الرشد السياسي لدى الحاكم بين الغياب والحضور

هوية الکتاب

رقم الايداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 1879 لسنة 2018 م مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLIara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف BP231 .D56 2018 :CL المؤلف الشخصي: الديني، محمد عبد الحمزة. مؤلف.

العنوان: الرّشد السياسي لدى الحاكم بين الغياب والحضور: قراءة في الخطاب العلوي عهد الأشتر أنموذجا / بيان المسؤولية: تأليف الدكتور محمد عبد الحمزة الديني. بيانات الطبع: الطبعة الأولى. بيانات النشر: العراق، كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018 / 1439 للهجرة.

الوصف المادي: 63 صفحة : 15x21 سم. سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 427). سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة، 134 وحدة الدراسات السياسية، سلسلة دراسات في عهد الامام علي (ع) لمالك الاشتر (ره) : 39). تبصرة ببليوجرافية:

يتضمن هوامش، لائحة المصادر (الصفحات 59 - 62).

مصطلح موضوعي: الاسلام والسياسة. مصطلح موضوعي: الفلسفة الاسلامية. مصطلح موضوعي: نظام الحكم في الاسلام. اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة. مؤسسة علوم نهج البلاغة. جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 1

اشارة

ص: 2

سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر(رحمه الله) (39) وحدة الدراسات السياسية الرُّشد السِّياسي لدى الحاكم بين الغياب والحضور قراءة في الخطاب العلوي عهد الأشتر (رحمه الله) أنموذجاً تأليف د. محمد عبد الحمزة الديني اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة العتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1439 ه - 2018 م العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع الألكتروني:

www.inahj.org الإيميل:

Info@ Inahj.org

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدّم من عموم نعمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد و آله الطاهرين.

أمّا بعد:

فإنّ من أبرز الحقائق التي ارتبطت بالعترة النبوية هي حقيقة الملازمة بين النص القرآني والنص النبوي ونصوص الأئمة المعصومين (علیهم السلام).

وإنّ خير ما يُرجع إليه في المصادیق لَحدیث الثقلين «كتاب الله وعترتي أهل بيتي» هو صلاحية النص القرآني لكلّ الأزمنة متلازماً مع صلاحيّة

ص: 5

النصوص الشريفة للعترة النبوية لكلّ الأزمنة.

وما كتاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله) إلا أنموذجٌ واحدٌ من بين المئات التي زخرت بها المكتبة الإسلامية، التي اكتنزت في متونها كثيراً من الحقول المعرفية مظهرة بذلك احتياج الإنسان إلى نصوص الثقلين في كلّ الأزمنة.

ومن هنا:

ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تخصِّص حقلً معرفياً ضمن نتاجها المعرفي التخصصي في حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) وفكره، متّخذة من عهده الشريف إلى مالك الأشتر (رحمه الله) مادة خصبة للعلوم الإنسانية التي هي من أشرف العلوم ومدار بناء الإنسان وإصلاح متعلقاته الحياتية، وذلك ضمن سلسلة

ص: 6

بحثية علمية موسومة ب(سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله)، التي تصدر بإذن الله تباعاً، حرصاً منها على إثراء المكتبة الإسلامية والمكتبة الإنسانية بتلك الدراسات العلمية التي تهدف إلى بيان أثر هذه النصوص في بناء الإنسان والمجتمع والدولة متلازمة مع هدف القرآن الكريم في إقامة نظام الحياة الآمنة والمفعمة بالخير والعطاء والعيش بحرية وكرامة.

وكان البحث الموسوم ب(الرُّشد السِّياسي لدى الحاكم بين الغياب والحضور قراءة في الخطاب العلوي عهد الأشتر (رحمه الله) أنموذجاً) قد تطرق فيه الباحث إلى مفهوم (الرشد السياسي) ثمّ أماط اللثام عن هذه الحيثية فقرأها في تراث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وخصوصاً في عهده إلى مالك الأشتر (رضوان

ص: 7

الله عليه)، وقد استطاع الباحث بما يملك من أفق رحب أن يبين للقارئ الكريم حجم (الرشد السياسي) الذي كانت تتمتع به حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام).

فجزى الله الباحث خير الجزاء فقد بذل جهده وعلى الله أجره، والحمد لله رب العالمين.

السيد نبيل الحسني الكربلائي رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله ربِّ العالمين، وأتم الصلاة والتسليم على المبعوث رحمةً للعالمين أبي القاسم محمد وآله المصطَفين الأخيار، وصحبه المنتجبين الأبرار الذين والوه بإحسان إلى قيام يوم الدين.

الرشد بمفهومه العام اصطلاح يؤمي ء إلى وجود منظمومةٍ فكريةٍ وسلوكية، تكشف عن تحلي الحاكم بالنضج والكياسة بما يجعله مؤهلاً للإدارة والقيادة، ومتمكناً من معالجة الأمور الآنية والمستقبلية، ومنتقلاً بالعباد من حالة التعثّر إلى حالة الخلاص بما يؤمِّن لهم العيش الكريم وتوفير الظروف اللازمة السليمة فينتقل بهم إلى بَرّ الأمان، متعدياً من الأزمات إلى ما

ص: 9

يصلح البلاد والعباد بوضع الحلول الكفيلة الناجعة المعربة عن أحقيته لإدارة البلاد.

إنّ الرشد بوصفه مصطلحاً إذا ما أضيف إليه ما بعده إتضح بحدود ما أضيف إليه کالرشد المالي، والرشد الاجتماعي وهكذا دواليك يتحدد مفهومه بحدود الإضافة، ويتضح المطلب في المقام بإضافة السّياسة إلى الرّشد ليكون الرّشد السياسي لدى الحاكم بين الغياب والحضور وأثر ذلك سلباً وإيجاباً، ويتخذ مادته من الخطاب العلوي، وليكون عهد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى مالك الأشتر أنموذجاً، سيما وأن هذا العهد المبارك يحدد للوهلة الأولى عمل الحاكم برباعية لا تنفك إحداها عن الأخرى؛ لتشكّل منظومة متكاملة تتمثل بالجانب الاقتصادي بجباية خراجها، والجانب الأمني بحفظه، والجانب الفكري باستصلاح أهلها، ثم التخطيط لإعمار البلاد.

ص: 10

ولذا تُحدُد خطوط البحث المنتظم تحت عنوان الرّشد السياسي لدى الحاكم بين الغياب والحضور قراءة في الخطاب العلوي عهد الأشتر أنموذجاً إلى محاور ثلاث أولها يحدّد مفاهیم مفردات البحث، والثاني يتعلق ببيان الأثر السلبي لغياب الرّشد السياسي لدى الحاكم وتحديد مفهوم غيابه، والمحور الثالث يسلّط الضوء على تحديد عناصر الرّشد السياسي ومقوماته وبيان الأثر الإيجابي لتوفره، فاستعراض للنتائج، وخاتمة للبحث، وثبت بالمصادر.

المحور الأول مفاهيم مفردات البحث:

إنّ من الضروري التعرف على المفردات المكونة للعنوان لاتصالها بتبيان المعنى الإجمالي له، وذلك بالوقوف على المعنى اللغوي والاصطلاحي وبیان التشابك بينهما.

