوا إلىٰ صراط الحميد) (1) فإنّه قد تبيّن ممّا ذكرناه في أوصاف الكتاب أنّ من أوصافه أنّه صراط مستقیم وصراط حميد، وذكرنا اتّحاد الأئمّة المعصومين عليهم السّلام مع الكتاب، فهم الصراط الحميد، وعليه فالمؤمنون هدوا إلىٰ أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (2).
ومثله قوله تعالىٰ (فاستمسك بالذي ٱوحي إليك إنّك علىٰ صراط مستقیم) (3) أي: إنّك علىٰ ولاية علي علیه السّلام،و علي عليه السّلام هو الصراط المستقيم (4) .
وكونه ( صلّی الله علیه و آله) علىٰ ولاية علي علیه السّلام معناه أنّه على الاعتقاد بها وعلى الطريقة اللازمة لها، لا أنّ لعلي علیه السّلام و لاية علىٰ رسول الله صلّی الله علیه و آله) ، وهذا واضح.
ومنها: قوله تعالىٰ (ولكنّ الله حبّب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم وكرّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان ) (5) فإنّه بعد ما تقدّم ظهر أنّ الإيمان لو تجسّد، لكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام .
كما قال النبي (صلّی الله علیه و آله)حين برز علي علیه السّلام إلىٰ عمرو بن عبدودّ: برز الإيمان كلّه
ص: 236
إلى الكفر كلّه .
وعلىٰ هذا فيمكن أن يقال: إنّ المعنىٰ حبّب إليكم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، وهكذا العكس بالنسبة إلىٰ قوله ( كرّه إليكم الكفره ) (1) .
ومنها: قوله تعالىٰ (لا يملكون الشفاعة إلاّ من اتّخذ عند الرحمٰن عهدا ) (2) فإنّه يدلّ علىٰ أنّ عليّاً علیه السّلام لا يشفع؛ لأنّ من مصادیق العهد (3) الإمامة؛ لما تقدّم من الآيات أنّ إبراهيم عليه السّلام سأل ربّه الإمامة لذرّيته، فقال سبحانه ( ولا ينال عهدي الظالمين) (4) ومعناه أنّه ينال غير الظالمين من ذرّيته، وإلاّ كان حقّه أن يطلق القول: لا ينال عهدي ذرّيتك، فجعل العهد - أي الإمامة - إلىٰ من كان من ذرّيته موحّداً من أوّل عمره إلىٰ آخره.
وقد سبق تطبيقه علىٰ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام،فهو يملك الشفاعة بحسب هذه الآية. فإنّه مأذون (5) له من قبل الله في الشفاعة، فيكون مصداقاً لقوله
ص: 237
تعالىٰ ( يومئذ لا تنفع الشفاعة إلاّ من أذن له الرحمن ) (1).
ومنها: قوله تعالىٰ (و يوم يعضّ الظالم علىٰ يديه يقول يا ليتني اتّخذت مع الرسول سبيلاً) (2) فإنّه يدلّ علىٰ أنّ السبيل هو علي عليه السّلام، فإنّ السبيل متّحد مع
الصراط المستقیم .
وقد سبق أنّ الأئمّة المعصومين عليهم السّلام هم الصراط المستقيم؛ إذ بيّنا أنّ الكتاب صراط مستقيم، وأنّه في صدورهم، وهم متّحدون معه.
فعلىٰ هذا يكون معنىٰ الآية تمنّي الظالم لو أنّه يكون قد اتّخذ مع الرسول شخصاً آخر وهو السبيل، وإن كان يحتمل أنّ المراد ما يظهر منه من أن يتّخذ سبيل الرسول سبيلاً، أي: يكون مع الرسول، لكن علىٰ ما ذكرنا يكون له معنىٰ آخر.
ومنها: قوله تعالىٰ ( وأشرقت الأرض بنور ربّها ) (3) فإنّه يمكن تطبيقه على النبي صلّی الله علیه و آله والأئمة المعصومین علهم السّلام، بأن يكون المراد من قوله «ربّها» أي: ربّ الأرض، وهو الله سبحانه، ونور الله ينطبق على (صلّی الله علیه و آله ) والأئمةالمعصومین علیه السّلام : لأنّهم واجدون لكتاب الله الذي هو نور، أي: نور الله، فيكونون نور الله، والدنيا وإن أشرقت بنور ربّها المنبعث من الشمس وغيرها، لكن يوم القيامة لا شمس ولا قمر ولا نجوم، فله نور آخر (4) .
ص: 238
ونكتفي بهذاالمقدار في هذا المقام، ويمكن بما ذكرنا تصحيح أكثر الأخبار الواردة في تأويل الآيات بالنبي صلّی الله علیه و آله والإمام المعصوم علیه السّلام المذكورة في الكافيومجلّدات الإمامة من البحار، فلاحظ .
ص: 239
في أنّ مصداق الآيات المذكورة في الفصول المتقدّمة في هذا الزمان هو الإمام الثاني عشر الحجّة بن الحسن عجّل الله فرجه تقدّم في الفصول السابقة ذكر الآيات القرآنية الدالّة علىٰ وجود الإمام المعصوم، المتّصف بصفات الكتاب الكريم من حين وفاة النبي (صلّی الله علیه و آله) إلى آخر زمان وجود المكلّفين، وإلىٰ ما شاء الله تبارك وتعالىٰ .
وأمّا مصادیق الآيات المذكورة، فهم أئمة أهل البيت علیه السّلام، و أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، فإنّ الصفات التي اعتبر القرآن الكريم توفّرها في الإمام كانت فيه، ولا يحتمل وجودها في غيره؛ لأنّ جماعة ممّن صحب النبي( صلّی الله علیه و آله ) كانوا كفّاراً فأسلموا، فلذا لا يستحقّون الإمامة، وجماعة منهم نشأوا في الإسلام لكن ليست لهم تلك الصفات .
وهذا واضح لمن عرف مقام الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام ، وعرف سائر أصحاب النبي (صلّی الله علیه و آله) ولا مجال لإنكاره لمن لم يعاند ولم يتعصّب .
ثمّ بعده لا يكون الواجد لتلك الصفات إلاّ ريحانتي رسول الله (صلّی الله علیه و آله)فالإمام هو
ص: 240
الحسن بن علي عليهما السّلام ، ثم الحسين بن علی علیها السّلام ، وهكذا لا تجد بتلك الصفات إلاّ أولاد الحسين المعصومين علیهم السّلام واحداً بعد واحدٍ إلى الإمام الحسن بن علي العسكري علیهما السّلام .
وبعد وفاته يكون الإمام ولده الحجّة المهدي - عجّل الله تعالیٰ فرجه - فإنّه لا يوجد من يجمع تلك الصفات غيره، فإن لم يكن هو الإمام لزم عدم دلالة الآيات القرآنية علىٰ ذلك، وهو خلف لما أثبتناه، فهو المتعّين لمصداق الآيات.
و وجود الإمام المهدي - عجّل الله تعالیٰ فرجه - وكونه ولداً للإمام الحسن بن علي العسكري علیه السّلام المولود عام (255)ھ وغيبته وظهوره هي من الضروريات عند الشيعة الإمامية الإثني عشرية، وقد ثبت ذلك بالأخبار المتواترة عن النبي( صلّی الله علیه و آله) ، والأئمة المعصومین علیهم السّلام، وعلماء الشيعة من زمان الإمام الحسن بن علي العسكري علیهما السّلام إلىٰ زماننا قد أثبتوا ذلك وأظهروا الحقّ واعتقدوه، وهم في العلم والتحقيق والتدقيق لا يشقّ لهم غبار، وفي الزهد والتقوىٰ والورع والعبادة قد بلغوا الغاية، وهم جماعة كبيرة يبلغون الآلاف جيلاً بعد جيل في جميع الأعصار .
وقد كان للإمام المهدي - عجّل الله تعالیٰ فرجه - خمس سنين حين وفاة أبيه على ما جاء في الروايات، ونصّ عليه المؤرّخون، واقتضت الحكمة الإلهية أن يكون غائباً عن الأبصار، كالشمس التي غيّبها السحاب، وأنّه يظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً ، وقد أبقاه الله تعالىٰ بقدرته الكاملة التي أخبر عنها في النبي يونس عليه السّلام ، حيث قال تعالى شأنه: ( فلو لا أنّه كان من
ص: 241
المسبّحين *للبث في بطنه إلىٰ يوم يبعثون) (1) أي: لبث حياً إلىٰ يوم البعث، وهو عذاب لروحه، وأمّا الجسد الميّت فلا فرق بين بقائه في بطن الحوت أو بطن الأرض.
وليس الغرض من عقد هذا الفصل بیان أحواله وشؤونه - عجّل الله تعالىٰ فرجه - فإنّ كتب علماء الشيعة في ذلك قد تكفّلت بالتفصيل والتحقيق فيه، وشمّر العلماء ساعد الجدّ في الدفاع عن هذا المعتقد الحقّ خلفاً عن سلف، حتّىٰ بلغت هذه العقيدة من الوضوح والصدق والثبوت والإثبات حيث لا ينكرها إلاّ جاهل أو معاند .
وقد خلّفوا من الآثار والكتب المؤلّفة في هذا المجال ما انتشر في الآفاق، وإنّما غرضنا الإشارة إلى أنّ تلك الصفات المذكورة في الآيات السابقة تنطبق على الإمام الثاني عشر عجّل الله تعالیٰ فرجه کانطباقها علىٰ آبائه المعصومين علىهم السّلام، علیٰ ما قدّمنا بيانه في الفصول السابقة .
فنقول: هو الذي بوجوده ثبتت الأرض، و لولاه لساخت بأهلها، و بوجوده تنزل السماء قطرها، وتخرج الأرض بركاتها، وبه حياة من يمشي على الأرض، علىٰ ما تقدّم بيانه في الفصل الأوّل .
وهو الذي اختاره الله تعالىٰ للإمامة، كما اختار آباءه الطاهرين علیهم السّلام للإمامة، وليس للناس الخيرة في تعيين الإمام، وهو خليفة الله في أرضه، وهذه الخلافة استمرار لخلافة آدم، فإنّه أوّل خليفة لله في أرضه، ثم بعده الأوصياء والأنبياء إلىٰ
ص: 242
أن انتهت خلافة الله إلىٰ نبيّنا أفضل الأنبياء وأشرفهم محمّد(صلّی الله علیه و آله) ، وأمّا بعد وفاته فخليفة الله في أرضه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام ، إلى أن انتهت إليه عجّل الله فرجه .
وهو الهادي للمكلّفين من الإنس والجنّ هداية واقعية لا خطأ فيها؛ لأنّه المعصوم عن الخطأ، وهو وإن حجب عن الأبصار، إلاّ أنّ بصائر المؤمنین تستضيء بنوره و تهتدي بهداه، وهو حجّة الله البالغة على العباد .
وهو من الأئمة المعصومين عليهم السّلام الذين أكمل الله تعالىٰ الدين بهم، وأتمّ على المكلّفين نعمته بولايتهم، ورضي لهم الإسلام ديناً .
وهو من القربي الذين أوجب الله تعالىٰ مودّتهم، وجعل الرسول (صلّی الله علیه و آله) مودّتهم أجراً لرسالته، وولايته وولاية أجداده هي ما ٱنزل على الرسول وأمر بتبليغه، ولو لم يبلّغها لهم لما كان بلّغ شيئاً؛ لأنّ الغرض من رسالته لا يتحقّق بدون تبليغها .
وهو من ذرّية إبراهيم الذين استجاب الله تعالیٰ دعوته فيهم، وجعلهم من الذين نالهم عهد الإمامة الذين نال إبراهيم بعد ما ابتلاه الله، فهو المعصوم من كلّ خطأ لم يلبس إيمانه بظلم، فقد ولد مؤمناً بالله لم يعبد صنماً ولا وثناً، ولم يرتكب معصيةصغيرة ولا كبيرة.
وهو الشاهد علىٰ أعمال العباد خفيها وجليها خيرها وشرّها قليلها وكثيرها، المطّلع عليها وعلىٰ أعمالهم القلبية، لأنّه عين الله الناظرة.
وهو الوجود العيني للكتاب، وإنّ في صدره الشريف آيات الكتاب البيّنات.
وهو من الذين اصطفاهم الله تعالىٰ من عباده الذين سبقوا إلى الخيرات، فأورثه الله
ص: 243
حقيقة الكتاب كآبائه الأطهار .
وهو الكتاب الناطق، له جميع صفات الكتاب المجيد، فهو من آيات القرآن التي قال الله تعالىٰ فيها (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) (1) فهو الآية بعد وفاة أبيه الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السّلام .
وهو البشير الذي يبشّر المتّقين بالجنّة، والنذير الذي ينذر العاصين بعذاب النار.
وهو من البصائر للناس لعلّهم يتذكّرون .
وهو الحكيم الذي لا يصدر منه غير الحكمة، وله منصب الحكم الذي كان للأنبياء، كما قال الله تعالىٰ في داود علیه السّلام: (یا داود إنّا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحقّ ولا تتّبع الهويٰ) (2) .
وهو الذكر المحفوظ الذي قال الله تعالىٰ: (إنّا له لحافظون) (3) يحفظه عن كلّ خطر وحادثة وكيد .
وهو رحمة للمؤمنين .
وهو الروح الذي به حياة الأرواح ومعه روح القدس .
وهو الشافي الذي جعله الله شافياً للأمراض الباطنية الروحية من الجهل والشرك، كما يستشفىٰ به من الأمراض الجسمية .
وهو الصادق الصدّيق في نيّاته وأحواله وأعماله .
ص: 244
وهو الصراط المستقيم، وسبيل الله الوحيد الذي فيه نجاة التابعين له.
وهو العظيم الذي عظّمه الله .
وهو الفرقان، وهو القول الفصل يفرق ويفصل بين الحقّ والباطل بسيره العملي والقولي .
وهو الكريم في كلّ شيء.
وهو كلمة الله التامّة التي تمّت صدقاً وعدلاً .
وهو الحافظ لجميع الكتب السماوية، والعالم بها، والمهيمن عليها .
وهو أكبر نعمة أنعم الله به على العباد، حيث أنعم الله عليهم بوجوده ووجود آبائه الطاهرين علیه السّلام .
وهو نور الله الذي ينوّر القلوب، ويخرج متّبعيه من الظلمات إلى النور، وهو من الرفعة والمقام العالي حيث لا يعرف مقامه ومقام آبائه إلاّ الله ورسوله وأوصياؤه عليهم السّلام .
وهو ممّن مسّ حقيقة القرآن؛ لأنّه الوجود العيني له، فهو من المطهّرين الذين أذهب الله عنهم الرجس والجهل والشكّ .
وهو من الذين عندهم القرآن الذي سيّرت به الجبال وقطّعت به الأرض، فله التصرّف التكويني، وكلّ شيء طوع أمره .
وما ذكرناه في هذا الفصل هو مضامین الآيات المذكورة في الفصول السابقة الدالّة علىٰ أنّ القرآن ذکر محفوظ بمراتبه، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو باق أبداً، فحقيقته ووجوده في صدور الذين ٱوتوا العلم باقٍ كذلك،
ص: 245
وإنّما اقتصرنا علىٰ تکرار مضمونها، لأنّنا قد بيّناها فيما تقدّم.
فوجود الحجّة المهدي ابن الحسن - أرواح العالمين فداه - باقٍ من حين ولادته إلىٰ زماننا وإلىٰ ما شاء الله .
ثمّ إنّ في القرآن آیات لا يصحّ معنىٰ ظاهرها إلاّ بأن يأتي زمان يظهر فيه الحقّ، ويسيطر الدين الحقّ على العالم، وينتصر للمستضعفين، وهو لا ينطبق إلاّ علىٰ ما يعتقده الشيعة من ظهور الحجّة الثاني عشر الإمام المهدي - عجّل الله تعالی فرجه الشريف - الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً ، ويرجع آباؤه الأطهار وجماعة من المؤمنين إلى الدنيا، ولا بأس في أن نذكر بعضها : فمنها: قوله تعالى ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات لیستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكّننّ لهم دينهم الذي ارتضیٰ لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) (1) وهذا الوعد من الله تعالىٰ لم يتحقّق منذ أن بعث الله نبيّه محمد (صلّی الله علیه و آله) إلىٰ يومنا هذا، وإذا كان له من تحقّق في الخارج، فإنّما هو في زمان ظهور الحجة (2).
ص: 246
ومنها: قوله تعالىٰ ( إعلموا أنّ الله يحيي الأرض بعد موتها قد بيّنا لكم الآيات لعلّكم تعقلون) (2) ولعلّ المراد بقرينة قوله تعالىٰ ( قد بيّنا لكم الآيات لعلّكم تعقلون) هو إحياء الأرض بإحياء أهلها وتربيتهم بتعاليم الدين و آدابه، وإراء تهم طريق الهداية والرشاد؛ لأنّ حياة الأرض بالنبات بعد موتها أمر يعرفه الأطفال المميّزون، فلا يناسب الخطاب بقوله تعالىٰ (إعلموا) وقوله تعالىٰ ( لعلّكم تعقلون) ومقتضىٰ إطلاق الآية إحياء جميع الأرض لا بعضها، ولم يتحقّق ذلك إلىٰ زماننا، وإنّما هو في زمان ظهور الحجّة وبعده (3) .
ومنها: قوله تعالى (هو الذي أرسل رسوله بالهدىٰ ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون) (4) والمراد هو جعل الدین غالباً علىٰ جميع الأديان بإعزازه ونصرته.
وذكر الشيخ المفيد رحمة اللهُ في الافصاح من الآيات الدالّة على ذلك قوله تعالىٰ (وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون) (5) وقال
ص: 247
تعالىٰ: (وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهیداً )(1) وكلّ هذه أمور منتظرة غير ماضية ولا موجودة في الحال .
ومثلهم فيما بشّرهم الله تعالىٰ به من ذلك ما تضمّنه قوله تعالىٰ ( ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين * ونمكّن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) (2) وقوله تعالىٰ في بني إسرائيل ( ثمّ رددنا لكم الكرّة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا) (3) .
وممّا أنزله فيهم سوى المثل لهم علیه السّلام قوله تعالىٰ( الذين إن مکّنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأموره (4)
ويحقّق ذلك ما روي عن النبي (صلّی الله علىه و آله) علی الاتّفاق من قوله «لن تنقضي الأيّام والليالي حتّىٰ يبعث الله رجلاً من أهل بيتي يواطيء اسمه اسمي، يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً» (5) .
وغير خفي أنّ ذلك لم يتحقّق بعد، فلم يظهر الإسلام علىٰ جميع الأديان لا في زمان النبي (صلّی الله علیه و آله)ولا في الأزمنة التالية له، وإلى يومنا هذا، ولا زال الإسلام بحسب
ص: 248
الظاهر ضعيفاً، وإن كان فيه من الحجج والدلالات والبراهين ما لا تثبت أمامه حجّة أو برهان، فإنّه الدين الحقّ الذي ارتضاه الله لعباده ولا يقبل منهم سواه.
والحاصل أنّ الآية تتضمّن الوعد بظهور الدين على جميع الأديان (1).
ومنها: قوله تعالىٰ (و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون) (2) وتدلّ الآية الكريمة علىٰ أنّه يأتي على الأرض زمان تختصّ فيه بالعباد الصالحين، ولم يتحقّق ذلك إلى زماننا، فيكون في زمان ظهور الحجّة.
وقد وضح و ظهر ممّا بينا أنّ الامام المعصوم الذي دلّت الآيات الشريفة علىٰ وجوده في زماننا هو الامام الثاني عشر الحجّة بن الحسن عجّل الله تعالیٰ فرجه، وهو الإمام الذي دلّت الأخبار علىٰ أنّ من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، وهو عدل الكتاب الذي قال النبي (صلّی اله علیه و آله): إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي،وإنّهما لن يفترقا حتّىٰ یردا عليّ الحوض. فكما أنّ الكتاب موجود من زمان نزوله إلىٰ ما شاء الله، فكذلك عدله باقٍ .
ص: 249
وليعلم أن سنّة الله تعالىٰ جرت علىٰ أن يفتتن الناس حتّىٰ يصير مافي ضمائرهم من الإيمان والكفر متحقّقاً في الخارج، قال الله تعالىٰ : (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون * ولقد فتنّا الذين من قبلهم فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين) (1) والناس قد افتتنوا بعد وفاة النبي صلّی الله علیه و آله ، وكذا في كلّ زمان، وكذا بعد وفاة الامام الحادي عشر الحسن العسكري عليه السّلام، والإيمان الحقيقي الذي أمر الله تعالىٰ به هو الإيمان بأنّ أمير المؤمنين علياً هو الامام والخليفة بلا فصل لرسول الله (صلّی الله علیه و آله) إلى الأمام الثاني عشر، وهو الإمام من عند وفاة الامام الحسن العسكري علیه السّلام إلى زماننا وإلىٰ ما شاء الله تعالىٰ .
وعلىٰ هذا فينقطع السؤال عن أنّه لِم اختفي ولادته؟ ولماذا غاب؟ ولماذا طال عمره؟ ولماذا لا يظهر لخواصّ شيعته ولا يراه أحد؟ كلّ ذلك امتحان للمؤمنين حتّىٰ يثبت على الاعتقاد به المؤمن حقّاً، ولا نستند في إثبات وجوده علیه السّلام إلىٰ قاعدة اللطف، ولا علىٰ غيرها من الٱمور العقلية (2) .
ص: 250
ونقتصر علىٰ هذا المقدار في هذا الفصل، لأنّ وجود الحجّة بن الحسن - عجّل الله تعالی فرجه الشريف - وغيبته وظهوره من الواضحات البديهية الضرورية عند الشيعة الاثنا عشرية.
وختاماً نذكر بعض الأبيات من قصيدة في بيان أوصاف الحجّة بن الحسن - عجّل الله تعالیٰ فرجه - واستنهاضه لفخر الشيعة العالم بمختلف العلوم الشيخ محمّد العاملي المشتهر بالشيخ البهائي قدّس سرّه ،حيث يقول : خليفة ربّ العالمين وظلّه علىٰ ساكن الغبراء من كلّ دیّار هو العروة الوثقى الذي من بذيله تمسّك لا يخشىٰ من عظائم أوزار إمام هدى لاذ الزمان بظلّه وألقىٰ إليه الدهر مقود خوّار ومقتدر لو كلّف الصمّ نطقها بأجذارها فاهت إليه بأجذار علوم الورىٰ في جنب أبحر علمه كغرفة كفّ أو كغمسة منقار إمام الوریٰ طود النهیٰ منبع الهدىٰ وصاحب سرّ الله في هذه الدار
ص: 251
أيا حجّة الله الذي ليس جارياً بغير الذي يرضاه سابق أقدار ويا من مقاليد الزمان بكفّه وناهيك من مجد به خصّه الباري أغث حوزة الإيمان واعمر ربوعه فلم يبق فيها غير دارس آثار وأنقذ كتاب الله من يد عصبة عصوا وتمادوا في عتوّ وإصرار يحيدون عن آياته لرواية رواها أبو شعيون عن كعب أحبار وفي الدين قد قاسوا وعاثوا وخبّطوا بآرائهم تخبيط عشواء معثار وأنعش قلوباً في انتظارك قرّحت وأضجرها الأعداء أيّة إضجار وخلّص عباد الله من كلّ غاشم وطهّر بلاد الله من كلّ كفّار وعجّل فداك العالمون أسرهم وبادر على اسم الله من غير إنظار (1) والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله علىٰ سيّدنا محمّد و آله الطاهرین.
ص: 252
المنهج القويم في إثبات الإمامة من الذكر الحكيم تألیف السيّد محمّد الرجائي الجزء الثاني
ص: 253
ص:254
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله علىٰ أشرف الخلائق أجمعين، وخاتم الأنبياء والمرسلین، محمّد وعلىٰ آله الطاهرين، ولعنة الله علىٰ أعدائهم أجمعين إلىٰ يوم الدين .
وبعد، فهذا هو الجزء الثاني من كتابنا يتضمّن عدّة فصول ٱخر ترتبط بالمقام .
في عدالة أصحاب النبي (صلّی الله علیه و آله) الحديث حول عدالة الصحابة حسّاس للغاية، وربما ارتبط به مصير الٱمّة ،استقامة وانحرافاً، قوّة وضعفاً، صموداً وانهياراً، تقدّماً وتقهقراً، وحيث يمتدّ الحديث عنه إثباتاً ونفياً، حتّىٰ ولو كان حديثاً نزيهاً جدّاً، يبدأ القلق في نفوس البعض، وتخفق القلوب خوفاً، حتّىٰ ليخيّل إلى الباحث بأنّه مقدم علىٰ نقض عری الإسلام عروة فعروة .
كلّ ذلك إنّما هو بوهم قوّة الحافز الديني، والوازع العقائدي، وبزعم الحفاظ علىٰ صفاء الإسلام ونضارته ونقائه، فكأنّما البحث الموضوعي انحراف، والتثبّت في الأحكام تطرّف، وطلب الحقّ ضلالة، والوصول إلىٰ الواقع خروج عن الدين .
وربما يتوهّم بعض أنّ ذلك لا يثمر إلاّ كشف عورات الصحابة، وتتبّع عثراتهم،
ص: 255
والدلالة علىٰ سقطاتهم، وذلك مقصد اتّضع سبقه، ورخصت غايته، وقد فاته أن ليس المقصد من ذلك إلاّ أن ترتدّ للإسلام أنفاسه المخنوقة، وحيويّته المكدودة، وإزالة ما علق به من الخرافات والخيالات، التي اصطاد تحت نقابها المغرضون،وعشعشت في نسائج أوكارها أماني المنافقين، واهتبلها لتشويه الإسلام الحانقون.
فإذا كان بحث هو من صلب الدين - من واجباته أو مندوباته - يعتبر إساءة للصحابة، فنحن نربأ بالصلحاء منهم أن يستاؤوا من ذلك؛ لأنّهم - رضي الله عنهم- ضحوا بأنفسهم دونه، فكيف لا يحبّون ظهوره في أصالته الأصلية، ونقائه الطهور، وإعطاء صورته الصافية ووجهه الحسن، ذلك لا يخالجنا فيه أدنىٰ ريب .
وإنّ أصحاب رسول الله (صلّی الله علیه و آله)كانوا علىٰ مراتب لا يجوز أن يرفع أحد منهم فوق مرتبته، أو يحطّ عنها، أو يوصف بغیر فعله، فإذا كان أقوام تجاوزوا بهم مراتبهم، ورفعوا بعضهم فوقها، وحطّوا آخرین عن مراتبهم، صار بنا إلىٰ تمييزهم أعظم الحاجة، لنعلم من الذي قوله حجّة، ويجب علينا متابعة سيرته، ولذلك نحن مقدمون علىٰ هذا البحث بحسب ما يتّسع له الكتاب في خطّه الذي رسمناه علىٰ قاعدة الاستفادة من القرآن الكريم.
الصحابة كلّهم عدول عند العامّة :قال في الاستیعاب: ونحن وإن كان الصحابة قد كفينا البحث عن أحوالهم؛ الإجماع أهل الحقّ من المسلمين، وهم أهل السنّة والجماعة، علىٰ أنّهم كلّهم
ص: 256
عدول (1) .
وقال في الإصابة: اتّفق أهل السنّة علىٰ أنّ الجميع عدول. ثمّ نقل عن الخطيب أنّ عدالة الصحابة ثابتة معلومة. ونقل عن ابن حزم أنّ الصحابة كلّهم من أهل الجنّة قطعاً (2)، إلىٰ غير ذلك من كلماتهم، فلتلاحظ كتبهم .
واستدلّوا علىٰ عدالة الصحابة بأحاديث من طرقهم، ذكروها في فضلهم، أو فضل بعضهم، والبحث عنها خارج عن موضوع بحثنا، وهو الاستفادة من القرآن الكريم؛ لأنّ حجّية الأحاديث مشروطة بشروط، أهمّها أن لا يكونالراوي فاسقاً:لأنّ الله سبحانه منع عن قبول خبره بقوله تعالى (إن جاءكم فاسق بنبأ (3) .
ومن الفسق الخروج عن الدين الحقّ الذي رضيه الله تعالىٰ ورسوله (صلّی الله علیه و آله)للناس، فلابدّ من أن يعرف الدين الحقّ حتّىٰ يعرف الخارج منه .
وأن لا يكون مضمونها مخالفة للقرآن الكريم؛ لأنّ القرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فلابدّ أن يكون الحديث المخالف للقرآن باطلا ً؛ لأنّه لوكان مضمونه صحيحاً مع ضرورة صحّة مضمون القرآن الكريم، لزم اجتماع الضدّين المحال (4)
ص: 257
وبذلك يظهر أنّه لا حجّية الإجماع العامّة علىٰ عدالة جميع صحابة النبي (صلّی الله علیه و آله)، وكذا لا حجّية للأخبار الواردة من طرقهم علىٰ عدالة جميعهم؛ لمخالفتهما للقرآن المجيد .
أمّا أوّلاً. فلدلالته علىٰ أنّ مجرّد مصاحبة الأنبياء لا يغني شيئاً، كما لم تغن مصاحبة نوح و لوط عليهما السّلام عن زوجتيهما من الله شيئاً.
وأما ثانياً: فلدلالته علىٰ وجود منافقین - وهم في أسفل درك من النار - في أصحاب النبي(صلّی الله علیه و آله) .
وأمّا ثالثاً: فلدلالته على اعتبار شرائط في خليفة النبي (صلّی الله علیه و آله) هي متوفّرة حصراً،كما تقدّم في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأولاده المعصومین علیهم السّلام، فتوجب كونهم خلفاء الرسول حقّاً، وأنّ من خالفهم فهو ضالّ.
ثمّ إنّ أصحاب النبي (صلبی الله علیه و آله) الذين فعلوا ما فعلوا بعده من تأخير من قدّمه الله تعالىٰ وهو علي بن أبي طالب علیه السّلام، وغصب حقّه، كانوا بحاجة إلىٰ دليل يتمسّكون به علىٰ مشروعية فعلهم، فلو كان في القرآن ما يدلّ علىٰ عدالتهم ومشروعية فعلهم لتمسّكوا به، لكن حيث لم يكن فيه آية واحدة تدلّ عليها لم يستدلّوا بشيء منه، كما أنّ عائشة لم تستند في شرعية فعلها يوم الجمل و غیره بآية التطهير؛ لعلمها وعلم من كان معها بعدم نزولها في شأنها .
لكن المتأخّرين عن عصر الصحابة التابعين لهم تمسّکوا واستدلّوا بآيات علىٰ مدح جميع من صحب النبي)صلّی الله علیه وآله) ، أوعلىٰ مشروعية خلافة من تقمّصها بعد
ص: 258
وفاته(صلّی الله علیه و آله) ، وقد أجاب عنها أجلّة علماء الشيعة ، كالشيخ المفيدة رحمة الله وغيره، ومع ذلك فقد ذكر تلك الآيات متأخّروهم، ومنهم رحمة الله الهندي الدهلوي صاحب کتاب إظهار الحقّ.
قال: الفصل الرابع: في دفع شبهات القسّيسين الواردة على الأحاديث، وهي خمس شبهات: الشبهة الٱولىٰ: أنّ رواة الحديث أزواج محمّد (صلّی الله علیه و آله) وأقربائه وأصحابه، ولا اعتبار لشهادتهم في حقّه .
والجواب: أنّ هذه الشبهة ترد عليهم بأدنىٰ تغيير. إلىٰ أن قال: والجواب عنه إلزاماً و تحقیقاً هكذا. أمّا إلزاماً. إلىٰ أن قال: وأمّا الجواب عنه تحقيقاً فلأنّ القرآن المجيد عند جمهور علماء الشيعة الإمامية الإثنا عشرية محفوظ عن التغيّر والتبديل، ومن قال منهم بوقوع النقصان فيه، فقوله مردود غير مقبول عندهم.
قال الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن بابويه الذي هو من أعظم علماء الاماميّة الإثنا عشرية في رسالته الاعتقادية: إعتقادنا في القرآن أنّ القرآن الذي أنزل الله تعالىٰ على نبيّه هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة، وعندنا «والضحىٰ» و «ألم نشرح» سورة واحدة، ولإيلاف» و «ألم تر كيف» سورة واحدة، ومن نسب إلينا أنّا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب إنتهىٰ .
وفي تفسير مجمع البيان الذي هو تفسير معتبر عند الشيعة: ذكر السيد الأجلّ المرتضیٰ علم الهدیٰ ذوالمجد أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي أنّ القرآن كان على عهد رسول الله(صلّی الله علیه وآله) مجموعاً مؤلّفاً علىٰ ما هو الآن، واستدلّ علىٰ ذلك بأنّ
ص: 259
القرآن كان يدرّس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتّىٰ عيّن علىٰ جماعة من الصحابة في حفظهم، وإنّه كان يعرض على النبي (صلّی الله علیه و آله) ويتلىٰ عليه، وإنّ جماعة من الصحابة كعبدالله بن مسعود وٱبيّ بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي (صلِّی الله علیه و آله)عدّة ختمات.
وكلّ ذلك بأدنىٰ تأمّل يدل علىٰ أنّه كان مجموعاً مرتّباً غير منشور ولا مبثوث .
وذكر أنّ من خالف من الإمامية والحشوية لا يعتدّ بخلافهم، فإنّ الخلاف مضاف إلىٰ قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا صحّتها لا يرج بمثلها عن المعلوم المقطوع علىٰ صحّته إنتهیٰ .
وقال السيّد المرتضىٰ أيضاً : إنّ العلم ّبصحّة القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام المشهورة، وأشعار العرب المسطورة، فإنّ العناية اشتدّت والدواعي توفّرت علىٰ نقله، وبلغت إلىٰ حدّ لم تبلغه فيما ذكرناه؛ لأنّ القرآن معجزة النبوّة، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وعنايته الغاية، حتّىٰ عرفوا كلّ شيء فيه من إعرابه وقراءته وحروفه و آیاته، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد إنتهیٰ .
وقال القاضي نور الله الشوشتري الذي هو من علمائهم المشهورين في كتابه المسمّىٰ بمصائب النواصب: ما نسب إلى الشيعة الإمامية بوقوع التغيّر في القرآن ليس ممّا قال به جمهور الإمامية، إنّما قال به شرذمة قليلة منهم، لا اعتداد بهم فيما بينهم إنتهیٰ .
ص: 260
و قال الملاّ صادق في شرح الكليني: يظهر القرآن بهذا الترتيب عند ظهور الإمام الثاني عشر ويشهر به إنتهیٰ .
و قال محمّد بن الحسن الحرّ العاملي الذي هو من كبار المحدّثين في الفرقة الإمامية في رسالة كتبها في ردّ بعض معاصریه: هر کسی که تتبّع أخبار و تفحّص تواریخ و آثار نموده بعلم يقينی می داند که قرآن در غايه وأعلا درجه تواتر بوده،و آلاف صحابه حفظ ونقل می کردند آن را، و در عهد رسول خدا (صلّی الله علیه و آله)مجموع ومؤلّف بود إنتهىٰ .
فظهر أنّ المذهب المحقّق عند علماء الفرقة الإمامية الإثنا عشرية أنّ القرآن الذي أنزله الله علىٰ نبيّه هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، وأنّه كان مجموعاً مؤلفاً في عهد رسول الله(صلّی الله علیه و آله) وحفظه ونقله ٱلوف من الصحابة، وجماعة من الصحابة كعبدالله بن مسعود وٱبي بن كعب وغيرهما، ختموا القرآن علىٰ النبي عدّة ختمات، ويظهر القرآن ويشهر بهذا الترتيب عند ظهور الامام الثاني عشر رضي الله عنه، والشرذمة القليلة التي قالت بوقوع التغيّر، فقولهم مردود ولا اعتداد بهم فيما بينهم، وبعض الأخبار الضعيفة التي رويت في مذهبهم لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع علىٰ صحّته وهو حقّ؛ لأنّ خبر الواحد إذا اقتضیٰ علماً ولم يوجد في الأدلة القاطعة ما يدلّ عليه وجب ردّه، علىٰ ما صرّح ابن المطهّر الحلّي في كتابه المسمّىٰ بمبادىء الوصول إلىٰ علم الٱصول، وقد قال الله تعالىٰ ( إناّ نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظونه) .
وفي تفسير الصراط المستقيم الذي هو تفسیر معتبر عند علماء الشيعة: أي إنّا
ص: 261
الحافظون له من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان .
وإذا عرفت هذا فأقول: إنّ القرآن ناطق بأنّ الصحابة الكبار لم يصدر عنهم شيء يوجب الكفر ويخرجهم عن الايمان إنتهىٰ (1).
أقول: يدلّ كلامه علىٰ أن العامّة قائلون بالتحريف، وتمسّك بقول الشيعة بعدم التحريف؛ لأنّه في مقام ردّ شبهة النصارىٰ على المسلمين، بأنّ مذهبكم انتشر من أصحاب النبي(صلِّی الله علیه و آله) ، فإن أجاب بأنّ القرآن مدحهم، أجابوا بأنّه سقط منه ما دلّ على ذمّهم، فلذا ذكر أنّ القرآن غير محرّف عند الشيعة .
ولا يخفىٰ أنّ من لاحظ كتب الشيعة في الفقه وغيره، يرى أنّ علماءهم يتمسّكون لمعتقداتهم في الٱصول والأحكام العملية في الفروع بالقرآن المجید الموجود بين الدفّتين علىٰ ما هو عليه، فيستدلّون علىٰ معتقدهم بأنّ أمير المؤمنین علي بن أبي طالب علیه السّلام خليفة الرسول (صلّی الله علیه و آله)بلا فصل، ثمّ أولاده المعصومون علیهم السّلام بالقرآن، وأنّ الغاصبين منصبهم يستحقّون العذاب.
ويثبتون بالقرآن عصمة الأئمة عایهم السّلام، والتقية، والبداء، والمهدوية، والغيبة والظهور، والرجعة، ووجوب مودّة ذي قربي الرسول (صلّی الله علیه و آله) ، ووجوب التبرّي منأعدائهم وظالميهم، كما يستدلّون بالقرآن في أحكام العبادات والمعاملات والأخلاق وغيرها، وكأنّ بعض العامّة زعم توقّف ذلك على القول بالتحريف فرماهم بالقول به، مع أنّ الأمر ليس كذلك، إذ هم يستدلّون بهذا القرآن الموجود على الأمور المذكورة، وتقدّم في الفصول السابقة إثبات بعض ما ذكر من القرآن،
ص: 262
وسيأتي إثبات بعضها الآخر من القرآن أيضاً.
وممّا ينبغي للباحث الذي يريد تصحيح عقيدته التي هي سبب لنجاته من عذاب جهنّم، وفوزه بنعيم الجنّة، أن يتوجّه إلىٰ جميع آيات القرآن المجيد، ويستفيد من جميعها بعد الاستشهاد للمراد من بعضها علىٰ البعض الآخر، ولا يأخذ بالعامّ من دون ملاحظة الخاصّ، ولا بالمجمل من دون مراعاة المبيّن، بل يأخذ بالمحكم، وأمّا المتشابه فيدعه، وكذا ما لا يعرفه من الناسخ والمنسوخ، والعامّ والخاصّ، وكلّ ما كان علمه مودعاً عند من أودع النبي(صلّی الله علیه وآله) علمه عنده، وهو علي بن أبي طالب (صلّی الله علیه وآله).هذا .
ونحن نجيب عن الآيات الشريفة التي استدلّوا بها إجمالاً وتفصيلاً :أمّا إجمالاً، فنقول: إنّ المعاصرين للنبي(صلّی الله علیه وآله) كانوا فرقاً : الفرقة الٱولىٰ: الكفّار والمشركون واليهود والنصارىٰ، وهؤلاء كلّهم كانوا منحازين عن رسول الله(صلّی الله علیهوآله) ، وبعضهم كان محارباً له(صلّی الله علیه وآله) ، وبعض آخر كان في ذمّة ويؤدّي الجزية، والآيات الدالّة علىٰ ذلك كثيرة لا حاجة إلى التعرّض لها .
الفرقة الثانية: المنافقون الذين ظهر نفاقهم، قال الله تعالىٰ : (إنّما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يتردّدون) (1)
وقال عزّ من قائل: (ولا تصلّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم علىٰ قبره إنّهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) (2) وقال سبحانه: ( و منهم الذين يؤذون
ص: 263
النبي ويقولون هو ٱذن قل ٱذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين و رحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم (1) وقال تعالىٰ شأنه: (الأعراب أشدّ كفراً ونفاقاً وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله علىٰ رسوله والله عليم حکیم) (2) .
وقال الله سبحانه: (بشّر المنافقين بأنّ لهم عذاباً أليماً * الذين يتّخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أ يبتغون عندهم العزة فإنّ العزّة لله جميعاً) (3) وآيات ٱخر تدلّ على وجود المنافقين الذين ظهر نفاقهم وعرفهم الناس بذلك .
الفرقة الثالثة: المنافقون الذين أسلموا لساناً وأبطنوا الكفر، ولم يظهر نفاقهم إلاّ لبعض المؤمنين، وهؤلاء عوملوا معاملة المسلمين، وٱجريت عليهم أحكامهم .
والآيات الدالّة علىٰ وجودهم حول النبي(صلّی الله علیه وآله) كثيرة، نشير إلىٰ بعضها : قال سبحانه وتعالىٰ: (ومن الناس من يقول آمنّا بالله وباليوم الآخر وماهم بمؤمنین - إلىٰ قوله تعالىٰ - صمّ بكم عمي فهم لا يرجعون) (4).
وقال تعالى شأنه: (إنّ المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا کسالیٰ براؤون الناس ولا يذكرون الله إلاّ قليلاً ) (5) .
وقال تعالىٰ شأنه: (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلاّ أنّهم كفروا بالله وبرسوله
ص: 264
ولا يأتون الصلاة إلاّ وهم كسالى ولا ينفقون إلآ وهم کارهون) (1) .
وقال سبحانه: ( ويقول الذين آمنوا لو لا نزّلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشيّ عليه من الموت فأولیٰ لهم) (2).
وقال تعالى: ( أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم * ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفّتهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم) (3) .
وقال سبحانه: (و ممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ) (4).
وقال سبحانه: (يحذر المنافقون أن تنزّل عليهم سورة تنبّهم بما في قلوبهم ) (5) .
فكان هؤلاء المنافقون حول النبي(صلّی الله علیه وآله) يحضرون الصلاة معه ویراؤون، وهم مع ذلك خائفون من أن يظهر ما في قلوبهم .
ثمّ إنّ الإيمان له مراتب، منها الإقرار باللسان، وقد سمّاه الله تعالى إيماناً وناديٰ أهله به؛ لقوله تعالىٰ (يا أيّها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثباتاً أو
ص: 265
انفروا جميعاً * وإنّ منكم لمن ليبطّئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهیداً * ولئن أصابكم فضل من الله ليقولنّ كأن لم تكن بينكم وبينه مودّة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً) (1) فيمكن إطلاق المؤمن على المؤمن لساناً، وذلك لا يدلّ علىٰ كونه من أهل النجاة.
ويظهر للمتدبّر في هذه الآيات أنّ أصحاب النبي (صلّی الله علیه وآله)كانوا طائفتين: مؤمنون حقاً، ومنافقون .
الفرقة الرابعة: المؤمنون لساناً وقلباً، وهم أهل النجاة إذا توفّرت فيهم أمور ثلاثة دلّت آيات القرآن المجيد عليها، وكما سبق وقلنا نعود ونذكر أنّه لا يتمسّك بإطلاق آية واحدة، بل يلاحظ جميع آيات القرآن المجيد، وهذه الأمور هي :
الأوّل: أن يؤمنوا بالله وبجميع ما أنزله، ويصدّقوا رسوله (صلّی الله علیه وآله)في جميع ما يخبر عن الله تعالىٰ، ولا يوادّوا من حادّ الله ورسوله. قال الله سبحانه: قولوا آمنّا بالله وما ٱنزل إلينا وما ٱنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي النبيّون من ربّهم لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون * فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا) (2) .
وقال تعالىٰ شأنه: ( فلا وربّك لا يؤمنون حتّىٰ يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت ويسلّموا تسلیماً) (3) وقال سبحانه: (لا تجد
ص: 266
قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله) (1).
وقال جلّ جلاله: (أفمن يعلم أنّما ٱنزل إليك من ربّك الحقّ كمن هو أعمىٰ) الآیة (2) .
ثم إنّ الشيعة الإمامية تقول: إن خلافة علي وأولاده المعصومين عليهم السّلام ممّا أنزله الله سبحانه علىٰ نبيّه وقد بينه للناس، وقد ذكرنا الآيات الشريفة الدالّة عليه، فمن لم يؤمن بذلك ولم يعتقد خلافتهم بلا فصل بعد رسول الله(صلّی الله علیه وآله) يكون خارجاً عن المؤمنين المذكورين في الآية الشريفة، فإنّه لم يؤمن بما أنزل الله. وكذا من كان في نفسه حرج ممّا فعله رسول الله (صلّی الله علیه وآله)من الوصية بعترته، و تعيينه علياً علیه السّلام خلیفته بلا فصل.
الثاني: التقوىٰ والعمل الصالح، فالإيمان المجرّد عن العمل الصالح لا يوجب الفوز بالسعادة والنجاة من النار، إلاّ أن يتدارك بتوبة أو شفاعة، قال الله سبحانه: (وإن منكم إلاّ واردها كان علىٰ ربّك حتماً مقضيّاً* ثم ننجّي الذين اتّقوا ونذر الظالمين فيها جثيّاً (3) .
وقال سبحانه: (إنّما يتقبّل الله من المتّقين )(4) وقال تعالىٰ: (وينجّي الله الذين اتّقوا بمفازتهم لا يمسّهم السوء ولا هم يحزنون) (5) وقال تعالىٰ: ومن
ص: 267
أحسن قولاً ممّن دعا إلى الله و عمل صالحاً وقال إنّني من المسلمین) (1) فجعل العمل الصالح ممّا يتوقّف عليه القول بالإسلام .
وقد حدّد الإيمان والتقوىٰ في آيات، قال سبحانه: (ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبّيين وآتي المال علىٰ حبّه ذوي القربىٰ واليتامٰى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضرّاء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتّقون) (2).
والأعمال الصالحة، كالصلاة والزكاة والحجّ وغيرها، لها أجزاء وشرائط، لا تكون أعمالاً صالحة إلا مع وجودها، وأمّا مع فقد بعضها فلا تكون كذلك .
وقد اختلف الشيعة وغيرهم في أجزائها وشرائطها، فالشيعة الإمامية يعتقدون مثلاً وجوب المسح على الرجلين في الوضوء، وبطلانه إذا غسلت الرجلان بدل المسح، وذلك تبعاً للنبي (صلّی الله علیه وآله) ولأئمّتهم المعصومین علیهم السّلام .
فإنّه قد تواتر عن الإمام أبي جعفر محمّد بن علي علیهما السّلام أنّه كان يمسح على الرجلين، وحكىٰ أنّ رسول الله (صلّی الله علیه وآله) كان يمسح على رجليه، وقد أدرك جدّه
الحسين علیه السّلام ، وهو أدرك جدّه رسول الله (صلّی الله علیه وآله)، وهم صادقون بلا ریب. حتّىٰ صار المسح على الرجلين علامة كون الماسح من أتباع أهل البيت، قد ثبت ذلك في
ص: 268
التاريخ، وتواترت عليه الأخبار من زمان المعصومين عليهم السّلام ، فلا يمكن المناقشة في كونه كذلك.
فإذا بطل الوضوء بطلت الصلاة، ومن لم يصلّ لم يكن من المتّقين. ومثل المسح على الرجلين السجود على الأرض أو ما أنبتته الذي تعتبره الشيعة في صلاتها، فتبطل صلاة من لا يسجد على الأرض أو ما أنبتته .
وقد بيّنا في الفصول المتقدّمة دلالة الآيات القرآنية علىٰ لزوم متابعة المعصومین علیهم السّلام ، والعمل بأقوالهم والأخذ بسيرتهم، والبراءة من عمل مخالفيهم ومعانديهم.
