المواطنة في فكر الامام علي (عليه السلام) وتطبيقاتها التربوية

هویة الکتاب

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 351 لسنة 2017 مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف: BP38.09.M8 J3 2016 المؤلف الشخصی: جابر، لمیاء مهدي.

العنوان: المواطنة في فكر الامام علي (عليه السلام) وتطبيقاتها التربوية.

بيان المسؤولیة: تألیف لمیاء مهدي جابر، تقدیم السید نبیل قدوری الحسنی.

بيانات الطبعة: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة. 1438 ه = 2017 م.

الوصف المادي: 200 صفحة وزیری.

سلسلة النشر: سلسلة الرسائل الجامعیة - وحدة الدراسات التربویة والنفسیة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

تبصرة عامة:

تبصرة ببیلوغرافية: الکتاب يتضمن هوامش - لائحة المصادر (الصفحات 175 - 197).

موضوع شخصي: علی بن أبی طالب (علیه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریاً - نظریته فی المواطنة.

موضوع شخصي: علی بن أبی طالب (علیه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریاً - سیاسته وحکومته.

موضوع شخصي: الشریف الرضی، محمد بن الحسین بن موسی، 359 - 406 هجریاً - نهج البلاغة - شرح.

موضوع شخصي: علی بن أبی طالب (علیه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریاً - أحادیث.

مصطلح موضوعي: المواطنة.

مصطلح موضوعي: المواطنة فی الإسلام.

مصطلح موضوعي: التربیة الإسلامیة - جوانب اجتماعیة.

مصطلح موضوعي: الحقوق المدینة.

مؤلف إضافی: الحسنی، نبیل قدوری، 1965، مقدم.

مؤلف إضافی: الشریف الرضی، محمد بن الحسین بن موسی، 359 - 406 هجریاً - نهج البلاغة - شرح.

عنوان إضافی: نهج البلاغة - شرح.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 1

اشارة

المواطنة في فكر الامام علي (عليه السلام) وتطبيقاتها التربوية

ص: 2

سلسلة الرسائل الجامعية - العراق وحدة

الدراسات التربوية والنفسية (11) المواطنة في فكر الامام علي (عليه السلام) وتطبيقاتها التربوية

تألیف لمیاء مهدی جابر

اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة فی العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى 1438 ه 2017 م

العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الاكبر (عليه السلام) مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728243600 07815016633

الموقع الالكتروني: www.inahj.org

الايميل: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ) صدق الله العلي العظيم (البقرة / 126) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (ما أطيبك من بلد وأحبك إليّ ولو لا أنًّ قومي أخرجوني منكِ ما سكنت غيركِ) (ابن حبان، 1993، ح 3709: ص 109) قال الإمام علي (عليه السلام) (عمرت البلدان بحب الاوطان) (المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي (ت 1111 ه)، بحار الانوار، تحقيق:

مؤسسة الوفاء، بیروت، ط 2، (110 أجزاء)، 2009، ج 75: ص 45)

ص: 5

ص: 6

الإهداء

إلى والدي...........، الذي علمني معنى التربية، والذي أنار لي دوماً الطريق للمستقبل..... رحمه الله.

إلى والدتي العزيزة.......، فيض الحنان والمحبة والرحمة الحانية، صاحبة الأيدي البيضاء والدعوات الحارة، التي منحتنی الدعاء، وأعطر وأصدق الكلمات التي جعل الله الجنة تحت أقدامها، لها مني كل حب وتقدير.

إلى زوجي.......، من ساندني بالجهد والرعاية... ودعمني بالمشورة والرأي وشقّ لي الطريق إلى النجاح.

إلى الغائب.....، عن عيوني وعن قلبي لا يغيب فلذة قلبي التي لم انجبها.....، ابن اخي، الشهيد سيف الله.

إلى إخواني وأخ ي الأعزاء.....، رفاق دربي الغالين ورمز الحب والوفاء والإخلاص تقديراً وعرفاناً بمساندتهم وتشجيعهم ودعمهم.

الباحثة

ص: 7

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحیم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما انعم وله الشكر بما الهم والثناء بما قدم من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء اسداها والصلاة والسلام على خیر الخلق أجمعین محمد وآله الطيبین الطاهرين الأخيار.

أما بعد:

لم يزل كتاب نهج البلاغة الذي احتوى على شطرٍ من كلام أمیر المؤمنین (عليه السلام) وحكمه ومواعظه، منهلاً عذباً لعطاشى المعرفة، وطلاب العلم من الباحثین والدارسین وحينما نأتي الى مصطلح (المواطنة) القديم بمفهومه، الجديد باستعمالاته وتوظيفاته حتى اصبح من مكونات المجتمعات المعاصرة وأحد أسس قيامها وضبط وشائجها.

ونجده قد نمى في حواظن المعرفة العلوية والمفاهيم المرتضوية فنال من معین فكر أمیر المؤمنین علي عليه السلام روحه التي بها يحرك الانتماء لارض وأهلها فأرسى في خلجات النفس الإنسانية الوطنية وجسد فيها المواطنة الايمانية وليس السياسية أو الانتخابية.

بل قيمة اخلاقية وهوية ايمانية وعنوان لجنس الانسانية؛ ولعل الرجوع إلى قوله حينما غزى جيش معاوية الانبار ليغني اللبيب عن البيان لمفهوم المواطنة في فكر الإمام علي عليه السلام حيث قال متلوعاً فيما يتعرض له الوطن الذي يتولى امرته ووجب عليه حفظ مواطنيه؛ «ولَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى

ص: 9

الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ والأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ، فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وقُلُبَهَا وقَلَائِدَهَا ورُعُثَهَا، مَا تَمْتَنِعُ مِنْه إِلَّا بِالِسْتِرْجَاعِ والِسْتِرْحَامِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ، مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ ولَا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ، فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً، مَا كَانَ بِه مَلُوماً بَلْ كَانَ بِه عِنْدِي جَدِيراً»(1).

أما هذه الدراسة التي بین ايدينا فهي تقدم مادة علمية ارتشفت نتائجها الباحثة من خلال المنهج الوصفي والتحليلي والاستنتاجي الذي اعتمدته، لجملة من النصوص والظواهر التي عايشت مسیرة الإمام علي (عليه السلام) فكانت بحق عنواناً جديداً في نتائجه التي ستضيف إلى المكتبة الإسلامية ما يساهم في اثرائها المعرفی، فقد بذلت في ذلك البحث جهدها وعلى الله أجرها.

وآخر دعوانا «أن الحَمْدُ لله رَبِّ العَالِمَين» رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 10


1- نهج البلاغة: صبحي الصالح، خطبة 27، ص 69

المقدمة

إذا ما نظرنا إلى واقعنا الذي نعيشه نجد البون الشاسع بین ما هو سائد وما كان يفترض أن يكون، فكان لزاما علينا أن نتمثل ونهتدي بالهدي الإلهي والسنة النبوية الشريفة وآل بيته الاطهار (عليهم السلام) في أقوالنا وأفعالنا، إذ إن الشريعة الإسلامية جاءت بمنظور إنساني عالمي يقرُّ بمبدأ المساواة على أساس توحيد المعاملة في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص وان نكون خیر الأمم، لان ما نملكه لا يملكه الآخر وان حصل على سبل التقدم بأنواعه.

إن ما مر به وطننا من أحداث أدى إلى خلق أزمة المواطنة، وغياب الصوت الوطني الحقيقي عند الإنسان العراقي وفقدت عنده المواطنة معناها، وأصبح صوت الطائفية والمحاصصة والمذهبية هو الأعلى، وتراجعت القيم الاجتماعية الأصيلة في المجتمع كالولاء والانتماء الصميمي والأمانة والاخلاص والصدق والنزاهة، مما تضعنا أمام مشكلة حقيقية تدفع إلى البحث فيها، وهذا ما أثار الكثیر من التساؤلات لدى الباحثة، مما دعا إلى اختيار هذه الدراسة التي هدفت إلى التعرف على:

المواطنة في فكر الإمام علي (عليه السلام) وتطبيقاتها التربوية.

فتكمن أهمية البحث في ابراز دور التراث الإسلامي، إذ لنا في جيل اهل البيت (عليهم السلام) أروع المثل في تحقيق التربية الإسلامية، ومدى مشاركة علماء الأمة في اثراء المسیرة الإنسانية في هذا الحقل وفي مقدمتهم فكر الإمام علي (عليه السلام) بوصفه فكراً شمولياً لجوانب إنسانية مختلفة، ومن هذه الجوانب الحس الوطني، مما يعزز تمسّك الاجيال بوطنيتهم ويقوي إيمانهم بهويتهم

ص: 11

ودورهم الفاعل والريادي في المجتمع الإسلامي.

وعلى حد علم الباحثة واطلاعها المتواضع لم يُبْحث ولم يُدْرَس هذا الموضوع سابقا في جامعاتنا العراقية. كذلك افتقار البيئة العربية بشكل عام والعراقية على وجه الخصوص إلى هذا النوع من الدراسات. ليرفد المكتبة العربية بعامة والمكتبة العراقية بخاصة والمكتبة الإسلامية بشكل أخصّ بمنابع جديدة لتؤدي دورها في تطوير النظام التربوي على اساس ان تلك المنابع مظهر لعبقرية الأمة العربية الإسلامية فمن الضروري دراسة هذا التراث الفكري وإبرازه للاجيال المتلاحقة.

لذلك كان لزاما علينا أن نؤكد ضرورة التربية وربطها بالمواطنة الصالحة.

وتعزيزها، لإعداد المواطن الصالح الذي يكون قوامه العدل والإنصاف وتغليب المصلحة العامة على الخاصة، واحترام القانون الذي يتساوى عنده جميع المواطنین.

وتنمية الإحساس بالمواطنة الإيجابية واكتساب كفايات المشاركة المجتمعية الفعالة، وتتم هذه العملية من خلال تربية المواطنة التي من خلالها يتم إكساب المواطن المعارف والقيم والاتجاهات والمهارات التي يستطيع من خلالها تحقيق مبادئ المواطنة الصالحة، والمستمدة من الآيات القرانية واحاديث رسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) واقوال الإمام علي (عليه السلام).

وقد وضعت الباحثة حدوداً لبحثها تمثلت بالرسائل والوصايا والخطب والمحاورات والحكم الصادرة عن أمیر المؤمنین الإمام علي (عليه السلام) في مجال المواطنة والولاء للوطن والانتماء اليه، كما جاءت في كتاب نهج البلاغة، وما كتب عن الإمام علي (عليه السلام).

ص: 12

الفصل الأول التعريف بالبحث

اشارة

* مشكلة البحث

* أهمية البحث

* هدف البحث

* حدود البحث

* منهج البحث

* تحديد المصطلحات

ص: 13

ص: 14

الفصل الأول: التعريف بالبحث

مشكلة البحث:

ما من شك في أنّ العالم قد شهد في الآونة الأخیرة أحداثاً متلاحقة وتطورات سريعة وأننا نعيش اليوم في خضم تحديات متنوعة، سواء كان ذلك على الصعيد السياسي أم الاقتصادي أو الاجتماعي وصولاً إلى الصعيد الديني والفكري والثقافي، في عصر اتسم بالتغیر وظهور عوامل إضعاف وتهميش، وقد أصاب القلق بعض المجتمعات ومنها العربية والإسلامية التي تخشى أن تؤدي هذه التحولات المتسارعة والمرتبطة بالتطور العلمي السريع بأبعاده الايجابية والسلبية وما ينتج عنه من هدم للهوية، اذ تستهدف قيمها ومبادئها وعاداتها وتقاليدها بفعل الهالة الإعلامية الغربية، ووطننا أحد هذه المجتمعات التي مرت بتغیرات سريعة شملت معظم جوانب الحياة، وأدت إلى ظهور اتجاهات وقيم وأنماط تفكیر قد لا تتفق وطبيعة مجتمعنا(1).

إن ما حدث في وطننا في العقود الأخیرة من أحداث سببت شرخاً بمفهوم المواطنة، إذ تضافرت جملة معوقات، جعلت الفرد يعاني من الاغتراب فأصبح محبطاً، وفي حالة من الغموض في الرؤية، وتخبط في الاحساس بالمسؤولية، فأنتج لديه شعوراً أقل ما يوصف بضعف المواطنة، إذ يعتري هذا المفهوم الكثیر من الغموض والتداخل، فمن يتابع هذا الواقع، يجد أن كثیراً من المواطنین، تتعدد

ص: 15


1- وتوت، علي وآخرون، المواطنة والهوية والوطنية، العراق، بغداد، الحضارية للطباعة والنشر، 2008: ص 8

لديهم مفاهيم المواطنة، تبعاً للتيارات السياسية المتنفذة والمهيمنة على مصائرهم، حتى أصبحت صفة المواطنة بالنسبة لبعضهم هي الانتماء للطائفة أو المذهب أو الانتماء لحزب معين أو لتيار معین، وما عدا ذلك يكون خارج مفهوم المواطنة، بل وأكثر من ذلك، يصبح محروماً من حقوقٍ جمّة لتصبح حكراً على مدعي المواطنة ممن لا يمتّ إليها بصلة. إننا نشهد في مجتمعنا اليوم تراجعا لمفهوم قيم المواطنة، بل اصبحت مشوهة الرؤية امام هوية الولاءات المتعددة، وغيبت عن قصد او دونه هوية الانتماء الى الوطن حيث بيت الجميع(1).

وهكذا ادى الامر الى غياب الصوت الوطني الحقيقي عن الساحة حتى فقدت فيها المواطنة معناها واصبح صوت الطائفية والمحاصصة والمذهبية هو الأعلى وتراجعت القيم الاجتماعية الأصيلة في المجتمع، كالولاء والانتماء الصميمي والأمانة والإخلاص والصدق والنزاهة(2).

إنّ ضعف الاهتمام بالتراث الحضاري والفكري للأمة العربية والإسلامية وفي مقدمة ذلك الأفكار التربوية للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وآل بيته (عليهم السلام) وتراثهم الثرّ والمليء بالحكم والعبر والفضائل والقيم السامية الرامية الى بناء شخصية الأمة وابراز هويتها الثقافية المميزة، قد أدى إلى تشتتها وتشظيها إلى تيارات فكرية متعددة، وانسلاخها عن هويتها الاصل، واتباعها اساليب الفكر التربوي الوافد(3).

ص: 16


1- السامرائي، محمود سالم، المواطنة وحقوق الانسان، مجلة دراسات اقليمية، 2008:ص 15 - 17
2- العادلي، حسین درويش، المواطنة بین ضرورات الواقع وجدليات المدارس، بغداد، دار المرتضى، ط 2، 2007: ص 128
3- نشابة، هشام، التربية الإسلامية والتربية المعاصرة، بیروت، مجلة قضايا عربية، المؤسسة العربية للدراسات، العدد (8)، 1980: ص 251

وتكمن مشكلة الكثیر من المسلمين في عدم فهم مقاصد المنهج الإسلامي بطريقة صحيحة ومتكاملة، مما أدى الى غياب حقائق كثیرة ومهمة عن الاذهان تساعد في فهم النفس البشرية، وبالنتيجة التمكن من ارشادها ومساعدتها، ولذلك يحتاج الفرد الى فكر تربوي من منظور إسلامي اكثر من احتياجه لأي فكر من منظور آخر(1).

إن المنهج الإسلامي نور ورحمة، وهدى للناس جميعاً، فمشكلتنا تكمن في ابتعادنا عن قيم ديننا الحنيف مما أدى إلى تفاقم الأزمة، لأن الإسلام بنى رؤيته للمواطنة على أساس التقوى والإيمان ووحدة الأصل الإنساني ووحدة نوعه وهويته بعيداً عن أي تمايز بسبب العرق أو اللون أو المال أو الطبقة، وأعلن أن الناس جميعهم خلقوا من نفس واحدة فقال (عز وجل): «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا»(2).

إذ أمر (عزوجل) بالالتزام بصلة الأرحام، والحث على ذلك وقد جعل للأمة الإسلامية من الصفات والميزات ما يجعلها خیر أمة أخرجت للناس، فجعل الاعتصام بكتابه العزيز وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وآل بيته (عليهم السلام) إذ يقول (عزوجل): «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا»(3).

فأمر الله (عزوجل) البشرية بالوحدة والتآلف والتآخي والتحذير من

ص: 17


1- ابو خليل، محمد محمد، المربي، مصر، الزقازيق، دار الهدى، 1998: ص 74
2- النساء / 1
3- آل عمران / 103

الفرقة(1).

إن ما تواجهه أمتنا اليوم من تحديات كثیرة اهمها العولمة وخطرها في المجالات كافة، جعلت فيها مبدأ المواطنة المبدأ المغيّب والضائع، وأحدثت خللا في عقول وأفكار الكثیر من شباب الأمة، فاختلط عليهم كثیر من الأمور المهمة، فنزع بعضهم إلى الغلو والتطرف والتشدد، كما نزع فريق آخر إلى التحلل والتمرد على الثوابت والمسلمات، وهذا بسبب بعدهم عن المنهج الصحيح في التلقي، فزهدوا في تراثهم الأصيل، ونزعوا إلى مشارب شتى، ومصادر ملوثة، أثرت في العقائد والعقول والأفكار والأخلاق. إن ما نلحظه خلال السنوات الاخیرة في بلادنا هو أن الاحساس بالمسؤولية العامة قد ضعف الى حد كبیر، ربما بسبب عدم القدرة على الفصل بین المصلحة العامة والمصلحة الخاصة أو لعدم الوعي بحدود المسؤولية العامة، وما يحصل اليوم هو نتيجة تفضيل وتقدم مصلحة الذات على مصلحة الوطن(2).

فضلا عن كل ما تقدم فان ما أحدثه الاحتلال للعراق من هزة اجتماعية لا تزال تبعاتها ثقيلة الوطأة على الإنسان العراقي فقد أحدثت الكثير من المتغیرات المتسارعة والتحديات المضطربة منها ما هو سياسي ومنها ما هو اجتماعي ومنها ما هو اقتصادي وثقافي(3).

إن ضعف الاهتمام بتربية المواطنة في المناهج والبرامج الدراسية في المؤسسات

ص: 18


1- العادلي، حسین درويش، المواطنة بین ضرورات الواقع وجدليات المدارس، بغداد، دار المرتضى، ط 2، 2007: ص 57
2- هادي وآخرون، مفهوم المواطنة محاولة الدخول من الشخصانية الى المواطنة، بغداد، مؤسسة مدارك لدراسة آليات الرقي الفكري للنشر والطباعة، 2008: ص 71 - 73
3- الشمام، حسن جاسم راشد، ممارسة السياسة في مجتمع مدني، اطروحة دكتوراه غیر منشورة، جامعة بغداد، كلية الآداب، قسم الاجتماع، 2008.: ص 6

التعليمية يبعد المتعلمین من أن يطوروا وعيهم وثقافتهم الوطنية. فالفرد يتم إعداده بالتربية لخدمة وطنه وأمته ومجتمعه، فمن أهم إشكاليات العمل التربوي في النظام التعليمي التي تحتاج إلى مراجعة جادة، موضوع ترصین مفهوم المواطنة، لتلافي الضعف الحاصل في الاتجاه الذي تسیر فيه عملية التنشئة الوطنية، وما يتبع ذلك من إصلاح عملية إعداد المتعلمین منذ نعومة أظفارهم، ليكونوا مواطنین صالحین يتفاعلون فيما بينهم على أساس مشترك من الشعور الموحد اتجاه الوطن، وإن ممارسة تربية المواطنة وتنميتها لا يمكن أن يكتب لها الدوام والاستمرار ما لم يكن هناك تكامل وتضافر وتنسيق بین جهات المجتمع المختلفة، اذ إن القيم المطروحة في المناهج التعليمية يجب أن تدعمها القيم المطروحة في الإعلام كما أن الممارسات الوطنية المطلوبة على المستوى الاجتماعي تحتاج إلى قنوات لتفعيل معناها، من أجل أن تسیر العملية والمسؤولية الوطنية مدعومة من كل جانب.

والمساهمة في مجتمع ديمقراطي قائم على التسامح، والمشاركة، والقبول بالآخر(1).

وفي ضوء ما تقدم ترى الباحثة أن المواطنة لدينا بحاجة إلى من يقدحها ويبعث فيها الحياة على وفق ما يقره المنهج الإسلامي، الذي يؤكد على الولاء والانتماء والتماسك والاحساس بالمسؤولية واحترام شخصية الإنسان بكل جوانبها.

هناك العديد من الدراسات والبحوث والكتب التي تناولت شتى جوانب التجربة العلوية التي تثرى في سیرة الإمام علي (عليه السلام) وحياته منذ الولادة حتى الشهادة، ودراسة الغزوات التي شارك فيها، وكيفية وصول الخلافة إليه، وفي ضوء هذه المعطيات الكثیرة أرتأت الباحثة إبراز جانب محدد من مسیرة أمیر المؤمنین (عليه السلام) وهو الجانب الوطني لديه وكيفية بناء وطن ومواطن. لان ما تناوله الباحثون فيه يعد غيضاً من فيض، وبذلك فإن هذه الدراسات لم تتعمق

ص: 19


1- جرار، اماني غازي، التربية السياسية، عمان، الاردن، دار وائل للنشر والتوزيع، 2008: ص 15

بهذا الموضوع المهم والذي يجب الوقوف عليه، في هذا الزمان وما يعاني منه مجتمعنا العربي وإلاسلامي من تفكك وتفرق، فقد اصبح من الضروري تناول البحث الحالي هذا الموضوع برؤى معاصرة هو تعاطٍ جديد مع الماضي التليد، وتسليط الضوء على مرحلة مهمة من تاريخ الفكر للأمة في القرن الاول الهجري والكتابة فيه، فتأتي تجربة الإمام (عليه السلام) للإفادة منها في تربية وتنمية هذا المفهوم لدى الأمة الإسلامية.

وهكذا تتضح لنا الحاجة الماسة إلى دراسة المواطنة في الفكر الإسلامي متمثلا بأنموذج فريد في مضمونه ليكون قدوة وأسوة ومثلا حياً يقتدى به في التضحية من أجل إعلاء شأن الإنسان المظلوم الذي يوصف في عصرنا الحالي بالمواطن المقهور على مختلف الاصعدة، على وفق منهج تربوي تعليمي نابع من فكر إسلامي اصيل معياره كتاب الله (عزوجل) وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورؤية الإمام علي (عليه السلام) كمشروع يحفظ لنا هويتنا العربية والإسلامية، متعايشا مع التغیرات والتطورات، فكان فكره اساساً عملياً لمنهاج مليء بالفضائل، ويجنبنا الوقوع في دوامة الاغتراب التي لا تعكس إلا واقعاً مغايراً ومختلفاً عن واقع مجتمعنا الذي له خصوصيته وملامحه الأصيلة.

ويمكن تحديد مشكلة البحث الحالي بالسؤال الآتي:- ما المواطنة في الإسلام؟ وما تطبيقاتها التربوية الممثلة بفكر الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟

ص: 20

أهمية البحث:

للشعور بالمواطنة أثر كبیر في ترسيخ ولاء الفرد وانتمائه للوطن، تجاوزاً لخصوصيته الفردية وانتماءاته الضيقة كما لها أثر كبیر في تماسك لحمة المجتمع ووجوده ككيان موحد، وهي بذلك لا تعني كينونة العلاقة الرابطة بین الفرد والمجتمع فحسب، بل من مستلزمات بناء كيان ذلك المجتمع كوحدة سياسية متكاملة، إذ تتولى بتوافرها صياغة العلاقات السائدة داخل الدولة، فضلاً عن المنظومة الاجتماعية التي تقف خلفها(1).

يجتاز وطننا الآن مرحلة انتقالية مهمة في تاريخه المعاصر، إذ إن التحول الى النظام الديمقراطي يتطلب وعيا لمفهوم حقوق الإنسان، يتضمن حق المواطنة الذي يكفله القانون للفرد بوصفه مواطنا أصيلاً في الدولة، لذا فإن الكثیر من الباحثین والتربويین والسياسيين والمختصین في مجال حقوق الإنسان من ذوي الخبرة يبذلون جهودا مستمرة لوضع الصيغ والأساليب الصحيحة لتنمية ثقافة الشعور بالمواطنة وتكريسها ضمن نطاق التنشئة الاجتماعية، وقد لاحت في الأفق أهمية تعزيز وبناء أسس قوية لقاعدة الحس الوطني عند الفرد(2).

إذ توصف ثقافة المواطنة بأنها أحد أهم محفزات عملية التحول الديمقراطي التي تشترط مشاركة المواطن الحر المعتد بكرامته الإنسانية والممتلئ بإحساس الانتماء لهذا الوطن ومسؤوليته في بناء مستقبله بشكل أفضل، وهي المهمة التي تحتاج الى عمل منظم ومستمر، يستند إلى فهم يتجاوز مجرد التعريف القانوني

ص: 21


1- وتوت، علي وآخرون، المواطنة والهوية والوطنية، العراق، بغداد، الحضارية للطباعة والنشر، 2008: ص 34
2- الغزي، ناجي، المواطنة اهم مقومات المجتمع الديموقراطي في العراق، أصدار المركز العربي للبحوث والدراسات، مجلة آفاق سياسية، 2009: ص 4

للمواطنة الى التعبیر الحي عنها في الحياة العامة وفي العلاقة بین المواطن والدولة، أو بین المواطنین أنفسهم على النحو الذي يؤكده الدستور العراقي في مادته رقم (14) التي تنص على أن (العراقين متساوون أمام القانون، دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي)(1).

فالمواطنة تعد من القضايا المصيرية التي تعبر عن معایير الانتماء ومستوى المشاركة من قبل الأفراد في الحماية والذود عن الوطن، كما تعبر عن وعي الفرد بالحقوق والواجبات والنظر للآخر بعین الإخوة، وصيانة المرافق العامة، والحرص على المصلحة الوطنية، كما تعكس مدى إدراكه كمواطن لدوره في مجابهة التحديات التي تواجه المجتمع(2).

لقد أدركت الكثیر من المجتمعات أهمية نشر ثقافة المواطنة لدورها في بنائها فهي تحقق مبادئ المواطنة من أمن واستقرار للوطن على الصعيد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، واحتفاظها بهويتها بما تتضمنه من ثقافة وعادات وتقاليد ونظم مؤسساتية وحياتية، وفي تنمية شعور أفراد المجتمع بالولاء والانتماء فكلما زاد ولاء وانتماء الفرد لوطنه ازداد عطاؤه وإنتاجيته وازدادت رغبته في المشاركة في شؤون المجتمع والحرص على الصالح العام، ومقاومة الجمود والسلبية الجاثمة في افكار المواطنین، والحفاظ على الروح الاجتماعية، والالتزام بالقيم السامية والمبادئ

ص: 22


1- الدستور العراقي، الحقوق، بغداد، جمهورية العراق، الباب الثاني، الفصل الأول، المادة (14)، 2005: ص 10
2- مراد، حنان، أثر الانفتاح الثقافي على مفهوم المواطنة لدى الشباب الجزائري - دراسة ميدانية، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، العدد السادس، 2013: ص 3

العليا وتأكيد احترام القانون، ونشر ثقافة الحوار والتعايش(1).

وعليه أصبحت التربية للمواطنة ضرورة ملحة للعمل على التعايش المشترك واحترام الرأي الآخر، وتعميق مفهوم المساواة بین المواطنین في الحقوق والواجبات وتعميق احترام الملكية الخاصة، وتعريف مفهوم المجتمع المدني. وفي ضوء ذلك أصبح التأكيد على تنمية مفهوم المواطنة ودور التربية والتعليم في بناء ثقافة الانتماء والولاء الصميمي للوطن مسألة مهمة ليس فقط لدى مسؤولي الحكومات وصناع القرار، ولكن أيضا لدى أفراد المجتمع بصفة عامة، وأصبحت التربية للمواطنة من العناصر الأساسية التي تستعملها النظم التعليمية لمساعدة أبنائها على تطوير مفهومهم واتجاهاتهم لأقى مدى ممكن، ليكونوا مواطنین صالحین في المجتمع منتجین ومساهمين ومسؤولين ومهتمین بشؤون مجتمعهم وقضاياه وحاجاته وهمومه وأولوياته، ومحافظین على نسيجه وهويته(2).

إن الأمم والشعوب لا تستطيع المحافظة على استمرار وجودها وتقدمها ورقيها الا بفضل تربية اجيالها المتعاقبة تربية سليمة متكاملة، وبقدر ما تحافظ الأمم والمجتمعات في تربية هذه الاجيال على ولائها لأوطانها بقدر ما تحافظ على بقائها وعلو شأنها، فتتجلى أهمية التربية على المواطنة في كونها ترسخ الهوية الوطنية الإسلامية والحضارية بمختلف روافدها، كما ترسخ حب الوطن والتمسك بمقدساته مع تعزيز الرغبة في خدمته وتقوية قيم التسامح والتطوع والتعاون والتكافل الاجتماعي التي تشكل الدعامة الأساسية للنهوض بالمشروع التنموي

ص: 23


1- فريحة، نمر، فعالية المدرسة في التربية للمواطنة دراسة ميدانية، لبنان، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2002: ص 28
2- بن صعب، وجيه، دور المناهج في تنمية قيم المواطنة الصالحة - منهج التربية البدنية مثالاً، بحث منشور مقدم إلى ندوة التربية البدنية في تعزيز المواطنة الصالحة، الرياض، 2007: ص 28

للمجتمع، وإن تربية المواطنة تتضمن تنمية معرفة الفرد بمجتمعه وتفاعله إيجابياً مع أفراده بشكل يسهم في تكوين مواطنین صالحین متمكنین من الحكم على ما يعترضهم داخل مجتمعهم وخارجه وبفضل ما تثمره التربية على المواطنة من روح الأمل والاطمئنان، فإنها تعد حصناً تعبوياً متينا ضد ثقافة اليأس والتشاؤم والانهزامية، وتفتح آفاقا ملؤها الثقة في استشراف مستقبل أفضل(1).

وإننا اليوم بأمس الحاجة إلى تربية وطنية لتعود علينا بالمنفعة المباشرة، وتعود بأمتنا إلى أجواء الوجود والحياة لمشاركة العالم بهذه المشاعر الإنسانية الشاملة، لأن من مزايا التربية على المواطنة أنها عملية تنمية العواطف والمشاعر اتجاه الوطن(2).

ومن هنا كانت التربية على المواطنة تربية ثقافية تنمي مدارك الفرد، وتهذب نفسه وتعدل سلوكه، وتدفعه إلى إدراك نفسه بأنه جزء من أمته غیر منفصل عنها، كلّ هذه تستدعي اهتماماً بتربية المواطنة(3).

فيعد الولاء للوطن مهماً في الحياة وعنصراً اساسياً في نمو شخصية الفرد بجوانبها الأخلاقية والسلوكية والعاطفية والنفسية، اذ توفر قاعدة وجدانية تحقق الأمن والاطمئنان النفسي والاتزان الانفعالي والتفاؤل وحب الحياة وعدم النظرة اليها نظرة تشاؤمية، وتأكيد الهوية، لما يوفره الإحساس الوطني من الشعور بالسعادة والرضا والقناعة والإيمان ويخفف من وطأة الكوارث والازمات التي تعترض طريق الفرد، فيشعر الفرد بالاطمئنان وعدم الخوف أو التشاؤم من

ص: 24


1- خير، فاطمة محمد، منهج الاسلام في تربية عقيدة الناشئ، بيروت، لبنان، دار الخير، 1998: ص 2
2- الاديب، علي محمد الحسین، منهج التربية عن الامام (عليه السلام)، بیروت، لبنان، دار الكتاب العربي، ط 2، 1979.: ص 192
3- منشد، فيصل عبد، أسس ومبادئ التربية، عمان، دار الرضوان للنشر والتوزيع، 2014: ص 281

المستقبل، من خلال اطار علاقة الإنسان بوطنه التي تعد موجهاً لسلوكه في شتى مناحي الحياة، وفي كل مرحلة عمرية من حياة الإنسان(1).

إذ جاء الإسلام بمبادئ أكدت الحفاظ على كرامة الإنسان وسعادته، ولقد أراد الله (عزوجل) بالإسلام هداية الانسان وتوجيهه وارشاده، لتخليصه من الجهل والضلالة والاخلاق الرذيلة، وقد أحدثت هذه الإرادة الربانية تغیراً كبیراً في نفوس الناس وعقولهم وأفكارهم وعاداتهم وسلوكياتهم وأعطاهم معنى جديداً للحياة وعلّم الإنسان منهجاً جديداً في الحياة واسلوبا جديداً في التفكیر وطريقة جديدة في النظر إلى نفسه وإلى الآخرين وعلّمه أساليب جديدة في توجهاته واخلاقه وعلاقاته الاجتماعية(2). إن تصرف الإنسان في اطار دين الإسلام يدعوه إلى الالتزام بمبادئ الإيمان والتقوى والتوحيد والكرامة والحقوق والواجبات والتعاليم الحسنة والعيش في وفاق وانسجام وهذا يأتي بفضل قيم ومعايیر إسلامية موحدة توجه الفرد وتؤهله الى تلك المنزلة الرفيعة التي خُلق لاجلها ليعبد ربه (عزوجل) الذي استخلفه في الارض، لذلك فالأخلاق ليست علماً نظرياً فقط وإنما هي ايضاً ممارسات عملية من أجل التفاعل الذي يحقق السمو الخلقي للفرد ليتكاتف ويتعاون مع المجتمع، ليؤدي ادواره في الحياة بما يحقق له ولمجتمعه الخیر والاستقرار والانسجام والارتباط مع افراد المجتمع؛ لإسعادهم جميعهم في الدنيا والاخرة(3).

ص: 25


1- الحديبي، مصطفى عبد المحسن، أهمية الإرشاد الديني والحاجة اليه وتطبيقاته لأحد الاضطرابات النفسية، بحث منشور، مصر، جامعة أسيوط، كلية التربية، 2008: ص 7
2- الخطيب، محمد الجواد، التوجيه والإرشاد التربوي والنفسي بین النظرية والتطبيق، غزة، فلسطين، مكتبة آفاق، ط 2، 2004: ص 76
3- الجسماني، عبد علي، علم النفس وتطبيقاته التربوية، بغداد، مطبعة الخلود، 1984: ص 226 - 227

إن الشريعة الإسلامية الغرّاء بصلاحيتها لكل زمان ومكان وبمعالجتها كافة القضايا في مختلف المجالات، جاءت لتقرر مفهوم المواطنة الذي يعيش تحت سقفه الجميع من كل الملل والنِحل، وتؤكد أن الإسلام دين للعالمین جميعاً، يمكن تحت ظل دولته أن يعيش الناس في مواطنة يعتزون بها، أساسها التقوى والعدل والأمن والاحترام المتبادل بین جميع المواطنین. وخیر أنموذج لهذه الدولة، هو ذلك المجتمع الإسلامي(1).

وأوعز القرآن الكريم إلى الإخراج من الأرض كوسيلة عقاب وزجر للمفسدين فيها، وهذا يدلل وبوضوح على موقع الوطن وأهميته بالنسبة للإنسان، وإن الإخراج منه أمر ثقيل على النفس، اذ يقول (عزوجل): «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ»(2) إن القرآن الكريم عدّ إخراج الإنسان من دياره معادلًا للقتل فيقول (عزوجل): «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتً»(3) وهذا ما يدل على الارتباط الشعوري بالوطن وأهميته بالنسبة للإنسان(4).

وقد ورد ذكر الوطن والديار والبلاد في السنة النبوية الشريفة، ومما يؤكد ذلك

ص: 26


1- الحمصي، علي نديم، مفهوم المواطنة في الشريعة الإسلامية صحيفة المدينة المنورة انموذجاً، بیروت، الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، 2010: ص 103
2- المائدة / 33
3- النساء / 166
4- ابو دف، محمود خليل، تربية المواطنة من منظور إسلامي، غزة الجامعة الاسلامية، 2004: ص 245

مكانة الوطن في قلب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد دعا ربه الكريم بأن يرزقه حب المدينة لما انتقل اليها (صلى الله عليه وآله وسلم) قائلاً: (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد)(1).

ونلمس حب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لمكة موطنه الأول ومهبط الوحي الأول والارتباط الوجداني، وقال وهو يهمّ بالخروج من مكة: (ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ولو لا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غیرك)(2).

وقوله: (يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم)(3).

وهذه الأقوال وغيرها قد جسدها الرسول الكريم )صلى الله عليه وآله وسلم) ممارسةً وتطبيقاً، وثبتها في المواثيق والعهود الدستورية منذ اللحظة الأولى لقيام الدولة في السنة الأولى للهجرة، فهو أول دستور لهذه الدولة، وأول وثيقة مواطنة في التاريخ، فكان ميثاقا بین المسلمين وغیر المسلمين من الوثنيین واليهود جميعهم يكونون امة، إذ أسست على العدل في الحقوق والواجبات بین المواطنین، بصرف النظر عن معتقدهم الديني وكان الدستور ملزما لكلّ سكان المدينة، وهذا يعني أن الإسلام لم يعدّ حينها شرطا في المواطنة(4).

ص: 27


1- البخاري، أبو عبد الله محمد (ت 256 ه)، صحيح البخاري، تحقيق: محمد ذهني بیروت، دار النوادر للنشر والتوزيع، مكتبة الحديث النبوي، (9 أجزاء)، 2012: ص 666
2- الترمذي، محمد بن عيسى (ت 279 ه)، الجامع الصحيح سنن الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون، بیروت، دار احياء التراث العربي، (8 أجزاء)، 2000، ج 5: ص 680
3- ابن حنبل، أبو عبد الله احمد (ت 241 ه) المسند، تحقيق: احمد محمد شاكر، بیروت، دار صادر، 1950، ج 1: ص 375
4- عمارة، رمضان، التربية على حقوق الإنسان من خلال الكتب المدرسية بالمراحل الأساسية في الوطن العربي، تونس، المعهد العربي لحقوق الإنسان، 2007: ص 27

وقد علمنا الإمام (عليه السلام) حب الوطن وأراد أن تشع عاطفة المسلم بالمحبة والإخلاص والفداء وينور قلبه الخیر والصدق والتفاؤل، وأن يكون للمواطن رأي وفكرة عن الوجود والكون والحكم، ومبادئ المواطنة الصالحة.

ومن ثم فإن الشخصية الناجحة لهذا المواطن هي الهدف الذي ينبغي الوصول اليه عند أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ويتواصل هذا الحديث ايضا مع الجانب العاطفي والبعد الوجداني من شخصية الإنسان، إذ هو لا يقل أهمية عن الجانب العقلي والفكري، وهو مثال للإيمان الخالد وروح الجهاد الحي، وكان دائما يعتقد أن الوجدان هو همزة الوصل العاملة الفاعلة بین الفكر والسلوك(1).

من هنا يدعو الإمام علي (عليه السلام) إلى وحدة التجمع الفكري والمبدئي الغالب على وحدة القومية ووحدة بقعة الاقليم، فالناس مرتبطون بعضهم ببعض بوحدة العقيدة ووحدة الدين، فآمن الإمام علي (عليه السلام) كما آمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بوحدة الوطن الفكري فلم يعرفا للبلاد رقعة خاصة، ولم يعرفا لها قومية معينة إنما كان الإسلام مقر عيشهم ومجمع قوميتهم، فكانا معاً يكافحان من أجل شعارهما الأوحد فقال الله (عزوجل):

(إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)(2).

