موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 12 في خلل الصلاة

هوية الکتاب

عنوان و اسم المؤلف: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 12 في خلل الصلاة/ [روح اللّه الامام الخمیني قدس سره].

مواصفات النشر: طهران: معهد الإمام الخميني للتحرير و النشر(س)، 1401.

مواصفات المظهر: 449ص.

الصقيع: موسوعة امام خمیني قدس سره

ISBN: 9789642123568

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: الببليوغرافيا مترجمة.

عنوان: الخميني، روح اللّه، قائد الثورة و مؤسس جمهورية إيران الإسلامية، 1279 - 1368.

عنوان: الفقه و الأحكام

المعرف المضاف: معهد الإمام الخميني للتحرير و النشر (س)

ترتيب الكونجرس: BP183/9/خ8 الف47 1396

تصنيف ديوي: 297/3422

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 3421059

عنوان الإنترنت للمؤسسة: https://www.icpikw.ir

جمعية خيرية رقمية: مركز خدمة مدرسة إصفهان

المحرر: محمدحسین دادخواه

ص: 1

اشارة

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

ص: 4

مقدّمة التحقيق

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على محمّد و آله الطاهرين

و بعد، فلا يخفى أنّ الأبحاث الفقهية مختلفة من ناحية ظهور المطالب و خفائها، و سهولة المواضيع و صعوبتها، فأيسرها الأبحاث المتعلّقة بالديات؛ و ذلك لكثرة النصوص المذكورة فيها و اتّضاحها، فلا حاجة فيها - بشكل عامّ - إلى الاُصول العملية أو النكات الخفية التي لا يطّلع عليها إلاّ الأوحدي من الناس، و لذا ادّعى البعض قيام التجربة على أنّ من شرع في الديات أتمّ تصنيفها.(1)

و أدقّ تلك المباحث هو الأبحاث المتعلّقة بالأبواب التي اختلفت النصوص و الآراء فيها، نحو كثير من مباحث الطهارة و الصلاة و الحجّ، أو الأبواب التي أعوز النصّ فيها كالمعاملات و الخلل في الصلاة؛ فإنّ نصوصها الخاصّة قليلة إلى جنب المسائل المطروحة فيها؛ ممّا يدفع بالفقيه إلى أن يستنبط من نصّ واحد أحكاماً

ص: 5


1- راجع: تنقيح المقال 2: 208 / السطر 30.

كثيرة و عديدة في مسائل مختلفة، أو يستند إلى ارتكازات عرفية أو عقلية، و هذا عمل مجهد و شاقّ لا يؤدّيه حقّ أدائه إلاّ من رزقه اللّه سبحانه عقلاً خارقاً و فكراً ثاقباً، ثمّ قذف العلم في قلبه، و لذا قد يجتهد شخص في بعض الأبواب الغنيّة بالنصوص، ولكن تبقى يده قاصرة عن بعضها الآخر، و ربّما اجتهد الشخص فيها أيضاً مع اقتصار دوره على التحشية و التعليق على رأي الفطاحل من غير أن يتمكّن من تشييد مبنىً خاصّ به، فإنّ التأسيس و الابتكار وقف على من لايتجاوزون عدد الأصابع ممّن عاصرناهم، بل هم كذلك في كلّ العصور.

و من هذه القلّة النادرة - بل في مقدّمتها - آية اللّه العظمى السيّد الإمام العلاّمة المحقّق الخميني قدّس سرّه حيث نلمس بوضوح سمات الإبداع و علامات التحديث في أبحاثه العلمية من الفقه و الاُصول و الفلسفة و العرفان، فما من مسألة تناولها إلاّ و قد أبدى فيها رأياً خاصّاً أو أضفى عليها من اُسلوبه الخاصّ به، أو شيّدها بمبادئ سامية و مبتكرة أو استشكل في آراء المتقدّمين و المعاصرين، و لذا تباينت آراؤه مع آراء أساتذته، و لم يجتمع معهم على محور واحد؛ لعدم اكتفائه بالتأثّر بهم، و خير مثال لهذا مقارنة كتبه الاُصولية و الفقهية بكتب أساتذته، حيث يظهر البون بيّناً و الاختلاف شاسعاً.

و من مزايا الإمام العلاّمة طاب ثراه: أنّه لم يبحث المسائل من زاوية محدّدة و بناءً على مختاره خاصّة، بل بحثها على ضوء جميع المباني المتصوّرة فيها، شأنه في ذلك شأن المحقّقين من علمائنا، أمثال الشيخ الأعظم الأنصاري قدّس سرّه و هذه الطريقة من البحث و إن كانت عسيرة على الباحث و توجب تعقيد المطالب لدى القارئ، إلاّ أنّها تمكّن الباحث من الوقوف على المسألة بكلّ جوانبها، فإذا

ص: 6

ما بدا له في مبناه يوماً و عدل عنه، لم يكن بحاجة إلى استئناف البحث من جديد. مع أنّها طريقة و حدوية ترضي الموافق و المخالف معاً.

و تعتبر مباحث «الخلل في الصلاة» هي آخر البحوث التي تصدّى الإمام قدّس سرّه لتدريسها و تدوينها، و قد شرع فيها بعد الفراغ من إلقاء مباحث البيع و الخيارات في النجف الأشرف، و كان منشغلاً بها حتّى هجرته القسرية من النجف الأشرف إلى باريس و من ثمّ رجوعه المظفّر بالنصر المؤزر لثورته المباركة و قيام الحكومة الإسلامية بإيران، حيث انشغل بإمامة الاُمّة و قيادة النظام الإسلامي و لم تسنح له الفرصة بالاستمرار ببحوثه. من الاُمور المباركة التي حدثت حول هذا الكتاب أنّ سماحة حجّة الإسلام و المسلمين الشيخ أحمد رحمت قد نقل بعد تحرير العراق من الحكم البعثتي السائد هناك، خمسة و ثمانين جلسةً من هذه الدروس التي سجّلت على الشريط إلى إيران و بعد أن تمّت إصلاحات عليها من حيث الجودة في الصوت أعدّتها مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه على القرص المدمج تحت عنوان «دروس فقه إمام خميني(س)» لاستفادة المشتاقين منها.

منهجنا في التحقيق:

1- إنّ النسخة المعتبرة من الكتاب هي النسخة المطبوعة في حياة الإمام في مطبعة مهر بقم، و قد قمنا بمقابلة النسخة المطبوعة سابقاً مع النسخة الخطّية، و عثرنا على فروق كثيرة بينهما، إلاّ أنّ غالبها لا يمسّ حريم المعنى، بل هو من تبديل الألفاظ أو العبارات باُخرى أوضح منها، و هو من مساعي سماحة آية اللّه

ص: 7

السيّد محمّد البجنوردي (حفظه اللّه) حيث قام في الطبعة السابقة - بإذن الإمام الراحل - بتقويم نصّ الكتاب و تخريج آياته و أحاديثه و الإشراف على طبعه.

2- إعداد هوامش تتعلّق بإرجاع الآيات و الروايات و أقوال العلماء إلى مصادرها الأساسية. و نظراً لدقّة المطالب و عمقها فلم نكتف بعمل شخص واحد، بل ترامت المراجعات و تعدّدت حتّى استقرّ نظرنا على اختيار التعليقات المثبتة.

3- مرحلة تقويم النصّ حسب الكيفية الحديثة، و ذلك بإصلاح المتن من الأخطاء المطبعية السابقة، و بإضافة علامات الترقيم التي لها دور مهمّ في فهم مقاصد الكتاب. و في هذه المرحلة يتمّ ترجيح النسخة الخطّية أو المطبوعة سابقاً.

4 - وضع العناوين، حيث إنّ مطالب الكتاب كثيرة و عناوينه قليلة، و هذا ممّا يبرز الكتاب بصورة بحر هائل يتعذّر الخوض فيه و الوقوف على حقائقه، و لذا فقد وضعنا ما يقرب من المائة و الخمسين عنواناً، و بذلك نكون قد جزّأنا مطالبه، و سهّلنا على الأعلام و الأفاضل مراجعته.

هذا، و لايسعنا في الختام إلاّ أن نشكر الإخوة حجج الإسلام الأفاضل الذين قاموا بتحقيق الكتاب، و الذين قاسوا الصعاب في سبيل إعداده و إخراجه، متمنّين لهم الرقيّ في مسيرتهم العلميّة و المعنويّة.

و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين و حسبنا اللّه و نعم الوكيل

مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه

فرع قم المقدّسة

ص: 8

عکس

صورة الصفحة الاُولى من كتاب الخلل

ص: 9

عکس

صورة الصفحة الأخيرة من كتاب الخلل

ص: 10

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على

محمّد و آله الطاهرين و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين

و بعدُ... فهذه وجيزة:

في خلل الصلاة

ص: 1

ص: 2

تصوير جامع للأبحاث المختلفة في الخلل

و قد ذكر له معانٍ كالفساد و الوهن و النقص و الاضطراب و غير ذلك(1). و الظاهر أنّها مصاديق عنوانه، لا معانٍ مختلفة له بأوضاع كذلك.

فإذا وقع في ماهية تركيبية - حقيقية أو اعتبارية - شيء ممّا ذكر يقع فيه خلل و اختلال، فإذا عرض لأركانِ بناءٍ فسادٌ في خشبه أو حديده، أو صار مضطرباً من ناحية عوارض، أو نقص منه شيء، أو وهنت أركانه - مثلاً - صار ذا خلل.

و الصلاة بما أنّها ماهية مركّبة اعتبارية يدّعى أنّها بناءٌ فيه أركان و أجزاء، و يعرض لها خلل تارة من ناحية أمر يوجب فسادها مع عدم إمكان علاجه، و اُخرى من ناحية ما يوجب فسادها، ولكن يمكن علاجه، و يطلق على ما يعرض عليها الخلل اعتباراً، فليس تسمية ذلك بالخلل إلاّ اعتباراً في أمر اعتباري.

ص: 3


1- راجع مصباح الفقيه، الصلاة 15: 5؛ الصحاح 4: 1687؛ لسان العرب 4: 201؛ القاموس المحيط 3: 381؛ أقرب الموارد 1: 298.

ثمّ إنّ كلّ نقص أو احتمال نقص وقع في الصلاة، يوجب بحسب القاعدة الأوّلية فسادها، أو الحكم به؛ من غير فرق بين العلم بحصوله أو الشكّ فيه، و من غير فرق بين الأركان و غيرها، و لا بين عروض الشكّ في الركعات في المحلّ أو بعد الصلاة، فالفساد بحسب الحكم أعمّ من الظاهري، جامع بين جميع موارد الخلل المذكورة في مباحثه، فالشكّ بين الثلاث و الأربع يوجب الفساد لولا دليل العلاج.

تصوير حصول الخلل بالزيادة

ثمّ إنّ الخلل كما يحصل بالنقيصة يحصل بالزيادة، لا بمعنى الزيادة في المأمور به بما أنّه مأمور به؛ حتّى يقال بامتناعها (1)، بل بمعنى الزيادة فيما تعلّق به الأمر مع قطع النظر عنه. فلو تكرّر منه الركوع قيل: إنّه زاد في الصلاة عرفاً، لا بمعنى الزيادة في الماهية، فإنّها صادقة عليها حتّى مع الزيادة، بل بمعنى الزيادة في المأمور به مع الغضّ عن الأمر. و إن شئت قلت: حصلت الزيادة في مصداق المأمور به.

فالزيادة بهذا المعنى أمر معقول، كما أنّ البطلان بها أمر معقول، فإنّ بطلان الشيء قد يكون لأجل النقص؛ و عدم تطابق المأمور به مع المأتيّ به، و قد يكون لأجل المزاحمة في الوجود أو لعروض مفسدة غالبة على المصلحة الكامنة فيه، و طريق إحراز التزاحم هو الشارع الأقدس.

ص: 4


1- الصلاة، المحقّق الحائري: 312؛ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 493.

على أنّ للشارع جعل المبطلية استقلالاً، فإنّ التحقيق صحّة الجعل استقلالاً في الوضعيات مطلقاً، و منها المانعية و الناقضية و المبطلية.

و توهّم: كون التشريع كالتكوين، فلا يعقل جعل السببية و نحوها مستقلاًّ(1)، قد فرغنا عن بطلانه في محلّه(2).

فلو دلّ الدليل على أنّ زيادة الركوع موجبة للفساد أخذنا به، و نستكشف منه أنّ الركوع الزائد مزاحم لوجود الصلاة الصحيحة المطلوبة، و بهذا المعنى تكون الزيادة مبطلة.

و قد يقال: إنّ البطلان بالزيادة حيث لايعقل، فلا بدّ و أن يرجع إلى اشتراط العدم، فيكون البطلان لأجل النقيصة(3).

و فيه: أنّ العدم لايعقل أن يكون شرطاً و لا جزءاً، بل و لايعقل تصوّره و الإشارة إليه، و كلّ ما وقع من تصوّره و الإشارة إليه إنّما يقع على الموجود الذهني؛ أي المفهوم، أو عنوان العدم الموجود بالحمل الشائع، فلو كان البطلان من ناحية الزيادة غير معقول، فلا محيص عن طرح الأخبار الواردة في الزيادة، أو تأويلها بوجه آخر، لا بذاك الوجه، فإنّ اشتراط العدم و التقييد به أوضح امتناعاً منه.

ص: 5


1- كفاية الاُصول: 456 - 457؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 394 - 395.
2- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 75.
3- الصلاة، المحقّق الحائري: 312؛ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 493.

و ما هو المعروف: من أنّ عدم المانع من أجزاء العلّة التامّة، كلام صُوري لا بدّ من تأويله إن صدر عمّن لا تحتمل فيه الغفلة، فإنّ إثبات الجزئية أو الشرطية للباطل المحض و العدم غير معقول. و إن شئت قلت: ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له، و لا ثبوت للعدم حتّى الإضافي منه.

و ما قيل: من أنّ للأعدام المضافة حظّاً من الوجود(1)، كلام ظاهري لا يعتنى به إن اُريد به أنّ للعدم المضاف حظّاً منه.

و على ما ذكرنا من إمكان الزيادة و إمكان البطلان بها، لا بدّ من الأخذ بظاهر ما دلّ على البطلان بها.

ص: 6


1- الحكمة المتعالية 1: 344 و351؛ شرح المنظومة، قسم الحكمة 2: 192.

القول في أنحاء الخلل

ص: 7

ص: 8

فصل في الخلل العمدي

و هو على أقسام:

منها: ما يصدر عن علم و التفات بلا عذر يدعو إليه.

و لا إشكال في كونه مبطلاً مطلقاً؛ بالزيادة كان أو بالنقيصة، ركناً كان أو غيره، مثل ترك الجزء أو الشرط، أو إيجاد المبطل، و في إمكان شمول حديث «لاتعاد...»(1) لمثله كلام يأتي التعرّض له(2)، و على فرض إمكان الشمول لا شبهة في انصرافه عنه.

و منها: ما وقع عن علم وعمد تقيّةً.

و هي قد تكون عن خوف و اضطرار، كما لو ضاق وقت الصلاة، و اضطرّ إلى إتيانها على خلاف الواقع؛ خوفاً على نفسه مثلاً.

ص: 9


1- تهذيب الأحكام 2: 152 / 597؛ وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 5.
2- يأتي في الصفحة 28 - 30.

و الظاهر صحّة الصلاة عندئذٍ؛ لوجوه:

أحدها: حديث «رفع ما اضطرّوا إليه...»(1)، فإنّ الظاهر منه تعلّق الرفع بذوات العناوين المذكورة فيه، و حيث إنّها غير مرفوعة خارجاً، فلا بدّ من حمل الحديث على الحقيقة الادّعائية، و مصحّحها رفع جميع الآثار؛ إذ مع ثبوت بعضها لا يصحّ الادّعاء، إلاّ إذا كان الأثر المرفوع ممّا تصحّ معه ادّعاء كونه جميعها، كقوله: «يا أشباه الرجال و لا رجال»(2)، و ليس المقام كذلك.

و لازم رفع الآثار صحّتها مع إيجاد الزيادة و القواطع و الموانع، كزيادة السجدة مع قراءة العزائم، و التكتّف، و قول «آمين»، و نحوها.

و أمّا الترك تقيّة فلا يشمله الحديث؛ لأنّه ليس له أثر شرعي، بل أثر ترك السورة - مثلاً - بطلان الصلاة عقلاً، و ليس للشارع حكم إلاّ وجوب الصلاة جامعة للأجزاء و الشرائط، و ما ورد في الأخبار من الأمر بالإعادة و الاستئناف(3) ليس حكماً مولوياً، بل كناية عن بطلان الصلاة، كما هو ظاهر.

و ليس أثر رفعه ثبوت مقابله إلاّ عقلاً، و هو لا يثبت بالحديث.

إلاّ أن يقال: بعد ظهور الدليل في رفع نفس العناوين، و الحمل على الحقيقة الادّعائية، يمكن أن يكون الوجه المصحّح للادّعاء عدم الآثار مطلقاً، لا رفعها،

ص: 10


1- التوحيد، الصدوق: 353 / 24؛ الخصال: 417 / 9؛ وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.
2- نهج البلاغة: 70، الخطبة 27.
3- راجع وسائل الشيعة 6: 87، كتاب الصلاة، أبواب القراءة، الباب 27، الحديث 1.

فإذا رأى المتكلّم بهذا الكلام أنّ الترك لا أثر له في التشريع، و أنّ حكم الشرع معه الصحّة و عدم الإعادة و القضاء، قبال حكم العقل المترتّب على اعتبار الأجزاء و الشرائط شرعاً، صحّ منه دعوى رفعه لفقد الأثر له مطلقاً، بل رفع الأثر العقلي برفع منشئه ممكن.

و مع صحّة الدعوى كذلك لا يمكن رفع اليد عن إطلاق الدليل.

و قد ذكرنا في محلّه: أنّ لعنوان الترك ثبوتاً إضافياً، فراجع الاُصول(1)، مع أنّ الرفع متعلّق بعنوان ما اُكرِه و ما اضطُرَّ إليه من العناوين الوجودية.

و لا فرق في التقيّة الاضطرارية بين كون التقيّة عن اُمراء العامّة و قضاتهم، أو عن الكفّار، أو عن سلاطين الشيعة؛ لإطلاق حديث الرفع و ما يأتي من الأدلّة.

ثانيها: حديث «لاتعاد الصلاة...»، فإنّه يدلّ على الصحّة فيما عدا الخمس، فإنّ قوله: «لاتعاد...» كناية عن صحّتها في هذه الحالة؛ و لو بقبول الناقصة مكان التامّة.

هذا بناء على شموله للخلل العمدي و عدم انصرافه عنه، و سيأتي(2) الكلام فيه.

ثالثها: روايات التقيّة(3)، كصحيحة الفضلاء، قالوا: سمعنا أبا جعفر علیه السلام يقول:

ص: 11


1- أنوار الهداية 2: 41.
2- يأتي في الصفحة 28 - 30.
3- راجع وسائل الشيعة 16: 214، كتاب الأمر و النهي، الباب 25 - 30، أكثر أحاديث الأبواب.

«التقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم، فقد أحلّه اللّه»(1)، فهي بعمومها تدلّ على الصحّة في جميع موارد الاضطرار؛ سواء كان من قِبَل حكّام العامّة و قضاتهم أو غيرهم، و سواء كان في الأركان أو غيرها، بعد حفظ صدق الصلاة على الباقي.

و قد يتوهّم: أنّ قوله: «فقد أحلّه اللّه» قرينة على تخصيص الشيء في الصدر بالأمر التكليفي(2).

و فيه: أنّ الحلّ و الحرمة و الجواز و اللاجواز و أشباهها، لم توضع لغة للأحكام التكليفية، بل هي موضوعة لمعنىً يساوق التكليف تارة و الوضع اُخرى، ففي كلّ مورد تعلّقت بالعنوان النفسي الذي لا يتوقّع منه الصحّة و الفساد، و لا التسبيب إلى أمر، يكون مساوقاً للتكليف، كما لو تعلّقت بشرب المُسكر و الماء، بخلاف ما لو تعلّقت بمثل البيع أو الصلاة، كقوله: «يحرم البيع الربوي» و«الصلاة في وَبَر ما لا يؤكل لحمه» أو قال: (أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيعَ)(3)، و جاز البيع الكذائي، و«تحرم الصلاة في المغصوب»، فإنّه مساوق للوضع حسب اختلاف الموارد.

فلو اضطرّ إلى شرب الفقّاع فقد أحلّه اللّه، و يساوق التكليف، و لو اضطرّ إلى الطلاق بغير شرائطه، و إلى الصلاة على طريقة غير الحقّ، فقد أحلّه اللّه، و يساوق ذلك الوضع و بيان الصحّة، فقوله: أحلّه اللّه» في جميع الموارد بمعنىً

ص: 12


1- الكافي 2: 220 / 18؛ وسائل الشيعة 16: 214، كتاب الأمر والنهي، الباب 25، الحديث 2.
2- اُنظر مستمسك العروة الوثقى 2: 402.
3- البقرة (2): 275.

واحد؛ يختلف بحسب الموارد تكليفاً و وضعاً.

هذا، مع أنّ الحمل على خصوص التكليف يوجب الحمل على الفرد النادر جدّاً، فإنّ الابتلاء بالتقيّة في مخالفة التكليف - كشرب الفقّاع مثلاً - كان نادراً في عصر الصادقين علیهما السلام، بخلاف الابتلاء بالمخالفة تقيّة في الوضعيات كالمعاملات و العبادات، فإنّه كان كثيراً جدّاً، فلاينبغي الإشكال في بطلان هذه المزعمة.

كما لاينبغي الإشكال في عمومه لكلّ خلل؛ زيادة كان أو نقيصة، ركناً كان أو غيره، مع حفظ عنوان الصلاة على الباقي.

و توهّم: عدم العموم للنقيصة؛ لأنّها لم تكن محرّمة و لا محكومة بحكم وضعي حتّى تحلّل عند الاضطرار، و من هنا لا بدّ من تخصيص الحديث بالزيادة و بمثل القاطعية و المانعية؛ ممّا لها حكم وضعي أو تحريمي.

فاسد؛ و ذلك لأنّ من الواضح أنّ العقل و العرف - تبعاً لاعتبار الشارع الجزء و الشرط في الصلاة - يحكمان ببطلانها بتركهما، و أنّه لايجوز الترك المبطل، فحكم الشرع - على حسب الدليل - بأنّ الترك اضطراراً مباح لا مانع منه و قد أحلّه اللّه، يفهم منه عدم بطلانها من هذه النقيصة، و قياس المورد بحديث رفع الاضطرار مع الفارق، كما يظهر بالتأمّل.

ومثل الصحيحة - بل أوضح منها دلالة في شمول الوضع - موثّقة سماعة(1)،

ص: 13


1- رواها في النوادر عن سماعة، و هو سماعة بن مهران الذي قال النجاشي في حقّه: ثقة ثقة و قال الشيخ الطوسي: إنّه واقفي. رجال النجاشي: 193 / 517؛ رجال الطوسي: 337 / 4.

عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: «إذا حلف الرجل تقيّة لم يضرّه إذا هو اُكره أو اضطرّ إليه». و قال: «ليس شيء ممّا حرّم اللّه إلاّ و قد أحلّه لمن اضطرّ إليه»(1).

بناء على أنّ ما في الذيل بمنزلة الكبرى الكلّية، المتيقّن انطباقها على الصدر، الذي تضمّن الحكم الوضعي، و احتمال كونه حكماً مستقلاًّ ذكره الإمام علیه السلام في وقت آخر، و قد جمع سماعة بينهما، بعيد مخالف للأمانة في الحديث، بعد احتمال وقوع الاشتباه معه في الدلالة.

و هنا روايات دلّت على الصحّة في موارد التقيّة من العامّة؛ ولو من غير اضطرار في الارتكاب، كموثّقة مَسعدة بن صدقة(2)، و فيها: «فكلّ شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّة؛ ممّا لايؤدّي إلى الفساد في الدين، فإنّه جائز»(3).

و قد مرّ أنّ الجواز و نحوه ليس بمعنى الجواز التكليفي(4).

و صحيحة أبي الصباح، و فيها: «ما صنعتم من شيء، أو حلفتم عليه من يمين

ص: 14


1- النوادر، أحمد بن محمّد بن عيسى: 75 / 161؛ وسائل الشيعة 23: 228، كتاب الأيمان، الباب 12، الحديث 18.
2- رواها الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صَدقة. و الرواية موثّقة بمسعدة بن صدقة، فإنّ الشيخ الطوسي عدّه من العامّة و الكشّي عدّه من البترية، و يظهر من مجموع رواياته و عمل الطائفة بما رواه أنّه ثقة. راجع رجال الطوسي: 146 / 40؛ اختيار معرفة الرجال: 390 / 733؛ تنقيح المقال 3: 212 / 11711 (أبواب الميم).
3- الكافي 2: 168 / 1؛ وسائل الشيعة 16: 216؛ كتاب الأمر و النهي، الباب 25، الحديث 6.
4- تقدّم في الصفحة 12.

في تقيّة، فأنتم منه في سعة»(1) دلّت على التوسعة في الإتيان بالمأمور به على طريقتهم، و هي تعمّ التكليف و الوضع... إلى غير ذلك ممّا تدلّ على صحّة المأتيّ به على طريقتهم(2).

بل في كثير من الأخبار الحثّ على الصلاة معهم، و الاقتداء بهم في صلاتهم و الاعتداد بها، كصحيحة حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه علیه السلام أ نّه قال: «من صلّى معهم في الصفّ الأوّل كان كمن صلّى خلف رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم في الصفّ الأوّل»(3).

و صحيحة ابن سنان عنه، و فيها: «و صلّوا معهم في مساجدهم»(4).

و صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه علیه السلام قال: «صلّى حسن و حسين علیهما السلام خلف مروان، و نحن نصلّي معهم»(5). و رواية إسحاق بن عمّار و فيها

ص: 15


1- الكافي 7: 442 / 15؛ وسائل الشيعة 23: 224، كتاب الأيمان، الباب 12، الحديث 2.
2- راجع وسائل الشيعة 8: 405، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 56، الحديث 2، و 16: 216، كتاب الأمر و النهي، الباب 25، الحديث 6، و:232، الباب 29، الحديث 20، و راجع الرسالات الفقهية و الاُصولية، الإمام الخميني قدس سره: 36.
3- الفقيه 1: 250 / 1126؛ وسائل الشيعة 8: 299، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 5، الحديث 1.
4- المحاسن: 18 / 51؛ وسائل الشيعة 8: 301، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 5، الحديث 8.
5- مسائل علي بن جعفر: 144 / 173؛ وسائل الشيعة 8: 301، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 5، الحديث 9.

«فادخل معهم في الركعة و اعتدّ بها فإنّها من أفضل ركعاتك»(1). إلى غير ذلك ممّا هو ظاهر في الصحّة(2).

مع أنّ الصلاة معهم كانت في العصر الأوّل إلى زمان الغيبة مبتلىً بها للأئمّة علیهم السلام و أصحابهم، و لم يمكن لهم التخلّف عن جماعاتهم، و مع ذلك كانوا يعتدّون بها، كما أنّهم كانوا يحجّون معهم طوال أكثر من مائتي سنة، و كان أمر الحجّ في الوقوفين بيد الاُمراء، و لم يرد أنّهم علیهم السلام أو أصحابهم تخلّفوا عنهم في ذلك، أو ذهبوا سرّاً إلى الموقفين، كما يفعله جُهّال الشيعة.

فلا شبهة في صحّة كلّ ما يؤتى به تقيّة، و من أراد الوقوف على أكثر من ذلك فليراجع رسالتنا في التقيّة(3).

و منها: ما وقع عن علم والتفات إكراهاً

كما لو أكرهه مكرِه على الإتيان بالزيادة أو بالقواطع و الموانع، و يدلّ على الصحّة هنا - ما لم يخرج المأتيّ به عن صدق الصلاة عليه - حديث الرفع(4) بعين ما ذكرناه في الإتيان الاضطراري.

ص: 16


1- تهذيب الأحكام: 38 / 133؛ وسائل الشيعة 8: 368، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 34، الحديث 4.
2- راجع وسائل الشيعة 8: 299، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 5.
3- الرسائل الفقهيه و الاُصولية، الإمام الخميني قدس سره: 30.
4- تقدّم تخريجه في الصفحة 10.

فصل في الخلل عن جهل

اشارة

و هو إمّا عن الجهل بالحكم، أو بالموضوع؛ عن تقصير، أو قصور، كما في تخلّف الاجتهاد و التقليد الصحيحين؛ زيادة كان أو نقيصة، ركناً أو غيره.

دلالة حديث الرفع على صحّة الصلاة

و يدلّ على الصحّة في الجميع - مع الغضّ عن المعارض الذي نتعرّض له(1) - حديث الرفع ببيان قدّمناه: من أنّ ضمّ دليل الرفع إلى دليل وجوب الصلاة، ينتج كون المأمور به ما عدا المرفوع، و عليه فالإتيان به موجب للصحّة عقلاً(2).

و قد يستشكل في شموله للشبهة الحكمية: بلزوم المحال؛ ضرورة أنّ اختصاص الحكم بالعالم به دور صريح(3).

ص: 17


1- يأتي في الصفحة 39.
2- تقدّم في الصفحة 10.
3- الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 2: 189؛ مستمسك العروة الوثقى 7: 381.

و فيه: أنّ الوجه المصحّح للدعوى: إن كان رفع الآثار أو عدمها في جميع التسعة، فلا يرد إشكال؛ لأنّ الحكم باقٍ، و المرفوع آثاره، فلايلزم اختصاص الحكم بالعالم به.

و إن كان المرفوع فيما يمكن رفعه - كالشبهة الحكمية - نفس الحكم حقيقة، و في ما لايمكن فيه ذلك رفع العنوان ادّعاء بلحاظ آثاره؛ لا بمعنى استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي و المجازي؛ لما قرّرنا في محلّه: من أنّ الاستعمال حتّى في المجازات - فضلاً عن الاستعارات - إنّما يكون في المعنى الحقيقي(1)، مع أنّ الاستعمال في أكثر من معنىً جائز(2)، فلاينبغي الإشكال فيه أيضاً.

بل التصويب بالمعنى الذي ادّعى قوم من مخالفينا(3)، معقول لا يلزم منه الدور - كما قيل(4) - لإمكان كون الحكم الجدّي أو الفعلي تابعاً لاجتهاد المجتهد في الأحكام الإنشائية، فما في الكتاب و السنّة هي الأحكام الإنشائية مطلقاً، و يقتضي الأصل العقلائي الحمل على الجدّ إلاّ إذا دلّ الدليل على التخصيص و التقييد، و عليه فلا مانع هناك من أن يكون حكم اللّه الواقعي تابعاً لاجتهاد المجتهد في الأدلّة الظاهرية، فلايلزم الدور.

و في المقام يمكن أن تكون الجزئية و الشرطية و المانعية الإنشائية، مشتركة

ص: 18


1- مناهج الوصول 1: 62.
2- راجع مناهج الوصول 1: 131.
3- شرح العضدي على مختصر ابن الحاجب: 466 و467؛ فواتح الرحموت، ذيل المستصفى 2: 380.
4- اُنظر نهاية الدراية 6: 376.

بين العالم و الجاهل، و مع تعلّق العلم بالإنشائيات منها تصير جدّية أو فعلية، فلا إشكال عقلي في المقام، و إثبات الإجماع في المقام محلّ تأمّل بعد احتمال استناد فتوى المعظم إلى الأمر العقلي الذي تشبّث به كثير من المحقّقين(1)، و لو ثبت إجماع على بطلان التصويب، فإنّما هو في التصويب الذي قال به غيرنا، لا في مثل ما ذكرناه في المقام.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق حديث الرفع: الأخذ به في جميع موارد الجهل، لكن لا ينبغي الإشكال في انصرافه عن الجاهل المقصّر؛ سواء علم إجمالاً باشتمال الشريعة أو الصلاة على أحكام تكليفية و وضعية و أهمل، أم لا.

أمّا على الأوّل: فلعدم صدق «لايعلم» عليه؛ لفرض علمه و لو إجمالاً بالتكليف، و مع عدم شمول حديث الرفع له، يجب عليه الإتيان بالواقع و لو بنحو الاحتياط.

و أمّا على الثاني: فلأنّ الظاهر و لو بالقرائن الخارجية و بضميمة سائر العناوين المأخوذة في الحديث، أنّ الرفع إرفاق بمن ابتلي بأحد العناوين لا باختيار منه و بغير عذر، فمن أوقع نفسه في الاضطرار إلى أكل الميتة، لم ترفع عنه الحرمة و إن وجب عليه حفظ نفسه بارتكاب المحرّم؛ من دون أن يكون الاضطرار إليه عذراً له، فيستحقّ العقوبة بارتكابه، و من علم أنّه لو ذهب إلى مكان كذا اُكره على شرب الخمر، فذهب اختياراً، فابتلي بشربها عن إكراه، فلا إشكال في أنّه معاقب عليه، فالجاهل غير المعذور عقلاً، الجريء على المولى، لايستحقّ

ص: 19


1- الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 2: 189؛ الصلاة، المحقّق الحائري: 317؛ نهاية الدراية 6: 376.

الإرفاق، و لم يرفع الحكم عنه، و كيف كان فالرواية منصرفة عن المقصّر.

و أمّا القاصر فتشمله الرواية؛ من غير فرق بين المجتهد المتخلّف اجتهاده عن الواقع، و المقلّد المتخلّف تقليده الصحيح عن الواقع، و بين العامّي القاصر، و بتحكيمها على الأدلّة الأوّلية، تصير النتيجة كون الباقي تمام المأمور به و صحّت صلاته، فلا إعادة في الوقت، فضلاً عن القضاء.

فالتفصيل بين الشبهة الحكمية و الموضوعية معلّلاً بلزوم الدور، غير وجيه لما عرفت، كما أنّ الإجماع غير ثابت.

ثمّ إنّه على ما ذكرناه - من إمكان الزيادة في الصلاة و إمكان كونها مبطلة و لزوم الأخذ بظاهر روايات البطلان بالزيادة - لا إشكال في رفعها بالحديث.

و أمّا على مبنى القوم من عدم معقولية البطلان بالزيادة؛ و لزوم الإرجاع إلى اشتراط العدم(1):

فقد يقال: بأنّ الترك و العدم غير مشمولين له، لأنّه حديث رفع، و لايعقل رفع العدم و الترك(2).

و فيه: أنّه بعد البناء على إمكان اشتراط العدم، فلاينبغي الإشكال في الشمول؛ لأنّ شرطية عدم الزيادة - المشكوك فيها في الشبهة الحكمية - وجودية، بل الترك أو عدم الزيادة لابدّ و أن يكون لهما وجود اعتباري على الفرض، بل لهما ثبوت إضافي، و المفروض أنّ الرفع ادّعائي لا حقيقي، و عليه فلا إشكال فيه.

ص: 20


1- الصلاة، المحقّق الحائري: 312؛ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 493.
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 353.

ثمّ على الفرضين - أي الرفع الحقيقي و الادّعائي - فكما لاتجب الإعادة و القضاء، لايجب الاستئناف لو علم بالواقعة في أثناء الفعل، فلو زاد في صلاته أو ترك جزءاً أو شرطاً و علم في الأثناء، صحّت صلاته، و لايجب الاستئناف، بل لايجوز قطعها، بل لو كان محلّ الإتيان باقياً - أي علم بترك الجزء قبل دخوله في الركن - لم يجب العود؛ لأنّ حال الجهل كان مرفوعاً، و الميزان مراعاة حاله لا حال العلم، بل على فرض الرفع الحقيقي، يعدّ الإتيان به و بما بعده زيادة في المكتوبة، بل على غيره أيضاً زيادة حكماً.

و التفصيل في الفرق بين مؤدّى الأمارات و الاُصول، و بيان ما هو مقتضى القاعدة من الإجزاء في الثاني دون الأوّل، موكول إلى محلّه(1).

هذا بحسب مقتضى الحديث مع قطع النظر عن الأدلّة الخاصّة.

دلالة حديث لاتعاد على صحّة الصلاة

و تدلّ أيضاً على الصحّة مطلقاً إلاّ ما استثني - مع الغضّ عن سائر الأدلّة - صحيحة زرارة المرويّة في «الفقيه» عن أبي جعفر علیه السلام، قال: «لاتعاد الصلاة إلاّ من خمسة: الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود». ثمّ قال: «القراءة سُنّة، و التشهّد سُنّة، و لاتنقض السنّةُ الفريضة»(2)، و قد رويت في غيره(3) بلا ذكر

ص: 21


1- مناهج الوصول 1: 253 - 259.
2- الفقيه 1: 225 / 991؛ وسائل الشيعة 6: 91، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 29، الحديث 5.
3- لم نعثر عليه بدون الذيل في غير الفقيه. راجع جامع أحاديث الشيعة 6: 268، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 1 و 2.

ذيلها؛ أي «لاتنقض السنّة...» إلى آخره، و ما في «الفقيه» أجمع، و احتمال الزيادة في الرواية - سيّما بمثل ذلك - مقطوع البطلان، و لاتعارض أصل عدمها أصالة عدم النقص، كما لايخفی.

و الظاهر من قوله: «لاتعاد» - مع الغضّ عن الذيل - هو الإرشاد إلى عدم البطلان في غير الخمس، كما يظهر بالرجوع إلى العرف في مثل ذلك، و إلى أشباهه و نظائره في الأخبار، و بملاحظة ما في الذيل يكون كالصريح في ذلك، فإنّ التعليل: بأنّ عدم الإعادة لأجل عدم نقض السنّةِ الفريضةَ، كالنصّ في أنّ عدم الإعادة لعدم الإبطال، فالحكم به للإرشاد إلى الصحّة. و احتمال كونه حكماً مولوياً في غاية السقوط.

فلايعتنى بالتقريب الذي أوردوه لعدم شمول الحديث للجهل من:

حول تقريب عدم شمول «لاتعاد» للجهل

أنّ الظاهر من قوله: «لاتعاد» نفي الإعادة في موردٍ لولا الحديث كانت الإعادة بعنوانها متعلّقة للأمر، و هذا ليس إلاّ في صورة السهو و النسيان، اللذين لايعقل معهما بقاء الأمر الأوّل و التكليف بالإتيان بالمأمور به، فلا محالة يكون الأمر المولوي بوجوب الإعادة ممحّضاً فيهما، و أمّا في صورة العمد و الجهل فيكون الحكم بها عقلياً، و الأمر بها إرشاداً إلى حكمه(1).

و بما ذكرناه من التقريب يظهر النظر في كلام بعض محقّقي العصر رحمه اللّه؛ من إتعاب نفسه لبيان صدق عنوان الإعادة على الوجود الثاني ولو وقع عن جهل أو

ص: 22


1- الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 2: 194.

عمد(1)؛ إذ لم يكن المدّعى عدم صدق عنوان الإعادة في صورتي العمد و الجهل، بل كانت الدعوى عدم تعلّق الأمر المولوي بها، مع وضوح الحكم بها عقلاً.

و كيف كان، يرد عليه ما قدّمناه: من كونه إرشاداً إلى البطلان و عدمه.

هذا مضافاً إلى أنّ الفرق بين الجهل و السهو لايرجع إلى محصّل؛ ضرورة أنّ توجّه الخطاب إلى الجاهل - سيّما المركّب منه - غير معقول، كالتوجّه إلى الناسي و الساهي، و الإجماع على اشتراك الجاهل و العالم - على فرض صحّته - لايدفع الإشكال العقلي، و التكليف - بالمعنى الذي لا إشكال فيه عقلاً - يشترك فيه الناسي و الجاهل على السواء، كما أ نّهما مشتركان في مورد الامتناع.

بل قد ذكرنا في محلّه: بطلان أساس الإشكال و الردّ(2)؛ فإنّهما مبتنيان على انحلال الخطابات العامّة - كلّ واحد منها - إلى خطابات عديدة عدد المكلّفين، متوجّهة إليهم بأشخاصهم، و لازمه تحقّق مبادئ الخطاب في كلٍّ على حدة، فكما لايمكن توجّه خطاب خاصّ إلى الناسي - لعدم حصول مباديه - كذلك لايمكن خطابه في ضمن الخطاب العامّ المنحلّ إلى الخطابات؛ لعدم حصول مباديه.

إذ فيه مضافاً إلى أنّ لازمه عدم تكليف العاجز و النائم و الجاهل و غيرهم من ذوي الأعذار، بل و العاصي المعلوم عدم رجوعه عن العصيان، فإنّ مبادئ توجيه الخطاب إليه بخصوصه مفقودة؛ لعدم إمكان الجدّ في بعث من لاينبعث قطعاً، و من المقطوع به عدم التزامهم بذلك، أنّ قياس الخطابات العامّة بالخطاب

ص: 23


1- نهاية الأفكار 3: 433 - 434.
2- مناهج الوصول 2: 18 - 20.

الخاصّ مع الفارق، فإنّه في الخطاب العامّ لابدّ من حصول مباديه، لا مبادئ الخطاب الخاصّ.

فإذا علم الآمر بأنّ الجماعة المتوجّه إليهم الخطاب فيهم جمع كثير ينبعثون عن أمره، و ينزجرون عن نهيه، و أنّ فيهم من يخضع لأحكامه ولو إلى حين، صحّ منه الخطاب العامّ، و لايلاحظ فيه حال الأشخاص بخصوصهم؛ ألا ترى الخطيب يوجّه خطابه إلى الناس الحاضرين من غير تقييد و لا توجيه إلى بعض دون بعض، و احتمال كون بعضهم أصمّ لايعتنى به، بل العلم به لايوجب تقييد الخطاب، بل انحلال الخطاب أو الحكم - حال صدوره - بالنسبة إلى المكلّفين قاطبة؛ من الموجودين فعلاً و من سيوجد في الأعصار اللاحقة، ممّا يدفعه العقل؛ ضرورة عدم إمكان خطاب المعدوم أو تعلّق حكم به، و الالتزام بانحلاله تدريجاً و في كلّ عصر حال وجود المكلّفين، لايرجع إلى محصّل.

و الحقّ أنّ التشريع - في الشرع الأطهر و في غيره من المجالس العرفية - ليس إلاّ جعل الحكم على العناوين و الموضوعات؛ ليعمل به كلّ من اطّلع عليه في الحاضر و الغابر.

فالقرآن الكريم نزل على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم و أبلغه إلى بعض أهل زمانه، و هو حجّة قاطعة علينا و على كلّ مكلّف اطّلع عليه؛ من غير أن يكون الخطاب منحلاًّ إلى خطابات كثيرة؛ حتّى يلزم مراعاة أحوال كلّ مكلّف، و هو واضح.

فلا فرق بين العالم و الجاهل و الساهي و غيرهم بالنسبة إلى التكاليف الإلهية الأوّلية، بعد تقييد المطلقات و تخصيص العمومات بما ورد في الكتاب و السنّة، كحديث الرفع و«لاتعاد» و غيرهما.

ص: 24

فالقول بسقوط الخطاب عن الساهي و الناسي خلاف التحقيق، فيسقط ما يترتّب عليه ممّا ورد في كلام المحقّقين من المتأخّرين.

و ما قيل: من أنّ تعذّر جزء من المركّب المأمور به، يوجب سقوط أمره و تعلّق أمر آخر بالناقص؛ فيما لو أراد الآمر تحقّقه عند تعذّر التامّ(1)، مبنيّ على مبانٍ فاسدة، قد أشرنا إليه قبلاً، و حقّقناه في غير المقام(2).

هذا مضافاً إلى أنّ العناوين المأخوذة في موضوع الخطابات و الأحكام؛ سواء كانت من قبيل العمومات، كقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)، و الطبائع و المطلقات، كقوله: (مَنْ آمَنَ) و نحوه، لايعقل أن تكون حاكية عن الطوارئ العارضة على المكلّفين؛ من العلم و النسيان و القدرة و العجز و غيرها؛ ضرورة أنّ اللفظ الموضوع لمعنىً، لايعقل أن يحكي عن غيره في مقام الدلالة إلاّ مع صارف و قرينة، فقوله - مثلاً -: «المؤمن يفي بنذره» لايحكي إلاّ عن الطبيعة، دون لواحقها الخارجية أو العقلية، و كذا الحال في قوله: «يا أيّها المؤمنون»، فإنّ دلالته على الأفراد، ليست إلاّ بمعنى الدلالة على المصاديق الذاتية لطبيعة المؤمن؛ أي الأفراد بما هم مؤمنون، لا على الأوصاف و الطوارئ الاُخر؛ إذ لاتحكي الطبيعة إلاّ عمّن هو مصداق ذاتي لعنوانها، و لاتكون آلات التكثير كالجمع المحلّى و لفظ «كلّ»، إلاّ دالّة على تكثير نفس العنوان، و لايعقل دلالتها

ص: 25


1- راجع فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 227؛ نهاية الأفكار 3: 446 - 447.
2- مناهج الوصول 2: 20؛ أنوار الهداية 2: 204 و 320.

على الخصوصيات الفردية، فعموم الخطاب ليس في المثال إلاّ للمؤمنين.

فإذا ورد مثله في الكتاب العزيز، يشمل كلّ مؤمن في كلّ عصر، حال وجودهم، ولكن ليس حجّة عليهم إلاّ بعد علمهم بالحكم، فقبل تبليغ الرسول صلی اللّه علیه و آله و سلم، لم يكن حجّة على أحد إلاّ على نفسه الكريمة، و بعد التبليغ يصير حجّة على السامعين دون الغائبين، و عند ما يصل إليهم يصير حجّة عليهم، و بعد وجود المكلّفين في الأعصار المتأخّرة لم يكن حجّة عليهم إلاّ بعد علمهم به.

فالجاهل و العالم و الناسي و المتذكّر و العاجز و القادر كلّهم، سواء في ثبوت الحكم عليهم، و شمول العنوان لهم، و اشتراك الأحكام بينهم؛ و إن افترقوا في تمامية الحجّة عليهم، فذوو الأعذار مشتركون مع غيرهم في الحكم و شمول العنوان لهم؛ و إن اختلفوا عن غيرهم في ثبوت الحجّة عليهم.

حول اختصاص «لاتعاد» بالسهو و النسيان في الموضوع

و ممّا تقدّم يظهر النظر في كلام شيخنا الاُستاذ(1) - أعلى اللّه مقامه - في كتاب الصلاة.

و محصّله: دعوى انصراف الحديث إلى الخلل الحاصل بالسهو و النسيان في الموضوع؛ بدعوى أنّ ظاهره الصحّة الواقعية، و أنّ الناقص مصداق واقعي للمأمور به، كما يشهد به ما ورد في نسيان الحمد حتّى ركع: من أنّه «تمّت صلاته»(2)،

ص: 26


1- الصلاة، المحقّق الحائري: 316 - 317.
2- الكافي 3: 347 / 1؛ وسائل الشيعة 6: 87، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 27، الحديث 2، و: 90، الباب 29، الحديث 2.

فالناسي مخصوص بخطاب متعلّق بالناقص، و لا مانع من خطاب الناسي، و صلاة الذاكر و الناسي كصلاة الحاضر و المسافر، فما أتى به تمام المأمور به.

كما أنّ الظاهر منه أنّ الحكم بالصحّة و التمامية، إنّما هو فيما لو تذكّر بعد الفراغ من الصلاة، أو بعد المضيّ عن إمكان تدارك المنسيّ، كما لو تذكّر بعد دخوله في الركن، فالعامد الملتفت و الشاكّ في الجزئية أو الشرطية و نحوهما خارجان عن مصبّه، و كذا غيرهما ممّن يصحّ له الدخول لجهله المركّب أو للاُصول العقلائية، فإنّه أيضاً خارج عن مصبّ الحديث؛ لما أشرنا إليه من الدلالة على كون المأتيّ به تمام المأمور به؛ إذ على هذا يلزم من شموله له التصويب المحال أو المجمع على بطلانه، فغير الناسي و الساهي في الموضوع إمّا خارج عن مصبّ الرواية، أو خارج بدليل عقلي أو شرعي.

وجه النظر: - مضافاً إلى ما تقدّم من عدم بطلان التصويب عقلاً، حتّى ما قال به المخالف للحقّ، و عدم ثبوت الإجماع على بطلان التصويب بالمعنى الذي ذكرناه(1) - هو أنّ الحديث ظاهر - كالصريح - في أنّ المأتيّ به ليس تمام المأمور به؛ لأنّ التعليل الذي ورد فيه: ب-«أنّ السنّة لا تنقض الفريضة»(2) دالّ على أنّ المصداق الذي أتى به المكلّف واجداً للخَمس و فاقداً للقراءة و التشهّد - مثلاً - إنّما لم يبطل لأنّ المفقود سُنّة، و هي لاتنقض الفريضة، فكونه سُنّة - أي مفروضاً من قِبَل السنّة لا الكتاب - كان مفروغاً عنه بحسب مفاده، فلو كان الساهي مكلّفاً بخصوص الناقص فقط، و لم يكن الجزء المنسيّ جزءاً في حقّه، لم يصدق

ص: 27


1- تقدّم في الصفحة 18.
2- تقدّم في الصفحة 21.

عليه أنّه سُنّة لا تنقض الفريضة، فعدم نقضها متفرّع على فرض كون الجزء سُنّة، لا على عدم كونه جزءاً، و هو ظاهر كالصريح في جزئية المنسيّ حال النسيان.

بل ظاهر قوله: «لاتعاد الصلاة إلّا من خمس» أنّ غير الخمس أيضاً داخل في الصلاة لكن لاتعاد بتركه، لا أنّه غير جزء لها، فعدم الإعادة بنفي الموضوع خلاف الظاهر، فلاينبغي الإشكال في عموم الرواية لكلّ خلل بأيّ سبب.

بل لو لا انصراف الدليل، و بُعد الالتزام بصحّة الصلاة مع الترك العمدي، و الدخول في الصلاة مريداً لترك القراءة و سائر الأذكار الواجبة و غيرها ممّا عدا الخمس، لكان للقول بالشمول للعامد أيضاً وجه؛ لأنّ الظاهر من التعليل: أنّ الفريضة لها بناء و إتقان لاينهدم بالسنّة، و التقييد بحال دون حال لعلّه مخالف للظهور في أنّ السنّة بما هي لاتنقضها، و حديث مخالفة جعل الجزئية مع الصحّة حال العمد(1)، قد فرغنا عن بطلانه(2).

و كيف كان، لو رفعنا اليد عنه بالنسبة إلى العامد العالم، فلا وجه لرفع اليد عنه بالنسبة إلى الشاكّ الملتفت، المتمسّك بالبراءة العقلية و النقلية للدخول في الصلاة، فضلاً عن الساهي عن الحكم، و الجاهل المركّب، و من له أمارة على عدم الجزئية أو الشرطية، فانكشف البطلان بعد الصلاة أو بعد مضيّ محلّ التدارك، و الإجماع المدّعى في المقام غير ثابت بعد تخلّل الاجتهاد فيه، كما لايخفى.

و قد يقال بعد الاعتراف بالإطلاق: بأنّه يقيّد بما في صحيحة زرارة: من «أنّ

ص: 28


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 209؛ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 494.
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 11؛ أنوار الهداية 2: 245.

اللّه تبارك و تعالى فرض الركوع و السجود، و القراءة سُنّة، فمن ترك القراءة متعمّداً أعاد الصلاة، و من نسي فلا شيء عليه»(1) فيقيّد به رواية «لاتعاد»، فإنّ قوله فيها: «القراءة سُنّة» بمنزلة التعليل، فكأنّه قال: لاتعاد الصلاة بترك السنّة، و بعد تقييدها يصير المتحصّل هو اختصاص نفي الإعادة بصورة الإخلال السهوي؛ بملاحظة اندراج الإخلال الجهلي في العمدي؛ لصدقه عليه.

كما لعلّه تشهد بذلك المقابلة بين الترك العمدي و السهوي في الرواية، فإنّه يستفاد منها اندراج الإخلال الجهلي - خصوصاً الجهل بالحكم - في الإخلال العمدي، نعم إذا كان أمر شرعي بوجوب المضيّ يخرج عن العمد؛ لأنّ المكلّف مقهور و مسلوب عنه القدرة على الترك ولو بحكم العقل على وجوب الطاعة(2). انتهى ملخّصاً.

و أنت خبير بأنّ هذا لايفيد، فإنّه بعد تسليم المقدّمة لايستفاد منه إلاّ التقييد بالنسبة إلى القراءة، كما أنّ دعوى عدم صدق العمد مع وجود الأمر الشرعي بالمضيّ - بدعوى أنّ المكلّف مقهور عندئذٍ و مسلوب القدرة - فيها ما فيها.

فالأولى في التقريب أن يقال: إنّ قوله: «فمن ترك القراءة متعمّداً» متفرّعاً على قوله: «القراءة سُنّة» يدلّ على أنّ في ترك القراءة لكونها سُنّة التفصيل بين العمد و النسيان، فيسري الحكم إلى مطلق السنّة.

و تدلّ على المقصود أيضاً رواية «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد علیهما السلام

ص: 29


1- الفقيه 1: 227 / 1005؛ وسائل الشيعة 6: 87، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 27، الحديث 1.
2- نهاية الأفكار 3: 434 - 435.

أنّه قال: «القراءة في الصلاة سُنّة، و ليست من فرائض الصلاة، فمن نسي القراءة فليست عليه إعادة، و من تركها متعمّداً لم تجزئه صلاته؛ لأنّه لايجزي تعمّد ترك السنّة، و أدنى ما يجب في الصلاة تكبيرة الإحرام و الركوع و السجود؛ من غير أن يتعمّد ترك شيء ممّا يجب عليه من حدود الصلاة، و من ترك القراءة متعمّداً أعاد الصلاة، و من نسي فلا شيء عليه»(1).

هذا غاية ما يقال في تقريب التقييد؛ و اختصاص عدم الإعادة بالسهو.

لكن يرد عليه: أنّ معنى التعمّد عرفاً - و هو المستفاد من الكتاب و السنّة أيضاً - هو إتيان الشيء أو تركه مع القصد الناشئ عن العلم بعنوان الفعل و العمل، فمن قتل مؤمناً زاعماً أنّه كافر مهدور الدم، لايصدق في حقّه أنّه قتل مؤمناً متعمّداً و إن صدق أنّه قتل شخصاً متعمّداً، و لاينطبق عليه قوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ)(2).

و قد ورد في الأخبار: «أنّ من ترك الصلاة متعمّداً فقد برئت منه ملّة الإسلام»(3) و«من أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه كفّارة»(4)... إلى غير ذلك ممّا يشهد بأنّ الترك متعمّداً لاينطبق إلاّ مع العلم بأطراف العمل، فمن

ص: 30


1- دعائم الإسلام 1: 161 - 162؛ مستدرك الوسائل 4: 195، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 22، الحديث 1.
2- النساء (4): 93.
3- الكافي 3: 488 / 11؛ وسائل الشيعة 4: 42، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 11، الحديث 5.
4- تهذيب الأحكام 4: 207 / 600؛ وسائل الشيعة 10: 49، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 8، الحديث 11.

قطع بأنّ القراءة ليست جزء الصلاة فتركها، لايكون متعمّداً في ترك القراءة في الصلاة، و كذا من تركها مع قيام أمارة على العدم، أو حجّة عليه؛ من الأصل العقلي أو الشرعي، فالترك التعمّدي هو الترك مع العلم بالحكم و الموضوع، و إلّا لم يكن متعمّداً في ترك ما هو المفروض في صلاته.

و على هذا فمفهوم قوله: «إن كان متعمّداً» هو «إن لم يكن كذلك» الشامل للناسي و الساهي حكماً و موضوعاً، و الجاهل بالموضوع و الحكم مركّباً أو بسيطاً، بل و المتعمّد التارك لعذر شرعي أو عقلي، كما لو اُكره أو اضطُرّ إلى الترك؛ لانصراف المتعمّد عن كلّ ما ذكر، فالمفهوم دالّ على عدم الإعادة عليه.

و أمّا تخصيص النسيان بالذكر في الجملة الثانية، مع أنّه من مصاديق المفهوم، فلأنّ الجاهل بحكم القراءة؛ و أنّها جزء الصلاة في زمان الصدور، و من المخاطبين بتلك الروايات، كان في غاية القلّة، فضلاً عن العلم بالخلاف، و أمّا النسيان فأمر يبتلى به عامّة الناس نوعاً، فذكر مصداق من المفهوم في مثله متعارف.

و الدليل على كثرة الابتلاء به دون غيره، الروايات الكثيرة جدّاً، الواردة في باب التكبير و القراءة و الركوع و السجود و ذكرهما و غير ذلك، فإنّها - سؤالاً و جواباً - على كثرتها لم تتعرّض لغير النسيان إلاّ نادراً، كالروايتين الواردتين في الجهر و الإخفات(1) و القصر و الإتمام(2)، و أمّا الروايات الواردة في القراءة

ص: 31


1- الفقيه 1: 227 / 1003؛ تهذيب الأحكام 2: 147 / 577؛ وسائل الشيعة 6: 86، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 26، الحديث 1 و 2.
2- تهذيب الأحكام 3: 226 / 571؛ وسائل الشيعة 8: 506، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 4.

فكلّها متعرّضة للنسيان، و في بعضها تصريح: بأنّ المراد بالتعمّد الترك عن علم بالحكم و الموضوع، كقوله علیه السلام في رواية قرب الإسناد: «أن يفعل ذلك متعمّداً لعجلة»(1).

و إن شئت قلت: بعد ظهور التعمّد في الشيء في كونه عن علم ولو في العرف، لابدّ من الأخذ به و بمفهومه، و مجرّد مقابلة النسيان له لاتوجب صرفه عن ظاهره، بعد وجود نكتة ظاهرة في التخصيص بالذكر.

مضافاً إلى أنّه مع الغضّ عمّا ذُكر، و تسليم المقدّمات، لاتدلّ الروايات إلاّ على حكم القراءة التي يمكن أن تكون لها خصوصية، فإنّه «لا صلاة إلاّ بها» كما في الحديث(2).

و ما ذكرناه من التقريب للتسرية إلى غيرها(3)، إشعار لم يصل إلى حدّ الدلالة؛ حتّى يمكن معه رفع اليد عن الظاهر الذي هو الحجّة، و رواية «دعائم الإسلام»(4) و إن كانت ظاهرة - بل صريحة - في العموم، لكنّها لايعتمد عليها، و لاتصلح لتقييد إطلاق الحجّة.

وممّا تقدّم ظهر حال الخلل عن نسيان أو سهو، فإنّ دليل الرفع حاكم

ص: 32


1- قرب الإسناد: 195 / 738؛ وسائل الشيعة 6: 91، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 29، الحديث 4.
2- راجع وسائل الشيعة 6: 37؛ كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 1.
3- تقدّم في الصفحة 29.
4- تقدّم في الصفحة 29 - 30.

بالصحّة، كما أ نّه مشمول لحديث «لاتعاد»، بل شموله لنسيان الموضوع متسالم عليه بينهم.

فصل: في شمول حديث «لاتعاد» للزيادة

هل يشمل الحديث الزيادة، أو يختصّ بالنقيصة؟

قد يقال: إنّ أكثر ما في المستثنى حيث كان ممّا لايقبل الزيادة، فهو موجب لانصراف الدليل إلى النقيصة حتّى في المستثنى منه، فلاتعرّض في الحديث للزيادة رأساً(1).

و فيه ما لايخفى من الوهن؛ ضرورة أنّ مجرّد عدم كون بعض المصاديق قابلاً للزيادة، لايوجب الانصراف عنها.

و قد يقال: إنّ المستثنى مفرَّغ، و المقدّر أنّه: «لاتعاد بشيء» و هو أمر وجودي، و العدم ليس بشيء، فيختصّ بنقص ما اعتبر وجوده، أو ينصرف إليه(2).

و فيه: - مضافاً إلى أنّ العدم لو فرض اعتباره في التشريع، يكون له ثبوت اعتباري و وجود تشريعي - أنّه قد تقدّم: أنّ الزيادة بعنوانها موجبة للزوم الإعادة، و أنّ الزيادة ناقضة جعلاً، مع أنّ الظاهر عرفاً من مثل قوله علیه السلام: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»(3)، أنّ الزيادة بنفسها موجبة لذلك، و إرجاع ذلك

ص: 33


1- بحر الفوائد، الجزء الثاني: 186 / السطر 27؛ اُنظر أوثق الوسائل: 384 / السطر 24.
2- اُنظر درر الفوائد، المحقّق الحائري: 494.
3- تهذيب الأحكام 2: 194 / 764؛ وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 2.

إلى اشتراط العدم - كما قالوا(1) - إنّما هو أمر عقلي يغفل عنه العرف الذي هو المعيار في أمثال ذلك مع أنّ المقدّر المناسب للحديث - خصوصاً بملاحظة التعليل في الذيل - أنّه «لايعاد بإخلال»، فيعمّ كلّ ما يخلّ بالصحّة.

نعم هنا وجه لدخول زيادة الركوع و السجود في المستثنى منه، و عدم البطلان بزيادة الركن: و هو التعليل بأنّ السنّة لاتنقض الفريضة، فإنّ الفريضة هو الخمسة،و أمّا الاشتراط بعدم زيادة الركوع و السجود أو كون زيادتهما مبطلة، فلايدلّ عليهما إلاّ السنّة، كقوله: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»، فالحديث بحسب التعليل دالّ على عدم نقض ما فرضه اللّه بشيء ثبت بالسنّة.

و تؤيّده الروايات الدالّة على أنّه لو أتمّ الركوع و السجود فقد تمّت صلاته(2)، و قوله علیه السلام: «و أدنى ما يجب في الصلاة: تكبيرة الإحرام، و الركوع، و السجود، من غير أن يتعمّد ترك شيء ممّا يجب عليه من حدود الصلاة»(3).

فإن قلت: إنّ قوله: «السنّة لاتنقض الفريضة»(4) بمنزلة التعليل لما سبق، و الفريضة هي ما أوجبه اللّه، و السنّة ما أوجبه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم، فهو دالّ على أنّ كلّ ما أوجبه النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم لاينقض فريضة اللّه، و من المعلوم أنّ ما أوجبه النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم هي الأجزاء و الشرائط المأخوذة في الصلاة، و أمّا الموانع و القواطع

ص: 34


1- تقدّم في الصفحة 5 و 20.
2- الكافي 3: 348 / 3؛ وسائل الشيعة 6: 90، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 29، الحديث 2.
3- تقدّم في الصفحة 29 - 30.
4- تقدّم في الصفحة 21.

و الزيادة فيها فهي خارجة عنه، و حينئذٍ إن قلنا بأنّ العلّة تعمّم و تخصّص، تكون الرواية دالّة على اختصاص عدم النقض بالواجبات و الفرائض النبوية، و أمّا غيرها فناقض، و إن لم نقل بالتخصيص فلا أقلّ من سكوتها عنها، فلايشمل المستثنى منه إلاّ النقيصة، و كذا المستثنى.

قلت: إنّ السنّة في الرواية و الفريضة في قوله: «فرض اللّه الركوع و السجود»(1) ليستا بمعنى الواجبات المعروفة عندنا؛ أي الواجبات التي يستحقّ المكلّف العقاب على تركها؛ ضرورة عدم تعلّق الوجوب المولوي إلاّ بنفس طبيعة الصلاة؛ من غير تعلّق أمر مولوي بالأجزاء و الشرائط، و لا ثبوت وجوب لها استقلالاً و لا تبعاً، و لا انحلال وجوبها أو أمرها إلى وجوبات و أوامر، و لا بسط الوجوب النفسي إلى الأجزاء و الشرائط؛ بحيث تصير واجبات تعبّدية نفسية مولوية، فإنّ لازمه اشتمال الصلاة - و کلّ مركّب واجب - على تكاليف عديدة، فيعاقب بترك الصلاة عقابات عديدة عدد الأجزاء و الشرائط، و هو ضروري البطلان.

و ما يتكرّر في الألسن من الوجوب الضمني(2)، لايرجع إلى محصّل، إلاّ أن يراد: أنّ الصلاة واجبة بالذات، و ينسب الوجوب إلى الأجزاء بالعرض و المجاز، و إلاّ فأمر الشارع بالصلاة - و كلّ مركّب - أمرٌ واحد متعلّق بطبيعة واحدة تفنى فيها الأجزاء و الشرائط عند تعلّقه بها؛ و إن كانت ملحوظة حين تقدير الأجزاء

ص: 35


1- الفقيه 1: 227 / 1005؛ وسائل الشيعة 6: 87، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 27، الحديث 1.
2- أجود التقريرات 3: 505 - 506؛ نهاية الأفكار 3: 376؛ لمحات الاُصول: 63.

و اعتبارها في المركّب، فليس الملحوظ حال تعلّق الأمر بالطبيعة إلاّ نفسها، لا الأجزاء، ففي قوله: (أَقِمِ الصَّلَوةَ)(1) لايلاحظ إلاّ طبيعتها، و عند اللحاظ الثانوي يرى اشتمالها عليها، فترك الجزء ليس مخالفة لأمر المولى، و لايكون المكلّف معاقباً عليه، بل العقاب على ترك الطبيعة و المركّب الذي يكون بترك الجزء أو الشرط.

بل المراد بالفريضة - في تلك الروايات -: هو ما قرّره اللّه و قدّره و عيّنه و حدّده في كتابه، و يستفاد اعتباره منه، كقوله تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(2) و قوله تعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)(3) و قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلَوةَ) و قوله تعالى: (وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)(4) و قوله تعالى: (فَاسْجُدُوا للّه ِ)(5)، فإنّ شيئاً منها ليست فريضة بالمعنى المعروف، بل بمعنى ما قدّره و شرّعه و حدّده اللّه، كما يستعمل في كتاب الإرث، و يقال للإرث: إنّه فرض اللّه، و كقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ)(6)؛ أي قرّره و حدّده، و قوله تعالى: (لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً)(7)؛ أي مقتطعاً محدوداً.

ص: 36


1- هود (11): 114؛ الإسراء (17): 78؛ لقمان (31): 17.
2- البقرة (2): 144.
3- المائدة (5): 6.
4- البقرة (2): 43.
5- النجم (53): 62.
6- القصص (28): 85.
7- النساء (4): 118.

و بالسنّة: ما سنّه و شرّعه رسول اللّه، و سُنّته سيرته و طريقته و شريعته، فالمراد من الحديث أنّ ما قرّره و شرّعه رسول اللّه لاينقض الفريضة، و المراد بالفريضة في الرواية - مع الغضّ عن سائر الروايات - هي الصلاة، فتكون الفريضة بمعناها المعروف عندنا، فكأنّه قال: لاتعاد الصلاة؛ لأنّها لاتنقض بالسنّة، و قد مرّ: أنّ ما في بعض الروايات: «فَرَضَ اللّه الركوع و السجود» ليس بمعنى أوجبهما، و الأمر بهما إرشادي لايطلق عليه الفرض، و لا على متعلّقه الفريضة(1).

و كيف كان، لاينبغي الإشكال في أنّ السنّة في الرواية ليست بالمعنى المصطلح، و لا بمعنى الواجب من قِبَل النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم، بل بمعنى ما سنّه و شرّعه و ثبت بالسنّة - أي الأحاديث - و هو أعمّ من الشروط و الأجزاء و الموانع و القواطع، كالزيادة فيها، فإطلاق المستثنى منه، المنطبق على الجميع، المؤيّد بالتعليل في الذيل، محكّم.

و على فرض التنزّل عن ذلك، فلاينبغي الإشكال في إلغاء الخصوصية عرفاً، بل يفهم من سياق الرواية: أنّ الصلاة - التي من الفريضة - لاينقضها شيء مطلقاً إلاّ الخمس؛ من غير فرق بين الواجبات و غيرها، كالموانع و القواطع، و أمّا المستثنى فمختصّ بنقص الخمسة التي هي من فرض اللّه، و الزيادة في الركوع و السجود داخلة في المستثنى منه.

كما لاينبغي الإشكال في أنّ جميع ما يعتبر في الركوع و السجود؛ من الذكر

ص: 37


1- تقدّم في الصفحة 35.

و الاستقرار، بل و وضع ما عدا الجبهة على الأرض؛ ممّا علم أنّه من السنّة، داخل في المستثنى منه و لاتنقض الصلاة بها.

فما في بعض كلمات الأعلام: من أنّه لايستفاد ما ذكر من الرواية؛ لاحتمال كون المراد بالسجود و الركوع ما قرّره الشارع في الصلاة(1).

غير وجيه؛ لما عرفت من وضوح استفادته من التعليل الذي كالصريح في ذلك.

ثمّ إنّ الظاهر من حديث «لاتعاد...» - كما أشرنا إليه(2) - هو أنّ السنّة المعتبرة في الصلاة - مع فرض أنّها سُنّة فيها - لاتنقض الفريضة، فجزئيتها للصلاة أو شرطيتها مفروغ عنها بحسب التشريع، لكن مع ذلك حكم بعدم الإعادة بنقصها أو زيادتها، و حديث الرفع - بناء على الرفع الحقيقي فيما يمكن رفعه، كالجهل بالحكم و نسيانه - منافٍ له، و يرفع التنافي بينهما بالحمل على الحقيقة الادّعائية، كما في أكثر الفقرات، بل لعلّه الظاهر منه، فإنّ الحمل على الحقيقي في بعضٍ، و الادّعائي في غيره، و إن أمكن، لكنّه خلاف الظاهر و السياق.

و كيف كان، يستفاد منهما أنّ الأجزاء و إن كانت أجزاء، لكنّها مرفوعة بحسب الادّعاء؛ لفقد الأثر المترتّب عليها.

و لعلّ حديث «لاتعاد» ناظر إلى حديث الرفع، و أنّه مع رفع الجزء

و الشرط و المانع ولو ادّعاء يرفع موضوع الإعادة، و في الحقيقة المبنى و الأصل

ص: 38


1- مصباح الفقيه، الصلاة 15: 98.
2- تقدّم في الصفحة 27 - 28.

في صحّة الصلاة مع الخلل هو حديث الرفع، و تدلّ على الصحّة أيضاً بعض روايات اُخر تأتي الإشارة إليها(1).

دلالة موثّقة أبي بصير على بطلان الصلاة

و في مقابل تلك الروايات ما دلّت على البطلان، كموثّقة(2) أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه علیه السلام: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»(3)، و الظاهر شمولها لكلّ زيادة اُتي بها بقصد كونها منها؛ ركعة كانت أو جزءاً أو فعلاً، كالتكفير و التأمين.

و القول بالاختصاص بخصوص الركعة؛ لأنّه بها تزيد الصلاة، و أمّا الأجزاء فلاتكون صلاة، و الظاهر من قوله: «من زاد في صلاته» جعلها زائدة عمّا هو المقرّر، و لم يصدق ذلك إلاّ بزيادة صلاة إلى صلاته، و أوّل مراتب الصدق الركعة، و لا أقلّ من احتمال ذلك، و معه لاتدلّ على البطلان بزيادة الأجزاء(4).

و يؤيّده أنّ الروايات الواردة في الزيادة جلّها واردة في زيادة الركعة، حتّى

ص: 39


1- يأتي في الصفحة 47.
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن علي بن مهزيار، عن فضالة بن أيّوب، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير. و الرواية موثّقة بأبان بن عثمان لأجل كلام في مذهبه. اُنظر رجال النجاشي: 13 / 8؛ اختيار معرفة الرجال: 352 / 660، و: 375 / 705.
3- تهذيب الأحكام 2: 194 / 764؛ وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 2.
4- الصلاة، المحقّق الحائري: 312.

صحيحة زرارة و بكير الآتية(1)، عن أبي جعفر علیه السلام على نقل الكليني حسب نسخة الحرّ(2) و المجلسي(3).

غيرُ وجيه؛ للفرق بين: «زادت صلاته» و بين قوله: «و زاد في صلاته»؛ إذ لو صحّ احتمال ما ذكر في العبارة الاُولى - على إشكال فيه أيضاً - فلا شكّ أنّ احتماله في الثانية ضعيف، و على خلاف المتفاهم، فإنّ الصلاة مركّب وحداني لها حدود، فإذا زاد فيها شيئاً بعنوان الصلاة فقد زاد فيها، أفترى أنّ قوله: «زاد في صلاته سجدة» فيه مسامحة، و يكون على خلاف الظاهر؟! فلا إشكال في الصدق العرفي؛ من غير فرق بين الركعة و جزئها، و لا بين ما هو من سنخ الصلاة و غيره، كالتكفير و التأمين إذا أتى به بقصد أنّه منها.

و القياس بقوله: «زاد اللّه في عمرك»(4) مع الفارق، فإنّ عدم دخالة شيء آخر غير الامتداد الزماني في العمر، قرينة على أنّ الزائد و المزيد عليه سنخ واحد، بخلاف الصلاة المركّبة من مقولات متعدّدة و أجزاء كذلك.

نعم، لايصدق العنوان إلاّ إذا قصد بالزائد كونه منها أو زيادة فيها، فلايصدق إذا أتى به بلا قصدهما، فضلاً عن قصد الخلاف؛ من غير فرق بين الأذكار و الأركان و الأفعال، و لا بين ما هو من سنخها و بين غيره.

ص: 40


1- يأتي في الصفحة 54.
2- وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 1.
3- مرآة العقول 15: 187 / 3 (بإسقاط بكير بن أعين).
4- الصلاة، المحقّق الحائري: 312.

و القول بالفرق بين مثل الركوع و السجود و غيرهما كالتكفير؛ بصدق الزيادة مع عدم القصد في الأوّل دون الثاني، فإنّ من أتى بركوعين ولو بلا قصد الصلاة يصدق أنّه زاد في صلاته، إلاّ إذا قصد الخلاف، مثل الإتيان بعنوان آخر كالسجود للعزيمة(1).

غيرُ وجيه؛ للفرق بين قوله: «زاد في صلاته» و بين قوله: «أتى به في حالها» و الركوع الثاني مع عدم القصد حتّى ارتكازاً، كما لو ذهل عن الصلاة رأساً و إن أتى به في حالها بناءً على عدم الخروج من الصلاة مع الذهول، لم يعدّ زيادة فيها.

و توهّم: أنّ الإتيان بما هو سنخها يجعله جزءاً قهراً، بل حتّى مع قصد الخلاف، كإضافة غرفة في البيت الذي كان محدوداً بحدّ خاصّ(2).

فاسد؛ إذ قياس المركّبات الاعتبارية بالأعيان الخارجية مع الفارق، فإنّ الاعتباريات متقوّمة بالقصد، فكما أنّ التركيب و التقويم قبل التشريع لايتحقّق إلاّ باعتبار الشيء جزءاً، كذلك لايصير شيء زيادة في المركّب الاعتباري إلاّ بالقصد.

و الاستشهاد(3) لصدق الزيادة ولو مع قصد الخلاف، بما ورد في سجدة العزيمة [من] أنّها زيادة في المكتوبة(4) في غير محلّه؛ لاحتمال أن تكون

ص: 41


1- أجود التقريرات 3: 525 - 526.
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 242.
3- نفس المصدر.
4- راجع وسائل الشيعة 6: 105، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 40، الحديث 1.

السجدة التابعة للسورة - التي هي جزء الصلاة على رأي المجوّز - جزءاً تبعاً و يقصد به الجزئية، ولو منع ذلك فلابدّ من حمل الرواية على التعبّد؛ و أنّها زيادة حكماً لا واقعاً، و لايصحّ التعدّي إلى غيرها.

كما أنّ القول: بأنّ ما هو خارج عن سنخ الصلاة لايصير زيادة ولو بالقصد، كما لو ألقى حصاة في لبن لايصير ذلك زيادة فيه و إن قصد به ذلك.

فاسد، فإنّ ذلك قياس الأمر الاعتباري المتقوّم بالقصد بالأعيان الخارجية، التي ليس للقصد فيها مدخل.

ثمّ إنّ الموثّقة تشمل الزيادة العمدية و غيرها، لا بمعنى الزيادة التشريعية كما تُوهّم(1)، فإنّ التشريع بالمعنى الذي ذكروه ممتنع؛ لامتناع إدخال ما ليس في الشرع فيه ولو بناء و قصداً؛ لامتناع تعلّق القصد بما هو خارج عن القدرة مع العلم بالأطراف، نعم التشريع بمعنى الافتراء لا مانع منه عقلاً.

بل بمعنى الزيادة عمداً على المأمور به في المأتيّ به، فإنّ الإتيان بركوع أو سجدة أو كيفية في المأتيّ به بعنوان الزيادة على ما أمر به اللّه، يعدّ زيادة في صلاته، فإنّ من علم أنّ الشارع لم يجعل في الصلاة إلاّ ركوعاً واحداً في كلّ ركعة، ولكن اعتقد أنّ الزيادة على المأمور به لاتضرّ، يصحّ منه قصد الإتيان بالزائد بعنوان الزيادة في المأتيّ به، لا في المأمور به بما هو كذلك، فالجزء المزيد فيه يعدّ جزءاً زائداً على المأمور به وإن لم يكن زائداً عن ماهية الصلاة، فإنّها كما تصدق على المصداق الناقص بركعة أو ركوع تصدق على الزائد أيضاً.

ص: 42


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 240 - 241.

و من المحتمل أنّ الرواية وردت لأجل ردع المكلّف عن التعدّي عن حدود الصلاة، فإنّ الزيادة لمّا لم تكن بحسب القاعدة مضرّة بالصلاة، فربّما يأتي المكلّف بالزيادات بداعي زيادة الأجر و الثواب، و حيث إنّ في ذلك مظنّة للهرج فأمر بالإعادة لحفظ حدودها، و أنّ الزيادة ناقضة لها.

و هذا احتمال غير بعيد، لكنّه مخالف لإطلاقها، و عليه فلا معارضة بينهما.

حول تعارض «من زاد» مع «لاتعاد»

و كيف كان، فالرواية شاملة لكلّ زيادة، فحينئذٍ إن قلنا: بأنّ «لاتعاد» لايشمل الزيادة - كما قال به شيخنا الأجلّ(1) - فلا معارضة بينهما، و إن قلنا بالتعميم تكون النسبة بينهما العموم من وجه، فبناء على عدم شمول «لاتعاد» لغير السهو يقع التعارض بينهما فيه، و إن قلنا بشموله لكلّ خلل إلاّ العمدي منه يقع التعارض في غير موارد العمد.

فقد يقال في مقام العلاج بحكومة «لاتعاد» على أدلّة اعتبار الأجزاء و الشرائط و الموانع، و منها هذه الموثّقة(2).

و فيه منع، فإنّ التقديم بالحكومة منوط بلسان الدليل، مع موافقة العرف على ذلك، كحكومة دليل نفي الحرج على الأدلّة الأوّلية، و في المقام حيث كان الإثبات و النفي واردين على موضوع واحد؛ من غير تعرّضٍ لأحدهما لموضوع

ص: 43


1- الصلاة، المحقّق الحائري: 319.
2- فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 25: 385؛ الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 2: 195.

الآخر و لا لمحموله، و لا لسلسلة علله أو معلولاته، و كان قوله: «لاتعاد الصلاة...»(1) كقوله: «عليه الإعادة»(2) وارداً على عنوان الإعادة، فلايكون فيه مناط الحكومة بوجه.

هذا إذا قلنا بأنّ عنوانها متعلَّق للحكم، و كذا إن قلنا بأنّ الكلام فيهما مبنيّ على الكناية عن البطلان و عدمه، و الميزان هو المكنّى عنه، فيكون مفاد «لاتعاد» عدم بطلان الصلاة بالخلل، و مفاد الموثّقة بطلانها، فلا وجه لتقديم إحداهما على الاُخرى، و لايكون التقديم عرفياً، كما هو واضح.

و أمّا ما في ذيل الرواية: من «أنّ السنّة لاتنقض الفريضة»، فإن قلنا بأنّ قوله: «من زاد فعليه الإعادة» كناية عن نقض الزيادة للصلاة، و الميزان هو المكنّى عنه، لا المفهوم الكنائي؛ لعدم تعلّق الإرادة به، فلا حكومة في البين أيضاً، فإنّ الدليلين واردان على موضوع واحد، و هو النقض و عدمه.

و أمّا إن قلنا: إنّ الاعتبار بلفظ الرواية فيمكن القول بالحكومة؛ لأنّ الحكم بالإعادة مترتّب على نقض الزيادة، و قوله: «السنّة لاتنقض الفريضة» يرفع العلّة و أساس الحكم.

لكن الظاهر ترجيح الاحتمال الأوّل؛ لأنّ الإعادة غير منظورة بوجه، فإنّ من الظاهر أنّ الزيادة ليست سبباً لرفع التكليف الأوّل بالصلاة و إثبات تكليف جديد لوجوب الإعادة، و العرف يفهم من أمثال ذلك، المعنى الكنائي؛ و أنّ إيجاب

ص: 44


1- تقدّم في الصفحة 9.
2- تهذيب الأحكام 2: 194 / 764؛ وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 2.

الإعادة على من زاد كعنوان مشير إلى المكنّى عنه.

و أمّا أظهرية «لاتعاد» من الموثّقة؛ لاشتماله على الاستثناء الدالّ على الحصر و التعليل الموجبين لقوّة الظهور، فغير بعيدة، لكن كونه بحيث يقدّم في مقام التعارض في محيط العرف على معارضه، محلّ تأمّل.

و يمكن حمل «من زاد فعليه الإعادة» على الرجحان المطلق أعمّ من الاستحباب؛ حملاً للظاهر على النصّ، فإنّ دليل «لاتعاد» نصّ في عدم لزوم الإعادة، و الموثّقة ظاهرة في لزومها، و هذا مبنيّ على عدم كون «فعليه الإعادة» كناية عن البطلان، و على عدم مانعية عدم الفتوى باستحباب الإعادة عن الحمل المذكور، ولكن في هذا الجمع أيضاً إشكال.

و كيف كان، سواء قلنا بأنّه لا جمع عرفي بينهما، أو قلنا بوجود مناط الحكومة في «لاتعاد» صدراً أو ذيلاً، أو بأظهريته دلالةً من الموثّقة، لابدّ من إعمال التعارض بينهما، بعد لزوم تخصيص الأكثر المستهجن.

إلاّ أن يقال - كما أشرنا إليه(1) - بأنّ اختصاص الموثّقة بالمتعمّد للزيادة ليس مستهجناً؛ لعدم ندرة التعمّد غير المضرّ بنظر المكلّف؛ لولا ورود النهي عن الزيادة، أو الأمر بالإعادة، كما في الموثّقة، فإنّ الندرة إنّما هي بملاحظة ورود

ذلك، و لولاه لم تكن نادرة، خصوصاً في محيط المتعبّدين الملتزمين للعبادة و إكثارها، و أمّا نُدرة تعمّد الزيادة بعد ملاحظة الأمر بالإعادة فلاتوجب استهجاناً.

ص: 45


1- تقدّم في الصفحة 42.

و لو أغمضنا عن ذلك، أو زيّفناه، و لم يصحّ حمل الموثّقة على زيادة الركعة للإشكال فيه - كما مرّ(1) - و وصلت النوبة إلى المعارضة، فالترجيح لحديث «لاتعاد...»؛ للشهرة على عدم إبطال الزيادة السهوية، التي هي الفرد الشائع لمضمون الرواية.

بل يمكن أن يقال: إنّ المشهور لم يعملوا بمضمون الموثّقة مطلقاً: أمّا في الزيادة السهوية في غير الأركان، و بعض الموارد التي دلّت الأدلّة الخاصّة على الإبطال، فواضح، و أمّا في الأركان فلأنّ المستند حديث «لاتعاد...»، و أمّا في الزيادة جهلاً بالحكم فلاستنادهم إلى أمر عقلي، كالدور و التصويب و الإجماع، و الشهرة الفتوائية إمّا مرجّحة - كما قالوا(2) - أو مميّزة للحجّة من غيرها.

و مع الغضّ عنه يمكن أن يقال: إنّ عدم عمل المشهور بالموثّقة في المورد الرائج من الزيادة يكشف عن قرينة دالّة على اختصاص الموثّقة بالعامد أو بالركعات.

و لو أغمضنا عن ذلك فالترجيح أيضاً لحديث «لاتعاد»؛ لموافقته للسنّة النبوية، و هي حديث الرفع العامّ لجميع الموارد صلاةً أو غيرها؛ بناء على شمول أدلّة العلاج للعامّينِ من وجه - كما هو الحقّ - و كونِ الكتاب و السنّة مرجِّحين؛ حتّى مع كون النسبة بينهما و بين أحد المتعارضين أو كليهما، عموماً من وجه

ص: 46


1- تقدّم في الصفحة 40.
2- فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27: 139؛ بدائع الأفكار، المحقّق الرشتي: 451 / السطر 20 - 24؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 787 - 789.

- كما لايبعد - و على فرض عدم اندراجهما في أدلّة العلاج و سقوطهما بالتعارض، فمقتضى القاعدة عدم إبطال الزيادة.

حول تعارض «من زاد» مع رواية سفيان

و ممّا تعارض الموثّقة(1) رواية سفيان بن السمَط لولا ضعفها و إرسالها؛ لقوله علیه السلام فيها: «تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان»(2)، اللازم منه صحّة الصلاة في جميع موارد الخلل السهوي؛ ضرورة عدم لزوم سجدتي السهو في الصلاة الباطلة، فالرواية بلازمها تعارض الموثّقة و إن كانت النسبة بينهما عموماً مطلقاً؛ لأنّ المفروض لزوم التخصيص المستهجن، و معه يعارض العامُّ الخاصَّ.

و توهّم: أنّ بينهما عموماً من وجه؛ لأنّ الرواية متعرّضة للنقصان دون الموثّقة.

فاسد؛ لأنّ العموم من وجه أو المطلق، إنّما يلاحظ بين العنوانين الشاملين بالعموم أو الإطلاق للمصاديق، كالعالم و الفاسق و كلّ عالم و كلّ فاسق، و أمّا إذا صرّح في الدليل بالأفراد أو بالأصناف، فلا، فإذا قال: «أكرم كلّ عالم عادل و كلّ عالم فاسق»، و ورد: «لاتكرم العالم الفاسق» فليس بين الدليلين العموم المطلق، بل لايعارض «لاتكرم» لقوله: «أكرم العالم العادل»،

ص: 47


1- تقدّمت في الصفحة 39.
2- تهذيب الأحكام 2: 155 / 608؛ وسائل الشيعة 8: 251، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 3.

و تعارض الجملة الثانية بالتباين.

و السرّ فيه: أنّ كلاًّ من الجملتين مستقلّة لها حكم، و تلاحظ النسبة بين كلٍّ من الجملتين مع غيرها، فيقع التعارض بالتباين في المقام بين الحديثين.

و قد يقال: إنّ دليل سجدتي السهو ليس في مقام تكفّل حكمين: أحدهما نفي الإعادة من جهة الزيادة، و ثانيهما وجوب سجدتي السهو، بل هو ممحّض لحكم الزيادة السهوية في فرض إحراز صحّة الصلاة و عدم مانعية الزيادة من الخارج، مع سكوته عن بيان أنّ أيّ مورد تصحّ فيه الصلاة، و لاتكون الزيادة مانعة(1).

و فيه ما لايخفى، فإنّ الدليل و إن لم يتكفّل إلاّ بحكم الزيادة السهوية، لكن العموم يقتضي أن يكون سجود السهو لكلّ زيادة و كلّ نقيصة، فيشمل الأركان و غيرها، و لازمه عدم البطلان بها في جميع الموارد، و دعوى فرض الصحّة في موضوعه بلا شاهد.

و إن شئت قلت: إنّ قوله: «لكلّ زيادةٍ سجدتا السهو» لو اُلقي إلى العرف الخالي ذهنه عن الشبهات، لم يشكّ في أنّ السجدة ثابتة لكلّ خلل، و لاتضرّ الزيادة مطلقاً بصحّة الصلاة، بعد العلم بأنّ سجود السهو ليس في الصلاة الباطلة، بل كونه في مقام البيان، يدلّ بإطلاقه على أن ليس في الزيادة و النقص إلاّ سجود السهو.

و قد يستشكل في رواية سفيان: بأنّ أجزاء الصلاة: إمّا أركان، و إمّا غيرها من

ص: 48


1- نهاية الأفكار 3: 443.

القرآن و الذكر و الدعاء، و لا فرق في البطلان بالزيادة أو النقصان في الأوّل بين العمد و السهو، و معه لا مورد لسجود السهو، و في الثاني لاتتصوّر الزيادة بعد ما أمر بها في الصلاة، بل مقتضى بعض الروايات(1): أنّ كلّ ما ذكرت اللّه و رسوله فهو من الصلاة، فأين الزيادة التي لو وقعت عمداً أبطلت الصلاة، و لو وقعت سهواً أوجبت السجدة(2).

و اُجيب عنه: بأنّه يمكن أن يكون المراد من الزيادة في المرسلة، ما اعتبر عدمه؛ من قبيل البكاء، و القهقهة، و الوثبة، و التكلّم بغير الذكر و القرآن، فيكون معنى المرسلة أنّ في ترك كلّ ما اعتبر وجوده في الصلاة، أو فعل ما اعتبر عدمه فيها سهواً، سجدتي السهو(3).

و لايخفى ما في الإشكال و الجواب: أمّا ما في الأوّل: فلأنّه وراء ما ذكر اُمور تبطل بها الصلاة مع العمد، حسب موثّقة أبي بصير(4) إذا وقعت بعنوان الصلاة أو الزيادة فيها، كالتكفير و التأمين و زيادة القيام و الجلوس، كمن قام أثناء التشهّد، أو جلس أثناء القراءة بعنوان الزيادة فيها، أو فعل أفعالاً اُخر بعنوان الصلاة، بل لعلّ زيادة فاتحة الكتاب أو بعضها بعنوان الزيادة في الصلاة، موجبة للبطلان، و لاتنافي ذلك الرواية المشار إليها: من أنّ كلّ ما ذكرت اللّه و رسوله فهو من

ص: 49


1- الكافي 3: 337 / 6؛ وسائل الشيعة 7: 263، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 13، الحديث 2.
2- الصلاة، المحقّق الحائري: 313.
3- نفس المصدر.
4- تقدّم في الصفحة 39.

الصلاة؛ لاحتمال أن يكون المراد بها و بمثلها(1): أنّ من قرأ القرآن، أو دعا دعاء، أو ذكر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم متقرّباً إلى اللّه، صار من الصلاة بعد وجودها، و لاينافي ذلك البطلان لو أتى بها بعنوان الزيادة فيها. تأمّل.

و أمّا ما في الثاني: فلأنّ ما اعتبر عدمه في الصلاة لايكون وجوده - مع عدم قصد كونه من الصلاة أو زيادة فيها - من الزيادة، بل يرجع إلى نقصان الصلاة بفقد القيد، و هذا هو الموجب للبطلان، لا الزيادة، و لا هي مع النقصان، و الحمل على أنّ مبطلية الإتيان بما اعتبر عدمه لكونه موجباً للنقصان، خلاف الظاهر، خصوصاً مع المقابلة بينهما في الرواية.

حول تعارض «من زاد» مع حديث الرفع

و ممّا يعارض موثّقة أبي بصير(2) حديث الرفع(3)، حتّى على تقدير وجود مناط الحكومة؛ من أجل استلزامها التقييد المستهجن على المفروض.

فحينئذٍ إن قلنا: بأنّ حديث الرفع حديث واحد معارض للموثّقة، يأتي فيه ما مرّ(4) في معارضتها لحديث «لاتعاد»(5) إلاّ في بعض ما يختصّ به.

ص: 50


1- راجع وسائل الشيعة 7: 264، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 13، الحديث 3.
2- تقدّم في الصفحة 39.
3- التوحيد، الصدوق: 353 / 24؛ الخصال: 417 / 9؛ وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 56، الحديث 1.
4- تقدّم في الصفحة 42 - 47.
5- تقدّم تخريجه في الصفحة 9.

و إن قلنا: بأنّه - لاشتماله على الفقرات المستقلّة مورداً و حكماً - كالروايات المتعدّدة، بل لعلّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم جمع الموارد المختلفة التي رفعها اللّه عن اُمّته في كلام واحد، كما ربما يستفاد من بعض الروايات(1).

فيكون كلّ فقرة منه حاكمة على إطلاق الرواية فيما يقابل تلك الفقرة، فيكون حاله كالمخصّصات المنفصلة الواردة على العامّ، الموجبة للاستهجان إذا خصّص بكلّها، فيقع التعارض العرضي بين المخصّصات؛ للعلم إجمالاً ببطلان بعضها، و مع عدم جريان مرجّحات باب التعارض في مثل المقام، أو كون نسبتها إلى جميع الفقرات على السواء، تسقط عن الحجّية، ولكن العامّ أو المطلق - كما في المقام - يسقط عن الحجّية أيضاً؛ للعلم بورود مخصّص عليه إجمالاً، مع فرض عدم وجود القدر المتيقّن الموجب للانحلال، فيرجع إلى مقتضى القاعدة من عدم البطلان بالزيادة.

معارضة حديث الرفع مع «لاتعاد»

و من هنا يظهر الكلام في معارضة حديث الرفع مع المستثنى في حديث «لاتعاد...»، فإنّه بناء على ما ذكرنا: من إطلاقه صدراً و ذيلاً بالنسبة إلى مطلق الخلل - غير الخلل الحاصل بالعمد و العلم - و بناء على ملاحظة كلّ عنوان فيه و في حديث الرفع مستقلاًّ - كما هو الموافق للتحقيق - تكون النسبة بين كلّ عنوان من عناوين المستثنى في حديث «لاتعاد»، و بين ما يقابله من عناوين حديث الرفع، العموم من وجه، فإنّ مقتضى المستثنى لزوم الإعادة

ص: 51


1- راجع جامع أحاديث الشيعة 1: 387، أبواب المقدّمات، الباب 8.

في ترك الركوع - مثلاً - بأيّ سبب كان، و مقتضى فقرة رفع النسيان - مثلاً - من حديث الرفع، عدم الإعادة إذا كان عن نسيان، فيعمّ حديث رفع النسيان الركوع و غيره و يختصّ بالنسيان، و يعمّ حديث «لاتعاد» الخلل النسياني و غيره، و يختصّ بالركوع - مثلاً - فيما إذا لوحظ عنوان الركوع في المستثنى، فيقع التعارض بينهما بالعموم من وجه، و هكذا الحال في سائر العناوين من كلٍّ منهما.

و حيث كان تحكيم حديث الرفع على المستثنى في جميع الفقرات متعذّراً؛ للزوم التخصيص المستهجن أو المستغرق؛ إذا قلنا بخروج الخلل عن علم من مفاد «لاتعاد» صدراً و ذيلاً، فيقع التعارض بين فقرات حديث الرفع، و مع عدم الترجيح يسقط عن الحجّية، كما يسقط حديث «لاتعاد» عنها، بعد العلم الإجمالي بورود تخصيص عليه و عدم قدر متيقّن في البين، فلابدّ من العمل على طبق القاعدة من بطلان الصلاة مع نقص الجزء الركني، و صحّتها مع زيادته؛ بناء على شمول المستثنى للزيادة أيضاً، و إلاّ فالأمر أوضح.

و ربما يتوهّم: أنّ حديث «لاتعاد» ليس في مقام البيان بالنسبة إلى المستثنى، و لا أقلّ من عدم إحراز ذلك، و إنّما المحرز قطعاً كونه في مقام بيان المستثنى منه، لا سيّما مع لحاظ ذيله من «أنّ القراءة سُنّة...» إلى آخره، فسقط القول بالمعارضة و القول بالعموم من وجه(1).

و فيه: أنّ الظاهر كونه في مقام بيان قاعدة كلّية في طرفي الإعادة و عدمها،

ص: 52


1- الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 204.

بل الظاهر أنّ قوله: «إنّ السنّة لاتنقض الفريضة» - بعد استثناء الخمسة التي هي الفرائض الإلهية المستفادة من الكتاب - لبيان أنّ الميزان في نقض الصلاة - التي هي فريضة - هو الخلل الواقع فيها من قِبَل فريضة اللّه؛ أي الخمسة، و في عدم نقضها هو الخلل الواقع فيها من قِبَل غير الفريضة؛ بمعنى أنّ الفريضة ناقضة للفريضة، و أمّا السنّة فلا، فالميزان في النقض هي الفريضة بذاتها مطلقاً؛ من غير دخالة حالات المكلّف في ذلك، كما هو الأمر في السنّة، و هذا هو معنى الإطلاق، فلاينبغي الإشكال في إطلاقه صدراً و ذيلاً.

و يؤيّد ذلك: أنّه لو دخل الإهمال في المستثنى، فلا محالة سرى إلى المستثنى منه؛ لأنّ ما عدا الخارج منه من الحالات داخل في المستثنى منه، و الداخل غير معلوم، فيكون هو مهملاً أو مجملاً، و هو ينافي كونه في مقام البيان بالنسبة إلى المستثنى منه، ثمّ على فرض الإهمال لايصحّ التمسّك بالصدر، و لا بالذيل، فلابدّ من العمل بالقواعد، و مقتضاها البطلان في النقيصة، و الصحّة في الزيادة.

و يمكن أن يقال في أشباه ذلك بالمعارضة بين فقرات الروايتين، بعد عدم إمكان إعمال التخصيص أو الحكومة؛ لورود فقرات الحاكم أو المخصّص - في عرض واحد - على المحكوم أو العامّ، فيؤخذ بالمرجّح لو كان، و إلاّ فلابدّ من القول بالسقوط أو بالتخيير في الأخذ بإحداهما، و في المقام يقدّم «لاتعاد» لوجود المرجّح، و هو الشهرة المحقَّقة بالبطلان مع نقص الخمسة؛ لو لم نقل بأنّ الإجماع المدّعى أو الشهرة غير معتبرين؛ لاحتمال كون كلٍّ منهما مستنداً إلى القواعد أو إلى قوله: «لاتعاد...» و غيره.

ص: 53

ثمّ إنّ ذلك كلّه فيما إذا قلنا بشمول حديث الرفع للتروك، كما قرّرنا وجهه(1)، و أمّا مع عدم الشمول - كما احتملناه أوّلاً(2)؛ لكون الترك لا رفع له، و أنّه لا أثر له شرعاً، بل الأثر - و هو البطلان و لزوم الإعادة - عقلي - فلا يعارض حديث «لاتعاد...»، و يكون إذن مستند البطلان بترك كلٍّ من الخمس، هو حديث «لاتعاد».

هذا على ما هو التحقيق: من عدم اندراج زيادة الركن في مستثنى «لاتعاد»، بل في المستثنى منه، كما مرّ(3)، و أمّا مع اندراجها في المستثنى فيقع التعارض بينهما في الزيادة، و يتّضح الكلام فيه بما مرّ.

معارضة صحيحة زرارة و بكير مع حديث الرفع و«لاتعاد»

و ممّا ذكرنا يظهر الكلام فيهما مع صحيحة زرارة و بكير ابني أعين عن أبي جعفر علیه السلام قال: «إذا استيقن أنّه قد زاد في الصلاة المكتوبة لم يعتدّ بها، و استقبل الصلاة استقبالاً إذا كان قد استيقن يقيناً»(4) فإنّه يجري فيها ما جرى في موثّقة أبي بصير(5) مع حديث الرفع(6) و حديث «لاتعاد»(7).

ص: 54


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 10 - 11.
2- تقدّم في الصفحة 10.
3- تقدّم في الصفحة 33 - 34.
4- يأتي تخريجها بعد أسطر.
5- تقدّمت في الصفحة 39.
6- تقدّم تخريجه في الصفحة 50.
7- تقدّم تخريجه في الصفحة 9.

نعم، لا شبهة في عدم شمول هذه الصحيحة للزيادة العمدية و الإكراهية و الاضطرارية و ما صدر عن تقيّة، و يحتمل اختصاصها بالسهو، أو به و بالنسيان، أو عمومها للجهل بقسميه أيضاً، كما تأتي الإشارة إليه(1).

و على أيّ حال تكون النسبة بينها و بين ما تقدّم هي العموم من وجه؛ لأنّ حديث الرفع في كلّ فقرة منه يختصّ بعنوانها الخاصّ، و يعمّ النقيصة و الزيادة، و هذه الصحيحة تعمّ أكثر العناوين و الحالات، و تختصّ بالزيادة، و حديث «لاتعاد...» ينفي الإعادة عند الإخلال بخصوص غير الخمس، و يعمّ النقيصة و الزيادة، و هذه الصحيحة تثبت الإعادة عند الإخلال بأيّ جزء أو شرط، مع اختصاصها بالزيادة، فحال التعارض بين الصحيحة و بين كلٍّ من حديث الرفع و حديث «لاتعاد» في مادّة الاجتماع - بعد فرض عدم جريان الحكومة و عدم صحّة التقديم بالشهرة - ما تقدّم في موثّقة أبي بصير(2).

هذا كلّه مع كون المتن ما تقدّم ذكره، كما هو كذلك في «الوافي»(3) و«مرآة العقول»(4) و في النسخة التي عندنا من «الكافي»(5) و في ما عن «التهذيب»(6) و «الاستبصار»(7) نقلاً عن «الكافي»، و أمّا على ما في

ص: 55


1- سيأتي في الصفحة 57.
2- تقدّم في الصفحة 42 - 47.
3- الوافي 8: 964 / 7500.
4- مرآة العقول 15: 200 / 2.
5- الكافي 3: 354 / 2.
6- تهذيب الأحكام 2: 194 / 763.
7- الاستبصار 1: 376 / 1428.

«الوسائل»(1) من زيادة كلمة «ركعة» بعد قوله: «في الصلاة المكتوبة» فلا موضوع للمعارضة.

معارضة الصحيحة مع رواية سفيان

و أمّا معارضتها مع رواية سفيان بن السمط(2):

فقد يقال: إنّها بالتباين؛ لاختصاصهما بالزيادة و عمومهما للأركان و غيرها، و مع ذلك تقدّم رواية سفيان، فإنّه بعد تخصيصها بما عدا الأركان - بمقتضى ما دلّ على وجوب الإعادة في زيادة الركن - يتعيّن تقديمها على صحيحة زرارة بالنسبة إلى زيادة غير الركن؛ إذ لولاه لزم لغوية قوله: «تسجد سجدتي السهو لكلّ زيادة» لبقائه حينئذٍ بلا مورد.

بل تقديمها عليها مقتضى تقديم الأظهر على الظاهر؛ لأنّه لا شبهة في أنّ قوله:

«تسجد سجدتي السهو» أظهر في الدلالة على الصحّة في زيادة غير الركن من دلالته عليها في زيادة الركن؛ لمكان أولوية الصحّة في غير الركن منها في الركن، كما أنّ قوله: «إذا استيقن» أظهر في الدلالة على البطلان في زيادة الركن من دلالته على البطلان في غير الركن، فلابدّ من حمل الظاهر في كلٍّ منهما على ما يكون الآخر أظهر فيه، فيحمل قوله: «إذا استيقن» على خصوص زيادة الركن و قوله: «تسجد سجدتي السهو» على زيادة غير الركن(3). انتهى ملخّصاً.

ص: 56


1- وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 1.
2- تقدّمت في الصفحة 47.
3- نهاية الأفكار 3: 445.

و فيه مواقع للنظر:

منها: أنّ النسبة بينهما هي العموم المطلق، فإنّ الصحيحة تعمّ السهو و النسيان للحكم و الموضوع و الجهل كذلك، و الرواية لاتشمل إلاّ السهو، و هو إن اُريد به ما يقابل النسيان - كما هو مقتضى الجمود على التعبير - فينحصر مفاد الرواية بذلك، و يخرج سائر العناوين، و إن اُريد به ما يعمّ النسيان، انحصر مفادها بالسهو و النسيان، و خرج الجهل بقسميه عنه.

و أمّا الصحيحة فتعمّ ما عدا الترك العمدي من سائر العوارض.

و احتمال اختصاصها بخصوص السهو، مدفوع: بأنّ الظاهر المتفاهم عرفاً منها أنّ الزيادة بما هي زيادة، موجبة للإعادة من غير دخالة السهو و غيره، فمناسبة الحكم و الموضوع تؤكّد التعميم، و عليه كان تقديم الرواية عليها للجمع العرفي بينهما؛ من باب تقديم الخاصّ على العامّ، و مقتضاه خروج السهو أو هو مع النسيان عن الصحيحة، و اختصاصها بالجهل بقسميه، أو به و بالنسيان كذلك.

و منها: أنّ لزوم اللَّغوية - على فرضه - لايكون من المرجّحات، و ليس الجمع بلحاظه عرفياً كما تقدّم.

و منها: أنّه مع ورود التخصيص في الأركان قبل لحاظ المعارضة - كما هو ظاهر كلامه - تنقلب النسبة من التباين إلى العموم المطلق، فلا وجه للتشبّث باللَّغوية، كما أنّه لو فرض التخصيص بعد التعارض لا موضوع لدعواه.

و منها: أنّ دعوى الأظهرية في بعض المفاد في كلٍّ منهما ممنوعة؛ لأنّ الظهورات مربوطة بدلالات الألفاظ؛ مفرداتها مادّة و هيئة، و هيئات الجمل المشتملة على المفردات، و أمّا الاُمور الخارجية - كالأولوية المذكورة - فغير

ص: 57

دخيلة فيها، نعم قد يكون قيام القرينة موجباً لصرف الظاهر، أو جعل الظاهر في الجملة التركيبية أظهر، لكن المقام ليس من هذا القبيل، بل الأولوية المذكورة لا مساس لها بالظهورات اللُّغوية.

و هذه الدعوى نظيرة دعوى: أنّ قلّة الأفراد توجب الأظهرية في العموم مقابل كثرة الأفراد، مع أنّ كثرة الأفراد و قلّتها خارجتان عن مفاد الأدلّة؛ و غير مربوطتين بالدلالات العرفية و اللُّغوية، فقوله: «أكرم كلّ عالم» ليس أظهر دلالة بالنسبة إلى العدول؛ بدعوى أنّهم أولى بالإكرام من غيرهم، كما لا فرق في دلالة المفردات و الهيئات بين كثرة الأفراد و قلّتها، و هو واضح. فالأولى في الجمع ما ذكرناه.

هذا، مع ضعف رواية سفيان و إرسالها، فلا مجال لهذه التفصيلات، و إنّما تعرّضنا لذلك لترتّب الفائدة عليه في سائر الأبواب.

هذا كلّه مقتضى الجمع أو الترجيح في العمومات الواردة في المقام، كحديث الرفع و«لاتعاد» و مقابلاتهما.

فتحصّل من المجموع: بطلان الصلاة بالخلل في الخمسة نقصاً لا زيادة، و صحّتها بالخلل في غيرها مطلقاً.

بقي الكلام في موارد الخروج عن المستثنى منه و المستثنى تخصيصاً أو تخصّصاً من الشروط و الأجزاء.

ص: 58

القول في الإخلال بالشروط

اشارة

ص: 59

ص: 60

مسألة في الخلل في النيّة

بيان ماهية النيّة

من الشروط النيّة: و قد ادُّعي الإجماع على بطلان الصلاة بالإخلال بها(1)، و لابدّ في تصويره من بيان ماهية النيّة.

فقد نقل الخلاف بين متقدّمي الأصحاب و المتأخّرين في أنّ النيّة هل هي الإخطار بالبال، أو القصد و الإرادة(2)؟

و لايخفى: أنّ إبقاء ذلك على ظاهره، يعني أنّ المحقّقين من أصحابنا المتقدّمين ذهبوا إلى أمر واضح الفساد، و هو أنّ الإخطار بالبال قائم مقام القصد في وجود الفعل الاختياري في خصوص العبادات، فهي مع كونها من الأفعال

ص: 61


1- تذكرة الفقهاء 3: 99 - 100؛ مسالك الأفهام 1: 196؛ مفتاح الكرامة 6: 608؛ الصلاة، المحقّق الحائري: 123.
2- مفتاح الكرامة 6: 609 - 611؛ مستند الشيعة 2: 75 - 76؛ الطهارة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 2: 19 - 20؛ مصباح الفقيه، الطهارة 2: 141.

الاختيارية المحتاجة في الوجود إلى المقدّمات - من التصوّر و التصديق و الاشتياق أحياناً و الإرادة - تستثنى من القاعدة العقلية؛ لمكان عباديتها؛ إذ من الواضح أنّ الخطور من سِنْخ التصوّر، و لايعقل كونه علّة لتحريك الأعضاء و الأعصاب لإيجاد الفعل.

و لهذا التجأ بعضهم إلى حمل كلامهم: على أنّ الخطور بالبال من مقدّمات حصول الإرادة و النيّة؛ أي إنّه هو التصوّر المتقدّم على الإرادة(1).

و هو حمل في غاية البُعد، بل فاسد جدّاً؛ إذ يرجع إلى أنّ مرادهم: أنّ الشارع الأقدس اعتبر التصوّر الموقوف عليه الفعل من شرائط صحّة العبادة، و هو كما ترى.

و الذي يمكن أن يقال: إنّ مرادهم اعتبار أمر زائد على التصوّر و التصديق و القصد و الإرادة، التي تشترك فيها جميع الأفعال الاختيارية، و هو إضمار النيّة؛ بأن يضمر في نفسه أنّه يصلّي صلاة كذائية.

و قد ورد في باب نيّة الإحرام روايات دالّة على التخيير بين القول و الإضمار في النيّة، كصحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبداللّه قال: قلت له إنّي اُريد أن أتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فكيف أقول: قال: «تقول: اللهمّ إنّي اُريد أن أتمتّع بالعمرة إلى الحجّ على كتابك و سنّة نبيّك، و إن شئت أضمرتَ الذي تريد»(2)،

ص: 62


1- الطهارة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 2: 20؛ مصباح الفقيه، الطهارة: 2: 141.
2- تهذيب الأحكام 5: 79 / 261؛ وسائل الشيعة 12: 342، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 17، الحديث 1.

و في بعض الروايات قال: «أصحاب الإضمار أحبّ إليّ»(1).

و قد تعورف على التلفّظ بالنيّة بين العوامّ في الصلاة و الإضمار بها، بل حتّى لدى بعض الخواصّ أيضاً، و هو أمر زائد على القصد الذي هو من مقدّمات وجود الفعل، و من الشؤون الفعلية للنفس.

و لعلّ نظرهم في اعتبار الإخطار و الإضمار إلى مثل تلك الروايات، مع القطع بعدم الفرق بين عبادة و عبادة، أو أنّ نظرهم إلى مثل ما ورد: من أنّه «لا عمل إلاّ بالنيّة»(2)؛ حملاً لها على الإضمار المذكور: إمّا لتلك الروايات، أو لأنّ الأخذ بظاهره - من حاجة العمل إلى القصد - يرجع إلى توضيح الواضحات الذي ينزّه عنه كلامهم؛ بداهة أنّ عدم تحقّق الفعل إلاّ بالقصد من الواضحات، فلابدّ من حملها على إضمار النيّة على نحو ما ذكر في الروايات المتقدّمة.

و كيف كان، لو كان ذلك حقّاً لكان تصوير الخلل في النيّة واضحاً؛ لإمكان إيجاد الفعل جهلاً أو نسياناً بلا إضمار النيّة، أو التكلّم بها، أو مع تكرار الإضمار لو كان ذلك خللاً.

و أمّا على القول الآخر - و هو أنّ النيّة عبارة عن الإرادة التفصيلية أو الإجمالية و الارتكازية(3) - فلابدّ في تصوير الخلل في النيّة من بيان ما هو التحقيق في مبدئيتها للفعل الخارجي، و الأولى تشريحها أوّلاً في المركّبات

ص: 63


1- راجع وسائل الشيعة 12: 344، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 17، الحديث 5 و 6.
2- راجع وسائل الشيعة1: 46، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5، الحديث 1 و2.
3- مصباح الفقيه، الطهارة 2: 142.

الخارجية، كالبيت و السيّارة و نحوهما؛ كي يتّضح الأمر في المركّبات الاعتبارية كالصلاة.

فنقول: إذا كان بناء قصر - على شكلٍ و رسمٍ خاصّ - متعلَّقاً لإرادة البنّاء، فلايعقل أن تكون تلك الإرادة - المتعلّقة ببناء القصر الكذائي - مبدأً لوجود مقدّماته الخارجية أو الداخلية؛ لأنّ كلّ مقدّمة منها - بما أنّها فعل خاصّ اختياري - لابدّ في وجودها من حصول المقدّمات المختصّة بها، فمع حصول تلك المقدّمات لا محالة تتعلّق بهذا الفعل الخاصّ إرادةٌ، و لايعقل تعلّق إرادة اُخرى به في عرض واحد، كما هو واضح.

فالإرادة المتعلّقة بالكلّ، تصير داعية إلى تعلّق إرادة مستقلّة بالجزء أو الشرط الذي توقّف وجود الكلّ عليه، لا بمعنى تولّد إرادة من إرادة أو علّيتها لها، فإنّ ذلك غير معقول، بل بمعنى أنّ الفاعل لمّا أراد أن يوجد بناء، و رأى أنّ هذا البناء يتوقّف وجوده على تسطيح الأرض - مثلاً - و تهيئة الأسباب المحتاج إليها في البناء، يصير تصوّر ذلك و التصديق بالصلاح و الاشتياق أحياناً، موجبةً لتعلّق إرادة مستقلّة بالجزء، و كلّ جزء أو شرط يتوقّف عليه الكلّ، يتعلّق القصد به على نعت الكثرة لا محالة.

و الفرق بين الأجزاء و الشروط و المقدّمات الخارجية و بين الكلّ: أنّ الاشتياق إليه و قصده نفسيان، فهو مشتاق إليه و مقصود بذاته، و أمّا المقدّمات مطلقاً - داخلية و خارجية - فهي مقصودة بالتبع لا بذاتها، بل لأجل حصول الغير، فهنا إرادة ذاتية متعلّقة بالكلّ و الطبيعة، و إرادات متكثّرة - حسب تكثّر الأفعال و المقدّمات - متعلّقة بها لأجل الغير؛ أي الكلّ.

ص: 64

و ما قد يقال: من أنّ إرادة المقدّمة ناشئة من إرادة ذي المقدّمة، و هي علّة لها(1)، فاسد، أو فيه مسامحة إن صدر عن محقّق بارع.

كما أنّ ما يقال: من أنّ الإرادة في أوّل الشروع في العمل تفصيلية، و هي باقية بنحو الإجمال و الارتكاز إلى آخر العمل(2) فيه خلط، فإنّ الإرادة بسيطة، أمرها دائر بين الوجود و العدم، لا التفصيل و الإجمال، نعم قد تكون معلومة موردة للالتفات و التوجّه، و قد تكون مغفولاً عنها غير موردة لهما، و إلاّ فهي موجودة في كلّ فعل اختياري، كيف، و هي علّة لتحريك العضلات إلى الأفعال؛ من غير فرق بين مورد الالتفات و عدمه، و من غير إمكان عروض التفصيل و الإجمال عليها؛ لا في أوّل العمل، و لا في أثنائه، نعم في أوّل العمل تكون الإرادة و العمل ملتفتاً إليهما غالباً، بخلاف أثنائه، فإنّه قد يغفل عنهما في أثناء العمل غفلةً ما.

فتحصّل ممّا مرّ: أنّ الإرادة المتعلّقة بالطبيعة في مثل الصلاة غير الإرادات المتعلّقة بالأجزاء المحرّكة إلى إيجادها، فحينئذٍ إن انبعث المكلّف عن إرادة الطبيعة المأمور بها إلى إيجاد الأجزاء بالمعنى المعقول في الانبعاث، لا بمعنى كون إرادة الطبيعة بنفسها محرّكة إلى الأجزاء، بل بمعنى أنّ المكلّف - بعد علمه بالتكليف المتعلّق بالطبيعة، و تصديقه بوجود المصلحة في الفعل، و لزوم إيجاده المستتبع لتعلّق إرادته به، و بعد علمه بتوقّف وجوده على ذلك الجزء، كالتكبير مثلاً و التصديق بالفائدة - تتعلّق إرادته بإيجاده، فإذا أوجده بتلك المبادئ صار جزءاً للمأمور به؛ سواء التفت حال الإيجاد إلى الإرادة المتعلّقة بالطبيعة،

ص: 65


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 284.
2- مصباح الفقيه، الطهارة 2: 141 - 142؛ الصلاة، المحقّق الحائري: 124.

أو الإرادة المتعلّقة بالأجزاء، أم لا.

و أمّا إذا ذهل عن الطبيعة و الأمر المتعلّق بها ذهولاً تامّاً؛ بحيث لم تكن إرادة الجزء منبعثة عن إرادتها، و صارت إرادة الجزء إمّا مستقلّة غير تابعة، أو تابعة لمبادئ اُخر، لم يصِرْ جزءاً للطبيعة المأمور بها، بل يقع باطلاً، فما هو المعتبر في العبادة، كون إرادة الأجزاء منبعثة بنحو ما مرّ عن إرادة المأمور به.

و على هذا، فيتصوّر الخلل في النيّة بمعنى القصد؛ من غير أن يكون الفعل الاختياري فاقداً للمبدأ؛ أي الإرادة.

فيدفع الإشكال الذي يمكن أن يرد على ذلك الشرط؛ على فرض كون النيّة هي الإرادة: بأنّ إرادة الفعل لايعقل الإخلال بها في الفعل الاختياري...؛ إذ لايعقل وجوده إلاّ بها.

وجه الدفع: أنّ الإرادة و إن كانت موجودة في جميع الأجزاء الموجودة اختياراً، لكن ما هو المعتبر كونها ناشئة من إرادة المأمور به بالنحو الذي قلنا آنفاً لا بالمعنى المتوهّم من إيجاد إرادة لإرادة اُخرى.

فعلى ما ذكرناه لو أوجد أجزاء الصلاة من التكبيرة إلى التسليم للّه تعالى، لكن لا بباعثية الإرادة المتعلّقة بالطبيعة، اللازم منه عدم إيجاد تلك الأجزاء أجزاءً للصلاة، وقعت باطلة غير مسقطة للتكليف، و لو أخلّ بهذا القصد في الأجزاء الركنية فكذلك؛ لأنّ فقد الركن موجب للبطلان، و إن أخلّ بذاك القصد في غير الأجزاء الركنية، لم يوجب إلاّ بطلان ذلك الجزء، فإن أمكن تداركه و جبرانه وجب، و إلاّ صحّت صلاته لقاعدة «لاتعاد»(1).

ص: 66


1- تقدّم تخريجها في الصفحة 9.

و من ذلك يظه: أنّ بطلان الصلاة بفقد النيّة؛ بالمعنى المذكور في جميع الأجزاء، أو في الجزء الركني، و عدم البطلان بفقده في غير ما ذكر، ليس تخصيصاً في دليل «لاتعاد»؛ لا في عقد المستثنى منه، و لا في عقد المستثنى.

و لو قلنا: بأنّ النيّة عبارة عن الخطور بالبال، على ما تقدّم(1) من احتمال استفادة ذلك من الروايات الواردة في النيّة في إحرام العمرة، أو من قوله: «لا عمل إلاّ بنيّة»(2) و «إنّما الأعمال بالنيّات»(3) بالتقريب المتقدّم(4)، فلايوجب الإخلال غير العمدي بها في أصل الصلاة أو في أركانها - فضلاً عن غيرها - بطلانها؛ و ذلك لحديث الرفع(5) و قاعدة «لاتعاد»؛ لأنّ ما هو الركن الموجب للإعادة هو الخمسة، و أمّا النيّة بهذا المعنى فلا، و لايوجب بطلان الركن حتّى تبطل به الصلاة.

إلاّ أن يقال: إنّ اعتبار النيّة مستفاد من الكتاب، مثل قوله تعالى: (وَ مَا أُمِرُوا إِلاّ ليَعبُدُوا اللّه َ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(6) فخرجت عن السنّة التي لاتنقض الفريضة، و دخلت في الفريضة الناقضة.

لكنّه فاسد:

ص: 67


1- تقدّم في الصفحة 62 - 63.
2- تقدّم في الصفحة 63.
3- تهذيب الأحكام 1: 83 / 218، و 4: 186 / 519؛ وسائل الشيعة 1: 48، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5، الحديث 7 و 10.
4- تقدّم في الصفحة 62 - 63.
5- تقدّم تخريجه في الصفحة 50.
6- البيّنة (98): 5.

أمّا أوّلاً: فلأنّ الآية الكريمة و ما شابهتها(1)، بصدد بيان الإخلاص في النيّة، بعد ما كانت معتبرة في الصلاة و أجزائها عقلاً؛ لتقوُّم نفس الصلاة و أجزائها بها، و هو أمر عقلي لا اعتبار شرعي.

و أمّا ثانياً: فلأنّه لا دليل على أنّ كلّ فريضة - فرضها اللّه في كتابه - ناقضة للفريضة، فإنّ ما دلّ عليه حديث «لاتعاد» هو حصر الناقض بالخمس، و ذيله لايدلّ إلاّ على قاعدة اُخرى: هي «عدم نقض السنّة الفريضةَ»، و أمّا نقض كلّ فريضة ولو غير الخمسة فلا دلالة [فيه عليها].

و توهّم: دلالة مقابلة السنّة للفريضة - أو إشعارها - على أنّ جميع ما يعتبر في الصلاة: إمّا سُنّة غير ناقضة، أو فريضة ناقضة.

يدفع: بأنّ الدلالة ممنوعة، و الإشعار لايفيد، مع أنّ التوسعة بالتعليل في مثل الحديث، خارجة عن الطريقة العقلائية في المحاورات، فإنّ حصر الناقض في الخمسة، ثمّ تعقيبه في كلام واحد: بأنّ كلّ فريضة من الخمسة و غيرها ناقضة للصلاة، يعدّ تناقضاً و خارجاً عن المحاورات العرفية، فكأنّه قال: «لاينقض الصلاة إلاّ الخمسة، و ينقضها كلّ شيء يستفاد من الكتاب»، و هو كما ترى، و لهذا نقول ما عدا الخمسة - سواء استفيد حكمه من الكتاب أو من السنّة - داخل في المستثنى منه، إلاّ أن يدلّ دليل على الخروج.

هذا مضافاً إلى بطلان المبنى، و هو لزوم إخطار النيّة بالبال، أو إظهارها في اللفظ - بنحو الواجب التخييري - لمنع استفادته من تلك الروايات، كما

ص: 68


1- نحو: (فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ). الزمر (39): 2.

يظهر بالتأمّل فيها، مع أنّ الحمل على الاستحباب متعيّن؛ لعدم القول ظاهراً بالوجوب التخييري.

و أمّا مثل قوله علیه السلام: «لا عمل إلاّ بالنيّة»(1)، فالظاهر منها هو القصد بالنحو الذي تقدّم(2) منّا لا الخطور؛ لأنّه ليس بنيّة، مضافاً إلى دلالة بعض الروايات - الواردة في هذا السياق - على أنّ المراد الغايات المحرّكة إلى العمل، كقوله صلی اللّه علیه و آله و سلم: «إنّما الأعمال بالنيّات، و إنّما لكلّ امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى اللّه و رسوله فهجرته إلى اللّه و رسوله، و من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوّجها فهجرته إلى ما هاجر إليه»(3)، و قريب منها ما عن أمالي الشيخ(4). هذا كلّه في أصل النيّة.