ص: 11

الرشد في اللغة:

تعد الراء والشين والدال - رشد - أصل واحد يدل على استقامة الطريق(1)، ومنه إصابة وجه الأمر والطريق(2)، ويأتي ويراد منه خلاف الغي، ونقيض الضلال(3) لقوله تعالى: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ»(4)، ويأتي

ص: 12


1- ظ: معجم مقاییس اللغة: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زکریا، تح: عبد السلام محمد هارون، ط دار الفكر 1979 م، 2 / 398
2- ظ: لسان العرب: جمال الدين محمد بن مکرم، نشر أدب الحوزة، قم، ط: 1405 ه، 3 / 175، وظ: تاج العروس من جواهر القاموس: محمد بن مرتضى الحسيني الزبيدي، تح: علي شيري، دار الفکر بیروت، ط: 1414 ه، 4 / 453
3- ظ: معجم مقاییس اللغة: بن فارس 2 / 398. وظ: لسان العرب: بن منظور، 3 / 170
4- البقرة: 256

بالفتح والضم، ولعلّ الفارق بينهما أن الأول يخصّ الأمور الأخروية، والثاني أعم فيشتمل على الدنيوية والأخروية(1)، فهو الاهتداء إلى أصح الأمور وأسلمها دنيوية كانت أم دينية، وقيل الرّشد بمعنى الصلاح وهو إصابة الحق فيقال: أمر بيّن رشده أي صوابه.(2)

إنَّ أغلب المعاني التي ذكرت للرّشد تدور في إصابة وجه الأمر والحق، وفي الصلاح والهداية ولذا عبّر الراغب عنه في أوضح مصادیقه الكاشفة عنه في الجانب المالي(3)، ومن هنا جاء

ص: 13


1- ظ: تاج العروس: الزبيدي 4 / 453، ظ: الفروق اللغوية: أبو هلال العسكري، تح: مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1، 1412 ه، ص 256
2- ظ: مجمع البحرین: فخر الدين الطريحي، تح: أحمد الحسيني مكتب النشر الثقافي الإسلامي ط 1408 ه، 2 / 180
3- ظ: مفردات ألفاظ القرآن الكريم: الراغب الأصفهاني، تح: صفوان عدنان عوادي، ط 2، 1427 ه، الناشر طليعة النور، ص 196

التوسع في صدق معنى الرّشد على الصلاح والإصلاح من إستعماله مع المال إلى التوسع في الإستعمال إلى الدين، فنجد الشافعي في معرض بيان تحديد رشد اليتيم من عدمه وتسليمه أمواله يقول: (الصلاح في الدين حتى تكون الشهادة جائزة وإصلاح المال، وإنما يعرف إصلاح المال بأن يختبر اليتيم....)(1)، ومثل هذا التوسع في الاستعال يبدوا صريحاً في عبارة الشيخ الطوسي رحمه الله بقوله في المورد ذاته: (فإذا بلغ وأونس منه الرّشد فإنه يُسَلّم إليه ماله، وإيناس الرّشد منه أن يكون مصلحاً لماله عدلاً في دينه، فأما إذا كان مصلحاً لماله غيرُ عدل في دينه غير مصلح

ص: 14


1- الأم: محمد بن إدريس الشافعي، ط دار الفكر للطباعة ط 1، 1400 ه، 3 / 22

لماله فإنه لا يدفع إليه ماله...)(1)، وكذا أشار إجمالاً إلى أن الرّشد هو العقل وإصلاح المال(2). والمصِّلة إن معاني الرّشد اللغوية تحوم حول معنى الهداية والصلاح والنضج، وخلاف الغي، الموحية بحسن التصرف وسلامة التوجه.

الرشد في الإصطلاح

لا يبعد استعماله عند أهل الفن والصناعة عن معناه اللغوي، فهو عندهم نقيض الغي الدال على إصابة الخير، ومنه الإرشاد بمعنی الدِّلالة على وجه الإصابة للخير(3)، وبه فسرّ

ص: 15


1- المبسوط في فقه الإمامية: أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، تح: محمد تقي الكشفي، المكتبة المرتضوية، 2 / 284
2- ظ: التبيان في تفسير القرآن: أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، دار إحياء التراث العربي، 2 / 131
3- ظ: المصدر نفسه، 2 / 131

الطبرسي رحمه الله قوله تعالى: «لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ» بإصابة الحق والهداية إليه(1)، وقريب منه عند الثعالبي في الكشف والبيان(2)، فهو أقرب ما یکون إصطلاحاً إلى مجموع الإمكانات المتوفرة في الفرد الكاشفة عن صلاحه وأهليته لأدارة الأمور وسلامة تصرفه ضمن الأطر السليمة عند العقلاء، إنّه قمة الوعي، والنضج المانع من الانجرار إلى الفساد، وجميل تعريف الراغب الأصفهاني له سيما إذا كان أعم من وصفه المالي إلى الوصف الأعم فيقول فيه بأنّه: (ملكة نفسانية تقتضي إصلاح المال وتمنع من إفساده، و صرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء)(3).

ص: 16


1- ظ: مجمع البيان في تفسير القرآن: أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي، منشورات ناصر خسرو 1413 ه، 2 / 501
2- ظ: الكشف والبيان: أحمد بن ابراهيم الثعالبي، دار احياء التراث العربي، 1422 ه، 2 / 75
3- مفردات ألفاظ القرآن الكريم: الراغب الأصفهاني، ص 196

الرشد شرعاً

ونرصد في هذا المورد أبرز المعاني التي استعملها النص القرآني للفظ (الرّشد) لأن التعرّف عليها كفيل بالتعرّف على المعاني ذاتها التي يستعملها الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بوصفه العارف بالنص الدال عليه.

لقد ورد استعمال الرّشد في القرآن الكريم مقابلاً للغي ونقيضاً له ومنه قوله تعالى: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ»(1)، أي لعلهم يصيبون الحق ويهتدوا إليه(2)، وكذلك استعمل بمعنى الإيمان في مقابل

ص: 17


1- البقرة: 186
2- ظ: جامع البيان في تفسير القرآن: ابو جعفر محمد بن جریر الطبري، دار المعرفة، 1412 ه، وظ: الدر المنثور في التفسير بالمأثور: جلال الدين السيوطي، الناشر مكتبة آية الله المرعشي، 1404 ه، 1 / 197

الكفر، ومنه قوله تعالى: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(1)، أي قد تمیّز الإيمان من الكفر بالدلائل الواضحة والآيات الدالة عقلاً وسمعاً على ذلك(2)، ولعلّ المراد في الآية هو المصداق الأبرز من اللفظ وانصراف المعنى إليه بدلالة السياق، وعليه نجد الفخر الرازي يذكر ألفاظاً متقابلة لبيان الرّشد في المقام بأنّه الحق والباطل، والإيمان والكفر، والهدى من الضلالة بكثرة الحجج أي تميّز الرّشد

ص: 18


1- البقرة: 256
2- ظ: مجمع البيان: الطبرسي 2 / 631

الغيَّ(1)، كذلك استعمل الرّشد قرآنياً في الجانب المالي ومنه قوله تعالى: «وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا»(2)، أي ابتلوهم واختبروهم برشدهم المالي بحسن التصرف ووضع الأموال في محلها(3)، ومثلما استعمل في الرّشد المالي ورد استعماله في الرّشد الإداري کمتلازمتين بين الاختبار المالي والإداري فهما کاشفان عن صلاح الإدارة المالية ومنه قوله تعالى: «وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا

ص: 19


1- ظ: مفاتح الغيب: أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي، دار إحياء التراث العربي، 1420 ه، 7 / 15
2- النساء:
3- ظ: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ناصر مکارم الشيرازي، ط: مدرسة الامام علي بن أبي طالب، 1412 ه 3 / 110

لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا»(1)، وكذلك ورد استعماله في الرّشد الفكري كقوله تعالى: «سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا»(2) إن القاسم المشترك في المعاني السالفة الذكر كما يبدوا من ظاهر الاستعال إنها تدور في حسن التصرف، ووضع الأمور في محلها ببعديها المادي والمعنوي، (الدنيوي والأخروي) والذي يمنع من الإفساد، والصرف في الأوجه النافعة المتطابقة مع مراد العقلاء وأفعالهم.