ومهما يكن من تفريعات هذه الآية ونطاق شمولها العام فالذي يهمنا منها هو مفهوم الوطنية الحقة(3). وفي تأثیر حب الوطن في عمارته يقول الإمام علي (عليه

ص: 28


1- الاديب، علي محمد الحسین، منهج التربية عن الامام (عليه السلام)، بیروت، لبنان، دار الكتاب العربي، ط 2، 1979: ص 203
2- الانبياء / 92
3- مغنية، محمد جواد (ت 1400 ه)، في ظلال نهج البلاغة، بیروت، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، (4 أجزاء)، 1979، ج 4: ص 179

السلام): (عمرت البلدان بحب الاوطان)(1) نجد هنا ضرورة تحلي الإنسان بالمواطنة الصالحة وضرورة الحفاظ على إيمانه كاملا، من خلال الانقياد لأوامر الله (عزوجل) وحب الوطن واحترام المواطنین الآخرين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو المذهبية والقومية، فالإيمان بالله وبالقيم السماوية واحترام كل الناس مبادئ راسخة لا يمكن ان يتخلى عنها الإنسان المؤمن، اذ ان المؤمنین إخوة كما ورد في الموروث الروائي عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته عليهم أفضل الصلاة والسلام، وكکا أكد الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليها السلام) بقوله: ((اتقوا الله وكونوا أخوة بررة متحابین في الله متواصلین ومتواصّين))(2). لقد اتسم فكر الإمام علي (عليه السلام) بالتوزان والشمولية في كل ما يمثل الطبيعة الإنسانية في الجسد والروح والوراثة والبيئة، والخیر والشر وبین الفرد والمجتمع، ذلك أن الدين الإسلامي لا ينظر الى الفرد بوصفه فرداً، بل هو جزء من المجتمع وكان يتبع أسلوباً نابعاً من فلسفة الإسلام التي تختلف في نظرتها الى الكون والحياة عن نظرة الفلسفات المعاصرة، إذ إنّ تلك الفلسفة ربانية مرجعها الباري (عزوجل)(3).

ص: 29


1- المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي (ت 1111 ه)، بحار الانوار، تحقيق: مؤسسة الوفاء، بیروت، ط 2، (110 أجزاء)، 2009، ج 75: ص 45
2- الكليني، أبي جعفر محمد بن يعقوب (ت 329 ه)، اصول الكافي، تحقيق: محمد جواد الفقيه والدكتور يوسف البقاعي، بیروت، لبنان، دار المرتضى للطباعة، (8 أجزاء)، 2005.، ج 2: ص 157
3- (فهد، ابتسام محمد، الفكر التربوي العربي الإسلامي لدى بعض الفلاسفة العرب المسلمين في القرنین الرابع والسادس الهجريین، اطروحة دكتوراه غیر منشورة، جامعة بغداد، كلية التربية / ابن رشد، قسم العلوم التربوية والنفسية، 1994: ص 11

وقد جاء أمیر المؤمنین (عليه السلام) بخطبة له يجمع باختصار حقوق المواطن وواجباته في عن الوقت يقول فيها: (أيها الناس، ان لي عليكم حقا، ولكم عليّ حقا: فأما حقكم عليّ: فالنصيحة لكم، وتوفیر فيئكم عليكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا. وأما حقّي عليكم: فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حین أدعوكم، والطاعة حین آمركم)(1).

إنّ الحكم الذي كان يمارسه الإمام علي (عليه السلام) هو الحكم الذي يقوم من أجل الرعية وحدها، فقد رسم وأكد ذلك أمیر المؤمنین علي (عليه السلام) في وصيته لمالك الأشتر(2) وبدقة متناهية بحيث لو التزمها الحاكم وطبقها المحكوم لم يبق أثر للظلم والاستبداد من الحاكم على المحكومین ولطبقت الحقوق والواجبات بین الطرفین، فالمساواة في المواطنة لا تحصل بحق إلا أن تتقدمها عدة مواصفات في شخصية الحاكم نفسه، ومتى ما تحققت تلك المواصفات تحققت المساواة، فالرحمة من الحاكم ينبغي أن تكون بالتساوي بین أفراد الشعب (الرعية)، فلا بد للحاكم أن يُحب جميع رعيته بلا تفريق بينهم باللون أو العرق أو الانتماء الديني أو المذهبي ما دام جميعهم في وطن واحد تجمعهم أرض واحدة وحاكم واحد. فإذا أشعر الحاكم جميع رعيته برحمته لهم ومراعاته دون تفاوت بین هذا أو ذاك التفَّ حوله جميع الرعية الموافق له والمخالف في الانتماء أو التوجه أو الدين أو المذهب. وعليه لا بد أن يكون الحاكم رحيماً برعيته، لأنه يمثل القدوة والأسوة فعندما يتخذ هذا السلوك سیرة له مع شعبه سوف ينعكس هذا الأمر فيما بین

ص: 30


1- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، خ 34: ص 41
2- مالك بن الحارث الأشتر النخعي (38 ه - 658 م) زعيم قبيلة وقائد عسكري كان من أصحاب الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) وولاه على مصر. (شنشل، 2011: ص 29)

الناس أنفسهم فيتبادلون الحب والعطف والرحمة واللطف تجمع القلوب، وتوحد الأيدي، وتلم شمل الناس على الوئام والسلام، وقد مثل الإمام علي (عليه السلام) وهو في سدة الخلافة أروع صور العطف والحنان على رعيته وهذه صورة مشرقة من تلك الصور الفذة(1).

ومما يزيد من اهمية البحث هو طبيعة شخصية الإمام علي (عليه السلام)، فلقد عاش مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من ولادته حتى وفاته، وقد ذكر أمیر المؤمنین (عليه السلام)، ما أسداه الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) إليه وما قام به تجاهه في تلكم الحقبة وفي ذلك يقول في إحدى خطبه: (ولقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وانا ولد، يضمني الى صدره، ويكنفني فراشه ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل. ولقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله وسلم) من لدن أن كان فطيماً، أعظم من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره، وقد كنت اتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من اخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غیري ولم يجمع بيت واحد في الإسلام غیر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة..)(2).

وعلى هذا المنهاج النبوي وفي مدرسة الرسالة الأولى، حيث غار حراء تتلمذ

ص: 31


1- شنشل، فلاح حسن، نظام الحكم والإدارة في الإسلام عهد علي بن أبي طالب (عليه السلام)، لمالك الأشتر نموذجاً، بیروت، لبنان، دار المحجة البيضاء، 2011: ص 62 - 64
2- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، خ 193: ص 219

علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقد كان بطلاً يجول وإماماً يحكم وقائداً يربي، ويدفع بقومه ليكونوا أكثر نضجاً وثباتاً في الجانب الوجداني من شخصيتهم ولمصلحة قضاياهم الوطنية العامة وعنده العمل والسلوك خیر مرآة عاكسة لهذا الجانب الإيماني المستتر الذي لا يظهر إلا به، وإن روح الإيمان عند المسلم لا تكتمل إلا باكتمال هذا الجانب من شخصيته، ولأنه كان (عليه السلام) معتقداً بالله، فیرى أن الإيمان وما يعتصره من تفاعل نفسي هو أساس إرادة العمل الصالح عند المواطن ولا يصلح هذا الكون إلا بالإرادة الصالحة، لأنها تخلق عنده السلوك الصالح والعمل المسؤول، لذا يقول (عزوجل): (يَا أَیُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُون)(1).

فالمحرك إلى هذا القول والعمل والسلوك والإيمان هو الجانب العاطفي والوجداني الفاعل في حركة الحياة الذي يحوّل حالة الفكر إلى حالة التطبيق (فكراً ثم عملا وسلوكاً)، وهذا مثلث لا يمكن الاستغناء عنه في حركة الإنسان المؤمن والمواطن الصالح. فالوطن عند الإمام (عليه السلام) ليس بقعة محدودة من أطراف أربعة بخطوط مصطنعة أو جمعاً لشتات لغة من اللغات تحت لغة واحدة، إنما هي البقعة التي يسكنها الإنسان له كرامته وله عزته وله طاقاته وله آماله(2).

فيقول (عليه السلام): (من كرم المرء.. حنينه إلى أوطان ه)(3).

ص: 32


1- الصف / 2، 3
2- الاديب، علي محمد الحسین، منهج التربية عن الامام (عليه السلام)، بیروت، لبنان، دار الكتاب العربي، ط 2، 1979.: ص 201 - 203
3- المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي (ت 1111 ه)، بحار الانوار، تحقيق: مؤسسة الوفاء، بیروت، ط 2، (110 أجزاء)، 2009، ج 71: ص 264

واستطاع الإسلام بروحية عقيدته وسماوية مصدره وأخلاقية رسالته، أن يجعل من رواده يغمرون مواطنيهم بالمحبة والعطف، والإمام علي (عليه السلام) جاء مؤكداً على هذا المعنى في إحدى رسائله فيخاطب ابنه الحسن (عليه السلام) فيقول: (يابني اجعل نفسك فيما بينك وبین غیرك فاحبب لغیرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها ولا تظلم كما لا تحب ان تُظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غیرك وارضَ من الناس بما ترضاه لهم من نفسك)(1).

ويلخص الإمام علي (عليه السلام) المواطنة الصالحة، لابنه الحسن (عليه السلام) وللمسلمين، إنه لا يفرق بین مسلم وذميّ وإنما يعد كل الناس جديرين بالإحسان والمحبة وعمل الخیر، فكما يحب المسلم أن يُعامل لا بد له أن يعامل الناس. إنها نظرية فريدة في إنسانيتها، وقلما نرى مثيلها بین نظريات المجتمع السائدة. وهي وإن نطقها واحد من بني الإنسان إلا أن وحيها سماوي إلهي لا جدال فيه(2).

وقد استطاع الإمام (عليه السلام) بالعمل والمثابرة والجهاد والتضحية بكل ما أوتي أن يحقق تغیر الواقع القائم حین ذاك، وحین انتهى من عملية التغيیر وقف ليعلن للأقوام المهتدية: (بنا اهتديتم في الظلماء وتنسمتم العلياء وبنا انفجرتم عن السرائر أقمت لكم على سنن الحق في جواد المضلة، حيث تلتقون ولا دليل

ص: 33


1- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه)، نهج البلاغة المختار من كلام أمیر المؤمنین، تحقيق: السيد هاشم الميیاني، النجف الاشرف، مكتبة الروضة الحيدرية، 2010.، خ 31: ص 422
2- الاديب، علي محمد الحسین، منهج التربية عن الامام (عليه السلام)، بیروت، لبنان، دار الكتاب العربي، ط 2، 1979: ص 190

وتحتفرون ولا تميهون)(1) كل ما تقدم إجمالاً دفع الباحثة إلى القيام بإجراء هذا البحث المتواضع، لعلها قد تسهم ولو بقدر ضئيل في تفعيل روح المواطنة وترسيخ هذا المفهوم لدى تلاميذنا بشكل خاص والمواطنین بشكل عام، فضلا عن حاجة المجتمع العراقي في الوقت الحاضر لمثل هذا البحث، استلهاماً من السیرة العطرة والمناقب الحميدة لأمیر المؤمنین الإمام علي (عليه السلام) وهو الذي تربى في أحضان الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، منذ نعومة أظفاره وتأدب وتخلق بأدبه وخلقه فكان حقاً كل ما عمله يمثل ثمرة يانعة لمدرسته.

وترى الباحثة أن أهمية هذا البحث تأتي من خلال الاحساس بالحاجة الماسة إلى تلَمّس إسهامه (عليه السلام) الفعّال في تطور المجتمع الذي أدى بدوره إلى تطور الركب الحضاري للدولة العربية الإسلامية، هذه الشخصية الفذة العظيمة التي تمثل القدوة والمثل الأعلى لمن سار على درب الإيمان الحقيقي المتجسد بسلوك شخص أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب (عليه السلام) وتناول الباحثة لمفهوم المواطنة في ضوء المنظور الإسلامي المتمثل بفكر الإمام (عليه السلام) وآليات تفعيلها على أرض الواقع في الوقت الحاضر من خلال استنتاج مبادئها بموضوعية وتطبيقها في ميدان التربية والتعليم نظرياً وعملياً، وذلك على أسس تتناسب مع الظروف والمتغیرات المعاصرة، وصولاً إلى جعل المواطنة تمارس بتلقائية ورقابة ذاتية من قبل المواطن كسلوك حضاري متبع عند ممارسته لأنشطته المختلفة سواء كان داخل الوطن أم خارجه وعلى أساس مبدأ هام هو أن مصلحة الجميع تتحقق تحت مظلة المصلحة العليا للوطن، لحماية كيانه وهويته وتقدمه واستقراره.

ص: 34


1- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه)، نهج البلاغة المختار من كلام أمیر المؤمنین، تحقيق: السيد هاشم الميلاني، النجف الاشرف، مكتبة الروضة الحيدرية، 2010، خ 4: ص 57

وتأسيساً على ما تقدم يمكن ان نجمل أهمية البحث بالآتي:

ان البحث الحالي يطمح إلى ابراز دور التراث الإسلامي وإبراز مشاركة علماء الأمة في إثراء المسیرة الإنسانية في هذا الحقل وعلى رأسهم فكر الإمام علي (عليه السلام) بوصفه فكراً شمولياً لجوانب إنسانية مختلفة، ومنها الحس الوطني مما يعزز حب الأجيال بتاريخهم ويقوي من ايمانهم بهويتهم ودورهم الفاعل والريادي في المجتمع الإسلامي.

أهمية المواطنة، بوصفها ركيزة لعلاقة الفرد بوطنه وشعبه ولا سيما بعد بروز هيمنة العولمة على عقول الشباب بشكل خاص.

يشكل البحث إطاراً مرجعياً، يمكن الاعتماد عليه في بناء أداة لقياس سلوك المواطنة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، كما التمسناه عند الإمام علي (عليه السلام) في ذلك.

كما أن البحث يطمح إلى تقديم أنموذج حي على تأكيد الحضارة الإسلامية في إبراز دور المواطن الملتزم بوطنيته ليؤدي دوراً فعالاً في بناء المجتمع.

وبما أن هذا البحث ضمن البحوث التراثية والتاريخية الأخرى، فهو يرفد المكتبة العربية بصورة عامة والمكتبة العراقية بصورة خاصة والمكتبة الإسلامية بشكل أخص بمنابع جديدة لتؤدي دورها في تطوير النظام التربوي، على أساس ان تلك المنابع مظهر لعبقرية الامة العربية الإسلامية فمن الضروري دراسة هذا التراث الفكري وإبرازه للأجيال المتلاحقة.

يمكن أن يفيد البحث الحالي العديد من أولياء الأمور والتربويین والباحثین وواضعي المناهج التعليمية، من خلال تعزيز وإبراز أهداف المقررات التي تنمي قيم المواطنة لدى المتعلمین وتوظيفها في حياتهم وبناء شخصية المواطن بناءً صادقاً وسليماً يثري ولاءه وانتماءه لوطنه.

ص: 35

على حد علم الباحثة واطلاعها المتواضع لم يُبْحث ولم يُدْرَس هذا الموضوع سابقا في جامعاتنا العراقية، وافتقار بيئتنا العراقية إلى هذا النوع من البحوث.

هدف البحث:

يهدف البحث الحالي إلى التعرّف على:

المواطنة في فكر الامام علي (عليه السلام) وتطبيقاتها التربوية أنموذجاً.

حدود البحث:

يقتصر البحث الحالي على أقوال وخطب أمیر المؤمنین الإمام علي (عليه السلام) ورسائله وحكمه ومواعظه في مجال المواطنة والولاء للوطن والانتماء اليه، التي جاءت في كتاب نهج البلاغة، وما كتب عن الإمام علي (عليه السلام).

منهج البحث:

اعتمدت الباحثة، من خلال تناولها هذا البحث المنهج الوصفي التحليلي الاستنتاجي.

ص: 36

تحديد المصطلحات:

اولاً: تعريف المواطنة:

لغةً: مأخوذة في العربية من الوطن، موطن الإنسان ومحله، ومنزل اقامة الإنسان، وهي وزن وطن، يطن، وطناً وتوطنت نفسه على الأمر ولد فيه أو لم يولد، والمواطن جمع موطن والمواطنة جاءت على وزن الفعل (فاعل) لأنها مأخوذة من مصدر الفعل (واطن)بمعنى شارك في المكان اقام وولد(1).

اصطلاحاً:

تعريف الموسوعة السياسية:

هي صفة المواطن الذي يتمتع بالحقوق، ويلتزم بالواجبات التي يفرضها عليه انتماؤه إلى الوطن(2).

تعريف غيث:

إنها مكانة أو علاقة اجتماعية تقوم بین فرد طبيعي ومجتمع سياسي (دولة) ومن خلال هذه العلاقة يقدم الطرف الأول (المواطن) الولاء، ويتولى الطرف

ص: 37


1- ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين (ت 711 ه)، لسان العرب، قم، نشر أدب الحوزة، 1985: ص 415
2- الموسوعة السياسية، مادة مواطنة، بیروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، المجلد (6)، 1990: ص 373

الثاني الحماية وتتحدد هذه العلاقة بین الفرد والدولة عن طريق القانون(1).

تعريف الحسان:

إنها مجموعة من الحقوق والواجبات، يتمتع ويلتزم بها في الوقت ذاته كل طرف من أطراف هذه العلاقة(2).

تعريف النجار:

تلك العلاقة بین الفرد والدولة كما يحددها قانون تلك الدولة، وبما يتضمنه أيضا من واجبات وحقوق فيها(3).

تعريف عيال:

هي اتجاه إيجابي مدعم بالحب يستشعره الفرد تجاه وطنه، مؤكداً وجوده بالفخر والعلى ويعتز بهويته وتوحده معه، ويكون منشغلاً ومهموماً بقضاياه وعلى وعي بمشكلاته وملتزماً بالمعاییر والقوانین التي من شأنها أن تنهض به(4).

ص: 38


1- غيث، محمد عاطف، قاموس علم الاجتماع، الاسكندرية، مصر، دار المعرفة الجامعية، 1995: ص 56
2- الحسان، محمد ابراهيم، المواطنة وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية. الرياض، دار الشبل للنشر والتوزيع، 1995: ص 68
3- النجار، باقر سلمان، صراع التعليم والمجتمع في الخليج العربي، بیروت، لبنان، دار الساقي، 2003: ص 17
4- عيال، ياسین حميد، بناء وتطبيق مقياس المواطنة لدى طلبة الجامعة، اطروحة دكتوراه غیر منشورة، جامعة بغداد، كلية التربية / ابن رشد، قسم العلوم التربوية والنفسية، اختصاص قياس وتقويم، 2007: ص 7

وصف المواطنة لدى الإمام علي (عليه السلام) جاء في قوله:

(عامل أخاك بالإحسان.... إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)(1).

ويعد هذا الوصف للإمام (عليه السلام) تعريفاً إسلامياً للمواطنة وحسب اتفاق الاساتذة الخبراء(2) في الشأن التربوي الإسلامي.

وتتبنى الباحثة ما ورد في قول الإمام علي (عليه السلام) عن المواطنة.

ثانياً: تعريف التربية:

لغةً: ربّاه تربية وتربّاه أي غذّاه وهذا لكل ما يُنمى كالولد والزرع ونحو ذلك(3).

الرب بمعنى التربية، وهي تبليغ الشيء الى كماله شيئاً فشيئاً(4).

وترجع كلمة التربية في معاجم اللغة العربية إلى ثلاثة أصول لغوية هي:

الأصل الأول: ربا يربو بمعنى: زاد ونما، الأصل الثاني: ربي يربي ومعناها: نشأ وترعرع، الأصل الثالث: رب يرب بمعنى أصلحه، وتولى أمره، وساسه وقام

ص: 39


1- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، ك 53: ص 321
2- أ. د. سعد علي زاير. أ. م. د. عبد الحسين ارزوقي. د. اياد محمد علي الأرناؤوطي. أ.د. عبد الرحمن مطلك الجبوري. أ. د. مقداد اسماعيل الدباغ. أ. م. د. كفاح العسكري
3- الرازي، محمد بن أبي بكر (ت 666 ه)، مختار الصحاح، تحقيق: احمد شمس الدين، بیروت، لبنان، دار الكتب العلمية، 1994: ص 127
4- البيضاوي، عبد الله بن عمر (ت 685 ه)، انوار التنزيل واسرار التأويل، تحقيق: محمد صبحي، محمد الأطرش، بيروت، دار الفكر، 2000: ص 6

عليه ورعاه(1).

اصطلاحاً:

1- تعريف القرشي:

هو ما تحدثه عوامل التربية الثلاثة (الوراثة والبيئة والإرادة) من آثار في تنمية القدرة والاستعدادات البشرية، سواء كانت هذه الآثار عن قصد أو عن غیر قصد(2).

2- تعريف الفنيش:

هي عملية استخراج امكانات الفرد في إطاره الاجتماعي، وتكوين اتجاهاته وتوجيه نموه، وتنمية وعيه بالأهداف التي تسعى الجماعة إلى تحقيقها(3).

3- تعريف همشري:

هي أن تضفي على الجسم والنفس كل جمال وكمال ممكن لها(4).

ص: 40


1- الأزهري، أبو منصور محمد (ت 370 ه)، تهذيب اللغة، تحقيق: محمد عوض مرعب، بیروت، دار إحياء التراث، 2001.: ص 196
2- القرشي، باقر شريف (ت 1433 ه)، حياة الإمام زين العابدين، بیروت، دار الاضواء، 1988: ص 38
3- الفنيش، احمد، أصول التربية، بيروت، لبنان، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط 3، 2004: ص 16
4- همشري، عمر احمد، مدخل إلى التربية، عمان، الأردن، دار صفاء للنشر والتوزيع، ط 2، 2007: ص 18

4- تعريف الدباغ:

إنها عملية إعداد الفرد عن طريق تزويده بالمعارف والمهارات، التي تعد أساساً لإعداده للحياة على وفق فلسفة المجتمع واتجاهاته(1).

تعريف الباحثة للتربية:

هي عملية تنمية خصائص شخصية الفرد في جوانبها كافة، ومنها الحس الوطني بصورة مقصودة أو غیر مقصودة من خلال التعليم المدرسي.

ثالثاً: تعريف الفكر:

لغةً: الفكر يفيد معنى التفكیر والتأمل والاسم الفكر، والفكرة ورجل فكیر أي كثیر التفكیر(2).

اصطلاحاً:

1- تعريف جعفر:

انه نشاط عقلي يمتاز به الإنسان، ويشمل عمليات الإدراك والفهم والذاكرة والتقليد والاستبيان ويظهر من عمليات الإنسان الاجتماعية(3).

ص: 41


1- الدباغ، مقداد اسماعيل، فلسفة التربية، بغداد، مكتب هاني للطباعة، 2013.: ص 10
2- الرازي، محمد بن أبي بكر (ت 666 ه)، مختار الصحاح، تحقيق: احمد شمس الدين، بیروت، لبنان، دار الكتب العلمية، 1994: ص 9
3- جعفر، نوري، اللغة في الفكر الاسلامي، المغرب، الرباط، مكتبة القومي، 1971: ص 26

2- تعريف فاضل:

الآراء والمبادئ والنظريات التي يطلقها أو يعتمد عليها العقل الإنساني في تحديده مواقف معينة تجاه الكون والإنسان والحياة(1).

3- تعريف الجرجاني:

ما يتم به من أفعال ذهنية، من أجل ترتيب أمور معلومة للوصول إلى مجهول(2).

4- تعريف السعيدي:

حركة عقلية وقوة مدركة، يكتشف الإنسان عن طريقها القضايا المجهولة لديه والتي يبحث عنها، فتنمو معارفه وافكاره في الحياة(3).

5- وتعريف الباحثة للفكر:

نشاط عقلي يشمل جميع المعارف والعمليات الإدراكية التي يقوم بها الإنسان عند تحديد موقفه اتجاه جوانب حياته في الدنيا والآخرة.

ص: 42


1- فاضل، محمد زكي، الفكر السياسي العربي الاسلامي بین ماضيه وحاضره (سلسلة الكتب الحديثة)، بغداد، وزارة الثقافة والاعلام، ط 2، 1976: ص 19
2- الجرجاني، علي بن محمد الشريف (ت 816 ه)، كتاب التعريفات، تحقيق وزيادة: الدكتور مجد عبد الرحمن المرعشي، بیروت، دار النفائس، 2003: ص 138
3- السعيدي، حاتم جاسم، القيم التربوية في فكر الإمام الحسین (عليه السلام)، اطروحة دكتوراه غر منشورة، جامعة بغداد، كلية التربية / ابن رشد قسم العلوم التربوية والنفسية، اختصاص فلسفة التربية، 2005: ص 19

رابعاً: تعريف الإمام:

لغةً: الإمام كل من أئتم به قوم سواء كانوا على الخطأ أم على الصواب، ويأتم به الناس، وإمام القوم اي تقدمهم، إمام كل شيء قيّمه والمصلح له، والإمام يعني المثال، والإمام هو الخيط الذي يمد على البناء ويسوى عليه (لادراك استقامة البناء) والحادي أمام الابل، لانه الهادي لها، و (إمام) القوم في الصلاة و (الإمام) الذي يقتدى به وجمعه (أئمة)(1).

اصطلاحاً:

1- تعريف الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) (148 - 203 ه / 766 - 818 م):

إن الإمامة أجل قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماما باختيارهم، إن الإمامة خص الله (عزوجل) بها إبراهيم الخليل (عليه السلام) بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة، وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره، فقال: (إِنِّی جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا)(2) فقال الخليل: (عليه السلام) سرورا بها: (وَمِن ذُرِّيَّتِي)(3). قال الله (عزوجل): (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمینَ)(4). فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة، وصارت

ص: 43


1- الرازي، محمد بن أبي بكر (ت 666 ه)، مختار الصحاح، تحقيق: احمد شمس الدين، بیروت، لبنان، دار الكتب العلمية، 1994: ص 27
2- البقرة / 124
3- البقرة / 124
4- البقرة / 124

في الصفوة ثم أكرمه الله (عزوجل) بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال: «وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ»(1).

إن الإمامة هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء، إن الإمامة خلافة الله (عزوجل) وخلافة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومقام أمیر المؤمنین (((عليه السلام) ومیراث الحسن والحسین (عليهما السلام)، إن الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصاح الدنيا وعز المؤمنین، إن الإمامة رأس الإسلام النامي، وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، وتوفیر الصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف. الإمام يحل حلال الله، ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله ويذب عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، والحجة البالغة، الإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم، وهي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار(2). أما في القرآن الكريم فقد وردت كلمة (إمام) و (إمامهم) و (أئمة) اثنتي عشرة مرة وهي: قوله سبحانه وتعالى:

1- (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَ لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ)(3).

2- (وَكُلَّ شَیْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِی إِمَامٍ مُبِينٍ)(4).

ص: 44


1- الأنبياء / 72 - 73
2- الصدوق، محمد بن علي (ت 381 ه)، عيون أخبار الرضا، صححه وقدم له وعلق عليه: حسین الأعلمي، بیروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،، 1984: ص 196 - 197
3- الحجر / 79
4- يّس / 12

3- (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً.)(1) 4- (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً)(2).

5- (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ)(3).

6- (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً)(4).

7- (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَّمَهُنَّ قَالَ إِنِّی جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمینَ.)(5) _وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَیْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ.)(6) (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِینَ)(7).

ص: 45


1- هود / 17
2- الأحقاف / 12
3- الإسراء / 71
4- الفرقان / 74
5- البقرة / 124
6- الأنبياء / 73
7- القصص / 5

(وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ)(1).

11- (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِی دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ)(2).

: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَی النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ)(3).

فترى الباحثة أنّ كلمة الإمام الواردة في هذه الآيات تكشف عن معنى:

الكتاب، والمرجع، والمصلح، والهادي، والرمز.

2- تعريف القزويني:

الإمام والخليفة لفظتان تعبران عن معنى واحد عند الفرق الإسلامية الكبرى، وهو الرياسة العامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، سمي القائم بهذه المهمات إماما؛ لان الناس يسیرون وراءه في ما شرع لهم ويرشدهم اليه، وسمي بالخليفة كما كان الشائع في عصر الراشدين أو ما بعده، لأنه يخلف الرسول في إدارة شؤون الأمة وقيادتها(4).

3- تعريف الإيجي:

هو الإنسان الذي له رياسة عامة في أمور الدين والدنيا، وهي خلافة رسول

ص: 46


1- السجدة / 24
2- التوبة / 12
3- القصص / 41
4- القزويني، علاء الدين، الفكر التربوي عند الشيعة الإمامية، الكويت، مكتبة فقه للنشر والتوزيع، ط 2، 1986: ص 138 - 139

الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في إقامة الدين؛ إذ يجب اتباعه على الأمة كافة(1).

4- تعريف الحنفي:

الإمامة إما صغرى وهي مقام صاحبها بالصلوات، والجمع، والأعياد وليس بإمام مطلق، وإما كبرى وصاحبها من يقتدى به في الدين كله، ويطاع مطلقاً ولا يصدر عنه ما يسخط الله، وهي رئاسة عامة من حيث التقدم والعلم والقدرة، والحكم في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(2).

5- تعريف الجرجاني:

هو الذي له الرياسة العامة في الدين والدنيا جميعاً(3).

6- تعريف الباحثة:

هو الإنسان الذي له صفات خاصة وهبها الله (عزوجل) له، ويقتدى بقوله وفعله، ويكون محقاً في مهمات الدين والدنيا و الآخرة.

ص: 47


1- الإيجي، عبد الرحمن بن أحمد (ت 756 ه)، المواقف، بشرح علي بن محمد الجرجاني، تحقيق وتعليق: عبد الرحمن عمیرة، بیروت، دار الجيل، 1997: ص 574
2- الحنفي، علي فتح الدين (ت 1371 ه)، فلك النجاة في الإمامة والصلاة، حققه وقدم له: الشيخ ملا اصغر علي، بروت، ط 2، 1998: ص 101
3- الجرجاني، علي بن محمد الشريف (ت 816 ه)، كتاب التعريفات، تحقيق وزيادة: الدكتور مجد عبد الرحمن المرعشي، بیروت، دار النفائس، 2003: ص 93

خامساً: تعريف التطبيقات التربوية:

يعرفها الوحیدی:

هي كل ما يتعلق بالعملية التعلّيمية التعلمية من وسائل تدريس ومراحل تعليمية وأساليب تقويم(1).

يعرفها الحازمی:

هي التي تشتمل على أنشطة تربوية متنوعة، تلبي حاجات المتعلمین، وتنمي هواياتهم وتوجهها التوجيه الصحيح الذي يرتقي بهم نحو الصلاح(2).

تعريف الباحثة:

إنها الدلالات التربوية المستنتجة من فكر الإمام علي (عليه السلام) وتطبيقها في منهج وانشطة المدرسة، من أجل تنمية مفهوم المواطنة لدى المتعلمین.

ص: 48


1- الوحيدي، أحمد عيّاد، الفكر التربوي عند برهان الإسلام الزرنوجي وتطبيقاته التربوية، رسالة ماجستير منشورة، الجامعة الاردنية، قسم أصول التربية، 1990: ص 8
2- الحازمي، خالد بن حامد، أصول التربية الإسلامية، المدينة المنورة، مكتبة الملك فهد الوطنية، دار عالم الكتب للنشر والتوزيع، 2000: ص 363

الفصل الثاني خلفية نظرية - دراسات سابقة

اشارة

* المبحث الأول: خلفية نظرية حول مفهوم المواطنة

* اولاً: مفهوم المواطنة

* ثانيا: نبذة عن نشأة المواطنة وتطورها

* ثالثا: دلائل مفهوم الوطن والمواطنة إسلامياً

* رابعا: مفهوم تربية المواطنة في الإسلام

* خامسا: مكونات المواطنة

* المبحث الثاني: دراسات سابقة

ص: 49

ص: 50

المبحث الأول: خلفية نظرية حول مفهوم المواطنة

اولاً: مفهوم المواطنة

المواطنة هي من نتاج التحولات المجتمعية والسياسية المقترنة بولادة الدولة الحديثة. إن مصطلح المواطنة وإنْ كان مصطلحاً قديماً ومعروفاً لدى عددٍ من الحضارات الإنسانية كما عند اليونان والرومان إلّا أنَّ صيغته المعاصرة قد خرجت عن نطاقها التقليديّ إلى (حق ثابت) في الحياة السياسية والاجتماعية بین الدولة ومواطنيها، فهو حصيلة ترسيخ مفهوم الدولة الحديثة وما تقوم عليه من سيادة لحكم القانون والمشاركة السياسية الكاملة في ظل دولة المؤسسات(1).

إنَّ مجتمع المواطنة يقوم على أساس وجود جماعة من الأفراد الأحرار، الذين يعترف كلُ واحد منهم بالآخر ويكافأ معه، في الحقوق الطبيعية والسياسية(2).

لذا فإنَّ فكرة المواطنة تكمن في التحالف بین أنُاس أحرار بكل ما تعنيه هذه

ص: 51


1- العادلي، حسین درويش، الهوية العراقية، بغداد، مجلة المواطنة والتعايش، العدد (4)، تصدر عن دار وطن للعلوم والدراسات، 2004: ص 9
2- جوزيف، سعاد، الجندر والمواطنة في الشرق الاوسط، ترجمة: ريما فواز، بیروت، دار النهار، 2003: ص 10 - 11

الكلمة من معنى أو تضامن بین أنُاس متساوين في القرار والدور والمكانة(1).

وتشیر المواطنة إلى علاقة قانونية بین الأعضاء الشرعيین والمنتمین، ويمكن تناول مفهوم المواطنة من عدة زوايا، لكنها تبقى متلازمة في العلاقة مع طبيعة السلطة السياسية الممارسة في الدولة، التي تتحدد في ضوء الأسس القانونية لحقوق المواطنین، فضلاً عن واجباتهم تجاه الدولة والمجتمع، وهي شهادة عضوية في المجتمع السياسيّ الذي يضمن مشاركة المواطنین بالموارد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في الدولة. ويمكن عَدُّ مفهوم المواطنة مفهوماً جوهرياً في تحليل بعض العلاقات السياسية والاجتماعية لأي دولة(2).

إنَّ الكلام عن المواطنة ومحاولة تعريفها يقتضي منّا العودة الى الجذر الذي أتت منه الكلمة، الا وهو الوطن. فالوطن هو الحيز الجغرافي الذي تعيش وتعتاش عليه مجموعة بشرية معينة، اذ يتفاعل الأفراد مع بعضهم ومع الأرض التي يقطنون عليها، وذلك على مر الأزمنة، أي إنَّ الوطن ليس علاقة عابرة، مؤقتة وقصیرة، بل هو مجموعة من العلاقات الإنسانية والعاطفية والثقافية والمادية(3).

ثانياً: نبذة عن نشأة المواطنة وتطورها:

تلازم مبدأ المواطنة بحركة نضال التاريخ الإنساني من أجل العدل والمساواة والانصاف، وكان ذلك قبل أن يستقر مصطلح المواطنة، وأخذ شكل الحركات

ص: 52


1- جرار، اماني غازي، التربية السياسية، عمان، الاردن، دار وائل للنشر والتوزيع، 2008: ص 85
2- جوزيف، سعاد، الجندر والمواطنة في الشرق الاوسط، ترجمة: ريما فواز، بیروت، دار النهار، 2003: ص 17 - 18
3- زاهد، عبد الامیر، مقاربات في إعادة تشكيل الهوية الوطنية النجف، مجلة حولية المنتدى، العدد (1)، 2008: ص 142

الاجتماعية منذ قيام المجتمعات الزراعية في وادي الرافدين مرورا بحضارة سومر وآشور وبابل وحضارات وادي النيل والصین والهند وفارس وحضارة الفينيقين والكنعانیين، وقد أسهمت تلك الحضارات وما انبثق عنها من ايديولوجيات سياسية في وضع أسس للحرية والمساواة تجاوزت إرادة الحكام، فاتحة بذلك آفاقا رحبة لسعي الإنسان لتأكيد فطرته، وإثبات ذاته وحق المشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات، وتحديد الخيارات، الأمر الذي فسح المجال للفكر السياسي الإغريقي ومن بعده الروماني ليضع كل منهما أسس مفهومه للمواطنة(1).

من هنا فالحديث عن نشأة وتطور المواطنة لا بد أن ينطلق من تأملنا للتطور التاريخي، لحصول الفرد على حقوقه في حريته الفكرية والدينية والعقائدية والسياسية. لذا ستتطرق الباحثة الى التطور التاريخي للمواطنة لبعض الحضارات وعلى النحو الآتي:

1- مفهوم المواطنة في حضارة وادي الرافدين (3200 - 330 ق. م):

تعد حضارة وادي الرافدين خیر مرجع للباحثین في أصل النظام السياسي وتطوره التاريخي، اذ انفردت بأول ظهور لنظام دولة المدينة على أنه أول شكل من أشكال الحكم في التاريخ البشري، وظهرت في المدينة كلمة المواطن والمواطنة فكانت المدينة أكثر من كونها تجمعاً سكانياً أو قبلياً.(2) والعراقيون من أوائل من اكتشف الزراعة والكتابة وأنشأوا دولة الوحدة

ص: 53


1- الدجاني، احمد صدقي، مسلمون ومسيحيون في الحضارة العربية الإسلامية، القاهرة، مركز يافا للدراسات والأبحاث، 1999: ص 5
2- باقر، طه، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة - الوجيز في تاريخ حضارة وادي النيل، بغداد، ط 2، 1986: ص 326

الوطنية في عهد (سرجون - حمورابي)، وأهدوا البشرية أول قانون منظم للحياة الاجتماعية، وبنوا أول مجتمع سياسي منظم وأقاموا نظام الملكية(1).

وكان الملك على رأس الدولة وإن المبدأ الذي تقوم عليه حكومته المدنية القديمة هو أن الملك هو الشخص الذي ينوب عن الاله. وكان المجتمع ينقسم على ثلاث طبقات، الأولى الأحرار (العاميلو) وتضم رجال الدين وموظفي الحكومة، وكانت تتمتع بحقوق وامتيازات على وفق القوانین والأعراف والتقاليد السائدة، وكان الشخص المنتمي للطبقة الأولى يسمى بالمواطن الكامل، والثانية طبقة (المشكينو) وهي أقل رتبة من (العاميلو) (مواطن من الدرجة الثانية) وتضم أبناء الطبقة الفقیرة، أما الثالثة فهي طبقة العبيد أو هي أدنى الطبقات الاجتماعية(2).

وكان القانون ينظم حقوق المواطنة بین جميع هذه الفئات، فقد اختلفت العقوبات في شريعة حمورابي باختلاف الجرم والانتماء الطبقي، وكان مبدأ المعاملة بالمثل يسري على أفراد الطبقة الواحدة ولمصلحة الطبقة الأعلى، فإن كان المعتدى عليه من الطبقة الأولى (العاميلو) كانت العقوبة (العین بالعین والسن بالسن)، أما إذا كان من طبقة (المشكينو) اقتضى بإلزامه الغرامة المالية، وبالعكس إذا كان المعتدي من طبقة العاميلو عوقب بقسوة أشد مما لو كان من الطبقة الوسطى(3).

وكانت المرأة تتمتع بالكثیر من الحقوق والامتيازات، فقد تمتعت المرأة

ص: 54


1- رشيد، عبد الوهاب عبد المجيد، التحول الديمقراطي في العراق، الدراسات التاريخية والأسس الثقافية والمحددات الخارجية، بیروت، لبنان، مركز دراسات الوحدة العربية، 2006: ص 67
2- وولي، ليونارد، وادي الرافدين مهد الحضارة، ترجمة: احمد عبد الباقي، القاهرة، دار القلم للطباعة، 1948: ص 52
3- بشور، أمل ميخائيل، بلاد الرافدين، تاريخ الإمبراطوريات السامية في بابل أشور، لبنان، طرابلس، المؤسسة الحديثة للكتاب، 2008: ص 111

(السومرية والبابلية والأشورية) بحق التملك والمشاركة بالأعمال التجارية والإدلاء بالشهادة أمام المحكمة، وكان لها الحق أن تشتري العبيد والإماء وتتبنى الأطفال إلى غیر ذلك من الأعمال الحرة، وكان باستطاعة الأمة (المرأة المملوكة) أن تحصل على حريتها بحسب قوانین حمورابي(1).