الثالث: أن يتوفّىٰ مؤمناً، فلو ارتدّ ومات مرتدّاً لم ينفعه إيمانه السابق وحبطت أعماله، قال الله سبحانه: (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فٱولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وٱولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) (1) وقال سبحانه: (ومن يتبدّل الكفر بالإيمان فقد ضلّ سواء السبيل (2).
وقال عزّ من قائل: (إنّ الذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم وٱولئك هم الضالّون (3) وقال تعالىٰ: (وما محمّد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علىٰ أعقابكم ومن ينقلب علىٰ عقبيه فلن يضرّ الله شيئاً وسيجزي الله الشاکرین )(4) .
ص: 269
وقال سبحانه: (إنّ الذين آمنوا ثمّ كفروا ثمّ آمنوا ثمّ كفروا ثمّ ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً ) (1).
والعجب من بعض العامّة حيث تمسك بقوله تعالىٰ (فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً یره) علىٰ عدم إحباط الأعمال الصالحة، وزعم أنّ لأصحاب النبي(صلّی الله علیه وآله) أعمالاً صالحة، وهذا هو الذي أشرنا إليه مرات من أنّه لابدّ من ملاحظة جميع آيات القرآن المجيد التي منها هذه الآيات التي تصرّح بإحباط عمل المرتدّ .
ثمّ إنّ قوله تعالىٰ ( وإنّي لغفّار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثمّ اهتدی) (2) يدلّ على اشتراط شمول مغفرة الله للعبد بأمور أربعة: التوبة، والإيمان، والعمل الصالح، والاهتداء، وهو قبول الهداية من الهادي الذي قد ظهر ممّا بيّناه أنّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأولاده المعصومون الهداة صلوات الله عليهم (3) وقد تحصّل ممّا قدّمناه أمور :
الأوّل: أنّ مصاحبة النبي (صلّی الله علیه وآله) ليست بنفسها - مجرّدة عن الأمور الثلاثة المتقدّمة - ممّا توجب الفضيلة والقرب إلى الله تعالىٰ، بل القول بأنّ مصاحبة النبي(صلِی الله علیه وآله) توجب القرب إلى الله تعالىٰ يدفعه صریح الآيات النازلة لضرب المثل في امرأتي نوح ولوط، والمثل يجري في غيرهما ممّن يشبههما .
قال سبحانه وتعالىٰ: (ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا
ص: 270
تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين) (1) كما أنّه مخالف لقوله تعالىٰ (إنّ أكرمكم عند الله
أتقاكم) (2) حيث جعل مناط القرب عند الله التقوىٰ لا مصاحبة النبي (صلّی الله علیه وآله) ، ولقوله تعالىٰ (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين ٱوتوا العلم درجاته ) (3) حيث جعل میزان رفع الدرجات العلم.
وقد ذمّ الله تعالىٰ أصحاب الأنبياء، فلاحظ الآيات الواردة في أصحاب موسىٰ علیه السّلام ، وأصحاب عيسى علیه السّلام ، وذمّ أصحاب نبيّنا صلّی الله علیه وآله .
قال الشيخ المفيدة رحمة الله في شأن أصحاب النبي (صلّی الله علیه وآله): وهؤلاء الصحابة الذين رويتَ ما رويتَ فيهم من الأخبار، وغرّك منهم التسمية بصحبة النبي(صلّی الله علیه وآله) ، وكان أكابرهم وأفاضلهم أهل بدر الذين زعمت أنّ الله قطع لهم المغفرة والرضوان، هم الذين نطق القرآن بكراهتهم للجهاد، ومجادلتهم للنبي(صلّی الله علیه وآله) في تركه، وضنّهم بأنفسهم من نصره، ورغبتهم في الدنيا، وزهدهم في الثواب .
فقال جلّ اسمه: (كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقاً من المؤمنین الكارهون * يجادلونك في الحقّ بعد ما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون * وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحقّ الحقّ بكلماته ويقطع دابر الكافرين* ليحقّ الحقّ
ص: 271
ويبطل الباطل ولو كره المجرمونه) (1).
ثمّ زجرهم الله تعالىٰ عن نفاق نبيّهم(صلّی الله علیه وآله) لما علم من خبث نيّاتهم، وأمرهم بالطاعة له والإخلاص، وضرب لهم فيما أنبأ به من بواطن أخبارهم وسرائرهم الأمثال، وحذّرهم من الفتنة بارتكابهم قبائح الأعمال، وعدّد عليهم نعمه ليشكروه ويطيعوه فيما دعاهم إليه من الأعمال .
وأنذرهم العقاب من الخيانة لله جلّت عظمته ولرسوله(صلّی الله علیه وآله) ، فقال تعالىٰ: «يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تولّوا عنه وأنتم تسمعون * ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون * إنّ شرّ الدوابّ عند الله الصمّ البكم الذين لا يعقلون * ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولّوا وهم معرضون * يا أيّها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما یحییکم واعلموا أنّ الله يحول بين المرء وقلبه وأنّه إليه تحشرون * واتّقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصّة واعلموا أن الله شديد العقاب * واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطّفكم الناس فآواكم وأيّدكم بنصره ورزقكم من الطيّبات لعلّكم تشكرون* يا أيّها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون * واعلموا أنّما أموالكم وأولادكم فتنة وأنّ الله عنده أجر عظیم) (2) .
ومن قبيل هذا ما أكّده عليهم من فرض الصبر في الجهاد، وتوعّدهم بالغضب
ص: 272
على الهزيمة، لما علم من ضعف بصائرهم، فلم يلتفتوا إلىٰ وعيده، وأسلموا نبیّه (صلّی الله علیع وآله) إلىٰ عدوّه في مقام بعد مقام.
فقال سبحانه: (يا أيّها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلّكم تفلحون) (1) وقال تعالىٰ: (يا أيّها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولّوهم الأدبار ومن يولّهم يومئذ دبره إلاّ منحرّفاً لقتال أو متحيّزاً إلىٰ فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنّم وبئس المصيره) (2) .
هذا وقد أخبر جلّ اسمه عن عامّة من حضر بدراً من القوم ومحبّتهم للحياة وخوفهم من الممات، وحضورهم ذلك المكان طمعاً في الغنائم والأموال، وأنّهم لم يكن لهم نيّة في نصرة الإسلام.
فقال تعالىٰ: (إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوىٰ والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيیٰ من حيّ عن بيّنة وإن الله لسميع عليم * إذ يريكهم الله في منامك قليلاً ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكنّ الله سلّم إنّه عليم بذات الصدوره )(3)(3) .
وقال في القوم بأعيانهم وقد أمرهم نبيه(صلّی الله علیه وآله) بالخروج إلىٰ بدر، فتثاقلوا عنه واحتجّوا عليه ودافعوا عن الخروج معه: (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفّوا أيديكم
ص: 273
وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس کخشية الله أو أشدّ خشية وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال لولا أخّرتنا إلىٰ أجل قریب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتّقىٰ ولا تظلمون فتيلاً * أينما تكونوا يدرككم الموت ولو کنتم في بروج مشيّدة ) (1) الآية .
وقال تعالىٰ فيهم وقد كان لهم في الأسرىٰ من الرأي: (ما كان النبي أن يكون له أسرىٰ حتّىٰ يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حکیم * لولا كتاب من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) (2) فأخبر سبحانه بالنصّ الذي لا يحتمل التأويل أنّهم أرادوا الدنيا دون الآخرة و آثروا العاجلة على الآجلة،وتعمّدوا العصيان ولولا سابق علم الله وكتابه لعجل لهم العقاب .
وقال تعالىٰ فيما قصّ من نبأهم في يوم ٱحد، وهزيمتهم من المشركين، وتسليم النبي(صلّی الله علیه وآله) : وإذ تصعدون ولا تلوون علىٰ أحد والرسول يدعوكم في ٱخراكم فأثابكم غمّاً بغمّ لكيلا تحزنوا علىٰ ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون) (3) وقال جلّ اسمه في قصّتهم بحنين وقد ولّوا الأدبار ولم يبق مع النبي(صلّی الله علیه وآله) غير أمير المؤمنين علیه السّلام ، والعبّاس بن عبدالمطّلب رضی الله عنه ، وسبعة من بني هاشم لیس
ص: 274
معهم غيرهم من الناس: (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثمّ ولّیتم مدبرین* ثمّ أنزل الله سكينته علىٰ رسوله وعلى المؤمنين) (1) يعني: أمیرالمؤمنین علیه السّلام والصابرين معه من بني هاشم دون المنهزمين.
وقال سبحانه في نكثهم عهود النبي (صلّی الله علیه وآله)وهو حيّ بين أظهرهم موجود: (و لقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولّون الأدبار وكان عهد الله مسؤولاً (2) .
وقد سمع كلّ من سمع من الأخبار ما كان يصنعه كثير منهم، والنبي(صلّی الله علیه وآله) حيّ بين أظهرهم، والوحي ينزل عليه بالتوبيخ لهم والتعنيف والإبعاد، ولا يزجرهم ذلك
عن أمثال ما ارتكبوه من الآثام.
فمن ذلك ما روي أنّ النبي (صلّی الله علیه وآله)كان يخطب على المنبر في يوم الجمعة، إذ جاءت عبر لقريش قد أقبلت من الشام ومعها من يضرب بالدفّ ويستعمل ما حظره الإسلام، فتركوا النبي(صلّی الله علیه وآله) قائماً على المنبر وانفضّوا عنه إلى اللهو واللعب رغبة فيه وزهداً في سماع موعظة النبي(صلّی الله علیه وآله) وما يتلوه عليهم من القرآن، فأنزل الله عزّوجلّ فيهم (و إذا رأوا تجارة أو لهواً انفضّوا إليها وتركوك قائماً قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين) (3).
ثمّ إنّ الشيخ المفيد رحمة الله ذكر ٱموراً من ذمومهم، إلىٰ أن قال: فأمّا من كان منهم
ص: 275
يظاهر النبي (صلّی الله علیه وآله)ممّن يقيم معه الصلاة ويؤتي الزكاة، وينفق في سبيل الله، ويحضرالجهاد، ويباطنه بالكفر والعدوان، فقد نطق بذكره القرآن، كما نطق بذكر من ظهر منه النفاق، قال الله تعالىٰ: (إنّ المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا کسالیٰ پراؤون الناس ولا يذكرون الله إلاّ قليلاً) (1).
إلىٰ أن قال: وقال جلّ وعزّ فيهم وقد أحاطوا بالنبي (صلّی الله علیه وآله) ، وجعلوا مجالسهم منه عن يمينه وشماله ليلبسوا بذلك على المؤمنين: (فما للذين كفروا قبلك مهطعين*عن اليمين وعن الشمال عزین * أيطمع كلّ امرىء منهم أن يدخل جنّة نعيم* كلاّ إنّا خلقناهم ممّا يعلمون ) (2) .
ثمّ دلّ نبيّه(صلّی الله علیه وآله) علىٰ جماعة منهم، وأمره بتألّفهم والإغضاء عمّن ظاهره النفاق منهم، فقال: «سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنّهم رجس ومأواهم جهنّم جزاءً بما كانوا يكسبون) (3) وقال: (خذ العفو وأمربالعرف وأعرض عن الجاهلين) (4) وقال: (إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه وليّ حميم * وما يلقّاها إلاّ الذين صبروا وما يلقّاها إلاّ ذو حظّ عظیم) (5) .
وجعل لهم في الصدقة سهماً منصوصاً، وفي الغنائم جزءً مفروضاً، وكان من
ص: 276
عددناه وتلونا فيه القرآن، وروينا في أحواله الأخبار، قد كانوا من جملة الصحابة،وممّن شملهم اسم الصحية، ويتحقّق الاعتزاء إلى النبي(صلّی الله علیه وآله) علىٰ طبقاتهم في الخطأ والعمد والضلال والنفاق بحسب ما شرحناه، فهل يتعلّق عاقل بعد هذا بذكر الصحبة ومشاهدة النبي (صلّی الله علیه وآله)في القطع علىٰ فعل الصواب، وهل يوجب بذلك العصمة والتأييد إلاّ بأنّه مخذول مصدود عن البيان. (1).
الثاني: أنّ المنافقين الذين أبطنوا الكفر ولم يظهروانفاقهم كانوا حول النبي(صلّی الله علیه وآله) علىٰ ما دلّت عليه الآيات المذكورة، ووجودهم حوله يوجب الشكّ في كلّ واحد من صحابته؛ لاحتمال كونه من المنافقين إلاّ من ٱحرز وعلم أنّه ليس منافقاً، كما علم جميع الٱمّة أنّ الإمام عليّاً علیه السّلام لم يشرك بالله طرفة عين.
وزعم بعض العامّة أنّ المنافقين قبل وفاة النبي(صلّی الله علیه وآله) كانوا مغمورين أذلاّء لاسيّما في آخر أيّام النبي(صلّی الله علیه وآله) ، لأنّ من المنافقين من تاب عن نفاقه وانتهىٰ عنه، وهو الغالب بدليل قوله تعالىٰ (ولئن لم ينته المنافقون) (2) الآية إلىٰ آخر ما ذكره.
وهذا الذي زعمه باطل، فإنّه لو سلّم قلّة المنافقين الذين ظهر نفاقهم، فلا نسلّم قلّة من أخفىٰ نفاقه وكفره وأظهر الإسلام.
وقد قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: وقد كان في أيّام الرسول( صلّى الله عليه وآله) منافقون وبقوا بعده (3) .
ص: 277
ومن راجع التاريخ الموثوق به يرىٰ أنّ المنافقين في زمان النبي(صلّی الله علیه وآله) أثاروا الفتن و آذوا الرسول(صلّی الله علیه وآله) ، لكن بمجرّد وفاته هدأت نفوسهم، وليس ذلك إلاّ الوصولهم إلىٰ ما أرادوه.
الثالث : أنّ ثبوت کون شخص معيّن من الصحابة مؤمناً في حياة النبي (صلّی الله علیه وآله)لا ينفع في الحكم بإيمانه، إلاّ إذا علم بقاؤه على الإيمان بعد وفاة النبي(صلّی الله علیه وآله) ، وأنّه لم ينقلب علىٰ عقبيه، ولم يمت مرتدّاً عن الإسلام، وقد علم أنّ الإمام عليّاً* كان في أعلىٰ درجات الإيمان إلىٰ أن استشهد في شهر رمضان في مسجد الكوفة (1) .
ص: 278
ص: 279
وقد أخبر الله تعالىٰ عن ردة بعض الصحابة، على ما ذكره الشيخ المفيد رحمة الله ، حيث قال: إنّ قوله تعالىٰ (أفإن مات أو قتل انقلبتم علىٰ أعقابكم) (1) إخبار عن ردّتهم بعد نبيّهم على القطع والثبات (2) إنتهىٰ .
قلت: فإن أنكر منكر ظهور هذه الآية في الإخبار عن انقلاب أصحاب النبي(صلّی الله علیه وآله) ، فليس له أن ينكر دلالتها على إمكان انقلابهم، فإنّه لو لم يكن ولم يحتمل انقلابهم لم يكن وجه لذكره، فمن يمكن في حقّه الانقلاب؟ هل هو علي وفاطمة عليههما السّلام وأتباعهما أم هم المتقدّمون علىٰ علي ؟ وقول بعض العامّة إنّ عليّاً علیه السّلام وافق القوم يستلزم عدم إمكان تحقّق الانقلاب، وهو خلاف الآية لدلالتها لا أقّل علىٰ إمكانه، فتبصّر.
الرابع : المراد من الآيات الشريفة التي أثنت على المؤمنين أو الٱمّة، أو أتباع النبي(صلّی الله علیه وآله) ، هم المؤمنون حسب الشرائط المتقدّمة الذين يكونون من أهل السعادة (3)
ص: 280
والفائزين بدخول الجنّة، فهذا ما نرومه من هذا البحث .
وليس المراد منها من أظهر الإيمان وإن أبطن الكفر وكان منافقاً؛ لأنّه مناف للآيات الذامّة للمنافقين، كقوله تعالىٰ (وعد الله المنافقين والمنافقات والكفّار نار جهنّم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم) (1) وقوله تعالىٰ (إنّ المنافقين في الدرك الأسفل من النار»(2) .
بل لو سلّم شمول المؤمنين أو الٱمّة أو أتباع النبي(صلّی الله علیه وآله) للمنافقين، وجب تخصيصها بغير المنافقين، فإنّ من القواعد المسلّمة بين أهل المحاورة أنّه يرجع کلام المتكلّم الواحد بعضه إلىٰ بعض، فيتعيّن أن يكون المراد بالٱمّة أو المؤمنين خصوص المؤمن حقّاً بشرائطه المتقدّمة.
الخامس : أنّ الخبر الدالّ علىٰ مدح جميع صحابة النبي(صلّی الله علیه وآله) مخالف لهذه الآيات الدالّة علىٰ وجود المنافقين حول النبي(صلّی الله علیع وآله) ، مثل ما رواه العامّة عن النبي(صلّی الله علیه وآله) أنّه قال: «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتدیتم اهتديتم» فإنّه لو كان المراد بقوله «أصحابي» كلّ من صحب النبي(صلّی الله علیه وآله) وإن كان ممّن أظهر الإسلام وأبطن الكفر، كان مخالفاً للقرآن الكريم. وإن كان المراد المؤمن حقّاً حسب الشرائط المتقدّمة، فهم منحصرون في علي أمير المؤمنين علیه السّلام* وتابعيه.
وكذا كلّ رواية وردت في مدح عموم الصحابة، مثل ما رويٰ في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله) : لا تسبّوا أحداً من أصحابي، فإنّ
ص: 281
أحدكم لو أنفق مثل ٱحد ذهباً ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه (1).
وكذا لو ورد خبر في مدح واحد ممّن صحب النبي (صلّی الله علیه وآله) وخالف أمير المؤمنین علي بن أبي طالب علیه السّلام الذي نطق القرآن بإمامته، فإنّ الخبر يكون مخالفاً للقرآن،مثل ما رواه العامة عن النبي (صلّی الله علیه وآله)أنّه قال: «اقتدوا باللذين من (2) وكذا الخبر الوارد في كتب العامّة في عشرة من أصحاب النبي(صلّی الله علیه وآله) أنّهم في الجنّة (3)، مع أنّ في هذه الأخبار مع قطع النظر عن مخالفتها للقرآن مناقضات مذكورة في كتب الإمامية، لاحظ كتاب الإفصاح في الإمامة للشيخ المفيد رحمة الله ، وكذا غير هذه الأخبار ممّا يدلّ علىٰ أنّ جميع أصحاب الرسول(صلّی الله علیه وآله) صادقون .
وممّا ذكرنا ظهر أنّ الصحابي بما هو صحابي لا اعتبار بقوله في تفسير القرآن وغيره، لا في درايته ولا في روايته، إلاّ إذا كان ثقة ضابطاً في نقل الخبر، فيقبل منه على الشرائط المذكورة في علم الٱصول، وأمّا درايته فليست حجّة .
وقد تبيّن ممّا ذكر عدم تمامية ما استدلّوا به من الآيات علىٰ عدالة جميع الصحابة، أو علىٰ خلافة الثلاثة.
وذلك لأنّ المراد بها غير المنافقين والمرتدّین بعد النبي(صلّی الله علیه وآله) المنقلبين علىٰ أعقابهم، فإنّ هؤلاء قد ذمّهم الله تعالىٰ في سائر الآيات، وأوجب لهم دخول النار، فيحمل المطلق علىٰ ما عدا الفرد المذموم. مع أنّ تلك الآيات مقرونة بقرائن تدلّ
ص: 282
علىٰ عدم إرادة عموم منأظهر الإسلام وإن کان منافقاً، وسنبيّن تلك القرائن . إلىٰ هنا كان الجواب إجمالاً عن الآيات التي استدلّوا بها علىٰ عدالة الصحابة.
وأمّا الجواب عنها تفصيلاً، فنقول : الآيات التي استدلّوا بها علىٰ عدالة الصحابة والجواب عنها
(کنتم خیر اُمّة اُخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون) (1)(1)
قال الدهلوي بعد ذكر الآية: فمدح الله الصحابة بثلاثة أوصاف: الأوّل أنّهم خير أمّة. والثاني: أنّهم كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. والثالث: أنّهم كانوا مؤمنين بالله (2)(2) وهذه الأوصاف تلازم العدالة؛ لأنّ العاصي لا يكون خيراً من غيره، وقد استدلوا بها على حجّية الإجماع أيضاً، لأنّها إذا اجتمعت علىٰ خلاف الواقع لم تكن خير أمّة، ولم يكونوا آمرين بالمعروف ولا ناهين عن المنكر .
والجواب: أنّ الاستدلال بشمول إطلاق الأمّة لجميع الصحابة ممنوع.
أمّا أوّلاً. فلأنّ الخطاب في «كنتم» إمّا خاصّ بالمشافهين، أو عامّ لهم ولغيرهم، وعلىٰ كلا التقديرين لا يراد بالٱمّة غير المؤمنين بالله وبجميع ما ٱنزل علىٰ نبيّه إيماناً حسب الشرائط المتقدّمة، لما عرفت من وجوب إرجاع بيان إطلاق بعض
ص: 283
الآيات إلىٰ بعضها الآخر المقيد له والمبيّن له .
وعلىٰ ذلك فالمنافقون الذين كانوا حول النبي(صلّی الله علیه وآله) خارجون، وتطبيق الآية علىٰ مورد مشكوك بلا دلیل تخرّص وعمیً.
وقد اتّفق الفريقان علىٰ أنّ عليّاً علیه السّلام لا مصداق ظاهر لهذه الآية .
وثانياً: أنّ نفس الآية مع غضّ النظر عن الآيات الٱخر الذامّة للمنافقين وصفت الٱمّة بأنّهم الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، والأمر بالمعروف والناهي عن المنكر مؤمن بالله عادة، ومع ذلك وصفهم بأنّهم يؤمنون بالله، فلعلّ المراد بقاءهم على الإيمان بالله، فهم خير ٱمّة ماداموا مؤمنين بالله وبرسوله، فإذا ارتدّوا لم يكونوا مؤمنين بالله، فمن أنكر ما قاله رسول الله(صلّی الله علیه وآله) فقد أنكر رسالته وخرج من ٱمّته، وكان كسائر الكفّار واليهود والنصاریٰ، ولايشكّ في ارتداد بعض القوم بعد وفاة رسول الله (صلّی الله علیه وآله)، كما دلّ عليه قوله تعالىٰ (أفإن مات أو قتل انقلبتم علىٰ أعقابكم) (1)(1) ولا شكّ ولا ريب في أنّ علياً * وتابعيه لم يرتدّوا، وبهذا البيان يمكن أن يقال: إنّ ٱمّة رسول الله(صلّی الله علیه وآله) الممدوحین هم المؤمنون الواجدون للشروط الثلاثة المتقدّمة. نعم يصحّ إطلاق أمّة الرسول علىٰ كلّ من أظهر الاسلام وإن أبطن الكفر، لكنّهم ليسوا ٱمّته الممدوحة.
ومن هذا البيان يظهر عدم صحّة الاستدلال علىٰ مشروعية ما فعله القوم بعد النبي(صلّی الله علیه وآله) من الاجتماع في السقيفة بما روي عن النبي(صلّی الله علیه وآله) أنّه قال: «لا تجتمع
ص: 284
ٱمّتي (1)(1) على ضلال» (2)(2) فإنّه مضافاً إلىٰ أنّه لم يكن إجماع لعدم دخول علي علیه السّلام ومن تبعه فيه، أنّ ٱمّته(صلّی الله علیه وآله) الممدوحین بأنّهم لا يجمعون علىٰ ضلال، هم الذين يؤمنون بالله حقيقة ولا ينافقون، ويؤمنون بالرسول (صلّی الله علیه وآله) ولاينكرون رسالته وما أُنزل إليه من ربّه، فإنّ من أنكر ما بلّغه إيّاه الرسول يكون مرتدّاً کافراً خارجاً عن ٱمّته.
وعلىٰ هذا فالذين اجتمعوا علىٰ غير خلافة علي علیه السّلام ما لا يعلم أنّهم من ٱمّته؛ لأنّ الشيعة تقول: إنّ ممّا أنزل الله علىٰ رسوله هي خلافة علي علیه السّلام بعده بلا فصل، ومن أنكر ذلك عالماً خرج عن ربقة الإسلام وجماعة المسلمين.
بل يمكن أن يستدلّ علىٰ أنّهم ليسوا من ٱمّته - بناءً على أنّ الحديث لا يدلّ
ص: 285
على اعتبار اجتماع كلّ الٱمّة بل يكفي اجتماع جماعة من أهل الرأي منهم - أنّه إذا اجتمعت جماعتان من الٱمّة كلّ منهما علىٰ أمر، فإنّ ظاهر الحال وإن كان من الشبهة، باعتبار إمكان أن يقال: إنّ هذه الجماعة المجتمعة علىٰ أمر هي المحقّة، كما يمكن أن يقال ذلك في حقّ الجماعة الٱخرىٰ، إلاّ أنّه إذا علم أنّ إحدى الجماعتين هي من الٱمّة يقيناً كانت هي المصداق للجماعة التي لا تجتمع علىٰ ضلال، وكانت الجماعة الٱخریٰ المجتمعة علىٰ خلافها خارجة عن الٱمّة.
ومن الواضح أنّه كانت بعد رسول الله(صلّی الله علیه وآله) جماعتان، وفي إحداهما من يعلم يقيناً أنّه من ٱمّته(صلّی الله علیه وآله) باتفاق المسلمين، کسيّدة النساء فاطمة عليها السّلام وبني هاشم وسلمان وأبي ذرّ والمقداد وعمّار و نظرائهم، وقد اجتمعوا علىٰ خلافة علي علیه السّلام، فيكون اجتماعهم علىٰ حقّ، ويكون اجتماع غیرهم المخالفين لهم علىٰ ضلال، وهو ممّا يوجب خروج هؤلاء عن الٱمّة، فتأمّل.
و ثالثاً: أنّ ظاهر هذه الآية إخبار عن كونهم خير ٱمّة لأمرهم بالمعروف و نهيهم عن المنكر وإيمانهم بالله، لأنّ قوله «کنتم» بصيغة الماضي، وهي تدلّ علىٰ وقوع الفعل خارجاً، وحينئذ ربما ينافيه قوله تعالىٰ قبل هذه الآية (ولتكن منكم ٱمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وٱولئك هم المفلحون) (1)(1) لأنّه أمر بایجاد ما لم يكن ولم يقع بعد .
ويمكن الجمع بأنّ المراد من الأمر في قوله تعالىٰ «ولتكن» أنّه لابدّ أن تكون ٱمّة كذلك، أي: توجد ٱمّة كذلك، وهم أئمّة أهل البيت علیهم السّلام علیٰ ما تقدّم تطبيق الآية
ص: 286
عليهم في الفصل الرابع حول الآية السادسة، ثمّ أخبر الله سبحانه وتعالىٰ بقوله كنتم خير ٱمّة» بأنّ تلك الٱمّة التي لابدّ من وجودها هم أنتم أهل البيت، فالمراد من الٱمّة خصوص الأئمة المعصومین علیهم السّلام.
ومثل هذه الآية قوله تعالىٰ (وكذلك جعلناكم ٱمّة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول علیکم شهیداً) (1)(1) .
فقد استدلّوا بقوله « وسطاً» علىٰ عدالتهم، فإنّ الوسط هو العدل، ولا تكون هذه حالهم إلاّ وهم خیار، لأنّ الوسط من كلّ شيء هو المعتدل، وأيضاً فإنّه جعلهم كذلك ليكونوا شهداء على الناس، كما أنّ النبي (صلّی الله علیه وآله) شهيد عليهم، فكما أنّه لا يكون شهيداً إلاّ وقوله حقّ، فكذلك القول فيهم .
والجواب ما مرّ في الآية السابقة .
ثمّ إنّه لا يمكن أن يتوهّم أنه لا يجوز تخصيص الٱمّة بطائفة خاصّة هم الأئمّة المعصومون علیهم السّلام، وذلك لأنّه ورد قوله تعالىٰ (إنّ إبراهيم كان ٱمّة واحدة) فٱطلقت الٱمّة علىٰ واحد.
(الذین آمنوا و هاجروا و جاهدوا في سبیل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وٱولئك هم الفائزون * يبشّرهم ربّهم برحمة منه ورضوان وجنّات لهم فيها نعيم مقيم ) (2) .
والجواب: أنّ المراد ب« الذين آمنوا» هم المؤمنون حسب الشرائط المتقدّمة .
ص: 287
وقوله سبحانه (في سبيل الله) لعلّه راجع إلى قوله (هاجروا وجاهدوا) كما قيّد المهاجرة بكونها في سبيل الله في آيات ٱخر: قال الله سبحانه: (والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوّئنّهم في الدنيا حسنة ) (1) وقال تعالى ٰشأنه: (والذين هاجروا في سبيل الله ثمّ قتلوا أو ماتوا ليرزقنّهم الله رزقاً حسناً) (2) وقال سبحانه: (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعةً) (3) وقال تعالىٰ: (ولا يأتل ٱولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا اُولي القربىٰ والمساكين والمهاجرين في سبيل الله )(4) .
والآية الشريفة لا تتكقّل لبيان موضوعها، وهو المؤمن المهاجر المجاهد متقرّباً إلى الله تعالىٰ، ولا طريق لنا إلىٰ إحراز كيفية نيّة الناس حتّىٰ نعلم أنّ هجرته وجهاده في سبيل الله تعالىٰ .
وقد ثبت قطعاً عند الفريقين أنّ الإمام عليّاً علیه السّلام لا مصداق لهذه الآية الشريفة، وهذا البيان يجري في جميع الآيات التي اشتملت علىٰ مدح المؤمن، فإنّ المراد به المؤمن حسب الشرائط الثلاثة المتقدّمة.
مثل قوله تعالىٰ (لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم واُولئك لهم الخيرات) (5) وقوله تعالىٰ (إنّ الله اشتریٰ من المؤمنين أنفسهم
ص: 288
وأموالهم بأنّ لهم الجنّة) (1) مع أنّ هذه الآية الأخيرة اشتلمت علىٰ قوله تعالىٰ والحافظون لحدود الله) (2) وهو يقتضي العصمة أو ما يتلوها؛ لأنّ حفظ جميع حدود الله يتوقّف على العلم بها ثمّ العمل بها، ومعلوم أنّ عليّاً أمير المؤمنین علیه السّلام مصداق لذلك .
وقوله تعالىٰ (إنّ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله اُولئك يرجون رحمة الله )(3) وقوله تعالى (إنّ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا اُولئك هم المؤمنون حقّاً (4).
وقوله تعالىٰ (يوم لا يخزي الله النبيّ والذين آمنوا معه )(5)(وقوله تعالىٰ (وجاهدوا في الله حقّ جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج )(6) وقوله تعالىٰ (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحميّة حميّة الجاهليّة فأنزل الله سكينته علىٰ رسوله وعلى المؤمنين ) (7) .
ص: 289
وقوله تعالىٰ (ولكنّ الله حبّب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم)(1) وقوله تعالى (للفقراء المهاجرون الذين اُخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله و رضواناً - إلىٰ قوله تعالىٰ – إنّك رؤوف رحيم) (2).
فهذه الآيات المشتملة علىٰ مدح المؤمنين اُريد منها المؤمنون حسب الشرائط المتقدّمة، لا مطلق من آمن بلسانه وأبطن الكفر، ولا يصحّ تطبيقها علىٰ جميع من صحب النبي(صلّی الله علیه وآله) ، لما تقدّم من وجود منافقین حوله، ولا يصحّ تطبيقها على موضوع مشكوك، ولا ريب في أنّ عليّاً أمير المؤمنین علیه السّلام مؤمن حقّاً حسب الشرائط المتقدّمة .
والسابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والذين ات-بعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنّات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظیم) (3)(3) .
وجه الدلالة علىٰ عدالتهم أنّه تعالىٰ أخبر بصيغة الماضي الدالّة على الوقوع عن رضوانه عنهم وعن متابعيهم وخلودهم في الجنان، وهو عالم بما يصدر منهم من التقدّم علىٰ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام، فلا يكون تقدّمهم عليه معصية موجبة لعدم الدخول في الجنان .
والجواب: ّقوله تعالىٰ (والسابقونه) إمّا يراد به السابقون إلى الهجرة
ص: 290
والنصرة، وإمّا يراد به السابقون إلى الإيمان، ولا يصحّ أن يشمل إطلاقه للمنافقين الذین سبقوا إلى الهجرة والنصرة، أو سبقوا إلى الإيمان لساناً، فلابدّ من تخصيصه بمن لم یکن منافقاً، بل كان مؤمناً _حسب الشرائط الثلاثة المتقدّمة _ للآيات الدالّة علىٰ ذلك.
وفي نفس الآية قرينتان علیه : إحداهما: قوله تعالىٰ (من المهاجرين) فإنّه ظاهر في التبعيض لا التبيين، ولو كان الإطلاق مراداً لقال: والسابقون الأوّلون المهاجرون .
وعليه فمن المحتمل أنّ المراد من بعض المهاجرين: علي علیه السّلام، وجعفر بن أبي طالب، وحمزة بن عبدالمطّلب، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب، وعمّار، وأبوذرّ ،والمقداد، وزید بن حارثة، ونظراؤهم.
والمراد من بعض الأنصار: أبو أيّوب، وسَعد بن معاذ، وأبو الهيثم بن التيّهان، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، ونظراؤهم .
ثانيتهما: قوله تعالىٰ (والذين اتّبعوهم بإحسان) فإنّه يدلّ على التبعيّة لهم في الإحسان، فلابدّ وأن يكون المتبوعون - أي السابقون الأوّلون محسنین _والمنافق لا يكون محسناً، فلابدّ أن يكونوا مؤمنين حسب الشرائط المتقدّمة .
لأنّه إذا لوحظت الآيات الذامّة للمنافقين، ومن انقلب علىٰ عقبيه بعد وفاة النبي(صلّی الله علیه وآله) ، ومن كتم ما أُنزل إلى الرسول، اتّضح كمال الوضوح أنّ المراد هو السبق إلى الإيمان بالله وبالرسول وبجميع ما أُنزل إليه حسب الشرائط الثلاثة المتقدّمة .
ثمّ إنّ الآية المباركة لا تدلّ علىٰ مصداقها، وإنّما تنطبق علىٰ مصاديقها الواقعية، ونعلم باتّفاق الفريقين أنّ مصاديقها الواقعية علي علیه السّلام ومن ذكرناهم. وأمّا
ص: 291
من عداهم فلا اتّفاق علىٰ أنّهم من مصاديقها، فلا ينفع العامّة استدلالهم بها .
وقوله تعالىٰ (والأوّلون) يحتمل في المراد منه أمران : الأوّل: أن يكون تأكيداً لمعنى السبق، كما يقال: فلان سابق في الفضل أوّل، وسابق إلى الخيرات سابق، كقوله تعالىٰ (والسابقون السابقون) (1) أي: المتقدّمون في فعل الطاعات الحائزون الرتبة الاُولىٰ.
الثاني: أن يكون تقييداً للسابقين، فإنّ السبق إلى الإيمان يشمل كلّ من سبق إليه من الأوّلين والآخرين، كالسبق إلى الخيرات وغيرها، كما قال الله تعالىٰ (فاستبقوا الخيرات) (2)(2) لكن للأوّلين منهم المدائح المذكورة، فهم طائفة خاصّة من المؤمنين، وأمّا الذين يأتون من بعدهم، فإن كانوا مثلهم كانوا داخلين في قوله تعالى (والذين اتّبعوهم بإحسان) (3) .
قال الشيخ المفيد رحمة الله في الافصاح: مع أنّ الوعد من الله تعالىٰ بالرضوان إنّما توجّه إلى السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار، دون أن يكون متوجّهاً إلى التالين الأوّلين، والذين سمّيتهم من المتقدّمين علىٰ أميرالمؤمنين علية السّلام، ومن ضممت إليهم في الذكر لم يكونوا من الأوّلين في السبق، وإنّما كانوا من التالین للأوّلين، والتسالين للتالين، والسابقون الأوّلون من المهاجرين هم:أمير المؤمنین علیه السّلام ، وجعفر بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطّلب، وخبّاب، وزيد بن
ص: 292
حارثة، وعمّار، وطبقتهم، ومن الأنصار النقباء المعروفون، كأبي أيّوب، وسعد بن معاذ، وأبي الهيثم بن التيّهان، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، ومن كان في طبقتهم من الأنصار(1).
والحاصل ممّا ذكرنا أنّ الإطلاق في هذه الآية كالإطلاق في المؤمنین والمؤمنات والصادقين والصابرين في قوله تعالىٰ (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيّبة في جنّات عدن) (2) .
وقوله عزّ شأنه (هذا يوم ينفع الصادقین صدقهم لهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظیم)(3) .
وقوله تعالىٰ (وبشّر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون * اُولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة واُولئك هم المهتدون) (4) وبعضها اشتمل علىٰ رضا الله عنهم ورضاهم عن الله .
وغيرها من الآيات التي يوهم ظاهرها المدح مطلقا، فهل يمكن ادّعاء شمول هذه الآيات لمن استحقّ اسم الإيمان في حال من الأحوال وإن لم يجتمع فيه الشرائط الثلاثة المتقدّمة، أو من صدق في مقاله وإن ضمّ إلىٰ فعله قبائح الأعمال، أو مطلق من صبر علىٰ مصاب فاسترجع له؟ وهل كان له الأمان من العذاب وإن کان مخالفاً في الاعتقاد بل مخالفاً للإسلام؟ بل المراد بهذه الآيات المؤمن
ص: 293
والصادق والصابر حسب الشرائط المتقدمة المستفادة من سائر الآيات .
وبعد تقييد السابقين الأوّلين بكون إيمانهم علىٰ حسب الشرائط الثلاثة المتقدّمة، يرتفع الإشكال عن خروج بعض من كان حول النبي(صلّی الله علیه وآله) ممّن ذکره الشيخ المفيد في الإفصاح، حيث قال : ما ذكرناه من أمر طلحة والزبير وقتالهما لأمير المؤمنین علیه السّلام وهما عند المخالفين من السابقين الأوّلين. ويضمّ إليه ما كان من سعد بن عبادة، وهو سیّد الأنصار ومن السابقين الأوّلين، ونقباء رسول الله(صلّی الله علیه وآله) في السقيفة، ترشّح للخلافة ودعا أصحابه إليه، وما راموه من البيعة له على الإمامة حتّىٰ غلبهم المهاجرون على الأمر، فلم يزل مخالفاً لأبي بكر وعمر ممتنعاً عن بيعتهما في أهل بيته وولده وأشياعه، إلىٰ أن قتل بالشام علىٰ خلافهما ومباينتهما .
وإذا جاز من بعض السابقين دفع الحقّ في الإمامة واعتقاد الباطل فيها، وجاز من بعضهم استحلال الدم على الضلال والخروج من الدنيا علىٰ غير توبة ظاهرة للأنام، فما تنكر من وقوع مثل ذلك من المتقدّمين علىٰ أمير المؤمنين وإن كانوا من السابقين الأوّلين، وما الذي يعصمهم ممّا وقع من شركائهم في السبق والهجرة وغير ذلك ممّا تعدّونه لهم في الصفات، وهذا ما لا سبيل إلىٰ دفعه (1) إنتهی .
وقوله تعالىٰ (بإحسان) إمّا راجع إلىٰ اتّباع التابعين، وأنّه يكون في الإحسان الموجود في المتبوعين، فيدلّ علىٰ وجود الإحسان في السابقين الأوّلين، أي: والسابقون الأوّلون المحسنون، وحينئذ لابدّ من معرفة المحسن منهم من غيره .
ص: 294
وإمّا راجع إلى التابعين، وكأنّه حذف من الجملة السابقة اختصاراً ، نظير قوله تعالىٰ (والله ورسوله أحقّ أن يرضوه) (1) أي: الله أحقّ أن يرضوه ورسوله أحقّ أن يرضوه. وقوله تعالىٰ (والذین یکنزون الذهب والفضّة ولا ينفقونها )(2) أي: لا ينفقون الذهب ولا ينفقون الفضّة، فيكون المراد السابقين الأوّلين المصاحبين للإحسان، وقد بيّن الله تعالىٰ معنى الإحسان في سائر الآيات الشريفة، وإنّه لا يتحقّق إلاّ في المؤمن حسب الشرائط المتقدّمة.
واحتفاف الكلام بجملة أو كلمة يحتمل رجوعها إلى الجملة السابقة يوجب الإجمال، فإذا احتمل رجوع قوله تعالىٰ «بإحسان» إلى السابقين لم يجز التمسّك بإطلاقه لكلّ من سبق إلى الإيمان ظاهراً .
(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات لیستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكّنّ لهم دينهم الذي ارتضیٰ لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فاُولئك هم الفاسقون) (3).
قال الشيخ الطوسي رحمة الله في التبيان: استدلّ الجبائي ومن تابعه علىٰ إمامة الخلفاء الأربعة بهذه الآية، بأن قال: الاستخلاف المذكور في الآية لم يكن إلاّ لهؤلاء؛ لأنّ التمكّن المذكور في الآية إنّما حصل في أيّام أبي بكر وعمر؛ لأنّ الفتوح كانت في
ص: 295
أيّامهم، فأبوبكر فتح بلاد العرب وطرفاً من بلاد العجم، وعمر فتح مدائن كسرىٰ وإلىٰ حدّ خراسان وإلىٰ سجستان وغيرها. وإذا كان التمكين والاستخلاف هاهنا ليس هو إلاّ لهؤلاء الأئمّة الأربعة وأصحابهم علمنا أنّهم محقّون .
فأجاب الشيخ الطوسي رحمة الله بأنّ الاستخلاف هاهنا ليس هو الإمارة والخلافة، بل المعنىٰ هو إبقاؤهم في إثر من مضىٰ من القرون إلىٰ آخر ما ذكره (1) .
وكان ينبغي للمتأخّرين من العامّة أن يجيبوا عن كلام الشيخ الطوسي رحمة الله، لكتّهم یكرّرون شبها تهم؛ لأنّه ليس مقصودهم الوصول إلىٰ حقيقة الأمر.
و ممّن کرّر ذلك من المتأخّرين من العامّة رحمة الله الدهلوي، في كتابه إظهار الحقّ، قال بعد أن ذكر الآية: ولفظ «من» في قوله « منكم» للتبعيض، و «كم» ضمير الخطاب، فيدلاّن علىٰ أنّ المراد بهذا الخطاب بعض المؤمنين الموجودين في زمان نزول هذه الآية لا الكلّ، ولفظ الاستخلاف يدلّ علىٰ أن حصول ذلك الوعديكون بعد الرسول(صلّی الله علیه وآله) ، ومعلوم أنّه لا نبي بعده؛ لأنّه خاتم الأنبياء، فالمراد بهذا الاستخلاف طريقة الإمامة، والضمائر الراجعة إليهم في قوله «لیستخلفنّهم» إلىٰ قوله «لا يشركون» وقعت كلّها علىٰ صيغة الجمع، والجمع حقيقة لا يكون محمولاً علىٰ أقلّ من ثلاثة، فتدلّ علىٰ أنّ هؤلاء الأئمّة الموعود لهم لا يكونون أقلّ من ثلاثة.
وقوله «لیمكّننّ لهم» إلىٰ آخره وعد لهم بحصول القوّة والشوكة والنفاذ في العالم، فيدلّ علىٰ أنّهم يكونون أقوياء ذوي شوكة نافذاً أمرهم في العالم .
ص: 296
وقوله «دینهم الذي ارتضىٰ لهم» يدلّ علىٰ أنّ الدين الذي يظهر في عهدهم يكون هو الدين المرضي لله.
وقوله «لیبدّلتهم من بعد خوفهم أمناً» يدلّ علىٰ أنّهم في عهد خلافتهم يكونون آمنين غير خائفين ولا يكونون في الخوف والتقيّة .
وقوله تعالىٰ «يعبدونني لا يشركون بي شيئاً» يدلّ علىٰ أنّهم في عهد خلافتهم أيضاً يكونون مؤمنين لا مشرکین، فدلّت الآية علىٰ صحّة إمامة الأئمّة الأربعة سيّما الخلفاء الثلاثة؛ لأنّ الفتوحات العظيمة والتمكين التام وظهور الدين والأمن الذي كان في عهدهم لم يكن في عهد أميرالمؤمنين علي علیه السّلام لاشتغاله بمحاربة أهل الصلاة في عهده الشريف (1).
والجواب: أنّ تفسير القرآن لا يؤخذ فيه بالرأي، ولا يحمل علىٰ طبق اعتقادات الرجال، ولا يكون تبعاً للأهواء، فليس كلّ ما في التفاسير حجّة، ولا يكون رأي الأشخاص غيرالمعصومین علیهم السّلام حجّة في تفسير القرآن، إلاّ أن يدعم بإسناد الثقات العدول المتّصلة إلى النبي(صلّی الله علیه وآله) ، أو من نصبهم وهم الأئمّة المعصومون علیهم السّلام، ولابدّ من ملاحظة جميع آيات القرآن، ففيها عامّ و خاصّ ومطلق ومقیّد و مجمل ومبيّن، فكما إذا تكلّم متكلّم بكلام لا يؤخذ بعامه إلاّ بعد تخصیصه بخاصّه، وكذا لا يؤخذ بمطلقه إلاّ بعد تقييده بمقيّده، وكذا لا يؤخذ بمجمله إلاّ بعد تبيينه بمیّنه، كذلك القرآن .
وعليه فهذا الاستدلال ممنوع أمّا أوّلاً : فلأنّ الموعودين بالاستخلاف في الآية
ص: 297
الشريفة هم «الذين آمنوا وعملوا الصالحات» وقد تقدّم أنّ المراد بالإيمان المذكور في هذه الآيات المادحة للمؤمنين هو الإيمان الظاهري والباطني المقرون بالتسليم بجميع ما أُنزل على النبي(صلّی الله علیه وآله) حسب الشرائط الثلاثة المتقدّمة، وهذا المعنىٰ لم يكن ثابتاً لجميع الصحابة لوجود المنافقين حول النبي(صلّی الله علیه وآله) ، ولا يصحّ تطبيقه علىٰ موضوع مشكوك.
والمراد بالعمل الصالح ما يراه الشارع المقدّس - أعني: النبي(صلّی الله علیه وآله) والأئمّة المعصومين عليهم السّلام - عملاً صحيحاً، والطريق إليه التواتر أو اخبار الثقات العدول عن المعصومین علیهم السّلام. وقد ثبت عن الشارع المقدّس أجزاء وشرائط في العبادات وغيرها لم يراعها جميع أصحاب النبي(صلّی الله علیه وآله) ، ولا ريب في أنّ أعمال أمير المؤمنین علي بن أبي طالب علیه السّلام ومن تبعه كانت صالحات، وأما غيرهم فليسوا كذلك .
وثانياً: ليس المراد بالاستخلاف هي الخلافة عن النبي(صلِّی الله علیه وآله) ، بل توريث الأرض والديار والنعمة لأهل الإيمان بعد هلاك الظالمين؛ لأنّ الله تعالىٰ قد جعل ما وعد به مماثلاً لما فعله قبله بالمؤمنين وبالأنبياء، حيث قال: «كما استخلف الذين من قبلهم».
قال سبحانه: (قال موسىٰ لقومه استعينوا بالله واصبروا إنّ الأرض الله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين* قالوا اُوذينا من قبل أن تأتينا و من بعد ما جئتنا قال عسىٰ ربّكم أن يهلك عدوّكم ويستخلفكم في الأرض) (1) فبشّرهم أنّهم بصبرهم علىٰ أذى الكافرين يرثون أرضهم، ويملكون ديارهم
ص: 298
من بعدهم،ويستخلفون علىٰ نعمتهم، ولم يرد بشيء من ذلك أن يبوّئهم مقام النبوّة أو الإمامة .
وقال تعالىٰ: (و ربّك الغنيّ ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرّيّة قوم آخرين) (1)، وقال سبحانه: (ثمّ جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون) (2) وقال سبحانه: (آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا ممّا جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر کبیر) (3) .
وقد وفي الله تعالىٰ بوعده لأصحاب نبیّه (صلّی الله علیه وآله) في حياته وبعد وفاته، ففتح لهم البلاد، وأغدق عليهم الأموال، قال سبحانه: (و أورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضاً لم تطؤها) (4)(4) وكانوا آمنين من شرّ الكفّار في حياة النبي(صلّی الله علیه وآله) ، فليس المراد به الخلافة عن النبي(صلّی الله علیه وآله) ليختصّ بما بعد وفاته .
