في ثقافة الرفض و إصلاح المجتمع

هویة الکتاب

في ثقافة الرفض و إصلاح المجتمع

الكاتب:آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي

لسان: العربية

الناشر: دار الصادقين - النجف اشرف - العراق

سنة النشر: 1435 هجري قمري|2014 میلادي

ص: 1

اشارة

ص: 2

في ثقافة الرفض و إصلاح المجتمع

محمد یعقوبی

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 5

ص: 6

الفصل الاول: في النهضة الحسنطة: مواقف خالدة

اشارة

ص: 7

ص: 8

حياة الحسين كلها مواقف خالدة

حياة الحسين كلها مواقف خالدة(1)

بركة اليوم الحسيني:

كلما يذكر الحسين عليه السلام تذكر معه كربلاء وكلما تذكر كربلاء يذكر معها الحسين عليه السلام، ويذكر معهما عاشوراء، وهذا الترابط الوثيق لان هذا المكان والزمان سَجَّلا للإمام الحسين عليه السلام وأصحابه موقفاً عقمت الأيام عن الإتيان بمثله في كل أبعاده خصوصاً المبدأي الذي جسده الإمام الحسين عليه السلام بأقواله وأفعاله وفي جميع مراحل مسيرته المباركة. والعاطفي الذي فجرته المأساة، فقد ورد في رواية عن الإمام الرضا عليه السلام

>إن يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا وأذل عزيزنا، بأرض كرب وبلاء، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون<

أنست رزيتكم رزايانا التي *** سلفت وهونت الرزايا الآتية

وفجائع الأيام تبقى مدة وتزول وهي إلى القيامة باقية

وموقفٌ واحد مما تضمنته صحائف البطولة والمبادئ الإنسانية العليا في واقعة كربلاء كفيلٌ بتخليد صاحبه، لأن الإنسان يبقى بآثاره التي

ص: 9


1- الكلمة التي كتبها سماحة الشيخ اليعقوبي تلبية لطلب الأخوة القائمين على موقع المرجعية باللغات الألمانية والانكليزية والتركية لترجمتها ونشرها بمناسبة ذكرى عاشوراء وتاريخها 7 محرم 1430 الموافق 2009/1/4..

يُذكر بها (والذكرُ للإنسان عمرٌ ثاني) فها هو الحر الرياحي (رضوان الله تعالى عليه) قضى حياته في خدمة الطواغيت لكنه التفت في لحظة إلى عاقبة أمره وخيّر نفسه بين الجنة التي ثمنها نصرة الحسين عليه السلام والشهادة بين يديه، والنار التي تعقب ملك بني أمية ونعيمهم المزيَف، ولم يكن ليختار على الجنة شيئاً أبدا.

مع أصحاب الحسين عليه السلام وتضحياتهم:

وهذا وهب بن حباب الكلبي رجل مسيحي لا يعرف عن الإسلام شيئاً لكن أخلاق الإمام الحسين عليه السلام وسمو ذاته صعقته فأنقاد إليه وأسلم على يديه وقاتل دونه حتى أستشهد.

وهذا زهير بن القين كان - كما قيل - بعيداً عن أهل البيت عليهم السلام لكن كلماتٍ من الإمام الحسين عليه السلام ملأت عليه قلبه وعقله وروحه فتعلق بالإمام عليه السلام وصحبه حتى قضى نحبه شهيداً.

وهذا (جون) عبد أسود مولى لأبي ذر الغفاري رخّص له الإمام الحسين عليه السلام بالانصراف ليلة العاشر من محرم وقال عليه السلام له >إنك إنما تبعتنا طلبا للعافية< لكن جون أراد أن يختلط دمه بدماء السادة الكرام من آل النبي صلى الله عليه وآله فقاتل حتى استشهد ووقف الإمام عليه السلام على مصرعه وأكبّ عليه يدعو الله تبارك وتعالى أن يطيب ريحه ويجمعه مع النبي وآله صلى الله عليه وآله.

فهؤلاء لم يكن لديهم شيء يُذكرون به إلا موقفهم مع الإمام الحسين عليه السلام لكنه - لعظمته - كان كافياً لتخليدهم.

نصروا ابن بنت نبيهم طوبى *** نالوا بنصرته مراتب سامية

ص: 10

قد جاوروهُ هاهنا بقبورهم *** وقٌصوُرهم يوم الجزا متحاذية

لقد ملكوا التاريخ:

وقد ملكوا التاريخ بهذا الموقف ولم يملكوه بعدد من قتلوهم أو قاتلوهم أو أي شيء آخر، وليفهم هذه الحقيقة من يستشكل على من يعدد فضائل أمير المؤمنين عليه السلام بقتله عمرو بن عبد ود في معركة الخندق ومرحبا اليهودي في خيبر بان عنترة بن شداد قتل أيضاً الإبطال والأقران، فهذا لا يفهم إن العظمة في الموقف الذي من ملكه ملك المفاصل التاريخية لأنها مفاتيحه كالجيش الذي يمسك بممر استراتيجي أو ثغر قاتل لخصمه فينتصر.

حياة الحسين عليه السلام كلها عطاء:

وإذا كان موقف مثل يوم كربلاء كافٍ للخلود فإن حياة الحسين عليه السلام كلها مواقف وما يوم كربلاء إلا يوماً واحداً من أيام حياته الشريفة التي امتدت (57) عاماً.

فمنذ كان طفلاً صغيراً يذهب هو وأخوه الإمام الحسن المجتبى عليه السلام مع أبيهما أمير المؤمنين عليه السلام إلى مسجد جدهما رسول الله صلى الله عليه وآله فيستمعان إليه صلى الله عليه وآله يبين ما أوحى إليه وينقلانه إلى أمهما فاطمة الزهراء عليه السلام حتى رحل جدهّما وأمهما صلوات الله عليهما وكانت لهما مواقف مع غاصبي حق أبيهما أقاما فيها الحجة والدليل على الظالمين.

ص: 11

وكان مع أبيه أمير المؤمنين عليه السلام في جميع معاركه ومراحل حياته حتى أستشهد في محراب مسجد الكوفة المعظم ومع أخيه الإمام الحسن عليه السلام مؤازراً ومسلّيا ومدافعاً حتى أستشهد سلام الله عليه. وعُرف وأخوه الإمام الحسن عليه السلام بالكرم والعطاء الجزيل الذي كان يغني الآخذ، وكان يعول بالكثير من العوائل التي فقدت أولياء أمورها في المعارك مع الذي خرجوا على أمير المؤمنين عليه السلام فأزهقت أرواح الآلاف.

وكانت له حلقة علمية لتفسير القرآن في مسجد النبي صلى الله عليه وآله فيجيب على المسائل التي تستعصي على كبار الصحابة كما ورد في الرجل الذي سأل عن تفسير قوله تعالى (وشاهد ومشهود).

وكان عليه السلام لا تأخذه في الله لومة لائم يقول كلمة الحق في وجه الطغاة والظالمين ورسالته إلى معاوية لما قتل الكرام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام حُجر بن عدي الكندي وعمرو بن الحمق الخزاعي ذكر فيها مثالب معاوية(1) وأسرته وحذرّه من مغبة عمله، لكن..

ص: 12


1- مما جاء فيها (ألستَ القاتل حجر بن عدي أخا كندة؟ والمصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع، ولا يخافون في الله لومة لائم، ثم قتلتهم ظلما وعدوانا، بعدما كنتَ أعطيتهم الإيمان المغلظة، والمواثيق المؤكدة، لا تؤاخذهم بحدثٍ كان بينك وبينهم، ولا بإحنةٍ تجدها في نفسك) وفيها (أولستَ قاتل عمر بن الحمق صاحب رسول الله عليهما السلام العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحلت جسمه، وصفرت لونه، بعدما أمنته وأعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لو أعطيته طائرا لنزل إليك من رأس الجبل، ثم قتلته جرأة على ربّك واستخفافا بذلك العهد)..

الذي منعه من الخروج على معاوية بالسيف التزامه بالوثيقة التي وقعها أخوه الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية لإنهاء القتال ولم يفِ معاوية بشيء منها.

حتى كان ما كان من أمر تولي يزيد أمور المسلمين بعد وفاة معاوية فصدع الإمام عليه السلام بمعارضته ورفضه طاعة اللئام فآثر مصارعة الكرام >ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلةِ والذلةِ وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله وحجور طابت وطهرت ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام<.

كان عليه السلام حنوناً عطوفاً حلو المعاشرة شمل برحمته حتى أعداءه حيث بكى على قاتليه شفقة من دخولهم النار بسبب جرأتهم على قتله.

وكان يغدق بالعطاء بمسألة وبغير مسألة ولا يظهر أمام السائل وإنما يعطيه من وراء الباب ويفسر عليه السلام ذلك بأنه كان لا يريد أن يرى في نفسه عزة المسؤول ولا في الآخر ذلة السؤال.

التفَّ الناس حوله وأحبّوه حتى وُصِف يوم وصول خبر استشهاده إلى المدينة المنورة أنه كيومٍ مات فيه رسول الله صلى الله عليه وآله لأن المدينة ضجّت بأهلها حزناً على فقده حتى أن مثل مروان بن الحكم الباغي عليهم والذي قسى قلبه فهو كالحجارة أو أشد قسوة كان يحضر إلى البقيع ويستمع إلى البكاء والمراثي التي كانت تنشدها أم البنين زوجة أمير المؤمنين أم العباس وأخوته فيبكي معهم كما روى أبو الفرج في مقاتل الطالبيين.

وكان متواضعاً يمشي وسط الناس ويجالس العبيد ويأكل معهم،

ص: 13

مشى من المدينة إلى مكة المكرمة (480 كيلومتراً) حاجا عشرين حجة ماشيا على قدميه وإن النجائب (الخيول الأصيلة) لتقاد بين يديه لإركاب العاجز والضعيف تعظيما للبيت الحرام وتواضعا لله تبارك وتعالى، وكان لا يسير في الطريق العام خشية أن يتهافت عليه الناس تعظيما وتقديسا له وتبركا به ويقول عليه السلام >لا أريد أن أأخذ من رسول الله صلى الله عليه وآله أكثر مما أعطيه<.

وأما معرفته برّبه فهو سيد العارفين وابن سيد العارفين، ويتعلم من دعائه الشريف يوم عرفة العرفاء الشامخون وفيه يخاطب ربه راهباً متضرعاً >كيف يُستدل عليك بما هو في وجوده مفتقرٌ إليك، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المُظهِرُ لك، متى غبتَ حتى تحتاج إلى دليلٍ يدلُّ عليك، ومتى بعُدتَ حتى تكون الآثارُ هي التي توصل إليك، عميت عين لا تراك عليها رقيبا، وَخسرت صفقة عبدٍ لم تجعل له من حُبكَ نصيباً< ويناجي ربه وهو صريع قد فَقَدَ أحبته وأولاده وإخوانه >إلهي إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى، لك العتبى يا رب<.

هكذا كانت أيام الحسين عليه السلام كلها عظمة ونبل وسمو وأخلاق فاضلة وشجاعة وبطولة وكرم وإباء وهداية إلى السعادة والكمال. فلننهل من سِفرِ الحسين عليه السلام كل هذه المآثر ولنأخذ من كل أيام الحسين عليه السلام وإن كان يوم الطف وحده كافياً ولذا قيلت الكلمة المشهورة (سُفرةُ الحسين واسعة) لأن كل من طلب الكمال والعظمة بكل جوانبها وجدها في سِفرِ الحسين عليه السلام.

ص: 14

قضية الحسين عليه السلام عنوان حياتنا

قضية الحسين عليه السلام عنوان حياتنا(1)

مع الأيام الحسينية:

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام رزقنا الله وإياكم شفاعتهم وصحبتهم يوم الورود.

شاء الله تبارك وتعالى أن يفتتح سنتنا الهجرية بأيام عاشوراء التضحية والفداء والإصلاح، وكأنها تعني فيما تعني جعل قضية الحسين عليه السلام عنواناً لقضايانا، والعنوان كما تعلمون يختزن كل تفاصيل ومضامين المعنون، كما أن عنوان الكتاب يتكون من كلمتين أو ثلاث لكنه يعطي فكرة عن الكتاب كله وكأن الله تعالى أراد منّا أن نجعل من قضية الحسين عليه السلام مضمون حياتنا الذي يجب أن نسير عليه، ولا عجب في ذلك فقضية الحسين عليه السلام هي قضية التوحيد الكبرى والإسلام المحمدي الأصيل والمبادئ الإنسانية النبيلة التي يتفق جميع الناس عليها.

وهكذا فإن قضية الحسين عليه السلام تصلح لأن تغطي كل حياتنا بتفاصيلها وتنوّعها، وقضية الحسين عليه السلام لا تقتصر على يوم عاشوراء وإن كان هو اليوم الذي خطف التاريخ ويستحق ذلك، إلا أن يوم عاشوراء يوم

ص: 15


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفود من طلبة الكلية التقنية والمعهد التقني في النجف الأشرف وأهالي حي الزهراء في بغداد يوم السبت 2 محرم 1431 المصادف 2009/12/19..

من أيام الحسين عليه السلام التي امتدت سبعاً وخمسين عاماً وموقف من حياته المباركة التي هي كلها مواقف.

حياة الإمام الحسين عليه السلام سفر خالد:

فقد تنوّعت أدواره المباركة في حياة الأمة جميعاً والشواهد كثيرة لسنا بصدد ذكرها فمن العلم والتدريس في مسجد جده صلى الله عليه وآله والإفتاء إلى تجسيد الأخلاق الإلهية في حياته العملية إلى مساعدة المحتاجين ورعاية أيتام وأرامل الشهداء في معارك أبيه أمير المؤمنين عليه السلام خصوصاً في صفين إلى ممارسة وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتصحيحه للكثير من السلوكيات الاجتماعية المنحرفة إلى مواجهة الفتن والمشاكل التي تعصف بالأمة، إلى حماية الحق وأهله إلى إعلان كلمة الحق في وجه السلطات الحاكمة وعلى رأسها معاوية، ورسالته عليه السلام إليه بعد قتل الأجّلاء مثل حجر بن عدي الكندي ورشيد الهجري وعمرو بن الحمق الخزاعي.

وهكذا فإن حياة الحسين عليه السلام سفر خالد ومتنوع تنهل منه الأجيال إلى قيام يوم الساعة، ولنقف عند ظاهرة واحدة في حياته المباركة وهي - بالمصطلح المتداول - وعي الظروف التي يعيشها وتشخيص القرار الصائب المناسب لها الذي يجب أن يتخذه، وعندئذ تستطيع الإجابة عن سؤال مثار وهو إنه لماذا خرج الحسين عليه السلام على يزيد بن معاوية ولم يخرج على أبيه معاوية الذي ارتكب الموبقات في الإسلام وسفك الدماء المحرمة وقاتل الإمام الحق أمير المؤمنين عليه السلام وقتل سبط رسول الله صلى الله عليه وآله الحسن المجتبى عليه السلام ولاحق شيعة أمير المؤمنين عليه السلام تحت كل حجر ومدر فهدّم

ص: 16

دورهم وقطع أرزاقهم وقتل رجالهم؟

وعي المرحلة (الزمان والمكان):

وهكذا كان الإمام السجاد عليه السلام بعد أبيه لما دخل الكوفة مع عقائل بيت النبوّة وخطبوا بأهل الكوفة ندم هؤلاء وارتفعت أصواتهم بالعويل والبكاء وقالوا للإمام عليه السلام: مرنا بأمرك قال عليه السلام: هيهات أتريدون أن تأتوني كما أتيتم أبي من قبل، ولو استفاد المتصدون اليوم لأمور الأمة صغيرها وكبيرها سواء على الصعيد الديني أو السياسي أو الاجتماعي أو غيرها من سفر الحسين عليه السلام الواسع ووعوا الظروف المحيطة والتحديات المعقدة التي تواجه الأمة لاتصّفوا بالحكمة ولجنبوا الأمة كثيراً مما حلّ بها.

القيادة الرشيدة والاستفادة من مواقف الأئمة عليهم السلام:

لقد كان السيد الشهيد الصدر الثاني قدس سره واعياً لمتطلبات مرحلة ما بعد السيد الشهيد الصدر الأول قدس سره فتصرف بحكمة وأسَّس لانطلاقة جديدة للحركة الإسلامية المباركة فقام - وهو فرد - بأمر الله تعالى وقدّم ما عجز عنه مجموع الآخرين فبارك الله تعالى في عمله لإخلاصه وتفانيه.

وبعد استشهاد السيد الصدر الثاني قدس سره اجتمع الأخوة الذين كانوا يعملون معه قدس سره وطلبوا منّي إمامة الجمعة في الكوفة وتصعيد الموقف رغم المنع الذي بلّغه لنا في مجلس العزاء كبار مسؤولي النظام الذين أوفدهم صدام المقبور لحضور مجلس العزاء، فاستحضرت موقف الإمام السجاد عليه السلام المتقدم وقلت لهم: ليس من الحكمة المضي بنفس الأسلوب

ص: 17

وأزلام صدام متربصون بمن يخلف السيد الشهيد الصدر قدس سره، تصوّروا لو أن الإمام السجاد استجاب للاندفاعة العاطفية التي سادت أهل الكوفة النادمين ونقترض انه سيطر على الكوفة، هل سيكون عمر هذه الحركة أكثر من أيام ويحصل له كما حصل لمسلم بن عقيل (رضوان الله تعالى عليه) بينما استطاع بتسديد الله تعالى ولطفه اللبث في الأمة (34) سنة بعد أبيه وتجاوز بهم تلك الأزمات الماحقة وسحب البساط من تحت الطغاة.

وقد قدّر الله تبارك وتعالى أن لا تخلو الأرض من حجة حتى في أشدّ النكبات وأقساها، خصوصاً في هذا البلد الكريم الذي قدّر الله تعالى له أن يحتضن عاصمة الإمام عليه السلام ويكون منطلق حركته لتأسيس دول الحق والعدل العالمية، وعليكم أن تبحثوا بوعي وبصيرة عن قيادتكم الحكيمة بعيداً عن الأهواء والتفرق والتشويش والإعلام المضلل ولا تذهبوا شرقا وغرباَ.

ص: 18

الفصل الثانى: المبادى الحسينية و ثوراث الشعوب

اشارة

ص: 19

ص: 20

المبادئ الحسينية وثورات الشعوب

اشارة

المبادئ الحسينية وثورات الشعوب(1)

موسم العز والكرامة:

لقد أراد الأئمة المعصومون (سلام الله عليهم) لشهري محرم وصفر أن يكونا موسم عزةٍ وكرامةٍ وتحررٍ وانتزاع للحقوق الإنسانية, ومثار شجاعة وثورة على الظالمين وانعتاق من أسر الشهوات والمطامع الدنيوية والإخلاد إلى الأرض, وميداناً للإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وساحة للأخوة والتآلف والوحدة، وانطلاقة للحياة الحرة الكريمة، وزيادة في وعي الأمة وتثبيتاً لقلوبها، وفرصة لإظهار المودة لأهل بيت النبوة ومواساتهم أداءً لأجر الرسالة كما ورد في القرآن الكريم، فعلينا أن نقف في نهاية هذا الموسم من كل عام لنجري مراجعة ونتحقق من مقدار مطابقة أعمالنا وشعائرنا التي قمنا بها لتلك المبادئ المباركة، والآن وقت إجراء هذه المراجعة بعد أن تصرَّم هذا الموسم المعطاء.

التقدم في أداء الشعائر:

وإذا أردنا أن نقيّم موسم هذا العام فإن المراقب سيجد تقدماً واضحاً وتزايداً من ناحية الكم والعدد الغفير الذين شاركوا في إحياء

ص: 21


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع حشد من أساتذة وطلبة مدرسة الإمام الخميني للعلوم الدينية في النجف الأشرف ومن شباب حي الفضيلية في بغداد يوم الثلاثاء 11 /ربيع الأول/ 1432 الموافق 2011/2/15..

الشعائر الحسينية في مدنهم أو في كربلاء المقدسة، وأوضح شاهد على ذلك الموكب المليوني الهادر يوم عاشوراء المعروف بركضة طويريج، والمسيرة المليونية الراجلة إلى كربلاء، بحيث نستطيع أن نقول أنه ما من موالٍ لأهل البيت عليهم السلام إلا وقد كانت له مشاركة بنحو من الأنحاء وبما يناسبه.

وسيجد المراقب تقدماً أيضاً من ناحية الكيف أي النوع إذ تم تصحيح جملة من السلوكيات التي استهجنت من البعض في الأعوام الماضية كعدم التزام بعض الأخوات بالحجاب الكامل غفلة أو جهلاً، وكبعض التصرفات الصبيانية من بعض الشباب, ويلاحظ ايضاً اختفاء أو انحسار بعض الطقوس المتخلفة التي نسبت بدعة إلى الشعائر الحسينية، كما بدأت ظاهرة الالتزام بالصلاة في أوقاتها بالانتشار ومرافقة طلبة الحوزة العلمية للمواكب لإرشاد الناس وتوجيههم ووعظهم وتعليمهم أحكام الشريعة، وانتشار بعض هؤلاء الطلبة على مواكب الخدمة في الطريق لإقامة صلاة الجمعة والوعظ والإرشاد.

لا يقر لنا قرار حتى نرى الناس تجسد الإسلام في حركتها:

وهذا التقدم لم يحصل جزافاً بل جاء نتيجة لجهود مباركة قام بها العلماء والمبلغون والخطباء وأئمة الجمعة والجماعة وغيرهم من العاملين المخلصين الذين يواصلون عملهم الدؤوب في توعية الأمة وإرشادها، وتوجيه المسارات بالاتجاه الصحيح، ولكن علينا عدم الاكتفاء بما حصل فأمامنا طريق طويل، فما نراه من الشعور بالنشوة والزهو لمشاركة الملايين

ص: 22

في الشعائر الحسينية سابق لأوانه لأن الأهداف لم تكتمل بعد.

وإنما يتملكنا هذا الشعور حينما نرى الناس تجسّد الإسلام في سلوكها وأخلاقها وتجعل حكمه الفيصل في قضاياها، فهل المسيرة كلها تتوقف إذا دخل وقت الصلاة و ينادي المؤذن (حي على الصلاة) ليؤدي الصلاة في وقتها كلٌ في موقعه والأفضل أن تكون جماعة، لأن الأذان دعوة من الله تبارك وتعالى لعباده للقائه ومناجاته والوقوف بين يديه فكيف ينشغل العبد عن تلبيتها؟

وحينما نرى فضلاء وطلبة الحوزة العلمية ينتشرون في كل المسافات ليقدموا الزاد المعنوي للزوار وقد رأينا إقبالاً من الناس على من يرشدهم ويوجههم وتأثرهم به.

وحينما تقدر هذه الملايين بوعيها وشجاعتها على تغيير واقعها المزري الذي يفتقد إلى أبسط مقوّمات الحياة الإنسانية الكريمة بينما تهدر ثرواته الطائلة في أعمال عبثية وتضيع في جيوب الفاسدين وهو يكتفي بأن يبكي ويولول ويلطم وينادي بالويل والثبور، وهو يمتلك كل عناصر القوّة والأهلية للإصلاح والتغيير وعلى رأسها هذا الإمام العظيم سيد الشهداء وسبط رسول الله صلى الله عليه وآله.

لماذا لا نستطيع تغيير واقعنا المتردي؟

هل سألنا أنفسنا لماذا يعجز أكثر من عشرة ملايين ساروا مشياً إلى كربلاء من مسافات تصل إلى مئات الكيلومترات وحشد كبير ممن وفروا لهم المأوى والطعام والخدمة والتنظيم، لماذا يعجزون عن تحسين

ص: 23

أوضاعهم القاسية ويستمر حفنة من الفاسدين المزوّرين الفاشلين في التحكم بمصيرهم ومقدراتهم، بينما يستطيع عشرات الآلاف - قبل أن يصيروا مئات الآلاف - من المحتجين المتظاهرين الذين اعتصموا في ميدان التحرير في القاهرة أن يغيروا السلطة الجاثمة على صدورهم منذ ثلاثين عاماً؟

لو كان الحسين عليه السلام موجوداً بيننا اليوم:

أستطيع القول: لو كان الإمام الحسين عليه السلام موجوداً بشخصه بيننا لقاد هذه المسيرة المليونية إلى حيث يقبع الظالمون المستبدون ليجتث جذور الفساد والظلم والاستبداد والاستئثار ويحاسب المفسدين ويعاقبهم ويقيم المبادئ التي تحرك من أجل تحقيقها ولوّجه هذه الملايين لتصوّت في صناديق الاقتراع للكفوئين النزيهين المخلصين المتفانين في عملهم. ولا يكتفي باللطم والمناداة بالويل والثبور.

سريان الروح الحسينية في الشعوب الثائرة:

انظروا إلى هذه الشعوب التي حولنا والتي لا تملك مثل الإمام الحسين عليه السلام لكنها تأثرت به ولو من بعيد ومن دون أن تشعر بسريان الروح الحسينية الرافضة للظلم والمنكر والبغي والاستبداد والاستئثار، فلم يكن مصادفة إنطلاق ثورة شباب مصر يوم 25 يناير (كانون الثاني) الذي كان يوم الزيارة الأربعينية حيث تابع كثير منهم ما يُنقل عن الشعائر الحسينية ومعانيها عبر الفضائيات خلال الأيام التي سبقتها, فتأثر بحركة سيد الشهداء

ص: 24

وأباة الضيم ورافضي الظلم والمنكر والبغي.

الشباب والحوزة: عقل الأمة وقلبها:

أيها الأحبّة:

أنتم شريحتان مهمتان في المجتمع وعليكم المعوَّل في إحداث التغيير والإصلاح: الشباب الذي هم قلب الأمة النابض الذي يتدفق بالحياة في جسدها، والحوزة العلمية التي هي عقل الأمة المفكر والمخطط والقائد لها خصوصاً الحوزة النجفية التي تتسع مسؤولياتها لتشمل العالم كله.

استوعبوا الدرس من السيد الخميني قدس سره:

ويزيد من مسؤوليتكم عنوان المدرسة التي تنتمون إليها، فإن للعنوان استحقاقاً مضاعفاً، فقد كان السيد الخميني قدس سره أكثر من فقيه محقق كما لمسنا ذلك في كتبه المطبوعة التي نناقشها في البحث الخارج ككتابي الطهارة والبيع وبتعبير سيدنا الاستاذ الشهيد الصدر الثاني قدس سره عنه انه كان فكوراً في درسه.

فقد كان عاملاً بعلمه آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر خرج ليصلح حال أمته على خطى جدّه سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام، وكان أيضاً مربياً أخلاقياً بسيرته و سيمائه قبل كلامه، ولطالما حثّ الحوزة العلمية على الإهتمام بتهذيب النفس وسلوك طريق الكمال الى جنب تحصيلهم العلمي، وكرّاسه المطبوع (الجهاد الأكبر) - الذي هو مجموع محاضرات أخلاقية القاها على طلبته في نهاية سنة دراسية - أحد الشواهد على ذلك حيث قال

ص: 25

في افتتاحه: ان أحدكم يستطيع أن يعرف كم حصل عليه من العلوم خلال هذه السنة، لكن هل التفت إلى مقدار ما حاز من الكمال والرقي في تهذيب نفسه واكتساب الفضائل والملكات المحمودة؟

ونظراً لأهمية هذه التوجيهات فقد خصصت درساً اسبوعياً لطلاب جامعة الصدر الدينية أعقب استشهاد السيد الصدر الثاني قدس سره اشرح لهم فيه هذا الكتاب ولم أكن استعمل النسخة المطبوعة لأن عيون جلاوزة الأمن تلاحقنا بل أقرأ في دفتر نُقل فيه نص الكتاب، فاقرأوا سيرة هذا الرجل الفذّ وتعلموا منه وسيروا على نهجه الشريف الذي عمّت بركاته دولة إيران وغيرها.

وها هي الشعوب تحرر نفسها من ظلم الطواغيت الذين يتهاوون كعلب كارتونية تدوسها الأرجل مستلهمة حركاتها من سيد الشهداء عليه السلام وإن لم تلتفت إلى ذلك، ونحن أولى بالحسين عليه السلام من كل الشعوب وأجدر بالاصلاح لأننا شيعته ومحبّوه وخدمته ونتنفس عطر تربته الزاكية.

ص: 26

المشاركة الواسعة في خدمة زوار الإمام الحسين عليه السلام

تدخل الرعب في قلوب الأعداء

تدخل الرعب في قلوب الأعداء(1)

اهتمام أهل البيت عليهم السلام بزوار الحسين عليه السلام:

شكرنا ودعائنا إلى أبناء العشائر والأرياف والقرى والمدن التي تقيم مخيمات الاستراحة وقيام الكل نساءً ورجالاً وأطفالاً بتقديم الخدمات على طول الطرق المؤدية إلى كربلاء والتي تمتد مئات الكيلومترات، ومن الشواهد على اهتمام الأئمة عليهم السلام بزوار الحسين عليه السلام ودعمهم والدعاء لهم ما ورد عن الإمام الهادي عليه السلام أنه علم وهو في سامراء أن أحد أصحابه يروم السفر إلى كربلاء لزيارة الإمام الحسين عليه السلام فدفع له الإمام أموالاً جزيلة لتغطية نفقاته وقال له: ادعُ لي عند جدي الحسين عليه السلام فقال له الرجل: أنا أحوج إلى دعائك وأنت ابن رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له عليه السلام: دعك من هذا فإن الدعاء مستجاب عند قبر جدي الحسين عليه السلام، ودعاء الإمام الصادق عليه السلام لزوار جده الحسين (عليه السلام جليل ويُشعِر بكرامات عالية لهم دعا به وهو ساجد والدموع تنهمر من عينيه حتى ابتلت لحيته المباركة.

إن هذا الذوبان في قضية الإمام الحسين عليه السلام والعشق العميق له يدخل الرعب في قلوب الأعداء، كما ينقل لنا التأريخ أن النبي صلى الله عليه وآله لمّا خرج بأصحابه إلى مكة وانتهى إلى الحديبية أرسل المشركون طليعة لتقدّر

ص: 27


1- نشر في الصفحة الأولى من العدد (39) من الصادقين الصادر بتأريخ 15 صفر 1427 الموافق 16 آذار 2006..

لهم حجم الجيش وإمكانية مقاتلته فرجع الوفد وقال لقريش إنكم لا تستطيعون قتالهم لأنهم ذائبون في حب قائدهم وطاعته حتى أن ماء وضوئه لا يسقط إلى الأرض وإنما يتلاقفونه للتبرك به، وهذا الولاء هو ما نجده اليوم في شيعة أهل البيت عليهم السلام وتفانيهم في خدمة زائري قبر أبي عبد الله الحسين فتجد الجميع واقفين في الخدمة فللرجال عمل وللنساء عمل وللأطفال عمل ويتبرّكون بغسل أقدام المشاة إلى الحسين عليه السلام وتمريغ أرجلهم لإزالة تعب السير أو تقديم الطعام والشراب لهم أو توفير أسباب الراحة وحق لهم هذا الاعتناء فإنه مظنة لشمول رحمة الباري ولطفه.

وبالمقابل على مواكب المشاة أن يكونوا بالسيرة اللائقة بهم (كونوا لنا دعاةً صامتين) (كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً) وأن يستثمروا هذه الرحلة لنشر أحكام الدين وأخلاقه السامية وتعاليمه المباركة ونشر الوعي ليرتقوا بمستوى هذه الشرائح من الأمة.

ص: 28

معنى (تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر)

معنى (تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر)(1)

كثيراً ما يتردد قول غاندي (تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فانتصر) على السنة المتحدثين دليلاً على عالمية وإنسانية أهداف الإمام الحسين عليه السلام.

والظاهر من مرادهم أحياناً و مقصودهم من الكلمة هو أنه تعلم من الحسين كيف يسعى ليكون مظلوماً حتى ينتصر، وهو معنى سلبي ينافي أهداف الإمام الحسين عليه السلام فإنه القائل: (يأبى الله لنا و رسوله أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام) وورد في الدعاء (اللهم كرِّه إليَّ أن أكون مظلوماً كما كرّهت إليَّ أن أكون ظالماً)، والمظلوم الذي يستكين إلى الظلم ويستسلم إليه ولا يتحرك لرفعه لا ينتصر.

أما المعنى الصحيح للعبارة فهو إنني تعلمت من الحسين عليه السلام كيف أحوّل مظلوميتي إلى انتصار، تلك المظلومية التي يريد الطغاة والمستكبرون بما أوتوا من أموال قارونية وسلاح فتاك و ألوف مؤلفة من الجنود وإعلام

ص: 29


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع حشد من أساتذة جامعة البصرة زاروا سماحته وهم متوجهون إلى زيارة الإمام الحسين عليه السلام يوم 19 صفر 1429 المصادف 2008/2/27 ونُشر الخبر في العدد (67) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 26 /صفر المصادف 2008/3/5..

مضلل أن يفرضوها على المستضعفين المحرومين العُزّل من أسباب القوة المادية.

لكن هؤلاء المحرومين يمتلكون الإرادة الحرة وإباء الضيم ورفض الذل ويتحلون بالصبر والمصابرة والشجاعة، ويحسنون التصرف بحكمه فيحوّلون تلك الهزيمة التي يريد الطغاة أن يلحقوها بالشعوب إلى نصر، وهذا ما أثمرته تضحيات الإمام الحسين عليه السلام حيث انتصرت إرادته الحرة على الماكنة العسكرية الضخمة ليزيد وجلاوزته.

ص: 30

لا يستعبدكم غيركم وقد أرادكم الله أحراراً

اشارة

لا يستعبدكم غيركم وقد أرادكم الله أحراراً(1)

من معاني (حسين مني):

نعيش اليوم بين مناسبتين عظيمتين هما ذكرى البعثة النبوية المباركة وذكرى ميلاد الأمام الحسين عليه السلام.

فما هي المشتركات يبين هاتين المناسبتين، أو قل بين هاتين الشخصيتين العظيمتين؟

ويكفينا لمعرفة سعة الاشتراك والتطابق بل الاتحاد قول النبي صلى الله عليه وآله في سبطه الحسين عليه السلام: (حسين مني وأنا من حسين).

هدف الإصلاح الحسيني:

ولكنني أستغل هذه الأيام الشريفة للإشارة إلى الهدف المشترك لهاتين الحركتين المباركتين حركة النبي صلى الله عليه وآله في البعثة النبوية وحركة الإمام الحسين عليه السلام نحو الشهادة في كربلاء، والهدف هو تحرير الإنسان قال تعالى «اَلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ

ص: 31


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع حشد من أبناء مدينة الشعلة والجوادين والرحمانية وفدوا لزيارة سماحته يوم السبت 2 شعبان 1430 /المصادف 2009/7/25..

هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (الأعراف: 157) فالهدف تخليص الإنسان وتحريره من القيود والأغلال والأوزار التي تكبله وتثقل ظهره نتيجة تخبطه في الجاهلية الظلماء وإتباع الهوى وشياطين الإنس والجن لذا كانت أول كلمة صدع بها رسول الله صلى الله عليه وآله أمام قريش وأهل مكة (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) وهذه الجملة فيها محتويان أو عقدان كما يقال في المصطلح، عقد سلبي وهو نفي الإلوهية عن كل شيء، وعقد إيجابي وهو إثبات الإلوهية لله تبارك وتعالى، والتوحيد ينعقد بضمهما والاعتقاد بهما معاً، وإلا فإن المشركين كانوا يعتقدون بالإلوهية والربوبية لله تبارك وتعالى لكنهم أشركوا حينما لم يسلبوا هذه الصفات عن غيره تبارك وتعالى.

طريق الحق ينافي الباطل دائماً:

وهذا ما فهمه طواغيت قريش من دعوة النبي صلى الله عليه وآله إلى التوحيد فإنه لو اكتفى بعبادة الله وحده ولم يتعرض لرفض عبادة غيره لتركوه، فقد كان الأحناف بين ظهرانيهم مدة طويلة يتعبدون لله تبارك وتعالى على دين إبراهيم الخليل عليه السلام ولم يتعرض المشركون لهم.

وقد جاؤوا بعرض أو صفقة مع رسول الله صلى الله عليه وآله بأن يعبدوا إلهه يوماً ويعبد آلهتهم يوماً لكن الجواب الإلهي جاء حاسماً لا مجال فيه لأنصاف الحلول «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ» فهم إذن لم يكن عندهم اعتراض على عبادة الله تبارك وتعالى. وإنما تصدوا لرسول الله صلى الله عليه وآله لأنه صلى الله عليه وآله رفض العبادة والطاعة لغير الله تبارك وتعالى من الآلهة التي صنعوها بأيديهم وخدعوا

ص: 32

الناس بالقداسة المزيفة التي منحوها لها، للمتاجرة بها والتنعم بالامتيازات التي يحصلون عليها مما يقدمه المخدوعون بها من نذور وهدايا والتزامات وطقوس، فالقضاء عليها يعني تجريدهم من كل تلك الامتيازات لذا قاوموا رسول الله صلى الله عليه وآله بكل وسائل البطش والقسوة واللؤم.

تحرير الإنسان:

وهذا - أي تحرير الإنسان - هو الهدف الذي سعى لتحقيقه الإمام الحسين عليه السلام وصرّح به في كلماته كقوله (يا شيعة آل أبي سفيان: اتركوا التعرض لحرمي فإنه إن لم يكن لكم دين فكونوا أحراراً في دنياكم إن كنتم عُرُباً كما تزعمون).

وقال عليه السلام: (ألا إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: السلة والذلة، وهيهات منّا الذلة) وقال عليه السلام: (يأبى الله لنا ذلك وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبية أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام) وقال عليه السلام: (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على أنفسهم يحوطونه ما درت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء قلَّ الديّانون).

ولأجل أهمية العبادة والتي تعني الطاعة والانقياد ولزوم تكريسها لله تبارك وتعالى ومن أمر بطاعتهم فقد تكفل القرآن الكريم والأئمة المعصومون (سلام الله عليهم) إيضاح معناها وشرح أبعادها، فقد ورد في تفسير قوله تعالى «اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ» (التوبة: 31) قول الإمام الصادق عليه السلام في الكافي (أما والله ما

ص: 33

دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم ما أجابوهم، ولكن أحلوا لهم حراماً وحرّموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون) وقد وصل التدقيق لديهم عليهم السلام في هذا المعنى إلى حد قولهم (صلوات الله عليهم) (من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان ينطق عن الرحمن فقد عبد الرحمن وإن كان ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان).

كونوا أحراراً:

أيها الأحبة: علينا أن نأخذ هذا المعنى ونستفيد من هذا اللطف الإلهي ونحن نحيي هذه المناسبات الشريفة، ونستحضره دائماً ما دام هو الهدف من بعثة النبي صلى الله عليه وآله وحركة الإمام الحسين عليه السلام لنكون أحراراً لا نطيع إلا الله تبارك وتعالى ولا نعبد إلا إياه، هذه العبودية التي يفتخر بها مثل أمير المؤمنين عليه السلام ويعتز بها، قال عليه السلام: (إلهي كفى بي عزاً أن أكون لك عبداً وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً، إلهي أنت كما أحب فاجعلني كما تحب).

وهذه هي الدعوة التي أطلقها الأئمة المعصومون عليهم السلام (لا يستعبدكم غيركم وقد خلقكم الله أحراراً)، فقد خلقكم الله تبارك وتعالى أحراراً واقتضت إرادته ذلك ويسّر لكم كل أسباب الحرية، فمن الغريب أن يكون هذا عبداً لأهوائه وأطماعه وأنانيته، وذاك عبد لشياطين الإنس والجن يزيّنون له المعاصي والموبقات فيقتحمها ويعرض عن طاعة ربه الكريم، وآخر رضي لنفسه أن يكون عبداً للطواغيت والظالمين وجندياً مخلصاً لهم يأتمر بأمرهم ولا يرقب في الله تعالى إلاً ولا ذمة، ورابع خدعته القداسات

ص: 34

المزيفة لهياكل بشرية صنعتها لها أبواق الكهنة والسدنة والمستفيدين وأموالهم وسلطانهم فصار المعروف ما عرفوه والمنكر ما أنكروه وجعلوا تلك الهياكل مقياساً لمعرفة الحق وليس الحق معياراً لمعرفة الرجال، وخامس اتخذ رئيس عشيرته رباً يعبده ويطيعه من دون الله تبارك وتعالى فالمهم طاعة هذا الرئيس والالتزام بالسنينة العشائرية وإن كان مخالفة لله تبارك وتعالى وما جاء به الذكر الحكيم، والله تعالى يقول:«وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ» (التوبة: 31).

الحرية الحقيقية:

وهذا التعدد في العناوين التي تطاع من دون الله تبارك وتعالى هو الذي أوجب هذا التشتت والضياع والتفرقة بين أبناء الدين الواحد والمذهب الواحد وحتى البيت الواحد، ولو كانوا أحراراً في دنياهم لا يطيعون إلا من أمر الله بطاعته لتوحّدوا ولكنهم تفرقوا فسُلِبت البركات منهم والعياذ بالله.

إن الحرية التامة والانعتاق الحقيقي هي في العبودية التامة والتسليم المطلق لله تبارك وتعالى فكلما أزاد العبد طاعة وتسليماً لله تبارك وتعالى تحرر من الرق لغيره أكثر «فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً» (النساء: 65).

نسأل الله تبارك وتعالى أن يستخلصنا لنفسه وأن لا يجعل لغيره سلطاناً علينا أبداً ولا طرفة عين.

ص: 35

ص: 36

الفصل الثالث: النهضة الحسينية في مواجهة المزيفين والدجنين

اشارة

ص: 37

ص: 38

الفتوى التي قتلت الإمام الحسين عليه السلام

اشارة

الفتوى التي قتلت الإمام الحسين عليه السلام(1)

من قتل الإمام الحسين عليه السلام؟

أثار السيد الشهيد الصدر الثاني قدس سره سؤالاً عنوانه (من قتل الحسين عليه السلام؟) في إحدى خطب الجمعة المباركة في مسجد الكوفة المعظّم وأجاب عنه بعدة أجوبة وقال عنها أنها صحيحة جميعاً، فلنا أن نقول أن شمراً قتله وهو صحيح لأن هذا اللعين تولى الإجهاز عليه وقطع رأسه الشريف، ويمكن أن نقول أنه اللعين عمر بن سعد لأنه قائد الجيش الذي خرج لحرب الحسين عليه السلام وقتله، ويمكن أن نقول أنه اللعين عبيد الله بن زياد لأنه حاكم الكوفة والآمر المباشر بتجهيز الجيش وإخراجه لحرب الحسين عليه السلام، ويمكن أن نقول إنه اللعين يزيد لأنه رئيس الدولة وصاحب القرار الأول.

ثم أجاب قدس سره بما يريد أن يقوله ويفصّل الحديث عنه وهو أن القاتل هو سرجون المستشار المسيحي لمعاوية فإنه لمّا علم بعزم الإمام الحسين عليه السلام على الخروج إلى العراق أشار على يزيد بضم الكوفة إلى البصرة تحت ولاية ابن زياد فإنه أقدر شخص على مواجهة الإمام

ص: 39


1- جزء من حديث سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (مد ظله) مع أساتذة وفضلاء الحوزة العلمية في بحثه الشريف بمناسبة أيام عاشوراء وصدور فتوى المنع من التطبير، يوم 19 /محرم/ 1432 المصادف 2010/12/26..

الحسين عليه السلام والتعبئة ضده وأخرج كتاباً بختم معاوية يوصي بذلك بحسب دعواه فأطاعه يزيد رغم كرهه لابن زياد، ومن ثم توسع السيد قدس سره لبيان تأثير الغرب والقوى الكبرى في بلاد المسلمين ومشاركتهم في توجيه الأحداث إلى اليوم.

وعاظ السلاطين والفتاوى المأجورة:

وأريد أن أضيف هنا قاتلاً آخر هو الأخطر بينهم والأكثر تأثيراً وهي الفتوى الدينية التي يصدرها علماء السوء السائرون بركاب السلطة والذين يشرعنون عملها ويلبسونها ثوب القداسة الدينية فتطيعهم العامة بجهلها وحماقتها، وهذا ما حصل في قضية كربلاء ومن قبلها في معارك الجمل وصفين، فقد أفتوا أن الحسين عليه السلام خارجي خرج على إمام زمانه - الذي هو يزيد - وشق وحدة المسلمين ورووا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال من شق عصا المسلمين وهي مجتمعة فاقتلوه كائناً من كان.

وخُدِع جمهور كبير من الرعاع والجهلة والعامة بهذه الفتوى التي ملأت العراق والشام، حيث روت المقاتل أن الناس في الكوفة والشام كانت تخرج لتتفرج على سبيي الخوارج ورؤوس رجالهم ويطلب بعضهم استخدام الجواري، وهذا التلبيس الشيطاني كان قد أعمى بصيرة كثير من الجيش الأموي، ولذا نجد أن الإمام الحسين عليه السلام خصص جزءاً كبيراً من خطبه لتعريف نسبه الشريف وكان عليه السلام يقول (انسبوني من أنا) ثم يذكر صلته برسول الله صلى الله عليه وآله لرفع الغشاوة عن أولئك الرعاع.

ص: 40

مواجهة حركة التضليل الأموي:

وهذه الحقيقة تبرز أهمية دور الإمام السجاد عليه السلام والعقيلة زينب وبقية الهاشميات في تحقيق أهداف الثورة الحسينية المباركة ولولاهم لأهمل التاريخ هذه الواقعة التي لا نظير لها ويكتفي بالإشارة إلى أنهم مجموعة رجال تمردوا على السلطة وخرجوا إلى الصحراء واُبيدوا هناك وتركت جثثهم في العراء وانتهى كل شيء.

خطورة الفتوى المأجورة:

وليس محل حديثنا تفصيل شيء من هذه الأمور وإنما الإشارة إلى خطورة الفتوى حينما تصدر ممن يعتبرون من كبار العلماء ذوي العمائم الكبيرة واللحى الطويلة ويلبسونها ثوب الدين ليضللوا بها الناس انسياقاً وراء رغبات الطواغيت وتنفيذ أعمالهم الشريرة مقابل ثمن بخس يقبضونه وقد حذّر الأئمة المعصومون عليهم السلام من عاقبة أمثال هؤلاء ووصفوا من يبيع آخرته بدنيا غيره بأنه من أشد الناس حسرة وندامة يوم القيامة.

لقد ابتلي المسلمون من غير أتباع أهل البيت عليهم السلام بمثل هؤلاء الفقهاء السائرين في ركاب السلطة والذين لا يستطيعون الخروج عن دائرة أوامرها ورغباتها لأنهم كانوا موظفين عند السلطة ويقبضون رواتبهم منها ويُعيّنون في وظائفهم بموجب قرار من الحاكم، لذا كانوا لا يملكون الإرادة في تصحيح أخطاء الحكومات ورفض ظلمها وجرائمها، وبسبب هذا فقد حُررّت الكثير من الفتاوى لإسناد السلطة وتبرير الواقع الموجود.

الفقه الشيعي وابتعاده عن ركاب السلطة:

أما الفقه الشيعي فقد كان بمنأى عن هذه الضغوط بفضل التخطيط

ص: 41

الإلهي الذي أدّاه أهل البيت عليهم السلام ورسموه لشيعتهم ومن أهم معالمه الاستقلال المالي عن السلطة بما وضعوا من تشريعات وعلى رأسها الخمس، ونهيهم عن الانخراط في أعمال السلطان والوظائف الحكومية خصوصاً التي تدعم وجود السلطة الظالمة وتعطيها المشروعية، كما حثّوا عليهم السلام على ما يسمى بالأعمال الحرة التي تؤدي إلى تمتين الوضع الاقتصادي للشيعة كالتجارة والزراعة وقد وردت روايات كثيرة في ذلك، وهذه الفكرة تساعد في فهم تلك الروايات كالتي جعلت تسعة أعشار الرزق في التجارة. وكل ذلك لتحرير عامة شيعتهم وخصوصاً العلماء من التبعية للسلطات والخضوع لإرادتها والاستسلام لأهوائها.