أما الغرباء داخل المجتمع العراقي القديم (البابلي على سبيل المثال( فهم المهاجرون لأسباب متعددة، ومنهم التجار الذين كانوا يحصلون على جميع حقوقهم المدنية عن طريق ممارسة أعمالهم بحرية، وشكلوا مجتمعات استيطانية ضخمة وأقاموا علاقات عمل بعضهم مع بعض وتزاوجوا فيا بينهم، وشكلت كل جماعة عرقية تنظيماً خاصاً داخل المدينة لإدارة شؤونها على نسق المجلس الشعبي للمدن البابلية (مجلس إدارة ذاتي) ولم تعرف المجتمعات المتعددة أي صراعات مذهبية أو عرقية، وقد كان الغرباء ينخرطون بسرعة وبسهولة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في وطنهم الجديد(2).

2- مفهوم المواطنة لدى الاغريق (700 - 146 ق. م):

تشیر الكثیر من الدراسات التاريخية إلى أن مفهوم المواطنة ظهر في دويلات المدن اليونانية القديمة بحلول عام (500 ق. م) فقد شكلت مجتمعات إقليم (اتيكا) حلفاً طبيعياً ومشتركاً بین المدن الاثنية(3).

ص: 55


1- عقراوي، ثلماستيان، المرأة ودورها ومكانتها في حضارة وادي الرافدين، بغدادو دار الحرية للطباعة والنشر، 1978: ص 20
2- بشور، أمل ميخائيل، بلاد الرافدين، تاريخ الإمبراطوريات السامية في بابل أشور، لبنان، طرابلس، المؤسسة الحديثة للكتاب، 2008: ص 227 - 228
3- باترسون، توماس، الحضارة الغربية الفكر والتاريخ، ترجمة: شوقي جلال، القاهرة، المركز الاعلى للثقافة، 2001: ص 60

لقد اقترنت المواطنة بمفهوم الدولة المدنية التي تشكلت في اليونان قبل الميلاد بقرون عدة، والتي تقوم على حياة المدنية والعلاقات بین الأفراد الذين يعيشون فيها وقيام التنظيم السياسي على الحاضرة (Polis) وهي الوحدة الأساسية في التكوين السياسي(1).

وهذه الوحدة الأساسية عبارة عن بقعة محددة من الأرض، تضم مدينة واحدة في الغالب أو عدة مدن، وكل وحدة يونانية مستقلة عن الأخرى إلا في حالات الأزمات، اذ عرف اليونانيون ما يسمى بحق المواطنة الدفاعية. والذي يقابله انفتاح ولاء متعدد بین من يتمتع بحق المواطنة في كل مدينة تجاه المدن الأخرى، ويشكل وحدة داخلية لليونانيین توحدهم في مواجهة البربر(2).

إن مفهوم المواطنة عند بعض الفلاسفة أمثال «أفلاطون وأرسطو» يتصف بالصرامة والتشدد في الشروط، وانقسم المجتمع في دولة المدينة في أثينا على ثلاث طبقات، هي طبقة الأحرار وطبقة العبيد، والى جانب هاتین الطبقتین طبقة الفلاحین الأحرار الذين يعملون بأنفسهم بأراضيهم الخاصة، والحرفیين الأحرار الذين يملكون وسائلهم الخاصة فضلاً عن التجار، إذ اقتصر على الرجال الأحرار فقط من المقيمین في المدينة، واستبعاد الرجال الأحرار غیر القادرين عیى إدارة دولة المدينة، كم استبعد الأطفال والنساء والشيوخ والأجانب والعبيد أيضا، ويعلل أرسطو ذلك بعدم قدرة الأطفال على تحمل الأعباء والمشاركة في الشؤون العامة للمدينة لصغر سنهم وحاجة الشيوخ الى الراحة، وقيام النساء بتربية الأطفال

ص: 56


1- العادلي، حسین درويش، المواطنة بین ضرورات الواقع وجدليات المدارس، بغداد، دار المرتضى، ط 2، 2007: ص 12
2- عبد العزيز، احمد، مسألة تعدد الجنسيات وموقف القانون السوري منها، دمشق، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، كلية الحقوق، المجلد التاسع عشر، العدد الأول، 2003: ص 14

والاهتام بالواجبات المنزلية. فكان المعيار في عد الرجال المواطنین يقوم على أساس الحرية والقدرة على تحمل الأعباء(1).

ويشَبّه «افلاطون» المجتمع بالجسم ذي العناصر المختلفة التي تؤدي وظائف مختلفة، ومن هنا فإن تقسيم العمل يحتل مركزاً مهماً في نظريته عن العدالة السياسية والمجتمع الذي يبرر التقسيم الطبقي والاستبعاد الاجتماعي للكثیر من مكونات المجتمع من حقوق المواطنة، ويركز «أرسطو» على التعددية كبديل عن الوحدة ويرى أن الأسرة هي أساس الدولة فهي الوحدة الاجتماعية والإنتاجية، وكان للتدبیر المنزلي دور في اداء غرض اخلاقي والمساهمة في تطور المدنية، ويقول فيه انه من إدارة العبيد وممارسة سلطة الزوج والسلطة الأبوية(2).

ويلحظ على مفهوم المواطنة في اليونان أنه كان قائماً على مبدأ المساواة في المجالات القانونية والسياسية لمن يشملهم مصطلح المواطنة. ولم يكن هذا المفهوم قائما على أساس الدم (النسب)، فكان منطلقا من الرؤية الاجتماعية وكانت المواطنة الكاملة امتيازاً يمكن توارثه من قبل الذكور فقط(3).

إن طبقات المواطنة الأحرار لم تكن مغلقة؛ اذ يمكن التزاوج فيما بينها كما يمكن الانتقال من طبقة أو فئة اجتماعية إلى أخرى(4).

ص: 57


1- العيسى، جهينة سلطان وآخرون، موجز تاريخ الفكر الاجتماعي، سوريا، دمشق، سلسلة علم الاجتماع، الأهالي للطبع والنشر والتوزيع، ط 2، 2001: ص 45
2- ارنبیرغ، جون، المجتمع المدني من اليونان حتى القرن العشرين ترجمة: حسن كاظم، علي حاتم صالح، (بغداد، اربيل، بیروت)، مطبعة الدراسات الإسراتيجية، 2007: ص 7
3- روبرت أيه، دال، الديمقراطية ونقادها، ترجمة: نمیر عباس مظفر، مراجعة: الدكتور فاروق منصور، البتراء، الأردن، دار الفارس للنشر والتوزيع، 1995: ص 44
4- العيسى، جهينة سلطان وآخرون، موجز تاريخ الفكر الاجتماعي، سوريا، دمشق، سلسلة علم الاجتماع، الأهالي للطبع والنشر والتوزيع، ط 2، 2001: ص 44

وقد عدَّ «أرسطو» المواطن رجلاً حراً بينما عَدَّ العبد وإن كان مولوداً في بلاد الأحرار ليست له صفة الرجل الحر ولا يعد عضواً في المجتمع السياسي، والعبد في نظر «أرسطو» إنسان مملوك لا يعد جزءاً من الدولة، ولا يكتفي أرسطو باستثناء العبيد من المجتمع السياسي، بل يزيد على ذلك استثناء الأطفال؛ لأنهم غیر متساوين مع الكبار، وكذلك النساء فهن لسن على قدم المساواة مع الرجال(1).

وتبین المراجع التاريخية أن الشعب الذي يشیر إلى جهود المواطنین الذين يتمتعون بالأهلية القانونية في أثينا كانوا يجتمعون في جمعية شعبية، تضم مواطني أثينا الأحرار من الذكور، الذين بلغوا العشرين من العمر، وتقوم هذه الجمعية بمهام التشريع ومراقبة أعمال الحكومة، وتنتخب ضعف العدد المطلوب من أعضاء الحكومة ممن يشغلون الوظائف العامة، كالموظفین العموميین والقضاة وقادة الجيش والضباط ويتم اختيار العدد المطلوب من بین المنتخبین بالقرعة(2).

وفي أثينا كان الولاء لدولة المدينة، وقد أكد «أرسطو» أن الفرد بطبيعته إنسان اجتماعي سياسي يمكن أن يحقق طموحاته في الأمن عن طريق دولة المدينة وحياتها السياسية، وهي قمة الخیر العام وقمة الفضيلة(3).

إن الاغريقي لا يشعر في وجوده إلا كمواطن في المدينة، أي ليس فقط كساكن في مدينة تتوفر فيها الأبنية والتجهيزات المادية، بل كعضو قانوني في جماعة تدير

ص: 58


1- الظاهر، احمد جمال، دراسات في الفلسفة السياسية، اربد، الأردن، مكتبة الكندي، 1987: ص 392
2- وتوت، علي جواد كاظم، الدولة والمجتمع في العراق المعاصر دراسة تحليلية في سوسيولوجيا المؤسسة السياسية في العراق (1921 - 2003)، بیروت، مركز دراسات المشرق العربي للنشر، 2004: ص 301
3- الظاهر، احمد جمال، دراسات في الفلسفة السياسية، اربد، الأردن، مكتبة الكندي، 1987: ص 40

شؤونها بذاتها(1).

3- مفهوم المواطنة لدى الرومان (753 - 27 ق. م):

كان المجتمع الروماني قائماً على أساس طبقتین، طبقة الأشراف العليا والطبقة العامة الدنيا، وإن مفهوم المواطنة في جوهره كان يعني أن الفرد يعيش تحت توجيهات وحماية القانون، وتشكل المواطنة مجموعة من الحقوق والواجبات الأساسية مثل الخدمة العسكرية وتسديد الضرائب(2).

فالمواطنة الرومانية منحت للمواطنین الرومان امتيازات قانونية على درجة عالية من الأهمية، منها اختصاص المحاكم الوطنية في روما وحدها بمحاكمة المواطن الروماني وعدم احقية المحاكم في أية مدينة أخرى بمحاكمته. وفي هذه المرحلة اتصفت المواطنة باللامساواة بین الشعوب، مثلما كانت المواطنة في دول المدن الإغريقية تقوم على مبدأ اللامساواة بین إفراد الشعب الواحد في المدينة. أما في المرحلة الثانية فقد أصبح معيار الولاء وليس السكن، هو الأساس في اتصاف الفرد بالمواطنة. فأصبح كل أبناء الشعوب الخاضعة للإمبراطورية الرومانية مواطنین فيها واختفى التمييز بین الروماني وغیره من سكان الأقاليم المفتوحة.

وباعتقاد بعضهم أن السبب في هذا يعود إلى رغبة السلطة في تعزيز الولاء لروما، إذ إن مفهوم المواطنة لم يعد له ارتباط بالمشاركة السياسية، كما هو الحال في دول المدن اليونانية، وإنما ارتبط بالواجب العام، والمواطنة بهذا المعنى تحدد عملية الحياة

ص: 59


1- أيمار، اندرية وجانین أبوايه، بوابة وتاريخ الحضارات العام، الشرق واليونان القديمة، ترجمة فريد داغر وفؤاد ريحان، بیروت، موسوعة في سبع مجلدات، المجلد الأول، منشورات دار عويدات، ط 3، 2003: ص 2
2- هيتر، ديريك، تاريخ موجز للمواطنة، ترجمة مكرم خليل، بيروت، دار الساقي، 2007: ص 46

الجادة وتسعى للأفضل للكائن البشري الذي يطمع إلى النبل والكمال(1).

وشهدت الدولة الرومانية ولادة حركة جديدة بمفهوم المواطنة، ليشمل العامة وبعد ذلك الشعوب الأخرى في الإمبراطورية الرومانية، وبمرور الزمن أصبح مفهوم المواطنة يتجه أكثر إلى الحماية في ظل القانون منه إلى المشاركة الفعالة في تشريع وتطبيق قانوني. ومع صیرورة الاندماج السياسي كسمة ولاء في الإمبراطورية، وليس فقط المشاركة في الحياة السياسية والعامة، أعطى الإمبراطور (كاراكلا)(2) في عام (212 م) وضعا قانونيا للمواطنة يشمل عددا كبیرا من السكان وإن استمر استثناء الطبقات الأفقر والعبيد والنساء(3).

وقد شرع هذا الامبراطور أشهر القوانین المتعلقة بالمواطنة الرومانية في الدستور الانطوائي، فقد أزيلت كل الاستثناءات والاختلافات المتنوعة في درجات المواطنة مما أدى إلى شمول سكان الامبراطورية الأحرار في مكانة المواطنة، وكانت الإمبراطورية الرومانية تسعى إلى كسب ولاء جميع الشعوب المنضوية تحت لوائها فهذه النزعة كانت تناسب سياسة الامبراطورية بزيادة رقعة المواطنة، ومن ثم زيادة عدد المواطنین الذين يخضعون لضريبة وتعزيز الموارد المالية التي يمكن

ص: 60


1- كليفورد، ادروين، المواطنة والسلوك الحضاري كمكونین للديمقراطية الليبرالية، ترجمة: سمير عزت نصار، مراجعة الدكتور احمد يعقوب المجدوبة، عمان، الاردن، دار النسر للنشر والتوزيع، 1984: ص 102
2- كاراكلا الامبراطور الروماني الذي حكم من 211 م - 217 م. كاراكلا ذو الاصول الليبية الامازيغية من ابيه سيبتيموس سيفيروس ومن امه السورية جوليا دومنا الشهيرة ابنة مدينة حمص التي كانت ذات نفوذ وقوة وسلطة في الامبراطورية الرومانية. (الغوري وآخرون، 2004: ص 186
3- مناع، هيثم، المواطنة في التاريخ العربي الإسلامي، القاهرة، مركز القاهرة لحقوق الإنسان، 2011: ص 5

الإفادة منها للإنفاق والتجنيد العسكري، مما يؤدي إلى توسع الإمبراطورية. وعلى المرء أن يكون مواطناً عالمياً عن طريق العيش على وفق قواعد كونية للتصرف الصالح، وعلى الفرد ككائن سياسي فاضل أن يكون مخلصاً وان يشعر بولاء عميق لكل من دولته وللقانون الطبيعي، فهو عضو في كل من المدينة (polis) وهي الدولة الموجودة قانونياً ودستورياً والمدنية العالمية وهي فكرة مجازية للمجتمع الكوني الأخلاقي(1).

4- مفهوم المواطنة في العصور الوسطى (476 - 1453 م):

تراجعت المواطنة من الناحية التطبيقية خلال العصور الوسطى في اوربا، التي امتدت من (300 - 1300 م) ويعود هذا التراجع الى أمور معينة منها هيمنة الجانب الديني المتمثل بالكنيسة على تقاليد السياسة خلافا للعصور السابقة، إذ ارتبطت المواطنة بالمسألة الدينية، فتميزت هذه الحقبة بالصراع القائم بین السلطة الروحية المتمثلة بالكنيسة والسلطة الزمنية المتمثلة بالدولة، فقد كانت الكنيسة مستقلة عن النظام السياسي ولم يعد الدين في خدمة الدولة بل أصبح له طموح في قيادة المجتمع ومنافسة الدولة في تشكيلة إدارة شؤونه، وبعد اعتناق الإمبراطور قسطنطين المسيحية لأول مرة، ظهر ما يعرف (ببابوية القيصر) التي تعني دمج الدين بالدولة(2)، اذ أصبحت المسيحية دين الدولة الرسمي، وطبقاً لذلك فإن مفهوم المواطنة شهد تطوراً من ناحية الكم في حین انحسر من جانب آخر في بداية الأمر، إذ ارتبط المفهوم بالمسألة الدينية، فالمسيحي هو المواطن من دون

ص: 61


1- هيتر، ديريك، تاريخ موجز للمواطنة، ترجمة مكرم خليل، بیروت، دار الساقي، 2007: ص 56 - 61
2- ارنبیرغ، جون، المجتمع المدني من اليونان حتى القرن العشرين ترجمة: حسن كاظم، علي حاتم صالح، (بغداد، اربيل، بیروت)، مطبعة الدراسات الإسراتيجية، 2007: ص 13

غیره من أبناء المدن والإمبراطوريات ذوي الانتماءات الدينية الأخرى كاليهود، وحصرت الحقوق والامتيازات بالمسيحيين دون غيرهم(1).

لقد سمحت المسيحية بتعدد الولاء للدولة والله (عزوجل) معاً في حالة واحدة فقط وهي عندما تعمل الدولة في حدود القوانین الإلهية، أما إذا كان هناك تعارض بین الولاءات لا بد من نبذ ولاء الدولة والتمسك بالولاء لله وتظهر ثنائية الولاء جلية في القول «أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله»(2).

وكان هذا جزءاً من نظرة عامة قائمة على التمييز بین شيء اسمه مملكة الله وآخر اسمه مملكة الشيطان، والنظر إلى الإنسان على أنه مشدود بروحه إلى الأولى وبجسده إلى الأخرى، وخلاصة الإنسان تتمثل في التكفیر عن الخطيئة الأصلية (التي كان الجسم وشهواته سببها أكل آدم من الشجرة المنهي عنها) وذلك بربط حياته بمملكة الله التي تمثلها الكنيسة على الأرض(3).

وذهب اغلب فلاسفة الكنيسة المسيحية إلى ذلك فآمنوا بأن مواطن مدينة الله هو الأفضل بكثیر من مواطن مدينة الإنسان حتى لو كانت مثالية، وبعد انحسار الامبراطورية الرومانية، برز نفوذ الكنيسة التي كانت تملك ما يربو على ثلث مساحة الأراضي الزراعية في أوربا وحدها، وظهر النظام الاقطاعي الذي أفرز معه شبكة متداخلة من العلاقات الاجتماعية، وفي هذه المرحلة بلغ النظام الطبقي قمته، واتسع نطاق الامتيازات الطبقية وكانت الإقطاعية تشكل الوحدة

ص: 62


1- علوان، بتول حسین، المواطنة في الفكر الإسلامي المعاصر، أطروحة دكتوراه، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، العراق، 2006: ص 12
2- الظاهر، احمد جمال، دراسات في الفلسفة السياسية، اربد، الأردن، مكتبة الكندي، 1987: ص 400
3- الجابري، محمد عابد، الروافد الفكرية العربية والإسلامية لمفهوم التنمية البشرية، في ندوة: التنمية البشرية في الوطن العربي، بیروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2004: ص 45

الاجتماعية الإنتاجية الأساس(1).

وبهذا فإن مفهوم المواطنة في العصور الوسطى ظل يعكس النظرة الضيقة للإنسان، من خلال اعتماد معاير المشاركة السياسية أو الانتماء الديني أو الاقتصادي، باستثناء مرحلة معينة من تاريخ الإمبراطورية، فقد أصبح المفهوم سياسياً واتسع لكل من يدين بالولاء لهذه الدولة من خلال الخضوع لإقليم تابع لها(2).

5- مفهوم المواطنة في عصر النهضة (1400 - 1630 م):

أما في عصر النهضة فحظيت المواطنة باهتمام المفكرين السياسيين. إذ برز تياران تعاملا مع مفهوم المواطنة، هما تيار فلاسفة التنوير الذين أصبحت المواطنة عندهم ذات محتوى نظري واسع، وكانت لهم الأسبقية، ثم أعقبهم التيار الثاني الذي طور تحليلات التيار الأول بشكل جلي في الإطارين النظري والواقعي، ويتضح ذلك بالتفصيل الآتي:- التيار الأول:- هذا التيار سعى الى صياغة مفهوم جديد للمواطنة، يتلاءم مع المنظومة الفكرية لدى كل مفكر فيما يرتبط بالمجتمع والدولة والسلطة. ولكن أصحاب هذا التيار لم يتفقوا على معيار واحد للمواطنة، ف (جون لوك)(3) عدّ المواطنة وليدة المجتمع

ص: 63


1- العيسى، جهينة سلطان وآخرون، موجز تاريخ الفكر الاجتماعي، سوريا، دمشق، سلسلة علم الاجتماع، الأهالي للطبع والنشر والتوزيع، ط 2، 2001: ص 58
2- Shaw،Jo، Interpreting the concept of European citizenship problems and possibilities، Inakershen. ed، (Aqnestion)، of Identity Aldershot،1998.: P 235)
3- جون لوك: هو فيلسوف تجريبي ومفكر سياسي إنجليزي (1632 - 1704 م) ولد في رنجتون في إقليم سومرست، من اهتماماته نظرية المعرفة وفلسفة السياسة والعقل. (ديورانت، 1988: ص 47

المدني، وبما أن الإنسان يعيش في مجتمع مدني، فلا بد أن يكتسب صفات المواطنة، أما (هوبز)(1) فقد ربط بین الانتماء لمجموعة من الناس والمواطنة، مميزا بينها وبین الرعية التي تطلق على الفرد عندما يصبح عضوا في دولة ما(2).

وأما (روسو)(3) فإنه في مؤلفه الشهير «العقد الاجتماعي» يربط مفهوم المواطنة بمعنى السيادة والطاعة، وإن الإنسان هو المبدأ الأساس لقيام الدولة، ولا بد أن تراعى فيها الحرية والاختيار دون الاستعباد، فالوطن للجميع والحكم للجميع بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية والاختلاف والتنوع بین أفراده، فالعدالة والمساواة والإنصاف بین الأفراد من أهم الروابط التي تحقق العدالة الاجتماعية(4).

ص: 64


1- توماس هوبز: كان عالم رياضيات وفيلسوف إنكليزي (1588 - 1679 م) وهو أحد أكبر فلاسفة القرن السابع عشر بإنكلترا وأكثرهم شهرة خصوصا في المجال القانوني اذ كان إضافة إلى اشتغاله بالفلسفة والأخلاق والتاريخ، فقيها قانونيا. Hobbes، Thomas، Dictionary of Literary Biography، British Rhetoricians and Logicians، 15001660-، The Second Series Martinich، A. P، Detroit: Gale، 2003.:p130))
2- الخزعي، أمل هندي، إشكالية المواطنة في الخطاب الإسلامي المعاصر، مجلة العلوم السياسية، العدد (21)، 2005.: ص 103
3- جان جاك روسو: (1712 - 1778 م) عاش في جنيف، هو كاتب وفيلسوف، يعد من أهم كتاب عصر محاربة العقل، وهو احد رواد الثورة الفرنسية. Hugo، Howard، Jean-Jacques Rousseau، Confessions The Norton Anthology of World Masterpieces، New York: Norton، 1985: p 463
4- الشمري، هشام محمد خلف، فلسفة التربية والعدالة الاجتماعية عند روسو، اطروحة دكتوراه غیر منشورة، جامعة بغداد، كلية الآداب، قسم الفلسفة، 2012: ص 275

من هذا يتضح ان هؤلاء المفكرين أرادوا مفهوماً سياسياً يعتمد الأمة والدولة معياراً، وحتى تكون فكرة المواطنة واضحة لدى الناس دعا بعض المفكرين الأوربيین آنذاك الى توعية المواطنین بالواجبات المدنية التي تتطلبها المواطنة، ومن هذه الواجبات الالتزام بالمحافظة على الوضع، والاعتراف بالحكومة، والانضباط ومعرفة القوانین(1).

التيار الثاني:- أسهمت الثورات في الدول الاوربية عملياً في بلورة مفهوم المواطنة الذي يلتقي في جوانب منه مع توجهات وأفكار فلاسفة التنوير. فظهرت في بريطانيا عدة وثائق منها الميثاق الأعظم للحريات عام (1215) م، وهو وثيقة حقوق لضمان الحقوق الأساسية، وليكن كل مواطن محمياً بحرية التمتع بحياته، بحريته وبملكه فيعد الميثاق الاعظم في بريطانيا انطلاقة لمفهوم حقوق الانسان، ثم ظهرت لائحة الحقوق البريطانية لعام (1689) م، التي أعلنت عن حقوق وحريات المواطنین ولكنها استعملت مصطلح الرعية للدلالة على المواطنة، إذ كان يفهم من هذه الكلمة الإشارة الى حق الشعب في التصويت. ولكن بقيام الثورة الفرنسية عام (1789) م، وارتباطها بمفهوم الدولة الحديثة، وضعت أهم الأسس التي تمتعت بها فئة من الناس في العهد الملكي، وأعلنت مبدأ المساواة للجميع، وهو أهم مبادئ المواطنة(2).

ص: 65


1- الخزعلي، أمل هندي، إشكالية المواطنة في الخطاب الإسلامي المعاصر، مجلة العلوم السياسية، العدد (21)، 2005: ص 103
2- برهييه، اميل، تاريخ الفلسفة: القرن الثامن عشر، ترجمة: جورج طرابيشي، بیروت، دار الطليعة، 2004.: ص 201

كما أن الجمعية الوطنية الفرنسية صادقت على إعلان حقوق الإنسان وحقوق المواطن كوثيقة سياسية واجتماعية وثورية. وكانت المصدر الأساس لهذه الوثيقة نظريات المفكر الفرنسي (جان جاك روسو)، ثم دولت هذه الوثيقة، ودخلت مضامينها في ميثاق عصبة الأمم عام (1920) م، وميثاق الأمم المتحدة عام (1945) م، ثم أفردت دوليا بوثيقة خاصة هي الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام (1948) م، ومع انتشار الأفكار الثورية في أوربا تغیرت النظرة الى المواطنة، إذ أصبحت تمثل أداة لتعزيز الحكومة الشعبية والحريات الفردية والمساواة السياسية والقانونية، التي أصبحت مرتكزات أساسية لمفهوم المواطنة المعاصر(1).

وفي القرن الثامن عشر أفرزت ثلاثة اتجاهات في مفهوم المواطنة وهي:- أ. المواطنة الاجتماعية:- وارتبطت بالبعد الاقتصادي، والاجتماعي، كحق المواطن في الضمان الاقتصادي، والاجتماعي.

ب. المواطنة المدنية:- وهي التي ركزت على الحقوق الضرورية للإنسان، كحق الفرد في الملكية، والحريات الشخصية، والعدالة.

ج. المواطنة السياسية:- وهي الوجه السياسي للحقوق التي يتمتع بها الفرد، ومنها حق المشاركة في السلطة السياسية(2).

د. أما في القرن التاسع عشر فأخذ المفهوم بالتطور من الناحية النوعية والكمية فقد اتسع ليشمل البالغین من الذكور والإناث بعد أن كان مقتصرا على الذكور

ص: 66


1- عمارة، محمد، الإسلام وحقوق الإنسان ضرورات لا حقوق، مصر، القاهرة، دار السلام للطباعة والتوزيع والترجمة، 2005: ص 13
2- (Rourke، Mary، The Union And Its Citizenship، Instiute of European Affairs Conference، Dublin،1996: P 36

فقط، وتحسنت أيضا آليات ممارسته، فضلا عن اتساع رقعة مراعاته جغرافيا إذ شمل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والسياسية والقانونية.

وأسهمت في هذا التطور العوامل الآتية:- 1. إرساء حكم القانون وإقامة دولة المؤسسات.

2. تكوين الدولة القومية الحديثة.

3. المشاركة السياسية وتداول السلطة سلميا.

وعملت هذه العوامل في واقع الأمر، على نقل المواطنة من المفهوم التقليدي ذي الجذور الاغريقية والرومانية الى المفهوم الحديث لها، الذي تبلور بجلاء عبر القرن العشرين، والذي استند إلى أفكار عصر النهضة والتنوير ومبادئ حقوق الإنسان واعتماد الشعب مصدرا للسلطات. وهكذا أصبح احدى الركائز الأساسية للعملية الديمقراطية(1).

وفي أواخر القرن العشرين شهد المفهوم تطورا آخر ارتبط بظهور ما اسماه (كوبر)(2) ب (أنموذج الدولة ما بعد الحديثة) التي تتميز بالخصائص الآتية:

1. التداخل ما بين الشأن الداخلي للدولة والشأن الخارجي.

2. التدخل المتبادل في الشؤون الداخلية والرقابة المتبادلة.

ص: 67


1- الكواري، على خليفة، المواطنة والديمقراطية في البلدان العربية، بیروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2001: ص 25 - 29
2- شیرارد كوبر كولز: ولد في لندن (1955 - م) وكان مستشاراً في السفارة البريطانية، ثم وكيل وزير الخارجية لشؤون الدفاع (2002 - 2010 م) وهو الآن كبیر مستشاري الرئيس التنفيذي (Sir (Sherard،2008: P 78

3. رفض مبدأ القوة في حل النزاعات وسيادة حكم القانون.

4. اعتماد مبادئ الشفافية والانفتاح المتبادل، والمخاطر المتبادلة في موضوع الأمن.

ويبین (كوبر) أن الاتحاد الأوربي وكندا أنموذجان لهذا النوع من الدول ما بعد الحديثة، والمواطنة في الاتحاد الأوربي طبقا للدستور ليست بديلة عن المواطنة القومية لدول الاتحاد، وإنما كانت مكملة لها، فكل مواطن يحتفظ بمواطنته القومية وبما يتفرع عنها من حقوق وواجبات، فضلا عن تمتع المواطنین بالحقوق والتزامهم بالواجبات التي تنشأ بموجب هذه المعاهدة فقد أشارت معاهدة ماسترخت إلى مجموعة من المبادئ الخاصة بالمواطنة، إذ حددت المادة الأولى من دستور الاتحاد شرعية إنشائه، لأنها مستمدة من إرادة الدول الاوربية ومواطنيها. وهذه إشارة إلى أن التعهدات الأوربية في ظل الدستور الاتحادي لم تكن قائمة على أساس إرادة الدول فقط شأنها شأن بقية المعاهدات، وإنما كانت نتيجة الإرادة العامة لكل المواطنین الأوربيین(1).

6- مفهوم المواطنة لدى العرب:

أ: المواطنة قبل الإسلام (853 ق. م - 612 م):

كان التنظيم القبي قبل الإسلام، قائماً على الأساس العشائري القبلي، وتعد القبيلة أساس الكيان السياسي أو الاجتماعي، ومضارب الخيام حول الكلأ والماء هو الوطن في الأنموذج العربي، الوطن لم يكن بصورته ومفهومه اللذين آل اليهما

ص: 68


1- علوان، بتول حسین، المواطنة في الفكر الإسلامي المعاصر، أطروحة دكتوراه، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، العراق، 2006.: ص 16 - 17

في الفكر السياسي في الوقت الحاضر، بل كانت القبيلة أينما حلت وارتحلت بحثا عن القوت أو الأمن، أو عنهما معًا هي موطن تلك القبائل، وبذلك كان الوطن في تلك الذهنية القديمة متعددا في إطار واحد كبیر عرقي (العروبة) وجغرافي (شبه الجزيرة العربية)، لكن من الضروري الإشارة الى أن أعراف القبيلة العربية قد حتمت بأن تجعل من الفرد مواطنًا له حقوق وعليه واجبات، فهو شريك في الماء والمرعى والأمن العائلي من جهة، ومشارك في حماية القبيلة وما يلزمها من تبعات في الحرب والسلم من جهة أخرى. فقد كان العرف يجعل من الفرد مواطناً، ومن القبيلة بمثابة أنموذج مصغر للدولة، ومن المكان المؤقت وطناً، حتى الأفراد الذين يكونون خارج القبيلة لسبب من الأسباب، ولم ينقطع حبل ولائهم لها أو ولاء لقبيلة أخرى معادية يبقى مرتبطًا بأعراف قبيلته ملتزمًا بها ومستفيدًا منها(1).

ب: المواطنة في الإسلام (612 م):

شكل ظهور الإسلام تحولاً لمفهوم المواطنة الذي ارتبط بمجموعة من المفاهيم الأساسية في النظام الإسلامي، تمثلت ب (الحرية، المساواة، العدل) بین جميع أفراد الجنس البشري، وتكمن المواطنة في الإسلام بعلاقتین أساسيتين تتناسبان تناسباً طردياً، حيث علاقة الانسان بالخالق وعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان، وجاء الإسلام بقيم ومفاهيم عن الحياة والإنسان والعمل والعلاقات الاجتماعية، وعَدَّ الإسلام التقوى هي ميزان التفاضل بین الناس، فالإسلام يقوم على الأخوة الدينية، فالمسلم يرتبط مع أخيه بروابط فوق الزمان والمكان(2).

ص: 69


1- الكواري، على خليفة، المواطنة والديمقراطية في البلدان العربية، بیروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2001.: ص 17
2- الصدر، محمد باقر (ت 1400 ه)، الإسلام يقود الحياة، لبنان، دار التعارف للمطبوعات، 2001: ص 209 - 210

فضلاً عن أن القرآن الكريم فيه نصوص ترفع من شأن الأخوة الإيمانية، إذيقول الله (عزوجل) في محكم كتابه:«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»(1).

إن مطابقة الكلمة العصرية (مواطن) في المصطلح الإسلامي القديم هي كلمة (مسلم) ولا (مواطن)، ويرجع ذلك الى أن هوية المجتمع الديني والسياسي في بدايات المجتمع الإسلامي كانت من المسلّمات، اذ يتمتع الفرد بحكم كونه مسلما بعضوية كاملة في المجتمع السياسي(2).

ويمكن القول: إنَّ فكرة المواطنة لم تكن غائبة عن جوهر المنظومة الإسلامية وإنْ كانت لم ترد في أدبيات الفقه السياسي الإسلامي، لكن أولاها المشرع الإسلاميّ أهمية في ترسيخ العلاقة بین المواطن والوطن، في ضوء تنمية الشعور الجمعيّ لمسألة الانتماء للوطن المقترن بالتجذر التاريخيّ في خدمة الوطن الذي يجعل من الوطنية الجانب الفعليّ أو الحقيقيّ بدلالة التوحد مع الأمة(3).

والمواطنة والوطنية لفظتان مرتبطتان في الأصل اللغوي والدلالة المضمونية فالوطنية تعني بحسب لفظها نزوعاً انتسابياً الى المكان الذي يستوطنه الإنسان، مثلما هو جار بالنسبة للأديان كيهودي، أو بوذي، أو لأي جماعة بشرية وكان هذا

ص: 70


1- الحجرات / 10
2- الأفندي، عبد الوهاب، إعادة النظر في المفهوم التقليدي للجماعة السياسية، مجلة المستقبل العربي، العدد (2)، 2001: ص 145
3- الحلي، وليد شهيب، والزبيدي، سليمان نايف، التربية على حقوق الإنسان، بغداد، معهد بغداد للدراسات الستراتيجية والمستقبلية، مطبعة الأحمد للطباعة، 2007: ص 99

النزوع موجوداً لدى العرب منذ القدم وهو نزوع عاطفي، والعرب ينتسبون الى أوطانهم، فهذا نجدي وذاك حجازي وآخر تهامي ثم كان بعد الإسلام الشاميون والعراقيون والمصريون(1).

ويؤكد (عبد الكريم غلاب) أن مفهوم المواطن يرتبط بمفهوم الوطن الذي ينتمي إليه ويقيم فيه ويحصل استناداً اليه على الحماية والتعليم والحرية وغيرها، وتلك حقوق يتيحها الوطن لأفراده، فهو المكان الذي يتشارك فيه الأفراد بكونهم مواطنین لهم حقوق اجتماعية وسياسية وقانونية ومن ثم فإن ضمانة المواطنة هي في الحفاظ على مفهوم الوطن، ويمكن ملاحظة ذلك في ضوء الأزمات التي يتعرض لها الوطن فتجد أن المواطنة تتفاعل مع مفهوم الوطنية(2).

ويعد الوطن عند العرب من الموجبات الحياتية للفرد وتتضح بقوة من خلال:

الموجب الأول: إنه المسكن الذي فيه الغذاء والأهل والولد.

الموجب الثاني: إنه مكان الحقوق والواجبات التي هي مدار الحياة السياسية، وهما شعوران حسيان ظاهريان يجب أن يمارسا من قبل الإنسان.

الموجب الثالث: إنه موضع النسبة التي يعلو بها الإنسان ويعز أو يسفل أو يذل، وهو معنوي محض(3).

ص: 71


1- الزنيدي، عبد الرحمن بن زيد، فلسفة المواطنة، الرياض، مطابع الشريف، 2002: ص 4
2- غلاب، عبد الكريم، أزمة المفاهيم وانحراف التفكیر، سلسلة الثقافة القومية، مركز دراسات الوحدة العربية، بیروت، 1998: ص 58
3- خوري، رئيف، الفكر العربي الحديث، دمشق، وزارة الثقافة، ط 3، 2013.: ص 220

ثالثاً: دلائل مفهوم الوطن والمواطنة إسلامياً:

1- المواطنة في القرآن الكريم:

يُعد القرآن الكريم المصدر الاول لفهم الدين الإسلامي، فيحمل في آياته المرتكزات والنصوص الأساسية الموجزة والمعجزة للتصور الإسلامي للحياة، وقد اشتمل على العديد من الآيات القرآنية المؤصلة للمواطنة فيمكن أن نجد لها جذوراً في الفكر الإسلامي في أسمى معانيها، وإن أخذت عناوين للدلالة عن المواطنة، كالأمة والقوم فإذا كانت المواطنة تعني العضوية في الأمة، كان هذا المعنى موجوداً في الفكر السياسي الإسلامي بشكل راسخ لا يقبل أي تأويل(1).

وفيما يأتي بيان لبعض هذه الآيات:

قال الله سبحانه وتعالى:

(وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا)(2).

(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَةٌ يَدْعُونَ إِلَی الْخَيْرِ)(3).

(إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)(4).

ص: 72


1- القبانجي، السيد صدر الدين، علم السياسة: تجديد من وجهة نظر إسلامية، بیروت، مؤسسة دار الفكر، 1997: ص 200
2- (يونس / 19
3- (آل عمران / 104
4- (الانبياء / 92

(وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ)(1).

(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(2).

(بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ)(3).

(وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ)(4).

(وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ)(5).

(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)(6)).

ومن خلال تأمل الآيات السابقة، يتضح ما يأتي:

تقوم الرؤية الإسلامية على أن الأمة، تشیر إلى جماعة، متوحدة فكراً وسلوكاً، والأمة إشارة إلى انتماء؛ اذ تؤكد الآيات الكريمة أن العلاقة بین أبناء الوطن الواحد قائمة على قيم التعاون والعدل والتناصح وحب الخیر للآخرين وكل سلوك يرضي الله (عزوجل)، وهكذا يقرر القرآن الكريم دستور الإسلام الذي ينص على أن البشرية من أصل واحد تجمعهم أخوّة الأصل الواحد، وهذا يستدعي

ص: 73


1- (يوسف / 45
2- (النحل / 120
3- (الزخرف / 22
4- (غافر / 38
5- (العنكبوت / 16
6- (يونس / 47

التراحم والحب والتعايش على البر والتقوى، ولو فهم الناس هذا وعملوا به لاختفت العصبية الجاهلية والتمايز الجنسي واللوني والعرقي، واتحدت البشرية في وحدة واحدة، وحدة إنسانية متعاونة، متعايشة متآلفة، تبنى لصالح الإنسان، وترتكز هذه العلاقة على قاعدة الولاء للمؤمنین والبراءة من الكافرين والفاسقين، ولوحظ كذلك في القرآن الكريم أن خطاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يوجه لقوم بعينهم كما أنه لم ينسُب نفسه إلى قوم ما وإنما كان موجهاً للناس جميعاً كما بین (عزوجل) في قوله: «قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ»(1).

فأرسل إلى الناس كافة ليخرج عباد الله جميعاً من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن هنا لم يكن خطابه لأمة دون أمة ووطن دون آخر ولكن كان موجهاً للنفس البشرية(2).

2- المواطنة في السنة النبوية الشريفة:

تعُد السنة النبوية الشريفة المصدر الثاني من مصادر الدين الإسلامي بعد القرآن الكريم وقد جاءت السنة النبوية شارحة ومفسرة ومبينة ذلك، وإن السیرة العطرة للرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) رسمت خارطة طريق للمشكلات التي تعاني منها المجتمعات اليوم، مشیرا إلى أن قيم السلام والمحبة ونبذ العنف والتطرف هي اولى القيم التي نادى بها (صلى الله عليه وآله وسلم) من خلال دستور المدينة، إذ نص على مضمون المواطنة التي تعني المساواة التامة بین أبناء

ص: 74


1- الحج / 49
2- الندوي، ابو الحسن علي، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، بیروت، نشر مكتبة الايمان، 1990: ص 118 - 119

الوطن الواحد، وأشار إلى أن المؤمنین من أهل مكة ويثرب أمة واحدة(1).

