زوجة سيّد الوصيين أُم البنين والدة حامل لواء الحسين علیه السلام

هوية الکتاب

زوجة سيّد الوصيين أُم البنين والدة حامل لواء الحسين علیه السلام

تأليف: سيد علي جمال أشرف

الناشر:مؤلف

الأعمال الخيرية الرقمية: جمعية الإمام زمان (عج) إصفهان المساعدة

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

مقدمه

الحمد للّه الذي لا إله إلاّ هو الملك الحقّ المبين ، المدبّر بلا وزير ، ولا خلق من عباده يستشير ، الأوّل غير موصوف ، والباقي بعد فناء الخلق ، العظيم الربوبية ، نور السماوات والأرضين وفاطرهما ومبتدعهما ، بغير عمد خلقهما ، فاستقرت الأرضون بأوتادها فوق الماء ، ثمّ علا ربّنا في السَّماواتِ الْعُلى الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى ، فأنا أشهد بأنّك أنت اللّه ، لا رافع لما وضعت ، ولا واضع لما رفعت ، ولا معزّ لمن أذللت ، ولا مذلّ لمن أعززت ، ولا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت(1) .

اللَّهُمَّ واجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِك ، وَنَوَامِيَ بَرَكَاتك عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولك ، الْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ ، وَالْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ ، وَالْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ ، وَالدَّافِعِ جَيْشَاتِ الأَبَاطِيلِ ، وَالدَّامِغِ صَوْلاتِ الأَضَالِيلِ ، كَمَا حُمِّلَ ، فَاضْطَلَعَ قَائِما بِأَمْرِكَ ، مُسْتَوْفِزا فِي مَرْضَاتِك ،َ غَيْرَ نَاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ ، وَلا وَاهٍ فِي عَزْمٍ ، وَاعِيا لِوَحْيِكَ ، حَافِظا لِعَهْدِكَ ، مَاضِيا عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ ، حَتَّى أَوْرَى قَبَسَ

ص: 5


1- بحار الأنوار : 83/332 باب 45 .

الْقَابِسِ ، وَأَضَاءَ الطَّرِيقَ لِلْخَابِطِ ، وَهُدِيَتْ بِهِ الْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ الْفِتَنِ

وَالآثَامِ ، وَأَقَامَ بِمُوضِحَاتِ الأَعْلامِ وَنَيِّرَاتِ الأَحْكَامِ ، فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ ، وَخَازِنُ عِلْمِكَ الَْمخْزُونِ ، وَ شَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ ، وَبَعِيثُكَ بِالْحَقِّ ، وَرَسُولُكَ إِلَى الْخَلْقِ(1) .

اللّهم وضاعف صلواتك ورحمتك وبركاتك على عترة نبيك العترة الضائعة الخائفة المستذلّة ، بقيّة الشجرة الطيبة الزاكية المباركة ، وأعل - اللّهم - كلمتهم ، وأفلج حجّتهم ، واكشف البلاء واللأواء وحنادس الأباطيل والعمى عنهم ، وثبّت قلوب شيعتهم وحزبك على طاعتهم وولايتهم ونصرتهم وموالاتهم ، وأعنهم وامنحهم الصبر على الأذى فيك ، واجعل لهم أيّاما مشهودة ، وأوقاتا محمودة مسعودة ، توشك فيها فرجهم ، وتوجب فيها تمكينهم ونصرهم ، كما ضمنت لأوليائك في كتابك المنزل ، فإنّك قلت - وقولك الحقّ - : « وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ

مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَُيمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئا »(2) .

والعن اللّهم أوّل ظالم ظلم حقّ محمد وآل محمد ، وآخر تابع له على ذلك ، اللّهم واهلك من جعل يوم قتل ابن نبيك وخيرتك عيدا ، واستهلّ

ص: 6


1- نهج البلاغة : 101 خ 72 .
2- مصباح المتهجد : 785 .

به فرحا ومرحا ، وخذ آخرهم كما أخذت أوّلهم ، وأضعف اللّهم العذاب والتنكيل على ظالمي أهل بيت نبيك ، واهلك أشياعهم وقادتهم ، وأبر حماتهم وجماعتهم(1) .

وصلّى اللّهم على الشهيد السعيد ، والسبط الثاني ، والإمام الثالث ، والمبارك ، والتابع لمرضاة اللّه ، المتحقّق بصفات اللّه ، والدليل على ذات اللّه ، أفضل ثقاة اللّه ، المشغول ليلاً ونهارا بطاعة اللّه ، الناصر لأولياء اللّه ، المنتقم من أعداء اللّه ، الإمام المظلوم ، الأسير المحروم ، الشهيد المرحوم ، القتيل المرجوم ، الإمام الشهيد ، الولي الرشيد ، الوصي السديد ، الطريد الفريد ، البطل الشديد ، الطيب الوفي ، الإمام الرضي ، ذو النسب العلي ، المنفق الملي ، أبو عبد اللّه الحسين بن علي عليهماالسلام ، منبع الأئمّة ، شافع الأمّة ، سيد شباب أهل الجنّة ، وعبرة كلّ مؤن ومؤنة ، صاحب المحنة الكبرى ، والواقعة العظمى ، وعبرة المؤنين في دار البلوى ، ومن كان بالإمامة أحقّ وأولى ، المقتول بكربلاء ، ثاني السيد الحصور يحيى ابن النبي الشهيد زكريا ، الحسين بن علي المرتضى ، زين المجتهدين ، وسراج المتوكّلين ، مفخر أئمة المهتدين ، وبضعة كبد سيد المرسلين ، نور العترة الفاطمية ، وسراج الأنساب العلوية ، وشرف غرس الأحساب

الرضوية ، المقتول بأيدي شرّ البرية ، سبط الأسباط ، وطالب الثأر يوم

ص: 7


1- مصباح المتهجد : 785 .

الصراط ، أكرم العتر ، وأجلّ الأسر ، وأثمر الشجر ، وأزهر البدر ، معظّم مكرّم موقّر ، منظّف مطهّر ، أكبر الخلائق في زمانه في النفس ، وأعزّهم في الجنس ، أذكاهم في العرف ، وأوفاهم في العرف ، أطيب العرق ، وأجمل الخلق ، وأحسن الخلق ، قطعة النور ، ولقلب النبي سرور ، المنزّه عن الإفك والزور ، وعلى تحمّل المحن والأذى صبور ، مع القلب المشروح حسور ، مجتبى الملك الغالب ، الحسين بن علي بن أبي طالب(1) . .

الذي حمله ميكائيل ، وناغاه في المهد جبرائيل ، الإمام القتيل ، الذي اسمه مكتوب على سرادق عرش الجليل ، الحسين مصباح الهدى ، وسفينة النجاة ، الشافع في يوم الجزاء ، سيدنا ومولانا سيد الشهداء(2) عليه السلام .

الذي ذكره اللّه في اللوح الأخضر فقال : « . . وجعلت حسينا خازن وحيي ، وأكرمته بالشهادة ، وختمت له بالسعادة ، فهو أفضل من استشهد ، وأرفع الشهداء درجة ، جعلت كلمتي التامّة معه ، والحجّة البالغة عنده ، وبعترته أثيب وأعاقب(3) . .» .

الذي قال فيه جدّه المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه و آله : «حسين منّي وأنا من حسين ، أحبّ اللّه من أحبّ حسينا(4)» ، وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهو

ص: 8


1- المناقب : 4/79 .
2- معالي السبطين : 61 .
3- كمال الدين : 2/290 ح1 .
4- بحار الأنوار : 45/314 .

الصادق الأمين : «إنّ حبّ علي قذف في قلوب المؤنين ، فلا يحبّه إلاّ مؤن ، ولا يبغضه إلاّ منافق ، وإنّ حبّ الحسن والحسين قذف في قلوب المؤنين والمنافقين والكافرين ، فلا ترى لهم ذامّا(1)» .

فمن أيّ المخلوقات كان أولئك المردة العتاة ، وأبناء البغايا الرخيصات ، الذين قاتلوه بغضا لأبيه ، وسبوا الفاطميات ، ولم يحفظوا النبي صلى الله عليه و آله في ذراريه .

قال الإمام سيد الساجدين عليه السلام : « . . أيّها الناس ، أصبحنا مطرّدين

مشرّدين شاسعين عن الأمصار ، كأنّا أولاد ترك وكابل ، من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأوّلين ، إن هذا إلاّ إختلاق .

فواللّه لو أنّ النبي صلى الله عليه و آله تقدّم في قتالنا كما تقدّم إليهم في الوصاية بنا لما ازدادوا على ما فعلوا بنا ، فإنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، من مصيبة ما أعظمها ، وأوجعها ، وأفجعها ، وأكظّها ، وأقطعها ، وأمرّها ، وأفدحها ، فعند اللّه نحتسبه فيما أصابنا وما بلغ بنا ، إنّه عزيز ذو انتقام(2)» .

ولكنّ اللّه لهم بالمرصاد ، فإنّ دمه الزاكي الذي سكن في الخلد ، واقشعرت له أظلّة العرش ، وبكى له جميع الخلائق ، وبكت له السماوات السبع ، والأرضون السبع ، وما فيهن ، وما بينهن ، ومن يتقلّب في الجنّة

ص: 9


1- المناقب : 3/383 ، بحار الأنوار : 43/281 باب 12 .
2- بحار الأنوار : 45/147 .

والنار من خلق ربّنا ، وما يُرى وما لا يرى ، سوف لا ولم ولن يسكن لأنّه قتيل اللّه وابن قتيله ، وثار اللّه وابن ثاره ، ووتر اللّه الموتور في السماوات

والأرض(1) حتى « يبعث اللّه قائما يفرّج عنّا الهم والكربات » .

قال الحسين عليه السلام : «يا ولدي ، يا علي ، واللّه لا يسكن دمي حتى يبعث اللّه المهدي(2) . .» .

فذلك قائم آل محمد عليهم السلام يخرج فيقتل بدم الحسين بن علي عليهماالسلام . . وإذا قام - قائمنا - انتقم للّه ولرسوله ولنا أجمعين(3) . .

وقد بشّر بذلك رسول ربّ العالمين صلى الله عليه و آله فقال : «لمّا أسري بي إلى السماء أوحى إليّ ربّي - جلّ جلاله - فقال : يا محمد ، إنّي اطّلعت على الأرض اطّلاعة فاخترتك منها ، فجعلتك نبيّا ، وشققت لك من اسمي اسما ، فأنا المحمود وأنت محمد ، ثمّ اطلعت الثانية فاخترت منها عليا ، وجعلته وصيّك وخليفتك ، وزوج ابنتك ، وأبا ذريّتك ، وشققت له اسما من أسمائي ، فأنا العلي الأعلى وهو علي ، وخلقت فاطمة والحسن والحسين من نوركما ، ثمّ عرضت ولايتهم على الملائكة ، فمن قبلها كان عندي من المقرّبين .

يا محمد ، لو أنّ عبدا عبدني حتى ينقطع ، ويصير كالشنّ البالي ، ثمّ أتاني جاحدا لولايتهم ، فما أسكنته جنّتي ، ولا أظللته تحت عرشي .

ص: 10


1- انظر : بحار الأنوار : 98/151 باب 18 .
2- المناقب : 4/93 .
3- بحار الأنوار : 52/376 .

يا محمد ، تحبّ أن تراهم ؟ قلت : نعم يا ربّ ، فقال عزّ وجلّ : ارفع رأسك ، فرفعت رأسي ، وإذا أنا بأنوار علي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، و« م ح م د » بن الحسن القائم في وسطهم ، كأنّه كوكب درّي .

قلت : يا ربّ ، ومن هؤاء ؟ قال : هؤاء الأئمّة ، وهذا القائم الذي يحلّل حلالي ، ويحرّم حرامي ، وبه أنتقم من أعدائي ، وهو راحة لأوليائي ، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين ، فيخرج اللاّت والعزى طريّين فيحرقهما ، فلَفتنةُ الناس - يومئذ - بهما أشدّ من فتنة العجل والسامري(1)» .

وروى عبد اللّه بن سنان قال : دخلت على سيدي أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليهماالسلام في يوم عاشوراء ، فألفيته كاسف اللّون ، ظاهر الحزن ، ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤؤالمتساقط ، فقلت : يا ابن رسول اللّه ، ممّ بكاؤ ؟ لا أبكى اللّه عينيك .

فقال لي : أو في غفلة أنت ؟ أما علمت أنّ الحسين بن علي أصيب فيمثل هذا اليوم ؟ !

فقلت : يا سيدي فما قولك في صومه ؟

ص: 11


1- كمال الدين : 1/252 باب 23 ح2 ، بحار الأنوار : 52/379 ح185 .

فقال لي : صمه من غير تبييت ، وأفطره من غير تشميت ، ولا تجعله يوم صوم كملاً ، وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء ، فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل رسول اللّه ، وانكشفت الملحمة عنهم ، وفي الأرض منهم ثلاثون صريعا في مواليهم ، يعزّ على رسول اللّه صلى الله عليه و آلهمصرعهم ، ولو كان في الدنيا - يومئذ - حيّا لكان صلى الله عليه و آله هو المعزّى بهم .

قال : وبكى أبو عبد اللّه عليه السلام حتى اخضلّت لحيته بدموعه . . ثمّ علّمه آداب يوم عاشوراء ، وآداب الزيارة في ذلك اليوم إلى أن قال :

ثمّ قل : اللّهم عذّب الفجرة الذين شاقّوا رسولك ، وحاربوا أولياءك ، وعبدوا غيرك ، واستحلّوا محارمك ، والعن القادة والأتباع ، ومن كان منهم فخبّ وأوضع معهم ، أو رضي بفعلهم لعنا كثيرا .

اللّهم وعجّل فرج آل محمد ، واجعل صلواتك عليه وعليهم ، واستنقذهم من أيدي المنافقين المضلّين ، والكفرة الجاحدين ، وافتح لهم فتحا يسيرا ، وأتح لهم روحا وفرجا قريبا ، واجعل لهم من لدنك على عدوّك وعدوّهم سلطانا نصيرا . .

اللّهم إنّ كثيرا من الأمّة ناصبت المستحفظين من الأئمّة ، وكفرتبالكلمة ، وعكفت على القادة الظلمة ، وهجرت الكتاب والسنة ، وعدلت عن الحبلين اللّذين أمرت بطاعتهما ، والتمسّك بهما ، فأماتت الحقّ ، وجارت عن القصد ، ومالأت الأحزاب ، وحرّفت الكتاب ، وكفرت

ص: 12

بالحقّ لمّا جاءها ، وتمسّكت بالباطل لمّا اعترضها ، وضيّعت حقّك ، وأضلّت خلقك ، وقتلت أولاد نبيّك ، وخيرة عبادك ، وحملة علمك ، وورثة حكمتك ووحيك .

اللّهم فزلزل أقدام أعدائك ، وأعداء رسولك ، وأهل بيت رسولك ، اللّهم وأخرب ديارهم ، وافلل سلاحهم ، وخالف بين كلمتهم ، وفتّ في أعضادهم ، وأوهن كيدهم ، واضربهم بسيفك القاطع ، وارمهم بحجرك الدامغ ، وطمّهم بالبلاء طمّا ، وقمّهم بالعذاب قمّا ، وعذّبهم عذابا نكرا ، وخذهم بالسنين والمثلات التي أهلكت بها أعداءك ، إنّك ذو نقمة من المجرمين .

اللّهم إنّ سنّتك ضائعة ، وأحكامك معطّلة ، وعترة نبيّك في الأرض هائمة ، اللّهم فأعن الحقّ وأهله ، واقمع الباطل وأهله ، ومنّ علينا بالنجاة ، واهدنا إلى الإيمان ، وعجّل فرجنا ، وانظمه بفرج أوليائك ، واجعلهم لنا ودّا ، واجعلنا لهم وفدا(1)» .

ص: 13


1- مصباح المتهجد : 784 ، بحار الأنوار : 98/305 باب 24 .

لقد جعل اللّه سمّيت فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وأُم أشبال أمير المؤمنين عليه السلام بابا من أبواب رحمته ، ما قصدها أحد إلاّ نال قصده ، وما توجّه بها إلى اللّه - عزّ وجل - متوجّه إلاّ أعطي سؤله ، ومن شاء فليتوسّل إلى اللّه بها ليعلم صدق ذلك .

وما ذاك على اللّه بعزيز ، فإنّ اللّه - تعالى - خلق الخلق من أجل محمد وآل محمد « صلوات اللّه عليهم أجمعين » ، وقد ذابت هذه المخدّرة المكرّمة في ولائها لهم ، وتمسّكت بهداهم ، واقتدت بآثارهم حتى صارت من أولياء اللّه المقرّبين عنده وعندهم ، فارتفعت إلى أعلى علّيين من خلال سبيل الكمال الذي رسمه اللّه لها ولجميع خلقه ، فكانت أُم البنين عليهاالسلاممن السابقين في هذا الميدان حتى صارت ذا جاه عريض عند أهل البيت عليهم السلام وعند بارئهم .

* * *

وبالرغم من أنّها كانت ولا زالت من أبواب اللّه ، وأنّها كانت ولا زالت من أبرز أعلام نساء التاريخ ، إلاّ أنّ التاريخ لم يعطها حقّها - كما هو شأنه مع الأبرار - فإنّك لا تكاد تعثر في المصادر عن شيء فيه تفصيل عن

ص: 14

حياة هذه الكريمة . . عن تاريخ ولادتها . . . طفولتها . . . شبابها . . . كم هو عمرها يوم دخلت بيت أمير المؤمنين عليه السلام . . . تفاصيل حياتها مع زوجها ومع أبناء رسول اللّه صلى الله عليه و آله . . .

فإنّها لا شكّ كانت زوجة مثالية رغم أنّها لم تكن معصومة كفاطمة عليهاالسلام ، ولا ريب أنّها كانت من أبرز مصاديق « عمّال اللّه في الأرض » وفق روايات أهل البيت عليهم السلام وأدبياتهم الخاصّة بالحياة الزوجية . . . فكيف عاشت مع أمير المؤمين عليه السلام ؟!

وهكذا تفاصيل حياتها مع أبنائها - كأُمّ - ربّت أفضل نموذج يمكن أن يقدّمه القرآن والعترة الطاهرة من الذرية الصالحة . . .

وكيف عاشت بعد أمير المؤمنين عليه السلام وبعد واقعة الطف ؟!

تغافل المؤرّخون والرواة عن متابعة تفاصيل حياة امرأة تعدّ لوحدها « أمّة » و « مدرسة » متكاملة للأجيال ، وخاضوا في جزئيات حياة حفنة من السفلة والأوغاد . . . ولعل من جملة الأسباب الكامنة وراء ذلك :

أنّها كانت زوجة أمير المؤمنين عليه السلام . . عاشت في كنفه وفي ظلّ بيت ضمّ

من قبلها سيدة النساء فاطمة عليهاالسلام ، ومن ثمّ ضمّ الحسن والحسين وزينب عليهم السلام ، ومن غمرته أنوار الشمس تضاءل شعاعه مهما كان نيّرا . . .

وأنّها كانت من المخدّرات المستورات ، ولا يمكن للراوي والمؤرّخ أن يخرق خدرها ، ويتصيّد أخبارها ، فكيف يروي لنا التاريخ قصّة محجوبة لا تصل العيون إلى ظلّها وشبح شخصها ؟!

ص: 15

أضف إلى أنّها لم تكن من بنات الطواغيت الذين يطبل لهم المؤرّخ المتملّق ، أو الراوي المتزلّف ، ودخلت بيت أمير المؤمنين عليه السلامالذي ظلمه التاريخ في كلّ تفاصيل حياته ، وبكلّ ما يمتّ إليه بصلة من قريب أو بعيد ، « وقد أخفى العدوّ فضائله حنقا وحسدا وأخفاها محبّه خوفا ، وخرج من بين ذين وذين ما طبق الخافقين » .

وأُم البنين عليهاالسلام وأبناؤها مفردة من المفردات المنسوبة لأميرالمؤمنين عليه السلام.

ولهذا حاولنا إستكشاف حياة هذه المحجوبة المستورة بالرغم من العوائق والعراقيل وندرة النصوص ، وجهدنا في أن لا نشرد بذهن القاريء عن أصل الموضوع ، وركزنا في الكتاب على شخصها الكريم ، وما يتعلّق بها مباشرة .

ونسأل اللّه الرؤوف الرحيم أن يتقبّل منّا هذا القليل ، ويرزقنا حبّ فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، وحبّ أبنائها - لا سيما سيد الشهداء الحسين عليه السلام - وزوجها أمير المؤمنين ، وذريّتهما المعصومين ، وجدّهم سيد المرسلين ، وحبّ أمّ البنين وأبنائها الطيّبين « عليهم جميعا صلوات ربّ العالمين » ، ويرزقنا شفاعتهم والبراءة من أعدائهم ، ويغفر لنا ولوالدينا ومن ولدا ، ولجميع المؤمنين والمؤمنات ، ويعجّل فرج قائمهم ، ويجعلنا من جنده وحزبه ألاّ إنّ حزب اللّه هم المفلحون .

سيد علي جمال أشرف

28/8/1429

ص: 16

اسمها عليهاالسلام

اسمها : فاطمة(1) .

وفي تاريخ الخميس : إنّ اسمها « وايس(2) » ، وقد إنفرد به ، ولم يذكره أحد غيره .

ولعلّه تصحيف ، فهو يقول بعد أن يذكر العباس وإخوته عليهم السلام : وأمّهم أم البنين وايس(3) بنت حزام . . . فلعلّها تصحيف « وتسمى » ، أو « واسمها » ، أو ما شاكل .

قال الشيخ السالكي : يمكن أن يكون علي عليه السلام سمّاها فاطمة بعد زواجه معها ، وكان اسمها « وايسي » وكنيتها « أم البنين » ، أو اسمها « أم البنين » ، وكنيتها « أم النيّر » ، وأعني من ذلك أنّه يمكن أن يكون اسمها كنيتها

ص: 17


1- عمدة الطالب : 356 ، أعلام النساء : 4/40 ، تنقيح المقال : 3/70 ، إبصار العين : 25 ، أعيان الشيعة : 7/429 ، أدب الطف : 1/72 ، لواعج الأشجان : 178 .
2- تاريخ الخميس للدياربكري : 2/284 .
3- وفي بعض النسخ من تاريخ الخميس : « وايسي » .

« أم البنين » تسمية باسم أم البنين زوجة مالك بن جعفر التي ذكرها لبيد في شعره « نحن بني أم البنين الأربعة(1) » . .

وفي الهداية الكبرى : وكان له عليه السلام عبد اللّه والعباس وجعفر وعثمان من أم البنين ، وهي جعدة ابنة خالد بن زيد الكلابية(2) ، وهو غريب وشاذ جدّا .

وقال التستري في قاموس الرجال : . . . ثمّ تسمية المصنّف لها ب-« فاطمة » لم أدر إلى أيّ شيء استند ، فلم يذكر الزبيري والطبري والإصبهاني والعمدة والمفيد لها اسما ، بل ظاهرهم أنّ « أم البنين » اسمها(3) .

وقد صرّح باسمها كثير من العلماء والنسّابة كابن عنبة في عمدة الطالب ، وأبي نصر البخاري في سرّ السلسلة العلوية(4) ، والظاهر أنّ أم البنين من الألقاب التي غلبت حتى نسي الاسم ، كما سيأتي الحديث عنه في كنيتها .

ص: 18


1- أم البنين لمحمد علي السالكي : 7 « الهامش » .
2- الهداية الكبرى للحسين بن حمدان الخصيبي : 94 .
3- قاموس الرجال : 12/196 .
4- سرّ السلسلة العلوية لأبي نصر البخاري : 88 .

وليس ثمة « صدفة » تتحكّم في الكون والحياة ، فكلّ شيء عنده بمقدار ، والمشهور « أنّ الأسماء تنزل من السماء » ، فلا شكّ أنّ لهذه السيدة العظيمة خصيصة خصّها اللّه بها حتى اختار لها هذا الاسم المبارك ، ففي الاسم مزيد كرامة ونعمة ولطف وإشارات خفية وظاهرة ، منها :

مشاركة سيدة النساء بالاسم

مشاركة سيدة النساء الصدّيقة الطاهرة المعصومة فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، ولا يخفى ما في ذلك من التشريف والتعظيم والتكريم والرفعة ، فمشاركة العظيم في الاسم كرامة ، قال الشاعر :

سمّي أمير المؤنين كرامة *** من ربّنا لإمامنا العدل الرضا(1)

وقال محمد بن إسحاق بن موسى بن جعفر : إنّ موسى بن جعفر عليهماالسلام كان يقول لبنيه : هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد صلى الله عليه و آله فاسألوه عن أديانكم ، واحفظوا ما يقول لكم ، فإنّي سمعت أبي جعفر بن محمد عليهماالسلام

ص: 19


1- مناقب آل أبي طالب : 2/255 .

غير مرّة يقول لي : إنّ عالم آل محمد لفي صلبك ، وليتني أدركته ، فإنّه سمّي أمير المؤنين علي(1) .

وروى النعمان بن سعد قال : قال أمير المؤنين علي بن أبي طالب عليهماالسلام : سيقتل رجل من ولدي بأرض خراسان بالسمّ ظلما ، اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم ابن عمران موسى عليه السلام ، ألا فمن زاره في غربته غفر اللّه ذنوبه ما تقدّم منها وما تأخّر ، ولو كانت مثل عدد النجوم وقطر الأمطار وورق الأشجار(2) .

وروى أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : إنّ جابر بن عبد اللّه الأنصاري كان آخر من بقي من أصحاب رسول اللّه (3) ، وكان رجلاً منقطعا إلينا أهل البيت ، وكان يقعد في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو معتجر بعمامة سوداء ، وكان ينادي : يا باقر العلم ، يا باقر العلم ، فكان أهل المدينة يقولون : جابر يهجر ، فكان يقول : لا - واللّه - ما أهجر ، ولكنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : إنّك ستدرك رجلاً منّي ، اسمه اسمي ، وشمائله شمائلي ، يبقر العلم بقرا ، فذاك الذي دعاني إلى ما أقول(4) .

ص: 20


1- إعلام الورى : 315 ، بحار الأنوار : 49/100 .
2- الأمالي : 181 ح185 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2/257 ح14 ، فرائد السمطين : 2/190 ح467 .
3- قال العلامة المجلسي في مرآة العقول : « مات جابر بالمدينة سنة أربع وسبعين ، وقيل : ثمان وسبعين » .
4- الكافي : 1/469 ح2 .

وروي عن أمير المؤنين عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ما من أهل بيت فيهم من اسمه اسم نبي إلاّ بعث اللّه إليهم ملكا يسدّدهم ، وإنّ من الأئمّة بعدي من اسمه اسمي ، ومن هو سميّ موسى بن عمران ، وإنّ الأئمّة بعدي كعدد نقباء بني إسرائيل ، أعطاهم اللّه علمي وفهمي ، فمن خالفهم فقد خالفني ، ومن ردّهم وأنكرهم فقد ردّني وأنكرني ، ومن أحبّني في اللّه فهو من الفائزين يوم القيامة(1) .

وروى جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : المهدي من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خلقا وخلقا ، تكون به غيبة وحيرة تضلّ فيها الأمم ، ثمّ يقبل كالشهاب الثاقب يملأها عدلاً وقسطا كما ملئت جورا وظلما(2) .

وروي عن الإمام جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام . . . قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ألا ليقم كلّ من اسمه محمد فليدخل الجنّة لكرامة سمّيه محمد(3) .

قال الكجوري في الخصائص الفاطمية :

« الحمد للّه الذي جعل اسم فاطمة في كلّ بيت من بيوت الأمّة سبباللبركة ونزول الرحمة ، وستبعث الفواطم - غدا يوم القيامة - من التراب

ص: 21


1- كفاية الأثر : 154 .
2- كمال الدين وتمام النعمة : 286 .
3- وسائل الشيعة : 21/395 ح10 .

رافعات الرؤس فخرا ومباهاة ، لأنّهنّ أمّهات السيد المختار صلى الله عليه و آله ، وسميّات فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، فيقلن : فاطمة أفضل منّا ، ونحن أفضل من باقي النساء لشبه اسمنا باسمها .

وفي هذا الاشتراك الاسمي مزية فوق المزايا ، ورتبة فوق الرتب . . .

فإذا نودي يوم القيامة : « فاطمة » قام ما لا يحصى عددا من النساء ، ولمّا كان الاسم الشريف « فاطمة » يتضمّن معنى الشفاعة ، فكيف ترضى السيدة أن تحترق المرأة وهي في عصمتها وسميّتها ؟! فتكرم لاسمها ، وتنال الشفاعة وتنجو من أهوال المحشر . . .»(1) .

ص: 22


1- الخصائص الفاطمية : 1/282 .

معنى الاسم في اللّغة

ف-اطم-ة : مشتقّ من فطم ، قال صاحب مجمع البحرين : فطيم ، ككريم : هو الذي انتهت مدّة رضاعه ، يقال : فطمت الرضيع فصلته عن الرضاع ، ويجمع الفطيم على فطم - بضمتين - وهو قليل الاستعمال في العربية .

وقال الفيروز آبادي في القاموس : فطمه يفطمه : قطعه ، والصبي فصله عن الرضاعة ، أفطم السخلة ، حان أن تفطم ، فإذا فطمت فهي فاطم ومفطومة وفطيمة . . .

وجاءت في كلام أهل البيت عليهم السلام بمعنى الانقطاع عن الدنيا ولذّاتها ، وبمعنى القطع والمنع ، ففي تفسير العسكري عليه السلام في معنى « فاطمة » قال : إنّ اللّه - سبحانه - سمّى نفسه الفاطم يعني الفاطم أولياءه عن أعدائه في دخول الجنّة والنار(1) .

ص: 23


1- بحار الأنوار : 11/149 ح25 .

وفي حديث الخصال : لمّا سأل الأعرابي الحسنين عليهماالسلام وعبد اللّه وتحيّر الأعرابي من جودهما وعلوّ همّتهما قال له عثمان : ومن لك بمثل هؤاء الفتية ؟ أولئك فطموا العلم فطما وحازوا الخير والحكمة .

قال الصدوق رحمه الله : فطموا العلم أي قطعوه عن غيرهم قطعا ، وجمعوا لأنفسهم جمعا(1) .

فالاسم لغة يتضمّن معنى القطع والفصل والحيازة والانبتات عن الآخرين والمنع والامتناع .

ص: 24


1- بحار الأنوار : 43/332 ح4 باب 16 ، عن الخصال : 135 .

اسم «فاطمة» في أحاديث أهل البيت عليهم السلام

أوّلاً : معنى الاسم في أحاديثهم عليهم السلام

اشارة

لقد وردت طائفة كبيرة من الروايات الشريفة في تفسير معنى « فاطمة » ، ويظهر من بعضها اختصاص التفسير بسيدة النساء وعدم سريانه إلى غيرها بأيّ حال ، ولكنّها على العموم تبيّن كرامة هذا الاسم ، وما يتضمّنه من معاني جليلة .

ويكفي هذه السيدة المكرّمة « أم البنين عليهاالسلام » شرفا ورفعة أن تشارك من خصّها اللّه بهذه الخصائص في الاسم فقط .

بعض الوجوه في معنى « فاطمة » :

اشارة

ونذكر هنا بعض الوجوه التي وردت في كلمات المعصومين في تفسير معنى « فاطمة » ، حيث فسّروه بلحاظات مختلفة ، وبيّنوا معناه ضمن مواقف وحيثيات تتجلّى فيها الصدّيقة في الدنيا والآخرة .

الوجه الأوّل :

روى عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني قال : حدّثني الحسن بن عبد اللّه

ص: 25

بن يونس عن يونس بن ظبيان قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : لفاطمة عليهاالسلام

تسعة أسماء عند اللّه - عزّ وجلّ - : فاطمة ، والصدّيقة ، والمباركة ، والطاهرة ، والزكية ، والراضية ، والمرضية ، والمحدّثة ، والزهراء .

ثمّ قال عليه السلام : أتدري أيّ شيء تفسير فاطمة ؟ قلت : أخبرني يا سيدي ، قال : فطمت من الشرّ .

ثمّ قال : لولا أنّ أمير المؤنين عليه السلام تزوّجها لما كان لها كفؤ إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه(1) .

وقد فطمت « أم البنين عليهاالسلام » بسيدة النساء من الشرّ والحسد والغيرة .

الوجه الثاني :

في كتاب علل الشرائع : عن عبد اللّه المحض ابن الحسن المثنّى عن أبي الحسن السجّاد عليه السلام قال : قال لي أبو الحسن عليه السلام : لم سمّيت فاطمة « فاطمة » ؟ قلت : فرقا بينه وبين الأسماء ؟! قال : إنّ اللّه - تبارك وتعالى - علم ما كان قبل كونه ، فعلم أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله يتزوّج في الأحياء ، وأنّهم يطمعون في وراثة هذا الأمر فيهم من قبله ، فلمّا ولدت فاطمة سمّاها اللّه - تبارك وتعالى - « فاطمة » لما أخرج منها ، وجعل في ولدها ، فقطعهم

ص: 26


1- الخصال : 2/414 ، الأمالي للصدوق : 592 مج 86 ح18 ، روضه الواعظين : 1/148 ، علل الشرائع : 178 ح142 باب 1 ، كشف الغمّة : 1/463 ، المناقب لابن شهرآشوب : 3/30 .

عمّا طمعوا ، فبهذا سمّيت « فاطمة » ، لأنّها فطمت طمعهم ، ومعنى فطمت : قطعت(1).(2) .

وقد فطمت « أم البنين عليهاالسلام » - بسيدة النساء - بأولادها طمع القوم في الحسين عليه السلام وحرمه .

يوم أبو الفضل استجار به الهدى *** والشمس من كدر العجاج لثامها

ثانيا : تداول الاسم عندهم عليهم السلام

كان هذا الاسم متداولاً في البيت الهاشمي المنيف ، وقد سمّيت تسعة من أمّهات النبي صلى الله عليه و آله بفاطمة ، قال النبي صلى الله عليه و آله يوم أحد : أنا ابن الفواطم(3) من قريش الأكارم(4) .

وفي الخصائص الفاطمية : قال صلى الله عليه و آله : أنا ابن الفواطم والعواتك من سليم ، واسترضعت في بني سعد(5) .

قال الشاعر :

يابن الطواهر والزواكي *** يابن الفواطم والعواتك

ص: 27


1- الوجوه في معنى « فاطمة » الواردة في كلمات أهل البيت عليهم السلام كثيرة أنظر الخصائص الفاطمية للكجوري : 1/270 .
2- علل الشرائع : 1/212 ح2 باب 142 .
3- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر : 3/108 .
4- نهج الإيمان لابن جبر : 416 .
5- الخصائص الفاطمية للكجوري : 2/107 .

وفي تاريخ اليعقوبي : وأخبرني غير واحد من أهل العلم أنّه كان يكثر يوم حنين ويقول : أنا ابن الفواطم ، فأخبرني النسّابون أنّه ولده من الفواطم أربع فواطم : قرشية ، وقيسيتان ، وأزدية .

فأمّا القرشية : فوالدته من قبل أبيه عبد اللّه بن عبد المطّلب ، فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم .

والقيسيتان : أم عمرو بن عائذ بن عمران ، وهي فاطمة بنت ربيعة بن عبد العزّى بن رزام بن بكر بن هوازن ، وأمّها فاطمة بنت الحارث بن بهثة بن سليم بن منصور .

والأزدية : أم قصي بن كلاب ، وهي فاطمة بنت سعد بن سيل(1) .

هذا بالإضافة إلى فاطمة أم خديجة عليهاالسلام ، وفاطمة بنت أسد ، وفاطمة بنت حمزة عليه السلام .

قال الكجوري في الخصائص الفاطمية : إنّ سبب انتشار هذا الاسمفي هذه الأسرة النبيلة ذات الأنساب الجليلة : أنّ آباء الزهراء المطهّرين وأمّهاتها الطاهرات كانت لهم معرفة خاصّة بحقّ المستورة الكبرى وعلو مقاماتها ، وقد روينا سابقا : «وعلى معرفتها دارت القرون الأولى » حيث كان الأنبياء العظام يوصون أممهم بحبّها ومعرفتها ، ويأمرونهم بالتوسّل بشفيعة يوم الجزاء في البلايا والشدائد ، فإذا

ص: 28


1- تاريخ اليعقوبي : 2/122 .

كان هذا هو دأب الجميع ، فلابدّ أن يكون أهلها أعرف بها ، بل إنّهمكانوا يفتخرون ، لأنّهم وقعوا في سلسلة آبائها وأمّهاتها ، وكانوا يسمّون أغلب بناتهم باسمها تشرّفا وافتخارا ، ولو راجع البصير الشجرة النبوية الطاهرة وفروعها الباهرة الزاهرة إلى النضر بن كنانة ، لعلم جيّدا ما أقول(1) .

ثالثا : إنّ هذا الاسم مشتقّ من أسماء اللّه الحسنى

فيالها من كرامة وسعادة نالتها هذه المرأة العظيمة حيث شاء اللّه لها أن تتسمّى باسم مشتقّ من اسمه جلّ وعلا .

ففي البحار عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ اللّه شقّ لك - يا فاطمة - اسما من أسمائه ، فهو الفاطر وأنت فاطمة(2) .

وفي تفسير الإمام العسكري عليه السلام في حديث آدم عليه السلام : . . وهذه فاطمة وأنا فاطر السماوات والأرض ، وفاطم أعدائي عن رحمتي يوم فصل قضائي ، وفاطم أوليائي عمّا يعريهم ويشينهم ، فشققت لها اسما من اسمي(3) .

ص: 29


1- الخصائص الفاطمية : 1/280 .
2- بحار الأنوار : 15/43 ح13 باب 2 .
3- تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 220 ح 102 في سجود الملائكة لآدم عليهم السلام ومعناه ، وعنه البحار : 11/150 ح25 باب 2 .

وهذا الاشتقاق وإن كان في الأساس منقبة لسيدة النساء عليهاالسلاموتحفةخاصّة بها ، ولكنّها تسري بالتبع لكلّ من تسمّت بهذا الاسم ببركة الصدّيقة الطاهرة عليهاالسلام ، وتبقى الآثار الخاصّة لهذا الاشتقاق منحصرة في عزيزة ذي الجلال(1) . .

رابعا: حبّهم عليهم السلام الشديد لهذا الاسم واحترامهم له وأمرهم باحترامه

إنّ من الأسماء ما هو مبغوض عند اللّه وعند رسوله صلى الله عليه و آلهوالأئمّة الهداة عليهم السلام ، وقد ورد النهي عن التسمّي بالمبغوض منها كما ورد الترغيب بالتسمي بالمحبوب منها .

قال يَعْقُوبَ السَّرَّاجِ : دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى ، وَهُوَ فِي الْمَهْدِ ، فَجَعَلَ يُسَارُّهُ طَوِيلاً ، فَجَلَسْتُ حَتَّى فَرَغَ ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ لِي : ادْنُ مِنْ مَوْلاكَ فَسَلِّمْ .

فَدَنَوْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ بِلِسَانٍ فَصِيحٍ ، ثُمَّ قَالَ لِيَ : اذْهَبْ فَغَيِّرِ اسْمَ ابْنَتِكَ الَّتِي سَمَّيْتَهَا أَمْسِ ، فَإِنَّهُ اسْمٌ يُبْغِضُهُ اللَّهُ ، وَكَانَ وُلِدَتْ لِيَ ابْنَةٌ سَمَّيْتُهَا بِالْحُمَيْرَاءِ .

ص: 30


1- إنّ الصدّيقة الكبرى سيدة النساء فاطمة الزهراء عليهاالسلام لا يقاس بها أحد من العالمين لا أم البنين عليهاالسلام ولا غيرها ، رجالاً ونساءا ، إلاّ من خصّهم اللّه العزيز الحكيم ، فلا يحمل شيء من كلامنا في هذا الكتاب على القياس والمقارنة بتاتا ، وكلّ ما نذكره نقصد به التأسّي والمواساة والتعلّم والاستضاءة بالنور الإلهي المتشعشع من وجود الصدّيقة المطهّرة على الخلق أجمعين .

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : انْتَهِ إِلَى أَمْرِهِ تُرْشَدْ ، فَغَيَّرْتُ اسْمَهَا(1) .وروى مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ : إِنَّ أَبْغَضَ الأسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- حَارِثٌ وَمَالِكٌ وَخَالِدٌ(2) .

وروي عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثَْمانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله دَعَا بِصَحِيفَةٍ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ يُرِيدُ أَنْ يَنْهَى عَنْ أَسْمَاءٍ يُتَسَمَّى بِهَا ، فَقُبِضَ وَلَمْ يُسَمِّهَا ، مِنْهَا : الْحَكَمُ وَحَكِيمٌ وَخَالِدٌ وَمَالِكٌ ، وَذَكَرَ أَنَّهَا سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ مِمَّا لا يَجُوزُ أَنْ يُتَسَمَّى بِهَا .

وروى جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله عَلَى مِنْبَرِهِ أَلا إِنَّ خَيْرَ الأسْمَاءِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَحَارِثَةُ وَهَمَّامٌ ، وَشَرَّ الأسْمَاءِ ضِرَارٌ وَمُرَّةُ وَحَرْبٌ وَظَالِمٌ .

هذا في الأسماء المبغوضة ، وأمّا المحبوب منها :

فقد روي عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ : أَصْدَقُ الأسْمَاءِ مَا سُمِّيَ بِالْعُبُودِيَّةِ وَأَفْضَلُهَا أَسْمَاءُ الأنْبِيَاءِ .

وروي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَزْرَمِيِّ قَالَ : اسْتَعْمَلَ مُعَاوِيَةُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ عَلَى الْمَدِينَةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَفْرِضَ لِشَبَابِ قُرَيْشٍ ، فَفَرَضَ لَهُمْ ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام فَأَتَيْتُهُ ، فَقَالَ : مَا اسْمُكَ؟ فَقُلْتُ : عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ،

ص: 31


1- الكافي : 1/310 ح11 ، الإرشاد : 2/219 ، إعلام الورى : 299 ، الصراط المستقيم : 2/163 ، كشف الغمّة : 2/221 ، المناقب : 4/287 .
2- الكافي : 6/21 ح16 .

فَقَالَ : مَا اسْمُ أَخِيكَ؟ فَقُلْتُ : عَلِيٌّ ، قَالَ : عَلِيٌّ وَعَلِيٌّ! مَا يُرِيدُ أَبُوكَ أَنْ يَدَعَ أَحَدا مِنْ وُلْدِهِ إِلا سَمَّاهُ عَلِيّا ! ثُمَّ فَرَضَ لِي .فَرَجَعْتُ إِلَى أَبِي فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ : وَيْلِي عَلَى ابْنِ الزَّرْقَاءِ دَبَّاغَةِ الأَدَمِ ، لَوْ وُلِدَ لِي مِائَةٌ لأحْبَبْتُ أَنْ لا أُسَمِّيَ أَحَدا مِنْهُمْ إِلاّ عَلِيّا .

وروي عَنِ ابْنِ الْقَدَّاحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ لِي غُلامٌ ، فَمَا ذَا أُسَمِّيهِ؟ قَالَ : سَمِّهِ بِأَحَبِّ الأسْمَاءِ إِلَيَّ : «حَمْزَةَ» .

ولا سواء أن يتسمّى الإنسان بالاسم المحبوب ، وآخر يتسمّى بالاسم المبغوض ، ولا أن يتسمّى باسم موجود مقدّس أو يتسمّى باسم موجود متسافل .

روى ابْن أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلاملِعَبْدِ

الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ : كَيْفَ سَمَّيْتَ ابْنَكَ ضُرَيْسا ؟ قَالَ : كَيْفَ سَمَّاكَ أَبُوكَ جَعْفَرا ؟ قَالَ : إِنَّ جَعْفَرا نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَضُرَيْسٌ اسْمُ شَيْطَانٍ .

* * *

فاليهنك أمّ البنين هذا الاسم المبارك المحبوب الذي كان له عند أهل البيت عليهم السلام شأنا من الشأن ، وقد اهتمّوا به إهتماما بالغا ، وأوصوا شيعتهم بذلك ، وتعاملوا معه معاملة خاصّة بما هو اسم ، ورتّبوا آثارا هامّة على من سمّى به بنتا له .

ص: 32

فلا تجد إماما من الأئمّة المعصومين إلاّ وقد سمّى واحدة من بناته أو أكثر بهذا الاسم المقدّس ، حتى الإمام أمير المؤنين عليه السلامالذي كانت أمّهوزوجته تسمّى « فاطمة » .

فكم من إمام كان ينحني إذا سمع هذا الاسم ، أو يتأوّه آهة تلتهب فيها النيران التي أحرقت بابها ، وكأنّ تلك النار قد شبّت اليوم في صدر المعصوم عليه السلام ، أو يضع يده على جبهته ، أو يحمرّ وجهه المبارك وتخنقه العبرة ، وتمتلأ عيناه بدموع الحزن والأسى ، أو يتنفّس الصعداء ، ويرحل أمام الحاضرين إلى تلك الأيّام الخوالي التي هجموا فيها على الطهر البتول ، أو يتوعّد الظالمين لها ، وغير ذلك .

فنفس هذا الحبّ المشهود عند الأئمّة لهذا الاسم كاف لجعله من أعزّ الأسماء التي يمنّ اللّه بها على أمة من إمائه ، فيسمّيها به كما منّ على سيدتنا ومولاتنا أم البنين عليهاالسلام .

وفي ذلك إشارة واضحة إلى أنّ أم البنين عليهاالسلام كانت محبوبة عند أهل البيت عليهم السلام من حيث الاسم إضافة إلى الحيثيّات الأخرى .

* * *

بل إنّ هذا الاسم يستلزم نمطا خاصّا من التعامل مع من تسمّت به ، فقد ورد في الكافي الشريف والتهذيب مسندا عن السكوني قال :

دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام وأنا مغموم مكروب ، فقال لي : يا سكوني ممّا غمّك؟ قلت : ولدت لي ابنة ! فقال : يا سكوني ، على الأرض ثقلها ،

ص: 33

وعلى اللّه رزقها ، تعيش في غير أجلك ، وتأكل من غير رزقك(1) ، فسرّى واللّه - عنّي(2) ، فقال لي : ما سمّيتها؟ قلت : «فاطمة» ، قال : آه آه(3) .

ثمّ وضع يده على جبهته فقال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : حق ّالولد على والده إذا كان ذكرا أن يستفره أمّه ، ويستحسن اسمه ، ويعلّمه كتاب اللّه ويطهّره ، ويعلّمه السباحة ، وإذا كانت أنثى أن يستفره أمّها ، ويستحسن اسمها ، ويعلّمها سورة النور ، ولا يعملّها سورة يوسف ، ولا ينزلها الغرف ، ويعجل سراحها إلى بيت زوجها . أما إذا سمّيتها فاطمة فلا تسبّها ولا تلعنها ولا تضربها(4) .

ويقضي هذا أنّ أم البنين عليهاالسلام كانت لها مزية خاصّة عند أهل البيت عليهم السلام إمتازت بها عندهم بالاسم « فاطمة » .

ص: 34


1- أي لا ينقص من عمرك لأجلها شيء ولا من رزقك .
2- هذا من كلام السكوني : أي كشف أبو عبد اللّه عليه السلام الغمّ عنّي .
3- قاله عليه السلام لتذكّره جدّته المظلومة عليهاالسلام ، وما أصابها من مكاره الدهر .
4- الكافي : 6/48 ح6 ، تهذيب الأحكام : 8/112 .

بعض الآثار التكوينية لهذا الاسم المبارك

إنّ للأسماء آثارا تكوينية وتشريعية تترتّب عليها ، فالبيت الذي فيه اسم فاطمة لا يدخله الفقر ، كما روي عَنْ سُلَيَْمانَ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ : لاَ يَدْخُلُ الْفَقْرُ بَيْتا فِيهِ اسْمُ مُحَمَّدٍ أَوْ أَحْمَدَ أَوْ عَلِيٍّ أَوِ الْحَسَنِ أَوِ الْحُسَيْنِ أَوْ جَعْفَرٍ أَوْ طَالِبٍ أَوْ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ فَاطِمَةَ مِنَ النِّسَاءِ .

وإذا سمع الشيطان بعض الأسماء ذاب كما يذوب الرصاص ، وكان الاسم له حصنا منيعا من الشيطان ، وإذا سمع أخرى اهتزّ واختال لمجرّد سماعه للاسم .

روي عَنْ جَابِرٍ قَالَ : أَرَادَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام الرُّكُوبَ إِلَى بَعْضِ شِيعَتِهِ لِيَعُودَهُ ، فَقَالَ : يَا جَابِرُ الْحَقْنِي ، فَتَبِعْتُهُ ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى بَابِ الدَّارِ خَرَجَ عَلَيْنَا ابْنٌ لَهُ صَغِيرٌ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : مَا اسْمُكَ؟ قَالَ : مُحَمَّدٌ ، قَالَ : فَبِما تُكَنَّى؟ قَالَ : بِعَلِيٍّ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : لَقَدِ احْتَظَرْتَ مِنَ الشَّيْطَانِ

احْتِظَارا شَدِيدا ، إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ مُنَادِيا يُنَادِي : يَا مُحَمَّدُ ، يَا عَلِيُّ ، ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ ، حَتَّى إِذَا سَمِعَ مُنَادِيا يُنَادِي بِاسْمِ عَدُوٍّ مِنْ أَعْدَائِنَا اهْتَزَّ وَ اخْتَالَ .

ص: 35

وإذا كان في بيت من يسمّى باسم نبي من الأنبياء بعث اللّه - تعالى - ملكا يقدّسهم بالغداة والعشيّ ، فقد روى الأصبغ ، عن علي عليه السلام قال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : ما من أهل بيت فيهم اسم نبي إلاّ بعث اللّه - عزّ وجلّ - إليهم ملكا يقدّسهم بالغداة والعشيّ(1) .

وقال أبو هارون مولى آل جعدة : كنت جليسا لأبي عبد اللّه عليه السلام

بالمدينة ففقدني أيّاما ، ثمّ إنّي جئت إليه ، فقال : لم أرك منذ أيّام يا أبا هارون ؟! فقلت : ولد لي غلام ، فقال : بارك اللّه لك ، فما سمّيته ؟ قلت : سمّيته محمدا ، فأقبل بخدّه نحو الأرض وهو يقول : محمد ، محمد ، محمد ، حتى كاد يلصق خدّه بالأرض ، ثمّ قال : بنفسي وبولدي وبأهلي وبأبويّ وبأهل الأرض كلّهم جميعا الفداء لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لا تسبّه ، ولا تضربه ، ولا تسيء إليه ، واعلم أنّه ليس في الأرض دار فيها اسم « محمد » إلاّ وهي تقدّس كلّ يوم(2) . .

ومن كان في بيته « محمد » فإنّه يصبح بخير ويمسي بخير ، قال الرضا عليه السلام :البيت الذي فيه محمد يصبح أهله بخير ويمسون بخير(3) .

ومن كانت لهم مشورة فأدخلوا معهم من يسمّى « محمد » كان خيرا لهم .

ص: 36


1- أمالي الطوسي : 2/124 ، وسائل الشيعة : 21/391 ح3 .
2- وسائل الشيعة : 21/393 ح4 .
3- وسائل الشيعة : 21/394 ح6 .

قال النبي صلى الله عليه و آله : ما من قوم كانت لهم مشورة فحضر من اسمه « محمد » أو « أحمد » فأدخلوه في مشورتهم إلاّ كان خيرا لهم(1) .

وجلوس حامل اسم « محمد » أو « أحمد » على المائدة سبب لتقديس ذلك المنزل في كلّ يوم مرّتين ، قال النبي صلى الله عليه و آله : ما من مائدة وضعت فقعد عليها من اسمه محمد أو أحمد إلاّ قدّس ذلك المنزل في كلّ يوم مرّتين(2) .

كما أنّ سماع اسم « محمد » و« علي » و« فاطمة » و« حسن » يورث السلوة عن الهموم ، وجلاء الكروب والغموم ، واسم « حسين » يملأ القلب بالإحساس بالألم والحزن والأسى ، فينكسر له القلب ويخشع ، وتدمع له العين ولا ترقأ ، كما ورد في جملة من الأحاديث :

روى صاحب الدرّ الثمين في تفسير قوله تعالى « فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ » أنّه رأى ساق العرش وأسماء النبي والأئمّة عليهم السلام ، فلقّنه جبرئيل عليه السلام قل : يا حميد بحقّ محمد ، يا عالي بحقّ علي ، يا فاطر بحقّ فاطمة ، يا محسن بحقّ الحسن والحسين ومنك الإحسان .

فلمّا ذكر الحسين سالت دموعه ، وانخشع قلبه ، وقال : يا أخي جبرئيل في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي ؟!

قال جبرئيل : ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب ، فقال :

ص: 37


1- وسائل الشيعة : 21/394 ح8 .
2- وسائل الشيعة : 21/394 ح9 .

يا أخي ، وما هي ؟ قال : يقتل عطشانا غريبا وحيدا فريدا ليس له ناصر ولا معين ، ولو تراه يا آدم وهو يقول : وا عطشاه ، وا قلّة ناصراه ، حتى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان ، فلم يجبه أحد إلاّ بالسيوف وشرب الحتوف ، فيذبح ذبح الشاة من قفاه ، وينهب رحله أعداؤ ، وتشهر رؤسهم هو وأنصاره في البلدان ، ومعهم النسوان ، كذلك سبق في علم الواحد المنّان ، فبكى آدم وجبرئيل بكاء الثكلى(1) .

فآدم عليه السلام بعد لم يسمع مأساة الحسين عليه السلام وما سيجري عليه ، وإنّما سالت دموعه وانخشع قلبه لمجرّد سماع هذا الاسم .

وقال سعد بن عبد اللّه : سألت القائم عليه السلام عن تأويل « كهيعص » قال عليه السلام : هذه الحروف من أنباء الغيب اطّلع اللّه عليها عبده زكريا ، ثمّ قصّها على محمد عليه وآله السلام ، وذلك أنّ زكريا سأل اللّه ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة ، فأهبط عليه جبرئيل عليه السلام فعلّمه إياها ، فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن عليهم السلام سري عنه همّه وانجلى كربه ، وإذا ذكر اسم الحسين خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة .

فقال عليه السلام ذات يوم : إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي ، وإذا ذكرت الحسين عليه السلام تدمع عيني وتثور زفرتي ، فأنبأه اللّه- تبارك وتعالى - عن قصته فقال :

ص: 38


1- بحار الأنوار : 44/245 باب 30 ح 44 .

« كهيعص » ، فالكاف اسم كربلاء ، و الهاء هلاك العترة الطاهرة ، والياء يزيد ، وهو ظالم الحسين ، والعين عطشه ، والصاد صبره .

فلمّا سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام ، ومنع فيهنّ الناس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء والنحيب ، وكان يرثيه : إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده ؟! إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه ؟! إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة ؟! إلهي أتحلّ كربة هذه المصيبة بساحتهما ؟!

ثمّ كان يقول : إلهي ارزقني ولدا تقرّ به عيني على الكبر ، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه ، ثمّ أفجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده ، فرزقه اللّه يحيى وفجعه به ، وكان حمل يحيى ستة أشهر وحمل الحسين عليه السلامكذلك(1) . .

فزكريا عليه السلام كأبيه آدم عليه السلام يتسلّى بأسماء الأربعة عليهم السلام ، وتثور زفرته وتدمع عينه لمجرّد سماع تلك الأسماء المقدّسة .

وقد شاء اللّه - تعالى - لهذه السيدة الكريمة أن ينزل لها اسم « فاطمة » فتكون سببا لتفريج الهموم والغموم عن شيعة سيدة النساء عليهاالسلام ، وجعل كنيتها مفعمة بالتفاؤ والأمل واستشراف المستقبل الوضّاء « أم البنين » ،فهي فَرَج وسلوة وكاشفة للهموم والغموم والضرّ والبلوى والحزن والأسى عن شيعة أمير المؤنين .

ص: 39


1- دلائل الإمامة : 278 ، كمال الدين : 461 ح43 باب 2 ، المناقب : 4/84 ، بحار الأنوار : 44/223 باب 30 ح1 .

إنّ هذا الاسم مذكّر بفاطمة عليهاالسلام المظلومة

ممّا تعارف بين الناس تسمية أبناءهم بأسماء آبائهم أو أجدادهم أو شخصيات محبوبة عندهم أو حوادث أو وقائع أحبّوا تخليدها في حياتهم ، لأنّهم إذا سمعوا الاسم تذكّروا به ذلك الشخص المحبوب أو تلك الحادثة .

وقد سمعنا قبل قليل ذوبان الشيطان أو اختياله عند سماع بعض الأسماء ، وما ذاك إلاّ لأنّه يتذكّر به من قصم ظهره أو من أعانه .

وإنّ المتسمّيات بفاطمة من النساء كثير ، وقد شاع هذا الاسم وذاع أكثر من أيّ اسم آخر بين المسلمين ، بل انتشر في زماننا هذا حتى عند غير المسلمين ، وما أكثر المتسمّيات اليوم في الغرب ب-« فاطيما » .

فإذا تناهى هذا الاسم إلى الأسماع فإنّه ينقل القلوب والأذهان فورا إلى فاطمة البضعة المقدّسة المظلومة ، ويفتح أمام عينَي السامع ستارا ينظر من خلاله إلى المشاهد المؤمة والمناظر المروعة التي تعرّضت لها حبيبة ذي الجلال ، والفجائع التي أصابتها وأصابت ذريّتها من أعداء اللّه .

ص: 40

وقد رأينا أهل البيت عليهم السلام يتذكّرون أمّهم « فاطمة » بمجرّد سماع هذا الاسم بغضّ النظر عمّن تسمّت به ، فالإمام الصادق عليه السلاميتأوّه ويضع يده على جبهته ، ويوصي السكوني : أما إذا سمّيتها فاطمة فلا تسبّها ولا تلعنها ولا تضربها .

والإمام أبو جعفر الجواد عليه السلام يحمرّ وجهه - وهو إذ ذاك صغير السنّ - وينكت الأرض بيده ويتوعّد مَن ظلمها عليهاالسلام . . .

فأمّ البنين عليهاالسلام كانت مذكّرة بفاطمة الصدّيقة باسمها ، وهي تعيش في بيت أمير المؤنين عليه السلام .

وقد اعتاد الناس أن يسمّوا أحد أولادهم بعد فقد العزيز باسم المفقود إعتزازا به وإحياءا لذكراه وتذكّرا له ، وكأنّ أم البنين كانت هدية من اللّه - تعالى - للبيت المعصوم تحمل الاسم المحبوب لتحييه وتذكّر به .

حكي أنّ أمّ البنين عليهاالسلام طلبت من الإمام أمير المؤنين عليه السلام أن يعهد إلى أهل بيته بأن لا يدعوها أحد بعد ذلك باسمها : « فاطمة » مخافة أن يتذكر أبناء الزهراء أمّهم ، فيتجدّد لهم حزنهم ، ويعود عليهم مصابهم ، ويتذكّروا غصصهم وأشجانهم(1) .

ولعل في ذلك إشارة منها عليهاالسلام إلى أنّها لا تكون بديلة في هذا البيت عنذلك الوجود المقدّس الذي لا يرقى إلى منزلته أحد .

ص: 41


1- الخصائص العباسية : 25 .

كنيتها عليهاالسلام

اشارة

قال الفيروزآبادي في القاموس : كنّى به كذا يكنى ويكنو كناية : تكلّم بما يستدلّ به عليه ، أو تكلّم بشيء وأنت تريد غيره ، أو بلفظ يجاذبه جانبا حقيقة ومجازا ، وكنّى زيدا أبا عمرو ، ويكنّى به كنية بالكسر والضم سمّاه به كأكناه وكنّاه ، وأبو فلان كنيته وكنوته ويكسران ، وهو كنيته أي كنيته ، وتكنّى بالضم امرأة .

وفي لسان العرب : الكُنْيَةُ على ثلاثة أوجه :

أَحدها : أَن يُكْنَى عن الشيء الذي يُستفحش ذكره .

والثاني : أَن يُكْنى الرجل باسم توقيرا وتعظيما .

والثالث : أَن تقوم الكُنْية مَقام الاسم ، فيعرف صاحبها بها كما يعرف باسمه ، كأَبي لهب اسمه عبد العُزَّى ، عرف بكُنيته ، فسمّاه اللّه بها .

والكنية لم تكن معروفة عند غير العرب ، وهم يستعملونها توقيرا وتعظيما وتكريما للمكنى ، ثمّ صارت متداولة عند غيرهم(1) .

ص: 42


1- انظر الخصائص الفاطمية : 1/112 .

وعرفوا الكنية بأنّه ما كان مصدرا بأب وأم وابن ، مثل « أبو الحسن ، وأم كلثوم ، وابن الفواطم » ، بل ما كان مصدرا ب-« بنت » أيضا مثل « بنت الأبرار ، وبنت الكرم » .

وقد ورد الحثّ على استعمال الكنية في تعاليم أهل البيت عليهم السلام فقد روي عَنْ مَعْمَرِ بْنِ خَيْثَمٍ قَالَ : قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : مَا تُكَنَّى؟ قَالَ : مَا اكْتَنَيْتُ

بَعْدُ ، وَمَا لِي مِنْ وَلَدٍ وَلاَ امْرَأَةٍ وَلاَ جَارِيَةٍ ، قَالَ : فَمَا يَمْنَعُكَ مِنْ ذَلِكَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : حَدِيثٌ بَلَغَنَا عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام قَالَ : مَنِ اكْتَنَى وَلَيْسَ لَهُ أَهْلٌ فَهُوَ أَبُو جَعْرٍ ! فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : شَوْهٌ لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام ، إِنَّا لَنُكَنِّي أَوْلاَدَنَا فِي صِغَرِهِمْ مَخَافَةَ النَّبَزِ أَنْ يُلْحَقَ بِهِمْ(1) .

وروي عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله : السُّنَّةُ وَالْبِرُّ أَنْ يُكَنَّى الرَّجُلُ بِاسْمِ ابْنِهِ(2) وقال أمير المؤنين عليه السلام :

نحن الكرام بنو الكرا *** م وطفلنا فيالمهد يكنى

إنّا إذا قعد اللئام *** على بساط العزّ قمنا(3)

وقال المجلسي رحمه الله : الكنية للمولود في المهد علامة الشرف ، بل هي مستحبة(4) .

ص: 43


1- وسائل الشيعة : 21/397 ح 27397 .
2- مستدرك الوسائل: 131/15 باب 18 ح1.
3- ديوان الإمام علي عليه السلام جمع حسين الأعلمي : 146 .
4- الخصائص الفاطمية: 1/113 .

وقال رحمه الله : والغالب عليه - يعني أمير المؤنين علي عليه السلام - من الكنية « أبوالحسن » ، وكان ابنه الحسن عليه السلام يدعوه في حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أبا الحسين ، ويدعوه الحسين عليه السلام : أبا الحسن ، ويدعوان رسول اللّه صلى الله عليه و آله أباهما ، فلمّا توفّي النبي صلى الله عليه و آله دعواه بأبيهما ، وكناه رسول اللّه صلى الله عليه و آله « أبا تراب » وجده نائما في تراب قد سقط عنه رداؤ وأصاب التراب جسده ، فجاء حتى جلس عند رأسه و أيقظه ، وجعل يمسح التراب عن ظهره ويقول له : اجلس إنّما أنت أبو تراب ، فكانت من أحبّ كناه صلوات اللّه عليه إليه ، وكان يفرح إذا دعي بها(1) .

قال الصاحب بن عبّاد :

أنا وجميع من فوق التراب *** فداء تراب نعل أبي تراب(2)

وقد كنيت السيدة الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء عليهاالسلام بكنى كثيرة ، منها : أم أبيها ، أم الأسماء ، وأم الهناء ، وأم العلوم ، وأم الفضائل ، أم الكتاب .

* * *

فالكنية أدب شرعي وموروث عرفي يلاحظ فيه عادة وصف شائع أو إحترام وتوقير خاص ، وقد تغلب الكنية حتى ينسى الاسم تماما ، كما حدث لأم أيمن ، وأم سلمة ، وكذلك كانت أم البنين عليهاالسلام .

ص: 44


1- بحار الأنوار : 35/66 باب 2 .
2- روضة الواعظين : 1/131 .

أم البنين

*أم البنين(1) عليهاالسلام

تطلق العرب هذه الكنية على المرأة تفاؤاً لها بالبنين ، وتطلق أيضا على المرأة المتزوّجة إذا ولدت ثلاثة أولاد .

ومن الواضح أنّ أمير المؤنين عليه السلام إنّما تزوّج هذه الحرّة الأبية طلبا للولد ، كما ورد في نصّ المرسوم الذي أصدره لأخيه عقيل يوم أمره بخطبتها ، فقال : انظر لي امرأة ولدتها الفحولة من العرب من ذوي البيوت والنسب والحسب والشجاعة لكيأصيب منها ولدا يكون شجاعا وعضدا ينصر ولدي هذا - وأشار إلى الحسين عليه السلام - يواسيه في طف كربلاء(2) . .

فمن الطبيعي - إذن - أن تكنّى أم البنين ، لأنّ الغرض الأوّل من إختيارها هو طلب الأولاد .

ص: 45


1- مروج الذهب : 3/63 ، تاريخ الطبري : 3/393 ، تاريخ اليعقوبي : 2/213 ، الفصول المهمة : 141 ، سرّ السلسلة العلوية : 88 ، المناقب لابن شهرآشوب : 3/304 ، كشف الغمّة : 1/441 .
2- بطل العلقمي : 1/121 .

وحكي في علّة إختيار هذه الكنية ما سمعته قبل قليل(1) ممّا يكشف عن مدى رهافة أحاسيس هذه الطيّبة ونبل مشاعرها ، وظرافة ذوقها ، وحدّة ذكائها ، ودقّتها في تصوّر مشاعر الآخرين وتقديرها ، حتى طلبت من الإمام أمير المؤنين عليه السلام أن لا يخاطبها باسمها « فاطمة » لئلاّ يتذكّر أولادها الأبرار أمّهم ، فاختار لها الإمام هذه الكنية .

وفي هذه الكنية مزيدا من التكريم والتعظيم والتفاؤ والتبجيل للأم ، فما أعظم الأم حينما تكون أمّا للرجال الأبطال الذين ارتفعت هاماتهم على كلّ مرتفعات التاريخ ، ودخلوا البيوت التي إذن اللّه أن ترفع ، وصاروا مديحا وتمجيدا وثناءا لا ينتهي لأمّهم الطاهرة النقيّة .

* * *

ص: 46


1- انظر الخصائص العباسية : 25 .

الكنية التي اشتهرت بها فاطمة الكلابية زوجة أمير المؤنين عليه السلامهي

« أم البنين » ، بيد أنّنا إذا راجعنا الموروث الشعبي الشيعي ، أو الأدبي شعرا كان أو نثرا نجد لها كنى كثيرة ، نقتصر هنا على ذكر بعضها :

أم العباس

وهذه الكنية من الكنى المشهورة لأم البنين ، وحقّ لها أن تتكنّى باسم حامل راية سيد شباب أهل الجنّة عليه السلام ، ولها أن تفتخر بهذه الكنية النورانية التي أضاءت حياة المؤمنين والموالين لسيد الوصيّين .

وقد اشتهر بين الناس قديما وحديثا تكنية الأمّ بأكبر أولادها ، سيما إذا كان بكرها مثل قمر بني هاشم ، والعضد الأيمن للحسين عليه السلام .

أم الأربعة

وقد عرفت أم البنين بهذه الكنية من خلال ما أنعم اللّه عليها من البنين الأربعة الذين ولدتهم لأمير المؤنين عليه السلام ، وادّخرتهم لنصرة الحسين عليه السلام .

ص: 47

أم الفداء

عرفت أم البنين عليهاالسلام بهذه الكنية لما أبلت بلاءا حسنا في التضحية أيّام حياتها مع أمير المؤنين وبعده مع أولاده الطاهرين عليهم السلام ، ولأنّها قدّمت أبناءها بإيمان ويقين بين يدي سبط النبي صلى الله عليه و آله وسيد الشهداء الحسين عليه السلام .

أم الوفاء

أطلقت هذه الكنية على أم البنين لما عرفت به من وفائها لأمير المؤنين عليه السلام في حياته وبعد شهادته حيث أنّها لم تتزوّج بعده رغم كثرة الخطّاب ، ورفضت ذلك إلتزاما منها بتعاليم الدين الحنيف من جهة - كما سيأتي قريبا إن شاء اللّه - ووفاءا لزوجها أخي الوصي الأمين من جهة أخرى .

وكانت أم البنين مثلاً في الوفاء لفاطمة الزهراء عليهاالسلام سيدة نساء العالمين ، ولأولادها الكرام الميامين .

أم النشامة

في كتاب العين : نشم : النشم : شجر تتّخذ منها القسي ، الواحدةنشمة(1) . والناس يقولون : نشمي ونشامى ، يقصودون به عالي الهمّة ، المسارع إلى إنجاز المهمّة ، المجيب إذا دعي إلى ملمّة ، ولعل الأصل في هذا

ص: 48


1- كتاب العين : 6/270 مادة « نشم » .

الاستعمال هو ما ذكره صاحب كتاب العين ، فكأنّهم شبّهوا الرجل بتلك الشجرة التي يتّخذ منها القسي ، فهو كالقوس إذا دعاه المستغيث .

وإنّما لقّبت أم البنين عليهاالسلام أم النشامة ، لأنّها أم الفرسان الذين جبّنوا الشجعان ، وسارعوا للدفاع عن إمامهم ودينهم وحرم رسول ربّهم وفدوا الحسين عليه السلام بأنفسهم ، وكانوا قسيّا رمى بهم الحسين عليه السلام أعداء اللّه وأعداء دينه .

بنت الفحول

وهذه الكنية مستفادة من رشحات كلمات أمير الكلام وأمير المؤنين

علي عليه السلام ، في خطابه لأخيه عقيل : « انظر لي امرأة ولدتها الفحولة من العرب . . . » ، وقد ثبت إعجاز كلام الإمام عليه السلامحيث بانت الفحولة في أولادها عليهم السلام .

وسيأتي الكلام في نسبها إن شاء اللّه ، فنعرف صدق هذه الكنية ، وتحقّقها تماما في أم البنين عليهاالسلام .

بنت الحمولة

والمقصود بها المرأة النجيبة التي تتربّى في الأسرة ذات الحسب والنسبوالعراقة والأصالة ، فتكون مكارم الأخلاق والأصالة في السلوك ديدنها ودأبها دون تكلّف ، لأنّها تغدو ملكة لها ، فهي النجيبة في النسب ، والحسيبة في العمل ، والكريمة في الأصل ، وكذلك كانت أم البنين حقّا .

ص: 49

ألقابها عليهاالسلام

اشارة

اللقب : جمعه ألقاب ، قال تعالى : « وَلا تَنابَزُوا بِالأَلقابِ » .

في كتاب العين : اللقب : نبز اسم غير ما سمّي به ، وقول اللّه - عزّ وجلّ - : « وَلا تَنابَزُوا بِالأَلقابِ » أي لا تدعوا الرجل إلاّ بأحبّ الأسماء إليه .

وقال في مجمع البحرين : قد يكون اللقب علما من غير نبز فلا يكون حراما ، والنهي في الآية نهي عن الألقاب المذمومة التي يكرهها المدعوّ بها لما فيها من الذمّ .

والمؤن يتنزّه عن ذكر الناس بألقابهم المذمومة ، ولكنّه يذكر إخوانه بأسمائهم المحبوبة إكراما وتعظيما وامتثالاً لما جاء في الحديث الشريف : « حقّ المؤن على أخيه أن يسمّيه بأحبّ أسمائه » ، ويدعوهم بالألقاب المحبّذة عندهم .

وقد أنزل اللّه - تبارك وتعالى - بعض الألقاب لعباده المخلصين ، فلقّب عليا بأمير المؤنين ، فابتهج بذلك رسول ربّ العالمين(1) ،

ص: 50


1- انظر كشف الغمّة : 1/341 في ذكر مخاطبته بأمير المؤنين عليه السلام .

ولقّب فاطمة الزهراء بعدّة ألقاب منها « أمة اللّه »(1) . .

كما لقّب رسول اللّه صلى الله عليه و آله أخاه عليا وبضعته وسبطيه عليهم السلام ، ولقبّ عمّه حمزة فقال : أسد اللّه وأسد رسوله(2) .

واللقب يكون - عادة - إشارة إلى صفة خاصّة يتّصف بها الملقّب ، وذكر الصفة يدلّ على الموصوف ، فيكون عندئذٍ كثرة الألقاب الشريفة دليل على كثرة الصفات الممدوحة ، وعلوّ القدر ، ورفعة المقام ، وسموّ الشرف .

