موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 6 التعادل و الترجیح و الاجتهاد والتقلید

هوية الکتاب

عنوان واسم المؤلف: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 6 التعادل و الترجیح و الاجتهاد والتقلید/ [روح الله الامام الخمیني قدس سرة].

مواصفات النشر : طهران : موسسة تنظیم و نشر آثارالامام الخمیني قدس سرة، 1401.

مواصفات المظهر: 2ج.

الصقيع: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة

ISBN: 9789642123568

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: الببليوغرافيا مترجمة.

عنوان : الخميني، روح الله، قائد الثورة ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، 1279 - 1368.

عنوان : الفقه والأحكام

المعرف المضاف: معهد الإمام الخميني للتحرير والنشر (س)

ترتيب الكونجرس: BP183/9/خ8الف47 1396

تصنيف ديوي : 297/3422

رقم الببليوغرافيا الوطنية : 3421059

عنوان الإنترنت للمؤسسة: https://www.icpikw.ir

جمعية خيرية رقمية: مركز خدمة مدرسة إصفهان

محرّر: محمّد علي ملك محمّد

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

ص: 4

مقدّمة التحقيق

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين

هذا المجلّد من موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه مشتمل على رسالتين في علم اُصول الفقه : «التعادل والترجيح» و«الاجتهاد والتقليد» . وقد صنّفهما عند إلقاء درس الخارج في قم المقدّسة بعد بحث الاستصحاب .

رسالة «التعادل والترجيح»

أمّا رسالة التعادل والترجيح فقد تمّ تأليفها في التاسع من شهر جمادى الاُولى سنة 1370ه .ق في مدينة قم المقدّسة وإخراجها إلى المبيضّة يوم الثالث والعشرين من شهر رمضان نفس السنة في محلاّت ، وهي حصيلة الدورة الاُولى من تدريس اُصول الفقه وقد أضاف إليها تعليقات في الدورة الثانية . هذه الرسالة طبعت ونشرت لأوّل مرّة في عام 1385ه .ق باهتمام آية اللّه الشيخ مجتبى

ص: 5

الطهراني ضمن كتاب «الرسائل» وذلك من قبل مؤسّسة إسماعيليان، ثمّ نشرت ثانية في عام 1417 ه . ق - شهريور 1375ه .ش - مع مقدّمة وهوامش مفصّلة بإعداد مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه .

ولا يخفى أنّ بحث اختلاف الأدلّة وعدم انسجام بعضها مع بعض هو من أهمّ الأبحاث الاُصولية ؛ حيث إنّ الاجتهاد يدور مداره ومن خلاله يتمكّن الفقيه من الإفتاء حول موضوع معيّن ، مع ما للاجتهاد من منزلة رفيعة عند الشيعة الإمامية ؛ حيث يمنح الفقيه القدرة على الاستنباط من الميراث الحديثي العظيم الواصل بأيدينا من أئمّتنا علیهم السلام .

والحجر الأساسي لبناء البحث تبيين أنّه كيف يمكن صدور أحاديث مختلفة ومتعارضة عنهم علیهم السلام وما هو السرّ في صدور عامّ ومطلق في لسان النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم أو إمام ووقوع مخصّصه ومقيّده في لسان إمام آخر علیهم السلام . وهو في بحثه بعد نقد آراء القوم تفصيلاً يرى أنّ السرّ في عدم تعارض العامّ مع الخاصّ هو أنّ كلاًّ من العمومات والأدلّة الخاصّة قد صدرا من المقنّن، وهذا الاُسلوب لا يكشف عن وقوع التخالف وعدم الاعتدال في عرف التقنين وذلك «أ نّك ترى في القوانين العرفية إلقاء الكلّيات في فصل وبيان حدودها ومخصّصاتها في فصل آخر، فمحيط التقنين والتشريع غير محيط الكتب العلمية والمحاورات العرفية المتداولة». وهذه النظرية مبنيّة على رأيه حول الخطابات الشرعية وأنّه لا تكون خطابات الشارع بمثابة الخطابات العرفية المتداولة، وإنّما يتعامل الشارع مع المخاطب تعامل المقنّن ، ويتبع القواعد العرفية السائدة والمتداولة بين المقنّنين بما هم مقنّنون . ولهذا يصرّح الإمام قدّس سرّه بأنّنا إذا أردنا التعرّف على الخبرين

ص: 6

المتعارضين فينبغي لنا لحاظهما في محيط التقنين، ثمّ الحكم عليهما بأنّهما متعارضان أو ليسا بمتعارضين .

رسالة «الاجتهاد والتقليد»

أمّا رسالة «الاجتهاد والتقليد» فقد فرغ الإمام قدّس سرّه من تسويدها يوم الجمعة عيد الفطر في عام 1370 ه . ق في محلاّت عند تدريسه للدورة الاُولى من خارج الاُصول ، وقد ألحق بها في الدورة الثانية فصلين : «هل التخيير بين المجتهدين المتساويين بدوي أو استمراري» و «اختلاف الحيّ والميّت في مسألة البقاء» ولهذا فإنّ هذين الفصلين لم يأخذا محلّهما الطبيعي وإنّما جاءا متأخّرين وعلى شكل ملحق بهذه الرسالة .

والرسالة أيضاً قد طبعت أوّل مرّة في عام 1385ه .ق باهتمام آية اللّه الشيخ مجتبى الطهراني ضمن كتاب «الرسائل» ونشرت ثانية في عام 1418 ه . ق (1376 ه . ش) مع مقدّمة وهوامش تفصيلية بإعداد مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه .

وليعلم أنّ من اختصاصات الرسالة ما حقّقه مفصّلاً حول «تداول الاجتهاد في عصر الأئمّة علیهم السلام وإرجاعهم الشيعة إلى الفقهاء» وأيضاً تقديم البحث حول «شؤون الفقيه» . والنقطة اللطيفة والملفّتة للنظر أ نّه قدّس سرّه ومنذ ذلك التأريخ - قبل ثلاث عقود من ظفر الثورة الإسلامية المباركة في إيران - تعرّض للشؤون الثلاثة للفقيه الجامع للشرائط بوضوح وجلاء ، وهذه الشؤون هي: المرجعية في الفتوى ، والقضاء ، والحكومة وإدارة المجتمع ، فيصرّح قدّس سرّه بأ نّه لمّا كانت ديانة

ص: 7

الإسلام كفيلة بجميع احتياجات البشر ؛ من اُموره السياسية واجتماعاته المدنية ، إلى حياته الفردية ، كما يتّضح ذلك بالرجوع إلى أحكامه في فنون الاحتياجات ، وشؤون الاجتماع وغيرها، وعليه فإنّ له تكاليف في جميع هذه المجالات لا محالة ، وفي مجال السياسة والقضاء اللذان هما من أهمّ ما تحتاج إليه الاُمّة ليلاً ونهاراً، ولا يمكن إهمال الشارع لهذا الأهر الهامّ؛ وإلاّ كان تشريعه ناقصاً ،

فالضرورة قاضية بأنّ الاُمّة بعد غيبة الإمام علیه السلام في تلك الأزمنة المتطاولة لم تترك سدىً في أمر السياسة والقضاء ، خصوصاً مع تحريم الرجوع إلى سلاطين الجور وقضاتهم . فإذا علم عدم إهمال جعل منصب الحكومة والقضاء بين الناس فالقدر المتيقّن هو الفقيه العالم بالقضاء والسياسات الدينية، العادل في الرعية .

ويرى قدّس سرّه أنّ هذه الشؤون الثلاث خاصّة بالفقيه والمجتهد المطلق وليس للمجتهد المتجزّئ التصدّي لشيء منها .

منهجنا في التحقيق

1 . تصحيح رسالة «التعادل والترجيح» طبقاً للنسخة التي بخطّ المؤلّف قدّس سرّه . أمّا رسالة «الاجتهاد والتقليد» فبما أنّ المخطوطة الأصلية والتي هي بخطّ المؤلّف قد ضاعت أو تلفت بعد طبعة إسماعيليان، فإنّ المؤسّسة قد اعتمدت على النسخة المطبوعة فجعلتها الأصل .

2 . تقويم النصّ وترقيمه بعلائم الترقيم .

3 . إضافة عدد من العناوين بهدف تسهيل الرجوع للكتاب، ونظراً لكثرتها

ص: 8

فقد جرّدناها من المعقوفين [ ] .

4 . تخريج الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة ، وقد أسندناها إلى مصادرها الأصلية كالكتب الأربعة وكتب الواسطة ك «وسائل الشيعة» ، إلاّ مع تكرّر الحديث فإنّنا اكتفينا بإسناده إلى وسائل الشيعة فقط .

5 . تخريج الأقوال والآراء المنقولة قدر المستطاع . وقد عبّرنا لفظ «اُنظر» فيما لو لم نتمكّن من تحديد صاحب القول الأصلي، أو لم نعثر على القول في كتابه، أو لم يكن المنقول مطابقاً للموجود في الكتاب .

6 . وضع الفهارس الفنّية لكلّ واحد من الرسالتين .

وليعلم أنّ هذه المراحل قد وقعت في الطبعة الاُولى لهذه المؤسّسة وفي هذه الطبعة قد صحّحناها وهذّبناها ثانياً .

وختاماً نتقدّم بالشكر الجزيل والثناء الجميل لجميع الأفاضل الذين ساهموا في هذا المشروع المبارك والذي استمرّ ستّة أعوام لنشر هذه الموسوعة ، ونسأل الباري أن يوفّقهم جميعاً ويثيبهم من فضله .

وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين ، وحسبنا اللّه ونعم الوكيل

مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه

فرع قم المقدّسة

ص: 9

ص: 10

التعادل والترجیح

اشارة

ص: 11

الصورة

صورة الصفحة الاُولى

ص: 12

الصورة

صورة الصفحة ما قبل الأخيرة

ص: 13

الصورة

صورة الصفحة الأخيرة

ص: 14

بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم

وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين ، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين

ص: 1

ص: 2

مبحث التعارض واختلاف الأدلّة

اشارة

وقبل الورود في المقصد لا بدّ من ذكر اُمور :

ص: 3

ص: 4

الأمر الأوّل: في تنقيح موضوع البحث
اختصاص الكلام في هذا الباب بتعارض الأخبار

إنّ مبحث التعارض وإن كان بعنوانه أعمّ من تعارض الأخبار ، لكن لمّا كان البحث عن تعارض غيرها غير معنون في هذا المبحث في هذه الأعصار - لأهمّية تعارضها ، وندرة غيره ، كتعارض أقوال اللغويين مثلاً - اختصّ البحث فيه بتعارض الأخبار ، فلا بدّ من عقد البحث في تعارضها ، وتخصيص الكلام به .

فنقول : إنّ الأخبار العلاجية(1) تدور مدار عنوانين :

أحدهما : «الخبران المتعارضان» كما في مرفوعة زرارة(2) وسيأتي الكلام فيها (3) .

ص: 5


1- راجع وسائل الشيعة 27 : 106 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 302 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 .
2- عوالي اللآلي 4 : 133 / 229 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 303 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 2 .
3- يأتي في الصفحة 80 .

وثانيهما : «الخبران المختلفان» كما في سائر الروايات على اختلافها في التعبير(1) .

فالكلام في باب التعارض يدور مدارهما ، ومفادهما يرجع إلى أمر واحد عرفاً ولغة ، ولمّا كان الميزان في تشخيص الموضوعات مصداقاً ومفهوماً هو العرف ، فلا بدّ من عرض المفهومين عليه ؛ لتشخيص التعارض واختلاف الأدلّة ، فإذا صدق العنوان فلا بدّ من العلاج بالرجوع إلى أخبار العلاج ، وإلاّ فلا .

ثمّ إنّ التعارض والتنافي لدى العرف والعقلاء - في الكلامين الصادرين من المتكلّمين - مختلف ؛ فإنّ الكلام قد يصدر من مصنّفي الكتب ومتعارف الناس في محاوراتهم العادية ممّا لم يتعارف فيها إلقاء الكلّيات والمطلقات ، ثمّ بيان المخصّصات والمقيّدات وقرائن المجازات بعدها .

وقد يكون صادراً من مقنّني القوانين ومشرّعي الشرائع ممّا يتعارف فيها ذلك ، فإنّك ترى في القوانين العرفية إلقاء الكلّيات في فصل ، وبيان حدودها ومخصّصاتها في فصول اُخر ، فمحيط التقنين والتشريع غير محيط الكتب العلمية والمحاورات العرفية المتداولة .

ولهذا ترى : أنّ فيلسوفاً أو اُصولياً لو ادّعى قاعدة كلّية في فصل ، ثمّ ادّعى خلافها في بعض الموارد ، يقال : «تناقض في المقال» . اللهمّ إلاّ أن ينبّه على انتقاضها في بعض الموارد ، ولكن العرف والعقلاء لا يرون تناقضاً في محيط

ص: 6


1- راجع وسائل الشيعة 27 : 118 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 29 ، 30 ، 34 ، 43 ، 44 و48 .

التقنين والتشريع بين العامّ والخاصّ ، والمطلق والمقيّد ، مع ضرورية التناقض بين الإيجاب الكلّي والسلب الجزئي ، وكذا العكس ، لكن لمّا شاع وتعارف في وعاء التقنين ومحيط التشريع ذلك ، لا يعدّونه تناقضاً .

لزوم فرض التعارض في محيط التشريع

فلا بدّ في تشخيص الخبرين المتعارضين والحديثين المختلفين من فرض الكلام في محيط التشريع والتقنين ، وفي كلام متكلّم صارت عادته إلقاء الكلّيات والاُصول ، وبيان المخصّصات والشرائط والأجزاء والمقيّدات والقرائن منفصلةً ، فهذا القرآن الكريم يقول وقوله الحقّ : (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّه ِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً)(1) مع أنّ فيه العموم والخصوص ، والمطلق والمقيّد ، ولم يستشكل أحد بوقوع الاختلاف فيه من هذه الجهة .

وبالجملة : سنّة اللّه تعالى في الكتاب الكريم ، والرسولِ الصادع بالقانون الإلهي ، وأئمّة الهدى مع عدم كونهم مشرّعين ، لمّا جرت على ذلك - كما هو المشاهد في الكتاب والسنّة ؛ لمصالح هم أعلم بها ، ولعلّ منها صيرورة الناس محتاجين إلى العلماء والفقهاء ، وفيه بقاء الدين ، ورواج الشريعة ، وتقوية الإسلام ، كما هو الظاهر - فلا بدّ وأن يكون تشخيص الخبرين المتعارضين والمختلفين مع عطف النظر إلى هذه السنّة وتلك العادة .

ص: 7


1- النساء (4) : 82 .

فالتعارض بناءً على ما ذكرنا : هو تنافي مدلولي دليلين أو أكثر عرفاً في محيط التقنين ؛ ممّا لم يكن للعرف إلى الجمع بينهما طريق عقلائي مقبول ، وصار العرف متحيّراً في العمل ، فالأدلّة الدالّة على الأحكام الواقعية غير معارضة للأدلّة الدالّة على حكم الشكّ ؛ لأنّ للعرف فيها طريقاً إلى الجمع المقبول .

وكذا لا يتعارض الحاكم المحكوم ، وقد ذكرنا ضابط الحكومة في البراءة(1) والاستصحاب(2) .

وكذا لا تعارض عرفاً بين العامّ والخاصّ ، سواءً كانا قطعيي السند ، أو كان أحدهما قطعياً ، وسواءً كان الخاصّ قطعي الدلالة ، أو ظنّيها ؛ لأنّ العرف لا يرى انسلاكهما في الخبرين المتعارضين والحديثين المختلفين .

ص: 8


1- أنوار الهداية 1 : 306 - 308 و2 : 8 - 9 .
2- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 269 .
سرّ عدم التعارض بين العامّ والخاصّ

والسرّ في تقديم الخاصّ على العامّ ما أشرنا إليه ؛ من أنّ التعارف والتداول في محيط التقنين والأخبار الصادرة عن أئمّة أهل البيت علیهم السلام لمّا كان بيانَ الاُصول والقوانين الكلّية منفصلة عن مخصّصاتها ، لا يرى العرف تعارضاً بينهما ، ويكون الجمع بينهما عرفياً عقلائياً .

وإن شئت قلت : إنّ أصالة الجدّ في العامّ صارت ضعيفة في العمومات الصادرة عن المقنّنين ؛ بحيث لا تقاوم أصالة الجدّ في الخاصّ ، فهي تتقدّم عليها ؛ لقوّتها وضعف مقابلتها ، للتعارف المشار إليه ، هذا في الظاهرين .

وأمّا إذا كان الخاصّ قطعي الدلالة وظنّي السند ، فتقديمه عليه أيضاً لعدم التخالف بينهما في مقام الجمع والدلالة ، ومع عدم تخالفهما لا يكون السند الظنّي معارضاً للظاهر الظنّي حتّى يتشبّث بما أفاده العلاّمة الأنصاري قدّس سرّه ممّا هو بعيد عن الأفهام ، وغير صحيح في نفسه ، كما سنشير إليه(1) .

وبالجملة : لا يرى العرف بين الخاصّ والعامّ تعارضاً ؛ لا في الظنّيين ، ولا في الخاصّ القطعي الدلالة والظنّي السند والعامّ ، فإذا لم يكن بينهما تعارض ، فلا ترفع اليد عن السند الظنّي الحجّة ؛ لكونه بلا وجه كما لا يخفى ، هذا كلّه في غير الخاصّ القطعي دلالةً وجهةً وسنداً .

وأمّا فيه ، فالتقدّم يكون بالتخصّص ؛ لأنّ بناء العقلاء على العمل بالاُصول في غير مورد العلم بالخلاف .

ص: 9


1- يأتي في الصفحة 11 - 12 .
كلام المحقّقين في وجه تقديم الخاصّ على العامّ
كلام الشيخ الأنصاري في المقام
اشارة

ثمّ إنّ كلام المحقّقين مختلف في وجه تقديم الخاصّ على العامّ ، فالشيخ الأنصاري رحمه الله علیه فصّل بين الموارد ، فقال : إنّ المخصّص إذا كان علمياً سنداً ودلالة يكون وارداً على العامّ . وإن كان ظنّياً بحسب الدلالة يكون مع العامّ من قبيل تعارض الظاهرين ، فربّما يقدّم العامّ .

وإن كان قطعي الدلالة ظنّي السند :

فإن قلنا : بأنّ اعتبار أصالة الظهور إنّما هو من حيث أصالة عدم القرينة ، يكون دليل اعتبار السند حاكماً على أصالة الظهور ، واحتمل الورود وأمر بالتأمّل .

وإن قلنا : بأنّ اعتبارها من جهة الظنّ النوعي الحاصل من الغلبة أو غيرها ، فالظاهر أنّ النصّ وارد عليه مطلقاً(1) .

وذهب المحقّق الخراساني في تعليقته إلى الورود مطلقاً(2) .

وذهب بعض أعاظم العصر إلى الحكومة في غير القطعي سنداً ودلالة مطلقاً(3) .

وذهب شيخنا الاُستاذ أعلى اللّه مقامه ، إلى أنّ التعبّد بالسند مقدّم ؛

ص: 10


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 15 - 17 .
2- درر الفوائد ، المحقّق الخراساني : 432 .
3- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 719 - 725 .

لتقدّمه الرتبي(1) كما أفاد في الشكّ السببي والمسبّبي من التقدّم الطبعي(2) .

الإشكال على الشيخ الأعظم قدّس سرّه

والأولى التعرّض لبعض ما أفاده الشيخ الأعظم ، فنقول :

أمّا قضيّة ورود قطعي السند والدلالة على أصالة الظهور فلا تصحّ ؛ لأنّ الورود عبارة عن إخراج فرد حقيقة عن تحت كلّي بواسطة إعمال التعبّد أو الحكم العقلائي لو فرض تحقّقه ، وأمّا إذا كان حكم العقل أو بناء العقلاء على موضوعين فلا يكون من الورود ، بل يكون من قبيل التخصّص ، وما نحن فيه كذلك ؛ لأنّ بناء العقلاء على العمل بالظواهر إنّما هو في غير مورد العلم بالخلاف ، فمورده خارج تخصّصاً .

وأمّا ما أفاد : من حكومة دليل اعتبار السند على أصالة الظهور ، إذا كان مستندها أصالة عدم القرينة ، ووروده عليها إذا كان المستند الغلبة .

ففيه : أنّ الأولى هو العكس ؛ لأنّ مستند أصالة الظهور إذا كان أصالة عدم القرينة ، يكون بناء العقلاء معلّقاً على عدم القرينة ، فإذا اُحرزت القرينة ولو بالأصل ، تتحقّق غاية بنائهم ، والخاصّ قرينة ، فتقدّمه يكون بالورود ، لا الحكومة . وأمّا إذا كان المستند هو الغلبة فلا يكون بناؤهم معلّقاً ، بل يكون لأجل نفس الظهور والظنّ النوعي ، فتقدّم ظنّ معتبر آخر عليه لا يكون من الورود قطعاً ، فيمكن أن يكون من باب الحكومة على مبناه .

ص: 11


1- درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 639 - 640 .
2- درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 632 .

والتحقيق : أ نّه ليس من الحكومة مطلقاً ، أمّا على ما فسّرها(1) فواضح ؛ لأنّ بناء العقلاء على الأخذ بالسند لا يكون مفسّراً للظاهر وشارحاً له .

وأمّا بناءً على التحقيق في باب الحكومة كما عرفت في الاستصحاب(2) ، فلأنّ أحد الدليلين لا يتعرّض لما لا يتعرّضه الآخر ، فدليل اعتبار السند إن كان بناء العقلاء مع عدم الردع أو الإمضاء - كما هو الحقّ - فيكون هذا البناء كالبناء على العمل بالظواهر ، فلا معنى لحكومة أحدهما على الآخر بوجه وبأيّ تفسير فسّرت الحكومة .

وإن كان الدليل اللفظي ، فهو وإن كان خلاف المفروض ؛ لأنّ الكلام في الاُصول اللفظية وبناء العقلاء ، لا في الأدلّة اللفظية ، لكن لا حكومة لمثل قوله :

«العَمْري وابنه ثقتان ، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان»(3) على أصالة الظهور ، لعدم تعرّضه له ، ولا يرفع موضوعه تعبّداً ، فكما أنّ دليل اعتبار السند يجعل احتمال مخالفته بمنزلة العدم ، كذلك دليل اعتبار الظهور أيضاً ، من غير فرق بينهما .

وما في بعض كلماته - من أنّ الظاهر من قبيل الأصل ، ودليل اعتبار السند من قبيل الدليل ، فيقدّم عليه(4) - كما ترى .

ص: 12


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 13 .
2- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 269 .
3- الكافي 1 : 329 / 1 ؛ وسائل الشيعة 27 : 138 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 4 .
4- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 16 و86 .

نعم ، لو قيل بالمفهوم في آية النبأ(1) وقيل : بأنّ مفهومها عرفاً أنّ خبر العادل بيّن لا يحتاج إلى التبيّن ، لكان لذلك وجه ، لكنّه من قبيل احتمال في احتمال ، وبالجملة لا أرى للحكومة وجهاً .

كلام مع بعض أعاظم العصر قدّس سرّه

وأمّا ما أفاده بعض الأعاظم : «من أنّ الخاصّ بمنزلة القرينة على التصرّف في العامّ ، ولا ينبغي الشكّ في حكومة أصالة الظهور في القرينة على أصالة الظهور في ذيها ولو كان ظهور القرينة أضعف منه ، كما يظهر ذلك من قياس ظهور «يرمي» في قولك : «رأيت أسداً يرمي» في رمي النبل على ظهور «الأسد» في الحيوان المفترس ؛ فإنّه لا إشكال في كون ظهور «الأسد» في الحيوان المفترس أقوى من ظهور «يرمي» في رمي النبل ؛ لأ نّه بالوضع وذلك بالإطلاق . مع أ نّه لم يتأمّل أحد في حكومة أصالة ظهور «يرمي» على أصالة ظهور «الأسد» . وليس ذلك إلاّ لأجل كون «يرمي» قرينةً على التصرّف في «الأسد» . ونسبة الخاصّ إلى العامّ كنسبة «يرمي» إلى «الأسد» فلا مجال للتوقّف في تقديم ظهور الخاصّ في التخصيص على ظهور العامّ في العموم»(2) ، انتهى .

فهو من دعاويه الغريبة المختصّة به رحمه الله علیه ؛ ضرورة أنّ صيرورة شيء قرينةً على صرف ظهور شيء لا يمكن إلاّ بقوّة الظهور ، أو بما أشرنا إليه آنفاً(3)

ص: 13


1- الحجرات (49) : 6 .
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 720 - 721 .
3- تقدّم في الصفحة 9 .

وسنشير إليه(1) ، أو النظر الحكومتي كما قد يتّفق ، ومثل : «رأيت أسداً يرمي» - مع قطع النظر عن المثال الذي صارت بواسطة تكرّره في الكتب الأدبية وغيرها والاستشهاد به مراراً قرينية «يرمي» معلومةً - لا يكون لقوله «يرمي» حكومة على «الأسد» .

وما قاله : من أنّ القرينة لها خصوصية بها تكون حاكمة على ذيها ، ممّا لا ينبغي أن يصغى إليه ؛ لأنّ كون هذه الكلمة قرينة على هذه أو بالعكس أوّل الكلام ، فأيّ ترجيح للفظة «يرمي» حتّى بها يصرف «الأسد» عن ظهوره لولا الأظهرية ، فإذا ألقى المتكلّم كلاماً إلى السامع ، فبأيّ شيء يميّز القرينة عن ذيها ، ويرجّح أحدهما على الآخر لصرفه عن معناه الأصلي الحقيقي إلى المجازي ؟! فلو علم أوّلاً : أنّ المتكلّم جعل الكلمة الفلانية قرينة على صرف صاحبها ، لم يحتج إلى التشبّث بالظهور والحكومة .

وبالجملة : لا تكون أصالة الظهور في القرينة حاكمة على ذيها إلاّ في بعض الموارد .

ثمّ لو سلّم ، فأيّ دليل على أنّ التخصيص بمنزلة القرينة ، وهل هذا إلاّ دعوى خالية عن البرهان ؟! ومجرّد تقديم العرف الخاصّ على العامّ إذا صدر من متكلّم في مجلس واحد ، لا يدلّ على الحكومة ؛ فإنّ تقديمه عليه معلوم ، لكنّ الكلام في وجهه .

وبالجملة : كلامه مع وضوح فساده في الدعويين لا يخلو من دور أو شبهه ، فتدبّر .

ص: 14


1- يأتي في الصفحة 17 .

وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم دليلاً على حكومة النصّ الظنّي السند على العامّ : «بأ نّا لم نجد ولا نجد من أنفسنا مورداً يقدّم فيه العامّ - من حيث هو - على الخاصّ وإن فرض كونه أضعف الظنون المعتبرة»(1) فهو جارٍ بعينه فيما إذا كان الخاصّ ظاهراً كالعامّ ؛ فإنّا لم نجد مورداً يقدّم العامّ على الخاصّ لأظهريته منه ، مع أنّ غالب موارد العام والخاصّ من قبيل الظاهرين ، لا النصّ والظاهر ، مع اعترافه بأنّ تعارض الخاصّ الظاهر مع العامّ من قبيل تعارض الظاهرين(2) ، فمن ذلك يعلم أنّ تقديم الخاصّ ليس من باب الحكومة مطلقاً .

كلام مع شيخنا العلاّمة أعلى اللّه مقامه

وأمّا التقدّم الرتبي الذي أفاده شيخنا العلاّمة(3)، والظاهر رجوعه عنه في بحثه .

ففيه أوّلاً : أنّ دليل اعتبار السند ، ليس مقدّماً رتبة على دليل اعتبار الظهور ولو في رواية واحدة ، وكذا موضوعهما ؛ لعدم ملاك التقدّم الرتبي في السند ، كما لا يخفى .

وثانياً : لو سلّم ذلك في الرواية الواحدة ، فهو ممنوع بالنسبة إلى روايتين ، فأيّ وجه للتقدّم الرتبي لدليل اعتبار سند رواية أو نفس سندها على دليل اعتبار ظهور رواية اُخرى أو نفسه ، مع فقدان مناط التقدّم حتّى في الرواية الواحدة ، فضلاً عن روايتين ؟!

ص: 15


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 17 .
2- نفس المصدر .
3- درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 639 - 640 .

وثالثاً : سلّمنا ذلك ، لكن مجرّد التقدّم الرتبي ، ليس موجباً للتقدّم ، كما ذكرنا في الأصل السببي والمسبّبي(1) .