وقد نجح هذا التخطيط في حماية عقيدة التشيع وصيانتها من الانحراف وحفظ هوية مدرسة أهل البيت عليهم السلام خصوصاً في عصر الأئمة عليهم السلام حيث كانت السلطات الدينية والدنيوية - كما يقال - مجتمعة بيد الخليفة ولم يحصل الفرز مما يتطلب الحذر والحزم في التطبيق، أما اليوم حيث انفرزت السلطات فلم يجد الفقهاء مانعاً من الانخراط في الكثير من الوظائف الحكومية التي فيها خدمة الناس وبناء الدولة المتمدنة.

وفقهاء الشيعة وإن لم يُبتلوا بمسايرة السلطة بفضل هذا التخطيط المبارك أو لأن السلطة لم تقع بأيديهم ولو وقعت لما اختلفوا كثيراً عن علماء العامة كالذي نشهده اليوم حيث ذاب جملة منهم في مصالح مع الحكومات التي أخذت منهم المشروعية وساقوا الناس لتأييدهم فخلّفوا وراء ظهورهم المبادئ والوظائف الإلهية وعلى رأسها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى صار العراق يتصدر دول العالم في الفساد.

ص: 42

الفقهاء ومسايرة أذواق العوام من الناس:

أقول: إن فقهاء الشيعة وإن لم يتعرضوا لفتنة السير في ركاب السلطة إلا أنهم ابتلوا بشيء آخر وهو مسايرة عوام الناس باعتبارهم يمثلون القواعد الشعبية ومصدر التمويل التي تؤسس للزعامة، فراحوا يحسبون ألف حساب قبل بيان موقف أو إصدار حكم فيه إغضاب لهؤلاء العوام خوفاً من تحولهم عن تقليدهم واتباعهم.

ومن الشواهد على ذلك الموقف من قضية التطبير في عاشوراء فبالرغم من أن جملة منهم يرى حرمته لإضراره بالبدن ولجلبه منقصة على الدين إلا أنه لا يجرؤ على التصريح بموقفه هذا ويعترف بأنه لا يملك الشجاعة لاتخاذ مثل هذا الموقف.

لذا كان من أهدافنا في بيان موقفنا بكل صراحة هو بعث الشجاعة في نفوس العلماء وتحرير فتاواهم من مداهنة العوام ومسايرة أهوائهم، وإلا فإن المسؤولية عظيمة أمام الله تبارك وتعالى وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ

ص: 43

ص: 44

الفصل الرابع: نحووعى النهضة الحسينية: مواكب الوعي الطلابي نموذجا

اشارة

ص: 45

ص: 46

مواكب طلبة الجامعات نافذة لإظهار المعالم الإنسانية لثورة الإمام الحسين عليه السلام

مواكب طلبة الجامعات نافذة لإظهار المعالم الإنسانية لثورة الإمام الحسين عليه السلام(1)

قضية الحسين عليه السلام نبراس للإنسانية:

لم تكن قضية الإمام الحسين عليه السلام خاصة بطائفة دون أخرى أو بدين دون آخر بل كانت مبادئه السامية نبراساً ينير مسيرة الإنسانية كلها لنيل الحرية وتحقيق العدالة والسلام ومقاومة الظلم والاستبداد والاستئثار واستعباد الشعوب متأسياً بجده المصطفى صلى الله عليه وآله الذي خاطبه تبارك وتعالى وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ

أي ليس فقط للمسلمين فضلا عن طائفة معينة منهم، و هذا يفسر لنا ما روي عن بكاء الإمام الحسين عليه السلام على الذين خرجوا لقتاله يوم عاشوراء لأنهم سيدخلون النار بسببه و هو يريد إنقاذهم من الهلاك.

ولإنسانية مبادئه فإن تأثيره المبارك سرى إلى غير المسلمين فقد تعلّم منه المهاتما غاندي كيف ينتصر بمظلوميته ويحررّ الهند، ونظم الشعراء المسيحيون غرراً من الشعر يتغنون فيها بعظمة الحسين عليه السلام وسمو مبادئه.

ص: 47


1- الخطاب الذي افتتح به سماحة الشيخ اليعقوبي (ملتقى الجامعات والحوزات العلمية في رحاب الإمام الحسين عليه السلام ليلة التاسع من محرم / 1428 المصادف 2007/1/29 ضمن فعاليات مواكب الوعي الحسيني لطلبة الجامعات والمعاهد العراقية ونقل بشكل مباشر عبر فضائية العراقية واحتشد آلاف الطلبة في مقر مبيتهم في المعهد التقني في كربلاء على عارضة تلفزيونية كبيرة منصتين إلى الخطاب..

لماذا ثار الحسين عليه السلام؟

حينما ثار أهل المدينة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله والتابعين لهم بإحسان بقيادة عبد الله بن حنظلة - غسيل الملائكة في معركة أحد - في واقعة الحرة بعد حادثة كربلاء وقضى عليها جيش يزيد بكل قسوة ووحشية وانتهكوا كل المقدسات والحرمات، أخذ قائد الجيش الأموي البيعة من أهل المدينة على أن يكونوا عبيداً ليزيد واستباح أموالهم ونساءهم لجيشه.

على مثل هذه السياسة الجائرة ثار الإمام الحسين عليه السلام ورفض الخضوع والخنوع لها وامتنع عن مبايعة يزيد لكيلا يعطيه مشروعية وإن كلفه ذلك حياته، لذلك كان جوابه عليه السلام حاسماً لوالي يزيد على المدينة لما طلب منه مبايعة يزيد >إنّا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا يختم ويزيد فاسق فاجر قاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله<.

وظل عليه السلام يؤكد هذه الحقيقة ويلفت الأمة إلى هذا الخطر المحدق بهوّيتها وشخصيتها ومستقبلها على طول حركته المباركة من المدينة إلى مكة ومنها إلى كربلاء حيث استشهد ومنها قوله >إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله لسنة رسول صلى الله عليه وآله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله، وحرمّوا حلال الله، وأنا أحقّ من غيري<. وفي قولٍ آخر له >وأنا

ص: 48

أولى من قام بنصرة دين الله وإعزاز شرعه والجهاد في سبيله، لتكون كلمة الله هي العليا<. وقوله عليه السلام >ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به، والى الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربّه حقاً حقاً، فأني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما، وإن الناس عبيد الدنيا والدين لعقٌ على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم فإذا مُحصوا بالبلاء قلَّ الدّيانون<. >إني ما خرجت أشِراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله<.

وكان عليه السلام ينشد:

سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى *** إذا ما نوى خيراً وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه وفارق مذموماً وخالف مجرما

القضية الحسينية الصورة الناصعة للإسلام النقي:

إن قضية الإمام الحسين عليه السلام لو عرضت بالطريقة التي تناسبها لأمكن تأصيل قيم الحرية والمحبة والسلام والعدالة والمساواة وكل القيم الإنسانية العليا لدى البشر جميعاً، واليوم حيث أصبحت أخبار العالم كله بين يدي الإنسان في نفس اللحظة وصار من في المشرق يسمع ويرى من في المغرب تصديقاً للروايات الشريفة الواردة في أخبار آخر الزمان، ومثل هذا التقدم الهائل في تكنولوجيا الاتصالات وتبادل المعلومات كفيل بإيصال صوت الحق بعد أن بذل الطغاة عبر العصور كل ما في وسعهم لخنق هذا الصوت من لدن صدر الإسلام، حينما كان المشركون يصفقّون ويخلقون

ص: 49

ضجيجاً ليغطّوا صوت رسول الله صلى الله عليه وآله حتى لا يسمعه أحد فيقتنع به، وعلى هذه الطريقة الجاهلية حاصروا أئمة أهل البيت وحبسوهم ثم قتلوهم ليحجبوا صوتهم لأنّ الطغاة يعلمون أن من يسمعه غير خاضع لضغوط فانه سيقتنع به وفي ذلك زوال سلطانهم الزائف.

أما اليوم فقد أذن الله تبارك وتعالى بان تتاح الفرصة لتطلع البشرية كلها على الصورة الناصعة النقيّة الأصيلة للإسلام كما بلّغه رسول الله صلى الله عليه وآله، لا الصورة المشوّهة التي عكسها أدعياء الإسلام زوراً والمتقمصون لقيادة المسلمين من غير استحقاق، حتى نفرّوا الناس عن دين الله تعالى وأخذ خط الانحدار والانحراف عن الحق يذهب بعيداً ولولا لطف الله تبارك وتعالى وجهود وتضحيات الأئمة المعصومين عليه السلام والثلة الصالحة التي عرفت الحق واتبعته ونصرته لما بقي من الإسلام إلا اسمه.

إن قضية الإمام الحسين عليه السلام من أوسع النوافذ التي يمكن أن تطلّ البشرية من خلالها على مبادئ الإسلام العظيمة ولذا ورد في الحديث الشريف >كلنا سفن النجاة لكن سفينة الحسين أوسع< لأنها الأقدر والأكثر تأثيراً في اجتذاب الناس إلى طريق الهدى وما علينا إلا إيصالها بصورة حضارية تستثير عناصر الخير في البشرية.

العلم والدين في رحاب الإمام الحسين عليه السلام:

وأنتم يا أساتذة وطلبة الجامعات خير من يؤدي هذه الرسالة لأنكم قلب الأمة النابض ومنكم يتدفق دم الحياة في جسد الأمة ومن دون الجامعات ومعاهد العلم تموت إنسانية الأمة وتعود إلى الحياة الهمجية

ص: 50

الحيوانية.

ولما كان العلم وحده لا يكفي لبناء الحياة وإعمارها بل قد يكون شراً وسبباً لخرابها ما لم تنضّم إليه الأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة والأهداف السامية التي يشيّدها الدين ويعمّقها في النفوس ويهذبها، كان هذا الملتقى السنوي المبارك في رحاب الإمام الحسين عليه السلام بين الجامعات والمعاهد الأكاديمية والحوزات العلمية الدينية التي تحملت بفخر واعتزاز تبليغ رسالة الله تعالى وحمايتها وصونها وقدّمت على هذا الطريق المبارك دماء زكية وتضحيات باهظة، ولكنها لم تتوقف عن النهوض بمسؤولياتها وهي تردد ما قاله الإمام الحسين عليه السلام وهو يودّع الضحايا ويقدّم القرابين حتى الطفل الرضيع ويردّد >هوّن ما نزل بي انه بعين الله تعالى< وأمامهم قول الله تبارك وتعالى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لا نَصَبٌ وَ لا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ لا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفّارَ وَ لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. وَ لا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً وَ لا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (التوبة: 120-121).

ناقشوا أوضاع بلدكم الجريح:

أيها الأحبة:

إن بلدكم الجريح وشعبكم المحروم الذي تكالبت عليه قوى الشر والبغي وأعداء الإنسانية والحضارة يرنو ببصره إليكم ويعوّل آماله عليكم

ص: 51

لتأخذوا بزمامه وتنقذوه من محنته كما شكا علّته إلى الإمام الحسين عليه السلام إذ لم يجد غيره منقذاً ومداوياً.

قد أصبح الدين منه(1) *** يشتكي سقَماً وما إلى أحد غير الحسين شكا

نعم قد تختلف الآليات وطرق العلاج لكن يبقى المعالج هو الإمام الحسين عليه السلام وأبوه وجدّه صلوات الله عليهما ومن سار على نهجهم ونهل من فيض معارفهم وتخرّج في مدرستهم.

لذا ينبغي أن يكون هذا الملتقى غنياً بما تجود به قرائحكم يا نُخَب الأمة وطليعتها بكل ما يرفد الأمة من حلول ومعالجات لكل قضاياها وأن تكونوا لسانها الصادق المعبّر عن مطالبها وهمومها وآمالها.

ولا تغفلوا عن مناقشة وضع الجامعات والمعاهد ومتطلبات النهوض والارتقاء ورعاية الأساتذة والطلبة وحمايتهم وتوفير الدعم المادي والمعنوي لتأمين المسيرة العلمية المباركة، وتنزيه الجامعات من بعض ما يجري فيها فإنها فرصة لا تتيسر لاجتماع الأساتذة والطلبة من مختلف الجامعات والمعاهد العراقية، وتدارسوا برامج التكامل في العمل بين الجامعات والحوزات العلمية على صعيد المناهج التعليمية وتبادل الخبرات والبرامج التربوية وغيرها.

إننا لا نملك غير الاعتراف بالعجز عن شكر الله تبارك وتعالى حق شكره على هذه النعم الجليلة وأساسها ومنبعها الإيمان بالله تبارك وتعالى..

ص: 52


1- أي من يزيد بن معاوية..

وولاية أهل البيت عليه السلام.

فضائل زوار الحسين عليه السلام:

تذكّروا أيها الأحبة وانتم على صعيد كربلاء وفي جوار سيد الشهداء وفي أجواء التضحية والفداء التي ينتشر أريجها في ذكرى عاشوراء، تذكروا إخوانكم الذين مضوا على هذا الطريق من أساتذة وطلبة لم تثن عزيمتهم كل وسائل الإغراء والتهديد حتى قضوا شهداء من أجل أن يصونوا الأمانة ويحفظوا لكم عزتكم وكرامتكم، وما فاجعة الجامعة المستنصرية(1) عنكم ببعيد.

وتذكّروا أيضاً ما أعدَّ الله تعالى من الكرامة لزوّار الإمام الحسين عليه السلام ومعظّمي شعائره، ويكفي أن انقل لكم حديثاً واحداً يغنيكم عن كل حديث ويدفعكم لبذل الغالي والنفيس من أجل إقامة هذه الشعائر المباركة وإدامتها فإنها تحفظ عزّكم وكرامتكم وشخصيتكم وتضمن لكم السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة (عن الثقة الجليل معاوية بن وهب البجلي الكوفي. قال: دخلت على الصادق صلوات الله وسلامه عليه وهو في مصلاه، فجلستُ حتى قضى صلاته، فسمعته وهو يناجي ربه ويدعو وهو

ص: 53


1- استهدف انتحاري لئيم وسيارة مفخخة تجمعاً كبيراً لطلبة الجامعة المستنصرية منتظرين الحافلات خارج الجامعة، والحصيلة الأولية عدد الضحايا (65) والجرحى (153) وقع الحادث يوم 26 /ذ. ج/ 1427 المصادف 2007/1/16 وأوجب الحادث حزناً عميقاً لدى الشعب كافة..

ساجد ويقول: يا من خصَّنا بالكرامة، ووعدنا الشفاعة وحمّلنا الرسالة وجعلنا ورثة الأنبياء، وختم بنا الأمم السالفة، وخصَّنا بالوصية، وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي، وجعل أفئدة الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولإخواني وزوّار قبر أبي الحسين بن علي صلوات الله عليهما، الذين أنفقوا أموالهم وأشخصوا أبدانهم رغبةً في برَّنا، ورجاءاً لما عندك في وصلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيك محمد صلى الله عليه وآله, وإجابة منهم لأمرنا. وغيظاً ادخلوه على عدونا. أرادوا بذلك رضوانك. فكافهم عنّا بالرضوان واكلأهم بالليل والنهار. وأخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلّفوا بأحسن الخَلَف واصحبهم واكفهم شرَ كل جبار عنيد، وكل ضعيف من خلقك أو شديد، وشر شياطين الإنس والجن وأعطهم أفضل ما أمّلوا منك في غربتهم عن أوطانهم، وما آثرونا على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم. اللهم إن أعداءنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا خلافاً عليهم. فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس. وارحم تلك الخُدود التي تقلَّب على قبر أبي عبد الله عليه السلام وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا اللهم إني استودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان حتى ترويهم من الحوض يوم العطش).

ص: 54

تنظيم مواكب الوعي الحسيني لطلبة الجامعات

انتماء الجامعات العلمية لمبادئ الإسلام:

لقد أثبتت جامعاتنا عمق انتمائها للإسلام من خلال التزام أبنائها بتعاليمه، وإصرارهم على إقامة مختلف الفعاليات التي تبرز هذا الارتباط الوثيق والانتماء العميق، وهو مما يثلج صدور المؤمنين ويعجل بظهور بقية الله الأعظم، وهم - أساتذة وطلاباً ومنتسبين - مدعوون اليوم وكل يوم لترسيخ هذه العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ليردوا كيد الأعداء إلى نحورهم [وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصرِ اللهِ] (الروم: 4-5) ويزداد المؤمنون إيماناً إلى إيمانهم، ولتبرز الصورة الحضارية للإسلام العظيم وقدرته الكاملة على تنظيم شؤون البشرية وقيادتها نحو الحياة السعيدة.

وتأكيداً لهذا الانتماء أدعوهم إلى أعادة تلك الصورة الزاهية التي عاشتها جامعاتنا في منتصف الستينيات، حين انطلقت مواكب الجامعة في يوم عاشوراء إلى كربلاء بكل نظام ووعي، لتعبر عن فهمها لحقيقة أهداف الثورة الحسينية، فنالت إعجاب الأمة وحظيت باهتمامها وأثارت الآمال الكبيرة في نهوضها من جديد على يد هذه الثلة المؤمنة.

لنؤسس للأجيال:

وأعتقد أن في الوقت متسعاً للإعداد لهذه المواكب وحتى لو لم تكن في مستوى الطموح بسبب عدم الاستعداد الكافي والإعلام المبكر، فإن المهم وهو تأسيس هذه السيرة المباركة حتى يتسنى للأجيال الآتية متابعتها وترسيخها، وأظن أن عدداً ممن شاركوا في تلك المسيرات قبل أربعين عاماً

ص: 55

أو رأوها أو اعدوا لها هم موجودون الآن، ويسمعون هذا النداء فيكون من لطف الله تعالى بهم المساهمة مرة أخرى في تنظيمها هذه المرة.

وأقدم بين أيدي أحبائي أساتذة وطلبة الجامعات الملاحظات التالية:

1 - إن الدعوة موجهة بشكل رئيسي إلى الجامعات والمعاهد الفنية في المحافظات القريبة من كربلاء واعني بها جامعات بغداد والمستنصرية والتكنولوجية وبابل وكربلاء والكوفة والقادسية والمعاهد الفنية وبقية المؤسسات العلمية المرتبطة بالوزارات المختلفة.

2 - أن يرفع موكب كل جامعة لافتة تبين اسم الجامعة أو المؤسسة العلمية التي يمثلها.

3 - يُقسم كل موكب إلى مجاميع بمعدل (50) فرداً للمجموعة الواحدة وترفع كل مجموعة لوحة تختار لها اسماً معيناً مشتقاً من أهداف ثورة الإمام الحسين عليه السلام والمبادئ الإسلامية السامية مثلاً: (الإيمان - الإخلاص - المحبة - السلام - الإصلاح - الحرية - الإباء - الولاية - النصر - التقوى - الرضا - التسليم - الشهادة - الإيثار - التضحية - الطاعة - التوحيد - العدل - الاستقلال - النظام - التفاني - اليقين - الصبر - الإرادة - الصدق - الكمال - الحق - التوكل - لأخوة - البصيرة - الفتح - الأمر - بالمعروف - النهي - عن - المنكر - الخير - الصلاة - الصوم - الزكاة - الإقدام - الغيب - الظهور - الانتظار - النور - العزة - الرحمة - السعادة - الاستقامة - الصفاء - الوفاء - الانفتاح - التفاهم - الطموح - التنظيم - البذل - التصدي - التحدي - الالتزام - العفة - الحياء - التهذيب - حسن الخاتمة).

ص: 56

4 - تشكل لجان تحضيرية للإعداد لهذه المواكب تحدد نقاط الانطلاق والتجمع وتوزيع الشعارات والأناشيد التي ترددها المجاميع وتنظيم سير المواكب وتحديد زمانها صباح يوم عاشوراء والتنسيق مع اللجان المشرفة على تنظيم المواكب في مدينة كربلاء.

شعارات الثورة الحسينية:

5 - تؤخذ الشعارات ومضامين اللافتات من أهداف الثورة الحسينية ومطالب الأمة في المرحلة الراهنة ومن تلك الشعارات الحسينية:

(على الإسلام السلام إذا ابتليت الأمة براعٍ مثل يزيد).

(والله لو لم يكن ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية).

(إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً).

(الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون).

(ألا ترون الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه فليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً).

(خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة).

(ما الإمام إلا العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله).

(رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا أجر الصابرين).

(من كان باذلاً فينا مهجته وموطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا).

(إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي).

ص: 57

(لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل و لا أقر لكم إقرار العبيد).

(هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك و رسوله و المؤمنون).

(فهل إلا الموت؟ فمرحبا به).

(صبرا بني الكرام، فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البؤس و الضراء إلى الجنان الواسعة و النعيم الدائم).

(موت في عز خير من حياة في ذل).

(إن لم يكن لكم دين و كنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم).

(هل من ناصر ينصرني، هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله).

(سأمضي وما بالموت عار على الفتى *** إذا ما نوى حقا وجاهد مسلماً).

6 - يتقدم الأساتذة الأفاضل مجاميع الطلبة ليعطوا للمسيرة رونقاً عظيماً ومعنى مؤثراً.

7 - استغلال الوقت أثناء السفر والتجمعات لإلقاء المحاضرات التي تحيي المناسبة.

8 - ينبغي لكافة الذي يجدون سعة في وضعهم الاقتصادي أن يساهموا في تأمين نفقات السفر ونحوه فإنها فرصة كبيرة للطاعة وقد قال تعالى (فاستبقوا الخيرات) وسيكون للحوزة العلمية دور واضح في ذلك بإذن الله تبارك وتعالى.

9 - أسجل هنا بعض المقطوعات الحسينية التي ترددها المجاميع

ص: 58

ويمكن أن تلحن بما ينسجم مع المناسبة، والمقاطيع التالية نظمها المرحوم الشيخ محمد جواد البلاغي قدس سره المتوفى في ثلاثينيات القرن الماضي لموكب النجف الأشرف:

يا تريب الخد في رمضا الطفوف *** ليتني دونك نهباً للسيوف

يا نصير الدين إذ عز النصير وحمى الجار اذا عز المجير

وشديد البأس واليوم عسير وثمال الرفد في العام العسوف

كيف يا خامس أصحاب الكسا وابن خير المرسلين المصطفى

وابن ساقي الحوض في يوم الظما وشفيع الخلق في اليوم المخوف

يا صريعا ثاويا فوق الصعيد وخضيب الشيب من فيض الوريد

كيف تقضي بين أجناد يزيد ظامئاً تسقى بكاسات الحتوف

كيف تقضي ظامئاً حول الفرات دامياً تنهل منك الماضيات

وعلى جسمك تجري الصافنات عافر الجسم لقى بين الصفوف

سيدي أبكيك للشيب الخضيب سيدي أبكيك للوجه التريب

سيدي أبكيك للجسم السليب من حشا حران بالدمع الذروف

ص: 59

سيدي إن منعوا عنك الفرات *** وسقوا منك ظماء المرهفات

فسنسقي كربلا بالعبرات وكفاً من علق القلب الأسُوف

سيدي أبكيك منهوب الرحال سيدي أبكيك مسبي العيال

بين أعداك على عجف الرحال في الفيافي بعد هاتيك السجوف

سيدي إن نقضِ دهراً في بكاك ما قضينا البعض من فرض ولاك

أو عكفنا عمرنا حول ثراك ما شفى غلتنا ذاك العكوف

لهف نفسي لنِساك المعولات واليتامى إذ عدت بين الطغاة

باكيات شاكيات صارخات وُلَّها حولك تسقى وتطوف

يا حمانا من لنا بعد حماك ومن المفزع من أسر عداك

ولمن نلجأ إن طال نواك ودهتنا بدواهيها الصروف

لست أنساها وقد مالت إلى صفوة الأنصار صرعى في الفلى

أشرقت منها محاني كربلا كشموس غالها ريب الكسوف

هاتفات بهم مستصرخات باكيات نادبات عاتبات

صارخات: أين عنا يا حماة يا بدور التم ما هذا الخسوف

ص: 60

أفنسبى بعدكم سبي العبيد *** ثم نهدى من عنيد لعنيد

لا وقفنا في السبا عند يزيد حبذا الموت ولا ذاك الوقوف

وقد أضاف سماحة الشيخ حيدر اليعقوبي (دام فضله) المقطوعات التالية:

كربلا جئناك والدمع هتون *** بقلوب شجها سيف الشجون

نمتطي أرجلنا دون المتون ليس تثنينا سهول أو حزون

فعلى أرضك خطت كلمات شامخات واضحات راسيات

نورها يطغى على كل اللغات علمتنا سر عنوان الحياة

علمتنا أن نضحي بالنفوس أن ندير الوجه عن رشف الكؤوس

إن نصد الجبت لا نحني الرؤوس علمتنا كربلا أسمى الدروس

فنداءات حسين ما تزال وصداها هز آذان الرجال

إن للحق كراماً كالجبال لبسوا ثوب الفدى يوم النزال

إن دين الله عز وإباء ورؤوس طمحت نحو السماء

ص: 61

شغلت بالله حباً ووفاء *** بعد أن أدركها نور الولاء

علمتنا كربلا صبر العظام حينما تعصفنا ريح الطغام

علمتنا السير دوماً للأمام والجراحات لها يوم التئام

علمتنا أن أبواق العدى خرست بالطف ضاعت بددا

بينما ضجت هتافات الفدى وتعالى في المدى صوت الهدى

والفرصة مفتوحة لكل الأدباء الملتزمين الذين يحبون أن يسجل اسمهم في ديوان أبي الأحرار عليه السلام.

10 - قد يكون من المناسب أن يكون السفر إلى كربلاء ليلة العاشر من محرم لإعطاء فرصة مناسبة للاستعداد للمسيرة في الصباح المبكر(1) ولتحصيل فضل المبيت ليلة عاشوراء عند الحسين عليه السلام فإن من فعل ذلك..

ص: 62


1- رغم ضيق وقت الدعوة عن الاستعداد فقد لبّاها أكثر من عشرة آلاف طالب جامعي وجمع من الأساتذة من وسط وجنوب العراق وجمع من فضلاء الحوزة العلمية توزّعوا عليهم للإرشاد والتبليغ، وقد وصلت وفودهم يوم التاسع من محرم على التوالي، وانطلقت المسيرة من جامعة كربلاء ليلة العاشر من محرم بعد أداء صلاتي المغرب والعشاء جماعةً، وأقيمت فعاليات في محل إقامتهم تلك الليلة، وستجد في الخطاب (45) صفحة 300 شيئاً عن هذه الفعاليات..

حشر ملطخاً بدم الحسين عليه السلام كما يفيد الحديث الشريف.

محمد اليعقوبي

27 ذ. ح 1424-2004/2/18

ص: 63

مواكب طلبة الجامعات مشياً على الأقدام إلى

كربلاء المقدسة

الحمد لله وحده وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين.

من أجل تعزيز الانتصار العظيم الذي حققه الشعب العراقي الحر الكريم في يوم الانتخابات على قوى الإرهاب والشر والحقد.

من أجل الإسلام:

ومن أجل إدامة الحضور الفاعل في الساحة والذي أثمر عن انتزاع الحقوق رغم إرادة المستكبرين والطغاة.

ومن أجل الرد على الأشقاء الأعداء من دول الجوار الذين يقيمون (عرس الشهيد) على روح المجرم الذي قتل وجرح المئات من الأبرياء في مدينة الحلة الفيحاء(1) في الوقت الذي يتسابقون إلى إرضاء الكيان الصهيوني الغاصب وحمايته والتملق له.

ومن أجل إثبات هوية جامعاتنا العراقية وانتمائها إلى الإسلام ومدرسة أهل البيت رغم محاولات الإفساد والإغواء:

ص: 64


1- في يوم الخميس 19 محرم 1426 المصادف 2005/2/28 قام مجرم أردني بتفجير نفسه في تجمع من الناس في مركز مدينة الحلة فقتل (125) بريئاً وجرح أكثر منهم وقد أقام ذووه حفلاً بهذه المناسبة وتقبلوا التهاني من أمثالهم من ذراري الخوارج ونقلته صحيفة (الغد) الأردنية التي زارها ملك الأردنيين على غير عادته فتفجرت أزمة بين البلدين..

تدعو(1) الحوزة العلمية الشريفة طلبة الجامعات المؤمنين الرساليين إلى إحياء ذكرى زيارة الأربعين التي تصادف يوم الخميس العشرين من صفر بالمشي سيراً على الأقدام إلى كربلاء المقدسة بإذن الله تعالى وفق الملاحظات التالية:

1 - أن تكون المسيرة الراجلة من جامعة بابل إلى كربلاء، ويتوجه طلبة الجامعات بالحافلات من مدنهم إلى مواقع التجمع في جامعة بابل.

2 - أن يرتدي أحباؤنا الطلبة الزي الجامعي الموحد لإظهار هويتهم وأن يعلّقوا على صدورهم شارات الحزن السوداء.

3 - أن ينتظموا في مواكب الوعي الحسيني بالأسماء والترتيب الذي ذكرناه في بيان مواكب الوعي الطلابي.

4 - أن تساهم الاتحادات والروابط واللجان الطلابية في تنظيم هذه الفعالية والتنسيق بين هذه الجامعات ولجنة الشعائر الدينية في رئاسة جامعة كربلاء الموقرة من أجل إنجاحها وتوفير الخدمات لأعزائنا الطلبة.

5 - يحدد موعد انطلاق المسيرات بعد المشاورات مع رئاسة..

ص: 65


1- لبى الدعوة ما قُدِّر ب - (35) ألف طالب جامعي مع أساتذتهم من مختلف الجامعات العراقية، توافدوا على جامعة بابل يوم 18 /صفر حتى المساء وأقاموا فيها فعاليات متنوعة، وقد سهر على خدمتهم وضيافتهم حشدٌ كبير من زملائهم، وانطلقوا في مسيرة ضخمة بعد فجر اليوم التالي حيث مرّوا بشوارع الحلة وتوجهوا إلى كربلاء مشياً على الأقدام لمسافة (42 كيلو متراً) ووصلوا مساءً إلى محل استراحتهم في المعهد التقني في كربلاء وأقاموا فعاليات أخرى، وانطلقوا صباح اليوم التالي إلى الحرمين الشريفين..

جامعة كربلاء وبملاحظة الوقت الذي تستغرقه المسيرة لقطع المسافة.

6 - عدم رفع أي صورة أو اسم لجهة أو كيان أو شخصية لأنه منافٍ للإخلاص والاكتفاء بالشعارات الحسينية والوطنية.

7 - الأولى أن تكون أبيات الرثاء التي يرددها المشاركون بالشعر القريض وتتضمن معاني دينية واعية ووطنية مخلصة.

8 - يؤذن للمؤمنين بصرف سهم الإمام من الخمس والجهات الخيرية الأخرى في تمويل هذا العمل المبارك وإطعام المشاركين وتأجير سيارات النقل وخط اللافتات ونحوها.

9 - تصوير جوانب الفعالية وإيصال هذا الصوت المبارك إلى وسائل الإعلام.

ندعوا رؤساء الجامعات وإداراتها إلى الإذن أو على الأقل عدم الممانعة في مشاركة الطلبة في هذه المسيرات ليشاركوهم في الأجر، فإن من رضي بفعل قوم أشرك في عملهم وخصوصاً رئاسة جامعة كربلاء لاستقبال الزائرين من مختلف المحافظات وضيافتهم بالشكل اللائق بهم.

وندعوا المتمولين ومن في ذممهم حقوق شرعية إلى دعم هذه الفعالية المباركة، كما نأمل أن لا تقصر الحوزة العلمية في تغطية النفقات بما يتيسر.

وندعوا الشعراء والأدباء الواعين بكلا النوعين من الشعر إلى المساهمة بنظم الأبيات التي يرددها المشاركون ليحصلوا على اجر خدمة الثورة الحسينية ونشر أهدافها المباركة، وان تتضمن القصائد الافتخار برقي جامعاتنا في العلم والأخلاق والفكر والدعوة إلى بناء المستقبل الزاهر تمهيداً للظهور الميمون.

ص: 66

وندعوا الكيانات الدينية والسياسية والشعبية للمساهمة الفعّالة في تنظيم هذه الشعيرة المقدسة والدعوة الجادة للمشاركة فيها وتقديم الخدمات والإمدادات.

وندعوا مالكي حافلات نقل الركاب إلى التواجد في كربلاء المقدسة يوم الزيارة لإعادة الزائرين إلى مدنهم.

نوجه هذه الدعوة ونحن على ثقة بان الجميع سيؤدون ما عليهم تجاه أئمتهم وأمتهم ووطنهم وان لا يفوتوا هذه الفرصة العظيمة لإطاعة الله تبارك وتعالى.

محمد اليعقوبي

4 صفر 1426

ص: 67

حضور الملايين وطلبة الجامعات في زيارة الأربعين

أفضل رد على عرقلة العملية السياسية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على إكمال الدين وإتمام النعمة بولاية النبي وآله الأطهار صلى الله عليهم أجمعين.

حينما تعي الأمة مسؤليتها:

مرَّ الشعب العراقي بتجربتين لتشكيل الحكومة خلال أقل من عام:

الأولى: في حزيران عام 2004 وترأسها الدكتور أياد علاوي وهي التي تعرف بالحكومة المؤقتة.

الثانية: أفرزتها نتائج الانتخابات العامة التي جرت في الثلاثين من كانون الثاني عام 2005 وهي التي تعرف بالحكومة الانتقالية.

وبالرغم من أن الأولى لم تكن شرعية وفرضتها قوات الاحتلال تحت غطاء مجلس الحكم المعيَّن، إلا أنها مرّت بكل انسيابية ومن دون أي مشكلة وبأسرع وقت.

أما التجربة الثانية، فقد كانت شرعية - في النظام الديمقراطي - لأنها استندت إلى اختيار الشعب الذي هبَّ بشكل منقطع النظير وتحدى الإرهاب الذي أعلن الحرب العامة ضد من يشارك فيها، وانتزعها بجهاده ودمه من المتسلطين الذين لهم مشروعهم المعد سلفاً، وبالرغم من هذه

ص: 68

الشرعية إلا أن شهرين مرا ولم تحقق هذه الخطوة الأولى اعني اختيار رئيس للجمعية الوطنية المنتخبة!!

ألا يوحي ذلك إلى أن مؤامرة كبيرة تحاك ضد هذا الشعب، وأن صراعاً بين قوى دولية وإقليمية تتخذ من هذه الأرض المباركة مسرحاً لها من أجل تحقيق مصالحها ومآربها على يد أتباعهم ودماهم المتحركة الذين يستجدون أرزاقهم منهم، وعليهم أن ينفذوا بدقة ما يأمرهم به أسيادهم، أما الشعب المضطهد المحروم الذي يريد أن ينهض من جديد فلا أحد يفكر به ويعمل من اجله إلا أن يلتفت هو إلى عناصر قوته فيستثيرها ويستجمعها ويوظفها لقول كلمته الفاصلة ووقفته الشجاعة.

متى تكونوا من أهل الآية (وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ)؟

إنهم حينما أطالوا أمد المفاوضات والمشاركات لتشكيل الحكومة إنما أرادوا أن يهزموا هذه الأمة ويسلبوا منها انتصارها ويلووا ذراعها حتى تشعر باليأس والإحباط والاستسلام، فحذارِ أن تحقق الأمة لهم أهدافهم وقد نبههم الله تعالى إلى قوتهم وسمو مبدأهم فقال عز من قائل «وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ» (آل عمران: 139) وإنما تكونون اعلون:

أولاً: بإخلاصكم لله تعالى وتطبيقكم الكامل للشريعة قال تعالى «وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ» (الأعراف: 96).

وثانياً: بوحدتكم وتآلفكم وتعاونكم قال تعالى «وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا» (آل عمران: 103).

ص: 69

وثالثاً: بتنظيمكم لأموركم وحشد طاقاتكم قال تعالى «وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ» (الأنفال: 60) وقال تعالى «وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» (آل عمران: 104)، والأمة هي الجماعة المنظمة التي تتوحد على هدفٍ معين ومصلحة مشتركة وقال أمير المؤمنين

(أوصيكم عباد الله بتقوى الله ونظم أموركم).

ورابعاً: بالتفافكم حول قيادتكم الرشيدة وطاعتكم لها قال تعالى «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا» (المائدة: 55) والعلماء الفقهاء العدول هم ورثة المعصومين عليهم السلام.

وخامساً: بوعيكم وبصيرتكم وحكمتكم قال تعالى «وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ» (الحاقة: 12).

وسادساً: بحضوركم الفاعل والمستمر في الساحة بلا كلل أو ملل قال تعالى «يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ» (الانشقاق: 6) وقال الإمام عليه السلام

(أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا).

لتكن من أهم شعارات زياراتنا هو الانتصار لحقوقنا:

إنها مواجهة ذات محاور عديدة وخنادق متعددة، والعملية السياسية واحدة من تلك المواجهات التي تحتاج إلى وعي عميق وحكمة دقيقة وحضور فاعل ومستمر في الساحة، إنهم يشعرون بالخيبة والخسران حين عجزوا عن اختراق الأمة وتغيير معالم شخصيتها، ويحاولون بشتى الطرق أن يعيقوا انبعاثها وانطلاقها نحو الحرية والكمال.

ومن هنا كانت الحشود المليونية التي زحفت سيراً على الأقدام

ص: 70

إلى كربلاء المقدسة وقطع بعضهم مئات الكيلومترات لم يصحب أحدهم طعاماً ولا فراشاً ومع ذلك فلم يحتج إلى شيء؛ لأن الشعب بكل فئاته هبَّ لإنجاح هذه الفعالية المباركة، وحتى أن بعض الإخوة المسيحيين شاركوا في تلك المسيرات لأنهم يعلمون أن الإمام الحسين عليه السلام ليس رمزاً وأسوة للمسلمين فقط وإنما للإنسانية جمعاء، وسيظل الإمام الحسين مدرسة للأجيال ما دام هناك ظلم قائم وفئة مستأثرة وحق مهتضم وتسلط بغير حق وإقصاء لأولياء أمر الأمة الحقيقيين.

إن هذه المشاركة أفضل ردٍ توجهه الأمة لهؤلاء الذين يريدون سرقة انتصارها في يوم الانتخابات وليكسروا إرادتها حتى تستسلم لما يريدون، ولكنها أثبتت أن إرادتها لا تلين وأنها مستعدة لكل التحديات، كما واجهت من قبل بطش صدام الذي لم يشهد مثله شعب عبر التأريخ والجغرافيا وأنها تبقى تطالب بحقوقها بلا كلل أو ملل.

موكب طلبة الجامعات:

وكان من أروع ما تضمنته هذه المناسبة الموكب الحاشد المهيب لطلبة الجامعات والمعاهد العراقية الذي قدرت اللجنة المكلفة من رئاسة جامعة بابل بتنظيم المناسبة عددهم بخمسة وثلاثين ألفاً، تجمعوا في مدينة الحلة قبل أن يسيروا مشياً على الأقدام إلى كربلاء(1) ليواسوا أهلها، وكل

ص: 71


1- المسافة بين الحلة وكربلاء هي (42) كيلو متراً قطعها الطلبة يوم التاسع عشر من صفر ابتداءً من بعد صلاة الفجر..

الشعب العراقي المفجوع بالأبرياء الذين سقطوا شهداء وجرحى نتيجة جرائم الطائفية الحاقدة والتكفير الأعمى وطمع عباد الهوى والشيطان، وليوجهوا رسالة إلى الأشقاء من دول الجوار الذين يغذون الإرهاب ويوجهونه ويمدونه، وليثبتوا انتماءهم إلى الإسلام والى مدرسة أهل البيت عليهم السلام بعد أن حاول الأعداء النفخ في حادثة السفرة الطلابية لكلية الهندسة في جامعة البصرة(1) والتي استدرج فيها الطرفان لتصرفات سيئة كان الهدف منها تسقيط سمعة الإسلام والتنفير من نظامه السامي والإيحاء بأنه غير حضاري ويستخدم العنف لتطبيق برامجه.

هويتنا في الإسلام:

فجاءت هذه الجموع الهائلة من كل جامعات العراق لتبرز هويتها الإسلامية الأصيلة، ولتثبت أن الشعائر الحسينية ليست انفعالات وردود فعل

ص: 72


1- في يوم الثلاثاء 4 صفر 1426 المصادف 2005/3/15 خرج مئات من طلبة وطالبات كلية الهندسة في جامعة البصرة في سفرة طلابية إلى حدائق الأندلس في المدينة وقام عشرات منهم بالغناء والمرح مما استفز مشاعر الناس لمنافاتها للدين والأخلاق وللحزن الذي يسود المجتمع في شهري محرم وصفر، لكن إحدى الجهات المنتسبة للدين هاجمتهم بقسوة ب - (العصي والكيبلات) والإطلاقات النارية فأصابت عدداً منهم وتلاقفت وسائل الإعلام الحادثة بسرعة وكأن الأمر قد خُطط له..

عاطفية هوجاء لا معنى لها، وإنما هي مدرسة يستلهم منها العلماء والمفكرون وطالبوا الفضيلة كل معاني السمو والكمال، وبهذا وغيره من عناصر القوة اكتسب موكب طلبة الجامعات أهميته لأنه منظم أولاً وذو أهداف محددة وواضحة ثانياً ولأنه يمثل شريحة علمية ثقافية مهمة في المجتمع ثالثاً، وهذه الأمور حينما تصدر من مجموعة ولو قليلة فإنها أكثر تأثيراً في قلوب الأعداء من عملية غير منظمة مهما كثر عدد أفرادها.

فحق لنا أن نفتخر بكل الذين احيوا زيارة الأربعين وساهموا في إظهارها بهذه العظمة والعزة التي تليق بريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسبطه وسيد شباب أهل الجنة وموقفه الإنساني النبيل.

محمد اليعقوبي

النجف الأشرف / 20 صفر 1426

ص: 73

ملتقى العلم والدين في رحاب الإمام الحسين

ملتقى العلم والدين في رحاب الإمام الحسين(1)

لقد حققت مواكب الوعي الحسيني لطلبة الجامعات التي تنطلق في كربلاء المقدسة ثمرات عديدة على طريق استلهام الأهداف المباركة لثورة الإمام الحسين عليه السلام وتجسيدها على أرض الواقع مما لا يخفى على كل متابع وكانت مثار فخر واعتزاز للأمة.

وها نحن على مشارف موسمها الرابع بأذن الله تعالى وانطلاقاً من الحديث الشريف الذي يريد للمؤمن أن يكون يومه أفضل من أمسه فإننا ندعو أساتذة وطلبة الجامعات العراقية المحروسين بعين الله تعالى إلى أن يتقدموا بهذا المشروع خطوة إلى الأمام ويحولوه إلى يوم سنوي للوحدة واللقاء بين الحوزة العلمية والجامعات وليكون (ملتقى العلم والدين في رحاب الحسين عليه السلام الدين الذي تتصدى الحوزة العلمية لنشره وترسيخه والعلم الذي تحتضنه أروقة الجامعات وتغذي به شبابنا وشاباتنا ليعمروا الحياة ويبنوا المستقبل الزاهر.

لقد تعمد أعداء الإسلام والشعب الفصل بين الحوزة والدين وتنفير كل منهما من الأخر فتصّور الحوزة العلمية للجامعيين وكأنها كيان متخلف رجعي متحجر لا يفقه من المدنية شيئاً وتصور الجامعيين للحوزة العلمية

ص: 74


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد طلبة الكلية التقنية في البصرة يوم 17 /ذو القعدة 1427 المصادف 2006/12/9 ومع اللجنة المنظمة للمواكب في كربلاء، ونشرت في العدد (52) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 18 ذو الحجة 1427 المصادف 2007/1/18...

وكأنهم شباب فارغون متميعون بعيدون عن الدين وأنهم لاهثون وراء شهواتهم، وكان على مدى الأجيال في الكيانين ثلة واعية رسالية استطاعت كسر هذا الإسفين وأزالت الحواجز فنريد من هذا الملتقى أن يثير لدى الجميع وحدة الهدف وان تنوعت الآليات وان يساهم كل منهما في رفد الأخر إذ إن كلاً منهما يزخر بالكفاءات وبالمناهج مما يساهم في تطوير الآخر بمفرداته العلمية ومناهج تفكيره وعمق نظرته للحياة وسمو أهدافه وحسن تعامله مع المعطيات على الأرض واستثماره لها.

وما زال في الوقت سعة حتى يعد الجميع بحوثهم ودراساتهم لإغناء هذا الملتقى والمساهمة الجادة في فعالياته بالتنسيق مع اللجنة المنظمة المركزية في كربلاء أو فروعها في الجامعات والمحافظات.

من الجدير بالذكر أن اللجنة المنظمة أعلنت أن موعد انطلاق مواكب الوعي الحسيني سيكون بإذن الله تعالى بعد صلاة الظهر والعصر يوم التاسع من محرم الحرام من المعهد التقني في كربلاء الذي يقع على مشارف المدينة من جهة الحلة وان عمادة المعهد وإدارييه وطلبته ابدوا استعدادهم مشكورين لاستضافة إخوانهم من أساتذة وطلبة الجامعات العراقية كما قاموا بذلك فيما مضى جزاهم الله خير جزاء المحسنين.

ويمكن لأبناء المحافظات البعيدة الوصول مساء الثامن من محرم والمبيت في المعهد لتتسنى لهم المشاركة بيسر وتقام الفعاليات المنوعة من ندوات ومحاضرات ومسرحيات ومجالس تعزية ورثاء ليحيي الجميع ليلة عاشوراء إلى جوار الحسين عليه السلام ولينالوا بركة الحديث الشريف (من بات ليلة عاشوراء عند الحسين عليه السلام حُشِر ملطخاً بدمه).

ص: 75

ص: 76

إلى مواكب الوعي الحسيني للجامعات والمعاهد العراقية وملتقى العلم والدين

اشارة

إلى مواكب الوعي الحسيني للجامعات والمعاهد العراقية وملتقى العلم والدين(1)

أشد القصص إيلاماً على أهل البيت عليهم السلام:

تضمّنت واقعة كربلاء فصولاً مأساوية عديدة تركت جمرة في قلوب المؤمنين، و ذوي الضمائر الحية لا تنطفئ أبداً، وستظل تنبض في عروقهم بروح الثورة ضد الطغاة والمستبدين و اللئام و منتهكي حقوق الإنسان في أن يعيش حياة حرة كريمة، و ستبقى هذه الجذور المباركة وتزداد اتقاداً حتى يأذن الله تبارك وتعالى بإقامة دولة الحق والعدل والمثل العليا «وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ» (القصص: 5، 6).

ص: 77


1- الخطاب الذي وجّهه سماحة الشيخ اليعقوبي مباشرة عبر شاشات التلفزيون إلى مواكب الوعي الحسيني للجامعات والمعاهد العراقية مساء يوم الجمعة 7 صفر 1429 المصادف 2008/2/15، وقد شارك فيها أكثر من (600) من أساتذة الجامعات وحوالي (15) ألف طالب توافدوا من مختلف الجامعات والمعاهد ومنها جامعتا ديالى و كركوك واكتمل توافدهم يوم الجمعة، وعقدوا الملتقى الثاني للعلم والدين في رحاب الحسين وأعلنوا عن تأسيس كيان (جامعيون) الذي دعا إلى تأسيسه سماحة الشيخ اليعقوبي في العام الماضي، ثم انطلقت مسيرتهم المباركة صباح اليوم التالي إلى الحرم الحسيني المطهر والروضة العباسية الشريفة..

ولكن أكثر فصول تلك الواقعة إيلاماً وأشدّها تأثيراً في نفوس أهل البيت عليهم السلام كانت بحسب بعض المرويات قضية سبي بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وفي مقدمتهن عقيلة الهاشميين زينب بنت علي أمير المؤمنين عليه السلام وبنت فاطمة الزهراء عليها السلام، ونقلهن بعنف وإيذاء من بلد إلى بلد والتشفي بآل الحسين عليه السلام وإخراج الناس للتفرج عليهم حيث خلّفت هذه القضية حزناً عميقاً في قلوب أهل البيت عليه السلام.