ضمائم النيّة

و أمّا الكلام في الضمائم: فنقول: إنّها إمّا مباحة أو محرّمة، و الثانية إمّا رياء أو غيرها، و على أيّ حال فالضميمة إن كانت جزء المؤثّر؛ سواء كان تأثير الضميمة مع داعي الصلاة إلى الانبعاث؛ بحيث لو تفرّد أحدهما عن الآخر لم يؤثّر في انبعاث المكلّف، أم كان كلٌّ منهما مستقلاًّ في ذلك لو تفرّد عن الآخر، فالظاهر

ص: 69


1- تقدّم في الصفحة 63.
2- تقدّم في الصفحة 63 - 66.
3- عوالي اللآلي 1: 81 / 3؛ مستدرك الوسائل 1: 90، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5، الحديث 5.
4- الأمالي، الطوسي: 618؛ وسائل الشيعة 1: 48، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5، الحديث 10.

بطلان المأتيّ به كذلك، فإنّ صيرورة الأجزاء أجزاءً للصلاة، تتوقّف على الانبعاث إليها بإرادتها المنبعثة من الإرادة المتعلّقة بالصلاة، و الإرادة الناشئة من مجموع الداعيين، أو من جامعهما - لو قلنا بالجامع - ليست إرادة لأجزاء الصلاة المنبعثة من الإرادة المتعلّقة بالصلاة المأمور بها، بل إرادة ناشئة من مجموع الداعيين أو من الجامع بينهما، فتبطل الصلاة فيما إذا أتى بجميع الأجزاء كذلك، و يبطل الجزء فيما لو أتى به كذلك، و به تبطل الصلاة فيما إذا كان ركناً، و أمّا الجزء غير الركن، فبطلانه بغير الرياء لا يوجب بطلان الصلاة إذا لم يكن عن عمد، و ذلك بدليل «لاتعاد...»(1).

و أمّا في الرياء فالظاهر البطلان مطلقاً؛ لأنّ التحقيق: أنّ دخول الرياء في العمل - بأيّ نحو كان - موجب لبطلان الكلّ، كما هو الظاهر من جملة من الروايات، كرواية علي بن سالم، قال: سمعت أبا عبد اللّه يقول: قال اللّه عزّوجلّ: «أنا خير شريك؛ من أشرك معي غيري في عمل لم أقبله، إلاّ ما كان لي خالصاً»(2) و نحوها غيرها(3)، و في حديث: «إنّي أغنى الشركاء؛ فمن عمل عملاً ثمّ أشرك فيه غيري، فأنا منه بريء، و هو للذي أشرك بي دوني»(4)، و عن «عُدّة الداعي» عن النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم قال: «إنّ اللّه تعالى لايقبل عملاً فيه مثقال ذرّة

ص: 70


1- تقدّم تخريجه في الصفحة 9.
2- المحاسن: 252 / 270؛ وسائل الشيعة 1: 61، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 8، الحديث 9.
3- المحاسن: 252 / 271؛ وسائل الشيعة 1: 72، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 12، الحديث 7.
4- عدّة الداعي: 250؛ بحار الأنوار 69: 304.

من رياء»(1) ممّا يظهر منها: أنّ إدخال الرياء في عمل يوجب بطلانه، فمن صلّى و أدخل الرياء في ركوعه - مثلاً - أو في قراءته، أو في شيء من المستحبّات التي فيها، فقد أشرك في صلاته غير اللّه، و أدخل فيه مثقال ذرّة من الرياء، فبطل عمله، و لم يقبل اللّه منه و جعله لشريكه.

و من الواضح أنّ أدلّة حرمة الرياء آبية عن التقييد و التخصيص؛ سواء كان المقيّد و المخصّص بلسان «لاتعاد» أم كان بلسان الرفع، بل الظاهر انصراف الدليلين عن الرياء، بعد قوله علیه السلام في جملة من الروايات: «كلّ رياء شرك»(2)، و نظير ذلك ما ذكر في روايات اُخر(3)، فالخروج عن الدليلين في مورد الرياء بالانصراف و التخصّص، لا بالتقييد و التخصيص.

ص: 71


1- عدّة الداعي: 261؛ مستدرك الوسائل 1: 111، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 12، الحديث 6.
2- راجع وسائل الشيعة 1: 70، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 12، الحديث 2 و 4.
3- راجع وسائل الشيعة 1: 69، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 11، الحديث 16، و: 71، الباب 12، الحديث 6.

مسألة في الخلل في القبلة

بيان ماهية القبلة

و من الشروط القبلة: و مقتضى ذكرها في مستثنى حديث «لاتعاد...» بطلان الصلاة بالإخلال بها، و لا بأس ببيان ماهيتها:

اختلفت كلمات الأصحاب فيها: فعن جملة من القدماء(1) و المتأخّرين(2): أنّ القبلة عين الكعبة لمن تمكّن من العلم بها، وجهتها لغيره.

و عن جماعة: أنّها الكعبة لمن كان في المسجد، و المسجد لمن كان في الحرم، و الحرم لمن خرج عنه(3).

و قد اختلفت ظواهر الأخبار أيضاً.

ص: 72


1- رسائل الشريف المرتضى 3: 29؛ الكافي في الفقه: 138؛ السرائر 1: 204.
2- المعتبر 2: 65؛ قواعد الأحكام 1: 250؛ مختلف الشيعة 2: 79؛ الدروس الشرعية 1: 158؛ جامع المقاصد 2: 48؛ جواهر الكلام 7: 320 - 322.
3- النهاية: 62 - 63؛ الخلاف 1: 295؛ المبسوط 1: 77 - 78؛ المراسم: 60؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 85؛ شرائع الإسلام 1: 55.

و قبل الورود في دلالة الكتاب و الأخبار، لابدّ من التنبيه على أمر:

و هو أنّه لا إشكال و لا خلاف بين عامّة المسلمين، بل من المعروف لدى جميع أهل الملل و الأديان: أنّ قبلة المسلمين واحدة، و هي الكعبة المعظّمة و بيت اللّه الحرام؛ بحيث لو قيل: إنّ للمسلمين أكثر من قبلة واحدة يعدّ مستنكراً، و كون الكعبة وحدها قبلتهم من الضروريات التي لايشوبها شبهة، و كانت الشهادة: ب-«أنّ الكعبة قبلتي» معروفة معلومة، كالشهادة بسائر العقائد الحقّة، و على ذلك لو دلّ ظاهر دليل على خلاف ذلك، لابدّ من تأويله أو طرحه، إذا عرفت ذلك:

القبلة هي عين الكعبة للقريب و البعيد

فنقول: ممّا ورد في القبلة قوله تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَ حَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)(1)، و قوله تعالى: (وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَ حَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)(2).

و قد نزلت الآية الشريفة في المدينة المنوّرة، بعد ما كانت القبلة إلى ذلك الحين بيت المقدس(3).

و يظهر منها أمران:

ص: 73


1- البقرة (2): 144.
2- البقرة (2): 150.
3- تفسير الطبري (جامع البيان) 2: 22؛ أسباب النزول، الواحدي: 33؛ الدر المنثور 1: 146.

أحدهما: أنّ القبلة لجميع المسلمين واحدة، لا كثرة فيها.

و ثانيهما: أنّ الخارج عن الحرم مكلّف بالتوجّه إلى المسجد الحرام لا غير.

فالأخبار الدالّة على أنّ الكعبة قبلة لأهل المسجد، و المسجد قبلة لأهل الحرم، و الحرم قبلة لجميع الناس(1)، مخالفة للآية من وجهين:

أحدهما: دلالتها على كثرة القبلة؛ و أنّ لكلّ طائفة قبلة خاصّة بها.

و ثانيهما: صراحتها على أنّ قبلة جميع الناس الخارجين من الحرم هي الحرم، و الآية صريحة على خلافها، فإنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم كان في المدينة، و قد أمره اللّه أن يولّي وجهه إلى المسجد الحرام، فتلك الأخبار إمّا مؤوّلة أو مطروحة، و إن أفتى بها كثير من الأصحاب(2)، بل ادُّعي الإجماع على مضمونها(3)، فإنّ ذلك القول اجتهاد منهم، و لا اعتبار بالإجماع إذا تخلّله الاجتهاد، و قد خالفهم كثير من الأصحاب(4).

و أمّا ما تضمّنت الآية الكريمة من التوجّه إلى المسجد الحرام، فليس فيه دلالة صريحة على أنّه قبلة؛ لاحتمال كون التوجّه إليه عين التوجّه إلى الكعبة؛ بحيث لايمكن التفكيك بينهما لمن كان خارجاً عن مكّة، لا سيّما إذا كان في المدينة.

و هذا الاحتمال هو المتعيّن بعد كون الكعبة بالضرورة قبلة للمسلمين، و بعد

ص: 74


1- راجع وسائل الشيعة 4: 303، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 3.
2- تقدّم في الصفحة 72.
3- الخلاف 1: 295.
4- تقدّم في الصفحة 72.

ورود الروايات الكثيرة على تحويل وجهه إلى الكعبة، بل تلك الروايات بمنزلة التفسير للآية الكريمة و بيان المراد منها:

ففي صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: سألته هل كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم يصلّي إلى بيت المقدس؟ قال: «نعم». فقلت: أكان يجعل الكعبة خلف ظهره؟ فقال: «أمّا إذا كان بمكّة فلا، و أمّا إذا هاجر إلى المدينة فنعم حتّى حُوِّل إلى الكعبة»(1) و قريب منها روايات [اُخرى]، و في بعضها: «فلمّا صلّى من الظهر ركعتين جاء جبرئيل، فقال له: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ...)»(2) إلى آخره، ثمّ أخذ بيد النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم فحوّل وجهه إلى الكعبة(3).

فمن راجع روايات الباب لايبقى له ريب في أنّ التحوّل إلى المسجد الحرام، لم يكن إلاّ للتحوّل إلى الكعبة التي هي القبلة، و التوجّه إليه عين التوجّه إليها لمن خرج عن مكّة، كما يشهد به الوجدان.

و في رواية عبد اللّه بن سنان عن الصادق جعفر بن محمّد علیه السلام أنّه قال: «إنّ للّه عزّوجلّ حرمات ثلاثاً ليس مثلهنّ شيء: كتابه، و هو حكمته و نوره، و بيته الذي جعله قبلة للناس، لايقبل من أحد توجّهاً إلى غيره، و عترة نبيّكم»(4)،

ص: 75


1- الكافي 3: 286 / 12؛ وسائل الشيعة 4: 298، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 2، الحديث 4.
2- البقرة (2): 144.
3- الفقيه 1: 178 / 843؛ وسائل الشيعة 4: 301، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 2، الحديث 12.
4- معاني الأخبار: 117 / 1؛ وسائل الشيعة 4: 300، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 2، الحديث 10.

و عن «الخصال» بالسند المتّصل إلى ابن عبّاس نحوها(1).

و عن البرقي في «المحاسن» بسنده إلى بشير، في حديث سليمان مولى طربال، قال: ذكرت هذه الأهواء عند أبي عبد اللّه علیه السلام، قال: «لا و اللّه ما هم على شيء ممّا جاء به رسول اللّه، إلاّ استقبال الكعبة فقط»(2).

ثمّ إنّه بناءً على هذا الاحتمال لابدّ أن تحمل الآية الكريمة؛ أي قوله تعالى: (وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)(3) - بناء على عمومها حتّى لمن كان في مكّة - على من كان في مكانٍ كان التوجّه فيه إلى المسجد عين التوجّه إلى الكعبة؛ بقرينة شأن نزول الآية، و الضرورة المتقدّمة، و الأخبار المشار إليها، مع

إمكان أن يقال: إنّ قوله تعالى: (وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ)(4)؛ أي إذا كنت خارجاً عن مكّة، و قوله تعالى: (وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ)(5) أي بعد خروجكم عن مكّة.

و هنا احتمالان آخران في الآية لا حاجة معهما إلى الحمل المتقدّم ذكره: و هما كون المسجد الحرام كناية عن الكعبة بالقرائن المتقدّمة، أو مجازاً ادّعائياً، أو في الكلمة - على ما قالوا في المجاز - فيكون المراد التوجّه إلى الكعبة.

ص: 76


1- رواها الصدوق، عن أبيه، عن سعد بن عبداللّه، عن محمّد بن عبد الحميد، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن عكرمة عن ابن عبّاس. راجع الخصال: 146 / 174.
2- رواها البرقي، عن أبيه، عن النضر، عن الحلبي، عن بشير. المحاسن: 156 / 89؛ جامع أحاديث الشيعة 5: 30، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب1، الحديث 10.
3- البقرة (2): 144.
4- البقرة (2): 150.
5- البقرة (2): 150.

و كيف كان، فلابدّ لأجل تلك القرائن من حمل الروايات المخالفة - كمرسلة «الفقيه» و«التهذيب»، عن أبي عبد اللّه علیه السلام: «إنّ اللّه تبارك و تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد، و المسجد قبلة لأهل الحرم، و الحرم قبلة لأهل الدنيا»(1)، و نحوها رواية بِشْر(2) - على ما حملنا الآية عليه: من أنّ الأمر بالتوجّه إلى المسجد ليس لأجل كونه قبلة، بل لأجل كونه توجّهاً إليها؛ بأن يقال: إنّ جعل المسجد و الحرم قبلة - بالمعنى اللُّغوي للاستقبال إليها - ليس لأجل أنفسهما، بل لكونهما مشتملين على الكعبة؛ و كون استقبالهما هو استقبال الكعبة، و أنّ المراد من أهل المسجد هو أهل مكّة، و إلاّ فلا أهل للمسجد، فأهل المسجد - أي أهل مكّة - لابدّ لهم من استقبال الكعبة، و الخارج عنها - أي أهل الحرم - لا محيص لهم في استقبال الكعبة عن استقبال المسجد؛ لعدم إمكان التفكيك بين استقباله و استقبالها، و المراد من أهل الحرم أهله و من والاه، و سائر الناس لا محيص لهم عن استقبال الحرم؛ لعدم التفكيك.

و لو كان الحمل المذكور بعيداً في الروايات المخالفة، فلابدّ من ردّ علمها إلى أهلها؛ لأنّ ظاهر الآية أو صريحها: أنّ الناس بأجمعهم في أيّ مكان كانوا، يجب عليهم استقبال المسجد الحرام، فهي نصّ على خلاف التفصيل المذكور، فهذا القول مزيّف.

ص: 77


1- الفقيه 1: 177 / 841؛ تهذيب الأحكام 2: 44 / 139؛ وسائل الشيعة 4: 303، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 3، الحديث 1 و 3.
2- تهذيب الأحكام 2: 44 / 140؛ وسائل الشيعة 4: 304، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 3، الحديث 2.

و أمّا القول الآخر: و هو أنّ الكعبة قبلة يجب التوجّه إليها لمن يقدر عليه، و إلى سمتها لغيره(1)، فليس بذلك البعد، لكنّه أيضاً مخالف للآية بعد ملاحظة ما ورد عنهم علیهم السلام في بيان المراد منها، كقوله علیه السلام في صحيحة الحلبي: «حتّى حُوِّل إلى الكعبة»، و في رواية «الفقيه»: «فَحَوَّلَ وجهه إلى الكعبة» و غيرهما الذي بذلك المضمون، مثل قوله علیه السلام في رواية بشير: «لا و اللّه ما هم على شيء ممّا جاء به رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم إلاّ استقبال الكعبة فقط»، بل الظاهر من قوله تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ(2) أن لا موضوعية للشطر، كما هو المتعارف في مثل ذاك التعبير، فلايستفاد منها و من مثلها إلاّ استقبال المسجد، و قد عرفت أنّ استقبال المسجد إنّما هو لاستقبال البيت الشريف، فجميع الناس مأمورون باستقبال الكعبة حيثما كانوا.

و من هنا ربّما يستشكل: بأنّ مقتضى كُروية الأرض اختلاف الأقطار في الاُفق، و المصلّي حيث يتوجّه إلى اُفقه - لا إلى الآفاق الاُخر - فلايعقل أن يكون مستقبلاً للكعبة المعظّمة، بل و لا لسمتها وجهتها، إلاّ بنحو التوسّع؛ لأنّ الجهة في كلّ اُفق هو الطرف الذي يخرج الخطّ المستقيم إليه من مقام الشخص، و مَن في جانب آخر، أو قطعة اُخرى من الأرض لايكون موافقاً في الجهة معه، بل لايصدق حتّى توسّعاً فيما إذا كان البلد نائياً جدّاً، كما لو كان بينه و بين مكّة المشرّفة تسعون درجة، فتكون البلدان في طرفي قطر

ص: 78


1- تقدّم في الصفحة 72.
2- البقرة (2): 150.

الأرض، فلاتعقل في مثله مواجهة مكّة و لا جهتها.

و يمكن أن يجاب بوجه بعد مقدّمة: و هي أنّ موضوعات الأحكام إنّما تؤخذ من العرف إذا لم تكن قرينة على خلافه، و في المقام و أمثاله - ممّا اُمر فيه باستقبال الكعبة و التوجّه إلى القبلة، التي هي الكعبة بالضرورة - قامت القرينة على عدم إرادة المعنى العرفي، فإنّ استقبال الشيء بنظر العرف هو جعل الشيء في قباله، و هذا لايصدق مع حائل في البين مثل جدار و نحوه، فمن كان في بيت من البلد لايكون عرفاً في قبال شخص آخر في بيت آخر، فلا محالة لايراد هذا المعنى في مثل قوله تعالى: (وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)(1)، بل المراد هو التسامت الحقيقي بين المصلّي و الكعبة؛ بأن تكون الخطوط الخارجة عن مقاديم بدنه واصلة إليها أو شاملة لها ولو من وراء الأرض و إن لم يطّلع المصلّي عليه و على سرّه.

ثمّ إنّ سرّ كون الشيء البعيد - ولو كان كبيراً عظيماً كالجبل مثلاً - بجميعه في قبال الناظر، مع كونه صغيراً بالنسبة إليه جدّاً: هو أنّ العينين واقعتان في سطح محدّب، و العدسة الواسطة في الرؤية أيضاً واقعة على سطح محدّب قريب من الكروي، و نفس العدسة أيضاً لها تحديب، و لهذا يخرج الشعاع الواسطة في الرؤية على شكل مخروطي، رأسه عند الناظر، و قاعدته منطبعة على الشيء المنظور إليه، و كلّما امتدّ النظر صارت القاعدة أكثر سعة.

و لو كانت الرؤية بانعكاس صورة المرئيّ في عين الناظر، لكان الأمر كذلك

ص: 79


1- البقرة (2): 144.

أيضاً تقريباً، فإنّ النور الآتي من قبل المرئيّ، يكون كمخروط قاعدته عنده ورأسه عند الناظر، و هذا سرّ اتّساع ميدان الرؤية، و كلّما كان المرئيّ بعيداً يكون الاتّساع أكثر.

ثمّ إنّ الأجسام كلّما بعدت عن عين الناظر ترى أصغر؛ و ذلك لاتّساع زاوية الرؤية وضيقها، فكلّما كانت الزاوية أضيق يكون الشيء أصغر في الرؤية، و كلّما اتّسع انفراجها صار أكبر فيها.

ثمّ إنّ هنا أمراً آخر: و هو أنّ مقاديم بدن الإنسان خلقت على نحو فيها تحديب من الجبهة إلى القدم، و لهذا كانت الخطوط الخارجة عن أجزاء المقاديم غير متوازية، كأشعّة خارجة عن عين الشمس، فلو كان البدن نورانياً كالشمس، كان النور الخارج منه قريباً ممّا خرج منها، و يزداد بسط نوره واتّساعه كلّما ازداد الامتداد، و لهذا يختلف التقابل بينه و بين الأجسام حقيقة و دقّة باختلاف البعد و القرب، لا لخطأ الباصرة - كما قيل - لأنّ الخطوط الخارجة من مقدّم صدر الإنسان لاتكون متوازية، بل تكون كخطّي المثلّث كلّما ازدادا امتداداً ازدادا اتّساعاً، فإذا امتدّت إلى فرسخين تنطبق على جبل عظيم، و كان ذلك مقابلاً للصدر حقيقة؛ أ لاترى أنّ الجسم الكروي الصغير يحاذي حقيقةً سطحه المحيط به على صغره مع الدوائر العظيمة جدّاً، كدائرة معدّل النهار، بل الدائرة المفروضة فوقها إلى ما شاء اللّه تعالى.

إذا عرفت ذلك نقول: إذا كانت الكعبة المعظّمة بعيدة عن المصلّي بمقدار ربع كرة الأرض أو أقلّ، فلا محالة تصل الخطوط الخارجة عن مقاديم بدنه إلى الكعبة، أو تحيط بمكّة، بل بشبه الجزيرة العربية، فإنّ الخطوط التي تخرج من

ص: 80

الجبهة و الصدر و سائر المقاديم، لاتكون متوازية كما مرّ، فلمّا كان التحديب في كلٍّ من عرض مقاديم البدن و طولها كما هو المشاهد تكون الخطوط الطولية الخارجة منها غير متوازية أيضاً، و كلّما ازدادت بُعداً من الأجسام ازدادت اتّساعاً و إحاطة، فتكون جملة منها نافذة فرضاً في الأرض الحاجبة بينه و بين الجسم الآخر، و هو الكعبة في المقام، و تصل إلى نفس الكعبة و تحتها وفوقها إلى ما شاء اللّه، و قد عرفت أنّ هذا هو التقابل الحقيقي العقلي الذي عرفه الشارع الأعظم و إن غفل عنه المصلّي.

و أمّا بالنسبة إلى من كان بعيداً أزيد ممّا ذكر، فلنفرض كون المصلّي بعيداً عن مكّة بمائة و ثمانين درجة، و كان واقفاً على موقف لو فرض [خروج] خطّ مستقيم من اُمّ رأسه، و امتدّ إلى الطرف الآخر من الأرض، لَوصل إلى البيت الحرام، ففي مثله لابدّ في تصوير مقابلته للبيت المعظّم من ذكر أمرين:

أحدهما: أنّ الكعبة - بحسب النصّ و الفتوى(1) و الاعتبار القطعي - يمتدّ من موضعها إلى السماء و إلى تخوم الأرض، و قد نقل(2) عدم الخلاف في ذلك، و في رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه علیه السلام، قال: سأله رجل، قال: صلّيت فوق جبل أبي قبيس العصر، فهل يجزي ذلك و الكعبة تحتي؟ قال: «نعم، إنّها قبلة من موضعها إلى السماء»(3)، و عن «الفقيه» قال الصادق علیه السلام: «أساس البيت من

ص: 81


1- مسالك الأفهام 1: 152؛ الحدائق الناضرة 6: 377؛ جواهر الكلام 7: 351.
2- مدارك الأحكام 3: 121 - 122؛ الحدائق الناضرة 6: 377.
3- تهذيب الأحكام 2: 383 / 1598؛ وسائل الشيعة 4: 339، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 18، الحديث 1.

الأرض السابعة السفلى إلى الأرض السابعة العليا»(1)، بل الاعتبار الجزمي يوافق ذلك، بعد عموم وجوب الاستقبال لكافّة الناس أينما كانوا، بل هو لازم قوله تعالى: (وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)(2)، المراد منه شطر الكعبة كما مرّ(3).

ثانيهما: أنّ كلّ بناء بُني على سطح الأرض إذا كانت جدرانه مستقيمة، لا محالة يكون كلّ جدار منه محاذياً لمركز الأرض، و إلاّ خرج عن الاستقامة، و لازم ذلك عدم الموازاة الحقيقية بين الجدارين المتقابلين، و كلّما امتدّا ارتفاعاً كانت الفُرجة بينهما أكثر، فإذا فرض امتدادهما إلى السماء، يكون الاتّساع بينهما أكثر من اتّساع شرق الأرض و غربها بما لايقدّر.

و لما كان المتفاهم من قوله علیه السلام: «إنّ الكعبة قبلة من موضعها إلى السماء» أنّ كلاًّ من جدرانها كأنّه ممتدّ مستقيماً إلى عنان السماء لا معوجّاً، يكون الشعاع الفرضي الخارج من تخوم الأرض إلى الكعبة و إلى عنان السماء، كمخروط رأسه مركز الأرض، و قاعدته عنان السماء، و يمتدّ إلى ما شاء اللّه، فلا محالة تكون الخطوط الخارجة عن مقاديم المصلّي طولاً، مسامتة لنصف البناء و الجدران المحيطة به، و المسامت لا محالة يصل إلى مسامته إذا امتدّ، فالخطوط الخارجة عن مقاديم البدن طولاً يصل كثير منها إلى الكعبة الممتدّة إلى عنان

ص: 82


1- الفقيه 2: 160 / 690؛ وسائل الشيعة 4: 339، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 18، الحديث 3.
2- البقرة (2): 144.
3- تقدّم في الصفحة 76.

السماء، فيكون استقبال المصلّي لها حقيقياً و إن غفل عنه العامّة.

بل الظاهر وقوع الاستقبال و الاستدبار للكعبة المكرّمة، في جميع بقاع الأرض أينما كان المصلّي، فمن صلّى إلى قبال البيت كان مستقبلاً له و مستدبراً أيضاً بعد التأمّل فيما مرّ.

و لعلّ هذا سرّ قوله تعالى: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّه)(1) حيث طبّق في الأخبار على القبلة، كقوله علیه السلام في مكاتبة محمّد بن الحصين إلى عبد صالح علیه السلام، فكتب: «يعيدها ما لم يَفُتْهُ الوقت؛ أو لم يعلم أنّ اللّه تعالى يقول - و قوله الحقّ -: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّه)»(2) تأمّل.

ثمّ اعلم: أنّ الشارع الأقدس، أسقط حكم الاستقبال و الاستدبار الحقيقيين فيما إذا خالفا حكم العرف، و أثبت حكمهما على طبق نظرهم، فما كان استقبالاً بنظر العرف - الملازم لكونه استقبالاً حقيقة بلا شائبة تسامح - رتّب عليه حكمه، و ما لايكون كذلك أسقط عنه الحكم بالاستقبال ولو كان استقبالاً حقيقة.

و ما ذكرناه عكس ما ذكره القوم: من أنّ التوجّه إلى الجهة يكون - في اعتبار العرف - نحو توجّه إلى البيت و إن لم يكن كذلك واقعاً(3)، فإنّ لازم ما ذكرناه: أنّ التوجّه إلى الجهة توجّه حقيقي إلى البيت و إن غفل عنه العامّة؛ أ لاترى أنّه لو

ص: 83


1- البقرة (2): 115.
2- تهذيب الأحكام 2: 49 / 160؛ وسائل الشيعة 4: 316، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 4.
3- جواهر الكلام 7: 334؛ مصباح الفقيه، الصلاة 10: 33؛ الصلاة، المحقّق الحائري: 30.

علم العرف بأنّ بينهم و بين الكعبة ستّين درجة، و أنّها واقعة في اُفق آخر، وجهتها غير جهة اُفقهم، أنكروا جدّاً كون صلاتهم إلى القبلة أو إلى جهتها، و لعلّ الخواصّ أشدّ إنكاراً منهم، مع أنّ الاستقبال الحقيقي محقّق بلا ريب.

نعم لا ريب لأحد في أنّ الصلاة، لابدّ من إتيانها إلى الجهة الأقرب إلى مكّة من سائر الجهات، و الشارع الأقدس تبع في ذلك للعرف، عالماً بأنّ هذه الجهة استقبال حقيقي لا مسامحي، كما أنّ التوجّه إلى أبعد الجهات أيضاً كذلك، لكنّه أسقط هذه الجهات المخالفة لحكم العرف.

الروايات الظاهرة في أنّ القبلة بين المشرق و المغرب

فتحصّل من جميع ما ذكرناه: أنّ القبلة هي عين الكعبة للقريب و البعيد.

بقي الكلام في روايات ظاهرة في أنّ القبلة بين المشرق و المغرب، أهمّها صحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام، أنّه قال: «لا صلاة إلاّ إلى القبلة». قال: قلت: أين حدّ القبلة؟ قال: «ما بين المشرق و المغرب قبلة كلّه»، قال: قلت: فمن صلّى لغير القبلة، أو في يوم غيم في غير الوقت؟ قال: «يعيد»(1)، فإنّها بظاهرها دالّة على أنّ ما بين المشرق و المغرب حدّ القبلة مطلقاً؛ لجميع الناس في جميع الأحوال، فمن صلّى إلى غير ما بينهما بطلت صلاته.

و لازم ذلك اُمور:

منها: لزوم الصلاة فيما بينهما مع العلم بأنّ الكعبة في جهة اُخرى، بل على

ص: 84


1- الفقيه 1: 180 / 855؛ وسائل الشيعة 4: 312، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 9، الحديث 2.

الخلف، و عليه فتكون مخالفة لإجماع المسلمين، بل للضرورة و لجميع النصوص كتاباً و سُنّة.

و منها: لزوم اختلاف القبلة باختلاف البلدان، فإنّ ما بينهما في خطّ الاستواء لايختلف إلاّ يسيراً، و أمّا في آفاقنا فيختلف فاحشاً، و في بعض الآفاق يكون قوس النهار قصيراً جدّاً، فإنّ النهار فيها ثلاث ساعات أو أقلّ، و في بعضها طويلاً جدّاً، فإنّ النهار فيها أكثر من عشرين ساعة، بل لعلّ فيما يكون النهار شهراً أو شهرين أو ستّة أشهر، تطلع الشمس من محلّ غربت منه، فلايكون بين المغرب و المشرق فصل.

و منها: لزوم اختلاف القبلة باختلاف الفصول في كثير من الآفاق، بل في جميعها و إن كان في خطّ الاستواء قليلاً، فإنّ الفصل بين المشرق و المغرب في أوّل السرطان، أكثر جدّاً ممّا بينهما في أوّل الجَدْي في مثل آفاقنا، بل اللازم تغيير القبلة في كلّ يوم بتغيير الغروب و الطلوع.

و منها: لزوم كون ما بينهما قبلة لمن كان بلده في شرق مكّة المعظّمة أو غربها.

و منها: استلزام كون ما بينهما قبلة لاستدبار الكعبة ولو كانت في ما بينهما أيضاً، كما لو كان قوس النهار طويلاً جدّاً، و كان النهار أكثر من عشرين ساعة، فإنّ الصلاة إلى الجهة المقابلة منها تقع باستدبارها... إلى غير ذلك.

و الذي يمكن أن يقال: إنّ المراد من هذه العبارة: أنّ مقدار ما بينهما قبلة، لا نفس ما بينهما، نظير ما ورد في حدّ البريد: «أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم قال

ص: 85

لجبرئيل: و أيّ شيء البريد؟ فقال: ما بين ظلّ عير إلى فيء وعير»(1)؛ أي أنّ هذا المقدار بريد، لا نفس ذلك، بل هو الظاهر من الصحيحة؛ لأنّ زرارة سأل عن مقدار حدّ القبلة، لا عن نفسها؛ ضرورة أنّ كون الكعبة قبلة من الضروريات لايسئل عنه، فقوله: «أين حدّ الكعبة؟» سؤال عن المقدار مكاناً؛ أي إلى أيّ حدّ يكون مقدار التوجّه إلى القبلة، فقوله علیه السلام: «بين المشرق...» إلى آخره جواب عنه، و لابدّ أن يحمل على بيان مقدار الحدّ الذي يكون التخلّف عنه موجباً للبطلان، و الحمل على بيان الماهية باطل، فيدفع بعض الإشكالات.

ثمّ إنّ المراد من المشرق و المغرب: هو النقطة التي وقعت بين نقطتي الشمال و الجنوب، كما هو المراد عند الإطلاق عرفاً؛ أي نقطتي المشرق و المغرب الاعتداليين، و لهذا قيل في العرف: إذا كان الوجه إلى المشرق، يكون طرف اليسار شمالاً و اليمين جنوباً، و لايلاحظ العرض العريض فيهما، كما لايكون ذلك في الشمال و الجنوب، فيكون المراد أنّ مقدار ما بين المشرق و المغرب الاعتداليين قبلة.

فيندفع بعض الإشكالات الاُخر حتّى الإشكال الأوّل؛ لأنّ لازم كون مقدار ما بينهما حدّاً، بطلان الصلاة إذا وقعت في قوس غير القوس المواجه للمصلّي؛ للزوم كون المقدار أكثر ممّا بينهما.

و يمكن أن يقال: إنّ المراد من «ما بينهما» - في اُفق محلّ السؤال - المدينةُ المنوّرة؛ بناء على كونه فيها، فيكون [ما] بينهما فيها نصف قوس تقريباً في

ص: 86


1- الكافي 3: 432 / 3؛ وسائل الشيعة 8: 460، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 13.

جميع الفصول، و الاختلاف يسير فيها، و على ذلك يكون الانحراف بمقدار ربع الدائرة؛ لأنّ مكّة المعظّمة في جنوب المدينة حقيقة تقريباً، و لو اُلغيت الخصوصية بالنسبة إلى سائر الجهات و البلاد، لم يمكن إلغاؤها بالنسبة إلى لزوم كون الانحراف غير زائد عن الربع، فالبلاد التي تكون مشابهة للمدينة المنوّرة، قبلتها بين المشرق و المغرب، أو بين الجنوب و الشمال، و في غيرهما يعتبر عدم الانحراف زائداً عن الربع.

و يمكن أن يقال: إنّ الجواب في نفس المقدار محمول على اُفق المدينة، فلا فرق بين الوجه المتقدّم و هذا الوجه، مع أنّ الحمل على خصوص اُفقها خلاف الظاهر، فالأوجه هو الوجه الأوّل، فبين اليمين و اليسار هو الميزان الكلّي.

حكم الإخلال بالاستقبال

ثمّ إنّه لو أخلّ بالقبلة - بأن صلّى مع الاجتهاد فيها، أو قيام بيّنة، أو لضيق الوقت و نحوه - ثمّ انكشف أنّه صلّى إلى غيرها، فإمّا أن يكون التبيّن في الوقت أو في خارجه، و على أيّ حال: إمّا أن يكون الانحراف فيما بين اليمين و اليسار أو أزيد، و على الثاني: إمّا أن يكون مستدبراً أو لا.

مقتضى القواعد الأوّلية و العمومات، بطلان الصلاة بالإخلال بالقبلة؛ من غير فرق بين الصور المذكورة، كقوله تعالى: (وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)(1)؛ حيث إنّه دلّ على شرطية القبلة؛ على ما هو التحقيق: من ظهور الأوامر في مثل المركّبات المبحوث عنها في الحكم الوضعي، و قوله علیه السلام:

ص: 87


1- البقرة (2): 144.

«لاتعاد الصلاة إلاّ من خمسة»(1) و قوله علیه السلام: «لا صلاة إلاّ إلى القبلة»(2) و لازمه وجوب الإتيان في الوقت بحسب الأدلّة الأوّلية و حكم العقل.

و أمّا حكم الصلاة بعد الوقت و القضاء فلايستفاد من شيء من تلك الأدلّة؛ لأنّ لسانها هو بيان الصحّة و الفساد، فقوله علیه السلام: «لاتعاد...» كناية عن الصحّة في المستثنى منه، و عن البطلان في المستثنى؛ ضرورة عدم كون الإعادة محكومة بحكم تكليفي وجوبي أو تحريمي؛ لأنّه مع بطلان الصلاة، لاينقلب التكليف الإلهي المتعلّق بإقامة الصلاة إلى تكليف جديد متعلّق بالإعادة، و لم يسقط الحكم الأوّل و لم يتجدّد حكم آخر، فما دام المكلّف لم يأتِ بالصلاة صحيحة، كان مكلّفاً بالتكليف الأوّلي، و كذا الحال في أشباه ما ذكر ممّا اُمر [فيه] بالإعادة، كقوله علیه السلام في صحيحة زرارة المتقدّمة(3)، حين سأله عمّن صلّى لغير القبلة، فقال: «يعيد».

فالآية الكريمة و الروايتان و نحوها لاتدلّ على حكم الصلاة بعد الوقت، فتوهّم إطلاقها بالنسبة إلى ما بعد الوقت في غير محلّه، فالروايات الآتية(4) المفصّلة بين الانكشاف في الوقت و خارجه، غير مخالفة للآية و غيرها ممّا ذكر، و توهّم الإطلاق ناشئ عن توهّم كونها متكفّلة بالحكم التكليفي، و أنّ الوضعي

ص: 88


1- تهذيب الأحكام 2: 152 / 597؛ وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 5.
2- الفقيه 1: 180 / 855؛ وسائل الشيعة 4: 312، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 9، الحديث 2.
3- تقدّم في الصفحة 84.
4- يأتي في الصفحة 90 - 91.

منتزع عنه، نعم لو دلّ إطلاق على وجوب القضاء كان مخالفاً لها بالإطلاق و التقييد، و الجمع بينهما معلوم.

و أمّا رواية معمّر بن يحيى، قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن رجل صلّى على غير القبلة، ثمّ تبيّن له القبلة و قد دخل وقت صلاة اُخرى؟ قال: «يصلّيها قبل أن يصلّي هذه التي قد دخل وقتها، إلاّ أن يخاف فوت التي دخل وقتها»(1) و قريب منها رواية اُخرى عنه(2)، بل الظاهر أنّهما رواية واحدة مع زيادة إحداهما بقيد، فمع ضعفها سنداً(3) لاتعارض الروايات المفصّلة إلاّ بالإطلاق و التقييد.

بيان ذلك: أنّه من الواضح أنّه في صدر الإسلام - حتّى عصر

الصادقين علیهما السلام - كان بناء المسلمين عموماً على تفريق الصلوات و كان لكلّ صلاة وقت خاصّ بها بحسب هذا التفريق، و قد وردت روايات كثيرة(4): على أنّ

ص: 89


1- تهذيب الأحكام 2: 46 / 150؛ جامع أحاديث الشيعة 5: 56، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 8، الحديث 3.
2- تهذيب الأحكام 2: 46 / 149؛ جامع أحاديث الشيعة 5: 56، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 8، الحديث 2.
3- رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن الطاطري، عن محمّد بن زياد، عن حمّاد بن عثمان، عن معمّر بن يحيى. و الظاهر أنّ الرواية ضعيفة بعلي بن الحسن الطاطري، فإنّ الشيخ قال في حقّه: كان واقفياً، شديد العناد في مذهبه، صعب العصبية على من خالفه من الإمامية... و له كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم و برواياتهم. و قال النجاشي: كان فقيهاً، ثقة في حديثه، و كان من وجوه الواقفة. اُنظر الفهرست، الطوسي: 156 / 390؛ رجال النجاشي: 254 / 667.
4- راجع وسائل الشيعة 4: 140، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8.

وقت صلاة الظهر بعد الزوال قدمان، و وقت العصر بعد ذلك قدمان، أو أنّ وقت الظهر ذراع من زوال الشمس، و وقت العصر ذراع من وقت الظهر، و قد سئل في بعض منها بنحو الإطلاق عن وقت الظهرين، فكان الجواب نحو ذلك، فلا إشكال في أنّ المعروف في تلك الأزمنة أنّ الصلوات الخمس لها أوقات، و لكلٍّ وقت خاصّ بها.

فلاينبغي الإشكال في أنّ قوله في رواية معمّر: «و قد دخل وقت صلاة اُخرى» أعمّ من دخول وقت الشريكة، أو دخول وقت غيرها، فيكون الجمع بينها و بين الروايات المفصّلة بالإطلاق و التقييد.

بل يجري ذلك في مرسلة «النهاية» قال: و قد رويت رواية: أنّه «إذا كان صلّى إلى استدبار القبلة، ثمّ علم بعد خروج الوقت، وجب عليه إعادة الصلاة»(1) بل لااستبعد أن تكون تلك المرسلة إشارة إلى مثل رواية معمّر.

و لو اُغمض عن ذلك، فلا إشكال في عدم صلاحية مثل تلك المرسلة لمعارضة الروايات الكثيرة المعتمدة، و فيها الصحاح المفتى بها قديماً و حديثاً، المفصّلة بين الوقت و خارجه، كالمرويّة عن أبي عبد اللّه علیه السلام: «إذا صلّيت و أنت على غير القبلة، و استبان لك أنّك على غير القبلة و أنت في وقت، فأعد، فإن فاتك الوقت فلاتعد»(2)، و عنه في الأعمى إذا صلّى لغير القبلة، فقال: «إن كان

ص: 90


1- النهاية: 64؛ وسائل الشيعة 4: 318، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 10.
2- تهذيب الأحكام 2: 47 / 151؛ وسائل الشيعة 4: 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 1.

في وقت فليُعد، و إن كان قد مضى الوقت فلايعيد»(1)... إلى غير ذلك(2).

فإن قلت: إنّ مثل تلك الروايات معارضة لصحيحة زرارة، عن أبي جعفر علیه السلام قال: «لا صلاة إلاّ إلى القبلة». قال: قلت: أين حدّ القبلة؟ قال: «ما بين المشرق و المغرب قبلة كلّه». قال: قلت: فمن صلّى لغير القبلة، أو في يوم غيم في غير الوقت؟ قال: «يعيد»(3)؛ لأنّ النسبة بينها و بين تلك الروايات العموم من وجه، فإنّ المراد بغير القبلة في الصحيحة: هو غير ما بين المشرق و المغرب؛ بقرينة قوله علیه السلام: «بينهما قبلة كلّه»، و الأمر بالإعادة أعمّ من الانكشاف في الوقت و خارجه، و أمّا الروايات المفصّلة فيؤخذ فيها بظاهر قوله: «على غير القبلة» «أعمّ» من الانحراف إلى ما بين المشرقين، أو أزيد إلى الخلف، فيقع التعارض بينهما في خارج الوقت، و الترجيح للصحيحة؛ لموافقة الكتاب.

قلت: أوّلاً: إنّه قد أشرنا إلى أنّ قوله علیه السلام: «يعيد» و نحوه كناية عن البطلان، و لا حكم لعنوان الإعادة في الشرع(4)، و في الكنايات لايكون المتكلّم إلاّ في مقام بيان الأمر الكنائي، و أمّا ما وقع كناية فلاينظر إليه، و لهذا يقال: إنّ المناط

في الصدق و الكذب فيها هو مطابقة المكنّى عنه للواقع، فقوله: «فلان كثير

ص: 91


1- الفقيه 1: 240 / 1059؛ وسائل الشيعة 4: 318، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 9.
2- راجع وسائل الشيعة 4: 316، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 2 و 4 و 6 و 8.
3- الفقيه 1: 180 / 855؛ وسائل الشيعة 4: 312، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 9، الحديث 2.
4- تقدّم في الصفحة 88.

الرماد» المراد به الجود في مقام بيان جوده، لا كثرة رماده، فلو لم يكن له رماد و كان جواداً، كان المتكلّم صادقاً.

ففي المقام: لمّا كانت الإعادة بعنوانها غير محكومة بحكم؛ لا عقلاً و لا شرعاً، لم يكن مراده إلاّ المعنى الكنائي؛ أي بطلان الصلاة؛ لعدم إتيانها على ما هي عليه، فكأنّه قال: «صلاته باطلة» و لا معنى لإطلاق البطلان، فلاتنافي الروايات، فتدبّر جيّداً.

و ثانياً: إنّ قوله في الصحيحة و غيرها: «إنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة» حاكم على الأدلّة المأخوذة فيها الصلاة لغير القبلة، و مع وجود الدليل الحاكم تنقلب النسبة بين المتعارضين، فيكون المراد بغير القبلة فيها: غير ما بين المشرق و المغرب الذي هو قبلة كلّه، فتكون الروايات المتقدّمة أخصّ من الصحيحة مطلقاً، فتقيّد بها، فتكون النتيجة عدم وجوب الإعادة في خارج الوقت، و وجوبها في الوقت.

و هل تلحق الصلاة إلى نفس المشرق و المغرب - أي نفس اليمين و الشمال - بالصلاة إلى ما بينهما، فتصحّ و لاتجب إعادتها في الوقت و لا في خارجه، أو تلحق بالصلاة استدباراً، فيفصّل بينهما؟

مقتضى الجمع بين الروايات هو الثاني، فإنّ ما دلّ على أنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة كلّه، الخارج منه نفسهما، حاكم على قوله علیه السلام: «لا صلاة إلاّ إلى القبلة»(1) و نحوه(2)، فتخرج منه الصلاة إلى ما بينهما فقط، و يبقى الباقي

ص: 92


1- تقدّم في الصفحة 84.
2- راجع وسائل الشيعة 4: 312، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 9.

- و منه الصلاة إليهما - داخلاً في العمومات و مقتضى الأدلّة الدالّة على التفصيل بين الوقت و خارجه، هو لحوق المشرق و المغرب بالاستدبار، كما هو المشهور بينهم(1).

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ قوله علیه السلام: «بين المشرق و المغرب قبلة» تعبير عادي عن قوله: «من الشرق إلى الغرب قبلة»، كما يقال: «بين هذا البلد و ذاك عشرون فرسخاً»؛ أي منه إليه كذا؛ أ لاترى أنّ ما ورد في السعي بين الصفا و المروة، لايراد به إلاّ السعي بينهما، كما قد يعبّر عنه بقوله: (أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا)(2) الظاهر منه السعي منه إليه، و قد ورد في روايات: أنّه يبدأ بالصفا(3)، و قد ورد في باب الأذان و الصفّين من الملائكة: كم مقدار كلّ صفّ؟ فقال: «أقلّه ما بين المشرق إلى المغرب» في بعض الروايات(4) و «ما بينهما» في بعض(5)، فيعلم أنّه لا فرق بين التعبيرين.

و تشهد بذلك صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: قلت: الرجل يقوم في الصلاة ثمّ ينظر بعد ما فرغ، فيرى أنّه قد انحرف عن القبلة يميناً

ص: 93


1- مستند الشيعة 4: 209؛ جواهر الكلام 8: 32؛ العروة الوثقى 2: 313، المسألة 1.
2- البقرة (2): 158.
3- راجع وسائل الشيعة 13: 487، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 10، الحديث 1 و 2 و 3.
4- ثواب الأعمال و عقاب الأعمال: 54 / 2؛ وسائل الشيعة 5: 382، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 4، الحديث 7.
5- الفقيه 1: 186 / 887؛ وسائل الشيعة 5: 382، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 4، الحديث 6.

و شمالاً؟ فقال له: «قد مضت صلاته، و ما بين المشرق و المغرب قبلة»(1)، فإنّ الانحراف عنها أعمّ من أن يكون يسيراً أو إلى حدّ اليمين و الشمال و المشرق و المغرب، فيستفاد من ذلك: أنّ المراد بقوله: «ما بين المشرق و المغرب قبلة» أنّها من المشرق إلى المغرب، كما هو المعهود من التعبير.

و تشهد به أيضاً موثّقة(2) عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّه علیه السلام: في رجل صلّى على غير القبلة، فيعلم و هو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته؟ قال: «إن

كان متوجّهاً فيما بين المشرق و المغرب، فلْيحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم، و إن كان متوجّهاً إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة، ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة، ثمّ يفتتح الصلاة»(3)، فإنّ الظاهر منها: أنّ دبر القبلة مقابل لما بين المشرق و المغرب، و من الضروري أنّ التوجّه إلى نفسهما ليس توجّهاً إلى دبر القبلة، فيكون التوجّه إليهما داخلاً في قوله علیه السلام: «فيما بين المشرق و المغرب».

ص: 94


1- الفقيه 1: 179 / 846؛ تهذيب الأحكام 2: 48 / 157؛ وسائل الشيعة 4: 314، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 1.
2- رواها الكليني، عن أحمد بن إدريس و محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن أحمد بن الحسن بن علي، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار الساباطي. و الرواية موثّقة باعتبار أنّ رجال السند من أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال إلى عمّار بن موسى كلّهم من الفطحية. اُنظر رجال النجاشي: 80 / 194، و 290 / 779، و 287 / 767؛ اختيار معرفة الرجال: 563 / 1062، و 612 / 1137.
3- الكافي 3: 285 / 8؛ وسائل الشيعة 4: 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 4.

و بالجملة: الظاهر من الجواب أنّ المسألة ذات فرضين: أحدهما التوجّه إلى ما بينهما، و الثاني التوجّه إلى دبر القبلة، و لا ثالث لهما، و عليه فلابدّ من إدراج المورد في أوّلهما و القول بعموم ما بينهما له.

و القول: بأنّ دبر القبلة مصداق من مصاديق مفهوم الصدر، و الميزان عموم المفهوم، و هو شامل للقسمين هما دبر القبلة و المشرق و المغرب، نظير ما يقال: إن غسلت الثوب بالماء القليل فاغسله مرّتين، و إن غسلت بالجاري فمرّة واحدة؛ حيث إنّ الكُرّ داخل في مفهوم الصدر، و إنّما ذكر الجاري لكونه مصداقاً واضحاً مثلاً.

إنّما يصحّ فيما لو فرض تثليث الأقسام، و الظاهر في المقام أنّ المسألة ذات قسمين، و لم يدلّ دليل من الخارج على تثليث الأقسام، فالصلاة إلى المشرق و المغرب ملحق بالصلاة إلى ما بينهما. هذا غاية ما يمكن أن يقال.

لكنّ التحقيق في المقام: هو ما عليه الأصحاب؛ من إلحاق الصلاة إلى المشرق و المغرب بالصلاة استدباراً؛ فإنّ العرف يرى التوجّه إلى المشرقين غير التوجّه إلى ما بينهما، و معه ينفسخ جميع ما تقدّم.

و أمّا الاستشهاد بموارد استعمال «ما بينهما»، فمع إمكان المنع عن كونه مستعملاً في تلك الموارد في ما ادُّعي فيه، إنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة، و من المعلوم أنّ الحقيقة العرفية تخالف الشمول لما ذكر، فالأقسام ثلاثة: ما بين المشرق و المغرب، و إليهما، و إلى الخلف، و عليه فلا شهادة لصحيحة معاوية لما ذكر، فإنّ إطلاقها الشامل لنفس اليمين و الشمال - على فرضه - يقيّد بقوله: «ما بين المشرق...» إلى آخره، فإنّه بمنزلة التعليل الذي يوسّع و يضيّق، كما لا شهادة

ص: 95

لموثّقة عمّار بعد تثليث الأقسام؛ إذ يكون حالها حينئذٍ مثل ما تقدّم في أقسام الماء؛ من كون الشرطية الثانية متكفّلة ببيان مصداق من مصاديق المفهوم.

فإن قلت: إنّ الشرطية في الموثّقة لا مفهوم لها، فإنّها نظير ما سيق لبيان تحقّق الموضوع، فإنّ مفهوم «إن كان متوجّهاً فيما بين المشرق و المغرب»: هو إن لم يكن متوجّهاً، لا إن كان متوجّهاً إلى غير ذلك؛ كي يكون قوله: «متوجّهاً إلى دبر القبلة» من مصاديق المفهوم، و لا مفهوم للقيد أيضاً؛ كي يقال: إنّ مفهوم «إن كان متوجّهاً فيما بينهما» هو إن كان متوجّهاً لا فيما بينهما، بل إلى غير ذلك، و عليه فيلزم إهمال التوجّه إلى المشرقين مع كونه في مقام البيان، فلابدّ من التزام دخوله في أحدهما، و حيث لا يدخل في الثانية فلا محالة يكون داخلاً في الاُولى.

قلت: إنّ كونها نظير الشرط المحقّق للموضوع ممنوع، فإنّ المفروض هو المصلّي المتوجّه إلى جهة و هو في الصلاة، فتكون الشرطية في الفرض المذكور، كأنّه قال: المصلّي المتوجّه في صلاته إلى جهة، إن كان متوجّهاً إلى ما بين المشرق و المغرب فكذا، و إن لم يكن متوجّهاً إلى ما بينهما فكذا، و من المعلوم أنّ بعد فرض التوجّه يكون المفهوم كون توجّهه إلى غير ذلك، فالعرف يفهم في المورد: أنّ المفهوم إن كان توجّهه إلى غير ذلك فيشمل القسمين، و الإيكال في فهم المفهوم إلى العرف، و من المعلوم أنّه في قوله: «إن كان متوجّهاً إليهما» بعد فرض تحقّق التوجّه، إن لم يكن كذلك، المراد منه كون التوجّه إلى غير ذلك، فلا إشكال من هذه الجهة، فالأقوى ما عليه المشهور من التفصيل.

ص: 96

حكم استدبار القبلة

و هل التوجّه إلى دبر القبلة داخل في التفصيل المذكور، أو موجب لبطلان الصلاة، فيجب إعادتها في الوقت و خارجه؟

و ليعلم أنّ استدبار القبلة مقابل استقبالها، فكما أنّ الانحراف يميناً و يساراً - قبل الوصول إلى حدّ المشرق و المغرب - يوجب عدم الاستقبال، كذلك في طرف الاستدبار؛ فالأقسام أربعة: بين المشرق و المغرب، و إليهما، و بعدهما و إلى حدّ الاستدبار عرفاً، و الاستدبار، و عليه:

فقد يقال: إنّ الأدلّة المفصّلة منصرفة عن الاستدبار ولو عرفاً؛ لأنّ وقوع الصلاة مستدبَراً نادر لمن يجتهد في تحصيل الاستقبال.

و فيه - مضافاً إلى منع كونه نادر الوقوع، فإنّ القوافل الكثيرة في تلك الأعصار كانوا كثيراً ما يشتبه عليهم المشرق و المغرب في الليل، أو في يوم غيم، فكانوا يصلّون بتخيّل كون النقطة الكذائية هي المشرق، فكانت صلاتهم تقع مستدبَراً بها، بل ربّما يتحقّق للحاضر الذي يعلم القبلة بواسطة الاشتباه، فدعوى ندرة الوجود غير مسموعة - أنّ ندرته لاتوجب الانصراف، إلاّ إذا كانت كالتقييد و القرينة الحافّة بالكلام، و إلاّ فمثل المطلقات لايحكي عن الأفراد؛ حتّى تكون الندرة دخيلة في الانصراف، و هو في المقام ممنوع جدّاً.

فإن قلت: إنّ موثّقة عمّار الساباطي المتقدّمة(1)، مقيّدة للروايات الدالّة على

ص: 97


1- تقدّمت في الصفحة 94.

أنّ من صلّى على غير القبلة فلا إعادة عليه بعد مضيّ الوقت(1)، فإنّها تدلّ على بطلان الصلاة لو صلّى على دبر القبلة، و لازمها العرفي القضاء خارج الوقت، فمن صلّى على دبر القبلة بطلت صلاته، و يجب عليه الإعادة في الوقت و القضاء في الخارج، و الموثّقة و إن تعرّضت للأثناء و في الوقت، لكن تدلّ على بطلانها مع الاستدبار في بعض الصلاة، و لازمه البطلان مع الاستدبار في الجميع، و لازم البطلان القضاء في خارج الوقت، فيتقيّد بها سائر الروايات، فيحكم بالبطلان و لزوم القضاء في المستدبر دون غيره، كالمتوجّه إلى المشرق و المغرب و ما فوقهما إلى حدّ الاستدبار.

قلت: قد مرّ سابقاً أنّ تلك الروايات متعرّضة للبطلان فقط، كقوله علیه السلام: «لا صلاة إلاّ إلى القبلة»(2) و حديث «لاتعاد»(3) و نحوهما الموثّقة، فلا تعرّض فيها للإعادة خارج الوقت، بل و ليس لازمها العرفي أو العقلي القضاء، نعم مع الحكم بالبطلان يندرج تحت أدلّة القضاء، فهي الدليل على القضاء، لا تلك الروايات، و مع فرض إطلاقها يتقيّد بالروايات المفصّلة بين الوقت و خارجه.

فالتحقيق: هو ما عليه جُلّ من المحقّقين: من كون المسألة ذات فرضين: الانحراف إلى بين المشرق و المغرب، و حكمه الصحّة و عدم القضاء و الإعادة،

ص: 98


1- راجع وسائل الشيعة 4: 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11.
2- تقدّم في الصفحة 84.
3- الفقيه 1: 181 / 857؛ وسائل الشيعة 4: 312، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 9، الحديث 1.

و إلى أزيد حتّى يبلغ إلى الاستدبار، فيفصّل بين الوقت و خارجه(1).

و هل الحكم المذكور يعمّ كلّ من صلّى على غير القبلة فتبيّن الانحراف، سوى العالم العامد و المسامح، أو يختصّ بفرض خاصّ؟

فالكلام يقع في الصورتين:

حكم تبيّن الانحراف فيما بين اليمين و الشمال

الاُولى: من صلّى و تبيّن الخلاف و الانحراف فيما بين اليمين و الشمال، و من المعلوم أنّ مقتضى صحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام قال: قلت: أين حدّ القبلة؟ قال: «ما بين المشرق و المغرب قبلة كلّه»(2) الصحّة مطلقاً، خرج العامد العالم و المسامح غير المبالي انصرافاً أو صرفاً، و بقي الباقي.

و ليس هناك ما يعارض الصحيحة المذكورة إلاّ صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه علیه السلام: في الأعمى يؤمّ القوم و هو على غير القبلة؟ قال: «يعيد، و لايعيدون، فإنّهم قد تحرّوا»(3)، فإنّ مقتضى التعليل: أنّ الحكم وجوداً و عدماً دائر مدار التحرّي و الاجتهاد، فخرج سائر الفروض و الموارد.

و في صلاحيتها للتقييد إشكال: و هو أنّه لا إشكال في أنّ قوله علیه السلام في

ص: 99


1- شرائع الإسلام 1: 57 - 58؛ المعتبر 2: 72؛ مختلف الشيعة 2: 86؛ جواهر الكلام 8: 24 - 28.
2- الفقيه 1: 180 / 855؛ وسائل الشيعة 4: 312، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 9، الحديث 2.
3- الكافي 3: 378 / 2؛ وسائل الشيعة 4: 317، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 7.

الصحيحة و غيرها: «ما بين المشرق و المغرب قبلة» ليس على نحو الحقيقة؛ ضرورة أنّ قبلة المسلمين هي الكعبة خاصّة، كما مرّ الكلام فيه مستقصىً(1)، فلابدّ من حملها على الحقيقة الادّعائية، كما في الأشباه و النظائر، و لايصحّ ادّعاء أنّ ما بينهما قبلة، إلاّ مع كونه مشتركاً مع الكعبة في جميع الصور المتصوّرة في الصلاة؛ بناء على كون الدعوى مختصّة ببابها - كما لايبعد - أو كون ما يترتّب عليه من الفروض البارزة عرفاً و عقلاً؛ بحيث كان ممّا تصحّ فيه دعوى أنّه تمام الآثار، كالشجاعة في الأسد، و الرجولية في الرجل، أو كانت الآثار المترتّبة عليه كثيرة؛ بحيث كان الأثر المقابل نادراً ملحقاً بالمعدوم، فمصحّح الدعوى أحد الاُمور الثلاثة، و مع فقدانها لاتصحّ.

و في المقام لو اختصّ أثر الكعبة - أي صحّة الصلاة نحوها - بفرض واحد، و هو فرض التحرّي الذي يختصّ بمن يبصر، و يكون الأعمى محروماً منه؛ أي الأخذ بالأحرى بعد الاجتهاد و التفحّص عن الجهات، و كان سائر الفروض - كالقطع، و الظنّ، و البيّنة، و الغفلة، و الاشتباه، و السهو، و النسيان، و الجهل - غير محكومة بهذا الحكم، كانت دعوى كونه قبلة غير صحيحة؛ ضرورة أنّ التحرّي ليس من الفروض الواضحة البارزة عرفاً أو عقلاً، و لاتكون سائر الفروض قليلة ملحقة بالعدم، بل هي اُمور كثيرة شائعة، كما لايخفى.

و ليست القضيّة في المورد قضيّة الإطلاق و التقييد؛ حتّى يقال: إنّ التخصيص المذكور لايوجب الاستهجان، بل قضيّة صدق الدعوى و مصحّحها،

ص: 100


1- تقدّم في الصفحة 73 - 84.

و هو أمر غير باب الإطلاق و التقييد، مع أنّ التقييد المذكور أيضاً محلّ إشكال مع تلك الكثرة، و عليه فلو لم يمكن توجيه صحيحة الحلبي بنحو عقلائي، فلابدّ من إعمال المعارضة بينها و بين صحيحة زرارة و نحوها.

و الذي يمكن أن يقال اُمور:

الأوّل: أنّ قوله: «و هو على غير القبلة» أعمّ ممّا بينهما و غيره إلى حدّ الاستدبار، و قوله: «بين المشرق و المغرب قبلة» حاكم عليه، فيختصّ غير القبلة بما عدا ما بينهما، فيقع التعارض بين صحيحة الحلبي و الروايات المفصّلة، و ينتفي التعارض بينها و بين صحيحة زرارة.

و دعوى كون الحكم في صحيحة الحلبي بعدم الإعادة على من تحرّى، قرينةً على الموضوع، فكان المفروض أنّهم صلّوا فيما بين المشرق و المغرب(1).

غير مسموعة، فإنّ الظهور اللفظي لاينقلب بمجرّد كون الحكم بدليل آخر منفصل مخصوصاً بمورد خاصّ.

الثاني: أنّ صحيحة الحلبي معارضة لصحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد اللّه أنّه سأل الصادق علیه السلام عن رجل أعمى صلّى على غير القبلة؟ قال: «إن كان في وقت فلْيُعد، و إن كان قد مضى الوقت فلايعد»(2)، و الظاهر من قول «الفقيه»: «روي عن عبد الرحمان» هو الرواية عنه بالطريق الذي ذكره، و هو الصحيح،

ص: 101


1- الصلاة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 6: 457؛ مصباح الفقيه، الصلاة 10: 161.
2- الفقيه 1: 179 / 844؛ وسائل الشيعة 4: 318، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 8.

و نحوها مرسلة «الفقيه»(1) التي هي ملحقة بالصحاح، و توهّم كون الإمامة دخيلة في الحكم فاسد جدّاً؛ و مقتضى الجمع بينهما حمل صحيحة الحلبي على الاستحباب.

و لاينافي ذلك ما مرّ منّا مراراً: من أنّ المفهوم من الإعادة و عدمها، هو كونهما كناية عن الصحّة و الفساد(2)؛ و ذلك لأنّ ما هو كناية عن الفساد هو الأمر الإلزامي، فلو كان الأمر استحبابياً فلا معنى للكناية فيه، و مع اقتضاء الجمع الحمل على الاستحباب ينتفي موضوع الكناية.

و عليه فيمكن الجمع بين الصحيحة و الروايات المفصّلة(3)؛ بأن يقال: إنّ قوله علیه السلام: «يعيد» إذا حمل على التكليفي، فيحمل قوله علیه السلام: «لايعيدون» بالقرينة على نفي الإعادة تكليفاً أيضاً، و هذا بإطلاقه شامل للوقت و خارجه، و الجمع بينها و بين الروايات المفصّلة ينتج نفيها في خارج الوقت، لا في داخله، و إنّما لم نقل به سابقاً؛ لأنّ نفي الإعادة إذا كان كناية عن الصحّة لا معنى للإطلاق فيه، و أمّا مع الحمل على ظاهره بقرينة فلا مانع من الجمع المذكور.

الثالث: أنّ صحيحة زرارة - بعد ما تقدّم(4) من المحذور في إعمال الإطلاق و التقييد فيها - تكون أظهر في مفادها، بل كالصريح، فتقدّم على ظهور الأمر في

ص: 102


1- الفقيه 1: 240 / 1059؛ وسائل الشيعة 4: 318، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 9.
2- تقدّم في الصفحة 10 و 88 و 92.
3- تقدّمت في الصفحة 90 - 91.
4- تقدّم في الصفحة 99 - 100.

صحيحة الحلبي في اللزوم، و يحمل على الاستحباب.

مع أنّ التحقيق في هيئات الأوامر(1) عدم دلالتها وضعاً على الوجوب أو الاستحباب، بل لاتدلّ إلاّ على البعث نحو المأمور به، كالإشارة المفهمة، نعم مع عدم ورود قرينة على الترخيص، يحكم العقل بلزوم الخروج عن العهدة، فهيئة الأمر كالإشارة الصادرة عن المولى، فحينئذٍ مثل الإطلاق المذكور يقدّم عليها، و يكون بمنزلة الترخيص، و تحمل على الاستحباب.

الرابع: أنّ صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه علیه السلام، قال: قلت: الرجل يقوم من الصلاة، ثمّ ينظر بعد ما فرغ، فيرى أنّه قد انحرف عن القبلة يميناً أو شمالاً؟ قال: «قد مضت صلاته، و ما بين المشرق و المغرب قبلة»(2) ظاهرة في أنّ وروده فيها كان لا باجتهاد و نظر، بل لغفلة و نحوها، و إن أبيت فلا أقلّ من احتمال كونه عن اجتهاد أو غفلة أو خطأ و نحوها، و مع عدم الاستفصال تدلّ على الصحّة في جميع الفروض و المحتملات، فعلى الأوّل الذي هو الأظهر، تكون معارضة لصحيحة الحلبي تعارض النصّ و الظاهر، فتقدّم عليها بالحمل على الاستحباب، و كذا على الثاني؛ لبُعد حملها على خصوص فرض الاجتهاد، فتدبّر.

و مع الغضّ عمّا سبق من الوجوه، فغاية ما تدلّ عليه صحيحة الحلبي: هو أنّ المصلّي في مورد كان مكلّفاً بالتحرّي و الاجتهاد، لو تركه ولو قصوراً بطلت صلاته، و يجب عليه الإعادة.

ص: 103


1- راجع مناهج الوصول 1: 198.
2- الفقيه 1: 179 / 846؛ تهذيب الأحكام 2: 48 / 157؛ وسائل الشيعة 4: 314، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 1.

و أمّا استفادة الحكم للساهي و الغافل و نحوهما، فمحلّ إشكال، بل منع، فلا محيص عن الأخذ بإطلاق صحيحة معاوية.

و كيف كان، فلاينبغي الإشكال في عدم صلاحية صحيحة الحلبي لتقييد صحيحة زرارة، فلا إشكال في هذه الصورة.

حكم تبيّن الانحراف إلى أكثر ممّا بين اليمين و الشمال

و منه يعلم الجواب في الصورة الثانية - أي صورة الانحراف إلى أكثر ممّا بينهما - فإنّ الصحيحة على أكثر الوجوه لاتعارض الأخبار المفصّلة بين الوقت و خارجه.

و أمّا صحيحة سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام: الرجل يكون في قَفر من الأرض في يوم غيم، فيصلّي لغير القبلة، ثمّ يصحى، فيعلم أنّه صلّى لغير القبلة، كيف يصنع؟ قال: «إن كان في وقت فليعد صلاته، و إن كان قد مضى الوقت فحسبه اجتهاده»(1) فلاتدلّ على أنّ الأمر مطلقاً دائر مدار الاجتهاد؛ حتّى في مورد لم يكن المكلّف مأموراً به، كما لو صلّى لغير القبلة خطأ أو غفلة و نحوهما، بل غاية ما تدلّ عليه: أنّه في مثل الفرض الذي يكون مكلّفاً بالاجتهاد، حسبه اجتهاده، و لو لم يجتهد و صلّى بطلت صلاته.

و هذا ممّا لا إشكال فيه، بل الظاهر أنّ المكلّف لو صلّى في يوم غيم - غفلة أو خطأ أو قاطعاً - لوجه القبلة يكون التفصيل محكّماً، فيختصّ البطلان على

ص: 104


1- الكافي 3: 285 / 9؛ وسائل الشيعة 4: 317، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 6.

نحو الإطلاق بالمتسامح في الاجتهاد مع تكليفه به.

و يمكن الاستئناس - بل الاستدلال - بصحيحة يعقوب بن يقطين، قال: سألت عبداً صالحاً عن رجل صلّى في يوم سحاب على غير القبلة، ثمّ طلعت الشمس و هو في وقت، أيعيد الصلاة إذا كان قد صلّى على غير القبلة؟ و إن كان قد تحرّى القبلة بجهده أتجزيه صلاته؟ فقال: «يعيد ما كان في وقت، فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه»(1).

فإنّ الظاهر منها: أنّ مورد السؤال أمران: أحدهما وروده في الصلاة بلا اجتهاد و ثانيهما الورود فيها مع الاجتهاد، فإنّ قوله: «و إن كان قد تحرّى...» إلى آخره جملة شرط مع الجزاء، و الحمل على الوصلية خلاف الظاهر، فتدلّ على صحّة صلاته مع عدم الاجتهاد، و إطلاقه يشمل الدخول غفلة و خطأ أو قاطعاً أو مسامحة، خرج الدخول مسامحة انصرافاً أو صرفاً، و بقي الباقي.

فتحصّل من جميع ما مرّ: وجوب الأخذ بإطلاق الأدلّة في الصورتين، و الخارج منها الدخول علماً و عمداً أو مسامحة و إهمالاً.

حكم الجاهل بالحكم أو الناسي له

و هل الجاهل بالحكم أو الناسي ملحق بالعامد، فتبطل صلاته، فيعيد في الوقت و خارجه، أو بالساهي و الخاطئ، فتصحّ فيما إذا كان الانحراف فيما بين المشرقين، و يفصّل في الزائد بين الوقت و خارجه، أو ملحق بالخاطئ في

ص: 105


1- تهذيب الأحكام 2: 141 / 552؛ وسائل الشيعة 4: 316، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 2.

الصورة الاُولى، و تبطل في الثانية، فيعيد في الوقت و خارجه، أو تصحّ في الثانية أيضاً، فلايعيد في الوقت، و لا في خارجه؟ وجوه:

وجه الأوّل: مضافاً إلى الإشكال الثبوتي في اختصاص الحكم بالعالم به أو الملتفت أنّ الأدلّة الخاصّة مختصّة بالخطاء و نحوه في الموضوع، فلاتعمّ الجهل بالحكم و نسيانه، و دليل «لاتعاد» حاكم على حديث الرفع، مضافاً إلى الإشكال في عمومه للشبهات الحكمية.

و وجه الثاني: إطلاق صحيحة زرارة(1) بالنسبة إلى الصورة الاُولى، فإنّ قوله بعد السؤال عن حدّ القبلة: «ما بين المشرق و المغرب قبلة كلّه» مطلق قويّ الإطلاق؛ لما عرفت من أنّه من الحقائق الادّعائية، و ليس فيها دلالة أو إشعار باختصاصها بالموضوعات، بل لعلّ المستفاد من ذيلها تأكيد إطلاق الصدر؛ حيث قال: قلت: فمن صلّى لغير القبلة، أو في يوم غيم في غير الوقت؟ قال: «فليعد»، فإنّ فرض الشبهة الموضوعية في الوقت يؤكّد تعميم مقابلها للحكمية، و كيف كان، لاينبغي الإشكال في الإطلاق، كما لاینبغي الإشكال في حكومتها على أدلّة اعتبار القبلة، كقوله علیه السلام: «لاتعاد الصلاة...»(2) هذا حال حكم ما بين المشرقين.

و أمّا التفصيل في الانحراف الزائد فلإطلاق بعض روايات الباب، كصحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: قال أبو عبد اللّه علیه السلام: «إذا صلّيت و أنت على غير القبلة، فاستبان لك أنّك صلّيت على غير القبلة و أنت في

ص: 106


1- تقدّم في الصفحة 84 و 91.
2- تهذيب الأحكام 2: 152 / 597؛ وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 5.

وقت، فأعِدْ، فإن فاتك الوقت فلاتُعد»(1).

و وجه الثالث: هو تسليم وجه الصورة الاُولى و إنكار الإطلاق لصحيحة عبد الرحمان، فإنّ المنساق منها الخطاء و نحوه في الموضوع، لا سيّما مع ندرة الجهل بالحكم و نسيانه في عصر أبي عبد اللّه علیه السلام؛ ممّا كان حكم القبلة ضرورياً بين المسلمين.

مضافاً إلى أنّ اختصاص سائر الروايات على كثرتها بالموضوع يشهد باختصاص الصحيحة به، مع أنّ قوله: «استبان» كأنّه مخصوص بالموضوع، لا الحكم الكلّي، و كيف كان، لايمكن إثبات الإطلاق لها، و على هذا يكون البطلان بحسب القواعد محكّماً.

و وجه الرابع: أمّا في الصورة الاُولى فما مرّ.

و أمّا في الثانية فهو أنّه بعد عدم ثبوت الإطلاق في الروايات الخاصّة لا مجال للتفصيل، و مقتضى حديث الرفع الصحّة مطلقاً، و هو حاكم على الأدلّة المثبتة للقبلة، كحديث «لاتعاد...»، و صحيحة زرارة: «لا صلاة إلاّ إلى القبلة»(2) و نحوهما؛ لأنّ مقتضى «لاتعاد» بطلان الصلاة بترك القبلة، فإنّ إيجاب الإعادة و نفيه كناية عن البطلان و الصحّة، كما تقدّم(3)، و لسان حديث الرفع رفع ما لايعلم، و في المقام رفع شرطية القبلة، و هو لسان الحكومة، فكما أنّ قوله علیه السلام:

ص: 107


1- تهذيب الأحكام 2: 47 / 151؛ وسائل الشيعة 4: 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 1.
2- تقدّم في الصفحة 84 و 91.
3- تقدّم في الصفحة 10 و 88 و 92.

«بين المشرق و المغرب قبلة» حاكم على أدلّة شرطية القبلة توسعة، كذلك حديث الرفع رافع لموضوع ما ثبت البطلان لأجله بالتوسعة بنحو آخر.

فما في كلمات بعض الأعيان(1) من حكومة حديث «لاتعاد» على حديث الرفع غير وجيه، كدعواه باختصاص «لاتعاد» بالسهو في الموضوع.

نعم هنا إشكال آخر في تحكيم حديث الرفع عليه: و هو أنّ إخراج ما ثبت بفقرات حديث الرفع عن «لاتعاد»، لازمه بقاؤه بلا مورد، أو في مورد نادر الوجود؛ ضرورة أنّ إخراج السهو حكماً و موضوعاً، و النسيان و الخطاء و الجهل كذلك عنه، لازمه ذلك، فيقع التعارض بين الحاكم و المحكوم، و المرجّح أو المرجع هو الكتاب الموافق لحديث «لاتعاد»، و لازمه البطلان مطلقاً.

و الجواب عنه: أنّ الأدلّة الخاصّة المفصّلة بين الوقت و خارجه(2) مخصّصة لحديث الرفع؛ لأنّها وردت في مورده، فعليه يكون الجهل بالموضوع و الخطاء و السهو فيه، داخلة في «لاتعاد» و خارجة عن حاكمه، و أمّا الجهل بالحكم و نسيانه الخارجان عن الأدلّة الخاصّة، فهما باقيان تحت حديث الرفع، و إخراجهما من «لاتعاد» لايوجب الإشكال المذكور.

و ممّا ذكرناه يظهر حال قوله علیه السلام في صحيحة زرارة: «لا صلاة إلاّ إلى القبلة»(3): فإنّ حديث الرفع حاكم عليه حتّى على الحمل على الحقيقة الادّعائية على ما هو الأظهر بين محتملات أمثاله، فإنّها متكفّلة بحكم الصلاة مع فرض

ص: 108


1- مصباح الفقيه، الصلاة 10: 180؛ نهاية التقرير 1: 240.
2- تقدّمت في الصفحة 90 - 91.
3- تقدّم في الصفحة 91.

اعتبار القبلة فيها، و الحديث يرفعها منها، فهو بمنزلة رافع الموضوع، و نظير الإشكال المتقدّم مع جوابه جارٍ فيه، فتدبّر.

ثمّ إنّ الإشكال الثبوتي المعروف؛ أي توقّف كلٍّ من الحكم و العلم به على الآخر فيدور، قد فرغنا عن جوابه سالفاً(1)، مع أنّ نظيره واقع شرعاً و مفتىً به عند الأصحاب، كالجهر و الإخفات(2) و القصر و الإتمام(3)، فما يجاب به عن الإشكال فيهما يجاب به عن الإشكال في المقام.

فتحصّل ممّا ذكر: صحّة صلاة الجاهل بحكم القبلة و الناسي له مطلقاً، و توهّم: أنّ الرفع إنّما هو ما دام جاهلاً، فمع حدوث العلم يثبت التكليف، فاسد، و قد ذكرنا في محلّه بيان الإجزاء في أمثاله، فراجع الاُصول(4).

و استبعاد كون الجهل بالموضوع أسوأ حالاً من الجهل بالحكم، في غير محلّه، بعد اقتضاء الدليل ذلك، بل ورد في صحيحة عبد الرحمان بن الحجّاج(5) - في باب التزويج في العدّة - أنّ جهالته بالحكم أهون من جهالته بالموضوع، و كيف كان، لا إشكال من هذه الناحية، و الاحتياط حسن على كلّ حال.

ص: 109


1- تقدّم في الصفحة 17 - 18.
2- شرائع الإسلام 1: 73؛ إرشاد الأذهان 1: 267؛ مختلف الشيعة 2: 170؛ مفتاح الكرامة 7: 106 و 187 - 188؛ جواهر الكلام 10: 24 - 25.
3- شرائع الإسلام 1: 125؛ إرشاد الأذهان 1: 276؛ مفتاح الكرامة 10: 617؛ جواهر الكلام 14: 343.
4- مناهج الوصول 1: 255.
5- الكافي 5: 427 / 3؛ وسائل الشيعة 20: 450، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الباب 17، الحديث 4.

فروع:

الفرع الأوّل حكم تبيّن الخلاف أثناء الصلاة

لا إشكال في صحّة الصلاة إذا تبيّن في أثنائها الانحراف إلى ما بين المشرق و المغرب، فيجب عليه أن يحوّل وجهه إلى القبلة و يتمّها؛ من غير فرق بين سعة الوقت و ضيقه؛ حتّى فيما إذا لم يبقَ منه إلّا مقدار نصف الركعة أو أقلّ.

كما لا إشكال في بطلانها مع الاستدبار و نحوه إذا تبيّن في سعة الوقت، فليقطع صلاته و يستأنف إذا كان يدرك ركعة في الوقت بعد قطعها.

و تدلّ على ما ذكر موثّقة عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه علیه السلام: في رجل صلّى على غير القبلة، فيعلم و هو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته؟ قال: «إن كان متوجّهاً فيما بين المشرق و المغرب، فلْيحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم، و إن كان متوجّهاً إلى دبر القبلة، فلْيقطع الصلاة، ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة، ثمّ يفتتح الصلاة»(1)، فإنّ مقتضى إطلاقها عموم الحكم بالصحّة و الفساد لجميع الفروض.

و الظاهر أنّ الحكم بالبطلان ثابت للانحراف الزائد عمّا بين المشرق و المغرب، أمّا في غير نقطة المشرقين فلصدق دبرها عرفاً و حقيقة، و إن أبيت

ص: 110


1- الكافي 3: 285 / 8؛ وسائل الشيعة 4: 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 4.

ذلك فالظاهر من مثل التركيب: أنّ الحكم المقابل للشرطية الاُولى ثابت لمفهومها، و إنّما ذكر في المنطوق مصداق منه، بل من البعيد جدّاً إهمال الحكم في غالب المصاديق المفروضة، و منه يعلم حال التوجّه إلى المشرقين؛ إذ هو أيضاً داخل في مفهوم الصدر.

استفادة بطلان الصلاة في صورة ضيق الوقت من موثّقة عمّار

و لو ضاق الوقت عن إدراك ركعة، فهل الحكم هو البطلان، أو تصحّ صلاته، و يحوّل وجهه إلى القبلة، و يتمّها؟

لايبعد ثبوت حكم البطلان في هذه الصورة أيضاً، فإنّ في الموثّقة احتمالات أرجحها ما يوجب ذلك.

منها: أنّ قوله: «فليقطع الصلاة» كناية عن بطلانها من غير قيد، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين سعة الوقت وضيقه، و قوله بعد ذلك: «ثمّ يحوّل وجهه...» إلى آخره ليس حكماً شرعياً، بل إرشاد إلى شرطية القبلة، أو تعبير على مجرى العادة، و لا دلالة فيه على فرض سعته، بل مقتضى الإطلاق - لو فرض كونه حكماً - عدم الفرق بين السعة و الضيق.

و هذا الاحتمال هو الأرجح الموافق لإطلاق السؤال و الجواب و الصدر و الذيل، و عليه تبطل صلاته، و يجب القضاء لفوتها.

منها: أنّ قوله ذلك كناية عن البطلان كالسابق من غير قيد، و قوله بعد ذلك: «ثمّ يحوّل وجهه...» إلى آخره في فرض سعة الوقت، و النتيجة مع السابق واحدة.

منها: أنّ قوله: «فليقطع...» إلى آخره في فرض سعة الوقت، و على ذلك

ص: 111

لاتتعرّض الرواية لصورة ضيقه، فلابدّ من العمل بالقواعد، و مقتضى القاعدة الأوّلية بطلانها؛ لقوله علیه السلام: «لا صلاة إلاّ إلى القبلة»(1) و نحوه(2) ممّا يدلّ على اشتراط القبلة في جميع الصلاة؛ حتّى في الأكوان الخالية عن الذكر؛ ولو ببركة أدلّة القواطع أو بضميمتها، على ما يأتي(3) الكلام فيه.

التمسّك بحديث الرفع لتصحيح الصلاة

و يمكن القول بالصحّة فيما إذا صلّى لغير القبلة حال الجهل بالحكم أو نسيانه؛ و ذلك لدليل الرفع(4) بالنسبة لما مضى من الصلاة لغير القبلة، و لدليل رفع الاضطرار(5)، بالنسبة لحال الالتفات إلى الاشتراط إلى أن يحوّل وجهه إلى القبلة، و حصول الشرط بالنسبة لما بعد ذلك، فيقال بصحّتها و لزوم التحوّل إلى القبلة فيما بقي منها.

فإن قلت: إنّ شمول دليل رفع الاضطرار فرع تحقّقه، و تحقّقه فرع تكليف الشارع بإتمامها، و إلاّ فلايضطرّ المكلّف به تكويناً، فمع احتمال بطلانها يشكّ في الاضطرار، فلايصحّ التمسّك بدليله للشبهة المصداقية أو لشبهة الدور، بل

ص: 112


1- الفقيه 1: 180 / 855؛ وسائل الشيعة 4: 312، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 9، الحديث 2.
2- راجع وسائل الشيعة 4: 312، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 9.
3- يأتي في الصفحة 115.
4- التوحيد، الصدوق: 353 / 24؛ الخصال: 417 / 9؛ وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.
5- نفس المصدر.

مقتضى دليل بطلان الصلاة - بالالتفات الفاحش و الاستدبار - بطلانها، و هو رافع لموضوع دليل الرفع؛ لأنّه مع بطلانها ينتفي الاضطرار.

قلت: نعم، لكن يمكن استكشاف لزوم الإتمام من الأدلّة الكثيرة الظاهرة في مراعاة الشارع الأعظم للوقت، عند الدوران بين فوته أو فوت سائر الشروط، و قد وردت روايات يظهر منها: أنّ الصلاة لاتترك مع فقد القبلة، كما وردت في المريض أن يصلّي مضطجعاً(1) و ما وردت في الصلاة على الدابّة في يوم مطير، و صرّح في بعضها: بأنّه يستقبل القبلة بتكبيرة الإحرام، ثمّ يدور حيثما دارت الدابّة(2)، و في أدلّة صلاة الخوف(3) و غيرها(4) ما يدلّ على ذلك.

و بالجملة: إنّها لاتترك بحال، فلو اضطرّ إلى أن يصلّي مستدبراً يجب عليه و صحّت صلاته.

فحينئذٍ يمكن أن يقال: إنّ صلاته الصحيحة إلى حال الالتفات، مع إمكان إتمامها مستقبلاً مع إدراك الوقت، يجب إتمامها و تصحّ بدليل الرفع، بل يمكن القول بالصحّة؛ و عدم قاطعية الالتفات و الاستدبار في حال الالتفات إلى الاستقبال؛ بالاستكشاف من هذه الأدلّة، و من أنّ «الصلاة لاتترك

ص: 113


1- الكافي 3: 410 / 4؛ وسائل الشيعة 5: 496، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 7، الحديث 1.
2- راجع وسائل الشيعة 4: 327، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 14، الحديث 8 و 9، و: 331، الباب 15، الحديث 13.
3- راجع وسائل الشيعة 8: 439 - 441، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الخوف و المطاردة، الباب 3، الحديث 2، 3، 4 و 8.
4- راجع وسائل الشيعة 4: 320، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 13.

بحال»(1). هذا حال الجهل بالحكم و نسيانه.

و يمكن إجراء حكمهما إلى السهو و الخطاء في الموضوع.

و الإشكال: بلزوم صيرورة «لاتعاد» بلا مورد مع حكومة فقرات حديث الرفع عليه.

مرتفع: بأنّ غير مورد ضيق الوقت - الذي كلامنا فيه - داخل في دليل «لاتعاد» كما تقدّم(2)، فخروج هذا المصداق النادر عنه كخروج الجهل بالحكم و النسيان عنه، لايوجب إشكالاً، فعلى هذا يمكن تصحيحها بدليل رفع الخطاء منضمّاً إلى رفع الاضطرار، كما مرّ(3).

إلاّ أن يستشكل في صحّة الاستدلال بدليل الرفع في غير الجهل بالحكم و نسيانه، بأن يقال: إنّ المصلّي صلّى إلى غير القبلة سهواً أو خطأً، و رفعُ غير القبلة لا أثر له.

إلاّ أن يقال: إنّ رفع الاستدبار الخطئي أثره عدم بطلان الصلاة، و كذا رفع الاستدبار الاضطراري.

إلاّ أن يقال: إنّ ما هو الشرط استقبال القبلة، و ما ورد: من أنّ الالتفات الفاحش قاطع للصلاة(4)، إرشاد إلى اشتراط القبلة في جميع حالاتها،

ص: 114


1- الظاهر أنّ هذه مستفادة من صحيحة زرارة الواردة في المستحاضة. راجع وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5.
2- تقدّم في الصفحة 108.
3- تقدّم في الصفحة 112.
4- راجع وسائل الشيعة 7: 244، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 3.

و ليست القاطعية حكماً شرعياً حتّى يتعلّق به الرفع، و ما هو حكم شرعي قابل للرفع هو اشتراط التوجّه إلى القبلة، و لم يتعلّق به السهو و الخطاء و لا الاضطرار، بل المانعية و القاطعية لو لم ترجعا إلى اشتراط ما يقابلهما غير معقولة.

الإشكالات الواردة في التمسّك بحديث الرفع

و التحقيق: أنّ أساس الإشكال في التمسّك بحديث الرفع لنظائر المقام اُمور:

منها: أنّ حديث الرفع لايرفع إلاّ ما هو ثابت بالأدلّة الأوّلية ولو قانوناً؛ إذ لا معنى لرفع غير ما ثبت بالشرع، و المفروض في المقام أنّ ما هو ثابت شرطية القبلة، لا مانعية الاستدبار؛ إذ لا دليل عليها(1).

و فيه: منع عدم الدليل على مانعيته؛ لأنّ ظاهر كثير من الروايات: أنّ الالتفات الفاحش أو الالتفات عن القبلة، يقطع أو يفسد الصلاة، و أدلّة الاشتراط لايفهم منها إلاّ لزوم الاستقبال حال الإتيان بها، فإنّ الصلاة هي الأذكار و القرآن و الأفعال المعتبرة فيها، و لولا أدلّة البطلان بالالتفات، لما دلّت أدلّة الشرائط على البطلان به في غير حال الاشتغال بها.

و بالجملة: هاهنا دليلان: دليل اشتراط القبلة و دليل قاطعية الالتفات، و إرجاع الثانية إلى الاُولى لا وجه له إلاّ مع القول بالامتناع(2)، و قد مرّ(3) الكلام

ص: 115


1- اُنظر فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 222.
2- الصلاة، المحقّق الحائري: 296 - 297.
3- تقدّم في الصفحة 4 - 5.

في دفعه في بعض المقامات، و تأتي الإشارة إليه(1).

مضافاً إلى أنّ دليل الرفع - بما أنّ فقراته حقائق ادّعائية، و مصحّحها رفع جميع الآثار فيما إذا لم يكن بعضها واضحة أو شائعة، كما تقدّم الكلام فيه(2) - يرفع لازم المجعولات الشرعية كالاستدبار، فإنّ قاطعيته لازم شرطية القبلة؛ بناء على شرطيتها في الأكوان أيضاً، مع أنّ رفع الاستدبار الراجع إلى قاطعيته لازمه رفع شرطية الاستقبال، فلاينبغي الإشكال من هذه الجهة.

و منها: أنّ الالتفات و الاستدبار برجوعهما إلى عدم الاستقبال موجبان للبطلان، فالمفسد حقيقة عدم الاستقبال، لا الاستدبار و الالتفات، و لايعقل تعلّق الرفع بالاُمور العدمية، فإنّها مرفوعة بذاتها(3).

و فيه - لو سلّم ذلك، مع أنّه غير مسلّم، بل ممنوع بحسب ظواهر الأدلّة -: أنّ ما لايعقل تعلّقه بالأعدام هو الرفع الحقيقي، دون الادّعائي الراجع إلى نفي الأثر، كما في المقام، فإنّ ترك الاستقبال مفسد ولو لأجل فقدان الاستقبال، و دليل الرفع - بما أنّه حقيقة ادّعائية - يرفع تركه ادّعاء، الراجع إلى عدم بطلان الصلاة به، فلا إشكال من هذه الجهة أيضاً.

و منها: شبهة امتناع المانعية و القاطعية لو لم ترجعا إلى شرطية ما يقابلهما(4).

و فيه ما تقدّم(5) من الجواب عنها، و حاصله: أنّ مناط الشرطية يباين

ص: 116


1- تأتي في الصفحة الآتية.
2- تقدّم في الصفحة 10.
3- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 353.
4- الصلاة، المحقّق الحائري: 296 - 297.
5- اُنظر ما تقدّم في الصفحة 4 - 5.

مناط القاطعية و المانعية، و لايعقل إرجاع إحداهما إلى الاُخرى، فالشرط دخيل في وجود المصلحة و الاقتضاء، و القاطع مزاحم لتحقّق المأمور به في الخارج اعتباراً، و لايعقل أن يكون عدمهما شرطاً و دخيلاً في المصالح، فراجع.

و قد تقدّم(1) في بعض المباحث: أنّ ما قيل: من أنّ مانعية الشيء ترجع إلى أنّ عدمه شرط(2)، كلام خالٍ عن التحقيق، و لعلّه مأخوذ من ظاهر كلام بعض أهل النظر: من أنّ عدم المانع من أجزاء العلّة التامّة(3)، و هو كلام صُوري لو صدر من أهل الفنّ لايراد منه ظاهره.

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ تصحيح الصلاة بدليل الرفع ممّا لا مانع منه، هذا كلّه لو لم نقل باستفادة البطلان من موثّقة عمّار، كما تقدّم(4).

الفرع الثاني لو صلّى الظهر مستدبراً و لم يبق إلاّ مقدار أربع ركعات

لو تبيّن أنّه كان مستدبراً في صلاة الظهر و لم يبقَ من الوقت إلاّ مقدار أربع ركعات، فهاهنا صورتان:

إحداهما: تبيّن ذلك مع عدم الإتيان بالعصر.

ص: 117


1- تقدّم في الصفحة 5.
2- الصلاة، المحقّق الحائري: 296 - 297.
3- الحكمة المتعالية 2: 127، الهامش 1 (تعليقة المحقّق السبزواري).
4- تقدّم في الصفحة 111.

ثانيتهما: تبيّنه بعد الإتيان به و بالظهر، مع فرض أنّ الوقت في الصورتين لايسع إلاّ لأربع ركعات.

ففي الصورة الاُولى: هل يجب عليه قضاء الظهر أو لا؟

و في الصورة الثانية: هل يجب عليه الإتيان بالظهر أو لا؟

فالكلام تارة في مقتضى أدلّة الاختصاص و الاشتراك، و اُخرى في مفاد الأدلّة الواردة في المقام.

حول إمكان اشتراك الوقت

فنقول: قد يقال بامتناع اشتراك الوقت من أوّله إلى آخره؛ لامتناع تعلّق التكليف بالضدّين حين الزوال، و امتناع تعلّقه بهما عند ضيق الوقت، و أمّا في غير أوّل الوقت و آخره، فلا مانع من الاشتراك؛ لعدم أداء التكليف إلى الجمع بين الضدّين، كما هو ظاهر(1).

و فيه: أنّه قد ذكرنا في باب الترتّب بعد البناء على بطلانه: أنّه لا مانع من تعلّق تكليفين فعليين بالضدّين، و تحقيق ذلك مبتنٍ على مقدّمات ذكرناها هناك(2)، و لا مجال هاهنا لإطالة الكلام.

لكن نقول إجمالاً: إنّ الامتناع: إمّا لأجل امتناع تعلّق التكليف بالضدّين في زمان واحد؛ لكونه تكليفاً محالاً، أو لأجل امتناع الجمع بينهما في وقت واحد، فيكون تكليفاً بالمحال، و كلٌّ منهما ممنوع؛ أمّا من ناحية التكليف

ص: 118


1- مختلف الشيعة 2: 34.
2- مناهج الوصول 2: 15 - 22.

بالضدّين؛ فلأنّ الأمر بكلٍّ من الضدّين أمر مستقلّ متعلّق بموضوعه

الذي هو الطبيعة من غير لحاظ حالاتها؛ فضلاً عن مزاحماتها، فالأمر بالصلاة - مثلاً - متعلّق بطبيعتها، و مقتضى الإطلاق - بعد تمامية مقدّماته - هو كون المتعلّق تمام الموضوع، و لايعقل أن يكون الأمر بالطبيعة متعلّقاً بمصاديقها، كما لايعقل أن تكون مرآة و كاشفاً لها، فالأمر بها أمر واحد متعلّق بواحد، و لايتكثّر حتّى بعد مقدّمات الإطلاق، فالأمر بكلٍّ من الضدّين أمر به بلا لحاظ ضدّه و مزاحمه.

و بعبارة اُخرى: هنا أمر بهذا الضدّ و أمر آخر بذاك الضدّ، و لايكون أمر ثالث بالجمع بينهما؛ حتّى يقال: إنّه تكليف محال.

و من هذا يظهر: أنّ دعوى أنّه تكليف بالمحال، غير وجيهة، فإنّ الأمر إذا لم يتعلّق بالجمع لم يكن تكليفاً بالمحال، و لا تكليفاً محالاً، نعم لايمكن للمكلّف إطاعة الأمرين بعد إمكان إطاعة كلّ واحد منهما، فحينئذٍ يحكم العقل بالتخيير مع فقد الأهمّية، و بالتعيين إذا كان أحدهما أهمّ، هذا في باب المتزاحمين.

و أمّا في المقام فلأنّه بعد معلومية عدم امتناع أصل الاشتراك بوجه، لا محالة يكون اشتراك الوقت بينهما في جميع القطعات على السواء، و أنّ الوقت في جميعها وقت فعلي؛ من غير فرق بين الأوّل و الآخر و الوسط.

و ما قيل: من الوقت الإنشائي(1) أو الاقتضائي(2) بالنسبة إلى القطعة الاُولى

ص: 119


1- مصباح الفقيه، الصلاة 9: 107 و 115؛ نهاية التقرير 1: 92.
2- الصلاة، المحقّق الحائري: 7.

و الأخيرة، و الفعلي بالنسبة إلى سائر القطعات مع عدم الإتيان بالظهر، و بعد الإتيان يتنجّز التكليف، ممّا لا أصل له، و نشأ من الخلط بين الشروط.

بيان ذلك: أنّ للصلاة شروطاً، كالقبلة و الستر و الطهارة و الوقت، و لصلاة العصر شرطاً آخر، و هو ترتّبها على صلاة الظهر، ففي القطعات المتوسّطة للوقت يكون مقتضى الاشتراك تحقّق هذا الشرط؛ أي الوقت فعلاً، و ليس معناه أنّ المكلّف يجوز له الشروع في الصلاة بمجرّده، بل بعد حصول هذا الشرط لابدّ من حصول الشروط الاُخر، كالطهارة و نحوها، و انتظار هذه الشروط لايوجب أن يكون الوقت شأنياً أو اقتضائياً، فإنّ عدم صحّتها لأجل فقدان سائر الشروط، لا لنقصان الوقت.

وكذا الحال في القطعة الاُولى - أي عند زوال الشمس - فإنّ المكلّف لو كان محدثاً لايجوز له الشروع في الظهر؛ لا لنقصان في الوقت، بل لعدم حصول الطهارة، و حال صلاة العصر بالنسبة إلى شرطها - أي ترتّبها على صلاة الظهر - كحال صلاة الظهر بالنسبة إلى الطهارة، فصلاة العصر عند زوال الشمس واجبة، لكن لايصحّ الشروع فيها، لا لأجل فقدان الوقت أو شأنيته، بل مع تحقّق وقته فعلاً يكون عدم الصحّة لأجل فقدان شرطه، و هو ترتّبها على الظهر، فلو كان هذا الشرط محقّقاً أو غير معتبر، كانت صحيحة واقعة في وقتها الفعلي، فلو نسي صلاة الظهر و شرع في العصر، تصحّ لسقوط الترتيب و تحقّق سائر الشروط، فالخلط بين اشتراط الترتيب و اشتراط الوقت يوجب عدم تصوّر الوقت الفعلي الحقيقي، فالالتزام بأنّ للوقت حالات ثلاثاً ممّا لايرجع إلى تحقيق.

ص: 120

بل لو قلنا: إنّ التكاليف لاتصير فعلية عند عدم القدرة عليها، أو على شروطها المطلقة ولو حال الالتفات، فلابدّ و أن يقال في المقام: إنّ التكليف بالعصر غير فعلي، لأجل عدم القدرة على تحصيل شرطها المطلق، لا أنّ الوقت غير فعلي.

نعم، لو كان الترتيب بينهما معتبراً مطلقاً، و كان الشروع في صلاة الظهر قبل الزوال موجباً لبطلانها ولو مع إدراك الوقت في الأثناء، كان للسؤال عن جواز جعل أوّل الزوال وقتاً للعصر، وجه لو كان الوقت جعلياً، لكن بعد عدم اعتبار الترتيب إلاّ حال الذكر، و صحّة الصلاة في بعض الحالات، مع الشروع فيها قبل الوقت و الإدراك في الأثناء، لا وقع لهذا السؤال. هذا حال القطعة الاُولى.

و أمّا القطعة الأخيرة فعدم صحّة الظهر فيها، ليس لأجل عدم تحقّق الوقت و خروجه، بل لمزاحمة صلاة العصر معها، و ليست المزاحمة في الوجود؛ حتّى يقال بصحّة الظهر لو ترك العصر، كما في سائر المزاحمات، بل لمزاحمتها في صورة الالتفات مع المصلحة، فوجوب العصر مزاحم في هذا الوقت الضيق لإدراك مصلحة الظهر، تأمّل. و لولا المزاحم كانت صحيحة، كما لو صلّى العصر غفلة في الوقت الواسع و تمّت عند الضيق، أو نسيها و صلّى العصر، فلم يكن في مثل الحال مزاحم في البين، و صحّ الظهر و وقع في وقته.

و يحتمل أن يكون الظهر في آخر الوقت مشروطاً بالإتيان بالعصر، كما لو أتى به غفلة، و ضاق الوقت، أو بالعذر عن إتيانه، كما لو نسي العصر، و أتى بالظهر في الضيق، أو قطع بإتيانه، فأتى بالظهر في الضيق.

هذه كلّها احتمالات موجبة لعدم دليل عقلي أو اعتباري على عدم إمكان

ص: 121

الوقت المشترك، فلو كان مقتضى الجمع بين الأدلّة اشتراكه، لم يصحّ ردّه بعذر الامتناع.

حول الروايات الدالّة على الاشتراك و الاختصاص

ثمّ إنّ الروايات مختلفة المضمون في الباب، و لهذا صارت المسألة محلّ خلاف:

فعن المشهور: اختصاص صلاة الظهر من أوّل الوقت بمقدار أدائها حسب حالات المكلّف، و اختصاص آخره بالعصر كذلك، و ما بينهما من الوقت مشترك(1).

و عن الصدوقين: أنّه إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر و العصر(2).

و سيأتي الكلام(3) في حال القولين و الشهرة المدّعاة.

و العمدة صرف الكلام في مفاد الأدلّة:

و ممّا تدلّ على الاشتراك جملة من الروايات:

كرواية عبيد بن زرارة المنقولة في «الفقيه» بسند نقيّ(4)، قال: سألت

ص: 122


1- قواعد الأحكام 1: 247؛ روض الجنان 2: 483 - 484؛ جواهر الكلام 7: 74 - 75 و 88؛ نهاية التقرير 1: 82.
2- الهداية، الصدوق: 127؛ المقنع: 91.
3- يأتي في الصفحة 132 - 134.
4- قال الشيخ الصدوق في مشيخته: و ما كان فيه عن عبيد بن زرارة فقد رويته عن أبي - رضي اللّه عنه - عن سعد بن عبد اللّه، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحكم بن مسكين الثقفي، عن عبيد بن زرارة. الفقيه، المشيخة 4: 31.

أبا عبد اللّه علیه السلام عن وقت الظهر و العصر، فقال: «إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر و العصر جميعاً إلاّ أنّ هذه قبل هذه، ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس»(1).

و صحيحة إسماعيل بن مهران على الأصحّ قال: كتبت إلى الرضا علیه السلام: ذكر أصحابنا: أنّه إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر و وقت العصر، و إذا غربت الشمس دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة، إلّا أنّ هذه قبل هذه في السفر و الحضر، و أنّ وقت المغرب إلى ربع الليل؟ فكتب: «كذلك الوقت...»(2) الحديث.

و قريب منهما روايات عبيد بن زرارة(3) ممّا هي ظاهرة الدلالة على الاشتراك، و صحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام، قال: «إذا زالت الشمس دخل الوقتان: الظهر و العصر، و إذا غابت الشمس دخل الوقتان: المغرب و العشاء الآخرة»(4) و بمضمونها غيرها(5).

ص: 123


1- تهذيب الأحكام 2: 19 / 51، و: 24 / 68؛ وسائل الشيعة 4: 126، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 5.
2- الكافي 3: 281 / 16؛ وسائل الشيعة 4: 130، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 20.
3- راجع وسائل الشيعة 4: 129، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 19 و 21 و 23.
4- تهذيب الأحكام 2: 19 / 54؛ وسائل الشيعة 4: 125، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 1.
5- راجع وسائل الشيعة 4: 127، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 8 - 11.

و بإزائها مرسلة داود بن فرقد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه علیه السلام، قال: «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر و العصر حتّى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر، و بقي وقت العصر حتّى تغيب الشمس...»(1) إلى آخره، و عن «الفقيه» قال الصادق علیه السلام: «إذا غابت الشمس فقد حلّ الإفطار و وجبت الصلاة، و إذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل»(2) و عن «فقه الرضا»: «وقت عشاء الآخرة الفراغ من المغرب»(3).

و هذه الطائفة أيضاً ظاهرة الدلالة على الاختصاص، و أنّه قبل مضيّ مقدار أربع ركعات أو مقدار صلاة المصلّي، يكون الوقت بالنسبة إلى العصر و العشاء، كما قبل زوال الشمس و سقوطها.

توجيه روايات الاشتراك

و قد تصدّى المحقّقون لتوجيه روايات الاشتراك بوجوه غير مرضيّة:

منها: ما أفاده شيخنا العلاّمة - أعلى اللّه مقامه - بقوله: من المحتمل أن يكون

ص: 124


1- تهذيب الأحكام 2: 25 / 70؛ وسائل الشيعة 4: 127، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 7.
2- الفقيه 1: 142 / 662؛ وسائل الشيعة 4: 179، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 16، الحديث 19.
3- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام: 103؛ مستدرك الوسائل 3: 134، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 16، الحديث 1.

المراد: كون الوقت صالحاً للفرضين لولا حيثية تقدّم الظهر على العصر، و بملاحظة هذه الحيثية جعل الوقت بمقدار أداء الفريضة وقتاً للظهر.

و الحاصل: أنّ مفاد الرواية - و اللّه أعلم - على هذا: أنّه إذا زالت الشمس دخل الوقتان بموجب الاقتضاء الذاتي، إلّا أنّ قبلية الظهر على العصر، أوجبت جعل مقدار من الوقت خاصّاً به(1)، ثمّ جعل ذلك نظير ما ورد في بعض أخبار النافلة(2): إلّا أنّ بين يديها سُبْحة.

و أنت خبير بأنّ الأخبار الملقاة على العرف، لايصحّ تأويلها بالوجه العقلي المغفول عنه عند المخاطبين، مع أنّه مخالف للظاهر جدّاً، فإنّه يرجع إلى أنّ أوّل الوقت ليس وقتاً للعصر - مثلاً - ولكن لو لم تكن مرتّبة على الظهر كان وقتاً لها، و هو مخالف لقوله: «إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر و العصر» أو «دخل وقت الظهر و العصر جميعاً»، و لَعمري إنّ طرح الرواية و ردّ علمها إلى قائلها خير من هذا التأويل.

و العجب من شيخنا الأجلّ مع ذلك الذهن العرفي، كيف رضي بهذا التأويل قائلاً: إنّه ليس ببعيد(3).

و يتلوه في الإشكال القول: بشأنية الوقت؛ و كونه - من حيث هو - صالحاً لفعل العصر، لكن الترتيب مانع عن الفعلية(4)، فإنّه أيضاً يرجع إلى عدم كون

ص: 125


1- الصلاة، المحقّق الحائري: 7.
2- راجع وسائل الشيعة 4: 131، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 5، الحديث 1 و 9.
3- الصلاة، المحقّق الحائري: 7.
4- مصباح الفقيه، الصلاة 9: 115.

أوّل الزوال وقتاً للعصر، و إنّما له شأنية ذلك، و هو أيضاً مخالف للروايات الدالّة على دخول وقت صلاة الظهر و العصر جميعاً حين زوال الشمس، نعم لا بأس بالإطلاق المجازي، لكنّه خلاف الأصل، كما أ نّه خلاف التأكيد الواقع في الكلام.

و نظيرهما في الضعف القول: بأنّ المراد دخول وقتهما توزيعاً(1)، و ربّما تشهد بذلك: رواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه علیه السلام في قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ)(2) قال: «إنّ اللّه تعالى افترض أربع صلوات أوّل وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل. منها صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس، إلّا أنّ هذه قبل هذه...»(3)، إلى آخره.

فإنّ كون أوّل وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل ليس إلّا على نحو التوزيع، فيحمل سائر فقراتها على ذلك، و كذا يحمل سائر الروايات المشتملة على هذا التعبير عليه.

و فيه - مضافاً إلى أنّ قيام قرينة في رواية على خلاف ظاهرها، لايوجب ارتكاب خلاف الظاهر فيما لم تقم فيه القرينة عليه -: أنّ تعبير هذه الرواية يخالف تعبيرات سائر الروايات، فأين قوله علیه السلام: «إذا زالت الشمس دخل وقت صلاة الظهر و صلاة العصر جميعاً، ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتّى تغيب

ص: 126


1- مفتاح الكرامة 5: 131.
2- الإسراء (17): 78.
3- تهذيب الأحكام 2: 25 / 72؛ وسائل الشيعة 4: 157، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 4.

الشمس»(1) من التعبير في هذه الرواية، فهل يصحّ من شخص عادي أن يقول بهذا القول المفصّل المؤكّد، ثمّ يقول: إنّي أقول: إنّ أوّل الوقت ليس وقتاً للعصر، و هل هذا إلّا غفلة و ذهول؟!

و دعوى: أنّ قوله علیه السلام: «إنّ هذه قبل هذه» دليل على التوزيع(2)، بعيدة عن الصواب بعد التأكيد المذكور، و بعد قوله علیه السلام: «ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس»، بل لو كان الاستثناء لبيان التوزيع، لرجع الكلام إلى أنّ أوّل وقت صلاة الظهر و صلاة العصر جميعاً هو الزوال، إلّا أنّ وقت العصر متأخّر عن الزوال، و هذا كلام لايصدر عن الشخص العادي، فضلاً عمّن كان الكلام له.

فلا إشكال في أنّ المراد بالاستثناء بيان الترتيب بين الصلاتين، و لا مانع من عدم القدرة على تحصيله في بعض القطعات حتّى القطعة المذكورة، فالمراد أنّ الوقت الذي هو الشرط حاصل، لكن لايصحّ العصر؛ لأنّ الإتيان بالظهر قبله شرطه، فهذه الطائفة مع اشتمالها على الاستثناء شاهدة أيضاً على الاشتراك.

و القول بتقييد تلك الروايات برواية داود بن فرقد - على ما حكي عن المحقّق في «المعتبر»(3) - غير وجيه، فإنّ من المعلوم أنّ تلك الروايات ليست من قبيل المطلق حتّى تقيّد، فقوله علیه السلام: «إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر

ص: 127


1- تهذيب الأحكام 2: 19 / 51، و 24 / 68؛ وسائل الشيعة 4: 126، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 5.
2- اُنظر مصباح الفقيه، الصلاة 9: 101.
3- المعتبر 2: 35.

و العصر جميعاً... و أنت في وقت منهما جميعاً» كيف يعدّ مطلقاً حتّى يقيّد.

و كيف كان، فالتأويلات المذكورة ليست وجيهة و إن صدرت عن الأجلّة.

تضعيف القول بالاختصاص

و الذي يمكن أن يقال: إنّ رواية داود محمولة على بيان الوقت الذي تصحّ الصلاة فيه بحسب الحالات العادية، و لمّا كانت صلاة العصر مشروطة بالترتّب على صلاة الظهر، و لايمكن للمكلّف تحصيل هذا الشرط في أوّل الزوال بحسب اختياره، و كذا الحال بالنسبة إلى آخر الوقت، فإنّه لاتصحّ صلاة الظهر؛ لابتلائها بالمزاحم الخارج عن قدرة المكلّف، أو اشتراطها بأمر خارج عنها، بخلاف القطعات المتوسّطة، فإنّ تحصيل شرط صلاة العصر - أي ترتّبها على الظهر - تحت قدرة المكلّف.

فيصحّ بحسب الذهن العرفي أن يقال: «إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر» أي الوقت الذي يصحّ فيه الظهر بحسب الحالات العادية، و حيث لايصحّ العصر يصحّ أن يقال: إنّ هذه القطعة وقت الظهر لا العصر، و مع لحاظ القطعة الأخيرة بحسب اختيار المكلّف، يصحّ أن يقال: هذه القطعة وقت العصر؛ أي الوقت الذي لايصحّ فيه إلّا العصر، و أمّا القطعات المتوسّطة فيصحّ الظهر فيها، و كذا العصر؛

لأنّ تحصيل شرطه تحت قدرة المكلّف.

فالمراد بحسب الواقع بيان الأوقات بحسب وقوع الصلاة فيها صحيحة، فهل ترى أنّه لو سأل سائل من الفقيه الذي يرى اشتراك الوقت من أوّله إلى آخره: عن أنّه هل تجوز صلاة العصر في أوّل الزوال؟ فأجاب: بأنّه وقت الظهر

ص: 128

لا العصر، و كذا الحال في آخره، لقال شيئاً مناقضاً لمبناه الذي هو الاشتراك، أم يكون المراد أنّ أوّل الوقت وقت يصحّ [فيه] الظهر فقط، و لايقع العصر فيه، فالتعبير: بأنّه وقت الظهر - أي الوقت الذي صحّ فيه الظهر فقط - صحيح موافق لنظر العرف العامّ، و لايناقض القول بالاشتراك.

و يمكن الاستئناس - بل الاستشهاد - لذلك: بأنّ المراد لو كان تعيين الوقت مع قطع النظر عن الشرط الآخر - أي الترتيب - لعيّنه بأمر مضبوط، لا بأمر موكول إلى المكلّف مع الاختلاف الكثير و عدم الانضباط بوجه؛ ضرورة أنّ المكلّفين مختلفون في الإتيان بالصلاة، فمقدار ما يصلّي فيه المصلّي مختلف غاية الاختلاف، حتّى في الطبقة المتوسّطة من المكلّفين، و مع الحمل على ظاهر قوله: «مقدار ما يصلّي المصلّي» لزم اختلاف أوقات الصلاة بحسب اختلاف المكلّفين، و يكون الوقت لكلّ مكلّف غيره للآخر، أو لكلّ صنف منهم وقت غير وقت صنف آخر، و هو كما ترى.

و هذا شاهد على أنّ المراد بيان تحصيل شرط الترتيب، فالمراد أنّ أوّل الزوال وقت صحّ فيه الظهر فقط، ثمّ بعد ما صلّى المصلّي صحّت صلاة عصره، كما صحّت صلاة ظهره، لو وقع فيه، و الاختلاف بين المكلّفين بهذا المعنى - أي في تحصيل الشرط - لا إشكال فيه.

و إن شئت قلت: إنّ أوّل الوقت - لمكان عدم قدرة المكلّف على الإتيان بالظهرين فيه، و كذا على الإتيان بالعصر فيه؛ لاشتراطه بالظهر - يختصّ بالظهر؛ لا بمعنى عدم اشتراك العصر معه في الوقت، بل بمعنى عدم قدرته على إتيانه؛ لا جمعاً و لا منفرداً، فلذا قال: إنّه وقت الظهر، و بعد مقدار من الزوال يمكن

ص: 129

الإتيان بهما؛ أمّا الظهر فواضح، و أمّا العصر فللقدرة عليه بالإتيان بشرطه قبله، فيقال: إنّ الوقت مشترك بينهما، و آخر الوقت لايمكن فيه الجمع بين الظهرين، و لا الإتيان بالظهر للمزاحم، أو فقد شرط غير المقدور، و لهذا يقال بالاختصاص بالعصر.

و أنت إذا راجعت الأخبار، لوجدت أنّ إطلاق الوقت بنحو مطلق على وقت الفضيلة شائع فيها، كصحيحة الفضلاء، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه علیهما السلام: «وقت الظهر بعد الزوال قدمان، و وقت العصر بعد ذلك قدمان»(1) إلى غير ذلك(2)، و إذا صحّ إطلاق الوقت المطلق على وقت الفضيلة، فليس من البعيد إطلاقه على الوقت باعتبار الصحّة، أو قدرة المكلّف أيضاً.

و ليس مرادنا: أنّ الظاهر من رواية داود إرادة وقت الصحّة أو وقت قدرة المكلّف، بل المراد: أنّ الجمع بين الروايات يقتضي ذلك بحمل الظاهر على الأظهر.

هذا مضافاً إلى أنّ رواية داود غير صالحة(3) لمعارضة الروايات المتقدّمة، التي فيها الصحيحة و المعتبرة.

و ما يقال: من أنّ السند إلى بني فضّال صحيح، و نحن مأمورون بأخذ

ص: 130


1- الفقيه 1: 140 / 649؛ تهذيب الأحكام 2: 255 / 1012؛ وسائل الشيعة 4: 140، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 1 و 2.
2- راجع وسائل الشيعة 4: 140، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8.
3- رواية داود مرسلة، رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى و موسى بن جعفر بن أبي جعفر، عن أبي طالب عبد اللّه بن الصلت، عن الحسن بن علي بن فضّال، عن داود بن أبي يزيد، عن بعض أصحابنا. تهذيب الأحكام 2: 25 / 70.

رواياتهم(1)، غير ظاهر، فإنّ الأمر بالأخذ بما رووا(2) في مقابل رفض ما رأوا، ليس معناه إلاّ توثيقهم، و الأخذ برواياتهم إذا كانت عن الإمام علیه السلام، أو عن ثقة عن الإمام علیه السلام، لا الأخذ بمرسلاتهم، أو بما رووا عن الضعاف، فإنّ رفض ذلك ليس ردّاً لرواياتهم، بل رفض لرواية الضعفاء.

و أمّا دعوى أنّ استناد المشهور إليها جابر لسندها(3)، ففي غير محلّها، فإنّه لم يثبت استناد أصحابنا القدماء إليها، بل مقتضى ما حكى السيّد في «الناصريات»(4) عنهم خلاف ذلك، قال: يختصّ أصحابنا بأنّهم يقولون: «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر معاً، إلّا أنّ الظهر قبل العصر»، و هو عين مضمون الروايات المقابلة لرواية داود، فبناء قدماء أصحابنا على العمل بتلك الروايات.

و قول السيّد في «الناصريات»: - و تحقيق ذلك: أنّه إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر بمقدار ما يؤدّي أربع ركعات، فإذا خرج هذا المقدار اشترك الوقتان، و معنى ذلك: أنّه يصحّ أن يؤدّي في هذا الوقت المشترك الظهر و العصر بطوله، و الظهر مقدّمة، ثمّ إذا بقي للغروب مقدار أربع ركعات خرج وقت الظهر، و خلص للعصر(5)، انتهى - تحقيقٌ له في مقابل الأصحاب، لا بيان مرادهم.

ص: 131


1- الصلاة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 6: 36؛ الصلاة، المحقّق الحائري: 7.
2- الغيبة، الطوسي: 389 / 355؛ وسائل الشيعة 27: 102، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 8، الحديث 79، و: 142، الباب 11، الحديث 13.
3- جواهر الكلام 7: 83؛ الصلاة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 6: 36.
4- مسائل الناصريات: 189.
5- نفس المصدر.

فما عن «المختلف»: «و على هذا التفسير الذي ذكره السيّد يزول الخلاف»(1)، غير ظاهر، بل لنا أن نقول:

إنّ تفسيره راجع إلى ما ذكرناه في تفسير رواية داود، فإنّ قوله: «و معنى ذلك: أنّه يصحّ أن يؤدّي...» إلى آخره في مقابل أوّل الوقت و آخره؛ ممّا لايصحّ أن يؤدّي [فيه] الظهر أو العصر، فالاختصاص المستفاد من عبارته ليس في مقابل الاشتراك القائل به أصحابه، بل المراد: أنّ أوّل الزوال وقت يصحّ فيه صلاة الظهر فقط، كآخر الوقت بالنسبة إلى العصر، و أمّا الوقت فمشترك بين الصلاتين من الزوال إلى الغروب، كما هو ظاهر العبارة المنقولة عن الأصحاب.

فمقتضى حكاية السيّد توافق الأصحاب على الاشتراك، كما أنّ مقتضى كلام المحقّق - المنقول عن «المعتبر» في مقابل «الحلّي»(2) بقوله: «إنّ فضلاء الأصحاب رووا و أفتوا به»(3) أي برواية الاشتراك - أنّ جميع فضلائهم أفتوا و عملوا بتلك الروايات، و تركوا العمل برواية داود.

فيظهر من المحقّقين - السيّد و المحقّق -: أنّ المشهور بين الأصحاب - قديماً إلى عصر المحقّق - هو القول بالاشتراك، فيثبت منه إعراضهم عن ظاهر رواية داود.

بل الظاهر أنّ المشهور بين المتأخّرين أيضاً رفض العمل بروايته، فإنّ مقتضى روايته أنّ أوّل الزوال إلى أن يصلّي المصلّي أربع ركعات، وقت مختصّ بالظهر،

ص: 132


1- مختلف الشيعة 2: 34.
2- السرائر 1: 200.
3- المعتبر 2: 35؛ اُنظر مفتاح الكرامة 5: 131.

و كذا الحال بالنسبة إلى وقت العصر، و لازم ذلك: أنّ ذلك المقدار بالنسبة إلى العصر، كما قبل الزوال لصلاة الظهر.

فلو صلّى المسافر ركعتين في أوّله، وجب عليه الصبر إلى مضيّ هذا الوقت، ولو كان الفراغ من صلاة الظهر - بحسب بعض أحوال المكلّف - قبل مضيّ المقدار المذكور لنوع المصلّين، وجب الانتظار، و هذا مخالف لجميع الروايات المستدلّ بها للاشتراك و الاختصاص و لفتوى المشهور من الفقهاء، فإنّ عباراتهم مشحونة بأنّ الظهر تختصّ من أوّل الزوال بقدر أدائها، و كذا بالنسبة إلى العصر(1)، و قد ادّعي الإجماع(2) عليه تارة، و الشهرة(3) اُخرى، و لم يفرّقوا بين القصر و التمام.

نعم، حكي(4) عن معدود منهم: أنّه تختصّ بمقدار أداء أربع ركعات(5)، و عن «السرائر» الإجماع عليه(6)، مع أنّ المحكيّ عنه التعبير بمقدار أدائها(7).

ص: 133


1- إرشاد الأذهان 1: 243؛ شرائع الإسلام 1: 50؛ قواعد الأحكام 1: 247؛ جامع المقاصد 2: 24؛ روض الجنان 2: 483؛ رياض المسائل 3: 33؛ مصباح الفقيه، الصلاة 9: 100؛ العروة الوثقى 2: 248.
2- غنية النزوع 1: 69؛ اُنظر مفتاح الكرامة 5: 132.
3- جامع المقاصد 2: 24؛ روض الجنان 2: 484؛ مدارك الأحكام 3: 35.
4- مفتاح الكرامة 5: 133.
5- مسائل الناصريات: 189؛ المبسوط 1: 72؛ السرائر 1: 195؛ تحرير الأحكام 1: 178؛ إرشاد الأذهان 1: 243.
6- السرائر 1: 196.
7- مفتاح الكرامة 5: 133.

و كيف كان، الظاهر عدم عمل الأصحاب برواية داود(1)، فضلاً عن استنادهم إليها، بل من المحتمل أنّ القائلين بالاختصاص إنّما ذهبوا إليه لشبهة عقلية، و هي امتناع كون أوّل الوقت مشتركاً؛ لأدائه إلى الأمر بالضدّين، و كذا آخر الوقت، أو فهموا من الروايات(2) - المشتملة على أنّ هذه قبل هذه - الاختصاصَ، كما تقدّم الكلام فيه(3).

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ رواية داود مرسلة غير مجبورة بعمل الأصحاب، بل معرض عنها بحسب المشهور قديماً و حديثاً، و لو فرض أنّ في ما رواه بنو فضّال لاينظر إلى ما بعدهم من الإرسال أو ضعف السند، و كانت بمنزلة رواية صحيحة، لما أفاد أيضاً بعد فرض إعراضهم عنها، و لو قيل بمعارضة الطائفتين، و قلنا بأنّ الشهرة من المرجّحات، فالترجيح لروايات الاشتراك.

فالتحقيق: اشتراك الوقت من الزوال إلى الغروب بينهما، و عدم صحّة العصر أوّل الزوال لأجل فقد شرط الترتيب، و لهذا لو سقط ذلك، و وقع العصر من أوّل الزوال، كان صحيحاً، كما لو نسي الظهر و أتى بالعصر في أوّله. و عليه:

فيظهر الكلام في الفرعين المتقدّمين:

أوّلهما: إذا صلّى الظهرين، ثمّ علم باستدبار الظهر للقبلة، و لم يبقَ من الوقت

ص: 134


1- تهذيب الأحكام 2: 25 / 70؛ وسائل الشيعة 4: 127، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 7.
2- راجع وسائل الشيعة 4: 126، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 5 و 20 و 21.
3- تقدّم في الصفحة 124.

إلاّ أربع ركعات أو أقلّ، فعلى الاختصاص - بمعنى كون آخر الوقت بالنسبة إلى الظهر كما بعد الغروب - يسقط القضاء؛ لشمول الروايات المفصّلة للظهر، و أمّا على القول بالاشتراك فيجب عليه الإتيان بها؛ لبقاء وقتها و سقوط الترتيب، و كذا على القول بالوقت الاقتضائي و الشأني؛ لأنّه على القولين يصير الوقت بعد سقوط الترتيب فعلياً، فيجب عليه الظهر.