السّياسة في اللغة

تدور معاني السياسة في تدبير الأمور، وحسن

ص: 20


1- النساء: 5
2- الأعراف: 146

رعايتها وإصلاحها، فقال فيها ابن منظور إنّ السياسة: (تدبير شؤون الدولة، فالساسة هم قادة الأمم ومدبروا شؤونها العامة)(1)، وقال في مورد آخر بأنها - السّياسة -: (القيام على الشيء بما يصلحه)(2).

السياسة في الاصطلاح

لم تبعد عبارات أهل الفن والاختصاص في تعريف لفظ السّياسة عن المعنى اللغوي، إذ تدور في معاني التدبير والقيام بالأعباء على وجهها السليم بما ينجزه ويصلحه من حيث أنها (رأس مال السلطان، وعليها التعويل في

ص: 21


1- لسان العرب: ابن منظور، 6 / 107
2- لسان العرب: ابن منظور، 6 / 108، وظ: تاج العروس الزبيدي 8 / 322، وظ: النهاية في غريب الحديث: بن الأثير مؤسسة إسماعیلیان، ط 1346 ه ش 2 / 421

حقن الدماء، وحفظ الأموال، وتحصين الفروج، ومنع الشرور، وقمع الدعار والمفسدين، والمنع من التظالم المؤدي إلى الفتنة والاضطراب)(1)، وهي (حفظ الشيء بما يحوطه من غيره، فسياسة الرعية حفظ نظامها بقوة الرأي والأخذ بالحدود)(2)، فهي تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم ضمن الأطر السليمة بما يعود فيها النفع على البلاد والعباد، وتنظيم العلاقة بين الأمة والأمم الأخرى بما يحفظ حقوقها ويجلب كرامتها.

إن المتتبع لكلمات أئمة الهدى (علیه السلام) ولا سيما الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) يجد

ص: 22


1- شرح رسالة الحقوق: حسن السيد علي القبانجي، ط 2، 1406 ه، مؤسسة إسماعیلیان، ص 389
2- نهج البلاغة: شرح محمد عبدة، ط دار الذخائر، 4 / 35

بوضوح استعمالهُ للفظ السّياسة بمعاني الحفظ والرعاية ومداراة الأمر ومما ورد عنه في هذا الشأن قوله (علیه السلام): ((سُوسُوا إِیمَانَکُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَ حَصِّنُوا أَمْوَالَکُمْ بِالزَّکَاةِ، وَ اِدْفَعُوا أَمْوَاجَ اَلْبَلاَءِ بِالدُّعَاءِ))(1)، ومنها: (سياسة التين بحسن اليقين)(2)، ومنها: (سياسة الدّين ثلاث: رقّة في حزم، واستقصاء في عدل، وإفضال في قصد)(3) ومنها: (سياسة الدّين حسن الورع واليقين)(4)، ومنها: (حسن السّياسة يستديم الرياسة)(5)،

ص: 23


1- نهج البلاغة: محمد عبدة، 4 / 35، و؟ وسائل الشيعة: محمد بن الحسن الحر العاملي، ط: الإسلامية 6 / 7
2- عيون الحكم والمواعظ: علي بن محمد الليثي الواسطي، ط: دار الحديث ط 1، ص 284
3- عيون الحكم: الواسطي، ص 284
4- میزان الحکمة: محمد الريشهري، دار الحديث، ط 1 التنقيح الثاني 1416 ه، 2 / 1384
5- میزان الحكمة: الريشهري، 2 / 1384

ومنها: (من حَسُنَت سياسته دامت ریاسته)(1)، ومنها: (حسن التدبير وتجنب التبذير من حسن السياسة)(2) واشباهها بالنص والمعنى كثير يفضي إلى المعاني ذاتها.

الحاكم:

ومرادنا منه الفرد الذي يتمتع بمساحة من الصلاحيات التي تؤهله لتطبيق القانون بوصفه الفرد الذي يحضى بمسؤلية فرعية أو رئيسة من الحكم والإدارة.

فننتهي مما سبق إلى إجمالي ما استبطنه عنوان البحث أنه النضج والقدرات الكافية والكفيلة المتوفرة في جملة من الأفراد وآلياتهم في عملية إدارة شؤون البلاد والعباد و تسييس حوائجهم

ص: 24


1- میزان الحکمة: الريشهري، 2 / 1384
2- المصدر نفسه، 2 / 1384

لما فيه مصالحهم، وحفظ كرامتهم وحقوقهم والتجاوز بهم لكلِّ الأزمات وعبور العقبات، فيكون حينها الرّشد السياسي منظومة تتفاعل فيها عناصرها وآلياتها من أجل السمو بمن يسيسوا أمورهم في شتى المجالات، وبتجاوز الأزمات والابتعاد عن الإخفاق، وخلق أجواء النجاح الضامن لرقي البلاد والعباد، ومن هنا تبرز أهمية حضور الرّشد السياسي وخطورة غيابه.

ص: 25

المحور الثاني: غياب الرشد السياسي بين التشخيص وأثاره السلبية على المحكومين.

إن توفّر الرّشد السياسي لدى الحاكم ومجمل العاملين معه ينبيء عن نضج في القرار الذي يتخذونه، ويكتسب قوة، کما یکون له أثره الإيجابي على الأفراد، كما يعطي الحاكم قدرة على تجاوز الأزمات، وحلحلة الأمور المتشابكة، ويمنحه القدرة على رصد الأخطار ووضع الحلول الناجعة، مع إعطاء مساحة كبيرة لذوي المعرفة والحل والعقد بإبداء آرائهم ومشاركتهم الفاعلة بالانتفاع من قدراتهم وقابلياتهم، وفسح مساحة واسعة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي إن توفر الرّشد السياسي فيها ساهم في إيجاد علاقة كبيرة حسنة بين الحاكم والمحكوم، وإن غاب لم تظهر إلّا التشنجات والتقاطعات في تلك العلاقة مما يؤدي توتر في تلك العلاقات قد يفضي إلى ما لا تحمد عقباه.

ص: 26

إنّ من الضروري تحديد المؤشرات التي تساعد وتعين على تحديد غياب الرشد السياسي كي يتضح بأن غيابه عقبة كؤود لا ينبغي إلّا تجاوزها لخطورة ذلك الغياب ومن أبرزها:

المؤشّر الأول:

إنّ من أبرز المؤشرات على غياب الرّشد هو إخفاء المسؤول حقيقة الفشل وعدم إعترافه بوجود مشكلة؛ بل يصُرُّ على عدم وجودها، ويعزز ذلك بتعداد إنجازات من نسج الخيال أو لا يليق أن تذكر لضآلتها من أجل التغطية على مساحة التباطؤ في إنجاز ما كان مأمولاً منه.

إن النص القرآني يضع أيدينا على قضية مهمة تتلخص بضرورة تحديد المشكلة، وضرورة تطويقها وتحجيمها بالمعالجة بطرحها وطرح علاجها وعدم السكوت عليها، أو بذکر

ص: 27

الإنجازات بغية تغطية ذلك الفشل، فنلاحظ في سورة التوبة قوله تعالى: «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ»(1) كيف يستعرض المولى تبارك وتعالى كثرة المسلمين المتجهين لحرب المشركين يوم حنين، وتلبّسهم بحالة العُجب مع كثرتهم وكيفية خسارتهم المعركة باديء ذي بدأ حتى ولّو الأدبار منهزمين إلّا قلة مؤمنة، فلم نجد النص يغضُّ الطرف عن هذه المشكلة بحجة إنتصارات المسلمين السابقة؛ بل طرحها ليعالجها ويسعى لتطويقها حتى لاتتكرر ثانية، فهي رسالة يوجهها النص الكريم تعرب عن حضور الرّشد لدى القائد، وخطورة غيابه(2)،

ص: 28


1- التوبة: 25
2- ظ: تفاصيل الحادثة وما يمكن الأفادة منها: تفسیر التحرير والتنوير: محمد بن طاهر بن عاشور، بلا طبعة 10 / 58، وظ: تفسير المراغي: احمد بن مصطفی، دار إحياء التراث العربي 10 / 86 وما بعدها، وظ: روح المعاني: محمود الآلوسي، دار الكتب العلمية، 1415 ه 5 / 266

وضرورة معالجة المشكلة ووضع الحلول الناجعة، لا بذكر الإنجازات التي لا تغني في المقام مع فرض صحتها في المورد ووقوعها على وجه الحقيقة.