إن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) أول من وضع المعنى الحقيقي لمفهوم المواطنة فأسس في السنة الأولى للهجرة (عام 623 م) دستور المدينة المساة (بصحيفة المدينة) التي تعد من أهم الوثائق التاريخية التي أرست المبادئ التي قام عليها مفهوم المواطنة، في الدولة الاسلامية، وهي بمثابة مرجعية دستورية، وتعرض بنود الصحيفة اثنین وخمسین بنداً، كلها من رأي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، خمسة وعشرون منها خاصة بأمور المسلمين، وسبعة وعشرون مرتبطة بالعلاقة بین المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى، ولا سيما اليهود وعبدة الأوثان، وقد دُونّ هذا الدستور بشكل يسمح لأصحاب الأديان الأخرى بالعيش مع المسلمين بحرية، ولهم أن يقيموا شعائرهم بحسب رغبتهم ومن غیر أن يتضايق أحد الفرقاء(2).

واشترط الدستور التناصر والمساواة بین سكان المدينة جميعاً، وفي حال تعرضها إلى أي اعتداء خارجي على غیر المسلمين مساندة المسلمين في الدفاع عنها(3).

لا شكّ أن لدستور المدينة أهميّةً بالغةً في التاريخ الإسلامي، فقد شكّل منعطفاً دينيّاً، وسياسيّاً، وحضاريّاً، على مستوى البشريّة جمعاء، فمن يتمعَّن فيه ويحلِّل بنوده يرَ فيه أنموذجاً يُحتذى، ليس فقط على مستوى الجزيرة العربيّة، وقبل أربعة

ص: 75


1- العريان، عصام، مبدأ المواطنة الحوار القومي - الديني، بیروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1997: ص 15
2- جورجيو، كونستانس، نظرة جديدة في سیرة رسول الله، تعريب: محمد التونجي، الدار العربية للموسوعات، 1983: ص 192
3- الغنوشي، الشيخ راشد، الحريات العامة في الدولة الإسلامية، بیروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1993: ص 95

عشر قرناً، بل على مستوى العالم، وفي أيّ مكان وزمان، إنّه أنموذج للمواطنة وللتعايش الدينيّ المشترك ولحقوق الأقليّات الدينيّة في المجتمع المسلم، اذ نرى الحس الوطني والعدالة الاجتماعية تعمُّ الجميع، لقد عاش المسلمون في ظلال النبوة في دولة المدينة يقدمون هذا العقد الذي يربط بین المؤمنین برباط الإيمان، ويربط بین المؤمنین وغيرهم من أبناء الدولة أو سكان الدولة أو مواطني الدولة برابطة المواطنة، وإن لهذا الوطن حقوقا يتساوى فيها أعضاؤه بصرف النظر عن قبائلهم العنصرية التي نسميها الآن العرقية، وبصرف النظر عن أديانهم(1).

وقد حدد الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من خلال بعض أحاديثه الدالة على المواطنة ومنها حبه لمكة فقد كانت مكة أطيب وأحب البلاد إليه، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لمكة: (ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ولو لا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غیركِ)(2).

ومن حب الوطن حب معالمه مثل الجبال كما كان يفعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد أحبَّ جبل أُحد كما في قوله: (هذا جبل يحبنا ونحبهُ اللهم إنَ إبراهيم حرم مكة وإني أُحَرم ما بین لابتيها)(3).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إِنِّی سألت ربي عزّ وجلّ فقلت:

اللهم إنك أخرجتني من أحبَ أرضك إلي فأنزلني أحبَ الأرض إليك، فأنزلني

ص: 76


1- الكواري، على خليفة، المواطنة والديمقراطية في البلدان العربية، بیروت، مركز دراسات الوحدة العربية: ص 117
2- ابن حبان، محمد بن أحمد (ت 354 ه)، صحيح ابن حبان، بیروت، تحقيق: شعيب الارنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط 2، 1993، ح 3709: ص 109
3- البخاري، أبو عبد الله محمد (ت 256 ه)، الأدب المفرد، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بیروت، دار البشائر الإسلامية، ط 3، 1989، ح 4048: ص 100

المدينة)(1).

وعن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركةِ.)(2) وقال نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): (المسلمون تكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يدٌ على من سواهم.)(3) وقال نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): (ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منَا من قاتل على عصبية وليس منَا من مات على عصبية)(4).

وقال ايضاً (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونيةٌ وإذا استنفرتم فانفروا)(5).

وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رحيماً، فقال لنا: (ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم

ص: 77


1- النيسابوري، أبو عبد الله محمد (ت 405 ه)، المستدرك على الصحيحین، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، بیروت، لبنان، دار الكتب العلمية، (5 أجزاء)، ط 2، 2005، ج 3: ص 278
2- البخاري، أبو عبد الله محمد (ت 256 ه)، الأدب المفرد، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بیروت، دار البشائر الإسلامية، ط 3، 1989، ح 1885: ص 32
3- ابن حنبل، أبو عبد الله احمد (ت 241 ه) المسند، تحقيق: احمد محمد شاكر، بیروت، دار صادر، 1950، ج 11: ص 402
4- آبادي، محمد شمس الحق (ت 1329 ه)، عيون المعبود في شرح سنن أبي داود، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، بیروت، دار الفكر، 2002، ح 5121: ص 22
5- البخاري، أبو عبد الله محمد (ت 256 ه)، الأدب المفرد، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بیروت، دار البشائر الإسلامية، ط 3، 1989، ح 2540: ص 392

أحدكم ثم ليؤمّكم أكبركم.)(1) وقال ايضاً (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا يؤمن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّه لنفس ه)(2).

3- المواطنة لدى الإمام علي (عليه السلام) لقد قام الإمام علي (عليه السلام) منذ اليوم الأول لتوليه الخلافة بإلغاء (العطاء الطبقي) وجعله عطاءً يتساوى فيه السابق واللاحق في الإسلام، والزعيم والمرؤوس والمسلم وما إلى ذلك والكل سواء والكل مواطن فلا فرق بينهم، وبذلك تُزال الحواجز وتوثّق بينهم الوحدة الإنسانية. وجاء الإسلام بكثیر من القيم وصرّح بها الإمام (عليه السلام)، فمنها ما ورد في تنظيم العلاقة بین الخالق والمخلوق، ومنها ما ورد في بيان كيفية التعايش بین المخلوقات أنفسهم ومنها ما تعرض لبيان قدسية الزمان والمكان وغیر ذلك(3).

وأعطى الحقوق لكافة الأديان في حرية طقوسها وعباداتها في بيعها وكنائسها وصوامعها وأديرتها ضماناً لحقوق المواطنة. وأطلق العنان لحرية الفكر بشرط أن لا يتعارض والقانون ويمس بالمجتمع فالجميع سواء، وقد انطلق الإمام (عليه السلام) من تأكيد الإسلام على أولوية الانتماء الديني في صياغة العلاقة

ص: 78


1- مسلم، أبو الحسین مسلم (ت 261 ه)، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بیروت، دار إحياء التراث العربي، 1991، ح 674: ص 465
2- البخاري، أبو عبد الله محمد (ت 256 ه)، الأدب المفرد، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بیروت، دار البشائر الإسلامية، ط 3، 1989،ح 334: ص 92
3- الحكيم، محمد باقر (ت 1424 ه)، دور اهل البيت في بناء الجماعة الصالحة، ايران، دار الحكمة، ط 4، 2007: ص 24

الإنسانية، وأن يكون هذا الانتماء متحرراً من لوازم الجغرافية والخصوصيات الذاتية للمجتمعات. فالإسلام لا يتعارض مع اعتماد المواطنة كوحدة بناء الجماعة السياسية(1).

وأرسى الامام علي (عليه السلام) حب الوطن وقيم المواطنة من خلال أقواله ومنها:

(من كرم المرء بكاؤه على ما مضى من زمانه، وحنينه الى اوطانه، وحفظه قديم إخوانه ه)(2).

(إن افضل قرة عین الولاة استقامة العدل في البلاد، وظهور مودة الرعية، وانه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم)(3).

وقال (عليه السلام): (الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة)(4).

وقوله (عليه السلام) يصف الكوفة: (هذه مدينتنا ومحلنا ومقر أنصارنا)(5).

وقال (عليه السلام): (أنصف الله وأنصف الناس من نفسك، ومن خاصة

ص: 79


1- العادلي، حسین درويش، المواطنة بین ضرورات الواقع وجدليات المدارس، بغداد، دار المرتضى، ط 2، 2007: ص 65
2- الريشهري، محمد محمدي، منتخب ميزان الحكمة، تحقيق: حميد الحسيني، مصر، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، (10 أجزاء)، 1996، ج 9: ص 417
3- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، ك 53: ص 326
4- (المصدر السابق، ق. ح 56: ص 362
5- المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي (ت 1111 ه)، بحار الانوار، تحقيق: مؤسسة الوفاء، بیروت، ط 2، (110 أجزاء)، 2009، ج 32: ص 236

اهلك، ومن لك فيه هوى، من رعيتك، فإنك إلا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته، وكان لله حرباً حتى ينزع أو يتوب)(1).

وقال (عليه السلام): (ابذل معروفك للناس كافة، فان فضيلة فعل المعروف لا يعدلها عند الله سبحانه شيء)(2).

وكان يربي الأمة على التقوى والصلاح التي تنمي روح المواطنة كما في قوله (عليه السلام): (أما بعد، فإني اوصيكم بتقوى الله الذي ابتدأ خلقكم، وإليه يكون معادكم، وبه نجاح طلبتكم، وإليه منتهى رغبتكم، فإن تقوى الله دواء داء قلوبكم، وبصر عمى افئدتكم، وشفاء مرض أجسادكم، وصلاح فساد صدوركم، وامن فزع جأشكم، فاجعلوا طاعة الله شعارا، فإن طاعة الله حرز من متالف مكتنفة، فمن اخذ بالتقوى عزبت عنه الشدائد بعد دنوها، واسهلت له الصعاب بعد إنصابها، وتحدبت عليه الرحمة بعد نفورها، وتفجرت عليه النعم بعد نضوبها، ووبلت عليه البركة بعد إرذاذها. فاتقوا الله الذي نفعكم بموعظته، وامتن عليكم بنعمته. فعبّدوا أنفسكم لعبادته، وأخرجوا إليه من حق طاعته)(3).

وقال (عليه السلام) في حبه للكوفة: (كأني بك ياكوفة تمدين مد الأديم

ص: 80


1- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، ك 53: ص 322
2- الريشهري، محمد محمدي، منتخب ميزان الحكمة، تحقيق: حميد الحسيني، مصر، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، (10 أجزاء)، 1996.، ج 5: ص 518
3- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، خ 198: ص 228

العكاظي تُعركین بالنوازل، وتركبین بالزلازل، وإني لأعلم أنه ما اراد بكِ جبارُ سوءاً إلا ابتاه الله بشاغلٍ، ورماه بقاتلٍ)(1).

رابعا: مفهوم تربية المواطنة في الإسلام

إن تربية المواطنة، لا يقصد بها تعليم الأفراد بمعارف وتصورات حول المواطنة، بقدر ما ترمي إلى تأسيس أنماط بالقيم التي ترتبط بها، فالتربية على المواطنة ليست تربية معرفية فقط، بل هي تربية قيمية بالدرجة الأولى، فاهتمام هذه التربية بالجانب المعرفي لا يعد قصدا نهائيا من هذه التربية فهي تتوجه بالأساس إلى قناعات الفرد وسلوكياته، من خلال توجيه نظر المدرسة والإسرة للقيام بدورها نحو تنشئة وطنية وغرس قيم الولاء والانتماء قولاً وفعلاً(2).

تستمد تربية المواطنة توجهاتها وفلسفتها وغاياتها من الشريعة الإسلامية سواء كان في إطارها النظري أم في تطبيقاتها العملية، فهي تربية هادفة لإعداد المواطنین في الامة الإسلامية، سواء تمت في مؤسسات نظامية كالمدارس والجامعات أو غیر نظامية كالمنزل ووسائل الاعلام(3).

تعرف تربية المواطنة بأنها: عملية غرس مجموعة من القيم والمبادئ والمعارف لدى الأفراد لتساعدهم على أن يكونوا صالحین قادرين على المشاركة النشطة في

ص: 81


1- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، خ 47: ص 30
2- (احمد، ماهر، العولمة والهوية الثقافية، دراسة لموقف المثقف المصري، اطروحة دكتوراه غیر منشورة، القاهرة، جامعة عین شمس، كلية الآداب، اختصاص اجتماع، 2002: ص 69
3- النقيب، عبد الرحمن عبد الرحمن، التربية الاسلامية المعاصرة في مواجهة النظام العالمي الجديد، القاهرة، مصر، دار الفكر العربي، 1997: ص 184

كافة قضايا الوطن ومشكلاته(1).

ويعرفها الجوهري بأنها: نوع من التربية يستهدف تزويد الناشئة بمجموعة من المعارف والقيم والتوجيهات السلوكية التي تمثل مبادئ ضرورية لحياته وتواجده وعضويته في المجتمع، وتحرص على إكسابهم الثقافة السياسية والمدنية للدولة من خلال احتكاكهم بالأنشطة التعليمية التي تتناول الجانب المعرفي والوجداني والمهاري والسلوكي للمتعلم، والتربية للمواطنة تشمل تنمية كل هذه الجوانب من خلال إكساب النشء المعارف والاتجاهات الضرورية للمواطنة الصالحة، وللتعليم دور مهم من خلال عملية التدريس والتعليم والخبرات في التربية للمواطنة. إن الهدف الرئيس للمواطنة هو إعداد مواطنين صالحین مسؤولين ومنتمین لمجتمعهم، قادرين على المشاركة الفعالة والنشطة في قضاياه وحل مشكلاته(2).

أما تربية المواطنة من وجهة نظر الإسلام فهي نوع من التربية، وصورة من صور التفاعل الإنساني، تهدف وتهتم بتوعية المواطن المسلم بحقوقه وواجباته تجاه مجتمعه المحلي والعالمي وتبصیره بحدود وطبيعة علاقته مع الآخرين القائمة على أساس حب الوطن والانتماء إليه والتضحية من أجله(3).

وترى الباحثة أن تربية المواطنة في الإسلام تتمثل في إعداد المواطن الصالح الذي يعرف حقوقه ويؤدي واجباته تجاه مجتمعه، وهذا يجسد مضامین المواطنة أو

ص: 82


1- اللقاني، أحمد والجمل علي، معجم المصطلحات التربوية المعرفة في المناهج وطرق التدريس، القاهرة، عالم الكتب، ط 2، 1999: ص 37
2- الجوهري، عبد الهادي، دراسات في علم الاجتماع السياسي، القاهرة، دار نهضة الشرق، 2001: ص 37
3- ابو دف، محمود خليل، تربية المواطنة من منظور إسلامي، غزة الجامعة الاسلامية، 2004: ص 251

ما يقترب منها عبر آلية وشرعية الانتماء إلى الوطن بغض النظر عن الاختلافات في الولاءات الفكرية والجغرافية، وقد عرض كثیر من التربويین أهدافاً تفصيلية لتربية المواطنة، وكذلك منهج تربية المواطنة في الإسلام وأهميتها، وذلك من منطلقات متعددة تأخذ بالحسبان خصوصية كل مجتمع من حيث العقيدة التي يؤمن بها والفلسفة التي ينطلق منها والظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تحيط به وهي:

أهداف تربية المواطنة في الإسلام:

يمكن أن تتحدد أهداف تربية المواطنة في ضوء المفهوم الإسلامي وما يتضمنه من معطيات فيما يأتي:

1. إكساب المواطن مبادئ المواطنة الفاعلة، حتى يتمكن من المشاركة والإسهام الجاد في خدمة مجتمعه المحلي وأمته الإسلامية ووطنه الإنساني العالمي.

2. تنوير المواطن بالمفهوم الإيجابي للمواطنة المنطلق من التصوّر الإسلامي، بعيداً عن المفاهيم الجاهلية القائمة على العصبية.

3. تعزيز مفهوم الانتماء الصادق للوطن لدى المواطن بما لا يتناقض مع ولائه للإسلام وانتسابه للأمة ذات الرسالة.

4. توعية المواطن بطبيعة علاقته مع الآخرين من حوله وتدريبه على الوفاء بمتطلباتها في ضوء مبادئ وقيم الإسلام النبيلة.

5. تبصیر المواطن بحقوقه وواجباته تجاه وطنه الصغیر بصورة خاصة والوطن العالمي الكبیر بصورة عامة(1).

ص: 83


1- ابو دف، محمود خليل، تربية المواطنة من منظور إسلامي، غزة الجامعة الاسلامية، 2004: ص 252

1- منهج الإسلام في تربية المواطن:

يطلق منهج الإسلام ويراد به المعنى الخاص وهو شريعة الله (عزوجل)، فالإسلام هو النظام الإلهي الذي أرسل الله به سيدنا محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) لتبليغه للبشر الذي ختم الله به الشرائع، وجعله الله نظاما كاملاً شاملا لجميع نواحي الحياة(1).

ظهر الدين الإسلامي منظومة فكرية سماوية شاملة ورحمة للبشرية بأمانة المبلغین وقادة رسالته على مدى القرون التي خلت(2).

أما طبيعة الإسلام ورسالته، فيعدّ ديناً عاماً، ومنهج حياة وشريعة شاملة مستوعباً شؤون الدنيا والآخره، وإن هذا الدين يدعو إلى التنظيم وتحديد المسؤوليات والواجبات.(3) ولا تتحقق أهداف الشريعة الإسلامية وسمو رسالتها إلا بتربية النفس والجيل والمجتمع على الإيمان بالله ومراقبته والخضوع له وحده، ومن هنا كانت التربية الإسلامية فريضة في أعناق جميع الآباء والمعلمین، وأمانة يحملها الجيل للجيل الذي بعده، ويؤديها المربون للناشئين، إنها تربية الإنسان على أن يحكم شريعة الله في جميع أعماله وتصرفاته ثم لا يجد حرجا فيما حكم الله ورسوله (صلى الله عليه

ص: 84


1- الشلال، قتيبة عباس حمد، الفكر التربوي الإسلامي المعاصر وسبل تفعيله، عمان، الاردن، دار ومكتبة الحامد للنشر والتوزيع، 2013: ص 23
2- المفرجي، عدي حاتم عبد الزهرة، مفهوم الإسلام الحركي وأثره السياسي المعاصر، جامعة كربلاء، كلية التربية، قسم التاريخ، مجلة القادسية في الآداب والعلوم التربوية، المجلد 10 (العددان 3 - 4)، 2011.: ص 61
3- دخيل، محمد حسن، الفكر السياسي الإسلامي المعاصر، بیروت، لبنان، منشورات الحلبي الحقوقية، 2014: ص 43

وآله وسلم)، بل ينقاد مطيعا، كما في قوله (عزوجل): )وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ»(1).

وفي هذه السورة إشارة إلى أن خلاص الإنسان من الخسران والعذاب لا يتم إلا بثلاثة أضرب من التربية:

1. تربية الفرد على الإيمان بالله (عزوجل))، والاستسلام لشريعته، والإيمان بالغيب.

2. تربية النفس على الأعمال الصالحة، وعلى منهج الحياة الإسلامية، في الحياة اليومية، والمواسم السنوية والتصرفات المالية، وجميع شؤون الدنيا.

3. تربية المجتمع على التواصي بالحق للعمل به، والتواصي على الشدائد، وعلى عبادة الله، وعلى التزام الحق(2). إن نظرة الإسلام شاملة ينظر الى جميع الناس بدون أن يفرق بينهم، وهو اساس تعامل الدولة مع المواطنین، ويجعل من نظامه الاخلاقي قاعدة ينبثق منها سائر النظم الحياتية والقوانين العامة، فيحدد تبعا لذلك علاقة افراد المجتمع بعضهم ببعض والمعاملات الجارية بينهم على مستوى راق من العدالة الاجتماعية والمساواة سواء كانت هذه العلاقات ما تخص السياسة أو الاجتماع جنبا الى جنب مع نظم العبادة والعلاقات الروحية بین العبد وخالقه(3).

ص: 85


1- (العصر / 1 - 3
2- النحلاوي، عبد الرحمن، أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع، بیروت، دار الفكر، ط 25، 2007.: ص 20
3- الاديب، علي محمد الحسین، منهج التربية عن الامام (عليه السلام)، بیروت، لبنان، دار الكتاب العربي، ط 2، 1979: ص 13

4. إن منهج الإسلام في التربية يتناول معالجة شؤون الإنسان معالجة شاملة لا يترك منه شيئا، ولا يغفل عن شيء (جسمه - عقله - روحه) وحياته المادية والمعنوية ونشاطاته كلها على الارض، فالتربية الإسلامية ينبوع يغذي الإنسانية بما تحتاجه من غذاء روحي ومادي على السواء(1). وتتميز التربية الاسلامية بأنها معاصرة ومتجددة فهي تسعى إلى تحقيق اهداف التربية في زمن معین وعلى وفق معطيات الزمان والمكان ومتطلبات العصر مع ثبات قواعدها وأسسها؛ لأنها تعمل على بناء الإنسان المسلم باستعمال ما يتوافر من وسائل وادوات في ذلك العصر بما لا يتعارض مع الشريعة الاسلامية(2).

وبذلك يتضح أن الهدف الرئيس من التربية الإسلامية هو اكساب النشء والافراد عامة النظم الأخلاقية والدينية(3).

والتربية الإسلامية تتعامل مع إنسان يعيش على ظهر الأرض، لا مع إنسان خيالي، أي إنّها تبدأ بالإنسان من حيث هو إنسان، فالمبادئ الإسلامیة لا تعمل في فراغ، بل إنّها تتفاعل مع ما غرسه الله (عزوجل) من فطرة في طبيعة الإنسان، والتربية الإسلامية عملية تفاعلية؛ لأن الوجود الذي يمارس فيه الفرد نشاطه حقيقة تفاعلية موضوعية لا فكرة خيالية مجردة(4).

ص: 86


1- شحاتة، حسین حسین، معالم الجهاد الاقتصادي من وحي الهجرة، مصر، بحث منشور، جامعة الازهر، 2009: ص 173
2- فرحان، اسحاق احمد، التربية الاسلامية بین الاصالة والمعاصرة، عمان الاردن، دار الفرقان للنشر والتوزيع، ط 2، 1991: ص 35
3- ناصر، ابراهيم، اسس التربية، عمان، الاردن، جمعية عمال المطابع التعاونية، 1988: ص 13
4- حسونة، محمد السيد، التعليم في اسرائيل، القاهرة، مصر، مركز الكتاب للنشر والتوزيع، 2007: ص 139

يتضح هنا أن الإسلام يهدف إلى لم شمل الأفراد وربط قلوبهم وعواطفهم برباط متین ثابت لا يتغیر، ما دام الأفراد يتعهدونه بالالتزام وما ينتج عنه من سلوك عملي ومن وعي لظروف الحياة وتقديرها على وفق التصورات الإسلامية.

فكل فرد يعرف حقه فلا يتجاوز ويعرف واجبه فيؤديه على الوجه الاكمل(1).

ويحرص الإسلام على تخليص الناس من الضلال والفساد في السلوك والأخلاق ويدعوهم الى أن يكونوا ربانيین عابدين لله (عزوجل)، فالإسلام يدعو إلى التمسك بالفضيلة والرفق، ولین الجانب، والصفح والصبر(2).

من هنا كان للإسلام أثر كبیر في تربية النشء وإعداد المواطن الصالح. ومن تكوين المعتقدات الإيمانية عنده وتعلمه واجباته نحو ربه ونحو الآخرين المحيطين به، وهي الى جانب ذلك الأساس في تكوين معايیر سلوك الفرد المناسب، وغرس القيم الخلاقية النبيلة والمثل العليا في النفس وجدانا راقيا وارادة قوية متجهة نحو الخیر تساعده على تهذيب نفسه(3).

2- أهمية المواطنة في الإسلام:

تكمن أهمية المواطنة في أنَّها عملية متواصلة لتعميق الحس والشعور بالانتماء للوطن والاعتزاز به، وغرس حبّ النظام والاتجاهات الوطنية، والأخوة والتفاهم والتعاون بین المواطنین، واحترام النظم والتعليمات، والشعور بالواجبات اتجاه

ص: 87


1- النحلاوي، عبد الرحمن، أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع، بیروت، دار الفكر، ط 25، 2007: ص 122
2- ككو، كريم محمد، تعايش المسلمين مع غيرهم في ضوء الشريعة والقانون، اربيل، مطبعة وزارة الثقافة، 2009: ص 16
3- جاسم، شاكر مبدر، وففن بصري، مواصفات معلم التربية الإسلامية من وجهة نظر الاشراف التربوي، بغداد، العراق، مركز الدراسات والبحوث التربوية، 2000: ص 10

الوطن وتعريف الأفراد بمؤسسات بلدهم، ومنظماته الحضارية، ومن واجبهم احترامها ومراعاتها، كما أن أهداف تربية المواطنة لا تتحقق بمجرد تسطيرها وإدراجها في الوثائق الرسمية، بل إن تحقيق الأهداف يتطلب ترجمتها إلى إجراءات عملية وتضمينها المناهج والمقررات الدراسية(1).

لقد اعتنى الإسلام بجميع شروط ومبادئ المواطنة الكاملة بصورة واضحة شملت الحقوق والواجبات لكل من المواطن والمجتمع والدولة، اذ تم تأكيد المحافظة عليها، وحرم الاعتداء عليها، في ضوء الأدلة العقلية والنقلية، وقد أكد الإسلام على كرامة الإنسان من خلال تقديس حقوقه، عندما عدت ضرورات، ومن ثم أدخلها في إطار الواجبات، فلا سبيل لحياة الإنسان من دونها، فأقام دعائمها وبینّ أركانها وأسسها، كما حدّد أهميتها وأهدافها في جميع مجالات الحياة المختلفة، ولتوضيح أهمية المواطنة في الإسلام نشیر إلى ما يأتي:

يقرر الإسلام أن العواطف والمشاعر والاحاسيس نحو أمر ما يعد فطرياً وغريزياً لا تعارضه العقيدة الإسلامية الصحيحة، فالعلاقة بین الإسلام والمواطنة هي علاقة امتزاج وارتباط ووئام، بل تعد ضرورة، لأن الدين الحنيف لا يقوم الا على أرض أو وطن(2).

لا تقتصر المواطنة على الحب الغريزي للوطن والحنین إليه، بل تتجاوز ذلك إلى المشاركة بالجهد والطاقة في إصلاح المجتمع وسلامته ورفعة شأنه، وحفظ أمنه

ص: 88


1- حسن، انتصار عبد الأمیر، أثر برنامج إرشادي في تنمية مفهوم المواطنة لدى طالبات المرحلة المتوسطة، رسالة ماجستير غیر منشورة، جامعة بغداد، كلية التربية / ابن رشد، قسم العلوم التربوية والنفسية، اختصاص إرشاد تربوي، 2013: ص 44
2- عمارة، محمد، الإسلام وحقوق الإنسان ضرورات لا حقوق، مصر، القاهرة، دار السلام للطباعة والتوزيع والترجمة، 2005: ص 164

والتضحية في سبيل الدفاع عنه(1).

تهدف المواطنة في الإسلام إلى تقوية الروابط والعلاقات بین مواطني البلد الواحد، على أسس العدل ورفع الظلم، وتحقيق المصالح العامة أولا، وبذل الجهد في اتباع تعليمات السلامة العامة والحفاظ على الأمن والاستقرار والتطور للوطن وأهله خاصة وسائر الأوطان الإسلامية عامة، فالإسلام يدعو إلى التناصر بین المواطنین، بعيدا عن تناصر الجاهلية العمياء التي تقوم على العنصرية والعصبية للقبيلة أو الدم أو الفئة(2).

يدعو الإسلام إلى محاسن الأخلاق، بل أقر الأخلاق الرفيعة والكريمة في الجاهلية، وهذا يدل على أن نظرة الإسلام لبقاء الأمم وازدهار حضارتها ومنعتها يكمن في مدى تمسك مواطنيها في كافة شؤونهم الحياتية باتباع الأخلاق الكريمة التي تعكس السلوك الحضاري للشعوب، فإن سقطت، أو انحرفت هذه الأخلاق فإن الدول ستتجه للسقوط والتفكك(3).

تهتم تربية المواطنة في الإسلام بتنمية أسس التعاون والمشاركة وعدم الإضرار بالغیر، أو التعدي عليه أو على ممتلكاته، حتى يصبحوا كالجسد الواحد، كما ورد في حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (مثل المؤمنین في توادهم وتراحمهم

ص: 89


1- موسى، علي بن حسین، العقيدة الإسلامية وعلاقتها بالوطنية والمواطنة، مجلة البحوث الأمنية، كلية الملك فهد الأمنية، عدد (31)، 2005: ص 27
2- الغزالي، ابو حامد محمد (ت 505 ه)، خلق المسلم، دمشق، دار القلم للطباعة والنشر، 1986: ص 168
3- موسى، علي بن حسین، العقيدة الإسلامية وعلاقتها بالوطنية والمواطنة، مجلة البحوث الأمنية، كلية الملك فهد الأمنية، عدد (31)، 2005: ص 33

كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)(1).

في ضوء ذلك، يمكن الوصول إلى نتيجة طبيعية يلمسها كل صاحب فكر سوي، الا وهي العلاقة الوطيدة بین الدين الإسلامي والوطن والمواطنة، فالوطنية هي الجانب الوجداني للمواطنة وتعبر عن مشاعر وروابط فطرية ودينية تشد الإنسان إلى الموطن الذي استوطنه الفرد أو توطن فيه، وتعد هذه المشاعر والأحاسيس امراً فطرياً لدى الإنسان، لذا يتضح أن ولاء المسلم لدينه وانتماءه لأمته لا يتعارض مع المواطنة، بل إن العلاقة بينهما علاقة وئام وامتزاج، لذلك فإن هذه العلاقة على هذا النحو تعد من الضروريات، لأن الدين الحنيف يحتاج إلى وطن، فحقيقة هذه العلاقة بین الإسلام والوطن هي التي جعلت للوطن والمواطنة ذلك المقام العالي في ظل الانتماء الإسلامي(2).

مما سبق ترى الباحثة أن الإسلام خيمة يعيش تحت ظلها المواطن المؤمن الملتزم بواجباته وحقوقه، وعندما يخل الفرد أسساً او روابط المواطنة المنصوص عليها إسلاميا بشيء من متطلباتها ولوازمها، إنما يكون ذلك نتيجة ضعف التزامه الإسلامي، فقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان)(3).

ص: 90


1- مسلم، أبو الحسین مسلم (ت 261 ه)، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بیروت، دار إحياء التراث العربي، 1991، ح 2586: ص 481
2- عمارة، محمد، الإسلام وحقوق الإنسان ضرورات لا حقوق، مصر، القاهرة، دار السلام للطباعة والتوزيع والترجمة، 2005: ص 35
3- مسلم، أبو الحسین مسلم (ت 261 ه)، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بیروت، دار إحياء التراث العربي، 1991، ح 1852: ص 550

خامسا: مكونات المواطنة

من خلال اطاع الباحثة على الأدبيات والدراسات السابقة جمعت عدداً من التعريفات للمواطنة في حقل تحديد المصطلحات، ومن خلال قراءة مضامین تلك التعريفات وجدت اتفاق أكثرها على العديد من المفاهيم، وهذا ما دفع الباحثة إلى استعراض هذه المكونات بشكل مستفيض، فضلاً عما جاء في العرض التاريخي لمفهوم المواطنة، وهي كالآتي:

1- الشعور بالانتماء:

يرافق ظهور الانتماء بداية ظهور الوجود الإنساني، فمنذ وجود الإنسان وجدت ظاهرة الانتماء التي تطورت عبر التاريخ وتنوعت بتنوع التطور الاجتماعي والإنساني للبشرية واختلافاته الفكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وشكلت ظاهرة الانتماء بداية الحياة الاجتماعية للإنسان وحبه للبقاء، وعن طريق عملية الانتماء تبرز هوية الفرد الاجتماعية والمهنية والثقافية(1).

ويعرف الانتماء: بأنه شعور إيجابي مدعم بالحب، يستشعره الفرد اتجاه وطنه مؤكدا وجود ارتباط لهذا الوطن، بكونه عضواً فيه، ويشعر نحوه بالفخر والولاء ويعتز بهويته وتوحده معه، ويكون منشغلاً ومهموماً بقضاياه، محافظا على مصالحه وثرواته، ومراعياً الصالح العام ومشجعاً ومسهماً في الأعمال الجماعية ومتفاعلا مع الأغلبية، ولا يتخلى عنه حتى وإن اشتدت به الأزمات(2).

ويمكن أن تتكون المواطنة في ضوء الانتماء بالاعتماد على الشعور العاطفي

ص: 91


1- صالح، ثناء محمد، هوية المنتمي واللامنتمي، مجلة مدارك، السنة الثانية، العدد (5 - 6)، 2007: ص 68
2- العامر، عثمان بن صالح، اثر الانفتاح الثقافي على مفهوم المواطنة لدى الشباب السعودي، دراسة منشورة مقدمة إلى اللقاء السنوي في الباحة للعمل التربوي، 2005: ص 73

والوجداني والوجودي للجماعة مثل:

1. الشعور بالوحدة والتماسك الناتج عن مشاعر مشتركة للجماعة التي ينتمي إليها الأفراد.

2. الشعور بالاستمرارية الزمنية، الذي يمثل التواصل مع الذاكرة التاريخية للجماعة التي تمنح المواطنة استمراريتها وديمومتها.

3. الانتماء إلى جماعة هو الشعور بالتباين والتمايز بین هوية الفرد وجماعته بإزاء هويات الجماعات الأخرى.

4. الانتماء يولد الشعور بقيمة المواطنة، ويحقق للفرد وجوده.

5. الانتماء يجعل الفرد يشعر بالثقة التي تحقق الجانب النفسي(1).

فوائد الانتماء:

يحقق الانتماء فوائد كثیرة للأفراد وللجماعات على حد سواء، ومن هذه الفوائد والمميزات:

1. تحقيق الرغبات الشخصية والاجتماعية التي يعجز الفرد عادة عن تحقيقها بمفرده.

2. الشعور بالانتمائية إلى جماعة تتقبله ويقبلها، فيشعر بالأمن والطمأنينة.

3. يمكن تغيیر سلوك الفرد عن طريق الجماعة، فكل جماعة لها معاييرها وقيمها التي تحتم على الفرد المنتمي إليها اكتسابها.

ص: 92


1- محفوظ، محمد، الآخر وصفوف المواطنة، دمشق، سوريا، مركز الراية للتنمية الفكرية، 2005: ص 145

4. يتمكن الفرد عن طريق انتمائه للجماعة من اكتساب المیراث الثقافي الذي يمكنه من التفاعل إيجابياً مع أفراد مجتمعه.

5. تساعد الجماعات الفرد على ممارسة أنواع مختلفة من النشاط، تبرز فيها قدراته ويكشف عن قدرات أخرى.

6. إن الانتماء يسهم في ديمومة الاجتماع البشري واستمراريته.

7. بانتماء الفرد إلى جماعة فإنه يخلق شبكة من العلاقات الاجتماعية التي تسهم في تماسك المجتمع وترابطه(1).

وبهذا يمكن للباحثة - بالاعتماد على ما سبق ذكره - أن تعرف مفهوم الانتماء إمّا بانضمام الفرد إلى الجماعة وعبرَ انتمائه إلى الأسرة، وإما بصورة تفاعلية اجتماعية بالأفراد الآخرين الذين تجمعهم معه أهداف مشتركة أو مصالح مشتركة أو ثقافة أو مكانة اجتماعية أو مهنية وغيرها. وقد دعا الإسلام إلى الانتماء للوطن، وحثَّ على الاتصاف به، وإن لم يكن ذلك بالنص الصريح، إذ دعا إلى ممارسات وسلوكيات تدل عليه، بشرط أن تكون تحت مظلته وعلى وَفق تعاليمه وإن حب الوطن أمر طبيعي، طبع الله (عزوجل) عليه نفوس البشر، وقد ثبت حب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لبعض الأماكن، ولذا أرى أنه من الحق على كل مواطن أن يحب وطنه وينتمي إليه، وأن يَفتخر به ويدافع عنه، ويتفاعل معه، ويسهم في بنائه وتقدمه.

ص: 93


1- مبارك، بشرى عناد، الانتماء الاجتماعي - لدى العاملین في بعض مؤسسات الدولة وعلاقته ببعض المتغیرات، رسالة ماجستير غیر منشورة، كلية الآداب، جامعة بغداد، قسم علم النفس، 1996: ص 13

2- الشعور بالولاء:

الولاء هو التفاني والإخلاص للوطن، ينبثق من التفاعل الدينامي بین الفرد وبيئته المعاشة، وهذا التفاني والإخلاص يوجههما الفرد إلى موضوع معین مثل الذات أو الأسرة أو الوطن أو مذهب ديني أو سياسي، بحيث يضحي الفرد لصالح موضوع ولائه بمصالحه الخاصة، وقد يصل به الحد إلى أن يضحي الفرد بحياته ذاتها لصالح موضوع ولائه أو دفاعاً عنه أو الدعوة إليه، والولاء قناعة ذاتية يتبناها الفرد عاطفياً وعقلياً دون أن تفرض عليه(1).

إنَّ الولاء بوصفه بناءً ونسقاً ومنظومةً متكاملةً يتكون من مجموعة من الولاءات الفرعية التي تختلف درجتها من فرد إلى آخر، فالولاء للأسرة لا يلغي ولاء الفرد للجماعة التي ينتمي إليها أو لوطنه وعقيدته، ولكنه يرتبها بحسب أولوياته الخاصة، التي تختلف حسب متغیرات الفرد، وإن هناك ارتباطاً بین الهوية الوطنية والولاء، فلا يمكن أن تتحقق الهوية الوطنية من غیر أن يكون هناك ولاء من قبل الأفراد والجماعات لها(2).

والولاء هو جوهر الالتزام الذي يدعم الهوية ويقوي الجماعة، ويركز على المسايرة ويدعو إلى تأييد الفرد لجماعته، ويشبر إلى مدى الانتماء لها، ومع أنه الأساس القوي الذي يدعم الهوية إلا أنه في الوقت ذاته يعد الجماعة مسؤولة عن الاهتمام بكل حاجات أعضائها من الالتزامات المتبادلة للولاء بهدف الحماية

ص: 94


1- ابو السعود، أشرف سيد، مشكلة الانتماء والولاء، القاهرة، مكتبة الثقافة الدينية، 2004: ص 54
2- حسن، إنتصار عبد الأمیر، أثر برنامج إرشادي في تنمية مفهوم المواطنة لدى طالبات المرحلة المتوسطة، رسالة ماجستير غیر منشورة، جامعة بغداد، كلية التربية / ابن رشد، قسم العلوم التربوية والنفسية، اختصاص إرشاد تربوي، 2013: ص 48

الكلية مما يحقق التناغم والاجتماع حول النظم والمعايیر التي تتبناها الجماعة(1).

وتود الباحثة أن تبین أنّ إيمان الفرد وإخلاصه والتزامه وتفانيه تجاه قضية ما يشكلُ محور وجوده وأساس تفاعله مع الآخرين، ويعد الولاء تعبیراً عن تضامن الفرد وتأييده لمرجعية اجتماعية أو ثقافية أو سياسية أو أيديولوجية تطابق فهمه الذاتي أو الموضوعي، وقد تتعدد تلك المرجعيات التي يدين لها الفرد بالولاء مع اختلاف درجة أهميتها وأولويتها بالنسبة إليه. إنَّ مفهوم الولاء في الدين، إنما شُرع لحفظ بذرة الإسلام، وذلك باحتضان المؤمنین بعضهم لبعض، وبإشاعة روح التعاطف والتواد والتراحم فيما بينهم، وبغض ما ينقض ذلك والترؤ منه. وهو أمرٌ لا يكون إلا بالوسائل المشروعة، التي جعلها الله (عزوجل) ورسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) وآل بيته (عليهم السلام) أدوات لتحقيق مقاصده.

والاندماجُ في النسيج العام للأمة، وممارسة الإصلاح لها في بنيتها.