ثانيهما: إذا صلّى الظهر فقط، و بقي من الوقت مقدار أربع أو أقلّ، يجب عليه العصر و سقط قضاء الظهر على الاختصاص، و كذا على القولين الأخيرين؛ لخروج وقته و شمول الأخبار المفصّلة له(1).

و أمّا على الاشتراك ففيه وجهان:

سقوط القضاء؛ بدعوى أنّ المفهوم من العناوين المأخوذة في الروايات المفصّلة - التي تقدّم بعضها(2) - هو فوت الوقت الذي يمكن الإتيان بالصلاة فيه ولو لأجل مراعاة الشريكة.

و بدعوى أنّ الظاهر من الروايات: أنّ حكم الإتيان في الوقت ثابت لمن يمكن له الإتيان فيه، و يكون مأموراً بالإتيان، كقوله علیه السلام: «إن كان في وقت فلْيُعدْ، و إن كان الوقت قد مضى فلايعيد»(3)، و قوله: «يعيدها ما لم يفته الوقت»(4)

ص: 135


1- تقدّمت في الصفحة 90 - 91.
2- تقدّم في الصفحة 90 - 91.
3- الفقيه 1: 179 / 844؛ وسائل الشيعة 4: 318، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 8.
4- تهذيب الأحكام 2: 49 / 160؛ وسائل الشيعة 4: 316، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 4.

و نحوهما غيرهما(1)، فإنّ الظاهر منها أنّ المفروض من الوقت هو الذي اُمر فيه بالإعادة، و الوقت الذي يجب الإتيان بالعصر فيه لايعقل الأمر بإعادة الظهر فيه.

و في الدعويين إشكال:

أمّا في الاُولى فواضح؛ لأنّ الظاهر من ذهاب الوقت و مضيّه و فوته، هو خروج الوقت المقرّر للصلاة، لا خروج وقت صحّت الصلاة فيه، و إنّما حملنا رواية داود(2) على ذلك بقرينة روايات اُخر، و حمل الظاهر على الأظهر، و أمّا دلالة مثل الروايات المفصّلة على ذهاب الوقت المقرّر فممّا لاينبغي الإشكال فيه، و الحمل المذكور في رواية داود لا شاهد عليه.

و أمّا في الثانية: فلأنّها مبنيّة على أنّ الأمر بالإعادة يراد منه ظاهره، و قد مرّ منّا أنّ قوله: «فليعد» و«لا إعادة عليه» و نحوه كناية عن البطلان و الصحّة، و الجمل التي يؤتى بها كناية لايراد منها معانيها الحقيقية(3)، كقوله: فلان كثير الرماد، و قد ذكرنا سابقاً(4): أنّ القرينة موجودة بأنّه لايراد من تلك الجمل معانيها الحقيقية، بل هي كنايات عن الصحّة و الفساد، و عليه فليس الأمر بالإعادة قرينة على ما ذكر.

مضافاً إلى أنّ الأمر بالإعادة لايدلّ على كونها في الوقت؛ إذ الإعادة هي الإتيان بالشيء ثانياً؛ سواء كان في الوقت أو في خارجه، و لهذا استعمل لفظها

ص: 136


1- تهذيب الأحكام 2: 48 / 155؛ وسائل الشيعة 4: 316، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 2.
2- تقدّم تخريجها في الصفحة 124.
3- تقدّم في الصفحة 88 و91.
4- تقدّم في الصفحة 88 و 91.

بالنسبة إلى خارج الوقت، فقال علیه السلام: «و إن كان قد مضى الوقت فلايعد»(1) أو «لا إعادة عليه»(2)، فيصير المعنى - على فرض الاستعمال الحقيقي - أنّه إذا علم بالاستدبار في الوقت يجب عليه الإعادة، و إطلاقه يعمّ الإعادة خارج الوقت، فالظاهر - على القول بالاشتراك - هو وجوب قضاء الظهر لو استبان في الوقت الضيق الذي يجب فيه العصر.

الفرع الثالث لو صلّى العصر مستدبراً و لم يبق إلاّ مقدار ثلاث ركعات أو أقلّ

لو صلّى العصر، ثمّ استبان قبل غروب الشمس - بمقدار ما يسع لثلاث ركعات أو أقلّ - أنّه كان مستدبراً فيها؛ بحيث لو أعادها كانت مشمولة لقاعدة «من أدرك»، و كذا لو صلّى الظهرين، ثمّ تبيّن استدباره للظهر في الوقت المذكور، فهل صحّت صلاة عصره مطلقاً، و كذا ظهره في الفرض الثاني على الاشتراك أو لا؟

بحث في قاعدة «من أدرك»

و المسألة مبنيّة على كيفية استفادة الحكم من قاعدة «من أدرك»، و الأولى ذكر بعض رواياتها.

ص: 137


1- الفقيه 1: 179 / 844؛ وسائل الشيعة 4: 318، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 8.
2- تهذيب الأحكام 2: 48 / 155؛ وسائل الشيعة 4: 316، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 2.

منها: المرسلة المنقولة عن النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم في «الخلاف» و غيره، قال في «الخلاف»: رُوي: «أنّ من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها»(1).

و عن «الخلاف» و جماعة من الأصحاب - على ما في «مفتاح الكرامة»(2) - قوله علیه السلام: «من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة تامّة»، قال: و في لفظ آخر: «من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت».

و في «الذكرى»: روي عن النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم أنّه قال: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة»(3).

و في رواية الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين علیه السلام: «من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس، فقد أدرك الغداة تامّة»(4).

و عن «الذكرى»: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر»(5).

وعن علي بن أحمد الكوفي في كتاب «الاستغاثة» عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم أنّه

ص: 138


1- الخلاف 1: 273؛ صحيح البخاري 1: 298 / 547؛ سنن ابن ماجة 1: 356 / 1122؛ سنن النسائي 1: 274.
2- مفتاح الكرامة 5: 153.
3- ذكرى الشيعة 2: 352؛ وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 4.
4- تهذيب الأحكام 2: 38 / 119؛ وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 2.
5- ذكرى الشيعة 2: 352؛ وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 5.

قال: «من أدرك من صلاة العصر ركعة واحدة قبل أن تغيب الشمس، أدرك العصر في وقتها»(1).

و في موثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّه علیه السلام في حديث، «فإن صلّى ركعة من الغداة، ثمّ طلعت الشمس، فليتمّ و قد جازت صلاته»(2).

و هذه الروايات و إن كانت مرسلات و ضعافاً إلّا واحدة منها، إلّا أنّ مضمونها مفتى به عند الأصحاب، و كان الحكم مشهوراً معروفاً يدّعى عليه الإجماعات(3) و الشهرات(4)، فلا إشكال في الحكم، بل و لا في جبر سند النبوي المعروف.

محتملات روايات «من أدرك»

ثمّ إنّ المحتملات في مضمون الروايات كثيرة:

منها: أنّها بصدد توسعة الوقت واقعاً، فيكون وقتاً اختيارياً، و هذا الاحتمال مقطوع الخلاف و إن كان يظهر من «الخلاف» احتماله عند الأصحاب، قال فيمن

ص: 139


1- لم نعثر عليه في كتاب الاستغاثة، ولكن نقله عنه في مستدرك الوسائل 3: 140، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 24، الحديث 1؛ جامع أحاديث الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 28، الحديث 6.
2- تهذيب الأحكام 2: 38 / 120؛ وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 1.
3- الخلاف 1: 272؛ منتهى المطلب 4: 108؛ مدارك الأحكام 3: 92؛ مصباح الفقيه، الصلاة 9: 351.
4- جامع المقاصد 2: 30؛ جواهر الكلام 7: 257.

صلّى الفجر ركعة، أو العصر كذلك، ثمّ طلعت أو غربت الشمس: إنّه يكون مؤدّياً، و إنّه أدرك الصلاة جميعاً في وقتها.

دليلنا: إجماع الفرقة المحقّة، فإنّهم لايختلفون في أنّ من أدرك ركعة من الفجر قبل طلوع الشمس، يكون مؤدّياً في الوقت، و إنّما اختلفوا في أنّ هذا هل هو وقت اختيار، أو وقت اضطرار؟ و أمّا أنّه وقت الأداء فلا خلاف بينهم فيه(1) انتهى، تأمّل.

و منها(2): أنّها بصدد توسعة الوقت للمضطرّ، فيكون وقتاً حقيقة، لكن لمن اضطرّ؛ حتّى ولو أوقع نفسه في الاضطرار اختياراً؛ و إن كان معاقباً لذلك، فيكون معنى قوله صلی اللّه علیه و آله و سلم: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» أنّه أدركها في وقتها، كما قال علیه السلام في مرسلة اُخرى: «من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت» و كما في رواية الكوفي المتقدّمة: «أدرك العصر في وقتها».

و منها: أنّها بصدد تنزيل خارج الوقت منزلة الوقت؛ إمّا في جميع الآثار مطلقاً، أو للمضطرّ ولو باختياره، و إمّا في الأثر البارز، و هو كون الصلاة أداء(3).

و منها: كونها بصدد التنزيل، لكن لا تنزيل الوقت، بل تنزيل إدراكه بمقدار ركعة منزلة إدراك الجميع، أو تنزيل الصلاة التي وقعت ركعة منها في الوقت منزلة ما وقعت فيه جميعاً، أو تنزيل الشخص الذي أدرك ركعة منزلة المدرك للجميع(4).

ص: 140


1- الخلاف 1: 268.
2- كشف اللثام 3: 82؛ جواهر الكلام 7: 257.
3- اُنظر جواهر الكلام 7: 257؛ الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 1: 23.
4- مصباح الفقيه، الصلاة 9: 353 - 354؛ الصلاة، المحقّق الحائري: 19.

و منها: أن يكون المراد منها بيان أنّه لايعتبر عند الشارع في كون الصلاة أداء إلّا وقوع ركعة منها في الوقت(1).

و هذه الاحتمالات تأتي بالنسبة إلى إدراك أوّل الوقت بمقدار ركعة، لكن كلامنا في آخر الوقت.

التحقيق في حكم المسألة

فنقول: إنّه على القول بالوقت الاختياري الراجع إلى نسخ قاعدة «من أدرك» الأدلّة الدالّة على أنّ الغروب آخر الوقت، فلا إشكال في عدم خروج الوقت بغروبها، بل يكون باقياً إلى مضيّ مقدار ثلاث ركعات بعد غروبها، و كذا الحال في سائر الفروض، لكنّه مقطوع الخلاف، و كذا الحال في التنزيل المطلق اللازم منه التأخير اختياراً، و الظاهر أنّ فتوى الأصحاب بكون المُدرك للركعة مؤدّياً(2)، ليس لهذين الوجهين، بل أحد سائر الوجوه.

و كذا على القول بالتوسعة للمضطرّ لايبعد استلزامه لبقاء الوقت، فإنّ خروج الوقت المقرّر بقول مطلق، لايتحقّق إلّا بخروج الاضطراري أيضاً.

إلّا أن يدّعى الانصراف، و هو غير ظاهر، و أولى بذلك - أي بعدم خروجه على القول بالوقت التنزيلي - إذا قيل إنّه بلحاظ جميع الآثار، فإنّ مقتضى الأدلّة الأوّلية و إن كان انتهاء الوقت بغروب الشمس مثلاً، لكن مقتضى حكومة دليل «من أدرك» عليها، هو التوسعة الحكمية مطلقاً، أو في بعض حالات المكلّفين:

ص: 141


1- نهاية التقرير 1: 103.
2- تقدّم في الصفحة 139 - 140.

أمّا على التوسعة المطلقة فواضح، و أمّا على المقيّدة فلما أشرنا إليه: من عدم صدق الذهاب إلّا بذهاب جميع المصاديق.

فعلى هذه الاحتمالات إذا استبان الاستدبار بعد الغروب - ممّا هو مشمول للقاعدة - يجب قضاء الصلاة.

و أمّا على سائر الاحتمالات - سواء قلنا بتنزيل الوقت في خصوص الأداء، أو تنزيل الإدراك، أو غيرهما من المحتملات - فلا قضاء لذهاب الوقت و عدم دليل على التوسعة أو التنزيل، فيؤخذ بالأدلّة المفصّلة. هذا حال التصوّرات.

و أمّا في مقام التصديق فالاحتمالات المتقدّمة - التي لازمها وجوب القضاء - كلّها خلاف الظاهر، حتّى في مثل قوله علیه السلام: «من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت»(1)، أو قوله علیه السلام في رواية الكوفي: «من أدرك من صلاة العصر ركعة واحدة قبل أن تغيب الشمس، أدرك العصر في وقتها»(2)، فضلاً عن غيرهما(3).

فإنّ الظاهر منهما: إمّا تنزيل إدراك الصلاة بركعة منزلة إدراك جميعها في الوقت، لا تنزيل الوقت؛ حتّى يقال بعدم خروجه تنزيلاً، بل لسان الرواية يخالف لسان التنزيل في الوقت، فإنّ التنزيل في مثله يرجع إلى الحقيقة الادّعائية، و في مثلها لايرى المتكلّم إلّا تلك الحقيقة، و يكون الطرف منسيّاً،

ص: 142


1- تقدّم في الصفحة 138.
2- تقدّم تخريجه في الصفحة 138 - 139.
3- تقدّم في الصفحة 138 - 139.

فمن قال: «رأيت أسداً» يدّعي كون المرئيّ أسداً لا غير، فإن ذكر معها بعض خصوصيات الإنسان، خرج الكلام من الادّعاء و البلاغة، و في تلك الروايات يكون الوقت المقرّر منظوراً فيه، و أنّ المصلّي أدرك منه ركعة، و أنّ الوقت خرج بإتمام الركعة، و معه كيف يدّعى أنّ تلك القطعة وقت؟! و أمّا دعوى إدراك الصلاة بإدراك ركعة فلا مانع منه.

و بالجملة: الظاهر منه ذلك، أو الاحتمال الأخير الراجع إلى أنّ المعتبر في الأداء عند الشرع ليس إلّا إدراك ركعة منها، كما قال علیه السلام في موثّقة عمّار: «فليتمّ و قد جازت صلاته»(1) فلا إشكال في أنّ الاستبانة في الوقت المذكور خارج الوقت، فصحّت صلاته، و حسبه اجتهاده.

الفرع الرابع حكم تبيّن الخلاف بعد انتصاف الليل في العشاءين

لو صلّى العشاءين، فتبيّن بعد انتصاف الليل كونهما أو إحداهما في دبر القبلة، فهل عليه الإتيان، أو لا شيء عليه؟ مبنى الثاني هو خروج الوقت، و ليس ما بعده وقتاً؛ لا اختياراً و لا اضطراراً.

و المسألة محلّ إشكال في الفرض، بل و فيما تبيّن بعد سقوط الشفق، أو بعد ثلث الليل أو ربعه؛ و إن كان بعض الاحتمالات غير معتنىً به.

ص: 143


1- تقدّم في الصفحة 139.
تحديد وقت العشاء بالنسبة إلى المختار

و قد اختلفت الأخبار و الأقوال في المسألة، و هي و إن لم تكن محطّ البحث، لكن لا بأس بالتعرّض الإجمالي لها.

فنقول: إنّ في قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ)(1) احتمالات و أقوالاً بحسب آراء اللغويين:

فمن قائل: إنّ الدلوك زوال الشمس و ميلها(2)، و الظاهر أنّ الأغلب على ذلك. و قيل: الدلوك من الزوال إلى الغروب(3). و قيل: هو الغروب(4). - و قيل في وجه كلٍّ أمر اعتباري لايرجع إلى محصّل - و قيل: غسق الليل: هو أوّل بدئه(5). و قيل: سواد الليل و ظلمته(6). و قيل: انتصافه(7). و قيل: وقت غيبوبة الشفق(8).

و الظاهر أنّ الآية الكريمة متعرّضة لبيان أوقات الصلوات الخمس، فالقول بأنّ الدلوك هو الغروب، كالقول بأنّ الغسق بدء الليل، غير وجيه.

ص: 144


1- الإسراء (17): 78.
2- الصحاح 4: 1584؛ النهاية، ابن الأثير 2: 130؛ المصباح المنير 1: 199.
3- اُنظر لسان العرب 4: 392.
4- كتاب العين 5: 329؛ التبيان في تفسير القرآن 6: 508؛ مجمع البيان 5: 669.
5- الصحاح 4: 1537؛ القاموس المحيط 3: 281؛ مجمع البحرين 5: 222؛ اُنظر مجمع البيان 6: 670.
6- النهاية، ابن الأثير 3: 366؛ مجمع البيان 6: 670؛ لسان العرب 10: 69.
7- اُنظر مجمع البحرين 5: 222؛ تفسير القمّي 2: 25؛ تفسير العيّاشي 2: 309 / 141.
8- كتاب العين 4: 353.

و الظاهر أنّ المراد من الدلوك زوال الشمس، كما عليه الأكثر، و الغسق انتصاف الليل إذا كان المراد شدّة ظلمته؛ بناء على أنّها في الانتصاف، أو غيبوبة الشفق؛ إذ بها يصير الليل مظلماً؛ لذهاب شعاع الشمس عن الاُفق، و سيأتي الكلام في ترجيح أحد الاحتمالين، و أمّا احتمال كونه سواد آخر الليل فبعيد عن الصواب.

و الظاهر من الآية الكريمة أنّ الغسق منتهى الوقت، و هو إمّا سواد الليل و ظلمته، و هو يحصل بذهاب الشفق بل قُبَيله، أو شدّة الظلام، و هي إمّا بعد الشفق أو انتصافه، و الحمل على آخر الليل خلاف الظاهر.

مضافاً إلى أنّه يمكن الاستئناس لذلك من اختلاف تعبير الآية الكريمة في بيان الصلوات الأربع مع بيان صلاة الفجر، فقوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ)(1) راجع إلى الأربع، و قوله: (وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ) راجع إلى صلاته.

و من المحتمل قريباً أنّ النكتة في اختلاف التعبير: اتّصال وقت تلك الصلوات الأربع، فالقطعة المتّصلة من الزوال إلى انتصاف الليل أو ذهاب الشفق وقت لها، فقال: أقم الصلاة من الدلوك إلى الغسق، ثمّ لمّا كانت القطعة المذكورة منفصلة عن القطعة التي تجب فيها صلاة الفجر أفردها بالذكر بقوله: و قرآن الفجر، و هذا وجه عدم التعبير بقول: أقم الصلاة من دلوك الشمس إلى الفجر، أو إلى قرآن الفجر، و هذا شاهد على أنّ بين الأربع و الفجر فصلاً دون تلك الأربع.

و بما ذكرنا يمكن الاستظهار من الآية: أنّ المراد من الغَسَق نصف الليل؛

ص: 145


1- الإسراء (17): 78.

بأن يقال: إنّه لو كان المراد منه سقوط الشفق، لزم عدم تعرّضها لوقت العشاء تامّاً؛ إذ لم يقل أحد: بأنّ وقتها إلى سقوط الشفق، مضافاً إلى ما دلّ من الأخبار المستفيضة(1) على أنّ الوقت إلى نصف الليل، فلاينبغي الإشكال في أنّ الغَسَق نصف الليل.

ثمّ إنّه بناء على ظهور الآية في أنّ منتهى الوقت انتصاف الليل، لاتكون الروايات الدالّة على بقاء الوقت للمعذور - كالحائض التي طهرت آخر الليل(2)، و الناسي و النائم المستيقظ آخره(3) - مخالفة له إلّا بالإطلاق و التقييد، فيجب الأخذ بالمقيّدات لو لم يكن محذور آخر، بل لاتكون رواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه علیه السلام: «و لا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر»(4)، مخالفة للآية بالتباين؛ إذ لا دلالة لها على أنّه وقت اختياراً، و عدم الفوت لاينافي كون آخر الوقت للمضطرّ، فإنّ التارك عمداً ولو عوقب بتأخيره، لكن صار مضطرّاً و لم تفت صلاته.

ثمّ إنّه يمكن الاستدلال بالآية الشريفة على أنّ الوقت من زوال الشمس إلى غسق الليل، وقت اختياري للصلوات الأربع.

ص: 146


1- راجع وسائل الشيعة 4: 183، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 17، الحديث 2 - 9 و 11.
2- راجع وسائل الشيعة 2: 363، كتاب الصلاة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 7، 10، 11 و 12.
3- راجع وسائل الشيعة 4: 288، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 62، الحديث 3 و 4.
4- تهذيب الأحكام 2: 256 / 1015؛ وسائل الشيعة 4: 159، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 9، يأتي متنه في الصفحة 153.

بيان ذلك: أنّ في قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلَوةَ...)(1) إلى آخرها احتمالات:

أحدها: أنّه أمر لخصوص النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم بإقامتها من الزوال إلى انتصاف الليل، و يكون أمراً مولوياً وجوبياً.

ثانيها: أنّه أمر مولوي متوجّه إليه بإيقاعها في القطعة المذكورة؛ بأن لايكون الأمر متوجّهاً إلى نفس الصلاة التي ظرفها تلك القطعة، بل إلى لزوم جعلها فيها بعد مفروضية كونها واجبة.

و بعبارة اُخرى: لم يكن بيان أصل وجوبها بالآية الشريفة، بل كان ثابتاً من قبل، و إنّما تعلّق الوجوب بجعل الصلوات الواجبة في تلك القطعة.

ثالثها: أنّه أمر إرشادي متوجّه إليه لبيان شرطية الوقت للصلاة، كالأوامر المتعلّقة بسائر الشروط، كالطهارة و القبلة.

فعلى هذه الاحتمالات، لمّا كان الخطاب شخصياً متوجّهاً إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم، فلا محالة يكون الأمر للتوسعة اختياراً، فإنّ الاضطرار - كالسهو، و النسيان، و الخطأ، و الجهل، و الإغماء، و المرض الموجب لعدم الالتفات إلى أوقات الصلاة، بل النوم الموجب لترك الصلاة في الوقت الاختياري - غير جائز على النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم، و ما ورد(2) من نومه عنها لابدّ فيه من التأويل، أو الردّ إلى أهله، فلا محالة يكون الخطاب لشخص ملتفت غير معذور، فتكون التوسعة لصلاة المختار، ثمّ بعد ثبوت ذلك له - عليه و على آله السلام - تثبت للاُمّة؛ للإجماع - بل الضرورة - على الاشتراك و عدم كونها من مختصّاته،

ص: 147


1- الإسراء (17): 78.
2- وسائل الشيعة 4: 283، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 1 و 6.

و لايفرّق في استفادة ذلك بين الوجوه المتقدّمة؛ حتّى على الاحتمال الثالث؛ لأنّ الأمر الإرشادي أيضاً متوجّه إليه، فيكون إرشاداً له إلى ذلك.

نعم لو كان المراد من أمره بالإقامة إقامتها في الاُمّة؛ بأن يكون مأموراً بأن يأمر الاُمّة بإقامتها، لكان أمره بها قانونياً يصحّ فيه الإطلاق للحالات العارضة، لكنّه خلاف الظاهر.

و لعلّ الظاهر هو الاحتمال الأوّل؛ للفرق بين المقام و غيره ممّا اُمر بالأجزاء و الشرائط؛ لقيام القرينة في سائر الموارد على الإرشاد؛ لتعلّق الأمر بالجزء أو الشرط و نحوهما؛ ممّا لايصحّ فيه الحمل على المولوية، و أمّا في المقام فيحمل على ظاهره؛ لتعلّقه بالصلاة في الأوقات المذكورة.

و الحاصل: أنّ الحمل على الإرشاد حمل على خلاف الظاهر، المحتاج إلى القرينة المفقودة في المقام.

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ الوقت المستفاد من الآية وقت اختياري، هذا مضافاً إلى دلالة جملة من الروايات(1) عليه، و عدم صلاحية الروايات(2) الموهمة للخلاف لمعارضتها، بل في نفس تلك الروايات شواهد على أنّ الأوقات المذكورة فيها أوقات فضل على مراتبه، و لايقتضي المقام تفصيل الأوقات و أحكامها.

ص: 148


1- راجع وسائل الشيعة 4: 125، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، و: 183، الباب 17.
2- راجع وسائل الشيعة 4: 140، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، و: 187، الباب 18.

فلا إشكال في أنّ وقت العشاء ممتدّ إلى نصف الليل اختياراً، كما لا إشكال في عدم امتداده إلى الفجر اختياراً بمقتضى الآية الكريمة و الروايات.

تحديد وقت العشاء بالنسبة إلى المضطرّ

و أمّا الامتداد للمضطرّ مطلقاً، أو في الموارد التي ورد فيها النصّ به، ففيه كلام، حاصله:

أنّه ورد في جملة من الروايات في الحائض إذا طهرت آخر الوقت قبل طلوع الفجر؛ أ نّه يجب عليها المغرب و العشاء، كرواية ابن سنان، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: «إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس، فلتصلّ الظهر و العصر، و إن طهرت من آخر الليل فلتصلّ المغرب و العشاء»(1)، و نحوها غيرها(2)، و ورد مثلها في الناسي و النائم ففي صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: «إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما، فإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء، و إن استيقظ بعد الفجر، فلْيصلّ الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء قبل طلوع الشمس»(3) و قريب منها غيرها(4).

ص: 149


1- راجع وسائل الشيعة 2: 364، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 10.
2- راجع وسائل الشيعة 2: 363 - 364، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 7، 11 و 12.
3- تهذيب الأحكام 2: 270 / 1076؛ وسائل الشيعة 4: 288، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 62، ذيل الحديث 4.
4- راجع وسائل الشيعة 4: 288، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 62، الحديث 3.

و لايبعد ثبوت الحكم لمطلق المعذور ولو حصل ذلك باختياره و إن عوقب على ذلك، و تشهد له رواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: «لايفوت الصلاة من أراد الصلاة، لايفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس، و لا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر، و لا صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس»(1) بل لولا ضعفها(2) كانت حجّة قاطعة، و يظهر من «الخلاف»(3) عدم الخلاف بين أهل العلم في عدم الانحصار بالموارد المتقدّمة، كما يأتي كلامه، مع أنّ الرواية في «الفقيه»(4) من المرسلات المعتمد عليها؛ و إن كان في المقام لايخلو من إشكال.

ثمّ لا إشكال في وجود الجمع العرفي بين ما دلّ على الامتداد إلى الفجر، و بين الروايات الدالّة على أنّ آخر الوقت نصف الليل، و كذا بينها و بين الآية الكريمة، فإنّ المخالفة بينهما بالإطلاق و التقييد، هذا لو كان للآية إطلاق، و أمّا على ما مرّ(5) من اختصاصها بصلاة المختار، فلا إشكال رأساً.

ص: 150


1- تهذيب الأحكام 2: 256 / 1015؛ وسائل الشيعة 4: 159، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 9.
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن الحسن ابن علي بن فضّال، عن علي بن يعقوب الهاشمي، عن مروان بن مسلم، عن عبيد بن زرارة، و الرواية ضعيفة بعلي بن يعقوب الهاشمي، فإنّه مجهول.
3- الخلاف 1: 271.
4- الفقيه 1: 232 / 1030؛ وسائل الشيعة 4: 125، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 3.
5- تقدّم في الصفحة 146.

و هذا لا إشكال فيه؛ إنّما الإشكال فيما قيل: من عدم جواز الاعتماد على تلك الأخبار الدالّة على الامتداد لغير المختار؛ لإعراض المشهور عنها و لموافقتها لفتوى جميع الفقهاء الأربعة، مع أنّ أكثر الأخبار الواردة في الوقت مشوبة بالتقيّة(1).

و فيه: أنّ إعراض قدماء أصحابنا غير ثابت، كما يظهر من الشيخ في «الخلاف»، قال فيه: الوقت الآخر وقت من له عذر و ضرورة، و به قال الشافعي، و ذكر الشافعي في الضرورة في الوقت أربعة أشياء: الصبيّ إذا بلغ، و المجنون إذا أفاق، و الحائض و النفساء إذا طهرتا، و الكافر إذا أسلم(2)، و لا خلاف بين أهل العلم في أنّ واحداً من هؤلاء الذين ذكرناهم، إذا أدرك قبل غروب الشمس مقدار ما يصلّي ركعة أنّه يلزمه العصر، و كذلك إذا أدرك قبل طلوع الفجر الثاني مقدار ركعة يلزمه العشاء الآخرة، ثمّ تمسّك بالروايات، ثمّ قال: دليلنا إجماع الاُمّة على أنّ من لحق ركعة تلزمه تلك الصلاة...(3) إلى آخره.

و قال في مسألة اُخرى: إذا أدرك بمقدار ما يصلّي فيه خمس ركعات قبل المغرب لزمته الصلاتان بلا خلاف، و إن لحق أقلّ من ذلك لم يلزمه الظهر عندنا، و كذا القول في المغرب و العشاء الآخرة قبل طلوع الفجر...(4) إلى آخره.

ص: 151


1- مصباح الفقيه، الصلاة 9: 222.
2- المجموع 3: 4.
3- الخلاف 1: 271 - 272.
4- الخلاف 1: 273.

و أمّا دعوى موافقتها لفتوى جميع الفقهاء الأربعة، ففيها - مضافاً إلى أنّ مجرّد موافقتها لهم لايوجب وهناً فيها، و إنّما المخالفة لهم عند التعارض من المرجّحات، كما لايخفى - أنّها ممنوعة، فإنّ المذكور في «الخلاف»: أنّهم اختلفوا في آخر وقت العشاء؛ و أنّه إلى الثلث، أو الربع، أو النصف، أو طلوع الفجر اختياراً أو اضطراراً(1).

و منه يظهر: أنّه لو سُلّم كون أكثر الأخبار الواردة في الوقت مشوبة بالتقيّة، فلايوجب ذلك، الوهن في تلك الأخبار غير المشوبة بها.

فتحصّل ممّا مرّ: أنّ الوقت الاختياري للعشاءين إلى نصف الليل، و يمتدّ للمضطرّ إلى الفجر، و طريق الاحتياط واضح.

ص: 152


1- الخلاف 1: 265.

مسألة في الخلل في الوقت

كيفية شرطية الوقت و حكم الصلاة الواقعة خارج الوقت

و لابدّ من تقديم مقدّمة: و هي أنّ دخول الوقت يحتمل أن يكون شرطاً لوجوب الصلاة، فيكون وجوبها مشروطاً بمجيء الوقت كسائر الوجوبات المشروطة، و يحتمل أن تكون الصلاة الواجبة معلّقة على دخول الوقت، فتكون من قبيل الواجبات المعلّقة، فيكون الوجوب فعلياً متعلّقاً بأمر استقبالي هي الصلاة في الوقت، و يحتمل أن يكون الوجوب مطلقاً و الوقت شرطاً للمأمور به، كالطهارة و الستر للصلاة.

فعلى الأوّلين: لو وقعت الصلاة خارج الوقت بطلت بحسب القواعد؛ عمداً كان أو سهواً و نسياناً و نحوهما، و لايمكن تصحيحها بحديث الرفع(1)،

ص: 153


1- التوحيد، الصدوق: 353 / 24؛ الخصال: 417 / 9؛ وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.

كالتصحيح به بالنسبة إلى شروطها كالطهارة و القبلة، على ما مرّ الكلام فيه(1)، فإنّ الصلاة قبل الوقت ليست مأموراً بها، فلا مجرى لحديث الرفع فيها قبل الوقت، و لا لقاعدة الإجزاء.

و على الثالث: يكون حاله كحال سائر الشروط و الأجزاء التي قلنا بجريان الحديث فيها(2)، و صيرورة الواجب الصلاة ما عدا الجزء أو الشرط المنسيّين.

هذا بحسب الاحتمال.

و لا إشكال بحسب الإثبات في عدم كون الوقت من قبيل شروط الواجب، و ظاهر الآية الكريمة (أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ...)(3) إلى آخره أحد الاحتمالين الأوّلين، و الأرجح منهما هو الأوّل، فإنّ الأظهر أن يكون قوله: (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) متعلّقاً بالطلب، فيكون الحاصل: تجب الصلاة عند دلوكها، فيكون الوجوب مشروطاً؛ لا بالصلاة حتّى يكون الوجوب معلّقاً، و أمّا كونها بصدد بيان الشرطية، لا الحكم التكليفي، فخلاف الظاهر بعد كون الأمر متعلّقاً بالصلاة أو متعلّقاتها.

هذا بالنسبة إلى أوّل الزوال، و أمّا منه إلى آخر الوقت فسيأتي الكلام فيه(4).

و أمّا الروايات فيظهر من كثير منها: أنّ الصلاة بالإضافة إلى وقتها من قبيل الواجب المشروط، مع أنّ عدم وجوبها قبل الوقت واضح لدى المتشرّعة، و كيف

ص: 154


1- تقدّم في الصفحة 107 - 109.
2- راجع أنوار الهداية 2: 42 - 47.
3- الإسراء (17): 78.
4- يأتي في الصفحة 173 - 174.

كان، لا إشكال في عدم جريان حديث الرفع بالنسبة إلى الوقت؛ من غير فرق بين ما قبل الوقت و ما بعده، و لا بين وقوع بعضها خارج الوقت و وقوع كلّها.

هذا بحسب القواعد الأوّلية.

و أمّا بحسب الأدلّة الخاصّة فالكلام يقع فيها في مقامين:

المقام الأوّل فيما لو انكشف أثناء الصلاة أو بعدها أنّه دخل في الصلاة قبل الوقت

الاستدلال للصحّة بقاعدة «من أدرك»

لو دخل في الصلاة قبل الوقت خطأً - مثلاً - و انكشف الخطأ قبل تمام الصلاة أو بعده فيمكن الاستدلال للصحّة و إدراك الوقت بقاعدة «من أدرك» إذا أدرك من أوّله مقدار ركعة؛ بدعوى شمول مرسلة «الذكرى»(1) - المجبور ضعفها بعمل المشهور(2) - له، فإنّ قوله علیه السلام فيها: «من أدرك ركعة» أعمّ من أن أدركها من أوّل الوقت أو آخره، و على ذلك يمكن تحكيمها على رواية إسماعيل بن رياح الآتية(3)، فإنّ المفهوم منها: أنّ من لم يدرك الركعة لم يدرك الصلاة، أو لم يدرك الصلاة في الوقت، و هو حاكم على قوله في الرواية: «فدخل الوقت و أنت في

ص: 155


1- ذكرى الشيعة 2: 352؛ وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 4.
2- جواهر الكلام 3: 213.
3- يأتي في الصفحة 157.

الصلاة» فيحكم بأنّ المحكوم بالصحّة الصلاة المدرَكة ركعتها؛ من غير فرق بين أوّل الوقت و آخره.

و القول: بأنّ كلاًّ من القاعدة و الرواية بصدد حكم غير حكم صاحبتها، فإنّ القاعدة بصدد بيان إدراك الصلاة، و الرواية بصدد بيان الإجزاء و الصحّة، فيعمل بكلٍّ في موضوعها.

لايفيد، فإنّ القاعدة بمفهومها ترفع موضوع الإجزاء و الصحّة أيضاً.

إلّا أن يقال: عدم إدراك الصلاة في وقتها لاينافي الإجزاء و الصحّة، لكنّه غير وجيه؛ لأنّ العرف يستفيد من ذلك بطلان الصلاة و عدم الإجزاء، مضافاً إلى أنّ المستفاد من موثّقة عمّار المتقدّمة المستدلّ بها للصحّة: أنّ المراد بإدراك الوقت صحّة الصلاة و إجزاؤها، و فيها: «فإن صلّى ركعة من الغداة، ثمّ طلعت الشمس، فليتمّ و قد جازت صلاته»(1)، تأمّل.

هذا، ولكن يمكن الخدشة في شمول القاعدة لأوّل الوقت؛ بأن يقال: إنّ إدراك الوقت بمقدار الركعة إنّما يقال إذا لم يبقَ منه إلّا ذلك و خرج من يده ما بعده، و هذا مختصّ بآخر الوقت، مضافاً إلى أنّ روايات الباب كلّها متعرّضة لإدراك آخر الوقت، و الظاهر أنّ مفاد المرسلة موافق لها.

و كيف كان، هذا الاحتمال مع هذا التأييد لو لم يكن موجباً للاستظهار، فلا أقلّ من أنّه موجب للشكّ في الصدق و عدم جواز التمسّك بها لأوّل الوقت.

ص: 156


1- تهذيب الأحكام 2: 38 / 120؛ وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 1.
الاستدلال للصحّة برواية إسماعيل بن رياح

فالمستند إذن للقول المشهور رواية إسماعيل بن رياح، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: «إذا صلّيت و أنت ترى أنّك في وقت، و لم يدخل الوقت، فدخل الوقت و أنت في الصلاة، فقد أجزأتْ عنك»(1).

البحث السندي للرواية

قالوا: «إنّ الرواية صحيحة إلى إسماعيل، و رواية ابن أبي عمير عنه كافية للحكم بالصحّة؛ لأنّه لايروي إلّا عن ثقة، كما صرّح به الشيخ في العدّة(2)، مع أنّ جماعة من المتأخّرين يقولون: إذا صحّ الخبر إلى ابن أبي عمير فقد صحّ إلى المعصوم(3)، مضافاً إلى أنّ الشهرة جابرة لضعفها على فرضه»(4).

أقول: أمّا ما عن الشيخ من عدم رواية ابن أبي عمير إلّا عن الثقة، فهو خلاف الوجدان، كما يظهر بالرجوع إلى رجاله و رواياته، نعم أكثر رجاله ثقات، و هذا لايكفي لإثبات المدّعى.

و أمّا ما عن الجماعة فهو مستند إلى إجماع الكشّي(5) بالنسبة لابن أبي عمير

ص: 157


1- تهذيب الأحكام 2: 35 / 110؛ وسائل الشيعة 4: 206، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 25، الحديث 1.
2- العدّة في اُصول الفقه 1: 154.
3- اُنظر الوافي 1: 27، المقدّمة الثانية؛ خاتمة مستدرك الوسائل 7: 22 - 37؛ مقباس الهداية 2: 176 - 181.
4- مفتاح الكرامة 5: 148.
5- اختيار معرفة الرجال: 556 / 1050.

و أضرابه ممّن ذكره، و قد تعرّضنا لذلك في بعض كتبنا(1)، و أثبتنا أنّه على فرض صحّة قيام هذا الإجماع، لايستفاد منه إلّا الإجماع على وثاقة هؤلاء.

و أمّا قضيّة الشهرة الجابرة - و هي العمدة - ففي ثبوتها إشكال، بعد ما يحكى(2) عن السيّد في رسّيّاته: من أنّ عدم الإجزاء هو الذي أفتى به المحقّقون و المحصّلون من أصحابنا(3)، و قد فهم بعضهم من ذلك دعوى الإجماع عليه(4)، و بعد مخالفة كثير من القدماء و المتأخّرين(5) للشهرة، ففي جبرها للسند على فرض ثبوتها إشكال، بعد احتمال كون المستند عندهم - أو عند كثير منهم - قاعدة الإجزاء، أو أصل البراءة، كما استدلّ بهما(6) أو بأحدهما(7) قديماً و حديثاً، و احتمال كون استناد بعضهم أو أغلبهم إلى رواية إسماعيل؛ بزعم أنّ ابن أبي عمير لايروي إلّا عن ثقة، أو أنّه من أصحاب الإجماع، و لاينظر إلى السند بعد الاتّصال بهم بسند وثيق.

و أمّا التشبّث بقاعدة الإجزاء ففي غير محلّه، كما أشرنا إليه(8)، و أوهن منه

ص: 158


1- الطهارة، الإمام الخميني قدس سره 3: 350.
2- مفتاح الكرامة 5: 148.
3- رسائل الشريف المرتضى 2: 350.
4- مفتاح الكرامة 5: 149.
5- رسائل الشريف المرتضى 2: 350؛ مختلف الشيعة 2: 68؛ التنقيح الرائع 1: 171؛ مدارك الأحكام 3: 100 - 101.
6- كشف اللثام 3: 78؛ جواهر الكلام 7: 276.
7- المقنعة: 94؛ الحدائق الناضرة 6: 294؛ رياض المسائل 3: 107.
8- تقدّم في الصفحة 154.

التشبّث بأصل البراءة بعد قيام الدليل كتاباً و سُنّة على وجوبها من الزوال و عدم صحّتها قبله.

بقي الكلام فيما قال الحلّي في «السرائر»: من ورود الأخبار المتواترة على الإجزاء.

قال: فإن شكّ - أي في دخول الوقت - لغيم أو غيره، استظهر حتّى يزول عنه الريب في دخوله، و من صلّى صلاة في حال فقدان الأمارات و الدلالات و مع الاستظهار، و ظهر بعد الفراغ منها أنّ الوقت لم يدخل، وجب عليه الإعادة... - إلى أن قال -: و إن كان قد دخل عليه وقت الصلاة و هو فيها، و لم يفرغ منها لم يلزمه الإعادة، و ذهب قوم من أصحابنا إلى وجوب الإعادة... - إلى أن قال -: و الأوّل هو المعمول (المعتمد. خ) عليه، و الأظهر في المذهب، و به تنطق الأخبار المتواترة المتظاهرة عن الأئمّة علیهم السلام، انتهى(1).

و لم يتّضح لنا مراده من الأخبار المتواترة، و من المعلوم أنّه ليس مراده الأخبار الواردة في قاعدة «من أدرك» بإلغاء الخصوصية؛ ضرورة أنّها مع عدم كونها متواترة يكون موضوعها إدراك الركعة، و في المقام يكون الموضوع إدراك الوقت، و هو في الصلاة، و لم يقيّده أحد بإدراك الركعة، و کلام الحلّي كالصريح في الأعمّ.

كما أنّ مراده ليس خبر إسماعيل بن رياح باعتبار الطرق العديدة إلى ابن أبي عمير الناقل عنه؛ ضرورة أنّ قوله: الأخبار المتواترة المتظاهرة عن

ص: 159


1- السرائر 1: 200 - 201.

الأئمّة، صريح في كثرة الأخبار عنهم بحيث يتظاهر بعضها ببعض، و لولا الجزم بوقوع اشتباه في البين إمّا من قلمه الشريف، أو من النسّاخ، لصحّ الاعتماد على قوله، ولكن المعلوم عدم عثوره على أخبار متواترة ليست لها في جوامعنا و كتبنا الاستدلالية رسم و لا أثر، فالمسألة مورد تردّد، و إن كان مقتضى القواعد الحكم بالبطلان، هذا كلّه في سند رواية إسماعيل بن رياح.

البحث الدلالي لرواية إسماعيل

و أمّا بيان مفادها فالبحث فيه من جهات:

الاُولى: تارة ينكشف الخطأ بعد تمام الصلاة، و اُخرى في أثنائها.

و على الثاني: تارة ينكشف بعد دخول الوقت، و اُخرى قبله، لكن مع بقاء مقدار من الصلاة لو أتمّها أدرك الوقت.

فهل يمكن الجمع بين الفروع الثلاثة في لفظ واحد، أو لا؛ بأن يقال: ليس بين الفراغ من الصلاة و عدمه، و إتمامها و الشروع فيها، و انكشاف الخطأ في الأثناء و عدمه، جامع، فلايمكن الجمع بلفظ واحد إلّا على القول بجواز استعماله في الأكثر(1)، و على فرض صحّة الاستعمال لايحمل اللفظ عليه إلّا مع قيام القرينة؟

و يمكن دفع الإشكال بأن يقال: يصحّ الجمع في العناوين التي توجد متدرّجة مع صدقها على الخارج من أوّل الأمر إلى آخره كالصلاة، فإنّ المصلّي المشتغل بها يصحّ أن يقال: إنّه صلّى باعتبار الأجزاء السابقة، و يصلّي باعتبار الاشتغال

ص: 160


1- مناهج الوصول 1: 131.

و الأجزاء اللاحقة؛ أ لاترى صحّة قوله: صلّيت و شككت في الركعة الثانية، أو صلّيت مع الإمام و انفردت في الركعة الأخيرة بلا شائبة تجوّز.

فقوله علیه السلام في الرواية: «إذا صلّيت و أنت ترى أنّك في وقت» - بعد إفادة المعنى الاستقبالي؛ لمكان لفظة «إذا» - يصدق في حال الاشتغال كما يصدق بعد الإتمام، و ليس الفراغ و عدمه، و الاشتغال و عدمه بعنوانهما قيداً في الكلام حتّى يقال: لايصحّ الجمع بينهما، و انكشاف الخطأ ليس في الرواية، و على فرضه يصدق على الداخل و الخارج بعنوان واحد.

فالعبارة المذكورة في الرواية شاملة للفروع الثلاثة لولا بعض القرائن، فمن اشتغل بالصلاة، و يرى أنّه في الوقت، و لم يدخل الوقت، فدخل و هو في الصلاة، يصدق عليه لفظ الحديث؛ سواء انكشف الخطأ في الأثناء أم بعد الفراغ، و سواء انكشف بعد دخول الوقت أم قبله، فالموضوع تحقّق الصلاة مع إحراز الوقت و وقوع بعضها في الوقت، فلو انكشف قبل دخوله، و أدام صلاته حتّى دخل، صحّ أن يقال بالعبارة المتقدّمة، و أمكن الجمع بين الفروع.

هذا بحسب الثبوت و الإمكان.

و أمّا بحسب الإثبات و الدلالة: فالظاهر بطلان الاحتمال الأخير؛ لظهور الكلام في أنّ دخول الوقت مرتّب على الصلاة المحرز وقتها، فكأنّه قال: إنّ الصلاة المحرز وقتها، لو ترتّب عليها دخول الوقت واقعاً أجزأت عنه، فاستدامة الإحراز إلى زمان الدخول مفروضة في الكلام، هذا مع أنّ الإجزاء في هذا الفرض بعيد في نظر العرف جدّاً، لاينقدح في الأذهان قطعاً.

و أمّا الفرضان الآخران فمع الصدق عليهما عرفاً بلا شائبة تجوّز، فمقتضى

ص: 161

الإطلاق كونهما مشمولين للرواية.

و بعبارة اُخرى: إنّ قوله علیه السلام: «إذا صلّيت و أنت ترى أنّك في وقت» شامل لمن أتمّ صلاته أو كان مشتغلاً بها، ففي الفرضين إذا امتدّ الإحراز إلى زمان دخول الوقت أجزأت صلاته عنه؛ من غير فرق بين كشف الخطأ في الأثناء أو بعد الصلاة، و لأجل عدم الفرق بينهما لم يتعرّض في الرواية لكشف الخطأ؛ لعدم دخالته في الإجزاء و الصحّة.

الجهة الثانية: المحتمل - بحسب التصوّر - أن يكون لفظ «ترى» الواقع في الرواية موضوعاً للعلم أو للظنّ، أو لكلٍّ منهما على سبيل الاشتراك اللفظي، أو للجامع بينهما، و هو الكشف عن الواقع.

فعلى الأوّل: تبطل الصلاة، لو أحرز الوقت بأمارة ظنّية كخبر الثقة و أذانه، فانكشف وقوع بعضها خارج الوقت؛ من غير فرق بين كون الانكشاف بعد الصلاة أو في أثنائها.

و قد يقال: إنّ دليل حجّية الأمارات منزِّل لها منزلة العلم، فتندرج فيه تعبّداً و حكومة، فإنّ مفاده تتميم الكشف و جعل الكشف الناقص منزلة التامّ(1).

و قد يجاب عنه: بأنّ دليل الحجّية ينزِّل المؤدّى منزلة الواقع، لا الأمارة منزلة العلم(2).

و فيهما إشكال و منع، فإنّهما ادّعاء بلا برهان؛ أمّا في مثل خبر الثقة فواضح؛ لأنّ دليل حجّيته هو البناء العقلائي فقط، و لا دليل على تأسيس الحجّية له كتاباً

ص: 162


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 108.
2- الصلاة، المحقّق الحائري: 26.

و لا سنّة، مع كثرة الروايات الواردة فيه، فإنّ الناظر فيها يرى أنّه لايفهم منها إلّا تنفيذ البناء العقلائي، على ما فصّلنا القول فيه في محلّه(1)، و الآية الكريمة(2) المتشبَّث بها كذلك على فرض الدلالة، و من الواضح أنّ عمل العقلاء على خبر الثقة ليس لتنزيله منزلة القطع و العلم، و لا تنزيل مؤدّاه منزلة الواقع، بل هو أحد الطرق العقلائية قبال العلم عند فقده.

و أمّا ما ورد في المقام من أذان الثقة(3) و صياح الديكة(4)، فلأنّ أذان المؤذّن الثقة العارف بالوقت أمارة على الواقع، كما أنّ تجاوب أصوات الديكة أمارة ظنّية على دخول الوقت، فأجاز الشارع العمل بهما من غير دلالة في الروايات على تنزيلهما منزلة العلم، و هو واضح، و لا على تنزيل مؤدّاهما منزلة الواقع.

فقوله علیه السلام: «إذا ارتفعت أصواتها و تجاوبت فقد زالت الشمس»(5) لا دلالة فيه على أنّ خارج الوقت بمنزلته، بل بيان لكشف ذلك عن تحقّق الزوال ظنّاً، و هو كافٍ في العمل، ففي الحقيقة مفاد الأدلّة جواز الاتّكال على تلك الأمارات الظنّية للعمل بالواقع.

و على الثاني: يشكل القول بالصحّة فيما لو كان الإحراز قطعياً، و احتمال

ص: 163


1- أنوار الهداية 1: 251.
2- الحجرات (49): 6.
3- راجع وسائل الشيعة 5: 378، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3.
4- راجع وسائل الشيعة 4: 170، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 14، الحديث 1 و 5.
5- الكافي 3: 284 / 2؛ وسائل الشيعة 4: 171، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 14، الحديث 5.

أولوية القطع من الأمارة الظنّية، مدفوع: بأنّ من المحتمل أن يكون الحكم بالإجزاء لأجل عمله بالأمارة الشرعية، و نحن و إن قلنا: إنّ العمل بها لايوجب الإجزاء، لكن من المحتمل أن يكون الحكم بالإجزاء بدليل خاصّ؛ لأجل مراعاة المكلّف العامل بقول الشارع الأقدس، و هذا كافٍ في عدم القطع بالأولوية، و الحكم بالبطلان لكون الصحّة على خلاف القواعد.

و على الثالث: لو انكشف الخطأ بعد الصلاة وجبت إعادتها؛ لأنّ الشكّ في امتثال الأمر المعلوم.

و توهّم: أنّ توجّه التكليف إليه مشكوك فيه؛ لأنّ حال وجود الأمارة لايكون التكليف الواقعي متوجّهاً إليه؛ لأنّه غير ملتفت، و بعد الالتفات الحاصل بعد الصلاة يحتمل عدم توجّه التكليف إليه إذا أتى بالصلاة مع قيام ما يحتمل أماريته، ففي الحقيقة كان المورد من موارد الشكّ في التكليف.

فاسد؛ لما ذكرنا في محلّه: من أنّ التكاليف القانونية الشرعية ثابتة و فعلية بالنسبة إلى جميع المكلّفين؛ من غير فرق بين العالم و الجاهل و الناسي و الساهي و العاجز و غيرهم(1)، و إنّما المكلّف مع أحد تلك العناوين، معذور عن العمل بالواقع و عن إطاعة المولى، فبعد الالتفات يكون شكّه في الامتثال و سقوط التكليف الفعلي.

و لو انكشف الخطأ أثناء الصلاة، فقد يقال بلزوم الإتمام و الإعادة؛ للعلم الإجمالي بأنّه إمّا يجب عليه الإتمام أو الإعادة(2)، و هذا مبنيّ على القول بحرمة

ص: 164


1- مناهج الوصول 2: 18 - 20.
2- الصلاة، المحقّق الحائري: 26.

قطع الصلاة مطلقاً، و هو غير ثابت؛ إذ لا دليل عليها إلّا الإجماع المدّعى، و المتيقّن منه هو الصلاة المعلوم كونها صحيحة و مصداقاً للمأمور به، فلايكون العلم الإجمالي حجّة، كما هو واضح.

و على الرابع: تصحّ الصلاة على الفرضين.

هذا بحسب التصوّر.

و أمّا ما يفهم من كلمات الفقهاء قديماً و حديثاً، فهو طرح المسألة في مورد الورود في الصلاة مع الاجتهاد و تشخيص الوقت ظنّاً، كما يظهر من الرجوع إلى المتون(1)، و دعاوى الشهرة و الإجماع وقعت على هذا الفرض(2).

و ادّعى بعضهم: أنّ قوله علیه السلام: «ترى أنّك في وقت»(3) بمعنى تظنّ(4)، و حكى «الجواهر» عن غير واحد: أنّ المراد منه الظنّ(5)، و يدلّ على أنّ مرادهم خصوص الظنّ، تمسّكهم قديماً و حديثاً بأنّ الأمر الظاهري يفيد الإجزاء؛ إذ لايكون هذا إلّا في موارد الاجتهاد أو الدلالات الظنّية، كأذان الثقة و صياح الديك.

هذا، ولكنّ المصرّح به في اللغة أنّه بمعنى العلم.

ص: 165


1- المبسوط 1: 74؛ شرائع الإسلام 1: 53 - 54؛ قواعد الأحكام 1: 248؛ ذكرى الشيعة 2: 391 - 392؛ مفاتيح الشرائع 1: 95؛ مفتاح الكرامة 5: 144.
2- التنقيح الرائع 1: 171؛ كشف اللثام 3: 78؛ جواهر الكلام 7: 276.
3- تهذيب الأحكام 2: 35 / 110؛ وسائل الشيعة 4: 206، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 25، الحديث 1.
4- التنقيح الرائع 1: 171؛ الحدائق الناضرة 6: 296.
5- جواهر الكلام 7: 277.

ففي «الصحاح»: الرؤية بالعين تتعدّى إلى مفعول واحد، و بمعنى العلم تتعدّى إلى مفعولين(1).

و في «المنجد»: لم يسمع مضارع «رأى» بمعنى الظنّ إلاّ مجهولاً(2).

و الظاهر من موارد استعمال العلم و ما بمعناه في الروايات في الأبواب المتفرّقة شيوع استعماله في مطلق الكشف عن الواقع علماً يقيناً كان أو ظنّاً معتمداً على الأمارات الشرعية أو العقلائية غير المردوع عنها، كقوله علیه السلام: «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر»(3)، و «كلّ شيء حلال حتّى تعرف الحرام بعينه»(4)، حتّى مثل قوله علیه السلام: «لاتنقض اليقين أبداً بالشكّ»(5) على ما هو المقرّر في محلّه(6). و الرجوع إلى الروايات الكثيرة المتواترة الواردة في فضل العلم و العلماء(7) و في الفتوى بغير العلم(8) و المستأكل بعلمه(9) إلى غير

ص: 166


1- الصحاح 6: 2347.
2- المنجد: 243.
3- تهذيب الأحكام 1: 284 / 832؛ وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الصلاة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 4.
4- الكافي 5: 313 / 40؛ وسائل الشيعة 17: 89، كتاب الصلاة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 4.
5- تهذيب الأحكام 1: 8 / 11؛ وسائل الشيعة 1: 245، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 1، الحديث 1.
6- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 87.
7- الكافي 1: 32.
8- راجع وسائل الشيعة 27: 20، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 4.
9- وسائل الشيعة 27: 141، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 11، الحديث 12.

ذلك، يشرف بالناظر على القطع بأنّ الاستعمال في العلم مقابل سائر الحجج الإلهية نادرٌ.

و في خصوص لفظ «رأى» شاع الاستعمال في الآراء الفقهية و نحوها؛ ممّا هي معتمدة على الظنون الاجتهادية، بل ما فرض في الرواية: من أنّه «يرى أنّه في الوقت، و ليس في الوقت» هو أنّه يرى في أوّل الأوقات كالزوال و الغروب، و هو بحسب الغالب في مورد قيام الأمارات الظنّية و إن كان يحصل العلم القطعي أحياناً، و الإنصاف أنّ من علم بدخول الوقت وجداناً، أو قامت عنده الأمارات الشرعية، أو اجتهد و حصل له الظنّ المعتبر بحسب الشرع، يصدق عليه أنّه يرى أنّه في وقت، و الظاهر استعماله في الرواية في مطلق الكشف المعتبر، فيعمّ العلم و سائر الحجج، و ما ذكرناه غير مخالف لقول «الصحاح» و «المنجد» كما يظهر بالتأمّل، و لعلّ نظر الفقهاء(1) في طرح المسألة في الظنون، إنّما هو لأجل عدم تخلّف الأمارات و الدلالات اليقينية عن الواقع غالباً، بخلاف الظنون عند فقدها.

الجهة الثالثة: يحتمل أن تكون الصلاة - التي وقع بعضها قبل الوقت، و بعضها فيه - أداء، أو غير أداء، أو أداء ببعضها و لا أداء ببعض، بعد معلومية عدم كونها قضاء؛ لأنّ القضاء - بحسب العرف - هو إيقاعها بعد فوت الوقت، فالصلاة قبل وقتها لا أداء و لا قضاء، و لا ثمرة للبحث هنا إلّا عند من يرى أنّ الأداء و القضاء من العناوين التي لابدّ من قصدها.

و كيف كان، لاتدلّ رواية إسماعيل(2) إلّا على أنّ الصلاة الكذائية

ص: 167


1- تقدّم تخريجه في الصفحة 165، الهامش 1.
2- تقدّم في الصفحة 157.

مجزية، فالقول بأنّها أداء لتوسعة الوقت تعبّداً واقعاً أو تنزيلاً ممّا لا دليل عليه، كما لا دليل على تنزيل إدراك بعض الوقت منزلة إدراك الكلّ، فاحتمال كونها أداء ضعيف.

و الاستئناس له بروايات «من أدرك»(1)؛ بأن يقال: لا فرق في ذلك بين أوّل الوقت و آخره، بل في تلك الروايات قد يعبّر بلفظ «جازت صلاته»، كما يعبّر بلفظ «أدرك الوقت» أو «أدرك في الوقت»، لايعبأ به، كما هو ظاهر، بل الفرق بين قبل الوقت - الذي لم تكن الصلاة مأموراً بها - و بعد الوقت واضح، فإذن يحتمل أن تكون غير أداء بأجمعها، أو أداء فيما وقع في الوقت، و الأمر سهل بعد كونها مجزية بحسب الرواية، و بعد عدم اعتبار قصد تلك العناوين، و إن كان الاحتمال الأوّل أقرب.

فرع: في الشكّ أثناء الصلاة في دخول الوقت بعد إحراز الدخول

لو شكّ أثناء الصلاة في دخول الوقت بعد إحراز الدخول في أوّلها:

فتارة ينقلب إحرازه إلى الشكّ، فيشكّ في دخوله من أوّل الصلاة إلى الحال الفعلي، و تارة ينقلب إلى العلم بالخلاف، و أنّ دخوله فيها كان قبل الوقت، لكن يشكّ في دخول الوقت في الأثناء، و على الثاني قد يحرز دخول الوقت إذا استدام في الصلاة، و قد يحرز العدم، و قد يشكّ.

فعلى الأوّل: يحتمل الحكم بصحّة صلاته لقاعدة التجاوز؛ بأن يقال: إنّ المحلّ الشرعي لإحراز الوقت، قُبيل الدخول في الصلاة و إن كان الوقت مضروباً

ص: 168


1- راجع وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30.

لجميعها، فمع مضيّ المحلّ يندرج في قوله علیه السلام: «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضِهِ كما هو»(1)، و نظير ذلك ما لو شكّ أثناءَها في أنّه كان على وضوء، فإنّ الطهارة و إن اعتبرت في جميع أجزاء الصلاة، لكن محلّ تحصيلها قُبيل الصلاة، فمع التجاوز لايعتني بشكّه(2).

لكنّه احتمال ضعيف، فإنّ ما يحكم بصحّته هو ما مضى من الأفعال التي يعتبر فيها الطهارة أو الوقت، دون ما لم يمضِ، كما هو ظاهر من روايات الباب(3).

و في المقام إشكال آخر: و هو أنّ محطّ روايات قاعدة التجاوز، هو الشكّ في الأجزاء أو الشرائط الثابتة للمأمور به؛ أ لاترى أنّه لو صلّى قبل الوقت عالماً، و شكّ في بعض أجزائها بعد التجاوز، لاتجري القاعدة، فحينئذٍ لو تردّد في كون الصلاة وقعت قبل الوقت و لو ببعضها أو في الوقت، رجع شكّه إلى أنّها هل كانت مأموراً بها أو لا؟ فيكون من الشبهة المصداقية لقاعدة التجاوز.

و أمّا استصحاب عدم دخول الوقت، فيأتي الكلام فيه في الصورة الاُخرى، و هي:

ما لو شكّ أثناء الصلاة في دخول الوقت مع تبيّن عدم دخوله حال افتتاح

ص: 169


1- تهذيب الأحكام 2: 344 / 1426؛ وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 3.
2- اُنظر مصباح الفقيه، الصلاة 9: 388.
3- راجع وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 1 و 9.

الصلاة و العلم بدخوله آخر الصلاة، فيشكّ في كون إحرازه للوقت عند افتتاح الصلاة، هل هو متّصل بدخوله في الأثناء أو لا؟

فعلى القول بعدم لزوم اتّصال الإحراز بدخوله، لا إشكال فيه؛ لأنّ الموضوع المأخوذ في الرواية محرز، و هو الدخول محرزاً للوقت و دخول الوقت في الأثناء، و لاينظر إلى الوسط.

و على القول بلزوم اتّصال إحراز الوقت بإحراز دخوله في الأثناء، لا إشكال في البطلان و خروجه عن الموضوع.

و على القول بلزوم اتّصال الإحراز بدخول الوقت واقعاً، لا بإحرازه، فيمكن إجراء استصحاب عدم دخول الوقت إلى حال الصلاة، و استصحاب عدم كون صلاته المحرزة الوقت في الوقت، و استصحاب عدم اتّصال زمان الإحراز بزمان دخول الوقت، و الاستصحاب الأوّل جارٍ في الفرع السابق على إشكال فيه.

و الظاهر عدم شبهة المثبتية في هذا الفرع ولو كان الموضوع في طرف الحكم بالصحّة مركّباً أو مقيّداً، فضلاً عمّا إذا كان الموضوع أمرين؛ لأنّ رفع الموضوع المقيّد أو المركّب برفع بعض أجزائه أو قيوده، ففي الحكم بالبطلان لايحتاج إلى إثبات التقييد حتّى يلزم المثبتية، و على ذلك ينحلّ العلم الإجمالي؛ بأنّه إمّا يجب الإتمام أو الإعادة على القول بتنجيزه، و إن كان غير منجّز على ما تقدّم الكلام فيه(1).

وممّا ذكرنا يظهر الكلام في الشكّ بعد الفراغ؛ بأنْ دخل في الصلاة محرِزاً

ص: 170


1- تقدّم في الصفحة 164 - 165.

للوقت و أتمّها، ثمّ شكّ في أنّ الوقت كان داخلاً أو لا، فحينئذٍ قد يشكّ في الدخول من أوّلها إلى الآخر، و قد ينكشف له الخطأ، و يتبيّن له أنّ الوقت لم يدخل حين افتتاح الصلاة، لكن يحتمل أنّه دخل في الأثناء.

ففي الصورتين لاتجري قاعدة التجاوز و لا الفراغ؛ بناء على كونها قاعدة اُخرى؛ لما مرّ: من أنّ محطّ القاعدة هو الشكّ في أجزاء المأمور به و شرائطه(1).

و بعبارة اُخرى: هي قاعدة اُسِّست لمقام الامتثال، و ما لايكون مشروعاً أو مأموراً به خارج عن محطّ القاعدة.

فإن قلت: إنّ الصلاة التي دخل فيها بزعم دخول الوقت، ثمّ دخل الوقت في الأثناء و إن لم تكن مأموراً بها واقعاً و لا ظاهراً، ولكنّها تقبّلها الشارع بعنوان الصلاة، فيترتّب عليها كلّ ما يترتّب على الصلاة، و من هنا يظهر: أنّه لو قطع بدخول الوقت في الأثناء يجب عليه الإتمام، و يحرم الإبطال(2).

قلت: هذا ما أفاده شيخنا العلاّمة - أعلى اللّه مقامه - في صلاته، و هو حقّ لو علم بدخول الوقت في الأثناء كما أفاد في آخر كلامه، و لا إشكال في أنّه مع دخوله في الأثناء يجري عليه ما يجري على الصلاة المأمور بها؛ من جريان قاعدة التجاوز و قواعد الشكّ و غيرهما، لكن المفروض عدم العلم بدخول الوقت في الأثناء، و الشكّ فيه شكّ في تقبّل الشرع لها، و معه يكون من الشبهة المصداقية لقاعدة التجاوز و الفراغ و سائر القواعد؛ أ لاترى أنّه لو لم يدخل الوقت في الأثناء لايجري شيء من القواعد فيها.

ص: 171


1- تقدّم في الصفحة 169.
2- الصلاة، المحقّق الحائري: 27.

و بعبارة اُخرى: إجراء قاعدة الفراغ يتوقّف على إحراز تقبّل الشارع لها، الموقوف على إحراز دخول الوقت في الأثناء، و لايعقل إحراز ذلك بالقاعدة.

هذا، مضافاً إلى أنّ الاستصحابات - التي تقدّمت الإشارة إليها - حاكمة على القاعدة و رافعة لموضوعها، فإنّ المصلّي الذي علم بعدم دخول الوقت في أوّل صلاته، و شكّ في دخوله في الأثناء يجري في حقّه استصحاب عدم دخول الوقت في الأثناء إلى آخر الصلاة بلا إشكال، و معه ينتفي موضوع التقبّل و موضوع قاعدة الفراغ.

و لايتوهّم: أنّ ذلك مخالف لما يقال: من أنّ القاعدة حاكمة أو مقدَّمة على الاستصحاب(1)؛ ضرورة أنّ مورد حكومتها عليه غير مورد حكومته عليها، كما يظهر بأدنى تأمّل.

هذا، مع إشكال آخر في جريان القاعدة في مثل المورد قد تعرّضنا له في محلّه(2).

و هل الحكم بالإجزاء يعمّ ما لو دخل في الصلاة بزعم دخول الوقت لشبهة حكمية، كما لو كان يرى باجتهاده دخول وقت المغرب بسقوط القرص، فدخل فيها عنده، و دخل الوقت بذهاب الحمرة، و هو في الصلاة، أو يختصّ بما إذا كان الخطأ في تحقّق الوقت الواقعي؟

الظاهر عدم قصور الرواية عن شمول الفرضين و صدق قوله علیه السلام: «دخل في

ص: 172


1- كفاية الاُصول: 492 - 493؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 618.
2- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 214.

الصلاة و هو يرى أنّه في وقت»(1). و دعوى الانصراف إلى الفرض الثاني في غير محلّها، بل المناسبات المغروسة في الذهن تؤكّد التعميم، و الظاهر أنّ موضوع الحكم بالإجزاء هو الدخول في الصلاة مع حجّة شرعية أو عقلية؛ بأن كان يرى - اجتهاداً أو تقليداً، أو لقيام أمارة على الوقت، و نحو ذلك - دخوله، ثمّ دخل الوقت في الأثناء، و اللّه العالم.

المقام الثاني فيما يتعلّق بآخر الوقت

و الكلام فيه من جهات:

الجهة الاُولى: دخول الوقت شرط للوجوب إلى آخر الوقت

لا إشكال في أنّ الوقت ليس من أوّله إلى آخره شرطاً للوجوب، فما هو الشرط له هو الزوال في الظهرين، و الغروب في العشاءين، و الفجر في الصبح.

و عليه فهل دخول الوقت شرط لوجوبها حدوثاً، و باقي الوقت شرط للواجب، أو أنّ دخوله شرط لوجوبها إلى آخر الوقت؟

فعلى الأوّل: يجوز التمسّك بدليل الرفع لصحّتها؛ إذا وقعت بعد الوقت بتمامها أو ببعضها، نسياناً أو خطأً أو جهلاً، فإنّه على ذلك يصير الوجوب بتحقّق شرطه كواجب مطلق، و الوقت بوجوده البقائي - كسائر شرائط الواجب - قابل للرفع

ص: 173


1- تقدّم في الصفحة 157.

التعبّدي، لكنّه احتمال ضعيف مخالف لظواهر الأدلّة، كالآية الكريمة المتقدّمة وغيرها(1)، مضافاً إلى أنّه لا مجال مع أدلّة القضاء(2) - الشاملة للترك العمدي - لجعل شرطية الوقت للصحّة؛ لأنّها تنافي الصحّة على جميع الفروض.

و على الثاني: لايصحّ التمسّك بحديث الرفع(3) و لا بسائر القواعد المقرّرة للصلاة المأمور بها، كما تقدّم الكلام فيه بالنسبة إلى ما قبل الوقت(4)، نعم مع ضمّ أدلّة القضاء، تكون الصلاة خارج الوقت مأموراً بها، فيصحّ التمسّك بسائر القواعد و بحديث الرفع في غير الوقت من سائر ما هو دخيل في الصلاة جزءاً أو شرطاً.

و الظاهر أنّ الصلاة - بدخول الوقت - تجب مستمرّاً وجوبها إلى آخر الوقت، کما هو المفهوم من الآية بعد تفسيرها: بأنّ الظهرين تجبان إلى الغروب و العشاءين إلى نصف الليل.

الجهة الثانية: عدم استفادة جواز التأخير العمدي من قاعدة «من أدرك»

هل قاعدة «من أدرك» مخصوصة بمن ترك الصلاة لعذر إلى ضيق الوقت، أو يعمّ العالم العامد؟

ص: 174


1- تقدّمت في الصفحة 154.
2- راجع وسائل الشيعة 4: 282، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 60، الحديث 1، و 8: 253، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 1.
3- التوحيد، الصدوق: 353 / 24؛ الخصال: 417 / 9؛ وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.
4- تقدّم في الصفحة 153 - 154.

فعلى الأوّل: لو تركها عامداً، فأراد الإتيان بها عند ضيق الوقت، تكون فائتة، كمن أدرك أقلّ من الركعة، فإنّ الأداء وقوع الصلاة بجميعها في الوقت، فإنّه لازم التوقيت عرفاً و عقلاً، و عليه فلايجب عليه الإتيان فوراً حتّى على المضايقة؛ لأنّها ليست بذلك التضييق.

و على الثاني: هل يجوز التأخير عمداً؟

بدعوى: أنّ دليل «من أدرك» و إن لم يكن ناظراً إلى توسعة الوقت؛ لا واقعاً و لا تنزيلاً كما مرّ(1)، لكن مفاده: إدراك الصلاة بإدراك الركعة؛ إما لأجل أنّ المعتبر في الإدراك ليس إلّا إدراك الركعة، و إمّا لأجل تنزيل إدراكها منزلة إدراك الجميع، بل المستفاد من قوله علیه السلام في بعض الروايات: «فقد أدرك الغداة تامّة»(2): أنّه لا نقص في صلاته، و لا فرق بينها و بين الصلاة في الوقت الحقيقي، بل المستفاد من قوله علیه السلام في بعض الروايات: «أدرك العصر في وقتها»(3) أنّ الخارجَ وقتٌ حقيقة أو تنزيلاً، فتكون تلك الأخبار حاكمة على ما دلّ على وجوب الصلاة في وقتها و حرمة التأخير عنه، و على قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ...)(4) إلى آخره؛ لأنّ مقتضاها جعل المصداق التعبّدي للوقت أو لإدراكه، و في مقام الامتثال تخيّر العبد بين امتثال الأمر بالمصداق الحقيقي

ص: 175


1- تقدّم في الصفحة 142 - 143.
2- تهذيب الأحكام 2: 38 / 119؛ وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 2.
3- تقدّم في الصفحة 138 - 139.
4- الإسراء (17): 78.

و التعبّدي؛ أ لاترى أنّه إذا قال: «أكرم عالماً» ثمّ قال: إنّ الآتي بصلاة الليل عالم، أو بمنزلة العالم؛ يجوز إكرامه و الاكتفاء به عن الإكرام المأمور به.

أو لايجوز التأخير؟

التحقيق ذلك؛ لأنّ وجوب الإتيان بالصلاة في وقتها و حرمة تأخيرها عنه ثابت بالأدلّة، بل بالضرورة، و دليل القاعدة لايدلّ على توسعة الوقت تحقيقاً، و هو واضح، و لا تنزيلاً؛ لما عرفت سابقاً(1)، و التنزيل في إدراك الصلاة ليس من آثاره إلّا كون المدرك أداء، و لايجوز تأخيره، و يجب المبادرة إليه، و ليس من آثار هذا التنزيل توسعة الوقت، و لا التنزيل منزلة الوقت، بل الظاهر أنّه نزّل إدراك الركعة منزلة إدراك الصلاة في الجملة إن لم نقل بتنزيله منزلة إدراك أربع ركعات.

و كيف كان، لايدلّ دليل القاعدة - لا المرسلة و لا غيرها(2) - على جواز التأخير عمداً، نعم لو أخّرها عمداً إلى مقدار إدراك الركعة يجب عليه المبادرة، و يكون أداءً و إن عوقب على التأخير.

و ربما يقال: إنّ القاعدة لاتشمل من أدرك مقدار ركعة من الوقت حتّى لذوي الأعذار، فضلاً عن العامد، فإنّ مفادها إدراك الركعة لا إدراك مقدار من الوقت يسعها، و إدراكها فعلاً بالإتيان بها في الوقت، فمن لم يأتِ بها لم يكن مدركاً فعلاً لها، فلم يشمله الدليل الظاهر في فعلية الإدراك التي لاتنطبق إلّا على الآتي بها،

ص: 176


1- تقدّم في الصفحة 142 - 143.
2- راجع وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30.

فلو التفت إلى ضيق الوقت حتّى في أثناء الركعة لم يكن مشمولاً للدليل(1).

و فيه: أنّ قوله علیه السلام: «من أدرك ركعة» في معنى إذا الشرطية المفيدة للإدراك الاستقبالي ولو بنظر العرف، بل المناسبات المغروسة في الأذهان العرفية، موجبة لاستفادة أنّ الصلاة الواقعة في الوقت بركعة منها، كافية في إدراك جميعها، فقوله: «من أدرك» معناه عرفاً: أنّ إدراك الصلاة بإدراك ركعة منها من غير نظر إلى حال مضيّ الصدور أو استقباله، فقوله ذلك كقوله: «من أدرك زيارة بيت اللّه فثوابه كذا»، فإنّ الظاهر أنّ لزيارته الثواب الكذائي؛ سواء كان آتياً أم ممّن يأتي فيما بعد.

الجهة الثالثة: في عموم «من أدرك» لجميع الصلوات الخمس

هل القاعدة تعمّ جميع الصلوات الخمس، أو تختصّ بالعصر و العشاء و الصبح، دون الظهر و المغرب ممّا يلزم [من] شمولها لها التزاحم في الوقت الخاصّ بالعصر و العشاء؟

و ربّما يؤيّد الثاني بأنّ روايات الباب - غير المرسلة - متعرّضة للعصر و الصبح و تلغى الخصوصية بالنسبة إلى العشاء، دون الظهر و المغرب؛ لوضوح الخصوصية فيهما، و لعلّ عدم التعرّض للعشاء لأجل خفاء تشخيص وقتها بمثل إدراك ركعة، بخلاف طلوع الشمس و غروبها.

و التحقيق: إطلاق النبوي الذي هو الأصل في القاعدة لجميع الصلوات، فلو بقي من وقت العصرين خمس ركعات تشمل القاعدة صلاة الظهر، فتجب عليه،

ص: 177


1- اُنظر الصلاة، المحقّق الحائري: 17.

و يكشف ذلك عن عدم مزاحمة العصر لها، مع أنّ المزاحمة إنّما تتحقّق إذا لزم من صلاة الظهر تفويت العصر، و مع الإتيان بالظهر لايلزم تفويت العصر بمقتضى القاعدة.

و الحاصل: أنّ شمول القاعدة لها رافع لموضوع المزاحمة، فإنّ موضوعها فوت العصر، كما هو ظاهر صحيحة الحلبي [التي جاء] فيها: «و إن خاف أن يفوته فليبدأ بالعصر و لايؤخّرها فيفوته، فيكون قد فاتتاه جميعاً...»(1) إلى آخرها، فإنّ الظاهر كالصريح أنّ لزوم تقديم العصر و رفع اليد عن الترتيب المعتبر فيهما، إنّما هو أنّه لولاه لزم فوته، و صريح القاعدة أنّه بإدراك الركعة يدرك الصلاة، و هي حاكمة على الصحيحة.

و الحاصل: أنّ الظهر مع بقاء خمس ركعات مشمول للقاعدة فعلاً، و شمولها له لايلزم منه محذور فوت العصر، فيجب الإتيان به، و لو لم يأتِ به و أتى بالعصر مع بقاء الخمس، بطل للإخلال بالترتيب؛ ضرورة أنّ سقوط الترتيب للزوم فوت العصر، و مع عدم فوته بدليل القاعدة لا وجه لسقوطه.

و توهّم: أنّ شمول القاعدة للظهر يتوقّف على عدم مزاحمته للعصر، و هو يتوقّف على شمولها له.

فاسد؛ لأنّ شمولها له لايتوقّف إلّا على تحقّق موضوعه، و هو إدراك ركعة من الوقت الذي لا مزاحم له فيه، و بانطباق القاعدة قهراً يستكشف عدم مزاحمة باقي الركعات للعصر، فيجب عليه الإتيان به، فيتحقّق به موضوع العصر، و هو

ص: 178


1- تهذيب الأحكام 2: 269 / 1074؛ وسائل الشيعة 4: 129، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 18.

إدراك ركعة منه، و بإدراكها تدرك تامّة.

و أمّا ما أفاد شيخنا العلاّمة: من أنّ مجموع الظهر و العصر مطلوب واحد إلى آخر ما أفاد(1)، فلايخفى ما فيه؛ ضرورة أنّ مجموع الصلاتين ليس موجوداً، و لايوجد أبداً، بل الموجود هذا، و هذا ليس هما، و المطلوب كذلك، مع أنّه لاتنحلّ به العقدة، فراجع. هذا على الاختصاص.

و أمّا على الاشتراك فتقع صلاة الظهر في وقتها، و لايزاحمها العصر لعدم فوتها مع إدراك الركعة، فيرفع موضوع المزاحمة. هذا حال الظهرين.

و أمّا العشاءان: فالمشهور فيهما أيضاً أنّه لو بقي من نصف الليل مقدار خمس ركعات يأتي بهما(2)، و هو مبنيّ على اختصاص آخر الوقت - بمقدار أربع ركعات - بالعشاء و قد عرفت فيما سبق الإشكال فيه(3)، كما عرفت حال الشهرة و الإجماع في المسألة(4).

فعلى الاشتراك الفعلي - بل الاقتضائي و الشأني أيضاً - لو بقي أربع ركعات وجب المغرب و العشاء: أمّا على الاشتراك الفعلي فلأنّ المغرب يقع في وقته، و لايزاحمه العشاء ببركة «من أدرك»، و أمّا على الشأني و الاقتضائي، فلأنّه مع إدراك وقت العشاء في محلّه، و عدم مزاحمته للمغرب، يصير الوقت فعلياً؛ إذ المانع من فعليته ليس إلّا فوت العشاء، و هي لاتفوت مع إدراك ركعة منها، لكن

ص: 179


1- الصلاة، المحقّق الحائري: 18.
2- جواهر الكلام 3: 212.
3- تقدّم في الصفحة 131 - 134.
4- تقدّم في الصفحة 131 - 134.

الجزم به مع عدم القائل به - إلّا من بعض العامّة(1) - مشكل.

ثمّ إنّ المستفاد ممّا مرّ: أنّ دليل «من أدرك» ينطبق على جميع الصلوات الخمس، و يحتاج إليه لتصحيح الظهر بالانطباق على الظهر و العصر؛ على القول بالاختصاص: أمّا الظهر فلتصحيح وقوعه بعد الوقت، و أمّا العصر فلرفع مزاحمته للظهر، و كذا الحال في المغرب، و أمّا في صلاة العصر و الصبح و العشاء فلايحتاج إليه للتصحيح؛ لأنّ الاُوليين صحيحتان؛ لوقوعهما قضاء لو لم يكن دليل «من أدرك»، و أمّا العشاء فكذلك؛ بناءً على انتهاء وقتها مطلقاً بانتصاف الليل، و على بقاء الوقت الاضطراري تصحّ لوقوعها في وقتها، فدليل «من أدرك» بالنسبة إلى الصلوات الثلاث، يفيد لزوم الإتيان و عدم جواز التأخير، كما يفيد كونها أداءً لا قضاءً.

الجهة الرابعة: شمول القاعدة لمن يدرك ركعة مع الترابية دون المائية

الموضوع في القاعدة هو المدرِك للركعة الاختيارية بحسب حاله، فمن كان تكليفه تحصيل الطهارة المائية، يعتبر في حقّه سعة الوقت بمقدار إدراك ركعة معها، و من كان تكليفه الطهارة الترابية كالمريض أو الفاقد للماء، یعتبر في حقّه سعته بمقدار تحصیلها، و هکذا في جمیع ذوی الاعذار.

و إنّما الإشكال فيما إذا كان تكليفه - بحسب حاله - الطهارة المائية، و لايدرك ركعة مع تحصيلها، لكن يدركها مع الترابية، فهل تجب عليه المبادرة، و تصحّ صلاته، أو لا؟ و منشأ الإشكال أنّ صدق إدراك الركعة يتوقّف على

ص: 180


1- المجموع 3: 65.

مشروعية التيمّم في حقّه، و إلّا لم يدركها، و إثبات المشروعية يتوقّف على «من أدرك»(1).

و الجواب: أنّ توقّف صدقه على مشروعية التيمّم ممنوع، بل ما يتوقّف عليها هو صحّة الصلاة، و دليل تنزيل التراب منزلة الماء(2) كفيلها.

توضيحه: أنّ للوقت - بحسب الأدلّة المتفرّقة - أهمّيةً بحيث لايعارضها سائر الأجزاء و الشرائط و الموانع، فالصلاة لاتترك و إن فقدت جُلّ أجزائها و شرائطها، و لو أدرك الوقت فلايقال: فاتت صلاته و إن كانت سائر الأجزاء و الشرائط مفقودة، على إشكال في فاقد الطهورين، و مع استجماعها لجميع الشرائط و الأجزاء، إذا فات وقتها يقال: فاتت صلاته، فالوقت له أهمّية لاتقاس بسائر الشرائط، و دليل «من أدرك» أيضاً يدلّ على أهمّيته، و أنّ وقوع مقدار منها يصدق عليه عنوان الصلاة في الوقت، موجب للزوم المبادرة إليها، فالوقت إذا وسع إدراك ركعة منها لم تفت الصلاة عن وقتها، و معه إن أمكن الإتيان بها جامعة للشرائط يجب، و إلّا فبقدر الإمكان يراعى تحصيلها، فواجد الماء إن تمكّن من الإتيان بها مع الوضوء يجب، و إلّا فيجب الإتيان بها مع التيمّم؛ لئلّا تفوت الصلاة بفوت وقتها.

هذا، مضافاً إلى أنّ قوله علیه السلام: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة»(3) نزّل إدراك ركعة منزلة إدراك الجميع، و من آثار إدراك جميع الصلاة

ص: 181


1- الصلاة، المحقّق الحائري: 18.
2- راجع وسائل الشيعة 3: 343 و 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 3 و 23.
3- ذكرى الشيعة 2: 352؛ وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 4.

في الوقت، هو الإتيان بها مع الطهارة المائية إن وسع الوقت لذلك، و إلّا فمع الترابية، و مقتضى التنزيل في الآثار لزوم ذلك أيضاً.

أضف إلى ذلك: أنّ دليل تنزيل التراب منزلة الماء، حاكم على قاعدة «من أدرك» و محقّق لموضوعه، فالتراب بمنزلة الماء، و ربّ التراب و الماء واحد، و هو أحد الطهورين، فلو ضاق الوقت عن الطهور الأصلي قام الطهور التنزيلي مقامه، و موجب لإدراك الصلاة تامّة.

تنبيه: حول الاستصحاب عند الشكّ في بقاء الوقت بمقدار ادراك ركعة

لو شكّ في بقاء الوقت بمقدار إدراك ركعة، فاستصحاب بقاء الوقت لإثبات إدراكها مثبت؛ أمّا على فرض اعتبار عنوان الإدراك فواضح، و أمّا على اعتبار سعة الوقت بمقدار أداء ركعة، فكذلك أيضاً، بل الظاهر مثبتیه لو قلنا بأنّ الموضوع وقوع الصلاة في الوقت بمقدار رکعة منها؛ لأنّ ما هو ثابت بلأصل بقاء الوقت بمقدار رکعة، و ما هو وجداني وقوع رکعة في الخارج، و أمّا وقوعها في الوقت فلیس بالوجدان، بل لازم المستصحب عقلاً.

و أمّا الاستصحاب التعليقي: بأن يقال: لو صلّيتُ قبلاً كنتُ أدركتُ الركعة، فيستصحب هذا العنوان، فمن التعليق في الموضوع، و قد قرّر في محلّه عدم جريانه، و كونُه مثبتاً(1).

و أمّا استصحاب كون الوقت بمقدار ركعة فإنّ السابق كان كذلك، فعدم مثبتيته مبنيّ على أن يكون المستفاد من قوله علیه السلام: «من أدرك ركعة» أنّ إدراك ركعة من

ص: 182


1- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 150 - 151؛ تنقيح الاُصول 4: 172.

الوقت بمنزلة إدراك الصلاة، و أمّا إثبات العنوان المأخوذ في القاعدة فغير ممكن إلّا بالأصل المثبت.

نعم، الظاهر جريان استصحاب أنّ المصلّي كان ممّن أدرك ركعة في السابق و كذا الحال، فيترتّب على ذلك أنّه أدرك الصلاة، و يجب عليه الإتيان بها، و قد مرّ أنّ الظاهر من قوله: «من أدرك» أنّه ليس المراد منه الإدراك في الماضي، و لا الإدراك بالفعل الذي لاينطبق إلّا مع إيجاد الصلاة(1)، و لهذا قلنا: إنّه مع علمه بأنّه يدرك الركعة تجب عليه المبادرة إليها، فالموضوع من كان يدركها، و هو الظاهر من القاعدة، فعلى ذلك لا إشكال في الاستصحاب، فيجب عليه الإتيان بها، و كان آتياً بها في وقتها تعبّداً.

الجهة الخامسة: فيما إذا صلّى قبل الوقت بتبدّل اجتهاده أو بالتقيّة

لو تبدّل اجتهاده، كما إذا كان يرى في السابق أنّ أوّل وقت المغرب سقوط قرص الشمس، فالصلوات التي صلاّها قبل زوال الحمرة لايحكم بصحّتها؛ سواء قلنا بالإجزاء مع تخلّف الاجتهاد في سائر المقامات أم لا، و سواء قلنا بأنّ دليل الإجزاء حتّى في تخلّف الأمارات حديث الرفع - كما ذهبنا إليه(2) - أم لا؛ لما تقدّم: من أنّ محطّ قاعدة الإجزاء - أصلاً أو أمارة - هو الإتيان بالمأمور به

بكيفية تقتضيها الأمارات أو الاُصول(3)، و الصلوات قبل أوقاتها المقرّرة لم تكن

ص: 183


1- تقدّم في الصفحة 177.
2- تقدّم في الصفحة 17.
3- تقدّم في الصفحة 154.

مأموراً بها؛ لأنّ دخول الوقت شرط التكليف لا المكلّف به.

و أمّا لو أتى بها قبل الوقت تقيّة، كما لو أتى بها عند سقوط الشمس قبل ذهاب الحمرة، أو قبل الفجر الصادق تقيّة، فالظاهر صحّتها و إجزاؤها، لما يظهر من الأخبار الكثيرة - الواردة في التقيّة في الأبواب المتفرّقة(1) - من إجزاء العمل الواقع على طبق فتاوى القوم، و في المقام دلّت الأدلّة على الحثّ على دخول جماعاتهم و الصلاة معهم، و أنّ الصلاة معهم كالصلاة مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم و لم يأمرهم بالإعادة(2)، بل الظاهر من الأدلّة أنّ الصلاة تقيّة صحيحة، و من الواضح أنّ الحضور في جماعاتهم في المغرب و الصبح يلزم منه - كثيراً مّا، أو أحياناً - الصلاة قبل وقتها.

و بالجملة: الظاهر من الأدلّة هو لزوم أو جواز ترتيب أثر الواقع على فتاواهم و أحكامهم، فالآتي بصلاة المغرب قبل وقتها صحّت صلاته.

الجهة السادسة: لو بقي للمسافر من نصف الليل مقدار ثلاث ركعات

لو بقي إلى نصف الليل مقدار ثلاث ركعات، و كان المصلّي مسافراً، فعلى اختصاص آخر الوقت بالعشاء، تجب صلاتها، و فاتت المغرب، و عليه القضاء.

و أمّا على الاشتراك: فهل يأتي بالمغرب؟

ص: 184


1- راجع وسائل الشيعة 16: 214، كتاب الأمر و النهي، الباب 25، 26 و 29.
2- راجع وسائل الشيعة 8: 299، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 5، الحديث 1 و 4.

بدعوى: أنّ ما دلّ على الاشتراك، بضميمة ما دلّ على ترتّب العشاء على المغرب، دليل على لزوم الإتيان بالمغرب، و ما دلّ على مزاحمة المتأخّر و أنّه لو أتى بالمتقدّم تفوته كلتا الصلاتين - مثل صحيحة الحلبي(1) - مخصوص بالظهرين، و لايمكن إلغاء الخصوصية؛ لأنّ الوقت الاضطراري للعشاء باقٍ، و لايفوت العشاء بمضيّ نصف الليل.

أو يأتي بالعشاء ثمّ المغرب؟

بدعوى: أنّ قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلَوةَ...)(2) إلى آخره، يدلّ على أنّ أوّل الزوال لاُولى الصلوات الأربع، و غسق الليل - و هو نصفها - لأخيرتها و هي العشاء الآخرة بالضرورة، و إن لم تدلّ على أنّ آخر الوقت مختصّ بالعشاء، و لا على أنّ لزوم الإتيان بالأخيرة في آخر الوقت لأجل المزاحمة.

لكن لا إشكال في استفادة لزوم الإتيان بها، لا بشريكتها، فالإتيان بالمغرب مخالف للآية ولو بضميمة ما هو الضروري، من أنّ العشاء الآخرة أخيرة الصلوات الأربع، فيجب عليه الإتيان بالعشاء ثمّ المغرب فوراً بدليل «من أدرك»، الدالّ على إدراك الوقت الاختياري بإدراك ركعة، و هذا هو الأقوى، مع أنّ المتسالم بين الأصحاب لزوم الإتيان بالعشاء، و عدم مزاحمة المغرب لها؛ و إن اختلفوا في أنّ ذلك للاختصاص أو المزاحمة.

ص: 185


1- تهذيب الأحكام 2: 269 / 1074؛ وسائل الشيعة 4: 129، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 18.
2- الإسراء (17): 78.

حول احتمال إتيان صلاتين بنحو الإقحام في المقام

و هنا احتمال آخر يظهر وجهه في الفرع الآخر و هو أنّه:

لو أدرك ركعتين من الوقت، فعلى الاشتراك و جواز إقحام صلاة في صلاة، يمكن أن يقال بلزوم الإتيان بركعة من المغرب، ثمّ الافتتاح بالعشاء أثناء صلاة المغرب و الإتيان بركعة منها، ثمّ تتميم المغرب، ثمّ تتميم العشاء، هذا بناءً على لزوم الترتيب بين الصلاتين حتّى بالنسبة إلى أجزائهما، و أمّا بناءً على أنّ الترتيب بين الصلاتين - لا بين أجزائهما - فيسقط الترتيب، فله أن يبتدئ بأيّهما شاء، و يأتي بركعة، ثمّ يأتي بالصلاة الاُخرى، ثمّ يتمّ ما بدأ بها.

لكن جواز الإقحام محلّ إشكال - بل منع - و إن ورد في الأخبار جوازه في صلاة الكسوف(1)، فإنّه مع ضيق الفريضتين يبتدئ بالآيات، ثمّ يأتي باليومية بينها، ثمّ يرجع إلى ما بدأ من الآيات، و يأتي بها، و تصحّ صلاته.

و يمكن الذبّ عن الإشكالات التي يمكن ورودها على الإقحام: من أنّ ذلك مخالف لنظم الصلوات، و أنّ الإتيان بمثل الركوع و السجدتين و نحوهما، مبطل و إن لم يأتِ بها بعنوان الصلاة التي ابتدأ بها؛ لما دلّ على النهي عن

ص: 186


1- راجع وسائل الشيعة 7: 490، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 5، الحديث 2 - 4.

قراءة سورة العزيمة معلّلاً: بأنّ السجود زيادة في المكتوبة(1)، و أنّ الإتيان بصلاة في صلاة يوجب محو الصورة، و أنّه من الفعل الكثير، و أنّه مشتمل على الكلام الآدمي، و هو السلام، و عدم معهودية الإقحام إلّا في مورد واحد... إلى غير ذلك:

بمنع مخالفة الإقحام للنظم، و إنّما اللازم منه هو الفصل بين الأجزاء، و الفصل بمثل عبادة مماثلة لا دليل على إضراره بالصحّة.

و بمنع صدق الزيادة على الإتيان بالركوع و السجدتين و نحوهما، بعد ما كان يأتي بها لصلاة اُخرى، و ما دلّ على أنّ السجدة زيادة في المكتوبة: إمّا تعبّد خاصّ بمورده، و إمّا لصدق الزيادة إذا أتى بسورة العزيمة في الصلاة، فإنّ السجدة من متعلّقاتها، و أين ذلك من سجدة أو ركوع لصلاة اُخرى؟

و بمنع محو الصورة في مثل ذلك، كما لو أتى بأدعية و قرآن و نحوهما ممّا هي عبادة، سيّما إذا كان الإقحام بركعة، و أنّ الفعل الكثير إنّما يضرّ لو كان من غير جنس الصلاة، مع عدم الدليل على إبطاله.

و أمّا الكلام الآدمي فيمكن أن يقال بالإتيان بالصلاتين إلى ما قبل السلام، ثمّ الإتيان بسلام واحد لهما بناءً على كون التداخل على القاعدة، مع أنّ الإتيان بالسلام لصلاة واجبة مأمور بها لا دليل على إبطاله، سيّما إذا وقع بعد التشهّد، و عدم المعهودية لا بأس به بعد الموافقة للقواعد و الضوابط.

ص: 187


1- وسائل الشيعة 6: 105، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 40، الحديث 1.

هذا، و مع ذلك كلّه فإنّ الالتزام به في غاية الإشكال، بل الظاهر هو المنع؛ لمخالفته لارتكاز المتشرّعة، مع أنّه لو كان ذلك جائزاً، لكان اللازم التنبيه عليه في الأخبار الواردة في آخر الوقت، بل الأمر بصلاة العصر و ترك الظهر، و أنّه لو أتى بها فاتتاه(1)، دليل على عدم صحّة الإقحام؛ إذ على فرض صحّة الإقحام تجب الصلاتان؛ لإدراكهما في وقتهما، و لم يَفُت شيء منهما، و من البعيد جدّاً التزام أحد بالإقحام كذلك، و اللّه العالم.

ص: 188


1- راجع وسائل الشيعة 4: 129، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 18.

مسألة في الخلل الواقع في الصلاة من قبل الطهور

صور الخلل في الطهور و حكمها

و هو قد يكون في أصله، كما لو تركه عمداً أو سهواً أو نحوهما، و قد يكون في الخصوصيات المعتبرة فيه، كمن ترك ما يعتبر فيه عمداً أو نسياناً و نحوهما، فصلّى مع الوضوء بلا غسل بعض أعضائه أو بلا مسح، أو صلّى مع ترك بعض أعضاء الغسل، و على أيّ حال قد يكون الترك عمداً و لا كلام فيه، و قد يكون سهواً أو نسياناً أو خطأً أو جهلاً بالحكم أو بالموضوع.

مقتضى القواعد الأوّلية في المقام

و مقتضى القواعد الأوّلية البطلان مع الإخلال بالشرط أو بما يعتبر فيه، و يدلّ عليه كلّ ما دلّ على اشتراط الطهارة، كالآية الكريمة (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ...)(1) إلى آخرها، الظاهرة في اشتراط الطهارة، كما هو

ص: 189


1- المائدة (5): 6.

المستفاد من أمثالها، و قوله علیه السلام: «لاتعاد الصلاة إلّا من خمسة...»(1) و عدّ الطهور منها، و قوله علیه السلام: «لا صلاة إلاّ بطهور»(2) و غير ذلك(3).

لكن مقتضى حكومة حديث الرفع(4) على تلك الأدلّة هو الصحّة و الإجزاء، أمّا حكومته على غير «لاتعاد» و قوله: «لا صلاة إلّا بطهور» فواضح، و أمّا على حديث «لاتعاد» فلما أشرنا إليه سابقاً(5): من أنّ مفاد «لاتعاد» في عقد المستثنى البطلان، و في عقد المستثنى منه عدمه، فيكون «لاتعاد» و «تعاد» كناية عن الصحّة مع الإخلال بما سوى الخمس، و عن بطلان الصلاة بالخلل من قبل الطهور، و دليل الرفع يرفع الموضوع الذي يأتي من قبله البطلان، كما أنّ قوله علیه السلام: «لا صلاة إلاّ بطهور» إمّا كناية عن البطلان، كحديث «لاتعاد» أو حقيقة ادّعائية و مصحّحها البطلان، و الكلام فيه كالكلام في «لاتعاد».

فلو ترك الوضوء أو الغسل، و صلّى من غير عمد، كالجهل باشتراطها بالطهور، رفع الحديث الطهور، و يكون ما عدا الشرط المجهول تمام المأمور به و مجزياً عن المأمور به.

ص: 190


1- الفقيه 1: 225 / 991؛ وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 8.
2- راجع وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 1 و 6.
3- راجع وسائل الشيعة 1: 367، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 2 و 3.
4- التوحيد، الصدوق: 353 / 24؛ الخصال: 417 / 9؛ وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 56، الحديث 1.
5- تقدّم في الصفحة 88.

فإن قلت: إنّ تحكيم حديث الرفع بكلّ فقراته على حديث «لاتعاد»

يوجب أن لايبقى له مورد؛ و ذلك لأنّ الترك العمدي غير مشمول له، و يوجب البطلان، و يشترك فيه المستثنى و المستثنى منه، فإن أخرج الترك عن غير عمد - ككونه جهلاً أو نسياناً أو خطأ أو اضطراراً أو سهواً - لم يبقَ له مورد، و لازم ذلك وقوع التعارض بينهما على ما مرّ سابقاً(1)، و يكون الترجيح لحديث «لاتعاد» بوجوه.

قلت: نعم لكن وردت الأخبار الخاصّة ببطلان الصلاة بترك الطهارة نسياناً و هي و إن كان جُلّها في نسيان المسح(2) أو بعض أجزاء الوضوء(3)، لكن يستفاد منها حكم نسيان أصل الوضوء بلا ريب، فمع خروج النسيان عن حديث الرفع و عدم خروجه عن «لاتعاد» يبقى له المورد، سيّما مثل النسيان الذي كثيراً ما يبتلى به المصلّون، و لهذا صار مورداً للسؤال و الجواب، و سيأتي(4) الكلام في ذلك.

و لو صلّى بلا طهور معتمداً على استصحابه لصحّت صلاته حسب قاعدة الإجزاء، و كذا لو شكّ بعد الصلاة في الطهور، و حكم عليه بالمضيّ لقاعدة التجاوز، على إشكال فيه؛ و إن كان الأقرب الإجزاء.

و ممّا ذكر يعلم حال الصلاة مع الوضوء أو الغسل الناقصين، كما لو توضّأ

ص: 191


1- تقدّم في الصفحة 51، 107 و 114.
2- راجع وسائل الشيعة 1: 370 و 450، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3 و 35.
3- نفس المصدر.
4- يأتي في الصفحة 193 - 194.

و ترك المسح، أو غسل بعض أعضاء الوضوء أو الغسل، فإنّ كلّ ذلك في غير مورد النسيان لايضرّ بالصحّة على القواعد.

و أوضح من ذلك ما لو ترك ما يعتبر فيهما تقيّة؛ و ذلك للنصوص الواردة فيها و في خصوص الوضوء، كقضيّة ابن يقطين(1) و داود بن زربي(2)، فلا إشكال في صحّة ما يؤتى به على طريقتهم تقيّة و في إجزائه عن الواقع.

و لو علم بالخلل في أثناء الصلاة، فيمكن تصحيحها على القواعد؛ بجريان حديث الرفع بالنسبة إلى ما مضى و إيجاد الوضوء لما يأتي من الأجزاء، و أمّا الفترة بين العلم و تحصيل الطهور، فإن كان الوقت ضيّقاً - بحيث لو استأنف الصلاة فاتت - وجب عليه الإتمام؛ لأنّ الصلاة لاتترك بحال، فلا محالة يكون مضطرّاً في الفترة المذكورة، فدليل رفع الاضطرار يرفع الشرطية فيها، و إن كان واسعاً فكذلك لو قلنا بوجوب إتمام العمل و حرمة إبطاله مطلقاً، و إلّا فيجب الاستئناف.

و لو أحدث في أثناء الصلاة، فإن كان عن جهل بالحكم أو نسيان أو خطأ، فترفع الشرطية أو الشرط بدليله، و يتوضّأ للباقي، و الكلام في الفترة كالكلام فيها في الفرع السابق.

و لو أحدث بلا اختيار فكذلك؛ لأنّ ما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر،

ص: 192


1- الإرشاد، الجزء الثاني، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد 11: 227؛ وسائل الشيعة 1: 444، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 32، الحديث 3.
2- اختيار معرفة الرجال: 312 / 564؛ وسائل الشيعة 1: 443، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 32، الحديث 2.

و قد ورد ذلك في باب عدم القضاء صوماً و صلاة على المغمى عليه(1).

هذا كلّه على ما تقتضيه القواعد.

مقتضى الروايات الخاصّة فيما لو علم بالخلل بعد الصلاة أو في أثنائها

لكن مقتضى الروايات الخاصّة في الأبواب المتفرّقة إعادة الصلاة أو قضاؤها مع الخلل من قِبَل الطهور:

منها: ما ورد في باب قضاء الفريضة الفائتة، كصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام: سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها؟ قال: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها»(2)، و قريب منها غيرها(3).

و منها: ما وردت في الجماعة، كصحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن رجل أمّ قوماً و هو على غير طهر، فأعلمهم بعد ما صلّوا؟ فقال: «يعيد هو، و لايعيدون»(4) و قريب منها غيرها(5).

ص: 193


1- راجع وسائل الشيعة 8: 258، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 3.
2- الكافي 3: 292 / 3؛ وسائل الشيعة 8: 256، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 2، الحديث 3.
3- تهذيب الأحكام 3: 159 / 342؛ وسائل الشيعة 8: 254، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 3.
4- الكافي 3: 378 / 1؛ وسائل الشيعة 8: 372، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 36، الحديث 3.
5- راجع وسائل الشيعة 8: 371 - 372، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 36، الحديث 1 و 4.

و منها: ما وردت في أبواب الوضوء، كصحيحة علي بن مهزيار قال: كتب إليه سليمان بن رشيد... - إلى أن قال -: فأجاب بجواب قرأته بخطّه... - إلى أن قال -: «و إذا كان جُنُباً أو صلّى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته...»(1) إلى آخرها، و في متنها نحو اضطراب، لكن لايضرّ ذلك بما في ذيلها.

و منها: الروايات الواردة فيمن نسي المسح أو شيئاً من الوضوء، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه علیه السلام، قال: «إذا ذكرت - و أنت في صلاتك - أنّك قد تركت شيئاً من وضوئك المفروض عليك، فانصرف فأتمّ الذي نسيته من وضوئك، و أعد صلاتك»(2)، و قريب منها غيرها(3)؛ ممّا يظهر منها عدم جريان حديث الرفع في الخلل في الطهور نسياناً؛ سواء تمّت صلاته أم لا، و من المعلوم عدم الفرق بين النسيان و غيره، كما هو المستفاد من مجموع الروايات.

هذا حال الفرعين الأوّلين.

ص: 194


1- تهذيب الأحكام 1: 426 / 1355؛ وسائل الشيعة 3: 479، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 1.
2- تهذيب الأحكام 1: 101 / 263؛ وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 6.
3- تهذيب الأحكام 1: 102 / 266، و 2: 200 / 786؛ وسائل الشيعة 1: 370، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 3.

حكم ما لو أحدث في أثناء الصلاة

و أمّا الفرع الأخير و هو ما لو أحدث في أثناء الصلاة و هو: تارة فيما قبل الفراغ عن السجدة الأخيرة، و اُخرى بعد الفراغ منها قبل التشهّد، و ثالثة بعده، و على أيّ حال: تارة تكون وظيفته الوضوء، و اُخرى التيمّم.

بيان ماهية الصلاة

و قبل الورود في بيان الفروع المذكورة لابدّ من ذكر أمر: و هو أنّه من المحتمل أن تكون ماهية الصلاة، هي التكبيرة و القراءة و الأذكار و الركوع و السجود و نحوها، و تكون الفترات الحاصلة بينها خارجة عنها، و عليه فالفصل بين التكبيرة و التسمية، و بين آيات القراءة إذا لم يأتِ بها متّصلة... إلى غير ذلك من الفترات و الفواصل، ليست من الصلاة في شيء، و لو قيل: إنّ المصلّي يشتغل بها في جميع صلاته كان مسامحة في الإطلاق، كما يقال: إنّ فلاناً تكلّم ساعة، مع أنّ تكلّمه باستثناء الفواصل و الوقوفات الحاصلة في البين أقلّ منها، فإنّ ذلك الإطلاق مبنيّ على التسامح بلا إشكال عرفاً و عقلاً، فإنّ العرف لايطلقون على السكوت النطق، فلايقال: إنّ فلاناً حال سكوته مشغول بالنطق.

و يحتمل أن تكون ماهية الصلاة: هي المركّبة من المذكورات و الفواصل الحاصلة بينها؛ بحيث تكون الفواصل أجزاء للصلاة في عرض سائر الأجزاء.

و في كلا الاحتمالين إشكال:

ص: 195

نقد احتمال كون الفترات خارجة عن الصلاة

أمّا في الأوّل: فلكونه على خلاف ارتكاز المتشرّعة، فإنّه لايشكّ أحد في أنّ من كبّر تكبيرة الإحرام، دخل في الصلاة قبل الشروع في القراءة، و لايخرج منها إلّا بالسلام، و أنّه في حال الصلاة من أوّلها إلى آخرها.

و لو قيل لأحد: إنّ المصلّي لم يكن بالتكبير داخلاً فيها، بل إذا كبّر فهو خارج عنها حال سكوته، ثمّ يدخل فيها باشتغاله بالبسملة، ثمّ يخرج عند الوقوف، فيدخل بالاشتغال بالآية... و هكذا، عُدّ ذلك من العجائب و مخالفاً للشرع و ارتكاز المتشرّعة.

و العذر: بأنّه مصلٍّ في جميع الصلاة، لكن بنحو من المسامحة و التجوّز، في غير محلّه، و لايدفع الإشكال.

و هذا الارتكاز الذي جعل الأمر كالضروري من أقوى الأدلّة على أنّ المصلّي ليس في الفترات خارجاً عن الصلاة.

و يدلّ عليه أخبار:

منها: الأخبار الواردة في القواطع، كقوله علیه السلام: «القهقهة تقطع الصلاة»(1)، و «الكلام يقطع الصلاة»(2)، و دلالتها من وجهين:

أحدهما: التسمية بالقاطع؛ إذ هو لايطلق حقيقة إلّا إذا كان للشيء ماهية

ص: 196


1- راجع وسائل الشيعة 7: 250، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 7، الحديث 2.
2- راجع وسائل الشيعة 7: 282، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 25، الحديث 6.

اتّصالية ممتدّة، لها نحو استحكام و مقاومة كالحبل، فتكون القهقهة و نحوها قاطعة لذلك الاتّصال و الارتباط، و لو كانت الصلاة مجموع الأجزاء بلا اعتبار ماهية اتّصالية، لكان إطلاق القطع و القاطع فيها مجازاً، بل لعلّه يعدّ من الغلط.

و لو قيل: إنّ الإطلاق باعتبار قطع الربط بين جزء و جزء.

يقال: ما هذا الربط المعتبر بينهما؟ فإنّ مجرّد كون القراءة بعد التكبير، و الركوع بعد القراءة، لايصحّح الإطلاق، و في المقام و إن كان الاتّصال اعتبارياً لا خارج له، إلّا أنّه بعد الاعتبار يكون الإطلاق صحيحاً، و لو عُدّ مجازاً فهو من المجاز المشهور الصحيح، بخلاف ما إذا لم يعتبر ذلك.

و ثانيهما: من قِبَل أنّ الكلام بل القهقهة لايجتمعان مع الاشتغال بالذكر، فهما على القول المتقدّم واقعان خارج الصلاة، فكونهما قاطعين مع وقوعهما خارجين عنها، يحتاج إلى تأويل و تعسّف، و من الواضح أنّ القواطع إذا وقعت فيها كانت قواطع.

و منها: ما ورد في تكبيرة الإحرام من أنّها مفتاح الصلاة(1)، و تحريمها(2)، و سُمّيت بتكبيرة الافتتاح(3)، و لايصحّ ذلك إلّا إذا كانت ماهية الصلاة؛ بحيث

ص: 197


1- راجع وسائل الشيعة 6: 10، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 7.
2- راجع وسائل الشيعة 6: 11، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 10.
3- راجع وسائل الشيعة 6: 14 و 15، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 6، 11 و 12.

يدخل فيها المصلّي بمجرّد التكبير، مع أنّ الفصل بينه و بين القراءة بالسكوت يخالف ذلك، بل لا معنى لإطلاق المفتاح و الافتتاح و التحريم، إلّا إذا كان الاعتبار أنّه مع التكبير يدخل في الصلاة و حريمها، و لايخرج إلّا بالتسليم الذي هو التحليل.

مضافاً إلى أنّ لازم هذا القول، عدم إضرار الاستدبار و الحدث و سائر الموانع بالصلاة؛ إذا وقعت في الفواصل و حال السكوت، فإنّ الشرائط و الموانع و القواطع إنّما هي للصلاة، و ما هو خارج عنها لايشترط بشيء، و لاتقطع الصلاة بها، فإطلاق أدلّة الشرائط و القواطع، دالّ على أنّ تلك الفواصل لاتكون خارجة عنها... إلى غير ذلك من الشواهد التي تأتي الإشارة إليها عن قريب.

نقد احتمال كون الفترات من أجزاء الصلاة

و أمّا في الثاني: فلأنّه لو كانت الفترات جزءاً منها لعدّت من أجزائها في النصوص، مع أنّ ما فيها ليس إلّا التكبير و القراءة و الركوع و السجود و نحوها؛ من غير ذكر للفواصل، و كذا لم يعدّها الفقهاء من أجزائها.

و التحقيق: أنّ نفس الفواصل ليست جزءاً منها، فإنّها عبارة عن قطعات الزمان تقطيعاً توهّمياً، و كون الصلاة عبارة عن القراءة و الركوع و قطعات الزمان، ممّا لاينبغي التفوّه به، بل الصلاة عبارة عن ماهية اعتبارية ممتدّة من أوّل الافتتاح إلى السلام، و الأفعال أجزاؤها، و هي باقية موجودة مع الفواصل، كأنّها رابطة بين الأجزاء باتّصالها و امتدادها.

فالصلاة إذن مركّبة من أجزاء، و متّحدة معها اتّحاد الماهية المركّبة مع

ص: 198

الأجزاء بالأسر، و تمتدّ تلك الماهية الاعتبارية بين الفواصل؛ من غير أن تكون الفواصل من أجزائها، كامتداد الزمان مع الزمانيات، فالمصلّي في الصلاة - حقيقة و بلا تجوّز - من أوّل الشروع إلى آخر الصلاة من غير فرق بين حال إيجاد الأجزاء و حال الفواصل، و من غير أن تكون نفس الفواصل من الصلاة بشيء، فإنّها أمر حقيقي، و ما تصوّرناه أمر اعتباري باعتبار الشارع الأقدس، فالصلاة مع الأجزاء صلاة، و مع الفترات صلاة، فهي كرابطة بين الأجزاء، فالفترات ليست من الصلاة، و هي موجودة معها وجوداً اعتبارياً ممتدّاً من الافتتاح إلى الختم.

و الشواهد على أنّ للصلاة ماهية اعتبارية غير الأجزاء كثيرة:

منها: ما مرّ من الأدلّة اللفظية(1).

و منها: أنّه لو لم تكن ماهيتها إلّا الأجزاء أو مجموعها، لانتفى الامتياز بين الصلوات المتساويات في الركعات، كالظهرين و العشاء و الصبح و نافلتها، و لايعقل أن يكون الامتياز بالقصد؛ لأنّ مجرّده يتعلّق بنفس الأربع الركعات، و الفرض أنّ العناوين غير مأخوذة فيها، و بعد الوجود يكون الامتياز الفردي كالامتياز بين الفردين لماهية واحدة، فلابدّ من الالتزام بأنّ الصلوات الثلاث ماهية واحدة، و نسبة الصلاة إليها كنسبتها إلى المصاديق الخارجية، و مثل نسبة صلاة الظهر إلى مصداقين لها، و هو كما ترى، و لا معنى - مع سلب الامتياز - لأن تكون إحدى الصلاتين مقدّمة و الاُخرى مؤخّرة، و لا للزوم العدول من المتأخّرة إلى المتقدّمة.

ص: 199


1- تقدّم في الصفحة 196.

و منها: أنّ لازم كون ماهية الصلاة هي نفس الأجزاء أو مجموعها، أن لايكون معنىً لقصد العناوين، بل مع قصد الخلاف و الإتيان بنفس الأجزاء بقصد، لابدّ من الالتزام بوقوعها صحيحة؛ لأنّ قصد عدم الظهر - مثلاً - لايعقل أن يضرّ مع الفرض المذكور.

و منها: لزوم أن لايكون ملاك لكون صلاة الصبح فريضة و نافلتها نافلة.

و منها: لزوم كون جميع النوافل المتشابهة في الركعة مصاديق لأمر واحد، و عدم الملاك لاختلاف أحكامها و أوقاتها... إلى غير ذلك.

و أمّا إذا كان كلّ صلاة معنونةً بعنوان اعتباري ناشئ من ملاك واقعي كشف عنه الشرع، فتنحلّ الإشكالات، و يصحّ الاختلاف بالأفضلية و غيرها، كالصلاة الوسطى و غيرها، و كنافلة الصبح بالنسبة إلى سائر النوافل.

و بالجملة: فالظاهر أنّ المسألة أوضح من أن تحتاج إلى التشبّث.

أدلّة بطلان الصلاة بالحدث في الأثناء

و بناءً على ما ذكر: من تحقّق ماهية الصلاة بالتكبير، و بقائها مستمرّة إلى السلام، تكون جميع الشرائط المعتبرة فيها معتبرة في تلك الماهية المستمرّة؛ من غير فرق بين حال الاشتغال بالأفعال و غيره، فيصحّ الاستدلال للبطلان بمثل قوله علیه السلام: «لا صلاة إلّا بطهور»(1)، و «لاتعاد الصلاة...»(2) و نحوهما.

و لاتحتاج المسألة إلى الأدلّة الخاصّة، و إن وردت فيها الأخبار الشريفة:

ص: 200


1- تقدّم في الصفحة 190.
2- تقدّم في الصفحة 190.

كموثّقة عمّار بن موسى الساباطي عن أبي عبد اللّه علیه السلام، قال: سأل عن الرجل يكون في صلاته، فيخرج منه حبّ القرع، كيف يصنع؟ قال: «إن كان خرج نظيفاً من العذرة فليس عليه شيء و لم ينقض وضوؤه، و إن خرج متلطّخاً بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء، و إن كان في صلاته قطع الصلاة، و أعاد الوضوء و الصلاة»(1).

و رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر علیهما السلام، و فيها: قال: و سألته عن رجل يكون في الصلاة فيعلم أنّ ريحاً قد خرجت، فلايجد ريحها، و لايسمع صوتها؟ قال: «يعيد الوضوء و الصلاة، و لايعتدّ بشيء ممّا صلّى إذا علم ذلك يقيناً»(2) و في «الوسائل»: «رواه علي بن جعفر في كتابه»(3) و عليه هي صحيحة،... إلى غير ذلك من الروايات(4).

و في قبالها بعض الروايات، كصحيحة الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي جعفر علیه السلام: أكون في الصلاة، فأجد غَمزاً في بطني، أو أذىً أو ضرباناً؟ فقال: «انصرف ثمّ توضّأ، و ابنِ على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمّداً و إن تكلّمت ناسياً فلا شيء عليك، فهو بمنزلة من تكلّم في

ص: 201


1- تهذيب الأحكام 1: 11 / 20؛ وسائل الشيعة 1: 259، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 5، الحديث 5.
2- مسائل علي بن جعفر: 184 / 358.
3- وسائل الشيعة 1: 248، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 1، الحديث 9.
4- راجع وسائل الشيعة 1: 253، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 3، الحديث 6.

الصلاة ناسياً». قلت: و إن قلب وجهه عن القبلة؟ قال: «نعم، و إن قلب وجهه عن القبلة»(1).

و فيها احتمالات:

منها: ما احتمله شيخ الطائفة قدّس سرّه: من أنّ مجرّد الغَمز و الأذى لايوجب الحدث، لكن موجب لاستحباب الوضوء(2)، و تقليب الوجه عن القبلة مطلق من جهتين: اُولاهما من جهة العمد و السهو، و ثانيتهما من جهة الاستدبار و عدمه، فيقيّد بسائر الأدلّة، و التوضيح منّا، مع احتمال أن يكون لفظ «قلب» مبنيّاً على المفعول، فيكون ظاهراً في عدم العمد.

و منها: أنّ المراد حصول الحدث من غير عمد، و يكون الأمر بالانصراف و الوضوء لأجله، و الكلام في ذيلها هو الكلام المتقدّم.

و منها: أنّ المراد الانصراف لقضاء الحاجة، كما هو مفاد الرواية الآتية، و الكلام في الإطلاق كما تقدّم.

و لا ترجيح للثاني الذي هو مبنى الاستدلال، فتخرج عن قابلية الاحتجاج بالإجمال، مع أنّ فيها نحو اضطراب، فإنّ المفهوم من قوله: «هو بمنزلة من تكلّم في الصلاة ناسياً»: أنّه في هذا الحال خارج عن الصلاة، و تكلّمه بمنزلة التكلّم في الصلاة، و قوله: «ما لم تنقض الصلاة بالكلام» ظاهر في أنّه في الصلاة و لم يخرج منها.

ص: 202


1- الفقيه 1: 240 / 1060؛ وسائل الشيعة 7: 235، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 9.
2- الاستبصار 1: 401، ذيل الحديث 1533.

و كرواية أبي سعيد القمّاط قال: سمعت رجلاً يسأل أبا عبد اللّه علیه السلام عن رجل وجد غمزاً في بطنه أو أذىً أو عصراً من البول، و هو في الصلاة المكتوبة في الركعة الاُولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة؟

فقال: «إذا أصاب شيئاً من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك، فيتوضّأ ثمّ ينصرف إلى مصلاّه الذي كان يصلّي فيه، فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقُض الصلاة بالكلام».

قال: قلت: و إن التفت يميناً أو شمالاً أو ولّى عن القبلة؟ قال: «نعم كلّ ذلك واسع إنّما هو بمنزلة رجل سها، فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاثة، فإنّما عليه أن يبني على صلاته». ثمّ ذكر سهو النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم(1).

و هي مع ضعف سندها(2) غير معوّل بها في نفسها، مع أنّها مشتملة على

ص: 203


1- تهذيب الأحكام 2: 355 / 1468؛ وسائل الشيعة 7: 237، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 11.
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن موسى بن عمر بن يزيد، عن ابن سنان، عن أبي سعيد القمّاط، و الرواية ضعيفة بموسى بن عمر بن يزيد، فإنّه لم يرد في حقّه توثيق، و بابن سنان و هو محمّد بن سنان - بقرينة الراوي و المرويّ عنه - الذي ضعّفه القوم. قال النجاشي: و هو رجل ضعيف جدّاً لايعوّل عليه و لايلتفت إلى ما تفرّد به. و قال الشيخ الطوسي: له كتب و قد طعن عليه و ضعّف. لكنّه عند المصنّف قدس سره ثقة؛ حيث عبّر في سائر كتبه تارة: بأنّه لا بأس به، و اُخرى: هو ثقة على الأصحّ، و ثالثة: بناء على وثاقته كما لايبعد. اُنظر رجال النجاشي: 328 / 888، و: 405 / 1075؛ الفهرست، الطوسي: 219 / 619، و 243 / 721؛ المكاسب المحرّمة 2: 156؛ البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 478، و 3: 625.

ما لايقول به أحد منّا، و هو جواز إيجاد الحدث عمداً، و استدبار القبلة كذلك، و صحّة الصلاة مع الاستدبار سهواً في ثلاث ركعات، مع اشتمالها على سهو النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم الذي يجب تنزيهه عنه، فهي مردودة سنداً و متناً، و مناسبة لفتاوى غيرنا(1) و عقائدهم(2).

و مع الغضّ عن ذلك كلّه، فهي معارَضة بطوائف من الروايات(3) التي هي أرجح منها، بل لو كانت صحيحة السند كان الترجيح لتلك الروايات المعارضة أيضاً؛ لموافقتها للكتاب، و موافقة تلك الرواية لأشهر فتاوى العامّة على ما حكي(4)، فلا إشكال في المسألة.

حكم ما لو أحدث في الصلاة مع ضيق الوقت

و لو أحدث في الصلاة مع ضيق الوقت، فإن أمكن إدراك ركعة منها مع الوضوء قطعها؛ لبطلانها بالحدث، و توضّأ و استأنف الصلاة؛ لقاعدة «من أدرك»، و كذا لو أمكن إدراكها مع التيمّم؛ سواء كان تكليفه ذلك مع الغضّ عن الضيق، كما لو كان فاقد الماء لما ذكر، أو كان لضيق الوقت؛ لأدلّة تنزيل التراب منزلة الماء(5)، و قاعدة «من أدرك»، و هو واضح.

و لو لم يدرك و لا ركعة حتّى مع التيمّم:

ص: 204


1- الفقه على المذاهب الأربعة 1: 306.
2- شرح المواقف 8: 263؛ شرح المقاصد 5: 49.
3- تقدّم في الصفحة 200 - 201.
4- جواهر الكلام 11: 7.
5- راجع وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23.

فهل صلاته و الحال هذه باطلة، و يجب عليه القضاء، أو تصحّ و يتوضّأ أو يتيمّم فيما بقي و يبني على ما أتى بها؟ وجهان:

من ظهور الروايات المتقدّمة في البطلان و عدم الاعتداد بشيء ممّا صلّى، و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الضيق و السعة.