ومن الأمثلة الأخرى التي يسوقها النص الكريم ليدللنا على ضرورة حضور الرّشد وخطورة غيابه حين تطرأ المشكلة، ما حصل الملك مصر الفرعون حين استشعر عن طريق الرؤيا ضخامة ما رآه، وأصرَّ على معرفة تأويلٍ سليمٍ يتطابق مع الحقيقة، حتى وفقه الله وألهمه الصواب بالتوصل إلى ما كان يريد عن طريق نبي الله يوسف (علیه السلام)، ثم لم يكتفِ بالتعرف

ص: 29

على التأويل؛ بل سلَّم الأمر وزمامه إلى نبي الله يوسف (علیه السلام) کي يحلّ هذه الأزمة موجّهاً رسالة إلى كلّ حاکم بضرورة تحلية بالنضج الإداري والسياسي، فكما تحلى الملك المصري بالرشد السياسي وخلّص الأمة من الأشكالات وأنقذهم من الهلكة، حريّ بمن يريد بلاده تأمن وتصل إلى برِّ الأمان أن يتخذ من هذا الأمر وهذا النهج مسلكاً.

إنّ النهج العلوي الذي خطّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) کفیل بمن يرصده أن يجد ما نحن بصدده واضحاً جلياً، فيكتب الأمام (علیه السلام) إلى واليه على البصرة عثمان بن حنيف الأنصاري يؤنّبه إلى سرعة إستجابته إلى وليمة دُعِيَ إليها من لدن بعض فتية أهل البصرة، وكان بالإمكان التستر عليه ومحاسبته بالسر، إلّا أنّ الأمر في نظر الإمام (علیه السلام) يستوجب الإظهار وعدم المهادنة،

ص: 30

بل يستوجب السرعة في المعالجة وكبح الجماح فيقول مخاطباً واليه: (أَمَّا بَعْدُ، یَابْنَ حُنَیْفٍ، فَقَدْ بَلَغَنِی أَنَّ رَجُلًا مِنْ فِتْیَهِ أَهْلِ البَصْرَهِ دَعَاك إِلَی مَأْدُبَةٍ، فَأَسْرَعْتَ إِلَیْهَا، تُسْتَطَابُ لَكَ الْأَلْوَانُ، وَ تُنْقَلُ إِلَیْكَ الجِفَانُ، وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِیْبُ إِلَی طَعَامِ قَوْمٍ، عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ، وَ غَنِیُّهُمْ مَدْعُوٌّ. فَانْظُرْ إِلَی مَا تَقْضَمُهُ مِنْ هذَا الْمَقْضَمِ، فَمَا اشْتَبَهَ عَلَیْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ، وَ مَا أَیْقَنْتَ بِطِیْبِ وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنْهُ. إِلَّا وَ إِنَّ لِکُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً، یَقْتَدِی بِهِ، وَ یَسْتَضِیءُ بِنُورِ عِلْمِهِ)(1)، إنه أمر يُدوّي آناء الليل وأطراف النهار ومنهج يتلى في كل زمان، ورشد لابدّ وأن يكون حاضراً عند كل من يريد التصدِّي لإدارة البلاد وتسييس شؤون العباد.

ص: 31


1- شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد، تح: محمد أبو الفضل إبراهیم دار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي مؤسسة مطبوعاتي إسماعیلیان، 16 / 205

إنّ عهد الإمام (علیه السلام) لمالك الأشتر يشهد لما نحن بصدده إذ يقول (علیه السلام): (ثُمَّ اعْلَمْ یَا مَالِكُ، أَنِّی قَدْ وَجَّهْتُكَ إِلَی بِلَادٍ قَدْ جَرَتْ عَلَیْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ، مِنْ عَدْلٍ وَجَوْرٍ، وَأَنَّ النَّاسَ یَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ فِی مِثْلِ مَا کُنْتَ تَنْظُرُ فِیهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلَاهِ قَبْلَكَ، وَیَقُولُونَ فِیكَ مَا کُنْتَ تَقُولُ فِیهِمْ، وَإِنَّمَا یُسْتَدَلُّ عَلَی الصَّالِحِینَ بِمَا یُجْرِی اللَّهُ لَهُمْ عَلَی أَلْسُنِ عِبَادِهِ. فَلْیَکُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَیْكَ ذَخِیرَهُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَامْلِكْ هَوَاكَ، وَ شُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لاَ یَحِلُّ لَكَ، فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الْإِنْصَافُ مِنْهَا فِیمَا أَحَبَّتْ أَوْ کَرِهَتْ...)(1).

المؤشّر الثاني

إنّ المؤشر الثاني لغياب الرّشد السياسي لدى الحاكم يظهر بإنتاجه الأزمات التي يحاول جاهداً

ص: 32


1- نهج البلاغة: محمد عبده 3 / 83 - 84

إشغال الرأي العام بها، وكأنّه لا يعلو له صوت أو بقاء إلّا بتلك الأزمات، وخلقه للصراعات، وتفعيله للمآزق، وتشديده على خلق الإرباكات في السّياسة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية بحجة ضرورة إشغال العامة بالهموم الضيقة، وعدم التوجه إلى الأمور العامة، بينما الحاكم الذي يمتلك رشداً سياسياً وأفقاً واسعاً ورؤية سليمة يسارع إلى استحواذ الأزمة وإطلاق الحلول التي تطوقها، فيطرح لها عدّة حلول استباقية لا تسمح بانتشارها، بل تقيدها كفعل نبي الله يوسف (علیه السلام) حين عالج الأزمة الاقتصادية في مصر ببركة ما يحمله من رؤية سليمة، وبما يملك من تقنية وآليات تحديد الأزمة وحضور للرشد السياسي.

وكفعل أمير المؤمنين (علیه السلام) حينما أشعل معاوية فتيل أزمة سياسية في مصر باغتياله عامل الإمام (علیه السلام) محمد بن أبي بكر (رحمه الله) على يد شرذمة من

ص: 33

المنتفعين، فنظر (علیه السلام) الى أهمية المصر ومايمكن أن يحدثه إغتيال محمد بن أبي بكر (رحمه الله) من أزمة في البلد، فعمد (علیه السلام) إلى تطويق تلك الأزمة باختيار كفاءة عسكرية وإدارية أثبتت التجارب قدرتها على حسن القيادة وحسن الطاعة وامتلاكها لآليات التغيير السليمة، فبادر (علیه السلام) إلى إرسال المغوار مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن سلمة بن ربيعة النخعي المعروف بالأشتر (رحمه الله)، بمعيته عهده المبارك، معلناً عن رشدٍ سياسيٍ يتحلى به الإمام (علیه السلام)، و نظر ثاقب إلى ضرورة تطويق الأزمة وتضييق رقعتها بإرسال الأكفأ بغية إصلاح ما أفسده القوم، محدداً له معالم إصلاح ذلك الفساد بقوله(علیه السلام): (وَلْيَکُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الاَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ، لاَنَّ ذَلِكَ لاَ يُدْرَكُ إِلاَّ بِالْعِمَارَةِ؛ وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَة أَخْرَبَ الْبِلاَدَ، وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ

ص: 34

قَلِيلاً....)(1).

