المشکلة الجنسية و کيفية السيطرة علی الغرائز

هویة الکتاب

المشکلة الجنسية و کيفية السيطرة علی الغرائز

الكاتب: آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي

لسان: العربية

الناشر: دار الصادقين - النجف اشرف - العراق

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

المشکلة الجنسية و کيفية السيطرة علی الغرائز

ص: 4

الفصل الأول: الزواج والمشكلة الجنسية

اشارة

الفصل الأول: الزواج والمشكلة الجنسية(1)

ص: 5


1- محاضرة لسماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) ألقاها بمناسبة ذكرى زواج أمير المؤمنين من الزهراء عليهما السلام ألقيت بتأريخ 1 /ذي الحجة/ 1423 ه - الموافق 2003/2/3 م على طلبة جامعة الصدر الدينية بعد منع سماحته من دخول مسجد الرأس الشريف.

ص: 6

الفساد الأخلاقي من أوضح سمات الجاهلية:

من أوضح سمات حالة الجاهلية - بحسب التعبير القرآني(1) - التي تتردى إليها البشرية كلما ابتعدت عن المنهج الإلهي، هو انتشار الفساد والانحلال الخلقي والعودة إلى الهمجية الحيوانية والانفلات من كل المعايير الإنسانية (وقد فصلت الكلام في ذلك في كتاب شكوى القرآن)(2) وقد بلغ أوجه في جاهلية القرن الحادي والعشرين، ساعدهم على ذلك الرقي المادي والتكنولوجي

ص: 7


1- (أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة: 50).
2- راجع فصل (جاهلية اليوم) من كتاب (شكوى القرآن).

وتطور وسائل الإعلام وارتباط المعمورة كلها بشبكة الاتصالات العالمية (الانترنت)، فسخروا كل هذه الأدوات الجبارة بما تمتلك من فن وإثارة وانشداد وانجذاب لتمييع الأخلاق وتدمير أية مقاومة نفسية يمتلكها الإنسان لضبط الشهوات والميل إلى إشباعها.

ولم يسلم شعبنا من ذلك، فدخلوا إليه من كل باب ونافذة كالأفلام التلفزيونية - التي تجاوزت الحد في نشر الخلاعة والمجون - والصحف والمجلات والسينما والفيديو كاسيت والأقراص الليزرية، حتى أبسط الأشياء سخروها لذلك؛ فإذا فتحت غلاف قطعة حلوى وجدت صورة مثيرة وعلى علبة الشخاط كذلك، أما الموجود على أغلفة الألبسة النسائية وعلب الشامبو وغيرها

ص: 8

فقد ملأت الأسواق وانتشرت الصور الفاضحة في كل مكان حتى في المدن المقدسة.

موقفنا أمام التحديات الأخلاقية:

أمام هذه الهجمة الكاسحة التي لا تبقي ولا تذر والتي لا يستطيع أن يصمد أمامها إلاَّ من عصم الله ماذا سيكون موقفنا؟

هل التفرج والاكتفاء بقول (لا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم) من دون العمل بحقيقتها ولعن الفساد والمفسدين؟

هذا لا يكفي بالتأكيد فقد نص القرآن الكريم على ذلك بقوله:(وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (الأنفال: 25)، وإنما تكوي بنارها حتى الذين لم يباشروا الفساد لكنهم سكتوا عنه ولم يفعلوا ما يستطيعون لدفعه وحماية المجتمع

ص: 9

منه، وقد اطلع الكثير منكم على الرواية التي قصّت خبر أحد الأنبياء الذي أوحي إليه ربه، فعن الإمام الباقر عليه السلام: (أوحى الله تعالى إلى شعيب النبي: إني معذب من قومك مائة ألف: أربعين ألفاً من شرارهم وستين ألفاً من خيارهم، فقال: يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عز وجل إليه: داهنوا أهل المعاصي فلم يغضبوا لغضبي)(1).

لذا كان من أعظم الفرائض الإلهية، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وورد في الأحاديث ما يبين قيمة هذه الفريضة ودورها في إنشاء المجتمع الفاضل الكامل، فقال الإمام الباقر عليه السلام في صفة هذه الفريضة الإلهية: (فريضة عظيمة بها تقام6.

ص: 10


1- الكافي: ج 5 ص 56.

الفرائض وتأمن المذاهب وتحلّ المكاسب وترد المظالم وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر)(1) ، فإذا كانت كل هذه البركات موجودة في هذه الفريضة فلماذا التقاعس عن أدائها؟! وإذا ضممنا إليها الآية الشريفة:(وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر: 3) خرجنا بنتيجة هي تكليفنا الشرعي أمام الله ورسوله وأمير المؤمنين وإمام العصر والزمان وهي ألاَّ نقف مكتوفي الأيدي أمام حالات الانحراف والفساد بل ننكرها ونعمل على إزالتها ونتعاون على إيجاد الحلول الشرعية لها، وحينئذ يمكننا أن نطمع بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم6.

ص: 11


1- وسائل الشيعة: كتاب الجهاد، أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، باب 1، ح 6.

وأهل بيته الطاهرين:(وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة: 105).

وجوب مقاطعة كل وسائل الانحراف:

وقد ذكرنا في أكثر من مناسبة وجوب مقاطعة كل وسائل الانحراف والفساد التي اشرنا إليها آنفاً ومقاطعة كل من يتعامل بها ويروجها والتشهير به إن أصر على العناد والعصيان.

الزواج المبكر هو البديل الصالح:

لكن الذي أريد أن اهتم ببيانه الآن هو التعاون على إيجاد وتوفير البديل الصالح انطلاقاً من الحكمة المشهورة: (أشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام ألف مرة)، والحل هو تشجيع الزواج المبكر فان فيه فوائد جمة:

ص: 12

فوائد الزواج المبكر:

الفائدة الأولى: تحقيق الاستقرار النفسي والطمأنينة والسعادة، فان كلا من الجنسين يشعر أن كمال حياته بالاتصال بالجنس الآخر.

الفائدة الثانية: التكاثر والإنجاب مما يحفظ ذكر الشخص والنوع الإنساني عموماً، وتكثير المؤمنين الموحدين وجنود الإمام المنتظر (أرواحنا له الفداء)، فعن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلاً، لعل الله يرزقه نسمة تثقل الأرض ب - لا اله إلاّ الله)(1).

ص: 13


1- وسائل الشيعة: كتاب النكاح، أبواب مقدمات النكاح وآدابه، باب 1، ح 3.

الفائدة الثالثة: الشركة والتعاون على مسؤوليات الحياة، حيث يقتسمها الزوجان وأولادهم في حالة الكبر، فعلى الزوج العمل والكسب وقضاء حوائج الأسرة، وعلى الزوجة رعاية البيت والأسرة والزوج، وعندما يكبر الأولاد يعينونهما ويرفعان عن كاهلهما الكثير من المسؤوليات.

الفائدة الرابعة: تحصيل المكاسب الدنيوية والأخروية المترتبة عن الزواج.

فمن الدنيوية زيادة الرزق، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اتخذوا الأهل؛ فإنه أرزق لكم)(1).

ومن الأخروية الثواب، فعن أبي عبد الله عليه السلام: (ركعتان يصلّيهما المتزوج خير من سبعين ركعة5.

ص: 14


1- المصدر السابق، ح 5.

يصليها أعزب)(1) ، وعن أبي عبد الله عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من تزوج أحرز نصف دينه)(2) ، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما بني بناء في الإسلام أحب إلى الله عز وجل من التزويج)(3).

ومن الفوائد الأخروية أيضاً: إدخال السرور على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإحياء سنته وتكثير أمته، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: تزوجوا فإنّي مكاثر بكم الأمم غداً في القيامة، حتى أن السقط يجيء مُحْبَنْطِأً على باب الجنة، فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: لا، حتى يدخل أبواي الجنة قبلي)(4).2.

ص: 15


1- المصدر السابق: باب 2، ح 1.
2- المصدر السابق، باب 1، ح 11.
3- المصدر السابق، ح 4.
4- المصدر السابق: ح 2.

الفائدة الخامسة: حماية النفس من الوقوع في الانحراف الجنسي وتجنيب المجتمع الكثير من الجرائم التي لو فتشت عنها لوجدت أن السبب هو الحرمان الجنسي.

الفائدة السادسة: اكتمال شخصية كل من الجنسين بالزواج، فإن من مقومات الشخصية الاجتماعية الزواج والعمل وغيرهما.

لهذه ولغيره مما يعلم الله سبحانه ورد التأكيد الشديد على الزواج والتبكير به، ففي الحديث: (من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته في بيته)(1) ، وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (تزوجوا؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أحب أن يتبع سنتي فإن من سنتي1.

ص: 16


1- المصدر السابق: باب 23، ح 1.

التزويج)(1) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أحب أن يلقى الله طاهراً فليلقه بزوجة)(2) ، وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: جاء رجل إلى أبي عليه السلام فقال له: هل لك من زوجة؟ قال: لا، فقال أبي: ما أحبّ أن لي الدنيا وما فيها وأني بتُّ وليست لي زوجة، ثم قال: الركعتان يصليهما رجل متزوج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره، ثم أعطاه أبي سبعة دنانير، ثم قال: تزوج بهذه)(3) فترى الإمام عليه السلام يعطي من ماله ليعين غير القادرين على الزواج.4.

ص: 17


1- المصدر السابق، باب 1، ح 6.
2- المصدر السابق، ح 15.
3- المصدر السابق، باب 2، ح 4.

الزواج سنة رسول الله: صلى الله عليه وآله وسلم

أفبعد كل هذا أحتاج إلى أن أقول شيئاً لتشجيع الزواج والحث عليه؟

هذه هي سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا هو الموقف الشرعي، لكن الشيطان وأولياءه الذين يعلمون أن إشاعة الفوضى الجنسية أقوى وسائلهم لتدمير النظام الاجتماعي للشعوب، وبالتالي إركاعها وإخضاعها لأرادتهم، كما عبر البروفسور (ريتشارد كروسمان) المسؤول السابق لقسم الحرب النفسية في بريطانيا: (إن هدف هذه الحرب تحطيم أخلاق العدو وإرباك نظرته السياسية، ودفن جميع معتقداته ومُثُله التي يؤمن بها، والبدء

ص: 18

بإعطائه الدروس الجديدة التي نودُّ إعطاءها له، ليصار بالتالي إلى أن يعتقد بما نعتقد به نحن)(1).

إنهم يريدون أن نسقط بالهاوية:

والدروس الجديدة التي يعطونها هي بهيمية الجنس المتحرر من كل المعايير الإنسانية والأخلاقية التي سقطوا بها هم وأذلت أعناقهم، حتى إن مثل (كلينتون)(2) رئيس أكبر دولة في الغرب المادي قبل الرئيس الحالي يحاكم علناً بفضيحة جنسية! وأصبح من السهل الحصول على أهم أسرار الدولة بإرسال جاسوسة حسناء!!

ص: 19


1- راجع كتاب (نحن والغرب) في فصل (ما هو تكليفنا في الصراع الحضاري).
2- بيل كلنتون: رئيس الولايات المتحدة الأمريكية لدورتين من 1992-2000.

إنهم يريدون أن نسقط في الهاوية كما سقطوا (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً) (النساء: 89)(وَ لَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَ لاَ النَّصارى حَتّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة: 120) وقد صدّروا إلينا هذه البضاعة الكاسدة من خلال الأفلام والمسلسلات والصور التي ملأت منتوجاتهم الصناعية، أو باسم الرياضة تارة والفن أخرى أو ملكات الجمال أو عارضات الأزياء، فالأساليب متعددة ولكن النتيجة واحدة، وهي: (إرباك العدو ودفن جميع معتقداته) كما نقلنا لك قبل قليل عن قادتهم.

ولم يكتفوا بذلك بل وضعوا لنا أعرافاً وتقاليدَ ونظماً للحياة، فيجب على الزوج أن يفعل كذا وكذا، مما يجعل من الصعب أن يحظى كل جنس

ص: 20

بالجنس الآخر بالطريقة المشروعة، ليسدّوا عليه منافذ الحلال ويسقط رغم إرادته في الحرام الشنيع.

كل هذا ونحن مطيعون تابعون لهم قد خدعتنا تكنولوجيتهم، ولم نستطع التفريق بين أخلاقهم وعلمهم حتى نأخذ الحسن منهم ونترك لهم قبائحهم.

آن الأوان أن نعود الى الله تعالى:

وقد آن الأوان أن نعود إلى الله تبارك وتعالى، وإلى إسلامنا الذي أنزله الله تبارك وتعالى رحمة للإنسانية وشفاء لأمراضها ودواء لعللها (وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (الأنبياء: 107)، وإذا كنا من قبل مغرورين بهم فقد انكشفت الأوراق وبانت الحقائق وزيف ما يدّعون، وبدأوا هم يعانون من ويلات حضاراتهم المادية ويطالبون

ص: 21

بإفشاء القيم الروحية ونشر تعاليم السماء بعد أن فشلت كل قوانينهم وإجراءاتهم في الحد من الأمراض الجسدية والأمراض الاجتماعية:

أما الجسدية فعلى رأسها مرض نقص المناعة (الإيدز) الذي يفتك بحياة الملايين منهم، والشرق المسلم خالٍ منه بفضل سيادة شريعة الله.

وأما الأمراض الاجتماعية حيث انتشرت عندهم الجريمة والاغتصاب الجنسي وحوادث الانتحار، وقد دلت الإحصائيات الأخيرة في الولايات المتحدة ازدياد نسبة جرائم القتل والسطو المسلح والاغتصاب الجنسي بمقدار يزيد عن 50% في بعضها، فما هو الحل؟

وللإجابة أقول: إنني قد نبهت في كتاب (شكوى القرآن) إلى أن مما يستفاد من طريقة القرآن في

ص: 22

الهداية والإصلاح على صعيد النفس والمجتمع: معالجة العلل والأسباب للانحراف وإعطاءه الأهمية أزيد من معالجة الانحراف نفسه، وهو بالضبط ما يفعله أطباء الجسد، فمن الخطأ أن تعالج أعراض المرض من دون أن تشخص العلة وتعطي الجرعة المناسبة لإزالتها.

وقد حللّت في مناسبة سابقة أسباب الانحراف الجنسي وشيوع الصحف والمجلات وأشرطة الفيديو والأقراص الليزرية التي تتضمن صوراً خلاعية وأصبح التعامل بها رائجاً سواء على نحو البيع والإجارة أو الاستعارة، وقلت إن وراء ذلك عدة أسباب:

ص: 23

أسباب الانحراف الجنسي:

1 - ضعف الوازع الديني ونقص التربية الأخلاقية والعقائدية، وهؤلاء الذين يشيعون الفاحشة ويضعون العراقيل في طريق إقامة السنة الشريفة وتطبيق شريعة الله تبارك وتعالى في حياة الناس، وإن كانوا يسمون أنفسهم مسلمين إلا أنهم ليسوا كذلك حقيقة، وإلاَّ لانعكس على سلوكهم وتصرفاتهم (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (الحجرات: 14)، وإنما هم يعبدون الشهوات وهوى النفس ويطيعون غرائزهم من دون الله تعالى:(أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللّهُ عَلى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللّهِ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ) (الجاثية: 23)، فهل يعد مسلماً

ص: 24

من يخير بين طاعة الله وطاعة الشيطان فيختار طاعة الشيطان؟!.

2 - الكساد الاقتصادي وقلة فرص العمل(1) ، مما حدا بالبعض في أن يفكر بأي طريقة للكسب وتحصيل المال ولو كان بطرق غير مشروعة، وهذه المجلات وأمثالها تدر عليهم أرباحاً كثيرة.

3 - ارتفاع تكاليف الزواج وكثرة معوقاته الاقتصادية والاجتماعية والنفسية(2) ، مما أدى إلى تعطيل هذه السنة الشريفة، فراح الشباب يحاولون التنفيس عن كبتهم الجنسي وإشباع شهواتهم بشتى الطرق المتيسرة، ولو كانت محرمة، فشاعتى.

ص: 25


1- المحاضرة ألقيت في زمن النظام المقبور حيث كان الشعب يعاني من الحصار الاقتصادي.
2- سيأتي تفصيلها في ما يأتي إن شاء الله تعالى.

العلاقات غير الشريفة والشذوذ الجنسي واستعمال العادة السرية واقتناء المجلات والروايات المثيرة للشهوة الجنسية والصور الخليعة للفاسقات.

4 - التقصير في أداء وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى أصبح المجتمع كما وصفه الإمام الحسين عليه السلام: (ألا ترون إلى الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه)(1) فأصبح المعروف منكراً

ص: 26


1- من كلام الإمام الحسين عليه السلام لأصحابه حينما لقيه الحر بن يزيد الرياحي حيث جمع الإمام عليه السلام أصحابه وقام فيهم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه وذكر جده فصلى عليه، ثم قال: إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها.. ولم تبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالراعي الوبيل، ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً فإني لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً. (منتهى الآمال: ج 1، الفصل السابع).

والمنكر معروفاً، وفي مقابل انسحاب صوت الحق والفضيلة تجد أدوات الرذيلة منتشرة وعلى مختلف الأصعدة، مما جعل الأعمال الشنيعة مستساغة ولا بأس فيها ولا يستنكرها أحد من المؤمنين فضلاً عن غيرهم.

5 - الفراغ الذي يعيشه الشباب نتيجة فقدان ما يمكن أن يملي عليه حياته ويأنس بممارسته، كالهوايات النافعة النزيهة أو الشعائر الدينية وبعض المراسيم الاجتماعية النظيفة.

هذه بعض الأسباب وراء شيوع الفاحشة والانحراف الجنسي والتي تعمل على تغذيتها أيدٍ خبيثة لا تريد الخير للمجتمع، وسخّرت لذلك).

ص: 27

أدوات عديدة، فماذا علينا أن نفعل؟ هل نكتفي بسب وشتم ولعن من يقف وراء ذلك وكفى الله المؤمنين القتال ونلوم الزمان والدنيا على الحال الذي آلت إليه؟ أم نقف بحزم وشجاعة وتجرد من الأنانية وبكل عطف وحب ورحمة لنمد يد العون إلى الشخص المنحرف اليائس المسكين حتى ننقذه من مخالب الشر التي مزقت أعصابه ونكدت عيشه وسلبت راحته وطمأنينته وتركته عرضة للأمراض الروحية والنفسية والاجتماعية؟

الحل والعلاج للمشكلة الجنسية:

وإن الحلول تبدو قريبة منا ما دمنا قد شخصنا مناشئ العلة والداء، ومن تلك الحلول:

1 - اهتمام الخطباء وأئمة المساجد وطلاب الحوزة الشريفة وكل المثقفين والواعين المخلصين بتربية

ص: 28

المجتمع أخلاقياً وعقائدياً، حتى يعيشوا مع الله تبارك وتعالى في كل تفاصيل حياتهم، ومحاولة سد كل نقص في هذا المجال وتوفير الكتب والنشرات التي تبني ذات المؤمن وتحصنه، وتبصير الناس بأخطاء هذه المنكرات وقبيح آثارها الصحية والنفسية والاجتماعية والدينية، وتشجيع سبيل المعروف والترغيب فيه، ونشر الأحاديث الشريفة التي تحث عليه، وها هي الولايات المتحدة منبع الشر والرذيلة بعد أن عجزت عن مكافحة الأمراض الناشئة من الممارسات الجنسية غير المشروعة وعلى رأسها (الإيدز) أعلنت أن أفضل علاج له هو بث التعاليم الأخلاقية والروحية وهو إحياء الشعور الديني في مواطنيها.