3- المشاركة المجتمعية:

المشاركة هى مبدأ أساسي من مبادىء تنمية المجتمع، فالتنمية الحقيقية الناجحة لا تتم بدون مشاركة، وأن تحقيق أهداف المجتمع السياسية والاجتماعية يتمثل بمشاركة أفراده بعملية صنع القرارات السياسية لإدارة الشؤون العامة وبناء المجتمع وازدهاره وحل المشكلات العامة، وبالمساهمات التي يقدمها المواطنون سواء كانوا أفراداً أم جماعات وبكل الأعمار بما يحقق التضامن والتكامل بین أعضاء المجتمع(2).

ص: 95


1- العامر، عثمان بن صالح، اثر الانفتاح الثقافي على مفهوم المواطنة لدى الشباب السعودي، دراسة منشورة مقدمة إلى اللقاء السنوي في الباحة للعمل التربوي، 2005: ص 8
2- برو، فيليب، علم الاجتماع السياسي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1998: ص 301

إن المواطنة تفضي إلى تمتع المواطن بالحقوق السياسية، التي عن طريقها يسهم في إدارة شؤون الدولة أو حكمها، وتمارس الأمة مهام الخلافة في إطار السياسة، مثلما تمارسه في الاقتصاد والاجتماع وغيرهما من حقول النشاط الإنساني(1).

تذهب بعض الآراء الإسلامية المعاصرة إلى أن ممارسة الأمة لدورها السياسي يتم عبر آليات تراها ملائمة لتحقيق هذا الدور والوصول إلى الغايات الأساسية، ومنها اعتماد مبدأ الانتخاب الذي يعد الطريق لشرعية رئيس الدولة، على اعتبار أن الرئيس يشترط في شرعيته اختيار الجماعة له والرضا به(2).

وإذا كان الإسلام قد أعطى الحق لكل فرد (مواطن) في الدولة الإسلامية الترشيح لتولي المناصب العليا في الدولة، فقد وضع شروطا لعملية الاختيار بین المرشحين، إذ لم تترك إلى الأهواء والرغبات النفسية لكل شخص. فقد اعتمد معيار الكفاءة في تقلد المناصب الإدارية والسياسية أساسا لهذا الاختيار، اذ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من ولي من أمور المسلمين شيئا فأمر عليهم أحدا محاباة عليه لعنة الله، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم)(3).

وتلازماً لهذا التصور وربما يمكن الاستناد إلى قول سيدنا يوسف (عليه

ص: 96


1- الطائي، سرمد، مدخل لدراسة الفكر السياسي للشهيد الصدر، قضايا إسلامية معاصرة، بیروت، الناشر: مركز دراسات فلسفة الدين، 2000: ص 218
2- زيدان، عبد الكريم، الفرد والدولة في الشريعة الإسلامية، بغداد، مطبعة سلمان الاعظمي، 1965: ص 14
3- ابن حنبل، أبو عبد الله احمد (ت 241 ه) المسند، تحقيق: احمد محمد شاكر، بیروت، دار صادر، 1950، ج 1: ص 21

السلام) عندما قال للعزيز: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّ حَفِيظٌ عَلِيمٌ)(1)، وكذا ما ورد عن الإمام علي )عليه السلام) في عهده إلى مالك الاشتر: (ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارا ولا تولهم محاباة وأثرة وتوخّ منهم أهل التجربة والحياء)(2).

4- الوعي بالحقوق والواجبات:

يعني الحق المصلحة أو المنفعة التي قررها المشرع، لينتفع بها صاحبها ويتمتع بمزاياها، فتكون واجبا والتزاما على جهة او اخرى يؤديها، وقد يكون الحق مقررا وثابتاً بنظام او بقانون معین، أو بتشريع خاص أو بإعلان دولي أو باتفاقية ثنائية دولية(3).

ويعني أيضاً معرفة الفرد بالحقوق التي يتمتع بها جميع المواطنین دون استثناء، والواجبات التي ينبغي أن يقوم بها كل فرد بحسب قدراته وإمكاناته وطاقاته، وعليه الالتزام بها وتأديتها على أكمل وجه وبإخلاص(4).

تعد حقوق الإنسان ضمانات قانونية عالمية تحمي الأفراد والمجموعات من الأفعال التي تعيق التمتع بالحريات الأساسية وكرامة الإنسان، وإن أهم ميزات حقوق الإنسان ما يأتي: إنها مضمونة دولياً، إنها محمية قانوناً، إنها تركز على كرامة الإنسان، إنها تحمي الأفراد والمجموعات، إنها ملزمة للدول والجهات الفاعلة فيها

ص: 97


1- يوسف / 55
2- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، ك 53: ص 327
3- القطب، محمد القطب طبلية (ت 1435 ه)، الاسلام وحقوق الانسان، القاهرة، دار الفكر العربي، ط 2، 1984: ص 33
4- الشيخ، محمد خلف، المواطنة الصالحة، الرياض، مكتبة الملك فهد الوطنية، 1999: ص 74

وإنه لا يمكن التنازل عنها أو نزعها، إنها متساوية ومترابطة، وإنها عالمية(1).

إن المواطنة من منظور حقوق الإنسان تمثل مشروعاً تربوياً للتغيیر الاقتصادي والسياسي والثقافي في الدولة الحديثة، فمفهوم المواطنة يتضمن حقوقاً يتمتع بها جميع المواطنین وهي في الوقت نفسه واجبات على الدولة والمجتمع منها:

1. أن يحفظ له الدين.

2. حفظ حقوقه الخاصة.

3. العدالة والمساواة الاجتماعية.

4. توفير التعليم.

5. تقديم الرعاية الصحية.

6. تقديم الخدمات الأساسية.

7. توفير الحياة الكريمة.

8. الحرية الشخصية وتشمل حرية التملك، وحرية العمل، وحرية الاعتقاد، وحرية الرأي.

هذه الحقوق يجب أن يتمتع بها جميع المواطنین دون استثناء سواء كانوا مسلمين أم أهل كتاب أم غيرهم، في حدود التعاليم الإسلامية، يجب عدم إكراه المواطنین من غیر المسلمين على الإسلام قال (عزوجل): (لا إِكْرَاهَ فِی الدِّينِ قَدْ تَبَیَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا

ص: 98


1- الموسى، محمد، ومحمد علوان، القانون الدولي لحقوق الانسان: الحقوق المحمية، عمان، دار الثقافة للنشر، 2006: ص 11 - 14

انْفِصَامَ لَهَا وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(1).

وكذلك الحرية فهي مكفولة لكل مواطن بغض النظر عن دينه أو عرقه أو لونه بشرط ألا تتعدى على حريات الآخرين أو الإساءة إلى الدين الإسلامي.

أما الواجبات فتختلف الدول بعضها عن بعض في الواجبات المترتبة على المواطن باختلاف الفلسفة التي تقوم عليها الدولة، ويمكن إيراد بعض واجبات المواطن والتي منها:

1. احترام النظام.

2. التصدي للشائعات المغرضة.

3. عدم خيانة الوطن.

4. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

5. الحفاظ على الممتلكات.

6. السمع والطاعة لولي الأمر.

7. الدفاع عن الوطن.

8. المساهمة في تنمية الوطن.

9. المحافظة على المرافق العامة.

10. التكاتف مع أفراد المجتمع.

هذه الواجبات يجب أن يقوم بها كل مواطن بحسب قدرته وإمكاناته، وعليه الالتزام بها وتأديتها على أكمل وجه وبإخلاص(2).

ص: 99


1- البقرة / 256
2- الشيخ، محمد خلف، المواطنة الصالحة، الرياض، مكتبة الملك فهد الوطنية، 1999: ص 76 - 77

ص: 100

المبحث الثاني دراسات سابقة

اشارة

تعد الدراسات السابقة ضرورة من ضرورات البحث العلمي، لان التصور الفكري لأي بحث أو دراسة لابد أن يعتمد على رؤى هذه الدراسات، بوصفها مرتكزاً وجهداً علمياً رئيساً تتمخض عنه آفاق البحث الجديد وأنموذجه الفكري، وخلق حالة التواصل الفكري والعلمي المنظم، ومن جانب آخر فإنها تضيف الصفة التكميلية للبحوث والدراسات العلمية كافة، بما يسمح الابتداء من حيث ما انتهى اليه الباحثون السابقون في المجال نفسه، إذ إن الدراسات والبحوث تراكم علمي على امتداد التاريخ إلى الحاضر، أو تدرج فكرة، أو تتبع قضية اجتماعية وتربوية، أو نسج فكر، أو نظام تعليمي، فضلاً عن أثرها في إنضاج فكرة الباحث، وتوضيح المنهجية الملائمة والأساليب والادوات العلمية التي يمكن له تبنيها من خلال تعامله مع الموضوعات المقاربة منها، ولقد حاولت الباحثة جاهدة الحصول على دراسات سابقة تتناول الموضوع مباشرة من خلال البحث، إلا أنه لم يتم العثور على مثل تلك الدراسات عدا التي اعتمدتها الباحثة لمعرفة المصادر الأولية عن البحث، لذا ستعرض الباحثة بعض الدرسات التي تناولت موضوع المواطنة في البيئات المحلية والعربية، ذات طابع تنظیري وآخر ميداني تطبيقي، وكذلك الدراسات التي تناولت فكر الإمام علي (عليه السلام)

ص: 101

في المجالات القريبة لموضوع البحث، وعلى وفق تسلسلها الزمني وعلى النحو الآتي:

اولاً: دراسات تناولت المواطنة:

أ-دراسات محلية:

دراسة علوان (2006) 1. الموسومة ب ((المواطنة في الفكر الإسلامي المعاصر)) هدفت الدراسة:

أن للفكر الإسلامي المعاصر معالجات تحليلية لموضوع المواطنة وما يتفرع عنها من حقوق وواجبات، ومما يؤثر فيها إيجابا وسلباً مستمدة من القراءة التجديدية لمصادر الفكر والتشريع الإسلامي.

منهج الدراسة:

المنهج التاريخي والمنهج التحليلي، واحياناً المنهج المقارن.

نتائج الدراسة:

سادت الرؤية الإسلامية عند تحليل الفكر الإسلامي المعاصر في إطار معالجته لواجبات المواطن.

1. تعزيز روح المواطنة من خلال تحويل الأبعاد النظرية للعقائد الإسلامية الى جوانب اجتماعية.

ص: 102

2. تعامل الفكر الإسلامي المعاصر بإيجابية مع الجوانب العملية للإسلام فيما يرتبط بتعزيز المواطنة.

3. إن المواطنة تواجه مجموعة من المعوقات، كالفكر التكفيري، والعولمة.

2- دراسة عيال (2007) الموسومة ب ((بناء مقياس مفهوم المواطنة لدى طلبة الجامعة)) استهدفت الدراسة بناء مقياس مفهوم المواطنة، لدى طلبة جامعة بغداد والتعرف على مستوى مفهوم المواطنة لديهم وبحسب الجنس، والتخصص، والصف.

أجريت الدراسة على الطلبة في المراحل الدراسية الأربع، للدراسة الصباحية في الاختصاصات العلمية والإنسانية (ذكور وإناث)، وقد أستثني منهم طلبة المرحلتین الخامسة والسادسة في بعض الكليات. بلغت عينة البحث (158) طالباً وطالبة اختیرت بالأسلوب الطبقي العشوائي، واعتمدت المنهج الوصفي. وقد أعدت استبانة تكونت من (52) فقرة بحسب مجالات المواطنة الأربعة:

1. الشعور بالهوية.

2. الانتماء والتعددية.

3. الانفتاح على الآخر.

4. والحرية والمشاركة السياسية.

ص: 103

وأظهرت النتائج الآتية:

ارتفاع مستوى الشعور بالمواطنة لدى طلبة الجامعة وبكافة مستوياته وتفرعاته، وظهر أن طلبة التخصص الإنساني أكثر شعوراً بالمواطنة والانتماء الوطني من طلبة التخصص العلمي، وازدياد شعور المواطنة لدى طلبة الجامعة مع التقدم بالمراحل الدراسية في الجامعة.

وأوصت الدراسة:

بتأكيد مسؤولية التعليم بكافة مستوياته في تعزيز الشعور للانتماء للوطن لدى جميع فئات المجتمع، وإضافة مفردات دراسية في مراحل التعليم المختلفة تؤكد على الالتزام بقوانین المجتمع ومفاهيمه ومعایيره وأنظمته الجماعية التي تؤدي الى الشعور بالانتماء.

3- دراسة الزهيري (2008) الموسومة ب ((المسؤولية الوطنية وعلاقتها بالنسق القيمي لدى طلبة الجامعة المستنصرية)) وهدفت الدراسة إلى:

1. التعرف على مستوى الشعور بالمسؤولية الوطنية لدى طلبة الجامعة المستنصرية.

2. التعرف على الفروق في مستوى المسؤولية الوطنية على وفق متغیري الجنس والتخصص.

3. التعرف على الفروق في النسق القيمي لدى طلبة الجامعة المستنصرية.

ص: 104

4. التعرف على العلاقة بین مستوى المسؤولية الوطنية والنسق القيمي لدى طلبة الجامعة المستنصرية على وفق متغیري الجنس والتخصص.

5. قام الباحث ببناء مقياس للنسق القيمي للطلبة، مع استعماله مقياس (البورت، فوتون، لنذري)، ثم طبق المقياسین في آن واحد على عينة من طلبة الجامعة المستنصرية بلغت (312) طالباً وطالبة، وقد استعمل الباحث الوسائل الإحصائية الآنية في تحليل البيانات كالانحراف المعياري، والمتوسط الحسابي ومعامل ارتباط بيرسون الاختبار الثاني وتحليل التباين الثنائي، معادلة (سيبرمان - براون) التصحيحية.

نتائج الدراسة:

1. اتضح أن مستوى المسؤولية الوطنية أعلى من المتوسط الفرضي لدى طلبة الجامعة المستنصرية.

2. إن القيمة النظرية أعلى القيم السائدة، وإن القيمة الاقتصادية هي ادناها.

3. لا توجد علاقة ارتباطية بین مستوى المسؤولية الوطنية والنسق القيمي لدى طلبة الجامعة المستنصرية على وفق متغیري الجنس والتخصص.

4. لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية في مستوى المسؤولية الوطنية على وفق متغیري الجنس والتخصص.

التوصيات:

1. ضرورة اهتمام المسؤولين في التربية والتعليم بوضع ضوابط إرشادية فعالة تساعد على تنمية المسؤولية الوطنية وغرس القيم والمثل العليا في نفوس أفراد

ص: 105

المجتمع.

2. التأكيد على بث القيم السامية وتثبيتها في نفوس الطلبة.

ب- دراسات عربية دراسة �أخضر (2005) الموسومة ب ((دور المقررات الدراسية للمرحلة الثانوية في تنمية المواطنة)) جرت الدراسة في مدينة مكة المكرمة والرياض والمنطقة الشرقية.

هدفت هذه الدراسة إلى:

تعرّف دور المقررات الدراسية للمرحلة الثانوية في تنمية المواطنة.

منهج الدراسة:

المنهج الوصفي التحليلي للتعرف على:

1. مدى تحقيق أهداف تنمية المواطنة ومبادئها في المقررات الدراسية لتعليم البنات من خلال مقررات مواد: العلوم الدينية، والاجتماعية، واللغة العربية واللغة الانجليزية.

2. بناءً على ما توصلت اليه الدراسة من حقائق مرتبطة بالهدف الأول تقدمت الباحثة بعدة اقتراحات لتنمية المواطنة لدى طالبات المرحلة الثانوية.

3. واستعملت الباحثة الاستبانة، والمقابلة الشخصية أداةً لجمع المعلومات على عينة عشوائية من المعلمات الحاصلات على تقدير ممتاز في الأداء الوظيفي بنسبة ممثلة تختلف باختلاف مجتمع الدراسة في المناطق، وقد بلغ عددهن

ص: 106

(295) معلمة، واختیرت عينة عشوائية من طالبات الصف الثالث الثانوي في المدارس التي تدرس فيها عينة المعلمات وكان عددهن (426) طالبة.

وقد أسفرت النتائج عن:

1. احتواء وثيقة السياسة التعليمية في المملكة العربية السعودية على أهداف واضحة لمفهوم المواطنة.

2. حددت الوثيقة (14) هدفا خاصا للمرحلة الثانوية، منها (11) هدفاً وطنياً، وهذه الاهداف تمثل نسبة (79%) تقريبا من الأهداف كلها.

3. تحققت أهداف تنمية المواطنة في مقررات مواد: العلوم الدينية، والاجتماعية واللغة العربية، واللغة الانكليزية للمرحلة الثانوية بنسب مختلفة.

4. إن أغلب معلمات العلوم الدينية يحققن أهداف التربية الوطنية في أثناء تدريس المقررات الدراسية.

5. إن أغلب معلمات المواد الاجتماعية يؤيدن تحقيق أهداف التربية الوطنية.

التوصيات:

أ. وضع مادة خاصة للتربية الوطنية.

ب. تحقيق أهداف التربية الوطنية في أثناء تدريس المقررات الدراسية.

2- دراسة العامر (2006) الموسومة ب ((المواطنة في الفكر الغربي المعاصر، دراسة نقدية من منظور إسلامي))

ص: 107

جرت الدراسة في المملكة العربية السعودية في مدينة حائل.

هدفت الدراسة إلى:

تحليل مفهوم المواطنة بمضامينه و أبعاده السياسية والاجتماعية والثقافية.

1. استخلاص أبرز حقوق المواطنة في الفكر الغربي في إطار نظريات التنمية السياسية التي يستند إليها المفهوم.

2. نقد نظريات التنمية السياسية في الفكر الغربي في ضوء ما يقدمه الإسلام بوصفه ديناً للإنسانية جمعاء.

3. تطور المواطنة في الفكر الغربي المعاصر وبيئاته الثقافية.

منهج الدراسة:

استعملت الدراسة منهجية التحليل واعتمدت المنظور الإسلامي في نقد قضيتي المساواة والحرية بوصفهما أساسین لمفهوم المواطنة في الفكر الغربي.

وخلصت الدراسة إلى النتائج الآتية:

المواطنة في المفهوم الغربي ذات صبغة عمومية وعالمية، تخرجه عن سياقه التاريخي والاجتماعي وسياقه الزماني والمكاني، ويحيط بمفهوم المواطنة في الفكر الغربي المعاصر العديد من الملابسات.

وأوصى الباحث: برفض الاعتماد على أي مصدر خلاف التشريع الإسلامي في تحديد حركة الإنسان المواطن والمجتمع والقيم والحقوق والواجبات.

ص: 108

دراسة يعقوب (2012) الموسومة ب ((المواطنة من منظور حقوق الانسان في مناهج التربية الوطنية في الأقطار العربية دراسة حالة لكل من الأردن ومصر ولبنان)) هدفت الدراسة إلى:

لفت الانتباه على قضية مهمة يغيب عنها الاهتمام الكافي في العالم العربي حتى اللحظة الراهنة، وتتمثل في تحليل مضمون الثقافة السائدة وتحليل أطر عملية التغيیر الهادفة الى إيجاد ثقافة المواطنة، بوصفها شرطاً أساسياً لنجاح أي عملية تحول ديمقراطي.

منهج الدراسة:

استعمل الباحث منهج تحليل المحتوى.

وأظهرت النتائج الآتية:

1. ضآلة عدد قيم المواطنة التي تضمنتها المقررات، وضعف تناسبها مع الدور الذي يمكن أن تقوم به كمناهج في عملية اكساب القيم للطلبة.

2. عدم التوازن في درجة التركيز على قيم المواطنة من منظور حقوق الانسان سواء بین الدول نفسها أم بین القيم التي تضمنتها المواطنة.

3. استعمال مقررات التربية الوطنية لمصطلحات مشحونة عاطفيا، وتفاوت دول مجتمع الدراسة في استعمالها.

4. محدودية ما ورد من المصطلحات ذات العلاقة بذوي الفئات المهمشة في مقررات التربية المدنية والوطنية.

ص: 109

5. اختلاف تدريس مناهج المقررات المدنية والوطنية الاجتماعية في الدول الثلاث (الأردن، ومصر، ولبنان).

6. أوضح تحليل مقررات التربية الوطنية في الدول مجتمع الدراسة ونتائج المقابلات أنها تميل بقصد أو دون قصد نحو تكريس الأنماط السياسية والاجتماعية والثقافية القائمة في هذه الدول.

وفي هذا المجال توصي الدراسة بما یأتي:

1. التأكيد على أهمية البدء في تدريس مقررات التربية المدنية والوطنية في الدول العربية، ومنها دول مجتمع الدراسة منذ الصف الأول الابتدائي.

2. مراجعة الكتب الدراسية بصورة دورية بهدف تحقيق التوازن في إيراد ومعالجة قيم المواطنة من منظور حقوق الإنسان في متون هذه الكتب.

3. تعميم هذه الدراسة على بقية الكتب المدرسية المقررة في جميع المراحل التعليمية وعلى دول عربية أخرى.

4. إجراء دراسات مماثلة تتناول مدى الإلمام بالمواطنة من منظور حقوق الإنسان على طلبة المدارس والمعلمین والإدارة المدرسية.

5. تطوير إدراك واضعي مناهج التربية المدنية والوطنية، وكذلك اتباع وسائل التدريس الحديثة في تعليم مناهج التربية الوطنية.

6. التأكيد على أن الفهم الحقيقي لمضمون المواطنة القائم على مسألة إعمال الحق والواجب هو العملية الأكثر فعالية والأنسب.

7. ضرورة الاهتمام بحقوق الفئات الأكثر عرضة للانتهاك كالطفل والمرأة والمعاقین والعمال المهاجرين وغيرهم في مناهج التربية المدنية والوطنية.

ص: 110

ثانياً: الدراسات التي تناولت فكر الإمام علي (عليه السلام)

1- دراسة العزاوي (2006) الموسومة ب ((النظام الاداري في خلافة سيدنا الامام علي (عليه السلام) (35 - 40)) هدفت الدراسة الى:

إبراز الجانب الإداري للإمام علي (عليه السلام) خلال مدة الخلافة.

منهج الدراسة:

المنهج التاريخي الوصفي.

وقد توصلت الدراسة الى عدد من النتائج نذكر منها:

1. أدت شخصية أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب (عليه السلام) دورا كبیرا في مسیرة الإسلام في مراحله الأولى، فهو من أوائل المؤمنین الذين ساندوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بناء دولته الجديدة.

2. طبق الإمام علي (عليه السلام) مبدأ اللامركزية؛ اذ أعطى صلاحيات واسعة في تحديد السياسة الإنفاقية وتعيین السياسة الخارجية، فضلاً عن تنصيب القادة العسكريين والعمال الاداریين.

3. حرص الإمام علي (عليه السلام) على العمل بمبدأ المشاركة في الرأي واتخاذ القرارات بین من يعملون في المراكز التنفيذية في الجوانب الإدارية.

4. سلك الإسلام منهجا عظيما في مجال الرقابة الذاتية، وكذلك سلكه الإمام

ص: 111

إذ أكد أن كل إنسان هو بحد ذاته رقيب على نفسه، فقد قال الإمام (عليه السلام): (لعن الله الآمرين بالمعروف التاركین له)1.

5. لايعد أمیر المؤمنین علي بن ابي طالب (عليه السلام) رجلا إداريا فحسب، بل هو رجل سياسي وعسكري لا مثيل له، فقد أثبت خلال مدة خلافته، التي عدت من اصعب الحقب التي عاشتها الدولة الإسلامية أنه كان يتصف بالروح القيادية والحنكة العسكرية.

6. إنّ توجيهات الإمام علي (عليه السلام) إلى الولاة والعمال كلها كانت تطبيقا للتعاليم الإسلامية المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وهذا ما أعطاه قوة وقبولا منقطع النظیر.

2- دراسة النعيمي (2008) الموسومة ب ((التنظيم الاجتماعي في الفكر الإسلامي، فكر الإمام علي (عليه السلام) انموذجا دراسة تحليلية)) هدفت الدراسة الى:

الكشف والاستقصاء عن الشكل التنظيمي للدولة الإسلامية إبان خلافة الإمام (عليه السلام)، والتعرف على الجوانب التنظيمية والإدارية التي صاغها الإمام.

استخراج الفكر التنظيمي الإسلامي للإمام علي (عليه السلام) من خلال مراجعة أقواله ومآثره وحكمه ومواعظه ورسائله وخطبه، معتمدة في ذلك كله

ص: 112

على الأطر النظرية السسيولوجية الخاصة ب (التنظيم الاجتماعي)، وذلك لإجراء عملية التفسیر والتحليل لذلك الفكر التنظيمي من خلال الإجابة عن تساؤلين رئيسین هما:

اولا: ما الأسس والقواعد الشرعية التي استندت اليها سلطة الإمام علي (عليه السلام) وقيادته؟ وما هو البعد التنظيمي في تلك الأسس والقواعد؟ ثانيا : ما أسس ومرتكزات السياسة التنظيمية العامة التي مارسها الإمام علي (عليه السلام) في المجتمع الإسلامي بذلك؟ منهج الدراسة: استعملت الباحثة المنهج الوصفي التحليي التاريخي، من خلال البحث المكتبي وذلك بالاعتماد على وثيقة نهج البلاغة.

نتائج الدراسة:

1. استند الفكر التنظيمي للإمام علي (عليه السلام) إلى القواعد والمرجعيات الإسلامية الأساسية، وهي القرآن الكريم والسنة النبوية، ما جعل طروحاته التنظيمية كافة ذات توجهات إسلامية بحتة.

2. اتسمت طروحات الإمام (عليه السلام) التنظيمية والإدارية منذ الأيام الأولى لتوليه السلطة بالتركيز على دمج المشروع التنظيمي - الإداري الشامل بمشروع التغيیر الاجتماعي للبنى والنظم الاجتماعية القائمة آنذاك كافة.

3. لقد كان الفكر التنظيمي للإمام علي (عليه السلام) يرتكز على جانبین؛ نظري تشريعي، وعملي تطبيقي، وقد حاول من خلالهما أن يصوغ قواعد وأسسا تنظيمية متكاملة الأبعاد، لا تقف على الحدود الفكرية فقط، بل تتجاوز ذلك لتحقيق ما سعى إليه الامام علي (عليه السلام) من ترسيخ العدالة الاجتماعية

ص: 113

علی صعيد الممارسة والتطبيق.

4. كان التنظيم الاجتماعي في فكر الإمام مستندا إلى مبدأ تقسيم العمل، اذ خصص لكل طبقة في المجتمع مهمة تؤديها ضمن سياقاتها الخاصة بها، وألزم الطبقات كافة بضرورة التعاون والتبادل المنفعي، كي تنتظم شؤون المجتمع على الصعد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والقضائي كافة.

3- دراسة البديري (2010) الموسومة ب ((التربية السياسية في فكر الإمام علي (عليه السلام))) هدفت الدراسة إلى: تعرف التربية السياسية في فكر الإمام علي (عليه السلام) من خلال الإجابة عن السؤالين الآتيین:- 1. ما مبادئ التربية السياسية في فكر الإمام علي (عليه السلام)؟ 2. ما تطبيقات التربية السياسية عند الإمام علي (عليه السلام)؟ منهج الدراسة:

استعمل الباحث المنهج التاريخي، الوصفي، التحليلي، البنائي.

نتائج الدراسة:

1. طبق الإمام علي (عليه السلام) مبدأ التربية الشاملة في تربيته السياسية. أي إنه حاول أن يستوعب كل العوامل التي تؤثر فيها، لذلك شملت هذه التربية مختلف الشرائح ومختلف المجالات.

2. لم تقتصر التربية السياسية عند الإمام علي (عليه السلام) على فئة من الناس

ص: 114

(الولاة والعمال والقادة والجند)، وإنما شملت مختلف فئات المجتمع.

3. استعمل الإمام علي (عليه السلام) أسلوب المنهج المفتوح في تربيته السياسية.

4. إن التربية السياسية التي تعتمد على المبادئ الإسلامية هي تربية واقعية وشاملة لمختلف جوانب الحياة وأوصى الباحث:

1. تضمین المناهج التربوية الحالية لمادة التربية السياسية في فكر الإمام علي (عليه السلام)، ولكافة المراحل الدراسية.

2. إيجاد مقررات دراسية خاصة بالتربية السياسية في الإسلام.

3. إدخال مادة الفكر السياسي للإمام علي (عليه السلام) لطلبة كليات القانون والسياسة.

4. إقامة الندوات والمؤتمرات لتوضيح مبادئ التربية السياسية في فكر الإمام علي (عليه السلام).

5. إقامة دورات للمعلمين والمدرسين في التربية السياسية الإسلامية.

6 .6 تطبيق المنهج الإسلامي في مجالات الحياة كافة، ولا سيما في المجال السياسي.

4- دراسة عدوة (2010) الموسومة ب ((اسس بناء الدولة الاسلامية في فكر الإمام علي (علية السلام)))

ص: 115

هدف الدراسة:

بيان أسس بناء الدولة الإسلامية في فكر الإمام علي (عليه السلام).

منهج الدراسة:

استعمل الباحث المنهج التاريخي الوصفي التحليلي.

نتائج الدراسة:

1. سعى الإمام علي (عليه السلام) في الجانب الفكري إلى استنهاض المسلمين، عن طريق نشر العلم والمعرفة لإرساء قواعد واسس رصينة لبناء حضارة مزدهرة عن طريق حمل الرسالة الإسلامية بفكر متنور.

2. تنبع سياسة أمیر المؤمنین الإمام علي (عليه السلام) من مفهوم منصب الإمامة إمامة المسلمين الذي هو امتداد للنبوة بعد انقطاع الوحي، وهو تكليف رباني عن طرق الانتخاب والاختيار، لذا كانت سياسته تنصب على قيام حكومة العدل الالهي.

3. كان الإمام علي (عليه السلام) ملازما للجندية الجهادية منذ صباه في المعارك التي خاضها الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مع اعداء الإسلام، مما اكسبه خبرة واسعة في هذا الميدان الذي حدا به أن يترك إرثا عسكريا، تمثل بین صرامة الجندية والرحمة الإنسانية، فضلا عن وصاياه الفكرية العسكرية من القيادة إلى التخطيط والتعبئة للمعركة وفن القتال، كل ذلك من أجل تأسيس مجتمع ودولة إسلامية محصنة.

4. أما سياسة الإمام علي (عليه السلام) في المجال المالي، فتمثل سياسة الرجل الاقتصادي البارع بوضع خطط استثمار لمواد الدولة و تنميتها وإدامة عطائها

ص: 116

والنهي عن الاسراف والتبذير في الانفاق، وهي سياسة مالية رصينة أحيت الحياة الاقتصادية الإسلامية ونمتها، ثم دعا الى عدم إطفاء جذوة الروح الجهادية عند ارتباط المسلمين بالملكية ونشوء حياة الاستقرار وعدم توزيع أراضي السواد على المجاهدين، وجعل ملكيتها لتكون موردا دائما يضمن حقوق الأجيال المتعاقبة.

5. إن الإمام علياً (عليه السلام) أبدع في تأسيس نظام اداري ونظام قضائي يعد أنموذجاً في روحه وجوهره، كما أرسى مفاهيم أسس علم الاجتماع في المجتمع الإسلامي؛ إذ ألغى التفاوت الطبقي وتقويم الناس على اساس قدراتهم وكفايتهم العلمية والاخلاقية وغيرها.

أوجه المقارنة بين الدراسات السابقة والبحث الحالي:

اولاً: الهدف اختلف أغلب أهداف الدراسات السابقة عن هدف البحث الحالي، فلم تهدف هذه الدراسات إلى معرفة المواطنة في الإسلام وتطبيقاتها التربوية فكر الإمام علي (عليه السلام) أنموذجاً. إذ كان هدف دراسة (علوان 2006) أن للفكر الإسلامي معالجات تحليلة لموضوع المواطنة، على حین هدفت دراسة (عيال 2007) إلى بناء مقياس لمفهوم المواطنة، بينما ركزت دراسة (الزهیري 2008) على التعرف على مستوى الشعور بالمسؤولية الوطنية لدى طلبة الجامعة المستنصرية، على حین هدفت دراسة (اخضر 2005) مدى تحقيق أهداف تنمية المواطنة ومبادئها في المقررات الدراسية وتقديم اقتراحات لتنمية المواطنة لدى طالبات المرحلة الثانوية، أما دراسة (العامر 2006) فقد هدفت تحليل مفهوم المواطنة بمضامينه، وأبعاده السياسية والاجتماعية والثقافية، كما استهدفت دراسة (يعقوب 2012) تحليل ثقافة

ص: 117

المواطنة بوصفها شرطاً أساسياً لنجاح أي عملية تحول ديمقراطي، أما الدراسات المتعلقة بالإمام علي (عليه السلام) فكانت مركزة على الجوانب الإدارية كما في رسالة (العزاوي 2006)، والكشف عن الشكل التنظيمي للدولة الإسلامية كما في دراسة (النعيمي 2008)، والتربية السياسية كکا في دراسة (البديري 2010)، في حین هدفت دراسة (عدوة 2010) إلى بيان أسس بناء الدولة الإسلامية، اما هذا البحث فكان هدفه المواطنة في فكر الإمام علي (عليه السلام).

ثانياً: المنهجية تباينت الدراسات السابقة في منهجيتها، فكانت اغلبها وصفية، تحليلية، تاريخية كدراسة النعيمي (2008)، ودراسة عدوة (2010)، أما دراسة البديري (2010)، فقد استعمل الباحث في دراسته منهجاً تاريخياً وصفياً تحليلياً استنتاجياً، أما البحث الحالي فقد استعملت الباحثة المنهج الوصفي التحليي الاستنتاجي، لكونها قامت بتحليل بعض الخطب والمواعظ والأوامر والحكم لأمیر المؤمنین (عليه السلام) بهدف استنتاج المواطنة، أما الدراسات الأخرى كدراسة علوان (2006) فقد اتبعت الباحثة المنهج التاريخي التحليلي والمنهج المقارن، على حین استعمل يعقوب (2012) في دراسته منهج تحليل المحتوى.

وبناءً على ما تقدم وبحسب علم الباحثة يمكن عد البحث الحالي أول بحث أكاديمي (رسائل - وأطاريح) في العراق تناول المواطنة في الإسلام وتطبيقاتها التربوية ولشخصية إسلامية تتمثل بالإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام).

الإفادة من الدراسات السابقة:

1. التعرّف على نوعية الأهداف التي رمت إليها الدراسات السابقة، ومدى دقتها في معالجة مشكلة البحث.

ص: 118

2. الإطلاع على الأدبيات السابقة ذات العلاقة بالبحث الحالي، مما ساعد على تحديد نقاط التشابه والاختلاف المهمة في نوعية الأساليب المستعملة في تنمية المجالات المتعددة لمفهوم المواطنة.

3. الرجوع إلى المصادر التي استعانت بها الباحثة، بالقدر الذي يتعلق به موضوع البحث.

بيان الدور الكبیر لأمیر المؤمنین الإمام علي (عليه السلام) في إرساء دعائم الدولة الإسلامية مستنداً إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

ص: 119

ص: 120

الفصل الثالث

اشارة

* المبحث الأول: مبادئ المواطنة الصالحة لدى الإمام علي (عليه السلام)

* المبحث الثاني: التطبيقات التربوية

* المبحث الثالث: الاستنتاجات والتوصيات والمقتترحات

ص: 121

ص: 122

المبحث الأول مبادئ المواطنة الصالحة لدى الإمام علي (عليه السلام)

اشارة

إن اي شخص يولد في وطن ما، وينشأ بین سكان هذا الوطن ويحمل جنسيته لا يكفي لجعل ذلك الشخص مواطناً صالحاً، بل إن المواطنة الصالحة تتطلب أن يتحلى المواطن بمجموعة من المبادئ والصفات التي تجعل منه إنساناً فعالاً صالحاً لخدمة وطنه في حدود إمكاناته وقدراته الخاصة. ويقصد بفعالية المواطن هنا سلوكه المعبر عن المبادرة الذاتية وحب العمل والحرص على المشاركة والتفاعل مع الآخرين وتنبثق فعالية المواطن المسلم من خلال شعوره بأنه مخلوق مكرم، وأنه مستخلف في هذه الأرض بأمر الله (عزوجل)(1).

فيقول الله (عزوجل): «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ»(2).

ومن خلال استقراء الآيات الكريمة المتعلقة بموضوع المواطنة وما يعززها في الحديث الشريف، وكلام الإمام علي أمیر المؤمنین (عليه السلام) نجد بأنها ترشدنا إلى الكثیر من الصفات التي يجب الوقوف عليها، للحفاظ على هذه الارشادات والأوامر الإسلامية وقفة مواطن يريد الوصول إلى إثبات وطنيته من خلال تطبيق

ص: 123


1- الشيباني، 1995: ص 35
2- هود / 61

هذه الارشادات، وتبنى المواطنة الصالحة في الإسلام على مبادئ وعلى النحو الآتي:

1- الإيمان بالله (عزوجل)

يعد الإيمان هو أساس العقيدة السمحاء، وهو المحرك الأساس لتوجهات الإنسان نحو القيام بالواجبات تجاه ربه ونفسه والآخرين، ومن أبرز المبادئ الإيمانية للمواطن تفويض الأمر لله (عزوجل) والاستعانة به والتوكل عليه، كما في قوله: (يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِرِي بِآيَاتِ اللهِ فَعَلَی اللهِ تَوَكَّلْتُ.)(1) ولما ضاق نبي الله نوح (عليه السلام) ذرعاً بقومه لجأ إلى ربه طالباً النصرة فقال: (قَالَ رَبِّ انصُرْنِی عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ)(2).

والإنسان الذي يتحلى بالإيمان جدير بأن يكون مواطناً صالحاً تربوياً حقاً، وعلينا جميعاً أن نغرس في أولادنا الإيمان منذ الصغر، ليشبوا ويكبروا عليه، ليكونوا مواطنین صالحین، يعملون على نفع البلاد، وما أحوجنا إلى مثل هؤلاء الأفراد في بلادنا في هذه الأيام(3).

وأرشدنا الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى الإيمان بالله (عزوجل)، إذ سئل عن الإيمان، فقال: (الإيمان على أربع دعائم: الصبر، واليقین، والعدل،

ص: 124


1- الأعراف / 71
2- العنكبوت / 30
3- مبارك، 1389 ه: ص 135

والجهاد)(1) وهذا ما أكده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أقواله، منها قوله:

(من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان)(2).

ويعد الإيمان والتوحيد من أهم عوامل تربية الإنسان، وهذا ما ندركه من خلال سیرة الإمام علي (عليه السلام) وأقواله، فصار حب الوطن من القيم الأخلاقية العليا، بل صار من الإيمان، فالدين الإسلامي وما فيه من منهج عملي يؤثر في بلورة شخصية الفرد وافكاره وسلوكه من نواح عديدة، إذ قال الإمام علي (عليه السلام) في الإيمان: (لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزلهُ وجدهُ)(3).

2- التحلي بالأمانة

تعني الأمانة أن تؤدي ما عليك من حق، فهي خلق أوجبه الإسلام، إذ يقول الله (عزوجل): «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا»(4).

والأمانة من أخلاق وصفات الأنبياء عليهم السلام، وقد تبین ذلك واضحاً من خلال قصة نبي الله موسى (عليه السلام) قال (عزوجل): )قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا

ص: 125


1- ابن ابي الحديد، حامد عز الدين، (ت 656 ه)، شرح نهج البلاغة، كلام أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب (عليه السلام)،، تحقيق: محمد أبو الفضل، بیروت، المكتبة العصرية، 2011، ج 3: ص 570
2- أبو داود، سليمان بن الأشعث (ت 275 ه)، سنن أبي داود، تحقيق: سعيد اللحام بیروت، دار الفكر، 1990: ص 565
3- الكليني، أبو جعفر محمد بن يعقوب (ت 329 ه)، اصول الكافي، تحقيق: محمد جواد الفقيه والدكتور يوسف البقاعي، بیروت، لبنان، دار المرتضى للطباعة، (8 أجزاء)، 2005، ج 2: ص 340
4- النساء / 58

أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ)(1).

وجاء في تفسیر الآية أن خیر من استأجرت القوي الأمین قال لها أبوها: وما علمك بذلك قالت له: إنه رفع الصخرة التي لا يطيق حملها إلا عشرة رجال وإني لما جئت معه تقدمت أمامه فقال لي: كوني من ورائي فإذا اختلف عليّ الطريق فاحذفي لي بحصاة أعلم بها كيف الطريق لاهتدي إليه(2).