كلام مع المحقّق الخراساني قدّس سرّه

وأمّا ما أفاده المحقّق الخراساني في «الكفاية» : من أنّ الوجه هو أظهرية الخاصّ في مفاده من العامّ ، أو كون الخاصّ نصّاً والعامّ ظاهراً(2) ، فهو في النصّ كذلك ، لكن كون الخاصّ الظاهر أظهر من العامّ ممنوع ؛ فإنّ قوله : «أهن كلّ عالم فاسق» ليس أظهر في مفاده من قوله : «أكرم كلّ عالم» لأنّ هيئة الأمر ومادّته في كلّ منهما سواء ، وكلمة «كلّ» في كلّ منهما بمعنى واحد ، و«العالم» في كلّ منهما مفاده واحد ، و«الفاسق» يدلّ على المتلبّس بالفسق ، كدلالة «العالم» على المتلبّس بالعلم من غير فرق بينهما .

ولهذا لو بدّل قوله ذلك ب «أهن كلّ فاسق» و«أكرم كلّ عالم فاسق» ينقلب الأمر ، ويقدّم الخاصّ على العامّ أيضاً ، وليس لهيئة الكلام ظهور آخر حتّى تدّعى أظهرية الخاصّ ، ولو سلّم لا يكون أظهر ، وهذا واضح .

مع أنّ التصادم بين العامّ والخاصّ ليس في مقام الظهور ، إن كان المراد منه دلالة الألفاظ على معانيها اللغوية أو العرفية .

وبعبارة اُخرى : ليس التصادم بينهما في الإرادة الاستعمالية ؛ لأنّ العامّ

ص: 16


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 286 .
2- كفاية الاُصول : 498 .

المخصّص ليس بمجاز على ما هو المحقّق عندهم(1) ، فلا يكون الخاصّ موجباً لانصراف العامّ عمّا استعمل فيه ليكون قرينة على مجازية العامّ ، بل هو مستعمل بمادّته وهيئته في معناه الحقيقي ، والخاصّ إنّما يوجب الكشف عن الإرادة اللبّية ، فيتصرّف في أصالة الجدّ في العامّ بواسطة الخاصّ ، ولهذا لا ينظر العرف إلى أظهرية الخاصّ من العامّ ، بل نفس أخصّيته منه موجبة للتصرّف فيه ؛ أي الكشف عن الإرادة الجدّية في العامّ .

والسرّ كلّ السرّ هو ما أشرنا إليه سابقاً(2) ؛ من أنّ تعارف إلقاء العمومات والاُصول ، وذكر المخصّصات منفصلة في بسيط التشريع ومحيط التقنين ، أوجب ذلك ، فصار بواسطة هذا التعارف ارتكازياً للعقلاء والعلماء الباحثين في الأدلّة الفقهية .

بيان أصالتي الحقيقة والجدّ

ثمّ اعلم : أنّ الشكّ قد يقع في أنّ المتكلّم هل أراد من اللفظ معناه المجازي ، سواء قلنا : بأنّ المجازات من قبيل استعمال الألفاظ في غير ما وضعت له ، أو قلنا : بأ نّها من قبيل استعمالها في معانيها الحقيقية ، وإرادة المعنى المجازي بدعوى كونه مصداقاً للمعنى الحقيقي . ففي قوله : «أكرم العلماء» قد يشكّ في أنّه

ص: 17


1- كفاية الاُصول : 255 ؛ درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 212 ؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 516 .
2- تقدّم في الصفحة 9 .

أراد من «العلماء» المعنى الحقيقي ؛ أي كلّ ما يتلبّس بالعلم ، أو الفقهاء خاصّة ؛ إمّا باستعمال اللفظ الموضوع للعامّ في بعض المصاديق لعلاقة ، أو بدعوى كون الفقهاء تمام مصاديق العلماء ، وتنزيل غيرهم منزلة العدم ، كما هو الرأي الفصل في مطلق المجازات(1) ؟

ولا شكّ في أنّ بناء العقلاء على الحمل على المعنى الحقيقي ، وهذا أصل عقلائي .

وقد يشكّ - بعد إحراز كون اللفظ مستعملاً في معناه الحقيقي ومراداً به ذلك ، لا الادّعائي - في أنّ إلقاء العموم إنّما هو لأجل البيان القانوني وإلقاء القاعدة ، ولا يريد إكرام جميعهم جدّاً ، بل يريد إكرام الفقهاء مثلاً ، ويأتي بالمخصّص في كلام مستأنف ، أو يكون كلامه غير مطابق للجدّ ؛ لأجل التقيّة أو أمر آخر ؟

ولا إشكال أيضاً في أنّ الأصل العقلائي هو الحمل على مطابقة الإرادة الاستعمالية للجدّية ، وهذه هي أصالة الجدّ ، وهذان أصلان لدى العقلاء بكلّ منهما تحرز حيثية من حيثيات كلام المتكلّم .

وقد اختلفت كلماتهم في أنّ المراد ب «أصالة الظهور» و«أصالة عدم القرينة» هو الأصل المحرز للمعنى الحقيقي ، أو المحرز للإرادة الجدّية .

صرّح بأوّلهما شيخنا العلاّمة أعلى اللّه مقامه في باب حجّية الظواهر(2) ولعلّه ظاهر كلام الشيخ الأنصاري(3) .

ص: 18


1- راجع مناهج الوصول 1 : 62 .
2- درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 359 .
3- اُنظر فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 24 : 135 ، و27 : 15 - 16 .

وصرّح بالثاني بعض أعاظم العصر(1) ، بل لعلّ ظاهره رجوع الأصلين إلى أمر واحد .

والتحقيق : أنّ في المقام أصلين عقلائيين كلّ منهما لرفع شكّ حاصل في كلام المتكلّم ، فإذا شكّ في مجازيته لا يعتني به العقلاء ، وهذا أصل .

ومع العلم بإرادة المعنى الحقيقي استعمالاً ، إذا شكّ في كون الكلام صدر جدّاً ، أو لأجل تقيّة ، أو إلقاءِ الكلّي القانوني لذكر المخصّصات بعده ، يحمله العقلاء على الجدّ ، وهذا أصل آخر .

فأصالة الحقيقة وأصالة الظهور والعموم اصطلاحات مناسبة للأوّل ، وأصالة الجدّ مناسبة للثاني ، وأصالة عدم القرينة تناسبهما ، ولا مشاحّة في الاصطلاح .

وكيف كان : فالظاهر أنّ المعوّل عليه عند العقلاء هو ظهور اللفظ ، وأصالة الظهور أصل عقلائي جامع لأصالة الحقيقة وأصالة العموم بل للظهور المنعقد في الكلام بواسطة قرائن المجاز ، فإذا شكّ في أنّ المتكلّم ب «رأيت أسداً يرمي» أراد الرجل الشجاع الذي هو ظاهر كلامه أو غيره ، يتّبع ظاهر كلامه المنعقد بواسطة القرينة ، ويكون المعوّل عليه أصالة الظهور(2) .

ص: 19


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 716 ؛ أجود التقريرات 2 : 313 ، و3 : 155 ، و4 : 284 .
2- التحقيق كما استقرّ رأينا عليه في مباحث الألفاظأ : أنّ موضوع الاحتجاج وإن كان هو ظاهر كلام المتكلّم ، لكن مبنى الحجّة ليس أصالة عدم القرينة ، أو أصالة الظهور في شيء من الموارد ، بل مبناها أصالة عدم الخطأ والغلط وإلغاء احتمال تعمّد الكذب والخيانة ؛ ببناء العقلاء في الإخبار مع الواسطة . فأصالة الظهور : إن رجعت إلى أصالة حجّية الظهور ، فهي تعبير غير صحيح . وإن رجعت إلى أصالة بقائه فهي تعبير بملازم الشيء ، كما أ نّها كذلك لو رجعت إلى أصالة كون الظاهر مراداً استعمالاً أو جدّاً ، فلا معنى لأصالة الظهور بهذا التعبير ، إلاّ أن ترجع إلى أحد ما تقدّم ونظائره . [منه قدس سره] أ - تهذيب الاُصول 2 : 414 ، وما في تهذيب الاُصول عدول عمّا اختاره سماحته قدس سره في أنوار الهداية 1 : 193 .

والظاهر : أنّ أصالة عدم القرينة ليست أصلاً معوّلاً عليه في هذا الباب، لا لدى الشكّ في القرينة ، ولا لدى الشكّ في المراد الجدّي ، فما أفاد المحقّق الخراساني في المقام(1) ، مثل ما أفاد بعض أعاظم العصر من التفصيل(2) لا يعتمد عليهما ، فراجع كلامهما وتدبّر .

ص: 20


1- درر الفوائد ، المحقّق الخراساني : 433 .
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 718 - 719 .
الأمر الثاني: في عدم شمول أخبار العلاج لموارد الجمع العرفي
اشارة

قد اتّضح ممّا مرّ ذكره : أ نّه لا تعارض في نظر العرف بين الأدلّة في موارد التوفيق العرفي بينها ، فلا تعمّها أخبار العلاج ؛ لأنّ المأخوذ فيها - كما عرفت(1) - عنوانان : «الخبران المتعارضان» و«الخبران المختلفان» وهما لا يشملان ما لا تعارض بينهما عرفاً ؛ ضرورة أنّ محطّ أخبار العلاج هو تعيين التكليف في مقام العمل ، فإذا كان تكليفه معلوماً فلا يشمله إطلاق الأدلّة ، والتعارض البدوي الزائل لا يوجب الشمول .

وهذا بوجه نظير «الشكّ» في أدلّة الشكوك حيث حملوه على الشكّ المستقرّ ، لا الحادث(2) ، بل المقام أولى منه ؛ لأنّ الشكّ الحادث شكّ حقيقة لكنّه لم يستقرّ ، والخبران اللذان بينهما جمع عقلائي ليسا بمتعارضين عرفاً إلاّ صورة ، لا حقيقة .

ص: 21


1- تقدّم في الصفحة 5 .
2- مستند الشيعة 7 : 186 ؛ جواهر الكلام 12 : 305 - 306 ؛ مصباح الفقيه ، الصلاة 15 : 143 .
دعوى المحقّقين الخراساني والحائري شمول أخبار العلاج للمقام

والعجب من العلمين : المحقّق الخراساني وشيخنا العلاّمة ؛ حيث ذهبا إلى خلاف ذلك .

قال في «الكفاية» ما محصّله : أنّ مساعدة العرف على التوفيق ، لا توجب اختصاص السؤالات بغير موارد الجمع ؛ لصحّة السؤال بملاحظة التعارض البدوي وإن كان يزول عرفاً ، أو للتحيّر في الحكم الواقعي وإن لم يتحيّر فيه ظاهراً ، أو لاحتمال الردع عن الطريقة العرفية ، وجلّ العناوين المأخوذة في الأسئلة - لولا كلّها - تعمّها .

ودعوى : أنّ المتيقّن منها غيرها مجازفة ، غايته كان كذلك خارجاً ، لا بحسب مقام التخاطب حتّى يضرّ بالإطلاق . إلاّ أن يقال : إنّ السيرة القطعية كاشفة عن دليل مخصّص لأخبار العلاج ، أو يقال : إنّ أخبار العلاج مجملة لا تصلح لردع السيرة(1) .

وقال شيخنا العلاّمة : إنّ المرتكزات العرفية لا يلزم أن تكون مشروحة مفصّلة عند كلّ أحد ، حتّى يرى السائل عدم احتياجه إلى السؤال عن حكم العامّ والخاصّ المنفصل وأمثاله .

وأيّد ما ادّعى برواية الحميري عن الحجّة علیه السلام : «في الجواب عن ذلك حديثان، أمّا أحدهما : فإذا انتقل من حالة إلى حالة اُخرى فعليه التكبير ، وأمّا الآخر : فإنّه روي : أ نّه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية ، وكبّر ، ثمّ جلس ، ثمّ قام ، فليس

ص: 22


1- كفاية الاُصول : 511 - 512 .

عليه في القيام بعد القعود تكبير ، وكذلك التشهّد الأوّل يجري هذا المجرى ، وبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صواباً»(1) . مع أنّ الثاني أخصّ من الأوّل .

وروايةِ علي بن مهزيار قال : قرأت في كتاب لعبداللّه بن محمّد إلى أبي الحسن علیه السلام : اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبداللّه علیه السلام في ركعتي الفجر في السفر ، فروى بعضهم : «صلّها في المحمل» وروى بعضهم : «لا تصلّها إلاّ على الأرض» . فوقّع : «موسّع عليك بأيّة عملت»(2) . مع أ نّه من قبيل تعارض النصّ والظاهر .

ثمّ قال : ودعوى السيرة القطعية على التوفيق بين العامّ والخاصّ والمطلق والمقيّد من لدن زمن الأئمّة(3) يمكن منعها ، كيف ؟! ولو كانت لما خفيت على مثل شيخ الطائفة ، فلا يظنّ بالسيرة فضلاً عن القطع بعد ذهاب مثله إلى العمل بالمرجّحات في تعارض النصّ والظاهر ، كما يظهر من عبارته المحكيّة(4) عن «الاستبصار»(5) و«العدّة»(6) ، انتهى(7) .

ص: 23


1- الاحتجاج 2 : 569 ؛ وسائل الشيعة 27 : 121 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 39 .
2- تهذيب الأحكام 3 : 228 / 583 ؛ وسائل الشيعة 27 : 122 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 44 .
3- كفاية الاُصول : 512 .
4- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 82 - 84 .
5- الاستبصار 1 : 4 .
6- العدّة في اُصول الفقه 1 : 147 - 148 .
7- درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 679 - 680 .
الإيراد على المحقّق الخراساني رحمه الله علیه

وأنت خبير بما في كلامهما ؛ أمّا ما أفاد المحقّق الخراساني من صحّة السؤال بما ذكر .

ففيه : أنّه لو كان السؤال عن مورد التوفيق العرفي بالخصوص لكان ما ذكر حقّاً ؛ لصحّة السؤال ولو لاحتمال الردع ، لكن لا يوجب مجرّد صحّة السؤال شمول إطلاق الأدلّة ؛ ضرورة أنّ عدم التعارض بين الأدلّة بحسب نظر العرف يوجب صرف السؤال عن مورد التوفيق لو سلّم شمول المفهوم له ابتداءً ، وإلاّ فلنا منع ذلك رأساً ؛ لأنّ التعارض البدوي ليس بتعارض حقيقة ، ومعه كيف يشمله عنوانا «التعارض» و«الاختلاف» ؟!

وأمّا السؤال للتحيّر في الحكم الواقعي ، فهو إنّما يصحّ إذا كان في واقعة خاصّة ، لا في مطلق باب التعارض ؛ ضرورة أ نّه لا ميزان لبيان الحكم الواقعي في تمام موارد التعارض ، هذا إذا كان المراد من «الحكم الواقعي» حكم الواقعة التي تعارض فيها الخبران ، كما هو ظاهره .

وإن كان المراد واقع حكم التعارض فلا يدفع الإشكال - بأنّ السؤال عن عنوان المتعارضين أو المختلفين بنحو كلّي ، وهو لا يحمل على غير عنوانه ومتفاهمه - : باحتمال كون السائل سأل عن مورد ليس من العنوان خطأً ، أو مسامحة في إطلاق العنوان عليه ، فتدبّر .

هذا ، مع أنّ حمل كلامه على ذلك ، موجب لرجوعه إلى احتمال الردع ، وهو جعَله مقابلاً له .

ص: 24

وأمّا احتمال الردع ، فهو وإن كان موجباً لصحّة السؤال ، لكنّه إذا سئل عن مورد خاصّ ، ولا يوجب ذلك شمول إطلاق الأدلّة لمورد التوفيق العرفي .

فظهر فساد دعوى شمول جلّ العناوين - لولا كلّها - له ، بل لو فرض الشمول عنواناً فلا إشكال في انصراف الإطلاق بواسطة ذاك الارتكاز ، فلو أضرّ القدر المتيقّن في مقام التخاطب بالإطلاق ، كان المورد منه بعد الارتكاز العرفي ، فقوله : إنّ القدر المتيقّن ليس في مقام التخاطب ، كما ترى .

كلام مع شيخنا الاُستاذ رحمه الله علیه

وممّا ذكرنا يظهر النظر في قول شيخنا العلاّمة أعلى اللّه مقامه ؛ فإنّ احتمال عدم كون المرتكزات العرفية مشروحة لدى السائل ، لا يوجب شمول العناوين لغير مصاديقها العرفية . نعم ، لو سئل عن مورد التوفيق العرفي كان لما ذكر وجه .

وأمّا الروايتان ، فرواية ابن مهزيار لا تدلّ على مدّعاه ؛ لأنّ الظاهر هو السؤال عن حكم الواقعة ، لا عن علاج التعارض ؛ إذ لا معنى لاستفسار علاج التعارض في واقعة خاصّة من العالم بالواقع ، وجوابه أيضاً يكون عن الواقع ، كما هو مقتضى الجمع بين الروايتين أيضاً .

ورواية الحميري - مع ضعفها ، وشهادة متنها بأ نّها ليست من الإمام العالم بحكم الواقعة - معرض عنها ، مع احتمال ورود رواية ذكر فيها انتقال كلّ حال تفصيلاً ، لا بهذا العنوان ، فكان التعارض بينهما بالتباين ، وسيأتي مزيد توضيح لذلك في بابه(1) .

ص: 25


1- سيأتي في الصفحة 77 .

وأمّا إنكاره السيرة ؛ بدليل ذهاب شيخ الطائفة إلى العمل بالمرجّحات في النصّ والظاهر ، ففيه : أنّ عبارتي «العدّة» و«الاستبصار» لا تدلاّن على ذلك ، خصوصاً بعد تصريحه في«العدّة» : بأنّ العامّ والخاصّ المطلقين خارجان عن باب التعارض(1) ، فراجع ما نُقل في «الرسائل»(2) .

هذا ، مضافاً إلى أنّ بناء شيخ الطائفة ليس على العمل بالمرجّحات في العامّ والخاصّ ، والمطلق والمقيّد ، والنصّ والظاهر في الفقه بالضرورة .

ص: 26


1- العدّة في اُصول الفقه 1 : 394 - 395 .
2- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 84 .
الأمر الثالث: في قاعدة الجمع مهما أمكن ، أولى من الطرح

قد ادّعى الشيخ ابن أبي جمهور الإجماع على أنّ العمل بالدليلين مهما أمكن ، خير من ترك أحدهما(1) .

والظاهر منه - خصوصاً بقرينة دعوى الإجماع - هو التوفيق العرفي المقبول ، ولو ادّعى غير ذلك لردّه بناء العلماء على العمل بالمرجّحات فيما لا يمكن التوفيق العرفي فيه .

واستدلّ عليه : بأنّ الأصل في الدليلين الإعمال ، فيجب الجمع بينهما مهما أمكن ؛ لاستحالة الترجيح من غير مرجّح(2) .

وبيانه على النظم القياسي : أ نّه لولا وجوب الجمع بينهما مهما أمكن ، للزم إمّا طرحهما ، أو طرح أحدهما ، وهما باطلان ، فنقيض التالي حقّ ؛ وهو وجوب الجمع مهما أمكن .

ص: 27


1- عوالي اللآلي 4 : 136 .
2- تمهيد القواعد : 283 ، القاعدة 97 .

بيان الملازمة واضح ، وبطلان التالي بكلا شقّيه مذكور في دليله ؛ فإنّ طرحهما خلاف الأصل ، وترجيحَ أحدهما - بلا مرجّح - خلاف العقل ، وبما قرّرنا في بيانه يظهر ما في «الفصول»(1) و«القوانين»(2) .

والجواب : أنّ قوله : «مهما أمكن» إن كان إمكاناً عقلياً فبطلان الشقّ الأوّل من التالي ممنوع ؛ لأنّ الدليلين حينئذٍ يصيران من المتعارضين المتساويين ، وهما متساقطان عقلاً .

وإن شئت قلت : إنّ كون الأصل في الدليلين الإعمالَ ، مسلّم في كلّ واحد منهما من حيث هو ، دون مقام التعارض ؛ فإنّه فيه غير صحيح بنحو الإيجاب الكلّي ، فلا ينتج القياس .

ص: 28


1- الفصول الغروية : 440 / السطر 35 .
2- قوانين الاُصول 2 : 277 / السطر 4 .
الأمر الرابع: في كلام الشيخ في موضوع الترجيح بحسب الدلالة

يظهر من العلاّمة الأنصاري في شتات كلماته في المقام الرابع ، أنّ تقديم النصّ - حتّى الظنّي السند - خارج عن الترجيح بحسب الدلالة ، سواء كانا مثل العامّ والخاصّ ، أو مثل صيغة الوجوب مع ما يدلّ على نفي البأس عن الترك ، فينحصر الترجيح بحسب الدلالات في تعارض الظاهر والأظهر ، وأنّ الترجيح بحسب الدلالات مقدّم على سائر التراجيح(1) .

ومقتضاه أن يكون النصّ الظنّي السند ، خارجاً عن أدلّة المرجّحات موضوعاً ، والظاهر والأظهر داخلين فيها موضوعاً ، خارجين حكماً .

وهو لا يخلو عن مناقشة ؛ لأنّ المراد من التعارض في الحديثين المتعارضين ، إن كان الحقيقي المستقرّ ، فالترجيحات الدلالية كلّها خارجة عنه ؛ لأنّ المراد من الترجيح الدلالي ، أن يكون العرف لا يرى تعارضاً بين الكلامين

ص: 29


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 89 .

بحسب المحاورات العرفية ، ويكون أحد الدليلين قرينة عرفية صارفة للآخر ، ومثل ذلك لا يكون من المتعارضين في شيء ؛ لأنّ المتكلّم بذلك لا يتناقض بالمقال ، ولا يضادّ أحد كلاميه كلامَه الآخر .

وإن كان المراد منه أعمّ من ذلك ومن التعارض البدوي ، فلا إشكال في تعارض النصّ والظاهر ؛ ضرورة تناقض الإيجاب الكلّي أو ما بحكمه مع السلب الجزئي أو ما بحكمه وبالعكس ، ف «أكرم كلّ عالم» يناقض «لا تكرم النحويين» ، وكذا «لا تصلّ في الحمّام» مع قوله : «لا بأس بالصلاة فيه» لكنّهما غير متعارضين عرفاً ؛ للجمع المقبول بينهما ، وكذا الكلام في ظاهرين يكون الجمع بينهما مقبولاً .

فالأولى أن يقال : إنّ الحديثين إمّا أن يكون بينهما توفيق عرفي وجمع عقلائي بحسب قانون المحاورة ، أو لا ، فالأوّل خارج عن مصبّ أخبار العلاج موضوعاً أو انصرافاً ، دون الثاني ، فيجب العمل فيهما بها .

ثمّ إنّه يظهر من الشيخ وغيره : أنّ تعارض النصّ والظاهر مطلقاً خارج عن مصبّ أخبار العلاج ، بخلاف الظاهرين ؛ فإنّ خروجهما مشروط بأن يكون بينهما جمع مقبول(1) .

وهذا أيضاً لا يخلو عن مسامحة ومناقشة ؛ لأنّ تعارض النصّ والظاهر أيضاً مشروط بذلك ، وإلاّ فلو كان التصرّف في الظاهر - لأجل النصّ - خلاف قانون

ص: 30


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 25 - 28 و89 ؛ كفاية الاُصول : 498 ؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 728 - 729 .

المحاورة ، ولم يكن الجمع بينهما عرفياً مقبولاً ، يكون من المتعارضين ، فالميزان الكلّي هو كون الجمع مقبولاً عرفاً .

فقوله : «صلّ في الحمّام» و«لا تصلّ في الحمّام» من المتخالفين والمتعارضين ، مع أنّ الأوّل نصّ في الرخصة ، والثاني ظاهر في الحرمة ، لكنّ الجمع بينهما ليس بمقبول عقلائي ، فاللازم على الفقيه مراعاة مقبولية الجمع عرفاً ، وكونه على قانون المحاورات في محيط التشريع والتقنين كما مرّ ، لا الأخذ بما قيل : من حمل الظاهر على النصّ ؛ فإنّه لم يرد فيه نصّ ، وما قام عليه إجماع ، فالمتّبع هو ما ذكرناه .

ص: 31

الأمر الخامس: في الموارد الخارجة عن أخبار العلاج
اشارة

لمّا كان موضوع أخبار العلاج هو الخبران المختلفان(1) ، وهما ما لا يكون بينهما جمع مقبول لدى العرف ، فلا بدّ في تنقيح موضوع البحث من ذكر الموارد التي ادّعي أو يمكن أن يدّعى أ نّها من قبيل النصّ والظاهر ، أو الظاهر والأظهر ؛ أي يكون الجمع بينهما مقبولاً ، وبعبارة اُخرى : الموارد التي تكون خارجة عن تحت أخبار العلاج موضوعاً أو انصرافاً ، أو قيل بخروجها .

وفيه مباحث :

ص: 32


1- راجع وسائل الشيعة 27 : 106 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 1 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 303 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ؛ ويأتي بعض هذه الأخبار في المباحث الآتية أيضاً.
المبحث الأوّل: فيما يمكن أن يقال أو قيل بأ نّهما من قبيل النصّ والظاهر
وجود قدر المتيقّن في مقام التخاطب

وفيه موارد :

منها : ما إذا كان لأحد الدليلين قدر متيقّن في مقام التخاطب ، فإنّه وإن لم ينفع في تقييد الإطلاق ما لم يصل إلى حدّ الانصراف ، إلاّ أنّ وجوده يرفع التعارض ؛ فإنّ الدليل كالنصّ في القدر المتيقّن ، فيصلح أن يكون قرينة على التصرّف في الآخر . مثلاً : إذا ورد «أكرم العلماء» ودلّ دليل آخر على حرمة إكرام الفسّاق ، وعلم من حال الآمر أ نّه يبغض فسّاق العلماء ويكرههم كراهة أشدّ من فسّاق غيرهم ، فيصير فسّاق العلماء متيقّني الاندراج في «لا تكرم الفسّاق » ويكون بمنزلة التصريح ، فيخصّص إكرام العلماء بما عدا الفسّاق منهم كذا قيل(1) .

وفيه أوّلاً : أنّ القدر المتيقّن في مقام التخاطب ، إذا أوجب الاندراج القطعي - بحيث يصير بمنزلة التصريح به - فلا ينفكّ عن الانصراف ؛ أي انصراف الدليل المقابل ، فيخرج عن محطّ البحث ، ففرض عدم الانصراف يناقض فرض تيقّن الاندراج الكذائي .

ص: 33


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 728 .

وثانياً : أ نّه إذا فرض عدم الانصراف فلا يوجب ظهوراً في الكلام ، فحينئذٍ لا وجه للتقييد بمقام التخاطب ؛ لعدم الفرق بينه وبين غيره فيما هو الملاك ، بعد إنكار كون القدر المتيقّن مضرّاً بالإطلاق ، كما هو المفروض .

ودعوى : أ نّه بمنزلة التصريح إذا كان في مقام التخاطب لا غيره ، ممنوعة .

وثالثاً : أ نّه إن اُريد بتيقّن الاندراج ، العلم الفعلي بإرادة المتكلّم من قوله : «لا تكرم الفسّاق» العلماءَ منهم كما هو ظاهر كلامه ، فهذا العلم الفعلي ملازم للعلم الفعلي بعدم إرادة المتكلّم العلماءَ الفسّاق من قوله : «أكرم العلماء» فحينئذٍ يخرج المقام من باب التعارض جزماً ، ولا يكون من قبيل تعارض النصّ والظاهر ؛ فإنّه بعد العلم الفعلي بمراد المولى من الدليلين ، يخرج المورد من الجمع بين مدلولي الدليلين ، كما لا يخفى .

وإن اُريد به العلم التقديري - بمعنى أ نّه إن صدر من المتكلّم هذا الكلام ، وأراد بقوله : «لا تكرم الفسّاق» حرمةَ إكرامهم جدّاً ، يكون فسّاق العلماء مرادين قطعاً ، لكن يحتمل عدم الصدور ، أو عدم تطابق الإرادتين - فلا وجه لتقدّم الدليل المشتمل على القدر المتيقّن على غيره ؛ لأنّ مجرد العلم بعدم انفكاك إرادة العلماء عن إرادة غيرهم لا يوجب صيرورة الدليل كالنصّ ؛ لأنّ العلم بالملازمة مع الشكّ في وجود الملزوم لا يوجب العلم بوجود اللازم .

غاية الأمر يصير قوله : «لا تكرم الفسّاق» بجميع مدلوله ، معارضاً لقوله : «أكرم العلماء» في مورد العلماء الفسّاق ؛ لأجل التلازم بين الإرادتين .

ص: 34

لزوم استهجان التخصيص

ومنها : ما إذا كان التخصيص في أحد العامّين من وجه مستهجناً ؛ وذلك من جهة قلّة الباقي بعده وندرة وجوده ؛ لأنّ العامّ يكون نصّاً في المقدار الذي يلزم من خروجه تخصيص مستهجن ، فإذا دار الأمر بين تخصيصه وتخصيص ما لا يلزم منه ذلك ، يقدّم الثاني(1) .