ما سر اصطحاب الحسين عليه السلام لعياله؟

وحينئذٍ قد يسأل البعض عن سرّ اصطحاب الإمام الحسين عليه السلام لنسائه وأهل بيته من بني هاشم وأصحابه وأطفالهن بحيث كان مجموع النسوة والأطفال على بعض الروايات (83) وهو يعلم أن مصيره القتل وأعلن ذلك بوضوح في مكة المكرمة قبل خروجه إلى العراق؟

والجواب يمكن أن يُحال إلى أمرٍ غيبي بأن الحسين عليه السلام إمام معصوم ويعرف تكليفه جيداً ولا يحتاج إلى من يعلِّمه، ويمكن أن يقال أن الإمام الحسين عليه السلام أراد بذلك أن يبعث برسالة إلى الأمة جميعاً حتى للأجيال القادمة أنه رجل سلام وإصلاح وليس رجل حرب ويسعى لانقلاب عسكري على السلطة طمعاً في الحكم لأنه لو كان كذلك لاصطحب جيشاً وليس نساءً وأطفالاً بهذا العدد الكبير.

ويمكن أن يقال أنه أراد أن يتصرف كجدّه رسول الله صلى الله عليه وآله حين خرج لمباهلة نصارى نجران بأهل بيته خاصة علي وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم) ليثبت للآخر أنه متيقن من صحة موقفه

ص: 78

ومطمئن إلى أنه صاحب الحق ولو كان عنده أدنى شك لخاف على عائلته من نتائج المباهلة ولذا انسحب الخصم المباهل خشية اللعنة.

هذا كله وارد وصحيح لكن الذي كشفت عنه الأحداث التي تلت الواقعة أن اصطحاب النسوة وتعريضهن لتلك الأخطار الجسيمة كان لهدف سامٍ يستحق تلك التضحيات، وهو قيامهّن بمسؤولية بيان حقيقة أهداف الإمام الحسين (عليه السلام من حركته المباركة وكشف زيف ادعاءات السلطات الجائرة في ظرف كممت فيه أفواه الناس وكان جزاء كل من يقول الحقيقة أن يقتل بأشنع الأساليب وينكّل به كما حدث لرسول كنيسة الروم ولعبد الله بن عفيف الأزدي وغيرهما.

فلم يكن بمقدور أحد أن يؤدي هذا الدور إلا عقائل النبوة وهو دور لا يقل أهمية عما أدّاه الرجال، ولولا هذا النصف الثاني من أحداث الواقعة لاستطاع الإعلام الأموي تزييف الحقيقة وتضليل الناس، وقد خُدعت الأمة فعلاً حيث صوّر الإعلام الحكومي يومئذٍ عليه السلام وأهل بيته بأنهم خوارج ومتمردون على القانون وقد نالوا جزاءهم؛ ولذهبت تضحيات أهل البيت عليهم السلام أدراج الرياح بل وانقلبت إلى نتيجة معاكسة.

الدور الزينبي لكل الأجيال:

إن دوراً بهذه الأهمية لا يقف عند حدود ما أدّته العقيلة زينب والهاشميات ومعهن الإمام السجّاد عليه السلام وإن وفوا بما عليهم وإنما يستمر في تحريك المصلحين وطلاب الحقيقة والتواقين للكمال ولإقامة الحق والعدل والسلام والحرية وكل المثل الإنسانية العليا في كل جيل ما دامت الأهداف

ص: 79

لم يكتمل تحقيقها وما دامت الانتهاكات التي قام بها يزيد بن معاوية موجودة والتي خرج الإمام الحسين عليه السلام للاحتجاج عليها والمطالبة بإصلاحها وهي كثيرة كالاستبداد والاستئثار وإهدار المال العام و تسلط الفاسدين وقتل الأبرياء وخنق الحريات وتعطيل العمل بالقانون والتجاهر بالشذوذ الجنسي مع المحارم والحيوانات الى اخر القائمة الطويلة.

من خطاب الثورة الحسينية:

نعم قد تتنوع آليات العمل وشكل الخطاب بحسب اختلاف الزمان والمكان وتباين مستويات المجتمع البشري، لكن الهدف يبقى واحداً وهو السعي لتحقيق أغراض الثورة الحسينية المباركة والتي بيّنها الإمام بنفسه، فمن وصيته لأخيه محمد بن الحنفية (وإني لم أخرج أشِراً، ولا بطِراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله. وأريد أن أأمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق، ومن ردّ علي هذا، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين).

ومن رسالته إلى أشراف البصرة (وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيه صلى الله عليه وآله فإن السنة قد أُميتت وإن البدعة قد أحييت، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا قولي أهدكم سبيل الرشاد).

ومن خطبته عليه السلام أمام كتيبة الحر الرياحي التي عارضته في الطريق ورافقته إلى كربلاء (أيها الناس: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله يعمل

ص: 80

في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرّموا حلاله وأنا أحق من غيري).

ومن خطبته في أصحابه لما وصلوا كربلاء (ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برماً).

ومن خطبته قبل بدء المعركة: (ألا وإن الدعي بن الدعي، قد ركز بين اثنتين، بين السَلّة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميّة، ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام) إلى غيرها من الكلمات الشريفة التي تبقى نبراسا هاديا للمصلحين.

ما يجب أن نوصله للناس:

أيها الأحبة:

هذا ما يجب أن نوصله إلى جميع الناس من خلال شعائرنا ومجالسنا ومحاضراتنا، إذ لم يعد مقنعاً للآخرين خصوصاً الذين يعرفون المنزلة الرفيعة لأهل البيت عليهم السلام أن نفسّر لهم ثورتنا وغضبنا وتفجُّرَ عواطفنا هو لأجل أن رجالاً قتلت أو نساءً سبيت أو أطفالاً ذبحت أو شباباً أزهقت أرواحهم قبل أن يتهنوا بالعرس أو لأنهم حرموا من الماء المباح حتى قضوا عطاشى، وإنما لم يعد مقنعاً لأنهم يرون هذه الكوارث تحل بالعراقيين يومياً

ص: 81

فيقتل الأبرياء وتلقى الجثث في العراء حتى تأكلها الوحوش وتقطع الرؤوس ويحرم الشاب من كل حقوقه في الحياة وليس الزواج فقط وتهجر مئات آلاف العوائل وتمارس كل أنواع الجرائم وتسرق أموال الشعب الذي يموت جوعاً ويعاني من تردي الأمن وخدمات الصحة والتعليم والغذاء وانتهاك للكرامة والحقوق والحريات فالأولى - من وجهة نظر الآخرين - أن نبكي ونثور ونغضب لحالنا وليس فقط لما جرى على الحسين وآله في كربلاء.

الجامعات في رحاب النهضة الحسينية:

أيها الجامعيون أساتذة وطلاباً وخريجين وإداريين وفنيين:

مَن أولى منكم بتفعيل هذه الحركة المباركة لتحرير الإنسان من أغلال الذل والهوان والحرمان، فاستلهموا من الحسين عليه السلام كل تلك القيم النبيلة وأنتم تجتمعون في حضرته الشريفة على تربة كربلاء المقدسة وتظلكم شآبيب رحمة الله تبارك وتعالى وألطاف إمامكم العظيم.

وتذكروا أيها الأحبة أن دوركم لا يقتصر على الساحة العلمية فقط رغم جلالة قدرها وعظم شأنها وإنما ترنوا إليكم الأنظار لكثير من المسؤوليات الجسيمة.

فأنتم رواد البناء والإعمار وإصلاح ما خرّبته الأنظمة الطاغوتية في هذا الوقت الذي تشتد الحاجة أكثر ما يكون إلى الإعمار والخدمات.

وأنتم من تستحقون قيادة البلد نحو الازدهار وليكون في مصاف الدول المتقدمة والمتحضرة وهو له أهل فمن المعيب على أي بلد أن يقوم

ص: 82

أساتذة الجامعات أو المهندسون أو الأطباء وغيرهم من الكفاءات باحتجاجات واعتصامات مطالبين بحقوقهم من مسؤولي البلاد وهم أحقّ منهم في هذه المواقع.

وأنتم منطلق الوحدة الوطنية لتنفخوا في جسد العراق حب الوطن وروح المواطنة بعد أن مزّقته الطائفية والقومية والأنانية والحزبية والفئوية والأجندات التخريبية، وقد بقيت جامعات العراق ومعاهده عصيّة على هذه الفتن فلا تزال ترى فيها التنوع الطائفي والعرقي والآيديولوجي متعايشاً جنباً إلى جنب فلتغطي الجامعات بإشعاعها هذا كل ربوع الوطن.

ومنكم النخب والكوادر المتقدمة التي تستحق قيادة المجتمع وإدارة البلاد، ولكم بعد ذلك مطالب وحقوق واحتياجات فاغتنموا هذه الفرصة لإعلاء صوتكم بالمطالبة بتحقيقها، تبدأ من تكريم الأساتذة وحمايتهم وتوفير أسباب الحياة الكريمة اللائقة بهم إلى تطوير الجامعات وتحديث الوسائل التعليمية والمختبرات لتواكب الجامعات العالمية المرموقة مروراً بدعم الطلبة بمخصصات شهرية تعينهم على مواصلة الدراسة ولا تنتهي عند تحسين أوضاع الأقسام الداخلية وغيرها فليقم كيانكم الشريف بكل هذه الأعمال وليسع لتحقيق الطموحات.

ومن حسنات هذا التجمع المبارك انعقاد الملتقى الثاني للعلم والدين والذي ينعقد اليوم في ظل ظرف صعب حيث يشهد مجتمعنا خصوصاً شريحة الشباب عملاً دؤوباً لمشاريع وأجندات سياسية وعقائدية واجتماعية من أجل غسل أدمغتهم وتسخيرهم لتحقيق أغراض تلك المشاريع.

ص: 83

ملاحظة: نظم فضيلة الشيخ حسنين قفطان نشيداً لمواكب طلبة الجامعات أطلقه من وفد جامعة الكوفة الذي كان برفقته، جاء فيه:

أيّها الطالبُ حقّاً علوياً بالشهادهْ *** ومُجيرَ الدينِ مما نابه فيما أرادهْ

يا مُجيرَ العدلِ لمّا عصفَ الظلمُ بهِ ومُذلَّ اللاهدىً ما حادَ عن مذهبهِ

نازعوهُ القومُ حقاً نالهُ من ربِّه أنتَ لم يكنْ يطلِبُ بالباطل حكماً أو سيادهْ

لم تخرج فيهم أشراً أو مفسدا أو لمكتوبٍ أتى يُضمرُ خُبثاً لا هُدى

أنت للإصلاح مُذ جائكَ يسعى موفدا *** ثرت إذ لَبّيت داعيه وأكرمت الوفاده

أنت يا مَنْ شَقّ للثورةِ بالحقِ سبيلاً أنت عبّدت لنا بالدمِّ ِ درباً مستحيلا

وعلى نهجك جيلٌ قد مضى يتبعُ جيلا وهو إذ خطّك نهجاً حقق الله مرادهْ

أنت مَنْ علّمنا أن الدِما تغلب سيفا أنت من علّمنا أن الفتى يرفُضُ حيفا

والذي يرفُضُ حيفاً معهُ يرفُضُ زيفا وبأنَّ الموتَ كي لا يَحكُمُ الزيف وِلادهْ

أنت يا مَنْ سَنَّ في ثورتهِ خيرَ الفضائلْ كلَّ مَنْ جَئتَ بهِ في كربلا صار مقاتلْ

ويتاماكَ غدوا قاداتَ صدقٍ والأراملْ صِرْنَ درساً فليعشْ شعبٌ له درسٌ وقادهْ

سيدي يا ابن عليٍّ أيّها السبطُ الذبيحْ يا فَدى سبطِ خليلِ اللهِ في الدهرِ الفسيحْ

يا كليمَ الطورِ موساهُ ويا جُرحَ المسيحْ أيّها الأحمدُ فكراً وسلوكاً وقيادهْ

نحن جئناك رجالَ العلمِ من كلِّ مكانْ يا وسامَ اللهِ قد خط على صدر الزمان

إن يكُنْ رأسُك قد وَسّدهَ هامُ السنانْ فلأنَ الرأسَ لا يقبلُ بالارضِ وسادهْ

نحن جئناك مِن الارضَ التي ضمَّت أباك لك قد حملنا منه سلاما لدماك

ولقد قال لنا قولوا له نحن فداك فلقد مات غريباً ولدي حر الإرادهْ

نحن جئناك نعزيك بفقد المجتبى سبطِ طه المصطفى رابعِ أصحاب العبا

شبهٌ منك بهِ في القتلِ مِن غيرِ السِبا إنما القتلُ لكم يبن رسولِ اللهِ عادهْ

يا رجال اليوم كونوا كحسينٍ في الإبا ولتكن كلُّ نساءِ العصرِ فينا زينبا

حينها لن يجدَ الغرب بشعبٍ مطلبا ويَعُمَّ الخيرُ والأمن بأرضٍ والسعادهْ

أيّها الشعبُ أفق مِن ذلك النوم البليدْ والتمسْ للحقِ درباً لتعشْ حرا سعيد

إن مَنْ يهوى حسيناً فليَثر ضد يزيدٍ . وليْكنْ فكرَ حسينٍ في خطى الثورةِ زادهْ

ص: 84

الفصل الخامس: الشعائر الحسينية سبيل الهداية

اشارة

ص: 85

ص: 86

إحياء الشعائر الحسينية سبيل للهداية

اشارة

إحياء الشعائر الحسينية سبيل للهداية(1)

نشوة الإيمان بولاية أهل البيت عليهم السلام:

إنه لمن الألطاف الإلهية والتأييد الرباني هذه المسيرة المليونية الكبيرة بما تتضمنه من مشاهد إعجازية؛ حيث يشارك فيها الشيخ المسنّ والمرأة الضعيفة والأطفال الصغار حتى الرُضّع الذين تضنُّ بهم أمهاتُهم عن أبسط أشكال الأذى والإيلام وإذا بها تعرّضه للشمس الحارّة نهاراً والبرد ليلاً وتسير به في العراء مئات الكيلومترات مشياً على الأقدام دون اصطحاب العدة المناسبة لرعاية الأطفال.

ولا تحسُّ من أحد منهم وهم ملايين أي شعور بالضجر والسأم والملل بل الكل مندفعون متحمسون تكاد أرجلُهم لا تحملهم من الفرح ونشوة الانتماء لحصن ولاية أهل البيت عليهم السلام المنيع.

إن أي جيش في العالم يجنّد مئات طائرات النقل وآلاف العربات

ص: 87


1- الخطاب الذي ألقاه سماحة الشيخ اليعقوبي وهو يشارك السائرين مشياً على الأقدام لزيارة الإمام الحسين عليه السلام بين النجف الأشرف وكربلاء ضمن موكب طلبة جامعة الصدر الدينية في النجف الأشرف وفروعها في المحافظات وبمشهد من حشود الزائرين يوم الخميس 18 /صفر/ 1428 المصادف 2007/3/8 تعظيماً لهذه الشعائر المباركة ورداً على العمل الإجرامي الذي استهدف مواكب الزوار في الحلة في اليوم السابق واستشهد فيه العشرات..

والشاحنات لتموين وتجهيز قطعاته المنتشرة في مساحة معينة؛ ومع ذلك يحصل عنده العجز والخلل، وهو أقل عدداً من هذه الملايين الزاحفة ولا يغطي مساحة بسعة المدن والمناطق التي انطلقت منها هذه الحشود الزاحفة إلى قبر أبي عبد الله عليه السلام.

فما هذه المحركية الهائلة التي تجنّد الجميع في إقامة الشعيرة المقدسة بين من يمشي على قدميه وآخر يقدّم الطعام والشراب وثالث يقوم بالخدمات الطبية ورابع يسعف الزائرين ويتبرك بغسل أقدامهم؟

الإخلاص والصدق في الولاء:

إنه الإخلاص والصدق في ولاء النبي وآله الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) الذي ألقاه الله تبارك وتعالى في قلوب المؤمنين ليكون أجر النبي عليه السلام على تبليغ الرسالة قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى (الشورى: 23).

هذه المشاهد التي تنقلها وسائل الإعلام تجعل العالم كله يقف إجلالاً وهيبة لهذه الروح الكبيرة، وتثير حقد وغضب من نصبوا العداوة لأهل البيت عليه السلام الذين قال فيهم الله تبارك وتعالى أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (النساء: 54) ويفسرها الإمام الباقر عليه السلام بقوله: >نحنُ الناس المحسودون<.

ولإظهار عجزهم عن إيقاف هذا المد الإلهي الهادر لجأوا إلى الأساليب الخسيسة في استهداف الزوار بالرصاص والأحزمة الناسفة

ص: 88

والسيارات المفخخة والعالم كله يشهد أن الزوار أناسٌ أبرياء يسيرون عُزَّلاً من كل شيء، وهذا الانحطاط منهم ورثوه من أسلافهم الذين لم يتورعوا حتى عن قتل الرضيع ضمآناً وإحراق البيوت وسبي النساء ورضِّ الأجساد الطاهرة بحوافر الخيل وقطع الرؤوس.

ردكم الحاسم بتعظيم الشعائر:

أيها الأحبة..

أن ردّكم الحاسم الذي تجيبون به أولئك الأراذل هو بهذا التواجد العظيم في الشعائر المقدسة وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (الحج: 32) لتُدخلوا اليأس عليهم بمواصلة السير بإصرار على نهج الأئمة الأطهار وان لا تحيدوا عنه قيد أنملة.

إن هذه الشعائر مظهر من مظاهر العزة والكرامة والشرف والفضيلة لأهل البيت النبوي الطاهر (صلوات الله عليهم أجمعين) تبهر الناس وتجعلهم يفكّرون ملياً في الالتحاق بهذه المدرسة الشريفة التي أرسى النبي صلى الله عليه وآله أسسها وشاد أركانها الأئمة الطاهرون بدمائهم وجهودهم وجهادهم وهي أمانة في أعناقكم أن تحافظوا عليها.

إنكم بإحيائكم هذه الشعائر تنالون أجراً فوق أجوركم باهتداء الكثيرين إلى نهج أهل البيت عليهم السلام واستبصارهم وتكونون مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام >يا علي لئن يهدي الله بك رجلاً خيرٌ مما طلعت عليه الشمس وما غربت< وقد نقل لي أحد الفضلاء ممن شارك في إرشاد الحجاج إلى مناسكهم في الموسم الأخير أن (63) شخصاً من أهل

ص: 89

مكة وحدها استبصروا واهتدوا إلى ولاية أهل البيت النبوي الطاهر وهم يمارسون دعوة أهلهم وأقربائهم إلى هذا الشرف العظيم، وكل ذلك ببركة هذا الصوت المبارك الذي انطلق من رحاب أرض علي والحسين عليه السلام والكاظمين والعسكريين عليه السلام التي ستكون عاصمة الإمام المنتظر الموعود (أرواحنا له الفداء) ومنطلق حركته العالمية المباركة.

فضل الزيارة وآدابها:

يا إخوة الإيمان..

تذكروا وانتم متوجهون لزيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام في هذه المناسبة الشريفة فضل زيارته عموماً وزيارة الأربعين خصوصاً حتى جُعلت من علامات المؤمن، وتذكروا فضل من قصد قبره الشريف مشياً على الأقدام ففي كتاب مفاتيح الجنان عن الإمام الصادق عليه السلام قوله >من أتى قبر الحسين عليه السلام ماشياً، كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة، ورفع له ألف درجة<.

وحافظوا أيها الأخوة على آداب الزيارة ومنها ما رواه الثقة الجليل محمد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السلام >يلزمك حسن الصحبة لمن يصحبك ويلزمك قلة الكلام إلا بخير، ويلزمك كثرة ذكر الله، ويلزمك الخشوع وكثرة الصلاة، والصلاة على محمد وآل محمد، ويلزمك التحفظ عما لا ينبغي لك، ويلزمك أن تُغضي بصرك من المحرمات والمشتبهات، ويلزمك أن تعود على أهل الحاجة من إخوانك إذا رأيت منقطعاً، والمواساة، والورع

ص: 90

عما نهيت عنه، وترك الخصومة وكثرة الأيمان والجدال الذي فيه الأيمان<.

وزيدوا من ربح تجارتكم مع الله تعالى باستثمار مسافة الطريق بكلمة هداية وموعظة ونصيحة وتعليم أحكام الشريعة لكثير من أبناء العشائر والقرى والأرياف الذين لم يصلهم صوت الإرشاد والتوجيه الديني وأوصلوا إليهم صوت الحق والهدى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

سدد الله خطاكم وضاعف لكم الأجر ورزقكم شفاعة الإمام الحسين عليه السلام يوم الورود.

ص: 91

إذا أردت أن تعرف المنتصر

فانظر إلى كربلاء يوم زيارة الأربعين

فانظر إلى كربلاء يوم زيارة الأربعين(1)

من المنتصر؟

لما رجع الإمام السجاد عليه السلام وأهل بيت النبوة إلى مدينة جدهم صلى الله عليه وآله بعد واقعة ألطف قال أحدهم بدافع التشفي والشماتة والحقد والحسد أو مدفوعاً تحت التضليل والجهل قال للإمام عليه السلام من الغالب؟! فقال الإمام عليه السلام إذا ارتفع صوت الأذان فستعرف من هو الغالب(2)!

لأن الأمويين حاولوا بكل جهدهم طمس معالم الإسلام الحقيقي واستئصال قادته الحقيقيين، وفي كلمات معاوية ويزيد ما يدل على ذلك فقد عبّر معاوية عن شعوره باليأس والإحباط وعدم نجاح سعيه الأكيد

ص: 92


1- من حديث سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) يوم 21 صفر 1427 المصادف 2006/3/22 مع حشد من طلبة الجامعات والمعاهد العراقية الذين شاركوا في مواكب الوعي الحسيني.
2- الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام قال: >لمّا قَدِمَ عليُّ بن الحسين بن علي (صلوات الله عليهم) استقبله إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله وقال: يا علي بن الحسين، من غلب؟ وهو مُغَطّىً رأسه وهو في المحمل، قال: فقال له عليُّ بن الحسين عليه السلام: إذا أردت أن تعلم من غلب ودخل وقت الصلاة، فأَذِّن ثمَّ أقِم<. الأمالي للطوسي: ص 677، والبحار: ج 45 ص 177..

لإطفاء نور الله تبارك وتعالى حينما قال: لم يكتفِ ابن أبي كبشة - يعني محمداً صلى الله عليه وآله - حتى قَرنَ اسمه باسم الله (يعني في الأذان) ويصرّ بأن غليله لا يشفى إلا بدفن هذا الصوت، فالإمام السجاد عليه السلام يقول إن المنتصر الحقيقي هو الإمام الحسين عليه السلام الذي حفظ بدمه الزكي وجود الإسلام وثبّت مساره الصحيح وأفشل مخططات الأمويين في إنهائه وإطفاء نوره.

تقييم الأفراد و المشاريع الإسلامية في ضوء زيارة الأربعين:

هكذا يجب أن نقيّم الحركات والمشاريع والأفراد في ضوء الأهداف التي تحركوا من أجلها، فلو كان الإمام الحسين عليه السلام كقادة الانقلابات العسكرية خرج لقلب نظام الحكم وتولي السلطة فإنه يمكن أن يقال أنه عليه السلام فشل في حركته، لكنه عليه السلام أعلن وهو ما يزال في مكة أنه سيقتل هو وأهل بيته وتسبى نساؤه >كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا< وإنما خرج عليه السلام لطلب الإصلاح في أمة جده محمد صلى الله عليه وآله وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وقد تحقق ذلك، وها هي الأمة تعيش منذ أربعة عشر قرناً والى قيام القائم بركات حركته الشريفة.

ولمزيد من الإيضاح نقول لو أن طالباً من الأوائل دخل الامتحان فحصل على درجة (70) أو (80) بالمئة فإنه يعتبر نفسه قد فشل في الامتحان؛ لأن هدفه كان قريباً من المئة فرغم أن درجته ناجحة إلا أنه يعتبر نفسه فاشلاً لعدم تحقق هدف حركته.

وكذا الفريق الرياضي الذي تعوّد الفوز في البطولة التي يشارك فيها فلو حاز المركز الثالث أو الرابع فإنه يعتبر نفسه فاشلاً رغم أن مثل هذا

ص: 93

المركز غاية مطمح غيره.

وبهذا المعيار نجيب من يسأل: هل نجح المشروع الأمريكي في مسخ هوية الأمة وتذويب شخصيتها؟

وهل نجح الإرهابيون في إرعاب الشعب وإخافته ومنعه من إظهار ولائه لأهل بيت النبوة؟

وهل استطاعوا إبعاد الشباب عن دينهم وفصل العروة الوثقى بينهم وبين أئمتهم وقادتهم ومرجعيتهم؟

نجيب هؤلاء: انظروا إلى كربلاء يوم الأربعين وزحف الملايين التي زادت عن الثلاثة مشياً على الأقدام، وقطع بعضهم مئات الكيلومترات رغم المخاطر المحدقة لتعرفوا فشل الإرهابيين.

وانظروا كيف أن أغلبهم من الشباب لتعرفوا فشل مشروع الغرب الإفسادي.

ولاحظوا التعبئة العامة التي أعلنتها الأمة لإنجاح هذه الشعيرة المقدسة وتقديم الخدمات وأسباب الراحة لهذه الملايين في كربلاء وعلى طول الطريق المؤدية إليها لتعرفوا شدة تمسك الأمة بالإسلام وولاية أهل البيت عليهم السلام.

وإذا سألوا هل نجح مشروع إفساد طلبة الجامعات والمعاهد وتمييعهم وصرفهم عن أهدافهم الحقيقية إلى مظاهر الحياة التافهة الدنيئة، فنقول لهم انظروا إلى الموكب المهيب لطلبة الجامعات والمعاهد العراقية الذي ضمّ الآلاف منهم وسار عدة كيلومترات ليجدد انتماءه الواعي إلى مدرسة أهل البيت عليهم السلام.

ص: 94

وكان المفروض من السياسيين أن يفهموا الرسالة التي وجّهتها هذه الملايين، فلا الائتلاف الذي يمثلهم تحدّث بقوة هذه القاعدة الواسعة الثائرة الغاضبة واستثمر هذه الحركة المباركة، ولا الآخرون توقفوا عن تماديهم وظلمهم، ولكن النصر يبقى بإذن الله تعالى حليف هذه الأمة المتمسكة بحبل الله المتين وسراطه المستقيم.

ص: 95

رسالة الأمة من خلال إحيائها لشعائر عاشوراء

اشارة

رسالة الأمة من خلال إحيائها لشعائر عاشوراء(1)

موكب النصرة لأهل البيت عليهم السلام:

لبّى الملايين من المسلمين في مختلف مدن العالم من شرق الأرض وغربها دعوة الله تبارك وتعالى (ذلك ومن يعظّم شعائرَ اللهِ فإنها من تقوى القلوب) ودعوة الأئمة الطاهرين (أحيوا أمرنا، رحِمَ الله من أحيا أمرنا) وقولهم (على مثل الحسين عليه السلام فليبكِ الباكون) فأحيوا شعائر ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه في العاشر من محرم، لا سيما في معاقل الولاء لأهل البيت عليهم السلام في العراق وإيران ولبنان واشترك حتى غير الشيعة بل حتى غير المسلمين، فقد رأيت في إحدى الفضائيات تجمّع العوائل المسيحية حول شاشات التلفزيون متابعين باهتمام المراثي الحسينية ومواكب العزاء، وعيونهم محمرّة من الدموع وتحدثوا عن مساهماتهم في بعض تلك الشعائر.

وقد بلغ التفاعل مع الحدث ذروته في (موكب النصرة) المعروف باسم (عزاء طويريج) حيث انحدر سيل مئات الآلاف من الملبّين لدعوة الإمام الحسين عبر الأجيال (هل من ناصر) وكلهم نداء واحد (لبيك يا حسين) لأن وقفة الحسين عليه السلام في كربلاء حفظت الخط الناصع النظيف

ص: 96


1- نشر في الصفحة الثالثة من العدد (38) من الصادقين الصادر بتأريخ 24 محرم 1427 الموافق 23 شباط 2006..

للإسلام وصانته من الفساد والانحراف والتمييع والإفراغ من المضمون الحقيقي.

وقد امتزجت في الشعائر مشاعر الحزن واللوعة لهول المأساة التي يستشعرها كل مؤمن خصوصاً في يوم عاشوراء وعبر عنها الإمام عليه السلام:

(إن لجدي الحسين في قلوب المؤمنين لوعة لا تنطفئ أبداً) بمشاعر الفخر والسرور بديمومة هذا الولاء وهذا الارتباط الوثيق بالإسلام وقادته العظام.

رسالة الأمة بإحيائها للشعائر:

إن المتتبع لهذه الشعائر وشعاراتها يستطيع أن يلخّص الرسالة التي توجهها الأمة بمحاور أساسية:

الأول: تأكيد الانتماء للإسلام المحمدي الأصيل الذي رسّخه أئمة أهل البيت عليهم السلام واستشهدوا ومعهم المخلصون من أصحابهم في سبيله، وكانت شعاراتهم مملوءة بالإصرار على مواصلة هذه المسيرة والاستعداد للتضحية من أجله، وكانوا واعين جداً للمؤامرات والتحديات التي تواجه هذا الخط.

الثاني: الرد على أعداء الأمة بتوجهاتهم المختلفة بلا فرق بين قوى الاحتلال والاستكبار الذين جاؤوا بمشروع واسع لمسخ هوية الأمة وإلحاقها بركبهم، وبين الإرهابيين الذين اتبعوا أساليب شتى لثني الأمة عن إحياء هذه الشعائر الدينية المقدسة، وأشاعوا خبر تسلل إرهابيين إلى كربلاء للإيغال في الجريمة وبين المضلّلين والحاقدين الذين لم يكلّوا عن تشويه صورة هذه الشعائر وتنفير الأمة منها لصرفها عن إقامتها لأنهم يعلمون أن

ص: 97

لهذه الشعائر دوراً في حفظ الدين في حياة الناس فإذا منعوها بأي شكل فإنهم سيقضون على الدين تدريجياً.

هذا كله تحقق بفضل الله تبارك وتعالى لكن الجديد في احتفال هذا العام نداء (لبيك يا محمد) الذي جاء ردّاً على الحملة المسعورة التي أشعلتها صحيفة في الدنمارك بنشرها لصورٍ مسيئة لشخصية النبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله، ثم تبنتّها صحف ومجلات في دول أوربية أخرى بل إن صحيفة أردنية ومصرية نشرتها جرأةً على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وعلى المؤمنين.

الثالث: أن الأمة موحَدّة وان القواسم المشتركة بينها كثيرة وعلى رأسها حب الله ورسوله وحب أهل بيته الأطهار فلا يفرق بينها انتماء طائفي أو حزبي أو عرقي أو جغرافي ولا تفرّقها المصالح، وها هي متوحدة على حب رسول الله صلى الله عليه وآله الذي أساؤوا إليه فتوحد المسلمون للدفاع عنه وعلى حب الحسين عليه السلام في ذكراه، فما بال السياسيين والمتصدين للحكم يتصارعون على المناصب ويتزاحمون على الدنيا وينهمكون في هذا التنافس غير الشريف وينشغلون عن قضايا الشعب المهمة والتحديات التي تواجهه فهم بذلك يغرّدون خارج سرب الأمة ولا تلبث حتى تلفظهم.

ص: 98

إدامة آثار الشعائر الحسينية ضمانة التقدم

اشارة

إدامة آثار الشعائر الحسينية ضمانة التقدم(1)

الاجتماع لإحياء أمر الله تعالى:

كانت الزيارة الأربعينية هذا العام ظاهرة عظيمة لا نظير لها عبر التاريخ، وقد تضمنت صفحات مشرقة من المواقف الإنسانية النبيلة ينبغي تدوينها لتنتهل منها الأمم الأخرى، ولم يكن اعتباطاً أن يحظى هذا الشعب الكريم باحتضان مرقد أبي الأحرار الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام. لينطلق بمبادئه إلى العالم كله حينما يأذن الله تعالى بالفرج.

كان الشعب كخلية نحل في حركة دائبة وأدوار متنوعة لا تجد فراغاً في خدمة لم يسدُّه أحد، ولو جنّدت دولة عظيمة كل إمكانياتها المادية والبشرية لعجزت عن إدارة هذه المسيرة بالشكل الذي كانت عليه، وكان محبّو أبي عبد الله عليه السلام يتسابقون لتقديم الخدمات ويتفانون في سبيل الآخرين ويتفننّون في نوع الخدمة التي يقدّمونها مما يحتاج إلى كتاب ضخم لتدوين تلك المشاهد، ولم ترهبهم الأعمال الإجرامية التي نفذها أعداء الإنسانية وذهب ضحيتها الكثير من الشهداء والجرحى(2) بل كان

ص: 99


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع حشود الزوار الذين وفدوا للسلام على سماحته وهم متوجهون مشياً على الأقدام من مختلف المحافظات لزيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام يومي 16، 17 صفر 1431.
2- كان الأعنف ما قامت به انتحارية من تفجير نفسها قرب موكب في منطقة بوب الشام لخدمة الزوار القادمين من مناطق شمال شرق بغداد وكانت الحصيلة (46) شهيد وأكثر من (100) جريح وأكثرهم من محافظة ديالى..

يزداد حماسهم واندفاعهم عقب كل تفجير.

جزاء المؤمن:

إن السعادة التي كان يعيشها المؤمنون في أجواء المناسبة هي أول جزاء يناله المشاركون فيها، بل هي الجنة التي وُعد المؤمنون أن يروها في الدنيا قبل الآخرة، وهل يبحث الإنسان في حياته إلا عن السعادة؟ بينما تجد البعيدين عن الله تعالى وعن ولاية أهل البيت عليهم السلام لا يجدون هذه السعادة مع توفر كل أسباب الرفاه لهم، بحيث تزداد بينهم نسبة القتل والانتحار والجرائم والأمراض النفسية.

لقد وعد الله تعالى كل من أدى عملاً صالحاً بالأجر قال تعالى:«إِنّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً»، ولكن مع تفاوت الدرجات يحسب استحقاق العاملين وإتقانهم للعمل «فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها» كالطلبة الذين يدخلون الامتحانات وينجحون، فإنهم وإن اشتركوا في أصل النجاح والصعود إلى المرتبة اللاحقة إلا أنهم تفاوتوا في درجات النجاح «وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَكْبَرُ تَفْضِيلاً».

الاحتفاظ بالزخم المعنوي بعد الزيارات:

وإن من تمام إتقان العمل وإحسانه أن يحتفظ الإنسان بالآثار التي حصلت له خلال العمل ويديم وجودها، لأن بعضاً يكتسب تلك الآثار ما دام في العمل وبمجرد انتهائه يعود إلى طريقته الأولى، وآخر يحتفظ بها مدة أكثر وتضعف تدريجياً إلى أن يفقدها ثم يجدّدها بعمل آخر، وآخر تختلط مع روحه ودمه فتثبت فيه وتسري منه بركاتها إلى الآخرين،

ص: 100

كالأجسام التي تلامس النار، فبعضها يفقد الحرارة بمجرد إبعاده عنها، وأخرى تحتفظ بها مدة ثم تفقدها، وأخرى - كالفحم - تتحول إلى جمرة متقدة تهب النور والدفء إلى الآخرين.

العبادات بآثارها لا رسومها فقط:

إن قيمة العبادات والشعائر التي نؤديها بمقدار تحقيقها لتلك المضامين العالية، قال تعالى «إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ» «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» «لَنْ يَنالَ اللّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ» «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ». فإذا تجردت عن المضامين فإنها ستفرغ من القمية إلا أن يتداركها الله تعالى بفضله وكرمه.

خذ لذلك مثالاً قشور الفاكهة فإنها ما دامت محتوية على اللب وحافظة له فلها كل القيمة، ولكنها إذا نزعت عنها فلا قيمة لها وترمى في سلة النفايات.

الدعوة الى الإحياء الواعي:

فالمأمول هو أحياء هذه الشعائر بشكل واعٍ مع استحضار للأهداف التي أسست من أجلها، والمبادئ التي أراد الأئمة المعصومون عليهم السلام تركيزها من خلال إحيائها، فلم يستشهد الإمام الحسين عليه السلام من أجل أن نبكي عليه فقط أو لنتفجّع ونحزن، وإن كان هذا مطلوباً في نفسه، ولكن الهدف هو توظيف هذا الحزن والبكاء والألم في رفض الظلم والانحراف والفساد

ص: 101

والسعي بهمة عالية نحو الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والمأمول أيضاً إدامة هذه الآثار المباركة التي عاشها الجميع خلال أيام المناسبة لتكون خصالاً ثابتة في سلوكنا، مثلاً رغم مشاركة الملايين في الزيارة إلا أنه لم يحصل خلاف أو شجار بين الزوار بل إذا وقع خطأ - كارتطام سيارتين مثلاً - كان المجني عليه يسبق الجاني للاعتذار منه وتحمّل نفقات إصلاح سيارته. أقول: هذا السمو وهذا النبل لماذا نتخلى عنه عندما نعود إلى أهلنا وديارنا فتحصل النزاعات لأمور تافهة عند الله تبارك وتعالى، أليس هذان المختلفان هنا هما من تعاملا بذلك النبل في رحاب أبي عبد الله الحسين عليه السلام وكلاهما شيعة علي والحسين (عليهما السلام)؟ فما حدا مما بدا!

إن الإنسان حينما يحسن فإنه أول المستفيدين، مع انتفاع غيره بإحسانه، فالحسين عليه السلام الذي نحيا ببركات شهادته المقدسة كان هو أول من قبض الثمن كما ورد في خطاب جده المصطفى صلى الله عليه وآله إليه (إن لك مقامات عند الله لن تنالها إلا بالشهادة). قال تعالى : «إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها» وكل ما يعتقد الإنسان أنه قدمه لله تعالى أو لغيره فإنه إنما قدمه لنفسه حقيقة، والله هو المتفضل المنان الذي لا يجازى إحسانه.

الضمانة الوحيدة للتقدم:

إن ديمومة هذه الخصال الكريمة والتحلي بالآثار المباركة للزيارة هي الضمانة لبقاء الأمة حية وفي عزة وكرامة وتقدم وازدهار، وعدم العودة

ص: 102

إلى عصور الظلم والاستبداد والديكتاتورية، وليست الضمانة أن يجتثَّ هذا ويفصل ذاك(1) ، فما دامت النفوس الأمارة بالسوء التي تنادي (أنا ربكم الأعلى) موجودة، وما دام إبليس يمارس غوايته للبشر، فلا يفرحنا إعدام صدام أو علي الكيمياوي وسائر المقبورين من الطغاة، لأن المصنع الذي ينتجهم موجود، فلا تغرنّكم هذه الضجة المفتعلة التي يراد منها ما يراد في حساب المصالح ولنا في حياة الأئمة عليهم السلام شواهد وأمثلة، فما قيمة زوال حكم بني أمية إذا كان خلفهم بني العباس، حتى قال الشاعر:

فليت جور بني مروان عاد لنا وليت عدل بني العباس في النار

إن عظمة الإمام الحسين عليه السلام تتجلى في هذه الديناميكية والحركية التي يبعثها في حياة الأمة منذ ألف وأربعمائة عام فترهب أعداء الله ورسوله والإنسانية، فيقومون بأقذر الأساليب لتعويق هذه الحركة المباركة، لكنهم يعودون خائبين خاسئين، يسخرون منّا أن نتفجّع لرجل قضى قبل أربعة عشر قرناً شهيداً لتحيى الأمة إلى قيام يوم الساعة، ولا يسخرون من أنفسهم إذ يخشون هذا الرجل رغم مرور هذه المدة على شهادته...

ص: 103


1- أساءت بعض الأحزاب المتسلّطة استعمال قانون اجتثاث البعث فجعلته وسيلة للتخلص من خصومها السياسيين وتشويه سمعتهم مع احتضانها لكثير من الصداميين وتمكينهم من مقدرّات الأمة لأنهم يتملقون لهم..

تحديات الشعائر الحسينية في الماضي والحاضر

تحديات الشعائر الحسينية في الماضي والحاضر(1)

محاولات الأعداء في طمس ذكر أهل البيت عليهم السلام:

لقد سعى الطغاة بشتى الوسائل لطمس ذكر أهل البيت عليهم السلام وعلى قول معاوية حينما سمع المؤذن يقول: أشهد أن محمداً صلى الله عليه وآله رسول الله (دفناً دفناً)، فلم يكن يستطيع التحدث بفضلهم ومناقبهم وإلا أعدم أو سُجن وهُدمت داره وقطع رزقه من بيت المال، وبقي قبر أمير المؤمنين عليه السلام مخفياً أكثر من مائة وثلاثين عاماً لا يعرفه إلا الأئمة المعصومون عليهم السلام.

وتعرض زوار قبر أبي عبد الله عليه السلام إلى التنكيل والقتل وفرض الغرامات الباهظة من دنانير الذهب ونُشرت مفارز الشرطة للقبض على الزوار ومنعهم، ولكن الأئمة كانوا يحثون على زيارة الحسين عليه السلام وإقامة مآتمه ومجالس العزاء والبكاء عليه، ووردت الروايات المعتبرة الكثيرة في فضل هذه الأمور وثوابها بما صعب على كثيرين الإيمان بها، كتفضيل زيارة الحسين عليه السلام على كذا حجة وعُمرة وغفران الذنوب بالبكاء على الحسين عليه السلام وإنّ من نظم في رثاء الحسين عليه السلام بنى الله تعالى له بيتاً في الجنة ونحوها، ولو نظروا إلى هذه الروايات بلحاظ الأجواء الرهيبة التي كانت تعصف بالأمة في زمان صدورها والخطر العظيم الذي كان يتهدد أصل وجود الدين لولا شهادة الإمام الحسين عليه السلام وإدامة ذكره لعرفوا قيمة تلك

ص: 104


1- من حديث سماحة الشيخ مع حشد من طلبة الإعداديات من مدينة الصدر وحي السفير ببغداد وآخرين يوم الثلاثاء 30 /ذ. ح/ 1431 المصادف 2010/12/7..

الأعمال واستحقاقها عند الله تبارك وتعالى.

السبيل للحفاظ على الإسلام الأصيل:

ولذا حرص الأئمة عليهم السلام على إقامة مجالس العزاء على أبي عبد الله عليه السلام في دورهم وبحضور محبيهم وأفراد اسرهم، ويشيدون بالشعراء الذين وقفوا بشجاعة وإيمان وصدحوا بتلك القصائد الخالدات في بيان فضل أهل البيت عليهم السلام ومظلوميتهم وفضح أعدائهم وغاصبي حقوقهم، كدعبل الخزاعي والكميت الأسدي ونظرائهما.

وأوصى الإمام الباقر عليه السلام أن يُدفع من ماله للنوادب ليندبنه عشر سنين في منى، ولا يخفى ما لهذا الاختيار للزمان والمكان في فضح أولئك الطغاة ولفت انتباه الأمة التي تأتي إلى الحج من كل بلاد المسلمين إلى أحقية أهل البيت عليهم السلام ومظلوميتهم وما مرّت عشر سنين على استشهاد الإمام الباقر سنة 114 هجرية حتى انطلقت الثورات المسلحة في وجه الأمويين (كثورة زيد الشهيد سنة 121 أو 122 ه -) ولم تنته بسقوط دولة الأمويين سنة 132 ه - وقيام دولة بني العباس على شعار (يا لثارات الحسين عليه السلام).

تضحيات اليوم ذاتها تضحيات الأمس:

ولم ينقطع سيل التضحيات وقرابين الشهداء في سبيل إقامة شعائر الله تعالى وإدامتها حتى الأمس القريب حيث كان صدام وجلاوزته شديدي القسوة لإطفاء هذا النور الإلهي، لكن الأبطال الذين تربوا في مدرسة الإمام الحسين عليه السلام وتغذّوا من مبادئه قاوموا بكل شجاعة (كالذي حدث في

ص: 105

انتفاضة زيارة الأربعين بين النجف وكربلاء عام 1977).

فرصة الطاعة متكافئة للجميع:

هكذا وصلت إلينا هذه الشعائر أيها الأحبة مضمّخة بدماء الشهداء الزكية وتضحيات الموالين لأهل البيت عليهم السلام وانتم تنعمون اليوم بعطرها ولذة إقامتها والمشاركة فيها بحرية ويسر بفضل الله تبارك وتعالى.

وقد يتأسف بعض من المتحمسين للتضحية والفداء على نهج الحسين عليه السلام بأنه لم يكن ممن أحياها في زمان العنت والمشقة، ولكنه قد يهوّن الخطب عليه حينما يلتفت إلى ان عدالة الله تبارك وتعالى تقتضي جعل فرص الطاعة متكافئة للجميع فلا يوفّر فرصة منها لجيل حتى يوفّر مثلها للأجيال الأخرى، لكنها قد لا تكون متطابقة أو متشابهة لكنها متكافئة، فإقامة الشعائر اليوم لا تخلو من التحديات التي لا تقل عن تلك وإن اختلفت نوعيتها، وقد شبّهنا المعركة في تلك القرون بمعركة التنزيل، ومعركة اليوم على التأويل كالتنوع بين معركتي رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام، فمضافاً إلى تحديات الإرهاب والقتل والتفجير التي يقوم بها أحفاد الأمويين ومن هم كالأنعام بل أضل سبيلاً مستهدفين زوار أبي عبد الله الحسين عليه السلام ومقيمي عزائه تواجه الشعائر اليوم تحديات في الشكل والمضمون.

التحديات شكلاً ومضموناً:

أما بالشكل فقد أصبح أداء الكثير من المراثي والمواليد مطابقاً لألحان الغناء المحرم وطرقه وتصاحبه حركات و آلات موسيقية، وبعض ما يسمى

ص: 106

(فيديو كليب) لا يختلف عما ينتجه أهل الفسق.

وخلت من الأجواء القدسية التي تضفيها ذكرى أبي عبد الله الحسين عليه السلام.

وأما بالمضمون فقد تحول الكثير من المراسيم خصوصاً في زيارة الأربعين والشعبانية إلى ما يشبه الفلكلور الشعبي الذي اعتادته كثير من الأمم ووضعت له برامج وفعاليات من دون أن يستلهم معاني الثورة الحسينية، والأهداف التي سعى الإمام عليه السلام لتحقيقها وطالب الأجيال كلها بنصرته في تحقيقها، بل إن الكثير من المشاركين مخالفون لتعاليم أهل البيت عليهم السلام وتاركون للواجبات ومرتكبون للمحرمات فواجبنا اليوم تنقية هذه الشعائر المقدسة وصيانتها من الانحراف عن مسارها الذي وضعه لنا أهل البيت عليهم السلام وترسيخ القيم والمبادئ التي شادتها الثورة الحسينية المباركة، وهي إصلاح الأمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة السنة وإماتة البدعة وتحرير العباد من طاعة الشيطان والأهواء و الطواغيت ليعودوا إلى عبادة الله تعالى وحده.

وهذه مسؤولية تقع على الجميع: سواء الخطباء على المنابر أو الشعراء الذين ينظمون القصائد أو الذين يتلونها أو غيرهم.

ص: 107

درس من حياة الإمام الرضا عليه السلام: أعطوا أكبر زخم ممكن للشعائر الحسينية شكلاً ومضموناً

اشارة

درس من حياة الإمام الرضا عليه السلام: أعطوا أكبر زخم ممكن للشعائر الحسينية شكلاً ومضموناً(1)

دور الإمام الرضا عليه السلام في احياء الشعائر الحسينية:

تصادف اليوم السابع عشر من صفر ذكرى استشهاد الإمام الرضا عليه السلام وقلّما يحتفل بشهادته لاندماج ذكراه في المشاركة الواسعة في الزيارة الأربعينية والسير على الأقدام إلى كربلاء المقدسة، وصحيحٌ إنَ الأئمة عليه السلام ذوبوا قضاياهم في القضية الحسينية الكبرى التي حفظت الإسلام وخلدت مبادئه كما قال الشاعر:

أنست رزيتُكم رزايانا التي سلفت وهونت الرزايا الآتية

ولكن هذا لا يعفينا من مسؤولية إحياء ذكرى الإمام الرضا عليه السلام في هذهِ الأجواء الحسينية ونشير هنا إلى واحدة من بركات الإمام الرضا عليه السلام على هذهِ الأمة فقد كان أول من عقد المآتم الحسينية علناً وبمشاركة جماهيرية واسعة حيث أستثمر الفرصة التي أُتيحت له حينما حاول المأمون العباسي كسب ود العلويين وتقريب الإمام الرضا عليه السلام وفرض ولاية العهد عليه لأهداف أراد العباسي تحقيقها لم تكن لتخفى على الإمام الرضا عليه السلام

ص: 108


1- من حديث سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (مُدَ ظله) مع حشد كبير من الزوار القاصدين كربلاء المقدسة سيراً على الأقدام من مختلف المحافظات الجنوبية يوم السبت 17 /صفر/ 1432 ه - المصادف 2011/1/22 م..