ففي كتاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام إلىٰ شيعته، بعد منصرفه من النهروان، قال: وأنتم معاشر العرب علىٰ شرّ حال، يغدو أحدكم كلبه، ويقتل ولده، ويغير علىٰ غيره، فيرجع وقد ٱغير عليه، تأكلون العلهز والهبيدة والميتة والدم، منیخون علىٰ أحجار خشن، وأوثان مضلّة، تأكلون الطعام الجشب، و تشربون الماء الآجن، تسافكون دماءكم، ويسبي بعضكم بعضاً.
وقد خصّ الله تعالیٰ قریشاً بثلاث آيات، وعمّ العرب باية.
ص: 299
فأمّا الآيات اللواتي في قريش، فهو قوله تعالىٰ (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطّفكم الناس فآواكم وأيّدكم بنصره ورزقكم من الطيّبات لعلّكم تشكرون ) (1).
والثانية (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات لیستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضىٰ لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فاُولئك هم الفاسقون) (2) .
والثالثة قول قریش لنبي الله تعالىٰ حين دعاهم إلى الإسلام والهجرة، فقالوا: (إن نتّبع الهدیٰ معك نتخطّف من أرضنا) فقال الله تعالىٰ: (أو لم نمكّن لهم حرماً آمناً يجبىٰ إليه ثمرات كلّ شيء رزقاً من لدنّا ولكنّ أكثرهم لا يعلمون) (3) .
وأمّا الآية التي عمّ بها العرب، فهو قوله تعالىٰ (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم علىٰ شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبّين الله لكم آياته لعلّكم تهتدون) (4) فيالها نعمة ما أعظمها إن لم تخرجوا منها إلىٰ غيرها، ويالها من مصيبة ما أعظمها إن لم تؤمنوا بها وترغبوا عنها إلى آخر كلامه علیه السّلام (5) .
ص: 300
وممّا يؤيّد أن يكون المراد من الاستخلاف ذلك هو عموم الوعد بالاستخلاف للمؤمنين الذين عملوا الصالحات من أصحاب النبي صلّی الله علیه وآله علىٰ ما اختصّوا به من الصفات، فالعموم الشامل لكلّ مؤمن من أصحابه يقتضي أن يكون المعنىٰ ذلك لا الخلافة عن النبي صلّی الله علیه وآله ، فإنّ التخصيص بها ينافي عموم الخطاب إلىٰ جميع المؤمنين حتّىٰ لو قلنا باختصاص الخطاب بالمشافهين.
وثالثاً: أنّ قوله تعالىٰ (من بعد خوفهم) يقتضي أن يكون مورد الآية الشريفة هم الذين عاشوا أشدّ الخوف، وتجرّعوا أصناف الأذي من المشركين، كعلي علیه السّلام وعمّار وأمّه وأبيه والمعذّبين بمكّة، ومن أخرجهم النبي صلِّی الله علیه وآله مع جعفر بن أبي طالب إلىٰ بلاد الحبشة، لما نالهم من الفتنة والأذیٰ، وقد كان حول النبي صلى الله عليه وسلم منافقون لم يلحقهم خوف ولم يكن الخطاب متوجّهاً إليهم.
والآية الشريفة لا تتكفّل بیان مصداقها ومن شکّ في حاله واختلف فيه، فلا دليل علىٰ كونه مصداقاً لها. وممّن يعلم قطعاً أنّه من مصادیقها واتّفق عليه الفريقان هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام .
وقد ذكر الشيخ المفيد في الإفصاح أنّ الثلاثة المتقدّمين علىٰ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لا لم يكونوا خائفين .
قال: ويقال لهم: ما تنكرون أن يكون خروج أبي بكر وعمر وعثمان من الخوف في أيّام النبي صلّی الله علیه وآله يخرجهم عن الوعد بالاستخلاف؛ لأنّه إنّما توجّه إلى من كان يلحقه الخوف من أذى المشركين، وليس له مانع منهم كأمير المؤمنين علیه السّلام وما مني به مع النبي صلّی الله علیه وآله وعمّار واُمّه وأبيه، والمعذّبين بمكّة ومن أخرجهم النبي صلى الله عليه و آله مع
ص: 301
جعفر بن أبي طالب إلىٰ بلاد الحبشة لما كان ينالهم من الفتنة والأذىٰ في الدين .
فأمّا أبو بكر، فإنّ الشيعة تذكر أنّه لم يكن خائفاً في حياة النبي صلّی الله علیه وآله لأسباب نحن أغنياء عن شرحها، وأنتم تزعمون أنّ الخوف مرتفع عنه لعزّته في قريش ومكانه منهم، وكثرة ماله، واتّساع جاهه، وإعظام القوم له لسنّه وتقدّمه، حتّىٰ أنّه كان يجير ولا يجار عليه، ويؤمّن ولا يحتاج إلىٰ أمان، وزعمتم أنّه اشترىٰ تسعة نفر من العذاب .
وانّ عمر بن الخطّاب لم يخف قطّ ، ولا هاب أحداً من الأعداء، وإنّه جرّد سیفه عند إسلامه، وقال: لا يعبد الله اليوم سرّاً ثقة بنفسه وطمأنينة إلىٰ سلامته، وأمناً من الغوائل، وإنّه لم يقدم عليه أحد بسوء لعظم رهبة الناس منه وإجلالهم لمكانه .
وانّ عثمان بن عفّان كان آمناً ببني اُميّة، وهم ملاّك الأمر إذ ذاك، فكيف يصحّ لكم مع هذا القول أن تستدلّوا بالآية علىٰ صحّة خلافتهم، ودخولهم تحت الوعد بالاستخلاف، وهم من الوصف المنافي لصفات الموعودين بالاستخلاف على ما (1)
ص: 302
ذكرناه لولا أنّكم تخبطون فيما تذهبون إليه خبط عشواء (1) .
ورابعاً: أنّ معاوية من الصحابة ممّن أسلم لساناً وادّعى الخلافة أيضاً، وكان له الأمر والنهي، وقد عارض عليّاً علیه السّلام الذي كان خليفة النبي صلّی الله علیه وآله باتّفاق الفريقين، بل ملك الرقاب وانقادت له الدنيا بأزمّتها بعد مقتل علي علیه السّلام وصلح الحسن علیه السّلام حتّىٰ أصبح لا يضاهي تمكّنه في كرسي الحكم تمكّن الخلفاء جميعهم، فهل يمكن دعوىٰ شمول الآية له؟!
وخامساً: ما ذكره السيّد ابن طاووس في سعد السعود، فإنّه بعد ما ذكر أنّ عثمان غیر داخل في الآية، عّلل ذلك بقوله: وقد عرف كلّ مطّلع علىٰ أحوال الإسلام أنّ عثمان بن عفّان بالعكس؛ لأنّه اُبدل من بعد أمنه خوفاً، وحصر في داره واًخيف خوفاً، وقتل مجاهرة باتّفاق من حضر من الآفاق من زهّاد المسلمين، و باتّفاق من أعان من حضر المدينة والتابعين وخذلان الباقين (2) .
وقال في موضع آخر: وكيف يكون علىٰ قولهم مولانا علي بن أبي طالب علیه السّلام داخلاً في الآية ؟ كما زعم الجبائي؛ لأنّ إمامته كانت أقرب إلى الخوف بعد الأمن، وكيف يكون عمر داخلاً فيها؟ وكان عاقبة أمره الخوف والقتل، وكيف تكون هذه الآية دالّة على ما ذكره الجبائي؟ وقد اتّصلت الفتن والمخاوف من بعد عمر وعثمان و مولانا علي علیه السّلام وكانت مستمرّة مدّة زمن معاوية ويزيد وبعدهما في ابتداء دولة مروان وولده عبد الملك وعبدالله بن الزبير وعبد الرحمٰن بن الأشعث،
ص: 303
والأزارقة والخوارج، ودولة مروان بن محمّد، وفي انقضاء ملكهم في ابتداء دولة بني العبّاس إلىٰ أن مات المنصور.
ثمّ ما خلصت دولة للبقاء من جبن وخوف وقتل وحرب إلاّ أن يكون شاذّاًّ، وكان انقضاء دولة بني العبّاس على الخوف بعد الأمن وما لم يجر مثله في الإسلام.
وهل لهذه الآية تأويل في تحصيل الأمان التامّ بعد الخوف الشديد في البلاد والعباد إلاّ في دولة المهدي علیه السّلام ، كما ذكره الطوسي عن أهل البيت، التي تأتي بأمان مستمرّ إلى يوم القيامة لا يتعقّبه المخافات، وينتظم أمر النبوّة والرسالة إلىٰ آخر الدنيا بإقرار الآيات والمعجزات (1).
قلت: قد ظهر من القرائن الموجودة في الآية الشريفة صحّة التأويل المذكور؛ لأنّ الإيمان الصحيح هو الإيمان بالله وبالنبي صلّی الله علیه وآله وبجميع ما اُنزل إليه .
وممّا اُنزل إليه خلافة الأئمّة من عترة النبي صلّی الله علیه وآله .
والاستخلاف في الأرض کاستخلاف الذين من قبلهم هو التمكين من البلاد بلا مزاحم، والتمكين من الدين يراد به الدين الذي قد اُكمل لهم بولاية الأئمّة المعصومین علهیم السّلام .
وتبديل الخوف بالأمن إنّما يكون فيما إذا وصل حقّ كلّ ذي حقّ إليه، وأمن من شرّ كلّ كافر، وكانت عبادته لله تعالىٰ عبادة صحيحة واقعية غير مشوبة بتقية، وإنّما تكون كذلك فيما إذا كانت کیفیتها مأخوذة من المعصوم علیه السّلام، وعدم إشراكهم في العبادة إنّما يكون إذا لم ينصبوا إماماً شریكاً لمن نصبه الله تعالى فيطاع من
ص: 304
دونه، فإنّه شرك في العبادة، ولم يتحقّق هذا المضمون من وفاة النبي صلِّی الله علیه وآله إلى الآن، ولا يخلف الله وعده .
وقد ظهر ممّا ذكرناه أنّه لا يصحّ الاستدلال بالآية الشريفة علىٰ مشروعية خلافة الخلفاء؛ لأنّه لو فرض أنّ المقصود من الاستخلاف هي الخلافة عن النبي صلی الله علیه واله ، فموضوعها من أمن بعد الخوف، وهذا بالعكس في الخلفاء، فإنّهم خافوا بعد الأمن، فقتل الثاني وقتل الثالث أفظع قتلة، فأيّ أمن بعد الخوف هذا ؟!.
وسادساً: لو سلّمنا أنّ المراد بالاستخلاف الإمامة، علىٰ ما ذكره الجبائي والدهلوي وغيرهما من أنّ المراد به خصوص الخلفاء الأربعة، للزم أن يكونوا منصوص عليهم، وهذا له توالي فاسدة : أحدها: أنّ الله تعالىٰ أراد استخلاف الأربعة، وكتمه عن نبيه، والاعتقاد بذلك خروج عن الإسلام.
ثانيها: أن يدّعيٰ أنّ رسول الله صلّی الله علیه وآله عرف ذلك و ستره عن صحابته حتّىٰ أوقعهم في خطر مخالفته و تقبیح ذکر رسالته، فهو طعن في النبوّة والصحابة الذين منهم علي بن أبي طالب علیه السّلام.
ثالثها: أن يدّعيٰ أنّ الصحابة عرفوا من هذه الآية استخلاف الأربعة وما عملوا بها و تركوا الاعتماد عليها، ورجعوا إلى الاختيار، فهو طعن في الصحابة والقرابة.
رابعها: أنّ يزعم أنّ الصحابة ما عرفوا تأويل الآية، وعرفها الجبائي وغيره، كالدهلوي من العامّة، فهي شهادة في معرفتهم تأويل القرآن، و أنّهم أعرف من الصحابة بتأويلها .
ص: 305
والحاصل أنّه لو كان الصحابة قد فهموا أنّ المراد بهذه الآية الاستخلاف لكانوا عقیب وفاة النبي صلّی الله علیه وآله قد تعلّقوا جميعهم بها، أو قالوا: إنّ هذا وعد لنا بالخلافة؛ لأنّنا قد آمنّا وعملنا عملاً صالحاً. ولو كان معنىٰ هذه الآية استخلاف هؤلاء لكان النبي صلّی الله علیه وآله قد عرّف الخلفاء الأربعة ذلك، وما أحوجهم إلى اختيار بعضهم لبعض، ولا إلىٰ تعيين ستّة في الشورىٰ.
وسابعاً: قوله تعالىٰ في آخر الآية (ومن كفر بعد ذلك فاُولئك هم الفاسقون) يدلّ علىٰ إمكان الكفر من الصحابة، فلابدّ في الحكم بايمان كلّ واحد أردنا إثبات إيمانه من العلم بأنّه ليس داخلاً في ذيل الآية، وقد علم جميع المسلمين أنّ عليا علیه السّلام و سلمان وأباذر ّوعمّاراً ونظراءهم ممّن ذكر ليسوا داخلين فيه، وأمّا غيرهم ممّن لم يعلم عدم دخوله فيه، فاحتمال الكفر في حقّه موجود.
وثامناً: ما ذكره السيّد ابن طاووس في سعد السعود، قال: إنّه يقال للجبائي: ما تقول للإمامية إن قالت لك: إذا كان هذه الآية دالّة على الخلافة عندك وعند الفرق المخالفة، فنحن نحاكمكم إلىٰ عقولكم إنصافها، ونقول: هذه الآية تدلّ علىٰ بطلان خلافة الذين تقدّموا علىٰ مولانا علي بن أبي طالب علیه السّلام.
وبيان ذلك: أنّ الله تعالىٰ قال فيها - أي في الآية - أن يكون لمن يستخلفه من هذه الاُمّة كما كان استخلافه لمن مضىٰ قبلها بلفظة «کما» التي هي حقيقة للتشبيه، وقد وقفنا نحن وأنتم علىٰ أخبار من تقدّمنا من بني إسرائيل وغيرهم الذين يحتمل التشبيه بهم، فلم نجدهم يحملون الأنبياء ولا الأوصياء ولا خلفاء الأنبياء باختيار من يختارهم من الاُمّة، وما وجدنا أحداً منهم تركوا نبيّهم علىٰ فراش
ص: 306
الموت، وتوصّلوا قبل الاشتغال بغسله والصلاة عليه ودفنه بغیر مشاورة لأهله ولا حضورهم بايعوا بعضهم بعضاً، ولا وجدناهم عيّنوا في ولايتهم ستّة كما جرىٰ في الشورىٰ، ولا عرفنا أنّ مثل هذا علىٰ صفة جریٰ لمن تقدّم، وما وجدناهم عاملين إلاّ على اختيار الله ونصّه علىٰ من يقوم بخلافتهم (1) .
و تاسعاً: أنّ الآية الشريفة ظاهرة في إزالة الخوف واستمرار الأمن بعد ذلك، وما ذكره الدهلوي من أنّها خاصّة بزمان خاصّ، وهو مدّة خمس وعشرين سنة _لأنّ عليّاً علیه السّلام لا كان مشغولاً بحرب أهل الصلاة، ولو أدخل فيها مدّة خلافته علیه السّلام كان ذلك ثلاثين سنة - خلاف المفهوم من الآية، مع أنّ المدّة القليلة لا تستحقّ إخبارالله تعالىٰ عنها بما يكون كالبشارة للمؤمنين .
وعاشراً: أنّ الخطاب في قوله تعالىٰ (منکم) عامّ إلىٰ جميع المؤمنين لا خصوص المشافهين .
ولو سلّمنا إرادة خصوصهم، فالخطاب عامّ لكلّ من آمن منهم، وقد كان سلمان و أبوذرّ منهم، مع أنّ أباذرّ كان خائفاً لم يحصل له الأمن.
فبمقتضى العموم لابدّ أن يكون لأبي ذرّ زمان يذهب منه الخوف، ولم يحصل ذلك له، ولن يحصل إلاّ إذا قلنا بما يعتقده الشيعة من أنّ أمثال أبي ذرّ يرجعون إلى الدنيا في دولة الإمام المهدي علیه السّلام .
كما أنّ الدين الذي ارتضي لهم هو ما قاله تعالىٰ (اليوم أكملت لکم دینکم وأتممت علیکم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) وذكرنا في محلّه أنّ إكمال
ص: 307
الدين لا يتحقّق في زمان النبي ، إلاّ بعد نصب خليفة النبي الذي يكون مجتمعاً فيه جميع خصال النبي صلّی الله علیه وآله إلاّ النبوّة والخصال الشخصية للنبي صلّی الله علیه وآله، وهو ما يعتقده الشيعة، والحاصل أنّه لم يحصل لهم الأمن ولا التمكّن في جميع أعمالهم وعباداتهم من حجّ وغيره، فلا يكون إلاّ في زمان ظهور الإمام المهدي علیه السّلام .
و حادي عشر: ما ذكره الشيخ المفيد في الإفصاح، من اختصاص الآية بخصوص الأئمّة المعصومين عليهم السّلام، حيث قال: ويقال لهم: ليس يمكنكم إضافة ما تلو تموه من هذه الآية في أئمّتكم إلىٰ صادق عن الله فيجب العمل به، وإنّما أسندتم قولكم فيه إلىٰ ضرب من الرأي والاعتبار الفاسد بما أوضحناه .
وقد ورد عن تراجمة القرآن من آل محمّد علیهم السّلام في تأويلها ما هو أشبه من تأویلكم وأولىٰ بالصواب، فقالوا: إنّها نزلت في عترة النبي صلّی الله علیه وآله وذرّيته الأئمّة الأطهار علیهم السّلام ، وقد تضمّنت البشارة لهم بالاستخلاف والتمكّن في البلاد، وارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي علیه السّلام منهم، فكانوا هم المؤمنين العاملين الصالحين عصمهم الله من الزلاّت، وهم أحقّ بالاستخلاف على الأنام ممّن عداهم لفضلهم علىٰ سائر الناس، وهم المدالون علىٰ أعدائهم في آخر الزمان حتّىٰ يتمكّنوا في البلاد، ويظهر دين الله تعالىٰ بهم ظهوراً لا يستخفي أحد علىٰ أحد من العباد يأمنون بعد طول خوفهم من الظالمين المرتكبين في أذاهم الفساد.
وقد دلّ القرآن علىٰ ذلك، وجاءت به الأخبار، قال الله عّزوجلّ: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون)(1)(1) وقال تعالى :
ص: 308
(وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا ًوكرهاً وإليه يرجعون) (1) وقال تعالى: (و إن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهیداً ) (2).
و كلّ هذه أمور منتظرة غير ماضية، ولا موجودة في الحال، ومثلهم فيما بشّرهم الله تعالىٰ به من ذلك ما تضمّنه قوله تعالىٰ (و نريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين *ونمكّن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) (3) وقوله تعالىٰ في بني إسرائيل (ثمّ رددنا لكم الكرّة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثرنفيراً) (4) وممّا أنزله فيهم سوى المثل لهم قوله تعالىٰ (الذين إن مكّناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الاُمور ) (5) فصار معاني جميع ما تلوناه راجعاً إلى الإشارة إليهم علیهم السّلام بما ذكرناه .
ويحقّقّ ذلك ما روي عن النبي صلّی الله علیه وآله على الاتّفاق من قوله «لن تنقضي الأيّام والليالي حتّىٰ يبعث الله رجلاً من أهل بیتی یواطیء اسمه اسمي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً و جوراً».
وأمّا ما تعلّقوا به من كاف المواجهة، فإنّه لا يخل بما شرحناه في التأويل من
ص: 309
آل محمّد علیهم السّلام؛ لأنّ القائم من آل محمّد والموجود من أهل بيته في حياته، هو من المواجهين في الحقيقة والنسب والحسب وإن لم يكن من أعيانهم، فإذا كان منهم بما وصفناه فقد دخل تحت الخطاب، وبطل ما توهّم أهل الخلاف (1) إنتهیٰ .
أقول: حاصل ما ذكره أخيراً أنّه يجوز خطاب الموجودين حال الخطاب من الحيثية التي موجودة في من يأتي بعدهم، فكأنّ الخطاب شامل أيضاً لمن يأتي بعدهم.
وثاني عشر: أنّ المراد من قوله تعالىٰ «في ا .لأرض» إن كان بعضها وهي بلاد الإسلام، فلا حاجة إلىٰ ذكر الأرض؛ لأنّ الاستخلاف لابدّ وأن يكون في بعضها،فيكون ذكرها دالاًّ علىٰ تمام الأرض، أي: المسكونة وغيرها من أراضي الإسلام والكفّار.
وهذا لم يتحقّق إلى الآن، كما أنّ المراد تمام الأرض في قوله تعالىٰ (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون) (2) وكذاقوله تعالىٰ (وله أسلم من في السماوات والأرض) (3) فلاحظ وتدبّر، فإنّ ما ذكرنا هو نتيجة التدبّر في القرآن الذي أمرنا الله تعالىٰ به بقوله (أفلا يتدبّرون القرآن أم علىٰ قلوب أقفالها) (4)(4) لا التفسير بالباطن (5) .
ص: 310
تنبيه: ما ذكره الدهلوي من أنّ الأمن كان في زمان الخلفاء الثلاثة؛ لأنّ علياً علیه السّلام كان مشغولاً بحرب أهل الصلاة، يدلّ علىٰ نصبه وعداوته وعناده وجهله، ألم يعلم أنّ أمير المؤمنين عليّاً علیه السّلام معصوم؟ وأنّه أعلم الناس وأزهدهم؟ وأنّه جاهد الناكثين والمارقين والقاسطين بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وأيّ قيمة لصورة الصلاة التي يصلّيها معاوية وأتباعه ممّن حاربهم أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام .
ومن لم يشدّ علىٰ عينيه عصابة العصبيّة يرىٰ أنّ ذلك نتيجة غصب الثلاثة المتقدّمين علىٰ أمير المؤمنين علیه السّلام ، ونتيجة فتوحاتهم، والإسلام المشوّه الذي نشروه، ما أدّىٰ إلىٰ تربية اُناس يتسمّون مسلمين ويقتلون ريحانة الرسول صلّ الله علیه وآله،ولولم يغصبوا منصب الخلافة لما انتهى الأمر إلى استشهاد سيّدة النساء فاطمة الزهراء ولا أمير المؤمنين ولا سيّدي شباب أهل الجنّة علیهم السّلام .
(لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً * ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيماً )(2) دلّت علىٰ أنّ الله تعالىٰ قد رضي عن أصحاب الرسول صلّی الله علیه وآله ، ولا يرضى الله عمّن يكون مؤمناً لساناً، أو ارتدّ بعد إيمانه،
ص: 311
أو يرتدّ بعد نزول الآية .
والاستدلال بها علىٰ ما راموه ممنوع. أمّا أوّلاً : فلأنّ موضوعها المؤمنون،والمراد بهم المؤمنون حقّاً حسب الشرائط الثلاثة المتقدّمة؛ لما مرّ من أنّه تعالىٰ لا يرضىٰ عن المنافقين والظالمين والمرتدّين علىٰ أعقابهم.
وثانياً: لم يذكر في الآية علىٰ أيّ شيء بايعوا، وهم كانوا جميعاً مسلمین بنبوّة النبي صلّی الله علیه وآله ، فلابدّ أن يكونوا قد بايعوا علىٰ شيء آخر هو من لوازم تسليمهم بالنبوّة أن يطيعوه صلّی الله دعلیه وآله فيه ولا يعصوه، قيل: بايعوه علىٰ أن لا يفرّوا، ولسنا نعلم وفاء جميعهم بهذا الأمر.
بل يمكن أن يقال: إنّ الله تعالىٰ اشترط عليهم أن لا ينكروا بعد ذلك علىٰ رسول الله صلّی الله علیه وآله شيئاً يفعله، ولا يخالفوه في شيء يأمرهم به، فقال الله عزّ وجلّ: وإنّ الذين يبايعونك إنّما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نکث فإنّما ینکث علىٰ نفسه ومن أوفىٰ بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً) وإنّما رضي عنهم بهذا الشرط أن يفوا بع ذلك بعهد الله وميثاقه، ولا ينقضوا عهده وعقده، فبهذا العقد رضي عنهم، فإنّ هذه الآية عامّة لكلّ مبايعة (1).
وثالثاً: أنّ قوله (فعلم ما في قلوبهم) يدلّ علىٰ أنّه تعالىٰ علم من كان مؤمناً حقّاً، فلذا أنزل السكينة عليهم وأثابهم الفتح القريب، ولقد علمنا بعد ذلك علىٰ ما ثبت في التواريخ أنّ الذي كان علىٰ يده الفتح المذكور هو علي
ص: 312
أمير المؤمنين علیه السّلام (1) .
قال الشيخ الطوسي رحمة الله : وقد بايع النبي ع جماعة من المنافقين بلا خلاف،فلابدّ من تخصيص الآية علىٰ كلّ حال علىٰ أنّه تعالىٰ وصف من بايع تحت الشجرة بأوصاف قد علمنا أنّها لم تحصل في جميع المبايعين، فوجب أن يختصّ الرضا بمن جمع الصفات؛ لأنّه قال : (وأثابهم فتحاً قريباً ومغانم كثيرة) .
ولا خلاف بين أهل النقل أنّ الفتح الذي كان بعد بيعة الرضوان بلا فصل هو فتح خیبر، وأنّ رسول الله صلّی الله علیه وآله ، عند ذلك قال: لأ عطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله کرّاراً غير فرّار لا يرجع حتّىٰ يفتح الله علىٰ يده، فدعا عليّاً علیه السّلام فأعطاه الراية، وكان الفتح علىٰ يده، فوجب أن يكون هو المخصوص بحكم الآية، ومن كان معه في ذلك الفتح لتكامل الصفات فيهم، علىٰ أنّ ممّن بایع بيعة الرضوان طلحة والزبير وقد وقع منهما من قتال علي علیه السّلام ما خرجا به عن الإيمان، فما الذي يمنع من مثل ذلك في غيرهما(2) إنتهىٰ ملخّصاً .
ورابعاً : أنّ الآية تدلّ علىٰ أنّ الله تعالىٰ رضي عنهم لبيعتهم في ذلك الوقت،ولا دلالة لها علىٰ أنّه رضي عنهم إلىٰ آخر عمرهم، وقد يرضي الله عن قوم ثمّ يغضب عليهم، قال سبحانه: (فعموا وصمّوا ثمّ تاب الله عليهم ثمّ عموا وصمّوا کثیر منهم )(3) وقال سبحانه (فمن نكث فإنّما ينكث علىٰ نفسه ومن أوفىٰ بما عاهد
ص: 313
عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً) (1) فإنّه يدلّ علىٰ أنّه رضي عنهم قبل أن ينكثوا، وغضب عليهم بعد أن نكثوا.
تنبيه: إنّ الآيات المشتملة على نزول السكينة طائفتان : الطائفة الاُولىٰ: الآيات المشتملة علىٰ نزول السكينة على المؤمنين، وهي الآية المتقدّمة، وقوله تعالىٰ (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم) (2) و قوله تعالىٰ (فأنزل الله سكينته علىٰ رسوله وعلى المؤمنين) (3) وقوله تعالىٰ (ثمّ أنزل الله سكينته علىٰ رسوله و على المؤمنین) (4) .
والمراد بالمؤمنين في هذه الآيات لعلّه من كان مؤمناً حقّاً، لا المؤمن ظاهراً وإن كان منافقاً، ويؤيّده قوله تعالىٰ بعد الآية الاُولىٰ (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنّات تجري من تحتها الأنهار - إلىٰ قوله تعالىٰ - ويعذّب المنافقين والمنافقات) الآية. فإنّ ذكر المنافقين يدلّ علىٰ خروجهم من المؤمني والمؤمنات .
الطائفة الثانية: قوله تعالىٰ (إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيّده بجنود لم
ص: 314
تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفليٰ) (1) .
وقد أفرد الضمير في «علیه» وهو: إمّا راجع إلىٰ صاحبه، وهو غير صحيح؛ لأنّ الله قد أنزل السكينة علىٰ رسوله، فيما إذا ذكر الرسول وذکر نزول السكينة.
وأيضاً ضمير «أيّده» راجع إلى الرسول، والظاهر اتّحاده مع ضمیر «علیه »فيتعيّن رجوع ضمير «عليه» إلى الرسول، ويكون وجه تخصیص الرسول بنزول السكينة عليه مع احتياج صاحبه - لاضطرابه - إلىٰ نزول السكينة اختصاص السكينة بالمؤمنين، فيستفاد خروج صاحبه عن المؤمنين.
وقد يقال: بأنّ المراد نزول السكينة على الرسول وصاحبه؛ لأنّ الرسول صلّی الله علیه وآله قال لصاحبه: «إنّ الله معنا» والمراد به معيّة عناية ورعاية، وكان صاحبه تابعاَ مطيعاً للرسول صلّی الله علیه وآله، فكلّ ما حصل للمتبوع في هذه الحال من سكينة و تأیید فهو حاصل للتابع أيضاً .
والجواب: أنّ السكينة تنزل على القلوب، وكلّ قلب تنزل عليه سكينة غير السكينة النازلة على الآخر، فكان ينبغي التنبيه عليه، كأن يقول: فأنزل الله سكينته علىٰ رسوله وعلىٰ صاحبه، أو عليهما، كما نصّ في الآيتين السابقتين علىٰ إنزال السكينة علىٰ رسوله وعلى المؤمنین .
وأمّا معيّة الله سبحانه لهما باللطف والرعاية والعناية - لو سلّمت - فهي لحفظهما عن كفّار قريش وقد حفظهما، وهذا لا يدلّ علىٰ فضل في صاحبه .
ثمّ إنه لا يتوهّم أن آية الغار تدلّ علىٰ مدح لغير النبي صلّی الله علیه وآله ، فإنّ قوله تعالىٰ
ص: 315
(ثاني اثنين) فليس فيه أكثر من إخبار عن عدد، وقد يكون ثانياً لغيره من لايشاركه في إيمان ولا فضل .
وقوله تعالىٰ (لصاحبه) لا يوجب فضلاً في التسمية به، كقوله مخبراً عن مؤمن وكافر تصاحبا (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب) (1).
وقوله تعالىٰ (لا تحزن) لولم يدلّ على الذمّ فلا يدلّ على المدح.
وكذا قوله تعالىٰ (إنّ الله معنا) فإنّ الله مع كلّ شيء، كما قال تعالىٰ: (ولا أدنيٰ من ذلك ولا أكثر إلاّ هو معهم أينما كانوا) (2) وقال تعالى: (وهو معكم أينما کنتم(3) ولو كان المراد معيّة العناية والرعاية احتمل أن يكون المراد بها النبي وحده، من باب استعمال المتكلّم لفظ الجمع وإرادة المفرد، كقوله تعالىٰ (انّا نحن نزّلنا الذكر) (4) .
ولو سلّم إرادة أنّه معهما يحفظهما من أيدي الكفّار - وقد فعل - فهذا لا يوجب مدحاً؛ وذلك لأنّ الحكمة الإلٰهية اقتضت أن يكون أبوبكر معه حتّىٰ لا يتوهّم أحد منهم أنّ النبي صلّی الله علیه وآله ساحر قد اختفى عنهم بسحره، فيكون حفظ أبي بكر عن الهلاك مقدّمة لحفظ النبي صلّی الله علیه وآله .
(محمّد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم تراهم ركّعاً سجّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من
ص: 316
أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوىٰ علىٰ سوقه يعجب الزرّاع ليغيظ بهم الكّفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً)(1) دلّت على أنّ أصحاب الرسول صلّي اللهُ علیه وآله متصفون بهذه الصفات التي لا تنفكّ عن العدالة .
والاستدلال بها علىٰ ما راموه من عدالة الصحابة ممنوع، أمّا أوّلا: فلأنّ قوله تعالىٰ (والذين معه) لا يمكن أن يراد به الذين معه في الزمان؛ لأنّ بعض من كان في زمانه كان منافقاً وبعضهم كان كافراً، بل إنّ هذا الفرض بعيد عن مغزى الآية الكريمة الناظرة إلىٰ كلّ من اتّبع النبي صلّی اللهُ علیه وآله في كلّ زمان، وإنّما افترضنا ذلك وفاءً لحقّ البحث من كلّ جهاته، ولو كانت بعض الجهات بعيدة في نفسها سدّاً لما قد يكون منفذاً يستغلّه من لا هواية له إلاّ التصيّد ولو للاحتمالات البعيدة .
وأيضاً لا يراد من كان معه بالمعيّة المكانية؛ لأنّ المنافقين والكفّار أيضاً كانوا معه في صقع واحد و مكان واحد.
على أن من الواضحات أن مجرد معية شخص لآخر فاضل في الزمان أو المكان لا توجب له أي مشاركة في الفضل، وإلا لكان جميع الناس فضلاء؛ إذ لا يخلو زمان أو مكان عن وجود فاضل ما.
كما أنّه لا يراد من كان معه في ظاهر الإسلام وإن كان منافقاً؛ لما قدّمنا من الآيات الدّالة علىٰ وجود المنافقين معه، وقد دلّ الكتاب علىٰ أنّهم في الدرك الأسفل من النار، فضلاً عن منع استحقاقهم المدح.
ص: 317
وإنّما يراد من كان معه علىٰ ظاهر الإسلام وباطنه، متّصفاً بالصفات المذكورة في الآية، ولم يثبت ذلك في جميع الصحابة، غير أنّ عليّا علیه السّلام هو من أهل هذه الآية باتّفاق الفريقين .
بل ليس من البعيد - كما أشرنا - أن تكون الآية الشريفة عامّة لكلّ من اتّصف بهذه الصفات وإن لم يكن في عصر النبي صلّی اللهُ علیه وآله ، مثل قوله سبحانه ويوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعىٰ بين أيديهم وبأيمانهم(1) فإنّه غير مختصّ بمن أدرك النبي صلّی اللهُ علیه وآله .
وثانياً: لو سلّم عموم الآية لكلّ من كان مع النبي صلّی اللهُ علیه وآله في زمان حياته، لكن لابدّ أن يتوفّىٰ مؤمناً، ولا يكون ممّن انقلب علىٰ عقبيه بعد وفاة النبي صلّی اللهُ علیه وآله ، وإلاّ فما قيمة الأعمال السابقة في نظر الشريعة، وهل هي إلاّ كما قال سبحانه: (وقدمنا إلىٰ ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً)(2) فتخصّص الآيات الذامّة للمنافقين عموم هذه الآية ونحوها.
وثالثاً: أنّ المثل المذكور في التوراة والإنجيل خاصّ بطائفة خاصّة من المؤمنين، قد اجتمعت فيهم هذه الصفات، وأمّا سائر المسلمين ممّن لا تكون سيماهم في وجوههم من أثر السجود، أو لا يكون شديداً على الكفّار رحيماً فيما بينه وبين المؤمنين وإن كان مؤمناً، فلا يكون ممّن مثله في التوراة والإنجيل، ولا يصحّ تطبيق الآية علىٰ موضوع مشكوك، وقد كان علي أمير المؤمنين علیه السّلام مصداقاً
ص: 318
الآيات الدالّة على عدالة الصحابة والجواب عنها للآية بالاتّفاق.
ورابعاً: لو سلّم أنّ المراد من قوله تعالىٰ «والذين معه» هم الذين حوله صلّی اللهُ علیه وآله من المعدودين من صحابته، أعمّ من المؤمنین حقيقة والمنافقين الذين لم يظهر نفاقهم من المتّصفين في الظاهر بالصفات المذكورة في الآية، فلم تدلّ الآية المباركة علىٰ کون کلّهم من أهل النجاة من النار، ولا علىٰ عدالتهم؛ لأنّه جعل الوعد بالمغفرة والأجر العظيم مخصوصاً ببعضهم، وهم الذين آمنوا ظاهراً وباطناً، وعملوا الصالحات، ولم يرتدّوا على أعقابهم، حيث قال تبارك وتعالىٰ: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً).
ولو كانت المغفرة والأجر العظيم لجميع الممدوحین في الآية، لقال تعالى: وعدهم الله مغفرة وأجر عظيماً. فاختصاص الحكم ببعضهم مستفاد من قوله تعالىٰ «منهم» ومن تدبّر القرآن ولم يكن ممّن على قلوبهم أقفالها، يفهم من الآية ما ذكرناه. وأمّا العامّة فإنّهم لا يفهمون من القرآن إلاّ ما يريدون فهمه، ويتّهمون الشيعة بأنّهم يفسرون القرآن بالباطن، مع أنّ الأمر ليس كذلك .
قوله تعالىٰ (ليغيظ بهم الكفّار) يعني يغيظ الله بهؤلاء المذكورين الكفّار الذين لا يؤمنون بالنبي صلّی اللهُ علیه وآله ،بوجود أتباع له شبهوا بالزرع، فإنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله حين دعا إلىٰ دينه كان ضعيفاً، فأجابه الواحد بعد الواحد حتّىٰ كثر جمعه وقوي أمره، كالزرع يبدو بعد البذر ضعيفاً، فیقوی حالاً بعد حال حتّىٰ يغلظ ساقه ويستوي عليه .
ومن الغريب ما ذكره ابن كثير في تفسيره، وهو أنّ من غاظ الصحابة فهو كافر؛
ص: 319
لأنّ الله تعالىٰ قال: إنّ قوّة النبي صلّی اللهُ علیه وآله بأصحابه توجب غيظ الكفّار (1).
وهذا الاستدلال بمكان من الضعف؛ لأنّه إن اُريد ممّن معه كلّ من معه ممّن أظهر الإسلام لساناً، سواء كان مؤمناً حقيقة أو منافقاً، فالمراد من الكفّار من لم يظهر الإسلام لساناً، والشيعة مؤمنون لساناً وقلباً وليسوا من الكفّار .
وإن كان المراد ممّن معه خصوص المؤمنين حسب الشرائط الثلاثة، كان المراد من الکفّار أعم من المنافق الذي أسلم لساناً، والكافر الذي لم يسلم حتّى بلسانه، والشيعة يحبون المؤمنين من أصحاب الرسول صلّی اللهُ علیه وآله المتوفّر فيهم الشرائط الثلاثة، کسلمان وأبي ذرّ ومقداد و نظرائهم، ويغيظون من عداهم من الكفّار .
وما ذكرنا في الجواب عن هذه الآيات هو الجواب عن غيرها من الآيات التّي يمكن التشبّث بظاهرها علىٰ مدح من كان من أصحاب النبي صلّی اللهُ علیه وآله مؤمناً ظاهراً، وإن كان مبطناً للكفر والنفاق، أو ارتدّ بعد وفاة النبي صلّی اللهُ علیه وآله وانقلب علىٰ عقبيه، فإنّ الآيات الذامّة للمنافقين والمرتدّين تبيّن أنّ المراد من هذه الآيات هو المؤمن حسب الشرائط المتقدّمة .
وبعض العامّة طبّق قوله تعالىٰ (الذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الاُموره)(2) على الذين ارتكبوا بعد وفاة النبي صلّی اللهُ علیه وآله ما ارتكبوه من غصب الخلافة من أمير المؤمنین علي بن أبي طالب علیه السّلام.
ص: 320
وجوابهم: أنّه يمكن أن يكون الجملة صفة للمذكور قبلها، وهو قوله تعالىٰ والذين اُخرجوا من ديارهم بغير حقّ إلاّ أن يقولوا ربّنا الله) وهم المهاجرون الذين مکّنهم الله تعالىٰ في المدينة مدّة حياة النبي صلّی اللهُ علیه وآله وبعده الثابتون علىٰ إيمانهم غير المرتدّين، وهم المؤمنون حسب الشرائط الثلاثة المتقدّمة.
بل إنّ قوله تعالىٰ (وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر) يراد بهما المعروف والمنكر الواقعيّان، لا ما يزعمه الناس معروفاً أو منكراً، وهو يتوقّف على العلم بهما، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام مصداق له قطعا بالاتّفاق، ولا يصحّ تطبيق الآية علىٰ مورد مشكوك.
والعجب من الفخر الرازي، حيث يقول: إنّ فقراء المهاجرين كانوا يقولون لأبي بكر: يا خليفة رسول الله، وقال الله تعالىٰ: إنّهم لصادقون في قوله تعالىٰ في سورة الحشر (للفقراء المهاجرين الذين اُخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله اُولئك هم الصادقون)(1) الآية.
لأنّه لو فرض أنّهم كانوا يقولون له ذلك، فهل كانوا يقولون يا خليفة رسول الله حقّاً الذي قد عيّنه الله ونصبه رسوله، أو يقولون يا خليفته في التعود علىٰ منبره بغیر حقّ؟ ليس للفخر أن يدّعي الأوّل .
ثم إنه قد ظهر ممّا ذكرناه لمن لا يتعصّب لتقليد الآباء، بل أراد نجاة نفسه امتثالاً لقوله تعالىٰ (عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم) (2)وراجع التاريخ
ص: 321
الموثوق به والأخبار المأثورة أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأولاده المعصومین علیهم السّلام هم من أكمل أفراد المؤمنين الذين مدحهم القرآن الكريم، والاقتداء بهم وسلوك سبيلهم هو سلوك الطريق المستقيم الموصل إلىٰ جنّات النعيم .
وظهر أن تطبيق الآيات العامة على الأفراد الذين لم يثبت لهم الشرائط الثلاثة المتقدمة هو من التفسير بالرأي، ومن فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار .
وبعض العامّة زعم شمول قوله تعالىٰ (للفقراء المهاجرين الذين اُخرجوا من دیارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله واُولئك هم الصادقونه (1)لأبي بكر وإنه من الصادقين .
وفيه أنّ المتّصف بالصدق في الآية الشريفة من تكاملت له الشرائط، من الهجرة والإخراج من الديار والأموال، وهما مشاهدان، وابتغاء الفضل والرضوان من الله ونصرة الله ورسوله، وهما من الباطن الذي لا يعلمه إلاّ الله تعالىٰ، فلا دلالة في الآية على الشمول، ولا مجال لاعتقاد شمول الآية إلاّ لمن علم اتّصافه بهما .
ومن الآيات التي ذكرت للاستدلال علىٰ مدحهم قوله تعالىٰ (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتّبعوه في ساعة العسرة)(2).
وفيه أنّ الآية لا تبيّن موضوعها، فلابدّ من العلم بموضوعه، وهو من تاب، ولم يعلم توبة الجماعة، مع أنّه لا دلالة لها على استمرار ذلك لتشمل من انقلب علىٰ
ص: 322
عقبيه بعد وفاة النبي صلّی اللهُ علیه وآله .
ومنها: قوله تعالىٰ (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان )(1) والكلام فيه كسابقه، فإنّه خاصّ بمن سبق بالإيمان حسب الشرائط الثلاثة، فإمّهم الذين يستحقّون المغفرة من الله تعالى .
ومنها: قوله تعالىٰ (يا أيّها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبّونه أذلّة على المؤمنين أعّزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) الآية (2).
فقد زعم بعض العامّة أنّ أبا بكر هو الممدوح بأنّه جاهد المرتدّین بعد وفاة النبي صلّی الله علیه وآله. وحكاه الشيخ الطوسي رحمة اللهُ عن الحسن وقتادة والضحّاك وابن جريح (3).
أقول: لا دلالة في الآية علىٰ ذلك، بل يمكن أن يقال بأنّ فيها دلالة علىٰ أنّ الممدوحین بالجهاد غیره.
أمّا أولا، فلأنّ قوله تعالىٰ (فسوف يأتي الله) يدلّ على الفصل بين ارتداد المرتدّين ومن يأتي بهم الله، ولو كان المراد بمن يأتي الله به أبا بكر لم يكن فصل بين ارتداد المرتدّین بعد وفاة النبي صلّی اللهُ ومقابلة أبي بكر، وذلك لأنّ «سوف» تدلّ على الاستقبال البعيد، كما أنّ السين التي تدخل علىٰ فعل المضارع تدلّ على الاستقبال القريب .
ص: 323
وثانياً: ما ذكره الشيخ المفيد رحمة اللهُ في الإفصاح من أنّ المدحة في الآية متوجّهة إلىٰ أمير المؤمنين علیه السّلام ، فإنّه ذكر فيها صفات مخصوصة به علیه السّلام: فأوّلها: وصفهم بأنّهم يحبّون الله تعالىٰ ويحبّهم الله، وقد علم كلّ من سمع الأخبار اختصاص أمير المؤمنين علیه السّلام بهذا الوصف من الرسول صلّی اللهُ علیه وآله ، وشهادته له به يوم خيبر، حيث يقول: لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، کرّاراً غیر فرّار، لا يرجع حتّىٰ يفتح الله علىٰ يديه. فأعطاها علياً علیه السّلام .
ولم يرد خبر ولا جاء أثر بأنّه صلّی اللهُ علیه وآله وصف أبا بكر ولا عمر ولا عثمان بمثل ذلك في حال من الأحوال، بل مجيء هذا الخبر بوصف أمير المؤمنین علیه السّلام بذلك عقيب
ما كان من أبي بكر وعمر في ذلك اليوم من الانهزام، وإتباعه بوصف الكرّار دون الفرّار موجب لسلب الرجلين معنىٰ هذه المدحة، كما سلبهما مدحة الكرّ، وألزمهما ذمّ الفرار.
وثانيهما: وصف المشار إليه في الآية باللين على المؤمنين، والشدّة على الكافرين، حيث يقول جلّ اسمه: وأذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم)(1).
وهذا وصف لا يمكن أحداً دفع أمير المؤمنين علیه السّلام عن استحقاقه بظاهر ما كان عليه من شدّته على الكافرين، ونكايته في المشركين، وغلظته على الفاسقين، ومقاماته المشهورة في تشييد الملّة ونصرة الدين، ورأفته بالمؤمنين، ورحمته للصالحين .
ولا يمكن أحدأ ادعاؤه لأبي بكر إلاّ بالعصبية، أو الظنّ دون اليقين، لأنّه لم
ص: 324
يعرف له قتيل في الإسلام، ولا بارز قرناً، ولم يُرَ له موقف عني فيه بين يدي النبي صلّی اللهُ علیه وآله ، ولا نازل بطلاً، ولا سفك بيده لأحد المشرکین دماً، ولا كان له فيهم جريح، ولم يزل من قتالهم هارباً، ومن حربهم ناکلاً، وكان على المؤمنین غليظاً، ولم يكن بهم رحیماً .
ألا ترىٰ ما فعله بفاطمة سيّدة نساء العالمين علیها السّلام وما أدخله من الذلّ علىٰ ولدها، وما صنع بشيعتها، وما كان من شدّته علىٰ صاحب رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وعامله على الصدقات، ومن كان في حيّزه من المسلمين، حتّىٰ سفك دماءهم بيد المنافق الرجيم، واستباح حريمهم بما لا يوجب ذلك في الشرع والدین .
فثبت أنّه كان من الأوصاف علىٰ ضدّ ما أوجبه الله تعالىٰ في حكمه لمن أخبر عن الانتقام به من المرتدّين (1).
وثالثاً: لا دلالة في الآية علىٰ أنّ القوم الذين يأتي الله بهم يجاهدون المرتدّین، بل تدلّ علىٰ أنّهم يجاهدون في سبيل الله، فلعلّ المراد بیان أنّه لا يتوهّم المرتدّون آنّهم بارتدادهم يضرّون بالدين ويصير أهل الدين قليلين، وذلك لأنّ الله تعالىٰ يستبدلهم بأقوام متدّينين يجاهدون في سبيله، نظير قوله تعالىٰ (ولا يزالون يقاتلونکم حتّىٰ یردّوکم عن دینکم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاُولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة واُولئك أصحاب النار هم فيها خالدون* إنّ الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله اُولئك
ص: 325
یرجون رحمة الله والله غفور رحيمه(1) فقد ذكر الله تعالى بعد ذكر المرتدّين أنّ المؤمنين الذينيجاهدون في سبيل الله هم أهل النجاة.
ورابعاً: ما قيل من أنّ الآيات السابقة علىٰ هذه الآية واللاحقة لها واردة في زمان النبي صلّی اللهُ علیه وآله ممّا يؤيّد أن الارتداد حصل في زمان النبي صلّی اللهُ علیه وآله أيضاً، فلا تختصّ بالمرتدین بعد وفاته .