وفيه : أنّ مجرّد لزوم استهجان التخصيص في دليل لا يوجب تخصيص دليل آخر به ما لم يكن الجمع عرفياً، وصيرورة العامّ نصّاً في المقدار المذكور ممنوعة.

فحينئذٍ لو قلنا : بأنّ العامّين من وجه خارجان عن موضوع الأخبار - كما سيأتي التعرّض له(2) - فيقع التعارض بينهما ، ويتساقطان في مورد التعارض ، وقلّة مورد الافتراق لا محذور فيه؛ لأ نّه ليس من قبيل التخصيص حتّى يستهجن.

وإن قلنا : بشمول الأخبار له ، فيقدّم الراجح ، وليس أيضاً من قبيل التخصيص حتّى يكون مستهجناً فتدبّر .

لزوم إخراج المورد

ومنها : ما إذا كان أحد العامّين من وجه وارداً في مورد الاجتماع(3) .

وهو على قسمين :

ص: 35


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 728 - 729 .
2- يأتي في الصفحة 61 .
3- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 729 .

أحدهما : أن يكون المسؤول عنه أعمّ من وجه من الدليل الآخر ، كما إذا ورد قوله : «كلّ مسكر حرام» جواباً عن سؤال حكم الخمر ، وورد ابتداءً قوله : «لا بأس بالماء المتّخذ من التمر» فإنّ النسبة بين الخمر والماء المتّخذ من التمر أعمّ من وجه ، بناءً على أعمّية عنوان «الخمر» من «النبيذ» كالنسبة بين «المسكر» وبينه .

وهذا لا يوجب التقدّم ؛ لأ نّه لا يزيد على التنصيص «بأنّ الخمر حرام» وهو لا يتقدّم على قوله : «لا بأس بالماء المتّخذ من التمر» لأنّ النسبة بينهما عموم من وجه .

وثانيهما : أن يكون أخصّ مطلقاً منه ، كما لو ورد «كلّ مسكر حرام» جواباً عن حكم الخمر التمري ، فإنّ شمول «كلّ مسكر حرام» للخمر قويّ جدّاً ، كاد أن يلحقه بالنصّ ، فيقدّم على عديله ، لكن كون هذا من قبيل النصّ محلّ إشكال .

ورود أحد الدليلين مورد التحديدات

هذا ، وأمّا عدّ ورود أحد الدليلين في مقام بيان التحديدات والمقادير والمسافات دون الآخر من قبيل النصّ والظاهر(1) .

فهو كما ترى ؛ ضرورة أ نّه بعد تسليم تقدّم ما هو من قبيلها على غيرها مطلقاً ، لا تكون إلاّ من قبيل الأظهر والظاهر ، مثل القضايا المعلّلة مع غيرها .

ص: 36


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 729 .
المبحث الثاني : فيما عدّ من المرجّحات النوعية الدلالية
وهي موارد :
تعارض العموم والإطلاق

المبحث الثاني فيما عدّ من المرجّحات النوعية الدلالية في تعارض الدليلين فقط وهي موارد :

منها : تعارض العموم والإطلاق(1) ، ولا بدّ من فرض الكلام في مورد يكون العامّ والمطلق متساويين من الجهات الخارجية ، كصدورهما من متكلّم لم يعهد منه بيان الخاصّ والمقيِّد منفصلاً عن العامّ والمطلق ، أو صدورهما من متكلّم معهود منه ذلك .

وأيضاً : يفرض بعد الفحص عن المقيِّد والمخصِّص مثلاً ، وبعد فرض ورودهما قبل وقت الحاجة أو بعده ، ثمّ الكلام في التقديم ووجهه حتّى لا يختلط الأمر .

ولا بأس بالإشارة إلى كيفية تعارض المطلق والمقيّد حتّى يتبيّن حال ما نحن فيه . فنقول :

إنّ تعارض المطلق والمقيّد ليس من سنخ تعارض العامّ والخاصّ ؛ لأنّ الخاصّ بمدلوله اللفظي يعارض العامّ ؛ ضرورة أنّ الإيجاب الكلّي يناقض

ص: 37


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 97 ؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 729 .

السلب الجزئي ، فقوله : «كلّ عالم يجب إكرامه» ينافي بمفهومه قوله : «لا يجب إكرام النحويين» ورفع التنافي بأحد الوجوه المتقدّمة ، وأمّا المقيّد فلا يكون بمدلوله اللفظي منافياً للمطلق .

بيانه : أنّ الحكم بالإطلاق ليس لأجل ظهور لفظ المطلق فيه ؛ ضرورة أنّ اللفظ الموضوع للطبيعة - ك «البيع» و«الرقبة» - لا يدلّ إلاّ على نفس الطبيعة ، لا غيرها كالكثرات الفردية وغيرها ، لكن جعل المتكلّم نفس الطبيعة موضوعةً للحكم - من دون ذكر قيد في كلامه ، بما أ نّه فعل اختياري للفاعل المختار الذي بصدد البيان - موجبٌ لحكم العقلاء بأنّ موضوع حكمه نفس الطبيعة ، من غير دخالة شيء آخر فيه .

فالحكم بالإطلاق وموضوع احتجاج العقلاء لا يكون إلاّ الفعل الاختياري من الفاعل المختار ، فيقال : لو كان شيء آخر دخيلاً في موضوع حكمه لكان عليه جعل الطبيعة مع القيد موضوعاً ، لا نفسها ، فالاحتجاج متقوّم بجعلها موضوعاً مع عدم بيان قيد آخر معها ، لا بدلالة لفظ «البيع» على الإطلاق ، أو على الأفراد ، أو على عدم دخالة شيء في مطلوبه ؛ ضرورة خروجها كلّها عن مدلول اللفظ .

فإذا ورد دليل آخر ب «أنّ البيع الغرري باطل»(1) لا يكون التعارض بينه وبين قوله : ( أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ)(2) تناقضاً في المقال ؛ ضرورة أنّ حكم البيع الغرري غير

ص: 38


1- راجع وسائل الشيعة 17 : 448 ، كتاب التجارة ، أبواب آداب التجارة ، الباب 40 ، الحديث 3 .
2- البقرة (2) : 276 .

مقول لقوله تعالى : ( أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ) لعدم دلالته على أفراد البيع وأصنافه .

وإن شئت قلت : إنّ التعارض في المقام بين القولين والتلفّظين بما أ نّهما فعلان اختياريان له ، وفي العامّ والخاصّ بين الكلامين بما لهما من المدلول .

وجه تقدّم العامّ على المطلق

إذا عرفت ذلك نقول : إنّ احتجاج العقلاء في المطلق ، لمّا كان متقوّماً بجعل الطبيعة بنفسها موضوعاً ، وعدم ذكر قيد لها ، يكون أمد هذا الاحتجاج إلى زمان ورود القيد ، فإذا ورد ينتهي احتجاجهم ، ويرتفع موضوعه ، فتقدّم العامّ الاُصولي على المطلق ، إنّما هو لكون العامّ غاية لاحتجاج العقلاء بالإطلاق ؛ لكونه بياناً للقيد ، فلا يمكن أن يكون الإطلاق مخصّصاً للعموم ؛ لحصول غايته بوروده .

ولو قيل : إنّ الخاصّ أيضاً غاية لحجّية العامّ ، فهو غير صحيح ؛ لأنّ العامّ لمّا كانت دلالته على العموم دلالة لفظية ، فلا يكون مغيّاً بشيء ، بل نفس ظهوره الوضعي مع بعض الاُصول العقلائية موضوع الاحتجاج ، وإنّما الخاصّ حجّة أقوى ، فتقديمه عليه من قبيل تقديم أقوى الحجّتين ، لكن بنحو ما ذكرنا سابقاً(1) .

وممّا ذكرنا تتّضح اُمور :

منها : أنّ موضوع الحكم في العامّ الاُصولي كلّ فردٍ فردٍ ، وفي المطلق نفس حيثية الطبيعة ، من غير دخالة شيء آخر فيها ، وإنّما تستفاد الأفراد من العامّ الاُصولي بدلالة لفظة «كلّ» ولام الاستغراق وأمثالها ، ولا يكون المطلق بعد

ص: 39


1- تقدّم في الصفحة 9 .

تمامية مقدّمات الإطلاق ، دالاًّ على الأفراد ، بل يحكم العقل بعدها بأنّ تمام الموضوع نفس حيثية ما جعل موضوعاً ، من غير دخالة شيء آخر فيه .

ولهذا يجري ذلك في الأعلام الشخصية أيضاً ، كما إذا أمر بإكرام زيد ، فإطلاقه يقتضي جواز إكرامه في أيّ حال كان ، لا من حيث إنّ مدلول كلامه ذلك ، بل من حيث إنّ جعل «زيد» موضوعاً بلا قيد ، موجب له .

فموضوع الاحتجاج في العامّ قول المتكلّم بما أ نّه لفظ دالّ على الأفراد ، وفي المطلق جعل نفس الطبيعة - من غير اقترانها بشيء - موضوعاً ، وهو غير مربوط بسنخ الدلالات ، فالإطلاق الشمولي ممّا لا معنى له إن اُريد شموله للأفراد كالعامّ .

ومنها : أنّ نفس جعل الماهية من غير قيد موضوعاً للحكم هو موضوع حكم العقلاء في الاحتجاج منجّزاً ، من غير تعليق على عدم البيان المتأخّر ؛ ضرورة أنّ الآمر إذا قال : «أعتق رقبة» ولم يقيّدها ، يكون حجّة على العبد والمولى ، فليس للمولى أن يؤاخذ عبده إذا أعتق الكافرة بعد تمامية مقدّمات الحكمة .

فما أفاده الشيخ : من أنّ المطلق معلّق على عدم البيان(1) وقرّره بعض الأعاظم : بأنّ البيان أعمّ من كونه حين التخاطب ، أو متأخّراً عنه(2) .

إن كان المراد من «التعليق» : أنّ المطلق ليس بحجّة فعلاً ، ومعلّقة حجّيته على عدم ورود البيان متأخّراً كما هو ظاهر كلامهما ، فهو في غير محلّه .

ص: 40


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 98 .
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني الكاظمي) 4 : 731 .

وإن كان المراد هو أنّ المطلق وإن كان حجّة فعلاً ، لكن لمّا كان موضوع الحجّية عدم بيان القيد ، يكون أمدها ورود البيان ، فإذا ورد يرفع موضوعها ، فالعامّ بدلالته اللفظية يرفع موضوع الاحتجاج ، فيكون وارداً على المطلق ، فهو حقّ .

ومنها : أنّ تقدّم العامّ على المطلق ليس من باب تقدّم الأظهر على الظاهر ، كما قيل : من أنّ شمول العامّ الاُصولي لمورد الاجتماع أظهر من شمول المطلق له(1) ؛ لأنّ المطلق لم يكن له ظهور في مورد الاجتماع كما عرفت ، فتقدّم العامّ عليه ليس لأقوائية ظهوره ، بل لرفع موضوع الحجّية الذي له أمد ، ولا يخلو كلام المحقّق المعاصر رحمه الله علیه من تهافت ، فراجع .

وممّا ذكرنا يظهر حال دوران الأمر بين تخصيص العموم بمفهوم الشرط أو الوصف - إن قلنا : بأنّ المفهوم فيهما بواسطة مقدّمات الحكمة - وبين قرينية العامّ على عدم المفهوم فيهما ، فنأخذ بالعامّ ونترك المفهومين ؛ لأ نّه يرفع موضوع المفهوم ؛ أي إطلاق الاشتراط والتوصيف ، أو الشرط والوصف ، ولا تصلح القضيّة الشرطية أو الوصفية لتخصيص العموم .

وهذا بخلاف تعارض الإطلاق مع أحد المفهومين ؛ لأنّ الكلّ بمقدّمات الإطلاق ، كما أنّ الأمر كذلك في تعارض المفهومين .

وما قيل : من أنّ القضيّة الشرطية أظهر في المفهوم من الوصفية(2) مغالطة ؛

ص: 41


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني الكاظمي) 4 : 730 .
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني الكاظمي) 4 : 733 .

لأ نّها لو كانت أظهر فإنّما هو في دخالة القيد في موضوع الحكم ، لا في انحصاره ، وما يستفاد منه المفهوم هو الثاني بمقدّمات الإطلاق على القول به ، لا الأوّل ، وجريان المقدّمات فيهما سواء .

وأمّا الغاية والاستثناء والحصر ، فلا يبعد أن تكون دلالتها بالوضع ، ولا إشكال في تقدّمها على مفهوم الوصف والشرط .

دوران الأمر بين النسخ والتخصيص
الإشارة إلى حال المخصّصات في المقام

ومن الموارد : دوران الأمر بين التخصيص والنسخ(1) ، وقبل تحقيق المقام لا بأس بالإشارة إلى حال المخصّصات - بل مطلق الصوارف الواردة في كلام الأئمّة علیهم السلام - بعد مضيّ زمان طويل على وقت العمل بالعمومات والمطلقات وغيرها . فقد قالوا : إنّ المحتملات ثلاثة :

أحدها : أن تكون ناسخة لحكمها .

ثانيها : أن تكون كاشفة عن اتّصالها بمخصّصاتها ومقيّداتها ، وقد اختفت علينا المتّصلات ، ووصلت إلينا بنحو الانفصال .

ثالثها : أن تكون المخصّصات وسائر الصوارف مودعة لدى الأئمّة علیهم السلام ، وتأخّر بيانها عن وقت العمل غير قبيح إذا اقتضت المصلحة ذلك .

ص: 42


1- راجع فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 93 - 94 ؛ كفاية الاُصول : 513 ؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 733 .

وقد اختار الشيخ الأنصاري الاحتمال الأخير(1) ، وبعض أعاظم العصر الاحتمال الثاني(2) .

والإنصاف : أنّ جميعها بعيدة ؛ أمّا احتمال النسخ فهو كالضروري البطلان ؛ فإنّ احتمال كون أمد نوع أحكام اللّه تعالى المجعولة في صدر الإسلام إلى زمن الصادقين علیهما السلام ، وحدوث مصالح في زمانهما مقتضية لتغييرها ونسخها ، مقطوع البطلان ، بل ضروري الفساد عند جميع المسلمين .

كما أنّ احتمال كون المخصّصات والمقيّدات كلّها متّصلة في كلام رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وعرض الانفصال بعد ذلك - أيضاً - ضروري الفساد ؛ ضرورة أنّ العامّة والخاصّة حدّثوا بالكلّيات الكثيرة إلى ما شاء اللّه عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم

بنحو التشريع والتقنين من غير ذكر المخصّصات والمقيّدات ، ولا يمكن أن يقال : إنّ المحدّثين من الفريقين تركوا الصوارف عمداً ، أو سهواً وخطأً . ومجرّد ورود كثير من المخصّصات التي في لسان الأئمّة علیهم السلام من طرق العامّة أيضاً لا يدلّ على ذلك .

وكذا احتمال إيداع نوع الأحكام الواقعية لدى الأئمّة علیهم السلام وإخفائها عن سائر الناس ، بعيد غايته ، بل يمكن دعوى وضوح بطلانه ؛ لأنّ ذلك مخالف لتبليغ الأحكام ، ودعوى اقتضاء المصلحة ذلك مجازفة ، فأيّة مصلحة تقتضي كون نوع الأحكام معطّلة غير معمول بها ؟!

ص: 43


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 95 - 96 .
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 734 و737 .

مضافاً إلى مخالفة ذلك لقوله صلی الله علیه و آله وسلم في حجّة الوداع : «معاشرَ الناس ، ما من شيء يقرّبكم من الجنّة ويباعدكم من النار إلاّ وقد أمرتكم به ، وما من شيء يقرّبكم من النار ويباعدكم من الجنّة ، إلاّ وقد نهيتكم عنه»(1) .

والقول : بأنّ إيداعها لدى أمير المؤمنين علیه السلام يكفي في رفع المنافاة ، كما ترى .

علل الاختلاف بين العامّة والخاصّة وتأخير بيان المخصّصات

والذي يمكن أن يقال : إنّ علل اختلاف الأحكام بين العامّة والخاصّة ، واختفائها عن العامّة ، وتأخيرِ المخصّصات كثيرة :

منها : أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وإن بلّغ جميع الأحكام الكلّية للاُمّة ، لكن لمّا لم تكن دواعي الحفظ في صدر الشريعة وأوّل بدء الإسلام قويّة ، لم يضبط جميعَها بخصوصياتها إلاّ من هو بطانته وأهل بيته ، ولم يكن في الاُمّة من هو أشدّ اهتماماً وأقوى ضبطاً من أمير المؤمنين علیه السلام ، فهو لشدّة اهتمامه ضبط جميع الأحكام ، وتمام خصوصيات الكتاب الإلهي ؛ تفسيرِها وتأويلها ، وما كانت دخيلة في فهم آيات الكتاب وضوابط السنن النبوية .

ولعلّ القرآن الذي جمعه وأراد تبليغه للناس بعد رسول اللّه هو القرآن الكريم مع جميع الخصوصيات الدخيلة في فهمه المضبوطة عنده بتعليم رسول اللّه .

ص: 44


1- الكافي 2 : 74 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 45 ، كتاب التجارة ، أبواب مقدّماتها ، الباب 12 ، الحديث 2 ، مع تفاوت يسير .

وبالجملة : إنّ رسول اللّه وإن بلّغ الأحكام حتّى أرش الخدش للاُمّة ، لكن من لم يفت منه شيء من الأحكام ، وضبط جميعها كتاباً وسنّة هو أمير المؤمنين علیه السلام في حين فات القومَ كثير منها ؛ لقلّة اهتمامهم بذلك ، ويدلّ على ما ذكر بعض الروايات(1) .

ومنها : أنّ الأئمّة علیهم السلام لامتيازهم الذاتي عن سائر الناس في فهم الكتاب والسنّة - بعد امتيازهم عنهم في سائر الكمالات - فهموا جميع التفريعات المتفرّعة على الاُصول الكلّية التي شرعها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ونزل بها الكتاب الإلهي ، ففتح لهم من كلّ باب فتحه رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم للاُمّة ألف باب ، حين كون غيرهم قاصرين .

فعلم الكتاب والسنّة وما يتفرّع عليهما - من شعب العلم ، ونكت التنزيل - موروث لهم خلفاً عن سلف ، وغيرهم محرومون - بحسب نقصانهم - عن هذا العلم الكثير النافع ، فيعوّلون على اجتهادهم الناقص ، من غير ضبط الكتاب والسنّة تأويلاً وتنزيلاً ، ومن غير رجوع إلى من رزقه اللّه تعالى علمهما وخصّه به ، فترى في آية واحدة - كآية الوضوء(2) - كيفية اختلافهم مع غيرهم ، وقس على ذلك غيره . وهذا باب واسع يردّ إليه نوع الاختلافات الواقعة في الاُمّة .

ولقد أشار إلى ما ذكرنا كثير من الروايات في الأبواب المختلفة(3) .

ص: 45


1- راجع الكافي 1 : 62 / 1 .
2- المائدة(5) : 6 .
3- راجع الكافي 1 : 212 - 213 و228 - 229 .

فالصوارف التي في لسانهم علیهم السلام يمكن صدور كثير منها من رسول اللّه منفصلة عن العمومات والمطلقات ، ولم يضبطها - على ما هي عليها - إلاّ خازن علمه ؛ أمير المؤمنين ، وأودعها إلى الأئمّة علیهم السلام .

وإنّما اُخّر البيان إلى زمن الصادقين علیهما السلام لابتلاء سائر الأئمّة المتقدّمين عليهما ببليّات كثيرة ، سُدّ عليهم لأجلها بيان الأحكام ، كما يشهد به التأريخ ، فلمّا بلغ زمانهما اتّسع لهما المجال في برهة من الزمان ، فاجتمع العلماء والمحدّثون حولهما ، وانتشرت الأحكام وانبثّت البركات ، ولو اتّسع المجال لغيرهما - ما اتّسع لهما - لصارت الأحكام منتشرة قبلهما .

ولو تأمّلت فيما ذكرنا وتتبّعت الأخبار ، لوجدت ما ذكرنا احتمالاً قريباً قابلاً للتصديق .

في وجوه ورود العامّ والخاصّ والدوران بين النسخ والتخصيص

إذا عرفت ذلك فنقول : إنّه إذا ورد عامّ وخاصّ ودار الأمر بين النسخ والتخصيص :

فتارة : يعلم تقدّم صدور العامّ على الخاصّ وحضور وقت العمل به ، ثمّ ورد الخاصّ وشكّ في كونه نسخاً أو تخصيصاً ، كما إذا ورد «أكرم العلماء» ثمّ بعد حضور وقت العمل به والعمل به ورد «لا تكرم فسّاق العلماء» وشكّ في كونه ناسخاً من حين وروده ، أو مخصّصاً له من الأوّل ، وكان حكم العامّ بالنسبة إلى الفسّاق صورياً .

وتارة : يعلم تقدّم الخاصّ على العامّ مع حضور وقت العمل به .

ص: 46

وتارة : لا يعلم التقدّم والتأخّر ، بل كانا مجهولين من جهات اُخرى أيضاً ، فاحتمل ورود الخاصّ قبل حضور العمل بالعامّ وبعده ، وكذا في العامّ على فرض تقدّمه .

فعلى الأوّل : تارة نقول بأنّ دليل استمرار حكم العامّ هو الإطلاق المقامي ؛ أي كون المقام مقام التشريع مع عدم ذكر الغاية للحكم ، هو موضوع حكم العقلاء باستمرار الحكم ، أو موضوع حجّية العامّ لدى العقلاء على جميع الرعية الموجودين في عمود الزمان في جميع الأعصار ، أو إطلاق الحكم أو متعلّقه على القول به .

وتارة نقول : بأنّ دليله هو الأدلّة الخارجية ، كقوله : «حلال محمّد صلی الله علیه و آله وسلم حلال إلى يوم القيامة»(1) وقوله : «حكمي على الأوّلين حكمي على الآخرين»(2) .

وتارة نقول : بأنّ دليله نفس القضايا الملقاة من الشارع بنحو القضيّة الحقيقية ؛ فيما كانت كذلك ، فقوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(3) يدلّ بنفسه على أنّ كلّ من وجد في الخارج وكان مؤمناً يجب عليه الوفاء بكلّ عقد صدر منه في ظرف تحقّقه ، وهو حجّة على كلّ من اطّلع عليه ومخاطب به في ظرف وجوده في عمود الزمان .

ص: 47


1- الكافي 1 : 58 / 19 .
2- اُنظر الكافي 5 : 18 / 1 ، وفيه : «لأنّ حكم اللّه في الأوّلين والآخرين . . . سواء» .
3- المائدة (5): 1 .

فإن قلنا : بأنّ الدليل على الاستمرار هو السكوت في مقام البيان ، فالظاهر(1)

ص: 48


1- وما ذكرنا في المتن هو الذي اخترناه في الدورة السابقة . والآن نقول : - فيما إذا كان العامّ مقدّماً ، وقلنا : بأنّ شموله للأفراد في الطبقات المتأخّرة عن الطبقة الاُولى بالإطلاق ، ودار الأمر بين النسخ والتخصيص - إنّه لا ترجيح بينهما ؛ لأنّ ما ذكرناه من تقديم التقييد على التخصيص ، إنّما هو في فرض تعارض الدليلين في مورد الاجتماع وكون أحدهما مطلقاً والآخر عامّاً . وأمّا إذا دار الأمر بين تقييد مطلق وتخصيص عامّ بدليل ثالث ، فلا ترجيح بينهما ، والمقام كذلك ؛ لأنّ الأمر دائر بين كون الخاصّ مخصّصاً لعموم العامّ ، أو إطلاقه المقامي ، ولا ترجيح ؛ لأنّ التصرّف في كلّ منهما خلاف الأصل . ولا يكون سرّ التقدّم في الدوران المتقدّم في العامّين من وجه - وهو كون العامّ بياناً للمطلق ، وعدم صلاحية المطلق للتخصيص - موجوداً في المقام ؛ لصلاحية الخاصّ للتصرّف في كليهما . وتوهّم : أنّ التخصيص مستلزم للتصرّف في المطلق أيضاً بخلاف العكس ، كما ترى ؛ فإنّ التخصيص رافع لموضوع الإطلاق ، لا تصرّف فيه . كتوهّم : أنّ العلم التفصيلي بخروج الأفراد المتأخّرة إمّا نسخاً أو تخصيصاً ، يوجب انحلال العلم ، فيؤخذ بأصالة العموم في الأفراد المتقدّمة ؛ فإنّ العلم التفصيلي المتقوّم بالعلم الإجمالي ، لا يعقل أن يصير موجباً للانحلال ؛ للزوم رافعية الشيء لعلّته ، بل لنفسه . وممّا ذكرناه يظهر الحال فيما إذا كان دليل الشمول مثلَ قوله : «حلال محمّد صلى الله عليه و آله حلال إلى يوم القيامة» لو قلنا : بكونه من قبيل المطلق ؛ لدوران الأمر بين تقييده أو تخصيص دليل آخر ، ولا ترجيح ، فضلاً عمّا إذا قلنا : بأ نّه من قبيل العامّ . نعم ، لو قلنا : باستفادة شمول الحكم للأفراد مطلقاً من نفس القضايا ، فدار الأمر بين الأقلّ والأكثر في التخصيص ، يقتصر على الأقلّ ، ويتمسّك بأصالة العموم في الأفراد المتقدّمة المشكوك في خروجها ، هذا حال العامّ المتقدّم . وأمّا مع تقدّم الخاصّ وحضور وقت عمله ، ودوران الأمر بين كون الخاصّ مخصّصاً أو العامّ ناسخاً ، وأخذنا بالإطلاق المقامي في شمول الخاصّ للأفراد المتأخّرة ، ووقع التعارض بين العامّ والمطلق ، فيقدّم العامّ ، ويحكم بالنسخ إذا كان بينهما عموم من وجه ؛ من حيث شمول الأفراد في عمود الزمان ، دون ما إذا كان بينهما العموم المطلق ؛ للإشكال في بيانية العامّ للمطلق الأخصّ أو تقديم الأخصّ عليه ؛ لضعف أصالة الجدّ في العموم ، وبالتأمّل فيما ذكر يعلم حال سائر الصور . والإنصاف : أنّ صرف العمر في مثل ما ذكر - ممّا لا ثمرة فيه ؛ لعدم العلم بتواريخ العمومات والخصوصات غالباً أو دائماً - ممّا لا ينبغي ، أسأل اللّه العفو عنّي بفضله . [ منه قدس سره]

تقدّم النسخ على التخصيص ، بالبيان الذي ذكرناه في دوران الأمر بين التخصيص والتقييد(1) .

وما ادّعى بعض أعاظم العصر من أنّ النسخ يتوقّف على ثبوت حكم العامّ ، وأصالة الظهور في الخاصّ الحاكمة على العامّ ، ترفع موضوع النسخ(2) - منظور فيه ؛ لأنّ ذلك على فرض تسليمه ، إنّما هو فيما محّض الدليل في التخصيص ؛ أي لم يكن احتمال النسخ في البين ، ودار الأمر بين تقديم العامّ أو الخاصّ ، لا فيما دار الأمر بين النسخ والتخصيص .

فحكومة أصالة الظهور في الخاصّ على أصالة الظهور في العامّ لا توجب تقدّم التخصيص على النسخ ، بل لمّا كانت الحجّة على الاستمرار منتزعة من السكوت في مقام البيان ، يكون الدليل الدالّ على قطع الحكم بياناً وقاطعاً

ص: 49


1- تقدّم في الصفحة 39 .
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 738 .

للسكوت ، فيرتفع موضوع الحجّية به ، كما تقدّم بيانه ، وممّا ذكرنا ظهر الحال في إطلاق الحكم أو الموضوع .

وإن قلنا : بأنّ الدليل عليه هو مثل قوله : «حلال محمّد صلی الله علیه و آله وسلم . . .» فهو وإن كان ضعيفاً غايته ، لكن على فرضه يمكن أن يقال : إنّ النسخ أيضاً يقدّم ، إن قلنا إنّ قوله : «حلال محمّد صلی الله علیه و آله وسلم . . .» من قبيل الإطلاق ؛ لدوران الأمر بين تخصيص العامّ وتقييد هذا الإطلاق . وإن قلنا : إنّه من قبيل العموم ، وإنّ المصدر المضاف يفيد العموم وضعاً ، فيدور الأمر بين تخصيص أحد الدليلين ، ولا مرجّح لأحدهما .

وإن قلنا : إنّ الدليل على الاستمرار هو ظهور القضايا الحقيقية فيه ، يكون النسخ أيضاً مقدّماً ؛ لدوران الأمر بين تخصيص العامّ من الأوّل ، أو تخصيصه من زمن ورود الخاصّ ، فدار الأمر بين الأقلّ والأكثر في التخصيص ، وعلى النسخ يكون التخصيص أقلّ ؛ لأنّ النسخ بناءً عليه تخصيص للعامّ في الأفراد المتأخّرة عن ورود الخاصّ .