ومن نماذج تطويق الأزمة وإنهائها لا السعي في إنتاجها موقف الإمام (علیه السلام) يوم استلم الحكم، إذ عمد إلى التصريح بسعيه إلى إرجاع الاموال التي اختلست والتي تصرف بها القوم إلى بيت مال المسلمين، وسعيه في تطهير جهاز الحكم بإقالة المفسدين من الولاة، وكذلك النظر بشأن المعارضين السياسين وحفظ حقوقهم إن أبَو الرضوخ لحكم الامام (علیه السلام) وبيعته ما لم يحدثوا شرخاً في الامة أو يعيثوا في الارض فساداً، وقد صرّح (علیه السلام) في غير موضع إلى بعض عماله بقوله: (واخْفِضْ لِلرَّعِیَّهِ جَنَاحَك، وابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَك وأَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ، وآسِ بَیْنَهُمْ فِی اللَّحْظَهِ والنَّظْرَهِ، والإِشَارَهِ والتَّحِیَّهِ، حَتَّی لا یَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِی

ص: 35


1- نهج البلاغة: محمد عبدة، 2 / 106

حَیْفِكَ، ولا یَیْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِن عَدْلِكَ.....)(1)، ومثله في عهده إلى مالك الأشتر (وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الَعَمْدِ وَالْخَطَاَ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ، وَ وَالِي الْأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، وَاللهُ فَوْقَ مَنْ وَلاَّكَ! وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ، وَابْتَلاَكَ بِهِمْ.)(2)، ومن نماذج تطويق الأزمة ومعالجتها لا إنتاجها فعله (علیه السلام) حين بلغه عن عين سلّطها لمراقبة عمل الولاة والحكام، إذ بلغه أن ابن هرمة قد خان الأمانة

ص: 36


1- نهج البلاغة: محمد عبدة، 2 / 10
2- نهج البلاغة - بن أبي الحديد، 17 / 32

في إدارة سوق الأهواز فکتب (علیه السلام) إلى عامله (إذا قرأت كتابي فنحِّ ابن هرمة عن السوق، وأوقفه للناس واسجنه وناد عليه، واكتب إلى أهل عملك تعلمهم رأيي فيه، ولا تأخذك فيه غفلة ولا تفريط فتهلك عند الله، وأعزلك أخبث عزلة - وأعيذك بالله منه - فإذا كان يوم الجمعة فأخرجه من السجن، واضربه خمسة وثلاثين سوطة، وطُف به إلى الأسواق فمن أتى عليه بشاهد فحلفه مع شاهده وادفع إليه من مكسبه ما شهد به عليه ومر به إلى السجن مهاناً مقبوحاً ومنبوحاً، واحزم رجليه بحزام، وأخرجه وقت الصلاة ولا تحل بينه وبين من يأتيه بمطعم أو مشرب أو ملبس أو مفرش...)(1)، والنماذج على

ص: 37


1- نهج السعادة: محمد باقر المحمودي ط 1، 1387 - 1968 م، مطبعة النعمان - النجف الأشرف، مؤسسة التضامن الفكري بيروت، 5 / 34

وأد الأزمات في مهدها لا السعي في إنتاجها كثيرة وفيها أشير إليه كفاية.

المؤشّر الثالث

إنّ الحراك الذي يُحدثه الواعون المهتمون بشأن أبناء جلدتهم لا يُقلق الحاكم المتمتع بالرّشد السياسي لأنّه يعي أن حراكهم في حقيقته حراك تقويمي، وإن لم يكن تقویمیاً كأن يكون لديهم شبهة فهم أحوج ما يكونوا لرفع هذه الشبهة، لا أن يعنّفوا ويقمع حراكهم وتكمّم أفواههم، ويوصموا بأنواع التهم وتلصق بهم الأوصاف السيئة.

إنّ الحاكم الرشيد المتمتع بالحنكة السياسية السليمة أسرع من غيره في احتواء الأمور ومعالجتها، وحينها تظهر ضرورة حضور الرّشد السياسي لدى الحاكم من حيث قدرته وقابليته على التعايش في ظل السلم الأهلي.

ص: 38

إنّ من نماذج رشد الحاكم وتفاعله مع حراك الشعوب واحتوائه وتطويق تلك الأزمة موقف الإمام علي (علیه السلام) من الخريت بن راشد الناجي الذي دخل على الإمام بعد مشكلة التحكيم في ثلاثين من أصحابه يمشي بينهم حتّى قام بين يديه فقال: (لا والله لا أطيع أمرك، ولا أصلي خلفك، وإني غداً مفارق لك، فقال (علیه السلام): (ثكلتك أمك، إذا تنقض عهدك، وتعصى ربك ولا تضر إلّا نفسك أخبرني لم تفعل ذلك...)(1)، إن الامام (علیه السلام) يَجِدّ في تطويق الأزمة ويعقد حواراً معهم لبيان ما أشكل عند القوم، ويدعوهم إلى مؤتمر للإجابة على ما اختلط من الأمر عندهم إلّا أنهم نقضوا ما أُبرم ولم يحضروا في الموعد المحدد لهم، حتی ذمهم الإمام بعد نفادا الطرق المتعددة معهم فقال (علیه السلام) فيهم:

ص: 39


1- نهج البلاغة: بن أبي الحديد، 3 / 128

(کَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ)! أَمَا لَوأُشْرِعَتِ الأَسِنَّهُ إِلَیْهِمْ وصُبَّتِ السُّیُوفُ عَلَی هَامَاتِهمْ، لَقَدْ نَدِمُوا عَلَی مَا کَانَ مِنْهُمْ...)(1)، وغير بعيد من هذا موقف الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) من طلحة والزبير ومن لفّ لفهما.

إن الحاكم المتصف بالرشد السياسي عليه أن يميّز بين حراك الشعوب القائم على أسس غير سليمة تريد نشر الفوضى بين العباد وتهلك البلاد، وبين التي تبغي الإصلاح وتقصد الخير بالاحتكام إلى المنهج السليم المقنن بقانون يكشف عن سلامة هذا التحرك ومشروعية مطالبهم، بخلاف الحراك المتجه للإصلاح وعقلانية مطالبه، فالسياسي الراشد هو القادر على التمييز بين الحراكين القادر على احتوائهما بما يناسب كلّ

ص: 40


1- نهج البلاغة: بن أبي الحديد، 10 / 74

منهما، فيخلق في المجتمع حالة القناعة ويصنع الثقة في الحاكم، إذ يُلتمس منه الصدق و الجدية في التعامل مع الأزمات إجمالاً والقدرة على إيجاد الحلول بنشر الأمن والأمان.

إن قراءةً متأنيةً لخطاب أمير المؤمنين (علیه السلام) المالك الأشتر يظهر منها وضعه لخطة مستقبلية إحترازية تمكنه من التعامل مع أمثال هذه الأزمات فيقول (علیه السلام): (وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَهَ لِلرَّعِیَّهِ، وَالْمَحَبَّهَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلَا تَکُونَنَّ عَلَیْهِمْ سَبُعاً ضَارِیاً تَغْتَنِمُ أَکْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِی الدِّینِ، أَوْ نَظِیرٌ لَكَ فِی الْخَلْقِ، یَفْرُطُ(1) مِنْهُمُ الزَّلَلُ(2)، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، وَیُؤْتَی عَلَی أَیْدِیهِمْ فِی الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِی تُحِبُّ وَتَرْضَی أَنْ یُعْطِیَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ، وَوَآلِی الْأَمْرِ عَلَیْكَ فَوْقَكَ، وَاللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ!