وخامساً: ما تقدّم من أنّ الله تبارك وتعالىٰ ذمّ من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض، بل لابدّ من الإيمان بجميع الكتاب، وقد تقدّم أنّه كان في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله منافقون لا يستحقّون المدح، بل إنّ المنافقين في الدرك الأسفل من النار، فالآية مخصوصة بغير المنافقين، ولا تصحّ تطبيقها علىٰ فرد مشكوك.
وسادساً: لعلّ الظاهر من الآية أنّ من يأتي الله بهم يباشرون الجهاد كما لا يخافون في الله لومة لائم، وأبو بكر لم يجاهد بنفسه، ومضمون الآية ينطبق علىٰ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام الذي جاهد مع شيعته الذين أتى الله بهم في زمانه، وهو الذي لا يخاف في الله لومة لائم ويحسن التنبيه علىٰ اُمور :
قد يتسرّب إلىٰ أذهان الناشئة أو من يهوي المحاكاة بعض ما یردّده من يسرّ حسواً في ارتغاء، أو من لا بصيرة له في الدين من أنّ الحقّ ينبغي أن يكون في جانب الغالبية مقيله،وعلىٰ سنن الكثرة الكاثرة سبيله، وحيث إنّ أكثريّة المسلمين من السنّة، فلا ينبغي صرف الحقّ عنهم وجعله في غيرهم، وكيف
ص: 326
يكون أكثر أهل القبلة على الباطل ؟
والجواب علىٰ ذلك يتمّ بأمرين : الأوّل: أنّ اتّباع ما يقوله جمهور المسلمين والانتهاء إلىٰ مذهب من مذاهبهم اُصولاً وفروعاً إنّما يكون لازماً إذا ساعده الدليل العقلي والشرعي، وإذ لم يقم علىٰ متابعتهم برهان عقلي ولا دليل شرعي، فكيف يجوز الالتزام بشيء من اجتهاداتهم والاعتقاد بواحد من مذاهبهم ؟.
علىٰ أنّ ما بأيدينا من الأدلّة القاطعة والحجج الدامغة على الائتمام بأئمّة الهدىٰ أعدال الكتاب قد بلغ حدّ الصراحة، وترفع عن أن تناله يد التشكيك. وقد تبيّن ذلك للقارىء الكريم .
وماذا يضرّ المسلم المؤمن إذا أخذ بعنقه الدليل القوي، وقاده البرهان الجلي إلىٰ مفارقة ما عليه الكثرة أن لا يقتصّ أثره أهل الدنيا، ومتىٰ كانت الكثرة دليلاً على الحقّ، والاجتماع الغالبي منهاجاً للصدق؟ وإلاّ لكان الهدیٰ في جانب الفراعنة ومردة أهل الكتاب قديماً، والنصارىٰ واليهود والزنادقة حديثاً.
قال الشيخ المفيدة رحمة الله في كتاب الإفصاح: ألا ترىٰ أنّ أكثر الخلق علىٰ مرور الأيّام والأوقات عصاة لله تعالىٰ، والقليل منهم مطیعون له على الإخلاص،والجمهور الأكثر منهم جهّال علىٰ كلّ حال، والعلماء قليل يحصرهم العدد بلا ارتياب، وأهل التصوّن والمروءة من بين الخلق أفراد، وأهل المناقب في الدين والدنيا آحاد، فيعلم بذلك أنّ الأكثر لا معتبر بهم في صحيح الأحكام.
وبعد فإنّه لم يتمكّن قط متملّك إلاّ وكان الخلق معه حالهم مع أبي بكر وعمر
ص: 327
وعثمان، وهذه عادة جارية إلىٰ وقتنا هذا وإلىٰ آخر الزمان .
ألا ترىٰ إلى اجتماع الاُمّة علىٰ متاركة معاوية بن أبي سفيان حين ظهر أمره عند مهادنة الحسن بن علي بن أبي طالب علیها السّلام و سکوت الكافُة عنه، وهو يلعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام على المنابر، ويقنت عليه في الصلوات، ويضرب رقاب المسلمين على الولاية له، ويجيز على البراءة منه بالأموال .
وكذلك كانت حالهم مع یزید لعنه الله وقد قتل الحسين بن علي علیها السّلام ولد رسول الله صلّی الله علیه وآله وحبيبه وقرّة عينه ظلماً وعدواناً، وسبيٰ أهله ونساءه وذراريه، وهتكهم بین الملأ، وسيّرهم على الأقتاب في الفلوات، واستباح حرم رسول الله صلّی الله علیه وآله في وقعة الحرّة، وسفك دماء أهل الإيمان، وأظهر الردّة عن الإسلام، فلم يجاهره أحد من الاُمّة بنكر، وأطبقوا علىٰ إظهار التسليم له والانتمام به والاتبّاع والانقياد، ولم يزل الأمر يجري في الاُمّة بعد يزيد لعنه الله مع الجبّارين من بني اُميّة ومروان علىٰ ما وصفناه .
وكذلك كانت صورتهم من عهد آدم علیه السّلام إلى وقت من سمّيناه ومن بعدهم إلى الآن، وإنّما ينظر الناس إلىٰ من حصل له الاتّفاق في الرئاسة والسلطان وينقادون له كما ذكرناه، ويجتنبون خلافه علىٰ ما بيّناه، سواء كان من الله أو من الشيطان، أو كان عادلاً في الرعيّة، أو كان ظالماً من الفجّار .
بل قد وجدنا الجمهور في كثير الأحوال يحترزون عن أولياء الله، ويخالفون أنبياءه، ويسفكون في العناد لهم الدماء، ويطبقون علىٰ طاعة أعداء الله، ويسلمون الهم على الطوع والإيثار، وربّما اتّفق للظالم المتغلّب والناقص الغبي الجاهل من
ص: 328
الجماعة الرضا به والاتّباع، فانقادت الاُمور له علىٰ منيته فيها والمحاب،واختلفت على العادل المستحق الكامل الحكيم، واضطربت عليه الاُمور، وكثرت له المعارضات، وحصلت في ولايته الفتن والمنازعات والخصومات والمدافعات.
وقد عرف أهل العلم ما جرىٰ على كثير من أنبياء الله صلوات الله عليهم من الأذىٰ والتكذيب والردّ لدعواهم، والاستخفاف بحقوقهم، والانصراف عن إجابتهم، والاجتماع علىٰ خلافهم، والاستحلال لدمائهم، فأخبر الله تعالىٰ بذلك فيما قصّ به من نبأهم في القرآن، فكان من الاتباع للفراعنة والنماردة وملوك الفرس والروم على الضلال وما لا يحيل علىٰ ذي عقل من سمع الكتاب .
فيعلم بما شرحناه أنّه لا معتبر في الحقّ بالاجتماع، ولا معتمد في الباطل على الاختلاف، وإنّما مدار الأمر في هذين البابين على الحجج والبيّنات، لما وصفناه من وجود الاجتماع على الضلال والاختلاف، والتباين في الهدى والصواب بما بيّناه، ولا سبيل إلىٰ دفعه إلاّ بالعناد (1) إنتهىٰ .
فهل يبقىٰ بعد قيام الحجّة و وضوح المحجّة عذر لمعتذر وذريعة لمتذرّع أمام الله سبحانه، وما هو المؤمّن له من العقوبة إذا كانت الكثرة علىٰ غير استمساك بحبل متین من آية أو عروة وثقىٰ من رواية ؟
الثاني: أنّ ذا الرأي الصائب، هو الذي يجتهد في طلب الحقيقة، ويبحث عنها بغير عصبية، وهذا ستواجهه آیات ساطعة محكمة في مدح الأقلّية ممّن كان على الهدیٰ، وذمّ الكثرة الساحقة ممّن كان متّبعاً للهوىٰ، ومقتفياً آثار الاجداد و الآباء
ص: 329
بغیر حجّة تناصره، ولا دليل يؤازره .
فيقع الباحث من وراء ذلك علىٰ واقع لا ينكر، وهو أنّ المؤمنين كانوا دائماً قليلين في كلّ اُمّة من اُمم الأنبياء وحسب ما جاء في القرآن الكريم من شواهد متناصرة في مدح الأقلّية قوله تعالى (حتّىٰ إذا جاء أمرنا وفار التنّور قلنا احمل فيها من كلّ زوجين اثنين وأهلك إلاّ من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلاّ قليل) (1) وقوله تعالىٰ
(فلمّا كتب عليهم القتال تولّوا إلّا قليلاً منهم) (2) وقوله تعالىٰ (فشربوا إلاّ قليلاً منهم) (3) وقوله تعالىٰ (وقليل من عبادي الشكوره ) (4) وقوله تعالىٰ (إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل مّا هم) (5) إلىٰ غير ذلك من الآيات .
و في ذمّ الكثرة قوله تعالىٰ (قل لا يستوي الخبيث والطيّب ولو أعجبك كثرة الخبيث (6)، وقوله تعالىٰ (ولقد ذرأنا لجهنّم كثيراً من الجنّ والإنس) (7) وقوله تعالىٰ (ولكنّ أكثر الناس لا يؤمنون) (8) وقوله تعالىٰ (وإن تطع أكثر من في
ص: 330
الأرض يضلّوك) (1) إلىٰ غير ذلك من الآيات .
هذا وزعم بعض العامّة أنّ ظهور مذهبهم وشهرته وكثرة متابعيه هو المراد من قوله تعالىٰ (هو الذي أرسل رسوله بالهدىٰ ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه) (2) وأنّه المراد من قوله تعالىٰ (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون) (3) وتوهّم أنّ اللام في قوله تعالىٰ (ليظهره على الدين) تدلّ علىٰ ترتّب الإظهار فوراً علىٰ إرسال الرسول، ولا يصّح أن يتأخّر ظهور دینه صلّی الله علیه وآله.
أقول: المذكور في الآية هو الظهور على الدين كلّه، وإرث الأرض ظاهر في إرث جميع الأرض لا قطر منها، وهذا ما لم يحصل بعد .
قد يقول قائل: إنّ الفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء الثلاثة، وترويج الإسلام، وإعلاء شأنه، وتقوية شوكته، وغير ذلك من الخدمات الهامّة لصالح الإسلام والمسلمين التي لا ينكرها أحد لهي ممّا يصلح أن يكون شاهداً علىٰ شرعية خلافتهم.
والجواب على ذلك أوّلاً : أنّ النبي صلّی الله علیه وآله بما كان يتمتّع به من إدارة حكيمة وحنكة عظيمة قد سلك شتّى السبل القويمة في ترسيخ الإسلام في قلوب المسلمين، وشحذ عزائمهم، وإلهاب هممهم، لم يدّخر في ذلك وسعاً إلاّ بذله،
ص: 331
فأخلص لله وللإسلام وللمسلمين الطويّة ومحض النصيحة، وأيّد ذلك بشواهد رأوها باُمّ أعينهم، فما وعدهم بشيء إلاُ وفيٰ به، ولا أخبرهم بخبر إلاّ جاء كفلق الصبح، حتّىٰ استوثقت بثمرات الإسلام نفوسهم، وباتت على الآمال العذاب ترقبها في الغد القريب أرواحهم.
فما آذنت شمس حياته صلّی الله علیه وآله بالمغيب إلاّ وقد امتلأت صدورهم بأحلام الفتوحات، وجرت في مسارب أعماقهم أماني الخيرات، فقد كانوا يتوقّعون وهو بين ظهرانيهم أن تدين لهم الأكاسرة، وتخضع لهم القياصرة وعداً غير مكذوب، فتمطرهم الدنيا بخيراتها، وتهطل عليهم سحائب برکاتها، وتهب لهم كنوزها،فيصبحون سادة الأرض، وكلّ ذلك لا زال يخامر أفكارهم.
فلمّا قبض النبي صلّی الله علیه وآله كانوا علىٰ أهبة كاملة، و ثبات وثيق، كلّهم أبصار وأسماع لداعي الجهاد أيّاً كان ما دام يدعوهم باسم هذا الدين، فيهبّوا في مثل السيل المنحدر والريح العاتية لا يلوون علىٰ شيء.
وليس المهمّ أن يكون هذا القائد ممّن اُنيطت به القيادة باستحقاق أم بغلبة مادام في الاستجابة إليه تحقيق أهدافهم، وفي الالتفاف حوله الوصول إلىٰ غاياتهم.
وقد تفطّن إلىٰ ذلك الذين منّوا نفوسهم بالمطامع الدنيوية والرئاسة الإسلامية، فما أخطأوا ظنّهم، مطمئنّين إلىٰ بلوغ منيتهم، منتهزين هذه الفرصة، غير مبالين بخطورة هذا المنصب، ولا بمخالفة أوامر الله سبحانه، فأزالوا صاحب الولاية العظمىٰ، وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام عن مكانه، واغتصبوه حقّاً قدجعله الله إليه.
ثمّ شغلوا الناس بالجهاد، حتّىٰ لا يبقى مجال للرويّة، ولا نظر
ص: 332
للقضيّة، فتمّ لهم ما أرادوا، وانطليٰ ذلك علىٰ كثير من البسطاء المغفلين، وحمده كثير من المغرضین جاهلين أو متجاهلين آثار ما خلّفه الرسول صلّی الله علیه وآله من حركة
للإسلام دائبة، وقوّة مستطيلة فقد اقتلع حواجز مسيرته، وطمّ مكامن أعدائه، وأباد صناديد العرب، وأخمد نار حربهم، ونكس أصنامهم، وأفنيٰ شجعانهم، فخلى الميدان من المتظاهرين بالمناوءة للدين .
فانخلعت للإسلام قلوب العرب، وذلّت له كبرياء المشركين، وبخعت لسلطانه فراعنة الملحدين، فأخذ الرعب يغزو أقطار الدنيا، تاركاً في النفوس ضعفاً متناهياً وخذلاناً بیّناً، فهي ليست بقادرة على الثبات أمام هجومه، ويائسة من الانتصار علیٰ عساکره، فأعقبها ذلك ضعفاً إلىٰ ضعف .
فإذا ضممت هذه الأسباب بعضها إلىٰ بعض، ظهر لك سرّ اتّساع رقعة الإسلام في عهد خلافتهم، ووقفت علىٰ الباب الأمر في ثبوت إمارتهم، فكيف يبقىٰ لقائل قول أو لمتعصّب ذريعة ؟ (1)(1).
ص: 333
وثانياً: أنّ إسداء الصنع المحبوب علىٰ كثرته، والدأب علىٰ توسيع الإسلام ورفعته، انتهاج طبيعي للموقف، ونتيجة بديهية لحزم الأمر، فكان من المحتم عليهم العطف على المسلمين، والإشادة بمحاسن الدين، وإلاّ لانتكث عليهم الفتل، ولانحلّ ما أبرموه من الغزل، ولأفلت من أيديهم زمام الخلافة، ولخرج من تحت سلطانهم عنان الأمارة، فهم بذلك أذكياء للغاية حياطة لشهواتهم، واستيثاقاً لنفوذ طاعتهم، واستحکاماً لقواعد سلطانهم.
وثالثاً: أنّ كثرة العمل لا قيمة لها ما لم يكن العمل خالصاً لله تعالىٰ، قال جلّ وعلا: (مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صرّ أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) (1)(1) وقال تعالىٰ: (قل أنفقوا طوعاً أو كرهاً لن يتقبّل منكم إنّكم كنتم قوماً فاسقين *وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلاّ أنّهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالىٰ ولا ينفقون إلاّ وهم کارهون) (2)(2) .
وقال تعالىٰ: (يا أيّها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذئٰ كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان علیه تراب فأصابه وابل فترکه صلداً لا يقدرون علىٰ شيء ممّا كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين) (3)(3).
ص: 334
ورابعاً: لو أنصف المؤمن بالله وبالرسول وبما اُنزل عليه، ونظر نظر اعتبار وتعقّل و تأمّل فيما يمكن أن يصنعه أصحاب الرسول صلّی الله علیه وآله بعد وفاته من هذه الوجوه لوصل إلى الحقّ، وهي : الأوّل: أن ينقادوا لعلي علیه السّلام خليفة للنبي صلّی الله علیه وآله ، فإنّه لا ريب ولا شكّ في أنّه كان أذكى القوم، وأنّه كان أكثرهم معاشرة للرسول صلّی الله علیه وآله واستفادة من علمه صلّی الله علیه وآله، وأنّه لا يشكّ أحد في تقواه وزهده و ترکه الهويٰ، وأنّه يسير سيراً أنفع ما يكون للإسلام، وأنّه يكون القائد الأليق لجيوش الإسلام لكونه متّصفاً بما ينبغي أن يكون عليه القائد، وهو حبیب الرسول، وفي تقديمه وإطاعته مودّة ذي القربىٰ وسائر الجهات المطلوبة في الشرع.
فمن تأمّل في ذلك علم علماً قطعياً لا يشوبه شكّ ولا ريب، أنّه لو اجتمع القوم وهم أصحاب رسول الله صلّی الله علیه وآله من المهاجرين والأنصار أعضاد الملّة وحضنة الإسلام الذين يقتدي بفعالهم سائر الاُمّة الإسلاميّة علىٰ من نصبه الله وصيّاً للرسول وخليفة حقّ له، وهو علي بن أبي طالب علیه السّلام ، وأدّوا حقّ الرسول، وراعوا حرمته، وواروا جسده الشريف، ثمّ اجتمعوا حول منبر الرسول وعليه خليفته ووصيّه وابن عمّه وسمعوا له وأطاعوا، لما اختلف اثنان ولا وقع بين المسلمين قتال .
ولم تظلم ابنة رسول الله صلّ الله علیه وآله الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء علیها السّلام عليك، ولم ينف أبوذرّ، ولم يضرب أصحاب الرسول الأخيار، ولم يقع حيف في بيت المال، ولم ينته الملك والسلطنة إلىٰ معاوية بن أبي سفيان، فلم تكن وقعة صفّين ولا النهروان،
ص: 335
ولم يقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام ، ولا ابنه الحسین علیه السّلامظ ريحانةالرسول،ولم تنته السلطنة إلىٰ بني العبّاس، بل كانت القوىٰ تصرف في توسيع رقعة الإسلام.
وممّا لا شكّ فيه ولا ريب أنّه لو لم تغصب الخلافة، لاستقامت الاُمور الدينية والدنيوية كلّها، ولكان الإسلام قد أطبق العالم، ولم يكن سلاطين الجور، ولم تك لغير المسلمين المؤمنين دولة، فكثير ممّا يقع من سفك الدماء بغير حقّ، وما وقع وسائر المعاصي ناشیء من الغصب المذكور.
الثاني: أن يتّفق أصحاب النبي صلّی الله علیه وآله وأفضلهم وأعلمهم وأعرفهم علي بن أبي طالب علیه السلام علىٰ أن يجهّزوا النبي صلّی الله علیه وآله ، وبعد ذلك يعيّنون الخليفة بالتشاور والإجماع.
الثالث: أن يتّفقوا علىٰ أن يتكفّل علي بن أبي طالب علیه السّلام تجهيز النبي صلّی الله علیه وآله ويعيّن سائر الصحابة الخليفة .
الرابع: أن يخالفوا النبي صلّی الله علیه وآله في تعيينه عليّاً خليفة في واقعة الغدير وغيرها، الذي يسير في الناس بسيرة النبي صلّی الله علیه وآله ، ولا يحترموا جثمانه الشريف، ولا يراعوا أهل بيته، ولا يدخلوهم في المشاورة لتعيين الخليفة، بل يجتمع جماعة منهم في السقيفة، ثمّ بالتسويلات الباطلة وبالقهر والغلبة يقدّمون واحداً منهم، ويجعلونه
أميراً عليهم غير ملتزمين بكونه عالماً بالأحكام الشرعية التي يبتلىٰ بها الناس ولا معصوماً من الخطأ، وقد اختار الذين اجتمعوا في السقيفة الوجه الرابع، فلم يدخلوا عليّاً علیه السّلام في المشاورة، لا لأنّه لا يحبّ الرئاسة ولم يكن أزهدهم وأعلمهم وأورعهم، بل لأنّه لو أدخلوه كان هو المقدّم والمختار، فلا تصل الخلافة
ص: 336
إلىٰ غيره، ولا يترشّح لها من رشح لها .
وهذا السبر والتقسيم الذي ذكرناه يوصل المنصف المطّلع على التاريخ الصحيح الموثوق به إلىٰ ما يعتقده الشيعة من أنّ الخلافة عن النبي صلّی الله علیه وآله بلا فصل هي حقّ علي بن أبي طالب علیه السّلام الذي جعله الله عزّوجلّ له ونصبه وعيّنه الرسول صلّی الله علیه وآله بأمر الله تعالىٰ وقد غصبت منه .
قد يعترض علىٰ مقالة الشيعة أنّ عليّاً أمير المؤمنین علیه السّلام هو خليفة الرسول صلّی الله علیه وآله بلا فصل، بأنّ لازم قولكم هو انحصار المؤمنين في زمان النبي صلّی الله علیه وآله ، وبعد وفاته في عدّة قليلة جدّاً، وهذا ممّا تأبى النفوس الإذعان به .
والجواب : أنّا لا نعلم ذلك مع بعد العهد، فلعلّهم كانوا كثيرين قتلوا في الحروب،أو ماتوا قبل وفاة النبي صلّی االه علیه وآله ،أو کانوا في غیر مدینة الرسول صلّی الله علیه وآله ّوإنّ إلقاء نظرة ولو سریعة علیٰ تاریه الغزوات کفیلة بٲن یطمئنّ المنصف بقرب ذلك (1)(1) .
ص: 337
وذكر العامّة في كتبهم أنّ من بقي علىٰ إيمانه من أصحاب النبي صلّی الله علیه وآله بعد وفاته كانوا قليلين .
فقد روى البخاري بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صلّی الله علیه وآله ، قال: بينا أنا قائم إذا زمرة حتى إذا زمرة حتّىٰ إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلمّ قلت: إلیٰ أين؟
قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنّهم ارتدّوا بعدك علىٰ أدبارهم القهقریٰ، ثمّ إذا زمرة حتّیٰ إذا عرفتهم خرج رجل من بیني و بینهم ، فقال: هلمّ، قلت: أین؟ قال : إلی النار والله ، قلت: ما شأنهم؟ قال : إنّهم ارتدّوا بعدك علیٰ أدبار هم القهقریّٰ فلا أراه یخلص منهم إلاّ مثل همل النعم (1)(2) .
قال في نهاية ابن الأثير في شرح الحديث: الهمل ضوّال الابل، واحدها هامل، أي: إنّ الناجي منهم قليل في قلّة النعم الضالّة (2)(3) .
والنعم الضالّة قليلة جدّاً، وهذا الخبر يدلّ علىٰ أنّ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من يرتدّ ويكون من أهل النار، ولا يبقىٰ منهم إلاّ القليل، والمراد بارتدادهم ما أحدثوه بعده، والذي أحدثوه بعد وفاة النبي صلّی الله علیه وآله هو غصب الخلافة، وظلم فاطمة الزهراء عليها السّلام ، وأخذ فدك منها، وما أدري ما يقولون في المراد بما أحدثوه بعده هل هو إقامتهم صورة الصلاة، أو فتحهم البلاد، أو ما حفظوه من سائر ظواهر الإسلام؟
فعلم بذلك أيّة فئة من أصحابه صلّی الله علیه وآله تلك التي هي من أهل النار، كما أنّ ظاهر
ص: 338
الخبر أنّ الضمير في قوله « منهم» راجع إلىٰ عامّة الأصحاب، لا خصوص الزمرة المرتدّة، فإنّ هذه كلّها من أهل النار، ولا يخلص منها أحد، فتدبّر .
قد يقال باستبعاد احتمال النفاق في جماعة ظاهرهم الإسلام والإيمان، آمنوا باختيارهم وانقادوا للنبي صلّی الله علیه وآله وهم حوله يشهدون الصلاة معه، ويخرجون إلى الحرب.
والجواب: أنّ حبّ الشيء يعمي ويصمّ، فلقد سمع المنافقون من الكهنة أنّه يظهر نبي في مكّة، يغلب على المشركين، وتخضع له القياصرة، وتذلّ له الأكاسرة، وتبخع له الجبابرة، وأنّه لا تكاد تشرق الشمس ولا تغرب إلاّ في سماء سلطانه، وأنّ ذلك كائن لا محالة، وأنّه تصل الرئاسة بعده إلىٰ بعض القبائل، فلا جرم کان إيمانهم بالنبي صلّی الله علیه وآله طمعاً لا خوفاً ولا طوعاً، بل طلباً لحطام الدنيا(1)(1) .
ص: 339
وأمّا غيرهم فمنهم من آمن رجاء أن ينال ما يناله غيره من الإمارة والخلافة، ومنهم من آمن ابتغاء وجه الله ونصرة لدينه، وقليل مّا هموقليل من عبادي الشكور.
من شهد الشهادتين، فاعتقد معنی رسالة النبي صلّی الله علیه وآله ، فلابدّ له من أن يعتقد بأنّ كلّ ما جاء به من عند الله هو الحقّ ولو على الإجمال، إن لم يعلم تفصيل ما جاء به .
وأمّا ما علم بخصوصه أنّه جاء به لسماعه منه صلّی الله علیه وآله أو لضروريّته كالصلاة ونحوها، فلابدّ من الاعتقاد به تفصيلاً، فإن كان ضروريّاً عند الجميع وجب على الجميع الاعتقاد به، وإن كان ضروريّاً عند طائفة وجب عليهم خاصّة، وكذا إن كان عند شخص ضرورياً فإنّه يجب عليه الاعتقاد به ، ثمّ إنّ من حكم عليه بالإسلام إن أنكر الله تعالىٰ أو أنكر الرسول أو أنكر ما علم أنّه جاء به الرسول كان مرتدّاً .
ونحن نعلم أنّ أصحاب الرسول صلّی الله علیه وآله به كانوا يعلمون أنّ الرسول صلّی الله علیه وآله نصّ علىٰ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام أنّه خليفته بلا فصل وإمام مفروضة طاعته علىٰ جميع الاُمّة؛ لأنّهم سمعوا ذلك من الرسول صلّی الله علیه وآله، فالذين أنكروا ذلك منهم مرتدّون عن الإسلام .
ويمكن أن يوجد فيهم ضعفاء العقول ممّن يحتمل أن تحصل لهم الشبهة ممّا فعله بعض الصحابة، ولاسيّما بعد سکوت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام عن مجاهدة الغاصبين منصبه (1)(1) .
ص: 340
وأمّا الأوّلون الذين أدركوا رسول الله صلّی الله علیه وآله وسمعوا منه النصّ علىٰ إمامة علي علیه السّلام ، أو كانوا يعلمون ذلك علم اليقين ، فهم منكرون للضروري .
ص: 341
في بعض مطاعن العامة علىٰ معتقدات الشيعة الاثنا عشريّة يتوهّم المخالفون لنا في الاعتقاد أنّه من الصعب علينا أو المحرج لنا الكلام في معتقداتنا، وكأنّ عندنا من ذلك ما نخفيه، مع أنّها فروع لاُصول إن صحّت، فالكلام فيها أسهل شيء، وعمدة تلك الاُصول الاعتقاد بخلافة علي علیه السّلام بلا فصل و أولاده المعصومین علیهم السّلام .
إنّ الشيعة الإماميّة الاثنا عشريّة يعملون بالقرآن الكريم، وهو هذا الموجود بين الدفّتين، ويعتقدون بالله تعالىٰ، وبالأنبياء علیهم السّلام، وبما اُنزل إليهم من ربّهم، وبالمعاد .
ويعملون بالأحكام النازلة من عند الله تعالىٰ، ويأخذون ذلك من هذا القرآن
ص: 342
الكريم الموجود الذي اتّفق جميع المسلمين في جميع الأعصار والأمصار علىٰ أنّه الكتاب النازل من الله تعالىٰ علىٰ رسوله، فيعتقدون بكلّ ما وصف الله تعالىٰ به نفسه في القرآن المجيد، من وحدانيّته، وصفاته الكماليّة، وبسلب الصفات الناقصة عنه.
والشيعة يعتقدون بجميع الأنبياء علیهم السّلام المذكورين في القرآن الكريم وغير المذكورين، وهم ليسوا ممّن في قلوبهم زيغ، فلذا لايأخذون بالآيات المتشابهة، كما قال الله تعالىٰ (فأمّا الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه) (1)(1)والآيات المتشابهة ليست منحصرة في فواتح السور، بل قد يقال: إنّه لا يفهم لفواتحها معنی خاصّ ليصدق على الأخذ به أنّه اتّباع المتشابه، وليست هي الآيات الواردة في الأحكام، ولا هي الآيات الواردة في الجنّة والنار، فإنّها لا تشابه في معانيها، بل لها ظهورات ومعان واضحة، فلا يبقىٰ إلاّ أمثال قوله تعالىٰ (هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام) (2)(2) وقوله تعالىٰ (إلىٰ ربّها ناظرة) (3)(3) .
فقول العامّة بأنّ الله تعالىٰ ينزل من السماء للآية الاُولى، وأنّه يرىٰ بالعين يوم القيامة للآية الثانية، ونحوهما من العقائد الفاسدة، اتّباع للمتشابه. هذا.
وأمّا في مقام العمل، فإنّ الشيعة يتطهّرون ويتوضّأون ويصلّون ويحجّون ویزکّون ويصومون. وإنّهم يعملون بجميع الأحكام الشرعيّة، وطریق ثبوت هذه الأحكام عندهم هو الكتاب المجيد، والسنّة الثابتة عن النبي صلّی الله علیه وآله ، والأخبار
ص: 343
المأثورة بطرق معتبرة عن الأئمّة المعصومین علیهم السّلام، ويتبرّأون ممّن أمر الله تعالىٰ في القرآن بالتبرّي منه.
وحيث إنّه لابدّ من العمل بالأحكام الصادرة عن النبي صلّی الله علیه وآله ، فيدور الأمر فيها بين أن يأخذوها من أئمّة أهل البيت علیهم السّلام کّمحمد بن علي الباقر عليهما السّلام ، عن آبائه علیهم السّلام ، عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، الذي كان ربيب رسول الله صلّی الله علیه وآله و المختصّ به من دون سائر الناس، وكانت له منه منزلة لم تكن لغيره منهم، وهو الذي علّمه علمه، حتّىٰ قال: علّمني رسول الله صلّی الله علیه وآله ألف باب من العلم يفتح لي من كلّ باب ألف باب.
وبين أن يأخذوها عمّن روىٰ عن رسول الله صلّی الله علیه وآله علماً ليس بتلك المنزلة التي ذكرنا، أو عن أمثال أبي حنيفة الذي كان يعمل في الدين برأيه .
والقرآن أمر بإطاعة الله تعالىٰ وإطاعة الرسول وإطاعة اُولي الأمر، وفسّرنا اُولي الأمر بالأئمّة المعصومین علیهم السّلام ، بل العقل الضروري يحكم بتعيّن الأخذ من المعصومين، فأيّ كفر في اعتقاد الشيعة وعملهم؟
هذه اُمّهات عقائد الشيعة الاثنا عشريّة، وما سوىٰ ذلك ممّا يشنّع عليهم به فهم منه براء.
وهم بالإضافة إلىٰ ذلك لهم معتقدات اُخرى تفصيلية لا تخرج عن هذا الإطار العام الذي بیّناه ألجأهم إلى القول بها البرهان الساطع، والدليل القاطع الذي لا يبقى مجالاً للطعن عليهم فيها، وأيّ حرج على من اتّبع العقل القويم والقرآن الكريم، وما ثبت له عن أئمّة الدين الذين جعلهم الله أعدال الكتاب وأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً؟
ص:344
هذا وستعرّض في هذا الفصل لذكر جملة من تلك العقائد وما تقوله الشيعة فيها، وإشكالات غيرهم عليهم مع الجواب عنها، فنقول: من تلك العقائد :
وهي صارت منشأ الطعن العامّة على الشيعة في قولهم بها، فقد زعم العامّة أنّ اعتقاد الشيعة بالبداء يستلزم إسناد الجهل إلى الله تعالىٰ؛ لأنّ البداء عبارة عن ظهور ما كان خفيّاً، أو حصول رأي جديد علىٰ خلاف الرأي السابق، وإسناد كليهما إلى الله تعالىٰ من أعظم الكفر؛ لأنّه لا يخفىٰ عليه شيء، ولا يجهل شيئاً حتّىٰ يحدث له علم ويتبدّل رأيه بآخر.
أقول : هذه النسبة إلى الشيعة كذب محض وافتراء عليهم، فإنّ أهل البيت الذين لا خلاف في علمهم ومعرفتهم بالله سبحانه قد استعملوا كلمة البداء، وصرّحوا بأنّه لم يبد لله عن جهل .
ففي صحيح عبدالله بن سنان، قال أبو عبدالله علیه السِلام: ما بدا لله في شيء إلاّ كان في علمه قبل أن يبدو له (1)(1) .
وفي خبر الجهني، عن أبي عبدالله له، قال: إن الله لم يبد له من جهل (2)(2).
وكذا علماء الشيعة متقدّموهم ومتأخۀروهم صرّحوا بأنّ البداء المنسوب إلى الله تعالىٰ ليس بمعنى البداء له عن جهل، وقد أجابوا عن شبه العامّة، لكن طالب الحقّ
ص: 345
قليل، وقد كتب علماء الشيعة رحمهم الله تعالىٰ في هذا الموضوع كتباً لم يبقوا الناظر فيها مجالاً للشبهة، ولكن حيث إنّ مخالفينا يكرّرون هذه الشبهة، فلابدّ أن نكرّر الجواب الذي ذكره علماؤنا، واستيفاء ذلك يكون في ضمن مباحث :
في معنى البداء المذكور في أخبارنا البداء لغة: الظهور. قالفي المقاييس: «ب د و» أصل واحد، وهو ظهور الشيء - إلى أن قال: - وتقول بدا لي في هذا الأمر بداءً أي تغيّر رأيي عمّا كان عليه (1)(1) إنتهیٰ .
والبداء يطلق علىٰ ثلاثة معاني : الأوّل: أن يكون شيء مخفيّاً ثمّ يظهر، ولعلّ منه ما روي من البداء في إمامة الإمام موسی بن جعفر علیهما السّلام ، والإمام الحسن العسكري علیه السّلام، وذلك لأنّ جمعاً من الشيعة أو أكثرهم كانوا يرون أنّ الإمام هو إسماعيل لكونه أكبر مع جلالته، وغير ذلك من مكارمه، فلمّا مات ظهر أنّ الإمام غيره، وكذا الكلام في إمامة محمّد بن علي الهادي، حيث إنّه لمّا مات ظهر أنّ الإمام هو الحسن العسكري علیه السّلام .
الثاني: أن يخبر الله تعالىٰ أو أحد الأنبياء أو الأوصياء بوقوع شيء أو عدمه، ثمّ حدث له العلم علىٰ خلاف ما أخبر، وهو يستلزم أن يكون جاهلاً في إخباره الأوّل، أو يوجب الله تعالىٰ على العباد شيئاً، أو يحرم عليهم شيئاً، ثمّ يتبدّل رأيه بسبب حدوث العلم له بعدم المصلحة في الأوّل وعدم المفسدة في الثاني، ولازمه
ص: 346
الجهل أيضاً. والبداء بهذا المعنى مستحيل في حقّه تعالىٰ، والشيعة بريئة من نسبة هذا المعنىٰ إلى الله تعالىٰ، كما صرّح أئمّة أهل البيت بذلك، وصرّح علماء الشيعة به متقدّموهم ومتأخّروهم.
قال الشيخ الطوسيل رحمة الله المتوفّىٰ سنة (460) في كتاب العدّة: البداء حقيقته في اللغة هو الظهور، ولذلك يقال: بدا لنا سور المدينة، وبدا لنا وجه الرأي، وقال الله تعالى: (وبدا لهم سيّئات ما عملوا) (1)(1) (وبدا لهم سیّئات ما كسبوا) (2)(2) ويراد بذلك كلّه «ظهر» .
وقد يستعمل ذلك في العلم بالشيء بعد أن لم يكن حاصلاً، وكذلك في الظنّ .
فأما إذا اُضيفت هذه اللفظة إلى الله تعالىٰ، فمنه ما يجوز إطلاقه عليه، ومنه ما لا يجوز. فأمّا ما يجوز من ذلك، فهو ما أفاد النسخ بعينه، ويكون إطلاق ذلك عليه علىٰ ضرب من التوسّع، وعلىٰ هذا الوجه يحمل جميع ما ورد عن الصادقين علیهم السّلام من الأخبار المتضمّنة لإضافة البداء إلى الله تعالىٰ، دون ما لا يجوز عليه من حصول العلم بعد أن لم يكن، ويكون وجه إطلاق ذلك فيه تعالىٰ والتشبيه هو أنّه إذا كان ما يدلّ على النسخ يظهر به للمكلّفين ما لم يكن ظاهراً لهم، ويحصل لهم العلم به بعد أن لم يكن حاصلاً لهم اُطلق علىٰ ذلك لفظ البداء (3)(3).
وقال في كتاب الغيبة بعد نقل الأخبار الواردة في بعض التوقيعات: فالوجه في
ص: 347
هذه الأخبار أن نقول - إن صحّت -: إنّه لا يمتنع أن يكون الله تعالىٰ قد وقّت هذا الأمر في الأوقات التي ذكرت، فلماّ تجدّد ما تجدّد تغيّرت المصلحة واقتضت تأخيره إلى وقت آخر، وكذلك فيما بعد، ويكون الوقت الأوّل وكلّ وقت يجوز أن يؤخّر مشروطاً بأن لا يتجدّد ما تقتضي المصلحة تأخيره إلىٰ أن يجيء الوقت الذي لا يغيّره شيء فيكون محتوماً.
وعلىٰ هذا يتأوّل ما روي في تأخير الأعمار عن أوقاتها، والزيادة فيها عند الدعاء وصلة الأرحام، وما روي في تنقيص الأعمار عن أوقاتها إلىٰ ما قبله عند فعل الظلم وقطع الرحم وغير ذلك، وهو تعالىٰ وإن كان عالماً بالأمرين، فلا يمتنع أن يكون أحدهما معلوماً بشرط والآخر بلا شرط، وهذه الجملة لا خلاف فيها بين أهل العدل .
وعلى هذا يتأوّل أيضاً ما روي من أخبارنا المتضمّنة للفظ البداء، ويبيّن أنّ معناها النسخ علىٰ ما يريده جميع أهل العدل فيما يجوز فيه النسخ، أو تغيّر شروطها إن كان طريقها الخبر عن الكائنات؛ لأنّ البداء في اللغة هو الظهور، فلا يمتنع أن يظهر لنا من أفعال الله تعالىٰ ما كنّا نظنّ خلافه، أو نعلم ولا نعلم شرطه .
فمن ذلك ما رواه سعد، عن ابن عيسىٰ، عن البزنطي، عن أبي الحسن الرضا علیه السّلام، قال علي بن الحسين، و علي بن أبي طالب قبله، و محمّد بن علي، وجعفر ابن محمّد علیهم السّلام : كيف لنا بالحديث مع هذه الآية (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده اُمّ الكتاب) (1)(1) .
ص: 348
فأمّا من قال: بأنّ الله تعالىٰ لا يعلم الشيء إلاّ بعد کونه، فقد كفر وخرج عن التوحيد .
وقدروىٰ سعد بن عبدالله، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سأل محمّد بن صالح الأرمني أبا محمّد العسكري علیه السّلام عن قول الله عزّوجلّ (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده اُمّ الكتاب) فقال أبو محمّد: وهل يمحو (1)(1) إلاّ ما كان، ويثبت إلاّ ما لم يكن؟ فقلت في نفسي: هذا خلاف ما يقول هشام بن الحكم: إنّه لا يعلم الشيء حتّىٰ يكون، فنظر إليّ أبو محمّد، فقال: تعالي الجباّر العالم بالأشياء قبل کونها. والحديث مختصر .
والوجه في هذه الأخبار ما قدّمنا ذكره من تغيّر المصلحة فيه، واقتضائها تأخير الأمر إلىٰ وقت آخر علىٰ ما بيّناه، دون ظهور الأمر له تعالىٰ، فإنّا لا نقول به ولا نجوّزه، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيرةاً .
فإن قيل: هذا يؤدّي إلىٰ أن لا نثق بشيء من أخبار الله تعالىٰ .
قلنا: الأخبار علىٰ ضربین: ضرب لا يجوز فيه التغيّر في مخبراته، فإناّ نقطع علیهما لعلمنا بأنّه لا يجوز أن يتغيّر المخبر في نفسه، كالإخبار عن صفات الله تعالىٰ، وعن الكائنات فيما مضىٰ، وكالإخبار بأنّه يثيب المؤمنین .
والضرب الآخر هو ما يجوز تغيّره في نفسه لتغيّر المصلحة عند تغيّر شروطه، فإنّا نجوّز جميع ذلك، كالإخبار عن الحوادث في المستقبل إلاّ أن يرد الخبر علىٰ وجه يعلم أنّ مخبره لا يتغيّر، فحينئذ نقطع بكونه، ولأجل ذلك قرن الحتم بكثير من
ص: 349
المخبرات، فأعلمنا أنّه ممّا لا يتغيّر أصلاً، فعند ذلك نقطع به (1)(1) .
وقال الاُصولي الكبير من المتأخّرين الشيخ محمّدکاظم الخراساني رحمة الله المتوقّىٰ سنة (1329) في كفاية الاُصول: إنّ النسخ بحسب الحقيقة يكون دفعاً، وإن كان بحسب الظاهر رفعاً، فلا بأس به مطلقا، ولو كان قبل حضور وقت العمل، لعدم لزوم البداء المحال في حقّه تبارك وتعالىٰ بالمعنى المستلزم لتغيّر إرادته تعالىٰ، مع اتّحاد الفعل ذاتاً وجهة .
إلىٰ أن قال: وأمّا البداء في التكوينيات بغير ذاك المعنىٰ - أي: المعنى المحال - فهو ممّا دلّ عليه الروايات المتواترات كما لا يخفىٰ. ومجمله أنّ الله تبارك وتعالىٰ إذا تعلّقت مشيئته تعالىٰ بإظهار ثبوت ما يمحوه لحكمة داعية إلىٰ إظهاره لهم، أوحىٰ إلى نبيّه أو وليّه أن يخبر به مع علمه بأنّه يمحوه، أو مع عدم علمه به، لما اُشير إليه من عدم الإحاطة بتمام ما جرىٰ في علمه تعالى الخ (2)(2) .
الثالث: أن يأمر الله سبحانه بعمل لمصلحة في نفس الأمر من دون أن يريد وقوع الفعل من المكلّف، ويؤخّر القرينة علىٰ أنّه لا يريد الفعل إلىٰ وقت الحاجة، وهو ما قبل وقوع الفعل، كقصّة إبراهيم علیه السّلام إذ أمر بذبح ولده، أو يخبر الله أو أحد أنبيائه أو أوصيائهم بشيء من غير إرادة ظاهره لمصلحة، ثمّ يخبر بخلافه. أو يقع خلافه ممّا يكون قرينة علىٰ أنّه لم يكن المراد من الخبر الأوّل الإخبار حقيقة ، كقصّة يونس، والمراد من البداء المذكور في الأخبار هذا المعنىٰ .
ص: 350
في أنّه لماذا يقع البداء؟
إنّ بعض الاُمور ممّا فيه مصلحة العباد لا يتحقّق إلاّ بالبداء، ولعلّ منها قصّة إبراهيم علیه السّلام ، مثلاً إنّ الله تبارك وتعالى أراد أن تصير صفة التسليم التي هي من أوصاف المؤمنين الكاملين فعليّة في إبراهيم علیه السّلام ، وهذا لا سبيل إليه إلاّ بأمر إبراهيم علیه السّلام بذبح ولده مجازاً، لا حقيقة بأن يذبح ولده ويقطع رأسه من جسده .
فالمصلحة اقتضت إظهاره بصورة الأمر الحقيقي، وهو إنّما أراد تسلیم إبراهيم علیه السّلام للأمر بقطع رأس ولده، وقد تحقّق منه ذلك، ولم يبق إلاّ إراقة دم إسماعيل علیه السّلام لغواً وبلا فائدة، وعندها خوطب بأن قد صدّقت الرؤيا، وصار هذا قرينة علىٰ أنّ المراد من الأمر بذبح ولده هو الإتيان بالمقدّمة الأخيرة التي يترتّب عليها ذو المقدّمة لولا حدوث المانع.
فكما لا سبيل إلى الأمر بذلك إلاّ بأمره بذبح ولده، كذلك بعض الإخبارات التي لا يراد بها وقوع المخبر به، ولعلّ منه إخبار قوم يونس علیه السّلام بأنّ الله معذّبهم، فإنّه لا يمكن أن يتحقّق من نومه حقيقة التضرّع إلى الله تعالىٰ والانقطاع إليه والتوبة عن المعاصي إلاّ بهذا الطريق .
فالبداء يحصل في أمثال هذه الموارد .
وأمّا أن يريد الله شيئاً ولا يخبر به أحداً حتّى الملائكة ولا يطلع عليه أحداً أبداً ثمّ يعلم أنّه ليس صلاحاً وتتبدّل إرادته بأن لا يريده أو يريد ضدّه، فهذا محال لا يقع، لاستلزامه الجهل عليه، تعالىٰ عن ذلك علوّاً كبيراً، والکتاب الذي فیه المحو
ص: 351
والإثبات هو الكتاب الذي يطلّع عليه الملائكة أو الأنبياء .
في فوائد الاعتقاد بالبداء فمن ذلك: عدم اليأس من رحمة الله تعالىٰ الذي هو من أعظم المعاصي، فإنّه يرجع إلى الاعتقاد بأنّ الله تعالىٰ لا يقدر على العفو عن المعصية، أو يقدر ويبخل،أو أنّه من الاُمور الحتمية لمصلحة لانعلمها، ويترتّب على اليأس من رحمة الله أن يرتكب الإنسان المعاصي ويترك الواجبات؛ لأنّه اعتقد بسبب يأسه أنّه لا ينتفع بشيء من الطاعة، بخلاف ما إذا اعتقد بوجود کتاب المحو والإثبات، فيحتمل تغيّرحاله عند الله تعالىٰ، فيتوب ويتضرّع ويأتي بالواجبات ويترك المحرّمات، فيكون ذلك سبباً لنجاته .
ومنها: رجاء الوصول إلى المقامات العالية، والدرجات الرفيعة، حيث يعتقد الإنسان أنّ الله لم يحتم عليه خلاف ذلك وإن كان مكتوباً عدم وصوله إليها، لكنّه أمر يمكن أن يغيره الله تعالىٰ .
وكلّما تأمّل الإنسان في فوائد البداء ازداد إيماناً .
روى الصدوق بسنده عن مالك الجهني، قال: سمعت أبا عبد الله علیه السّلام يقول: لو يعلم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه (1)(1) .
ص: 352
ومنها: أنّه لا يفتر عن الدعاء الذي هو من أفضل الطاعات، وقد ورد الحثّ الأكيد عليه في القرآن والسنّة، قال الله تعالىٰ: (وقل ما يعبأ بكم ربّي لو لا دعاؤكم)(1)(1) والأنبياء الذين هم أشرف المخلوقات كانوا أكثر الناس دعاءً، وقد أمر الله تعالىٰ أشرف أنبيائه وأفضلهم محمّداً صلّی الله علیه وآله ، فقال تعالىٰ: (وقل ربّ زدني علماً) (2)(2) فلو لم يمكن التغيير فيما كتب على المخلوقين لم یکن فائدة في الدعاء.
ومنها : أنّ المؤمن حقّاً الذي يعتقد عصمة الأنبيا علیهم السّلام يمتحن بالتسليم، والوصول إلىٰ حقيقة التسليم إن أخبره نبي بشيء ثمّ لم يقع، فإنّه إن كان يعتقد عصمته سلّم لقضاء الله وقدره، واعتقد وجود جهة صحيحة للتخلّف .
في التوالي الفاسدة المترتبة على عدم الاعتقاد بالبداء فمن ذلك: الاعتقاد بأنّ الله تعالىٰ قدّر المخلوقات وشؤونها مرّة واحدة ثمّ خلقها، وهو بمعزل عنها لا يقدر علىٰ تغييرها، فليس له سلطان عليها .