فرفض الولاية، ولما أكرهه عليها أشترط عليه أن لا يمارس شيئاً من صلاحيات السلطة وأفشل بذلك مخططات المأمون، لعلم الإمام عليه السلام ان القضية شكلية والظروف غير مهيأة للقيام برسالة الإصلاح، لكنه عليه السلام مع ذلك أستثمر تلك الفرصة في عدة قضايا منها إحياء الشعائر الحسينية بشكل علني حيث كان يعقد المآتم الجماهيرية ويطلب من دعبل الخزاعي إنشاء تائيته المشهورة وكان دعبل يجوبُ بها الأسواق والساحات العامة وينشر فضائل ومظلومية أهل البيت عليهم السلام وغصب حقهم أما قبل الإمام الرضا عليه السلام فقد كان الأئمة عليهم السلام يعقدون المآتم الخاصة في بيوت لهم ولأهل بيتهم وخواص أصحابهم، كما هو واضح في سيرة الإمام الصادق عليه السلام والإمام الرضا عليه السلام نفسه قبل توفر هذهِ الفرصة.

دور العلماء في تأصيل تعاليم أهل البيت عليهم السلام:

وهكذا كان علماء الشيعة ومراجعهم (قدس الله أرواحهم) يستثمرون كل إنفراج سياسي وإنحسار في بطش السلطة ليوسعوا من مساحة هذه الشعائر وتفعيلها في أوساط الأمة، وخصوصاً في الفترات التي شهدت نشوء حكومات ترفع لواء التشيع وتدعم الحركة الشيعية لأمور خاصة بتلك السلطات ولا علاقة لها برسالة أهل البيت عليهم السلام ونوابهم، وقد شهدت هذه الفترة عصراً ذهبياً للحوزة العلمية وأنجبت أفذاذاً شغلوا ركيزة أساسية في تأصيل تعاليم أهل البيت عليهم السلام في العقيدة والفقه والأخلاق والتفسير وسائر العلوم وقاد هذه الحركة على مدى مئة عام أبن قولوية صاحب كامل الزيارات والشيخ الصدوق ومن ثم الشيخ المفيد وبعده السيد المرتضى ثم

ص: 109

الشيخ الطوسي (قدس الله أرواحهم جميعاً) وفي هذا العصر أصبح يوم عاشوراء عطلة رسمية تعطل فيها الأسواق وتنتشر مظاهر الحزن وشَهدَ أول ظهور للمواكب السيارة التي ترثي أبا عبد الله وصحبه الكرام وتبرز مظلوميتهم وأهداف حركته المباركة.

وهكذا كان التقدم والتوسع يتحقق في كل فرصة تحصل سواء في أيام الدولة الفاطمية في مصر أو الدول الحمدانية في الشام أو غيرها حتى العصر الحديث.

اعطوا أكبر زخم للشعائر شكلاً ومضموناً:

ونحن - أيها الأحبة من زوار أبي عبد الله عليه السلام - نعيش اليوم أوسع فرصة لممارسة هذا الدور فلنبذل قصارى جهودنا في إعطاء أكبر زخم ممكن للشعائر الحسينية شكلاً ومضموناً.

أما شكلاً فمن خلال هذهِ المشاركة الواسعة من قبل الملايين سواء ممن شاركوا في مواكب السير على الأقدام من أقصى الأماكن وقطعوا مئات الكيلومترات في هذا البرد القارس والأمطار الغزيرة، ومعهم من قاموا بخدمة هؤلاء الزوار ووفروا لهم الطعام والمأوى وكل أسباب الراحة لمواصلة المسير والذين انشغلوا بتوفير الخدمات الصحية والماء والحماية وكل الأمور الضرورية الأخرى، ونشهد في كل عام إزدياداً ملحوظاً للمتتبع من خلال عزاء طويريج والمسيرة المليونية لزيارة الأربعين والمآتم الحسينية العامرة بآلاف الحضور والتي تنقلها الفضائيات مباشرة أحياناً.

وأما مضموناً فمن خلال تجسيد مبادئ الثورة الحسينية وتحقيق

ص: 110

أهدافها، فإن نداء الإمام الحسين عليه السلام >هل من ناصر< لازالَ يتردد في أرجاء الأرض، وهو لا يطلب أنصاراً بالسيف ونحوه لأن القضاء الإلهي جرى بإستشهاده وأهل بيته عليهم السلام وإنما يطلب أنصاراً يعينونه على إنجاز مشروعه وإكمال رسالته في إصلاح الأمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوقوف في وجه أئمة الضلال وسلاطين الجور وتحرير الناس من اسر الطواغيت وشياطين الأنس والجن.

وها هي الشعوب المسلمة تتحرك في تونس وغيرها متأثرين بالإنجازات التي حققها الشعب العراقي بفضل الله تبارك وتعالى وأستنقذَ جزءاً كبيراً من حريته وكرامته، وهذا هو الواقع وأن لم تصرح تلك الشعوب بذلك لكن التأثر واضح وسيعم كل الشعوب الحرة الأبية.

الالتفات الى المضامين الرسالية في الشعائر:

أيها الأحبة نريدكم أن تُدخلوا السرورَ على قلب نبيكم صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والزهراء والحسن والحسين وإمامكم المهدي الموعود (صلوات الله عليهم أجمعين) بالالتفات إلى المضامين الرسالية لهذه الشعائر وأولها المحافظة على الصلوات المفروضة في أوقاتها فإذا حان وقت الصلاة وقال المؤذن (حي على الصلاة) قولوا (لبيك ربنا) وأوقفوا كل حركةٍ واصطفوا للصلاة في أي موضع كنتم فيه وادعوا ربكم لكل خير ولكل حاجة وستحظون بالإجابة إن شاء الله فإن فعلتم ذلك فإنَ الأخوة الآخرين سيتأسونَ بكم، ولا تأخروا الصلاة لأي مبرر كالوصول إلى موضع الاستراحة ونحوها، فإن الإمام الحسين عليه السلام أقامَ الصلاة جماعة في وقتها

ص: 111

ظهر يوم عاشوراء والأعداء قد أحاطوه به وأمطروه بنبالهم.

والتزموا أيها الأحبة بكل فضيلة أخلاقية والتزموا بأداء الواجبات واجتنبوا المحرمات.

فعليكم - أيها الشباب - ببر الوالدين والإحسان إلى الآخرين، والتزمي - أيتها الأخت الفاضلة - بحجابكِ وعفافكِ وحيائكِ ولا تعطي فرصة لمن في قلبه مرض، وإذا استلزم الذهاب إلى الزيارة شيئاً من المحرمات فلا يجوز لكِ الذهاب.

كونوا بمستوى المسؤولية:

لقد أختاركم الله تعالى أيها الأعزاء من أهل العراق لتكونوا دعامة الانطلاقة المباركة لمدرسة أهل البيت عليهم السلام, والطليعة في حركة التمهيد للظهور الميمون التي نلمس تأثيرها المبارك على العالم كله فصونوا الأمانة وكونوا بمستوى المسؤولية المُلقاة على عاتقكم وكل بحسب الموقع الذي أنتم فيه، فليواظب الطالب على دراسته ويجتهد لتحصيل أرقى الدرجات، وليكن الموظف دءوبا في عمله نزيهاً أميناً على ما كُلفَ به، وليقم طلبة الحوزة العلمية بدورهم في اكتساب العلوم والفضائل ونشرها في أوساط الأمة، وهكذا الجميع. أعاننا الله تعالى وإياكم على طاعته وبلغّنا رضاه وجمعَ بيننا وبين أحب خلقه إليه أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين (صلى الله عليهم أجمعين).

ص: 112

المشارطة والمحاسبة في أول السنة وآخرها وإحياء الشعائر الحسينية

اشارة

المشارطة والمحاسبة في أول السنة وآخرها وإحياء الشعائر الحسينية(1)

آليات للوصول الى الاستقامة:

ذكر علماء الأخلاق ثلاث آليات للوصول إلى الاستقامة والثبات عليها التي ندعو الله تبارك وتعالى بالهداية إليها يومياً في صلواتنا، وهي المشارطة والمراقبة والمحاسبة، فالأولى قبل العمل والثانية أثناء العمل والثالثة بعده.

ولنوضّح الفكرة بتطبيقها على مفردة في حياتنا وهو اليوم والليلة، فعندما يقوم الفرد من نومه صباحاً يشارط نفسه على أن لا يفعل إلا خيراً وطاعة ويجتنب كل ما يسخط الله تبارك وتعالى ويتعهد أمام الله تعالى بأن يبذل ما بوسعه لتحقيق ذلك فهذه هي المشارطة.

ثم يأتي دور المراقبة أثناء الفعاليات اليومية بالالتفات إلى كونها مطابقة للشريعة ولا يغفل عن شيء منها، وهكذا في كل مفردات حياته وبرنامجه اليومي وتكون المراقبة أكمل لو لاحظ حتى المستحبات والمكروهات، فيؤدي الأولى ويجتنب الثانية، والمراقبة المستمرة تضمن هذه المطابقة والموافقة.

ص: 113


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي دام ظله مع حشد من طلبة جامعتي ميسان وواسط يوم 29 /ذ. ح/ 1432 الموافق 2011/11/26..

وبعد انتهاء اليوم يأتي دور المحاسبة ليراجع نفسه وما قدّمت خلال اليوم، فإن وجد عملاً صالحاً شكر الله تعالى وسأله القبول والزيادة، وإن وجد سيئة استغفر الله تعالى وعقد العزم على عدم العودة بالاعتصام بالله تبارك وتعالى.

فوائد مراقبة النفس:

وإذا التزم الإنسان بهذه الآليات الثلاث فإنه سيقلّل الفجوات التي ينفذ منها الشيطان فيوقعه في الخطأ، والمطلوب الالتفات إليها يومياً، ولكن هذه المحطات اليومية تتعرض للغفلة والقصور والتقصير لذا أضيفت إليها محطات أخر.

محطات للتزود المعنوي:

إذ يظهر من آداب الشريعة إن الأسبوع والشهر والسنة لها أيضاً كيانات وشخصيات غير كيان اليوم، ولكل واحد منها التزاماته وتطبيق الآليات الثلاث عليه لتكثيفها وغلق المزيد من فرص الغفلة وغلبة الهوى والشيطان, فتوجد مثلاً للأسبوع محطة تجديد ومراجعة وانطلاق للأسبوع المقبل يوم الجمعة منها صلاة ركعتين بالحمد مرة والتوحيد سبعاً لكل منها

ص: 114

ثم دعاء من سطر(1) واحد ليوم الجمعة بين الظهر والعصر وصلاة جعفر الطيار ضحى يوم الجمعة (راجع تفاصيل هذه الأعمال في مفاتيح الجنان/ أعمال يوم الجمعة) وللشهر مثل ذلك من خلال صلاة أول الشهر بالحمد مرة والتوحيد ثلاثين في الأولى، والحمد مرة والقدر ثلاثين في الثانية. فإذا أتمّها تصدق بما تيسّر فإنه يشتري بذلك سلامة الشهر.

وفي ضوء هذا المنهج توجد صلاة(2) في اليوم الأخير من ذي الحجة باعتباره اليوم الأخير من ذي الحجة باعتباره اليوم الأخير من السنة على..

ص: 115


1- في مفاتيح الجنان (ص 73 أعمال يوم الجمعة): (قال الشيخ في المصباح: روي عن الأئمة عليهم السلام أن من صلّى الظهر يوم الجمعة وصلى بعدها ركعتين، يقرأ في الأولى الحمد والتوحيد سبعاً وفي الثانية مثل ذلك وبعد فراغه يقول: (اللهم اجعلني من أهل الجنة التي حشوها البركة وعمّارها الملائكة مع نبيّنا محمد صلى الله عليه وآله و أبينا إبراهيم عليه السلام لم تضرّه بلية ولم تصبه فتنة إلى الجمعة الأخرى وجمع الله بينه وبين محمد صلى الله عليه وآله وبين إبراهيم عليه السلام.
2- في مفاتيح الجنان (أعمال اليوم الأخير من ذي الحجة/ ص 325) (ذكر السيد في الإقبال طبقاً لبعض الروايات، أنه يُصلّى فيه ركعتان بفاتحة الكتاب والتوحيد عشراً وآية الكرسي عشراً ثم يُدعى بعد الصلاة بهذا الدعاء. (اللهم ما عملت في هذه السنة من عمل نهيتني عنه ولم ترضه، ونسيُته ولم تنسه، ودعوتني إلى التوبة بعد اجترائي عليك اللهم فإني أستغفرك منه فاغفر لي وما عملت من عملٍ يُقرّبني إليك فاقبله مني ولا تقطع رجائي منك يا كريم). فإذا قلت هذا قال الشيطان: يا ويلي ما تعبت فيه هذه السنة هدّمه أجمع بهذه الكلمات، وشهدت له السنة الماضية انه قد ختمها بخير)..

المشهور يكون بمثابة مراجعة ومحاسبة ووقفة تأمل فيما صدر من العبد خلال العام، ونقطة انطلاق جديدة لعام جديد، فيسأل الله تعالى أن يغفر له ما سلف في عامه المنصرم وأن يعينه على ملأ الصحائف البيضاء للعام الجديد بما يرضي الله تبارك وتعالى، فإن العبد هو الذي يملي على الملكين ما يكتبان في صحيفة أعماله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ» الحشر 18. ومن ثمرات هذه الصلاة والدعاء بعدها أن السنة تشهد عند الله تعالى أن هذا الرجل قد ختمها بخير.

مشاعر المؤمن في رأس السنة:

فالمؤمن في مثل هذا اليوم الأخير من سنة منقضية سيُغلق ملفها ويحفظ إلى أن يعرض يوم النشور ويشهد بما فيه على صاحبه. وعلى مشارف سنة جديدة لم يسوّد صحائفها شيء، تكون له عينان، عين إلى تلك السنة المنصرمة هي عين المراجعة والمحاسبة فيها ندم على ما صدر منه من ذنوب وتقصيرات وشكر على ما وفق له من طاعات لكنه لا يصل إلى درجة الفرح للقلق من كونه مقبولاً أو لا.

ص: 116

وعين راجيه راغبة إلى السنة المقبلة هي عين المشارطة تسأل الله تعالى أن تكون أفضل من سابقتها وثقيلة الميزان بما يرضي الله تبارك وتعالى. والأمر راجع إلى العبد نفسه فهو الذي بيده قلم العمل يملي به صحائف الليالي والأيام بكامل إرادته.

لطف الله تعالى بنا بأيام الحسين عليه السلام:

ومن لطف الله تعالى أن سنتنا تفتتح بذكرى الإمام الحسين عليه السلام وفي اجواء التضحية والفداء والعشق الإلهي حيث نحر الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه في محراب الحب والفناء في الله تبارك وتعالى، وهذه الأجواء لها أثرها الذي لا ينكر في تقريب النفوس إلى الطاعة، حتى الفسقة والعصاة يتركون آثامهم في هذه الأيام ببركة الإمام الحسين عليه السلام، فتكون هذه الأيام في مفتتح السنة حافزاً لنجاح المشارطة والتعهد أمام الله تبارك وتعالى بأن لا نفعل في سنتنا إلا خيراً مستمدين العزم وقوة الإرادة والتضحية بشهوات النفس وأهوائها وإدامة ذكر الله تعالى من الإمام الحسين عليه السلام.

ويندرج في ذلك أن يكون إحياؤنا لشعائر الإمام الحسين عليه السلام واعياً ملتفتاً إلى الأهداف الإصلاحية التي تحرك الإمام عليه السلام لتحقيقها لأن قيمة الأعمال بمضامينها وتحقيق أغراضها وليس بأشكالها، فهذه الصلاة التي هي عمود الدين واستشهد الإمام الحسين عليه السلام لإقامتها حق إقامتها (أشهد أنك قد أقمت الصلاة) لا تكون لها قيمة إذا خلت من مضمونها الذي ذكرته

ص: 117

الآية الشريفة (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) العنكبوت 45 وقد ورد في رواية صحيحة عن الإمام الصادق عليه السلام قال

(والله إنه ليأتي على الرجل خمسون سنة وما قبل الله منه صلاة واحدة، فأي شيء أشدُّ من هذا، والله إنكم لتعرفون من جيرانكم وأصحابكم من لو كان يصلي لبعضكم ما قبلها منه لاستخفافه بها، إن الله لا يقبل إلا الحسن، فكيف يقبل ما يستخف به).(1) )

شروط القبول في العمل:

فلابد أن نفهم إن المشاركة في الشعائر الحسينية والبكاء على الحسين عليه السلام لا يكفي وحده ما لم تجتمع فيه شروط القبول كما قال تعالى (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) المائدة 27 ولن تنال شفاعة الحسين عليه السلام وجده وأبيه وأمه وأخيه والأئمة المعصومين من بنيه (صلوات الله عليهم أجمعين) إلا بالتقوى ومن علاماتها الإهتمام بالصلاة في أوقاتها وأن يحسن أداءها، ففي رواية صحيحة عن الإمام الباقر عليه السلام قال

(لا تتهاون بصلاتك فإن النبي صلى الله عليه وآله قال عند موته: ليس مني من استخف بصلاته لا يرد علي الحوض لا والله) وعنه عليه السلام قال:

(قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لكل شيء وجه ووجه دينكم الصلاة فلا يشيننّ أحدكم وجه دينه).(2) )

ص: 118


1- وسائل الشيعة، كتاب الصلاة، أبواب اعداد الفرائض ونوافلها، باب 26 ح 2.
2- المصدر السابق، نفس الباب,..

فما يصوّره بعض الخطباء من أن اللطم على الإمام الحسين عليه السلام والبكاء عليه ولو جناح بعوضة يدخل الجنة بغير حساب وان ملأ الشخص صحيفة أعماله بالآثام كلام مخالف للقرآن الكريم والروايات الثابتة عن المعصومين عليه السلام وانحراف في الفهم وخداع للعامة، وهذا الطرح خطير على الدين لأنه يشوهه ويمحقه، وخطير على المجتمع لأنه يؤدي إلى التمادي في الانحراف ويعطي مشروعية للعكوف على المعاصي ما داموا قد حصلوا على صك الغفران. فاحذروا أيها الأخوة من هذا الطرح المضلل.

استنكار المنكر:

وهنا أسجل استغرابي واستنكاري من حصول بعض حالات الفساد في المجتمع كالذي ينقل عما يجري في المقاهي من أعمال منكرة وتعاطي مخدرات، أو ما يجري في محلات المساج والعلاج الطبيعي من اختلاط منكر ودعوة إلى الرذيلة، أو انتشار الفساد المالي وهدر الأموال العامة التي هي ملك الشعب، أو وجود مافيات وميليشيات القتل والاختطاف والابتزاز والسرقة، كل ذلك يحصل في مدن وسط وجنوب العراق التي فيها أغلبية ساحقة من الموالين لأهل البيت عليهم السلام, فإذا كان المشاركون في شعائر الحسين عليه السلام ثمانية ملايين أو أكثر بحيث نستطيع ان نقول ان كل شيعي موالي لأهل البيت عليهم السلام في هذه المدن يشارك بشكل أو بأخر في الشعائر كالمشي إلى مرقده الشريف أو خدمة الزوار أو المشاركة في مواكب العزاء أو المجالس الحسينية، إذن فمن الذي يقوم بتلك الأفعال المنكرة في

ص: 119

المجتمع التي ذكرنا نماذج منها، وماذا استفاد هؤلاء من مبادئ الحسين عليه السلام وماذا فهموا من حركته المباركة؟ وهل يتوقعون قبول أعمالهم من الله تبارك وتعالى في ضوء الآيات الكريمة والروايات الشريفة.

إن هذا الذي نقوله لا يقلل من أهمية إقامة هذه الشعائر المباركة وفضلها عند الله تبارك وتعالى وعند النبي وآله الكرام (صلى الله عليهم أجمعين) ولا من تأثيرها في هداية الناس إلى ولاية أهل البيت عليهم السلام، بل بلغني أن غير المسلمين تأثروا بها من خلال متابعتها على الفضائيات واعتنقوا عقيدة أهل البيت عليهم السلام ببركة هذه المسيرة الصامتة التي تتوجه إلى زيارة الأربعين التي لا يمكن تأويلها وتفسيرها بغير المبادئ الانسانية النبيلة التي انطلقت من أجلها تلك الثورة المباركة ولا يمكن التشكيك فيها أو تزييفها.

هل من ناصر؟

إن الحسين عليه السلام عندما كان يردد يوم عاشوراء (هل من ناصر) لم يكن يتوقع من أولئك الطغاة الذين طبع الله على قلوبهم هداية ولا صلاحاً وإنما كان يريد لها أن تبقى صرخة مدويّة لجميع الأجيال على مدى الأزمنة والدهور لينصروه في تحقيق أهدافه، ويبقى النداء ما دام الواقع الفاسد والظلم الذي قام الإمام الحسين عليه السلام لتغيره وانشاء البديل الصالح عنه - فلينصره كلٌ بحسبه ومن موقعه وبما يناسبه من عمل.

ص: 120

فقد يُقبل من البعض شكل من أشكال إحياء الشعائر الحسينية ولا يقبل من آخر لأن المطلوب منه غير ذلك فالتفتوا جيداً.

وبما أنكم من طلبة الجامعات فأذكر لكم شكلاً من أشكال النصرة لله ولرسوله وللإمام عليه السلام بأن تنظموا في الأقسام الداخلية أي محل إقامتكم وسكنكم ثلاث محاضرات اسبوعياً على مدى ثلاثة أيام وسط الأسبوع، كل يوم محاضرة بعد صلاة المغرب والعشاء جماعة أحداها في الفقه والأخرى في العقائد والثالثة في السيرة والأخلاق والمعارف القرآنية، ومن يحب يواصل تحصيل العلوم الدينية، وقد أبدى فضلاء الحوزة العلمية استعدادهم للقيام بهذه الخدمة إن شاء الله واعلموا أنكم بذلك تقتربون من معرفة الإمام الحسين عليه السلام لينطبق عليكم ما ورد في زيارته عليه السلام (عارفاً بحقه) وفقنا الله تعالى وإياكم لأن نكون من أنصار الإمام الحسين عليه السلام وممن يدخل السرور على قلبه الشريف بالسعي لتحقيق أهدافه بفضل الله تبارك وتعالى.

ص: 121

إحياء الشعائر الحسينية والتمهيد للظهور الميمون

اشارة

إحياء الشعائر الحسينية والتمهيد للظهور الميمون(1)

ما نحتاجه في التعاطي مع القضية الحسينية:

التعاطي مع القضية الحسينية وإحياء شعائرها - على كل الأصعدة كالمنبر الحسيني والمواكب الحسينية والكتابة والتأليف في القضية الحسينية وغيرها - يحتاج باستمرار إلى مراجعة ومراقبة وتمحيص لأمرين على الأقل:

(أولهما) تنقيتها مما يدخل فيها وهو ليس منها سواء على صعيد المفاهيم أو الممارسات إما بحسن نية كطلب الأجر والثواب وإن أخطأوا الطريق أو جهلاً أو حماساً أو انسياقاً وراء من يصنعها من دون تفكير فيها وهذا كله يشوه الصورة الناصعة لقيام الإمام الحسين عليه السلام ويؤخر مسيرته في بلوغ أهدافه.

وقد نبّهنا إلى جملة منها، مثلاً على صعيد المفاهيم ما يردده الخطباء من أنّ من بكى أو تباكى على الحسين عليه السلام دخل الجنة بغير حساب ويروونها عن الأئمة عليهم السلام بقولٍ مطلق حتى لو فعل ما فعل من دون أن يقيدوها بشرطها وشروطها كالالتزام بالصلاة لقوله صلى الله عليه وآله: (لن تنال

ص: 122


1- كلمة سماحة الشيخ دام ظله في مجلس البحث الخارج يوم الاثنين 8 /صفر/ 1433 الموافق 2012/1/2 وورد بعضه في حديث سماحته مع حشد من طلبة الكلية التقنية الإدارية في بغداد بحضور بعض زوار الأئمة الطاهرين عليهم السلام القادمين من الولايات المتحدة الأمريكية يوم الجمعة 5 /صفر/ 1433 الموافق 2011/12/30..

شفاعتنا مستخفاً بصلاته) وتجنّب ظلم الآخرين، لقول الإمام السجاد عليه السلام آخر ما أوصاني به أبي الحسين عليه السلام يوم عاشوراء (اتقّي ظلم من لا يجد ناصراً عليك إلاّ الله تبارك وتعالى).

وعلى صعيد الممارسة ذكرنا التطبير والمشي حفاة على الجمر وضرب الظهر بسكاكين حادة تقطع لحم الظهر ونحوها، في حين نستطيع تحقيق المواساة بفعاليات هادفة كالتبرع بالدم لضحايا التفجيرات الإرهابية والأطفال المصابين بفقر الدم (الثلاسيميا) مواساة لنزف أبي عبد الله عليه السلام دمه لإنقاذ الإنسان وإصلاحه.

وإنشاء مؤسسات رعاية الأرامل والأيتام والمحتاجين لمواساة العقيلة زينب عليها السلام والهاشميات وأيتام الشهداء بدل مواساتهم بالمشي على الجمر والنار أو تقطيع لحم الظهر بالسكاكين ونحو ذلك من المشاريع الخيرية التي تكون صدقة جارية للإمام الحسين عليه السلام.

الرياء في القضية الحسينية:

ونذكر الآن مورداً آخر وهو ما يتداول بأنّ الرياء مذموم إلاّ في ما يتعلق بقضية الحسين عليه السلام ونسبوه إلى الرواية.

ولم يقع نظري على مثل هذا الحديث ولو وجد فإنه مخالف لكتاب الله تعالى وسنة نبيّه وكلّ حديث هكذا فقد وصفه الأئمة عليه السلام أنّه (زُخرُفٌ من القول لم نقله).

نعم يمكن أن نفهمه بمعنى إيجابي، وهو أنّ شعائر الإمام الحسين عليه السلام باعتبارها أموراً علنيّة ممدوحة ويشار إلى صاحبها بالثناء في المجتمع

ص: 123

فتكون عرضة لحصول الرياء بشكل كبير، والنفس أمّارة بالسوء إلا ما رحم ربّي، فهذه المقولة تدعو إلى الاستمرار بأداء هذه الشعائر وعدم جعل الخوف من حصول الرياء سبباً للانقطاع عنها لكن مع بذل الوسع في مجاهدة النفس لإخلاص النية، وأنّ الله تعالى كتب على نفسه الرحمة، وللكرامة الخاصة للإمام الحسين عليه السلام فإنّه تبارك وتعالى يجعل ملائكة خاصة تطلب من الله تعالى أن يُنقّي نيّات المشاركين ويخلصها له تعالى ويبلغ بنياتهم أحسن النيات كما ورد في الدعاء، كما أنّ حشداً من الملائكة يدعون لهم بقضاء الحوائج، وآخرون بالقبول، ويدعو ملائكة آخرون بالمغفرة وآخرون بالخلف عليهم وعلى أهلهم وأموالهم وآخرون بردهم إلى أهلهم سالمين وهكذا.

وهذا المعنى ليس ببعيد على سعة رحمة الله تعالى وكرامة الإمام الحسين عليه السلام لكنه يتطلب مجاهدة في إخلاص النية قدر الإمكان.

تجديد الشعائر بما يتناسب وخلودها:

(ثانيهما) تحديثها وتجديدها بما يناسب خلود الثورة الحسينية ودوام دورها في حفظ الإسلام النقي الأصيل ونشره في ربوع الأرض وإقناع كل الأمم به حتى يُظهر الله تعالى دينه على الدين كله بظهور بقيته الأعظم (أرواحنا له الفداء)، ولذا يكون شعاره (يا لثارات جدي الحسين عليه السلام).

إن تبني الإمام عليه السلام لهذا الشعار ليس مستنداً إلى زخم العاطفة فقط وإنما لأن وسيلته الفاعلة التي ينفذ منها إلى قلوب وعقول كل الناس هي

ص: 124

قضية جدّه الحسين عليه السلام لذا لابد من عرض القضية الحسينية بالنحو الذي يمهّد لقيام الإمام عليه السلام وينصر حركته المباركة.

الربيع العربي: انتصار للنتائج الحسينية:

لاحظوا مثلاً ما تشهده البلاد العربية من ثورات وحركات شعبية سموها (الربيع العربي) وبغضّ النظر عمّا أدّت إليه من نتائج وتداعيات سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية فلسنا الآن بصدد تقييمها، لكن أبرز نتائجها هو انتصار مبادئ الإمام الحسين عليه السلام في من يستحق ولاية أمر الأمة، وفشل النظرية المقابلة لمدرسة أهل البيت عليهم السلام التي أسّسوها على مدى ألف وأربعمائة عام وثقّفوا عليها أتباعهم ولفّقوا أحاديث مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وآله بأنّه يجب على الأمة أن تطيع الحكّام ولو كان أحدهم فاسقاً فاجراً مستبداً ظالماً منتهكاً لكل الحرمات والمقدّسات كيزيد ابن معاوية وفسّروا بذلك قوله تعالى (وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم) وإنّ أولي الأمر هم الحكام وان تسلّطوا قهراً على الأمة بالحديد والنار.

لكنّ أتباع تلك المدرسة هم من انتفض عليها اليوم وثار وداس بأقدامه تلك الأطروحات البائسة التي خدّروا بها أتباعهم ونوّموهم، حتى استيقظوا اليوم ورفضوا ما كان يقول لهم المستأكلون بعلمهم الذين يطلبون الدنيا بالدين. وجسّدت هذه الشعوب عملياً انتصار مبادئ الإمام الحسين عليه السلام والتي أعلنها بصرخات مدوّية ومنها قوله عليه

السلام (أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً عهده مخالفاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله يعمل في عبادِ الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعلٍ

ص: 125

ولا قول كان حقاً على الله أن يدخلهُ مدخله، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرموا حلاله وأنا أحقُّ ممّن غيّر)(1).

هاتان المسؤوليتان يجب أن نستشعرهما دائماً فنعزّز ونديم ما يحقّق الغرض المطلوب، كهذه المسيرة المليونية(2) التي هزّت بصمتها الإنسانية كلها فتابعتها بإعجاب وذهول مقترنين بالتساؤل عن صاحب الذكرى وسر عشق هذه الملايين المضحّية المتدافعة له، وتفسير استدامة هذه العاطفة الجيّاشة على مدى القرون الكثيرة، وستوصلهم هذه التساؤلات إلى الإيمان بالله تعالى وبولاية أهل البيت عليهم السلام، وفي ذلك تمهيد عظيم لظهور الإمام عليه السلام؛ لأن الظهور المبارك لابد أن تسبقه معرفة بالإمام وقضيته وأهدافه وأسباب حركته، أما مع الجهل بكل ذلك فكيف سنتوقع حصول الفتح.

وبين أيدينا مثال وهي البعثة النبوية الشريفة حيث كان للإرهاصات والأخبار التي سبقتها مبشرة بقرب زمان النبي الخاتم صلى الله عليه وآله دور وحافز في دفع عدد من السابقين إلى الإسلام والإيمان.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا في عداد من نصر الإمام الحسين عليه السلام وعرف حقّه والله وليّ التوفيق...

ص: 126


1- مقتل الحسين عليه السلام للمقرّم: 218.
2- يراد بها سير الملايين مشياً على الأقدام من المدن كافة إلى زيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام في الأربعين..

ثواب إنشاء مواكب الخدمة ودور الاستراحة على طرق

الزوّار والمسافرين

الزوّار والمسافرين(1)

الدعوة الى المشاريع الخيرية:

شجّع الشارع المقدّس كثيراً على فعل المعروف بكل أشكاله ونعني بالمعروف كلّ ما فيه خير للناس، وهي مساحة واسعة مما يتقرّب به إلى الله تبارك وتعالى تبدأ من التحيّة والسلام وبشاشة الوجه والكلمة الطيبة التي وصفها الحديث الشريف بأنها صدقة، إلى المشاريع الخيرية الضخمة كبناء المستشفيات والمدارس والمساجد وطباعة الكتب وإنشاء الوحدات السكنية للمحرومين والفضائيات التي تكون سبباً لهداية الناس وصلاحهم.

وجعل الله تعالى ثواباً عظيماً لمن قام بمثل تلك الأعمال، والله تعالى غني عن العالمين وعن كل ما يقومون به، وإنّما يريد بذلك أن ينشئ خير أمة اخرجت للناس تسودهم الرحمة والإنسانية وحبّ الخير.

ص: 127


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي دام ظله مع موكب صوت الحسين عليه السلام وبحضور حشد من طلبة كليات الهندسة والصيدلة والتربية في جامعة البصرة وكلية القانون في جامعة بابل يوم السبت 1 /صفر/ 1434 الموافق 2012/12/15. بمناسبة بدء الاستعدادات لزيارة الأربعين المليونية..

هذا هو الدين الذي نؤمن به ونطبّقه في حياتنا ونسعى لإقناع البشرية به، فليخسأ من يُسمي الدين أفيون الشعوب ومن يريد أن يجرّد الأمة من دينها وأخلاقها ليعيدها إلى الحيوانية والهمجية.

أثر الأعمال الخيرية في الإنسان:

هذه كلّها كالمقدمة البسيطة لرواية أحببت إيرادها مع إطلالة شهر صفر الخير حيث يندفع المؤمنون الموالون لأهل بيت النبوة في جميع أنحاء هذا البلد ليشاركوا في المسيرة المليونية مشياً على الأقدام إلى زيارة الإمام الحسين عليه السلام، موزّعين الأدوار بينهم بشكل مذهل من دون اتفاق مسبق ولا رعاية هيئة أو مؤسسة أو دولة.

والرواية أوردها الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (ومن بنى على ظهر طريق مأوى عابر سبيل، بعثه الله يوم القيامة على نجيب من در وجوهر، ووجهه يضيء لأهل الجمع نوراً، حتى يزاحم إبراهيم خليل الرحمن في قّبته، فيقول أهل الجمع: هذا ملك من الملائكة لم نر مثله قط، ودخل في شفاعته الجنة أربعون ألف ألف رجل.

ومن شفع لأخيه شفاعة طلبها، نظر الله إليه فكان حقا على الله أن لا يعذبه أبدا، فإن هو شفع لأخيه شفاعة من غير أن يطلبها كان له أجر سبعين شهيدا.

ومن حفر بئرا للماء حتى استنبط ماءها فبذلها للمسلمين كان له كأجر من توضأ منها وصلى، وكان له بعدد كل شعرة لمن شرب منها من إنسان

ص: 128

أو بهيمة أو سبع أو طير عتق ألف رقبة، وورد يوم القيامة، ودخل في شفاعته عدد النجوم حوض القدس، فقلنا: يا رسول الله وما حوض القدس؟ قال: حوضي حوضي حوضي، ثلاث مرات)(1).

أقول: هذا الثواب العظيم الذي يمنحه الله تعالى لمن يبني مأوى على طريق المسافرين ليستريحون فيه ويقضون حوائجهم ويتزوّدون بالطعام والماء لمواصلة رحلتهم، وقد ذكرته الرواية في مقطعها الأول والثالث، أمّا المقطع الأوسط فيتعرّض لمن يشفع - أي يتوسط - بجاهه وسمعته ونفوذه لقضاء حاجة أخيه المؤمن كأن يخطب له بنتاً أو يعيّنه في وظيفة أو يجد له عملاً أو يُسهّل له أمراً أو معاملة قد تعسّرت عليه.

ثواب الأعمال الخيرية من منظار آخر:

ومما ينبغي الإلتفات إليه إنّ هذا الثواب المذكور في الرواية إنّما هو بلحاظ هذه الجهة أي كونه مأوى للمسافرين وعابري السبيل وقد يضاف له ثواب آخر بعدد العناوين التي تنطبق على هذا العمل، كعنوان إدخال السرور على المؤمن وقضاء حاجته لأن الزائر المتعب بحاجة إلى المكان

ص: 129


1- وسائل الشيعة كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب فعل المعروف باب 20 ح 1..

الذي يستريح فيه وإلى الطعام الذي يقويه على مواصلة السير وهذا العنوان له ثوابه العظيم(1).

هذا كله في إنشاء مأوى للمسافرين بشكل عام، أما إذا كانت لخدمة زوار الإمام الحسين عليه السلام والسائرين إلى حرمه المطهّر مشياً على الأقدام وهم ضيوف الله ورسوله وأمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام والإمام المهدي الموعود الذين يكفيهم شرفاً ورفعة دعاء الإمام الصادق عليه السلام لهم في الرواية المعروفة عن معاوية بن وهب في كتاب مفاتيح الجنان.

فيزداد بذلك ثواب إنشاء هذه الأبنية والمخيّمات ومواكب الخدمة للزوار على الطريق لتشريف الضيوف النازلين فيها، ولانطباق عناوين عديدة..

ص: 130


1- وقد وردت في ذلك روايات كثيرة (منها) صحيحة عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام قال (أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام إنّ العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فأبيحه جنّتي، فقال داود عليه السلام: يا رب وما تلك الحسنة؟ قال: يدخل على عبدي المؤمن سروراً ولو بشقّ تمرة، قال داود عليه السلام: يا ربِّ حقّ لمن عرفك أن لا يقطع رجاءه منك). ومما ورد في قضاء حاجة المؤمن عن الإمام الصادق عليه السلام قال (إنّ الله عزّ وجل خلق خلقاً من خلقه انتجبهم لقضاء حوائج فقراء شيعتنا ليثيبهم على ذلك الجنة، فإن استطعت أن تكون منهم فكن). راجع: وسائل الشيعة، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب فعل المعروف، باب 24، 25..

أخرى عليها، كعنوان إحياء أمرهم عليهم السلام وإقامة شعائر الله تبارك وتعالى التي ورد فيها قوله عليه السلام

(أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا).

بركات مواكب الخدمة:

فلولا انتشار مواكب الخدمة على طول طريق المشاة إلى كربلاء لما تيسّر لهذه المسيرة المليونية أن تخرج، مضافاً إلى ما تشهده تلك الدور والمواكب والحسينيات من إقامة للشعائر الحسينية ومجالس الوعظ والإرشاد وصلوات الجماعة.

فمواكب الخدمة هذه على طول الطريق هي صدقة جارية مستمرة الثواب والأجر لبانيها ومؤسسيها والباذلين عليها، في رواية صحيحة عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال

(ليس يتبع رجل بعد موته من أجر إلاّ ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته، وسنة هدى سنّها فهي يُعمل بها بعد موته، أو ولد صالح يدعوا له)(1).

وما دمنا على أبواب الزيارة الأربعينية المباركة فإنّ الالتفاتة إلى هذه الألطاف الإلهية يكون حافزاً لجميع الأخوة كي يؤدوا دورهم ويساهموا بالشكل الذي يناسبهم في إدامة هذه الحركة المباركة وإعطائها الزخم الذي يزيد في ثمراتها، وليحرص كل منهم على تقديم الخدمة الأهم والأكثر نفعاً ولا تقتصر على شكل واحد كإطعام الطعام، فالزوار بحاجة إلى

ص: 131


1- وسائل الشيعة: 292/13 كتاب الوقوف والصدقات باب 1 ح 1..

أمور كثيرة وأهمها الزاد المعنوي من الموعظة والإرشاد والتوجيه وإقامة صلاة الجماعة وتوزيع منشورات تربط العبد بخالقه وبأئمته (سلام الله عليهم).

وفي موضوع ذي صلة فإنّا نلفت نظر المسؤولين إلى ضرورة إنشاء دور استراحة على طول طريق المسافرين الذين يشكون من عدمها حتّى في طريق الحجّ البرّي إلاّ ما ندر، بحيث يتحيّر من يريد قضاء حاجة، فلو وزّعت الدولة على طول الطريق مجمّعات فيها مسجد ومطعم وخدمات صحيّة متكاملة ومحطّة تعبئة وقود، ولا تتكلّف الدولة مبالغ إنشائها لأنّ المستثمر الذي يُعطى رخصة محطّة يشترط معه تنفيذ هذه الخدمات معها، وتوزَّع بشكل منتظم على طول الطرق ككل أربعين كيلومتر مثلاً ونحوها كما رأينا في بعض الدول المجاورة بحيث لا يشعر المسافر الذي يقطع مئات الكيلومترات بأي مشكلة.

ص: 132

شرف خدمة أهل البيت عليهم السلام وولايتهم

اشارة

شرف خدمة أهل البيت عليهم السلام وولايتهم(1)

لا شرف أشرف من خدمة النبي وآله صلى الله عليه وآله:

(روي انّ أبا عبدالله عليه السلام كان عنده غلام يمسك بغلته اذا هو دخل المسجد، فبينما هو جالس ومعه البغلة اذا اقبلت رفقة من خراسان، فقال له رجل من الرفقة: هل لك يا غلام أن تسأله ان يجعلني مكانك، وأكون له مملوكاً، واجعل لك مالي كله، فانّي كثير المال من جميع الصنوف، اذهب فاقبضه، وأنا أقيم معه مكانك؟

فقال: اسأله ذلك.

فدخل على أبي عبد الله عليه السلام فقال: جُعلت فداك تعرف خدمتي، وطول صحبتي، فان ساق الله اليّ خيراً تمنعنيه؟

قال: اعطيك من عندي، وامنعك من غيري.

فحكى له قول الرجل، فقال: إن زهدت في خدمتنا ورغب الرجل فينا، قبلناه، وأرسلناك. فلما ولّى عنه دعاه - الإمام - فقال له: أنصحك لطول الصحبة ولك الخيار، فإذا كان يوم القيام كان رسول الله صلى الله عليه وآله متعلّقاً بنور الله، وكان أمير المؤمنين عليه السلام متعلّقاً برسول الله، وكان الأئمة متعلّقين بأمير المؤمنين، وكان شيعتنا متعلّقين بنا، يدخلون مدخلنا ويردون موردنا.

ص: 133


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي دام ظله مع تجمّع أئمة الجمعة في محافظة القادسية يوم 20 / ذ. ح/ 1434 الموافق 2013/10/26..

فقال الغلام: بل أقيم في خدمتك وأؤثر الآخرة على الدنيا. وخرج الغلام إلى الرجل فقال له الرجل: خرجت إليّ بغير الوجه الذي دخلت به! فحكى له قوله

(أي قول الإمام سلام الله عليه).)(1) )

أقول: هذا بعض ما أعدّه الله تعالى من الشرف والكرامة لخدّام أهل البيت عليهم السلام الموالين لهم مما لا يعدله شيء من هذه الدنيا الزائلة، وهكذا يتنافس عليها العارفون بها.

هل خدمتهم عليهم السلام مقتصرة على من عاصرهم أو تشمل حتى من تأخر عنهم؟

وقد تسأل بأن هذا الشرف هل هو مخصوص بمن عاصرهم وأتيحت له فرصة خدمتهم ويحرم منها غيرهم كأجيالنا الحاضرة وهذا ينافي عدالة الخالق ولا يليق بسعة رحمته وكرمه.

والجواب يكون بالالتفات إلى أن خدمتهم عليهم السلام لا تقتصر على قضاء الحوائج الشخصية لهم حتى تنحصر بمن عاصرهم وباشرهم فإن من أرقى أشكال خدمتهم دراسة علومهم وسيرتهم ونقلها إلى الناس وقد وردت عنهم عليهم السلام كلمات جليلة في حق أصحابهم الذين قاموا بهذا الدور بحيث ورد في الحديث أن تعليم حديث واحد من أحاديثهم أفضل مما بين المشرق والمغرب، وهذه فرصة متاحة للجميع ولا تنحصر بطلاب الحوزة العلمية، ووسائل الاتصال الحديثة أتاحت فرصة واسعة جداً للحركة.

ص: 134


1- منازل الآخرة والمطالب الفاخرة للشيخ عباس القمي: 283..

وهكذا تتنوع الخدمة بحسب قابليات الشخص ومؤهلاته، فالبعض يقيم المجالس الحسينية والبعض الآخر يخدم الزوار ويوفّر لهم الطعام وأسباب الراحة وسائر الخدمات، أو يشارك في المواكب والشعائر، ووسائل الإعلام تقدّم خدمة بعرض هذه الحركة المباركة التي أقنعت الكثيرين بدراسة مذهب أهل البيت عليهم السلام واعتناقه عن معرفة، فانتشر ووصل إلى بلدان لم يكن في المستطاع الجهر فيها بالدعوة إلى أهل البيت عليهم السلام في البلاد العربية وغيرها من بلدان العالم، ولا شكّ أن هذه الخدمات ليست أقلّ من عمل ذلك الغلام الذي ذكرته الرواية المتقدمة.

خدمة الموقف:

وقد تكون خدمة أهل البيت عليهم السلام بمواقف تنصرهم وتعزّ كلمتهم وتقوّي وجود شيعتهم كالقانونين الأخيرين للأحوال الشخصية وفق الفقه الجعفري والمحكمة الجعفرية العليا الذين قدّمهما وزير العدل معالي الشيخ حسن الشمري(1).

ولا نغفل أيضاً عن أن أي خدمة نقدّمها لأحد المؤمنين هي خدمة لأهل البيت عليهم السلام لأنهم أولياء أمورهم وآباؤهم المعنويون كما أن أي أب يتشكر عندما تقدّم خدمة لولده، ويتضاعف الجزاء حينما يكون المؤمن من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله.

ص: 135


1- نشر نص الكلام حول هذه القضية في بيان صحفي مستقل..

عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:

(أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة: المكرم لذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عندما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه).(1) )

وفي وصية أمير المؤمنين عليه السلام لولده الحسن وجميع ولده وأهل بيته، وفيها:

(الله الله في ذرية نبيكم، فلا يظلمن بحضرتكم وبين ظهرانيكم وأنتم تقدرون على الدفع عنهم).(2) )

في أصول الكافي بسنده عن عمر بن يزيد قال: سألت الإمام الصادق عليه السلام عن قوله تعالى: الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ فقال عليه السلام: نزلت في رحم آل محمّد صلى الله عليه وآله.(3)

إن الالتفات إلى هذه المعاني سيزيد من الحافز والهمّة والحماس للمساهمة في هذه الخدمات الجليلة والله ولي التوفيق...

ص: 136


1- عيون الأخبار ج 2 ص 25 باب 31.
2- الكافي: ج 7 ص 52 باب صدقات النبي... ح 7.
3- الكافي: ج ص باب صلة الرحم... ح..

معالم النجاح في الزيارات المليونية

معالم النجاح في الزيارات المليونية(1)

ونحن نودّع الموسم الحسيني لهذا العام 1435 على مدى شهرَي محرم وصفر وما تضمنه من شعائر مباركة وأهمّها زيارة الأربعين المليونية ومليونية عاشوراء، لا ينبغي أن نطوي هذه المناسبات دون أن نسجّل الدلالات والمعطيات التي ترشّحت عن هذا الموسم المبارك، ومنها:

1 - عمق الولاء وصدق المودّة التي يحملها شيعة أهل البيت عليهم السلام لأئمتهم عليهم السلام التزاماً بقوله تعالى (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (الشورى/ 23) وبالوصايا الكثيرة من النبي صلى الله عليه وآله بأهل بيته عليهم السلام الذين جعلهم عدلاً للكتاب، وقد كانت هذه المودّة دافعاً للتفاني والإقدام على الموت وبذل الغالي والنفيس وتحريك هذه الملايين ليأتوا مشياً على الأقدام من مسافات تجاوزت خمسمائة كيلومتر أحياناً في ظل البرد القارس والمطر الشديد مما أذهل العقول عن إدراك تفسيرها وانعدم نظيرها.

2 - ازدهار التشيّع وانتشاره في أصقاع العالم بحيث تجد ملايين الزوّار قدموا من عشرات الدول من قارات العالم وقد سجّلنا في خطبة سابقة العوامل التي ساعدت على هذا الانتشار والازدهار وكان على رأسها هذه الشعائر الحسينية المباركة، وهذه المسيرة المليونية التي أوصلت صوتها إلى

ص: 137


1- كلمة ألقاها سماحة المرجع اليعقوبي دام ظله في مكتبه الشريف يوم الجمعة 1 /ع 1435/1 المصادف 2014/1/3 بمناسبة انتهاء الموسم الحسيني في محرم وصفر..