هذا كلّه في العامّ المتقدّم .

وأمّا إذا كان متأخّراً ، ودار الأمر بين كون الخاصّ مخصّصاً له ، أو العامّ ناسخاً للخاصّ ، فحاله كسابقه إلاّ في قضيّة دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في التخصيص ؛ لأنّ المورد يكون من دوران الأمر بين كون العامّ ناسخاً للخاصّ - وبعبارة اُخرى : كونه مخصّصاً له في الأفراد التي تتحقّق في عمود الزمان - أو الخاصّ المقدّم مخصّصاً للعامّ ، وتقديم أحدهما على الآخر غير معلوم .

ولا يخفى : أنّ أكثرية التخصيص من النسخ في مثل هذين الموردين ممنوعة ؛

ص: 50

لأنّ التخصيص بعد حضور وقت العمل بالعامّ - كما هو في الفرض الأوّل - نادر جدّاً ، بل وقوعه مشكوك فيه وإن كان جائزاً بالاحتمال الاُصولي .

نعم ، بعد العلم بوقوعه يكون الاحتمال الذي أبداه الشيخ(1) دافعاً للامتناع ، وكذا تأخّر العامّ عن الخاصّ - أيضاً - لم يكن شائعاً متعارفاً حتّى يتقدّم لأجله على النسخ .

وأمّا مع الجهل بتأريخهما ، والشكّ في النسخ والتخصيص الناشئ من أنّ الخاصّ ورد قبل حضور العمل بالعامّ حتّى يتمحّض في التخصيص ، أو بعد حضوره حتّى يتمحّض في النسخ على ما عرفت ، أو العامّ ورد بعد حضور وقت العمل بالخاصّ أو قبله ، فيدور الأمر بين كون المورد من الموارد التي تتمحّض في التخصيص ، أو الموارد التي يقدّم النسخ ، ففي مثله لا يأتي ما ذكرنا من تقديم النسخ بالوجوه المتقدّمة كما هو واضح ، فلا يبعد أن يكون التخصيص مقدّماً ؛ لكثرته وتعارفه ، بحيث لا يعتني العقلاء بالاحتمال المقابل له مع ندرته .

وإن شئت قلت : كما أنّ العقلاء لا يعتنون بالاحتمال النادر في مقابل الكثرة ، كما في الشبهة غير المحصورة ، بل وفي باب أصالة الصحّة في العقود ، وفي باب العيوب ، كذلك لا يعتنون باحتمال النسخ - الذي لا يعلم وقوعه في الشريعة إلاّ في موارد قليلة جدّاً - في مقابل التخصيص والتقييد الرائجين الشائعين .

ولهذا ترى : أنّ بناء فقه الإسلام على التخصيص والتقييد ، وقلّما يتّفق أن يتفوّه فقيه بالنسخ ، مع أنّ في جلّ الموارد يتردّد الأمر بينهما ؛ للجهل بتأريخ

ص: 51


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 95 .

صدورهما ، وعروض الاحتمالات المتقدّمة عليهما .

فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ النسخ مقدّم على التخصيص في بعض الصور، وبالعكس في بعضها ، ولا يتقدّم أحدهما على الآخر في بعضها ، على بعض الاحتمالات .

ثمّ لا يخفى : أنّ الظاهر ممّا ذكروا في وجه تقديم التخصيص على النسخ ؛ من كثرته(1) ووجهِ تقديم النسخ على التخصيص؛ من كون تقييد الإطلاق أهون من التخصيص(2) أنّ الدليلين واردان على موضوع واحد ، ففي مورد واحد يتشبّث كلّ بما ذكر من وجه التقديم .

لكن اتّضح بما قدّمناه : أنّ مورد التمسّك بأهونية التقييد إنّما هو فيما علم التأريخ ، ولا يجري في المجهول ، ومورد التشبّث بالكثرة إنّما هو في مجهولي التأريخ دون غيرهما ، فلا يخلو استدلالهم من الخلط .

في الدوران بين التقييد وحمل الأمر على الاستحباب

ومن الموارد المتقدّمة : دوران الأمر بين تقييد الإطلاق وحمل الأمر على الاستحباب ، أو النهي على الكراهة ، ومجمل القول فيه : أنّ الإطلاق في مقام البيان قد يقع في جواب سؤال من يريد العمل به ، كما لو سأل رجل عن تكليفه الفعلي فيما إذا أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً ، فقال الإمام له : «أعتق رقبة»

ص: 52


1- فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27: 95؛ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 681.
2- كفاية الاُصول: 513؛ اُنظر فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 738.

فذهب ليعمل به ، ثمّ بعده ورد دليل على أ نّه «لا تعتق رقبة كافرة» أو «أعتق رقبة مؤمنة» ففي مثل ذلك يكون حمل النهي على الكراهة والأمر على الاستحباب أهونَ بل متعيّناً ؛ لأنّ في تقييد الإطلاق محذور الإغراء بالجهل الممتنع ، أو النسخ المستبعد جدّاً ، أو كون حكم المطلق بإطلاقه صورياً لمصالح ، وهو أيضاً بعيد جدّاً ، وأمّا حمل النهي على الكراهة ، أو الأمر على الاستحباب ، فلا محذور فيه إلاّ مخالفة ظاهرهما ، أو إطلاقهما .

وقد يقع الإطلاق في مقام البيان في جواب مثل زرارة ومحمّد بن مسلم وأمثالهما من الفقهاء وأصحاب الجوامع والاُصول ؛ ممّن يكون مقصدهم جمع المسائل وتدوين الكتب ، فحينئذٍ : إن قلنا : بأنّ للأمر والنهي ظهوراً وضعياً أو انصرافياً في الوجوب والحرمة ، فالحمل عليهما وتقييد الإطلاق أولى؛ لما ذكرنا سابقاً من أنّ الإطلاق لا يكون من قبيل ظهور اللفظ ، بل إنّما يحكم به من السكوت في مقام البيان(1) ، والأمر والنهي - بما لهما من الظهور - يصيران بياناً له .

وأمّا لو قلنا : بأ نّهما محمولان عليهما ؛ قضاءً للإطلاق - وإنّما هما موضوعان لمطلق البعث والزجر ، لكنّ البعث المطلق من غير الإذن في الترك ، والزجرَ من دون الإذن في الفعل ، يكونان حجّتين على العبد - فترجيح أحد الحملين على الآخر مشكل وإن كان التقييد أهون - على الظاهر - بحكم العرف ، وأمّا تحقيق حال الأمر والنهي فموكول إلى محلّه(2) .

ص: 53


1- تقدّم في الصفحة 37 - 38 .
2- راجع مناهج الوصول 1 : 198 ، و2 : 90 .
المبحث الثالث: فيما إذا كان التعارض بين أكثر من دليلين
وهي كثيرة نذكر مهمّاتها :
إذا ورد عامّ وخاصّان بينهما التباين

منها : ما إذا ورد عامّ وخاصّان مختلفان موضوعاً ، كما إذا ورد : «أكرم العلماء» وورد منفصلاً : «لا تكرم الكوفيين منهم» وورد في ثالث : «لا تكرم البصريين منهم» فلا إشكال في تخصيص العامّ بهما من غير لحاظ تقدّم أحدهما حتّى تنقلب النسبة لو فرض في مورد ، إلاّ إذا لزم منه محذور التخصيص المستهجن ، فحينئذٍ يقع التعارض بالعرض بين الخاصّين ، فمع ترجيح أحدهما يؤخذ به ويخصّص به العامّ ، ومع التساوي يؤخذ بأحدهما تخييراً ويخصّص به .

هذا إن قلنا : بشمول أخبار العلاج لمثل هذا التعارض ولو بإلغاء الخصوصية ، أو فهم المناط القطعي ، وإلاّ فالقاعدة تقتضي تساقطهما لولا الإجماع على عدم التساقط ، ولعلّه يأتي لبيان ذلك وتحقيقه كلامٌ في مستأنف القول .

وأمّا ما اختاره المحقّقون : من وقوع التعارض بين مجموع الخاصّين والعامّ ؛ لأنّ مجموعهما مباين له(1) .

ص: 54


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 102 - 103 ؛ كفاية الاُصول : 516 ؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 742 .

ففيه : أنّ مجموع الدليلين ليس من الأدلّة ، بل لا وجود له في الخارج ، وإنّما هو اعتبار عقلي ، فالموجود في الخارج والصادر من الأئمّة علیهم السلام هو كلّ واحد من الخاصّين بخصوصه ، والعامّ لا يباين ولا يعارض كلاًّ منهما ، ولا يعارض المجموع الذي لا وجود له وهو أمر اعتباري ، فالتعارض إنّما هو بين الخاصّين ، لكن بالعرض .

نعم ، لو علم تلازم حكم الخاصّين ، فقد يقع التعارض بين العامّ وكلّ واحد من الخاصّين ، كما إذا قال : «أكرم العلماء» و«لا تكرم العدول منهم» و«لا تكرم الفسّاق منهم» فمع العلم بتلازم الخاصّين ، يقع التعارض بين كلّ خاصّ مع العامّ ، وكأ نّه قال : «لا تكرم العلماء» .

وقد يقع التعارض بين الجميع ، كما لو ورد «يجب إكرام العلماء» و«يحرم إكرام فسّاقهم» و«يستحبّ إكرام عدولهم» وعلم تلازم حكم الخاصّين ؛ بمعنى أنّه إذا حرم إكرام فسّاقهم حرم إكرام الجميع ، وإن استحبّ استحبّ ، فهو في حكم ما لو ورد «يجب إكرام العلماء» و«يحرم إكرامهم» و«يستحبّ إكرامهم» .

هذا كلّه إذا كان الخاصّان لفظيين .

وأمّا إذا كان أحدهما لبّياً كإجماع أو عقل ، فإن احتفّ العامّ به ؛ بحيث يكون قرينة على صرفه ، وينعقد ظهوره فيما عدا المخصّص ، فلا إشكال في انقلاب النسبة .

كما أنّ الأمر كذلك لو كان أحد اللفظيين كذلك ، بل ليس هذا من انقلابها ؛ لعدم ظهور العامّ أوّلاً في غير مورد التخصيص .

وإنّما الكلام فيما إذا لم يحتفّ العامّ بالدليل اللبّي، وانعقد ظهور العامّ في العموم.

ص: 55

فقد يقال فيه أيضاً : بانقلاب النسبة ؛ لأنّ اعتبار الاُصول اللفظية معلّق على عدم القطع بخلافها ، فيكون العامّ قاصراً من أوّل الأمر بالنسبة إلى مورد الخاصّ ، وأمّا اللفظي فيكون من قبيل المانع والرافع للحجّية(1) .

وفيه : أنّ القطع الحاصل بعد انعقاد ظهور العامّ - أيضاً - قاطع للحجّية كالدليل اللفظي ، فإن اُريد بتعليقية الاُصول اللفظية هي عدم حجّيتها قبل القطع بالخلاف ، فهو ممنوع بالضرورة .

وإن اُريد بها : أنّ القطع بالخلاف يكشف عن كون المراد الجدّي ما عدا مورد الخاصّ من أوّل الأمر ، فهو كذلك ، لكنّ المخصّص اللفظي أيضاً كذلك .

وبالجملة : لا وجه معتدّ به لانقلاب النسبة في اللبّي أيضاً .

إذا ورد عامّ وخاصّان بينهما عموم مطلق

ومنها : ما إذا ورد عامّ وخاصّان ، مع كون النسبة بين الخاصّين العموم المطلق : وفيه صور :

الاُولى : ما إذا كانا متوافقي الحكم ، كقوله : «لا تكرم النحويين» و«لا تكرم النحويين من الكوفيين» بعد قوله : «أكرم العلماء» فحينئذٍ قد لا يلزم من التخصيص الاستهجان ، فيخصّص العامّ بهما إذا لم تحرز وحدة الحكم فيهما ، فيكون في مورد الأخصّ ، الخاصّ والأخصّ دليلاً على التخصيص ، وفي غير مورده ، الخاصّ مخصّصاً .

ص: 56


1- هذا قول المحقّق الحائري رحمه الله في مجلس بحث فقهه ، وهو عدول عمّا في الدرر : 682 ، على ما ذكره الإمام الخميني قدس سره عنه . تنقيح الاُصول 4 : 505 ؛ معتمد الاُصول 2 : 366 .

وإن اُحرزت وحدته يحمل الخاصّ على الأخصّ ، فيخصّص العامّ به ، فيخرج النحويون من الكوفيين من العامّ ، ويبقى الباقي .

وإن لزم الاستهجان ، فإمّا أن يلزم من الخاصّ فقط ، أو من كلّ منهما مستقلاًّ ، ولا يعقل لزومه من مجموعهما ؛ للتداخل بينهما ، فما ظنّه بعض أعاظم العصر ؛ من قياس هذه الصورة بالصورة السابقة(1) واضح البطلان .

فإن لزم من الخاصّ فقط يحمل الخاصّ على الأخصّ ، ويخصّص العامّ به ؛ لأنّه - مع كونه جمعاً عرفياً - رافع للاستهجان أيضاً .

وإن لزم منهما مستقلاًّ فلا محالة يكون تخصيص الخاصّ بالأخصّ مستهجناً ، فيقع التعارض بين جميعها .

الثانية : ما إذا كان الخاصّان مختلفي الحكم ، وكان الأخصّ موافقاً للعامّ ، كقوله : «أكرم العلماء» و«لا تكرم فسّاقهم» و«أكرم فسّاق النحويين» فإن لم يلزم استهجان يجب تخصيص الخاصّ بالأخصّ ، والعامّ بالخاصّ المخصّص ، فيجب إكرام العلماء إلاّ فسّاقهم ما عدا فسّاق النحويين .

وإن لزم من تخصيص العامّ بالخاصّ استهجان ، فحينئذٍ قد يرفع استهجانه بتخصيصه بالأخصّ ، فحكمه كذلك ، وقد لا يرفع فيقع التعارض بين الخاصّ والعامّ ، ويخصّص الخاصّ بالأخصّ إن لم يلزم استهجان منه ، وإلاّ فيقع التعارض بينهما أيضاً .

الثالثة : ما إذا كان كلّ من العامّ والخاصّين مختلفي الحكم ، كقوله : «يجب

ص: 57


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني الكاظمي) 4 : 743 .

إكرام العلماء» و«يحرم إكرام فسّاقهم» و«يستحبّ إكرام فسّاق النحويين» وممّا ذكرنا ظهر حالها أيضاً ، واتّضح ما في كلام بعض أعاظم العصر ؛ من قياس الصورة الثانية بالاُولى(1) .

إذا ورد عامّ وخاصّان بينهما عموم من وجه

ومنها : ما إذا ورد عامّ وخاصّان ، وكانت النسبة بين الخاصّين عموماً من وجه ، ففيها أيضاً الصور المتقدّمة ، فإن كان الخاصّان متّفقي الحكم كقوله : «أكرم العلماء» و«لا تكرم النحويين» و«لا تكرم الصرفيين» فلا إشكال في تخصيص العامّ بهما مع عدم المحذور المتقدّم ، وإلاّ فيعمل على حكمه كما تقدّم .

وإن كانا مختلفي الحكم مع اتّفاق حكم أحدهما مع العامّ ، كقوله : «أكرم العلماء» و«لا تكرم النحويين» و«أكرم الصرفيين» فيتعارض الخاصّان في النحوي الصرفي ، ويخصّص العامّ بالخاصّ المخالف له في غير مورد التعارض ، فتنقلب النسبة بين العامّ والخاصّ المخالف له من العموم المطلق إلى من وجه ، لا لما ادّعى بعض أعاظم العصر : من أنّ العامّ المخصّص بالمتّصل أو المنفصل يصير معنوناً بعنوان الخاصّ(2) ؛ وذلك لكونه خلاف التحقيق ، ولهذا لا يسري إجمال الخاصّ المنفصل إليه .

بل لقطع حجّية العامّ بالنسبة إلى مورد التخصيص ، والتعارض بين الأدلّة إنّما هو بعد الفراغ عن حجّيتها ، فالعامّ المخصّص إنّما هو حجّة فيما عدا مورد

ص: 58


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني الكاظمي) 4 : 743 .
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني الكاظمي) 4 : 744 .

التخصيص ، ونسبته مع الخاصّ عموم من وجه ، ولعلّ ذلك مراده أيضاً ؛ لما صرّح به بعد ذلك(1) .

وأمّا مع عدم اتّفاق حكمه مع العامّ ، كقوله : «يجب إكرام العلماء» و«يحرم إكرام النحويين» و«يستحبّ إكرام الصرفيين» فيخصّص العامّ بكلّ من الخاصّين ، فتنقلب نسبته مع كلّ واحد من الخاصّين من العموم المطلق إلى العموم من وجه ؛ فإنّ العالم غير النحوي الصرفي يفترق عن كلّ من النحوي والصرفي في الفقهاء ، والنحوي يفترق عنه في النحوي غير الصرفي ، والصرفي في الصرفي غير النحوي .

إذا ورد عامّان من وجه وخاصّ

ومنها : ما إذا ورد عامّان من وجه وخاصّ ، فإن أخرج موردَ افتراق أحد العامّين تنقلب النسبة بين العامّين إلى الأخصّ المطلق .

وإن أخرج خاصّ آخر موردَ افتراق العامّ الآخر تنقلب إلى التباين .

وإن أخرج الخاصّ موردَ اجتماعهما يرتفع الاختلاف بينهما ، فيختصّ كلّ منهما بموضوع غير الآخر .

إذا ورد عامّان متباينان وخاصّ

ومنها : ما إذا ورد دليلان متباينان ، فقد يرد المخصّص لأحدهما ، فتنقلب نسبتهما إلى الأخصّ المطلق ، كقوله : «أكرم العلماء» و«لا تكرم العلماء» فإذا

ص: 59


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني الكاظمي) 4 : 747 - 748 .

ورد «لا تكرم فسّاق العلماء» يصير مفاد «أكرم العلماء» أكرم عدولهم وهو أخصّ من قوله : «لا تكرم العلماء» .

وقد يرد مخصّص آخر ، ويرتفع الاختلاف بينهما ، فيختصّ كلٌّ بموضوع ، كما إذا ورد في المثال «أكرم عدول العلماء» فيصير مفاد «لا تكرم العلماء» - بعد التخصيص - «لا تكرم فسّاق العلماء» وهو غير منافٍ لقوله : «أكرم عدول العلماء» .

وقد يرد مخصّص ، وتنقلب نسبتهما إلى العموم من وجه ، كما لو ورد في المثال «أكرم نحويي العلماء» و«لا تكرم فسّاق العلماء» لأنّ النسبة بين قوله : «أكرم العلماء غير الفسّاق منهم» و«لا تكرم العلماء غير النحويين» أعمّ من وجه . . . إلى غير ذلك من موارد انقلاب النسبة .

ص: 60

فصل
اشارة

في أنّ العامّين من وجه هل يندرجان في أخبار العلاج ؟

قد اتّضحت ممّا قدّمنا الموارد التي تكون غير داخلة في الحديثين المختلفين ، وخارجة عن موضوع البحث في باب التعادل والترجيح ؛ لأجل الجمع المقبول بينهما ، ولا بدّ لتنقيح البحث من ذكر بعض الموارد التي تكون مورد البحث في اندراجها في موضوع أدلّة العلاج .

فمنها : ما إذا كان بين الدليلين عموم من وجه ، فهل يندرجان فيها أم لا ؟

وعلى الأوّل : فهل تجري فيهما جميع المرجّحات ، صدورية كانت أو غيرها ، أم لا تجري فيهما المرجّحات الصدورية ؟

محصّل الكلام أن يقال : إنّ جميع أدلّة العلاج(1) تدور مدار عنواني «الحديثين المتعارضين» و«الخبرين المختلفين» فلأحد أن يقول : إنّ الظاهر منهما هو التخالف بقول مطلق ، وهو يختصّ بالمتباينين ، وأمّا العامّان من وجه فتنصرف الأدلّة عنهما ؛ فإنّ الظاهر من قوله : « يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان ، فبأيّهما آخذ ؟»(2) دوران الأمر بين أخذ أحدهما وترك الآخر ، وبالعكس رأساً ، لا أخذ بعض مفاد أحدهما ؛ وترك بعض مفاد الآخر .

ص: 61


1- راجع وسائل الشيعة 27 : 106 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 302 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 .
2- عوالي اللآلي 4 : 133 / 229 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 303 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 2 .

وكذا الأجوبة الواردة فيها ، كقوله : «خذ بما اشتهر بين أصحابك ، ودع الشاذّ النادر»(1) وقوله : «اعرضوهما على كتاب اللّه ، فما وافق كتاب اللّه فخذوه»(2) . . . إلى غير ذلك(3) ظاهرة في الحديثين المختلفين في جميع مفادهما .

وبالجملة : الناظر في روايات الباب يرى أنّ محطّ السؤال والجواب فيها هو الخبران المختلفان بجميع المضمون ، فالعامّان من وجه خارجان عنها ، فلا بدّ في مورد تعارضهما من الرجوع إلى القاعدة .

والعجب من بعض أعاظم العصر ؛ حيث ادّعى أنّ قول الأئمّة علیهم السلام : «ما خالف قول ربّنا زخرف»(4) أو «باطل»(5) ظاهر في المخالفة بالتباين الكلّي ، قائلاً(6) : إنّ المخالفة بقول مطلق هي المخالفة بالتباين ، وأخرج العامّين من وجه عن موضوع المخالفة للكتاب ، ومع ذلك أدرجهما في موضوع أخبار العلاج(7) مع أنّ موضوعها «الخبران المختلفان» .

وأولى بعدم الاندراج في موضوعها التعارض بالعرَض ، كما إذا ورد دليل

ص: 62


1- عوالي اللآلي 4 : 133 / 229 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 303 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 2 .
2- الكافي 1 : 8 ؛ وسائل الشيعة 27 : 112 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 19 .
3- يأتي بعضها في الصفحة 127 - 129 .
4- يأتي ما هو قريب منه في الصفحة 127 - 128 .
5- يأتي ما هو قريب منه في الصفحة 129 .
6- هذا مذكور في ذيل الصفحة ، ولعلّه للمقرّر . [منه قدس سره]
7- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 791 .

بوجوب صلاة الجمعة وآخر بوجوب صلاة الظهر ، وعلم عدم وجوب إحداهما ووجوب الاُخرى ، فإنّ هذا العلم يوجب التعارض بينهما بالعرض ، لكن لا يصدق «الخبران المختلفان» و«المتعارضان» عليهما عرفاً .

وكذا في الخاصّين إذا كان ورودهما على العامّ موجباً للاستهجان ؛ فإنّه يوجب التعارض بينهما بالعرض .

وبالجملة : إدراج العامّين من وجه في أدلّة التعارض مشكل ، وإدراج المتعارضين بالعرض أشكل .

ولعلّ ما ذكرنا وجه ما نسب إلى المشهور ؛ من الحكم بالتساقط في المتكافئين إذا كان بينهما عموم من وجه(1) لكن لازمه عدم العمل بالمرجّحات فيهما أيضاً .

اللهمّ إلاّ أن يدّعى : أنّ العامّين من وجه وكذا المتعارضين بالعرض وإن لم يندرجا فيهما ، لكنّ العرف - بمناسبة الحكم والموضوع وإلغاء الخصوصية - يفهم أنّ الخبرين الواردين عن الأئمّة علیهم السلام إذا تصادما وتعارضا بأيّ وجه كان ، لا يجوز طرحهما ، بل لا بدّ من الترجيح والأخذ بالراجح ، ومع فقدانه التخيير ، فلا يرضى الشارع فيهما بالعمل على طبق القاعدة .

وأولى بذلك ما إذا اختلف الخبران في مدلولهما الالتزامي ، فتدبّر جيّداً .

وأمّا الأخصّ المطلق إذا كان تخصيص العامّ به مستهجناً ، فيتعامل معه والعامّ معاملة الخبرين المختلفين ؛ لاندراجهما فيهما حقيقة ، لكن خروجهما عن أدلّة العلاج لأجل الجمع العرفي ، ومع عدم الجمع بينهما يعمل معهما عمل التعارض .

ص: 63


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 795 .

كما أ نّه لو قلنا - في الخاصّين اللذين يكون التخصيص بمجموعهما مستهجناً - بأنّ مجموعهما يعارض العامّ كما قالوا(1) يكون مجموعهما مع العامّ مندرجين في أدلّة العلاج .

هل المرجّحات الصدورية جارية في العامّين من وجه ؟

ثمّ إنّه بناءً على شمول أخبار العلاج للعامّين من وجه ، فهل المرجّحات مطلقاً جارية فيهما كما في غيرهما ؟

اختار الشيخ الأعظم ذلك(2) .

وأنكر بعض أعاظم العصر جريان المرجّحات الصدورية فيهما ، قائلاً : بأنّ التعارض فيهما في بعض المدلول ، فمعاملة عدم صدور أحدهما في جميع المدلول ممّا لا وجه له ، والتبعيض فيه من حيث الصدور - بحيث يكون الخبر صادراً في بعض المدلول ، وغير صادر في بعض - غير ممكن(3) .

أقول : ظاهر المقبولة(4) والمرفوعة(5) أنّ ما جرت فيه المرجّحات الصدورية

ص: 64


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 742 ؛ نهاية الأفكار ، القسم الثاني 4 : 160 .
2- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 87 - 88 .
3- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 792 - 793 .
4- الكافي 1 : 67 / 10 ؛ وسائل الشيعة 27 : 106 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 1 .
5- عوالي اللآلي 4 : 133 / 229 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 303 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 2 .

هو ما جرت فيه سائرها ؛ لأنّ ما فرض فيه الترجيح بالأعدلية والأصدقية في الحديث والأوثقية ، عين ما فرض فيه الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة ، ورفع اليد عن هذا الظاهر لا يجوز إلاّ بدعوى عدم الإمكان ، وهي - على فرض صحّتها - شاهدة إمّا على عدم شمولهما للعامّين من وجه رأساً ؛ حفظاً لأدلّة العلاج ، وحرصاً على عدم التفكيك فيها .

وإمّا على عدم الأخذ بالمرجّح الصدوري في خصوص العامّين من وجه ؛ لامتناع التفكيك ، ولا ترجيح ظاهر فيهما .

إلاّ أن يقال : إنّ ذلك لا يجري في سائر الأدلّة في باب الترجيح ، فنلتزم بعدم شمولهما للعامّين من وجه بما ذكر ، ونأخذ بإطلاق سائر أدلّة الترجيح المقصورة على الترجيح الغير السندي .

وكيف كان : فالدعوى المذكورة ممنوعة جدّاً ؛ فإنّ عدم الإمكان لا يجوز أن يكون عقلياً ؛ ضرورة أنّ التعبّد بذلك بمكان من الإمكان ، بل لا بدّ وأن يكون عرفياً ؛ أي العرف - لأجل استبعاد ذلك - لا يمكن أن يفهم من أخبار العلاج التعبّد بصدور خبر من جهة دون جهة .

وفيه : أنّ ما يستبعده العرف ، إنّما هو التعبّد بصدور رواية وعدم صدورها ، وأمّا التعبّد بأنّ الرواية صدرت بهذا المضمون لا بذاك ، فلا يستبعده بوجه .

مثلاً : إذا ورد «أكرم العلماء» وورد «لا تكرم الفسّاق» فتعارضا في العالم الفاسق ، وورد «خذ بما يقوله أصدقهما في الحديث» يفهم العرف أنّ الأصدق في الحديث ، كما أ نّه أبعد من الكذب في أصل الحديث ، [كذلك هو] أبعد من التصرّف فيه بما يتغيّر به المعنى ؛ بإلغاء قيد أو زيادته مثلاً .

ص: 65

ففي المثال المتقدّم ، يحتمل أن يكون أحد الخبرين صادراً مع قيد لم ينقله بعض المحدّثين والوسائط عمداً أو سهواً ، وهذا الاحتمال ممّا لا يعتني به العقلاء في خبر الثقة .

لكن إذا ورد التعبّد بالأخذ بما روى أصدقهما حديثاً ، لا يأبون عن الأخذ بقوله في مورد الاجتماع ، وترك قول غيره فيه ، والتفكيك بهذا المعنى غير مستبعد ، بل هذا ليس تفكيكاً ، بل تعبّد بصدور حديث الأوثق بجميع مضمونه وقيوده دون غيره ، وهذا أمر ممكن عقلاً وعرفاً ، فدعوى عدم الإمكان ممنوعة ، فرفع اليد عن ظاهر أدلّة العلاج غير جائز .