2 - تعاون الجميع على تشجيع الزواج وتذليل صعوباته، فيشارك أولياء الأمور بتخفيف المهور

ص: 29

وتكاليف الزواج والاكتفاء بشروط الزواج التي جعلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي الدين والعقل أي حسن التصرف وطيب المعاشرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا رضيتم من الرجل عقله ودينه فزوجوه، إلاَّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)(1) ، وعدم الاكتراث بالتقاليد والأعراف والضغوط الاجتماعية التي زرعها أولياء الشيطان لتعطيل هذه السنة المباركة، وعلى الحوزة الشريفة أن تساهم بما تستطيع في دعم مشاريع الزواج، وعلى جميع أهل المعروف السعي بالجمع بين المؤمنين والمؤمنات على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ففي الحديث: (أفضل الشفاعات أن يشفع1.

ص: 30


1- وسائل الشيعة: كتاب النكاح، أبواب مقدمات النكاح وآدابه، باب 28، ح 1.

بين اثنين في نكاح حتى يجمع شملهما)(1) ، فلتتظافر كل هذه الجهود لتشييد كيان الأسرة المؤمنة التي هي نواة المجتمع الإسلامي الصالح المؤهل لنصرة الإمام (عجل الله فرجه) واحتضان دولته المباركة، وفي الحديث: (ما بني بناء في الإسلام أحب إلى الله تعالى من التزويج)(2).

3 - على التجّار وأصحاب الأموال والمتمكنين مادياً توفير فرص العمل بأي صيغة مناسبة، كالمضاربة وإنشاء المصانع والمعامل وورش الحرف والمحال التجارية، وأن يفكروا بتحريك عجلة الاقتصاد للمجتمع، وتشغيل الأيدي العاملة حتى يجدوا لقمة العيش ويكتفون اقتصادياً وتستقر حياتهم أكثر من تفكيرهم بزيادة مدخولهم المادي وثرائهم4.

ص: 31


1- المصدر السابق، باب 12، ح 1.
2- المصدر السابق، باب 1، ح 4.

الفاحش، بحيث لو عرض عليهم - أي أصحاب الأموال - مشروعان؛ أحدهما كثير الربح ولا يحتاج لأيدٍ عاملة، والثاني أقل منه ربحاً إلاّ أنه يشغل أيدي عاملة أكثر، فعليه اختيار الثاني ولا يجعل روح الأنانية تسوده فيزداد ثراؤه على حساب عدد من الجياع، فكيف يهنأ بالعيش وحوله (من لا عهد له بالشبع ولا طمع له بالقرص)(1) فضلاً عن غيره كما يصفهم أمير المؤمنين عليه السلام، بينما إذا وفر فرصة عمل واحدة انطبق عليه الحديث: (من فرَّج عن مؤمن كربته فرج الله عن قلبه يوم القيامة)(2).2.

ص: 32


1- نهج البلاغة: ج 3، من كتاب أمير المؤمنين (ع) إلى عثمان بن حنيف الأنصاري وهو عامله على البصرة.
2- الكافي: 2006/2.

4 - تكثير البدائل التي تشغل حياة الإنسان وتملأ فراغه، كإقامة الشعائر الدينية والمجالس الحسينية والحث على الحضور في المساجد والمشاركة في المناسبات الدينية وإقامة المنتديات والمسابقات والمحاضرات الثقافية والعلمية وتبادل اللقاءات والزيارات مع المؤمنين وتشجيع السفرات الجماعية لزيارة العتبات المقدسة أو للترفيه والنزهة وممارسة الرياضات النزيهة والشريفة التي تسلي النفس وتزيل الهم وتقوي العلاقات وتبادل الكتب والإصدارات النافعة، وإذا تعسّر شراؤها فيمكن اشتراك مجموعة بشراء الكتب تدريجياً حتى تتكون مكتبة ملكاً للجميع.

فهذه عدة فقرات وأعمال اجتماعية أجدكم جميعاً مسؤولين عن تنفيذها، وأخص بالمسؤولية طلبة الحوزة الشريفة ووكلاء المرجعية، فليعمل كل

ص: 33

منهم سجلاً يكتب فيه هذه الوظائف ويحاسب نفسه باستمرار على مقدار ما أدى منها، والمجتمع رقيب عليه فيتابع عليه قيامه بالمسؤولية وأداءه الرسالة الملقاة على عاتقه، ومن دون هذه الرقابة المتبادلة لا نستطيع أن نتعامل ونسير في طريق رضا الله تبارك وتعالى ونصرة الإمام الموعود (عجل الله فرجه)، قال تعالى:(وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر: 3)، وقال تعالى:(وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (التوبة: 71)، وفي الحديث الشريف: (المؤمنون كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)(1) ، وهكذا المؤمنون إذا مرَّ أحد بضائقة أو مشكلة أواحتاج0.

ص: 34


1- بحار الأنوار: 142/20.

إلى شيء فعلى الجميع أن يبادروا إلى مساعدته وقضاء حاجته.

مشكلة العزوف عن الزواج:

وبعد هذا الطرح العام لمشكلة الفساد الأخلاقي والانحراف الجنسي أريد أن أتناول قضية محددة تهدد كياننا الاجتماعي والديني وتنذر بالخطر، ألا وهي العزوف القهري أو الاختياري عن الزواج، ولو أجرينا دراسة إحصائية لعدد من الشباب والشابات غير المتزوجين وهم في سن الزواج لكانت النتائج مثيرة للرعب، فأين أنتم أيها الغيورون على دين الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القائل: (النكاح سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني)(1) ، ألم تسمعوا بهذا الحديث الشريف

ص: 35


1- بحار الأنوار: 124/22.

أنه يؤتى يوم القيامة بأناس لهم أعمال مثل الجبال تزفها الملائكة، فيأمر الله بهم إلى جهنم، فيقال له: لِمَ ذلك؟ فيقول تبارك وتعالى: إنهم كانوا لا يغضبون لي عندما أعصى. فاغضبوا لله أيها المؤمنون، واعملوا ما بوسعكم لإصلاح مجتمعكم وحمايته من الانحراف.

إحصائيات عن العزوف عن الزواج:

وأنقل لكم نتائج هذه الإحصائية التي أجراها شخص غيور على عينات عشوائية في جامعة البصرة ومستشفى أبي الخصيب وفي أسرته وبعض أقربائه لتطلعوا على حجم الكارثة.

ففي الدائرة القانونية في جامعة البصرة توجد (20) من أصل (25) امرأة غير متزوجة فوق سن (25) سنة.

ص: 36

وفي مستشفى أبي الخصيب (19) امرأة فوق سن (24) سنة كلهن غير متزوجات، وفي شعبة الإحصاء (5) من (5)، وفي شعبة المذخر (3) من (3)، وفي شعبة الصيدلة (4) من (5)، وفي شعبة الحسابات (3) من (4).

أما في الجامعة، ففي المرحلة الرابعة توجد اثنتان فقط متزوجات من أصل (180) لسنة 2001 وعمر المرحلة الرابعة هو (22) سنة على الأقل.

أما في البيوت، فلا يخلو بيت من امرأة تصل إلى العشرين بدون زواج. أما على صعيد الذكور فأصبح من المألوف أن تجد عدداً من الشباب في كل بيت تجاوز سن الخامسة والعشرين وهم بلا زواج.

ص: 37

أسباب المشكلة:

فما هي أسباب هذه المشكلة الاجتماعية التي يتألم لها قلب الإمام عجل الله تعالى فرجه ويعتصر حرقةً وكيف نعالجها؟

وأعرض بين أيديكم بعض ما خطر بذهني القاصر من أفكار، عسى أن تكون فاتحة خير لكم لتنطلقوا منها نحو أفكار جديدة والمساهمة في تطبيقها:

معوقات الزواج المبكر:

المانع الأول: الاقتصادي، فإن المجتمع يمرُّ بحصارٍ(1) جائر وعدوان ظالم وأصبح تدبير الضروريات كالغذاء والدواء أمراً عسيراً فضلاً عن

ص: 38


1- الحصار الشامل الذي فُرض على العراق بقرارات من مجلس الأمن الدولي بعد غزو صدام للكويت عام 1990.

غيره، كما أن فرص العمل قليلة بسبب توقف الكثير من النشاطات الاقتصادية، فازداد عدد العاطلين عن العمل أو الذين لا يفي مردودهم المادي بسدِّ احتياجاتهم مما يسمى بالبطالة المقنعة، وهذا كله صحيح وواقع لا يمكن إنكاره، ولكن يمكن معالجته بعدة أمور:

الأمر الأول: إنشاء صندوق خيري في كل مدينة ومنطقة، ولنطلق عليه اسم صندوق (الزواج رحمة)(1) نظير ما هو متداول عند العشائر للصرف على الفواتح وديات القتل وشؤون أخرى، ونظيرى.

ص: 39


1- أسس سماحة الشيخ (دام ظله) هذا الصندوق وموّله وأنشأ مصنعاً في بغداد لتوفير غرف النوم للراغبين في الزواج، واعتمد وكلاء له في عدة محافظات، مما ساهم في تزويج الكثير من الشباب بفضل الله تبارك وتعالى.

الصندوق الذي تخصص وارداته لشعائر الحسين عليه السلام وغيرها، ويمكن وضع الضوابط التالية للصندوق:

1 - يشرف عليه وكيل المرجعية في تلك المدينة وينضم إليه بعض الوجهاء المتدينين.

2 - يتكفل الصندوق بتأمين كل مستلزمات الزواج من أخشاب وملابس وحلي ذهبية وغيرها، ولكن بالمعروف والمتوسط.

3 - يتفق المشرفون عليه مع عدد من التجار وأهل الحرف والمهن كالنجار والصائغ وبائع الأقمشة وبعض الجمعيات التعاونية والاجتماعية لتوفير مستلزمات الزواج بصيغة معينة لتسديد الأموال بأسعار مدعومة.

ص: 40

4 - يتم تمويل الصندوق من الحقوق الشرعية التي تصل إلى الوكيل، أو تقدمه الحوزة الشريفة لأجل هذا المشروع، أو من تبرعات المحسنين الغيورين على الدين والمجتمع، ومن اشتراكات الشباب أو أولياء أمورهم الراغبين في الاستفادة من الصندوق ويلاحظ في مقداره أن يكون بسيطاً ك - (5) آلاف دينار شهرياً.

5 - يكون المبلغ الذي يصرفه الصندوق قرضاً على الشاب المستفيد منه، يسدده بأقساط شهرية مريحة على مدى (15-20) شهراً، ويكون أول قسطين منه هدية لزواجه، وقسط آخر عندما يرزق بأول مولود، وتكون الاشتراكات التي دفعها بمثابة أقساط قد سددها مسبقاً.

ص: 41

الأمر الثاني: التزام الناس بدفع ما بذممهم من حقوق شرعية، فإنها كافية لسد احتياجات المجتمع، وقد ورد عن الأئمة أن الناس لو دفعوا ما عليهم من حقوق شرعية لما بقي فقير، هذا غير الحث الشديد على الإنفاق المستحب، وقد بحث الموضوع بشكل تفصيلي في كتاب (حبس الحقوق الشرعية من الكبائر)(1) (.

الأمر الثالث: أن يفكر أصحاب رؤوس الأموال بإيجاد فرص عمل للعاطلين والمساهمة في مشاريع5.

ص: 42


1- وهو السابع من سلسلة (نحو مجتمع نظيف) ويشمل نص المحاضرة التي ألقاها الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) والتي تمثل الشكوى الثانية للإمام (عج) بعنوان (حبس الحقوق الشرعية من الكبائر). وهي منشورة في كتاب خطاب المرحلة: ج 1 ص 425.

اقتصادية تحرك الناس وتؤدي إلى معالجة وضعهم الاقتصادي المتردي وقد تقدمت الإشارة إليه.

الأمر الرابع: تقليل المهور والاكتفاء بضروريات الحياة، فليس الزواج عملية تجارية مربحة حتى تستغلّ أسوأ استغلال، وقد جعلت الأحاديث من بركة المرأة قلة مهرها، ومن شؤمها غلاء مهرها، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل نساء أمتي أصبحهن وجهاً وأقلهن مهراً)(1).

المانع الثاني: الاجتماعي، فقد تبنت بعض شرائح المجتمع أعرافاً وتقاليدَ وأحكاماً بعيدة عن الشريعة:3.

ص: 43


1- مرآة الكمال للمامقاني: ج 2، نقلاً عن التهذيب: 7، ب 43.

فمنها: أن الكثير من العلويين لا يزوجون لغير العلوي(1) ، بل لا يزوجون للعلوي من غير عشيرتهم حتى لو أدى ذلك إلى بقاء علويات لا يحصى عددهن بلا زواج، وفي بيت توجد (9) علويات تجاوزن عمر الزواج بقينَ عوانس وحُرمنَ من نيل حقّهن في الحياة الذي مَنَّ الله به على عباده، فجعل الزواج من آياته لما فيه من رحمة ومودة وسكن وسعادة وطمأنينة وذرية وهم زينة الحياة الدنيا، فلماذا هذا العرف القاسي الجائر؟ ومن أين أخذه هؤلاء الذين يفتخرون بالانتساب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو نفسه حارب هذه الفكرةى.

ص: 44


1- راجع ظواهر اجتماعية منحرفة ج 3 وهي سلسلة تعالج عدة ظواهر منحرفة، وقد نشرت في خطاب المرحلة: ج 2 ص 401. وستأتي في هذا الكتاب ان شاء الله تعالى.

الجاهلية حيث زوج ابنة عمه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب للمقداد بن الأسود؟ يقول الإمام الصادق عليه السلام في علة ذلك: (لتتضع المناكح ولتتأسوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولتعلموا أن أكرمكم عند الله أتقاكم، وكان الزبير أخا عبد الله وأبي طالب لأبيهما وأمهما)(1) ، وقال الإمام الصادق عليه السلام في الرد على هذه العادة: (أتتكافأ دماؤكم ولا تتكافأ فروجكم)(2) ، وقد فصلت الكلام عن الموضوع في كتاب (ظواهر اجتماعية منحرفة ج 3).

ومنها: ما يصطلح عليه عند العشائر بالنهوة؛ فإن المرأة إذا (نهى) عليها أحد أولاد عمها لم يجز لأحد أن يتقدم لها، وكثيراً ما يكون الدافع لهذه النهوة هو الإضرار بها وبأهلها، أو لمجرد التباهي1.

ص: 45


1- بحار الأنوار: 265/22.
2- بحار الأنوار: 36/31.

والرياء، أو لإرغام أنف المرأة وإذلالها، وإلا فهو لا يريد الزواج منها أو هي لا تريد الزواج منه، وتبقى المرأة معطلة لا يقدم عليها أحد، وقد تهرب مع رجل آخر بعد أن تعجز عن الصبر على مثل هذه الحالة مما يسمى ب - (النهيبة)، ويكون حكمها القتل، أما ابن عمها فيتزوج من يشاء من النساء، فمن أين جاءت هذه الأحكام القاسية؟ وما هي ولاية ابن العم أو أي واحد آخر على المرأة حتى يمنعها من التزويج بغيره؟ أليست هي إنسانة كالرجل لها مشاعرها وأحاسيسها ورغباتها ولها الحق الكامل في اختيار شريك حياتها المناسب؟ فإلى أين أنتم سائرون يا من تسمون أنفسكم مسلمين؟

ومنها: ما جرت عليه بعض الأعراف في الزواج، فلا بد أن يوفر الشاب غرفة أخشاب من الموديل

ص: 46

الفلاني وقطع ذهبية بكذا أوصاف، وأن يعمل وليمة ضخمة وحفلة للزفاف وبيت مستقل ووو... فيرى الشاب أن من الخير له أن يكبت شهوته ويدفن رغبته في الارتباط بالجنس الآخر في أعماق نفسه، لعدم قدرته على مواكبة المجتمع في هذه المطالب! فهل نزل قرآن بهذه الالتزامات التي تثقل كاهل الجميع، اقرأوا التأريخ وانظروا ماذا كان أثاث بيت فاطمة سيدة نساء العالمين وابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيد الخلق أجمعين وزوجة أمير المؤمنين سيد الأوصياء، هل كان غير أشياء بسيطة(1) ؟ وقد

ص: 47


1- سيرة الأئمة عليهم السلام لهاشم معروف الحسني: ج 1، حديث زواجها عليها السلام من الإمام علي عليه السلام، وكذلك نفحات من السيرة حيث جاء فيه (تحت عنوان الزواج الفريد) ما نصه: (لقد زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة بمهر متواضع وأثث بيتها بما يعادل هذا المهر لتعرف الأجيال فناء المادة وتصاغر شأنها أمام القيم والمعاني الإنسانية الرفيعة، تسلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دراهم المهر الزهيد من علي بن أبي طالب عليه السلام وأشرف بنفسه على تجهيز ابنته وأعد بيتها المتواضع في أثاثه ومحتواه العظيم في مجده ومقامه وأرسل صلى الله عليه وآله وسلم إلى السوق عدة من أصحابه لإعداد جهاز فاطمة عليها السلام وشراء ما يحتاجه بيتها الجديد الذي شمل الفرش والأغطية البسيطة، وعدداً من حاجيات البيت والطبخ الأساسية مع حلة من الملبس وبعض الطيب).

حاولت النساء استفزازها وإثارتها إلاَّ أنها كانت أكبر من أن تهتم بالقشور الدنيوية، وإنَّما المهم أن تحظى بالزوج الكفوء القادر على إسعادها والتعاون معها على طاعة الله تعالى وكفاية شؤونها، أما هذه المطالب الدنيوية فلا توفر سعادة أبداً، فتأسوا جميعاً بهؤلاء الكرام (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ) (الأحزاب: 21).).