العالم أجمع، وهذا يفسِّر كون شعار الإمام المهدي الموعود عليه السلام في إقناع العالم بدولته المباركة هو (يا لثارات الحسين).

3 - الزيادة المطرّدة سنوياً في عدد المشاركين في الزخم المليوني الهادر حيث قُدّرَ الزوار الذين وصلوا كربلاء على مدى أسبوعين تقريباً ب - (عشرين مليون) زائر بزيادة عدة ملايين عن العام الماضي، ففي كل سنة تُحفّز المشاهد المنقولة عبر الفضائيات المزيد للقدوم وكان الملفت هذا العام مشاركة أكثر من نصف مليون زائر من محافظة ديالى في المسيرة رغم ما يهدّد هذه المحافظة من أخطار إلاّ أنّهم أبوا إلاّ أن يجاهروا بولائهم للعترة الطاهرة.

وكذا المشاركة الفاعلة من إيران ولبنان ودول الخليج ودول أخرى لم يعهد قدوم الزوار منها، وأيضاً مشاركة موكب رجال الدين المسيحيين من هولندا.

4 - التحسّن النوعي في الأداء، فأصحاب مواكب الخدمة بدءوا يراعون تخميس أموالهم والتأكد من تذكية اللحوم ليطعموا الناس حلالاً، ومراعاة الحاجات المتنوّعة للزائرين، وانتشارها على طول المسافات التي يقطعها الزوار من أقصى البصرة جنوباً إلى كربلاء بحيث يشعر الزائر انه بين أهله وأحبّائه طول أيام السفرة.

ونلاحظ الهيبة والوقار على الزائرين والزائرات والحجاب العفيف لدى النساء والالتزام بالصلاة في أوقاتها، وأداءها جماعة عند توفّرها.

كما لوحظ انتشار طلبة الحوزة العلمية في مراكز الإرشاد والتوجيه وإجابة الاستفتاءات وشرح الأحكام الشرعية وإقامة صلوات الجماعة.

ص: 138

وكان الإبداع والتفنّن في أداء الأدوار وملئ مساحات العمل الفارغة حاضراً فوُجدت مواكب للتنظيف ورفع النفايات، ومواكب للتوعية تُقيم معارض الكتُب وتوزّع المنشورات، وأخرى تنصب لوحات فيها آيات كريمة وأحاديث شريفة وكلمات حكيمة تهذّب سلوك الإنسان وتوثّق علاقته بربّه، وتحوّل بعضها إلى مراكز توعية سيّارة إذ طبعوا خمسين ألف لوحة تُعلّق على ظهر الزائر فيها كلمات مباركة فيستفيد من قراءة كل واحدة الآلاف خلال المسير وهكذا.

وإذا كانت هناك مخالفات فهي نادرة جداً ولا تكاد تُذكر كقيام بعض الأنفار بابتداع حركات وأزياء وطرق غنائية رياءً من أجل لفت الأنظار وقد أثاروا الازدراء والسُخرية.

إضافة إلى ما قيل من أن شاحنات النقل الكبيرة التي أقلّت الزوّار بعد انتهاء المناسبة لم يراعى فيها الفصل بين الجنسين فعادت المشكلة التي نبّهنا لها في العام الماضي وعولجت آنذاك.

5 - نجاح ارتفاع مستوى الوعي لدى الأمة ومطالبتها للمرجعية في أن تخرج من سكوتها وأن تكون بمستوى المسؤولية في تشكيل ضغط أحرج المرجعية وهدّد موقعها لدى أتباعها فتحركت المرجعية الساكتة ولو كان بشكل محدود تحت هذا الضغط والحرج الذي وقعت فيه فبادرت إلى إصدار التوجيهات والدعوة إلى تهذيب الشعائر وتناول فقه المواكب والزائرين ونحوه من الفقه الاجتماعي الذي أسّسنا له منذ خمسة عشر عاماً والاهتمام بالصلاة في أوقاتها جماعة كما نبّهنا دائماً، فالحمد لله تعالى على هذه اليقظة وهذه الثمرة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ص: 139

6 - الصفات الكريمة التي جسّدها العراقيون كالكرم والإنفاق بلا حدود والتواضع والإيثار والحبّ والرحمة والشجاعة والهمّة العالية والتآلف والصبر وسعة الصدر وحبّ النظام وغيرها ممّا حبّبهم إلى جميع الوافدين، وأبرز استحقاق العراقيين لاحتضان دولة العدل الإلهي بحسب الحكمة الإلهية، فكانوا يتسابقون للخدمة وإدخال السرور على الآخرين، وممّا يثير الإعجاب عدم حصول خلاف أو مشكلة رغم تواجد الملايين في مكان واحد وصعوبة الأوضاع العامّة واختلاف التوجهات والانتماءات إلاّ أنّ حبَّ الإمام الحسين وحّدهم.

7 - وكان أهالي كربلاء على درجة عالية من المسؤولية والتحلّي بالصفات السامية التي أشرنا إليها آنفاً وفتحوا قلوبهم قبل بيوتهم لملايين الزوّار وأغدقوا عليهم من كرم الضيافة وحسن الإيواء فجزاهم الله تعالى عن الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه أفضل الجزاء فقد أحسنوا جوار أبي عبد الله الحسين عليه السلام.

وعوّضوا حرمانهم من المشاركة في المشي لانشغالهم بالضيافة وخدمة الزوار بالخروج في مسيرة مليونية أخرى من كربلاء إلى أمير المؤمنين لمواساته بوفاة الرسول صلى الله عليه وآله وليقولوا له عليه السلام هل وفّينا يا أمير المؤمنين لولدك الحسين عليه السلام بالخدمة المباركة طيلة مدة توافد الزوار.

8 - وعلينا أن نشيد بالجهود الاستثنائية التي قدّمتها الجهات الأمنية والصحيّة والخدمية فكانت جهودهم عنصراً مهمّاً في منظومة النجاح التي تكلّلت به زيارة عاشوراء والزيارة الأربعينية وزيارة أمير المؤمنين عليه السلام في ذكرى وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسائر المناسبات الأخرى.

ص: 140

وإذا كدّر هذه السعادة وهذا النجاح شيء فهو الخذلان الذي صدر من إحدى المرجعيات لمبادئ وأهداف الإمام الحسين عليه السلام وعدم احترام إرادة هؤلاء العشرين مليوناً عندما وجّه مكتبها بعدم تمرير قانون الأحوال الشخصية الجعفرية الذي يمثّل إنجازاً شيعياً يُدخل السرور على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وآله الأطهار، إلاّ أنّ هذه المرجعية فجعتنا بهذا الموقف واستخفّت بهذه الحشود المليونية وكان عليها أن تتعلّم من شجاعة وصدق وسمو هؤلاء الزوّار، وليتها إذ تقاعست عن نصرة القانون أن تسكت وتدع الآخرين يتحملون المسؤولية، كما سكتت عن تمرير قوانين (تنصف) فدائيي صدام وأزلامه المجرمين، وتعيد إليهم (حقوقهم) بأثر رجعي، ولا أدري بماذا يجيبون ربّهم سبحانه ونبيهم صلى الله عليه وآله والأئمة الطاهرين عليهم السلام إذا سألهم عن فعلهم هذا.

أسأل الله تعالى أن يتقبّل الطاعات من الجميع ويوفّقهم للمزيد ممّا يحبّ ويرضى ويصلح حال الأمة ويختار لها قيادة تتأسّى بما وصف الله تعالى نبيه الكريم صلى الله عليه وآله (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (التوبة/ 128).

ص: 141

ص: 142

الفصل السادس: مع الاصلاح الحسيني

اشارة

ص: 143

ص: 144

نصرة الحسين عليه السلام باستنقاذ عباد الله من الجهالة

وحيرة الضلالة

وحيرة الضلالة(1)

هل من ناصر؟

تبقى صرخة الإمام الحسين عليه السلام واستغاثته: >هل من ناصر< التي أطلقها يوم عاشوراء تستنهض الأجيال حتى تقوم دولة الحق الكريمة، وليست هي موجهة إلى الموجودين في ساحة المعركة يومئذ عليهم، فقط لإقامة الحجة فإنه عليه السلام كان يعلم بأن الشهادة قد حان موعدها، ولا يغني عنه الناصر، وهو القائل لابن أخيه القاسم ابن الحسن لما صرع >عز على عمك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا يغني عنك<.

الصرخة لكل الجيال:

فالصرخة والدعوة للنصرة هي لكل الأجيال، وإنما تكون نصرته عليه السلام بإدامة العمل حتى تحقيق أهداف حركته المباركة التي أعلنها في العديد من كلماته الشريفة، واختصرها الإمام الصادق عليه السلام في زيارته لجده الحسين عليه السلام التي رويت في مناسبة العشرين من صفر التي تتوجهون

ص: 145


1- تقرير مختصر لكلمة سماحة الشيخ اليعقوبي التي تحدث بها إلى موكب طلبة فروع جامعة الصدر الدينية بعد صلاة الصبح يوم 18 صفر 1429 المصادف 2008/2/26 قبل انطلاقهم مشياً على الأقدام إلى حرم الإمام الحسين عليهم السلام. وقد تجمعوا في مدرسة البغدادي في مدينة النجف الأشرف..

لإحيائها وورد في زيارة العيدين، فقال عليه السلام: >وقد بذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة< فضحى عليه السلام ليستنقذ العباد من الجهالة والضلالة.

الجهالة والضلالة:

فما دام هذان الداءان الوبيلان يفتكان بالأمة فيجب أن يستمر العمل الدؤوب في سبيل الله تعالى لاستنقاذ الأمة منهما وإلا فإنهما سيؤديان إلى هلاكها وموتها المعنوي وستدخل في تيه الضلالة وتبتعد عن المنهج السليم، وان كانت بحسب الظاهر تعيش حياتها المادية ولكن إِنْ هُمْ إِلاّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (الفرقان: 44).

معنى الجهالة:

والجهالة أوسع من المصطلح المعروف في مقابل العلم، واستقراء الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة يكشف عن أنها تعني فعل الشيء بخلاف ما حقّه أن يُفعل فيمكن أن تكون في الاعتقادات وَ طائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ (آل عمران: 145).

ويمكن أن تكون في القوانين والتشريعات أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (المائدة: 50).

ويمكن أن تكون في التصرفات وأنماط السلوك إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى (الفتح: 26).

ص: 146

ولم يُمدح العلم بما هو علم وإنما يُقدّس بمقدار ما يؤدي إلى الحق من الإيمان والعمل الصالح، وقد ذم الله تبارك وتعالى علماء أهل الكتاب وغيرهم لأنهم لم يستثمروا علمهم للاهتداء إلى الحق فكان علمهم وبالاً عليهم وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ. وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ (الأعراف: 175-176).

المعرفة في قبال الجهالة:

أما المفردة المستعملة في الموارد المحمودة فهي (المعرفة) التي تعني سكون النفس واطمئنانها إلى الحق لأنها تعرفه ولا تنكره، فقد ورد في تفسير قوله تعالى وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ (الذاريات: 56) أي (ليعرفون) وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (أول الدين معرفته) أما العلم بالحقيقة فإنه وحده لا يكفي، فكم من عالم بالحق ولكنه يعانده وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (النمل: 14).

وحينما وصفت الأمم قبل الإسلام بالجاهلية فليس لعدم وجود العلم فيها، فانها بلغت مرتبة فائقة فيه كالطب عند الرومان والإعمار عند الفراعنة وفي اليمن وبلاد الرافدين أَ لَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ (الأنعام: 6) أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ أَثارُوا الْأَرْضَ وَ عَمَرُوها أَكْثَرَ مِمّا عَمَرُوها (الروم: 9) وإنما كانت جاهلية لعدم المعرفة

ص: 147

بالله تعالى والاهتداء إلى الحق.

معنى الضلالة:

أما الداء الثاني فهي الضلالة وهي التيه والعدول عن الطريق المستقيم فهي تقابل الهداية إلى الحق، قال تعالى: فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها (يونس: 108).

وللضلال مقدمات تؤدي إليه منها اتباع الهوى وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ (ص: 26) ومنها الانسياق وراء الشهوات التي يزينها الشيطان والنفس الإمارة بالسوء وَ لَأُضِلَّنَّهُمْ وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ (النساء: 119) وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً (يس: 62) وَ يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (النساء: 60) وارتكاب الظلم والكفر والفسق وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (البقرة: 26) كَذلِكَ يُضِلُّ اللّهُ الْكافِرِينَ (غافر: 74) وَ يُضِلُّ اللّهُ الظّالِمِينَ (إبراهيم: 27).

ولذا ورد التأكيد من الله تبارك وتعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وآله: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ مَنْ تابَ مَعَكَ (هود: 112)؛ لأنه ليس بعد الاستقامة إلا الضلالة وان اختلفت درجاتها ومراتبها.

كيف النجاة من الجهالة والضلالة؟

ولأن الإمام عليه السلام سبب إنقاذ الأمة من الجهالة وحيرة الضلالة فقد ورد في وصفه عليه السلام انه >مصباح الهدى وسفينة النجاة< بلحاظ إنقاذه الأمة من المرضين.

فالنجاة من الفتن والجهالة والضلالة يتحقق باتباع أهل البيت ومن

ص: 148

أوصوا باتباعه من العلماء المجتهدين المخلصين لله ولرسوله والمتفانين في إنقاذ الناس وإصلاح حالهم.

وتقع عليكم - يا طلبة الحوزة العلمية الشريفة والمثقفين الرساليين - أكثر من غيركم مسؤولية مواصلة نهج الإمام الحسين عليه السلام وتحقيق أهداف ثورته المباركة، أما عامة الناس فجزاهم الله خير جزاء المحسنين بإحيائهم للشعائر الحسينية وتفانيهم في تقديم الخدمات رغم ما هم عليه من فقر وحرمان ومحن.

فاغتنموا هذا الموقع الشريف الذي من الله تعالى به عليكم من دون الناس وجعلكم محلاً لألطافه الخاصة وابذلوا كل ما بوسعكم وعُضّوا عليه بالنواجذ ولا تفرّطوا فيه.

ص: 149

الإصلاح: رسالة الإمام الحسين عليه السلام

اشارة

الإصلاح: رسالة الإمام الحسين عليه السلام(1)

الإصلاح رسالة الأنبياء جميعاً:

الحسين عليه السلام وارث الأنبياء جميعاً بحسب ما نطقت به الزيارة المشهورة المروية عن الأئمة عليهم السلام والمعروفة بزيارة (وارث) وعنده اجتمعت رسالات الأنبياء جميعاً الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللّهِ وَ يَخْشَوْنَهُ وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ وَ كَفى بِاللّهِ حَسِيباً (الأحزاب 39).

و ماذا كانت رسالات الأنبياء، لقد لخّصها نبي الله شُعيب عليه السلام في قوله تعالى إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَ ما تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ (هود/ 88)، هذه هي رسالة الأنبياء جميعاً (الإصلاح) وان تنوعت آليات عملهم واختلفت شرائعهم من حيث الاجمال والتفصيل، لكن ما أجمله النبي السابق فصّله النبي اللاحق، وما فصّله النبي اللاحق يرجع في أصوله إلى ما أجمله السابق (صلوات الله عليهم أجمعين).

واختتمت هذه الرسالات برسالة الإسلام التي بلّغها النبي صلى الله عليه وآله وواصلها من بعده أمير المؤمنين عليه السلام يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ (المائدة/ 67) يقول أمير المؤمنين عليه السلام >اللهم انك تعلم أنه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان، ولا التماس

ص: 150


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من المبلغين والخطباء ومرشدي الحجاج في مدينة كربلاء المقدسة يوم الخميس 30 /ذ. ح/ 1433 الموافق 2012/11/15..

شيء من فضول الحطام، ولكن لنردّ المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطّلة من حدودك<(1).

خرجت لطلب الإصلاح:

فهدف الأنبياء والأئمة (صلوات اللهم عليهم) هو (الإصلاح) ولما كان الإمام الحسين عليه السلام قد ورثهم جميعاً فمن الطبيعي أن تكون رسالته عليه السلام ومشروعه هو (الإصلاح) وقد عبّر عليه السلام عن ذلك صريحاً في خطاباته التي عرّف من خلالها بأهداف خروجه المبارك، وسجّله في وصيته التي دوّنها وختمها وأودعها عند أخيه محمد بن الحنفية، ومما جاء فيها >إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي صلى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب عليه السلام<.(2)

ومن خطبته على الحر الرياحي وأصحابه لمّا وصل (البيضة) قوله عليه السلام >ألا وأنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ من غيّر<.(3)

ص: 151


1- نهج البلاغة الخطبة 131.
2- بحار الأنوار: 329/44.
3- تاريخ الطبري: 605/4، الكامل في التأريخ: 280/3..

ويظهر من كلمة أمير المؤمنين عليه السلام وولده الإمام الحسين عليه السلام التواصل والتطابق في الهدف، وإنّ الاصلاح الذي سعى إليه المعصومون عليه السلام وتحمّلوا مسؤوليتهم وبذلوا وسعهم لتحقيقه هو مشروع متكامل لا يختص بالأمور الدينية (أي الوعظ و الإرشاد وتعليم أحكام الدين وإن كان هذا هو الأساس) بل يشمل نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية، فيقضي على الفساد المالي والإداري ومنع الاستئثار بالأموال العامة وحرمان الشعب من حقوقهم، وإقامة النظام العادل الذي ينصف الناس جميعاً وينتزع حق المظلوم من ظالمه، ويطبّق الحدود والقوانين.

تمام الصلاح بإصلاح القيادة الدينية والسياسية:

وإنّما يتم الصلاح ويكمل ويبلغ غايته عندما تصلح قيادتاه الدينية والسياسية، وتفسد الأمة إذا فسدت مؤسسته الحاكمة ولم تقم القيادة الدينية بواجباتها ومسؤولياتها، روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: >صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي وإذا فسدا فسدت أمتي، قيل: يا رسول الله ومن هما؟ قال: الفقهاء والأمراء<.(1)

ومن دون مباشرة هذا المدى الواسع من الإصلاح تبقى حركته محدودة ومحجّمة وربما تذوب تدريجياً، تصوروا لو أن دعوة النبي صلى الله عليه وآله إلى الإسلام بقيت في حدود مكة وتحت قبضة وبطش طواغيت قريش فإن

ص: 152


1- الخصال: 36 باب الاثنين..

المؤمنين بها سوف لا يزيدون عن العشرات الذي آمنوا فقتل بعضهم وهُجِّر البعض الآخر إلى الحبشة وحوصر النبي صلى الله عليه وآله ومن معه في شعب أبي طالب عليه السلام لكنّ النبي صلى الله عليه وآله كان يسعى لتوسيع دعوته وعرض نفسه على قبائل العرب حتى بايعه نفر من الأوس والخزرج في بيعة العقبة الأولى وأخذ منهم المواثيق على الطاعة والنصرة في بيعة العقبة الثانية وأرسل معهم الشهيد مصعب بن عمير لتعليمهم الدين ثم هاجر صلى الله عليه وآله وأسس دولته المباركة لينشر الإسلام العظيم إلى كل الدنيا.

لا مكان للإنزواء في النهضة الحسينية:

أما ما دأبت عليه مرجعيات كثيرة على مدى قرون ومقلّدوهم من الإنزواء والانكماش والسلبية والعزوف عن العمل بالآليات الممكنة لإيجاد بيئة مشجّعة على الدين والصلاح فإنه تقصير غير مبرَّر وله عواقب وخيمة فلابد من استثمار كل فرصة لإيجاد هذه البيئة بل صنع الفرصة لها وليس انتظارها لاستثمارها.

لذا لم يجد الإمام الحسين عليه السلام لنفسه عذراً في القعود عن تصحيح وضع السلطة الحاكمة ومعالجة انحرافاتها بكل ما أتاه الله، فجاد بنفسه الشريفة وبأهل بيته وأصحابه، وعَرَّض حُرَمَ رسول الله صلى الله عليه وآله للسبي بيد الأعداء من بلدٍ إلى بلد، وكان يمكنه الاكتفاء بموقعه الديني وامتيازاته التي يحظى بها في المجتمع ويكتفي بالحد الأدنى من العمل، لكنّه عليه السلام وهو سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وريحانته ووارثه، أصرَّ على اللحاق بركب جده المصطفى صلى الله عليه وآله، قال عليه السلام في خطبته على الحرّ وجيشه >أيّها الناس، إنّ

ص: 153

رسول الله صلى الله عليه وآله: قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعلٍ ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله<.

وهذا بابٌ ينفتح منه ألفُ باب للحديث عن علاقة العلماء بالسلطة ودورهم في العملية السياسية وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وموقع الأمة من كل ذلك وغيره مما لا يسع الحديث لبيان تفاصيله الآن.

صلاح النفس قبل الإصلاح، وكيفية اصلاح النفس:

ولابد لمن يتصدى لهذه المسؤولية أن يبدأ بإصلاح نفسه ويجعل من نفسه فرداً صالحاً قال تعالى إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ (الرعد/ 11)، وقد دلّنا أمير المؤمنين عليه السلام على آليات الإصلاح في ميدان النفس وعناصر النجاح في هذه العملية فهي تحتاج أولاً وقبل كل شيء إلى توفيق من الله تعالى، قال عليه السلام

(التوفيق قائد الصلاح).(1) )

ثمّ إلى تقوى من العبد، قال عليه السلام:

(التقوى مفتاح الصلاح).

وإلى مداومة على ذكر الله تعالى، قال عليه السلام: >أصل صلاح القلب اشتغاله بذكر الله<، وقال عليه السلام: >مداومة الذكر قوت الأرواح ومفتاح الصلاح<.

ص: 154


1- الحديث وما بعده في غرر الحكم وصفحاتها على الترتيب 25، 41، 160، 661، 469، ثمّ 162، 79، 449، 471، 170، 310، 365..

وتحتاج إلى مجاهدة للنفس لضمان الاستمرار على العناصر المتقدمة والمحافظة عليها، قال عليه السلام >في مجاهدة النفس كمال الصلاح<.

خطوات عملية للصلاح:

وهناك خطوات عملية تساعد على إصلاح الباطن، منها:

1. مصاحبة المؤمنين الأخيار الصلحاء، قال عليه السلام: >أكثرُ الصلاح والصواب في صحبة أولي النهى والألباب<.

2. مداراة الناس والرفق بهم واللطف معهم، قال عليه السلام: >الرفق لقاح الصلاح وعنوان النجاح، وقال عليه السلام عوّد نفسك السماح وتجنّب الإلحاح يلزمك الصلاح<.

3. تجنب معاشرة أهل الدنيا والغفلة عن الله تبارك وتعالى، قال عليه السلام >في اعتزال أبناء الدنيا جِماع الصلاح<.

4. عدم الاكثار من المباحات ككثرة الطعام والشراب والنوم ونحوها قال عليه السلام: >إذا ملئ لبطن من المباح عمي القلب عن الصلاح<.

5. تجنّب الصفات المذمومة كالكذب وإيذاء الناس، قال عليه السلام: >أبعد الناس عن الصلاح الكذوب وذو الوجه الوقّاح<.

6. محاسبة النفس وتدارك ما فاته من تقصير وخلل وردّ المظالم إلى أهلها وقضاء ما فات، قال عليه السلام: >حسن الاستدراك عنوان الصلاح<.

السعي الحثيث لتحقيق الأهداف الحسينية:

هذه هي رسالة الإمام الحسين عليه السلام وارث الأنبياء، فمن أحبَّ نصرته

ص: 155

في كل زمان ومكان واللحاق بأصحابه فليمضي على ما مضى عليه عليه السلام وليدخل السرور على قلبه الشريف بالسعي الحثيث لتحقيق الهدف من رسالته، على هذا النحو من الوعي وهذه المعرفة.

لكن مع الالتفات إلى ما نبهنا عليه مراراً من الدعوة إلى هذا المستوى من فهم النهضة الحسينية، لا يعني إلغاء الأنماط الأخرى من التعاطي معها كالشعائر التي يؤديها عامة الناس ما دامت منضبطة بالحدود الشرعية.

لأن لكل فئة مستواها من التربية والسير في طريق الكمال، ولا يحق لأحد أن يسقط الآخر.

ص: 156

من الدروس الحسينية: إننا بحاجة إلى مشاريع إعمار كما نحن بحاجة إلى مشاريع استشهاد

اشارة

من الدروس الحسينية: إننا بحاجة إلى مشاريع إعمار كما نحن بحاجة إلى مشاريع استشهاد(1)

كفى بالموت واعظاً:

إن لبس الكفن الذي ارتديتموه(2) يثير في النفس عدة معانٍ:

الأول: أخلاقي لأن لبس الكفن يعني الاستعداد للموت وللقاء الله تبارك وتعالى والإعراض عن الدنيا وزخرفها وزبرجها وكان السلف الصالح يحرصون على استثارة هذه المعاني التي تزهّدهم في الدنيا وتهذب أنفسهم وتردعها عن أتباع الهوى، فقد كان بعضهم يحفر قبره في بيته وينام فيه كل يوم ويستحضر محاسبة الملكين له ثم يكرر قول الله تبارك وتعالى على لسان الإنسان الذي يكشف له يومئذٍ عن غطاء الغفلة فيرى ما قدمت يداه فيقول «رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ» (المؤمنون: 99-100) ثم يخاطب نفسه بأنك قد أُعدت إلى الدنيا وأستجيب دعوتك هذه فانظر ماذا تعمل، ولا شك أن تكرار هذه التذكرة وهذه الموعظة يومياً لا يجعل ثغرة للشيطان أو النفس الأمارة بالسوء كي تنفذ فيها الشرور والآثام ولذا

ص: 157


1- من حديث سماحة الشيخ مع إحدى المجاميع الشعبية من حي المعارف ببغداد وقد ارتدوا الأكفان يوم 11 ربيع 1427 1 المصادف 2006/4/10 ومن حديث سماحته مع حشود المؤمنين الذين وفدوالتهنئته بذكرى المولد النبوي الشريف ومن حديث سماحته مع طلبة مدرسة أهل البيتللعلوم الدينية في النجف الأشرف يوم 5 ربيع 1427 1.
2- أنظر الهامش السابق..

ورد الحث الأكبر على ذكر الموت والاتعاظ بأخباره وقد فصّلنا الكلام حول الموضوع في كتاب (الأسوة الحسنة).

فارتداؤكم للكفن واستعدادكم للقاء الله تبارك وتعالى يعني أنكم عمرتُم آخرتكم وتودّون اللحاق بها وذلك هو الفوز العظيم، يروى إن جماعة سألوا أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كأبي ذر أو سلمان (رضوان الله عليهما) انه لماذا نحب الدنيا ونكره الموت قال: لأنكم عمّرتم الدنيا وخربّتم الآخرة فأنتم تكرهون الانتقال من دار عماركم إلى دار خرابكم.

المعاني الثورية من النهضة الحسينية:

الثاني: حركي أو ثوري يعني إننا مستعدون للتضحية بأغلى شيء وهي النفس من أجل إعلاء كلمة الله تبارك وتعالى ونصرة المظلومين والمستضعفين والدفاع عن الحقوق والمقدسات، كما وصف الشاعر أصحاب الإمام الحسين عليه السلام:

لبسوا القلوب على الدروع واقبلوا *** يتهافتون على ذهاب الأنفسِ

أي عكس ما يفعل الآخرون حين يلبسون الدروع لوقاية أجسادهم من الإصابة.

وفي ضوء هذين المعنيين فإنكم بلبس الكفن توجهون رسالة لإدخال اليأس على جميع الأعداء فبالمعنى الأول تردّون على الشيطان والنفس الأمارة بالسوء وتحققون الانتصار في ميدان الجهاد الأكبر، أما بالمعنى الثاني فتوجهون مثل هذه الرسالة للأعداء من إرهابيين وطغاة يريدون منكم أن تتخلوا عن حقوقكم وهويتكم وانتمائكم ويخيفوننا

ص: 158

بالموت فنقول لهم كما قال الإمام السجاد عليه السلام (القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة) وبذلك تحققون النصر في ميدان الجهاد الأصغر.

دورنا في المرحلة الجديدة:

وحينئذٍ قد ينقدح في الذهن سؤال حاصله إن الأمة إذا تكاملت بتربيتها إلى هذه الدرجة من الإقدام على التضحية بالنفس تحت راية مرجعيتها الرشيدة التي هي نائبة الإمام المعصوم إذن فما الذي يؤخر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ويقعده عن القيام بحركته الإصلاحية المباركة، ما دام السبب المتوارث تأريخياً هو عدم وجود ناس كذاك الذي أمره الإمام الصادق عليه السلام برمي نفسه في التنور المسجور ففعل فوراً من دون تردد أو مناقشة وقد أجبت عن هذا السؤال في خطاب سابق بعنوان (ما الذي ينتظره الإمام من شيعته) وقلنا إن عليكم الآن أمرين:

الأول: زيادة درجة الوعي لدى الأمة حتى تمتلك الحصانة من التضليل والانحراف والتشويش المؤدي إلى الإرباك وتعويق حركة الإصلاح المنشود.

الثاني: تنمية القدرات على إدارة المجتمع وبناء دولة المؤسسات التي تحكم بين الناس بالعدل والتي تقدم للبشرية نموذجاً حضارياً مزدهراً راقياً يذهل البشرية ويدفعها - لعجزها عن مجاراته - إلى الإذعان بأحقيتها في قيادة البشرية.

فيا أحبتي إن الإمام ينتظر وجود الحلقة الوسطية بين القائد والقواعد الشعبية المهيأة لنصرة المشروع الإلهي العظيم واعني بهم الثلاثمائة

ص: 159

وثلاثة عشر رجلاً الذين يقود بهم الناس، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: كأنّي انظر إلى القائم على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر، وهم أصحاب الألوية وهم حكّام الله في أرضه على خلقه.

وأعتقد أنكم تشاطرونني القناعة إن المتصدين للعملية السياسية والقيادة الاجتماعية لم يقدموا لنا ثلاثة عشر نموذجاً صالحاً لهذا الدور فضلاً عن الثلاثمائة الآخرين فأين من تسير به همته ليكون من هؤلاء «وَ فِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ» (المطففين: 26)؟

وأنا لا أدعي عدم وجودهم لأنهم قد يكونون موجودين في أوساط الأمة ولكننا لجهلنا وقصورنا وتقصيرنا لم نتوصل إليهم، لكن الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف يعرفهم بأسمائهم وأعيانهم وسوف يجمعهم من أصقاع الأرض أما نحن فليس لنا تلك المعرفة، ولذا طالما دعونا ذوي الكفاءات والقدرات حتى يعرِّفوا أنفسهم كما فعل الصديق يوسف عليه السلام حينما قال لعزيز مصر [اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ] (يوسف: 55) وما التلكؤ الذي يحيط بحركة المرجعية الرشيدة إلا بسبب هذا النقص والخلل في الحلقة الوسيطة.

الحسين عليه السلام يدعونا الى البناء مثلما يدعونا الى الشهادة:

إنني أسمع منكم أنكم (مشاريع استشهاد) وإنكم تأنسون بالموت استئناس الطفل بمحالب أمه إذا أمرت المرجعية الرشيدة بمواجهة الظلم بالسلاح.

ولكن يا أحبتي إن موقف الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء كان

ص: 160

يوماً واحداً من (57) سنة عاشها الإمام الحسين عليه السلام ورغم علمي إن موقفاً كذاك كافٍ لصنع الحياة ومستقبل البشرية كلها والواقع يشهد بذلك حيث إننا منذ أربعة عشر قرناً ولا زلنا نحيا بركات ذلك اليوم الحسيني العظيم ولكن لا يجوز لنا أن نغفل بقية الأيام الحسينية من عمره الشريف ومساهمتها في بناء صرح الإسلام العظيم من جميع جوانبه.

فنحن كما إننا محتاجون لمشاريع الاستشهاد حينما يدعونا الواجب إليها كذلك نحن بحاجة إلى مشاريع أعمار لكل أنشطة الحياة الفكرية والأخلاقية والدينية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والهدف الذي خلقنا من أجله «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ» (هود: 16) فلا بد أن تتصدى كل شريحة من المجتمع لوجه من هذه النشاطات التي يكمل بعضها بعضاً بحسب قابليته كل شخص واستعداده انطلاقا من الحديث الشريف (الإنسان ميّسر لما خلق له)، فلكل حالة طريقتها المناسبة لمعالجتها وليس السلاح والاستشهاد دائما هو الحل فهذا تحجيم لطاقات الأمة بل يكون أحياناً هدراً لها وتضييعاً بلا مبرر.

تعلمنا من الحسين عليه السلام حكمة الموقف الثوري:

إن مقتضى الحكمة أن حمل السلاح والقتال لا يكون لمجرد القتال وإبراز العضلات والفتّوة وطلباً للسمعة والجاه وحتى يقال انه رجل شجاع ومقاتل شرس أو لكي تمجّده الفضائيات ويملأ شاشات التلفزيون وإنما يكون حمل السلاح وسيلة لتأسيس مشروع فيه خير الأمة وصلاحها

ص: 161

ويكون الملاذ الأخير حينما تعجز كل الوسائل.

وهكذا فإن الإسلام لم يأمر بالقتال ليبسط نفوذه وليجني أموالاً ودنيا أو لمجرد تلبية غرائز حب التسلط على رقاب الناس، وإنما قاتل ليحرر الناس من عبادة الطواغيت ويترك لهم الخيار والحرية التامة في اعتناق العقيدة التي يشاؤون ولو إذن كسرى لصوت الإسلام أن يُعرض على الفرس ويسمح لهم بالاختيار بحرية لما قاتله المسلمون، ولكنه لما عتى وتجبَّر وأصرَّ على استعباد قومه قاتله المسلمون وكسروا شوكته، ولما أمَّنوا هذه الحرية للناس تركوا لهم حرية المعتقد، وكان أتباع أهل الديانات الأخرى يعيشون في عاصمة الإسلام وغيرها من الحواضر وتوفر الدولة كل حقوقهم حتى أن أمير المؤمنين عليه السلام وبخ أصحابه حينا رأى مسيحياً يستعطي في عاصمته الكوفة لأنه كبر وعجز عن العمل وأمر أصاحبه بصرف راتب تقاعدي له من بيت مال المسلمين.

ويؤكد قوله تعالى هذه الحقيقة «لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ» ولكن بعد أن تؤمن حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر للناس جميعاً. ولذا قاتل المسلمون بشرف وجسدوا أسمى ثقافة للقتال، فعندما دخل المسلمون مكة فاتحين كان سعد بن عبادة يحمل راية الأنصار فأخذه زهو الانتصار وتراءى له شريط طويل من ذكريات قريش الظالمة المعتدية مع النبي صلى الله عليه وآله فاخذ يرتجز ويقول:

اليوم يوم الملحمة *** اليوم تُسبى الحُرَمة

فما بلغ النبي صلى الله عليه وآله هذا الموقف أرسل ابن عمه عليَ ابن أبي طالب وأمره بأخذ الراية من سعد وان ينادي:

ص: 162

اليوم يوم المرحمة *** اليوم تُصان الحُرمة

هذه هي أخلاق الإسلام وأهدافه ومبادئه التي جاء لتأصيلها في الأمة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فكلُّه خير وعطاء ونفع عميم للبشرية ومواقف أمير المؤمنين مع خصومه الذين شنّوا عليه الحروب وأزهقوا ألاف النفوس مما يطأطئ له الرأس إجلالاً وإعظاماً.

ص: 163

الإصلاح مسؤولية كل إفراد المجتمع

اشارة

الإصلاح مسؤولية كل إفراد المجتمع(1)

واحدة من آليات الإصلاح:

وأعرض عليكم الآن واحدة من آليات العمل لإصلاح المجتمع وتطويق الفساد وتحجيمه حتى القضاء عليه، وهي أن نتعهد مع أنفسنا على أن يقوم كل واحد منا بنقل أي مسألة شرعية يتعلمها أو موعظة يتأثر بها أو نصيحة نافعة أو قصة هادفة، ينقلها إلى أهله وأصدقائه وزملائه في العمل والمحلة وأقرانه، وحينئذ سيحصل عندنا انتشار على شكل متوالية هندسية تتضاعف فيها أعداد المستفيدين، وتتضاعف معها حسنات العاملين، فالواحد يعلّم عشرة، والعشرة يعلمون مئة وهكذا، وستلمسون بركة هذا العمل الشريف.

لا تقتصروا الإصلاح في الرجال:

ولا تقتصر هذه الآلية على الرجال فقط بل تعم النساء، فأنكم تتحدثون عن سفور أو حجاب غير مطابق للحدود الشرعية عند الحرم الشريف، فلو جنَّدت بعض الأخوات أنفسهن للزيارة يومياً أو في الأيام التي يكثر فيها الزوار، وكلما شاهدت امرأة أو أكثر غير محتشمة اقتربت منها

ص: 164


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع حشد من أبناء الكاظمية المقدسة وشبابها الرسالي يوم السبت 9 ج 1431 1 المصادف 2010/4/24. تحدثوا فيها عن صور من عدم مراعاة حرمة مدينة الكاظمية المقدسة، وحرمة الإمامين الكاظمين الجوادين (سلام الله عليهم).

وسلمت عليها وعرضت خدماتها عليها كقراءة الزيارة أو أية مساعدة وبعد حصول الألفة بينهنّ توجهها برفق وتعلمها، لأنني أعتقد أن السبب الأكبر للابتعاد عن الدين هو الجهل والغفلة وهما يزولان بالتعليم والموعظة الحسنة.

قصة نافعة:

ولنطبق هذه الفكرة بأن أروي لكم قصة نافعة وعليكم بالاتعاظ بها ونقلها للآخرين، فقد حكي أن رجلاً فقيراً لم يكن يملك ما يشتري به شيئاً لأهله إلا اليسير جداً، فرأى سمكة متعفنة عند بائع لم يرغب بها أحد فاشتراها منه وسلّمها لأهله كي تعدّها للطعام، فلما شقت بطنها وجدت في بطنها لؤلؤة فرحوا بها، وذهب ليبيعها في سوق الصاغة، فقالوا له أنها ثمينة جداً ولا نستطيع تدبير ثمنها فاذهب إلى الحاكم فانه يملك خزائن البلد ولعله يقدر على دفع ثمنها، فذهب إلى الحاكم وعرضها عليه، فاستشار الحاكم خبراء الصنعة، فقالوا له أنها لا تقدّر بثمن، والحل أن تفتح له خزائن الملك ليأخذ منها ما يشاء، فقال الحاكم للرجل الفقير؛ هذه ثلاث خزائن وهذه مفاتيحها وأمنحك ثلاث ساعات لتأخذ من الخزائن ما تشاء وليس لك حق بعد الساعات الثلاث، ففتح الرجل الفقير الخزينة الأولى فوجد فيها ذهباً وجواهر وأشياء ثمينة، وفتح الثانية فوجد فيها أفرشة الحرير الناعمة التي تتنعم فيها بنوم مريح، ووجد في الثالثة ما لذ وطاب من الأطعمة.

ففكر ماذا يصنع، ثم قرر أن يقسّم الساعات الثلاث إلى ساعة للأكل وساعة للنوم والاستراحة وساعة يجمع فيها ما يستطيع من الجواهر، فتلذذ

ص: 165

بالأطعمة في الساعة الأولى وملأ بطنه، ثم جاء واسترخى على الفراش الوثير في الثانية فأخذه النوم حتى أيقظه الحراس في نهاية الساعة الثالثة، وقالوا له لقد انتهت المدة فاذهب، فتوسّل إليهم أن يمهلوه ولو لحظة ليأخذ جوهرة تنفعه لتحسين حاله فلم يسمحوا له بشيء لانتهاء اجله، فراح يعض يديه ندماً وحسرة حيث لا ينفعه الندم.

هذا حال أهل الدنيا:

قد نسخر جميعاً من عقل هذا الرجل ونعتبره مجنوناً إذ ترك الذهب والجواهر التي كان يمكن له أن يعيش بها بأحسن حال ويشتري باليسير منها ما لذّ من الأطعمة والراحة، وانشغل بدلاً من ذلك بما لا ينفعه إلا وقتياً.

لكن يا أخوتي هذا هو حالنا في هذه الدنيا التي وصفها أمير المؤمنين بأنها جيفة تنهشها الكلاب من طلاّبها ومنحنا الله تعالى فيها لؤلؤة ثمينة هي العمر الذي نستطيع به اكتساب الجنان حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت، لكن اغلب أهل الدنيا انشغلوا بمتاعها الزائل الذي سيفارقونه حتى إذا حلّ أجلهم وجاء ملك الموت لم يمهلهم لحظة ليكتسبوا بها حسنة تنفعهم يوم القيامة، وكان يمكنهم أن يستثمروا كل ساعة بل كل دقيقة بل كل ثانية باكتساب حسنة كتسبيحة أو استغفار، نسأل الله تعالى أن يوقظنا من نومة الغافلين ويدخلنا في الصالحين.

ص: 166

التذبذب في المواقف علامة الانحراف

اشارة

التذبذب في المواقف علامة الانحراف(1)

العلم وحده لا يكفي:

لا شكّ أن الحديث عن فضل العلم وطلبه، وفضل العلماء ودرجاتهم لا ينقضي، والأقلام التي تكتب عنه لا تجف ولن تجف إن شاء الله تعالى، لكنّ الحديث عن العلم وحده لا يكفي، لأنّ العلم وحده لا يكفي، ولا بد أن ينضم إليه الحديث عن العمل بهذا العلم، وإلاّ فإن الكثير ممن ضلوا وانحرفوا وأضلّوا لم تكن مشكلتهم في نقص العلم، بالعكس فقد كان لديهم علم كثير، وما استطاعوا أن يخلقوا فتنة في المجتمع، ويضلّوا أمة كثيرة من الناس إلاّ من جهة أنّ عندهم علماً فاستطاعوا التأثير في الناس، وبدون ذلك العلم لم يكن أحدٌ يعبأ بهم.

فالعلم قد يكون وبالاً على صاحبه، والأحاديث في ذلك كثيرة حتى جعلت أشد الناس حسرة يوم القيامة شخصاً حمل علماً ونقله إلى الآخرين فاستفادوا منه، لكنّه هو لم ينتفع منه ولم يعمل به.

نماذج من علماء السوء:

وقد ذكرنا في حديث سابق مثالاً على ذلك وهو علي بن أبي حمزة البطائني الذي تزعّم انشقاقاً على الإمام الرضا عليه السلام، وكان عنده علمٌ كثير ورواياته تملأ الكتب وشبّهه الإمام الكاظم عليه السلام هو وأصحابه بالحمير

ص: 167


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع إدارة وطلبة جامعة الصدر الدينية فرع الحسينية في بغداد يوم الأربعاء 12 /ج 1433/1 المصادف 2012/4/4..

ليذّكره بالآية الشريفة «مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ» (الجمعة: 5).

ميادين العلم:

والعمل بالعلم له ميادين (أولها) النفس فيصلحها ويهذبها ويكاملها (ثمّ) المجتمع فينقل ما تعلمه وعمل به إلى الآخرين ليساعدهم على الصلاح والهداية، فإن زكاة العلم إنفاقه وبذله للآخرين، والعلم يزكو وينمو ويباركُ فيه بالإنفاق.

مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء:

ومع وضوح هذه المقدّمة، إلاّ إننا نشهد اليوم أمثلة كثيرة على عدم العمل بالعلم وعدم تحويله إلى واقع نعيشه ونتمثله في حياتنا، في أوساط من يسمَونَ بالمتدينين فضلاً عن غيرهم، والمورد الذي أريد أن أذكره محاولة البعض منهم أن يخوض في الدنيا ويغمض في طلبها مع زعمه المحافظة على دينه وآخرته، وهو أعجز من تحقيق ذلك؛ لأن الآخرة والدنيا بهذا الشكل ضرّتان لا تجتمعان كما ورد في الأحاديث الشريفة، وكان يمكنه أن يجعل الدنيا مزرعة للآخرة، فإن الكمالات والجنان لا تنال إلاّ بهذه الدُنيا.

فتوجد فئة من الناس تحاول أن تنال الدنيا التي فتحت أبواب كثيرة لها اليوم من الامتيازات والمصالح من خلال العمل مع جهة ما، لها نفوذها

ص: 168

وتسلطها ومواقعها ومناصبها، مع الاعتراف بأنها لا توصل للآخرة بل تصد عنها، ويقول إنني ما زلت أرجع في الأمور الدينية إلى الجهة الفلانية التي يعتقد أنها مبرئة للذمة أمام الله تعالى، وكأنّه لا تنافي بين الأمرين، وأنّه يمكن أن يكون مع جهة في دينه، ومع جهة أخرى في دنياه، وهو بذلك يخدع نفسه «يُخادِعُونَ اللّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ» (النساء: 142) فهم ممن وصفهم الله تعالى «مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَ لا إِلى هؤُلاءِ وَ مَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً» (النساء: 143).

فمثل هذا الشخص يسقط ولا يستطيع المقاومة حتى النهاية، فإذا أراد الخير لنفسه فليحزم أمره وليتخذ موقفاً حاسماً بأن يجعل الله تعالى نصب عينيه ويختار ما فيه سلامة دينه ويتّبع الجهة التي تبرأ ذمته وتوصله إلى الفلاح فيما يحب ويكره، فيأتمر بأمرها وينتهي بنهيها ويعمل ضمن إطارها.

كربلاء: كانت نموذج لصراع الدنيا والآخرة:

وأمامنا مثالان من كربلاء وهُما يعبّران عن حالة التنازع هذه والنتيجة التي انتهوا إليها.

أحدهما: عمر بن سعد فقد حاول أن يتجنّب قتال الحسين عليه السلام ويبتعد عن هذه الجريمة العظمى بالتوجه إلى إحدى الولايات، لكنّه بقي محباً للدنيا مع ابن زياد وله طمعٌ في نيل ولاية الري وجرجان، حتى وصل إلى مفترق الطريق عندما كلّفه ابن زياد بقيادة الجيش الذي خرج لقتال الحسين عليه السلام، وبات تلك الليلة في حيرة وترددٍ شديدين كما يظهر من أبياته الشعرية التي قالها:

ص: 169

أأترك ملك الري والري مُنيتي *** أم ارجع مأثوماً بقتل حسينِ

وخرج إلى كربلاء على رأس الجيش ولكنّه ظلّ يتأمل أن يأخذ الدنيا بيد من دون أن يخسر الآخرة باليد الأخرى وبقي أياماً في كربلاء يجتمع مع الحسين عليه السلام في خيمة نصبت لهما ويتبادلان الأحاديث، والإمام عليه السلام يبذل المحاولات لإقناعه بالعدول عن هذا الخسران المبين، حتى جاء الشمر بكتابٍ من ابن زياد يأمره بمناجزة الحسين عليه السلام الحرب أو ترك قيادة الجيش للشمر، وهنا سقط ابن سعد واختار الدنيا فخسر آخرته ودنياه ولم يستطع الجمع بينهما.

ثانيهما: الحرّ الرياحي الذي كان قائداً في الجيش الأموي وخرج على رأس ألف فارس لاعتراض الإمام عليه السلام في الطريق بعد دخوله العراق والمجيء به إلى الكوفة، وحاول أيضاً أن يحتفظ بموقعه وامتيازاته من دون أن يتورّط في دم الحسين عليه السلام، فنفّذ أوامر قيادته بمنع الحسين عليه السلام من الرجوع إلى الحجاز، إلاّ أنّه طلب منه عليه السلام أن يذهب باتجاه لا يمر بالكوفة فاختار عليه السلام طريق كربلاء وظلّ الحر يسايره، وهو يتمنى العافية والسلامة وأن لا تنتهي الأمور إلى القتال ويبقى محتفظاً بامتيازاته، إلاّ أنه في النهاية وصل إلى ساعة الحسم يوم عاشوراء حينما وقع القتال، فعاش صراعاً قاسياً ومريراً جعله يرتعد ويرتجف بدرجة استغربها من حوله وظنوا أنّه جبنٌ من المواجهة، فقال له أحدهم: لو قيل من أشجع أهل الكوفة لما عدوناكَ فما هذا الخوف؟ قال: ويلك إنّي أخيّر نفسي بين الجنة والنار ولا أختار على الجنة شيئاً، وأدركه اللطف الإلهي واستنقذه من النار ونقله إلى حيث

ص: 170

السعادة الأبدية، ولم يستطع أي أحد غيره أن يتخذ نفس الموقف لشدته وصعوبته.