فإذا تمحّض البحث في المتعارضين ، واتّضح حدود الموضوع ، يقع الكلام في مقصدين :

ص: 66

المقصد الأوّل: في المتكافئين

وفيه بحثان :
البحث الأوّل: في مقتضى الأصل في المتكافئين مع قطع النظر عن الأخبار
اشارة

ص: 67

ص: 68

والكلام فيه يقع تارة : على القول بالطريقية ، واُخرى : على القول بالسببية .

مقتضى الأصل على الطريقية

أمّا على الأوّل : فإن قلنا بأنّ الدليل على حجّية الأخبار هو بناء العقلاء ، والأدلّة الاُخر - من الكتاب والسنّة - إمضائية لا تأسيسية ، وإنّما اتّكل الشارع في مقاصده على ما هو عند العقلاء من العمل بخبر الثقة كما هو الحقّ ، فمقتضى القاعدة هو التوقّف وسقوطهما عن الحجّية ؛ فإنّ الحجّة على الواقع عبارة عن تنجّز الواقع بها ؛ بحيث تصحّ للمولى مؤاخذة العبد لدى المخالفة في صورة المصادفة ، فإذا قامت الأمارة على وجوب صلاة الجمعة ، وتركها المكلّف وكانت واجبة ، تصحّ للمولى عقوبته على تركها ، ولو أتى بها وكانت محرّمة يصحّ اعتذار العبد بقيام الأمارة المعتبرة على الوجوب .

وهذا المعنى متقوّم بالوصول ، فلو قامت الأمارة واقعاً على حرمة شيء ،

ص: 69

وارتكبه العبد بعد فحصه واجتهاده وعدم العثور عليها ، يكون معذوراً لا تصحّ عقوبته .

كما أ نّه لو قامت أمارة على حرمته لدى المكلّف ، وقامت أمارة واقعاً على عدم الحرمة أقوى من الواصلة ، وارتكبه العبد وكان محرّماً واقعاً ، تصحّ عقوبته ، ولا عذر له بأنّ الأمارة الراجحة قامت واقعاً على عدم الحرمة ؛ لأنّ الأمارة الواصلة حجّة عليه ما لم تصل حجّة أقوى إليه .

وفي حكم ذلك في عدم الحجّية ، ما إذا وصلت الأمارتان وتكاذبتا في المضمون ، فإنّ كلّ واحدة منهما إذا كانت مبتلاة بمعارض ينفي ما تثبته ، لا تكون عند العقلاء حجّة على مضمونها ، فلو كانت صلاة الجمعة واجبة واقعاً ، لا تكون الأمارة القائمة على وجوبها حجّة عليه إذا قامت أمارة اُخرى مثلها على عدم وجوبها ، فكلّ واحدة منهما ساقطة عن الحجّية .

ولا معنى لحجّية إحداهما لا بعينها ؛ لعدم تعقّل ذلك بعد سقوط كلّ واحدة منهما عنها ؛ لأنّ الواحد لا بعينه وبلا عنوان لا وجود له ، والموجود كلّ واحد مشخّصاً بشخصية ، وهي ساقطة عن الحجّية ، فلا يعقل أن يكون الواحد لا بعينه حجّة ، هذا حال مضمونهما المبتلى بالمعارض .

وأمّا إذا كان لكلّ واحدة منهما مضمون التزامي موافق للآخر ، فيمكن أن يقال : بصحّة الاحتجاج بكلّ منهما على الواقع إذا طابقته ؛ لعدم الابتلاء بالمعارض ، والعلم بالكذب في المدلول المطابقي لا يوجب السقوط عن الحجّية في الالتزامي الذي لا يعلم كذبه .

ألا ترى : أ نّه لو قامت الأمارة على وجوب إكرام زيد وكان ملازماً لوجوب

ص: 70

إكرام عمرو ، فترك العبد كليهما ، فصادف عدم وجوب إكرام زيد ، ووجوبَ إكرام عمرو بدليل آخر لم يصل إلى العبد ، تصحّ عقوبته على ترك إكرام عمرو ؛ لأ نّه في تركه مع قيام الأمارة عليه ليس معذوراً . ومجرّد كون الوجوب مؤدّى أمارة غير واصلة لا هذه ، ليس عذراً .

لكنّ الأقوى ما ذهب إليه المحقّق الخراساني(1) ، ويظهر من شيخنا العلاّمة أيضاً(2) ، وهو كون الحجّة على نفي الثالث إحداهما ؛ لأ نّه مع العلم بكذب أمارة في مدلولها المطابقي لا يعقل بقاء الحجّية في مدلولها الالتزامي ، والمقام من قبيله ، والنقض المتقدّم قياس مع الفارق ؛ لعدم العلم بالكذب في المقيس عليه .

ولا يخفى : أنّ المراد من إحداهما هي إحداهما المشخّصة واقعاً وإن جهل المكلّف بها ، هذا إذا قلنا : إنّ دليل حجّية خبر الثقة هو بناء العقلاء .

وإن قلنا : بأنّه الأدلّة اللفظية ، فلا تخلو : إمّا أن تكون مهملة بالنسبة إلى حال التعارض ، أو مطلقة بالإطلاق الذاتي ، أو بالإطلاق اللحاظي على فرض صحّته ، أو مقيّدة بعدم التعارض .

لا إشكال في عدم الحجّية بناءً على الاحتمال الأوّل والرابع .

وأمّا بناءً على الثالث ، فالقاعدة تقتضي التخيير ؛ لأنّ الإطلاق اللحاظي - على فرضه - كالتصريح بالاعتبار حال التعارض ، ومعه لا بدّ من القول بالتخيير ، وإلاّ فإمّا أن يكون أمراً بالمحال وهو باطل ، أو لغاية حصول التوقّف

ص: 71


1- كفاية الاُصول : 499 ؛ درر الفوائد ، المحقّق الخراساني : 444 .
2- درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 650 .

وهو لغو ، فلا بدّ من صون كلام الحكيم عنهما ؛ بأن يقال : إنّه أمر بالعمل حتّى في مقام التعارض ؛ لحفظ الواقع حتّى الإمكان ، ومقتضى ذلك - بدلالة الاقتضاء - التخيير ، فكأ نّه صرّح بالتخيير ابتداءً .

فما يقال : من أنّ الإطلاق لحال التعارض محال ؛ لأ نّه لا يترتّب على التعبّد بصدور المتعارضين أثر سوى البناء على إجمالهما ، وعدم إرادة الظاهر في كلّ منهما ، ولا معنى للتعبّد بصدور كلام تكون نتيجته إجماله(1) ، فهو كما ترى .

وأمّا إذا كان لدليل الاعتبار إطلاق ذاتي كما هو أقوى الاحتمالات :

فهل نتيجته التخيير أيضاً ؟ بأن يقال : إنّ التصرّف في دليل الاعتبار يتقدّر بقدره ، فإذا دار الأمر بين رفع اليد عن دليل الاعتبار بالنسبة إلى حال التعارض مطلقاً ، حتّى تصير النتيجة عدم حجّية كلا المتعارضين ، أو رفعِ اليد عن كلّ منهما حال الإتيان بالآخر ، كان الثاني أولى ، ونتيجته التخيير .

أو النتيجة هي التوقّف ؟ بأن يقال : إنّ ما ذكر من تقييد الإطلاق حال الإتيان بالآخر ، إنّما هو في التكاليف النفسية ، مثل قوله : «أنقذ الغريق» وكأدلّة الاُصول في أطراف العلم الإجمالي ؛ حيث إنّ كلّ طرف مرخّص فيه بما أ نّه عنوان المشكوك فيه ، وفي أطراف العلم دار الأمر بين رفع اليد عن كلا الترخيصين ، أو ترخيص كلّ في حال الإتيان بالآخر . وكذا الحال في مثل «أنقذ الغريق» حيث إنّ التكليف متوجّه بإنقاذ كلّ منهما ، ودار الأمر بين رفع اليد عنه في كليهما ، وعن كلّ في حال الإتيان بالآخر ، والثاني أولى .

ص: 72


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 754 .

وأمّا إذا كان التكليف طريقياً جعل لأجل كشف كلّ أمارة عن الواقع وكانت كلّ أمارة مكذّبة للاُخرى ، فلا معنى لذلك ؛ فإنّ البناء على طريقية كلّ أمارة ، والعملَ بها على أ نّها هي الكاشفة عن الواقع في حال ترك الاُخرى ، ممّا لا محصّل له .

نعم ، لو كان إيجاب العمل بالخبر لمحض التعبّد ، وكان التكليف نفسياً مثل سائر النفسيات ، كان لذلك الكلام وجه ، لكنّه كما ترى .

هذا ، مضافاً إلى أنّ ما ذكر يرجع إلى أنّ الأمر إذا دار بين التخصيص والتقييد ، كان الثاني أولى ، وهو ممنوع في مثل ما نحن فيه ، وسيأتي التعرّض له عن قريب(1) . هذا كلّه بناءً على الطريقية كما هو الحقّ .

مقتضى الأصل على السببية

وأمّا بناءً على السببية فمقتضى الأصل مختلف حسب اختلاف الاحتمالات في السببية :

فإن قلنا : بأ نّه ليس للّه تعالى في كلّ واقعة حكم مشترك بين العالم والجاهل ، وأنكرنا المصالح والمفاسد ، وقلنا بالإرادة الجزافية ، وأنّ الحكم تابع لقيام الأمارة ، فحينئذٍ إن قلنا : بأنّ الأمارة إذا قامت على شيء يصير بعنوانه متعلّق التكليف ، فلا محيص من التساقط إذا قامت الأمارتان على الوجوب والحرمة ؛ لامتناع جعل حكمين على موضوع واحد من جميع الجهات .

ص: 73


1- سيأتي في الصفحة 75 .

وإن قلنا : بأنّ التكليف يتعلّق بمؤدّى الأمارة بما أ نّه كذلك ، وقلنا : بأنّ تكثّر العنوانين يرفع التضادّ ، فالأصل يقتضي التخيير ؛ لثبوت الوجوب والحرمة على عنوانين غير قابلين للجمع في مقام الامتثال . وإن قلنا : بعدم رفعه التضادّ يكون حاله كالأوّل .

وإن قلنا : بالمصالح والمفاسد ، وأنّ الأحكام مشتركة بين العالم والجاهل ، فحينئذٍ إن قلنا : بأنّ قيام الأمارة يوجب مصلحة أو مفسدة في ذات العناوين إذا كانت الأمارة مخالفة للواقع ، وتكون المصلحة الآتية من قبل الأمارة أقوى مناطاً من المصلحة الواقعية فلا بدّ من القول بالتساقط أيضاً ؛ لأنّ الحكم الفعلي يكون تابعاً للأمارة المخالفة ، فإن كانت الأمارة مخالفة للواقع ، يكون الحكم الفعلي تابعاً لها ، ومع الجهل بها تتساقطان . وإن كانت كلتاهما مخالفة له تتساقطان أيضاً ؛ لامتناع جعل حكمين فعليين على عنوان واحد .

وإن قلنا : إنّ المصلحة والمفسدة تقومان على عنوان المؤدّى بما أ نّه كذلك ، وتكثّر الموضوع كذلك يرفع التضادّ ، فمقتضى الأصل التخيير ، كباب التزاحم إن قلنا : بحدوث المصلحة حتّى في الأمارة الموافقة ، وإلاّ فالتساقط .

وإن قلنا : بعدم رفع التضادّ به فالأصل هو التساقط ؛ للكسر والانكسار الواقعين بين المصلحة والمفسدة ، فالحكم تابع لأقوى المناطين ، ومع الجهل به تتساقطان ، كما أ نّه مع تساويهما كذلك .

وإن قلنا : بأنّ المصلحة إنّما تكون في متابعة قول الثقة والعمل على طبقه ، من غير أن يكون للواقع دخالة في ذلك ، ولا في طريقية الطريق أثر ، فالأصل يقتضي التخيير .

ص: 74

وإن قلنا : بأنّ الطريق بما أ نّه طريق قامت به المصلحة فكذلك .

وإن قلنا : بأنّ الطريق الفعلي قامت به المصلحة ، فالأصل هو التساقط .

هذا كلّه بناءً على اعتبار الأخبار من بناء العقلاء .

وأمّا إذا قلنا : بأ نّه من الأدلّة اللفظية ، فربّما يقال : إنّ إطلاق أدلّة الاعتبار يشمل حال التعارض بينهما ، فيتردّد الأمر بين رفع اليد عن الخبر المبتلى بالمعارض ، فيكون تخصيصاً في أدلّة الاعتبار ، أو رفع اليد عن كلّ منهما حال الإتيان بالآخر ، فيكون تقييداً فيها ، والثاني أولى ، فالنتيجة هي التخيير .

وفيه : أنّ ما ذكرنا(1) من تقدّم التقييد على التخصيص في الدوران بينهما ، إنّما هو فيما إذا تعارض عموم عامّ مع إطلاق دليل ، فقلنا : إنّ الإطلاق لمّا كانت حجّيته لدى العقلاء من جعل الماهية موضوعاً للحكم بلا قيد ، فهذا الجعل - مع السكوت في مقام البيان - موضوع الحجّية ، فهو يرفع مع ورود دليل من قبل المولى ، والعامّ بظهوره الوضعي دليل ، ولا يمكن أن يكون المطلق الكذائي مخصّصاً للعامّ .

وأمّا ما نحن فيه فلا يكون من هذا القبيل ؛ لأنّ أدلّة اعتبار الأمارات - بناءً على إطلاقها - لها عموم أفرادي وإطلاق حالي ، ومعلوم أنّ الأوّل موضوع الثاني ، فدار الأمر بين تخصيص العموم بحكم العقل ، وتقييد الإطلاق ، وكلاهما خلاف الأصل ، ولا ترجيح لأحدهما ، ولا يكون العامّ بياناً للمطلق كالفرض السابق ، وليس التقييد أقلّ محذوراً من التخصيص ؛ لأنّ رفع موضوع الإطلاق

ص: 75


1- تقدّم في الصفحة 39 .

ليس ارتكاب خلاف الأصل في الإطلاق ، بل خلاف ظاهر فقط في العامّ .

وبالجملة : في تخصيص العامّ يرتكب خلاف ظاهر فقط ، وبه يرفع موضوع الإطلاق ، ورفع موضوعه لا يكون تقييداً ، ولا خلاف أصل ؛ لأنّ الإطلاق فرع شمول العامّ للأفراد ، ومع بقاء العامّ على عمومه يرتكب خلاف أصل آخر هو تقييد الإطلاق ، ولا ترجيح لأحدهما .

وما يمكن أن يقال : من أنّ أصالة العموم في الرتبة المتقدّمة على أصالة الإطلاق ، فهي في تلك الرتبة لا معارض لها ، فالقاعدة تقتضي حفظ العموم ؛ لعدم المعارض ، وارتكابِ خلاف الأصل في الإطلاق ، كلام شعري ؛ لأنّ التقدّم الرتبي ليس موضوعاً لحكم العقلاء في باب الظواهر والمباحث العرفية ، ولا ينبغي الخلط بين العقليات والعرفيات .

ص: 76

البحث الثاني: في حال المتكافئين بمقتضى الأخبار الواردة في المقام
اشارة

والأولى نقل ما ارتبط به وتذييله بما يرتبط بفقه الحديث ، ثمّ بيان ما يساعد عليه العرف في الجمع بينها ، فنقول وعلى اللّه التكلان :

نقل أخبار التخيير

الاُولى : ما روى في «الوسائل» عن الطبرسي في جواب مكاتبة محمّد ابن عبداللّه الحميري إلى صاحب الزمان علیه السلام : يسألني بعض الفقهاء عن المصلّي إذا قام من التشهّد الأوّل إلى الركعة الثالثة ، هل يجب عليه أن يكبّر ؟ فإنّ بعض أصحابنا قال : لا يجب عليه تكبير ، فيجزيه أن يقول : بحول اللّه وقوّته أقوم وأقعد .

«الجواب : في ذلك حديثان ، أمّا أحدهما : فإنّه إذا انتقل من حالة إلى اُخرى فعليه التكبير ، وأ مّا الآخر : فإنّه روي أ نّه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية ، وكبّر ثمّ جلس ثمّ قام ، فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير ، وكذا التشهّد

ص: 77

الأوّل يجري هذا المجرى ، فبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صواباً»(1) .

وفي كون هذا الحديث من بابنا هذا إشكال ؛ فإنّ السائل سأل عن حكم الواقعة ، لا عن تعارض الأدلّة ، فيناسب الجواب عن الحكم الواقعي .

ولعلّ مراده أنّ التكبير لمّا كان مستحبّاً ، وورد فيه حديثان ؛ أحدهما : يأمر بإتيانه ، وثانيهما : يرخّصه في تركه ، فالإتيان به صواب ؛ لأ نّه مستحبّ ، وكذا تركه ؛ لأنّ الأخذ بالدليل المرخّص في المستحبّ صواب ، فالأخذ بكلّ واحد منهما صواب ، لا من حيث التخيير في المتعارضين ، بل من حيث كون الواقع كذلك ، فعليه يكون أجنبيّاً عن أخبار العلاج .

ويحتمل أن يكون مراده من كون كليهما صواباً موافقاً للواقع - كما هو ظاهر «الصواب» - أنّ قوله : «عليه التكبير» وإن كان ظاهراً في الوجوب ، لكن ترفع اليد عنه بنصّ قوله : «ليس عليه» ومعنى عدم كونه عليه أ نّه لا يجب عليه ، فالحديث المثبت يثبت الاستحباب ، والآخر يرفع الوجوب ، وكلاهما صواب .

والمراد من «الأخذ بأيّهما من باب التسليم» : أ نّه إذا أتيت بالتكبير من باب التسليم فقد أتيت بالمأمور به ، وإن تركته من باب التسليم تركته من باب الترخيص الوارد في الحديث ، وكلاهما صواب .

وعلى أيّ حال : يخرج الحديث من باب تعارض الأحوال .

مع أنّ كون الأخذ بكلّ منهما صواباً موافقاً للواقع - كما هو ظاهره - ممّا

ص: 78


1- الاحتجاج 2 : 568 / 355 ؛ وسائل الشيعة 27 : 121 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 39 .

لا يعقل ؛ فإنّه مع فرض التعارض والتكاذب يكون من الجمع بين النقيضين أو الضدّين .

هذا كلّه إذا لم تكن الرواية معرضاً عنها ، وإلاّ فهي ساقطة رأساً ، مع أ نّها ضعيفة السند أيضاً .

الثانية : عن محمّد بن الحسن بإسناده عن علي بن مهزيار قال : قرأت في كتاب لعبداللّه بن محمّد إلى أبي الحسن علیه السلام : اختلف أصحابنا في روايتهم عن أبي عبداللّه علیه السلام في ركعتي الفجر في السفر ، فروى بعضهم : «صلّها في المحمل» وروى بعضهم : «لا تصلّها إلاّ على الأرض» .

فوقّع : «موسّع عليك بأيّة عملت»(1) .

وفي «الحدائق» بعد قوله : «على الأرض» فأعلمني كيف تصنع أنت ؛ لأقتدي بك في ذلك . فوقّع . . . الخبر(2) .

والظاهر سؤاله عن حكم الواقعة ، خصوصاً بملاحظة الزيادة التي في «الحدائق» ، والظاهر أنّ جوابه أيضاً يكون عن الحكم الواقعي ، كما هو كذلك ؛ فإنّ المراد من «ركعتي الفجر» نافلته ، ويجوز إتيانها في المحمل وعلى الأرض .

فالمراد من قوله : «موسّع عليك بأيّة عملت» أ نّك مخيّر واقعاً في إتيانها في المحمل وعلى الأرض ، وحملها على الأخذ في المسألة الاُصولية لدى تعارض

ص: 79


1- تهذيب الأحكام 3 : 228 / 583 ؛ وسائل الشيعة 27 : 122 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث44 .
2- الحدائق الناضرة 1 : 95 .

الأحوال(1) في غاية البعد ، فهي أيضاً أجنبيّة عمّا نحن بصدده .

الثالثة : مرفوعة زرارة المنقولة عن «عوالي اللآلي» فإنّ في ذيلها بعد الأمر بالأخذ بما يوافق الاحتياط ، وفرضه موافقتهما أو مخالفتهما له قال : «إذن فتخيّر أحدهما فتأخذ به ، وتدع الآخر» .

وفيه : وفي رواية أ نّه علیه السلام قال : «إذن فأرجه حتّى تلقى إمامك فتسأله»(2) .

لكن هذه الرواية مرسلة في غاية الضعف من غير جابر لها ، فلا يجوز إثبات حكم بها ، ولهذا أخرجناها عن أدلّة العلاج ، وتمسّكُ من تأخّر عن ابن أبي جمهور بها بل إجماعهم على العمل بها لا يفيد جبرها ، وليس كتمسّك القدماء واعتمادهم على الحديث ؛ لكونهم قريبي العهد بأصحاب الاُصول والجوامع ، وعندهم اُصول لم تكن عند المتأخّرين ، فما أفاده شيخنا العلاّمة ؛ من جبرها بالعمل(3) ليس على ما ينبغي .

هذا مضافاً إلى احتمال أن يكون قوله في ذيلها : «وفي رواية . . .» إلى آخره ، [إشارة إلى] اختلاف نسخ هذه الرواية .

الرابعة : ما عن الطبرسي ، عن الحارث بن المغيرة(4) ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا سمعت من أصحابك الحديثَ وكلّهم ثقة ، فموسّع عليك حتّى

ص: 80


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 767 .
2- عوالي اللآلي 4 : 133 / 229 و230 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 303 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 2 .
3- درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 654 .
4- ثقة. [منه قدس سره]

ترى القائم ، فتردّ إليه»(1) .

وفي كونها من أخبار الباب أيضاً إشكال ؛ لاحتمال أن يكون المراد جواز العمل بخبر الثقة ، وليس فيها دلالة على التوسعة والتخيير في الروايتين المتعارضتين ، ولا يدلّ قوله : «كلّهم ثقة» على تعدّد الرواية ، فضلاً عن تعارضها .

وبالجملة : لا يمكن الاستدلال بهذه الرواية لما نحن فيه ، فتأمّل(2) .

الخامسة : وعنه ، عن الحسن بن الجهم(3) ، عن الرضا علیه السلام قال : قلت : يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ، ولا نعلم أيّهما الحقّ . قال : «فإذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت»(4) .

ولا إشكال في دلالتها على التخيير في الحديثين المختلفين مطلقاً ، كما لا يبعد جبر سندها بعمل الأصحاب ، على تأمّل .

السادسة : مرسلة الكليني ، حيث قال في ذيل موثّقة سَماعة الآتية في أخبار التوقّف : وفي رواية اُخرى : «بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك»(5) .

ص: 81


1- الاحتجاج 2 : 264 / 234 ؛ وسائل الشيعة 27 : 122 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 41 .
2- وجهه : أنّ العمل بخبر الثقة واجب وليس بموسّع ، فلا بدّ من حمله على مورد التعارض ، فيكون من أخبار الباب ، فتأمّل . [ منه قدس سره]
3- ثقة. [منه قدس سره]
4- الاحتجاج 2 : 264 / 233 ؛ وسائل الشيعة 27 : 121 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 40 .
5- الكافي 1 : 66 / 7 ؛ وسائل الشيعة 27 : 108 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 6 .

ويحتمل أن لا تكون رواية مستقلّة ، بل إشارة إلى مضمون بعض ما تقدّم .

السابعة : ما عن «الفقه الرضوي» : «والنفساء تدع الصلاة أكثره مثل أيّام حيضها . . .» إلى أن قال : «وقد روي ثمانية عشر يوماً ، وروي ثلاثة وعشرين يوماً ، وبأيّ هذه الأحاديث اُخذ من جهة التسليم جاز»(1) .

والمظنون كون هذا الكتاب من تصنيف بعض العلماء المطّلع على الأحاديث ، وقد جمع بين شتات الأخبار باجتهاده وروى مضمونها ، كما يظهر للمتدبّر فيه ، ولا يبعد أن يكون قوله هذا مأخوذاً من الروايات ، لا رواية مستقلّة .

ومنها : رواية الميثمي المرويّة عن «عيون الأخبار» وسنذكرها في ذيل أخبار الإرجاء(2) .

وقد تحصّل ممّا قدّمنا : أنّ ما دلّت على التخيير وسلمت عن الإشكال دلالة ، ويمكن دعوى جبرها سنداً - على تأمّل - رواية واحدة ؛ هي رواية الحسن بن الجهم ، ولا أدري كيف ادّعى الشيخ الأنصاري دلالة الأخبار المستفيضة بل المتواترة عليه(3) ؟!

مفاد أخبار التخيير

ثمّ إنّ أخبار التخيير مع قطع النظر عن معارضاتها لا تدلّ إلاّ على جواز الأخذ بأحدهما :

ص: 82


1- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 191 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 47 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- يأتي في الصفحة 90 - 92 .
3- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 39 .

أمّا مثل قوله : «فموسّع عليك بأيّهما أخذت» فواضح ؛ لأ نّه يدلّ على التوسعة في الأخذ ، مقابل التضييق الذي يحكم به العقل والعقلاء بمقتضى الأصل الذي عرفت أ نّه سقوطهما عن الحجّية(1) .

ودعوى : أنّ جواز الأخذ مساوق لوجوبه ؛ لأنّ أحدهما إن لم يكن حجّة فلا يجوز الأخذ به ، وإن كان حجّة فيجب ، ممنوعة ؛ لأ نّهما وإن كانا غير حجّتين بحسب حكم العقل ، لكن يجوز الأخذ بأحدهما بدليل وحجّة ؛ وهو أخبار التخيير .

وبالجملة : إنّ جواز الأخذ بأحدهما ليس من حيث حجّيته في حال التعارض ، بل بعد سقوطهما معاً بحكم العقل تدلّ أخبار العلاج على التوسعة في الأخذ بأحدهما .

وممّا ذكرنا يتّضح : أنّه لو ورد دليل بلفظ «الأمر» أو فرض اعتبار المرفوعة(2) المعبّرة بالجملة الإنشائية أو الإخبارية في مقام الإنشاء - على اختلاف في قوله : «فتخيّر أحدهما» - فلا يدلّ على الوجوب ؛ لوروده في مقام حكم العقل بالحظر ، فلا يستفاد منه إلاّ رفعه ، فالقول : بوجوب الأخذ بأحدهما على سبيل التخيير ؛ تمسّكاً بالروايات المتقدّمة(3) كأ نّه في غير محلّه .

هذا حال أخبار التخيير .

ص: 83


1- تقدّم في الصفحة 69 .
2- تقدّم في الصفحة 80 .
3- اُنظر فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 39 .
نقل أخبار التوقّف

وأمّا أخبار التوقّف :

فمنها : موثّقة سَماعة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر ، كلاهما يرويه ، أحدهما يأمر بأخذه ، والآخر ينهاه عنه ، كيف يصنع ؟ قال : «يرجئه حتّى يلقى من يخبره ، فهو في سعة حتّى يلقاه» .

قال الكليني قدّس سرّه : وفي رواية اُخرى : «بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك»(1).

و«يرجئه» من أرجأت الأمرَ إذا أخّرته(2) ومنه قوله تعالى : ) أرْجِهْ وَأَخَاهُ((3) ولولا قوله : «فهو في سعة حتّى يلقاه» لكان الظاهر رجوع ضمير «يرجئه» إلى الأمر ، لكن معه يرجع إلى الأخذ ، فالمعنى : يؤخّر الأخذ بواحدٍ منهما حتّى يلقى من يخبره ، فهو في الواقعة في سعة حتّى يلقاه ، ولا يوجب ورود مثل الخبرين المتعارضين الضيقَ عليه .

والظاهر اتّحاد هذه الموثّقة مع ما روى الطبرسي ، عن سَماعة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قلت : يرد علينا حديثان ، واحد يأمرنا بالأخذ به ، والآخر ينهانا عنه .

ص: 84


1- الكافي 1 : 66 / 7 ؛ وسائل الشيعة 27 : 108 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 5 و6 .
2- المصباح المنير : 221 ؛ لسان العرب 5 : 138 ؛ النهاية ، ابن الأثير 2 : 206 .
3- الأعراف (7) : 111 .

قال : «لا تعمل بواحد منهما حتّى تلقى صاحبك فتسأله» . قلت : لا بدّ أن نعمل بواحد منهما . قال : «خذ بما فيه خلاف العامّة»(1) .

وإنّما نقل سَماعة أو أحد الرواة بالمعنى ؛ لاتّحاد الراوي والمرويّ عنه ، وتشابه ألفاظهما . نعم يختلف ذيلهما .

وعلى أيّ حال : يكون معنى «يرجئه» يؤخّره ولا يعمل بواحد منهما .

ومنها : ذيل مقبولة عمر بن حنظلة الآتية(2) قال : قلت : فإن وافق حكّامهم الخبرين جميعاً ؟

قال : «إذا كان ذلك فأرجئه حتّى تلقى إمامك ؛ فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات»(3) .