ومنها: الاعتقاد بأنّه تعالىٰ يعطي الوجود كلّ آن، ولكن لا يقدر على التغيير، بخلاف القول بالبداء، فإنّ المراد به أنّه تعالىٰ يفعل ما يشاء وبيده الأمر، وله السلطان علىٰ كلّ شيء، ولعلّه المراد بما رواه زرارة عن أحدهما علیهما السّلام، قال: ما عبدالله بشيء مثل البداء.
وما رواه هشام بن سالم عن أبي عبدالله علیه السّلام، قال: ما عظّم الله عزّوجلّ بمثل
ص: 353
البدا (1) .
ومنها: أنّه لا يسعى إلى الإيمان، ولا يأتي بالواجبات، ولا يترك المحرّمات؛ لأنّ ما قدّر قد قدّر ولا يمكن تغييره .
ومنها: أنّه لا يكون له رجاء ولا خوف، فلا يتضرّع إلى الله تعالىٰ ويتّبع هویٰ نفسه، فيلقيه في المهالك .
وهذه المفاسد من لوازم عدم القول بالبداء، وهو يشبه قول اليهود، حيث قالوا: يد الله مغلولة (2).
في وجه التسمية بالبداء
ص: 354
إنّ المراد بالبداء هو المراد من قوله تعالىٰ (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده اُمّ لكتاب) (1)(1) ومن قوله تعالىٰ (يفعل الله ما يشاء) (2)(2).
وسمّي بداءً مع أنّه إبداء: إما مجازاً كسائر ما نسب إلى الله تعالیٰ مجازاً، كقوله تعالى (الله يستهزيء بهم) (3)(3) (ومكر الله) (4)(4) و ليبلوكم) (5)(5) و ديد الله (6)(6) ونحو ذلك ممّا لا يمكن وجود المعنى الحقيقي فيه تعالىٰ شأنه .
وإمّا أن يكون إطلاق البداء عليه من أجل فعليّة ما يقع، نظير قوله تعالىٰ (ويعلم الصابرین) (7)(7) وقوله تعالىٰ (ولنبلونّكم حتّىٰ نعلم المجاهدين منكم) (8)(8) أي:يتحقّق صبر الصابرین وجهاد المجاهدين .
فلا بأس باستعمال كلمة البداء (9)(9) في المعنى الذي ذكرناه ولو مجازاً، فكيف
ص: 355
يجوز بعد ذلك نسبة الشيعة إلىٰ القول بما لازمه نسبة الجهل إلى الله بعد تصریح أخبارهم وعلمائهم في جميع الأزمان بأنّ المراد من إسناد البداء إلى الله ليس المعنى غير الجائز عليه تعالىٰ .
في الدليل على القول بالبداء من الكتاب الكريم ويدلّ عليه آیات : الاُولىٰ : قوله تعالى (لكلّ أجل كتاب * يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده اُمّ الكتاب) (1)(2) فالمحو إذهاب أثر الشيء وإزالته، ولا يكون إلاّ بعد إثباته أوّلاً، وأمّا الإثبات هنا فهو أعمّ من إبقاء ما أثبته أوّلاً ومن إحداث إثباته بعد ما لم يكن، فهذه الآية لعلّها ناظرة إلى الآيات التي تدلّ علىٰ وجود كتاب أو كتب عند الله تعالیٰ مربوطة باُمور المخلوقين، وهي المدلول عليها بمثل قوله تعالىٰ (وما كان لنفس أن تموت إلاّ بإذن الله كتاباً مؤجّلاً) (2)(3) وقوله تعالىٰ (ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً * اقرأ كتابك كفىٰ بنفسك اليوم عليك حسيباً) (3)(4) وقوله تعالىٰ (ما
ص: 356
أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلاّ في كتابه) (1)(1) وقوله تعالىٰ (وما يعمّر من معمّر ولا ينقص من عمره إلاّ في كتاب) (2)(2) وقوله تعالىٰ (وكلّ شيء أحصيناه کتاباً) (3)(3) .
فهذه الآيات وغيرها تدلّ علىٰ أنّ كلّ شيء من العمر والرزق والبلاء والنعمة وأعمال العباد خيرها وشرّها مکتوب، وكيفية الكتاب والكتابة خارجة عن أفهامنا.
وعلينا أن نؤمن بذلك إجمالاً، وقد تمسّك بهذه الآية أئمّتنا عليهم السّلام في الأخبار المأثورة عنهم على القول بالبداء (4)(4) .
ص: 357
الثانية: آيتان وهما قوله تعالىٰ (إنّا أنزلناه في ليلة مباركة إنّا كنّا منذرين * فيها يفرق كلّ أمر حکیم ) (1)(2) وقوله تعالىٰ (تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم من كلّ أمر) (2)(3) وهما تدلاّن علىٰ أنّ الاُمور تقدّر في ليلة القدر، وهي إن لم تكن حتميّة كانت قابلة للتغيّر (3)(4)، لأنّ الله تعالىٰ قادر علىٰ تغييرها، فإذا حدثت مصلحة كتوبة من المعاصي أو برّ وإحسان ونحوها، غيّر الله تعالىٰ ما قدّره لعبده، قال الله تعالىٰ: (إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّىٰ يغيروا ما بأنفسهم) (4) (5) .
الثالثة: الآيات المرغّبة في الدعاء، فإنّه إذا لم يكن تغيير ما قدّر ممكناً فما فائدة الدعاء؟ فهذه الآيات تدلّ علىٰ أنّ بعض أدعية الناس تستجاب فيتغيّر ما
ص: 358
كان قدّر لهم. وأمّا ما كان حتميّاً لا يتغيّر، فإنّ الدعاء فيه يوجب دفع البلاء، أو تخفیف وطأته، أو أنّه يدّخر ثواب الداعي ليوم القيامة علىٰ ما ورد في الأخبار .
الرابعة: الآيات الدالّة علىٰ أنّ الله تعالىٰ يفعل ما يشاء، وهي آيات كثيرة، كقوله تعالىٰ (كذلك الله يفعل ما يشاء)(1)(1) وقوله تعالىٰ (قال كذلك الله يخلق ما
يشاء) (2)(2) وقوله تعالىٰ (إنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء) (3)(3) وقوله تعالى (يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء) (4)(4) وقوله تعالىٰ (يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) (5)(5) إلىٰ غير ذلك من الآيات .
والمراد من البداء معنی مساو و مرادف لقوله تعالىٰ (يفعل الله ما يشاء) (6)(6) وقد جاء في الأخبار الواردة عن أهل البيت علهیم السّلام أنّ المراد بالبداء ذلك (7)(7) .
ص: 359
قد ظهر ممّا تقدّم أنّ البداء كما يقع في الأحكام ويسمىٰ بالنسخ - أي: بیان أمد الحكم، أو بيان عدم إرادة الحكم - قبل العمل، كذلك يقع في الأخبار، بأن يخبر الله تعالىٰ أو نبيّه بشيء ثمّ لا يقع لمصلحة في نفس الإخبار، ويكون عدم الوقوع قرينة علىٰ أنّ الإخبار لم يكن إخبار جدّياً، لكن وردت أخبار مختلفة بعضها يدلّ علىٰ أن الأنبياء لا يخبرون إلاّ بما يقع حتماً، كخبر سدير (1)(1).
وبعضها يدلّ علىٰ أنّ الأنبياء يخبرون بوقوع شيء لا يقع، كإخبار عیسیٰ علیه السّلام عن موت امرأة (2)(2) .
ص: 360
ويمكن حمله علىٰ أنّ عيسیٰ علیه السّلام كان عالماً بالنتيجة ولكنّه أخبر بالمقتضي ولم يخبر بالمانع، وأخّر القرينة إلىٰ تبيّن الواقع، فلو لم يكن الواقع ليتبيّن لم يكن هو علیه السّلام ليخبر بذلك .
والذي يفهم من هذه الأخبار أنّ الإخبار عمّا يأتي إن لم يقترن بما يدلّ علىٰ حتمية وقوعه أو عدمه، فإنّه يحتمل فيه الوقوع والعدم، ويكون الاخبار لمصلحة .
ولنكتف بهذا المقدار، ومن أراد التفصيل فليراجع بحار الأنوار وغيره من الكتب المؤلّفة في هذا الموضوع، أو المتعرّضة له .
ومنها: اعتقاد الشيعة بالتبرّي ممّن أمر الله في كتابه بالتبرّي منه .
ويقع الكلام في مواضع :
الموضع الأول: في أصل وجوب التبرّي.
الموضع الثاني: في تطبيقه علىٰ مصداق من أمر الله بالتبرّي منه .
الموضع الثالث: في عدم إيجاب التبرّي منهم ولعنهم كفر المتبرّي واللاعن .
الموضع الرابع: في أنّ اللعن لا يضرّ من لُعِنَ أين إن لم يكن مستحقّاً له بل يزيد في أجره .
في وجوب التبري من أعداء الله وأعداء رسوله
ص: 361
لا يخفىٰ أنّ الله تبارك وتعالىٰ أرسل رسلاً لهداية الجنّ والإنس، فمن أطاع الله واتّبع الرسل وسلّم لأوامر الله ونواهيه، فهو مؤمن وهو من حزب الله، ومن أنكر الله وأنكر الرسل بعد إتمام الحجّة عليه ولم يطع الله ولا رسوله، فما هو من حزب الله، بل هو عدوّ الله ورسوله، والله عزّوجلّ عدوّ له، كما قال الله تعالىٰ (من كان عدوّاً لله وملائكته ورسله وجبریل و میکال فإنّ الله عدوّ للکافرین) (1)(1) .
وإنّ من أحكام الإسلام بعد الإيمان بما تقدّم أن ينتسب المسلم إلى الطائفة الاُولىٰ ويتبتّي موقفها، ويتبرّأ من الطائفة الثانية التي هي طائفة أعداء الله ورسوله .
ويدل علىٰ ذلك قوله تعالى (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشير تهم اُولئك كتب في قلوبهم الإيمان) (2)(2).
و نهى الله تعالىٰ عن اتّخاذ عدوّه وعدوّ المؤمنين وليّاً، فقال تعالى شأنه: (يا أیّها الذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء) (3)(3) بل مدح الله سنّة إبراهيم علیه السّلام حيث قال تعالىٰ شأنه: (قد كانت لكم اُسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا برءاؤا منكم وممّا تعبدون من دون الله) (4)(4) وحكى الله
تعالىٰ عنه (فلمّا تبيّن له أنّه عدوّ الله تبرّأ منه) (5)(5) .
ص: 362
فالمقصود من أن لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء هو اتّخاذهم أعداءً الذي هو التبرّي منهم، كما يتّخذون الشيطان عدوّاً، علىٰ ما أمر الله تعالىٰ بقوله: (إنّ الشيطان لكم عدوّ فاتّخذوه عدوّاً) (1)(1).
وهنا محلّ السؤال عن جواز اللعن للكافرين وأعداء الله وعدم جوازه، والجواب علیه واضح، وهو أنّه لا ريب في جواز اللعن بل رجحانه؛ لأنّ الله سبحانه لعن الكافرين، والله سبحانه لا يفعل قبيحاً .
وحاصل الكلام: إنّ الكافر عدوّ لله ورسوله، والمنافق عدوّ أيضاً، لقوله تعالىٰ(هم العدوّ فاحذرهم) (2)(2) ويجوز لعن عدوّ الله؛ لأنّ الله لعنه حيث قال تعالىٰ : (إنّ الله لعن الكافرين وأعدّ لهم سعيراً) (3)(3) وهناك عناوين اُخر يجوز لعن المتّصف بها: منها: نقض الميثاق، لقوله تعالىٰ (فبما نقضهم میثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية (4)(4) دلّ علىٰ أنّ من نقض میثاق الله استحقّ اللعن.
ومنها: إيذاء الرسول؛ لقوله تعالىٰ (إنّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة) (5)(5) ولعلّ المراد من لعنهم في الآخرة عدم نيلهم شفاعة الشافعين يوم القيامة .
ومنها: القول بأنّ يد الله تعالیٰ مغلولة ولا يفعل ما يشاء؛ لقوله تعالىٰ (وقالت
ص: 363
اليهود يد الله مغلولة غلّت أيديهم ولعنوا بما قالواه) (1)(1).
ومنها: الظلم؛ لقوله تعالىٰ (ألا لعنة الله على الظالمين)(2)(2) ومنها: الكذب؛ لقوله تعالىٰ (ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) (3)(3) دلّ على استحقاق من يكذب في دعوى النبوّة، ومن يكذب في إنكار النبوّة بعد علمه بها.
ويمكن أن يستفاد منه استحقاق لعن من يكذب في دعوى الإمامة، ومنها: قوله تعالىٰ (ومن أظلم ممّن افترىٰ على الله كذباً اُولئك يعرضون علىٰ ربّهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة الله على الظالمين) (4)(4) .
ومنها: کتمان ما أنزل الله؛ لقوله تعالىٰ (إنّ الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدیٰ من بعد ما بيّناه للناس في الكتاب اُولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) (5)(5) ولعلّ المراد من قوله تعالىٰ (ويلعنهم اللاعنون) أنّه يلعنهم كلّ لاعن لمستحقّ اللعن وإن لم يعلم استحقاقهم على الخصوص، مثل لعن الظالم أو لعن أعداء الله، علىٰ وجه العموم من دون نظر إلىٰ مصداق خاصّ، فإنّ اللعن يتوجّه إلىٰ مصداقه الواقعي، وإن كان اللاعن لا يعلم انطباقه علیه .
ص: 364
في مصداق الآيات المذكورة إنّ المؤمن بكتاب الله لابدّ أن يتبرّأ من أعداء الله وهم الكفّار و المنافقون، و يتولّىٰ أولياء الله، ويجوز له لعن أعداء الله ولعن سائر من ذكر من مصادیق العناوين المتقدّمة في الموضع الأوّل، ومنهم المؤذون لرسول الله ولو علىٰ وجه العموم، وينطبق اللعن علىٰ مصادیقه الواقعية كما اُشير .
وقد سبق أنّه كان في من انتحل الإسلام ممّن كان حول النبي صلّی الله علیه وآله منافقون، وأنّ الله تعالىٰ أخبر أنّهم هم العدوّ، فيجوز لعنهم بعنوان کلّي، إلاّ إذا علم انطباق الكلّي علىٰ فرد أو أفراد بأعيانهم، فيجوز لعنهم بخصوصهم. وقد شهدت القرائن القطعية والتاريخ الموثوق به وغيرها علىٰ أنّ بعض صحابة الرسول صلّی الله علیه وآله مصداق لهذه الآيات .
فمن القرائن القطعية خفاء قبر فاطمة الزهراء عليها السّلام سيّدة النساء حبيبة رسول الله صلّی الله علیه وآله، وقد ثبت أنّها دفنت ليلاً، ولم يصلّ عليها كلّ صحابة الرسول صلّی الله علیه وآله ، ولم يشيّعوا جثمانها الطاهر(1)(1)، وهي بنت وحيدة بقيت من رسول الله صلّی الله علیه وآله زوجة
ص: 365
الإمام علي علیه السّلام و والدة سيّدي شباب أهل الجنّة الحسن والحسين علیه السّلام ، ومن أصحاب الكساء الذين نزلت فيهم آية التطهير .
وهذه الاُمور قد صنعها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام ، فإنّه أولى الناس بها، وقد ثبت في التاريخ أنّه هو الذي تولّىٰ أمرها، ولا يشكّ أحد في أنّ عليّاً عليه السلام من أتقي الناس وأورعهم وأزهدهم، وليس له هویً في الدنيا، فكيف حرم جماعة من صحابة الرسول صلّی الله علیه وآله من ثواب تشييع جنازتها والصلاة عليها، وهل ذلك إلاّ لوصيّتها أن لا يحضر جنازتها من آذاها؟ ثمّ كيف توصي هي عليها السّلام بحرمان هذه الجماعة من مثل هذا الفضل والثواب العظيمين؟ إلاّ أن تراهم غير أهل لذلك، إذ كانت مكسورة القلب منهم، وغاضبة عليهم (1)(2)؛ لأنّهم آذوها.
ص: 366
وأما أنّ النبي صلّی الله علیه وآله قد تأذّىٰ من ظلم ابنته، فلأنّ أعمال العباد يعرض عليه؛ لقوله تعالىٰ (فقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله) ولإ طلاق قوله صلّی الله علیه وآله «من أغضبها فقد أغضبني» وقوله صلّی الله علیه وآله « يؤذيني ما آذاها» الشامل لما بعد موته صلّی الله علیه وآله ، وكيف لا وهو حيّ عند ربّه مرزوق، فإنّه أفضل من الشهداء، فإذا كان الشهداء أحياءً لقوله تعالىٰ (ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربّهم يرزقون) (2) فالنبي صلّی الله علیه وآله أولىٰ بأن يكون حيّاً، فهو حيّ يبلغه ما يصيب ابنته من الأذيٰ، ولا ريب في أنّه يتأذّىها بتأذيها، فالذين غضبت عليهم مصادیق لقوله تعالىٰ(إنّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً أليماً .
وأيضاً قد تأذّى النبي صلّی الله علیه وآله من ظلمهم الحسين علیه السّلام حبيب رسول الله صلّی الله علیه وآله به وريحانته كيف قتلوه ومن معه من أهل بيته وأصحابه، ولم يقتله إلاّ یزید بن معاوية المنصوب من قبل معاوية الذي خرج في القتال علىٰ أمير المؤمنين علي علیه السّلام ، ولو كان الخليفة بعد الرسول صلّی الله علیه وآله بلا فصل من جعله الله خليفة وهو علي بن أبي طالب علیه السّلام لما قتل الحسين علیه السّلام .
ص: 367
ومن الغريب ما ذكره بعض العامّة من أنّ ذنوب الخلفاء مغفورة، قال: وأمّا عثمان وطلحة والزبير، فهم أجلّ قدراً من غيرهم، ولو كان منهم ما كان، فنحن لا نشهد أن الواحد من هؤلاء لا يذنب، بل الذي نشهد به أنّ الواحد من هؤلاء إذا أذنب فإنّ الله لا يعذّبه؛ لأنّ الناس يستغفرون لهم.
أقول: لا فرق بين هؤلاء وغيرهم، بل إنّ عقاب العالم ينبغي أن يكون أشدّ، بل قد قال الله لنبيّه صلّی الله علیه وآله: (إن تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر الله لهم) (1)(1) فإذا لم يكن استغفار النبي صلّی الله علیه وآله لهم مقبولاً، فما ظنّك باستغفار غیره.
في أنّ لعن شخص بالدليل الصحيح لا يوجب كفر اللاعن إنّ من اعتقد من دلیل صحیح جواز لعن شخص بل وجوبه، لا يخرجه لعنه إيّاه عن الإسلام، ولا يوجب عقابه؛ لأنّ الإسلام هو الشهادتان، ولا يخرجه عن الإسلام إلاّ الارتداد. ولعن المسلم من اعتقد استحقاقه اللعن إن حصل اعتقاده من طریق عقلائي لا يوجب الارتداد .
ويدلّ علىٰ ما ذكرنا الآيات المتقدّمة الدالّة علىٰ جواز اللعن، ومن لاحظ أخبار أهل البيت ظهر له أنّ الإسلام هو الشهادتان، وكذا أخبار العامّة تدلّ علىٰ أنّ الإسلام ذلك، ولذا لم يحكم بكفر بعض الصحابة الذين نقل عنهم أنّهم كانوا يشتم بعضهم بعضاً، فلا يوجب الخروج عن الإسلام لعن بعض المسلمين، إلاّ أنّ لعن أهل بیت رسول الله صلّی الله علیه وآله يدلّ علىٰ عداوة اللاعن لهم، فيكون ناصبياً يجري عليه أكثر
ص: 368
أحكام الكفر لولم يجر عليه كلّها .
وكفانا المهمّ من ذلك ما ذكره السيّد شرف الدين في أجوبة موسیٰ جار الله في الجواب عن مسائله الثلاث الاُولىٰ، فراجع.
في أنّ من لُعن وهو لا يستحق اللعن لم يضرّه ذلك إنّ لعن شخص إن لم يكن مستحقّاً له لا يضرّه، بل ربما يكون ذلك موجباً لرفع درجته، كما أنّ غيبة شخص لا توجب نقيصة واقعية فيه، بل ربما يزيد في ثواب من اغتيب، وإنّ معاوية وبني اُميّة قد سبوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام على المنابر ثمانين سنة، حتّىٰ أنّ معاوية أراد أن يشبّ عليه الصغير بحيث ربما كان بعض القاصرين يعتقد أنّ ذلك من الدين، ولم يضرّ علي بن أبي طالب علیه السّلام شيئاً .
بل إنّ هذا هو من جملة ما جرىٰ علىٰ أمير المؤمنین علیه السّلام من المصائب، وصبر هو علیه السّلام وبنوه علىٰ ذلك، وإنّما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب، فصار لعنهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام سبباً لزيادة أجره علیه السّلام في الآخرة، بل إنّ لعنهم رجع عليهم، ٰما ورد في أخبار أهل البيت علیهم السّلام .
فقد رويٰ هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، قال: قال أبو عبدالله علیه السّلام: إنّ اللعنة إذا خرجت من صاحبها تردّدت بينه وبين الذي يلعن، فإن وجدت مساغاً وإلاً رجعت إلىٰ صاحبها وكان أحقّ بها، فاحذروا أن تلعنوا مؤمناً فيحلّ بكم (1)(1) .
وعن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر علیه السّلام يقول: إنّ اللعنة إذا خرجت
ص: 369
من صاحبها تردّدت فيما بينهما، فإن وجدت مساغاً، وإلاّ رجعت علىٰ صاحبها(1)(1).
لا إشكال في وجوب إطاعة الأئمة علیهم السّلام ؛ لأنّهم اُولوا الأمر الذين أمر الله بطاعتهم، وهل هو واجب تكليفي كالصوم والصلاة وغيرهما من الواجبات، ويكون التارك له عاصياً ولا يضرّ بواجباته الاُخر، كمن ترك الصوم وصلّىٰ، فإنّ صلاته صحيحة، وإن كان عاصياً في ترك الصوم، أو أنّه شرط صحّة الأعمال؟
أقول: إن كان المراد من ولايتهم مجرّد مودّتهم، فهو واجب تكليفي محض، وإن كان المراد وجوب أخذ الأحكام منهم؛ لأنّهم العارفون بها دون غيرهم، فهو شرط في صحّة الأعمال في الجملة بلا إشكال .
وعلىٰ هذا فمن أحبّهم وأخذ الأحكام منهم لأنّهم أهل الخبرة، ولكن لم يعتقد بإمامتهم، فإن أنكر أنّ الرسول صلّی الله علیه وآله جعلهم أئمّة مع العلم بأنّه جعلهم أئمّة، رجع إلىٰ إنكار الرسالة ويكون مرتدّاً .
ومن ينكر وهو لا يعلم ذلك، مثل العامي القاصر الذي يعتقد أنّ النبي صلّی الله علیه وآله لم يجعلهم أئمّة، بمعنىٰ وجوب إطاعتهم في كلّ ما أمروا، فهل تصحّ أعماله أم لا؟ هذا محلّ البحث.
ويمكن أن يقال بأنّه شرط صحّة الأعمال. وقد ذكرنا في بعض الفصول أنّه
ص: 370
يمكن أن يقال: إنّ غفران الله تعالىٰ يختصّ بمن قبل الهداية، أي اعتقد إمامة الأئمّة، وهو قوله تعالىٰ (وإنّي لعفّار لمن تاب وآمن و عمل صالحاً ثمّ اهتدیٰ) (1)(1).
أي: قبل الهداية، والهادي هو الإمام المعصوم، فاعتقد إمامته، ويدلّ عليه الخبر «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة» فإنّ إطلاقه شامل لمن صلّىٰ وصام وأتیٰ بجميع الأعمال الصالحة، فهو يموت كما مات أبو جهل ونظرائه .
وظاهر الأخبار الواردة عن أهل البيت علیهم السّلام أيضاً كون الولاية شرطاً القبول الأعمال .
وزعم بعض الطاعنين على الشيعة أنّ القرآن العظيم ذكر أنّ أصل قبول الأعمال هو التوحيد، وسبب الحرمان هو الشرك، قال تعالىٰ : (إنّه من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنّة ومأواه الناره) (2)(2) وقوله تعالى (إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (3)(3) ولم يذكر الله تعالىٰ في ضمن الآيات الولاية، وإنّما قال : (من آمن بالله واليوم الآخر و عمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربّهم ) (4)(4) وقال: (من آمن بالله واليوم الآخر و عمل صالحاً فلا خوف عليهم) (5)(5).
فزعم أنّ هذه الآيات تدلّ علىٰ عدم اعتبار ولاية الأئمّة في قبول الأعمال، وهذه طريقتهم يتمسّكون ببعض الآيات ويتركون البعض الآخر، كما تمسّكوا
ص: 371
لمدح جميع صحابة النبي صلّی الله علیه وآله بقوله تعالىٰ (محمّد رسول الله والذين معه (1)(1) الآية، ولم يلاحظوا سائر الآيات الدالّة علىٰ أنّه كان حول النبي صلّی الله علیه وآله منافقون، قال الله تعالىٰ (وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق) (2)(2) فكذا في هذا المورد لو التفتوا إلى الآيات الاُخر الدالّة على اعتبار العمل الصالح وإلى الآيتين الأخيرتين اللتين اشترطتا العمل الصالح في ثبوت الأجر لهم وعدم الخوف عليهم، لزمهم اعتبار العمل الصالح، وللعمل الصالح شروط منها ولاية الأئمّة المعصومين علیهم السّلام .
وأمّا الجواب عن هذه الآيات، فواضح لمن عرف معانيها .
أمّا الآية الاُولى، فهي تدلّ على أنّ المشرك بالله لا يدخل الجنّة، والمراد إنكار التوحيد رأساً، كمن يجعل لله شريكاً في الاُلوهيّة، وأولىٰ منه من ينكر الله رأساً ،ولا دلالة فيها على الحصر، بحيث يكون لازمه أنّ من آمن بالله ولم يؤمن برسوله لا يدخل النار بل يدخل الجنّة؛ لأنّه لم يشرك بالمعنى المذكور، وهذا المعنىٰ لا ربط له باشتراط قبول الأعمال بولاية أهل البيت علیهم السّلام .
وأمّا الآية الثانية، فهي تدلّ علىٰ أنّ الموحّد يمكن أن يشاء الله أن يغفر له، فأوّلاً لقائل أن يقول: إنّ ذلك مقيّد بأن يكون الموحد من أهل الولاية.
وثانياً: أنّه يمكن أن يغفر الله جميع ذنوبه وإن لم يكن من أهل الولاية، لكن أعماله حينئذ لا تكون مقبولة.
ص: 372
وأمّا الآيتان الأخيرتان، فاشترطتا مع الإيمان العمل الصالح، فيمكن اعتبار ولاية الأئمّة في العمل الصالح.
ومنها: الاعتقاد بالرجعة. والمراد بها: أنّ الله تعالىٰ يرجع جماعة من الأموات إلى الدنيا ويحييهم بعد موتهم، وهم الأنبياء وأوصياؤهم، ونبيّنا صلّی الله علیه وآله والأئمّة المعصومون عليهم السّلام وبعض المؤمنين وبعض الكافرين والمنافقين .
ولا نبحث هنا عن خصوصياتها، كما أنّنا نعتقد بالرجعة التي دلّت عليها الآيات والأخبار، وما لم يثبت من الدليل تفصيله اعتقدنا به على إجماله، كما نعتقد بالجنّة والنار ولا نعلم بكثير من خصوصياتهما .
وهؤلاء الذين يرجعون إلى الدنيا من المؤمنين يتمتّعون فيها كما كانوا يتمتّعون قبل موتهم حين ما كانوا في الدنيا، وأمّا غير المؤمنين من الكفّار الذين يرجعون إلى الدنيا، فإنّما يرجعون ليعذّبوا ولا يتمتّعون من الدنيا فهم في برزخ؛ لأنّ الرجوع إلى الدنيا بدون إمكان التمتّع منها يجعل حياتهم كمماتهم، فكأنّهم لم يخرجوا من البرزخ.
ويقع البحث عنها في مواضع :
في إمكانها وفائدتها أمّا إمكانها فيدلّ عليه وقوعها في الاُمم الماضية، علىٰ ما نطق به القرآن المجيد، وقد كان القول بالرجعة مستبعداً عند المعاصرين للأئمّة المعصومين علیهم السّلام ،
ص:373
كما كان الکفّار يستبعدون الحياة بعد الموت في يوم القيامة (1) .
ص: 374
وأمّا فائدتها، فمنها: إنّ الله سبحانه وتعالىٰ من كرمه ورحمته وجوده ورأفته وحكمته قد خلق الخلق لينتفعوا لا لنفع يصل منهم إليه تعالىٰ شأنه، وإنّ بعض المؤمنين لم يتمكّنوا من تحصيل الزاد الكامل كما يحبّون للآخرة؛ لجهات كثيرة مانعة عن ذلك، وهذه الموانع ترتفع بعد ظهور الإمام الحجّة الثاني عشر عجّل الله فرجه .
والمائز بين الإنسان والحيوان هو العقل، والإنسان يقوىٰ عقله بطول التجارب، فيتمنّىٰ بعد أن صار في سنّ المشيب لو أنّه لم يفعل ما فعله في شبابه، أو أنّه فعل في شبابه بعض ما لم يفعل، والله سبحانه وتعالىٰ بكرمه وجوده علىٰ عباده يقضي اُمنيات المؤمنين في هذه الدار التي هي مزرعة الآخرة، فيرجعهم إلى الدنيا فيتداركون.
فالرجعة أمر ممكن عقلاً، وقد دلّت الأدلّة القطعية علىٰ وقوعها كما سيجيء، فيلزمنا الاعتقاد بها .
في الدليل على الرجعة ويدلّ عليها آیات نذكر بعضها :
ص: 375
منها: قوله تعالىٰ (و يوم نحشر من كلّ اُمّة فوجاً ممّن يكذّب بآياتنا فهم يوزعون) (1)(1) وظاهر قوله «من كلّ اُمّة فوجاً) حشر بعض كلّ اُمّة، فهو يوم غير اليوم الذي يحشر فيه كلّ أحد، والذي قال الله تعالىٰ في شأنه (وحشرناهم فلم تغادر منهم أحداً) (2)(2).
ومنها: قوله تعالىٰ (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين) (3)(3) دلّ علىٰ أنّ من كان علي بن أبي طالب وأولاده المعصومين علیهم السّلام الذين استضعفوا وقتلوا سوف يجعلهم الله أئمّة ويجعلهم الوارثين للأرض، وهو ظاهر في إرادة جميع الأرض ولكن ذلك لم يكن، فلابدّ أن يكون بالرجعة إلى الدنيا .
ومنها: قوله تعالىٰ (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات لیستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكّنّ لهم دينهم الذي ارتضىٰ لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً) (4)(4) وقد تقدّم في بعض الفصول انطباق الآية علىٰ زمان الإمام الحجّة بن الحسن علیه السّلام .
فيما يتمسّك به النافي لها زعم بعض العامّة دلالة آيات علىٰ عدم وقوع الرجعة :
ص: 376
منها: قوله تعالىٰ (قال ربّ ارجعون* لعلّي أعمل صالحاً فيما تركت كلاّ إنّها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلىٰ يوم يبعثون) (1)(1) وقد دلّ على أنّ الذي تمنّی الرجوع إلى الدنيا ليعمل صالحاً هو في برزخ إلىٰ يوم البعث، ولا يرجع إليها،والمتمنّي کافر في الفرض، فيستفاد منه عدم رجوع الكافرين إلى الدنيا .
وهذا الاستدلال غير وجيه، وذلك لأنّ من تمنّى الرجوع إلى الدنيا إنّما أراد أن يرجع إليها ليأكل ويشرب ويعمل عملاً صالحاً، ولم يتمنّ الرجوع إلى الدنيا ليعذّب فيها، وقد عرفت أنّ الكافر إنّما يرجع ليعذّب ولا يستمتع بالدنيا، وأنّ ذلك يجعله كأنّه في البرزخ لم يخرج منه، فهذا المعنىٰ من الرجعة لا ينافي كونه في البرزخ حتّىٰ يكون قوله تعالیٰ (ومن ورائهم برزخ) دليلاً علىٰ عدم الرجعة .
ومنها: قوله تعالىٰ و إنّما توفّون اُجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنّة فقد فاز) (2)(2) دلّ علىٰ أنّ المؤمنين لا يثابون في هذه الدنيا بالرجوع إليها، وإنّما يثابون يوم القيامة .
وهذا الاستدلال أيضاً غير وجيه؛ لأنّ ثواب ما يعمله المؤمن في الدنيا قبل الرجعة يدّخر له ليوم القيامة، ولا يعطىٰ ثوابه في الرجعة، بل إنّه يعمل أعمالاً في الرجعة يوفيٰ أجرها أيضاً يوم القيامة.
ومنها: قوله تعالیٰ (وحرام علىٰ قرية أهلكناها أنّهم لايرجعون) (3)(3) دلّ علىٰ
ص: 377
أنّ القرية التي أهلكها الله تعالىٰ كقوم لوط وأضرابهم لا يرجعون إلى الدنيا .
أقول: قوله «وحرام» لا يعني الحرمة التكليفيّة، فإنّها تتعلّق بالفعل المقدور، بل المراد المنع، وظاهر الكلام يقتضي المنع عن عدم رجوعهم، والنفي في النفي يوجب الإثبات، لكن يحتمل أن يكون المعنىٰ وحرام علىٰ قرية رجوعها إلى الدنيا، وحذف للعلم به من الجملة بعده، وهي قوله تعالىٰ «أنّهم لا يرجعون» فكائّها بيان للمراد من الحرمة.
وهذه الآية تدلّ على اختصاص القرية التي أهلكت بالعذاب بعدم الرجوع، و مقتضی اختصاصها بعدم الرجوع رجوع غيرها، فيدل علىٰ عكس المطلوب، ويخصّص ما دلّ على الرجوع بغير القرية التي اُهلكت (1)(1) .
إن قيل: إن رجع من استحقّ العذاب آمن أو تاب، وهو مناف لما وعده الله تعالىٰ أن يدخله النار .
قلنا: إنّه لا يؤمن ولا يتوب لقوله تعالىٰ (ولو ردّوا لعادوا) (2)(2) بل إنّما يرجع ليعذّب ولا ينفعه الإيمان والتوبة، فإنّه يجري مجرىٰ فرعون لمّا أدركه الغرق، قال
ص: 378
الله تعالىٰ: (الآن وقد عصيت من قبل) (1)(1) وروي في بعض أخبارنا أنّ المراد من قوله تعالىٰ (يوم يأتي بعض آیات ربّك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً قل انتظروا إنّا منتظرون) (2)(2) هو زمان القائم عجّل الله تعالیٰ فرجه الشریف.
ونكتفي بهذا المقدار فمن أراد الاطّلاع علىٰ التفصيل، فليراجع الكتب المصنّفة في هذا الباب، کالبحار وغيره .
فيما قيل في سوء نتائج الاعتقاد بالرجعة لا ريب في أنّ الاعتقاد بها لا يوجب الكفر والخروج عن الإسلام، لكن بعض العامّة قال: إنّ الاعتقاد بها يضعّف جانب الإيمان بيوم البعث والجزاء والجواب عن ذلك: أنّه ورد في أخبار أهل البيت أنّه يرجع إلى الدنيا من محض الإيمان محضاً، فلذا من كان يعتقد بالرجعة يسعىٰ إلىٰ أن يكون مؤمناً حقّاً حتّىٰ يرجع إلى الدنيا ويكمل إيمانه .
ثمّ إنّه يقال لمن أنكر الرجعة بأنّ كلّ شيء لا دليل على امتناعه ينبغي أن يجعل في دائرة الإمكان، ولا يسوغ إنكار ما لم يعلم عدمه، وإلاّ كان مصداقاً لقوله تعالىٰ(دبل كذّبوا بما لم يحيطوا بعلمه) (3)(3) .
ص: 379
ومن اعتقد بإمامة أهل البيت علیهم السّلام، فتدبّر الأخبار الواردة عنهم علیهم السّلام في ذلك، والآيات التي استدلّ بها علماء الشيعة - ولم يعمه جهله - أذعن قهراً لما قاده إليه الدليل من ثبوت الرجعة .
ومن لم يكن كذلك، فلا عجب أن يُریٰ ينكر الرجعة ويسخر من القائل بها، فإلى الله المشتکیٰ .
وينبغي له أن يتدبّر في قوله تعالىٰ (وقال رجل مؤمن من آل فرعون یکتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربّي الله وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم وإن يك كاذباً فعليه كذبه وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إنّ الله لا يهدي من هو مسرف كذّاب) (1)(1).
ونقول له ما قاله الإمام أبو عبدالله جعفر بن محمّد علیها السّلام بعد المناظرة التي وقعت بينه وبين عبد الكريم بن أبي العوجاء، فانقطع وخزي، فلمّا كان من قابل وحجّ أبو عبدالله علیه السّلام كان ابن أبي العوجاء في الحرم، فقال له بعض شیعته: إنّ ابن أبي العوجاء قد أسلم، فقال العالم علیه السّلام: هو أعمىٰ من ذلك لا يسلم، فلمّا بصر بالعالم قال: سيّدي ومولاي، فقال له العالم علیه السّلام: ما جاء بك إلىٰ هذا الموضع؟ فقال: عادة الجسد وسنّة البلد، ولننظر ما الناس فيه من الجنون والحلق ورمي الحجارة، فقال له العالم: أنت بعد علىٰ عتوّك وضلالك يا عبد الكريم .
فذهب يتكلّم، فقال له علیه السّلام : لا جدال في الحجّ، ونفض رداءه من يده، وقال: إن يكن الأمر كما تقول وليس كما تقول نجونا و نجوت، وإن يكن الأمر كما نقول وهو
ص: 380
كما نقول نجونا وهلكت، فأقبل عبد الكريم علىٰ من معه، فقال: وجدت في قلبي حزازة فردّونی، فردّوه فمات لا رحمه الله (1)(1) .
ونقتصر علىٰ هذا المقدار ونحيل إلى الكتب المؤلّفة في هذا الموضوع (2)(2) .
وممّا يعتقده الشيعة حرمة إلقاء النفس في التهلكة، وهذه الحرمة إن زاحمت المحرّمات الاُخر قدّمت عليها إلاّ ما ثبت أنّه أهم منها، من قتل مسلم آخر، وذهاب الإسلام ونحوهما، فلا يجوز للإنسان أن يبارز أسداً ونحوه من السباع، أو الحيوانات المؤذية إلاّ مع الأمن من شرّها، وكذا يجب عليه أن لا يغرّر بنفسه عند من يضرّه .
فإذا دار الأمر بين الكذب وإلقاء النفس في التهلكة، قدّمت حرمة الإلقاء في التهلكة، فلو كان إخبار مسلم عن إسلامه موجباً لقتله، وجب عليه أن يكذب ويظهر أنّه كافر، فلو لم يفعل وقتل، فقد ارتكب محرّماً كبيراً حيث ألقىٰ نفسه في التهلكة.
ويسمّىٰ قسم خاصّ من التحرّز عن الوقوع في التهلكة ونحوها من الضرر بالتقية (3)(3) ، وهي أن يعتقد الإيمان الحقيقي ويستره ويتظاهر بخلافه، أمام المخالف
ص: 381
له في الاعتقاد کافراً كان أو غيره .
وقد دلّت أخبار أهل البيت علیهم السّلام على المبالغة في مدحها، كقولهم «تسعة أعشار الدين في التقيّة » وقولهم «لا إيمان لمن لا تقيّة له» وقولهم «إنّ أكرمكم عند الله أعملكم بالتقيّة» إلىٰ غيرها من الأخبار .
والسرّ في إعظامها عظم المفسدة التي قد يترتّب علىٰ ترك العمل بها، فإنّ المفسدة في ترك التقيّة وإن كانت - أحياناً - قليلة، كترتّب إهانة مؤمن أو هتك بعض حرمه، إلاّ أنّها أحياناً اُخرىٰ قد تكون عظيمة، كما إذا كان ترکها مستلزماً لقتل معصوم.
وقد نسب - وإن لم يثبت - إلىٰ بعض أصحاب الأئمّة علیهم السّلام أنّه ترك التقيّة،وأظهر أنّ الإمام معصوم مفترض الطاعة، وأنّه لو أمر بالخروج علىٰ سلطان الوقت لو جبت طاعته، فصار ذلك من أسباب عزم السلطان علىٰ قتل الإمام، فلهذا ونحوه صار ترك العمل بها أعظم تحريماً من غيره من المحرّمات، مثل أكل الميتة ولحم الخنزير، فإنّها يترتّب عليها دائماً مفاسدها الخاصّة بها.
والحاصل أنّ مفسدة بعض المحرّمات قابلة للشدّة والضعف، فتكون مفسدة بعض أفراده أكبر من بعضه الآخر، وبعض المحرّمات ليس كذلك .
ويدلّ علىٰ ذلك - علىٰ ما بنينا عليه في الكتاب من الاستدلال بالقرآن - قوله تعالىٰ (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إنّ الله يحبّ
ص: 382
المحسنين) (1) وقوله تعالىٰ (لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلاّ أن تتّقوا منهم تقاة ويحذّركم الله نفسه وإلى الله المصير) (2) وقوله تعالىٰ (من كفر بالله من بعد إيمانه إلاّ من اُكره وقلبه مطمئّن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظیم) (3)(3) .
وقد طعن بعض العامّة على اعتقاد الشيعة بالتقيّة باُمور : منها: أنّ الشيعة تعتقد أنّ الخلافة الحقّة عن النبي صلّی الله علیه وآله بعد وفاته لأمير المؤمنين علي علیه السّلام وأولاده المعصومين علیهم السّلام ، وأنّ المتقدّمين عليهم والمتقمّصين للخلافة غاصبون ظالمون، وذلك يقتضي ابتعاد الأئمّة المعصومین علیهم السّلام عنهم، وترك عشرتهم والركون إليهم، ولكنّهم كانوا على العكس من ذلك، فكان علي علیه السّلام يعاشرهم ويشاركهم، وهكذا سائر الأئمة علیهم السّلام ، ولم يكونوا يعارضونهم.
وأجاب الشيعة عن هذا التناقض بأنّ عليّاً وسائر الأئمّة علیهم السّلام ما كانوا يتّقون من الخلفاء والسلاطين في أزمنتهم، ولم يسكتوا عنهم رضاً بهم وتسليماً لأمرهم.
ومنها: أنّهم يعتقدون أن أئمّتهم يعلمون الأحكام الشرعيّة وغيرها وراثة عن رسول الله صلّی الله علیه وآله من دون استعمال رأي ولا قياس، وأنّهم معصومون عن الخطأ، وذلك يقتضي أن لا تختلف أخبارهم، مع أنّ الأخبار المرويّة عنهم قد اختلفت
ص: 383
كثيراً .
وأجابوا عن هذا بأنّهم اتّقوا في ذلك: إمّا في القول، وإمّا للاتّقاء على الراوي، وإمّا لكون مجرّد الاختلاف تقيّة .
فأمّا في القول، فبأن يتكلّم الإمام علیه السّلام بما يوافق مخالفيه، وإن كان خلاف الواقع، وذلك تقية علىٰ نفسه عند حضور بعض من خالفه في المجلس .
وأمّا على الراوي، فبأن يجيب بعض سائليه بما يوافق المخالفين حذراً على السائل من أن يعود إلىٰ بلده _ مثلا ً_ فيظهر الحقّ فيقع في الخطر .
وأمّا كون مجرّد الاختلاف تقية، فبأن يعلّم عدّة من أصحابه كلاً منهم ما يختلف عن الآخر في المسألة الواحدة، ونكتة ذلك كما في بعض الأخبار أن لا يظهروا متّفقين علىٰ أمر واحد، فيعرفوا ويؤخذوا.
ومنها: أنّ الشيعة اعتقدوا باُمور ليس لها حقيقة، وهي مخالفة لما عليه سائر المسلمين، ونسبوها إلىٰ أئمة أهل البيت كذباً عليهم، ويدلّ علىٰ ذلك ما صدر عن المعصومین موافقاً لمذهب العامّة .
و جواب هذا بأنّ ما صدر منهم علىٰ خلاف ما ننسبه إليهم، إنّما صدر تقيّة .
ومنها : أنّ التقيّة هي کتمان الحقّ وإظهار خلافه للضرورة، ومع ذلك ينسبون إلىٰ أئمّتهم ورواتهم أنّهم اتقوا فيما ليس فيه ضرورة أصلاً .
والجواب عن ذلك واضح عندنا وعند من لا يتعصّب لغير الحقّ واطّلع علی التاريخ الصحيح، واطّلع علىٰ ضغائن القوم وأحقادهم بالنسبة إلىٰ علي أمير المؤمنين وأولاده علیهم السّلام ، وعلم أنّ حبّ الرئاسة يجرّ الإنسان إلى المعاصي
ص: 384
الكبيرة، كما قال : وإنّ حبّ الشيء يعمي ويصم عروته وثيقة لا تنفصم منه جریٰ علىٰ أئمّة الهدیٰ من الرزايا والبلايا ما جریٰ وبعد وفاة رسول الله صلّی الله علیه وآله وغصب الخلافة من الإمام علي علیه السّلام وقع الإمام علیه السّلام في التقيّة، مماشاة للقوم إذ رأىٰ أنّه لو جاهدهم على الحقّ لكان ضرره أكثر من أن يتّقي ويصبر، وهكذا الأئمّة المعصومون علیهم السّلام كانوا في شدّة التقيّة (1)(1).
ص: 385
ص: 386
روى الصدوق بسنده عن أبي الصلت الهروي ما جرىٰ بين المأمون والإمام الرضا علیه السّلام إلى أن قال: فغضب المأمون ثمّ قال: إنّك تتلقّاني أبداً بما أكرهه وقد أمنت سطواتي، فبالله ااُقسم لئن قبلت ولاية العهد وإلاّ أجبرتك علىٰ ذلك، فإن فعلت وإلاّ ضربت عنقك، فقال الرضا علیه السّلام : قد نهاني الله عزّوجلّ أن ألقي بيدي إلى
ص: 387
التهلكة. الحديث (1).
وإنّ أعداء الدين كانوا مخالفين لأهل بيت الرسول صلّی الله علیه وآله ، وذلك واضح لمن سبر تأريخهم، فقد قاسوا المصائب من أيديهم، ومع ذلك أدوا واجبهم و بيّنوا الأحكام، وكانوا تارة يتّقون في أعمالهم، كما فعل الإمام أبو عبدالله الصادق علیه السّلام علىٰ ما في الخبر من أنّه اجتمع مع أبي العبّاس في يوم الشكّ من شوّال، وكان أبو العبّاس مفطراً، وكان أبو عبدالله علیه السّلام يعلم أنّه من شهر رمضان فأفطر معه وقال: إنّ ذلك إلىٰ إمام المسلمين إن صام صمنا، وإن أفطر أفطرنا، فقيل له: تفطر يوماً من شهر رمضان، فقال: اي والله أفطر يوماً من شهر رمضان أحبّ إليّ من أن يضرب عنقي (2) .
واُخرىٰ يأمرون شیعتهم بالتقية .
ففي إرشاد الشيخ المفيد رحمة الله رویٰ محمد بن إسماعيل، عن محمّد بن الفضل، قال: اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء، أهو من الأصابع إلى الكعبين، أم من الكعبين إلى الأصابع؟
فكتب علي بن يقطين إلىٰ أبي الحسن موسیٰ علیه السّلام : جعلت فداك، إنّ أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين، فإن رأيت أن تكتب إليّ بخطّك ما يكون عملي بحسبه فعلت إن شاء الله .
فكتب إليه أبو الحسن علیه السّلام : فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء، والذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلاثاً، وتستنشق ثلاثاً، وتغسل وجهك ثلاثاً، وتخلّل شعر لحيتك، وتغسل يدك إلى المرفقين ثلاثاً، وتمسح رأسك كلّه، وتمسح
ص: 388
ظاهر اُذنيك وباطنهما، وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثاً، ولا تخالف ذلك إلىٰ غیره .