ولو كان كل من هذين النموذجين قد ترك طلب الدنيا وتخلّى عن زينتها الزائفة ليضمن آخرته من أول الأمر لما وقع في هذا المأزق الكبير الذي لا ينجح فيها إلاّ من عصم الله تعالى.

كونوا من السابقين:

وهنا تبرز الفئة الثالثة التي حسمت أمرها من البداية واتبعت الحق ولم تؤثر عليه شيئاً كعلي بن الحسين الأكبر (صلوات الله عليهما) الذي يجيب أباه لما علم منه أنّهم سائرون إلى الموت قال: أو لسنا على الحق، إذن لا نبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا.

فمثل هذا الفريق نجح من أول الأمر ولا يعاني ولا يجد صعوبة ولا تردداً ويمضي قدماً.

فعلينا - أيّها الأحبة - أن نحذر أنفسنا ثم الآخرين من الإقدام على ما يوجب زلل الأقدام ويقرّب من حافة الهاوية مغترين بالقدرة على النجاة في ساحة الحسم والامتحان، فإنّها مجازفة غير مأمونة العواقب حينما نضع رجلاً هنا ورجلاً هناك، والدنيا مليئة بالامتحانات والفتن.

وهذا ما حاوله من قبل أبو هريرة فينقل أنّه كان يصلّي مع علي عليه السلام ويأكل من موائد معاوية فإذا وقعت المعركة انحاز إلى الجبل، فقيل له في ذلك قال: الصلاة مع علي أتم والأكل مع معاوية أدسم والجبل أسلم، وحاول بحسب زعمه أن يحصل على الآخرة مع علي عليه السلام وعلى الدنيا مع معاوية، لكن هذا غير ممكن وما كان لمعاوية أن يدعه يتمتع بدنياه بلا ثمن.

ص: 171

وعلينا أن نستفيد من علمنا لأنفسنا وللآخرين ونحسم أمرنا باتباع الحق وسوف يجمع الله تعالى لنا الدنيا والآخرة بفضله وكرمه.

ص: 172

الإمام الحسين عليه السلام يدلنا على طريق الوصول للدعوى الحقة

اشارة

الإمام الحسين عليه السلام يدلنا على طريق الوصول للدعوى الحقة(1)

لنأخذ الدرس:

ما دمنا نعيش أجواء الولادات الشعبانية المباركة للأئمة المعصومين الأطهار عليهم السلام فلنأخذ درساً من كلمات الإمام الحسين عليه السلام..

فمن دعائه عليه السلام يوم عرفة (إلهي.. ومن كانت حقائقه دعاوي فكيف لا تكون دعاويه دعاوي) هذه هي الحقيقة المُرّة التي لا يلتفت إليها الإنسان، وهي أنه يدّعي كثيراً من الأمور، من دون أن يقيم الدليل عليها ليطمئن هو أولاً على مصيره ومستقبله وليصدّقه الآخرون ثانياً، والأسوأ من ذلك أن يطلب من الآخرين معاملته على أساس هذا العنوان المدعى ويرتّبوا عليها الآثار، في حين يجمع العقلاء على أن أي دعوى لا تثبت إلاّ بدليل.

ص: 173


1- حديث سماحة المرجع اليعقوبي دام ظله مع حشد كبير من الطلبة والشباب، الذين أُعدَّ لهم برنامج ديني وتوعوي في النجف ومنها زيارة سماحته يوم الأحد 10 شعبان 1433 المصادف 2012/7/1، ثم الانطلاق مشياً إلى كربلاء المقدسة لإحياء الزيارة الشعبانية المباركة..

العقل والتفكر وصية الأئمة عليهم السلام:

من وصية الإمام الكاظم عليه السلام لهشام بن الحكم (يا هشام لكل شيء دليل، ودليل العاقل التفكر، ودليل التفكر الصمت)(1).

وقد جرت سيرة العقلاء على مطالبة المدعي بالدليل لتصديقه، كمن يدعى أنه حصل على شهادة الدكتوراه في العلم الفلاني فإنه يطالب بالوثائق التي تثبت ذلك.

كيف تتحصن من زيف الدعاوى الباطلة؟

فالإمام الحسين عليه السلام يكشف في الفقرة المتقدمة عن مظهر من مظاهر النقص لدى الإنسان، وهو إدعاؤه لعناوين ومقامات ومراتب من دون أن يجسِّد في واقعه حقائق تلك الإدعاءات أو تظهر عليه آثارها، ولنترك الآن العناوين الكبيرة كالمرجعية والأعلمية والقيادة والولاية ونحوها، ولنأخذ عناوين عامة.

مثلاً يعتقد أنه مؤمن متدين ويمنّي نفسه الفوز بالجنة ورضا الله تبارك وتعالى من دون أن يتأكد من وجود هذه الحقيقة في نفسه بحسب ما تعرضه الآيات الكريمة والروايات الشريفة التي تتحدث عن حقيقة الإيمان، وتبيّن شروطه كقوله تعالى «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» (الكهف: 110) فبلوغ هذه النهاية السعيدة تتطلب القيام بأعمال صالحة من دون أن يخالطها ما ليس لله تبارك وتعالى

ص: 174


1- تحف العقول: 285..

من النيات المختلفة كنيل رضا الناس أو تحصيل المال أو أي مكسب دنيوي آخر.

وقال تعالى «وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً» (الإسراء: 19) فهنا شروط لمن يريد أن يكون سعيه مشكوراً في الآخرة شرحناها في حديث سابق، وهي باختصار:

(أولاً) أن تكون له إرادة قوية وقصد جدّي وعزم راسخ - فمن أراد الآخرة -.

(ثانياً) أن يكون له عمل دؤوب وحركة مستمرة عُبِّر عنها بالسعي وهو السير الحثيث الذي يناسب النتيجة التي يريد أن يصلها - وسعى لها سعيها -.

(ثالثاً) أن يكون مؤمناً بالله ورسوله عارفاً بالطريق الموصل إلى الله تعالى وسائراً عليه ولا يتخبط ويسير بغير هدى - وهو مؤمن -.

هل نحن كذلك أم لا؟

ومن كلمات الإمام الصادق عليه السلام في هذا المجال قوله (لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتى يحب أبعد الخلق منه في الله ويبغض أقرب الخلق منه في الله)(1) ، فهل نحن كذلك أم نحابي ونجامل ونداهن؟.

والمثال الآخر للدعاوى التي لم نتحقق من مصداقيتها عندنا دعوى (التشيع)، فللأئمة عليهم السلام أحاديث كثيرة في بيان حقيقة التشيّع والشيعة، جمع

ص: 175


1- تحف العقول: 272..

منها الشيخ الصدوق (71) حديثاً في كتيب سماه (صفات الشيعة)، وتوجد أحاديث كثيرة غيرها، وقد جمعت بعضها في خطاب سابق بعنوان (عناصر شخصية المسلم في روايات أهل البيت عليهم السلام)(1).

منها ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام: (ما شيعتنا إلاّ من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون إلاّ بالتواضع والتخشّع وأداء الأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين وتعهّد الجيران من الفقراء وذوي المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكفّ الألسن عن الناس إلاّ من خير وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء)(2).

ومنها قول الإمام الصادق عليه السلام (إنما شيعة علي من عفّ بطنه وفرجه، واشتدّ جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر)(3).

لا تكونوا ممن يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا

ولأجل ذلك نهى الأئمة المعصومون عليه السلام عن ادّعاء ما لم تستكمل حقيقته، عن الإمام الحسن عليه السلام - في جواب رجل قال له: إني من شيعتكم -: يا عبد الله، إن كنتَ لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعاً فقد صدقتَ، وإن كنت

ص: 176


1- راجع خطاب المرحلة: 305/1.
2- تحف العقول: 215.
3- الكافي: 233/2 ح 9..

بخلاف ذلك فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لستَ من أهلها، لا تقل: أنا من شيعتكم ولكن قل: أنا من مواليكم ومحبيكم، ومعادي أعدائكم، وأنت في خير وإلى خير)(1).

وهذا ما وعظنا به الله تعالى قال سبحانه «لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» (آل عمران: 188).

وورد هذا الأدب في الدعاء الذي يدعو به من يمدحه الآخرون، لأن المدح غالباً يتضمن مبالغة في الصفات الحميدة مما ليس بواقع، وجاء فيه (اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واغفر لي ما لا يعلمون، واجعلني خيراً مما يظنون).

من أدب السلف الصالح:

وكان السلف الصالح لا يكتفي بالامتناع عن ادعاء العناوين والصفات الحميدة، بل يكره أن يوصف بها لأنه يتهم نفسه بعدم الاستحقاق، ففي تفسير الإمام العسكري عليه السلام (قيل للصادق عليه السلام أنّ عمار الدهني (والد الراوي المعروف معاوية بن عمار) شهد اليوم عند ابن أبي ليلى قاضي الكوفة بشهادة فقال له القاضي: قم يا عمّار فقد عرفناك لا تقبل شهادتك لأنّك رافضي، فقام عمّار وقد ارتعدت فرائصه واستفزعه البكاء، فقال له ابن أبي ليلى: أنت رجلٌ من أهل العلم والحديث، إن كان يسوؤك

ص: 177


1- منتخب ميزان الحكمة: 356 عن تنبيه الخواطر: 606/2..

أن يقال لك رافضيّ فتبرّأ من الرفض فأنت من إخواننا، فقال له عمّار: يا هذا ما ذهبت والله حيث ذهبت ولكن بكيت عليك وعليّ، أما بكائي على نفسي فإنّك نسبتني إلى رتبة شريفة لست من أهلها زعمتَ أنّي رافضي، إلى أن قال: وأمّا بكائي عليك فلعظم كذبك في تسميتي بغير اسمي، وشفقتي الشديدة عليك من عذاب الله إن صرفت أشرف الأسماء إليّ وان جعلته من أرذلها كيف يصبر بدنك على عذاب كلمتك هذه؟ فقال الصادق عليه السلام لو أنّ على عمّار من الذنوب ما هو أعظم من السماوات والأرضين لمحيت عنه بهذه الكلمات)(1).

وقد ذكر الشيخ الصدوق(2) قدس سره أن مثل هذا الموقف حصل لعدد من أصحاب الأئمة عليهم السلام كأبي كهمس وابن أبي يعفور وفضيل سكرة.

إننا مبتلون في هذا الزمان وفي كل زمان بأدعياء العناوين الكبيرة كذباً وزوراً ليطلبوا بها الدنيا وليخدعوا السذج والجهلة والمهوسين، وأذكر من هؤلاء أصحاب الدعوات المرتبطة بالإمام المهدي الموعود عليه السلام، والسياسيين الذين يحملون اللافتات الإسلامية،«فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً» (النساء: 9)، وليستفيدوا من هذا الدرس الحسيني المبارك...

ص: 178


1- بحار الأنوار: 156/68.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 3، باب نوادر الشهادات، ح 152، معجم رجال الحديث: 276/12..

كيف نكون من أهل (يا ليتنا كنّا معكم)

كيف نكون من أهل (يا ليتنا كنّا معكم)(1)

كلّنا نخاطب الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه البررة بألسنتنا ووجداننا (يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً) ونتأسّف أننا لم نكن من أولئك الجيل الذي عاصر المعصومين عليهم السلام وتشرّف بلقائهم وفاز بنصرتهم ونال الشهادة بين أيديهم.

تكافؤ الفرص في عدل الله تعالى:

ونحن نعتقد أنّ الله تعالى عادل يعطي فرصاً متكافئة لعباده حتّى يتقرّبوا بها إليه، فهل أنّ الله تعالى حبى ذلك الجيل بهذه الفرصة وحرمنا نحن منها؟ هذا خلاف هذه الحقيقة الثابتة، فما هي فرصتنا التي تناسب ذلك؟ أنّها أداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

من كلمة لأمير المؤمنين عليه السلام قال: (وما أعمال البرّ كلها، والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلاّ كنفثة في بحر لُجّي).

والنفثة هو مقدار اللعاب الضئيل الذي يصاحب نفخ الهواء من الفم، وهو مقدار يسير فما قيمته إلى البحر العميق الواسع المتلاطم كالمحيطات، هذه هي نسبة أعمال البرّ كلّها وبضمنها الجهاد في سبيل الله إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ص: 179


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي دام ظله مع عدة وفود من مختلف المحافظات يوم السبت بتاريخ 20 /ع 1434/1 الموافق 2013/2/2..

الجهاد الذي وصفه أمير المؤمنين عليه السلام بأنّه بابٌ من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه وهو درع الله الحصينة وجنّته الواقية، والذي نخاطب أصحابه (يا ليتنا كنّا معكم) تتضائل قيمته أمام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الفرصة العظيمة متاحة لنا ونستطيع أن نعوّض من خلالها ما فاتنا من نصرة أبي عبد الله الحسين عليه السلام.

رأس مشكلاتنا:

بل أنّ إحياء هذه الفريضة هو تلبية لنداء الإمام الحسين عليه السلام وتحقيق لغرضه الذي خرج من أجله (وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد صلى الله عليه وآله لأأمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) فالقيام بهذه الوظيفة نصرة فعلية للإمام الحسين عليه السلام.

هذه الفريضة التي ضيّعتها الأمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله مباشرة، وكان ثمن التضييع باهظاً: استشهاد الصديقة الزهراء عليها السلام وإقصاء الإمام الحق أمير المؤمنين عن مقامه الذي وضعه الله تعالى فيه.

إنّ مشاكلنا كثيرة، ولكنّكم لو حللتموها لتصلوا إلى أسبابها لوجدتم أصل كل المشاكل سواء كانت أخلاقية أو اجتماعية أو عقائدية أو سياسية أو اقتصادية... ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحلول هذه المشاكل كلّها يبدأ من إحياء هذه الفريضة المباركة، فإنها الأصل في الحل سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر، فكل الخير في العودة إليها وكلّ الشر في تركها وتضييعها.

ص: 180

موارد تضييع فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

وموارد هذه الفريضة على شكلين:

المعروف والمنكر على الصعيد الفردي كشخص لا يصلّي فتأمره بالصلاة أو يشرب الخمر فتنهاه عنها أو لا يدفع الخمس والزكاة فتدعوه إلى الالتزام بهما أو امرأة سافرة فتأمرها بالحجاب.

المعروف والمنكر على المستوى الاجتماعي: وذلك حينما يتحوّل المنكر إلى ظاهرة اجتماعية متفشيّة في المجتمع، خصوصاً إذا أصبح فعله معتاداً لا يستنكره أحد، بل ربّما يستهجن فعل الناهي عنه.

وكلّما اتّسعت دائرة المنكر وازدادت خطورته كانت المسؤولية عن تغييره أكبر والأدوات المستعملة أقوى وأكثر فاعلية، فإذا كان كافياً ردع المنكر من المستوى الأول بالحكمة والموعظة الحسنة، فإنّ الثاني يحتاج إلى خلق وعي اجتماعي ضاغط وحركة جماعية من الخطباء والعلماء والمثقّفين ووسائل الإعلام.

وحاصل الكلام أنّنا كلّنا مسؤولون عن القيام بهذه الوظيفة المباركة وان اختلف حجم المسؤولية ونوعها من واحد لآخر، وهي فرصة لكلّ واحد منّا ليكون من أهل (يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً) حقاً وصدقاً، خصوصاً داخل المجتمع النسوي وفي أوساط الشباب.

ص: 181

الوصية الأخيرة للإمام الحسين والإمام السجاد صلى الله عليه وآله إيّاكَ وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلاّ الله تعالى

اشارة

الوصية الأخيرة للإمام الحسين والإمام السجاد صلى الله عليه وآله إيّاكَ وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلاّ الله تعالى(1)

الوصية الأخيرة تختزل أهمية ما يريد أن يوصله الموصي:

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

في ذكرى الإمام السجاد عليه السلام التي تقترن مع ذكرى أبيه الحسين عليه السلام نستفيد درساً من حياتهما المباركة، روى الإمام الباقر عليه السلام قال لما حضر علي بن الحسين عليه السلام الوفاة ضمّني إلى صدره ثم قال (يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة وبما ذكر أن أباه أوصاه به قال: يا بنيّ إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلاّ الله)(2) وقد روي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وعن أمير المؤمنين عليه السلام، فعن النبي صلى الله عليه وآله قال

(يقول الله عز وجل: اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد ناصراً غيري)(3) ، أي ظلم من لا يمتلك القوّة والنفوذ لاسترداد حقّه إمّا لضعفه كالمرأة واليتيم والمستضعف أو لغيبته وعدم علمه أو لترفعه عن ردّ الإساءة بمثلها.

ص: 182


1- كلمة ألقاها سماحة الشيخ اليعقوبي دام ظله في ذكرى استشهاد الإمام السجاد عليه السلام يوم 25 محرم 1435 المصادف 2013/11/29.
2- الكافي: 331/2 ح 5.
3- ميزان الحكمة: 304/5 عن عدة مصادر..

وتكتسب هذه الوصية أهمية كبيرة من جهة كونها الوصية الأخيرة في الحياة وعادة ما تتضمن مثل هذه الوصية أهم ما يريد أن يقوله الموصي، ومن جهة تواتر الوصية بها من معصوم الى معصوم عليهم السلام, وهم أبعد ما يكونون عن الظلم مطلقاً, وهو ما دلت عليه الآية الشريفة (وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ) (البقرة/ 124) فبلوغهم مقام الإمامة يعني انهم منزهون عن الظلم، وإنما أريد من التأكيد على هذه الوصية ترسيخها في ذهن الأمة حتى تصبح لهم شعاراً في حياتهم.

تجنب الظلم الأخلاقي: من أخلاق أهل البيت عليهم السلام:

وكانوا (صلوات الله عليهم أجمعين) ينزهون أنفسهم عن الظلم بكل أشكاله ومستوياته حتى إذا لم يصل الى مستوى المخالفة الشرعية لكنه لا يليق بأخلاقهم العظيمة, روى الإمام الباقر عليه السلام عن أبيه السجاد عليه السلام قوله

(إني حججتُ على ناقتي هذه عشرين حجة لم أقرعها بسوط).(1) )

هذا هو ديدن الأئمة في الترفع عن الظلم مهما كان ضئيلاً وفي أي مستوى من مستوياته، يقول أمير المؤمنين عليه السلام (والله لأَن أبيتَ على حسكَ السعدان مسهّداً، أو أُجرَّ في الأغلال مصفّدا أحبُّ إليَّ من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد، وغاصباً لشيء من الحطام، وكيف أظلمُ أحداً لنفس يُسرِعُ إلى البلى قُفوُلُها، ويطول في الثرى

ص: 183


1- المحاسن للبرقي: 635/2..

حُلولُها)(1) وذكر عليه السلام حادثته مع أخيه عقيل عندما أحمى له حديدة، ثم قال عليه السلام

(والله لو أعطيتُ الأقاليمَ السبعة بما تحت أفلاكها، على أن أعصي الله في نملةٍ أسلبها جُلبَ شعيرة ما فعلته)(2)

وكان الإمام السجاد عليه السلام يترفع عن الانتقام ومقابلة من ظلمه بالمثل لأنه يرى المقابلة بالمثل ومعاقبة المسيء سيئة وان الأليق بخصاله الكريمة العفو والصفح والإحسان إلى المسيء، تأدباً بقوله تعالى (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ) (المؤمنون/ 96) وقوله تعالى ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (فصلت/ 34) وقوله تعالى (وَ لْيَعْفُوا وَ لْيَصْفَحُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَكُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور/ 22) فالذي يرجو عفو الله تعالى وإحسانه وفضله وكرمه لابد أن يتعامل مع الناس على هذا الأساس.

روي: إن مولى لعلي بن الحسين يتولى عمارة ضيعة له، فجاء ليطلعها فأصاب فيها فسادا وتضييعا كثيرا غاضه من ذلك ما رآه وغمه، فقرع المولى بسوط كان في يده، وندم على ذلك، فلما انصرف إلى منزله أرسل في طلب المولى، فأتاه فوجده كاشفاً عن ظهره والسوط بين يديه، فظن أنه يريد عقوبته, فاشتد خوفه. .

ص: 184


1- الى (3) نهج البلاغة: الخطبة 221. بيان: الحسك: الشوك، والسعدان نبت ترعاه الإبل له شوك، والمسهَّد: السهران، والمصفّد: المقيَّد، والقفول: الرجوع، وجِلب الشعيرة: غطاؤها.
2- .

فأخذ علي بن الحسين السوط ومد يده إليه وقال: يا هذا قد كان مني إليك ما لم يتقدم مني مثله، وكانت هفوة وزلة فدونك السوط واقتص مني.

فقال: يا مولاي، و الله لقد ظننت أنك تريد عقوبتي، و أنا مستحق للعقوبة، فكيف أقتص منك؟!

قال: (ويحك اقتص).

فقال: معاذ الله، أنت في حل و سعة، فكرر ذلك عليه مرارا، والمولى كل ذلك يتعاظم قوله ويجلله، فلما لم يره يقتص، فقال عليه السلام له: أما إذا أبيت فالضيعة صدقة عليك، وأعطاه إياها)(1)

وفي رواية الطبقات الكبرى لابن سعد، ان عبد الله بن علي بن الحسين عليه السلام قال: لما عزل الوليد بن عبد الملك هشام بن إسماعيل عن ولاية المدينة وأوقفه الوليد إلى الناس ليقتصوا منه، وكان يسيء إلى أبي، جمعنا أبي علي بن الحسين وقال: إن هذا الرجل قد عزل وقد أوقفه الوليد للناس فلا يتعرض له أحد بسوء، فقلت يا أبت، والله إن أثره عندنا لسيء وما كنا نطلب إلا مثل هذا اليوم. قال: يا بني نكله إلى الله، فوالله ما تعرض أحد بسوء من آل الحسين حتى تصرم أمره.)(2)..

ص: 185


1- بحار الأنوار: ج 46 ص 99.
2- موسوعة المصطفى العترة 64/7 عن عدة مصادر ذكرها..

وروي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله

(أوحى الله إلى نبي من أنبيائه.. إذا ظُلمتَ بمظلمةٍ فارض بانتصاري لك فإن انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك).(1) )

وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال

(لا يكبرّن عليك ظلم من ظلمك فانه يسعى في مضرّته ونفعك وليس جزاء من سرَّك أن تسوءَه).

التغاضي هو بلحاظ المظالم الشخصية لا الحقوق العامة:

ولابد أن نلتفت إلى أن هذا التغاضي وعدم الرد فيما يتعلق بالمظالم الشخصية، أما إذا كان الظلم يتعلق بالحقوق العامة خصوصاً إذا انتهكت محارم الله تعالى فالنهي عنه واجب والسكوت قبيح، روى في كنز العمال عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله منتصراً من ظلامة ظلمها قطّ إلا أن يُنتهك من محارم الله شيء، فإذا انتُهك من محارم الله شيء كان أشدَّهم في ذلك).(2)

في ذم الظلم:

والأحاديث الواردة في ذم الظلم والتحذير منه كثيرة فعن النبي صلى الله عليه وآله قال

(إياكم والظلم، فإن الظلم عند الله هو الظلمات يوم القيامة) وعنه صلى الله عليه وآله

ص: 186


1- بحار الأنوار: 321/75 ح 50.
2- ميزان الحكمة: 308/5 عن كنز العمال: 18716..

قال (لا تظلم أحداً، تُحشر يوم القيامة في النور)(1) ، وعن أمير المؤمنين عليه السلام (الظلم في الدنيا بوار وفي الآخرة دمار)، وعنه عليه السلام قال (من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده) وعنه عليه السلام (بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد) وعنه عليه السلام (إياك والظلم فإنه أكبر المعاصي)، وعنه عليه السلام قال (ألا وإنّ الظلمَ ثلاثةٌ:

فَظلمٌ لا يُغفرُ، وظُلمٌ لا يُتركُ، وظُلمٌ مغفورٌ لا يُطلَبُ، فأمّا الظُّلمُ الذي لا يُغفرُ فالشِّركُ بالله... وأمّا الظُلمُ الذي يُغفرُ فَظلمُ العبدِ نفسهُ عندَ بعضِ الهّناتِ، وأمّا الظُلمُ الذي لا يُتركُ فظلمُ العِبادِ بَعضِهِم بعضاً).(2) )

عاقبة الظلم:

وروي عن النبي في بيان عاقبة الظالم قال: (إنّه ليأتي العبدُ يومَ القيامةِ وقد سرّته حسناتُهُ، فيجيء الرجلُ فيقول: يا ربّ ظلمني هذا، فيؤخذ من حسناتِهِ فيجعل في حسناتِ الذي سأله، فما يزال كذلك حتّى ما يبقى له حسنةٌ، فإذا جاء من يسأله نظر إلى سيئاته فجعلت مع سيئات الرجل، فلا يزال يستوفى منه حتى يدخل النار).(3) وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال (من ظلم قُصِم عمره), وقال عليه السلام (بالظلم تزول النعم).

ص: 187


1- هذه المجموعة من الروايات وغيرها في ميزان الحكمة: 299/7 وما بعدها.
2- ميزان الحكمة ج 7 ص 303.
3- ميزان الحكمة ج 7 ص 299..

مديات الظلم:

ويتضح من الروايات التي ذكرنا جملة منها إن مديات الظلم واسعة لا ينجو منها أحد الاّ من عصم الله تبارك وتعالى, لان الظلم هو عدم الوفاء بتمام الحق, وأول حق لا نستطيع الوفاء به ونقصّر فيه حق الله تعالى في طاعته وعبادته مخلصين له الدين (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان/ 13).

ومن الظلم ظلم النفس باتّباع هواها وعدم مسك زمامها فتوقعه في المعاصي وتتمرد على الطاعات وهو مفتاح الظلم للآخرين, عن أمير المؤمنين عليه السلام قال (من ظلم نفسه كان لغيره أظلم) فيقع في ظلم الأهل وعموم الناس سواء في تعامله معهم أو خلال تقصيره في المسؤوليات المناطة به كالطبيب الذي لا يلتزم بشرف مهنته في المستشفى ليراجعوه في العيادة الخاصة، أو المدرِّس الذي يقصّر في المدرسة حتى يلتحقوا بدروسه الخصوصية والموظف الذي لا يعمل بمهنية ونزاهة، والأم التي تقصّر في تربية أولادها وحفظ بيتها وشرف زوجها، أو السياسي في الحكومة والبرلمان الذي لا يبذل كل جهده في خدمة الشعب الذي ائتمنه على هذه المواقع والأمثلة تطول, فهذا كله ظلم.

حتى إن الظلم يمكن أن يقع في أمور بسيطة لا نتصورها كالتحكيم بين كتابتين أو رسمين أيهما أجمل إذا لم يكن منصفاً في حكمه كما ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام (إن أمير المؤمنين (عليه السلم) ألقى

ص: 188

صبيان الكتّاب ألواحهم بين يديه ليُخيِّر بينهم، فقال: أما إنها حكومة والجور فيها كالجور في الحكم)(1).

سبيل التخلص من الظلم:

ولا سبيل إلى التخلّص منها جميعاً إلاّ بالطلب من الله تعالى أن يرضي الخصماء عنه ويتولى ذلك بنفسه لأنه ولي الخلق جميعاً، ورد عنه عليه السلام في دعاء يوم الاثنين (وَأَسْأَلُكَ فى مَظالِمِ عِبادِكَ عِنْدي، فَاَيَّما عَبْد مِنْ عَبيدِكَ اوْ امَة مِنْ امائِكَ كانَتْ لَهُ قِبَلي مَظْلِمَةٌ ظَلَمْتُها ايّاهُ، في نَفْسِهِ اوْ في عِرْضِهِ اوْ في مالِهِ، اوْ في اهْلِهِ وَوَلَدِهِ، اوْ غيبَةٌ اغْتَبْتُهُ بِها، اوْ تَحامُلٌ عَلَيْهِ بِمَيْلٍ اوْ هَوىً، اوْ انَفَة اوْ حَمِيَّة اوْ رِياء اوْ عَصَبِيَّة. غائِباً كانَ اوْ شاهِداً، وَحَيّاً كانَ اوْ مَيِّتاً، فَقَصُرَتْ يَدى وَضاقَ وُسْعى عَنْ رَدِّها الَيْهِ وَاْلتَحَلُّلِ مِنْهُ، فَأَسْأَلُكَ يا مَنْ يَمْلِكُ الْحاجاتِ، وَهِىَ مُسْتَجيبَةٌ لِمَشِيَّتِهِ وَمُسْرِعَةٌ الى ارادَتِهِ انْ تُصَلِيَّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَاَنْ تُرْضِيَهُ عَنّي بِما شِئْتْ، وَتَهَبَ لي مِنْ عِنْدِكَ رَحْمَةً، انَّهُ لا تَنْقُصُكَ الْمَغْفِرَةُ وَلا تَضُرُّكَ الْمَوْهِبَةُ، يا ارْحَمَ الرّاحِمينَ).(2)

ومن دعا ء له عليه السلام (اللهم اني اعتذر اليك من مظلومٍ ظلم بحضرتي فلم أنصره)(3).

ص: 189


1- وسائل الشيعة، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب بقية الحدود، باب 8 ح 2.
2- الصحيفة السجادية/ دعاء يوم الاثنين.
3- الصحيفة السجادية/ الدعاء 38..

ومن دعائه عليه السلام (اللهم فكما كرهت إلي أن أظلم، فقني من أن أظلم)(1)..

ص: 190


1- الصحيفة السجادية/ دعاؤه عليه السلام (إذا اعتدي عليه أو رأى من الظالمين ما لا يحب) ص 95..

الفصل السابع: المعالم الانسانية والحضارية ثورة الامام الحيين عليه السلام

اشارة

ص: 191

ص: 192

النهضة الحسينية والدفاع عن حقوق الإنسان

اشارة

النهضة الحسينية والدفاع عن حقوق الإنسان(1)

اليوم العالمي لحقوق الإنسان:

يحتفل المجتمع الدولي يوم (10-12) من كل عام باليوم العالمي لحقوق الإنسان وهو اليوم الذي أعلنت فيه الأمم المتحدة وثيقة مبادئ حقوق الإنسان عام 1949، وقد طابق هذا العام ذكرى استشهاد الإمام السجاد عليه السلام صاحب أكمل وثيقة لحقوق الإنسان وهي (رسالة الحقوق)، وصادفت هذا العام في شهر محرم الحرام وفي ظل أجواء النهضة الحسينية المباركة، فيكون من المناسب الإشارة إلى جملة من مبادئ حقوق الإنسان والمثل الإنسانية العليا التي جسدها الإمام الحسين عليه السلام في نهضته المباركة أقوالا وأفعالا باللغة المتداولة في هذا العصر، لنوصل البشرية إلى هذا المعين النقي الذي يمدها بكل مقومات الحضارة الإنسانية، ولنقوم بشكل من إشكال النصرة التي طلبها الإمام السبط الشهيد عليه السلام بإبراز القيم السامية و المثل العليا التي عمل عليه السلام على إقامتها وترسيخها ودعوة الناس إليها.

ص: 193


1- كلمة سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) في الملتقى السنوي لمدراء فروع جامعة الصدر الدينية في النجف وسائر المحافظات يوم الأربعاء 27 محرم 1434 الموافق 2012/12/12..

جملة من مبادئ حقوق الإنسان في النهضة الحسينية:

وسنتعرض باختصار لذكر عدد منها تاركين التفصيل إلى فرصة أخرى.

1. وأول تلك المبادئ وأهمها وأرقاها والتي تتقوم بها إنسانية الإنسان هي الحرية ونعني بها الانعتاق من عبودية ما سوى الله تبارك وتعالى، من خلال السعي لتحقيق العبودية الحقة لله تبارك وتعالى بالتوحيد الخالص وطاعته تبارك وتعالى وطاعة من أمر الله تبارك وتعالى بطاعته.

وقد كان تحرير الأمة من عبودية الطواغيت ومن أغلال الخنوع والاستكانة والركون إلى الدنيا وضعف الهمة ومن الجهل والنفاق أهم نتائج النهضة الحسينية، حتى أصبح الإمام عليه السلام سيد الأحرار ورمزهم ورائد كل حركات التحرر إلى يومنا هذا وإلى قيام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف.

وما كان عليه السلام يستطيع تحقيق ذلك لولا أنه امتلأ معرفة بالله تعالى، وتجرد من كل ما سوى الله تعالى، وعاش عبداً مخلصاً لله تبارك وتعالى، وكيف لا يكون كذلك وهو من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً بنص القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة.

وكان كل كيانه ووجوده لله تبارك وتعالى، ومن يتأمل في دعائه عليه السلام يوم عرفة يجد ذلك واضحاً في علاقته مع ربه، والمعارف الإلهية المودعة فيه، والتي هي الوسيلة للوصول إلى العبودية الحقيقية والتوحيد الخالص >كيف يستدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك، متى غبت حتّى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك، ومتى بُعدتَ حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك،

ص: 194

عميت عين لا تراك عليها رقيبا، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبِّك نصيباً< >وأنت الذي تعرّفت إليّ في كل شيء فرأيتك ظاهراً في كل شيء<.

وهكذا كان الإمام عليه السلام إلى آخر لحظة من حياته المباركة، وكانت أدعيته عليه السلام يوم عاشوراء معبّرة عن هذه العلاقة وهذا الارتباط، فقد افتتح يوم العاشر حين اصطف الجيشان للقتال بدعائه الذي يظهر منه كمال الانقطاع إلى الله تعالى فافتتح خطابه مع القوم بالدعاء >اللهم أنت ثقتي في كلّ كرب، وأنت رجائي في كلّ شدّة، وأنت لي في كلّ أمرٍ نزل بي ثقة وعدّة، كم من همٍّ يضعف فيه الفؤاد وتقلُّ فيه الحيلة ويخذُلُ فيه الصديق ويشمُتُ في العدو، أنزلتُهُ بك وشكوتُهُ إليك، رغبة منّي إليك عمّن سواك، ففرّجته وكشفته، فأنت وليّ كلِّ نعمة وصاحب كلِّ حسنة ومنتهى كلِّ رغبة< وكان عليه السلام يثني على كل موقف حر أبي، لذا أكبَرَ عليه السلام موقف الحر الرياحي لتحرّره من عبودية الطاغوت ووقف على مصرعه قائلاً له >والله ما أخطأت أمك إذ سمتك حراً فأنت والله: حرٌ في الدنيا وسعيد في الآخرة<(1).

2. العدالة بين أفراد الأمة من دون تفريق بين أحد وآخر لأي من الاعتبارات الموجودة، وقد كثر هذا المعنى في كلماته عليه السلام، حتى أنّه استغرب من طاعة جيش العدو لأمرائه من دون توفير هذا الحقّ لهم، فقال لهم يوم عاشوراء موبّخاً >تباً لكم أيتها الجماعة وترحا!... فأصبحتم ألباً على..

ص: 195


1- مصدر هذه النصوص كتاب (موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام) إصدار معهد تحقيقات باقر العلوم في الصفحات التالية 531، 959، 432، 433، 383، 511، 457، 512، 483، 485، 491، 501، 519، 505..

أوليائكم ويداً عليهم لأعدائكم، بغير عدلٍ أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، إلا الحرام من الدنيا أنالوكم، وخسيس عيشٍ طمعتم فيه<.

3. وكان عليه السلام يطالب بالتوزيع العادل للثروة على الشعب بلا استثناء ولا هدر للمال العام ولا تبديد للثروات على النزوات والشهوات والحماقات، فقد جعل عليه السلام من أهداف خروجه على السلطة الحاكمة أنّهم (أظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء).

4. المساواة في الحقوق الاعتبارية والمادّية، فأما الأولى: فقد اختلط دم أهل بيت النبوّة بدماء غيرهم ووقف الإمام الحسين عليه السلام على مصرع جون وهو مولى لأبي ذر أسود اللون كما وقف على مصرع ولده علي الأكبر شبيه رسول الله صلى الله عليه وآله خَلقاً وخُلُقاً ومنطقاً، وشكر سعي الجميع وتضحيتهم بكلمات رفيعة بلا فرق بينهم، وأمّا في الحقوق المادّية فقد قدّمنا رفضه عليه السلام للاستئثار في ثروات الشعوب ومطالبته بمراعاة حقوق الجميع على حد سواء.

5. العمل بالدستور والقوانين التي آمنت بها الأمة بملء إرادتها واختيارها، والمطالبة بتطبيقها وهي بالنسبة للمسلمين: القرآن الكريم والسنة الشريفة، قال عليه السلام في كتابه لأهل البصرة: >وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيّه فإنّ السنة قد أميتت وأن البدعة قد أُحييت، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد< ويصف السلطة الحاكمة بأنّهم >لزموا طاعة الشيطان وتولوا عن طاعة الرحمن، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله< أي انقلبوا على الدستور وغيّروا أحكامه.

ص: 196

6. احترام إرادة الأمة في تولية أمورها إلى مستحقيها الذين يقومون فيها بالقسط والعدل وينصفون المظلومين ويعمرون الحياة بالخير ويقرّبون الناس إلى الله تبارك وتعالى، ومنع وصول الفاسدين والمستبدّين إلى السلطة، بالطرق غير المشروعة كالانقلابات العسكرية وتزوير إرادة الأمة، قال عليه السلام: >أمّا بعد أيّها الناس: فإنّكم إن تتّقوا وتعرفوا الحقّ لأهله يكون أرضى لله، ونحن أهل البيت وأولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس له، والسائرين فيكم بالجور والعدوان<.

7. الكرامة ورفض الذلّ والمهانة بكل أشكالها، من خطبة له عليه السلام يوم عاشوراء >ألا ان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلة، أبى الله ذلك ورسوله، وجدود طابت وحجور طهرت، وأنوف حميّة ونفوس أبيّة، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام<.

8. إحقاق الحق ونصرته، وإبطال الباطل ومقاومته بكل الوسائل المتاحة التي تقتضيها الحكمة وتكون مطابقة لأحكام الشريعة حتّى لو أدّت إلى شهادته، قال عليه السلام: >ألا ترون أنّ الحق لا يُعمل به، وأنّ الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربِّه محقاً، فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما<.

9. الإصلاح وتصحيح الواقع الفاسد وإقامة البديل الصالح في كل تفاصيل شؤون الأمة، سواء على صعيد الوضع السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو القضائي أو الأخلاقي والعقائدي وغيرها، من خلال أداء

ص: 197

وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بكل أدواتها وكافة مستوياتها، قال عليه السلام

>أما بعد فقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد قال في حياته (من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، أو تاركاً لعهد الله، ومخالفاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله، فعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ثم لم يغيّر عليه بقول ولا فعل، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله) وقد علمتم أنّ هؤلاء لزموا طاعة الشيطان، وتولّوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله وأنا أحقّ من غيّر<.

وكتب عليه السلام في وصيته >وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطِراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي صلى الله عليه وآله، أريد أن أأمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وابي علي بن أبي طالب<.

10. حريّة التعبير عن الرأي واتخاذ القرار بكل اختيار وإرادة من دون أي تأثير وإكراه.

في ليلة عاشوراء والعدو عازم على مناجزته القتال وقد تكامل عددهم ثلاثين ألفا وهو عليه السلام في سبعة عشر من أهل بيته و سبعين من أصحابه، ومن كان في ذلك الموقف يتشبّث بأي عدّة أو عدد، نراه يجتمع مع اصحابه ويقوله لهم >إنّي لا أحسب القوم إلاّ مقاتلوكم غداً، وقد أذنت لكم جميعاً، فأنتم في حلٍّ مني وهذا الليل قد غشيكم، فمن كانت له منكم قوّة فليضمّ رجلاً من أهل بيتي إليه وتفرقوا في سوادكم<.

11. الشفافية والوضوح وعدم المخادعة والتضليل:

من كلامه عليه السلام مع أصحابه وقد جمعهم ليلة العاشر من المحرم ليكاشفهم بالأمور قال عليه السلام: >اعلموا انكم خرجتم معي لعلمكم أني أقدم

ص: 198

على قوم بايعوني بِألسنتهم وقلوبهم، وقد انعكس الأمر بأنّهم استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، والآن ليس لهم مقصد إلاّ قتلي وقتل من يجاهد بين يدي، وسبي حريمي بعد سلبهم، وأخشى أن تكونوا ما تعلمون وتستحيون، والخدع عندنا أهل البيت محرّم، فمن كره منكم ذلك فلينصرف<.

12. الرحمة والشفقة عليهم والنصيحة لهم:

فقد أبلغ في النصيحة لجيش العدو وألقى عليهم الخطبة بعد الخطبةِ وضمّنها كلّ الحجج الدامغة والكافية لردعهم عن اقتراف هذه الجريمة، ووعظهم بأنواع المواعظ، ولكنّهم كانوا كما وصفهم الإمام عليه السلام >لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم، فتباً لكم وما تريدون< حتّى قال عليه السلام >ألا إنّي قد أعذرت وأنذرت< وقال لزهير بن القين بعد أن وعظ القوم >أقبل، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء، لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت، لو نفع النصح والإبلاغ<.

وفي بعض الروايات أنّه بكى يوم عاشوراء شفقة على أعدائه معللاّ ذلك بأنهم (يدخلون النار بسببي) وهو كجدّه وأبيه وأخيه (صلوات الله عليهم أجمعين) أرسلوا رحمة للعالمين.

13. عدم التجاوز على حقوق الآخرين وردِّها إلى أهلها، ومن ذلك أمره عليه السلام لبعض أصحابه قائلاً >نادِ في الناس أن لا يقاتلن معي رجل عليه دَين، فإنّه ليس من رجلٍ يموت وعليه دين لا يدع له وفاءاً إلا دخل النار< فهو عليه السلام لا يرى هذا الموقف العصيب والمفصل التاريخي في حياة الأمة مبرّراً للتقصير في إرجاع الحقوق إلى أهلها.

ص: 199

وروى الإمام الباقر عليه السلام عن أبيه السجاد عليه السلام أن آخر ما أوصاه أبوه الحسين عليه السلام عندما ودّعه وخرج للقتال >يا بني اتقِ ظلم من لا يجد له ناصراً إلا الله تعالى<.

14. التضحية بالمصالح الخاصة من أجل وحدة الأمة ومصالحها العليا، قال عليه السلام

>أمّا بعدُ، فإنّ الله اصطفى محمداً صلى الله عليه وآله على خلقه، وأكرمه بنبوّته، واختاره برسالته، ثم قبضه الله إليه، وقد نصح لعباده، وبلّغ ما أُرسل به صلى الله عليه وآله وكنّا أهله وأوليائه وأوصيائه وورثته، وأحقّ الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنا أحقُّ بذلك الحق المستحق علينا ممّن تولاه<.

وكان من أهم ما أوصى به الإمام الحسين عليه السلام كوسيلة لتحقيق هذه المبادئ الإنسانية العليا: الصبر والرضا بقضاء الله تبارك وتعالى وعدم الجزع من المكاره والمصائب.

لمّا سمعت العقيلة زينب عليها السلام أخاها الحسين عليه السلام ينعى نفسه وهو يصلح سيفه ليلة عاشوراء لطمت وجهها وخرّت مغشياً عليها فصبّ على وجهها الماء وقال لها: >يا أختاه تعزي بعزاء الله وارضي بقضاء الله، فإنّ سكّان السماوات يفنون وأهل الأرض يموتون وجميع البريّة لا يبقون، وكل شيء هالك إلاّ وجهه، له الحكم وإليه ترجعون، وإنّ لي ولكِ ولكل مؤمن ومؤمنة أسوة بمحمد صلى الله عليه وآله<.

أقول: هذا باختصار بعض ما يمكن استخلاصه من كلمات الإمام الحسين عليه السلام ومواقفه فيما يتعلّق بحقوق الإنسان، وعلينا - ونحن نخوض هذه المواجهة الحضارية مع الغرب الذي يوصف بالمتمدّن - أن نُعمّق مثل

ص: 200

هذه المعرفة وننهل المزيد منها لنقدّمها للمجتمع البشري كمنظومة متكاملة قادرة على تحقيق السعادة والازدهار والكرامة والحرية لبني الإنسان.

ص: 201

المسيرات الراجلة وسيلة حضارية تستنقذ

الأمة بها حقوقها

الأمة بها حقوقها(1)

تطوير أنماط العمل:

علينا أن نستثمر حركة المواكب الحسينية الواعية بأفضل صورة فإن العمل الواحد يمكن أن يكون أكثر ثواباً إذا حمل عدة وجوه وأهداف وهذه تحتاج إلى وعي ومعرفة؛ لذا كانت المعرفة أساس الدين وورد الحث الأكيد على طلب العلم والعمل به.

ونؤكد على ضرورة التطوير والتحديث والتنويع في أنماط العمل الإسلامي لتبقى حالة تفاعل الأمة معها والاستجابة لها لأن الأعداء ينوعون في أساليبهم ويسبغون عليه الكثير من الإثارة والجاذبية، فلكي نحافظ على شبابنا لابد من تنويع أساليب العمل بما يناسب توجهاتهم، وقد نجده يستهجن غدا بعض الآليات لإحياء الشعائر التي يعملها الآن فنحن بحاجة إلى إصلاح في هذا الاتجاه.

الإصلاح غير الثورة:

وعلينا أن نفرق بين الإصلاح الذي يبقي على الحسن ويزيل القبيح والضار، وبين الثورة التي تستأصل كل شيء وإن كان نافعاً، فالطبيب الحاذق هو الذي يتفحص جسد المريض عضواً عضواً ولا يزيل إلاّ ما كان

ص: 202


1- نشر في الصفحة الثالثة من صحيفة الصادقين في عددها ال - (19) الصادر بتأريخ 25 صفر 1426 الموافق 5 نيسان 2005..

فاسداً، وإن كثيراً من الثورات أضرت أممها بسبب هذا الاندفاع غير الواعي، وحينما تفتقد القيادة الإصلاحية الحكيمة كالثورة الفرنسية التي سلخت الأمة من قيم ومبادئ صحيحة وأولها الالتزام بالدين في خضم هيجان الجماهير.

الوجه الحضاري لشعيرة المشي:

وتبقى شعيرة الذهاب إلى كربلاء سيراً على الأقدام أهم الوسائل الحضارية التي تعبر الأمة من خلالها عن مطالبها وأهدافها، وهو أسلوب اثبت نجاحه عبر التأريخ واستفاد منه القادة العظماء وأولهم رسول الله صلى الله عليه وآله الذي أمر المسلمين بالتوجه إلى مكة في عمرة القضاء في السنة السابعة للهجرة والسيوف في أغمادها، مما اضطر قريش إلى الاستسلام وسحب المبررات من اتخاذ أي أجرا مسلح وانهزمت بعدها قريش ودخل رسول الله صلى الله عليه وآله مكة فاتحاً.

وقد حرر المهاتما غاندي الهند من البريطانيين بهذه المسيرات السلمية، وكذا انتصرت الثورة الإسلامية في إيران فقد كانت الجماهير الثائرة تقدم الزهور إلى الجيش والحرس الذين كانوا يطلقون النار ويحصدون أرواح آلاف المؤمنين حتى استسلم الجيش وانهزم.

وفي تجربة تحرير الجنوب اللبناني حيث قام أبناء قرى ومدن الجنوب حينما رأى انهيار معنويات الجيش الإسرائيلي وتفكيره الجدي في الهزيمة بالتجمع نساءً ورجالاً وأطفالاً، والتوجه بمسيرات سلمية نحو مدنهم

ص: 203

وقراهم فلم يستطع الإسرائيليون فعل شيء واستمروا في تراجعهم حتى لم يستطيعوا البقاء إلى الموعد المحدد للانسحاب.

وفي الختام نهنأكم على هذا الحماس وهذه الشجاعة والهمة حيث قطعتم مئات الكيلومترات خلال تسعة أيام، ففي زيارة الإمام الحسين عليه السلام فضلاً عظيماً لا يحصيه إلاّ الله تعالى كما نطقت به الروايات الشريفة، وفي زيارة الأربعين خصوصية إضافية وفي السير على الأقدام فضل إضافي، وهذا كله قد كتب لكم بفضل الله تبارك وتعالى، فانقلوا هذه المعاني والروايات إلى الزائرين لترفعوا من هممهم وحماسهم.