* * *

ص: 51


1- ورد هذا اللقب في كثير من المصادر والأحاديث ، وأنّه مكتوب على باب الجنّة ، منها : ما روي عن أمير المؤنين علي بن أبي طالب عليهماالسلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أدخلت الجنّة فرأيت على بابها مكتوبا بالذهب: «لا إله إلا اللّه ، محمد حبيب اللّه ، علي وليّ اللّه ، فاطمة أمة اللّه ، الحسن والحسين صفوة اللّه ، علي مبغضيهم لعنة اللّه» . انظر : البحار : 8/191 باب 23 ح167 .
2- انظر : بحار الأنوار : 7/233 باب 8 ح4 .

ومن ألقاب السيدة المخدّرة أم البنين عليهاالسلام :

باب الحوائج

شاء اللّه - تبارك وتعالى - أن يجعل له أبوابا يقصده الناس إذا ألمّت بهم نازلة ، أو فاجأهم خطب ، أو نزل بهم أمر ، أو أرادوا طلبه والتقرّب إليه ، فقال - عزّ وجلّ - : «وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ » ، وقال سبحانه : « وَلِلّهِ الأَْسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها » ، والأسماء الحسنى التي أمرنا اللّه أن ندعوه بها هم أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ، هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها المعصومون - صلوات اللّه عليهم أجمعين - كما قال عليه السلام : نحن الأسماء الحسنى التي إذا سئل اللّه - عزّ وجلّ - بها أجاب(1) ، وقال عليه السلام : نحن الأسماء الحسنى التي لا يقبل اللّه من العباد عملاً إلاّ بمعرفتنا(2) .

وهم أبواب اللّه الذي منها يؤى ؛ بصريح قول المولى سيد العابدين علي

ص: 52


1- المحتضر للحلي : 136 ، مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني : 1/556 ، بحار الأنوار : 27/38 .
2- بحار الأنوار : 5/25 .

بن الحسين عليهماالسلام قال : ليس بين اللّه وبين حجّته حجاب ، فلا للّه دون حجّته ستر ، نحن أبواب اللّه (1) . . .

وروى الأصبغ بن نباتة قال : كنت جالسا عند أمير المؤنين عليه السلام ، فقام ابن الكوّاء إلى علي عليه السلام ، فقال : يا أمير المؤنين ، أخبرني عن قول اللّه - عزّ وجلّ - « وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها » ، فقال عليه السلام : يا بن الكوّاء ، ويحك نحن باب اللّه الذي يؤى منه(2) . . .

وقال أمير المؤنين علي عليه السلام : نحن البيوت التي أمر اللّه بها أن تؤى من أبوابها ، نحن باب اللّه وبيوته التي يؤى منه(3) .

فهم أبواب اللّه ، وهم الوسائل إليه ، ولكن غيرهم من أوليائهم ممّن أخلص لهم الولاء ، وأطاع اللّه كما أمره وأراد ، يسمو إلى بعض مراتب هذه المنزلة ببركتهم .

وممّن اشتهر بهذا اللقب وأغاث العباد ، وصار سببا لقضاء حوائجهم بالتوسّل به إلى الربّ الجواد :الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهماالسلام .

عبد اللّه الرضيع ابن الإمام سيد الشهداء عليهماالسلام .

ص: 53


1- معاني الأخبار : 35 ح5 .
2- شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي : 2/343 ح 687 .
3- الإحتجاج للطبرسي : 1/338 .

أبو الفضل العباس ابن أمير المؤنين وابن أم البنين عليهم السلام .

مسلم بن عقيل ابن عمّ الحسين عليهم السلام .

رقيّة بنت الإمام الحسين عليهماالسلام المدفونة بالشام .

ولا يخفى أنّ الأئمّة الأطهار وأبناءهم الأبرار كلّهم أبواب إلى اللّه ، ولكن شاء اللّه أن يشتهر هذا اللقب لهؤاء المقرّبين من ذي الجلال .

ومنهم أيضا :

السيّدة أم البنين عليهاالسلام .

وإنّما اشتهرت بهذا اللّقب لما رأى الناس منها من كرامات ، فما ترى أحدا توسّل إلى اللّه بها ، وطرق بابها ، ورجع خائبا قطّ ، وقد شاء اللّه أن يجعل سميّت فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وأم أشبال أمير المؤنين عليه السلام بابا من أبواب رحمته ، لأنّها تمحّضت في الولاء ، وأخلصت في عظيم الحبّ والصبر على الابتلاء ، وصدّقت في القول والفعل ، فآتاها اللّه العزّ والشرف في الدنيا ، وعظيم المقام والمنزلة في الآخرة ، فما قصدها محتاج إلاّ وانقلب بقضاء حاجته ، ونجاح مسألته ، ونال قصده ، وأعطي حاجته ، وأجيبت مسألته ، وما توجّه بها إلى اللّه - تعالى - متوجّه إلاّ وبلغ مأموله ، ومن شاء فليتوسّل إلى اللّه بها ليعلم صدق ذلك(1) .

* * *

ص: 54


1- سنذكر في عنوان مستقلّ بعض كراماتها إن شاء اللّه تعالى .

البدوية

اشارة

اشتهر هذا اللقب عند بعض الناس ، وقد يكون السبب في إطلاقه أحد أمرين :

الأوّل :

أن يكون إشارة إلى أصلها السكني الذي انحدرت منه ، وهو البادية ، وهو بالتالي يرجع إلى الأمر الثاني .

قال الشيخ المظفّر : وابن البدوية نظرا إلى أنّ أم العباس عليهاالسلامكانت من العرب التي تقطن البادية أنفة من ذلّ الأمصار ، وفرارا من هوان الحضارة الذي تأباه نفوس العرب الأقحاح(1) .

الثاني :

أن يكون إشارة إلى ما تحمله الكلمة من معاني لا باعتبار كونها من سكّان البادية حقيقة ، بل باعتبار أنّ المرأة البدوية تمتاز بالنجابة والأصالة والشجاعة والطهارة والكرم والإيمان الفطري الراسخ الذي يستدلّ بالسماء ذات الأبراج والأرض ذات الفجاج على اللطيف الخبير ، فهي تعيش النقاء والصفاء والصدق والحقيقة والإباء وسلامة الطبع ، فلا إلتواء في طبعها ، ولا بخل في جبلّتها . . . .

ص: 55


1- بطل العلقمي : 2/13 .

أمة الزهراء

لقّبت بهذا اللقب لأنّها كانت تفتخر - بحقّ - أنّها دخلت بيت الزهراء عليهاالسلام ، وخدمت أولادها وزوجها ، وصارت أمة لهم ولها ، وهي أنبل وأشرف وأعلى وسام يمكن أن تتمنّاه امرأة .

الشفيعة

مقام الشفاعة بالأصالة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وآله الطيبين الطاهرين عليهم السلام، وربما فعل المؤن فعلاً أو عمل عملاً يكون سببا يقرّبه إلى اللّه - تعالى - فيتفضّل اللّه عليه ويمنّ عليه ، فيأذن له بالشفاعة ، فيقال له : « إشفع تُشفّع(1) » .

ومن مثل أم البنين ؟! وهي زوجة أمير المؤنين عليه السلام ، وأم العباس وإخوته المستشهدين بين يدي الحسين عليهم السلام ، والطيّبة الطاهرة التي حباها اللّه بكلّ هذا التكريم ، وجعلها فَرَجا لشيعة حبل اللّه المتين وسيد الوصيّين عليه السلام .

الميسّرة

فقد اشتهر عند الناس الاستغاثة بها والتوسّل بها إلى اللّه - تعالى - إذا وقعوا في ورطة ، أو أقدموا على عمل يتطيّرون منه ، أو يخافون

ص: 56


1- انظر روايات شفاعة المؤمن في بحار الأنوار : 8/44 باب 21 .

عواقبه ، أو يخشون عسره ، فيريهم اللّه الفرج واليسر والعافية ، فيسهل بهاالصعب ، ويتيسّر بها العسير ، وتنكشف بها الكرب العظام .

وغالبا ما تسمع وأنت تستقلّ سيّارة أو تسافر سفرا من يرفع صوته قائلاً : لتيسير الأمور اقرأوا الفاتحة لأم البنين عليهاالسلام .

المخدّرة

في كتاب العين : الخدر : ستر يمدّ للجارية في ناحية البيت ، وكذلك ينصب لها خشبات فوق قتب البعير ، مستور بثوب ، وهو الهودج المخدور ، وخدرت الجارية فتخدّرت ، وأخدرت لها كإخدار الظبية خشفها في هبطة من الأرض(1) . .

وفي لسان العرب : الخِدْرُ : سِتْرٌ يُمَدُّ للجارية في ناحية البيت ، ثمّ صار كلُّ ما واراك من بَيْت ونحوه خِدْرا ، والجمع خُدُورٌ وأَخْدارٌ ، وأَخادِيرُ جمع الجمع ، وأَنشد : « حتى تَغَامَزَ رَبَّاتُ الأَخادِيرِ » .

وجارية مُخَدَّرَةٌ إِذا أُلزمت الخِدْرَ ، ومَخْدُورَة(2) .

فالمرأة المخدّرة هي المرأة المحجوبة التي لا تبرز للرجال ، بل في أخبار بعض المخدّرات أنّها لم تر الشمس أبدا .

ص: 57


1- كتاب العين : 4/228 .
2- لسان العرب : 4/230 .

ومن أعزّ خدرا ! وأعظم سترا ! من أم البنين عليهاالسلام التي دخلت بيتحجاب اللّه ، واحتلّت موقعا أثيرا في بيت المستورة الكبرى فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وأظلّتها أنوار الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم عليهم السلام ، ووارتها خيمة أبي الفضل العباس عليه السلام ، ولزمت بيت سيد الأوصياء عليه السلام .

ولعل من جملة أسباب شحّة الأخبار الواردة عنها في التاريخ خدرها واحتجابها في بيت الصون المكنون المحاط بالملائكة المقرّبين ، فالمؤّخ والراوية ينقل ما يشاهد أو يسمع ، وأيّ عين تجرؤعلى الامتداد إلى سرادق العصمة والطهارة ، والبيوت التي أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه ؟!

وليس من عادة أهل البيت عليهم السلام - كما لاحظنا في سيرتهم - الكشف عمّا احتوته جدران بيوتهم إلاّ ما أمر اللّه به ، فهم تكلّموا عن فاطمة الزهراء عليهاالسلام بالمقدار الذي ينبغي للناس معرفته ويحاسبون على جهله ، ولم يكشفوا كلّ حقائقها ، وبقيت سرّا من أسرار اللّه في الأرض .

فإذا كانت كلمات أهل البيت عليهم السلام عن الصدّيقة موجزة مقتضبة إلى هذا

الحدّ ، وقد أوجب اللّه معرفتها - إجمالاً - على العباد ، وإنّما قلنا إجمالاً لما

ورد في الأخبار أنّها سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها ، فهل نتوقّع بعدئذٍ أن نسمع شيئا عن أم البنين عليهاالسلام أو غيرها من نسائهم المخدّرات ؟ إلاّ بالحدّ الذي يأذن به المعصوم عليه السلام .

ص: 58

زوجة أمير المومنين عليه السلام

وهذا اللقب يتضمّن عشرات الألقاب الأخرى فهي :

زوجة سيد الوصيّين .

زوجة علي بن أبي طالب .

زوجة إمام المتقين .

زوجة سيد الموحّدين .

زوجة أخي رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

زوجة أبي الأئمّة المعصومين .

زوجة الشهاب الثاقب .

زوجة النور العاقب .

زوجة سليل الأطائب .

زوجة صاحب السوابق .

زوجة صاحب المناقب .

زوجة صاحب النجدة .

زوجة مبيد الكتائب .

زوجة الشديد البأس .

زوجة العظيم المراس .

زوجة المكين الأساس .

ص: 59

زوجة ساقي المؤنين بالكأس من حوض الرسول المكين الأمين .زوجة صاحب النهى .

زوجة صاحب الفضل .

زوجة صاحب الطوائل .

زوجة صاحب المَكرُمات .

زوجة صاحب النوائل .

زوجة فارس المؤنين .

زوجة ليث الموحّدين .

زوجة قاتل المشركين .

زوجة وصي رسول ربّ العالمين .

زوجة من أيّده اللّه بجبرائيل .

زوجة من أعانه اللّه بميكائيل .

زوجة من أزلفه اللّه في الدارين .

زوجة من حباه اللّه بكلّ ما تقرّ به العين .

زوجة من صلّى اللّه عليه وعلى آله الطاهرين وعلى أولاده المنتجين .

زوجة الإمام الراشد الذي أمر بالمعروف ونهى عن المنكر .

زوجة من فرض علينا الصلاة .

زوجة من أمرنا بإيتاء الزكاة

زوجة من عرّفنا صيام شهر رمضان وقراءة القرآن .

ص: 60

زوجة يعسوب الدين .زوجة قائد الغرّ المحجلين .

زوجة باب اللّه .

زوجة عين اللّه الناظرة .

زوجة يد اللّه الباسطة .

زوجة أُذن اللّه الواعية .

زوجة حكمة اللّه البالغة .

زوجة نعمة اللّه السابغة .

زوجة نقمة اللّه الدامغة .

زوجة قسيم الجنّة والنار .

زوجة نعمة اللّه على الأبرار .

زوجة نقمة اللّه على الفجّار .

زوجة سيد المتّقين الأخيار .

زوجة أخي رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

زوجة ابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

زوجة زوج ابنة رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

زوجة المخلوق من طينة رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

زوجة الأصل القديم .

زوجة الفرع الكريم .

ص: 61

زوجة الثمر الجني .زوجة أبي الحسن علي .

زوجة شجرة طوبى .

زوجة سدرة المنتهى .

زوجة نور الأنوار .

زوجة سليل الأطهار .

زوجة عناصر الأخيار .

زوجة والد الأئمّة الأبرار .

زوجة حبل اللّه المتين .

زوجة جنب اللّه المكين .

زوجة أمين اللّه في أرضه .

زوجة خليفة اللّه .

زوجة الحاكم بأمر اللّه .

زوجة القيّم بدين اللّه .

زوجة الناطق بحكمة اللّه .

زوجة العامل بكتاب اللّه .

زوجة زوج البتول .

زوجة سيف اللّه المسلول .

زوجة صاحب الدلالات .

ص: 62

زوجة صاحب الآيات الباهرات .زوجة صاحب المعجزات القاهرات .

زوجة المنجي من الهلكات .

زوجة الذي ذكره اللّه في محكم الآيات فقال : «وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ » .

زوجة اسم اللّه الرضي .

زوجة وجه اللّه المُضيء .

زوجة جنب اللّه العلي .

زوجة خاصّة اللّه .

زوجة حجّة اللّه .

زوجة خالصة اللّه .

زوجة صفي اللّه .

زوجة من سلّمت له الملائكة بقلوبهم .

زوجة من نطقت الملائكة بفضله .

زوجة من شهدت له الملائكة على أنّه صادق أمين صدّيق .

زوجة الطهر الطاهر المطهّر من طهر طاهر مطهّر .

زوجة ولي اللّه .

زوجة ولي رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

زوجة من بلّغ وأدّى .

ص: 63

زوجة حبيب اللّه .

زوجة وجه اللّه الذي منه يؤى .

زوجة سبيل اللّه .

زوجة عبد اللّه وأخو رسوله .

زوجة من يتقرّب به إلى اللّه .

زوجة من له عند اللّه المقام المحمود .

زوجة صاحب الجاه العظيم عند اللّه .

زوجة صاحب الشأن الكبير عند اللّه .

زوجة صاحب الشفاعة المقبولة عند اللّه .

زوجة عبد اللّه المرتضى .

زوجة أمين اللّه الأوفى .

زوجة عروة اللّه الوثقى .

زوجة يد اللّه العليا .

زوجة جنب اللّه الأعلى .

زوجة كلمة اللّه الحسنى .

زوجة حجّة اللّه على الورى .

زوجة صدّيق اللّه الأكبر .

زوجة سيد الأوصياء .

زوجة ركن الأولياء .

ص: 64

زوجة عماد الأصفياء .

زوجة قدوة الصالحين .

زوجة إمام المخلصين .

زوجة المعصوم من الخلل .

زوجة المهذّب من الزلل .

زوجة المطهّر من العيب .

زوجة المنزّه من الريب .

زوجة البائت على فراش رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

زوجة المُواسي للنبي صلى الله عليه و آله بنفسه .

زوجة كاشف الكرب عن وجه رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

زوجة من جعله اللّه سيفا لنبوّة النبي صلى الله عليه و آله .

زوجة من جعله اللّه آية لرسالة النبي صلى الله عليه و آله .

زوجة من جعله اللّه شاهدا على أمّة النبي صلى الله عليه و آله .

زوجة من جعله اللّه يدا لبأس النبي صلى الله عليه و آله .

زوجة من جعله اللّه تاجا لرأس النبي صلى الله عليه و آله .

زوجة من جعله اللّه بابا لسرّ النبي صلى الله عليه و آله .

زوجة من جعله اللّه مفتاحا لظفر النبي صلى الله عليه و آله .

زوجة من هزم جيوش الشرك بإذن اللّه .

زوجة من أباد عساكر الكفر بأمر اللّه .

ص: 65

زوجة من بذل نفسه في مرضاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

زوجة من جعل نفسه وقفا على طاعة اللّه .

زوجة الشهاب الثاقب .

زوجة النور العاقب .

زوجة سليل الأطائب .

زوجة سرّ اللّه .

زوجة من ائتمنه اللّه على سرّه .

زوجة من استرعاه اللّه أمر خلقه .

زوجة الشفيع إلى اللّه .

زوجة الُمجير من النار .

زوجة الظهير على الدهر .

ولك أن تعدّد صفات أمير المؤنين عليه السلام ومناقبه ، وهي لا تحصر ولا تحصى ، وإنّما اقتصرنا على ذكر ما استخرجناه من زيارته التي رواها علقمة ضمن زيارة عاشوراء الحسين عليه السلام ، المعروفة بالزيارة السادسة .

شريكة زينب عليهاالسلام في المصاب

عاشت السيدة المظلومة عقيلة بني هاشم زينب بنت أمير المؤنين عليهماالسلام الغربة والسبي وشماتة الأعداء ، وقد جرى عليها وعلى أهلها ما جرى فيطفّ كربلاء ما لا يتحمّله إلاّ هم صلوات اللّه عليهم ، وكان من أشدّ

ص: 66

المصائب التي مرّت عليهم أنّهم لم يسمعوا كلمة مواساة طيلة رحلة الصبرالتي قطعوا منازلها ، ولم يجدوا السلوة من أحد .

فلمّا وصلت إلى المدينة دخلت إلى مصر مشحون بالعداواة والبغضاء والحقد والشماتة حتى قال الإمام المظلوم زين العابدين وسيد الساجدين عليه السلام : «ما بمكّة والمدينة عشرون رجلاً يحبّنا(1)» .

وبين كلّ هؤاء الأعداء تطلع أم البنين عليهاالسلام على زينب عليهاالسلام ، وهي التي تعرف مقام الحوراء ومنزلتها ، وقد عاشت تحت ظلال أبيها وأخيها ، وقدّمت أولادها بين يدي سيد شباب أهل الجنّة ، وكلّ الذين استشهدوا في كربلاء من الهاشميّين أولادها ، بل فيهم من هو أعزّ من أولادها عليها ، فدموعها تتفجّر من ينبوع دموع زينب عليهاالسلام ، وآهتها تستعر من وجد قلب الحوراء الفاقدة ، ومصيبتها مصيبة سيّدتها ، وقلبها مفجوع بفجيعة مخدّرة الطالبيّين ، فهي شريكة زينب بنت أمير المؤنين عليهماالسلام .

المضحّية

المضحّي هو من يذبح الشاة في منى أو غيرها(2) إطاعة لأمر اللّه تعالى ، والمضحي هو من يقدّم العطاء بسخاء ، وأم البنين عليهاالسلامقدّمت أولادها في

ص: 67


1- شرح نهج البلاغة : 4/104 ، بحار الأنوار : 34/297 .
2- انظر لسان العرب ومجمع البحرين مادة « ضحو » .

« منى الطفوف أضاحي » طاعة للّه ، ودفاعا عن إمامها الصادق اليقين ،ولسان حالها رجز فلذة كبدها العباس عليه السلام : واللّه إن قطعتم يمين ولدي وذبحتموه وإخوته إنّي أضحي بأولادي لحماية ديني ودفاعا عن إمامٍ صادق اليقين ، نجل النبي الطاهر الأمين(1) .

مبيضّة الوجه

لقّبت بهذا اللقب لما حكي من أنّها كانت توصي أولادها عند الوداع أن يفدوا الحسين عليه السلام بأنفسهم ، ولا يقصّروا في الدفاع عنه وحماية مخدّرات الرسالة ، وأنّها كانت تقول لهم : لا تقولوا : أبانا وأبا الحسين عليه السلام واحد ، فإنّ أمّه فاطمة سيدة نساء العالمين ، وهو إمامكم وقد افترض اللّه عليكم طاعته .

ثمّ تقول : موتوا دون الحسين عليه السلام ، وبيّضوا وجهي عند أمّه فاطمة عليهاالسلام ، وعند جدّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وعند أمير المؤنين عليه السلام ، وعند الحسن وعنده عليهماالسلام .

وقد بيّضوا وجهها عند اللّه وعند رسوله وأهل بيته عليهم السلام ، ورفعوا رأسها

بين الخلائق أجمعين ، وحقّ لها أن تفتخر بأنوارهم الساطعة في حياةأمّهم عليهاالسلام .

ص: 68


1- انظر رجز أبي الفضل العباس عليه السلام في مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب : 3/256 .

البكّائة على الحسين عليه السلام

لقد نالت أم البنين مراتب سامية ومقامات عالية ، إضافة إلى مراتبها ومقاماتها الأخرى ، ببكائها على الحسين عليه السلام وعلى أنصاره وأهل بيته وعلى أولادها المستشهدين بين يديه ، وتكفي لمحة خاطفة في كتاب كامل الزيارات وغيره لمعرفة منزلة الباكين على الحسين عليه السلام ، وما أعدّ اللّه لهم في الدنيا والآخرة من منازل عالية وأجور وافية .

قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ألا وصلّى اللّه على الباكين على الحسين رحمة وشفقة(1) .

ال-وفي-ة

تقدّم الكلام مختصرا عن وفائها في كنيتها « أم الوفاء » ، وسيأتي الكلام إن شاء اللّه في ثنايا الكتاب .

الح-رّة

في لسان العرب : الحُرَّةُ والحُرُّ : الطين الطَّيِّبُ ، وحُرُّ الرمل وحُرُّ الدار : وسطها وخيرها ، والحُرَّةُ : الكريمة من النساء . .

ص: 69


1- تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 369 ، العوالم ، الإمام الحسين عليه السلام للبحراني : 598 ، بحار الأنوار : 44/304 .

وقال الجوهري : الحُرَّةُ الكريمة ؛ يقال : ناقة حُرَّةٌ وسحابة حُرَّة : أَيكثيرة المطر .

وحُرُّ البَقْلِ والفاكهة والطين : جَيِّدُها .

والحُرَّة : نقيض الأَمة ، والجمع حَرائِرُ .

والحُرُّ من الناس : أَخيارهم وأَفاضلهم ، وحُرِّيَّةُ العرب : أَشرافهم(1) .

وجميع هذه المعاني تصدق في أم البنين عليهاالسلام فهي الطيّبة التي طابت طينتها وطهرت ، وأخذت من خير طينة ، وهي الكريمة من النساء ، وهي المعطاء السخيّة ، وهي الجيّدة ، كريمة العنصر ، التقيّة ، وهي الشريفة ولدت عند أشراف العرب ، وعاشت في بيت النبوّة والإمامة ، وهم أشرف الخلق أجمعين ، فهي حرّة بكلّ معاني الحرّية .

ص: 70


1- انظر لسان العرب مادة « حرر » .

نسبها عليهاالسلام

اشارة

ولدت أم البنين عليهاالسلام في أسرة تعدّ بالاتّفاق من سادات العرب وزعمائهم وأبطالهم ومشاهيرهم ، وقد حملت شجرة أهلها ثمارا زكيّة غرستها أكفّ نديّة ، ونجوما مضيئة لمعت في تاريخ أمّة كان الشجعان والأبطال والكرام يتزاحمون فيها على المواقع التي تتحدّث الأندية بأخبارهم .

فخلدت أسماؤم ولم تنطفى ء كما انطفأت ملايين الأسماء ممّن عاشوا وماتوا ولم يسجّل لهم التأريخ مأثرة ولا موقف ، بل ولا اسم يذكر .

وينبغي الإشارة إلى بعض النكات قبل ذكر نسبها :

النكة الأولى : التقاء نسبها ونسب أمير المؤنين عليه السلام

خلق اللّه شجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تنتهي إِلى حبيبه مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فَأَخْرَجَهُ صلى الله عليه و آله مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتا ، وَأَعَزِّ الأَرُومَاتِ مَغْرِسا ، مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَهُ ، وَانْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَهُ ، عِتْرَتُهُ

ص: 71

خَيْرُ الْعِتَرِ ، وَأُسْرَتُهُ خَيْرُ الأُسَرِ ، وَشَجَرَتُهُ خَيْرُ الشَّجَرِ ، نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ ، وَبَسَقَتْ فِي كَرَمٍ ، لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ ، وَثَمَرٌ لاَ يُنَالُ(1) .

فمن اتّصل بهذه الشجرة وتعلّق بغصن منها فقد نال شرف الدارين ، وتسنّم ذرى المجد ، وكان حظّه الأوفر في النسب ؛ لأنّها سلسلة مباركة شكّل حلقاتها الموحّدون من البشر ، ونوّرها الأنبياء والأوصياء بأنوارهم التي جعلها اللّه هداية للخلق وأوتادا للأرض .

ومن مفاخر أم البنين عليهاالسلام في النسب أنّها تلتقي مع النبي الأعظم صلى الله عليه و آله وأمير المؤنين عليه السلام في جدّهم « مضر » .

ولم يكن لمضر غير رجلين :

أحدهما : « إلياس » وإليه تنتهي شجرة النبي صلى الله عليه و آله وأمير المؤنين عليه السلام .

والثاني : « الناس » وإليه تنتهي شجرة أم البنين عليهاالسلام .

النكتة الثانية : آباء موحّدون

اشارة

ذكرنا قبل قليل اتّحاد نسب أم البنين عليهاالسلام بالشجرة النبوية المباركة في جدّهم « مضر » ، ولا شكّ في أنّ آباء النبي صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام موحّدون إلى آدم عليه السلام .

أمّا باقي سلسلة النسب في آباء أم البنين عليهاالسلام من جدّها « أبي حزام »

ص: 72


1- نهج البلاغة : 139 .

إلى مضر ، فإنّ القرائن والشواهد تؤكّد وجود موحّدين فيهم ، ونكتفي هنا بذكر بعض الشواهد .

الشاهد الأوّل : امتناعهم عن محاربة النبي صلى الله عليه و آله

قال ابن إسحاق : لمّا سمعت هوازن برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وما فتح اللّه عليه من مكّة ، جمعها مالك بن عوف النصري ، فاجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلّها ، واجتمعت نصر وجشم كلّها ، وسعد بن بكر وناس من بني هلال ، وهو قليل ، ولم يشهدها من قيس عيلان إلاّ هؤلاء ، « وغاب عنها فلم يحضرها من هوازن كعب وكلاب ، فلم يشهدها منهم أحد له اسم » . .

وساق الحديث وما جرى من حوار بين دريد بن الصمّة ومالك بن عوف ، فقال دريد لمالك : ما فعلت كعب وكلاب ؟

قالوا : لم يشهدها منهم أحد .

قال : غاب الحدّ والجدّ ، ولو كان يوم علاء ورفعة ما غاب عنه كعب ولا كلاب(1) . .

الشاهد الثاني : كلام أحد الأجداد

ذكر الجاحظ في البيان والتبيين قال : خطب صعصعة بن معاوية إلى عامر بن الضرب العدواني بنته عمرة ، وهي أم عامر بن صعصعة ،فقال :

ص: 73


1- انظر تفصيل القصّة في السيرة لابن هشام : 3/266 .

يا صعصعة ، إنّك أتيتني تشتري منّي كبدي ، وأرحم ولدي عندي أبغيتك أو رددتك ، والحسيب كفؤ الحسيب ، والزواج الصالح أب بعد أب ، وقد أنكحتك خشية أن لا أجد مثلك ، أفرّ من السرّ إلى العلانية ، أنصح ابنا ، وأودع ضعيفا قويا ، يا معشر عدوان ، خرجت من بين أظهركم كريمتكم من غير رهبة ولا رغبة عنكم من خطّ له شيء جاءه ، ربّ زارع لنفسه ما حصده غيره ، أقسم لو قسّم الحظوظ على قدر الجدود ما ترك الأوّل للآخر ما يعيش به .

ولكن رزق آكل من آجل وعاجل ، إنّ الذي أرسل الحيا أنبت المرعى ، ثمّ قسّمه لكلّ فم بقلة ، ومن الماء جرعة ، ترون ولا تعلمون ، وإن يرى ما أصف لكم إلاّ كلّ قلب واعي ، ولكلّ مرعى راعي ، ولكلّ خلق خلق ، كيّس أو حمق ، وما رأيت شيئا قطّ إلاّ سمعت حسّه ، ووجدت مسّه ، وما رأيت شيئا خلق نفسه ، وما رأيت موضوعا إلاّ مصنوعا ، وما رأيت شيئا إلاّ ذاهبا ، ولا غانما إلاّ خائبا ، ولا نعمة إلاّ ومعها بؤس ، ولو كان يميت الناس الداء لأحياهم الدواء(1) .

قال الشيخ المظفّر رحمه الله : استدلّ هذا العربي الساذج العاري عن الفلسفة والحكمة النظرية بفطنته الغريزية وعقله الفطري على إثبات الباري تعالى وإبطال المادّة بأمور :

ص: 74


1- بطل العلقمي للمظفّر : 1/131 عن المعمّرين لأبي حاتم السجستاني ، والبيان والتبيين للجاحظ : 2/59 .

أحدها : أنّ الاتّحاد بين الخالق والمخلوق باطل ، فلابدّ من التغاير للضرورة القاضية أنّ المصنوع غير الصانع ، فإذا كانت المادّة متأثّرة في نفس وجودها ، فلابدّ من وجود مؤثّر فيها ، لأنّه لم ير شيئا خلق نفسه من حيث أنّه كان عدما ، والمعدوم لا يؤثّر في الموجود شيئا ، فلابدّ أن يكون المؤثّر فيه موجودا وهو غيره ، وهو الذي أنقذه من العدم الأزلي .

ثانيهما : الاستقراء والتتبّع ، فإنّا تتبّعنا الأشياء الموجودة واستقرينا كلّ مصنوع ، فلم يوجد إلاّ من له صانع ، فالبناء له باني ، والزرع له زارع ، وهكذا بقيّة الأشياء ، فينتج هذا الاستقراء أنّ لهذا الكون مكوّنا ، وإلاّ لجاز أن يكون المصنوع بلا صانع .

ثالثهما : اختلاف الطبائع ودليل اختلافها اختلاف الأخلاق ، ولو كانت الطبيعة هي الموجدة لما تباينت الأخلاق ، ولوجب أن يكون كلّ إنسان بليدا ، وكلّ إنسان فطنا ، إذ الطبيعة واحدة ، والمادّة لا تختلف في الأفراد العاقل والمجنون ، فهي فيهما سواء .

رابعها : أنّ جميع الموجودات مدركة بالحواسّ ، وكلّما أدركته الحواسّ فهو حادث ، وذلك في قوله : « سمعت حسّه ووجدت مسّه » .

خامسها : الفناء ، وذلك أنّ القديم لا يجوز عليه الفناء ، إذ لو جاز عليه الفناء لاختلّ النظام القائم بتدبيره ، فلو كانت المادّة هي الموجدة لما جاز عليها الفناء لما ذكرنا من بقاء النظام ، وفناؤها كاشف عن وجود محدثلها ، وهو المدبّر لهذا الكون والحافظ لنظامه .

ص: 75

ثمّ استدلّ بسير الحوادث المكدّرة للمسرّات في أنّ الدنيا ليست دار بقاء لكثرة ما فيها من الأرزاء والبؤس ، ولو كانت دار بقاء لخلت من ذلك ، فلابدّ أن يكون وراءها دار تدوم فيها النعمة ، ولا يطرء عليها البؤس .

ثمّ ردّ على من يزعم أنّ الأمراض التي تعرض للنفوس مسبّبة عن جراثيم أو ما شاكلها ، وأنّها إذا تمادت أوجبت تلاشي القوى وانحلالها ، فتؤدّي إلى التلف ، فلابدّ من مكافحتها بالأدوية والعقاقير لتحفظ للنفس صحّتها وبقاءها ، فقال : « لو كان الداء كما زعموا قاتلاً لكان الدواء محييا » ، فإنّك تزعم أنّ الدواء يعيد للنفس صحّتها ، وعندك أنّ ذلك فيما جرّبته في الأصحّاء ، ونحن نقول : إنّ هؤلاء قد قسّم اللّه لهم بقاء مدّة أراد أن يبلغهم إيّاها ، ولكن جرّب دواءك فيمن مات ، فإن أحياه دواؤك عرفنا أنّ الداء هو الذي قتله ، فإذا الدواء لم يحيه فالداء لم يقتله ، وإنّما أماته اللّه باستيفاء طعمته وانقضاء مدّته(1) .

الشاهد الثالث : كلامهم في بلاط كسرى

ذكر ابن عبد ربّه في العقد الفريد مفاخر مفصّلة بين كسرى والنعمان بن المنذر ، وقال : إنّ النعمان لمّا رجع إلى الحيرة عاصمة ملكه أحبّ أنيجمع أشراف كلّ قبيلة شريفة من العرب وينتخب النبلاء من ذوي

ص: 76


1- بطل العلقمي : 1/131 - 133 .

البيوت والسابقة في المجد والسيادة ، ويرسلهم إلى كسرى ليبرهنوا على مجد العرب ، وليفتخروا عليه بفضلهم في بلاطه ، فإنّ ذلك أقوى للحجّة عليهم .

فجمع من أشراف العرب من سلّمت له الرئاسة ، واعترف بزعامته ، وأجمعت العرب على شرف بيته وسؤدد أسرته ، فكانوا جماعة منهم ثلاثة من قبيلة أم البنين عليهاالسلام ورهطها الأدنى ، وهم بنو كلاب ، وهم خالد بن جعفر الكلابي ، وعلقمة بن علاثة العامري الكلابي ، وعامر بن الطفيل العامري الكلابي .

فقام خالد بن جعفر فتكلّم ، وكان ممّا قاله : أحضر اللّه الملك إسعادا ، وأرشده إرشادا ، إنّ لكلّ منطق فرصة ، ولكلّ حاجة غصّة ، وعيّ المنطق أشدّ من عيّ السكوت ، وعثار القول أنكأ من عثار الوعث ، وما فرصة المنطق عندنا بما نهوى ، وغصّة المنطق بما لا نهوى غير مستساغة ، وترك ما أعلم من نفسي ويعلم مَن سمع أنّي له مطيق أحبّ إليّ مِن تكفلّي ما أتخوّف ويتخوّف منّي . . .

فقال كسرى : نطقت بعقل ، وسموت بفضل ، وعلوت بنبل .

ثمّ قام علقمة بن علاثة العامري الكلابي فتكلّم بكلام جمع فيه الفخر والبلاغة ، وجزالة المعنى ورشاقة اللفظ ، حتى قاطعه كسرى خشية أن يأتي منه كلام يحمله على السخط عليه ، فقال : حسبك أبلغتوأحسنت .

ص: 77

ثمّ قام عامر بن الطفيل العامري الكلابي ، فقال : كثر فنون المنطق ، وليس القول أغمى من حندس الظلماء ، وإنّما الفخر بالفعال ، والفخر بالنجدة والسؤد مطاوعة القدرة ، وما أعلمك بقدرنا ، وأبصرك بفضلنا، وبالحري إن أدالت الأيّام ، وثابت الأحلام أن تحدث أمور لها أعلام .

قال كسرى : وما تلك الأعلام ؟

قال : تجتمع الأحياء من ربيعة ومضر على أمر يذكر . . .

قال كسرى : متى تكهنت يا ابن الطفيل ؟

قال : لست بكاهن ، ولكنّي بالرمح طاعن . . . .

فاعترف لهم كسرى بالسيادة ، وكتب إلى النعمان في التوصية بهم ، وأنّ كلّ واحد منهم سيد يصلح لموضعه(1) .

وتجد في كلامهم ذكر اللّه الواحد الأحد صريحا واضحا ، وانتظار ظهور النبي صلى الله عليه و آله الذي ستجتمع عليه الأحياء من ربيعة ومضر على أمر يذكر .

الشاهد الرابع : قول معاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب

قال معاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب في أبيات له يحمد اللّه عزّ وجلّ :

وكنت إذا العظيمة أفزعتهم *** نهضت ولا أدبّ لها دباب

بحمد اللّه ثمّ عطاء قوم *** يفكّون الغنائم والرقابا

ص: 78


1- انظر : العقد الفريد : 1/171 - 172 .

النكتة الثالثة : اهتمام أمير المؤنين عليه السلام بنسب أم البنين عليهاالسلام

لمّا كان الغرض من التزويج بأم البنين عليهاالسلام ولادة العباس عليه السلامليكون ناصرا لولده الحسين عليه السلام في طفّ كربلاء ، فلابد أن تكون الشجاعة غرضا مطلوبا للأمير عليه السلام ، ولذا قال : ابغني امرأة ولدتها الفحولة من العرب لأتزوّجها فتلد لي غلاما فارسا . . .

فقال له عقيل : تزوّج أم البنين الكلابية ، فإنّه ليس في العرب أشجع من آبائها(1) . .

فإنّ للشجاعة مكانة خاصّة عند عموم العرب ، بل البشر جمعيا ، وإنّها من موجبات السؤد والشرف ، وقد مدح الشارع الأقدس ، وحثّ عليها الدين الحنيف ، واعتبرها من خصال المؤن .

وآباء أم البنين عليهاالسلام وأسرتها سادات العرب شجاعة وفروسية وشعرا وخطابة وكرما وجودا بعد بني هاشم ، فهم إذن بغية الإمام الذي يريد غلاما فارسا يدّخره لولده الحسين عليه السلام يحمل لواءه في طفّ كربلاء ، لأنّ البنت التي قد ولدها مثل هؤاء الأبطال الشجعان جديرة أن تنجب فيما تلد ، ولا تلد إلاّ شجاعا بطلاً وفارسا مقداما ، وقد عرقت الشجاعة في أولادها من كلا الطرفين .

قال الفاضل الدربندي في أسرار الشهادة : قيل : إنّ زهير بن القين أتى عبد اللّه بن عقيل قبل أن يقتل ، فقال له : يا أخي ، ناولني الراية .

ص: 79


1- عمدة الطالب : 324 .

فقال له عبد اللّه : أفيّ قصور ؟!

قال : لا ، ولكن لي بها حاجة .

قال : فدفعها إليه ، فأخذها زهير ، وأتى العباس بن علي عليهماالسلاموقال : يا بن أمير المؤنين ، أريد أن أحدّثك بحديث .

فقال : حدّث فقد حلا وقت الحديث .

حدّث ولا حرج عليك فإنّما *** تروي لنا متتابع الإسناد

فقال له : اعلم يا أبا الفضل ، إنّ أباك أمير المؤنين عليه السلام لمّا أراد أن يتزوّج بأُمك أم البنين بعث إلى أخيه عقيل ، وكان عارفا بأنساب العرب ، فقال له : يا أخي ، أريد منك أن تخطب لي امرأة من ذوي البيوت والنسب والحسب والشجاعة لكي أُصيب منها ولدا يكون شجاعا وعضدا ينصر ولدي هذا - وأشار إلى الحسين عليه السلام - يواسيه في طفّ كربلاء ، وقد ادّخرك أبوك لمثل هذا اليوم ، فلا تقصّر عن حلائل أخيك وعن أخواتك .

فارتعد العباس عليه السلام وتمطّى في ركابه حتى قطعه وقال : يا زهير ،تشجّعني في مثل هذا اليوم !؟ واللّه لأُرينك شيئا ما رأيته قط(1) . . !

ص: 80


1- أسرار الشهادة : 2/497 ، معالي السبطين : 1/434 ، بطل العلقمي للمظفّر : 1/120 .

وعلى كلّ حال فإنّ المرأة الوحيدة التي نصّ أمير المؤنين عليه السلامعلى الاهتمام بنسبها من بين زوجاته(1) جميعا هي أم البنين عليهاالسلام ، وفي ذلك دلالة واضحة على مدى طهارة هذا النسب ، وسطوع نجومه ، ونظافة أصوله وفروعه .

وهذا هو الذي دعانا إلى التركيز والتوسّع - ولو بشكل نسبي - في هذا المجال .

النكتة الرابعة : الخلاف في اسم أبيها

وقع الخلاف في اسم أبيها ، فمنهم من قال : اسمه « حرام » بالحاء المهملة والراء المهملة بعدها ألف وميم .

ومنهم من قال : اسمه « حزام » بالزاء المعجمة ، وهو المشهور .

قال الشيخ عبد الواحد المظفّر : وهو غلط قطعي (2) . واللّه العالم .

وقال سبط ابن الجوزي في تذكرته : أم البنين بنت حزام ، وقيل : بنت خلّة(3) ، وهو غريب . .

ص: 81


1- حينما نتكلم عن زوجات أمير المؤنين عليه السلام دائما نقصد جميع زوجاته عدا فاطمة الزهراء عليهاالسلام لما سيأتي إن شاء اللّه في فصل شريكات أم البنين عليهاالسلام من أنّها عليهاالسلام لا تقاس بهنّ ولا بغيرهنّ .
2- بطل العلقمي : 1/111 .
3- تذكرة الخواص : 57 الباب الثالث في ذكر أولاد أمير المؤمنين عليه السلام .

النكتة الخامسة : الاختلاف في كونها من أقرباء لبيد الشاعر

قال البلاذري : أم البنين بنت حزام بن ربيعة أخي لبيد بن ربيعة الشاعر ، وأخوها مالك بن حزام الذي قتل مع المختار بالكوفة(1) .

وقال الشهيد الأوّل في الدروس : أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة أخي لبيد الشاعر(2) .

وقال السيد الأمين في الأعيان : أم البنين فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة ، أخي لبيد الشاعر بن عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ، الكلابية زوجة أمير المؤنين عليه السلام (3) .

وأكّد ابن حجر في الإصابة على التفريق بين رجلين يدعى كلّ منهم « حرام » أحدهما والد أم البنين عليهاالسلام ، والآخر أخو لبيد الشاعر ، فقال تحت رقم 1970 :

حرام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كلاب بن ربيعة العامري ، ثمّ الوحيدي ، له إدراك ، وتزوّج علي بن أبي طالب بنته أم البنين بنت حرام ، فولدت له أربعة أولاد : العباس ، وعبد اللّه ، وعثمان ، وجعفرا ،قتلوا مع أخيهم الحسين يوم كربلاء ، ذكر ذلك هشام بن الكلبي ، والزبير بن بكّار .

ص: 82


1- أنساب الأشراف : 192 .
2- الدروس : 2/25 .
3- أعيان الشيعة : 8/389 .

ثمّ قال بلا فصل تحت رقم 1971 : حرام بن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري ، ثمّ الجعفري ، أخو لبيد الشاعر ، له إدراك ، وسيأتي ذكر أبيه وجدّه .

وكان ولده مالك من رؤساء الكوفة ، وهو ممّن قتله المختار بن أبي عبيد عند طلبه بدم الحسين ، ويشتبه به حرام بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن كلاب ، والد أم البنين امرأة علي ، ولدت له العباس وجعفرا وغيرهما ، وأبوها من أهل هذا القسم أيضا(1) .

وقال المظفّر في بطل العلقمي : وهنا إيضاح لابدّ منه ، نذكره للفارقة ، فإنّ في بني كلاب من اسمه « حرام » غير والد أم البنين ، وقد وقع في هذه المزلّة بعض العلماء(2) ، ويقصد به حرام بن ربيعة الجعفري أخو لبيد الشاعر ، الذي ذكره ابن حجر قبل قليل ، وقال : إنّه يشتبه به مع والد أم البنين عليهاالسلام ، واللّه العالم .

النكتة السادسة : الاختلاف في اسم جدّها

وقع الخلاف في اسم جدّها أيضا :

فقال الشيخ المفيد في الإرشاد : أم البنين بنت حزام بن خالد بن دارم(3) .

ص: 83


1- الإصابة : 2/144 - 145 رقم 1970 و1971 .
2- بطل العلقمي : 1/112 .
3- الإرشاد للشيخ المفيد : 1/354 .

وكذا قال الشيخ الطبري في تاج المواليد وإعلام الورى(1) ، وابن أبي فتح الإربلي في كشف الغمّة(2) ، وابن الصبّاغ المالكي في الفصولالمهمة (3) .

ولم يوافقهم على ذلك الشيخ التستري في قاموس الرجال ، فقال : ووهم هنا المفيد أيضا ، فقال في الإرشاد : « أم البنين بنت حزام بن خالد بن دارم » ، فبدّل « ربيعة » ب-« دارم »(4) .

قال الطبري في التاريخ : أم البنين بنت حزام - وهو أبو المحلّ - ابن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب(5) . .

وقال الشيخ محمد بن إدريس الحلّي رحمه الله في كتاب السرائر في آخر كتاب الحج : ونسب شيخنا المفيد في الإرشاد العباس بن علي عليهماالسلامالمسمّى ب-« السقّا » ، ويسمّيه أهل النسب : « أبا قربة » المقتول بكربلاء ، صاحب راية الحسين عليه السلام ذلك اليوم ، أمّه أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة ،وربيعة هذا هو أخو لبيد الشاعر بن عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ، وليست بني دارم التميميّين ، وقال ابن حبيب النسّابة في

ص: 84


1- تاج المواليد المجموعة للشيخ الطبرسي : 18 ، إعلام الورى : 1/395 .
2- كشف الغمة : 2/67 .
3- الفصول المهمة في معرفة الأئمّة : 1/642 .
4- قاموس الرجال : 12/196 .
5- تاريخ الطبري : 5/89 .

كتاب المنمق لمّا ذكر أبناء الحبشيات من قريش ، ذكر من جملتهم العباسبن علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وهذا خطأ منه وتغفيل وقلّة تحصيل(1) !!

وقال الشيخ المظفّر في بطل العلقمي :

أراد العلاّمة الفاضل محمد بن إدريس الحلي رحمه الله أن يصحّح غلط الشيخ المفيد - زعمه - فوقع في خطأ أعظم من ذلك ، لأنّ ما في الإرشاد يمكن حمله على السهو ، أو غلط النسّاخ ، أو ما يجري مجراه من التوجيه المقبول ، إذ من المستبعد جدّا خفاء مثل هذا على الشيخ المفيد ، أمّا ابن إدريس فلا يمكن توجيه غلطه ولا الاعتذار عنه بكلّ صورة . . .

وأنا أقول باحتشام وتعظيم للعلاّمة صاحب السرائر ، وبلا تجاسر عليه ، ولا مسّ لكرامته : أنّ في كلامه وهم ظاهر ، وخطأ من ثلاث وجوه ، إن كان خطأ المفيد رحمه الله من وجه واحد :

أمّا الوهم ، فظنّه أنّ المفيد عنى « دارم تميم » ، وهذا وهم منه ، إذ ليس في كلام المفيد تصريح به ، ولم يصل النسب بتميم حتى يصحّ ما قال صاحب السرائر ، غايته أنّه ذكر أنّ في آبائها من يسمّى دارما ، وعنده أنّه دارم العامري لا دارم التميمي .

وغفل ابن إدريس عن تصريحات المفيد في مواضع عديدة بأنّها كلابية وعامرية ، كما في قضية الشمر وخطابه للعباس عليه السلام ، وغيرها منالقضايا التي غفل عنها ابن إدريس .

ص: 85


1- السرائر : 1/657 .

أمّا الخطأ فمن وجوه ثلاثة :أحدها :

خلطه بين « حرام » والد أم البنين عليهاالسلام وبين الذي هو أخو لبيد ، وقد فرّق بينهما في الإصابة ما سمعت ، وقد أوردناه لردّ هذا الاشتباه .

ثانيهما :

جعله ربيعة أخا للبيد الشاعر ، وربيعة إنّما هو والد لبيد لا أخوه باتّفاق النسّابين .

ثالثها :

الخلط بين البطنين ، فإنّ لبيد جعفري ، وأم البنين وحيدية ، والوحيد وجعفر أخوان كلاهما ابنا كلاب ، ومن كان جعفريا لا يكون وحيديا إلاّ أن تفرض الأخوّة من جهة الأمّهات .

قال ابن قتيبة في المعارف : وأمّا كلاب بن ربيعة ، وكان فيه نوك ، وولده جعفر ومعاوية وربيعة وأبو بكر وعمرو والوحيد ورواس والأضبط وعبد اللّه .

فمن بني رواس وكيع المحدّث .

ومن بني الوحيد أم البنين كانت عند علي بن أبي طالب ، فولدت له العباس وعبد اللّه وجعفر .

وأمّا معاوية بن كلاب ، فمنهم الضباب ، وهم : حسل وحسيل ، وضب بنو معاوية .

ص: 86

وأمّا عمرو بن كلاب ، فلهم عدد كثير ، وفيهم قوم يقال لهم « دودان » ،ومن عمرو يزيد بن الصعق .

وأمّا جعفر بن كلاب ، فولده الأحوص وخالد ومالك وعتبة بنو جعفر بن كلاب .

ثمّ ذكر ما سنذكر من أشرافهم ، وقال : وأمّا ربيعة ، فهو أبو لبيد الشاعر ، وأمّا أبو بكر بن كلاب ، فمن ولده القرطات : قرط وقريط ومقرط .

ومنهم الضحّاك بن السفيان ، استعمله رسول اللّه صلى الله عليه و آله على بني سليم .

ومنهم المحلق بن حنتم الذي قال الأعشى : « وبات على النار الندى والمحلق(1) » . . .

النكتة السابعة : نسبتها

الوحيدية :

في كتاب المنمق : . . . أم البنين الوحيدية(2) .

وفي المعارف لابن قتيبة والجوهرة للبري : أم البنين بنت حرام الوحيدية(3) .

ص: 87


1- المعارف : 39 .
2- كتاب المنمق لمحمد بن حبيب البغدادي : 351 .
3- المعارف: 211 ، الجوهرة في نسب الإمام علي وآله للبري : 58 .

وفي الأخبار الطوال للدينوري : أم البنين العامرية من آل الوحيد(1) .وقال بعضهم : الوحيدة ، من أعراض المدينة ، بينها وبين مكّة(2) ، وبنو وحيد قوم من بني كلاب ، والنسبة إلى المحل والطائفة محتملة .

الكلابية :

في المناقب : أم البنين ابنة حزام بن الخالد الكلابية(3) .

وفي أنساب الأشراف للبلاذري والدرّ النظيم : أم البنين الكلابية(4) .

وفي الإمامة والسياسة والكامل في التاريخ : . . أم البنين بنت حرام الكلابية(5) .

وفي المجدي : أم البنين بنت حزام الكلابية(6) .

العامرية :

قال الطبراني في المعجم الكبير : وقتل العباس بن علي بن أبيطالب عليهم السلام ، وأمّه أم البنين عامرية(7) .

ص: 88


1- الأخبار الطوال للدينوري : 257 .
2- معجم البلدان للحموي : 5/364 .
3- مناقب آل أبي طالب : 3/89 .
4- أنساب الأشراف : 70 ، الدرّ النظيم لابن حاتم العاملي : 411 .
5- الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزيني : 2/6 ، الكامل في التاريخ لابن الأثير : 3/397 ، تاريخ اليعقوبي : 2/213 .
6- المجدي في أنساب الطالبين : 15 .
7- المعجم الكبير للطبراني : 3/103 .

وقال ابن أعثم الكوفي : أم البنين . . . العامرية(1) .

وقال الدينوري : أم البنين العامرية(2) .

وقال الشيخ الطوسي رحمه الله : أم البنين بنت حزام . . . من بني عامر(3) .

ص: 89


1- الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي : 5/113 .
2- الأخبار الطوال للدينوري : 257 .
3- رجال الطوسي : 102 .

آباء أم البنين عليهاالسلام

قال الداودي في عمدة الطالب : فاطمة بنت حزام بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن الناس بن مضر(1) ، وهنا يلتقي نسبها بنسب أمير المؤنين عليه السلام .

وفي مقاتل الطالبيين : أم البنين بنت حرام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد ، وهو عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة(2) .

وفي الهداية الكبرى : . . وكان له عليه السلام عبد اللّه والعباس وجعفر وعثمان من أم البنين ، وهي جعدة ابنة خالد بن زيد الكلابية(3) !!! .

وفي شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي : أمّهم أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوليد(4) .

ص: 90


1- عمدة الطالب : 323 .
2- مقاتل الطالبيين : 22 .
3- الهداية الكبرى للحسين بن حمدان الخصيبي : 94 .
4- شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي : 3/185 .

وقال الشيخ المفيد في الإرشاد : أمّهم أم البنين بنت حزام بن خالد بن دارم(1) ، وقد مرّ الكلام في ذلك .

ويؤد ما ذكرناه سابقا من احتمال وقوع التصحيف أو الاشتباه ما ذكره الشيخ نفسه رحمه الله في الاختصاص حيث قال : أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن عامر(2) .

وفي المناقب : أم البنين ابنة حزام بن الخالد الكلابية(3) .

وفي كتاب الفتوح لابن أعثم : أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كلاب العامرية(4) .

وقال ابن كثير : أم البنين بنت حرام ، وهو المحلّ بن خالد بن ربيعة بن كعب بن عامر بن كلاب(5) .

وقال المسعودي : أم البنين ابنة حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد ، وهو عامر بن كعب بن عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بنمعاوية بن بكر بن هوازن(6) .

ص: 91


1- الإرشاد : 1/354 .
2- الاختصاص : 82 .
3- مناقب آل أبي طالب : 3/89 .
4- الفتوح لابن أعثم : 5/113 .
5- البداية والنهاية : 7/367 .
6- التنبيه والإشراف للمسعودي : 258 .

وفي تاريخ الطبري : أم البنين بنت حزام ، وهو أبو المجل ، ابن خالد بنربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب(1) .

وفي إكمال الكمال : أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد ، وهو عامر بن كعب بن عامر بن كلاب(2) .

وفي شرح ابن أبي الحديد : أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد من بنى كلاب(3) .

وفي تاريخ خليفة : أم البنين بنت حازم بن خالد من بني الوحيد أحد بني كلاب(4) .

وقال الشيخ الطوسي : أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد ، من بني عامر(5) .

وقال ابن سعد في الطبقات : أم البنين بنت حزام بن خالد بن جعفر بن ربيعة بن الوحيد بن عامر بن كعب بن كلاب(6) .

وقال أبو نصر البخاري : أم البنين ، فاطمة بنت أبي المجل ، حزام بن

ص: 92


1- تاريخ الطبري : 4/118 .
2- إكمال الكمال لابن ماكولا : 1/518 .
3- شرح نهج البلاغة : 9/243 .
4- تاريخ خليفة لخليفة بن خياط العصفري : 178 .
5- رجال الطوسي : 102 .
6- الطبقات الكبرى لابن سعد : 3/20 .

خالد بن ربيعة بن الوحيد - وهو عامر - ابن كعب بن عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية ابن بكر بن هوازن(1) .

ص: 93


1- سرّ السلسلة العلوية : 88 .

أُمهات أم البنين عليهاالسلام

في عمدة الطالب : أمّها : ليلى بنت سهل بن مالك ، وهو ابن أبي براء ، عامر ملاعب الأسنّة ، ابن مالك بن جعفر بن كلاب .

وأمّها : عامرة بنت الطفيل بن عامر .

وأمّها : كبشة بنت عروة الرحّال بن عتبة بن جعفر بن كلاب(1) .

وأمّها : فاطمة بنت عبد شمس بن عبد مناة(2) . . .

وقال أبو الفرج الإصفهاني :

وأمّها : ثمامة بنت سهيل بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب .

ص: 94


1- في معجم مقاييس اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس زكريا : 4/82 : وفي المثل : ابنك من دمي عقبيك ، وكأنّ أصل ذلك في عقيل بن مالك ، وذلك أنّ كبشة بنت عروة الرحّال تبنته فعرم عقيل على أمّه يوما ، فضربته ، فجاءتها كبشة تمنعها ، فقالت : ابني ابني ، فقالت القينية ، وهي أمة من بني القين : ابنك من دمي عقبيك ، أي ابنك هو الذي نفست به وولدته حتى أدمى النفاس عقبيك لا هذا .
2- عمدة الطالب : 356 .

وأمّها : عمرة بن الطفيل - فارس قرزل - بن مالك الأحزم - رئيس هوازن - بن جعفر بن كلاب .

وأمّها : كبشة بنت عروة الرحّال بن عتبة بن جعفر بن كلاب .

وأمّها : أم الخشف بنت أبي مغولة ، فارس هوازن ، ابن عبادة بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة .

وأمّها : فاطمة بنت جعفر بن كلاب .

وأمّها : عاتكة بنت عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب .

وأمّها : آمنة بنت وهب بن عمير بن نصر بن قعين بن الحرث بن دودان بن أسد بن خزيمة .

وأمّها : بنت جحدر بن ضبيعة الأغر بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن ربيعة بن نزار .

وأمّها : بنت مالك بن قيس بن ثعلبة .

وأمّها : بنت ذي الرياستين - وهو خشين - ابن أبي عصم بن شمخ بن فزارة .

وأمّها : بنت عمرو بن صرمة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان(1) . . .

وفي سرّ السلسلة العلوية لأبي نصر البخاري : أم البنين فاطمة . . .وأمّها : ليلى بنت سهيل بن عامر بن مالك ، وهو أبو ملاعب الأسنّة .

ص: 95


1- مقاتل الطالبيين : 52 .

وأمّها : عمرة بنت الطفيل بن عامر .وأمّها : كبشة بنت عروة الرحّال ابن عتبة بن جعفر بن كلاب .

وأمّها : فاطمة بنت عبد شمس بن عبد مناف(1) .

ص: 96


1- سرّ السلسلة العلوية : 88 ، عمدة الطالب : 356 .

نجوم في سلسلة النسب

اشارة

قبيلة أم البنين عليهاالسلام من أشرف القبائل العربية شرفا ، وأجمّهم للمآثر الكريمة التي تفتخر بها سادات العرب ، ويعترف لها بالسيادة حتى أضدادها وحسّادها ومعادوها ، وذلك لكثرة نوابغها من الرجال المبرّزين والزعماء الممتازين بأكمل الصفات الكريمة ، وأتمّ الخصال الممدوحة ، كالكرم والشجاعة والفصاحة شعرا وخطابة(1) .

وكان رجالهم من التميّز والشرف والسؤد بمكان فرضوا فيه على علماء النسب والتاريخ والرواة أن يسجّلوا مآثرهم ، ويولوا الاهتمام البالغ بتدوين أسماءهم وخطبهم ووقائعهم وأيّامهم باعتبارهم شخصيات مبرزة تعدّ من سادات تلك العصور .

ونحن نذكر هنا شيئا مختصرا عنهم ، وعن بعض النجوم اللامعة في تاريخهم .

ص: 97


1- بطل العلقمي للمظفّر : 1/116 .

بنو عامر :

كان بنو عامر من « الحمس » ، وكانوا « لقاحا » لا يدينون لأحد من الملوك .

الحمس :

قال الزمخشري في الفائق في غريب الحديث : الحمس : قريش ومن دان بدينهم في الجاهلية ، واحدهم أحمس ، سمّوا لتحمّسهم ، أي تشدّدهم في دينهم .

والحمسة : الحرمة ، مشتقّة من اسم الحمس ، لحرمتهم بنزولهم الحرم ، وكانوا لا يخرجون من الحرم ، ويقولون : نحن أهل اللّه ، لسنا كسائر الناس ، فلا نخرج من حرم اللّه ، وكان الناس يقفون بعرفة ، وهي خارج الحرم ، وهم كانوا يقفون فيه حتى نزل : « ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ » ، فوقفوا بعرفة(1) .

وقال الفيروزآبادي : حمس - كفرح - : اشتدّ وصلب في الدين والقتال ، فهو حمس وأحمس ، وهم حمس .

والحمس : الأمكنة الصلبة جمع : أحمس ، وهو لقب قريش وكنانة وجديلة ، ومن تابعهم في الجاهلية ، لتحمّسهم في دينهم أو لالتجائهم بالحمساء ، وهي الكعبة ، لأنّ حجرها أبيض إلى السواد .

ص: 98


1- الفايق في غريب الحديث : 1/274 .

وفي الكافي عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : كانت العرب في الجاهلية على فرقتين : الحلّ، والحمس ، فكانت الحمس قريشا ، وكانت الحلّ سائر العرب ، فلم يكن أحد من الحلّ إلاّ وله حرميّ من الحمس ، ومن لم يكن له حرميّ من الحمس لم يترك أن يطوف بالبيت إلاّ عريانا .

وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله حرميا لعياض بن حمار المجاشعي ، وكان عياض رجلاً عظيم الخطر ، وكان قاضيا لأهل عكاظ في الجاهلية ، فكان عياض إذا دخل مكّة ألقى عنه ثياب الذنوب والرجاسة ، وأخذ ثياب رسول اللّه صلى الله عليه و آله لطهرها ، فلبسها وطاف بالبيت ، ثمّ يردّها عليه إذا فرغ من طوافه .

فلمّا أن ظهر رسول اللّه صلى الله عليه و آله أتاه عياض بهديّة ، فأبى رسول اللّه صلى الله عليه و آلهأن يقبلها وقال : يا عياض ، لو أسلمت لقبلت هديّتك ، إنّ اللّه - عزّ وجلّ - أبى لي زبد المشركين .

ثمّ إنّ عياضا بعد ذلك أسلم وحسن إسلامه ، فأهدى إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله هديّة ، فقبلها منه(1) .

وقال ابن اسحاق : وكانت قريش - لا أدري قبل بناء الكعبة أو بعده - ابتدعت رأي الحمس ، رأيا رأوه وأداروه بينهم ، فقالوا : نحن بنو إبراهيم ،

ص: 99


1- الكافي : 5/142 ح3 .

وأهل الحرم ، وولاة البيت ، وقاطنوا مكّة وسكّانها ، فليس لأحد من العرب مثل حقّنا ، ولا مثل منزلتنا ، ولا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا ، فلا تعظّموا شيئا من الحلّ كما تعظّمون الحرم ، فإنّكم إن فعلتم ذلك استخفّت العرب حرمتكم ، وقالوا : قد عظّموا من الحلّ مثل ما عظّموا من الحرم .

فتركوا الوقوف على عرفة والإفاضة منها ، وهم يقرّون ويعرفون أنّها من المشاعر والحج ودين إبراهيم عليه السلام ، ويرون لسائر العرب أن يقفوا عليها ، وأن يفيضوا منها ، إلاّ أنّهم قالوا : نحن أهل الحرم فليس ينبغي لنا أن نخرج من الحرمة ، ولا نعظم غيرها كما يعظمها الحمس ، والحمس أهل الحرم .

ثمّ جعلوا لمن ولدوا من العرب من ساكني الحلّ والحرم مثل الذي لهم لولادتهم إيّاهم يحلّ لهم ما يحلّ لهم ، ويحرم عليهم ما يحرم عليهم .

وكانت كنانة وخزاعة قد دخلوا معهم في ذلك ، ثمّ ابتدعوا في ذلك أمورا لم تكن ، فقالوا : لا ينبغي للحمس أن يأقطوا الاقط ، ولا يسلئوا السمن ، وهم حرم ، ولا يدخلوا بيتا من شعر ، ولا يستظلّوا إلاّ في بيوت الأدم ما داموا حراما .

ثمّ رفعوا في ذلك فقالوا : لا ينبغي لأهل الحلّ أن يأكلوا من طعام جاؤا به معهم من الحلّ في الحرم إذا جاؤا حجّاجا أو عمّارا ،ولا يطوفوا بالبيت إذا قدموا أوّل طوافهم إلاّ في ثياب الحمس ، فإن لم

ص: 100

يجدوا شيئا منها طافوا بالبيت عراه ، فإن تكرّم منهم متكرّم من رجل أو امرأة لم يجد ثوبا من ثياب الحمس فطاف في ثيابه التي جاء بها من الحلّ ألقاها إذا فرغ من طوافه لم ينتفع بها ، ولم يمسّها ولا أحد غيره أبدا ، وكانت العرب تسمّي تلك الثياب « اللقا » .

فحملوا العرب على ذلك ، فدانت به ، ووقفوا على عرفات وأفاضوا منها ، فأطافوا بالبيت عراة ، وأخذوا بما شرعوا لهم من ذلك ، فكان أهل الحلّ يأتون حجّاجا وعمّارا ، فإذا دخلوا الحرم وضعوا أزوادهم التي جاؤا بها وابتاعوا من طعام الحرم ، والتمسوا ثيابا من ثياب الحرم ، إمّا عارية وإمّا بإجارة ، فطافوا فيها ، فإن لم يجدوا طافوا عراة ، أمّا الرجال فيطوفون عراة ، وأمّا النساء فتضع إحداهنّ ثيابها كلّها إلاّ درعا تطرحه عليها ثمّ تطوف فيه ، فقالت امرأة من العرب ، وهي كذلك تطوف :

اليوم يبدو بعضه أو كلّه *** وما بدا منه فلا أحلّه

ومن طاف منهم في ثيابه التي جاء فيها ألقاها فلم ينتفع بها هو ولا غيره ، فقال قائل من العرب يذكر شيئا تركه لا يقربه ، وهو يحبّه :

كفى حزنا كري عليه كأنّه *** لقا بين أيدي الطائفين حريم

يقول : لا يمسّ ، فكانوا كذلك حتى بعث اللّه - عزّ وجلّ - نبيّه(1) .

* * *

ص: 101


1- سيرة ابن إسحاق : 2 / 80 - 83 ، السيرة النبوية لابن هشام الحميري : 1 / 128 - 131 .

قال ابن هشام : وحدّثني أبو عبيدة النحوي : أنّ بني عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن دخلوا معهم في ذلك ، وأنشدني لعمرو بن معديكرب :

أعباس لو كانت شيارا جيادنا *** بتثليث ماناصيت بعدي الأحامسا

قال ابن هشام : تثليث : موضع من بلادهم ، والشيار : السمان الحسان ، يعنى بالأحامس : بني عامر بن صعصعة ، وبعباس : عباس بن مرداس السلمي ، وكان أغار على بني زبيد بتثليث ، وهذا البيت من قصيدة لعمرو .

وأنشد للقيط بن زرارة الدارمي في يوم جبلة :

أجذم إلى إنّها بنو عبس *** المعشر الجلة في القوم الحمس

لأنّ بني عبس كانوا يوم جبلة حلفاء في بني عامر بن صعصعة .

ويوم جبلة يوم كان بين بني حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، وبين بني عامر بن صعصعة ، فكان الظفر فيه لبني عامر بن صعصعة على بني حنظلة ، وقتل يومئذ لقيط بن زرارة بن عدس ، وأسر حاجب بن زرارة بن عدس ، وانهزم عمرو بن عمرو بن عدس بن زيد بن عبد اللّه بن دارم بن مالك بن حنظلة ، ففيه يقول جرير للفرزدق :

كأنّك لم تشهد لقيطا وحاجبا *** وعمرو بن عمرو إذ دعوا يالدارم

وهذا البيت في قصيدة له .

ثمّ التقوا يوم ذي نجب ، فكان الظفر لحنظلة على بني عامر ، وقتل يومئذٍ

ص: 102

حسان بن معاوية الكندي ، وهو ابن كبشة ، وأسر يزيد بن الصعق الكلابي ، وانهزم الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب ، أبو عامر بن الطفيل ، ففيه يقول الفرزدق :

ومنهن إذا نجى طفيل بن مالك *** على قرزل رجلاً ركوض الهزائم

ونحن ضربنا هامة ابن خويلد *** نزيد على أم الفراخ الجواثم

وهذا البيتان في قصيدة له .

فقال جرير :

ونحن خضبنا لابن كبشة تاجه *** ولاقى امرأ في ضمّة الخيل مصقعا

وحديث يوم جبلة ويوم ذي نجب أطول ممّا ذكرنا .

* * *

وقد وضع اللّه - تعالى - أمر الحمس ، وما كانت قريش ابتدعت منه على الناس بالإسلام حين بعث اللّه به رسوله صلى الله عليه و آله .

روى الكوفي في المناقب : عن ابن عباس قال : بعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله أبابكر على الموسم ، وبعث معه بهؤاء الآيات من براءة ، وأمره أن يقرأها على الناس أن يرفع الحمس - قريش وكنانة وخزاعة . . - إلى عرفات ،فسار أبو بكر حتى نزل بذي الحليفة ، فنزل جبرئيل على النبي صلى الله عليه و آله فقال : «لن يؤّي عنك إلاّ رجل منك» .

ثمّ إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعث علي بن أبي طالب عليهماالسلام في أثر أبي بكر ،

ص: 103

فأدركه بذي الحليفة ، فلمّا رآه أبو بكر قال : أمير أو مأمور ؟ فقال : بل مأمور ، بعثني إليك رسول اللّه صلى الله عليه و آله لتدفع إليّ براءة ، فدفعها إليه ، وانصرف أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه و آله فقال : يا رسول اللّه ، ما لي نزعت منّي براءة ؟ أنزل فيّ شيء ؟ قال : لا ، ولكنّه لا يبلّغ عنّي غيري أو رجل منّي ، وأنا وعلي من شجرة واحدة والناس من أشجار شتّى(1)(2) .

الرئاسة والشجاعة

كانت الرئاسة والحكومة في بني عامر بن صعصعة ، ولم تزل فيهم .

قال أبو عمر : جاء الإسلام وأربعة أحياء قد غلبوا الناس كثرة : شيبان بن ثعلبة ، وجشم بن بكر بن تغلب ، وعامر بن صعصعة ، وحنظلة بن مالك ، فلمّا جاء الإسلام خمد حيّان وطمى حيّان ، طمى بنو شيبانوعامر بن صعصعة ، وخمد جشم وحنظلة(3) .

ص: 104


1- في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 15/204 : قال أبو عثمان : وكان الزبير بن عبد المطّلب شجاعا أبيّا ، وجميلاً بهيّا ، وكان خطيبا شاعرا ، وهو الذي يقول : ولولا الحمس لم يلبس رجال *** ثياب أعزّة حتى يموتوا ثيابهم شمال أو عباء *** بها دنس كما دنس الحميت ولكنّا خلقنا إذ خلقنا *** لنا الحبرات والمسك الفتيت وكأس لو تبين لهم كلاما *** لقالت إنّما لهم سبيت تبين لنا القذى إن كان فيها *** رضين الحلم يشربها هبيت ويقطع نخوة المختال *** رقيق الحدّ ضربته صموت بكفّ مجرّب لا عيب فيه *** إذا لقي الكريهة يستميت
2- مناقب الإمام أمير المؤنين عليه السلام لمحمد بن سليمان الكوفي : 1/469 ح371 .
3- الإنباه لابن عبد البر : 97 .

وعدّهم دغفل النسّابة في أشراف قبائل الجاهلية وقال : وأمّا بنو عامر فكثير سادتهم ، مخشيّة سطوتهم ، ظاهرة نجدتهم(1) .

وقال عنهم ابن القرية : وبنو عامر أطولها رماحا ، وأكرمها صباحا(2) . .

ونسب أبو هريرة إلى النبي صلى الله عليه و آله أنّه سئل عن بني عامر فقال صلى الله عليه و آله : جمل أزهر يأكل من أطراف الشجر(3) .

زهير بن جذيمة العبسي عند منصرفه من النعمان في سياق ما جرى في قصّة مقتل ابنه شاس :

فلولا كلاب قد أخذت قرينتي *** بردّ غني أعبدا ومواليا

ولكن حمتهم عصبة عامرية *** يهزّون في الأرض القصار العواليا

مساعير في الهيجا مصاليت في الوغى *** أخوهم عزيز لا يخاف الأعاديا

يقيمون في دار الحفاظ تكرّما *** إذا ماقني القوم أضحت خواليا

ص: 105


1- أمالي القالي : 25 .
2- شذرات الذهب : 1/93 .
3- تاريخ بغداد : 2/195 .