ص: 48

ومنها: ألاَّ تكون متزوجة سابقاً، أو أنها أكبر منه سناً، فإذا أقدم الشاب على أرملة أو مطلقة فكأنه جنى ذنباً لا يغتفر، حتى وإن لم يكن مدخولاً بها أو كانت صغيرة السن أو مظلومة، هذا ونحن نعلم أن أكثر زوجات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام ثيبات ومتقدمات بالسن، فكأن المتزوجة سابقاً كتب عليها ألاَّ تذوق طعم الزواج مرة أخرى، فأين أنتم يا طلبة الحوزة ويا مثقفون من إصلاح هذه الأفكار الظالمة والأوضاع الفاسدة؟

ومنها: كراهة تعدد الزوجات، وأن الزوجة يمكن أن تقبل الزنا من زوجها وتغفر له هذه الفاحشة ولا تقبل التزوج بثانية، وساعدت على ذلك القوانين الوضعية الأرضية البعيدة عن الشريعة، فإنها تحاسب الزوج إذا تزوج بثانية من دون إذن الأولى، ولا تعترض على اتخاذ الخدينة، ومن

ص: 49

المضحك المبكي ما جرى في أحد المحاكم التونسية (الإسلامية) أنّ زوجة رفعت دعوى ضد زوجها أنه تزوج بثانية دون أخذ موافقتها، فحاول الدفاع عن نفسه بأنها خدينة وليست زوجة ليتخلص من العقاب، لكن دفاعه رُفِضَ لأنه إنسان محافظ ومعروف بالتدين فلا يتصور في حقه هذا.

من فلسفة تعدد الزوجات:

رغم أن تعدد الزوجات تشريع إلهي لحل مشكلات عديدة منها:

1 - حالات زيادة نسبة النساء غير المتزوجات في أزمنة الحروب أو هجرة الشباب إلى خارج البلاد،

ص: 50

كما يعيشه بلدنا؛ حيث يعيش في الغربة أربعة ملايين عراقي(1) أكثرهم من الشباب.

2 - كثرة الأرامل والمطلقات ممن تقل فرصة حصول شاب غير متزوج.

3 - عدم اكتفاء الزوج جنسياً بزوجة واحدة لكثرة الأعذار والموانع في الزوجة، كالحيض والحمل والإنجاب ونحوها. ولتعلم النساء اللواتي يرفضن الزوجة الثانية إنهن أول ضحية لهذا الخروج عما أباحه الله تعالى، لأنهن سيحتجنَ إلى زوج وإنه.

ص: 51


1- كان سماحة الشيخ (دام ظله) يأخذ هذه الإحصائيات من نشرات الأخبار التي يستمع إليها، أما النظام الصدامي فكان لا يعترف بوجود مشاكل في البلاد ويعتبر مثل هذه التصريحات استفزازاً له وخروجاً عليه.

كان متزوجاً بغيرهن، فليتقين الله وليسلمن له أمره.

المانع الثالث: النفسي، ويمكن ذكر عدة شواهد على ذلك:

1 - إن كثيراً من الشباب يعزف عن الزواج لأنه لم يجد فتاة أحلامه التي تصلح للارتباط به، حيث رسم لها صورة مثالية، فهي شقراء بيضاء ممشوقة القوام ذات عينين زرقاوين وتحمل شهادة عالية ومتدينة وذات أخلاق عالية ومن أسرة وجيهة اجتماعياً وثرية وصغيرة السن، بحيث قد تخطب أصغر البنات مع وجود الأكبر منها، الجامعة للشروط والمناسبة لعمر الزوج وغيرها، فلا يجد من تحقق هذه الأوصاف؛ لأن الشيء إذا كثرت قيوده عز وجوده كما يقولون، ويظل يبحث دون

ص: 52

جدوى، وأحد أسباب حصول هذه الحالة لدى الشباب هي مشاهدتهم لصور (الحسناوات) كما يسمونها التي تأتينا من الغرب في الصحف والمجلات والتلفزيون، التي من آثارها السيئة ليس فقط إفساد الأخلاق وذهاب الغيرة والحياء، بل إفساد الأفكار لدى الشباب إذا امتلأت عينه من هذه الصور فسوف لا تقنعه أية امرأة، وبالنتيجة يعزف عن الزواج خشية أن يرتبط بامرأة لا تملأ عينه.

ابحثوا عن العفة والحياء:

فكونوا حذرين يا أحبائي من هذا الغزو الفكري والأخلاقي، وابحثوا عن الصفات التي أرادها الله لكم وهي العفة والحياء والتدين والأصل الطيب والأخلاق الحسنة، أما الجمال فهو متوفر تلقائياً لحاجة كل جنس إلى الجنس الآخر، كما يروى أن

ص: 53

شخصاً أكل طعاماً لذيذاً فقال: ما أطيب هذا الطعام! فقال له حكيم: إنما طيبته العافية، وكذلك الحاجة الجنسية الملحة جعلت الطرف الآخر لذيذاً وهذه الحاجة تقضى بما دون شروط كثيرة، وتجد هذه الأفكار في تراث أهل البيت عليهم السلام، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا نظر أحدكم إلى المرأة الحسناء فليأتِ أهله؛ فإن الذي معها مثل الذي مع تلك)(1) ، وعن علي عليه السلام: (إن أبصار هذه الفحول طوامح، وإن ذلك سبب هبابها، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلامس أهله فإنما هي امرأة كامرأة)(2).0.

ص: 54


1- المحجة البيضاء: ج 3، كتاب آداب النكاح.
2- نهج البلاغة: الجزء الرابع، من كلماته (عليه السلام) الكلمة 420.

مشكلة النظر:

فهذه المشكلة لا تخص العزاب، وإنما هي موجودة عند المتزوجين، فإنهم إذا تطلعوا إلى غير زوجاتهم صرفوا أعينهم عنهن، وحينئذٍ تقع عدة نتائج وخيمة إما المشاكل بين الزوجين أو الطلاق أو الوقوع في الزنا من كلا الطرفين والعياذ بالله وغيرها. لذا سد الشارع المقدس هذا الباب للفساد ومنع النظر للأجنبية، وأمر كلاً من الزوجين أن يعطي حق الطرف الآخر، وأي تقصير فيه يمكن أن يؤدي إلى انحراف جنسي وخيم. وقد بلغني أن عدداً من النساء التجأن إلى تصرفات غير شرعية بسبب إعراض الزوج وإهماله لحق زوجته من الاستمتاع الجنسي.

ص: 55

معيار الزوج الصالح:

وإنما وجهت خطابي إلى الرجال لأن بيدهم زمام المبادرة في الزواج، وإلا فإن المانع قد يقع من طرف النساء أيضاً؛ فإنهن يشترطن الكثير من الصفات في الزوج مما يجعلها ترفض عدداً من الخطاب حتى يتقدم بها العمر فلا تتاح لها هذه الفرصة، رغم أن بعض أسباب الرفض غير مقنعة، فإن المهم في الرجل أن يكون متديناً عاقلاً في تصرفاته، حسن العشرة قادر على إعالة زوجته، فقد كتب علي بن أسباط إلى أبي جعفر عليه السلام في أمر بناته وأنه لا يجد أحداً مثله، فكتب إليه أبو جعفر عليه السلام: (فهمت ما ذكرت من أمر بناتك، وإنك لا تجد أحداً مثلك، فلا تنظر في ذلك رحمك الله، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا جاءكم

ص: 56

من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلاَّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)(1).

ولمزيد من الإطلاع على صفات الزوج الصالح والزوجة الصالحة وآداب الزواج راجع الجزء السادس من كتاب (ما وراء الفقه) لسيدنا الأستاذ الشهيد الصدر الثاني (قدس سره).

2 - كثرة المشاكل الزوجية وكثرة حالات الطلاق أدى إلى شعور الشباب بأن ترك الزواج أقرب لراحة البال، فإذا أردنا تشجيع الزواج فعلينا أن نسعى لدراسة مناشئ المشاكل بين الأزواج وحلها - راجع دراسة تحليلية عن الموضوع بعنوان (المشاكل الزوجية.. أسباب وعلاج) - وعلى أي حال لا ينبغي أن يكون فشل أحد في تجربته مانعاًا.

ص: 57


1- تقدم ذكر مصدره هنا.

لغيره من خوض التجربة، كالتجارة؛ فإن خسارة تاجر لا تمنع من أن يعيد نفس النشاط من جديد فضلاً عن غيره.

3 - الخوف من المستقبل، فأم الزوج تخشى أن تخطفه الزوجة، وأبو الزوج يخاف من إضافة عبء جديد إلى كاهله، والشاب يخاف من المسؤولية الجديدة حيث يصبح رباً لأسرة ومسؤولاً عنها بعد أن كان خالياً منها، والشابة تخشى من عدم قدرتها على إدارة بيت الزوجية وعدم نجاحها في كسب ود زوجها ورضا أهله، فلا بد أن يعالج هذا بتعزيز الثقة بالنفس، وأن يعرف كل طرف حقوقه وواجباته حتى لا يتجاوز أحد على حق أحد، والتخطيط للمستقبل واشتراك الجميع في ترتيبه.

ص: 58

4 - ما تعرضه الأفلام والمسلسلات من خيانات زوجية وصعوبة تحصيل السعادة والوئام والوفاء والحب المتبادل سبب حصول انكماش في الرغبة في الزواج ونفور منه؛ فإنهم يصورون غالباً الحياة الزوجية كمصدر للمتاعب والآلام.

5 - ومن ذلك ما تصوره نفس الأفلام والمسلسلات من حلاوة الحب ولذة العلاقات الجنسية خارج رباط الزوجية، وليس فيها مؤونة ولا مسؤولية، فيشعر الشباب أن بإمكانهم الاكتفاء بهذه العلاقات وعدم الحاجة إلى الزواج، وكأن الهدف من الزواج هو قضاء الشهوة الحيوانية فقط، وهم بذلك يغالطون الفطرة السليمة ويخرجون عن الإطار الإنساني الذي يميز بوضوح بين رباط الزوجية والعلاقات غير المشروعة.

ص: 59

6 - قناعة كثير من الشباب بأن مستقبلهم الزاهر يتحقق بمغادرة البلد والهجرة إلى غيره، والزواج عائق عن هذا المشروع، وقد عالجنا موضوع السفر إلى خارج البلاد في الحلقة الثانية من (ظواهر اجتماعية منحرفة) و (فقه الجامعات)(1).د.

ص: 60


1- وهو كتاب مكون من مقدمة وسبعة فصول، الأول يدور حول المقارنة بين ماضي الجامعة وحاضرها وأجوبة لأسئلة تدور حول التحديات الفكرية والاجتماعية والأخلاقية، والفصل الثاني يدور حول أساتذة الجامعات وفيه نصائح مهمة لهم، والثالث يدور حول الانتماء إلى الجامعة وهدف الطالب الجامعي، والفصل الرابع موضوعه الاختلاط بين الجنسين، والخامس كشف النقاب عن بعض التعاملات المالية والاجتماعية والتصرفات العامة داخل الجامعة، أما السادس فقد اختص بالحجاب الإسلامي لطالبة الجامعة، والفصل السابع يتعلق بالسفر خارج البلاد.

7 - معارضة النساء أشد المعارضة لتعدد الزوجات رغم أنه شيء أباحه الله تبارك وتعالى كحل لكثير من الحالات، وأحدها ما يمر به بلدنا من كثرة العوانس وقلة الشباب بسبب هجرتهم، والكوارث التي مرَّ بها البلد وعدم القدرة لدى الموجودين، فهذا التيار العارم من النساء ضد التشريع الإلهي كان أول ضحية له النساء أنفسهن، فبقين بلا زواج، وإن الكثير من الزوجات لا تعترض على زوجها إذا زنى بقدر اعتراضها عليه إذا تزوج ثانية، ألا ترى هذه المفارقة؟!

إمام الزمان عليه السلام يعيش مرارة هذا الوضع المزري:

هذه جملة من الأفكار قلتها باختصار، وهي باب ينفتح من ألف باب، فتمعنوا فيها واعملوا على

ص: 61

تحقيقها، وأول من يتحمل المسؤولية طلاب الحوزة الشريفة ووكلاء المرجعية وبتعاون الواعين المخلصين الغيورين، ويحاسب المقصر في ذلك، فإن الإمام عجل الله تعالى فرجه يعيش مرارة هذا الوضع المزري ويشارك ألم كل فتاة أو شاب حرموا من بركة هذا الرباط المقدس ورحمته ونعمته وسعادته وطمأنينته بسبب هذه الأفكار أو الأعراف أو التصرفات الخاطئة أو تقصير المقصرين.

مسؤولية طلبة الحوزة والمبلغين:

وإنما حملت طلاب الحوزة ووكلاء المرجعية المسؤولية أكثر من غيرهم لأن عليهم الكثير، وألخصه بنقاط:

ص: 62

1 - الدعم المالي لمشاريع الزواج وفق التفاصيل المتقدمة.

2 - السعي للجمع بين المؤمنين والمؤمنات، ومن الخير أن تكون عند وكيل المرجعية إحصائية بعدد الشباب والشابات المؤهلين للزواج مع ذكر أوصافهم ومؤهلاتهم متأسين برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي لم تشغله أعباء الرسالة ومحنها عن تفقد رعيته، فينظر برقة ورحمة إلى جويبر وكان رجلاً قصيراً ودميماً محتاجاً عارياً وكان من قباح السودان ويقول له: (يا جويبر، لو تزوجت امرأة فعففت بها فرجك وأعانتك على دنياك وآخرتك، فقال جويبر: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، من يرغب فيّ، فوالله ما من حسب ولا نسب ولا مال ولا جمال، فأية امرأة ترغب فيّ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا جويبر، الله قد وضع بالإسلام من كان

ص: 63

في الجاهلية شريفاً، وشرف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعاً، وأعز بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلاً، وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها، فالناس كلهم أبيضهم وأسودهم وقرشيهم وعربيهم وأعجميهم من آدم، وآدم خلقه الله من طين، وإن أحب الناس إلى الله أطوعهم له وأتقاهم، وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين عليكَ اليوم فضلاً إلا لمن كان أتقى لله منك وأطوع، ثم قال له: انطلق يا جويبر إلى زياد بن لبيد، فإنه من أشرف بني بياضة حسباً فيهم، فقل له: إني رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليك، وهو يقول: زوج جويبراً بنتك الدلفاء، فزوجه زياد بعدئذٍ)(1) ، وقد تقدم الحديث الشريف: (أفضل5.

ص: 64


1- الكافي: 340/5.

الشفاعات أن يشفع بين اثنين في نكاح حتى يجمع شملهما)(1).

3 - إصلاح ذات البين والتوسط في حل الخلافات، وتقريب وجهات النظر بين الزوجين وذويهم، قال علي عليه السلام: (إني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام)(2).

4 - نشر الوعي الديني والأخلاقي، وإلفات النظر إلى أهمية الزواج واستحبابه شرعاً، وفضل المتزوجين بحيث أن صلاة المتزوج خير من سبعين صلاة لغير المتزوج، وكراهة غلاء المهور7.

ص: 65


1- تقدم ذكر مصدره في هذا الكتاب.
2- الكافي: ج 7، باب صدقات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفاطمة والأئمة عليهم السلام، ح 7.

واستحباب تقليلها، والصفات المطلوبة في الزوج والزوجة، ومسؤولية أولياء الأمور تجاه هذه المسألة الاجتماعية، وغيرها، والتركيز كثيراً على ما تسببه الأفلام والمسلسلات من آثار سلبية نشير إلى بعضها باختصار:

أ - الإثارة الجنسية، مما يؤدي إلى الكبت الجنسي وإشاعة الفاحشة.

ب - اختلال الموازين في التقييم والاختيار، حيث تركز على القشور كالثروة والجاه الاجتماعي واتباع أحدث الموديلات.

ج - تشجع التصرفات المنحرفة البعيدة عن الشرف والدين، وتنفر عن المبادئ والأخلاق، وتوجد إصدارات عديدة لتفصيل هذا الموضوع

ص: 66

مثل: (احذر في بيتك شيطان) و (الآثار السلبية للأفلام والمسلسلات).

ولا أريد أن أُطيل وأتوسع بالتفاصيل، فإن عليّ إثارة الأفكار أمامكم وعليكم التأمل والتدبر في تفاصيلها والسعي إلى تطبيقها، وإني لمنتظر لأول من يقدّم لي تقريراً عمّا أنجز من خطوات تدخل السرور على قلب الإمام (عجل الله فرجه) وعلى المؤمنين والمؤمنات، وإن من أحب الأعمال إلى الله تعالى إدخال السرور على قلوب المؤمنين. فالشباب أمانة بيد الشابات، فلا تتركوهم تحت ضغط الحاجة الجنسية وإغراءات الباطل، والشابات أمانة في يد الشباب، فلا تتركوهن فريسة القلق والخوف من المستقبل إذا لم يحظين بزوج يكفل لهنَّ السعادة (وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة: 105). والله معكم ولن

ص: 67

يتركم أعمالكم وهو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير.

ص: 68

الفصل الثاني: مواعظ أخلاقية في كيفية السيطرة على الغرائز

اشارة

ص: 69

ص: 70

مما يقوّي عزيمة الفتيان والشباب في مواجهة المغريات

عناصر الحصانة في المؤمن:

مما يقوّي عزيمة الفتيان والشباب في مواجهة المغريات(1)

عناصر الحصانة في المؤمن:

مما يقوّي عزيمتكم على طاعة الله تعالى و مواجهات المغريات الكثيرة التي تتعرضون لها في هذا العمر المرهف بالإحساسات والذي يموج بالأماني والأحلام:

أن تستحضروا صور الفتيان والشباب الرساليين الذين امتلأت قلوبهم بحب الله تعالى فتنازلوا عن كل ملذاتهم الدنيوية لعلمهم بأنها فانية ليفوزوا باللذة الدائمة كالمسلمين الأوائل الذين واجهوا

ص: 71


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع حشد كبير قارب المائتين من طلبة المدارس الإعدادية في الناصرية الذين وفدوا لزيارته وتهنئته بالعيد يوم السبت 10 ذ. ح 1430 الموافق 2009/11/28.

عتو قريش وطغيانها وإغراءاتها والتحقوا برسول الله (صلى الله عليه وآله) وتعرضوا معه لألوان العذاب والأذى ومنهم علي بن أبي طالب عليه السلام (10 سنوات) وصحابة آخرون في عمر (16 سنة) ومنهم الفتى المدلل المترف مصعب بن عمير الذي عاش في وسط أسرة ثرية لكنه تنازل عن كل ذلك وتحمّل الجوع والفقر مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصاحبه حتى استشهد في معركة أحد ورقّ له رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أو تستحضر صور فتيان الحسين عليه السلام كعلي الأكبر والقاسم وعبد الله ابني الحسن السبط والفضل بن العباس بن أمير المؤمنين وأبناء مسلم بن عقيل بين الحادية عشرة والتاسعة عشرة من العمر، وكان أحدهم يبرز وحده لمقاتلة سبعين ألفاً غير مكترث بجمعهم حتى أن القاسم يقف ليصلح شسع نعله

ص: 72

غير آبه بأمة الضلال التي احتشدت لتقطيع أوصاله، أو ذلك الفتى من الأصحاب الذي دفعته أمه ليستأذن من الإمام الحسين عليه السلام ويذهب للقتال، وكان أبوه قد قتل في المعركة، (فقالت له: يا بني أخرج فقاتل بين يدي ابن رسول الله حتى تقتل، فقال: أفعل! فقال الحسين عليه السلام: هذا شابٌ قتل أبوه، ولعل أمه تكره خروجه، فقال الشاب: امي أمرتني يا بن رسول الله... ثم قاتل حتى قتل، وحُزَّ رأسه ورمي به الى عسكر الحسين عليه السلام، فأخذت أمه رأسه وقالت: أحسنت يا بني! يا قرة عيني وسرور قلبي!...)(1). فحينما يشعر الشاب والفتى انه بطاعة الله تبارك وتعالى يكون جزءاً من هذا المعسكر الشريف الناصع فلا شك انه سترتفع4.