وضمير «أرجئه» يرجع إلى الأخذ المستفاد من الكلام السابق ؛ أي لا تعمل بواحد منهما ؛ فإنّ مضمون كلّ منهما مشتبه ، والوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات .

ويحتمل أن يكون المراد ب «الشبهة» هو الأخذ بالخبر والاستناد إليه ، أي لا تعمل بواحد منهما حتّى تلقى إمامك ؛ فإنّ الأخذ بكلّ منهما - من حيث الاستناد والأخذ - شبهة ، والوقوف عندها خير .

ص: 85


1- الاحتجاج 2 : 265 / 235 ؛ وسائل الشيعة 27 : 122 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 42 .
2- تأتي في الصفحة 116 .
3- الكافي 1 : 67 / 10 ؛ وسائل الشيعة 27 : 106 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 1 .

ومنها : ما عن محمّد بن إدريس في آخر «السرائر» نقلاً من كتاب «مسائل الرجال لعلي بن محمّد» : أنّ محمّد بن علي بن عيسى كتب إليه يسأله عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادك ، قد اختلف علينا فيه ، فكيف العمل به على اختلافه والردّ إليك فيما اختلف فيه ؟

فكتب : «ما علمتم أ نّه قولنا فالزموه ، وما لم تعلموا فردّوه إلينا»(1) .

وقريب منها ما في «المستدرك» عن محمّد بن الحسن الصفّار في «البصائر»(2) وكأ نّهما رواية واحدة ؛ لتقارب ألفاظهما ، وكأ نّه وقع اشتباه في بعض ألفاظ رواية الصفّار ، فراجع وتأمّل . وعلى أيّ حال : يحتمل أن يكون المراد من «الردّ إليهم» هو ترك العمل بهما ، فلا يختصّ بزمان التمكّن من اللقاء ، أو إرجاع الرواية إليهم فيختصّ به ، والأوّل أقرب .

ومنها : رواية الميثمي المشار إليها في أخبار التخيير(3) فإنّه استدلّ بها للتوقّف أيضاً(4) وسيأتي الكلام فيها(5) .

فهذه جملة من الروايات المستدلّ بها للتخيير والتوقّف ، وقد اختلفت أنظار المحقّقين في الجمع بينها :

ص: 86


1- السرائر 3 : 584 ؛ وسائل الشيعة 27 : 119 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 36 .
2- بصائر الدرجات : 524 / 26 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 305 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 10 .
3- تقدّمت الإشارة إليها في الصفحة 82 .
4- حاشية فرائد الاُصول الفوائد الرضوية : 517 .
5- يأتي في الصفحة 90 - 93 .
أنظار المحقّقين في الجمع بين أخبار التخيير والتوقّف

اختار شيخنا المرتضى - تبعاً لبعض(1) - الجمعَ بينها ؛ بحمل أخبار الإرجاء والتوقّف على صورة التمكّن من الوصول إلى الإمام ، كما يظهر من بعضها .

قال : فيظهر منها أنّ المراد ترك العمل وإرجاء الواقعة إلى لقاء الإمام ، لا العمل فيها بالاحتياط(2) .

وهذا لا يخلو من بعد وإشكال ؛ لأنّ المراد من «التمكّن» إمّا أن يكون التمكّن الفعلي في حال حضور الواقعة ووقت العمل ؛ بأن يكون الإمام حاضراً في البلد مثلاً ، فهو مخالف لسوق الأخبار ؛ لأنّ الظاهر منها السؤال عن الواقعة المختلفة فيها الأخبار منهم ، وكان السائل متحيّراً في حكمها لأجله ، وليس له طريق إلى حكمها يحسم مادّة الخلاف والإشكال ، ولهذا ترى أنّ سَماعة يقول : لا بدّ لنا من العمل بأحدهما ، فأجاب بأ نّه : «خذ بما فيه خلاف العامّة» .

وإمّا أن يكون المراد التمكّن ولو في المستقبل ، في مقابل عدم التمكّن مطلقاً ، فحمل أخبار التخيير عليه بعيد ؛ فإنّ حمل مثل رواية ابن الجهم(3) - التي هي العمدة في الباب - على عدم التمكّن مطلقاً ، حمل على الفرد النادر ، بل من قبيل خروج المورد ، خصوصاً إذا قلنا : بأنّ المراد من قوله في موثّقة سَماعة : «يرجئه حتّى يلقى من يخبره» أعمّ من لقاء الإمام ، أو مَن هو مِن بطانته وفقهاء أصحابه ؛

ص: 87


1- الاحتجاج 2 : 263 ؛ الفصول الغروية : 446 / السطر الأوّل .
2- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 40 .
3- تقدّمت في الصفحة 81 .

ممّن يعرف فتاواه الصادرة لأجل بيان الحكم الواقعي أو لغيره ، كما لا يبعد .

وحمل أخبار التخيير على زمان الغيبة أبعد ، مع أ نّه ورد في خبر الحارث بن المغيرة(1) نظير ما في أخبار التوقّف ، لو كان من أخبار التخيير كما عدّوه(2) .

وبالجملة : في كون هذا الجمع عرفياً مقبولاً إشكال .

وأشكل منه ما اختاره شيخنا العلاّمة أعلى اللّه مقامه ؛ وهو حمل أخبار التوقّف على النهي عن تعيين مدلول الخبرين بالمناسبات الظنّية ، وهذا لا ينافي التخيير عملاً ، فقد تصدّى لتشييد ما أفاده فراجع(3) .

وفيه : أنّ هذا الحمل لو تمشّى في بعض أخبار التوقّف ، فلا يتمشّى في بعض آخر ، فكيف يمكن حمل قوله في خبر سَماعة : «لا تعمل بواحد منهما حتّى تلقى صاحبك» على النهي عن كشف مدلولهما ؟!

بل لا يتمشّى ذلك في المقبولة وموثّقة سَماعة ؛ لما عرفت : من أنّ معنى «الإرجاء» لغة وعرفاً هو تأخير الأخذ بالخبرين ، وترك العمل بهما(4) .

نعم ، حمل رواية الميثمي على ذلك غير بعيد ، وسيأتي التعرّض لها(5) لكن لا تكون شاهدة على حمل البقية على ذلك ؛ لعدم إمكانه .

مع أ نّه لا منافاة بين وجوب ردّ علم الحديثين إليهم ، وعدم جواز العمل بهما .

ص: 88


1- تقدّم في الصفحة 80 .
2- كفاية الاُصول : 502 ؛ درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 655 ؛ نهاية الأفكار ، القسم الثاني 4 : 181 - 182 .
3- درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 656 .
4- تقدّم في الصفحة 84 .
5- يأتي في الصفحة 90 .

والذي يمكن أن يقال : إنّ أخبار التخيير نصّ في جواز الأخذ بأحدهما ، وأخبارَ التوقّف ظاهرة في وجوب الإرجاء وحرمةِ العمل بهما ، ومقتضى القاعدة حمل روايات التوقّف على رجحانه ومرجوحية العمل ، وحمل أخبار التخيير على الجواز .

بل يمكن أن يقال : إنّ قوله في ذيل المقبولة : «أرجئه حتّى تلقى إمامك» معلّلاً بقوله : «فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات» ومسبوقاً بتثليث الاُمور وقوله : «فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات ، ومن أخذ بالشبهات وقع في المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم» أمر إرشادي إلى ما هو أصلح بحال المكلّف ؛ فإنّ الأقرب أنّ قوله : «فمن ترك الشبهات» إرشاد إلى أنّ كفّ النفس عند الشبهات وردعَها عن ارتكابها ، موجب لتنزّهها عن الوقوع في المحرّمات ونجاتِها من الهلكة ، وإرخاءَ عنانها في الشبهات واعتيادَها على الأخذ بها وارتكابها ، موجب قهراً لاجترائها على المولى ، وتهوّن المحرّمات عندها ، وهو موجب للوقوع فيها والهلاك من حيث لا يعلم ؛ أي من جهة وسبب لا يعلم .

ثمّ بعد ذلك يصير قوله : «أرجئه حتّى تلقى إمامك . . .» ظاهراً في الإرشاد إلى ما يتخلّص به من الاقتحام في الهلكة .

وأمّا ما يقال : من أنّ الجمع بين الإرجاء والتوسعة في موثّقة سَماعة - مع كون موردها الدوران بين المحذورين - دليل على أنّ الإرجاء ليس في العمل ، بل في الفتوى ، وأنّ التوسعة في العمل(1) .

ص: 89


1- راجع مرآة العقول 1 : 218 ؛ الحدائق الناضرة 1 : 100 .

ففيه : أنّ المظنون أنّ الموثّقة عين ما عن الطبرسي كما أشرنا إليه(1) مع أنّ فيه : «لا تعمل بواحد منهما» في جواب قوله : يرد علينا حديثان ؛ واحد يأمرنا بالأخذ به ، والآخر ينهانا عنه ، فيعلم من ذلك أنّ المورد لا يلزم أن يكون من الدوران بين المحذورين ، كما لو ورد خبر «بأنّ الحبوة للولد الأكبر ، فأعطوها إيّاه» وآخر «بأ نّها ليست له ، فلا تعطوها إيّاه» ففي مثل تلك الواقعة يمكن تأخيرها والاحتياط في العمل بالصلح ، أو تأخيرها إلى لقاء الإمام ، والتخيير في العمل .

وبالجملة : لا تكون الموثّقة شاهدة لهذا الجمع ، مع إباء رواية الطبرسي عن ذلك ، بل إباء الموثّقة عنه أيضاً ؛ لما عرفت من أنّ معنى «الإرجاء» هو التأخير وترك العمل(2) .

وقد يستشهد برواية الميثمي على الجمع بين الروايات ؛ بحمل أخبار التخيير على التخيير في المستحبّات والمكروهات ، وحمل أخبار الإرجاء على غيرهما(3) .

والمناسب نقل هذه الرواية الشريفة بطولها ؛ حتّى يتّضح بطلان هذه الدعوى ، فعن «عيون الأخبار» بإسناده عن أحمد بن الحسن الميثمي : أنّه سأل الرضا علیه السلام يوماً وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه ، وقد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول اللّه في الشيء الواحد .

ص: 90


1- تقدّم في الصفحة 84 .
2- تقدّم في الصفحة 84 .
3- راجع الحدائق الناضرة 1 : 102 .

فقال : «إنّ اللّه حرّم حراماً ، وأحلّ حلالاً ، وفرض فرائض ، فما جاء في تحليل ما حرّم اللّه ، أو في تحريم ما أحلّ اللّه ، أو دفع فريضة في كتاب اللّه ، رسمُها بيّنٌ قائم بلا ناسخ نسخ ذلك ، فذلك ما لا يسع الأخذ به ؛ لأنّ رسول اللّه لم يكن ليحرّم ما أحلّ اللّه ، ولا ليحلّل ما حرّم اللّه ، ولا ليغيّر فرائض اللّه وأحكامه ، كان في ذلك كلّه متّبعاً مسلّماً مؤدّياً عن اللّه ، وذلك قول اللّه تعالى : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَىَّ)(1) فكان متّبعاً للّه ، مؤدّياً عن اللّه ما أمره به من تبليغ الرسالة» .

قلت : فإنّه يرد عنكم الحديث في الشيء عن رسول اللّه ممّا ليس في الكتاب ، وهو في السنّة ، ثمّ يرد خلافه .

فقال : «كذلك قد نهى رسول اللّه عن أشياء نهي حرام ، فوافق في ذلك نهيه نهيَ اللّه ، وأمر بأشياءَ فصار ذلك الأمر واجباً لازماً ، كعدل فرائض اللّه ، فوافق في ذلك أمره أمرَ اللّه ، فما جاء في النهي عن رسول اللّه نهي حرام ، ثمّ جاء خلافه ، لم يسع استعمال ذلك ، وكذلك فيما أمر به ؛ لأ نّا لا نرخّص فيما لم يرخّص فيه رسول اللّه ، ولا نأمر بخلاف ما أمر به رسول اللّه إلاّ لعلّة خوف ضرورة ، فأمّا أن نستحلّ ما حرّم رسول اللّه ، أو نحرّم ما استحلّ رسول اللّه ، فلا يكون ذلك أبداً ؛ لأ نّا تابعون لرسول اللّه ، مسلّمون له ، كما كان رسول اللّه

تابعاً لأمر ربّه مسلّماً له ، وقال اللّه عزّ وجلّ : (مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(2) .

ص: 91


1- الأنعام (6) : 50 .
2- الحشر (59) : 7 .

وإنّ اللّه نهى عن أشياءَ ليس نهي حرام ، بل إعافة وكراهة ، وأمر بأشياء ليس بأمر فرض ولا واجب ، بل أمر فضل ورجحان في الدين ، ثمّ رخّص في ذلك للمعلول وغير المعلول ، فما كان عن رسول اللّه نهي إعافة أو أمر فضل فذلك الذي يسع استعمال الرخصة فيه .

إذا ورد عليكم عنّا الخبر فيه باتّفاق ، يرويه من يرويه في النهي ولا ينكره ، وكان الخبران صحيحين معروفين باتّفاق الناقلة فيهما ، يجب الأخذ بأحدهما أو بهما جميعاً ، أو بأيّهما شئت وأحببت ، موسّع ذلك لك من باب التسليم لرسول اللّه ، والردّ إليه وإلينا ، وكان تارك ذلك - من باب العناد والإنكار وترك التسليم لرسول اللّه - مشركاً باللّه العظيم .

فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب اللّه ، فما كان في كتاب اللّه موجوداً حلالاً أو حراماً فاتّبعوا ما وافق الكتاب .

وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن رسول اللّه ، فما كان موجوداً منهيّاً عنه نهي حرام ، ومأموراً به عن رسول اللّه أمر إلزام ، فاتّبعوا ما وافق نهي رسول اللّه وأمره .

وما كان في السنّة نهي إعافة أو كراهة ، ثمّ كان الخبر الأخير خلافه ، فذلك رخصة فيما عافه رسول اللّه وكرهه ولم يحرّمه ، فذلك الذي يسع الأخذ بهما جميعاً ، وبأيّهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم والاتّباع والردّ إلى رسول اللّه .

وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه ، فنحن أولى بذلك ، ولا تقولوا فيه بآرائكم ، وعليكم بالكفّ والتثبّت والوقوف وأنتم

ص: 92

طالبون باحثون حتّى يأتيكم البيان من عندنا»(1) .

قال الشيخ الحرّ في «الوسائل» : «أقول: ذكر الصدوق(2) : أ نّه نقل هذا من كتاب «الرحمة» لسعد بن عبداللّه وذكر في «الفقيه»(3) : أ نّه من الاُصول والكتب التي عليها المعوّل ، وإليها المرجع»(4) .

أقول : صدر الحديث يدلّ على أنّ الأحاديث الواردة عن رسول اللّه إذا كانت مخالفة لتحليل اللّه وتحريمه وفرائضه ومحرّماته ، يجب طرحها ، وما ورد عن الأئمّة إذا كان كذلك ، أو مخالفاً للأمر والنهي الإلزاميين الواردين عن رسول اللّه ، لا يجوز استعماله ويجب طرحه .

وأمّا ما ورد في الكتاب والسنّة من الأوامر غير الإلزامية والنواهي كذلك ، ووردت الرخصة من رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أو الأئمّة علیهم السلام ، فذلك الذي يجوز استعماله والأخذ به ، ثمّ ذكر الحديثين المختلفين ، وبيّن الأمر فيهما على هذا المنوال .

ولا يخفى : أنّ الرخصة والتخيير فيه غير التخيير في الأخذ بإحدى الروايتين المتعارضتين ؛ لأنّ الرخصة والتخيير في أمر الفضل ونهي الإعافة الذي يسع استعمال الرخصة فيه ، ويكون المكلّف مخيّراً في الأخذ بأحدهما أو

ص: 93


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 20 / 45 ؛ وسائل الشيعة 27 : 113 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث21 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 21 - 22 .
3- الفقيه 1 : 4 .
4- وسائل الشيعة 27 : 115 ، ذيل الحديث 21 .

جميعهما ، ليسا إلاّ لأجل عدم المنافاة بين أمر الفضل والرخصة في الترك ، ونهي الإعافة والرخصة في الفعل ، فجعل هذه الرواية شاهدة للجمع المتقدّم ضعيف ، كما أنّ عدّها من أخبار التخيير كذلك .

نعم ، ذيلها ظاهر في وجوب ردّ الخبرين إليهم ، وعدم جواز القول فيهما بالآراء والأهواء والاجتهادات الظنّية ، إذا لم نجدهما على أحد الوجوه المتقدّمة ، وذلك لا ينافي التخيير والتوسعة في العمل ، كما لا ينافي رجحان التوقّف وترك العمل بواحد منهما والاحتياط في العمل .

فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ المستفاد من مجموع الروايات بعد ردّ بعضها إلى بعض ، أنّ المكلّف مرخّص في العمل بواحد من المتعارضين ، مخيّر فيهما على سبيل التوسعة ، والأرجح له الوقوف والاحتياط «فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات»(1) .

وليس له الاستبداد بالرأي في تخريج الحكم الواقعي بالاجتهادات والظنون غير المعتبرة عند العقلاء ، المنهيّ عنها في الشرع ، وهذا لا ينافي جواز الأخذ بأحد الخبرين والفتوى على طبقه ، كما هو مفاد أخبار التخيير ؛ لأ نّه بمقتضى الحجّة وهي تلك الأخبار ، وسيأتي مزيد توضيح لذلك إن شاء اللّه (2) .

بقي التنبيه على اُمور :
الأمر الأوّل: في معنى التخيير في المسألة الاُصولية

ص: 94


1- الكافي 1 : 67 / 10 ؛ وسائل الشيعة 27 : 106 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 1 .
2- سيأتي في الصفحة 99 - 101 .

لا إشكال في أنّ التخيير في الأخذ بأحد الخبرين ليس من قبيل التخيير في المسألة الفرعية ، بل في المسألة الاُصولية ؛ ضرورة أنّ الأخذ بخبر الثقة أخذ بما هو حجّة في الفقه ، ووجوب الأخذ بأحد الخبرين يجعله حجّة على الواقع ، فيكون تخييراً في المسألة الاُصولية .

إنّما الكلام في أنّ معنى التخيير في المسألة الاُصولية ، هل هو جعل أحد الخبرين طريقاً وأمارة إلى الواقع ، أو يكون من قبيل الأصل المعوّل عليه لدى الشكّ في الوظيفة ، أو لا ذاك ولا ذلك كما سنشير إليه ؟

ويرد على الأوّل أوّلاً : أنّ جعل الطريقية والكاشفية ممّا لا يمكن ، كما مرّ الكلام فيه في مباحث الظنّ(1) .

وثانياً : على فرض إمكانه ، فلا يمكن فيما نحن فيه ؛ لأدائه إلى جعل الطريق إلى المتناقضين ، فإنّ أحد الخبرين المتعارضين إذا دلّ على وجوب شيء ، والآخر على حرمته ، فجعل الشارع أحدهما طريقاً ، واختار أحد المجتهدين أحدهما ، والآخر الآخر ، فلازمه أن يكون كلّ منهما طريقاً إلى الواقع ، فينجرّ إلى جعل الطريق الفعلي إلى المتناقضين .

هذا ، مع أنّ جعل الطريقية لأحدهما على سبيل الإبهام ، وجعل المكلّف

ص: 95


1- أنوار الهداية 1 : 161 - 162 .

مخيّراً ؛ بحيث تكون الطريقية منوطة بأخذ المكلّف ، كما ترى .

ويمكن أن يستدلّ على الثاني : بأنّ ظاهر أدلّة التخيير يقتضي ذلك ؛ لأنّ مفادها التوسعة على الجاهل بالواقع ، فهل مفاد قوله في رواية ابن الجهم : «فإذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت»(1) إلاّ كمفاد قوله : «الناس في سعة ما لا يعلمون»(2) ؟ فمفادها ليس إلاّ تعيين الوظيفة لدى الشكّ في الواقع ، فيكون من قبيل الأصل المعوّل عليه لدى الشكّ .

وهذا لا ينافي كون أحد الخبرين حجّة على الواقع بعد إيجاب العمل على طبقه ، أو حجّة للعبد إذا كان مفاد الأدلّة التوسعة في الأخذ ؛ لأنّ الحجّة على الواقع غير الأمارة عليه ، كما أ نّه لو أوجب المولى الاحتياط في الشبهة البدوية يصير حجّة على الواقع بعد إيجابه ، ولا يمكن أن يكون طريقاً إليه ؛ لأنّ نسبته إلى الواقع ومقابله على السواء .

ففيما نحن فيه ، إن أوجب الشارع الأخذ بأحدهما فلا يجوز للعبد تركهما ، فإن ترك وصادف مخالفة الواقع يصحّ عقابه ، وليس له الاعتذار ، كما أ نّه لو عمل على طبق أحدهما وتخلّف عن الواقع فليس للمولى عقوبته ، فيكون أحدهما حجّة ، لا بجعل الحجّية كما توهّم(3) بل بنفس إيجاب العمل .

ص: 96


1- الاحتجاج 2 : 264 / 233 ؛ وسائل الشيعة 27 : 121 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 40 .
2- عوالي اللآلي 1 : 424 / 109 ؛ مستدرك الوسائل 18 : 20 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب مقدّمات الحدود ، الباب 12 ، الحديث 4 مع تفاوت يسير .
3- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3 : 105 .

فتحصّل من ذلك : أنّ مفاد الأدلّة هو كون التخيير من قبيل الأصل المعوّل عليه لدى الشكّ .

هذا ، لكن لازم ذلك عدم جواز الأخذ باللوازم العادية والعقلية لأحد المتعارضين ، وهو - كما ترى - لا يمكن الالتزام به ، ولا يلتزمون به .

والتحقيق أن يقال : إنّ المتفاهم من أدلّة الترجيح والتخيير لدى التعارض ، أنّ إيجاب العمل على طبق الخبر ذي المزيّة ، أو أحدِهما إذا تكافآ ، أو التوسعة في الأخذ بأحدهما ، ليس إلاّ من حيث كونه خبراً كاشفاً عن الواقع ، وأ نّهما وإن تساقطا بنظر العرف ، لكن لم يتساقطا بنظر الشارع ، بل وجوب الأخذ بأحدهما معيّناً أو مخيّراً في حال التعارض ، كوجوبه قبله .

وبالجملة : أوجب الشارع العمل به لكونه ذاتاً طريقاً إلى الواقع ، وإيجاب العمل بهذا اللحاظ لا محذور فيه ، وليس كجعل الطريقية الفعلية إلى المتناقضين .

والحاصل : أنّ العرف يفهم من قوله : «إذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت» أنّ له الأخذ بأحدهما في حال التعارض كأخذه به قبله ، فكما كان يأخذ به وبلوازمه قبله فكذا الحال ، وهذا لا ينافي جعل الوظيفة في حال الشكّ ؛ لأنّ حاصله أنّ الوظيفة في حال الشكّ في صدق أحد الخبرين هي الأخذ بأحدهما بما لهما من المفاد مطابقة والتزاماً ، فالوظيفة هي الأخذ بأحد الطريقين بما هو طريق عقلائي ، فتدبّر جيّداً .

ص: 97

الأمر الثاني في حكم تخيير القاضي والمفتي في عمله وعمل مقلّديه

بعد ما عرفت : أنّ التخيير إنّما هو في المسألة الاُصولية ، وليس من قبيل التخيير في الأماكن الأربعة بين القصر والإتمام ، فاعلم أ نّه لا إشكال في تخيير المجتهد في عمل نفسه ، كما لا إشكال في أنّ القاضي في مقام فصل الخصومة ليس له تخيير المتحاكمين ؛ لأنّ فصل الخصومة إنّما هو بحكمه ، لا بفتواه ، فلا بدّ له من الأخذ بأحدهما والحكم على طبقه ؛ لتفصل الخصومة .

إنّما الكلام في المفتي بالنسبة إلى مقلّديه ، فهل التخيير مختصّ به لكونه في المسألة الاُصولية(1) ولكون الخطاب بقوله : «فإذا لم تعلم فموسّع عليك» متوجّهاً إليه بأن يقال : إنّ من يأتيه الخبران ويجيئه الحديثان المختلفان ، هو المجتهد لا العامّي(2) ؟

ويؤيّده بل يدلّ عليه : أنّ الترجيحات إنّما هي للمجتهدين ، ويكون نظر المجتهد فيها معتبراً ، لا العامّي ، فلا بدّ للمجتهد من اختيار أحدهما والإفتاء به ، ورجوعِ العامّي إليه في المسألة الفرعية .

أو يشترك العامّي مع المجتهد في جميع المسائل الاُصولية والفرعية ؛ لعدم

ص: 98


1- بحر الفوائد ، الجزء الرابع : 33 / السطر 13 ؛ فوائد الاُصول ، المحقّق النائيني 4 : 767 .
2- اُنظر فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 41 - 42 .

الدليل على الاختصاص به ، بل الأدلّة ظاهرة في خلافه(1) ؟

ومجيء الخبر لدى المجتهد لا العامّي - على فرض تسليمه - لا يدلّ على اختصاصه بالحكم ، كما أنّ جميع الأدلّة في الفروع والاُصول تقوم لدى المجتهد ، ولم تكن مختصّة به .

بل الظاهر من قوله في رواية ابن الجهم : «فإذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت»(2) أنّ الحكم الكلّي لكلّ مكلّف هو جواز العمل على طبق أحدهما ، وأنّ هذه التوسعة حكم لجميع المكلّفين ، كما أنّ الحال كذلك في جميع أخبار العلاج .

نعم ، يكون نظر المجتهد متّبعاً في تشخيص موارد الترجيح والتكافؤ ؛ لقصور نظر العامّي عنه ، وأمّا حكم المتعادلين أو ذي المزيّة فلم يكن مختصّاً به .

وبالجملة : ما يختصّ بالمجتهد هو الاجتهاد وبذل الجهد في تشخيص الترجيح والتعادل ، لا الحكم الكلّي ؛ فإنّه مشترك بين العباد ، وهذا هو الأقوى .

ثمّ إنّه بناءً على عدم اختصاص التخيير بالمجتهد ، فهل تجب عليه الفتوى بالتخيير ، أو يتخيّر بين ذلك وبين الأخذ بأحدهما والفتوى على طبقه ؟

الظاهر هو الثاني ؛ أمّا جواز الأخذ بأحدهما والفتوى على طبقه فلأ نّه من شؤون التوسعة في الأخذ بأحدهما ، فكما أنّ له الأخذ بأحدهما للعمل ، له الأخذ به للفتوى .

ص: 99


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 41 - 42 ؛ درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 658 .
2- الاحتجاج 2 : 264 / 233 ؛ وسائل الشيعة 27 : 121 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 40 .

وإن شئت قلت : كما أنّ أحد الخبرين حجّة على المجتهد في عمل نفسه بناءً على وجوب الأخذ ، وحجّة له بناءً على جوازه ، يكون حجّة له في جواز الإفتاء به ، فتكون فتواه على طبق أحدهما فتوى بالحجّة وعن الحجّة .

وليست المسألة كالمسائل الفرعية ؛ حيث تجب عليه الفتوى بالتخيير لا التعيين؛ لأ نّه في هذه المسألة يكون مأموراً بالأخذ بأحدهما ، أو يكون الأخذ موسّعاً عليه ، والأخذ بأحدهما حكمه جواز الإفتاء ، كجواز العمل ، وفي الحكم الفرعي يكون التخيير الواقعي مشتركاً بين العباد ؛ أي إنّ المكلّفين مشتركون في العمل .

وبالجملة : إنّ هذه التفرقة ، جاءت من التفرقة بين المسألة الاُصولية والفرعية .

وأمّا جواز الإفتاء بالتخيير ؛ فلأنّ المجتهد لمّا رأى أنّ الحكم المشترك بين العباد وجوب العمل على طبق أحد الخبرين ، أو التوسعة لهم في الأخذ بأحدهما ، يفتي بهذا الأمر ؛ أي التخيير بين الإتيان بصلاة الظهر أو الجمعة ؛ لأنّ التخيير في الأخذ بأحد الخبرين ليس إلاّ التخيير في إتيان مضمونهما ، ولا فرق من هذه الجهة بين المسألة الاُصولية والفرعية ، ولا يجب عليه إعلام المقلّدين بأ نّهم مخيّرون في المسألة الاُصولية .

نعم ، يجوز له الإفتاء بالمسألة الاُصولية أيضاً ؛ بأن يفتي بجواز العمل على طبق أحد الخبرين بعد إحراز التعادل بينهما .