وقال شاس الأسدي في سياق نفس القصّة : لا تدخلوا على بني عامر ،فإنّي أعلم الناس بهم قد قاتلتهم وقاتلوني ، وهزمتهم وهزموني ، فمارأيت قوما قطّ أقلق بمنزل من بني عامر ، واللّه ما وجدت لهم مثلاً إلاّ الشجاع ، فإنّه لا يقرّ في جحره قلقا وسيخرجون إليكم ، واللّه لئن نمتم هذه الليلة لا تشعرون بهم إلاّ وهم منحدرون إليكم(1) . .

بنو كلاب

اشارة

روى الميداني عن يونس بن حبيب أنّه قال : زعموا أنّ رقيّة بنت جشم بن معاوية - يعني ابن بكر بن هوازن - ولدت نميرا وهلالاً وسواءة ، ثمّ اعتاطت ، فنظرت اليها كاهنة ومست بطنها ، وقالت : ربّ قبائل فرق ، ومجالس حلق ، وطعن خرق في بطنك ، فأمخضت ربيعة بن عامر(2) . . وهو أبو كلاب وكعب ، وأمّ كلاب اسمها مجد من قريش .

ومجد هي أم كلاب وكليب وكعب بني ربيعة بن عامر بن صعصعة ، وهي بنت تميم بن مرّة بن غالب بن فهر ، وهي التي جعلت بني عامر حمسا . .

قال الشيخ المظفّر رحمه الله : وفرسان بني كلاب وأبطالهم ورؤساؤهم الذين قادوا هوازن في الحروب وشهرت نكايتهم في العرب ، ونحن إن أوردنا كلّ فرسان بني عامر يطول بنا المقام . . ولا نذكر كلّهم ، بل نذكر مقدار ما

ص: 106


1- تاريخ اليعقوبي : 1/186 .
2- مجمع الأمثال : 1/221 .

يستبين به أهمّية هذه القبيلة ، وصحّة اختيار مولانا أمير المؤنين عليه السلام

لها على سائر نساء العرب .

وإذا عرفت فرسان رهطها الأدنى لا يخفى عليك فرسان بقيّة قومها من بني عامر ، مثل : بني نمير الذين هم جمرة العرب ، وبني قشير ، وبني عقيل ، وبني البكّاء ، وأمثال هؤاء ، كعمرو بن عامر فارس الضحيا ، وخداش بن زهير ، وغيرهما من الفرسان المضروب بهم المثل(1) .

* * *

ولدت أم البنين الكبرى لمالك بن جعفر بن كلاب خمسة ، كلّ واحد منهم سيد من سادات قومه ، ورئيس من رؤسائهم ، وقائد من قوّادهم ، وهم : ربيعة بن مالك ، وهو ربيعة المقترين ، وهو أبو لبيد الشاعر ، ومعاوية بن مالك بن جعفر ، وهو معوذ الحكّام ، والطفيل بن مالك ، وهو فارس قرزل ، وهو أبو عامر بن الطفيل ، وعامر بن مالك ، وهو ملاعب الأسنّة ، وسلمى بن مالك ، وهو نزال المضيق ، وفيها ضرب المثل ، فقالت العرب : أنجب من أم البنين ، ذكره أبو هلال العسكري في جمهرة الأمثال على هامش الميداني(2) ، والميداني أيضا في مجمع الأمثال(3) ، وهي ابنة عمرو بن عامر فارس الضحيا العامري .

ص: 107


1- بطل العلقمي : 1/141 .
2- جمهرة الأمثال على هامش مجمع الأمثال : 2/242 .
3- مجمع الأمثال : 2/205 .

وبهؤاء الخمسة افتخر لبيد بن ربيعة في مجلس النعمان بن المنذر ملك الحيرة حيث يقول :نحن بنو أمّ البنين الأربعه(1) *** ونحن خير عامر بن صعصعه

الضاربون الهام وسط المجمعه

فلم ينكر عليه النعمان ولا أحد من العرب ، لأنّ لهم شرفا لا يدافع(2) .

ومن بني جعفر خالد بن جعفر مدرك الثأر ، والأحوص بن جعفر قائد مضر يوم خزازي ، وقائد قومه يوم شعب جبلة ، وعامر بن الطفيل أحد فرسان العرب المجمع على فروسيّتهم في الجاهلية ، ولبيد الشاعر المشهور صاحب المعلقة أحد فرسانهم وأجوادهم جاهلية وإسلاما ، وأربد بن قيس ، وهو أربد الحتوف بطل مارد ، وهو أخو لبيد ، وجبّار بن صخر بن سلمى فارسهم في الجاهلية والإسلام ، ويزيد بن الصعق الكلابي ، وعتبة بن جعفر ، وابنه عروة الرحّال ، وعلقة بن علاثة الصحابي ، والضحّاك بن سفيان الكلابي ، والمحلق ممدوح الأعشى ، وجواب وهو مالك بن كعب الكلابي ، وشتير بن خالد ، وابنه عتبة بن شتير ، وغيرهم ممّن ستعرف أسماءهم .

ص: 108


1- جعلهم أربعة لضرورة الشعر ، اضطرّته القافية إلى ذلك .
2- للأبيات تتمّة تجدها في جمهرة الأمثال للعسكري : 2/118 رقم 1362 ، « قولهم : قد قيل ذلك إن حقّا وإن كذبا » .

ربيعة المقترنين

وهو ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب ، وهو فارس ذي العلق ، ووالدلبيد الشاعر المشهور ، الذي كان من سادات بني عامر جودا وشجاعة وقيادة ، قادهم في كثير من الحروب ، وقتلته بنو أسد .

معاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب

وهو معوذ الحكّام ، وهو سيد من سادات بني عامر ، ومن شعرائهم وأبطالهم المشهورين ، وهو عمّ لبيد الشاعر .

قال الآمدي في المؤلف والمختلف(1) : قيل له : معوذ الحكّام لشيء كان جرى بين بني عقيل وبني قشير ، فأصلح بينهم ، وهو غلام حديث السنّ ، وسمّي بذلك ببيت قاله في أبيات كثيرة :

أعوذ بعدها الحكام مثلي *** إذا ما الأمر في الأشياع نابا

وهو القائل :

تفاخرني بكثرتها قريط *** فيالك والد الحجل الصقور

بغاث الطير أكثرها فراخا *** وأم الباز مقلات نزور

فإن أك في عدادكم قليلاً *** فإنّي في عدوّكم كثير(2)

* * *

ص: 109


1- المؤتلف والمختلف : 188 .
2- انظر : معجم الشعراء : 391 .

الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب « فارس قرزل »

وهو أبو عامر ابن الطفيل ، فارس العرب ، وكان الطفيل من فرسانبني عامر في الجاهلية ، ومن الرؤاء والأجواد والشعراء .

قال ابن قتيبة في ترجمة ابن عامر : وأبوه فارس قرزل ، وقال بعض الشعراء لعامر :

فإنّك يا عام بن فارس قرزل *** عن القصد إذ يممت ثهلان جائر(1)

والطفيل وأخوه ملاعب الأسنّة أسرا معبد بن زرارة التميمي يوم رحرحان ، في قصّة طويلة ذكرها ابن عبد البر في العقد الفريد(2) .

أبو براء ملاعب الأسنّة

واسمه عامر - على المشهور - ، وقيل: عمرو بن مالك بن جعفر بن كلاب، فارس العرب ، مجمع على فروسيّته ، أدرك الإسلام وأسلم على المشهور .

وهو الذي أجار أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله فغدر بهم عامر بن الطفيل يوم بئر معونة ، فمات أبو براء كمدا وحزنا ، وكان معروفا عند العرب بالشجاعة والفروسيّة والشرف .

قال العسقلاني في الإصابة : أبو براء المعروف بملاعب الأسنّة ، ذكره خليفة والبغوي وابن البرقي والعسكري وابن قانع البارودي وابن شاهين وابن السكن في الصحابة ، وقال الدار قطني : له صحبة .

ص: 110


1- الشعر والشعراء : 118 .
2- انظر : العقد الفريد : 3/313 .

وروى ابن الأعرابي في معجمه عن عامر بن مالك قال : بعثت إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ألتمس منه دواء ، فبعث اليّ بعكّة من عسل .

وذكر ابن شبة أنّ النبي صلى الله عليه و آله استعمله على بني جعفر ، وقال

صلى الله عليه و آله للضحّاك بن سفيان الكلابي : استوص به خيرا - يعني عامرا - .

وأوّل من لقّبه « ملاعب الأسنّة » ضرار بن عمرو القيسي ، ولقّبه الرويم ، وذلك في يوم السوبان .

وقال ابن قتيبة في الشعراء : ملاعب الأسنّة ، هو عمّ لبيد ، وهو عامر بن مالك ، وسمّي « ملاعب الأسنّة » بقول أوس بن حجر فيه :

ولاعب أطراف الأسنّة عامر *** فراح له حظّ الكتيبة أجمع(1)

وكان ملاعب الأسنّة أخذ أربعين مرباعا في الجاهلية .

وقيل : لقول حسّان بن نمير ، وقد رآه بين فرسان أطافوا به يقاتلهم : ما هذا إلاّ ملاعب الأسنّة . وقيل غير ذلك .

وكان أبو براء مع البطولة والقيادة والسيادة شاعرا مجيدا .

قال ابن نباتة في شرح الرسالة : يزعمون أنّه لمّا تنافر ابن أخيه عامر بن الطفيل مع علقمة بن علاثة سأل عمّه الإعانة ، فأعطاه نعليه وقال : إستعن بهما في مفخرتك ، فإنّي ربعت فيهما أربعين مرباعا ، مع أنّه كان كارها للمنافرة ، وفي ذلك يقول :

أؤر أن أسبّ بني شريح *** ولا واللّه أفعل ما حييت

ص: 111


1- الشعر والشعراء : 90 .

ومن شعره :

دفعتكم عنّي وما دفع راحة *** بشيء إذا لم تستعن بالأنامل

يضعضعني حلمي وكثرة جهلكم *** عليّ وإنّي لا أصول بجاهل

براء بن أبي براء

ملاعب الأسنّة ، عامر بن جعفر بن كلاب الكلابي ، كان فارسا شاعرا بطلاً من أبطال بني كلاب في العصر الجاهلي ، قتل يوم النتأة ، وقد ذكر ابن الأثير قصّة هذا اليوم مفصّلاً(1) .

ربيعة بن أبي براء

ملاعب الأسنّة ، أخو المتقدّم ، كان صحابيا فارسا من فرسان بني كلاب ، وبطلاً من أبطال العرب .

قال المظفّر(2) رحمه الله : ذكر غير واحد من أهل المغازي أنّه أهدى لرسول اللّه صلى الله عليه و آله بغلة أو ناقة ، ورأيت له رواية عن أبى الدرداء من طريق حبيب بن عبيد عنه . .

وقال الدياربكري في تاريخ الخميس في أفراس النبي صلى الله عليه و آله : واللحيف كأمير وزبير ، فرس لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لأنّه كان يلحف الأرض بيديه ، أهداه له ربيعة بن أبي البراء ، فأثابه عليه من نعم بني كلاب(3) .

ص: 112


1- الكامل في التاريخ : 1/399 .
2- بطل العلقمي : 1/159 .
3- تاريخ الخميس : 1/206 .

وذكر الطبري في تاريخه(1) وابن عساكر في تاريخ دمشق أنّ ربيعة هذا طعن عامر بن الطفيل برمحه وضربه بسيفه طلبا بخفرة أبيه .قال ابن عساكر في قصّة أصحاب الرجيع : ثمّ إنّ النبي صلى الله عليه و آله لقى ربيعة ابن ملاعب الأسنّة ، فقال له : ما فعلت ذمّة أبيك ؟ فقال : نقضتها بضربة سيف أو بطعنة رمح ، فقال له : نعم(2) .

نهشل بن عبيدة نزال المضيق

ابن مالك بن جعفر بن كلاب الجعفري الكلابي ، أحد أبطال الجاهلية ، وسادات بني عامر وأشرافهم وفرسانهم ، قتل يوم النتأة مع براء بن أبي براء ، قتلهما بنو عبس ، ذكره ابن عبد ربّه في العقد الفريد في قصّة هذا اليوم(3) .

مدرك الثأر خالد بن جعفر بن كلاب

قال المظفّر رحمه الله (4) : الملقّب بالأصبغ ، وذي الشامة ، الجعفري الكلابي ، أحد سادات العرب وأبطالهم الأُباة الحماة ، وممّن يضرب به المثل في الشجاعة ، ومن أشهر رجالات العرب فروسيّة وصيتا ، شهد يوم السلان من حروب العدنانية والقحطانية ، وله فيه ذكر ذائع وشعر

ص: 113


1- تاريخ الطبري : 3/35 .
2- تاريخ دمشق : 7/198 .
3- العقد الفريد : 2/235 .
4- بطل العلقمي : 1/161 .

مشهور ، وهو قائد هوازن ووافدهم إلى الملوك ، وكان له عند الملوك محلّسامي ، وهو الذي أنكر الظلم والجور والبغي في الأرض والإسراف في إراقة دماء الأبرياء مع كونه شابّا لم يكتهل ، وانتقم من الجائر زهير بنجذيمة العبسي .

وأم خالد « خبيئة الغنوية » إحدى المنجبات من نساء العرب ، فإنّها ولدت لجعفر بن كلاب : مالك ، الملقّب بالطيّان ، لكثرة ما يطوي بطنه ويؤر على نفسه ، وخالد ، الملقّب بالأصبغ لشامة بيضاء في مقدّم رأسه ، وربيعة ، الملقّب بالأحوص لصغر عينيه ، كلّ واحد منهم ساد قومه ، وأجمع على ذلك علماء العرب في مجلس معاوية(1) .

قال الشريف المرتضى في أماليه : فأمّا خبر مقتل زهير بن جذيمة العبسي أبي قيس ، فاختلف الرواة في سببه ، فيقال :

إنّ هوازن بن منصور كانت تؤي الأتاوة زهير بن جذيمة ، ولم تكثرعامر بن صعصعة بعد ، فهم أذلّ في رحم ، فأتت عجوز من هوازن إلى زهير بن جذيمة بسمن في نحي ، فاعتذرت إليه وشكت السنين التي تتابعت على الناس ، فذاقه ، فلم يرض طعمه ، فدعّها - أي دفعها - بقوس في يده عطّل في صدرها ، فسقطت وبدت عورتها .

فغضبت من ذلك هوازن وحقدته إلى ما كان في صدرها من الغيض

ص: 114


1- انظر : الأغاني لأبي الفرج : 16/19 .

كانت يومئذٍ قد أمرت بنو عامر بن صعصعة - أي كثرت - فآلى خالد بن جعفر بن كلاب ، فقال : واللّه لأجعلنّ ذراعي وراء عنقه حتى أُقتلأو يُقتل .

وفي ذلك يقول خالد بن جعفر :

أريغوني أراغتكم فإنّي *** وحذفة كالشجا تحت الوريد

مقربة أواسيها بنفسي*** وألحفها ردائي في الجليد

لعلّ اللّه يمكنني عليها *** جهارا من زهير أو أسيد

فإمّا تثقفوني فاقتلوني*** فمن أثقف فليس إلى خلود(1)

وقيل في سبب قتله غير ذلك . .

وقد قتل خالد بن جعفر الكلابي غيلة ، اغتاله الحارث بن ظالم المرّي من غطفان ، فقتله وهو نائم في جوار الأسود بن ا لمنذر ملك الحيرة .

وفي ذلك يقول عبد اللّه بن جعدة :

شقّت عليك العامرية جيبها *** أسفا وما تبكي عليك ظلالا

يا حار لو نبّهته لوجدته *** لا طائشا رعشا ولا معزالا

فاغرورقت عيناي لمّا أبصرت *** بالجعفري وأسبلت إسبالا

فلنقتلنّ بخالد سرواتكم *** ولنجعلنّ الظالمين نكالا

فإذا رأيتم عارضا متلبّيا *** منّا فإنّا لا نحاول مالا

ص: 115


1- أمالي المرتضى : 1/125 .

فثارت بسبب مقتل خالد حروب هائلة ، ووقعت وقائع طاحنة ، واستعرت نيران كفاح إندلع لسانها في جزيرة العرب ، وتطاير شررها على الشعبين القحطاني والعدناني ، واصطلى برهجها المتأجّج قبائل تميموأسد ، وقبائل اليمن وغطفان ، وغيرها ، وقتل فيها أعلام العرب ، وسادات مضر واليمن . .

وقتل الحارث بن ظالم بعد أن نبت به البلاد ، وضاقت في وجهه الدنيا ، ولم يجد أحدا يأويه أو يجيره من العرب ، فقصد ملوك غسّان بالشام مستجيرا بهم ، وقتله من أجاره جزاء عمله . . . هذا هو المشهور .

وفي مجاني الأدب : أنّ المنذر قبض عليه فقتله بخالد « سنة 600 ميلادية »(1)(2) .

الأحوص بن جعفر بن كلاب

الجعفري العامري ، قائد مضر يوم خزازي ، وقائد هوازن يوم رحرحان وشعب جبلة وغيرهما ، وكان من أعلام العرب وساداتها وشعرائها ، وكان هو الوافد على ملوك التبابعة في طلب الصلح بين الشعبين . .

والأحوص من الإحتياص أي الحزم والتحفّظ . . ويحتمل أن يكون لقب الأحوص اشتقّ من هذا لشدّة تحفّظه وحزمه في الأمور ، قال

ص: 116


1- مجاني الأدب : 2/603 .
2- بطل العلقمي : 1/167 .

أبو زياد الكلابي : أخبرنا من أدركنا من مضر وربيعة : أنّ الأحوص بنجعفر بن كلاب كان على نزار كلّها يوم خزاز ، وهو الذي أوقد النار على خزاز ، ويوم خزاز أعظم يوم التقت فيه العرب في الجاهلية .مات الأحوص كمدا على ابنه عمرو(1) .

عوف بن الأحوص

ابن جعفر بن كلاب ، فارس العصا ، واسم فرسه « العصا » ، وهو جدّ علقمة بن علاثة ، وكان عوف بن الأحوص بطلاً شجاعا فارسا ذا رأي وتجربة ، مصيبا في ما يشير به ، وشاعرا مجيدا فحلاً من شعرائهم .

ومن شعره :

ومستنبح يبغي المبيت ودونه *** من الليل بابا ظلمة وستورها

رفعت له ناري فلمّا اهتدى بها *** زجرت كلابي أن يهرّ عقورها

فبات وقد أسرى من الليل عقبة *** بليلة صدق غاب عنها شرورها

إذا قيلت العوراء ولّيت سمعها *** سواي ولم أسأل بها ما دبيرها

ص: 117


1- انظر : بطل العلقمي : 1/178 .

وله :

أبى حسبي وفاصلتي ومجدي *** وإيثاري المكارم والمساعي

وقومي هم أحلّوني وحلّوا *** من العليا بمرتقب يفاع

ولم أظلف عن الشعراء عرضي *** كما ظلف الوسيقة بالكراع

شهد يوم رحرحان ، ويوم شعب جبلة ، وكان هذا اليوم من عظام أيّام العرب ، ويوم الفجار وغيرها ، وفي كلّها له صوت(1) .

شريح بن عوف بن الأحوص

من أشهر فرسان بني عامر وأبطالهم في الجاهلية ، له الصيت الذائع في أيّامهم المشهورة ، مثل يوم رحرحان ويوم جبلة وغيرهما ، وهو قاتل لقيط بن زرارة التميمي قائد الجيش في جبلة . . وأخباره كثيرة(2) .

يزيد بن الصعق الكلابي

فارس بني كلاب وشاعرها في العصر الجاهلي ، وشهد الوقائع العظمى مثل رحرحان وجبلة وغيرهما ، وظهرت آثاره فيهما ، وهو الذي أسر رؤية بن رومانس أخا النعمان بن المنذر ، وقائد جيشه لحرب بني عامر .

ص: 118


1- انظر : بطل العلقمي : 1/179 .
2- انظر : بطل العلقمي : 1/184 .

قال المرزباني في معجم الشعراء : يزيد بن الصعق الكلابي العامريفارس بني عامر وشاعرهم ، كان بطلاً مشهورا مسلّم بالفروسيّة(1) .

وقال الجواليقي في شرح أدب الكاتب : وليزيد بن عمرو الكلابي أبيات مؤّسة منها : « كأمس الدابر » ، وهي :

أعقرتموا جملي برحلي قائما *** ورميتم جاري بسهم ناقر

فاذا ركبتم فالبسوا أدراعكم *** إنّ الرماح بصيرة بالحاسر

إذ تظلمون وتأكلوا صديقكم *** فالظلم تارككم بجدّ عاثر

إنّي سأقتلكم ثنا وموحّدا *** وتركت ناصركم كأمس الدابر

ولهذه الأبيات قصّة ، وهي تحكي قوّة عقله ، وإدراكه لقبح الظلم والبغي والجور ، وأنّها تؤدّي بصاحبها إلى الدمار ، وتوجب له العثار ، وتلوّث سلوكه بالعار والشنار .

وقد استجارت بيزيد هذا باهلة فأجارهم من بني جعدة بن كعب(2) .

أبو عقيل لبيد بن ربيعة

ابن مالك بن جعفر ، الشاعر المشهور ، صاحب المعلّقة ، كان صحابيا ، من فحول شعراء الجاهلية ، وترك الشعر في الإسلام ، وقال : أبدلني اللّه بالشعر سورة البقرة وآل عمران ، فلم يقل في الإسلام شعرا إلاّ بيتا واحدا ، وهو قوله :

ص: 119


1- معجم الشعراء : 494 .
2- انظر : بطل العلقمي : 1/192 .

الحمد للّه إذ لم يأتني أجلي *** حتى لبست من الإسلام سربالا

وكان من أجواد العرب وفرسانهم الشجعان ، زاد بالإسلام عزّا ، وكان شيعيّا .وكان يطعم ما هبت الصبا ، فإذا هبت الصبا قال قائلهم : أعينوا أبا عقيل على مروّته .

وقدم لبيد الكوفة وأقام بها إلى أن مات ، فدفن في صحراء بني جعفر بن كلاب .

ومن شعره ما قاله في مرثية أخيه أربد :

فلا جزع إن فرق الدهر بيننا *** فكلّ امرء يوما به الدهر فاجع

وما الناس إلاّ كالديار وأهلها *** بها يوم خلّوها وغدوا بلاقع

وما المرء إلاّ كالشهاب وضوءه *** يحور رمادا بعد ما هو ساطع

وما المال والأهلون إلاّ ودائع *** ولا بدّ يوما أن تردّ الودائع

وما الناس إلاّ عاملان فعامل ** يتبر ما يبني وآخر رافع

فمنهم سعيد آخذ بنصيبه ومنهم *** شقيّ بالمعيشة قانع

أليس ورائي إن تراخت منيّتي *** لزوم العصا تحني عليها الأصابع

أخبر أخبار القرون التي مضت *** أدبّ كأنّي كلّما قمت راكع

فأصبحت مثل السيف أخلق جفنه*** تقادم عهدالقين والسيف قاطع

فلا تبعدنّ إنّ المنيّة موعد *** علينا فدان للطلوع وطالع

أعاذل ما يدريك إلاّ تظنّيا *** إذا رحل السفار من هو راجع

أأجزع ممّا أحدث الدهر بالفتى *** وأيّ كريم لم تصبه القوارع

ص: 120

وأخبار لبيد كثيرة ، وشعره مشهور ، ومعلّقته معروفة(1) .

أربد الحتوف الجعفري الكلابي

اسمه عمرو ، وهو أخو لبيد بن ربيعة لأمّه ، ولقبه « أربد الحتوف » ، كان بطلاً ماردا شجاعا متمرّدا ، وأبوه قيس من فرسان بني عامر ، وجدّه جزء بن خالد من فرسانهم وساداتهم ، وهو فارس شحمة - اسم فرس - ، وقد اعترف عامر بن الطفيل له بالفروسيّة ، وأقرّ له بالبطولة والفتك ، ومع كونه بطلاً كان شاعرا مجيدا(2) .

عروة الرحّال الكلابي

الجعفري ، أحد سادات مضر في الجاهلية ، وشجعان قيس وأبطال بني عامر ، وكان من أجواد العرب وشعرائهم حيث كان الشعر من فضائل العرب ، وكان من ذوي العقل والشهامة ، وأحد الأربعة الذين اجتمعت عليهم هوازن كلّها .

وكان من الرحّالين إلى الملوك المحترمين عندهم ، وبرحلته إلى الملوك لقّب ب-« الرحّال » .

وكان يعرف بجهارة الصوت ، وزعموا أنّه رحل إلى معاوية بن الجون الكندي ، فغزى معاوية بني حنظلة قومه من بني عامر ، واستصحبه معه ، فلمّا كان بواردات قال لمعاوية : إنّ لي حقّ صحبة ورحلة ، وأريد أن

ص: 121


1- انظر بطل العلقمي : 1/205 .
2- انظر للتفصيل : بطل العلقمي : 1/207 .

أنذر قومي من هاهنا ، وبينه وبينهم مسيرة ليلة ، فعجب معاوية منه ، فأذن له ، فصاح : يا صباحاه ، ثلاث مرّات ، فسمعه قومه من الشعب ،فاستعدوا لذلك(1) . .

وبسبب مقتله هاجت حروب طاحنة بين الكنانية وقريش ، وبين هوازن ذهبت فيها نفوس كثيرة قتل فيها من مشاهير قريش « العوام » والد الزبير وأحيحة بن سعيد بن العاص ، وهو أكبر أولاده ، والمكنّى به ، وعرفت هذه الحروب بحروب الفجار(2) .

الضحّاك بن سفيان الكلابي

أحد بني بكر بن كلاب ، شاعر ، فارس ، من الصحابة والأبطال المشهورين ، والقوّاد القديرين ، أسلم ووفد على النبي صلى الله عليه و آله ، وتولّى له قيادة بعض السرايا ، لكنّه كان قصير القامة أسودا .

وقال الواقدي : كان على صدقات قومه ، وكان من الشجعان ، يعدّ بمائة فارس ، وبعثه النبي صلى الله عليه و آله على سريّة ، وفيه يقول العباس بن مرداس :

إنّ الذين وفوا بما عاهدتهم *** جيش بعثت عليكم الضحّاكا(3)

قال ابن سعد : كان ينزل نجد في حوالي ضرية ، وكان واليا على منأسلم من قومه (4) .

ص: 122


1- شرح رسالة ابن زيدون بهامش شرح لاميّة العجم : 1/90 .
2- انظر : بطل العلقمي : 1/219 .
3- الإصابة : 2/306 .
4- الإصابة : 2/306

وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق : كان الضحّاك سيّافا لرسولاللّه صلى الله عليه و آله قائما على رأسه متوشّحا سيفه ، وكانت بنو سليم في تسعمائة ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : هل لكم في رجل يعدل بمائة يوفّيكم ألفا ؟ فوفّاهم بالضحّاك(1) .

قال الغزالي : روي أنّ الضحّاك بن سفيان الكلابي كان رجلاً دميما قبيحا ، فلمّا بايعه النبي صلى الله عليه و آله قال : إنّ عندي امرأتين أحسن من هذه الحميراء ، وذلك قبل أن تنزل آية الحجاب ، فهلاّ أنزل لك عن أحدهما ، فتتزوّجها وعائشة تسمع ، فقالت : هما أحسن أم أنت ؟ فقال : بل أنا أحسن منهما وأكرم ، فضحك رسول اللّه (2) صلى الله عليه و آله . .

قال الزركلي في الأعلام : مات الضحّاك سنة 11 هجرية(3) .

* * *

نكتفي بهذا القدر من ذكر أسماء أبطال قبيلة أم العباس عليهاالسلامورجالهم

وفرسانهم ، ولو أردنا استقصاءهم في كتاب ضخم لضاقت بهم أوراقه .

وفي النموذج الذي ذكرناه كفاية لمن أراد أن يتعرّف إلى موقع هذه المرأة الكريمة في بيت الفروسيّة والشجاعة والبطولة والإقدام والكرم والسخاء وحماية الجوار .

ص: 123


1- تاريخ دمشق : 7/258 .
2- إحياء العلوم : 2/113 .
3- انظر : بطل العلقمي : 1/225 .

قال السيد المقرّم رحمه الله : ومنه - أي من نسبها - عرفنا آباءها وأخوالها ،ويعرّفنا التاريخ : أنّهم فرسان العرب في الجاهلية ، ولهم الذكريات المجيدة في المغازي بالفروسيّة والبسالة ، مع الزعامة والسؤدد حتى أذعن لهم الملوك ، وهم الذين عناهم عقيل بن أبي طالب عليهماالسلام بقوله : ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس . .

وذلك مراد أمير المؤمنين عليه السلام من البناء على امرأة ولدتها الفحولة من العرب ، فإنّ الآباء لابدّ وأن تعرق في البنين ذاتيّاتها وأوصافها ، فإذا كان المولود ذكرا بانت فيه هذه الخصال الكريمة ، وإن كانت أنثى بانت في أولادها ، وإلى هذا أشار صاحب الشريعة الحقّة بقوله : « الخال أحد الضجيعين ، فتخيّروا لنطفكم »(1) .

* * *

أخو أم البنين عليهاالسلام :

قال البلاذري : . . ولد أيضا عثمان ، وجعفر الأكبر ، وعبد اللّه ، قتلوا مع الحسين عليه السلام ، ولا بقيّة لهم إلاّ العباس ، فإنّ له بقيّة .

وأمّهم جميعا أم البنين بنت حزام . . وأخوها مالك بن حزام الذي قتل مع المختار بالكوفة(2) ، وكان مالك من رؤساء الكوفة ، كما نصّ

ص: 124


1- العباس عليه السلام للمقرّم : 69 .
2- أنساب الأشراف للبلاذري : 192 .

على ذلك ابن حجر في الإصابة .

وقيل : أنّه ابن حرام بن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري ، ثمّ الجعفري ، أخو لبيد الشاعر(1) . . واللّه العالم .

ص: 125


1- الإصابة : 2/145 رقم 1971 .

سنّها عليهاالسلام

اشارة

لم نجد نصّا يذكر تاريخ ولادتها عليهاالسلام أو مقدار عمرها الشريف ، ولكنّنا

سنحاول استكشافه على نحو التقريب والاحتمال من خلال ترتيب مقدّمتين:

المقدّمة الأولى :

سيأتي تحت عنوان « متى تزوّجها أمير المؤمنين عليه السلام » أنّ المؤرّخين على قولين :

القول الأوّل : أنّها كانت أوّل من تزوّجها بعد الصدّيقة سيدة النساء عليهاالسلام .

القول الثاني : أنّ الأولى التي تزوّجها بعد الصدّيقة الشهيدة عليهاالسلامكانت

أمامة بنت زينب ابنة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والثانية كانت أم البنين عليهاالسلام .

هذا هو المشهور .

المقدّمة الثانية :

أنّ أمير المؤمنين عليه السلام تزوّج خولة الحنفية ، وكانت قد حملت في سبي

ص: 126

بني حنيفة الذين قاتلهم الملك الأوّل في تاريخ الإسلام في قصّة مفصّلة(1) ، وكانت هذه الحروب التي سبيت فيها خولة في السنة « 11 » هجرية(2) .

فيلزم أن يكون زواج أمير المؤمنين عليه السلام بأم البنين بين شهادة الصدّيقة فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وبين سبي خولة « الحرّة » ، أي أنّه لا يتجاوز السنة ( 11 ) بحال .

النتيجة :

إذا افترضنا عمرها عليهاالسلام يوم الزواج بين عشرة وخمسة عشر سنة ، وهو أقل ما يمكن افتراضه ، يكون عمرها يوم الطفّ بين الستّين والخامسة والستّين .

ومّما يؤكّد أنّها لم تكن صغيرة جدّا عند الزواج تعبير أمير الكلام وسيد الفصحاء عليه السلام في خطابه لأخيه عقيل : « ابغني امرأة . . » أو « انظر لي امرأة . . » ، ولم يعبّر عنها « جارية » أو « فتاة » ، أو « بنت » أو ما شاكل . .

فإذا كانت وفاتها سنة ( 64 ) للهجرة - كما سيأتي - يكون عمرها المبارك عند الوفاة بين الخمسة والستّين والتسعة والستّين ، واللّه العالم .

ص: 127


1- سنأتي على ذكرها إن شاء اللّه في فصل « شريكات أم البنين عليهاالسلام » .
2- تاريخ الطبري : 3/480 أحداث السنة 11 هجرية .

مراحل حياتها عليهاالسلام

اشارة

يمكن تقسيم حياة أم البنين عليهاالسلام إلى :

المرحلة الأولى : قبل الزواج

ممّا يؤسف له أنّ التاريخ بخل علينا أشدّ البخل حتى تجاوز الشحّ وسجّل على نفسه اللؤم والخساسة ، حيث لم يوفّق إلى تسجيل أيّ شيء يذكر عن أمّ البنين عليهاالسلام ، بل سائر نساء أهل البيت عليهم السلام .

وما وجدناه عن أم البنين عليهاالسلام يعدّ أقلّ من القليل ، وأعزّ من النزر اليسير ، ولكنّنا يمكن أن نستكشف من مرسوم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الذي أصدره لأخيل عقيل بعض الشيء .

قال عليه السلام : ابغني امرأة ولدتها الفحولة من العرب لأتزوّجها فتلد لي غلاما فارسا . . .

فقال له عقيل : تزوّج أم البنين الكلابية ، فإنّه ليس في العرب أشجع

ص: 128

من آبائها(1) . .

وفي رواية : انظر لي امرأة ولدتها الفحولة من العرب من ذوي البيوت والنسب والحسب والشجاعة لكيأصيب منها ولدا يكون شجاعا وعضدا ينصر ولدي هذا - وأشار إلى الحسين عليه السلام - يواسيه في طفّ كربلاء(2) . .

فربما أفاد ذلك :

أوّلاً : أنّ أمّ البنين عليهاالسلام من أسرة تجذرت فيها خصال الخير

والمكرمات ، جاهلية وإسلاما ، - كما عرفنا ذلك خلال استعراضنا لنسبها الكريم - .

فهم فحول تعرّقت فيهم الشجاعة والخصال الحميدة بحيث لا ينجبون إلاّ الشجعان والفرسان الذين ينصرون الحقّ .

وأضفى عليهم صفات مهمّة تكشف أخلاقيات الأسرة :

أنّها امرأة ولدتها الفحولة من العرب .

أنّها من ذوي البيوت .

أنّها من ذوي النسب .

أنّها من ذوي الحسب .

أنّها من أسرة امتازت بالشجاعة .

ص: 129


1- عمدة الطالب : 324 .
2- بطل العلقمي : 1/121 .

وللقارى ء أن يتصوّر المرأة التي تولد وتنشأ وتترعرع وتتربّى في أسرة تمتاز بهذه الصفات ، ولا يكون اتّصافها بهذه الصفات عارضا ، أو خاصّا بطبقة من طبقات نسبها ، وإنّما هي خصال متجذّرة تظهر في كلّ جيل ، وتنمو مع كلّ وليد ، وتكون صبغة عامّة لهم على مرّ الدهور ، وكرّ العصور . .

ثانيا : أنّ أمّ البنين عليهاالسلام كانت معروفة في أسرة معروفة ، ويفاد ذلك من قول عقيل: تزوّج أم البنين الكلابية، فإنّه ليس فيالعرب أشجع من آبائها ..

وفي هذا النصّ تقرير من خبير فذّ في الأنساب - وهو عقيل بن أبي طالب عليهماالسلام - أنّ أهلها أشجع العرب ، كما أنّه نصّ على اسمها بالذات ، وهذا يعني أنّها كانت قد احتلت موقعا خاصّا بين ذويها ، حتى عرفها عقيل بالاسم ، والغالب في علماء النسب أنّهم لا يهتمّون للإناث إلاّ إذا كانت ذات مقام ومنزلة ، معروفة بالعلم والأدب والسلوكيّات التي تفرض نفسها على الواقع .

قال الناصري في مولد العباس عليه السلام : فلمّا كبرت وبلغت مبالغ النساء كانت مضرب المثل ، لا في الحسن والجمال والعفاف فحسب ، بل وفي العلم والآداب والأخلاق ، بحيث اختارها عقيل بن أبي طالب لأخيه أمير المؤمنين عليه السلام ، وما ذلك إلاّ أنّها كانت موصوفة بهذه الصفات بين نساء قومها بالآداب الحسنة والأخلاق الكاملة ، علاوة على ما هي فيه منالنسب الشريف والحسب المنيف(1) . . .

ص: 130


1- مولد العباس عليه السلام : 29 .

المرحلة الثانية : الزواج إلى شهادة أمير المؤمنين عليه السلام

متى تزوّجها أمير المؤمنين عليه السلام

قال الطبري وابن الأثير : فأوّل زوجة تزوّجها فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولم يتزوّج عليها حتى توفّيت عنده . . ثمّ تزوّج بعد أم البنين بنت حزام(1) . . .

وفي أبي الفداء : ثمّ بعد فاطمة ، تزوّج علي عليه السلام أم البنين بنت حزام الكلابية(2) . .

وقال ابن حاتم العاملي بعد ذكره لسيدة النساء فاطمة عليهاالسلامقال : ثمّ تزوّج أم البنين الكلابية(3) . . .

وقال السيد الأمين : أوّل زوجاته فاطمة الزهراء سيدة النساء عليهاالسلام

بنت رسول اللّه سيد المرسلين صلى الله عليه و آله ، لم يتزوّج عليها حتى توفّيت عنده ، ثمّتزوّج بعدها أمامة بنت أبي العاص . . ثمّ تزوّج أم البنين(4) . .

ص: 131


1- تاريخ الطبري : 4/118 ، الكامل في التاريخ لابن الأثير : 3/397 .
2- تاريخ أبي الفداء : 1/181 .
3- الدرّ النظيم لابن حاتم العاملي : 411 .
4- أعيان الشيعة : 1/326 .

وقال السيد المقرّم : تزوّج أمير المؤمنين عليه السلام من فاطمة ابنة حزام العامرية ، إمّا بعد وفاة الصدّيقة سيدة النساء ، كما يراه بعض المؤرّخين(1) .

وإمّا بعد أن تزوّج بأمامة بنت زينب بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، كما يراه البعض الآخر(2) .

وهذا بعد وفاة الزهراء عليهاالسلام ، لأنّ اللّه قد حرّم النساء على علي عليه السلام ما دامت فاطمة موجودة(3) . . .

وكيف كان فالظاهر من كلمات هؤلاء وغيرهم أنّ أم البنين عليهاالسلامكانت

إمّا الأولى أو الثانية بعد الصدّيقة سيدة النساء عليهاالسلام ، وقد رجّح بعضهم أن تكون الثانية ، لأنّ الزهراء كانت قد أوصت أمير المؤمنين أن يتزوّج بأمامة ، وتنفيذ الوصيّة يقتضي أن تكون هي الأولى خلافا لمن قال : أنّ التزويج بها يكفي في تنفيذ الوصيّة متى ما حصل .

أمّا ما ذكره صاحب الفتوح عن ابن أبي المحلّ ، فالظاهر أنّه لا ينبغي الالتفات إليه ، حيث قال في معرض حديثه عن كتاب ابن زياد الذيكتبه إلى عمر بن سعد يحثّه على قتال سيد الشهداء الحسين عليه السلام :

ص: 132


1- جواهر المطالب في مناقب الإمام علي : 121 .
2- السيرة النبوية لابن كثير : 4/581 ، السيرة الحلبية : 2/452 ، الكنى والألقاب للقمي : 1/115 .
3- المناقب لابن شهرآشوب : 3/110 ، الأمالي للطوسي : 43 ، بشارة المصطفى للطبري : 381 .

وطوى الكتاب ، وأراد أن يسلّمه إلى رجل يقال له : « عبد اللّه بن أبيالمحل بن حزام العامري ، فقال : أصلح اللّه الأمير ! إنّ علي بن أبي طالب قد كان عندنا ها هنا بالكوفة ، فخطب إلينا ، فزوّجناه بنتا يقال لها : « أم البنين بنت حزام » ، فولدت له عبد اللّه وجعفرا والعباس ، فهم بنو أختنا ، وهم مع الحسين أخيهم ، فإن رسمت لنا أن نكتب إليهم كتابا بأمان منك عليهم متفضّلاً(1) !

فهو كلام ممتهن ملوّث بالوصولية والتملّق الهابط - على فرض صحّته - لا يمكن الاعتماد عليه ، بالإضافة إلى أنّنا لم نعهد في التاريخ - حسب علمنا - زيارة لأمير المؤمنين عليه السلام للكوفة قبل اتّخاذها عاصمة ، وعبارته : « كان عندنا ها هنا بالكوفة ، فخطب . . » تفيد أنّه كان هناك ولم يكن زائرا ، واللّه العالم .

ونقل السالكي عن رياض القدس قوله : قال جرير : لمّا ورد علي بن أبي طالب الكوفة واستولى عليها تزوّج بنت عمّنا ، وهي أم البنين بنت حزام ، نحن زوّجناها منه(2) . .

فهو على ما يبدو ترجمة مفتوحة لما ذكرناه عن صاحب الفتوح . .

ص: 133


1- كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي : 5/93 .
2- أم البنين للسالكي : 12 عن رياض القدس : 2/68 عن أبي الفرج وعن المناقب مجملاً .

الزواج

اشارة

قد يستفاد من قول الإمام عليه السلام لأخيه عقيل : « ابغني امرأة . . » أو « انظر لي امرأة . . » أنّه عليه السلام قد وكّله في الاختيار والتزويج ، فيكون لعقيل القيام بكلّ متطلّبات الخطبة والزواج .

هذا كلّ ما يمكن إفادته في أمر الزواج ، ولم نعثر على نصّ تاريخي ، أو إشارة من معصوم تفصل لنا ما جرى ، سوى ما نقله محمد علي الناصري في كتابه مولد العباس عليه السلام دون الإشارة إلى المصدر الذي نقل عنه ، مهما كان هذا المصدر !!

نعم ، قال في هامش كتابه حينما وصل إلى رؤيا أمّ البنين عليهاالسلامقبل

الزواج : « قال الشيخ عبد العظيم الربيعي في ديوانه من قصيدة يرثي بها العباس بن علي عليهماالسلام :

بدا بأوج العلى بدرا وإخوته *** من أمّه وأبيه أنجم الأفق

وقال - والكلام للناصري - في الهامش : فيه تلويح إلى الرؤيا التي رأتها أم البنين عليهاالسلام قبل تزويجها بأمير المؤمنين عليه السلام ، والقضيّة مشهورة » .

وقال الشاعر خادم أهل البيت عليهم السلام عبد المنعم الفرطوسي في ملحمته :

قال يوما إلى عقيل علي *** بعد خطب ألمّ بالزهراء

أبتغي حرّة بأشرف بيتٍ *** ولدتها فحولة النجباء

فعساني أحظى بخير غلامٍ *** ناصر للحسين في كربلاء

ص: 134

قال هذي أم البنين فخذها *** فاصطفاها الوصي خير اصطفاء

باركته بأنجم هو منهم *** قمرٌ مشرق بأفق العلاء

وهو معنى رؤيا رأتها فقصّت *** ما رأته لأمّها في الخباء

ونحن ننقله هنا رواية عنه :

قال : مضى عقيل بن أبي طالب عليهماالسلام في مهمّته بأمر أخيه أمير المؤمنين عليه السلامحتى ورد بيت حزام بن خالد بن ربيعة ضيفا على فراش كرامته ، وكان خارج المدينة ، فرحّب به ونحر له النحائر ، وأكرم مثواه غاية الإكرام ، وكانت عادة العرب لا يسألون الضيف عن حاجته إلاّ بعد ثلاثة أيّام الضيافة .

فلمّا انقضت ، وجاء اليوم الرابع جاء حزام إلى عقيل بن أبي طالب عليهماالسلام ، وجلس إلى جانبه ، وخاطبه بكلّ تأدّب وتبجيل قائلاً : هل من حاجة فتقضى ، أو ملمّة فتمضى من مال أو رجال ، فنحن رهن إشارتكم .

فقال له عقيل : جئتك بالشرف الشامخ والمجد الباذخ .

فقال حزام : وما هو يابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟

قال : جئتك خاطبا .

قال : من لمن ؟

قال عقيل : أخطب ابنتك الحرّة فاطمة أم البنين ! إلى يعسوب الدين والحقّ اليقين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، وسيد الوصيّين ، أمير المؤمنين علي بنأبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف .

ص: 135

فلمّا سمع حزام هشّ وبشّ ، ثمّ قال : بخ بخ بهذا النسب الشريفوالحسب المنيف ، لنا الشرف الرفيع ، والمجد المنيع بمصاهرة ابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وبطل الإسلام ، وقاسم الجنّة والنار .

ولكن - يا عقيل - أنت جدّ عليم ببيت سيدي ومولاي ، أنّه مهبط الوحي ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، وأنّ مثل أمير المؤمنين عليه السلام ينبغي أن تكون له امرأة ذات معرفة عن علم ، وآداب في ثقافة ، وعقل مع أخلاق حسنة ، حتى تكون صالحة لشأنه العالي ومقامه السامي ، وإنّ ابنتنا من أهل القرى والبادية ! وأهل البادية غير أهل المدينة ، ولعلّها غير صالحة لأمير المؤمنين عليه السلام .

فقال عقيل : يا حزام إنّ أخي يعلم بكلّ ما قلته ، وأ نّه يرغب في التزويج بها .

فقال حزام : إذا تمهّل حتى أسأل عنها أمّها - ثمامة بنت سهل - هل تصلح لأمير المؤمنين عليه السلام أم لا ؟ فإنّ النساء أعلم ببناتهنّ من الرجال في الأخلاق والآداب .

* * *

قام حزام من محلّه ، وجاء ليسأل ، فلمّا قرب من المنزل ، وإذا هو يرى فاطمة جالسة بين يدي أمّها ، وهي تمشّط رأسها ، وفاطمة تقول : يا أمّاه ! إنّي رأيت في منامي رؤيا البارحة .

فقالت لها أمّها : خير رأيت - يا بنيّة - قصّيها عليّ .

ص: 136

فقال حزام في نفسه : انتظر حتى أسمع ماذا رأت في منامها ، فوقف حزام في مكانه بحيث يسمع الصوت ولا يراه أحد .

فقالت فاطمة لأمّها : إنّي رأيت فيما يرى النائم ؛ كأنّي جالسة في روضة ذات أشجار مثمرة ، وأنهار جارية ، وكانت السماء صاحية ، والقمر مشرقا ، والنجوم ساطعة ، وأنا أفكّر في عظمة خلق اللّه ، من سماء مرفوعة بغير عمد ، وقمر منير ، وكواكب زاهرة ، فبينما كنت في هذا التفكير ونحوه ، وإذا أرى كأنّ القمر قد انقضّ من كبد السماء ووقع في حجري ، وهو يتلألأ نورا يغشي الأبصار ، فعجبت من ذلك ، وإذا بثلاثة نجوم زواهر قد وقعوا أيضا في حجري ، وقد أغشى نورهم بصري ، فتحيّرت في أمري ممّا رأيت ، وإذا بهاتف قد هتف بي ، أسمع منه الصوت ولا أرى الشخص ، وهو يقول :

بشراك فاطمة بالسادة الغرر *** ثلاثة أنجم والزاهر القمر

أبوهم سيد في الخلق قاطبة *** بعد الرسول كذا قد جاء في الخبر

فلمّا سمعت ذلك ذهلت ، وانتبهت فزعة مرعوبة ! هذه رؤياي يا أمّاه ، فما تأويلها ؟!

فقالت لها أمّها : يا بنيّة ؛ إن صدقت رؤياك ، فإنّك تتزوّجين برجل جليل القدر ، رفيع الشأن ، عظيم المنزلة عند اللّه ، مطاع في عشيرته ، وترزقين منه أربعة أولاد ، يكون أوّلهم وجهه كأنّه القمر ، وثلاثة كالنجوم الزواهر .

ص: 137

فلمّا سمع حزام ذلك أقبل عليهما ، وهو مبتسم ، ويقول :يا بنية ، قد صدقت رؤياك .

فقالت أمّها : وكيف علمت ذلك ؟

قال : هذا عقيل بن أبي طالب جاء يخطب ابنتك .

قالت : لمن ؟

قال : لفلاّل الكتائب ، ومظهر العجائب ، وسهم اللّه الصائب ، وفارس المشارق والمغارب الإمام علي بن أبي طالب عليهماالسلام .

قالت : وما الذي قلت له ؟!

قال : استمهلته حتى أسألك عن ابنتك ؛ هل تجدين فيها كفاءة(1) بأن تكون زوجة لأمير المؤمنين عليه السلام ؟ واعلمي أن بيته بيت الوحي والنبوّة ، والعلم والآداب والحكمة ، فإن تجديها أهلاً لأن تكون خادمة في هذا البيت وإلاّ فلا .

فقالت : يا حزام إنّي - واللّه - ربّيتها وأحسنت تربيتها ، وأرجو اللّه العلي القدير أن يسعد جدّها ، وأن تكون صالحة لخدمة سيدي ومولاي أمير المؤمنين عليه السلام ، فزوّجها به .

زوّج كريمتنا بالفارس البطل *** نعم القرينة للمولى الإمام علي

فإنّها حرّة في الحسن بارعة *** في الرشد كاملة العقل

ص: 138


1- لا يمكن أن تكون لا أم البنين عليه السلام ولا غيرها كفوا لأمير المؤمنين عليه السلام إلاّ فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين عليهاالسلام .

فلمّا سمع حزام سرّ بذلك سرورا عظيما ، وأقبل الى عقيل ، وهومستبشر .

فقال له عقيل : ما وراؤك ؟

قال : كلّ الخير إن شاء اللّه ، قد رضينا بأن تكون ابنتنا خادمة لأمير المؤمنين عليه السلام .

فقال عقيل : لا تقل : خادمة ، بل قل : زوجة .

ثمّ قال عقيل : يا حزام ، هل عندكم اقتراح في الصداق ؟

قال حزام : هي هبة منّا إلى ابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

فقال عقيل : بل ممهورة ، أمّا المهر ، فهو ما سنّه رسول اللّه صلى الله عليه و آلهفي بناته وزوجاته خمسمائة درهم ، وأمّا الهديّة ، فلكم ما يرضيكم ، ويزيد .

فقال حزام : اعلم - يا عقيل - أنّا لا نطمع في كثرة المال ، ولكن نطمع في شرف الرجال .

ثمّ نهض حزام من وقته وساعته ، ودخل على زوجته ثمامة بنت سهيل ، وهو يقول : البشارة ، فإنّه قد سعد جدّك ، وعلا مجدك ، وارتفع ذكرك ، فقد قبل عقيل بن أبي طالب ابنتك زوجة لأخيه أمير المؤمنين عليه السلام صاحب الأنوار ، والهيبة والوقار .

فلمّا سمعت ذلك منه خرّت ساجدة للّه شكرا ، وقالت : الحمد للّه الذي جمع شملنا بمحمد المصطفى صلى الله عليه و آله ، وعلي المرتضى عليه السلام .

ثمّ أقبلت على ابنتها فاطمة تهنّئها وتقبّلها ولسان الحال يقول :

ص: 139

يهنيك هذا الشرف العالي *** وأنت في عزّ وإقبال

فيك فنون الحسن قد جمعت *** فصرت في فضل به عالي

حظيت بالمفضال خير الملا *** بعد النبي الطاهر العالي

ثمّ إنّ حزام خرج ودعا عشيرته من بني كلاب وبني عامر ، فلمّا اجتمعوا قام عقيل بن أبي طالب عليهماالسلام خطيبا ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، وذكر النبي صلى الله عليه و آله فصلّى عليه ، ثمّ قال :

أمّا بعد ، يا بني كلاب ويا بني عامر بن صعصعة ، نحمد اللّه نحن العرب ، إذ جعلنا من خير خلقه ، وأرسل فينا رسولاً من أنفسنا ، محمدا صلى الله عليه و آله ، من شجرة النبوّة ، وجاءنا بدين اللّه القويم الذي ارتضاه لنا ، إذ يقول تعالى : « إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الإِْسْلامُ » ، وقال عزّ وجلّ : « وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِْسْلامِ دِينا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ » ، وأمرنا بنبذ البغضاء والشحناء والأحقاد ، وحبّب لنا صلة الأرحام ، والتقارب والاتّحاد ، إذ يقول جلّ ذكره : « يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبا وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ » ، وحرّم علينا الزنا والسفاح ، وأحلّ لنا الزواج والنكاح ، إذ يقول عزّ شأنه : « وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجا لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » .

وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « تناكحوا تناسلوا فإنّي مباه بكم الأمم » ، وهذا علي بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم قد أحبّ مصاهرتكم ،

ص: 140

وخطب إليكم كريمتكم ، فاطمة أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة ،على كتاب اللّه وسنة رسوله ، وقد قال اللّه تبارك وتعالى : « فاطِرُ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجا وَمِنَ الأَْنْعامِ أَزْواجا يَذْرَؤكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ » .

والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ، ثمّ جلس .

وقام حزام بن خالد خطيبا ، فحمد اللّه ، وأثنى عليه ، وذكر النبي فصلّى عليه ، ثمّ قال :

يا قومي ، قد سمعتم ما قاله ابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عقيل بن أبي طالب من ذكر نبيّنا محمد صلى الله عليه و آله ، ودين الإسلام القويم ، وإنّي أشهدكم ، وأشهد اللّه أنّي أدين بدين هذا النبي الكريم ، وأطيعه فيما نهاني عنه ، وما أمرني به ، وأنّي قد ارتضيت علي بن أبي طالب لابنتي بعلاً ، وارتضيتها له سكنا ، وبما أنّكم عشيرتي وقومي اطّلعتُكم على هذا الأمر ، فما تقولون ؟

فقالوا : يا حزام ، ما تريدنا أن نقول في ابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وناصر دين اللّه ، ومن لنا بأكرم منه حسبا ، أو بمثله نسبا ؟! فلنا الشرف والمجد والسؤدد في قربه منّا ، وانتسابنا إليه ، فنعم ما صنعت ، وخير ما رأيت .

فعند ذلك أخذ عقيل من أم البنين الإذن لإجراء صورة العقد !! وأجراه في حضور جماعة من بني كلاب ، وأشهد منهم جماعة على ذلك .

ص: 141

فلمّا وصل عقيل إلى المدينة ، وأخبر أخاه أمير المؤمنين عليه السلام بذلك أرسل لهم الصداق مع الهدايا والتحف ما غمرهم به(1) .

* * *

فلمّا وصلت الهدايا والتحف والصداق نهضت ثمامة والدة أم البنين عليهاالسلام ، ودعت جاريتها وقالت لها : امضي إلى داية ابنتي وقولي لها تأتي بسرعة .

فمضت ، وما أسرع أن رجعت ومعها الداية ، فقالت لها : قومي وخذي ابنتي وأصلحي شأنها ، فإنّا نريد تزويجها .

قالت : ومن ذا يكون بعلها !!!

قالت : أمير المؤمنين ، وسيد الوصيّين ، وأبو الريحانتين ، والإمام الهمام علي بن أبي طالب عليهماالسلام .

ففرحت الداية فرحا شديدا ، وقالت : الحمد للّه ربّ العالمين ، فقد سعد حظّها ، وعلا قدرها .

ثمّ قامت وهنّأت فاطمة بالسعادة الأبدية ، وأصلحت شأنها كما ينبغي ، وألبسوها الثياب الفاخرة ، وزيّنوها بالحلي والحلل !!! .

ص: 142


1- لم تكن هذه من عادات أمير المؤمنين عليه السلام مع أزواجه إلاّ أن يقال أنّها خصوصية لأم البنين عليهاالسلام ، سيما إذا سمعنا ما ورد في بحار الأنوار : 40 / 328 : روى الحسن بن صالح بن حي قال : بلغني أنّ عليّا عليه السلام تزوّج امرأة فنجدت له بيتا فأبى أن يدخله . وروى كلاب بن علي العامري قال : زفّت عمّتي إلى علي عليه السلامعلى حمار باكاف تحتها قطيفة وخلفها قفة معلّقة . وكذا ما فعله عليه السلاممع زوجته ليلى كما سيأتي إن شاء اللّه ، واللّه العالم .

ثمّ أمر حزام بإعداد خمسة هوادج مزيّنة بأحسن الزينة ، وأركبوا فاطمة أم البنين عليهاالسلام وأمّها في الهودج ، وقد غشوه بالحرير والإبريسم ، والنساء من بني عمومتها في بقيّة الهوادج من خلفها ، وركبت عشرةفوارس من بني كلاب يحفّون بالهوادج ، وهم مسلّحون بالسيوف الهندية ، والرماح الخطّية ، وجاؤوا جميعا إلى المدينة .

فلمّا وصلوا خرجت في استقبالهم النساء والرجال من بني هاشم ، وهم في فرح وسرور .

فأمر أمير المؤمنين عليه السلام أن تعمل لهم وليمة عظيمة تليق بشأنه وبشأنهم ، وأكرمهم غاية الإكرام ، ومكثوا ثلاثة أيّام في ضيافة أبي الحسن عليه السلام .

* * *

فلمّا أرادوا إدخالها على أمير المؤمنين عليه السلام خرجت معها أمّها ونساء بني هاشم ، ونساء المهاجرين والأنصار ، وهنّ ينشدن الأشعار ، ويصلّين على النبي المختار وآله الأطهار عليهم السلام ، وأنشدت واحدة منهنّ تقول شعرا :

يهنيك فاطمة بالفارس البطل *** نعم القرين أمير المؤمنين علي

مَن للأنام إمام حجّة وولي *** للمؤمنين أمير والغدير جلي

وقد ارتفعت الأصوات بالصلاة والسلام على محمد وآله الأطهار عليهم السلام

من جميع النساء ، وأدخلوها بهذه الهيئة الحسنة الجميلة ، وهن في بهجة وسرور ، ثمّ تفرّقن عنها .

ص: 143

فلمّا دخل بها أمير المؤمنين عليه السلام وجدها فوق الوصف ، ورأى ما أسرّهمن الحسن والجمال والهيئة والكمال(1) !!

أم البنين عليهاالسلام في بيت أمير المؤمنين عليه السلام

كانت أم البنين عليهاالسلام المرأة الصالحة المؤمنة التي تعدّ في شرع اللّه من عمّال اللّه في الأرض . .

قال السيد المقرّم : بلغ من عظمها - يعني أم البنين عليهاالسلام - ومعرفتها وتبصرها بمقام أهل البيت عليهم السلام أنّها لمّا أدخلت على أمير المؤنين عليه السلام ، وكان الحسنان مريضين أخذت تلاطف القول معهما ، وتلقي إليهما من طيب الكلام ما يأخذ بمجامع القلوب ، وما برحت على ذلك تحسن السيرة معهما ، وتخضع لهما كالأم الحنون .

ولا بدع في ذلك فإنّها ضجيعة شخص الإيمان ، قد استضاءت بأنواره ، وربت في روضة أزهاره ، واستفادت من معارفه ، وتأدّبت بآدابه ، وتخلّقت بأخلاقه(2) .

وهكذا كانت أم البنين عليهاالسلام امرأة وقور ، تقعد في بيتها ، وتربّي رجالاً أشاوس ، وفرسان أقوياء من أمثال أبي الفضل العباس عليه السلامالذي ضرب المثل الأعلى في الشجاعة والمواساة والإقدام والإيمان والتسليم والوفاء ،

ص: 144


1- مولد العباس عليه السلام : 35 - 43 .
2- العباس للمقرّم : 135 .

وخاض لجج الموت ، واقتحم غمرات الحروب ، وجال بين صفوف الأعداء في ساحات الوغى منذ بدايات شبابه ، وهو لا يهاب الموت ، ولايعبأ بوميض السيوف ، ورؤوس الحراب الخاطفة كالبرق . .

وقد سمعنا التاريخ يحدّثنا أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يحبّ الضيف حتى أنّه رؤي يوما حزينا ، فقيل له : ممّ حزنك ؟ فقال : لسبع أتت لم يضف إلينا ضيف(1) .

وكان عليه السلام في أيّامه الأخيرة يطوف على أولاده ، فيوم عند الحسن عليه السلام ، ويوم عند الحسين عليه السلام ، ويوم عند زينب الكبرى عليهاالسلام .

وكان عليه السلام يعطي من وقته وعمره للناس ما شاء اللّه .

وكان عليه السلام يشتغل بالعبادة حتى يغيب عن الدنيا ومن وما فيها .

وكانت أم البنين عليهاالسلام في ذلك كلّه المرأة التي تعرف قدر نفسها ، وتعرف كيف تبقى على مسافة لا تخرجها عن حدّ الزوجية الصالحة ، ولا تدخلها في دائرة مضايقة الزوج ، سيما أنّها كانت تعلم أنّها زوجة سيد الوصيّين عليه صلاة المصلّين وسلام ربّ العالمين .

إيمان أم البنين عليهاالسلام سحق الغيرة

منذ أن خلق اللّه - تبارك وتعالى - آدم عليه السلام وحواء كانت ثمّة فوارق بينهما، حيث خلق اللّه كلاًّ لغايته، وهو الذي خلق كلّ شيء فقدّر وهدى... .

ص: 145


1- المناقب : 2/73 فصل في المسابقة بالسخاء والنفقة . .

ومنذ أن هبط آدم عليه السلام وحواء ، وكان ثالثهم على الأرض إبليس - لعنهاللّه - ، وأخذ ذرّية النبي وزوجه تتكاثر على الأرض سعى إبليس ليفسدبينهم ، ويزيّن لهم ، ويقلّب لهم المفاهيم ، ويريهم المصلحة مفسدة والمفسدة مصلحة ، وأبناء آدم وبنات حواء منهم من تبع إبليس عالما عامدا ، ومنهم من غرّته أمانيه ، فانزلق في صراط الجحيم ، وراح يهوي إلى الحضيض ، ويلتهب كلّ يوم في لظى الأمنيّات من جديد ، ويغمس رأسه في ألوان الشهوات يتلذّذ بها ، ويأبى أن ينيط الغشاوة عن عينه لئلاّ تذوب أحلامه التي قد يتصوّرها بردا يطفى ء عنه سعير الشهوات .

هكذا انحدر خطّ الضلال وهو يجرف كلّ ما يجد في طريقه ، ويحاول جرجرت المتفلّتين من خطّ الهدى ، وصار تلاميذ إبليس يتفوّقون على أستاذهم أحيانا « فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ »حيث أخذوا ينظرون لسقوطهم ويعرضونه في زيّ الأصالة والضرورة والتجدّد والتطوّر ومماشاة عامل الزمن والانسجام مع الجغرافيا ، وصار الحرام عادة وسنّة اجتماعية يستسيغها الطبع المريض تماما كما يستسيغ المعتاد الافيون ، فارتفعت الصرخات تنادي كلّ يوم بجديد ، تحت شعار جديد ، وفي إطار جديد ، تحفّه الزخارف والمؤثّرات بما يناسب ذلك العصر .

وكانت المرأة منذ اليوم الأوّل لحركة الضلال سلاحا وضحية ، ولطالما

انخدعت بالكلمات التي تناغي فيها المواقع التي صوّرها لها المضلّلون أنّها

ص: 146

نقاط ضعف ، وأنّها بؤرة حقارة وأنّها . . وأنّها . . فوثبت لتخلق المستحيلفي الفعال ، وتقف أمام التحدّي بكلّ ما أمكن وما لم يمكن ! لتثبتللآخرين أنّها كما صوّرها المضلّلون . . . تسحق الذات لتستجيب لللذّات ، وتخالف الطبيعة والفطرة التي فطرها اللّه عليها لتقول : أنا كما أنتم . . . ثمّ لا تكون .

إنّها نسيت أنّ اللّه خلقها وزوّدها بما تحتاج ، وشرع لها من الدين أحكاما وقوانين ، ووضع لها مناهج كاملة لإعدادها وتربيتها وحفظ مصالحها ورعاية شؤونها ورقيها وبناء كيانها .

ويمكننا مشاهدة المرأة الحرّة الكريمة السعيدة من خلال نتاج التربية الإسلامية الرائعة التي قدّمها لنا المجتمع في صدر الإسلام من نساء ربّاهنّ الوحي ، وتأدّبن بآداب النبوّة .

كما أنّ ثمة نموذج منحطّ عاصر عهد الرسول صلى الله عليه و آله ، بل وعاش في بيت الوحي ومختلف الملائكة إلاّ أ نّه ظلّ يصغي بوجوده إلى الشيطان ، ويأبى الانفعال بمواعظ النبي الكريم صلى الله عليه و آله ، ولقد ضرب اللّه مثلاً لكتلا الطائفتين .

فركضت المرأة المسكينة وراء سراب النموذج المنحطّ ، ودفنت رأسها في أوحال الغيرة النتنة لئلاّ تبصر النموذج الذي باهى به النبي والأئمّة الطاهرين عليهم السلام وربّ العالمين .

وتحوّل أولاد آدم المغلوبين إلى دعاة وحماة وأدوات تنفذ مقهورة لما رأته المرأة ، واعتبروا اختيارها للنموذج حقّا يجب عليهم الدفاع عنه ،

ص: 147

وهم متيقّنون أنّهم بذلك يسخطون الخلاّق العليم ، ويضيّعون حقوقهمالتي شرعها لهم العلاّم الحكيم ، فصارت غيرة الرجل كفر ، وغيرة المرأةإيمان تماما عكس ما قاله أمير المؤمنين وسيد الموحّدين وأعلم الخلق بالخلق بشهادة النبي الأمين صلى الله عليه و آله حيث قال : « غيْرَةُ الْمَرْأَةِ كُفْرٌ وَغيْرَةُ الرَّجُلِ إِيمَانٌ(1) » .

وصارت المرأة الغيور عاملة بالحقّ ، والرجل الغيور مجانبا للحقّ ، ومعتديا على الحدود ، وأمير المؤمنين عليه السلام يقول : « غيْرَةُ الرَّجُلِ إِيمَانٌ وغيْرَةُ الْمَرْأَةِ عُدْوَانٌ(2) » .

* * *

فهذه خديجة بنت خويلد أُم المؤمنين الأُولى - صلوات اللّه عليها - تعيش مع النبي صلى الله عليه و آله ، وتبقى ذكرى حلوة تنهمر لها دموع سيد الكائنات كلّما ذكرت عنده ، فيقول : خديجة وأين مثل خديجة(3) ؟! وهكذا دخلت قلب أشرف خلق اللّه ... .

إنّها عاشت الرسالة تجسيدا .. قولاً وفعلاً وروحا ومعنى ، وفي لحظات

ص: 148


1- نهج البلاغة : 491 ح 124 ، وسائل الشيعة : 20/157 باب 78 ح 25299 ، بحار الأنوار : 100/252 باب 4 ح 51 ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : 100 ، شرح نهج البلاغة : 18/312 ح 119 .
2- غرر الحكم : 408 ح 9376 ، مستدرك الوسائل : 14/292 باب 104 ح 4 .
3- كشف الغمّة للأربلي : 1/360 ، بحار الأنوار : 43/130 .

عمرها الأخيرة ، وهي تشدّ الرحال إلى المليك المقتدر ، إلى حيث قصرهاالذي وعدها اللّه من قصب لا لغوب فيه ولا نصب ، يدخل عليها رسولاللّه صلى الله عليه و آله ويقول لها : إِذَا قَدِمْتِ عَلَى ضَرَائِرِكِ فَأَقْرِئِيهِنَّ السَّلاَمَ .

فَقَالَتْ : مَنْ هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟

قَالَ : مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ ، وَكُلْثُمُ أُخْتُ مُوسَى ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ .

قَالَتْ : بِالرِّفَاءِ يَا رَسُولَ اللَّهِ(1) .

وكذلك كانت أُم البنين عليهاالسلام مثلاً راقيا ونموذجا مقدّسا حيث أنّها كانت تفتخر أن تكون أمة مخلصة وفيّة لسيّدتها الزهراء عليهاالسلام ، وأختا طيّبة لباقي نساء أمير المؤمنين عليه السلام وجواريه ، لا تتفضّل عليهنّ ولا تغار ولا تحسد ، ولو كان في سجلّها - والعياذ باللّه - شيئا من ذلك لبان .

وكانت تقدّم أبناء الصدّيقة فاطمة الزهراء عليهاالسلام على أبنائها ، وهي التي علّمتهم أن لا سواء بينكم وبين الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم عليهم السلام ، وقالت لهم : موتوا دونهم ، ولا تقولوا : إنّ أبانا وأباهم أمير المؤمنين عليه السلام . . . وقدّمتهم بكلّ سخاء لتنال بذلك رضا اللّه ورضا نبيّه صلى الله عليه و آله ، وتكون مبيضّة الوجه غدا يوم القيامة بين يدي فاطمة الزهراء عليهاالسلام . . . .

فليس للغيرة موضع في حياة هؤلاء النسوة ؛ لأنّهنّ يقطعن رحلة

العمر في ظلال الشريعة التي أرادها لهنّ اللّه - جلّ وعلا - وقد حرّم عليهن

ص: 149


1- من لا يحضره الفقيه : 1/139 ح 383 ، بحار الأنوار : 19/24 باب 5 .

الغيرة ، وقال على لسان نبيّه والأئمّة الطاهرين أنّ « غيرة الرجل إيمان » و « غيرة المرأة كفر » ، وأنّ الغيرة في المرأة من الحسد . . . الحسد . . الذيأخرجها من الجنّة من قبل ، وهبط بها وبزوجها إلى دار الابتلاء والامتحان ، والسعي والكدّ والكدح في سبيل تأمين العيش في الدنيا ، وفي الآخرة الأمان .

* * *

بخلاف الأنموذج الآخر حيث عاشت تقول في كلّ مرّة : « ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه و آله ما غرت على خديجة ، وما رأيتها ، ولكن كان النبي صلى الله عليه و آله يكثر ذكرها ، وربما ذبح الشاة ثمّ يقطعها أعضاء ، ثمّ يبعثها في صدائق خديجة .

فربما قلت له : كأنّه لم يكن في الدنيا إلاّ خديجة !!

فيقول : إنّها كانت وكانت ، وكان لي منها ولد .

وفي رواية : قالت : . . فأغضبته يوما ، فقلت : خديجة ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّي قد رزقت حبّها(1) .

وفي رواية : . . قالت : وتزوّجني بعدها بثلاث سنين ، وأمره ربّه - عزّ وجلّ - أن يبشّرها ببيت في الجنّة من قصب(2) .

ص: 150


1- كتاب مسلم : 7/133 .
2- مسند أحمد : 6/58 ، كتاب البخاري : 4/230 و6/158 و7/76 و8/195 ، سنن ابن ماجة: 1/643، سنن الترمذي: 3/249، فضائل الصحابة للنسائي: 75، السنن الكبرى للبيهقي : 7/307 ، فتح الباري لابن حجر : 7/100 ، عمدة القاري للعيني : 16/278 ، المصنف للصنعاني : 7/493 ، مسند ابن راهويه : 2/212 ، الآحاد والمثاني للضحّاك : 5/386 ، السنن الكبرى للنسائي : 5/94 ، الذرّية الطاهرة للدولابي : 65 ، المعجم الكبير للطبراني : 23/11 ، الاستيعاب لابن عبد البر : 4/1823 ، رياض الصالحين للنووي : 209 ، كنز العمال للهندي : 13/692 ، التاريخ الصغير للبخاري : 1/42 ، المستدرك للحاكم النيسابوري : 3/186 ، أسد الغابة لابن الأثير : 5/438 ، سير أعلام النبلاء للذهبي : 2/110 ، وغيرها من المجاميع الحديثية والتاريخية حيث لا تكاد تجد كتابا من كتب التاريخ والحديث إلاّ وقد ذكر ذلك في عدّة مواضع من الكتاب .

فهي تصرّح دون حياء أنّها تغار من كلّ نساء النبي صلى الله عليه و آله « ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه و آله ما غرت على خديجة » .

وكانت تغار منها ولم ترها قطّ ، وتصرّح بوقاحة أنّها كانت تغضب حبيب اللّه صلى الله عليه و آله ، وتعترف أنّها كانت تحسد وتغار وتحقد على امرأة بشّرها اللّه ببيت في الجنّة من قصب . .

ولم نسمع يوما أنّ النبي صلى الله عليه و آله عذرها في ذلك ، أو قال : إنّها امرأة ومن حقّها أن تغار ، بل على العكس تماما كان يواجهها ويكرم صدايق خديجة عليهاالسلام أمامها ، ويصحر بحبّه لخديجة على الرغم منها ، ويذكر لها فضائلها وأسباب حبّه لها ، وهي لا تحترم النبي صلى الله عليه و آله ، وتغضبه فيها ، وتتهجّم على مشاعره المقدّسة ، وهو الذي « َما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى » .

روي عن عائشة قالت : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا ذكر خديجة لم يسأم من

ص: 151

ثناء عليها والاستغفار لها ، فذكرها ذات يوم ، فحملتني الغيرة ، فقلت :لقد عوّضك اللّه من كبيرة السنّ .

وفي رواية : فقلت : ما تذكر حمراء الشدق ، قد أبدل اللّه لك خيرا .

قالت : فرأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله غضب غضبا شديدا ، فسقطت في يدي .