ص: 73


1- مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي: ج 2 ص 21، والمناقب لابن شهر آشوب: ج 4 ص 104.

همته للحاق بهم خصوصاً وانه لم يكلف بما كُلف به أولئك من التضحية بالنفس وخوض المواجهة الرهيبة.

أن تتذكر أن اللذة التي تحصل لكم بتجنبكم لبعض اللذات التي تقترن بالمعاصي هي أكبر وأحلى فإن لذة المعصية زائلة وتبقى تبعتها وتكون مشوبة بالكدر وخوف الفضيحة وغيرها من الآثار السيئة. بل هي في الحقيقة لا لذة فيها ولكن الشيطان والنفس الأمارة بالسوء تزيّن المعصية، أما إذا انتصر الشاب على نفسه فسيجد في قلبه حلاوة ولذّة سامية كما ورد في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله): (النظرة سهم مسموم من سهام

ص: 74

إبليس، فمن تركها خوفا من الله أعطاه إيماناً يجد حلاوته في قلبه)(1).

ما قلناه في بعض أحاديثنا(2) وهو الالتفات إلى عظمة مقامكم وسمو منزلتكم بحيث ورد في الحديث (إن الله تعالى يباهي بالشاب العابد الملائكة)(3) فهل يليق بمن يباهي به ربه ملائكته أن يجده ربه على معصية؟ أو أن يهبط إلى مستوى الأشرار والسيئين.

التزود المستمر من الألطاف الإلهية والدفعات الإيمانية التي تشملكم حينما تتعرضون لها بزيارة مراقد المعصومين عليهم السلام والحضور في المساجد7.

ص: 75


1- مستدرك الوسائل: ج 14 ص 268.
2- سيأتي ذكرها في هذا الفصل تحت عنوان: مواجهة التحديات بمعرفة قيمة النفس.
3- كنز العمال: 43057.

والاستماع إلى مجالس الوعظ والإرشاد والتوجيه والمشاركة في الشعائر الدينية وأمثالها.

ص: 76

لن يستطيعوا هزيمة شبابنا بإذن الله تعالى

قوة الإيمان العالية لدى شبابنا اليوم:

لن يستطيعوا هزيمة شبابنا بإذن الله تعالى(1)

قوة الإيمان العالية لدى شبابنا اليوم:

يتحدث الكثير من الشباب وطلبة الجامعات عن أجواء الفساد والانحراف خصوصاً في أروقة الجامعات، والخشية من التأثر بها، وأنا لا أريد أن أقلّل من حجم هذا الخطر وما يستدعيه من الحيطة

ص: 77


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع مجموعة من طلبة الجامعة التكنلوجية يوم السبت 29 /ع 1 المصادف 2011/3/5 ومع مدير وطلبة المدرسة القرآنية للفتيان في الحلة يوم السبت 19 /ج 1432/1 المصادف 2011/4/23 وجمع من أعضاء موكب العسكريين (عليهم السلام) في البصرة الذي قدموا مشياً إلى زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذكرى استشهاد الزهراء (عليها السلام) فوصلوا يوم الأربعاء 30 /ج 1432/1 المصادف 2011/5/4. ومع موكب عشيرة البدور.

والحذر والتسلّح بالتقوى والوعي والأخلاق الفاضلة، لكنني أعتقد أن المد الإسلامي المتدين قد نضج بمقدار معتد به في مقاومة واحتواء تأثير هذه الانحرافات الأخلاقية التي اكتسحت المجتمع منذ عشرات السنين وأدت إلى انحراف الأغلبية الساحقة من الشباب في ستينات وسبعينيات القرن الماضي، لكن التيار الديني استعاد التوازن والصمود واحتواء هذا الخطر رغم تزايد قوته وإمكانياته ودخول التقنيات الحديثة لترويجه.

في العام الماضي زارني أحد الأطباء الشباب وأخبرني أنه حصل على زمالة دراسية له ولزوجته للتخصص الدقيق في الطب في استراليا وانه يتخوف مستقبلاً من التأثر بأجواء الفساد هناك، فطمأنته وقلت له أن مثله يؤثر فيهم ويغيّرهم وليس العكس، وبعد التحاقه بالدراسة هناك

ص: 78

راسلني وقال لقد صدقت فقد أثرنا بأخلاقنا وعفافنا وسلوكنا النظيف في الآخرين فأخذوا يتحلقون حولنا خصوصاً من النساء وهم من جنسيات مختلفة ليسألوا عن ديننا وكيفية حصول هذه الخصال الكريمة عندهما، والدكتور وزوجته يشرحان لهما عن الإسلام ومدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ونوابهم من العلماء العاملين، فيصل التأثر عند بعضهم حد البكاء ويعجبون من عفاف المسلمين حيث يمتنع الرجل حتى من مصافحة غير زوجته من الأجنبيات ولا النظر إليهنّ بريبة، ولا تبدي الزوجة زينتها لغير زوجها، وتكريم المتدينين لزوجاتهم.

من عناصر قوتنا:

إن تيارات الفساد والتشويه والتضليل الفكري والتشكيك في أصولنا ومبادئنا مستمرة ويوجد لها

ص: 79

أبواق من داخل مجتمعنا حتى من بعض المعممين وليس فقط من العلمانيين، لكننا بفضل الله تبارك وتعالى وألطاف صاحب العصر (أرواحنا له الفداء)، و إقامة الشعائر الدينية بكثرة، واستمرارية وانتشار مجالس الوعظ والإرشاد والمدارس الدينية للقرآن الكريم والفقه والأخلاق وسيرة أهل البيت (عليهم السلام)، أصبح كثير من أبنائنا في حصانة من التأثر بها، وأروي لكم حادثة في المناسبة.

قصة من تراث الجد (الشيخ محمد علي):

في نهاية خمسينيات القرن الماضي حيث كان ما عرف بالمد الشيوعي الأحمر قد اكتسح الساحة العراقية وغرّر بقطاعات واسعة من الشباب والمثقفين والكوادر التعليمية، كان جدي اليعقوبي الكبير (رحمه الله) يرتقي المنبر في مدينة الشطرة فقام

ص: 80

بعض أذناب الشيوعيين الذين غاظهم احتشاد هذا العدد الكبير تحت المنبر الحسيني بإرسال كلب وسط المجلس لإرباكه وتشتيته وكان جدي هادئاً على المنبر، فلما عاد الحشد إلى وضعه استحضر القصة التالية قائلاً: في عهد بعض الولاة العثمانيين السابقين كان الجيش يحمل المدفعية على ظهور الجمال في تحركاته، وكانت فيها ناقة خدمت طويلاً ثم عجزت فأحالوها على التقاعد وقرّر الوالي العثماني تكريمها بأن تترك بحريتها تفعل ما تشاء في أزقة وشوارع المدينة ولا يجوز لأحد التعرض لها ومنعها مما تريد، فكانت تقف عند هذا البائع فتأكل خضاره وعند ذلك فتلتهم طعامه، حتى وقفت عند صاحب محل وأخذت تلتهم ما عنده بشراهة ولم يستطع منعها خوفاً من الوالي فأخذ صفيحة معدنية وراح يضرب عليها

ص: 81

ويحدث صوتاً عالياً لإبعادها، فمرّ عليه شخص وسأله عن فعله فأجابه بأنه يحاول إبعادها عن طعامه بهذه الأصوات، فقال له: إن تعبك هذا بلا فائدة لأن هذه الناقة قد اعتادت ضرب المدافع من على ظهرها سنين طويلة وأنت تريد إخافتها بالضرب على الصفيحة!

وهنا قال جدي (رحمه الله) محل الشاهد وهو أنه على هؤلاء الأعداء أن ييأسوا من إخافتنا ومحاولات إبعادنا عن دين الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) وولاية أهل البيت (عليهم السلام) فقد حاول كثيرون من قبلهم بكل بطش وقسوة في التاريخ الماضي كالأمويين والعباسيين والتاريخ الحديث كالاحتلال الإنكليزي وغيره فواجهناها بشجاعة وبسالة وقدّمنا التضحيات.

ص: 82

فيا أيها الأحبة إنكم بمواظبتكم على أداء شعائركم الدينية وصلواتكم المفروضة خصوصاً صلاة الجماعة والجمعة والتردد على المساجد وحضور المجالس الحسينية والتواصل مع العلماء والفضلاء ومطالعة الكتب النافعة سوف لا تؤثر فيكم هذه الأساليب المهزومة بإذن الله تعالى.

ص: 83

ص: 84

الحالة السلبية في المجتمع تحفّز على العمل

لا تيأسوا من الإصلاح:

الحالة السلبية في المجتمع تحفّز على العمل(1)

لا تيأسوا من الإصلاح:

إن الفساد الأخلاقي والانحراف الموجود لدى الشباب حالة سلبية أكيداً, و المؤمن الرسالي لا يرضى بوجودها في المجتمع، ويعمل على إزالتها ومعالجتها، لكنه إذا لم يستطع ذلك فإنه لا يدخله اليأس والاحباط وترك العمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنه أولاً وقبل كل شيء يؤدي وظيفته امام الله تبارك وتعالى وحجته على خلقه، ولأن النتائج ليست بيده وإنما هي بيد مسبّب الأسباب ومدبر الأمور، وللثقة بنصر الله تعالى

ص: 85


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من طلبة المعهد التقني في كربلاء المقدسة يوم الخميس 15 /ج 1432/2 المصادف 2011/5/19.

ووعده بغلبة الحق (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَ لَكُمُ الْوَيْلُ مِمّا تَصِفُونَ) (الأنبياء/ 18) وفي حديث لأمير المؤمنين (عليه السلام) (قليل من الحق يدفع كثير الباطل، كما ان القليل من النار يحرق كثير الحطب)(1).

سبيل الطاعات:

بل ان المؤمن يرى وجود مثل هذه الحالات فرصة للطاعة، ولو لم توجد فإن باباً من أبواب الطاعة سيكون مغلقاً، فالفقر مثلاً الذي هو حاله مرضية في المجتمع ونسعى بكل جهد لتخليص الناس منها، بحيث ينسب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله:

ص: 86


1- غرر الحكم: 6735.

(لو تمثل لي الفقر رجلاً لقتلته)(1) ، لكنه في نفس الوقت موضوع لطاعات عديدة من البر والاحسان فإذا لم يوجد فقير - كما في أخبار الظهور الميمون أن أحدكم يجوب البلدان بصدقته ليجد مستحقاً لها فلا يجد - فهذا يعني عدم وجود فرصة لهذه الطاعات، فهذه الحالة السلبية تحوّلت إلى حالة مُحرّكة ومحفّزة للعمل ودافعة للإصلاح والتغيير.

وهكذا ننظر إلى كل الحالات السلبية بأنها ابتلاء وامتحان من الله تعالى لعباده ليميز المحسن من المسيء، والعامل من غير العامل حتى يأخذ كل إنسان استحقاقه كما ان امتحاناتكم في الجامعات والمدارس تترتب عليها هذه الآثار، قال تعالى7.

ص: 87


1- شرح إحقاق الحق: ج 32 هامش ص 213 عن كتاب علي إمام المتقين ج 2 ص 23، النظام السياسي في الإسلام: ص 247.

(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (الملك/ 2) وقال تعالى (أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ) (العنكبوت/ 2).

وبنفس الوقت هي محرّكات ومحفزات للعمل الاصلاحي وتوجد فرصاً للطاعة، وبهذه النظرة ستخرجون من حالة التذمّر والاحباط إلى حالة العمل النشيط المبارك بإذن الله تعالى.

ص: 88

التواز ن بين سُبل الإيمان ووسائل الانحراف

الفساد ونتيجته:

التواز ن بين سُبل الإيمان ووسائل الانحراف(1)

الفساد ونتيجته:

يتحدث الشباب كثيراً عن انتشار وسائل الفساد والانحراف بتنوعها وتطورها وتأثيرها القوي وضغطها على النفوس، لكن التركيز على هذا الحديث والالتفات إليه فيه معنى إيجابي وآخر سلبي.

أما الإيجابي فهو أن نلتفت إلى هذا الخطر ونشخّص أسبابه ونضع العلاجات النظرية والعملية له، وهي جزء من وظيفة الأمر بالمعروف

ص: 89


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع حشد من طلبة الاعداديات في قضاء الرفاعي مع بعض أساتذتهم يوم الخميس 21 /ذق/ 1432 الموافق 2011/10/20 م.

والنهي عن المنكر، أما السلبي فهو ما نخشاه من كون الدافع إلى هذا الكلام هو إعطاء المبررات لضعف النفس وانسياقها وراء الشهوات والمعاصي بحجة الضغط القوي وعدم استطاعة المقاومة.

ونحن لا ننكر انتشار وسائل الفساد وقوة تأثيرها بعد الانفتاح الإعلامي وتطوّر وسائل الاتصالات وتقنياتها العالية، لكن مقتضى العدل الإلهي انه كلما قويت شوكة الفساد والانحراف والضلال فإن سبل الإيمان وطاعة الله تبارك وتعالى تقوى بموازاتها بحيث تحصل حالة من التوازن وتكون حالة الاختيار والإرادة متعادلة بكلا الاتجاهين تطبيقاً لقوله تعالى (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ إِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال 42)(وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد 10)

ص: 90

(إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمّا شاكِراً وَ إِمّا كَفُوراً) (الإنسان 3).

اللطف الإلهي يقتضي زيادة سبل الإيمان:

بل أن مقتضى اللطف والكرم الإلهيين ورحمة الله الواسعة زيادة وسائل الإيمان وأدواته وتحبيبه إلى القلوب وتزيينه إلى النفوس (وَ لكِنَّ اللّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَ زَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَ كَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْيانَ) (الحجرات/ 7).

ومن الشواهد عليه ما نطقت به الآيات والروايات الشريفة من أن الحسنة بعشر أمثالها (وَ اللّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) البقرة 261، ومن همّ بالحسنة ولم يفعلها كتبت له حسنة ومن عمل سيئة لم تكتب عليه واعطي مهلة للتوبة والاستغفار، فإن لم يتب ولم يندم كتبت عليه

ص: 91

بواحدة ويمحوها الاستغفار والتوبة والقيام بالأعمال الصالحة، فالجزاء على الحسنة أضعاف العقاب على السيئة.

إذن التركيز على قوة انتشار وسائل الفساد والانحراف مما لا ينبغي الانشغال به، وامام كل هذه الوسائل بدائل مشابهة للإيمان والصلاح، فإذا قلت انه توجد قنوات فضائية كثيرة للفسق والفجور فإن فضائيات كثيرة أيضاً للهداية والصلاح والوعظ وفيها تنوع في البرامج بين المحاضرات والحوارات النافعة والندوات وغيرها.

وإذا قلت أن مجلات وصحف الفساد منتشرة قلنا أن كتب ومجلات وصحف الهداية والرشاد أكثر منها وبتنوع كبير وتخاطب جميع الفئات والشرائح وفيها مرغّبات وإخراج فني جاذب.

ص: 92

وهكذا، والإنسان باختياره يختار هذه القناة أو تلك، وهذه المجلة أو تلك.

موعظة للشباب: لنغتنم الفرص

أيها الأحبة: إن أول صدمة يواجهها الإنسان قبل ضغطة القبر ووحشته وحساب منكر ونكير وكل هذه الشدائد العظيمة هو عندما يُفاجأ أنه قد مات، لأنه لا يدري أنه ميّت ويظن أن حالة من الإغماء أو النوم أو فقدان الوعي ونحوها مما تعودّه في الدنيا قد طرأت عليه، حتى ينبّهه الملقن أنه ميت وأن أيامه في الدنيا قد انتهت وهو في أول أيام الآخرة، وحينئذ سيصاب بالصدمة لأن فرصة العمل قد أغلقت أمامه وترك خلفه الكثير مما كان يستطيع أن يقدمه في سبيل الله تبارك وتعالى لكنه بخل به واليوم تركه وذهب إلى الآخرة (وَ لَقَدْ

ص: 93

جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ تَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ...) (الأنعام/ 94).

وانتم أيها الشباب في قمة العطاء والعمل وعندكم فرصة أن تكونوا ممن يفاخر بكم الله الملائكة إذا استقمتم على طاعة الله تبارك وتعالى والتزمتم بأحكام الشريعة كما ورد في الحديث الشريف، لأن الملائكة مجبولة على الطاعة ومخلوقة لها، أما الشباب فتتنازع فيه قوى الخير والشر وهو بإرادته ولطف الله تبارك وتعالى ينحاز إلى قوى الخير فيكون أفضل عند الله تعالى من الملائكة.

أما إذا كبرتم وتجاوزتم مرحلة الشباب فإن هذا التنافس سيزول موضوعه وتفقدون الفرصة لنيل مثل هذه الخطوة عند الله تبارك وتعالى، ولا تعاد الفرصة ولا تتكرر ولا ينفع الندم والتأسّف

ص: 94

فاغتنموها، خصوصاً وإنكم تتمتعون بحرية لا حدود لها من عمل الخير، عكس الفترة التي عاشها الشباب في ثمانينات القرن الماضي حيث كانت أكثر الفرص معدومة لقسوة النظام وبطشه بكل ما يمّت إلى الدين بصلة، وكنّا نتوقع كل سيء من جلاوزة صدام حينما كنا نقتني الكتاب الديني أو نؤدي الشعائر الدينية، فاشكروا الله تعالى حق شكره واعملوا ما يرضيه سبحانه.

ص: 95

ص: 96

من مواعظ الإمام الجواد (عليه السلام)

التأثر بالموعظة علامة حياة القلب:

من مواعظ الإمام الجواد (عليه السلام)(1)

التأثر بالموعظة علامة حياة القلب:

أخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنّ هذه القلوب التي هي محل معرفة الله تعالى ووعاء الوصول إليه - يعروها الصدأ والرين بما يكتسب الإنسان من ذنوب ولكثرة مشاغله ومشاكله في هذه الدنيا، فإذا ازداد الرين طبع على القلب واسودّت صفحته فانغلق عن المعرفة وتلقّي الفيض الإلهي، إلى أن يتداركه الله بلطفه ورحمته، روي عن النبي (صلى الله عليه وآله)

ص: 97


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من طلبة كلية الطب في جامعة البصرة وجمع من أطباء ومثقفي وأكاديميي مدينة العمارة ووفد من شيوخ عشائر ناحية الفجر في محافظة ذي قار يوم السبت 26 ذ. ق 1433 المصادف 2012/10/13.