وما يقال : من أنّ العمل لا بدّ وأن يكون بعنوان الأخذ بأحد الخبرين ، فلا بدّ للمجتهد إمّا أن يأخذ بأحدهما ويفتي على مضمونه ، ويكون المعوّل عليه للمقلّد

ص: 100

هو فتوى المجتهد ، وله أدلّة التخيير ، أو يفتي بالمسألة الاُصولية حتّى يكون المعوّل عليه للمقلّد في وجوب الأخذ بأحدهما فتوى المجتهد ، وفي العمل هو أحد الخبرين .

وأمّا الفتوى بالتخيير ، فلا تجوز إلاّ في التخيير في المسألة الفرعية التي يكون المأمور به فيها هو نفس الواقع ، لا الأخذ بأحد الخبرين(1) .

ففيه : أنّ الأخذ بأحد الخبرين ليس إلاّ العمل على مضمونه ، فيرجع إلى جواز إتيان صلاة الظهر أو صلاة الجمعة مثلاً ، وللمفتي أن يفتي بذلك .

وإن شئت قلت : إنّ وجوب الأخذ بالخبر طريقي لا نفسي ، والفتوى بالواقع لوجوبه الطريقي .

الأمر الثالث: في أنّ التخيير بدوي أو استمراري
في التمسّك بأدلّة التخيير على كونه استمرارياً

هل التخيير استمراري ، أو بدوي ؟ اختار الشيخ الأعظم ثانيهما ، واستشكل في إطلاق أدلّة التخيير واستصحابه(2) .

والحقّ هو الأوّل ؛ لإطلاق الدليل وجريان الاستصحاب ، لأنّ غاية ما يمكن أن يقال في بيان إهماله : أنّ للمكلّف شكّين :

ص: 101


1- اُنظر كفاية الاُصول : 507 - 508 .
2- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 43 .

أحدهما : الشكّ في وظيفته عند مجيء الخبرين المتعادلين .

وثانيهما : الشكّ في خصوصياتها بعد تعيين أصل الوظيفة ؛ من كون الأخذ بدوياً ، أو استمرارياً .

ولا إشكال في أنّ السائل في أدلّة التخيير كان شاكّاً في أصل الوظيفة ، وأ نّه لدى تعادل الخبرين ما يصنع ؟ فإذا اُجيب : «بأ نّه مخيّر في الأخذ بأحدهما» ينشأ عنده شكّ آخر في كيفية التخيير ؛ وأ نّه دائمي أو لا ، وهذا موضوع آخر وشكّ آخر مسكوت عنه في أدلّة التخيير سؤالاً وجواباً .

وبالجملة : تكون روايات التخيير في مقام بيان أصل الوظيفة ، لا كيفيتها .

هذا ، ولكنّ الإنصاف : أنّ رواية ابن الجهم(1) التي هي المعوّل عليها في الباب ، تدلّ على أنّ المكلّف ما لم يعلم فموسّع عليه بأيّهما أخذ ، فعلّق فيها التوسعة على عدم العلم بحقّية أحدهما ، والظاهر منها أنّ غاية التوسعة والتخيير هو حصول العلم بحقّية أحدهما ، لا الأخذ بأحدهما مع بقاء الجهل بالواقع .

وإن شئت قلت : إنّ ابن الجهم وإن كان شاكّاً في أصل الوظيفة ، لكن الإمام علیه السلام أجاب بما تفهم منه الوظيفة وكيفيتها جميعاً ؛ لتعليقه التوسعة على عدم العلم بالواقع وحقّية أحدهما .

وما قد يقال : من أنّ قوله : «فإذا لم تعلم» إنّما هو لفرض السائل عدم العلم بالحقّ، فجرى كلامه على طبق السؤال من غير نظر إلى بيان الغاية، فكلام شعري واحتمال لا يصادم ظهور الشرطية، ولا يجوز رفع اليد عن ظاهر الكلام لأجله.

ص: 102


1- تقدّمت في الصفحة 81 .

ومثلها أو أظهر منها في ذلك رواية الحارث بن المغيرة ؛ حيث قال ابتداءً : «إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلّهم ثقة ، فموسّع عليك حتّى ترى القائم فتردّ إليه»(1) بناءً على كونها من روايات الباب ؛ حيث جعل غاية التوسعة لقاء الإمام والردّ إليه . واحتمال كون التوسعة إلى لقائه فيها ، أو التوسعة ما لم يعلم في رواية ابن الجهم ، إنّما هي التوسعة في الأخذ ابتداءً ، لا بعد الأخذ ، كما ترى مخالف لظاهرهما .

فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ أدلّة التخيير تقتضي كونه استمرارياً ، وعلى فرض عدم إطلاقها ، فهل يجوز التمسّك بالاستصحاب أم لا ؟

في التمسّك بالاستصحاب على كون التخيير استمرارياً

استشكل شيخنا المرتضى فيه بدعوى تغيّر الموضوع ؛ لأنّ الثابت سابقاً ثبوت الاختيار لمن لم يختر ، فإثباته لمن اختار والتزم ، إثبات للحكم في غير موضعه الأوّل(2) .

أقول : الشكّ الحاصل للمكلّف تارة : يكون من جهة الشكّ في كون التخيير استمرارياً أو لا ، بعد البناء على أنّ المسألة اُصولية ، وأنّ في المسألة الاُصولية يجوز أن يكون التخيير بدوياً واستمرارياً .

واُخرى : من جهة الشكّ في كون المسألة اُصولية أو فقهية ، بعد البناء على أنّها

ص: 103


1- الاحتجاج 2 : 264 / 234 ؛ وسائل الشيعة 27 : 122 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب9 ، الحديث 41 .
2- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 44 .

إن كانت اُصولية يكون التخيير بدوياً ، وإن كانت فقهية يكون استمرارياً .

وثالثة : من جهة الشكّ في كون الخطاب في المسألة الاُصولية عامّاً ، أو خاصّاً بالمجتهد ، بعد البناء على أ نّه لو كان عامّاً يكون التخيير استمرارياً ، بخلاف ما لو كان خاصّاً به .

فعلى الأوّل ؛ تارة : يفرض كون الموضوع في أدلّة التخيير هو ذات المكلّف إذا لم يعلم الحقّ ، كما هو مفاد رواية ابن الجهم ؛ فإنّ ظاهرها أنّ الحكم بالتوسعة

لذات المكلّف ، وعدم العلم بالحقّ واسطة لثبوت الحكم له .

واُخرى : كونه «غير العالم بالحقّ» بوصفه العنواني .

وثالثة : كونه عنوان «المتحيّر في وظيفته» .

ورابعة : كونه عنوان «من لم يختر أحدهما» .

والتحقيق : جريان الاستصحاب في جميع الصور :

أمّا في الصورتين الاُوليين فواضح ولو فرض أخذ موضوع الاستصحاب من الدليل ؛ لبقائه قطعاً : أمّا إذا كان ذات المكلّف - كما هو الحقّ - فمعلوم . وأمّا إذا كان عنوان «غير العالم بأنّ أيّهما حقّ» فلأنّ الأخذ بأحدهما لا يجعله عالماً بحقّية أحدهما ؛ ضرورة أنّ حكمه بأخذ أحدهما ليس من باب حقّيته أو التعبّد بذلك ، بل إنّما هو من باب بيان الوظيفة في صورة الشكّ على ما ذكرنا في بعض الاُمور المتقدّمة(1) .

وأمّا في الصورتين الأخيرتين ؛ فلأنّ الموضوع فيهما عرفي ، وعنوان

ص: 104


1- تقدّم في الصفحة 97 .

«المتحيّر» أو «الذي لم يختر» وإن كان بحسب المفهوم الكلّي مخالفاً لعنوان مقابله ، لكن مصداقه إذا وجد في الخارج وصدق عليه العنوان يثبت له الحكم ، فإذا زال العنوان بقي الموضوع قطعاً ؛ لأنّ المكلّف الموجود في الخارج ، إذا زال عنه عنوان «المتحيّر» لا ينقلب عمّا هو عليه عرفاً ، فيكون إثبات حكم التخيير له بالاستصحاب إبقاءً للحكم السابق ، لا إسراءً من موضوع إلى آخر .

نعم ، لو اُريد إثبات الحكم من عنوان «المتحيّر» لغيره ، يكون من إسرائه إلى موضوع آخر ، لكن لا نريد إلاّ إثبات التخيير لزيد وعمرو بعد كونه ثابتاً لهما ؛ لأجل تطبيق العنوان عليهما ، نظير كافّة الأحكام الثابتة للعناوين الكلّية السارية منها إلى المعنونات .

وعلى الأخيرتين ؛ أي فيما إذا كان منشأ الشكّ دوران الأمر بين مقطوع الزوال ومقطوع البقاء ، فجريانه أيضاً بلا مانع ؛ لأ نّه إمّا من جهة بقاء الموضوع ، فقد تقدّم الجواب عنه .

وإمّا من جهة دوران المستصحب بين مقطوعين ، فقد تقدّم الجواب عنه في استصحاب القسم الثاني من الكلّي(1) .

وإمّا من جهة الشكّ في المقتضي ، فقد مرّ الجواب عنه في محلّه(2) .

ص: 105


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 93 - 94 .
2- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 34 .
الأمر الرابع: في شمول أخبار التخيير لجميع صور الخبرين المختلفين

إنّ أدلّة التخيير والترجيح مختصّة بالخبرين المختلفين ، وصور مجيء الخبرين ووصولهما إلينا كثيرة حاصلة من الإخبار مع الواسطة ، فربّما يرد علينا خبران ممتازان في جميع سلسلة السند ، كما لو كان لنا طريق إلى الكليني ، وهو إلى الإمام ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حَريز ، عن زرارة ، عن أبي عبداللّه ، وطريق آخر إلى الشيخ ، وهو إلى أبي عبداللّه بطريق آخر غير طريق الكليني .

وربّما يرد علينا خبران مشتركان في جميع السلسلة ، فحدّثنا الكليني بطريقه المتقدّم بحديث وبما يخالفه .

وقد يشتركان في بعض ويمتازان في بعض ، وله صور كثيرة ، كالاشتراك في أوّل السلسلة ، أو وسطها ، أو آخرها .

ثمّ إنّه قد يحرز بالقرائن أنّ ما صدر من الإمام هو أحدهما ، وإنّما وقع الاختلاف من بعض النقلة ، وقد لا يحرز ذلك ، ويحتمل صدورهما ، وقد يحرز صدورهما .

وأيضاً : قد يكون الاختلاف من جهة اختلاف نسخ الكتب ؛ لأجل اشتباه الناسخين ، لا النقلة ، وهذا قد يكون في الجوامع المتأخّرة ، كالكتب الأربعة ، وقد يكون في الجوامع والاُصول الأوّلية ، كما لو حدّثنا الشيخ بإسناده عن

ص: 106

كتاب الحسين بن سعيد حديثاً ، وروى الصدوق هذا الحديث عنه بزيادة أو نقيصة ، واُحرز كونهما من اختلاف النسخ ، وقد لا يحرز ذلك ، ويحتمل كونهما مختلفين لأجل السماع من الشيخ .

ثمّ إنّه لا إشكال في شمول أخبار العلاج للإخبار مع الواسطة ، كما أنّه لا إشكال في شمولها - ولو بإلغاء الخصوصية وفهم العرف - للخبرين مع اشتراكهما في جميع السلسلة ، أو بعضها ؛ فإنّ قوله : «يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين» وإن كان مورده مجيء الرجلين ، لكنّ المتفاهم منه عرفاً أنّ الحديثين المختلفين بما هما مختلفان موضوع الحكم وإن أتى بهما شخص واحد .

هذا ، مع أنّ إطلاقات أدلّة التراجيح تقتضي ذلك ، كقوله في صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه : «إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب اللّه»(1) .

وقوله في رواية محمّد بن عبداللّه : «إذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا إلى ما يخالف منهما العامّة»(2) إلى غير ذلك(3) .

ومعلوم : أنّ موضوع أخبار الترجيح والتخيير واحد ، فإذا حدّثنا الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حَريز ، عن زرارة بحديثين

ص: 107


1- وسائل الشيعة 27: 118، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 29.
2- وسائل الشيعة 27: 119، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 34.
3- راجع وسائل الشيعة 27 : 118 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 30 ، 43 و48 .

مختلفين ، يصدق عليهما قوله : «إذا ورد عليكم حديثان مختلفان» .

وأمّا اختلاف نقل الشيخ والصدوق مثلاً عن الجوامع الأوّلية ، فالظاهر أ نّه أيضاً من اختلاف الحديثين ؛ لأنّ بناء السلف كان على قراءة الحديث والسماع من المشايخ ، لا الأخذ من الكتب .

نعم ، اختلاف نسخ الجوامع المتأخّرة إنّما هو من اشتباه النسّاخ ، ولا يندرج في أخبار العلاج .

ولو اُحرز كون الصادر من الإمام علیه السلام حديثاً واحداً ، وكان الاشتباه من النقلة ، يشكل الاندراج ، وإن لم يبعد ببعض المناسبات المرتكزة في ذهن العرف ، بل إطلاق بعض أدلّة الترجيح مع وحدة الموضوع يقتضي الشمول ، فتدبّر جيّداً .

هذا تمام الكلام في أحكام المتكافئين .

ص: 108

المقصد الثاني: فيما إذا كانت لأحد الخبرين مزيّة

ويتمّ البحث فيه في ضمن اُمور :
اشارة

ص: 109

ص: 110

الأمر الأوّل: في مقتضى الأصل في المقام

قد عرفت مقتضى الأصل الأوّلي على الطريقية والسببية في المتعادلين(1) وأمّا مع المزيّة إن لم تكن مرجّحة عقلائية ، فالأصل فيهما على الطريقية هو سقوطهما ؛ لأنّ المزيّة غير العقلائية لا توجب الخروج عن الأصل الأوّلي ، لكنّ الكلام في المقام بعد الفراغ عن لزوم الخروج عن الأصل الأوّلي بواسطة الإجماع أو الأخبار ؛ وأنّ الأصل مع قطع النظر عن أخبار العلاج ما هو ؟

وبالجملة : بعد ورود الدليل على لزوم الخروج عن الأصل الأوّلي ، ودوران الأمر بين وجوب الأخذ بأحد المتعارضين على سبيل التخيير ، أو الأخذ بذي المزيّة على سبيل التعيين ، هل الأصل يقتضي التخيير أو التعيين ؟

والكلام يقع تارة : بناءً على السببية ، وتارة : على الطريقية ، وقد استقصينا

ص: 111


1- تقدّم في الصفحة 69 و73 .

الكلام في أقسام الدوران بينهما في مباحث البراءة(1) ولهذا نطوي الكلام هاهنا عنها .

فنقول : لا إشكال في أنّ مقتضى الأصل على الطريقية هو التعيين وإن قلنا : بالتخيير في الدوران في غير ذلك ؛ لأنّ مقتضى الأصل الأوّلي في المقام - كما عرفت - هو عدم الحجّية وسقوط المتعارضين ، ولا بدّ من قيام دليل قطعي الاعتبار على جواز العمل أو وجوبه على طبق أحدهما معيّناً أو مخيّراً حتّى نخرج عن مقتضاه .

بل الشكّ في قيام دليل على اعتبار أمارة ، مساوق للقطع بعدم حجّيتها ؛ لأنّ الحجّية لا تكون إلاّ مع قيام دليل ، ولا يمكن أن يدخلها الشكّ ، فإذا شكّ في قيام دليل على وجوب العمل أو جوازه بأحد الخبرين تخييراً أو تعييناً - بعد قيام الدليل على أصله - يكون اعتبار ذي المزيّة متيقّناً ، وغيره مشكوكاً فيه ، وهو مساوق للقطع بعدم حجّيته .

وأمّا على السببية ، فلعلّه يختلف حسب اختلاف معاني السببية ، فقد يكونان من قبيل المتزاحمين ، وقد لا يكونان كذلك ، والأمر سهل بعد بطلان المبنى .

ص: 112


1- راجع أنوار الهداية 2 : 148 .
الأمر الثاني: في حال أخبار العلاج
اشارة

بعد ما علم : أنّ الأصل مع احتمال المزيّة هو التعيين ، قد استدلّ على وجوب الأخذ بذي المزيّة بوجوه ، عمدتها الأخبار الواردة في العلاج(1) .

وقد استشكل على تمامية دلالتها تارة : بأنّ الاختلافات الكثيرة في نفس تلك الأخبار ، شاهدة على عدم وجوب الترجيح(2) ، فإنّ في بعضها يكون الترجيح بالأعدلية والأفقهية أوّلَ المرجّحات(3) .

وفي بعضها الاشتهار بين الأصحاب أوّلَها(4) .

ص: 113


1- اُنظر كفاية الاُصول : 502 .
2- درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 665 .
3- كما في مقبولة عمر بن حنظلة ، وسائل الشيعة 27 : 106 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 1 .
4- كما في مرفوعة زرارة ، مستدرك الوسائل 17 : 303 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 2 .

وفي كثير منها جعل الترجيح بمخالفة العامّة بنحو الإطلاق(1) .

وفي بعضها بموافقة الكتاب كذلك(2) .

وفي بعضها اُمر بالإرجاء بعد عدم المرجّح(3) .

وفي بعضها اُمر بالاحتياط ثمّ التخيير(4) .

فنفس هذه الاختلافات الكثيرة تمنع عن حمل الأوامر فيها على الوجوب ، فلا بدّ من حملها على الاستحباب .

واُخرى : بأنّ الأمر دائر بين تقييد إطلاقات كثيرة في مقام البيان في أخبار التخيير ، وحملِ الأوامر على الوجوب(5) ، ولا يمكن تقييدها ؛ لأ نّه قلّما يتّفق أن يخلو أحد الخبرين عن إحدى المرجّحات على كثرتها ؛ لأنّ كون الخبرين في جميع سلسلة سندهما متساويين في العدالة والفقاهة والورع والأوثقية في النفس ، ومضمونِهما موافقاً للكتاب والسنّة أو مخالفاً لهما ، ومشهوراً بين الأصحاب أو غير مشهور ، نادر جدّاً ، خصوصاً إذا تعدّينا إلى المرجّحات الغير

ص: 114


1- كما في رواية الحسين بن السري والحسن بن الجهم ومحمّد بن عبداللّه . وسائل الشيعة 27 : 118 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 30 ، 31 و34 .
2- كما في رواية السكوني وابن أبي يعفور . وسائل الشيعة 27 : 109 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 10 و11 .
3- كما في رواية سماعة . وسائل الشيعة 27 : 108 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9، الحديث 5 .
4- كما في مرفوعة زرارة . مستدرك الوسائل 17 : 303 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 2 .
5- هكذا في الأصل والصحيح «الاستحباب» بدل «الوجوب» .

المنصوصة ، فلا بدّ من حمل الأوامر الواردة في الترجيحات على الاستحباب ؛ حفظاً لإطلاق أخبار التخيير .

والتحقيق : عدم ورود الإشكالين ، ومنشأ توهّم ورودهما اُمور :

منها : توهّم اعتبار المرفوعة ولو لأجل اشتهارها بين الأصحاب ، وعدِّها من أخبار العلاج ، وقد تقدّم(1) أ نّها غير صالحة للتمسّك ، ولا يمكن إثبات حكم بها ، والاشتهار من زمن ابن أبي جمهور - على فرضه - لا يصير جابراً ، فهي مرسلة في غاية الضعف والوهن .

ومنها : عدّ الأعدلية والأفقهية والأصدقية في الحديث والأورعية - ممّا وقعت في المقبولة(2) - من المرجّحات للحديثين المتعارضين ، مع أنّ المقبولة

آبية عنه ، بل الظاهر - لو لم ندّع أنّه صريح منها - أ نّها من مرجّحات حكم الحَكَمين .

وورود الإشكال أو الإشكالات عليها على هذا الفرض - لو سلّم - لا يوجب صحّة التمسّك بها لترجيح الخبرين ، وسيأتي مزيد توضيح لذلك(3) .

ومنها : توهّم كون الاشتهار بين الأصحاب - ممّا ذكر في المقبولة - من مرجّحات الخبرين كسائر المرجّحات وفي عرضها ، مع أنّ الاشتهار فيها هو الاشتهار في الفتوى كما سيأتي بيانه(4) وفي مقابله النادر الشاذّ ، وهو يجعل

ص: 115


1- تقدّم في الصفحة 80 .
2- يأتي في الصفحة 116 .
3- يأتي في الصفحة 119 .
4- يأتي في الصفحة 121 .

الخبر بيّن الرشد ، ومقابله بيّن الغيّ ، بل نفس كون الخبر مجمعاً عليه بين الأصحاب بهذا المعنى يجعله حجّة .

بل نفس هذا الإجماع والاشتهار حجّة ، ومقابله الشاذّ النادر الذي أعرض عنه الأصحاب ، وهو يسقطه عن الحجّية ، ويجعله بيّن الغيّ ، مع أنّ ظاهر المقبولة كون الاشتهار بين الأصحاب في مدرك حكم أحد الحكمين من مرجّحات حكمه ، لا من مرجّحات الخبرين .

نعم ، ظاهر ذيله حيث قال : «فإن كان الخبران عنكم مشهورين» انتقال السائل إلى السؤال عن الخبرين ، وأجاب عن مرجّحاتهما ، وإن كان الأقرب كونه من مدرك الحكمين أيضاً ؛ لوحدة السياق ، وكون السؤال قبل هذه الفقرة وبعدها عن حكم الحكمين .

فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ المقبولة غير مربوطة بما نحن فيه ، فالواجب بسط الكلام في فقه الحديث بعد نقله بتمامه ؛ لأ نّه من المهمّات ، بل يمكن أن يقال : إنّ هذه المسائل من أهمّ المسائل الاُصولية .

الكلام حول مقبولة عمر بن حنظلة

فنقول وعلى اللّه التكلان : روى المشايخ الثلاثة بإسنادهم عن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجلين من أصحابنا ، يكون بينهما منازعة في دَين أو ميراث ، فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة ، أيحلّ ذلك ؟

قال : «من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت ، وما يحكم له فإنّما يأخذه سحتاً وإن كان حقّه ثابتاً ؛ لأ نّه أخذه بحكم الطاغوت ،

ص: 116

وإنّما أمر اللّه أن يكفر به ، قال اللّه تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ)»(1) .

قلت : فكيف يصنعان ؟

قال : «ينظران إلى من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا ، فليرضوا به حكماً ؛ فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخفّ بحكم اللّه ، وعلينا ردّ ، والرادّ علينا الرادّ على اللّه ، وهو على حدّ الشرك باللّه» .

قلت : فإن كان كلّ واحد اختار رجلاً من أصحابنا ، فرضيا أن يكونا ناظرين في حقّهما ، فاختلفا فيما حكما فيه ، وكلاهما اختلفا في حديثكم ؟

قال : «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر» .

قلت : فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا ، لا يفضل واحد منهما على الآخر .

قال : «ينظر إلى ما كان من روايتهم(2) عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك ، فيؤخذ به من حكمنا(3) ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ؛ فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ، وإنّما الاُمور ثلاثة : أمر بيّن رشده فيتّبع ، وأمر بيّن غيّه فيجتنب ، وأمر مشكل يردّ حكمه إلى اللّه وإلى

ص: 117


1- النساء (4) : 60 .
2- وفي نسخة : «من روايتهما». [منه قدس سره]
3- «حكمهما» كما في نسخة المستدرك عن الطبرسي. [منه قدس سره]

رسوله ، قال رسول اللّه : حلال بيّن ، وحرام بيّن ، وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات ، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات ، وهلك من حيث لا يعلم» .

قلت : فإن كان الخبران عنكما(1) مشهورين ، قد رواهما الثقات عنكم ؟

قال : «ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به ، ويترك ما خالف الكتاب والسنّة ووافق العامّة» .

قلت : جعلت فداك ، أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنّة ، فوجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامّة ، والآخر مخالفاً لهم ، بأيّ الخبرين يؤخذ ؟

قال : «ما خالف العامّة ففيه الرشاد» .

فقلت : جعلت فداك ، فإن وافقها(2) الخبران جميعاً ؟

قال : «ينظر إلى ما هم أميل إليه حكّامهم وقضاتهم فيترك ، ويؤخذ بالآخر» .

قلت : فإن وافق حكّامهم الخبرين جميعاً ؟

قال : «إذا كان ذلك فأرجه حتّى تلقى إمامك ؛ فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات»(3) .

ص: 118


1- في الفقيه والمستدرك «عنكم» بدل «عنكما» . [منه قدس سره]
2- وفي نسخة «وافقهما» وفي المستدرك «وافقهم» . [منه قدس سره]
3- الكافي 1 : 67 / 10 ؛ الفقيه 3 : 5 / 18 ؛ تهذيب الأحكام 6 : 301 / 845 ؛ الاحتجاج 2 : 260 / 232 ؛ وسائل الشيعة 27 : 106 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 1 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 302 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 1 .

أقول : لا إشكال في أ نّه في قوله : «يكون منازعة بينهما في دَين أو ميراث» ليس ناظراً إلى خصوصيتهما ، بل ذكرهما من باب المثال ، وإنّما نظره إلى جواز الرجوع إلى السلطان والقضاة في المحاكمات ، فأجاب علیه السلام : «بأنّ التحاكم عندهم تحاكم إلى الطاغوت ، وما يأخذه بحكمهم سحت وإن كان حقّه ثابتاً» .

ثمّ بعد بيان حكم المسألة سأل عن الوظيفة في المنازعات ، فأجاب بقوله : «ينظران إلى من كان منكم . . .» إلى آخره .

ولا إشكال في قوّة ظهور هذه الجمل كلّ واحدة عقيب الاُخرى - أي قوله : «من كان منكم ممّن روى حديثنا . . .» إلى قوله : «والرادّ علينا» - في الحكم الفاصل للخصومة كما هو واضح ، وجعله علیه السلام من كان بهذه الأوصاف حاكماً ؛ إنّما هو لأجل منصبه المجعول من قبل اللّه ، أي من حيث كونه إماماً منصوباً من قبل اللّه ، وحاكماً وسلطاناً على الناس .

فحينئذٍ يكون ردّ الحاكم المنصوب من قبلهم في حكمه ، ردّاً عليهم وعلى اللّه تعالى حقيقة ؛ لأنّ لازم نصب الحاكم هو الأمر بلزوم طاعته ، فاللّه تعالى نصب رسول اللّه والأئمّة علیهم السلام سلاطين على العباد ، وأوجب طاعتهم ، وأبو عبداللّه علیه السلام نصب الفقهاء حكّاماً عليهم من حيث كونه سلطاناً ، فحينئذٍ يكون ردّ الحاكم المنصوب من قبله ردّاً عليهم ، وردّهم ردّاً على اللّه تعالى ، ولا إشكال في الرواية إلى هاهنا .

ثمّ سأل عن اختيار كلّ منهما رجلاً من أصحابنا ليكونا ناظرين في حقّهما ، ومراده من «الناظرين» هو الحكمين ، كما هو المتعارف بين الناس .

قوله : «فاختلفا فيما حكما» أي كلّ منهما حكم في القضيّة بما يخالف الآخر .

ص: 119

وقوله : «كلاهما اختلفا في حديثكم» أي يكون منشأ اختلافهما اختلافَ رأيهما في حديثكم ، ويمكن أن يكون الاختلاف في حديثهم لأجل اختلافهما في معنى حديث واحد أو في حديثين ؛ بأن استند كلّ منهما إلى حديث وأنكره الآخر ، أو رجّحه عليه .

وقوله : «الحكم ما حكم به أعدلهما . . .» إلى آخره ؛ أي النافذ من الحكمين هو حكم الأعدل ، ولا يلتفت إلى حكم الآخر .

ولهاتين الجملتين أيضاً ظهور قويّ في أنّ الترجيح مربوط بحكم الحاكمين ، لا بالفتوى والرأي ، ولا بالرواية .

ويشهد له ما رواه الصدوق بإسناده عن داود بن الحصين ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في رجلين اتّفقا على عدلين جعلاهما بينهما في حكمٍ وقع بينهما فيه خلاف ، فرضيا بالعدلين ، فاختلف العدلان بينهما ، عن قول أيّهما يمضي الحكم ؟

قال : «ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما فينفذ حكمه ، ولا يلتفت إلى الآخر»(1) بناءً على كونها رواية مستقلّة ، لا قطعة من المقبولة . وما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن أكيل(2) ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سئل عن رجل يكون بينه وبين أخ له منازعة في حقّ ، فيتّفقان على رجلين يكونان بينهما ، فحكما فاختلفا فيما حكما .

ص: 120


1- الفقيه 3 : 5 / 17 ؛ وسائل الشيعة 27 : 113 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 20 .
2- ثقة. [منه قدس سره]

قال : «كيف يختلفان ؟» .

قال : حكم كلّ واحد منهما للذي اختاره الخصمان .

فقال : «ينظر إلى أعدلهما وأفقههما في دين اللّه فيمضي حكمه»(1) .