وحذر رسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من اختفاء وضياع الأمانة في آخر الزمان حينما سئل عن قيام الساعة فقال: (أين أراه السائل عن الساعة، قال: ها أنا يا رسول الله قال: فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال:

كيف إضاعتها قال: إذا وسّد الأمر إلى غیر أهله فانتظر الساعة)(3).

ولأمانتهِ وصدقه سميّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصادق الأمین(4).

ودعا أمیر المؤمنین الإمام علي (عليه السلام) بضرورة اتصاف الإنسان بالأمانة بوصفها من المبادئ المهمة في التربية، التي توثق علاقة الإنسان بالآخرين، وهذا ما أمرنا به ولكي يتصف المواطن بالصلاح لابد أن يكون أمينا لوطنه وأهله، بل

ص: 126


1- القصص / 26
2- أبن كثیر، ابو الفداء اساعيل (ت 774 ه)، البداية والنهاية، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، القاهرة، مصر، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، (20 جزء)، 2003، ج 3: ص 11
3- البخاري، أبو عبد الله محمد (ت 256 ه)، صحيح البخاري، تحقيق: محمد ذهني بیروت، دار النوادر للنشر والتوزيع، مكتبة الحديث النبوي، (9 أجزاء)، 2012، ج 1: ص 33
4- الهيثمي، علي بن نور الدين (ت 807 ه)، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، تحقيق: العراقي وابن حجر، بیروت، دار الفكر، (10 أجزاء)، 1992، ج 9: ص 166

لا يكون مؤمناً إلاّ إذا اتصف بالأمانة فقال (عليه السلام): (من لا أمانة له لا إيمان له)(1).

وقال أيضاً (عليه السلام): (الزم، الصدق والأمانة، فإنهما سجية الأبرار الأخيار.)(2) 3- المساواة والعدالة بين الرعية إن الإسلام دين المساواة العادلة بین الناس، لا يفضل جنسًا ولا لونًا على غیره وجعل ميزان التفاضل بین الناس التقوى، قال (عزوجل): «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»(3). جاء الإسلام قبل كل شيء بقضيتین اثنتین: الأولى التوحيد والثانية المساواة بین الناس، وكان أغيظ ما أغاظ قريشاً من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعوته أنه كان يدعوها إلى هذه المساواة، ولم يكن يفرّق بین السيد والمسود، ولا بین الحر والعبد، ولا بین القوي والضعيف، ولا بین الغني والفقیر، وإنما كان يدعو إلى أن يكون الناس جميعاً سواء كأسنان المشط، لا يمتاز بعضهم عن بعض، ولا يستعلى بعضهم على بعض(4).

ص: 127


1- الريشهري، محمد محمدي، منتخب ميزان الحكمة، تحقيق: حميد الحسيني، مصر، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، (10 أجزاء)، 1996، ج 1: ص 330
2- الآمدي، ناصح الدين عبد الواحد (ت 510 ه)، غُرر الحكم ودُرر الكلم، عُني بترتيبه: حسین الأعلمي، بیروت، منشورات مؤسسة الأعلمي، (3 أجزاء)، 2002، ج 2: ص 187
3- الحجرات / 13
4- هادي وآخرون، مفهوم المواطنة محاولة الدخول من الشخصانية الى المواطنة، بغداد، مؤسسة مدارك لدراسة آليات الرقي الفكري للنشر والطباعة، 2008: ص 10

وأكد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على مبدأ المساواة في أكثر من حديث وموقف كقوله: (الناس سواسية كأسنان المشط)(1) ولم يكن الإمام علي (عليه السلام) بعيدا عن هذا المسعى الإنساني التربوي في سبيل تحقيق وارساء حق المساواة العادلة، فكان يجعلها عامل توحد وليس عنصر تفرقة وينظر إلى العدل على أنه أفضل مروءة وهو على رأس القيم الإسلامية، والعدل اسم من أسماء الله الحسنى؛ إذ إن أفضل الاعمال كلمة عدل عند سلطان جائر، بل ان العدالة هي مصدر للقيم الإسلامية، لذلك اضحت العدالة من دعائم الايمان، ويتضح تأكيده على الاهمية الكبرى للمساواة العادلة كونها حقاً للإنسان كفرد أو في اطار المجتمع ولا سيما بإزاء السلطة الحاكمة، وإن من حق الناس على الحكومة إنصافهم والعدل بينهم(2).

وأكد الإمام علي (عليه السلام) أن القاضي الذي يقضي بالحق والعدل هو مواطن صالح عند أمیر المؤمنین لذا نراه يقول: (أفضل الخلق أقضاهم بحق)(3).

ويقول (عليه السلام): (فإذا جلس بین يديك الخصمان، فلا تقضین حتى تسمع من الآخر، كما سمعت من الأول فإنه أحرى أن يتبین لك القضاء)(4).

ص: 128


1- السرخسي، شمس الدين (ت 483 ه)، المبسوط، تحقيق: جمع من أفاضل العلماء، بیروت، دار الكتب العلمية، (30 جزءاً)، 1994 ،ج 5: ص 23
2- السعد، غسان، حقوق الإنسان عند الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، رؤية علمية، العراق، النجف، مكتبة الحضرة العلوية المشرفة، ط 3، 2012: ص 79 - 80
3- الريشهري، محمد محمدي، منتخب ميزان الحكمة، تحقيق: حميد الحسيني، مصر، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، (10 أجزاء)، 1996، ج 7: ص 330
4- أبو داود، سليمان بن الأشعث (ت 275 ه)، سنن أبي داود، تحقيق: سعيد اللحام بیروت، دار الفكر، 1990: ص 582

وتشكل سیرة الإمام علي (عليه السلام) في الحكم، على قصر عمرها الزمني، أروع أنموذج تطبيقي في المساواة والعدل في الإسلام، بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فنجد ذروة الاحترام أمام القانون، ما نقله ابن الأثیر قال: وجد الإمام علي (عليه السلام) درعاً له عند يهودي، فأقبل به إلى شريح (القاضي) قائلاً: هذه درعي، فقال اليهودي: ما هي إلا درعي، فقال شريح للإمام (عليه السلام): الك بينة؟ قال: لا، فأخذ اليهودي الدرع، ومشى يسیراً، ثم عاد، وقال:

أشهد أن هذه أحكام الأنبياء، أمیر المؤمنین قدمني إلى قاضيه، وقاضيه يقضي عليه، ثم أسلم واعرف أن الدرع سقطت من الإمام علي (عليه السلام) عند مسیره إلى صفین، ففرح الإمام بإسلامه(1).

ويؤكد أمیر المؤمنین (عليه السلام) على المساواة والعدل وعدم التفرقة بین أصحاب الديانات الأخرى واحترامهم، لأنها تعد من مبادئ المواطنة الصالحة كما في قوله: (وإن جالسك يهودي فأحسن مجالسته)(2) 4- الشجاعة في قول الحق تعد الشجاعة في قول الحق من مبادئ المواطنة الصالحة، وقد بینّ القرآن الكريم مثالاً يقتدى به في ممارسة هذا السلوك الأخلاقي التربوي؛ إذ جاء في قوله (عزوجل): «وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ

ص: 129


1- ابن الأثیر، أبو الحسن علي (ت 606 ه)، أسد الغابة في معرفة الصحابة، تحقيق: علي محمد معوض - عادل أحمد عبد الموجود، بیروت، دار الكتب العلمية، 1994،ج 2: ص 443
2- الريشهري، محمد محمدي، منتخب ميزان الحكمة، تحقيق: حميد الحسيني، مصر، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، (10 أجزاء)، 1996، ج 6: ص 35

الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ»(1). ولعل ما يمكن فهمه من كلمة الشجاعة هي اوسع من مفهوم القوي الغاشم لهذه المفردة، فالشجاعة تصب في صالح الاعتراف بالخطأ والقبول بالرأي الآخر والمعارضة، بل ان الشجاعة تكون ايضاً حتى في السعي لإحداث التغيیر والتطور داخل المجتمع ولصالحه، فدعا الإمام علي (عليه السلام) إلى ان تكون الشجاعة خاضعة لاحكام العقل وإلى الموضوعية والاتزان في الأقوال والأفعال(2).

فقال الإمام (عليه السلام): (أشجع الناس من غلب الجهل بالحلم) ويؤكد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك بقوله: (إنَ اعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)(3).

ويرى (عليه السلام) أن الشجاعة في قول الحق هي إحدى مصاديق المواطنة الصالحة، لذا يجب على الحاكم الحق أن يكون ناصحاً لشعبه ولأمته كما في قوله (عليه السلام): (أيها الناس، إنّ لي عليكم حقا ولكم عليّ حق، فأما حقكم عليّ فالنّصيحة لكم... وأمّا حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنّصيحة في المشهد والمغيب)(4).

وكذلك يجب على المواطن أن يكون ناصحا لغيره من المواطنین بل لجميع الخلق

ص: 130


1- غافر / 28
2- مدير، كاظم، الحكم من كلام الامام امیر المؤمنین علي (ع)، مشهد، مؤسسة الطبع والنشر التابعة للاستانة الرضوية المقدسة، 1997، ج 2: ص 8
3- الترمذي، محمد بن عيسى (ت 279 ه)، الجامع الصحيح سنن الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون، بیروت، دار احياء التراث العربي، (8 أجزاء)، 2000، ج 8: ص 345
4- الريشهري، محمد محمدي، منتخب ميزان الحكمة، تحقيق: حميد الحسيني، مصر، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، (10 أجزاء)، 1996، ج 9: ص 28

كما في قوله (عليه السلام): (إمحض أخاك النصيحة، حسنة كانت أو قبيحة)(1).

ولم يكن الإمام علي (عليه السلام) شجاعاً فقط في قول كلمة الحق، وإنما كان من أشد الناس بأساً، وما كان فتى اقرب إلى العدو منه، فقد أبدى من الصمود والبسالة ما لا يوصف، فكان القوة الضاربة في جيش الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد بهرت حتى الملائكة من قوة بأسه، وعظيم إيمانه(2).

وكانت شجاعته (عليه السلام) لصالح الإسلام والرسالة المحمدية، فخاض غمار سلسلة من المعارك الدفاعيّة الباهرة، إذ تمثلت فيها الفروسية والعزة وصلابة الأصلاء وهو ينشد النصر بالعفة والشرف الجهادي. وقد قرن الشجاعة بالفضائل فهي عز الإنسان ترتبط بالصدق والصبر والسخاء والحزم.(3) فقال (عليه السلام) في ذلك: (قدر الرجل على قدر همته، وشجاعته على قدر أنفته)(4).

ص: 131


1- الريشهري، محمد محمدي، منتخب ميزان الحكمة، تحقيق: حميد الحسيني، مصر، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، (10 أجزاء)، 1996، ج 9: ص 27
2- كاظم، صباح محسن، الأمام علي نموذج الإنسانية، قسم الشؤون الفكرية والثقافية، العتبة العباسية المقدسة، 2009: ص 32
3- كتاني، سليمان، الامام علي نبراس ومتراس، تحقيق: هاشم الباججي، بیروت، لبنان، مطبعة الرافدين، ط 2، 2012: ص 134
4- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، ق. ح 47: ص 361

5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو قطب هذا الدين الذي بعث الله المرسلين من أجله، وهو أمر الله (عزوجل) إذ يقول: «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(1). ولا شك أن صلاح العباد في معاشهم متوقف على طاعة الله (عزوجل)، وطاعة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وطاعة آل بيته (عليهم السلام)، وتمام الطاعة متوقف على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبه كانت هذه الأمة خیر أمة أخرجت للناس(2).

فقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (والذي نفسي بيده، لتأمرُن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر أو ليُوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم.)(3) إن موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موضوع عظيم، جدير بالعناية، لأن في تحقيقه مصلحة الأمة ونجاتها، وفي إهماله اختفاء الفضائل، وظهور الرذائل، وقد أوضح الإمام علي (عليه السلام) منزلته العظيمة في الإسلام، فقال في وصيته لولديه الحسنين (عليهما السلام): (أوصيكُما وجميع ولدِي وأهي ومن بَلَغه كتابي..

عليكُم بالتواصل والتبادل، وإياكم والتدابر والتقاطع، لا تتركوا الأمر بالمعروف

ص: 132


1- آل عمران / 104
2- الرحيلي، حمود بن أحمد، قواعد مهمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (على ضوء الكتاب والسنة)، بیروت، دار الخیر، 2008: ص 4
3- ابن حنبل، أبو عبد الله احمد (ت 241 ه)، فضائل الصحابة، تحقيق: د. وصي الله محمد عباس، الدمام، السعودية، دار ابن الجوزي، 1999، ج 5: ص 288

والنهي عن المنكر، فيولى عليكم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم)(1).

وقال (عليه السلام): (قوام الشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأقامة الحدود)(2) وقوله (عليه السلام): (وانهوا عن المنكر وتناهوا عنه، فإنما أمرتم بالنهي بعد التناهي)(3).

بل لعن أمیر المؤمنین من يأمر بالمعروف ولا يعمل به، وينهى عن المنكر ويفعله فقال (عليه السلام): (لعن الله الآمرين بالمعروف التاركین له والناهین عن المنكر العاملین به.)(4) وكان امیر المؤمنین نموذجاً للتحلي بصفة النهي بعد التناهي فيقول (عليه السلام): (أيها الناس إني، والله، ما أحثكم على طاعة إلا وأسبقكم إليها، ولا أنهاكم عن معصية إلا وأتناهى قبلكم عنها.)(5) وقال (عليه السلام): (وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لخلقان من خلق الله سبحانه، وإنها لا يقربان من أجل، ولا ينقصان من رزق)(6).

ص: 133


1- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، و 47: ص 317
2- الريشهري، محمد محمدي، منتخب ميزان الحكمة، تحقيق: حميد الحسيني، مصر، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، (10 أجزاء)، 1996، ج 6: ص 255
3- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، خ 105: ص 107
4- المصدر السابق، خ 129: ص 133
5- المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي (ت 1111 ه)، بحار الانوار، تحقيق: مؤسسة الوفاء، بیروت، ط 2، (110 أجزاء)، 2009، ج 40: ص 191
6- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، خ 156: ص 156

6- النهي عن الفساد

لقد وعد الله (عزوجل) عباده الذين ينأون عن الفساد والعلو في الأرض بالجنة والثواب في موطنهم ودارهم التي يخلدون فيها بلا موت، فقال الله (عز وجل(: )«تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»(1)، في حین تكون نهاية المفسدين في الأرض العقاب الشديد المنزل عليهم من عند الله (عزوجل)، ومن الأمثلة على ذلك ما حدث لقارون قال (عز وجل): «فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ»(2).

وفوض الله الإنسان في الأرض للتصرف فيها وعمارتها، واستغلال خيراتها فهو موكل في التصرف بحسب ما أمره الله به وبما شرعه له وليس كما يريد الإنسان لنفسه، فعن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طیر أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة.)(3) وهو التكريم الذي شاءه له الخالق الكريم، وهو الاستخلاف في هذه الارض وهي الوطن والمأوى والستر والحياة كلها(4).

ص: 134


1- القصص / 83
2- القصص / 81
3- مسلم، أبو الحسین مسلم (ت 261 ه)، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بیروت، دار إحياء التراث العربي، 1991، ح 5: ص 28)
4- قطب، سيد (ت 1386 ه)، معالم في الطريق، بیروت، دار الشروق للطباعة والنشر، ط 6، 1979: ص 60

فالآيات التي ذكرت عن الفساد في الارض إضافتة إلى الأحاديث النبوية التي وردت تحذر الأمة من الفساد في الأرض، كذلك يدعو الإمام علي (عليه السلام) الإنسان إلى أن يكون صالحاً مصلحاً بعيداً عن جميع صور الفساد، لأن العمل الصالح يكون أثمن ما في الأرض، ويعد ظلم الناس وإنكار حقوقهم من أسوأ اشكال فساد النفس التي يقدم صاحبها على التجرؤ على الله ورسالته وعباده فيظلمهم فيما يملكون، هذا النوع من الفساد هو الذي كان الإمام علي (عليه السلام) يقول فيه: (إني لو أعطيت الأقاليم السبع على أن اعصي الله في نملةٍ أسلبها جلب شعيرة ما فعلت)(1).

7- القناعة والقبول باليسير

القناعة في القرآن الكريم تعني الحياة الطيبة، فقال (عزوجل): «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً»(2).

ويعرض القرآن أنموذجاً للقناعة من خلال الحوار الدائر بین فريقین من قوم قارون، فريق تطلع إلى متاع الدنيا وتمنى أن يكون له مثل ما أوتي قارون، وفريق آخر زاهد في الحياة الدنيا متطلع إلى ثواب الله (عزوجل)(3).

فقال (عزوجل): «فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ

ص: 135


1- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، خ 224: ص 255
2- النحل / 97
3- كتاني، سليمان، الامام علي نبراس ومتراس، تحقيق: هاشم الباججي، بیروت، لبنان، مطبعة الرافدين، ط 2، 2012: ص 187

لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ»(1).

ويلفت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) انتباهنا إلى المقياس الحقيقي للغنى، ألا وهو غنى النفس والقناعة لا كثرة المال والمتاع كما جاء في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس)(2).

ويرى أمیر المؤمنین (عليه السلام) أن المواطنة الصالحة هي التي تفرض على الإنسان أن يكون قنوعاً ومتواضعاً مع الناس ومنصفاً لهم كقوله في التواضع:

(إياك والإعجاب بنفسك، والثقة بما يعجبك منها، وحب الإطراء، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين)(3).

ويحثنا الإمام علي (عليه السلام) على القناعة والرضا بالقليل، لأنها صفة من صفات المواطن الصالح فقال (عليه السلام): (طوبى لمن ذكر المعاد، وعمل للحساب، وقنع بالكفاف، ورضي عن الله)(4). وقال أيضا: (عليه السلام): (القناعة مال لا ينفد)(5).

ص: 136


1- القصص / 79، 80
2- البخاري، أبو عبد الله محمد (ت 256 ه)، صحيح البخاري، تحقيق: محمد ذهني بیروت، دار النوادر للنشر والتوزيع، مكتبة الحديث النبوي، (9 أجزاء)، 2012، ج 5: ص 2368
3- الريشهري، محمد محمدي، منتخب ميزان الحكمة، تحقيق: حميد الحسيني، مصر، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، (10 أجزاء)، 1996، ج 9: ص 589
4- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، ق. ح 44: ص 361
5- المصدر السابق،ح 57: ص 233

8- الالتزام بخلق الكرم والإيثار إن الإيثار في الإسلام هو تقديم الغیر على النفس، والإيثار كخلق إذا تفشى في المجتمع، أدى إلى تكافل هذا المجتمع ورخائه ورقيه، وربما تجلت هذه الصورة في الموقف الذي رسمه القرآن الكريم لحال الأنصار مع إخوانهم المهاجرين، إذ جاء في محكم التنزيل (عزوجل): «وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(1). فهذا الخلق يقوي، ويعزز الروابط الاجتماعية، وينمي قيمة المواطنة بین أبناء المجتمع الواحد، ويؤكد حقيقة الانتماء للوطن وأهله، فيرتقي المجتمع بأبنائه ويتماسك وتقوى أواصره(2).

وجاء في الحديث الشريف قال المهاجرون: يا رسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أحسن بذلاً من كثیر لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنأ حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم)(3).

وتروي كتب السیرة أنه لما آخا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بین المهاجرين والأنصار، قام من الانصار سعد بن الربيع فعرض على عبد الرحمن ابن عوف وكان من المهاجرين أن يشركه في بيته وأهله وماله في قسمة متساوية،

ص: 137


1- الحشر / 9
2- ابو سلمية، يوسف محمد سليم، المواطنة في الفكر الإسلامي ودور كليات التربية بغزة في تدعيمها من وجهة نظر طلبتها، رسالة ماجستير منشورة، الجامعة الإسلامية، كلية التربية، قسم أصول التربية، 2009: ص 36
3- الترمذي، محمد بن عيسى (ت 279 ه)، الجامع الصحيح سنن الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون، بیروت، دار احياء التراث العربي، (8 أجزاء)، 2000، ج 7: ص 374

ولكن عبد الرحمن شكره وطلب منه أن يرشده إلى سوق المدينة ليشتغل فيها، ولم يكن هذا شأن سعد بن الربيع منفرداً فيما عرضه على أخيه بل كان شأن عامة الصحابة في علاقتهم وتعاونهم بعضهم مع بعض(1).

ولقد تربى الإمام علي (عليه السلام) على نكران الذات وإيثار الغیر على نفسه، وإن كان في حاجة لما يعطي، فقد روي أن الإمام (عليه السلام) وزوجته وأولاده (عليهم السلام)، أعطوا طعامهم ثلاثة أيام متتالية إلى المحتاجین من مسكين وفقیر ويتيم، وهم صائمون فنزلت الآية الكريمة فيهم بقوله (عزوجل):

«وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا»(2) لتكون شاهداً على عظمة أهل البيت الكرام (عليهم السلام) وإيثارهم، وفي ذلك يقول الإمام علي (عليه السلام) في ذلك: (الإيثار، سجية الأبرار، وشيمة الأخيار.)(3) 9- التحلي بالحلم الحلم هو ترك الانتقام عند شدة الغضب مع القدرة على ذلك(4).

وقد تجاوز قوم نبي الله هود (عليه السلام) لما دعاهم إلى عبادة الله (عز

ص: 138


1- شحاتة، حسین حسین، معالم الجهاد الاقتصادي من وحي الهجرة، مصر، بحث منشور، جامعة الازهر، 2009: ص 4
2- الإنسان / 8 - 9
3- الآمدي، ناصح الدين عبد الواحد (ت 510 ه)، غُرر الحكم ودُرر الكلم، عُني بترتيبه: حسین الأعلمي، بیروت، منشورات مؤسسة الأعلمي، (3 أجزاء)، 2002، ج 2: ص 396
4- الجاحظ، أبو عثمان عمرو (ت 255 ه)، تهذيب الأخلاق، مصر، طنطا، تحقيق ونشر: دار الصحابة للتراث، 1989: ص 23

وجل)، حد الأدب معه فحلم عليهم وتحمل أذاهم وفضاضتهم لسعة صدره، كما بین القرآن الكريم: «وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ»(1) وعن رسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (لا يبلغني أحد منكم ما قيل فيّ، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر)(2).

وذكر عن الامام الباقر (عليه السلام): «من كف غضبه، عن الناس، كف الله عنه عذاب يوم القيامة»(3).

ودعا الإمام علي (عليه السلام) إلى أن يكون المربي والقائد حليماً، حتى ينال احترام وتقدير الآخرين، ويملك زمام قلوبهم ومشاعرهم بحِلمه، فقال: (بالحلِم تكثُر الأنصار) وقال ايضاً: (بالاحتمال والحِلم يكون لك الناس أنصاراً وأعواناً) وقد عدّ (عليه السلام) الحِلم من مكارم الأخلاق فقال: (ضادّوا الغضب بالحِلم تحمدوا عواقبكم في كل أمر)(4).

وقال: (عليه السلام): (آلة الرياسة سعة الصدر.)(5)

ص: 139


1- الأعراف / 65 - 68
2- أبو داود، سليمان بن الأشعث (ت 275 ه)، سنن أبي داود، تحقيق: سعيد اللحام بیروت، دار الفكر، 1990: ص 4860
3- الكليني، أبو جعفر محمد بن يعقوب (ت 329 ه)، اصول الكافي، تحقيق: محمد جواد الفقيه والدكتور يوسف البقاعي، بیروت، لبنان، دار المرتضى للطباعة، (8 أجزاء)، 2005، ج 2: ص 304
4- العذاري، شهاب الدين، ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت عليهم السلام، بیروت، لبنان، الناشر مركز الرسالة، 2006: ص 78
5- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، ق. ح 176: ص 379

وحث الإمام علي (عليه السلام) ولاته على أن لا يغضبوا بوجه الناس ولا يلقوهم بوجوه مكفهرة ولا يسيئوا الظن بهم، ففي وصية له (عليه السلام) لابن عمه عبد الله بن العباس عند توليته اياه على البصرة، يقول امیر المؤمنین: (سع الناس بوجهك ومجلسك وحكمك واياك والغضب فإنّه طیرة من الشيطان.)(1) 10- التحلي بالعفو والتسامح يعد التسامح من المبادئ الرئيسة للمواطنة، فهو عماد حقوق الإنسان وأساس للقضاء على العنف قال (عزوجل): «وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(2).

يأمرنا الله (عزوجل) في آياته بالصفح والعفو والإحسان عمَّن أساء إلينا، ابتغاء رضوانه وطمعاً فيما أعده للعافین من حسن الجزاء، ومن المعلوم أن العفو من أبرز أخلاق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن أشهر طباعه، ومن أَجَلِّ صفاته وسجاياه(3).

ففي حديث لنبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (رحم الله عبداً، سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا اقتضى)(4).

ص: 140


1- المصدر السابق، ك 76: ص 350
2- النور / 22
3- الحسيني، هاشم معروف (ت 1403 ه)، دراسات في الحديث والمحدثین، بیروت، دار التعارف، ط 2، 1978: ص 431
4- البخاري، أبو عبد الله محمد (ت 256 ه)، صحيح البخاري، تحقيق: محمد ذهني بیروت، دار النوادر للنشر والتوزيع، مكتبة الحديث النبوي، (9 أجزاء)، 2012، ج 7: ص 359

ويجسد أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب (عليه السلام) أخلاق الإسلام العظيم في تعليمه للناس أنّ اسلوب التسامح والعفو هو الأسلوب الذي طبع حياته بطابعه منذ كان شاباً يعمل في سبيل الله في مكة المكرمة بتوجيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى ان استشهد في محرابه في مسجد الكوفة، وهذا التسامح والعفو وهذه الإنسانية العالية في التعامل مع الأعداء عبر عنه أمیر المؤمنین علي (عليه السلام) في كثیر من مواقفه وفي كثیر من تعاليمه، بل وجعله قاعدة عامة.(1) وعبر عنها الإمام (عليه السلام) بموقفه المشهور من ابن ملجم المرادي الذي اغتاله في مسجد الكوفة، إذ أوصى (عليه السلام) ولديه الحسن والحسین (عليهما السلام) قبل وفاته بقوله: (احبسوا هذا الاسیر، وأطعموه واسقوه، وأحسنوا إساره، فإن عشت فأنا أولى بما صنع فيّ، إن شئت استقدت وإن شئت صالحت، وإن فذلك إليكم، فإن بدا لكم أن تقتلوه فلا تمثّلوا به.)(2) فجسد الإمام علي (عليه السلام) مع قاتله أروع ملاحم الإنسانية والرحمة والعفو والتسامح(3).

وروي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن غلاماً له جنى جناية كانت توجب العقاب فأمر بتأديبه، فانبرى العبد قائلاً: (یا مولاي والكاظمین الغيظ،

ص: 141


1- شمس الدين، محمد مهدي (ت 1421 ه)، دراسات في نهج البلاغة، بیروت، دار الزهراء، ط 2، 2001: ص 133
2- المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي (ت 1111 ه)، بحار الانوار، تحقيق: مؤسسة الوفاء، بیروت، ط 2، (110 أجزاء)، 2009، ج 42: ص 206
3- الاديب، عادل، الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ادوار محورية وقيادة متميزة في الإسلام، بغداد، مطبعة المغرب، 2013: ص 176

فقال (عليه السلام): خلو عنه، فقال: يامولاي والعافین عن الناس، فقال (عليه السلام): قد عفوت عنك، قال : يامولاي والله يحب المحسنين، فقال (عليه السلام): (أنت حر لوجه الله.)(1) ويرى أمیر المؤمنین الإمام علي (عليه السلام) أن الحاكم إذا أراد أن يكون مواطناً صالحاً عليه أن يتصف بالعدل والعفو، ولذا قال: (جمال السياسة العدل في الإمرة والعفو مع القدرة)(2).

وقال (عليه السلام) ايضا: (إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه)(3).

11- حب الخير لأبناء الوطن والإشفاق عليهم إن هذا المقوم يجسد معاني المواطنة الحقيقية، فيغرس في المجتمع الخیر والتآلف والتمسك المجتمعي، فمن خلالها يستشعر أبناء الوطن معنى الانتماء والعطاء للوطن، إذ ربّى الإسلام أبناءه عليها، وحثهم على الشعور بأنهم كيان واحد، وأمة واحدة، وجسد واحد فقال الله (عزوجل): «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»(4). وهذا الخلق تحلى به جميع الأنبياء

ص: 142


1- الامین، السيد محسن (1371 ه)، المجالس السنية في مناقب ومصائب العترة النبوية، بیروت، الناشر دار التعارف للمطبوعات، (4 أجزاء)، ط 2، 1992، ج 4: ص 53
2- الريشهري، محمد محمدي، منتخب ميزان الحكمة، تحقيق: حميد الحسيني، مصر، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، (10 أجزاء)، 1996، 1996، ج 4: ص 332
3- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، ق. ك 11: ص 245
4- الحجرات / 10

الذين كانوا أكثر الناس حرصا على أقوامهم ومحبة لهم ونجد ذلك في سلوك نبي الله إبراهيم (عليه السلام) الذي راح يدعو بالخیر لبلده، كما جاء في قوله (عز وجل): «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ»(1).

فالمواطن الصالح مشفق على أهل بلده ووطنه يتمنى لهم الهداية والنجاة من العذاب(2).

والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ربى أصحابه على حب الخیر للناس كما يحبونه لأنفسهم فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)(3).

فبهذا الخلق وبهذا السلوك تتجسد معاني المواطنة الحقة التي تعمل على الارتقاء بالوطن وبأبنائه، ونحن بأمس الحاجة لهذا الخلق فلا بد للمؤسسات التربوية أن تعمل على غرس هذا الخلق في أبناء الأمة حتى يسود الحب والخیر(4).

وعبر الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك بقوله: (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا.)(5) ومن مواقف

ص: 143


1- إبراهيم / 35
2- الكاندهلوي، محمد يوسف (ت 1384 ه)، حياة الصحابة، تحقيق: بشار عواد معروف، بیروت، لبنان، مؤسسة الرسالة، 1999: ص 404
3- البخاري، أبو عبد الله محمد (ت 256 ه)، صحيح البخاري، تحقيق: محمد ذهني بیروت، دار النوادر للنشر والتوزيع، مكتبة الحديث النبوي، (9 أجزاء)، 2012، ج 1: ص 12
4- ابو سلمية، يوسف محمد سليم، المواطنة في الفكر الإسلامي ودور كليات التربية بغزة في تدعيمها من وجهة نظر طلبتها، رسالة ماجستير منشورة، الجامعة الإسلامية، كلية التربية، قسم أصول التربية، 2009: ص 38
5- ابن ماجه أبي عبد الله (ت 273 ه)، سنن ابن ماجه، تحقيق: الشيخ الالباني، الرياض، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، (2 جزء)، 1998، ج 1: ص 26

الإمام علي (عليه السلام) ما يؤشر على إنسانية الإسلام في التعامل مع كبار السن، وإن لم يكونوا من المسلمين، مر شيخ مكفوف كبیر يسأل، قال امیر المؤمنین (عليه السلام) من هذا؟ قالوا: يا أمیر المؤمنین نصراني فقال (عليه السلام):

(استعملتموه حتى اذا كبر وعجز منعتموه؟! انفقوا عليه من بيت المال)(1).

وقد أشار الإمام علي (عليه السلام) إلى أن المواطن الصالح يسره ما يسر أخاه ويريد له ما يريده لنفسه، ويؤلمه ما يؤلم أخاه فقال (عليه السلام): (فأحبب لغیرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظَلم كما لا تحب أن تُظلم، وأحسن كما تُحب أن يُحسن إليك)(2).

12- الاخوة بين الناس

لقد كان العرب قبل الإسلام على شفا حفرة من النار متنافرين، متحاربین فنزلت الآيات، قيل لهم: تحابوا فتحابّوا، وقيل لهم تآخوا فتآخوا، فنزلت عليهم الآيات فقالوا: سمعنا وأطعنا، فإذا بالفرقاء والمتنافرين أصبحوا دولة، قال (عز وجل): «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»(3).

إن في الشريعة الإسلامية شيئاً بالغ الأهمية، وهو ربط المجتمع الإسلامي وتماسكه وإشاعة المودة بین أبنائه، وقد أقام الإسلام الوحدة الكبرى بین

ص: 144


1- العاملي، محمد بن الحسن الحر (ت 1104 ه)، وسائل الشيعة، قم، تحقيق: مؤسسة آل البيت لاحياء التراث، مكتبة الصدوق، (11 جزء)، ط 2، 1994، ج 11: ص 49
2- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، ك 31: ص 296
3- الحجرات / 10

المسلمين وأألف بین قلوبهم وعواطفهم، وعد رابطة الإسلام أقوى من رابطة النسب والدم، لذا نجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بدأ في البناء الأخوي الراسخ، ليقيم دولة الإسلام على أساس سليم، وقد تبنى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك بصورة إيجابية منذ فجر دعوته، فآخى بین المهاجرين والأنصار، وشملت هذه الإخوة جميع المسلمين، وقد آخى (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل ذلك بينه وبین وصيه وباب مدينة علمه الإمام علي أمیر المؤمنین (عليه السلام)(1).

وعن قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة)(2).

ويجسد الإمام علي (عليه السلام) في نفوسنا الكثیر من مواقف الأخوة والمحبة ولا سيما موقفه ليلة مبيته في فراش الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، حينما اجتمعت قريش يتشاورون في أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حین خافوه، وقر رأيهم بعد المشاورة على قتله ليستريحوا منه، فا كان من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلّا أن كلّف الإمام عليّاً (عليه السلام) وطلب منه أن ينام مكانه، لأنه يعرف من هو علي (عليه السلام)، بل ويكلفه أصعب المهام، ومن ضمنها تلك التي تؤدي الى الاستشهاد في سبيل إعلاء شأن الإسلام، ولذلك فقد شرى نفسه ابتغاء مرضاته، قال (عزوجل): «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ

ص: 145


1- القرشي، باقر شريف (ت 1433 ه)، حياة الإمام زين العابدين، بیروت، دار الاضواء، 1988: ص 8
2- البخاري، أبو عبد الله محمد (ت 256 ه)، صحيح البخاري، تحقيق: محمد ذهني بیروت، دار النوادر للنشر والتوزيع، مكتبة الحديث النبوي، (9 أجزاء)، 2012، ج 1: ص 274

مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ»(1). فنام علي (عليه السلام) في المكان الذي حدده له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غیر مبالٍ بالنتائج، فهو يعلم علم اليقین أن الله يحرسه ويا له من دليل في الأخوة والمحبة والتضحية(2).

وقال (عليه السلام): (لقاء الإخوان مغنم جسيم وإن قلوا.)(3)

13- تربية النفس وتزكيتها وتقويمها

إن من المبادئ التربوية الضرورية لإصلاح النفس، مداومة الإنسان الراغب في الخیر على تعهد نفسه بالترقية، وتنقيتها من المعاصي والرذائل والعيوب ومجاهدﺗﻬا وحملها على طاعة الله (عزوجل)، والتحلي بجميل الأخلاق والأفعال والأقوال وإرادة الخیر للنفس ولمن معها، ومن المشاهد القرآنية ما حدث بین نبي الله موسى (عليه السلام) والرجل الذي استغاث به من قومه، فقال (عزوجل): «قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ»(4). وجاء في تفسیر الآية، أن موسى (عليه السلام) لم يقصد القضاء على الرجل بقتله إياه فلما رآه جثة هامدة بین يديه استرجع وندم على فعلته وعزاها إلى الشيطان وغوايته، ثم استطرد يعترف بظلمه لنفسه أن حمّلها هذا الوزر ثم أخذ بعد ذلك عهداً على نفسه أمام الله ألا يقف في صف المجرمین

ص: 146


1- البقرة / 207
2- المهاجر، عبد الحميد، الإمام علي سیرته الذاتية وفكره الحضاري، بیروت، لبنان، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، (2جزء)، 1992، ج 1: ص 47
3- الكليني، 2000، ج 2: ص 179
4- القصص / 17

ظهیراً ومعينا)(1).

وفي ضوء ما سبق، يجب أن يكتسب المواطن المهارات الخاصة بإدارة الذات وتقويمها ليعدل من سلوكه بما ينسجم مع أوامر الشرع ونواهيه، وبذلك تتحقق فيه القوة النفسية التي عبر عنها المربي فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (الكّيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها ثم تمنى على الله)(2).

وعبر الإمام علي (عليه السلام) عن ذلك بقوله: (ايها الناس تولوا من انفسكم تأديبها، واعدلوا بها عن ضراوة عاداتها)(3).

14- مخالطة الناس وتحمل أذاهم تأتي تنمية الشخصية الاجتماعية واكتساب الخبرات وتعديل سلوك الفرد من خلال مخالطة الأفراد فيما بينهم، وما يدل على ذلك ما جاء على لسان نوح (عليه السلام) وهو يخاطب قومه كما في قوله (عزوجل): (إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِیرِي)(4) وقال الرسول الكريم (: (صلى الله عليه وآله وسلم) المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا

ص: 147


1- قطب، سيد (ت 1386 ه)، معالم في الطريق، بیروت، دار الشروق للطباعة والنشر، ط 6، 1979: ص 268
2- ابن ماجه أبو عبد الله (ت 273 ه)، سنن ابن ماجه، تحقيق: الشيخ الالباني، الرياض، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، (2 جزء)، 1998، ج 2: ص 1423
3- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، ق. ح 359: ص 405
4- يونس / 71

يصبر على أذاهم)(1).

إن لصلاة الجماعة فوائد كثیرة، ومصالح عظيمة، ومنافع متعددة، لما فيها من قيم المواطنة، لأن ملاقاة الناس بعضهم بعضاً توجب المحبة، والألفة، والتعارف والاختلاط؛ لأن الناس إذا صلی بعضهم مع بعض حصل التعارف، ونمت روابط الانتماء ووحدة الكلمة وتحقق التضامن الاجتماعي، وفيها تعارف المسلمين وتآلفهم وتعاونهم على البر والتقوى وإن الأمة الإسلامية تتعود على الاجتماع وعدم التفّرق فهي مجتمعة على طاعة ولي الأمر ويستشعر المسلم وقوفه في صف الصلاة كما قال الله (عزوجل): (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِینَ)(2). فيشعر المسلمون بالمساواة وتحطيم الفوارق الاجتماعية؛ لأنهم يجتمعون في المسجد، أغنى الناس بجنب أفقر الناس، والأمر إلى جنب المأمور، والحاكم إلى جنب المحكوم، والصغیر إلى جنب الكبیر، وهكذا، فيشعر الناس بأنهم سواء فتحصل بذلك الألفة، ولهذا أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمساواة الصفوف فيحصل التعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(3).

إن في مخالطة الناس والمجاهدة في تحمل أذاهم كسراً للنفوس وقهراً للشهوات، ومن ثم فهي أفضل من العزلة في حق من لم تتهذب أخلاقه ولم تذعن لحدود الشرع شهواته(4).

ص: 148


1- ابن ماجه أبو عبد الله (ت 273 ه)، سنن ابن ماجه، تحقيق: الشيخ الالباني، الرياض، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، (2 جزء)، 1998، ج 2: ص 1338
2- البقرة / 43
3- القحطاني، سالم علي، التربية الوطنية «مفهومها، أهدافها، تدريسها، مكتب التربية العربي لدول الخليج، رسالة الخليج العربي، عدد (66)، 1998: ص 27 - 29
4- ابن هشام، عبد الملك (218 ه)، السیرة النبوية، سیرة ابن هشام، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، القاهرة، (جزءان)، 1990، 1990، ج 1: ص 244

وقد حذر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من المقاطعة والتهاجر بین الإخوة في المجتمع الواحد بقوله: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، فيلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)(1).