و من تحكيم قاعدة الميسور و«أنّ الصلاة لاتترك بحال» على تلك الروايات، فيتقيّد إطلاقها بغير حال الضيق، بل لعلّ المنساق منها أو من بعضها أنّ المفروض فيها حال السعة، و أنّ أهمّية الوقت عند الشارع بحدّ لايزاحمه شيء من الشرائط و الموانع، و يأتي الكلام لتقوية ذلك في فرع آخر، و هو أنّه:

لو أحدث المتوضّئ في الصلاة حال فقد الطهورين:

فهل تبطل صلاته بذلك، و عليه القضاء بعد وجدان الطهور، أو تصحّ و يجب عليه إتمامها، و لا قضاء عليه؟

و كذا الكلام في فاقد الطهورين من رأس، فإنّ المسألة محلّ كلام:

بحث حول فاقد الطهورين

فعن المشهور أنّه يؤخّرها إلى زوال العذر، و يسقط الأداء مع استيعاب الفقدان للوقت، و أمّا القضاء فيجب على الأشهر، على ما قيل(1).

و قيل في وجه سقوط الأداء - مضافاً إلى اشتراط الصلاة بالطهارة و عدم شرعيتها بدونها، و لايعارض ذلك إطلاق ما دلّ على وجوب الصلاة؛ لاشتراط التكليف عقلاً بالقدرة على الامتثال، و هي منتفية -: إنّ قوله علیه السلام في صحيحة

ص: 205


1- راجع مفتاح الكرامة 4: 415.

زرارة: «لا صلاة إلّا بطهور»(1) حاكم على قاعدة الميسور و«أنّ الصلاة لاتترك بحال»، فإنّه رافع للموضوع المأخوذ فيهما، بل قوله علیه السلام: «لا صلاة إلّا بطهور» يدلّ على أنّ الفاقدة للطهور ماهية أجنبيّة عن ماهية الصلاة(2).

و الجواب عن الأوّل: أنّ الاشتراط بالطهارة مثل سائر الشرائط كالقبلة و الستر، و لا إشكال في أنّ قوله: «الميسور لايسقط بالمعسور»(3) حاكم عليها؛ ضرورة أنّ الصلاة الجامعة للشرائط عدا الطهور ميسور الصلاة مع الطهور، و لا شبهة في صدق الصلاة على الفاقدة، و كذا قوله: «الصلاة لاتترك بحال»(4) حاكم على دليل الأجزاء و الشرائط.

و عن الثاني: أنّ هذا التركيب: يحتمل أن يراد به نفي الحقيقة واقعاً، و أن يراد نفيها ادّعاء، و مصحّح الادّعاء: يمكن أن يكون بطلان الصلاة، و يمكن أن يكون جميع الآثار، و أن يراد به التكنية عن البطلان، أو يكون إرشاداً إلى الشرطية.

أمّا نفي الحقيقة واقعاً: فلا شبهة في عدم صحّته؛ لأنّ ماهية الصلاة أمر معلوم بين المسلمين، معروف بتعريف الشرع، و هي صادقة على الماهية الفاقدة للشرائط، فضلاً عن الفاقدة لشرط واحد.

و أمّا الحقيقة الادّعائية: فلا مانع من إرادتها، لكن المصحّح بحسب المتفاهم

ص: 206


1- راجع وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 1 و 6.
2- مصباح الفقيه، الطهارة 6: 333 - 335.
3- عوالي اللآلي 4: 58 / 205.
4- الظاهر أنّ هذه مستفادة من صحيحة زرارة الواردة في المستحاضة. راجع وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5.

هو البطلان، كما يمكن أن يكون المراد سائر الاحتمالات.

و على ذلك نقول: إنّ تلك الهيئة قد وردت في موارد لايراد منها بيان أنّ الصلاة الفاقدة أجنبيّة عن ماهية الصلاة، كقوله علیه السلام: «لا صلاة إلّا إلى القبلة»(1)، و«لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب»(2) و«من لم يقم صلبه فلا صلاة له»(3) و«لا صلاة لجار المسجد إلّا في مسجده»(4).

مضافاً إلى أنّ صحيحة زرارة المتقدّمة واردة في الطهور؛ بمعنى طهارة البدن، فإنّه قال: «لا صلاة إلّا بطهور، و يجزيك في الاستنجاء ثلاثة أحجار...»(5) إلى آخرها، أو أعمّ منها و من الطهور عن الحدث، و مع كون صحيحة زرارة واردة في خصوص الخبث، أو كونها أعمّ، لايبقى مجال لتوهّم إرادة الطهور من الحدث فيما لايكون لها هذا الذيل، كما أنّه مع احتمال التكنية أو الإرشاد، لا مجال للجزم بحكومتها على ما ذكر.

ص: 207


1- الفقيه 1: 180 / 855؛ وسائل الشيعة 4: 312، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 9، الحديث 2.
2- عوالي اللآلي 3: 82 / 65؛ مستدرك الوسائل 4: 158، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 5 و 8.
3- الكافي 3: 320 / 4 و 6؛ الفقيه 1: 180 / 856؛ وسائل الشيعة 5: 488 - 489، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 2، الحديث 1 و 2.
4- تهذيب الأحكام 1: 92 / 244؛ وسائل الشيعة 5: 194، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 2، الحديث 1.
5- تهذيب الأحكام 1: 49 / 144؛ وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 1.

بل التتبّع في سائر الموارد من الشروط و الأجزاء، و تقديم جانب الوقت على غيره، و أنّ الصلاة مع فقد الشرائط في الوقت تقدّم على الجامعة لها بعد الوقت، كصلاة المريض و الغرقى و المبطون و المسلوس، يوجب الحكم بأنّ الطهور كسائر الشرائط، و لاتترك الصلاة مع فقده، كما لاتترك مع الاستدبار إذا لم يقدر إلّا على الصلاة مستدبراً، مع ورود «لا صلاة إلّا إلى القبلة»، و كذا لاتترك مع نجاسة البدن مع ورود «لا صلاة إلّا بطهور».

و الإنصاف: أنّه لولا خوف مخالفة الأصحاب(1) لكان القول بوجوب صلاة فاقد الطهورين و صحّتها قويّاً.

ثمّ إنّه على فرض عدم الخلاف في فاقد الطهورين، أو الإجماع فيه على سقوط الأداء، يقتصر على مورده، و لايتعدّى إلى ما نحن بصدده، و هو ما إذا صلّى بوضوء، و عرض في الأثناء فقد الطهورين، فإنّ مقتضى القاعدة وجوب إتمامها و صحّتها و عدم القضاء، فإنّ الصحّة هنا أولى من صحّتها مع فقدهما من الأوّل، كما هو واضح.

حكم ما لو أحدث المتيمّم حال الصلاة ثمّ وجد الماء

و لو كانت وظيفته التيمّم، فدخل في الصلاة متيمّماً، و أحدث في الأثناء، ثمّ وجد الماء، فهل يوجب ذلك بطلان صلاته، و يجب عليه الاستئناف، أو عليه أن يبني عليها بعد ما توضّأ، و يأتي بباقي الصلاة؟

ص: 208


1- شرائع الإسلام 1: 41؛ قواعد الأحكام 1: 238؛ مدارك الأحكام 2: 242؛ جواهر الكلام 5: 232؛ مفتاح الكرامة 4: 414 - 415.

مقتضى القاعدة يختلف بحسب الاحتمالات المتصوّرة في التيمّم، و كذا في قاطعية الحدث للصلاة:

فإن قلنا: إنّ التيمّم رافع للحدث حقيقة كالوضوء و الغسل - و الفرق بينه و بينهما: أنّ رافعيته في موضوع خاصّ هو فاقد الماء بخلافهما - يكون حاله حال إحداث الحدث في الصلاة مع الدخول فيها بوضوء؛ من أنّ مقتضى القاعدة بطلانها و عدم الاعتداد بشيء منها.

و إن قلنا: إنّ التيمّم مبيح غير رافع للحدث بوجه، و قد أجاز الشارع للمحدث أن يأتي بالصلاة متيمّماً مع بقائه على حال الحدث:

فإن قلنا: إنّ قاطعية الحدث للصلاة مستقلّة في عرض قاطعيته للوضوء؛ بمعنى أنّ الحدث قاطع للصلاة ولو لم يكن ناقضاً للوضوء، فمقتضى القاعدة أيضاً بطلانها و عدم الاعتداد بشيء منها، فإنّه مع ورود القاطع عليها لايصحّ البناء عليها إلّا بدليل.

و إن قلنا: إنّ الحدث ليس قاطعاً للصلاة، بل لمّا كان ناقضاً للطهارة يعرض معه البطلان على الصلاة من أجل الطهور، يكون مقتضى القاعدة صحّة ما أتى به، فيتوضّأ و يأتي بالبقيّة، فإنّ المفروض أنّ المصلّي محدث بعد التيمّم، فليس حدثه ناقضاً لشرط الصلاة؛ أي الطهور، بل غاية ما يترتّب على حدثه هو رفع المبيح، فإذا توضّأ و أتى بها صحّت، بل لو كان تكليفه التيمّم صحّت مع تجديده، بل القاعدة تقتضي الصحّة حتّى مع إحداث الحدث عمداً؛ لأنّ حدثه لاينقض الصلاة و لا الطهور، و لايضرّ بالصحّة، فالإتيان بالطهور أو المبيح للباقي لا مانع منه.

ص: 209

و إن قلنا: إنّ التيمّم بمنزلة الوضوء و الغسل، و إنّ الشارع نزّل التراب للفاقد منزلة الماء:

فإن قلنا: إنّ التنزيل مختصّ بآثار الطهور، و يترتّب على التيمّم كلّ ما يترتّب على الطهور، و كلّ ما يشترط فيه الطهور يصحّ الإتيان به و يجوز مع التيمّم، فالمتيمّم محدث حقيقة و نازل منزلة المتطهّر، فمقتضى القاعدة جواز البناء على ما مضى، و تصحّ صلاته مع الإتيان بالبقيّة متوضّئاً أو متيمّماً؛ لأنّ المفروض أنّه محدث حقيقة و التنزيل ليس إلّا في آثار الطهور.

و إن قلنا: بأنّ التنزيل أعمّ من الآثار المترتّبة على الطهور و من حيث ناقضية الحدث له، فكأ نّه قال: رتّب آثار ناقض الطهور على الحدث في التيمّم، فالقاعدة تقتضي بطلانها؛ سواء قلنا بناقضية الحدث للصلاة مستقلاًّ، أم قلنا ببطلانها من جهة فقد الطهور؛ لتحقّق ناقض الطهور تعبّداً و تنزيلاً. هذا بحسب التصوّر.

و أمّا في مقام الإثبات: فقد ذكرنا في محلّه: أنّ التيمّم كالوضوء في رفع الحدث حقيقة عن موضوعه المحدود(1)، و ليس المقام محلّ تحقيقه، فمقتضى القاعدة على ذلك بطلان الصلاة و عدم صحّة البناء عليها؛ لما مرّ: من اعتبار الطهور من أوّلها إلى آخرها حتّى في الفترات(2)، فتصحيحها فيها يحتاج إلى دليل، و دليل الرفع و إن أمكن التمسّك به في بعض الفروض، لكن الظاهر المستفاد من الأدلّة أنّه لايجري في باب الطهور.

ص: 210


1- راجع الطهارة، الإمام الخميني قدس سره 2: 242.
2- تقدّم في الصفحة 200 - 201.

نعم قد دلّت صحيحة زرارة على وجوب الوضوء و البناء على ما مضى، روى «الفقيه» عن زرارة أنّه سأل أبا جعفر علیه السلام عن رجل دخل في الصلاة و هو متيمّم، فصلّى ركعة، ثمّ أحدث، فأصاب ماء؟ قال: «يخرج و يتوضّأ، ثمّ يبني على ما مضى من صلاته التي صلّى بالتيمّم»(1)، و روى الشيخ بإسناده عن زرارة مثله(2)، و بإسناده عن زرارة و محمّد بن مسلم عن أحدهما مثله(3).

و عن «المعتبر»: أنّه بعد نقل الرواية قال: «و هذه الرواية متكرّرة في الكتب بأسانيد مختلفة، و أصلها محمّد بن مسلم...»(4) إلى آخره، مع أنّها مرويّة تارة عن زرارة و اُخرى عنه و عن محمّد بن مسلم، فقوله: إنّ أصلها محمّد بن مسلم، غير ظاهر.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ المفروض فيها أنّ الحدث غير عمدي، و لا إطلاق لها بالنسبة إلى العمد، و على فرضه لابدّ من تخصيصه بغير العمد؛ بأن يكون بلا اختيار و فجأة، و عليه فيمكن تصحيحها على القواعد بأن يقال: إنّ غير الاختياري مشمول لقوله علیه السلام: «كلّ ما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر»(5)، و على ذلك

ص: 211


1- الفقيه 1: 58 / 214؛ وسائل الشيعة 7: 236، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 10.
2- تهذيب الأحكام 1: 204 / 594.
3- تهذيب الأحكام 1: 205 / 595.
4- المعتبر 1: 407.
5- الفقيه 1: 237 / 1042؛ وسائل الشيعة 8: 259، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 3، الحديث 3.

فلا مانع من العمل بالرواية سيّما مع عمل المفيد(1) و الشيخ(2) بها، و قد حكي عن «المعتبر»: أنّه لا بأس بالعمل بها على الوجه الذي ذكره الشيخان، فإنّها رواية مشهورة(3)، و الوجه الذي ذكراه هو الحمل على المحدث سهواً، و لعلّ المراد بالسهو هو عدم الاختيار مقابل العمد، كما احتمله بعضهم(4).

حكم ما لو أحدث بعد السجدة الأخيرة قبل التشهّد

و لو أحدث بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة من الصلاة قبل أن يتشهّد، فلايبعد القول بصحّة صلاته على القواعد؛ لأنّ الطهور و إن كان شرطاً للصلاة من أوّلها إلى آخرها، و يمكن استفادة اعتباره كذلك من مثل قوله علیه السلام: «لا صلاة إلّا بطهور»(5)، و حديث «لاتعاد...»(6) و نحوهما(7)، و إن أمكن المناقشة في الجميع، أو في بعض، لكن لاتصحّ المناقشة في اعتباره، إلّا أنّ مقتضى حديث «لاتعاد...» المذيّل بقوله علیه السلام: «التشهّد سُنّة، و السنّة لاتنقض الفريضة» صحّة تلك الصلاة الجامعة للشرائط إلى ما بعد السجدة الأخيرة، فإنّ الحدث و إن قطع صلاته، لكن لا إشكال في أنّ قطعها من حين حدوث الحدث،

ص: 212


1- المقنعة: 61.
2- تهذيب الأحكام 1: 204 - 205؛ النهاية: 48.
3- المعتبر 1: 407؛ اُنظر جواهر الكلام 11: 12.
4- مصباح الفقيه، الصلاة 13: 370.
5- تقدّم في الصفحة 190.
6- تقدّم في الصفحة 190.
7- راجع وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1 و 2 و 3.

و قطعها موجب لخروج المصلّي عن الصلاة بلا إشكال، لكن النقيصة في تلك الصلاة من قِبَل التشهّد و السلام، و التشهّد بحسب نفس الرواية سُنّة، و لاتنقض الفريضة بالخلل فيها بتركها من غير عمد، و لا إشكال في أنّ هذا الترك ليس عن عمد، فإنّ الحدث يوجب خروجه عن الصلاة، و ترك التشهّد بعد الخروج عنها لا موضوع له؛ حتّى يقال: إنّه عمدي.

فإن قلت: إنّ الطهور معتبر في الصلاة و أجزائها، و انتقاضه بالحدث في الأثناء، يوجب بطلان أصل الصلاة من قِبَل فقد الطهور الذي هو خلل في الفريضة، فالصلاة باطلة من قِبَل الخلل فيها، لا من قِبَل التشهّد.

قلت أوّلاً: إنّ ما هو مقتضى إطلاق ذيل «لاتعاد» أنّ السنّة مطلقاً لاتنقض الفريضة التي هي الصلاة، و أمّا أنّ مثل فقد الطهارة ينقض الفريضة مطلقاً فغير ثابت؛ لأنّ قوله علیه السلام: «السنّة لاتنقض» لا مفهوم له، و لو قيل بالمفهوم فلا ريب في أنّه لا إطلاق له، فلا يدلّ إلّا على نقضها في الجملة.

و ثانياً: سلّمنا أنّ فقد الطهور مطلقاً ينقض الفريضة، لكن لا دليل على أنّ نقضها موجب للإبطال من الأوّل، بل الفرق بين الطهور و مثل التشهّد، أنّه لو ترك التشهّد من غير عمد لم يوجب ذلك نقض الصلاة، بل تبقى على ما هي عليه، و أمّا فقد الطهور في أثناء الصلاة فيوجب نقضها من حين الفقد، غاية الأمر أنّه لو نقضت في الركعة الثانية أو قبل السجود في الرابعة، صار ذلك موجباً لعدم إمكان الإتمام فتبطل، و أمّا بعد السجدة الأخيرة، فلايوجب النقض إلّا الخروج عن الصلاة من حينه، و عدم إمكان لحوق التشهّد و السلام بسائر الأجزاء، و هو لايوجب البطلان؛ لأنّ التشهّد لايصلح لنقض الفريضة؛ بمعنى إبطالها.

ص: 213

و بعبارة اُخرى: إنّ الصلاة إلى ما بعد السجدة الأخيرة، وقعت صحيحة جامعة للشرائط، و بعروض الحدث نقضت من حينه، و لا دليل على الإبطال من الأصل، فالبطلان إن كان من أجل التشهّد فلا وجه له بعد كونه سُنّة، و إن كان من أجل فقد الطهور في خصوص التشهّد فلا وجه له أيضاً بعد كون فقد أصله غير مضرّ، كما لو نسيه و لم يأتِ به، أو نسيه و استدبر، فكما أنّ الاستدبار بعد نسيان التشهّد

لايوجب إلّا نقض الصلاة من حين الاستدبار، لا من الأصل، كذلك لو وقع قهراً بعد السجدة الأخيرة؛ إذ لا نقص في الصلاة إلّا من قِبَل التشهّد.

و إن شئت قلت: إنّا سلّمنا أنّ الحدث ناقض للصلاة و موجب لخروج المصلّي عنها، لكن لانسلّم نقضها من الأوّل بعد وقوعها على ما هي عليه من الشرائط.

بل لنا أن نقول: ما وقع صحيحاً جامعاً للشرائط في محلّها، لايعقل أن ينقلب عمّا هو عليه، و إنّما قلنا بالبطلان فيما قبل السجدة؛ لأجل عدم إمكان لحوق السجود بالأجزاء السابقة، و هو موجب للبطلان، و أمّا عدم لحوق التشهّد و السلام فلايوجبه، كما هو كذلك في سائر المنافيات كالقبلة و التكلّم. نعم، في الوقت كلام آخر مرّ في محلّه.

إلّا أن يقال: إنّ صحّة المركّب مراعى فيها أن يأتي بأجزائها صحيحة في محالّها، و مع بطلان بعضها يبطل المركّب.

لكن ذلك صحيح بحسب الأصل الأوّلي في المركّب، و به يجاب عمّا ذكر من عدم معقولية الانقلاب، و أمّا بحسب ملاحظة ذيل «لاتعاد»، و عدم الدليل على نقض الفريضة للصلاة على نحو الإطلاق - كما أشرنا إليه - فلا.

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ مقتضى القاعدة صحّة الصلاة مع إحداث الحدث

ص: 214

بعد السجدة الأخيرة من غير عمد.

و تدلّ عليها جملة من الروايات، كصحيحة زرارة، عن أبي جعفر علیه السلام: في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة و قبل أن يتشهّد؟ قال: «ينصرف فيتوضّأ، فإن شاء رجع إلى المسجد، و إن شاء ففي بيته، و إن شاء حيث شاء، قعد فيتشهّد ثمّ يسلّم، و إن كان الحدث بعد التشهّد فقد مضت صلاته»(1).

و صحيحة عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه علیه السلام، قال: سألته عن رجل صلّى الفريضة، فلمّا فرغ و رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث؟ فقال: «أمّا صلاته فقد مضت، و بقي التشهّد، و التشهّد سُنّة في الصلاة، فليتوضّأ ولْيعُدْ إلى مجلسه، أو مكان نظيف، فيتشهّد»(2) و نحوهما غيرهما(3).

و الظاهر منها ما هو الموافق للقواعد على ما تقدّم: من أنّ صلاته صحيحة، و التشهّد سُنّة لاتنقض الفريضة، و الظاهر أنّ المراد بالسنّة هي ما وقع في ذيل «لاتعاد»، و لعلّ ما في هذه الروايات إشارة إلى ما في حديث «لاتعاد»، و أنّه خرج بالحدث من الصلاة، لكن يأتي بالتشهّد إمّا لزوماً أو استحباباً، و لمّا مضت صلاته، و خرج منها، لم يلزم في الإتيان بالتشهّد اعتبار عدم الاستدبار، أو عدم

ص: 215


1- الكافي 3: 347 / 2؛ وسائل الشيعة 6: 410، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 13، الحديث 1.
2- الكافي 3: 346 / 1؛ وسائل الشيعة 6: 412، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 13، الحديث 4.
3- راجع وسائل الشيعة 6: 411، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 13، الحديث 3.

الفعل الكثير، فلا طعن في الروايات بمثل ذلك.

و لاينافيها سائر الروايات، كمفهوم رواية «الخصال» عن علي علیه السلام: «إذا قال العبد في التشهّد الأخير و هو جالس: أشهد أن لا إله إلّا اللّه...» - إلى أن قال -: «ثمّ أحدث حدثاً فقد تمّت صلاته»(1) و مرسلة «المقنع» و فيها: «و إن لم تكن قلت ذلك فقد نقصت صلاتك»(2)، فلأنّ نقصانها و عدم تماميتها من قِبَل التشهّد لا إشكال فيه، لكن لاينافي ذلك صحّتها و مضيّها.

و أمّا رواية الحسن بن الجهم(3) الدالّة على وجوب الإعادة إذا أحدث قبل التشهّد، فهي ضعيفة السند(4)، و يمكن حملها على الاستحباب، فإنّه جمع عرفي، فإنّ قوله علیه السلام في صحيحة زرارة: «مضت صلاته» صريح في الصحّة، و هذه الرواية ظاهرة في وجوب الإعادة اللازم منه البطلان، فيحمل على الاستحباب، و هذا ممّا لا إشكال فيه.

ص: 216


1- الخصال: 629 / 10؛ وسائل الشيعة 6: 412، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 13، الحديث 5.
2- المقنع: 108؛ مستدرك الوسائل 5: 16، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 8، الحديث 2.
3- تهذيب الأحكام 1: 205 / 596؛ وسائل الشيعة 7: 234، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 6.
4- رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن عبّاد بن سليمان، عن سعد بن سعد، عن محمّد بن القاسم بن الفضيل بن يسار، عن الحسن بن الجهم. و الرواية ضعيفة بعبّاد بن سليمان، فإنّه مجهول الحال. اُنظر رجال النجاشي: 293 / 792؛ رجال الطوسي: 433 / 43.

لكن إعراض الأصحاب عن الروايات الدالّة على الصحّة، و موافقتها لفتاوى العامّة القائلين باستحباب التشهّد(1)، و جواز الخروج عن الصلاة بالحدث عمداً(2)، و ارتكازية بطلان الصلاة بالحدث أثناءها، و وضوح ذلك عند الطائفة، يوجب الوثوق بصدور تلك الروايات تقيّة، و بذلك يعلم الحال في الحدث قبل السلام و إن كان الأمر فيه أهون.

ص: 217


1- المجموع 3: 462.
2- المجموع 3: 481.

مسألة في الخلل الحاصل من ناحية الطهور المعتبر في البدن و الثوب

اشارة

و هو قد يكون عن علم و عمد؛ أي مع كونه عالماً بنجاسة الثوب أو البدن، و عالماً بشرطية طهارتهما للصلاة أخلّ بها عن التفات، فلا إشكال في البطلان في هذه الصورة.

و هنا صور اُخرى تحتاج إلى البحث:

الصورة الاُولى: فيما كان جاهلاً بالحكم

الاُولى: ما إذا أخلّ بها مع الجهل بالحكم، سواء كان الجهل بنجاسة الشيء الكذائي، أم كان بشرطية الطهارة للصلاة، فمقتضى الشرطية و انتفاء المشروط بانتفاء الشرط عقلاً و إن كان هو البطلان، لكن يمكن القول بالصحّة على القواعد:

أمّا بناء على كون الطهور في حديث «لاتعاد...» عبارة عن الطهر من

الحدث، فيدخل المورد في المستثنى منه، و مقتضى إطلاقه عدم الإعادة حتّى مع

ص: 218

الجهل بالحكم، و دعوى(1) اختصاصه بالنسيان غير وجيهة، كما مرّ سالفاً(2).

و أمّا بناء على إطلاق الطهور في المستثنى للطهارة الحدثية و الخبثية؛ بدعوى: أنّ صدق الطهور عرفاً على الطهارة من القذر، أوضح من صدقه على الطهارة من الحدث، فإنّه يحتاج إلى بيان من الشارع و كشفه عن قذارة معنوية عند حدوث الحدث و رفعه بالوضوء أو الغسل.

و يؤيّد هذا الإطلاق ما ورد في صحيحة زرارة: «لا صلاة إلّا بطهور، و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار...»(3) إلى آخرها، فإنّ الظاهر منه إمّا خصوص الخبثية، أو ما هو أعمّ منها.

و ما ورد في ذيل «لاتعاد...»(4): من أنّ القراءة و التشهّد سُنّة، و لاتنقض السنّة الفريضة، المستفاد منه: أنّ ما يصلح لنقضها هو الفريضة؛ أي ما يستفاد شرطيتها من الكتاب، لا الواجب الذي يستفاد من السنّة؛ بدعوى: أنّ شرطية الطهور من الخبثية أيضاً مستفادة من الكتاب؛ لقوله تعالى: (وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ، وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ)(5)؛ بدعوى: أنّ المراد هو التكبير في الصلاة،

ص: 219


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 238؛ الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 2: 194.
2- تقدّم في الصفحة 22.
3- تهذيب الأحكام 1: 49 / 144؛ وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.
4- الخصال: 284 / 35؛ وسائل الشيعة 5: 470، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 14.
5- المدّثّر (74): 3 - 5.

و تطهير الثوب فيها، و الهجر للقذارة فيها، فيكون عامّاً للبدن أيضاً، و استفادة ذلك من الكتاب لاتقصر عن استفادة جزئية الركوع و السجود لها، فيكون مقتضاه البطلان مطلقاً.

لكن يمكن القول بالصحّة مع الجهل بالنجاسة لقاعدة الطهارة، فإنّ قوله علیه السلام: «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر»(1) محقّق لموضوع أدلّة الشرطية، كقوله علیه السلام: «لا صلاة إلّا بطهور»، و قوله علیه السلام: «لاتعاد...»(2) إلى آخره، و إطلاق التنزيل أو الادّعاء في القاعدة يشمل كلّ من لم يعلم؛ سواء كان شاكّاً في نجاسة شيء، أو قاطعاً بطهارته، أو ظانّاً بذلك - لدليل اجتهادي - مع نجاسته واقعاً، فإنّ كلّ ذلك داخل فيمن لم يعلم بالنجاسة، و إن كان جهله مركّباً، و مقتضى عموم الآثار تحقّق الشرط للصلاة و صحّتها واقعاً، و عدم قصورها عن الصلاة في الطاهر الواقعي.

و وقوع قوله علیه السلام: «كلّ شيء نظيف...» إلى آخره - في موثّقة عمّار - ذيلاً للشبهات الموضوعية، لايوجب الاختصاص بها، بل المراجع يرى أنّ قوله في الذيل: و قال: «كلّ شيء نظيف» كبرى مستأنفة أو منقولة عنه في مقام آخر، و على أيّ حال لا وجه لرفع اليد عن إطلاقه.

ص: 220


1- تهذيب الأحكام 1: 284 / 832؛ وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الصلاة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 4.
2- تهذيب الأحكام 2: 152 / 597؛ وسائل الشيعة 7: 234، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 4.

و يدلّ على المطلوب حديث الرفع(1) أيضاً و الحجب(2) و غيرهما(3).

و مع الجهل بشرطية الطهارة عن الخبث، يمكن الاستناد للصحّة إلى حديث الرفع و نحوه، و قد مرّ(4) سابقاً بعض الإشكال فيه مع جوابه، بل يمكن الاستناد إلى قاعدة الحِلّ؛ بدعوى أعمّيته من التكليف و الوضع، و بقاعدة معذورية الجاهل؛ بدعوى شمولها للوضع ببركة استفادته من بعض النصوص.

ثمّ إنّ الإشكال العقلي الذي أوردوه(5) في المقام و أمثاله: من أنّ لازم ذلك اختصاص الشرطية بالعالم بها، و هو دور صريح، قد فرغنا(6) من حلّه سابقاً، فراجع.

نعم هنا بعض روايات ربّما يستفاد منها بطلان الصلاة مع الجهل بالحكم، كصحيحة عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم؟ قال: «إن كان علم أنّه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل

ص: 221


1- التوحيد، الصدوق: 353 / 24؛ الخصال: 417 / 9؛ وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب الجهاد في النفس، الباب 56، الحديث 1.
2- التوحيد، الصدوق: 413 / 9؛ وسائل الشيعة 27: 163، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 12، الحديث 33.
3- راجع وسائل الشيعة 12: 488، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 45، الحديث 3.
4- تقدّم في الصفحة 17 - 18 و 22.
5- الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 2: 189؛ مستمسك العروة الوثقى 7: 381.
6- تقدّم في الصفحة 17.

أن يصلّي، ثمّ صلّى فيه و لم يغسله، فعليه أن يعيد ما صلّى، و إن كان لم يعلم به فليس عليه إعادة، و إن كان يرى أنّه أصابه شيء فنظر فلم يَرَ شيئاً، أجزأه أن ينضحه بالماء»(1).

بدعوى ورودها في خصوص الجاهل أو إطلاقها، ولكنّه مشكل؛ لأنّ المتبادر من الرواية صدراً و ذيلاً أنّ المفروض فيها العالم بالحكم، سيّما قوله: «فنظر و لم يَرَ شيئاً»، فإنّ النظر إنّما هو لأجل الصلاة لا في نفسه، فهي إمّا مختصّة بالعالم الملتفت أو أعمّ منه و من الناسي.

و دعوى: أنّ العالم بالحكم و الموضوع، كيف يدخل في الصلاة مع كونه في مقام الإطاعة و إبراء الذمّة(2).

في غير محلّها، مع ما يشاهد من عمل العوامّ الذين لايبالون بما يبالي به أهل العلم و الخواصّ، فترى بعضهم يصلّي و لايبالي بشرائطها و إن أمرته بمراعاتها، و من ذلك ترى ورود ذلك في صحيحة زرارة(3)، المشتملة على حكم الاستصحاب من فرض الصلاة مع العلم بنجاسة الثوب، و الظاهر أنّ موردها العلم بالشرطية أيضاً، فراجعها.

مضافاً إلى أنّ من راجع الروايات الواردة في هذا المضمار يرى أنّ جُلّها - لو

ص: 222


1- الكافي 3: 406 / 9؛ وسائل الشيعة 3: 475، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 3.
2- نهاية التقرير 1: 423.
3- تهذيب الأحكام 1: 421 / 1335؛ وسائل الشيعة 3: 466، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 1، و: 479، الباب 42، الحديث 2.

لم يكن كلّها - واردة في النسيان، فيلحق بها هذه أيضاً.

و ممّا ذكرنا يعلم الحال في رواية «قرب الإسناد»(1) عن علي بن جعفر، عن أخيه، فإنّ المراجع لها يظهر له أنّها واردة مورد العالم بالحكم، لا الجاهل.

و أمّا رواية عمّار بن موسى الساباطي و إسحاق بن عمّار(2) في رجل يجد في إنائه فأرة، فالحكم بالإعادة لأجل الوضوء بالماء النجس، و احتمال أن يكون فيها فرض مسألتين إحداهما الوضوء بالماء النجس، و ثانيتهما الصلاة مع الثوب المغسول به، مع كون وضوئه صحيحاً، في غاية البعد، بل فاسد.

بل يظهر من بعض الروايات صحّة الصلاة مع الجهل بالحكم، كرواية الصيقل و ولده قال: كتبوا إلى الرجل: جعلنا اللّه فداك إنّا قوم نعمل السيوف؛ ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها، و نحن مضطرّون إليها، و إنّما علاجنا جلود الميتة و البغال وا لحمير الأهلية، لايجوز في أعمالنا غيرها، فيحلّ لنا عملها و شراؤها و بيعها و مسّها بأيدينا و ثيابنا، و نحن نصلّي في ثيابنا، و نحن محتاجون إلى جوابك في هذه المسألة - يا سيّدنا - لضرورتنا؟ فكتب علیه السلام: «اجعل ثوباً للصلاة...»(3) إلى آخرها.

ص: 223


1- قرب الإسناد: 208 / 810؛ وسائل الشيعة 3: 477، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 10.
2- الفقيه 1: 14 / 26؛ وسائل الشيعة 1: 142، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 4، الحديث 1.
3- تهذيب الأحكام 6: 376 / 1100؛ وسائل الشيعة 17: 173، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 38، الحديث 4.

ضرورة أنّ السكوت عن إعادة ما صلّوا في الثوب النجس مع الجهل بالحكم - الذي هو مورد الرواية - كاشف عن صحّة ما صلّوا حال الجهل بالحكم، و توهّم أنّه في مقام بيان الصلوات المستقبلة، كما ترى.

الصورة الثانية: فيما كان ناسياً للحكم

الثانية: نسيان الحكم، فإن كان ناسياً لنجاسة شيء و صلّى فيه، فمقتضى أدلّة الاشتراط البطلان، لكن مقتضى حكومة دليل الرفع(1) عليها - حتّى على قوله علیه السلام: «لا صلاة إلّا بطهور»(2). و قوله علیه السلام: «لاتعاد...»(3) بناء على عموم المستثنى - هو الصحّة. و على فرض اختصاص «لاتعاد...» في المستثنى بالطهارة عن الحدث، فعمومه أيضاً يقتضي الصحّة. و ممّا ذكرنا يظهر الكلام في نسيان الشرطية.

ثمّ اعلم: أنّ ما يمنعنا عن القول بعموم مستثنى «لاتعاد» للطهارة عن الخبث، هو عدم وجدان من يوافقنا من الأعلام، و أهمّية الطهارة عن الحدث في الشرع و ارتكاز المتشرّعة، دون الطهارة عن الخبث التي يتسامح فيها؛ حتّى أنّه يجوز إيجاد ما يوجب الشكّ فيها.

و أمّا في أصل الحكم؛ أي في الجهل بالحكم و نسيانه فيوافقنا بعض

ص: 224


1- التوحيد، الصدوق: 353 / 24؛ الخصال: 417 / 9؛ وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 56، الحديث 1.
2- راجع وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 1 و 6.
3- الفقيه 1: 181 / 857؛ تهذيب الأحكام 2: 152 / 597؛ وسائل الشيعة 7: 234، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 4.

المحقّقين(1) و إن اختلفنا معه في كيفية الاستدلال(2).

و دعوى: أنّ تساوي العالم و الجاهل في الأحكام إجماعي، في غير محلّها؛ لعدم ثبوته، بل عدم ثبوت دعواه من أصحابنا المتقدّمين. نعم، إنّ ببالي أنّه نقل عدم الخلاف من بعض المتأخّرين في «مفتاح الكرامة»(3). ثمّ استدلّ عليه بما لايخفى على الناظر.

و أمّا صاحب الجواهر - الذي هو لسان المشهور - فقال: إنّه قد صرّح بعضهم(4) بالبطلان في مورد الجهل بالحكم و تمسّك بإطلاق النصّ و الفتوى(5)، فالحكم - كما ترى - لم يثبت فيه إجماع أو شهرة معتمدة.

و ما في «مفتاح الكرامة» من قوله: «ظاهر إطلاق الإجماعات و الأخبار عدم الفرق بين العالم و الجاهل، بل الظاهر انعقاد إجماعهم على مساواة الجاهل بالحكم مع العالم به»(6) ففيه إشكال، بل القدر المتيقّن منها غير ما ذكر، بل لو انعقد الإجماع في خصوص المسألة - التي لها عندهم مبانٍ عقلية و اجتهادية - فلايمكن إثبات الإجماع المفيد فيها.

و أمّا الأخبار فقد عرفت الكلام في بعضها(7)، و هنا بعض أخبار في أبواب

ص: 225


1- نهاية الأفكار 3: 433 - 434.
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 22 - 23.
3- مفتاح الكرامة 1: 525.
4- الدروس الشرعية 1: 127.
5- جواهر الكلام 6: 208.
6- مفتاح الكرامة 1: 525.
7- تقدّم في الصفحة 221 - 224.

مختلفة ربما يدّعى إطلاقها، لكن الناظر إليها لايطمئنّ بالإطلاق، بعد كونها في مقام بيان أحكام اُخر، فراجع بعض ما ورد في الدم(1)، و تأمّل فيها حتّى يتّضح لك عدم الإطلاق.

الصورة الثالثة: فيما إذا كان جاهلاً بالموضوع و علم بالنجاسة بعد الفراغ

اشارة

الثالثة: إذا أخلّ بها مع الجهل بالموضوع فصلّى في النجس، و بعد الفراغ علم بالنجاسة، فهل تصحّ مطلقاً، أو لا مطلقاً، أو تفصيل بين النظر و الفحص قبل الصلاة و عدمه، أو تفصيل بين العلم بالنجاسة في الوقت و العلم بها في خارجه؟ وجوه:

أدلّة صحّة الصلاة مطلقاً

أمّا الصحّة مطلقاً، فمضافاً إلى أنّها مقتضى قاعدة الطهارة و سائر القواعد المشار إليها(2)، تدلّ عليها جملة كثيرة من الروايات(3).

و في قبالها روايات: منها ما تدلّ على البطلان مطلقاً، كموثّقة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه علیه السلام، قال: سألته عن رجل صلّى و في ثوبه بول أو جنابة؟ فقال: «علم به أو لم يعلم فعليه (الإعادة) إعادة الصلاة إذا علم»(4)، و صحيحة

ص: 226


1- راجع وسائل الشيعة 3: 429، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20.
2- تقدّم في الصفحة 218 - 221.
3- راجع وسائل الشيعة 3: 474، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40.
4- تهذيب الأحكام 2: 202 / 792؛ وسائل الشيعة 3: 476، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 9.

وهب بن عبد ربّه، عن أبي عبد اللّه علیه السلام: في الجنابة تصيب الثوب، و لا يعلم بها صاحبه، فيصلّي فيه، ثمّ يعلم بعد ذلك، قال: «يعيد إذا لم يكن علم»(1).

لكنّهما - مع عدم العامل بهما، و لهذا اضطرّ شيخ الطائفة إلى حملهما على النسيان(2)، و هو كما ترى، و مع احتمال أن يكون قوله في الموثّقة: «علم به أو لم يعلم» استفهاماً و استفساراً عن الواقعة، و قوله: «فعليه الإعادة» جواباً للشرط المتأخّر، فتكون موافقة لسائر الروايات، و هذا الاحتمال و إن كان بعيداً عن الأذهان، لكن ليس بذلك البعد عند التأمّل.

و من المؤسف أنّ الروايات الواردة عنهم علیهم السلام لم تقرأ علينا، و كثيراً ما يتّفق الاشتباه من أجل اختلاف القراءة، و في المورد كان يمكن أن يستفاد من كيفية تكلّمه: أنّه هل كان في مقام الاستفهام، أو لا؟ و لايخفى أنّ الظنّ الحاصل من غير ظهور الكلام ليس بحجّة، و عن بعض نسخ «التهذيب»(3): «لايعيد إذا لم يكن علم»، بدل «يعيد» في الصحيحة، و عليه فتسقط عن الحجّية في نفسها، و إن كان ذلك بعيداً بعد حمل شيخ الطائفة الرواية على النسيان. و لعلّ ما في «التهذيب» من زيادة بعض الفقهاء و المحدّثين باجتهاده، و لم يكن اختلاف في النسخ - لاتعارضان سائر الروايات(4) المشهورة المستفيضة المعمول بها، بل

ص: 227


1- وسائل الشيعة 3: 476، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 8.
2- تهذيب الأحكام 2: 202 / 792، و: 360 / 1491؛ الاستبصار 1: 181 - 182.
3- تهذيب الأحكام 2: 360 / 1491.
4- راجع وسائل الشيعة 3: 430، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 2، و: 474، الباب 40.

مقتضى الجمع العرفي حملهما على استحباب الإعادة، فإنّ تلك الروايات المعارضة لهما نصوص في عدم وجوب الإعادة و عدم البطلان، و هما ظاهرتان في وجوبها الملازم للبطلان، و مقتضى حمل الظاهر على النصّ، استحباب الإعادة مع صحّة الصلاة؛ و إن لايخلو من إشكال أيضاً.

بل لقائل أن يقول: إنّ رواية أبي بصير تدلّ على الاستحباب في نفسها، و حملها على وجوب الإعادة غير صحيح من وجهين:

أحدهما: أنّ قوله: «عليه الإعادة» الظاهر في أنّ الاعتبار فيها كونها على عهدة المكلّف، كما في أمثال ذلك، كقوله تعالى: (وَ للّه ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(1)، و قد ورد فيه: «أنّ دَيْن اللّه أحقّ بالقضاء»(2)، و اعتبار الدَين باعتبار ذلك التركيب الوارد في الكتاب، فمع اعتبار العهدة و الدَينية لايصحّ تعليقه على الشرط، فإنّ حصول الدَين من أوّل وقوع الخلل، لا بعد العلم بالواقعة.

و ثانيهما: أنّ الظاهر من قوله: «عليه الإعادة» أنّ ما في ذمّته و على عهدته عنوان الإعادة بنفسها، مع أنّه على فرض الخلل الموجب للبطلان لايكون على عهدته إعادتها، بل نفس الصلاة المجعولة لكافّة الناس، فإذا كان في الحمل على الوجوب محذور، فلابدّ من حمله على الاستحباب، و لا مانع من كون الاستحباب عند العلم بالواقعة و على عنوان الإعادة، كالمعادة في بعض الموارد،

ص: 228


1- آل عمران (3): 97.
2- راجع مستدرك الوسائل 8: 26، كتاب الحجّ، أبواب وجوب الحجّ و شرائطه، الباب 18، الحديث 3؛ كنز العمّال 5: 269 - 271 / 12849 و 12851 و 12857.

كما لا مانع من اعتبار العهدة في المسنون، كما ورد في غسل الجمعة(1).

و كيف كان، فالروايتان لاتعارضان الروايات الكثيرة الدالّة على عدم لزوم الإعادة، بل الظاهر من بعضها عدم لزوم الإعادة في الوقت أو المتيقّن منه ذلك.

حول التفصيل بين الوقت و خارجه

و قد يقال بالجمع بينهما و بين سائر الروايات بحملهما على وجوب الإعادة في الوقت، و حمل غيرهما على عدم وجوب الإعادة في خارجه(2)، و هذا بظاهره في غاية السقوط؛ لأنّ هذا النحو من الجمع ليس بعقلائي و لا شاهد عليه.

و يمكن تقريب هذا القول: بأنّ ما في موثّقة أبي بصير من قوله: «علم به أو لم يعلم فعليه الإعادة...»(3) إلى آخرها، بعد كون المتيقّن من إخلال العالم بالنجاسة، الصلاة في النجس نسياناً؛ لبعد الإتيان بالخلل عمداً و علماً، فيه شهادة على أنّ الجاهل شريك مع الناسي في الحكم، و الناسي تجب عليه الإعادة في الوقت دون خارجه، فكذا الجاهل.

و بعبارة اُخرى: إنّ ذكر الناسي و الجاهل معاً في الحكم قرينة على التفصيل

ص: 229


1- الفقيه 1: 321 / 1467؛ وسائل الشيعة 3: 309، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 3، الحديث 1، و: 311، الباب 6، الحديث 1.
2- النهاية: 8؛ قواعد الأحكام 1: 194.
3- تقدّمت في الصفحة 226.

بين الوقت و خارجه، فيتقيّد به سائر الروايات، فتصير النتيجة من مجموعها التفصيل المذكور.

و فيه: أنّ تقييد بعض فقرات الحديث بالدليل المنفصل، لايصلح للقرينية حتّى يكون شاهداً على أنّ المراد بالفقرة الاُخرى أيضاً ذلك، فقوله علیه السلام: «علم به أو لم يعلم» مطلق، و إنّما ورد التقييد بالنسبة إلى العالم الناسي، و ليس ذلك قرينة بوجه على أن يراد من غير العالم ما يراد من الناسي، فلا وجاهة لهذا الجمع رأساً، بل المفهوم من بعض الروايات المقابلة لها عدم وجوب الإعادة في الوقت، بل على ما ذكرناه(1) سابقاً: من أنّ قوله: «لايعيد» و «يعيد» مع الغضّ عن القرائن، كناية عن البطلان و عدمه، لا وجه لهذا التفصيل بوجه.

حول التفصيل بين الفحص و عدمه

و أمّا التفصيل بين النظر و الفحص و عدمه، و أنّه مع عدم النظر تجب الإعادة(2)، فعلى مقتضى القواعد - مع الغضّ عن الأخبار الخاصّة(3) - لا وجه له، لإطلاق دليل قاعدة الطهارة، و هو قوله علیه السلام: «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر» على ما تقدّم تقريبه(4)، و إطلاق دليل «لاتعاد»، و حديث الرفع، و قد ذكرنا فيما سلف:

ص: 230


1- تقدّم في الصفحة 88 و 102.
2- اُنظر ذكرى الشيعة 1: 141؛ الحدائق الناضرة 5: 414 - 416؛ جواهر الكلام 6: 212.
3- راجع وسائل الشيعة 3: 477، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 41.
4- تقدّم في الصفحة 220.

أنّ كلّ واحدة من تلك الأدلّة حاكمة على أدلّة الاشتراط و مقتضية للإجزاء و الصحّة واقعاً(1).

فالقول(2) - بأنّ القواعد الظاهرية إنّما تقتضي جواز الدخول في الصلاة، و لاينافي ذلك لزوم الإعادة في صورة انكشاف الخلاف مع عدم الفحص، و أنّ عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية لا دليل عليه إلّا الإجماع، و هو لايقتضي عدم الإعادة مع عدم الفحص، كما أنّ أدلّة الباب محمولة على عدم إمكان الفحص بلا مشقّة - غير وجيه:

أمّا قوله: إنّ عدم لزوم الفحص في الشبهات الموضوعية لا دليل عليه إلّا الإجماع، ففيه: أنّ الدليل إطلاق تلك الأدلّة المتقدّمة آنفاً.

و أمّا قوله: إنّ الإجماع على عدم لزوم الفحص لايقتضي عدم الإعادة مع عدم الفحص، ففيه: ما أشرنا إليه من اقتضاء تلك الأدلّة عدم الإعادة مطلقاً.

و أمّا دعوى: أنّ أخبار الباب محمولة على عدم إمكان الفحص بلا مشقّة، ففيها ما لايخفى، فإنّ صحيحة عبد اللّه بن سنان الآتية(3) و غيرها، واردة في مورد إمكان الفحص بلا مشقّة، بل صحيحة زرارة صريحة في ذلك، و سيأتي الكلام فيها(4).

و كيف كان، لا إشكال في أنّ مقتضى القاعدة صحّة الصلاة سواء تفحّص أم لا.

ص: 231


1- تقدّم في الصفحة 224.
2- الصلاة، المحقّق الحائري: 327 - 328.
3- ستأتي في الصفحة 234.
4- يأتي في الصفحة 236.

و أمّا الروايات الواردة في الباب: فمنها رواية ميمون الصيقل - و الظاهر أنّ مرسلة «الفقيه»(1) ناظرة إليها - رواها في «الكافي»(2) و «التهذيبين»(3) عن ميمون الصيقل، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: قلت له: رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل، فلمّا أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة، فقال: «الحمد للّه الذي لم يدع شيئاً إلّا و له حدّ؛ إن كان حين قام نظر و لم يَرَ شيئاً فلا إعادة عليه، و إن كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة»(4).

استدلّ بها على لزوم الإعادة مع عدم النظر. و قيل: إنّ الجمع بينها و بين سائر الروايات بالإطلاق و التقييد، بل المورد من أهون موارد التصرّف في المطلق(5).

و فيه: مع الغضّ عن ضعف سندها(6)، و كونها مخالفة للمشهو(7)، أنّ الاستناد إليها للزوم النظر مطلقاً - كما هو المدّعى - محلّ إشكال، فإنّ من المحتمل قريباً أن يكون موردها ما إذا قامت قرينة أو أمارة عقلائية على تنجّس الثوب، فإنّ الثوب الذي لبسه المحتلم في النوم تسري إليه الجنابة عادة و نوعاً، لا سيّما مع

ص: 232


1- الفقيه 1: 42 / 167؛ وسائل الشيعة 3: 478، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 41، الحديث 4.
2- الكافي 3: 406 / 7.
3- تهذيب الأحكام 2: 202 / 791؛ الاستبصار 1: 182 / 640.
4- وسائل الشيعة 3: 478، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 41، الحديث 3.
5- اُنظر مصباح الفقيه، الطهارة 8: 211 - 213.
6- الرواية ضعيفة بميمون الصيقل؛ لجهالة حاله. اُنظر جامع الرواة 2: 286.
7- اُنظر مفتاح الكرامة 1: 528؛ مصباح الفقيه، الصلاة 8: 215؛ جواهر الكلام 6: 210.

ملاحظة محيط صدور الرواية؛ من كون عادتهم النوم في لباس واحد كالقميص الطويل أو مع سِروال، و لا شبهة في أنّ الاحتلام فيه يوجب تنجّسه مع دفقه الملازم له، فالمورد ممّا قامت الأمارة على التلوّث، فإذا نظر و لم يَرَ شيئاً علم بتخلّف الأمارة، و لا إشكال في لزوم الفحص في هذا المورد، و هو غير ما راموا الاستفادة منها، فكان المورد ما إذا قام و لم ينظر مع قيام الأمارة على التنجّس، و صلّى غفلة أو نسياناً أو مسامحة، و في الفرض لابدّ من الإعادة.

و أمّا ما قيل: من الجمع بينها و بين الروايات بالتقييد، ففيه: أنّ هذه الرواية مع الغضّ عمّا ذكرنا معارضة لصحيحة ابن سنان و نحوها بالتباين؛ ضرورة أنّ موضوع تلك الروايات عدم العلم، ففي صحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الرجل يصلّي و في ثوبه عذرة من إنسان أو سِنَّور أو كلب، أ يعيد صلاته؟ قال: «إن كان لم يعلم فلايعيد»(1)، و قريب منها غيرها(2)؛ ممّا هو ظاهر في أنّ تمام المناط و الموضوع لعدم الإعادة هو عدم العلم.

و الموضوع في هذه الرواية هو العلم أو الاطمئنان بالعدم؛ ضرورة أنّ الناظر و المتفحّص في ثوبه الذي أجنب فيه حين قام، أو حين قام إلى الصلاة - كما في نسخة(3) - يقطع أو يطمئنّ بعد فحصه بعدم وجود الجنابة في ثوبه، فإنّ للجنابة

ص: 233


1- الكافي 3: 404 / 2؛ وسائل الشيعة 3: 475، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 5، و: 476، ذيل الحديث 6.
2- راجع وسائل الشيعة 3: 474، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 2، 3، 6 و 7.
3- تهذيب الأحكام 2: 202 / 791.

أثراً ظاهراً حتّى بعد اليبوسة و مضيّ زمان عليها، فالطلب و الفحص ملازم للعلم أو الاطمئنان بعدمه.

و من المعلوم أنّه عند العرف يكون بين الاعتبارين تعارض و تناقض، و إن فرض عدم التناقض عقلاً و بدقّة عقلية؛ بأن يقال: عدم العلم أعمّ من العلم بالعدم، و الميزان في التنافي هو العرف، و بما ذكر يظهر الكلام في مرسلة «الفقيه»(1) لو كانت غير تلك الرواية.

و العمدة في الباب صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: ذكر المنيّ فشدّده، و جعله أشدّ من البول، ثمّ قال: «إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة، و إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه، ثمّ صلّيتَ فيه، ثمّ رأيته بعد، فلا إعادة عليك، و كذلك البول»(2).

وجه الاستدلال: مفهوم الشرطية الثانية، و هو لزوم الإعادة مع ترك النظر و الفحص.

أقول: لو فرضنا أنّ الشرطية الثانية جملة مستقلّة لها مفهوم، كما هو مبنى(3) الاستدلال بها، فإن بنينا على الجمود على لفظ الرؤية الواردة فيها، نقول: إنّ مفهوم الجملة الاُولى: أنّه إن لم تَرَ المنيّ قبل ذلك فلا إعادة عليك؛ سواء كان

ص: 234


1- الفقيه 1: 42 / 167؛ وسائل الشيعة 3: 478، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 41، الحديث 4.
2- تهذيب الأحكام 1: 252 / 730، و 2: 223 / 880؛ وسائل الشيعة 3: 478، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 41، الحديث 2.
3- مصباح الفقيه، الطهارة 8: 212.

عدم الرؤية بعد الفحص و النظر أم لا، و مفهوم الجملة الثانية: لزوم الإعادة على فرض ترك النظر و الفحص، فيتقيّد به مفهوم الجملة الاُولى.

لكن يرد عليها: ما يرد على رواية ميمون(1) من معارضتها لصحيحة ابن سنان(2) و أبي بصير(3)؛ حيث علّق عدم الإعادة فيهما على عدم العلم بالنجاسة، و في هذه الصحيحة علّقه على النظر و الفحص الملازم للعلم بعدمها، فيتعارضان، و الترجيح لتلك الروايات الموافقة للشهرة و القواعد. هذا مع الجمود على لفظ الرؤية.

لكن لاينبغي الإشكال في أنّ قوله علیه السلام: «إن رأيت المنيّ» لايراد به تعليق الحكم على خصوص الرؤية في قبال العلم الحاصل بغيرها، بل ذكر الرؤية لأجل حصول العلم نوعاً بواسطتها في مثل الموضوع، فالحكم معلّق على العلم، و الرؤية وسيلة لذلك، ففي الصدر علّق الحكم على العلم، و مفهومه: أنّه لو لم يعلم بوجود المنيّ فلا إعادة، و هو يناقض الجملة الثانية، التي علّق فيها الحكم بعدم الإعادة على العلم بالعدم الحاصل بالنظر و الفحص، فيقع التعارض بين الصدر و الذيل، و الترجيح للصدر بالشهرة و موافقة القواعد الحاكمة على أدلّة اعتبار الشروط.

هذا، لكن فرض الجملة الثانية مستقلّة مخالف لفهم العقلاء، فإنّ الظاهر من

ص: 235


1- تقدّم في الصفحة 232.
2- تقدّم في الصفحة 233.
3- تهذيب الأحكام 1: 254 / 737؛ وسائل الشيعة 3: 476، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 7.

مثل المقام، أنّ الجملة الثانية اُتي بها لبيان أحد مصاديق المفهوم المستفاد من الصدر، فقوله: «إن رأيت المنيّ في ثوبك»، مفهومه: إن لم تَرَ، و هو أعمّ من عدم الرؤية مع الفحص و عدمه، و الجملة الثانية اُتي بها لذكر أحد المصداقين المستفاد من الجملة الاُولى، و على ذلك فلا مفهوم للشرطية الثانية، و بقي مفهوم الشرطية الاُولى على إطلاقه.

هذا كلّه، مع أنّ صحيحة زرارة الطويلة تدلّ على عدم وجوب النظر و الفحص، فإنّ فيها: قلت: فهل عليّ إن شككت في أنّه أصابه شيء أن أنظر فيه؟ قال: «لا، ولكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك»(1) الحديث، و بما أنّ النظر و الفحص لايجب نفسياً بلا شبهة، يكون نظر السائل و المجيب إلى لزومه و عدمه في تحصيل شرط الصلاة، فكأنّ السائل لمّا علم باشتراط الصلاة بطهارة الثوب، سأل عن لزوم الفحص لتحصيل العلم بالطهارة الواقعية المشروطة بها الصلاة، فأجاب بعدم لزومه، فإنّ الطهارة الظاهرية كافية في صحّة الصلاة واقعاً.

فمن تأمّل في فقرات الصحيحة يرى أنّ الأسئلة كلّها تدور حول الحكم الوضعي؛ أي اشتراط الصلاة بطهارة الثوب، و لم يبقَ له شكّ في أنّ المراد بتلك الفقرة أيضاً ليس إلّا السؤال عن صحّة الصلاة مع الشكّ، فدلالتها على صحّتها ممّا لاينبغي الإشكال فيه، و لاتحتاج إلى التشبّث بما في كلمات المحقّقين(2).

فتحصّل ممّا مر: عدم صحّة التفصيل بين الفحص و عدمه.

ص: 236


1- تهذيب الأحكام 1: 421 / 1335؛ وسائل الشيعة 3: 466، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 1.
2- مصباح الفقيه، الطهارة 8: 213 - 214؛ الصلاة، المحقّق الحائري: 327.

الصورة الرابعة: فيما لو علم بالنجاسة في أثناء الصلاة

الرابعة: لو علم بالنجاسة في الأثناء: فتارة: يعلم حدوثها في الحال، كما لو رعف، أو عرض له نجاسة اُخرى. و اُخرى: يعلم بوجودها من أوّل الصلاة، أو في بعض الركعات السابقة. و ثالثة: يعلم بأصل النجاسة، لكن يشكّ في زمان العروض، و أنّها هل كانت من أوّل الأمر، أو أنّها عرضت في الأثناء قبل الحالة الفعلية، أو في هذه الحالة، و على أيّ حال قد يكون العروض في سعة الوقت، و قد يكون في ضيقه، و على الثاني: قد يمكن مع التبديل أو التطهير إدراك ركعة منها في الوقت، و قد لايمكن.

مقتضى اشتراط الصلاة بالطهور هو البطلان في جميع الصور، فإنّها مشروطة به في جميع الحالات؛ سواء اشتغل بعمل أم لا، كما تقدّم الكلام فيه(1)، و مع فقده في حال بطلت؛ لأنّه «لا صلاة إلّا بطهور»(2)، لكن مقتضى أهمّية الوقت و أنّ «الصلاة لاتترك بحال» صحّتها في الفرض الأخير.

و أمّا سائر الفروض، فإن كان المستند للصحّة قاعدة الطهارة أو حديث الرفع، فلايمكن تصحيحها بهما؛ لأنّهما لاتصحّحانها إلّا حالة الجهل بالنجاسة، فتبقى الفترة بين العلم و تحصيل الطهارة تحت قاعدة الاشتراط، إلّا أن يدلّ دليل على عدم جواز إبطالها حتّى في هذه الحالة، فإنّها على هذا الفرض إذا اشتغل فوراً بالتبديل أو التطهير، تصحّ بدليل الاقتضاء، أو بحديث رفع الاضطرار.

ص: 237


1- تقدّم في الصفحة 200.
2- راجع وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 1 و 6.

و يمكن القول بصحّتها مطلقاً و في جميع الصور بدليل «لاتعاد» بناء على شمولها لمطلق الإخلال إلّا صورة الإخلال عن علم و عمد؛ أي صورة الإخلال بالطهور بلا محذور، كمن صلّى عالماً عامداً في النجس؛ إذ في الفترة التي اشتغل المصلّي بتحصيل الطهور، لايكون التلبّس بالنجس عمداً و بلا وجه، فليس مثلها خارجاً عن إطلاق القاعدة.

و أمّا الروايات:

فجملة وافية منها وردت في عروض الدم في الأثناء، كصحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه علیه السلام، قال: سألته عن الرجل يصيبه الرعاف و هو في الصلاة؟ فقال: «إن قدر على ماء عنده يميناً أو شمالاً أو بين يديه و هو مستقبل القبلة، فليغسله عنه، ثمّ ليصلّ ما بقي من صلاته، و إن لم يقدر على ماء حتّى ينصرف بوجهه أو يتكلّم فقد قطع صلاته»(1) و نحوها أو قريب منها غيرها من الصحاح و غيرها(2).

لكن في كفاية تلك الروايات - الواردة في الرعاف - لإثبات الحكم لمطلق النجاسات إشكال، فإنّ إلغاء الخصوصية عن الدم غير ممكن، بعد ما نرى من الخصوصية شرعاً لدم الرعاف و نحوه؛ من العفو عن القليل منه، و العفو عن دم القروح و الجروح.

و عليه فيحتمل أن يكون الحكم مخصوصاً بمثل هذا النحو من الدماء؛

ص: 238


1- الكافي 3: 364 / 2؛ وسائل الشيعة 7: 239، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 2، الحديث 6.
2- راجع وسائل الشيعة 7: 238، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 2.

و أن لايسري إلى سائر النجاسات حتّى إلى بعض أقسام الدم، كالدماء الثلاثة و نحوها ممّا لايعفى عنه.

و تشهد لذلك - بل تدلّ عليه - رواية محمّد بن مسلم، قال: قلت له: الدم يكون في الثوب عليّ و أنا في الصلاة، قال: «إن رأيته و عليك ثوب آخر فاطرحه، و صلّ في غيره...» - إلى أن قال -: «و ليس ذلك بمنزلة المنيّ و البول»، ثمّ ذكر المنيّ فشدّده و جعله أشدّ من البول، ثمّ قال علیه السلام: «إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة، فعليك إعادة الصلاة...»(1) إلى آخرها، و صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه علیه السلام: في رجل صلّى في ثوب فيه (نكتة) جنابة ركعتين، ثمّ علم به، قال: «عليه أن يبتدئ الصلاة»(2).

و مقتضى الجمع بينهما و بين تلك الروايات، هو التفصيل بين الدم المعفوّ عنه و سائر النجاسات، بل لرواية محمّد بن مسلم نحو حكومة عليها.

لكن مقتضى صحيحة زرارة الطويلة عدم الفرق بين الدم و سائر النجاسات في البناء على الصحّة، قال زرارة في الصحيح: قلت - أي لأبي جعفر علیه السلام -: أصاب ثوبي دم رعاف أو شيء من المنيّ، فعلّمتُ أثره... - إلى أن قال -: قلت: إن رأيته في ثوبي و أنا في الصلاة، قال: «تنقض الصلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته، و إن لم تشكّ ثمّ رأيته رطباً قطعت الصلاة و غسلته، ثمّ

ص: 239


1- الفقيه 1: 161 / 758؛ وسائل الشيعة 3: 431، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 6، و: 478، الباب 41، الحديث 2.
2- الكافي 3: 405 / 6؛ وسائل الشيعة 3: 474، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 2.

بنيت على الصلاة؛ لأنّك لاتدري لعلّه شيء اُوقع عليك، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ»(1)، و المقصود هاهنا هو الحكم الأخير، و يأتي الكلام في الجملة السابقة، و دلالتها على البناء في الدماء مطلقاً - بناء على نسخة «التهذيب»(2) - بل في مطلق النجاسات - بناء على رجوع ضمير «غيره» إلى الدم، لا إلى «رعاف» - و في «المنيّ» واضحة.

و لا إشكال في إلغاء الخصوصية عن المنيّ و الدماء، و جريان الحكم في مطلق النجاسات، بل بملاحظة التعليل؛ بقوله: «فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ»، يكون العموم أوضح من غير احتياج إلى إلغاء الخصوصية، فإنّ الظاهر - بل الصريح منه - أنّ الحكم بصحّة الصلاة من أجل الحكم الظاهري الحاكم على أدلّة الاشتراط، و من الواضح عدم الفرق في ذلك بين أنواع النجاسات، كما تدلّ على عدم إضرار التلبّس بها في حال الغسل و التطهير.

بل يستكشف من صحيحة زرارة أنّ التفصيل الوارد في الأخبار - الواردة في دم الرعاف؛ من غسل الثوب أو تبديله، مع إمكانهما بلا حصول المنافيات للصلاة، كالالتفات و التكلّم و الفعل الماحي للصورة، و بطلانها مع عدمه - إنّما هو لمطلق النجاسات من غير خصوصية للدم.

فالتفصيل المذكور مستفاد من مجموع الروايات، بل هو مقتضى ضمّ أدلّة اعتبار الشروط في الصلاة إلى روايات هذا الباب.

ص: 240


1- الاستبصار 1: 183 / 641؛ وسائل الشيعة 3: 477، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 41، الحديث 1، و الباب 44، الحديث 1.
2- تهذيب الأحكام 1: 421 / 1335.

كما أنّ مقتضى تلك الروايات، مع الضمّ إلى قاعدة الطهارة و حديثي «لاتعاد» و الرفع، صحّة الصلاة مع الغسل و التبديل في جميع الصور المتقدّمة، كصورة حدوث العلم في الأثناء بأنّ النجاسة عارضة من أوّل الصلاة، و غيرها؛ ضرورة أنّه مع تحكيم تلك الأدلّة على دليل اشتراط الطهارة، تكون صلاته إلى زمان العلم صحيحة واقعاً؛ من غير فرق بين الطهارة الواقعية و الظاهرية في ذلك، كما هو ظاهر، بل تدلّ على شمول الحكم للنجاسة المصاحبة من أوّل الأمر صحيحة محمّد بن مسلم الآتية.

ثمّ إنّ هاهنا روايات منافية لهذا التفصيل:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم، قال: قلت له: الدم يكون في الثوب عليّ و أنا في الصلاة، قال: «إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ في غيره، و إن لم يكن عليك غيره فامضِ في صلاتك و لا إعادة عليك، و ما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشيء؛ رأيته أو لم تَرَه، و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم، فضيّعت غسله و صلّيتَ فيه صلاة كثيرة، فأعد ما صلّيتَ فيه»(1).

و منها: موثّقة(2) داود بن سرحان، عن أبي عبد اللّه علیه السلام في الرجل يصلّي،

ص: 241


1- تهذيب الأحكام 1: 254 / 736.
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن علي بن محبوب، عن الحسن بن علي بن عبد اللّه، عن الحسن بن علي بن فضّال، عن داود بن سرحان. و الرواية موثّقة بابن فضّال فإنّه فطحي ثقة. اُنظر رجال النجاشي: 34 / 72؛ اختيار معرفة الرجال: 565 / 1067؛ الفهرست، الطوسي: 97 / 164.

فأبصر في ثوبه دماً، قال: «يتمّ»(1).

و منها: ما عن «السرائر» من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب، عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه علیه السلام، قال: «إن رأيت في ثوبك دماً و أنت تصلّي؛ و لم تكن رأيته قبل ذلك، فأتمّ صلاتك، فإذا انصرفت فاغسله، قال: و إن كنت رأيته قبل أن تصلّي فلم تغسله، ثمّ رأيته بعد و أنت في صلاتك، فانصرف و اغسله و أعد صلاتك»(2) دلّت هذه الطائفة على صحّة الصلاة مع الثوب النجس؛ إمّا مع عدم ثوب غيره - كما في الصحيحة - أو مطلقاً، كما في الأخيرتين.

و الجواب أمّا عن الاُولى: فبأنّ الرواية منقولة في «الكافي»(3) و «الاستبصار»(4) و «الفقيه»(5) بما هو الموافق للتفصيل المتقدّم، و ذلك بإسقاط الواو و زيادة قوله: «و ما كان أقلّ»، و الترجيح ل-« الكافي»، فتكون الرواية من أدلّة القول بالتفصيل، و لو اُغمض عنه فلا حجّية لها مع اختلاف النقل.

و أمّا عن الثانية: فبأنّ الأمر بالإتمام مطلق يقيَّد بما إذا لم يكن بمقدار العفو،

ص: 242


1- تهذيب الأحكام 1: 423 / 1344؛ وسائل الشيعة 3: 483، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 44، الحديث 2.
2- السرائر 3: 592؛ وسائل الشيعة 3: 483، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 44، الحديث 3.
3- الكافي 3: 59 / 3؛ وسائل الشيعة 3: 431، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 6.
4- الاستبصار 1: 175 / 609.
5- الفقيه 1: 161 / 758.

و لعلّ هذا مراد شيخ الطائفة(1) من الحمل على ما دون الدرهم.

و أمّا عن الثالثة: فبأنّها مخالفة لجميع الروايات و القواعد، مع أ نّه لا عامل بها، و لا أظنّ أحداً يلتزم بجواز الصلاة في النجس مع إمكان التطهير أو التعويض.

و بإزاء هذه الطائفة طائفة اُخرى تدلّ على بطلان الصلاة من غير تفصيل:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه علیه السلام، قال: ذكر المنيّ فشدّده، و جعله أشدّ من البول، ثمّ قال: «إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة...»(2) إلى آخرها.

و منها: صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه علیه السلام: في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين، ثمّ علم به، قال علیه السلام: «عليه أن يبتدئ الصلاة...»(3) إلى آخرها.

و منها: صحيحة زرارة، و سيأتي الكلام فيها(4).

و هذه الطائفة ظاهرة في أنّ الصلاة إذا وقعت مع المنيّ من أوّل الأمر، و علم به المصلّي في الأثناء، بطلت و عليه الإعادة؛ من غير تفصيل بين إمكان التطهير و التبديل و عدمه:

أمّا الثانية فظاهرة كصحيحة زرارة الآتية.

ص: 243


1- تهذيب الأحكام 1: 423 / 1344.
2- تهذيب الأحكام 1: 252 / 730؛ وسائل الشيعة 3: 424، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 16، الحديث 2.
3- تقدّمت في الصفحة 239.
4- يأتي في الصفحة 246.

و أمّا الاُولى فالظاهر من صدرها و ذيلها أنّ المنيّ كان من أوّل الصلاة، مع بُعد عروضه في الأثناء جدّاً.

و الجواب عنهما: أنّهما مطلقتان من حيث إمكان التطهير بلا عروض مانع أو فقد شرط و عدمه، و يمكن تقييدهما بما إذا لم يمكن التطهير، فتوافقان التفصيل المشهور.

و هذا التقييد و إن كان مشكلاً؛ من حيث كون الروايات المشتملة على التفصيل قاطبةً موضوعها خصوص دم الرعاف أو الدم، و من حيث كون التفصيل في مورد عروضه في الأثناء، و في مثل ذلك لايصحّ التقييد، و لايكون مورداً للجمع بالإطلاق و التقييد.

لكن يمكن أن يقال: إنّ المستفاد من صحيحة زرارة الطويلة(1): أنّ الحكم بالبناء فيما إذا عرض النجاسة في الأثناء ليس مخصوصاً بالدم أو بدم الرعاف، و يستكشف منها أنّ الروايات الواردة في الدم أو دم الرعاف يراد منها مطلق النجاسات، و أنّ ذكر الدم؛ إمّا من جهة كون السؤال عنه، أو لكونه أكثر ابتلاءً من

غيره، فيكون ذكر الدم لمجرّد المثال وأحد مصاديق النجاسات، و كذا الحال فيما ذكر فيه الجنابة و المنيّ، فإنّه لايراد منه خصوصه، بل مثال لمطلق النجاسة.

فعلى ذلك يمكن أن يقال: إنّ صحيحة محمّد بن مسلم - قال: قلت له: الدم يكون في الثوب عليّ و أنا في الصلاة، قال: «إن رأيت و عليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ في غيره»(2) الظاهرة في أنّ الدم كان مصاحباً له من أوّل الصلاة؛

ص: 244


1- تقدّم في الصفحة 239 - 240.
2- تقدّم في الصفحة 241.

لمكان قوله: «يكون عليّ...» إلى آخرها - صالحةٌ لتقييد إطلاق الروايتين المتقدّمتين، فإنّ الموضوع في كلٍّ منهما مطلق النجاسات، بإلغاء الخصوصية عرفاً، و مورد الحكم فيهما ثبوت النجاسة من أوّل الصلاة، فيحمل إطلاق الروايتين على التقييد في الصحيحة؛ و لزوم الطرح مع الإمكان.

إن قلت: إنّ صحيحة ابن مسلم المشتملة على التفصيل مخصوصة بالدم المعفوّ عنه؛ بدليل ذيلها المذكور فيه كونه بمقدار الدرهم أو أقلّ، فلايصحّ أن يقال: إنّ المراد مطلق الدم حتّى غير المعفوّ عنه؛ كي يصحّ إلغاء الخصوصية و الشمول لسائر النجاسات.

قلت: إنّ الاختصاص ممنوع و مجرّد ورود دليل منفصل على التفصيل بين الدماء، لايوجب القرينية فيما ينفصل، بل مقتضى إطلاق الرواية - صدراً و ذيلاً - أنّ في مطلق الدماء يجب الطرح و التبديل إلّا إذا كان أقلّ من الدرهم، و الدليل المنفصل يخصّص خصوص الذيل، و بقي الصدر على إطلاقه، و به يقيّد إطلاق الروايتين، كما أشرنا إليه(1)، و هذا أسلم من الحمل على كون العلم قبل الدخول، و إنّما دخل فيه نسياناً و غفلة.

ثمّ إنّ ما ذكرنا من التقييد في صحيحة ابن مسلم إنّما يجري بحسب رواية «التهذيب»(2) عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه علیه السلام، قال: «ذكر المنيّ فشدّده...» إلى آخرها، و أمّا بحسب رواية «الفقيه»(3) عن محمّد بن مسلم، عن

ص: 245


1- تقدّم في الصفحة 243 و 244.
2- تهذيب الأحكام 1: 252 / 730.
3- الفقيه 1: 161 / 758.

أبي جعفر علیه السلام، فلايصحّ، فإنّ روايته عن أبي عبد اللّه علیه السلام مستقلّة، و أمّا في «الفقيه» فعين تلك الرواية مرويّة في ذيل روايته لحكم الدم، و معه يكون التفصيل بين الدم و المنيّ ظاهراً، و الحمل على عدم إمكان طرح الثوب غير صحيح، لكن سند «الفقيه» إليه غير نقيّ(1).

و العمدة في المقام: هي صحيحة زرارة، و فيها:

قلت: إن رأيته في ثوبي و أنا في الصلاة، قال: «تنقض الصلاة و تعيد إذا شككتَ في موضع منه ثمّ رأيته، و إن لم تشكّ ثمّ رأيته رطباً قطعت و غسلته، ثمّ بنيت على الصلاة؛ لأنّك لاتدري لعلّه شيء اُوقع عليك، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ»(2).

و بإزائها صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة التي قالوا فيها(3): إنّها مع اغتشاش متنها لاتصلح لمعارضة صحيحة زرارة.

و لا بأس بذكر بعض الإشكالات الواردة فيهما:

ص: 246


1- قال الشيخ الصدوق في مشيخة الفقيه: و ما كان فيه عن محمّد بن مسلم الثقفي فقد رويته عن علي بن أحمد بن عبد اللّه بن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن جدّه أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، عن أبيه محمّد بن خالد، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم. و السند غير نقيّ؛ لأنّ علي بن أحمد بن عبد اللّه بن أحمد بن أبي عبد اللّه و والده غير مذكورين في كتب الرجال، إلّا أنّ الصدوق اعتمد عليهما و روى عنهما في كثير من الأسناد. اُنظر الفقيه، المشيخة 4: 6.
2- تقدّمت في الصفحة 239 - 240.
3- الصلاة، المحقّق الحائري: 330 - 331.

أمّا صحيحة زرارة الطويلة، فإنّ في متنها إشكالات نذكر بعضها:

منها: أنّ فيها قوله: فإن ظننت أنّه قد أصابه و لم أتيقّن ذلك، فنظرت فلم أرَ شيئاً، ثمّ صلّيت فرأيت فيه؟ قال: «تغسله و لاتعيد الصلاة». قلت: لِم ذلك؟ قال: «لأنّك كنتَ على يقين من طهارتك ثمّ شككتَ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً...» إلى آخرها، و فيه احتمالات لا داعي لذكرها.

لكن يرد عليه: أنّ تمام الموضوع لعدم الإعادة مع فرض أنّه صلّى في النجس واقعاً حال الشكّ في الطهارة، هو الشكّ و عدم العلم بالنجاسة، من غير دخالة للعلم بالحالة السابقة، و على هذا كان ينبغي الاستدلال بقاعدة الطهارة، لا استصحابها؛ حيث يوهم، بل يدلّ على دخالة العلم بالحالة السابقة في عدم الإعادة.

و يمكن أن يجاب عنه: بأنّ لسان الاستصحاب إبقاء الموضوع الواقعي تعبّداً، و مع الحكم بوجود الطهارة الواقعية لا وقع للتشبّث بقاعدة الطهارة، و بعبارة اُخرى: أنّه تمسّك بالأصل الحاكم، و لايجري معه الأصل المحكوم.

و منها(1): أنّ الإعادة من نقض اليقين باليقين، لا بالشكّ، فكيف استدلّ بالاستصحاب؟

و قد أجبنا عنه في محلّه(2)، و حاصله: أنّ الإشكال يرجع إلى أنّ التعليل لايناسب عدم الإعادة، و الجواب أنّ التعليل راجع إلى منشأ عدم الإعادة؛ أي تحقّق شرط المأمور به ظاهراً و صيرورة المأتيّ به موافقاً للمأمور به، فراجع.

ص: 247


1- اُنظر فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26: 60.
2- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 48.

و منها: أنّ التمسّك بالاستصحاب في ذيل الرواية ليس كافياً لصحّة الصلاة، فإنّه إنّما يفيد بالنسبة إلى حال الجهل، و أمّا حال الالتفات و العلم و الاشتغال بالتطهير فلا، بل يحتاج إلى التماس دليل آخر، و الظاهر من الاستدلال أنّه كافٍ لعدم الإعادة، و أنّه تمام المناط له.

مضافاً إلى أنّه لم يظهر فرق بين الفرع الذي حكم فيه بالإعادة؛ و هو ما كان النجس مصحوباً من السابق مع جهله به، و الفرع الآخر الذي حكم فيه بعدمها، فإنّ الاستصحاب يجري فيهما و يصحّحهما بالنسبة إلى حال الجهل، و قاعدة «لاتعاد» - على ما قرّرنا(1) - جارية فيهما، و الباقي يصحّ بالطهارة الواقعية.

نعم، لو قلنا بعدم جريان «لاتعاد» يفترق الفرعان، فإنّ في حال الفترة تجري البراءة العقلية و الشرعية في الفرع الثاني؛ لأنّ احتمال أن يكون عروض النجاسة في الحال، يوجب الشكّ في تحقّق المانع، فيجري الأصل بناءً على مانعية النجاسة عن الصلاة، لا شرطية الطهارة، و أمّا في الفرع الأوّل فلايمكن التصحيح؛ لأنّ ما ورد من الأدلّة في دم الرعاف مخصوصة بالعروض في الحال، و العروض من الأوّل فاقد للدليل، و الاستصحاب لايفيد بالنسبة إلى حال الالتفات و التطهير، فأدلّة الاشتراط قاضية بالبطلان؛ لفقد الطهور حال الفترة.

ثمّ إنّ ورود مثل تلك الإشكالات، لايوجب سقوط الاستدلال بتلك الصحيحة في مورد البحث، و هو:

ص: 248


1- تقدّم في الصفحة 238.

التفصيل بين العلم بوجود النجاسة من حال الدخول في الصلاة فتبطل، و بين عروض النجاسة في الأثناء حال الالتفات فتصحّ، فيغسل النجس، و يبني على الصلاة.

ثمّ إنّه يستفاد من هذه الصحيحة حكم فروع ثلاثة:

أحدها: الدخول مع مصاحبة النجس.

ثانيها: الشكّ في العروض من الأوّل أو في الحال، و هما مفروضان فيهما.

و ثالثها: المستفاد حكمها من الفرع الثاني: العروض في الأثناء، و هو واضح.

نعم هنا فرع رابع: و هو العروض في الأثناء قبل حال الالتفات، كما لو كان في الركعة الثالثة، فعلم بعروضها في الركعة الثانية.

و فرع خامس: و هو الشكّ في عروضها في الركعة الثانية - مثلاً - أو في الحال بعد العلم بعدمه من الأوّل.

فهل يلحق الفرعان بالفرع الأوّل فتبطل، أو بالفرعين الآخرين؟

إشكال: ينشأ من أنّ قوله علیه السلام: «إذا شككت في موضع منه، ثمّ رأيته...»(1) يراد به الشكّ قبل التلبّس بالصلاة، فيختصّ البطلان بما إذا كانت النجاسة من أوّل الصلاة مع العلم بها في الأثناء، فإنّ مفاد قوله - حينئذٍ - في الشرطية الثانية: أنّه إذا لم يشكّ في الأوّل ورآها في الأثناء رطبة صحّت الصلاة؛ سواء علم بعروضها في الأثناء بعد دخوله في الصلاة متطهّراً، أو شكّ في عروضها من الأوّل أو في الأثناء في الحال أو قبل تلك الحالة، فعلى ذلك يكون قوله علیه السلام:

ص: 249


1- تقدّم في الصفحة 246.

«لعلّه شيء اُوقع عليك» لإيجاد الاحتمال بوقوعها في الأثناء؛ من غير فرق بين حال الالتفات و غيره، فتصحّ في جميع الصور، إلّا صورة العلم في الأثناء بوجود النجاسة من الأوّل.

أو أنّ المراد بالشرطية الاُولى أعمّ من الشكّ في الأوّل؛ فكأنّه قال: إن شككت في موضوع منه؛ سواء كان الشكّ قبل التلبّس بالصلاة، أم كان بعده في الأثناء.

و يراد بقوله: «إن لم تشكّ» عدم حصوله؛ لا في الأثناء و لا في الأوّل قبل التلبّس، فيكون المراد بقوله: «لعلّه شيء اُوقع عليك» إيجاد الاحتمال لخصوص الوقوع في الحال، فحينئذٍ تبطل الصلاة؛ سواء علم بعروضها من حال التلبّس، أو في الأثناء قبل حال الالتفات.

ثمّ إنّ قوله: «إذا شككتَ في موضعٍ منه» يشمل الصورتين، إلّا أن يقال بانصرافه إلى الشكّ قبل التلبّس، فيكون الموضوع للبطلان هو الدخول في الصلاة مع النجاسة و الانكشاف في الأثناء، و موضوع الصحّة هو الدخول متطهّراً و إن عرض النجاسة في الأثناء.

نعم قد يختلج بالبال أنّ قوله علیه السلام: «لعلّه شيء اُوقع عليك»، يراد به احتمال العروض في الحال لإيجاد الاحتمال في اندراجه في الروايات الدالّة على الصحّة مع العروض في الحال، و يأتي الكلام في ذلك(1)، و مع الشكّ يعمل على طبق القواعد، و قد مرّ أنّ مقتضى «لاتعاد الصلاة...» إلى آخره، الصحّة(2)، كما

ص: 250


1- يأتي في الصفحة 253 - 254.
2- تقدّم في الصفحة 238.

قد مرّ بيان حكومته على أدلّة الشروط و الموانع(1) حتّى على مثل قوله علیه السلام: «لا صلاة إلاّ بطهور»(2).

هذه حال صحيحة زرارة.

و لا إشكال في دلالتها على التفصيل بين ما إذا كانت النجاسة من الأوّل و بين ما إذا عرضت حال الالتفات، و إن كان بعض الفروع محلّ إشكال كما مرّ(3).

و أمّا صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة:

قال: قلت له: الدم يكون في الثوب عليّ...(4) إلى آخرها، فلابدّ من البحث فيها على رواية «التهذيب»(5) و على رواية «الكافي»(6) و غيره(7):

أمّا على الاُولى فلا اغتشاش في متنها؛ لأنّ قوله: «و ما لم تزد» جملة

مستقلّة غير متعلّقة بالجملتين السابقتين عليها، و اشتمالها(8) على ما لايقول به أحد، لايضرّ بالاستدلال بالجملة الاُولى المستقلّة، الدالّة على أنّ حكم الدم مع وجود ثوب آخر طرح الثوب و إتمام الصلاة، و الجمل الاُخرى أيضاً أحكام مستقلّة لاتضرّ - على فرض وجود إشكال فيها - بالاستدلال بالجملة الاُولى،

ص: 251


1- تقدّم في الصفحة 224.
2- راجع وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 1 و 6.
3- تقدّم في الصفحة 247- 248.
4- تقدّم في الصفحة 241.
5- تهذيب الأحكام 1: 254 / 736.
6- الكافي 3: 59 / 3.
7- الفقيه 1: 161 / 758؛ الاستبصار 1: 175 / 609.
8- الصلاة، المحقّق الحائري: 330.

و ما في ذيلها من التفصيل بين مقدار الدرهم و الزائد منه لايضرّ به أيضاً، فلا اغتشاش في متنها على هذا.

نعم نفس الاختلاف بين «التهذيب» و غيره في الرواية، نحو اغتشاش لايضرّ بالاستدلال بما هو متّفق فيه على جميع الروايات، لكن قد تقدّم(1) أنّ الرواية في «الكافي» و «الفقيه» و «الاستبصار» على خلاف «التهذيب»، مع أنّ «الكافي» أضبط، فتقدّم روايته على رواية «التهذيب».

و استشكل على روايته أوّلاً: بأنّ الظاهر منها بيان موضوعات ثلاثة لأحكام ثلاثة: الدم القليل؛ و أنّه ليس بشيء، و الدم الكثير - أي أكثر من الدرهم - الموجب للبطلان، و الدم المساوي للدرهم و فيه تفصيل؛ و هو أنّه يطرح الثوب إذا كان له ثوب آخر، و يصلّي فيه، و لايعيد الصلاة إذا كان ثوبه واحداً، و هذا التفصيل ممّا لا قائل به، كما لايخفى.

و ثانياً: أنّ الظاهر أنّ المأخوذ في الشرطية الاُولى و الثانية شيء واحد؛ أي نفس طبيعة الدم، و أنّ القيد - أي قوله: «ما لم يزد على مقدار الدرهم» - راجع إلى الجملتين، و لازمه الأمر بالطرح في صورة عدم زيادة الدم عن الدرهم، و هو محمول على الاستحباب، و مبنى الاستدلال بالرواية للمطلوب، فرض كون الدم كثيراً في الشرطية الاُولى، و أخذ طبيعة الدم في الشرطية الثانية و رجوع القيد إلى الأخيرة، و هو خلاف الظاهر جدّاً(2).

و بالجملة: الأمر بالطرح محمول على الاستحباب إن كان المراد بما لم يزد

ص: 252


1- تقدّم في الصفحة 242.
2- مستمسك العروة الوثقى 1: 534.

على مقدار الدرهم الدمَ القليل المعفوّ عنه، و إن اُريد به غير المعفوّ عنه حتّى يكون الأمر للوجوب، كانت الشرطية الثانية مخالفة للإجماع و الأخبار.

أقول: يمكن أن يقال: إنّ المأخوذ في الموضوع طبيعة الدم في الشرطيتين، و الأمر بالطرح في الاُولى للاحتياط و السهولة و عدم الداعي للفحص عن حاله بأنّه أقلّ أو أكثر، فإنّ الطرح لا مانع منه، فإن كان الدم من القسم غير المعفوّ عنه يكون رافعاً للمانع، و إن كان أقلّ فلا إشكال في طرحه، و القيد راجع إلى الجملة الثانية، و لا إشكال فيه، و إنّما أمره بالفحص عن مقداره مع انحصار الثوب؛ لأنّ أمره دائر بين المحذورين، فإنّه إن كان كثيراً يجب عليه غسله، و لايجوز إدامة الصلاة، و إن كان قليلاً فلايجوز رفع اليد عنها، و حيث كان غسل الثوب في أثناء الصلاة يوجب ارتكاب المنافيات غالباً، لم يأمر بالغسل مطلقاً، بل أمر في الاُولى بالطرح لعدم محذور فيه، و في الثانية بالفحص عن مقداره، فإن كان قليلاً يجب عليه الإتمام بدون الغسل و لا إعادة عليه، و إن كان كثيراً فلاتجوز إدامة الصلاة إلّا بعد الغسل.

ثمّ إنّه على فرض رجوع القيد إلى الجملة الثانية، لايوجب الاضطراب في الذيل سقوط الجملة الاُولى عن الاستدلال بها.

و بما ذكرنا يندفع الإشكالان، و تكون الجملة الاُولى مستقلّة قابلة للاستدلال بها على المطلوب.

ثمّ إنّه في صحيحة زرارة(1) خصّ حكم الإعادة بما إذا كان النجس مصاحباً

ص: 253


1- تقدّم في الصفحة 246.

له من الأوّل، و يحتمل تعميم ذلك لما إذا كان عارضاً في الأثناء قبل زمان الرؤية؛ لاحتمال إطلاق قوله: «إذا شككت في موضع منه» للفرضين، و يحتمل عدم هذا التعميم، لكن المتيقّن منه الفرض الأوّل، و أمّا الإطلاق بالنسبة للعروض في حال الرؤية فلايحتمل.

و أمّا صحيحة محمّد بن مسلم(1) فيحتمل اختصاص الحكم فيها بوجود الدم من الأوّل في الثوب، و يحتمل إطلاقه بالنسبة لحدوثه في الأثناء قبل حال الرؤية، كما يحتمل إطلاقه بالنسبة لحدوثه حال الرؤية؛ بدعوى إطلاق قوله: «الدم يكون في الثوب عليّ و أنا في الصلاة» لجميع الفروض، و يحتمل إنكار الإطلاق بالنسبة إلى الثالث، أو بالنسبة إلى الثاني أيضاً.

فلو اختصّ كلٌّ من الصحيحتين بالفرض الأوّل، أو عمّت كلٌّ منهما الثاني، وقع التعارض بينهما، بل لو كانت صحيحة ابن مسلم عامّة لجميع الصور، و صحيحة زرارة شاملة للفرضين الأوّلين فقط، لم يصحّ تقييد صحيحة ابن مسلم بها؛ لأنّ الحدوث حال الرؤية فقط فرد نادر جدّاً، مضافاً إلى أ نّه فرد خفيّ جدّاً بالنسبة إلى الفرضين، فعلى فرض إطلاقهما يقع التعارض بينهما.

و لو عمّت صحيحة محمّد بن مسلم الفرضين أو الفروض، و اختصّت صحيحة زرارة بالأوّل، تقيّد بها، و يختصّ البطلان بالمصاحبة من الأوّل، و تصحّ في الفرضين الآخرين، و لا إشكال فيه، و لو انعكس بأن تعمّ صحيحة زرارة الفرضين الأوّلين، و تختصّ صحيحة محمّد بالأوّل؛ كي تصير نتيجة التقييد

ص: 254


1- تقدّمت في الصفحة 241 - 242.

الصحّة مع المصاحبة من الأوّل و البطلان مع المصاحبة في الأثناء ولو حال الرؤية، يقع التعارض بينهما؛ لأنّ هذا النحو من التقييد لايرتضيه العقلاء؛ إذ لايحتمل أن تضرّ النجاسة في ركعة - مثلاً - و لاتضرّ بالصحّة فيما لو كانت في هذه الركعة و سائر الركعات المتقدّمة.

و توهّم: وقوع ذلك فيما إذا لم يعلم بالنجاسة إلّا بعد الصلاة، فإنّها صحيحة، بخلاف ما لو علم في الأثناء.

فاسد؛ لأنّ فرض عدم العلم مغاير لفرض العلم في الأثناء، الذي يوجب فقدان الشرط حال الفترة، و في المقام يشترك الفرضان في العلم في الأثناء، و معه لايحتمل الافتراق، نعم لو فرض ورود نصّ صحيح صريح في ذلك فلا مناص من التعبّد به، و هو أمر آخر.

ثمّ إنّ الظاهر إطلاق صحيحة زرارة للفرضين، و بعد عدم الإطلاق لصحيحة محمّد بن مسلم بالنسبة إلى الفرض الثالث، فالتعارض بينهما ممّا لا إشكال فيه، بل قد عرفت وقوع التعارض حتّى مع إطلاقها بالنسبة إلى الفرض الثالث، فتقدّم صحيحة محمّد للشهرة و موافقة القواعد؛ لو لم نقل بأنّ الشهرة توجب سقوط صحيحة زرارة عن الحجّية.

بقي شيء: و هو ما لو شكّ في إطلاق أحدهما و علم بإطلاق الآخر:

فهل يعامل معهما معاملة الإطلاق و التقييد، فيقيّد المطلق بما شكّ في إطلاقه، أو أنّ الجمع بالإطلاق و التقييد موقوف على إحراز كون الدليل مقيّداً، فمع الشكّ لايعامل معهما ذلك؟

الظاهر لزوم معاملة الإطلاق و التقييد؛ لأنّ الشكّ في إطلاق إحداهما مع

ص: 255

القطع بشمول حالة، مساوق للقطع بعدم الحجّية في مورد الشكّ و الحجّية في مورد اليقين بالشمول، و مع حجّية المطلق المنفصل لايصحّ رفع اليد عنه إلّا بحجّة أقوى منها، فيؤخذ بالإطلاق في غير مورد اليقين، و يترك الإطلاق في مورده؛ لأنّه أخصّ منه، و الجمع بينهما عقلائي، و ليس في باب الإطلاق و التقييد لفظ يؤخذ بظهوره، بل المناط أن يكون الجمع عقلائياً، و في المقام أيضاً كذلك، فلاتغفل.

الصورة الخامسة: فيما كان ناسياً للموضوع

اشارة

الخامسة: لو كان الخلل من نسيان في الموضوع: بأن علم بالنجاسة قبل الصلاة، فنسيها و صلّى، صحّت صلاته حسب القواعد؛ لحديث «لاتعاد» على ما تقدّم من رجحان دخول ذلك في المستثنى منه(1)، و لحديث الرفع، و حكومتهما - لا سيّما الثاني - على أدلّة الشروط و الموانع؛ حتّى على قوله علیه السلام: «لا صلاة إلّا بطهور»(2)، فراجع.

لكن المشهور(3) بين قدماء أصحابنا البطلان، فيجب عليه الإعادة في الوقت و خارجه، بل لم ينسب الخلاف إلّا إلى الشيخ في «الاستبصار»(4) الذي لم يقصد من تأليفه إلّا رفع التنافي بين الأخبار، نعم عن «التذكرة» نسبة عدم

ص: 256


1- تقدّم في الصفحة 224.
2- تقدّم في الصفحة 224.
3- جواهر الكلام 6: 215 - 216.
4- الاستبصار 1: 184، ذيل الحديث 642.

الإعادة مطلقاً إليه في بعض أقواله(1).

و تدلّ على البطلان مطلقاً الأخبار المستفيضة في الاستنجاء(2)، و لمّا كان من المحتمل الفرق بين الاستنجاء و بين غيره من النجاسات - كما احتمله بعضهم(3) - لاختصاصه ببعض الأحكام دون غيره، كالاجتزاء بالأحجار في تطهير محلّ النجو، و كطهارة غسالة البول، فلا بأس بالبحث في الأخبار الواردة فيه مستقلاًّ.

و تدلّ على البطلان أيضاً أخبار واردة في غير الاستنجاء:

كصحيحة زرارة المتقدّمة(4)، قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من منيّ، فعلّمتُ أثره إلى أن اُصيب له الماء، فأصبت و حضرت الصلاة، و نسيتُ أنّ بثوبي شيئاً، و صلّيتُ، ثمّ إنّي ذكرتُ بعد ذلك؟ قال: «تعيد الصلاة و تغسله...» إلى آخرها.

و كصحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه علیه السلام، قال: «إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه و هو لايعلم، فلا إعادة عليه، و إن هو علم قبل أن يصلّى فنسي و صلّى فيه فعليه الإعادة»(5).

ص: 257


1- تذكرة الفقهاء 2: 490.
2- راجع وسائل الشيعة 1: 294، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 18، الحديث 2، 3، 4 و 7، و: 315، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 2، و الباب 10، الحديث 4 و 5.
3- الحدائق الناضرة 5: 418؛ مصباح الفقيه، الطهارة 8: 231.
4- تقدّمت في الصفحة 239.
5- تهذيب الأحكام 1: 254 / 737؛ وسائل الشيعة 3: 476، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 7.

و كموثّقة(1) سماعة، قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى أن يغسله حتّى يصلّي؟ قال: «يعيد صلاته كي يهتمّ بالشيء إذا كان في ثوبه؛ عقوبة لنسيانه...»(2) إلى غير ذلك.

و في مقابل هذه الروايات:

صحيحة العلاء، عن أبي عبد اللّه علیه السلام، قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشيء ينجّسه، فينسى أن يغسله، فيصلّي فيه، ثمّ يذكر أنّه لم يكن غسله، أ يعيد الصلاة؟ قال: «لايعيد قد مضت الصلاة و كتبت له»(3).

قد يقال: بأنّ مقتضى الجمع بينها و بين ما تقدّمت، حمل تلك الأخبار على الاستحباب، فإنّها ظاهرة في وجوب الإعادة، و هذه صريحة في الصحّة(4).

و فيه: أنّه لو قلنا بجواز الجمع كذلك في غير المقام لايصحّ هاهنا؛ لمنافاة الاستحباب مع ما صرّح به في موثّقة سماعة؛ ضرورة أنّ الأمر بالإعادة عقوبة

ص: 258


1- رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة. و الرواية موثّقة بسماعة بن مهران، فإنّه ثقة ثقة كما قاله النجاشي، و واقفي كما قاله الشيخ الطوسي. رجال النجاشي: 193 / 517؛ رجال الطوسي: 337 / 4.
2- تهذيب الأحكام 1: 254 / 738؛ الاستبصار 1: 182 / 638؛ وسائل الشيعة 3: 480، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 5.
3- تهذيب الأحكام 1: 423 / 1345؛ وسائل الشيعة 3: 480، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 3.
4- مدارك الأحكام 2: 348؛ ذخيرة المعاد: 168 / السطر 8.

لايجتمع مع الاستحباب، الذي مقتضاه جواز الترك و جواز الإتيان التماساً للثواب، و هو واضح.

و يمكن الجمع بينهما بحمل الأخبار الآمرة بالإعادة على ما إذا صلّى و في ثوبه أعيان النجاسات، كما هو مفاد تلك الأخبار؛ أمّا ما اشتمل على حكم الدم و المنيّ منها فظاهر، و أمّا ما اشتمل على إصابة البول بفخذه، كصحيحة ابن مسكان(1) و غيرها(2)، فلأنّ البول ليس كالماء بحيث لايبقى له عند ما ييبس أثر ولو ضعيفاً، فإنّ له غلظةً مّا و لوناً و ريحاً، فيبقى أثره في البدن والثوب، و أمّا صحيحة العلاء فالظاهر أنّ السؤال فيها عن الثوب المتنجّس بالملاقاة للنجس، و الغالب في الملاقاة عدم انتقال العين و الأثر إلى الملاقي.

و تؤيّد صحيحة العلاء بصحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر علیهما السلام، قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير، فلم يغسله، فذكر ذلك و هو في صلاته، كيف يصنع؟ قال: «إن كان دخل في صلاته فليمض، و إن لم يكن دخل في صلاته فلْينضحْ ما أصاب من ثوبه، إلّا أن يكون فيه أثر فيغسله»(3)، فإنّ الظاهر منها أنّه مع دخوله في الصلاة تصحّ صلاته؛ ولو كان

ص: 259


1- تهذيب الأحكام 2: 359 / 1486؛ وسائل الشيعة 3: 480، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 4.
2- راجع وسائل الشيعة 3: 428، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 19، الحديث 2.
3- الكافي 3: 61 / 6؛ وسائل الشيعة 3: 417، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 13، الحديث 1.

أثر الملاقاة مع الرطوبة باقياً بحاله إلى حين الذكر، غاية الأمر يقيّد إطلاقه

بما دلّ على لزوم الغسل، ثمّ البناء على الصلاة، و في هذه الرواية كلام سيأتي(1) إن شاء اللّه.

هذا غاية ما يقال في هذا التفصيل.

لكنّه مشكل؛ لأنّ إطلاق رواية العلاء يشمل ما إذا كان المتنجّس مصاحباً لعين النجاسة، فإنّ الثوب إذا لاقى دماً رطباً يصدق أنّه أصابه الشيء ينجّسه؛ سواء كان معه العين أم لا، مضافاً إلى أنّ البول بعد يبسه ليس ممّا يبقى له أثر مطلقاً، بل قد يكون و قد لايكون، و مقتضى إطلاق الرواية عدم الفرق، فهذا التفصيل - مع عدم قائل به ظاهراً - غير وجيه.

و يمكن أن يقال في الجمع بين الروايات: بأنّ رواية العلاء صريحة - مع التأكيدات الواردة فيها - في أنّ صلاته صحيحة، و الروايات المقابلة لصحيحة العلاء الوارد فيها لفظ «يعيد» و «عليه الإعادة» ظاهرة في بطلانها؛ لما أشرنا إليه من أنّ الأمر بالإعادة إرشاد إلى البطلان(2)، لكن موثّقة سماعة قرينة على أنّ الإعادة واجبة؛ للعقوبة على عدم اهتمامه بطهارة الثوب، فإذا ضمّت هذه الرواية إلى رواية العلاء الصريحة في الصحّة، ينتج أنّها صحيحة، و مع ذلك يجب إعادتها؛ لكي يهتمّ بشروط الصلاة، فتحمل الروايات المذكور فيها الأمر بالإعادة على لزوم الإعادة بعنوانها.

و بعبارة اُخرى: أنّ الحمل على الإرشاد إنّما هو مع فقد القرينة، و أمّا

ص: 260


1- يأتي في الصفحة 268.
2- تقدّم في الصفحة 88 و 91.

مع قيامها فتحمل الأوامر المتعلّقة بعنوان الإعادة على ظاهرها، و على أنّ الإعادة واجبة نفساً للعقوبة.

و تظهر الثمرة بينه و بين الحكم بالبطلان في لزوم القضاء على الولد الأكبر و عدمه، و على ذلك تجب عليه الإعادة في الوقت و خارجه، و يوافق المشهور من جهة، لكن في كون ذلك جمعاً عرفياً يقبله العقلاء تأمّل، بل إشكال و إن كان أقرب ممّا سبق.

حول التفصيل بين الوقت و خارجه

و أبعد من الكلّ التفصيل بين الوقت و خارجه؛ بحمل ما اشتملت على لزوم الإعادة على لزومها في الوقت، و ما قابلها على عدمه في خارجه؛ بأن يقال: إنّ الأخبار المتعارضة مشتمل بعضها على لفظ «الإعادة» الظاهر في الإتيان في الوقت، و بعضها على نفي الإعادة، و بعد تعارض الطائفتين تقدّم أخبار الإعادة للشهرة و نحوها، و يبقى حكم خارج الوقت بلا دليل، و مقتضى الأصل عدم القضاء؛ لأنّه بأمر جديد.

و فيه - مضافاً إلى أنّ الأمر بالإعادة و كذا نفي وجوبها، ظاهران في الإرشاد إلى البطلان و عدمه، كما تقدّم، و عليه فلا معنى للفرق بين الوقت و خارجه؛ لأنّه بعد البطلان لا إشكال في لزوم قضائها، و مضافاً إلى أنّ الإعادة ليست ظاهرة فيما ذكر بل أعمّ، و مقتضى إطلاق الأدلّة عدم الفرق بين الوقت و خارجه - أنّ مقتضى إطلاق بعض الأخبار و ظهور بعضٍ آخر، لزوم القضاء خارج الوقت، كذيل صحيحة محمّد بن مسلم: «و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار

ص: 261

الدرهم، فضيّعتَ غسله، و صلّيتَ فيه صلاة كثيرة، فأعد ما صلّيت فيه»(1)، فإنّ إعادة الصلوات الكثيرة لا محالة يكون بعضها أو أغلبها خارج الوقت، و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الناسي و غيره، لو لم نقل: إنّها مختصّة بالناسي؛ لأنّ الخطاب متوجّه إلى محمّد بن مسلم، الذي لايصلّي في النجس عمداً و لا جهلاً بالحكم، و الجهل بالموضوع خارج عنه بالدليل، فلا محالة يكون المورد مختصّاً بالنسيان، و يعمّ الحكم عامّة المكلّفين إذا قلنا بأنّ الخطاب المتوجّه إلى مثله يراد به مطلق المكلّفين، و كيف كان، لا إشكال في الإطلاق، و معه لا معنى للأصل.

و أوضح من تلك الصحيحة رواية علي بن جعفر، عن أخيه، قال: سألته عن رجل احتجم فأصاب ثوبه دم، فلم يعلم به حتّى إذا كان من الغد، كيف يصنع؟ فقال: «إن كان رآه فلم يغسله، فلْيقضِ جميع ما فاته على قدر ما كان يصلّي، و لاينقص منها شيء...»(2) إلى آخرها، فإنّها ظاهرة - بل صريحة - في لزوم الإعادة خارج الوقت من وجوه.

و أمّا ما عن «الاستبصار»(3) من القول بالتفصيل مستشهداً بصحيحة علي بن مهزيار، قال: كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره: أنّه بال في ظلمة الليل، و أنّه أصاب كفّه بَردُ نقطة من البول لم يشكّ أنّه أصابه و لم يَرَه و أنّه مسحه بخرقة، ثمّ

ص: 262


1- الكافي 3: 59/ 3؛ وسائل الشيعة 3: 431، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 6.
2- قرب الإسناد: 95؛ وسائل الشيعة 3: 477، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 10.
3- الاستبصار 1: 184.

نسي أن يغسله، و تمسّح بدهن، فمسح به كفّيه و وجهه و رأسه، ثمّ توضّأ وضوء الصلاة فصلّى؟

فأجابه بجواب قرأته بخطّه: «أمّا ما توهّمت ممّا أصاب يدك، فليس بشيء إلّا ما تحقّق، فإن حقّقتَ ذلك كنتَ حقيقاً أن تعيد الصلوات، التي كنت صلّيتَهنّ بذلك الوضوء بعينه؛ ما كان منهنّ في وقتها، و ما فات وقتها فلا إعادة عليك لها؛ من قِبَل أنّ الرجل إذا كان ثوبه نجساً لم يعدِ الصلاة إلّا ما كان في وقت، فإذا كان جُنُباً أو صلّى على غير وضوء، فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته؛ لأنّ الثوب خلاف الجسد، فاعمل على ذلك إن شاء اللّه»(1).

ففيه: مضافاً إلى عدم عامل بالتفصيل من قدماء أصحابنا؛ حتّى أنّه لم يثبت أنّ الشيخ أيضاً عمل به، بعد كون «الاستبصار» معدّاً للجمع بين الأخبار بأيّ وجه كان، و بعد كون فتواه في سائر كتبه(2) موافقةً للمشهور كما نقل(3)، فتكون الرواية معرضاً عنها و غير حجّة.

و مضافاً إلى كون الرواية مغشوشة متناً من جهات مذكورة(4) وغير مذكورة، بل صدرها مناقض لذيلها، و الظاهر وقوع السقط و الغلط فيها، بل لايبعد

ص: 263


1- الاستبصار 1: 184 / 643؛ وسائل الشيعة 3: 479، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 1.
2- النهاية: 52؛ المبسوط 1: 38؛ الخلاف 1: 479.
3- منتهى المطلب 3: 307؛ جواهر الكلام 6: 219.
4- مدارك الأحكام 2: 348؛ الحبل المتين: 175؛ ذخيرة المعاد: 167 / السطر40؛ الحدائق الناضرة 5: 423؛ نهاية التقرير 1: 425.

أن تكون افتراءً عليه سلام اللّه عليه، و قول ابن مهزيار: «قرأته بخطّه» غير حجّة بعد حصول التشابه بين الخطوط كثيراً، بل الظاهر منها أنّ النجاسة في الثوب تخالف النجاسة في الجسد حكماً، و التأويل: بأنّ المراد من الجسد النجاسة الحالّة فيه بالحدث(1)، غير مرضيّ؛ لأنّ الخباثة و النجاسة المعنويتين لايعقل حلولهما في الجسد، إلّا أن يكون المراد بالجسد غير المحسوس، و هو كما ترى.

أنّ رواية تحتاج إلى التأويلات لرفع إشكالاتها، لايصحّ التعويل عليها و ارتكاب مخالفة الظواهر بها.

هذا مضافاً إلى عدم إمكان حمل تلك الروايات على نفي القضاء، كصحيحة علي بن جعفر(2) في باب الاستنجاء، و موثّقة الساباطي(3)، فراجعهما، و هما و إن وردتا في الاستنجاء، لكن سيظهر لك عدم الفرق بين النجاسة الحاصلة منه و بين غيرها من النجاسات.

بل لايصحّ هذا الجمع في بعض روايات الباب أيضاً، مثل صحيحة ابن مسلم، و رواية علي بن جعفر المتقدّمتين(4)؛ لأنّ حملهما على العامد(5) غير وجيه، بل حمل على النادر.

فتحصّل ممّا مرّ: أنّ الروايات متعارضة، و الترجيح للروايات الآمرة بالإعادة؛

ص: 264


1- الحبل المتين: 175؛ ملاذ الأخيار 3: 216.
2- يأتي في الصفحة 268.
3- يأتي في الصفحة 267.
4- تقدّمتا في الصفحة 261 - 262.
5- مصباح الفقيه، الطهارة 8: 234.

للشهرة و مخالفة العامّة(1)، بل لعدم العامل بهذه الروايات - الدالّة على الصحّة - في الطبقة المتقدّمة من أصحابنا، فلهذا لاتصل النوبة إلى الترجيح، بل لا حجّية لها؛ لإعراض المشهور عنها.

و أمّا الروايات الواردة في باب الاستنجاء:

فهي أيضاً في نفسها متعارضة؛ بعضها مع بعض، بل التعارض فيها من جهات:

فمنها: ما تدلّ على بطلان الصلاة بترك الاستنجاء من البول نسياناً من دون بطلان الوضوء بذلك، كصحيحة عمرو بن أبي نصر، قال: قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام: أبول و أتوضّأ و أنسى استنجائي، ثمّ أذكر بعد ما صلّيت، قال: «اغسل ذَكَرَك، و أعد صلاتك، و لاتُعد وضوءك»(2)، و نحوها غيرها(3).

و منها: ما تدلّ على بطلان الوضوء بتركه أيضاً، كموثّقة(4) سماعة، قال: قال أبو عبد اللّه علیه السلام: «إذا دخلتَ الغائط فقضيتَ الحاجة، فلم تهرق الماء، ثمّ توضّأتَ و نسيتَ أن تستنجي، فذكرتَ بعد ما صلّيتَ فعليك الإعادة، فإن كنتَ

ص: 265


1- المجموع 3: 157.
2- تهذيب الأحكام 1: 46 / 133؛ وسائل الشيعة 1: 294، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 18، الحديث 3.
3- راجع وسائل الشيعة 1: 294، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 18، الحديث 4.
4- رواها الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن زرعة، عن سماعة. و الرواية موثّقة ب-«زرعة» و «سماعة» فإنّهما ثقتان واقفيان. اُنظر رجال النجاشي: 176 / 466، و: 193 / 517؛ الفهرست، الطوسي: 134 / 313؛ رجال الطوسي: 337 / 4.

أهرقتَ الماء، فنسيتَ أن تغسل ذَكَرَك حتّى صلّيتَ، فعليك إعادة الوضوء و الصلاة و غسل ذَكَرِك؛ لأنّ البول ليس مثل البراز» على نسخة «الكافي»(1)، و نحوها في الحكم الثاني رواية أبي بصير(2) و غيرها(3).

و منها: ما تدلّ على بطلان الصلاة بترك الاستنجاء من الغائط، كموثّقة سماعة المتقدّمة آنفاً؛ بناء على أنّ المراد بقوله: «فعليك الإعادة» خصوص الصلاة، كما هو المناسب لما عن نسخة من «الكافي»: «لأنّ البول ليس مثل البراز» و أمّا على سائر النسخ(4) فالمناسب أن يكون الحكم بالإعادة شاملاً للوضوء أيضاً.

و منها: ما تدلّ على عدم بطلان الصلاة بترك الاستنجاء من البول، كرواية عمرو بن أبي نصر قال: قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام: إنّي صلّيت فذكرتُ أ نّي لم أغسل ذَكَري بعد ما صلّيتُ، أفاُعيد؟ قال: «لا»(5) و نحوها رواية هشام بن سالم(6).

ص: 266


1- الكافي 3: 19/17.
2- تهذيب الأحكام 1: 47 / 136؛ وسائل الشيعة 1: 296، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 18، الحديث 8.
3- راجع وسائل الشيعة 1: 296، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 18، الحديث 9.
4- علل الشرائع: 580 / 12؛ تهذيب الأحكام 1: 50 / 146؛ وسائل الشيعة 1: 319، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 10، الحديث 5؛ جامع أحاديث الشيعة 2: 441، كتاب الطهارة، أبواب ما ينقض الوضوء، الباب 4، الحديث 8.
5- تهذيب الأحكام 1: 51 / 148؛ وسائل الشيعة 1: 295، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 18، الحديث 6.
6- تهذيب الأحكام 1: 48 / 140؛ وسائل الشيعة 1: 317، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 10، الحديث 2.

و منها: ما تدلّ على عدم لزوم الإعادة بترك الاستنجاء من الغائط، كموثّقة(1) عمّار بن موسى، قال: سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول: «لو أنّ رجلاً نسي

أن يستنجي من الغائط حتّى يصلّي لم يعد الصلاة»(2)، و نحوها ذيل صحيحة علي بن جعفر(3).

و هذه الروايات - كما ترى - متعارضة بعضها مع بعض، و ليس لها جمع عرفي؛ سواء جعلنا الملاك فيها غير الملاك في الروايات الواردة في النجاسات، أم جعلناه مشتركاً مع الملاك في تلك الروايات، كما هو التحقيق، و على أيّ حال، الترجيح لروايات الإعادة بالنسبة إلى الصلاة، و لروايات عدم الإعادة بالنسبة إلى الوضوء.

و من المحتمل أنّ إعادة الوضوء - فيما إذا بال و لم يستنجِ - الواردة في الأخبار، تكون احتياطاً؛ لاحتمال خروج البول لأجل عدم الاستبراء، فإنّ من نسي الاستنجاء من البول فلا محالة - بحسب الغالب - ينسى الاستبراء أيضاً، و مع تركه كان في مظانّ خروج البول، فاُمر بالوضوء استحباباً و احتياطاً لذلك.

ص: 267


1- رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن سعد بن عبد اللّه، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن جعفر بن بشير البجلي، عن حمّاد بن عثمان، عن عمّار بن موسى. و الرواية موثّقة بعمّار بن موسى الساباطي؛ فإنّه فطحي ثقة. رجال النجاشي: 290 / 779؛ الفهرست، الطوسي: 189 / 526؛ اختيار معرفة الرجال: 253 / 417.
2- تهذيب الأحكام 1: 49 / 143؛ وسائل الشيعة 1: 318، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 10، الحديث 3.
3- تهذيب الأحكام 1: 50 / 145؛ وسائل الشيعة 1: 318، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 10، الحديث 4.

ثمّ إنّ مقتضى القاعدة في المقام: صحّة الصلاة فيما لو تذكّر ترك الاستنجاء في الأثناء، على حسب ما قدّمناه و رجّحناه(1) من شمول حديثي الرفع و «لاتعاد» لحال الجهل و النسيان إلى حال الذكر، و في حال الاشتغال بالتطهير يكون مشمولاً لحديث رفع الاضطرار على ما مرّ، و بقيّة الصلاة واجدة للشرط، فتصحّ صلاته.

و تدلّ عليها صحيحة علي بن جعفر، عن موسى بن جعفر علیهما السلام، قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير، فلم يغسله، فذكر ذلك و هو في صلاته، كيف يصنع به؟ قال: «إن كان دخل في صلاته فليمض، و إن لم يكن دخل فلينضح ما أصاب من ثوبه إلّا أن يكون فيه أثر فيغسله»(2)، فإنّ مقتضى إطلاق قوله: «فليمضِ» عدم الفرق بين وجود الأثر و عدمه، بل الظاهر أنّ مفروض السائل الملاقاة مع الرطوبة، و لهذا قال: «لم يغسله»؛ إذ من المعلوم أنّ الملاقاة بلا رطوبة لاتحتاج إلى الغسل، فيكون الجواب بالمضيّ في الصلاة على هذا الفرض، و على ذلك يكون قوله: «فلينضح» فرضاً منه علیه السلام زائداً على سؤال السائل.

و بإزائها صحيحة اُخرى عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى علیه السلام، قال: سألته عن رجل ذكر و هو في صلاته أنّه لم يستنجِ من الخلاء؟ قال: «ينصرف و يستنجي من الخلاء و يعيد الصلاة، و إن ذكر و قد فرغ من صلاته أجزأه

ص: 268


1- تقدّم في الصفحة 237 - 238.
2- الكافي 3: 61 / 6؛ وسائل الشيعة 3: 417، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 13، الحديث 1.

ذلك، و لا إعادة عليه»(1)، و لايضرّ بالمطلوب اشتمالها على هذا الذيل الذي لا نقول به.

و يمكن الجمع بينهما بأن يقال: إنّ هذه الصحيحة ظاهرة الدلالة على وجوب الإعادة و بطلان الصلاة، و أمّا الصحيحة الاُولى فليس لها ظهور معتدّ به في كون الاستثناء من الجملة الثانية، فمن المحتمل أن يكون من الجملتين، فيكون مفادها: أنّ لابس الثوب الملاقي للخنزير إذا دخل في الصلاة فليمضِ إلّا أن يكون فيه أثر فيغسله، و سكت عن إعادة الصلاة، و دلّت الصحيحة الثانية على إعادتها بعد عدم الفرق بين الاستنجاء و غيره، فيكون المحصّل من مجموعهما: أنّ من دخل في الصلاة يمضي مع عدم الأثر، و يغسل النجاسة مع الأثر و يعيد صلاته. و اللّه العالم.

ص: 269


1- تهذيب الأحكام 1: 50 / 145؛ وسائل الشيعة 1: 318، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 10، الحديث 4.

مسألة في الخلل في المكان و اللباس

لو صلّى في المكان الذي لايجوز له التصرّف فيه لغصب أو نحوه، أو في لباس كذلك:

فإن كان المستند لاشتراط إباحة المكان و اللباس دليلاً لفظياً، كرواية «تحف العقول»(1)، يكون حالهما كسائر الشرائط، و الكلام فيهما كالكلام في غيرهما من الخلل؛ من البطلان بالخلل عمداً، و عدمه في غيره لدليل الرفع و حديث «لاتعاد»، و لايأتي في المقام بعض الإشكالات الخاصّة ببعض الشروط.

و إن كان المستند الإجماع المدّعى(2)، فإن كان للإجماع إطلاق يشمل

ص: 270


1- الحسن بن علي بن شعبة في «تحف العقول» عن أمير المؤمنين عليه السلام، في وصيّته لكميل، قال: «ياكميل، اُنظر في ما تصلّي؟ و على ما تصلّي؟ إن لم يكن من وجهه و حلّه فلا قبول». تحف العقول: 174؛ وسائل الشيعة 5: 119، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 2، الحديث 2.
2- ذكرى الشيعة 3: 48 و 77؛ جامع المقاصد 2: 87 و 116؛ مدارك الأحكام 3: 217.

الأعذار، فلا إشكال في البطلان و عدم جواز التمسّك بالأدلّة العامّة، و إلّا فيؤخذ بالقدر المتيقّن منه، و هو الخلل عمداً و علماً.

و إن كان المستند الدليل العقلي(1)، فإن قلنا بجواز اجتماع الأمر و النهي - كما هو الحقّ المحقّق في محلّه(2) - فمقتضى القاعدة الصحّة مطلقاً حتّى مع العلم و العمد، و قد فرغنا عن دفع الإشكالات التي أوردوها على الجواز، كلزوم كون الموجود الشخصي مأموراً به و منهيّاً عنه، و محبوباً و مبغوضاً، و مقرِّباً و مبعِّداً، و ذا مصلحة و مفسدة، و قلنا بعدم اللزوم أو عدم المحذور.

و ملخّصه بنحو نتيجة البرهان: أنّ الأوامر و النواهي متعلّقة بالطبائع، و لايعقل تعلّقها بلوازم الطبيعة متّحدة كانت معها في الخارج أم لا، و الموجود الشخصي - الذي هو مجمع العنوانين - لايعقل تعلّق الأمر و النهي به؛ للزوم تحصيل الحاصل و الزجر عن الحاصل، فلايعقل اجتماعهما في الموجود الشخصي، و لا محذور في كون الموجود الشخصي - الذي هو مجمع العنوانين - محبوباً و مقرِّباً و ذا مصلحة بأحد عنوانيه المنطبق عليه، و موجباً لمقابلاتها بعنوانه الآخر، فإنّ تلك العوارض ليست كالكيفيات العارضة للأجسام - مثل البياض و السواد - ممّا لايمكن اجتماعهما في موضوع واحد بجهتين، فراجع التفصيل في محلّه(3).

و إن قلنا بعدم جواز الاجتماع، فيمكن القول بالصحّة أيضاً مطلقاً على

ص: 271


1- الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 1: 285؛ الصلاة، المحقّق الحائري: 81.
2- مناهج الوصول 2: 111.
3- مناهج الوصول 2: 115.

أنحاء التقريرات المعقولة و غيرها:

أمّا على ما هو المعقول منها - بأن يقال: إنّ الأمر و النهي و إن تعلّقا بالطبائع، كما قال به القائل بالجواز، لكن لمّا كان الأمر بعثاً إلى إيجاد الطبيعة في الخارج، و النهي زجراً عنها، يمتنع اجتماعهما على طبيعتين متصادقتين على موجود شخصي في الخارج، فلا محالة يقع التزاحم بينهما في مقام التعلّق، فيسقط الأمر لوجود المندوحة، و يبقى النهي، فالموجود الخارجي؛ أي التصرّف في الدار المغصوبة المتّحد مع الصلاة، مصداق للمنهيّ عنه، لا المأمور به(1) - فيمكن الالتزام بالصحّة؛ لأنّ هذا القول يشترك مع القول بجواز الاجتماع في جميع المراحل إلّا مرحلة تعلّق الأمر؛ حيث إنّ القائل بالاجتماع يقول ببقاء الأمر و النهي على متعلّقهما، و القائل بالامتناع ينكر ذلك، و أمّا أنّ الموجود الخارجي مصداق حقيقي لكلٍّ من العنوانين فمورد موافقتهما.

فعلى ذلك تندفع جميع الاشكالات المتقدّمة بعين ما قلنا على القول بالاجتماع، فإنّ الجهة المحبوبة و المقرِّبة و الحاملة للمصلحة غير الجهات المقابلة لها، فلا مانع من الصحّة حتّى عمداً و علماً، و أمّا محذور عدم الأمر - الذي يمتاز به هذا القول عن القول بجواز الاجتماع - فلايعتنى به، إلّا على القول: بأنّ الصحّة عبارة عن موافقة المأتيّ به للمأمور به فعلاً(2)، و هو ضعيف؛ لما تقرّر في باب التزاحم من كفاية سائر الجهات - كالرجحان الذاتي و نحوه -

ص: 272


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 2: 430 و 435 - 436.
2- زبدة الاُصول: 77 و 118؛ كفاية الاُصول: 221.

في الصحّة، و لاتتوقّف على وجود الأمر فعلاً(1).