ص: 41

وَقَدِ اسْتَکْفَا کَأَمْرَهُمْ، وَابْتَلَاكَ بِهِمْ. وَلَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللَّهِ فَإِنَّهُ، لَا یَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ، وَلَا غِنَی بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ. وَلَا تَنْدَمَنَّ عَلَی عَفْوٍ، وَلَا تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَهٍ، وَلَا تُسْرِعَنَّ إِلَی بَادِرَهٍ وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَهً، وَلَا تَقُولَنَّ: إِنِّی مُؤَمَّرٌ آمُرُ فَأُطَاعُ، فَإِنَّ ذلِكَ إِدْغَالٌ فِی الْقَلْبِ، وَمَنْهَکَهٌ لِلدِّینِ، وَتَقَرُّبٌ مِنَ الْغِیَرِ...)(1)، وكم بين هذا الإستشراف المستقبلي عند الإمام (علیه السلام) وبين ما يختزنه معاویه بوصفه حاکماً إذ يروى(2) أن سودة بنت عمارة الهمدانية دخلت عليه بعد شهادة أمير المؤمنين (علیه السلام)، فجعل يؤنبها على تحريضها عليه أيام صفين، وآل أمره إلى أن قال:

ص: 42


1- نهج البلاغة: بن أبي الحديد، 17 / 32
2- ظ: بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار: محمد باقر المجلسي، تح: محمد الباقر البهبودي ط: 1403، 3 ه، دار إحياء التراث العربي، بیروت 41 / 119 - 120

ما حاجتك؟ قالت: إن الله مسائلك عن أمرنا وما افترض عليك من حقّنا ولا يزال يتقدّم علينا من قبلك من يسمو بمكانك ويبطش بقوة سلطانك، فيحصدنا حصيد السنبل ويدوسنا دوس الحرمل، يسومنا الخسف ويذيقنا الحتف، هذا بشر بن أرطاة قدم علينا فقتل رجالنا، وأخذ أموالنا، ولولا الطاعة لكان فينا عز و منعة، فإن عزلته عنا شکرناك وإلا كفرناك، فقال معاوية: إياي تهددين بقومك يا سودة؟ لقد هممت أن أحملك على قتب أشوس فأردك إليه فينفذ فيك حكمه فأطرقت سودة ساعة ثم قالت:

صلّى الإله على روحٍ تضمنها *** قبرٌ فأصبح فيه العدل مدفونا

قد حالف الحقّ لا يبغي به بدلا *** فصار بالحقِّ والإيمانِ مقرونا

ص: 43

فقال معاوية: من هذا يا سودة؟ قالت: هو والله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والله لقد جئته في رجل كان قد ولاه صدقاتنا فجار علينا، فصادفته قائماً يصلي، فلما رآني انفتل من صلاته ثم أقبل علي برحمة ورفق ورأفة وتعطف، وقال: ألك حاجة؟ قلت: نعم، فأخبرته الخبر، فبکی ثم قال: اللهم أنت الشاهد علي و عليهم، وأني لم آمرهم بظلم خلقك، ثم أخرج قطعة جلد فكتب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم «جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»، فإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بها في يدك من عملنا حتی يقدم عليك من يقبضه منك، والسلام"". ثم دفع الرقعة إلي، فوالله ما ختمها بطين ولا خزنها، فجئت بالرقعة إلى صاحبه فانصرف عنا معزولا،

ص: 44

فقال معاوية: اكتبوا لها كما تريد، واصرفوها إلى بلدهاغير شاكية.

إنها حقيقة ناصعة تكشف عن غياب الرّشد السياسي عند معاوية باختلاقه الأزمات التي يعتاش منها ويُشغل الناس فيها ويكمم أفواه معارضيه.

ص: 45

المحور الثالث: حضور الرّشد السياسي وألياته

إنّ الرّشد السياسي في حقيقته نتاج تفاعل عدّة مكونات في بناء مستوى معرفي نقدي عند الفرد أو الجماعة يؤهلها لتجاوز الأزمات والإبتعاد عن أسباب الإخفاق في المجالين الاجتماعي والسياسي(1).

إن الرّشد لفظ يصح إطلاقه على الحاكم والفرد والمجتمع على حد سواء، فإذا توفرت في الحاكم أو الفرد أو المجتمع مميزات الرّشد صح إطلاقه عليها حينئذ فيقال حاكم رشید وفرد رشید و مجتمع رشيد وذلك برصد تصرفاته الحسنة في ضبط المواقف ووضع الأمور في محلها، فحينها تكون ناضجة متميزة بالرجحان، ومن أبرز المؤشرات على وجود الرّشد السياسي ترصد من خلال:

ص: 46


1- ظ: أصول المحاضرات: کامل الهاشمي، مؤسسة أم القری، 1425 ه، ص 177

1- النزوع العقلي وذلك بإستباقه للحدث أو التعايش مع تفاصيله ولملمة أطرافه بما يخدم الصالح العام، وتغليب المصالح العليا التي تفصح حقيقة عن حضور الرّشد السياسي لدى الحاكم، ونرصد أمثال هذا الرّشد في أمثلة متعددة منها ترجيح المصلحة، وإيثار حفظ النظام ودفع الخطر وتغليبه إلى وقت تتضح فيه الأمور وتنكشف فيه الحقائق، كفعل أمير المؤمنين (علیه السلام) بعد وفاة الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله وسلم) مع ماله من الأدلة النقلية والعقلية إلّا أنه آثر تغليب الصالح العام الذي به تحفظ معالم الإسلام فيسجل التاريخ لنا موقف الإمام علي (علیه السلام) من أحداث ما بعد وفاة الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله وسلم) و كيف غلّب مصلحة الاسلام، والمحافظة عليه فيقول (علیه السلام): (أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلانٌ، وَإنَّهُ لِیعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّی مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَا، ینْحَدِرُ عَنِّی السَّیلُ، وَلا یرْقَی

ص: 47

إلَی الطَّیرُ، فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً، وَطَوَیتُ عَنْهَا کَشْحاً، وَطَفِقْتُ أَرْتَئِی بَینَ أَنْ أَصُولَ بِیدٍ جَذَّاءَ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَی طَخْیهٍ عَمْیاءَ، یهْرَمُ فِیهَا الْکَبِیرُ، وَیشِیبُ فِیهَا الصَّغِیرُ، وَیکْدَحُ فِیهَا مُؤْمِنٌ حَتَّی یلْقَی رَبَّهُ. فَرَأَیتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَی هَاتَا أَحْجَی، فَصَبَرْتُ وَفِی الْعَینِ قَذیً، وَفِی الْحَلْقِ شَجاً، أَرَی تُرَاثِی نَهْباً، حَتَّی مَضَی الْأَوَّلُ لِسَبِیلِهِ ....)(1)، ومثله ترکه (علیه السلام) لفدك بيد من صادرها مسجلاً بشاعة ما ارتكبوه من غصب للحقوق ومصادرة لنصوص القرآن فيقول (علیه السلام): (بَلَى! كَانَت فِي أَيدِينَا فَدَكٌ مِن كُلّ مَا أَظَلّتهُ السّمَاءُ، فَشَحّت عَلَيهَا نُفُوسُ قَومٍ، وَ سَخَت عَنهَا نُفُوسُ قَومٍ آخَرِينَ، وَ نِعمَ الحَكَمُ اللّهُ. وَ مَا أَصنَعُ بِفَدَكٍ وَ غَيرِ فَدَكٍ، وَ النّفسُ مَظَانّهَا فِي غَدٍ جَدَثٌ، تَنقَطِعُ فِي ظُلمَتِهِ آثَارُهَا، وَ تَغِيبُ

ص: 48


1- نهج البلاغة - خطب الإمام علي (علیه السلام): محمد عبدة 1 / 30 - 32

أَخبَارُهَا، وَ حُفرَةٌ لَو زِيدَ فِي فُسحَتِهَا، وَ أَوسَعَت يَدَا حَافِرِهَا، لَأَضغَطَهَا الحَجَرُ وَ المَدَرُ، وَ سَدّ فُرَجَهَا التّرَابُ المُتَرَاكِمُ، وَ إِنّمَا هِيَ نَفسِيِ أَرُوضُهَا بِالتّقوَي لِتَأَتِيَ آمِنَةً يَومَ الخَوفِ الأَكبَرِ، وَ تَثبُتَ عَلَي جَوَانِبِ المَزلَقِ)(1).