ولا بد من الالتزام بآداب التعامل مع الآخرين كحسن الكلام والتخاطب واحترام الآخرين وعدم السخرية منهم، وتقديم الشكر للناس على ما يقدمونه من خدمات(2).

وامتثالاً للتوجيه النبوي الشريف قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم كافأتموه)(3).

إذا قلنا إن المواطنة هي علاقة الفرد مع المجتمع اقتضى هذا مخالطة صحيحة وعشرة طيبة، وهذا ما أشار إليه أمیر المؤمنین (عليه السلام) بقوله: (خالطوا الناس مخالطة، إن متم معها بكوا عليكم، وإن عشتم حنوا إليكم)(4).

ويرى أمیر المؤمنین (عليه السلام) المواطنة الصالحة هي أن يكون الفرد نقيا

ص: 149


1- البخاري، أبو عبد الله محمد (ت 256 ه)، صحيح البخاري، تحقيق: محمد ذهني بیروت، دار النوادر للنشر والتوزيع، مكتبة الحديث النبوي، (9 أجزاء)، 2012، ج 5: ص 2256
2- ابو دف، محمود خليل، تربية المواطنة من منظور إسلامي، غزة الجامعة الاسلامية، 2004: ص 258
3- أبو داود، سليمان بن الأشعث (ت 275 ه)، سنن أبي داود، تحقيق: سعيد اللحام بیروت، دار الفكر، 1990: ص 128
4- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، ق. ح 10: ص 356

وفاعلا للخیر دائما، وتاركا للشر إلى درجة أن يأمنك الناس دائما كما في قوله:

(الخیر منه مأمول، والشر منه مأمون)(1).

ويصور أمیر المؤمنین (عليه السلام) المواطن الصالح أن يكون سخياً عند معاشرته للناس كما في قوله (عليه السلام): (إن الله تبارك وتعالى رضي لكم الإسلام دينا، فأحسنوا صحبته بالسخاء وحسن الخلق)(2).

15- تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة

تعني المصلحة العامة أن يتضامن أبناء المجتمع ويتساندوا فيما بينهم سواء كانوا أفراداً أو جماعات، على اتخاذ مواقف إيجابية كثیرة، بدافع من شعور وجداني عميق، ينبع من أصل العقيدة الإسلامية، إذ يتعاون الجميع ويتماسكون لإيجاد المجتمع الافضل، ودفع الضرر عن أفراده، وعليه فإن على الإنسان أن يبني علاقاته بمن حوله على هذا الأساس، فالمصلحة إن ناقضت مقاصد الشريعة فهي ليست بمصلحة(3).

إن الحفاظ على حياة الناس مادياً ومعنوياً، وحفظ دين الأمة، وحماية عقول أبنائها وفكرها من الانحراف، وصيانة أعراضهم وحرماتهم من الانتهاك، يعني المواطنة الصالحة التي تُعنى بالمصلحة العامة، وبناءً عليه فإن المواطن الصالح لا

ص: 150


1- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، ق. ح 10: خ 193: ص 222
2- الريشهري، محمد محمدي، منتخب ميزان الحكمة، تحقيق: حميد الحسيني، مصر، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، (10 أجزاء)، 1996، ج 4: ص 189
3- علوان، بتول حسین، المواطنة في الفكر الإسلامي المعاصر، أطروحة دكتوراه، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، العراق، 2006: ص 151

يسعى إلى تحقيق رغباته وطموحاته وأمانيه على حساب المصلحة العامة وبما یضر بالآخرين، أو يقدم مصالحه الشخصية على مصلحة الوطن. إن المستقرئ للشريعة في مصادرها ومواردها الدالة على مقاصدها يتبین له بجلاء أن الشريعة مبتغاها رعاية المصالح العامة، وحفظ نظام الأمة واستدامة صلاحه لصالح الإنسان(1).

وقد بین نبي الله يوسف (عليه السلام) بمثال يحتذى به في الحرص على مصلحة الآخرين حينما طلب من ملك مصر أن يوليه على خزائن الأرض كما في قوله (عز وجل): (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَی خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّ حَفِيظٌ عَلِيمٌ)(2).

إذ جاء في تفسیر الآية أن يوسف (عليه السلام) سأل العمل، لقدرته عليه، ولما فيه من المصالح للناس، وليتصرف لهم على الوجه الأحوط والأرشد(3).

وجاء في الحديث الشريف للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس)(4).

إن مصلحة العباد تتحقق في الانقياد للشريعة، كما أن فعل الخیر وتحقيق مصالح الأمة هو مراد الشرع، فقال (عليه السلام): (إذا رأيتم خیراً فأعينوا عليه، وإذا رأيتم شراً فاذهبوا عنه، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول:

ص: 151


1- بن عاشور، محمد الطاهر (ت 1321 ه)، منهج الإمام الطاهر بن عاشور في التفسیر، تحقيق: نبيل احمد، القاهرة، الدار المصرية للنشر، 2001: ص 292
2- يوسف / 55
3- ابن كثیر، ابو الفداء اسماعيل (ت 774 ه)، البداية والنهاية، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، القاهرة، مصر، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، (20 جزءاً)، 2003، ج 2: ص 254
4- الطبراني، سليمان بن أحمد (ت 360 ه)، المعجم الأوسط، تحقيق: محمد حسین، بیروت، دار الكتب العلمية، (10 أجزاء)، 1994، ج 2: ص 106

يابن آدم، اعمل الخیر ودع الشر فإذا أنت جوادٌ قاصدٌ.)(1) وقد اشتهر الإمام (عليه السلام) بحرصه في الحفاظ على بيت مال المسلمين، فكان يعد نفسه حارساً أميناً على هذه الأموال العامة، وليس صاحباً أو مالكاً لها، ولقد طلب منه أحد الأشخاص في إحدى المرات ما لا يستحق من بيت المال(2).

فقال له (عليه السلام): (إنَّ هذا المال ليس لي ولا لك وإنما هو فيء للمسلمين)(3).

16- المشاركة والتعاون في الحياة العامة

شرّع الإسلام مبدأ التعاون والمشاركة فيعدان من الأسباب الوثيقة في ترابط المسلمين وتماسكهم فيما بينهم فإنهما يعقدان أواصر المحبة بينهم، ومن أوثق اسباب التكافل الاجتماعي، وإذا نظرنا إلى الإسلام وجدنا التعاون يمتد إلى آفاق واسعة، ويتسع ليشمل الجانب الروحي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فهو شامل شمول الإسلام، ولا يقتصر على جانب فقط. بل يعني العطاء في كافة الاتجاهات وجميع الأحوال، وهو تقاسم خدمة عامة واشتراك الجميع وفسح المجال أمامهم لإبداء الرأي والإسهام في رسم السياسة الداخلية للمجتمع، والمشاركة في جميع مناشطها. وتأتي المشاركة من خلال إقرار مبدأ الحقوق والواجبات، عبر الأنشطة

ص: 152


1- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، یبروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، خ 176: ص 184
2- الرفعي، عبد السلام، الولاية على المال العام في الشريعة الإسلامية، بیروت، دار افريقيا والشرق للنشر، 2000: ص 6
3- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، خ 232: ص 461

السياسية والاجتماعية، عن طريق عقد الحوارات الوطنية وإبداء الرأي بكل حرية وثقة وتبدأ التربية على التعاون والمشاركة في سن مبكرة، فالأسرة التي تشغل أولادها في أعمال البيت عن رغبة ورضاً، والمدرسة التي تحفز طلبتها على المشاركة المتعاونة في الأنشطة المدرسية المتنوعة، والجامعة التي تنوع في مناشطها ورحلاتها العلمية والتجريبية، كل ذلك يصب في التربية الحقيقية على التعاون والمشاركة وتنمية المهارات اللازمة لتشكيل الشخصية الإيجابية الفعالة، وهي عادةً ما تتطلب ممارسة الأنشطة والهوايات وقيام الطلبة بالتخطيط لها، وتبادل الآراء وقبول البدائل التي يطرحها الآخرون، ومن ثم الاندماج في شبكة العلاقات الاجتماعية والوطنية البناءة مما يحقق الانتماء ويعزز المواطنة(1).

ويوصي الله (عزوجل) في كتابه بقوله: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)(2)، وقال الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم):

(المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا)(3).

ولكي تتحقق المواطنة لا بد من التعاون، فقال أمير المؤمنین (عليه السلام): (اذا رأيتم الخیر فأعينوا عليه، واذا رأيتم شراً فاذهبوا عنه)(4).

وقال ايضاً: (عليكم بالتواضع والتباذل، وإياكم والتدابر والتقاطع، وتعاونوا

ص: 153


1- الحفظي، عبد الرحمن، دور التربية الوطنية في تنمية المواطنة في المجتمع السعودي، رسالة ماجستير منشورة، جامعة أم القرى، قسم التربية الإسلامية والمقارنة، مكة المكرمة، 2009: ص 39
2- المائدة / 2
3- مسلم، أبو الحسن مسلم (ت 261 ه)، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بیروت، دار إحياء التراث العربي، 1991، ح 2580: ص 193
4- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، خ 176: ص 184

على البِرِّ والتقوى)(1).

17- حب العمل والحرص على إتقانه

وحينما نرجع الى مبادئنا الدينية وتعاليمنا الإسلامية نجد أن الدين يؤكد أن العمل هو القيمة الأساسية للإنسان، فليس للإنسان من قيمة ولا مكانة في نظر الدين إلا بعمله، وبمقدار ما يحققه من ثمرة بهذا العمل، ويرى الإسلام أن العمل ضرب من العبادة، فاختصه بالتمجيد، ودعا للعمل والنشاط(2).

قال (عزوجل): (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)(3).

واتقان العمل يأتي من خلال محبته والإخلاص فيه، كما جاء في التوجيه النبوي الشريف قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن الله يحب من العامل إذا عمل أن يحسن)(4).

وعبر الإمام علي (عليه السلام) عن العمل وإتقانه بقوله: (رحم الله أمرأً سمع حُكماً فوعى، ودعي الى رشادٍ فدنا، وأخذ بُحجزة هادٍ فنجا، راقب ربهُ، وخاف ذنبهُ، قدّم خالصاً، وعمل صالحاً)(5).

ص: 154


1- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، خ 176: ك 47: ص 317
2- المحمادي، سلوى بنت محمد، اخلاقيات العمل في التشريع الإسلامي في ظل المتغیرات المعاصرة، السعودية، مكة المكرمة، بحث منشور، كلية التربية، قسم الدراسات الإسلامية، 2007: ص 9 - 10
3- التوبة / 105
4- البيهقي، ابو بكر احمد (ت 458 ه)، السنن الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مكة المكرمة، دار الباز للطباعة والنشر، (10 أجزاء)، 2003، ج 4: ص 335
5- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، خ 76: ص 62

فالمجتمع الإسلامي بحاجة للطبيب، والمهندس الناجح، والمدرس المربي، وهذا كله يفضي إلى المواطن الصالح، وهو ما يجب أن نغرسه في نفوس طلبتنا الذين هم أبناء الوطن، وعليه فإن المواطنة بمبادئها ومؤسساتها المستقاة من الإسلام هي أساس حفظ الحقوق وصيانة المكاسب ورخاء المجتمع(1).

ومن أوائل ما رفضه منهج الإمام (عليه السلام) تقسيم العمل على أساس العرق او العنصر القومي، وفي ذلك ورد عنه قوله: (من ابطأ به عمله لم يسرع به نسبه)(2).

18- الكلمة الطيبة وحسن المنطق

للكلمة أهميتها في الدين الإسلامي، وقد أودع الله في الكلمة اسراراً، وهيأ لها القبول في نفوس البشر، فهي ذات فعلٍ عظيم، من هنا فإن ديننا الإسلامي الحنيف وتوجيهاته التربوية توجب اتباعه، ولهذا فقد حث الإسلام على التزام الإنسان المُسلم في قوله على وجه الخصوص بالهدي الرشيد والقول السديد، قال الله (عزوجل): (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)(3). وهذا ما جاء به الإمام علي (عليه السلام) بقوله: (رسولك ترجمان عقلك، وكتابك أبلغ

ص: 155


1- ابو سلمية، يوسف محمد سليم، المواطنة في الفكر الإسلامي ودور كليات التربية بغزة في تدعيمها من وجهة نظر طلبتها، رسالة ماجستير منشورة، الجامعة الإسلامية، كلية التربية، قسم أصول التربية، 2009: ص 33
2- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، ق. ح 23: ص 357
3- الاحزاب / 70

ما ينطق عنك)(1).

فلا بد للمواطن الصالح أن يتحلى بالأخلاق الإسلامية، ويحرص على وطنه وأبناء وطنه أياً كان موقعه، ومكانته، وأن تكون كلماته مجمعة لا مشتتة، وهذا ما أكدته السنة النبوية على ضرورة صدق وطيبة الكلمات لعظيم شأنها(2).

قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (الكلمة الطيبة صدقةً وكل خطوة يمشيها إلى الصلاة أو قال الى المسجد صدقةً.)(3) لقد جسد أمیر المؤمنین علي (عليه السلام) هذا الخلق السماوي على أكمل وجه فكان (عليه السلام) يستمع للكبیر والصغیر، للمخالف والمؤالف، وينصت إليهم باهتمام، وقد جرت في حياته الكريمة حوارات كثیرة وطويلة مع أتباعه وأعدائه، مع المسلمين وغيرهم، وفي كل تلك الحوارات كانت سمته حُسنُ الاستماع من شريكه في الحوار والحديث ولا يقطع على متكلم حديثه حتى يتمه، وهذا ما بينه لمالك الاشتر فقال: (واجعل لذوي الحاجات منك قسماً تفرغ لهم فيه شخصك، وتجلس لهم مجلساً عاماً فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك وأعوامك من أحراسك وشُرطك حتى يكلمك متكلمهم غیر متتعتع)(4).

ص: 156


1- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، ق. ح 301: ص 399
2- عراد، صالح بن علي، أمانة الكلمة عند المبدع المسلم، أبها، السعودية، 2007: ص 6
3- ابن حنبل، أبو عبد الله احمد (ت 241 ه)، فضائل الصحابة، تحقيق: د. وصي الله محمد عباس، الدمام، السعودية، دار ابن الجوزي، 1999، ج 13: ص 472
4- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، ك 53: ص 330

وقال ايضاً (عليه السلام): (رسولك ترجمان عقلك، وكتابك أبلغ ما ينطق عنك)(1).

19- الحفاظ والدفاع عن أمن الوطن

إن الدفاع عن الوطن من أجلّ مصاديق المواطنة الصالحة، ويعد في الإسلام أمراً مشروعاً، لأن الوطن من ضرورات الحياة الكريمة، إذ اوجب القتال والدفاع عنه كمسؤولية خاصة، بل يصبح واجباً شرعياً، قال (عزوجل): «وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا»(2).

وإن الأمن والأمان مطلب عظيم ومبدأ تسعى إلى تحقيقه الأمم منذ خُلقت الدنيا، بل يشمل الدفاع عن كل ما من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في جميع المجالات، فبهذا المبدأ تتجسد المواطنة الحقة التي يدافع فيها أبناء الوطن عن وطنهم(3).

ولابد للمواطن من الأمن والمحافظة على نفسه وماله وعرضه، فقال الامام علي (عليه السلام): (شر الأوطان ما لم يأمن فيه القطان)(4).

وكرّم الإسلام المجاهد فجعله أفضل الناس عند الله، كما في الحديث النبوي

ص: 157


1- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، ق. ح 301: ص 399
2- البقرة / 246
3- الشحود، علي بن نايف، المسلم بین الهوية الإسلامية والهوية الجاهلية، مكتبة صيد الفوائد الإسلامية، 2007: ص 288
4- الريشهري، محمد محمدي، منتخب ميزان الحكمة، تحقيق: حميد الحسيني، مصر، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، (10 أجزاء)، 1996، ج 10: ص 527

الشريف: (قيل: يارسول الله أي الناس أفضل؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله)(1).

إن الإمام (عليه السلام) في استنهاضه لأصحابه وحثه على ضرورة الدفاع عن حياض الوطن كما في قوله (عليه السلام): (أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصًة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، وجنته الوثيقة، فمن تركه، رغبة عنه، ألبسه الله ثوب الذلّ، وشمله البلاء، وديث بالصّغار والقاءة، وضرب على قلبه بالأسداد، واديل الحق منه بتضييع الجهاد، وسيم الخسف، ومنع النصف. الا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً، وسراً وعلاناً، وقلت لكم : أغزوهم قبل أن يغزوكم، فو الله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا، فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنّت عليكم الغارات، وملكت عليكم الأوطان)(2).

وبعد أن زرع وغرس حب الوطن في قلوب أبنائه نتيجة اهتمام الوطن بهم وتوفیر ما يلزم، فمن واجب المواطن أن يدافع عن وطنه في أي حالة اعتداء، قال الامام علي (عليه السلام) مخاطبا جيشه من أهل العراق: (أنتم الانصار على الحق، والاخوان في الدين، والجنن يوم البأس، والباطنة دون الناس، بكم أضرب المدبر وأرجو طاعة المقبل)(3).

ص: 158


1- البخاري، أبو عبد الله محمد (ت 256 ه)، صحيح البخاري، تحقيق: محمد ذهني بیروت، دار النوادر للنشر والتوزيع، مكتبة الحديث النبوي، (9 أجزاء)، 2012، ج 5: ص 578
2- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، خ 27: ص 32
3- المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي (ت 1111 ه)، بحار الانوار، تحقيق: مؤسسة الوفاء، بیروت، ط 2، (110 أجزاء)، 2009، ج 75: ص 45

وقال ايضا (عليه السلام) في المتخاذلین عن الدفاع من اجل الوطن: (أي دار بعد داركم تمنعون)(1).

20- البعد عن التعصب والانغلاق

يتجسد البعد عن التعصب وحالة الانغاق في الاستماع للآخرين، والنظر فيما لديهم ومحاورتهم، وتفهم سنة الانغلاق بین الناس بعيداً عن الفرقة والاختلاف.

وقد عبر عن هذا السلوك قوله (عزوجل) مخاطباً نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم): «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ»(2).

وقد ارسى الإسلام قيماً مثلت انقلاباً جذرياً على مفاهيم العصر الجاهلي الذي كانت تسوده العصبية، والصراعات، فحارب ذلك التعصب، وجسد العقيدة والإيمان في المجتمع فتلاشت كل العصبيات، ولا أدل من ذلك من المهاجرين والانصار الذين تلاشت من بينهم عصبية القبيلة، وعصبية الجنس، وعصبية الأرض، وعليه لم يعد وطن المسلم هو الارض إنما هو دار الإسلام، فالوطن هو دار الإسلام، والحاكم هو الله (عزوجل)، والدستور هو القرآن(3).

وعلى هذا الأساس والقياس قال الإمام علي (عليه السلام): (فأطفئوا ما كمن

ص: 159


1- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه) نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990، خ 29: ص 35
2- آل عمران / 64
3- قطب، سيد (ت 1386 ه)، معالم في الطريق، بیروت، دار الشروق للطباعة والنشر، ط 6، 1979: ص 91

في قلوبكم من نیران العصبية وأحقاد الجاهلية، فإنّما تلك الحمية تكون في المسلم من خطرات الشيطان ونخواته... واعتمدوا وضع التذلّل علی رؤوسكم، وإلقاء ىالتعزّز تحت أقدامكم، وخلع التكبرّ من أعناقكم...)(1).

وأكد رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) ذلك فقال: (ليس منا من دعا الى عصبية، وليس منا من قاتل علی عصبية وليس منا من مات علی عصبية)(2).

فالتعصب لا يعني إلا العبودية والهلاك، وهذا بدوره يضعف مفهوم المواطنة ويقلل من كفاءته بین أبناء الوطن الواحد، وهذا ما حذّر منه الإسلام ونهى عنه للحفاظ علی المجتمع وكيانه، فينبغي أن يكون التعامل علی وفق ما أمر الله به ورسوله وآل بيته، فلنحذر ذلك ولنقف صفاً واحداً متراصاً، وبنياناً قوياً من أجل مواجهة هذه الافكار والمبادئ الضالة لكي نكون مواطنین صالحین نافعین محققین لما جاءت به أحكام الشريعة منتفعین بها عاملین بمبادئها، كما ينبغي أن نبتعد عن الخلاف والاختلاف، لأن البعد عنه يعد من أهم مبادئ المواطنة الصالحة(3).

ويوصينا الإمام علی (عليه السلام) في ذلك بقوله: (ولا تكونوا كجفاة الجاهلية، لا في الدين تتفقهون، ولا عن الله تعقلون)(4).

ص: 160


1- عبده، محمد (ت 1323 ه)، شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، بیروت، (4 أجزاء)، دار المعرفة، 2007، ج 2: ص 141
2- المصدر السابق
3- ابو سلمية، يوسف محمد سليم، المواطنة في الفكر الإسلامي ودور كليات التربية بغزة في تدعيمها من وجهة نظر طلبتها، رسالة ماجستیر منشورة، الجامعة الإسلامية، كلية التربية، قسم أصول التربية، 2009: ص 42 - 43
4- الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه)، نهج البلاغة المختار من كلام أمیر المؤمنین، تحقيق: السيد هاشم الميلاني، النجف الاشرف، مكتبة الروضة الحيدرية، 2010.، خ 166: ص 272

وترى الباحثة أنّه لاكتساب مبادئ المواطنة السابق ذكرها يجب أن نقوم بتوجيه المتعلمین نحو الاقتداء بالقرآن الكريم وبسنة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) وبفكر الإمام علي (عليه السلام) وتشجيعهم على الاطلاع على سیرهم العطرة، حتى يكتسبوا القيم والمبادئ التي تجعل منهم مواطنین فاعلین، وتدريبهم على تربية ومحاسبة النفس ذاتياً، قال الإمام (عليه السلام): (عباد الله زنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وحاسبوها من قبل أن تحاسبوا وتنفّسوا قبل ضيق الخناق، وانقادوا قبل عنف السّياق)(1).

فمن لوازم محبة الوطن أن يشارك الجميع في بنائه، فالاوطان لا تكون قوية وقادرة على الإبداع، إلا من خلال المحافظة على هوية الحضارة الإسلامية العملاقة، التي من خلالها نستطيع إنقاذ الأرض من هادميها، فعلينا أن نسعى لتعزيز مبادئ المواطنة، حتى تخلص إلى الإنسان المواطن الحريص على بناء وطنه والارتقاء به.

بإتاحة الفرص الكافية للمتعلمین للتعبیر عن آرائهم، وإثبات ذواتهم وإكسابهم معاير الصحبة الصالحة، وذلك بترغيب التلاميذ نحو حب الوطن والمواطنین وهذا يتم بتوافر المعلم القدوة الذي نعهد اليه تربية ورعاية الأجيال.

ص: 161


1- المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي (ت 1111 ه)، بحار الانوار، تحقيق: مؤسسة الوفاء، بیروت، ط 2، (110 أجزاء)، 2009، ج 4: ص 310

ص: 162

المبحث الثاني التطبيقات التربوية للمضامين المستنبطة من بعض أقوال الإمام علي (عليه السلام) في المواطنة في المؤسسات التربوية

اولاً: فيما يتعلق بالمعلم

1. على المعلم القيام بنشر العبارات الممثلة لمبادئ المواطنة في القرآن الكريم والسنة النبوية، وآل البيت (عليهم السلام) وأقوال الصحابة الدالة على ترصین مفهوم المواطنة.

2. أن يكون المعلم قدوة صالحة، يدرك قيم المواطنة وحقوق الإنسان، ليسهم في إصلاح المجتمع والنهوض به.

3. يكون المعلم ذا خلق قويم، فهذا الخلق يقوي، ويعزز الروابط الاجتماعية، وينمي قيم المواطنة بین أبناء المجتمع الواحد، ويؤكد حقيقة الانتماء للوطن، فيرتقي المجتمع بأبنائه ويتماسك وتقوى أواصره.

4. أن يتصف المعلم بأسلوب التسامح والعفو والحلم، ويمتاز بالكلمة الطيبة وحسن المنطق، لأن ذلك من القيم الأخلاقية الأصيلة في تراثنا العربي والإسلامي.

ص: 163

5. أن يتصف المعلم بالصلاح وحب الخیر لأبناء الوطن، فيجسد معاني المواطنة الحقيقية فيغرس التآلف والتماسك المجتمعين، فمن خلالها يستشعر أبناء الوطن معنى الانتماء والعطاء للوطن.

6. يقوم المعلم بدور هام في تفعيل قيم تربية المواطنة، وغرسها في نفوس المتعلمین، فمنه يتلقون النصح والتوجيهات، ويقتدون به في الخلق والسلوك السوي، فهو يبین لهم نِعم وطنهم وفضله عليهم.

7. يقوم بحثِّ المتعلمین على حب الوطن والتصدي لأي شيء يضر به والدفاع عنه والتضحية من أجله، والإيمان بالوحدة الوطنية بوصفها ضرورة حتمية.

8. على المعلم توعية المتعلمین بأهمية المحافظة على بيئة الوطن، وعلى مرافق الوطن وممتلكاته، وأن رفع الأذى عن الطريق يعد صدقة وذلك بإرشادهم برمي النفايات في الأماكن المخصصة لها. وتفعيل ذلك وجعله من النشاط اللامنهجي بتكليف المتعلمین بتنظيف فناء المدرسة كل يوم على صف مثلاً، وبذلك يتعلمون سلوك النظافة والتعاون فيما بينهم.

9. العمل على تغذية المتعلمین بعقيدة الولاء والانتماء وتحويل هذه العقيدة إلى سلوك عليهم تجاه الوطن، من اجل حثهم على التضحية والإيثار بالمنفعة الشخصية في مقابل الصالح العام.

10. يعمل المعلم على إيضاح الأضرار التي تسبب بها إهمال حب الوطن والدفاع عنه، وذلك بعقد المحاضرات الثقافية والندوات التربوية لبيان أهمية الوطن في الإسلام؛ إذ يتناول موضوعات عن المواطنة من جميع جوانبها ليستفيد منها المتعلمون.

ص: 164

11. تأصيل بر الوالدين في نفوس المتعلمین فيقوم المعلم بحثهم على التسامح والالتزام بقواعد الآداب العامة في التعامل مع الآخرين، والمحافظة على كيان الأسرة وبناء علاقة طيبة مع الجیران والأقارب، وحل المشكلات بالحوار والمناقشة لا بالعنف.

12. غرس حب العمل أيا كان نوعه ما لم يكن منافيا للشرع في نفوس الناشئة؛ لأهميته في نهضة الوطن ورفاهيته.

13. يقوم المعلم بإبراز العمل التعاوني المدرسي بروح الفريق المستمد من منهج التربية الوطنية من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية وسیرة الصحابة وأهل البيت (عليهم السلام) التي تؤكد على البر والتقوى من أجل تقوية أواصر الألفة بينهم في أثناء الدرس وخارجه.

14. غرس روح المبادرة للأعمال الخيرية والتطوعية، التي تسهم في تأصيل معنى الوطنية والمواطنة، بالمحافظة على مكتسبات الوطن ومنجزاته المختلفة.

15. تحديد الحقوق والواجبات لكل من المتعلم والمعلم وإدارة المدرسة بعضهم تجاه بعض، لتحقيق وسط مدرسي مستقر يسهم في الارتقاء بمستوى العملية التعليمية من اجل تقدم الوطن.

16. يقوم المعلم بإبراز الحقائق المشتركة لأبناء الوطن الواحد.

17. ان يعزز المعلم مفهوم التعايش السلمي، ويدعو إلى المصالحة الوطنية بین أبناء الوطن الواحد.

18. ان يعمل المعلم على تنمية حب المدرسة لدى المتعلم.

ص: 165

ثانياً: فيما يتعلق بالمتعلم

1. على المتعلم التمسك بالقيم الوطنية، والربط بينه وبین هويته الوطنية وان يكون مدركاً لأهمية الوطن بوصفه مصدراً لعيشه.

2. ان يعمل المتعلم على حب الوطن والانتماء له منذ بداية حياته، ويتم ذلك من خلال تعزيز الشعور بشرف الانتماء للوطن، والعمل من أجل رقيه وتقدمه.

3. ينبغي على المتعلم العمل من أجل خدمة الوطن، ودفع الضرر عنه والحفاظ على ممتلكات الوطن ومكتسباته، والمشاركة الفاعلة في خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

4. على المتعلم ان يتحلى بأخلاقيات الإنسان الواعي بأمور دينه ودنياه.

5. ينبغي على المتعلم العمل الجماعي المشترك، ومساعدة المحتاجین، والتعاون والتكافل والألفة بین كافة شرائح المجتمع.

6. ان يتربى المتعلم على مبدأ تعزيز الوحدة الوطنية، وحب كل فئات المجتمع بمختلف انتماءاتهم، ونبذ الفئوية والعرقية والطائفية.

7. ان يدافع المتعلم عن الوطن ضد الطامعین بخيراته بكل أنواع وسائل الدفاع.

8. على المتعلم ان يتعرف على الرموز الدينية والوطنية الذين تفانوا في خدمة الوطن في الماضي والحاضر في المجالات العلمية والدينية والاجتماعية وغيرها.

9. ان يعي المتعلم بالثقافة الوطنية عن طريق إكسابه المفاهيم الوطنية، وتعريفه بتاريخ وطنه وإنجازاته، وتثقيفه بالأهمية الجغرافية والاقتصادية للوطن.

ص: 166

10. ان يحترم الأنظمة والقوانین التي تنظم شؤون بلده، وتحافظ على حقوق المواطنین وتيسّر شؤونهم، والتقيد والالتزام بها.

11. ان يتربى على حب الآخرين والإحسان إليهم، مهما كان معتقده او أصله او فكره.

12. ان يكتسب المتعلم العادات الإيجابية والسلوك المستقيم للمواطن الصالح المخلص لبلده، مثل احترام قواعد وأنظمة المرور، والحفاظ على الأمن والسلامة العامة للوطن، والدفاع عن ممتلكات ومكتسبات الوطن.

13. توجيه المتعلم نحو الانفتاح على الذات، من خلال الانفتاح على العالم الخارجي والتخلص من نزعات التعصب والعنف والهوية المغلقة، من خلال تفعيل قيم التسامح والحوار الديمقراطي والتواصل العالمي.

14. توجيه المتعلم نحو المحافظة على المال العام، وعدم العبث بمرافق المدرسة والمرافق العامة، ليتولد لديه الحرص والمحافظة على الممتلكات العامة.

15. تعويد الطلبة على تحصيل حقوقهم دون الاعتداء على حقوق الآخرين، أو الاضرار بالمصالح العامة.

ص: 167

ثالثاً: فيما يتعلق بالمنهج الدراسي

1. أن يحث المنهج المتعلم على حب الوطن والدفاع عنه بالوسائل المتاحة كالقدوة والموعظة، إلى غیر ذلك.

2. تضمین المناهج الدراسية القيم والمهارات، ومن أهمها القيم التي من شأنها أن تبث روح الإخلاص للوطن والحرص على أمنه.

3. تضمين المناهج موضوعات تعزز مشاعر المتعلمين اتجاه وطنهم انتماءً وولاءً.

4. تضمین المنهج المعارف والمفاهيم والقيم والاتجاهات ذات العلاقة بتنشئة الفرد تنشئة وطنية على وفق ما يتفق وطبيعة المادة الدراسية.

5. تضمن المقررات الدراسية ولا سيما مقررات الدراسات الاجتماعية، النصوص، القراءة، التعبیر، مبادئ الهوية الوطنية للطالب وارتباطه بوطنه دينا وأرضاً وتاريخاً وبشراً تستثير لديه مشاعر الفخر والزهو بالانتساب لعقيدته ولوطنه، والمسؤولية تجاه الدين والمجتمع والدولة.

6. تضمن المقررات الدراسية بعض التساؤلات التي تثیر العديد من المناقشات حول مشكلات الوطن وقضاياه.

7. تضمین المناهج الدراسية الآيات والأحاديث التي تتحدث عن المواطنة مع ربط المحتوى الدراسي بمشكلات المجتمع.

8. تضمین المناهج الدراسية بمبادئ خاصة لغرس حب النظام واحترام القانون، وروح المبادرة للأعمال الخيرية والتطوعية، في نفوس المتعلمین والتي تسهم في تأصيل معنى الوطنية والمواطنة.

ص: 168

9. إبراز المناهج لتوضيح المعالم الثقافية للوطن وبيان مسؤولياتهم، وتعريفهم بمؤسسات الدولة وأشكال الحكم والسلطات والفصل بينها، ليعرفوا من أين وكيف تستمد شرعيتها من أجل خدمتهم وخدمة وطنهم، وتعريفهم بواجباتهم تجاهها، لتطوير طاقاتهم لأقصى مدى ممكن، ليكونوا مواطنین صالحین في المجتمع.

10. تضمین المناهج فعاليات عملية ولاصفية تتعلق بكيفية بناء الاوطان المزدهرة في المجالات كافة.

ص: 169

المبحث الثالث النتائج والتوصيات:

اشارة

توصلت الباحثة إلى بعض النتائج المتمثلة بالمبادئ الخاصة بالمواطنة في فكر الإمام علي (عليه السلام) ومنها:

الإيمان بالله (عزوجل)

يعد الإيمان أساس العقيدة السمحاء، والمحرك الأساس لتوجهات الإنسان نحو القيام بالواجبات تجاه ربه ونفسه والآخرين.

المساواة والعدالة بين الرعية

إن الإسلام دين المساواة العادلة بین الناس، لا يفضل جنسًا ولا لونًا على غیره، وجعل ميزان التفاضل بین الناس التقوى.

الحفاظ والدفاع عن أمن الوطن

إن الدفاع عن الوطن من أجلّ مصاديق المواطنة الصالحة، ويعد في الإسلام أمراً مشروعاً، لأن الوطن من ضرورات الحياة الكريمة، إذ أوجب حمايته والدفاع عنه كمسؤولية خاصة.

ص: 170

اما الاستنتاجات ومنها:

أ. استمد الإمام علي (عليه السلام) مبادئ المواطنة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. إذ انهما يشتملان على أرقى انواع التربية التي تعجز البشرية جمعاء عن الإتيان بمثلها، بتمثيلها المنهج الرئيس لتربية المواطنة فضلا عن تجارب من سبقه وتجاربه في الحياة.

ب. 2- عمل الإمام علي (عليه السلام) بمبدأ المواطنة مع غیر المسلمين. فلم يفرق بينهم وبین المسلمين في الحقوق والواجبات ما داموا ملتزمین بنظام الدولة.

والتوصيات، ومنها:

أ. ضرورة قيام مسؤولي التربية والتعليم بالتأكيد على مفهوم المواطنة، لأن ما يتعرض إليه من ضعف وربما غيابه يسبب إشكالات كبيرة في مشاعر الإنسان اتجاه وطنه.

ب. ضرورة تضمین المناهج الدراسية الحالية لمادة التربية الوطنية مبادئ المواطنة في ضوء فكر الإمام علي (عليه السلام) وللمراحل كافّة.

والمقترحات، ومنها:

أ. القيام بدراسة مماثلة ولشخصيات إسلامية أخرى، مثل المواطنة في فكر الإمام الحسین (عليه السلام)، والمواطنة في فكر الإمام جعفر الصادق (عليه السلام).

ب. إجراء دراسة في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

ص: 171

ص: 172

المصادر والمراجع العربية والأجنبية

ص: 173

ص: 174

المصادر والمراجع

المصادر العربية

القرآن الكريم

1. آبادي، محمد شمس الحق (ت 1329 ه)، عيون المعبود في شرح سنن أبي داود، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، بیروت، دار الفكر، 2002.

2. ابن ابي الحديد، حامد عز الدين، (ت 656 ه)، شرح نهج البلاغة، كلام أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب (عليه السلام)،، تحقيق: محمد أبو الفضل، بیروت، المكتبة العصرية، 2011.

3. ابن اعثم، ابو محمد احمد الكوفي (ت 314 ه)، الفتوح، تحقيق: محمد عبد المنعم، الهند، دار االمعارف العثمانية، 1975.

4. ابن الأثیر، أبو الحسن علي (ت 606 ه)، أسد الغابة في معرفة الصحابة، تحقيق: علي محمد معوض - عادل أحمد عبد الموجود، بیروت، دار الكتب العلمية، 1994.

5. ابن حبان، محمد بن أحمد (ت 354 ه)، صحيح ابن حبان، بیروت، تحقيق:

شعيب الارنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط 2، 1993.

6. ابن حنبل، أبو عبد الله احمد (ت 241 ه)، فضائل الصحابة، تحقيق: د. وصي الله محمد عباس، الدمام، السعودية، دار ابن الجوزي، 1999.

7. المسند، تحقيق: احمد محمد شاكر، بيروت، دار صادر، 1950.

8. ابن خياط، ابو عمرو خليفة (ت 240 ه)، الطبقات، تحقيق: سهيل زكار، بیروت، دار الفكر، 1993.

9. ابن سعد، ابو عبد الله محمد (ت 230 ه)، الطبقات الكبرى، تحقيق: علي محمد

ص: 175

عمر، القاهرة، مطبعة الخانجي، (8) أجزاء، 2002.

10. ابن طاووس، احمد بن موسى (ت 664 ه)، بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية، تحقيق: السيد علي العدناني الغريفي، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1991.

11. ابن عبد البر، ابو عمر يوسف (ت 463 ه)، الاستيعاب في معرفة الاصحاب، تحقيق: علي محمد البيجاوي، بیروت لبنان، دار الجيل، (4 أجزاء)، 1993.

12. ابن قدامة، ابو محمد عبد الله (ت 620 ه)، المغني، تحقيق: عبد الله بن محسن التركي، مصر، القاهرة، مطبعة المنار، (10 أجزاء)، ط 2، 1936.

13. ابن كثیر، ابو الفداء اسماعيل (ت 774 ه)، البداية والنهاية، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، القاهرة، مصر، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، (20 جزءاً)، 2003.

14. ابن ماجه أبو عبد الله (ت 273 ه)، سنن ابن ماجه، تحقيق: الشيخ الالباني، الرياض، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، (جزءان)، 1998.

15. ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين (ت 711 ه)، لسان العرب، قم، نشر أدب الحوزة، 1985.

16. ابن هشام، عبد الملك (218 ه)، السیرة النبوية، سیرة ابن هشام، تحقيق:

محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة، (جزءان)، 1990.

17. ابو السعود، أشرف سيد، مشكلة الانتماء والولاء، القاهرة، مكتبة الثقافة الدينية، 2004.

18. ابو خليل، محمد محمد، المربي، مصر، الزقازيق، دار الهدى، 1998.

19. أبو داود، سليمان بن الأشعث (ت 275 ه)، سنن أبي داود، تحقيق: سعيد اللحام بیروت، دار الفكر، 1990.

20. ابو دف، محمود خليل، تربية المواطنة من منظور إسلامي، غزة الجامعة

ص: 176

الاسلامية، 2004.

21. الاديب، عادل، الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ادوار محورية وقيادة متميزة في الإسلام، بغداد، مطبعة المغرب، 2013.

22. الاديب، علي محمد الحسین، منهج التربية عن الامام (عليه السلام)، بیروت، لبنان، دار الكتاب العربي، ط 2، 1979.

23. ارنبیرغ، جون، المجتمع المدني من اليونان حتى القرن العشرين ترجمة:

حسن كاظم، علي حاتم صالح، (بغداد، اربيل، بیروت)، مطبعة الدراسات الإسراتيجية، 2007.

24. الأزهري، أبو منصور محمد (ت 370 ه)، تهذيب اللغة، تحقيق: محمد عوض مرعب، بیروت، دار إحياء التراث، 2001.

25. الأصفهاني، ابو الفرج علي (ت 502 ه)، مقاتل الطالبيین، تحقيق: كاظم مظفر، النجف، المكتبة الحيدرية، ط 2، 1949.

26. الآمدي، ناصح الدين عبد الواحد (ت 510 ه)، غُرر الحكم ودُرر الكلم، عُني بترتيبه: حسین الأعلمي، بیروت، منشورات مؤسسة الأعلمي، (3 أجزاء)، 2002.