و أمّا على التقريب غير المعقول - بأن يقال: إنّ الأمر والنهي متعلّقان بالإيجاد أو الوجود بالحمل الشائع، و مع الامتناع يسقط الأمر و يبقى النهي - فلأنّ هذا القول مشترك مع القول بالجواز في كون الموجود الخارجي مصداقاً للصلاة و الغصب، و العنوانان موجودان بوجود واحد، فيجاب عن الإشكالات بما يجاب به عنها على القول بالاجتماع، و إنّما يفترق هذا القول عنه في متعلّقات الأوامر، و في سقوط الأمر لأجل التزاحم، و قد مرّ أنّ الصحّة لاتتوقّف على الأمر فعلاً.

و أمّا على القول بالامتناع و الالتزام بسراية النهي عن الغصب إلى عنوان الصلاة، أو إلى مصداقها بما هو مصداقها؛ بأن يقال: إنّ الصلاة في الدار المغصوبة منهيّ عنها بعنوانها، فيمكن القول بالصحّة أيضاً؛ بأن يقال: إنّ المصداق الموجود في الدار الغصبية، جامع لجميع الأجزاء و الشرائط المعتبرة في ماهية الصلاة على الفرض، و النهي التحريمي ليس إرشاداً إلى البطلان على الفرض، فمع تحقّق مصداقها مع جميع ما هو المعتبر فيها لايعقل عدم الصحّة، و اعتبار عدم النهي أو عدم الحرمة على نحو الاشتراط أو جعل المانعية، غير ثابت، بل الثابت عدمه.

فالقول بمنافاة الصحّة للتحريم(2) لايرجع إلى الاستناد إلى دليل، فإنّ المنافاة إن كانت لأجل عدم صدق العبادة و الصلاة على المصداق، ففيه: أنّ كون

ص: 273


1- كفاية الاُصول: 166؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 2: 315؛ مناهج الوصول 2: 14.
2- كفاية الاُصول: 224.

الموجود مصداقاً للصلاة ضروري، و كونه عبادةً للّه ذاتي له لايعقل سلبها عنه، فعبادة اللّه تعالى كسائر الموضوعات يمكن أن تتعلّق بها الأحكام الخمسة، فالعبادة المحرّمة عبادة اللّه كالعبادة الواجبة و المستحبّة، فالنهي عنها لو لم يدلّ على الصحّة - كما قيل في المعاملات(1) - لايدلّ على البطلان، لأنّ للبطلان ميزاناً لاينطبق عليه ذلك.

و ممّا ذكرنا يظهر الجواب عمّا يقال: من أنّه على وحدة الجهة لايعقل وجود المصلحة في الموضوع، فتقديم جانب النهي يكشف عن عدم المصلحة في الموضوع لا تامّة و لا غيرها، فلاتقع صحيحة؛ و ذلك لأنّ وجود المصلحة إن كان قيداً للمأمور به فلا كلام، لكن لا دليل عليه، و إلّا فلا وجه لعدم الصحّة ولو كان فيها المفسدة.

و أمّا البطلان من جهة عدم إمكان قصد القربة، فلا دليل عليه، بل الدليل على خلافه؛ لأنّ قصد التقرّب من قبيل قصد الغايات و لاتتقيّد العبادة به، كما لاتتقيّد بنفس الغايات، بل لايعقل ذلك، بل قصد القربة في العبادات مخصوص بالمتوسّطين من أهل العبادة، و أمّا الكُمّل و الأولياء فليس إتيانهم بالعبادات لأجل التقرّب و قصده، الذي يرجع إلى نفع و تجارة، فمحرّك الأولياء العظام إلى عبادته تعالى إدراك عظمته و معرفتهم بمقامه المقدّس، فلايعتبر قصد التقرّب في العبادة على نحو الشرائط المعتبرة فيها.

وعلى ما ذكرنا لايمنع كون المصداق مبغوضاً و مبعِّداً من وقوعه صحيحاً،

ص: 274


1- اُنظر مطارح الأنظار 1: 763؛ كفاية الاُصول: 227؛ المحصول في علم اُصول الفقه 2: 456.

فالعبادة الصحيحة قد توجب استحقاق العقوبة و البعد عن ساحة المولى.

نعم لو قلنا: بأنّ ارتكاز المتشرّعة على عدم وقوع العبادة المحرّمة و المبعِّدة و المبغوضة صحيحةً، كاشفٌ عن اعتبار الشارع الشرطية أو المانعية، فلابدّ من القول بالبطلان على هذا الفرض الباطل، بل واضح البطلان، دون سائر الفروض.

ثمّ إنّ الإجماع الذي ادُّعي على بطلان الصلاة في الدار المغصوبة(1)، قابل للمناقشة فيه؛ لاحتمال كونِ المستند في القول بالبطلان الوجوه العقلية، كما هي المستشهد بها في لسان الأصحاب(2)، لكن الخروج عمّا تسالم عليه القوم سَلفاً و خَلفاً جُرأة على المولى تعالى شأنه.

ص: 275


1- تقدّم في الصفحة 270.
2- مجمع الفائدة و البرهان 2: 11؛ مدارك الأحكام 3: 217؛ مصباح الفقيه، الصلاة 11: 25.

مسألة في الإخلال بستر العورة

اشارة

لو أخلّ بستر العورة من غير عمد - سواء كان عن سهو، أو عن جهل بالحكم، أو عن نسيان، أو نحوها - و صلّى، صحّت صلاته؛ لما تقدّم(1) من عموم دليل «لاتعاد» و حديث الرفع، بل في المقام كان الأمر أسهل؛ لعدم إطلاق في أدلّة اعتبار الستر(2) يشمل تلك الحالات، و المرجع عند الشكّ في الاعتبار البراءة كما هو المقرّر في محلّه(3).

و لو التفت في الأثناء صحّت فيما سبق؛ لما سبق من دليل «لاتعاد» على فرض الإطلاق لأدلّة الستر، و بناء على عدم إطلاقها - كما هو الظاهر - صحّت

ص: 276


1- تقدّم في الصفحة 17 - 33.
2- راجع وسائل الشيعة 4: 387، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 21، 22، 23، 27، 50 و 52.
3- أنوار الهداية 2: 359 - 360.

من غير احتياج إليه، بل يكفي أصل البراءة، و بالنسبة لما بعد حال الالتفات إن تمكّن من الستر بادر إليه و صحّت؛ لقاعدة البراءة مع الشكّ في الاعتبار في تلك الفترة التي اشتغل فيها بالتستّر.

و لو التفت في الأثناء إلى أنّه لا ساتر له، و لم يكن له ساتر طاهر، و لم يمكنه تطهير الساتر النجس لفقد الماء أو ضيق الوقت:

فهل يتمّ صلاته عارياً، أو يتستّر بالنجس و يتمّها فيه؟

و كذا الحال لو التفت إلى ذلك قبل الدخول في الصلاة؛ مع عدم تمكّنه من التطهير لضيق الوقت أو لفقد الماء:

فهل يصلّي عارياً أو في الثوب النجس؟

بيان مقتضى القاعدة في المقام

مقتضى القاعدة - مع الغضّ عن الأدلّة اللفظية؛ بناء على اعتبار الطهور في الصلاة و الستر فيها في عرض واحد؛ بأن كان الطهور شرطاً للصلاة و الستر شرطاً لها أيضاً - هو التخيير بين الصلاة في النجس أو عارياً، إلّا مع إحراز أهمّية أحدهما أو احتمال أهمّيته: أمّا مع إحرازها فظاهر، و أمّا مع احتمالها، فلأنّه يدور الأمر بين التخيير و التعيين، و الأصل العقلي يقتضي العمل على التعيين مع فرض عدم التكليف بالتكرار، كما أنّ الأمر كذلك بلا إشكال.

وأمّا بناءً على اعتبار الطهارة شرطاً في الستر و اعتبار الستر شرطاً في الصلاة: فتارة يكون بنحو التقييد؛ بأن اعتبر الستر - المتقيّد بالطهارة - شرطاً

ص: 277

للصلاة بنحو وحدة المطلوب، و اُخرى يكون المعتبر الستر بلا قيد، و اعتبر الطهور فيه بنحو تعدّد المطلوب.

فعلى الأوّل: تتعيّن الصلاة عرياناً؛ لأنّ الساتر الكذائي غير مقدور، و الصلاة مع الطهور ممكنة بأن يصلّي عارياً.

و على الثاني: تتعيّن الصلاة مع الستر النجس؛ لأنّ الستر ممكن و تحصيل طهارته غير ممكن.

و لو شكّ في أحد الاعتبارات المتقدّمة، و دار الأمر بين التخيير و بين تعيين هذا أو ذاك، فالظاهر الحكم بالتخيير؛ لأنّ احتمال التعيين معارَض بمثله، فيشكّ في التعيين، و الأصل البراءة منه.

هذا مع عدم التمكّن من التكرار أو عدم التكليف به، و إلّا فيحتمل القول به؛ لأنّ الأمر دائر بين التخيير و تعيين هذا أو التخيير و تعيين ذاك.

و كذا لو شكّ بين تعيين هذا أو ذاك وجب التكرار مع الإمكان، و يتخيّر مع عدمه. هذا حال القاعدة مع الغضّ عن الأدلّة مطلقاً.

و أمّا مع النظر إلى أدلّة اعتبارهما مع الغضّ عن الأخبار الواردة في خصوص المسألة، فإن كان لدليل اعتبارهما إطلاق، يكون مقتضى القاعدة التخيير لو لم يحرز - أو يحتمل - أهمّية أحدهما بعينه، و إلّا فيتعيّن، و إن كان لأحد الدليلين إطلاق يؤخذ به و يعمل على طبقه.

هذا بحسب التصوّر.

و أمّا بحسب الواقع، فلا إشكال في إطلاق أدلّة الطهور، مثل قوله علیه السلام:

ص: 278

«لا صلاة إلّا بطهور»(1) و غيره(2) ممّا له إطلاق، و أمّا دليل الستر(3) فلا إطلاق فيه، و إن احتمل الإطلاق في بعض ما ورد(4) في ستر النساء، لكنّه أيضاً محلّ تأمّل، مع أنّ التعبير بمثل قوله: «لا صلاة إلّا بطهور» يكشف عن أهمّيته، و لا أقلّ من احتمالها، فعلى ذلك يتعيّن الصلاة عارياً عند الدوران، كما أنّ مقتضى القاعدة وجوب صلاة المختار من القيام و السجدة و الركوع؛ لإطلاق أدلّتها مع الغضّ عن الأدلّة الواردة في كيفية صلاة العاري.

بيان مقتضى الأخبار الخاصّة

و أمّا الأخبار الواردة في المقام، فيقع الكلام فيها:

تارة: من حيث اختلافها في لزوم الإتيان بالصلاة عرياناً أو مع الثوب النجس.

و اُخرى: من حيث اختلافها في كيفية صلاة العاري.

ص: 279


1- تهذيب الأحكام 1: 49 / 144؛ وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.
2- كحديث «لاتعاد...» راجع تهذيب الأحكام 2: 152 / 597؛ وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 5.
3- تقدّم تخريجه في الصفحة 276.
4- راجع وسائل الشيعة 4: 406، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 28، الحديث 6 و 13.

الجهة الاُولى: في لزوم الصلاة عارياً

أمّا الكلام في الجهة الاُولى: فنقول: تدلّ على لزوم الصلاة في النجس أخبار صحيحة، كصحيحة علي بن جعفر، عن أخيه علیه السلام(1)، و صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه علیه السلام(2)، و صحيحة الحلبي عنه(3)، و غيرها، و بإزائها صحيحة الحلبي(4)، عن أبي عبد اللّه علیه السلام، و موثّقة سماعة(5):

ففي صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه، قال: سألته عن رجل عريان و حضرت الصلاة، فأصاب ثوباً نصفه دم أو كلّه، أيصلّي فيه، أو يصلّي عارياً؟ فقال: «إن وجد ماء غسله، و إن لم يجد ماء صلّى فيه، و لم يصلِّ عرياناً».

و فيها احتمالان:

أحدهما: أنّ قوله: «صلّى فيه و لم يصلِّ عرياناً» يراد به لزوم الصلاة فيه إرشاداً إلى اعتبار الستر في هذا الحال، و حرمة الصلاة عرياناً؛ إرشاداً إلى

ص: 280


1- تهذيب الأحكام 2: 224 / 884؛ وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 5.
2- الفقيه 1: 160 / 754؛ وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 4.
3- الفقيه 1: 40 / 155؛ وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 1.
4- تهذيب الأحكام 1: 406 / 1278، و2: 223 / 882؛ وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46، الحديث 4.
5- الكافي 3: 396 / 15؛ وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46، الحديث 1.

بطلانها كذلك، و على هذا الاحتمال لايصحّ الجمع بين الطائفتين بالحمل على التخيير بينهما، كما ذهب إليه جمع من المتأخّرين(1)، لكن على هذا تكون الصحيحة معرضاً عنها؛ لأنّ المسألة بين القدماء و المتأخّرين ذات قولين: وجوبها عرياناً(2)، و التخيير بينهما، و أمّا لزوم الصلاة في الثوب معيّناً فمخالف للقولين، بل حكي عن بعض: أنّه لعلّ هذا لم يقل به أحد من الفقهاء(3).

ثانيهما: أن يقال: إنّ كلاًّ من الصلاة في الثوب و الصلاة عرياناً في معرض الحظر و اللزوم أو توهّمهما، و سؤال علي بن جعفر عن الأمرين إنّما هو لذلك، فلايدلّ الأمر مع ذلك على الوجوب المستفاد منه الشرطية و لا النهي على الحرمة المستفاد منها المانعية، فكأنّه قال: تجوز الصلاة في الثوب، و لايلزم الإتيان بها عرياناً فتدلّ على التخيير بينهما، و الرواية إذن شاهدة للجمع بين الأخبار.

بل على هذا الاحتمال لنا أن نقول: إنّ شيئاً من الروايات لايدلّ على الإلزام: أمّا الطائفة الاُولى فلكونها عقيب مظنّة الحظر أو توهّمه، فلاتدلّ إلّا على الجواز، و أمّا الثانية فلكونها عقيب مظنّة اللزوم أو توهّمه، فلاتدلّ إلّا على نفيه، فيستفاد منهما التخيير الذي ذهب إليه جمع من المحقّقين.

هذا مضافاً إلى ما بيّنّا في الهيئة من عدم دلالتها على الوجوب و الحرمة، و لا على الوجوب التعييني و العيني أو الحرمة كذلك، بل هيئة الأمر موضوعة للبعث

ص: 281


1- المعتبر 1: 445؛ منتهى المطلب 3: 303؛ ذكرى الشيعة 1: 139؛ مسالك الأفهام 1: 129؛ مصباح الفقيه، الطهارة 8: 262.
2- المبسوط 1: 91؛ السرائر 1: 186؛ شرائع الإسلام 1: 46.
3- اُنظر مفتاح الكرامة 2: 196.

و الإغراء إلى المأمور به، و هيئة النهي موضوعة للزجر عنه، نظير الإشارة المفهمة للبعث و الزجر، نعم مع فقد القرينة يحكم العقل بلزوم الإتيان عيناً و تعييناً في الأوامر و لزوم الترك في النواهي؛ لتمامية الحجّة فيهما، كما أنّ الأمر كذلك في الإشارة المفهمة مع عدم الوضع فيها(1).

و على ذلك يكون قيام أدنى قرينة كافية في الصرف، بل على ذلك لا معارضة بين الطائفتين، فإنّها موقوفة على الدلالة على التعيين حتّى تنفي كلّ طائفة صاحبتها، و مع عدمها لاتتعارضان، سيّما مع عدم وجود صيغة الأمر فيهما، بل هما مشتملتان على الجمل المستقبلة و الماضية؛ ممّا لا مصير إلى القول فيها بالدلالة على ما ذكر.

و بعبارة اُخرى: ما تدلّ على الصلاة في الثوب النجس لاتدلّ وضعاً إلّا على البعث إليها، و تدلّ أيضاً على أنّ الصلاة معه تمام الموضوع لإسقاط أمرها، و ما تدلّ على الصلاة عارياً في نفسها تدلّ على أنّ الصلاة عارياً كذلك، و بعد ضمّ الطائفتين و العلم بعدم لزوم الجمع - كما هو المفروض - بل يدلّ عليه بعض الروايات في الباب أيضاً، تكون النتيجة التخيير بينهما.

و الحاصل: أنّ للقول بالتخيير وجهين:

أحدهما: دلالة الروايات على الجواز في الطرفين؛ لكون الأوامر و النواهي لاتدلاّن في المقام إلّا على الرخصة.

و ثانيهما: عدم دلالة لفظية على التعيين، فلا معارضة بينهما، و مع عدم

ص: 282


1- مناهج الوصول 1: 186 - 187 و 189 - 199، و 2: 90.

لزوم الجمع يحكم العقل بالتخيير.

ثمّ إنّ الوجه الأوّل جارٍ في جميع الروايات إلّا في رواية الحلبي الآتية، و الثاني لايجري فيها، و لا في صحيحة علي بن جعفر، الناهية عن الصلاة عارياً، و الآمرة بالصلاة في الثوب، و لا في صحيحة الحلبي، الآمرة بالصلاة عارياً، و الآمرة بطرح الثوب.

و أمّا رواية الحلبي، المخالفة للطائفتين، قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الرجل يجنب في الثوب، أو يصيبه بول، و ليس معه ثوب غيره؟ قال: «يصلّي فيه إذا اضطرّ إليه»(1) ففيها احتمالان:

أحدهما: أنّ الصلاة فيه مشروطة بالاضطرار إليه، كشدّة برد و مرض و نحوهما، فتدلّ على تعيّن الصلاة عارياً إلّا لعارض، و تخالف التخيير بينهما.

ثانيهما: أنّ المراد ليس الاضطرار الخارجي، بل ما هو ناشٍ من قِبَل التكليف بالصلاة، فكأنّه قال: بعد كون الثوب واحداً، و كونه مضطرّاً لإيقاع الصلاة لأنّها لابدّ منها، يصلّي فيه، فتدلّ على لزوم الصلاة في الثوب معيّناً، فإنّه مع التخيير لا معنى للاضطرار، ولو كانت الرواية مجملة من هذه الحيثية، لكن دلالتها على نفي التخيير مشتركة بينهما، فقامت الحجّة الإجمالية على نفيه، لكنّها ضعيفة(2)

ص: 283


1- تهذيب الأحكام 2: 224 / 883؛ وسائل الشيعة 3: 485، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 7.
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن أبان ابن عثمان، عن محمّد الحلبي. و الرواية ضعيفة بالقاسم بن محمّد الجوهري فإنّه واقفي غير موثّق، كما صرّح المصنّف قدس سره في كتاب طهارته أيضاً. اُنظر رجال النجاشي: 315 / 862؛ رجال الطوسي: 342 / 1؛ اختيار معرفة الرجال: 452 / 853؛ الطهارة، الإمام الخميني قدس سره: 410.

لاتصلح لمعارضة الروايات الصحيحة.

ثمّ إنّ المانع من القول بالتخيير أمران:

أحدهما: احتمال أن لايكون الجمع بما ذكرنا عرفياً، و يشبه أن يكون صناعياً، و يرى العرف التعارض بين الطائفتين، لا سيّما بين صحيحة علي بن جعفر و صحيحة الحلبي الآمرة بالطرح.

و ثانيهما: إعراض أصحابنا القدماء عن الطائفة الدالّة على الصلاة في الثوب النجس، مع اشتمالها على الصحاح، فلاتصلح للحجّية، و القول بالتخيير إنّما حدث بين المتأخّرين من عصر المحقّق(1) إلى ما بعده، حتّى أنّ الحلّي الذي لايعمل بالخبر الواحد إلّا ما كان قطعياً، ترك العمل بتلك الطائفة، و أفتى بمضمون الطائفة الاُخرى على ما حكي عنه(2).

و كيف كان، فالشهرة بين القدماء ثابتة، بل في «الخلاف»(3) دعوى الإجماع عليه، فالقول بتعيّن الصلاة عارياً هو الأقوى الموافق للقواعد، كما مرّ(4).

و يمكن الجمع بين الطائفتين بحمل ما دلّت على وجوب الصلاة عارياً على ما إذا كان المصلّي آمناً من الناظر المحترم، و حمل ما دلّت على الصلاة في الثوب

ص: 284


1- راجع مفتاح الكرامة 2: 195.
2- مفتاح الكرامة 2: 195؛ السرائر 1: 186.
3- الخلاف 1: 398 - 399.
4- تقدّم في الصفحة 278 - 279.

على ما إذا لم يكن كذلك.

بدعوى أنّ محطّ الروايات في الصلاة عارياً هو فرض كونها في الفلاة المأمون فيها من الناظر، بخلاف الروايات الاُخر.

و فيها: أنّ المفهوم من الروايات كون فرض الفلاة لأجل فرض عدم إمكان ثوبٍ آخر غير ما عليه، و عدم إمكان غسله لفقد الماء، مع أنّ كونه فيها لايلازم عدم وجود شخص آخر غيره فيها، لو لم نقل بأنّ الغالب وجود الرفقة في الأسفار.

أو بدعوى انصراف الدليل المشتمل على الصلاة عارياً عمّا إذا كان بمحضر من النظّار؛ لأنّ إباء النفوس عن ذلك، بل قبحه لدى العرف، يوجب الانصراف الذي هو بمنزلة التقييد، فتقيّد بها الإطلاقات الواردة في الصلاة مع الثوب.

و فيها: منع الانصراف، و منع القبح في المحيط الذي صدرت فيه الروايات، بل القبح و الاستيحاش تجدّد بعد تلك العصور، و في أقوام اُخر، فمن راجع ما ورد في آداب الحمّام(1)، يرى أنّ الدخول فيه بلا ستر و مئزر كان متعارفاً رائجاً.

مضافاً إلى أنّ اشتمال الرواية - الدالّة على الصلاة عارياً - على الأمر بالجلوس، كما في صحيحة الحلبي(2) و موثّقة سماعة(3) - على إحدى الروايتين(4) - يمنع من

ص: 285


1- راجع وسائل الشيعة 2: 32، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام، الباب 3 و 9.
2- تهذيب الأحكام 1: 406 / 1278؛ وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46، الحديث 4.
3- الكافي 3: 396 / 15؛ وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46، الحديث 1.
4- تأتي كلتاهما في الصفحة 288 - 289.

هذا الحمل؛ لما ورد في باب كيفية الصلاة عارياً(1): من أنّ الجلوس فيما إذا رآه ناظر محترم، و القيام عرياناً فيما إذا لم يَرَه أحد.

و قد يقال: بأنّ التحقيق هو القول بالتخيير واقعاً حملاً لظاهر كلٍّ من الطائفتين على نصّ الاُخرى؛ إذ كلٌّ منهما نصّ في الرخصة و ظاهر في التعيين، فيؤخذ بالنصّ من كلٍّ منهما، و يطرح الظاهر، و أمّا النهي عن الصلاة عرياناً فمحمول على الكراهة جمعاً.

ثمّ قال: و إن أبيت عن كون هذا جمعاً عرفياً، فلا محيص عن التخيير الظاهري بعد وجود النصّ الصحيح في كلا الطرفين(2).

أقول - بعد الغضّ عن دعوى الظهور في التعيين كما مرّ(3)، و بعد الغضّ عمّا ذكرنا في كلتا الطائفتين: من عدم دلالتهما على اللزوم؛ لمكان كون الأوامر عقيب الحظر -: إنّ هذا النحو من الجمع لو سلّم أنّه عرفي في سائر الموارد، فلايكون في المقام كذلك جزماً؛ لمخالفته لصحيحة علي بن جعفر و صحيحة الحلبي(4)، فإنّ النهي عن الصلاة عارياً، و الأمر بطرح الثوب و الصلاة عارياً، متعارضان عرفاً، و لايصحّ حمل النهي عن الصلاة عارياً على الكراهة، و الأمر بطرح الثوب على الاستحباب، أو النهي عن الصلاة مع الثوب - المستفاد من الأمر بالطرح - على الكراهة؛ إذ يلزم على الأوّل أن تكون الصلاة عارياً مكروهة و مستحبّة،

ص: 286


1- راجع وسائل الشيعة 4: 448، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50.
2- الصلاة، المحقّق الحائري: 335.
3- تقدّم في الصفحة 281 - 283.
4- تقدّم تخريجها في الصفحة 280.

و يلزم على الثاني أن تكون الصلاة عارياً و مع اللباس مكروهة.

و أمّا التخيير الظاهري فقد عرفت أنّه - مع الشهرة على التعيين الثابتة في

الطبقة المتقدّمة - لا وجه له.

فتحصّل ممّا مرّ: أنّ الأقوى هو لزوم الصلاة عارياً، مع أنّ الصلاة عارياً صحّت قولاً واحداً، و المخالف لو كان لايعتنى به.

هذا حال أصل الصلاة.

الجهة الثانية: في كيفية صلاة العاري

و أمّا كيفية الصلاة عرياناً ففيها جهات من البحث:

الاُولى: هل يجب الإتيان بها قائماً مطلقاً(1)، أو قاعداً كذلك(2)، أو يفصّل بين وجود الناظر المحترم، فيؤتى بها قاعداً، و عدمه فقائماً(3)، أو يفصّل بين الأمن من الناظر و عدمه، كما عن المشهور(4)؟

و الأخبار مختلفة:

فمنها: ما دلّت على لزوم الصلاة قائماً:

كصحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى علیه السلام، قال: سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه، فبقي عرياناً و حضرت الصلاة، كيف يصلّي؟ قال:

ص: 287


1- السرائر 1: 260.
2- رسائل الشريف المرتضى 3: 49؛ اُنظر جواهر الكلام 8: 200.
3- الحدائق الناضرة 7: 43.
4- مفتاح الكرامة 6: 52؛ جواهر الكلام 8: 198.

«إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع و السجود، و إن

لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ و هو قائم»(1).

و في ذيل صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه علیه السلام: «و إن كان معه سيف و ليس معه ثوب، فليتقلّد السيف و يصلّي قائماً»(2).

و منها: ما دلّت على لزومها قاعداً:

كصحيحة الحلبي المتقدّمة و فيها: «يتيمّم و يطرح ثوبه، و يجلس مجتمعاً و يصلّي فيومئ إيماء»(3).

و صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر علیه السلام: رجل خرج من سفينة عرياناً، أو سُلبت ثيابه و لم يجد شيئاً يصلّي فيه؟ قال: «يصلّي إيماء، و إن كانت امرأة جعلت يديها على فرجها، و إن كان رجلاً وضع يده على سوأته، ثمّ يجلسان فيومئان إيماء، و لايسجدان و لايركعان فيبدو ما خلفهما...»(4) إلى آخره.

و أمّا موثّقة سماعة ففيها على رواية: «يصلّي قاعداً»(5)، و على اُخرى:

ص: 288


1- تهذيب الأحكام 2: 365 / 1515؛ وسائل الشيعة 4: 448، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 1.
2- تهذيب الأحكام 2: 366 / 1519؛ وسائل الشيعة 4: 449، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 4.
3- تقدّم تخريجها في الصفحة 285.
4- الكافي 3: 396 / 16؛ وسائل الشيعة 4: 449، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 6.
5- الكافي 3: 396 / 15؛ وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46، الحديث 1.

«قائماً»(1)، و عليه فتسقط عن الحجّية.

و منها: ما دلّت على التفصيل بين ما إذا كان هناك أحد يراه فيصلّي قاعداً، و بين ما إذا لم يكن أحد يراه فيصلّي قائماً:

كصحيحة عبد اللّه بن مُسكان، عن أبي جعفر علیه السلام، في رجل عريان ليس معه ثوب، قال: «إذا كان حيث لايراه أحد فليصلِّ قائماً»(2).

و روايته الاُخرى عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه علیه السلام، في الرجل يخرج عرياناً فتدركه الصلاة، قال: «يصلّي عرياناً قائماً إن لم يَرَهُ أحد، و إن رآه أحد صلّى جالساً»(3)، و نحوها روايات اُخر(4).

و يمكن أن يقال: إنّ ما دلّت على الصلاة قائماً، فهي على القواعد من اعتبار القيام فيها، و أمّا ما دلّت على الجلوس فلاتدلّ على اللزوم و لا على التعيين؛ لما مرّ(5): من أنّ الأمر عقيب الحظر أو توهّمه لايدلّ إلّا على الجواز، و قد مرّ عدم الدلالة على التعيين، و على ذلك لا معارضة بين الطائفتين الأوّلتين.

ص: 289


1- تهذيب الأحكام 1: 405 / 1271؛ وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46، الحديث 3.
2- المحاسن: 372 / 135؛ وسائل الشيعة 4: 450، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 7.
3- تهذيب الأحكام 2: 365 / 1516؛ وسائل الشيعة 4: 449، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 3.
4- راجع وسائل الشيعة 4: 449، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 5.
5- تقدّم في الصفحة 281 - 282.

و حاصل مفادهما: أنّ التكليف الأوّلي هو القيام، ولكن يجوز عن جلوس، بل لا إشكال في أنّ الأمر بالجلوس لمراعاة نحو تستّرٍ زائداً على ما هو الواجب، فإنّ التستّر بالمقدار الواجب يحصل بالقيام أيضاً، فالأمر بالجلوس ليس تعبُّداً محضاً من غير نظر إلى التستّر، و ليس لأجل الستر اللازم، بل لمراعاة الاستتار زائداً عليه، و يمكن الاستئناس منه لعدم وجوب الجلوس حتّى مع وجود الناظر، و إنّما شرّع لمراعاة زيادة تستّر في الصلاة و إن لم يجب.

ثمّ على فرض لزوم الجلوس عند وجود الناظر المحترم أو عدم الأمن منه،

فهل الصلاة قائماً مشروطة بعدم الناظر، أو بالأمن منه؟

قد يقال: إنّ مقتضى ظاهر الروايات هو الأوّل(1)، فإنّ في صحيحة ابن مسكان، عن أبي جعفر علیه السلام، و مرسلته عن أبي عبد اللّه علیه السلام المتقدّمتين، و المرويّ عن «الجعفريات» بإسناده عن علي علیه السلام: أنّه سئل عن صلاة العريان، فقال: «إذا رآه الناس صلّى قاعداً، و إذا كان لايراه أحد صلّى قائماً...»(2) إلى آخره، تعليق الحكم على رؤية الناظر و عدمها، لا على الأمن منه.

أقول: في صحيحة ابن مسكان التي هي الأصل في المسألة احتمالات، أسدّها أنّ الصلاة قائماً مشروطة بعدم رؤية أحد في جميع الصلاة، و مع عدم هذا الشرط يصلّي جالساً.

ص: 290


1- الحدائق الناضرة 7: 43؛ مصباح الفقيه، الصلاة 10: 416.
2- الجعفريات، ضمن قرب الإسناد: 48؛ مستدرك الوسائل 3: 224، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 33، الحديث 2؛ جامع أحاديث الشيعة 4: 359، كتاب الصلاة، أبواب الستر في الصلاة، الباب 6، الحديث 5.

و سائر الاحتمالات - كاحتمال كون كلٍّ من الصلاة قائماً و جالساً مشروطةً بشرط مقابل لشرط صاحبها، و كاحتمال أن يكون الشرط لقطعات الصلاة، و تكون دائرة مداره، فيصلّي في صلاة واحدة قائماً و جالساً كراراً؛ حسب وجود الناظر و عدمه... إلى غير ذلك - مرجوحة.

أمّا مرجوحية اشتراط الجلوس بشرط مقابل لشرط القيام، فلأنّ الظاهر من الصحيحة أنّ الشرط للقيام؛ لاتّكاله في الجلوس بالمفهوم، و الظاهر من المرسلة - التي ذكرت فيها الشرطيتان - أنّ الثانية بيان مفهوم الاُولى.

و أمّا مرجوحية اعتبار أن يكون الشرط لقطعات الصلاة، فلأنّ الظاهر من قوله: «لم يَرَه أحد» أنّه لم يَرَه في صلاته، و لحاظ القطعات خلاف الظاهر، مع أنّ مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي ذلك، فإنّ الظاهر أنّ التشريع كذلك لأجل مرجوحية رؤيته كذلك؛ ولو فجأة و بلا توجّهه إلى الرائي، و على ذلك يكون شرط جواز الدخول فيها قائماً عدم رؤية أحد إيّاه في حال من حالات الصلاة، و لازم إحراز الشرط هو الاطمئنان بعدم الرائي، و هذا هو الأمن منه، كما عليه المشهور، بل يمكن الاستئناس لذلك بقوله في الصحيحة: «حيث لايراه أحد»؛ بأن يقال: إنّ المراد منه أن يكون المصلّي بحيث لايراه أحد في صلاته، و هو المساوق للأمن من الناظر، و التمسّك باستصحاب عدم الرائي في صلاته محلّ إشكال؛ لأنّه من قبيل الاستصحاب التعليقي على وجه، و من عدم الإحراز إلّا بالأصل المثبت على آخر، فتدبّر.

ثمّ إنّه قد يستشكل في الصحيحة التي هي الأصل: بأنّها مرسلة لم يذكر

ص: 291

فيها الواسطة(1)، فإنّ عبد اللّه بن مُسكان لم يروِ عن أبي جعفر علیه السلام، بل أنكر بعضهم روايته عن أبي عبد اللّه علیه السلام(2)، أو قيل: إنّه لم يروِ عنه إلّا حديثاً واحداً(3)، و أنّه من أحداث أصحاب أبي عبد اللّه علیه السلام(4)، فكيف يروي عن أبي جعفر علیه السلام؟!

أقول: أمّا روايته عن أبي عبد اللّه علیه السلام فكثيرة على ما حكي(5)، و كونه من أحداث أصحابه لاينافي رؤيته لأبي جعفر علیه السلام و روايته عنه؛ إذ على فرض ثبوت كونه من أحداث أصحابه، فإنّما هو في قبال مثل زرارة و أشباهه من الشيوخ، مع أنّ كونه من أحداث أصحابه لم يثبت إلّا بنقل بعض من تأخّر عن ذلك العصر، و مجرّد رؤيته لأبي جعفر علیه السلام في مجلس و روايته حديثاً عنه، لايستلزم صدق الصحبة حتّى يعدّ من أصحابه، و مع احتمال ملاقاته له و روايته عنه، لايجوز ردّ الصحيحة الظاهرة في الرواية عنه بلا واسطة، فطرح أمثالها بمجرّد الاحتمال غير صحيح.

بل مرسلته أيضاً حجّة عند من قال بقيام الإجماع على تصحيح ما يصحّ عن مثله، و أنّ المراد منه الحكم بالصحّة من غير نظر إلى الواسطة(6)، أو تكون

ص: 292


1- كشف اللثام 3: 246 و 247؛ اُنظر نهاية التقرير 1: 278 - 279.
2- رجال النجاشي: 214 / 559.
3- اختيار معرفة الرجال: 383 / 716.
4- اختيار معرفة الرجال: 375 / 705.
5- تنقيح المقال 2: 216 / السطر 38 (أبواب العين).
6- اُنظر الوافي 1: 27؛ خاتمة مستدرك الوسائل 3: 762؛ مقباس الهداية 2: 176 - 181.

المرسلات منه حجّة(1)، و إن كان في الدعاوى المذكورة إشكال، بل منع(2).

ثمّ إنّ مقتضى صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة، أنّ تكليفه الإيماء مع الأمن من الناظر؛ حيث أمر بالإيماء قائماً، و هو في مورد الأمن، كما هو مقتضى الجمع بين الروايات، و هي مقدّمة على إطلاق أدلّة الأجزاء و الشرائط، و ليس في قبالها إلّا مرسلة أيّوب بن نوح، عن أبي عبد اللّه علیه السلام، قال: «العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها، و يسجد فيها و يركع»(3)، و هي غير صالحة لمعارضة تلك الرواية الصحيحة، مع أنّ الصحيحة موافقة للمشهور، و أمّا موثّقة(4) إسحاق بن عمّار(5) الواردة في كيفية جماعة العُراة، فهي مخصوصة بموردها، و لا دليل على إلغاء الخصوصية، نعم لولا الشهرة لم يكن الحكم بالتخيير - بين

ص: 293


1- ذخيرة المعاد: 236 / السطر 34 - 35؛ غنائم الأيّام 2: 249؛ نهاية التقرير 1: 279.
2- راجع الطهارة، الإمام الخميني قدس سره 3: 350.
3- تهذيب الأحكام 3: 179 / 405؛ وسائل الشيعة 4: 448، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 2.
4- رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن سعد، عن محمّد بن الحسين، عن عبد اللّه بن جبلة، عن إسحاق بن عمّار، و الرواية موثّقة بعبد اللّه بن جبلة، فإنّه واقفي ثقة، أمّا إسحاق بن عمّار فإنّه و إن نسبه الشيخ الطوسي إلى الفطحية لكن يظهر من المصنّف قدس سره أنّ هذه النسبة غير تامّة؛ حيث عبّر في غير موضع من سائر كتبه ب-«صحيحة» أو «مصحّحة» إسحاق ابن عمّار. اُنظر رجال النجاشي: 216 / 563، و: 71 / 169؛ الفهرست، الطوسي: 54 / 52؛ الطهارة، الإمام الخميني قدس سره: 241؛ البيع، الإمام الخميني قدس سره 4: 160.
5- تهذيب الأحكام 2: 365 / 1514؛ وسائل الشيعة 4: 451، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 51، الحديث 2.

الصلاة قائماً مومياً و بين إتمام الركوع و السجود - بذلك البعد؛ لما تقدّم من الوجه و إن كان فيه إشكال.

و مقتضى صحيحة زرارة(1) وجوب كون الإيماء بالرأس؛ و عدم الاكتفاء بالإيماء بالحاجب و العين، و مقتضى إطلاق الأدلّة كفاية الإيماء بالرأس بأوّل مرتبة منه، و لايجب أن يكون الإيماء للسجود أخفض، و لايثبت الحكم برواية أبي البختري(2) و«الجعفريات»(3) و إن كان الاعتبار يوافقهما، لكن لا اعتبار به في مقابل الإطلاق، كما أنّه لا اعتبار في مقابل إطلاق الدليل بالوجوه التي تشبّث بها بعضهم(4)؛ للزوم الانحناء للركوع بمقدار لايبدو ما خلفه، و لوجوب الجلوس للسجود.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الصحيحتين و غيرهما صحّة الصلاة و عدم وجوب الإعادة، فما في موثّقة عمّار الساباطي(5) من الأمر بالإعادة، محمول على الاستحباب لو صحّ العمل بها، و إلّا - كما هو التحقيق - لايثبت الاستحباب بها أيضاً.

ص: 294


1- الكافي 3: 396 / 16؛ وسائل الشيعة 4: 449، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 6.
2- قرب الإسناد: 142 / 511؛ وسائل الشيعة 4: 451، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 52، الحديث 1.
3- الجعفريات، ضمن قرب الإسناد: 48؛ مستدرك الوسائل 3: 225، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 34، الحديث 1؛ جامع أحاديث الشيعة 4: 361، كتاب الصلاة، أبواب الستر في الصلاة، الباب 7، الحديث 2.
4- ذكرى الشيعة 3: 23.
5- تهذيب الأحكام 1: 407 / 1279؛ وسائل الشيعة 3: 485، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 8.

مسألة الخلل في الشروط التي لم يرد نصّ في الإخلال بها

اشارة

ما تقدّم من الكلام إلى هنا، كان كلّه حول الشروط التي وردت في مورد الإخلال بها النصوص التي كانت بحاجة إلى البحث عنها، و منه يظهر حال الشروط التي لم يرد في مورد الإخلال بها نصّ كذلك، كجلود الميتة و السباع و الأرنب و الثعلب و ما لايؤكل لحمه، و كالحرير و الذهب، و كذا البكاء في الصلاة، و القهقهة و التكلّم، و كذا التكفير و قول «آمين» على فرض كونهما من القواطع، و الروايات(1) التي وردت فيها و إن اختلفت في التعبير، لكن كلّها مشتركة في الدلالة على اشتراط الثوب أو الصلاة بالخلوّ عن تلك الاُمور.

فالخلل الحاصل من ناحيتها:

إمّا ينكشف بعد الصلاة، أو في أثنائها في ضيق الوقت؛ بحيث لو قطعها

ص: 295


1- راجع وسائل الشيعة 4: 343، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 1، 2، 6، 7، 11 و 30، و 6: 67، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 17، و 7: 247، أبواب قواطع الصلاة، الباب 5، 7، 15 و 25.

و أراد الاستئناف مع إحراز الشرط، لم يدرك ركعة منها في الوقت، أو ينكشف في سعته.

ففي الصورة الاُولى: لاينبغي الإشكال في صحّتها مطلقاً؛ من غير فرق بين السهو و النسيان في الحكم و الموضوع، و الجهل كذلك و الخطاء و غير ذلك، سوى العمد مع العلم؛ لحديث الرفع و إطلاق حديث «لاتعاد» و انصرافه عن الأخير و إن لم يكن في الإطلاق محذور عقلاً.

و الإشكال بلزوم اللغوية في أدلّة الشروط؛ فإنّ الإخلال عن علم و عمد نادر جدّاً، و سائر الحالات داخلة في الدليلين.

قد مرّ دفعه في خلال المباحث المتقدّمة(1)، مع أنّ أدلّة اعتبار الشروط - كقوله: لاتصلِّ في كذا، و نهى النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم عن الصلاة في كذا، و لاتحلّ الصلاة في كذا - إنّما وردت لمنع المكلّف عن الإتيان بها فيها، و لولا تلك الأدلّة لكان الارتكاب كثيراً جدّاً، فلايكون ورود الدليل لغواً، و الندرة الحاصلة منه بعد وروده لاتوجب اللغوية.

و في الصورة الثانية: لا إشكال في الصحّة؛ ضرورة أنّه لايعارض أهمّية الوقت شيء من الشروط، بل الصحّة في هذه الحالة لاتحتاج إلى دليل الرفع و لا إلى «لاتعاد»، بل لو ضاق الوقت، و لم يكن عنده إلّا اللباس الممنوع فيه الصلاة، و لم يمكنه نزعه، وجب الإتيان بها فيه، و صحّت بلا شبهة، فإنّها لاتترك بحال.

ص: 296


1- تقدّم في الصفحة 22 - 28.

و أمّا في الصورة الثالثة: فالإشكال إنّما هو في الفترة التي تنبّه فيها إلى

الواقعة، و أراد النزع أو التبديل، فإنّ مقتضى إطلاق دليل الشرط بطلانها، و لايمكن التصحيح بدليل الرفع، و هو واضح، لكن يمكن التشبّث بدليل «لاتعاد»؛ لما ذكرنا: من أنّ مقتضى إطلاقه الشمول لجميع الحالات حتّى مع العمد و العلم، لكنّه منصرف عنهما(1)؛ بمعنى أنّه منصرف عمّا إذا ارتكب المكلّف بلا عذر، و قام للصلاة في فاقد الشرط، و أمّا انصرافه عن الفترة المذكورة - التي اشتغل فيها المكلّف بالنزع و التبديل - فممنوع، و مقتضى إطلاقه الصحّة.

فإن قلت: إنّ شموله للعمد يخالف أدلّة الاشتراط عقلاً، فإنّ اشتراط الصلاة بعدم كون اللباس من الميتة مثلاً، ثمّ الحكم بالصحّة في جميع الحالات؛ حتّى مع الإخلال عن علم و عمد، ينافي الشرطية، فكيف تدّعي أنّه لا مانع منه عقلاً، و إنّما المانع الانصراف(2)؟!

قلت: يمكن أن يقال: إنّ مقتضى الجمع بين إطلاق دليل «لاتعاد» و أدلّة الشروط، أنّ للصلاة مرتبتين من المطلوبية:

إحداهما: ما قامت بالخمسة الواردة في المستثنى، فالصلاة مع الإتيان بالخمسة صلاة صحيحة واجدة للمصلحة الملزمة، ففي هذه المرتبة غير مشروطة بشيء.

و الاُخرى: ما قامت بالخمسة مع الشروط، و لها مع كلّ شرط مطلوبية، و المطلوب الأعلى ما هو الجامع للشرائط كافّة.

ص: 297


1- تقدّم في الصفحة 28.
2- الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 3: 4؛ الصلاة، المحقّق الحائري: 315.

ففي الحقيقة المرتبة الثانية مشتملة على مطلوبات حسب تعدّد الشروط، فمع الإتيان بالخمسة و استيفاء المصلحة الناقصة، لايبقى لاستيفاء المصالح العالية مجال، فإنّ استيفاءها موقوف على الإتيان بها مع الخمسة، و على ذلك فلا مانع عقلاً من القول بالصحّة حتّى مع العمد، كما لايخفى، و لولا الانصراف لكان الالتزام بما ذكر - جمعاً بين الأدلّة - ممكناً، لكن المانع هو الانصراف.

و كيف كان، فدليل «لاتعاد» حاكم على جميع أدلّة اعتبار الشروط بألسنتها المختلفة، مثل «لاتجوز»(1)، و «لاتحلّ»(2)، و «يحرم»(3)، و «نهى(4) عن كذا»، حتّى على مثل قوله علیه السلام: «الصلاة فاسدة لايقبل اللّه تلك الصلاة»(5)، فإنّ العنوانين أيضاً كنايتان أو كاشفان عن فقد الشرط، وإلّا فنفسهما لايعقل أن يكونا حكماً شرعياً تعبّدياً، فإنّ الفساد منتزع من عدم الجامعية للشروط،

ص: 298


1- راجع وسائل الشيعة 4: 346، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 4 و 7، و: 356، الباب 7، الحديث 3 و 5.
2- راجع وسائل الشيعة 4: 368، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 2، و: 376، الباب 14، الحديث 1 و 4.
3- راجع وسائل الشيعة 4: 366، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 10، الحديث 15، و: 380، الباب 16، الحديث 6.
4- راجع وسائل الشيعة 4: 371، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 11، و: 380، الباب 16، الحديث 5، و: 400، الباب 25، الحديث 5.
5- الكافي 3: 397 / 1؛ وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.

و من عدم موافقة المأتيّ به للمأمور به، و لايكون بنفسه مجعولاً، و عدم القبول أيضاً مترتّب على الفاسد.

و لو توهّم: أنّ «لاتعاد» أيضاً كناية عن الصحّة، بل عن عدم الاشتراط؛ إذ نفي الإعادة ليس بنفسه حكماً شرعياً، فمفاده صحّة العمل، المفهوم منها أنّ ما أخلّ به ليس شرطاً في هذه الحالة، و أدلّة الشروط باختلاف تعبيراتها تدلّ على الاشتراط، و الإثبات والنفي واردان على موضوع واحد، و في مثله لا يكون وجه لحكومة أحدهما على الآخر.

يقال: إنّ قوله: «لاتعاد الصلاة إلّا من خمسة...»(1) ناظر إلى الأدلّة المثبتة للصلاة شيئاً شطراً أو شرطاً أو قاطعاً و مانعاً، كأنّه قال: لاتعاد الصلاة من قِبَل خللٍ إلّا من الخلل في الخمسة، و لا إشكال في أنّ مناط الحكومة موجودة فيه، و ليس مفاد «لاتعاد»: لايشترط في الصلاة كذا، بل مفاده أنّ الصلاة لاتعاد من قبل ترك شرط أو جزء أو إيجاد مانع أو قاطع فيها عدا الخمسة، و لايكون الإخلال بها مضرّاً بها، و إن كان العقل يحكم بأنّ عدم الإعادة لأجل الصحّة و هي لأجل موافقة المأتيّ به للمأمور به، و لايعقل ذلك إلّا مع سقوط الشرط، و كيف كان، لاينبغي التفوّه بعدم الحكومة، كما هو واضح، و لازمها صحّتها مع كلّ خلل؛ سواء كان من جهة فقد الجزء أو الشرط، أو من قبل إيجاد القاطع و المانع في غير حال العمد و العلم، إلّا أن يدلّ دليل على البطلان.

ص: 299


1- تهذيب الأحكام 2: 152 / 597؛ وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 5.

فرع: حول الصلاة في غير المذكّى

لو صلّى فيما اُخذ من يد المسلم أو سوقه، فتبيّن أنّه غير مذكّىً، فالظاهر صحّتها، فإنّ المانع:

إمّا هي النجاسة الواقعية، فلا إشكال في أنّ قاعدة الطهارة الجارية في المقام حاكمة على أدلّة الاشتراط، فإنّ قوله علیه السلام: «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر»(1) أعمّ شامل لمورد الشكّ و العلم بالخلاف، و هو حاكم على قوله علیه السلام: «لا صلاة إلّا بطهور»(2)، كما قرّرنا في محلّه(3).

و إمّا كونه ميتة، فهو أيضاً غير مانع.

لا لما قيل: من أنّ الأمر الظاهري يفيد الإجزاء، كما ذهب إليه جمع(4)، بل قيل: إنّه مشهور، فإنّ الأوامر الطريقية لاتفيده؛ سواء كانت الطرق عقلية أم شرعية كما فيما نحن فيه على فرض أن لايكون اعتبار يد المسلم و سوقه ببناء العقلاء؛ فإنّ فرض الطريقية فرض عدم تصرّف الشارع الأقدس في الواقعيات، و هو ينافي الإجزاء، و دعوى التصرّف تنافي الطريقية.

و ملخّص الكلام: أنّ الروايات في الباب على طوائف:

ص: 300


1- تهذيب الأحكام 1: 284 / 832؛ وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 4.
2- تهذيب الأحكام 1: 49 / 144؛ وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 1 و 6.
3- مناهج الوصول 1: 255.
4- مدارك الأحكام 4: 213؛ جواهر الكلام 12: 233.

منها: ما تدلّ على عدم جواز الصلاة في الميتة، كقوله في مرسلة ابن أبي عمير: «لاتصلِّ في شيء منه و لا شِسع»(1)، و رواية الفضل بن شاذان، عن الرضا علیه السلام فيما كتب للمأمون في محض الإسلام، و فيها، «و لايصلّى في جلود الميتة»(2).

ومنها: ما تدلّ على عدم الجواز ولو دُبغ سبعين مرّة، كما في جملة من الروايات(3).

و منها: ما تدلّ على جواز الصلاة فيما يؤخذ من سوق المسلمين، كما في روايات(4)، بل في بعضها التوبيخ على الاحتراز، كقوله علیه السلام: «أ ترغب عمّا كان أبو الحسن علیه السلام يفعله؟!»(5)، في ردّ قول الراوي: «إنّي أضيق من هذا»؛ أي الصلاة في النعل المشترى من السوق.

فالطائفتان الأوّلتان دالّتان على اشتراط الصلاة بعدم كونها في الميتة، أو على مانعية الميتة، و الطائفة الثالثة تدلّ على جواز الصلاة فيما يشترى من سوق

ص: 301


1- تهذيب الأحكام 2: 203 / 793؛ وسائل الشيعة 4: 377، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 14، الحديث 6.
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 123 / 1؛ تحف العقول: 417؛ جامع أحاديث الشيعة 4: 364، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 1، الحديث 19.
3- راجع وسائل الشيعة 3: 501، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 61، الحديث 1؛ مستدرك الوسائل 2: 592، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 39، الحديث 4 و 7، و 3: 195، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 1، الحديث 4.
4- راجع وسائل الشيعة 3: 490، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 2 و 3 و 5.
5- الكافي 3: 404 / 31؛ وسائل الشيعة 3: 493، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 9.

المسلمين أو من يد المسلم، و لا إشكال في أنّ السوق أو اليد طريق إلى إحراز التذكية، و لا موضوعية لهما بوجه، فمع التخلّف تجب الإعادة على القاعدة.

و لا لموثّقة(1) ابن بكير عن أبي عبد اللّه علیه السلام، و فيها: «فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وَبَره و بوله...» - إلى أن قال -: «و كلّ شيء منه جائز إذا علمت أنّه ذكيّ قد ذكّاه الذبح»(2).

بدعوى أنّ الجواز الدالّ على الصحّة معلّق على العلم بالتذكية، و هو أعمّ من الموافق للواقع، كما أنّه أعمّ من العلم الوجداني و الحجّة القائمة على الواقع، فمع قيام الحجّة عليه تصحّ الصلاة وافق الواقع أم لا.

إذ فيها أنّ العلم و ما يشبهه ممّا هو طريق صِرف إلى الواقعيات لايحمل على الموضوعية عرفاً و عند العقلاء إلّا بدليل و قرينة، و مع فقدهما لايفهم منه إلّا الطريقية، فكأنّه قال: إذا كان مذكّىً جازت الصلاة فيه، مع أنّه في كون العلم أعمّ من الموافق كلام، بل إشكال و منع.

و لا لما دلّ على أنّ بعض الأئمّة علیهم السلام كان يلبسه في الصلاة(3)؛ بدعوى

ص: 302


1- رواها الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن بكير. و الرواية موثّقة بعبد اللّه بن بكير، فإنّه من أصحاب الإجماع لكنّه فطحي المذهب. اُنظر الفهرست، الطوسي: 173 / 463؛ اختيار معرفة الرجال: 345 / 639، و 375 / 705.
2- الكافي 3: 397 / 1؛ وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.
3- تهذيب الأحكام 2: 371 / 1545؛ وسائل الشيعة 3: 492، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 6.

استبعاد الصلاة فيما هو يبطلها على فرض التخلّف(1)، فإنّ عملهم علیهم السلام على الظواهر كسائر المكلّفين، و لعلّ الوجه فيه البيان العملي على أنّ الإسلام بنى على التوسعة، كما يشهد به رواية الجبن(2)، و رواية رشح الماء على فخذه عند ما أراد أن يبول(3).

بل لقاعدة «لاتعاد» و حديث الرفع:

فإنّهما يدلاّن على الصحّة بما قرّرناه كراراً، بل حديث الرفع يدلّ على الإجزاء في جميع الأبواب؛ مع تخلّف الاجتهاد و تبدّل الرأي؛ من غير فرق بين عمل المجتهد و المقلّد.

فإنّ مقتضى القواعد الأوّلية في باب تبدّل الرأي - على ما ذكرنا في محلّه(4) - و إن كان هو عدم الإجزاء بالنسبة إلى عمل المقلّد مطلقاً، والتفصيل بالنسبة إلى أعمال المجتهد بين ما إذا أدّى اجتهاده ببركة الأمارات إلى شيء، و ما إذا أدّى نظره لأجل الاُصول إلى شيء؛ بعدم الإجزاء في الأوّل دون الثاني، لكن دليل الرفع دالّ على الصحّة و الإجزاء مطلقاً و في كلّ الأبواب.

و توهّم: أنّ ما لايعلم عبارة عمّا لم تقم عليه الحجّة، و مع قيامها لا موضوع للحديث.

ص: 303


1- مصباح الفقيه، الصلاة 15: 14 - 15.
2- المحاسن: 495 / 597؛ وسائل الشيعة 25: 119، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 5.
3- لم نعثر عليها في المجامع الروائية إلّا ما يقرب منها. اُنظر المحجّة البيضاء 1: 295؛ السنن الكبرى، البيهقي 1: 161.
4- الاجتهاد و التقليد، الإمام الخميني قدس سره: 103.

مدفوع أوّلاً: بأنّه مع استكشاف مخالفتها للواقع لا معنى للحجّية، و المفروض استكشافها.

و ثانياً: بأنّ محطّ قيام الحجّة غير مجرى دليل الرفع، فإنّ الحجّة في المقام - مثلاً - قامت على تحقّق التذكية، و دليل الرفع يرفع مانعية الميتة أو شرطية التذكية.

و أمّا توهّم: اختصاص دليل الرفع بالشبهات الحكمية، و مع العلم بالحكم - أي الشرطية أو المانعية - لا وجه لجريان حديث الرفع.

مدفوع: بما ذكرناه(1) في محلّه: من أنّ الرفع بحسب إطلاق دليله يعمّ الأحكام و الموضوعات المترتّب عليها الحكم، و الرفع بالنسبة إلى الثاني ادّعائي؛ لعدم إمكان رفع الموجود الخارجي تشريعاً، فالرفع إنّما هو بلحاظ الأثر الشرعي؛ أي المانعية أو الشرطية.

فلو صلّى في جلد الميتة جهلاً أو نسياناً أو سهواً ثمّ علم بذلك، كان مقتضى إطلاق دليل الرفع أنّ هذا الجلد مرفوع ادّعاء بلحاظ أثره الشرعي، و هو المانعية.

فما قد يقال: من أنّ الرفع لايتعلّق بالأعدام، أو أنّ الرفع بلحاظ الصحّة عقلي(2)، غير وجيه، و يطلب التفصيل من الاُصول(3).

و لو صلّى فيما اشتراه من غير مسلم - ممّا هو محكوم بعدم التذكية - جهلاً

ص: 304


1- أنوار الهداية 2: 29 و 37.
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 353.
3- أنوار الهداية 2: 42.

بالحكم أو الموضوع أو نسياناً و نحوها، صحّت صلاته؛ لقاعدة «لاتعاد» و دليل الرفع كما قدّمنا(1)، فإنّ إطلاق دليل المنع محكوم لدليلهما، و اختصاص المانعية أو الشرطية بحال العمد و العلم لا إشكال فيه عقلاً، و دعوى(2) الإجماع في الجهل بالحكم لايثبت بها الإجماع المعتبر، فإنّ حكمهم بذلك يمكن أن يكون مبنيّاً على القاعدة العقلية، كما استدلّوا بها(3).

و أمّا التشبّث(4) للبطلان بموثّقة ابن بكير، فإنّ مفهوم قوله: «إن علمت أنّه ذكيّ ذكّاه الذبح»(5)، أنّه إذا لم يعلم لايجوز مطلقاً و في جميع الأحوال، فغير وجيه، فإنّ فيه مع الإشكال في إطلاق المفهوم - فإنّ مقابل المنطوق نفي العموم لا عموم النفي، كما حقّق في محلّه(6) - أنّه على فرض الإطلاق، يكون كسائر الإطلاقات المحكومة لدليل الرفع و قاعدة «لاتعاد».

ص: 305


1- تقدّم في الصفحة 303.
2- مفتاح الكرامة 1: 525.
3- راجع ما تقدّم في الصفحة 19.
4- مفتاح الكرامة 5: 463.
5- تقدّم في الصفحة 302.
6- مناهج الوصول 2: 185 - 187.

مسألة في الإخلال ببعض ما يرتبط بالسجود و الركوع العرفيين

اشارة

لو أتى بالسجود و الركوع العرفي، و أخلّ ببعض ما يرتبط بها، كما لو سجد على غير ما يصحّ السجود عليه، أو ترك وضع بعض السبعة غير الجبهة على الأرض، أو ترك الانحناء المعتبر شرعاً و أتى بالمقدار العرفي، أو ترك الطمأنينة.

فهل صلاته صحيحة لو أخلّ بما ذكر من غير عمد و علم، أو باطلة مطلقاً، أو يفصّل بين المذكورات؟

احتمالات كيفية اعتبار شروط الركوع و السجود

و تفصيل الكلام في ذلك: أنّ تلك الاُمور:

يحتمل أن تكون معتبرة في الصلاة، و يكون الركوع و السجود محلاًّ لها؛ بمعنى أنّها من شروط الصلاة كالستر و القبلة، و يكون الركوع و السجود مورد الاعتبار لتلك الاُمور، لا مشروطاً بها.

و يحتمل أن تكون شروطاً لهما كشرطية الطهارة في الصلاة، و لازمه أنّه

ص: 306

لو أتى بهما فاقداً لها كان آتياً بهما، ولكن فقدان الشرط أوجب البطلان على القاعدة.

و يحتمل أن تكون مقوّمات لهما؛ بمعنى التقييد بها بنحو وحدة المطلوب؛ بحيث لو أتى بهما فاقداً لها لم يأتِ بهما إلّا صورة، فالتارك لها تارك لنفس الموضوع المتقيّد، لا آتٍ به و تارك لشرطه، كما على الاحتمال الثاني.

و لو شكّ في أنّ المعتبر أيّ الاحتمالات، فمع الغضّ عن الأدلّة:

ربّما يقال: «لو تذكّر بعد الركوع و قبل الإتيان بركن آخر، يجب الاحتياط بالإتيان بركوع آخر و إتمام الصلاة و إعادتها؛ للعلم الإجمالي بوجوب الركوع و الإتمام أو وجوب الإعادة، فإنّه على الفرض الثالث لم يأتِ به، و على الفرضين الآخرين أتى به، و الشرط المحتمل مجرى البراءة؛ لاحتمال عدم الاعتبار حال السهو.

و لو تذكّر بعد ركن آخر يجب الاحتياط بإتمام الصلاة و الإعادة للعلم الإجمالي.

و لو تذكّر بعد الصلاة لا شيء عليه؛ لعدم العلم الإجمالي، و جريان البراءة عن التقييد على الفرض الثالث، فإنّ المقام من قبيل الأقلّ و الأكثر، و البراءة عن الاعتبار على الفرضين الآخرين؛ لاحتمال الاختصاص بغير حال السهو».

و فيه: أنّه مع جريان البراءة في الأقلّ و الأكثر، لا وجه للتفصيل المذكور، بل لا وجه للاحتياط في شيء من الصور، و مع عدم الجريان و جريان أصل الاشتغال، لابدّ من الإعادة مطلقاً و الاحتياط، و لمّا كان الأقوى جريان البراءة حتّى على الفرض الأخير، و كانت الشبهات التي في مثله غير وجيهة - كما قلنا

ص: 307

في محلّه(1) - يجوز الاكتفاء بالفرد العرفي من الركوع و السجود مطلقاً، و العلم الإجمالي المذكور ليس إلّا العلم التفصيلي بالأقلّ و الشكّ في الأكثر، فدعوى العلم الإجمالي فاسدة في مثل المقام.

هذا مع الغضّ عن حديث «لاتعاد»، و أمّا مع لحاظ قاعدة «لاتعاد» في المقام:

فعلى الأوّل: تصحّ بلا ريب، فإنّ ترك ما يعتبر في الركوع و السجود جهلاً أو سهواً - كترك سائر الشرائط المعتبرة في الصلاة - لايضرّ بها؛ و ذلك لدليل الرفع و حديث «لاتعاد»، و المفروض أ نّه آتٍ بهما بما هو المعتبر في الصلاة.

و على الثالث: حيث يرجع الإخلال بما يعتبر فيها إلى الإخلال بها، فتبطل الصلاة؛ لاندراج المورد في مستثنى «لاتعاد».

و أمّا على الثاني: فربّما يقال بالبطلان أيضاً؛ لأنّه لم يأتِ بهما بما هو المعتبر في الصلاة(2).

بل قد يقال: إنّ الظاهر من دليل «لاتعاد» أنّ المستثنى هو الركوع و السجود المعتبران شرعاً في الصلاة، و المفروض أنّ المعتبر هو الجامع للشرائط(3).

ولكن التحقيق: صحّتها على الفرض الثاني أيضاً بدليل ذيل الحديث الذي هو بمنزلة التعليل، فإنّ قوله علیه السلام: «القراءة سُنّة و التشهّد سُنّة، و لاتنقض السنّةُ

ص: 308


1- أنوار الهداية 2: 267.
2- اُنظر الصلاة، المحقّق الحائري: 225.
3- مصباح الفقيه، الصلاة 15: 97 - 98؛ الصلاة، المحقّق الحائري: 392.

الفريضة»(1)، دالّ على أنّ السنّة - أي ما فرضه النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم، و ثبت وجوبه بالسنّة لا بالكتاب - لاتنقض الفريضة، و من الواضح أنّ غير أصل الركوع و السجود من الشروط و غيرها، لم يثبت وجوبها و شرطيتها بالكتاب، و إنّما ثبتت بالسنّة، فلو انتقضت الصلاة بتركها كان من نقض السنّة للفريضة، و هو يخالف الحديث، بل الظاهر من المستثنى أنّ ما خرج هو ذات الركوع و السجود؛ لا بما هما مشروطان بالشروط.

و بعبارة اُخرى: لايعقل أن يحكي عنوان الركوع و السجود عن غيرهما من اللواحق و القيود، فالدلالة على الزائد من ماهيتهما تحتاج إلى القرينة و الدالّ الآخر، و الحمل على الركوع المتقيّد أو المعهود خلاف الظاهر، فالإتيان بذات الركوع و السجود اللذين فرضهما اللّه تعالى، موجب للصحّة و إن تركت السنّة.

إن قلت: إنّ القرينة على إرادة الركوع و السجود المعتبرين في الصلاة موجودة، و هي وقوعهما في خلال قوله: «لاتعاد الصلاة»، فإنّ الظاهر منه أنّها لاتعاد بالإخلال بشيء ممّا اعتبر فيها، إلّا بالركوع و السجود و باقي الخمسة المعتبرة فيها.

قلت: هذا مسلّم، لكن الركوع و السجود بنفسهما معتبران فيها، و الشرائط المعتبرة فيهما اعتبارات زائدة، فما قامت عليه القرينة هو أنّ كلاًّ من الركوع و السجود المعتبرين في الصلاة مستثنىً، و أمّا الشرائط التي لها اعتبارات مستقلّة فلا.

ص: 309


1- الفقيه 1: 225 / 991؛ وسائل الشيعة 6: 91، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 29، الحديث 5.

و أمّا الاحتمال الثالث: فمع كونه خلاف ظواهر الأدلّة، و محتاجاً إلى دليل خاصّ يثبته، ينفيه إطلاق دليل «لاتعاد»، و هو كاشف عن عدم التقييد الكذائي، بل الركوع الذي فرضه اللّه بقوله: (وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)(1) و السجود المفروض بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا)(2) و غيرهما، هما نفس طبيعتهما لا غير.

فالشروط و التقييدات الواردة في السنّة لابدّ و أن تكون من قبيل الاحتمال الثاني، فإنّ الاحتمال الأوّل أيضاً ضعيف؛ حيث إنّ الراجع إلى الروايات الدالّة على الشروط(3)، يرى أنّ كلّها ظاهرة في اعتبارها في الركوع و السجود.

إن قلت: جملة من الروايات تدلّ على أنّ ما هو المعتبر في الصلاة هو الركوع و السجود الجامعان للشرائط:

كموثّقة(4) منصور بن حازم، قال: قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام: إنّي صلّيتُ المكتوبة، فنسيتُ أن أقرأ في صلاتي، فقال: «أليس قد أتممت الركوع

ص: 310


1- البقرة (2): 43.
2- الحجّ (22): 77.
3- وسائل الشيعة 4: 35، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 8، الحديث 14، و 5: 459، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، و 6: 298، أبواب الركوع، الباب 3، و: 334، الباب 28، و: 343، أبواب السجود، الباب 4.
4- رواها الكليني، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن يونس ابن يعقوب، عن منصور بن حازم. و الرواية موثّقة بالحسن بن علي بن فضّال، فإنّه كان جليل القدر عظيم المنزلة زاهداً ورعاً ثقة في الحديث و كان فطحياً. راجع الفهرست، الطوسي: 97 / 164.

و السجود؟» قلت: بلى، قال: «قد تمّت صلاتك إذا كان نسياناً»(1).

و كرواية «الدعائم» عن جعفر بن محمّد علیهما السلام، أنّه قال في حديث: «فإن نسي القراءة فيها كلّها و أتمّ الركوع و السجود و التكبير، لم يكن عليه إعادة»(2).

و كرواية «فقه الرضا»: «فإن نسيتَ القراءة في صلاتك كلّها، ثمّ ذكرتَ، فليس عليك شيء إذا أتممتَ الركوع»(3)، فهي - كما ترى - ظاهرة في أنّ الركوع و السجود التامّين معتبران في الصلاة، و أنّ من لم يأتِ بهما تامّينِ بطلت صلاته، فلو كانت صحيحة مع الإتيان بنفسهما ينبغي أن يقول: لو أتيت بهما تمّت صلاتك.

قلت: مضافاً إلى ما في أسناد غير الموثّقة، إنّ قوله: «أتممتَ» أو «أتمّ» يحتمل وجوهاً:

منها: الإتيان بالصلاة جامعة للأجزاء أو للأجزاء و الشرائط.

و منها: الإتيان بهما صحيحين، فإنّ الإتمام يطلق على الصحيح شائعاً، ففي الموثّقة أيضاً أراد الصحّة بقوله: «تمّت صلاتك».

و منها: الإتيان بجميع الركوعات و السجدات، فقوله: «أتممتَ» أي أتيت بتمام الركوعات المعتبرة في الصلاة.

ص: 311


1- الكافي 3: 348 / 3؛ وسائل الشيعة 6: 90، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 29، الحديث 2.
2- دعائم الإسلام 1: 189؛ جامع أحاديث الشيعة 6: 276، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 4، الحديث 11.
3- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام: 116؛ جامع أحاديث الشيعة 6: 276، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 4، الحديث 8.

و لعلّ المراد الاحتمال الأخير بشهادة جملة من الروايات:

كرواية الحسين بن حمّاد، عن أبي عبد اللّه علیه السلام، و فيها: أسهو - أي عن القراءة - في صلاتي كلّها؟ قال: «إذا حفظت الركوع و السجود فقد تمّت صلاتك»(1).

و رواية «فقه الرضا»: «إن صلّيتَ فنسيتَ أن تقرأ فيها شيئاً من القرآن، أجزأك ذلك إذا حفظت الركوع و السجود»(2).

و الظاهر منها أنّه إذا علمت بالإتيان بهما؛ أي إذا أتيت بهما، و احتمال إرادة حفظهما عن ترك ما يعتبر فيهما فاسد جدّاً، بل الاختلاف في روايتي منصور بن حازم و صاحب «فقه الرضا»؛ حيث عبّر في إحداهما بقوله: «أتممتَ» و في الاُخرى: «إذا حفظتَ» يكون شاهداً على وحدة المراد، فيرفع الإجمال عن الطائفة الاُولى.

و مع الغضّ عنه فالاحتمال الثاني لعلّه أقرب أو مساوٍ، و على هذا الاحتمال يدلّ على صحّتهما مع فقد الشرائط عن عذر حديثا «لاتعاد» و الرفع.

و مع الغضّ عنه فالاحتمالات موجبة للإجمال الموجب لعدم الحجّية.

ثمّ مع الغضّ عنه، فالرواية القابلة للاعتماد - أي الموثّقة - لا مفهوم لها، بل يكون فيها إشعارٌ ما بالمدّعى.

و مع الغضّ عنه فالمفهوم في أمثال ذلك لا إطلاق له، و القدر المعلوم هو ترك

ص: 312


1- تهذيب الأحكام 2: 148 / 579؛ وسائل الشيعة 6: 93، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 30، الحديث 3.
2- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام: 122؛ جامع أحاديث الشيعة 6: 276، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 4، الحديث 10.

الشرائط عمداً، و على فرض تسليم الإطلاق، فهو كسائر الإطلاقات قابل للتقييد و لتحكيم الأدلّة الحاكمة عليه.

و كيف كان، فلايمكن رفع اليد عن حديث «لاتعاد»، مع ظهور الدلالة و قوّتها صدراً و ذيلاً بتلك الروايات، فإنّها لاتدلّ على أنّ الركوع عبارة عن الجامع للشرائط، و لا على أنّ المراد منه ذلك؛ كي يتوهّم حكومته على حديث «لاتعاد».

فإن قلت: إنّ ما دلّ على أنّ السجود على سبعة أعظم:

كصحيحة حمّاد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه علیه السلام، و فيها «و سجد على ثمانية أعظم؛ على الكفّين، و الرُّكبتين، و أنامل إبهامي الرجلين، و الجبهة، و الأنف، و قال: سبعة منها فرض يسجد عليها، و هي التي ذكرها اللّه عزّ وجلّ في كتابه، فقال: (وَ أَنَّ الْمَسَاجِدَ للّه ِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّه ِ أَحَداً)(1) و هي الجبهة و الكفّان و الركبتان و الإبهامان، و وضع الأنف على الأرض سُنّة...»(2) إلى آخرها.

و عن العيّاشي في تفسيره: أنّ المعتصم سأل أبا جعفر الثاني علیه السلام و فيها - في الحجّة على وجوب قطع يد السارق من مفصل اُصول الأصابع - قال:

«قول رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم: السجود على سبعة أعضاء: الوجه، و اليدين، و الركبتين، و الرجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبقَ له يد يسجد عليها، و قال اللّه تبارك و تعالى: (وَ أَنَّ الْمَسَاجِدَ للّه) يعني به

ص: 313


1- الجنّ (72): 18.
2- الكافي 3: 311 / 8؛ وسائل الشيعة 5: 461، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 2.

هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها، (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّه ِ أحَداً)، و ما كان للّه لم يُقطع...»(1) إلى آخره.

دالّ على التفصيل بين الإخلال بها و بين الإخلال بغيرها، فإنّ قوله: «السجود على سبعة أعضاء»، أو «أعظم» - كما في الاُخرى - يدلّ على أنّ السجدة عبارة عن السجود عليها، فينقح موضوع حديث «لاتعاد» تحكيماً عليه.

و إنّ قوله: «سبعة منها فرض يسجد عليها، و هي التي ذكرها اللّه عزّ و جلّ في كتابه، فقال: (وَ أَنَّ الْمَسَاجِدَ للّه ِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّه ِ أَحَداً)» دالّ على أنّ السجود عليها من فرض اللّه، فتخرج عن ذيل «لاتعاد»، فتنقض الفريضةُ الفريضةَ.

قلت: دعوى دلالتها على أنّ السجدة - بحسب الماهية ولو عند الشارع - عبارة عن ذلك، ممنوعة، فإنّها لاتدلّ إلّا على أنّ الواجب السجود عليها؛ أي وضعها على الأرض، و لهذا قال: «سبعة منها فرض يسجد عليها...» إلى آخره، و من المعلوم أنّ إطلاق السجود توسّع في غير الجبهة، فما في بعض الروايات من أنّ للكفّين - مثلاً - سجدة مجاز، و غير دالّ على المدّعى.

و كذا دعوى دلالة الآية الكريمة على كون الفرض السجدة عليها، ممنوعة أيضاً؛ إذ نفس الآية لا دلالة فيها على تلك الأعضاء، فضلاً عن كون السجود عليها فرضاً في الصلاة.

و أمّا الروايات فلا تدلّ على أنّ اللّه تعالى فرض السجود على تلك الأعضاء،

ص: 314


1- تفسير العيّاشي 1: 319 / 109؛ مستدرك الوسائل 4: 454، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 4، الحديث 1؛ جامع أحاديث الشيعة 5: 486، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 2، الحديث 11.

بل ما يظهر منها هو أنّ السجود على تلك الأعضاء فرض، و تلك الأعضاء هي التي أرادها اللّه تعالى بقوله: (وَ أَنَّ الْمَسَاجِدَ للّه ِ)، لا أنّه تعالى فرض السجود عليها بقوله ذلك، و هو واضح، فلايصحّ التفصيل بعد عدم دخالة غير وضع الجبهة في ماهية السجدة.

إن قلت: التحديد و الانحناء الخاصّ المعتبر في الركوع و السجود، يحتمل أن يكون راجعاً إلى تعيين المفهوم، و تخطئة العرف في التطبيق على ما هو خارج عن الحدّ الشرعي، فلابدّ من التفصيل بين الإخلال به و بين الإخلال بغيره ممّا يعتبر فيهما(1).

قلت: إن كان المراد أنّ الشارع عيَّن المفهوم العرفي و خطّأ العرف، فهو - كما ترى - لايخلو من تناقض، فإنّه بعد التصديق بأنّ المفهوم عند العرف ذلك لا معنى للتخطئة، و لو رجعت التخطئة إلى التطبيق - لا إلى تعيين المفهوم - فهو أيضاً غير سديد؛ لأنّ المرجع في تعيين المفاهيم و التطبيق و تعيين المصاديق هو العرف، و إن كان المراد أنّ للشارع اصطلاحاً خاصّاً فيهما يخالف العرف، و رجعت التخطئة إلى أنّ الركوع و السجود الشرعيين ليسا بالمعنى الذي فهمه العرف، فهو أمر معقول، لكن لابدّ من قيام الدليل عليه، و الروايات الدالّة على التحديد فيهما لاتدلّ على ذلك: كقوله في صحيحة زرارة: «بلّغ بأطراف أصابعك عينَ الركبة»(2)، و في الاُخرى: «فإن وصلت أطراف

ص: 315


1- الصلاة، المحقّق الحائري: 336 - 337.
2- الكافي 3: 319 / 1؛ وسائل الشيعة 6: 295، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 1، الحديث 1.

أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك»(1).

و قوله في السجود في رواية ابن سنان: «إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس»(2).

فإنّ أمثالها لاتدلّ على تعيين المفهوم و تخطئة العرف، بل غاية ما تدلّ عليه هو كون الانحناء إلى هذا الحدّ شرطاً، و أنّه كسائر الشرائط المعتبرة فيهما.

فإن قلت: إنّ خبر الحسين بن حمّاد يدلّ على أنّ الانحناء الخاصّ في السجود داخل في ماهيته ولو شرعاً، قال: قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام: أسجدُ فتقع جبهتي على الموضع المرتفع؟ قال: «ارفعْ رأسك ثمّ ضعه»(3)، فإنّه دالّ على أنّ وقوع الجبهة على المرتفع لايكون سجدة شرعاً أو مطلقاً، و إلّا لما أمره به، فإنّه من قبيل الزيادة عمداً، الموجب للبطلان في السجدة الواحدة أيضاً (4).

قلت: رواية الحسين ضعيفة لعدم توثيقه(5)، و عن «الاستبصار»(6): (عن

ص: 316


1- الكافي 3: 334 / 1؛ وسائل الشيعة 5: 461، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 3.
2- تهذيب الأحكام 2: 313 / 1271؛ وسائل الشيعة 6: 358، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 11، الحديث 1.
3- تهذيب الأحكام 2: 302 / 1219؛ وسائل الشيعة 6: 354، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 8، الحديث 4.
4- مصباح الفقيه، الصلاة 13: 48.
5- راجع رجال النجاشي: 55 / 124.
6- الاستبصار 1: 330 / 1237.

الحسن) بدل الحسين، و هو مجهول مهمل(1).

و دعوى(2) جبران سندها بالشهرة، بل عدم الخلاف، غير وجيهة، فإنّ استنادهم إليها غير ظاهر، بعد احتمال الاستناد إلى ظهور مستثنى «لاتعاد» في الركوع و السجود المعتبرين شرعاً الجامعين للشرائط، كما يظهر من استدلال بعضهم، و يشهد له نقل الشهرة في سائر الشروط أيضاً، فإن سجد على ما لايصحّ جاز رفع رأسه و السجود على ما يصحّ على المشهور، كما هو المنقول(3)، فيعلم منه أنّهم لم يستندوا في الحكم المذكور إلى الرواية، بل إلى القاعدة على ما رأوا، أو إلى أنّ مثل هذه الزيادة لاتوجب البطلان، كما قال به بعض(4).

مع أنّ الحسين روى عن أبي عبد اللّه علیه السلام في المسألة ما يخالف تلك الرواية، قال: قلت له: أضع وجهي للسجود، فيقع وجهي على حجر أو على موضع مرتفع، اُحوِّل وجهي إلى مكان مستوٍ؟ قال: «نعم، جُرّ وجهك على الأرض من غير أن ترفعه»(5)، فيوجب ذلك أيضاً وهناً فيها؛ إذ من المحتمل أن يكون سؤاله مرّة واحدة و اختلاف الرواية لخطأ منه؛ إذ كون السؤال مرّتين

ص: 317


1- الحسن بن حمّاد: ورد بهذا العنوان في كتب الرجال ثلاثة: الحسن بن حمّاد البكري و الحسن بن حمّاد الطائي و الحسن بن حمّاد بن عديس، و الأوّل و الثاني مجهولان و الثالث مهمل. تنقيح المقال 1: 274 / 2520 - 2522.
2- مصباح الفقيه، الصلاة 13: 50.
3- الحدائق الناضرة 8: 287.
4- مصباح الفقيه، الصلاة 13: 48.
5- تهذيب الأحكام 2: 312 / 1269؛ وسائل الشيعة 6: 353، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 8، الحديث 2.

و الجوابين مختلفين، لايخلو من بُعد.

و على ذلك لاتعارض الرواية صحيحة معاوية بن عمّار، قال: قال أبو عبد اللّه علیه السلام: «إذا وضعت جبهتك على نَبكة فلاترفعها، ولكن جرّها على الأرض»(1)، و يظهر منها تحقّق السجدة، و أنّ الرفع يوجب زيادتها المبطلة.

و توهّم: إعراض الأصحاب عنها في غير محلّه، بعد احتمال أن يكون الحكم بالرفع ترخيصاً عندهم جمعاً بين الروايات، كما صنعه المحقّقون(2) بدعوى أنّ الأمر بالرفع في مقام توهّم الحظر، فلايستفاد منه إلّا الترخيص، و الأمر بالجرّ محمول على الاستحباب و النهي عن الرفع محمول على المرجوحية، و مع ذلك الاحتمال لايثبت الإعراض؛ بحيث يمكن رفع اليد عن الحجّة القاطعة، و إن كان الجمع بما ذكر بعيداً عن الفهم العقلائي، فإنّ بين قوله: «ارفع رأسك» و قوله: «لاترفع جبهتك و جرّها على الأرض» تناقضاً بحسب العرف، تأمّل.

و كيف كان، فلايصحّ رفع اليد عن «لاتعاد» الظاهر الدلالة بمثل تلك الرواية.

و أضعف ممّا مرّ التشبّث(3) برواية الحسين بن حمّاد الاُخرى للمطلوب، قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الرجل يسجد على الحصى؟ قال: «يرفع رأسه حتّى

ص: 318


1- الكافي 3: 333 / 3؛ وسائل الشيعة 6: 353، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 8، الحديث 1.
2- مصباح الفقيه، الصلاة 13: 49؛ الصلاة، المحقّق الحائري: 253.
3- الحدائق الناضرة 8: 288.

يستمكن»(1)؛ بدعوى دلالتها على أنّ السجدة مع عدم التمكّن ليست بالسجدة المجعولة في الصلاة، فالتمكّن من مقوّماتها، و لذا أمره بالرفع، و لو كانت السجدة حاصلة و إن فقد شرطها، كان يأمره بالجرّ لئلاّ تلزم الزيادة العمدية، و يمكن إلغاء الخصوصية عن التمكّن و إثبات الحكم بالنسبة إلى سائر الشروط كالسجدة على ما لاتصحّ و غيره، و إنّما لم نقل ذلك في الرواية الواردة في مورد ارتفاع موضع الجبهة، لخصوصية فيه دون المقام.

وجه الأضعفية: أنّ الرواية ضعيفة بالمفضّل الذي قالوا فيه: إنّه كذّاب يضع الحديث(2)، فلاتصلح لإثبات الحكم، مع أ نّه وردت في موردها صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام، قال: سألته عن الرجل يسجد على الحصى، و لايمكّن جبهته من الأرض؟ قال: «يحرّك جبهته حتّى يتمكّن، فينحّي الحصى عن جبهته، و لايرفع رأسه»(3)، فدلّت على أنّ السجدة تحقّقت و إن فقد شرطها، و إلّا لم يمنعه عن الرفع، و بإلغاء الخصوصية يعرف الحال في سائر الشروط.

و أضعف منهما التشبّث(4) بما عن «الاحتجاج» من مكاتبة الحميري إلى صاحب الزمان علیه السلام، و فيها السؤال عن المصلّي يكون في صلاة الليل في ظلمة،

ص: 319


1- تهذيب الأحكام 2: 310 / 1260؛ وسائل الشيعة 6: 354، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 8، الحديث 5.
2- رجال النجاشي: 128 / 332؛ الرجال، ابن الغضائري: 88 / 118.
3- تهذيب الأحكام 2: 312 / 1270؛ وسائل الشيعة 6: 353، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 8، الحديث 3.
4- الحدائق الناضرة 8: 289.

فإذا سجد يغلط بالسجّادة؛ و يضع جبهته على مِسْح أو نَطْع، فإذا رفع رأسه وجد السجّادة، هل يعتدّ بهذه السجدة أم لايعتدّ بها؟ فكتب إليه في الجواب: «ما لم يستوِ جالساً فلا شيء عليه في رفع رأسه لطلب الخُمرة»(1).

فإنّها مع ضعفها و كونها مكاتبة، لا سيّما إلى الناحية المقدّسة، مضطربة المتن، فإنّ الظاهر من السؤال، أنّه سجد في الظلمة خطأ على غير السجّادة التي كانت يصحّ السجود عليها، فلمّا رفع رأسه وجد السجّادة و علم بخطائه، فسأل عن صحّة سجدته، و كان حقّ الجواب أن يقول: نعم، أو لا، و لايناسبه الجواب الذي في المتن، و مع الإغماض عنه و التأويل في السؤال؛ بأنّ المراد أنّه إن رفع رأسه وجدها، و أنّ المراد أنّه هل يعتدّ بتلك السجدة، أو يرجع إليها لتحصيل الشرط؟

فالتفصيل بين الجلوس مستوياً و غيره غير ظاهر، فإنّه إن كان رفع رأسه لتحصيل ما هو الشرط فلا فرق بينهما، و الجلوس لايجعل السجدة مستقلّة، كما قيل، فإنّ الاستقلال و عدمه على فرض الصحّة يتبع القصد، و لا دخل للاستواء جالساً فيه، و مع الغضّ عن ذلك كلّه، فهي واردة في صلاة الليل، و الزيادة فيها بما ذكر معفوّ عنها، و لايمكن استفادة حكم الفريضة منها.

فإن قلت: يمكن أن يستفاد من بعض ما ورد في الركوع: أنّه عند الشارع عبارة عن المحدود بحدّ معيّن شرعي(2):

ص: 320


1- الاحتجاج 2: 570 / 355؛ وسائل الشيعة 6: 354، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 8، الحديث 6.
2- الصلاة، المحقّق الحائري: 223.

و هي رواية عمّار، عن أبي عبد اللّه علیه السلام: عن الرجل ينسى القنوت في الوتر أو غير الوتر، قال: «ليس عليه شيء»، و قال: «إن ذكره و قد أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يده على الركبتين، فليرجع قائماً و ليقنت ثمّ ليركع، و إن وضع يده على الركبتين، فليمضِ في صلاته، و ليس عليه شيء»(1).

فإنّ قوله: «قد أهوى إلى الركوع» دالّ على أنّ ما قبل الوصول إلى ذلك الحدّ هويّ إليه لا ركوع ولو مع الصدق العرفي، فليس ذلك إلّا عدم حصول الركوع الشرعي به.

كما أنّ التفصيل بين ما قبل الوصول إلى الحدّ و غيره، و أمره بالرجوع قبل ذلك، دالّ على عدم تحقّقه، و إلّا لزم الزيادة، و السؤال و إن كان عن الوتر، لكن غيره المذكور تلوه شامل بإطلاقه للفريضة.

قلت - مضافاً إلى أنّ الرواية ضعيفة(2) لايمكن إثبات الحكم بها، و إلى أنّ المظنون أنّ المراد بغير الوتر سائر الصلوات الليلية المستحبّة؛ بقرينة أنّه لو أراد السؤال عن الفريضة و غيرها، يسأل عنها و يذكر النافلة تلوها، فالسؤال عن الوتر و غيره؛ أي من صلاة الليل -: إنّ الماهيات التي لاتوجد إلّا قصداً كأجزاء الصلاة من الركوع و غيره، إذا وجدت من غير قصد إليها لم تصدق عليها العناوين،

ص: 321


1- تهذيب الأحكام 2: 131 / 507؛ وسائل الشيعة 6: 286، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 15، الحديث 2.
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن علي بن محبوب، عن علي بن خالد، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار. و الرواية ضعيفة بعلي بن خالد، فإنّه مجهول.

فالركوع عبارة عن الانحناء الخاصّ قاصداً به الركوع و الخضوع، و إلّا فمطلق الانحناء ليس ركوعاً، فلو انحنى بقصد قتل الحيّة - مثلاً - لايقال: إنّه ركع و زاد في صلاته ركوعاً.

فحينئذٍ نقول: إنّ من أهوى إلى إيجاد الركوع بالحدّ الذي عيّنه الشارع فقبل الوصول إلى ذلك الحدّ ليس ما أتى به إلّا الهويّ إليه، و لم يصدق عليه الركوع، لا لأنّ الحدّ الشرعي ماهيته، بل لأنّ المقصود إيجاد الحدّ الشرعي، و حصول الركوع العرفي قبل الوصول إلى ذلك الحدّ، انحناءٌ غير مقصود به الركوع، لكن لو ركع قاصداً به الركوع، و وصل إلى الحدّ العرفي بتوهّم أنّ ذلك موافق للشرع، أوجد الركوع؛ لأنّ ذلك الانحناء الخاصّ مقصود به ذلك، فقوله: «أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يده...» إلى آخره - الذي هو كناية عن الحدّ الخاصّ - و إن دلّ على أنّ الهويّ قبل الوصول ليس بركوع، لكن لايدلّ على أنّ الركوع الشرعي ذلك و أنّ للشرع اصطلاحاً فيه، بل ذلك لأجل أنّ الهويّ غير مقصود إلّا للوصول إلى الحدّ الخاصّ، و لمّا كان الركوع من الاُمور القصدية لايصدق على هذا الهويّ.

و توهّم(1): أنّ هذه الرواية شارحة لسائر الروايات التي علّق الحكم فيها بالركوع، في غير محلّه، فإنّ المفهوم منها أنّ الهويّ إلى الركوع ليس ركوعاً، فلو ركع قاصداً ما دون الحدّ الشرعي لجهل أو نسيان، فقد أتى بالركوع، و تشمله الروايات المذكورة.

ص: 322


1- الصلاة، المحقّق الحائري: 223.

و بالجملة: إنّ الرواية لاتدلّ على أنّ ما دون ذلك ليس ركوعاً و إن قصده، بل تدلّ على أنّ الهويّ ليس بركوع، و قد تقدّم أنّ ذلك الهويّ لم يقصد به الركوع فيسلب عنه اسمه، و كيف كان، فإثبات الحكم بتلك الرواية غير ممكن ولو نوقش في بعض ما ذكرناه، فتدبّر.

ص: 323

ص: 324

القول في الخلل في الأجزاء

اشارة

ص: 325

ص: 326

مسألة في الإخلال بالقيام

الخلل في القيام بنحو مطلق

لو أخلّ بالقيام في الجملة أو في جميع صلاته، فهل مقتضى القاعدة الأوّلية - مع الغضّ عن الإجماع و الأخبار الخاصّة - هي الصحّة أو الفساد؟

ربّما يتوهّم: أنّ القيام ثبت وجوبه في الصلاة بالكتاب، فهو من فرائض اللّه، و مقتضى ذيل حديث «لاتعاد» أنّ الفريضة تنقض الفريضة؛ أمّا ثبوته به فلقوله تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّه َ قِياماً وَ قُعُوداً وَ على جُنُوبِهِمْ)(1) حيث فسّر في الرواية عن أبي جعفر علیه السلام: بأنّ الصحيح يصلّي قائماً و المريض جالساً(2).

و عن تفسير النعماني عن علي علیه السلام: «قوله عزّ و جلّ: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَوةَ فَاذْكُرُوا اللّه َ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنوبِكُم)(3)، و معنى الآية أنّ الصحيح يصلّي

ص: 327


1- آل عمران (3): 191.
2- الكافي 3: 411 / 11؛ وسائل الشيعة 5: 481، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 1.
3- النساء (4): 103.

قائماً و المريض قاعداً...»(1) إلى آخره.

و في مرسلة حريز، عن أبي جعفر علیه السلام، قال: قلت له: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ)(2) قال: «النحر الاعتدال في القيام، أن يقيم صُلْبه و نَحْره»(3).

و فيه: أنّ ما في الرواية الاُولى لا دلالة فيها على أنّ اللّه تعالى أوجب ذلك، بل الظاهر منها خلافه، فإنّ الظاهر أنّ اللّه تعالى مدح المصلّين الذين يذكرون اللّه قياماً و قعوداً، و هو ظاهر في أنّ الحكم لم يثبت بالآية.

و أمّا ما عن تفسير النعماني فلولا ضعفه لأمكن الاستناد إليه على تأمّل، فإنّ استفادة ما في الحديث من ظاهر الآية لايخلو من إشكال، فيمكن القول بأنّ الاستفادة إنّما هي من السنّة، لا من الكتاب، تأمّل.

و أمّا المرسلة فمع ضعفها معارضة بروايات اُخرى، كصحيحة ابن سنان، عن أبي عبد اللّه علیه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ)قال: «هو رفع يديك حذاء وجهك»(4)، و قريب منها غيرها(5).

ص: 328


1- بحار الأنوار 90: 29؛ وسائل الشيعة 5: 487، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب1، الحديث 22.
2- الكوثر (108): 2.
3- الكافي 3: 336 / 9؛ وسائل الشيعة 5: 489، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 2، الحديث 3.
4- تهذيب الأحكام 2: 66 / 237؛ وسائل الشيعة 6: 27، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 9، الحديث 4.
5- راجع وسائل الشيعة 6: 30، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 9، الحديث 15 - 17.

ثمّ على فرض ثبوت اعتبار القيام بالكتاب و كونه من فرائض اللّه، ففي كون مطلق ذلك ناقضاً للفريضة إشكال و منع؛ لأنّ ما ثبت من ذيل «لاتعاد» هو أنّ السنّة لاتنقض الفريضة، و أمّا أنّ كلّ فريضة ناقضة لها فلا دلالة فيه، نعم يثبت منه أنّ الفريضة في الجملة صالحة لنقضها أو ناقضة لها.

و ربما يتوهّم: أنّ قوله في صحيحة زرارة: قال: قال أبو جعفر علیه السلام في حديث: «و قم منتصباً، فإنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم قال: من لم يقِم صُلبه فلا صلاة له»(1) حاكم على حديث «لاتعاد»، و مقتضى القاعدة بطلان الصلاة بترك القيام.

و فيه - بعد الغضّ عن أنّ دليل الرفع حاكم على مثل الرواية؛ لأنّه رافع لموضوعها -: أنّ قوله: «لا صلاة له» بعد استعماله فيما تصحّ الصلاة مع فقده بدليل «لاتعاد» - لا سيّما مع ورود مثله في الحمد(2)، مع صراحة ذيل «لاتعاد»: بأنّ القراءة سُنّة لاتنقض الفريضة، فيشمله «لاتعاد» بالصراحة - لايبقى مجال لتوهّم الحكومة في النبوي المتقدّم الموجبة لرفع اليد عن «لاتعاد».

هذا كلّه بالنسبة إلى القيام بنحو مطلق.

ص: 329


1- الفقيه 1: 180 / 856؛ وسائل الشيعة 5: 488، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 2، الحديث 1.
2- راجع وسائل الشيعة 6: 37، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 1.

حول الخلل في القيام حال تكبيرة الإحرام

و أمّا القيام حال تكبيرة الافتتاح و ما هو متّصل بالركوع، فقد تسالم الأصحاب(1) على كون كلٍّ منهما ركناً، و ادُّعي(2) الإجماع عليه، فلابدّ - مع الغضّ عنه - من الكلام في كلّ منهما حسب القاعدة.

فنقول: أمّا القيام حال تكبيرة الإحرام فلا إشكال في بطلان الصلاة بتركه، لموثّقة عمّار - في حديث - قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن رجل وجبت عليه صلاة من قعود، فنسي حتّى قام، و افتتح الصلاة و هو قائم؟ قال: «يقعد و يفتتح الصلاة و هو قاعد، و لايعتدّ بافتتاحه الصلاة و هو قائم، و كذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام، فنسي حتّى افتتح الصلاة و هو قاعد، فعليه أن يقطع صلاته، و يقوم و يفتتح الصلاة و هو قائم، و لايعتدّ بافتتاحه وهو قاعد»(3)، و هي - كما ترى - صريحة في بطلان الصلاة بترك القيام حال التكبير إذا كان عن نسيان.

لكن وقع الكلام في أمرين:

أحدهما: أنّ البطلان حسب هذه الموثّقة مخصوص بالترك نسياناً، فلايشمل الترك لسائر الأعذار كنسيان الحكم و الجهل به و نحوهما، فبناء على مسلك من

ص: 330


1- مفاتيح الشرائع 1: 120؛ رياض المسائل 3: 368؛ مستند الشيعة 5: 37 - 38.
2- كشف اللثام 3: 397؛ رياض المسائل 3: 369؛ الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 2: 60 - 61.
3- تهذيب الأحكام 2: 353 / 1466؛ وسائل الشيعة 5: 503، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 13، الحديث 1.

قال: إنّ حديث «لاتعاد...» مخصوص بالنسيان(1)، و إنّ حديث الرفع مخصوص برفع العقاب(2)، لا إشكال في البطلان مطلقاً حسب القاعدة، و أمّا على ما قدّمناه(3) من إطلاقهما و شمول «لاتعاد» لغير العمد و العلم، فالقاعدة تقتضي الحكم بالصحّة في غير العمد و العلم، و لابدّ في القول بالبطلان في غير النسيان من التماس دليل آخر.

و ثانيهما: أنّ اعتبار القيام حال التكبيرة - بعد الفراغ عن البطلان بتركه - يتصوّر على وجوه:

وجوه كيفية اعتبار القيام حال التكبيرة

منها: أنّه معتبر في الصلاة و ركن فيها(4).

و منها: أنّه شرط لتكبيرة الإحرام، و هي ركن تبطل الصلاة ببطلانها ولو سهواً(5).

و منها: أنّ التكبيرة المتقيّدة به ركن، و هو من القيود المقوّمة لها بحسب الشرع(6).

و الفرق بين الأخيرين: أنّه على الأوّل منهما لو أتى بالتكبيرة حال الجلوس،

ص: 331


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 238.
2- فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 25: 29؛ كفاية الاُصول: 386.
3- تقدّم في الصفحة 17 - 33.
4- روض الجنان 2: 666.
5- المختصر النافع: 29؛ مصباح الفقيه، الصلاة 12: 12 - 13.
6- مستمسك العروة الوثقى 6: 92.

أتى بما هو المقرّر في الصلاة، و إنّما البطلان لأجل فقدان شرط الصحّة، و أمّا على الثاني فلم يأتِ بها بما هي تكبيرة الصلاة.

و منها: أنّ القيام شرط لتحقّق افتتاح الصلاة(1)، توضيحه: أنّ تكبيرة الافتتاح سبب للدخول في الصلاة و افتتاحها، فيتحقّق الافتتاح بتماميتها، و بإتمامها يدخل المكلّف في حريم الصلاة و يحرم عليه وضعاً و تكليفاً اُمور، و لهذا يقال لها: «تكبيرة الإحرام»، نظير التلبية في إحرام الحجّ، فإنّها سبب لتحقّق الإحرام الذي هو أمر اعتباري شرعي، و بها يحرم على المكلّف اُمور.

و بالجملة: أنّ التكبيرة غير الافتتاح و غير الدخول في الصلاة، و هذا لاينافي ما ورد: من أنّ «أوّل الصلاة التكبيرة»(2)، فإنّ ذلك لأجل كونها من الصلاة بعد الدخول بها فيها، نظير التكبيرات السبع الافتتاحية، فإنّها من الصلاة - أي من مصداقها - و إن كانت متحقّقة قبل الدخول في الماهية الصلاتية، و نظير قوله: «و رحمة اللّه و بركاته»، فإنّه جزء الفرد و إن كان الفراغ بقوله: «السلام عليكم»، بل ذلك الإشكال وارد على أيّ حال، فإنّ الجزء الأوّل للتكبير - أي قوله: «اللّه» - يوجد دائماً قبل الدخول في الصلاة، فإنّ الدخول فيها بالتكبيرة لايتحقّق إلّا بعد تمام التكبير؛ أي بعد النطق بالراء، فما قبل الراء يصير جزءاً للصلاة تبعاً للتكبيرة بعد تحقّق الصلاة.

و الفرق بين هذا الاحتمال و سوابقه: أنّه على فرض ترجيحه في معنى

ص: 332


1- اُنظر مصباح الفقيه، الصلاة 12: 13.
2- راجع وسائل الشيعة 6: 10 - 12، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 6، 7، 12 و13.

الموثّقة، يمكن القول بصحّة الصلاة إذا أوجد بعض التكبيرة حال الجلوس سهواً، ثمّ تنبّه وقام و أتمّها، فإنّه على ذلك عمل بالموثّقة، بخلاف سائر الاحتمالات.

ثمّ إنّه قد يتوهّم: أنّه لا منافاة بين كون القيام حال التكبيرة في نفسه ركناً للصلاة، و بين كونه مع ذلك شرطاً للتكبيرة، و مع الإخلال به ينسب البطلان إليهما، فعلى هذا نأخذ بظاهر الرواية الدالّة على الاشتراط و بالإجماع المدّعى على أنّه في نفسه ركن فيها(1).

و فيه: أنّه بعد معلومية أنّ الصلاة ماهية اعتبارية بأجزائها و شرائطها كافّة، لايعقل جعل القيام ركناً و جعله شرطاً للتكبيرة؛ للغوية أحد الجعلين.

فلو جعل ركناً حال التكبير لايمكن إيجاد التكبير الصحيح إلّا مع القيام، فجعله شرطاً لغو لا أثر له؛ لعدم التفاوت بين جعل الشرطية و عدمه، و كذا لو جعل شرطاً لايعقل جعله ركناً لما ذكر؛ و ذلك للتلازم بينهما و عدم إمكان الافتراق.

و هذا بخلاف الموارد التي يكون فيها بين المجعولين - بحسب المورد - عموم من وجه، كشرطية طهارة لباس المصلّي و شرطية عدم كونه ممّا لايؤكل، فإنّ الشرط هو نفس الطبيعة في الموردين من غير لحاظ الأفراد، فضلاً عن الأفراد المقابلة لكلّ مجعول، فضلاً عن مورد الاجتماع، ففي مثله يصحّ الجعل و يثمر، و لو اجتمعا ينسب البطلان إليهما، و لايقاس المقام بمثل ذلك، و هو واضح.

فعلى ذلك لو تمّ الإجماع على ركنية نفس القيام يكشف ذلك عن المراد في

ص: 333


1- الصلاة، المحقّق الحائري: 145.

الموثّقة، و يطرح ظاهرها على فرض الدلالة على الشرطية، و لو لم يتمّ يكشف ظاهرها عن عدم كونه ركناً في نفسه.

إن قلت: يمكن رفع الإشكال: بأنّ لغوية جعل الركنية إنّما هي على فرض جعلها مستقلّة، لكنّها لم تستقلّ في الجعل، بل انتزعت من الجزئية في المأمور به، فالقيام لمّا كان جزء المأمور به يكون ركناً بحسب الأصل الأوّلي، و هو أصالة الركنية، لكن بدليل «لاتعاد» ترفع اليد عن الأصل فيه مطلقاً، إلّا أنّ الإجماع أو الموثّقة - على بعض الاحتمالات - كاشف عن بقاء جزئية القيام حال التكبير بنحو الإطلاق الكاشف عن الركنية.

ففي الحقيقة لم يتعرّض الدليل لخصوص القطعة الخاصّة من القيام بجعل الركنية له؛ كي يستشكل بلزوم اللغوية، بل دلّ على جزئية القيام مطلقاً، و بعد تحكيم دليل «لاتعاد» عليه دلّ الإجماع على تقييد المستثنى منه في «لاتعاد».

قلت: هذا التشبّث لايدفع الإشكال، فإنّه بعد التحكيم و التقييد تكون النتيجة ركنية القطعة الخاصّة من القيام، و بطلان الصلاة بترك القيام حال التكبيرة، و عند ذلك جعله شرطاً لتكبيرة الإحرام لغو لا ثمرة له، فإنّه على ذلك تبطل الصلاة بتركه؛ سواء كان في ضمن ترك التكبيرة أو إيجادها بغير حال القيام، فلابدّ من الإتيان به مع التكبيرة لتصحيح الصلاة؛ سواء جعل شرطاً لها أم لا، فجعل الشرط و عدمه سواء.

ثمّ إنّ ما أفادوا: من أنّ البطلان - على فرض ركنية نفس القيام و شرطيته

ص: 334

للتكبيرة - ينسب إلى الأمرين(1)، غير واضح، فإنّ ترتّب المسبّب على سببه عقلي و إن كانت السببية جعلية شرعية.

فلابدّ في ذلك من ملاحظة حكم العقل، و من المعلوم أنّ ذات القيام مقدّمة رتبة على وصفه، و هو شرطيته للتكبيرة، كما أنّ عدمها مقدّمة على عدم الوصف، فترك القيام سبب لأمرين في رتبة واحدة: بطلان الصلاة و فقد الشرط، و فقد الشرط و البطلان في رتبة واحدة، و لايعقل أن يصير أحدهما سبباً للآخر، فالبطلان دائماً يترتّب على ترك القيام بنفسه، و لایترتّب على ترك الشرط، تأمّل.

و إن نوقش فيما ذكر: باعتبار أنّ الشرط نفس القيام لا وصفه، و تقدّم ذات القيام على ذاته الموصوفة بالشرطية غير ممكن؛ للزوم تقدّم الشيء على نفسه.

فنقول: إنّه مع الغضّ عن إمكان المناقشة في ذلك يرد عليه إشكال آخر: و هو أنّ انتساب بطلان الصلاة - على فرض ركنية القيام - إلى بطلان تكبيرة الإحرام لفقد شرطها، و هو القيام، غير معقول؛ لأنّ بطلان التكبيرة متأخّر عن فقد شرطها، و بطلان الصلاة متأخّر عن بطلان التكبيرة، و بطلان الصلاة المترتّب على فقد نفس القيام - على فرض ركنيته - في عرض بطلان التكبيرة، فلايعقل انتساب البطلان إلى بطلان التكبيرة بفقد شرطها في حال من الأحوال.

هذا حال مقام الثبوت.

ص: 335


1- مسالك الأفهام 1: 200؛ الصلاة، المحقّق الحائري: 145.

و أمّا بحسب مقام الدلالة: فمع الغضّ عن الاحتمال الأخير، و حمل ما ورد في الموثّقة من لفظ «افتتح» و «يفتتح» على المعنى الكنائي؛ بأن يراد منه أوجد تكبيرة الافتتاح، يكون الترجيح للقول بالشرطية، فإنّ الظاهر من الجمل المذكورة أنّ اللازم افتتاح الصلاة و هو قائم، لا سيّما مع التأكيد بأنّه لايعتدّ بافتتاحه و هو قاعد.

هذا إذا دار الأمر بين الاحتمالات الثلاثة الاُوَل، ولكن لا دليل على ذلك، بل الأمر دائر بين الاحتمالات الأربعة على ما تقدّم(1)، و عليه فالظاهر منها هو الاحتمال الرابع الذي ذكرناه أخيراً؛ لأنّ الافتتاح مسبّب عن التكبيرة، و الحمل على المعنى المجازي أو الكنائي خلاف الظاهر، و قد دلّت الموثّقة على لزوم كون افتتاح الصلاة حال القيام، فتكون ظاهرة في أنّ القيام شرط لافتتاحها، و لمّا لم يمكن التفكيك بين آخر التكبيرة و الافتتاح خارجاً، فلابدّ و أن يكون القيام مقارناً لآخرها حتّى يوجد الافتتاح قائماً.

فلو نسي و أوجد بعض التكبيرة جالساً و قام و أتمّها، صحّت صلاته لو كان المستند هي الموثّقة بدليل «لاتعاد» و غيره، و أمّا الإجماع فغير ثابت مع اختلاف كلماتهم(2)، و عدم تعرّض جماعة للمسألة(3)، و عدم ادّعائه إلّا من بعض المتأخّرين(4)، و احتمال استنادهم في الحكم إلى الموثّقة و غيرها، كما ترى

ص: 336


1- تقدّم في الصفحة 331 - 332.
2- راجع مفتاح الكرامة 6: 550 - 553؛ مستند الشيعة 5: 37 - 38.
3- المقنع: 92؛ المراسم: 69؛ غنية النزوع 1: 77؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 93.
4- كشف اللثام 3: 397؛ رياض المسائل 3: 369.

الاستناد إليها في كلماتهم(1)، فالصحّة على ذلك في الصورة المذكورة على القواعد، و الاحتياط بإتمامها و إعادتها طريق النجاة.

هذا حال القيام حال التكبيرة.

حول الخلل في القيام المتّصل بالركوع

و أمّا القيام المتّصل بالركوع فالكلام فيه يتوقّف على بيان ماهية الركوع، فنقول: يحتمل فيها بحسب التصوّر وجوه:

منها: أن يكون الركوع عبارة عن الهيئة الخاصّة من الانحناء؛ من غير دخالة القيام و الانتصاب و الهُويّ منهما إلى تحقّق الانحناء الخاصّ في ماهيته(2)، كما أنّ الأمر كذلك في السجود، فلو هوى إليه قبل الوصول إلى حدّه العرفي من غير نيّة، ثمّ بدا له الركوع، فهوى بقصد الركوع إلى حدّه العرفي، صَدَق الاسم، و كذا لو قام مقوّساً من السجود و الجلوس و وصل إلى حدّه.

و بعبارة اُخرى: إنّ الحركة من العلو أو السفل دخيلة في وجوده و مقدّمة وجودية له، لا في ماهيته، فلو تولّد طفل منحنياً يصدق أنّه راكع ولادة.

و منها: أن يكون عبارة عن الهويّ عن القيام أو الانتصاب إلى الوصول إلى الحدّ الخاصّ؛ بحيث يكون الهويّ عن القيام إلى ذلك دخيلاً في تحقّق ماهيته، و يكون من مقوّماتها(3)؛ بحيث لايصدق على الانحناء الخاصّ لو وجد من غير

ص: 337


1- المعتبر 2: 158؛ مجمع الفائدة و البرهان 2: 188؛ الحدائق الناضرة 8: 59.
2- مجمع الفائدة و البرهان 2: 189؛ رياض المسائل 3: 368 - 369.
3- مستند الشيعة 5: 38 و197.

الهويّ عن القيام، فلايكون الركوع عن الجلوس ركوعاً إلّا تجوّزاً، و إن كان ملحقاً به شرعاً في بعض الحالات، كالإشارة التي تكون ملحقة به أحياناً و قائمة مقامه.

و منها: أن يكون عبارة عن الهويّ عن انتصاب الظَهر و إقامته إلى الحدّ المذكور(1)، فيصدق على ركوع الجالس إذا أوجده عن الجلوس و إقامة الظَهر، و على الفرضين لايصدق على الناهض مقوّساً إلى حدّه، و لا على ما حصل بعد الهويّ بقصد آخر، ثمّ بدا له الركوع، فزاد في هويّه إلى وصول الحدّ.

و منها: أن يقال: إنّ الانتصاب لا دخالة له في ماهيته، بل القيام العرفي الصادق مع انحناء ما كافٍ في صدقه(2)... إلى غير ذلك من الاحتمالات.

ثمّ على فرض دخالة القيام في ماهيته، يشكل إمكان ركنية القيام المتّصل بالركوع؛ بمعنى الهويّ عن قيام مقابل ركنية الركوع؛ ضرورة أنّ القيام إذا كان دخيلاً في الماهية، يصير جزءاً ركنياً للصلاة باعتبار جزئيته للركوع، فمن ركع عن غير قيام أخلّ بالركوع و بطلت لأجله، فلايعقل جزئية القيام المذكور مرّتين في الصلاة و كذا ركنيته، فالقائل بركنيته مقابل الركوع لابدّ له من التزام أحد الأمرين: إمّا الالتزام بأنّ الركوع لايتقوّم بالقيام، و إمّا الالتزام بأنّ المراد بالقيام المتّصل بالركوع قيام ما قبل القيام المتّصل.

فالركن مصداقان من القيام:

أحدهما: ما هو متّصل بالهويّ إلى الركوع فهو جزء الركوع و ركن بركنيته.

ص: 338


1- مصباح الفقيه، الصلاة 12: 401 - 402.
2- اُنظر شرائع الإسلام 1: 75؛ تذكرة الفقهاء 3: 166.

ثانيهما: قطعة اُخرى من القيام قبل ما هو متّصل بالهويّ إلى الركوع، فهو ركن آخر.

و الظاهر عدم التزام أحد بالثاني، بل الظاهر من كلماتهم(1) هو ركنية القيام المتّصل بالمعنى الأوّل، فلابدّ له من الالتزام بعدم دخالته في مفهوم الركوع، و هو غير بعيد عرفاً و لغة، فإنّ من هوى إلى السفل من غير قصد الركوع، ثمّ بدا له الركوع و أدام هويّه إلى حدّه، يصدق عليه أنّه ركع، و يصدق على ما أوجده الركوع، بل الظاهر صدقه على الهيئة الخاصّة، فلو شوهد شخص في هذه الهيئة، و سئل من العرف: بأنّ ذاك الشخص في أيّ حال؟ لقيل: إنّه في حال الركوع و إن لم يعلم أنّه هوى من القيام إلى هذا الحدّ، و ليس ذلك إلّا للصدق العرفي.

و لو نوقش في ذلك، فلا إشكال في أنّ القيام - فضلاً عن الانتصاب - لا دخل له في الصدق، فلو هوى من انحناءٍ ما الذي هو خارج عن القيام لغرض، فهوى إلى الحدّ يصدق الركوع عليه.

و ظاهر كلمات اللغويين: أنّ الركوع هو الانحناء، ففي «الصحاح»(2): الركوع الانحناء، و منه ركوع الصلاة، و ركع الشيخ انحنى من الكبر، و قريب منه ما عن «القاموس»(3) و غيره(4)، و هو - كما ترى - ظاهر في أنّ نفس الانحناء

ص: 339


1- جامع المقاصد 2: 201؛ روض الجنان 2: 666؛ مدارك الأحكام 3: 326؛ رياض المسائل 3: 368.
2- الصحاح 3: 1222.
3- القاموس المحيط 3: 32.
4- لسان العرب 5: 303.

و التقوّس ركوع. بل الظاهر من بعض النصوص أنّ الهويّ إلى الركوع غيره، فضلاً عن القيام كموثّقة عمّار المتقدّمة عن أبي عبد اللّه علیه السلام، و فيها، و قال: «إن ذكره - أي القنوت - و قد أهوى إلى الركوع...»(1) إلى آخرها، و هو أيضاً ظاهر كلماتهم؛ حيث قالوا(2): لو نسي القراءة مثلاً، و ذكر قبل الوصول إلى حدّ الركوع رجع، و أتى بها... إلى غير ذلك من كلماتهم(3) المشحونة بذكر الهويّ إليه الظاهرة في الافتراق.

و كذا قولهم في المقام: إنّ الركن هو القيام المتّصل بالركوع(4)، فعلى ذلك يكون القيام المتّصل بالركوع أمراً مستقلاًّ عنه، يمكن أن يكون ركناً في الصلاة.

نعم لو قيل: باشتراط الركوع بالقيام شرعاً و ببطلانه بفقد القيام(5) - بدعوى: أنّ حديث «لاتعاد» ناظر إلى أنّ الركوع مع قيوده و شروطه الشرعية هو المستثنى، و مقتضاه أنّ الإخلال بالشرط مخلّ بالركن و موجب للبطلان ولو سهواً - لما صحّ أيضاً استقلال القيام بالركنية، فإنّ ما ذكر على فرض صحّته

ص: 340


1- تهذيب الأحكام 2: 131 / 507؛ وسائل الشيعة 6: 286، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 15، الحديث 2.
2- جامع المقاصد 2: 249؛ مصباح الفقيه، الصلاة 12: 9.
3- ذكرى الشيعة 3: 365؛ روض الجنان 2: 724؛ رياض المسائل 3: 428.
4- روض الجنان 2: 666؛ مدارك الأحكام 3: 326 و 329؛ رياض المسائل 3: 368؛ مفتاح الكرامة 6: 550.
5- مصباح الفقيه، الصلاة 12: 12 - 13.

يكشف عن عدم استقلاله بها؛ لما مرّ(1) فيه من الوجه، فلابدّ في القول بركنيته من الالتزام بعدم شرطيته للركوع، أو الالتزام بعدم كون المستثنى الركوع مع قيوده و شروطه، و الالتزام بهما غير بعيد:

أمّا الالتزام بعدم شرطية القيام للركوع، فلأنّه لا دليل على الاشتراط، و توهّم: أنّ قوله في صحيحة زرارة، عن أبي جعفر علیه السلام، قال: «إذا أردت أن تركع فقل و أنت منتصب: اللّه أكبر، ثمّ اركع...»(2) إلى آخرها دالّ على الاشتراط، في غير محلّه، فإنّه مضافاً إلى أنّ الصحيحة بصدد بيان المستحبّات و الآداب - كما يظهر للمراجع - أنّ غاية ما تدلّ عليه هو اشتراط التكبيرة بالانتصاب، و أمّا اشتراط الركوع بالقيام فلا دلالة لها عليه، و لا دليل على زيادة ذلك لو لم نقل بأنّ إطلاقها يقتضي عدمه.

و ربّما يقال: بعد ما فرضنا وجوب القيام لمن كان قادراً و صحيحاً بمقتضى الأدلّة، فالأمر بالركوع الظاهر في وجوب إحداثه، يرجع إلى وجوب الانحناء الخاصّ على من يكون قائماً، و حاصله: لزوم الانحناء الخاصّ عن استقامة و إقامة للصلب، فلو ركع جالساً لم يأتِ بما هو ركن؛ أعني الركوع عن استقامة(3)، انتهى.

ص: 341


1- تقدّم في الصفحة 333 - 334.
2- الكافي 3: 319 / 1؛ وسائل الشيعة 6: 295، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 1، الحديث 1.
3- الصلاة، المحقّق الحائري: 145.

و فيه أوّلاً: أنّ الأوامر المتعلّقة بالأجزاء لايلحظ فيها إلّا متعلّقاتها، بل لايعقل لحاظ غيرها، فالأمر المتعلّق بالركوع ليس إلّا أمراً بالركوع، و لايتوجّه إلّا إلى المكلّف، لا إلى القائم باعتبار وجوب القيام بدليل آخر، كما لايتوجّه إلى الآتي بالقراءة و التسبيحات إلى غير ذلك.

و ثانياً: لو سلّم ذلك، لكن مقتضى الإطلاق صحّة الإتيان بالركوع ولو أتى به من غير قيام، مثلاً: لو قال: «أيّها القائم اركع»، لايدلّ ذلك على لزوم كون الركوع عن قيام، إلّا أن يقيّد كلامه بما يفيد ذلك.

و ثالثاً: لو سلّم ذلك، لكن لا دليل على الاشتراط، فإنّ الدلالة عليه إنّما هي من الظهور القائم باللفظ، و مجرّد وجوب القيام و توجّه الأمر إلى القائم، لايستفاد منه شرطيته؛ بحيث يبطل الركن بالإخلال بشرطه، ثمّ على فرض الاشتراط، فلا دليل على أنّ المستثنى من «لاتعاد» هو الركوع المقرّر شرعاً مع شرائطه؛ إذ قد مرّ(1): أنّ مقتضى الدليل هو استثناء ذات الركوع، فراجع.

ثمّ على ما تقدّم من الكلام، لا مانع عقلاً من وجوب ذلك القيام ركناً لو دلّ الدليل عليه، لكن قد تقدّمت(2) الإشارة إلى أن لا دليل عليه، كما أنّ التشبّث(3) بأصالة الركنية و قاعدة الاشتغال في غير محلّه.

و العمدة هي الإجماع المدّعى من عصر المحقّق إلى ما بعده، و فيه مجال

ص: 342


1- تقدّم في الصفحة 308 - 309.
2- تقدّم في الصفحة 339 - 341.
3- مفتاح الكرامة 6: 547؛ مستند الشيعة 5: 37.

واسع للمناقشة، فإنّ الاختلاف الكثير في كلماتهم(1)، و إهمال جمع لذكره، و احتمال استفادة الركنية من أصالتها، و من نحو قوله: «من لم يقِم صُلبه فلا صلاة له»(2) و تحكيمه على «لاتعاد»، و احتمال ذهاب جمع منهم إلى أنّ شرط الركن ركن، و جمع منهم إلى جزئيته للركن، و جزء الركن ركن... إلى غير ذلك، يوجب التشكيك في قيام الإجماع الحجّة، لكن مع ذلك مخالفة ما تسالم عليه الأصحاب جرأة، و طريق الاحتياط هو النجاة.

ص: 343


1- راجع مفتاح الكرامة 6: 550 - 553.
2- الفقيه 1: 180 / 856؛ وسائل الشيعة 5: 488، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 2، الحديث 1.

مسألة في الإخلال بتكبيرة الإحرام

بيان مقتضى القواعد في ترك التكبيرة

لو أخلّ بتكبيرة الإحرام لنسيان أو غيره من الأعذار، فمع الغضّ عن الأدلّة الخاصّة، هل يحكم بالصحّة كنسيان سائر الأجزاء و الشرائط ما عدا المستثنى في حديث «لاتعاد»؛ لتحكيمه على أدلّتها و لدليل الرفع الحاكم عليها، أو يحكم بالبطلان؛ لخصوصية في لسان أدلّة إثبات التكبيرة، توجب تقديمها على حديث الرفع و دليل «لاتعاد»؟

لايبعد البطلان، فإنّ الظاهر حكومة أدلّة التكبيرة على حديث الرفع و دليل «لاتعاد»؛ و ذلك:

لا لقوله في موثّقة عمّار: «و لا صلاة بغير افتتاح»(1)، فإنّه و إن كان حاكماً

ص: 344


1- تهذيب الأحكام 2: 353 / 1466؛ وسائل الشيعة 6: 14، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 7.

على دليل «لاتعاد» في نفسه، لكن قد عرفت فيما سلف(1) أنّ تكرّر هذا التركيب في موارد يقدم فيها «لاتعاد» يمنع عن ذلك، لا سيّما وروده في فاتحة الكتاب، مع تصريح حديث «لاتعاد»: بأنّها سُنّة، و لاتنقض السنّة الفريضة.

إلّا أن يقال: إنّ الورود في مورد أو في موارد قام الدليل على منع التحكيم، لايوجب رفع اليد عن الحكومة في سائر الموارد، لكن مع ذلك لايسلم عن الإشكال.

بل التقديم لأجل ما ورد فيها: من أنّها «تكبيرة الافتتاح»(2)، و أنّها «مفتاح الصلاة»(3)، و «لاتفتح الصلاة إلّا بها»(4)، و أنّ «تحريمها التكبير»(5)، فإنّ مثل تلك التعبيرات، ظاهرة في أنّ الصلاة اعتبرت بوجه لايدخل فيها المصلّي إلّا بالتكبيرة، فكأنّها بيت مسدود لايفتح إلّا بها، فلو لم يكبّر المكلّف، و أتى بجميع أجزاء الصلاة، لوقعت خارجها، كما أنّ قوله: «تحريمها التكبير» ظاهر في عدم الدخول فيها إلّا بالتكبيرة، و لاينافي ذلك كونها جزء الصلاة

ص: 345


1- تقدّم في الصفحة 329.
2- تهذيب الأحكام 2: 143 / 557؛ وسائل الشيعة 6: 12، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 1.
3- تهذيب الأحكام 3: 270 / 775؛ وسائل الشيعة 6: 10، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 7.
4- الأمالي، الصدوق: 158 / 1؛ وسائل الشيعة 6: 12، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 12.
5- الفقيه 1: 23 / 68؛ وسائل الشيعة 6: 11، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 10.

بأجزائها، كما أشرنا إليه فيما سبق(1).