2- الإيجابية، ويُتعرف عليها من خلال الابتعاد عن السلوك التخريبي، والسعي في تكوين شخصية منتجة فعالة تتفاعل مع الآخرين متمتعة بروح الغيرة على الآخرين، فيقول أمير المؤمنين (علیه السلام) في عهده لمالك (رضي الله عنه) منبهاً له على ذلك: (إِیَّاکَ وَمُسَامَاةَ اللَّهِ فِی عَظَمَتِهِ، وَالتَّشَبُّهَ بِهِ فِی جَبَرُوتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ یذِلُّ کُلَّ جَبَّارٍ، وَ یهِینُ کُلَّ مُخْتَالٍ)(2)، فإنَّ الامام یزرع في نفس الوالي خوفاً

ص: 49


1- نهج البلاغة - خطب الإمام علي (علیه السلام): محمد عبده، 3 / 70 - 72
2- نهج البلاغة: بن أبي الحديد، 17 / 33

من الله تعالى، ثم ينبهه إلى ضرورة العمل المنتج والابتعاد عن السلوك التخريبي ثمَّ يقول (علیه السلام): (أَنْصِفِ اللهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ، وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوىً مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ، وَمَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللهِ كَانَ اللهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ، وَمَنْ خَاصَمَهُ اللهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ، وَكَانَ لله حَرْباً حَتَّى يَنْزعَ وَيَتُوبَ. وَلَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللهِ وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَة عَلَى ظُلْم، فَإِنَّ اللهَ سَميِعٌ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِينَ، وَهُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الاْمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ، وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ، وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ، فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ، وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ...)(1) إنَّ التخويف من عاقبة الظلم إسلوب تربوي ساقه الإمام في المقام ووظَّفه في سياق عهده المبارك.

ص: 50


1- نهج البلاغة: بن أبي الحديد، 17 / 34

3- الإنفتاح على الآخرين من حيث أنَّ ذلك سمة عالية المضمون تُكسب المتحلي بها من الحاکمین رُشداً يستحق أن يوصف به.

إنَّ فتح قنواتٍ للحوار مع الآخرين ضرورة للتواصل مع أفراد المجتمع وخلق طرق للتواصل بين القائد والقاعدة، ويمكن أن ترصد مثل هذه الدعوى في عهد الإمام (علیه السلام) إذ يقول: (... فَلاَ تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِیَّتِكَ، فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلاَةِ عَنِ الرَّعِیَّهِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّیقِ، وَ قِلَّةُ عِلْمٍ بِالْأُمُورِ، وَ الاِحْتِجَابُ مِنْهُمْ یَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَهُ فَیَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْکَبِیرُ، وَ یَعْظُمُ الصَّغِیرُ، وَ یَقْبُحُ الْحَسَنُ، وَ یَحْسُنُ الْقَبِیحُ، وَ یُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ، وَ إِنَّمَا الْوَالِی بَشَرٌ لاَ یَعْرِفُ مَا تَوَارَی عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ، وَ لَیْسَتْ عَلَی الْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْکَذِبِ، وَ إِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَیْنِ: إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ فِی

ص: 51

الْحَقِّ، فَفِیمَ احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِیهِ، أَوْ فِعْلٍ کَرِیمٍ تُسْدِیهِ، أَوْ مُبْتَلًی بِالْمَنْعِ، فَمَا أَسْرَعَ کَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا أَیِسُوا مِنْ بَذْلِكَ! مَعَ أَنَّ أَکْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَیْكَ [م]ما لاَ مَئُونَةَ فِیهِ عَلَیْكَ، مِنْ شَکَاةِ مَظْلِمَةٍ، أَوْ طَلَبِ إِنْصَافٍ فِی مُعَامَلَهٍ...)(1).

4- الالتزام المقنن المازج بين الحلم والحزم فعن أبي الحسن موسی بن جعفر (علیه السام) قال: (يا هشام كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: ما عُبِد الله بشئ أفضل من العقل، وما تم عقل امرءٍ حتَّى يكون فيه خصال شتيَّ: الكفر والشر منه مأمونان، والرُّشد والخير منه مأمولان، وفضل ماله مبذول، وفضل قوله مكفوف، ونصيبه من الدُّنيا

ص: 52


1- تحف العقول: ابن شعبة الحراني، تصحیح و تعليق: علي أكبر الغفاري ط 2 1404 ه، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة ص 144

القوت، لا يشبع من العلم دهره، الذلُّ أحب إليه مع الله من العزِّ مع غيره، والتواضع أحب إليه من الشرف، يستكثر قليل المعروف من غيره، ويستقل كثير المعروف من نفسه، ويرى الناس كلهم خيراً منه، وأنَّه شرَّهم في نفسه، وهو تمام الأمر)(1).

إن الصَّفات التي تضمنها خطاب الإمام تكشف عن حزم وعطف کررها في عهده، وليست بالجديده على خطابات أهل البيت (عليهم السلام) فقد روي عن الإمام أبي جعفر (علیه السلام) عن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) قوله: (لا تصلح الإِمامة ألّا لرجلٍ في ثلاثِ خصالِ: ورع يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك به غضبه، وحسن الولاية على من يلي حتَّى يكون لهم كالوالد الرحيم، وفي رواية

ص: 53


1- الكافي: محمد بن يعقوب الكليني، تعليق علي أكبر غفاري، دار الكتب الاسلامية، ط 3، 1 / 18

أخرى حتَّى يكون للرَّعية كالأب الرحیم)(1)، ومثله في وصية النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) لأمير المؤمنین (علیه السلام) (ياعلي ثلاث من لم تكن فيه لم يقم له عمل، ورع يحجزه عن معاصي الله (عزَّوجلَّ)، وخُلق يداري به الناس، وحلم يرد به جهل الجاهل)(2)، وترجمها الإمام (علیه السلام) في عهده لمالك حينما يقول: (وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الَعَمْدِ وَالْخَطَاَ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ، وَ

ص: 54


1- الكافي: الكليني، 1 / 407
2- الخصال: الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، تصحیح علي اکبر غفاري، 1403 ه، نشر جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم، ص 125

وَالِي الْأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، وَاللهُ فَوْقَ مَنْ وَلاَّكَ! وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ، وَابْتَلاَكَ بِهِمْ)(1).

5- التوجّه المستمر نحو الكمال، فالحاكم الرَّشيد لا يقف عند حدٍّ بعينه من صور الكمال؛ بل يستمر في النزوع نحوه، فنجد في خطابات الإمام (علیه السلام) تحديداً سایکلوجيا يحدد فيه معالم الشخصية الرَّشيدة الحاكمة فيقول (علیه السلام) في جملة من خطاباته محدداً أوصاف الحاكم القائد الرشید، فمن تتوافر فيه هذه الصفات لا يمكن أن يترقَّی إلّا بعد التخلص منها ليقدر على الإدارة والقيادة:

(وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَایَنْبَغِی أَنْ یَکُونَ الْوَالِی عَلَی الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالْمَغَانِمِ وَالْأَحْکَامِ وَإِمَامَهِ الْمُسْلِمِینَ الْبَخِیلُ، فَتَکُونَ فِی أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ، وَلَا الْجَاهِلُ فَیُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ، وَلَا الْجَافِی فَیَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ، وَلَا الْحَائِفُ لِلدُّوَلِ فَیَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْمٍ، وَلَا الْمُرْتَشِی فِی

ص: 55


1- نهج البلاغة: محمد عبدة، 3 / 84

الْحُکْمِ فَیَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ وَیَقِفَ بِهَا دُونَ الْمَقَاطِعِ، وَلَا الْمُعَطِّلُ لِلسُّنَّهِ فَیُهْلِکَ الْأُمَّهَ)(1).