ص: 204

المسيرات الراجلة ظاهرة حضارية

المسيرات الراجلة ظاهرة حضارية(1)

شواهد على أهمية المسيرة الحضارية الى الإمام

الحسين عليه السلام:

إذا التفتنا إلى أمرين علمنا أهمية سير المؤمنين مشياً على الأقدام إلى كربلاء وسائر المشاهد المقدسة خصوصاً في زيارة الأربعين:

الأول: أن السير على الأقدام من أجل تحقيق مطلب معيّن أو إلفات النظر إلى قضية معينة وسيلة حضارية اتخذتها الأمم وفرضت بها إرادتها.

وهناك شواهد عديدة من التأريخ القديم والجديد ففي السنة السادسة للهجرة خرج رسول الله صلى الله عليه وآله بألف وبضع مئات من أصحابه يريد مكة لأداء العمرة بمسيرة سلمية فلما علم مشركو قريش بذلك أسقط ما في أيديهم ولم يستطيعوا قتالهم وأوقعوهم في حرج شديد لئلا تقول العرب أنهم قتلوا ناساً عزّلاً من السلاح جاؤوا قاصدين البيت الحرام، واضطروا للصلح مع النبي صلى الله عليه وآله في الحديبية وعدّه الله تبارك وتعالى فتحاً مبيناً في سورة الفتح.

ومن التأريخ الحديث ثورة الملح والمسيرة التي قادها غاندي وأنهى على أثرها الاحتلال البريطاني للهند.

ص: 205


1- من حديث سماحة الشيخ مع حشد من أبناء المحافظات الجنوبية الذين زاروه في طريقهم إلى كربلاء يوم الجمعة 16 صفر 1427 المصادف 2006/3/17..

والمسيرات المليونية التي أسقطت شاه إيران ولم يكن المتظاهرون يقابلون النار التي يطلقها جلاوزة الشاه إلا بالورود حتى خجل الجيش من نفسه وانسحب من المواجهة تاركاً الشاه وجلاوزته فانتصرت الثورة الإسلامية في إيران.

وبعد سنين من المقاومة اللبنانية التي قادها حزب الله لإنهاء الاحتلال الصهيوني قرر الصهاينة الانسحاب وحددوا لذلك موعداً لكنهم اضطروا للانسحاب بذلّة وبإرباك وفوضى قبل الموعد(1) حينما قرر أهالي القرى والمدن المحتلة بالزحف نحو مدنهم رجالاً ونساءً وأطفالاً فلم يكن أمام المحتلين إلا النكوص ورجوع القهقرى أمام زحفهم الهادر والقوي بقوة حقهم وعدالة قضيتهم وبدأ الأهالي العزّل يطهرون مدنهم الواحدة تلو الأخرى حتى اكتمل النصر.

الثاني: إن هذه الحالة - أعني السير على الأقدام - أسسها المعصومون عليهم السلام وأعطوها زخماً كبيراً من الثواب فقد ورد في بعض الروايات عن الإمام الصادق عليه السلام (من أتى قبر الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) ماشياً كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة ورفع له ألف درجة)(2).

فإذا كانت الشعوب تخرج بهذه المسيرات لإنهاء احتلال فنحن..

ص: 206


1- كان ذلك في آيار 2000.
2- مفاتيح الجنان/آداب زيارة الإمام الحسين عليه السلام..

مبتلون باحتلال متغطرس لا يرقب فينا إلاً ولا ذمة، وإذا كانت تخرج للمطالبة بتحسين الخدمات واحترام حقوق الإنسان فبلدنا يعيش في الحضيض من هذه الناحية، وإذا كانت الأمم تخرج للدفاع عن حقوقها وعزتها وكرامتها ولرفع الظلم والاضطهاد عنها فنحن نطالب بذلك.

من ثمرات ومكاسب المشي الى الإمام الحسين عليه السلام:

إذن فإن هذه المسيرات يجب إدامتها واستثمارها وتوظيفها. فإذا ضممنا إليها أهدافاً أخرى والتفتنا إلى هذه الثمرات المتحققة منها زاد حماسنا واندفاعنا ومنها:

1 - أن الذهاب سيرا على الأقدام فيه إظهار لعظمة المقصود فقد حج الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ماشيا على قدميه ليس لعدم وجدانٍ للراحلة فإن الرواية تقول (وان النجائب لتقاد بين يديه) وإنما كان تعظيما للبيت الحرام ومن أولى من الإمام الحسين عليه السلام بالتعظيم والإجلال بل دلت بعض الروايات على أفضلية تربة الحسين عليه السلام على الكعبة.

2 - انه يتضمن إظهارا للولاء لأهل بيت النبي (صلوات الله عليهم أجمعين) ومحبتهم التي جعلها الله تبارك وتعالى اجر الرسالة [قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ] (الأنعام: 90) بحيث يحرك هذا الحب ملايين الموالين ليقطعوا مئات الكيلومترات من دون أن يصطحبوا زاداً أو فرشاً أو أي حاجات شخصية وتتعبأ الأمة كلها لخدمتهم.

3 - إن فيها مواساة لآل النبي صلى الله عليه وآله وعيالات الحسين عليه السلام الذين اقتيدوا أسارى في الصحراء بلا غطاء ولا وطاء من كربلاء إلى الكوفة

ص: 207

ثم إلى دمشق ثم أعيدوا إلى كربلاء ثم إلى مدينة جدهم صلى الله عليه وآله وهن عشرات النسوة وأزيد منهم من الأطفال بلا محامِ ٍ ولا كفيل وإنما يحوطونهم قتلة الطيبين من آل رسول الله صلى الله عليه وآله.

4 - أن هذه الحركة الجماعية تنمي روح العمل الجماعي الذي إن تعودت عليه الأمة حصلت لها بركات كثيرة.

5 - إن وحدة الهدف والغاية لهذه الملايين الزاحفة يوحد الأمة ويذوب خلافاتها وما أحوجنا اليوم لهذه الوحدة.

6 - أن كثيراً من الناس يتحركون بفعل ما يسمى ب - (العقل الجمعي) فقد لا يكون الشخص مندفعاً نحو التدين وتعظيم شعائر أهل البيت عليهم السلام لكنه لا يملك نفسه دون أن ينخرط في هذه الحركة المليونية المباركة ويتأثر بها فتكون خير وسيلة للهداية والإصلاح كالذي تفعله صلاة الجمعة ونحوها.

7 - تساهم هذه الفعالية بما تتضمنه من مصاعب ومشاق في تدريب الأمة على التضحية وتَحمُل الصعاب من أجل تحقيق أهدافها السامية وهي خطوة مهمة على طريق إعداد المؤمنين لحركة الإمام المهدي عليه السلام العالمية المباركة، ومثل هذه الفعالية تعتبر أرقى الحالات التعبوية للجيوش في العالم وان الجيوش التي تنجح في القيام بمثل هذا الانتشار الواسع على مساحات ألاف الكيلو مترات المربعة، وبأعداد كثيفة تصل إلى الملايين، وبتنظيم عالٍ لم يشهد أي خسائر أو تقصير ومن دون أن يصطحب الجندي أي لوازم أو احتياجات وتُقدَّم خدمات لوجستية كاملة تعتبر أمثولة

ص: 208

تستحق الدراسة في الأكاديميات العسكرية العالمية.

8 - أنها تقوي الإرادة وتحقق النصر على النفس الأمارة بالسوء التي تميل إلى الدعة والراحة وتكره العنت والمشقة وهي بذلك تحقق قفزة كبيرة على صعيد تهذيب النفس والسلوك إلى الله تبارك وتعالى.

9 - أن هذه الحركة تعزز الانتماء إلى الحسين ونهضته المباركة وما أحلاه من انتماء وما أشرفه وما أعظمه وهذه الهوية تحتوي على الكثير من الخصائص والعلامات المميزة له عن غيره التي ينبغي للسائر إلى الإمام الحسين عليه السلام أن يعيها ويلتفت إليها ويجسدها في حياته.

10 - والفوائد الصحية التي ربما هي أخر ما يفكر بها السائر إلى الحسين عليه السلام لأنه يرنو ببصره إلى المعنويات والآثار الروحية، لكن هذه الآثار الطيبة على الصحة ليست قليلة، ونحن نعلم أنَّ كل أحكام الشريعة إنما جعلت لمصالح يجنيها الفرد أو مفاسد يراد دفعها عنه، وقد ذكروا أن المشي يقلل من خطر ارتفاع ضغط الدم ويحسن أداء القلب ويساهم في خفض نسبة الدهون في الدم (الكوليسترول) المسبب لتصلب الشرايين، ويقوم بتقوية العظام ويحافظ على صحة المفاصل والعضلات ويخفف من حدة التوتر النفسي وغيرها كثير.

لنستثمر حالنا في تجارة لن تبور:

واغتنم وجودكم لتوجيهين يضاف أجرهما إلى ما ذكرناه والله

ص: 209

تبارك وتعالى يخاطبنا «فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ» (البقرة: 148) ويقول سبحانه «وَ فِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ» (المطففين: 26).

فالمفروض إننا نستثمر الحالة بأعلى صورها فأنها (تجارة لن تبور) والأمران هما:

الأول: أن تسير هذه الجموع المؤمنة في مواكب وتجمعات منتظمة لأن النظام قوة ويحقق ثماراً كثيرة ويدخل الرعب على الأعداء ويرسل لهم رسالة قوية أما المشي أفراداً مشتتين مهما كثر عددهم فإنه لا يؤثر كذلك؛ لأن العدد سينظر إليه وكأنه تقليد اجتماعي دأب عليه الناس فلا يقيم له وزناً معتداً به كما كان جلاوزة صدام يفعلون فإنهم كانوا حينما يستعصي عليهم المنع التام من المشاركة في هذه المناسبة فإنه يسمح بالأعداد الغفيرة تسير إلى كربلاء ولا يقلقه ذلك كثيرٌ لكن عشرة أشخاص إذا اجتمعوا ونظموا أنفسهم وكانت لهم حركة واحدة فإنه يشعر بخطرهم ويلاحقهم.

وإني لا أدعي أنني قادر على تنظيم هذا العدد الضخم ولكنني أضعه كمشروع أمام القائمين على هذه الحركة المباركة، وقد نظمنا كنموذج طلبة الجامعات والمعاهد العراقية في مواكب الوعي الحسيني وكان مثلاً مثيرا للفخر والاعتزاز ويستحق التأسي به فلتفعل الجهات الفاعلة في مختلف المحافظات لأبناء كل محافظة مثل هذا التنظيم المبارك.

الثاني: إنكم خلال مسيرتكم الطويلة تمرون على عشائر وأرياف وقرى ومناطق لم يصلها قبلكم مرشد ديني أو واعظ أو

ص: 210

موجّه لذا تجدهم يجهلون أبسط واجباتهم الدينية، وهم يستضيفونكم وتنزلون عندهم فاغتنموا هذه الفرصة للإرشاد والتوجيه والتبليغ وإيصال صوت الهداية والصلاح ليؤتيكم الله وإياهم كفلين من رحمته وكثير منكم شباب رساليون واعون مثقفون قادرون على أداء هذه الوظيفة أحسن قيام فلا تقصروا في اغتنام هذه الفرصة.

وفي ضوء كل هذه الأفكار يجد عدد غير قليل من المؤمنين الواعين رغبة عندهم في إحياء عدد من المناسبات والزيارات على هذا الشكل أي التوجه إلى الإمام المزور سيراً على الأقدام.

فطوبى لكم ويهنيكم ما اعد الله تعالى لكم من الكرامة وأرجو شفاعتكم يوم القيامة والحمد لله رب العالمين وصلى اله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

ص: 211

إلى المشكّكين بجدوى الزيارات المليونية

إلى المشكّكين بجدوى الزيارات المليونية(1)

الثقة العالية بإسلامنا العزيز:

يشكّك البعض بجدوى حضور الملايين في الزيارات، كعاشوراء والأربعينية ويناقش في صرف الأموال الطائلة لخدمة الزوار وتوفير احتياجاتهم، وينطلق بعض هؤلاء من التأثر بالأجندات الغربية التي لا تفقه الآثار المعنوية لهذه الحركة المباركة على الفرد والمجتمع.

فيجب أن نكون نحن على ثقة عالية بشريعتنا وشعائرنا التي باركها الشارع المقدّس، فنجيب على هؤلاء بمستويين من الجواب، يُسمى الأول في مصطلح الحوزة العلمية بالجواب النقضي، أي الرد على الإشكال بإشكال مثله من واقعهم وممارساتهم، ويُسمّى الثاني الجواب الحلّي بتقديم الدليل على جدوى هذه الشعائر وبيان الآثار المباركة التي تثمرها.

الجواب النقضي على إشكال التخلف في الزيارات المليونية:

والجواب على المستوى الأول هو بما يصدر منهم هذه الأيام بمناسبة الاحتفالات برأس السنة، حيث تسود العالم الغربي وغيره احتفالات صاخبة ومهرجانات والعاب نارية وسفرات من غرب الأرض إلى شرقها وشراء

ص: 212


1- من حديث سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي دام ظله مع حشود الزائرين الذين وفدوا مشياً على الأقدام من المحافظات الجنوبية متوجهين إلى كربلاء المقدسة يومي 16-17 / صفر/ 1434 الموافق 30-2012/12/31..

هدايا (عمانوئيل) وأمثالها(1) من الممارسات التي تصرف فيها مليارات الدولارات بلا معنى عقلائي يمكن الاقتناع به إلا تسويلات الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء من المتع واللذات الوقتية الكاذبة، وكان الأجدر بهم صرف هذه المليارات على جياع أفريقيا وتنمية اقتصاديات الدول الفقيرة وإنشاء المشاريع المفيدة في الدول التي يتباكون على فقرها وابتلائها بالأمراض الفتاكة والحروب والمشاكل الاجتماعية.

هذا غير ما يصرف من مليارات أخرى على غيرها من الفعاليات غير العقلائية كالدورات الأولمبية وبطولات كأس العالم مما يثقل ميزانيات الدول بمبالغ طائلة، وبين أيدينا اليونان التي اشترطت عليها الولايات المتحدة أموراً عند تنظيمها الدورة الأولمبية عام 2004 ولم تستطع واردات السياحة سدّها فغرقت في ديون باهضة شارفت بسببها على الإفلاس.

فالأولى بهؤلاء المنتقدين أن يعترضوا على هذه الممارسات والفعاليات التي لا فائدة فيها إلا متعة ولذة - كما يزعمون - وهي وقتية بمقدار لحظتها ووهمية ويبقى الفرد يعاني بعدها من مشاكل نفسية واقتصادية أيضاً لأن أغلب أفرادهم يقترض ليقوم بتلك السفرات أو شراء الهدايا ونحوها. فهؤلاء..

ص: 213


1- من تلك المراسيم في فرنسا احراق السيارات حيث أحرقت 1193 سيارة ليلة 2013/1/1 بحسب وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالز وقال: إن العدد قريب من عدد السيارات التي أحرقت في سنوات سابقة حيث تحوّل إحراق السيارات ليلة رأس السنة إلى عادة لدى الفرنسيين منذ بضع سنوات وأحرقت ليلة 2010/1/1(1147) سيارة ولم تُعلن إحصائيات 2011، 2012 حيث تحفظ وزراء اليمين في حينها عن إعلان الأرقام..

المعترضون ينطبق عليهم المثل المعروف بأنه يرى القذّة في عين الغير ولا يرى الجمل في عينه.

الجواب الحلّي عن إلإشكال:

أما على صعيد المستوى الثاني من الجواب فقد تضمّنت خطاباتنا السابقة ذكر العديد من تلك الآثار المباركة، نشير إليها باختصار، وتُراجَع التفاصيل في مواضعها(1).

إن التوجّه سيراً على الأقدام من مسافات بعيدة مع ما يرافقه من العناء والمشقّة فيه تعبير عن عميق المودّة والولاء للإمام عليه السلام التزاماً بقوله تعالى (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (الشورى/ 23).

إنّ فيه إظهاراً لعظمة الإمام المقصود بما عظّمه الله تعالى، كما سار الإمامان الحسن والحسين صلى الله عليه وآله ماشيين إلى مكة المكرمة تعظيماً لبيت الله الحرام.

إنّ فيها إدخالاً للسرور على قلب النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته المعصومين عليهم السلام ومواساة لهم على عظيم مصابهم، وفيه إحياء لأمرهم والتزام بما وجهوا إلهيا (أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا).

الثواب العظيم الذي رصد لمن يقصد زيارة الإمام الحسين عليه السلام ماشياً وقد وردت في ذلك روايات عديدة منها عن الإمام الصادق عليه السلام

ص: 214


1- راجع خطاب المرحلة: 14/4، 227-238 وفي مواضع أخرى من الكتاب..

قال (من أتى قبر الحسين عليه السلام ماشياً كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة ورفع له ألف درجة).(1)

إنها وسيلة هداية للآخرين، فقد اهتدى بشعائر الحسين عليه السلام إلى الحق كثيرون وعادوا إلى الصلاح والرشد في حين عجزت كل الوسائل عن إصلاحهم، وهذه من بركات الإمام الحسين عليه السلام فإنه (مصباح هدى وسفينة نجاة).

1 - إنها توحّد الأمة بكل طوائفها وقومياتها وتوجهاتها الاجتماعية والسياسية ومختلف انتماءاتها الجغرافية والعشائرية، وهذا واضح حيث يذوب الجميع في حب الإمام الحسين عليه السلام وبعضهم لبعض مما يستحيل تحقيقه في غير هذا الهدف قال تعالى (وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) (الأنفال/ 63).

إنّ المسيرات السلمية وسيلة حضارية تتبعها كل الأمم المتحضرة لإلفات النظر إلى قضاياها والمطالبة بحقوقها ودفع الآخرين للسؤال والفحص عن المشروع المحرِّك لها، وهذا ما تحقق إذ صار العالم كله يتساءل اليوم عن الإمام الحسين عليه السلام وأهل البيت عليهم السلام والشيعة، والسؤال مفتاح الوصول إلى الحقيقة.

إنها تحبط محاولات الأعداء المتنوعين التي تستهدف الشعب العراقي الأبي وهذا البلد الكريم، لإفساده وإخضاعه وإرعابه وتدجينه وسلخه من هويته الإسلامية الأصيلة، فقد حاول الإرهابيون بكل وسائل..

ص: 215


1- راجع الروايات في وسائل الشيعة: كتاب الحج، أبواب المزار وما يناسبه، باب 41..

القتل والتدمير والجريمة إخافته، وحاول الاحتلال تدجينه وتحويله إلى جزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير بل رأس الحربة فيه، وحاولت تقنيات الإغراء والغواية والتضليل إفساده وإبعاده عن إسلامه الأصيل ففشل الجميع، ببركة هذه المسيرات المليونية.

إنها ممارسة تعبوية تحافظ على جاهزية الأمة وحضورها في الميدان على الدوام وبدونها يصاب الشعب بالخمول والكسل والاسترخاء فيكون مكشوفاً وهدفاً سهلاً لكل استهداف.

إنها تقوّي الإرادة والتحمل وتوطين النفس على الصعاب مما يعجز عن تحقيقه أي ممارسة أخرى وتشكّل بذلك فقرة مهمة من عملية الاستعداد لنصرة الإمام الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف والمشاركة الفاعلة في التمهيد لدولته المباركة ونصرته.

إن أجواء الزيارة والمشاعر الروحية فيها تعطي للنفس زاداً معنوياً وحصانة وغذاءاً روحياً يبقى تأثيره ولذته إلى أمد بحسب استحقاق كل شخص واستعداده، وكما يقال بحسب سعة إنائه ووعائه فإنه يغترف من هذه الألطاف الإلهية (فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) (الرعد/ 17).

بهذه الحركة المليونية يبرز الشعب العراقي انتماءه للإسلام ولمذهب أهل البيت عليهم السلام ويبرز هويته في عملية إحصاء سكّاني صادق ودقيق لا يقبل الخطأ والتزوير وليردّ بذلك على بعض الجهات التي تحاول القفز على الواقع وتدّعي خلافه.

وقد وردت الإشارة إلى جملة من هذه الآثار المباركة في دعاء الإمام الصادق عليه السلام لزوار أبي عبد الله الحسين عليه السلام في الرواية المعتبرة عن

ص: 216

معاوية بن وهب البجلي وفيها (اغفر لي ولإخواني ولزوّار قبر أبيَ الحسين بن علي صلوات الله عليهما الذين أنفقوا أموالهم واشخصوا أبدانهم رغبة في برِّنا ورجاءاً لما عندك في وصلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيك محمد صلى الله عليه وآله، وإجابة منهم لأمرنا، وغيظاً أدخلوه على عدوِّنا، أرادوا بذلك رضوانك، فكافئهم عنّا بالرضوان)(1) إلى آخر الدعاء...

ص: 217


1- مفاتيح الجنان: 484 فضل زيارة الإمام الحسين عليه السلام..

ص: 218

الفصل التاسع: توجيهات عامة في الزيارات اامليونية

اشارة

ص: 219

ص: 220

توجيهات في ذكرى زيارة الأربعين عام 1425

توجيهات(1) في ذكرى زيارة الأربعين عام 1425

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

دفق الإيمان في قلوب الموالين:

لقد حاول أعداء أهل البيت عليهم السلام عبر التاريخ أساليب شتى ثني الموالين لهم عليهم السلام عن الاستمرار بإحياء شعائر الله تبارك وتعالى، وقد وصلت هذه الأساليب حد القتل والسجن وتقطيع الأعضاء وتغريم الأموال الباهظة، وفي كل ذلك يخرج أولياء الله منصورين ولا يزيد الظالمين إلا تبارا والمؤمنين إلا إصرارا على مواصلة نهج أهل البيت عليهم السلام، وما درى هؤلاء الأعداء أن شيعة أهل البيت عليهم السلام خلقوا من فاضل طينتهم عليهم السلام - كما أخبروا هم عليهم السلام - قبل الخلق والخليقة، فهم يفرحون لفرحهم ويحزنون لحزنهم، وأن هذه الشعائر تمدهم بالإيمان وحرارة الولاء التي كلما خبت زادتها هذه الشعائر اتقاداً، وما بقاء الدين عامراً في أمتنا رغم المحن الكثيرة إلا ببركات الحسين عليه السلام.

ص: 221


1- صدرت قبيل الزيارة لإلفات نظر الزوار الكرام..

وما هذا الحماس الديني الذي تنبض به قلوب المؤمنين إلا من آثار إقامة الشعائر الحسينية.

لن يثنونا عن التمسك بالحق:

وقد ظنوا أن تفجيرات يوم عاشوراء التي جددت لنا تلك الفاجعة ستمنع المؤمنين من الاستمرار في أداء مراسيمهم، فخابت ظنونهم فورا حيث انطلقت مواكب الهرولة ملبية نداء الحسين عليه السلام (هل من ناصر، هل من معين) بأعداد ضخمة، فاقت حد التصور بعد التفجيرات مباشرة.

ثم عادوا وهددوا زوار الأربعين، وهاهي الآلاف المؤلفة تنطلق قبل موعد الزيارة بأيام في مواكب راجلة لترد على أولئك المجرمين، وتؤكد انتماءها لمدرسة أهل البيت عليهم السلام ومواصلتها لنهجهم القويم، وما أشبه اليوم بالبارحة ففي مثل هذه الأيام من صفر 1397 ه المصادف شباط 1977 حاول جلاوزة البعث المقبور بكل وحشية لقمع مواكب المشاة التي انطلقت من النجف الأشرف، واستعملوا الدبابات والمدرعات وكانت الطائرات تُغير على الموالين وهم في هذه الصحراء المكشوفة، إلا أن المسيرة استمرت ووصلوا إلى كربلاء وسلموا الراية إلى الإمام الحسين عليه السلام وأخيه أبي الفضل العباس فاحتضنهم عليه السلام بدعائه ولطفه ورعاية ولده الإمام الحجة المنتظر عليه السلام.

ص: 222

مواصلة المنهج الحسيني:

هذا الولاء والإخلاص والإصرار على مواصلة النهج الحسيني هو صمام الأمان لبقاء الدين حياً، فلا تقصروا في أدائه ووعي أهدافه الحقيقية التي لا يحتاج التعريف بها إلى مؤونة كبيرة، فلقد لخصها صاحب الثورة الإمام الحسين عليه السلام بكلمات دقيقة (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد صلى الله عليه وآله ولآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً).

شعارات الوعي تنطلق من حكمة المرجعية الرشيدة:

فعلينا جميعاً أن نعمل لكي تكون زيارة الأربعين ناجحة في تحقيق الأهداف التي أرادها أهل البيت عليهم السلام، من حثّ شيعتهم على هذه الفعاليات، كما كانت زيارة الأربعين في العام الماضي ناجحة وفق كل الاعتبارات، فبالرغم من أنها حدثت بعد سقوط صدام بأيام وكان البلد يشهد فراغاً أمنياً وسياسياً حيث لا دولة ولا قانون ولا جيش ولا شرطة ولا أي قوة لتحمي الأمن وتبسط النظام ومع ذلك فقد أدت اللجان الشعبية دورها بأكمل وجه ولم يقع أي حادث أمني بل ولا حادث مروري رغم كثافة الناس والسيارات، وهذه من المعجزات التي يفخر بها شعبنا ولا يستطيع الارتقاء إليها كل شعوب

ص: 223

العالم التي تدعي التحضر وسيادة القانون، وكانت الشعارات واعية وهادفة ومعبرة عن مطالب الشعب الحقيقية التي بينتها لهم مرجعيتهم الدينية الحكيمة، فنريد زيارة هذا العام كسابقتها وقد أعلنا بوضوح عن مطالب الشعب في خطاب صلاة الجمعة في ساحة الفردوس وما تلاها من الخطابات، فلا بد أن تكون مسيرتنا ضمن الحدود التي ترسمها المرجعية الواعية ولتحقيق تلك الحالة النموذجية علينا:

لتحقيق الأهداف النموذجية من الزيارة:

1 - التعاون الكامل مع اللجان الشعبية التي تشرف على حفظ النظام والأمن للزائرين والمتطوعين الذين يقدمون الخدمات الأساسية لهم.

2 - عدم تواجد النساء في مناطق التجمعات الكبيرة لصعوبة تفتيشهن أو توفير الكادر النسوي للقيام بهذه المهمة فقد تندس بينهن بعض النسوة المستأجرات للأعداء وتكون وسيلة لتنفيذ جرائمهم الشيطانية.

3 - الوعي الكامل لأهداف الثورة الحسينية والاستفادة من الخطباء والمرشدين في كل مناسبة سواء أثناء الطريق أو في أماكن التجمعات.

4 - أن يستغلوا هذه المناسبة للتعبير عن مطالبهم المشروعة وقد أجملناها في ستة نقاط في خطبة صلاة الجمعة الأولى في ساحة

ص: 224

الفردوس وما أضيف إليها في خطابات المرجعية الدينية الحكيمة.

5 - أن ينظم الذهاب على شكل مواكب وتجمعات لا أفراد متفرقين مهما كثروا لتكون أكثر هيبة وعزّة، ومن الأفضل أن يكون على رأس كل موكب خطيب ومرشد، وأن تبرز شمولية المشاركة بإبراز بعض الخصوصيات كالطوائف والأديان الأخرى، وكذا بالنسبة إلى طلبة الجامعات إذ ينبغي لهم التنسيق فيما بينهم وبين اللجنة المنظمة في جامعة كربلاء وأن يعلنوا أسماء الجامعات والكليات والمعاهد التي يمثلونها ليؤكدوا باستمرار انتماء الجامعات للإسلام.

6 - أن تسود بينهم روح الأخوة والتآلف والتراحم بل الإيثار كما وصفهم الله تعالى «وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ» (الحشر: 9) ليكونوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فإن الله تعالى وصف من هو مع رسول الله صلى الله عليه وآله عبر الأجيال ولا تختص بالمعاصرين له صلى الله عليه وآله بأنهم «أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَ رِضْواناً» (الفتح: 29).

7 - أن لا يقصر المتمولون في رعاية الزوار وتهيئة مستلزماتهم من غذاء وسكن وغيرها ليظهروا للعالم أن أهل البيت عليهم السلام علموا شيعتهم أن يكونوا أقدر من أفضل جيوش العالم في تقديم الإسناد والخدمات اللوجستية كما يسمونها. كما أن نفس الصيغ المتعددة للشعائر إنما هي عبارة عن تدريبات عنيفة على الجهاد والتضحية في سبيل الله تعالى.

ص: 225

تذكّر المنهج الحسيني يعيننا على مواجهة الصعاب:

وليتذكروا دائماً أن كل ما يصيبهم من شدة وعنت وبلاء وصعوبات وجهود وتضحيات وإنفاق فإنما هو في عين الله تعالى وسيجزي به أفضل الجزاء كما قال تعالى:«وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ» (سبأ: 39) وهي شاملة لكل إنفاق وأعلاها الجود بالنفس لذلك كان الإمام الحسين عليه السلام يردد يوم عاشوراء (هوّن ما نزل بي أنه بعين الله تعالى) وقد وعد الله تبارك وتعالى وهو اصدق القائلين : «أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى» (آل عمران: 195) وقال عز من قائل ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لا نَصَبٌ وَ لا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ لا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفّارَ وَ لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (التوبة: 120).

فطوبى لكم هذه النعمة الإلهية التي منّ الله تعالى بها عليكم والتي لا يعادلها شيء، فحينما شكى أحدهم للإمام عليه السلام وقال له: إني لا أملك شيئاً فقال: بل عندك أثمن من الدنيا وما فيها. قال: وما ذاك يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله. قال عليه السلام: عندك ولايتنا أهل البيت. فهل تتخلى عنها لو أعطوك الدنيا وما فيها. قال الرجل الموالي: لا يا ابن رسول الله حتى لو بذلوا لي أكثر من ذلك. قال عليه السلام: فإذن عندك خير من الدنيا وما فيها.

والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والصلاة والسلام على اشرف خلقه الذي كان سبب هدايتنا

ص: 226

ونجاتنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

محمد اليعقوبي

13 صفر 1425 الموافق 2004/4/4

ص: 227

تهنئة زوار الحسين عليه السلام بالألطاف الإلهية

تهنئة زوار الحسين عليه السلام بالألطاف الإلهية(1)

إن هناك الكثير من الآثار المعنوية التي يتزود بها من يؤدي هذه الشعائر بإخلاص، والألطاف الإلهية التي تغمره سواء أحسّ بها أو لم يحس لكنه ينعم ببركاتها، وغبطهم على هذه النعمة التي يتحسر على فواتها الملايين في مختلف أصقاع الأرض.

ولو قسنا المعاناة والجهد الذي يبذله الزائر - مهما كان عظيماً - فإنه يسير بجنب ما أعد الله تبارك وتعالى، حيث أن أحد بركات هذه الزيارة أن تكتب لك حسنة وتمحى عنك سيئة بكل قدم ترفعها وتضعها، ولك شفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام وفاطمة الزهراء عليها السلام بمواساتك إياهم، ولك أجر إعزاز الدين وحفظ ملة سيد المرسلين وإعلاء كلمة الله رب العالمين ومواصلة الرسالة للأجيال.

ولو قارنّا(2) بين الطاعة التي يذهب عناءها ويثبت أجرها، والمعصية التي تذهب لذتها وتبقى تبعتها، وهي مقارنة كافية للدلالة على الطريق لكل ذي بصيرة.

ص: 228


1- نشرت هذه التهنئة في الصفحة الثالثة من العدد (19) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 25 صفر 1426 الموافق 5 نيسان 2005.
2- كان الأصل هكذا: >وقارن سماحته بين الطاعة...<..

وهنا سؤال لماذا موكب طلبة الجامعات، والجواب على ذلك في عدة أمور:

أولها: لإثبات انتماء جامعاتنا للإسلام وعدم تخلي شبابنا عن عقيدتهم وأخلاقهم رغم محاولات الإغراء والإفساد، ورداً على ما حاولوا تضخيمه خلال الأيام السابقة من استدراج عدد من الطلبة في جامعة البصرة للرقص والغناء واستدراج فئة معينة لضربهم وإهانتهم، وابتغوا بذلك هدفين: الأول الإيحاء بان طلبة الجامعات متحللون بعيدون عن الدين لا يراعون الحرمات الأخلاقية والاجتماعية، والثاني هو إظهار الذين يحملون واجهات إسلامية بصورة التخلف والهمجية ومصادرة الحريات وإكراه الآخرين بالعنف على معتقداتهم.

ولكن الحقيقة غير ذلك فإن من خالفوا الآداب الإسلامية في تلك السفرة لا يتجاوزون (52) طالباً من (385) شاركوا في السفرة من أصل (2850) طالباً في كلية الهندسة من حوالي (23) ألف طالب في جامعة البصرة فهم لا يمثلون صورة كلية الهندسة ولا جامعة البصرة ولا سائر الجامعات العراقية فجاءت هذه المسيرة لتؤكد الهوية الإسلامية لطلبة الجامعات العراقية، حيث شارك أكثر من عشرين ألف طالب في مسيرة ضخمة قطعت أكثر من (42) كيلومتراً بين الحلة وكربلاء سيرا على الأقدام.

ثانيها: للرد على من يصور شعائر الحسين عليه السلام وكأنها انفعالات عاطفية للعامة، ولا دور فيها للمثقفين والواعين، فتأتي هذه المسيرة لتؤكد أن الحسين عليه السلام مدرسة ينهل منها كل فرد بحسب استحقاقه ولا يستطيع

ص: 229

أحد الاستغناء عنها سواء كان من القادة أو المصلحين أو الأحرار أو الرساليين أو العلماء أو المفكرين أو المثقفين وحتى العامة والبسطاء.

وثالثها: إبراز ضرورة تنظيم المشاركين في زيارة العتبات المقدسة في مسيرات موحدة منتظمة ذات شعارات ومطالب واعية ومحددة فإنها حينئذٍ ستكون فاعلة وقادرة على تحقيق مطالبها، ولما كانت شريحة طلبة الجامعات أكثر الشرائح انتظاماً ومركزية كان التفكير بالبدء بها، إذ كان يمكن لهذه العشرات الآلاف أن تذوب ضمن ملايين الزوار من دون صدى ولا تأثير ولكن انتظامهم بهذا الموكب المهيب أحدث دوياً في الأوساط الاجتماعية ونحن نتطلع إلى اليوم الذي تستطيع كل محافظة أن تشكل لجان تنظيمية تمثل أهل الحل والعقد فيها من مكاتب العلماء والخطباء والأحزاب السياسية والعشائر والوجهاء والنخب لتنظم زائري كل محافظة بمواكب موحدة تضم مائة ألف أو مائتي ألف، وتكون شعاراتهم ومطالبهم واضحة ومحددة فإنها حينئذ ستقلب الموازين وتغير المعادلات ولنجعل من مواسم الزيارات الرئيسية (الأربعين، الشعبانية، الغدير) منطلقاً لهذا العمل المنظم الفعال.

ص: 230

توجيهات تتعلّق بالزيارات والمناسبات الدينية

توجيهات تتعلّق بالزيارات والمناسبات الدينية(1)

علينا أن نقيّم مستوى نجاحاتنا:

تشهد المناسبات الدينية والزيارات المخصوصة للأئمة الأطهار عليهم السلام زخماً جماهيرياً هائلاً يُقدَّر بالملايين يتوافدون على مدى أيام، وكان آخرها ذكرى استشهاد الإمام موسى بن جعفر عليه السلام حيث شهدت بغداد زحفاً إيمانياً قُدِّرَ بالملايين أدخلوا به السرور على قلب النبي (صلى الله عليه وآله الأطهار) وأظهروا عزة أولياء الله تعالى وكرامتهم وجلالة شأنهم، كما أدخلوا اليأس على أعدائهم وشانئيهم الناصبين لهم العداوة، الذين حاولوا ثني عزيمة المؤمنين وليّ إرادتهم بالتفجيرات الإرهابية التي قاموا بها قبل المناسبة بأيام(2) ، لكن ردّ الفعل جاء حاسماً وقاصماً لظهورهم.

هذا كلّه مما لا شكّ فيه، ولكن يجب أن لا نكتفي بتقييم الظواهر والشكليات، وإنّما علينا أن ننفذ إلى عمق الحقيقة، ونتقبّلها بشجاعة حتى لو كانت في بعض جوانبها على خلاف رغباتنا وأهوائنا.

ص: 231


1- خطاب وجهّه سماحة المرجع اليعقوبي دام ظله إلى عموم الأمة بمناسبة قرب حلول الزيارة الشعبانية المباركة إلى الإمام الحسين عليه السلام عام 1432، ووافق النصف من شعبان 17 /تموز/ 2011.
2- كان منها ثلاثة انفجارات استهدفت سوقاً شعبية في حي الشرطة الرابعة في بغداد يوم الخميس 20 /رجب/ 1432 الموافق 2011/6/23 فاستشهد حوالي (20) وجرح آخرون..

الأعمال من خلال آثارها في الإنسان:

إنّ أي عمل يراد تقييمه وتحديد نسبة نجاحه، فلابد أن يكون ذلك بلحاظ مقدار النتائج التي حقّقها، وفق الأهداف المرجوّة منه، كفريق كرة القدم فإن نتيجته تُحدّد في ضوء الكرات التي أدخلها في شباك الخصم مهما كان لعبه حسناً وجميلاً.

وهكذا تُعرف قيمة العبادات وكلّ الأعمال من خلال آثارها في حياة الفرد والمجتمع، كقوله تعالى في الصلاة «إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ» (العنكبوت: 45) وورد في تفسير القمي قولهم عليهم السلام: (من لم تنههُ الصلاة عن الفحشاء والمنكر لم تزدهُ من الله عزّ وجل إلاّ بعداً).

أهداف الزيارات المليونية:

فإذا أردنا أن نُقيّم هذه الزيارات المليونية فلابد أن نُحدّد أهدافها أولاً، ومنها:

1 - إعلان المودّة والولاء للنبي (صلى الله عليه وآله) الأطهار عليهم السلام التزاماً بقوله تعالى «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» (الشورى: 23) وإدخال السرور عليهم، وإظهار عزّتهم وكرامتهم.

استذكار سيرتهم العطرة ومواقفهم النبيلة لإعلاء كلمة الله تعالى وهداية البشر جميعاً، واستلهام الدروس والعبر من صفحات تاريخهم النقيّة.

تجديد العهد معهم عليهم السلام للمضي على نهجهم وسيرتهم، وبذل الغالي والنفيس من أجل إحياء أمرهم وإدامة ذكرهم.

ص: 232

إعلان البراءة من أعدائهم، وظالميهم، ورفض كل ظلم ومنكر وفساد وانحراف صدر ويصدر من مخالفيهم.

أن تكون هذه المناسبات سبباً لتجديد الروح الإيمانية ومراجعة النفس وتصحيح الأخطاء والبداية الجديدة نحو الكمال، وتطهير القلب.

ما الذي نجحنا فيه، وما الذي فشلنا فيه؟

وإذا أردنا تقييم هذه الفعاليات المليونية المباركة في ضوء الأغراض المطلوبة منها، فسنجدها قد نجحت في تحقيق جملة منها، وفشلت في البقية، ورغم التنبيهات والتوجيهات المتكرّرة للزوار بتجنب أمور تنافي قدسية المناسبة ومكانة الإمام المزور، إلاّ أن هذه الزيارات تشهد الكثير من المخالفات الشرعية التي يأنف منها كل ّ غيور وتكون بمثابة طعنات توجّه إلى قلب الإمام عليه السلام لا تقل إيلاماً عن الطعنات التي وُجّهت إلى جسده الشريف.

وأذكر لكم رواية تبيّن جانباً من الأذى الذي يدخل على قلب الإمام عليه السلام فقد روي أن رجلاً (دخل على الإمام الجواد عليه السلام وهو مسرور فقال: ما لي أراك مسروراً؟ قال: يا ابن رسول الله سمعت أباك يقول: أحقّ يوم بأن يُسَرَّ العبد فيه يوم يرزقه الله صدقات ومبرّات ومدخلات من إخوان له مؤمنين، فإنه قصدني اليوم عشرة من إخواني الفقراء لهم عيالات فقصدوني من بلد كذا وكذا فأعطيت كل واحد منهم، فهذا سروري. فقال محمد بن علي (عليهما السلام): لعمري إنك حقيق بأن تُسَرَّ إن لم تكن

ص: 233

أحبطته أو لم تحبطه فيما بعد، فقال الرجل: كيف أحبطتُه وأنا من شيعتكم الخلّص؟، قال: هاه قد أبطلت برّك بإخوانك وصدقاتك، قال: وكيف ذاك يا ابن رسول الله؟ قال له محمد بن علي (عليهما السلام): اقرأ قول الله عز وجل:«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى» (البقرة: 264) قال: يا ابن رسول الله ما مننت على القوم الذين تصدقت عليهم ولا آذيتهم، قال له محمد بن علي (عليهما السلام): إن الله عز وجل إنما قال: لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى» ولم يقل بالمن على من تتصدقون عليه وبالأذى لمن تتصدقون عليه، وهو كل أذى، افَتَرَى أذاك القوم الذين تصدقت عليهم أعظم أم أذاك لحَفَظَتِك وملائكة الله المقربين حواليك أم أذاك لنا، فقال الرجل: بل هذا يا ابن رسول الله، فقال: لقد آذيتني وآذيتهم وأبطلت صدقتك، قال: لماذا؟ قال: لقولك: وكيف أحبطتُه وأنا من شيعتك الخلّص، ثم قال: ويحك أتدري من شيعتنا الخلّص؟ قال: لا، قال: فإن شيعتنا الخلص.. سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار، سوّيت نفسك بهؤلاء، أما آذيت بهذا الملائكة وآذيتنا، فقال الرجل: أستغفرُ الله وأتوب إليه، فكيف أقول؟ قال: قل أنا (من) مواليك ومحبيك ومعادي أعدائك، قال: فكذلك أقول وكذلك أنا يا ابن رسول الله، وقد تُبتُ من القول الذي أنكرتَه وأنكَرتهُ الملائكة فما أنكرتم ذلك إلا لإنكار الله عز وجل، فقال محمد بن علي (عليهما السلام): الآن قد عادت إليك مثوبات صدقاتك وزال عنها الإحباط)(1)...

ص: 234


1- بحار الأنوار: 159/68-160..

من المظاهر السلبية في بعض الزائرين:

فماذا سيكون مقدار الأذى الداخل عليهم عليهم السلام مما يرتكب من محرمات، ونحن نسجّل هنا بعض تلك المخالفات الشرعية للتذكير، فإن الذكرى تنفع المؤمنين وهي لا تخفى على من شارك في تلك المناسبات ولاحظها بعين الناقد البصير، ومنها:

عدم التزام النساء بتمام الحجاب العفيف الذي يريده الشارع المقدّس سواءٌ في هيئتها ومظهرها الخارجي أو في حركاتها أو في كلماتها.

الاختلاط غير المحتشم بين الجنسين، والاحتكاك المريب، وصعودهن مع الرجال في سيارات الحمل والآليات العسكرية، وقد يستند بعضهم على بعض عندما تتوقف السيارة بشكل مفاجئ، خصوصاً وإنّ كثيراً من النساء لا يرافقهن محرم.

إنّ ما يفرحنا هو أن الغالبية العظمى من الزوار هم من فئة الشباب، لكن الذي يحزننا إن كثيراً منهم لا يجسد الإسلام في مظهره وسلوكه، ابتداء من القميص الذي يرتديه، والعلامات المرسومة عليه إلى أجزاء جسمه التي يبديها، إلى الكلمات التي يتبادلونها، إلى الحركات غير المؤدبة التي يقومون بها وكأنّ بعضهم في ملعب كرة القدم أو صالة السينما، ولا تتوقف قائمة المخالفات عند النظرات الخائنة والابتسامات المتبادلة بين الجنسين.

ص: 235

لا يوجد اهتمام واضح بشعيرة الصلاة، إذ لا يتوقف الجمع عن المسير والحركة عند حلول وقت الصلاة المفروضة لأدائها، مع أنّ أداء الصلاة في أوقاتها خصوصاً إذا كانت جماعة هي من أهم العلامات على صحة المسيرة ونجاحها في تحقيق أهدافها.

غياب دور المرشدين والمبلغين من الحوزة العلمية أو المثقفين والواعين الرساليين، ولعلّ هذا هو أحد أسباب حصول هذه المخالفات لأنّ صدورها غالباً عن جهل أو غفلة تزولان بالتذكير والتعليم وهما وظيفتا الأنبياء والرسل والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) والهداة السائرين على نهجهم.

الثواب هو لمن أدى مضمون الزيارة لا لمن أدى شكلها وخالف مضمونها:

إذا كان كلّ هذا يحصل في مناسبة حزينة مؤلمة - وهي ذكرى استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام -، فما الذي ينتظرنا في المناسبات المفرحة؟

ونحن مقبلون على الزيارة الشعبانية العظيمة، والتي اعتاد بعض أتباع الهوى والنفس الأمّارة بالسوء على القيام بأفعالٍ مشينة يزيّنها لهم الشيطان اللعين، يضيّعون بها دينهم ويخسرون هذه الفرصة العظيمة للتقرّب إلى الله تبارك وتعالى ويتصورون أنهم يحسنون صنعاً.

ص: 236

لقد وردت روايات(1) عديدة في فضل زيارة أهل البيت عليهم السلام خصوصاً الإمام الحسين عليه السلام كالرواية المعتبرة عن معاوية بن وهب عن الإمام الصادق عليه السلام وغيرها، لكن هذا الثواب لا يُعطى إلاّ لمن التزم بواجبات الزيارة وحقوق الإمام المزور لذا جاء في بعضها (جئتك زائراً عارفاً بحقك)، فإن هذه المراتب الجليلة لا ينالها كلّ من هبّ ودب، فلا تخدعنكم الأوهام والكلمات المعسولة، بل إنّ بعض الزوار يعود إلى أهله وقد أثقلت ظهره الذنوب، وهو يظن أنّه قد أحسن عملا وأدّى طاعة لله تعالى.

وكتاب الله تعالى ينطق بذلك، قال تبارك وتعالى «إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ» (المائدة: 27)، وقد جعل تعالى مقياس النجاح في الامتحان هو إتقان العمل وإحسانه وليس الإتيان به على أي نحو كان، قال تعالى «لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» (هود: 7).

نلفت نظر أعزائنا من طلبة العلوم الدينية والمثقفين والعاملين الرساليين وكل المؤمنين الذين يشعرون بمسؤوليتهم تجاه ربهم وأئمتهم أن لا تفتر هممهم ولا تلين عزائمهم في إرشاد الناس ووعظهم وتوجيههم، والانتشار بينهم لإقامة صلاة الجماعة وإلقاء كلمات الموعظة والتعليم والتذكير، فإنّها من أعظم الوظائف الإلهية، وبيان عظمة الأئمة عليهم السلام وما يليق بهم من أدب للتعاطي معهم، وشرف هذه المناسبات الدينية وسعة رحمة الله تعالى بها فلا..

ص: 237


1- راجعها في كتاب مفاتيح الجنان ووسائل الشيعة نهاية كتاب الحج..

يعودوا بالخسران، فإن الشقي من حرم غفران الله ورحمته في مثل هذه الأزمنة والأمكنة المباركة.

محمد اليعقوبي - النجف الأشرف

7 شعبان 1432 ه -

2011/7/9

ص: 238

توجيهات حول خروج النساء مشياً إلى كربلاء من مسافات بعيدة أياماً عديدة

توجيهات حول خروج النساء مشياً إلى كربلاء من مسافات بعيدة أياماً عديدة(1)

ثقافة الالتزام بالحكم الشرعي:

بمناسبة قرب زيارة الأربعين وانطلاق مواكب المشي على الأقدام من أنحاء العراق الى كربلاء لزيارة الإمام الحسين عليه السلام، فقد وجّه سماحة المرجع اليعقوبي دام ظله النساء المؤمنات التوّاقات للتأسّي بالسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام وأبنتها العقيلة زينب عليها السلام والراجيات شفاعتهنّ إلى أن يمتنعن عن الخروج مشياً على الأقدام إلى زيارة الإمام الحسين عليه السلام اذا كان يستلزم مخالفة شرعية - كعصيان الزوج -، أو لم تأمن المرأة من الوقوع في المخالفة أو التسبّب فيها كالذي سنشير إليه في حالة كون خروجهن من مسافات طويلة تتطلب أياماً من المسير في البوادي والقفار مما يتطلب المبيت في اماكن لا يعرفونها مسبقاً كالذي يحصل للسائرين من المحافظات جنوب العراق.