و کيف كان، فهذه التعبيرات تجعل أدلّة التكبيرة الافتتاحية مقدّمة عليهما: أمّا على حديث «لاتعاد»(2) فواضح؛ لأنّ موضوعه الصلاة، و هذه الأدلّة تدلّ على عدم الدخول فيها ما لم يكبّر، فترفع موضوعه تعبّداً، و أمّا على حديث الرفع(3)، فلأنّ مفاده ليس إلّا رفع المنسيّ مثلاً، و لايثبت به الدخول في الصلاة بلا تكبيرة.

و بعبارة اُخرى: مفاد أدلّة إثبات التكبيرة: أنّ الصلاة لاتفتتح إلّا بها، و حديث الرفع لايتكفّل إثبات افتتاحها بلا تكبيرة، و فرق بين تحكيمه على أدلّة سائر الأجزاء و بين المقام، فإنّ الدخول في الصلاة في تلك الموارد محرز مع قطع النظر عن دليل الرفع، و الإتيان بسائر الأجزاء وجداني، و الجزء المنسيّ إذا رفع به تمّ المقصود، و هو الإتيان بالصلاة المأمور بها الوجداني، و أمّا في المقام فالدليل دالّ على عدم دخوله في الصلاة و عدم فتح بابها، و دليل الرفع لايثبت دخوله فيها.

هذا بحسب القواعد، و مقتضاها بطلان الصلاة بترك التكبيرة مطلقاً.

بيان مقتضى الروايات الخاصّة في ترك التكبيرة

و أمّا بحسب الروايات الخاصّة، فقد دلّت جملة منها على بطلان الصلاة بنسيان التكبيرة: كصحيحة زرارة، قال: سألت أبا جعفر علیه السلام عن الرجل ينسى

ص: 346


1- تقدّم في الصفحة 332.
2- الفقيه 1: 225 / 991؛ وسائل الشيعة 6: 91، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 29، الحديث 5.
3- تقدّم تخريجه في الصفحة 224، الهامش 1.

تكبيرة الافتتاح؟ قال: «يعيد»(1).

و موثّقة(2) عبيد بن زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن رجل أقام الصلاة، فنسي أن يكبّر حتّى افتتح الصلاة؟ قال: «يعيد الصلاة»(3).

و صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما في الذي يذكر أنّه لم يكبّر في أوّل صلاته، فقال: «إذا استيقن أنّه لم يكبّر فليعد، ولكن كيف يستيقن؟!»(4) إلى غير ذلك(5)، فهي بإطلاقها تدلّ على البطلان؛ سواء ذكرها قبل الركوع أو بعده أو بعد الصلاة.

و بإزائها روايات:

منها: صحيحة الحلبي، قال: سألته عن رجل نسي أن يكبّر حتّى دخل في الصلاة، فقال: «أ ليس كان من نيّته أن يكبّر؟» قلت: نعم، قال: «فليمضِ

ص: 347


1- تهذيب الأحكام 2: 143 / 557؛ وسائل الشيعة 6: 12، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 1.
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن ابن بكير، عن عبيد بن زرارة، و الرواية موثّقة بعبد اللّه بن بكير، فإنّه فطحي ثقة. اُنظر الفهرست، الطوسي: 173 / 463؛ اختيار معرفة الرجال: 345 / 639، و: 375 / 705.
3- تهذيب الأحكام 2: 142 / 556؛ وسائل الشيعة 6: 13، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 3.
4- تهذيب الأحكام 2: 143 / 558؛ وسائل الشيعة 6: 13، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 2.
5- راجع وسائل الشيعة 6: 13، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 5 و 7.

في صلاته»(1)، فهي أخصّ من الروايات المتقدّمة، و مقتضى الجمع أن يفصّل في المسألة.

و قد يقال: «إنّ تقييد تلك الروايات بصحيحة الحلبي غير صحيح؛ للزوم حمل المطلقات على الفرد النادر، فلابدّ من حمل الصحيحة على التقيّة؛ حيث حكي القول بمضمونها - أي الاكتفاء بالنيّة - عن العامّة(2)»(3).

و فيه: أنّ النادر نسيان التكبيرة ممّن كان من نيّته أن يكبّر، و أمّا نسيانها ممّن لم يكن من نيّته التكبير فليس بقليل؛ لما أشرنا إليه فيما سلف(4): من أنّ نيّة عنوان الصلاة ليست بعينها نيّة الأجزاء جزءاً فجزءاً، بل لايعقل أن تحرّك إرادة المركّب إلى أجزائه، فإنّ كلّ جزء يحتاج في وجوده إلى تصوّره و التصديق بفائدته كي تتعلّق به الإرادة، فإيجاد كلّ جزء موقوف على إرادة مستقلّة متعلّقة به، و إرادة العنوان لايعقل أن تكون إرادة الجزء أو الأجزاء.

و هذا أمر سارٍ في إيجاد المركّبات الحقيقية و الاعتبارية، فلايعقل أن تكون إرادة بناء المسجد عين إرادة المقدّمات الخارجية أو الداخلية، و لايعقل انحلال الإرادة إلى الإرادات.

فعلى هذا يكون الظاهر من الرواية، هو التفصيل بين ما إذا لم تتعلّق إرادته

ص: 348


1- الفقيه 1: 226 / 999؛ وسائل الشيعة 6: 15، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 9.
2- تذكرة الفقهاء 3: 111؛ المجموع 3: 290.
3- مصباح الفقيه، الصلاة 11: 431 - 432.
4- تقدّم في الصفحة 64 - 66.

بالتكبيرة بنفسها، و بين ما إذا تعلّقت بها ثمّ نسي أن يكبّر، و هذا أمر ممكن.

و على هذا تكون الصحيحة مختصّة بمورد نادر، و المطلقات بقيت على حالها في المصاديق الشائعة، و بعد رفع إشكال الحمل على الفرد النادر، لابدّ من الأخذ بالمقيّد و إن كان موافقاً لمذهب العامّة، فإنّ الحمل على التقيّة مورده التعارض بين الروايات، لا ما إذا كان بينها جمع عقلائي.

لكن يمكن أن يقال في المقام: بأنّ لسان روايات إثبات التكبيرة آبٍ عن التخصيص، كقوله: «لاتفتح الصلاة إلّا بالتكبيرة» و «مفتاحها التكبيرة»... إلى غير ذلك(1)، فلابدّ من إعمال التعارض، و الترجيح للروايات المقابلة لصحيحة الحلبي المخالفة؛ لمخالفتها للشهرة و موافقتها للعامّة و موافقة مقابلاتها للسنّة.

و إن أبيت عن استهجان التقييد، فنقول:

إنّ صحيحة الحلبي لإجمالها لاتصلح لتقييد تلك الصحاح؛ و ذلك لأنّ فيها احتمالين متناقضين، فإنّ كلمة «نعم» في جواب قوله: «أ ليس كان من نيّته أن يكبّر؟» يحتمل أن تكون حرف تصديق يراد منها: أنّه لم يكن من نيّته ذلك، فقال: «فَلْيمضِ»؛ أي إذا لم يكن من نيّته، و كان ناسياً لها رأساً، صحّت صلاته، و هذا مقابل ما حكي عن العامّة، و في مقابله ما إذا كان نسيانه بعد تعلّق إرادته بالتكبيرة فنسيها، و هو و إن كان نادراً، لكنّه واقع.

و يحتمل أن يكون المراد بها الضدّ؛ أي أنّه كان من نيّته ذلك، فالأمر دائر بين الاحتمالين المتناقضين، و دعوى الظهور في أحد الطرفين عهدتها على مدّعيها،

ص: 349


1- تقدّم في الصفحة 345.

و مع الإجمال لاتصلح للتقييد.

و منها: صحيحة زرارة، عن أبي جعفر علیه السلام، قال: قلت له: الرجل ينسى أوّل تكبيرة (من) الافتتاح، فقال: «إن ذكرها قبل الركوع كبّر ثمّ قرأ ثمّ ركع، و إن ذكرها في الصلاة كبّرها في قيامه (مقامه) في موضع التكبير قبل القراءة (أو) و بعد القراءة» قلت: فإن ذكرها بعد الصلاة؟ قال: «فليقضِها و لا شيء عليه»(1).

بدعوى ظهورها في صحّة الصلاة مع ترك تكبيرة الإحرام إذا تذكّر أثناء الصلاة بعد الركوع، أو تذكّر بعد الصلاة.

و فيها منع؛ فإنّ الظاهر من قوله: «أوّل تكبيرة الافتتاح»، أنّ المنسيّ هو التكبيرة الاُولى من التكبيرات السبع الافتتاحية، كما أنّ «أوّل تكبيرة من الافتتاح» ظاهر في ذلك، و حمل «من» على البيانية خلاف الظاهر، و إنّما قال: «أوّل تكبيرة»؛ لأنّ تعيين الاُولى و الثانية إلى آخرها كأنّه قصدي، فأراد الإتيان بها واحدة بعد واحدة، فنسي الاُولى، و نوى التكبيرة الثانية، ثمّ كبّر الثالثة إلى آخرها، فالمنسيّة تكبيرة مستحبّة، و الأمر بالقراءة محمول على الاستحباب، كما أنّ الأمر بالإتيان بها في الصلاة و القضاء بعدها محمول عليه.

و مع الغضّ عنه و حمل التكبيرة على الافتتاحية الواجبة، فقوله: «إن ذكرها في الصلاة كبّرها في قيامه في موضع التكبيرة»، ظاهر في أنّ الإتيان بها لابدّ أن يكون في موضعها، و هو افتتاح الصلاة؛ إذ ما عداه ليس مقامها و إن كان مقام

ص: 350


1- الفقيه 1: 226 / 1001؛ تهذيب الأحكام 2: 145 / 567؛ الاستبصار 1: 352 / 1331؛ وسائل الشيعة 6: 14، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 8.

سائر التكبيرات، فبناء عليه ظاهر الرواية بطلان الصلاة و لزوم الاستئناف، و عليه يحمل القضاء على الاستحباب، و إن اُغمض عمّا ذكر، فالرواية ذات احتمالات، و لاتصلح لتقييد الصحاح.

و منها: موثّقة أبي بصير(1)، قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن رجل قام في الصلاة و نسي أن يكبّر، فبدأ بالقراءة؟ فقال: «إن ذكرها و هو قائم قبل أن يركع فليكبّر، و إن ركع فليمضِ في صلاته»(2)، و هي مع اختلاف النسخة(3) معارضة بصحيحة علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل ينسى أن يفتتح الصلاة حتّى يركع؟ قال: «يعيد الصلاة»(4)، و الترجيح للصحيحة.

و يمكن بعيداً أن يقال: إنّ مفاد الموثّقة أعمّ من نسيان التكبير الواجب و غيره، و الصحيحة مختصّة بتكبيرة الافتتاح، فيتعامل معهما معاملة المطلق و المقيّد.

و منها: صحيحة ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا علیه السلام، قال: قلت له:

ص: 351


1- رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن علي بن مهزيار، عن فضالة بن أيّوب، عن الحسين ابن عثمان، عن سماعة بن مهران، عن أبي بصير. و الرواية موثّقة بسماعة بن مهران، فإنّه ثقة ثقة كما قاله النجاشي، و واقفي كما قاله الشيخ. اُنظر رجال النجاشي: 193 / 517؛ رجال الطوسي: 337 / 4.
2- تهذيب الأحكام 2: 145 / 568؛ وسائل الشيعة 6: 15، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 10.
3- اُسقط في نسخة من التهذيب جملة «فليكبّر، و إن ركع». كما في الطبعة الاُولى من جامع أحاديث الشيعة 5: 552، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 12.
4- تهذيب الأحكام 2: 143 / 560؛ وسائل الشيعة 6: 13، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 5.

رجل نسي أن يكبّر تكبيرة الافتتاح حتّى كبّر للركوع؟ قال: «أجزأه»(1).

و تعارضها موثّقة ابن أبي يعفور(2)، عن أبي عبد اللّه علیه السلام، أنّه قال في الرجل يصلّي فلم يفتتح بالتكبير: هل تجزيه تكبيرة الركوع؟ قال: «لا، بل يعيد الصلاة إذا حفظ أنّه لم يكبّر»(3).

و الظاهر أنّ موردها النسيان، لا سيّما مع ملاحظة ذيلها.

و توهّم: أنّ إجزاء تكبيرة الركوع عن تكبيرة الإحرام موافق للقاعدة(4)، في غاية السقوط.

كما أنّ حمل ما دلّت على المضيّ و عدم البطلان على صورة الشكّ(5)، في غاية البعد.

فتحصّل ممّا مرّ: بطلان الصلاة بالإخلال بالتكبيرة مطلقاً.

و ممّا ذكرنا يظهر الكلام في قوله في صحيحة زرارة - على بعض طرقها في

ص: 352


1- تهذيب الأحكام 2: 144 / 566؛ وسائل الشيعة 6: 16، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 3، الحديث 2.
2- رواها الكليني، عن الحسين بن محمّد الأشعري، عن عبد اللّه بن عامر، عن علي بن مهزيار، عن فضالة، عن أبان، عن الفضل بن عبدالملك أو ابن أبي يعفور. و الرواية موثّقة لأجل كلام في مذهب أبان بن عثمان. راجع رجال النجاشي: 13 / 8؛ اختيار معرفة الرجال: 352 / 660، و: 375 / 705؛ تنقيح المقال 1: 5 / السطر 34.
3- الكافي 3: 347 / 2؛ وسائل الشيعة 6: 16، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 3، الحديث 1.
4- ذكرى الشيعة 3: 257؛ الحدائق الناضرة 8: 35 - 36.
5- تهذيب الأحكام 2: 144، ذيل الحديث 566.

قاعدة «لاتعاد» -: «إنّ التكبير سُنّة و لاتنقض السنّة الفريضة»(1) فإنّ إطلاقها و إن اقتضى دخول تكبيرة الإحرام فيها، لكن قد عرفت أنّ الأحاديث الواردة في إثبات التكبيرة حاكمة عليه، فيحمل التكبير على غير تكبيرة الإحرام، فتدبّر جيّداً.

هذا حال نقصان التكبيرة.

حكم زيادة تكبيرة الإحرام

و أمّا الزيادة فقد حكي التسالم على بطلان الصلاة بها(2)، و فرّعوا عليه: أنّ التكبير الثاني موجب للفساد، و الثالث صحيح... و هكذا في كلّ زوج و فرد(3).

أقول: إبطال زيادتها موقوف على إمكان وقوع تكبيرة الافتتاح زائدة، و مع الامتناع يسقط البحث بهذا العنوان.

و التحقيق: أنّ التكبير و التسليم يمتازان عن سائر الأجزاء، فإنّ غيرهما ممّا يمكن فيه الزيادة حتّى القيام المتّصل بالركوع؛ سواء قلنا بأنّ الركن هو القيام المنتهي إلى الركوع أم لا، أمّا على الثاني فكما إذا هوى إلى الركوع، فتذكّر عدم إتيانه بالقراءة، فقام لها ثمّ ركع، و أمّا على الأوّل فكما لو زاد الركوع عن قيام؛ إذ معه يستند البطلان - على فرض القول به - إلى زيادة القيام؛ لأنّه أسبق العلّتين.

ص: 353


1- الخصال: 284 / 35؛ وسائل الشيعة 5: 470، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 14.
2- مفتاح الكرامة 7: 28؛ جواهر الكلام 9: 220.
3- تحرير الأحكام 1: 240؛ ذكرى الشيعة 3: 258؛ روض الجنان 2: 690؛ العروة الوثقى 2: 462.

و هذا بخلاف التكبيرة الافتتاحية و التسليم المخرج، فإنّه لايتصوّر فيهما الزيادة:

أمّا في التسليم المخرج، فلأنّ الواقع بعده خارج عن الصلاة، و لايعقل الخروج مرّتين.

و أمّا في تكبيرة الافتتاح التي يحصل بها الدخول في الصلاة، فلأنّها لايعقل فيها الزيادة أيضاً؛ لا عمداً و لا عن غير عمد:

أمّا العمدية: فلعدم إمكان صدور التكبيرة الافتتاحية من العامد الملتفت؛ لعدم إمكان تعلّق القصد بحصول ما هو حاصل، مضافاً إلى عدم إمكان تحقّق الافتتاح مرّتين.

و لو قيل: إنّ العزم على الثانية موجب لبطلان الاُولى(1).

يقال: على فرض التسليم ينتفي موضوع الزيادة فإنّ الاُولى بطلت بالعزم فرضاً، و الثانية افتتاح لصلاة مستأنفة، لا زيادة.

و كذا لو قلنا: بأنّ العزم و الاشتغال بالتكبيرة موجب للبطلان؛ لأنّ التكبيرة لاتقع زيادة، فإنّها بإتمامها تكبيرة الإحرام.

و أمّا غير العمدية: فلأنّ القصد بها و إن كان ممكناً، لكن الافتتاح مرّتين غير معقول، و هو أمر واقعي لا دخل للعمد و غيره فيه، و الكلام في البطلان بالعزم أو به مع الاشتغال هو الكلام.

فالبحث عن بطلان الصلاة بزيادة تكبيرة الإحرام ساقط رأساً.

ص: 354


1- جواهر الكلام 9: 222؛ اُنظر مستمسك العروة الوثقى 6: 54 و 56.

نعم يصحّ البحث عن أنّ زيادة التكبير بعنوان تكبيرة الإحرام، هل هو موجب للبطلان أو لا؟ لإمكان الإتيان بها كذلك مع السهو و الغفلة و نحوهما و إن لم تكن تكبيرة الإحرام.

ثمّ مع الغضّ عمّا تقدّم و البناء على إمكان زيادتها، فمقتضى دليل «لاتعاد» و حديث الرفع، عدم بطلان الصلاة بزيادتها.

و ما تقدّم من تحكيم أدلّة التكبيرة على حديث «لاتعاد»(1)، لايجري في الزيادة؛ لأنّ دخوله في الصلاة مفروض، و إنّما الشكّ في بطلانها بها، و هي داخلة في المستثنى منه في «لاتعاد».

كما لا إشكال في شمول حديث الرفع لغير العامد، بل لو زادها عن عمد و علم لاتضرّ أيضاً؛ لشمول «لاتعاد» لها، فإنّ ما قلنا من انصرافه عن العامد، إنّما هو في العمد على النقيصة التي مقتضى القاعدة بطلانها بها، لا الزيادة التي هي بالعكس، فمع الشكّ في الإبطال مقتضى الحديث عدمه، كما أنّ مقتضى الأصل كذلك.

و التمسّك للإبطال(2) بقوله: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»(3)، قد مرّ دفعه مستقصىً فيما سلف(4)، فليراجع.

ص: 355


1- تقدّم في الصفحة 346.
2- مستند الشيعة 5: 18؛ اُنظر مصباح الفقيه، الصلاة 11: 472.
3- تهذيب الأحكام 2: 194 / 764؛ وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 2.
4- تقدّم في الصفحة 39.

كما أنّ التشبّث بالإجماع(1) على ركنية التكبيرة الافتتاحية و الإجماع(2) على أنّ الركن ما تبطل الصلاة بتركه أو زيادته مطلقاً(3) في غير محلّه:

أمّا على ما ذكرناه: من عدم إمكان الزيادة فيها(4)، فظاهر؛ فإنّه على فرض ثبوت الإجماعين، لابدّ من القول باختصاص الإجماع الثاني بغير التكبيرة الافتتاحية بعد امتناع الزيادة فيها، بل لو دلّ نصّ أو إجماع على خصوصها، لابدّ من تأويله بعد الامتناع عقلاً.

هذا مضافاً إلى عدم ثبوت الإجماع الثاني بعد اختلاف كلماتهم(5)، بل الظاهر أنّ الركن ما يبطل الشيء بتركه، كما هو مقتضى عنوان الركنية، فإنّ ركن الشيء كأنّه قوائمه التي يقوم عليها، فمع فقدها يهدم الشيء، لا مع زيادتها.

و أمّا على الوجه الآخر؛ أي الإتيان بعنوان تكبيرة الافتتاح و إن لم تكن زيادة؛ بأن يقال: لو كبّر للافتتاح ثمّ كبّر له ثانياً بطل و أبطل، فثبوت الإجماع فيه ممنوع.

و أمّا الاستدلال على كونه مع العمد باطلاً؛ بأنّه تشريع محرّم، و على كونه

ص: 356


1- اُنظر جامع المقاصد 2: 234؛ مدارك الأحكام 3: 318؛ مفتاح الكرامة 7: 5.
2- اُنظر مفتاح الكرامة 6: 549.
3- مستند الشيعة 5: 18؛ اُنظر مصباح الفقيه، الصلاة 11: 472؛ مستمسك العروة الوثقى 6: 54.
4- تقدّم في الصفحة 353 - 354.
5- مجمع الفائدة و البرهان 2: 195؛ مدارك الأحكام 3: 322؛ الحدائق الناضرة 8: 31؛ راجع مفتاح الكرامة 7: 7.

مبطلاً للصلاة؛ بأنّه زيادة فيها(1).

ففيه: أنّ كون التشريع موجباً لحرمة الفعل ممنوع؛ فإنّ المأتيّ به بعنوانه الذاتي لايعقل تحريمه بالتشريع، و بالعنوان الثانوي العرضي لاينافي بقاء عنوانه الذاتي على إباحته أو استحبابه، هذا مع الغضّ عمّا ذكرنا من الامتناع، و إلّا فالأساس مهدوم، كما أنّ إبطال الزيادة العمدية غير ثابت، بل الأصل و الدليل قائم على عدمه.

و ربما يحتمل أو يقال: إنّ الإتيان بالتكبيرة الافتتاحية ثانياً يلازم استئناف الصلاة، و لازمه رفع اليد عن الاُولى، و هو موجب لبطلانها؛ إمّا لأنّ العزم على رفضها مبطل، أو هو مع الاشتغال بما ينافي الاُولى، أو هو مع إتمام التكبيرة كذلك.

و فيه أوّلاً: أنّ العزم - أو هو مع الاشتغال أو الإتمام - لايلازم العزم على الاستئناف و رفع اليد عن الاُولى؛ لإمكان أن يأتي بالثانية بعنوان تكبيرة الافتتاح و الغفلة عن عدم الإمكان أو الجهل به، فأراد زيادة التكبيرة عمداً؛ بتوهّم أنّ عمدها لايوجب البطلان، و هذه الزيادة و إن لم تكن زيادة تكبيرة الافتتاح واقعاً، لكن زيادة بعنوان الافتتاح مع عدم رفع اليد عن الاُولى، بل مع العزم على بقائه في الصلاة بالتكبيرة الاُولى.

و ثانياً: أنّ الناسي أو الساهي و إن كبّر للافتتاح، لكن لم يكن عزمه على رفع اليد عن الاُولى و الاستئناف؛ و ذلك للغفلة عن كونه في الصلاة، و مجرّد ذلك

ص: 357


1- الصلاة، المحقّق الحائري: 138.

لايوجب البطلان و إن أتى بالتكبيرة، و لابدّ في البطلان من دليل آخر.

و ثالثاً: أنّ مجرّد العزم على رفع اليد عن الاُولى لا دليل على إبطاله، و توهّم: أنّ استدامة النيّة لابدّ منها، و نيّة الخلاف تنافيها(1)، فاسد؛ لعدم الدليل على لزوم الاستدامة بهذا المعنى، بل ما هو اللازم هو الإتيان بأجزاء الصلاة مع النيّة، و أن تكون تلك النيّة تبعاً لنيّة أصل الصلاة، و هما موجودتان في الفرض.

و بالجملة: ما وجد من أجزاء الصلاة أو غيرها من المركّبات كالوضوء مثلاً، لا دليل على بطلانه و عدم لحوقه بالتالي بمجرّد العزم على رفع اليد عنه، بل يقتضي الأصل خلافه، بل العزم و الاشتغال بما ينافيه أيضاً لايوجب البطلان، و كذا مع التكبير أيضاً.

و دعوى: أنّ الهيئة الاعتبارية و وحدتها المعتبرة في الصلاة، غير باقية مع العزم و الاشتغال، فيصير ذلك ماحياً لصورتها عرفاً، و العرف محكّم في أمثال المقام(2).

غير وجيهة؛ لأنّ مجرّد ذلك إن لم يكن اشتغالاً كثيراً موجباً لرفع اسم الصلاة، لايوجب محو الصورة لا عرفاً و لا شرعاً، و مع الشكّ يقتضي الأصل بقاءها، مع أنّ في كون ذلك موكولاً إلى العرف كلاماً، فإنّه ليس من الموضوعات العرفية، فلابدّ في دعوى المحو من انتسابه إلى المتشرّعة؛ لينتهي الأمر إلى اعتبار الشارع، و عهدتها على مدّعيها.

ص: 358


1- كشف اللثام 3: 422.
2- مصباح الفقيه، الصلاة 11: 474 - 475.

حول صحّة التكبيرة الثانية و عدم الحاجة إلى الثالثة

ثمّ لو قلنا ببطلانها مع العزم، فلا إشكال في صحّة الثانية و عدم الحاجة إلى الثالثة.

و أمّا على القول بأنّ الاشتغال بالتكبيرة قبل تمامها يوجب البطلان:

فقد يقال بأنّ أجزاء التكبيرة أجزاء الصلاة، و مع كونه في الصلاة لايعقل - أو لايصحّ - دخوله في مصداق آخر منها.

و فيه: أنّ هذا مبنيّ على أنّ أجزاء التكبيرة قبل تمامها أجزاء، و إنّما تكشف التكبيرة عن ذلك، و هو مخالف لظاهر الأدلّة، كقوله: «أوّلها أو افتتاحها أو مفتاحها التكبير»(1)، و «الصلاة لاتفتتح إلّا بالتكبير»(2)؛ إذ من المعلوم أنّ التكبيرة لاتتحقّق إلّا بعد التمام، فإذا تمّت دخل المصلّي فيها، و دخول الأجزاء في الصلاة تبع لها، و لاتعتبر الأجزاء مستقلّة فيها، بل ما هو المعتبر نفس التكبيرة لا أجزاؤها، و هي تبع لها، و لايعقل دخول التابع في الجزئية قبل دخول المتبوع، فالأجزاء بعد تمام التكبيرة صارت أجزاء الصلاة تبعاً.

و على ذلك فالاشتغال موجب للبطلان على الفرض، و الدخول في الصلاة موقوف على تمامها، فيندفع الإشكال.

ص: 359


1- راجع وسائل الشيعة 6: 10، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 6 و 7.
2- الأمالي، الصدوق: 158 / 1؛ وسائل الشيعة 6: 12، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 12.

و أمّا لو قلنا بأنّ البطلان عارض بعد تمام التكبيرة، و لعلّ هذا مورد تسالمهم على بطلان الثانية و الاحتياج إلى الثالثة.

و الظاهر أنّ نظرهم إلى أنّ الدخول في الصلاة لايمكن إلّا بعد بطلان ما بيده، و الفرض أنّها لاتبطل إلّا بإتمام التكبير، فلايعقل أو لايصحّ كونه مبطلاً و مفتاحاً للصلاة.

لكن يمكن أن يقال بصحّة الثانية و عدم الاحتياج إلى الثالثة، فإنّ المانع المتوهّم اُمور:

منها: مضادّة الاشتغال بهذه و تلك(1)، و هو غير لازم أو غير ممكن، فإنّ الصلاتين بوجودهما كمتضادّين أو مِثلين، و علی هذا يكون عدم إحداهما ملائماً مع وجود الاُخرى غاية الملائمة لو اعتبر للعدم حيثية، و إلّا يقال: عدم إحداهما غير مضادّ للاُخرى، و الفرض أنّ التكبيرة بتمامها موجبة لبطلان الاُولى و الدخول في الثانية، فهذا الظرف أو هذه الرتبة مقام الجمع بين عدم الاُولى و وجود الثانية، و لايعقل التضادّ في هذا الظرف؛ لعدم تعقّل وجود المتضادّين.

و ممّا ذكر يظهر النظر في ما أفاده شيخنا العلاّمة: من أنّ المبطل مبطل لتضادّه مع الأثر من العمل، فكيف يمكن أن يصير جزءه(2)؟! فإنّ مضادّته إنّما هي مع أثر المصداق الذي كان بيده قبل التكبير الثاني، لا مع أثر المصداق المتحقّق بالثاني.

ص: 360


1- الصلاة، المحقّق الحائري: 138.
2- نفس المصدر.

و بعبارة اُخرى: أنّه مضادّ لأثر الفرد الباطل به، و لاينافي ذلك صيرورته جزءاً لفرد آخر.

و منها: أنّ التكبير الثاني لايمكن أن يقع امتثالاً للأمر بالتكبير مع وجود الأوّل؛ لامتناع تكرّر الامتثال، و مع عدم الأمر يقع باطلاً(1).

و فيه: - مضافاً إلى أنّ الأجزاء لا أمر لها نفسياً؛ لا مستقلاًّ، و هو ظاهر، و لا ضمنياً؛ لما حقّق في محلّه(2)، و لا غيرياً، بل الأوامر المتعلّقة بها إرشاد إلى الجزئية، كالأوامر المتعلّقة بالشروط فلا معنى للامتثال - أنّ الامتثال إنّما هو بعد

تمام التكبيرة، و هو ظرف بطلان الاُولى، فلا مانع من وقوعها امتثالاً.

و منه يظهر النظر في توهّم أنّ التكبير لايعقل أن يصير جزءاً مع وجود التكبيرة الاُولى؛ لأنّ الجزئية بعد التمام، و هو ظرف سقوط جزئية الاُولى.

و منها: أنّه مع علم المكلّف بالواقعة لايمكن له قصد الافتتاح(3)؛ لعدم إمكان تكرّره كما تقدّم(4).

و فيه: أنّ ما تقدّم من الامتناع هو قصد افتتاح ما هي مفتتحة؛ أي قصد تكبيرة الإحرام بعد تكبيرة الإحرام في مصداق واحد، لا قصد تكبيرة الافتتاح لمصداق يتحقّق في ظرف بطلان الافتتاح الأوّل.

و بعبارة اُخرى: أنّ المصلّي لمّا رأى أنّ الافتتاح يقع في حال سقوط

ص: 361


1- مصباح الفقيه، الصلاة 11: 474.
2- أنوار الهداية 2: 266، و تقدّم أيضاً في الصفحة 35.
3- الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 2: 54.
4- تقدّم في الصفحة 353 - 354.

الافتتاح الأوّل - لأنّ التكبيرة بإتمامها افتتاح و مبطل - لايرى امتناعاً حتّى يمتنع له القصد.

و منها: أنّه مع العمد تقع الثانية محرّمة؛ إمّا للتشريع المحرّم، و إمّا لكونها مبطلة للصلاة، و هو محرّم.

و فيه: أنّ التشريع غير لازم بعد ما لم يتكرّر الافتتاح في مصداق واحد، بل بإتمامها ينتفي موضوع التشريع، مضافاً إلى ما تقدّم من عدم حرمة الفعل المشرّع به(1).

و أمّا الحرمة من قِبَل كونها مبطلة للعمل، ففيها بعد تسليم حرمة الإبطال: أنّ سبب الحرام ليس محرّماً، فما هو الحرام إبطال العمل، لا سبب إبطاله.

و منها: أنّ صحّة الثانية موقوفة على تأخّر بطلان الاُولى: إمّا زماناً، أو آناً، أو رتبةً، و هو مفقود.

و فيه: أنّ ذلك دعوى بلا برهان؛ لعدم دليل على لزوم التأخّر حتّى الرتبي منه، فعلى القواعد لا مانع من صحّة الثانية و عدم الاحتياج إلى الثالثة.

بقي الكلام في دعوى عدم الخلاف بين الأصحاب و تسالمهم على البطلان قديماً و حديثاً كما قيل(2)، لكنّها قابلة للخدشة بعد احتمال تشبّثهم بأحد الوجوه السابقة، فطريق الاحتياط الإتمام ثمّ الإعادة.

ص: 362


1- تقدّم في الصفحة 357.
2- جواهر الكلام 9: 220.

مسألة في الإخلال بالجهر أو الإخفات

بيان مقتضى القواعد في المقام

لو أخلّ بالجهر أو الإخفات في الاُوليين أو في سائر الركعات عن جهل بالحكم أو الموضوع أو نسيان أو خطأ أو سهو و نحوها، فمع قطع النظر عن الروايات الخاصّة(1):

إن لم يكن لدليل إثبات الجهر أو الإخفات إطلاق، فمقتضى أصالة البراءة في الأقلّ و الأكثر الصحّة مطلقاً؛ للشكّ في اعتبارهما في غير حال العلم و العمد؛ من غير فرق بين الجهل بالحكم و غيره، و من غير فرق بين الالتفات إلى الخلل بعد الصلاة أو أثناءها، بعد الركوع أو قبله حتّى أثناء القراءة.

فمن ترك الجهر أو الإخفات في آية أو آيات؛ من الحمد أو السورة نسياناً أو نحوه، ثمّ التفت، يجوز له المضيّ، و لايجب عليه الإتيان بما قرأ، بل

ص: 363


1- راجع وسائل الشيعة 6: 82، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 25 و 26.

لا يجوز إلّا رجاءً و احتياطاً.

و أمّا لو كان لدليلهما إطلاق يشمل الحالات العارضة، فربما يتوهّم: أنّ حديثي «لاتعاد» و الرفع الحاكمين على دليلهما لايشملان جميع الحالات.

فإنّ الأوّل - على فرض تسليم شموله لغير العمد و العلم من سائر الحالات و عدم اختصاصه بالسهو - يكون محطّه الالتفات بعد الصلاة، فإنّ الإعادة تكرار الشيء، و هو إنّما ينطبق على الشيء بعد وجوده، ولو اُغمض عن ذلك و قيل بشموله لأثناء الصلاة، فلاينبغي الإشكال في عدم الشمول لما قبل الدخول في الركن، فإنّ قبله لا معنى للإعادة أو الاستئناف و مقابلهما.

فلو قرأ جهراً فيما لاينبغي الجهر فيه، و التفت إليه قبل الدخول في الركوع، لم يشمله، فلابدّ من الرجوع إلى إطلاق أدلّة اعتبارهما.

و يمكن المناقشة في شمول دليل الرفع أيضاً لهذا الفرض، لو سلّم شمول إطلاقه لحال الالتفات و عدم تقيّده بما دام النسيان مثلاً؛ لإمكان دعوى الانصراف عن المنسيّ الذي يمكن جبرانه بلا إعادة الصلاة و استئنافها.

و فيه نظر: أمّا بالنسبة إلى «لاتعاد» فإنّ منشأ توهّمه: تخيّل أنّ الحكم في المستثنى منه و المستثنى متعلّق بعنوان الإعادة، و قد سبق منّا(1): أنّ عنوانها غير مقصود بلا إشكال؛ ضرورة أنّ مع ترك الأركان الموجب للبطلان يبقى الأمر المتعلّق بالصلاة على حاله؛ لعدم امتثاله، و لازم كون الإعادة بعنوانها مأموراً بها، سقوط الأمر المتعلّق بالصلاة و ثبوت أمر جديد متعلّق بالإعادة، بعد قيام الضرورة على عدم الأمرين معاً.

ص: 364


1- تقدّم في الصفحة 88 و 91.

و هو كما ترى لاينبغي التفوّه به، فالأمر بالإعادة في المورد و في كلّ مورد ورد نحوه، كناية عن بطلان الصلاة إلّا إذا قامت القرينة على الخلاف، كما أنّ قوله: «لاتعاد» كناية عن صحّتها، و هو من الوضوح بمنزلة، مضافاً إلى أنّ ذيل الحديث دلّ على ذلك، و هو التعليل: بأنّ السنّة لاتنقض الفريضة، و على ذلك يكون مفاد الحديث: أنّ ترك الجهر لايوجب البطلان، و إطلاقه يشمل ما قبل الركوع، فلو أخفت في آية ثمّ التفت و مضى في صلاته صحّت، و لو قيل بالبطلان يكون مخالفاً لإطلاقه و للتعليل الوارد فيه.

و أمّا حديث الرفع فشموله أوضح، فإنّ الظاهر الذي لاينكر أنّ المنسيّ - مثلاً- مرفوع، و الرفع ما دام النسيان لايرجع إلى محصّل لو اُريد به الرفع ثمّ الوضع، و لو قيل: إنّ الرفع متعلّق بالمنسيّ إلى آخر عمر المكلّف، فلو التفت يكشف عن عدم الرفع، فهو كما ترى خلاف الظاهر جدّاً.

فمقتضى إطلاق الدليل في المقام أنّ المنسيّ و نحوه مرفوع؛ سواء التفت بعده قبل الركوع أو بعده، أو بعد الصلاة أم لا، فمع رفع الجهر عن الآية لم يبقَ محلّ للإتيان و الجبران، فإنّ الآية وقعت صحيحة بعد رفع الجهر أو الإخفات، و الإتيان بها ثانياً خارج عن الصلاة.

نعم، لو فرض كون القراءة المتقيّدة بالجهر أو الإخفات جزءاً بنحو وحدة المطلوب، فمع الجهر محلَّ الإخفات أو العكس لم يأتِ بالجزء، فلابدّ من الإتيان ما لم يمضِ وقت الجبران.

لكن هذا الاحتمال ضعيف مخالف لفهم العقلاء، مضافاً إلى أنّ إطلاق دليل إثبات القراءة يدفعه، و لايعارضه إطلاق دليل الجهر على فرضه، فإنّ

ص: 365

الظاهر من مثل قوله فرضاً: «الجهر واجب في صلاة العشاءين» أنّه شرط للقراءة أو الصلاة، كما لايخفى.

بيان مقتضى الروايات الخاصّة في المقام

ثمّ على ما ذهبنا إليه من جريان البراءة في الأقلّ و الأكثر(1)، و من عموم «لاتعاد» لجميع الصور إلّا صورة العلم و العمد(2)، و جريان حديث الرفع في مثل المقام، لا ثمرة مهمّة للبحث عن مفاد الأدلّة الخاصّة، لكن لمّا اختلفت الأنظار في المبنى، بل لعلّهم تسالموا على عدم معذورية الجاهل بحسب القواعد أو بقيام الإجماع(3)، فلا بأس بالبحث عنها إجمالاً.

فنقول: أمّا إطلاقها فمحلّ منع، لأنّها إمّا في مقام بيان أحكام اُخر، أو حكاية أفعال. و أمّا ما في رواية زرارة، عن أبي جعفر علیه السلام -

المنقولة عن كتاب «العلل» لمحمّد بن علي بن إبراهيم - و فيها: «و القنوت واجب و الإجهار بالقراءة واجب في صلاة المغرب و العشاء و الفجر»(4) ف- - مع إشكال في سندها، و أنّ الظاهر على ما يشهد به المجلسي و صاحب «المستدرك»، و يشهد به متنها أنّ هذه الفقرة من كلام المؤلّف - أنّها ليست في مقام البيان،

ص: 366


1- راجع أنوار الهداية 2: 267.
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 28.
3- مفتاح الكرامة 1: 525، و 9: 278؛ مستمسك العروة الوثقى 7: 381 و 383.
4- بحار الأنوار 80: 163 / 3؛ مستدرك الوسائل 4: 85، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 2؛ جامع أحاديث الشيعة 5: 259، كتاب الصلاة، أبواب كيفية الصلاة، الباب 6، الحديث 3.

بل هي في مقام بيان أصل الفرض و النفل، فراجع روايات الباب(1) كي يتّضح الأمر.

و أمّا حدود دلالتها فلابدّ من ذكر ما هو المهمّ منها، و هي صحيحة زرارة، عن أبي جعفر علیه السلام: في رجل جهر فيما لاينبغي الإجهار فيه، أو أخفى فيما لاينبغي الإخفاء فيه، فقال: «أيّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقض صلاته، و عليه الإعادة، و إن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شيء عليه، و قد تمّت صلاته»(2) و في «الفقيه»(3) بدل «أيّ ذلك» «إن فعل ذلك...» إلى آخرها.

و يحتمل فيها وجود المفهوم لكلٍّ من الجملتين و عدمه فيهما، أو وجوده في الاُولى دون الثانية، أو العكس على رواية «التهذيب».

و الوجه في الأوّل: أنّها جملتان شرطيتان - لا سيّما على رواية «الفقيه»

- لكلٍّ منهما مفهوم.

و في الثاني: أنّ المتكلّم إذا تصدّى لذكر مفهوم كلامه فلا مفهوم له.

و في الثالث: أنّ المتفاهم عرفاً في أمثال ذلك أنّه للجملة الاُولى مفهوم، و قد تصدّى المتكلّم لذكر بعض مصاديقه الشائعة، و عليه لا مفهوم للثانية.

و في الرابع: أنّه على رواية «التهذيب» لم يكن قوله: «أيّ ذلك فعل» حرف

ص: 367


1- راجع وسائل الشيعة 6: 82، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 25.
2- تهذيب الأحكام 2: 162 / 635؛ وسائل الشيعة 6: 86، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 26، الحديث 1.
3- راجع جامع أحاديث الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب القراءة، الباب 4، الحديث 1 (الطبعة الاُولى).

شرط، فكأنّه قال: المتعمّد كذا، و لا مفهوم لمثله.

ثمّ على فرض المفهوم للجملتين يقع التعارض بين المفهومين في بعض المصاديق، كما لو قلنا: بأنّ قوله: «لايدري» لايشمل إلّا الجهل بالحكم، و السهو و النسيان مخصوصان بالموضوع، و مع التعارض يكون المرجّح أو المرجع حديثي «لاتعاد» و الرفع.

و على فرض ثبوت المفهوم للذيل دون الصدر، تبطل الصلاة في الجهل بالموضوع و نسيان الحكم و سهوه، و كذا كلّ مورد لايشمل المنطوق.

و على فرض عدم ثبوت المفهوم لها، تكون الموارد التي هي خارجة عن المنطوق في الجملتين، محكومة بالصحّة على ما هو الأصحّ.

و على فرض ثبوت المفهوم لخصوص الجملة الاُولى تصحّ في غير المتعمّد، و هذا هو الأصحّ؛ لكونه موافقاً لفهم العرف حتّى على رواية «التهذيب»، فإنّ «أيّ ذلك» في حكم الشرطية يفهم منها المفهوم، و إنّ الظاهر أنّ للكلام مفهوماً، و إنّما تصدّى المتكلّم لبيان بعض مصاديقه.

و لايبعد أن يقال: إنّ العرف مساعد على القول: بأنّ المتفاهم عرفاً من الصحيحة - ولو بمناسبة الحكم و الموضوع - أنّ الميزان في باب الجهر و الإخفات هو التعمّد للترك و عدمه، و هما تمام الموضوع للإعادة و عدمها، فتشمل الصحيحة جميع الموارد حتّى الموارد التي يقال: إنّها خارجة عن السؤال كالمأموم المسبوق و جهر المرأة فيما يجب عليه الإخفات، و لا فرق بين الركعتين الأوّلتين و الأخيرتين، كما لا فرق بين التخلّف في بعض القراءة و جميعها، و الأمر سهل بعد ما عرفت من القاعدة لولا الصحيحة.

ص: 368

مسألة في الإخلال بعدد الركعات زيادة

بيان مقتضى القواعد

لو أخلّ بعدد الركعات زيادة، فزاد ركعة أو أزيد، عمداً أو لا عن عمد، فمقتضى القاعدة الأوّلية عدم البطلان، حتّى مع العمد، كمن صلّى الظهر خمساً عالماً عامداً، و حتّى مع الإتيان بالتشهّد و السلام في آخر الركعات مع العمد و العلم.

فإنّ البطلان من ناحية الركعات: إمّا لأجل كون الصلاة مأخوذة بشرط لا عن الزيادة على فرض كونه معقولاً، أو لأجل كون الزيادة مزاحمة بحسب الجعل الشرعي؛ بناءً على ما قلنا في أمثالها(1)، و مع الشكّ كان المرجع البراءة، بعد فرض أنّ عنوان «الصلاة» صادق على المأتيّ بها، فالشكّ بين الأقلّ و الأكثر كسائر الموارد.

مضافاً إلى حديث «لاتعاد»، فإنّه يشمل الزيادة حتّى العمدية، و لم يكن

ص: 369


1- تقدّم في الصفحة 4.

منصرفاً عنها؛ للفرق بين النقيصة التي قلنا فيها بانصرافه عن العمد(1)؛ لأنّ حكم العقلاء فيها البطلان، كما أنّه مقتضى القواعد، و بين الزيادة التي يكون حكم العقل و العقلاء عدم البطلان بها.

و إلى حديث الرفع، فإنّ الحكم مشكوك فيه، فيشمله الحديث.

و البطلان من ناحية تأخير التشهّد و السلام أيضاً ممنوع، فإنّه لا محالة من أجل اشتراط الاتّصال بالركعة الأصلية أو اعتبار نحو وحدة في الأجزاء؛ بحيث لو انفصل التشهّد و السلام تنهدم الوحدة، و كلاهما من قبيل الشكّ في الأقلّ و الأكثر، و يكون مجرى البراءة و مورداً لحديثي «لاتعاد...» و الرفع، بعد صدق الصلاة حتّى مع فقدانهما مطلقاً. هذا بحسب القاعدة.

بيان مقتضى الأخبار الخاصّة

و أمّا بحسب الأخبار ففي موثّقة أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه علیه السلام: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»(2)، و قد مرّ الكلام فيها في أوائل هذه الرسالة(3).

و مجمله: أنّ الأمر فيها دائر بين رفع اليد عن إطلاقها، و حمل الزيادة على زيادة الركعة أو الأركان، و حفظ ظهور «عليه الإعادة» الدالّ على اللزوم، و القول بكونه كناية عن البطلان، و بين حفظ الإطلاق و حمل الجملة على الاستحباب،

ص: 370


1- تقدّم في الصفحة 28 و 355.
2- تهذيب الأحكام 2: 194 / 764؛ وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 2.
3- تقدّم في الصفحة 39.

و لا ترجيح للأوّل، بل الترجيح للثاني؛ لأنّ الأوّل موجب لتخصيص الأكثر، كما أنّ الحمل على العمد(1) مخالف لإطلاقها لو لم نقل بأنّ فيه أيضاً هذا المحذور.

و أمّا ما أفاد شيخنا العلاّمة أعلى اللّه مقامه: من أنّ المراد الركعة، كقوله: «زاد اللّه في عمره»(2)، فقد مرّ الجواب عنه(3).

و في صحيحة زرارة و بكير ابني أعين، عن أبي جعفر علیه السلام قال: «إذا استيقن أنّه قد زاد في صلاته المكتوبة لم يعتدّ بها، و استقبل صلاته استقبالاً إذا كان قد استيقن يقيناً»، كذا عن التهذيبين(4)، و عن «الكافي»(5) كذلك بزيادة «ركعة» بعد قوله: «صلاته المكتوبة».

و هي على رواية «الكافي» تدلّ على المقصود، لكن الشيخ في الكتابين يحكيها عن «الكافي» من دون لفظة «ركعة»، فيدلّ ذلك على اختلاف نسخ «الكافي»، و لعلّ الشيخ أخبر بالواقعة من غيره، و تقديم أصالة عدم الزيادة على عدم النقيصة غير ثابت.

و توهّم: أنّ «الكافي» أضبط(6)، فاسد في المقام، فإنّ الشيخ في الكتابين روى الرواية عن «الكافي».

ص: 371


1- جواهر الكلام 9: 239؛ الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 2: 54.
2- الصلاة، المحقّق الحائري: 312.
3- تقدّم في الصفحة 40.
4- تهذيب الأحكام 2: 194 / 763؛ الاستبصار 1: 376 / 1428.
5- وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 1.
6- مصباح الفقيه، الصلاة 15: 55؛ نهاية الدراية 4: 376.

كما أنّ توهّم: أنّ زيادة الركعة هي القدر المتيقّن من الرواية، فإنّه على رواية الشيخ داخلة فيها(1)، في غير محلّه، فإنّه على روايته لابدّ من التوجيه؛ للزوم تخصيص الأكثر لو قلنا ببطلانها بمطلق الزيادة، فلابدّ من الحمل على العمد أو على الاستحباب و إن كان بعيداً عن قوله: «لايعتدّ بها».

إلّا أن يقال: إنّ مناسبة الحكم و الموضوع، و دلالة بعض الروايات على أنّ الركعة الزائدة موجبة للبطلان:

كصحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه علیه السلام، قال: سألته عن رجل صلّى فذكر أنّه زاد سجدة؟ فقال: «لايعيد صلاة من سجدة، و يعيدها من ركعة»(2).

و رواية عبيد بن زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن رجل شكّ فلم يدرِ أسجد اثنتين أم واحدة، فسجد اُخرى، ثمّ استيقن أنّه قد زاد سجدة؟ فقال: «لا و اللّه لاتفسد الصلاة بزيادة سجدة»، و قال: «لايعيد صلاته من سجدة، و يعيدها من ركعة»(3)، موجبة لترجيح وجود الركعة في النسخة.

و على ذلك يمكن أن يقال: إنّ في صحيحة زرارة احتمالين:

أحدهما: أنّه بصدد بيان الحكم الظاهري، و كان المراد من الاستيقان هو عنوانه مقابل الشكّ، و أنّه بعد ما صلّى إذا كان شاكّاً في الزيادة فلايعتني به؛

ص: 372


1- الصلاة، المحقّق الحائري: 312؛ نهاية الدراية 4: 376.
2- تهذيب الأحكام 2: 156 / 610؛ وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 2.
3- تهذيب الأحكام 2: 156 / 611؛ وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 3.

لقاعدة التجاوز، و إذا استيقن يجب الإعادة، فتكون موثّقة أبي بصير دالّة على أنّ الزيادة - بحسب الواقع - توجب الإعادة، و الصحيحة تدلّ على أنّ الحكم الظاهري مع الشكّ هو عدم وجوب الإعادة، و لو كان إطلاقها شاملاً لأثناء الصلاة، فدلّت على عدم الإعادة مع الشكّ في زيادة الركعة في الأثناء فلا بأس به، و لاينافي ذلك أنّ الوظيفة في بعض الشكوك سجدة السهو مثلاً، كما أنّ إطلاقها يقيّد بالدليل الوارد في بعض الشكوك المبطلة، لكن هذا الاحتمال في الرواية بعيد.

و الأرجح احتمال آخر: و هو أنّ المراد بيان الحكم الواقعي، و أنّ الاستيقان و نحوه من العناوين الطريقية لايحمل على الموضوعية إلّا بدليل، و ليس المراد في الصحيحة إلّا أنّ من زاد ركعة يجب عليه الإعادة؛ من دون دخالة للاستيقان في ذلك بنحو تمام الموضوع أو بعضه، فيكون الظاهر منها أنّ من زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتدّ بها، و مفهومه: أنّه إذا لم يزد ركعة يعتدّ بها، و هي صحيحة، و هو أعمّ من أن لم يزد شيئاً أو زاد ولم يكن الزائد ركعة.

فحينئذٍ لو قلنا بإطلاق الصحيحة بالنسبة إلى الجاهل بالحكم و الناسي له، بعد معلومية خروج الزيادة عمداً عنها، فيخرج من موثّقة أبي بصير الشاملة لمطلق الزيادة - سواء كان عمدية أو سهوية أو جهلية أو نسيانية - ما عدا الزيادة العمدية، و ما عدا الركعة و يبقى الباقي.

و إن قلنا باختصاص الصحيحة بالزيادة السهوية في الموضوع، يبقى في الموثّقة الزيادة العمدية و الركعة، و قد قلنا سالفاً(1): إنّ الزيادة العمدية

ص: 373


1- تقدّم في الصفحة 45 و 296.

- لولا ورود النهي عنها - ليست نادرة، فلا بأس بهذا التقييد.

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ زيادة الركعة مبطلة مطلقاً.

و بإزاء تلك الروايات روايات اُخر، كصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه علیه السلام، قال: سألته عن رجل صلّى الظهر خمساً، فقال: «إن كان لايدري - جلس في الرابعة أم لم يجلس - فليجعل أربع ركعات منها الظهر، و يجلس و يتشهّد، ثمّ يصلّي و هو جالس ركعتين و أربع سجدات، فيضيفها إلى الخامسة، فتكون نافلة»(1).

و صحيحة زرارة: سألته عن رجل صلّى خمساً، فقال: «إن كان جلس في الرابعة قدر التشهّد فقد تمّت صلاته»(2). و نحوها صحيحة جميل بن درّاج(3).

و في تلك الروايات نحو ارتياب؛ من قِبَل أنّ الجلوس بمقدار التشهّد و عدمه بمقداره، تمام الموضوع للصحّة و الفساد بحسبها، مع أنّه ليس بركن، و تركه مع ترك التشهّد لايوجب الفساد، فانتساب الفساد إلى تركه دون زيادة الركعة من البعد بمكان.

و من قِبَل أنّ الركعة الزائدة التي أتى بها بعنوان الفريضة مع ركعة من قيام أو

ص: 374


1- الفقيه 1: 229 / 1017؛ وسائل الشيعة 8: 233، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 7.
2- تهذيب الأحكام 2: 194 / 766؛ وسائل الشيعة 8: 232، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 4.
3- الفقيه 1: 229 / 1016؛ وسائل الشيعة 8: 232، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 6.

ركعتين من جلوس، تصير نافلة مع فقد القصد و تكبيرة الافتتاح، ولكن مع النصّ الصريح الصحيح لا وجه للإشكال.

و العمدة هو إعراض المشهور(1) عنها و قلّة المفتي(2) بها مع صحّتها و أخصّيتها من الروايات المطلقة.

و مع عدم التعارض بين الطائفتين لا وجه للحمل على التقيّة(3) بمجرّد موافقتهم، فلاتصلح لتقييد الروايات.

فالقول بالبطلان بركعة زائدة أو ركعتين هو الأقوى، إلّا فيما إذا صلّى التمام جهلاً في السفر الذي وجب عليه القصر.

عدم وجوب الإعادة على من أتمّ جهلاً بحكم التقصير و الأصل فيه صحيحة زرارة و محمّد بن مسلم، أنّهما قالا: قلنا لأبي جعفر علیه السلام: ما تقول في الصلاة في السفر؟ كيف هي؟ و كم هي؟

فقال: «إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: (وَ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ

جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَوةِ)(4)، فصار القصر في السفر واجباً كوجوب التمام في الحضر».

قالا: قلنا: إنّما قال اللّه عزّ و جلّ: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ)، و لم يقل: افعلوا،

ص: 375


1- راجع مفتاح الكرامة 9: 288.
2- مختلف الشيعة 2: 392.
3- رياض المسائل 4: 209؛ الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 3: 25.
4- النساء (4): 101.

فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟

فقال علیه السلام: «أ و ليس قد قال اللّه عزّ و جلّ: (إِنَّ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّه ِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما)(1)؛ أ لاترون أنّ الطواف بهما واجب مفروض؛ لأنّ اللّه عزّ و جلّ ذكره في كتابه، و صنعه نبيّه صلی اللّه علیه و آله و سلم، و كذلك التقصير شيء صنعه النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم، و ذكره اللّه في كتابه».

قالا: قلنا: فمن صلّى في السفر أربعاً أيعيد أم لا؟ قال: «إن كان قُرِئت عليه آية التقصير و فسّرت له فصلّى أربعاً أعاد، و إن لم يكن قُرِئت عليه و لم يعلمها فلا إعادة عليه...»(2) إلى آخرها.

و دلالتها في الجملة ظاهرة، لكن يحتمل أن يكون لقراءة آية التقصير و تفسيرها بعنوانهما دخالة في الحكم؛ بمعنى أنّ الحكم معلّق على العلم به من ناحية الكتاب و تفسيره، فإذا خالف ذلك يجب عليه الإعادة، و أمّا لو لم تقرأ و لم تفسّر فلا إعادة، ولو علم الحكم من ناحية السنّة، و يؤيّده العناية بذكرهما في المنطوق و المفهوم، و لكنّه بعيد، و لهذا لم يحتملوه.

فالمراد بذلك التعليق على العلم بالحكم و عدمه، و إنّما ذكر الآية و تفسيرها لمسبوقية الكلام بما ذكره زرارة و محمّد، و التعليق على التفسير لأجل عدم ظهور الآية في نفسها في وجوب التقصير لولا تفسيرها عنهم، بل ظاهرها

ص: 376


1- البقرة (2): 158.
2- الفقيه 1: 278 / 1266؛ تفسير العيّاشي 1: 271 / 254؛ وسائل الشيعة 8: 517، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 22، الحديث 2.

الرخصة، بل لها نحو إجمال آخر من ناحية تذييلها بقوله: (إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذينَ كَفَرُوا)(1)، الذي يظهر منه أنّ التقصير لأجل الخوف من العدوّ، كما ذهب إليه جمع(2)، و تمسّك بعضهم كالشافعي(3) بظاهر (لا جُناحَ) و أفتى به، و لذلك و ذاك قال أبو جعفر علیه السلام: «لو قُرِئت عليه آية التقصير و فُسِّرت له».

ثمّ إنّه بعد ما كانت الرواية كناية عن العالم و غيره، فمن المحتمل أن يكون حكم البطلان دائراً مدار العلم الفعلي مع الالتفات إلى الأطراف؛ أي من كان عالماً عامداً بطلت صلاته، و غيره يكون داخلاً في المفهوم، و على ذلك لو نسي الحكم أو الموضوع و صلّى تماماً، لم تبطل بمقتضى المفهوم.

و أن يكون المدار على العلم الفعلي بالحكم، فيدخل في المفهوم السهو عن الموضوع، دون السهو عن الحكم.

و أن يكون المدار على حدوث العلم، فمجرّد العلم بالحكم موضوع للبطلان و لو نسيه فمع النسيان حكماً أو موضوعاً بطلت.

و أن تكون الرواية بصدد بيان حكم العالم و غيره، و خرج النسيان موضوعاً أو و حكماً أيضاً عن مصبّها، و على ذلك لم يكن للشرطية مفهوم.

ثمّ إنّه بإزاء هذه الصحيحة صحيحة العيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن رجل صلّى و هو مسافر، فأتمّ الصلاة؟ قال: «إن كان في

ص: 377


1- النساء (4): 101.
2- المعتبر 2: 455؛ تذكرة الفقهاء 4: 421؛ ذكرى الشيعة 4: 343.
3- المجموع 4: 337 - 339.

وقت فليعد، و إن كان الوقت قد مضى فلا»(1).

و يحتمل فيها أن يكون المورد هو نسيان الموضوع، أو ذلك مع نسيان الحكم أيضاً.

و يحتمل فيها الإطلاق للعمد و العلم و الجهل و النسيان.

فعلى بعض الاحتمالات فيهما لا تعارض بينهما، و هو الاحتمال الأخير في الصحيحة الاُولى و الاحتمال الأوّل في الثانية، فإنّ كلاًّ منهما متعرّض لموضوع غير موضوع الآخر.

و على بعض الاحتمالات تكون النسبة بينهما هي الإطلاق و التقييد.

و على بعضٍ تكون النسبة العموم من وجه، فيتعارضان في الجاهل بالحكم في الوقت، فإنّ مقتضى الاُولى الصحّة، و مقتضى الثانية البطلان.

و قد يقال بأظهرية الصحيحة الاُولى في مفادها، و هو نفي الإعادة في الوقت، من الصحيحة الثانية في شمولها للجاهل، بل الظاهر أنّ مصبّ الثانية هو النسيان(2).

و فيه منع كلا الدعويين:

أمّا الثانية فلإطلاقها، و مجرّد السؤال في بعض روايات الباب(3) عن الناسي، لايوجب أن يكون مصبّ غيره هو النسيان.

و أمّا الاُولى فلأنّ منشأ التوهّم: هو أنّ عنوان الإعادة ممّا يدّعى ظهوره في

ص: 378


1- الكافي 3: 435 / 6؛ وسائل الشيعة 8: 505، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 1.
2- الصلاة، المحقّق الحائري: 324 و 325.
3- سيأتي في الصفحة 381، الهامش 1.

الإتيان ثانياً في الوقت، و هو غير وجيه؛ لما تكرّر منّا: من أنّ عنوانها كناية عن البطلان(1)، و الميزان في ظهور الكلام في مورد الكناية هو المكنّى عنه، و من المعلوم أنّه عنوان واحد مأخوذ فيهما، فلا وجه لدعوى الأظهرية.

و العمدة موافقة الصحيحة الاُولى للشهرة(2)، و هي وجه تقدّمها على الثانية.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّه على جميع الاحتمالات فيهما، يثبت عدم وجوب الإعادة على من أتمّ جهلاً بحكم التقصير.

حكم القصر في مورد الإتمام

و لو صلّى قصراً في مورد يجب عليه التمام، بطلت صلاته بحسب القواعد، و عليه الشهرة على ما نقل(3)، فما في رواية منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه علیه السلام، قال: سمعته يقول: «إذا أتيت بلدة فأزمعتَ المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة، فإن تركه رجل جاهلاً فليس عليه إعادة»(4)، لايصلح للاستناد إليه في الصحّة؛ لضعف سندها(5) و إن وصفه بعض(6) بالصحّة، و لمخالفتها للشهرة.

ص: 379


1- تقدّم في الصفحة 88 و 92 و 102.
2- المعتبر 2: 478؛ ذكرى الشيعة 4: 325؛ روض الجنان 2: 1058.
3- روض الجنان 2: 1059؛ مفتاح الكرامة 10: 622.
4- تهذيب الأحكام 3: 221 / 552؛ وسائل الشيعة 8: 506، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 3.
5- رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن سعد، عن موسى بن عمر، عن علي بن النعمان، عن منصور بن حازم. و الرواية ضعيفة بموسى بن عمر حيث لم يرد في حقّه توثيق. اُنظر رجال النجاشي: 405 / 1075؛ الفهرست، الطوسي: 243 / 721.
6- جواهر الكلام 14: 346؛ الصلاة، المحقّق الحائري: 326.

و قد يقال(1): إنّ الرواية لم تكن ظاهرة في سقوط الإعادة في الوقت عن الجاهل بوجوب التمام؛ لأنّها تدلّ على سقوط الإعادة عمّن ترك التمام في بلد الإقامة جهلاً، و ترك الواجب الموسّع لايصدق إلّا بعدم الإتيان به في مجموع الوقت، فمن علم بالحكم في الوقت بعد تحقّق القصر لم يصدق أنّه ترك التمام جهلاً، نعم تدلّ على سقوط القضاء عنه.

و فيه: أنّ الظاهر الذي لاينبغي الريب فيه هو أنّ المراد من قوله: «ترك التمام» أنّه أتى بالقصر مقام التمام جهلاً.

و بعبارة اُخرى: إنّ جملة «تركه...» إلى آخره في مقابل أتمّ الصلاة، تدلّ على أنّه لو لم يتمّ رجل جهلاً صحّت صلاته. و الأمر سهل بعد ضعفها.

حكم إتمام المسافر نسياناً للحكم أو الموضوع

و لو أتمّ المسافر ناسياً للحكم أو الموضوع، فليُعد في الوقت دون خارجه.

و تدلّ عليه صحيحة العيص(2) المتقدّمة الشاملة بإطلاقها للفرضين، بل لفرض ثالث أيضاً، و هو الإتيان تماماً بحسب عادته و ارتكازه من غير نسيان؛ لا للحكم و لا للموضوع، و لعلّ هذا الفرض أكثر اتّفاقاً، و لهذا شمول الرواية له أوضح.

و أمّا رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه علیه السلام، قال: سألته عن الرجل ينسى فيصلّي في السفر أربع ركعات؟ قال: «إن ذكر في ذلك اليوم فليُعِد، و إن لم يذكر

ص: 380


1- الصلاة، المحقّق الحائري: 326.
2- تقدّم في الصفحة 377 - 378.

حتّى يمضي ذلك اليوم فلا إعادة عليه»(1)، المختصّة بالنسيان سؤالاً و جواباً، فلاتوجب صَرف الصحيحة إلى النسيان.

و دعوى: أنّ مساق الروايات هو النسيان في الموضوع، فنسيان الحكم خارج عنها(2)، في غير محلّها، بعد إطلاق السؤال و عدم الاستفصال في الجواب، و بعد ما سمعت أنّ الأكثر وقوعاً هو الفرض الثالث.

و کيف كان مقتضى الإطلاق هو التفصيل في الفروض المتقدّمة.

و لاتعارضها صحيحة عبيد اللّه بن علي الحلبي، قال: قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام: صلّيتُ الظهر أربع ركعات و أنا في السفر؟ قال: «أعد»(3)؛ لأنّها مطلقة تقيّد بصحيحة العيص.

و قد يقال: إنّ صحيحة الحلبي مخصوصة بالنسيان في الموضوع؛ لعلوّ شأنه عن الجهل بالحكم(4).

و فيه: - مضافاً إلى أنّ عدم جهله بالحكم لايوجب الاختصاص بالنسيان في الموضوع؛ لإمكان السؤال عن الفرض الثالث المتقدّم الذي هو أكثر وقوعاً، و لاينافي وقوعه علوَّ الشأن - أنّ الرواة إنّما أرادوا السؤال عن الحكم الكلّي من

ص: 381


1- تهذيب الأحكام 3: 169 / 373؛ وسائل الشيعة 8: 506، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 2.
2- مصباح الفقيه، الصلاة 17: 302.
3- تهذيب الأحكام 2: 14 / 33؛ وسائل الشيعة 8: 507، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 6.
4- الصلاة، المحقّق الحائري: 324.

غير اختصاص بشخص أو ابتلائه به، كقول زرارة في الصحيحة: «أصاب ثوبي دم رُعاف أو غيره، أو شيء من المنيّ»(1)؛ ضرورة أنّه لايريد إلّا السؤال عن الواقعة من غير ابتلائه بها، كما أنّ قولهم: «رجل شكّ بين الثلاث و الأربع» لايراد به الرجل، كذلك في أمثال المقام - ممّا ينسبون الموضوع إلى أنفسهم - لايريدون الاختصاص، و لايظهر منها ابتلاء الراوي بالواقعة.

و أمّا صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم(2) الواردة في الجاهل بالحكم، فهي و إن احتملنا فيها احتمالات، لكن لايبعد أن يكون الحكم فيها حيثياً من غير إطلاق لغير الجاهل، فالجاهل بالحكم صحّت صلاته، و الناسي و الساهي عن الحكم أو الموضوع يعيد في الوقت دون خارجه، و إن كان الأولى مراعاة الاحتياط في غير النسيان للموضوع.

ص: 382


1- تقدّمت في الصفحة 239.
2- تقدّم في الصفحة 375 - 376.

مسألة فيما لو قصّر المسافر اتّفاقاً

لو قصّر المسافر اتّفاقاً بأن كان آتياً بالعمل باعتقاد الإتمام و بعنوانه؛ لجهله بالحكم أو بالموضوع، و سها و سلّم في الثانية باعتقاد كونها رابعة، و كذا لو أتمّ الحاضر اتّفاقاً؛ بأن كان آتياً بالصلاة بعنوان القصر للجهل أو النسيان، و سها و أتمّ، لم تصحّ صلاته، و تجب عليه الإعادة على قول مشهور، بل المحكيّ(1) عدم الخلاف في الفرض الأوّل.

و أردف بعضهم(2) الآتي كذلك لعذر بالمتعمّد لذلك تشريعاً، لكنّه غير وجيه؛ لعدم إمكان الإتيان بالعمل بقصد الطاعة أو التقرّب مع العلم بالخلاف، و إن أمكن التشريع بمعنى الافتراء و الإتيان بصورة العمل.

و كيف كان، فهل يصحّ العمل مطلقاً بحسب القواعد، أو لا كذلك، أو في المقام تفصيل؟

ص: 383


1- جواهر الكلام 14: 350.
2- مصباح الفقيه، الصلاة 17: 302.

يمكن أن يقال: إنّه إن قلنا في باب القصر و الإتمام: بأنّ كلاًّ منهما متعلّق للأمر، فالصلاة قصراً عنوان متعلّق للأمر بالنسبة إلى المسافر، و تماماً عنوان متعلّق لأمر آخر بالنسبة إلى الحاضر، و قلنا مع ذلك: بأنّ صحّة العبادة موقوفة على قصد الطاعة المتوقّف على الأمر، فلا محالة يكون المسافر الآتي بعنوان التمام جهلاً، قاصداً للأمر المتوهّم تعلّقه بالتمام، فلایعقل تصحيحها؛ لأنّه لم يأتِ بالمأمور به، و لم يكن قاصداً لإطاعة أمر المولى، فما أتى به بعنوانه غير مأمور به، و ما هو المأمور به لم يأتِ به.

و توهّم: كون الداعي له هو الأمر الواقعي، و الخطأ إنّما هو في التطبيق(1)، غير صحيح في الفرض؛ لأنّ الداعي له لايعقل أن يكون الأمر الذي يقطع بعدم وجوده، و ما هو الداعي ليس إلّا توهّم الأمر، لا الأمر الواقعي، و قد قلنا في غير المقام: إنّ الانبعاث لايكون في مورد من الموارد من الأمر الباعث إنشاء، بل مع القطع بأمر المولى يكون الباعث للإطاعة مبادئ اُخر موجودة في المكلّف، كالخوف من العقاب، أو الرجاء للثواب، أو غيرهما من المبادئ(2)، و مع تخيّل الأمر يتحقّق الانبعاث بواسطة تحقّق المبادئ.

و بالجملة: إنّ حديث الخطأ في التطبيق مع كون الداعي هو الأمر الواقعي لاينطبق على هذا الفرض.

و إن قلنا: بأنّ الأمر متعلّق بعنوان صلاة الظهر - مثلاً - و طبيعتها، و القصر و الإتمام كيفيتان في المأمور به، نظير الترتيبي و الارتماسي بالنسبة إلى غسل

ص: 384


1- مصباح الفقيه، الصلاة 17: 303 - 304.
2- مناهج الوصول 1: 187 و 192؛ أنوار الهداية 2: 120 - 121.

الجنابة، فإنّ الأمر المتعلّق بطبيعة الغسل واحد، و له في مقام الإتيان كيفيتان، و ليس للترتيبي أمر و للارتماسي أمر آخر.

يصحّ أن يقال: إنّ المكلّف قاصد للأمر الواقعي المتعلّق بطبيعة صلاة الظهر، و أخطأ في مقام الامتثال بتطبيقه على إحدى الكيفيتين، فأتى بعنوان التمام بتوهّم أنّ تكليفه الإتيان بها بهذه الكيفية، فإذا سها و سلّم في الثانية صحّت صلاته؛ لكونه آتياً بالمأمور به مع كون داعيه الأمر الواقعي، و كذا الحال في العكس.

هذا إذا قلنا بأنّ صحّة العبادة متوقّفة على قصد الإطاعة و الأمر(1).

و أمّا إن قلنا بعدم الحاجة إليه، بل الإتيان بها بقصد القربة و الخلوص مجزٍ و إن لم يكن لها أمر(2)، كما في باب التزاحم لو قلنا بسقوطه، أو كان الأمر ولكن لم يقصده، و كان الداعي هو التقرّب، فتصحّ صلاته أيضاً، فإنّ الآتي بصلاة الظهر بعنوان التمام للّه تعالى، إذا سلّم في الثانية فقد أتى بصلاة مأمور بها متقرّباً إلى اللّه تعالى، و لاتتوقّف الصحّة إلّا على ذلك، نعم لو قلنا بأنّ كلاًّ من عنواني القصر و الإتمام دخيل في المأمور به، و لابدّ من قصده، فلايمكن التصحيح، لكنّه ممّا لا دليل عليه.

ثمّ إنّ الظاهر عدم تعدّد الأمر في القصر و الإتمام؛ بمعنى أنّه لم يكن لصلاة التمام أمر بعنوانها، و لا للقصر كذلك، بل الأمر متعلّق بنفس الصلاة و طبيعتها، و الأمر الآخر يستفاد منه كيفيتها بالنسبة إلى المسافر أو الحاضر، و الأصل فيه

ص: 385


1- زبدة الاُصول: 121؛ قوانين الاُصول 1: 159 / السطر 10؛ رياض المسائل 3: 194؛ جواهر الكلام 9: 155.
2- كفاية الاُصول: 166.

الآية الكريمة: (وَ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَوةِ)(1)، و مفادها بضميمة صحيحة زرارة و محمّد بن مسلم(2)، أنّه يجب تقصير الصلاة التي اُمر بها، لا وجوب الصلاة تقصيراً مستقلاًّ و تماماً كذلك، فالأمر واحد، و كيفية الإتيان على نحوين، نظير الغسل كما أشرنا إليه(3)، فعلى ذلك مقتضى القاعدة الصحّة، فلو استكشفنا - من عدم الخلاف في المسألة - أنّ الحكم بحسب الشرع كذلك، فلا كلام، و إن قلنا بأنّ للعقل دخالة في المسألة، و في مثله لايمكن استكشاف حكم شرعي مستقلّ من الإجماع، فضلاً عن عدم الخلاف، فلا محالة يحكم بصحّتها، و طريق الاحتياط معلوم و مطلوب.

ص: 386


1- النساء (4): 101.
2- تقدّم في الصفحة 375 - 376.
3- تقدّم في الصفحة 384 - 385.

مسألة في الإخلال بزيادة ركوع أو سجدتين من ركعة

اشارة

لو زاد ركوعاً أو سجدتين، فهل توجب هذه الزيادة بطلان الصلاة أو لا؟

يمكن الاستدلال لطرفي القضيّة باُمور:

أدلّة الصحّة

أمّا للثاني فبأنّ عدم الإعادة على القواعد؛ كقاعدة البراءة العقلية، فإنّ الحكم بالإعادة: إمّا لأجل تقييد الصلاة بعدم زيادة الركن؛ بناء على جواز مثل هذا التقييد، أو لأجل جعل المزاحمة بينهما، و الشكّ في كلٍّ منهما مجرى البراءة، حتّى في الزيادة العمدية، و كقاعدة «لاتعاد» فإنّ إطلاقها يقتضي الصحّة حتّى مع العمد، كما أشرنا إليه سابقاً، و قلنا بالانصراف عن العمد في جانب النقيصة لا الزيادة(1)، و قلنا: إنّ مقتضى ذيل الحديث أنّ الزيادة لو فرض إيجابها للبطلان،

ص: 387


1- تقدّم في الصفحة 28 و 297 و 355.

إنّما ثبتت بالسنّة، و السنّة لاتنقض الفريضة(1)، و لو سُلّم عدم الجريان في العمد فلا ريب في جريانها في موارد العذر، كالجهل و النسيان و نحوهما، و كحديث الرفع في مثل الجهل حكماً أو موضوعاً أو نسياناً.

و يمكن الاستدلال للصحّة أيضاً بجملة من الروايات:

منها: صحيحة زرارة و بكير ابني أعين المتقدّمة(2) على نسخة «الكافي» قال: «إذا استيقن أنّه قد زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتدّ بها...» إلى آخرها، فإنّ مفهومه الصحّة مع عدم زيادة الركعة؛ سواء زاد ركوعاً أو سجوداً، و على نسخة «التهذيب» يتشبّث بإطلاقها على البطلان.

و منها: صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه علیه السلام، قال: سألته عن رجل صلّى، فذكر أنّه زاد سجدة؟ فقال: «لايعيد صلاة من سجدة، و يعيدها من ركعة»(3)، فإنّها تدلّ على أنّ ما يوجب البطلان زيادة ركعة؛ إذ لو كانت السجدتان بوحدتهما، أو الركوع بوحدته توجب البطلان، كان ذكر الركعة بلا وجه، بل مع إبطال الركوع لايعقل انتساب البطلان إلى الركعة؛ فإنّ البطلان عارض قبل تحقّقها دائماً، و حمل الركعة على الركوع(4) خلاف الظاهر.

ص: 388


1- تقدّم في الصفحة 33 - 34.
2- تقدّمت في الصفحة 371.
3- تهذيب الأحكام 2: 156 / 610؛ وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 2.
4- جواهر الكلام 12: 260؛ الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 3: 26؛ نهاية التقرير 2: 425.

و قريب منها موثّقة عبيد بن زرارة. قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن رجل شكّ فلم يدرِ أسجد ثنتين أم واحدة، فسجد اُخرى، ثمّ استيقن أنّه قد زاد سجدة؟ فقال: «لا و اللّه لاتفسد الصلاة بزيادة سجدة»، و قال: «لايعيد صلاته من سجدة و يعيدها من ركعة»(1) و الوجه في دلالتها كسابقتها.

إلّا أن يقال: إنّ في عبارة الرواية قرينة تدلّ على أنّ المراد بالركعة الركوع، فإنّ قوله في الجواب: «لا و اللّه لاتفسد الصلاة زيادة سجدة» لا إبهام فيه، و يدلّ على المقصود بلا شبهة، فقوله بعد ذلك: «لايعيد صلاته...» إلى آخرها أتى به لإفادة أمر زائد، و هو أنّ السجدة الواحدة لاتبطلها، فتدلّ بمفهوم القيد على أنّ السجدتين مبطلتان، فإذا دلّت على ذلك لايعقل أن تكون الركعة بتمامها دخيلة في البطلان، فإنّ الزائد على سجدتين غير دخيل، و هذا قرينة على أنّ المراد هو الركوع ليصحّ الكلام، فكأنّه قال: السجدتان مفسدتان، و كذا الركوع، و إنّما لم نقل ذلك في الرواية الاُولى؛ لإمكان أن يقال فيها: بأنّ ذكر سجدة لأجل وقوعها في كلام السائل، و هذه النكتة تمنع عن فهم المفهوم، و أمّا في الثانية، فبعد ما تمّ جوابه أتى بجملة اُخرى زائدة على ذلك، فتفيد المفهوم، و معه يتمّ ما ذكرنا من الدلالة.

و لو قيل: بأنّ الجملة الاُولى بمنزلة الكبرى الكلّية و جواب السؤال في الجملة الثانية.

يقال: مع كفاية الكبرى الكلّية في المقصود لا احتياج إلى بيان الصغرى،

ص: 389


1- تهذيب الأحكام 2: 156 / 611؛ وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 3.

مضافاً إلى أنّ ذلك أيضاً كافٍ في الدلالة التي رُمْناها، فإنّ دلالة الكبرى الكلّية على البطلان بالسجدتين بالمفهوم كافية في القرينية، و إنّما لم نقل بهذه الدلالة، بناء على كون المقصود جواب السؤال بنفس هذه الجملة، و أمّا إذا كان الجواب في الجملة الثانية، و كانت الجملة الاُولى كبرى شرعية منطبقة على الثانية، فلا قصور في الدلالة على المفهوم.

و بالجملة: لاينبغي الإشكال في فهم العرف - من مثل هذه الجملة و هذا القيد - للمفهوم؛ إذ لو كانت طبيعة السجدة غير مبطلة فلا وجه للتقييد بالوحدة، و الميزان هو الفهم العرفي و إن فرض إنكار المفهوم بحسب الصناعة، كما هو كذلك حتّى في مفهوم الشرط، و على ذلك يمكن أن تكون تلك الرواية شاهدة على أنّ المراد بالركعة في الصحيحة أيضاً الركوع.

أدلّة البطلان

و أمّا للأوّل - أي البطلان بزيادة الركوع أو السجدتين - فيمكن الاستدلال بالنسبة إلى زيادة الركوع بجملة من الروايات:

منها: رواية معلّى بن خنيس، قال: سألت أبا الحسن الماضي علیه السلام عن الرجل ينسى السجدة من صلاته، قال: «إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها، و بنى على صلاته، ثمّ سجد سجدتي السهو بعد انصرافه، و إن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة، و نسيان السجدة في الأوّلتين و الأخيرتين سواء»(1).

ص: 390


1- تهذيب الأحكام 2: 154 / 606؛ وسائل الشيعة 6: 366، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 5.

وجه الدلالة: أنّه لو كانت زيادة الركوع - على تقدير العود لتدارك السجدة - غير مبطلة كزيادة القراءة و القيام، لم يكن وجه لبطلان الصلاة في مفروض الجواب، فالوجه للبطلان لزوم زيادة الركن - أي الركوع - لو رجع لتدارك السجدة.

و توهّم أنّ الزيادة في المورد عمدية، فاسد؛ ضرورة أنّ الركوع الأوّل إنّما أتى به لأجل تخيّل كونه في محلّه، و أنّه ركوع الصلاة، و إنّما يتّصف بالزيادة بعد الإتيان بالركوع الثاني في محلّه، فالثاني عمدي، و ليس بزائد، بل هو ركوعه الصلاتي، و الأوّل يتّصف بالزيادة بعد تحقّق الثانية و لم يكن إيجاده عمدياً، نعم منشأ انتزاع الزيادة عنه عمدي؛ أي الركوع الثاني.

و بهذا يظهر: أنّ ما قال بعضهم في غير موردٍ: من أنّ دليل بطلان العمل بالزيادة، كقوله: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»(1) لم يشمل ما انتزعت الزيادة عن العمل بعد وجوده، ففي مثله لا دليل على بطلانه(2).

غير وجيه؛ لدلالة هذه الرواية و الروايات الآتية على ذلك، و هذه الرواية و إن كانت دلالتها ظاهرة، لكنّها مرسلة، و فيها ضعف.

و منها: صحيحة إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد اللّه علیه السلام: في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتّى قام، فذكر و هو قائم أ نّه لم يسجد، قال: «فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد، فليمضِ على

ص: 391


1- تهذيب الأحكام 2: 194 / 764؛ وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 2.
2- نهاية التقرير 2: 437.

صلاته حتّى يسلّم، ثمّ يسجدها، فإنّها قضاء»(1) و نحوها غيرها(2).

وجه الدلالة على أنّ زيادة الركوع مبطلة و ليست كزيادة القراءة و القيام: هو أنّ زيادة الركوع لو لم تضرّ بالصلاة، و كانت كزيادة القراءة، لم يكن وجه للخروج به عن محلّ السجدة؛ حتّى يجب المضيّ و قضاء السجدة.

و بالنسبة إلى زيادة السجدتين بجملة من الروايات:

منها: صحيحة رفاعة، عن أبي عبد اللّه علیه السلام، قال: سألته عن رجل نسي أن يركع حتّى يسجد و يقوم؟ قال: «يستقبل»(3)، و قريب منها غيرها(4)، و هي تدلّ على أنّ زيادة السجدتين مبطلة، و إلّا لم يكن وجه للاستقبال، بل كان يجب العود لتدارك الركوع ثمّ السجدتين.

و توهّم: أنّ الزيادة هنا - على فرض العود لتدارك المنسيّ - عمدية، قد مرّ بيان فساده(5).

و أمّا الاستدلال برواية أبي بصير: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» و برواية

ص: 392


1- تهذيب الأحكام 2: 153 / 602؛ وسائل الشيعة 6: 364، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 1.
2- راجع وسائل الشيعة 6: 364، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 2 و 8.
3- الكافي 3: 348 / 2؛ تهذيب الأحكام 2: 148 / 581؛ وسائل الشيعة 6: 312، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 1.
4- راجع وسائل الشيعة 6: 312، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 2 و 3.
5- تقدّم في الصفحة 391.

زرارة و بكير على رواية «التهذيب»، فقد مرّ الكلام فيه مستقصىً فيما سبق(1)، و فصّلنا القول فيهما و في نسبتهما مع حديثي «لاتعاد» و الرفع، فلانطيل.

فبطلان الصلاة بزيادة الركوع أو السجدتين لاينبغي الإشكال فيه، لا لمجرّد الإجماع و الشهرة، بل لدلالة تلك الروايات عليه، فما قيل: من أنّه لا دليل عليه إلّا الإجماع(2)، في غير محلّه، و إن كان الإجماع بل الشهرة في مثله حجّة كافية لولا الروايات.

ص: 393


1- تقدّم في الصفحة 39 - 56.
2- مصباح الفقيه، الصلاة 15: 56.

مسألة في صور الإخلال بترك السجدتين و حكمها

اشارة

لو علم بترك السجدتين و لم يدرِ أنّهما من ركعة واحدة أو من ركعتين فللمسألة صور:

الصورة الاُولى: ما إذا علم بذلك بعد الفراغ من الصلاة و الإتيان بالمنافي كالاستدبار و نحوه.

و ليعلم أوّلاً: أنّ العلم الإجمالي في المقام و أكثر الموارد المبحوث عنها إنّما هو العلم بالحجّة.

و إن شئت قلت: علم بالواقع الثابت من قِبَل الأدلّة الشرعية كالأمارات و نحوها، لا العلم الفعلي بالتكليف الواقعي الفعلي الذي لايرضى المولى بتركه، و لايحتمل فيه الخطأ و التخلّف.

و الفرق بينهما - كما بيّنّا في محلّه - أنّ الثاني لايمكن فيه احتمال الترخيص في أحد الأطراف، فضلاً عن جميعها؛ لأنّ احتماله مساوق لاحتمال اجتماع

ص: 394

النقيضين، و المبحوث عنه في الغالب - إلّا ما شذّ - هو الأوّل، و في مثله يجوز الترخيص في جميع الأطراف، فضلاً عن بعضها، فيكشف ذلك عن عدم الفعلية مطلقاً، أو على بعض التقادير، و ما نحن فيه من قبيله.

فلو أدّى مقتضى الأدلّة إلى مخالفة العلم الإجمالي في بعض الأطراف، لايصحّ ردّه بلزوم المحال على تقدير، و أنّ الترخيص في المعصية غير ممكن، فإنّ ذلك في الفرض الثاني لا الأوّل، و التفصيل في مقامه(1).

و كيف كان، فهل يجب في الصورة المفروضة إعادة الصلاة و قضاء السجدتين و الإتيان بسجدة السهو، أو عليه إعادتها فقط، أو قضاؤهما و السجود للسهو فقط؟ وجوه.

فمع قطع النظر عن القواعد و الاُصول، يكون مقتضى العلم الإجمالي الأوّل، و أمّا مع النظر إليها فلابدّ أوّلاً من النظر إلى القواعد و الاُصول الحاكمة، كقاعدة التجاوز و الفراغ، ثمّ إلى المحكومة فالمحكومة.

فلو قلنا(2) بأنّ هنا قاعدتين:

قاعدة الفراغ، و هي أصالة الصحّة المؤسّسة للحكم بالصحّة، عند الشكّ فيها بعد الفراغ من العمل.

و قاعدة التجاوز المؤسّسة للحكم بالصحّة، عند احتمال ترك ما يعتبر وجوده، أو فعل ما يعتبر عدمه بعد التجاوز عن محلّه.

و قلنا أيضاً بحكومة قاعدة التجاوز على قاعدة الفراغ؛ لأنّ الشكّ في الصحّة

ص: 395


1- تهذيب الاُصول 2: 353، و 3: 178 - 179.
2- درر الفوائد، المحقّق الخراساني: 395؛ نهاية الأفكار، القسم الثاني 4: 45.

و الفساد، ناشئ عن الشكّ في ترك ما يعتبر وجوده أو فعل ما يعتبر عدمه.

وقع التعارض بين قاعدة التجاوز في أطراف العلم، و بقيت قاعدة الفراغ بلا معارض، و مقتضاها صحّة العمل.

فحينئذٍ لو قلنا بأ نّها أمارة على الواقع(1)، فتكشف عن عدم ترك السجدتين من ركعة واحدة و عن تركهما من ركعتين، فيجب عليه قضاؤهما و سجدة السهو، و ينحلّ بذلك العلم الإجمالي.

و إن قلنا بأنّها أصل لايترتّب عليها إلّا صحّة العمل(2)، فلابدّ من الإتيان بقضائهما و السجود؛ لئلاّ تلزم المخالفة القطعية.

إلّا أن يقال: إنّ القاعدة معارضة باستصحاب عدم وجوب قضاء السجدة و عدم وجوب سجدة السهو، فإنّه جارٍ بعد سقوط قاعدة التجاوز الحاكمة أو المتقدّمة عليه، و هو في عرض قاعدة الفراغ؛ لعدم حكومتها عليه، و مع سقوطهما بالتعارض تصل النوبة إلى الأصل المحكوم، كأصالة بقاء وجوب الصلاة، و قاعدة البراءة عن وجوب القضاء و سجود السهو، و يأتي تتمّة لذلك.

لكن التحقيق: أنّ قاعدة الفراغ ليست قاعدة مجعولة برأسها، بل قد ذكرنا في محلّه امتناع ذلك، فراجع مظانّه(3).

كما أنّ التحقيق: عدم حكومة قاعدة التجاوز عليها على فرض تأسيسها؛ و ذلك لعدم مناط الحكومة هنا على ما ذكرنا في محلّه: من لزوم كون الترتّب

ص: 396


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 618.
2- نهاية الأفكار، القسم الثاني 4: 36.
3- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 350.

شرعياً، و لايجدي مجرّد السببية و المسبّبية(1).

فعلى ما هو التحقيق من وحدة القاعدة - و هي قاعدة التجاوز - فبعد سقوطها بالتعارض في أطراف العلم، تصل النوبة إلى اُصول اُخر من الحكمية و الموضوعية و الحاكمة و المحكومة، كأصالة بقاء وجوب الصلاة عليه، و أصالة عدم وجوب قضاء السجدة و سجدة السهو، و أصالة الاشتغال بتكليف الصلاة، و أصالة البراءة عن القضاء و سجود السهو.

لكن تلك الاُصول الحكمية محكومة لاُصول اُخر، فإنّ الشكّ في بقاء حكمها و وجوبها و اشتغال الذمّة بها، مسبّب عن الشكّ في صحّة المأتيّ به و فساده، و عن الشكّ في عروض البطلان عليه، و استصحاب صحّته و عدم عروض المبطل محقّق لمصداق المأمور به، و موجب لسقوط التكليف و سلب الاشتغال، مع أنّ قاعدة الاشتغال محكومة لاستصحاب بقاء التكليف، و كذا استصحاب عدم تحقّق موجب القضاء و سجود السهو حاكم على استصحاب عدم الوجوب، فضلاً عن البراءة، و لازم ذلك صحّة الصلاة و عدم وجوب القضاء، و الأصلان متعارضان؛ للعلم الإجمالي بوجوب إعادة الصلاة أو قضاء السجدتين.

لكن استصحاب الصحّة و عدم عروض المبطل محكوم لأصل آخر، فإنّ الشكّ في الصحّة و عروض المبطل مسبّب عن الشكّ في ترك السجدتين من ركعة، و استصحاب عدم الإتيان بهما في ركعة، أو استصحاب عدم الثانية فيها بعد العلم بوجود سجدة، محقّق لموضوع مستثنى «لاتعاد» بعد خروج

ص: 397


1- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 158 و 278.

سجدة واحدة عنه بالدليل، و ليس عنوان الترك موضوعاً حتّى يناقش فيه من جهة المثبتية.

و أمّا موجب قضاء السجدة و سجدة السهو فهو ترك السجدة المنفردة أو الواحدة.

و قد يتوهّم: جريان استصحاب عدم السجدة الواحدة و المنفردة، و هو حاكم على الأصل الحكمي و على أصل عدم الموجب على احتمال.

و فيه: أنّ الأصل المذكور مثبت على فرض، و غير تامّ الأركان على فرض آخر، فإنّ المستصحب إن كان نفس عدم السجدة، و اُريد إثبات الحكم لعدم السجدة الواحدة و المنفردة، فهو مثبت.

و إن كان عدم السجدة المنفردة و الواحدة - أي الموصوف بما هو كذلك - فلا حالة سابقة له؛ لأنّ الأعدام لايعقل اتّصافها بأمر وجودي أو عدمي عقلاً، و لاتتّصف بهما عرفاً، و هذا بوجه نظير استصحاب عدم القرشية الذي فصّلناه بما لا مزيد عليه، و أثبتنا عدم جريانه؛ لا بنحو القضيّة المعدولة، و لا بنحو الموجبة السالبة المحمول، و لا بنحو السالبة المحصّلة، فراجع(1).

فتحصّل ممّا ذكر: وجوب الإعادة و عدم وجوب قضاء السجدتين و سجدة السهو؛ للأصل الحكمي و انحلال العلم الإجمالي ولو حكماً.

بل يمكن أن يقال: إنّ قضاء السجدة و سجدة السهو مترتّبان على الصلاة الصحيحة، كما يظهر من عنوان القضاء، فإنّ قضاء السجدة هو الإتيان بها بعد

ص: 398


1- مناهج الوصول 2: 233 - 236؛ أنوار الهداية 2: 101؛ الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 112.

الصلاة الصحيحة، بل سجدة السهو أيضاً كذلك، و لولا صحّة الصلاة لما وجبا.

و يظهر ذلك أيضاً من الروايات(1) الواردة في المسألة؛ من الأمر بالمضيّ و الإتمام، ثمّ قضائها و الإتيان بالسجدة للسهو، فحينئذٍ مع استصحاب عدم الإتيان بالسجدتين في الركعة، يحرز البطلان و تنتفي الصحّة، و به ينتفي موضوع القضاء و سجدة السهو.

و ما في بعض الكلمات: من أنّهما لاتترتّبان على الصلاة الصحيحة، بل دليلهما أحكام حيثية(2)، ممّا لايمكن موافقته.

و عليه فاستصحاب عدم الإتيان بالسجدتين في ركعة، مقدّم على استصحاب عدم وجوب القضاء و عدم وجوب سجود السهو، و على أصل البراءة عن وجوبهما، ولو منعنا التقدّم - كما يأتي(3) - فجريان جميعها موجب للحكم بالبطلان و عدم لزوم القضاء، و الأمر سهل.

الصورة الثانية: ما إذا علم إجمالاً بعد الفراغ و قبل الإتيان بالمنافي.

فحينئذٍ إن لم يحتمل ترك كلتيهما من الركعات غير الأخيرة؛ بأن احتمل أنّه إمّا تركهما من الأخيرة، أو ترك إحداهما منها و الاُخرى من الركعات السابقة،

ص: 399


1- راجع وسائل الشيعة 6: 365، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 1، 2، 4 و 5.
2- الصلاة، المحقّق الحائري: 340.
3- يأتي في الصفحة 403.

فعلى القول(1) بأنّه مع تركهما من الأخيرة يقع التشهّد و السلام في غير محلّهما، و وجب الإتيان بهما ثمّ الإتمام، يجب عليه بحكم العلم الإجمالي الإتيان بهما و الإتمام ثمّ قضاء السجدة مرّتين، و كذلك سجدة السهو، فإنّه لايحتمل في الفرض بطلان الصلاة، بل يعلم إجمالاً بأنّه يجب عليه إمّا هذا أو ذاك.

إلّا أن يقال: إنّ استصحاب عدم الإتيان بهما في الأخيرة، أو استصحاب عدم السجدة الثانية بعد العلم بالإتيان بالاُولى، يوجب انحلال العلم ولو حكماً، فإنّه بعد الاستصحاب يرتفع الإجمال، و يعلم بوجوب الإتيان بهما تفصيلاً ولو بحسب الحكم الظاهري، و يشكّ في وجوب القضاء و السجود للسهو، فيستصحب عدمهما، كما هو مقتضى البراءة أيضاً، و إن احتمل ترك كلتيهما من غير الأخيرة، فيجري استصحاب عدمهما، و يترتّب عليه البطلان، و ينحلّ العلم، فيجب عليه الإعادة، و يرتفع موضوع القضاء و سجود السهو كما مرّ(2)، مع أنّه موافق لأصل البراءة و الأصل الحكمي.

الصورة الثالثة: ما إذا علم في أثناء الصلاة بعد ما لم يمكن التدارك.

كما لو كان بعد الركوع الثالث، فلم يدرِ أنّه تركهما من الركعة الثانية أو من الاُولى، أو ترك من كلٍّ منهما سجدة، فيعلم إمّا بوجوب الاستئناف، أو وجوب القضاء و سجود السهو.

ص: 400


1- مصباح الفقيه، الصلاة 15: 113.
2- تقدّم في الصفحة 398 - 399.

ففي هذه الصورة أيضاً يجري استصحاب عدم الإتيان بالسجدة الثانية في ركعةٍ ترك فيها سجدة واحدة يقيناً، أو استصحاب عدم الإتيان بهما إذا كان أحد أطراف العلم احتمال عدمهما في ركعة، و يوجب الحكم بالبطلان و رفع موضوع القضاء و السجود، كما مرّ(1).

إن قلت: إنّ العلم الإجمالي متعلّق بواجب مردّد بين المطلق و المشروط، فإنّ وجوب القضاء مشروط بإتمام الصلاة، فلم يكن علم إجمالي بتكليف مطلق على أيّ حال، و في مثله يجوز إجراء قواعد الشكّ، فيحكم بعدم وجوب الإعادة، و كذا القضاء، و مخالفة أحدهما للواقع غير مضرّ لأنّها لا ترجع إلى مخالفة التكليف الفعلي القطعي(2).

قلت: كون الواجب مردّداً بين المطلق و المشروط محلّ إشكال، بل منع؛ لأنّ التكليف بالقضاء مشروط بالنسبة إلى الركوع و المفروض تحقّقه، و أمّا بالنسبة إلى إتمام الصلاة فليس مشروطاً، بل الظاهر أنّه معلّق على الفراغ من الصلاة، فإنّ وجوب القضاء يترتّب على الفوت، و هو حاصل بمجرّد الركوع، لكن محلّ الواجب ما بعد الفراغ، فالوجوب فعلي و إن كان الواجب استقبالياً.

و الأخبار الواردة(3) في قضائها مختلفة الظاهر؛ ففي بعضها يشبه أن يكون مشروطاً، و في بعضها يشبه أنّه مطلق، لكن محلّ وجوده بعد الصلاة، لكن القرينة المذكورة - أي لزوم ترتّب القضاء على الفوت و عدم اشتراطه بأمر آخر

ص: 401


1- تقدّم في الصفحة 398 - 399.
2- اُنظر الصلاة، المحقّق الحائري: 341.
3- راجع وسائل الشيعة 6: 364، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14.

غيره - قاعدة تكشف عن المراد من الأخبار، بل في دلالة ما ذكر على الوجوب المشروط إشكال، فليرجع إليها، فلانحتاج إلى الجواب عن الإشكال: بأنّ الواجب المشروط كالمطلق في قبح الترخيص(1).

ولكن في المقام يمكن أن يقال: بجواز قطع الصلاة ليرتفع موضوع القضاء؛ لعدم الدليل على حرمته في مثل المقام.

و لو أتى بها رجاء يأتي فيها ما مرّ؛ لأنّ ذلك تبعيد للمسافة، مع أنّه بما ذكرنا من اقتضاء الأصل البطلان، ينسدّ باب الإتيان بالصلاة رجاء ليترتّب عليه عدم القضاء، بل يرتفع موضوعه بالحكم بالبطلان، فتدبّر.

الصورة الرابعة: ما لو علم بذلك بعد تجاوز المحلّ - على جميع الاحتمالات - قبل الدخول في الركن، كما لو علم حال التشهّد.

فحالها حال الصور السابقة؛ من بطلان الصلاة، و وجوب إعادتها، و عدم وجوب غيرها من القضاء و سجدة السهو عليه.

و ربّما يقال(2) في مطلق الموارد التي كان أحد الاحتمالات البطلان؛ سواء كان بعد الفراغ أو قبله: بأنّ مقتضى كون وجوب القضاء و سجود السهو مترتّباً على الصلاة الصحيحة، تقدّم قاعدة التجاوز - المثبتة للصحّة - على ما يترتّب عليها نفي القضاء و سجود السهو؛ لكون ما يوجب الصحّة جارياً في موضوع ما

ص: 402


1- الصلاة، المحقّق الحائري: 341.
2- المستند في شرح العروة الوثقى، ضمن موسوعة الإمام الخوئي 19: 168 - 170.

ينفي القضاء و سجود السهو، فالقاعدة الجارية في الشكّ في السجدتين معاً حاكمة على غيرها، فإذن جريانها لإثبات الصحّة لا مزاحم له؛ إذ لم يحرز الصحّة إلّا به، و بعد جريانها و إثبات الصحّة بها، تصل النوبة إلى إجرائها بالنسبة إلى سجدة واحدة، و لازم إجرائها فيها مخالفة العلم الإجمالي قطعاً، فترفع اليد عنها، و يحكم بوجوب القضاء و سجود السهو.

و بعبارة اُخرى: إنّ الأصل الجاري في السجدتين في رتبة مقدّمة لايزاحمه العلم الإجمالي؛ لعدم لزوم المخالفة القطعية، و لا الأصل الذي في سائر الأطراف؛ لعدم جريانه في هذه الرتبة؛ لترتّبه على إحراز الصحّة، فيحكم بالصحّة، و أمّا سائر الاُصول فساقطة؛ لمكان المخالفة القطعية.

و فيه: أنّ ما ذكرنا سابقاً: من أنّ القضاء و سجود السهو مترتّبان على الصلاة الصحيحة بحسب الأدلّة و الاعتبار(1)، لايلزم منه تقدّم الاُصول بعضها على بعض؛ لعدم الترتّب بين موضوعاتها، و هي الشكّ بعد التجاوز، مع أنّه على فرض الترتّب العقلي، كالأصل السببي و المسبّبي، لايكون الأصل السببي مقدّماً؛ لما قرّر في محلّه: من أنّ ملاك التقدّم أمر آخر(2)، على أنّه لا ترتّب في المقام.

و أمّا عدم جريان الأصل لإثبات القضاء إلّا في الصلاة الصحيحة، فلاينافي الجريان عرضاً بالنسبة إلى السجدتين و السجدة الواحدة لإثبات الصحّة و القضاء في رتبة واحدة.

و بعبارة اُخرى: لايتوقّف جريان الأصل بالنسبة إلى السجدة الواحدة، على

ص: 403


1- تقدّم في الصفحة 398 - 399.
2- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 158 و 278.

ثبوت الصحّة مقدّماً على جريان الأصل الآخر، بل ما يوجب رفع لغوية الأصل هو عدم ثبوت القضاء في الصلاة الباطلة، و اللغوية مرتفعة إذا ثبت القضاء و الصحّة في وقت واحد أو رتبة واحدة؛ من غير لزوم التقدّم الزماني أو الرتبي.

فإذن الأصلان جاريان معاً مع الغضّ عن العلم الإجمالي، و يثبت بأحدهما الصحّة و بالآخر القضاء في زمان واحد، بل في رتبة واحدة، و لمّا كان الإجراء في الجميع مخالفاً قطعياً للعلم سقطا جميعاً، و بعده يحكم بالإعادة؛ لاستصحاب عدم سجدتين في ركعة، أو عدم سجدة مع العلم بعدم سجدة اُخرى، و بعدم وجوب القضاء و السهو للأصل، كما مرّ.

الصورة الخامسة: ما إذا لم يتجاوز المحلّ الشكّي في بعض الأطراف.

كما لو شكّ في حال الجلوس قبل الدخول في التشهّد في أنّه ترك السجدتين من هذه الركعة أو من ركعة سابقة.

فمقتضى قاعدة التجاوز في ما مضى و استصحاب عدم الإتيان في ما بقي محلّه و قاعدة الشغل، بل مقتضى بعض الروايات، هو الإتيان بالسجدتين، و لا شيء عليه.

ولكن الشيخ الأعظم بنى على عدم جريان قاعدة التجاوز، فيما إذا كان الفائت مردّداً بين ما بقي محلّه و بين ما تجاوز، و تمسّك بعد ذلك بأصالة عدم المبطل، و أوجب قضاء سجدة واحدة حذراً عن المخالفة القطعية(1).

ص: 404


1- أحكام الخلل في الصلاة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 9: 270.

و تبعه في عدم الجريان بعض الأعيان قائلاً: بأنّه ليس ببعيد بالنسبة إلى منصرف أدلّة القاعدة(1).

و فيه ما لايخفى بعد العموم و الإطلاقات القويّة، و لا إشكال في أنّ هاهنا شكوكاً متعدّدة ناشئة من العلم الإجمالي:

أحدها: الشكّ في الإتيان بالسجدتين في الركعة الأخيرة، و هو شكّ في وجودهما و عدمهما بلا إشكال و محلّه باقٍ قطعاً.

ثانيها: الشكّ في السجدة الأخيرة من كلٍّ من الركعة الأخيرة و الركعة الماضية.

و ثالثها: شكّ مستقلّ آخر في الإتيان بالسجدتين في الركعة الماضية، و من المعلوم أنّه مضى محلّه، و هو مشمول لقاعدة التجاوز، و لا دليل على تقييد دليل القاعدة بعدم الاقتران بالعلم الإجمالي، و دعوى الانصراف في غير محلّها، مع أنّ في الأدلّة بعض العمومات ممّا لا مسرح للانصراف فيه.

و ما يظهر منه: من كون الفائت مردّداً بين ما بقي و ما مضى؛ ممّا يوهم أنّه شكّ واحد مردّد التعلّق، مغالطة؛ ضرورة أنّ هنا شكّين مستقلّين لكلٍّ حكمه، لا شكّ واحد، و لعلّ بناءه على وحدة الشكّ أوقعه في ذلك.

و أمّا تمسّكه بأصالة عدم المبطل على فرض عدم قاعدة التجاوز، فقد مرّ(2) ما فيه: من أنّ أصالة عدم الإتيان بالسجدتين محرزة لمستثنى قاعدة «لاتعاد»، و حاكمة على الأصل الذي ذكره لو كان أصيلاً، فالأقوى ما تقدّم.

ص: 405


1- مصباح الفقيه، الصلاة 15: 89.
2- تقدّم في الصفحة 397 - 398.

ص: 406

القول في الشكّ

اشارة

و هو:

إمّا في أصل الصلاة

و إمّا في الأجزاء و الشرائط

و إمّا في الركعات

ص: 407

ص: 408

القسم الأوّل الشكّ في أصل الصلاة

اشارة

فيه مسائل:

المسألة الاُولى ما لو شكّ بعد انقضاء الوقت في الإتيان بالصلاة في وقتها

اشارة

فتارة يبحث عنه بلحاظ الاُصول العقلية، و اُخرى بلحاظ الاستصحاب، و ثالثة بملاحظة قاعدة التجاوز، و رابعة بلحاظ النصّ الوارد في خصوصه.

البحث بلحاظ الاُصول العقلية

أمّا البحث بلحاظ الاُصول العقلية فيختلف حسب اختلاف كيفية الاستفادة من أدلّة إيجاب الصلاة؛ فإن قلنا بأنّها تدلّ على الوجوب مطلقاً، و أنّ حال الوقت كحال الطهور ماءً و تراباً بالنسبة إلى الصلاة، و أنّ الصلاة في الوقت و خارجه من قبيل تعدّد المطلوب، كما في سائر ما يعتبر في الصلاة، يكون المحكّم قاعدة الاشتغال، و إن قلنا: إنّ التكليف بالصلاة أداء غير التكليف

ص: 409

قضاء، و أنّ القضاء بأمر جديد، فالمحكّم قاعدة البراءة، و كذا مع الشكّ و عدم إحراز أحد الأمرين.

البحث بلحاظ الاستصحاب

و أمّا البحث بلحاظ جريان استصحاب عدم الإتيان إلى آخر الوقت فنقول:

إنّ جريان الأصل المذكور مبنيّ على أنّ موضوع الحكم بالقضاء هذا العنوان، كما يظهر من بعض الروايات في الناسي(1).

و أمّا إذا كان الموضوع عنوان الفوت، فالأصل المذكور لايثبته إلّا على القول بالأصل المثبت.

إلّا أن يقال: إنّ الفوت عبارة عن عدم تحقّق شيء ذي مصلحة(2).

و فيه منع، فإنّه عبارة عن ذهاب المصلحة - أو أمر ذي مصلحة - من يده، لا نفس عدم الإتيان، فالأصل مثبت، و ستأتي(3) تتمّة لذلك.

و أمّا استصحاب بقاء التكليف المتعلّق بالصلاة فمبنيّ على أنّ الأمر بالصلاة مطلق بالنسبة إلى الأداء و القضاء، فإذا شكّ بعد الوقت بأنّ التكليف سقط بالإتيان أو لا، يستصحب بقاءه عيناً.

و أمّا على فرض كون الأمر بالأداء غير الأمر بالقضاء، و أنّه يحتاج إلى أمر جديد، أو على فرض التردّد في ذلك؛ و احتمال أن يكون على الوجه

ص: 410


1- راجع وسائل الشيعة 8: 253، كتاب الصلاة، أبواب القضاء الصلوات، الباب 1.
2- الصلاة، المحقّق الحائري: 344.
3- يأتي في الصفحة 447 - 450.

الأوّل أو الثاني، فلايجري الاستصحاب الشخصي.

ثمّ يرد على الأصل المذكور ما أورده النراقي على الاستصحابات الحكمية أو الموضوعية؛ من تعارض استصحاب الوجود باستصحاب عدمي آخر(1)، ففي المقام يعارض استصحاب بقاء التكليف على عنوان الصلاة إلى ما بعد الوقت باستصحاب عدم التكليف بالصلاة المتقيّدة بالوقت، و كذا الحال في الأشباه و النظائر.

و قد فرغنا عن جوابه في محلّه(2)؛ و قلنا: إنّ الأصلين - على ما ذكر - لا تعارض بينهما؛ لأنّ الموضوع في أحدهما مغاير لموضوع الآخر، و شرط التعارض وحدة الموضوع، و مع عدم التقيّد بالوقت، و كونهما في موضوع واحد هي الصلاة، لايجري الثاني؛ لعدم اتّصال زمان الشكّ باليقين، فراجع.

ثمّ على فرض تعدّد الأمر و كون القضاء بأمر جديد، تجري - في بادي النظر - استصحابات ثلاثة:

أحدها: استصحاب وجوب الصلاة على نحو الكلّي القسم الثالث، فإنّ وجوبها أداء معلوم، و مع ذهاب الوقت يحتمل تحقّق وجوب القضاء لاحتمال عدم الإتيان بالأداء، فنفس طبيعة الوجوب المشتركة بين الأداء و القضاء مجرى الاستصحاب للعلم بها و الشكّ في بقائها.

ثانيها: استصحاب عدم وجوب القضاء للشكّ في حدوثه بعد العلم بعدمه في الوقت.

ص: 411


1- مناهج الأحكام و الاُصول: 239 / السطر 4 - 9.
2- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 144.

ثالثها: استصحاب عدم الإتيان بالصلاة إلى آخر الوقت.

لكن مع جريان الأصل الأخير لا مجرى للسابقين؛ لحكومته على الدليل الاجتهادي - أي وجوب القضاء - بتنقيح موضوعه، و مع تطبيق الدليل الاجتهادي يرفع الشكّ تعبّداً، فيكون الأصلان المتقدّمان محكومين للدليل المحكوم للأصل الأخير، كما هو المحقّق في حكومة الأصل السببي على المسبّبي مطلقاً، فلا شكّ تعبّداً في وجوب القضاء، فأصالة عدم القضاء غير جارية، كما يرتفع به احتمال بقاء الكلّي.

و قد يستشكل في استصحاب عدم الإتيان بها: بأنّ موضوع القضاء هو عدم الإتيان بها في الوقت المضروب لها، لا مطلق عدم الإتيان، فيرد على الأصل ما يرد على استصحاب الأعدام الأزلية، كاستصحاب عدم قرشية المرأة؛ لأنّ عدم الإتيان بها في الوقت - على نعت الليس الناقص - لا حالة سابقة له، و على نعت الليس التامّ - أي عدم وجود الإتيان بالصلاة الواقعة في الوقت لعدم الوقت، بل وعدم المكلّف الآتي بها - لايترتّب عليه الأثر، و إثبات الموضوع المترتّب عليه الأثر - أي الليس الناقص - بإجراء الأصل في الليس التامّ، مثبت.

إلّا أن يقال: إنّا نعلم في الآن الأوّل من الوقت بعدم الإتيان بالصلاة في الوقت، ولو مع احتمال الإتيان بها في أوّل وقتها؛ ضرورة أنّها لايعقل وجودها في الآن الأوّل، ففي هذا الآن عدم الإتيان بها في الوقت معلوم، و يشكّ في بقائه إلى آخر الوقت، فيستصحب بلا ورود الشبهة المتقدّمة.

مضافاً إلى أنّه مع الغضّ عن ذلك، يمكن إجراء استصحاب عدم الإتيان

ص: 412

بالصلاة و إحراز جزء الموضوع به، و الجزء الآخر - أي الوقت و ذهابه - محرز بالوجدان، كسائر الموارد المحرز فيها أحد جزءي الموضوع بالأصل و الآخر بالوجدان.

و الجواب عن الأوّل: أنّ المعلوم عدم الإتيان في الآن الأوّل من الوقت، و هو ليس موضوعاً للحكم، و ما هو الموضوع عدم الإتيان في الوقت المضروب لها من الأوّل إلى آخره.

و إن شئت قلت: عدم الإتيان في مجموع الوقت هو الموضوع للأثر، و يرد على القطعات المتأخّرة ما يرد على الاُولى لو فرض عدمها و اُريد إجراء الأصل الأزلي.

و بالجملة: الإشكال الوارد على استصحاب الأعدام الأزلية يرد على القطعات المتأخّرة، و هذا ليس إنكاراً لإجراء الأصل في الزمان و الزمانيات المتصرّمة، بل إشكال على إجراء الأصل بنعت الليس الناقص، تأمّل.

و عن الثاني: أنّ إحراز الموضوع بالأصل و الوجدان لايمكن في المتقيّدات و المركّبات: أمّا في الاُولى فلأنّ إثبات التقيّد بإجراء الأصل مثبت، و أمّا في الثانية فلأنّ المركّبات الاعتبارية متقوّمة بلحاظ نحو وحدة فيها، و الأصل لايصلح لإثباتها.

و الذي يسهّل الخطب أنّ موضوع وجوب القضاء - كما يظهر من الروايات الواردة في الناسي بعد إلغاء الخصوصية - هو عدم الإتيان بالصلاة إلى ذهاب وقتها، فاستصحاب عدم الإتيان بها إلى آخر الوقت أو إلى ذهابه محرز للموضوع، و يترتّب عليه القضاء.

ص: 413

و أمّا استصحاب الكلّي ففي جريانه إشكال، لا لأجل حكومة استصحاب عدم وجوب القضاء عليه؛ بدعوى: أنّ الشكّ في بقاء الكلّي مسبّب عن الشكّ في حدوث وجوب القضاء مقارناً لسقوط وجوب الأداء، و الأصل السببي حاكم على المسبّبي.

و ذلك لما حقّق في محلّه(1)، و أشرنا إليه سابقاً: من أنّ ميزان تقدّم الأصل السببي على المسبّبي ليس مجرّد السببية و المسبّبية، بل لو كان السببي محرزاً لموضوع الدليل الاجتهادي، فانطبق هو على الموضوع التعبّدي، يرفع ذلك الدليل الشكّ تعبّداً، فيقدّم عليه، و أمّا السببية إذا لم تكن بتلك المثابة فلا تقدّم له عليه(2).

و إن شئت قلت: إنّ الترتّب إذا كان عقلياً لايوجب التقدّم كالمقام، فأصالة عدم وجوب القضاء لايترتّب عليها شرعاً عدم بقاء الحكم الكلّي، بل الترتّب عقلي، فإذن يتعارض الاستصحابان، و المرجع الأصل العملي.

بل الإشكال في جريانه: هو أنّ الجامع بين الحكمين التكليفيين ليس حكماً شرعياً؛ لأنّه جامع انتزاعي من الحكمين عقلاً؛ لا حكم مجعول شرعاً، و لا موضوع لحكم شرعي، فلا مجرى لأصالة بقائه، فأصالة عدم وجوب القضاء بلا معارض.

هذا كلّه فيما إذا اُحرز وحدة التكليف أو تعدّده.

و أمّا مع عدمه و تردّد الأمر بينهما:

ص: 414


1- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 158 و 278.
2- تقدّم في الصفحة 396 و 403.

فمع الغضّ عن أدلّة إثبات القضاء يكون الأصل فيه شبيهاً باستصحاب القسم الثاني من الكلّي، مع فرق بينهما بناء على ما ذكروا فيه: من دوران الأمر بين مقطوع الزوال و مقطوع البقاء، كالمردّد بين طويل العمر و قصيره(1)؛ إذ في المقام يكون الأمر مردّداً بين مقطوع الزوال و محتمل البقاء لا مقطوعه، فإنّ المفروض هو الشكّ في الإتيان بالصلاة في الوقت، و معه يشكّ في بقاء التكليف على فرض وجود طويل العمر؛ أي على فرض وحدة التكليف في الأداء و القضاء، و على فرض كون القضاء بأمر جديد يكون زوال التكليف الأدائي مقطوعاً به.

لكن مع لحاظ أدلّة القضاء، يكون الأمر دائراً بين محتمل البقاء في فرض و محتمله في فرض آخر، و إن كان الاحتمال بملاك التردّد بين طويل العمر و قصيره في أحد الفرضين، و بملاك احتمال حدوث تكليف بالقضاء مقارناً لسقوط التكليف بالأداء على الفرض الآخر، و الأمر سهل.

و يمكن أن يقال في المقام: إنّ استصحاب عدم حدوث التكليف الواحد الطويل العمر جارٍ، و أثره عدم وجوب الإتيان بعد الوقت، و لايعارضه استصحاب عدم حدوث القصير؛ لأنّ عدمه لا أثر له إلّا أن يثبت به تحقّق الطويل، و هو - كما ترى - مثبت، و لايتوهّم فيه إجراء إشكال أصل العدم الأزلي، كما يظهر بالتأمّل.

هذا حال الاستصحابات.

ص: 415


1- فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26: 191؛ كفاية الاُصول: 461؛ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 533.
البحث بلحاظ قاعدة التجاوز

و أمّا الكلام فيما تقتضيه قاعدة التجاوز فنقول:

لا إشكال في جريان قاعدة التجاوز في الشكّ بعد الوقت لو قلنا بأنّ القضاء بأمر جديد، بل صدق نحو قوله علیه السلام: «كلُّ ما شككتَ فيه ممّا قد مضى فأمضِهِ كما هو»(1) على مضيّ الوقت أولى و أنسب.

و أمّا لو قلنا بأمر واحد في الأداء و القضاء مع تعدّد المطلوب:

فبناء(2) على أنّ مفاد القاعدة إحراز المشكوك فيه لكن من حيث، أي تكون أصلاً حيثياً، فتجري بالنسبة إلى المطلوب الأعلى لو كان للإحراز أثر، و أمّا بالنسبة إلى نفس الطبيعة فلاتجري؛ لعدم المضيّ بالنسبة إليها؛ لأنّ المفروض أنّ الأمر بنفس الطبيعة لا توقيت فيه، و إنّما التوقيت بالنسبة إلى المطلوب الأعلى.

و التفكيك المذكور ليس بعزيز، كما لو توضّأ بماء، ثمّ علم أنّه مسبوق بالنجاسة مع الشكّ في بقائها، فيحكم بصحّة الوضوء و طهارة أعضائه من حيث اشتراط الوضوء بها، و بنجاستها في نفسها للملاقاة.

و كما لو صلّى و شكّ بعدها في وجود الوضوء، فيحكم بتحقّقه من حيث اشتراط ما مضى عليه و عدم تحقّقه في نفسه، أو من حيث اشتراط ما يأتي به بعد ذلك.

ص: 416


1- تهذيب الأحكام 2: 344 / 1426؛ وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 3.
2- فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26: 340؛ الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 3: 140.

ففي المقام يحكم بتحقّق الصلاة من حيث ما مضى، و هو المطلوب الأعلى لو كان له أثر، و لايحكم بتحقّقها في نفسها، فلابدّ من إيجادها لقاعدة الاشتغال و الاستصحاب.

و كذا الحال لو قلنا: بأنّ القاعدة أصل تعبّدي غير محرز(1)، فيحكم بعدم الاعتناء بالشكّ بالنسبة إلى ما مضى.

بخلاف القول بمحرزيتها المطلقة(2) أو بأماريتها(3)، فإنّه على فرض الجريان يثبت الموضوع مطلقاً، حتّى بالنسبة إلى ما يأتي.

لكن التحقيق: هو كونها أصلاً محرزاً حيثياً، و على هذا لو تردّدنا في وحدة الأمر و تعدّده في الأداء و القضاء، لاتجري قاعدة التجاوز للشبهة المصداقية، فلابدّ من التمسّك بالاستصحاب، و قد مرّ(4) الكلام فيه.

البحث بلحاظ النصوص الواردة في المقام

و أمّا الكلام فيما يقتضيه النصّ في المقام فنقول: لا إشكال في عدم الاعتناء بالشكّ في الإتيان بعد الوقت:

لصحيحة زرارة و الفضيل، عن أبي جعفر علیه السلام أنّه قال في حديث: «و متى استيقنت أو شككت في وقتها أنّك لم تصلّها، أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها،

ص: 417


1- نهاية الأفكار، القسم الثاني 4: 36.
2- اُنظر كشف الغطاء 1: 307 - 308؛ الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 3: 140.
3- اُنظر فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26: 325.
4- تقدّم في الصفحة 410 - 415.

صلّيتها، فإن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل، فلا إعادة عليك من شكّ حتّى تستيقن، فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حالة كنت»(1).

و قريب منها صحيحتهما الاُخرى(2) و لايبعد وحدتهما، و المراد بوقت الفوت الوقت الثاني بعد وقت الفضيلة، و بالوقت وقت الفضيلة.

ثمّ إنّ ما ذكرنا من الاحتمالات المتقدّمة مجرّد تصوّرات، و إلّا فالأقوى بحسب الكتاب و السنّة أنّ الأوامر لاتنحلّ إلى أمرين، بل أمر واحد تعلّق بالصلاة في الوقت، و لايشمل خارجه، و القضاء إنّما هو بأمر جديد، كما هو المقرّر في محلّه(3).

المسألة الثانية في الشكّ في الإتيان بعد خروج الوقت بأقلّ من ركعتين أو ثلاث ركعات

لو شكّ في الإتيان بالصلاة و قد خرج الوقت بمقدار أقلّ من ركعتين أو ثلاث ركعات فهل يعتني بشكّه أو لا؟

يمكن الاستدلال للأوّل بوجهين:

الأوّل: دعوى تنزيل خارج الوقت منزلته بدليل «من أدرك».

ص: 418


1- تهذيب الأحكام 2: 276 / 1098؛ جامع أحاديث الشيعة 6: 360، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 42، الحديث 1.
2- الكافي 3: 294 / 10؛ جامع أحاديث الشيعة 6: 360، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 42، الحديث 2.
3- مناهج الوصول 2: 83 - 85.

و دعوى إطلاق التنزيل بالنسبة إلى جميع الآثار، منها كون الشكّ فيه شكّاً في الوقت.

و دعوى عدم اختصاص قاعدة «من أدرك» بمن اشتغل بالصلاة و أدرك بالفعل ركعة من الوقت، بل هي قاعدة كلّية دالّة على أنّه لو بقي مقدار ركعة منه بقي وقت جميع الصلاة، و لمّا لم يكن ذلك على نحو الحقيقة جزماً يحمل على التنزيل، و يستفاد منها أنّ مقدار ثلاث ركعات أو ركعتين من خارج الوقت بمنزلة الوقت مطلقاً؛ سواء في ذلك من اشتغل في آخر الوقت بالصلاة، فوقع بعضها خارج الوقت، و من لم يشتغل، كما في المقام، و لهذا لو علم ببقاء الوقت بمقدار ركعة وجبت عليه المبادرة إليها، و كانت صلاته أداء.

و دعوى أنّ القاعدة لاتختصّ بالملتفت لإدراك الركعة، فخارج الوقت بمقدار ما ذكر وقت تنزيلي لمطلق المكلّفين؛ سواء علموا بالواقعة أم لا، فمن شكّ بعد الوقت الحقيقي في المقدار التنزيلي، كما لو شكّ بعد غروب الشمس بدقيقة أو دقيقتين في الإتيان بالعصر، كان شكّه في الوقت و إن لم يدرك فعلاً ركعة منه، و لم يكن ملتفتاً إلى الواقعة.