قال صلى الله عليه و آله : كيف قلت ؟! واللّه لقد آمنت بي إذ كفر الناس ، وآوتني إذ رفضني الناس ، وصدّقتني إذ كذّبني الناس ، ورزقت منّي الولد حيث حرمتموه .

قالت : فغدا وراح عليّ بها شهرا(1) .

وهذه هي الغيرة عند المرأة ، إغضاب للّه ولرسوله ، وحقد وسخيمة على الأبرار المبشّرين بقصور الجنّة .

ولطالما كانت تصايح « فاطمة عليهاالسلام » حتى تبكيها ، لإنّها كانت ابنة من يحبّها زوجها ؛ أو لأنّ فيها شبها من أُمّها ، وكان النبي الكريم صلى الله عليه و آله يتذكّر بها أيّام أُمّها(2) .

ولطالما تنقّصت من « خديجة » أمام النبي صلى الله عليه و آله ووصفتها بأنّها عجوز - وليست هي كذلك - ، وحاولت أن تلصق بها ما لربّما تحسبه يهوّن من شأنها ، والنبي صلى الله عليه و آله يدافع عنها ويقابلها بما لا ترتاح له ، فيقول لها :« صدقتني حيث كذّبني الناس ، وآوتني حيث طردني الناس ، وأعطتني

ص: 152


1- كشف الغمّة : 1/512 ، روضة الواعظين : 2/269 .
2- الخصال : 2/404 ، بحار الأنوار : 16/3 باب 5 .

حيث منعني الناس ، ورزقني اللّه منها الولد وجعلكنّ عقيما »(1) .

وحاربت أبناء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ونصبت لهم العداء وقالت : « لا تدخلوا بيتي من لا أحبّ(2) » تقصد بذلك ريحانة النبي صلى الله عليه و آله ، ومن قال في حقّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّي أحبّه وأحبّ من يحبّه ، وأبغض من يبغضه ، وقال صلى الله عليه و آله : إنّه سلم لمن سالمه ، وحرب لمن حاربه ، وعدو لمن عاداه .

وهتكت ستر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وخرجت تحارب إمام زمانها لتستريح

من لهيب الغيرة الذي كان يصهر كيانها ، وهي ترى عليا أمير المؤمنين عليه السلامزوج الصدّيقة المحبوبة عليهاالسلام ، والمقدّم على غيره حيث يناجيه

زوجها من دونها ومن دون غيرها . . .

ومن ثمّ جرّتها الغيرة المشؤومة للتشكيك في عدالة سيد المرسلين ، وأعدل الخلق أجمعين ، حيث تخرج - ليلة النصف من شعبان - لتبحث عنه في سواد الليل البهيم ، وتظنّ - والعياذ باللّه - أنّه تركها في ليلتها وخرج إلى بعض نساءه ، فتجده صلى الله عليه و آلهساجدا في مسجده الشريف .

قالت عائشة : كانت ليلة النصف من شعبان ليلتي ، فبات رسول اللّه صلى الله عليه و آلهعندي ، فلمّا كان في جوف الليل فقدته ، فأخذني ما يأخذ النساء

ص: 153


1- الخصال : 2/404 ، بحار الأنوار : 16/3 باب 5 وغيرهما .
2- روضة الواعظين : 168 ، الإرشاد للمفيد : 2/18 ، أمالي الطوسي : 161 ، الخرائج : 1/242 ، كشف الغمّة للإربلي : 2/209 ، المناقب لابن شهرآشوب : 3/204 ، بشارة المصطفى : 419 .

من الغيرة !! فتلفّعت بمرطي . . فطلبته في حجر نسائه ، فلم أجده ، فانصرفت إلى حجرتي ، فإذا به كالثوب الساقط على وجه الأرض ساجدا ، وهو يقول في سجوده : سجد لك سوادي وخيالي . .

قالت عائشة : فلمّا رأيت ذلك منه تركته وانصرفت نحو المنزل ، فأخذني نفس عال ، ثمّ إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله اتّبعني ، فقال : يا عائشة ، ما هذا النفس العالي ؟ قلت : كنت عندك يا رسول اللّه ! - وهذا من آثار الغيرة النسائية أيضا أنّها كذبت على النبي صلى الله عليه و آله - .

فقال : أتدرين أيّ ليلة هذه ؟! هذه ليلة النصف من شعبان ، فيها تنسخ الأعمال ، وتقسم الأرزاق ، وتكتب الآجال ، ويغفر اللّه تعالى ، إلاّ لمشرك ، أو مشاحن ، أو قاطع رحم ، أو مدمن مسكر ، أو مصرّ على ذنب ، أو شاعر ، أو كاهن(1) .

* * *

فيما نرى أُم البنين عليهاالسلام تزفّ أولادها الأربعة إلى أعراس المنيّة ، وهي تعلم أنّهم « سيسبحون كالأقمار في غدير الدماء » ، وتودّع الحسين عليه السلاموزينب عليهاالسلام الذين قدّمتهما على نفسها وأولادها امتثالاً لأمر اللّه ، وتتعامل مع الحسين عليه السلام باعتباره الإمام المفروض عليها طاعته .

ص: 154


1- كتاب الدعاء للطبراني : 194 ، فضائل الأوقات للبيهقي : 127 ، تخريج الأحاديث والآثار للزيلعي : 2/349 ، الدر المنثور للسيوطي : 6/27 ، فضائل الأشهر الثلاثة : 61 ، مصباح المتهجد للطوسي : 839 .

شريكات أم البنين عليهاالسلام

اشارة

إنّ لفاطمة الزهراء عليهاالسلام خصائص كثيرة تفوق فيها على الرجال فضلاً عن النساء ، فلا يمكن والحال هذه أن نجعل الصدّيقة عليهاالسلامفي صفّ واحد مع باقي نساء أمير المؤمنين عليه السلام ، ونعتبرهنّ شريكات لها ، وذلك لأنّها :

أوّلاً : معصومة ، وقد ثبت أنّ المعصومة لا يتزوّجها إلاّ معصوم ، ولو جاز للزم القول بجعل السبيل للفاسق على المعصومة ، وهو خلاف رضا اللّه تعالى ، ويأبى اللّه المنّان أن يجعل أَمته المطيعة في حكم الرجل العاصي .

نعم ؛ يجوز العكس ، فللأنبياء والأئمّة عليهم السلام أن يتزوّجوا غير المعصومة .

وإنّما قلنا : أنّ المعصومة لا يتزوّجها إلاّ معصوم ، لأنّ المعصومة مصيبة وغير المعصوم مخطى ء ، وذو العصمة أشرف من غيره ، ولا يجوز لأهل الصواب أن يدخلوا في حبائل أهل الخطاء ، وفرض إطاعة المخطى ء ينافي رضا الحقّ ، كما ذكرنا .

ثانيا : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يأمر أمير المؤمنين عليه السلام أحيانا فيقول : يا علي أطع فاطمة ، ويأمر فاطمة فيقول : أطيعي عليا(1) .

ص: 155


1- الخصائص الفاطمية للكجوري : 1/528 .

وكان أمير المؤمنين عليه السلام يطيعها في جميع ما تأمره(1) .

وإنّما يأمر عليا بطاعتها لعصمتها وصواب قولها ، ولأنّها لا تخطأ ، فقولها قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولذا قال عليه السلام : « عاشرت فاطمة تسع سنين فلم تسخطني ولم أسخطها(2) » .

ثالثا : « إنّ اللّه حرّم النساء على علي عليه السلام ما دامت فاطمة عليهاالسلام حيّة »(3) .

ولو لم يكن أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن لأحد أن يتزوّجها ، لما ورد في الحديث « لو لم يكن علي عليه السلام لما كان لفاطمة عليهاالسلام كفؤ آدم فمن دونه(4) » .

فليس إذن ثمّة شريكة لفاطمة عليهاالسلام ما دامت مع أمير المؤمنين عليه السلام .

رابعا : لأ نّها عليهاالسلام سيدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، فكيف - إذن - تقاس بغيرها من النساء ، وتسمّى لها « شريكة » وهي سيّدتها ؟!

خامسا : إنّها سيدة النساء ، وبنت سيد الأنبياء ، وأم سيدي شبابأهل الجنّة ، وأمّها خديجة سيدة النسوان ، وعمّها عقيل وجعفر وحمزة

ص: 156


1- بحار الأنوار : 43/200 باب 7 ح 30 .
2- الخصائص الفاطمية للكجوري : 1/428 .
3- بشارة المصطفى : 248 ، تهذيب الأحكام للطوسي : 7/475 باب 43 ح 116 ، أمالي الطوسي : 43 مج 2 ح 17 ، المناقب لابن شهرآشوب : 3/330 ، بحار الأنوار : 43/15 ح 14 باب 2 .
4- الخصال : 414 ، علل الشرائع : 1/178 باب 142 ح 3 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2/203 ، تهذيب الأحكام للطوسي : 7/470 ح 1883 ، دلائل الإمامة : 80 ، تفضيل أمير المؤمنين عليه السلام للمفيد : 32 ، المناقب لابن شهرآشوب : 2/29 ، المحتضر للحلي : 240 .

سيد الشهداء ، وغيرها من خصوصياتها التي لا يشاركها فيها أحد من العالمين ، فلا يمكن أن تقاس بأحد ، أو يشاركها أحد .

ولكننا - بالرغم من ذلك - سنتعرّض إلى ذكر شيء من فضائلها وحياتها باعتبار عدم إمكان التفكيك بينها وبين أمير المؤمنين عليه السلام ، فالاتّحاد المعنوي النبوي والعلوي جار في وجود سيدة العصمة فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، ولا شكّ أنّ فاطمة عليهاالسلام خلقت لأجل علي عليه السلام ، وأنّ عليا عليه السلام خلق لأجلها ، وأنّهما كفوان ومتّحدان لا يفترقان في عالم الأبديّة بلا شائبة وريبة .

فمقام فاطمة عليهاالسلام تالي المرتبتين ، والنقطة بين الخطين ، والواقفة بين الحدّين ، ولازمة بالمعيّة منذ المبدأ في عالم الأنوار مشاركة دون انفكاك(1) ، وليس باعتبار أنّ أم البنين عليهاالسلام أو غيرها من نساء أمير المؤمنين عليه السلام شريكات لها .

* * *

ص: 157


1- انظر : الخصائص الفاطمية للكجوري ترجمة سيد علي أشرف : 1/522 .

فاطمة الزهراء عليهاالسلام

فضائل الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليهاالسلام

اشارة

ممّا لا شكّ فيه أنّ فضائل الصدّيقة الطاهرة ، أم الأبرار ، لا تعدّ ولا تحصى ، وهي الكوثر الذي لا ينضب ، غير أنّنا سنذكر شيئا منها تيمّنا وتبرّكا .

1 - عن النبي صلى الله عليه و آله : إنّ آسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد يمشين أمام فاطمة كالحجاب لها إلى الجنّة(1) .

2 - وعنه صلى الله عليه و آله قال : ... يا علي خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، وآسية بنت مزاحم .. وأفضلهنّ فاطمة عليهاالسلام(2) .

3 - عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و آله أ نّه قال : يا فاطمة ابشري فإنّ اللّه - تعالى - اصطفاك على نساء العالمين ، وعلى نساء الإسلام ، وهو خير دين(3) .

4 - روى مجاهد قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ فاطمة شجنّة منّي ،يسخطني ما أسخطها ، ويرضيني ما أرضاها(4) .

ص: 158


1- بحار الأنوار : 43/37 ح 40 باب 3 .
2- بحار الأنوار : 43/36 ح 39 باب 3 .
3- المصدر نفسه .
4- بحار الأنوار : 43/51 ح باب 3 .

5 - وروى مجاهد أيضا قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو آخذ بيد فاطمة عليهاالسلام : من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد ، وهي بضعة منّي ، وهي قلبي وروحي التي بين جنبيّ ، فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى اللّه (1) .

6 - في كتاب نوادر الراوندي قال : قال علي عليه السلام : استأذن أعمى على فاطمة عليهاالسلام فحجبت .

فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لم حجبتيه وهو لا يراك ؟

فقالت : إن لم يكن يراني فأنا أراه ، وهو يشمّ الريح .

فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أشهد أنّك بضعة منّي(2) .

7 - في سنن الترمذي عن أنس قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : حسبك من نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه و آله(3) .

8 - في ينابيع المودة عن جابر عن النبي صلى الله عليه و آله قال : ابنتي فاطمة حوراء إنسيّة لم تحض ولم تطمث ، إنّما سمّاها اللّه فاطمة لأنّ اللّه فطمها وفطم ولدهاومحبّيها عن النار(4) .

ص: 159


1- بحار الأنوار : 43/54 ح 48 باب 3 .
2- بحار الانوار : 43 / 91 ح 16 باب 4 .
3- سنن الترمذي 5 / 703 ح 3878 .
4- ينابيع المودة : 2 / 121 رقم 354 باب 56 .

9 - عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه و آله : قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش يا أهل الجمع ؛ نكّسوا رؤوسكم وغضّوا أبصاركم حتى تمرّ فاطمة بنت محمد على الصراط ومعها سبعون ألف جارية من الحور العين كالبرق اللامع(1) .

10 - عن أنس وأبي عروة الأسلمي والخدري أ نّه لمّا نزلت آية التطهير جاء النبي صلى الله عليه و آله أربعين صباحا إلى باب فاطمة عليهاالسلام وهو يتلو هذه الآية ويقول : أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم .

وفي رواية : تسعة أشهر يسلّم عليهم ويقرأ آية التطهير ويدعو لهم ويقول : الصلاة(2) .

11 - عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه و آله : رأيت ليلة المعراج هذه الكلمات مكتوبة على سرادق العرش : لا اللّه إلاّ اللّه ، محمد رسول اللّه ، علي حبيب اللّه ، الحسن والحسين صفوة اللّه ، فاطمة أمة اللّه ، على باغضهم لعنةاللّه (3) .

12 - في حديث طويل قال صلى الله عليه و آله : إنّ اللّه - تبارك وتعالى - بنى جنّة لعلي وف-اطمة عليهماالسلام(4) .

ص: 160


1- بحار الانوار : 43 / 53 ح 48 باب 3 .
2- انظر : بحار الانوار : 37 / 79 ح 48 باب 50 .
3- المناقب للخوارزمي : 302 ح 297 .
4- كفاية الطالب : 320 - 321 باب 89 .

13 - قال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ اللّه فطم ابنتي وولديها ومن أحبّهم من النار(1) .

14 - روى النسفي عن علي عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آلهللحسن والحسين عليهماالسلام : أنتما كفّتا الميزان ، وفاطمة لسانه ، ولا تعدل الكفّتان إلاّ باللسان ، ولا يقوم اللسان إلاّ على الكفّتين ، أنتما الإمامان ولأمّكما الشفاعة(2) .

قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : رأيت مكتوبا على باب الجنّة : « فاطمة خيرة اللّه (3) » .

* * *

ولادتها عليهاالسلام

ولدت عليهاالسلام في مكّة المكرّمة في 20 جمادى الثاني في السنة الخامسة للبعثة النبوية المباركة(4) .

فعاشت مع أبيها« 8 » سنين في مكّة ، و « 10 » في المدينة المنورة .

ص: 161


1- بحار الانوار : 43 / 18 ح 18 باب 2 ، الصواعق المحرقة : 160 باب 11 الفصل الأوّل ، الآية العاشرة .
2- انظر الحديث وما سبقه ممّا ذكرناه وغيرها في الخصائص الفاطمية : 2 / 545 ، وما قبلها وما بعدها .
3- تاريخ بغداد : 1/259 .
4- انظر : المناقب لابن شهر آشوب : 3/357 ، دلائل الإمامة : 10 ، أصول الكافي :1/458 ، كشف الغمّة : 2/75 .

شهادتها عليهاالسلام وبعض ما جرى عليها

مضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى ربّه وقد خلّف في هذه الأمّة ذكرى واحدة ، لطالما أوصاهم بها وبذرّيتها ، وقد أخذ البيعة من الأنصار على أن يحفظوه وأهله ، ويدفعون عنه وعن أهله .

وما غمضت عين النبي صلى الله عليه و آله حتى تكالبت الأمّة على بضعته ، وجرّعتها الموت غصّة بعد غصّة ، ولنستمع للنبي صلى الله عليه و آله يحدّثنا عمّا يجري عليها فيما رواه الصدوق مسندا في الأمالي وغيره :

عن ابن عباس قال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان جالسا ذات يوم ، إذ أقبل الحسن عليه السلام ، فلمّا رآه بكى ، ثمّ قال : إليّ إليّ يا بنيّ ، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى .

ثمّ أقبل الحسين عليه السلام ، فلمّا رآه بكى ، ثمّ قال : إليّ إليّ يا بنيّ ، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى .

ثمّ أقبلت فاطمة عليهاالسلام ، فلمّا رآها بكى ، ثمّ قال : إليّ إليّ يا بنيّة ، فأجلسها بين يديه .

ثمّ أقبل أمير المؤنين عليه السلام ، فلمّا رآه بكى ، ثمّ قال : إليّ إليّ يا أخي ، فمازال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن .

فقال له أصحابه : يا رسول اللّه ، ما ترى واحدا من هؤاء إلاّ بكيت ! أو ما فيهم من تسرّ برؤته ؟!

فقال صلى الله عليه و آله : والذي بعثني بالنبوّة ، واصطفاني على جميع البريّة ، إنّي

ص: 162

وإيّاهم لأكرم الخلق على اللّه - عزّ وجلّ - وما على وجه الأرض نسمة أحبّ إليّ منهم :

أمّا علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فإنّه أخي وشقيقي ، وصاحب الأمر بعدي ، وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة ، وصاحب حوضي وشفاعتي ، وهو مولى كلّ مسلم ، وإمام كلّ مؤن ، وقائد كلّ تقيّ ، وهو وصيّي ، وخليفتي على أهلي وأمّتي في حياتي وبعد موتي ، محبّه محبّي ، ومبغضه مبغضي ، وبولايته صارت أمّتي مرحومة ، وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة .

وإنّي بكيت حين أقبل لأنّي ذكرت غدر الأمّة به بعدي ، حتى إنّه ليُزال عن مقعدي ، و قد جعله اللّه له بعدي ، ثمّ لا يَزال الأمر به حتى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور « شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ » .

وأمّا ابنتي فاطمة عليهاالسلام ، فإنّها سيدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، وهي بضعة مني ، وهي نور عيني ، وهي ثمرة فؤدي ، وهيروحي التي بين جنبيّ ، وهي الحوراء الإنسيّة ، متى قامت في محرابها بينيدي ربّها - جلّ

جلاله - ظهر نورها لملائكة السماء كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض ، ويقول اللّه - عز وجلّ - لملائكته : يا ملائكتي ، انظروا إلى أَمتي فاطمة ، سيدة إمائي ، قائمة بين يديّ ، ترتعد فرائصها من خيفتي ، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي ، أشهدكم أنّي قد آمنت شيعتها من النار .

ص: 163

وإنّي لمّا رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي ، كأنّي بها وقد دخل الذلّ بيتها ، وانتهكت حرمتها ، وغصبت حقّها ، ومنعت إرثها ، وكسر جنبها ، وأسقطت جنينها ، وهي تنادي : يا محمداه ، فلا تجاب ، وتستغيث فلا تغاث ، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية ، تتذكّر انقطاع الوحي عن بيتها مرّة ، وتتذكّر فراقي أخرى ، وتستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجّدت بالقرآن .

ثمّ ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيّام أبيها عزيزة ، فعند ذلك يؤسها اللّه - تعالى ذكره - بالملائكة ، فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران ، فتقول : يا فاطمة ، إنّ اللّهَ اصطفاك وطهّرك ، واصطفاك على نساء العالمين ، يا فاطمة اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين .

ثمّ يبتدئ بها الوجع ، فتمرض ، فيبعث اللّه - عزّ وجلّ - إليها مريم بنت عمران تمرّضها وتؤسها في علّتها ، فتقول عند ذلك : يا ربّ إنّي قد

سئمت الحياة ، وتبرّمت بأهل الدنيا ، فألحقني بأبي ! فيلحقها اللّه - عزّ وجلّ - بي ، فتكون أوّل من يلحقني من أهل بيتي ، فتقدم عليّمحزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة ، فأقول عند ذلك : اللّهم العن منظلمها ، وعاقب من غصبها ، وذلّل من أذلّها ، وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها ، فتقول الملائكة عند ذلك : آمين .

وأمّا الحسن عليه السلام ، فإنّه ابني وولدي ، وبضعة منّي ، وقرّة عيني ، وضياء قلبي ، وثمرة فؤدي ، وهو سيد شباب أهل الجنّة ، وحجّة اللّه على الأمّة ،

ص: 164

أمره أمري ، وقوله قولي ، من تبعه فإنّه منّي ، ومن عصاه فليس منّي .

وإنّي لمّا نظرت إليه تذكّرت ما يجري عليه من الذلّ بعدي ، فلا يزال الأمر به حتى يقتل بالسمّ ظلما وعدوانا ، فعند ذلك تبكي الملائكة والسبع الشداد لموته ، ويبكيه كلّ شيء حتى الطير في جوّ السماء ، والحيتان في جوف الماء ، فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمى العيون ، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب ، ومن زاره في بقيعه ثبتت قدمه على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام .

وأمّا الحسين عليه السلام ، فإنّه منّي ، وهو ابني وولدي ، وخير الخلق بعد أخيه ، وهو إمام المسلمين ، ومولى المؤنين ، وخليفة ربّ العالمين ، وغياث المستغيثين ، وكهف المستجيرين ، وحجّة اللّه على خلقه أجمعين ، وهو سيد شباب أهل الجنّة ، وباب نجاة الأمّة ، أمره أمري ، وطاعته طاعتي ، من تبعه فإنّه منّي ، ومن عصاه فليس منّي .

وإنّي لمّا رأيته تذكّرت ما يصنع به بعدي ، كأنّي به وقد استجار بحرمي وقربي ، فلا يجار ، فأضمّه في منامه إلى صدري ، وآمره بالرحلة عن دارهجرتي ، وأبشّره بالشهادة ، فيرتحل عنها إلى أرض مقتله ، وموضعمصرعه ، أرض كرب وبلاء ، وقتل وفناء ، تنصره عصابة من المسلمين ، أولئك من سادة شهداء أمّتي يوم القيامة .

كأنّي أنظر إليه وقد رمي بسهم ، فخرّ عن فرسه صريعا ، ثمّ يذبح كما يذبح الكبش مظلوما .

ص: 165

ثمّ بكى رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وبكى من حوله، وارتفعت أصواتهم بالضجيج.

ثمّ قال صلى الله عليه و آله : وهو يقول : اللّهم إنّي أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي ، ثمّ دخل منزله(1) .

وأمّا خبر شهادتها :

فقد وردت فيه روايات ومشاهد كثيرة نقتصر - هنا - على ما روته لنا فضّة خادمتها عليهاالسلام :

روى ورقة بن عبد اللّه الأزدي قال : خرجت حاجّا إلى بيت اللّه الحرام راجيا لثواب اللّه ربّ العالمين ، فبينما أنا أطوف ، وإذا أنا بجارية سمراء ، ومليحة الوجه ، عذبة الكلام ، وهي تنادي بفصاحة منطقها ، وهي تقول :

اللّهم ربّ الكعبة الحرام ، والحفظة الكرام ، وزمزم والمقام ، والمشاعر العظام ، وربّ محمد خير الأنام ، صلّى اللّه عليه وآله البررة الكرام ، أسألك أن تحشرني مع ساداتي الطاهرين ، وأبنائهم الغرّ المحجّلين الميامين .

ألا فاشهدوا يا جماعة الحجّاج والمعتمرين ، إنّ مواليّ خيرة الأخيار ،وصفوة الأبرار ، والذين علا قدرهم على الأقدار ، وارتفع ذكرهم في سائر الأمصار ، المرتدين بالفخار .

قال ورقة بن عبد اللّه : فقلت : يا جارية ، إنّي لأظنّك من موالي أهل البيت عليهم السلام .

ص: 166


1- أمالي الصدوق : 112 مج 24 ح 2 .

فقالت : أجل .

قلت لها : ومن أنت من مواليهم ؟

قالت : أنا فضّة ، أمة فاطمة الزهراء ابنة محمد المصطفى صلّى اللّه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها .

فقلت لها : مرحبا بك ، وأهلاً وسهلاً ، فلقد كنت مشتاقا إلى كلامك ومنطقك ، فأريد منك الساعة أن تجيبيني من مسألة أسألك ، فإذا أنت فرغت من الطواف قفي لي عند سوق الطعام حتى آتيك ، وأنت مثابة مأجورة ، فافترقنا .

فلمّا فرغت من الطواف أردت الرجوع إلى منزلي جعلت طريقي على سوق الطعام ، وإذا أنا بها جالسة في معزل عن الناس ، فأقبلت عليها ، واعتزلت بها ، وأهديت إليها هديّة ، ولم أعتقد أنّها صدقة ، ثمّ قلت لها : يا فضّة ، أخبريني عن مولاتك فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وما الذي رأيت منها عند وفاتها بعد موت أبيها محمد صلى الله عليه و آله ؟

قال ورقة : فلمّا سمعت كلامي تغرغرت عيناها بالدموع ، ثمّ انتحبتنادبة ، وقالت : يا ورقة بن عبد اللّه ، هيّجت عليّ حزنا ساكنا ، وأشجانافي فؤدي كانت كامنة ، فاسمع الآن ما شاهدت منها عليهاالسلام :

اعلم أنّه لمّا قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله افتجع له الصغير والكبير ، وكثر عليه البكاء ، وقلّ العزاء ، وعظم رزؤ على الأقرباء والأصحاب ، والأولياء والأحباب ، والغرباء والأنساب ، ولم تلق إلاّ كلّ باك وباكية ، ونادب

ص: 167

ونادبة ، ولم يكن في أهل الأرض والأصحاب ، والأقرباء والأحباب ، أشدّ حزنا ، وأعظم بكاء وانتحابا من مولاتي فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وكان حزنها

يتجدّد ويزيد ، وبكاؤا يشتدّ ، فجلست سبعة أيّام لا يهدأ لها أنين ، ولا يسكن منها الحنين ، كلّ يوم جاء كان بكاؤا أكثر من اليوم الأوّل .

فلمّا كان في اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن ، فلم تطق صبرا ، إذ خرجت وصرخت ، فكأنّها من فم رسول اللّه صلى الله عليه و آله تنطق ، فتبادرت النسوان ، وخرجت الولائد والولدان ، وضجّ الناس بالبكاء والنحيب ، وجاء الناس من كلّ مكان ، وأطفئت المصابيح لكيلا تتبيّن صفحات النساء ، وخيّل إلى النسوان أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد قام من قبره ، وصارت الناس في دهشة وحيرة لما قد رهقهم ، وهي عليهاالسلامتنادي وتندب أباه : وا أبتاه ، وا صفيّاه ، وا محمداه ، وا أبا القاسماه ، وا ربيع الأرامل واليتامى ، من للقبلة والمصلّى ، ومن لابنتك الوالهة الثكلى .

ثمّ أقبلت تعثر في أذيالها ، وهي لا تبصر شيئا من عبرتها ، ومن تواتر دمعتها ، حتى دنت من قبر أبيها محمد صلى الله عليه و آله ، فلمّا نظرت إلى الحجرة وقعطرفها على المأذنة ، فقصّرت خطاها ، ودام نحيبها وبكاها ، إلى أن أغميعليها ، فتبادرت النسوان إليها ، فنضحن الماء عليها وعلى صدرها وجبينها حتى أفاقت .

فلمّا أفاقت من غشيتها قامت وهي تقول : رفعت قوّتي وخانني جلدي ، وشمت بي عدوّي ، والكمد قاتلي ، يا أبتاه بقيت والهة وحيدة ،

ص: 168

وحيرانة فريدة ، فقد انخمد صوتي ، وانقطع ظهري ، وتنغّص عيشي ، وتكدّر دهري ، فما أجد - يا أبتاه - بعدك أنيسا لوحشتي ، ولا رادّا لدمعتي ، ولا معينا لضعفي ، فقد فني بعدك محكم التنزيل ، ومهبط جبرئيل ، ومحلّ ميكائيل ، انقلبت بعدك - يا أبتاه - الأسباب ، وتغلّقت دوني الأبواب ، فأنا للدنيا بعدك قالية ، وعليك ما تردّدت أنفاسي باكية ، لا ينفد شوقي إليك ، ولا حزني عليك .

ثمّ نادت : يا أبتاه وا لباه ، ثمّ قالت :

إنّ حزني عليك حزن جديد *** وفؤدي واللّه صبّ عنيد

كلّ يوم يزيد فيه شجوني *** واكتيابي عليك ليس يبيد

جلّ خطبي فبان عنّي عزائي *** فبكائي كلّ وقت جديد

إنّ قلبا عليك يألف صبرا *** أو عزاء فإنّه لجليد

ثمّ نادت : يا أبتاه ، انقطعت بك الدنيا بأنوارها ، وزوت زهرتها ، وكانت ببهجتك زاهرة، فقد اسودّ نهارها ، فصار يحكي حنادسها رطبها ويابسها.

يا أبتاه ، لا زلت آسفة عليك إلى التلاق .يا أبتاه ، زال غمضي منذ حقّ الفراق .يا أبتاه ، من للأرامل والمساكين ، ومن للأمّة إلى يوم الدين .

يا أبتاه ، أمسينا بعدك من المستضعفين .

يا أبتاه ، أصبحت الناس عنّا معرضين ، ولقد كنّا بك معظّمين في الناس غير مستضعفين .

ص: 169

فأيّ دمعة لفراقك لا تنهمل ؟

وأيّ حزن بعدك عليك لا يتّصل ؟

وأيّ جفن بعدك بالنوم يكتحل ؟

وأنت ربيع الدين ، ونور النبيّين ، فكيف للجبال لا تمور ، وللبحار بعدك لا تغور ، والأرض كيف لم تتزلزل ؟

رميت - يا أبتاه - بالخطب الجليل ، ولم تكن الرزيّة بالقليل ، وطرقت - يا أبتاه - بالمصاب العظيم ، وبالفادح المهول .

بكتك - يا أبتاه - الأملاك ، ووقفت الأفلاك ، فمنبرك بعدك مستوحش ، ومحرابك خال من مناجاتك ، وقبرك فرح بمواراتك ، والجنّة مشتاقة إليك ، وإلى دعائك وصلاتك .

يا أبتاه ، ما أعظم ظلمة مجالسك ، فوا أسفاه عليك إلى أن أقدم عاجلاً عليك ، وأثكل أبو الحسن المؤمن أبو ولديك الحسن والحسين ، وأخوك ووليك وحبيبك ، ومن ربّيته صغيرا ، وواخيته كبيرا ، وأحلى أحبابك وأصحابك إليك ، من كان منهم سابقا ومهاجرا وناصرا ، والثكلشاملنا ، والبكاء قاتلنا ، والأسى لازمنا .

ثمّ زفرت زفرة ، وأنّت أنّة ، كادت روحها أن تخرج ، ثمّ قالت :

قلّ صبري وبان عنّي عزائي *** بعد فقدي لخاتم الأنبياء

عين يا عين اسكبي الدمع سحّا *** ويك لا تبخلي بفيض الدماء

يا رسول الإله يا خيرة اللّه *** وكهف الأيتام والضعفاء

ص: 170

قد بكتك الجبال والوحش جمعا *** الطير والأرض بعد بكي السماء

وبكاك الحجون والركن والمشعر *** يا سيدي مع البطحاء

وبكاك المحراب والدرس للقرآن *** في الصبح معلنا والمساء

وبكاك الإسلام إذ صار في الناس *** غريبا من سائر الغرباء

لو ترى المنبر الذي كنت تعلوه *** علاه الظلام بعد الضياء

يا إلهي عجّل وفاتي سريعا *** فلقد تنغّصت الحياة يا مولائي

قالت : ثمّ رجعت إلى منزلها ، وأخذت بالبكاء والعويل ليلها ونهارها ، وهي لا ترقأ دمعتها ، ولا تهدأ زفرتها .

واجتمع شيوخ أهل المدينة ، وأقبلوا إلى أمير المؤنين عليه السلام ، فقالوا له : يا أبا الحسن ، إنّ فاطمة عليهاالسلام تبكي الليل والنهار ، فلا أحد منّا يتهنّأ بالنوم في الليل على فرشنا ، ولا بالنهار لنا قرار على أشغالنا ، وطلب معايشنا ، وإنّا نخبرك أن تسألها : إمّا أن تبكي ليلاً ، أو نهارا . .

فأقبل أمير المؤنين عليه السلام حتى دخل على فاطمة عليهاالسلام ، وهي لا تفيق من البكاء ، ولا ينفع فيها العزاء ، فلمّا رأته سكنت هنيئة له ، فقال لها : يا بنترسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّ شيوخ المدينة يسألوني أن أسألك : إمّا أن تبكين أباكليلاً ، وإمّا نهارا .

فقالت : يا أبا الحسن ، ما أقلّ مكثي بينهم ، وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم ، فو اللّه لا أسكت ليلاً ولا نهارا ، أو ألحق بأبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

فقال لها علي عليه السلام : افعلي يا بنت رسول اللّه ما بدا لك .

ص: 171

ثمّ إنّه بنى لها بيتا في البقيع نازحا عن المدينة يسمّى « بيت الأحزان » ، وكانت إذا أصبحت قدّمت الحسن والحسين عليهماالسلامأمامها ، وخرجت إلى

البقيع باكية ، فلا تزال بين القبور باكية ، فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤنين عليه السلام إليها ، وساقها بين يديه إلى منزلها ، ولم تزل على ذلك إلى أن مضى لها بعد موت أبيها سبعة وعشرون يوما .

واعتلّت العلّة التي توفيت فيها . . وقد صلّى أمير المؤنين عليه السلامصلاة

الظهر ، وأقبل يريد المنزل ، إذ استقبلته الجواري باكيات حزينات ، فقال لهنّ : ما الخبر ؟ وما لي أراكنّ متغيّرات الوجوه والصور ؟

فقلن : يا أمير المؤنين ، أدرك ابنة عمّك الزهراء عليهاالسلام ، وما نظنّك تدركها .

فأقبل أمير المؤنين عليه السلام مسرعا حتى دخل عليها ، وإذا بها ملقاة على فراشها ، وهو من قباطي مصر ، وهي تقبض يمينا ، وتمدّ شمالاً ، فألقى الرداء عن عاتقه ، والعمامة عن رأسه ، وحلّ أزراره ، وأقبل حتى أخذ رأسها وتركه في حجره ، وناداها : يا زهراء ، فلم تكلّمه .فناداها : يا بنت محمد المصطفى ، فلم تكلّمه .فناداها : يا بنت من حمل الزكاة في طرف ردائه ، وبذلها على الفقراء ، فلم تكلّمه .

فناداها : يا ابنة من صلّى بالملائكة في السماء مثنى مثنى ، فلم تكلّمه .

فناداها : يا فاطمة ، كلّميني ، فأنا ابن عمّك علي بن أبي طالب .

ص: 172

ففتحت عينيها في وجهه ، ونظرت إليه ، وبكت وبكى ، وقال : ما الذي تجدينه ، فأنا ابن عمّك علي بن أبي طالب .

فقالت : يا ابن العمّ ، إنّي أجد الموت الذي لابدّ منه ، ولا محيص عنه ، وأنا أعلم أنّك بعدي لا تصبر على قلّة التزويج ، فإن أنت تزوّجت امرأة ، اجعل لها يوما وليلة ، واجعل لأولادي يوما وليلة .

يا أبا الحسن ، ولا تصح في وجوههما ، فيصبحان يتيمين غريبين منكسرين ، فإنّهما بالأمس فقدا جدّهما ، واليوم يفقدان أمّهما ، فالويل لأمّة تقتلهما وتبغضهما ، ثمّ أنشأت تقول :

ابكني إن بكيت يا خير هادي *** وأسبل الدمع فهو يوم الفراق

يا قرين البتول أوصيك بالنسل *** فقد أصبحا حليف اشتياق

ابكني وابك لليتامى ولا *** تنس قتيل العدى بطفّ العراق

فارقوا فأصبحوا يتامى حيارى *** يحلف اللّه فهو يوم الفراق

فقال لها علي عليه السلام : من أين لك يا بنت رسول اللّه هذا الخبر ، والوحي قد انقطع عنّا .

فقالت : يا أبا الحسن ، رقدت الساعة فرأيت حبيبي رسول اللّه صلى الله عليه و آلهفيقصر من الدرّ الأبيض ، فلمّا رآني قال : هلمّي إليّ يا بنيّة ، فإنّي إليك مشتاق ، فقلت : واللّه ، إنّي لأشدّ شوقا منك إلى لقائك ، فقال : أنت الليلة عندي ، وهو الصادق لما وعد ، والموفي لما عاهد ، فإذا أنت قرأت « يس » ، فاعلم أنّي قد قضيت نحبي ، فغسّلني ، ولا تكشف عنّي ، فإنّي

ص: 173

طاهرة مطهّرة ، وليصلّ عليّ معك من أهلي الأدنى فالأدنى ، ومن رزق أجري ، وادفنّي ليلاً في قبري ، بهذا أخبرني حبيبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وفي رواية : قالت : سألتك بحق رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا أنا متّ أن لا يشهداني ( تعني عليهاالسلام أبابكر وعمر ) ، ولا يصلّيا عليّ .

قال : فلك ذلك(1) .

فقال علي عليه السلام : واللّه لقد أخذت في أمرها ، وغسّلتها في قميصها ، ولم أكشفه عنها ، فو اللّه لقد كانت ميمونة طاهرة مطهّرة ، ثمّ حنّطتها من فضلة حنوط رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكفّنتها ، وأدرجتها في أكفانها .

فلمّا هممت أن أعقد الرداء ناديت : يا أم كلثوم ، يا زينب ، يا سكينة ، يا فضّة ، يا حسن ، يا حسين ، هلمّوا تزوّدوا من أمّكم ، فهذا الفراق واللقاء في الجنّة .فأقبل الحسن والحسين عليهماالسلام ، وهما يناديان : وا حسرتى لا تنطفئ أبدا من فقد جدّنا محمد المصطفى ، وأمّنا فاطمة الزهراء ، يا أم الحسن ، يا أم الحسين ، إذا لقيت جدّنا محمد المصطفى فأقرئيه منّا السلام ، وقولي له : إنّا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا .

ص: 174


1- انظر : حلية الأولياء : 2/43 ، المستدرك للحاكم : 3/163 ، أسد الغابة : 5/254 ، الاستيعاب : 2/751 ، المقتل للخوارزمى : 1/83 ، إرشاد الساري للقسطلاني : 6/326 ، الاصابة : 4/378 - 380 ، تاريخ الخميس : 1/313 ، الإمامة والسياسة : 1/14 وغيرها ... .

فقال أمير المؤنين عليه السلام : إنّي أشهد اللّه ، أنّها قد حنّت وأنّت ومدّت يديها ، وضمّتهما إلى صدرها مليّا ، وإذا بهاتف من السماء ينادي : يا أبا الحسن ، ارفعهما عنها ، فلقد أبكيا - واللّه - ملائكة السماوات ، فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب .

قال : فرفعتهما عن صدرها ، وجعلت أعقد الرداء ، وأنا أنشد بهذه الأبيات :

فراقك أعظم الأشياء عندي *** وفقدك فاطم أدهى الثكول

سأبكي حسرة وأنوح شجوا *** على خلّ مضى أسنى سبيل

ألا يا عين جودي واسعديني *** فحزني دائم أبكي خليلي

ثمّ حملها على يده ، وأقبل بها إلى قبر أبيها ، ونادى : السلام عليك يا رسول اللّه ، السلام عليك يا حبيب اللّه ، السلام عليك يا نور اللّه ، السلام عليك يا صفوة اللّه منّي ، السلام عليك والتحيّة واصلة منّي إليك ولديك ومن ابنتك النازلة عليك بفنائك ، وإنّ الوديعة قد استردّت ، والرهينة قدأخذت ، فوا حزناه على الرسول ، ثمّ من بعده على البتول ، ولقد اسودّت عليّ الغبراء ، وبعدت عنّي الخضراء ، فوا حزناه ، ثمّ وا أسفاه .ثمّ عدل بها على الروضة ، فصلّى عليها في أهله . . فلمّا واراها وألحدها في لحدها أنشأ بهذه الأبيات يقول :

أرى علل الدنيا عليّ كثيرة *** وصاحبها حتى الممات عليل

لكلّ اجتماع من خليلين فرقة *** وإنّ بقائي عندكم لقليل

ص: 175

وإنّ افتقادي فاطما بعد أحمد *** دليل على أن لا يدوم خليل(1)

وفي الاختصاص(2) عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلامفي حديث طويل : أنّ عمر رفسها برجله - وكانت عليهاالسلام حاملة بابن اسمه المحسن - فأسقطت المحسن من بطنها ، ثمّ لطمها ، فكأنّي - والكلام للصادق عليه السلام - أنظر إلى قرط في أذنها حين نقفت ، ثمّ أخذ الكتاب فخرقه .

فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوما مريضة ممّا ضربها عمر ، ثمّ قبضت .

فلمّا قبضت - صلوات اللّه عليها - دفنها علي عليه السلام ليلاً في بيتها ، وأصبح أهل المدينة يريدون حضور جنازتها ، وأبوبكر وعمر كذلك .

فأقبلا إلى علي عليه السلام فلقياه ، فقالا له : واللّه ما تركت شيئا من غوائلنا ومسائتنا ، وما هذا إلاّ من شيء في صدرك علينا .. هل هذا إلاّ كما غسّلت رسول اللّه صلى الله عليه و آله دوننا ولم تدخلنا معك ؟ ؟ ؟ ! ! ! وكما علّمت ابنك أن يصيحبأبي بكر أن : انزل عن منبر أبي ... .

فأجابهم أمير المؤمنين عليه السلام عن افتراءاتهم ، ثمّ قال : وأمّا فاطمة عليهاالسلام فهي المرأة التي استأذنت لكما عليها ، فقد رأيتما ما كان من كلامها لكما ، واللّه لقد أوصتني أن لا تحضرا جنازتها ولا الصلاة عليها ، وما كنت الذي أخالف أمرها ووصيّتها إليّ فيكما .

ص: 176


1- بحار الأنوار : 43/174 باب 7 ح 15 .
2- الاختصاص : 183 - 185 .

فقال عمر : دع عنك هذه الهمهمة ، أنا أمضي إلى المقابر فأنبشها حتى أصلّي عليها .

فقال له علي عليه السلام : واللّه لو ذهبت تروم من ذلك شيئا - وعلمت أنّك لا تصل إلى ذلك حتى يندر عنك الذي فيه عيناك - فإنّي كنت لا أعاملك إلاّ بالسيف قبل أن تصل إلى شيء من ذلك .

فوقع بين علي عليه السلام وعمر كلام حتى تلاحيا واستبسل(1) ... .

وفي دلائل الإمامة : ... ودفنها ... وجدّد أربعين قبرا ، فاستشكل على الناس قبرها ، فأصبح الناس ولام بعضهم بعضا ، وقالوا : إنّ نبينا صلى الله عليه و آله خلّف بنتا ولم نحضر وفاتها والصلاة عليها ودفنها ، ولا نعرف قبرها فنزورها .

فقال من تولّى الأمر : هاتوا من نساء المسلمين من تنبش هذه القبور حتى نجد فاطمة عليهاالسلام فنصلّي عليها ونزور قبرها .فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فخرج مغضبا قد احمرّت عيناه ، ودرّتأوداجه ، وعليه القباء الأصفر الذي كان يلبسه في الكريهة ، وهو يتوكّأ على سيفه ذي الفقار حتى أتى البقيع ، فسار الناس من أنذرهم وقال : هذا علي قد أقبل كما ترونه ، وهو يقسم باللّه لئن حوّل من هذه القبور حجر ليضعنّ السيف في رقاب الآمرين .

ص: 177


1- بحار الأنوار : 43/205 .

فتلقّاه الرجل ومن معه من أصحابه ، وقال له : مالك يا أبا الحسن ، واللّه لننبشنّ قبرها ونصلّي عليها .

فأخذ علي عليه السلام بجوامع ثوبه ثمّ ضرب به الأرض ، وقال : يابن السوداء ، أمّا حقّي فقد تركته مخافة ارتداد الناس عن دينهم ، وأ مّا قبر فاطمة عليهاالسلام فوالذي نفس علي بيده لئن رمت أنت أو أصحابك شيئا لأسقينّ الأرض من دمائكم ، فإن شئت فافعل يا ثاني .

وجاء الأوّل وقال له : يا أبا الحسن بحقّ رسول اللّه وبحقّ فاطمة إلاّ خلّيت عنه ، فإنّا لسنا فاعلين شيئا تكرهه ، فخلّى عنه ، وتفرّق الناس ، ولم يعودوا إلى ذلك(1) .

* * *

ص: 178


1- دلائل الإمامة : 47 .

أسماء بنت عميس

اشارة

أسماء بنت عميس بن سعد بن الحارث بن تميم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن نسر بن وهب الخثعمي ، ولذا عرفت أسماء بالخثعمية .

وأمّها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث من كنانة .

وقد تزوّجت هند من زوجين :

الأوّل : هو الحارث بن حزن بن جبير الهلالي .

والثاني : عميس بن سعد .

وولدت منهما بنات كريمات زوجهتن من رجال كرام ، وقال فيها رسول اللّه صلى الله عليه و آله : هي أكرم عجوز جمعت على الأرض أصهارا .

فبناتها :

ميمونة زوجة رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وأم الفضل زوجة العباس .

وأسماء بنت عميس التي سنتحدّث عنها .

وسلمى زوجة حمزة سيد الشهداء عليه السلام .

وسلمة زوجة عبد اللّه بن كعب الخثعمي .

وقد وعد النبي صلى الله عليه و آله هؤلاء الأخوات بدخول الجنّة كما روى الصدوق - طاب ثراه - في العلل والمرحوم المجلسي في البحار عن أبي بصير عن أبيجعفر الأوّل عليه السلام قال : سمعته يقول :

ص: 179

رحم اللّه الأخوات من أهل الجنّة ، فسمّاهنّ :

أسماء بنت عميس الخثعمية ، وكانت تحت جعفر بن أبي طالب عليهماالسلام .

وسلمى بنت عميس الخثعمية ، وكانت تحت حمزة عليه السلام .

وخمس من بني هلال : ميمونة بنت الحارث ، وكانت عند النبي صلى الله عليه و آله .

وأم الفضل عند العباس ، واسمها هند .

والغميصاء ( وقيل : القميصان ) أم خالد بن الوليد ، وكانت أنصارية لازمت أمير المؤمنين عليه السلام في صفّين .

وغرّة ، وكانت في ثقيف عند الحجّاج بن غلاظ بن خالد بن حوز بن هلال المكنّى بأبي عبد اللّه ، سكن المدينة وبنى بها مسجدا(1) .

وفي الحديث مدح لهؤلاء الأخوات معا ، يعني أنّهن جميعا من أهل الجنّة لا تخرج منهنّ واحدة .

أسماء عند جعفر عليه السلام

هاجرت أسماء بنت عميس مع زوجها جعفر عليه السلام إلى الحبشة فرارا من مشركي مكّة ، وولدت هناك ثلاثة أولاد : عبد اللّه وعون ومحمد .

وكان عبد اللّه أشهر أولادها من جعفر ، وكان من الأجواد الأربعة .

ولد للنجاشي ولد أيّام ولادة عبد اللّه ، فسمّاه باسمه تيمّنا وتبرّكا ، وأمر أنيرضع ولده بلبن عبد اللّه بن جعفر .

ص: 180


1- بحار الأنوار : 22/195 ح 8 باب 2 .

تزوّج عبد اللّه بن جعفر السيدة زينب بنت أمير المؤمنين عليهماالسلام ، فولدت له ولدين استشهدا يوم الطفّ بين يدي الحسين الشهيد عليه السلام .

بقيت أسماء في الحبشة مع جعفر وأبنائه إلى السنة السابعة للهجرة وقدم على النبي صلى الله عليه و آله في قلاع خيبر مع جماعة ، فلمّا قدم على رسول اللّه صلى الله عليه و آله

قال صلى الله عليه و آله : « ما أدري بأيّهما أنا أسرّ ، بفتح خيبر ، أو بقدوم جعفر »(1) .

ثمّ نظر إلى جعفر وبكى وقال له : « ألا أمنحك ؟ ألا أعطيك ؟ ألا أحبوك ؟! » فقال : بلى يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فعلّمه الصلاة المعروفة باسم «صلاة جعفر»، وفضلها معروف، وهي مذكورة في كتب الأدعيه والأخبار.

والعاقبة أنّ جعفر استشهد في البلقاء في أقصى أرض يثرب والحجاز على حدود الشام في جمادى الآخرة سنة ثمان للهجرة مع زيد بن حارثة وعبد اللّه بن رواحة ، ووجد في جسده تسعون جراحة .

وأخبر جبرئيل النبي صلى الله عليه و آله في المدينة بمقتل جعفر ، فبكى صلى الله عليه و آله ودعى لذرّيته فقال : « اللّهم إنّ جعفرا قد قدم إليك بأحسن الثواب فاخلفه في ذرّيته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذرّيته »(2) .

وبشّر صلى الله عليه و آله أسماء بنت عميس أنّ اللّه أعطى جعفرا جناحين يطير بهما فيالجنّة ، ثمّ أمر سلمى أن تصنع طعاما شهيّا من الشعير والزيت وتطعم أيتام جعفر ، وكان يصحبهم معه أينما ذهب ثلاثة أيّام يدور بهم على نسائه(3) .

ص: 181


1- بحار الأنوار : 21/25 ح 22 باب 22 .
2- بحار الانوار : 21 / 56 ح 8 .
3- انظر : بحار الانوار : 21 / 55 ح 8 باب 24 .

وكان جعفر أشبه الناس برسول اللّه صلى الله عليه و آله خَلقا وخُلقا، وكان يكنّى « أبو المساكين » لأنّه كان يحبّهم ويطعمهم(1) .

أسماء عند أبي بكر

استشهد جعفر فأخلف على أسماء بنت عميس أبوبكر بن أبي قحافة ، فولدت له محمدا ، ومحمد بن أبي بكر يعزّ له النظير في جلالة القدر ورفعة الشأن وعلوّ المقام وصلابة الإيمان والثبات والاستقامة على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام حتى استشهد في مصر بإيعاز من معاوية ، فقتل قتلة شنيعة .

فلمّا سمع أمير المؤمنين عليه السلام خبر شهادته قال : « شهادته قصمت

ظهري » ، ثمّ تكلّم كلاما ترتعد له الفرائص وترتجف له القلوب(2) .

وكان أبوبكر قد خطب أسماء في الإسلام وعنده حبيبة بنت الحارث الأنصاري ، فلمّا توفّي أبوبكر أوصى إلى أسماء بنت عميس أن تغسّله ، كما رواه الطبرسي ، فقبلت أسماء الوصيّة - ولا مناص لها إلاّ القبول(3) -وتحمّلت عناء التنفيذ .

ص: 182


1- بحار الانوار : 22 / 275 ح 5 .
2- انظر : بحار الانوار : 33/562 ح 722 باب 30 .
3- انظر : تاريخ الطبري : 3/421 أحداث سنة 13 قال : إنّ أسماء بنت عميس قالت : قال لي أبوبكر : غسّليني ، قلت : لا أطيق ذلك ، قال : يعينك عبد الرحمن بن أبي بكر يصبّ الماء .

وهذه الوصيّة إنّما تدلّ على طهارة أسماء وتقواها ، وكمال إيمانها وتديّنها ؛ لأنّه أوصى لها من دون المسلمين ومن دون بقيّة أزواجه ، وكان له ثلاث زوجات غيرها هنّ : أسماء بنت عبد العزى ، ولد منها عبد اللّه ، وأسماء ذات النطاقين ، وأم رومان بنت عامر بن عمير من بني كنانة ، ولد منها عبد الرحمن وعائشة وحبيبة .

والعجيب أ نّه في مدّة خلافته القليلة - سنتين وثلاثة أشهر وأيّام - كانت أسماء في بيته تغذّي ابنها محمد محبّة أمير المؤمنين عليه السلام وولايته على مرأى ومسمع من أبي بكر ، فخرّجت من بيته من جُبلوا على محبّة أمير المؤمنين عليه السلام ، فكأنّ أسماء كانت هي أشرف الأبوين لمحمد بن أبي بكر حيث ما فتأت توصّيه دائما بولاية آل طه وأهل بيت النبوّة عليهم السلام ، فشبّ على ذلك ، ولم يحد عنه بل بقي ثابتا راسخا .

ومن غرائب الوقائع وعجائب الدهر التي تكشف عن شهامة هذه المخدّرة المكرّمة وشدّة ولائها وصلابة إيمانها وشجاعتها أنّها كانت في حبائل أبي بكر إلاّ أ نّها شهدت عليه ، وردّت قوله في قصّة فدك ، ووقفت لتعلن على رؤوس الأشهاد كذب زوجها وتدليسه وغصبه لحق آل البيت عليهم السلام ، فشهدت خلافا لهوى زوجها وهوى الآخرين ، ولم تفزع من تهديداتهم ، ولم تستسلم لقهرهم ، وقالت لهم بشجاعة العارف باللّه وبأهل بيته : « إنّكم ظلمة جائرون غصبتم حقّ من له الحقّ فأعيدوه إلى نصابه » .

ص: 183

ولمّا أرادوا قتل أمير المؤمنين عليه السلام وأمروا خالد بن الوليد بتنفيذ ذلك في الصلاة بعثت جاريتها إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقالت له : « إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ »(1) .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام للجارية : قولي لها : « إنّ اللّه يحول بينهم وبين ما يريدون » .

أو أ نّه قال : « فمن يقتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، وإنّ اللّه بالغ أمره » ؟!

فهدأ روعها وسكّن قلبها وسلّمت لما قاله أمير المؤمنين عليه السلام ، وبالفعل فقد ندم أبوبكر - وهو في الصلاة - على ما اتّفق عليه مع خالد ، وخاف من سيوف بني هاشم المسلولة ونفوسهم الأبيّة ، وحال اللّه بينه وبين ما يريد ، فقال قبل تسليم الصلاة : « أي خالد لا تفعل ما أمرتك » ثمّ سلّم ... إلى آخر الخبر(2) .

أسماء عند أمير المؤمنين عليه السلام

فلمّا توفّي أبوبكر انتقلت أسماء بكامل الخلوص والوفاء والصفاء إلىحجرة سيد الأولياء ، وسعدت بشرف الدخول في عداد زوجات سيد الأوصياء أمير المؤمنين عليه السلام ، فأولدها يحيى وعون(3) .

ص: 184


1- سورة القصص : 20 .
2- انظر : بحار : 28/305 ح 48 باب 4 .
3- أنظر : تذكرة الخواص : 57 الباب الثالث في ذكر أولاده عليه السلام .

ويكفي أسماء بنت عميس من الفضل أمور :

منها : أنّ النبي شهد لها بأنّها من أهل الجنّة .

منها : أدعية النبي صلى الله عليه و آله لها ولذريّتها .

ومنها : أنّها كانت ممّن شهد لفاطمة الزهراء عليهاالسلام في قصّة فدك - بالرغم من ظروفها الخاصّة - فصارت في ذلك قرينة لأم أيمن وأم سلمة ، وصارت ممّن لازم الحقّ في تلك الفتنة العمياء في قصّة شهادتها لفاطمة عليهاالسلام .

ومنها : ما قاله عمر من محبّتها لآل أبي طالب عليهم السلام ، وأنّها تشهد لبني هاشم(1) .

ومنها : الأخبار المروية في حقّها عن الحضرة النبوية والعلوية والعصمة الكبرى فاطمة الزهراء عليهاالسلام .

ومنها : أ نّها شهدت وفاة فاطمة عليهاالسلام ، وشاركت أمير المؤمنين عليه السلامفي غسلها ، ويا لها من مفخرة عظيمة .ومنها : أ نّها ممدوحة في كتب الشيعة والسنّة ، فقد مدحها العدوّ بالرغممن شدّة عناده ، بل وثّقوا ذرّيتها الكريمة وأثنوا عليهم وقالوا : « أنّهم خيار عباد اللّه »(2) .

ص: 185


1- انظر : العوالم 11 / 635 ح 27 باب 3 .
2- انظر : الخصائص الفاطمية للكجوري ، ترجمة سيد علي أشرف : 2/162 ، وما بعدها .

ومنها : أ نّها ولدت عبد اللّه بن جعفر زوج زينب الكبرى عليهاالسلام ، وقد استشهد أولاده بين يدي الحسين عليه السلام ، فقدّمت بذلك أسماء فداءً للحسين عليه السلام .

وولدت محمد بن أبي بكر ، وكان كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : « محمد ابني من صلب أبي بكر » ، وراح شهيدا في سبيل اللّه دفاعا عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام .

وولدت عونا من أمير المؤمنين عليه السلام وقد استشهد بين يدي الحسين عليه السلام في طفّ كربلاء .

فهنيئا لها ، والسلام عليها وعلى زوجها أميرالمؤمنين عليه السلاموعلى

أولادها المستشهدين .

ص: 186

أمامة بنت أبي العاص

أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن العزّى بن عبد شمس بن عبد مناف ، وأمّه هند بنت خويلد أخت خديجة عليهاالسلام ، واسم أبي العاص « لقيط » أو « مقسم » بكسر الميم ، أو « ياسر »(1) ، أسر يوم بدر ففدته زينب فأطلقه النبي صلى الله عليه و آله .

وأمّها زينب بنت النبي صلى الله عليه و آله ، تزوّجها ابن خالتها أبو العاص ، فولدت له ولدا وبنتا ، أمّا الولد فقد مات صغيرا ، وأمّا البنت فاسمها « أمامة » تزوّجها أمير المؤمنين عليه السلام تنفيذا لوصيّة فاطمة الزهراء عليهاالسلامبعد تسع ليال من وفاة السيدة المخدّرة الكبرى - حسب رواية العوالم -(2) .

ولدت أمامة على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وكان يحبّها ، وحملها في الصلاة ، وكان إذا ركع أو سجد تركها ، وإذا قام حملها(3) .

وأهديت له هديّة فيها قلادة ، فدعا أمامة فأعلقها في عنقها(4) .

وكان على عينها غمص ، فمسحه بيده(5) الشريفة فعوفيت .

ص: 187


1- انظر : أسد الغابة : 6/196 ترجمة 6035 .
2- العوالم : 11/1082 ح 14 ، الخصائص الفاطمية للكجوري : 1/456 .
3- أسد الغابة : 7/25 ترجمة 6717 .
4- المصدر نفسه .
5- الإصابة : 4/236 .

تزوّجها أمير المؤمنين عليه السلام تنفيذا لوصيّة السيدة الصدّيقة عليهاالسلام حيث قالت عليهاالسلام : . . أوصيك أوّلاً أن تتزوّج بعدي بابنة أختي أمامة ، فإنّها تكون لولدي مثلي ، فإنّ الرجال لابدّ لهم من النساء(1) .

وفي مصباح الأنوار : قالت : بنت أختي وتحنّن على ولدي(2) .

وهذا وسام عظيم قلّدته سيدة النساء لأمامة حيث شهدت لها بالولاء والمحبّة والتحنّن على أبناء رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

ولمّا كبرت أمامة توجّعت وجعا شديدا حتى اعتقل لسانها ، فكان الإمامان الحسن والحسين عليه السلام يسألانها وهي تجيبهما بالإشارة(3) .

قيل : إنّها ماتت سنة خمسين للهجرة(4) .

ص: 188


1- بحار الأنوار : 43/192 .
2- بحار الأنوار : 43/217 .
3- انظر : تهذيب الاحكام : 8/258 ح 936 .
4- بحار الأنوار : 21/183 .

ليلى النهشلية

وهي ليلى بنت مسعود بن جابر بن مالك بن ربعي بن سلم بن جندل بن نهشل بن دارم بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم(1) .

ولسلم يقول الشاعر :

تسود أقوام وليسوا بسادة *** بل السيد الميمون سلم بن جندل

وأم ليلى بنت مسعود ، عميرة بنت قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر سيد أهل الوبر ابن عبيد بن الحارث ، وهو مقاعس .

وأمّها عناق بنت عاصم بن سنان بن خالد بن منقر .

وأمّها بنت أعبد بن أسعد بن منقر .

وأمّها بنت سفيان بن خالد بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم(2) .

في الغارات والبحار قال : لمّا نكح علي عليه السلام ليلى بنت مسعود النهشلية قالت : ما زلت أحبّ أن يكون بيني وبينه سبب منذ رأيته قام مقاما منرسول اللّه صلى الله عليه و آله(3) .

ص: 189


1- مناقب أمير المؤمنين عليه السلام للكوفي : 2/48 .
2- مقاتل الطالبيين : 57 .
3- الغارات للثقفي : 1/93 ، بحار الأنوار : 42/139 .

وقال : تزوّج علي عليه السلام ليلى بنت مسعود النهشلية فضربت له في داره حجلة ، فجاء فهتكها وقال عليه السلام : حسب أهل علي ما هم فيه(1) .

وولدت له عبيد اللّه وأبابكر(2) .

ص: 190


1- المصدر نفسه ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2/202 .
2- مناقب امير المؤمنين عليه السلامللكوفي : 2/48 .

خولة الحنفيّة

وهي خولة بنت إياس بن جعفر جان الصفا الحنفية .

ويقال : بل كانت أمة لبني حنيفة ، سندية سوداء ، ولم تكن من أنفسهم ، وإنّما صالحهم خالد بن الوليد على الرقيق ولم يصالحهم على أنفسهم .

وقيل : إنّها كانت من سبي بني حنيفة ، اشتراها علي عليه السلام ، واتّخذها أم ولد ، فولدت له محمدا(1) .

وفي الإصابة : رأها النبي صلى الله عليه و آله في منزله فضحك ، ثمّ قال : يا علي ، أما إنّك تتزوّجها من بعدي ، وستلد لك غلاما فسمّه باسمي ، وكنّه بكنيتي وانحله(2) .

عن الكلبي ، عن ميمون بن مصعب المكّي بمكّة قال : كنّا عند أبي العباس بن سابور المكّي فأجرينا حديث أهل الردّة ، فذكرنا خولة الحنفية ونكاح أمير المؤمنين عليه السلام لها ، فقال : أخبرني عبد اللّه بن الخير الحسيني ، قال : بلغني أنّ الباقر محمد بن علي عليهماالسلام - قال - :

كان جالسا ذات يوم إذ جاءه رجلان ، فقالا : يا أبا جعفر ! ألستالقائل أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يرض بإمامة من تقدّمه ؟

ص: 191


1- الجوهرة في نسب الإمام علي عليه السلام : 58 .
2- الإصابة : 4/289 ترجمة 357 .

فقال : بلى .

فقالا له : هذه خولة الحنفية نكحها من سبيهم ولم يخالفهم على أمرهم مذ حياتهم ؟!

فقال الباقر عليه السلام : من فيكم يأتيني بجابر بن عبد اللّه ؟ - وكان محجوبا قد كفّ بصره - .

فحضر وسلّم على الباقر عليه السلام فردّ عليه وأجلسه إلى جانبه .

فقال له : يا جابر ! عندي رجلان ذكرا أنّ أمير المؤمنين عليه السلامرضي

بإمامة من تقدّم عليه ، فاسألهما ما الحجّة في ذلك ؟

فسألهما فذكرا له حديث خولة ، فبكى جابر حتى اخضلّت لحيته بالدموع .

ثمّ قال : واللّه - يا مولاي - لقد خشيت أن أخرج من الدنيا ولا أُسأل عن هذه المسألة ، واللّه إنّي كنت جالسا إلى جنب أبي بكر ، وقد سبى بني حنيفة مع مالك بن نويرة من قبل خالد بن الوليد وبينهم جارية مراهقة .

فلمّا دخلت المسجد قالت : أ يّها الناس ! ما فعل محمّد صلى الله عليه و آله ؟

قالوا : قُبض .

قالت : هل له بُنية تقصد ؟

قالوا : نعم هذه تربته وبُنيته .

فنادت وقالت : السلام عليك يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله أشهد أ نّك تسمعصوتي وتقدر على ردّ جوابي ، وإنّنا سبينا من بعدك ، ونحن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأ نّك محمّدا رسول اللّه .. .

ص: 192

ثمّ جلست فوثب إليها رجلان من المهاجرين أحدهما طلحة والآخر الزبير وطرحا عليها ثوبيهما .

فقالت : ما بالكم - يا معاشر الأعراب - تغيّبون حلائلكم وتهتكون حلائل غيركم ؟

فقيل لها : لأ نّكم قلتم لا نصلّي ولا نصوم ولا نزكّي ؟

فقال لها الرجلان اللذان طرحا ثوبيهما : إنّا لغالون في ثمنك .

فقالت : أقسمت باللّه وبمحمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنّه لا يملكني ويأخذ رقبتي إلاّ من يخبرني بما رأت أُمّي وهي حاملة بي ؟ وأيّ شيء قالت لي عند ولادتي ؟ وما العلامة التي بيني وبينها ؟ وإلاّ بقّرت بطني بيدي فيذهب ثمني ويطالب بدمي .

فقالوا لها : اذكري رؤياك حتى نعبرها لك .

فقالت : الذي يملكني هو أعلم بالرؤيا منّي ؟

فأخذ طلحة والزبير ثوبيهما وجلسوا ، فدخل أمير المؤمنين عليه السلاموقال : ما هذا الرجف في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟!

فقالوا : يا أمير المؤمنين امرأة حنفية حرّمت ثمنها على المسلمين وقالت : من أخبرني بالرؤيا التي رأت أُمّي وهي حاملة بي يملكني .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ما ادّعت باطلاً ، أخبروها تملكوها .

فقالوا : يا أبا الحسن ! ما منّا من يعلم ، أما علمت أنّ ابن عمّك رسولاللّه صلى الله عليه و آله قد قبض وأخبار السماء قد انقطعت من بعده .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أخبرها بغير اعتراض منكم ؟

ص: 193

قالوا : نعم .

فقال عليه السلام : يا حنفية ! أخبرك وأملكك ؟

فقالت : لعلّك الرجل الذي نصبه لنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله في صبيحة يوم الجمعة بغدير خم علما للناس ؟

فقال : أنا ذلك الرجل .

قالت : من أجلك نهبنا ، ومن نحوك أتينا ، لأنّ رجالنا قالوا : لا نسلّم صدقات أموالنا ولا طاعة نفوسنا إلاّ لمن نصبه محمّد صلى الله عليه و آله فينا وفيكم علما .

قال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ أجركم غير ضائع ، وإنّ اللّه يوفي كلّ نفس ما عملت من خير .

ثمّ قال : يا حنفية ! ألم تحمل بك اُمّك في زمان قحط قد منعت السماء قطرها ، والأرضون نباتها ، وغارت العيون والأنهار حتى أنّ البهائم كانت ترد المرعى فلا تجد شيئا ، وكانت اُمّك تقول لك : إنّك حمل مشوم في زمان غير مبارك .

فلمّا كان بعد تسعة أشهر رأت في منامها كأن قد وضعت بك ، وأ نّها تقول : إنّك حمل مشوم في زمان غير مبارك ، وكأ نّك تقولين : يا اُمّي لا تتطيّرن بي فإنّي حمل مبارك أنشأ منشأ مباركا صالحا ، ويملكني سيّد ، واُرزق منه ولدا يكون للحنفية عزّا ؟

فقالت : صدقت .

فقال عليه السلام : إنّه كذلك وبه أخبرني ابن عمّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

فقالت : ما العلامة التي بيني وبين اُمّي ؟

ص: 194

فقال لها : لمّا وضعتك كتبت كلامك والرؤيا في لوح من نحاس وأودعته عتبة الباب ، فلمّا كان بعد حولين عرضته عليك فأقررت به ، فلمّا كان بعد ستّ سنين عرضته عليك فأقررت به ، ثمّ جمعت بينك وبين اللوح وقالت لك : يا بنيّة إذا نزل بساحتكم سافكٌ لدمائكم ، وناهب لأموالكم ، وسابٍ لذراريكم ، وسبيت فيمن سبي ، فخذي اللوح معك واجتهدي أن لا يملكك من الجماعة إلاّ من خبّرك بالرؤيا وبما في هذا اللوح .

فقالت : صدقت ... يا أمير المؤمنين .

ثمّ قالت : فأين هذا اللوح ؟

فقال : هو في عقيصتك .

فعند ذلك دفعت اللوح إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهماالسلام .

ثمّ قالت : يا معاشر الناس ! اشهدوا أ نّي قد جعلت نفسي له عبدة .

فقال عليه السلام : بل قولي زوجة .

فقالت : اشهدوا أن قد زوّجت نفسي - كما أمرني - بعليّ عليه السلام .

فقال عليه السلام : قد قبلتكِ زوجة . فماج الناس .

فقال جابر : فملكها - واللّه - يا أبا جعفر بما ظهر من حجّته ، وثبت من بيّنته ، فلعن اللّه من اتّضح له الحقّ ثمّ جحد حقّه وفضله ، وجعل بينه وبينالحقّ سترا(1) .

ص: 195


1- الروضة في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام لشاذان بن جبرئيل القمي : 39 ، الخرائج : 2/590 ، مدينة المعاجز للبحراني : 2/220 ، بحار الأنوار : 42/84 .

الصهباء

وهي أم حبيبة بنت ربيعة بن بجير بن العبد بن علقمة بن الحارث بن عتبة بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن جيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل .

وكانت سبية أصابها خالد بن الوليد في خلافة أبي بكر حين أغار على بني تغلب بناحية عين تمر ، ولدت له عمر ورقيّة(1) .

ص: 196


1- الطبقات الكبرى : 3/19 ، بحار الأنوار : 42/90 .

أم مسعود

أم مسعود ( سعيد ) بنت عروة بن مسعود بن معتب بن مالك الثقفي ، وولدت له عليه السلام رملة وأم الحسن(1) .

ص: 197


1- المصدر نفسه .

محياة بنت امرؤ القيس

محياة بنت امرؤ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم من كلب ، ولدت له عليه السلام بنتا ماتت وهي جارية ، وكانت تخرج إلى المسجد وهي جارية فيقال لها : من أخوالك ؟ فتقول : وه وه ، تعني كلبا(1) .

* * *

قال علي بن عيسى الإربلي : . . . فهؤلاء . . المعقود عليهنّ نكاحا وبقيّة الأولاد من أمّهات شتّى ؛ أمّهات أولاد .

وكان يوم قتله عليه السلام عنده أربع حرائر في نكاح ، وهنّ :

أمامة بنت أبي العاص .

وليلى بنت مسعود التميمية ( النهشلية ) .

وأسماء بنت عميس الخثعمية .

وأم البنين الكلابية .

وأمّهات أولاد ثمانية عشر أم ولد(2) .

ص: 198


1- المصدر نفسه .
2- كشف الغمّة : 1/68 .

الزبراء مولاة أم البنين عليهاالسلام

كان لأمّ البنين عليهاالسلام مولاة يقال لها « الزبراء » .

والزبراء : تأنيث الأزبر من الزبرة ، وهو ما بين كتفي الأسد من الوبر(1) .

قال في التاريخ الكبير : عبد القاهر بن تليد العامري الكوفي سمع زبراء مولاة أم البنين امرأة علي(2) .

وقال في الجرح والتعديل : عبد القاهر بن تليد العامري أبو رفاعة الكوفي روى عن الشعبي وزبراء مولاة أم البنين امرأة علي عليه السلامويقال : خادمة علي عليه السلام (3) . . . .

وذكرها ابن شهر آشوب في عداد خادمات الإمام أمير المؤمنين عليه السلام

فقال : وخادمته : فضّة وزبراء وسلافة(4) .

وعدّها في تاج العروس ضمن موالي الإمام عليه السلام أيضا ، فقال : . . . عنحفصة وزبراء مولاة علي عنه(5) . . . .

ص: 199


1- انظر : النهاية في غريب الحديث لابن الأثير : 2/294 ، لسان العرب : 6/12 مادّة « زبر » .
2- التاريخ الكبير : 6/130 رقم 1932 .
3- الجرح والتعديل : 6/57 رقم 305 .
4- مناقب آل أبي طالب : 3/90 .
5- تاج العروس : 3/232 .

ويبدو أ نّها كانت من ذوات الفضل والرواية كما نصّ على ذلك كلّ من ذكرها وأشار إليها ، وهي إنّما عرفت وذكرت في المصنّفات لمكان روايتها ، وهذا هو شأن باقي من عاش في ظلال بيت المولى أمير المؤمنين عليه السلام .

ص: 200

المرحلة الثالثة : بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام إلى الطف

دخلت أم البنين عليهاالسلام بيت أمير المؤمنين عليه السلام ولم تخرج منه إلاّ إلى الجنان ، فعاشت المأساة التي جرت على أهل البيت بكلّ تفاصيلها . .