فلمّا وصل الكتاب إلىٰ علي بن يقطين، تعجّب ممّا رسم له فيه ممّا جميع العصابة علىٰ خلافه، ثمّ قال: مولاي أعلم بما قال، وأنا ممتثل أمره، فكان يعمل في وضوئه علىٰ هذا الحدّ، ويخالف ما عليه جميع الشيعة، امتثالاً لأمر أبي الحسن علیه السّلام .
وسعي بعلي بن يقطين إلى الرشيد، وقيل له: إنّه رافضي مخالف لك، فقال الرشيد لبعض خاصّته: قد كثر عندي القول في علي بن يقطين، والقرف (1) له بخلافنا، وميله إلى الرفض، ولست أرىٰ في خدمته لي تقصيراً، وقد امتحنته مراراً، فما ظهرت منه علىٰ ما يقرف به، وأحبّ أن أستبریء أمره من حيث لا يشعر بذلك فيتحرّز منّي، فقيل له: إنّ الرافضة يا أمير المؤمنين تخالف الجماعة في الوضوء فتخفّفه، ولا ترىٰ غسل الرجلين، فامتحنه من حيث لا يعلم بالوقوف علىٰ وضوئه، فقال: أجل، إنّ هذا الوجه يظهر به أمره.
ثمّ تركه مدّة وناطه بشيء من الشغل في الدار حتّىٰ دخل وقت الصلاة، وكان علي بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه وصلاته، فلمّا دخل وقت الصلاة وقف الرشید من وراء حائط الحجرة بحيث يریٰ علي بن يقطين ولا يراه هو، فدعا بالماء للوضوء، فتمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه، وخلّل شعر لحيته، وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً، ومسح رأسه واُذنيه، وغسل رجليه، والرشيد ينظر
ص: 389
إليه، فلمّا رآه قد فعل ذلك لم يملك نفسه حتّىٰ أشرف عليه بحيث يراه، ثمّ ناداه:كذب يا علي بن يقطين من زعم أنّك من الرافضة، وصلحت حاله عنده .
وورد عليه كتاب أبي الحسن علیه السّلام : ابتداءً من الآن يا علي بن يقطين، توضّأ كما أمر الله، إغسل وجهك مرّة فريضة واُخرىٰ إسباغاً، واغسل يديك منالمرفقين كذلك، وامسح بمقدّم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كان يخاف عليك، والسلام (1).
وروى الكشي بإسناده عن داود الرقّي، قال: دخلت علىٰ أبي عبد الله فقلت اله: جعلت فداك كم عدّة الطهارة؟ فقال: ما أوجبه الله فواحدة، وأضاف إليها رسول الله صلّی الله علیه وآله واحدة لضعف الناس، ومن توضّأ ثلاثاً ثلاثاً فلا صلاة له .
أنا معه في ذا حتّىٰ جاء داود بن زربي، فأخذ زاوية من البيت، فسأله عمّا سألته في عدّة الطهارة، فقال له: ثلاثا ثلاثاً، من نقص عنه فلا صلاة له .
قال: فارتعدت فرائصي، وكاد أن يدخلني الشيطان، فأبصر أبو عبد الله علیه السّلام إليّ وقد تغيّر لوني، فقال: اُسکن یا داود هذا هو الكفر، أو ضرب الأعناق، قال: فخرجنا من عنده .
وكان بيت ابن زربي إلىٰ جوار بستان أبي جعفر المنصور، وكان قد اُلقي إلىٰ أبي جعفر أمر داود بن زربي، وأنّه رافضي يختلف إلىٰ جعفر بن محمّد، فقال أبو جعفر المنصور: إنّي مطّلع علىٰ طهارته، فإن هو توضّأ وضوء جعفر بن محمّد، فإنّي لأعرف طهارته، حقّقت عليه القول وقتلته، فاطّلع وداود يتهيّأ للصلاة من
ص: 390
حيث لا يراه، فأسبغ داود بن زربي الوضوء ثلاثاً ثلاثاً كما أمره أبو عبدالله عليه السّلام، فما تمّ وضوءه حتّىٰ بعث إليه أبو جعفر المنصور فدعاه .
قال: فقال داود: فلمّا أن دخلت عليه رحّب بي، وقال: يا داود قيل فيك شيء باطل وما أنت كذلك، قال: قد اطّلعت علىٰ طهارتك، وليست طهارتك طهارة الرافضة، فاجعلني في حلّ، فأمر له بمائة ألف درهم.
قال: فقال داود الرقّي: التقيت أنا وداود بن زربي عند أبي عبد الله علیه السّلام ، فقال له داود بن زربي: جعلني الله فداك حقنت دماءنا في دار الدنيا، ونرجو أن ندخل بيمنك و بركتك الجنّة، فقال أبو عبد الله علیه السّلام : فعل الله ذلك بك وبإخوانك من جميع المؤمنين. فقال أبو عبد الله علیه السّلام لداود بن زربي: حدّث داود الرقّي بما مرّ عليكم حتّىٰ تسكن روعته، قال: فحدّثه بالأمر كلّه، فقال أبو عبد الله علیه السّلام: لهذا أفتيته لأنّه كان أشرف على القتل من يد هذا العدوّ، ثمّ قال: يا داود بن زربي توضّأ مثنىٰ مثنى ولا تزيدنّ عليه، وإنّك إن زدت عليه فلا صلاة لك (1) .
وربما يتّقون في الفتوىٰ، كما ورد في الخبر أنّه لا بأس بصيد البازي.
روی الكليني بإسناده عن الحلبي، قال: قال أبو عبدالله علیه السّلام : كان أبي يفتي وكان يتّقي ونحن نخاف في صيد البزاة، وأمّا الآن فإنّا لا نخاف ولا يحلّ صيدها إلاّ أن تدرك ذكاته، فإنّه في كتاب علي علیه السّلام: إنّ الله عزوجلّ قال: وما علّمتم من الجوارح
ص: 391
مکلّبین (1) .
ثمّ إنّ التقيّة تكون تارة بأن يظهر المؤمن وفاقهم علىٰ وجه يزعم المخالفون له أنّه منهم: إمّا للأمن من ضررهم، أو ليحسن معاشرتهم بما يعود عليه بالراحة في عيشه معهم. واُخرىٰ بأن لا يظهر المؤمن خلاف دينه أبداً، ولكن يعاشر مع المخالفين بالمعروف، كما إذا كانوا في قرية واحدة، فيعامل الشيعي العامي بالحسنیٰ، ويظهر أدبه وحسن أخلاقه، فيقرضه ويستقرض منه، ويحسن جواره،ويزوره إذا رجع من سفر الحجّ وغيره، ويعوده إذا مرض، ويشهد جنازته إذا مات، إلىٰ غير ذلك ممّا يدخل تحت الإحسان والعشرة بالمعروف، وقد أمرونا بذلك على الشرائط المقرّرة في محلّه .
وقد كان الأئمّة المعصومون علیهم السّلام يعاشرون مخالفيهم بالمعروف تقيّة علىٰ أنفسهم وأنفس شيعتهم، فإنّهم ربما كانوا لا يتضرّرون من المخالفين، حتّىٰ يتّقوا منهم، لكنّهم فعلوا ذلك حفاظاً علىٰ شيعتهم.
فمثلاً لو كان الإمام الصادق علیه السّلام يعارض أبا حنيفة علناً، بحيث لا يلتقيان أبداً، ويظهر كلّ منهما العداوة للآخر، فإنّه وإن لم يتضرّر بذلك الإمام الصادق علیه السّلام، لكن يمكن أن يضرّوا شيعته. ولو ادّعىٰ مدّع أنّ عملهم علیهم السّلام كان شبه المعجزات لم يكن مجازفاً، فترىٰ أنّه علیه السّلام لم يكن يعادي أبا حنيفة بحيث لا يأذن له في الدخول عليه، بل كان يأذن له فيدخل عليه ويلتقيان، لكن في غياب أبي حنيفة كان الإمام علیه السّلام يبيّن لشيعته وأصحابه فساد أمره وضلال رأيه، ففي الخبر أنّه كان أبو حنيفة في
ص: 392
مجلس أبي عبدالله علیه السّلام، فأرجع إليه في تفسير رؤيا (1)، وهو ليس من الأحكام الشرعيّة. ولكن في غيابه يقول الإمام، كما في صحيح أبي ولاّد، حيث أخبر أبا عبدالله علیه السّلام بما أفتىٰ به أبو حنيفة، فقال: في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها وتمنع الأرض بركتها. الحديث (2) .
وقد كان الإمام علیه السّلام أحياناً يبيّن الحقّ المخالف لرأي أبي حنيفة وغيره من فقهاء العامّة في محضرهم، ففي خبر أنّه سأل سائل أبا عبد الله علیه السّلام عن رجل أوصىٰ إليه بمائة ألف، وأمره أن يعطي أبا حنيفة منها جزء، وأبو حنيفة وابن أبي ليلىٰ جميعاً حاضران، فسألهما الإمام علیه السّلام عن تفسير الجزء، فقالا: الربع إستناداً إلىٰ بعض الآيات، فبيّن الإمام علیه السّلام خطأهما في فهم الآية، وأنّ المراد بالجزء هو العشر (3) .
وهكذا جریٰ أجلّة أصحابهم رضوان الله عليهم، كالحسين بن روح الذي كان يتّقي في مدح الخلفاء، فإنّه بمدح القوم حفظ مقامه ومقام وكلائه، ومن لم يشدّ علىٰ عينيه عصابة الجهل والعصبيّة يریٰ صدق كلام الإمام «وأيّ شيء أقرّ لعين
ص: 393
أبيك من التقيّة».
ثمّ لا يخفىٰ أنّه ثبت ممّا ذكرناه أنّ الله تبارك وتعالىٰ جعل للمعصومين وهم الأنبياء وأوصيائهم علیهم السّلام الولاية على الناس في اُمور دنياهم، وبيان ما يحتاجون إليه في أمر دينهم، فلذا تعتقد الشيعة بأنّ الولاية بعد وفاة النبي صلّی الله علیه وآله لأمير المؤمنین علي بن أبي طالب وأولاده المعصومین علیهم السّلام، لكن الناس لم يقبلوا ذلك وعصوا الله ورسوله، ولا يخلو الحال بعد أن عصوا ولم يتّبعوا من نصّ الله ورسوله علىٰ ولايته وفرض طاعته عن وجوه ثلاثة :
الأوّل: أن لا يكون عليهم سلطان، بل يعيشون عيش الحيوانات، ويكون الهرج والمرج، يفترس بعضهم بعضاً، ويقتل بعضهم بعضاً من دون مسؤوليّة، وهذه الكيفيّة من العيش بديهي فسادها.
الثاني: أن يحكم عليهم ظالم غاصب منصب الخلافة العظمىٰ، يعملون ببعض الأحكام الشرعية، ويبدعون بدعاً ويخيفون ويظلمون من نصبه الرسول صلّی الله علیه وآله خليفة له، لكن ينتظم مع ذلك أمر البلاد، ويحفظ العباد عن الهرج والمرج، وهذا ما تعتقده الشيعة من أنّ الحكومة التي تحقّقت بعد وفاة الرسول صلّی الله علیه وآله حكومة ظالمة وغاصبة لم يتمكّن أهل الحقّ من تغييرها إلىٰ حكومة المعصومین، فلذا لابدّ لحفظ النظام وحفظ العباد من مراعاتها وعدم مخالفتها مدّة بقائها.
الثالث: أن تكون حكومة غير المعصومين حكومة شرعية يجب إطاعتها ومساعدتها، فإنّ الواجب الأهمّ وإن كان هو إقامة حكومة المعصومين، لكن بعد العصيان وارتكاب أعظم وأكبر المعاصي من تأخير صاحب الولاية العظمىٰ
ص: 394
والتقمّص بقميص الخلافة، صارت حكومتهم شرعية بالنسبة لغيرهم يجب عليهم متابعتها، نظير ما ذكره الاُصوليّون في الترتّب، وهو وجوب الأهمّ، فإن عصي فيجب فعل المهّم، كما إذا أشرفت سفينتان على الغرق تضمّنت إحداهما مائة نفس، وتضمّنت الاُخرىٰ عشرة أنفس، ولا يمكن إنقاذهما، فإنّه يجب إنقاذ السفينة المشتملة علىٰ مائة، فإن عصي وغرقوا وجب إنقاذ السفينة الاُخرىٰ، وإن لم يفعل يعاقب علىٰ تركه الإنقاذ .
ويزعم بعض لجهله بحقيقة الحال أو تجاهله أنّ حكومة الغاصبين من قبيل الثالث، وحمل عمل الأئمّة الأطهار علىه السّلام علیٰ غير التقنية، مع أنّ من لاحظ خطب نهج البلاغة وجميع الأخبار يعرف أنّ الأئمّة المعصومين عليهم السّلام كانوا مقهورين مظلومين، يتّقون من الظلمة، مضطرّين إلىٰ مراعاتهم، وكانوا يصرّحون بعدم شرعية خلافة غيرهم، لا بالعنوان الأوّلي، ولا العنوان الثانوي .
وقد كتب علماء الشيعة كتباً مفضّلة في التقيّة وفروعها، وذكر السيّد شرف الدین في جواب المسألة العاشرة من أجوبة مسائل جار الله مقدار ما يحتاج إليه، فراجع (1).
ومن جملة العقائد الصحيحة: الاعتقاد بأنّ الأنبياء أيضاً كانوا معتقدين بأن عليّاً علیه السّلام وأولاده المعصومین علیهم السّلام هم أوصياء رسول الله صلّی الله علی وآله وخلفاؤه لا غيرهم، وهذا الاعتقاد مأخوذ من قوله تعالىٰ (آمن الرسول بما اُنزل إليه من ربّه
ص: 395
والمؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير) (1) حيث دلّ علىٰ أنّ كلّ من آمن بالله ،أو يؤمن بالله في أيّ زمان كان، لابدّ أن يؤمن بما أنزل الله تعالىٰ إلى الأنبياء، ويؤمن بالأنبياء والملائكة الخ.
وبعد ما أثبتنا أنّ ممّا أنزل الله تعالىٰ علىٰ رسوله صلّی الله علیه وآله ولاية علي علیه السّلام وأولاده المعصومين عليهم السّلام وأنّ النبي صلّی الله علیه وآله جعلهم خلفاءه، فكلّ مؤمن من آدم علیه السّلام إلىٰ آخر مؤمن لابدّ أن يؤمن بالله وبما أنزله علىٰ رسوله صلّی الله علیه وآله من ولاية علي وأولاده المعصومین صلوات الله عليهم أجمعين .
وهذا المعنىٰ الذي يستفاد من الآية من أنّ كلّ رسول وكلّ مؤمن من الأوّلين والآخرين يؤمنون بما أنزله الله تعالىٰ هو مقتضى الإيمان، لأنّ معنى الإيمان بالله ليس هو العلم بوجوده تعالیٰ فقط، فإنّ إبليس يعلم بوجود الله تعالىٰ، وهو كان يخاطبه علىٰ ما ورد في مواضع من القرآن، بل الإيمان بالله هو الاعتقاد بوجوده وبصفاته وبأفعاله، وأنّ كلّ ما فعل أو يفعل حقّ، فلا ينفكّ الإيمان بالله عن الإيمان بصحّة أفعاله، فآدم علیه السّلام الذي آمن بالله آمن به كذلك، وممّا فعله الله هو ما أنزل علىٰ رسوله صلّی الله علیه وآله من ولاية علي علیه السّلام .
وزعم بعض العامّة دلالة بعض الآيات علىٰ ردّ هذه العقيدة، كقوله تعالىٰ (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلاّ نوحي إليه أنه لا إلٰه إلاّ أنا فاعبدون) (2) وقوله
ص: 396
تعالىٰ (ولقد بعثنا في كلّ اُمّة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوته) (1) وقال نوح لقومه: (اعبدوا الله مالكم من إلٰه غيره) (2) .
فهذه الآيات تدلّ علىٰ أنّ دعوة الرسل كانت إلى التوحيد لا إلىٰ ولاية علي والأئمة علیهم السّلام .
وأقول: أوّلاً إنّ دعوتهم كانت إلى التوحيد وعبادة الله، فالمراد من عبادة الله إن كان مطلق الخضوع بأيّة كيفية يراها كلّ شخص، فلا حاجة إلى الصلاة والزكاة وغيرهما، وهذا واضح البطلان؛ فلابدّ وأن تكون عبادة الله علىٰ نحو ما بيّنه الله تعالىٰ، والشيعة تعتقد بأنّ شرط قبول الأعمال العبادية المطلوبة لله أن يكون العامل معتقداً بولاية علي علیه السّلام بلا فصل، فكما لا تقبل الصلاة بغير طهارة كذا لا تقبل ممّن لا يعتقد ولاية علي علیه السّلام .
وثانياً: ما ذكرناه سابقاً وهو أنّ الاستدلال بالقرآن ينبغي أن يكون بجميعه لا ببعض آیاته من دون ملاحظة سائر الآيات، وإلاّكنّا من الذين يقولون نؤمن ببعض ونکفر ببعض.
فأين قوله تعالىٰ (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واُولي الأمر) (3) المفسّر بعليوالأئمّة علیهم السّلام كما أثبتناه ؟.
ص: 397
في بعض افتراءات العامّة على الشيعة والجواب عنه فمنها افتراؤهم عليهم بأنّ أصل مذهبهم من عبدالله بن سبأ ولهم تعبیرات نابية عن الإمامة عند الشيعة، كقولهم «الإمامة بمفهومها السبائي» وهذه النسبة: إمّا جهل بمذهب الشيعة، أو تجاهل وعناد يرجع ضرره إلى أنفسهم، ذلك أنّهم لا يريدون أن يفهموا الحقّ، وإنّما يريدون أن يستروا الحقّ ویکتموه.
ولكي يتّضح ذلك نقول: ذكرنا في الفصول السابقة أنّه لابدّ لكلّ زمان من إمام، حتّىٰ ورد أنّ من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، وأنّ الله تبارك وتعالىٰ عیّن في زمان حياة الرسول صلّ الله علیه وآله خليفته والإمام من بعده عليّاً علیه السّلام .
وعلىٰ رأس من اعتقد مذهب الشيعة - وهو أنّ الإمام بعد وفاة الرسول علي بن أبي طالب علیه السّلام - السيّدة العالمة التي لا يداني فضلها وعلمها وتقواها وزهدها وورعها أحد من صحابة الرسول صلّی الله علیه وآله ولا غيرهم، المعصومة التي شهد الله تبارك وتعالىٰ بعصمتها في آية التطهير سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليها، فقد حامت عن إمامة بعلها علي بن أبي طالب علیه السّلام ، وجرىٰ عليها في سبيل ذلك
ص: 398
مصائب كثيرة، وكانت غاضبة علىٰ أبي بكر وعمر ومن ساعدهما إلىٰ أن ماتت،حتّىٰ أنّها أوصت بأن تدفن سرّاً، ويخفيٰ قبرها، وهذا أمر واضح لا ينكر، وليس ذلك إلاّ لأنّها مكسورة القلب من هؤلاء، مبغضة لهم، ولم تمت صلوات الله عليها ميتة جاهلية _ وحاشا لها _ بل ماتت تعرف إمامها الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلامّ جاهرة بذلك بأعلىٰ صوتها.
وأمّا ابن سبأ، فمن يكون وما مكانته حتّىٰ ينسب مذهب أهل البيت إليه؟
والذي يظهر من موارد ذكره في الكتب أنّ عبد الله بن سبأ اثنان: أحدهما القائل بربوبيّة علي أمير المؤمنين علیه السّلام وقد أحرقه علي علیه السّلام . والثاني: من أشهر کفر مخالفي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام ، وخالف التقية التي التزمها شيعة علي علیه السّلام لدواعي خاصّة مخالفاً بذلك لأمير المؤمنين علي علیه السّلام .
والموجود في رجال الكشي هذا نصّه: وذكر بعض أهل العلم أنّ عبد الله بن سبأ كان يهودياً، فأسلم وواليٰ عليّاً علیه السّلام ، وكان يقول وهو علىٰ يهوديته في يوشع بن نون وصي موسئ بالغلوّ، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلّی الله علیه وآله في علي علیه السّلام مثل ذلك، وكان أوّل من أشهر بالقول بفرض إمامة علي، وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه وكفّرهم، فمن هنا قال من خالف الشيعة: إنّ أصل التشيّع والرفض مأخوذ من اليهودية (1) إنتهیٰ .
ولم يذكر اسم بعض أهل العلم لنعرفه، وهل وصل إلى الكشي ما ذكره بعض أهل العلم مسنداً أو غير مسند إن كان زمانه سابقاً عليه، وأمّا إن كان معاصراً له فلم
ص: 399
يذكر لنا مستند هذا البعض فيما ذكره، فهذه حكاية مرسلة لا حجّية فيها، هذا أوّلاً .
وأمّا ثانياً: فأنّ الموجود في العبارة المذكورة أنّه أوّل من أشهر القول بفرض إمامة علي علیه السّلام وأظهر البراءة من أعدائه، ومعناها أنّ الشيعة تبعاً للإمام علي علیه السّلام كانوا في تقيّة، وكانوا لا يظهرون البراءة من الأعداء، لكن ابن سبأ خالفهم وأظهر ما أظهر، ولم يكن فعله مرضياً للإمام علي علیه السّلام ، وليس معنى العبارة أنّ ابن سبأ هو الذي أسّس مذهب التشيّع .
وثالثاً: أنّ من خالف التشيّع، إنّما قال إنّ أصل التشيّع مأخوذ من ابن سبأ عناداً و تعصّباً، وذلك لأنّ الشيعة كبراء الصحابة من أتباع أميرالمؤمنين علیه السّلام ومن لا يأخذون إلاّ عنه، وقد ذكر السيّد شرف الدين رحمة الله في كتاب الفصول المهمّة أسماء بعضهم، أنهاها إلىٰ مائتين تقريباً (1) .
أنّهم يأوّلون القرآن علىٰ وفق مذهبهم ومن جملة الافتراءات على الشيعة ما ذكره بعض العامّة، وهو أنّهم يؤوّلون الآيات القرآنية علىٰ وفق مذهبهم، خصوصاً بالنسبة إلى الولاية.
فمنها: أنّهم يقولون بأنّ نصوص القرآن التي تأمر بعبادة الله وحده معناها الإيمان بإمامة علي علیه السّلام والأئمة علیهم السّلام ، والنصوص التي تنهىٰ عن الشرك المقصود بها الشرك في ولاية الأئمّة، فقوله تعالىٰ (ولقد اُوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنّ عملك ولتكوننّ من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من
ص: 400
الشاکرین) (1) معناه لئن أشرکت في ولایة الأئمّه بأن جعلت غیرهم.
أقول: یشیر القائل بکلامه هذا إلیٰ ما رواه الحکم بن بهلول، عن رجل، عن أبي عبدلله علیه السّلام فيی قوله تعالیٰ (ولقد اُوحی إلیک وإلی الذین من قبلک لئن أشرکت لیجطنّ عملک) قال: یعني بل فاعبد بالطاعة وکن من الشاکرین أن غضّدتک بأخیک وابن عمّک (2) .ورواه علي بن إبراهیم مسنداً عن أبی جعفر علیه السّلام (3) .
والجواب عن ذلک أوّلاً: أنّهم لایقولون إنّ کلّ تنهیٰ عن الشرک أو ذکر فیها الشرك ، فالمراد به الشرك في الولایة .
و ثانیاً: أنّ ورود خبر أو أکثر بأمرٍ ما، لا یدلّ علیٰ أنّه مذهب لهم ، خصوصاً إذا کان الخیر مشتملاً حسب ما یقولون علیٰ ضعف في السند ، کما فی الخبر بالسند الأوّل، لکونه مرویاً عن رجل وهو مجهول .
و لعلّه لذا فسّر الشیخ الطوسي رحمة الله فی التبیان لاآیة بأنّ المعنیٰ : لئن أشرکت بعبادة الله غیره من الأصنام لوقعت عبادتك علیٰ وجه لا یستحقّ الثواب الخ (4) .
و ثالثاً : أنّه یمکن توجیه ذلك بأنّ المعنی المذکور في الخبر أحد المصادیق الخفیة للمفهوم الکلّي الذي تدلّ الآیة علیه .
توضیحه : أنّ الشرك قد یحعل في الاُلوهیة ، بأن یعتقد وجود إلٰهین، و لعلّه إالیه
ص: 401
الإشارة في قوله تعالیٰ (ءإلٰه مع الله) (1) وقد یکون فی العبودیة، بأن یعبد مع الله شیئاً آخر کالأصنام ، وإن کان الغرض من عبادتها التقرّب إلی الله ،وقد یکون بأن یعمل عملاً واحداً لله ولغیره و یسمّی ریاءً، وقد یکون مجرّد استحلال ما حرّمه الله تعالیٰ ، فإنّه جعل نفسه شریکاً لله تعالیٰ في تشریع الأحکام، بل لو اعتقد أنّه لا إلٰه إلاّ الصنم کان شرکاً، بمعنیٰ أنّه جعل شریکاً لله تعالیٰ وإن لم یعتقد بالله أصلاً .
و لعلّه استعمل الشرك فی جمیع هذه المعاني ، فقد استعمل في مجرّد استحلال ما مجرد الله في قوله تعالیٰ (و لا تأکلو ممّا لم یذکر اسم الله علیه و إنّه لفسق وإنّ الشیاطین لیوحون إلیٰ أولیائهم لیجادلوکم وإن أطعتموهم إنّکم لمشرکون) (2) .
قال في التبیان: قیل: یعني بالشیاطین علماء الکفّار ورؤساءهم المتمرّدین في الکفر، یشیرون إلیٰ أولیائهم من الکفّار بأن یجادلوا المسلمین في استحلال المیتة.
الشیاطین لیوحون إلیٰ أولیائهم من الکفّار بٲن یجادلوا المسلمین فی استحلال المیتة .
و قیل: إنّ الشیاطین إبلیس و جنوده یوسوسون و یوحون إالیٰ أهل الشرك بذلك .
ثمّ قال: و إن أطعتموهم أیّها المٶمنون فیما یقولونه من استحلال أکل المیتة و غیره إنّکم لمشرکون ، لأنّ من استحلّ المیتة کافر بالإجماع (3) .
فکلّ عمل نهی الله هته، أو أمر الله به إن اعتقد أنّه لیس کذلك بل اعتقد خلافه یکون شرکاً (4)
ص: 402
فإذا ثبت أنّ الله تعالیٰ أمر بإطاعة الرسول أمیرالمٶمنین علي بن أبي طالب علیه السّلام، فتکون إطاعة أمیرالمٶمنین إطاعة الله ، وإطاعة غیره ممّن تقدّم علیه غصباً في مقابل من أمر الله لابدّ بطاعته شرکاً، فمن اعتقد صحّة إطاعة غیره، فقد ٲشرك بالله . وکلّ إنسان یٶمن بالله لابدّ و أن یعتقد بکلّ ما ٲمر الله به ، ولذا یقول المٶمن لا نفرّق بین أحد من رسله، فآدم علیه السّلام و من بعده من الأنبیائ و أوصیائهم علیهم السّلام والمٶمنین نن ٱممهم یعتقدون بإمامة أمیرالمٶمنین علي بن أبي طالب علیه السّلام، کما یعتقدون بنبوّة نبیّنا صلّی الله علیه وآله .
و بهذا البیان یتبیّن معنیٰ قوله تعالیٰ (ولقد اُوحی إلیك و إلی الذین من قبلك لئن أشرکت لیحبطنّ عملك) (2) فإنّه شامل لکلّ شرك من الاعتقاد بالٲصنام و عبادتها مع الله ، وکذا اعتقاد إطاعة غیر من نصبه الله .
بل یمکن أن یقال: إنّ الإیجاء إلی النبی بعدم الإشراك لهلّه ظاهر فی الإیحاء إلبه بالنحو المتعارف فی سائر موارد الوحي، حیث یقول: ( إنّما أنا بشر مثلکم یوحٰ إلّي) (3) لا الوحي بمعنی الدرك، کما فی الوحي إلی النحل، و الوحي إلی النبي لا یتعثّل إلاّ مع کونه موحّداً، فلا ینزل جبرئیل علیه السّلام علی النبي صلّی الله علیه وآله و یقول:
ص: 403
أرسلني ربّنا إلیك أن تترك الشرك بالله، بل المراد الاشراك بجعل شریك آخر، أي: لمنصب الإمامة و الولایة ، للتحفّظ علی الولي الحقیقي من إضرار المخالفین والمعاندین.
وإن کان یحتمل فیه أن یکون من باب «إیّاك أعني واسمعي یاجارة».
ومن ذلك یظهر أنّ من قطع من الأدلّة القاطعة بعدم صحّة إطاعة أنّه یجب طاعته ولا یجب طاعة أمیرالمٶمنین علیه السّلام مشرکاً، لأنّه أطاع الله و أطاع معه غیره الذي لم یأمر الله بإطاعته بل نهیٰ عنها .
و أمّا قوله نعالیٰ (بل الله فاعبد) فلعلّ المراد من العبادة هي الطاعة، فیدلّ علیٰ حصر الطاعة فی الله وعدم إطاعة غیره، کما لعلّه المراد بقوله تعالیٰ (ألم أعهد إلیکم یا بنی آدم أن لاتعبدوا الشیطان) (1) فإنّ الشیظان لیس إلٰهاً خالقاً رازقاً، بل یکون مطاعاً ممّن اتّبعه، فعهد الله إلٰی بني آدم أن لا یطعوه .
وکذا المراد بقوله تعالیٰ (و الذین اجتنبوا الطاغوت أن یعبدوها و أنابوا إلی الله لهم البشریٰ فبشّر عباد) (2) بل لعلّه المراد من قول موسیٰ علیه السّلام لفرعون ( أن عبّدت بني إسرائیل) (3) .
وحاصل الجواب عن هذا الإیراد علی الشیعة: أنّ مجرّد اشتمال خبر من الٲخبار الموجودة في کتبهم علیٰ مضمونً ما، لا یدّل علیٰ أنّ مذهب لجمیع
ص: 404
الشیعة الإمامیة بحیث یصحّ نسبة إلیهم ثمّ التشنیع علیهم، مضافاً إلیٰ أنّ المعنی المذکور ربما یکون بیاناً لأحد مصادیق مفهوم الآیة .
و منها: الطعن علیٰ بعض الأخبار فی کتب الشیعة المتضمّن لکون الأئمّة المعصومین من أهل البیت علیهم السّلام أسماء الله الحسنیٰ .باستلزامه أوّلا: أن تکون أسماء الله سبحانه التي ذکرها في کتابه عبارة عن الأئمّة الاثني عشر علیهم السّلام .
و ثانیاً: تعطیل الله تعالیٰ من أسمائه الحسنیٰ وإثباتها لبعض البشر، و تشبیه المخلوق بالخالق .
و الجواب: أنّهم یعتقدون أنّ النبی صلّی الله علیه وآله أیضاً من أسماء الله الحسنیٰ، ولا یخصّون ذلك بالأئمّة المعصومین علیهم السّلام، واطاعن لم یفهم معنی الخبر .
فنقول في توضیحه: إنّ الاسم عبارة یدلّ علیٰ مفهوم یحکي عن المسمّیٰ، وحسن الاسم إنّما یکون بلحاظ مفهومه لا بحروفه التی یترکّب اللفظ منها، قال الله تعالیٰ في ذمّ الکفّار (لیسمّون الملائکة تسمیة الاُنثیٰ) (1) أي: یعتقدون أنّهم إناث لأّهم یطلقون علیهم لفظاً یحکي عن معنی موجود في الإناث .
وقال سبحانه في مقام المدح: (إنّا نبشّرك بغلام اسمه یحییٰ لم نجعل له من قبل سمیِاً) (2) فإنّ مجرّد إطلاق لفظ علیٰ شخص لا یکون مدحاً، بل المدح إنّما یکون
ص: 405
باعتبار دلالته علیٰ مفهوم حسن، وقال سبحانه وتعالیٰ (هل تعلم له سمیّاً) (1) أي: لله تبارك و تعالیٰ سمیّاً .
إذا تحقّق هذا المعنیٰ، فنقول: کلّ ما دلّ علی إثبات معنی حسن في الله تبارك وتعالیٰ فهو اسم،لأنّ مجرّد الألفاظ من حیث هي ألفاظ لا حسن فیها، بل المدلول حسن من غیر فرق بین اللفظ العربي والعجمي والترکي وغیرها من جمیع اللغات،وإن کان لبغض اللغات رجحان بسبب بعض الخصوصیات کاللغة العربیة، و یکتسب اللفظ الحسن من المعنیٰ .
فمفهوم الرحمٰن ومفهوم الرٶوف، وکلّ مفاهیم صفات الله تعالیٰ حسنة في مقابل المفاهیم القبیحة أو الوضیعة، کالذلیل والحقیر والظالم ونحوها، واللفظ یتّصف بالحسن باعتبار مفهومه، وهذا الملاك إن وجد بغیر المفهوم من اللفظ کان أیضاً إسماً ودالاًّ، مثلاً مفهوم الخالق لمن سمع لفظ الخالق یدلّ علیٱٰ صفة حسنة في مرحلة المفهومیة دلالة إدراکیة والخالقیة المحسوسة التيٰ تکون فعل الله تعالیٰ أدلّ علی الخالقیة لله تبارك وتعالیٰ، ففعل عیسی علیه السّلام حیث قال: (أنّی أخلق لکم من الطین کهیئة الطیر فأنفخ فیه فیکون طیراً بإذن الله) (2) یکون مظهر خالقیة الله، فإن اُطلق علیٰ عیسیٰ علیه السّلام أنّه دالّ بفعله علیٰ خالقیة الله تعالیٰ فهو اسم الله کان إطلاقاً حسناً .
و لو قیل لعیسی بن مریم علیه السّلام : یا محیي الموتیٰ بإذن الله اقتباساً من قوله تعالیٰ
ص: 406
(وأحیي الموتیٰ) أو قلنا له: یا شافي المرضیٰ بإذن الله تعالیٰ، اقتباساً من قوله تعالیٰ (وأبریء الأکمه والأبرص) وهکذا سائر الأنبیاء ، لصحّ ذلك الإطلاق .
فیصحّ أن یقال: إنّ النبي صلّی الله علیه وآله محیي الموتیٰ بإذن الله، وهکذا سائر صفات الله التي یکون النبی والإمام مظهرین لله فیها، وهذا الذي ذکرناه من کون الأنبیاء مظاهر صفات الله متّخذ من القرآن الکریم، فقد أطلق الله علیٰ ید رسوله ید الله،وعلیٰ فعله فعل الله، قال الله تعالیٰ: (إنّ الذین یبایعونك إنّما یبایعون الله ید الله فوق أیدیهم) (1) قال فی الکشاف : المراد من یدالله ید رسول الله (2)
فاذا کان الله أعطی مخلوقه وهو النبی صلّی الله علیه وآله أو الإمام علیه السّلام جمیع الصفات الکمالیة،وأقدره علی التصرّفات الکونیة، کان دالاّ علی الله تعالیٰ دلالة المصنوع العظیم علیٰ صانع عظیم، فلا بأس بأن یطلق علی عین الله الناظرة واُذنه السامعة .
والحاصل أنّ هذا الاستعمال، وهو أن یطلق علیٰ أثر الشيء شایع، فإذا کان الابن مثلاً متّصفاً بجمیع صفات أبیه، فإذا کان علم النبي صلّی الله علیه وآله والإمام علیه السّلام الذي أعطاهما الله تعالیٰ محیطاً بالعوالم کان دالاًّ علیٰ علم الله سبحانه .
وإنّك لا تجد واحداً من الشیعة قال للنبی صلّی الله علیه وآله: أنت إلٰه، أو قال لأحد الأئمّة المعصومین علیهم السّلام: أنت الله الأزلي السرمدي واجب الوجود لذاته، فمن لم یفهم المراد کیف یجوز له الطعن یجوز له الطعن، ولیس طعنه إلاّ إظهاراً لجهله .
ص: 407
إفتریٰ بعض العامّة علی الشیعة الاثنا عشریّة بأنّهم مشرکون لاُمور جهلاً منه أنّ هذه الاُمور لا توجب الشرك، أو عناداً وتعصّباً، وقد کشف الارتیاب عنها أجلّة علماء الشیعة، وألّفوا فیها کتباً أو ضحوا فیها حقیقة الأمر.
فمن افترائهم أنّ الشیعة تدعو غیر الله تعالیٰ، فیقولون: یا محمّد یا علي اکفیاني فإنّکما کافیاي. وهذا شرك، فإنّ الله تعالیٰ یقول: (والذین یدعون من دونه لا یستجیبون لهم بشيء) (1) وغیره من الآیات التي ذمّت من یدعو غیرالله تعالیٰ .
والجواب :أنّ دعاء لغة هو أن تمیل الشيء إلیک بصوت وکلام منک (2) .
و لا ریب أنّ دعاء غیر الله لیس شرکاً، فمن دعا غلامه لم یشرك، وفي القرآن (إذ تصعذون و لا تلوون علیٰ أحد والرسول یدعوکم في اُخراکم) (3) و علیٰ هذا فالمراد من الدعاء فيهذه الآیات الذامّة أو بعضها دعاء الغیر بعنوان عباذته في مقابل دعاء الله تعالیٰ، کما یقول العبد: یا لله یا مولای .
و لعلّه المراد من قوله تعالیٰ (قل إنّي نهیب أنّ أعبد الذین تدعون من دون الله) (4) وقوله تعالیٰ (ویا قوم مالي أدعوکم إلی النجاة وتدعونني إلی النار) (5) فالکفّار یدعون إلیٰ عبادة غیر الله تعالیٰ .
ص: 408
وأما دعاء الغیر لکشف الضّر من حیث إنّ الله تعالیٰ خصّه بلطف خاصّ واصطفاه وأثدره علی التصرّف فی الکون، فهذه الآیات لا تدلّ علی المنع عنه ولا یوجب شرکاً .
والشیعة تعتقد أنّ النبي صلّی الله علیه وآله والمعصومین علیهم السّلام یقدرون علی التصرّفات التکوینیة، ویجوز أن یدعوهم المسلم لکشف ضرّه فی حیاتهم وبعد وفاتهم، وأنّهم یسمعون الکلام ،وسجیّتهم الکرم، یقضون الحوائج بإذن الله تعالیٰ، وإن لم یإذن الله لهم لا یقضون حوائجهم .
فنقول للمفتري علی الشیعة: إذا کان الإنسان یشهد الشهادتینّ ویعتقد بحمیع ما جاء به النبي صلّی الله علیه وآله ویأتی بجمیع الواجبات الشرعیة، ویترک جمیع المحرّمات و یعتقد فی النبي وآله علیهم السّلام ما ذکرناه للأدلّة الدالّة علیه، فهل هو مشرك؟
وأمّا الأدلّة علیٰ صحّه معتقدهم باختصار، فهي :أمّا أنّهم یقدرون علی التصرّفات التکوینیة، فلقوله تعالیٰ (قال الذي هنده علم من الکتاب أنا آتیک به قیل أن یرتدّ إلیك طرفك) (1) وقد أثبتنا في الفصول المتقدّمة أنّ المعصومین علیهم السّلام عندهم علم الکتاب کلّه، فإذا کان من عنده علم بعض الکتاب_وهو کما فی الأخبار آصف بن برخیا وصي سلیمان علیه السّلام_یقدر علیٰ إحضار عرش بلقیس قبل أن یرتدّ الطرف، فمن عنده علم الکتاب کلّه أولیٰ بذلك.
وأمّا جئار دعاء من یقدر علیٰ ذلك،فلقوله تعالیٰ حکایة عن سلیمان (أیّکم
ص: 409
یأتیني بعرشها قبل أن یأتوني مسلمین) (1) فقد طلب من غیر الله یأتی بعرشها قبل أن یأتوه مسلمین .
ولو کان عیسیٰ علیه السّلام موجوداً في الأرض، وجاء إلیه مات ولده، فقال له: یا عیسیٰ إنّ الله تعالیٰ أقدرک علیٰ إحیاء الموتیٰ بإذنه فأحي ابنی،فأحیاه بإذن الله تعالیٰ، أو کان له مریض أبرص، فأتیٰ به إلیٰ عیسیٰ علیه السّلام وقال له: إشف هذا الأبرص، فشفاه بأذن الله تعالیٰ. أو جاء إنسان وقال: إنّي أخفیت في موضع ما ادّخرت من قوتي، ونسیت الموضع فأعلمني موضعه، فأخبره بما ادّخره، فهل یکون ذلك شرکاً؟
وأمّا أنّهم أحیاء و إنّما فارقت أرواحهم أجسادهم، فلقوله تعالیٰ (ولا تحسبنّ الذین قتلوا في سبیل الله أمواتاً بل أحیاء عند ربّهم برزقون) (2) وهذه الحیاة لعلّها غیر حیاة سائر الأموات التي یعتقدها المسلمون أنّ کلّ من مات فإنّما فارقت روحه جسده، والروح باقیة فی البرزخ منّعمة أو معذّبة إلیٰ یوم العبث، والنبي صلّی الله علیه وآله أفضل من جمیع الشهداء،وأمیر المؤمنین علي بن أبی طالب علیه السّلام استشهد في سبیل الله تعالیٰ، وکذا ابناه الحسنان علیهم السّلام ریحانتا رسول الله صلّی الله علیه وآله وسیّدا شباب أهل الجنّة و أمّا أنّهم یقضون حوائج الناس، فلأنّهم کرماء، وهو معلوم منهم .
وأمّا أنّهم یسمعون الکلام بعد وفاتهم. فأمّا هند قبورهم، فلما ثبت من تعلّق الأرواح بالأجساد بعد موتها، وقد وردت أخبار في زیارة اقبور .
ص: 410
و أمّا أنّهم یسمعون الکلام من بعید، کما في الدعاء والزیارة، فلما ذکرنا في الفصول السابقة من أنّهم عالمون بالکتاب ملّه، و لا رطب ولا یابس إلاّ في هذا الکتاب المبین،فیعلمون کلّ شيء، ومن جملتة صوت الداعي، والأخبار بذلك مستفیضة، ونشیر إلیٰ بعضها :فقد رویٰ اُصول الکافي، بإسناده عن سیف التّمار، قال: کنّا مع أبي عبدلله علیه السّلام جماعة من الشیعة في الحجر،فقال : علینا عین؟ فالتقتنا یمنة و یسرة فلم نر أحداً، فقلنا: لیس علینا عین، فقال: وربّ الکعبة وربّ البنیة_ثلاث مرّات أیدیهما؛ لأنّ موسیٰ والخضر علیهم السّلام اُعطیا علم ما کان و لم یعطیا علم ما یکون و ماهو کائن حتّیٰ تقوم الساعة، وقد ورثناه من رسول الله صلّی الله علیه وآله وراثة (1) .
ورویٰ بإسناده أیضاً عن عدّة من أصحابنا سمعوا أبا عبدلله علیه السّلام یقول: أنّي لأعلم ما في السماوات وما في الأرض، وأعلم ما في الجنّة وأعلم ما في النار، وأعلم ما کان ونا یکون ،قال: ثمّ مکث هنیئة فرأیٰ أنّ ذلك کبر علیٰ من سمعه منه، فقال: علمت ذلك من کتاب الله عزّوجلّ ،إنّ الله عزّوجلّ یقول: (فیه تبیان کلّ شيء) (2) ورویٰ بأسناده أیضاً عن ضریس الکناسي، قال: سمعت أبا جعفر غلیه السّلام یقول_ وعنده اُناس من أصحابه وهم حوله_:عجبت من قوم یتولّونا و یججعلونا أئمّة،
ص: 411
ویصفون طاعتنا مفترضة علیهم کطاعة رسول الله صلّی الله علیه وآله، ثمّ یکسرون حجّتهم و یخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم، فینقصونا حقّنا و یعیبون ذلك و یعیبون ذلك علیٰ من أعطاه الله برهان حقّ معرفتنا والتسلیم لأمرنا، أیرون أنّ الله تبارك و تعالیٰ افترض طاعة أولییائه علیٰ عباده، ثمّ یخفي عنهم أخبار السماوات والأرض و یقطع عنهم موادّ العلم. الحدیث (1) .
ورویٰ بإسناده أیضاً عن أبي حمزة، قال: سمعت أبا جعفرعلیه السّلام یقول: لا والله لا یکون عالم جاهلاً أبداً، عالماً بشيء جاهلاً بشيء، ثمّ قال: الله أجلّ و أعزّ و أکرم من أن یفرض طاعة عبد یحجب عنه علم سمائه وأرضه، ثمّ قال: لا یحجب ذلكعنه (2).
إلیٰ غیر ذلك من الأخبار الدالّة علیٰ أنّهم یعلمون کلّ شيء .
وورد في الزیارة الاُولیٰ المذکورة لأمیرالمؤمنین علي بن أبی طالب علی السّلام:السلام علیٰ شجرة التقویٰ، وسامع السرّ والنجویٰ .
وورد في زیارته السادسة: السلام علیك یا عین الله الناظرة، ویده الباسطة،واُذنه الواعیة، و حکمته البالغة، ونعمته السابغة، ونقمته الدامغة .
فإذا کان أمیرالمؤمنین علیه السّلام اُذن الله الواعیة، فکیف لا یسمع من ناداه، وقال: یا علي أدرکني .
و من الافتراء علی الشیعة بالشرك ما یقال من أنّهم یجعلون الواسطة بینهم وبین
ص: 412
الله تعالیٰ، فیتوسّلون بالنبي صلّی الله علیه وآله وبالمقرّبین من الأئمّة المعصومین علیه السّلام وغیرهم،وهو شرك؛ لأنّ الله تعالیٰ یقول: (اُدعوني أستجب لکم) .
والجواب عنه: أنّ من طلب حاجة من غیره له أن یطلبها منه علیٰ ثلاثة أوجه :الأوّل: أن یطلبها منه بلا واسطة، ویجوز ذلك فیما یطلبه الانسان من الله تعالیٰ، وکثیر من الأدعیة الواردة في القرآن والأخبار هي من هذا القبیل، کقوله تعالیٰ (ربّنا آتنا في الدنیا حسنة) (1) .
الثاني: أن یطلب الحاجة من غیره علیٰ نحو التلطّف، بأن بذکر له شیئاً یوجب تحریکه ومیله إلیٰ قضاء حاجته، مثلاً یقول له: بحرمة والدك،یرید انّي ذکرت لك شیئاً یوجب لك أن تقضي حاجتي، أو یقول له: أنت الکریم إبن الکرام، ولعلّ من هذا القبیل قوله تعالیٰ (ولله الأسماء الحسنیٰ فادعوه بها) (2) فإذا کان الإنسان محتاجاً إلیٰ رزق ینبغي أن یقول: ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خیر فقیر، ولا یقول:یا شدید العقاب ارزقني .
وقد سبق في بیان تطبیق الأسماء الحسنیٰ علی النبي صلّی الله علیه وآله والأئمّة علیهم السّلام .
وأیضاً ثبت أنّ الأنبیاء من أحبّ الخلق إلی الله ولا سیّما نبیّنا صلّی الله علیه وآله، فإنّه أشرف الخلائق و أفضلهم عند الله، فإذا قال الداعي في دعائه: یا ربّ إنّي أتقرّب إلیك بحبّي للنبي، فأسألك بما جعلته له عندك من القرب والفضیلة، فهل هو شرك؟ أو أنّه
ص: 413
طلب من الله وحده وحده .
الثالث: أن یطلب الحاجة من الغیر بواسطة من یکون مقرّباً عنده، فإذا کان الإنسان من المقرّبین عند شخص، فلآخر أن یطلب منه أن یتوسّط له في حاجته عنده، ولعلّ من هذا القبیل بالنسبة إلی الله تهالیٰ قوله تعالیٰ (ولو أنّهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توّاباً رحمیاً) (1) ومنه قول إخوة یوسف لأبیهم : (یا أبانا استغفر لنا ذنوبنا) (2) .
ومن هذا القبیل ما ورد في دعاء الامام علي بن الحسین علیه السّلام حیث یقول: إلٰهي إن أدخلتني النار ففي ذلك سرور عدوّك، وإن إدخلتني الجنّة ففي ذلك سرور نبیّك، و أنا و الله أعلم أن سرور نبیّك أحبّ إلیك من سرور عدوّك (3) .