6- الاستعانة بالآليات المكمِّلة والمعينة على أداء عمله بإشراك أصحاب الرأي الحصيف والمشورة الحسنة من الصادقين وأهل الثقة فيقول (علیه السلام): (والصق بأهل الورع، والصدق ثم رضهم على ألا يطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله، فإن كثرة الاطراء تحدث الزهو، وتدني من العزة)(2)، وقال في موضع آخر مجملاً أهم الشروط المحددة للرُّشد السياسي لدى الحاكم بقوله: (وأعلم أنه ليس شئ بأدعى إلى حسن ظن وال برعيته من إحسانه إليهم، وتخفيفه المؤونات عليهم، وترك استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم. فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن

ص: 56


1- نهج البلاغة: محمد عبدة، 2 / 14
2- شرح نهج البلاغة: بن ابی الحدید، 17 / 44

برعيتك، فإن حسن الظن يقطع عنك نصبا طويلا، وإن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده، وان أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده)(1)، ثمَّ يؤكد على ضرورة تعرّف الحاكم على السنن الحميدة وعدم التجاوز عليها؛ لأن بنقضها فتح لباب لايصح فتحه فيقول (علیه السلام): (ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة، واجتمعت بها الألفة وصلحت عليها الرعية. لا تحدثن سنة تضر بشئ من ماضي تلك السنن، فيكون الاجر لمن سنها، والوزر عليك بما نقضت منها)(2)، ثم يحدد العقول الواجب الاستئناس بها بوصفهم مستشارين يأنس بآرائهم ويعينوه على ما هو قائم به فيقول (علیه السلام): (وأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ، ومُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ، فِي تَثْبِيتِ مَا

ص: 57


1- شرح نهج البلاغة: بن أبي الحديد، 17 / 47
2- شرح نهج البلاغة: بن أبي الحديد، 17 / 47

صَلَحَ عَلَيْه أَمْرُ بِلَادِكَ، وإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِه النَّاسُ قَبْلَكَ)(1)، وكذلك أوصى عامله بالاهتمام بوجهاء الناس وضرورة الاهتمام بذوي المروءات؛ لما في ذلك من تعزيز وتقوية للصلات بين عامة الناس، وما ينطوي عليه ذلك من بعد استراتيجي يضمن هدوء المجتمع واستقراره فنراه يوميء إلى طبقات المجتمع وحسن التعامل معهم بشتَّى تصانيفهم.

الخلاصة من كلَّ ما تقدَّم تتجلَّى بوضوج أهمية بناء الرُّشد السياسي لدى الحاكم، وإنَّ غيابه يجر على الأمة الويلات ويُكسبها إنحداراً ومزالق صعبة قد يستعصي في بعض الأحيان معالجتها.

ص: 58


1- شرح نهج البلاغة: بن ابی الحدید، 17 / 47

المصادر

القرآن الكريم

1. الأم: محمد بن إدريس الشافعي، ط دار الفكر للطباعة، ط 1، 1400 ه.

2. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ناصر مکارم الشيرازي، ط: مدرسة الامام علي بن أبي طالب، 1412 ه.

3. أصول المحاضرات: کامل الهاشمي، مؤسسة أم القری، 1425 ه.

4. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار: محمد باقر المجلسي، تح: محمد الباقر البهبودي ط: 1403، 3 ه، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

5. تاج العروس من جواهر القاموس: محمد بن مرتضى الحسيني الزبيدي، تح: علي شيري، دار الفکر بیروت، ط: 1414 ه.

6. التبيان في تفسير القرآن: أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، دار إحياء التراث العربي.

7. التحرير والتنوير: محمد بن طاهر بن عاشور، بلا

ص: 59

طبعة.

8. تحف العقول: ابن شعبة الحراني، تصحیح و تعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة ط 2 1404 ه.

9. الخصال: الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، تصحیح علي أكبر غفاري، ،نشر جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم 1403 ه.

10. تفسير المراغي: أحمد بن مصطفی، دار إحياء التراث العربي.

11. جامع البيان في تفسير القرآن: أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، دار المعرفة، 1412 ه.

12. الدر المنثور في التفسير بالمأثور: جلال الدين السيوطي، الناشر مكتبة آية الله المرعشي، 1404ه.

13. روح المعاني: محمود الآلوسي، دار الكتب العلمية، 1415 ه.

14. شرح رسالة الحقوق: حسن السيد علي القبانجي، ط 2، 1406 ه، مؤسسة إسماعیلیان.

15. شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد، مصادر تح: محمد أبو الفضل إبراهیم دار إحياء الكتب العربية -

ص: 60

عيسى البابي الحلبي

16. عيون الحكم والمواعظ: علي بن محمد الليثي الواسطي، ط: دار الحديث ط 1.

17. الفروق اللغوية: أبو هلال العسكري، تح: مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1، 1412 ه.

18. الكافي: محمد بن يعقوب الكليني، تعليق علي أكبر غفاري، دار الكتب الإسلامية، ط 3.

19. الكشف والبيان: أحمد بن إبراهيم الثعالبي، دار إحياء التراث العربي، 1422 ه.

20. لسان العرب: جمال الدين محمد بن مکرم، نشر أدب الحوزة، قم، ط: 1405 ه.

21. المبسوط في فقه الإمامية: أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، تح: محمد تقي الكشفي، المكتبة المرتضوية.

22. مجمع البحرين: فخر الدين الطريحي، تح: أحمد الحسيني مكتب النشر الثقافي الإسلامي ط 1408 ه.

23. مجمع البيان في تفسير القرآن: أبو علي الفضل بن

ص: 61

الحسن الطبرسي، منشورات ناصر خسرو.

24. معجم مقاییس اللغة: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زکریا، تح: عبد السلام محمد هارون، ط دار الفكر 1979 م.

25. مفاتح الغيب: أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي، دار إحياء التراث العربي، 1420 ه.

26. مفردات ألفاظ القرآن الكريم: الراغب الأصفهاني، تح: صفوان عدنان عوادي، ط 2، 1427 ه، الناشر طليعة النور.

27. میزان الحکمة: محمد الريشهري، دار الحدیث، ط 1 التنقيح الثاني 1416 ه.

28. النهاية في غريب الحديث: ابن الأثير، مؤسسة إسماعيليان، ط 1346 ه ش.

29. نهج البلاغة: شرح محمد عبدة، دار الذخائر.

30. نهج السعادة: محمد باقر المحمودي ط 1، 1387 - 1968 م، مطبعة النعمان - النجف الأشرف، مؤسسة التضامن الفكري ت،

31. وسائل الشيعة: محمد بن الحسن الحر العاملي، ط: الإسلامية.

ص: 62

المحتويات

مقدمة المؤسسة...5

مقدمة...9

المحور الأول مفاهیم مفردات البحث:...11

الرشد في اللغة:...12

الرشد في الإصطلاح...15

الرشد شرعاً...15

السّياسة في اللغة...20

السياسة في الاصطلاح...21

الحاكم:...24

المحور الثاني: غياب الرّشد السّياسي بين التشخيص وأثاره السلبية على المحكومين...26

المؤشّر الأول:...27

المؤشّر الثاني...32

المؤشّر الثالث...38

المحور الثالث: حضور الرّشد السياسي وآلياته...46

المصادر...59

ص: 63

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.