قوله (إنّ هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد إذا أصابه الماء، قيل: وما جلاؤها؟ قال: كثرة ذكر الموت وتلاوة القرآن).(1)

لذلك أوصى أهل البيت عليهم السلام بتعاهد هذا القلب بالموعظة حتى تبقى فيه جذوة الحياة وتبقى فيه قابلية التكامل، من وصية أمير المؤمنين عليه السلام لولده الحسن عليه السلام (احيي قلبك بالموعظة وأمته بالزهادة).(2)

فإذا كنتم تبحثون عن الموعظة وتتحرون مواطنها وتتأثرون بها وتتفاعلون معها فهذا يعني أنّ قلوبكم ما زالت حيّة ويرجى منها الخير وهذه نعمة عظيمة تستحق الشكر المتواصل لله تبارك وتعالى.1.

ص: 98


1- منتخب ميزان الحكمة 533 رقم 5350.
2- نهج البلاغة، الكتاب: 31.

الطاعات القلبية:

وما دمنا على أعتاب ذكرى استشهاد الإمام الجواد عليه السلام معجزة الإمامة فلنأخذ الموعظة منه عليه السلام من خلال بعض أحاديثه عليه السلام، وأولها ما يرتبط بما نحن فيه من ضرورة تعاهد أمر القلوب ومواصلة إحياءها:

قال عليه السلام (القصد إلى الله تعالى بالقلوب أبلغ من إتعاب الجوارح بالأعمال)(1).

نحن نهتم كل الإهتمام بطاعة الجوارح فنبادر إلى الصلاة الفلانية لأن فيها كذا وكذا من الثواب وإلى الصوم الفلاني لأن فيه كذا وكذا، وهذا كلّه حسنٌ جميل، ويعطي الله تعالى بكرمه هذا الثواب المذكور في الخبر وإن لم يقله المعصومون عليهم السلام

ص: 99


1- ميزان الحكمة: 460/9.

كما أفادت الروايات الصحيحة، ولكنّ الإمام عليه السلام ينبّهنا إلى أنّ الطاعات الأسرع إنتاجاً وإيصالاً إلى الكمال هي الطاعات القلبية.

المعرفة متاحة لكل من طلبها:

وأهمّ الطاعات القلبية المعرفة بالله تعالى، ولا نتصور أن المعرفة والعرفان علمٌ خاص بنخبة نادرة من العرفاء الشامخين، وإنّما هي متاحة لكل من طلبها وسألها من الله تعالى، لذلك دعا الله تعالى جميع خلقه إليها من خلال التدبّر بالقرآن الكريم والأحاديث الشريف، ويعطينا الإمام الجواد عليه السلام واحدة من أشكال وأدوات هذه المعرفة لتتأكد أنّ هذه المعرفة ميسّرة لكل أحدٍ إذا صدق في طلبها.

ص: 100

لن تخلو من عين الله تعالى:

قال عليه السلام (إعلم أنّك لن تخلو من عين الله فانظر كيف تكون).(1)

هل توجد حقيقة أوضح من أن الله تعالى أقرب إلينا من حبل الوريد ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأنّه على كل شيء شهيد، إذا كان الأمر كذلك - وهو كذلك بلا شك ولا ريب - فلنراقب أنفسنا ولنتأدب بحضرة الله تبارك وتعالى ولنتعلم كيف يجب أن نكون ما دمنا في جميع أحوالنا بمنظر منه تبارك وتعالى في أقوالنا وأفعالنا وخطراتنا وظنوننا ومشاعرنا وعواطفنا، فالذي يتصور أنّه قد غلب الآخر أو خدعه أو فعل شيئاً في السر والخلوة حيث لا يراه ولا يعلم به أحد إنّما

ص: 101


1- تحف العقول: 336.

يخدع نفسه لأنّ الله شهيد عليه، ويكون قد أعان على نفسه من حيث يعلم أو لا يعلم

بذل الوسع في السيطرة على الغرائز:

وفي ذلك قال عليه السلام: (من أطاع هواه أعطى عدوَّه مناه)(1) ، أي كأنه أهدى مقتله المعنوي مجاناً إلى أعدائه المتربصين به و بغوايته، وأولهم نفسه الأمّارة بالسوء (أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك)(2) وقال الإمام الصادق عليه السلام (لا تدع النفس وهواها، فإن هواها رداها، وترك النفس وما تهوى أذاها، وكفّ النفس عما تهوى دواها)(3) ، وثانيهم الشيطان الذي أقسم على غواية البشر (قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاّ

ص: 102


1- ميزان الحكمة: 460/9.
2- البحار: ج 71 ص 271.
3- الكافي: 336/2 ح 4.

عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (ص/ 82-83) فلابد أن يبذل الإنسان وسعه في السيطرة على غرائزه ومشاعره وشهواته وعواطفه ويجعلها وفقاً لما يريده الله تبارك وتعالى، فيفعل ما يحبه الله تعالى، ويجتنب ما يكرهه تعالى، وليس عليه أن يكبتها ويقضي عليها، فإن الله تعالى خلق هذه القوى لنفع الإنسان واعمار الحياة وإدامة الوجود، وجعل ثواباً جزيلاً على من سيّرها وفق الشريعة المقدسة، كاستخدام الشهوة الجنسية في إقامة سنة الله تعالى وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله) بالتزويج وتكثير النسل ونحوها.

وهكذا المال وغيرها من أمور الدنيا فإذا أخذ من حله وأنفق في حله فإنه يصبح من أمور الآخرة.

ص: 103

وها هو النبي الحكيم سليمان (صلوات الله عليه) يقول (وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) (ص/ 35) مع أنه نبي معصوم، فلا ضير في طلبه ما دام يريد به إقامة شرع الله تبارك وتعالى.

حاجة المؤمن الى ثلاث:

واعلم ان ذلك لا ينال متى تحب وتشتهي، ولا تتصور انك قادرٌ بمفردك على اختيار الطريق الصحيح بما شئت إلا بمقومات يذكرها الإمام الجواد عليه السلام:

قال عليه السلام (المؤمن يحتاج إلى توفيق من الله، وواعظٍ من نفسه، وقبول ممن ينصحه).(1)

ص: 104


1- تحف العقول: 337.

توفيق الله تعالى لعبده:

فأول تلك العناصر والمقوّمات: توفيق الله تبارك وتعالى ولطفه بعبده، ولذلك كان هناك تركيز في أدعية المعصومين عليهم السلام بطلب التوفيق (اللهم ارزقنا توفيق الطاعة وبعد المعصية)(1).

ومدخلية التوفيق وأسباب اللطف الإلهي واضحة في حياتنا، مثلاً تجد الاندفاع والحماس للصوم في شهر رمضان بروحية عالية وإقبال شديد مع انه في صيف لاهب ونهار طويل جداً، بينما يتكاسل عن صوم يوم مستحب - في غيره ولو في نهار بارد قصير قليل المؤونة، مع ان بعض الصوم المستحب كصيام ثلاثة ايام في الشهر والأفضل أن تكون أول خميس والأربعاء في العشرة الوسطى وآخر

ص: 105


1- مفاتيح الجنان: ص 205.

خميس الذي يعدل صوم الشهر والالتزام بهذه السُنّة يعدل صوم الدهر - مما سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحثّ على الالتزام به حباً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وإحياءاً لسنته الشريفة.

فاسألوا الله تعالى أن يمدّكم بتوفيقه دائماً وليس في أوقات محددة كالنشاط الذي نلمسه في ليلة القدر فيجتمع المؤمنون في المساجد الصلاة مئة ركعة وأكثر بينما يتكاسل البعض عن أداء نزر يسير من النوافل المهمة في غيرها من أيام السنة كركعتي الشفع وركعة الوتر من صلاة الليل وكصلاة الغفيلة من نافلة المغرب وكنافلة الصبح ونحوها.

ونحن مقبلون على أزمنة شريفة في شهر ذي الحجة منها العشر الأوائل، ومن أعمال الشهر وسائر

ص: 106

الأشهر الحرم صوم ثلاثة أيام متتالية: الخميس والجمعة والسبت، فقد ورد في الحديث الشريف (أن من صامها في شهر من الأشهر الحرم كتب الله له عبادة تسعمائة عام)(1) ، ويمكن لمن عليه قضاء أن ينوي الصوم للأمرين فيُعطى الأجر إن شاء الله تعالى وهذا الثواب فيه حافز كبير على العمل، وإن كان الأفضل أن نقوم بالفعل الحسن لمجرد أن الله تعالى يحبّه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم يحبّه بغضّ النظر عن مقدار الثواب المرصود له.

واعظ من نفسه:

والعنصر الثاني هو أن يكون له واعظ من نفسه وقلب يستجيب لما فيه حياته وسلامته وإذن واعية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا

ص: 107


1- مفاتيح الجنان: 172 في فضل شهر رجب وأعماله، الفقرة (16).

دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) (الأنفال/ 24)، وإلاّ فإن الهداية لا تحلّ قلباً منكوساً مُعرِضاً عن الحق ولهذا كان من اللازم إحياء القلوب دائماً بالموعظة وذكر الموت وتلاوة القرآن وتقليل العلائق بالدنيا.

الأخ الناصح:

والعنصر الثالث: أن تبحث عن الأخ الناصح الذي يسدّدك بكلماته وأفعاله وتذكرّك رؤيته بالآخرة ويهدي إليك عيوبك ويدلّك على ما فيه صلاحك كهذه الكلمات التي نتحدث بها.

ص: 108

نعمة لا تشكر كسيئة لا تغفر:

واعلم أن هذا كله بعض نعم الله تعالى عليك فخذها وكن من الشاكرين، وإلا فإن الإمام الجواد عليه السلام يقول: (نعمة لا تشكر كسيئة لا تغفر).(1)

يا له من تشبيه خطير بحيث يكون عدم الشكر على النعمة سيئة لا تغفر - والعياذ بالله - وهذا الحديث فيه عموم لكل من ينعم عليك نعمة ويسدي اليك فضلاً حتى من المخلوقين، وإن كان الله تعالى هو المدبِّر الحقيقي ومسبِّب الأسباب، عن الإمام الرضا عليه السلام (من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عز وجل).(2)

ص: 109


1- ميزان الحكمة: 460/9.
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 24/2، ح 2.

بل في حديث آخر أن المشكورين ثلاثة، الله تعالى وهو المنعم الحقيقي، والشخص الذي أنعم وأسدى المعروف، والثالث الشخص الذي سعى وتوسّط لقضاء الحاجة عند من قضاها.

وهذا أدب قد افتقده أكثر الناس مع الأسف - وهم بذلك يسيئون لأنفسهم، ويقطعون سبيل المعروف عن الإمام الصادق عليه السلام (لعن الله قاطعي سبيل المعروف، وهو الرجل يُصنع إليه المعروف فيكفره، فيمنع صاحبه من أن يصنع ذلك إلى غيره).(1)3.

ص: 110


1- منتخب ميزان الحكمة: 349 ح 3343.

الصلاة والتحصين من الأمراض المعنوية

شكوى الشباب:

الصلاة والتحصين من الأمراض المعنوية(1)

شكوى الشباب:

كثيراً ما ألتقي بوفود الشباب وطلبة الجامعات وأستمع إلى أسئلتهم وهمومهم ومشاكلهم، والسؤال الأكثر تردداً هو: كيف نستطيع مقاومة المغريات والشهوات وأساليب الإفساد وهم يعيشون في بيئة مليئة باسباب الفتنة والإغراء متزامنة مع فورة الشباب وعنفوان القوى وهيجان العواطف.

ص: 111


1- الكلمة التي تحدّث سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) من خلال شاشة قناة النعيم إلى الآلاف من طلبة الجامعات والمعاهد العراقية المشاركين في فعاليات ومواكب الوعي الفاطمي مساء السبت 2 /ج 1434/2 الموافق 2013/4/13.

وفي الحقيقة فإنّ المشكلة لا تختص بالشباب، فإنّه مادام الإنسان في هذه الدنيا فهو مبتلى بالإغراءات والشهوات والفتن ويخوض (جهاداً أكبر) لمواجهتها كما سمّاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المشهور(1) ، ويعزّز قوة هذه الضغوط الميل العارم للنفس الأمّارة بالسوء نحو الاستجابة لها، مع تزيين الشيطان لها (إلهي إليك أشكو نفساً بالسوء أمّارة وإلى الخطيئة مبادرة وبمعاصيك مولعة) (إلهي أشكو إليك عدواً يضلني وشيطاناً يغويني.. يعاضد لي الهوى ويزيّن لي حب الدنيا)(2).

الصلاة وسيلة للتحصين:

والإنسان في هذه المواجهة يحتاج إلى معونة ومناعة وتحصين كالتطعيم الصحي ضد الأوبئة والأمراض

ص: 112


1- معاني الأخبار: ص 160
2- من مناجاة الشاكين للإمام السجاد (عليه السلام).

الجسدية، وهذه المعونة يحتاجها الإنسان قبل التعرض للامتحان وأثناءه وبعده، فما هي الوسيلة لتحصيل هذه المعونة والتطعيم والتحصين؟ والجواب بكلمة واحدة إنّها (الصلاة)، ومن دلائل عظمة الصلاة إنها هي هذه الوسيلة التي توفر الحصانة والمناعة في جميع تلك المراحل المترتّبة في الفضل والسمو، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (عباد الله، إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله جل ذكره: الإيمان بالله وبرسله وما جاءت به من عند الله،... وإقامة الصلاة فإنها الملة)(1).0.

ص: 113


1- نهج البلاغة: الخطبة: 110.

الحماية من المعاصي:

ولبيان ذلك نقول أما قبل الامتحان فيحتاج الإنسان إلى اللطف الإلهي والعناية الإلهية لتحميه من الابتلاء بالمعاصي أصلاً، أو حمايته منها عند عروضها عليه حيث يبصّره الله تعالى بحقائق تلك المعاصي المنفرّة الموجبة للاشمئزاز والتقزّز وليس الاقبال والرغبة، وهذا ما توفره الصلاة، عن أمير المؤمنين عليه السلام: (الصلاة تستنزل الرحمة)(1) وعنه عليه السلام: (ما دمت في الصلاة فإنك تقرع باب الملك الجبار ومن يُكثِر قرع باب الملك يُفتَح له)(2) وعنه عليه السلام (إذا قام الرجل إلى الصلاة أقبل إبليس ينظر

ص: 114


1- الأحاديث المذكورة هنا نقلها عن مصادرها في جامع أحاديث الشيعة: 29/4 وما بعدها، وفي ميزان الحكمة: 107/5-135.
2- السابق.

إليه حسدا، لما يرى من رحمة الله التي تغشاه)(1) ، وعنه عليه السلام: (لو يعلم المصلي ما يغشاه من جلال الله ما سره أن يرفع رأسه من سجوده).(2)

ومن تغشته رحمه الله وأحاط به جلاله فهو في أمن وأمان وحصن وثيق من الوقوع في شراك إبليس، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّ الصلاة قربان المؤمن) وكلما اقترب الإنسان من ربّه ابتعد عن الشيطان وموجبات الوقوع في المعصية، وإذا وُفِّق الإنسان إلى هذه المرحلة فهي الأكمل والأسمى والأعظم عند الله تعالى حينما لا يجد في نفسه أي ميل للمعصية ولا رغبة له فيها، وبالتالي فهو لا يجد أي مشكلة في اجتنابها.ق.

ص: 115


1- السابق.
2- السابق.

الثمرة الأبرز لإقامة الصلاة:

وفي المرحلة الثانية أي عند الابتلاء بما يوجب المعصية وحينما يكون بين خيارين أحدهما كبح جماحِ النفس والفوز بطاعة الله، وثانيهما الانسياق وراء الشهوة والوقوع في المعصية، وهنا يأتي دور الصلاة في زيادة مناعته وتحصينه من الوقوع في المعصية بل أن الثمرة الأبرز لإقامة الصلاة هي هذه، قال تعالى (وَ أَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ) (العنكبوت/ 45)، وعن الإمام الصادق عليه السلام: (اعلم أن الصلاة حُجزةُ الله في الأرض، فمن أحبّ أن يعلمَ ما أدركَ من نفعِ صلاته، فلينظر: فإن كانت حَجَزَتهُ عن الفواحش والمنكر فإنما أدرك من نفعها بقدرِ ما احتجزَ).

ص: 116

وعن أمير المؤمنين عليه السلام (الصلاة حصن من سطوات الشيطان)، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله (لا يزال الشيطان ذعراً من المؤمن هائباً له ما حافظ على الصلوات الخمس، فإذا ضيّعهن اجترأ عليه)، وهذه المرحلة وإن كانت أقل درجة من سابقتها لأن الإنسان يجتنب المعصية بمعاناة ومشقّة وجهاد، إلاّ انها مرحلة عظيمة أيضاً.

الصلاة حبل النجاة:

أما في المرحلة الثالثة: وهي ما بعد الفعل ونفترض أن العبد لم يستفد من بركات صلاته مما أدى إلى سقوطه في الخطأ لسبب أو لآخر فإن الصلاة هي التي تمدّ حبل النجاة لإنقاذه على نحوين:

أولهما: إعادته إلى الحالة الصحيحة وتطعيمه من جديد ضد الانحراف والمعصية وزيادة مناعته بجرعة

ص: 117

أكبر، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال - في رجلٍ يُصلّي معه ويرتكبُ الفواحش -: (إنّ صلاته تنهاهُ يوماً ما، فلم يلبث أن تابَ)، وعنه (صلى الله عليه وآله) قال - في رجل يُصلّي بالنهار ويسرقُ بالليل -: (إنّ صلاته لتردعهُ).

ثانيهما: إنها تكفّر الإثم الذي ارتكبه وتبيّض صفحته التي اسودّت بفعل المعصية وتمنحه فرصة التكامل من جديد، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه أخذ غصناً من شجرة كانوا في ظلّها فنفضه فتساقط ورقهُ ثم فسّر لأصحابه ما صنع فقال: (إن العبد المسلم إذا قام إلى الصلاة تحاتّت عنه خطاياه كما تحاتَت ورقُ هذه الشجرة).

ص: 118

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول أرجى آية في كتاب الله ) َ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) هود 114، وقال يا علي والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا إن أحدكم ليقوم من وضوئه فتساقط عن جوارحه الذنوب فإذا استقبل الله بوجهه وقلبه لم ينفتل وعليه من ذنوبه شيء كما ولدته أمه فإن أصاب شيئا بين الصلاتين كان له مثل ذلك حتى عد الصلوات الخمس ثم قال يا علي إنما منزلة الصلوات الخمس لأمتي كنهر جار على باب أحدكم فما يظن أحدكم لو كان في جسده درن ثم اغتسل في ذلك النهر خمس مرات أكان يبقى في جسده درن فكذلك والله الصلوات الخمس لأمتي).

ص: 119

موقع الصلاة في الدين:

لهذا كله احتلت الصلاة موقعاً مهماً من الدين.