ومنها: أنّهم یغالون في شأن أئمّتهم إلیٰ حدّ تألیههم، فیثبتون لهم علم الغیب والتصرّف في الکائنات ونحوهما من الاُمور التي هي شأن الإلٰه .
والجواب علیٰ ذلك: أن اعتقاد صدور خوارق العادات من أئمّة أهل البیت علیهم السّلام وقدرتعم علی التصرّف في الکائنات لا یجعلهم آلهة معبودین، بل إنّ الشیعة تعتقد أنّهم مخلوقون مربوبون، یأکلون ویشربون ویمشون في الأسواق یحیون ویموتون، إلاّ أنّ الأدلّة القطعیّة من الآیان علیٰ ما تقدّم بیانه والأخبار دلّت علیٰ
ص: 414
قدرتهم علیٰ خوارق العادات بإقدار من الله تعالیٰ .
فإن کان علمهم بمنطق الحیوانات والطیر یوجب تألیههم، فلازمه أن یکون سلیمان علیه السّلام إلٰهاً، حیث یقول: (علمنا منطق الطیر) (1) وإن کان علمههم بالغیب بتعلیم الله تعالیٰ لهم تألیهاً، فیلزم أن یکون صاحب موسیٰ علیه السّلام حیث خرق السفینة وقتل الغلام وبنی الحائط_لغیب یعلمه_إلٰهاً .
و یکون عیسیٰ علیه السّلام إلٰهاً، حیث یقول (وأنبّئکم بما تأکلون وما تذّخرون في بیوتکم) (2) .
وإن کانت قدرتهم علیٰ طیّ الأرض والتصرّف في الکون توجب تألیهمم، فلازمه أن یکون الذي عنده علم من الکتاب إلٰهاً، حیث یقول تعالیٰ: (قال الذي عنده علم من الکتاب أنا آتیك به قبل أن یرتدّ إلیك طرفك فلمّا رآه مستقرّاً عنده) (3) والشیعة تعتقد فی أئمّة أهل البیت علیهم السّلام أنّ عندهم علم الکتاب کلّه .
وإن کانت قدرتهم علیٰ إحیاء الموتیٰ توجب تألیههم ، فلازمه أن یکون عیسیٰ علیه السّلام إلٰهاً ، حیث یقول (و أحیي الموتٰی) (4)
وأن کان سفاؤهم المرضیٰ موجباً لتألیههم، فلازمه أن یکون عیسیٰ علیه السّلام إلٰهاً حیث یقول: (أبریء الأکمه والأبرص) (5) إلیٰ غیر ذلك ممّا اشتمل القرآن
ص: 415
الکریم وغیره علیه من صدور خوارث العادات من الأنبیاء وءوصیائهم .ٰ
وهل ترضیٰ أیّها المعتقد بالنبي محمّد صلّی الله علیه وآله أنّه سیّد المرسلین وأفضل من جمیع الأنبیاء أن لا یکون له ما کان لسلیمان علیه السّلام ، ممّن کان عنده علم من الکتاب؟ إنّ الشیعة لا ترضیٰ بذلك، بل تعتقد أن أمیرالمؤمنین علي بن أبي طالب علیه السّلام قادرین علیه .
کلمة أخبرة: إنّ معاني کلمات بأهواء النفس ووساوس الشیطان، ولکنّي امتثلت لأمر الله تعالیٰ بالتدبّر في القرآن، فهداني ألیٰ ما ذکرته في هده الأوراق، بإعانة ممّا جاء في الأخبار المأثورة عن أهل البیت علیهم السّلام، معترفاً بقصوري وقلّة بضاعتي في العلوم .
فیا أیّها المؤمن بالقرآن أنّه کلام االه تعالیٰ، اُنظر فیما ذکرته ناصحاً لك مشفقاً علیك بعین الدقّة والإنصاف، بعیداً عن الجور والاعتساف، فارغاً عن التعصِب والعناد .
وإنّی لأرجو أن تنتفع به، و تتدارك في دار الدنیا ما یمکن تدارکه قبل أن یأتي یوم أنذره الله تعالیٰ، حیث قال لنبیّه: (وأنذرهم یوم الحسرة إذ قضي الأمر) (1) .
وآخر ذعوانا أن الحمدلله ربّ العالمین .
ص: 416
مقدّمه...............................................................................................3_9
اختلاف الاُمّة بعد الله صلّی الله علیه وآله ومقالة کلّ واحد منهما ولزوم حتّیٰ یتّضح
الحقّ من الباطل......................................................................................4
ما هو الاعتقاد السلیم والعمل الصحیح .....................................................5_6
الفصل الأوّل في ذکر یعض الآیات الدالّة علیٰ لزوم التدبّر في الکتاب و العمل به
......................................................................................................10_25
الآیة الاُولیٰ: الأنعام: 155_157...............................................................10_11
الآیة الثانیة: الأعراف: 3..............................................................................11
الآیة الثالثة: النحل: 64...............................................................................11
الآیة الرابعة: الإسراء: 41..............................................................................11
الآیة الخامسة:الإسراء: 113..........................................................................11
الآیة السادسة:طه: 1..................................................................................11
الآیة السابعة:النور: 1..................................................................................11
الآیة الثامني:النور: 34..............................................................................11_12
ص: 417
............................................................................................المنهج القویم ج 2
الآیة التاسعة: الروم: 58................................................................................12
الآیة العاشرة:ص: 29.....................................................................................12
الآیة الحادیة عشرة: الزمر: 23...........................................................................12
الآیة الثانیة عشرة:الزمر: 27..............................................................................12
الآیة الثالثة عشرة:فصّلت: 3...............................................................................12
الآیة الرابعة عشرة: الزخرف:1_3...........................................................................12
الآیة الخامسة عشرة:الجاثیة: 20..........................................................................13
الآیة السادسة عشرة:الأحقاف: 12.........................................................................13
الآیة السابعة عشرة:محمدّ صلّی الله علیه وآله:24......................................................13
الآیة الثامنة عشرة:القمر: 17..................................................................................13
الآیة التاسعة عشرة:القلم: 52..................................................................................13
الآیة العشرون:النساء: 82.........................................................................................13
في أنّ الآیات الشریفة المذکورة وغیرها تدلّ علی التدبّر في الکتاب الحکیم اتّباع
محکماته ونصوصه والأخذ بأحکامه والاتّعاظ بمواعظه.........................................................13
دلالة آیات القرآن الکریم علیٰ أصناف.............................................................................13
منها ما هو نصّ في معناه...........................................................................................13
منها ما هو متشابه....................................................................................................14
منها ما هو ظاهر........................................................................................................14
في أن ما یستظهره کلّ ذي سلیقة خاصّة بحسب تفکیره و تقلیده لمعاشریه لا دلیل
ص: 418
فهرس مطالب الکتاب...........................................................................................419
علیٰ حجّیته، بل منع القرآن الکریم عن هذه الاستظهارات فی آیات کثیر...........................15
منها ما لیس نصّاً ولا ظاهراً في معناه بل یحتاج فهم المراد منه إلیٰ بیان من هو
قوله حجة...............................................................................................................15
استنطاق القرآن الکریم لتعیین خلیفة النبي صلّی الله علیه وآله وأوصافه من الآیات المحکمات 16
إحتجاجات أئمّتنا المعصومین علیهم السّلام بهذه الآیات..................................................16
في أن من خالف الشیعة في عقائدهم لا یمکنهم إثبات مطلوبهم من الآیات
المحکمات وبطلان ما یستدلّون به.................................................................................21
في الإشارة إلیٰ بعض نصوص الکتاب الإثبات المعتقد الصحیح في الامامة و ما
یتفرِّع علیها...............................................................................................................23
1 _مجرّد مصاحبة الأنبیاء لیست فضیلة، التحریم: 10.........................................................23
2 _کان حوا النبي صلّی الله علیه وآله منافقون، التوبة: 101................................................23
3 _انّ الله تعالیٰ یطّلع بعض عباده علی الغیب،آل عمران: 44................................................24
4 _بعض العلم لیس بالتعلّم بل ربما یکون بإفاضة الله تعالیٰ، مریم: 29 و 19،
ئالنمل: 16..................................................................................................................24
5_إنّ الله تعالیٰ قادر علیٰ إحیاء الموتیٰ وإعاشتهم بین الناس، البقرة: 259 .24
6 _إنّ الله قادر علیٰ إبقاء الإنسان حیّاً، الصافّات: 143_ 144...................................................25
أو إبقائه حیّاً مرزوقاً، العنکبوت: 14.....................................................................................25
أو إبقاء جسده، الکهف: 18..............................................................................................25
أو إبقاء طعامه وشرابه، البقرة: 259....................................................................................25
ص: 419
............................................................................المنهج القویم ج 2
7_التقیة مشروعة، النحل: 106........................................................25
8_لابدّ من الاعتقاد بالبداء، الرعد: 39.................................................25
9_من کان عنده علم الکتاب أو بعضه فهو قادر علی التصرّف في الکون، النمل :
40..............................................................................................25
الفصل الثاني في بعض الآیات التي تدلّ علی احتیاح المکلّفین إلی الحجّة
وأنّ النبوّة والإمامة باختیار الله سبحانه لا باختیار الناس.....................26_29
الآیة الاُولیٰ: الذاریات: 56................................................................26
الآیة الثانیة: الزخرف: 32..................................................................28
الآیة الثالثة: القصص: 68...................................................................29
الفصل الثالث في الآیات الدالّة علیٰ أن لله تعالیٰ جعل في کلّ زمان حجّة
للمکلّفین نبیاً أو خلفاءه الذیم هم بمنزلته........................................30_44
الآیة الاُلیٰ: البقرة: 30........................................................................31
في عدم انقطاع خلافة الله بمون آدم علیه السّلام،ص: 26..........................31
الآیة الثانیة: الرعد: 7..........................................................................32
ذکر الوجوه في المراد من الهادي في هده الآیة عند قوله تعالیٰ ( لکلّ قوم هاد)
وبیان الوجه التامّ.................................................................................33
بیان الوجوخ فی تحقّق الهدایة................................................................35
مناقشات بعض المخالفین علی الآیة المبارکة والجواب عنها...........................39
الآیة الثالثة: الإسراء: 71_ 72.....................................................................40
ص: 420
فهرس مطالب ..................................................................................
الاحتمالات التي ذکرها ابن کثیر في تفسیره لأسقاط دلالة الآیة علیٰ ما قلناه
والجواب عنها................................................................................42
الآیة الرابعة: الأنعام: 149.................................................................43
الآیة الخامسة: التوبة: 115...............................................................44
الفصل الرابع في الآیات الدالّة أنّ الله سبحانه وتعالیٰ قد عیّن في حیاة
نبینا صلّی الله علیه وآله خلفاءه....................................................45_ 87
الآیة الاُولیٰ: المائئة: 55....................................................................46
في اندفاع الشبهات التي ذکروها لإخفاء الدلالة الظاهرة للآیة المبارکة........46
الآیة الثانیة: الشوریٰ: 23....................................................................50
الاحتمالات التیٰ ذکروها لإسقاط دلالة الآیة المبارکة والجواب عنها................51
الآیتان الفقان: 57،وسبأ: 47، لا تنافیان هذه الآیة......................................54
تتحقّق مودّة ذوي القربیٰ بامتثال أوامر هم ومخالفتهم ومعصیتهم تنافي المودّة 56
مناقشات بعض العامّة علیٰ دلالة الآیة البمبارکة.........................................56
الآیة الثالثة: النساء: 59.........................................................................58
في أنّ تعالیٰ بیّن في القرآن الکریم شروط من تجب طاعته، فیکون الواجدون
لهذه الشروط أُولي الأمر، وهم الأئمّة المعصومون الاثنا عشر علیهم السّلام.........59
الآیي الرابعة: المائدة: 3............................................................................66
في أن النبي صلّی الله علیه وآله لم یبیّن جمیع ما یحتاج إلیه إلیٰ یوم القیامة لجمیع أصحابه،
فیتعیّن تحقّق إکمال الدین بنصب خلیفة النبي صلّی الله علیه وآله الذي هو بمنزلي، وکلام صاحب
ص: 421
...........................................................................................المنهج القویم ج 2
کشف القناع رحمة اللهُ في بیان ذلكٰ................................................................70
في استفادة اُمور من هذه الآیة الشریفة...........................................................81
الآیة الخامسة: المائدة: 67.............................................................................82
الآیة السادسة: آل عمران: 104_105.................................................................86
الفصل الخامس في الآیات الدالّة علی الصفات التي یعتبر توفّرها في
النبي صلّی الله علیه وآله وخلیفته...............................................................88_110
1 _العصمة، البقرة: 124..................................................................................88
في أنّ ذکره الرازي في الجواب عن استدلال الشیعة لیس في محلّه.........................97
2_ الشهادة..................................................................................................98
في أنّ الشهسد علیٰ کلّ فرد الإنس والجنّ لابدّ أن تتوفّر فیه اُمور ثلاثة .....................98
النساء: 41: النحل: 9989: الفتح: 18...................................................................99
الرعد: 43.......................................................................................................101
التوبة: 105.....................................................................................................102
في اُمور مستفادة من هذه الۀیات الشریفة...........................................................103
البقرة: 143.....................................................................................................105
الحجّ:77_78....................................................................................................106
الحدید: 19.......................................................................................................109
3_ الأعلمیة، الزمر: 9.........................................................................................110
الفصل السادس في الآیات الدالّة علیٰ أنّ النبي صلّی الله علیه وآله والأئمّة المعصومین علیهم السّلام
ص: 422
فهرس مطالب الکتاب........................................................................423
واجدون لکتاب الله بالوجوده العیني، فهم متّصفون بجمیع أوصاف الکتاب.......111
الآیة الاُولیٰ: العنکبوت: 47_49.............................................................111
أقول العامّة حول الآیة: 49 وبیان الخلل ومعنی الصحیح في الآیة..................115
الآیة الثانیة: فاطر: 31_33...................................................................118
الآیة الثالثة: الجمعة: 2.......................................................................130
الفصل السابع في أوصاف الکتاب وهي موجودة في النبي صلّی الله علیه وآله والأئمّة
المعصومین علیهم السّلامُ................................................................133_209
1_أحسن الحدیث، الزمر: 23...................................................................133
2_الآیات، العنکبوت: 49، الحدید: 9،فصّلت: 3.............................................134
في أنّ المعرضین عنهم علیهم السّلامُ من مصادیق المعرضین عن آیات الله تعالیٰ،وذکر
آیات من کلام الله تعالیٰ حولها................................................................135
3_البشیر النذیر، مریم: 97،البقرة: 97،النحل: 89، الأحقاف:12......................136
4_بصائر، الأنعام: 104، الأعراف: 203، القصص: 43......................................137
5_البیّنات، البقرة: 159.........................................................................159
6_برهان ،النساء: 174.........................................................................138
7_مبارك،الأنعام: 155، الأنبیاء: 50، ص: 29................................................139
8_تبیان،النحل: 89................................................................................139
تتمیم حول علم الغیب............................................................................144
9_المثاني، الزمر: 232،الحجر: 87..............................................................152
ص: 423
...............................................................................المنهج القویم ج2
10_حبل الله،آل عمران: 103............................................................153
11_الحکیم، آل عکمران:58، یونس: 1، یس:2،هود: 1، آل عمران:7 . 157
الرعد: 37، القمر: 5 .................................................................157
12_الذکر، ذکریٰ، تذکرة، یس: 69، الزخرف: 44،طه: 2،الأعراف: 20 160
تتمیم في تطبیق بعض الآیات المشتملة علیٰ کلمة الذکر...............163
13_رحمة للعالمین، الأعراف : 203، النحل: 89، الإسراء: 82.............167
14_الروح، الشوریٰ: 52،غافر: 15 ...............................................169
15_الشفاء،الإسراء: 82،یونس: 57،فصّلت: 44...............................169
تنبیه في أنّ الا ستشفاء بالقرآن الکریم والنبي والامام علیهم السّلام لیس بشرك......175
16_الصدق والحقّ،فاطر: 31، آل عمران: 45، الزمر: 32......................176
کلام حول سورة الوبة: 119.........................................................176
کلام حول سورة الزمر» 33..........................................................177
شبهات بعض العامّة حول هده الآیة المبارکة والجواب عنها.................178
في ذکر آیات اُخر یکون النبي صلّی الله علیه وآله والأئمّة علیهم السّلامُ للصدق المذکور
فیها........................................................................................179
17_الصراط المستقیم، الأنعام: 152...............................................183
18_العزیز،فصّلت: 41...................................................................185
19_العظیم، الحجر: 87................................................................186
20_الفرقان، الفرقا: 1...................................................................187
ص: 424
فهرس مطالب الکتاب.......................................................................
21_القول الفصل،الطارق: 13_14....................................................189
22_القیّم، الکهف: 2، البیّنة: 2_3...................................................189
23_الکریم، الواقعة: 77_78............................................................190
24_الکلمة، الکهف: 27.................................................................191
التعرّض لبعض الآیات المشتملة علیٰ«کلمة».....................................192
25_المهیمین،المائدة: 48...............................................................196
26_المجید، ق: 1..........................................................................197
27_النعمة، البقرة: 231، النحل: 72، المائدة: 3، الحمد: 6_7...................198
التکاثر: 8،إبراهیم: 28، النحل: 83......................................................199
28_النور، الأعراف: 157،التغابن: 8......................................................199
في أنّ النور خلاف الظلمة والفرق بینه وبین الهدایة وکذا الفرق بینه وبین
العلم..............................................................................................200
29_الهادي، البقرة: 2، البقرة: 97،آل عمران: 138، لقمان: 2_3...................202
المائدة: 116، الإسراء:9، سبأ:6، الجنّ: 1_2، الأحقاف: 30.........................202
في أنّ هذه الآیات ندلّ علیٰ اُمور...........................................................202
طه: 82.............................................................................................204
القصص: 50، الأعراف: 181....................................................................205
تتمیم في أنّ للقرآن أوصافاً اُخر..............................................................205
1 _أنّه لا یمکن الإحاطة بکنهه وحقیقته فلا یقدر أحد أن یأتي بمثله . 205
ص: 425
.......................................................................................المنهج القویم ج 2
الإسراء: 88.........................................................................................205
2 _لا یفهم حقیقة القرآن إلاّ المطّهرون، الواقعة: 77_79................................206
الحشر: 21..........................................................................................207
الرعد: 31............................................................................................208
في أنّه في القرآن ذکر بعض من له شيء من الولایة التکوینیة،النمل: 40، آل
عمران: 49..........................................................................................209
الفصل الثامن في بعض الآیات الدالّة بمعونة التدبّر فیها علیٰ مدح أهل
البیت علیهم السّلامُ وبعض الآیات الدالّة علیٰ ذمّ مخالفیهم وأعدائهم.............210
النساء: 95_96.............................................................................210_211
المجادلة: 11.......................................................................................211
الزمر: 9..............................................................................................211
البقرة: 8_18.......................................................................................211
الحجّ: 2.............................................................................................211
البقرة: 165........................................................................................211
البقرة: 204........................................................................................211
التوبة: 101.........................................................................................212
في أنّ القرآن کما في الخبر یجري کما تجري الشمس والقمر، وقد ضرب الله
سبحانه فیه الأمثال:
الإسراء: 89..........................................................................................213
ص: 426
فهرس مطالب الکتاب..............................................................................427
الروم: 58 .............................................................................................213
النور: 34...............................................................................................213
في أنّه لیس الانتقال من اللفظ إلی المعنیٰ و استفادة المطلب من الکلام منحصراً
فیما استعمل فیه اللفظ ابتذاءً بل یکون من وجوه اُخر، وبیان بعض تلك
الوجوه..................................................................................................214
في ذکر المقامات الثلاثة في هذا الفصل:
المقام الأوّل: في بعض الآیات المادحة اأهل البیت والأئمّة المعصومین علیهم السّلامُ
باتّفاق المفسّرین و غیرهم......................................................................220
الآیة الاُولیٰ: آیة التطهیر، الأحزاب: 33.........................................................220
الآیة الثانیة: آیة المباهلة، آل عمران: 61 ....................................................229
المقام الثاني: في بعض الآیات المادحة للنبي صلّی الله علیه وآله والأئمّة المعصومین علیهم السّلامُ
بالانطباق علیهم لکونهم أظهر الأفراد ..........................................................232
الإنسان: 5............................................................................................232
الإنفطار: 13 ..........................................................................................132
الوتقعة: 10_ 11.....................................................................................233
فاطر: 28. غیرها.....................................................................................235
المقام الثالث: في بعض الآیات التي تنطبق علی الأئمّة المعص.مین علیهم السّلامُ أو علیٰ
مخالفیهم لعنهم الله بعد تجرید معانیها عن الخصوصیات التي لا دخل لها في ترتّب
الحکم، أو تدلّ علیٰ مدح الأئمّة المعص.مین علیهم السّلام، أو ذمّ أعدائهم بعد ارجاعها إلیٰ
ص: 427
...............................................................................................المنهج القویم ج 2
بعض الآیات الاُخر ............................................................................236
الحج: 24.......................................................................................236
الزخرف: 42.....................................................................................236
الحجرات: 7.....................................................................................236
مریم: 87 ........................................................................................237
طه: 109..........................................................................................238
الفرقان: 27.......................................................................................238
الزمر: 68...........................................................................................238
الفصل التاسع في أنّ مصداق الآیات المذکورة في الفصول المتقدّمة في هذا
الزمان هو الامام الثاني عشر الحجّة بن الحسن عجّل الله تعالیٰ فرجه.............240
في ذکر بعض الآیات التي لا یتّضح معنیٰ ظاهرها إلاّ بأن یأتي زمان یظهر فیه
الحقّ، وهو لا ینطبق إلاّ علیٰ ما یعتقده الشبعة من ظهور الحجة الثاني عشر الامام
المهدي عجّل الله تعالیٰ فرجه الشریف، ویرجع آباءه الأطهار وجماعة من
المؤمنین إلی الدنیا:
النور: 55 ...............................................................................................246
الحدید: 17.............................................................................................247
التوبي: 33 ............................................................................................247
الأنبیاء: 105............................................................................................249
الفصل العاشر في عدالة أصحاب النبي صلّی الله علیه وآله................................255
ص:428
فهرس مطالب الکتاب..................................................................................429
الصحابة کلّهم عدول عند العامّة......................................................................256
في الجواب عن الآیات الشریفة التة استدلّوا بها إجمالاً.........................................263
في استدلالاتهم بالآیات علیٰ عدالة الصحابة والجواب عهنا تفصیلاً:
الآیة الاُولیٰ: آل عمران: 110 والجواب عنهم .......................................................283
الآیة الثانیة: التوبة: 20_21والجواب عنهم ..........................................................287
الآیة الثالثة: التوبة: 100 والجواب عنهم .............................................................290
الآیة الرابعة: النور: 55 والجواب عنهم .................................................................295
الآیة الخامسة: الفتح: 18_19...........................................................................311
الآیة السادسة: الفتح: 29 ...............................................................................317
في تطبیق بعض العامّة للآیة 41 في سورة الحجة علی الذین عضبوا الخلافة من
أمیرالمؤمنین علي بن أبي طالب علیه السّلام والجواب عنه ....................................320
زعم بعض العامّة شمول الآیة 8 في سوري الحشر لأبي بکر والجواب عنه... 322
ذکر بعض الآیات التي ذکرت للاستدلال علیٰ مدحهم والجواب عنه :
منها التوبة: 117 .............................................................................................322
منها الحشر: 10 ..............................................................................................323
منها المائدة: 54...............................................................................................323
التنبیه علیٰ اُمور :
الأمر الأوّل: في أنه کیف یکون أکثر أهل القبلة علی الباطل؟ والجواب عنه. 326
الأمر الثاني: في أنّ الفتوحات الإسلامیة في عهد الخلفاء الثلاثة و ترویج الإسلام
ص: 429
.......................................................................................المنهج القویم ج 2
و غیر ذلك من الخدمات ممّا یصحّ أن یکون شاهداً علیٰ شرعیة خلافتهم ،
والجواب عنه...........................................................................................331
الأمر الثالث: في الاعتراض علی الشیعة بأنّ لازم قولکم «إنّ علیاً
أمیرالمؤمنین علیه السّلام خلیفة رسول الله صلّی الله علیه وآله» هو انحصار المؤمنین في زمان النبي صلّی الله علیه وآله
وبعد وفاته في عدّة قلیلة جدّاة، وهدا ممّا تأبی النفوس الإذغان بهّ والجواب
عنه........................................................................................................337
الأمر الرابع: في استبعاد احتمال النفاق في جماعة آمنوا باختیارهم وهم حول
النبي صلّی الله علیه وآله یشهدون الصلاة معه ویخرجون إلی الحرب والجواب عنه....338
الأمر الخامس: في أنّه لابدّ لمن یعتقد معنی رسالة النبي صلّی الله علیه وآله أن یعتقد بأنّ کلّ ما
جاء به من عندلله هو الحقِّ ومنه النصّ علیٰ أمیرالمؤمتین علي بن أبي طالب علیه السّلام
أنّه خلیفة بلا فصل وإمام مفروضة طاعته علیٰ جمیع الاُمّة ...................................339
الفصل الحادي عشر في بعض مطاعن العامّة علیٰ معتقدات الشیعة
الإثنلعشریة ................................................................................................342
في ذکر بعض اُمّهات عقائد الشیعة الإثناعشریة ومنها مسألة البداء، و فیه
مباحث .......................................................................................................345
المبحث الأوّل: في معنی البداء المذکور في أخبارنا ..............................................346
المبحث الثاني: في أنّه لماذا یقع البداء ؟ ..........................................................350
المحث الثالث: في فوائد الاعتقاد بالبداء.............................................................352
المبحث الرابع: في التوالي الفاسدة المترتّبة علیٰٰ الاعتقاد بالبداء .........................353
ص: 430
فهرس مطالب الکتاب ......................................................................................
المبحث الخامس: في وجه التسکیة بالبداء .....................................................354
المبحث السادس: في الدلیل علی القول بالبداء من الکتاب الکریم .......................356
تتمّة: في أنّه کما یقع البداء في الأحکام ویسمّیٰ بالنسخ، کذلك یقع في
الإخبار.......................................................................................................359
إعتقاد الشیعة في التبرّي وبیانه في ضمن مواضع :
الموضع الأوّل: في وجوب التبرّي من أعداء الله وأعداء رسوله .................................361
الموضع الثاني: في مصداق الآیات المدکورة آنفاً .................................................365
الموضع الثالث: في أنّ لعن شخص استحقّه بالدلیل الصحیح لا یوجب کفر
اللاعن ........................................................................................................368
الموضع الرابع: في أنّ لُعن وهو لا یستحقّ اللعن لم یضّرّه ذلك.................................369
إعتقاد الشیعة أنّ ولایة الأئمّة علیهم السّلامُ شرط قبول الأعمال .............................370
زعم بعض الطاعنین علی الطاعنین علی الشیعة أنّ القرآن العظیم ذکر أنّ أصل قبول الأعمال هو
التوحید وسبب الحرمان هو الشرك ولم یذکر الله تعالیٰ في ضمن الآیات الولایة
وذکر تلك الآیات والجواب عنه ............................................................................371
الاعتقاد بالرجعة وبیان المواضع فیها :
الموضع الأوّل في إمکانها وفائدتها .......................................................................373
الموضع الثاني: في الدلیل علی الرجعة ...............................................................375
الموضع الثالث: فیما یتمسّك به النافي لها والجواب عنه...........................................376
الموضع الرابع: فیما قیل في سوء نتائج الاغتقاد بالرجعة............................................379
ص: 431
...........................................................................المنهج القویم ج 2
إعتقاد الشیعة في التقیة وحرمة إلقاء في التهلکة.............................381
في ذکر ما طعن بعض العامّة علی اعتقاد الشیعة بالتقیة والجواب عنه...383
أعتقادنا بأنّ الأنبیاء کانوا معتقدین بولایة علي علیه السّلام ................395
الفصل الثاني عشر في بعض افتراءات العامّة علی الشیعة والجواب عنه :
منها: افتراءهم علی الشیعة بأنّ إصل مذهبهم من عبدلله بن سبأ.........398
منها: افتراءهم علی الشیعة بأنّهم یأوّلون القرآن علیٰ وفق مذهبهم.......400
طعنهم علیٰ بعض أخبار الشیعة والجواب عنه ....................................405
افتراءهم علی الشیعة بالشرك........................................................408
افتراءهم علی الشیعة في الغلوّ.......................................................414
فهرس مطالب الکتاب ....................................................................417
ص: 432
الفاتحة (1)
إهدنا الصراط المستقیم : 6 ص36
البقرة (2)
ذلك الکتاب لا ریب فیه هدیً للمتّقین : 2 ص34وص 37 وص 202
ومن الناس من یقول آمنّا بالله وبالیوم الآخر وما هم بمؤمنیم* یخادعون الله
والذین آمنوا_إلیٰ قوله تعالیٰ_صمّ بکم عمي فهم لا یرجعون : 8_18 ص 211
و ص 264
الله یستهزیء بهم : 15 ص:355
خلق لکم ما في الأرض جمیعاً: 29 ص:27
وإذ قال ربّك للملائکة إنّي جاعل في الأرض خلیفة : 30 ص 31
وعلّم آدم الأسماء کلّها :31 ص 143
ولا تقربا هذه الشجرة فتکونا من الظالمین: 35 ص 95
وأوفوا بعهدي اُوف بعهدکم: 40 ص 237
ص: 433
...................................................................................المنهج القویم ج 2
یا بني إسرائیل اذکروا نعمتي التي أنعمت علیکم وأنّي فضّلتکم علی العالمین: 47
ص 124 و 125
فاقتلوا أنفسکم: 54 ص231
لن نؤمن لك حتِیٰ نری الله جهرة فأخذتکم الصاعقة : 55 ص 30
وظلّلنا علیکم الغمام وأنزلنا علیکم المنّ والسلویٰ: 57 ص 374
من آمن بالله والیوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف علیهم : 63 ص 371
أفتؤمنون ببعض الکتاب وتکفرون ببعض: 85 ص 7
مصدّقاً لما بین یدیه وهدیً وبشریٰ للمؤمنین: 97 ص 136 وص 202
من کان عدوّاً لله وملائکته ورسله وجبرئیل ومیکال فإنّ الله عدوّ
للکافرین: 98 ص 362
ما ننسخ من آیة أو ننسها نأت بخیر منها أو مثلها: 106 ص 244
ومن یتبدلّ الکفر بالإیمان فقد ضلّ سواء السبیل: 108 ص 269
الذین آتیناهم الکتاب یتلونه حقّ تلاوته: 121 ص 114
یا بني إسرائیل اذکروا نعمتي التي أنعمت علیکم وأنّي فضّلتکم علی العالمین: 122
ص 125
وإذ ابتلیٰ إبراهیم رّه بکلمات فأتمّهنّ قال إنّة جاعلك للناس إماماً قال و من
ذرّیّتي قال لا ینال عهدي الظالمین: 124 ص 87 وص 92 وص 196 وص 237
وإذ یرفع إبراهیم القواعد من البیت وإسماعیل ربّنا تقبّل منّا إنّك السمیع العلیم
ربّنا واجعلنا مسلمین لك ومن ذرّیتنا اُمّة مسلمة لك: 127 ص 109
ص: 434
فهرس الآیات ...............................................................................435
ولقد اصطیفیناه في الدنیا: 130 ص 124
إنّ الله اصطفیٰ لکم الدین: 132 ص 123
قولوا آمنّا بالله وما اُنزل إلینا وما اُنزل إلیٰ إبراهیم وإسماعیل وإسحاق و یعقوب
والأسباط وما اُوتي النبیون من ربّهم لا نفرّق بین أحدمنهم ونحن له مسلمون *
فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا: 136_ 137 ص266
وکذلك جعلناکم اُمّة وسطاً لتکونوا شهداء علی الناس ویکون الرسول علیکم
شهیداً: 143 ص 102 و ص 105 و ص 287
فاستبقوا الخیرات: 148 ص 292
فاذکروني أذکرکم : 152 ص 164
وبشّر الصابرین * الذین إذا أصابتهم مصیبة قالوا إنّا لله ئإنّا الیه راجعون* اُولئك
علیهم صلوات من ربّهم رحمة واُولئك هم المهتدون : 155_157 ص 293
إنّ الذین یکتمون ما أنزلنا من البیّنات والهدیٰ من بعد ما بیّنّاه للناس في الکتاب
اُولئك یلعنهم الله ویلعنهم اللاعنون: 159 ص 138 و ص 364
ومن الناس من یتّخذ من دون الله أنداداً: 165 ص 211
إذ تبرّأ الذین اتّبعوا من الذین اتّبعوا ورأوا العذاب و تقطّعت بهم الأسباب* و قال
الذین اتّبعوا لو أنّ لنا کرّة فنتبرّأ منهم کما تبرّأوا منّا کذلك یریهم الله أعمالهم
حسرات علیهم وماهم بخارجین من النار: 166_ 167 ص 212
و إذا لهم اتّبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتّبع ما ألفینا علیه آباءنا أو لو کان آباؤهم
لا یعقلون شیئاً ولا یهتدون : 170 ص 16
ص: 435
................................................................................المنهج القویم ج 2
لیس البرّ أن تولّوا وجوهکم قبل المشرق والمغرب ولکن البرّ من آمن بالله والیوم
الآخر والملائکة والکتاب والنبیّین وآتی المال علیٰ حبّه ذوي القربیٰ والیتامیٰ
والمساکین وابن السبیل والسائلین وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتی الزکاة
والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرین في البأساء والضرّاء وحین البأس اُولئك
الذین صدقوا واُولئك هم المتّقون 177 ص 179 و ص 233 و ص 268
کتب علیکم الصیام: 183 ص 112
شهر رمضان الذي اُنزل فیه القرآن هدیً للناس: 185 ص 35
لیس البرّ بأن تأتوا البیوت من ظهورها ولکنّ البرّ من اتّقیٰ و أتوا البیوت من
أبوابها: 189 ص 233
وأنفقوا في سبیل الله ولا تلقوا بأیدیکم إلی التهلکة وأحسنوا إنّ الله یحبّ
المحسنین: 195 ص 383
ثمّ أفیضوا من حیث أفاض الناس : 199 ص 48
ربّنا آتنا في الدنیا حسنة : 201 ص 413
ومن النس من یعجبك قوله في الحیاة الدنیا : 202 ص 211
هل ینظرون إلاّ أن یأتیهم الله في ظلل من الغمام : 210 ص 343
کان الناس اُمّة واحدة فبعث الله النبیّین مبشّرین ومنذرین وأآنزل معهم الکتاب
بالحقّ لیحکم بین الناس فیما اختلفوا فیه : 213 ص 122
ولا یزالون یقاتلونکم حتّیٰ یردّوکم عن دینکم إن استطاعوا ومن یرتدد منکم عن
دینه فیمت وهو کافر فاُولئك حبطت أعمالهم في الدنیا و الآخرة و اُولئك أصحاب
ص: 436
فهرس الآیات.............................................................................437
النار هم فیها خالدون : 217 ص 68 وص 269 و ص 325
إنّ الذین آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبیل الله اُولئك یرجعون رحمة الله و الله
غفور رحیم : 218 ص 289 و ص 325
واذکروا نعمة الله علیکم و ما أنزل علیکم من الکتاب والحکمة یعظکم به:
231 ص 198
ألم تر إلی الذین خرجوا من دیارهم وهم اُلوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثمّ
أحیاهم : 243 ص 375
فلّما کتب علیهم القتال تولّوا إلاّ قلیلاً منهم : 246 ص 330
إنّ الله اصطفاه: 247 ص 124
فشربوا إلاّ قلیلاً منهم: 249 ص 330
والکافرون هم الظالمون : 254 ص 95
لا إکراه في الدین: 256 ص 56
أو کالذي مرّ علیٰ قریة وهي خاویة علیٰ عروشها قال أنّي یحیي هذه الله بعد موتها
فأماته الله مائة عام ثمّ بعثه قال کم لبثت یوماً أو بعض یوم قال بل لبثت
مائة عام فانظر إلیٰ طعامك وشرابك لم یتسنّه: 259 ص 24 و ص 25 و ص 375
یا أیّها الذین آمنوا لا تبطلوا صدقاتکم بالمنّ والأذیٰ کالذي ینفث ماله رئاء الناس
ولا بؤمن بالله والیوم الآخر فمثله کمثل صفوان علیه تراب فأصابه وابل فترکه
صلداً یقدرون علیٰ شيء ممّا کسبوا وللله لا یهدي القوم الکافرین :
264 ص 334
ص: 437
..............................................................................المنهج القویم ج 2
یؤتي الحکمة من یشاء ومن یؤث الحکمة فقد اُوتي خیراً کثیراً وما یذّکّر إلاّ اُولوا
الألباب : 269 ص 160
.اتّقوا یوماً ترجعون فیه إلی الله ثمّ توفّیٰ کلّ نفس ما کسبت وهم لا یظلمون : 281
ص 222
آمن الرسول بما اُنزل إلیه من ربِّه والمؤمنون کلّ آمن بالله وملائکته و کتبه و رسله
لا نفرّق بین أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإلیك المصیر : 285
ص 396
آل عمران (3)
وأانزل التوراة والإنجیل من قبل هدیة للناس : 4 ص 36
هو الذة أنزل علیك الکتاب منه آیات محکمات هنّ اُمّ الکتاب و اُخر متشابهات
فأمّا الذین في قلوبهم زیغ فیتّبعون ما تشابه منه التغاء الفتنة وابتغاء تأویلخ و ما
یعلم تأویله إلاّ الله والراسخون في العلم یقولون آمنّا به : 7 ص 14 وص 157 و
ص 343
لا یتّخذ المؤمنون الکافرین أولیاء من دون المؤمنین ومن یفعل ذلك فلیس من الله
في شيء إلاّ أن تتّقوا منهم تقاه و یحذّرکم الله نفسه وإلی الله المصیر : 28 ص 383
إنّ الله اصطفیٰ آدم ونوحاً و آل إبراهیم : 33 ص 124
کذلك الله یفعل ما یشاء : 40 ص 359
یا مریم إنّ الله اصطفاك وطهّرك و اصطفاك علیٰ نساء العالمین : 42 ص 124 و
ص 125
ص: 438
فهرس الآیات.................................................................................439
ذلك من أنباء الغیب نوحیه إلیك : 44 ص 24
إذ قالت الملائکة یا مریم إنّ الله یبشّرك بکلمة منه اسمه المسیح عیسی ابن مریم
وجیهاً في الدنیا والآخرة ومن المقرّبین : 45 ص 192 و ص 235
قال کذلك الله یخلق ما یساء : 47 ص 359
أنّي أخلق لکم من الطین کهیئة الطیر فأنفخ فیه فیکون طیراً بإذن الله اُبریء الأکمه
والأبرص و اُحیي الموتیٰ بإذن الله واُنبّئکم بما تأکلون وما تدّخرون في
بیوتکم: 49 ص 209 و ص 406 و ص 415
إنّ الله ربّي وربّکم فاعبدوه هذا صراط مستقیم : 51 ص 185
ومکر الله : 54 ص 355
ذلك نتلوه علیك من الآیات والذکر الحکیم : 58 ص 157
إنّ مثل عیسیٰ عندلله کمثل آدم خلقه من تراب ثمّ قال له کن فیکون:
59 ص 193
فمن حاجّك فیه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءکم و نساءنا
ونساءکم و أنفسنا و أنفسکم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله علی الکاذبین : 62 ص 299
و ص 364
إنّ الفضل بید الله بؤتیه من یشاء : 73 ص 359
وله أسلم من فة السماوات والأرض طوعاً وکرهاً وألیه یرجعون : 83 ص 247
و ص 308 و ص 310
إنّ الذین کفروا بعد إیمانهم ثمّ اردادوا کفراً لن تقبل توبتهم واُولئك هم
ص: 439
............................................................................المنهج القویم ج 2
الضالّون : 90 ص 269
لن تنالوا البرّ حتّظٰ تنفقوا ممّا تحبّون : 92 ص 269
قل صدق الله فاتّیعوا ملّة إبراهیم حنیفاً : 95 ص 176
ومن یعتصم بالله فقد هدي ألیٰ صراط مستقیم : 101 ص 36
و اعتصموا بحبل الله جمیعاً ولا تفرّقوا و اذکروا نعمة الله علیکم إذ کنتم أعداءً فألّف
بین قلوبکم فأصبحتم بنعمتة إخواناً وکنتم علیٰ شفا حفرة من النار فأنقذکم منها
کذلك یبیّن الله لکم آیاتة لعلّکم تهتدون: 103 ص 80 وص 153 و ص 156 و
ص 300
ولتکن منکم اُمّة یدعون إلی الخیر ویأمرون بالمعروف و ینهون عن المنکر و اُولئك
هم المفلحون : 104 ص 86 و ص 286
ولا تکونوا کالذین تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البیّنات واُولئك لهم عذاب
عظیم: 105 ص 86 و ص 155
کنتم خیر اُمّة اُخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنکر و تؤمنون بالله
ولو آمن أهل الکتاب لکان خیراً لهم منهم المؤمنون وأکثرهم الفاسقون : 110 ص
283
مثل ما ینفقون في هذه الحیاة الدنیا کمثل ریح فیها صرّ أصابت حرث قوم ظلموا
أنفسهم فأهلکته وما ظلمهم الله ولکن کانوا أنفسهم یظلمون : 117 ص 334
یغفر لمن یشاء ویعذّب من یشاء : 129 ص 359
والذین إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذکروا الله فاستغفروا
ص: 440
فهرس الآیات .....................................................................
لذبوبهم : 135 ص 95
هذا بیان للناس وهدیً و موعظة للمتّقین : 138 ص 202
ویعلم الصابرین: 142 ص 355
وما محمّد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علیٰ
أعقابکم ومن ینقلب علیٰ عقبیه فلن یضرّ الله شیئاً و سیجزي الله الشاکرین : 144
ص 269 و ص 279 و ص 280 و ص 284 و ص 285
وما کان لنفس أن تموت إلاّ بإذن الله کتاباً مؤجّلاً : 145 ص 356
إذ تصعدون ولا تلوون علیٰ أحد والرسول یدعوکم في اُخراکم فأثابکم غمّاً بغمّ
لکیلا یحزنوا علیٰ فاتکم ولا ما أصابکم والله خبیر بما تعملون: 153 ص 274
و ص 408
الذین قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعوناما قتلوا : 168 ص 48
ولا تحسینّ الذین قتلوا في سبیل االله أمواتاً بل أحیاء عند ربّهم یرزقون :
169 ص 367 و ص 410
الذین قال لهم الناس إنّ الناس قد جمعوا لکم : 173 ص 47
و ما کان الله لطلعکم علی الغیب ولکنّ الله یجتبي من رسله من یشاء :
179 ص 108 و ص 145
وإنّما توقون اُجورکم یوم القیامة فمن زحزح عن النار واةدخل الجنّة فقد فاز: 185
ص 377
ص: 441
............................................................................المنهج القويم ج 2
النساء (4)
ومن يطع الله ورسوله يدخله جناّت تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك
الفوز العظيم : 13 ص 23
إنّ الله كان علىٰ كلّ شيء شهیداً : 33 ص 100
فكيف إذا جئنا من كلّ اُمّة بشهيد وجئنا بك علىٰ هؤلاء شهيداً : 41 ص 102
إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء : 48 ص 371
فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً : 54 ص 61
يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واُولي الأمر منكم فإن تنازعتم في
شيء فردّوه إلى الله والرسول إن کنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن
تأويلاً : 59 ص 6 - 7 و ص 21 و ص 23 و ص 53 و ص 58 و ص 64 و ص 397
ولو أنّهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توّاباً رحيماً : 64
ص 414
فلا وربّك لا يؤمنون حتّىٰ يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم
حرجاً ممّا قضيت ويسلّموا تسلیماً : 65 ص 266 و ص 403
ومن يطع الله والرسول فاُولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدّقین
والشهداء والصالحين وحسن اُولئك رفيقاً: 69 ص 22 و ص 181 و ص 182
يا أيّها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثباتاً أو انفروا جميعاً* وإنّ منكم لمن
ليبطّئنّ فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيداً* ولئن
أصابكم فضل من الله ليقولنّ كأن لم تكن بينكم وبينه مودّة يا ليتني كنت معهم
ص: 442
فهرس الآيات .................................................................................
فأفوز فوزاً عظيماً : 71 - 73 ص 266
ألم تر إلى الذين قيل لهم كفّوا أيديكم - إلىٰ قوله تعالىٰ - أينما تكونوا يدرككم
الموت ولو کنتم في بروج مشيّدة: 77 - 78 ص 274
أفلا يتدبّرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً
كثيراً: 82 ص 13 و ص 75
وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرسول وإلىٰ اُولي ا
لأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه : 83 ص 63 و ص 65
لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير اُولي الضرر ...: 95 ص 210
درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفوراً رحيماً : 96ص 168 و ص 210
ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة : 100 ص 288
إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنین
خصيماً : 105 ص 75 و ص 82 و ص 159
إنّ الذين آمنوا ثمّ كفروا ثم آمنوا ثمّ كفروا ثمّ ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا
ليهديهم سبيلاً : 137 ص 270
بشّر المنافقين بأنّ لهم عذاباً أليماً * الذين يتّخذون الكافرين أولياء من دون
المؤمنين أيبتغون عندهم العزّة فإنّ العزة لله جميعاً : 138 - 139 ص 264
ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا : 141 ص 60
إنّ المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاةقاموا کسالیٰ
پراؤون الناس ولا يذكرون الله إلاّ قليلاً : 142 ص 264 و ص 276
ص: 443
............................................... المنهج القويم ج 2
إنّ المنافقين في الدرك الأسفل من النار : 145 ص 281
فأخذتهم الصاعقة بظلمهم : 153 ص 30
وإن من هل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً : 159
104 و ص 248 و ص 309
لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فیهم رسولاً من أنفسهم : 164 ص 231
إنّما المسيح عیسی بن مریم رسول الله وكلمته ألقاها إلىٰ مريم : 171 ص 192
يا أيّها الناس قد جاءكم برهان من ربّکم : 174 ص 138
المائدة (5)
اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون : 3 ص 68
اليوم أكملت لکم دینکم وأتممت علیکم نعمتي ورضیت لکم الاسلام
دیناً: 3ص66 وص 67 و ص 77 و ص 93 و ص 194 و ص 198 و ص 223 و
ص 307
ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهّركم ولیتمّ نعمته عليكم لعلكم
تشکرون : 6 ص 80 و ص 225
فبما نقضهم میثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية : 13 ص 363
قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين : 15 ص 155
يهدي به الله من اتّبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه
ويهديهم إلى صراط مستقیم : 16 ص 36 وص 155و ص 202
إنّما يتقبّل الله من المتّقين : 27 ص 267
ص: 444
فهرس الآيات ..........................................................................
فكيف إذا جئنا من كلّ اُمّة بشهيد وجئنا بك علىٰ هؤلاء شهیداً : 41 ص 99
وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ مصدًّقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه ...
فاستبقوا الخيرات : 48 ص197 و ص 292 و ص 234
ليبلوكم : 48ص 355
وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتّبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما
أنزل الله إليك فإن تولّوا فاعلم أنّما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإنّ كثيراً من
الناس لفاسقون : 49 ص 76
أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون : 50 ص 76
يا أيّها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبّونه
أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة
لائم : 54 ص 323 و ص 324
إنّما ولیّکم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم
راکعون : 55ص 45 و ص 66
وقالت اليهود يد الله مغلولة غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق
كيف يشاء : 64 ص 354 وص 355 و ص 364
يا أيّها الرسول بلّغ ما اُنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله
يعصمك من الناس إنّ الله لا يهدي القوم الكافرين : 67 ص 67 و ص 68 و
ص82 و ص 219
من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم : 69 ص 371
ص: 445
..................................................................... المنهج القويم ج 2
فعموا وصمّوا ثمّ تاب الله عليهم ثمّ عموا وصمّوا كثيرٌ منهم : 71 ص 313
إنّه من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنّة ومأواه النار : 72 ص 371
واُمّه صدّيقة : 75 ص 181
فكفّارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحریر
رقبة : 89 ص 78
قل لا يستوي الخبيث والطيّب ولو أعجبك كثرة الخبيث: 100 ص 330
يا أيّها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين
ينزّل القرآن تبد لكم : 101 ص 72
يا أيّها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم
جميعاً فينبئكم بما کنتم تعملون : 105 ص 5 و ص 321
يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا اُجبتم قالوا لا علم لنا إنّك أنت علاّم الغيوب :
108 ص 145
إذ قال الله یا عیسی بن مریم آذکر نعمتي عليك وعلىٰ والدتك إذ أيّدتك بروح
القدس تكلّم الناس في المهد وكهلاً وإذ علّمتك الكتاب والحكمة والتوراة
والانجيل : 110 ص 121
يهدي به الله من اتّبع رضوانه سبل السلام : 116ص 202
وكنت عليهم شهیداً ما دمت فيهم فلمّا توفّيتي كنت أنت الرقيب عليهم وأنت علىٰ
كلّ شيء شهید : 117 ص 101 و ص 104
هذا يوم ينفع الصادقین صدقهم لهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها
ص: 446
فهرس الآيات .............................................................