عاشت محنة الزهراء عليهاالسلام وغصب الخلافة . . ورأت ما جرى على بيت النبوّة والوحي وإن كانت خارج الدار . .

ثمّ عاشت يتم أولاد الزهراء عليهم السلام ، وما جرى على أمير المؤمنين

عليه السلاممن محن ، وما تجرّعه من كيد أولياء الشيطان . .

ثمّ عاشت أيّام خلافة سيد الأوصياء والحروب التي خاضها مع الناكثين والمارقين والقاسطين ، وما عاناه الإمام من التحكيم والخوارج . .

ثمّ عاشت غدر ما يسمّونه بالأمّة بإمامها ، حتى صار يتمنّى فراقها ، ويتشوّق إلى لقاء ربّه . .

فكانت ليلة التاسع عشر من شهر رمضان، وكان الإمام عليه السلام كعادته دائم السهر في طاعة اللّه ، يحيي الليل بالعبادة ومناجاة خالق البريّات ، ولكن سهره هذه الليلة سهر انتظار وترقّب ، يكثر الخروج والنظر إلى السماء ، ويكرّر قوله : « واللّه ما كذبت وما كذبت ، وإنّها الليلة التي وُعدت بها » . .

ص: 201

وأمّ البنين عليهاالسلام - كباقي حرم الإمام عليه السلام - ترقّب الموقف بقلب واجف وجل ، والحزن يخيّم على الأجواء ، وانتظار وقوع النازلة يقطع الأحشاء ، والكون كلّه في اضطراب ، فكيف بنساء سيد الأوصياء عليه السلام ؟

إنّها ليلة تربك المشاعر ، وتهزّ المواقف ، وتنهك الوقور . .

ليلة الانتظار . . الترقّب . . انتظار وقوع الفاجعة . . ليلة تشبه إلى حدٍّ ما ليلة العاشر من المحرّم في كربلاء . .

ليلة لا يمكن أن يحيط بها تعبير ، أو تحصرها عبارة ، أو تصفها كلمات ، ولكنّها ليلة مرّت على أم البنين عليهاالسلام . .

مرّت عليها وهي زوجة سيد الأوصياء عليه السلام . . وليست كباقي النساء !

فلمّا طلع الفجر قام أخو النبي صلى الله عليه و آله ، وهمّ بالخروج ، فاستقبله أوز كان في صحن داره ، فصحن في وجهه ، كأنّهن يتوسّلن إليه ، يحاولن أن يمنعنه من الخروج ، ولسان حالهن : لا تفجعنا بنفسك يا سيد الكائنات . .

فإذا كان هذا حال الأوز ، فما حال أم البنين وزينب وأم كلثوم وسائر حرم أمير المؤمنين عليه السلام . .

صاحت الأوز في وجهه، فقال: «دعوهنّ فإنّهن صوائح تتبعها نوائح» ..

وأمسكت الباب بمئزره ، فانحل أزاره ، والباب أيضا توسّل بسيد الكائنات ، فشدّ إزاره وهو يقول :

اشدد حيازيمك للموت *** فإنّ الموت لاقيكا

ولا تجزع من الموت *** إذا حلّ بواديكا

ص: 202

خرج الإمام عليه السلام إلى اليوم الذي كان ينتظره بفارغ الصبر ، وهو يقول مرّة بعد أخرى : « متى يبعث أشقاها فيخضب هذه من هذه ، يقصد لحيته من رأسه » . .

وقف في أفضل الأوقات ، في ليلة القدر عند انبلاج الفجر ، في بيت اللّه بين يدي اللّه ، يصلّي بخشوع وخضوع ، وإذا بصوته يشقّ أجواء الأرض والسماء ، ويدمدم على الأشقياء الذين ما عرفوا قدره ، ويزفّ البشرى لسكّان السماء : « فزت وربّ الكعبة(1) » . .

فاضطرب الكون، واصطفقت أبواب المسجد، وهبّت ريح سوداء مظلمة، تزلزلت الأرض، وارتفع صوت جبريل بين السماء والأرض هاتفا: تهدّمت واللّه أركان الهدى ، وانفصمت العروة الوثقى . . قتل علي المرتضى(2) . .

وجاء الحسنان يحملان سيد الأكوان إلى الدار ، وأم البنين عليهاالسلامواقفة

ترقّب الكون المتناثر ، وتنتظر دخول أمير المؤمنين عليه السلاممخضّبا بدمه . .

إنّها وقفة انتظار تذكّر بموقف شريكة الحسين عليه السلام على التلّ ساعة

شبكت عشرها على رأسها، ووقفت تشقّ صفوف الأعداء بلحظات طرفها لعلّها ترى ما يكشف لها أمر أخيها وقد أحاطت به الخيل والرجال،ومناد القوم يعربد فيهم : ما تنتظرون بالرجل . . انزلوا إليه فأريحوه . .

* * *

ص: 203


1- بحار الأنوار : 42/239 .
2- بحار الأنوار : 42/282 .

لم تتزوّج أم البنين عليهاالسلام بعد أمير المؤمنين عليه السلام ، - كسائر نسائه عليه السلام - ، وقد تقدّم بعض الرجال إلى بعض نسائه فامتنعت وروت حديثا عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنّ أزواج النبي والوصي لا يتزوّجن بعده ، فلم يتزوّجن - الحرائر وأمّهات الأولاد - عملاً بالرواية .

وهل ثمّة زوج كأمير المؤمنين علي عليه السلام ؟!

* * *

ثمّ عاشت مأساة الإمام الزكي عليه السلام بكلّ أبعادها وتفاصيلها . .

خيانة ما يسمّونه بالأمّة . . وقوع الصلح . . دخول العدوّ إلى الكوفة . . ثمّ رحيل ريحانة الرسول وقرّة عين الزهراء البتول الإمام الحسن المجتبى عليه السلام الى مدينة جدّه صلى الله عليه و آله ، حاملاً ثقل أبيه وأهله ، وآهاته وآلامه . .

وهجم القوم على رحل الإمام الحسن عليه السلام في ساباط ، وفيهم أم البنين عليهاالسلام وأولادها الكرام . .

طعن الإمام المظلوم الحسن عليه السلام بمغول في فخذه ، وسلب ثقله ورحله

حتى الطنفسة التي كان جالسا عليها للصلاة ، والرداء الذي كان على عاتقه . . وأم البنين عليهاالسلام حاضرة شاهدة ما يجري على آل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وحرم أمير المؤمنين عليه السلام ، وهي منهم . . .

ثمّ عاشت ما جرى على الإمام الزكي عليه السلام من مصائب ، سمّوه وحاربوهفي حياته وبعد شهادته ، فرموا جنازته بالنبال . .

ص: 204

إنّها كانت تعيش في بيوت أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيه اسمه ، كانت في بيت أمير المؤمنين عليه السلام ، فشهدت رجوع السبط الغريب الحسين الشهيد عليه السلاممن دفن أخيه الحسن عليه السلام وهو حاسر الرأس ، قد رمى عمامته

على قبر أخيه ، ووقف باكيا منتحبا وهو يقول :

أأدهن رأسي أم تطيب محاسني *** وخدّك معفور وأنت تريب

وليس حريبا من أصيب بماله *** ولكنّ من وارى أخاه حريب

في أبيات . .

ثمّ جاءت كربلاء . .

ص: 205

المرحلة الرابعة : الطفّ إلى عودة الركب إلى المدينة

موقع أم البنين عليهاالسلام في الطفّ

اشارة

لو أردنا أن نتعرّف إلى مقام أم البنين عليهاالسلام ومكانتها ودورها في طفّ سيد الشهداء الحسين عليه السلام في كربلاء ، فعلينا أن نقدّم - بإيجاز - بعض المقدّمات :

المقدّمة الأولى :

إنّ قيام الحسين عليه السلام قد استوعب التاريخ كلّه ، منذ بدء الخليقة إلى آخر الدهر ، وسوف نعرض هذه الفكرة باختصار تامّ دون التعرّض إلى ذكر الأدلّة ، أو التعرّض للإثبات والنفي .

وخلاصة القول في ذلك :

أنّ اللّه خلق الخلق وابتدع الكون ، وأنشأ النشأتين ، لإنفاذ الإرادة الإلهيّة ، وتطبيق العدل ، وإقامة الحكومة الربّانية ، فأنزل آدم عليه السلام وحواء إلى الأرض ، وأنزل إبليس معهما ، وجعلهما أعداء ، ودلّهما على الخير والشرّ ، فوقع النزاع بينهما ، فقتل قابيل هابيل ، وبدأ خطّ الضلال وخطّ الهدى في صراع مرير لا هوادة فيه ، ومنذئذٍ بدأ الإعداد لقيام الحسين عليه السلام ،

ص: 206

فكلّ نبي أو وصي جاء منذ أن هبط أبونا آدم عليه السلام إلى الأرض كان يدّخر لسيد الشهداء عليه السلام ، ويشهد لذلك زيارة وارث الصحيحة المشهورة .

وقد نصّت الزيارة الشريفة على أنّ الحسين عليه السلام وارث كلّ الأنبياء قبله بما فيهم خاتم النبيّين صلى الله عليه و آله ، ومعنى كونه وارثا لهم أنّهم كانوا يجمعون ويعدّون له ، وهذه هي المرحلة الأولى من التاريخ ، وهي مرحلة الإعداد لقيام الحسين عليه السلام .

ويمكن تفسير ما ورد من روايات(1) تتحدّث عن تبليغ الأنبياء جميعا من لدن آدم عليه السلام إلى النبي الخاتم صلى الله عليه و آله بما يجري على الحسين عليه السلاموبكاؤهم عليه ، ومواساتهم له عليه السلام ، وذلك لأنّ النبي المبعوث لابدّ له أن يعرف الغرض الأساسي من بعثته ، وهو حسب هذا الفرض الإعداد للقيام الحسيني الذي تترتّب عليه إقامة الحكم الإلهي العامّ والشامل وتحقيق العبادة من كلّ العباد .

وقد انتهت هذه المرحلة بانتهاء حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وختم النبوّات ، وابتدأت المرحلة الثانية من قيام الحسين عليه السلام حيث نشطت حركة النفاق ، وقام ناعقها وشرعوا في تأسيس أساس الظلم والجور ، منذ أن خالفوااللّه وغيّروا دينه ، وبدّلوا سنّة نبيّه صلى الله عليه و آله ، وأقاموا السقيفة ، وأبطلوا الغدير ،

ص: 207


1- انظر ما ورد من روايات في كتاب كامل الزيارات لابن قولويه رحمه الله ، وبحار الأنوار للمجلسي رحمه الله .

ودحضوا الحق ، وضيّقوا على رجاله ، وقتلوهم وشتّتوهم ، وأقاموا سنّتهم بديلاً عن سنّة النبي صلى الله عليه و آله ، واتّخذوا لهذه الأمّة عجلاً وسامريّا ، فما عاد الأعشى يميّز الحقّ من الباطل ، فقام داعي الحقّ يميّز خطّ الضلال عن خطّ الهدى ، ويقيم المنار للسائرين إلى اللّه ، فكان أوّل من شرع في تفعيل القيام الحسيني الصدّيقة فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، ثمّ أمير المؤمنين عليه السلام ، ثمّ الحسن عليه السلام ، وبهم تمّت كلّ مراحل القيام الفعلي لقيام الحسين عليه السلام ، فانطلق سيد الشهداء عليه السلاملإنفاذ تكليفه الإلهي لتمييز الحقّ عن الباطل ، وتمييز النفاق ، وتحديد معالم الهدى والضلال حتى لا يبقى لمعتذر عذرا ، فكان فاجعة الطفّ ، حيث تقابل معسكر الضلال بكلّ أبعاده وتفاصيله وخيله ورجله ، ومعسكر الهدى بكلّ أبعاده وتفاصيله ، فلم يكن شيء من الاعتقادات والأخلاقيات والسلوكيات في المعسكرين إلاّ وتقابلا .

وبهذا امتاز الخطّان ، وتحدّد الحقّ الصراح ، والباطل المفضوح ، وحينئذٍ انتهت المرحلة الثانية من مراحل القيام الحسيني .

والآن وقد اتّضحت حدود الحقّ والباطل ، واختار كلّ أنصاره ،

ودخل أنصار الحقّ دائرة الهدى ، احتاجوا إلى بيان تفاصيل الحقّ الذي اعتقدوه ، فبدأت المرحلة الثالثة من مراحل القيام الحسيني ، فشرع أئمّة الهدى من الإمام زين العابدين عليهم السلامإلى آخر الغيبة الصغرى ببيان تفاصيل الحقّ ، وشرح كلّ ما يحتاجه الخلق في حياتهم ، فلم تبق صغيرةولا كبيرة إلاّ وبيّنوا حكمها ، وقامت الحجّة على العباد تامّة كاملة .

ص: 208

فأصبح الخلق وقد امتاز الحقّ عندهم عن الباطل ، وتحدّد كلّ تفاصيل الحقّ ، فلابدّ أن يدخل العباد إلى صالة الامتحان ، ويبدأ الاختبار الإلهي وحينئذٍ بدأت المرحلة الرابعة ، وهي مرحلة الغيبة الكبرى ، فنحن الآن نعيش فترة الامتحان .

فإذا قام المولى صاحب الأمر عليه السلام وانتقم من قتلة جدّه الحسين عليه السلام ، ختم المرحلة السابقة وبدأ بالمرحلة الخامسة من القيام الحسيني حيث يستلم - العباد منذ يوم قتل قابيل هابيل إلى ظهور المولى صاحب الأمر عليه السلام - نتائج ما كسبوه في الامتحان .

فإذا حصد القائم رؤوس الشرك والضلالة والنفاق ، وطهرت الأرض من الرجس والأرجاس ، تبدأ المرحلة السادسة والأخيرة من مراحل القيام الحسيني ، حيث يحكم أبو الأئمّة عليهم السلام ، ويحقّق دعوته ، ويطبّق إرادة الربّ في الأرض ، يوم تكون الرجعة ويكرّ الحسين عليه السلامفيحكم حتى يسقط حاجباه على عينيه .

وبهذا يتحقّق الغرض الإلهي من الخلقة ، وهو إقامة حكومة العدل الإلهي وتتحقّق العبادة التي أرادها اللّه من الإنسان إذ قال : « وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِْنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ » .

المقدّمة الثانية

روى المجلسي في البحار : إنّ العباس عليه السلام لمّا رأى وحدته عليه السلام ، أتىأخاه وقال : يا أخي ، هل من رخصة ؟ فبكى الحسين عليه السلام بكاء شديدا ،

ص: 209

ثمّ قال : يا أخي ، أنت صاحب لوائي ، وإذا مضيت تفرّق عسكري(1) . .

روى الطريحي في المنتخب قال : إنّ العباس بن علي عليهماالسلام كان حامل لواء أخيه الحسين عليه السلام ، فلمّا رأى جميع عسكر الحسين عليه السلامقتلوا وإخوانه وبنو عمّه بكى ، وأنّه إلى لقاء ربّه اشتاق وحنّ ، فحمل الراية وجاء نحو أخيه الحسين عليه السلام وقال : يا أخي ، هل رخصة ؟ فبكى الحسين عليه السلامبكاءا شديدا حتى ابتلت لحيته المباركة بالدموع ، ثمّ قال : يا أخي كنت العلامة من عسكري ، ومجمع عددنا ، فإذا أنت غدوت يؤول جمعنا إلى الشتات ، وعمارتنا تنبعث إلى الخراب ، فقال العباس عليه السلام : فداك روح أخيك ، يا سيدي قد ضاق صدري من الحياة الدنيا ، وأريد أخذ الثأر من هؤلاء المنافقين ، فقال الحسين عليه السلام : إذا غدوت إلى الجهاد فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء(2) . .

فالعباس بن أمير المؤمنين عليهماالسلام صاحب لواء الطفّ ، ويشكّل بشهادة الحسين عليه السلام عسكر كربلاء الذي جمع مواريث الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ، وبوجوده تقوم أركان المعسكر ، وبفقده يؤول الجمع إلى شتّات ، وتنبعث عمارة جند الحقّ إلى الخراب ، ويتشتّت شمل عساكر الموحّدين ،ويتفرّق جمعهم .

بالإضافة إلى شهادة سيد الشهداء - وفيها كفاية - فإنّه قد ثبت ذلك

ص: 210


1- بحار الأنوار : 45/41 .
2- المنتخب : 305 .

على أرض الواقع حيث لم يبق مع الحسين عليه السلام من الرجال والمقاتلين إلاّ أبو الفضل العباس عليه السلام ، فكان الحسين عليه السلام القائد وعسكر التوحيد كلّه قد اجتمع في شخص العباس عليه السلام .

النتيجة :

تبيّن من المقدّمة الأولى أنّ الغرض من الخلقة هي العبادة ، والعبادة الحقّة للّه كما يحبّ ويرضى لا تتحقّق من جميع الخلائق إلاّ في ظلّ الحكومة الإلهية ، وإنفاذ الإرادة الربّانية ، وإنّما يتحقّق ذلك في الرجعة أيّام حكومة الإمام الحسين عليه السلام ، وقد شاء اللّه أن يتحقّق ذلك من خلال المراحل والفصول التي مرّ ذكرها ، وأهمّ فصل فيها كان القيام الحسيني في كربلاء .

وقد عرفنا من خلال المقدّمة الثانية أنّ مرحلة القيام الحسيني في الطفّ ما كانت لتكون لولا ارتفاع اللواء في كربلاء بكفّ أبي الفضل العباس عليه السلام .

ومن البديهي أنّ أبا الفضل العباس عليه السلام لم يكن ليوجد في هذه الدنيا لولا الأسباب الطبيعية التي سنّها اللّه في الكون ، فلابدّ أن يشرّف هذا الكون بالعباس عليه السلام من خلال أمير المؤمنين عليه السلام وأم البنين عليهاالسلام .

فلولا أم البنين عليه السلام لم يكن العباس عليه السلام ، فما أعظمها من امرأة طيّبة طاهرة انتجبها اللّه لتكون وعاءا مقدّسا لحامل لواء وريث الأنبياء والأوصياء عليهم السلام في كربلاء ، وكهف مخدّرات خاتم الأنبياء وسيدالأوصياء عليهماالسلام و« فتيات فاطم من بني ياسين » ، ومن شاء اللّه أن يجمع في كفّه مقابض سيوف الأنبياء والوصيّين عليهم السلام .

ص: 211

ومن هنا نعرف منزلة هذه المرأة التي صنعت على عين اللّه ، وأرادها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام على علم ، وبحث عنها بحثا لتلد له غلاما يكون لولده الحسين عليه السلام ناصرا وعضدا في طفّ كربلاء كما ورد في نصّ المرسوم الذي طلب فيه الإمام عليه السلام من أخيه عقيل أن يختار له هذه العقيلة .

أم البنين عليهاالسلام ورحيل الحسين عليه السلام عن المدينة

اشارة

لمّا هلك معاوية كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة واليه على المدينة بموت معاوية ، وأرفق الكتاب بصحيفة صغيرة كأنّها أذن فأرة مكتوب فيها : إذا أتاك كتابي هذا ، فأحضر الحسين بن علي ، وعبد اللّه بن الزبير ، فخذهما بالبيعة لي ، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما ، وابعث لي برؤوسهما ، وخذ الناس بالبيعة ، فمن امتنع فأنفذ فيه الحكم ، وفي الحسين بن علي وعبد اللّه بن الزبير(1) .

فأرسل الوليد يدعو الحسين عليه السلام بعد أن استشار مروان في الأمر ،

فجمع الحسين عليه السلام أهله وفتيانه ثمّ قال : إذا أنا دخلت على الوليد فخاطبته وخاطبني وناظرته وناظرني ، كونوا على الباب ، فإذا سمعتم الصيحة قد علت ، والأصوات قد ارتفعت ، فاهجموا الدار ، ولا تقتلوا أحدا(2) . .

ص: 212


1- تاريخ اليعقوبي : 2/241 .
2- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/183 .

دخل الحسين عليه السلام على الوليد ، وقال له : لماذا دعوتني ؟ فقال : دعوتك للبيعة التي قد اجتمع الناس عليها !

فقال الحسين عليه السلام : إنّ مثلي لا يعطي بيعته سرّا ، وإنّما يجب أن تكون البيعة علانية بحضرة الجماعة ، فإذا دعوت الناس غدا إلى البيعة ، دعوتنا معهم ، فيكون الأمر واحدا(1) .

فقال مروان : أيّها الأمير إن فارقك الساعة ولم يبايع ، فإنّك لم تقدر منه على مثلها أبدا ، حتى تكثر القتلى بينك وبينه ، فاحبسه عندك ، ولا تدعه يخرج أو يبايع ، وإلاّ فاضرب عنقه .

فالتفت إليه الحسين عليه السلام وقال : ويلي عليك يا بن الزرقاء ، أتأمر بضرب عنقي ، كذبت واللّه وأثمت ، واللّه لو رام ذلك أحد لسقيت الأرض من دمه قبل ذلك ، فإن شئت فرُم أنت ضرب عنقي إن كنت صادقا .

ثمّ أقبل الحسين عليه السلام على الوليد ، فقال : أيّها الأمير ! إنّا أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الرحمة ، بنا فتح اللّه وبنا ختم ، ويزيد رجل فاسق ، شارب الخمر ، قاتل النفس ، معلن بالفسق ، فمثلي لا يبايع لمثله ، ولكن نصبح وتصبحون ، وننظر وتنظرون ، أيّنا أحقّبالخلافة والبيعة(2) .

ص: 213


1- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/183 .
2- اللهوف لابن طاووس : 22 ، بحار الأنوار : 44/324 باب 37 .

فأغلظ الوليد في كلامه وارتفعت الأصوات فهجم تسعة عشر رجلاً قد انتضوا خناجرهم(1) ، فخرج الحسين عليه السلام معهم(2) .

فلمّا سمع الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ذلك ، دعا الكاتب وكتب إلى يزيد كتابا جاء فيه : أمّا بعد ، فإنّ الحسين بن علي ليس يرى لك خلافة ولا بيعة ، فرأيك في أمره ، والسلام .

فلمّا ورد الكتاب على يزيد ، كتب الجواب إلى الوليد بن عتبة : أمّا بعد ، فإذا أتاك كتابي هذا فعجّل علي بجوابه ، وبيّن لي في كتابك كلّ من في طاعتي ، أو خرج منها ، وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي(3) !

وهكذا أعلن الإمام عليه السلام رفضه الكامل لبيعة الطاغية يزيد ، وعزم على مغادرة المدينة ، فودّع قبر جدّه أكثر من مرّة ، ومضى في جوف الليل إلى قبر أمّه فودّعها ، ثمّ مضى إلى قبر أخيه الحسن عليه السلام فودّعه(4) .

روى عبد اللّه بن سنان الكوفي عن أبيه عن جدّه قال : خرجت بكتاب أهل الكوفة إلى الحسين عليه السلام ، وهو يومئذٍ بالمدينة، فأتيته فقرأهفعرف معناه ، فقال: انظرني إلى ثلاثة أيّام ، فبقيت في المدينة ، ثمّ تبعته إلى أن صار عزمه بالتوجه إلى العراق ، فقلت في نفسي : أمضي وأنظر إلىملك الحجاز كيف يركب ! وكيف جلالته وشأنه !

ص: 214


1- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/183 .
2- المناقب لابن شهرآشوب : 3/240 .
3- موسوعة كربلاء : 1/414 عن بحار الأنوار : 44/312 .
4- الفتوح لابن أعثم : 5/29 .

فأتيت إلى باب داره ، فرأيت الخيل مسرجة ، والرجال واقفين ، والحسين عليه السلام جالس على كرسي ، وبنو هاشم حافّون به ، وهو بينهم كأنّه البدر ليلة تمامه وكماله ، ورأيت نحوا من أربعين محملاً ، وقد زيّنت المحامل بملابس الحرير والديباج .

قال : فعند ذلك أمر الحسين عليه السلام بني هاشم بأن يركبوا محارمهم على

المحامل ، فبينما أنا أنظر وإذا بشابّ قد خرج من دار الحسين عليه السلام ، وهو طويل القامة ووجهه كالقمر الطالع ، وهو يقول : تنحّوا يا بني هاشم ! وإذا بامرأتين قد خرجتا من الدار ، وهما تجرّان أذيالهما على الأرض حياءً من الناس ، وقد حفّت بهما إماؤهما ، فتقدّم ذلك الشابّ إلى محمل من المحامل ، وجثى على ركبتيه ، وأخذ بعضديهما وأركبهما المحمل .

فسألت بعض الناس عنهما ، فقيل : أمّا أحدهما فزينب عليهاالسلاموالأخرى

أم كلثوم عليهاالسلام بنتا أمير المؤمنين عليه السلام .

فقلت : ومن هذا الشابّ ؟

فقيل لي : هو قمر بني هاشم ، العباس ابن أمير المؤمنين عليهماالسلام .

ثمّ رأيت بنتين صغيرتين ، كأنّ اللّه - تعالى - لم يخلق مثلهما ، فجعل واحدة مع زينب عليهاالسلام والأخرى مع أم كلثوم عليهاالسلام ، فسألت عنهما ، فقيل لي :هما سكينة وفاطمة بنتا الحسين عليه السلام .

ثمّ خرج غلام آخر كأنّه البدر الطالع ، ومعه امرأة ، وقد حفّت بهاإماؤها ، فأركبها ذاك الغلام المحمل ، فسألت عنها وعن الغلام ، فقيل

ص: 215

لي : أمّا الغلام فهو علي الأكبر ابن الحسين عليه السلام ، والامرأة أمّه ليلى زوجة الحسين عليه السلام .

ثمّ خرج غلام وجهه كفلقة القمر ، ومعه امرأة ، فسألت عنها ، فقيل لي : أمّا الغلام فهو القاسم بن الحسن المجتبى ، والامرأة أمّه .

ثمّ خرج شابّ آخر وهو يقول : تنحّوا عنّي يا بني هاشم ، تنحّوا عن حرم أبي عبد اللّه عليه السلام ، فتنحّى عنه بنو هاشم ، وإذا قد خرجت امرأة من الدار ، وعليها آثار الملوك ، وهي تمشي على سكينة ووقار ، وقد حفّت بها إماؤها ، فسألت عنها ، فقيل لي : أمّا الشابّ فهو زين العابدين ابن الإمام عليهماالسلام ، وأ مّا الامرأة فهي أمّه شاه زنان بنت الملك كسرى زوجة الإمام عليه السلام ، فأتى بها وأركبها على المحمل .

ثمّ أركبو بقيّة الحرم والأطفال على المحامل .

فلمّا تكاملوا نادى الإمام عليه السلام : أين أخي ؟ أين كبش كتيبتي ؟ أين قمر بني هاشم ؟

فأجابه العباس عليه السلام : لبيك لبيك يا سيدي .

فقال له الإمام عليه السلام : قدّم لي - يا أخي - جوادي .

فأتى العباس عليه السلام بالجواد إليه ، وقد حفّت به بنو هاشم ، فأخذ العباس عليه السلام بركاب الفرس حتى ركب الإمام عليه السلام .ثمّ ركب بنو هاشم ، وركب العباس عليه السلام ، وحمل الراية أمام الإمام عليه السلام .

قال : فصاح أهل المدينة صيحة واحدة ، وعلت أصوات بني هاشم بالبكاء والنحيب ، وقالوا : الوداع .. الوداع ، الفراق .. الفراق .

ص: 216

فقال العباس عليه السلام : هذا - واللّه - يوم الفراق ، والملتقي يوم القيامة .

ثمّ صاروا قاصدين كربلاء مع عياله وجميع أولاده ذكورا وإناثا إلاّ ابنته فاطمة الصغرى ، فإنّها كانت مريضة(1) .

وأقبلت نساء بني عبد المطّلب ، فاجتمعن للنياحة لمّا بلغهن أنّ الحسين عليه السلام يريد الشخوص من المدينة ، حتى مشى فيهنّ الحسين عليه السلام ، فقال : أنشدكنّ اللّه أن تبدين هذا الأمر معصية للّه ورسوله .

فقالت له نساء بني عبد المطّلب : فلمن نستبقي النياحة والبكاء ! فهو عندنا كيوم مات رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلي وفاطمة والحسن ورقيّة وزينب وأم كلثوم عليهم السلام ، جعلنا اللّه فداك من الموت ، يا حبيب الأبرار من أهل القبور(2) .

* * *

إنّ التاريخ لم يسجّل لنا - على حدّ علمنا - أيّ مؤشر مهما كان سريعا وخاطفا ومقتضبا عن لحظة الوداع بين أم البنين عليهاالسلاموأولادها الكرام

البررة ، أو بينها وبين إمامها وسيدها الحسين عليه السلامأو بينها وبين السيدة زينب عليهاالسلام ، وأو بينها وبين غيرهم من ركب الفداء الذي يقوده الكربوالبلاء إلى كربلاء إلاّ أنّ معرفتنا بأمّ العباس عليه السلامالأبية يكشف لنا عن عمق التسليم ، وشدّة الوقار والاتّزان ، وقوّة اليقين ، والضبط الحازم للعواطف التي امتازت به هذه الحرّة المضحية .

ص: 217


1- معالي السبطين : 1/221 .
2- كامل الزيارات لابن قولويه : 195 باب 29 ح 8 .

فالوداع والفراق بين الأم وولدها ثقيل عسير ، تلتهب فيه العواطف ، وتتكسّر فيه الجمل والعبارات ، وتموت فيه الكلمات ، وتتفجّر فيه الدموع تحسّبا لهواجس البعاد ، هذا لو كان الفراق والوداع لسفر ينتظر بعده اللقاء القريب ، فماذا لو كان الوداع لفراق لا لقاء بعده إلاّ في الآخرة ؟

وماذا لو كان الفراق يغيّب وجه الحسين الحبيب عليه السلام ، ووجه أبي الفضل العباس عليه السلام ، وزينب بنت الزهراء عليهماالسلام ، وغيرها من الوجوه التي يشتاق لها سكّان السماوات قبل سكّان الأرض . .

وكأنّي بأم البنين عليهاالسلام تشهد هذا الموقف الذي تتألّم له صمّ الصخور ، وتشارك نساء بني عبد المطّلب في النياحة والبكاء ، وتتنقّل من دار إلى دار ، وهي تودّع ريحانة النبي صلى الله عليه و آله وحرمه وأبناءها البررة ، وتوصّي أولادها بأخواتهم وسيدهم ومولاهم الحسين عليه السلام ، وتقول لهم : كونوا فداءً لسيّدكم ، وكونوا له عينا ودرعا ، واجعلوا قلوبكم دروعكم للدفاع عنه وعن حرمه ، ولا تقصّروا في الذبّ عنه ، وبيّضوا وجهي عند أمّه وأبيه وجدّه وأخيه وعنده - صلوات اللّه عليهم أجمعين - .

لماذا لم تخرج أم البنين عليهاالسلام إلى كربلاء ؟

يبدو أنّ وجود أم البنين عليهاالسلام أيّام الطفّ على قيد الحياة ممّا لا يعتريهالشكّ ، أمّا ما ذكره المحقّق المرحوم السيد المقرّم في إحدى كتبه ، فلا يغيّرمن الواقع التاريخي شيئا ، وذلك : لأنّ السيد المقرّم رحمه الله نفسه اختلف في

ص: 218

موقفه من القضية في كتبه الأخرى ، ولم يكن يبتّ فيها بضرس قاطع ، وما ذكره من أدلّة قابلة للمناقشة ، بل لا تصمد أمام النقد ، وقد ناقشه بعض المحقّقين وأثبتوا خلاف قوله رحمه الله .

قال محمد علي السالكي في كتابه أم البنين : إنّ السيد المقرّم بعد ما نقل نياحة أم البنين عليهاالسلام في المدينة وأولادها وعلى العباس عليه السلامبالأخصّ في كتابه « قمر بني هاشم » ، الذي طبع مرّة بهذا الاسم ، وتارة باسم « العباس » ، مع ذكر الأشعار المنسوبة إليها ، وفي كتابه « مقتل الحسين » الذي طبع سابقا قبل الطبعة الأخيرة المنمّقة بمقدّمة ولده ، فإنّه بعد هذا وذاك شكّك في الطبعة الأخيرة الخامسة الجديدة من « مقتل الحسين » المطبوع مع مقدّمة ولده .

وقال أيضا في الهامش : إنّما قيّدناه بالخامسة الجديدة ، لأنّ الكتاب طبع الطبعة الخامسة سابقا وليست فيه هذه التشكيكات ، ثمّ طبع طبعة خامسة مع مقدّمة كتبها ابنه السيد محمد حسين المقرّم ، وفيه هذه التشكيكات المشار إليها(1) .

فإذا كانت موجودة ، فلماذا لم تخرج مع الركب الحسينى إلى كربلاء ، مع أنّها سرّحت قلبها معهم ، وبقيت ترفرف بروحها على ساحة المعركة ،وتتسقّط أخبارهم من القادمين ؟

ص: 219


1- أم البنين للسالكي : 116 ، ثمّ ناقش المؤلّف الشبهة مناقشة مفصّلة ، ويبدو من مقدّمته أنّ غرضه من تأليف الكتاب إنّما هو ردّ هذه التشكيكات .

ويا ليتها كانت حاضرة ، فترى مفاخرهم وبطولاتهم فيهون عليها الخطب ، ولربما كان أهون عليها من تحمّل الفراق . . . وتحمّل معاناة الانتظار ومناشدة الركبان .

لقد خرجت عائشة بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله ، وهتكت حرمته وخالفت أمر ربّه ، وكابرت صريح القرآن ، وقعدت أُم البنين عليهاالسلامعن الخروج مع الإمام المعصوم عليه السلام لأنّها أصغت بإذن المؤمن المطيع لقوله تعالى : « وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ » ، وهي تعتقد أنّ اللّه أمرها من خلال هذه الآية - باعتبارها زوجة سيد الوصيّين - بما أمر به نساء سيد المرسلين لأنّهنّ في حكم واحد ، وقد روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام : أنّه لا يجوز لأزواج النبي والوصي أن يتزوّجن بغيره بعده(1) . . فقعدت عن الخروج كما قعدت أم سلمة عن الخروج مع أمير المؤمنين عليه السلام في حرب الجمل ، والخروج مع سيد الشهداء الحسين عليه السلام . .

ولعلّها لم تخرج لكبر سنّها ، وهو سفر لا كباقي الأسفار .

أو أنّها كانت مأمورة من قبل إمام زمانها بأمر خاصّ يقتضي أن لا تخرج معهم . .وكيف كان فهي لا تتخلّف عن الحسين عليه السلام لولا رضاه . .

ولعلّ هذا هو السبب أو جزء السبب من وراء بقاءها في المدينةوصبرها على مضض ، وتركها الخروج مع الركب الحسيني . . . .

ص: 220


1- المناقب لابن شهر آشوب : 3/305 .

إنّها لم تخرج بجسدها إلى كربلاء ، إلاّ أنّها أخرجت أفلاذ كبدها ، واقترن اسمها من خلال موقف أبناءها بقضيّة الطفّ ، وصار اسمها مقرونا باسم الحسين عليه السلام وثورته ، ومن اقترن اسمه باسم الحسين عليه السلامبأيّ شكل من الأشكال ، ولأيّ سبب من الأسباب كتب له الخلود . .

أم البنين عليهاالسلام تستقبل الركب الحسيني المفجوع

أمّ البنين عليهاالسلام وبشير :

قال في « اللهوف » : قال الراوي : ثمّ انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة ، قال بشير بن حذلم : فلمّا قربنا منها نزل علي بن الحسين فحطّ رحله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه وقال : يا بشر رحم اللّه أباك لقد كان شاعرا فهل تقدر على شيء منه ؟

فقلت : بلى يا ابن رسول اللّه ، إنّي لشاعر .

فقال عليه السلام : ادخل المدينة وانع أبا عبد اللّه .

قال بشير : فركبت فرسي وركضت حتى دخلت المدينة ، فلمّا بلغت مسجد النبي صلى الله عليه و آله رفعت صوتي بالبكاء فأنشأت أقول :

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها *** قتل الحسين فأدمعي مدرار

الجسم منه بكربلاء مضرّج *** والرأس منه على القناة يدار

قال : ثمّ قلت : هذا علي بن الحسين عليهماالسلام مع عمّاته وأخواته قد حلّوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم ، وأنا رسوله إليكم أعرفكم مكانه .

ص: 221

قال : فما بقيت في المدينة مخدّرة ولا محجّبة إلاّ برزن من خدورهنّ ، مكشوفة شعورهنّ ، مخمشّة وجوههنّ ، ضاربات خدودهنّ ، يدعون بالويل والثبور ، فلم أر باكيا أكثر من ذلك اليوم ، ولا يوما أمرّ على المسلمين منه(1) .

قال بشير : ورأيت امرأة كبيرة تحمل على عاتقها طفلاً وهي تشقّ الصفوف نحوي ، فلمّا وصلت قالت : يا هذا أخبرني عن سيدي الحسين عليه السلام ، فعلمت أنّها ذاهلة ؛ لأنّي أنادي « قتل الحسين عليه السلام » وهي تسألني عنه ، فسألت عنها ، فقيل لي : هذه أمّ البنين عليه السلام ، فأشففت عليها ، وخفت أن أخبرها بأولادها مرّة واحدة .

فقلت لها : عظّم اللّه لك الأجر بولدك عبد اللّه .

فقالت : ما سألتك عن عبد اللّه ، أخبرني عن الحسين عليه السلام .

قال : فقلت لها : عظّم اللّه لك الأجر بولدك عثمان .

فقالت : ما سألتك عن عثمان ، أخبرني عن الحسين عليه السلام .

قلت لها : عظّم اللّه لك الأجر بولدك جعفر .

قالت : ما سألتك عن جعفر ، فإنّ ولدي وما أظلّته السماء فداءً للحسين عليه السلام ، أخبرني عن الحسين عليه السلام .

قلت لها : عظّم اللّه لك الأجر بولدك أبي الفضل العباس عليه السلام .

ص: 222


1- اللهوف لابن طاووس : 115 ، مثير الأحزان لابن نما : 90 ، بحار الأنوار : 45/147 ، معالي السبطين : 2/203 .

قال بشير : لقد رأيتها وقد وضعت يديها على خاصرتها ، وسقط الطفل من على عاتقها ، وقالت : لقد - واللّه - قطعت نياط قلبي ، أخبرني عن الحسين عليه السلام .

قال : فقلت لها : عظّم اللّه لك الأجر بمصاب مولانا أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام(1) .

قال المامقاني رحمه الله : إنّ شدّة حبّها للحسين عليه السلام يكشف عن علوّ مرتبتها في الإيمان ، وقوّة معرفتها بمقام الإمامة ، بحيث تستسهل شهادة أولادها الأربعة - وهم لا نظير لهم أبدا - في سبيل الدفاع عن إمام زمانها(2) .

قال السيد محمد كاظم الكفائي :

أمٌّ على أشبالها أربع *** جاءت لبشر وبه تستعين

وتحمل الطفل على كتفها *** تستهدي فيه خبر القادمين

ملهوفة ممّا بها من أسى *** ترى بذاك الجمع شيئا دفين

فقال يا أمّ ارجعي للخبا *** وابكي بنيك قتلوا أجمعين

فما انثنت وما بكت أمّهم *** وخاب منه ظنّه باليقين

كأنّها الطود وما زلزلت *** وحقّ أن تجري لهم دمع عين

فقال يا أم البنين اعلمي *** بأنّ عباسا قتيلاً طعين

قالت طعنت القلب منّي فقل *** النفس والدنيا وكلّ البنين

ص: 223


1- انظر : تنقيح المقال : 3/70 .
2- تنقيح المقال : 3/70 .

نمضي جميعا كلّنا للفنا ***نكون قربانا فدىً للحسين

فقال يا أم البنين البسي *** ثوب حداد الحزن لا تنزعين(1)

لقاء أم البنين عليهاالسلام مع زينب الكبري عليهاالسلام :

كانت أمّ البنين عليهاالسلام من النساء الفاضلات العارفات بحقّ أهل البيت عليهم السلام ، مخلصة في ولائهم ممحّضة في مودّتهم ، ولها عندهم الجاه الوجيه والمحلّ الرفيع .

وقد زارتها زينب الكبرى عليهاالسلام بعد وصولها المدينة تعزّيها بأولادها

الأربعة ، كما كانت تزورها أيّام العيد(2) .

ويقال : لمّا دخل بشير إلى المدينة ناعيا الحسين عليه السلام ، وخرج الرجال والنساء ، خرجت من جملتهنّ أمّ البنين عليهاالسلام ، فلمّا سمعت بقتل الحسين عليه السلام خرّت مغشّيا عليها .

فلمّا دخل زين العابدين عليه السلام وجماعته دار الرسول صلى الله عليه و آله ، فرآها مقفرّة الطلول ، خالية من سكّانها ، خالية بأحزانها، قد غشيها القدر النازل ، وساورها الخطب الهائل ، وأطلت عليها عذابات المنايا ، وظلّتها جحافلالرزايا ، وهي موحشة العرصات لفقد السادات .

للهام في معاهدها صياح ، وللرياح في محو آثارها إلحاح ، ولسانحالها يندب ندب الفاقدة ، وتذري دمعا من عين ساهدة ، وقد جالت عواصف النعامى والدبور في تلك المعالم والقصور .

ص: 224


1- عن كتاب أم البنين للسيد الكفائي : 82 .
2- العباس عليه السلام للمقرّم : 72 .

وقالت : يا قوم أسعدوني بإسالة العزوب على المقتول المسلوب ، وعلى الأزكياء من عترته ، والأطائب من امرأته ، فقد كنت آنس بهم في الخلوات ، وأسمع تهجّدهم في الصلوات ، فذوى غصني المثمر ، وأظلم ليلي المقمر ، فما يجفّ جفني من التهيام ، ولا يقلّ قلقي لذلك الغرام ، وليتني حيث فاتتني المواساة عند النزال ، وحرّمت معالجة تلك الأهوال ، كنت لأجسادهم الشريفة مواريا ، وللجثث الطواهر من ثقل الجنادل واقيا ، لقد درست باندراسهم سنن الإسلام ، وجفّت لفقدهم مناهل الإنعام ، وامتحت آثار التلاوة والدروس ، وعطّلت مشكلات الطروس ، فوا أسفا على خيبة بعد انهدام أركانه ، ووا عجبا من ارتداد الدهر بعد إيمانه ، وكيف لا أندب الأطلال الدوارس ، وأوقظ الأعين النواعس ، وقد كان سكّانها سماري في ليلي ونهاري ، وشموسي وأقماري آتية على الأيّام بجوارهم ، وأتمتّع بوطئ أقدامهم وآثارهم وأشرف على البشر يسيرهم وانشق ريا العبير من نشرهم ، فكيف يقلّ حزني وجزعي ومحمد حرقي وهلعي(1) .فقالت زينب عليهاالسلام بعد أن دخلت تلك الديار التي تنعى أهلها ، وتتجاوب الرياح النادبة بين جدرانها ، قالت : لا أريد أحدا يدخل عليّفي هذا اليوم إلاّ من فقدت لها عزيزا في كربلاء ، وجلست في منزلها ، وجعلت فضّة - خادمة الزهراء عليهاالسلام - على الباب .

ص: 225


1- مثير الأحزان : 114 .

فلمّا أفاقت أمّ البنين عليهاالسلام من غشيتها سألت عن الحوراء زينب عليهاالسلام ، وعن العائلة ، فأخبروها بذلك ، فبينما هنّ في البكاء والعويل وإذا بالباب تطرق .

فقالت فضّة : من بالباب فإنّ سيدتي زينب عليهاالسلام لا تريد أحدا يدخل عليها إلاّ من فقدت لها عزيزا في كربلاء .

فقالت : قولي لسيّدتك زينب إنّي شريكتها في هذا العزاء ، وأريد أن أدخل عليها لأساعدها ، فإنّي مثلها في المصاب .

فلمّا أخبرت فضّة زينب عليهاالسلام قالت : سليها من هي التي تكون مثلي في المصاب ، ثمّ قالت : إن صدق ظنّي فإنّها أم البنين عليهاالسلام .

فرجعت فضّة وقالت لها: تقول سيدتي : من أنت التي مثلها في المصاب؟

قالت : إنّي الثاكلة أم المصيبة العظمى .

قالت : أوضحي لي ؟

قالت : الحزينة صاحبة الفاجعة الكبرى .

قالت : أوضحي لي من تكونين ؟

قالت : أو ما عرفتني ، إنّي أم البنين عليهاالسلام .

فقالت فضّة : لقد صدقت سيدتي في ظنّها ، وإنّك - واللّه - كما تقولين ، أمالمصيبة العظمى والفاجعة الكبرى ، ثمّ فتحت لها الباب .فلمّا دخلت استقبلتها زينب عليهاالسلام واعتنقتها ، وبكت وقالت : عظّم اللّه لك الأجر في أولادك الأربعة .

ص: 226

قالت : وأنت عظّم اللّه لك الأجر في الحسين عليه السلام وفيهم ، وبكت وبكى من كان حاضرا(1) .

وفي تذكرة الشهداء لآية اللّه الملاّ حبيب الكاشاني : فجاءتها أم البنين عليهاالسلام ، فاعتنقتها وقالت : يا ابنة أمير المؤمنين ، ما خبر أولادي ؟

فقالت : قتلوا أجمعين .

فقالت أمّ البنين عليهاالسلام : روحي وأرواح الجميع فداءا للحسين عليه السلام ، وما خبر الحسين عليه السلام ؟

فقالت : قتلوه عطشانا .

فشبكت أمّ البنين عليهاالسلام عشرها على رأسها ، ونادت : وا حسيناه .

فقالت زينب عليهاالسلام : يا أمّ البنين عندي لك ذكرى من ولدك العباس عليه السلام .

فقالت : وأيّ شيء هو ؟

فنحّت زينب عليهاالسلام ملحفتها ، وأخرجت لها درع العباس عليه السلامملطّخا بالدماء .

فلمّا نظرت إليه أمّ البنين عليهاالسلام صاحت ووقعت مغمى عليها .

فالتفتت زينب عليهاالسلام إلى قبر الصدّيقة فاطمة عليهاالسلام وقالت : وجئتك يا أمّاهبهديّة من كربلاء ، ثمّ أخرجت قميص الحسين عليه السلام الممزّق من أثر الضرب والطعن ، والمضرّج بالدماء(2) .

ص: 227


1- مولد العباس لمحمد علي الناصري : 44 .
2- تذكرة الشهداء ترجمة سيد علي جمال أشرف : 517 .

المرحلة الخامسة : بقيّة عمرها إلى وفاتها عليهاالسلام

أم البنين عليهاالسلام تندب أبناءها

قضت أمّ البنين عليهاالسلام بقيّة عمرها بالنياحة والندبة ، وإقامة العزاء ، فكانت تخرج إلى البقيع وتندب سيد الشهداء وفلذات كبد الصدّيقة المظلومة ، وأبناءها الشهداء الأوفياء عليهم السلام .

قال أبو الفرج الإصفهاني : وكانت أمّ البنين عليهاالسلام - أم هؤلاء الأربعة الإخوة القتلى - تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرّها فيجتمع الناس إليها يسمعون منها ، فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك فلا يزال يسمع ندبتها ويبك-ي(1) .

ص: 228


1- مقاتل الطالبيّين : 90 ذيل ترجمة العباس عليه السلام . لقد كانت ندبة أم البنين عليهاالسلام مشجية « صمّ الصخور لهولها تتألّم » ، ولكن ذلك لا يعني أبدا أن يرقّ قلب الوزغ ابن الوزغ مروان ابن الحكم ، فقد يستفاد من قول أبي الفرج أنّ ندبة أمّ البنين كانت محرقة للقلوب بحيث تأثّر بها مروان على قساوته إلاّ أنّ هذا ممّا لا يمكن تصوّره في حقّ هذا اللعين ، وهو الذي حارب أهل البيت عليهم السلام ولم يفتر عن حربهم لحظة من عمره المشؤوم ، وهو الذي ألّب عليهم وحرّض وكاد لهم أحياءً وأمواتا ، وهو المتشفّي بقتل الحسين عليه السلام ، وقد أظهر الفرح والشماته بقوله لمّا نظر إلى رأس الحسين عليه السلام : يا حبّذا بردك في اليدين ولونك الأحمر في الخدّينكأنّه بات بعسجدين شفيت نفسي من دم الحسين

وقال العلاّمة السماوي في « إبصار العين » : وقد كانت تخرج إلى البقيع كلّ يوم ترثيه وتحمل ولده عبيد اللّه ، فيجتمع لسماع رثائها أهل المدينة ، وفيهم مروان بن الحكم ، فيبكون لشجى الندبة ، وكان من قولها عليهاالسلام :

يا من رأى العباس كرّ *** على جماهير النقد

ووراه من أبناء حيدر *** كلّ ليث ذي لبد

أنبئت أن ابني أصيب *** برأسه مقطوع يد

ويلي على شبلي أما *** ل برأسه ضرب العمد

لو كان سيفك في يد *** يك لما دنا منه أحد

وق-وله-ا عليهاالسلام :

لا تدعونّي ويك أم البنين *** تذكّريني بليوث العرين

كانت بنون لي أدعى بهم *** واليوم أصبحت ولا من بنين

أربعة مثل نسور الربى*** قد واصلوا الموت بقطع الوتين

تنازع الخرصان أشلائهم *** فكلّهم أمسى صريعا طعين

يا ليت شعري أكما أخبروا *** بأنّ عباسا قطيع اليمين(1)

كانت تتأسّى في خروجها إلى البقيع بالصدّيقة الطاهرة فاطمة

ص: 229


1- إبصار العين : 31 - 32 .

الزهراء عليهاالسلام ، حينما كانت تصطحب الحسن والحسين عليهماالسلام وتخرج إلى البقيع تبكي هناك أباها صلى الله عليه و آله .

أمّ البنين عليهاالسلام تحيي ذكرى عاشوراء :

كانت أم البنين عليهاالسلام من النساء الفاضلات العارفات بزمانها ، والعارفات بحقّ أهل البيت عليهم السلام ، كما كانت فصيحة بليغة ورعة ، وكانت ممّن حمى حريم الحسين عليه السلام ، وأقامت العزاء عليه لتشارك في حفظ ثورته والوفاء لدمه الذي سكن في الخلد ، وتفوز بأجر الباكي عليه عليه السلام ، وتشكّل حلقة مهمّة في امتداد الثورة ، وتكون صوتا للحنجرة المقدّسة التي قطعت في طفّ كربلاء .

وقد اتّخذت من الندبة والنياحة سبيلاً للنداء بمظلومية الحسين وآل البيت عليهم السلام ، فكانت - كما مرّ قبل قليل - تحمل عبيد اللّه بن العباس وتخرج

إلى البقيع تقيم المآتم على قتيل العبرات ، وتندب أولادها أشجى ندبة ، وتتمنّى لو كان الحسين عليه السلام حيّا وتموت هي وأولادها ومن على الأرضفداءً له ، وكانت تتوخّى من وراء ذلك :

أولاً : إقامة المآتم على سيد الشهداء عليه السلام وريحانة الرسول صلى الله عليه و آله ، وتعظيم شعائر اللّه .

ثانيا : تعلن للملأ عن شجاعة الحسين عليه السلام وأولادها ، ومظلوميّتهم ، وتفخر بهم على التاريخ .

ثالثا : تشرح أحداث كربلاء وما وقع فيها من ظلامات لآل النبي صلى الله عليه و آله ، وفجائع يخجل منها كلّ مخلوق ، وتصيغ ذلك بأسلوب الندبة العاطفي ،

ص: 230

وتعلن بذلك عن اعتراضها على الوضع القائم وحكومة الطاغوت .

رابعا : تفضح الحكّام الظلمة الذين تسلّطوا على مقدّرات الأمّة ، وحاولوا تضليل الناس ، وقلب الحقائق على مرّ التاريخ ، فكانت أم البنين عليهاالسلام تبيّن الحقّ والحقيقة من خلال ذلك .

خامسا : تحرّض الناس ضدّ بني أميّة وأذنابهم ، وتطالب بدماء الأحرار من آل البيت عليهم السلام .

سادسا : وكانت تخرج إلى البقيع - مع أنّ قبر أبي الفضل العباس وإخوته عليهم السلام في كربلاء - ليجتمع الناس هناك ، ويتذكّرون مظالم الحسن عليه السلام ، وريحانة النبي صلى الله عليه و آله الصدّيقة الطاهرة عليهاالسلام ، وتعيد لهم ذكرياتهم مع النبي صلى الله عليه و آله هناك ، وتذكّرهم بمواقف المسلمين في صدر الإسلام في الذبّ عن النبي صلى الله عليه و آله وآله ، وقد ضمّتهم الآن هذه المقبرة المقدّسة .

سابعا : وكانت تحمل معها عبيد اللّه بن العباس - حفيدها - باعتبارهكان موجودا يوم الطفّ ، فهو شاهد عيان ، ودليل وبرهان حيّ يروي لهم ولمن سيأتي من الأجيال ، ويجتمع له أترابه والكبار والصغار ... .لقد ساهمت أمّ البنين عليهاالسلام في إبلاغ خطاب عاشوراء إلى المجتمع المعاصر لها ، وأبلغت مسامع الأيّام ليتردّد صوتها إلى جانب صوت أم المصائب زينب عليهاالسلام حينما وقفت كالطود الشامخ لا تحرّكه العواصف لتحمي ثورة الحسين عليه السلام ، وتحفظ الحقّ ورسالة التوحيد على طول خطّ التاريخ(1) .

ص: 231


1- انظر : أم البنين للخلخالي ترجمة سيد علي جمال أشرف : 150 .

وفاة أمّ البنين عليهاالسلام

قال السيد مهدي السويج الخطيب(1) : سُئلت عدّة مرات في أماكن متعدّدة عن تاريخ وفاة أم البنين عليهاالسلام ، كما سألت أيضا عددا من أهل الخبرة في ذلك ، فكان جوابي لمن سألني وجواب من سألته جوابا واحدا ، وهو : لم نعثر على ذكر يوم وفاة أم البنين عليهاالسلام أو سنة وفاتها .

وفي ذات يوم تناولت كتابا كان قد وقع بيدي منذ عهد بعيد ، وقد شغلت عنه ، وكان قد علق في ذهني أنّ في الكتاب المذكور قصيدة فيحديث الكساء ، فتناولته على حساب القصيدة ، وكان اسم الكتاب « كنز المطالب » تأليف العلامة السيد محمد باقر القرباغي الهمداني رحمه الله ، فإليك نصّ ما جاء فيه بهذا الخصوص :

« قال المصنّف - رفع اللّه شأنه - : وكان مدار حديث الكساء المبارك بيت فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وكانت وفاتها في الثالث من جمادي الثاني ،

ص: 232


1- أم البنين سيدة نساء العرب : 84 .

وقد خلفتها في تربية الحسنين عليهماالسلام أمامة بنت أختها ، ثمّ فاطمة أم البنين الكلابية ، وقد توفّيت بعد مقتل الحسين عليه السلامودفنت بالبقيع بالقرب من فاطمة الزهراء عليهاالسلام .

ففي الاختيارات عن الأعمش قال : دخلت على الإمام زين العابدين عليه السلام في الثالث عشر من جمادي الثاني ، وكان يوم جمعة ، فدخل الفضل بن العباس عليه السلام ، وهو باك حزين ، وهو يقول :

« لقد ماتت جدّتي أم البنين » .

فانظر باللّه عليك إلى هذا الدهر الخؤون كيف فجع أهل الكساء مرّتين في شهر واحد فلا حول ولا قوة إلاّ باللّه ... »

ثمّ عثرت بعد ذلك بمدّة على خبر آخر في هامش « وقائع الشهور والأيّام » للبيرجندي ونصّه ما يلي :

« وفيه - يقصد الثالث عشر من جمادي الثاني - توفّيت أم البنين الكلابية عليهاالسلام سنة ( 64 ه ) عن الأعمش » .فهذان المصدران في تاريخ وفاة أم البنين عليهاالسلام - على حدّ نقل السيدالسويج - أحدهما يذكر اليوم ، والآخر يذكر السنة التي توفّيت فيها ملتحقة بالرفيق الأعلى .

ولم يتوفّر بأيدينا مصدر آخر سوى ما ذكرنا ، وفي ذلك كفاية لأنّ أمّ البنين عليهاالسلام قد رحلت إلى ربّها راضية مرضيّة ، فليكن هذا اليوم هو اليوم الذي رحلت فيه ، ولكن :

ص: 233

لنا أن نتصوّر أمّا تفارق الحياة غريبة ، وحيدة ، قضت عمرا مديدا في الولاء والوفاء، وقد ربّت أربعة من الأولاد، مثل أبيالفضل وإخوته عليهم السلام، وعاشت في كنف الأئمّة مثل الحسن والحسين وزين العابدين عليهم السلام ، كانت - كأيّ أمّ - تتمنّى أن ترفع على أكتافهم إلى القبر ، وينزلها كبيرهم إلى لحدها بيده ، ويشرج عليها اللبن . .

مضت إلى ربّها بعد أن ملأت أجواء المدينة نياحة ونحيبا وبكاءا على تلك الطلول والديار التي خلت من أهلها ، بعد أن كانت تزهر بالوجوه النيّرات ؛ وجوه آل محمد صلى الله عليه و آله المشرقات ، وقد استهتر العدوّ فيها حتى هدمها ولم يبق منها عين ولا أثر . . حيث أمر عمرو بن سعيد - وكان فظّا غليظا - صاحب شرطته أن يهدم دور بني هاشم ، ففعل ، وبلغ منهم كلّ مبلغ(1) . .وقال في رياض القدس نقلاً عن رياض الأحزان : أنّه جاء الأمر من الطاغية - يزيد لعنه اللّه - بعد قتل الحسين عليه السلام بتخريب دور آل عقيل بن أبي طالب ، ودور الحسين وإخوته عليهم السلام ، فخرّبوها فأصبحت بلاقع(2) .

رحلت أم البنين عليهاالسلام وخلّفت وراءها الذكريات التي كانت تعبق بالشهامة والوفاء ، والبطولة والولاء ، والشجى والبكاء ، ذكريات

ص: 234


1- الأغاني : 4/152 .
2- أم البنين للسالكي : 181 ، عن رياض القدس : 2/246 ، عن رياض الأحزان : 60 .

لم تنطفى ء إلى اليوم ، وسوف لا ولن تنطفى ء حتى يقوم الطالب بالثأر الحجّة القائم سليل الأنبياء والأوصياء عليهم السلام . .

رحلت وخلّفت للشيعة دمعة لا ترقأ على سيد الشهداء عليه السلام ، وذكرى طيّبة من أولادها الذين ضحّوا بين يدي أبناء سيدة النساء عليهاالسلام . .

رحلت وتركت فينا ذكرى أبي الفضل العباس وإخوته النجباء عليهم السلام . .

رحلت وما رحلت ، لأنّها لا زالت تعيش في قلوب شيعة الحسين وسيد الأوصياء عليهماالسلام . .

رحلت إلى جنان الخلد ؛ إلى جوار زوجها قسيم الجنّة والنار ، فقد عاشت سعيدة ، ومضت حميدة . .

رحلت محمّلة بالآهات والحسرات والزفرات ، تتطّلع إلى لقاء سيدة النساء عليهاالسلام ، لتسعدها هناك على مصيبة ولدها ، وتستوفي أجرها . .رحلت لتبقى بابا من أبواب الحوائج إلى اللّه . . تحنو على من يبكي علىسيد الشهداء عليه السلام ، يتوسّلون بها إلى اللّه فينجح اللّه بها طلبتهم ، ويحقّق لهم أمنيّاتهم ، ويقضي بها حوائجهم . .

رحلت وقد شربت كلّ هموم الدنيا كأسا مصبرة ، فجعلها اللّه فَرجا قريبا ، ودعوة مجابة ، وسرورا يغمر قلوب المكروبين والمهمومين من شيعة الحسين وأمير المؤمنين عليهماالسلام .

ص: 235

أبناء أم البنين عليهاالسلام

اشارة

تزوّج أمير المؤمنين عليه السلام فاطمة ابنة حزام العامرية ، وكان الإمام عليه السلام قد حدّد غرضه من هذا الزواج حينما أمر أخاه عقيل أن يبتغي له امرأة ولدتها الفحولة من العرب لتلد له غلاما فارسا شجاعا يكون عضدا لأخيه الحسين عليه السلام وناصرا له في طفّ كربلاء .

وكانت أم البنين عليه السلام واحدة من الحرائر الأربع اللواتي توفّي عنهنّ سيد الوصيّين عليه السلام ، فولدت له أربعة بنين وأنجبت بهم : العباس وعبد اللّه وجعفر وعثمان عليهم السلام . . . استشهدوا جميعا بين يدي الحسين عليه السلام في كربلاء .

بنت أمّ البنين عليهاالسلام ؟

وفي الكوفة قبر يقابل « باب الثعبان » - المعروف بباب الفيل - لا يفصله عن باب المسجد سوى عرض الشارع فقط ، مكتوب عليه « قبر خديجة بنت أمير المؤمنين عليه السلام أخت العباس » ، وهي ما دامت

ص: 236

بنت أمير المؤمنين عليه السلام فلا شكّ أنّها أخت العباس عليه السلام إلاّ أنّ العبارة المنقوشة على المدخل توحي أنّها أخته لأبيه وأمّه ، فتكون بنت أمّ البنين عليهاالسلام أيضا .

ولكنّ كتب التاريخ والأنساب لا تذكر - على حدّ علمنا وتفحّصنا - لأمّ البنين عليه السلام بنتا .

وربما كانت بنت أمير المؤمنين عليه السلام التي ماتت وهي جارية لم تبرز ،

وأمّها محياة بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم الكلابية ، من كلب ، وكانت تخرج إلى المسجد ، وهي جارية ، فيقال لها : من أخوالك ؟ فتقول : وه وه(1) ، تعني بني كلب(2) .

ظنّ الناس أنّها بنت أم البنين عليهاالسلام لأنّها كلابية .

ولعلّها كانت خديجة بنت أمير المؤمنين عليه السلام وأمّها أم ولد ، فكانت عند عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب عليهم السلام ، فولدت له سعدا وعقيلاً ، كما ذكره الطبرسي في إعلام الورى .

ص: 237


1- لما كانت بنت أمير المؤمنين عليه السلام صغيرة وكانت تلثغ كما في الأخبار ؛ أي أنّها تقلّب «الكاف » تاءا فكان الناس يمزحون معها ؛ يسألونها عن أخوالها لأنّهم يعلمون أنّها ستقول : « بني تلب » ، وكانت هذه الطيّبة الطاهرة سريعة البديهة ذكيّة تجيبهم بهذا الجواب فتغلبهم وتتجنّب حرف الكاف. واللّه العالم.
2- الطبقات الكبرى لابن سعد : 3/20 ، تاريخ الطبري : 4/119 ، الكامل في التاريخ لابن الأثير : 3/398 ، البداية والنهاية لابن كثير : 7/ 367 ، جواهر المطالب لابن الدمشقي : 2/123 .

وقال الشيخ حسن بن سليمان بن محمد بن الحسن الشويكي في مقتله نقلاً من الجزء العاشر من كتاب المنن لعبد الوهّاب الشعراني ، قال : وعبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب قتل مع الحسين بن علي عليهماالسلامبالطفّ ، وابناه سعد وعقيل كانا معه ، وماتا من شدّة العطش ومن الدهشة والذعر ، بعد شهادة الحسين عليه السلام لمّا هجم القوم على المخيّم للسلب ، وأمّهما خديجة بنت علي بن أبي طالب عليهم السلام توفّيت بالكوفة(1) .

* * *

وكيف كان ، فإنّنا سوف نتناول ذكر كلّ واحد من أولادها الأبرار باختصار يناسب موضوع الكتاب .

* * *

وفاء أولاد أم البنين عليهاالسلام

العباس وإخوته عليهم السلام يردّون أمان ابن زياد :

لمّا كتب ابن زياد كتابه إلى عمر بن سعد بالتعجيل لحرب الحسين عليه السلام ، وقبضه شمر بن ذي الجوشن ، قام هو وعبد اللّه بن أبي المحل بن حزام الكلابي .

فقال عبداللّه: أصلح اللّه الأمير؛ إنّ بني أختنا أم البنين: العباس وعبداللّه وجعفرا وعثمان مع الحسين عليه السلام ، فإن رأيت أن تكتب لهم أمانا فعلت .

ص: 238


1- معالي السبطين : 2/214 .

قال ابن زياد : نعم ، فأمر كاتبه فكتب لهم أمانا .. .

فبعث به عبد اللّه بن أبي المحلّ مع مولى له يقال له « كزمان » .

ولمّا قدم عليهم « كزمان » مولى عبد اللّه بن أبي المحلّ دعاهم فقال : هذا أمان بعث به خالكم .

فقال له الفتية : اقرأ خالنا السلام وقل له : أن لا حاجة لنا في أمانكم ، أمان اللّه خير من أمان ابن سميّة(1) .

وفي رواية أخرى أنّ الذي جاء بالأمان شمر ، وصاح بأعلى صوته : أين بنو أختنا ؟ أين العباس وإخوته ؟

فأعرضوا عنه ، فقال الحسين عليه السلام : أجيبوه ولو كان فاسقا .

قالوا : ما شأنك وما تريد ؟

قال : يا بني أختي أنتم آمنون لا تقتلوا أنفسكم مع الحسين والزموا طاعة أمير ... يزيد .

فقال العباس عليه السلام : لعنك اللّه ولعن أمانك ، أتؤمننا وابن رسول اللّه لا أمان له ، وتأمرنا أن ندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء(2) .

ص: 239


1- مقتل أبي مخنف : 188 .
2- انظر : الإرشاد للمفيد : 257 ، تاريخ الطبري : 4/315 ، الكامل في ا لتاريخ : 3/284 ، أنساب الأشراف : 3/391 ، الفتوح لابن أعثم : 5/168 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/349 ، تذكرة الخواص : 224 ، مثير الأحزان لابن نما : 28 ، مقتل الحسين عليه السلام ( للمقرّم ) : 209 .

لقاء بين زهير بن القين وأبي الفضل العباس عليه السلام :

لمّا رجع العباس واخوته إلى الحسين عليهم السلام وأعلموه بما أراده الماجن منهم ، قام زهير بن القين إلى العباس عليه السلام ، وحدّثه بحديث .

فقال له : ألا أحدّثك بحديث وعيته ؟!

قال العباس عليه السلام : بلى حدّثني به .

قال زهير : اعلم - يا أبا الفضل - إنّ أباك أمير المؤمنين عليه السلامطلب من أخيه عقيل - وكان عارفا بأنساب العرب وأخبارها - أن يختار له امرأة ولدتها الفحولة من العرب وذوو الشجاعة منهم ؛ ليتزوّجها ، فتلد له غلاما فارسا شجاعا ينصر الحسين عليه السلامبطفّ كربلا ، وقد ادّخرك أبوك لمثل هذا اليوم ، فلا تقصّر عن نصرة أخيك وحماية أخواتك .

فثارث غيرته الهاشمية وتفجّرت همّته العلوية ، فتمطّى في ركابه حتى قطعه ، وقال : يا زهير ! تشجّعني هذا اليوم ، فواللّه لأرينّك شيئا ما رأيته(1) . . .

فجدّل أبطالاً ، ونكّس رايات في حالة لم يكن همّه القتال ، ولا منازلة الأبطال ، بل كان همّه إيصال الماء إلى الأطفال ، ولكن لا مردّ للقضاء ،ولا دافع للأجل المحتوم .

ص: 240


1- انظر : بطل العلقمي للعلامة المظفّر : 1/120 ، أسرار الشهادة للفاضل الدربندي : 218 . الخصائص العباسية : 247 ، مقتل الحسين عليه السلام للمقرّم : 794 .

قال حفيده الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد اللّه بن العباس عليه السلام :

إنّي لأذكر للعباس موقفه *** بكربلاء وهام القوم تختطف

يحمى الحسين ويحميه على ظمأ *** ولا يولّي ولا يثني فيختلف

ولا أرى مشهدا يوما كمشهده *** مع الحسين عليه الفضل والشرف

أكرم به مشهدا بانت فضيلته *** وما أضاع له أفعاله خلف(1)

العباس عليه السلام يمتنع عن شرب الماء مواساة للحسين عليه السلام وعياله :

إنّ العباس عليه السلام لمّا رأى وحدة الحسين عليه السلام أتى أخاه ، وقال : يا أخي هل من رخصة ؟

فبكى الحسين عليه السلام بكاء شديدا ، ثمّ قال : يا أخي ، أنت صاحب لوائي ، وإذا مضيت تفرّق عسكري ، فقال العباس عليه السلام : قد ضاق صدري ، وسئمت من الحياة ، وأريد أن أطلب ثأري من هؤاء المنافقين .

فقال الحسين عليه السلام : فاطلب لهؤاء الأطفال قليلاً من الماء ، فذهب العباس عليه السلام ، ووعظهم وحذّرهم ، فلم ينفعهم ، فرجع إلى أخيه ، فأخبره ، فسمع الأطفال ينادون : العطش . . العطش . .

روى في مهيّج الأحزان وغيره :

« فلمّا أجاز الحسين عليه السلام أخاه العباس عليه السلام للبراز ، برز كالجبل العظيم ،

ص: 241


1- إبصار العين : 31 .

وقلبه كالطود الجسيم ؛ لأنّه كان فارسا هماما ، وبطلاً ضرغاما ، وكان جسورا على الطعن والضرب في ميدان الكفاح والحرب(1) » .

فركب فرسه وأخذ رمحه والقربة ، وقصد نحو الفرات ، فأحاط به أربعة آلاف ممّن كانوا موكّلين بالفرات ، ورموه بالنبال ، فكشفهم وقتل منهم على ما روي ثمانين رجلاً حتى دخل الماء .

فلمّا أراد أن يشرب غرفة من الماء ذكر عطش الحسين عليه السلاموأهل بيته ، فرمى الماء وملأ القربة ، وحملها على كتفه الأيمن ، وتوجّه نحو الخيمة(2) . . .

لقد وصل العباس عليه السلام إلى المشرعة ، وأقحم الماء فرسه ، وملأ كفّه بالماء ، واستروح كبده الملتهب رائحة الماء وأحسّ ببرده إلاّ أ نّه ذكر عطش أخيه(3) ، وثار فيه الوفاء الذي ما بارحه آنا من حياته المباركة ، فرمى الماء من كفّه ، وأنشأ يقول :

يا نفس من بعد الحسين هوني *** وبعده لا كنت أن تكوني

هذا الحسين وارد المنون ** وتشربين بارد المعين

هيهات ما هذا فعال ديني *** ولا فعال صادق اليقين(4)

ص: 242


1- مهيّج الأحزان ترجمة سيد علي جمال أشرف : 280 .
2- بحار الأنوار : 45/41 بقيّة الباب 37 .
3- لم يكن أبو الفضل عليه السلام ناسيا حتى يذكر ، وإنّما المقصود - ظاهرا - من « ذكر » ، أي تلا وقرأ لنفسه مصيبة عطش الحسين عليه السلام فقال : يا نفس من بعد الحسين عليه السلام هوني . .
4- بحار الأنوار : 45/41 بقيّة الباب 37 .

العباس بن أمير المؤمنين عليهماالسلام :

اشارة

اختلف المؤرّخون في مقدار سنّه ، فمنهم من قال : أنّه ولد العباس عليه السلام

سنة ستّ وعشرين من الهجرة ، وقال : إنّ هذا القول هو المشهور ، وهو الأصوب إن شاء اللّه (1) .

ومنهم من قال : أنّه من لدة محمد بن الحنفية(2) .

وكان يلقّب : « قمر بني هاشم » ويكنّى « أبا الفضل » ، وله ألقاب وكنى كثيرة نشأت من فضائله الجامعة ، وكمالاته الكلّية ، ومكارم أخلاقه ، ونفسه الهاشمية ، وشيمه المحمدية والعلوية عليهماالسلام .

روي عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام أ نّه قال : كان عمّنا العباس بن

علي عليهماالسلام نافذ البصيرة ، صلب الإيمان ، جاهد مع أبي عبد اللّه عليه السلاموأبلى بلاءً حسنا ، ومضى شهيدا(3) .

وروي عن علي بن الحسين عليهماالسلام أ نّه نظر يوما إلى عبيد اللّه بن العباسبن علي عليه السلام فاستعبر ثمّ قال : ما من يوم أشدّ على رسول اللّه صلى الله عليه و آله من يوم « أحد » قتل فيه عمّه حمزة بن عبد المطّلب ، أسد اللّه وأسد رسوله ، وبعده يوم « مؤتة » قتل فيه ابن عمّه جعفر بن أبي طالب ، ولا يوم كيوم

ص: 243


1- بطل العلقمي للمظفّر : 2/8 .
2- بطل العلقمي للمظفّر : 2/8 .
3- عمدة الطالب : 356 ، سرّ السلسلة العلوية : 89 ، إبصار العين : 57 .