27. الامین، السيد محسن (1371 ه)، المجالس السنية في مناقب ومصائب العترة النبوية، بیروت، الناشر دار التعارف للمطبوعات، (4 أجزاء)، ط 2، 1992.

28. الإيجي، عبد الرحمن بن أحمد (ت 756 )، المواقف، بشرح علي بن محمد الجرجاني، تحقيق وتعليق: عبد الرحمن عمیرة، بیروت، دار الجيل، 1997.

29. أيمار، اندرية وجانین أبوايه، بوابة وتاريخ الحضارات العام، الشرق واليونان القديمة، ترجمة فريد داغر وفؤاد ريحان، بیروت، موسوعة في سبع مجلدات، المجلد الأول، منشورات دار عويدات، ط 3، 2003.

30. البابطین، عبد العزيز، معجم البابطین للشعراء العرب المعاصرين،

ص: 177

الكويت، مؤسسة البابطین للطباعة والنشر، 1991.

31. باترسون، توماس، الحضارة الغربية الفكر والتاريخ، ترجمة: شوقي جلال، القاهرة، المركز الاعلى للثقافة، 2001.

32. باقر، طه، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة - الوجيز في تاريخ حضارة وادي النيل، بغداد، ط 2، 1986.

33. الباقوري، احمد حسن، علي إمام الائمة، القاهرة، مصر، دار مصر للطباعة والنشر، 1984.

34. البخاري، أبو عبد الله محمد (ت 256 ه)، صحيح البخاري، تحقيق:

محمد ذهني بیروت، دار النوادر للنشر والتوزيع، مكتبة الحديث النبوي، (9 أجزاء)، 2012.

35. الأدب المفرد، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بیروت، دار البشائر الإسلامية، ط 3، 1989.

36. برهييه، اميل، تاريخ الفلسفة: القرن الثامن عشر، ترجمة: جورج طرابيشي، بیروت، دار الطليعة، 2004.

37. برو، فيليب، علم الاجتماع السياسي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1998.

38. البستي، محمد بن حبان (ت 388 ه)، مشاهير علماء الامصار وعلماء فقهاء الاقطار، تحقيق: مرزوق علي، مصر، القاهرة، دار الوفاء، 1991.

39. بشور، أمل ميخائيل، بلاد الرافدين، تاريخ الإمبراطوريات السلامية في بابل آشور، لبنان، طرابلس، المؤسسة الحديثة للكتاب، 2008.

40. البغدادي، ابو علي القالي اسماعيل (ت 356 ه)، ذيل الامالي والنوادر، تحقيق: صلاح بن فتحي، بیروت، لبنان، المكتبة العصرية، (3 أجزاء)، 2006.

41. ابن عاشور، محمد الطاهر (ت 1321 ه)، منهج الإمام الطاهر بن عاشور

ص: 178

في التفسیر، تحقيق: نبيل احمد، القاهرة، الدار المصرية للنشر، 2001.

42. البيضاوي، عبد الله بن عمر (ت 685 ه)، انوار التنزيل واسرار التأويل، تحقيق: محمد صبحي، محمد الأطرش، بیروت، دار الفكر، 2000.

43. البيهقي، ابو بكر احمد (ت 458 ه)، السنن الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مكة المكرمة، دار الباز للطباعة والنشر، (10 أجزاء)، 2003.

44. بيومي، محمد مهران، السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ايران، اصفهان، مطبعة سفير اصفهان، ط 2، 1998.

45. البيومي، محمد رجب، أحمد أمین مؤرخ الفكر الإسلامي، دار القلم، دمشق، 2001.

46. الترمذي، محمد بن عيسى (ت 279 ه)، الجامع الصحيح سنن الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون، بیروت، دار احياء التراث العربي، (8 أجزاء)، 2000.

47. الجابري، محمد عابد، الروافد الفكرية العربية والإسلامية لمفهوم التنمية البشرية، في ندوة: التنمية البشرية في الوطن العربي، بیروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2004.

48. الجاحظ، ابو عثمان عمرو (ت 255 ه)، تهذيب الأخلاق، مصر، طنطا، تحقيق ونشر: دار الصحابة للتراث، 1989.

49. رسائل الجاحظ السياسية، تحقيق وشرح: عبد السلام هارون، القاهرة، مصر، الناشر مكتبة الخانجي، (4 أجزاء)، 1979.

50. جاسم، شاكر مبدر، وففن بصري، مواصفات معلم التربية الإسلامية من وجهة نظر الاشراف التربوي، بغداد، العراق، مركز الدراسات والبحوث التربوية، 2000.

51. جرار، اماني غازي، المواطنة العالمية، عمان، الاردن، دار وائل للنشر والتوزيع، 2011.

ص: 179

52. جرار، اماني غازي، التربية السياسية، عمان، الاردن، دار وائل للنشر والتوزيع، 2008.

53. الجرجاني، علي بن محمد الشريف (ت 816 ه)، كتاب التعريفات، تحقيق وزيادة: الدكتور مجد عبد الرحمن المرعشلي، بیروت، دار النفائس، 2003.

54. جرداق، جورج، علي صوت العدالة الإنسانية، مملكة البحرين، دار ومكتبة صعصعة، 2003.

55. الجسماني، عبد علي، علم النفس وتطبيقاته التربوية، بغداد، مطبعة الخلود، 1984.

56. جعفر، نوري، اللغة في الفكر الاسلامي، المغرب، الرباط، مكتبة القومي، 1971.

57. جورجيو، كونستانس، نظرة جديدة في سیرة رسول الله، تعريب: محمد التونجي، الدار العربية للموسوعات، 1983.

58. جوزيف، سعاد، الجندر والمواطنة في الشرق الاوسط، ترجمة: ريما فواز، بیروت، دار النهار، 2003.

59. الجوهري، عبد الهادي، دراسات في علم الاجتماع السياسي، القاهرة، دار نهضة الشرق، 2001.

60. الحازمي، خالد بن حامد، أصول التربية الإسلامية، المدينة المنورة، مكتبة الملك فهد الوطنية، دار عالم الكتب للنشر والتوزيع، 2000.

61. الحسان، محمد ابراهيم، المواطنة وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية.

الرياض، دار الشبل للنشر والتوزيع، 1995.

62. حسونة، محمد السيد، التعليم في اسرائيل، القاهرة، مصر، مركز الكتاب للنشر والتوزيع، 2007.

63. الحسيني، هاشم معروف (ت 1403 ه)، دراسات في الحديث والمحدثین، بیروت، دار التعارف، ط 2، 1978.

ص: 180

64. الحكيم، محمد باقر (ت 1424 ه)، دور اهل البيت في بناء الجماعة الصالحة، ايران، دار الحكمة، ط 4، 2007.

65. الحلبي، علي بن إبراهيم (ت 1044 ه)، السیرة الحلبية في سیرة الأمین والمأمون، بیروت، دار الكتب العلمية، ط 2، (3 أجزاء)، 2002.

66. الحلي، وليد شهيب، والزبيدي، سليمان نايف، التربية على حقوق الإنسان، بغداد، معهد بغداد للدراسات الستراتيجية والمستقبلية، مطبعة الأحمد للطباعة، 2007.

67. الحمصي، علي نديم، مفهوم المواطنة في الشريعة الإسلامية صحيفة المدينة المنورة انموذجاً، بیروت، الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، 2010.

68. حنا، ابو راشد، دائرة المعارف، بیروت، لبنان، مكتبة الفكر العربي، (2 مجلد)، 1961.

69. الحنفي، علي فتح الدين (ت 1371 ه)، فلك النجاة في الإمامة والصلاة، حققه وقدم له: الشيخ ما اصغر علي، بیروت، ط 2، 1998.

70. الخطيب، عبد الكريم، علي بن ابي طالب (عليه السلام)، بقية النبوة وخاتم الخلافة، القاهرة، مصر، مطبعة السنة المحمدية، 1966.

71. الخطيب، محمد الجواد، التوجيه والإرشاد التربوي والنفسي بین النظرية والتطبيق، غزة، فلسطين، مكتبة آفاق، ط 2، 2004.

72. الخوانساري، جمال الدين محمد ()ت 1122 ه)(، غرر الحكم ودرر الكلم، تحقيق: میر جلال الدين الحسيني الأرموي، طهران، بهمن، (7 أجزاء)، ط 4، 1987.

73. روضات الجنات، بيروت، لبنان، الدار الاسلامية، (7 أجزاء)، 1991.

74. خوري، رئيف، الفكر العربي الحديث، دمشق، وزارة الثقافة، ط 3، 2013.

75. الخوئي، السيد ابو القاسم (ت 1412 ه)، علي امام البررة، دار الهدى

ص: 181

للنشر، (3أجزاء)، 2006.

76. خیر، فاطمة محمد، منهج الاسلام في تربية عقيدة الناشئ، بیروت، لبنان، دار الخیر، 1998.

77. الدباغ، مقداد اسماعيل، فلسفة التربية، بغداد، مكتب هاني للطباعة، 2013.

78. الدجاني، احمد صدقي، مسلمون ومسيحيون في الحضارة العربية الإسلامية، القاهرة، مركز يافا للدراسات والأبحاث، 1999.

79. دخيل، محمد حسن، الفكر السياسي الإسلامي المعاصر، بیروت، لبنان، منشورات الحلبي الحقوقية، 2014.

80. الدستور العراقي، الحقوق، بغداد، جمهورية العراق، الباب الثاني، الفصل الأول، المادة (14)، 2005.

81. الديلمي، ابن حجر ابو منصور (ت 509 ه)، مسند الفردوس، تحقيق:

فواز أحمد الزمرلي - محمد المعتصم بالله البغدادي، دار الكتاب العربي، 1987.

82. ديورانت، ويليام جيمس، قصة الحضارة، ترجمة: زكي نجيب محمود، بیروت، لبنان، دار الجيل للنشر، 1988.

83. الذهبي، الحافظ شمس الدين (ت 748 ه)، سیر اعلام النبلاء، تحقيق:

شعيب الارناؤوط، بیروت، مؤسسة الرسالة، (24 جزءاً)، ط 23، 1993.

84. الرازي، محمد بن أبي بكر (ت 666 ه)، مختار الصحاح، تحقيق: احمد شمس الدين، بیروت، لبنان، دار الكتب العلمية، 1994.

85. الرحيلي، حمود بن أحمد، قواعد مهمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (على ضوء الكتاب والسنة)، بیروت، دار الخیر، 2008.

86. رشيد، عبد الوهاب عبد المجيد، التحول الديمقراطي في العراق، الدراسات التاريخية والأسس الثقافية والمحددات الخارجية، بیروت، لبنان،

ص: 182

مركز دراسات الوحدة العربية، 2006.

87. الرضي، الشريف محمد بن الحسین (ت 406 ه)، نهج البلاغة المختار من كلام أمیر المؤمنین، تحقيق: السيد هاشم الميلاني، النجف الاشرف، مكتبة الروضة الحيدرية، 2010.

88. نهج البلاغة، بيروت، لبنان، دار المعارف للمطبوعات، 1990.

89. الرفعي، عبد السلام، الولاية على المال العام في الشريعة الإسلامية، بیروت، دار افريقيا والشرق للنشر، 2000.

90. روبرت أيه، دال، الديمقراطية ونقادها، ترجمة: نمیر عباس مظفر، مراجعة: الدكتور فاروق منصور، البتراء، الأردن، دار الفارس للنشر والتوزيع، 1995.

91. الريشهري، محمد محمدي، منتخب ميزان الحكمة، تحقيق: حميد الحسيني، مصر، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، (10 أجزاء)، 1996.

92. الزنيدي، عبد الرحمن بن زيد، فلسفة المواطنة، الرياض، مطابع الشريف، 2002.

93. زيدان، عبد الكريم، الفرد والدولة في الشريعة الإسلامية، بغداد، مطبعة سلمان الاعظمي، 1965.

94. الساعدي، رحيم علي سالم، الاتجاهات الفكرية عند الإمام علي عليه السلام، بغداد، الناشر دار الكتب والوثائق العراقية، 2007.

95. السامرائي، محمود سالم، المواطنة وحقوق الانسان، مجلة دراسات اقليمية، 2008.

96. السرخسي، شمس الدين (ت 483 ه)، المبسوط، تحقيق: جمع من أفاضل العلماء، بیروت، دار الكتب العلمية، (30 جزء)، 1994.

97. السعد، غسان، حقوق الإنسان عند الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، رؤية علمية، العراق، النجف، مكتبة الحرة العلوية المشرفة، ط 3،

ص: 183

2012.

98. سلسلة المجمع العالمي لاهل البيت”رضي الله عنهم”، أعلام الهداية الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، أمیر المؤمنین، قم، مطبعة ليلى، لجنة البحوث والدراسات، ط 2، 2004.

99. السيوطي، جلال الدين (ت 911 ه)، تاريخ الخلفاء، تحقيق: حمدي الدمرداش، القاهرة، مصر، مطبعة نزار مصطفى الباز، 2004.

100. الشبلنجي، الشيخ السيد مؤمن (ت 1297 ه)، نور الابصار في فضائل آل بيت النبي المختار، تحقيق: د. عبد العزيز سالمان، القاهرة، مصر، المطبعة الوقفية، 2013.

101. شحاتة، حسین حسین، معالم الجهاد الاقتصادي من وحي الهجرة، مصر، بحث منشور، جامعة الازهر، 2009.

102. الشحود، علي بن نايف، المسلم بین الهوية الإسلامية والهوية الجاهلية، مكتبة صيد الفوائد الإسلامية، 2007.

103. الشلال، قتيبة عباس حمد، الفكر التربوي الإسلامي المعاصر وسبل تفعيله، عمان، الاردن، دار ومكتبة الحامد للنشر والتوزيع، 2013.

104. شمس الدين، محمد مهدي (ت 1421 ه)، دراسات في نهج البلاغة، بیروت، دار الزهراء، ط 2، 2001.

105. شنشل، فلاح حسن، نظام الحكم والإدارة في الإسلام عهد علي بن أبي طالب (عليه السلام)، لمالك الأشتر نموذجاً، بیروت، لبنان، دار المحجة البيضاء، 2011.

106. الشيباني، عمر محمد التومي، مقدمة في الفكر التربوي الحديث، ليبيا، مكتبة المدينة، الناشر: الجامعة المفتوحة، 1995.

107. الشيخ، محمد خلف، المواطنة الصالحة، الرياض، مكتبة الملك فهد الوطنية، 1999.

ص: 184

108. الصادقي، محمد، علي والحاكمون «دراسة تحليلية مقارنة حول مختلف الحكومات العالمية وحكم الإمام (عليه السلام)، لبنان، بیروت، مكتبة المكتبة، 2013.

109. الصائغ، الشيخ مجيد، علي بن امه وابيه، بيروت، مؤسسة البلاغ، 2010.

110. الصدر، محمد باقر (ت 1400 ه)، الإسلام يقود الحياة، لبنان، دار التعارف للمطبوعات، 2001.

111. الصدوق، محمد بن علي (ت 381 ه)، عيون أخبار الرضا، صححه وقدم له وعلق عليه: حسین الأعلمي، بیروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1984.

112. الصدوق، محمد بن علي (ت 381 ه)، علل الشرائع، النجف الاشرف، العراق، المطبعة الحيدرية، 1966.

113. الطائي، سرمد، مدخل لدراسة الفكر السياسي للشهيد الصدر، قضايا إسلامية معاصرة، بیروت، الناشر: مركز دراسات فلسفة الدين، 2000.

114. الطائي، عبد اللطيف حمودي والبياتي، سيد محمد، علي مرشداً وواعظا سلسلة كتاب سبيل (1)، بغداد، مؤسسة الشهيدين الصدرين العامة، 2009 م.

115. الطباطبائي، محمد حسین (ت 1412 ه)، علي والفلسفة الالهية، ترجمة:

الشيخ جعفر، بیروت، لبنان، الناشر: الدار الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، 1414 ه.

116. الطبراني، سليمان بن أحمد (ت 360 ه)، المعجم الأوسط، تحقيق: محمد حسین، بیروت، دار الكتب العلمية، (10 أجزاء)، 1994.

117. الطبرسي، فضل بن الحسین (ت 548 ه)، مجمع البيان في تفسیر القرآن، لبنان، صيدا، ط: أحمد عارف الزين، 1988.

118. الطبري، ابو العباس محب الدين (ت 310 ه)، ذخائر العقبى في مناقب

ص: 185

ذوي القربى، تحقيق: أكرم البوشي، القاهرة، مصر، نشر مكتبة القدسي، 1993.

119. الظاهر، احمد جمال، دراسات في الفلسفة السياسية، اربد، الأردن، مكتبة الكندي، 1987.

120. العادلي، حسین درويش، المواطنة بین ضرورات الواقع وجدليات المدارس، بغداد، دار المرتضى، ط 2، 2007.

121. العاملي، محمد بن الحسن الحر (ت 1104 ه)، وسائل الشيعة، قم، تحقيق:

مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، مكتبة الصدوق، (11 جزءاً)، ط 2، 1994.

122. عبده، محمد (ت 1323 ه)، شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، بیروت، (4 أجزاء)، دار المعرفة، 2007.

123. عدس، عبد الرحمن، أساسيات البحث التربوي، عمان، دار الفرقان، ط 3، 1999.

124. العذاري، شهاب الدين، ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت عليهم السلام، بیروت، لبنان، الناشر مركز الرسالة، 2006.

125. عراد، صالح بن علي، أمانة الكلمة عند المبدع المسلم، أبها، السعودية، 2007.

126. العريان، عصام، مبدأ المواطنة الحوار القومي - الديني، بیروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1997.

127. عقراوي، ثلماستيان، المرأة ودورها ومكانتها في حضارة وادي الرافدين، بغداد، دار الحرية للطباعة والنشر، 1978.

128. العكبري، محمد بن عبد الرحمن (ت 665 ه)، ايمان أبي طالب، قم، طهران، مؤسسة البعثة للطباعة، 1993.

129. علوش، طارق، الموسوعة العربية، دمشق، سوريا، هيئة الموسوعة العربية، 1981.

ص: 186

130. عمارة، رمضان، التربية على حقوق الإنسان من خلال الكتب المدرسية بالمراحل الأساسية في الوطن العربي، تونس، المعهد العربي لحقوق الإنسان، 2007.

131. عمارة، محمد، الإسلام وحقوق الإنسان ضرورات لا حقوق، مصر، القاهرة، دار السلام للطباعة والتوزيع والترجمة، 2005.

132. العيسى، جهينة سلطان وآخرون، موجز تاريخ الفكر الاجتماعي، سوريا، دمشق، سلسلة علم الاجتماع، الأهالي للطبع والنشر والتوزيع، ط 2، 2001.

133. الغروي، محمد بن هادي، موسوعة التاريخ الاسلامي، ايران، مجمع الفكر الاسلامي، 2000.

134. الغزالي، ابو حامد محمد (ت 505 ه)، خلق المسلم، دمشق، دار القلم للطباعة والنشر، 1986.

135. المستصفى في علم الأصول، بيروت، دار الكتب العلمية، 1997.

136. غلاب، عبد الكريم، أزمة المفاهيم وانحراف التفكیر، سلسلة الثقافة القومية، مركز دراسات الوحدة العربية، بیروت، 1998.

137. الغنوشي، الشيخ راشد، الحريات العامة في الدولة الإسلامية، بیروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1993.

138. الغوري، ابراهيم حلمي وآخرون، أطلس التاريخ القديم، بیروت، لبنان، دار الشرق العربي للطباعة والنشر، 2004.

139. غيث، محمد عاطف، قاموس علم الاجتماع، الاسكندرية، مصر، دار المعرفة الجامعية، 1995.

140. فاضل، محمد زكي، الفكر السياسي العربي الاسلامي بین ماضيه وحاضره (سلسلة الكتب الحديثة)، بغداد، وزارة الثقافة والاعلام، ط 2، 1976.

141. فرحان، اسحاق احمد، التربية الاسلامية بین الاصالة والمعاصرة، عمان الاردن، دار الفرقان للنشر والتوزيع، ط 2، 1991.

ص: 187

142. فروخ، عمر بن عبد الله، عبقرية العرب في العلم والفلسفة، بیروت، المكتبة العصرية، ط 3، 1969.

143. فريحة، نمر، فعالية المدرسة في التربية للمواطنة دراسة ميدانية، لبنان، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2002.

144. الفنيش، احمد، أصول التربية، بیروت، لبنان، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط 3، 2004.

145. القبانجي، السيد صدر الدين، علم السياسة: تجديد من وجهة نظر إسلامية، بیروت، مؤسسة دار الفكر، 1997.

146. القرشي، باقر شريف (ت 1433 ه)، حياة الإمام زين العابدين، بیروت، دار الاضواء، 1988.

147. القزويني، علاء الدين، الفكر التربوي عند الشيعة الإمامية، الكويت، مكتبة فقه للنشر والتوزيع، ط 2، 1986.

148. قطب، سيد (ت 1386 ه)، معالم في الطريق، بیروت، دار الشروق للطباعة والنشر، ط 6، 1979.

149. القطب، محمد القطب طبلية (ت 1435 ه)، الاسلام وحقوق الانسان، القاهرة، دار الفكر العربي، ط 2، 1984.

150. كاظم، صباح محسن، الإمام علي نموذج الإنسانية، قسم الشؤون الفكرية والثقافية، العتبة العباسية المقدسة، 2009.

151. الكاندهلوي، محمد يوسف (ت 1384 ه)، حياة الصحابة، تحقيق: بشار عواد معروف، بیروت، لبنان، مؤسسة الرسالة، 1999.

152. كتاني، سليمان، الامام علي نبراس ومتراس، تحقيق: هاشم الباججي، بیروت، لبنان، مطبعة الرافدين، ط 2، 2012.

153. ككو، كريم محمد، تعايش المسلمين مع غيرهم في ضوء الشريعة والقانون، اربيل، مطبعة وزارة الثقافة، 2009.

ص: 188

154. كليفورد، ادروين، المواطنة والسلوك الحضاري كمكونین للديمقراطية الليبرالية، ترجمة: سمير عزة نصار، مراجعة الدكتور احمد يعقوب المجدوبة، عمان، الاردن، دار النسر للنشر والتوزيع، 1984.

155. الكليني، أبو جعفر محمد بن يعقوب (ت 329 ه)، اصول الكافي، تحقيق:

محمد جواد الفقيه والدكتور يوسف البقاعي، بیروت، لبنان، دار المرتضى للطباعة، (8 أجزاء)، 2005.

156. الكواري، علي خليفة، المواطنة والديمقراطية في البلدان العربية، بیروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2001.

157. لالاند، أندريه، موسوعة لالاند الفلسفية، تعريب: خليل احمد خليل، إشراف: احمد عويدات، بیروت - باريس، منشورات عويدات، 1996.

158. اللقاني، أحمد والجمل علي، معجم المصطلحات التربوية المعرفة في المناهج وطرق التدريس، القاهرة، عالم الكتب، ط 2، 1999.

159. المازندراني، أبو جعفر محمد (ت 588 ه)، مناقب آل أبي طالب، بیروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 2009.

160. مبارك، محمد، نحو إنسانية سعيدة، بیروت، دار الفكر للنشر والتوزيع، 1389 ه.

161. المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي (ت 1111 ه)، بحار الانوار، تحقيق:

مؤسسة الوفاء، بیروت، ط 2، (110 أجزاء)، 2009.

162. محفوظ، محمد، الآخر وصفوف المواطنة، دمشق، سوريا، مركز الراية للتنمية الفكرية، 2005.

163. محمديان، محمد، حياة أمیر المؤمنین (عليه السلام)، على لسانه، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1997.

164. مدير، كاظم، الحكم من كلام الامام امیر المؤمنین علي (ع)، مشهد، مؤسسة الطبع والنشر التابعة للاستانة الرضوية المقدسة، 1997.

ص: 189

165. المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسین (ت 346 ه)، مروج الذهب، تحقيق: إحسان عباس، بیروت، دار الأندلس، مجلدان، 1987.

166. مسلم، أبو الحسین مسلم (ت 261 ه)، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بیروت، دار إحياء التراث العربي، 1991.

167. المطهري، مرتضى (ت 1399 ه) في رحاب نهج البلاغة، بیروت، لبنان، الناشر: الدار الاسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، 1993.

168. مغنية، محمد جواد (ت 1400 ه)، في ظلال نهج البلاغة، بیروت، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، (4 أجزاء)، 1979.

169. المفيد، أبو عبدالله محمد (ت 413 ه)، الإرشاد في معرفة حجج اللَّه على العباد، تحقيق: مؤسسة آل البيت، بیروت، دار المفيد، 1993.

170. مناع، هيثم، المواطنة في التاريخ العربي الإسلامي، القاهرة، مركز القاهرة لحقوق الإنسان، 2011.

171. منشد، فيصل عبد، أسس ومبادئ التربية، عمان، دار الرضوان للنشر والتوزيع، 2014.

172. المهاجر، عبد الحميد، الإمام علي سیرته الذاتية وفكره الحضاري، بیروت، لبنان، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، (جزءان)، 1992.

173. الموسوعة السياسية، مادة مواطنة، بیروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، المجلد (6)، 1990.

174. الموسوي، صادق، تمام نهج البلاغة، طهران، مؤسسة الإمام صاحب الزمان (عج)، 1997.

175. الموسوي، محسن باقر، علوم نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار العلوم، 2003.

176. موسى، علي بن حسین، العقيدة الإسلامية وعلاقتها بالوطنية والمواطنة، مجلة البحوث الأمنية، كلية الملك فهد الأمنية، عدد (31)، 2005.

ص: 190

177. الموسى، محمد، ومحمد علوان، القانون الدولي لحقوق الانسان: الحقوق المحمية، عمان، دار الثقافة للنشر، 2006.

178. ناصر، ابراهيم، اسس التربية، عمان، الاردن، جمعية عمال المطابع التعاونية، 1988.

179. النجار، باقر سلمان، صراع التعليم والمجتمع في الخليج العربي، بیروت، لبنان، دار الساقي، 2003.

180. النحلاوي، عبد الرحمن، أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع، بیروت، دار الفكر، ط 25، 2007.

181. الندوي، ابو الحسن علي، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، بسروت، نشر مكتبة الايمان، 1990.

182. نصر الله، حسن عباس، جمهورية الحكمة في نهج البلاغة، بیروت، لبنان، دار القارئ للطباعة والنشر، 2006.

183. النقيب، عبد الرحمن عبد الرحمن، التربية الاسلامية المعاصرة في مواجهة النظام العالمي الجديد، القاهرة، مصر، دار الفكر العربي، 1997.

184. النوري، میرزا حسین (ت 1320 ه)، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، بیروت، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت لاحياء التراث، ط 2، 1987.

185. النيسابوري، أبو عبد الله محمد (ت 405 ه)، المستدرك على الصحيحین، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، بیروت، لبنان، دار الكتب العلمية، (5 أجزاء)، ط 2، 2005.

186. هادي وآخرون، مفهوم المواطنة محاولة الدخول من الشخصانية الى المواطنة، بغداد، مؤسسة مدارك لدراسة آليات الرقي الفكري للنشر والطباعة، 2008.

187. الهمداني، احمد الرحماني (ت 1424 ه)، الامام علي بن ابي طالب (من حبه عنوان الصحيفة)، ايران، المنیر للطباعة والنشر، 1996.

ص: 191

188. همشري، عمر احمد، مدخل إلى التربية، عمان، الأردن، دار صفاء للنشر والتوزيع، ط 2، 2007.

189. هيتر، ديريك، تاريخ موجز للمواطنة، ترجمة مكرم خليل، بیروت، دار الساقي، 2007.

190. الهيثمي، علي بن نور الدين (ت 807 ه)، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، تحقيق: العراقي وابن حجر، بیروت، دار الفكر، (10 أجزاء)، 1992.

191. الواسطي، كافي الدين علي بن محمد (ت 630 ه)، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق: حسین الحسيني البيرجندي، قم، دار الحديث، 1984.

192. وتوت، علي وآخرون، المواطنة والهوية والوطنية، العراق، بغداد، الحضارية للطباعة والنشر، 2008.

193. وتوت، علي جواد كاظم، الدولة والمجتمع في العراق المعاصر دراسة تحليلية في سوسيولوجيا المؤسسة السياسية في العراق (1921 - 2003)، بیروت، مركز دراسات المشرق العربي للنشر، 2004.

194. وولي، ليونارد، وادي الرافدين مهد الحضارة، ترجمة: احمد عبد الباقي، القاهرة، دار القلم للطباعة، 1948.

195. يعقوب، محمد وآخرون، المواطنة من منظور حقوق الانسان في مناهج التربية الوطنية في الأقطار العربية دراسة حالة لكل من الأردن ومصر ولبنان، عمان، دار المسیرة للنشر والتوزيع والطباعة، 2012.

196. الرسائل والأطاريح 197. ابو سلمية، يوسف محمد سليم، المواطنة في الفكر الإسلامي ودور كليات التربية بغزة في تدعيمها من وجهة نظر طلبتها، رسالة ماجستير منشورة، الجامعة الإسلامية، كلية التربية، قسم أصول التربية، 2009.

198. احمد، ماهر، العولمة والهوية الثقافية، دراسة لموقف المثقف المصري، اطروحة دكتوراه غیر منشورة، القاهرة، جامعة عین شمس، كلية الآداب،

ص: 192

اختصاص اجتماع، 2002.

199. اخضر، فايزة بنت محمد، دور المقررات الدراسية للمرحلة الثانوية في تنمية المواطنة، دراسة مقدمة للقاء الثالث عشر لقادة العمل التربوي، المملكة العربية السعودية، الباحة، 2005.

200. البديري، حيدر مالك، التربية السياسية عند الامام علي (عليه السلام)، رسالة ماجستير غیر منشورة، جامعة بغداد، كلية التربية، قسم العلوم التربوية والنفسية، اختصاص أصول التربية، 2010.

201. حسن، إنتصار عبد الأمیر، أثر برنامج إرشادي في تنمية مفهوم المواطنة لدى طالبات المرحلة المتوسطة، رسالة ماجستير غیر منشورة، جامعة بغداد، كلية التربية / ابن رشد، قسم العلوم التربوية والنفسية، اختصاص إرشاد تربوي، 2013.

202. الحفظي، عبد الرحمن، دور التربية الوطنية في تنمية المواطنة في المجتمع السعودي، رسالة ماجستير منشورة، جامعة أم القرى، قسم التربية الإسلامية والمقارنة، مكة المكرمة، 2009.

203. الزهیري، محسن صالح حسن، المسؤولية الوطنية وعلاقتها بالنسق القيمي لدى طلبة الجامعة المستنصرية، رسالة ماجستير غیر منشورة، الجامعة المستنصرية، العراق، 2008.

204. السعيدي، حاتم جاسم، القيم التربوية في فكر الإمام الحسین (عليه السلام)، اطروحة دكتوراه غیر منشورة، جامعة بغداد، كلية التربية / ابن رشد قسم العلوم التربوية والنفسية، اختصاص فلسفة التربية، 2005.

205. الشام، حسن جاسم راشد، ممارسة السياسة في مجتمع مدني، اطروحة دكتوراه غیر منشورة، جامعة بغداد، كلية الآداب، قسم الاجتماع، 2008.

206. الشمري، هشام محمد خلف، فلسفة التربية والعدالة الاجتماعية عند روسو، اطروحة دكتوراه غیر منشورة، جامعة بغداد، كلية الآداب، قسم الفلسفة، 2012.

ص: 193

207. العامر، عثمان بن صالح، اثر الانفتاح الثقافي على مفهوم المواطنة لدى الشباب السعودي، دراسة منشورة مقدمة إلى اللقاء السنوي في الباحة للعمل التربوي، 2005.

208. عدوة، علي سعد تومان، اسس بناء الدولة الإسلامية في فكر الإمام علي (عليه السلام)، رسالة ماجستير منشورة، جامعة الكوفة، كلية الآداب، قسم التاريخ، العراق، 2010.

209. العزاوي، نزار فاضل حسین، النظام الاداري في خلافة سيدنا الامام علي عليه السلام (35 - 40 ه)، اطروحة دكتوراه غیر منشورة، الجامعة المستنصرية، قسم التاريخ، 2006.

210. علوان، بتول حسین، المواطنة في الفكر الإسلامي المعاصر، أطروحة دكتوراه، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، العراق، 2006.

211. عيال، ياسین حميد، بناء وتطبيق مقياس المواطنة لدى طلبة الجامعة، اطروحة دكتوراه غیر منشورة، جامعة بغداد، كلية التربية / ابن رشد، قسم العلوم التربوية والنفسية، اختصاص قياس وتقويم، 2007.

212. فهد، ابتسام محمد، الفكر التربوي العربي الإسلامي لدى بعض الفلاسفة العرب المسلمين في القرنین الرابع والسادس الهجریين، اطروحة دكتوراه غیر منشورة، جامعة بغداد، كلية التربية / ابن رشد، قسم العلوم التربوية والنفسية، 1994.

213. مبارك، بشرى عناد، الانتماء الاجتماعي لدى العاملین في بعض مؤسسات الدولة وعلاقته ببعض المتغیرات، رسالة ماجستير غیر منشورة، كلية الآداب، جامعة بغداد، قسم علم النفس، 1996.

214. النعيمي، نضال عيسى كريف، التنظيم الاجتماعي في الفكر الإسلامي فكر الامام علي بن ابي طالب (ع)، انموذجآ دراسة تحليلية، اطروحة دكتوراه غیر منشورة، جامعة بغداد، كلية الاداب / قسم الاجتماع، 2008.

215. الوحيدي، أحمد عيّاد، الفكر التربوي عند برهان الإسلام الزرنوجي

ص: 194

وتطبيقاته التربوية، رسالة ماجستير منشورة، الجامعة الاردنية، قسم أصول التربية، 1990.

216. البحوث 217. الحديبي، مصطفى عبد المحسن، أهمية الإرشاد الديني والحاجة اليه وتطبيقاته لأحد الاضطرابات النفسية، بحث منشور، مصر، جامعة أسيوط، كلية التربية، 2008.

218. ابن صعب، وجيه، دور المناهج في تنمية قيم المواطنة الصالحة - منهج التربية البدنية مثالاً، بحث منشور مقدم إلى ندوة التربية البدنية في تعزيز المواطنة الصالحة، الرياض، 2007.

219. المحادي، سلوى بنت محمد، اخلاقيات العمل في التشريع الإسلامي في ظل المتغیرات المعاصرة، السعودية، مكة المكرمة، بحث منشور، كلية التربية، قسم الدراسات الإسامية، 2007.

220. الدوريات 221. الأفندي، عبد الوهاب، إعادة النظر في المفهوم التقليدي للجماعة السياسية، مجلة المستقبل العربي، العدد (2)، 2001.

222. الخزعلي، أمل هندي، إشكالية المواطنة في الخطاب الإسلامي المعاصر، مجلة العلوم السياسية، العدد (21)، 2005.

223. زاهد، عبد الامیر، مقاربات في إعادة تشكيل الهوية الوطنية النجف، مجلة حولية المنتدى، العدد (1)، 2008.

224. صالح، ثناء محمد، هوية المنتمي واللامنتمي، مجلة مدارك، السنة الثانية، العدد (5 - 6)، 0720.

225. العادلي، حسین درويش، الهوية العراقية، بغداد، مجلة المواطنة والتعايش، العدد (4)، تصدر عن دار وطن للعلوم والدراسات، 2004.

226. العامر، عثمان بن صالح، المواطنة في الفكر الغربي المعاصر دراسة نقدية

ص: 195

من منظور إسلامي، السعودية، حائل، كلية المعلمین، مجلة جامعة دمشق، مجلد 19 ، العدد الأول، 2006.

227. عبد العزيز، احمد، مسألة تعدد الجنسيات وموقف القانون السوري منها، دمشق، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، كلية الحقوق، المجلد التاسع عشر، العدد الأول، 2003.

228. الغزي، ناجي، المواطنة اهم مقومات المجتمع الديموقراطي في العراق، إصدار المركز العربي للبحوث والدراسات، مجلة آفاق سياسية، 2009.

229. القحطاني، سالم علي، التربية الوطنية (مفهومها، أهدافها، تدريسها) مكتب التربية العربي لدول الخليج، رسالة الخليج العربي، عدد (66)، 1998.

230. مراد، حنان، أثر الانفتاح الثقافي على مفهوم المواطنة لدى الشباب الجزائري - دراسة ميدانية، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، العدد السادس، 2013.

231. المفرجي، عدي حاتم عبد الزهرة، مفهوم الإسلام الحركي وأثره السياسي المعاصر، جامعة كربلاء، كلية التربية، قسم التاريخ، مجلة القادسية في الآداب والعلوم التربوية، المجلد 10 (العددان 3 - 4)، 2011.

232. نشابة، هشام، التربية الإسلامية والتربية المعاصرة، بیروت، مجلة قضايا عربية، المؤسسة العربية للدراسات، العدد (8)، 1980.

ص: 196

المصادر الاجنبية

• Hobbes، Thomas، Dictionary of Literary Biography، British Rhetoricians and Logicians، 15001660-، The Second Series Martinich، A. P،، Detroit: Gale، 2003.

• Hugo، Howard، Jean-Jacques Rousseau، Confessions The Norton Anthology of World Masterpieces، New York: Norton، 1985 • Rourke، Mary، The Union And Its Citizenship، Instiute of European Affairs Conference، Dublin،1996.

• Shaw،Jo، Interpreting the concept of European citizenship problems and possibilities، Inakershen. ed، (Aqnestion)، of Identity Aldershot،1998.

• Sir Sherard، Cowper، Coles، (Louis)، in Who's Who، London، A. C.

Black، 2008.

ص: 197

المحتویات

مقدمة المؤسسة...9

المقدمة...11

الفصل الأول: التعريف بالبحث

تحديد المصطلحات:...37

اولاً: تعريف المواطنة:...37

ثانياً: تعريف التربية:...39

ثالثاً: تعريف الفكر:...41

رابعاً: تعريف الإمام:...43

خامساً: تعريف التطبيقات التربوية:...48

الفصل الثاني خلفية نظرية - دراسات سابقة

المبحث الأول: خلفية نظرية حول مفهوم المواطنة...51

اولاً: مفهوم المواطنة...51

ثانياً: نبذة عن نشأة المواطنة وتطورها:...52

ثالثاً: دلائل مفهوم الوطن والمواطنة إسلامياً:...72

رابعا: مفهوم تربية المواطنة في الإسلام...81

خامسا: مكونات المواطنة...91

المبحث الثاني: دراسات سابقة...101

ص: 198

اولاً: دراسات تناولت المواطنة:...102

ثانياً: الدراسات التي تناولت فكر الإمام علي (عليه السلام)...111

الفصل الثالث المبحث الأول: بادئ المواطنة الصالحة لدى الإمام علي (عليه السلام)...123

1- الإيمان بالله (عزوجل)...124

2- التحلي بالأمانة...125

5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...132

6- النهي عن الفساد...134

7- القناعة والقبول باليسير...135

12- الاخوة بين الناس...144

13- تربية النفس وتزكيتها وتقويمها...146

15- تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة...150

16- المشاركة والتعاون في الحياة العامة...152

17- حب العمل والحرص على إتقانه...154

18- الكلمة الطيبة وحسن المنطق...155

19- الحفاظ والدفاع عن أمن الوطن...157

20- البعد عن التعصب والانغلاق...159

المبحث الثاني: التطبيقات التربوية للمضامين المستنبطة من بعض أقوال الإمام علي (عليه السلام) في المواطنة في المؤسسات التربوية...163

اولاً: فيما يتعلق بالمعلم...163

ثانياً: فيما يتعلق بالمتعلم...166

ص: 199

ثالثاً: فيما يتعلق بالمنهج الدراسي...168

المبحث الثالث: النتائج والتوصيات:...170

الإيمان بالله (عزوجل)...170

المساواة والعدالة بين الرعية...170

الحفاظ والدفاع عن أمن الوطن...170

اما الاستنتاجات ومنها:...171

والتوصيات، ومنها:...171

والمقترحات، ومنها:...171

المصادر العربية...175

القرآن الكريم...175

المصادر الاجنبية...197

المحتويات...198

ص: 200

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.