أبداً رضی الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم : 119 ص 293
الأنعام (6)
قضىٰ أجلاً وأجل مسمّىً عنده :2 ص 151
ولو ردّوا لعادوا : 28 ص 378
ما فرّطنا في الكتاب من شيء : 38 ص 93 و ص 141
والذين كذّبوا بآياتنا صمّ وبكم في الظلمات من يشأ الله يضلله و من يشأ يجعله
علىٰ صراط مستقیم : 39 ص 135
قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إنّي ملك إن أتّبع
إلاّ ما يوحىٰ إليّ : 50 ص 145
قل إنّي نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله : 56 ص 408
قل إنّي علىٰ بيّنة من ربّي وكذّبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلاّ لله
يقصّ الحقّ وهو خير الفاصلين : 57 ص 75
ولا رطب ولا يابس إلاّ في كتاب مبین : 59 ص 141
و عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلاّ هو : 60 ص 144
ووهبنا له إسحاق ويعقوب کلاًّ هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذرّیته داود
و سلیمان وأيّوب ويوسف وموسىٰ وهارون وكذلك نجزي المحسنين * و زکریا
ويحيىٰ وعيسىٰ وإلياس كلّ من الصالحين* وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً
وكلاًّ فضّلنا على العالمين* ومن آبائهم وذرّياتهم وإخوانهم واجتبيناهم
وهديناهم إلىٰ صراط مستقیم * ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو
ص: 447
.................................................................... المنهج القويم ج 2
أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون * اُولئك الذينآتيناهم الكتاب والحكم
والنبوّة : 84_ 89ص 122
ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم : 87 ص 108
قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسیٰ نوراً وهدىً للناس : 91 ص 36
يا أيّها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم : 101 ص 251
قد جاءكم بصائر من ربّكم فمن أبصر فلنفسه : 104 ص 137
وتمّت كلمة ربّك صدقاً وعدلاً لا مبدّل لكلماته وهو السميع العليم :
115 ص194 و ص 195
وإن تطع أكثر من في الأرض يضلّونك : 116ص 330
ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم الله عليه وإنّه لفسق وإنّ الشياطين ليوحون إلىٰ
أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنّكم لمشركون : 121 ص 402
أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات
ليس بخارج منها : 122 ص 201
فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقاً
حرجاً كأنّما يصّعّد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون :
125 ص 35 وص 227
وربّك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم
من ذرّية قوم آخرين : 133 ص 299
إنه لا يحبّ المسرفين : 141 ص 18
ص: 448
فهرس الآيات ..........................................................
قل فللّٰه الحجّة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين : 149 ص 43
وهذا صراطي مستقیماً فاتّبعوه : 152 ص 183
ولا تتّبعوا السبل فتفرّق بکم عن سبیله : 153 ص 155
وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتّبعوه واتّقوا لعلّكم ترحمون : 155 ص 10 و ص 75
وص 139 و ص 169
أن تقولوا إنّما اُنزل الكتاب علىٰ طائفتين من قبلنا وإن كنّا عن دراستهم لغافلين :
156 ص 10 و ص 75
أو تقولوا لو أنّا اُنزل علينا الكتاب لكنّا أهدیٰ منهم فقد جاءكم بيّنة من ربّکم
وهدىً ورحمة فمن أظلم ممّن كذّب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين
يصدفون عن آیاتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون : 157 ص 10-11 و ص 75
يوم يأتي بعض آیات ربّك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في
إيمانها خيراً قل انتظروا إنّا منتظرون : 158 ص 379
إنّ الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء : 159 ص 154
قل إنّني هداني ربّي إلىٰ صراط مستقيم ديناً قيماً : 161ص 155 وص 184
الأعراف (7)
كتاب اُنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكریٰ للمؤمنين: 2 ص 160
إتّبعوا ما اُنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكّرون :
3 ص 11 وص 183
قالا ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين : 23 ص 95
ص: 449
......................................................................... المنهج القويم ج 2
قل إنّما حرّم ربّي الفواحش - إلىٰ قوله - وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون :
33 ص 22
اعبدوا الله مالكم من إله غيره : 59 ص 397
قال موسىٰ لقومه استعينوا بالله واصبروا إنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده
والعاقبة للمتّقين * قالوا اُوذينا من قبل أن تأتينا و من بعد ما جئتنا قال عسىٰ ربّكم
أن يهلك عدوّكم ويستخلفكم في الأرض : 128- 129 ص 298
إنّي اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي : 144 ص 124
واختار موسىٰ قومه سبعين رجلاً لميقاتنا : 155 ص 30 و 374
فالذين آمنوا وعزّروه ونصروه واتّبعوا النور الذي اُنزل معه اُولئك هم المفلحون :
157 ص 183 وص 200
فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنىٰ :199 ص 123
والذين يمسّكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنّا نضيع أجر
المصلحين: 170 ص 16
ولكنّ أكثر الناس لا يؤمنون : 179 ص 330
ولله الأسماء الحسنىٰ فادعوه بها : 180 ص 413
وممّن خلقنا اُمّة يهدون بالحقّ وبه يعدلون : 181 ص 203 و ص 205
یسألونك عن الساعة أيّان مرساها قل إنّما علمها عند ربّي : 187 ص 147
ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّني السوء: 188 ص 145 و
ص 146
ص: 450
فهرس الآيات .........................................................
خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين : 199 ص 276
هذا بصائر من ربّكم وهدىً ورحمة لقوم يؤمنون : 203 ص 137 و ص 167
الأنفال (8)
كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ - إلىٰ قوله تعالىٰ - ولو كره المجرمون : 5 _
8 ص 272
يا أيّها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولّوهم الأدبار ومن يولّهم
يومئذ دبره إلاّ متحرّفاً لقتال أو متحيّزاً إلىٰ فئة فقد باء بغضب من الله ومأمواه جهنّم
وبئس المصير : 15ص 273
يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول _ إلىٰ قوله تعالىٰ_ وأنّ الله عنده
أجر عظيم : 20 - 28 ص 272
واتّقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصّة واعلموا أنّ الله شديد العقاب : 25
ص 280
واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطّفكم الناس فآواكم
وأيّدكم بنصره ئرزقكم من الطيبات لعلّكم تشكرون : 26 ص 300
يا أيّها الذين آمنوا إن تتّقوا الله يجعل لكم فرقاناً : 29 ص 188
إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوىٰ_ إلىٰ قوله تعالىٰ_ إنه عليم بذات
الصدور :42_ 43 ص 273
يا أيّها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلّكم تفلحون :
45 ص 273
ص: 451
............................................................................. المنهج القويم ج 2
ما كان لنبي أن يكون له أسرىٰ حتّىٰ يثخن في الأرض تريدين عرض الدنيا والله
يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم
عذاب عظیم : 67_ 68 ص 274
إنّ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا اُولئك هم
المؤمنون حقّاً : 74 ص 289
التوبة (9)
الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند
الله واُولئك هم الفائزون * يبشّرهم ربّهم برحمة منه ورضوان وجنّات لهم فيها
نعیم مقیم : 20 - 21 ص 287
ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما
رحبت ثمّ ولّیتم مدبرین : 25ص 275
ثمّ أنزل الله سكينته علىٰ رسوله وعلى المؤمنين : 26ص 275 و ص 314
هو الذي أرسل رسوله بالهدىٰ ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره
المشركون : 33 ص 247 و ص 249 و ص 331
ص 267 و ص 269 و ص 331
والذین یکنزون الذهب والفضّة ولا ينفقونها : 34 ص 295
إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ الله
معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيّده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلىٰ
وكلمة الله هي العليا : 40 ص 194 و ص 314
إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم
ص: 452
فهرس الآيات ............................................................................
یتردّدون : 45 ص 263
قل أنفقوا طوعاً أو كرهاً لن يتقبّل منكم إنّكم كنتم قوماً فاسقين : 53 ص 334
ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اُذن قل اُذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن
للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم : 61
ص 169 و ص 264
والله ورسوله أحقّ أن يرضوه : 62 ص 63 و ص 294
يحذر المنافقون أن تنزّل عليهم سورة تنبّئهم بما في قلوبهم : 64 265
وعد الله المنافقين والمنافقات والكفّار نار جهنّم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم
الله ولهم عذاب مقيم : 68 ص 281
والمؤمنون بعضهم أولياء بعض : 71 ص 47
وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها
ومساكن طيّبة في جنّات عدن : 72 ص 293
إن تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر الله لهم : 80 ص 368
ولا تصلّ علىٰ أحد منهم مات أبداً ولا تقم علىٰ قبره إنّهم كفروا بالله ورسوله
وماتوا وهم فاسقون : 84 ص 263
لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات: 88
ص 288
سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنّهم رجس
ومأواهم جهنّم جزاءً بما كانوا يكسبون : 95 ص 276
ص: 453
..................................................... المنهج القويم ج 2
الأعراب أشدّ كفراً ونفاقاً وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله علىٰ رسوله والله
علیم حکیم : 97 ص 264
والسابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله
عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنّات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك
الفوز العظيم : 100 ص 126 و ص 234 و ص 290 و ص 292
وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم
نحن نعلمهم سنعذّبهم مرّتين ثمّ يردّون إلىٰ عذاب عظيم : 101 ص 23 وص
148و ص 212و ص 265و ص 372
وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردّون إلىٰ عالم الغيب
والشهادة فينبّئكم بما کنتم تعملون : 105 ص 103 و ص 104
إنّ الله اشترىٰ من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة: 111 ص 288
والحافظون لحدود الله : 112 ص 289
فلمّا تبيّن له أنّه عدوّ لله تبرّأ منه : 114ص 362
وما كان الله ليضلّ قوماً بعد إذ هداهم حتّىٰ يبيّن لهم ما يتّقون : 115 ص 44
لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتّبعوه في ساعة العسرة :117
ص 322
يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصادقين : 119 ص 179
وإذا ما اُنزلت سورة فمنهم من يقول أيّكم زادته هذه إيماناً فأمّا الذين آمنوا
فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون * وأمّا الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلىٰ
ص: 454
فهرس الآيات ........................................
رجسهم وماتوا وهم كافرون : 124_125 ص 228
بالمؤمنين رؤوف رحيم : 128 ص 168
يونس (10)
تلك آيات الكتاب الحکیم :1 ص157
إن ّالذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربّهم بإيمانهم :9 ص 36
ثمّ جعلناکم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون : 14 ص 29
فقل إنّما الغيب لله : 20 ص 144
إنّما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء : 24 ص 46
أفمن يهدي إلى الحقّ أحق أن يتّبع أمّن لا يهدّي إلاّ أن يهدیٰ فمالكم كيف
تحكمون : 35 ص 22و ص 60 و ص 211
بل كذّبوا بما لم يحيطوا بعلمه : 39 ص 379
ولكلّ اُمّة رسول فإذا جاء رسولهم قضى بينهم بالقسط : 47 ص 42
قد جاءكم موعظة من ربّكم وشفاء لما في الصدور : 57 ص 173
الآن وقد عصيت من قبل : 91 ص 379
وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون : 101 ص 134
هود (11)
كتاب اُحكمت آیاته ثمّ فصلت : 1
وما يعزب عن ربّك من مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك
ولا أكبر إلاّ في كتاب مبین : 6 ص 142
ص: 455
.................................................. المنهج القويم ج 2
أفمن كان علىٰ بيّنة من ربّه ويتلوه شاهد منه : 17 ص 102
ص 102
ولكنّ أكثر الناس لا يؤمنون : 17 ص 330
ومن أظلم ممّن افترىٰ على الله كذباً اُولئك يعرضون علىٰ ربّهم و يقول الأشهاد
هؤلاء الذين كذبوا علىٰ ربّهم ألا لعنة الله على الظالمين : 18 ص 364
حتّىٰ إذا جاء أمرنا وفار التنّور قلنا احمل فيها من كلّ زوجين اثنين وأهلك إلاّ من
سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلاّ قليل : 40 ص 330
قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنّه حمید مجید : 73
ص 221
و یا قوم لا يجر منّكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم
صالح وما قوم لوط منكم ببعيد : 89 ص 5
يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار : 98 ص 41
ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار : 113 ص 21 وص 60
يوسف (12)
الر تلك آيات الكتاب المبين : 1 ص 142
وكذلك يجتبيك ربّك ويعلّمك : 76 ص 21
وفوق كلّ ذي علم عليم : 76 ص 21
يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا : 97 ص 414
لقد كان في قصصهم عبرة: 111 ص 214
ص: 456
فهرس الآیات......................................................................
الرعد (13)
ويقول الذین کفروا لولا اُنزل عليه آية من ربّه إنّما أنت منذر ولكلّ قوم
هاد:7
ص 32و ص 34 و ص 35
إنّ الله لا يغيّر بقوم حتّىٰ يغيّروا ما بأنفسهم : 11 ص 358
والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء : 14 ص 408
أفمن يعلم أنّما اُنزل إليك من ربّك الحقّ كمن هو أعمىٰ : 19 ص 267
يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر : 26 ص 359
الذين آمنوا وتطمئنّ قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب : 28 ص 164 و
ص 165
ولو أنّ قرآناً سیّرت به الجبال أو قطّعت به الأرض أو كلّم به الموتىٰ : 31 ص 115
وص 208
كذلك أنزلناه حكمة عربية : 37
ص 151 و ص 157
لكلّ أجل كتاب : 38 ص 356 و ص 357
يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده اُمّ الكتاب : 39 ص 25 و ص 151 و ص 348و
ص 354 و 355 و ص 356 و ص 357
قل كفىٰ بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب : 43 ص 102
إبراهيم (14)
والذين من بعدهم لا يعلمهم إلاّ الله :9 ص 148
يفعل الله ما يشاء : 27 ص 355 و ص 359
ص: 457
......................................................................... المنهج القويم ج 2
ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة الله كفراً وأحلّوا قومهم دار البوار : 28 ص 199 و
ص 200
الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل : 39 ص 90
الحجر (15)
تلك آيات الكتاب وقرآن مبین : 1 ص 142
وقالوا يا أيّها الذي نزّل عليه الذكر إنّك لمجنون : 6 ص 165
إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون : 9 ص 47 و ص 165 و ص 244 و ص 261
و ص 361
والجانّ خلقناه من قبل من نار السموم : 27 ص 32
وإنّهما لبإمام مبین : 79 ص 43
ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم : 87 ص 152 وص 186
النحل (16)
ولقد بعثنا في كلّ اُمّة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت : 36 ص 397
والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوّئنّهم في الدنيا حسنة : 41 ص 288
وما أنزلنا عليك الكتاب إلاّ لتبيّن لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ًورحمة لقوم
یؤمنون : 64 ص 11 و ص 75
ص 11 و ص 75
قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلّا الله : 66 ص 145
وأوحىٰ ربّك إلى النحل : 67 ص 168
أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون : 72 ص 198
ص: 458
فهرس الآيات ............................................................
وما من غائبة في السماء والأرض إلاّ في كتاب مبين : 75 ص 142
ولله غيب السماوات والأرض : 79ص 145
والله جعل لكم ممّا خلق ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكناناً وجعل لكم سرابيل
تقيكم الحرّ وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتمّ نعمته عليكم لعلّكم تسلمون :
ص 81
يعرفون نعمة الله ثمّ ينكرونها وأكثرهم الكافرون : 83 ص 200
ويوم نبعث في كلّ اُمّة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيداً علىٰ هؤلاء ونزّلنا
عليك الكتاب تبياناً لكلّ شيء وهدىً ورحمة وبشرىٰ للمسلمين : 89 ص 99
و ص 101 و ص 136 و ص 139 و ص 150 و ص 167
من كفر بالله من بعد إيمانه إلاّ من اُكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان ولكن من شرح
بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظیم : 106 ص 25 و ص 383
شاكراً لأنعمه اجتباه : 121 ص 107
الإسراء (17)
ثمّ رددنا لكم الكرّة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً:
6 ص 248و ص 309
إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم :9 ص 202
ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً* اقرأ كتابك كفىٰ بنفسك اليوم عليك
حسیباً : 13 - 14 ص 356
ولا تجعل يدك مغلولة إلىٰ عنقك ولا تبسطها كلّ البسط فتقعد ملوماً محسورا : 29
ص: 459
................................................المنهج القويم ج 2
ص 19
ولا تقف ما ليس لك به علم : 36ص 15 و ص 60 وص 90
ولقد صرّفنا في هذا القرآن لیذّکّروا وما يزيدهم إلاّ نفورا : 41 ص 11
يوم ندعو كلّ اُناس بإمامهم فمن اُوتي كتابه بيمينه فاُولئك يقرؤون كتابهم ولا
يظلمون فتيلاً * ومن كان في هذه أعمىٰ فهو في الآخرة أعمىٰ وأضلّ سبيلاً : 71 _
72 ص 40
ولولا أن ثبّتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً : 74 ص 37
أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق : 80 ص 177
وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلاّ خساراً : 82
ص 167 و ص 173
ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربّي وما اُوتيتم من العلم إلاّ قليلاً :
85 ص 171
قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ علىٰ أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله : 88
ص 205
ولقد صرّفنا للناس في هذا القرآن من كلّ مثل فأبيٰ أكثر الناس إلا كفوراً : 89ص
11 وص 213
وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس علىٰ مكث ونزّلناه تنزيلاً : 106ص 188
الكهف (18)
ولم يجعل له عوجاً قيّماً لينذر بأساً شديداً من لدنه :2 ص 189
ص: 460
فهرس الآيات .............................................................................
وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشمال : 18 ص 25
وتفّقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين * الاُعذّبنّه عذاباً شديداً
أو لأذبحنّه أو ليأتينّي بسلطان مبین : 20 - 21 ص 208
واتل ما اُوحي إليك من كتاب ربّك لا مبدّل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحداً : 27
ص 191
قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب : 37 ص 316
وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً : 47ص 376
وأمّا الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً : 80 ص 24
قل هل نُببّئكم بالأخسرين أعمالاً * الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم
يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً : 103 - 104 ص 5
قل إنّما أنا بشر مثلكم يوحىٰ إليّ : 110 ص 173 و ص 403
مریم (19)
إنّا نبشّرك بغلام اسمه يحيىٰ لم نجعل له من قبل سميّاً : 7 ص 405
يا يحيیٰ خذ الكتاب بقوّة وآتيناه الحكم صبيّاً : 12ص 24ص 121 و ص 121و ص 123
و ص 159
فأجاءها المخاض إلىٰ جذع النخلة - إلى قوله سبحانه - فأشارت إليه قالوا كيف
نکلّم من كان في المهد صبياً * قال إنّي عبد الله آتاني الكتاب وجعلني
نبيا:23-30 ص 121
فأشارت إليه قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبياً : 29 ص 24
ص: 461
................................................................... المنهج القويم ج 2
قال إنّي عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً : 30 ص 24 و ص28 وص92
و ص 171
وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر : 39 ص 416
واذكر في الكتاب إبراهيم إنّه كان صدّيقاً نبياً: 41 ص 181
ومن ذرِّية إبراهيم وإسرائيل وممّن هدينا واجتبينا : 58ص 108
هل تعلم له سميّاً : 65 ص 406
وإن منكم إلاّ واردها كان علىٰ ربّك حتماً مقضيًّا * ثمّ ننجي الذين اتّقوا ونذر
الظالمين فيها جثيّاً : 71 - 72 ص 267
ويزيد الله الذين اهتدوا هدیً : 76ص 33
لا يملكون الشفاعة إلاّ من اتّخذ عند الرحمٰن عهداً : 87 ص 237
فإنّما يسّرناه بلسانك لتبشّر به المتّقين وتنذر به قوماً لدّاً : 97 ص 136
طه (20)
ما أنزلنا عليك القرآن لتشقىٰ * إلاّ تذكرة لمن يخشىٰ : 2-3 ص 160
الذي جعل لكم الأرض مهداً وسلك لكم فيها سبلاً : 53 ص 15
وإنّي لغفّار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثمّ اهتدیٰ : 82 ص 38 و ص 204 و
ص 270 و ص 371
يومئذ لا تنفع الشفاعة إلاّ من أذن له الرحمٰن : 109 ص 237 و ص 238
وكذلك أنزلناه قرآناً عربية وصرّفنا فيه من الوعيد لعلّهم يتّقون أو يحدث لهم ذکراً :
113 ص 11
ص: 462
فهرس الآيات .........................
وقل ربّ زدني علماً : 114 ص 150 و ص 353
ثمّ اجتباه ربّه فتاب عليه : 122 ص 107 و ص 108
فمن اتّبع هداي فلا يضلّ ولا يشقىٰ : 123 ص 203
ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمىٰ :
124 ص 135 و ص 166
قال ربّ لم حشرتني أعمىٰ وقد كنت بصيراً : 125 ص 136
كذلك أتتك آياتنا فنسيتها : 129 ص 135 و ص 136
الأنبياء (21)
وما أرسلنا قبلك إلاّ رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون :
7 ص 162 و ص 163
وما أرسلنا من قبلك من رسول إلاّ نوحي إليه أنّه لا إلٰه إلّا أنا فاعبدون :
25 ص 396
وهذا ذکر مبارك أنزلناه أفأنتم له منکرون : 50 ص 139
وحرام علىٰ قرية أهلكناها أنّهم لا يرجعون : 95ص 377 و ص 378
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون :
105 ص 249 و ص 308 و ص 310 و ص 331
وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون : 109 ص 148
الحجّ (22)
ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتّبع كلّ شيطان مريد : 3 ص 211
ص: 463
................................................................... المنهج القويم ج 2
کتب عليه أنّه من تولاّه فأنّه يضلّه ويهديه إلىٰ عذاب السعير : 4 ص 112
وهدوا إلى الطيِّب من القول وهدوا إلىٰ صراط الحميد : 24 ص 184 و ص 236
الذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا
عن المنكر ولله عاقبة الاُمور : 41
ص 248و ص 309 و ص 320
والذين هاجروا في سبيل الله ثمّ قتلوا أو ماتوا ليرزقنّهم الله رزقاً حسناً :
58 ص 288
الله
إنّ الله يصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس : 75 ص 124
يا أیّها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربّكم وافعلوا الخير لعلّكم
تفلحون: 77 ص 103 و ص 106
وجاهدوا في الله حقّ جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملّة
أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم
وتكونوا شهداء على الناس : 78 ص 102 و ص 103 و ص 107 و ص 289
المؤمنون (23)
إنّ الذين هم من خشية ربّهم مشفقون * والذين هم بآيات ربّهم يؤمنون * والذين
هم بربّهم لا يشركون * والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنّهم إلىٰ ربّهم
راجعون * اُولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون : 57_ 11 ص 234
قال ربّ ارجعون : 99 ص 47 و ص 377
لعلّي أعمل صالحاً فما تركت كلاّ إنّها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلىٰ يوم
يبعثون : 100 ص 377
ص: 464
فهرس الآيات ...................................................................................
ألم تكن آیاتي تتلىٰ علیکم فکنتم بها تكذبّون _ إلىٰ قوله تعالىٰ _فاتّخذتموهم
سخرياً حتّىٰ أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون : 105 - 110 ص 135
النور (26)
سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آیات بیّنات لعلّكم تذكّرون : 1 ص 11
ولا يأتل اُولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا اُولي القربىٰ والمساكين والمهاجرين
في سبيل الله : 22 ص 288
ولقد أنزلنا إليكم آیات مبیّنات و مثلاً من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتّقين :
ص 11 - 12 و ص 213
وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحاتلیستخلفنّهم في الأرض كما
استخلف الذين من قبلهم وليمكّننّ لهم دينهم الذي ارتضیٰ لهم وليبدّلنّهم من بعد
خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فاُولئك هم الفاسقون :
55 ص 246و ص 295و ص 300 و ص 376
فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة : 63 ص 59
الفرقان (25)
تبارك الذي نزّل الفرقان علىٰ عبده ليكون للعالمين نذيراً : 1 ص 33 و ص 187
وقدمنا إلىٰ ما عملوا من عمل فجلناه هباءً منثوراً : 23 ص 318
ويوم يعضّ الظالم علىٰ يديه يقول يا ليتني اتّخذت مع الرسول سبيلاً :
27 ص 238
إن هم إلاّ كالأنعام بل هم أضلّ سبيلاً : 44 ص 193
ص: 465
....................................................................... المنهج القويم ج 2
قل ما أسألكم عليه من أجر إلاّ من شاء أن يتّخذ إلىٰ ربه سبيلاً : 57 ص 54
والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً : 67 ص 18
قل ما يعبأ بكم ربّي لولا دعاؤكم : 77 ص 353
الشعراء (26)
تلك آيات الكتاب المبين : 2 ص 142
أن عبّدت بني إسرائيل : 22 ص 404
واجعل لي لسان صدق في الآخرين : 84 ص 182
وأنذر عشيرتك الأقربين : 214 ص 52
النمل (27)
طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين : 1 ص 142
وورث سلیمان داود وقال يا أيّها الناس علّمنا منطق الطير واُوتينا من كلّ شيء إنّ
هذا لهو الفضل المبين : 16 ص 24و ص 415
أيّكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين : 38 ص 140 و ص 410
قال عفريت من الجنّ أنا آتيك به قبل أن تقوم منمقامك وإنّي عليه لقوي
أمين: 39 ص 140
قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك فلمّا رآه
مستقرّاً عنده : 40 ص 25 وص 131 و ص 140 و ص 209 و ص 409 و
ص 415
وقل الحمد لله وسلام علىٰ عباده الذين اصطفئ : 59 ص 124
ص: 466
فهرس الآيات ...........................................
أإلٰه مع الله : 60 ص 402
ويقولون متىٰ هذا الوعد إن كنتم صادقين * قل إنّما العلم عند الله: 71_
72 ص 147
وما من غائبة في السماء والأرض إلاّ في كتاب مبين : 75 ص 209
وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم : 81 ص 33
ويوم نحشر من كلّ اُمّة فوجاً ممّن يكذّب بآياتنا فهم يوزعون : 83 ص 376
من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون : 89 ص 51
ومن جاء بالسيّئة فكبّت وجوههم في النار هل تجزون إلاّ ما كنتم
تعملون: 90 ص 51
واُمرت أن أكون من المسلمين : 91 ص 109
القصص (28)
تلك آيات الكتاب المبين : 2 ص 142
ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثین: 5
ص 248 و ص 309 و ص 376
ونمكّن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا
يحذرون:6 ص 248 و ص 309
قال ربّ إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنّه هو الغفور الرحيم : 16 ص 96
فخرج منها خائفاً يترقّب قال ربّ نجّني من القوم الظالمين : 21 ص 96
بصائر للناس وهدىً ورحمة لعلّهم يتذكّرون : 43ص 137
ص: 467
....................................................................... المنهج القويم ج 2
ومن أضلّ ممّن اتّبع هواه بغير هدىً من الله : 50 ص 205
أو لم نمكّن لهم حرماً آمناً يجبىٰ إليه ثمرات كلّ شيء رزقاً من لدنّا ولكنّ أكثرهم
لا يعلمون : 57 ص 300
وربّك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة : 68ص 29
العنكبوت (29)
أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون * ولقد فتنّا الذين من قبلهم
فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين : 2-3 ص 250 و ص 280
يعذّب من يشاء ويرحم من يشاء : 21 ص 168
وجعلنا في ذرّيّته النبوّة والكتاب : 27 ص 91
وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من
يؤمن به وما يحجد بآیاتنا إلاّ الكافرون * وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا
تخطّه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون * بل هو آيات بينات في صدور الذين اُوتوا
العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون : 47 - 49 ص 112 وص 134
الروم (30)
إنّ في ذلك لآيات للعالمين : 22 ص 235
ولا تكونوا من المشركين * من الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً : 31 _
32 ص 154 و ص 155
ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كلّ مثل ولئن جئتهم بآية ليقولنّ الذين كفروا
إن أنتم إلاّ مبطلون : 58 ص 12 و ص 213
ص: 468
فهرس الآيات ......................................................................
لقمان (31)
تلك آيات الكتاب الحكيم * هدىً ورحمة للمحسنين : 2-3 ص 202
وإذا تتلىٰ عليهم آياتنا ولّیٰ مستكبراً كأن لم يسمعها كأنّ في اُذنيه وقراً فبشّره ب
عذاب أليم :7
يا بنيّ لا تشرك بالله إنّ الشرك لظلم عظیم : 13 ص 95
وأسبغ علیکم نعمه ظاهرة وباطنة : 20 ص 199
ولو أنّ ما في الأرض من شجرة أقلاموالبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر ما نفدت
كلمات الله : 27 ص 192
إنّ الله عنده علم الساعة وينزّل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا
تكسب غداً وما تدري نفس بأيّ أرض تموت إنّ الله عليم خبير : 34ص 146 و
ص 147
السجدة (32)
ولو شئنا لآتينا كلّ نفس هداها : 13 ص 47
ومن أظلم ممّن ذكّر بآيات ربّه ثمّ أعرض عنها : 22 ص 135
الأحزاب (33)
ليسأل الصادقين عن صدقهم :8 ص 177
ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولّون الأدبار وكان عهد الله مسؤولاً :
15 ص 275
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه : 23 ص 177 و ص 179
ص: 469
....................................................... المنهج القویم ج 2
وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضاً لم تطؤها : 27ص 299
یا نساء النبي لستنّ كأحد من النساء إن اتّقیتنّ فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في
قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً * وقرن في بيوتكنّ ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية
الاُولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله : 32 - 33 ص 224
إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً : 33 ص 64
وص 220 و ص 222
إنّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً أليماً : 57
ص 363 و ص 367
لئن لم ينته المنافقون : 60 ص 277
إنّ الله لعن الكافرين وأعدّ لهم سعيراَ : 64 ص 363
ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً : 71 ص 220
سبأ (34)
عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من
ذلك ولا أكبر إلاّ في كتاب مبين : 3 ص 142
ويرى الذين اُوتوا العلم الذي اُنزل إليك من ربّك هو الحقّ ويهدي إلىٰ صراط
العزيز الحميد : 6 ص 202
وقليل من عبادي الشكور : 13 ص 330
وما أرسلناك إلاّ كاقّة للناس بشيراً ونذيراً : 28 ص 34
قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلاّ على الله وهو علىٰ كلّ شيء شهید : 47
ص: 470
فهرس الآيات .......................................
ص 54
وفاطر (35)
إنّ الشيطان لكم عدوّ فاتخذوه عدوّاً : 6 ص 363
وما يعمّر من معمّر ولا ينقص من عمره إلاّ في كتاب : 11 ص 357
إنا أرسلناك بالحقّ بشيراً ونذيراً وإن من اُمّة إلاّ خلا فيها نذير : 24 ص 34
إنّما يخشى الله من عباده العلماء : 28 ص 235
والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحقّ مصدّقاً لما بين يديه إنّ الله بعباده لخبير
بصیر: 31 ص 119 وص176
ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم
سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير * جنّات عدن يدخلونها: 32-33
ص 119 و ص 209
يس (36)
والقرآن الحكيم : 2 ص 157
إنّما تنذر من اتّبع الذكر : 11 ص 183
وكلّ شيء أحصيناه في إمام مبین : 12 ص 143
وجاء من أقصى المدينة رجل : 20 ص 214
ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان : 60 ص 404
اليوم نختم علىٰ أفواههم وتكلّمنا أيديهم : 65 ص 191
إن هو إلاّ ذكر وقرآن مبین : 69 ص 160
ص: 471
........................................................................ المنهج القويم ج 2
الصافّات (37)
ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون * ونجّيناه وأهله من الكرب العظيم * وجعلنا
ذرّیته هم الباقين : 75 - 77 ص 91
فلولا أنّه كان من المسبّحين * للبث في بطنه إلىٰ يوم يبعثون : 143_144 ص 25
وص 242
وأرسلناه إلىٰ مائة ألف أو يزيدون: 147ص 92
ص (38)
إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم : 24 ص 330
یا داود إنّا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحقّ ولا تتّبع الهوىٰ :26
ص 31 وص 244
كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبّروا آياته وليتذكّر اُولوا الألباب : 29 ص 12
وص 139
وإنّهم عندنا لمن المصطفين الأخيار 47 ص 124
الزمر (39)
قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنّما يتذكّر اُولوا الألباب :
ص 110 و ص 211 و ص 235
والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشريٰ فبشّر عباد
17 ص 404
الله نزّل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعرّ منه جلود الذين يخشون ربّهم
ص: 472
فهرس الآيات .........................................................................................
ثمّ تلین جلودهم وقلوبهم إلىٰ ذكر الله ذلك هدي الله يهدي به من يشاء ومن يضلل
الله فما له من هاد : 23 ص 12 و ص 133 و ص 152
ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كلّ مثل لعلّهم يتذكّرون : 27 ص 12
فمن أظلم ممّن كذب على الله وكذّب بالصدق إذ جاءه : 32 ص 176 و 181
والذي جاء بالصدق وصدّق به اُولئك هم المتّقون : 33 ص 177 و ص 179
لهم ما يشاؤون عند ربّهم ذلك جزاء المحسنين * ليکفّر الله عنهم أسوأ ما عملوا
ويجزيهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون : 34 _ 35ص 179
أليس الله بكاف عبده : 36ص 180
وبدا لهم سیّئات ما كسبوا: 48 ص 347
وينجّي الله الذين اتّقوا بمفازتهم لا يمسّهم السوء ولا هم يحزنون: 11 ص 267
ولقد اُوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنّ عملك ولتكوننّ من
الخاسرين : 65 ص 401 و ص 403
بل الله فاعبد وكن من الشاکرین : 66 ص 401
وأشرقت الأرض بنور ربّها ووضع الكتاب وجيء بالنبيّين والشهداء وقضي بينهم
بالحقّ وهم لا يظلمون : 69ص 100 و ص 238
وسيق الذين كفروا إلىٰ جهنّم زمراً : 71 ص 41
غافر (40)
يلقي الروح من أمره علىٰ من يشاء من عباده لینذر يوم التلاق :15 ص 169
وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربّي الله وقد
ص: 473
......................................................................... المنهج القويم ج 2
جاءكم بالبيّنات من ربّكم وإن يك كاذباً فعليه كذبه وإن يك صادقاً يصبكم بعض
الذي يعدكم إنّ الله لا يهدي من هو مسرف كذّاب : 28 ص 380
ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار : 41 ص 408
اُدعوني أستجب لكم : 60 ص 413
فصّلت (41)
کتاب فصّلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون : 3 ص 12 وص 134
وأمّا ثمود فهد يناهم فاستحبّوا العمىٰ على الهدیٰ : 17 ص 36
ومن أحسن قولاً ممّن دعا إلى الله و عمل صالحاً وقال إنّني من المسلمين:
33 ص 268
إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه ولي حميم * وما يلقّاها إلاّ
الذين صبروا وما يلقّاها إلاّ ذو حظّ عظيم : 34 _ 35 ص 276
إنّ الذين كفروا بالذكر لمّا جاءهم وإنّه لكتاب عزیز : 41 ص 186
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه : 42 ص 166
قل هو للذين آمنوا هدىً وشفاء : 44 ص 173
الشوریٰ (42)
وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله : 10 ص 75
شرع لكم من الذين ما وصّىٰ به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصّينا به إبراهيم
وموسىٰ وعيسیٰ أن أقيموا الدين ولا تتفرّقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم
إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب : 13 ص 36 و ص 154
ص: 474
فهرس الآيات ....................................................................
إنّ الذين اُورثوا الكتاب من بعدهم لفي شكّ منه مريب : 14ص 123
قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربىٰ ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً
إنّ الله غفور شکور : 23 ص 50 و ص 223
أم يقولون افترىٰ على الله كذباً فإن يشأ الله يختم علىٰ قلبك ويمحو الله الباطل
ويحقّ الحقّ بكلماته إنّه عليم بذات الصدور : 24ص 50
وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن
جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنّك لتهدي إلىٰ صراط مستقیم :
ص 33 و ص 39 و ص 169 و ص 171
الزخرف (43)
حم * والكتاب المبين * إنا جعلناه قرآناً عربيّاً لعلّكم تعقلون : 1 _
3 ص 12 و 118 وص 142
وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنّني برآء ممّا تعبدون : 26 ص 196
وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلّهم يرجعون : 28 ص 195
وقالوا لولا اُنزل هذا القرآن علىٰ رجل من القريتين عظيم أهم يقسمون رحمة ربّك
نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات
ليتّخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمة ربّك خير ممّا يجمعون : 32 ص 28
فاستمسك بالذي اُوحي اليك إنّك علىٰ صراط مستقیم : 43 ص 184 و ص 236
وإنّه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون : 44 ص 160 و ص 162
وإنّه لعلم للساعة فلا تمترنّ بها واتّبعون هذا صراط مستقیم : 61 ص 185
ص: 475
...................................................... المنهج القويم ج 2
وتلك الجنّة التي اُورثتموها بما کنتم تعملون : 72 ص 120
الدخان (44)
حم * والكتاب المبين : 1- 2 ص 142
إنّا أنزلناه في ليلة مباركة إنّا كنّا منذرین : 3 ص 62 وص 142 و ص 358
فيها يفرق كلّ أمر حكيم :4 ص 62 و 358
أمراً من عندنا إنّا كنّا مرسلين : 5 ص 62
ولقد اخترناهم علىٰ علم على العالمين * وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين :
32 _ 33 ص 125
الجاثية (45)
هذا بصائر للناس وهدىً ورحمة لقوم يوقنون : 20
و بدا لهم سیّئات ما عملوا : 33 ص 347
الأحقاف (46)
قل ما كنت بدعاً من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتّبع إلاّ ما يوحىٰ
إليّ :9 ص 148
ومن قبله کتاب موسيٰ إماماً ورحمة وهذا كتاب مصدّق لساناً عربيّاً لينذر الذين
ظلموا وبشرىٰ للمحسنین 12 ص 13 و ص 136
وإذ صرفنا إليك نفراً من الجنّ يستمعون القرآن فلمّا حضروه قالوا انصتوا فلمّا
قضي ولّوا إلىٰ قومهم منذرین : 29 ص 4
قالوا يا قومنا إنّا سمعنا كتاباً اُنزل من بعد موسىٰ مصدّقاً لما بين يديه يهدي إلى
ص: 476
فهرس الآيات ............................................................................
الحقّ وإلىٰ طريق مستقیم : 30 ص 202
محمّد صلّی الله علیه وآله (47)
والذين اهتدوا زادهم هدىً وآتاهم تقواهم : 17 ص 36
ويقول الذين آمنوا لولا نزّلت سورة فإذا اُنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال
رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولیٰ
لهم: 20 ص 256
أفلا يتدبّرون القرآن أم علىٰ قلوب أقفالها : 24ص 13 و ص 310
أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم * ولو نشاء لأريناكم
فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنّهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم: 29_30 ص 265
ولنبلونّكم حتّىٰ نعلم المجاهدين منكم : 31 ص 355
الفتح (48)
هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم : 4 ص 314
إنّا أرسلناك شاهداً ومبشّراً ونذيراً : 8 ص 99
إنّ الذين يبايعونك إنّما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نکث فإنّما ینکث علىٰ
نفسه ومن أوفيٰ بماعاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظیماً : 10ص 312وص313وص 407
لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل
السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً * ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزیزاً
حکیماً: 18 - 19 ص 311
إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحميّة حمية الجاهليّة فأنزل الله سكينته علىٰ
ص: 477
....................................................................... المنهج القويم ج 2
رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوىٰ وكانوا أحقّ بها وأهلها : 26 ص 169
و ص 289 و ص 314
لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحقّ : 27 ص 177
هو الذي أرسل رسوله بالهدىٰ ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه : 28 ص 331
محمّد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفّار رحماء بینهم تراهم ركّعاً سجّداً
يبتغون فضلاً من الله سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة
ومثلهم في الأنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوىٰ علىٰ سوقه يعجب
الزرّاع ليغيظ بهم الكفّار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً
عظيماً : 29 ص 15 و ص 168و ص 317 و ص 372
الحجرات (49)
يا أيّها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيّ ولا تجهروا له بالقول : 2
ص 207
إنّ الذين يغضّون أصواتهم عند رسول الله اُولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوىٰ: 3
ص 207
إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا : 6 ص 216 و ص 257
ولكنّ الله حبّب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم وكرّه إليكم الكفر والفسوق
والعصيان :7 ص 236 و ص 237 و ص 289
إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم : 13 ص 271
قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا : 14 ص 109
ص: 478
فهرس الآيات ................................................
ق (50)
ق والقرآن المجيد :1 ص 197
فذكّر بالقرآن من يخاف وعید : 45 ص 161
الذاريات (51)
وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون: 56 ص 26
النجم (53)
لیسمّون الملائكة تسمية الاُنثىٰ : 27 ص 405
وإبراهيم الذي وفّىٰ : 37 ص 89
القمر (54)
حكمة بالغة فما تغن النذر : 5 ص 157
ولقد يسّرنا القرآن للذّكر فهل من مدّکر : 17 و 22 ص 13 و ص 161
كذّبوا بآياتنا كلّها : 42 ص 134
في مقعد صدق عند مليك مقتدر : 55 ص 177
الرحمٰن (55)
والأرض وضعها للأنام : 10 ص 27
فبأيّ آلاء ربّکما تکذّبان : ص 200
الواقعة (56)
وأصحاب المشئمة :9
والسابقون السابقون * أولئك المقرّبون : 10 - 11 ص 126 وص170 و ص 233
ص: 479
...............................................................المنهج القويم ج 2
وظلّ ممدود * وماء مسكوب * وفاكهة كثيرة *لا مقطوعة ولا ممنوعة : 30-33
ص 216
إنّه لقرآن کریم * في كتاب مكنون : 77 - 78 ص 190 وص 206
لا يمسّه إلاّ المطهّرون : 79 ص 206 و ص 229
الحديد (57)
وهو معكم أينما كنتم :4 ص 316
آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا ممّا جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا
لهم أجر کبیر : 7 ص 299
هو الذي ينزل علىٰ عبده آیات بیّنات: 9 ص 134
إعلموا أنّ الله يحيي الأرض بعد موتهاقدبیّنّالكم الآيات لعلّكم تعقلون:17 ص 247
والذين آمنوا بالله ورسله اُولئك هم الصدّيقون والشهداء عند ربّهم لهم أجرهم
ونورهم : 19 ص 109 و ص 181
ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلاّ في كتاب : 22 ص 356
ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذرّيّتهما النبوّة والكتاب فمنهم مهتد وكثير
منهم فاسقون : 26 ص 91 و ص 125
المجادلة (58)
والذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسّا
ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير * فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من
قبل أن يتماسّا فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكيناً : 3-4 ص 78
ص: 480
فهرس الآيات ..............................................................................................
ولا أدنىٰ من ذلك ولا أكثر إلاّ هو معهم أينما كانوا :7 ص 316
يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اُوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير : 11
ص 143 وص 211 و ص 271
لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا
آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم اُولئك كتب في قلوبهم الإيمان :
22 ص 112 و ص 267 و ص 362
الحشر (19)
للفقراء المهاجرين الذين اُخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله
ورضواناً وينصرون الله ورسوله اُولئك هم الصادقون:8 ص 289وص321وص 322
والذين تبوّء الدار والإيمان من قبلهم يحبّون من هاجر إليهم ولا يجدون في
صدورهم حاجة ممّا اُوتوا و يؤثرون علىٰ أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق
شحّ نفسه فاُولئك هم المفلحون :9 ص 290
والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان
ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذین آمنوا ربّنا إنّك رؤوف رحيم :
ص 290 وص323
لو أنزلنا هذا القرآن علىٰ جبل لرأيته خاشعاً متصدّعاً من خشية الله : 21 ص 207
الممتحنة (60)
يا أيّها الذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء: 1 ص 362
قد كانت لكم اُسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا برءاؤوا منكم
ص: 481
..................................................................................... المنهج القويم ج 2
وممّا تعبدون من دون الله :4 ص 362
الصف (61)
هو الذي أرسل رسوله بالهدىٰ ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه: 9 ص 249 وص331
الجمعة (62)
هو الذي بعث في الاُمّيّين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب
والحكمة : 2 ص 130
وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضّوا إليها وتركوك قائماً قل ما عند الله خير من اللهو
ومن التجارة والله خير الرازقين : 11 ص 275
المنافقون (63)
هم العدوّ فاحذرهم :4 ص 363
التغابن (64)
فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا :8 ص 200
ما أصاب من مصيبة إلاّ بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه : 11 ص 36
الطلاق (65)
وأشهدوا ذوي عدل منكم :2 ص 178
قد أنزل الله إليكم ذکراً * رسولاً يتلو عليكم آيات الله مبیّنات: 10-11 ص 161
وص 165
التحريم (66)
يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعىٰ بين أيديهم وبأيمانهم :
ص: 483
فهرس الآيات ..............................................................................
8 ص 289 و ص 318
ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدین من عبادنا
صالحین فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين:10
ص 23 و ص 271
القلم (68)
فاجتباه ربّه فجعله من الصالحين : 50 ص 108
الحاقّة (69)
ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل* لأخذنا منه باليمين : 44 - 45 ص 78
المعارج (70)
تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة : 4 ص 171
فما الذين كفروا قبلك مهطعین * عن اليمين وعن الشمال عزین * أيطمع کلّ
امریء منهم أن يدخل جنّة نعيم * كلاّ إنّا خلقناهم ممّا يعلمون : 36_39 ص 276
الجنّ (72)
إنّا سمعنا قرآناً عجباً * يهدي إلى الرشد فآمنّا به : 1 - 2 ص 202
قل إن أدثري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربّي أمداً : 25 ص 148
عالم الغيب فلا يظهر علىٰ غيبه أحداً * إلاّ من ارتضیٰ من رسول فإنّه يسلك من
بين يديه ومن خلفه رصداً: 26_ 27 ص 147 و ص 148
القيامة (75)
إلىٰ ربّها ناظرة : 23 ص 343
ص: 483
................................................... المنهج القويم ج 2
الإنسان (76)
إنّ الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا : 5 ص 232
ويطعمون الطعام علىٰ حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً :8 ص 17
النبأ (78)
عمّ يتساءلون * عن النبأ العظيم : 1- 2 ص 134
وكلّ شيء أحصيناه کتاباً : 29 ص 141 و ص 357
يوم يقوم الروح والملائكة صفّاً: 38 ص 171
الإنفطار (78)
إنّ الأبرار لفي نعيم * وإنّ الفجار لفي جحيم : 13 - 14 ص 232
المطفّفين (83)
ومزاجه من تسنیم : 27 ص 233
الطارق (89)
إنّه لقول فصل * وما هو بالهزل : 13 - 14 ص 189
القدر (97)
تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم من كلّ أمر : 4 ص 59 و ص 62 و ص 358
البيّنة (98)
رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة* فيها كتب قيّمة : 2-3 ص 189
التكاثر (102)
ثمّ لتسألنّ يومئذ عن النعيم : 8 ص 199
ص: 484