الحسين عليه السلام ، ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنّهم من هذه الأمّة ، كلّ يتقرّب إلى اللّه - عزّ وجلّ - بدمه ، وهو يذكّرهم باللّه فلا يتّعظون ، حتى قتلوه بغيا وظلما وعدوانا .

ثمّ قال : رحم اللّه العباس ، فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه ، حتى قطعت يداه ، فأبدله اللّه - عزّ وجل - منهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة كما جعل لجعفر بن أبي طالب عليهماالسلام ، وإنّ للعباس عليه السلامعند اللّه - تبارك وتعالى - منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة(1) .

قال السيد المقرّم رحمه الله : لقد كان من عطف المولى - سبحانه وتعالى - على وليّه المقدّس، سلالة الخلافة الكبرى ، سيد الأوصياء ، أن جمع فيه صفات الجلالة من بأس وشجاعة وإباء ونجدة ، وخلال الجمال من سؤدد وكرم ودماثة فيالخلق وعطف على الضعيف ، كلّ ذلك من البهجة في المنظر ووضاءة في المحيا ، من ثغر باسم ، ووجه طلق ، تتموّج عليه أمواه الحسن ،ويطفح عليه رواء الجمال ، وعلى أسرة جبهته أنوار الإيمان ، كما كانتتعبق من أعراقه فوائح المجد متأرّجة من طيب العنصر ، ولمّا تطابق فيه الجمالان الصوري والمعنوي قيل له : « قمر بني هاشم »(2) حيث كان يشوء بجماله كلّ جميل ، ويبذّ بطلاوة منظره كلّ أحد ، حتى كأ نّه الفذّ

ص: 244


1- أمالي الصدوق : 547 مج 70 ح 10 ، بحار الأنوار : 44/298 .
2- كان يقال لعبد مناف : « قمر البطحاء » ، ولعبد اللّه والد النبي صلى الله عليه و آله : « قمر الحرم » .

في عالم البهاء ، والوحيد في دنياه ، كالقمر الفائق بنوره أشعّة النجوم ، وهذا هو حديث الرواة :

« كان العباس وسيما ، جميلاً ، يركب الفرس المطهّم ورجلاه يخطّان في الأرض ، ويقال له : قمر بني هاشم »(1) .

قال مؤلّف « تذكرة الشهداء » : يكفي هذا الأبيّ العظيم شرفا أ نّه ابن أسد اللّه ، وأخو قرطي عرش اللّه ، وما أعظم فضله ومعرفته حتى كنّي بأبي الفضل ، وليس ذاك لأنّه كان له ولد اسمه الفضل فحسب ، بل لأنّه نال مراتب العلم والمعرفة والفضل .

وما أسخاه وما أعظمه حيث أعرض عن الدنيا وزخرفها ، ونسى الأهل والولد ، وسعى إلى الشهادة جاهدا صابرا محتسبا ، وبذل كلّ غالٍ ونفيس في سبيل الدفاع عن حريم إمامه وأخيه الحسين عليهماالسلامو « كمالالجود بذل الموجود »(2) .

أمير المؤمنين عليه السلام يقبّل يدي العباس عليه السلام :

كان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يرعى ولده العباس عليه السلام في طفولته ، وكان يوسّعه تقبيلاً .

يقول المؤرّخون : إنّه أجلسه في حجره ، فشمّر عن ساعديه ، فجعل

ص: 245


1- مقاتل الطالبيّين ، ترجمة العباس بن علي عليهماالسلام .
2- تذكرة الشهداء ترجمة سيد علي جمال أشرف : 243 .

الإمام عليه السلام يقبّلها ، وهو غارق في البكاء ، فبهرت أم البنين عليهاالسلام ، وراحت تقول للإمام عليه السلام : ما يبكيك ؟

فأجابها الإمام عليه السلام بصوت خافت حزين النبرات : « نظرت إلى هذين الكفّين وتذكّرت ما يجري عليهما ... » .

وسارعت أم البنين عليهاالسلام بلهفة قائلة : وماذا يجري عليهما ؟

فأجابها الإمام بنبرات ملئية بالأسى والحزن قائلاً : إنّهما يقطعان من الزند . . . .

وكانت هذه الكلمات كالصاعقة على أمّ البنين عليهاالسلام ، فقد ذاب قلبها ، وسارعت وهي مذهولة قائلة لماذا يقطعان ؟

وأخبرها الإمام عليه السلام بأنّهما إنّما يقطعان في نصرة الإسلام والذبّ عن أخيه حامي شريعة اللّه ، ريحانة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأجهشت أم البنين عليهاالسلامفي البكاء ، وشاركها من كان معها من النساء لوعتها وحزنها .

وخلدت أم البنين عليهاالسلام إلى الصبر ، وحمدت اللّه - تعالى - في أن يكونولدها فداءً لسبط رسول اللّه صلى الله عليه و آله وريحانته(1) .

فبشّر سيد الأوصياء عليه السلام بمكانة ولدها العزيز عند اللّه - جلّ شأنه - ، وما حباه عن يديه بجناحين يطير بهما مع الملائكه في الجنّة ، كما

ص: 246


1- العباس رائد الكرامة والفداء للشيخ باقر شريف القرشي : 37 ، قمر بني هاشم للمقرّم : 19 .

جعل ذلك لجعفر بن أبي طالب عليهماالسلام ، فقامت تحمل بشرى الأبد والسعادة الخالدة(1) .

قال خادم أهل البيت الشاعر عبد المنعم الفرطوسي في ملحمته :

وأتت فيه أمّه لعلي *** فتبدت كفّاه بعد اختفاء

فبكى حيدر فقالت : أعيبٌ *** في يديه يا سيّد الأوصياء

قال : كلاّ لكن لقطع يديه *** عند نصر الحسين كان بكائي

ورآه قد ترقرق منه *** قدح فوق رأسه للماء

جاء يسقي به الحسين ليروى *** حين نادى مولىً له للرواء

قال : هذا يوم ويوم أبا الفض- *** ل يحلّي متنيك فيض الدماء

خصّ بالسبط وهو طفل صغير *** فهو مولىً له وصنو الإخاء

هو عون الحسين حين تجلّى *** يوم صفين ظافرا بالماء

ونصير الهدى وساقي عطاشى *** كربلاء وشبل ساقي الظماء

هو قبل الميلاد خير نصيرٍ *** للحسين الظامي وخير فداء

حملته كُرها ووضعته كُرها :

روى الكليني رحمه الله في الكافي مسندا عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ : لَمَّا حَمَلَتْ فَاطِمَةُ عليهاالسلام بِالْحُسَيْنِ جَاءَ جَبْرَئِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ : إِنَّ فَاطِمَةَ عليهاالسلام سَتَلِدُ غُلاَما تَقْتُلُهُ أُمَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ .

ص: 247


1- قمر بني هاشم للمقرّم : 20 .

فَلَمَّا حَمَلَتْ فَاطِمَةُ بِالْحُسَيْنِ عليه السلام كَرِهَتْ حَمْلَهُ ، وَحِينَ وَضَعَتْهُ كَرِهَتْ وَضْعَهُ .

ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : لَمْ تُرَ فِي الدُّنْيَا أُمٌّ تَلِدُ غُلاَما تَكْرَهُهُ ، وَلَكِنَّهَا كَرِهَتْهُ لِمَا عَلِمَتْ أَنَّهُ سَيُقْتَلُ . .

قَالَ عليه السلام : وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ « وَوَصَّيْنَا الإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْنا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْها وَوَضَعَتْهُ كُرْها وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرا »(1) .

وفي دلائل الإمامة للطبري : وإنّ اللّه - تعالى - هنّأ نبيّه صلى الله عليه و آلهبحمل الحسين عليه السلام وولادته ، وعزّاه بقتله ومصابه ، فعرّف فاطمة عليهاالسلام بذلك ، فكرهت حمله وولادته حزنا عليه للمصيبة ، فأنزل اللّه - تعالى - « حَمَلَتْهُ

أُمُّهُ كُرْها وَوَضَعَتْهُ كُرْها وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرا »(2) .لا شكّ أنّ الآية تتحدّث عن مصاب سيدة النساء فاطمة بولدها سيدالشهداء الحسين عليه السلام ، وأنّها أخبرت من قبل اللّه - كما نصّ الحديث وأحاديث أخرى في الباب - بشهادة ولدها ، فحزنت ، وأيّ أمّ لا تحزن وهي تعلم عن اللّه أنّ ولدها مقتول مذبوح ، فتحمله كرها وتضعه كرها ، وهذا لا ينافي التسليم ، فالكره لا يعني الاعتراض ، وإنّما يعني المشقّة والحزن ، كما أشار الإمام الصادق عليه السلام في حديث أبي خديجة .

ص: 248


1- الكافي : 1/464 ح3 .
2- دلائل الإمامة : 72 .

وقد أخبر أمير المؤمنين عليه السلام منذ اللحظة الأولى ، بل قبل أن يتمّ الزواج أنّه يريد امرأة لتنجب له ولدا فارسا بطلاً شجاعا يكون عضدا لأخيه الحسين عليهماالسلام ينصره في طفّ كربلاء ، « انظر لي امرأة ولدتها الفحولة من العرب . . لكي أصيب منها ولدا يكون شجاعا وعضدا ينصر ولدي هذا - وأشار إلى الحسين عليه السلام - يواسيه في طفّ كربلاء »(1) . .

كما أخبرها عليه السلام أنّ يديه تقطعان في الذبّ عن إمامه وسيده الحسين عليه السلام وعياله وحرم أبيه وجدّه ، وأنّه سيكون فداء لريحانة رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الساعات الأولى من ولادته عليه السلام(2) .

وبهذا كان لأم البنين عليهاالسلام في سيدة النساء عليهاالسلام أُسوة وقدوة ، ومواساةوسلوة ، حيث حملت ولدها وهي تعلم بإخبار أمير المؤمنين عليه السلام- وهوالمخبر عن اللّه - أنّ ولدها مقتول في الطفّ بين يدي الحسين عليه السلام .

تعويذ أم البنين له عليهماالسلام :

لقد كان أبو الفضل العباس عليه السلام آية في الجمال ، وقد لقّب ب-« قمر بني هاشم » و« قمر العشيرة » لروعة بهائه وجمال طلعته ، وكان متكامل الجسم ، فارع الطول ، بهيّة الطلعة ، تلوح على سيمائه آثار الفروسية والبطولة والشجاعة ، ويحيط به النور المتشعشع من محيّاه الوضّاء ،

ص: 249


1- بطل العلقمي : 1/121 .
2- العباس رائد الكرامة والفداء للشيخ باقر شريف القرشي : 37 ، قمر بني هاشم للمقرّم : 19 .

وقد وصفه الرواة فقالوا : كان وسيما جميلاً ، يركب الفرس المطهّم ورجلاه يخطّان في الأرض .

وكانت أمّه الرؤوم تحبّه وتخاف عليه ، فكانت تعوّذه باللّه بهذه الأبيات :

أعيذه بالواحد *** من عين كلّ حاسد

قائمهم والقاعد *** مسلمهم والجاحد

صادرهم والوارد *** مولدهم والوالد(1)

كن-ي-ت-ه عليه السلام :

عرف العباس عليه السلام بكنيته « أبو الفضل » ، وروى : إنّما كنّي بذلك ، لأنّ له ولدا اسمه الفضل .

قال أحد الأدباء :

أباالفضل يا من أسّس الفضل والإبا *** أبى الفضلُ إلاّ أن تكون له أبا

وطابقت هذه الكنية حقيقة ذاته العظيمة ، فلو لم يكن له ولد يسمّى بهذا الاسم ، فهو - حقّا - أبو الفضل ومصدره الفيّاض ، فقد أفاض في حياته ببرّه وعطائه على القاصدين لنبله وجوده ، وبعد شهادته كان موئلاً وملجأً لكلّ ملهوف ، فما استجار به أحد بنيّة صادقة إلاّ كشف اللّه ما ألمّ به من المحن والبلوى .

ص: 250


1- المنمق في أخبار قريش : 437 .

ومن كناه أيضا : « أبو القاسم » وكنّي بذلك لأنّ له ولدا اسمه « القاسم » ، ذكر بعض المؤرّخين أ نّه استشهد معه يوم الطفّ ، قدّمه العباس عليه السلام قربانا لدين اللّه وفداءً لريحانة رسول اللّه صلى الله عليه و آله(1) .

وأبى إلاّ أن يكون قد واسى الحسين عليه السلام أخاه في كلّ شيء حتى في الفجيعة بولده وفلذة كبده .

عشيّة اليوم التاسع :

في عشية اليوم التاسع من المحرّم نادى عمر بن سعد : يا خيل اللّه اركبي وبالجنّة ابشري ، فركب الناس حتى زحف نحوهم بعد العصر ، والحسين عليه السلام جالس أمام بيته محتبيا بسيفه ، إذ خفق برأسه على ركبتيه ،فسمعت أخته الضجّة ، فدنت من أخيها فقالت : يا أخي أما تسمعالأصوات قد اقتربت ، فرفع الحسين عليه السلامرأسه ، فقال : إنّي رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله الساعة في المنام فقال لي : إنّك تروح إلينا ، فلطمت أخته وجهها ونادت بالويل ، فقال لها الحسين عليه السلام : ليس لك الويل يا أخيّة اسكتي رحمك اللّه .

ثمّ قال له العباس بن علي عليهماالسلام : يا أخي أتاك القوم .

فنهض ثمّ قال : يا عباس - اركب بنفسي أنت يا أخي - حتى تلقاهم وتقول لهم : ما لكم ؟ وما بدالكم ؟ وتسألهم عمّا جاء بهم .

ص: 251


1- انظر : العباس رائد الكرامة .

فأتاهم العباس عليه السلام في نحو من عشرين فارسا ، فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر .

فقال لهم العباس عليه السلام : ما بدا لكم ؟ وما تريدون ؟

قالوا : قد جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم .

فقال : فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد اللّه فأعرض عليه ما ذكرتم .

فوقفوا وقالوا : القه فاعلمه ، ثمّ القِنا بما يقول لك .

فانصرف العباس عليه السلام راجعا يركض إلى الحسين عليه السلام يخبره الخبر ، ووقف أصحابه يخاطبون القوم ويعظونهم ويكفّونهم عن قتال الحسين عليه السلام .فجاء العباس عليه السلام إلى الحسين عليه السلام فأخبره بما قال القوم ، فقال عليه السلام : ارجع اليهم ، فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غدوة ، وتدفعهم عنّا العشيّة لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة وندعوه ونستغفره ، فهو يعلم أنّي قد كنت أحبّ الصلاة له ، وتلاوة كتابه ، وكثرة الدعاء والإستغفار .

فمضى العباس عليه السلام إلى القوم ، ورجع العباس عليه السلام واستمهلهم العشيّة ، فتوقّف ابن سعد وسأل من الناس ، فقال عمرو بن الحجّاج : سبحان اللّه ، لو كانوا من الديلم وسألوك هذا لكان ينبغي لك أن تجيبهم إليه .

ص: 252

فبعث عمر بن سعد إلى الحسين عليه السلام يقول : إنّا قد أجّلناكم إلى غد ، فإن استسلمتم سرّحناكم إلى أميرنا عبيد اللّه بن زياد ، وإن أبيتم فلسنا تاركيكم(1) . . .

الشهادة :

وقع العذاب على جيوش أميّة *** من باسل هو في الوقائع معلم

ما راعهم إلاّ تقحّم ضيغم *** غيران يعجم لفظه ويدمدم

عبست وجوه القوم خوف الموت *** والعباس فيهم ضاحك متبسّم

قلب اليمين على الشمال وغاص في *** الأوساط يحصد في الرؤوس ويحطم

قسما بصارمه الصقيل وإنّني *** في غير صاعقة السماء لا أقسم

لولا القضاء لمحى الوجود بسيفه **** واللّه يقضي ما يشاء ويحكم

اتّجه أبو الفضل العباس عليه السلام نحو المخيّم بعد ما ملأ القربة ، والتحم مع أعداء اللّه التحاما رهيبا ، فقد أحاطوا به من كلّ جانب - وهي أربعة

ص: 253


1- الإرشاد للمفيد : 230 .

آلاف - ليمنعوه من إيصال الماء إلى عطاشى آل النبي صلى الله عليه و آله ، وثوّروا عليه النبال كالجراد المنتشر ، فلم ترعه كثرتهم ، وأخذ يكردهم وحده ، ولواء الحمد يرفّ على رأسه ، وهو يحصد رؤوسهم ، وهو يرتجز :

لا أرهب الموت إذ الموت زقا *** حتى أورى في المصاليت لقى

نفسي لسبط المصطفى الطهر وقا *** إنّي أنا العباس أغدو بالسقا

ولا أخاف الشرّ يوم الملتقى

وانهزمت الجيوش من بين يديه يطاردها الفزع والرعب ، فقد ذكّرهم ببطولات أبيه فاتح خيبر ومحطم فلول الشرك ، ولم يشعر القوم أهو العباس يجدّل الأبطال أم أنّه الوصي الذي خافته الأهوال ، فلم تثبت له الرجال فكمن له الخبيث زيد بن الرقاد الجهني من وراء نخلة ، وعاونه حكيم بنالطفيل السنبسي - ولم يستقبلاه بوجهه - ، فضربه على يمينه ، فبراها .ولم يثن ذلك عزم أبي الفضل عليه السلام ، فجعل يقاتل وهو يرتجز :

واللّه إن قطعتموا يميني *** إنّي أحامي أبدا عن ديني

وعن إمام صادق اليقين *** نجل النبي الطاهر الأمين

وتقدّم العباس عليه السلام قليلاً فكمن له الرجس الخبيث حكيم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة ، فضربه على يساره ، فبراها ، فقال عليه السلام :

يا نفس لا تخشي من الكفّار *** وأبشري برحمة الجبّار

مع النبي السيد المختار *** قد قطعوا ببغيهم يساري

فأصلهم يا ربّ حرّ النار

ص: 254

فحمل القربة بأسنانه ، وجعل يركض ليوصل الماء إلى عطاشى أهل البيت عليهم السلام .

قال القاضي أبو حنيفة النعمان المتوفّى سنة ( 363 ه ) : وقطعوا يديه ورجليه حنقا عليه ولما أبلى فيهم وقتل منهم ، فلذلك سمّي السقّاء(1) .

وربما كان السبب في قطع رجلي العباس عليه السلام - إضافة إلى حنقهم لعنهم اللّه - أنّهم أرادوا أن يمنعوه عن إيصال الماء ؛ لأنّه عليه السلامترك فرسه وسارع يركض برجليه ، تحمله همّته ، وتدفعه شهامته ، وتجرّه صرخات الأطفالواستغاثتهم وهي تملأ سمعه ، وتستثير نخوته . .فعند ذلك أمنوا سطوته وتكاثروا عليه ، وأتته السهام كالمطر ، فأصاب القربة سهم وأريق ماؤها ، وسهم أصاب صدره ، وسهم أصاب عينه ، وشدّ عليه رجس خبيث وضربه بعمود من حديد على رأسه الشريف ففلق هامته .

وهوى بجنب العلقمي فليته *** للشاربين به يداف العلقم

وهوى إلى الأرض (2) ، وودّع أخاه الوداع الأخير فنادى : « عليك منّي السلام أبا عبد اللّه . . . »

ص: 255


1- شرح الأخبار : 3/193 في ذكر من قتل مع الحسين عليه السلام ، وكذا قال في كتابه المثالب والمناقب عند ذكر مناقب الحسين عليه السلام .
2- قال السيد المقرّم رحمه الله في هامش كتابه مقتل الحسين عليه السلام : 268 : وسمعت العالم الفاضل الشيخ كاظم سبتي رحمه الله يقول: أتاني بعض العلماء الثقات وقال: أنا رسول العباس عليه السلام إليك ، رأيته في المنام يعتب عليك ويقول : لم يذكر مصيبتي شيخ كاظم سبتي ، فقلت له : يا سيدي ما زلت اسمعه يذكر مصائبك ، فقال عليه السلام قل له : يذكر هذه المصيبة وهي : أنّ الفارس إذا سقط من فرسه يتلقّى الأرض بيديه ، فإذا كانت السهام في صدره ويداه مقطوعتان بماذا يتلقّى الأرض ؟!

« فانقضّ عليه أبو عبد اللّه كالصقر ، فرآه مقطوع اليمين واليسار ، مرضوخ الجبين ، مشكوك العين بسهم ، مرتثّا بالجراحة ، فوقف عليه منحنيا ، وجلس عند رأسه يبكي » ، وهو يلفظ شظايا قلبه الذي مزقته الكوارث، وقال : «الآن انكسر ظهري ، وقلّت حيلتي ، وشمت بي عدوّي».

فمشى لمصرعه الحسين وطرفه *** بين الخيام وبينه متقسّم

ألفاه محجوب الجمال كأنّه *** بدر بمنحطم الوشيج ملثّم

فأكبّ منحنيا عليه ودمعه *** صبغ البسيط كأ نّما هو عندم

قد رام يلثمه فلم ير موضعا *** لم يدمه عضّ السلاح فيلثم

نادى وقد ملأ البوادي صيحة *** صمّ الصخور لهولها يتألّم

أأخي يهنّيك النعيم ولم أخل *** ترضى بأن أرزى وأنت منعّم

أأخي من يحمي بنات محمد *** إذ صرن يسترحمن من لا يرحم

ما خلت بعدك أن تشلّ سواعدي *** وتكفّ باصرتي وظهري يقصم

لسواك يلطم بالأكفّ وهذه *** بيض الظبى لك في جبيني تلطم

مابين مصرعك الفظيع ومصرعي *** إلاّ كما أدعوك قبل وتنعم

هذا حسامك من يذلّ به العداء *** ولواك هذا من به يتقدّم

هوّنت يا ابن أبي مصارع فتيتي *** والجرح يسكنه الذي هو آلم

ص: 256

رجوع الحسين عليه السلام إلى المخيّم وحده :

قال البهبهاني في الدمعة الساكبة : إنّ من كثرة الجراحات الواردة على العباس عليه السلام لم يقدر الحسين عليه السلام أن يحمله إلى محمل الشهداء ، فترك جسده في محلّ قتله ، ورجع باكيا حزينا إلى الخيام(1) .

قال السيد المقرّم رحمه الله في مقتل الحسين عليه السلام(2) : وتركه في مكانه لسرّ مكنون أظهرته الأيّام ، وهو أن يدفن في موضعه منحازا عن الشهداء ؛ ليكون له مشهد يقصد بالحوائج والزيارات ، وبقعة يزدلف إليها الناس ،وتتزلّف إلى المولى سبحانه تحت قبّته التي ضاهت السماء رفعة وسناء ، فتظهر هنالك الكرامات الباهرة ، وتعرف الأمّة مكانته السامية ، ومنزلته عند اللّه تعالى ، فتؤدّي ما وجب عليهم من الحبّ المتأكّد ، والزيارات المتواصلة ، ويكون عليه السلام حلقة الوصل فيما بينهم وبين اللّه - تعالى - ، فشاء حجّة الوقت أبو عبد اللّه عليه السلام كما شاء المهيمن - سبحانه - أن تكون منزلة أبي الفضل الظاهرية شبيهة بالمنزلة المعنوية الأخروية ، فكان كما شاءا وأحبّا .

ثمّ قام الحسين عليه السلام وحمل على القوم ، فجعل يضرب فيهم يمينا وشمالاً ، فيفرّون من بين يديه كما تفرّ المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، وهو يقول :

ص: 257


1- الدمعة الساكبة 4 / 324 .
2- مقتل الحسين : 270 .

أين تفرّون وقد قتلتم أخي ؟! أين تفرّون وقد فتتّم عضدي ؟! ثمّ عاد إلى موقفه منفردا(1) .

ورجع الحسين عليه السلام إلى المخيّم منكسرا حزينا باكيا يكفكف دموعه بكمّه ، وقد تدافعت الرجال على مخيّمه ، فنادى :

أما من مغيث يغيثنا ؟!

أما من مجير يجيرنا ؟!

أما من طالب حقّ ينصرنا ؟أما من خائف من النار فيذبّ عنّا ؟فأتته سكينة عليهاالسلام وسألته عن عمّها فأخبرها بقتله .

وسمعته زينب عليهاالسلام فصاحت : وا أخاه وا عباساه وا ضيعتنا بعدك !

وبكين النسوة ، وبكى الحسين معهنّ وقال عليه السلام : وا ضيعتنا بعدك(2) .

قال حفيده الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيداللّه بن العباس عليه السلام :

إنّي لأذكر للعباس موقفه *** بكربلاء وهام القوم يختطّف

يحمي الحسين ويحميه على ظمأ *** ولا يولّي ولا يثني فيختلف

ولا أرى مشهدا يوما كمشهده *** مع الحسين عليه الفضل والشرف

أكرم به مشهدا بانت فضيلته *** وما أضاع له أفعاله خلف

ص: 258


1- إبصار العين : 30 .
2- مقتل الحسين عليه السلام للمقرّم : 269 .

وق-ال أيض-ا :

أحقّ الناس أن يبكى عليه *** فتى أبكى الحسين بكربلاء

أخوه وابن والده علي *** أبو الفضل المضرّج بالدماء

ومن واساه لا يثنيه شيء *** وجادله على عطش بماء(1)

وقال الكميت الأسدي :

وأبو الفضل إنّ ذكرهم الحلو *** شفاء النفوس من أسقام

قتل الأدعياء إذ قتلوه *** أكرم الشاربين صوب الغمام(2)

أولاد أبي الفضل العباس عليه السلام في الطفّ

لقد فجعت أم البنين عليهاالسلام إضافة إلى ثكلها بأولادها الأربعة ، بمصيبة فقد الأحفاد من أولاد أبي الفضل العباس عليهم السلام الذين استشهدوا في كربلاء . .

فقد عدّ ابن شهرآشوب في المناقب والمجلسي في البحار محمد بن العباس عليه السلام في شهداء الطفّ .

قال الشيخ المظفّر : محمد والقاسم الشهيدان مع عمّهما الحسين عليه السلام ، وهما ولدا العباس بن علي عليهماالسلام ، ولا عقب لهما ، واستشهدا مع عمّهما الحسين عليه السلام بطفّ كربلاء .

ص: 259


1- شرح الاخبار للقاضي نعمان : 3 / 193 .
2- إبصار العغ : 31 .

أمّا محمد وحده ، فنصّ عليه الثقة الثبت محمد بن شهر آشوب في المناقب في شهداء الطفّ ، وقال : قتل مع أبيه العباس عليه السلام ، وتبعه الفاضل المجلسي رحمه الله في البحار ، والدربندي في أسرار الشهادة ، وملا عبد اللّه في مقتل العوالم .

ونصّ على شهادته وشهادة أخيه القاسم ، وأنّهما قتلا محاربين مبارزة أبو إسحاق الإسفرائيني الشافعي من أهل السنّة ، والنسّابة صاحب مطلوب كلّ طالب - المطبوع في إيران ، فارسي - ، والقائني في الكبريت الأحمر ، - وهو فارسي أيضا - ، وملخّص ما ترجمناه منهما : أن العباس عليه السلاملمّا ضرب بالعمود ، وسقط على المسنّاة ، وإنّ الحسين عليه السلام مشى إليه ورآه بتلك الحالة ، وأنّه بعد رجوعه منه جعل ينادي : وا غوثاه بك يا اللّه ، وا قلّة ناصراه .

فخرج إليه من الخيمة محمد بن العباس والقاسم بن العباس يناديان : لبّيك يا مولانا ، نحن بين يديك .

وأجابهما الحسين عليه السلامبشهادة أبيكما الكفاية .

فقالا: لا واللّه يا عمّاه ، وبعد وداع عمّهما خرجا إلى الميدان ، ثمّ ذكرا أنّهما قتلا عددا كثيرا من الأعداء ، وثلما من جيش أهل الكوفة ثلما كبيرة، وأنّ محمدا قتل أكثر من مائتين ، وأخوه القاسم قتل أكثر منه .

ولا عجب ، فالشبل من ذاك الأسد ، أبوهما العباس عليه السلام ، وجدّهما

أمير المؤنين علي بن أبي طالب عليهماالسلام فارس المشارق والمغارب ،

ص: 260

وعمومتهما الحسن والحسين عليهماالسلام ومحمد ابن الحنفية ، وعمومة الأب جعفر الطيّار وطالب وعقيل ، وعمومة الجدّ حمزة ، وأخوالهما الفضل وعبد اللّه وقثم ، وأخوال الأب ملاعب الأسنّة ، ونزال المضيف ، وفارس قرزل ، ومدرك الثأر ، وأربد الحتوف(1) . . .

ص: 261


1- بطل العلقمي : 3/489 وما بعدها .

كنة أم البنين عليهاالسلام

اشارة

*كنة(1) أم البنين عليهاالسلام

لبابة بنت عبيد اللّه بن عباس :

في مستدرك سفينة البحار : لبابة بنت عبيد اللّه بن عباس بن عبد المطّلب ، تزوّجها العباس بن أمير المؤنين عليهماالسلام ، فولد له منها عبيد اللّه وفضل ، وكانت جميلة عاقلة .

وبعد شهادة العباس عليه السلام تزوّجها زيد بن الحسن المجتبى عليه السلام ، فولد له منها نفيسة والحسن(2) . .

وقال أبو نصر البخاري في سرّ السلسلة العلوية : ذكروا كلّهم أنّ العباس بن علي عليهماالسلام ولد عبيد اللّه بن العباس من لبابة بنت عبيد اللّه بن العباس بن عبد المطّلب ، ومنه أعقب(3) .

وقال أيضا : وكان لزيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام إبنة يقال لها : « نفيسة » ، أمّها لبابة بنت عبد اللّه بن عباس بن عبد المطّلب ، وكانت تحت العباس بن علي أمير المؤنين عليهماالسلام قتل عنها يوم الطفّ مع الحسين عليه السلام ، فزوّجها زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، وأخونفيسة هذه لأمّها عبيد اللّه بن العباس بن علي عليهماالسلام(4) . .

ص: 262


1- الكنة : زوجة الولد .
2- مستدرك سفينة البحار للنمازي : 9/217 .
3- سرّ السلسلة العلوية : 89 .
4- سرّ السلسلة العلوية : 29 .

وقال ابن قتيبة في المعارف : وأمّا العباس بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، فقتل مع الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، فولد العباس عبيد اللّه ، أمّه لبابة بنت عبيد اللّه بن عباس ، وحسنا لأم ولد ، وله عقب(1) .

وفي جوهرة النسب : وأعقب العباس بن علي عليهماالسلام ، ترك ولدين : عبيد اللّه ، أمّه لبابة بنت عبيد اللّه بن العباس ، وحسنا لأم ولد(2) . .

وذكرها علي بن محمد العلوي في المجدي(3) ومحمد بن حبيب البغدادي في كتاب المحبر(4) .

وفي الأمالي(5) للطوسي : معنعنا عن الإمام السجّاد عليه السلام قال : لمّا ضرب ابن ملجم - لعنه اللّه - أمير المؤنين علي بن أبي طالب عليه السلام . . فخرج الحسن والحسين عليهماالسلام ، وأخذا ابن ملجم وأوثقاه ، واحتمل أمير المؤنين عليه السلام فأُدخل داره ، فقعدت لبابة عند رأسه ، وجلست أم كلثوم عند رجليه ، ففتح عينيه فنظر إليهما ، فقال : الرفيق الأعلى خير مستقرّاوأحسن مقيلاً ، ضربة بضربة ، أو العفو إن كان ذلك ، ثمّ عرق عليه السلام ، ثمّ أفاق ، فقال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يأمرني بالرواح إليه عشاءا - ثلاث مرّات - .

ص: 263


1- المعارف : 217 .
2- جوهرة النسب للبري : 57 .
3- المجدي في أنساب الطالبين : 231 .
4- كتاب المحبر : 441 .
5- أمالي الطوسي : 365 مج 13 ح 768 .

فربما كانت لبابة التي حضرت عند أمير المؤمنين عليه السلام ساعة وفاته هي لبابة زوجة العباس عليه السلام ، لأنّنا لم نعهد زوجة أو بنتا لأمير المؤمنين عليه السلام بهذا الاسم - على حدّ فحصنا - إلاّ ما ذكره خليفة بن خيّاط في تاريخه قال :

قال أبو عبيدة وأبو الحسن : وقتل معه - أي مع الحسين عليه السلام - العباس

الأصغر ، ومحمد بن علي الأصغر ابنا علي بن أبي طالب ، أمّهما لبابة بنت عبيد اللّه بن العباس ! وقال أبو الحسن : أمّه أم ولد(1) .

وهو في غاية الغرابة لاتّفاق علماء النسب على أنّ لبابة بنت عبيد اللّه بن العباس كانت زوجة للعباس بن أمير المؤمنين عليهماالسلام .

* * *

أم الحسن :

وذكر ابن قتيبة في المعارف وغيره : أنّ لأمّ البنين عليهاالسلام كنة أخرى كانت أم ولد للعباس بن أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان له منها ولد اسمه « حسن »(2) .

* * *

بقيّة كنات أم البنين عليهاالسلام :

أمّا بقيّة أولاد أم البنين عليهاالسلام ، فالمشهور عند علماء النسب والتراجم أنّهم لم يعقبوا ، وهو وإن كان تعبيرا عامّا يشمل المتزوّج دون إنجاب ،ومن لم يتزوّج ، إلاّ أنّنا لم نجد ذكرا لزواجهم على حدّ علمنا ، واللّه العالم .

ص: 264


1- تاريخ خليفة بن خيّاط : 179 .
2- المعارف لابن قتيبة : 217 .

إخوة العباس عليهم السلام :

روي في بعض كتب المقاتل : أنّ العباس عليه السلام قال لإخوته يوم العاشر : اشتروا الجنّة اليوم وذبّوا عن سيدنا وإمامنا .

وقال أيضا : تقدّموا حتى أراكم قد نصحتم للّه ولرسوله . . . تقدّموا بنفسي أنتم فحاموا عن سيدكم حتى تموتوا دونه . . أقدموا على عسكر ابن سعد إقدام الشجعان ، واملأوا صدورهم ووجوههم بالضرب والرمي والطعان . . . لا تقصّروا في نصرة إمامكم وافدوه بأرواحكم ، ولا تقولوا نحن أبناء أب واحد ، فإنّه إمامنا وسيدنا وحجّة اللّه على من فوق الثرى ، أمّه فاطمة الزهراء عليهاالسلام سيدة نساء العالمين ، وهو قرّة عين النبي الأمين صلى الله عليه و آله .

فتقدّموا جميعا ، فصاروا أمام الحسين عليه السلام يقونه بوجوههم ونحورهم ، فلمّا رآهم الحسين عليه السلام بكى وقال : جزاكم اللّه ربّ العالمين(1) .

وكان أنصار سيد الشهداء عليه السلام قد تقدّموا يتسابقون إلى المنايا ، ويسارعون إلى أداء حقّ آل محمد صلى الله عليه و آله ، وأدّوا ما عليهم في الذبّ عن إمامهم ، وعن حرم اللّه وحرم نبيّهم صلى الله عليه و آله ، فصعدوا الواحد تلو الأخر إلىجنان الخلد .

ص: 265


1- عن كتاب محن الأبرار : 279 .

ثمّ جاء دور أهل البيت عليهم السلام ، فتقدّموا الواحد تلو الآخر يستأذنون الإمام عليه السلام ، ويتقدّمون إلى الجنان حتى قضوا جميعا ، وبقي الحسين عليه السلام

وحيدا غريبا مستغيثا .

فالتفت العباس إلى إخوته عليهم السلام وقال : تقدّموا أمامي لأحتسبكم ، فكان أوّل من تق-دّم منه-م :

ص: 266

عبد اللّه بن علي بن أبي طالب عليهم السلام :

ولد بعد أخيه العباس عليهماالسلام بنحو ثمان سنين ، وأمّه فاطمة أم البنين عليهاالسلام ، وبقي مع أبيه عليه السلام ستّ سنين ، ومع أخيه الحسن عليه السلامستّ عشرة سنة ، ومع أخيه الحسين عليه السلام خمسا وعشرين سنة ، وذلك مدّة عمره ، ولم يعقّب(1) .

قال أهل السير : إنّه لمّا قتل أصحاب الحسين عليه السلام وجملة من أهل بيته دعا العباس عليه السلام إخوته الأكبر فالأكبر ، وقال لهم : تقدّموا ، فأوّل من دعاه عبد اللّه أخوه لأبيه وأمّه ، فقال : تقدّم يا أخي حتى أراك قتيلاً وأحتسبك ، فإنّه لا ولد لك .

فتقدّم بين يديه ، وجعل يضرب بسيفه قدما ، ويجول فيهم وهو يقول :

أنا ابن ذي النجدة والأفضال *** ذاك علي الخير ذو الأفعال

سيف رسول اللّه ذو النكال *** في كلّ يوم ظاهر الأهوال

فقاتل قتالاً شديدا ، فاختلف هو وهانئ بن ثبيت الحضرمي ضربتين ، فقتله هانئ « لعنه اللّه » .

وكذلك ذكر المجلسي في البحار وملاّ عبد اللّه في مقتل العوالموالخوارزمي في مقتله وآخرون .

ص: 267


1- وهو معروف عند جمهور العلماء ، ذكره ابن قتيبة في المعارف والشبلنجي في نور الابصار ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى والرياض النضرة ، وابن الصبّاغ في الفصول المهمّة والكنجي الشافعي في كفاية الطالب والمسعودي في التاريخ والشيخ المفيد في الإرشاد وآخرون يطول تعدادهم .

لقد عرّف نفسه في رجزه بصفات أبيه التي لا يمكن أن تكون في غيره ، من ذا يكون جامعا لكلّ هذه الصفات من النجدة والإفضال ، والعمل بالمعروف بالأفعال قبل الأقوال ، وهو الخير المحض الذي لا يعرف الخير إلاّ به .

وهو ابن سيف النبي صلى الله عليه و آله ، فكان النبي صلى الله عليه و آله يقاتل به ، ويذّب به عن حرم اللّه ، ويرغم به أنوف الكافرين ، ويصبّ به نكاله على المنافقين والمشركين ، وقد ذاق بعض من يقف الآن في معسكر الشياطين في الجهة المقابلة لجبهة الحقّ واليقين في كربلاء الحسين عليه السلام هو بنفسه أو أبوه أو بعض ذويه نكال سيف أمير المؤمنين عليه السلام ، وارتجفت أعضاؤهم ، وارتعدت مفاصلهم في كلّ ساعة تعرّضوا فيها لنقمة خاتم الأنبياء وغضب سيد الوصيّين .

وبهذا الرجز المزمجر ، يتقدّم سليل الشجاعة والإباء عمومة وخؤولة ، فيرهب القوم بسيفه ونسبه ونسبته .

وجاء في الزيارة المرويّة عن الإمام صاحب الزمان « عجل اللّه فرجه » التي رواها السيد ابن طاووس في كتاب « الإقبال » والمجلسي في « البحار » وفيها يقول عليه السلام :

« السلام على عبد اللّه بن أمير المؤمنين مبلي البلاء ، والمنادي بالولاء في عرصة كربلاء ، والمضروب مقبلاً ومدبرا ، لعن اللّه قاتله هانئ بن ثبيت الحضرمي » .

ص: 268

وفي هذه الفقرة شهادة من الإمام صاحب الأمر « عجل اللّه فرجه » لعبد اللّه بثلاثة من الفضائل :

الأولى : أ نّه أعلن بولاء الحسين عليه السلام بين الصفوف ، ونادى بالولاية في عرصة كربلاء .

الثانية : أ نّه كان له بلاء محمود أكثر من غيره في دفاعه ومحاماته عن أخيه الحسين عليه السلام ، وقد أدّى ما عليه دفاعا عن دينه وإمامه ، وإلاّ لما كان لذكر « مبلي البلاء » محلّ .

الثالثة : ثباته في ذلك الموقف الرهيب والمعترك الهائل العصيب حيث

وقف هدفا للسلاح في وسط الحومة حتى أصيب مقبلاً ومدبرا ، يريد أ نّه أحيط به من كلّ جانب ، واكتنفه الأعداء من كلّ جهة ، وكان هو كارّا عليهم الكرّة بعد الكرّة ، فيقبل على جماعة فيهزمهم ، ويعود إلى أخرى فيطردهم ، ولم يقتل محاطا به إلاّ الحسين عليه السلام والعباس وعلي بن الحسين الأكبر، ومسلم بن عقيل شهيدالكوفة وعبداللّه بن علي شقيق العباس عليهم السلام.

وقد تضمّنت هذه الفقرة أ نّه ضرب مقبلاً ومدبرا ، ومن المعلوم أنّ العسكر لا يتكاتف ويحمي بعضه بعضا على كثرته إلاّ لشدّة بأس البطل المهاجم له ، والشجاع المنازل له ، الذي تعجز عن مواجهته الأبطال ، وهذه غاية الشجاعة ونهاية البطولة .

ولا غرو أن كان آية من آيات البطولة والفروسية والإقدام ، فأبوه أميرالمؤمنين عليه السلام سيد أبطال العالم الذي كانت الملوك ترسم صورته علىسيوفها كما فعل ذلك « سليمان القانوني » ملك الأتراك العثمانيين ،

ص: 269

فقد كان له سيف عليه صورة علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وقد هتف به رضوان خازن الجنان وجبرئيل سفير وحي الرحمن في بدر وأحد « لا سيف إلاّ ذوالفقار ولا فتى إلاّ علي » ، وإخوته الحسن والحسين عليهماالسلام ومحمد بن الحنفية والعباس عليه السلام ، والعمومة بنو هاشم أفرس العرب، وهل تعدّ أمّة من الأمم مثل أبي طالب وحمزة وجعفر الطيار عليهم السلام في أمثالهم ، والخؤلة بنو عامر ، وفيهم مثل فارس الضحيا ، وفارس قرزل ، وفارس العصا ، وفارس شحمه، وملاعب الأسنّة ، ومدرك الثأر ، والرحّال في أمثالهم ، فهو معمّ مخول معرّق الشجاعة .

قد أنجبت أم البنين فديتها *** فرسان حرب أصبحوا مثالا

أسدا ضراغمة بمعمة الوغى *** سمّ العداة أماجدا أبطالا

لا تعجبين لبأسهم وثباتهم *** في موقف لو فيه رضوى زالا

الليث حيدرة وفاطم لبوة *** ولدا لوقعة كربلا أشبالا

نفسي الفدا لو أردين ظما *** بحر المنيّة طاميا أجالا(1)

وورد أيضا في زيارته :

السلام عليك يا عبد اللّه بن علي بن أبي طالب ورحمة اللّه وبركاته ، فإنّك الغرّة الواضحة، واللمعة اللائحة، ضاعف اللّه رضاه عنك، وأحسن لكثواب ما بذلته منك ، فلقد واسيت أخاك وبذلت مهجتك في رضا ربّك(2) .

ص: 270


1- بطل العلقمي : 3/499 .
2- بحار الأنوار : 98/245 باب 35 .

عثمان بن علي بن أبي طالب عليهم السلام :

أمّه أم البنين عليهاالسلام .

روي عن عبيد اللّه بن الحسن وعبد اللّه بن عباس أنّه قتل وهو ابن ( 21 ) سنة .

وقال السماوي في « إبصار العين » : ولد بعد أخيه عبد اللّه عليهماالسلامبنحو

سنتين ، وأمّه فاطمة أم البنين عليهاالسلام ، وبقي مع أبيه عليه السلام نحو أربع سنين ، ومع أخيه الحسن عليه السلام نحو أربع عشرة سنة ، ومع أخيه الحسين عليه السلامثلاثا وعشرين سنة ، وذلك مدّة عمره .

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أ نّه قال : إنّما سمّيته عثمان بعثمان بن مظعون أخي .

وعثمان بن مظعون بن حبيب بن وهيب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحي . . أسلم بعد ثلاثة عشر رجلاً ، وهاجر الهجرتين ، وشهد بدرا ، وكان أوّل رجل مات بالمدينة سنة اثنتين من الهجرة ، وكان ممّن حرّم على نفسه الخمر في الجاهلية ، وممّن أراد الاختصاء في الإسلام ، فنهاه رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوقال : عليك بالصيام ، فإنّه مجفرة - أي قاطع للجماع - .ولمّا مات جاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى بيته وقال: رحمك اللّه أبا السائب، ثمّ انحنى عليه فقبّله ، ثمّ صلّى عليه ودفنه في بقيع الغرقد ، ووضع حجرا على قبره ، وجعل يزوره .

ص: 271

ثمّ لمّا مات إبراهيم عليه السلام ولده بعده قال : الحق - يا بنيّ - بفرطنا عثمان بن مظعون .

ولمّا ماتت زينب ابنته عليهاالسلام قال : الحقي بسلفنا الخير عثمان بن مظعون .

وإنّما استطردنا في ذكر عثمان شيئا ما امتثالاً للمولى أمير المؤمنين عليه السلام

الذي سمّى ولده باسمه ، ونعود إلى عثمان بن أمير المؤمنين عليه السلام .

قال أهل السير : لمّا قتل عبد اللّه بن علي عليهماالسلام دعا العباس عثمان عليهماالسلام

وقال له : تقدّم يا أخي ، كما قال لعبد اللّه ، فتقدّم إلى الحرب يضرب بسيفه ويقول :

إنّي أنا عثمان ذو المفاخر *** شيخي علي ذو الفعال الطاهر

هذا حسين سيد الأخاير*** وسيد الصغار والأكابر

بعد النبي والوصي الناصر

فرماه خولي بن يزيد الأصبحي بسهم فأوهطه(1) حتى سقط لجنبه ،فجاءه رجل من بني أبان بن درارم فقتله واحتزّ رأسه(2) .

وقد عرّفنا عثمان في رجزه أنّه صاحب المفاخر ، فليس في عسكر العدوّ من يقابله في مكرماته ومفاخره ، فمن منهم ينتمي إلى نسب ناصع كنسبه ، وهو ابن علي أمير المؤمنين عليه السلام الذي وصفه بصفتين :

ص: 272


1- أوهطه : أضعفه وأثخنه بالجراحة وصرعه صرعة لا يقوم منها .
2- المناقب لابن شهرآشوب : 3/256 ، لواعج الأشجان : 179 ، إبصار العين : 35 .

أحدهما : أنّه ذو الفعال ، وصاحب المواقف والمناقب ، والنجدة ومبيد الكتائب ، الشديد البأس ، العظيم المراس ، الذي أتعب كتّابه الكرام الكاتبين في تسجيل فعاله وخيراته .

والأخرى : أنّه الطاهر ، ونقرأ في الزيارة التي يرويها علقمة : أشهد أنّك طهر طاهر مطهّر من طهر طاهر مطهّر .

ثمّ أشاد بأخيه سيد الشهداء عليه السلام وذكر لهم أنّه « سيد الأخاير » ، وفي رواية لواعج الأشجان « خيرة الأخاير » ، و« سيد الصغار والأكابر » فلم يكن ثمة من يكون سيدا إلى جنب الحسين عليه السلام إلاّ من سبقه وهم النبي صلى الله عليه و آله والوصي ، فهو وصيّ الأوصياء ، ووارث خاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله . . .

* * *

قال الإمام المنتظر - عجل اللّه تعالى فرجه - في زيارة الناحية :

السلام على عثمان بن أمير المؤمنين سميّ عثمان بن مظعون ، لعن اللّه راميه بالسهم خولي بن يزيد الأصبحي الأيادي والأباني الدارمي .

وجاء في زيارته أيضا :السلام عليك يا عثمان بن علي بن أبي طالب ورحمة اللّه وبركاته ، فما أجلّ قدرك ، وأطيب ذكرك ، وأبين أثرك ، وأشهر خيرك ، وأعلى مدحك ، وأعظم مجدك . . .(1) .

ص: 273


1- بحار الأنوار : 98/245 باب 35 .

واللائح من هذه الفقرات أنّ عثمان عليه السلام كان عالما عارفا فقيها خلوقا بحيث استحقّ هذه الصفات النادرة والمدائح التي لا يستحقّها إلاّ من كان جديرا بها .

وجلالة القدر ، وطيب الذكر ، وبيان الأثر ، وشهرة الخير ، وعلوّ المدح ، وعظمة المجد كلّها تناسب العالم الذي قد ذاع صيته ، وانتشر علمه وأدبه ، وخلّف من وراءه تراثا ينفع ، ويؤتي أكله كلّ حين بإذن ربّه ، فيكون له لسان صدق في الآخرين .

ص: 274

جعفر بن علي بن أبي طالب عليهم السلام :

أبو عبد اللّه ، جعفر الأكبر ، شقيق العباس عليه السلام ، أحد الشهداء مع الحسين عليه السلام .

كان يلقّب بجعفر الأكبر ، ويكنّى بأبي عبد اللّه ، أمّه أمّ البنين عليهاالسلام

الكلابية .

قال أبو الفرج الإصفهاني في « مقاتل الطالبيّين » : وجعفر بن علي بن أبي طالب ، أمّه أمّ البنين . . قتل وهو ابن ( 19 ) سنة .

وقال أبو مخنف في حديث الضحّاك المشرقي : إنّ العباس بن علي عليهماالسلام

قدّم أخاه جعفرا بين يديه ؛ لأنّه لم يكن له ولد. . . ، فشدّ عليه هانئ بن ثبيت الحضرمي الذي قتل أخاه .

وقال نصر بن مزاحم عن أبي جعفر محمد بن علي عليهماالسلام : إنّ خولي بن يزيد الأصبحي « لعنه اللّه » قتل جعفر بن علي عليه السلام .

قال في ناسخ التواريخ : جعفر الأكبر عليه السلام ، ويكنّى أبا عبد اللّه ، وأمّه أمّ البنين عليهاالسلام أمّ العباس عليه السلام ، وعمره ( 23 ) سنة . .(1) وعند أبي الفرج الإصفهاني أنّ عمره ( 19 ) سنة .

وقال السماوي في « إبصار العين » : ولد بعد أخيه عثمان عليه السلامبنحو سنتين ،وأمّه فاطمة أمّ البنين عليهاالسلام ، وبقي مع أبيه عليه السلام نحو سنتين ، ومع أخيه

ص: 275


1- ناسخ التواريخ : 5/306 .

الحسن عليه السلام نحو اثنتي عشرة سنة ، ومع أخيه الحسين عليه السلامنحو إحدى وعشرين سنة ، وذلك مدّة عمره(1) .

وقال المظفّر في « بطل العلقمي » : وما أعرف عمّن أخذ السماوي تقدير عمره ب- ( 21 ) سنة ، وتقسيمه على إمامة أبيه وأخويه(2) .

ويبدوا أنّ مأخذ السماوي هو أنّه افترض ولادته في بداية السنة الأخيرة من عمر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وهي سنة ( 40 للهجرة ) ، فيكون عمره الشريف في نهاية سنة 60 ( 21 ) سنة ، ويصحّ التقسيم الذي ذكره رحمه الله .

أمّا قول أبي الفرج المشهور ، فالظاهر بعده ، لأنّه يلزم أن نقول أنّه ولد بعد أبيه عليه السلام بسنة ، وذلك لأنّ أقصى ما يمكن افتراضه هو أن يقال : أنّه ولد في آخر سنة ( 40 ) فيلزم أن يكون عمره يوم شهادته ( 20 ) سنة .

أمّا افتراض ولادته بعد أبيه ولو بيوم ، فهذا ما لم نسمع به أبدا . واللّه العالم .

وذكر صاحب « الدرّ النظيم » : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام سمّاه باسم أخيه جعفر الطيّار عليه السلام ، لأنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان شديد المحبّة له .

قال أهل السير : لمّا قتل أخو العباس لأبيه وأمّه عبد اللّه وعثمان دعا جعفرا عليهم السلام فقال له : تقدّم إلى الحرب حتى أراك قتيلاً كأخويك ،

ص: 276


1- إبصار العين : 35 .
2- انظر : بطل العلقمي : 3/511 .

فاحتسبك كما احتسبتهما ، فإنّه لا ولد لكم ، فتقدّم وشدّ على الأعداء يضرب فيهم بسيفه وهو يقول :

إنّي أنا جعفر ذو المعالي *** ابن علي الخير ذي النوال

ذاك الوصي ذو الندى والوالي *** حسبي بعمّي شرفا وخالي

فشدّ عليه خولي بن يزيد الأصبحي فأصاب شقيقته أو عينيه فقتله(1) .

وقال أبو مخنف : بل شدّ عليه هانئ بن ثبيت الحضرمى الذي قتل أخاه فقتله(2) .

قال الإمام المنتظر « عجل اللّه فرجه » في زيارة الناحية :

السلام على جعفر بن أمير المؤمنين ، الصابر بنفسه محتسبا ، والنائي عن الأوطان مغتربا ، المستسلم للقتال ، المستقدم للنزال ، المكثور بالرجال ، لعن اللّه قاتله هانئ بن ثبيت الحضرمي .

ويظهر من عبارات الإمام - أرواحنا فداه - من الفضائل لجعفر بن أمير المؤمنين عليهماالسلام ما يميّزه عمّن سواه من الشهداء ، فقوله عليه السلام ، وبأيّ معنى أخذ الصبر سواء كان الصبر على مكابدة الأهوال ومكافحة الأبطال ، ففي ذلك غاية المدح بالفروسية .

وإن كان الصبر على محبّته لإمامه الحسين عليه السلام وموالاته له وثباته وعزمه أن يفديه بنفسه ويقيه بمهجته ، ففي ذلك غاية المدح من الوجهتين :

ص: 277


1- المناقب لابن شهرآشوب : 3/256 .
2- إبصار العين : 35 .

البصيرة والمعرفة بحقّ الإمام المفترض الطاعة ، وهذا دليل العلم والفقاهة ، ومن حبّ المواساة له بالنفس التأسي به في جميع الحالات ، فهذا دليل على أ نّه في غاية الكمال ونهاية الأدب .

وإن أريد بالصبر الصبر على معاناة الأمور الشاقّة من الجوع والعطش ، لأنّهم حصروا في فلاة جرداء قاحلة ، وبادية قفراء قاحلة ، قد ملك عليهم الأعداء شريعة الفرات ، وقطعوا عليهم طريق الميرة ، وصدّوا القوافل التي تحمل الأقوات إليهم ، فعطشوا وجاعوا ، وفي تخصيص جعفر عليه السلام بالصبر على هذا لا يخفى ما فيه من مزيد الفضل ، والإشارة إلى ما فيه من الإيثار والتضحية والتحمّل والمعاناة .

وأمّا قوله عليه السلام : « النائي عن الأوطان » مع أنّ كلّ من كان مع الحسين عليه السلامكان نائيا عن الأوطان ، وجميعهم قد اغتربوا ، فما معنى تخصيص جعفر ؟!

فالظاهر - واللّه العالم - أ نّه إنّما خصّ بذلك لأ نّه كان بعد شابّا صغيرا لم يذق طعم الغربة ، ولم يجرّبها من قبل ، سيّما أ نّه كان صاحب نضارة ورونق جميل ، قد تربّى في الحضارة ، لم يقو على لفحات السموم ومعاناة شعل الهجير ، لأنّه أصغر إخوته .

ومن المعلوم أنّ صغير الأولاد يكون في الموضع الأتمّ من الشفقة في نظر الأمّ الشفيقة ، فانّها تبرّه كثيرا وتتعاهده بالنظافة والتعطير ، وترجيلالشعر ، ولذيذ المطعم وشهيّ المشرب .

ص: 278

فإذا كان نائيا عن الأوطان - والحال هذه - فإنّه يلاقي عنتا ، ويجابه شدّة شديدة ، ويعاني صعوبة صعبة ، ومشقّة شاقّة ، سيّما من فقد برّ الوالدة المشفقة وعطفها وحدبها عليه وألطافها ، فتبيّن الغربة فيه أكثر من غيره .

ومن هنا يعرف أنّ ولد أمير المؤمنين عليه السلام أشجع العرب ، لأنّهم ما شاهدوا حروبا ، ولا خاضوا المعارك ، ولا وقفوا في صفّ قبال الأعداء ، سوى الحسنين عليهماالسلام وابن الحنفية والعباس عليه السلام ، وهم جميعا شباب في ريعان الشبيبة ونضرة الصبا ، بين من أدرك البلوغ وبين من تجاوزه بيسير ، وقد شبّوا ونشأوا في أحضان المدينة حتى إذا كشفت حرب كربلاء عن ساقها ، وبرزت كالحة عابسة شوهاء المنظر كريهة المخبر ، شمّروا السواعد ، وشحذوا مرهفات القواطع ، وساقوا تلك الأبطال المحنكة والفرسان المجرّبة سوق الأغنام ، وفرّت أمامهم كاليعافير أو الحمر المستنفرة ، وطاروا بين أيديهم طيران القطا والنعام المشرّد ، وتفرقوا تفرّق الجراد المنتشر ، ولولا غلبة الأقدار ما كثرتهم تلك الجماهير ، ولا غلبتهم كثرة الجموع ، وقد علم حملة التاريخ والأثر وعلماء الأخبار والسير أنّهم أفنوا جماهير أهل الكوفة ، وقد تركوا في كلّ حي من أحيائها نائحة ، وفي كلّ بيت من بيوتها صارخة :

آل علي يوم طفّ كربلا *** قد تركوا في كلّ دار نائحه

من دخل الكوفة لم يسمع بها *** في سائر الأحياء إلاّ صائحه

ص: 279

قد خلّد التاريخ للحشر لهم *** أعمال مجد وفعالاً صالحه

فيا لها فادحة خالدة *** قد أنست الشيعة كلّ فادحه

أولئك الشبان المنعّمون من أهل البيت النبوي أظهروا البسالة والشجاعة ما أدهش الأبطال المجرّبة والشجعان الخبراء بفنّ البطولة .

وبقيّة الفقرة تصف ثبات جعفر الأكبر عليه السلام في ساحات الوغى وغبار المعمعة ، وتذكر أنّهم ما قتلوه إلاّ تكاثروا عليه واحتوشوه من كلّ مكان ، والكثرة مهما كانت فإنّ لها الغلبة ، وفي المثل الشعبي « الكثرة تأخذ البصرة » .

حكى جعفر في كربلا بأس جعفر *** كما قد حكى بالضرب والده القرما

وأدّى حقوق المجد والفخر من حكى *** بأفعاله الغرّ الأب القرم والعمّا(1)

* * *

ص: 280


1- بطل العلقمي : 3/514 .

لمحة خاطفة عن أحفاد أم البنين عليهاالسلام :

اشارة

لقد ازدان التاريخ بعدد كبير من أحفاد أم البنين عليهاالسلام من ولدها العباس عليه السلام ، فقد جاء في كتب التاريخ والأنساب أ نّه خلّف من الأبناء :

عبيد اللّه والفضل والحسن ومحمد والقاسم وبنتان(1) ، وعقبه الباقي إلى اليوم من ولده عبيد اللّه المشهور ، وبعضهم يقول من ابنه الحسن كابن قتيبة .

وقد برز منهم أعلام في العلم والأدب والتجارة والصناعة والزراعة وغير ذاك من المهن الحرّة الشريفة ... .

وكانت لهم منزلة عظيمة ، وكمثل على ذلك اعتبارهم بمنزلة بني فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، فعن معاوية بن عمّار قال : قلت للصادق عليه السلام : كيف قسّمت فدك بعد ما رجعت إليكم قال : لولد العباس عليه السلام ربع والباقي لنا(2) ، وعلى ذلك فقس .

ونحن نقتصر هنا على ذكر نماذج منهم ونختصر في ذلك على بعضالأحفاد بعد أن تحدّثنا سابقا عن أولادها الأربعة عليهم السلام .

ص: 281


1- العباس للسيد المقرّم : 305 عن الجريدة في أنساب العلويّين : 4/318 ، الجوهرة في نسب الإمام علي عليه السلام : 57 .
2- سرّ السلسلة العلوية : 89 ، العباس للمقرّم : 81 .

الحفيد الأوّل :

لقد كان الحفيد الأوّل لأم البنين عليهاالسلام عبيد اللّه بن العباس عليه السلام ، ويلقّب بالرئيس ، وقد خلّف عددا من الأولاد كان منهم ولده الحسن أكثر أعقابا .

ومن أعقابه الأشراف ، ويقصد بهذا التعبير الرؤساء ، ومنهم الأمراء ، وأهل الصيت الذائع ، وهم منتشرون في العراق واليمن والهند وطبرستان والشام ومصر وغيرها(1) .

ومع أنّ عبيد اللّه بن العباس أكبر إخوته سنّا ، فقد تلت تلك الشهرة أ نّه كان أبوه العباس عليه السلام يكنّى بولده الفضل الذي هو دون عبيد اللّه في السنّ ، فلعلّ ذلك يرجع إلى ملابسة فضيلة العباس عليه السلاموفضله بالاسم المذكور فكنّي ب- « أبي الفضل » وللملابسات دورها في الكنى .

عبيد اللّه الثاني ( الأمير ) :

ولعبيد اللّه بن العباس حفيد من ولده الحسن اسمه عبيد اللّه أيضا ، ويعرف ب- « الأمير » ؛ ذلك لأنّه تولّى على إمارة الحرمين مكّة والمدينة في بداية العصر العباسي ، فقد جاء في تاريخ الطبرسي أنّ الرشيد ولاّه بعدولاية صالح بن الرشيد(2) .

ص: 282


1- عن بطل العلقمي : 3/435 .
2- المصدر نفسه .

الحمزة بن عبيد اللّه الثاني :

ولعبيد اللّه الثاني هذا ولد اسمه الحمزة كان عالما أديبا فصيحا شاعرا شجاعا ، وكان يشبه جدّه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام .

قال الداوودي في العمدة : زاده المأمون مائة ألف درهم في العطاء لذلك الشبه(1) .

محمد بن الحمزة بن عبيد اللّه الثاني :

وللحمزة بن عبيد اللّه الثاني ولد اسمه محمد عرف بالشهيد ؛ لأنّه قتل غيلة ظلما وعدوانا أيّام القرامطة ، وكان عالما سخيّا شجاعا فصيحا جمع من الفضائل ما قلّ أن يجمع في غيره . كما أ نّه كان من رجال الأعمال والعقار والضياع مثريا محسنا وجيها محبوبا . . . مع أ نّه كان في غربة عن وطنه المدينة ، فقد كان في طبرية بالأردن ، وبها قتل مأسوفا عليه ، وعقبه يعرفون ب- « بني الشهيد »(2) .

العباس بن الحسن بن عبيد اللّه بن العباس عليه السلام :

وللحسن بن عبيد اللّه بن العباس عليه السلام ولد اسمه العباس أيضا ، وللعباس الثاني هذا ولد اسمه عبد اللّه ، ويعرف بالخطيب ، وكان هووأولاده من الأعيان البارزين ، وكان شاعرا مجيدا كما جاء ذلك في كتاب« العمدة » .

ص: 283


1- المصدر السابق : 3/336 .
2- عن كتاب بحر الانساب للعميدي : 66 .

وله ولد اسمه القاسم كان فقيها محدّثا ذا وجاهة كبيرة ، وكان قاضي الحرمين مكّة والمدينة، كما كان من أصحاب الإمام الحسن العسكري عليه السلام، جاء ذلك في كتاب المناقب لابن شهرآشوب رحمه الله .

الحمزة بن الحسن بن عبيد اللّه بن العباس عليه السلام :

كما ولعبيد اللّه الأوّل بن العباس عليه السلام من ولده الحسن حفيد اسمه الحمزة

أيضا .

والحمزة هذا جدّ والد الحمزة الغربي المكنّى ب-« أبي يعلى بن علي بن الحمزة بن الحسن بن عبيد اللّه بن العباس عليه السلام » ، وهو ثقه جليل القدر ، كما في كتاب تحفة العالم للسيد بحر العلوم(1) ، وكان مؤلّفا عارفا نبيلاً ، ومن مشايخ الإجازة ورواة الحديث .

هكذا كان ؛ بل أكثر كما قال عنه المؤرّخون والنسّابون وعلماء علم الحديث .

وله كتاب « التوحيد » ، وكتاب « الزيارات والمناسك » ، وكتاب « الردّ على محمد بن جعفر الأسدي »(2) .

وقبره في الحلّة قرب القرية المزيدية .

وللحمزة الغربي هذا كرامات باهرة حيّا وميّتا .

ص: 284


1- تحفة العالم : 2/34 .
2- عن رجال النجاشي : 101 .

ولذلك ترى قبره الواقع في القرية المذكورة بين قبائل آل سلطان حافلاً بالزائرين يقصده ذووا الحاجات للتوسّل إلى اللّه بمقامه عنده(1) عملاً بقوله تعالى « وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ » .

* * *

هذه نماذج من أحفاد أم البنين عليهاالسلام ممّن احتلوا المراكز العليا في مختلف المي-ادي-ن .

يهنيك يا أم البنين بسادة *** من أفضل الأبناء والأحفاد

وقال الشيخ هادي كاشف الغطاء رحمه الله(2) :

أم البنين طابت الأبناء *** منك كما قد طابت الآباء

أم الأسود من بني عمر العلى *** أم الحماة والاباء النبلا

أم أبي الفضل وأم جعفر *** وأم عبد اللّه شبل حيدر

وأم عثمان الذي أسماه *** باسم ابن مظعون الأب الأوّه

الأنجبين الطاهرين أنفسا *** الأكرمين الطيّبين مغرسا

* * *

ص: 285


1- لصاحب كتاب « مشاهد العترة الطاهرة » السيد كمونه رحمه الله تحقيق عن قبره في الموضع المشار إليه .
2- انظر : أم البنين سيدة نساء العرب للسيد السويج : 65 وما بعدها .

كرامات أم البنين عليهاالسلام

اشارة

لا نرى لزاما أن نذكر في مقدّمة هذا العنوان كلاما عن الكرامات وثبوتها للأولياء ، لأنّنا إنّما نخاطب من يعتقد بها ، وهو لا يحتاج إلى إثبات بعد أن جرّب بنفسه ، وذاق طعم التوسّل الحلو في كثير من المواقف في حياته . . ولا أظنّ أنّ ثمّة مؤمنا لم يتّحفه اللّه بكرامة من كرامات أهل البيت عليهم السلام ، في صغيرة أو كبيرة ، في شدّة أو رخاء ، في فرح أو ترح ، في صحّة أو مرض . .

أتذكّر أنّني كنت جالسا في « مكتبة الصفا » العامرة في مدينة قم المقدّسة ، فدار الحديث حول أم البنين عليهاالسلام وكراماتها ، فسألت صاحبها السيد حسين بن السيد علي الحسيني - حفظه اللّه وحفظ أباه - : هل فتح اللّه عليك في موقف من المواقف ببركة التوسّل بأم البنين عليهاالسلام ؟ وهل رأيت منها كرامة شخصيّا ؟

فرأيته أطرق ، ثمّ تنفّس الصعداء ، وقال : لا أستطيع أن أذكر لك شيئا . .

ص: 286

فتعجّبت من كلامه . . وقلت له : ما تعني بقولك أنّك لا تستطيع أن تذكر لي شيئا ؟ والحال أنّي أراه لا يفتر عن ذكرها ، والثناء عليها ، وتراه يرتبك ويستعجل وتتدافع المشاهد على لسانه كلّما ذكرت أم البنين عليهاالسلام عنده حتى يشعرك أنّ كثرة مشاهداته لكرامتها تدعوه للاستعجال في بيان الحال ، ومحاولة اختيار المهمّ منها تربكه . .

قال : لأنّني إن أردت أن أذكر لك شيئا عن كرامات أم البنين عليهاالسلام ، فيلزمني أن أذكر لك حياتي كلّها يوما بعد يوم ، فليس في حياتي يوم إلاّ ولي من أم البنين عليهاالسلام تحفة ، فأنا أتوسّل بها إلى اللّه لكلّ شيء ، فييسّر اللّه عليّ العسير ، ويفتح لي المغلق ، ويسهّل الصعب ، ويحقّق المستحيل في الموازين العادية . .

وقال لي مرّة أخي في اللّه الحاج مصطفى بن محسن اللواتي - حفظه اللّه ورعاه وأهله وأباه - وهو شاعر وكاتب مرهف ، وأديب أريب ، في معرض الكلام عن كرامات أم البنين عليهاالسلام : وهل عرفنا أم البنين عليهاالسلامإلاّ من خلال كراماتها التي شاهدناها وشاهدها من عاصرناهم . .

إنّنا لم نظفر - في التاريخ - بشيء يعتدّ به من حياتها وتاريخها وأحوالها . . ولو حصلنا لكان بالنسبة لنا تاريخا ، وروايات منقولة ، بيد أنّ كراماتها عيان نعيشه ، وأحداث نشاهدها بأنفسنا ، أو نشاهدها في رهطنا الأقربين ، أو إخواننا وأهلنا وأصدقائنا ، أو تروى لنا بإسنادقريب لا يعتريه الشكّ ، بل تحفّه قرائن اليقين .

ص: 287

وهكذا هي أم البنين عليهاالسلام وبقيّة أهل البيت الأكرمين عليهم السلام ، ممّا يضطرّ الكاتب أن يذكر نموذجا ، لأنّه لا يسعه أن يستعرض الشيعة فردا فردا فيسجّل يوميّاتهم ، بل حتى غير الشيعة ممّن يتوسّل بهم عليهم الصلاة والسلام . .

* * *

ص: 288

تنكّر لأمّ البنين عليهاالسلام فمات ولده

حدّثني الحاج السيد محسن ابن السيد إبراهيم شبّر « أبو عدنان » - وهو من وجهاء مدينة أمير المؤمنين عليه السلام وأشرافهم - أنّه كان حاجّا سنة 1978 ميلادية ، وكان مع جماعة من سوّاق السيّارات قد اجتمعوا في منطقة تقطنها أكثريّة شيعيّة في المدينة المنوّرة يسمّونها « منطقة النخاولة » ، وكان من عادتهم إقامة مجلس العزاء لأم البنين عليهاالسلام ، وكانوا يطبخون الطعام للحاضرين .

فأقاموا الأثافي ، ونصبوا القدور ، وأشعلوا النيران تحتها على قارعة الطريق ، إلى جوار بيت لم يعرفوا صاحبه .

بينا هم كذلك ، إذ خرج عليهم من الدار التي أقاموا قدورهم على مقربة منه رجل يتفجّر السخط والحقد من كلّ جوانبه ، وقد استشاط غضبا ، وانتفخت أوداجه، وتطاير الشرر من عينيه، فصرخ بهم: ماذا تفعلون هنا؟

فأجابوه بهدوء : نطبخ الطعام لمأتم أم البنين عليهاالسلام .

فطاش عقله ، وازدحمت الكلمات الوعرة في فمه ، وركب مطايا الجهل والحنق ، فدمدم وزمجر ، واستهتر وتجاسر ، فسبّهم وتنكّر لأم البنين عليهاالسلام ، وسبّها ومن يحبّها ويقيم المأتم لها ، ويطعم الناس باسمها .

فوجم القوم وسكتوا ، وانكمشوا وتهامسوا وتغامزوا ، وأشار بعضهملبعض : أن اسكتوا ، فإنّ أم البنين عليهاالسلام هي التي ستجيب !

ص: 289

فدخل الرجل بيته ، ثمّ خرج بعد هنيئة مدهوشا مذعورا ، وهو يردّد بهدوء وأدب ، وكأنّه نار قد انطفأت وخمد أوارها : ابقوا هنا ، لا تبرحوا المكان ، اطبخوا وأقيموا مأتمكم . .

فتداعا القوم من كلّ ناحية ومكان يجيبونه بصوت واحد : لا . . لا نبقى ولا نحتاج مكانك . .

قالوا ذلك ، ولكنّهم كانوا يتمنّون المكث هناك ، لأنّهم قطعوا شوطا كبيرا في الطبخ ، فأنّى لهم جمع القدور والأواني و . .

فألحّ عليهم : لا تبرحوا المكان ، فإنّي دخلت الساعة إلى البيت ، وكان لي ولد شابّ ، عمره خمسة وعشرين سنة ، وهو ولدي الوحيد ، ولم أعهد له مرضا ، بل كان صحيحا سالما ، نشيطا يزهو الشباب في أعطافه . . غير أنّه سقط الآن على حين غرّة وكأنّه مضغة أو قطعة لحم ، أو خشبة جوفاء . . لا أدري كيف تهاوى وسقط . . أرجوكم ابقوا مكانكم . .

رفض القوم - وهم في أعماقهم لا يرفضون - ، فدخل الرجل إلى بيته . .

ولم تمض دقائق حتى خرج مبهورا . . تتحشرج الكلمات في صدره . . لا يكاد يطيق الكلام . . فقال بصوت يقطّعه الأسى والحزن . . والحيرة والخوف : لا تبرحوا . . لقد مات ولدي ! . .

قال السيد أبو عدنان بعد أن نقل القصّة : هذا - واللّه - ما رأته عيناي وسمعته أذناي وكنت حاضرا وشاهد عيان . . إي واللّه هكذا هي أم البنين عليهاالسلام .