وقد أجمع الفقهاء على حرمة خروج المرأة من بيتها إذا استلزم مخالفة شرعية.

ص: 239


1- صدرت التوجيهات يوم 26 محرم 1434 المصادف 2012/12/11..

مبررات الامتناع:

إنّ المعروف و المروي عن سيرة نساء اهل البيت عليهم السلام خصوصاً السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام والعقيلة زينب عليها السلام هو القرار في البيوت التزاماً بقوله تعالى وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ (الأحزاب: 33)، و الاحاديث الشريفة المتواترة التي تحث المراءة المسلمة على ذلك، بحيث يروى ان العقيلة زينب عليها السلام كانت اذا ارادت الخروج لزيارة جدها صلى الله عليه و آله و أمها الزهراء عليها السلام كان يحوطها أبوها امير المؤمنين عليه السلام و أخواها الحسن و الحسين صلى الله عليه و آله و يطفئ الامام قناديل المسجد لئلا يرى شخصها مع هذه العناية التامة. علما أن بيت أمير المؤمنين عليه السلام ملاصق للمسجد النبوي الشريف.

واذا الجأتهن الضرورة لخروج او سفر فانه يكون بحشمة ووقار وحماية رجالهن الشجعان الغيارى، ويخرجن راكبات في هوادج كما خرجت العقيلة زينب والهاشميات مع الامام الحسين عليه السلام واخوته وشباب بني هاشم.

ولم يبرزن امام الرجال الاجانب ماشيات على الاقدام حتى لو كن بحجابهن، والذي حصل لهن من الظهور أمام الاجانب في الاسر بعد يوم عاشوراء كان قهراً عليهن وبفعل لئام الامويين، وليس فعلاً اختيارياً لهن حتى تتأسى به النساء المؤمنات المواليات.

فخروج النساء بالشكل الذي نراه من المدن البعيدة في البوادي و القفار، والمبيت في بيوت ناس لا يعرفونهم وقد يكون بعضهم من المندسين المتسترين باسم الإمام الحسين عليه السلام في هذا الزمان الذي كثرت فيه

ص: 240

الذئاب و الوحوش بهيئة الانسان، مخالف لأدب الشريعة ولا يرضى به الامام الحسين عليه السلام قطعاً ولا السيدة الزهراء عليها السلام ولا العقيلة زينب عليها السلام.

المشكلة في الظروف المحيطة لا في الزائرات العفيفات:

ومع تقديرنا وافتخارنا بحجاب اخواتنا المؤمنات وعفافهّن وحرصهن البالغ على المحافظة على اوامر الشريعة مما نشاهده على الشاشات ونباهي العالم به، وعميق ولائهن لأهل بيت النبوة مما يولد حماساً واندفاعاً للقيام بكل ما يوصف بان فيه تأسياً بهم (سلام الله عليهم)، الا ان المشكلة ليست من جهتهن، وانما من جهة الظروف المحيطة بهذه الحركة، ونحن حينما نتخذ موقفاً معيّناً نلحظه من جميع الجهات بحسب ما يّيسره الله تعالى.

من السلبيات التي قد ترافق زيارات البعض:

ويضاف الى هذا ما شاهدناه وما سمعنا به من امور يأباها الشارع المقدس، نذكر بعضها في نقاط:

إنّ مثل هذه الرحلة الطويلة ومبيتهنّ في دور الغرباء تتطلب رعاية خاصة للمرأة وتوفير احتياجاتها - كالمنام وقضاء الحاجة - مما يجعلها في حاجة للرجال وهم أجانب، وقد تتعرض خلال رحلتها لبعض ذوي النفوس المريضة، إذ ليس كل الناس من الملائكة، فتحصل فتنة وظروف مريبة، وكثيراً ما يُسبّب وجودهنّ قلقاً وجهداً إضافياً لأصحاب الدور المضيّفة لمواكب

ص: 241

المشاة على الطريق حتى يخرجوا بسلام من عهدة هذه الأمانة الثقيلة.

إنّ غيابهنّ عن بيوتهنّ وأطفالهنّ ومن يحتاج إلى رعايتهنّ هذه المدّة يؤدي إلى التقصير في وظائفهنّ وكثيرا ما يكون الزوج او رب الاسرة مشغولاً بعمله ووظيفته إذ لا يستطيع التغيّب كل هذه المدة، ولذا قد تضّطر بعض النساء لاصطحاب الأطفال وهم لا ينضبطون فيضيع الأطفال وتتحول الرحلة إلى كارثة، لذا فإنّ كثيراً من أولياء الأمور و الأزواج لا يرضى بخروج زوجته لهذا السبب لكنّه لا يستطيع أن يمنعها لأنّه يُخوَّف بأنّه سيكون معادياً للإمام الحسين عليه السلام، حيث أصبح البعض يُمارس قضية الحُسين كإرهاب فكري لجبر الناس على قرارات لا يرضون بها، وقد صرّح كثير من الرّجال بعدم رضاهم بخروج أزواجهم إلاّ أنّهم يُجابهون بالخطوط الحمراء التي صنعها المتاجرون بالدين وشعائر الإمام الحسين عليه السلام مستغلين العواطف الجيّاشة، وبين أيدينا الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله عن المرأة التي شكت زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله لأنّه يمنعها من الخروج لزيارة أبيها الذي أثقله المرض ثمّ مات أبوها ولم يأذن لها زوجها بالخروج فكان جواب النبي صلى الله عليه وآله لها (أطيعي زوجكِ) وبشّرها بالثواب العظيم.

إنّ الزحام الشديد في الزيارة وصعوبة تحصيل واسطة النقل في طريق العودة يتسبب في حصول مخالفات شرعية كثيرة

ص: 242

شاهدناها عبر وسائل الإعلام ونبّهنا عليها في بعض خطاباتنا، كمسك الرجل الأجنبي للمرأة حتّى يُساعدها على الصعود، أو التصاق بعضهم ببعض في سيّارات الحمل بسبب اكتظاظ الركّاب وسقوط بعضهم على بعض عند حصول توقّف مفاجئ للسيّارة، أو التدافع المختلط لتحصيل وجبة الطعام وغير ذلك من المحرّمات الشرعية التي يجب اجتنابها بترك مثل هذا الخروج.

لنقتدي بزينب عليه السلام في خدرها:

إنّ إخراج النساء مع وجود مثل هذه المخالفات يُخشى أن يكون تأسياً واقتداءاً بلئام الأمويين الذين أخرجوا حرم رسول الله صلى الله عليه وآله في البوادي والقفار وليس تأسياً بالعقيلة زينب عليها السلام والهاشميات، فإنّهنّ لم يتخذنّ هذا الخروج سُنّةً وعادة باختيارهنّ بل صرّح الإمام السجاد عليه السلام لأبي حمزة الثمالي أن أقسى فصول مأساة كربلاء على أهل البيت عليهم السلام هي خروج النساء بين الرجال الأجانب في تلك المجالس والمسافات الطويلة، ولم يسمح أحد من الأئمة عليهم السلام بتكرار هذه الحالة. وحينما دعاهن واجب طاعة الإمام عليه السلام بالخروج معه كُنَ ّ راكبات مصونات بحماية رجالهنّ الأبطال الغيارى، والرواية مشهورة عن المازني قال (جاورت أمير المؤمنين عليه السلام عشرين عاماً فما رأيت لزينب بنت علي شخصا).

نعم إذا دعانا الواجب الإلهي إلى أي تضحية بالنفس أو المال أو إخراج النساء كان على المؤمن الاستجابة وبالهيئة التي توافق ما يريده الشارع المقدس.

ص: 243

دعوة للتأسي بزينب عليه السلام من خلال التفقه في الدين:

إنّ التأسي الحقيقي بالعقيلة زينب يكون بالتفقّه في أحكام الدين كما كانت عليها السلام عالمة غير معلّمة وبالعفاف وصون الحرائر وعدم إبرازهنّ للرجال الأجانب وبالالتزام بطاعة الله تعالى حيث لم تترك العقيلة زينب عليها السلام صلاة الليل حتّى ليلة الحادي عشر من محرم.

أنّ المأثور في روايات المعصومين هو قرار النساء في بيوتهنّ وعدم خروجهنّ، وإذا التزمت المرأة بذلك فإنّها ستُعطى حينئذٍ ثواب من قصد تلك المشاهد المقدّسة، فقد روى الشيخ الصدوق في الفقيه والطوسي في التهذيب عن الإمام الصادق عليه السلام قوله (خير مساجد نسائكم البيوت) وروى في مكارم الأخلاق قول رسول الله صلى الله عليه وآله (صلاة المرأة وحدها في بيتها كفضل صلاتها في الجامع خمساً وعشرين درجة)(1).

نحن لا نمنع من زيارة النساء مطلقاً:

إن هذه الدعوة المخلصة لا تتضمن منع النساء من زيارة الامام الحسين عليه السلام مطلقاً حتى لو خلت الزيارة من اي مشكلة، لأنها قيدّت - بصراحة ووضوح - الامتناع بالظروف والمخالفات المذكورة وتستطيع النساء الذهاب الى الزيارة بحشمة ووقار في غير هذه الظروف الموجبة للامتناع.

ص: 244


1- هذه الروايات وغيرها في وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، باب 30..

موقف الشهيد الصدر قدس سره من المنع:

وهذا موقف يشاركنا فيه كل غيور على الدين وحرماته، وممن صرح به السيد الشهيد الصدر الثاني قدس سره في الخطبة الاولى من صلاة الجمعة المباركة السادسة في مسجد الكوفة المعظم، حيث منع النساء من الخروج الى زيارة المعصومين عليهم السلام اذا كان في ذلك اختلاط وظهور النساء أمام الرجال فكيف اذا اضيف اليها المبيت عدة ليالٍ عند أجانب لا يعرفونهم، قال قدس سره:

(نحن نعمل المستحبات ونعمل المحرمات في نفس الوقت أيجوز ذلك؟ طبعا لا يجوز، هل ننال شفاعة المعصومين بالتجاوز على المعصومين وهتك حرماتهم؟ هو يذهب ليتبرك بضريح الامام فيلعنه الامام الذي ذهب اليه، ويلعنها الامام الذي ذهبت اليه، فيخرج بلعنة الامام، لا يخرج بشفاعة الامام.

المسألة بسيط جدا. كل شخص عنده أم، أخت، بنت، أخ، جيران، صديق، ينصح بعضكم بعضا بالارتداع عن ذلك وعن غير ذلك، خير لك ان تركتها، اترك الزيارة خير لك من ان تذهب بهذه الزيارة الخاطئة الخائبة،.... امنعوا جيرانكم واسرتكم عن مثل هذا التهتك وهذا الاحتقار للدين و المعصومين عليهم السلام)(1).

ص: 245


1- دستور الصدر: 68-69..

حينما نواجه بعض المزورين في النقل:

ولعلنا سنجد من يحرّف الكلم عن مواضعه ويزعم اننا نمنع من ذهاب النساء لزيارة الامام الحسين عليه السلام مطلقاً، وهذا ما لا يمكن ان يقوله احد لوجود الروايات التي تصرح بحث النساء كالرجال على زيارة الامام الحسين عليه السلام، مضافاً الى شمول النساء بإطلاقات الروايات التي تحثّ على زيارة الامام الحسين عليه السلام وتذم تاركها بلا عذر، كما ان المرأة مشمولة بإطلاقات الآيات الكريمة و الاحاديث الشريفة التي تساوي بين الذكر و الانثى في الاعمال الصالحة وجزائها، وزيارة الامام الحسين عليه السلام منها.

ذكرى لكل معتبر:

واذكّر من يدفع النساء المؤمنات العفيفات المواليات للسير من هذه المسافات البعيدة من دون اتخاذ الاجراءات الكفيلة بتجنب المشاكل و المخالفات، وهو لا يُرسل نساءه الى تلك المسافات لتسير مع النساء، ويصون اهله في الترف و النعيم، اذكّره بقول العقيلة عليها السلام لئلا يكون مشمولاً به، فقد جاء في كلماتها التي صدمت بها يزيد الطاغية:

(أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك واماءك، وسوقك بنات رسول الله (صل الله عليه وآله) سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، يستشرفهن أهل المنازل والمناهل، ويتصفّح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف، ليس معهّن من رجالهن ولي ولا من حماتهن حمي).

ص: 246

وفي الختام ندعو جميع المؤمنين والمؤمنات إلى أن يكونوا شجعاناً لا تأخذهم في الله لومة لائم ويقدّموا رضا الله تعالى على رضا أنفسهم وعواطفهم، ويستجيبوا لهذه الدعوة التي فيها حياة لهم في دنياهم وآخرتهم، قال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) (الأنفال/ 24).

أصداء توجيهات المرجعية

لاقت توجيهات المرجعية إلى النساء المواليات العفيفات في المحافظات الجنوبية بالامتناع عن التوجه مشياً إلى كربلاء المقدسة وقطع مئات الكيلومترات في القفار والبوادي لأداء زيارة الأربعين الشريفة استجابة منقطعة النظير من لدن المؤمنين والمؤمنات عامة، ولم تختص باتباع المرجعية الرشيدة لما في البيان من وعي ورحمة وشفقة وواقعية ومصداقية، لأن الجميع يعلم بما يرافق هذه الزيارات من مخالفات شرعية.

وأثنوا على شجاعة سماحة المرجع وتصدّيه لحركة الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهما كلّف الثمن، وسعيه الدؤوب لرفع الجهالة من المجتمع وانقاذهم من الضلالات والشبهات والخرافات.

وسعت جملة من المؤمنات إلى اتخاذ التدابير لتجنب المخالفات الشرعية التي أشار إليها البيان، ومن تلك الإجراءات: الانتقال بالسيارات إلى كربلاء المقدسة أو إلى النجف الأشرف ومواصلة السير إلى كربلاء، ومصاحبة المحارم، أو الخروج في تجمع كبير ليكون بعضهن لبعض ستراً والمبيت في أماكن معروفة، وتأمين العودة السليمة من كربلاء المقدسة،

ص: 247

وتجنب مواطن الزحام والتدافع مع الأجانب ونحوها من الإجراءات فجزاهنّ الله تعالى عن الزهراء والعقيلة زينب عليها السلام خير جزاء المحسنين، وقد قدّر المراقبون أن نسبة النساء إلى الرجال في زوار تلك المحافظات التي قصدها الخطاب لم تتجاوز 1-2% أو أقل.

وقد أغاظ هذا النجاح قطاعاً ممن يتزيى بزيّ أهل العلم فعملوا على تحريف الكلام وتزييف الحقائق لخداع الناس وتأليبهم ضد المرجعية العاملة، فصّورا لهم أن الشيخ اليعقوبي يمنع من زيارة النساء لأبي عبد الله الحسين مطلقاً وأخذوا يستدلون لهم بالروايات على استحباب زيارة النساء للإمام الحسين عليه السلام، خلافاً لموضوع التوجيهات التي صدر البيان لإيضاحها، ونحو هذا من تزييف الحقائق.

وكان بعضهم قد استغل الشعائر الحسينية في أيام محرم الحرام داخل العراق وخارجه للتطاول على المرجعيات الدينية التي تسعى بإخلاص لتهذيب الشعائر الحسينية من الممارسات الدخيلة عليها، والتي تشوّه صورة مدرسة أهل البيت عليهم السلام، وتنفّر الناس منها، بدلاً من تحبيبها وهداية الناس إليها، فنعم الحكم الله والخصيم محمد صلى الله عليه وآله.

وقد نظم بعض الفضلاء أبياتاً في نصرة مواقف سماحة الشيخ المرجع وترفّعه عن الرد على مناوئيه ومنهم فضيلة المهندس الحاج عماد الهلالي فقال:

يكفيك أنك موئل العقلاءِ *** وبأن غيرك محفل الطغماءِ

وبأن نور كلامكم لا يرتقي لذراه غير مُعانق الجوزاءِ

ص: 248

تفتي فيبتهج الهداة لقولكم *** في حين يصعب عن ذوي الأهواءِ

(ومن العداوة ما ينالك نفعه) كم حكمةٍ عرفت من الجهلاءِ

فتبينُ حتى من عداك فإنما يصف السلامة من بُلي بالداءِ

وثنى عليه فضيلة الشيخ حسنين قفطان بنفس الوزن والقافية، ومما جاء في قصيدته:

نظمُ القريضِ شعائرُ الشعراءِ *** وشعائرُ العلما مِدادُ دماءِ

وعلى هدى الهادينَ سارَ مُتوَّجاً بالموجِعاتِ فتاكَ صدرَ إبائي

فأقام - وِتراً - كلَّ أضلعَ مائلٍ وأبانَ حكمَ اللهِ في الأشياءِ

كالشمس ظاهرةٌ بدائعُ علمِهِ في الدين صارَ لمجدبٍ كالماءِ

مثلُ الحسينِ بكربلاءَ وحسبُهُ كالسبطِ في كربٍ غدا وبلاءِ

يا غصنَ يعقوبٍ وأنتَ لِيوسفٍ صِنوٌ بحجمِ رزيّةٍ وعزاءِ

وهل ابنُ يعقوبٍ فَدَيتُ وجودهُ منعَ الأحبّةَ من أسىً وبكاءِ

أم كانَ ليسَ يُثيبُ مُوجِعَ نفسِهِ حزناً لمصرع سيدِ الشهداءِ

وهو الذي وَرِثَ احتضانَ مُديمِها عن جدهِ ومعلَمِ الخطباءِ

ما كان ماحيها شعائِرَ أحمدٍ بل كان حاميها منَ الجُهلاءِ

ومن قصيدة لجناب الأديب علي خصاف عباس نقتطف هذه الأبيات:

إزأر بجنب علي أيها الأسدُ *** واخطف بأبصارِ من قرّوا ومن جحدوا

إزأر لترعب أبواق النفاق فقدْ أمسى صريعاً بوسواسٍ لها الجسّدُ

فزادها الله من طغيانها مرضاً فالجهل مالِؤها والحقد والحسدُ

ص: 249

وإن رقت منبراً أو كان ملبَسُها *** سود الثياب فللغايات تجتهدُ

إنا عهدناك حين النائبات أباً والبدرُ في الليلة الظلماء يفتقدُ

الدين يشكوا رياح الجهل يرجو الثبات وأنت الحبل والوتدُ

فإن أضعنا بتجهيلٍ نتائجها فقد هوى الركن من بنيانها العمدُ

وافرغت دون وعيٍ من مبادئها وما الأئمة من أحيائها قصدوا

إنّا وأنت أقمنا الدين في زمنٍ من يرتدي اليوم ثوب الدين قد قعدوا

مع النساء وما كنا نرى أحداً يحمي الشعائر منهم أو لها شهدوا

فكنت ناراً بوجه البعث لاهبةً احرقتَ وجهَ دعي حينما خَمدوا

وكنت دفئاً لشعبٍ قلَّ ناصِرهُ والواترون كثيرٌ حينما بَردوا

وكنت طوفانَ حقٍ هادراً حِكَماً زلزلت للبغي عرشاً حينما رَكدوا

لم تعطِ إعطاءَ ذُلٍ مثلما فعلوا ولم تفر فرار العبد تلتحدُ

إن ينزغوك بنزغ فاستعذ حذراً من كيدِ قوم سوى الأموال ما عبدوا

يكفيك أحمدُ والكرار حيدرةٌ وصاحبُ الأمر بعدَ الله مُعتمدُ

من بعدهم أنبياءٌ بل ملائكةٌ وصالحُ المؤمنين العونُ والسندُ

فكلما أوقدوا نيرانَ فتنتهم أطفأتَ بالحلم والإحسان ما وقدوا

يا شيخنا عَقِمت والله بل يئست كمثل قادتنا حوزاتهم تلدُ

ما ينفعُ الناسَ يبقى خالداً سمحاً وللزوالِ خسيساً يذهبُ الزبدُ

ص: 250

الفصل الحادى عشر: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ؟

اشارة

ص: 251

ص: 252

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ؟

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ؟(1)

من النعم الإلهية:

الماء من النعم الإلهية العظيمة التي يغفل عنها الإنسان لاعتياده لها وتوفرها حوله، فالماء قوام الوجود في هذه الدنيا وبه تقوم الحياة ولا يمكن للمخلوقات (بشراً و حيوانات ونباتات) أن تحيا إلاّ بالماء، قال تعالى وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ ءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ (الأنبياء/ 30) وقال تعالى (وَ اللّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) (النور/ 45).

وقد ذكر الله تعالى الماء في القرآن الكريم في عشرات المواضع ليذكّر الناس بهذه النعمة لعلهم يتعظون ويعودون إلى ربهم قال تعالى (أَ فَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَ أَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ) (الواقعة/ 68-70) (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) (النمل/ 60) (وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (العنكبوت/ 63) (أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَ أَنْفُسُهُمْ أَ فَلا يُبْصِرُونَ) (السجدة/ 27).

ص: 253


1- كلمة ألقيت في شهر محرم 1435 الموافق شهر 2013/11..

تأثير الماء في الناس:

وتأثير الماء في حياة الإنسان واسع جداً فبه يتطهّرون ومنه يشربون وبه يهيئون طعامهم ويحمل أثقالهم إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلاّ بشقّ الأنفس ويستخرجون منه لحماً طريّاً وحليّة يلبسونها، ويضفي جمالاً وسعادة على الحياة:

ثلاثة للناس ينفين الحزن *** الماء والخضراء والوجه الحسن

فلابد أن نستذكر عظيم نعمة الله تعالى عند تناول الماء أو استعماله ونتلذّذ بذكر الله وعظيم نعمته، في ثواب الأعمال عن أبي عبد الله عليه السلام قال

:(من تلذّذ بالماء في الدنيا لذّذه الله (تعالى) من أشربة الجنّة)(1).

التأويل المعنوي للماء:

ولا ينبغي أن نغفل عن التأويل المعنوي للماء في الآيات الكريمة والروايات الشريفة حيث يراد به العلم والمعرفة التي تُحيي قلب الإنسان وتُسعده في حياته المعنوية، ووجه المقاربة أنّ الماء قوام الحياة الطبيعية، والمعرفة قوام الحياة المعنوية فيتشابهان من جهة كونهما قوام الحياة في عالمهما المناسب لهما.

وكثيراً ما يعتمد القرآن الكريم أسلوب ضرب الأمثلة لتقريب الفكرة، والاحتجاج بالمثال للنقض على المنكرين والمشكّكين، كمن ينكر البعث يوم القيامة فيمثّل له بالأرض الميّتة التي نزل عليها الماء وإذا هي

ص: 254


1- سفينة البحار: 143/8..

اهتزّت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج وهكذا، ومن ثمرات ضرب الأمثلة فتح الذهن أمام طلاب الكمالات للتأمّل في المعارف الإلهية كقوله تعالى (وَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) (البقرة/ 164) فتأويلها أن لا ييأس المذنبون الذين جفّت أرض نفوسهم من حياة الإيمان والحبّ الإلهي من أن تشملهم الرحمة واللطف الإلهي فينزل عليهم ماء المعرفة فينبت فيها الإيمان والحب ويزدهر القلب.

وفي تفسير قوله تعالى (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً) (الرعد/ 17) قال علي بن إبراهيم (أنزل الحق من السماء فاحتملته القلوب بأهوائها، ذو اليقين على قدر يقينه، وذو الشك على قدر شكّه، فاحتمل الهوى باطلاً كثيراً وجفاءا، فالماء هو الحق، والأودية هي القلوب، والسيل هو الهواء، والزبد هو الباطل)(1).

وفي قوله تعالى (وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) (الجن/ 16) ورد تفسير(2) الطريقة بولاية أمير المؤمنين والمعصومين من بنيه (صلوات الله عليهم أجمعين) والماء بالإيمان والعلم الذي يتلقونه من الأئمة عليهم السلام.

وكالآية محل البحث فإن ظاهرها الامتنان على العباد والاحتجاج عليهم وتذكيرهم بهذه النعمة العظيمة التي تعرف قيمتها فيما لو تصوّروا..

ص: 255


1- المصدر: 200/5.
2- المصدر: 48/10..

فقدانها بأن يصبح الماء غائراً في الأرض فلا يستطيعون تحصيله قال تعالى (أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً) (الكهف/ 41) فلو لم تكن في الأرض خاصية عدم النفاذ لما بقي الماء على سطحها لتتناولوه لأنه سيغور في أعماق الأرض، ولو لم تكن فيه خاصية النفاذ لبقي جميع الماء على سطحها وغرقت اليابسة كلها، أما تأويلها فقد وردت فيه الرواية عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر صلى الله عليه وآله قال: (قُلت: ما تأويل قول الله عز وجل (قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ)؟ فقال: إذا فقدتم إمامكم فلم تروه فماذا تصنعون) وفي رواية عن الإمام الرضا عليه السلام في قوله تعالى (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) قال عليه السلام (يعني بعلم الإمام)(1).

الماء والأحكام الصحية والاجتماعية:

ولارتباط الماء بتفاصيل الشؤون الحياتية للإنسان فقد ورد الكثير من الروايات الشريفة لبيان أحكامه وآدابه، وأول ما تبدأ كتب الفقه بأحكام المياه لاشتراط العبادات بالطهارة، وتناولت آداب شرب الماء الصحية والاجتماعية والمعنوية، كما تعرضت لأحكام استعمال الماء والتصرّف فيه باعتباره من المباحات العامة واشتراك الناس فيه على حد سواء.

وقد نظم المرحوم الفقيه الشيخ محمد علي الأعسم آداب شرب الماء في أرجوزته في الأطعمة والأشربة، ومما قال قدس سره:

ص: 256


1- راجع الروايات ومصادرها في تفسير البرهان: 348/9-350..

سيدُ كلِّ المائعات الماءُ *** ما عنه في جميعها غناءُ

أما ترى الوحيَ إلى النبي منهُ جعلنا كلّ شيء حيِّ

ويكره الإكثار منه للنصِّ(1) وعبُّه أي شربه بلا مصِّ

يروى به التوريث للكُبادِ بالضمِّ أعني وجعُ الأكبادِ

ومن ينحّيه ويشتهيه ويحمدُ الله تعالى فيه

ثلاث مرات فيروى أنّه يوجب للمرء دخول الجنّة(2)

وفي ابتداء هذه المرّات جميعها بسمل لنص آتِ

وليجتنب موضع كسر الآنية وموضع العروة للكراهية

تشربه في الليل قاعداً لما رووه واشرب في النهار قائما

ويندُب الشرب لسؤر المؤمن وان أدير يُبتدأ بالأيمنِ

من أفضل الآداب ذكر الإمام الحسين عليه السلام:

ومن أفضل الآداب والسنن عند شرب الماء ذكر الإمام الحسين عليه السلام والسلام عليه وعلى الشهداء بين يديه، لأنّ ذكر الماء يلازم ذكر الإمام الحسين عليه السلام، فلا يكاد يُذكر الماء أو يُشرب أو يُلتذّ ببارده إلا ويستحضر الموالي ذكر

ص: 257


1- في المحاسن عن الصادق عليه السلام قال: (إياكم والإكثار من الماء فإنّه مادة لكل داء) وعن النبي صلى الله عليه وآله إذا أكل الدسم أقلّ من شرب الماء ويقول: هو أمرأ لطعامي وفي طب الرضا عليه السلام (من أراد أن لا تؤذيه معدته فلا يشرب بين طعامه ماءاً حتى يفرغ).
2- روي (من شرب الماء فنحاه وهو يشتهيه فحمد الله يفعل ذلك ثلاثاً وجبت له الجنة) (سفينة البحار: 8:143)..

الإمام الحسين عليه السلام لأنه حُرم منه حتى قُتل ظمآناً إلى جنب الفرات، لقد حرموا الإمام الحسين عليه السلام من الماء وهو الإمام المعصوم حجة الله في أرضه الذي خلق الكون لأجلهم، مضافاً إلى أنّ له عليه السلام أكثر من حق خاص وعام فيه(1) ، فله حق خاص في نهر الفرات باعتباره مهر أمّه الزهراء عليها السلام، وله حق خاص على أهل الكوفة لأنّه سقاهم في صفّين وسقى طليعة الجيش بقيادة الحر في القادسية أثناء الطريق وله حق عام لشموله مع كل الناس باعتبار ما ورد في النبوي الشريف (ثلاثة أشياء الناس فيها شرع سواء الماء والكلأ والنار) وله حق عام يشترك به مع كل ذي روح حتى الحيوان لوجوب حفظ حياته لذا لو دار استعمال الماء بين الوضوء وحفظ حياة حيوان محترم وجب صرفه في الثاني.

يقول الشيخ الشوشتري، مقابل هذه الحقوق الأربعة التي ضيّعوها جعل الله تعالى له مياهاً أربعة، ماء الكوثر فقد كان شهداء كربلاء يسقون منها قبل خروجهم من الدنيا كما أخبر علي الأكبر، وماء الدموع فهو عليه السلام قتيل العبرة ما ذكره مؤمن إلاّ استعبر وماء الحيوان في الجنان يمزج بدموع الباكين ليزيد من عذوبته وفيه رواية معتبرة، وكل ماء بارد يشربه محبّوه والموالون له فإن للحسين حق ذكره عند شربه...

ص: 258


1- أشار إلى هذا المعنى المرحوم الشيخ جعفر الشوشتري في كتاب الخصائص الحسينية 117 الموضوع الرابع..

الإمام السجاد عليه السلام يؤسس لذكر الإمام الحسين عليه السلام:

وقد أسّس الإمام السجاد عليه السلام هذه السنة الشريفة وحادثته في سوق القصّابين معروفة، و روى داود الرقي قال (كنت عند الصادق عليه السلام فشرب ماء واغرورقت عيناه بالدموع فقال: ما أنغص ذكر الحسين عليه السلام للعيش إني ما شربتُ ماءاً بارداً إلاّ وذكرت الحسين عليه السلام)(1) ، أي أنّ ذكر مصيبة الإمام الحسين عليه السلام نغّص عليّ حياتي وأنا دائم الذكر لها.

إذا شربتم عذب ماء فاذكروني:

وقد أحبّ الأئمة عليهم السلام من شيعتهم هذا التذكر ووعدوهم بالأجر العظيم فروي أن (من شرب الماء فذكر الحسين عليه السلام ولعن قاتله كتب له مائة ألف حسنة وحُطّ عنه مائة ألف سيئة ورفع له مائة ألف درجة وكأنما أعتق مائة ألف نسمة)(2) وروي عن الصادق عليه السلام مثل ذلك بزيادة (وحشره الله يوم القيامة ثلج الفؤاد).

وإلى هذا المعنى أشار المرحوم الأعسم:

والماء إن تفرغ من الشراب له *** صلِّ على الحسين والعن قاتله

تؤجر بآلافٍ عدادها مائة من عتق مملوك وحط سيئة

ودُرُج وحسنات ترفعُ فهي إذا مئاتُ ألف أربعُ

ص: 259


1- أمالي الصدوق: 122، كامل الزيارات: 106 وأورده عنهما في البحار: 303/44.
2- سفينة للبحار: 144/8..

وقد نقل عن الإمام الحسين عليه السلام قوله بلسان الحال: شيعتي ما إن شربتم عذب ماء فاذكروني(1).

فضل الحسين عليه السلام على المسلمين:

أداءاً لحقّه عليه السلام على جميع البشرية بل المخلوقات وليس على شيعته فقط واستذكاراً لموقفه العظيم وطلباً لما تقدم ذكره من الأجر الكبير، والمهم أن نلتفت إلى التأويل(2) المعنوي لهذا التذكر بأن نتذكر الحسين ونصلّي ونسلّم عليه كلما استفدنا من علوم أهل البيت عليهم السلام ومعارفهم وكلما نفحتنا الألطاف الإلهية وكلما عمر زمان كشهر رمضان أو شهري محرم وصفر، أو مكانٌ كمسجد أو حسينية بذكر الله تعالى، لأن هذا الماء المعين العذب سقينا به ببركة أبي عبد الله عليه السلام، ولولا تضحياته لا ندرس الدين من ذلك الزمان وعاد الناس إلى أشنع من جاهليتهم الأولى، وشعر يزيد يشهد بذلك:

لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل

لستُ من خندق إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل

قد قتلنا القرم من ساداتهم وعدلناه ببدر فاعتدل

ص: 260


1- الخصائص الحسينية: 183 عن مصباح الكفعمي: 741.
2- التفت إلى هذا المعنى المرحوم السيد عبد الحسين دستغيب في كتاب (سيد الشهداء عقائد ومفاهيم: 31)..

وهذا هو تأويل الآية التي جعلناها عنوان البحث فإن الدين لو اندرس بفعل آل أمية وأمثالهم من الطواغيت ولم ينهض الإمام الحسين عليه السلام فمن الذي كان سيأتينا بهذه العلوم والمعارف والأحكام الإلهية.

تأويل الماء بالإمام المهدي عليه السلام:

وجاء تأويلها أيضاً في بعض الروايات بغَيبة الإمام المهدي عليه السلام عن الإمام الباقر عليه السلام قال (نزلت في الإمام القائم عليه السلام يقول: إن أصبح إمامكم غائباً عنكم لا تدرون أين هو؟ فمن يأتيكم بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السماوات والأرض، وحلال الله وحرامه؟ ثم قال: والله ما جاء تأويل هذه الآية ولابد أن يجيء تأويلها).

وهكذا كل مصادر الهداية والصلاح إن فقدتموها فمن يأتيكم بها إلاّ الله تبارك وتعالى. فاشكروا الله تعالى ليديم بركتها عليكم.

ص: 261

ص: 262

المحتويات

الفصل الأول 7

حياة الحسين كلها مواقف خالدة 9

بركة اليوم الحسيني: 9

مع أصحاب الحسين عليه السلام وتضحياتهم: 10

لقد ملكوا التاريخ: 11

حياة الحسين عليه السلام كلها عطاء: 11

قضية الحسين عليه السلام عنوان حياتنا 15

مع الأيام الحسينية: 15

حياة الإمام الحسين عليه السلام سفر خالد: 16

وعي المرحلة (الزمان والمكان): 17

القيادة الرشيدة والاستفادة من مواقف الأئمة عليهم السلام: 17

المبادئ الحسينية وثورات الشعوب 19

الفصل الثاني 19

المبادئ الحسينية وثورات الشعوب 21

موسم العز والكرامة: 21

التقدم في أداء الشعائر: 21

لا يقر لنا قرار حتى نرى الناس تجسد الإسلام في حركتها: 22

لماذا لا نستطيع تغيير واقعنا المتردي؟ 23

لو كان الحسين عليه السلام موجوداً بيننا اليوم: 24

سريان الروح الحسينية في الشعوب الثائرة: 24

ص: 263

الشباب والحوزة: عقل الأمة وقلبها: 25

استوعبوا الدرس من السيد الخميني قدس سره: 25

المشاركة الواسعة في خدمة زوار الإمام الحسين عليه السلام 27

تدخل الرعب في قلوب الأعداء 27

اهتمام أهل البيت عليهم السلام بزوار الحسين عليه السلام: 27

معنى (تعلمت من الحسين كيف أكون 29

مظلوماً فأنتصر) 29

لا يستعبدكم غيركم وقد أرادكم الله أحراراً 31

من معاني (حسين مني): 31

هدف الإصلاح الحسيني: 31

طريق الحق ينافي الباطل دائماً: 32

تحرير الإنسان: 33

كونوا أحراراً: 34

الحرية الحقيقية: 35

النهضة الحسينية في مواجهة المزيفين والمدجنين 37

الفصل الثالث 37

الفتوى التي قتلت الإمام الحسين عليه السلام 39

من قتل الإمام الحسين عليه السلام؟ 39

وعاظ السلاطين والفتاوى المأجورة: 40

مواجهة حركة التضليل الأموي: 41

خطورة الفتوى المأجورة: 41

الفقه الشيعي وابتعاده عن ركاب السلطة: 41

ص: 264

الفقهاء ومسايرة أذواق العوام من الناس: 43

نحو وعي النهضة الحسينية: 45

مواكب الوعي الطلابي نموذجاً 45

الفصل الرابع 45

مواكب طلبة الجامعات نافذة لإظهار المعالم الإنسانية لثورة 47

الإمام الحسين عليه السلام 47

قضية الحسين عليه السلام نبراس للإنسانية: 47

لماذا ثار الحسين عليه السلام؟ 48

القضية الحسينية الصورة الناصعة للإسلام النقي: 49

العلم والدين في رحاب الإمام الحسين عليه السلام: 50

ناقشوا أوضاع بلدكم الجريح: 51

فضائل زوار الحسين عليه السلام: 53

تنظيم مواكب الوعي الحسيني لطلبة الجامعات 55

انتماء الجامعات العلمية لمبادئ الإسلام: 55

لنؤسس للأجيال: 55

شعارات الثورة الحسينية: 57

27 ذ. ح 1424-200463/2/18

مواكب طلبة الجامعات مشياً على الأقدام إلى 64

كربلاء المقدسة 64

من أجل الإسلام: 64

حضور الملايين وطلبة الجامعات في زيارة الأربعين 68

أفضل رد على عرقلة العملية السياسية 68

ص: 265

حينما تعي الأمة مسؤليتها: 68

متى تكونوا من أهل الآية (وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ)؟ 69

لتكن من أهم شعارات زياراتنا هو الانتصار لحقوقنا: 70

موكب طلبة الجامعات: 71

هويتنا في الإسلام: 72

ملتقى العلم والدين في رحاب الإمام الحسين 74

إلى مواكب الوعي الحسيني للجامعات والمعاهد العراقية 77

وملتقى العلم والدين 77

أشد القصص إيلاماً على أهل البيت عليهم السلام: 77

ما سر اصطحاب الحسين عليه السلام لعياله؟ 78

الدور الزينبي لكل الأجيال: 79

من خطاب الثورة الحسينية: 80

ما يجب أن نوصله للناس: 81

الجامعات في رحاب النهضة الحسينية: 82

الشعائر الحسينية سبيل الهداية 85

الفصل الثالث 85

إحياء الشعائر الحسينية سبيل للهداية 87

نشوة الإيمان بولاية أهل البيت عليهم السلام: 87

الإخلاص والصدق في الولاء: 88

ردكم الحاسم بتعظيم الشعائر: 89

فضل الزيارة وآدابها: 90

إذا أردت أن تعرف المنتصر 92

ص: 266

فانظر إلى كربلاء يوم زيارة الأربعين 92

من المنتصر؟ 92

تقييم الأفراد و المشاريع الإسلامية في ضوء زيارة الأربعين: 93

رسالة الأمة من خلال إحيائها لشعائر عاشوراء 96

موكب النصرة لأهل البيت عليهم السلام: 96

رسالة الأمة بإحيائها للشعائر: 97

إدامة آثار الشعائر الحسينية ضمانة التقدم 99

الاجتماع لإحياء أمر الله تعالى: 99

جزاء المؤمن: 100

الاحتفاظ بالزخم المعنوي بعد الزيارات: 100

العبادات بآثارها لا رسومها فقط: 101

الدعوة الى الإحياء الواعي: 101

الضمانة الوحيدة للتقدم: 102

تحديات الشعائر الحسينية في الماضي والحاضر 104

محاولات الأعداء في طمس ذكر أهل البيت عليهم السلام: 104

السبيل للحفاظ على الإسلام الأصيل: 105

تضحيات اليوم ذاتها تضحيات الأمس: 105

فرصة الطاعة متكافئة للجميع: 106

التحديات شكلاً ومضموناً: 106

درس من حياة الإمام الرضا عليه السلام: أعطوا أكبر زخم ممكن للشعائر الحسينية شكلاً ومضموناً 108

دور الإمام الرضا عليه السلام في احياء الشعائر الحسينية: 108

ص: 267

دور العلماء في تأصيل تعاليم أهل البيت عليهم السلام: 109

اعطوا أكبر زخم للشعائر شكلاً ومضموناً: 110

الالتفات الى المضامين الرسالية في الشعائر: 111

كونوا بمستوى المسؤولية: 112

المشارطة والمحاسبة في أول السنة وآخرها وإحياء 113

الشعائر الحسينية 113

آليات للوصول الى الاستقامة: 113

فوائد مراقبة النفس: 114

محطات للتزود المعنوي: 114

مشاعر المؤمن في رأس السنة: 116

لطف الله تعالى بنا بأيام الحسين عليه السلام: 117

شروط القبول في العمل: 118

استنكار المنكر: 119

هل من ناصر؟ 120

إحياء الشعائر الحسينية والتمهيد للظهور الميمون 122

ما نحتاجه في التعاطي مع القضية الحسينية: 122

الرياء في القضية الحسينية: 123

تجديد الشعائر بما يتناسب وخلودها: 124

الربيع العربي: انتصار للنتائج الحسينية: 125

ثواب إنشاء مواكب الخدمة ودور الاستراحة على طرق 127

الزوّار والمسافرين 127

الدعوة الى المشاريع الخيرية: 127

ص: 268

أثر الأعمال الخيرية في الإنسان: 128

ثواب الأعمال الخيرية من منظار آخر: 129

بركات مواكب الخدمة: 131

شرف خدمة أهل البيت عليهم السلام وولايتهم 133

لا شرف أشرف من خدمة النبي وآله صلى الله عليه وآله: 133

هل خدمتهم عليهم السلام مقتصرة على من عاصرهم أو تشمل حتى من تأخر عنهم؟ 134

خدمة الموقف: 135

معالم النجاح في الزيارات المليونية () 137

مع الإصلاح الحسيني 143

الفصل السادس 143

نصرة الحسين عليه السلام باستنقاذ عباد الله من الجهالة 145

وحيرة الضلالة 145

هل من ناصر؟ 145

الصرخة لكل الجيال: 145

الجهالة والضلالة: 146

معنى الجهالة: 146

المعرفة في قبال الجهالة: 147

معنى الضلالة: 148

كيف النجاة من الجهالة والضلالة؟ 148

الإصلاح: رسالة الإمام الحسين عليه السلام 150

الإصلاح رسالة الأنبياء جميعاً: 150

ص: 269

خرجت لطلب الإصلاح: 151

تمام الصلاح بإصلاح القيادة الدينية والسياسية: 152

لا مكان للإنزواء في النهضة الحسينية: 153

صلاح النفس قبل الإصلاح، وكيفية اصلاح النفس: 154

خطوات عملية للصلاح: 155

السعي الحثيث لتحقيق الأهداف الحسينية: 155

من الدروس الحسينية: إننا بحاجة إلى مشاريع إعمار 157

كما نحن بحاجة إلى مشاريع استشهاد 157

المعاني الثورية من النهضة الحسينية: 158

دورنا في المرحلة الجديدة: 159

الحسين عليه السلام يدعونا الى البناء مثلما يدعونا الى الشهادة: 160

تعلمنا من الحسين عليه السلام حكمة الموقف الثوري: 161

الإصلاح مسؤولية كل إفراد المجتمع 164

واحدة من آليات الإصلاح: 164

لا تقتصروا الإصلاح في الرجال: 164

قصة نافعة: 165

هذا حال أهل الدنيا: 166

التذبذب في المواقف علامة الانحراف 167

العلم وحده لا يكفي: 167

نماذج من علماء السوء: 167

ميادين العلم: 168

مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء: 168

ص: 270

كربلاء: كانت نموذج لصراع الدنيا والآخرة: 169

كونوا من السابقين: 171

الإمام الحسين عليه السلام يدلنا على طريق 173

الوصول للدعوى الحقة 173

لنأخذ الدرس: 173

العقل والتفكر وصية الأئمة عليهم السلام: 174

كيف تتحصن من زيف الدعاوى الباطلة؟ 174

هل نحن كذلك أم لا؟ 175

لا تكونوا ممن >َّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ<: 176

من أدب السلف الصالح: 177

كيف نكون من أهل (يا ليتنا كنّا معكم) 179

تكافؤ الفرص في عدل الله تعالى: 179

رأس مشكلاتنا: 180

موارد تضييع فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: 181

الوصية الأخيرة للإمام الحسين والإمام السجاد صلى الله عليه وآله 182

إيّاكَ وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلاّ الله تعالى 182

الوصية الأخيرة تختزل أهمية ما يريد أن يوصله الموصي: 182

تجنب الظلم الأخلاقي: من أخلاق أهل البيت عليهم السلام: 183

التغاضي هو بلحاظ المظالم الشخصية لا الحقوق العامة: 186

في ذم الظلم: 186

عاقبة الظلم: 187

مديات الظلم: 188

ص: 271

سبيل التخلص من الظلم: 189

المعالم الإنسانية والحضارية في ثورة الإمام الحسين عليه السلام 191

الفصل السابع 191

النهضة الحسينية والدفاع عن حقوق الإنسان 193

اليوم العالمي لحقوق الإنسان: 193

جملة من مبادئ حقوق الإنسان في النهضة الحسينية: 194

المسيرات الراجلة وسيلة حضارية تستنقذ 202

الأمة بها حقوقها 202

تطوير أنماط العمل: 202

الإصلاح غير الثورة: 202

الوجه الحضاري لشعيرة المشي: 203

المسيرات الراجلة ظاهرة حضارية 205

شواهد على أهمية المسيرة الحضارية الى الإمام 205

الحسين عليه السلام: 205

من ثمرات ومكاسب المشي الى الإمام الحسين عليه السلام: 207

لنستثمر حالنا في تجارة لن تبور: 209

إلى المشكّكين بجدوى الزيارات المليونية 212

الثقة العالية بإسلامنا العزيز: 212

الجواب النقضي على إشكال التخلف في الزيارات المليونية: 212

الجواب الحلّي عن إلإشكال: 214

توجيهات عامة في الزيارات المليونية 219

الفصل التاسع 219

ص: 272

توجيهات في ذكرى زيارة الأربعين عام 221 1425

دفق الإيمان في قلوب الموالين: 221

لن يثنونا عن التمسك بالحق: 222

مواصلة المنهج الحسيني: 223

شعارات الوعي تنطلق من حكمة المرجعية الرشيدة: 223

لتحقيق الأهداف النموذجية من الزيارة: 224

تذكّر المنهج الحسيني يعيننا على مواجهة الصعاب: 226

تهنئة زوار الحسين عليه السلام بالألطاف الإلهية 228

توجيهات تتعلّق بالزيارات والمناسبات الدينية 231

علينا أن نقيّم مستوى نجاحاتنا: 231

الأعمال من خلال آثارها في الإنسان: 232

أهداف الزيارات المليونية: 232

ما الذي نجحنا فيه، وما الذي فشلنا فيه؟ 233

من المظاهر السلبية في بعض الزائرين: 235

الثواب هو لمن أدى مضمون الزيارة لا لمن أدى شكلها وخالف مضمونها: 236

توجيهات حول خروج النساء مشياً إلى كربلاء من مسافات بعيدة

أياماً عديدة 239

ثقافة الالتزام بالحكم الشرعي: 239

مبررات الامتناع: 240

المشكلة في الظروف المحيطة لا في الزائرات العفيفات: 241

من السلبيات التي قد ترافق زيارات البعض: 241

ص: 273

لنقتدي بزينب عليه السلام في خدرها: 243

دعوة للتأسي بزينب عليه السلام من خلال التفقه في الدين: 244

نحن لا نمنع من زيارة النساء مطلقاً: 244

حينما نواجه بعض المزورين في النقل: 246

ذكرى لكل معتبر: 246

أصداء توجيهات المرجعية 247

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن 251

يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ 251

الفصل الحادي عشر 251

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن 253

يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ؟ 253

من النعم الإلهية: 253

تأثير الماء في الناس: 254

التأويل المعنوي للماء: 254

الماء والأحكام الصحية والاجتماعية: 256

من أفضل الآداب ذكر الإمام الحسين عليه السلام: 257

إذا شربتم عذب ماء فاذكروني: 259

فضل الحسين عليه السلام على المسلمين: 260

تأويل الماء بالإمام المهدي عليه السلام: 261

ص: 274

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.