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (مثلُ الصلاةِ مثلُ عمودِ الفُسطاط؛ إذا ثبتَ العمودُ نفعت الأطناب والأوتاد والغشاءُ، وإذا انكسرَ العمودُ لم ينفع طُنبٌ ولا وتدٌ ولا غشاء).

ولهذا كانت الصلاة مقياس دين الإنسان والتزامه بما فرض الله تعالى عليه، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (لكل شيء وجهٌ، ووجهُ دينكم الصلاة)، وعنه (صلى الله عليه وآله): (أولُ ما ينظر في عمل العبد في يوم القيامة في صلاته، فإن قبلت نُظر في غيرها، وإن لم تُقبل لم ينظر في عمله بشيء)، وعن أمير المؤمنين عليه السلام: (الصلاة ميزانٌ، فمن وفّى استوفى).

ص: 120

ولذا كثرت الوصايا بها، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (ليكن أكثر همِّكَ الصلاة، فإنها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين)، ومما جاء في وصية أمير المؤمنين عليه السلام لأولاده قبيل وفاته (الله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم)، وعن الإمام الصادق عليه السلام: (أحب الأعمال إلى الله عز وجل الصلاة، وهي آخرُ وصايا الأنبياء)، وعنه عليه السلام (إن طاعة الله خدمته في الأرض فليس شيء من خدمته يعدل الصلاة).

التشديد على تارك الصلاة:

فليس غريباً التشديد في قضية ترك الصلاة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (ما بين المسلم وبين الكافر إلاّ أن يتركَ الصلاة الفريضة متعمداً، أو يتهاون بها فلا يصلّيها)، وعنه (صلى الله عليه وآله): (الصلاة عِمادُ الدين، فمن ترك صلاته

ص: 121

متعمّداً فقد هدم دينه، ومن ترك أوقاتها يدخل الويل، والويلُ وادٍ في جهنّم كما قال الله تعالى (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ. اَلَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) وعنه: (من ترك الصلاة لا يرجو ثوابها ولا يخافُ عِقابها، فلا أُبالي أن يموتَ يهودياً أو نصرانياً أو مجوسيّاً).

كيفية الصلاة التي تؤدي دورها الكامل في حياة الإنسان؟

ولكي تأخذ الصلاة دورها الكامل في حياة الإنسان لابد أن يؤتى بها بحدودها وشروطها.

(ومنها) الإتيان بها في أول وقتها، عن الإمام الصادق (ع): (لكل صلاة وقتان: أوّلٌ وآخرٌ، فأول الوقت أفضلُه، وليس لأحدٍ أن يتّخذ آخر الوقتين وقتاً إلا من علّةٍ، وإنما جُعِل آخر الوقت

ص: 122

للمريض والمعتل ولمن له عذرٌ، وأولُ الوقت رضوان الله، وآخرُ الوقت عفو الله). وعنه عليه السلام: (فضل الوقت الأول على الآخر كفضل الآخرة على الدنيا)، وعنه عليه السلام: (لفضل الوقت الأول على الآخر خيرٌ للمؤمن من ماله وولده).

وروى الشيخ الصدوق في الفقيه بسنده عن حماد بن عيسى: قال لي أبو عبد الله عليه السلام يوماً: (تُحسِنُ أن تُصلّيَ يا حمّاد؟... قُم فصلِّ، قال: فقمتُ بين يديه متوجّهاً إلى القبلة فاستفتحتُ الصلاة وركعتُ وسجدتُ، فقالَ: يا حمّاد، لا تُحسن أن تصلّي؟! ما أقبح بالرجل ان تأتي عليه ستون سنة أو سبعون سنة فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامّة)؟!

ص: 123

(ومن) شروط تأثيرها الورع عن محارم الله تعالى، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لو صلّيتم حتّى تكونوا كالأوتارِ، وصُمتم حتى تكونوا كالحنايا، لم يقبلِ الله منكم إلاّ بورعٍ).

موانع تأثير الصلاة في حياة الإنسان:

(ومن) أبرز الموانع من قبولها وتأثيرها:

1 - عقوق الوالدين، عن الإمام الصادق عليه السلام (من نظر إلى أبويه نظر ماقتٍ وهما ظالمان له، لم يقبل الله له صلاة).

2 - الغيبة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (من اغتاب مسلماً أو مسلمة لم يقبل الله تعالى صلاته ولا صيامه أربعين يوماً وليلة، إلاّ أن يغفر له صاحبه).

ص: 124

نصيحة وتوصية:

فاهتموا بصلاتكم أيها الأحبّة وحافظوا على أول وقتها وواظبوا على أدائها جماعة في المسجد مهما تيسر لكم لتزدادوا نوراً على نور واستزيدوا منها فوق الفرائض اليومية، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال لأبي ذر لما سأله عن الصلاة (خير موضوع، فمن شاء أقلّ ومن شاء أكثر) وعن الإمام الصادق عليه السلام لما سئل عن أفضل الأعمال بعد المعرفة قال عليه السلام: (ما من شيء بعد المعرفة يعدل هذه الصلاة)، وعن الإمام الكاظم عليه السلام: (صلوات النوافل قُربات كل مؤمن).

خصوصاً صلاة الليل ولو بأقل عدد من الركعات، قال تعالى (وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (الإسراء 79).

ص: 125

لقد لخّصَتْ الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام هذه الأهمية للصلاة ودورها في تهذيب الإنسان وتكامله بقولها في خطبتها (فجعل الله... الصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر) فالصلاة تنزّه الإنسان وتطهّره من التكبر والعتوّ والتمرّد والإستكبار والفرعنة التي هي أساس الوقوع في المعاصي وإتّباع الشيطان والابتعاد عن الله تعالى ولشدّة اهتمامها (سلام الله عليها) بالصلاة سألت أباها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (يا أبتاه ما لمن تهاون بصلاته من الرجال والنساء؟ قال: يا فاطمة: من تهاون بصلاته من الرجال والنساء ابتلاه الله بخمسة عشر خصلة، ستّ منها في دار الدنيا، وثلاث عند موته، وثلاث في قبره، وثلاث في القيامة إذا خرج

ص: 126

من قبره) ثم عدّدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فراجع المصدر(1).3.

ص: 127


1- مستدرك وسائل الشيعة: 23/3.

ص: 128

مواجهة التحديات بمعرفة قيمة النفس

الجهاد الأكبر طويل حتى نهاية العمر:

مواجهة التحديات بمعرفة قيمة النفس(1)

الجهاد الأكبر طويل حتى نهاية العمر:

لعلماء الأخلاق جهود وآثار قيمة في تهذيب النفس من الرذائل وتحليتها بالفضائل وبيان الوسائل والآليات التي تعين الإنسان على النجاح في (الجهاد الأكبر)(2) - وهو جهاد النفس كما سمّاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - وهو الصراع الذي ميدانه الأول النفس الإنسانية الذي تتصارع فيها الأهواء والميول والنزعات والإرادات بين العقل

ص: 129


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع حشد من طلبة كلية الطب في جامعة البصرة ومواكب عشيرة البدور في الناصرية يوم 9 ذ. ق 1429 المصادف 2008/11/8.
2- معاني الأخبار: ص 160.

والشهوة وبين الخير والشر وبين الحق والباطل وهو صراعٌ مرير طويل يستمر إلى أن تبلغ النفس التراقي وقد ورد في الحديث: (أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك)(1) وقد يتخلص الإنسان من رذيلة في مرحلة معينة لكنه لا يلبث أن يجد نفسه مبتلى بغيرها، فمثلاً تراه بعد أن يجتاز مرحلة الشباب تقوى عنده السيطرة على ميوله الجنسية لكنه قد يبتلى بالطمع أو الأنانية أو حب الجاه والسلطة، وهذه أمراض أخطر وأشد فتكاً بالأمة وما الدماء التي تسفك بغير حق والبلاد التي تُخرّب إلا بسبب هذه الرذيلة.6.

ص: 130


1- البحار: ج 67 ص 36.

معالم التحلي بالخلاق:

وقال العلماء والعارفون إن كل فضيلة تقع بين رذيلتين يمثلان جانبي الإفراط والتفريط فيها، فالشجاعة فضيلة بين رذيلتي التهوّر والجبن، والكرم فضيلة يقع بين الإسراف والبخل، وهكذا...

ورسموا برامج لعلاج الرذائل وقسموها إلى علاج نظري وعملي، ويريدون بالأول مجموعة التصورات والعقائد والمفاهيم التي تسهم معرفتها والاقتناع بها في الحل، أما الثاني فيقصد به الخطوات العملية والتطبيقية التي تؤدي إلى القضاء على الرذيلة الخلقية كإجبار النفس على الإنفاق لكسر البخل، وكالإكثار من الصوم لكبح جماح الشهوة الجنسية. وهكذا.

ص: 131

من عرف قدر نفسه:

ونحن نريد أن نشير اليوم إلى مفردة في العلاج النظري تعينكم على تقوية إرادتكم وعزمكم في مواجهة التحديات وقمع الأهواء والشهوات وذلك بأن يعرف الإنسان قدره، كما ورد في الحديث: (من عرف قدر نفسه لم يوردها موارد الهلكة) فيمكن أن يفهمه كل شخص بحسب مستواه ومجاله، فالقائد العسكري عليه أن يعرف عدد قواته وعدّتها قبل أن يخوض أيَّ معركة وإلا فإنه سيهلك نفسه وجيشه وهكذا.

ونريد نحن الآن تطبيقه عليكم لنستفيد منه في التقويّ على تجاوز الصعاب والنجاح في مواجهة التحديات الأخلاقية والاجتماعية والفكرية التي تتعرضون لها في الجامعات. فإن الواحد منكم إذا التفت إلى قدر نفسه وكرامته عند الله تبارك وتعالى

ص: 132

بحيث ورد في الحديث أن الله تبارك وتعالى يباهي الملائكة بالشاب المؤمن الذي نشأ في طاعة الله تعالى، فهل يرضى شاب يفخر الله تعالى به ويباهي الملائكة وتقرّ به عينا الإمام الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) قد ملأ قلبه حب الله تعالى والنبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) وعُجنت طينته بولايتهم المباركة، وقد نجح في حياته حتى بلغ الدراسة الجامعية وأنتم في أرقاها، أقول: هل يمكن لهذا الشاب بعد التفاته لهذه المعاني أن يكون أسير شهواته أو يقع ضحيّة لغواية من شياطين الجن والإنس وهم لا سلطة لهم على الإنسان إلا بمقدار التزيين والدعوة إلى المعصية حيث يحكي القرآن الكريم:(وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ

ص: 133

سُلْطانٍ إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ) (إبراهيم: 22) ويلخّص هذه الفكرة الحديث الشريف (من كرُمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا)(1).

ولذا يوصي الإمام الكاظم عليه السلام: (وإن أعظم الناس قدرا الذي لا يرى الدنيا لنفسه خطرا أما إن أبدانكم ليس لها ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها بغيرها)(2) إذ لا يملك الإنسان نفسين وحياتين حتى يمكن أن يفعل ما يحلو له في الأولى ويجرب النتائج ثم يصحّح في الثانية، وإنما هي حياة واحدة ونفس واحدة فلا بد أن يبرمجها على ما ثبت بالدليل الصحيح أنه طريق للفوز والفلاح.3.

ص: 134


1- تحف العقول: ص 278.
2- الوافي: ج 1 ص 93.

الاستعاذة وطلب العون من الله تعالى:

إن الله تبارك وتعالى يقدّر شدة الابتلاءات التي يتعرض لها الإنسان في جهاده الأكبر، وقد أشار الأئمة المعصومون عليهم السلام إلى جملة منها لإلفات نظرنا إليها والحذر والاستعاذة بالله تبارك وتعالى منها وطلب العون منه عظمت آلاءه للصمود في وجهها لاحظ على سبيل المثال مناجاة الشاكين للإمام السجاد عليه السلام في كتاب (مفاتيح الجنان) ويقول عليه السلام فيها (إِلهي إليك أشكو نَفْساً بِالسُّوءِ أمارة، وَإِلَى الْخَطيئَةِ مُبادِرَةً، وَبِمَعاصيكَ مُولَعَةً، وَلِسَخَطِكَ مُتَعَرِّضَةً، تَسْلُكُ بي مَسالِكَ الْمَهالِكِ، وَتَجْعَلُني عِنْدَكَ أهون هالِك) ويقول عليه السلام فيها (إِلهي أشكو إليك عَدُوّاً يُضِلُّني، وَشَيْطاناً يُغْويني...) ويقول عليه السلام (إِلهي: إليك أشكو قَلْباً قاسِياً مَعَ الْوَسْواسِ مُتَقَلِّباً، وَبِالرَّيْنِ وَالطَّبْعِ

ص: 135

مُتَلَبِّساً، وَعَيْناً عَنِ الْبُكاءِ مِنْ خَوْفِكَ جامِدَةً، و إلى ما يَسرُّها طامِحَةً)(1).2.

ص: 136


1- مفاتيح الجنان: ص 152.

فرص التكامل للشباب أكثر

إصلاح النفس من أول العمر:

فرص التكامل للشباب أكثر(1)

إصلاح النفس من أول العمر:

مما قاله لي السيد الصدر الثاني (قدس سره) في مراسلاته الأخلاقية - وأنا كنت في العشرينيات من عمري - أن من نعم الله عليك أن تلتفت إلى تهذيب نفسك وتربيتها في وقت مبكر، لأن العمر كلما طال ازداد الرين على القلب، مما يؤدي إلى قسوته واستكباره عن سماع الموعظة وقبول الحق حتى يطبع عليه والعياذ بالله تعالى، لذا ورد في أدعية الإمام السجاد عليه السلام ) َويْلِي كُلَّما كَبُرَ سِنِّي كَثُرَتْ ذُنُوبِي! وَيْلِي كُلَّما طالَ عُمْرِي

ص: 137


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع حشد من طلبة إعدادية الحنانة في النجف الأشرف ومدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) في مدينة الصدر ببغداد يوم السبت 4 ع 1431 2 المصادف 2010/3/20.

كَثرَتْ مَعاصِيَّ!)(1) ، فهذه أول الفرص للشباب أنهم قريبون إلى الفطرة والنقاء لم يطبع على قلوبهم فتكون استجابتهم للحق سريعة كما تشهد بذلك الحركات الرسالية عبر التاريخ.

فرص الشباب:

والفرصة الأخرى: الامتيازات التي تعطى إليهم، فقد ورد في الحديث (إن الله تبارك وتعالى يباهي الملائكة بالشاب الذي ينشأ في طاعة الله) فعندكم فرصة أن تكونوا ممن يباهي به الله ملائكته ويحتج بكم عليهم، وهذا يزيد من دافعكم نحو الالتزام بالدين وحسن السيرة.

والفرصة الثالثة: وجود موارد للطاعة عندكم لا تتوفر لغيركم كبرّ الوالدين وأكثر الشباب لهم

ص: 138


1- مفاتيح الجنان: ص 605.

والدان وهذه تمثل فرصة عظيمة للطاعة من خلال البر بهما والإحسان إليهما بينما من هو مثلي لا والدين له يكون قد حُرم من هذه الفرصة إلا من خلال الإحسان إليهما بعد وفاتهما بالأعمال الصالحة.

والفرصة الرابعة: قلة المشاغل والمشاكل التي تورث الهم وتشوش البال وهذه كلها معوقات للتكامل فالشباب في سلامة منها لأنه عادة مكفول المعيشة وكل لوازم الحياة بوالديه حيث يأتيه رزقه من طعام وشراب وملبس ومصروف يومي جاهزاً بلا مؤونة في الغالب.

والفرصة الخامسة: أنه غالباً في صحة وقوة بدنية ونشاط وهمة عالية وهذه كلها من مقوّمات الأعمال الصالحة أما من تقدّم به السن فإن

ص: 139

الأمراض تظهر عليه وقوته تضعف فيعجز عن أداء الكثير من الطاعات.

وهكذا تتكاثر فرص الخير أمام الشباب، لذا ورد في وصايا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر (رضوان الله تعالى عليه): (يا أبا ذر اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)(1).

فإن إضاعة أي من هذه الفرص للطاعة غصة توجب الحسرة والندامة.

الانتصار أمام المغريات:

نعم إن المغريات أمام الشاب كثيرة، لكن هذه كلها ليست معوقات للتكامل بلطف الله تعالى، بل ربما

ص: 140


1- البحار: ج 74 ص 75.

هي مفيدة للتكامل لأنها تزيد من الهمة والإرادة لمواجهتها حتى يشعر بزهو الانتصار عليها.

فالشباب يحبون اقتحام الصعوبات حتى يحققوا الانتصارات ويفرحوا بها ولا يحتاج الأمر من الشباب إلا إلى الاعتصام بالله تبارك وتعالى وتقوية إرادته. فإذا جعل أمام عينيه مثلاً الحديث الشريف: (النظر سهم مسموم من سهام إبليس، فمن تركها خوفا من الله أعطاه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه)(1) فإنه سيكون أكثر إصراراً على مواجهة هذه الإغراءات.

دونوا ما ينفعكم:

ومن الوسائل التي تعينكم في حياتكم التكاملية هذه أن تتخذوا لأنفسكم مفكرة أو دفتر

ص: 141


1- البحار: ج 104 ص 38.

ملاحظات يدوّن فيها أحدكم ما يؤثر فيه ويتفاعل معه من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة والكلمات الحكيمة القصيرة كالذي يعرض في الشريط أسفل الشاشة على بعض الفضائيات، فإن مثل هذا التفاعل يعني أن هذه الكلمة رزق ساقه الله إليك.

من الخواطر التي كتبتها:

وأقول لكم هذه الخاطرة لأنني استفدت منها في صباي قبل أن أبلغ الحلم، ولا زلت احتفظ ببعضها وكنت اكتب التاريخ تحت كل كلمة مختارة والموجود عندي مؤرخ شهر 1974/11، وكنت أقلبها بين حين وآخر فتتجدد المعنويات وتتحفز الهمم بلطف الله تبارك وتعالى. وقد ضمّ حديثنا اليوم عدداً من هذه الأحاديث التي توجّه بوصلة حياتكم إلى ما يرضي الله تبارك وتعالى.

ص: 142

يقول بعض الأخلاقيين إن أول صدمة يواجهها الإنسان حين موته قبل صعوبات القبر والبرزخ وغيرها، هو حينما يعلم أن ما نزل به هو الموت وإن عمره قد انتهى وهذا يعني أن باب العمل قد أغلق عليه، فلا يستطيع أن يستزيد ولو ذرة من عمل الخير إلا ما يهدى إليه من أهله أو أحبائه، فيصاب بالذهول والألم والندامة والحسرة على كل لحظة أضاعها بغير عمل صالح، فبينما أفنى عمره في اللهو والغفلة والانشغال بالدنيا الزائلة وزينتها وقضى عمره يخطط لأفكار ومشاريع لا تنتهي حتى خطف منه الموت كل تلك الأحلام، فيضغط عليه هذا الألم بقوة وتعصره الندامة، فيكون ممن قال فيهم رب العزة والجلال (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ وَ إِنْ كُنْتُ لَمِنَ السّاخِرِينَ، أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللّهَ

ص: 143

هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ، أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (الزمر: 56-58).