و نتيجة تلك الدعاوى: وجوب الاعتناء بالشكّ و لزوم قضاء الصلاة، بعد الجزم بأنّ إدراك ركعة من الوقت التنزيلي ليس بمنزلة إدراك ركعة من الوقت الحقيقي؛ ليترتّب عليه تنزيل آخر بالنسبة إلى الزائد على ثلاث ركعات، فينتفي عنوان القضاء.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في هذا الوجه.

ص: 419

و فيه: أنّه قد مرّ(1) منّا - في مباحث الخلل في الوقت - محتملات القاعدة، و قلنا بعدم استفادة تنزيل الخارج منزلة الوقت حتّى على مرسلة «الخلاف»، و هي قوله: و في لفظ آخر «من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت»(2)، أو مرسلة كتاب «الاستغاثة» عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم، أنّه قال: «من أدرك من صلاة العصر ركعة واحدة قبل أن تغيب الشمس أدرك العصر في وقتها»(3)، فضلاً عن غيرها(4)

ممّا لايكون بهذا اللفظ.

فإنّ أقرب الاحتمالات - بناء على التنزيل - هو تنزيل إدراك الركعة، منزلة إدراك الوقت، لا تنزيل الخارج منزلة الوقت، و فرق بين تنزيل إدراك ركعة من الوقت منزلة إدراك جميعه، و بين تنزيل الخارج منزلته، مع أنّه على فرض التنزيل ففي عمومه و إطلاقه منع.

مضافاً إلى احتمال آخر لعلّه أقرب: و هو عدم كونه بصدد التنزيل، بل المراد أنّ وقوع ركعة من الصلاة في الوقت كافٍ في كونها أداء عند الشارع الأقدس، و أنّ وقوع ركعة في الوقت و إدراكها، كإدراكه جميعاً في صيرورة الصلاة أداء، كما أنّ وقوع بعض الصلاة قبل الوقت و بعضها في الوقت كافٍ في الصحّة، فدعوى التنزيل(5)، ثمّ دعوى تنزيل الوقت(6)، ثمّ دعوى

ص: 420


1- تقدّم في الصفحة 139 - 143.
2- تقدّم في الصفحة 138.
3- تقدّمت في الصفحة 138 - 139.
4- تقدّمت في الصفحة 139.
5- مصباح الفقيه 9: 353 - 354؛ الصلاة، المحقّق الحائري: 19.
6- الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 1: 23.

إطلاقه(1)، كلّها دعاوٍ بلا دليل.

الوجه الثاني: دعوى دلالة بعض الروايات على ذلك بضميمة قاعدة «من أدرك»، كصحيحة زرارة و الفضيل عن أبي جعفر علیه السلام، أنّه قال: «متى ما استيقنتَ أو شككتَ في وقت صلاة أنّك لم تصلِّها، أو في وقت فوتها، صلّيتها، فإن شككت بعد ما خرج وقت الفوت فقد دخل حائل، فلا إعادة عليك من شكّ حتّى تستيقن، فإن استيقنت فعليك إعادة أن تصلّيها في أيّ حالٍ كنت»(2)، و قريب منها ذيل صحيحة اُخرى عن «الكافي»(3).

بدعوى: أنّ المراد بوقت الفوت وقتٌ وقعت الصلاة فيه فائتة، فالميزان في عدم الاعتناء بالشكّ خروج الوقت الذي تقع فيه فائتة، و هو بعد مقدار ثلاث ركعات من خارج الوقت المقرّر بحسب الأدلّة الأوّلية، فإنّ مقتضى دليل «من أدرك» كون الصلاة المأتيّ بها خارج الوقت مع إدراك ركعة في الوقت أداءً؛ لا قضاءً، و لا قضاءً و أداءً، و قد ادُّعي(4) عدم الخلاف فيه أيضاً.

و قد تقدّم(5) في الوجه الأوّل: عدم اختصاص القاعدة بمدرِك الركعة فعلاً، و عدم اختصاصها بالملتفت للواقعة، فهذا المقدار من الزمان ملحق بالوقت في كون الصلاة فيه أداء بحسب الواقع مطلقاً.

ص: 421


1- مستمسك العروة الوثقى 7: 427.
2- تقدّم تخريجها في الصفحة 418، الهامش 1.
3- تقدّم تخريجها في الصفحة 418، الهامش 2.
4- منتهى المطلب 4: 108؛ مفتاح الكرامة 3: 312؛ جواهر الكلام 3: 212.
5- تقدّم في الصفحة 419.

و يرد عليه: أنّ هنا احتمالاً آخر في الصحيحة لعلّه أقرب إلى الفهم من هذا الاحتمال: و هو أنّ المراد بوقت فوتها هو ما لو خرج ذلك الوقت و لم يصلّ، ثمّ أراد الصلاة، تكون صلاته فائتة.

و بعبارة اُخرى: أنّ الميزان في وقت الفوت هو افتتاح الصلاة، لا الركعات المتأخّرة.

و يشهد لذلك صحيحتهما، عن أبي جعفر علیه السلام في قول اللّه تبارك و تعالى: (إِنَّ الصَّلَوةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً)(1) قال: «يعني مفروضاً، و ليس يعني وقت فوتها إن جاز ذلك الوقت ثمّ صلاّها، لم تكن صلاته هذه مؤدّاة»(2).

يستفاد منها: أنّ وقت الفوت وقت لو افتتح الصلاة فيه تكون فائتة غير مؤدّاة.

و هذا الاحتمال لو لم يكن أقرب فلا أقلّ من كونه مكافئاً له، و معه تسقط الرواية عن الدلالة، و مقتضى أدلّة التجاوز أنّه لا اعتبار بهذا الشكّ.

هذا، مع أنّ في الرواية نحو إبهام، فإنّ المراد بوقت الفوت إن كان الوقت الثاني - أي الوقت الذي بعد وقت الفضيلة - فانتساب الفوت إلى الصلاة يحتاج إلى تأويل و تجوُّز، و إن كان المراد وقتاً لو أتى بها فيه تكون مؤدّاة، فتسميته بوقت الفوت غير ظاهرة، و إن كان المراد وقتاً لو أتى بها فيه كانت غير مؤدّاة، فالأمر بالإتيان قبل خروجه غير موجّه، و هذا أيضاً يوجب عدم جواز الاستناد إليها للمطلوب.

ص: 422


1- النساء (4): 103.
2- الكافي 3: 294 / 10؛ الفقيه 1: 129 / 606؛ وسائل الشيعة 4: 137، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 7، الحديث 4.

المسألة الثالثة لو شكّ في الإتيان بالعشاءين بعد انتصاف الليل

فبناء على امتداد وقتها إلى نصف الليل(1) لايعتني بشكّه؛ لقاعدة التجاوز و الدليل الخاصّ.

و بناء على امتداده إلى الفجر(2): إن قلنا بذلك مطلقاً - حتّى للمختار و إن وجبت المبادرة إليهما قبل انتصاف الليل؛ و انّه لايجوز التأخير عنه بلا عذر، و إن كان الوقت مع التأخير باقياً - فيجب الاعتناء بالشكّ و الإتيان بهما، و هو واضح.

و لو قلنا: بأنّ الوقت للمختار إلى انتصاف الليل، و لو أخّر الصلاة إليه تقع قضاء، و يمتدّ إلى الفجر لو كان التأخير لعذر كنسيان و حيض(3).

فحينئذٍ لو علم بأنّ التأخير - على فرضه - عن عمد و اختيار؛ بأن شكّ في أنّه أتى بهما، أو أنّه أخّرهما عن انتصاف الليل اختياراً، فلايعتني بشكّه؛ لأنّه من الشكّ بعد الوقت، ولو علم بأنّه - على فرضه - كان عن عذر وجب الاعتناء و الإتيان بها.

و لو لم يحرز أحدهما؛ و كان شاكّاً في أنّ الترك هل كان عن اختيار أو عن

ص: 423


1- السرائر 1: 195؛ ذكرى الشيعة 2: 347.
2- اُنظر رياض المسائل 3: 44؛ جواهر الكلام 7: 156.
3- المعتبر 2: 40؛ مدارك الأحكام 3: 60.

عذر، لم يصحّ التمسّك بقاعدة التجاوز؛ لأنّ الشبهة بالنسبة إليها مصداقية، و مقتضى الاستصحاب بقاء التكليف و لزوم الإتيان بهما، لكن لايثبت بذلك لزوم المبادرة و عدم جواز التأخير عن الفجر؛ لعدم إثبات كون الوقت باقياً، و على فرض القضاء لاتجب المبادرة إليه بناء على المواسعة، بل على المضايقة أيضاً؛ لأنّ التضييق لاينافي التأخير بهذا المقدار، خصوصاً لو كان حدوث الشكّ قبل الفجر بمقدار الإتيان بهما مثلاً. هذا بحسب القواعد.

و أمّا بحسب النصّ الخاصّ ففي صحيحة زرارة و الفضيل المتقدّمة(1): أنّ الحكم بوجوب الإتيان و عدمه عند الشكّ، مترتّب على بقاء وقت الفوت و خروجه.

و قد ورد في رواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه علیه السلام: «لايفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس، و لا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر، و لا صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس»(2)، و هي حاكمة على الصحيحة بإحراز الموضوع، و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الفروض المتقدّمة، لكنّها ضعيفة(3).

نعم قد أرسلها الصدوق بقوله: «قال الصادق علیه السلام»(4)، و مرسلاته كذلك

ص: 424


1- تقدّم في الصفحة 417 - 418.
2- تهذيب الأحكام 2: 256 / 1015؛ الاستبصار 1: 260 / 933؛ وسائل الشيعة 4: 159، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 9.
3- رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال، عن علي بن يعقوب الهاشمي، عن مروان بن مسلم، عن عبيد بن زرارة. و الرواية ضعيفة بجهالة علي بن يعقوب الهاشمي.
4- الفقيه 1: 232 / 1030.

معتمدة، و إن لايخلو ذلك من إشكال في خصوص المورد المحتمل أو المظنون أنّ مرسلته عين المسندة الضعيفة، مع احتمال كون ذلك الإرسال - على فرض ما ذكر - توثيقاً منه لرواة الرواية، تأمّل.

المسألة الرابعة لو شكّ في الوقت في الإتيان بالفريضة

اشارة

ففيه صور نتعرّض لمهمّاتها:

الصورة الاُولى: لو علم بأنّه صلّى العصر و لم يدرِ أنّه صلّى الظهر أو لا، و كان الوقت واسعاً.

فهل يجب عليه الظهر أو لا؟

ربّما يقال بعدمه(1)؛ لأنّ الشكّ بعد تجاوز المحلّ، فإنّ صلاة العصر مشروطة بصلاة الظهر، و محلّ الشرط قبل تحقّق المشروط، نظير الشكّ في الوضوء بعد الصلاة، و يدلّ على ذلك قوله في بعض الروايات: «إنّ هذه قبل هذه»(2).

و ما قيل في الجواب: من أنّ صلاة الظهر ليست مشروطة بوقوع صلاة العصر بعدها؛ كي يكون محلّها شرعاً قبل صلاة العصر، بل صلاة العصر مشروطة

ص: 425


1- اُنظر الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 3: 140.
2- راجع وسائل الشيعة 4: 126، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 5.

بالظهر، فلايكون الشكّ بعد تجاوز المحلّ(1).

ليس بمرضيّ، فإنّ لازم اشتراط الظهر بوقوع العصر بعدها، كون محلّ العصر بعدها، لا الظهر قبل العصر، كما أنّ لازم اشتراط العصر بوقوع الظهر قبلها هو كون محلّ الظهر قبلها، و لهذا ورد في الروايات ما تقدّم.

إن قلت: إنّ الشكّ إنّما هو في صحّة صلاة العصر، و إجراء قاعدة الفراغ فيها، لايثبت كون الظهر قبل العصر محقّقة إلّا بالأصل المثبت(2).

قلت: إنّ منشأ الشكّ في صحّة صلاة العصر هو الشكّ في تحقّق شرطه؛ أي صلاة الظهر، و قاعدة التجاوز جارية بالنسبة إلى الشرط - أي صلاة الظهر - و مقدّمة على قاعدة الفراغ، مع أنّ المقرّر في محلّه(3): أنّه لا أصل رأساً لقاعدة الفراغ، بل هنا قاعدة واحدة هي قاعدة التجاوز، و مقتضاها تحقّق الظهر قبل العصر، أو عدم الاعتناء بالشكّ فيها بعد تجاوز محلّها.

فإن قلت: إنّ الترتيب بين الظهر و العصر مختصّ بالملتفت، و مع عدم الالتفات لايشترط الترتيب، فلا مجرى للقاعدة(4).

قلت: هذا مسلّم، لكن لايدفع الإشكال به في بعض الفروع، كما لو علم بأنّ الترك لم يكن من غير التفات، بل إمّا أتى بالصلاة أو تركها عمداً و التفاتاً، فتجري القاعدة، و يثبت بها تحقّق الظهر. و توهّم عدم جريانها في مثل

ص: 426


1- المستند في شرح العروة الوثقى، ضمن موسوعة الإمام الخوئي 18: 114.
2- الصلاة، المحقّق الحائري: 343.
3- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 350.
4- الصلاة، المحقّق الحائري: 343.

الفرض، فاسد مخالف لإطلاق الأدلّة.

و الحقّ في الجواب: ما تعرّضنا له في محلّه(1): من أنّ قاعدة التجاوز أصل محرِز حيثي، فصلاة الظهر لها حيثيتان: حيثية اشتراط العصر بها، و حيثية كونها واجبة مستقلّة، فالقاعدة تحرزها في المقام من جهة الاشتراط لا مطلقاً، و لا بأس في التعبّديات بالبناء على وجود شيء من جهة، و على عدمه من اُخرى، فلو شكّ في الإتيان بالوضوء بعد صلاة الظهر، يبني على تحقّقه من حيث اشتراط الظهر به، و يستصحب عدمه، و يبني عليه من حيث اشتراط العصر به، ففي المقام يبني على تحقّق الظهر من حيث الاشتراط، و على عدمه من حيث كونه واجباً مستقلاًّ.

ففرق بين قاعدة الطهارة و الاستصحاب و بين قاعدة التجاوز؛ فإنّ لسانهما التعبّد بوجود الطهارة و المستصحب مطلقاً في موضوع الشكّ، و أمّا قاعدة التجاوز فلاتدلّ على التعبّد به مطلقاً، بل من حيث المضيّ و التجاوز، كما هو لسان أدلّتها، فقوله علیه السلام: «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضِهِ كما هو»(2) يدلّ على عدم الاعتناء بالشكّ بالنسبة إلى ما مضى، فالوضوء بالنسبة إلى ما مضى مبنيّ على الوجود أو لايعتنى بشكّه؛ لا بالنسبة إلى ما يأتي، فصلاة الظهر محقّقة تعبّداً بالنسبة إلى ما مضى، و هو حيث اشتراط العصر بها؛ لا بالنسبة إلى ذاتها التي بقي وقتها و لم يتجاوز محلّها، فعلى ذلك لو قيل باشتراط الترتيب

ص: 427


1- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 380.
2- تهذيب الأحكام 2: 344 / 1426؛ وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 3.

واقعاً، يجب عليه الإتيان بالظهر، و يصير حالها كحال الوضوء و الطهور.

فإن قلت: إنّ المحلّ في قاعدة التجاوز أعمّ من المحلّ الشرعي و العادي، فإذا كان من عادة المصلّي الإتيان بالعصر عقيب الظهر، يكون المحلّ العادي للظهر قبل العصر من حيث كونها واجباً مستقلاًّ؛ لا من حيث الاشتراط(1).

قلت: قد فرغنا في محلّه(2) عن فساد هذه الدعوى؛ لعدم الدليل عليها إلّا دعوى إطلاق الأدلّة، أو بعض الشواهد المذكورة في محلّه، و في الإطلاق منع بعد تعيين الشارع محلّ الأجزاء و الشرائط، فإنّه مع تعيين المقنّن محالّها لو قال: إن مضى المحلّ فلا يعتنى بالشكّ، يحمل عرفاً على المحالّ المقرّرة، مع أنّ المحلّ العادي المختلف بحسب الأشخاص - و الشخص بحسب الأزمان - لايكون محلاًّ بنحو الإطلاق.

مع أنّ مثل قوله: «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى» محمول على التجوّز بنحو الحقيقة الادّعائية، كما هو التحقيق في باب المجازات، و المصحّح للدعوى كما يمكن أن يكون مضيّ الوقت المقرّر شرعاً، يمكن أن يكون مضيّ المحلّ العادي أو هما معاً أو أحدهما أو المضيّ المطلق، و مع صحّة الادّعاء بكلّ نحو لا دليل على التعيين و لا على الإطلاق؛ إذ ليس المقام كالإطلاق في سائر المقامات، مثل جعل ماهية موضوعة للحكم بلا قيد حيث يحمل على الإطلاق، فإنّ الموضوع هنا ليس موضوعاً للحكم بنحو الحقيقة؛ ضرورة أنّ المضيّ لاينسب إلى نفس الموضوعات المشكوك فيها حقيقة، فدار الأمر في المصحّح

ص: 428


1- الصلاة، المحقّق الحائري: 343.
2- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 362.

بين الوجوه المتقدّمة، و لولا الدليل على واحد منها لم يحمل على أحدها.

لكن لا إشكال في إرادة المحلّ الشرعي، و أنّه ملحوظ لتصحيح الدعوى، كما تدلّ عليه أدلّة المقام، و أمّا سائر الاحتمالات فلا دليل عليه، و العمدة أنّ الإطلاق في المقام ليس كسائر الإطلاقات، فتدبّر جيّداً.

و أمّا دعوى: أنّ قوله في بعض الروايات: «إنّه حين العمل أذكر»(1) مؤيِّد للتعميم؛ فإنّ ظاهره: أنّ احتمال عدم وجود المشكوك فيه لأجل كونه على خلاف العادة لايعتنى به(2).

فمخدوشة؛ لأنّ ذلك التعليل - على فرض كونه تعليلاً - شاهد على أنّ الذاكر يأتي بالمأمور به على وجهه المقرّر شرعاً و لايخلّ بمقصود المولى، لا أنّه يأتي به على طبق عادته، و لو جعل هذا التعليل شاهداً على أنّ المراد بالمحلّ هو الشرعي منه لكان أولى.

و أمّا دعوى: أنّ قوله في بعض الروايات في الوضوء: «إذا قمت من الوضوء و فرغت منه، و قد صرت في حال اُخرى في الصلاة أو في غيرها، فشككت في بعض ما سمّى اللّه ممّا أوجب اللّه عليك فيه وضوءه، فلا شيء عليك»(3)، و كذا في الغسل قوله: «فإن دخله الشكّ، و قد دخل في صلاته، فليمضِ في صلاته،

ص: 429


1- تهذيب الأحكام 1: 101 / 265؛ وسائل الشيعة 1: 471، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 42، الحديث 7.
2- الصلاة، المحقّق الحائري: 343.
3- تهذيب الأحكام 1: 100 / 261؛ وسائل الشيعة 1: 469، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 42، الحديث 1.

و لا شيء عليه»(1)، شاهدان على الدعوى.

ففيه ما فصّلناه في مقامه: من أنّ حال الوضوء قبل جفاف محالّه باقية، و حال الغسل قبل الدخول فيما يترتّب عليه شرعاً باقية(2)، فراجع.

فتحصّل ممّا مرّ: أنّ مقتضى القواعد وجوب الإتيان بالظهر في الفرض، لكن وردت هنا رواية ربّما يستند إليها في وجوب المضيّ وعدم الاعتناء بالشكّ(3)، و هي ما روى الحلّي في آخر «السرائر» نقلاً من كتاب حريز بن عبد اللّه، قال: و قال زرارة عن أبي جعفر علیه السلام: «إذا جاء (فإذا جاءك) يقين بعد حائل قضاه و مضى على اليقين، و يقضي (العصر) الحائل و الشكّ جميعاً، فإن شكّ في الظهر فيما بينه و بين أن يصلّي العصر قضاها، و إن دخله الشكّ بعد أن صلّى (يصلّي) العصر فقد مضت إلّا أن يستيقن؛ لأنّ العصر حائل فيما بينه و بين الظهر، فلايدع الحائل لما كان من الشكّ إلّا بيقين»(4).

و لا بأس بصرف الكلام إلى فقه الحديث، فنقول:

الظاهر - لا سيّما على نسخة «فإذا جاءك يقين» - أنّ الكلام مسبوق بكلام آخر لم ينقل إلينا، و لهذا وقع في الجملة الاُولى نحو إجمال، فإنّ متعلّق اليقين

ص: 430


1- تهذيب الأحكام 1: 100 / 261؛ وسائل الشيعة 2: 260، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 41، الحديث 2.
2- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 364.
3- مستمسك العروة الوثقى 7: 424.
4- السرائر 3: 588؛ وسائل الشيعة 4: 283، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 60، الحديث 2؛ جامع أحاديث الشيعة 6: 361، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 42، الحديث 3.

يحتمل أن يكون صلاة الظهر، فيراد أنّه مع اليقين بعدم الإتيان بها بعد الحائل - أي العصر الذي هو المراد به بالقرينة - فيجب الإتيان بالظهر و العصر جميعاً، و على ذلك يقع في المقام إشكالان:

أحدهما: أنّه لم يفرض في الكلام الشكّ في الظهر، بل الفرض تعلّق اليقين بتركها، فكيف قال: «الحائل و الشكّ»؛ أي المشكوك فيه الذي يراد به الظهر؟

و يمكن أن يتخلّص عنه بتكلّف بارد: و هو أنّ الظهر كانت مشكوكاً فيها، ثمّ جاء يقين، فكأنّه قال: حدث يقين بعد الشكّ، ثمّ باعتبار تعلّق الشكّ بها قبل عروض اليقين، وصفها بالمشكوك فيها.

ثانيهما: أنّ إعادة العصر مخالفة لحديث «لاتعاد»(1).

إلّا أن يقال: لا بأس بها لولا تسالم الأصحاب على أنّ الترتيب ليس بواقعي.

و يحتمل أن يكون متعلّق اليقين بطلان الحائل؛ أي إذا جاء يقين ببطلان العصر يقضي العصر و الشكّ؛ أي الظهر المشكوك فيها جميعاً؛ أمّا العصر فلليقين، و أمّا الظهر فعلى القاعدة، فأراد إفهام أنّ الحائل الباطل ليس بشيء، و على ذلك يندفع الإشكالان، و يناسب الفرع الآتي، بل ظاهر الرواية هذا الاحتمال؛ لأنّ المفروض في الكلام تعلّق يقين و کون شيء مشكوكاً فيه، و قد جعل الحائل - الذي هو العصر - مقابل المشكوك فيه، و مقابله هو ما تعلّق به اليقين، فيكشف عن متعلّق اليقين، و هو بطلان العصر بعد فرض وجوده.

ص: 431


1- تهذيب الأحكام 2: 152 / 597؛ وسائل الشيعة 6: 313، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 5.

ثمّ إنّه وقع في كتاب «جامع الأحاديث»(1) خطأ، ففيه: «و يقضي (العصر و- خ) الحائل و الشكّ جميعاً» بعطف الحائل على العصر بالواو، و عليه لايصحّ الكلام إلّا مع التوجيه، لكن في «السرائر» هكذا: «و يقضي (العصر - خ ز) الحائل» (2) الظاهر منه أنّ في نسخةٍ ذكر العصر موصوفاً بالحائل، و جعل حرف «ز» علامة على زيادة كلمة «العصر»، فتوهّم كاتب جامع الحديث أنّ حرف الزاء واو، و الأمر سهل.

و المقصود في المقام قوله: «فإن شكّ في الظهر...» إلى آخره الظاهر في التفصيل بين الشكّ الحادث قبل صلاة العصر و بعدها، فلو حدث بعدها مضى و لايعتني به، لمكان الحائل، و هو العصر، فيدلّ على أنّ الشكّ في الظهر مع سعة الوقت، لايعتنى به على خلاف القواعد.

لكنّه معارض لصحيحة زرارة و الفضيل المتقدّمة(3)، فإنّها مشتملة على جملتين هما: قوله: «متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها» و قوله: «أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها صلّيتها».

و كلٌّ منهما معارضة لرواية حريز عن زرارة(4) بالعموم من وجه؛ فإنّ الجملة الاُولى خاصّة بأوّل الوقت، و أعمّ من كون الشكّ قبل صلاة العصر أو بعدها،

ص: 432


1- جامع أحاديث الشيعة 6: 361، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 42، الحديث 3.
2- السرائر: 480 (ط - الحجري).
3- تقدّم في الصفحة 417 - 418.
4- تقدّم في الصفحة 430.

و الرواية خاصّة بالشكّ بعد صلاة العصر و أعمّ من أوّل الوقت و آخره، و لعلّها أعمّ من ذلك و من خارج الوقت أيضاً.

و كذا الحال في الجملة الثانية، فإنّها خاصّة بآخر الوقت و أعمّ من كون الشكّ قبل العصر أو بعده، و الرواية أخصّ من وجه و أعمّ من وجه، فتتعارضان، و الترجيح - على فرض صحّة سند الرواية - للصحيحة؛ لكونها موافقة للقاعدة - أي روايات قاعدة التجاوز - بحسب مفهومها، بل منطوق بعضها، كقوله: «إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تَجُزْه»(1).

و لو استشكل في كون الروايات من الأئمّة علیهم السلام من المرجّحات، أو استشكل في اندراج العامّين من وجه في المتعارضين الوارد فيهما الترجيح، سقطتا بالتعارض، و يكون المرجع هو القواعد، فيجب الإتيان بالظهر، و هو واضح.

لكن في جواز الاتّكال على رواية حريز إشكال، بل منع؛ لأنّ استناد الكتاب إليه ليس واضحاً و متواتراً، و السند إلى كتابه مفقود عندنا، و الظاهر أنّ الحلّي رحمه اللّه علیه إنّما أسند الكتاب إليه باجتهاد منه، و قيام قرينة لديه على ذلك، لا بسند غير مذكور لنا، و شهادته اجتهادية غير حجّة لايصحّ لنا الاتّكال عليها.

هذا مضافاً إلى احتمال آخر في الرواية، يجمع به بينها و بين الصحيحة، و يرتفع به التعارض: و هو أنّ قوله: «فإن شكّ بينه و بين أن يصلّي العصر قضاها» يكون فعل المضارع مبنيّاً للمفعول، و يراد به الوقت الذي يصلّى فيه العصر؛ أي قبل وقت الاختصاص؛ أي مقدار أربع ركعات قبل الغروب، أو قبل بقاء ركعة

ص: 433


1- تهذيب الأحكام 1: 101 / 262؛ وسائل الشيعة 1: 469، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 42، الحديث 2.

واحدة حيث يصلّى فيه العصر، و قوله: «إن دخله الشكّ بعد أن يصلّي العصر» على رواية «الوسائل»(1) و نسخة من «جامع الأحاديث»(2)، يراد به بعد مضيّ الوقت عن مقدار أربع ركعات أو ركعة على احتمالين.

و على ذلك يكون المراد بقوله في الجملتين زمان يصلّى فيه العصر أو لايصلّى، و على ذلك يحمل قوله: «لأنّ العصر حائل» أي الزمان الذي بقي من الوقت أقصر من أربع ركعات أو ركعة؛ أي هذه القطعة من العصر حائل، و الشكّ فيه لايعتنى به، فصارت الرواية عين مضمون الصحيحة؛ حيث علّق فيها الحكم على بقاء وقت الفوت؛ أي الوقت الذي لو جاز لم تكن صلاته أداءً - كما في صدرها - بل خرج وقتها، فيندفع التعارض، كما يندفع إشكال كونها مخالفة للقواعد، و هذا الاحتمال و إن كان بحسب النظرة الاُولى بعيداً في الجملة، لكن عند التأمّل و في مقام الجمع بينها و بين الصحيحة ليس بذلك البعد، و الأمر سهل.

الصورة الثانية: إذا اشتغل بصلاة العصر في الوقت الموسّع، فشكّ في الإتيان بالظهر:

ففيها احتمالات:

أحدها: عدم جريان قاعدة التجاوز.

ص: 434


1- وسائل الشيعة 4: 283، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 60، الحديث 2.
2- جامع أحاديث الشيعة 5: 630، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 42، الحديث 3 (الطبعة الاُولى).

بدعوى: أنّ ظاهر قوله في الروايات: «إلّا أنّ هذه قبل هذه»(1) اعتبار عنوان القبلية و اشتراط العصر بعنوان قبلية الظهر عليها، و لايمكن إثبات هذا العنوان بقاعدة التجاوز إلّا بالأصل المثبت، و مع عدم جريانها تصل النوبة إلى الأصل المحكوم؛ أي استصحاب عدم الإتيان بالظهر، و إجراؤه لتنقيح موضوع العدول من العصر إليها مشكل؛ لأنّ موضوع العدول بحسب أدلّته هو العلم بترك الظهر، فله موضوعية، و لاتصلح أدلّة الاستصحاب لإثبات قيامه مقام القطع الموضوعي، فلابدّ من رفع اليد عمّا اشتغل بها، و الإتيان بالظهر ثمّ العصر.

و فيه: مضافاً إلى منع اعتبار عنوان القبلية، بل لايراد بقوله: «هذه قبل هذه» إلّا اشتراط العصر بالإتيان بالظهر، و معه تجري قاعدة التجاوز، بل لو سلّم اعتبار عنوانها جرت القاعدة في نفس العنوان المشكوك فيه، فإذا شكّ في تحقّق عنوان القبلية المعتبر في صلاة العصر لايعتنى به، بل يبني على تحقّقه؛ لكون القاعدة - على ما مرّ(2) - محرزة تعبّداً من حيث، فإذا شكّ في حصول القبلية

المعتبرة في صلاة العصر يبنى على وجودها، نعم لايترتّب عليها إلّا حيث صحّة صلاة العصر.

ثمّ على فرض عدم جريانها، لا مانع من جريان استصحاب عدم الإتيان لتنقيح موضوع العدول؛ لأنّ عنوان مثل «التذكّر» و «العلم» و نحوهما المأخوذ

ص: 435


1- راجع وسائل الشيعة 4: 126، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 5 و: 181، الباب 16، الحديث 24.
2- تقدّم في الصفحة 427.

في الأدلّة(1)، لايفهم منه الموضوعية عرفاً، بل المتفاهم العرفي من نحو قوله: «إن نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر، فذكرتها و أنت في الصلاة... فانوِها الاُولى»(2)، أنّ موضوع الحكم هو عدم الإتيان، و أنّ التذكّر و العلم طريقان إليه، فلا مانع من جريان استصحاب عدم الإتيان لتنقيح موضوع العدول.

مضافاً إلى أنّه لقيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي، وجه لايخلو من جودة، فراجع مظانّه(3).

ثانيها: جريان قاعدة التجاوز و إثبات وجود شرط صلاة العصر بتمامها، فإنّ قوله: «إلّا أنّ هذه قبل هذه» ظاهر في أنّ تقدّم صلاة الظهر شرط لطبيعة صلاة العصر، لا لأجزائها؛ حتّى يقال: إنّ القاعدة لاتجري بالنسبة إلى الأجزاء الآتية، فمحلّ الشرط للطبيعة قبلها، فإذا اشتغل بها جاز عن محلّه، فيحرز بالقاعدة شرطها.

فهل يجب إتمامها عصراً، ثمّ الإتيان بالظهر؛ بدعوى أنّ الاستصحاب لايجري مع وجود القاعدة، و بعد الصلاة يجري؛ لأنّ القاعدة محرزة من حيث؟

أو يجب العدول؛ بأن يقال: إنّ القاعدة لاتحرز وجود الظهر إلّا من حيث اشتراط العصر بها، كما هو الشأن في المحرز الحيثي، و معه لا مانع من جريان استصحاب عدم الإتيان بالظهر من حيث ذاتها، فيندرج الموضوع تحت أدلّة

ص: 436


1- وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63.
2- الكافي 3: 291 / 1؛ وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.
3- أنوار الهداية 1: 85.

العدول، و الأوفق بالقواعد هذا الوجه.

ثالثها: جريانها و إحراز وجود الشرط بالنسبة إلى الأجزاء الماضية، دون الآتية؛ بدعوى اشتراط صلاة العصر بأجزائها بتقدّم الظهر عليها.

فحينئذٍ يمكن أن يقال بإمكان إحرازه بإقحام صلاة الظهر في العصر و إتمامها، ثمّ الإتيان بما بقي من العصر، فصحّت الظهر و كذا العصر؛ لإحراز الشرط تعبّداً و وجداناً؛ بدعوى عدم الدليل على بطلان الصلاة بإقحام الصلاة فيها، كما ورد نظيره في إقحام الصلاة اليومية في صلاة الآيات(1)، فالإقحام موافق للقاعدة.

و دعوى البطلان بالزيادة العمدية - لا سيّما الأركان - فيها ممنوعة؛ لعدم الصدق إلّا مع الإتيان بها بعنوان الصلاة نفسها، لا لصلاة اُخرى.

و ما في بعض الروايات في باب النهي عن قراءة العزيمة، معلّلاً: بأنّ السجود زيادة في المكتوبة(2)، يقتصر على مورده بعد عدم صدق الزيادة حقيقة، و حملها على التعبّد، مع احتمال الصدق فيما إذا كانت السجدة من متعلّقات السورة المأتيّ بها في الصلاة، فأين ذلك من المقام؟!

و دعوى: أنّ الروايات الآمرة بالعدول إلى الظهر(3)، دالّة على عدم جواز

ص: 437


1- راجع وسائل الشيعة 7: 490، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 5، الحديث 2 و 4.
2- راجع وسائل الشيعة 6: 105، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 40، الحديث 1.
3- راجع وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63.

الإقحام، و إلّا لكان عليه البيان، مخدوشة؛ لأنّ مجرّد الأمر به لايدلّ على عدم جواز غيره، و لو حمل الأمر على الوجوب فلايدلّ على التعيين و نفي الغير، مع أنّ الظاهر حمله على الإرشاد لتصحيح الصلاة، و لولا كون ذلك الإقحام خلاف ارتكاز المتشرّعة لما كان به بأس.

و دعوى: كون الإقحام ماحياً لصورة الصلاة و مخلاًّ بالوحدة، قابلة للدفع، فالعمدة هو ذلك الارتكاز.

ثمّ إنّه يصحّ العدول منها إلى صلاة الظهر؛ لصحّتها بإحراز الشرط بدليل التجاوز للأجزاء السالفة و استصحاب عدم الإتيان بالظهر - على ما مرّ(1) - لتنقيح موضوع العدول.

و قد تحصّل ممّا مرّ: صحّة العدول في جميع الفروض بحسب القاعدة.

نعم، ربّما يتوهّم(2) مخالفة ذلك لرواية زرارة - نقلاً من كتاب حريز بن عبد اللّه المتقدّمة(3) - على بعض الفروض و الاحتمالات، فإنّ في قوله: «فإن شكّ في الظهر فيما بينه و بين أن يصلّي العصر قضاها، و إن دخله الشكّ بعد أن يصلّي العصر فقد مضت» احتمالات:

منها: أن يكون المراد إن حدث الشكّ قبل صلاة العصر قضاها، و إن حدث بعدها فقد مضت، و على ذلك لم يتعرّض لحدوثه في الأثناء.

و منها: أن يكون المراد إن حدث قبل شروع الصلاة قضاها، و إن حدث بعد

ص: 438


1- تقدّم في الصفحة 435 - 436.
2- مستمسك العروة الوثقى 7: 428.
3- تقدّم في الصفحة 430.

الشروع مضت، و هذا مخالف لما تقدّم من لزوم العدول، فإنّ المتفاهم منه أنّه لايعتني بشكّه، و يصحّ ما اشتغل به عصراً، و يتمّها كذلك.

و منها: أن يكون المراد إن حدث بينه و بين إتمام الصلاة قضاها؛ أي إن حدث قبل تمامها، و في مقابله الحدوث بعدها، و في هذا الفرض يمكن إجراء القاعدة المتقدّمة؛ أي العدول إلى الظهر.

فالمخالف لها فرض واحد منها، مع احتمال أن يكون المراد بقوله: «مضت» البناء على الإتيان بالظهر بما هي شرط في العصر و أوكل الحكم إلى القواعد، و الأمر سهل بعد ضعف الرواية، فالقاعدة متّبعة.

الصورة الثالثة: لو علم بالإتيان بالعصر، و شكّ في الإتيان بالظهر و قد بقي من الوقت أربع ركعات:

فإن قلنا باشتراك الوقت بينهما إلى الغروب مطلقاً - كما قوّيناه في محلّه(1) - يجب الإتيان بالظهر.

و كذا لو قلنا بذلك فيما إذا كان آتياً بالعصر؛ لكون الشكّ فيها حينئذٍ في الوقت.

كما أنّه لو قيل باختصاص آخر الوقت بالعصر مطلقاً، كان الشكّ في الظهر حينئذٍ من الشكّ بعد الوقت، فلايعتنى به.

إن قلت: هذا كذلك بحسب القاعدة، لكن مقتضى صحيحة زرارة و الفضيل

ص: 439


1- تقدّم في الصفحة 128 - 134.

المتقدّمة(1)، أنّ الحكم معلّق على خروج وقت الفوت و عدمه؛ حيث صرّح فيها: بأنّه إن شكّ في وقت فوتها يجب الإتيان، و إن خرج وقت الفوت فقد دخل حائل فلايجب، و قد فسّر وقت الفوت فيها: بأنّه ما لو جاز ذلك الوقت لم تكن الصلاة مؤدّاة.

و إذا ضمّ ذلك إلى صحيحة الحلبي، قال: سألته عن رجل... إلى أن قال: قلت: فإن نسي الاُولى و العصر جميعاً، ثمّ ذكر ذلك عند غروب الشمس؟ فقال: «إن كان في وقت لايخاف فوت إحداهما، فلْيصلِّ الظهر ثمّ ليصلِّ العصر، و إن هو خاف أن يفوته فليبدأ بالعصر، و لايؤخّرها فيفوته، فيكون قد فاتتاه جميعاً...»(2) إلى آخرها، ينتج أنّه مع بقاء أربع ركعات يكون وقت فوت الظهر قد خرج؛ أي الوقت الذي لو جاز لم يكن مؤدّياً، فيكون شكّه بعد وقت الفوت، فلايجب الاعتناء.

فالميزان خروج الوقت بمقدار لو صلّى لم يكن آتياً بالمأمور به، كما لو شكّ في العصر مع بقاء الوقت بمقدار أقلّ من ركعة، فإنّه لايعتني به مع عدم خروج الوقت؛ لأنّه لو صلّى في ذلك الوقت لم تكن صلاته مؤدّاة.

قلت: في صحيحة الحلبي احتمالان:

أحدهما: أنّ المراد بفوتهما مضيّ وقتهما؛ أي كون فوت الظهر المأتيّ بها في الوقت المذكور مستنداً إلى مضيّ وقتها، كما هو الحال في العصر المأتيّ بها بعد

ص: 440


1- تقدّم في الصفحة 417 - 418.
2- تهذيب الأحكام 2: 269 / 1074؛ وسائل الشيعة 4: 129، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 18.

الظهر في الفرض، و على ذلك تكون الصحيحة - كمرسلة داود بن فرقد(1) - من أدلّة القائلين باختصاص آخر الوقت بالعصر و عدم الاشتراك(2)، فخرج الفرض عن مفروض المسألة.

و ثانيهما: أنّ المراد بفوت الظهر هو بطلانها؛ لكون الوظيفة في الوقت الضيّق هو الإتيان بالعصر، و كانت الظهر مشروطة بالإتيان بالعصر، فالبطلان مستند إلى ترك شرطها، لا إلى خروج وقتها، كما لو صلّى العصر في الوقت المشترك قبل الظهر عمداً، و لمّا كان البطلان في وقت لايمكن جبرانها في الوقت، صحّ القول بأنّه فات منه، نظير ما لو صلّى العصر في الوقت المختصّ بها باطلة، فإنّ البطلان و إن لم يكن مستنداً إلى خروج الوقت، لكن صحّ القول بفوتها؛ لعدم بقاء الوقت لجبرانها.

و على هذا الاحتمال يجمع بين الروايات الدالّة على بقاء وقتهما إلى الغروب - كالروايات المتقدّمة في خلل الوقت(3)، و لعلّ منها رواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه علیه السلام، و فيها: «لايفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس»(4)

على إشكال فيها - و بين ما هي ظاهرة في اختصاص آخر الوقت بالعصر(5).

ص: 441


1- تقدّم في الصفحة 124.
2- مدارك الأحكام 3: 36؛ الصلاة، المحقّق الحائري: 8؛ نهاية التقرير 1: 94.
3- تقدّم في الصفحة 122.
4- تهذيب الأحكام 2: 256 / 1015؛ وسائل الشيعة 4: 159، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 9.
5- تقدّم في الصفحة 124.

و يجمع أيضاً بين الصحيحتين: بأنّ المراد من صحيحة الحلبي(1)

ما ذكر، و من صحيحة زرارة و الفضيل(2)

هو خروج الوقت، و على ذلك لمّا كان الوقت باقياً و مشتركاً بين الظهرين يجب الاعتناء بالشكّ، و يجب الإتيان بها بعد الإتيان بالعصر و إن كانت قضاء.

الصورة الرابعة: لو شكّ في الظهرين في الوقت المختصّ بالعصر يجب الإتيان بها على أيّ حال؛

لكون الشكّ بالنسبة إليها في الوقت، و كذا الظهر إن قلنا باشتراك الوقت بينهما إلى الغروب مطلقاً(3).

أمّا لو قلنا باختصاص آخر الوقت بالعصر لو لم يأتِ بها، و مع الإتيان بها يكون وقت الظهر باقياً(4).

فهل يجب الإتيان بها في الفرض أو لا؟ وجهان:

وجه الثاني: أنّ العصر محكومة بعدم الإتيان بها؛ لقاعدة الشكّ في المحلّ، و للاستصحاب، و لصحيحة زرارة و الفضيل، فيكون الشكّ في الظهر بعد خروج المحلّ(5).

و فيه: أنّه لايثبت بالقاعدة إلّا الاعتناء بالشكّ بالنسبة إلى العصر على إشكال

ص: 442


1- تقدّم في الصفحة 440.
2- تقدّم في الصفحة 417 - 418.
3- اُنظر جامع المدارك 1: 239 - 240.
4- الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 1: 15 - 16.
5- الصلاة، المحقّق الحائري: 344.

فيه أيضاً، كما لايثبت بالصحيحة إلّا وجوب الإتيان بالعصر، و لا بالاستصحاب إلّا البناء على عدم الإتيان بها، و لايثبت بشيء منها أنّ الوقت مختصّ بالعصر، كما لايثبت بها أنّ الشكّ في الظهر بعد الوقت لتجري القاعدة، بل و لايثبت بها أنّ الوقت خارج بالنسبة إلى الظهر إلّا بالأصل المثبت.

فإن قلت: إنّ الاختصاص بالعصر من الأحكام الوضعية الشرعية المترتّبة على وجوب الإتيان بالعصر، و بعد ثبوت الاختصاص يكون عدم كون الوقت للظهر عبارة اُخرى عنه، لا من اللوازم حتّى يكون الأصل مثبتاً، و بعد الحكم شرعاً بأنّ الوقت خارج بالنسبة إلى الظهر، يكون الشكّ فيها خارج الوقت، فيترتّب عليه أثره، و هو المضيّ.

قلت: إنّ وجوب الإتيان بالعصر مترتّب على الاختصاص دون العكس، كما يظهر من الأدلّة كمرسلة داود(1)، فإجراء الأصل فيه لإثبات الاختصاص مثبت، فإنّه من إثبات الملزوم باستصحاب اللازم، و من قبيل استصحاب الحكم لإثبات الموضوع، كاستصحاب وجوب إكرام زيد لإثبات كونه عالماً، مع أنّه - على فرض إثبات الاختصاص، و التسليم بأنّ كون الوقت خارجاً عبارة اُخرى عن الاختصاص، و الغضّ عن عدم إمكان كون أحد العنوانين عين الآخر، بل إنّه من اللوازم البيّنة و الجليّة، و الأصل مثبت حتّى في مثلها، بل في الوسائط الخفيّة و الجليّة على ما هو المقرّر في محلّه(2)، إلّا أن يدّعى: أنّ الجعل في أحدهما مستلزم للجعل في الآخر، و هو كما ترى - لا شكّ في أنّ إثبات كون الشكّ بعد

ص: 443


1- تقدّمت في الصفحة 124.
2- راجع الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 179.

الوقت باستصحاب وجوب الإتيان بالعصر مثبت.

ثمّ إنّه هل يمكن إثبات كون الشكّ في الوقت بالنسبة إلى الظهر باستصحاب بقاء وقته؟

إمّا باستصحاب الشخص، أو القسم الأوّل من الكلّي إن قلنا بأنّ الوقت مشترك بينهما إلى الغروب، إلّا مع عدم الإتيان بالعصر إلى أربع ركعات قبل الغروب، فينقلب الاشتراك إلى الاختصاص، أو قلنا بأنّ آخر الوقت مختصّ بالعصر، و مع الإتيان بها قبل صلاة الظهر بوجه صحيح، يستمرّ وقت الظهر إلى الغروب، فمع الشكّ في الإتيان بالعصر يشكّ في استمرار وقت الظهر فيستصحب.

أو باستصحاب القسم الثالث من الكلّي إن قلنا بأنّ وقتها إلى مقدار أربع ركعات، و مع الإتيان بالعصر قبلها بوجه صحيح جعل وقت العصر للظهر بجعل آخر، فالشكّ في بقاء الوقت ناشئ من حدوث وقت آخر مقارناً لزوال الوقت الأوّل، فيستصحب الوقت الكلّي و يترتّب عليه قوله: «إن شكّ في وقت الفوت فليصلّ»(1)، و يدّعى: أنّ هذا الأمر التعليقي حكم تعليقي شرعي مترتّب على الوقت، نظير الاستصحاب التعليقي لترتّب الحكم على الموضوع عند وجوده، كاستصحاب حكم العصير العنبي؛ أي قوله: «إن نشّ عصيره يحرم إلى زمان صيرورته زبيباً»، و يترتّب عليه الحرمة عند نشّ عصيره.

ص: 444


1- الكافي 3: 294 / 10؛ وسائل الشيعة 4: 282، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 60، الحديث 1.

قلت: إنّ استصحاب بقاء الوقت لايثبت به كون الشكّ في الوقت، و توهّم: أنّ الشكّ وجداني، و الوقت مستصحب، فيثبت الموضوع بها، فاسد؛ لأنّ ما هو وجداني هو الشكّ في هذه القطعة من الزمان، و ما هو مستصحب نفس وقت الظهر، و أمّا كون الشكّ في وقتها، فهو ليس بوجداني، و لايصحّ إثباته بالأصل إلّا على الأصل المثبت، و التنظير بالاستصحاب التعليقي في غير محلّه، كما هو ظاهر.

ثمّ إنّه بعد عدم جريان قاعدة التجاوز في الظهر، ربما يقال بأنّ عدم وجوب الظهر في الوقت المختصّ بالعصر معلوم، و وجوب القضاء مشكوك فيه، و مقتضى قاعدة البراءة عدم وجوبها، بل مقتضى استصحاب عدم وجوب القضاء و استصحاب عدم وجوبها إلى ما بعد الوقت ذلك(1).

و يمكن أن يقال: إنّ معلومية عدم وجوب الظهر في الوقت المختصّ ممنوعة؛ لاحتمال وجوبها، فإنّ العصر محتمل التحقّق، و على فرضه تجب الظهر، بل مع عدم الإتيان بالعصر أيضاً يحتمل وجوب الظهر؛ لاحتمال كون وجوب الإتيان بالعصر في الوقت المختصّ، من باب تزاحمهما و ترجيح الشارع جانب العصر، و قد حقّق في محلّه: أنّ المتزاحمين واجبان فعلاً، و لايسقط خطاب المزاحم المرجوح(2)، فحينئذٍ يحتمل وجوب الظهر، كما يحتمل وجوب العصر، فيستصحب وجوبهما و وجوب الظهر إلى ما بعد الوقت.

فإن قلنا بوحدة التكليف الأدائي و القضائي، و أنّ وجوب القضاء تابع للأداء

ص: 445


1- الصلاة، المحقّق الحائري: 344.
2- مناهج الوصول 2: 20 - 22.

و إن تعدّد المطلوب، يكون الاستصحاب شخصياً، أو من الكلّي القسم الأوّل.

و إن قلنا بأنّ القضاء بأمر جديد، يكون من القسم الثالث؛ لاحتمال حدوث التكليف بالقضاء مقارناً لسقوط الأمر الأدائي، و إن احتمل الأمران يكون من القسم الثاني.

و فيه: - مضافاً إلى أنّ الاحتمال الأوّل و الثالث باطلان؛ لأنّ القضاء بأمر جديد بحسب مقتضى الأدلّة، و أنّ التحقيق هو الاحتمال الثاني، و استصحاب الكلّي ممنوع؛ لما أشرنا إليه سابقاً: من أنّ الكلّي المستصحب لابدّ و أن يكون حكماً شرعياً أو موضوعاً ذا حكم، و الكلّي الجامع بين التكليف الأدائي و القضائي، ليس حكماً شرعياً، بل أمر انتزاعي عقلي لايجب اتّباعه، و لا موضوعاً مترتّباً عليه الحكم الشرعي(1) - أنّ مقتضى صحيحة الحلبي(2) الحاكمة بأنّ الإتيان بالظهر في الوقت المختصّ بالعصر موجب لفوتها، أنّ المورد ليس من باب التزاحم، و إلّا لم يكن وجه لبطلانها؛ سواء سقط الأمر - كما هو المعروف - أم لا، كما هو المختار(3).

فالبطلان بعد اشتراك الوقت بينهما بحسب الأدلّة - كما تقدّم(4) - لأجل أنّ الظهر مشروطة بالإتيان بالعصر، و مع عدمه تبطل لفقدان الشرط، فاستصحاب عدم الإتيان بها ينقّح موضوع الصحيحة، فعلى ذلك يجري استصحاب عدم

ص: 446


1- تقدّم في الصفحة 415.
2- تقدّم في الصفحة 440.
3- مناهج الوصول 2: 22.
4- تقدّم في الصفحة 124 - 134.

وجوب الظهر إلى ما بعد الوقت، فلايجب القضاء، كما هو مقتضى البراءة و استصحاب عدم وجوب القضاء.

و قد يتوهّم: أنّ استصحاب عدم الإتيان بها إلى آخر الوقت، ينقّح موضوع الفوت الذي هو مأخوذ موضوعاً لوجوب القضاء، و هو حاكم على الاستصحابين المذكورين و على أصل البراءة.

لايقال: إنّ إجراء الاستصحاب لإثبات عنوان الفوت مثبت.

فإنّه يقال: إنّ الفوت ليس عنواناً وجودياً منتزعاً من عدم الإتيان إلى آخر

الوقت، كعنوان الحدوث الذي هو أمر وجودي منتزع من الوجود المسبوق بالعدم حتّى يكون الأصل بالنسبة إليه مثبتاً، بل الفوت عبارة عن عدم الإتيان بالموضوع المشتمل على المصلحة المقتضية للوجود إلى زمان لايمكن تداركها، فهو عنوان عدمي و عبارة اُخرى عن عدم تحقّق الموضوع المذكور، فإجراء أصالة عدم الإتيان إلى آخر الوقت كافٍ في الحكم بالقضاء(1).

و فيه: أنّ دعوى وحدة العنوانين - و كون أحدهما عبارة اُخرى عن الآخر - ممنوعة، بل الفوت مترتّب على الترك في تمام الوقت، و الشاهد عليه صحّة قولنا: «ترك في تمام الوقت صلاته ففاتت منه»، و عدم صحّة: «تركها في تمام الوقت فتركها»، و كذا «فاتت منه ففاتت»، و كذا «فاتت منه فتركها»، فصحّة الأوّل عرفاً و عقلاً و عدم صحّة ما عداه، شاهدان على اختلافهما عنواناً و واقعاً و ترتّب الفوت على الترك.

ص: 447


1- الصلاة، المحقّق الحائري: 344.

و ما قلنا: من ترتّب الفوت على الترك مع كون كلٍّ منهما عدمياً، نظير ما يقال: من أنّ عدم العلّة علّة لعدم المعلول(1)، و ليس المراد منه تأثير عدم في عدم، أو ترتّب عدم على عدم، بل هو لبيان علّية الوجود للوجود و ترتّب وجود على وجود، و على أيّ حال بعد اختلافهما عنواناً و اعتباراً، لايصحّ إثبات الفوت باستصحاب الترك في تمام الوقت إلّا بالأصل المثبت، و أنّه من قبيل إثبات اللازم باستصحاب الملزوم في العرف، و إن كان إطلاق ذلك على الأعدام مبنيّاً على المسامحة عقلاً.

فتبيّن من ذلك: أنّ تخلّصه عن الأصل المثبت بدعوى كون الفوت عدمياً و ليس نظير الحدوث، غير مرضيّ؛ لأنّ ميزان المثبتية محقّق ولو كان العنوانان عدميين. نظير إثبات عدم اليوم باستصحاب عدم طلوع الشمس.

و بالجملة: بعد اختلافهما عنواناً، لايصحّ استصحاب أحدهما لإثبات الآخر إلّا بالأصل المثبت؛ من غير فرق بين عدميتهما أو وجودية أحدهما أو كليهما، و لا بين ترتّب أحدهما على الآخر و عدمه، هذا إذا قلنا بأنّ القضاء مترتّب على الفوت، و أمّا إن قلنا بأنّه مترتّب على عدم الإتيان بالمأمور به في الوقت المقرّر له، فلا مانع من جريان استصحاب عدم الإتيان إلى آخر الوقت لإثباته.

إن قلت: إنّ الفوت مترتّب على عدم الإتيان في الوقت المقرّر، لا على مجرّد عدمه، و استصحاب عدمه في الوقت غير جارٍ؛ لعدم الحالة السابقة لعدم الإتيان في الوقت ظرفاً أو قيداً، و مثبتية استصحاب عدمه المطلق إلى آخر الوقت

ص: 448


1- الحكمة المتعالية 1: 350 - 352؛ شرح المنظومة، قسم الحكمة 2: 192.

لإثبات عدمه في الوقت، كاستصحاب سائر الأعدام الأزلية.

قلت: أوّلاً إنّ كلاًّ من تقييد عدم الإتيان بزمان خاصّ و كونه ظرفاً له محال؛ لأنّ العدم لايعقل أن يصير مثبتاً له؛ ضرورة أنّ ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له؛ فعدم الإتيان بالصلاة لايعقل أن يكون موضوعاً للقضاء مع قيد الوقت أو ظرفيته له، كما لايكون الموضوع له عدم الإتيان بالصلاة المتقيّدة بالوقت أو في الوقت، على أن يكون الظرف قيداً للصلاة أو ظرفاً لها، و يكون الإتيان بلا قيد، فإنّ عدم الإتيان بالصلاة المتقيّدة أو المظروفة صادق قبل الوقت، و لايكون موضوعاً للقضاء، فما هو قابل للتقييد و المظروفية ليس موضوعاً له، و عدم الإتيان في الوقت يصحّ أن يكون موضوعاً، لكن تقييده بالوقت أو ظرفية الوقت له غير ممكن، فعلى ذلك لابدّ من القول: بأنّ ما يترتّب عليه القضاء عدم الإتيان و مضيّ الوقت المقرّر للمأمور به، و أنّ الموضوع ذو جزءين.

فحينئذٍ يمكن إثبات القضاء باستصحاب العدم و مضيّ الوقت وجداناً، فهو من قبيل إثبات الموضوع بالأصل و الوجدان.

و مع الغضّ عن ذلك، و التزام أنّ الموضوع للقضاء عبارة عن عدم الإتيان في الوقت؛ على أن يكون الوقت ظرفاً لعدم الإتيان - بدعوى عرفية ذلك، و الميزان هو تشخيص العرف، لا حكم العقل - يمكن إجراء أصل عدم الإتيان في الوقت بوجهين:

أحدهما: استصحاب عدم الإتيان بالصلاة في الوقت من ما قبل الظهر - مثلاً - إلى غروب الشمس، و معه يحرز الموضوع؛ أي عدم الإتيان في القطعة المتّصلة

ص: 449

بما قبل الظهر، و هذا استصحاب شخصي، يكون الظرف - الذي هو جزء الموضوع - قطعة من الزمان الذي يكون بقاءً للمستصحب، و ليس كلّياً حتّى تتوهّم المثبتية، و عدم كون القطعة الاُولى موضوعاً للحكم لايضرّ به، بعد كون القطعة المتّصلة بها موضوعاً له.

ثانيهما: استصحاب عدم الإتيان بها في الوقت المقرّر، فإنّ في الجزء الأوّل منه - الذي لايسع الصلاة حتّى بمقدار تكبيرة الافتتاح تماماً - يصحّ أن يقال: إنّي أعلم بعدم الإتيان بها في الوقت المقرّر، فإنّ وقتها من الزوال، وهي لايعقل أن تقع في أوّل الزوال، فيصحّ القول المذكور، و مع الشكّ في الإتيان بها إلى الغروب تستصحب القضيّة المتيقّنة إليه، نعم، لو احتمل الإتيان بها قبل الوقت و وقوع جزء منها فيه، لاتصحّ دعوى العلم إن قلنا: بأنّ هذا المقدار الذي لايتّسع إلّا لبعض السلام، كافٍ في الصحّة، و هو محلّ كلام.

الصورة الخامسة: لو علم إجمالاً بالإتيان بإحداهما و عدم الإتيان بالاُخرى، و لم يبقَ من الوقت إلّا أربع ركعات،
اشارة

فلو كان المأتيّ بها الظهر يجب عليه العصر و بالعكس.

و عندئذٍ إن قلنا بعدم اعتبار قصد العنوان في الصحّة، يكتفي بالإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة و تصحّ.

و أمّا إن قلنا باعتبار قصد العنوان تفصيلاً في الصحّة، و أنّه لايصحّ قصد ما في الذمّة حتّى يكتفي بأربع ركعات من غير القصد إلى أحد العنوانين، فيعلم إجمالاً بوجوب إحداهما قاصداً لعنوانها.

ص: 450

فحينئذٍ إن قيل: بأنّ وقوع العصر قبل الظهر صحيحةً لابدّ و أن يكون ناشئاً عن الغفلة، و أصالة عدمها أمارة عقلائية تكشف عن أنّ المأتيّ بها الظهر، لا العصر غفلة، فيجب عليه العصر.

لكنّه فاسد جدّاً لايستند إلى دليل.

و عليه: لو قلنا بأنّ الوقت مختصّ بالعصر مطلقاً؛ سواء أتى بها أم لا، فقاعدة التجاوز الجارية في الظهر، و استصحاب عدم الإتيان بالعصر الخالي عن المعارض، يوجب انحلال العلم تعبّداً، فيجب عليه العصر، و يبني على تحقّق الظهر و لايعتني بشكّه.

و إن قلنا بالاشتراك مطلقاً فلاتجري قاعدة التجاوز فيهما، و كذا لو قلنا بالاختصاص لو لم يأتِ بالعصر، فإنّه من موارد الشبهة المصداقية للقاعدة.

فحينئذٍ: إن قلنا بعدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم مطلقاً، أو بسقوطه بالتعارض، فيجب العمل بالعلم الإجمالي؛ بالإتيان بإحداهما بعنوانه رجاء و قضاء الاُخرى خارج الوقت.

و توهّم: لزوم الإتيان بالظهر لتحصيل الترتيب، فاسد؛ لأنّ الترتيب إمّا حاصل أو غير معتبر في الفرض.

و توهّم: أنّه لا دليل على القضاء بعد سقوط الأصل، غير صحيح؛ لأنّ العقل يحكم بوجوب الإتيان بهما، و لازم ذلك الإتيان بإحداهما قضاء، كما لو علم بعد الوقت بترك إحداهما.

و بعبارة اُخرى: بعد العلم بأنّ ترك المأمور به في الوقت يوجب القضاء، يكون العلم الإجمالي حجّة على الواقع كالعلم التفصيلي.

ص: 451

و لو قلنا بجريان الأصل في أطراف العلم لو لم يلزم منه المخالفة العملية، فتجري أصالة عدم الإتيان في كلٍّ منهما، فيحرز موضوع صحيحة الحلبي(1) من وجوب الإتيان بالعصر.

إلّا أن يقال: إنّ مفاد الصحيحة لاينطبق على المورد؛ لأنّ فيها التعليل بأنّه لو أتى بالظهر فاتتاه، و لا شكّ أنّه مع العلم بالإتيان بإحداهما لم يَفُت المأتيّ بها.

إلّا أن يقال: إنّ لازم التعبّد بعدم الإتيان بهما هو التعبّد بفوتهما لو أتى بالظهر، مع أنّ الحكم بوجوب العصر مع عدم الإتيان بهما إلى أن يبقى من الوقت مقدار أربع ركعات، مسلّم غيرقابل للتشكيك، و الاستصحاب يحرز موضوع الحكم.

هذا كلّه على القول باعتبار قصد العنوان تفصيلاً.

و أمّا مع عدمه فالإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة، كافٍ في العمل بالعلم الإجمالي، و في تحقّق قصد العنوان إجمالاً، و لايجب عليه القضاء.

و توهّم: أنّه مع جريان الأصلين، يجب عليه الإتيان بالعصر بمقتضى الأدلّة، في غير محلّه، فإنّه مع الإتيان بما هو المعلوم، لايبقى مجال لاحتمال وجوب شيء عليه، و الفرض أنّه ليس على ذمّته إلّا صلاة واحدة و قد أتى بها بلا ريب، و التحقيق ذلك، و أمّا ما تقدّم فمبنيّ على مبانٍ غير مرضيّة.

تنبيه: حول الفارق بين الظهرين

لا بأس بالإشارة إلى أمر ربّما ينتج في بعض المسائل الآتية: و هو أنّه لا إشكال في عدم الفارق بين الظهرين، كما أنّه لا إشكال في أنّه لا حقيقة لهما

ص: 452


1- تقدّم في الصفحة 440.

إلّا تلك الأجزاء؛ من التكبيرة الافتتاحية إلى التسليم معتبراً فيها نحو وحدة و اتّصال، فالظهران متّحدتا الحقيقة و الصورة، و دعوى: أنّ لكلٍّ منهما حقيقة مختلفة عن صاحبتها(1)، في غير محلّها.

فحينئذٍ يقع إشكال، و هو أنّ اختلافهما في بعض الأحكام بعد اتّحادهما في الصورة و الحقيقة، ممّا لا منشأ له، فكيف صارت صلاة الظهر - و هي الصلاة الوسطى - أفضل من سائر الصلوات؟ و لِمَ اختصّ أوّل الوقت بالظهر و آخره بالعصر؟ و لِمَ اشتُرطت العصر بوقوعها بعد الظهر... إلى غير ذلك؟

و الذي يمكن أن يقال: إنّ اختلاف الإضافات كثيراً ما يوجب اختلاف الأحكام عرفاً و شرعاً، مع وحدة المضاف إليه حقيقة، فرداء رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم و سيفه و سائر ما يضاف إليه أشرف و أفضل من غيره، و لو وجد رداؤه أو سيفه لبُذل فيه من الأثمان بالغةً ما بلغت، و ليس ذلك إلّا لمجرّد الإضافة إليه، و فرش المسجد لايجوز بيعه، بخلاف فرش المنزل؛ لمجرّد اختلاف الإضافة، و الزمان مع كونه أمراً واحداً مستمرّاً لايختلف فيه حقيقة يوم عن يوم آخر، و لا ليلة عن ليلة اُخرى، لكن لمّا نزل القرآن المجيد في ليلة القدر أو في شهر رمضان، صار زمان نزوله من أجله عظيماً شريفاً يمتاز عن سائر الأزمنة، و ليس ذلك إلّا لإضافة خاصّة، و كذا الحال في الكعبة و مدينة الرسول... إلى غير ذلك.

فحينئذٍ يمكن أن يقال: إنّ ساعات الأيّام بواسطة القضايا الواقعة فيها، صار بعضها أشرف من بعض، و ما نسب إلى بعضها صار أشرف من غيره بواسطة

ص: 453


1- الصلاة، المحقّق الحائري: 127.

الإضافة، و كذا تختلف الأحكام بذلك، فالركعات الأربع المأمور بها في أوّل الظهر لأجل انتسابها إليه، تختلف مع شريكتها في الأحكام و الآثار الاعتبارية.

فحينئذٍ: تمتاز الظهر عن العصر بهذه الإضافة، و لابدّ من قصد العنوان و إن كان بنحو الإشارة و الإجمال، كالإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة، فإنّ ذلك إشارة إلى ما هو الواقع المعلوم حقيقة عند اللّه و إن كان مجهولاً عند المكلّف، و هذا المقدار كافٍ في التعيين و قصد العنوان، و لا دليل على الزائد عنه.

حول جواز العدول

ثمّ إنّ الإضافة إلى الظهر - مثلاً - قد تعتبر بالنسبة إلى نفس طبيعة الصلاة و ماهيتها من غير نظر إلى أجزائها، فتكون إضافة واحدة لمضاف واحد.

و قد تعتبر إلى أجزائها، فكلّ ركعة أو جزء منها تكون مضافة إلى الزمان.

فعلى الثاني: يكون العدول من صلاة إلى اُخرى محالاً؛ لأنّ الجزء - مثلاً - عند وجوده صار مضافاً إلى الزمان و مأتيّاً به بعنوانه، و بعد تحقّقه بهذا العنوان و هذه الإضافة، لايعقل تبديله بإضافة اُخرى و عنوان آخر؛ إمّا لصيرورته معدوماً، أو لامتناع انقلابه عمّا هو عليه.

و على الأوّل: يجوز العدول؛ لأنّ الإضافة لنفس الطبيعة التي بيده، و ما دامت الطبيعة تحت اختيار المكلّف حال اشتغاله بها، له أن ينوي لها إضافة اُخرى، و هو أمر اختياري له، فمن اشتغل بصلاة الظهر، ثمّ بدا له أن يجعلها صلاة العصر أو غيرها، له ذلك باختياره و نيّته ما دام مشتغلاً بها من غير لزوم امتناع.

ص: 454

و على ذلك يكون العدول موافقاً للقاعدة؛ سواء عدل من الحاضرة إلى الفائتة، أو من اللاحقة إلى السابقة أو بالعكس، فإنّ ظاهر أدلّة العدول هو ذلك؛ حيث تدلّ على أنّه بالنيّة يتحقّق العدول، فمن صلّى ركعتين من العصر، ثمّ علم أنّه ترك الظهر، ينويها ظهراً، كما هو مورد النصّ(1)، و هذا يكشف عن أنّ الإضافة مخصوصة بنفس الماهية، لا لأجزائها، و إلّا لامتنع الأخذ بظاهر الروايات، و كان اللازم تأويلها.

و بالجملة: بعد ما كانت الماهية بنفسها واحدة غير ممتازة، و دلّ الدليل على أنّ الإضافة الموجبة للافتراق، قابلة للنقل باختيار المكلّف؛ لكونها للماهية و نظير إضافة الملكية، لا إضافة الإجارة، صار العدول على القاعدة بعد ما وقع المعدول عنه صحيحاً، و كان المعدول إليه مأموراً به.

و على ذلك: لو دخل في صلاة الظهر، مع عدم الإتيان بالعصر في الوقت الخاصّ بالعصر، أو شكّ في الإتيان بها، يمكن القول بلزوم العدول إلى العصر، و إنّما لايجوز العدول إلى اللاحقة إذا لم تكن السابقة مأموراً بها، كما لو أتى بها، ثمّ دخل فيها ثانياً خطأً، فإنّ عدم الجواز لأجل بطلان السابقة.

ثمّ لو قلنا بعدم جواز العدول من السابقة مطلقاً، و استشكلنا في ما مرّ: بأنّ الإمكان لايكفي في القول بالصحّة مع توقيفية العبادة، و لا دليل على جواز العدول كذلك، بل لعلّ عدمه متسالم عليه بين الأصحاب، يمكن القول في الفرع المذكور بإيقاع صلاة العصر في خلال الظهر، و بعد تتميمها يتمّم الظهر من غير

ص: 455


1- راجع وسائل الشيعة 4: 293، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 5.

احتياج إلى رفع اليد؛ إذ لا دليل على عدم جواز ذلك كما مرّ في السابق(1)، و بذلك يقع بعض الظهر في وقتها كالعصر.

و لو منع ذلك أيضاً؛ بدعوى مخالفته لارتكاز المتشرّعة، فلابدّ من رفع اليد عن الظهر و الإتيان بالعصر ثمّ الظهر قضاء، هذا إذا أدرك من العصر ركعة أو أزيد، و إلّا فالظاهر صحّة الظهر و لزوم تتميمها ثمّ قضاء العصر؛ لأنّ الوقت مشترك، و الظهر صحيحة إلى الآن فرضاً، و العصر لم تزاحمها؛ لصيرورتها قضاء رُفعت اليد عن الظهر أم لا، فيجب عليه تتميمها مع القول بعدم جواز العدول إلى العصر.

الصورة السادسة: لو لم يبقَ من الوقت إلّا ركعة فشكّ في الإتيان بالصلاة:
اشارة

فبملاحظة خصوص قاعدة التجاوز مع الغضّ عن الدليل الخاصّ الوارد في الوقت؛ أي صحيحة الفضيل و زرارة(2)، و عن دليل «من أدرك ركعة»(3)، يمكن أن يقال: إنّه لم يمضِ الوقت، و إنّ الشكّ في الوقت؛ لأنّ ظاهر الأدلّة أنّ وقت الظهرين باقٍ إلى غروب الشمس، و هذه القطعة الأخيرة وقت للطبيعة، و لهذا لو وقعت الركعة الأخيرة من الصلاة فيها لكانت في وقتها، بخلاف ما لو

ص: 456


1- تقدّم في الصفحة 437 - 438.
2- تقدّم في الصفحة 417 - 418.
3- راجع وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30؛ جامع أحاديث الشيعة 4: 288، كتاب الصلاة، أبواب مواقيت الصلاة، الباب 28.

وقعت بعد غروب الشمس، و إنّما يمضي الوقت بقول مطلق بغروبها، فمقتضى ضمّ هذه الروايات - أي روايات امتداد الوقت إلى غروب الشمس - إلى روايات قاعدة التجاوز، هو أنّ الشكّ في الوقت.

و قد يقال: إنّ المراد بالوقت في قوله علیه السلام: «أنت في وقت منهما جميعاً»(1) هو الوقت الواسع لأداء الصلاة فيه؛ لأنّ وقت الشيء ما يمكن أن يقع فيه بتمامه، و من المعلوم عدم إمكان وقوع الصلاة في الوقت الذي لايسع إلّا لركعة، فلابدّ من توجيه قوله علیه السلام: «أنت في وقتٍ منهما» إلى الغروب و مضيّ الوقت الواسع لجميع الصلاة بذهابه إلى حدّ لايمكن أن يقع تمام الصلاة فيه(2).

و فيه: أنّه لا وجه لتأويل الروايات بعد إمكان الحمل على ظاهرها، و هو أنّ الوقت إلى غروب الشمس؛ لا بمعنى أنّه وقت الشروع، بل بمعنى أنّه وقت لها؛ باعتبار أنّه لو وقعت الصلاة في تحقّقها الامتدادي فيه، لوقعت في وقتها.

فهل يصحّ أن يقال في قوله علیه السلام: «إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين»(3): لايراد به ظاهره؛ لأنّ الصلاة لايعقل وقوعها أوّل الزوال؟ فكما أنّ المراد به أنّه وقت لأجل أنّه لو شرع فيها حال الزوال وقعت الصلاة في الوقت المضروب لها، كذلك المراد بأنّ ما قبل الغروب وقت، أنّه لو ختمت الصلاة فيه وقعت في وقتها،

ص: 457


1- راجع وسائل الشيعة 4: 126، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 5 و 22.
2- اُنظر الصلاة، المحقّق الحائري: 345.
3- راجع وسائل الشيعة 4: 127، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 8 - 11.

و قوله: «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى...»(1) لو نسب إلى زمان الصلاة يكون مضيّه بقول مطلق هو المضيّ بجميع قطعاته.

و بتقريب آخر: أنّ الصلاة في اعتبار الشارع - المستكشف من ارتكاز المتشرّعة و الأخبار الواردة في الأبواب المختلفة - ليست نفس تلك الأجزاء، و لا مجموعها من حيث المجموع بالترتيب الخاصّ؛ بدليل أنّ المكلّف إذا كبّر دخل فيها بلا ريب و بلا شائبة مجاز، و هو داخل فيها إلى أن يختمها بالسلام؛ سواء في ذلك نفس الأجزاء و الفترات الحاصلة بينها، فالدخول فيها أمر حاصل بمجرّد الشروع و باقٍ إلى آخره، و لایعقل مع كونها أجزاء أو مجموعاً أن تكون كذلك، كما لايعقل فيها القواطع و النواقض، و إنّما يصحّ كلّ ذلك بلا تأوّل إذا كانت معتبرة بنحو وحداني اتّصالي، نظير سائر الماهيات التي تتحقّق بأوّل الوجود و تبقى إلى آخره.

فلو كان البلد - مثلاً - مجموع الأبنية لايصدق على الوارد في أوّلها أنّه وارد في البلد؛ لأنّ الجزء ليس بلداً، و الحالّ في نقطة منه ليس حالّاً فيه، بل لايعقل الحلول فيه لأحد، بل المارّ بأحد جانبيه إلى الآخر غير مارّ بالبلد؛ لأنّ المرور وقع على الأجزاء الخاصّة، و هي ليست بلداً.

و لو كان شهر رمضان - مثلاً - عبارة عن مجموع الأيّام، لما دخل الشهر بحلول هلاله و لا بدخول يومه، فشهر رمضان عبارة عن قطعة زمان ممتدّ اعتبرت فيها أيّام و ليالٍ و ساعات و دقائق، نحو بعض الماهيات الحقيقية، التي

ص: 458


1- تهذيب الأحكام 2: 344 / 1426؛ وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 3.

يصدق على بعضها و على كلّها اسم الحقيقة كالماء.

و الصلاة اعتبرت نحو اعتبار يشبه بوجه شهر رمضان، فكما أنّ الشهر يحلّ بأوّل دقائقه، و هو باقٍ إلى آخره، كذلك الصلاة تتحقّق بأوّل أجزائها؛ أي تكبيرة الإحرام، و يكون المكلّف متلبّساً بها إلى السلام المخرج، و الأوقات إنّما جعلت لهذه الطبيعة الاعتبارية، لا لأجزائها، و ليس أوّل الزوال وقتاً لتكبيرة الإحرام، و الآن الآخر للحمد... و هكذا، بل إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر؛ أي تلك الماهية التي تتحقّق بأوّل وجودها، فكلّ قطعة و دقيقة من الزوال إلى غروب الشمس وقت لتلك الطبيعة، فإذا شرع فيها يكون الوقت الواقعة فيه الصلاة وقتاً لها، و لايلحظ في هذا الاعتبار الأجزاء أصلاً.

و على ذلك لا فرق في هذا الأمر بين أوّل الوقت و آخره، فقوله: «إذا زالت الشمس دخل وقت الظهرين، و أنت في وقت منهما جميعاً إلى غروب الشمس»(1) إطلاق حقيقي بعد الاعتبار المذكور.

فحينئذٍ يكون مضيّ وقت الصلاة بغروب الشمس؛ لأنّ الوقت المقرّر لها وقت حقيقي لها إلى الغروب، فمقتضى قاعدة التجاوز - مع قطع النظر عن سائر الأدلّة، و عن خصوص الرواية الواردة في الوقت - كون الشكّ قبل غروب الشمس قبل تجاوز الوقت، و إنّما التجاوز يتحقّق بغروبها.

إن قلت: مقتضى بعض الروايات، كقوله: «حين يتوضّأ أذكر»(2)، و قوله:

ص: 459


1- راجع وسائل الشيعة 4: 126، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 5 و 22.
2- راجع وسائل الشيعة 1: 471، كتاب الصلاة، أبواب الوضوء، الباب 42، الحديث 7.

«أقرب إلى الحقّ»(1)، و قوله: «قد ركعت»(2)، هو أنّ العلّة لعدم الاعتناء بالشكّ: أنّ المكلّف المقدم على الإتيان بالمأمور به، يأتي به مع جميع ما يعتبر فيه، و لايصحّ الاعتناء بشكّه باحتمال الغفلة و الاشتباه، و على ذلك لو شكّ في وقت لايسع الصلاة فيه و تكون قضاء؛ لوقوع بعضها خارج الوقت، فلا محالة يكون ذلك لاحتمال التأخير غفلة و اشتباهاً، فمقتضى الروايات المتقدّمة عدم الاعتناء بالشكّ و إن لم يصدق المضيّ؛ لأنّ العلّة تخصّص و تعمّم.

قلت: علّية ما ذكر محلّ إشكال، بل منع، نعم لا مانع من كونه نكتة الجعل، لكن لايصحّ رفع اليد عن الإطلاق بمثل ذلك، و لا رفع اليد عن الكبريات الكلّية به.

هذا مع الغضّ عن صحيحة زرارة و الفضيل(3). و أمّا بالنظر إليها:

فقوله: «متى شككت في وقتها أنّك لم تصلّها، أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها صلّيتها، فإن شككت بعد ما خرج وقت الفوت فقد دخل حائل، فلا إعادة عليك من شكّ»، منضمّاً إلى قوله قبل ذلك في تفسير وقت الفوت: بأنّه «إن جاز ذلك الوقت ثمّ صلّيتها لم تكن صلاته هذه مؤدّاة».

ظاهر في أنّ المراد بخروج وقت الفوت ذهاب الوقت؛ بمعنى غروب

ص: 460


1- راجع وسائل الشيعة 8: 246، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 27، الحديث 3.
2- راجع وسائل الشيعة 6: 317، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 13، الحديث 2.
3- تقدّم في الصفحة 417 - 418.

الشمس، فإنّ الصلاة إذا وقعت بعد غروبها تكون غير مؤدّاة بنحو الإطلاق، و لو وقع بعضها في الوقت و بعضها خارجه تكون قضاء، أو أداء ببعضها و قضاء ببعض، و الظاهر من دخول الحائل و كونها غير مؤدّاة غير هذا الفرض، فالصحيحة مع اشتمالها على التفسير المذكور، مطابقة للاحتمال الذي رجّحناه في مطلقات روايات قاعدة التجاوز؛ من أنّ المضيّ بخروج الوقت؛ أي بغروب الشمس.

نعم، مع الغضّ عن أدلّة القضاء لا شكّ في أنّ الصلاة الواقع بعضها خارج الوقت، باطلة بحسب القواعد مع الغضّ عن قاعدة «من أدرك»، فيكون الشكّ مع بقاء الوقت بمقدار أقلّ من سعة جميع الصلاة، شكّاً في وقت لو صلاّها لم تكن مؤدّاة؛ لصيرورتها باطلة، فينطبق حينئذٍ على الاحتمال المرجوح المتقدّم في قاعدة التجاوز.

لكن مع أدلّة القضاء و التفسير المتقدّم، يكون الترجيح للاحتمال الآخر المطابق لما رجّحناه، بل مع الغضّ عن التفسير المذكور تكون الصحيحة ظاهرة فيما ذكر؛ لأنّ وقت الفوت مقابل وقت الفضيلة الذي عبّر عنه فيها: بأنّه وقتها، و الوقت من أوّله إلى آخره قسّم إلى قطعتين: إحداهما الوقت، و الاُخرى وقت الفوت، و خروجه بغروب الشمس.

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ مقتضى قاعدة التجاوز و صحيحة زرارة، أنّ الشكّ في الوقت ولو كان بمقدار بعض الركعة يعتنى به، و التجاوز و دخول الحائل بذهاب الوقت بتمامه.

إن قلت: إنّ الصحيحة الآمرة بالصلاة مع الشكّ في وقت الفوت، دالّة على أنّ

ص: 461

الوقت واسع لها، و إلّا كان الأمر بشيء غير مقدور، فلاحظ الوقت الواسع لها، و في مقابله الوقت غير الواسع، فالشكّ في ذلك الوقت لايعتنى به.

قلت: الأمر بالصلاة لايدلّ على أنّ صلاته أداء، بل غاية ما يدلّ عليه: أنّه وجب عليه الاعتناء بشكّه، و لايكون خارج الوقت، فيجب الصلاة عليه، و لو كان الإتيان بها خارج الوقت، فمع اعتبار الشكّ في الوقت لو شكّ في الجزء الآخر من الوقت، صحّ أن يقال: يجب عليك الصلاة، فلا محالة تكون صلاته قضاء، بل قوله في الصحيحة: «فليصلِّ» ليس أمراً مولوياً؛ لأنّ الصلاة لاتجب مع الإتيان بها، و مع عدمه يجب بالأمر الأوّل، فالأمر إرشاد إلى حكم العقل بالاشتغال.

حول دلالة «من أدرك» على عدم الاعتناء بالشكّ في الأقلّ من ركعة

ثمّ على ما بنينا: من عدم التجاوز مع بقاء الوقت ولو كان أقلّ من ركعة، لانحتاج إلى دليل «من أدرك...»(1) في الاعتناء بالشكّ مع بقاء الركعة. فهل يدلّ دليله على عدم الاعتناء بالشكّ فيما إذا بقي أقلّ من ركعة؟

يبتني ذلك على أن يدلّ منطوق الدليل على تنزيل خارج الوقت منزلة الوقت، و مفهومه على تنزيل الوقت منزلة خارجه، و على أنّ شكّه شكّ في خارج الوقت، و في الكلّ إشكال:

أمّا تنزيل الوقت فقد أشرنا إليه سابقاً(2): بأنّ الدليل لايدلّ عليه في المنطوق

ص: 462


1- تقدّم في الصفحة 138 - 139.
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 142 و 175 و 420.

حتّى في مثل «من أدرك من صلاة العصر ركعة واحدة قبل أن تغيب الشمس أدرك العصر في وقتها»(1) فإنّ الظاهر منه تنزيل المُدرك له، أو تنزيل إدراكه للوقت، لا تنزيل نفس الوقت.

و على فرض التسليم، و تسليم المفهوم للدليل، فلايدلّ إلّا على عدم تنزيل الأقلّ منزلة الوقت، لا تنزيله منزلة عدم الوقت حتّى ينتج، و على فرض التنزيل، فلا إطلاق له حتّى يثبت به تنزيل الشكّ فيه منزلة الشكّ في الوقت منطوقاً، و في خارجه مفهوماً.

و دعوى: أنّ تنزيل خارج الوقت منزلة الوقت كافٍ في كون شكّه كذلك؛ من غير احتياج إلى تنزيل آخر، فإنّه من قبيل ترتّب الحكم على الموضوع(2).

غير وجيهة، فإنّ الشكّ في الإتيان في الوقت ليس حكماً مترتّباً عليه، بل موضوع لوجوب الاعتناء به، على إشكال فيه ناشئ من أنّ لزوم الاعتناء ليس حكماً شرعياً، بل حكم عقلي لقاعدة الاشتغال، و ليس للشارع في قاعدة التجاوز حكمان: أحدهما وجوب الاعتناء بالشكّ، و ثانيهما وجوب المضيّ، نعم بالنسبة إلى خارج الوقت يكون وجوب المضيّ حكماً شرعياً.

و كيف كان، فدعوى كون الشكّ في قاعدة التجاوز حكماً شرعياً مترتّباً على الموضوع، في غير محلّها.

ثمّ إنّه من المحتمل أن يكون المراد من قوله: «من أدرك ركعة...» إلى

ص: 463


1- تقدّم في الصفحة 139.
2- الصلاة، المحقّق الحائري: 345 - 346؛ اُنظر نهاية التقرير 2: 474 - 475.

آخره، أنّ الوقت المعتبر في الصلاة، اعتبر بنحو يكون وقوع ركعة من الصلاة فيه كافياً في صحّتها؛ من غير نظر إلى الإتيان بها و عدمه، أو اشتغال ذمّة المكلّف بها و عدمه، نظير اعتبار ذات الوقت فيها، و على ذلك تصحّ الصلاة لو فرض اشتغال الذمّة بها إن وقعت كذلك، و لازم ذلك جواز التأخير إلى إدراك ركعة؛ لعدم اعتبار شيء فيه من الاضطرار أو اشتغال الذمّة بها، و حينئذٍ ليس الدليل ناظراً إلى توسعة الوقت أو تنزيل الخارج منزلة الوقت و بالعكس، فلو شكّ في الصلاة، و قلنا بمقالتنا هذه، يكون شكّه في الوقت، و لو قيل بأنّ الشكّ بعد مضيّ الوقت إلى حدّ لايتّسع للصلاة، يكون الشكّ بعد الوقت.

لكن هذا الوجه مضافاً إلى كونه خلاف الظاهر، لاأظنّ التزام أحد به، فالمراد من دليل «من أدرك»: إمّا تنزيل الخارج منزلة الوقت، أو تنزيل المُدرك لركعة منزلة مُدرك الصلاة، أو مُدرك الصلاة في الوقت، أو تنزيل إدراك ركعة منها منزلة إدراكها تامّة أو في وقتها، كلّ ذلك لا مطلقاً، بل لمن لم يصلِّ إلى هذا الحدّ، أو لمن اضطرّ إلى الإتيان بها كذلك، كما هو ظاهر قوله: «من أدرك»، و صريح الموثّقة(1)من رواياته، فلايجوز التأخير إلى هذا الحدّ، و إن أخّر ولو عصياناً يجب الإتيان بها، و إدراكه لها إدراك للصلاة.

و من بين هذه الوجوه: إمّا يرجّح الوجه الأخير، أو أحد الوجهين الأخيرين، أو لا ترجيح بينها.

ص: 464


1- تهذيب الأحكام 2: 262 / 1044؛ وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 3.

و لاينبغي الإشكال في عدم ترجيح الأوّل، بل هو خلاف ظاهر الدليل، بل خلاف اعتبار التنزيل الذي هو نظير الحقيقة الادّعائية، و قد أشرنا(1) سابقاً إلى وجهه.

و كيف كان، فعلى الوجه الذي رجّحناه(2) في قاعدة التجاوز و صحيحة زرارة، لانحتاج في المسألة إلى دليل «من أدرك»، بخلاف الوجه الآخر؛ أي القول بأنّ خروج الوقت مضيّه إلى حدّ لايسع تمام الصلاة، و عليه فإن قلنا: إنّ المعتبر في موضوع دليل التجاوز الشكّ بعد الوقت، و في قباله الشكّ في الوقت، فلا محالة لايفيد الدليل إلّا على الوجه الأوّل؛ بناء على كفاية التنزيل في الوقت في صيرورة الشكّ فيه شكّاً في الوقت، و قد عرفت الإشكال في أصل التنزيل و في كفايته لما ذكر(3).

و قد يقال: إنّ قاعدة الشكّ في الوقت ليست كقاعدة الشكّ في خارجه؛ قاعدة شرعية مترتّبة على الشكّ في الوقت، بل القاعدة الحاكمة بلزوم الإتيان هي قاعدة الاشتغال الحاكم بها العقل، و ليس في موضوع القاعدة اعتبار عنوان الوقت، و يكفي فيها الشكّ في الإتيان بالمأمور به، فيكفي التنزيل المذكور في حكم العقل بلزوم الإتيان(4).

و فيه: أنّ حكم العقل بلزوم البراءة اليقينية، إنّما هو مع العلم بالاشتغال،

ص: 465


1- تقدّم في الصفحة 142 - 143.
2- تقدّم في الصفحة 460 - 461.
3- تقدّم في الصفحة 463.
4- نهاية التقرير 2: 473.

و الفرض أنّ الوقت المقرّر للصلاة خارج، و معه يسقط التكليف، و ينتفي موضوع الاشتغال.

و مع الغضّ عنه، أنّ قاعدة التجاوز حاكمة بالمضيّ و عدم الاعتناء بالشكّ، و معها ينتفي موضوع الاشتغال، فلابدّ في الحكم بالاشتغال من إحراز عدم كونه مورداً لقاعدة التجاوز، و يكون مورداً للاشتغال، و هو بإحراز كون الشكّ في الوقت.

إن قلت: تنزيل هذا المقدار من وقت المغرب منزلة وقت الظهرين، لا معنى له إلّا كون الشكّ في هذا المقدار في الإتيان بالصلاة، موجباً لوجوب الإتيان بها؛ من دون احتياج إلى إثبات أنّ الشكّ في هذا المقدار شكّ في الوقت، فإنّ الحكم على العناوين عين الحكم على المصاديق، و إنّما الاختلاف بالإجمال و التفصيل، و لهذا يقال في القياس: «هذه خمر، و كلّ خمر يحرم شربها»؛ بأخذ نفس عنوان الموضوع من غير أخذ عنوان الخمر أو الشرب فيه، و في المقام يقال: هذا المقدار من وقت المغرب وقت للظهر، و كلّ وقت للظهر إذا شكّ فيه في الإتيان بها يجب الإتيان بها، فيجعل نفس هذا المقدار - بما هو - موضوعاً لوجوب الإتيان بالظهر إذا شكّ في الإتيان بها، لا بعنوان وقت الظهر، و لا أنّ الشكّ فيه شكّ في الوقت.

قلت: إنّ عينية تنزيل وقت المغرب منزلة وقت الظهر، مع كون الشكّ في هذا المقدار موجباً لوجوب الإتيان، ممنوعة، و قياس المقام بالخمر و مصاديقها في غير محلّه، و كيف يمكن عينية العنوانين مع كون أحدهما من الأحكام الوضعية الشرعية، و الآخر من حالات النفس، بل العنوانان مختلفان، و لكلٍّ مصاديق

ص: 466

مختلفة مع الآخر؟! و على ذلك لايصحّ القياس الذي تشبّث به.

و إن اُريد بذلك أنّ تنزيل أحدهما عين تنزيل الآخر، فهو أيضاً ممنوع، و استلزام أحد التنزيلين للآخر أوّل الكلام، بل لنا أن نقول في القياس المتقدّم: إنّ الحكم الشرعي لو كان موضوعه عنوان الشرب في لسان الدليل، فلايمكن إثباته باستصحاب الخمر، و لا بتنزيل شيء كالعصير منزلتها، فلو ورد: أنّ شرب الخمر موجب لثبوت الحدّ الكذائي، ثمّ ورد: أنّ العصير خمر، فلايثبت بذلك أنّ شربه يوجب الحدّ، إلّا مع إثبات عموم التنزيل.

و كيف كان، لاتمكن المساعدة على ما اُفيد و إن نسب إلى شيخنا الاُستاذ قدّس سرّه.

كما نسب إليه: أنّ التنزيل يجدي في عدم كون هذا الشكّ شكّاً بعد الوقت، و ذلك يكفي في حكم العقل بالاشتغال؛ لعدم كون موضوعه الشكّ في الوقت(1).

و فيه أيضاً ما لايخفى؛ لمنع إثبات عدم كونه بعد الوقت بدليل التنزيل.

ثمّ إنّك قد عرفت - على ما تقدّم منّا آنفاً - أنّ الشكّ في الوقت ولو كان أقلّ من ركعة، ممّا يعتبر و يعتنى به(2)، و لاتشمله قاعدة التجاوز؛ من غير فرق بين كون المستند قاعدة التجاوز، أو صحيحة الفضيل(3) صدراً و ذيلاً.

و أمّا بناء على المسلك الآخر - و هو القول بأنّ تجاوز الوقت و مضيّه؛

ص: 467


1- الظاهر أنّه من بعض تقريرات الاُستاذ العلاّمة الشيخ عبدالكريم الحائري. اُنظر الصلاة، المحقّق الحائري: 346.
2- تقدّم في الصفحة 460 - 461.
3- تقدّمت في الصفحة 417 - 418.

بأن لايبقى منه ما يسع الصلاة، فمع بقاء ركعة منه كان الشكّ بعد التجاوز - فلابدّ إذن في القول ببقاء الوقت، و كون الشكّ في الوقت و عدم التجاوز، من التمسّك بحديث «من أدرك».

و يرد عليه - مضافاً إلى ما تقدّم -: أنّه بناء على اختصاص الحديث بمن لم يصلّ، أو بمن اضطرّ إلى الإتيان بها ولو بقاعدة الشغل، يتوقّف جريان «من أدرك» على استصحاب عدم الإتيان أو الاضطرار إليه لقاعدة الاشتغال، و مع كون الشكّ بعد التجاوز تمنع قاعدته عن الاستصحاب و قاعدة الاشتغال؛ لتقدّمها عليهما بالحكومة أو بغيرها، فلايمكن جريان قاعدة «من أدرك» في المقام.

الصورة السابعة: ما لو شكّ في الإتيان بالظهرين، و لم يبقَ من الوقت إلّا مقدار خمس ركعات:

فعلى ما قدّمناه يكون الشكّ فيهما في الوقت، و يجب الإتيان بهما، و هذا لا إشكال فيه.

إنّما الإشكال: في أنّ الواجب عليه هل هو الإتيان بالظهر ثمّ العصر أو العكس؟

وجهه: أنّ في صحيحة الحلبي المتقدّمة(1) - الدالّة في مورد عدم الإتيان بهما و قد ضاق الوقت، على أنّه إن خاف فوت إحداهما يصلّي العصر ثمّ الظهر، و لو صلّى الظهر فاتتاه جميعاً - احتمالين:

أحدهما: أنّ المراد بالفوت خروج الوقت و عدم وقوع شيء منهما فيه،

ص: 468


1- تقدّم في الصفحة 440.

و يكون المفروض فيهما احتمال بقاء الوقت لأربع ركعات فقط، فإذا خاف ذلك يجب تقديم العصر، و في غير ذلك، كما لو علم بكون الوقت أكثر منه، لكن احتمل أن يكون بمقدار خمس ركعات، يجب تقديم الظهر، فالفوت إنّما يصدق مع وقوعهما تماماً خارج الوقت، فعلى هذا الاحتمال تدلّ الصحيحة على أنّه مع عدم الإتيان بهما، يجب تقديم الظهر على فرض، و تقديم العصر على آخر، و عليه لانحتاج إلى قاعدة «من أدرك».

ثانيهما - و هو الأظهر -: أنّ الفوت عبارة عن عدم وقوع تمام الصلاة في الوقت المقرّر، فلو بقي من الوقت خمس ركعات أو أكثر إلى أقلّ من ثماني ركعات، فقد فات وقت إحداهما، و لو خاف ذلك يجب عليه تقديم العصر، و إذا وجب ذلك مع العلم بعدم الإتيان، يجب مع الشكّ في الإتيان بهما أيضاً؛ لتنقيح الاستصحاب موضوع الحكم، و مقتضى إطلاق الصحيحة عدم الفرق في وجوب تقديم العصر بين احتمال بقاء أربع ركعات أو أكثر إلى ثمان ركعات، و مع العلم ببقاء ثمان ركعات أو أزيد يجب تقديم الظهر.

فعلى ذلك هل يمكن التمسّك بقاعدة «من أدرك» - مع بقاء خمس ركعات - لإثبات عدم الفوت و تقديم الظهر على العصر، أو لا؟

وجه الإشكال فيه: أنّ التمسّك بها للظهر، موجب لوقوعها بمقدار ثلاث ركعات في الوقت المختصّ بالعصر، فتزاحمها العصر، و إنّما ترتفع المزاحمة فيما إذا انطبقت قاعدة «من أدرك» على العصر؛ لتوسّع وقتها، أو توجب عدم الفوت، و مع بقاء الوقت للعصر تماماً لا وجه للتمسّك بهذه القاعدة لها، و مع عدم جوازه لايصحّ التمسّك بها للظهر؛ لمكان المزاحمة.

ص: 469

و قد تفصّى شيخنا الاُستاذ قدّس سرّه عنه: بأنّ كلّ صلاة مطلوب مستقلّ، و مجموعهما أيضاً مطلوب عرفاً.

و بعبارة اُخرى: يجب على المكلّف ثماني ركعات، و لم يمكن له الإتيان بها في الوقت بجميعها، و يمكن إدراك ركعتين منها، فيجب(1).

و فيه ما لايخفى، فإنّ مجموع الصلاتين ليس مطلوباً، بل المطلوب كلّ واحدة و إلّا لزم في تركها عقوبات ثلاثة؛ لترك هذه و هذه و المجموع، و اعتبار المجموع لايوجب شمول التكليف المتعلّق بكلّ واحدة منهما مستقلاًّ للمجموع، و العرف لايساعد أيضاً على ما ذكر، فإنّ العرف لايرون إلّا وجوب الظهر و وجوب العصر.

مضافاً إلى أنّه لو كان المجموع - الذي هو أمر واحد اعتباراً - مطلوباً واحداً هو الصلاة أيضاً، لشملته قاعدة «من أدرك»، و لازمه إدراك المجموع بإدراك ركعة من الوقت، فلو صلّى و وقعت ركعة من المجموع في الوقت و البقيّة خارجه، صحّت صلاته لقاعدة «من أدرك»، و هو كما ترى.

هذا مضافاً إلى عدم رفع الإشكال بذلك، فإنّ المجموع المركّب من الصلاتين إذا لوحظ بالنسبة إلى الوقت، يكون أحد جزأيه مزاحماً للآخر في الوقت، فكما أنّ العصر المستقلّة مزاحمة للظهر المستقلّة، كذلك تكون العصر التي هي جزء للمجموع مزاحمة للظهر، و مجرّد مطلوبية المجموع عرفاً لايوجب رفع التزاحم، بل مزاحمة العصر المستقلّة باقية على حالها؛ لأنّ مطلوبية المجموع

ص: 470


1- الصلاة، المحقّق الحائري: 18.

ناشئة عن مطلوبية جزأيه، و لايعقل رفع المزاحمة بينهما؛ لعدم تعقّل رفع الاستقلال؛ إذ مع رفعه ترفع مطلوبية المجموع.

و بالجملة: هذا الوجه مع الإشكالات الواردة عليه لايرتفع به الإشكال.

و الذي يمكن أن يقال في رفع الإشكال: إنّ عمدة المستند في مزاحمة العصر للظهر في الوقت المختصّ بها، صحيحة الحلبي(1) الدالّة على أنّه مع خوف فوت إحداهما يقدّم العصر، و الإتيان بالظهر يوجب فوت كلتيهما، و بطلان الظهر بعد اشتراكهما في الوقت - على ما تقدّم(2) - إمّا لأجل اشتراطها بالإتيان بالعصر، أو مزاحمة العصر في مصلحتها؛ بحيث تمنع عن استيفائهما مع عدم الإتيان بها، و كيف كان، لايثبت شيء منهما إلّا بمقدار دلالة الصحيحة، و فيها علّق الحكم على عنوان خوف الفوت و عدمه، فمع عدمه لابدّ من تقديم الظهر، فلا مزاحمة و لا اشتراط في هذا الفرض.

فحينئذٍ إذا علم أنّ صلاة العصر عند بقاء الوقت بمقدار ركعة لاتفوت، بل وقعت أداء - كما هو ظاهر الأدلّة و معقد «لا خلاف» في «الخلاف»(3) - يرتفع خوف فوتها، و يرتفع خوف فوت الظهر أيضاً بقاعدة «من أدرك».

و بالجملة: لايتوقّف رفع خوفه بانطباق «من أدرك» فعلاً على المورد، بل لو علم انطباقه عليه عند تحقّق موضوعه يرتفع، فلو بقي من الوقت خمس ركعات لايحتمل فوت إحداهما بدليل «من أدرك» المنطبق على العصر في وقته و على

ص: 471


1- تقدّم في الصفحة 440.
2- تقدّم في الصفحة 121.
3- الخلاف 1: 273.

الظهر فعلاً، فيرتفع خوفه، فيجب عليه الظهر ثمّ العصر، و لاتكون العصر مع رفع خوفه مزاحمة للظهر فتدبّر جيّداً.

هذا إذا قلنا بشمول قاعدة «من أدرك» للظهر فيما لو بقي من الوقت خمس ركعات.

و كذا الحال لو قلنا بعدم شمولها لها، مع كون الوقت مشتركاً بينهما إلى الغروب على ما هو الحقّ، فإنّه مع بقاء جميع وقتها لاتنطبق عليها القاعدة، بل في فرض الاشتراك و استناد البطلان و الفوت إلى المزاحمة أو الاشتراط بتحقّق العصر أو تركها عذراً، يمكن الاستشكال في شمولها لها ثبوتاً، فإنّ الجمع بلفظ واحد بين تنزيل إدراك ركعة مقام تنزيل إدراك الجميع، و تنزيل إدراك ركعة بلا مزاحمة مقام إدراك الصلاة كذلك، أو تنزيل إدراك ركعة بلا اشتراطٍ مقامَ إدراك الصلاة كذلك، لعلّه غير ممكن.

و توهّم إمكان الجمع في قوله: «من أدرك ركعة من الصلاة...»(1) إلى آخره؛ بأن يقال: نزّل إدراك ركعة جامعة للشرائط و عدم المزاحمات، مكان إدراك الصلاة كذلك، فيشمل الموردين بالعموم و الإطلاق.

فاسد: أمّا أوّلاً: فللزوم التقييد المستهجن، كما هو ظاهر.

و أمّا ثانياً: فلأنّ المراد من الإدراك في الرواية هو إدراك ركعة في الوقت جزماً؛ لكونه متفاهماً من عنوان الإدراك، و بقرينة سائر الروايات الوارد فيها

ص: 472


1- ذكرى الشيعة 2: 352؛ وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 4.

التصريح بذلك(1)، و قرينة فهم الأصحاب(2)، فلا شبهة في أنّ المراد من الإدراك في القاعدة هو إدراك ركعة من الوقت، و على ذلك لو فرض إمكان الجمع بينه و بين إدراك الوقت المشترك مقابل المختصّ على ما بنينا(3) عليه، فلا إشكال في قصور دلالتها.

و التحقيق في المقام: عدم شمولها لصلاة الظهر و المغرب إلّا إذا لم يبقَ من الوقت إلّا مقدار ركعة مع الإتيان بالشريكة خطأ أو تركها لعذر، و الروايات الواردة في المقام أيضاً مؤيّدة لذلك؛ لكونها متعرّضة للعصر و الغداة، و هي و إن لم تتعرّض للعشاءين أيضاً، لكن التعرّض للعصر الشريكة للظهر دونها، ربّما يشهد بعدم إرادة الظهر منها، و على فرض عدم شمول القاعدة للظهر فنفس شمولها للعصر في محلّها كافية لرفع الخوف عن فوت إحداهما، فإنّ العصر لايخاف فوتها لقاعدة «من أدرك» المنطبقة عليها في محلّها، و على ذلك لاتزاحم العصرُ الظهرَ في وقتهما المشترك بينهما، فتقع الظهر في وقتها بلا مزاحم، و العصر في وقتها التنزيلي؛ إذ كانت أداء، فلاتفوت واحدة منهما.

هذا كلّه على ما قوّيناه من اشتراكهما في الوقت و أنّ الشكّ فيهما شكّ في الوقت(4).

ص: 473


1- راجع وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30.
2- ذكرى الشيعة 2: 352؛ مستند الشيعة 4: 115؛ مصباح الفقيه، الصلاة 9: 350 - 351.
3- تقدّم في الصفحة 118 - 122.
4- تقدّم في الصفحة 134 و 456 - 457.

و أمّا بناء على القول الآخر: من عدم كون الشكّ في الظهر في وقتها و شمول قاعدة التجاوز لها، بخلاف العصر(1)، ففي المسألة صور:

الاُولى: ما لو علم بعدم الانفكاك بينهما في الفعل و الترك؛ و أنّه إمّا أتى بهما جميعاً أو تركهما كذلك، و عليه تجري في الظهر قاعدة التجاوز، و في العصر استصحاب عدم الإتيان بها، و لازمه التفكيك بينهما، و هو مخالف للعلم، فيعلم بمخالفة أحدهما للواقع.

فإن قلنا بعدم جريان الاُصول، أو سقوطها بالتعارض في أطراف العلم، و إن لم يكن موجباً للمخالفة العملية، يرجع إلى الأصل المحكوم؛ أي استصحاب عدم الإتيان بالظهر و قاعدة الاشتغال في العصر، و عليه لايمكن الحكم بتقديم الظهر ببركة صحيحة الحلبي(2)، فإنّ المفروض فيها عدم الإتيان بهما، فيتوقّف تنقيح الموضوع بإحرازه بالأصل، و أصالة الاشتغال لاتصلح لذلك.

إلّا أن يقال: إنّ المتفاهم العرفي من الصحيحة أنّه مع لزوم الإتيان بهما ولو عقلاً، يجب تقديم الظهر مع عدم خوف الفوت تحصيلاً للترتيب، و أنّ لزوم تقديم العصر إنّما هو لأجل فوت إحداهما.

أو يقال: إنّ وجوب تقديم الظهر حكم ثابت لمن لم يأتِ بهما واقعاً من غير دخالة الإحراز فيه، و في المقام دوران الأمر بين الإتيان بهما فلا شيء على المكلّف، و عدم الإتيان بهما فيجب تقديم الظهر، و بالجملة: إمّا لايجب عليه شيء أو يجب الإتيان بهما بتقديم الظهر، و هذا هو الأقوى.

ص: 474


1- الصلاة، المحقّق الحائري: 346.
2- تقدّم في الصفحة 440.

و إن قلنا بجريان الاُصول في أطراف العلم مع عدم المخالفة العملية، كما في المقام، و على ما هو الأقوى، فمقتضى قاعدة التجاوز عدم لزوم الإتيان بالظهر، بل التعبّد بكونهما مأتيّاً بها، على ما هو الأظهر من كونها أصلاً محرزاً حيثياً، و مقتضى استصحاب عدم الإتيان بالعصر لزوم الإتيان بها.

و على ذلك يستشكل: بأنّ الإتيان بالعصر لغو - بعد البناء على كون الظهرين أداءً في مفروض الكلام؛ لقاعدة «من أدرك» - إمّا بما أفاده شيخنا الاُستاذ قدّس سرّه(1)، أو بما ذكرناه، فإنّها على ذلك تقع إمّا لغواً أو باطلاً لأجل فقد الترتيب.

إلّا أن يقال: إنّ قاعدة التجاوز تحرز وجود الظهر، و هو كافٍ في حصول شرط العصر.

و فيه: أنّ المحتمل في مثل قوله في الروايات المستفاد منها الاشتراط: «إلّا أنّ هذه قبل هذه»(2): إمّا دخالة عنوان قبلية الظهر على العصر، أو بعدية العصر، أو ترتّب العصر عليها، أو عدم دخالة شيء منها، بل الشرط في صحّتها وجود الظهر، فلو وجدت صحّت العصر، و على ما عدا الأخير لاتصلح القاعدة لإثبات تلك العناوين إلّا بالأصل المثبت.

و أمّا على الأخير فبما أنّها أصل محرز حيثي؛ لايحرز بها الظهر إلّا من حيث وجودها المستقلّ للتجاوز عن محلّ أدائها، و قد تقدّم أنّ دليل قاعدة «من أدرك»

ص: 475


1- الصلاة، المحقّق الحائري: 346.
2- راجع وسائل الشيعة 4: 126، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 5 و 21.

لايصلح لإثبات كون الشكّ في الوقت(1)، و أمّا من حيث اشتراط العصر بها فلايحرز بها؛ لعدم كونها محرزة مطلقاً، و لا مانع في التعبّديات من لزوم البناء على وجود شيء من حيث و عدم لزومه أو لزوم عدمه من حيث.

و على ذلك لمّا كانت كلّ من الصلاتين أداء؛ لقاعدة «من أدرك»، و لدعوى عدم الخلاف من الشيخ في «الخلاف»(2)، يجب الإتيان بالظهر تحصيلاً للشرط، لا رجاء كما اُفيد(3)، فإنّه لم يتعبّد بتحقّقها من هذه الحيثية، بل الظاهر جريان استصحاب عدم الإتيان بها؛ لعدم حكومة قاعدة التجاوز عليه من هذا الحيث، و إنّما تكون حاكمة عليه من حيث وجودها الاستقلالي؛ للتجاوز من هذه الحيثية دون تلك، فينقّح الاستصحاب فيهما موضوع صحيحة الحلبي(4).

بل لايبعد أن يقال: إنّ الصحيحة متعرّضة لحيث اشتراط العصر بالظهر.

و ممّا ذكرنا يظهر حال صورة احتمال انفكاكهما؛ سواء احتمل تركهما، أو فعلهما معاً، أو ترك الظهر و فعل العصر، أو العكس، فإنّه - على ما بنينا عليه - تكون حال الصورتين أو الصور الاُخرى حال صورة العلم بعدم الانفكاك؛ من جريان الاستصحابين و الاندراج تحت صحيحة الحلبي، و على المبنى الآخر يظهر الحال بالتأمّل فيما تقدّم.

ص: 476


1- تقدّم في الصفحة 462 - 463.
2- الخلاف 1: 273.
3- الصلاة، المحقّق الحائري: 347.
4- تقدّم في الصفحة 440.
الصورة الثامنة: ما لو شكّ في بقاء الوقت، و شكّ مع ذلك في الإتيان بالظهر فقط، أو بالعصر فقط،

فيجب الإتيان بالمشكوك فيه.

لا لما قيل: من أنّ حكمه حكم الشكّ فيها مع بقاء الوقت واقعاً، فإنّ استصحاب بقاء الوقت يترتّب عليه هذا الحكم(1)؛ لما عرفت من الخلط فيه بين اللازم العقلي و الحكم الشرعي و الخلط بين الموضوع و الحكم(2)، مع أنّه لو سلّم لم يكن وجوب الإتيان في الوقت مع الشكّ فيه، حكماً شرعياً مستفاداً من كبرى شرعية، بل وجوب الإتيان مع الشكّ فيه هو حكم العقل بالاشتغال.

بل لأنّ وجوب الإتيان لايحتاج إلى إحراز الوقت، بل بعد اشتغال الذمّة يقيناً بالأداء تجب البراءة اليقينية، و مع الشكّ في خروج الوقت يحكم العقل بالإتيان؛ خروجاً عن الاشتغال و لعدم المؤمّن مع الترك.

هذا مع الغضّ عن الاستصحاب. و أمّا بالنظر إليه:

فإنّ استصحاب بقاء الوقت، و استصحاب عدم الإتيان بالصلاة، كافيان في الحكم بالوجوب، فإنّ الوجوب مترتّب على عدم الإتيان و بقاء الوقت؛ من غير دخالة الشكّ في الوقت فيه.

و لو شكّ في الوقت و شكّ في الإتيان بهما، فالحكم كذلك لو ترتّب على عدم

ص: 477


1- الصلاة، المحقّق الحائري: 347.
2- تقدّم في الصفحة 463.

الإتيان و بقاء الوقت، لكن مقتضى صحيحة الحلبي(1) خلاف ذلك؛ فإنّ المأخوذ فيها خوف الفوت و عدمه، فمع خوفه يجب تقديم العصر، و من المعلوم أنّ الاستصحاب لايرتفع به الخوف وجداناً، و لا دليل على التعبّد بعدمه شرعاً، و عليه لو خاف في الفرض من فوت إحداهما يجب عليه الإتيان بالعصر، و مع عدمه يجب الإتيان بهما مرتَّباً.

ص: 478


1- تقدّم في الصفحة 440.

القسم الثاني و هو الشكّ فيما يعتبر في الصلاة شرطاً أو شطراً أو مانعاً و قاطعاً

قاعدة التجاوز هي المرجع

لا إشكال في لزوم الإتيان بما يعتبر فيها و المراعاة له إذا شكّ في المحلّ للأصل، و تؤيّده جملة من الأخبار(1).

كما لاينبغي الإشكال في عدم لزوم ذلك، و عدم الاعتناء بالشكّ مع كونه بعد المحلّ؛ لقاعدة التجاوز من غير فرق بين أنحاء ما اعتبر فيها، و من غير فرق بين الركن و غيره، و من غير فرق بين الركعتين الأوّلتين و الأخيرتين، و إن نقل الخلاف في ذلك عن بعض الأصحاب(2).

إنّما الإشكال و الخلاف في بعض الموارد:

ص: 479


1- وسائل الشيعة 6: 315، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 12، و: 364، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 1 و 4 و 5.
2- النهاية: 92؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 101؛ تذكرة الفقهاء 3: 316؛ اُنظر جواهر الكلام 12: 312.

في أنّ المستفاد من الروايات قاعدة واحدة و هي التجاوز

منها: الخلاف في أنّ المستفاد من روايات الباب، هل هو تأسيس قاعدة واحدة أو قاعدتين؛ فمن قائل: إنّ هنا قاعدتين مستقلّتين: قاعدة التجاوز المختصّة بالصلاة، و قاعدة الفراغ فيما شكّ في صحّته، و هي قاعدة جارية في جميع الأبواب غير مختصّة بالصلاة(1).

و من قائل: إنّ المستفاد منها قاعدة واحدة تشمل بإطلاقها الشكّ في الوجود و الشكّ في الصحّة(2).

و هنا احتمال آخر هو المتعيّن بعد بيان مأخذه: و هو أنّ القاعدة في المقام هي قاعدة التجاوز عند الشكّ فيما يعتبر في الشيء، و هي سارية في جميع الأبواب و غير مختصّة بالصلاة، و أمّا أصالة الصحّة - بمعنى الحكم بالصحّة، أو البناء عليها عند الشكّ فيها بعد الفراغ من العمل - فلا أساس لها.

و قد فصّلنا ذلك في رسالة الاستصحاب(3)، و نشير إليه في المقام إجمالاً، فنقول:

إنّ في قاعدة الفراغ - بما ذكروها - إشكالاً ثبوتياً من ناحيتين:

ص: 480


1- حاشية فرائد الاُصول (الفوائد الرضوية): 453؛ درر الفوائد، المحقّق الخراساني: 395؛ نهاية الأفكار، القسم الثاني 4: 45.
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 623 - 624؛ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 591.
3- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 350 - 362.

اُولاهما: أنّ الصحّة و الفساد أمران انتزاعيان من فعل المكلّف تابعان لمنشئهما، و لايعقل تخلّفهما عنه، و لاتنالهما بذاتهما يد الجعل، بل لايعقل ذلك إلّا بالتصرّف في المنشأ، فلو كان المأتيّ به مطابقاً للمأمور به في جميع ما يعتبر فيه تنتزع منه الصحّة، و لايعقل عدمها، كما لايعقل الحكم بالفساد، أو الحكم بالبناء عليه، كما أنّه لو كان المأتيّ به مخالفاً له ولو من حيث، لانتزع منه الفساد، و لايعقل مع بقاء المنشأ بحاله انتزاع الصحّة منه، أو الحكم بها، أو الحكم بالبناء عليها.

و بالجملة: جعل الصحّة من غير التصرّف في المنشأ محال، و مع التصرّف فيه بوجه ينطبق عليه المأتيّ به تحصيل للحاصل، و منه يعلم عدم إمكان الحكم بالبناء عليها؛ مع فعلية ما يعتبر في المأمور به و عدم التصرّف في المنشأ، فأصالة الصحّة بالمعنى المعهود أمر غير معقول.

ثانيتهما: أنّ الشكّ في الصحّة لايعقل إلّا مع الشكّ في شيء ممّا يعتبر في العمل، و لايعقل العلم بتحقّق المأمور به بأجزائه و جميع ما يعتبر فيه و الشكّ في صحّته، و على ذلك يكون الشكّ فيها دائماً مسبوقاً بالشكّ في الوجود، الذي هو مجرى قاعدة التجاوز، فأصالة الصحّة دائماً: إمّا محكومة للقاعدة، أو جعلها لغو لايعقل صدوره من الحكيم.

و توهّم: أنّ بين القاعدتين عموماً من وجه(1)

قد فرغنا عن ردّه(2).

ص: 481


1- حاشية فرائد الاُصول (الفوائد الرضوية): 453؛ نهاية الأفكار، القسم الثاني 4: 45.
2- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 352.

و توهّم: عدم إجراء قاعدة التجاوز في غير الصلاة(1)، فاسد لايرجع إلى مستند، و مخالف للإطلاقات.

و على ما ذكرنا لابدّ من توجيه ما دلّ على قاعدة الفراغ على فرضه، لكن الظاهر عدم دليل عليها بالمعنى الذي ذكر: من أنّ المراد بها أصالة الصحّة عند الشكّ فيها، فإنّ العمدة في الباب:

إمّا جملة من الروايات الواردة في عدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ من الصلاة، كصحيحة ابن مسلم، عن أبي جعفر علیه السلام، قال: «كلُّ ما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامضِ و لاتُعد»(2)، و قريب منها غيرها(3).

ولكن أنت خبير بأنّها لاتدلّ على أصالة الصحّة، بل المراد من الشكّ فيه هو الشكّ في وجود ما يعتبر في الصلاة، و مجرّد ذكر الفراغ أو الانصراف، لايدلّ على أنّ عدم الاعتناء لأجل الفراغ، بعد توافق النصّ(4) و الفتوى(5) على جريان قاعدة التجاوز في الصلاة قبل الفراغ منها، و بعد انطباق قاعدة التجاوز عليه بإطلاق أدلّتها، فذكر الفراغ إمّا لبيان أحد المصاديق و بيان

ص: 482


1- درر الفوائد، المحقّق الخراساني: 395؛ حاشية فرائد الاُصول (الفوائد الرضوية): 458؛ نهاية التقرير 2: 463.
2- تهذيب الأحكام 2: 352 / 1460؛ وسائل الشيعة 8: 246، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 27، الحديث 2.
3- راجع وسائل الشيعة 8: 246، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 27، الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23.
5- جواهر الكلام 12: 312.

عدم الفرق بين ما قبل الفراغ و ما بعده أو لبيان عدم الاعتناء بالشكّ حتّى في الركعات.

و كيف كان، لاينبغي الإشكال في عدم إرادة أصالة الصحّة على ما راموا.

أو جملة من الروايات الاُخر، كموثّقة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر علیه السلام، قال: «كلّ ما شككتَ فيه ممّا قد مضى فأمضِهِ كما هو»(1)؛ بدعوى(2) دلالة قوله: «مضى» و «أمضه» على الخروج عن نفس الشيء، لا عن محلّه، و عليه يكون المراد من الشكّ هو الشكّ في الصحّة.

و فيها: بعد تسليم ذلك و الغضّ عن تحكيم دلالة الصدر - الظاهر في الشكّ في الوجود - على الذيل، أنّ المحتمل فيهما - بعد فرض المضيّ عن نفس الشيء - إمّا الشكّ في وجود ما يعتبر فيه، كما لو خرج من الركوع و شكّ في الاستقرار المعتبر فيه، أو خرج من القراءة و شكّ في مراعاة ما يعتبر فيها، و إمّا الشكّ في صحّته.

و من المعلوم أنّ الشكّ الأصيل الأوّلي هو الشكّ في وجود ما يعتبر فيه، و أمّا الشكّ في الصحّة فهو أمر تبعي مسبّب من الأوّل، و الظاهر من الشكّ فيه هو الشكّ الأصلي لا التبعي، مع أنّ الحمل على الفراغ من الصلاة(3) مخالف للإطلاق

ص: 483


1- تهذيب الأحكام 2: 344 / 1426؛ وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 3.
2- نهاية التقرير 2: 461 - 462.
3- نهاية التقرير 2: 466 - 467.

بلا وجه، و الحمل على الشكّ في الأجزاء بعد الخروج عنها، أو أعمّ منه و من الخروج من العمل المركّب مخالف لظاهر القائل بأنّ أصالة الصحّة إنّما جرت في الأفعال المستقلّة(1).

و ممّا ذكرنا يظهر الكلام في ذيل صحيحتي زرارة(2) و إسماعيل بن جابر(3)، بل الإشكال فيهما أوضح؛ لأنّهما صريحتان في الشكّ في الأجزاء.

بل نقول من رأس: إنّ الشكّ في جميع الموارد شكّ في الوجود أوّلاً و بالذات، و المضيّ مضيّ عن المحلّ كذلك، و الشكّ في الصحّة، و المضيّ عن الشيء، و الفراغ عنه، و كذا الشكّ في الوجود الصحيح و الفراغ عن العمل، تبعي ثانوي مسبوق بالشكّ في الوجود و الخروج عن المحلّ، و لايتصوّر غير ذلك في شيء من الموارد.

فلو شكّ في صحّة الصلاة بعد العمل، يكون شكّه مسبوقاً بشكّ في وجود شيء معتبر فيها بنحو من الاعتبار، بعد المحلّ المقرّر له.

فلو شكّ في الصلاة للشكّ في صحّة تكبيرة الإحرام بعد إحراز وجودها، يكون شكّه مسبوقاً بالشكّ في وجود كيفية معتبرة في التكبيرة، و لايعقل الشكّ في صحّة الصلاة و لا في صحّة التكبيرة أوّلاً و بالذات، و محلّ كيفية التكبيرة

ص: 484


1- مصباح الفقيه، الطهارة 3: 179.
2- تهذيب الأحكام 2: 352 / 1459؛ وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 1.
3- تهذيب الأحكام 2: 153 / 602؛ وسائل الشيعة 6: 317، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 13، الحديث 4.

نفس مادّتها، فالشكّ بالأصل هو الشكّ في كيفيتها، بعد خروج محلّها الذي هو مادّة التكبيرة.

و لو شكّ في صحّة السلام، يكون مسبوقاً بالشكّ في وجود ما يعتبر فيه بعد محلّه الذي هو نفس السلام مادّة، و كلّ ذلك مشمول لموثّقة ابن مسلم(1): «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى...» إلى آخرها، و على ذلك لا محيص عن حمل الموثّقة على الشكّ الأصيل الأوّلي، و هو ما مرّ، و كذا المضيّ على مضيّ محلّه.

فتحصّل من جميع ما مرّ: أنّه لا أصل لأصالة الصحّة، و لا لقاعدة الفراغ؛ سواء كانت بمعنى أصالة الصحّة، أو بمعنى الشكّ في الوجود بعد العمل.

فعلى ذلك لابدّ من القول: بأنّ الوضوء باقٍ تحت قاعدة التجاوز، و إن تصرّف الشارع في التجاوز عنه، و قيّده في خصوص الوضوء بالتجاوز عن تمام العمل بالنصّ الصريح الصحيح.

وتشهد لذلك موثّقة ابن أبي يعفور(2)، عن أبي عبد اللّه علیه السلام، قال: «إذا شككت في شيء من الوضوء و قد دخلت في غيره، فليس شكّك بشيء؛ إنّما الشكّ إذا

ص: 485


1- رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن ابن بكير، عن محمّد بن مسلم. و الرواية موثّقة بعبد اللّه بن بكير فإنّه فطحي ثقة. اُنظر الفهرست، الطوسي: 173 / 461؛ اختيار معرفة الرجال: 345 / 639، و: 375 / 705.
2- رواها الشيخ الطوسي عن الشيخ - و هو المفيد - عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن سعد ابن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد الكريم بن عمرو، عن عبد اللّه بن أبي يعفور. و الرواية موثّقة بعبد الكريم؛ فإنّه واقفي ثقة. اُنظر رجال النجاشي: 245 / 645؛ رجال الطوسي: 339 / 12.