ص: 290

أريد تأشيرة ( فيزا ) إلى كربلاء . . أريدها اليوم وليس غدا

اشارة

قال الشيخ علي ربّاني الخلخالي في كتابه أم البنين النجم الساطع في مدينة النبي الأمين صلى الله عليه و آله :

قال آية اللّه الحاج السيد طيّب الجزائري - حفظه اللّه - ضمن رسالة بعث بها إلى « انتشارات مكتب الحسين عليه السلام » :

كنت أسكن في النجف الأشرف في سنة ( 1962 م ) ، وكنت أسافر في كلّ سنة أيّام محرّم الحرام إلى الپاكستان للتبليغ ، وفي سنة من السنين التقيت في مشهد المقدّسة بأحد العلماء الپاكستانيّين ، فسألته عن وجهته بعد زيارة المشهد الرضوي عليه السلام ، فقال : أرجع إلى الپاكستان .

فقلت له : سماحة السيّد أليس من الخسارة أن تقطع كلّ هذه المسافة ، فتأتي مشهد المقدّسة ، ثمّ ترجع من هنا ولا تزور كربلاء والنجف الأشرف ؟! في حين أنّ المسافة الباقية هي نصف المسافة إذا احتُسبت من مشهد .

فأثّر فيه كلامي ، وعزم على أن يأتي إلى كربلاء ، فاتّفقنا وتوجّهنا معا إلى طهران ، ومن هناك إلى السفارة العراقية للحصول على التأشيرة « الفيزا » .

فلمّا وصلنا إلى هناك وجدنا أبواب السفارة مغلقة ، والزوّار مزدحمين على باب السفارة في وضع يرثى له حيث كان الكثير منهم قد فرش

ص: 291

فراشه وجلس هناك في الانتظار ، وقد تداخلت صفوفهم وتشابكت بسطهم ، فسألنا فإذا منهم من قد قضى هناك ليلتين ، ومنهم من قضى ثلاث ليالي ، وأقلّ من ذلك وأكثر ، يبيتون على الرصيف ، وباب السفارة لا يفتح إلاّ نادرا .

فإلتفتّ إلى صاحبي وقلت له : هل أنت عازم على السفر إلى كربلاء ؟

فقال : عجبا !! ولماذا - إذن - جئت من مشهد إلى هنا ؟!

فقلت له : كيف تريد الذهاب إلى كربلاء ووضع التأشيرة كما ترى ؟!

قال : لا أعلم .

قلت : أنا أعرف الحلّ !

قال : وما هو ؟

قلت له : تنذر ألف صلوات ( أي تقول ألف مرّة : اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد ) لأُم البنين عليهاالسلام ، وأنا أيضا أفعل ذلك ، وستحصل التأشيرة إن شاء اللّه .

فنذرنا معا ألف صلوات على النبي وآله عليهم السلام هدية لأُم البنين عليهاالسلام ، ثمّ وقفنا قليلاً مقابل باب السفارة ، فلم نر أيّ طارق يتحرّك ذهابا أو إيابا ، دخولاً أو خروجا ، فليس من والج ولا من خارج ، وكأنّ بناية السفارة على ضخامتها مهجورة وليس فيها ديّار .

بصيص أمل

وفجأة قال صديقي : تذكّرت الآن أ نّي أحمل رسالة إلى سكرتير

ص: 292

السفير الپاكستاني ، فلنذهب إليه ونسلّمها إيّاه ما دمنا قد وصلنا إلى هنا ، ومن ثُمّ نعود إلى هنا لننظر ماذا يكون .

اكترينا سيّارة وتوجّهنا إلى سفارة الپاكستان ، وبالفعل فقد وجدنا الشخص المطلوب وسلّمناه الرسالة ، وكان استقباله لنا حارّا ، وقد أحاطنا بالحفاوة والتكريم ، وسألنا : أين ستذهبون بعد طهران ؟

قلنا : لقد عزمنا على الذهاب إلى العراق فيما لو حصلنا على التأشيرة .

قال : من حسن الحظّ أ نّي - أيضا - أريد أن أذهب إلى العراق ، فاصبروا هنا قليلاً حتى أهيّئ وثائقي ونذهب جميعا إلى السفارة فآخذ لكم تأشيرة معي .

قال ذلك ودخل غرفته واشتغل بطبع الوثائق .

تبدّد الأمل مرّة أُخرى

وبعد فترة خرج من الغرفة وقال : تعطّلت آلة الطابعة ، فأرجو أن تصبروا قليلاً ، فإنّي ما زلت أحاول طباعة الوثيقة فإذا تمّ ذلك أصطحبكما إلى السفارة ، قال ذلك ثمّ دخل الغرفة مرّة أُخرى يحاول الاستمرار في الكتابة على آلة الطابعة ... .

وبعد حين امتلكني القلق على التأشيرة ، لأنّ الوقت المعلن لمنح التأشيرات الذي كتبته السفارة العراقية في لوحة إعلاناتها هي الساعة الواحدة بعد الظهر ، فيما كانت الساعة الحادية عشر ونحن في السفارة الپاكستانية ، وصاحبنا غائب لا نعلم أين ذهب ؟ وماذا حلّ به وبوثائقه ؟ والوقت يمضي بسرعة تحطم الأعصاب .

ص: 293

ولكن سرعان ما خرج صاحبنا من الغرفة ، وهو يحمل رسالة وقال : آسف لا أدري أيّ مصلحة وراء الأمر ، فإنّ آلة الطابعة تعطّلت تماما ، فلم أستطع كتابة الوثيقة الخاصّة بي ، إلاّ أ نّها عملت بمقدار ما كتبت فيه كتابا للقنصل العراقي بطلب التأشيرة لكما ، وأرجو أن توفّقا لذلك .

أخذت الرسالة منه فورا ، وخرجنا من السفارة واكترينا سيّارة وتوجّهنا إلى السفارة العراقية ، فنظرت إلى ساعتي ، فإذا هي الثانية عشرة تماما .

كانت السيّارة تسير بسرعة ، وتلتهم الطريق التهاما نحو السفارة ، وأنا أحدّث نفسي وأقول : إنّ الموانع أمامنا ليست باليسيرة ، ولا بالقليلة ، فكم من مانع يعترضنا :

فأولاً : إنّنا لا ندري أنّ هذه الرسالة موجّهة لأيّ شخص في السفارة ، فلا ندري لمن ينبغي تسليمها ، سيّما أنّ باب السفارة لا يفتح لأحد من الناس .

وثانيا : إنّهم لن يسمحوا لنا بلقاء القنصل بأيّ حال .

وثالثا : هب أنّنا عرفنا الشخص ، ووصلنا إلى القنصل ، ولكن من قال أنّ هذه الرسالة ستؤثّر ، لأنّنا لسنا من العاملين في السفارة الپاكستانية ، وإنّما نحن أفراد عادّيين .

وحينئذٍ توجّهت لسيدتي أُم البنين عليهاالسلام وخاطبتها قائلاً : يا سيدتي ياأُم البنين عليهاالسلام ، إنّي أريد تأشيرة إلى كربلاء ، وأريدها اليوم بالذات وليس

ص: 294

غدا ؛ وذلك لأنّي لو حصلت عليها في الغد فهو أمر عادي ، وأنا أريد أن أحصل عليها بشكل خارق للعادة ؛ لأنّني أعلم أنّ الحصول على التأشيرة اليوم ، وفي هذا الوقت الضيق والحرج قضيّة مستحيلة ، فإذا حصلت على التأشيرة اليوم ، فإنّي سأتيقّن بما لا يعتريه الشكّ أن ذلك من ألطافكم .

وأخيرا توقّفت السيّارة أمام مبنى السفارة العراقية ، وما أن وصلنا إلى الباب حتى رأينا باب السفارة تفتح ، وخرج منها رجل إنجليزي ، فدخلنا أنا وصاحبي فورا ، فسألنا البوّاب : لماذا دخلتم ؟ فلم نجبه ، وإنّما قدّمنا له الرسالة المذكورة ، فأخذها البوّاب وأغلق الباب وقال : قفا مكانكما حتى أعود ، قال ذلك وذهب مسرعا إلى الداخل .

قمنا هناك وقوفا على أقدامنا ، والهواجس تعصف في قلوبنا ، فحدّثت نفسي : إنّ هذا البوّاب سيعود ويجيبنا بالردّ ، وعلى فرض أ نّه لم يردّنا فإنّه سوف يؤجّلنا إلى غد أو بعد غد ؛ لأنّ هذا هو الاحتمال الوحيد الذي يمكن تصوّره فيما لو لم يردّنا ، إلاّ أن تحدث معجزة !

بينا نحن كذلك إذ جاء البوّاب يحمل معه استمارتين ، وسألنا : هل معكما صور فتوغرافية ؟

قلنا : نعم .

قال : إذن املأوا هذه الاستمارات .

فكّرنا أنّ علينا أن نملأ الاستمارات بدقّة لئلاّ نخطأ في الجواب على

ص: 295

الأسئلة الكثيرة والمعقدة التي فيها ، فمن المحتمل أن يردّ طلبنا إذا كانت ثمّة اشتباهات أو ارتباكات في الأجوبة ، ولهذا كنّا نحتاج إلى وقت أكثر لملأ الاستمارات ، بيد أنّ البوّاب استعجلنا ولم يمهلنا ، وقال : تعجّلوا ولا تتأخّروا ، فإنّ القنصل على وشك الخروج من السفارة .

فاضطربنا وملأنا الاستمارات كيف ما اتّفق ، وبخطّ ردئلا يكاد يسلم منه حرف ، فكتبنا مكان اسم الأب اسم الأُم ، ومكان اسم الأُم اسم الأب ، وهكذا قدّمنا الاستمارات والصور والجوازات ، فأخذها البوّاب وقال : اذهبوا الآن وانتظروا في الخارج إلى الساعة الواحدة ، وستسمعون الجواب من البوّابة الصغيرة التي نسلّم منها الوثائق .

خرجنا إلى الشارع ، فنظرت إلى ساعتي فوجدت أنّ علينا أن ننتظر عشرين دقيقة أُخرى حتى تكون الساعة الواحدة .

فتوجّهنا إلى البوّابة الصغيرة ( النافذة ) ، وقلوبنا تخفق ولها وجيب ؛ لأنّنا لا ندري ماذا ستكون النتيجة ؟

وفي تمام الساعة الواحدة انفتحت النافذة ، وأخذوا ينادون بالأسماء

الواحد تلو الآخر ، وكان الاسم الأوّل هو اسمي ، ومن بعده اسم صاحبي ، فدفعوا إلينا الجوازات ، فأخذتها وقلبي يخفق لأنّي لم أكن بعد مصدّقا ، ففتحت الجواز متوجّسا مترقّبا ، قلقا مضطربا ، فوجدت فيه تأشيرة لثلاثة أشهر ، فغمرتني الفرحة وامتلكني البكاء ، فتحادرت دموع الفرحمن عيني .

ص: 296

أخذنا الجوازات وتوجّهنا من هناك فورا إلى حرم السيد عبد العظيم الحسني عليه السلام في ري ، وبعد الزيارة والصلاة أدّى كلّ واحد منّا ألفي صلوات بدل الألف التي نذرها ، وأهديناها لأُم البنين عليهاالسلام .

نرجو من اللّه أن يقضي حوائج جميع المؤمنين ببركة أُم باب الحوائج قمر بني هاشم أبي الفضل العباس عليه السلام . آمين(1) .

ص: 297


1- أم البنين للخلخالي : 164 .

شملتنا رحمة اللّه

حدّثني الشيخ علي مير خلف زاده عن أحد المؤمنين قال : اشتريت بيتا سنة ( 1986 - 1987 م ) ، وكان قديما متهاويا على أثر الأمطار ، وإهمال الورثة ، وكان مهجورا ، ولا تزيد مساحته على ثلاثين مترا مربعا ، فعزمت على بناء مرافق صحّية له .

فلمّا باشرنا العمل كانت ضربة المعول الأُولى كافية لانهيار سقف الغرفة بالكمال والتمام ، بيد أنّ رحمة اللّه الرؤوف الرحيم شملتنا فلم نصب بأذى ، والحمد للّه ، ولكن مصيبتي صارت مصائب عديدة ، لأنّي لا أمتلك ما يساعدني على إعادة بناء الغرفة ، ولا ترميم البيت المتداعي على أثر الخراب الذي لحقه فوق ما فيه .

وبعد مرور عدّة شهور شملتنا عناية المولى صاحب الأمر والزمان - عجل اللّه تعالى فرجه - فاستطعت من إعادة بناء البيت ، فاضطررت هذه المرّة - طبق القانون - إلى استئذان « البلدية » .

فلمّا دخل المسؤولون إلى البيت أخذوا يمطرونا بالإشكالات التي تذكّرك ببني إسرائيل وتدقيقاتهم ، ويضعوا الموانع تلو الموانع ، ويؤجّلونا كلّ يوم إلى بعده ، فرأيت أنّ الأمر إذا دام كذلك ، فإنّ القضيّة ستستمرّ إلى شهور عديدة ، فنذرت مائة صلوات لأُم البنين عليهاالسلام أقرءها بقصد طلب

ص: 298

السلامة للإمام صاحب الزمان - عجل اللّه تعالى فرجه - فلعلّ اللّه أن يرحمني وينجز عملي بسرعة .

وما أن شرعت بها حتى ناداني المهندس المسؤول وقال : لا تقلق ! فليس في عملك أيّ مشكلة تذكر ، وسأنجز لك ما تحتاجه من قضايا قانونية بنفسي !!

وبالفعل فقد تمّ ما كان ينبغي أن يتمّ في عدّة شهور خلال يومين فقط ببركة ذلك النذر ، وببركة « اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم »(1) .

ص: 299


1- عن كتاب « داستانهايى از صلوات بر محمد و آل محمد » : 99 - 100 .

لماذا رفضت زيارة أُمّي ؟

حدّث المرحوم الحاج عبد الرسول علي الصفار ، التاجر المعروف ، ورئيس غرفة تجارة بغداد حينذاكٍ قال :

في الخمسينات تشرّفت بحجّ بيت اللّه الحرام وزيارة النبي وأهل بيته العظام - صلوات اللّه عليهم وسلامه - ، وكان زملائي في السفرة كلّ من السيد هادي المگوطر ، من السادة المحترمين ومن رؤساء عشائر الفرات من رجال ثورة العشرين ضدّ المستعمر الإنجليزي ، والشيخ عبد العباس آل فرعون ، رئيس عشائر آل فتلة ، وهي أعرق وأكبر عشائر الفرات الأوسط في العراق .

ولمّا وصلنا المدينة المنوّرة للتشرّف بزيارة المرقد الطاهر للرسول الأعظم ومراقد أهل بيته الطاهرين - صلوات اللّه عليه وعليهم أجمعين - ، وفي عصر أحد الأيّام قصدنا كالعادة زيارة مراقد الأئمّة الطاهرين عليهم السلام في « بقيع الغرقد » ، وبعد الانتهاء من مراسيم الزيارة قصدنا زيارة قبور المنتسبين إلى أهل البيت عليهم السلام ، وبعض الصحابة الكرام حتى انتهينا إلى قبر السيدة فاطمة بنت حزام الكلابية « أُم البنين عليهاالسلام » أُم العباس عليه السلام .

فقلت لعبد العباس ! آل فرعون : تعال نزور قبر « أُم البنين عليهاالسلام » .

فأجابنا بتعاليه وغطرسته المعهودتين : دعنا من هذا ، أتريدنا نزورالنساء هذه المرّة ، ونحن رجال !!

ص: 300

وتركنا وخرج من البقيع ، ذهبت أنا والسيد هادي المگوطر لزيارتها .

وفي فجر اليوم التالي استيقظت من نومي ، وتفقّدت عبد العباس فلم أجده في فراشه ، وكنّا في غرفة واحدة ، فانتظرته قليلاً وقلت في نفسي : ربما ذهب إلى الحمّام ، ولكن طال انتظاري ولم يعد ، فقلقت عليه ، وأيقظت زميلي الآخر السيد هادي المگوطر ، وقلت له : أين ذهب يا ترى ؟ فهذه بعض ملابسه ، كما أنّ هميانه لا يزال تحت وسادته .

فاشتدّ قلقنا عليه أكثر فأكثر . ولمّا طالت مدّة غيابه بدأنا نفكر إلى أين نذهب ؟ وكيف نبحث عنه ؟ ومن نسأل ؟ وممّن نستفسر ؟

وبعد فترة قصيرة فتح باب الغرفة ودخل علينا ، وهو في حالة مثيرة من شدّة تأثّره ، وعيناه حمراوان كعلقة الدم من شدّة البكاء ، فقمنا بوجهه ، وقلنا له : خيرا إن شاء اللّه ، أين كنت ؟ وما هذه الحالة التي نراك عليها ؟

قال : دعوني استريح حتى أحدّثكم ، وبعد أن استقرّ به المقام واستراح قال : تذكرون حادثة عصر يوم أمس عندما رفضت زيارة قبر أُم البنين عليهاالسلام وخرجت من البقيع ؟

قلنا : نعم نتذكّرها جيّدا .

فقال : قبل الفجر رأيت فيما يرى النائم كأنّي في صحن أبي الفضل العباس عليه السلام في كربلاء ، ورأيت الناس يدخلون إلى الحرم الشريفزرافات زرافات لزيارة أبي الفضل العباس عليه السلام ، وعندما هممت بدخول

ص: 301

الحرم الشريف مع الداخلين منعت من الدخول ، فاستغربت وسألت : من الذي منعني ؟ لماذا لم يأذن لي بالدخول ؟

قال الحارس : إنّ سيدي أبا الفضل عليه السلام قد أمرني بذلك .

فقلت للحارس : لماذا ؟

قال : لا أعلم .

وكلّما حاولت أن أعرف السبب لم أعرفه ، وهممت بالدخول مرارا ، فمنعت أشدّ المنع ، وحيل بيني وبين دخول الحرم حتى وصل بي الأمر إلى التوسّل والبكاء على رغم عزّة دمعتي وندرتها - كما تعلمون - حتى أضناني التعب والإجهاد .

ولمّا لم أجد نتيجة توسلّت هذه المرّة بالحارس ورجوته أن يذهب إلى سيدي أبي الفضل عليه السلام ويسأله عن سبب منعي من الدخول إلى حرمه ؟!

ذهب الحارس برهة ، ثمّ رجع وقال : يقول لك سيدي أبو الفضل عليه السلام : لماذا رفضت زيارة قبر أُمّي وتعاليت عليها ؟ فإنّي لا آذن لك بالدخول حتى تقصدها وتزورها .

فاستيقظت لهول الرؤيا فزعا ، وذهبت إلى البقيع مسرعا وبدون شعور لزيارة قبر السيدة الطاهرة أُم البنين عليهاالسلام، والاعتذار إليها عمّا صدر منّي من التقصير تجاهها ، والتوسّل إليها لتشفع لي عند ولدها ليعفو عنّي ويقبلني ،وها أنا قد رجعت من عندها توّا كما ترون . سلام اللّه عليهم أجمعين(1) .

ص: 302


1- ذكرياتي للشاكري : 2/117 .

انبهار لجنة الأطبّاء

بعث الحاج السيد جواد الموسوي الزنجاني إمام الجمعة في « شهرك قدس » برسالة إلى « إنتشارات مكتب الحسين عليه السلام » ضمنها الكرامة التالية لأُم البنين عليهاالسلام قال :

رجعت ابنتي من المدرسة إلى البيت قبيل الغروب ، بيد أنّها لم تكن كعادتها بشوش منطلقة ؛ بل كانت منكمشة تشكو صداعا شديدا وآلاما مبرحة في رأسها ، وكانت تأنّ وتتضوّر وتتقيّأ بين الفنية والأُخرى .

فلمّا رأيتها بتلك الحالة داخلني حزن شديد واضطراب وقلق ، فسارعت بها إلى الدكتور « شمس » ، ففحصها الطبيب ولم يستطع من تشخيص المرض ، وقال : إنّه زكام ، وكتب لها وصفة طويلة عريضة تراكمت فيها الأدوية ، ثمّ قال : خذها إلى البيت واعطها الأدوية ، فإذا حسنت حالها ، فالحمد للّه ، وإلاّ فيمكنك الاتّصال بي وأنا اليوم طبيب خفر في مستشفى « سينا » .

أخذتها إلى البيت وأعطيتها الأدوية ، فلم تتحسّن ، فاتّصلت بالطبيب الخفر وقلت له : إنّ المريض لم تتحسّن حالته على أثر الدواء ، بل ازدادت سوءا ، وهي الآن يغمى عليها ساعة بعد ساعة .

فقال : انقلها فورا إلى مستشفى « مهر » .

ص: 303

فنقلناها فورا إلى هناك ، فلمّا فحّصها الطبيب المتخصّص قال : إنّها مصابة ب- « منزيت » حادّ قد سرى إلى تمام أرجاء المخّ ، ولم يبق فيه منطقة سالمة ، وهذا النوع من الالتهاب الحادّ لا يمكن معالجته بعد أن يصل إلى هذا الحدّ ، لقد فات الأوان ، لأنّ الجراحة استوعبت كلّ مكان .

فلمّا سمعنا كلام الطبيب أسقط ما في أيدينا ، واهتزّ أرحامي ومن معي للخبر ، حتى أخذ بعضهم يصرخ صراخا جنونيا في ردهات المستشفى ، وسقط بعض إلى الأرض .

وأخيرا تشكّلت لجنة طبّية من أطبّاء المستشفى ، ومن خارج المستشفى ، ووقف الجميع على سرير المريض ، واتّصل وزير الصحّة يومذاك ، وأوصى المسؤولين والأطبّاء بإجراء اللازم والاهتمام الفائق ، فبذلوا ما في وسعهم ، وحالة ابنتي من سيّء إلى أسوء ، ولا زالت في حالة الإغماء الكامل .

وبقيت هكذا إلى ليلة التاسع(1) من المحرّم ، وكنت في حالة عسيرة جدّا حيث أنظر إلى ابنتي المريضة فأجدها قد تقطّعت بها الأسباب الظاهريّة ، وقد يأس الأطباء من علاجها يأسا مطلقا ، ومن جهة ثانية أرى البيتيغرق في الصراخ والعويل والندبة رجالاً ونساءً ، فأحسست بالاضطرار ، ودخلت غرفتي فصلّيت ركعتين ، وبعد الفراغ منهما صلّيت

ص: 304


1- اليوم التاسع من محرّم مخصّص عند الإيرانيّين لأبي الفضل العباس عليه السلام .

على محمد وآل محمد مائة مرّة ، وأهديتها لأم قمر بني هاشم أبي الفضل العباس سيدتي ومولاتي أم البنين عليهاالسلام ، وتوجّهت إليها بالخطاب ، فقلت لها : سيدتي إنّ كلّ ولد صالح يطيع أمّه ، وأنا أرجوك وأتوسّل اليك يا سيدتي العظيمة وزوجة أمير المؤمنين عليه السلامالوفية أن تطلبي من ولدك باب الحوائج أبي الفضل العباس عليه السلام أن يطلب شفاء ابنتي من اللّه - عزّ وجل - .

وانتظرت حتى وقت السحر ، فاتّصل بي مرافق المريض من المستشفى قبل الفجر وقال : البشرى ! لقد خرجت المريضة من الإغماء ، وهي الآن في وعي كامل .

فخرجت مسرعا أسابق رجلاي ، واقتحمت المستشفى اقتحاما ، فوجدتها في حالة عادية تتكلّم وترى ، في حين كان الأطبّاء المتخصّصون قد أخبرونا أنّ احتمال شفاء المريض أقلّ من واحد بالألف ، ولو حالفها الحظّ فلابدّ أن تفقد بصرها أو سمعها أو تصاب بشلل ، ولا يمكن بحال أن تنجو من كلّ هذه الحالات ، أو من واحدة منها ، إلاّ أنّ بركة أم البنين عليهاالسلام وولدها أبي الفضل العباس عليه السلام شفتها شفاءً كاملاً دون أيّ نقص ، وكانت يومها مخطوبة ، وهي الآن تعيش مع زوجها ، وقدرزقها اللّه طفلين سالمين .

والجدير بالذكر : أنّه في نفس تلك الليلة التي شوفيت ابنتي ببركة أبي الفضل العباس عليه السلام أخبرتني امرأة صالحة من جيراننا أنّها رأت أبا

ص: 305

الفضل العباس عليه السلام في الرؤيا وقال لها : « إنّ الموسوي طلب منّي شفاء ابنته ، وقد أعطاني اللّه شفاءها ؛ أوصيه أن يهتمّ بالمآتم التي تقام لي وبمن يقيمون عزائي » ، وأنا - إمتثالاً لأمر المولى - استقبل سنويا في يوم تاسوعاء المواكب في بيتي حيث يقصدونه لطما على الصدور وضربا بالسلاسل ، وأنا أقدم لهم خروفين في كلّ عام(1) .

ص: 306


1- أم البنين للخلخالي : 174 .

دخيلك يا أم البنين عليهاالسلام

في شهر ذي الحجّة من عام ( 1415 ه ) كان عبد الحسين وعائلته يعودون من سفرة لهم إلى العاصمة بغداد ، وفي الطريق تعطّلت السيّارة فجاءة ، وكلّما حاول عبد الحسين أن يكتشف العطل ليصلحه ويعاود المسير لم يفلح أبدا .

وبقي وسط الطريق حائرا لا يدري ماذا يفعل ! وبدأ الخوف يتسرّب إلى قلبه وقلب مرافقيه وخصوصا زوجته ، فقد أقبل عليهم الليل ، وأخذ الظلام يداهمهم رويدا رويدا ، والأرض مقفرّة ، ولا من مستطرق يمرّ في الشارع ، فالوحدة والغربة والظلام والصحراء والحيوانات واحتمال المداهمة من أيّ قاطع طريق أو حيوان مفترس أو لصّ .

وهنا توجّهت زوجة عبد الحسين إلى اللّه سامع الدعوات وقالت : ربّاه نجّنا ممّا نحن فيه ، بحرمة أم البنين عليهاالسلام التي يتحدّث الركبان بكراماتها يسّر لنا أمرنا .

وفجاءة لاح لهم قادم من بعيد ، فظنّ عبد الحسين أ نّه يعرف تعمير السيّارة ، فقصده وسأله أن يعينه ، فاستجاب الرجل ، وجاء يتفحّص السيّارة ، فلم يكن بأنفع من عبد الحسين نفسه ، وسرعان ما أعلن عن عجزه ، وتقدّم لعبد الحسين باقتراح أن يبحث عن سيّارة تجرّه إلى

ص: 307

المدينة !! ثمّ انصرف إلى حيث يريد ، وزوجة عبد الحسين لا زالت تكرّر بصوت متحشرج ، ولهجة خاضعة خاشعة متوسّلة « دخيلك يا أم البنين عليهاالسلام » .

فعاد عبد الحسين إلى سيّارته ، وحاول تشغيلها من جديد ، فما أن دار المفتاح حتى علا صوت المحرّك ، وانطلقت السيّارة على أحسن ما يرام ، وأخذت تلتهم الطريق وتسابق الريح حتى وصلت بهم إلى باب الدار ببركة أم البنين عليهاالسلام ، وزوجة عبد الحسين ما فتر لسانها عن تكرار « دخيلك يا أم البنين عليهاالسلام »(1) .

ص: 308


1- عن كتاب أم البنين : 48 ، للسيد سلمان هادي طعمة .

شكرا لك يا أم البنين عليهاالسلام

توفيق أفندي موظّف حكومي من أهل الموصل ، وكان يسكن كربلاء بحكم وظيفته .

وفي أوائل الشهر السابع من سنة ( 1961 م ) أحسّ فجأة بآلام مروعة في مثّانته ، فراجع الطبيب المتخصّص في العاصمة ( بغداد ) ، فأجريت له فحوصات وتحليلات أثبتت أ نّه يحمل « حصاة » كبيرة جدّا وذات شعب بحيث لا يمكن استخراجها إلاّ بعملية جرّاحية .

وما أصعب العملية الجرّاحية يومها إلاّ أ نّه استسلم للأمر الواقع ، واتّفق مع الطبيب على تاريخ إجراء العملية ، ثمّ عزم راجعا إلى كربلاء بانتظار اليوم الموعود .

فلمّا وصل إلى كربلاء عرج إلى زيارة الحسين عليه السلام وأخيه أبي الفضل العباس عليه السلام قبل أن يدخل بيته ، وفي حرم أبي الفضل عليه السلامرأى توفيق أفندي شابّا واقفا وبيده كيس صغير فيه « آبنبات »(1) ، فقدّم لتوفيق أفندي وقال له : خذ منه واحدة وانذر للّه أن يشفيك فتشتري من هذا كيلو وتوزّعه باسم أم البنين عليهاالسلام ، فنذر توفيق أفندي للّه واستشفع بأمّ البنين عليهاالسلام ورجع إلى بيته ، وبات ليلته .

ص: 309


1- نوع من الحلوى تصنع من السكّر والزعفران .

وفي صباح اليوم التالي استيقظ وقد إستولى عليه الألم ، وأخذ منه كلّ مأخذ ، فانتبه إلى أنّ « الحصاة » قد سدّت عليه سبيل البول ، وبعد عصرة شديدة من الألم الذي هجم عليه رأى « الحصاة » تخرج منه ، وكانت بشكل مذهل ، فأصابه الذعر ، وبعد لحظة غمره الفرح ، فخرج إلى الشارع وهو يصرخ : الحمد للّه . . اللّه أكبر . . شكرا لك يا أم البنين عليهاالسلام . . وتوجّه من هناك إلى حرم أبي الفضل العباس عليه السلام ، وأدّى نذره(1) .

ص: 310


1- عن أم البنين : 43 ، لسلمان هادي طعمة .

عائلة سنّية من الأتراک

اشارة

حادثة وقعت قبل ثلاثين سنة سأرويها لمن يبحثون عن الشفاء وقد اعيتهم الحيل وعجز عن علاجهم الطبّ .. .

أجل ؛ إنّي سأروي لكم أفضل علاج مهما كان المرض ، بيد أنّ ثمّة شرط واحد في تأثيره ، وهو أن تكون معتقدا تماما وعارفا تماما بأهل بيت العصمة والطهارة ، ومرتبطا ارتباطا وثيقا فكريا ومعنويا بالمنبر الحسيني ، فتتوسّل حينئذٍ بسيدة نساء العرب أم البنين عليهاالسلاموأولادها الشهداء إلى اللّه وتدعوه للشفاء .. .

إيه يا عراق .. ويا مدينتي الحبيبة الكوت .. ويا حيّنا الذي كان تملأه صراخات الطفولة الوديعة .. ويا تلك البيوت المتراصّة التي تحمل لنا الذكريات الحلوة .. ويا تلك الدموع التي كانت تسيل في المآتم وتلك المسوح التي تغشى أبدان الناس في أيّام المحرّم .

.. أيّتها الكوت .. لقد عادت إليّ ذكرياتك وقد غمرتني ضلال الشيخوخة ، وبانت على تجاعيد وجهي آلام الصراع الممضّ مع الغربة والتشريد .. لقد تصرّمت أيّامنا الحلوة الوادعة التي قضيناها على تربك الطاهر ... .

هل لا زلت تتذكّرين فلانا وفلانا وفلانا .. ؟

ص: 311

هل لا زلت تحملين ذكريات الشهر الكريم « شهر رمضان » حينما كان يغيّر كل معالمك ، ويقلّب ليلك نهارا ونهارك ليلاً ، فيقشع النور الظلام في كلّ أرجاءك .. .

أتتذكّرين كيف كان الناس يجتمعون أقرباء وغرباء ، جيران وغيرهم ؛ ليزوروا حاجّا عاد توا من زيارة بيت اللّه الحرام ، ويجتمعون في منزل الحاجة أم عبد الأمير حيث يقام هناك مجلس العزاء في العشرة الثانية من شهر المحرّم الحرام ، فيخشع الجميع وتدمع عيونهم ويختم المجلس بذكر مصاب أم البنين عليهاالسلام ، ثمّ ترتفع الأصوات بالدعاء والأيدي بالابتهال وينفض المجلس ... .

أيّتها الكوت .. يا مدينتي الحبيبة .. هل لا زلت تتذكّرين تلك العائلة التركية السنّية التي كانت تتقزّز من الشعائر الحسينية وتكرهها أشدّ الكراهية ؟!

وكان فيهم فتاة اسمها « وزيره » كانت قد تزوّجت منذ عشرة سنين ولم يرزقها اللّه ولدا ، وكانت عقيما ، فالتفّ حولها نساء من البلد وقالوا لها : وزيرة لماذا لا تتوسّلين بأم البنين عليهاالسلام ، فأجابت وزيرة : لا فائدة في ذلك أنا أعلم ؛ لأنّ علم الطبّ عجز عن علاجي والأمر مستحيل ، وقد استعملت الأعشاب الطبّية ، وراجعت علماء الطبّ القديم ، وصمت صوم زكريّا ، ولا من فائدة .

ص: 312

فقالوا لها : لا تيأسي من روح اللّه فانّ كلّ من أكل من زاد أم البنين عليهاالسلام

وتوسّل بها إلى اللّه فإنّ اللّه يجيب دعوته ، وما يضرّك أن تفعلي أنت ذلك ، فلعلّ اللّه يرزقك ببركتها بنتا فتسمّيها « فاطمة » تيمّنا بها ، فماذا تقولين ؟!

وظلّت وزيرة شابحة البصر تحدّق فيها والسكوت يخيّم عليها ، وفجاءة مزق لسانها الصمت وقالت بصوت متحشرج مرتعش : أجل ولكن بشرط أن يبقى الأمر بيننا ولا يطلع عليه أحد من أهلي وذوي زوجي ، بل وحتى زوجي أيضا .

فقالوا : لا بأس عليك اذهبي الآن واحضري في يوم غد أو بعد غد في بيت الحاجة وستسمعين الخطيب وسيختم المجلس بذكر أم البنين عليهاالسلام .

فودّعتهم وزيره ودرجت عائدة إلى البيت ، وهي تفكر في أمرها وماذا ستفعل ؟! فدلفت إلى البيت وجبال الهموم تتراكم عليها والعبرات تتكسّر في صدرها ، وأنفاسها المتلاحقة تعدو أمامها ، وقلبها الخافق يكاد يمزق شغافه ، فانتبه أهل البيت من نومهم وتعجّبوا من أمرها فسألوها : ما الخبر يا وزيرة ؟ ماذا حدث لك ؟ فأجابت : لا شيء .. لا شيء ، ثمّ سارعت إلى تسلق السلّم لربما سترت الغرفة على ما يجيش في خلدها ، ولكنّها أحست بالاختناق ، فراحت تفتح النافذة لتبدّد وحشتها وفزعها وفرحها وحزنها بين سقسقة العصافير وحفيف سعف غابات النخيل ، فتستنشق نسيم دجلة الفواح وينعشها أريجه .

ص: 313

وزيرة تسمع الخطيب :

خرجت وزيرة من بيتها والخوف يحاصرها والرعب يلاحقها ، وقد تقنّعت بقناع وغطّت وجهها لئلاّ يعرفها أحد ، واتّجهت إلى بيت الحاجة أم عبد الأمير وهي تتصبّب عرقا من الحياء والخوف والاضطراب ، وكلّما اقتربت من البيت تتّضح نبرات صوت الخطيب وتتسرّب إلى مسامعها لتنقذها من كابوس العقم وصراع النفس ، وتبعث فيها الأمل في الحياة .

ودخلت وزيرة والخطيب في بدايات المصيبة ، فلمّا علا صوت النساء بالعويل والبكاء أحسّت بالهمّ يداخلها والحزن يستولي عليها إلاّ أنّ عينها لا زالت هامدة ؛ لأنّ الخطيب كان قد قطع كلامه ، وبعد لحظة عاد ليقول : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، وأخذ يتكلّم عن شخصيّة أم البنين عليهاالسلام وآبائها وأجداها وفضائلهم وفضائلها ثمّ قال : قال الشاعر الشيخ أحمد الدجيلي : وأخذ يتلو أبياتا بأشجى لحن وصوت حزين :

أم البنين وما أسمى مزاياك *** خلّدت بالعبر والإيمان ذكراك

أبناءك الغرّ في يوم الطفوف قضوا *** وضمّنوا في ثراها بالدم الزاكي

لما أتى بشر ينعاهم ويندبهم *** إليك لم تنفجر بالدمع عيناك

وقلت قولتك العظمى التي خلّدت *** إلى القيامة باقٍ عطرها الزاكي

أفدي بروحي وأبنائي الحسين إذا *** عاش الحسين قرير العين مولاك

ص: 314

وقال السيد محمد كاظم الكفائي :

أمّ على أشبالها أربع *** جاءت لبشر وبه تستعين

وتحمل الطفل على كتفها *** تستهدي فيه خبر القادمين

ملهوفة ممّا بها من أسى *** ترى بذاك الجمع شيئا دفين

فقال يا أم ارجعي للخبا *** وابكي بنيك قتلوا أجمعين

فما انثنت وما بكت أمّهم *** وخاب منه ظنّه باليقين

كأنّها الطود وما زلزلت *** وحقّ أن تجري لهم دمع عين

فقال : يا أم البنين اعلمي *** بأن عباسا قتيلاً طعين

قالت : طعنت القلب مني فقل *** النفس والدنيا وكل البنين

نمضي جميعا كلّنا للفنا *** نكون قربانا فدىً للحسين

وقال الشيخ محمد علي اليعقوبي :

وإن أنسى لا أنسى أم البنين *** وقد فقدت ولدها أجمعا

تنوح عليهم بوادي البقيع *** فيذري الطريد(1) لها الأدمعا

ولم تسل من فقدت واحدا *** فما حال من فقدت أربعا

اغرورقت عين وزيرة بالدموع ، ومن ثمّ هملت وأجهشت بالبكاء ، وانتهى الخطيب من نياحته ودعا للحاضرين والغائبين وللمرضىوغيرهم كالعادة ، وفرشت « سفرة أم البنين عليهاالسلام » وتقدّمت النساء

ص: 315


1- يقصد مروان لعنه اللّه .

- وكان فيهنّ من ذوات الثراء - يتبرّكن بزاد السيدة ، وكانت النساء بشكل حلقات حول الطعام يتناولن ويطلبن المراد ، والشفاه تتمتم بالدعاء للمرضى وذوي الحاجات ، والقلوب مفعمة بالرجاء وواثقة بالاستجابة ، وامتدت يد « وزيرة » مرتعشة ترتجف كالسعف إذا اشتدّ به الريح ، وتناولت شيئا من الطعام المصفوف على « السفرة » وخبأته تحت عباءتها وخرجت مسرعة ، ولا زال الدمع يغسل وجهها ، وذهبت إلى البيت وانتظرت حتى إذا غطّى الظلام كلّ شيء أخرجت الطعام ودعت إليه زوجها فأكلا معا .

وبعد شهر واحد :

بعد شهر واحد من دموع وزيرة على أم البنين عليهاالسلام ورجاءها الواثق وتوسّلها أخذ الشحوب يطلي وجهها ويصفّر لونها ، والدوّار يثقل رأسها ، وبدأت تشعر بشيء من الألم في صدرها ، وعزفت عن الطعام ، وصارت تحاول الابتعاد من زوجها ، وصار النوم لا يكحل عينها إلاّ قليلاً ، وصارت تفرّ من التجمّعات ، وتهرب من أيّ مكان فيه لغوب وصخب ، وكلّما أنيطت بها مهمّة وكلّفت بعمل تتثاقل ولا تنجزه إلاّ بمشقّة ، وأخذت تعاني من القيّ الذي يفاجئها المرّة تلو الأخرى .

وبقي زوجها حيران لا يدري ما يفعل ، فسألها والقلق يحطم أعصابه : وزيرة ! ماذا دهاك يا وزيرة ؟ هل أنت مريضة ؟

وتجيب وزيرة : لا أدري .

ص: 316

فقام بها زوجها إلى الطبيب ، ودخل إلى المطبّ وصارح الطبيب بكلّ ما تعانيه زوجته « وزيرة » ، ففحصها الطبيب بدقّة ثمّ تبسّم وقال : لا بأس عليك .. لا شيء يخشى منه إنّما هي علامات الحمل .. إنّها حامل ، ولكي تطمئن يمكنك أن تأخذها غدا إلى المختبر لتعرف هناك الخبر اليقين .

فسحت دموع الفرح من عيون الزوج والزوجة على الرغم منها ، وقال الزوج متلجلجا يحاول تمرير الكلمات بين الدموع والعبرات : هل أنّك مطمئنّ سيادة الدكتور ؟

فأجابه الطبيب ببرود الواثق : نعم .

وخيّم الظلام مرّة أخرى ، فأثقل العيون وأغمض الجفون ، وغطّ الناس كلّهم في نوم عميق إلاّ وزيرة وزوجها ، فقد قلقل السهاد أحشاءهم وهم يتطايرون من غصن إلى غصن ، ويبنون لأنفسهم في كلّ لحظة ألف عشّ ، ويصغون إلى زغاريد الصغير الذي سيملأ حياتهم حبّا ونشاطا وفاعليّة ، ويبعث فيهم الحياة من جديد ، يستعجلون عقارب الساعة لينفلق الفجر فيفرحون ، ويحاولون جرجرت قطع الليل لئلاّ ينتهي فتموت آمالهم في صدورهم ، وباغتهم الفلق ، فانتبهوا على ضجيج الناس وهم ينتشرون في الشوارع ، فسارعوا إلى المختبر والآمال تسبقهم ، ودخلوا المستشفى وقدّموا طلبهم وانتظروا فترة ، ما كان أطولها في عمرهم ، فنادت الممرضة باسم « وزيرة » فحبست الأنفاس فيصدورهم ، وخانتهم السيقان فلم تقوى على حملهم ، فتحامل زوجها

ص: 317

وتقدّم نحو الممرضة ، ووزيرة قعدت مكانها وتسمّرت إلى الأرض ، فقال الزوج : نعم ما هي النتيجة ؟ فنظرت الممرضة في الورقة وتبسّمت وقالت : آسفة إنّها حاملة .. .

ليت الكلمات تستطيع أن تعبّر ... طار من الفرج وهو يحاول أن يعيد قلبه النشوان إلى صدره ، فصرخ وصرخ معه كلّ وجوده ، وصرخت معه جميع خلايا جسمه : الحمد للّه . الحمد للّه . الحمد للّه . واحتضن وزيرة وهو يقول : لا أصدق يا وزيرة .. لا أصدق . فارتسمت على شفتي وزيرة ابتسامة أمل نشوى ، وأحسّت بأنّ كلّ معاناتها قد ذابت وصارت ذكريات .

وعاد الزوجان إلى البيت وسجدا شكرا للّه ، وذاع الخبر بين الناس ، وسمع الأقرباء والجيران ، ووزيرة تكتم نذرها لأم البنين عليهاالسلام مع الجنين وتحبسه في صدرها لئلاّ يكتشفه الأقربين .

وصارت تعدّ أيّام الحمل فتتخيّل الشهور التسعة تمرّ بخطى شيخ متهاود تجاوز التسعين ، ولكنّها تعيش لذّة انتظار الجنين ، وتتضايق من نصائح النساء ووصفاتهنّ بين الحين والحين ، وبدأ القلق يساورها لمستقبل الطفل ووضع الحمل .

وفي الشهر الثالث من الحمل :

أحسّت بالآلام في بطنها وظهرها ، فغرقت في الهموم مرّة أخرى ،ونقلت إلى المستشفى هذه المرة تحفّها نساء الأقرباء والجيران ، وألقى الزوج

ص: 318

بنفسه على يد الطبيب يقبّلها ويتوسّل إليه أن يصنع أيّ شيء ليحفظ الجنين ويحول دون سقوطه ، ويجيب الطبيب : إنّ الأمر بيد اللّه أوّلاً وآخرا ، وليس باليد حيلة ، ولا دواء ناجع ولا طبيب نافع ، ولكن عليها أن تستريح استراحة مطلقة وتبقى في المستشفى لمدّة ثلاثة أيّام .

فلمّا سمعت « وزيرة » أنّ الأسباب تقطّعت بها التجأت بحرقة وقلب مكسور إلى أم البنين عليهاالسلام وتوسّلت بها أن تعينها ... .

فأخذ الألم يتضاءل ، وكأنّه نار تخمد أو ثلج يذوب ، وعادت الابتسامة لترتسم على شفتي الزوج من جديد ، وعادت الآمال والأمنيات ، وارتفع الكابوس القاتل المقيت ، حيث رجعت « وزيرة » إلى بيتها لتكمل شوط الحمل ... .

وانقضت الشهور التسعة ، وتصرّمت بأيّامها ولياليها ، وساعاتها وثوانيها ، وأطل الربيع بنداوة الحياة ، أصاب « وزيرة » ألم الطلق عند الفجر حينما كان المؤذّن يرفع الأذان ، فلمّا نادى المؤذن « أشهد أنّ عليا ولي اللّه » صرخت « وزيرة » : يا علي ... ووضعت حملها سالما سويّا ، وكانت أنثى تحمل معها كلّ أمنيات الوالدين وأقرباءهم.

فقالت وزيرة : سمّوها « فاطمة » تيمّنا بأم البنين عليهاالسلام .

وخالفها أقرباء زوجها أشدّ المخالفة وقالوا : لابدّ أن تسمّى « عائشة » .

ووقع الخلاف بينهما ، فتدخّل الوسطاء واقترحوا حلاًّ وسطا ، لا إلىهؤلاء ولا إلى هؤلاء .

ص: 319

فقالوا : سمّوها « بشرى » فاضطرّت « وزيرة » إلى أن تكفّر عن نذرها الذي حنثت به(1) .

ص: 320


1- مختصرا بتصرّف عن أم البنين مناهل للثكالى والمفجوعين .

اطلبي ولدك من أبي الفضل عليه السلام

حدّث الشيخ أحمد صابري الهمداني عن المرحوم آية اللّه الحاج الشيخ ملاّ علي معصومي الهمداني ( المعروف بالآخوند ) أ نّه قال :

كانت في إحدى قرى همدان امرأة محرومة من نعمة الولد لعدّة سنين بعد زواجها ، فالتقت بها - يوما ما - إحدى جاراتها وقالت لها : انذري أن يرزقك اللّه ولدا فتسمّيه « أبو الفضل » .

وبعد فترة شملها ربّ العزّة والعطاء بعنايته ، فرزقها ولدا سمّته « أبو الفضل » .

فلمّا بلغ الولد سنّ الرابعة عشرة ابتلي بمرض عضال أعيى كلّ الحيل ، فيئس منه أهله .

وفي ذات يوم جاءت نفس تلك الجارة التي نصحتها بالنذر فقالت لها : أنصحك أن تتوسّلي بخلوص وثقة وجدّية بأبي الفضل العباس عليه السلام

وتطلبي منه ولدك .

فجلست أم الولد الشابّ تلك الليلة ، وتوسّلت بأبي الفضل عليه السلام من أعماق قلبها بكلّ جدّ وثقة وإخلاص ، وقضت ليلتها بتلك الحالة .

فلمّا انبلج عمود الصبح سمعت طارقا يطرق الباب ، فسارعت لفتحه ، فرأت جارتها التي نصحتها أن تتوسّل بأبي الفضل عليه السلام ، فتعجّبت

ص: 321

من زيارتها في هذا الوقت المبكر ، فبادرتها جارتها قائلة : لا تحزني فقد شفا اللّه ولدك .

قالت : كيف ؟ ومن أين عرفت ذلك ؟

قالت : لأنّي رأيت الليلة في الرؤيا ؛ أنّ لمّة من النساء توجّهن إلى بيتكم ، وكانت تتوسّطهنّ السيدة « أم البنين عليهاالسلام » ، فقالت عليهاالسلام : إنّي ذاهبة لشفاء هذا الصبي .

وبالفعل فقد استيقظ الصبي لا كباقي الأيّام ، حيث كان يرفل بالشفاء والعافية ببركة أبي الفضل العباس عليه السلام(1) .

ص: 322


1- عن كتاب چهره درخشان قمر بني هاشم ابو الفضل العباس : 1/414 .

أهديت سورة الفاتحة لروح أم البنين عليهاالسلام

قال الشيخ الخلخالي مؤلّف كتاب أم البنين عليهاالسلام : زرت يوما الخطيب المعروف خادم أهل البيت عليهم السلام الحاج السيد أحمد الحكيم - حفظه اللّه - فحدّثني بهذه الكرامة التي حصلت له شخصيّا :

قال : دعيت سنة ( 1416 ه ) من قبل جماعة من اللبنانيّين المقيمين في غرب أفريقيا ، فتوكّلت على اللّه وأخذت بطاقة طهران - جدّة ، ومن جدّة إلى غرب أفريقيا .

وكانت عندي ستّة ساعات ترانزيت في مطار جدّة ، فبقيت تلك الفترة هناك ، وقبل الإقلاع بربع ساعة فاجأني المسؤول السعودي ؛ أنّي لا أستطيع السفر على متن تلك الرحلة ؛ لأنّي لم أحصل على تأشيرة مراكش .

فتعجّبت من ذلك لأنّي أريد العبور من مراكش إلى غرب أفريقيا ، وقد حصلت على تأشيرة للبلد الأخير الذي أنوي السفر إليه .

فقلت للمسؤول السعودي : إذن خذني إلى مسؤول الرحلة المراكشي كي أتحدّث معه .

فأخذني ، فقلت له : لماذا لا تسمح لي بالسفر على هذه الرحلة ؟

قال : لأنّك لم تحصل على تأشيرة مراكش .

ص: 323

فقلت له : إنّ توقّفي في مراكش سيكون لوقت محدود جدّا ، وإنّي أريد العبور من مطارها إلى بلد آخر ، وإنّي لا أريد الخروج من صالة الترانزيت ، ولا أقصد دخول البلد .

فقال : القانون لا يسمح بذلك .

فقلت له : إنّي قد أخذت نفس هذه الرحلة في شهر رمضان ولم أحتج إلى تأشيرة ترانزيت ، كما تقول ، وقد دخلت مطار الدار البيضاء بدون تأشيرة .

فقال : أجل ؛ لم يكن دخولك قانوني ، فالقانون لا يسمح بذلك .

قلت : طيّب ، لم يبق الآن إلى محرم الحرام إلاّ يومين ، وإنّي على موعد هناك .

فقال : أجل ؛ هذه مشكلتك ولا تعنيني بحال .

ولا يخفى ، فإنّ هذا المسؤول كان معاندا . . متعصّبا . . جافّا . . بحيث آيست تماما من المحاولة معه ، ولكن في هذه اللحظة أدركتني الرحمة ، فألهمت أن أقرأ سورة الفاتحة وأهديها إلى روح أم البنين عليهاالسلام ؛ لأنّ تلك السيدة العظمى من أبواب اللّه ، فشرعت في قراءة الفاتحة ، والناس يصعدون إلى الطائرة ، فلمّا وصلت إلى قوله تعالى « وَلاَ الضَّالِّينَ » التفت إليّ المسؤول ، وكان جالسا إلى جنبي وقال : أين أمتعتك ؟

فقلت : إنّها في الطائرة ؛ لأنّي حوّلتها من طهران إلى غرب أفريقيا .فلمّا سمع أنّ أمتعتي في الطائرة ترك عناده ، وانحلّ لجاجه ، وقال :

ص: 324

إذن تفضّل واصعد إلى الطائرة .

فذهبت أرتدي ملابسي ، وأعدّ هو بطاقة الصعود إلى الطائرة ، وكانت بطاقتى على الدرجة السياحية ( العادية ) ، فوجدت أنّ بطاقة الصعود كانت لمقعد في الدرجة الأولى .

نعم ؛ هكذا هي نتيجة التوسّل بأم البنين عليهاالسلام(1) .

ص: 325


1- أم البنين للخلخالي : 194 .

سفرة أم البنين عليهاالسلام

حدّث السيد صادقي واعظ ، وهو من الموالين لأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام ، ومن المبرّزين في الحوزة العلمية في قم ، قال :

كنت أرتقي المنبر في طهران ، وكان اليوم التاسع من المحرّم ، فاكتريت سيّارة للذهاب إلى مسجد السيد أحمد البروجردي رحمه اللهحيث كنت أرتقي المنبر هناك ، وكان علينا أن نمرّ بساحة « الشهداء » باتّجاه منطقة « صد دستگاه » حيث يقع المسجد المذكور ، وكان الشارع مزدحما جدّا لا تكاد السيّارة تقطع الطريق إلاّ بشقّ الأنفس ؛ وذلك لكثرة المواكب المنطلقة ذلك اليوم ، فتساءل السائق قائلاً : ماذا حدث ؟ لماذا كلّ هذا الزحام(1) ؟

فقلت له : ألست مسلما ؟! ألا تدري أنّ اليوم هو اليوم التاسع من المحرّم ، وهو يوم عزاء أهل البيت عليهم السلام ومصابهم .

قال : كلاّ ، أنا مسيحي .

قلت : اليوم هو يوم العباس عليه السلام .

قال : نعم ، أنا أعرف أبا الفضل العباس عليه السلام جيّدا ، واستطرد قائلاً :

ص: 326


1- يبدو أنّ السائق كان يستدرج السيد الواعظ ليقصّ له قصّته ، لأنّه إيراني ، والمفروض أنّه يعرف ما يجري في طهران أيّام العشرة الأولى من المحرّم ، وإن كان مسيحيا .

كنت عقيما محروما من نعمة الولد ، وبعد زمان رزقت ولدا إلاّ أ نّه كان مشلولاً مقعدا ، فصرفت كلّ ما عندي ، وبعت بيتي وسيّارتي ، وأنفقتها في علاجه دون نتيجة .

وفي ذات ليلة دخلت بيتي - وكنت مستأجرا أسكن مع صاحب الدار - فرأيت زوجتي تبكى ، فقلت لها : ماذا حدث ؟

قالت : إنّ صاحبة الدار دعتني للحضور إلى سفرة أم البنين عليهاالسلام .

قلت : من هي أم البنين عليهاالسلام ؟

فشرحت لي ما سمعته عنها ، ثمّ قالت : لقد أخذت ولدي وأجلسته على سفرة أم البنين عليهاالسلام ، فتعال نجلس هذا الطفل في حجرنا هذه الليلة ونتوسّل بأبي الفضل العباس عليه السلام معا .

وبالفعل ، اتّفقنا وفعلنا ذلك حتى أخذنا التعب ، فتركنا الصبي لحاله ، واضطجعنا في الإيوان ( البلكون ) ، وفي منتصف الليل رأيت - بهذه عيني - الطفل ، وقد قام معتمّدا على رجليه ، وأخذ يركض ، ففزعت وصرخت به : ماذا حدث ؟

قال : من هذا السيد الفارس الذي جاءني ؟

هذه هي معجزة أبي الفضل العباس عليه السلام التي رأيتها بعيني ، فكيف لا أعرفه(1) ؟!

ص: 327


1- أم البنين للخلخالي : 161 .

إهداء ختمة قرآن لأم البنين عليهاالسلام

قال الشيخ الخلخالي في كتابه أم البنين عليهاالسلام :

بعث الحاج الشيخ محمد علي إسلامي رسالة إلى « انتشارات مكتب الحسين عليه السلام » بتاريخ ذي الحجّة الحرام ( 1419 ه ) وقال فيها :

« . . إنّي المدعوّ « محمد علي بن أحمد الإسلامي » حدثت لي معضلة لا يمكن حلّها عادة ، وكانت متعلّقة بعدّة دوائر رسمية ، وقد سدّت جميع الأبواب في وجهي ، ولم أجد أيّ حيلة أو سبيل لحلّها ، فتوسّلت بالسيدة أم البنين عليهاالسلام وقلت لها : سيدتي أُم البنين . . إنّ لك عند اللّه جاها عريضا ، وأنا سأختم القرآن الكريم وأهدي ثوابه لروحك المقدّسة ، وفي المقابل توسّلي أنت إلى اللّه في حلّ مشكلتي .

أجل ؛ هكذا نذرت ، وشرعت في تلاوة القرآن الكريم ، وقبل إتمام الختمة تيسّر أُمورى كلّها ، وقضيت حاجتي ، فكنت إذا راجعت أيّ دائرة من الدوائر وجدت السبيل مفتوحة ، والأُمور ميسّرة ، والوجوه طلقة ، وكأن لم يكن شيئا مذكورا .

هكذا هي هذه الأُسرة الجليلة شفيعتنا في الدنيا والآخرة(1) .

ص: 328


1- أم البنين للخلخالي : 159 .

كرامتان يرويهما عقيد متقاعد في الجيش الإيراني

قال الشيخ الخلخالي في كتابه أم البنين عليهاالسلام :

السيد محمد حسين جعفر زاده عقيد متقاعد يسكن في منطقة « عظيمية » في « كرج » من ضواحي طهران العاصمة . . أرسل رسالة إلى « مكتب الحسين عليه السلام » ذكر فيها كرامة لقمر العشيرة أبيالفضل العباس عليه السلام

وضمّنها توسّلين بأُم البنين عليهاالسلام ، فقال :

قضيت ثلاثين سنة من عمري في خدمة الجيش في الجمهورية الإسلامية ، ومن ثمّ أحلت على التقاعد ، فقدمت لي دعوة من « منظمة الإعلام الإسلامي » أوّلاً ، ومن ثُمَّ من إحدى المراكز الناشطة في المدينة « كرج » لأقوم بتدريس فنّ قراءة المراثي وإقامة العزاء « ما يسمّى عند الناس بالرادود » ، فقبلت الدعوة وشرعت بالتدريس على بركة اللّه ، وقد كتبت - لحدّ الآن - أربعة كتب في هذا الفنّ ، وقدّمتها لخدّام المنبر الحسيني .

وفي ذات يوم - وكان اليوم جمعة - كنت مشغولاً بالتدريس وقت العصر ، إذ دخل أحد التلاميذ ذاهلاً ، فاستأذن وقال : إنّ أبي الآن يعالج الموت ، وقد تركته في سكراته محتضرا ، ووجّهته إلى القبلة ، وجئتلأعتذر إليك عن التأخير وأعود إليه .

ص: 329

فقلت له : اسمع منّي سأروي لك حديثا عن سيدتي فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، فإنّها قالت : سألت أبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله أيّ ساعة أفضل لاستجابه الدعاء ؟ فقال صلى الله عليه و آله : عند الغروب يوم الجمعة .

فنحن ندعو ، ولكنّ الأفضل أن تنذر أنت أيضا نذرا .

قال : إنّي الآن في حالة من الاضطراب وتشتّت البال بحيث لا أدري ماذا أفعل ، وماذا أنذر ، أرجو أن تنصحني وتعلّمني وترشدني إلى ما أفعل ؟

فقلت له : انذر الآن أن تقرأ زيارة عاشوراء عشر مرّات وتهديها لأم البنين عليهاالسلام بقصد شفاء والدك .

فقال : أفعل ، ورجع إلى البيت مسرعا .

فلمّا دخل البيت بلغ به العجب غايته ، إذ رأى أباه واقفا في ساحة الدار مشتغلاً بالوضوء والاستعداد لصلاة المغرب ، فسأل عن ذلك ، فأخبروه أ نّه منذ نصف ساعة تقريبا انقطعت عنه الحمى فجأة ، وأخذ يتماثل إلى الشفاء ، وبدأت أعراض المرض تزول عنه حتى قام قائما على قدميه .

قال العقيد جعفر زاده :

وها هو ذا الأب حفظه اللّه يشتغل بالقرب منّا يزوال عمله سالما غانما .

* * *

ص: 330

في يوم 22 رمضان سنة 1420 قالت لي زوجتي : إنّ تحت إبطي غدّة بحجم « بيضة » ، وبقيت على هذه الحال إلى أن انتهى الشهر الكريم ، فراجعنا الطبيب الجرّاح ، فأخذ نموذجا من الغدّة وأرسلها إلى المختبر لتجرى عليها عملية زراعة وتحليل لتشخيصها ، إلاّ أ نّه لوّح لنا في كلامه إلى أ نّها غدّة خبيثة ، وكانت نظرات العاملين في المختبر تحكي ذلك أيضا .

فتوجّهت إلى الأئمّة الأطهار عليهم السلام ، وتوسّلت بهم وألححت كثيرا على

المولى أمير المؤمنين عليه السلام وفاطمة الزهراء عليهاالسلام وأم البنين عليهاالسلام .

ومضى علينا أسبوع قبل أن تخرج النتيجة من المختبر ، وبعد أسبوع رأيت في عالم الرؤيا شخصا ينادي ، وأنا أسمع صوته ولا أرى وجهه ، فقال : يا جعفر زاده ؛ بشراك إنّنا شافينا زوجتك .

فاستيقظت على هذا الصوت منشرحا ، فصلّيت نافلة الليل وسجدت للّه شكرا ، وصلّيت صلاة الصبح وعدت إلى النوم ، فرأيت مرّة ثانية في عالم الرؤيا الإمام علي عليه السلام ومعه أم البنين عليهاالسلاموقد شرّفانا في بيتنا ، فجلست أنا بين يدي مولاي وجلست أم البنين عليهاالسلامقريبا من زوجتي ، ومسحت بيدها المباركة على موضع الغدّة ، وعندئذٍ استيقظت من نومي فجأة ، وفتحت عيني وأنا أشكر اللّه - تبارك وتعالى - على هذه الموهبة العظيمة ، وشكرت سيدي ومولاي أمير المؤمنين عليه السلام وأم البنين عليهاالسلام ،وتيقّنت أنّ زوجتي قد شوفيت ممّا فيها ، فدعوت الناس وأقمت مجلس العزاء في بيتي تعبيرا عن شكري لألطاف أهل البيت عليهم السلام كلّ ذلك قبل أن نستلم جواب التحليل .

ص: 331

فلمّا استلمناه ذهبنا به إلى الطبيب ، فنظر فيه ونظر إلى موضع الغدّة ، وتبسّم في وجوهنا وهو لا يعلم أنّ الطبيب الأصلي أبا الفضل العباس عليه السلام قد سبقه إلى العلاج .

ثمّ ذيّل رسالته بأبيات رائعة بالفارسية في مدح أمير المؤمنين وزوجته عليهماالسلام(1) .

ص: 332


1- أم البنين للخلخالي : 159 .

آنه أم البنين الفاقده أربع شباب . . أنقذت حياة سجّاد

يقطن الطفل سجّاد علي عبد الكريم الخلف « 3 سنوات » برفقة عائلته المكوّنة من والده الأستاذ علي عبد الكريم الخلف « 31 سنة » الموظّف في ( شركة صودا ) بمدينة الجبيل الصناعية ،ووالدته السيدة تهاني آل قريش « أم حسين - 27 سنة » ربّة منزل ، وأخوه الأكبر حسين « 7 سنوات » الطالب بالصفّ الأوّل الإبتدائي بمدرسة علي بن أبي طالب عليهماالسلام بصفوى ، يقطنون جميعا بشقّة بدت مرتّبة الأثاث بالدور الثالث في منزل العائلة الكائن في حيّ الخيّاطية بمدينة صفوى « محافظة القطيف » .

وكانت بداية القصّة في الساعة الواحدة والنصف من ظهر يوم الاثنين 11 صفر 1426 ه- الموافق 21 مارس 2005 م ، حين كان الطفل سجّاد يلعب بالكرّة مع أخيه الأكبر حسين على السلّم الضيق الملاصق لباب شقّتهما ، وهو يردّد أبياتا شعرية طالما كان يردّدها طوال النهار ، وهي قصيدة حسينية حزينة مشهورة قرأها الرادود الحسيني نزار القطري عن لسان السيدة أم البنين عليهاالسلام ، وكان مطلعها « آنه أم البنين الفاقدة أربع شباب . . فدوة لتراب الحسين عليه السلام . . فدوة لتراب الحسين عليه السلام » . .

بينا هم كذلك إذ سقطت الكرّة إلى الدور الأرضي ، فنزل حسين ليأخذها ، وتدلّى سجّاد من الطابق الثالث ينظر إلى أخيه ، وهو يترنّم بالأبيات « آنه أم البنين الفاقدة . .» ويردّدها في ترتيلة لا يفتّر عنها لسانه ، فكان أن وصل سجّاد قبل أخيه إلى الأرض ، وصكّ سمعه صوت

ص: 333

ارتطام مروّع أفزع عمّه الذي كان يستلقي على سريره ، فقام من فوره ليستطلع الخبر ، فوقعت عينه على سجّاد وهو ممدّد على الأرض ، وبجانبه حسين ، وهو مرتبك ولا يدري ما يصنع .

وكان سجّاد ممدّدا على الأرض مغمّض العينين ، فظنّه قد انزلق من ثلاث أو أربع عتبات من عتبات السلّم ، لأنّه لم ير أيّ بقعة دم توحي بحادث سقوط خطير ، فانبرى حسين يصرخ في وجه عمّه : لقد سقط سجّاد من الدور العلوي !

فسارع إليه عمّه فحمله وتوجّه به إلى أمّه ، فنظرت إليه أمّه وهو مسجّى على يدي عمّه بعينين شابحتين شبه مفتوحة ، فظنّت أنّه قد مات . . وأنّه سوف لن يعود لها أبدا . .

فأخبرها العمّ بما جرى ، وسارعوا به إلى مستوصف « سلامتك » بصفوى .

وهناك في المستوصف بدت بعض علامات الحياة على سجّاد ، فعرض على الدكتور « قاسم - هندي الجنسية » ، فأكّد بعد إجراء الفحوصات الأوّلية : أنّ الطفل لا يعاني من أيّة كسور أو كدمات ، وحيث أنّه لا يعاني من حول في عينيه فهو سليم طبّيا ، فكتب وصفة طبّية للاستعمال وقت الضرورة ، في حين شدّد على نقطة واحدة مهمّة في نصيحته للسيدة أم حسين ، وأكّد عليها : أن تعود بابنها إلى العيادة فوراإذا انتابته نوبة قيء ، فإنّ ذلك ربما ينبئ عن وضع خطير يتعرّض له المصاب من هذا النوع .

ص: 334

فلمّا توجّهت به أمّه إلى الصيدلية المجاورة لصرف الوصفة الطبّية ، تعرّض سجّاد لحالة قيء مفاجئة ، الأمر الذي أفزعها ، فعادت به إلى الطبيب مباشرة . .

فأمر الطبيب بتحويله إلى مستشفى آخر لإجراء أشعّة مقطعية ، لعلّها تظهر ما عجزت عن إظهاره الأشعّة العادية . .

ومرّت على الأمّ ساعات حرجة . .

فانطلقوا به فورا إلى مدينة الدمّام حيث مستشفى « الموساة » ، فأدخل قسم الطوارئ ، وتجمّع الأطبّاء عليه يتقدّمهم الدكتور « يسري بهنام - مصري الجنسية » يعمل استشاري جراحة المخّ والأعصاب في المستشفى المذكور ، والدكتور « عاهد مكحل - عراقي الجنسية » .

فكانت الانطباعات الأوّلية أنّ حادثا من هذا النوع لابدّ أن ينتج عنه شللاً تامّا إن لم تكن الوفاة . .

اجريت له الفحوصات والتصاوير الأشعّاعية اللازمة ، فظهر أنّ هناك شرخا في جمجة سجّاد تعلوه طبقة دماء متخثّرة ، ولا كسور أو كدمات أخرى في أيّ جزء آخر من جسم سجّاد !!

ومن خلال ذلك استنتج الأطبّاء حقيقتين :

الأولى : أنّ الطفل تعرّض لحادث ارتطام قوي أدّى إلى حدوث الشرخ المذكور .والحقيقة الثانية : أنّ عدم وجود كدمات أخرى أو كسور في أجزاء

أخرى من الجسم تؤكّد بشكل قطعي أنّ الطفل تعرض للسقوط بشكل

ص: 335

عمودي ليرتط بالأرض دون أن يصطدم أثناء سقوطه بأيّ جسم آخر ، وإلاّ لكان من المؤكد تعرّضه لكسور أو كدمات أخرى . .

ثمّ إنّ الدكتور يسري أسرّ إلى أبي الطفل سجّاد قائلاً : « إن عاش ابنك هذه الليلة فستكون تلك معجزة ! » ، فزلزل كيان الأب المفجوع . .

وأضاف الدكتور يسري : « الخشية في أن يتسرّب الدم المتخثّر حول شرخ الجمجمة لداخل الجمجمة » . .

ولذا تقرّر منع سجّاد من شرب الماء مطلقا حتى لا يساهم ذلك في إسالة الدم المتخثّر ، فيحدث ما لا تحمد عقباه ، على أن يبقى نائما في المستشفى تحت المراقبة المشدّدة حتى يتّضح الأمر . .

حينئذٍ ساءت حالة سجّاد كثيرا ، فلا هو بالنائم ولا المستيقظ ، وتنتابه بين الحين والآخر نوبات بكاء وأنين أو قيء مفاجئ ، ويبكي كلّما اقترب منه أحد لإجراء فحوص ، فلم تتمالك أمّه فأجهشت بالبكاء والنحيب .

وفي ذلك الوقت العصيب ، وحالة المرض المروّعة كان سجّاد وهو بين الحياة والموت يردّد ذات الأبيات الشعرية التي تعود على تردادها: « آنه أم البنين الفاقدة أربع شباب .. » ، بحيث خافت الأمّ أنّ ولدها قد فقد عقله .. .

واستمرّ الحال هكذا حتى العاشرة والنصف مساءا ، وفجأة تغيّر كلّ شيء ، لقد طلب سجّاد في ذلك الوقت الذهاب إلى الحمّام ، ففصلوا انبوب « المغذّي » عنه ، ثمّ طلب شربة من الماء وزبادي « لبن » ، فمنعه المشرفونعليه من الماء مطلقا نزولاً عند تعليمات الطبيب ، فصار يبكي وازداد إلحاحه في طلب الماء ، مبديا عطشه الشديد . .

ص: 336

عندها قرّرت أمّه أن تسقيه الماء مهما كلّفها الأمر ، فجرت حينها مشاورات بين طاقم التمريض حتى تقرّر سقيه مقدارا قليلاً من الماء بما يبلّ ريقه فحسب . .

وفي تلك اللحظة بدى سجّاد مستيقظا تماما وفي كامل وعيه ، وهو يردّد باستغراق كبير الأبيات الشعرية ذاتها « آنه أم البنين الفاقدة . . » . .

فخاطبته الأمّ والألم يعتصر قلبها على الحال الذي ترى فيه ولدها سجّاد : بنيّ ما بك ؟ وممّا تشكو ؟

فأجابها ببراءته الطفولية وبلهجته المحلّية : ماما ليش تصيحين أنا ما فيني شيء ، أنا ما طحت على الأرض ، ماما أنا يوم كنت فوق أقول : « آنه أم البنين الفاقدة . . » ، وطحت من فوق ، مسكتني امرأة لابسة ثوب أخضر ، وخلّتني على الأرض وهي تقول لي : « آنه أم البنين الفاقدة أربع شباب . . فدوة لتراب الحسين عليه السلام . . » .

فانفجرت أمّه « أم حسين » بالبكاء ، والصلوات على محمد وآل محمد ، متيقّنة أنّ معجزة إلهيّة حدثت لسجّاد ببركة أم البنين عليهاالسلام . .

خرج سجّاد من المستشفى في اليوم التالي صحيحا معافى ، كأن لم يصبه شيء(1) . . .

ص: 337


1- انظر الكرامة مفصّلة وموثّقة بالصور والتقارير ، وتصريحات الأطبّاء قبل وبعد المراجعة للمستشفى عن لسان الطفل « سجّاد » نفسه وعائلته في كتاب كرامات أم البنين عليهاالسلام لعبد القادر الشيخ علي أبو المكارم .