من حاول شيئاً في معصية الله:

ومما انصح أن تثبتوه في دفتر ملاحظاتكم قول الإمام الحسين عليه السلام: (من حاول أمراً بمعصية الله كان أفوت لما يرجو وأسرع لمجيئ ما يحذر)(1) ، لأنكم قد تعرض عليكم رغبات وأمور تريدون تحقيقها وربما يحاول البعض ذلك ولو بأساليب محرمة ككسب المال، أو العلاقة مع الجنس الآخر فينشئان علاقة حب غير شرعية ويتواعدان ويخلوان خلوة محرمة وهكذا تزل بهم الأقدام، بينما يمكنهم أن يصبروا ويطرقوا البيوت من

ص: 144


1- الكافي: ج 2 ص 373.

أبوابها التي أحلها الله تبارك وتعالى، فهذه الكلمة القصيرة من الإمام الحسين عليه السلام توفر عليكم الوقت والجهد وتعطيكم النتيجة قبل العمل، بأن من حاول أن يحقق ما يريد بأساليب محرمة فإن ما أراد تحقيقه سيفوته، ويتحقق له عكسه وهي النتائج التي يحذر منها، فمثل هذين الشابين الذين خدعهما الشيطان سيفتضح أمرهما ويتعرضان للإهانة الاجتماعية وربما للعقوبات ويدمّر مستقبلهما ولا يحققان ما أرادا، وإن صوّر لهما الشيطان غير ذلك، فهذه الكلمات المباركة هي خلاصة معرفة إلهية وخبرة حياة وحكمة عميقة.

ص: 145

ص: 146

ما أقبح المؤمن أن تكون له رغبة تُذلُّه

المؤمن عزيز بعزة الله تعالى:

ما أقبح المؤمن أن تكون له رغبة تُذلُّه(1)

المؤمن عزيز بعزة الله تعالى:

نود التعرض اليوم لقاعدة من القواعد العامة التي تحدد كيفية إعمار المستقبل المعنوي للإنسان، ومثل هذه القواعد والأطر تؤخذ من القرآن الكريم وأحاديث المعصومين (عليهم السلام) وما رشح من كلمات حكيمة عن العلماء العارفين.

ونأخذ اليوم كلمة للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) حيث قال: (ما أقبح المؤمن أن يكون له رغبة تُذّله)(2) ، فالكلام مع المؤمن لأنه عزيز بعزة الله

ص: 147


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع تجمع المهندسين الإسلامي فرع البصرة يوم الجمعة 1 /ع 1433/2 الموافق 2012/2/24.
2- تحقق العقول: 363.

تعالى (وَ لِلّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ) (المنافقون/ 8)، ولا يحق للمؤمن أن يفرط بعزته وكرامته ويمتهنها، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) (إنّ الله تبارك وتعالى فوّض إلى المؤمن كل شيء إلا إذلال نفسه)(1) ، أما غير المؤمن فيكفيه ذلة: انغماسه في المعاصي وانسياقه وراء شهوات النفس وطاعة الشيطان.

ليست المشكلة في أن تكون لنا رغبات:

والحديث الشريف لم ينكر على الإنسان أن تكون له رغبة، لأن الرغبات من النوازع النفسية التي أودعها الله تبارك وتعالى لدى الإنسان كالخوف - لتدفعه إلى ما ينفعه ويُصلح شأنه ويحميه من الخطر والضرر ولتحفزّه على طلب

ص: 148


1- ميزان الحكمة للريشهري: 441/3.

الكمال، مضافاً إلى ما يأمر به العقل، وكأن القناعة التي تحصل من النظر العقلي غير كافية لدفع الإنسان ما لم تتحرك النفس بذلك الاتجاه فانضمت إليه الرغبة، وهذا ما يوحي به معناها الأصلي فإن (أصل الرغبة: السعة في الشيء، يقال: رَغُبَ الشيء: اتسع، والرغبة والرغب: السعة في الإرادة)(1) قال تعالى (وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً) (الأنبياء/ 90).

فالمشكلة ليست إذن في أن تكون لك رغبات، وإنما المشكلة في أن تكون للمؤمن رغبة تُذله وتحط من كرامته وتعيق سعيه نحو الكمال، وليس المقصود الرغبة في المعاصي والمحرمات فهذه خارجة عن نطاق الحديث الشريف لأنها غير متصورة في).

ص: 149


1- المفردات للراغب: ص 358 مادة (رغب).

المؤمن، وإنما الكلام في الرغبات المباحة التي تأسر صاحبها وتضغط عليه وتشوش عليه فكره حتى ينهار تحت إلحاحها وضغطها فيرتكب ما لا يليق به.

كالشخص الذي يحب أن تكون له حياة مرفهة كالآخرين من دار مزخرفة وسيارة بأحدث موديل ومصالح مالية ونحوها، فيكرّس تفكيره في الحصول عليها بغضّ النظر عن مشروعية الوسيلة المتخذة لتحقيقها، فيقع في المحرّمات الشرعية والمخالفات القانونية ويتعرض لخسارة الدنيا والآخرة والعار الاجتماعي، كهذا الفساد الذي فاحت رائحته التي تزكم الأنوف من بعض المتصدّين لإدارة أمور العباد والبلاد.

ص: 150

مفهوم الرغبة في القرآن والحديث:

ولذا نزلت الآية الكريمة في وقت مبكر لتحذّر من هذه الرغبات، قال تعالى (وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقى) (طه/ 131) فالآية الشريفة تشير إلى أن التوسع في طلب الدنيا يكون على حساب الفوز في الآخرة ويكون ثمنه النصب والتعب في الدنيا من أجل أمور زائلة.

من غرر كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) (الرغبة مفتاح النصب) وقال (عليه السلام) (الرغبة في الدنيا توجب المقت) وقال (عليه السلام) (الراغب: دعته إلى الدنيا نفسه فأجابها، وأمرته بإيثارها فأطاعها، فدنّس بها عرضه، ووضع لها شرفه وضيَّع لها آخرته) وقال (عليه السلام) (إن النفس التي تطلب الرغائب الفانية لتهلك في طلبها وتشقى في منقلبها) وقال (عليه السلام)

ص: 151

(أكرم نفسك عن كل دنيّة وإن ساقتك إلى الرغائب فإنك لن تعتاض عما تبذل من نفسك عوضاً) وقال (عليه السلام) (إن الدنيا كالشبكة تلتف على من رغب فيها)(1).

الحذر من الانسياق وراء الرغبات:

إن الكثير من الوقائع والحوادث تشهد على نتيجة مفادها أنّ من ينساق وراء رغباته بدون تعقل وحكمة وحساب للعواقب يخسر ويسقط في النهاية كبعض الطامحين بالشهرة الذين يقومون بمغامرات الصعود إلى هملايا أو مصارعة الحيوانات الهائجة أو قيادة السيارات بجنون، أو القفز من ارتفاع شاهق ونحوها فيُقتلون دونها، وكالكثير من المصابين بجنون العظمة الذي يريدون أن يتسيدوا

ص: 152


1- هذا الحديث والأحاديث التي سبقته في غرر الحكم: 25، 48، 86، 132، 179، 191.

على الناس ويتسلطوا فيهلكون الحرث والنسل ويهلكون أنفسهم من أجل هذه النزوات الحمقاء.

ما الذي دفع بأولئك المتمردين على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى منعوه من كتابة وصيته في رزية يوم الخميس ثم انقلبوا على أعقابهم بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفتحوا باب الفتنة والشقاق والخلاف والتقاتل إلى قيام يوم الساعة فحملوا على ظهورهم كل هذه الأوزار: انه الانسياق وراء الرغبات المذلّة المهينة رغم مخالفتها لشريعة الله تبارك وتعالى.

قصة عن الرغبة المذلة:

وإذا أردتُ أن أذكر مثالاً على هذا الحديث الشريف فهم بعض المبتلين بالعادة المشهورة التي تحولّت إلى ظاهرة تسعى كل الدول إلى تحجيمها

ص: 153

والتحذير منها وهي التدخين، يروي بعض أفاضل الخطباء والكتّاب انه في موسم من مواسم الحج المباركة حدّثه أحد المؤمنين الذين كانوا قد عانوا آلام السجون ومحنة التعذيب، أن مؤمناً كان ثابتاً على موقفه، وواجه جلاّديه بشجاعة نادرة أذهلت الجميع، ولما تعب أحد الجلاّدين من تعذيب هذا المؤمن، راح يترجم حنقه على هذا المعذب بشرب سيكارة، وإذا بالمعذَّب ينهار لرؤية الدخان، فناداه متوسلاً، سيدي ناولني سيكارة!! فدهش الجلّاد وقال: على أن تتكلم بما تعرف! فقال: أجل وما هي إلا لحظات حتى اعترف ذلك الرجل على خمسين مؤمناً جاء بهم إلى ساحات التعذيب وأثكل عوائلهم وسبب الألم واليتم لأطفالهم.

ص: 154

اعرضوا رغباتكم على رضا الله تعالى:

فعلينا - أيها الأحبة - أن نعرض رغباتنا على ما يريده الله تبارك وتعالى فننفذ منها ما يرضيه عز وجل ونعرض عمّا يسخطه أو يبعدنا عنه ويعرقل سيرنا نحو تبارك وتعالى، فالرغبة في الشيء بقدر الأعراض عن نقيضه، قال أمير المؤمنين (أصل الزهد حسن الرغبة فيما عند الله) وقال (عليه السلام) (إن الزهد في الجهل بقدر الرغبة في العقل).(1)

وهذه الرغائب الحقيقية يمكن نيلها بالتقوى والصبر والعمل الدؤوب والمعرفة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (إن تقوى الله.. بها تنال الرغائب) وقال (عليه السلام): (بالصبر تدرك الرغائب) وقال (عليه السلام): (توكّلوا

ص: 155


1- غرر الحكم: 160، 174.

على الله عند ركعتي الفجر بعد فراغكم منها ففيها تعطى الرغائب).(1)

نحتاج الى الإرادة لنسيطر على الرغبات:

وتحتاج أيضاً إلى إرادة للسيطرة على جموح الرغبات، يروى أن أحد العلماء أصيب بمرض صدري فأمره الطبيب بالإقلاع عن التدخين، فقال العالم: لا أستطيع ذلك، فاستغرب الطبيب منه، وقال أنتم تطالبون شارب الخمر بتركها وقد أدمن عليها وأصبحت جزءاً من بدنه، وتطالبون معاقري اللهو والمجون والليالي الحمراء بتركها وهو يجد لذته وأنسه فيها وأنت تقول: لا استطيع، فاستحيا العالم وأصر على ترك التدخين، ومن الله تعالى نستمد العون والتسديد والتوفيق.

ص: 156


1- غرر الحكم: 186، 322، 345.

الفصل الثالث: ظواهر اجتماعية تحت المجهر

اشارة

ص: 157

ص: 158

من مشاكل الشباب: ممارسة العادة السرية

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

هناك بعض المشاكل التي تواجه شبابنا المؤمن ومنها مشكلة (العادة السرية) فاستصرخناكم عسى الله تبارك وتعالى أن يستنقذنا بكم:

س 1: ما المقصود بالاستمناء (العادة السرية) باصطلاح الفقهاء؟ وهل تقتصر على نكاح اليد فقط؟

بسمه تعالى:

ص: 159

نقصد بها عند الرجال إنزال المني بطريقة غير شرعية، والشخص بصير بنفسه فيعلم أن هذه الحالة شرعية وهذه لا. ولا يقتصر الاستمناء على الخضخضة باليد وإن كان يظهر من بعض الفقهاء عدم فهم السعة هذه، إلاّ أن آية (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) (المؤمنون: 7) مع بعض ما يأتي من الكلام يمكن أن يكون دليلاً على التعميم.

ويجب الالتفات إلى أن هذه الآية تحرّم سائر التصرفات الجنسية خارج الإطار الشرعي سواء للرجال أو للنساء، وتوجد روايات عديدة على التحريم جعلت (المستمني) أو (ناكح يده) أو (ناكح نفسه) على اختلاف التعابير أحد سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ويدخلون النار مع الداخلين إلا أن يتوبوا.

ص: 160

وأود هنا إلفات النظر إلى شيئين:

1 - إن تسميتها بالعادة السرية فيه غفلة عن الله تعالى الذي لا تخفى عليه مِنْكم خافيَةٌ (إِنَّ اللّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ) (آل عمران: 5)(قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران: 29)، وأحب أن أنقل لكم قصة اهتز لها كياني وبكيت عند سماعها، فقد نُقل أن امرأة محتاجة طرقت باب أحد الموسرين ليعينها على دهرها، فأبى إلا أن ينال من شرفها فامتنعت وتركته، ولكنها لم تجد إلى سد رمقها إلا هذا الرجل، فعادت إليه وأصرّ على طلبه، فاستجابت تحت ضغط الحاجة ودخلت معه الدار، فلما أراد أن يقضي حاجته قالت له: هل

ص: 161

أغلقت الأبواب؟ قال: نعم، أغلقتها كلّها، قالت: لكن بقيت باب واحدة مفتوحة! قال: وما هي؟ قالت: باب الله سبحانه وتعالى، فأدركت الرجل قشعريرة لم يحس بها من قبل، وترك المرأة بعد أن أعطاها ما تحتاج، وقال لها: ادعي لي دعوة صادقة. فدعت الله تبارك وتعالى أن يُحرّم جسده على النار في الدنيا والآخرة، قال الرجل: قد وجدت إجابة دعائها في الدنيا، فإني أمسك النار بيدي فلا تصنع بي شيئاً، وإني لأرجو استجابة دعائها في الآخرة. كل ذلك ببركة مراقبة الله في السر لأنه معنا فعلاً حتى في خلوتنا، فلا توجد عادة سرية أمام الله تعالى، بل هي مفتوحة ومكشوفة أمامه تبارك وتعالى، فليُكثر البكاء على نفسه من يفعل المعصية وإن كان يظن أنها (سرّية).

ص: 162

2 - إن الآثار الصحية والنفسية والاجتماعية التي تظهر على من يمارس العادة السرية تفضحه كما سيأتي بيانه.

س 2: شخص له القدرة على الاسترخاء والإنزال وذلك بتشنج الأعصاب وتقلص العضلات لفترة من الزمن، فيحدث الإنزال بشهوة ودفق ماء غليظ من خلال هذه الحالة. فما حكم هذه العملية؟ وما حكم الماء النازل؟ وهل تعتبر هذه الحالة نوع من أنواع العادة السريّة؟

بسمه تعالى:

هي عملية العادة السرّية، لكنها ليست باليد؛ لوضوح أنه قاصد لإنزال المني ومتعمد للفعل. وإذا أردت أن تعرف حكمها: هل تستحي أن يعرف

ص: 163

عنك هذا الفعل أو لا ترى بذلك بأساً؟ فالأول ممنوع والثاني لا. وبتعبير من المعصومين عليهم السلام: (تفعل في السرّ ما تخشى ظهوره في العلانية)، و أعطيك معياراً آخراً مستفاداُ من المعصومين عليهم السلام: إذا أردت أن تعرف حكم هذا الفعل فانظر إذا قسِّمت الأفعال إلى قسمين: حق وباطل، ففي أي قسم يكون هذا الفعل ولا تخادع نفسك؟.

س 3: هل يجوز استمناء الزوج بيد زوجته في حالة الجماع؟ وما الفرق بينه وبين الإمناء بدون الزوجة؟

بسمه تعالى:

ص: 164

لا بأس بأن تمارس الزوجة لزوجها عملية الخضخضة أو أي فعل آخر لإنزال المني لجواز كل الاستمتاعات بين الزوجين، والفرق بينها هو الفرق بين الحلال والحرام.

س 4: ما علة تحريم الاستمناء؟

بسمه تعالى:

ليس من حقنا أن نناقش الشريعة، بل نطبق بالرضا والتسليم ما دمنا مسلمين؛ قال تعالى:(فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء: 65)، وقال تعالى:(وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ

ص: 165

يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (الأحزاب: 36).

نعم؛ قد يكون من المستحسن أن نسعى لفهم فلسفة الأحكام الشرعية والحكمة في تشريعها، ولكن يجب التسليم والطاعة أولاً وقبل كل شيء، سواء توصلنا إلى نتيجة مرضية أو لا، وليس العكس بأن تتوقف طاعتنا وتطبيق الحكم الشرعي على قناعتنا الزائفة التي تتغير وتتأثر بالأهواء والنزعات، فهذا من تحكيم عقولنا وأهوائنا وعواطفنا في شريعة الله الحكيم العليم المحيط بكل شيء، علماً إن هذه من مشاكل بعض من يسمّون أنفسهم مثقفين.

وأضرب لهم مثالاً من القوانين الوضعية؛ فلا يناقش أحد: لماذا إن كانت الإشارة المرورية حمراء

ص: 166

فيجب التوقف؟ لا يناقش: لماذا يفرض القانون العقوبة الكذائية على الفعل الفلاني ما دام ابن ذلك البلد وخاضعاً لقوانينه؟ وهكذا الإسلام؛ فما دام انتسب له فلا يناقش في أحكامه وإلاّ فليكن واضحاً وليخرج عن الإسلام (قبّحه الله)، وهذه فكرة مهمة أحببت إيصالها بهذه المناسبة.

وعلى أي حال ففي حدود اطّلاعي توجد أضرار صحيّة عديدة لعملية الاستمناء منها: زوال قوة وشفافية العين مع ذبولها وفقدان لونها الأصلي، عدم مشاهدة الذكاء والإدراك السابق في المبتلين به، ظهور الانقباض في وجوههم، إحاطة عيونهم بحلقات زرقاء، مشاهدة الضعف والكسل في مختلف أعضائهم، قلة الحافظة، عدم الرغبة في الأكل، عسر الهظم، ضيق التنفس، تغير الأخلاق والمزاج، اختلال العقل، التفكير

ص: 167

بالوحدة والانعزال، وقد يؤدي الإفراط فيها إلى الأمراض العقلية كالجنون وأمراض الرئة كالسل الرئوي وأمراض القلب، وقد تؤدي هذه الأعراض إلى الوفاة - راجع كتاب (شباب في مقبرة الجنس) وهو الحلقة الثامنة من سلسلة نحو مجتمع نظيف - وهذه الأعراض المرضية تفضح الممارسين للعادة السرّية مهما حاولوا إنكارها والتكتم عليها، فوا خجلتاه من الناس فضلاً عن الخجل أمام الله تبارك وتعالى المطّلع على السرائر.

س 5: رجل يتسامر مع أصدقائه في مجلس ما وكان مستلقياً بوجهه على الأرض (نوم الشيطان)، وكان المجلس يتكلّم عن قضايا جنسية وأوصاف الجنس اللطيف، وكان الرجل المستلقي يتقلّب

ص: 168

على الأرض، وكان القضيب يتداعب في الأرض، فحدث الإنزال بدفق وشهوة وفتور، فما حكم الماء النازل وما حكم العملية المذكورة؟

بسمه تعالى: هي من أشكال العادة السرية لانطباق التعريف السابق عليها.