كنت في شيء لم تَجُزه»(1).

فإنّ المستفاد من الحصر في الذيل، أنّ الميزان الكلّي هو التجاوز و عدمه، لا الفراغ و عدمه؛ من غير فرق بين رجوع الضمير إلى الوضوء - بشهادة صحيحة زرارة(2) الواردة في الشكّ في الوضوء، المصرّحة: بأنّه ما دام قاعداً على الوضوء و مشتغلاً به، يجب عليه الإتيان بما شكّ فيه، و إذا قام من الوضوء و خرج منه، و صار في حال اُخرى، فلا شيء عليه - و بين رجوعه إلى شيء مشكوك فيه، كما هو الظاهر ابتداءً، غاية الأمر أنّه لابدّ على ذلك من تقييدها فيما سمّاه اللّه؛ أي الغسل و المسح بالتجاوز عن تمام الوضوء، و إبقاء سائر الشكوك المتعلّقة بغير ما سمّاه اللّه بحالها؛ من جريان القاعدة بالنسبة إليها، كالشكّ في شرائط الوضوء.

و على أيّ حال يدلّ الحصر المذكور - الذي في قوّة الكبرى الكلّية - على أنّ المناط في الاعتناء بالشكّ و عدمه هو التجاوز و عدمه؛ سواء كان التجاوز بتمام الوضوء، أو بالدخول في الجزء الآخر.

جريان قاعدة التجاوز في غير الصلاة

و منها: الخلاف في جريان قاعدة التجاوز في سائر الموضوعات غير

ص: 486


1- تهذيب الأحكام 1: 101 / 262؛ وسائل الشيعة 1: 469، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 42، الحديث 2.
2- تهذيب الأحكام 1: 100 / 261؛ وسائل الشيعة 1: 469، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 42، الحديث 1.

الصلاة، فإنّه ربما يقال باختصاص القاعدة بالصلاة؛ بخلاف قاعدة الفراغ السارية في جميع أبواب الفقه(1).

و قد تقدّم آنفاً: أنّ قاعدة الفراغ ممّا لا أصل لها(2)، و عليه فتنطبق جميع روايات الباب على قاعدة التجاوز، و لا إشكال في استفادة الكبرى الكلّية منها، كموثّقة محمّد بن مسلم: «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضِه كما هو»(3)، فإنّ عمومها ممّا لا إشكال فيه، و إنّما حمل القائل(4) هذه الرواية على بيان قاعدة الفراغ دون التجاوز، و قد عرفت ما فيه.

و يدلّ على الكلّية ذيل صحيحتي زرارة(5) و إسماعيل بن جابر(6):

ففي الاُولى بعد السؤال و الجواب الشاملين تقريباً لتمام الشكوك في أجزاء الصلاة؛ بنحو لايبقى شكّ للسائل في أنّ الشكّ بعد الخروج عن المحلّ و الدخول في الغير، لايعتنى به، تصدّى الإمام علیه السلام لبيان أمر كلّي، و هو قوله: «يا زرارة إذا خرجتَ من شيء ثمّ دخلت في غيره فشككت(7) فليس بشيء»، و احتمال اختصاص الكلّي بالصلاة، في غاية البطلان، بعد بيان الحكم في الأجزاء و عدم الاحتياج إلى البيان.

ص: 487


1- درر الفوائد، المحقّق الخراساني: 395؛ نهاية التقرير 2: 469.
2- تقدّم في الصفحة 480 - 485.
3- تقدّم في الصفحة 483.
4- نهاية التقرير 2: 461.
5- تقدّم تخريجها في الصفحة 484.
6- تقدّم تخريجها في الصفحة 484.
7- هذا مطابق للطبع الحجري من وسائل الشيعة 1: 526 / السطر 29.

و الثانية أيضاً نصّ في الكلّية، و الحمل على الصلاة(1)

ممّا لا وجه له، و كيف كان، بعد كون القاعدة الوحيدة هي التجاوز لايبقى شكّ في كلّيتها، و لا دليل على التقييد بالتجاوز من العمل إلّا في الوضوء، خاصّة بالنسبة إلى ما سمّاه اللّه دون غيره، و لا دليل على إلحاق التيمّم و الغسل بالوضوء.

اعتبار الدخول في الغير في القاعدة

و منها: أنّه لايعتبر في القاعدة الدخول في الغير، و على فرض الاعتبار لا فرق فيه بين الركن و غيره، و لا بين الأجزاء الواجبة و غيرها، و لا بين الأجزاء مطلقاً و غيرها.

أمّا الدليل على الدعوى الاُولى:

فهو أنّ الظاهر من الأخبار، كقوله: «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ»(2) كما في موثّقة بكير بن أعين(3) و قوله في رواية ابن مسلم: «و كان حين انصرف أقرب إلى الحقّ منه بعد ذلك»(4) و قوله في صحيحة

ص: 488


1- مصباح الفقيه، الطهارة 3: 180 - 181.
2- تهذيب الأحكام 1: 101 / 265؛ وسائل الشيعة 1: 471، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 42، الحديث 7.
3- رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن أبان بن عثمان، عن بكير بن أعين. و الرواية موثّقة لأجل كلام في مذهب أبان بن عثمان. راجع رجال النجاشي: 13 / 8؛ اختيار معرفة الرجال: 352 / 660، و: 375 / 705.
4- الفقيه 1: 231 / 1027؛ وسائل الشيعة 8: 246، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 27، الحديث 3.

حمّاد بن عثمان: «قد ركعت أمضه»(1)، هو أنّ نكتة تأسيس القاعدة هي عدم الغفلة عن العمل حين الاشتغال به؛ لأنّه حال العمل لايترك ما يعتبر فيه عمداً، و لا غفلة و سهواً؛ لأنّه في هذا الحال أذكر، و لأصالة عدم الغفلة حال الاشتغال.

و من الواضح أنّ الدخول في الغير لا دخالة له في ذلك، فلابدّ من حمل نحو قوله في صحيحة زرارة: «إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء»(2)، و قوله في صحيحة إسماعيل: «كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه»(3) على محملٍ، كغلبة عروض الشكّ بعد الدخول في الغير، أو ملازمة الدخول في الغير مع التجاوز، مع أنّ القيود الغالبية لاتصلح

لتقييد المطلقات، فضلاً عن تخصيص العموم.

و ممّا يدلّ على المدّعى بوضوح موثّقة ابن أبي يعفور: «إذا شككت في شيء من الوضوء و قد دخلت في غيره، فليس شكّك بشيء، إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه»(4)، فإنّ فيها الجمع بين الدخول في الغير، و الحصر الذي يستفاد

ص: 489


1- تهذيب الأحكام 2: 151 / 594؛ وسائل الشيعة 6: 317، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 13، الحديث 2.
2- تهذيب الأحكام 2: 352 / 1459؛ وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 1.
3- تهذيب الأحكام 2: 153 / 602؛ وسائل الشيعة 6: 317، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 13، الحديث 4.
4- تهذيب الأحكام 1: 101 / 262؛ وسائل الشيعة 1: 469، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 42، الحديث 2.

منه: أنّ الشكّ المعتبر منحصر في الشكّ الذي لم يتجاوز محلّه، فإذا جاوزه فلا شكّ، فاعتبار الدخول في الغير منافٍ للحصر، فلابدّ من حمله على ما تقدّم، فلاينبغي الإشكال من هذه الناحية.

و أمّا الدليل على الدعوى الثانية:

فهو إطلاق الأدلّة و عدم الدليل على التقييد، و دعوى الانصراف إلى الركن(1) أو إلى الأجزاء الواجبة(2) أو إلى مطلق الأجزاء(3) في غير محلّها.

و قد يقال: «إنّ الغير مختصّ بالأجزاء المستقلّة بالتبويب، كالتكبير و القراءة و الركوع و السجود و نحوها، فإنّ شمول نحو قوله: «كلّ شيء شكّ فيه» للأجزاء إنّما هو بعناية و تنزيل؛ لأنّها بعد اعتبارها جزءاً للمركّب تسقط عن الاستقلال، فدخولها في عنوان الشيء و عمومه في عرض دخول الكلّ، لايمكن إلّا بعناية التعبّد و التنزيل، و حينئذٍ لابدّ من الاقتصار على مورده، و هو الأجزاء المستقلّة، كما يظهر من صدر صحيحتي زرارة و إسماعيل»(4).

و فيه ما لايخفى، فإنّ عنوان الشيء المأخوذ في صحيحة زرارة، لايعقل أن يكون حاكياً عن خصوصيات الأشياء، مثل الكلّ و الجزء، فإنّ الخصوصيات اُمور زائدة، تحتاج إلى دلالة مفقودة في المورد، و كذا قوله: «كلّ شيء شكّ فيه»

ص: 490


1- النهاية: 92؛ اُنظر نهاية الإحكام 1: 539.
2- روض الجنان 2: 931 - 932؛ الحدائق الناضرة 9: 179؛ رياض المسائل 4: 229؛ مستند الشيعة 7: 170.
3- جواهر الكلام 12: 322.
4- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 634 - 636.

لايعقل أن يكون دالّاً إلّا على الكثرة الإجمالية في الشيء بدلالة الكلّ، و لايعقل دلالته على الخصوصيات كالكلّية و الجزئية، لكن نفس عنوان «الشيء» أو «كلّ شيء»، ينطبق على كلّ شيء بعنوان الشيئية، لا شيء آخر من الخصوصيات، فقوله: «شموله للكلّ و الجزء في عرض واحد» لايرجع إلى محصّل، و ساقط من أصله.

هذا مضافاً إلى أنّ الشكّ في الكلّ - في غير الشكّ بعد الوقت الذي ليس هاهنا مورد البحث - غير مشمول لقاعدة التجاوز؛ لأنّه شكّ تبعي مسبوق بالشكّ فيما يعتبر فيه، فتوهّم: لزوم شمول الشكّ للجزء و الكلّ - كي يحتاج إلى العناية و التنزيل - فاسد جدّاً.

و تدلّ على المدّعى موثّقة(1) عبد الرحمان بن أبي عبد اللّه، قال: قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام: رجل أهوى إلى السجود، فلم يدرِ أركع أم لم يركع؟ قال: «قد ركع»(2)، فإنّها تدلّ على عدم اعتبار الدخول في السجدة، بل الغير أعمّ من مقدّمات الفعل أيضاً، نعم لابدّ من القول بالتخصيص في مسألة واحدة، و هي الشكّ في السجدة حال النهوض إلى القيام قبل أن يستوي قائماً، فإنّ

ص: 491


1- رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن سعد، عن أبي جعفر، عن أحمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرحمان بن أبي عبد اللّه. و الرواية موثّقة لأجل كلام في مذهب أبان بن عثمان. راجع رجال النجاشي: 13 / 8؛ اختيار معرفة الرجال: 352 / 660، و: 375 / 705؛ تنقيح المقال 1: 5 / السطر 34.
2- تهذيب الأحكام 2: 151 / 596؛ وسائل الشيعة 6: 318، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 13، الحديث 6.

مقتضى موثّقة عبد الرحمان(1) وجوب الرجوع، و لا مانع من تخصيص قاعدة التجاوز فيها.

و من العجب ما ذهب إليه القائل المتقدّم، من حمل قوله في الموثّقة المتقدّمة: «رجل أهوى إلى السجود» على السجود، قائلاً: بأنّ للهويّ مراتب، فإنّه من مبدأ التقوّس إلى وضع الجبهة على الأرض يكون كلّه هويّاً، فيحمل الهويّ على آخر مراتبه الذي يتحقّق به السجود(2). انتهى.

و أنت خبير بما فيه من الوهن و الضعف، و من وضوح البطلان؛ ضرورة أنّ نفس السجود ليس هويّاً إلى السجود، فهل يمكن أن يكون الشيء هويّاً إلى نفسه، و مع الغضّ عن ذلك فإلقاء مثل الكلام لإفادة نفس السجدة أو الهويّ المستلزم لها، يعدّ مستهجناً خارجاً عن الكلام المتعارف؛ حتّى في محيط التقنين أو الناقل له، فالقول بأنّ غاية ما يلزم تقييد الهويّ بآخر مراتبه(3) غير مفيد لرفعه.

و ربما يقال: إنّ الظاهر من الغير في صحيحة إسماعيل(4) - بملاحظة كون صدرها في مقام التحديد، و التوطئة للقاعدة المقرّرة في ذيلها - هو أنّ مثل السجود و القيام حدّ للغير، و أنّه لا غير أقرب منهما بالنسبة إلى الركوع

ص: 492


1- تهذيب الأحكام 2: 153 / 603؛ وسائل الشيعة 6: 369، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 15، الحديث 6.
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 636.
3- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 637.
4- تقدّمت في الصفحة 489، الهامش 3.

و السجود؛ إذ لو كان الهويّ و النهوض كافيين قبح التحديد بهما، و لم يكن وجه لجزم المشهور بوجوب الالتفات إذا شكّ قبل الاستواء قائماً(1)، انتهى.

و فيه: منع كون صدرها في مقام التحديد كي يترتّب عليه ما ذكر، بل الكلام يجري مجرى العادة في أمثال المقام، و يمكن أن يكون سرّ ذكر السجود و القيام كون عروض الشكّ قبلهما نادراً.

و بالجملة: لايصحّ رفع اليد عن الإطلاق بمثل ذلك الذي لا دليل عليه، و لا عن الموثّقة - المتقدّمة آنفاً - الصريحة في عدم الاعتناء إذا أهوى إلى السجود، و جزم المشهور في المسألة المشار إليها، إنّما هو لموثّقة اُخرى(2) من إسماعيل(3)، لا لما ذكره، فالوجه عدم الفرق بين «غير» و «غير» مطلقاً إلّا في مسألة واحدة هي ما جزم به المشهور، و التقييد غير عزيز.

المضيّ و عدم الاعتناء بالشكّ في القاعدة عزيمة لا رخصة

و منها: أنّ المضيّ و عدم الاعتناء في القاعدة على نحو العزيمة لا الرخصة، و ذلك:

لا للأوامر الواردة فيه؛ لعدم الاستفادة منها إلّا الرخصة، بعد ورودها في مورد توهّم الحظر.

ص: 493


1- فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26: 332 - 333.
2- وسائل الشيعة 6: 369، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 15، الحديث 6.
3- هذا سهو من قلمه الشريف و الصحيح هو «عبد الرحمان»، كما ذكره في الاستصحاب. راجع الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 370.

و لا لقوله في بعضها: «إنّ شكّه ليس بشيء»(1)؛ لأنّ ما يستفاد منه ليس إلّا عدم الاعتناء بالشكّ، و يأتي فيه ما يرد على الاحتمال الأوّل، و على ذلك لايكون الإتيان بالمشكوك فيه و التلافي بقصد المشروعية تشريعاً محرّماً، و لايلحق الإتيان بالزيادة العمدية، كما قال القائل(2)، فإنّه مع عدم الاستفادة منه إلّا الترخيص لايترتّب عليه ما ذكر.

بل لكون القاعدة - كما أشرنا إليه فيما سلف(3) - محرزة، كما يستفاد من قوله علیه السلام في صحيحة حمّاد: «قد ركعت أمضه»(4) و في موثّقة عبد الرحمان: «قد ركع»(5) و مع التعبّد بوجود المشكوك فيه، يعدّ الإتيان به زيادة في المكتوبة من غير شبهة المثبتية، فلايجوز، و التفصيل يطلب من مظانّه(6).

حول جريان القاعدة في أنحاء الشكوك

و منها: أنّ روايات الباب(7) - كموثّقة ابن مسلم و صحيحتي زرارة و إسماعيل - هل تدلّ بإطلاقها على عدم الاعتناء بالشكّ على جميع أنحائه؛

ص: 494


1- تهذيب الأحكام 2: 352 / 1459؛ وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 1.
2- مصباح الفقيه، الصلاة 15: 168.
3- تقدّم في الصفحة 427.
4- تقدّمت في الصفحة 489.
5- تقدّمت في الصفحة 491.
6- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 374.
7- تقدّمت في الصفحة 488 - 489.

حتّى فيما فرض احتمال أنّ الإتيان مطابقاً للواقع يكون سهواً و غفلة أو مصادفة.

فمن اعتقد أنّ المسافر حكمه التمام، و بعد ما أتى بالصلاة احتمل أنّه أخطأ و أتى قصراً، أو اعتقد أنّه مخيّر بين القصر و الإتمام، و بعد ما صلّى احتمل أنّه صلّى قصراً مصادفة، أو غير ذلك من أنحاء الشكوك، مع الجهل بالحكم أو الموضوع أو كليهما، تشمله القاعدة، أو تختصّ بمورد واحد هو الشكّ في مخالفة الواقع سهواً و غفلة بعد العلم بالحكم و الموضوع، أو تشمل مورد احتمال المصادفة؛لا مورد احتمال الإتيان بالعمل الصحيح غفلة و سهواً؟ وجوه.

أوجهُها الاختصاص بالمورد الأوّل المشار إليه؛ لعدم إحراز كون الروايات في مقام البيان بالنسبة إلى حالات المكلّف و حالات المصاديق، فإنّ روايتي ابن مسلم و إسماعيل في مقام بيان مصاديق المشكوك فيه، كالأجزاء و الشرائط، و أمّا بيان حكم الحالات العارضة للأفراد أو للمكلّف فلم يحرز كونهما في مقامه، و كذا الحال في صحيحة زرارة(1)، فإنّ ما هي متكفّلة لبيانه هو حكم الشيء الذي شكّ فيه، و أمّا الحالات الخارجة فلم يحرز، و عليه لايصحّ الأخذ بالإطلاق.

و لو ردّ ذلك بدعوى أنّ المتكلّم بصدد بيان حكم الشكّ، فأخذه في الموضوع بلا قيد، يدلّ على أنّه تمام الموضوع من أيّ سبب حصل، و لا معنى للإطلاق إلّا ذلك.

ص: 495


1- تقدّم في الصفحة 489.

يقال: إنّه لا إشكال في أنّ الحكم بالمضيّ في تلك الروايات، ليس حكماً تعبّدياً محضاً بحيث لم يكن للعقول إليه سبيل، بل أمر يجده العقلاء لنكتة جعله طريقاً، و هي أنّ المكلّف الذي بصدد الإتيان بالمأمور به و الخروج عن عهدة التكليف، مع علمه بالحكم و الموضوع لايغفل نوعاً عن خصوصيات المأمور به، فلا محالة مع نفي الغفلة و السهو بالأصل يأتي به جامعاً للأجزاء و الشرائط، و هذا الارتكاز العقلائي موجب لانصراف الدليل إلى ما هو المرتكز عندهم، و هذا الارتكاز غير البناء العقلائي على عدم الاعتناء بالشكّ؛ كي يقال: إنّ القاعدة عقلائية، فإنّ البناء العملي عليه غير ثابت، بل مجرّد ذلك الارتكاز كافٍ في صرف الدليل إلى ما هو كذلك.

و على ذلك يمكن أن يقال: إنّ المتكلّم لم يقيّد الموضوع لاتّكاله على هذا الارتكاز العقلائي، مع أنّ الشواهد الموجودة في الروايات تدلّ على أنّ القاعدة مجعولة لهذا المورد، كقوله علیه السلام: «هو حين يتوضّأ أذكر»(1) و «كان حين انصرف أقرب إلى الحقّ»(2) و قوله علیه السلام: «قد ركع»(3)، بل الناظر في الروايات سؤالاً و جواباً يرى أنّ مورد الكلام هو هذا المورد بالخصوص، دون الجاهل بالحكم و الموضوع و سائر أنواع الشكّ، و الإنصاف: أنّ مدّعي الانصراف - بعد ما ذكر، و بعد تلك الشواهد - ليس مجازفاً.

ص: 496


1- تقدّم في الصفحة 488، الهامش 2.
2- تقدّم في الصفحة 488، الهامش 4.
3- تقدّم في الصفحة 494، الهامش 5.

كلام المحقّق الهمداني في إطلاق الأدلّة لجميع صور الشكّ

و قد ادّعى بعض أهل التحقيق إطلاق الأدلّة لجميع صور الشكّ، و قال في تقريبه: إنّ العمدة في حمل الأعمال الماضية على الصحيح هي السيرة القطعية، و أنّه لولا ذلك لاختلّ النظام و لم يقم للمسلمين سوق، فضلاً عن لزوم العسر و الحرج؛ إذ ما من أحد إذا التفت إلى أعماله الصادرة منه في الأعصار السابقة - من عباداته و معاملاته - إلّا و يشكّ في كثير منها لأجل الجهل بالحكم و اقترانها باُمور موجبة للشكّ، و لولا الحمل على الصحّة مطلقاً لضاق عليهم العيش، و هذا الدليل و إن كان لُبّياً يشكل استفادة العموم منه، إلّا أنّه يعلم منه عدم انحصار الحمل على الصحيح بظاهر الحال، فيؤخذ بالإطلاق(1).

و فيه: أنّ السيرة القطعية غير ثابتة لو لم نقل بأنّ عدمها ثابت، و على فرض الثبوت فالمتيقّن منها هو فرض كون الترك مستنداً إلى السهو و الغفلة، مع العلم بالحكم و الموضوع، و قد اعترف القائل بأنّها دليل لُبّي لايثبت بها تمام المدّعى، و على فرض كون المتيقّن منها ما ذكر، كيف يستكشف منها عدم انحصار الحمل على الصحيح بظاهر الحال؟! بل لقائل أن يقول: إنّ السيرة القطعية في الحمل على الصحيح فيما يقتضي ظاهر الحال، موجبة لانصراف الدليل إلى موردها.

و كيف كان، لا إشكال في عدم الدلالة على الإطلاق.

و أمّا دعوى اختلال النظام و وقوع العسر و الحرج ففي غير محلّها:

أمّا في العبادات:

ص: 497


1- حاشية فرائد الاُصول (الفوائد الرضوية): 468.

فما يمكن أن يكون الاختصاص فيه بالفرض المتقدّم موجباً للاختلال و العسر هو الصلاة، و إلّا فالشكّ في سائرها قليل لايوجب الاعتناء به عسراً، فضلاً عن اختلال النظام، و أمّا الصلاة فالشكّ في الصلوات السابقة و إن كان كثيراً، لكن العلم بحال الواقعة تفصيلاً نادر جدّاً، فاحتمال كون الترك مستنداً إلى السهو و الغفلة، أو إلى الجهل و المصادفة، أو سائر الاحتمالات، يوجب عدم إمكان التمسّك بقاعدة التجاوز، و لا بالاستصحاب؛ لكون الشبهة بالنسبة إليها مصداقية، فعلى ذلك يكون وجوب القضاء مجرىً للبراءة؛ لأنّ القضاء بأمر جديد.

و بوجه آخر: أنّ الجهل بالأركان قليل جدّاً، و بغيرها لايوجب البطلان؛ و ذلك إمّا للقول بأنّ قاعدة «لاتعاد» تعمّ الترك ولو عن جهل، و إنّما يخرج منه - انصرافاً - العمد مع العلم بالحكم و الموضوع، و إمّا لكون حال المكلّف مجهولاً عنده نوعاً، فكما يحتمل الترك عن جهل يحتمل السهو و الغفلة، فلايصحّ التمسّك بالقاعدة، و لا بالاستصحاب للشبهة المصداقية، فيكون القضاء مورداً للبراءة.

و توهّم أنّ «لاتعاد» لايشمل الشكّ، في غير محلّه؛ لأنّ المراد ليس شموله للشكّ بعنوانه، بل مرادنا أنّ الترك بحسب الواقع في غير الخمس لايوجب البطلان، و لا دخالة للعلم و الشكّ فيه، فحينئذٍ نقول: إنّ الأمر دائر بين الإتيان بالمشكوك فيه و عدمه، و على أيّ حال صحّت الصلاة؛ لأنّه إمّا أتى بالمأمور به على وجهه أو صحّت صلاته بقاعدة «لاتعاد».

و بوجه ثالث: أنّ المفروض الإتيان بالصلوات السابقة، و الشكّ في صحّتها من جهة الشكّ في ترك شيء منها ركناً أو غيره، فمع احتمال صحّة الصلاة يكون

ص: 498

القضاء مجرىً للبراءة؛ لأنّه بأمر جديد، و لايمكن إحراز بطلانها و عدم موافقتها للمأمور به بالاستصحاب؛ لأنّ الأصل بنحو الكون الرابط غير مسبوق بالعلم بالحالة السابقة، و إجراؤه بنحو الكون التامّ و العدم الأزلي لإثبات الكون الرابط مثبت، كما في نظائر الاُصول في الأعدام الأزلية لإثبات الحكم للموجود.

فتحصّل منه: أنّ الاختصاص بالعالم حكماً و موضوعاً مع احتمال الترك سهواً و غفلة، لايوجب محذوراً، هذا كلّه بالنسبة إلى العبادات.

و أمّا المعاملات المشكوك فيها:

كالبيع و الصلح و غيرهما، فأكثر ما وقع منها في الحركة السوقية - من المعاملات الجزئية اليومية المعاطاتية على المأكول و المشروب و الملبوس - لاتكون مورداً للشكّ إلّا نادراً، مع أنّ متعلّقاتها صارت تالفة في الأعصار السالفة إلّا نادراً، و مع التلف يشكّ في الضمان، و إثباته بقاعدة اليد أو قاعدة الإتلاف غير ممكن؛ لأنّ الشبهة فيهما مصداقية، بعد التردّد في كون الشكّ من القسم الجاري فيه قاعدة التجاوز، أو القسم غير الجاري فيه القاعدة، فلايجوز التمسّك بالقاعدة و لا بالاستصحاب مطلقاً، و لا بسائر القواعد، فالضمان مجرى البراءة.

مضافاً إلى أنّه مع احتمال صحّة المعاملة الخارجية تجري البراءة من الضمان، و إثبات بطلانها بنحو الكون الناقص غير مسبوق بالعلم، و بنحو التامّ لإثبات الناقص مثبت، كما تقدّم نظيره، و مع عدم الجريان، و كون سائر القواعد و الاستصحابات الحكمية غير جارية للشبهة المصداقية، تجري البراءة عن الضمان.

بقي الكلام في المعاملات المهمّة، كالواقعة على الأراضي و العقارات و غيرها

ص: 499

ممّا يهتمّ بها المتعاملان، و في مثلها يمكن أن يقال: إنّ أكثرها تقع بالتوكيل للدلاّلين و غيرهم؛ ممّن تحمل أعمالهم على الصحّة مطلقاً، و مع فرض إيقاعها مباشرة فما طرأ عليها التلف ولو حكماً، يأتي فيها ما تقدّم من البراءة عن الضمان، و ما بقي منها يمكن إجراء أصالة الحلّ فيها، و دعوى وجوب الاحتياط في الماليات مطلقاً حتّى في مثل المورد، ممنوعة لاتستند إلى دليل.

مضافاً إلى أنّ الشكّ فيها نادر، و موردها أيضاً نادر لايوجب الاحتياط فيها اختلال النظام و العسر و الحرج، مضافاً إلى أنّ نحو المورد ليس مجرى دليل الحرج و العسر، بل مجرى الضرر، و في دليله كلام و إشكال يطلب من محالّه(1).

مع أنّه في المعاملة الخطيرة، تراعى غالباً الاحتياطات و الرجوع إلى أهل الخبرة و الاطّلاع على الصحّة و الفساد، بل لعلّها توكل إلى الدلاّلين المطّلعين، و يقلّ مع ذلك الشكّ فيها، لا سيّما من ناحية غير ما جرت فيها قاعدة التجاوز، كما أنّ مثل النكاح و الطلاق قلّما يتّفق الإجراء إلّا بالتوكيل، و هو مجرى أصالة الصحّة في فعل الغير، الجارية في مطلق الشكوك إلّا ما ندر، فدعوى العسر و الحرج - فضلاً عن الاختلال مطلقاً - في غير محلّها.

في اختصاص القاعدة بالشكّ الحادث

و منها: لا إشكال في لزوم فعلية الشكّ في قاعدة التجاوز، كما أنّ الظاهر منه هو الشكّ الحادث بعد التجاوز، فالشكّ الباقي من ما قبله إلى ما بعده ليس موضوعاً للحكم.

ص: 500


1- بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر، الإمام الخميني قدس سره: 77 و87.

فلو شكّ في الوضوء قبل الصلاة مع سبق الحدث، ثمّ غفل عنه و صلّى، فإن احتمل التوضّي حال الغفلة شملته القاعدة لكون الشكّ حادثاً، و إن لم يحتمل فلايبعد التفصيل بين الذهول عن الشكّ رأساً؛ بحيث لو التفت إلى الواقعة لم يرتفع ذهوله، و بين ما كان الشكّ في خزانة نفسه و إن لم يتوجّه إليه، فعلى الأوّل يكون من الشكّ الحادث فيؤخذ بالقاعدة، و على الثاني من الشكّ الباقي فلاتجري.

و يأتي الوجهان في الشكّ و اليقين المأخوذين في الاستصحاب، فلو ذهل عنهما رأساً فلايجري؛ لأنّ فعلية الشكّ و اليقين معتبرة فيه، فمع الذهول عنهما رأساً حيث ليسا بفعليين فلايجري، بخلاف ما لو بقيا في النفس، فإنّه يجري و إن غفل عنهما.

و ربما يحتمل في الاستصحاب أنّ المعتبر فيه الالتفات إلى الشكّ و اليقين؛ لأنّه من الحجج الشرعية المعتبر فيها الالتفات إلى الحجّة، و لا معنى للاحتجاج بالأمر المغفول عنه(1).

و فيه: أنّه لا دليل على هذا المدّعى، فإنّ غاية ما يمكن دعواه هو دلالة مثل قوله علیه السلام: «و لاتنقض اليقين أبداً بالشكّ»(2) على ذلك؛ نظراً إلى أنّه أمر بعدم النقض، و لازمه الالتفات، و مع الغفلة لا معنى لعدم نقضه به.

و فيه: - مضافاً إلى أنّ ذلك مخالف لظاهر بعض روايات اُخر، كقوله علیه السلام:

ص: 501


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 317 - 318.
2- تهذيب الأحكام 1: 8 / 11؛ وسائل الشيعة 1: 245، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 1، الحديث 1.

«لا يدخل الشكّ في اليقين»(1) و قوله علیه السلام: «فإنّ الشكّ لاينقض اليقين»(2)، «فإنّ اليقين لايدفع بالشكّ»(3) و «اليقين لايدخل فيه الشكّ»(4)، فإنّ الظاهر منها أنّ الحكم لعنوان الشكّ و اليقين في أنفسهما من غير دخالة الالتفات فيه - أنّ الأمر بعدم الانتقاض و النهي عنه لايدلاّن على دخالة الالتفات في الموضوع، كما هو الأمر في جميع الخطابات المتوجّهة إلى المكلّفين.

فقوله علیه السلام مثلاً: «اغسل ثوبك من أبوال ما لايؤكل لحمه»(5) لايدلّ على دخالة الالتفات إلى الغسل أو الماء أو البول، بل الظاهر من مثله أنّ الحكم للواقع و الموضوعات الواقعية، فلو غسل ثوبه مع الغفلة عن الواقعة كفى.

و في المقام لو كان شاكّاً في الطهارة و على يقين بها سابقاً، و غفل و صلّى، صحّت صلاته؛ لأنّ اليقين و الشكّ فعليان، و ما هو المعتبر فعليتهما دون الالتفات

ص: 502


1- الكافي 3: 351 / 3؛ وسائل الشيعة 8: 216، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 3.
2- الخصال: 619 / 10؛ وسائل الشيعة 1: 246، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 1، الحديث 6.
3- الإرشاد، الجزء الأوّل، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد 11: 302؛ مستدرك الوسائل 1: 228، كتاب الصلاة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 1، الحديث 4.
4- تهذيب الأحكام 4: 159 / 445؛ وسائل الشيعة 10: 255، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 3، الحديث 13.
5- الكافي 3: 57 / 3؛ وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 2.

إليهما، فالمصلّي في المثال محكوم بالطهارة للاستصحاب و إن كان غافلاً عن الحكم.

مع إمكان أن يقال: إنّه على فرض لزوم الالتفات إلى الاحتجاج، يصحّ ذلك عند الالتفات إلى الواقعة، ففي المثال لو التفت إلى حاله يجري الأصل، و يبني على صحّة صلاته المأتيّ بها حال الغفلة، فإنّ الإعادة من قبيل نقض اليقين بالشكّ، فتدبّر.

في شمول القاعدة للشكّ في الشرائط و الموانع و القواطع

و منها: أنّه قد ظهر ممّا تقدّم حال الشكّ في الشرائط و الموانع و القواطع، فإنّ الشكّ في كلٍّ منها بعد التجاوز عن المحلّ لايعتنى به، فلو شكّ بعد الصلاة في وجود الطهارة - حدثية كانت أو خبثية - لايعتنى به ولو كان مجرى الاستصحاب، لكن لابدّ من تحصيلها للصلوات الآتية، لما مرّ: من أنّ قاعدة التجاوز محرزة من حيث، لا مطلقاً(1)، و بذلك يفرّق بينها و بين استصحاب الطهارة، فإنّ الثاني محرز مطلق.

فما في بعض الكلمات من التحيّر في الفرق، و أنّه لو كانت القاعدة محرزة يجب ترتيب الآثار؛ حتّى في الصلوات اللاحقة كالاستصحاب(2)، ناشئ من عدم التأمّل في الفرق بينهما، فإنّ مفاد دليل الاستصحاب عدم نقض اليقين بالشكّ، و مفاد دليل التجاوز: عدم الاعتناء بالشكّ فيما مضى، و البناء على

ص: 503


1- تقدّم في الصفحة 427.
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 642.

الوجود بالنسبة إلى ما مضى، و على ذلك يكون الفرق واضحاً.

ثمّ إنّ للشرط أقساماً بحسب التصوّر:

الأوّل: أن يكون شرطاً لنفس الطبيعة كالطهور و الاستقبال و الستر، فإنّها معتبرة في طبيعة الصلاة من غير لحاظ الأجزاء، و لهذا تبطل الصلاة لو أخلّ بها حال عدم الاشتغال بالأجزاء، فلو أحدث حال النهوض إلى القيام أو استدبر أو ألقى الستر عمداً بطلت، فما في بعض الكلمات: من أنّ تلك الشروط للصلاة حال الاشتغال بالأجزاء(1)، غير وجيه؛ لأنّ لازمه الالتزام بالصحّة في المثال المذكور، و هو كما ترى.

الثاني: أن يكون شرطاً للصلاة حال الاشتغال بالأجزاء.

الثالث: أن يكون شرطاً للأجزاء نفسها، و الاستقرار و الاستقلال و كذا الجهر و الإخفات يمكن أن يكون من قبيل الثاني، كما يمكن أن يكون من قبيل الثالث، كما أنّ الانحناء في الركوع زائداً على مقدار تحقّق الطبيعة من قبيل الثالث.

و لايبعد أن يكون الاستقرار و الاستقلال أيضاً كذلك، بل و كذا الجهر و الإخفات، و في دلالة قوله تعالى: (وَ لَاتَجْهَرْ بِصَلاتِكَ)(2) على أنّها من قبيل الثاني تأمّل، بل تصوّره أيضاً لايخلو من كلام، و الفهم العقلائي شاهد على أنّها من قبيل الثالث.

و أمّا مثل موالاة حروف الكلمة و كلمات الآية - بحيث يضرّ تخلّفها بالصدق - فهو ليس من الشروط، بل من مقوّماتها، و لا فرق من هذه الحيثية بين حروف

ص: 504


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 640.
2- الإسراء (17): 110.

الكلمة و كلمات الآية، فما في بعض الكلمات: من أنّ الفرق بينهما أنّ تخلّف الموالاة في الأوّل يضرّ بالصدق عقلاً دون الثاني(1)، ليس على ما ينبغي، فإنّ الفصل الطويل أو بالأجنبيّ بين الكلمات أيضاً يضرّ به عقلاً.

و كيف كان، لا إشكال في شيء ممّا ذكر في عدم الاعتناء بالشكّ فيه مع مضيّ المحلّ؛ لعموم الدليل و إطلاقه.

نعم يقع الكلام في تحقّق المضيّ بالنسبة إلى الوضوء مثلاً، فإنّ الشرط - أي ما يعتبر في الصلاة شرطاً - لو كان عبارة عن الغسلتين و المسحتين، فلا إشكال في أنّ محلّهما قبل الصلاة، و لو كان الطهور الحاصل بهما فمحلّ المحصّل قبلها، و مع حكم الشارع بتحقّقه، يترتّب عليه الآثار بالنسبة إلى الصلاة التي يشتغل بها، دون سائر الصلوات. هكذا أفاد شيخنا العلاّمة أعلى اللّه مقامه(2).

و فيه: أنّ ترتّب المحصَّل على المحصِّل و المسبَّب على السبب عقلي و إن كان السبب شرعياً أو السببية كذلك، فعلى هذا لاتصلح القاعدة الجارية في المحصّل لإثبات الأثر إلّا بالأصل المثبت.

و أمّا ما قيل: من أنّ محلّ الطهور شرعاً قبل الصلاة؛ لقوله تعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ...)(3) إلى آخره، بخلاف الستر و الاستقبال، فإنّ لزوم تقدّمهما عقلي لا شرعي(4).

ص: 505


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 644.
2- الصلاة، المحقّق الحائري: 349 - 350.
3- المائدة (5): 6.
4- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 640.

ففيه: أنّه بعد عدم إمكان تحصيل الشرط إلّا بتقدّمه على المشروط، لايمكن استفادة كون المحلّ شرعياً من الآية الكريمة، كما هو ظاهر.

و الأقوى أنّ الطهور شرط لطبيعة الصلاة، و مع عروض الشكّ أثناء الصلاة لايمكن التمسّك بالقاعدة بالنسبة إليها في الوجود البقائي، فإنّ الطبيعة تتحقّق بالدخول فيها مع تكبيرة الافتتاح و باقية إلى أن يخرج عنها بالسلام، فلها وجود تدريجي كالزمان أو الزماني، و القاعدة لاتفيد بالنسبة إلى وجودها البقائي، و كذا الحال لو كانت الطهارة شرطاً للأجزاء أو للصلاة في حال الأجزاء، فالتفصيل بين الأجزاء اللاحقة و الصلوات الاُخر(1) لايرجع إلى فارق. و اللّه العالم.

ص: 506


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 642.

الفهارس العامّة

اشارة

1- الآيات الكريمة

2- الأحاديث الشريفة

3- أسماء المعصومين علیهم السلام

4- الأعلام

5- الكتب الواردة في المتن

6- مصادر التحقيق

7- الموضوعات

ص: 507

ص: 508

فهرس الآيات الكريمة

الآية رقمها الصفحة

البقرة (2)

(وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) 43 36، 310

(فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّه ِ) 115 83

(قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ) 144 75

(قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) 144 73

(فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) 144 36

(وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) 150 76

(و مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) 150 73

(وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ) 150 76

(وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) 150 76، 79، 82، 87

ص: 509

الآية رقمها الصفحة

(فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ) 150 78

(إِنَّ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّه ِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) 158 376

(فَلاَ جُنَاحَ) 158 377

(أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) 158 93

(أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيعَ) 275 12

آل عمران (3)

(وَ للّه ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) 97 228

(اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّه َ قِيَاماً وَ قُعُوداً وَ عَلَى جُنُوبِهِمْ) 191 327

النساء (4)

(وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) 93 30

(وَ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَوةِ) 101 375، 386

(فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ) 101 375

(إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) 101 377

(فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَوةَ فَاذْكُرُوا اللّه َ قِيَاماً وَ قُعُوداً وَ عَلَى جُنُوبِكُمْ) 103 327

ص: 510

الآية رقمها الصفحة

(إِنَّ الصَّلَوةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنيِنَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) 103 422

(لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) 118 36

المائدة (5)

(إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ) 6 505

(إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) 6 36، 189

الإسراء (17)

(أَقِمِ الصَّلَوةَ) 78 36، 147، 185

(أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) 78 154، 175

(أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ الَّيْلِ) 78 126، 145

(أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ الَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ) 78 144

(لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) 78 154

(وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ) 78 145

(وَ لَاتَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ) 110 504

الحجّ (22)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا) 77 310

ص: 511

الآية رقمها الصفحة

القصص (28)

(إِنَّ الَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) 85 36

النجم (53)

(فَاسْجُدُوا للّه ِ) 62 36

الجنّ (72)

(وَ أَنَّ الْمَسَاجِدَ للّه ِ) 18 313، 315

(وَ أَنَّ الْمَسَاجِدَ للّه ِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللّه ِ أَحَداً) 18 313، 314

(فَلاتَدْعُوا مَعَ اللّه ِ أحَداً) 18 314

المدّثّر (74)

(وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ * وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ) 3 - 5 219

البيّنة (98)

(وَ مَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللّه َ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) 5 67

الكوثر (108)

(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ) 2 328

ص: 512

فهرس الأحاديث الشريفة

أ ترغب عمّا كان أبو الحسن علیه السلام يفعله؟! ... 301

أتى به في حالها ... 41

اجعل ثوباً للصلاة... ... 223

أحلّه اللّه... 12

أدرك العصر في وقتها ... 140، 175

إذا أتيت بلدة فأزمعتَ المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة ... 379

إذا ارتفعت أصواتها و تجاوبت فقد زالت الشمس ... 163

إذا أردت أن تركع فقل و أنت منتصب: اللّه أكبر، ثمّ اركع... ... 341

إذا استيقن... ... 56

إذا استيقن أنّه قد زاد في الصلاة المكتوبة لم يعتدّ بها ... 54

إذا استيقن أنّه قد زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتدّ بها... ... 388

إذا استيقن أنّه قد زاد في صلاته المكتوبة لم يعتدّ بها ... 371

إذا استيقن أنّه لم يكبّر فليعد، ولكن كيف يستيقن؟! ... 347

إذا أصاب شيئاً من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك ... 203

إذا جاء (فإذا جاءك) يقين بعد حائل قضاه و مضى على اليقين ... 430

إذا حفظت الركوع و السجود فقد تمّت صلاتك ... 312

إذا حلف الرجل تقيّة لم يضرّه إذا هو اُكره أو اضطرّ إليه ... 14

ص: 513

إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء ... 489

إذا دخلتَ الغائط فقضيتَ الحاجة، فلم تهرق الماء ... 266

إذا ذكرت... أنّك قد تركت شيئاً من وضوئك المفروض عليك، فانصرف ... 194

إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها، و بنى على صلاته ... 390

إذا رآه الناس صلّى قاعداً، و إذا كان لايراه أحد صلّى قائماً... ... 290

إذا زالت الشمس دخل الوقتان: الظهر و العصر ... 123، 125

إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين ... 457

إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر و العصر جميعاً ... 123، 128

إذا زالت الشمس دخل وقت الظهرين ... 459

إذا زالت الشمس دخل وقت صلاة الظهر و صلاة العصر جميعاً ... 127

إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر ... 124

إذا شككت في شيء من الوضوء و قد دخلت في غيره، فليس شكّك بشيء ... 485، 489

إذا شككتَ في موضعٍ منه ... 249، 250، 254

إذا صلّيت و أنت ترى أنّك في وقت... ... 157، 161، 162

إذا صلّيت و أنت ترى أنّك في وقت، و لم يدخل الوقت... ... 157

إذا صلّيت و أنت على غير القبلة... فأعِدْ ... 90، 107

إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس، فلتصلّ الظهر و العصر ... 149

إذا غابت الشمس فقد حلّ الإفطار و وجبت الصلاة ... 124

إذا قال العبد في التشهّد الأخير و هو جالس: أشهد أن لا إله إلّا اللّه... ... 216

إذا قمت من الوضوء و فرغت منه، و قد صرت في حال اُخرى... ... 429

إذا كان حيث لايراه أحد فليصلِّ قائماً ... 289

إذا كان صلّى إلى استدبار القبلة، ثمّ علم بعد خروج الوقت... ... 90

إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس ... 316

إذا وضعت جبهتك على نَبكة فلاترفعها، ولكن جرّها على الأرض ... 318

ص: 514

ارفع رأسك ... 316، 318

أساس البيت من الأرض السابعة السفلى إلى الأرض السابعة العليا ... 82

أصحاب الإضمار أحبّ إليّ ... 63

اغسل ثوبك من أبوال ما لايؤكل لحمه ... 502

اغسل ذَكَرَك، و أعد صلاتك، و لاتُعد وضوءك ... 265

أقرب إلى الحقّ ... 460

أقلّه ما بين المشرق إلى المغرب ... 93

إلّا أنّ هذه قبل هذه ... 435، 436، 475

أ لاترون أنّ الطواف بهما واجب مفروض ... 376

أ ليس قد أتممت الركوع و السجود؟ ... 311

أ ليس كان من نيّته أن يكبّر؟ ... 347، 349

أمّا إذا كان بمكّة فلا، و أمّا إذا هاجر إلى المدينة فنعم حتّى حُوِّل إلى الكعبة ... 75

أمّا صلاته فقد مضت، و بقي التشهّد، و التشهّد سُنّة في الصلاة ... 215

أمّا ما توهّمت ممّا أصاب يدك، فليس بشيء إلاّ ما تحقّق 263

أنا خير شريك؛ من أشرك معي غيري في عمل لم أقبله، إلّا ما كان لي خالصاً ... 70

إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه و هو لايعلم، فلا إعادة عليه ... 257

إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع و السجود ... 288

إنّ التكبير سُنّة و لاتنقض السنّة الفريضة ... 353

أنّ السنّة لاتنقض الفريضة ... 27، 44، 53

أنّ القراءة سُنّة... ... 52

أنّ الكعبة قبلتي ... 73

إنّ الكعبة قبلة من موضعها إلى السماء ... 82

إنّ اللّه تبارك و تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد ... 77

أنّ اللّه تبارك و تعالى فرض الركوع و السجود، و القراءة سُنّة ... 29

ص: 515

إنّ اللّه تعالى افترض أربع صلوات عند زوال الشمس إلى غروب الشمس ... 126

إنّ اللّه تعالى لايقبل عملاً فيه مثقال ذرّة من رياء ... 71

أنت في وقت منهما جميعاً ... 457

إن جاز ذلك الوقت ثمّ صلّيتها لم تكن صلاته هذه مؤدّاة ... 460

إن دخله الشكّ بعد أن يصلّي العصر ... 434

أنّ دَيْن اللّه أحقّ بالقضاء ... 228

إن ذكر في ذلك اليوم فليُعِد، و إن لم يذكر حتّى يمضي ذلك اليوم فلا إعادة عليه ... 386

إن ذكرها في الصلاة كبّرها في قيامه في موضع التكبيرة ... 350

إن ذكرها قبل الركوع كبّر ثمّ قرأ ثمّ ركع ... 350

إن ذكرها و هو قائم قبل أن يركع فليكبّر، و إن ركع فليمضِ في صلاته ... 351

إن ذكره و قد أهوى إلى الركوع... ... 340

إن ذكره و قد أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يده على الرُّكبتين، فليرجع ... 321

إن رأيت المنيّ في ثوبك... ... 235، 236

إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة ... 234، 239، 243

إن رأيت في ثوبك دماً و أنت تصلّي؛ و لم تكن رأيته قبل ذلك، فأتمّ صلاتك ... 242

إن رأيت و عليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ في غيره ... 244

إن رأيته و عليك ثوب آخر فاطرحه، و صلّ في غيره ... 239

إن رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ في غيره ... 241

أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم قال لجبرئيل: و أيّ شيء البريد؟ ... 86

إن شكّ في وقت الفوت فليصلّ ... 444

إنّ شكّه ليس بشيء ... 494

انصرف ثمّ توضّأ، و ابنِ على ما مضى من صلاتك ... 201

إن صلّيتَ فنسيتَ أن تقرأ فيها شيئاً من القرآن، أجزأك ذلك... ... 312

إن علمت أنّه ذكيّ ذكّاه الذبح ... 305

ص: 516

إن قدر على ماء عنده يميناً أو شمالاً أو بين يديه... فليغسله عنه ... 238

إن كان جلس في الرابعة قدر التشهّد فقد تمّت صلاته ... 374

إن كان خرج نظيفاً من العذرة فليس عليه شيء و لم ينقض وضوؤه ... 201

إن كان دخل في صلاته فليمض ... 259

إن كان دخل في صلاته فليمض، و إن لم يكن دخل فلينضح ... 268

إن كان رآه فلم يغسله، فلْيقضِ جميع ما فاته على قدر ما كان يصلّي ... 262

إن كان علم أ نّه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلّي... فعليه أن يعيد ... 221

إن كان في وقت فليعد صلاته، و إن كان قد مضى الوقت فحسبه اجتهاده ... 104

إن كان في وقت فلْيُعدْ، و إن كان الوقت قد مضى فلايعيد ... 135، 378

إن كان في وقت فليُعد، و إن كان قد مضى الوقت فلايعيد ... 91، 101

إن كان في وقت لايخاف فوت إحداهما، فلْيصلِّ الظهر ثمّ ليصلِّ العصر ... 440

إن كان قُرِئت عليه آية التقصير و فسّرت له فصلّى أربعاً أعاد ... 376

إن كان لايدري - جلس في الرابعة أم لم يجلس - فليجعل أربع ركعات... ... 374

إن كان لم يعلم فلايعيد ... 233

إن كان متعمّداً... ... 31

إن كان متوجّهاً فيما بين المشرق و المغرب... ... 96

إن كان متوجّهاً فيما بين المشرق و المغرب، فلْيحوّل وجهه إلى القبلة ... 94، 110

إن كان متوجّهاً فيما بينهما ... 96

إنّ للّه عزّ و جلّ حرمات ثلاثاً ليس مثلهنّ شيء ... 75

إنّما الأعمال بالنيّات ... 67

إنّما الأعمال بالنيّات، و إنّما لكلّ امرئ ما نوى ... 69

إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تَجُزْه ... 433

إنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة ... 92

أنّ من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها ... 138

ص: 517

أنّ من ترك الصلاة متعمّداً فقد برئت منه ملّة الإسلام ... 30

إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة... ... 149

إن نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر، فذكرتها... فانوِها الاُولى ... 436

إن وجد ماء غسله، و إن لم يجد ماء صلّى فيه، و لم يصلِّ عرياناً ... 280

إنّه حين العمل أذكر ... 429

إنّ هذه قبل هذه ... 127، 425

إنّي أغنى الشركاء؛ فمن عمل عملاً ثمّ أشرك فيه غيري، فأنا منه بريء ... 70

أن يفعل ذلك متعمّداً لعجلة ... 32

أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها صلّيتها ... 432

أوّلها أو افتتاحها أو مفتاحها التكبير ... 359

أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يده... ... 322

أيّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقض صلاته، و عليه الإعادة ... 367

بلّغ بأطراف أصابعك عينَ الركبة ... 315

بين المشرق و المغرب قبلة ... 93، 101، 108

بينهما قبلة كلّه ... 91

تحريمها التكبير ... 345

ترى أنّك في وقت ... 165

تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان ... 47

تسجد سجدتي السهو لكلّ زيادة ... 56

التشهّد سُنّة، و السنّة لاتنقض الفريضة ... 212

تعيد الصلاة و تغسله... ... 257

تغسله و لاتعيد الصلاة ... 247

تقول: اللهمّ إنّي اُريد أن أتمتّع بالعمرة إلى الحجّ على كتابك و سنّة نبيّك ... 62

التقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم، فقد أحلّه اللّه ... 12

ص: 518

تمّت صلاتك ... 311

تمّت صلاته ... 26

تنقض الصلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته ... 239، 246

ثمّ أحدث حدثاً فقد تمّت صلاته ... 216

ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس ... 127

ثمّ يحوّل وجهه... ... 111

جازت صلاته ... 168

حتّى حُوِّل إلى الكعبة ... 78

الحمد للّه الذي لم يدع شيئاً إلّا و له حدّ ... 232

حيث لايراه أحد ... 291

دخل في الصلاة و هو يرى أنّه في وقت ... 173

دخل وقت الظهر و العصر جميعاً ... 125

ذكر المنيّ فشدّده ... 245

رفع ما اضطرّوا إليه... ... 10

زاد اللّه في عمره ... 371

زادت صلاته... ... 40

زاد في صلاته... ... 41

زاد في صلاته سجدة ... 40

سبعة منها فرض يسجد عليها ... 314

سبعة منها فرض يسجد عليها، و هي التي ذكرها اللّه عزّ و جلّ في كتابه ... 314

السجود على سبعة أعضاء ... 314

السجود على سبعة أعضاء: الوجه، و اليدين، و الركبتين ... 313

السنّة لاتنقض ... 213

السنّة لاتنقض الفريضة ... 34، 44

ص: 519

الصلاة فاسدة لايقبل اللّه تلك الصلاة ... 298

الصلاة لاتترك بحال ... 114، 206

الصلاة لاتفتتح إلّا بالتكبير ... 359

صلّى حسن و حسين علیهما السلام خلف مروان، و نحن نصلّي معهم ... 15

صلّى فيه و لم يصلِّ عرياناً ... 280

العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها، و يسجد فيها و يركع ... 293

علم به أو لم يعلم... ... 227، 230

علم به أو لم يعلم فعليه الإعادة ... 229

علم به أو لم يعلم فعليه (الإعادة) إعادة الصلاة إذا علم ... 226

على غير القبلة ... 91

عليه الإعادة ... 44، 228، 260، 370

عليه أن يبتدئ الصلاة ... 239، 243

فادخل معهم في الركعة و اعتدّ بها فإنّها من أفضل ركعاتك ... 16

فإذا جاءك يقين... ... 430

فإنّ الشكّ لاينقض اليقين ... 502

فإنّ اليقين لايدفع بالشكّ ... 502

فإن دخله الشكّ، و قد دخل في صلاته، فليمضِ في صلاته ... 430

فإن شكّ بينه و بين أن يصلّي العصر قضاها ... 433

فإن شكّ في الظهر... ... 432

فإن شكّ في الظهر فيما بينه و بين أن يصلّي العصر قضاها ... 438

فإن صلّى ركعة من الغداة، ثمّ طلعت الشمس، فليتمّ ... 139، 156

فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وَبَره و بوله... ... 302

فإن نسي القراءة فيها كلّها و أتمّ الركوع و السجود و التكبير، لم يكن عليه إعادة ... 311

فإن نسيتَ القراءة في صلاتك كلّها، ثمّ ذكرتَ، فليس عليك شيء ... 311

ص: 520

فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ... 316

فَحَوَّلَ وجهه إلى الكعبة ... 78

فدخل الوقت و أنت في الصلاة ... 156

فرض اللّه الركوع و السجود ... 35، 37

فصار القصر في السفر واجباً كوجوب التمام في الحضر ... 375

فعليك الإعادة ... 266

فعليه الإعادة ... 45، 227

فقد أحلّه اللّه ... 12

فقد أدرك الغداة تامّة ... 175

فكلّ شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّة... فإنّه جائز ... 14

فلمّا صلّى من الظهر ركعتين جاء جبرئيل ... 75

فليتمّ و قد جازت صلاته ... 143

فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد، فليمضِ... ... 391

فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ ... 240

فليقضِها و لا شيء عليه ... 350

فليقطع الصلاة ... 111

فليمضِ في صلاته ... 348

فمن ترك القراءة متعمّداً ... 29

فنظر و لم يَرَ شيئاً ... 222

في الصلاة المكتوبة ... 56

فيما بين المشرق و المغرب ... 94

قد أهوى إلى الركوع ... 321

قد تمّت صلاتك إذا كان نسياناً ... 311

ص: 521

قد ركع ... 491، 494، 496

قد ركعت ... 460

قد ركعت أمضه ... 489، 494

قد مضت صلاته، و ما بين المشرق و المغرب قبلة ... 94، 103

القراءة سُنّة ... 29

القراءة سُنّة، و التشهّد سُنّة، و لاتنقض السنّةُ الفريضة ... 21، 309

القراءة في الصلاة سُنّة، و ليست من فرائض الصلاة ... 30

القهقهة تقطع الصلاة ... 196

كان حين انصرف أقرب إلى الحقّ ... 496

كذلك الوقت... ... 123

كلّ رياء شرك ... 71

كلّ شيء حلال حتّى تعرف الحرام بعينه ... 166

كلّ شيء شكّ فيه... ... 490

كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه ... 489

كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر ... 166، 220، 230، 300

كلُّ ما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامضِ و لاتُعد ... 482

كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى... ... 428، 458، 485

كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضِهِ كما هو ... 169، 416، 427، 483، 487

كلّ ما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر ... 211

لا إعادة عليه ... 136، 137

لا، بل يعيد الصلاة إذا حفظ أنّه لم يكبّر ... 352

لاترفع جبهتك و جرّها على الأرض ... 318

لاتصلِّ في شيء منه و لا شِسع ... 301

ص: 522

لاتعاد... ... 9، 11، 22، 24، 29، 33، 38، 43، 44، 45، 46، 50، 51، 52، 53، 54، 55، 58، 67، 68، 70، 71، 72، 88، 98، 106، 107، 108، 114، 191، 212، 213، 214، 215، 218، 219، 220، 224، 230، 238، 241، 248، 256، 268، 270، 276، 296، 297، 298، 299، 308، 310، 312، 313، 314، 317، 318، 327، 329، 331، 334، 336، 340، 342، 343، 344، 345، 346، 355، 364، 365، 366، 368، 369، 370، 393، 397، 431، 498

لاتعاد الصلاة... ... 11، 44، 106، 200، 250، 309

لاتعاد الصلاة إلّا من خمس ... 28

لاتعاد الصلاة إلّا من خمسة ... 88، 190، 299

لاتعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود ... 21

ص: 523

لاتفتح الصلاة إلّا بالتكبيرة ... 349

لاتفتح الصلاة إلّا بها ... 345

لاتنقض السنّة... ... 22

لاتنقض اليقين أبداً بالشكّ ... 166

لا صلاة إلّا إلى القبلة ... 84، 88، 91، 92، 98، 107، 108، 112، 207، 208

لا صلاة إلّا بطهور ... 190، 200، 206، 208، 212، 220، 224، 237، 251، 256، 279، 300

لا صلاة إلّا بطهور، و يجزيك في الاستنجاء ثلاثة أحجار ... 207

لا صلاة إلّا بطهور، و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار ... 219

لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب ... 207

لا صلاة لجار المسجد إلّا في مسجده ... 207

لا صلاة له... ... 329

لا عمل إلّا بالنيّة ... 63، 67، 69

لأنّ البول ليس مثل البراز ... 266

لأنّ العصر حائل ... 434

لأنّك كنتَ على يقين من طهارتك ثمّ شككتَ، فليس ينبغي... ... 247

لا و اللّه لاتفسد الصلاة بزيادة سجدة ... 372، 389

لا و اللّه ما هم على شيء ممّا جاء به رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم إلّا استقبال الكعبة فقط ... 76، 78

لا، ولكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك ... 236

لايدخل الشكّ في اليقين ... 502

لايعيد إذا لم يكن علم ... 227

ص: 524

لايعيد صلاته... ... 389

لايعيد صلاته من سجدة، و يعيدها من ركعة ... 372، 389

لايعيد صلاة من سجدة، و يعيدها من ركعة ... 372، 388

لايعيد قد مضت الصلاة و كتبت له ... 258

لايفوت الصلاة من أراد الصلاة، لايفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس ... 150

لايفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس ... 441

لايفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس، و لا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر ... 424

لعلّه شيء اُوقع عليك ... 250

لم يَرَه أحد ... 291

لو أنّ رجلاً نسي أن يستنجي من الغائط حتّى يصلّي لم يعد الصلاة ... 267

لو قُرِئت عليه آية التقصير و فُسِّرت له... ... 377

ليس شيء ممّا حرّم اللّه إلّا و قد أحلّه لمن اضطرّ إليه ... 14

ما بين المشرق... ... 95

ما بين المشرق و المغرب قبلة ... 94، 100

ما بين المشرق و المغرب قبلة كلّه ... 84، 91، 99، 106

ما صنعتم من شيء... في تقيّة، فأنتم منه في سعة ... 15

ما لم تنقض الصلاة بالكلام ... 202

ما لم يزد على مقدار الدرهم ... 252

ما لم يستوِ جالساً فلا شيء عليه في رفع رأسه لطلب الخُمرة ... 320

متوجّهاً إلى دبر القبلة ... 96

متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها ... 432

متى شككت في وقتها أنّك لم تصلّها، أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها صلّيتها ... 460

متى ما استيقنتَ أو شككتَ في وقت صلاة أنّك لم تصلِّها... ... 421

مضت صلاته ... 216

ص: 525

مفتاحها التكبيرة ... 349

مقدار ما يصلّي المصلّي ... 129

من أدرك... ... 141، 168، 175، 177، 179، 180، 181، 183، 185، 418، 421، 464، 465، 468، 471

من أدرك ركعة... ... 155، 177، 182، 456، 463

من أدرك ركعة من الصلاة... ... 472

من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ... 138، 140، 181

من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ... 138

من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة تامّة ... 138

من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس، فقد أدرك الغداة تامّة ... 138

من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت ... 138، 140، 142، 420

من أدرك من صلاة العصر ركعة... أدرك العصر ... 139، 142، 420، 463

من أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه كفّارة ... 30

من زاد فعليه الإعادة ... 44، 45

من زاد في صلاته... ... 39

من زاد في صلاته فعليه الإعادة ... 33، 34، 39، 355، 370،

391، 392

من صلّى معهم... كان كمن صلّى خلف رسول اللّه ... 15

من لم يقم صلبه فلا صلاة له ... 207، 343

الميسور لايسقط بالمعسور ... 206

النحر الاعتدال في القيام، أن يقيم صُلْبه و نَحْره ... 328

ص: 526

نعم، إنّها قبلة من موضعها إلى السماء ... 81

نعم، جُرّ وجهك على الأرض من غير أن ترفعه ... 317

نعم كلّ ذلك واسع إنّما هو بمنزلة رجل سها ... 203

نعم، و إن قلب وجهه عن القبلة ... 202

و أدنى ما يجب في الصلاة: تكبيرة الإحرام، و الركوع، و السجود ... 34

و إذا كان جُنُباً أو صلّى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات ... 194

و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم، فضيّعتَ غسله... ... 261

و القنوت واجب و الإجهار بالقراءة واجب في صلاة المغرب و العشاء و الفجر ... 366

و إن خاف أن يفوته فليبدأ بالعصر و لايؤخّرها فيفوته ... 178

و إن كان قد تحرّى... ... 105

و إن كان قد مضى الوقت فلايعد ... 137

و إن كان معه سيف و ليس معه ثوب، فليتقلّد السيف و يصلّي قائماً ... 288

و إن لم تكن قلت ذلك فقد نقصت صلاتك ... 216

و زاد في صلاته... ... 40

و سجد على ثمانية أعظم؛ على الكفّين، و الرُّكبتين... ... 313

و صلّوا معهم في مساجدهم ... 15

وقت الظهر بعد الزوال قدمان، و وقت العصر بعد ذلك قدمان ... 130

وقت عشاء الآخرة الفراغ من المغرب ... 124

و قد دخل وقت صلاة اُخرى ... 90

و قم منتصباً، فإنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم قال: من لم يقِم صُلبه فلا صلاة له ... 329

و كان حين انصرف أقرب إلى الحقّ منه بعد ذلك ... 488

و كلّ شيء منه جائز إذا علمت أنّه ذكيّ قد ذكّاه الذبح ... 302

و لاتنقض اليقين أبداً بالشكّ ... 501

و لا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر ... 146

ص: 527

و لا صلاة بغير افتتاح ... 344

و لايصلّى في جلود الميتة ... 301

و ليس ذلك بمنزلة المنيّ و البول ... 239

و متى استيقنت أو شككت في وقتها أنّك لم تصلّها ... 417

و معنى الآية أنّ الصحيح يصلّي قائماً و المريض قاعداً ... 328

و هو على غير القبلة ... 101

و يقضي (العصر - خ ز) الحائل ... 432

و يقضي (العصر و - خ) الحائل و الشكّ جميعاً ... 432

هو بمنزلة من تكلّم في الصلاة ناسياً ... 202

هو حين يتوضّأ أذكر ... 496

هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ ... 488

هو رفع يديك حذاء وجهك ... 328

يا أشباه الرجال و لا رجال ... 10

يا زرارة إذا خرجتَ من شيء ثمّ دخلت في غيره فشككت فليس بشيء ... 487

يتيمّم و يطرح ثوبه، و يجلس مجتمعاً و يصلّي فيؤمي إيماء ... 288

يحرّك جبهته حتّى يتمكّن، فينحّي الحصى عن جبهته، و لايرفع رأسه ... 319

يخرج و يتوضّأ، ثمّ يبني على ما مضى من صلاته التي صلّى بالتيمّم ... 211

يرفع رأسه حتّى يستمكن ... 319

يرى أنّه في الوقت، و ليس في الوقت ... 167

يصلّي إيماء، و إن كانت امرأة جعلت يديها على فرجها ... 288

يصلّي عرياناً قائماً إن لم يَرَهُ أحد، و إن رآه أحد صلّى جالساً ... 289

يصلّي فيه إذا اضطرّ إليه ... 283

يصلّي قاعداً ... 288

يصلّيها قبل أن يصلّي هذه التي قد دخل وقتها ... 89

ص: 528

يعني مفروضاً، و ليس يعني وقت فوتها إن جاز ذلك الوقت ثمّ صلاّها ... 422

يعيد إذا لم يكن علم ... 227

يعيد الصلاة ... 347، 351

يعيد الوضوء و الصلاة، و لايعتدّ بشيء ممّا صلّى إذا علم ذلك يقيناً ... 201

يعيد صلاته كي يهتمّ بالشيء إذا كان في ثوبه؛ عقوبة لنسيانه... ... 258

يعيد ما كان في وقت، فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه ... 105

يعيد، و لايعيدون، فإنّهم قد تحرّوا ... 99

يعيدها ما لم يَفته الوقت ... 83، 135

يعيد هو، و لايعيدون ... 193

يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها ... 193

يقعد و يفتتح الصلاة و هو قاعد، و لايعتدّ بافتتاحه الصلاة و هو قائم ... 330

اليقين لايدخل فيه الشكّ ... 502

ينصرف فيتوضّأ، فإن شاء رجع إلى المسجد، و إن شاء ففي بيته ... 215

ينصرف و يستنجي من الخلاء و يعيد الصلاة ... 268

ص: 529

ص: 530

فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام

النبي، محمّد، رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم = محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم، نبي الإسلام

محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم، نبي الإسلام ... 1، 15، 24، 26، 34، 37، 49، 50، 51، 62، 69، 70، 74، 75، 76، 78، 85، 138، 147، 184، 203، 204، 296، 309، 313، 329، 376، 420، 453

علي، أمير المؤمنين علیه السلام = علي بن أبي طالب علیه السلام، الإمام الأوّل

علي بن أبي طالب علیه السلام، الإمام الأوّل ... 138، 216، 290، 327

الحسن علیه السلام = الحسن بن علي علیه السلام، الإمام الثاني

الحسن بن علي علیه السلام، الإمام الثاني ... 15

الحسين علیه السلام = الحسين بن علي علیه السلام، الإمام الثالث

الحسين بن علي علیه السلام، الإمام الثالث ... 15

أبو جعفر علیه السلام = محمّد بن علي علیه السلام، الإمام الخامس

محمّد بن علي علیه السلام، الإمام الخامس ... 11، 21، 40، 54، 84، 91، 99، 123، 130، 193، 201، 211، 215، 239، 246، 288، 289، 290، 292، 327، 328، 329، 341، 346، 350، 366، 367، 371، 375، 377، 417، 421، 422، 430، 482، 483

الصادق، أبو عبداللّه علیه السلام = جعفر بن محمّد علیه السلام، الإمام السادس

جعفر بن محمّد علیه السلام، الإمام السادس ... 14، 15، 29، 39، 62، 70، 75، 76، 77، 81، 89، 90، 93، 94، 99، 101، 103، 104، 106، 107، 110، 123، 124، 126، 130، 139، 146، 149، 150، 157، 193، 194، 201، 203، 215،

ص: 531

221، 226، 227، 232، 233، 234، 238، 239، 241، 242، 243، 245، 246، 257، 258، 265، 266، 267، 280، 283، 288، 289، 290، 292، 293، 302، 310، 311، 312، 313، 316، 317، 318، 321، 328، 330، 340، 347، 351، 352، 370، 372، 374، 377، 379، 380، 381، 388، 389، 391، 392، 424، 441، 485، 491

الصادقين علیهما السلام (محمّد بن علي علیه السلام، الإمام

الخامس / جعفر بن محمّد علیه السلام، الإمام السادس) ... 13، 89

أحدهما علیهما السلام (محمّد بن علي علیه السلام، الإمام الخامس / جعفر بن محمّد علیه السلام، الإمام السادس) ... 347

أبو الحسن الماضي، العبد الصالح، موسى بن جعفر علیه السلام -> موسى بن جعفر علیه السلام، الإمام السابع

موسى بن جعفر علیه السلام، الإمام السابع ... 83، 105، 201، 259، 268، 287، 301، 319، 351، 390

الرضا، أبو الحسن علیه السلام = علي بن موسى علیه السلام، الإمام الثامن

علي بن موسى علیه السلام، الإمام الثامن ... 123، 124، 301، 311، 312، 351

أبو جعفر الثاني علیه السلام = محمّد بن علي علیه السلام، الإمام التاسع

محمّد بن علي علیه السلام، الإمام التاسع ... 313

صاحب الزمان (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف)، الإمام الثاني عشر ... 319

ص: 532

فهرس الأعلام

ابن أبي عمير، محمّد ... 157، 158، 159، 301

ابن أبي نصر = البزنطي، أحمد بن محمّد

ابن أبي يعفور = عبد اللّه بن أبي يعفور

ابن إدريس، محمّد بن أحمد ... 132، 159، 284، 430، 433

ابن بابويه، محمّد بن علي ... 424

ابن بكير، عبد اللّه ... 302، 305

ابن سنان = عبد اللّه بن سنان

ابن شاذان، الفضل بن شاذان ... 301

ابن عبّاس، عبد اللّه بن عبّاس ... 76

ابن مسكان = عبد اللّه بن مسكان

ابن مسلم = محمّد بن مسلم

ابن مهزيار = علي بن مهزيار

ابن يقطين = علي بن يقطين

أبو البختري ... 294

أبو الصباح = أبو الصباح الكناني

أبو الصباح الكناني ... 14

أبو بصير ... 39، 49، 50، 54، 55، 226، 228، 229، 235، 239، 243، 257، 266، 351، 370، 373، 380، 392

أبو سعيد القمّاط = القمّاط، أبو سعيد

إسحاق بن عمّار ... 15، 223، 293

إسماعيل بن جابر ... 391، 484، 487، 489، 490، 492، 493، 494، 495

إسماعيل بن رياح ... 155، 157، 158، 159، 160، 167

إسماعيل بن مهران ... 123

الأصبغ بن نباتة ... 138

الأقطع، سليمان بن خالد ... 104

الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين ... 404

أيّوب بن نوح ... 293

البرقي، أحمد بن محمّد بن خالد ... 76

البزنطي، أحمد بن محمّد ... 351

بشر ... 77

بشير ... 76، 78

ص: 533

بعض أهل التحقيق = الهمداني، رضا بن محمّد هادي

بعض محقّقي العصر = العراقي، ضياء الدين

بكير بن أعين ... 39، 54، 371، 388، 393، 488

جميل بن درّاج ... 374

الحائري، عبد الكريم ... 26، 43، 124، 125، 171، 179، 360، 371، 467، 470، 475، 505

الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن ... 40

حريز بن عبد اللّه = السجستاني، حريز بن عبد اللّه

الحرّ = الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن

الحسن بن الجهم ... 216

الحسن بن حمّاد ... 317

الحسن بن محبوب = السرّاد، الحسن بن محبوب

الحسين بن حمّاد ... 312، 316، 317، 318

الحلبي، عبيد اللّه بن علي ... 75، 78، 99، 101، 102، 103، 104، 178، 185، 194، 238، 280، 283، 284، 285، 286، 288، 347، 348، 349، 381، 440، 442، 446، 452، 468، 471، 474، 476، 478

الحلّي = ابن إدريس، محمّد بن أحمد

حمّاد بن عثمان ... 15، 62، 489، 494

حمّاد بن عيسى ... 313

الحميري، عبد اللّه بن جعفر ... 319

داود بن زربي ... 192

داود بن سرحان ... 241

داود بن فرقد ... 124، 127، 128، 130، 131، 132، 134، 136، 441، 443

رفاعة = النخّاس، رفاعة بن موسى

زرارة ... 21، 28، 39، 54، 56، 84، 86، 88، 91، 99، 101، 102، 104، 106، 107، 108، 123، 193، 206، 207، 211، 215، 216، 219، 222، 231، 236، 239، 240، 243، 244، 246، 247، 251، 253، 254، 255، 257، 288، 292، 294، 315، 329، 341، 346، 350، 352، 366، 367، 371، 372، 374، 375، 376، 382، 386، 388، 393، 417، 421، 424، 430، 432، 438، 439، 442، 456، 460، 461، 465، 484، 486، 487، 489، 490، 494، 495

الساباطي، عمّار بن موسى ... 94، 96، 97، 110، 111، 117، 139، 143، 156،

ص: 534

201، 220، 223، 264، 267، 294، 321، 330، 340، 344

السجستاني، حريز بن عبد اللّه 328، 430، 432، 433، 438

السرّاد، الحسن بن محبوب ... 242

سفيان بن السمط ... 47، 48، 56، 58

سليمان بن خالد = الأقطع، سليمان بن خالد

سليمان بن رشيد ... 194، 262

سليمان مولى طربال ... 76

سماعة بن مهران ... 13، 14، 258، 260، 265، 266، 280، 285، 288

السيّد المرتضى = علم الهدى، علي بن الحسين

الشافعي، محمّد بن إدريس ... 151، 377

الشيخ = الطوسي، محمّد بن الحسن

الشيخ الأعظم = الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين

الشيخان (المفيد، محمّد بن محمّد / الطوسي، محمّد بن الحسن) ... 212

شيخ الطائفة = الطوسي، محمّد بن الحسن

شيخنا العلاّمة = الحائري، عبدالكريم

صاحب الجواهر، محمّد حسن بن باقر... 225

صاحب المستدرك = النوري، الحسين بن محمّد تقي

الصدوق = ابن بابويه، محمّد بن علي

الصدوقان (ابن بابويه، علي بن الحسين / ابن بابويه، محمّد بن علي) ... 122

الصيقل، أبو القاسم ... 223

الصيقل، ميمون ... 232، 235

الطوسي، محمّد بن الحسن ... 69، 151، 157، 202، 211، 212، 227، 243، 256، 263، 371، 372، 476

عبد الرحمان بن أبي عبد اللّه ... 101، 106، 107، 280، 491، 492، 494

عبد الرحمان بن الحجّاج ... 109

عبد اللّه بن أبي يعفور ... 352، 485، 489

عبد اللّه بن سنان ... 15، 75، 81، 149، 221، 231، 233، 235، 242، 288، 316، 328

عبد اللّه بن مسكان ... 259، 289، 290، 292

عبيد بن زرارة ... 122، 123، 126، 146، 150، 215، 347، 372، 389، 424، 441

العراقي، ضياء الدين ... 22، 225

العلاّمة الحائري = الحائري، عبدالكريم

العلاء بن رزين ... 258، 259، 260

ص: 535

علم الهدى، علي بن الحسين ... 131، 132، 158

علي بن جعفر ... 15، 201، 223، 259، 262، 264، 267، 268، 280، 281، 283، 284، 286، 287، 293، 319

علي بن سالم ... 70

علي بن مهزيار ... 194، 262، 264

علي بن يقطين ... 192، 351

عمرو بن أبي نصر ... 265، 266

العيّاشي، محمّد بن مسعود ... 313

العيص بن القاسم ... 377، 380، 381

الفضل بن شاذان = ابن شاذان، الفضل بن شاذان

الفضيل بن يسار ... 201، 417، 421، 424، 432، 439، 442، 456، 460، 467

القمّاط، أبو سعيد ... 203

الكشّي، محمّد بن عمر ... 157

الكليني، محمّد بن يعقوب ... 40

الكوفي، علي بن أحمد ... 138، 140، 142

المأمون، خليفة العبّاسي ... 301

المجلسي، محمّد باقر بن محمّد تقي ... 40، 366

المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن ... 127، 132، 284، 342

محمّد بن الحصين ... 83

محمّد بن علي بن إبراهيم ... 366

محمّد بن مسلم ... 193، 211، 234، 239، 241، 243، 244، 245، 246، 251، 254، 255، 261، 262، 264، 347، 374، 375، 376، 382، 386، 482، 483، 485، 487، 488، 494، 495

مروان ... 15

مسعدة بن صدقة ... 14

معاوية بن عمّار ... 93، 95، 103، 104، 318

معلّى بن خنيس ... 390

معمّر بن يحيى ... 89، 90

المفضّل = المفضّل بن صالح

المفضّل بن صالح ... 319

المفيد، محمّد بن محمّد ... 212، 225

منصور بن حازم ... 310، 312، 372، 379، 388

النخّاس، رفاعة بن موسى ... 392

النراقي، أحمد بن محمّد مهدي ... 411

النوري، الحسين بن محمّد تقي ... 366

وهب بن عبد ربّه ... 227

هشام بن سالم ... 266

الهمداني، رضا بن محمّد هادي ... 229، 230، 497

يعقوب بن يقطين ... 105

ص: 536

فهرس الكتب الواردة في المتن

القرآن الكريم ... 24، 26، 36، 49، 50، 115، 144، 145، 187، 312، 453

الاحتجاج ... 319

الاستبصار ... 55، 242، 252، 256، 262، 263، 316

الاستغاثة ... 138، 420

الأمالي للشيخ الطوسي ... 69

تحف العقول ... 270

تفسير العيّاشي ... 313

تفسير النعماني ... 327، 328

التهذيب = تهذيب الأحكام

تهذيب الأحكام ... 55، 77، 227، 240، 245، 251، 252، 367، 368، 388، 393

جامع الأحاديث = جامع أحاديث الشيعة

جامع أحاديث الشيعة ... 432، 434

الجعفريات ... 290، 294

الجواهر = جواهر الكلام

جواهر الكلام ... 165، 225

الخصال ... 76، 216

الخلاف ... 138، 139، 150، 151، 152، 284، 420، 471، 476

دعائم الإسلام ... 29، 32، 311

الذكرى = ذكرى الشيعة

ذكرى الشيعة ... 138، 155

رسالة الاستصحاب للإمام الخميني (سلام اللّه عليه) ... 480

رسالة التقيّة للإمام الخميني (سلام اللّه عليه) ... 16

رسّيّات السيّد المرتضى = المسائل الرسّيّة

السرائر ... 133، 159، 242، 430، 432

الصحاح ... 166، 167، 339

ص: 537

الصلاة للمحقّق الحائري ... 26، 171

عدّة الداعي و نجاح الساعي ... 70

العدّة في اُصول الفقه ... 157

العلل = علل الشرائع

علل الشرائع ... 366

فقه الرضا علیه السلام = الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام

الفقه الرضوي = الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام

الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام ... 124، 311، 312

الفقيه = من لايحضره الفقيه

القاموس المحيط ... 339

قرب الإسناد ... 32، 223

الكافي ... 55، 232، 242، 251، 252، 266، 371، 388، 421

كتاب حريز بن عبد اللّه ... 430، 438

كتاب علي بن جعفر ... 201

المحاسن ... 76

المختلف = مختلف الشيعة

مختلف الشيعة ... 132

مرآة العقول ... 55

المسائل الرسّيّة ... 158

المستدرك = مستدرك الوسائل

مستدرك الوسائل ... 366

المشيخة للحسن بن محبوب ... 242

المعتبر ... 127، 132، 211، 212

مفتاح الكرامة ... 138، 225

المقنع ... 216

المنجد ... 166، 167

من لايحضره الفقيه ... 21، 22، 77، 78، 81، 101، 102، 122، 124، 150، 211، 232، 234، 242، 245، 246، 252، 367

الناصريات ... 131

النهاية = النهاية في مجرّد الفقه و الفتاوى

النهاية في مجرّد الفقه و الفتاوى ... 90

الوافي ... 55

الوسائل = وسائل الشيعة

وسائل الشيعة ... 56، 201، 434

ص: 538

فهرس مصادر التحقيق

«القرآن الكريم».

«أ»

1- الاجتهاد و التقليد، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ». = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

2- أجود التقريرات (تقريرات المحقّق النائيني). السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (1317 - 1413)، تحقيق مؤسّسة صاحب الأمر عجل اللّه تعالی فرجه الشریف، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، قم، مطبعة ستارة، 1419 ق.

3- الاحتجاج. أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي (القرن السادس)، تحقيق إبراهيم البهادري و محمّد هادي به، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، منشورات اُسوة، 1413 ق.

4- أحكام الخلل في الصلاة، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 9. الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 - 1281)، تحقيق لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة الاُولى، قم، مكتبة الفقهية، 1415 ق.

5- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي). أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460)، تصحيح حسن المصطفوي، جامعة مشهد، 1348 ش.

ص: 539

6- إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان. العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726)، تحقيق فارس الحسّون، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1410 ق.

7- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد، ضمن «مصنّفات الشيخ المفيد» ج 11. أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (336 - 413)، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، جزءان في مجلّد واحد، قم، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، 1413 ق.

8- أسباب النزول. أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري (م 468)، الطبعة الثانية، بيروت، دار ومكتبة الهلال، 1985 م.

9- الاستبصار فيما اختلف من الأخبار. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460)، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الثالثة، 4 مجلّدات، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1390 ق.

10- الاستصحاب، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ». = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

11- أقرب الموارد. سعيد الخوري الشرتوني اللبناني، 3 مجلّدات، قم، مكتبة آية اللّه المرعشي، 1403 ق.

12- الأمالي. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460)، تحقيق مؤسّسة البعثة، الطبعة الاُولى، قم، دار الثقافة، 1414 ق.

13- الأمالي أو المجالس. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، الطبعة الخامسة، بيروت، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، 1400 ق.

14- أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ». = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

15- أوثق الوسائل في شرح الرسائل. الميرزا موسى بن جعفر بن المولى أحمد التبريزي، الطبعة الحجرية، طهران، دار المعارف الإسلامية.

ص: 540

«ب»

16- بحار الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمّة الأطهار. العلاّمة محمّد باقر بن محمّدتقيّ المجلسي (1037 - 1110)، الطبعة الثانية، إعداد عدّة من العلماء، 110 مجلدٍ (إلّا 6 مجلّدات، من المجلّد 29 - 34) + المدخل، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1403 ق / 1983 م.

17- بحر الفوائد في شرح الفرائد. الميرزا محمّد حسن الآشتياني، الطبعة الحجرية، مكتبة آية اللّه المرعشي، قم، 1403 ق.

18- بدائع الأفكار. الشيخ حبيب اللّه الرشتي، الطبعة الحجرية، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث.

19- بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ». = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

20- البيع، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ». = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

«ت»

21- التبيان في تفسير القرآن. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460)، تحقيق و تصحيح أحمد حبيب قصير العاملي، بيروت، 10 مجلّدات، دار إحياء التراث العربي.

22- تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية. العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726)، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، الطبعة الاُولى، 6 مجلّدات، قم، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام، 1421 ق.

23- تحف العقول عن آل الرسول. أبو محمّد بن الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني (م 381)، تصحيح علي أكبر الغفّاري، الطبعة الثانية، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1404 ق.

24- تذكرة الفقهاء. جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر، العلاّمة الحلّي (648 -

ص: 541

726)، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، صدر منه حتّى الآن 20 مجلّداً، قم، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، 1414 - 1433.

25- تفسير الطبرى (جامع البيان في تأويل القرآن). أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (م 310)، إعداد أحمد إسماعيل شكوكاني، الطبعة الثالثة، 12 مجلّداً + الفهرس، بيروت، دار الكتب العلمية 1420 ق / 1999 م.

26- تفسير العيّاشي. أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السمرقندي (أواخر قرن الثالث)، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي، مجلّدان، طهران، المكتبة العلمية الإسلامية.

27- تفسير القمّي. أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي (م 307)، تصحيح السيّد طيّب الموسوي الجزائري، الطبعة الثالثة، مجلّدان، قم، مؤسّسة دار الكتاب، 1404 ق.

28- تنقيح الاُصول (تقريرات الإمام الخميني قدّس سرّه ). حسين التقوي الاشتهاردي (1304 - 1378 ش)، تحقيق مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، قم، مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه، 1418 - 1419 ق / 1376 - 1377 ش.

29- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع. جمال الدين مقداد بن عبد اللّه السيوري الحلّي المعروف بالفاضل المقداد (م 826)، تحقيق السيّد عبد اللطيف الكوه كمري، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، قم، مكتبة آية اللّه المرعشي، 1404 ق.

30- تنقيح المقال في علم الرجال. الشيخ عبد اللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351)، الطبعة الثانية، 3 مجلّدات، قم، بالاُفست عن طبعة النجف الأشرف، المطبعة المرتضوية، 1352 ق.

31- التوحيد. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي، الشيخ الصدوق (م 381)، تحقيق السيّد هاشم الحسيني الطهراني، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1398 ق.

ص: 542

32- تهذيب الأحكام. أبو جعفر محمّد بن الحسن، الشيخ الطوسي (385 - 460)، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة، 10 مجلّدات، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1365 ش.

33- تهذيب الاُصول (تقريرات الإمام الخميني قدّس سرّه ). الشيخ جعفر السبحاني التبريزي، تحقيق مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه، الطبعة الاُولى، 3 مجلّدات، قم، مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه، 1424 ق.

«ث»

34- ثواب الأعمال و عقاب الأعمال. أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، تصحيح علي أكبر الغفّاري، طهران، مكتبة الصدوق، 1391 ق.

«ج»

35- جامع أحاديث الشيعة، الذي اُلّف تحت إشراف آية اللّه العظمى الحاج آقا حسين الطباطبائي البروجردي. (1291 - 1380)، الشيخ إسماعيل المعزّي الملايري، الطبعة الثانيه، 26 مجلّداً، مطبعة مهر، 1413 ق / 1371 ش.

36- جامع الرواة و إزاحة الاشتباهات عن الطرق و الأسناد. محمّد بن علي الأردبيلي (م 1101)، الطبعة الاُولى، قم، مكتبة آية اللّه المرعشي، 1403 ق.

37- جامع المدارك في شرح المختصر النافع. السيّد أحمد الخوانساري (م 1405)، تحقيق علي أكبر الغفّاري، الطبع الاُولى، 7 مجلّدات، طهران، مكتبة الصدوق، 1369 - 1402 ق.

38- جامع المقاصد في شرح القواعد. المحقّق الثاني علي بن الحسين بن عبد العالي الكركي (868 - 940)، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، 13 مجلّداً، قم، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، 1408 - 1411 ق.

39- الجعفريات أو الأشعثيات المطبوع مع «قرب الإسناد». أبو علي محمّد بن محمّد الأشعث ( القرن الرابع)، طهران، مكتبة نينوى الحديثة.

ص: 543

40- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام. الشيخ محمّد حسن بن باقر النجفي (م 1266)، تحقيق الشيخ عبّاس القوچاني، الطبعة الثالثة، 43 مجلّداً، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1367 ش.

«ح»

41- حاشية فرائد الاُصول أو الفوائد الرضوية على الفرائد المرتضوية. الحاج آقا رضا بن محمّد هادي الهمداني النجفي (م 1322)، تحقيق محمّد رضا الأنصاري القمّي، الطبعة الاُولى، قم، مهديّ موعود عجل اللّه تعالی فرجه الشریف، 1421 ق / 1379 ش.

42- الحبل المتين. الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي (953 - 1030)، قم، مكتبة بصيرتي، 1398 ق.

43- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة. الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107 - 1186)، تحقيق محمّد تقيّ الإيرواني، الطبعة الاُولى، 25 مجلّداً، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1406 ق.

44- الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة. صدر المتأ لّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي (م 1050)، الطبعة الثانية، 9 مجلّدات، قم، مكتبة المصطفوي، 1387 ق.

«خ»

45- خاتمة مستدرك الوسائل. الحاج ميرزا حسين المحدّث النوري (1254 - 1320)، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، 1416 ق.

46- الخصال. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، تصحيح علي أكبر الغفّاري، الطبعة الثانية، جزءان في مجلّد واحد، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1403 ق.

47- الخلاف. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460)، تحقيق جماعة من المحقّقين، الطبعة الاُولى، 6 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1407 ق.

ص: 544

«د»

48- الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور. جلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي (م 911)، 6 أجزاء في 3 مجلّدات، قم، مكتبة آية اللّه المرعشي.

49- درر الفوائد. العلاّمة الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي، تعليق آية اللّه الشيخ محمّد علي الأراكي و المؤلّف، تحقيق الشيخ محمّد المؤمن القمّي، الطبعة الخامسة، جزءان في مجلّد واحد، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1408 ق.

50- درر الفوائد في الحاشية على الفرائد. الآخوند محمّد كاظم الهروي الخراساني (1255 - 1329)، تحقيق السيّد مهديّ شمس الدين، الطبعة الاُولى، طهران، مؤسّسة الطبع و النشر التابعة لوزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامي، 1410 ق / 1990 م.

51- الدروس الشرعية في فقه الإمامية. الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 3 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1412 - 1414 ق.

52- دعائم الإسلام. أبو حنيفة القاضي النعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي (م 363)، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي، مجلّدان، القاهرة، دار المعارف، 1383 ق / 1963 م.

«ذ»

53- ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد. المحقّق السبزواري محمّد باقر بن محمّد مؤمن (1017 - 1090)، الطبعة الحجرية، قم، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث.

54- ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة. الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786)، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، قم، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، 1414 ق.

«ر»

55- رجال الطوسي. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460)، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة

ص: 545

النشر الإسلامي، 1415 ق.

56- رجال النجاشي. أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي (372 - 450)، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1407 ق.

57- الرجال لابن الغضائري. أحمد بن الحسين الغضائري الواسطي البغدادي (القرن الخامس)، تحقيق السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي، الطبعة الاُولى، قم، دار الحديث، 1422 ق.

58- رسائل الشريف المرتضى. أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى و علم الهدى (355 - 436)، إعداد السيّد مهديّ الرجائي، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، قم، دار القرآن الكريم، 1405 - 1410 ق.

59- الرسالات الفقهية و الاُصولية، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ». = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

60- روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان. الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 - 965)، تحقيق مركز الأبحاث و الآثار الإسلامية، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1422 ق.

61- رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل. السيّد علي بن محمّد علي الطباطبائي (1161 - 1231)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 14 مجلّداً، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1412 - 1423 ق.

«ز»

62- زبدة الاُصول. الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي (953 - 1030)، تحقيق فارس حسون كريم، الطبعة الاُولى، مدرسة وليّ العصر علیه السلام العلمية، 1423 ق / 1381 ش.

«س»

63- السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي. أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس

ص: 546

الحلّي (543 - 598)، إعداد مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، 3 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1410 - 1411 ق.

64- سنن ابن ماجة. أبو عبد اللّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني (207 - 275)، تحقيق محمّد فؤاد عبدالباقي، مجلّدان، بيروت، دار الكتب العلمية.

65- السنن الكبرى. أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (384 - 458)، إعداد الدكتور يوسف عبد الرحمان المرعشلي، الطبعة الاُولى، 10 مجلّدات + الفهرس، بيروت، دار المعرفة، 1413 ق / 1992 م.

66- سنن النسائي. أبو عبد الرحمان أحمد بن شعيب النسائي (214 - 303)، الطبعة الاُولى، 8 أجزاء في 4 مجلّدات، بيروت، دار الفكر للطباعة و النشر، 1348 ق / 1930 م.

«ش»

67- شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام. المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي (602 - 676)، تحقيق عبد الحسين محمّد علي بقّال، الطبعة الثالثة، 4 أجزاء في مجلّدين، قم، مؤسّسة إسماعيليان، 1409 ق.

68- شرح العضدي على مختصر ابن الحاجب. القاضي عبد الرحمان بن أحمد بن عبد الغفّار، تصحيح أحمد رامز الشهير بشهري المدرّس بدار الخلافة، إسلامبول، مطبعة العالم، 1307 ق.

69- شرح المقاصد. مسعود بن عمر بن عبد اللّه المعروف ب-«سعد الدين التفتازاني» (712 - 793)، تحقيق عبد الرحمان عميرة، الطبعة الاُولى، 5 أجزاء في 4 مجلّدات، قم، منشورات شريف الرضيّ، 1370 - 1371 ش.

70- شرح المنظومة. المولى هادي بن مهديّ السبزواري (1212 - 1289)، تصحيح و تعليق و تحقيق حسن حسن زاده الآملي و مسعود الطالبي، الطبعة الاُولى، 5 مجلّدات، طهران، نشر ناب، 1369 - 1379 ش.

71- شرح المواقف. السيّد الشريف علي بن محمّد الجرجاني (م 812)، تصحيح السيّد محمّد بدرالدين النسعاني، الطبعة الاُولى، 8 أجزاء في 4 مجلّدات، قم، انتشارات

ص: 547

الشريف الرضيّ، 1412 ق / 1370 ش، «بالاُفست عن طبعة مصر، 1325».

«ص»

72- الصحاح (تاج اللغة و صحاح العربية). إسماعيل بن حمّاد الجوهري (م393)، تحقيق أحمد عبدالغفور عطّار، الطبعة الرابعة، 6 مجلّدات، بيروت، دار العلم للملايين، 1407 ق / 1987 م.

73- صحيح البخاري. أبو عبد اللّه محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي (م 256)، تحقيق و شرح الشيخ قاسم الشمّاعي الرفاعي، الطبعة الاُولى، 9 أجزاء في 4 مجلّدات، بيروت، دار القلم، 1407 ق / 1987 م.

74- الصلاة. المحقّق الحائري (م 1355)، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1362 ش.

75- الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني). الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني (1309 - 1365)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1411 ق.

76- الصلاة، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 6 - 8. الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي (1214 - 1281)، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة الاُولى، 3 مجلّدات، قم، المكتبة الفقهية، 1415 ق.

«ط»

77- الطهارة، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ». = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

«ع»

78- عدّة الداعي و نجاح الساعي. أبو العباس أحمد بن فهد الحلّي الأسدي (757 - 841)، تحقيق مؤسّسة المعارف الإسلامية، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة المعارف الإسلامية، 1420 ق.

79- العدّة في اُصول الفقه. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460)، تحقيق محمّد رضا الأنصاري القمّي، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، مطبعة ستارة، 1417 ق.

ص: 548

80- العروة الوثقى. السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337) مع تعليقات عدّة من الفقهاء العظام، إعداد أحمد المحسني السبزواري، الطبعة الثانية، 6 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1421 - 1423 ق.

81- علل الشرائع. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، الطبعة الاُولى، النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية، 1385 ق / 1966 م.

82- عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية. محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (م - أوائل القرن العاشر)، تحقيق مجتبى العراقي، الطبعة الاُولى، قم، مطبعة سيّد الشهداء، 1403 ق.

83- العين. أبو عبد الرحمان الخليل بن أحمد الفراهيدي (100 - 175)، تحقيق الدكتور مهدي المخزومي و إبراهيم السامرائي، 8 مجلّدات، بيروت، دار و مكتبة الهلال.

84- عيون أخبار الرضا علیه السلام. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي، الشيخ الصدوق (م 381)، تصحيح السيّد مهديّ الحسيني اللاجوردي، الطبعة الثانية، منشورات جهان.

«غ»

85- غنائم الأيّام في مسائل الحلال و الحرام. الميرزا أبو القاسم بن الحسن الجيلاني المعروف بالمحقّق القمّي (1151 - 1231)، تحقيق مكتب الإعلام الإسلامي - فرع خراسان، الطبعة الاُولى، 6 مجلّدات، قم، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، 1417 - 1420 ق / 1375 - 1378 ش.

86- غنية النزوع إلى علمي الاُصول و الفروع. أبو المكارم السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي المعروف بابن زهرة (511 - 585)، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام، 1417 ق.

87- الغيبة. الشيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385 - 460)، تحقيق

ص: 549

الشيخ عباد اللّه الطهراني و الشيخ على أحمد ناصح، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة المعارف الإسلامية، 1411 ق.

«ف»

88- فرائد الاُصول، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 24 - 27. الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 - 1281)، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1419 ق / 1377 ش.

89- الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام. تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، مشهد المقدّس، المؤتمر العالمي للإمام الرضا علیه السلام، 1406 ق.

90- الفقه على المذاهب الأربعة. عبد الرحمان الجزيري، الطبعة السابعة، 5 مجلّدات، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1406 ق / 1986 م.

91- الفقيه (من لايحضره الفقيه). أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة، 4 مجلّدات، النجف الأشرف، دار الكتب الإسلامية، 1377 ق / 1957 م.

92- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني). الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني (1309 - 1365)، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1404 ق.

93- فواتح الرحموت، (المطبوع على هامش المستصفى للغزالي). العلاّمة عبد العلي محمّد ابن نظام الدين الأنصاري (م 1225)، الطبعة الثانيه، مجلّدان، قم، انتشارات دار الذخائر، 1368 ش.

94- الفهرست. أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (380 - 460)، تحقيق الشيخ جواد القيّومي، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة نشر الفقاهة، 1417 ق.

«ق»

95- القاموس المحيط و القابوس الوسيط. أبو طاهر مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروز آبادي (729 - 817)، 4 مجلّدات، بيروت، دار الجيل.

ص: 550

96- قرب الإسناد. أبو العبّاس عبد اللّه بن جعفر الحميري القمّي (م بعد 304)، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، 1413 ق.

97- قواعد الأحكام في مسائل الحلال و الحرام. العلاّمة الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي (648 - 726)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 3 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1413 ق.

98- قوانين الاُصول. المحقّق ميرزا أبو القاسم القمّي بن المولى محمّد حسين الجيلاني المعروف بالميرزا القمّي (1151 - 1231)، مجلّدان، الطبعة الحجرية، المجلّد الأوّل، طهران، المكتبة العلمية الإسلامية، 1378، و المجلّد الثاني، طهران، المستنسخة سنة 1310 ق.

«ك»

99- الكافي. ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م 329)، تحقيق علي أكبر الغفّاري، الطبعة الخامسة، 8 مجلّدات، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1363 ش.

100- الكافي في الفقه. تقيّ الدين بن نجم أبو الصلاح الحلبي (374 - 447)، تحقيق رضا الاُستادي، أصفهان، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علیه السلام، 1403 ق.

101- كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء. الشيخ جعفر بن خضر المعروف بكاشف الغطاء (1156 - 1228)، تحقيق مكتب الإعلام الإسلامي - فرع خراسان، الطبعة الاُولى، 4 مجلّداً، قم، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، 1422 ق / 1380 ش.

102- كشف اللثام عن قواعد الأحكام. بهاء الدين محمّد بن الحسن بن محمّد الأصفهاني المعروف بالفاضل الهندي (1062 - 1135)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 11 مجلّداً، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1416 - 1424 ق.

103- كفاية الاُصول. الآخوند الخراساني المولى محمّد كاظم بن حسين الهروي (1255 -

ص: 551

1329)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي.

104- كنز العمّال في سنن الأقوال و الأفعال. علاء الدين علي المتّقي بن حسام الدين الهندي (888 - 975)، إعداد بكري حيّاني و صفوة السقا، الطبعة الثالثة، 16 مجلّداً + الفهرس، بيروت، مؤسّسة الرسالة، 1409 ق / 1989 م.

«ل»

105- لسان العرب. أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (630 - 711)، الطبعة الاُولى، 15 مجلّداً + الفهرس، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1408 ق / 1988 م.

106- لمحات الاُصول (تقريرات المحقّق البروجردي)، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ». = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

«م»

107- المبسوط في الفقه الإمامية. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460)، إعداد السيّد محمّد تقيّ الكشفي، الطبعة الثانية، 8 أجزاء في 4 مجلّدات، طهران، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، 1387 - 1393 ق.

108- مجمع البحرين و مطلع النيّرين. فخر الدين الطريحي (972 - 1085)، الطبعة الاُولى، 6 مجلّدات، بيروت، دار ومكتبة الهلال، 1985 م.

109- مجمع البيان في تفسير القرآن. أبو علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (حوالي 470 - 548)، تحقيق و تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي و السيّد فضل اللّه اليزدي الطباطبائي، الطبعة الاُولى، 10 أجزاء في 5 مجلّدات، بيروت، دار المعرفة للطباعة و النشر.

110- مجمع الفائدة و البرهان في شرح إرشاد الأذهان. أحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993)، تحقيق مجتبى العراقي و علي پناه الاشتهاردي و حسين اليزدي، الطبعة الاُولى، 14 مجلّداً، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1402 - 1414 ق.

111- المجموع (شرح المهذّب) و يليه فتح العزيز و يليه التلخيص الحبير. أبو زكريّا يحيى بن

ص: 552

شرف النووي الشافعي (631 - 676)، [الطبعة الاُولى]، 20 مجلّداً، بيروت، دار الفكر.

112- المحاسن. أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 274 أو 280)، تحقيق جلال الدين الحسيني الاُرموي، الطبعة الثانية، قم، دار الكتب الإسلامية.

113- المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء. محمّد بن المرتضى المولى محسن المعروف بالفيض الكاشاني (1006 - 1091)، تصحيح علي أكبر الغفّاري، الطبعة الرابعة، 8 أجزاء في 4 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1417 ق.

114- المحصول في علم اُصول الفقه. فخر الدين محمّد بن عمر بن الحسين الرازي (م 606)، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوض، الطبعة الثانية، 4 مجلّدات، بيروت، المكتبة العصرية، 1420 ق / 1999 م.

115- المختصر النافع. أبو القاسم نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهُذَلي (602 - 676)، الطبعة الثانية، قم، منشورات مؤسّسة المطبوعات الديني، 1368 ش.

116- مختلف الشيعة في أحكام الشريعة. العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726)، تحقيق مركز الأبحاث و الدراسات الإسلامية، الطبعة الاُولى، 9 مجلّدات + الفهرس، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1412 - 1420 ق.

117- مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام. السيّد محمّد بن علي الموسوي العاملي (م 1009)، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، 8 مجلّدات، قم، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، 1410 ق.

118- مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول. العلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقيّ المجلسي، (1037 - 1110)، تصحيح السيّد هاشم الرسولي و السيّد جعفر الحسيني و الشيخ علي الآخوندي، الطبعة الثانية، 26 مجلّداً، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1363 ش.

119- المراسم في فقه الإمامي. حمزة بن عبد العزيز الديلمي الملقّب بسلّار (م 463)، إعداد محمود البستاني، قم، منشورات حرمين، 1404 ق.

120- مسائل الناصريات. أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى

ص: 553

و علم الهدى (355 - 436)، تحقيق مركز البحوث و الدراسات العلمية، قم، مؤسّسة الهدى، 1417 ق.

121- مسائل علي بن جعفر و مستدركاتها. تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، بيروت، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، 1410 ق / 1990 م.

122- مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام. الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي الجبعي (911 - 965)، تحقيق مؤسّسة المعارف الإسلامية، الطبعة الاُولى، 15 مجلّداً، قم، مؤسّسة المعارف الإسلامية، 1413 - 1419 ق.

123- مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل. الحاج الميرزا حسين المحدّث النوري الطبرسي (1254 - 1320)، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، 25 مجلّداً، قم، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، 1407 ق.

124- مستمسك العروة الوثقى. السيّد محسن الطباطبائي الحكيم (1306 - 1390)، الطبعة الاُولى، 14 مجلّداً، قم، مؤسّسة دار التفسير، 1416 ق / 1374 ش.

125- مستند الشيعة في أحكام الشريعة. أحمد بن محمّد مهديّ النراقي (م 1245)، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، 18 مجلّداً، قم، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، 1415 - 1420 ق.

126- مصباح الفقيه (الطهارة، الصلاة، الزكاة، الخمس، الصوم، الرهن). الحاج آقا رضا بن محمّد هادي الهمداني النجفي (م 1322)، الطبعة الاُولى، 19 مجلّداً:

الطهارة و الصلاة. تحقيق المؤسّسة الجعفرية لإحياء التراث، (ج 1 - 17)، قم، مؤسّسة مهديّ الموعودعجل اللّه تعالی فرجه الشریف، 1417 - 1431 ق.

الزكاة و الخمس و الصوم و الرهن. (ج 13 و 14، حسب ترتيب مؤسّسة النشر الإسلامي) قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1416 ق.

127- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير. أحمد بن محمّد بن علي المقري الفيّومي (م 770)، الطبعة الاُولى، جزءان في مجلّد واحد، قم، دار الهجرة، 1405 ق.

ص: 554

128- مطارح الأنظار (تقريرات الشيخ الأعظم الأنصاري). الميرزا أبو القاسم الكلانتري (1236 - 1292)، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1425 ق.

129- معاني الأخبار. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، تصحيح علي أكبر الغفّاري، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1361 ش.

130- المعتبر في شرح المختصر. المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهُذلي (602 - 676)، تحقيق عدّة من الأفاضل، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، مؤسّسة سيّد الشهداء علیه السلام، 1364 ش.

131- مفاتيح الشرائع. المولى محسن الفيض الكاشاني (م 1091)، تحقيق السيّد مهديّ الرجائي، 4 مجلّدات، قم، مطبعة الخيّام، 1401 ق.

132- مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة. السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي (1160 - 1228)، تحقيق محمّد باقر الخالصي، الطبعة الاُولى، 26 مجلّداً، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1419 - 1433 ق.

133- مقباس الهداية في علم الدراية. الشيخ عبد اللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351)، تحقيق محمّد رضا المامقاني، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، قم، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، 1411 - 1413 ق.

134- المقنع. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (311 - 381)، تحقيق لجنة التحقيق التابعة لمؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام، قم، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام، 1415 ق.

135- المقنعة. أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (م 413)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1410 ق.

ص: 555

136- المكاسب المحرّمة، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ». = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

137- ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار. العلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقيّ المجلسي، تحقيق السيّد مهديّ الرجائي، 16 مجلّداً، قم، مكتبة آية اللّه المرعشي، 1406 ق.

138- مناهج الأحكام و الاُصول. أحمد بن محمّد مهديّ أبي ذرّ النراقي (1128 - 1245)، الطبعة الحجرية.

139- مناهج الوصول إلى علم الاُصول، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ». = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

140- منتهى المطلب في تحقيق المذهب. العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726)، تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، الطبعة الاُولى، 15 مجلّداً، مشهد، مجمع البحوث الإسلامية، 1412 - 1428 ق.

141- المنجد في اللغة. لوئيس معلوف و عدّة من الأساتذة، الطبعة الثالثة و الثلاثون، بيروت، دار المشرق، 1992 م.

142- موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه. تحقيق مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام لخميني قدّس سرّه، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه، 1434 ق / 1392 ش.

143- موسوعة الإمام الخوئي (تقريرات المحقّق الخوئي). عدّة من تلامذة المحقّق الخوئي، تحقيق مؤسّسة إحياء آثار الإمام الخوئي، 33 مجلّداً، قم، مؤسّسة إحياء آثار الإمام الخوئي، 1417 ق.

«ن»

144 - النوادر. أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري القمّي، تحقيق مؤسّسة الإمام المهديّ عجل اللّه تعالی فرجه الشریف، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة الإمام المهديّ عجل اللّه تعالی فرجه الشریف، 1408 ق.

145- نهاية الإحكام في معرفة الأحكام. العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن

ص: 556

المطهّر (648 - 726)، تحقيق السيّد مهديّ الرجائي، الطبعة الثانية، مجلّدان، قم، مؤسّسة إسماعيليان، 1410 ق.

146- نهاية الأفكار (تقريرات المحقّق آغا ضياء الدين العراقي). الشيخ محمّد تقيّ البروجردي النجفي (م 1391)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 4 أجزاء في 3 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1405 ق.

147- نهاية التقرير في مباحث الصلاة (تقريرات المحقّق البروجردي). محمّد الموحّدي الفاضل اللنكراني، تحقيق مركز فقه الأئمّة الأطهار علیهم السلام، الطبعة الاُولى، 3 مجلّدات، 1420 ق.

148- نهاية الدراية في شرح الكفاية. الشيخ محمّد حسين الأصفهاني (1296 - 1361)، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، قم، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، 1414 ق.

149- النهاية في غريب الحديث و الأثر. مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمّد بن محمّد الجزري المعروف بابن الأثير (544 - 606)، تحقيق طاهر أحمد التراوي و محمود محمّد الطناحي، 5 مجلّدات، قم، مؤسّسة إسماعيليان، 1364 ش.

150- النهاية في مجرّد الفقه و الفتاوى. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460)، قم، انتشارات قدس محمّدي.

151- نهج البلاغة، من كلام مولانا أمير المؤمنين علیه السلام. جمعه الشريف الرضي، محمّد بن الحسين (359 - 406)، إعداد الدكتور صبحي صالح، انتشارات الهجرة، قم، 1395 ق «بالاُفست عن طبعة بيروت 1387 ق».

«و»

152- الوافي. محمّد بن المرتضى المولى محسن المعروف بالفيض الكاشاني (1006 - 1091)، إعداد ضياء الدين الحسيني، الطبعة الاُولى، 26 مجلّداً، أصفهان، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علیه السلام، 1412 ق.

ص: 557

153 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة. الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 - 1104)، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، 30 مجلّداً، قم، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، 1409 ق.

و الطبعة الحجرية منه 3 مجلّدات، طهران، دار الطباعة، 1293 ق.

154- الوسيلة إلى نيل الفضيلة. عماد الدين أبو جعفر محمّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة (القرن السادس)، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون، الطبعة الاُولى، قم، مكتبة آية اللّه المرعشي، 1408 ق.

«ه-»

155- الهداية [في الاُصول و الفروع]. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، تحقيق مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام، 1418 ق.

ص: 558

فهرس الموضوعات

مقدمة التحقيق ... 5

في خلل الصلاة

تصوير جامع للأبحاث المختلفة في الخلل ... 3

تصوير حصول الخلل بالزيادة ... 4

القول في أنحاء الخلل

فصل: في الخلل العمدي ... 9

و هو على أقسام:

منها: ما يصدر عن علم و التفات بلا عذر يدعو إليه ... 9

و منها: ما وقع عن علم و عمد تقيّةً ... 9

و منها: ما وقع عن علم و التفات إكراهاً ... 16

فصل: في الخلل عن جهل ... 17

دلالة حديث الرفع على صحّة الصلاة ... 17

دلالة حديث لاتعاد على صحّة الصلاة ... 21

حول تقريب عدم شمول «لاتعاد» للجهل ... 22

ص: 559

حول اختصاص «لاتعاد» بالسهو و النسيان في الموضوع ... 26

فصل: في شمول حديث «لاتعاد» للزيادة ... 33

دلالة موثّقة أبي بصير على بطلان الصلاة ... 39

حول تعارض «من زاد» مع «لاتعاد» ... 43

حول تعارض «من زاد» مع رواية سفيان ... 47

حول تعارض «من زاد» مع حديث الرفع ... 50

معارضة حديث الرفع مع «لاتعاد» ... 51

معارضة صحيحة زرارة و بكير مع حديث الرفع و «لاتعاد» ... 54

معارضة الصحيحة مع رواية سفيان ... 56

القول: في الإخلال بالشروط

مسألة: في الخلل في النيّة ... 61

بيان ماهية النيّة ... 61

ضمائم النيّة ... 69

مسألة: في الخلل في القبلة ... 72

بيان ماهية القبلة ... 72

القبلة هي عين الكعبة للقريب و البعيد ... 73

الروايات الظاهرة في أنّ القبلة بين المشرق و المغرب ... 84

حكم الإخلال بالاستقبال ... 87

حكم استدبار القبلة ... 97

حكم تبيّن الانحراف فيما بين اليمين و الشمال ... 99

حكم تبيّن الانحراف إلى أكثر ممّا بين اليمين و الشمال ... 104

حكم الجاهل بالحكم أو الناسي له ... 105

ص: 560

فروع:

الفرع الأوّل: حكم تبيّن الخلاف أثناء الصلاة ... 110

استفادة بطلان الصلاة في صورة ضيق الوقت من موثّقة عمّار ... 111

التمسّك بحديث الرفع لتصحيح الصلاة ... 112

الإشكالات الواردة في التمسّك بحديث الرفع ... 115

الفرع الثاني: لو صلّى الظهر مستدبراً و لم يبق إلّا مقدار أربع ركعات ... 117

حول إمكان اشتراك الوقت ... 118

حول الروايات الدالّة على الاشتراك و الاختصاص ... 122

توجيه روايات الاشتراك ... 124

تضعيف القول بالاختصاص ... 128

الفرع الثالث: لو صلّى العصر مستدبراً و لم يبق إلّا مقدار ثلاث ركعات أو أقلّ ... 137

بحث في قاعدة «من أدرك» ... 137

محتملات روايات «من أدرك» ... 139

التحقيق في حكم المسألة ... 141

الفرع الرابع: حكم تبيّن الخلاف بعد انتصاف الليل في العشاءين ... 143

تحديد وقت العشاء بالنسبة إلى المختار ... 144

تحديد وقت العشاء بالنسبة إلى المضطرّ ... 149

مسألة: في الخلل في الوقت ... 153

كيفية شرطية الوقت و حكم الصلاة الواقعة خارج الوقت ... 153

الكلام يقع في مقامين:

المقام الأوّل: لو انكشف أثناء الصلاة أو بعدها أنّه دخل في الصلاة قبل الوقت ... 155

الاستدلال للصحّة بقاعدة «من أدرك» ... 155

الاستدلال للصحّة برواية إسماعيل بن رياح ... 157

ص: 561

البحث السندي للرواية ... 157

البحث الدلالي لرواية إسماعيل ... 160

فرع: في الشكّ أثناء الصلاة في دخول الوقت بعد إحراز الدخول ... 168

المقام الثاني: فيما يتعلّق بآخر الوقت ... 173

و الكلام فيه من جهات:

الجهة الاُولى: دخول الوقت شرط للوجوب إلى آخر الوقت ... 173

الجهة الثانية: عدم استفادة جواز التأخير العمدي من قاعدة «من أدرك» ... 174

الجهة الثالثة: في عموم «من أدرك» لجميع الصلوات الخمس ... 177

الجهة الرابعة: شمول القاعدة لمن يدرك ركعة مع الترابية دون المائية ... 180

تنبيه: حول الاستصحاب عند الشكّ في بقاء الوقت بمقدار ادراك ركعة ... 182

الجهة الخامسة: فيما إذا صلّى قبل الوقت بتبدّل اجتهاده أو بالتقيّة ... 183

الجهة السادسة: لو بقي للمسافر من نصف الليل مقدار ثلاث ركعات ... 184

حول احتمال إتيان صلاتين بنحو الإقحام في المقام ... 186

مسألة: في الخلل الواقع في الصلاة من قبل الطهور ... 189

صور الخلل في الطهور و حكمها ... 189

مقتضى القواعد الأوّلية في المقام ... 189

مقتضى الروايات الخاصّة فيما لو علم بالخلل بعد الصلاة أو في أثنائها ... 193

حكم ما لو أحدث في أثناء الصلاة ... 195

بيان ماهية الصلاة ... 195

نقد احتمال كون الفترات خارجة عن الصلاة ... 196

نقد احتمال كون الفترات من أجزاء الصلاة ... 198

أدلّة بطلان الصلاة بالحدث في الأثناء ... 200

حكم ما لو أحدث في الصلاة مع ضيق الوقت ... 204

ص: 562

بحث حول فاقد الطهورين ... 205

حكم ما لو أحدث المتيمّم حال الصلاة ثمّ وجد الماء ... 208

حكم ما لو أحدث بعد السجدة الأخيرة قبل التشهّد ... 212

مسألة: في الخلل الحاصل من ناحية الطهور المعتبر في البدن و الثوب ... 218

هنا صور:

الصورة الاُولى: فيما كان جاهلاً بالحكم ... 218

الصورة الثانية: فيما كان ناسياً للحكم ... 224

الصورة الثالثة: فيما إذا كان جاهلاً بالموضوع و علم بالنجاسة بعد الفراغ ... 226

أدلّة صحّة الصلاة مطلقاً ... 226

حول التفصيل بين الوقت و خارجه ... 229

حول التفصيل بين الفحص و عدمه ... 230

الصورة الرابعة: فيما لو علم بالنجاسة في أثناء الصلاة ... 237

الصورة الخامسة: فيما كان ناسياً للموضوع ... 256

حول التفصيل بين الوقت و خارجه ... 261

مسألة: في الخلل في المكان و اللباس ... 270

مسألة: في الإخلال بستر العورة ... 276

بيان مقتضى القاعدة في المقام ... 277

بيان مقتضى الأخبار الخاصّة ... 279

يقع الكلام فيها من جهتين:

الجهة الاُولى: في لزوم الصلاة عارياً ... 280

الجهة الثانية: في كيفية صلاة العاري ... 287

مسألة: الخلل في الشروط التي لم يرد نصّ في الإخلال بها ... 295

فرع: حول الصلاة في غير المذكّى ... 300

ص: 563

مسألة: في الإخلال ببعض ما يرتبط بالسجود و الركوع العرفيين ... 306

احتمالات كيفية اعتبار شروط الركوع و السجود ... 306

القول: في الخلل في الأجزاء

مسألة: في الإخلال بالقيام ... 327

الخلل في القيام بنحو مطلق ... 327

حول الخلل في القيام حال تكبيرة الإحرام ... 330

وجوه كيفية اعتبار القيام حال التكبيرة ... 331

حول الخلل في القيام المتّصل بالركوع ... 337

مسألة: في الإخلال بتكبيرة الإحرام ... 344

بيان مقتضى القواعد في ترك التكبيرة ... 344

بيان مقتضى الروايات الخاصّة في ترك التكبيرة ... 346

حكم زيادة تكبيرة الإحرام ... 353

حول صحّة التكبيرة الثانية و عدم الحاجة إلى الثالثة ... 359

مسألة: في الإخلال بالجهر أو الإخفات ... 363

بيان مقتضى القواعد في المقام ... 363

بيان مقتضى الروايات الخاصّة في المقام ... 366

مسألة: في الإخلال بعدد الركعات زيادة ... 369

بيان مقتضى القواعد ... 369

بيان مقتضى الأخبار الخاصّة ... 370

عدم وجوب الإعادة على من أتمّ جهلاً بحكم التقصير ... 375

حكم القصر في مورد الإتمام ... 379

ص: 564

حكم إتمام المسافر نسياناً للحكم أو الموضوع ... 380

مسألة: فيما لو قصّر المسافر اتّفاقاً ... 383

مسألة: في الإخلال بزيادة ركوع أو سجدتين من ركعة ... 387

أدلّة الصحّة ... 387

أدلّة البطلان ... 390

مسألة: في صور الإخلال بترك السجدتين و حكمها ... 394

الاُولى: ما إذا علم بعد الفراغ و الإتيان بالمنافي كالاستدبار ... 394

الثانية: ما إذا علم إجمالاً بعد الفراغ و قبل الإتيان بالمنافي ... 399

الثالثة: ما إذا علم في أثناء الصلاة بعد ما لم يمكن التدارك ... 400

الرابعة: ما لو علم بعد تجاوز المحلّ قبل الدخول في الركن ... 402

الخامسة: ما إذا لم يتجاوز المحلّ الشكّي في بعض الأطراف ... 404

القول في الشكّ

و هو: إمّا في أصل الصلاة، و إمّا في الأجزاء و الشرائط، و إمّا في الركعات:

القسم الأوّل: الشكّ في أصل الصلاة ... 409

و فيه مسائل:

المسألة الاُولى: ما لو شكّ بعد انقضاء الوقت في الإتيان بالصلاة في وقتها ... 409

1- البحث بلحاظ الاُصول العقلية ... 409

2- البحث بلحاظ الاستصحاب ... 410

3- البحث بلحاظ قاعدة التجاوز ... 416

4- البحث بلحاظ النصوص الواردة في المقام ... 417

المسألة الثانية: لو شكّ في الإتيان بالصلاة بعد خروج الوقت بأقلّ من ركعتين ... 418

المسألة الثالثة: لو شكّ في الإتيان بالعشاءين بعد انتصاف الليل ... 423

ص: 565

المسألة الرابعة: لو شكّ في الوقت في الإتيان بالفريضة ... 425

ففيها صور:

الاُولى: لو علم صلّى العصر و لم يدرِ أنّه صلّى الظهر أو لا، و كان الوقت واسعاً ... 425

الثانية: إذا اشتغل بصلاة العصر في الوقت الموسّع، فشكّ في الإتيان بالظهر ... 434

الثالثة: لو علم بالإتيان بالعصر و شكّ في الإتيان بالظهر و بقي الوقت أربع ركعات ... 439

الرابعة: لو شكّ في الظهرين في الوقت المختصّ بالعصر يجب الإتيان بها ... 442

الخامسة: لو علم إجمالاً بالإتيان بإحداهما و عدم الإتيان بالاُخرى ... 450

تنبيه: حول الفارق بين الظهرين ... 452

حول جواز العدول ... 454

السادسة: لو لم يبقَ من الوقت إلّا ركعة فشكّ في الإتيان بالصلاة ... 456

حول دلالة «من أدرك» على عدم الاعتناء بالشكّ في الأقلّ من ركعة ... 462

السابعة: لو شكّ في الإتيان بالظهرين و لم يبقَ الوقت إلّا مقدار خمس ركعات ... 468

الثامنة: لو شكّ في بقاء الوقت و الإتيان بالظهر فقط، أو بالعصر فقط ... 477

القسم الثاني: و هو الشكّ فيما يعتبر في الصلاة ... 479

قاعدة التجاوز هي المرجع ... 479

في أنّ المستفاد من الروايات قاعدة واحدة و هي التجاوز ... 480

جريان قاعدة التجاوز في غير الصلاة ... 486

اعتبار الدخول في الغير في القاعدة ... 488

المضيّ و عدم الاعتناء بالشكّ في القاعدة عزيمة لا رخصة ... 493

حول جريان القاعدة في أنحاء الشكوك ... 494

كلام المحقّق الهمداني في إطلاق الأدلّة لجميع صور الشكّ ... 497

في اختصاص القاعدة بالشكّ الحادث ... 500

في شمول القاعدة للشكّ في الشرائط و الموانع و القواطع ... 503

ص: 566

الفهارس العامّة

1- فهرس الآيات الكريمة ... 509

2- فهرس الأحاديث الشريفة ... 513

3- فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام ... 531

4- فهرس الأعلام ··· 533

5- فهرس الكتب الواردة في المتن ... 537

6- فهرس مصادر التحقيق ... 539

7- فهرس الموضوعات ... 559

ص: 567

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.