ص: 338

المراثي

اشارة

ص: 339

ص: 340

أرجوزة في « أم البنين عليهاالسلام » للأديب الخطيب الشيخ محسن الفاضلي

أمّ البنين زوجُ مولانا علي *** ناهيكمو عن ذلك الفضل الجلي

والدةُ العبّاسِ ذيّاكَ الأغرْ *** شمسُ الكراماتِ ونجلُها قمرْ

بها إلى اللّه ِ توسّل كي تنلْ *** كلَ الذي ترجو وتحظى بالأملْ

تلك التي مثّلَتِ المودّة *** في آل طه في الرَّخاء والشدّة

للّه صبرُها بيوم أقبَلْ *** ناعي الحسينِ والدّموعَ أسبلْ

تسأَلُه كأ نّها لم تَسمعِ *** نعيَ شهيدِ كربلا ولم تعِ

تقولُ أخبرنيَ عن إِمامي *** والطّرفُ منها بالدّموعِ هامي

أخبرها آهٍ بفقدِ الأربعه *** أبنائها وهو يُهلُّ أَدمُعه

قالت : هُمُ الفداءُ للحسينِ *** روحِ نبيّنا ونور عيني

لا تُخفِ باللّه ِ عليكَ عنّي *** حقيقةَ الأمرِ أهجتَ حُزني

هل الحسينُ عائدٌ فأنتظر *** فعندها قالَ بدَمعٍ منهمر

آجرَكِ اللّه ُ قضى بكربلا *** ظمآنَ مذبوحا بهاتيك الفلا

ولا تسل عن حالِها مُذ سمعت *** ذلك بالحرقةِ نادت وبكت

يا أسفا عليك يابن المصطفى *** بعدكَ مولاي على الدّنيا العفا

ص: 341

هيهاتَ أن أهنى بعيشٍ حتى *** أكونَ عاجلاً عدادَ الموتى

فعلاً قضت أيّامَها حتى قضت *** حُزنا ومن كثرةِ ما فيها بكت

والتحقت لهفي لها بالزّهرا *** بمهجةٍ من المُصابِ حَرّا

وفاتُها يقالُ في ثالثِ عشر *** جماديَ الآخره وذلك اشتهَر

أسمى التعازي للإمامِ المنتظر *** وكلِّ من والاهُ غاب أو حضر

* * *

وقال أحد شعراء الولاء :

أمّ البنين أمّ ذي فضلها *** وفاؤها المضيء في وفاه

ورّثت العباس إخلاصها*** لفاطم وقلبه حواه

فهي التي قد أخلصت ودّها *** لحيدر بل قبلها زهراه

وصيفة الزهرا لأولادها*** أمّ وكهف دافئ فناه

بكت حسينا قبل أبنائها*** بكاؤها الولاء في علاه

قد شهقت لزينب شهقة*** بها حنان الأمّ ما أشجاه

وأرضعت أبناءها نخوة*** من أقدس الولاء من أنقاه

بها فدوا حسينها أنفسا *** تلتذّ بالموت فما أحلاه

دون إمام الحقّ من فاطم *** إذ رضعوا من أمّهم هواه

* * *

الشاعر الشيخ أحمد الدجيلي :

أمّ البنين وما أسمى مزاياك *** خلّدت بالصبر والإيمان ذكراك

أبناؤك الغرّ في يوم الطفوف قضوا *** وضمّخوا في ثراها بالدم الزاكي

ص: 342

لمّا أتى بشر ينعاهم ويندبهم *** إليك لم تنفجر بالدمع عيناك

وقلت قولتك العظمى التي خلدت *** إلى القيامة باقٍ عطرها الزاكي

أفدي بروحي وأبنائي الحسين إذا *** عاش الحسين قرير العين مولاك

* * *

الشاعر السيد سلمان آل طعمة :

إنّي أفدي بالأهل والولد *** من ذكراها لم يغب على أحد

بنت حزام وزوج حيدرة*** محروسة بالمهيمن الصمد

لم أنس أمّ البنين حاسرة *** أمست بلا ناصر ولا عضد

أذكى لظى قلبها البكاء وكم *** أدمت حشاها نوائب النكد

فهي بيوم الطفوف ما شهدت *** شبل علي موزّع الجسد

كأنّ أولادها الذين هووا *** مطالع من أهله بدد

صاب الأسى جرعة فما وهنت *** وقلبها لا يزال في كمد

تكابد الفادحات صامدة*** وبات منها الفؤاد في جلد

لأهل بيت الرسول مخلصة *** وغير آل الرسول لم تجد

ولاؤها المحض في مودّتهم *** يحكيه كلّ الورى بمحتشد

بالدمع تطفي الجوى لمحنتهم *** أعظم بها من قرينة الأسد

أمّ أبي الفضل خير معتمد *** وأمّ عثمان بيضة البلد

ثالثهم جعفر الأبي ومن *** ما نال في شدّة ولم يحد

وأمّ عبد اللّه الذي اجتمعت *** فيه خصال تهدي إلى الرشد

ص: 343

هفا فؤادي في حبّها شغفا *** فهي ملاذي من جور مضطهد

ما أنت إلاّ طود الفخار سما*** ويا صباحا يرفّ في خلد

* * *

الشاعر إبراهيم عبد اللّه الدبوس :

خلّد الذكر نساء ورجالا *** عرفوا الحقّ فمالوا حيث مالا

فمن النسوة من خلّدها *** ذكرها في الخير قولاً وفعالا

مثل زوج المرتضى فاطمة *** من به نالت من الخير خصالا

لم تقصر في حقوق المرتضى *** بل له كانت حنانا ودلالا

شربت حبّ علي المرتضى *** فرأته باردا حلوا زلالا

وانثنت تعشق بنت المصطفى *** علّها تحظى من الربّ نوالا

وغدت تخدم أولاد النبي *** وبذا زادت جمالاً وكمالا

لا تساوي بهم أبنائها *** فهم أرفع شأنا وجلالا

طالما أذكر ما قد طلبت *** من أبي زينب للزهرا وصالا

ليلة العرس بلطف طلبت *** من علي خير زادٍ ومنالا

حينما قال اطلبي يا فاطم *** ما تريدين هنيئا وحلالا

فأجابت لا تقل يا فاطم *** ربما يذكر الأولاد حالا

لست أنسى عندما قد ولدت *** ابنها من حاز فضلاً وخصالا

وبكاه المرتضى لمّا رأى *** في يد العباس حسنا وجمالا

حمدت خالقها لمّا درت *** أنّه يفدي حسينا والعيالا

ص: 344

لست أنسى عندما أخبرها *** بشر عن قتل بنيها والقتالا

سألت عن سبط طه هل بقي *** سالما أو مات قتلاً واغتيالا

فبكت لمّا درت ما فعلوا *** بحبيب المصطفى الهادي ضلالا

ما رأت بعد حسين راحة *** بل ولم تلق من الروح خيالا

هكذا بنت حزام قد قضت *** في رضا الخالق أعواما طوالا

فبكاها آل بيت المصطفى *** صفوة الناس نساءا ورجالا

فهنيئا لك يا فاطمة *** نلت في الدارين عزّا ومنالا(1)

* * *

الشاعر عقيل اللواتي من أهالي البحرين :

أم البنين عليها اللّه قد سدلا *** جلباب فضل به جبريل قد نزلا

تجلببت فاطم جلباب خالقها*** لمّا استقرّت ببيت آله فضلا

عاشت مكرّمةً في بيت حيدرة*** كما يعيش الذي للخلد قد وصلا

أضحت تربّي بني الزهراء تخدمهم *** كالأمّ صارت لهم أنعم بها مثلا

ص: 345


1- كرامات أم البنين عليهاالسلام : 96 .

واستأثرت اسمها أكرم بما نطقت *** ( أم البنين أنا لا أرتضي بدلا )

اسمي يهيج عليهم حزن أمّهم*** إن قيل فاطم قال الدمع حيّ على

فلا أحبّ بأن تبكي لهم مقلٌ*** ولا أحبّ لهذا الحزن أن يصلا

أم البنين أنا والكلّ يعرفني *** في كنيتي نبأ بالغيب متّصلا

أم البنين أنا واللّه أيّدني *** بأنجم نورها تاللّه ما أفلا

علّمتهم حبّ أهل البيت في صغر *** فاستعصموا بالولا والقصد قد حصلا

قد قدّموا النفس في مرضاة خالقهم *** فالبذل شيمتهم أعظم بما بذلا

واسترخصوا الروح في إنقاذ سيّدهم *** أعني الحسين ولكن بالظما قتلا

يا ليتني قد طواني الموت قبلهم *** ولا سمعت بناعي الطفّ قد دخلا

إلى المدينة ينعي وهو منتحبا*** يا أهل يثرب عنكم عزّكم رحلا

ص: 346

سائلته وفؤادي ناره اضطرمت *** أين الحسين ؟ ودمع العين قد هملا

تصبّري فاطم أشبالكم قتلوا *** وذاك مربعهم بعد الأنيس خلا

أين الحسين سؤالي هل تجاوبني *** فإنّ قلبي من الأحزان قد شعلا

فقال : عذرا فعباس الإباء رقى *** عرش الشهادة لمّا خرّ منجدلا

ناديته وهو باك أين سيدهم *** فقال : سيدهم في كربلا قتلا

ثاو على الأرض والأملاك تحرسه *** ملقى ثلاثا ولا شلو له حملا

وعندها صحت وا حزني على ولدي *** وبعده لم أزل في كربةٍ وبلا(1)

* * *

الشاعر السيد جواد الحسيني :

تزهو البقيع فخورة بثراها *** حيث ارتقت وسمت وبان علاها

فقد استضافت أرضها وربوعها *** روضا أقلّ رفاتها وحواها

ص: 347


1- كرامات أم البنين عليهاالسلام : 103 .

أم البنين وبالبنين تقرّبت *** تفدي الحسين لتستنيل مناها

رمز الشهامة والثبات بقلبها *** والطفّ فى أشبالها يتباهى

أهدت بنيها فى طريق وليّهم *** لتصون حقّا للحسين عساها

فخر النساء تفرّدت بعطائها *** لتكون درسا مشرقا لسواها

من سيدات الكون من سرواته *** واللّه أكرم شأنها وحماها

فلقد حباها من فضائل عطفه *** طوبى لمن صان الكريم بهاها

وقد اصطفاها للوصى قرينة *** فحيى بمهجتها النهى وهداها

ولقد تحيّرت العقول بصبرها *** وتعجبت من حلمها وفداها

اللّه ألهمها الشجاعة والإبا *** ليكون في درب الحسين ولاها

زنة الدنيا في قدرها ومقامها *** وتطيّبت أنفاسها وشذاها

عزّا كفاها للحسين نصيرة *** بعد البتول إذ المنون أتاها

أم البنين وقد بنت صرحا لها *** فيه الرحيق وكوثر سقياها

كلّ المديح بحقّها لا يستوى *** لفدائها الغالي وروحي فداها

فتوسّدت في قبرها مرضيّة *** بجوار أنوار الهدى مثواها

رقدت وقرّت عينها وتسنّمت *** رضوان باريها وحضوة طه

نالت بموقفها الكريم تجلّلاً *** في كفّها الدنيا وفي أخراها

بشرى ليثرب والكواكب حولها *** بسمائها وربوعها ورباها

إن كان عندك حاجة فافزع لها *** واندب إلى الرحمن كي تلقاها

* * *

ص: 348

أُم البنين عليهاالسلام

تسأل ابن الحنفية عن الحسين عليه السلام

أُم البّنين تصيح يابن الحنفيه *** بحسين خبّر وين نازل هالمسيّه

* * *

مستوحشه طيبه علينا بعد لحسين *** من طلع من مكّه مَندري احنا نزل وين

في وين خبّرني نزل يَبن الميامين *** ما جاك عنّه خبر يَبن الحنفيه

* * *

معلوم ما عندك ضمدنا وين هيّد *** يقولون طب مكّه وقضى للحجّ مفرد

وسافر ولا ندري بعد في وين عيّد *** كلّما أجي لك واسألك تخفي عليّه

* * *

قلها وقلبه من المصايب يوقد وقيد *** بتسايليني وين أخيّي عيّد العيد

مَدري بعزم سبط النّبي أي بلده يريد *** يرجع الطيبه لو يروح الغاضريّه

ص: 349

لكن اخبرچ والقلب صادي وملهوف*** حزنه حنى ضلوعي وخلّى الدّمع مذروف

خيّي نزل وادي يسمّى أرض لطفوف *** ومن كل كتر دارت عليه علوج أُميّه

* * *

ولن الدّمع منها على الخدّين مسفوح *** وتصيح يبني قوم شد رحالك نروح

نتدارك المظلوم قبل يروح مذبوح *** وانصر اخوك حسين يا حر يا شفيّه

* * *

قلها وتزفّر وهمَلت بالدّمع عينه *** اطراد يوم الطّف انا ويني ووينه

فاز الذي دون السّبط تقطع يمينه *** مثل البطل عبّاس جيدوم السّريّه

* * *

قالت وهي قلبي وهلّت دمعة العين *** فال السّلامه فالهم يَبن الميامين

اللّه يردهم بالسّلامه ويرجع حسين *** يظلّل علينا ونلتجي يبني بفيّه

* * *

ص: 350

زينب وأُم البنين عليهماالسلام

وصلوا المدينه والخلق ضجّت بلحنين *** واتلاقت ابهالحال زينب وام لبنين

* * *

صار المناشد والوديعه صفقت الچف *** بس الزّفير الصوت بايح والدّمع جف

بيها غدت ذيچ الأيتام اتلوذ وتحف *** يم البنين تصيح شوفي فجعة البين

* * *

مقدر أسولف بالجرى لا تنشديني*** قلبي موزّع والسّهر عامي عيوني

لا مال ضاعت والدّهر خيّب اظنوني *** راحوا طبق كلهم چتل والتّالي حسين

* * *

قالت وحق اللّي تربّيتي ابحجرها *** أدري ابعملة كربلا چايد أمرها

لكن ثَلَث نَشدات وضحي لي خبرها *** أدري على شرح المصايب ما تقدرين

ص: 351

* * *

أريد أنشدچ فاز بالنّاموس عبّاس *** وخبريني جسم حسين بخيول العدا انداس

وانتي وقفتي امچتّفه ابديوان لرجاس *** بالحبل مربقوات ويّاچ النساوين

* * *

سمعي نقلها والدّمع كفّي انهماله *** طيب الأصل ما ينحصى طيّب افعاله

ملهوف خاض النّهر مهتم بزلاله*** جوده ملاه أو كت بداله مدمع العين

* * *

فيّض من الشّاطي وبحر دم صيّر الطّف *** ابنچ تلقّاها وطوى صفٍ على صف

طارن زنوده وزاد عزمه والعلم رف *** لولا السّهم وصّل الخيمه بغير چفّين

* * *

وانچان قلتي لي الشّهيد شلون رضّوه *** دفنوا خوارجهم واخويه حسين خلّوه

نخّيتهم وعناد إلي بالخيل داسوه *** واللي جرى ما ينوصف غير التسمعين

ص: 352

يم البنين أو وقفتي ابديوان سفيان *** بيه انعرفنا وانقلب ماتم الدّيوان

والفاجر يزيد افتضح ما بين لَعيان *** لكن ثنايا حسين كسّرهن الصوّبين

* * *

ص: 353

مخاطبة أُم البنين عليهاالسلام

باللّه استعدي للبواچي يم لبنين *** ردّوا يتامى وانذبح عبّاس وحسين

* * *

يم البنين اتذبّحوا كلهم على القاع *** وحسين ظل امجرّد ومكسور لضلاع

ومخدّرة حيدر علي فرّت بلا قناع *** ويّا الحرم والنّار تسعر بالصّواوين

* * *

يم البنين الأربعة انذبحوا ظمايا *** وظلّوا ثلثتيّام بالغبرا عرايا

وليتچ نظرتي عَلى النّهر صاحب الرّايه *** مفضوخ راسه مقطّعه شماله وليمين

* * *

يم البنين الأربعه محّد دفنهم *** دمهم غسلهم والتّرب صاير چفنهم

ومن الصّبح زينب مشت للشّام عنهم *** فوق الهزل مرّت وشافتهم مطاعين

ص: 354

يم البنين الأربعه تشهد لچ النّاس *** ما صار بليوث الحرايب مثل عبّاس

خلاّالأرض روس وجثث ومطهّمه داست *** روس الأعادي وغلّق الميدان صوبين

* * *

صاحت اولادي وكل من بالعالم يروح *** ويا ليت بعد حسين ما تبقى لنا روح

يا بشر باللّه لا تقول حسين مذبوح *** ماشوف بالدّنيا عوض عندي عن حسين

* * *

عبّاس واخوانه عليهم ذاب لفّاد *** اعزاز عندي وحزنهم بالقلب وقّاد

وحسين فَت قلبي ونسيت ارفاق لولاد *** فدوه لبو سكنه أولادي يا مسلمين

* * *

يا ليت عندي من الولد سبعين مولود *** بالمرجله كلها مثل عبّاس وتزود

تنذبح وابن المصطفى لدياره يعود *** سالم ولا تنضام زينب والخواتين

* * *

ص: 355

بكاء أُم البنين أولادها عليهم السلام

بقصى المدينه أُم البنين اتصيح بالويل *** تندب يبو فاضل يصنديد الرّجاجيل

* * *

يقولون يبني باللوا شقّيت لصفوف *** ودارت عليك القوم يبني بزان وسيوف

واوقعت يم المشرعه مقطوع لچفوف *** مفضوخ راسك والدّما من جروحك تسيل

* * *

يقولون طبّيت النّهر وطلعت عطشان *** وارجعت قلبك بالظّما ملتهب نيران

ما صار مثلك يا ضيا عيني بلخوان *** لجلك أواصل بالبچا انهاري مع الليل

* * *

يقولون راسك يوم حطّه بحجره حسين *** للقاع ردّيته يعقلي ويا ضيا العين

يا ريت مثلك يالولد تنذبح سبعين *** ولا چار صدر ابن البتوله اترضّه الخيل

ص: 356

معلوم يبني ضيّعت زينب وليتام*** حرمه وغريبه وضايعه والقوم ظلاّم

واللّه حسافه انچان زينب دخلت الشّام *** من غير والي والولي مقيّد بزنجيل

* * *

لا تهيجون احزان قلبي يا مسلمين *** راحوا اولادي لا تسمّوني ام لبنين

لو راحوا اثنين وعليّ ردّوا اثنين *** بَلكَت عليّ اتهون جمرة هالمچاتيل

* * *

اشبال أربعه والنّاس كلهم يحسدوني *** وكل الخلق يم البنين يخاطبوني

شبّان كلهم فرد ساعه فارقوني*** وظلّوا ابعرصة كربلا من غير تغسيل

* * *

لا تذكروا لي هالإسم ذايب افّادي *** منين البنين وكربلا ضمّت أولادي

وراعي العلم مطروح مقطوع الأيادي *** وزينب بليّا رجال حسره على المهازيل

* * *

ص: 357

إبن الحنفيه وأُم البنين عليهاالسلام

اشهالخبر لقشر علينا اشهالمصاب اللّي جرى *** ايذوّب افّادي امن اسمعه ومهجتي امن اتصوّره

* * *

دم دمع عينيت جرى وبالحزن دلاّلي انجرح *** حس لمنادي ينادي ابكربلا حسين انذبح

وبو الفضل فوق الشّريعه مقطّعه اچفوف انطرح *** وانكسر ظهر السّبط من عاينه فوق الثّرى

* * *

راعني صوت لمنادي ايصيح مذبوحه هَلي *** ذوّب قليبي ينادي راح جسّام وعلي

راح عون وراح جعفر للحرم ما ظل ولي *** لَشِق جيبي امن الأسف چان العزيزه اميسّره

* * *

آه يزينب يالمصونه اشلون ضيعه ضيعتچ *** تركبين الجمل عاري وزجر قايد ناقتچ

بالدّهر للخق تبقى اشلون فجعه امصيبتچ *** ويظل اسمچ للأبد بالفخر كلمن يذكره

ص: 358

قالت اسكت لا تفاول على اولادي القلب ذاب *** بالسّلامه يردهم المعبود حلوين الشّباب

وتزهر الدّور ابأهلها وبعد ما ينغلق باب *** وترجع أيّام الهنيّه والسّعاده المزهره

* * *

ايواجه اللّه بينك وبين اخوتك يبن الأمين *** ايرد ابو فاضل وخوته أربعتهم سالمين

انشا اللّه انشوف المنازل زاهية ابغرّة حسين *** وترجع الوفّاد وتعود الليالي مسفره

* * *

صاح راح حسين لا تترقّبينه لچ يعود *** والحرم للشّام مسبيّه وترفل بالقيود

وداروا ابذيچ الحراير حاسره ابوسط العقود *** ووقّفوا زينب ابديوان آل اميّه محيّره

* * *

ص: 359

الشاعر الأديب خادم الزهراء السيد سعد الذبحاوي

أم البنين عليهاالسلام

بدروب السفر راحو بنيني *** و ظلّت عالدرب مشبوحه عيني

طال أعليّه الغياب*** وحشه اديار الأحباب

وظلّت عالدرب مشبوحه عيني

* * *

راحو بنيني الاربعه بهالسفره *** من ودّعتهم بالدمع والحسره

گلبي يلوب اعليهم او شيصبره *** و بحشاشتي نار البعد مستعره

نار احشاي وجّرها ونيني *** وكلما تستعر يكثر حنيني

عيوني اتصد على الباب *** وحشه اديار الاحباب

وظلّت عالدرب مشبوحه عيني

* * *

انه الذي اشگيت او تعبت اوياهم *** أربع بنين واِضهدت حيلي اوياهم

لوّعني يا ناس اشكثر فرگاهم*** شلون الگلب يگدر بعد ينساهم

ص: 360

آنه الوالده المابطّل ابچاي *** و حگّي من اداعي ابتعبي ورباى

شينفع بعد العتاب*** وحشه اديار الأحباب

و ظلّت عالدرب مشبوحه عيني

* * *

ثوب الحزن ما بدَّله او لا نزعه *** و عيوني متفارگ جفنها الدمعه

ضعن المشه يا ساعه ينوي الرجعه *** و من بعد غيبه اتعود ذيچ الجَمعه

و ابسد فيهم اگعد من يعودون *** و بدمع الفرح خل تجري العيون

گلبي امن القهر ذاب *** وحشه اديار الأحباب

و ظلّت عالدرب مشبوحه عيني

* * *

طالت السفره وطوّلت غيبتهم*** و لاطارش اومكتوب أجه من عدهم

ما أدري يمته تنگضي سفرتهم*** و يگلّي گلبي أيسي من جيّتهم

والدهم علي عندي ذخرهم *** لأبواليمّه يضحّون أبعمرهم

ولهم أحسب أحساب*** وحشه اديار الأحباب

و ظلّت عالدرب مشبوحه عيني

* * *

ص: 361

مو لحِت من كثر البواچي اعيوني *** و منهم بعد خاب الگلب وضنوني

هم صدگ من بعد السفر يلفوني *** لو بالغرب والنايبه ايعوفوني

بس حسين سالم يرد ليه *** خلها اتروح ويلادي ضحيّه

گلبي ابفرگته أنصاب *** وحشه اديار الأحباب

و ظلّت عالدرب مشبوحه عيني

* * *

صارالگلب خوفه على اوليدي حسين *** و ابياكتر ما أدري ودّاه البين

وين الشموس الساطعه غابت وين *** يمته يجون او تكف دمعتها العين

لو رجعو نذر يصبح عليّه *** ورد أزرع طريق الغاضريه

بلچي اتعود الأطياب*** وحشه اديار الأحباب

و ظلّت عالدرب مشبوحه عيني

* * *

ص: 362

في لوعة

ام البنين عليهاالسلام مع الحسين عليه السلام

خُذْ روحي يا روحَ الأمينْ *** فِداكَ نَفسي والبنينْ

يا حسينٌ يا كُلَّ حياتي

* * *

عزمت اعله السفر وگليبي ناداك *** اخذ روحي يروح الهادي ويّاك

لون تمشي اشيصبّرني اعله فرگاك *** ابد لتظن دليلي لحظه ينساك

حانَ الوِداعُ يا حُسينْ *** أدعوكَ والقلبُ حَزينْ

يا حبيبي اِرحمْ عَبَراتي

* * *

تخليني او تروح او روحي متهود *** واَخاف ابروحتك يوليدي متعود

هرش گلبي اويه گلبك يبني مشدود *** يبواليمّه حنيني ما اِله اِحدود

يا راحلاً نحوَ المَنونْ*** أنعاكَ بالدمعِ الهَتونْ

وبقلبي تَعصِفُ آهاتي

* * *

اَناديك ابدمع من دم مسيله *** ييمّه الياكتر ضعنك رحيله

خَذِتْ كل عيلتك بس العليله *** واخافن سفرتك تصبح طويله

ص: 363

نادَتهُ والدمعُ يَسيلْ *** بُني إلى أينَ الرَحيلْ

فَتَمهّلْ ثَقُلَتْ خَطواتي

* * *

رحت يبني اوكثر شوگي اوحنيني *** وبگت يبني اعله دربك تربي عيني

الك فدوه يبواليمّه بنيني *** اريدك يبني بس سالم تجيني

طالَ الفِراقُ والصُدودْ*** يا غائبا متى تَعودْ

فَتَقَبّلْ ربي دَعَواتي

* * *

دليلي اِبغيبتك هرشه تگطّع *** عله اِفراگك بگه يلعه اِو تصدّع

فداك الاربعه بس ليّه ترجع *** آنه روحي اِبفگد روحگ متهجع

ما دُمتَ عن عيني بَعيدْ *** فالقلبُ في حُزنٍ شَديدْ

يا ولدي سَتَحينُ وفاتي

* * *

آنه اَربع وِلِد لجل الزچيّه *** اقدّمهم الك بالطف هديّه

نِذر يوليدي بس ترجع عليّه *** ابورد ازرع طريق الغاضريه

عنْ مُقلَتي غابَ الكَرىْ *** لَمْ اَدرِ عنكَ ما جرى

بِدموعي أكتُبُ كلماتي

* * *

مثل حنّي الورگ بُعدك حِناني *** وعلى اِدروب السفر ظليت اَتاني

ص: 364

خُبَر مِنّك ولا طارش لفاني *** ييمّه اِبياكتر ذبّك زماني

الحُزنُ قد أعيى الفؤادْ *** والجَفنُ لا يهوى الرُقادْ

ورُقادي فَوقَ الجَمَراتِ

* * *

ص: 365

في الشوق إلى الحسين عليه السلام

زادَ حنيني زادَ حنيني *** إلى الحُسينْ زادَ حنيني

گلبي ابعذابه *** يشرح مصابه

إلى الحُسينْ زادَ حنيني

* * *

من يوم الرحت روحي مشت ويّاك *** وعلى اِردوب انتظارك گلبي ظل يتناك

رحت عنّي وكثر ونّي على فرگاك *** يبواليمّه الگلب ما يصبر اِبلياك

يا نُورَ عيني يا نُورَ عيني *** قلبيْ حَزينْ يا نُورَ عيني

ما رد جوابه *** يشرح مصابه

إلى الحُسينْ زادَ حنيني

* * *

گِلِتْ مِنْ السفر سالم لون اِتعود *** الطريق الطف يبواليمه اَزرعه اورود

اَفديك ابنيني بس ترد اردود*** دليلي اِبغيبتك يلعه وابد ميهود

ص: 366

قَدْ غِبتَ عنّي قَدْ غِبتَ عنّي *** بُني حُسينْ قَدْ غِبتَ عنّي

ايشجرع غيابه *** يشرح مصابه

إلى الحُسينْ زادَ حنيني

* * *

اجرعت من الصبر يأهل الصبر مُرَّه *** ابچاسات الألم يزگيني كل مَرَّه

آنه ام البنين وگلبي شيصبره *** لون من عيني غايب مهجة الزهره

يَعلو أنيني يَعلو أنيني *** في كلِّ حينْ يَعلو أنيني

ابدمع انتحابه *** يشرح مصابه

إلى الحُسينْ زادَ حنيني

* * *

يبني اَربع بنين اِتروح اِلك فدوه *** حياتي اِبغيرك اَبدا كلشي ما تسوه

يا ريع الدليل البيه أتروّه*** لو تدري اِبدليلي بُعدك اِشسوّه

قَلبي يُنادي قَلبي يُنادي *** طالَ الفِراقْ قلبي ينادي

يبعث كتابه *** يشرح مصابه

إلى الحُسينْ زادَ حنيني

* * *

ص: 367

طالت سفرتك وكليبي يتربّه *** تره الفاجد حبيبه حالته صعبه

كل عمره غريب ايعيش بالغربه *** لمن يلفي محبوبه ويرد گُربه

فِداكَ عُمري فِداكَ عُمري *** متى تَعودْ فِداكَ عُمري

ابهاي الغرابه *** يشرح مصابه

إلى الحُسينْ زادَ حنيني

* * *

تنيتك والدليل اِهروشه متگطعه *** وبدروب اِنتظارك ذبت چالشمعه

والراح ابطريق الموت شيرجعه *** تظل بچفوني من دم تهمل الدمعه

طالَ انتظاري طالَ انتظاري *** أشكوالعَذابْ طالَ انتظاري

هذا خطابه *** يشرح مصابه

إلى الحُسينْ زادَ حنيني

* * *

يمته ابجيّتك يبني يبشروني*** ومن بعد الغياب اتشوفك اعيوني

آنه اربع بنين اوياك فجعوني*** بلچن للزچيه اوفي بديوني

ص: 368

إنّ بنيني إنّ بنيني *** لكَ الفداءْ إنّ بنيني

گلبي ابعتابه *** يشرح مصابه

إلى الحُسينْ زادَ حنيني

* * *

ص: 369

في وفاة أُمّ البنين فاطمه الكلابيه عليهاالسلام

اشارة

مصابي اليوم كثره اِگلوب يدمي *** اديَّه ماتن وهالمات يدمي

اَطلبچ يلمنيّه اِبسرعه يدمي *** گبري حُفرته اِچفوف الرزيّه

* * *

تخاطب ولداها العباس عليه السلام :

يعباس الصَبر هَدها وفتها*** ومراسيل الأجل لأُمّك وفتها

كل اِعهودها اِبدمكم وفتها *** العلي الكرّار والزهره الزچيّه

* * *

جواب العباس عليه السلام :

اَجيچ اِشلون واَگطع چيف بيداي *** يَمّ الاربعه وكل جسمي بيداي

ص: 370

اَغمَّض جفنچ اِتمنيت بيداي *** مگطوعه يحيف اِثنين اِديَّه

* * *

هاذي فاطمه او يا أُمّ مثلها*** اِبوفاها تظرب الوادم مثلها

بالطف حي ابوفاضل مَثّلها *** واِخوته العانگوا جيد المنيَّه

* * *

ص: 371

في حقِ فاطمه الكِلابيه عليهاالسلام

اشارة

ويلادي النِشامه*** اِتعودون اِبسلامه

بيكم آنه مفتخره *** وافوا الطاهره الزهره

اِتعودون اِبسلامه

* * *

آنه يا شُبّان أُمكم *** يلربيتوا اِبوسط چبدي

اِبذلت كل حيلي وجهودي *** واِبرباكم اَمل عندي

بيكم اِرد اِوفي الزچيّه *** يل الوِلِد كل هذا گصدي

يا ما ليالي ساهرت*** واِتعاب برباكم شِفت

من لبن طاهر رَضّعت *** وعمري صار اِلكم يَولدي

كل ذيچ الليالي *** مرسومه اِبخيالي

هذا اليوم اَنتظره*** وافوا الطاهره الزهره

اِتعودون اِبسلامه

* * *

اِوصيَّه وصاني اِبوكم *** حيدره حامي الحميّه

وآنه كل عمري نذرته *** من اَجل هاي الوصيّه

ذُخر گال الوِلِد عندچ *** وال-وف-ه بالغ-اض-ري-ه

ويلادي وِلد الغانمه *** واِربات حمّاي الحمه

ص: 372

لحسين مهجة فاطمه *** خلَّو وگفتكم سِويّه

حيدر وصَّه بيكم *** وظل بالَه عليكم

صِحت وآنه مبتشره *** وافوا الطاهره الزهره

اِتعودون اِبسلامه

* * *

يلولِد كل أُم حنينه *** ثمره ترجه من سَهرها

واِنتو يا ثمرة دليلي *** اِويا اِصبي عيني ونَظرها

آنه أُمكم يبعد اِمكم *** الرَخُصَّتْ اِلكم عُمرها

يا ثُمر گلبي وطيبته *** يا عَمَد بيتي وهيبته

اِنتو الدِليل ودگّته *** كربله عدكم خُبرها

اَنخاكم يَولِدي *** وافو اليوم عَهدي

لتخلوني بالحسره *** وافوا الطاهره الزهره

اِتعودون اِبسلامه

* * *

اِنته يا عباس يبني *** ساعِد حسين وعضيده

كفلت زينب واِنته اخوها *** لا تخلّيها وحيده

اِعليك يا عباس اَملها *** نفِّذ اِلها اِشما تِريده

اِنطاك اِبواليمّه العَلَم *** وتكلّفت اَمر الحرم

ويَّه اِخوتَك اَهل الشيم *** تعنوا لدروب البعيده

تحرسون العقيله *** بهل السفره الطويله

ص: 373

عينوا زينب الكُبره*** وافوا الطاهره الزهره

اِتعودون اِبسلامه

* * *

وي ضعنكم روحي راحت *** يلوِلِد للغاض-ريَّه

لا خُبر منكم وصلني *** وكثرة اِهمومي عليَّه

چنت اَتأمَّل ضعنكم *** بالسلامه اِيرد اليّه

ظلّيت اَتاني اِعله الدرب *** فراگ البنين اِشگد صعب

بالحسبه عايش هالگلب *** اِونّته وَنَّه خفيَّه

عفتوني اِبعذابي *** واِبلوعة مُصابي

اِعليَّه طالت السَفره *** وافوا الطاهره الزهره

اِتعودون اِبسلامه

* * *

النعي :

أُمكم آنه الهجرتوني *** العِشت لوعات اِنتظاري

گلبي ما يهجع ونينه *** بالحزن ليلي ونهاري

گمت اَنعاكم ونادي *** ودمعي عالوجنات جاري

امّ البنين الاربعه

صاحت اِبصوت الفاجعه

گلبي هَجركم گطَّعه

مادرت راحوا ضحايه *** اِوافوا الزهره ابدماهم

ص: 374

أُم البنين عليهاالسلام تخاطب وِلْدَها

حسين ابن حامي الحمه*** هذا مهجة ف-اطمه

وافوا امّه الشافعه *** يا بنيني الأربعه

هذا مهجة فاطمه

* * *

هاي ام البنين الطاهره الحرّه *** بولدها الأربعه هليوم مفتخره

طلعت للوداع ابلوعه وبحسره *** توصّي كل ولدها ابمهجة الزهره

تِنادي والمدمع يصب *** هذا سبّ-اح الگلب

شلون گلبي اِيودّعه *** يا بنيني الأربعه

هذا مهجة فاطمه

* * *

يولدي ما اَوصّيكم بعد بحسين *** اَعرفكم نشامه يا حماة الدين

للزهره اِبدماكم اَوفو هذا الدَينْ *** انتو الشوف لعيوني واخوكم عين

ص: 375

اَربع اِنجوم وگمر *** اِعليكم اِحنيت الظهر

هروش گلبي اِمگطّعه *** يا بنيني الأربعه

هذا مهجة فاطمه

* * *

آنه اِمكم اوصّيكم يبعد أُمكم *** حيدر عندي ولهاي الشدد ضمكم

انصرواحسين واتفدّو الأخو ابدمكم *** اِبلسان التضحيه يا ولدي اَكلمكم

ل-و وصلتو الك-ربله *** ضحّوا دون العايله

لا تظل متروّعه *** يا بنيني الأربعه

هذا مهجة فاطمه

* * *

من طيبي رضعتوا الطِيبَه يا اَطياب *** وربّاكم على الطيبات داحي الباب

هذا اليوم يوم التضحيه ينجاب *** يرفعه راسي يلبيكم صرت اَنهاب

بيكم آنه هيبتي *** وبالشدايد نخوتي

اِنتو شمسي الساطعه*** يا بنيني الأربعه

هذا مهجة فاطمه

* * *

ص: 376

وصلو كربله ونَفذَو اوصيتْ اِمهُم *** ولا بخلوا على ابن الطاهره ابدمهم

راح اِحسين ينعاهم يكلمهم *** يدري ابوالده الطف كربله ظمهم

لجل سبط المصطفه*** بالدمه صار الوفه

الجود منكم مَنبَعَه *** يا بنيني الأربعه

هذا مهجة فاطمه

* * *

هاي ام البنين الضحّت الشبان *** صارت مظرب الأمثال بالأحسان

جعفر والنشامه الرَجّو الميدان *** عبداللّه وابوبكر وگمر عدنان

دمعة الفرگه جرت*** وبولدها ما درت

صاح صوت الفاجعه *** يا بنيني الأربعه

هذا مهجة فاطمه

* * *

ص: 377

حنين أُم البنين عليهاالسلام

زرَعت الصَبر بدروبك *** لَمَّن خَظَّر اورَّد

وما رديت يوليدي *** وعنَّك كل خبر ما رَد

* * *

كل غايب تگول الناس *** حتما يخلص اِغيابه

وحين اِلّي يهزّه الشوگ *** يرجع يذكر اَحبابه

وگلبي الجيّة الغيّاب *** وللملگه فتح بابه

لا چف اليدگ بابي *** وطالت سفرة احبابي

يمته اتعود غيابي

ليش الّي تريده الروح *** عليّه يا خلگ اَبعد

* * *

حصدني منجل الفَرگه*** وصبري مو لِحتْ گاعه

ومركب حزني للطف سار *** وطواني طويت اِشراعه

يا يوم الفَرَج يلفي *** واشوف اَحبابي يا ساعه

يمته اِحبابي يلفوني *** هم بيهم يبشروني

واشوف حسين بعيوني

ابشوفتهم يزول الهم *** ونيران الصبر تخمد

* * *

ص: 378

مَرابِع عشرتي ويّاك *** ارتوة من دمعة اَحزاني

وأيّامي اَصبحت جَدبَه *** ومِمحِل صار بستاني

ليل اِنهار يوليدي *** بيك ايسولف الساني

وجفني ما غمض لحظه *** وگلبي اِبناره يتلظّه

محّد بالبُعد يرضه

رضيت اِشلون من بعدك *** عمري اِيضيع يتفرهد

* * *

يل روح النبي روحك *** فدوه اِتروح اِلك روحي

حبستك دمعه بعيوني *** وحظنتك اَلم بجروحي

حنين الدوح احنّن ليك *** ونوح الفاجده نوحي

يوليدي وحمام الدوح *** تعلّم مني فن النوح

اداوياجروح تدّياجروح

وبيت اَحزاني من همّي *** اِنبنه يحسين واتشيّد

* * *

ما ادري اَصبّر مَنْ*** روحي لو عليلتكم

وعليلتكم ضناها الشوگ *** تجري ادموع فركتكم

وكل لحظه اَدگ شوفي *** وأسچ بدروب جيّتكم

اعله هالديدان يوميّه *** عيوني شابحه اِربيه

سفرتك طالت اعليّه

شبيدي يبني وشبيدك *** دهري ودهرك اِتمرّد

ص: 379

وديعة فاطمه اِنته *** وبگايه عمري واسنيني

فدوه اتروح الك روحي *** وبنيني يا بعد عيني

يصير الموت حال وصار*** حايل بينك وبيني

يا مهجة گلب فاطم *** بس كونَك تِرد سالم

اَفديك اِبگمر هاشم

وكل ولدي اِلك فدوه *** والباري عَلَي يشهد

* * *

ص: 380

أُم البنين عليهاالسلام تخاطب ولدها الحسين عليه السلام

يا روحي روح ال-زهره *** اِشما ضَحيّتْ آنه أمقصره

وبدم ولدي *** وكلما عندي

اَكتب عهدي

* * *

يروح المصطفه وروح الزچيّه *** خَذِتْ روحي او رحت للغاضريه

بگيت اَتجرّع اِبچاس المنيّه *** صعب فگدك يبواليمه عليّه

بُعدك صوّب دلال-ي *** وخيّب يحسين آمالي

دمعة وجدي *** حُف-رت خدّي

اَكتب عهدي

* * *

انتظرتك وانتظاري اِتعدّه الحدود *** ييمه هم ترد سالم اِلّي اِردود

اَكل روحي الصَبُر واتنطّر اِتعود *** يمن گلبي اويه گلبك يبني مشدود

ص: 381

خافن ما ترجع ليّه*** وتظل اِعيوني اِربيّه

واَبقه اِبوحدي *** ابجرحي اليدّي

اَكتب عهدي

* * *

الك كل لحظه يتكاثر حنيني *** اِشوكت يا ساعه يوليدي تجيني

الك فده حياتي وكل بنيني *** اَريدن للزچيه اَوفي ديني

لو كل شباني اَفديها *** للزه-ره ما اوفيها

اَبذل جُهدي *** شأملك اَهدي

اَكتب عهدي

* * *

ليل الّي يمرني ما اَنامه*** اَفكر يمته ترجع بالسلامه

دليلي اِويه النَسِم يبعث غرامه *** اِلك وحدك صبح يبني هِيامه

بَعدَك چا شلّي اِبعمري *** بأمرك محتاره او اَمري

ومنين اَبدي *** اِتصوَّب چبدي

اَكتب عهدي

* * *

ص: 382

لَون الكربله يوصل كتابي *** عليَّه رد يبواليمّه جوابي

كِتَبْ عتبي اِلك دمع البِيابي *** اِشوكت چفّك يدگ يوليدي بابي

ما اَنزع ثوب اَحزاني *** الا وترجع شبّاني

وتَمّيتْ اَحدي *** اِبشوگي اودّي

اَكتب عهدي

* * *

تِأخّر موعدك والهم چساني *** وبگيت اِعله الدرب اَنظر وتاني

بعد فتره الخبر عنك اِجاني *** ويريت الناعي من گبلك نعاني

خَبِرني اِبروح الهادي*** ناديته او فدوه اولادي

اِسمع ردّي *** لحسين اَفدي

اَكتب عهدي

* * *

ابنيني لا تخبّرني صفوا وين *** اسألك عن اخوهم گرة العين

يگلها اعله الثره كلهم مطاعين*** يحرّه ابكربله مذبوح الحسين

ص: 383

يَمّ البنين الحُرَّه *** عفت احسين اعله الغبره

صِحتْ ابيدّي *** لحفر لِحدي

اَكتب عهدي

* * *

ص: 384

أُم البنين عليهاالسلام تخاطب بشر ابن حذلم

مساهره بليلي ونهاري *** بالصبر طال انتظاري

يا بِشر گلبي فجعته *** ينعه صوتك من سمعته

* * *

ناعي المصيبة ابكل كتر *** اَسمع هَضل أصواته

يتعثر ابخطوته *** يا بشر خبّ-رني أشجره

ويجاوب ابدمعاته*** ايگلها اللّه ايعظّم أجرچ

لو تنشديني اعله ولدچ *** دمعي عالوجنه سفحته

ينعه صوتك من سمعته

* * *

يا بشر بحسين أشحصل *** عن حالته خبّرني

عن ولدي ما ريدن خبر *** جاوبني لتحيرني

روحياطشهااعله الدرب *** بس سالم أتبشرني

أبروحي أفديه او بنيني *** بس عدل ريته يجيني

والصبر تدري جزعته *** ينعه صوتك من سمعته

* * *

ص: 385

ابعبّاس اخبرچ وأخوته *** وجعفر وعبداللّه وعون

وتگلّه ولدي الأربعة *** لحسين فدوه ايروحون

كافي لون وحده رجع *** خلّي الوِلد ليرجعون

هم ترد ذيچ الليالي *** يبني ذكراك اعله بالي

كلشي من عمري أخذته *** ينعه صوتك من سمعته

* * *

أُم البنين الفاجده *** تناشده أبجمر المدمع

اِحچيلي بحسين اِشسده *** يا بشر گلبي اِتگطّع

جاوبها بلسان الدمع *** عالثره عفته اموزع

ضامي عفته اعله الوطيّه *** وسحگته اِخيول آل أُميه

باليسر مسبيّه اِخته ***ينعه صوتك من سمعته

* * *

من سمعت ابهذا الخبر *** ما ظل بعد بيها احساس

تلطم ابحرگة اعله الوجه *** تهيل التراب اعله الراس

تنشد الوادم عالجره *** وشتجاوب أُم العبّاس

لا تألموني ابنشدكم *** لو أجاوب شرد اگلكم

آنه كل عِزّي فگدت *** ينعه صوتك من سمعته

* * *

ص: 386

يا گلبي كثّر ونّتك *** واِنعه الحسين اِبحرگه

ما أدري شيصبرك بعد *** وادري طويله الفرگه

لاسفره واحسب تنگضي *** واحسب أحساب الملگه

داري وحشه امن الأحبّه *** چني اَعيش ابدار غربه

تواسي ابواليمّه ابغربته *** ينعه صوتك من سمعته

* * *

باربع وِلِد لُمِّ الحسن *** والها وفيت اِعهودي

منذوره للزهره الوِلِد *** وآنه الفديت اوجودي

وافوا اِحسين ابكربله *** وبيهم نلت مگصودي

فدوه لعيون الزچيّه *** قدمت ولدي ضحيّه

لجل الحسين او محنته *** ينعه صوتك من سمعته

* * *

ص: 387

أُمّ البنين عليهاالسلام بانتظار الحسين عليه السلام

يلرحتْ للغاضريّه *** هَم تِرد سالم عليَّه

انتظ-ر يبني تجيني *** عالدرب مشبوحه عيني

هَم تِرد سالم عليَّه

* * *

يبني يوم الودعتني *** واطلعت بأهلك مُهاجر

ما طبگ جفني ابغيابك *** وما بُطل كَتْ النواظر

يلّي عفت اِديار جدّك *** وارحلت صوب المخاطر

واتركت گلبي ابونينه *** وظل عليك ايلوب حاير

والده اِو حگيامن اَعاتب *** سفرتك طالت يغايب

اِلك يتكاث-ر حنيني *** عالدرب مشبوحه عيني

هَم تِرد سالم عليَّه

* * *

وطن جدّك يبني عفته *** واِسكنت بديار غُربه

وكل اَهل بيتك خذتهم *** والگرايب والأحبّه

فرگة الأحباب تدري *** اِشگد على المحبوب صعبه

ص: 388

عيون المفارگ حبيبه *** تبگه مشبوحه اعله دربه

وانته اَعز من روحي تدري *** فدوه الك يحسين عمري

لا تخليني ابونيني *** عالدرب مشبوحه عيني

هَم تِرد سالم عليَّه

* * *

ساعه ساعه او لحظه لحظه *** يبني آنه ابأنتظارك

وبمنازل آل هاشم *** من أمر تفجعني دارك

خاليه اوحشه او مُظلِمه *** وتشب حدراضلوعي نارك

هم صدگ ترجع يغايب *** واستچن يبني ابجوارك

ما دريت اشصار يبني *** لا خبر مِنّك وصلني

اشحصل ما بينك او بيني *** عالدرب مشبوحه عيني

هَم تِرد سالم عليَّه

* * *

ازرعت عيناي ابطريقك *** واهجرت يحسين داري

امساهره وانطر قِدومك *** ابلهفتي ليلي ونهاري

وين اتوجه وروحن *** الياكتر يصبح مساري

انشد الركبان عنّك *** وبالگلب مستعره ناري

من تأخر يبني وعدك *** گمت افكّر خاف افگدك

ص: 389

اصفچ ايساري ابيميني *** عالدرب مشبوحه عيني

هَم تِرد سالم عليَّه

* * *

حيّرت فكري ابمغيبك *** وغيبتك يحسين غيبه

يمته تتلاگه الحبايب *** وكل محب يشكي الحبيبه

المعتني الأخطار لاچن *** گلّي شيرجعه او يجيبه

مدري شيظملي زماني *** يا رزيّه او يا مصيبه

يبني يا روح الزچيّه *** اربعه انطيتك هديّه

فدوه الك روحي اوبنيني *** عالدرب مشبوحه عيني

هَم تِرد سالم عليَّه

* * *

اربعه يبني امن اخوتك *** اتعبت واشگيت ابرباهم

والدك وصاني بيهم *** او هوَّه من طيبه سگاهم

الكربله گلّي اضخرتهم *** وانه متبرعه ابدماهم

آنه اعرفهم نشامه *** اوالدك يعرف وفاهم

للزچيّه انطيب ولدي *** وارد اوفّي اوياها عهدي

وللوصي ارد اوفي ديني *** عالدرب مشبوحه عيني

هَم تِرد سالم عليَّه

* * *

ص: 390

ل-ون املك ق-ابلي-ه *** الكربله چان اعتنيتك

وارد اشوفن وين صرتو *** اوين حلّو اهل بيتك

جيّتك اَيسّتْ منها *** او ما ظن اتعود الثنيتك

انخمش گلبي وگمت احسّب *** وخفت لا تدنه منيتك

يبواليمّه او ريت دهري *** گبل عُمرك گصف عمري

الاجل ريته يعتنيني *** عالدرب مشبوحه عيني

هَم تِرد سالم عليَّه

* * *

ص: 391

أُم البنين مع الزهرا عليهماالسلام

أبدمه ولدي *** أكتبت عهدي

أي--ا زه---را *** أي--ا زه---را

* * *

ربيت اويه الفضايل والسماحه *** المجد من زغري مرتديه وشاحه

شجاعه او معرفه او جود او فصاحه *** الوفه يا فاطمه لفني ابجناحه

ابعل-ي آني *** ارتفع شاني

أي--ا زه---را *** أي--ا زه---را

* * *

أنه افحول العرب ولدتني أني *** اصيله امعرّبه والعِز چساني

حليلة حيدره واتعلّه شاني *** اعله وِلده طشرت حُبّي وحناني

صرت إلهم *** مثل أُمهم

أي--ا زه---را *** أي--ا زه---را

* * *

ص: 392

ابنيني الأربعه نلت المعالي *** او رباهم سهَّر اعيوني الليالي

صور اربع صور تغفه ابخيالي *** بعدهم ما درو شنهو الجرالي

مش-و عنّ-ي *** وكث-ر ونّي

أي--ا زه---را *** أي--ا زه---را

* * *

عشت بعد الولد ظيم او أذيّه *** اوفيت ابهالعهد ويّه الزچيه

على افراش الأجل هاي المسيّه *** وحيده او گرّبت ليّه المنيه

ردت يحظ-ر *** شبل حيدر

أي--ا زه---را *** أي--ا زه---را

* * *

عله افراش الأجل مشبوحه عيني *** بأخير انفاسي واتنطّر بنيني

گضه نحبي ابأثر نوحي اونيني *** اتحفر گبري ردت ولدي تجيني

تغسلن-ي *** او تچفّني

أي--ا زه---را *** أي--ا زه---را

ص: 393

رِدِتْ لرض المدينه امن الشِريعه *** يجي يدفنّي ابو اچفوف الگطيعه

على ادروبه بگت عيني طليعه *** وانادي ابدمعتي او نار الفجيعه

منو العندي *** ايحفر لحدي

أي--ا زه---را *** أي--ا زه---را

* * *

صحت وينك يبو فاضل يرجواي *** تعال ابچفك او غمّضلي عيناي

يگلها يمّي اعذريني اعله بلواي *** يساري امگطّعه او مگطوعه يمناي

انطفت عيني *** اعذرين-ي

أي--ا زه---را *** أي--ا زه---را

* * *

ص: 394

أدركني يا أباالفضل

مشبوحه عيني .. الصوب الشريعه *** وأنه ادري يبني .. اچفوفك گطيعه

كل أُمنياتي *** تحظر وفاتي

وأنه أدري يبني *** اچفوفك گطيعه

* * *

أنه أُمّك يبو فاضل يلب أحشاي *** إگصد للمدينه ابغِيرتك عنّاي

لفت يبني منيتي وانگضت دنياي *** عليه لحّگ وغمّض جفن عيناي

اَندب يعباس ..من حگّي يبني *** بأخر الأنفاس ..ريت اتحظرني

اِسمع وصيتي *** حانت منيتي

وأنه أدري يبني *** اچفوفك گطيعه

* * *

حظرني الموت واطلب يبني تحظرني *** يبو اچفوف الگطيعه لا تخيّبني

ص: 395

بدموعك يبو فاضل تِغَسّلني *** واريدن بيدك ابگبري تنزّلني

يوليدي ظنيت .. تحظر مصابي *** بالامل ظليت .. اِسمع عتابي

اتكاثر حنيني *** يمته تجيني

وأنه أدري يبني *** اچفوفك گطيعه

* * *

ربّيت وشگيت وچان كل فكري *** احضه بالوصال أبشيبي وبكُبري

عندي اربع بنين وبيّه ما تدري *** أنطوت صفحه حياتي وهالگضه عمري

محّد لفاني ..وأسبل اديّه *** آيا زماني ..وصوَّت عليّه

وينك يغايب *** شفت المصايب

وأنه أدري يبني *** اچفوفك گطيعه

* * *

يا غصن المودَّه المنگطع فرعه *** ويا ماي الدليل الّي نضب نبعه

صُفت عشرتنه مثل الخيط والشمعه *** وذبنه بالوفه للطاهره البضعه

ص: 396

اكتبتو ابدماكم .. عهد الوديعه *** اتعبت ابرباكم .. لجل الشفيعه

اوفيت الزچيه *** او حاميالحميه

وأنه أدري يبني *** اچفوفك گطيعه

* * *

سهم الّي طفه عينك يضيّ العين *** طفه عيني ييمَّه لا سهم وثنين

حِنه ظهريوهدم حيلي مصاب حسين *** واملنه ضاع تالي ابگطعة الچفين

گضيت الأيّام ..بعدك غريبه *** اَلطُم على الهام ..من هالمصيبه

اسكنت البوادي *** انحب وانادي

وأنه أدري يبني *** اچفوفك گطيعه

* * *

اَعذرك والعذر يا باالفضل مقبول *** ادري بيك يوليدي أشتريد اتگول

چفّينك گطيعه اشلون ليّه اتصول *** غيور ادري لچنّك حته لو مچتول

ص: 397

وينك يبنها .. گوم وحَظُرها *** غَمض جفنها .. واِحفر گبرها

گلبي ابمصابه *** يشرح عذابه

وأنه أدري يبني *** اچفوفك گطيعه

* * *

ص: 398

ولدي أباالفضل

أرويلك أخباري *** دمع الحزن جاري

ريتك عَدل *** ي-اب-الفضل

دمع الحزن جاري

* * *

كل أُم يبني تتمنّه *** حين الموت يلفيها

ابنها بأخر الأنفاس *** يحظر يسبل اديها

يغمّض عينها اِتريده *** ودمعته اعليها يجريها

الگبرها تالي يحملها *** او يچفنها او يواريها

وبأخر الأنفاس *** أتمنّه يا عباس

ليّ-ه تِصِ-ل *** ي-اب-الفضل

دمع الحزن جاري

* * *

وآنه أُمَّك يبو فاضل *** خلص بالنايبه عمري

يا ما ليلي ساهرته *** الشيبي ردتك وكُبري

تغسلني ردت بيدك *** وتنزّل جثتي اِبگبري

تنتيك يبني يا عباس *** او يريت ابحالتي تدري

ص: 399

وينك يبوالغيره *** هاي أُمّك ابحيره

دمعي يِهِ-ل *** ي-اب-الفضل

دمع الحزن جاري

* * *

سِكنت البيد من بعدك *** ولا آني سكنت ابدار

لا ليلي بعدكم ليل *** يبني ولا نهاري اِنهار

بعد احسين يا عباس *** مبناي انهدم وانهار

بنيت اگبور يبني اِلكم *** وبگيت انعه ابدمع مدرار

يابالفضل يبني *** اوليدك يناشدني

وحته الطفل *** ي-اب-الفضل

دمع الحزن جاري

* * *

چن أسمع يجاوبها *** ويگلها يُمه اِعذريني

اِشلون اَگطع فيافي البيد *** وسهم النايبه اِبعيني

واحفر گبرچ ابيا اِيد *** ولا يسراي او يميني

تگلّه نام واِتهنّه *** بالهم وحدي خليني

ردتك تغسلني *** والگبري تحملني

من اَرتحل *** ي-اب-الفضل

دمع الحزن جاري

* * *

ص: 400

ادري بالقَدَر أَصبح *** بيني حايل او بينك

واعذرك لو گلت يبني *** السهم متفرس ابعينك

ابيا چف يبني تدفّني *** وگطعو ادري چفّينك

اعذرك أنه لو ما جيت *** وِفِيتْ ابدمك الدينك

من خُمدت انفاسك *** وصاب العَمَد راسك

لا م-و سَهل *** ي-اب-الفضل

دمع الحزن جاري

* * *

يا ريتك عدل وتشوف *** يا عباس حال أُمّك

عن السانها ما طاح *** الأخير أَنفاسها أسمك

وعن اِعيونها ما غاب *** لحظه يلولد رسمك

ابكل شدّه يبو فاضل *** تِنِدبك هيّه وتحشمك

مشدوها أَفكاري *** وحشه بگت داري

م-ا تنحمل *** ي-اب-الفضل

دمع الحزن جاري

* * *

على اجبين الدهر كتبت *** عهدها ابدم ضحاياها

للزهره وعلي وحسين *** ما گصّرت حاشاها

هاي ام البنين الّي *** ما خاب التعنّاها

ص: 401

چريمه وباسطه الچفين *** واِتوافي الوفه اوياها

حلّفها بالچفين *** وبنحر ابنها حسين

كل هم يفَل *** ي-اب-الفضل

دمع الحزن جاري

* * *

ص: 402

الشاعر الأديب خادم الزهراء السيد سعيد الصافي

أُمّ الوفاء

آنه امكم واْطلبكم*** حگ الوفه اوياي

يا من توافون *** ما ظن تگصرون

حگ الوفه اوياي

* * *

يا خصله عن ام البنين اكتبها *** اتخاطب عليابدمعة وفه التسچبها

اتريده ابأسمها بعد ما يندبها *** ومن الاولاد الاربعه مطلبها

نادتهم وخبرتهم *** اشعدها من راي

صاحت تسمعون *** ما ظن تگصرون

حگ الوفه اوياي

* * *

اعتب ومن حگّي العتب ويّاكم*** يولادي واْتلفت العمر برباكم

اطلبكم ابدر الوفه الغذّاكم*** يهل الشيم امكم واْريد انخاكم

ص: 403

وافوني وجازوني ***وتذكّروا ارباي

واْدري تذكرون *** ما ظن تگصرون

حگ الوفه اوياي

* * *

يلمن صلب حيدر علي منبعكم *** او ثدي الوفه يهل الشيم راضعكم

ردّوا الجواب اعليّه خل اسمعكم *** ابگه ابأمل لو عالاثر اتبعكم

انخاكم واْتناكم *** واْنشد امن الجاي

واتلگّه الظعون *** ما ظن تگصرون

حگ الوفه اوياي

* * *

اتلگّه الظعون التجي واْنشدها *** وآخذ خبر يهل الوفه من عدها

شبّان اليّه وحيدره والدها *** گصّرت لو ابدت وفه ابموعدها

اتفگّد واْتنشّد*** عنكم يرجواي

يا نور العيون *** ما ظن تگصرون

حگ الوفه اوياي

* * *

ص: 404

وصّاني ابوكم وظن عدكم معلوم *** الوالد ذخر رايدكم الهذا اليوم

اتعينون اخوكم لمّن اتحيطه الگوم *** وراعي اللوه بدر العشيره الجيدوم

همّتكم وساعتكم *** يوم الشدد هاي

الكربله اتگصدون*** ما ظن تگصرون

حگ الوفه اوياي

* * *

هذا اخوكم يخوته اتعرفونه *** مهجة الهادي ابدمكم اتحامونه

وحگ الربه لو ردتوا اتوافونه *** وجه امكم ابموقفكم اتبيضونه

واْتبشّر بالمحشر *** اكتابي ابيمناي

لمّن تضحّون *** ما ظن تگصرون

حگ الربه اوياي

* * *

وهاي العقيله ام الخدر يخوتها *** بالنسه محّد وصلت الهيبتها

منهو اللي بيكم يلتزم ناگتها *** او طول الدرب ينشد على حالتها

ص: 405

چافلها وعون الها *** البالعهد وفّاي

وبزوده تدرون *** ما ظن تگصرون

حگ الربه اوياي

* * *

ص: 406

أُم البنين عليهاالسلام مع الحسين عليه السلام

ريّض يحادي *** ريّض يحادي

لا تسرع ابممشاك*** يالخذت روحي اوياك

ريّض يحادي

* * *

ام البنين ابيوم طلعت تودع حسين *** صاحت اخذني اوياك يبني وينور العين

يالطالع ابهاللّيل هذا السفر لاوين *** يبني الگلب ملچوم او لوّعني غدر البين

غادر زماني *** غادر زماني

لو رحت وين الگاك*** يالخذت روحي اوياك

ريّض يحادي

* * *

يبني الزمان اوياي ما انصف ابيوم *** بالحزن واللّوعات گابلني ويحوم

او صار الگلب يحسين مكور للهموم *** لو ردت عنّي اتروح وما ترجع اعلوم

ص: 407

اگطع اظنوني *** اگطع اظنوني

لو يبني اظل برجاك*** يالخذت روحي اوياك

ريّض يحادي

* * *

يالناوي عنّي اتروح او تتركني بالدار *** مدري شيريد ايگول يبني الگلب محتار

لگعد وأجيم النوح عالدرب ليل انهار *** ومن اليجي ويروح انشد على الاخبار

يلرحت عنّي *** يلرحت عنّي

بلچن تعود اتناك*** يالخذت روحي اوياك

ريّض يحادي

* * *

صاحت يبعد الروح يوليدي يا عباس *** امّك واْريد ارباي يا رفعة الراس

وبالضيج اعرفك زين صاحب وفه ونوماس *** ابيمنتك شفت السيف وشفت الدرع والطاس

امّن دليلي *** امّن دليلي

حسين الاخو بحماك*** يالخذت روحي اوياك

ريّض يحادي

* * *

ص: 408

ذوله اخوتك ويّاك يابو الوفه يروحون *** لاْم الحسن وحسين اردنكم اتوافون

الظعن الاخو مريود طول الدرب يبرون *** او لو غمض جفن حسين اردنكم اتسهرون

وشراد اخوكم *** وشراد اخوكم

گلّوله عد عيناك*** يالخذت روحي اوياك

ريّض يحادي

* * *

والظعن يا عبّاس انتَ چفيله *** وزينب امأمنه اوياك هاي العقيله

امكم دمه امن العين دمع التسيله *** او لو ردتوا اتغيبون غيبه طويله

اذكر حناني *** اذكر حناني

يا باالفضل ورباك*** يالخذت روحي اوياك

ريّض يحادي

* * *

يبني واخوك حسين بالك تعوفه*** وطف كربله لو چان صفّت اچفوفه

وللحرب يا عباس شبچت اسيوفه*** وبالحومه اخوك اوحيد عينك تشوفه

ص: 409

تفديله نحرك *** تفديله نحرك

ويسارك ويمناك *** يالخذت روحي اوياك

ريّض يحادي

* * *

ص: 410

يا أُمّ البنين

ودّعته *** ودّعته

ويّه الظعن دلاّلي*** او ودعت كل آمالي

او ظلّيت اعد الجيته *** وغصبن علي ودعته

* * *

يا دهر يالمنّك سبب آلامي *** انت الذي صوّبت گلبي الدامي

شبّيت راسي وبدّدت احلامي *** بالحزن والدمعه گضيت أيّامي

ما شفته *** ما شفته

ويّايه انصف دهري*** شفت العذاب ابعمري

وغير القهر ما شفته*** وغصبن علي ودعته

* * *

صبّت عَلَيّ همها وحزنها الاقدار *** اوّل سهم ما شفت مثله او لا صار

لليوم من عنده ابدليلي آثار*** من صاب ابن ملجم علي حامي الجار

ص: 411

ضيّعته *** ضيّعته

خدري الچنت اتمنّاه*** والأگضي كل عمرياوياه

حيدر علي ضيّعته*** وغصبن عليّ ودعته

* * *

ام البنين الفاجده اتعرفوني *** لو نحت طول الدهر لتلوموني

سهم الطشت ثاني سهم صابوني *** الچبد ابو محمّد گمت اصد بعيوني

گلّبته *** گلّبته

چبد ابومحمد بيدي*** او نحت وصحت يوليدي

چبدك انه الگلّبته *** وغصبن عليّ ودعته

* * *

من بعد ضيمي وهالمصايب كلها*** گلت اصبر او آلامي اتحمّلها

والدنيه تنصح بلچن اتأمّلها *** واْعظامي فگد حسين هوَّ السلها

فارگته *** فارگته

واعله الدرب تانيته*** سالم يرد ظنّيته

او ايّست من فارگته*** وغصبن عليّ ودعته

* * *

ص: 412

صاحت يهونك واْتنه يا حادي البين *** بحبابي تحدي الياكتر رايح وين

روحيسرت يالحادي ويظعن حسين *** والجيّته عالدرب مشبوحه العين

ما نمته *** ما نمته

ليل الهجر شيّبني*** او حادي الظعن عذّبني

ويّه السهر ما نمته *** وغصبن عليّ ودعته

* * *

عبّاس يا ذخري الچنت اترجّاك *** اليوم الشدايد غايتي اتمنّاك

زينب امانه او سلّمتها ابيمناك *** ذوله اخوتك عبّاس اخذهم ويّاك

سلّمته *** سلّمته

يا باالفضل ماي العين*** والگلب والروح حسين

عند اخوته سلّمته *** وغصبن عليّ ودعته

* * *

ص: 413

موشّح في أُم البنين عليهاالسلام

يالتناشد عالوفه ورايد جواب *** من وفه ام عبّاس يتألفّ كتاب

* * *

بالوفه ينبض گلبها ابكل وكت *** وعلى حسين ادموعها من دم تكت

وراح اخبرك بعد يا من ناشدت *** اشطالبت من ودّعت اربع شباب

* * *

اتصيح يهل الشيم واْهل المعرفه *** والشجاعه اتميّزت عدكم صفه

هذا يوم البيه مريود الوفه *** اليوم دون حسين تفدون الرگاب

* * *

هذا اخوكم تاج الكم يخوته *** وفرض من اللّه عليكم طاعته

اليوم ابوكم هاي چانت رادته *** يا زلم يلمن صلب داحي الباب

* * *

تعرف الوادم صلب عقد الوله *** ايخلّف اهل الزود واْهل المرجله

وخلها تشهد عن عزمكم كربله *** او خلوا دم الگوم يوصل للرچاب

* * *

يالرباكم راس امكم شيّبه *** المثل هذا اليوم چنت امحسّبه

بالوفه جازوني ابحگ الربه *** ابوجه ابيض ارد الاگي ام الاطياب

* * *

ص: 414

يا گمر هاشم يبن حامي الحمه *** انت ساجياطفال اخوك امن الظمه

وباچر اتجازيك امهم فاطمه *** اتطالب ابچفّينك ابيوم الحساب

* * *

ص: 415

ص: 416

الفهرست

اسمها عليهاالسلام··· 17

مشاركة سيدة النساء بالاسم··· 19

معنى الاسم في اللّغة··· 23

اسم «فاطمة» في أحاديث أهل البيت عليهم السلام··· 25

أوّلاً : معنى الاسم في أحاديثهم عليهم السلام··· 25

ثانيا : تداول الاسم عندهم عليهم السلام··· 27

ثالثا : إنّ هذا الاسم مشتقّ من أسماء اللّه الحسنى··· 29

رابعا: حبّهم عليهم السلام الشديد لهذا الاسم واحترامهم له و ...··· 30

بعض الآثار التكوينية لهذا الاسم المبارك··· 35

إنّ هذا الاسم مذكّر بفاطمة عليهاالسلام المظلومة··· 40

ص: 417

كنيتها عليهاالسلام··· 42

أم البنين عليهاالسلام··· 45

أم العباس··· 47

أم الأربعة··· 47

أم الفداء··· 48

أم الوفاء··· 48

أم النشامة··· 48

بنت الفحول··· 49

بنت الحمولة··· 49

ألقابها عليهاالسلام··· 50

باب الحوائج··· 52

البدوية··· 55

أمة الزهراء··· 56

الشفيعة··· 56

الميسّرة··· 56

المخدّرة··· 57

زوجة أمير المومنين عليه السلام··· 59

شريكة زينب عليهاالسلام في المصاب··· 66

ص: 418

المضحّية··· 67

مبيضّة الوجه··· 68

البكّائة على الحسين عليه السلام··· 69

ال-وفي-ة··· 69

الح-رّة··· 69

نسبها عليهاالسلام··· 71

النكة الأولى : التقاء نسبها ونسب أمير المؤنين عليه السلام··· 71

النكتة الثانية : آباء موحّدون··· 72

النكتة الثالثة : اهتمام أمير المؤنين عليه السلام بنسب أم البنين عليهاالسلام··· 79

النكتة الرابعة : الخلاف في اسم أبيها··· 81

النكتة الخامسة : الاختلاف في كونها من أقرباء لبيد الشاعر··· 82

النكتة السادسة : الاختلاف في اسم جدّها··· 83

النكتة السابعة : نسبتها··· 87

آباء أم البنين عليهاالسلام··· 90

أُمهات أم البنين عليهاالسلام··· 94

نجوم في سلسلة النسب··· 97

بنو عامر··· 98

ص: 419

بنو كلاب··· 106

أخو أم البنين عليهاالسلام··· 124

سنّها عليهاالسلام··· 126

مراحل حياتها عليهاالسلام··· 128

المرحلة الأولى : قبل الزواج··· 128

المرحلة الثانية : الزواج إلى شهادة أمير المؤمنين عليه السلام··· 131

الزواج··· 134

أم البنين عليهاالسلام في بيت أمير المؤمنين عليه السلام··· 144

إيمان أم البنين عليهاالسلام سحق الغيرة··· 145

شريكات أم البنين عليهاالسلام··· 155

فاطمة الزهراء عليهاالسلام··· 158

أسماء بنت عميس··· 179

أمامة بنت أبي العاص··· 187

ليلى النهشلية··· 189

خولة الحنفيّة··· 191

الصهباء··· 196

أم مسعود··· 197

ص: 420

محياة بنت امرؤ القيس··· 198

الزبراء مولاة أم البنين عليهاالسلام··· 199

المرحلة الثالثة : بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام إلى الطف··· 201

المرحلة الرابعة : الطفّ إلى عودة الركب إلى المدينة··· 206

موقع أم البنين عليهاالسلام في الطفّ··· 206

أم البنين عليهاالسلام ورحيل الحسين عليه السلام عن المدينة··· 212

أم البنين عليهاالسلام تستقبل الركب الحسيني المفجوع··· 221

المرحلة الخامسة : بقيّة عمرها إلى وفاتها عليهاالسلام··· 228

وفاة أمّ البنين عليهاالسلام··· 232

أبناء أم البنين عليهاالسلام··· 236

بنت أمّ البنين عليهاالسلام ؟··· 236

وفاء أولاد أم البنين عليهاالسلام··· 238

العباس بن أمير المؤمنين عليهماالسلام··· 243

أولاد أبي الفضل العباس عليه السلام في الطفّ··· 259

كنة أم البنين عليهاالسلام··· 262

إخوة العباس عليهم السلام··· 265

عبد اللّه بن علي بن أبي طالب عليهم السلام··· 267

ص: 421

عثمان بن علي بن أبي طالب عليهم السلام··· 271

جعفر بن علي بن أبي طالب عليهم السلام··· 275

لمحة خاطفة عن أحفاد أم البنين عليهاالسلام··· 281

كرامات أم البنين عليهاالسلام··· 286

تنكّر لأمّ البنين عليهاالسلام فمات ولده··· 289

أريد تأشيرة ( فيزا ) إلى كربلاء . . أريدها اليوم وليس غدا··· 291

شملتنا رحمة اللّه ··· 298

لماذا رفضت زيارة أُمّي ؟··· 300

انبهار لجنة الأطبّاء··· 303

دخيلك يا أم البنين عليهاالسلام··· 307

شكرا لك يا أم البنين عليهاالسلام··· 309

عائلة سنّية من الأتراك··· 311

اطلبي ولدك من أبي الفضل عليه السلام··· 321

أهديت سورة الفاتحة لروح أم البنين عليهاالسلام··· 323

سفرة أم البنين عليهاالسلام··· 326

إهداء ختمة قرآن لأم البنين عليهاالسلام··· 328

كرامتان يرويهما عقيد متقاعد في الجيش الإيراني··· 329

آنه أم البنين الفاقده أربع شباب . . أنقذت حياة سجّاد··· 333

ص: 422

المراثي··· 339

أُم البنين عليهاالسلام تسأل ابن الحنفية عن الحسين عليه السلام··· 349

زينب وأُم البنين عليهماالسلام··· 351

مخاطبة أُم البنين عليهاالسلام··· 354

بكاء أُم البنين أولادها عليهم السلام··· 356

إبن الحنفيه وأُم البنين عليهاالسلام··· 358

أم البنين عليهاالسلام··· 360

في لوعة ام البنين عليهاالسلام مع الحسين عليه السلام··· 363

في الشوق إلى الحسين عليه السلام··· 366

في وفاة أُمّ البنين فاطمه الكلابيه عليهاالسلام··· 370

في حقِ فاطمه الكِلابيه عليهاالسلام··· 372

أُم البنين عليهاالسلام تخاطب وِلْدَها··· 375

حنين أُم البنين عليهاالسلام··· 378

أُم البنين عليهاالسلام تخاطب ولدها الحسين عليه السلام··· 381

أُم البنين عليهاالسلام تخاطب بشر ابن حذلم··· 385

أُمّ البنين عليهاالسلام بانتظار الحسين عليه السلام··· 388

أُم البنين مع الزهرا عليهماالسلام··· 392

أدركني يا أباالفضل··· 395

ص: 423

ولدي أباالفضل··· 399

أُمّ الوفاء··· 403

أُم البنين عليهاالسلام مع الحسين عليه السلام··· 407

يا أُمّ البنين··· 411

موشّح في أُم البنين عليهاالسلام··· 414

الفهرست··· 417

ص: 424

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.