س 6: على فرض بسط وإفشاء الحكم الإسلامي بين الناس فما حكم المستمني؟ وإذا لم يكن الحاكم الشرعي مبسوط اليد فماذا يعمل المستمني مع نفسه بعد التوبة؟

بسمه تعالى:

على المستمني التعزير، بمعنى جلده عدداً من الأسواط يكفي لردعه ويناقش في أسباب لجوئه إلى العادة السرّية، فإن كانت حاجته إلى الزواج زوّجه الحاكم الشرعي من بيت المال، والتوبة الصادقة

ص: 169

تكون بالإقلاع عن هذا الفعل وعقد العزم على عدم العودة إليه وتجنب المثيرات الجنسية كأماكن الاختلاط واستماع الأغاني ومشاهدة المسلسلات والصور الخليعة وغيرها.

س 7: طبيب طلب عيّنة من نطفة المريض وهو غير متزوج لأمراض معينة ضرورية، فهل يجوز أن يستمني الرجل لإجراء الفحوصات الطبيّة؟

بسمه تعالى:

إذا تطلبت الضرورة العلاج بذلك فلا بأس بالفعل بمقدار الضرورة.

ص: 170

س 8: الآية السابقة من سورة المؤمنون (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) هل هذه الآية تشمل عملية الإمناء؟ فقد يقال إن هذه الآية جاءت في سياق ذكر الزواج، وهذا يعني أنها تقصد عملية الزنا فما هو رأيكم؟

بسمه تعالى:

الآية شاملة لكل ما وراء العمليات الشرعية أي التي أذن بها الشارع أو رخص فيها، ونزول هذه الآية في مورد معيّن لا يخصصها لذلك المورد ما دامت الآية في نفسها عامة، وهذا من معاني خلود القرآن ولو قصرنا كل آية على أي مورد معين لانتهى مفعول القرآن بانتهاء مناسبات نزوله وهذا خطأ فادح.

ص: 171

س 9: ماذا تنصحون - سماحة الشيخ المفدّى - الشباب الجانح الذي يرتكب هذه العملية؟

بسمه تعالى:

أنا لا أتفق معك في إساءة وصف هؤلاء الشباب، فإنهم طيبون وقريبون من الإيمان، ولو كانوا سيئين لارتكبوا الفواحش علناً ولتجاهروا بها بدل جعلها سريّة، فنفس شعورهم أن فعلهم هذا خطأ يجب التستر عليه يعتبر خطوة نحو الإصلاح والارتداع عن المنكر.

ولا يقع اللوم كله عليهم، فبعضه يقع على أولياء أمورهم الذين لم يربوهم التربية الصحيحة ويثقفوهم الثقافة الدينية الأخلاقية، وبعض اللوم يقع على وسائل الإفساد وإشاعة الفاحشة التي

ص: 172

تملأ سمعه وبصره وعقله وقلبه ولا يجد مفراً منها، وبعض اللوم يقع على البيئة الفاسدة التي يعيش فيها حيث انتشر المنكر والانحراف والانحلال الخلقي في كل أنحائه بحيث أصبح الكثيرون لا يرون المنكر منكراً لتطبعهم عليه، ويقع بعضه على أصدقاء السوء الذين يزينون المعصية ويحسنونها بعين الشخص حتى يقع معهم في الهاوية فيتلذذون بسقوطه لأن بقائه على الاستقامة والحياة النظيفة يكشف زيفهم ودناءتهم وخستهم.

كل هذه العوامل تجتمع لتؤدي هذه النتائج السيئة، وأي علاج لابدّ أن يتناول جميع الأسباب، وقد قلت في كتاب (شكوى القرآن) إن الطبيب الحاذق هو من يشخص بدقة العلّة الحقيقية وراء الأعراض المرضية التي هي معلولات لها

ص: 173

فيزيل العلة من أساسها، وليس من الحكمة أن يعالج الأعراض ويترك العلة الأساسية، فالمؤمن الواعي المخلص الذي يستمد باستمرار العون والتسديد والعصمة من الله تعالى يقاوم كل هذه العلل ويقف بشموخ في وجهها، حتى قال الحديث الشريف: (إن إيمان المؤمن أقوى من الجبل؛ لأن الجبل يستقل منه بالمعاول ولا يستقل من إيمان المؤمن شيء)، فهذا هو العلاج الرئيسي: ذكر الله دائماً وخشيته وتذكر عقوبته والحياء منه، وتخيّل أن الموت لو أتاك وأنت تمارس العادة السرّية والموت يأتي فجأة فماذا سيكون حالك وأنت تلقى الله على هذا الحال؟.

ومن الحلول المهمة أيضاً تجنّب ما يثير الشهوة الجنسية في كل الاتجاهات من صحف ومجلات وأفلام ومسلسلات وغيرها والاشتغال بمتطلبات

ص: 174

الحياة كالكسب ولقاء الأخوة المؤمنين وقراءة الكتب والمجلات الهادفة والاستماع إلى نشرات الأخبار والبرامج المفيدة وممارسة الرياضة النافعة، وقد ناقشت هذا الأمر في محاضرات وكتاب (الحوزة وقضايا الشباب) وقلت أنهم يسمونها مشكلة جنسية، وهي ليست مشكلة بل رحمة إلهية (وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21)، لكنهم حين عرضوها بصورتها الحيوانية فقط وعملوا على استثارتها بكل وسيلة ثم وضعوا العراقيل أمام الأسباب المشروعة لالتقاء الجنسين أصبحت مشكلة وحوّلوها من نعمة إلى نقمة.

ص: 175

أقول هذا الكلام باختصار راجياً من الله تعالى أن ينفع به الصادقين وأن يوفر لي فرصة أُخرى للحديث بشكل واسع عن هذه المشكلة.

س 10: شخص متزوج شهوته متغلبة عليه، وزوجته ذات شهوة ضعيفة (تتصف بالبرود الجنسي) فبدأ هذا الزوج ممارسة العادة السرّية بين الحين والآخر، فما حكمه؟

بسمه تعالى:

لتمارس له الزوجة العادة السرية بيدها؛ فإنه من الاستمتاعات الجنسية المسموحة، وليس من حق الزوجة أن تمتنع عن أي استمتاع جنسي يريده الزوج منها إلا في حالات الضرر والحرج، وعلى

ص: 176

أي حال فإن الزوجة العفيفة تستطيع تصريف شهوة زوجها بما لا يضر بحالها.

س 11: يقول البعض: إن الأضرار النفسية والعضوية للعادة السرية غير ثابتة كما يذكر أحد المصادر الطبية، فما رأيكم؟

بسمه تعالى:

يكون الجواب في عدة نقاط:

قال الله تعالى:(إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) (الحجرات: 6)، وكثير من المؤلفين في هذه الحقول العلمية غير ملتزمين دينياً فلا يؤتمنون على مثل هذه المجالات التي لها دخل في الأخلاق

ص: 177

والشريعة والاجتماع خصوصاً، وإن كثيراً منهم متأثرون بالمدارس الغربية في علم النفس والاجتماع ومنبهرون بها ومقلدون لها، بحيث إن عندهم الاستعداد الكافي لمخالفة الشريعة من أجل دعم تلك المدارس.

إن الطب من العلوم التجريبية وتتضارب فيه الآراء كثيراً، وقد نقل أحد الأطباء المختصين: إن ثلاثة عشر ألف رسالة طبية تنشر يومياً عبر الانترنيت تتضارب فيها الآراء والنتائج ولا يثبت منها شيء إلا بعد تدقيق وتفحص طويلين، ومحل الشاهد إن أي رأي علمي وان كان ثابتاً بدرجة معتد بها كالأضرار المتعددة للعادة السرية يمكن أن يوجد من يعارضه.

ص: 178

إن حرمة الاستمناء بعد أن ثبتت بالشريعة ودلت عليها النصوص فلا يؤثر فيها وصول العقل البشري إلى علة ذلك الحكم والمصلحة فيه أو عدم وصوله، فإن الإيمان والتسليم بالشريعة مطلق (فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء: 65)، وإن كنا نعتقد أن وراء كل حكم مصلحة واقعية هي ملاك الحكم وعلته.

س 12: قد يمرّ الشاب بموقف مثير للشهوة الجنسية بحيث يكون من الحرج الشديد عليه عدم التنفيس عن شهوته بالاستمناء لعدم وجود زوجة له، فما الحكم؟

ص: 179

بسمه تعالى:

صحيح أن التكاليف الشرعية تسقط في حالات الحرج والضيق النفسي الشديد لقوله تعالى:(وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: 78)، وفي حالات الضرر لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) وحالات عدم القدرة لقوله تعالى:(لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها) (البقرة: 286) إلا إن ذلك لا يعفيه من المسؤولية والعقاب إذا كان ذلك الموقف قد حصل بسوء اختياره وإرادته، أي إنه هو الذي أوقع نفسه في ذلك الحرج بمشاهدة فلم جنسي أو صورة خليعة أو تواجدَ في أماكن اختلاط فاحش، لأن المعروف عن الشهوة الجنسية أنها لا تثار إلا بمؤثرات خارجية ومهيجات وليست هي كشهوة الطعام المنبعثة من داخل الإنسان لحاجة الجسم إلى الغذاء

ص: 180

والطاقة، ولذا اشتهرت كلمة عند العلماء (إن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار) أي إن تعذر امتثال الحكم الشرعي وامتناعه لعسر أو ضرر ما دام حصل باختيار الفرد، فإن هذا الامتناع لا ينافي نسبة الفعل إلى الفاعل لأنه كان بإرادته واختياره.

ص: 181

ص: 182

عدم تزويج العلويات لغير السادة

بسمه تعالى: سماحة المرجع الديني الشيخ الأجلّ محمد اليعقوبي (دام ظله الشريف).

توجد فكرة خاطئة لدى بعض العشائر من السادة المنتسبين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي عدم تزويج بناتهم إلى غير السادة، حتى لو أدّى ذلك إلى تعطيل البنت وحرمانها من الزواج. وقد بالغ بعض السادة فمنعوا من تزويج بناتهم من سادة آخرين لا يرونهم بمستواهم، كما حصل لبعض السادة الياسريين؛ حيث استردّ ابنته كرهاً من زوجها الذي هو من سادة غيرهم، واعتبر ذلك الزواج غير شرعي (زنا) بنظره. وقد سرت هذه الفكرة إلى بعض العشائر من غير السادة أيضاً.

ص: 183

فما أصل هذه الفكرة؟ وهل يوجد دليل يستند إليه هؤلاء؟ وما وجهة نظر الشريعة فيها ونحن نرى أنها تؤدي إلى ظلم المرأة وحرمانها من حق مهم من حقوقها؟.

بسمه تعالى: إذا أردنا أن نحسن الظن بهم فإن هؤلاء يستندون إلى قول منسوب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاصله: (بنونا لبناتنا وبناتنا لبنينا)(1) وهو إن صحت نسبته إليه عليه السلام، فلا يصلح أن يكون دليلاً على هذه الظاهرة السيئة لعدة أمور:

1 - إنها كلمة خاصة في واقعة معينة ولا يستفاد منها التعميم؛ فقد خطب الأشعث بن قيس إلى أمير المؤمنين ابنته العقيلة زينب وهو يومئذ زعيم لقبيلة كبيرة وهي كندة ومن وجوه المجتمع5.

ص: 184


1- فقه الرضا: علي بن بابويه القمي: ص 355.

الإسلامي، لكن أمير المؤمنين يعلم خبث معدنه فأراد أن يرده بلطف فقال هذه الكلمة.

2 - ويحتمل أنها خاصة ببناتهم وأبنائهم عليهم السلام المباشرين لا مطلق ذريتهم وإن ابتعدت عنهم.

3 - ويمكن فهم الكلمة معنوياً ففي الحديث الشريف: (يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة)(1) ويكون معنى كلمته عليه السلام أن أبناءنا المؤمنين يتزوجون بناتنا المؤمنات وبالعكس، ويؤيده في القرآن الكريم قوله تعالى حكاية عن إبراهيم (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) (إبراهيم: 36) وبالمقابل يقول عن ابن نوح (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) (هود: 46)، فالبنوّة الحقيقية هي الانتساب بالعقيدة والولاء. لذا روي عن الإمام8.

ص: 185


1- البحار: ج 23 ص 128.

الصادق عليه السلام: (ولايتي لأمير المؤمنين عليه السلام خيرٌ من ولادتي منه)(1) ، فيكون معنى الكلمة هو لزوم تزوج المؤمنين بالمؤمنات، ولا يجوز التزويج لغيرهم وهو معنى صحيح أكّدته آيات عديدة.

هذا إذا قلنا بصحة صدور هذه الكلمة منه عليه السلام ولم نناقش فيه، باعتبار أنه قد ورد عنهم عليهم السلام أنه: إذا جاءكم الحديث عنا فاعرضوه على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فما خالفهما فإنه زخرف باطل لم نقله وارموا به عرض الجدار.

وتوجد عدة أدلة على بطلان هذه الفكرة من الأساس هي:

أولاً: إن الميزان الحقيقي للتفضيل بين البشر هي التقوى. قال تعالى:(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ0.

ص: 186


1- جامع الأسرار: سيد حيدر آملي: ص 500.

أَتْقاكُمْ) (الحجرات: 13) وقد رفع الإسلام سلمان الفارسي فجعله من أهل البيت، وبالمقابل أنزل سورة في القرآن تتلى إلى يوم القيامة في ذم ولعن أبي لهب عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ونفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخاطبه القرآن:(لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (الزمر: 65) فشرفه بطاعته لله تبارك وتعالى.

وفي آية أخرى (وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ، لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) (الحاقة: 44-46) وهو صلى الله عليه وآله وسلم يقول عن نفسه: (ولو عصيت لهويت)(1) أي في نار جهنم. فالانتساب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان3.

ص: 187


1- الارشاد: ج 1 ص 183.

شرفاً في نفسه لا يدانيه شرف إلا أنه لا يكسب صاحبه مرتبة أعلى من غيره إلا بالتقوى.

وقد وردت الأحاديث الشريفة في النكاح تشترط الدين والعقل في كفاءة الزوج (إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته يخطب إليكم فزوجوه، إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)(1) ، فهل يرضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأولاده أن يخالفوا سنته ويتسببوا في الفتنة والفساد الكبير.

ثانيا: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته كذبوا هذه الفكرة عملياً؛ ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زوّج المقداد بن الأسود ضباعة ابنة الزبير بن عبد المطلب، وإنما زوّجه لتتضع (أي تتسهل وتتسامح) المناكح،2.

ص: 188


1- البحار: ج 103 5 ص 372.

وليتأسّوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليعلموا (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ)(1) . وكان الزبير أخا عبد الله وأبي طالب لأبيهما وأمهما.

ثالثاً: لقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام استنكار هذه الفكرة بقوله (أتتكافأ دماؤكم ولا تتكافأ فروجكم)(2) فإن العلوي إذا قتل غيره اقتصّ به منه، فإذا كانت دماؤهم متكافئة، فلماذا لا يتكافؤون بالتزويج.

رابعاً: قد جرت سيرة العلماء وهم ورثة الأنبياء والأئمة على تزويج العلويات من غير السادة، وقد دونت كتب التراجم والسير الكثير من هذه5.

ص: 189


1- وسائل الشيعة: كتاب النكاح، أبواب: مقدماته وآدابه، باب 26، ح 1.
2- الكافي: ج 5 ص 345.

الحالات، حتى اشتهر عندهم لقب (الميرزا) لمن كانت أمّه علوية وإن لم يكن أبوه كذلك. فظهر من كل ما تقدم عدم وجود دليل على صحة هذه الفكرة، بل الدليل على خلافها من القرآن والسنة وسيرة العلماء.

فما هو منشأ هذه الفكرة المخالفة للقرآن والسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

الذي أعتقده أن منشأ ذلك شعور بالعصبية الجاهلية وروح الاستعلاء وأن الآخرين هم أدنى مرتبة فلا يستحقون التزويج منهم، وإنما سمّيتها بالجاهلية لأن القرآن يسمي كل عقيدة أو سلوك بعيداً عن المنهج الالهي (جاهلية)، وقد كان قوم في الجاهلية لا يزوّجون نساءهم إلى غيرهم ويعتقدون بأفضليتهم على الناس ويسمون

ص: 190

أنفسهم (الحمس)، وقد تسربت هذه الروح إلى المسلمين فكان العرب الفاتحون يرون أنفسهم أفضل من غير العرب فلا يزوّجونهم ويسمونهم (الموالي)، وقد شكى الموالي ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام فخرج إليهم وهو مغضب ووبخهم، لكنهم عصوا أمره وأصرّوا على استكبارهم.

إن روح الاستعلاء هذه من نزعات الشيطان وتسويلات النفس الأمّارة بالسوء، فعلى الأخوة المؤمنين نبذها وتركها والاستنان بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإني أقول قولي هذا مراعاة لذرية الزهراء عليه السلام، فقد بلغني أن الكثير من العلويات تعنس ويفوتها الزواج بسبب هذه الفكرة الظالمة، حيث ينهى عنها أولاد عمها ولا يتزوجونها، فيحرمونها من ممارسة حقها في الحياة كزوجة وكأم لأولاد

ص: 191

يرعونها في الكبر، فلماذا هذا الظلم؟! ألم يعلموا أن الله يحشر الظالمين في سرادق من نار خاصة بهم.

وأرى أن تزويج العلوية من غير العلوي سيضيف لها فرصاً أكبر لنجاح حياتهما الزوجية؛ لأن الزوج سيحفظ لها هذه القربى من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيكرم مقامها ويرعاها أحسن رعاية، لأنها وفرت له فرصة مصاهرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والزهراء عليها السلام وتسببت في انتساب ذريته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جهة الأم، ولا يظلمها احتراماً لجدتها الزهراء عليها السلام.

فعلى الجميع أن يتعاونوا في القضاء على هذه الفكرة الجائرة التي استشرت في أوساط الكثير من عشائر السادة، بل بلغني أن بعض السادة (الياسريين) حرموا إحدى بناتهم من زوجها لأنه

ص: 192

من سادة غيرهم، ويعتبرون بقائها معه (زنا) والعياذ بالله؟! وهذه جناية كبيرة أن يتكبر أحدهم حتى على أولاد عمه من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إنها (الجاهلية) تعود من جديد بشعارات دينية... فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون، وعودوا إلى كتاب ربكم وسنة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم، واستغفروا الله من ظلمكم للنساء؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى بهن، وقال: اتقوا الله في الضعيفين - المرأة واليتيم - وفي حديث آخر ما أكرمهن الا كريم وما أهانهن إلا لئيم.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا لطاعته ويدلنا على سبيل رضاه إنه ولي النعم.

ص: 193

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.