حيث تدلّ على نفوذ حكم الأعدل الأفقه ، ومضمونهما عين مضمون المقبولة ، ومع ذلك لم يستدلّوا بهما على الترجيح في باب تعارض الروايتين ، وليس ذلك إلاّ لعدم ربطهما بما نحن فيه ، وكذا الحال في المقبولة .

قوله : «المجمع عليه . . .» ثمّ بعد فرض تساوي الحَكَمين في الفقه والعدالة ، أرجعه إلى النظر لمدرك حكمهما ؛ أي الروايتين اللتين كان حكمهما مستنداً إليهما ، فما كان منهما «المجمع عليه» بين الأصحاب يؤخذ به من الحكمين ، ويترك الشاذّ .

في معنى «المجمع عليه بين الأصحاب»

والظاهر أنّ المراد من المجمع عليه بين الأصحاب والمشهور الواضح بينهم ، هو الشهرة الفتوائية ، لا الروائية ؛ فإنّ معنى المجمع عليه بينهم والمشهور لديهم ليس إلاّ هي ، كما أنّ الموصوف بأ نّه «لا ريب فيه» هو الذي عليه الشهرة الفتوائية ؛ بحيث كان مقابله الشاذّ النادر .

وأمّا نفس شهرة الرواية مجرّدة عن الفتوى فهي مورثة للريب ، بل للاطمئنان أو اليقين بخلل فيها ، بخلاف ما إذا اشتهرت رواية بين الأصحاب

ص: 121


1- تهذيب الأحكام 6 : 301 / 844 ؛ وسائل الشيعة 27 : 123 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب9 ، الحديث 45 .

بحسب الفتوى ؛ بحيث صار مقابلها من الشاذّ النادر ؛ فإنّها تصير لأجله ممّا لا ريب فيها .

ومعلوم : أنّ مراده من قوله : «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» ليس جعل التعبّد بذلك ، بل تنبيه بأمر عقلائي ارتكازي بين العقلاء ؛ فإنّ الإجماع والاشتهار بين بِطانة كلّ رئيس يكشف عن رضاه به ، فإحدى الروايتين إذا كانت بهذه الصفة يؤخذ بها وبالحكم المستند إليها ، ويترك الشاذّ المقابل لها .

وقوله : «إنّما الاُمور ثلاثة . . .» إلى آخره ، كالتعليل لقوله : «يؤخذ بالمجمع عليه ، ويترك الشاذّ» فإنّ الاُمور مطلقاً لا تخلو من بيّن الرشد فيتّبع ، والمجمع عليه كذلك ، وبيّنِ الغيّ فيجتنب ، والشاذّ النادر كذلك ، وأمرٍ مشكل .

وإن شئت قلت : أشار بقوله هذا إلى ترتيب قياس ؛ بأن يقال : إنّ المجمع عليه لا ريب فيه ، وكلّ ما كان كذلك بيّن رشده ، فهو كذلك .

ثمّ تجعل النتيجة صغرى لكبرى اُخرى ، فيقال : إنّ المجمع عليه بيّن رشده ، وكلّ ما كان كذلك يجب اتّباعه ، فالمجمع عليه يجب اتّباعه ، وعليك بترتيب قياسين آخرين ؛ لاستنتاج وجوب الاجتناب عمّا هو بيّن غيّه .

ولا يجوز إدراج مقابل المجمع عليه في الأمر المشكل ؛ ضرورة أنّ شيئاً إذا كان لا ريب فيه وبيّنَ الرشد ، يكون مقابله ومعارضه ممّا لا ريب في بطلانه ، وبيّناً غيّه ، ولا يمكن أن يكون أحد طرفي النقيضين واضح الصحّة وبيّنَ الرشد ، وطرفه الآخر مشكوكاً فيه ومريباً ، فلا يمكن أن تكون إحدى الروايتين المتعارضتين ، لا ريب فيها ومعلومةَ الصحّة ، والاُخرى ممّا فيها ريب ، بل لا بدّ وأن تندرج في قوله : «بيّن غيّه» وهذا واضح بأدنى تأمّل .

ص: 122

عدم كون الأعدلية وما يتلوها والشهرة من المرجّحات

ثمّ على فرض ورود الإشكالات على الأخذ بظاهر هاتين الفقرتين من المقبولة ، لا يوجب ذلك صرفَهما عن هذا الظهور القويّ المعتضد بالتكرار مرّة بعد اُخرى ، والمعتضد بالروايتين المتقدّمتين ، وإدراجَهما في أخبار العلاج حتّى تكون أعدلية الراوي وأفقهيته وقرينيهما ، من المرجّحات . مع أنّ روايات العلاج على كثرتها وتظافرها ، خالية من التعرّض لها مع شيوعها وكثرتها .

والتحقيق: أنّ تلك المذكورات ليست من مرجّحات الخبرين المتعارضين رأساً؛ لعدم الدليل عليه إلاّ المرفوعة التي عرفت حالها ، والمقبولة التي عرفت ظهورها.

وأمّا الاشتهار بين الأصحاب بما صرّحت به المقبولة فهو ليس من المرجّحات لإحدى الحجّتين ؛ لما عرفت من أنّ المراد به الاشتهار بحسب الفتوى ، وكون الطرف المقابل شاذّاً معرضاً عنه ، وما كان حاله كذلك يسقط عن الحجّية ، سواء كان في مقابله معارض أو لا .

وأمّا كثرة الرواية واشتهار النقل مجرّداً عن الفتوى فلا دليل على كونها مرجّحة ، بل لو دلّ دليل على وجوب الأخذ بالرواية التي اشتهرت روايتها ، وترك الشاذّة روايةً ، لا يدلّ على الاشتهار بحسب الرواية دون الفتوى ؛ لأنّ المتعارف لدى قدماء أصحابنا هو نقل الرواية في مقام الفتوى ، وكانت متون الروايات فتاويهم ، فنقل الرواية وشهرتها كانت مساوقة للشهرة الفتوائية، كما يتّضح ذلك بالرجوع إلى الروايات ، خصوصاً باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث من كتاب قضاء «الوسائل» وإلى كتب قدماء أصحابنا

ص: 123

كالصدوقين ، ومن في طبقتهما ، أو يقرب منهما .

نعم ، أصحاب الاُصول المتقدّمة والمتأخّرة كانوا يضبطون مطلق الروايات الواصلة إليهم ، لكن كانت فتاويهم أيضاً بصورة نقل الرواية ، بل الفقهاء إلى زمان شيخ الطائفة لم يكونوا يتعدّون في فتاويهم عن متون الروايات ، على ما صرّح به الشيخ في أوّل «المبسوط»(1) .

فاتّضح من ذلك : أنّ قوله : «إن كان الخبران عنكم مشهورين ، قد رواهما الثقات» لا ينافي ما ذكرناه؛ من أنّ المراد بالاشتهار هو الشهرة الفتوائية، لا الروائية.

فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ الأعدلية وما يتلوها ليست من المرجّحات ، وكذا الاشتهار .

نعم ، ما يمكن أن يعدّ منها في فقرات المقبولة ، هو موافقة الكتاب ومخالفة العامّة - على إشكال فيه - بأن يقال: كانت الفقرات الاُولى منها ممحّضة في حكم الحَكَمين حتّى انتهى الأمر إلى السؤال عن الخبرين، فقال: «إن كان الخبران عنكم مشهورين» وهذا وإن كان من تتمّة السؤال عن حكم الحَكَمين، والسياق يقتضي أن يكون راجعاً إليه ، لكن لا تبعد استفادة حكم ما نحن فيه منه ؛ فإنّ السائل كأ نّه انتقل من حكم الحاكم إلى مستنده ، ونظر إلى تعارض نفس الخبرين .

ويظهر من الجواب ذلك أيضاً؛ حيث قال : «ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة» فإنّ المراد بالموصول الخبر ، لا حكم الحاكم ، ولكن مع ذلك لا يخلو من إشكال .

ص: 124


1- المبسوط 1 : 2 .

وكيف كان : لا يجوز التمسّك بالمقبولة لجعل الأعدلية وما يتلوها وكذا الشهرة من المرجّحات ، ولا نحتاج في جعل موافقة الكتاب ومخالفة العامّة منها إليها ؛ لورود الأخبار الكثيرة فيهما ، وسيأتي التعرّض لها .

فتحصّل من جميع ما ذكرنا من أوّل البحث إلى هاهنا : عدم ورود الإشكالين المتقدّمين(1) :

أمّا قضيّة شهادة اختلاف نفس الأخبار على الحمل على الاستحباب ؛ فلأ نّه بعد عدم اعتبار المرفوعة ، وعدمِ كون المقبولة من أخبار العلاج ، وانحصارِ المرجّح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة ، تنحلّ هذه الشبهة ؛ فإنّ تقييد إطلاق أخبار العلاج بعد ذلك ، بصحيحة عبدالرحمان بن أبي عبداللّه من أهون التصرّفات ، وسنرجع إليه إن شاء اللّه (2) .

وأمّا قضيّة تقدّم حمل الأوامر على الاستحباب على تقييد إطلاق الأخبار الكثيرة الواردة في التخيير ؛ لكونه تقييداً بالفرد النادر ، فلما ظهر سابقاً ؛ من أنّ ما دلّ على التخيير منحصر برواية ابن الجهم(3) وإن ادّعى الشيخ تواترها بملاحظة عدّه ما لم يكن من هذا الباب منه(4) وهي بملاحظة صدرها - حيث قال : «ما جاءك عنّا فقس على كتاب اللّه . . .» إلى آخره - يحمل ذيلها على ما إذا لم تكن الروايتان مخالفتين للكتاب والسنّة .

ص: 125


1- تقدّما في الصفحة 113 - 114 .
2- يأتي في الصفحة 128 .
3- تقدّم في الصفحة 81 .
4- تقدّم في الصفحة 82 .

وبما عرفت وستعرف : من أنّ المرجّح في باب التعارض منحصر بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة ، يكون تقييد إطلاق رواية ابن الجهم من أسهل التصرّفات ، ولا يكون تقييداً بالفرد النادر ؛ فإنّه لم يرد عليها إلاّ تقييد واحد هو كون التخيير فيما إذا لم يكن أحدهما موافقاً للعامّة والآخر مخالفاً لهم ، وهذا - كما ترى - تصرّف واحد كسائر التقييدات الشائعة المتعارفة .

خصوصاً مع حكومة بعض الأخبار الآمرة بالأخذ بخلاف العامّة على رواية ابن الجهم ، كقوله : «ما خالف العامّة ففيه الرشاد»(1) بناءً على كون ذيل المقبولة من أخبار الباب .

وقولِه في مرسلة الكليني : «دعوا ما وافق القوم ؛ فإنّ الرشد في خلافهم»(2) بل وغيرهما(3) فإنّ الناظر في أخبار الترجيح - من موافقة الكتاب ومخالفة العامّة - يرى أنّ الترجيح بهما ليس بمحض التعبّد ، بل لكون الموافقة له والمخالفة لهم طريقاً إلى الواقع ، وأنّ الحقّ والرشد في موافقته ومخالفتهم ، فتكون أدلّة الترجيح حاكمة على قوله : «إذا لم تعلم أيّهما الحقّ فموسّع عليك» .

فالمسألة خالية من الإشكال من هذه الجهة ، فلا محيص من الأخذ بظاهر الأوامر الواردة في الترجيح .

ص: 126


1- تقدّم في الصفحة 118 .
2- الكافي 1 : 8 ؛ وسائل الشيعة 27 : 112 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 19 .
3- كمصحّحة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه ، يأتي في الصفحة 135 .
انحصار المرجّحات المنصوصة في موافقة الكتاب ومخالفة العامّة
ولا بدّ لاستقصاء البحث فيها من عقد بحثين :
البحث الأوّل : في حال الأخبار الواردة في موافقة الكتاب ومخالفته
اشارة

وهي - على كثرتها - طائفتان :

الاُولى : ما وردت في مطلق ما وافق الكتاب وخالفه ، من غير تعرّض لتعارض الحديثين . والثانية : ما وردت في الحديثين المتعارضين .

فمن الاُولى : ما(1) عن الكليني بإسناده عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إنّ على كلّ حقّ حقيقة ، وعلى كلّ صواب نوراً ، فما وافق كتاب اللّه فخذوه ، وما خالف كتاب اللّه فدعوه»(2) . وقريب منها رواية جميل ، عن أبي عبداللّه علیه السلام (3) .

وعنه علیه السلام قال : «ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف»(4) .(5)

ص: 127


1- موثّقة سكوني. [منه قدس سره]
2- الكافي 1 : 69 / 1 ؛ وسائل الشيعة 27 : 109 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 10 .
3- وسائل الشيعة 27 : 119 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب9 ، الحديث 35 .
4- الكافي 1 : 69 / 4 ؛ وسائل الشيعة 27 : 110 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب9 ، الحديث 12 .
5- ضعيف. [منه قدس سره]

وبإسناده(1) عن أيّوب بن الحرّ ، قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنّة ، وكلّ حديث لا يوافق كتاب اللّه فهو زخرف»(2) .(3)

وعنه علیه السلام قال : «خطب النبي بمنى فقال : أيّها الناس ، ما جاءكم عنّي يوافق كتاب اللّه فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب اللّه فلم أقله»(4) .

وعن أبي جعفر علیه السلام في حديث(5) قال : «إذا جاءكم عنّا حديث ، فوجدتم عليه شاهداً أو شاهدين من كتاب اللّه فخذوا به ، وإلاّ فقفوا عنده ، ثمّ ردّوه إلينا حتّى يستبين لكم»(6) . . . إلى غير ذلك(7) .

ومن الثانية : رواية الميثمي المتقدّمة(8) ومصحّحة عبدالرحمان بن أبي عبداللّه قال: قال الصادق علیه السلام : «إذا ورد عليكم حديثان مختلفان

ص: 128


1- الظاهر أ نّها صحيحة؛ لقوّة الظنّ بأنّ ما وقع في سندها يحيى بن عمران الحلبي. [منه قدس سره]
2- الكافي 1 : 69 / 3 ؛ وسائل الشيعة 27 : 111 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 14 .
3- صحيحة. [منه قدس سره]
4- الكافي 1 : 69 / 5 ؛ وسائل الشيعة 27 : 111 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 15 .
5- مرسلة ابن بكير. [منه قدس سره]
6- الكافي 2 : 222/ 4 ؛ وسائل الشيعة 27 : 112 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الحديث 18 .
7- راجع وسائل الشيعة 27 : 120 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 37 و47 .
8- تقدّم في الصفحة 90 - 92 .

فاعرضوهما على كتاب اللّه ، فما وافق كتاب اللّه فخذوه ، وما خالف كتاب اللّه فردّوه . . .»(1) .

وعن ابن أبي يعفور قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن اختلاف الحديث ، يرويه من نثق به ، ومنهم من لا نثق به ؟

قال : «إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب اللّه أو من قول رسول اللّه ، وإلاّ فالذي جاءكم به أولى به»(2) ولعلّها من الطائفة الاُولى .

وعن الطبرسي ، عن الحسن بن الجهم ، عن الرضا علیه السلام قال : قلت له : تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة .

فقال : «ما جاءك عنّا فقس على كتاب اللّه عزّ وجلّ وأحاديثنا ، فإن كان يشبههما فهو منّا ، وإن لم يكن يشبههما فليس منّا . . .»(3) .

وعن العيّاشي عنه ، عن العبد الصالح علیه السلام قال : «إذا جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب اللّه وأحاديثنا ، فإن أشبههما فهو حقّ ، وإن لم يشبههما فهو باطل»(4) .

ص: 129


1- وسائل الشيعة 27: 118، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 29.
2- الكافي 1 : 69 / 2 ؛ وسائل الشيعة 27 : 110 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 11 .
3- الاحتجاج 2 : 264 / 233 ؛ وسائل الشيعة 27 : 121 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 40 .
4- تفسير العيّاشي 1 : 9 / 7 ؛ وسائل الشيعة 27 : 123 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 48 .
في التوفيق بين الأخبار

وقد استشكل في التوفيق بين الطائفتين ؛ لأجل أنّ الترجيح بموافقة الكتاب فرع حجّية الخبرين ؛ لأنّ الترجيحات إنّما وردت لترجيح إحدى الحجّتين على الاُخرى ، وعدم المخالفة للكتاب من شرائط حجّية الخبر(1) .

فقيل في التوفيق بينهما : إنّ الطائفة الاُولى محمولة على مخالفة الخبر للكتاب بالتباين الكلّي ، فما كان كذلك زخرف وباطل ، والثانية محمولة على المخالفة بالعموم من وجه(2) ، أو هو مع العموم المطلق ، فالذي يكون مرجّحاً هو المخالفة بأحد النحوين ، والذي يكون من شرائط الحجّية هو عدم المخالفة بالتباين ، وبهذا يجمع بين الطائفتين .

ولا يخفى على الناظر في الأخبار : أ نّه لا شاهد لهذا الجمع ، بل الأخبار آبية عنه :

أمّا خبر الميثمي الوارد في المتعارضين فلأنّ المتأمّل في صدره وما فرّع عليه من قوله : «فما ورد عليكم من خبرين مختلفين . . .» إلى آخره ، يرى أنّ لسانه عين لسان الأخبار الواردة في الطائفة الاُولى ، وأنّ المفروض فيه هو ما ورد من الأخبار في تحليل ما حرّم اللّه ورسوله ، أو تحريم ما أحلّ اللّه ورسوله ، وأنّ الخبرين المختلفين إذا كان أحدهما كذلك ترفع اليد عنه ، ويؤخذ بالآخر ،

ص: 130


1- كفاية الاُصول : 505 ؛ اُنظر فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 790 .
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 791 .

فلا يمكن الجمع بينه وبين الطائفة الاُولى بما ذكر .

وأمّا خبر ابن الجهم عن الرضا علیه السلام فالظاهر منه أ نّه أجاب عن مطلق الخبر ، سواء كان له معارض أو لا ؛ فإنّ السؤال مع كونه عن الأحاديث المختلفة ، إلاّ أ نّه غيّر علیه السلام اُسلوب الجواب فقال : «ما جاءك عنّا فقس على كتاب اللّه . . .» وظاهره أ نّه بصدد بيان ميزان كلّي لكلّ ما جاء منهم ، فلا يمكن التفرقة في مضمونه بين حال التعارض وغير حاله .

مع أنّ قوله : «إن كان كذا فهو منّا ، وإلاّ فليس منّا» لسانه لسان الطائفة الاُولى ، وكذا رواية ابن الجهم عن العبد الصالح علیه السلام ورواية ابن أبي يعفور ، فإنّه مع سؤاله عن اختلاف الحديثين ، أجاب كلّياً بقوله : «إذا ورد عليكم حديث . . .» ومضمونها عين مضمون الطائفة الاُولى .

وبالجملة : من أعطى التأمّل في الأخبار حقّه ، يقطع بأنّ الجمع المتقدّم غير صحيح ، والأخبار آبية عنه .

ومن هنا قد يقال : إنّ مفاد الطائفتين واحد ، وإنّهما بصدد تمييز الحجّة عن غيرها ، وليست موافقة الكتاب أيضاً من مرجّحات إحدى الحجّتين ، وتحمل جميع روايات الباب على المخالفة بالتباين ؛ بقرينة صدور ما يخالف الكتاب بالعموم والخصوص والإطلاق والتقييد منهم بضرورة الفقه ، وإباء هذه الأخبار عن التخصيص والتقييد(1) . فالترجيح بعموم الكتاب والسنّة - إذا كانت النسبة بينهما والكتاب والسنّة العمومَ من وجه أو المطلق - لا دليل عليه ، فسقط هذا المرجّح عن المرجّحية .

ص: 131


1- اُنظر كفاية الاُصول : 505 - 506 .
تحقيق المقام

هذا ، والذي يمكن أن يقال : إنّ المخالفة بين الخبرين بحسب مفهومها ، أعمّ من التباين والأعمّ من وجه والمطلق ، فهي بمفهومها شاملة لجميع أنواع التخالف ، لكن قد ذكرنا في أوّل مبحث التعارض(1) أنّ المتخالفين اللذين بينهما جمع عقلائي خارجان عن محطّ السؤال والجواب ، وأ نّهما منزّلان على مورد تحيّر العرف في العمل وعدم طريق عقلائي له .

فقوله : «تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة» أو «إذا جاءك الحديثان المختلفان» وأمثالهما ، محمولة - بواسطة القرائن المتقدّمة - على ما لا يكون بينهما جمع عرفي .

وكذا الأحاديث الواردة في أنّ «مخالف القرآن زخرف» أو «باطل» وأمثالهما ، محمولة على المخالفة بغير ما له جمع عرفي .

فالاختلاف بالعموم والخصوص ، والإطلاق والتقييد ، خارج عن محطّها ؛ بقرينة ورود أمثالها عنهم بضرورة الفقه ، ولا يمكن ارتكاب التخصيص في هذه الروايات ؛ لإبائها عنه ، فبمقتضى القرينة الخارجية القطعية تحمل تلك الأخبار على المخالفة بالتباين ، أو الأعمّ منه ومن العموم من وجه .

وأمّا لو لم تكن قرينة داخلية أو خارجية صارفة ، فلا يجوز رفع اليد عن ظهور المخالفة في المعنى الأعمّ وإطلاقها .

فحينئذٍ نقول : إنّ قوله في مصحّحة عبدالرحمان بن أبي عبداللّه : «فما وافق

ص: 132


1- تقدّم في الصفحة 8 .

كتاب اللّه فخذوه ، وما خالف كتاب اللّه فردّوه»(1) مطلق في مقام البيان ، فيجب أن يؤخذ به ، فالخبران المختلفان إذا لم يكن بينهما جمع عرفي ، إذا وافق أحدهما كتاب اللّه ، وخالفه الآخر ، يجب أخذ الموافق وترك المخالف ، سواء كانت المخالفة بالتباين ، أو الأعمّ من وجه ، أو الأعمّ مطلقاً ، ولا وجه لرفع اليد عن هذا الإطلاق بلا قرينة صارفة ودليل مقيّد .

لا يقال : إنّ القرينة صدر الرواية ؛ فإنّه ورد في الحديثين المختلفين ، والمفروض أنّ المخالفة بين الحديثين محمولة على المخالفة بغير ما يكون بينهما جمع عرفي ، فوحدة السياق تقتضي أن تكون المخالفة في الذيل كذلك .

وبالجملة : لا يجوز التفكيك بين الصدر والذيل في رواية واحدة ؛ بحمل الصدر على نوع منها ، والذيل على مطلقها .

فإنّه يقال : عدم جواز التفكيك بينهما إنّما هو إذا تعرّضا لموضوع واحد ، كما لو تعرّضا لاختلاف الخبرين ، وأمّا إذا كان الاختلاف في الصدر هو اختلاف الخبرين ، وفي الذيل هو اختلاف الخبر والكتاب ، فلا وجه لرفع اليد عن إطلاق الثاني لقرينة قائمة في الأوّل ، وهذا ليس من التفكيك الممنوع .

لا يقال : الروايات الاُخرى غير هذه المصحّحة ، مفادها مطابق للطائفة الاُولى ، فتحمل هذه أيضاً على غيرها ؛ ليتّحد مفاد جميعها ، وتحمل المخالفة على غير مورد الجمع العرفي ؛ للقرينة القائمة في الطائفة الاُولى .

فإنّه يقال : لا منافاة بين الأخبار ؛ فإنّها مثبتات ، فلا وجه لرفع اليد عن إطلاق

ص: 133


1- تقدّمت في الصفحة 128 .

المصحّحة ، ولا سيّما مع كون غير واحدة من تلك الروايات ، واردةً في أصل الخبر المخالف ، بخلاف المصحّحة .

في مرجّحية موافقة الكتاب والثمرة بين المرجعية والمرجّحية

ثمّ إنّه ربّما يتوهّم : أنّ الأخذ بموافق الكتاب والسنّة القطعية ، ليس من باب الترجيح ، بل من باب الرجوع إلى الدليل القطعي الصدور ، فيكون الكتاب والسنّة مرجعين ، لا مرجّحين .

لكنّه فاسد ؛ لكونه مخالفاً لظواهر الأخبار ، مثل قوله : «فما وافق كتاب اللّه فخذوه»(1) فإنّ الظاهر منه هو وجوب الأخذ بالخبر ، لا العمل بالكتاب والسنّة .

وتظهر الثمرة بين المرجّحية والمرجعية فيما إذا كانت النسبة بين الكتاب والسنّة وأحد الخبرين أعمّ مطلقاً ، وعلمت وحدة الحكم ، فيصير الخبر مقيّداً أو مخصّصاً لهما بعد ترجيحه بموافقتهما ، كما إذا ورد «إن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة» وورد «إن ظاهرت يحرم عليك عتق رقبة مؤمنة» وورد في الكتاب أو السنّة القطعية «إن ظاهرت أعتق رقبة» فإنّه بعد تعارض الخاصّين وترجيح الموافق لهما يصير حجّة ، ومع العلم بوحدة الحكم يحمل مطلق الكتاب أو السنّة على المقيّد ، ويحكم بوجوب عتق رقبة مؤمنة .

لا يقال : في هذه الصورة يكون كلا الخاصّين مخالفين لهما ؛ ضرورة مخالفة المقيّد للمطلق .

ص: 134


1- تقدّم في الصفحة 127 .

فإنّه يقال : نعم ، لكن الكتاب والسنّة موافقان للمقيّد في محلّ تعارضه للخبر المخالف له ، وهو المناط في ترجيح أحد الخبرين ، وفي مورد مخالفته لهما لم يكن مخالفاً للخبر الآخر المخالف له ، فتدبّر .

البحث الثاني : في حال الأخبار الواردة في مخالفة العامّة
اشارة

وهي أيضاً طائفتان :

إحداهما : ما وردت في خصوص الخبرين المتعارضين .

وثانيتهما : ما يظهر منها لزوم مخالفتهم ، وترك الخبر الموافق لهم مطلقاً .

فمن الاُولى : مصحّحة عبدالرحمان بن أبي عبداللّه ، وفيها : «فإن لم تجدوهما في كتاب اللّه فاعرضوهما على أخبار العامّة ، فما وافق أخبارهم فذروه ، وما خالف أخبارهم فخذوه»(1) .

وعن «رسالة القطب» أيضاً بسند فيه إرسال ، عن الحسن بن السري قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم»(2) .

وعنها بإسناده عن الحسن بن الجهم قال : قلت للعبد الصالح : هل يسعنا فيما ورد علينا منكم إلاّ التسليم لكم ؟

فقال : «لا واللّه ، لا يسعكم إلاّ التسليم لنا» .

فقلت : فيروى عن أبي عبداللّه علیه السلام شيء ، ويروى عنه خلافه ، فبأيّهما نأخذ ؟

ص: 135


1- وسائل الشيعة 27 : 118، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 29 .
2- وسائل الشيعة 27: 118، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 30.

فقال : «خذ بما خالف القوم ، وما وافق القوم فاجتنبه»(1) .

وبسنده عن محمّد بن عبداللّه قال : قلت للرضا علیه السلام : كيف نصنع بالخبرين المختلفين ؟ فقال : «إذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا إلى ما يخالف منهما العامّة فخذوه ، وانظروا إلى ما يوافق أخبارهم فدعوه»(2) .

ومنها : ما عن الطبرسي ، عن سَماعة بن مهران ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قلت : يرد علينا حديثان ، واحد يأمرنا بالأخذ به ، والآخر ينهانا عنه .

قال : «لا تعمل بواحد منهما حتّى تلقى صاحبك فتسأله» .

قلت : لا بدّ أن نعمل بواحد منهما .

قال : «خذ بما فيه خلاف العامّة»(3) .

ومنها : ذيل المقبولة المتقدّمة(4) وهو : إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنّة ، فوجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامّة ، والآخر مخالفاً ، بأيّ الخبرين يؤخذ ؟

قال : «ما خالف العامّة ففيه الرشاد» .

ولا يخفى : وضوح دلالة هذه الأخبار على أنّ مخالفة العامّة مرجّحة في الخبرين المتعارضين ، مع اعتبار سند بعضها ، بل صحّة بعضها على الظاهر ،

ص: 136


1- وسائل الشيعة 27 : 118 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب9 ، الحديث 31 .
2- وسائل الشيعة 27: 119، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 34.
3- الاحتجاج 2 : 265 / 235 ؛ وسائل الشيعة 27 : 122 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 42 .
4- تقدّمت في الصفحة 118 .

واشتهار مضمونها بين الأصحاب ، بل هذا المرجّح هو المتداول العامّ الشائع في جميع أبواب الفقه وألسنة الفقهاء .

ومن الطائفة الثانية : ما عن «العيون» بإسناده عن علي بن أسباط قال : قلت للرضا علیه السلام : يحدث الأمر لا أجد بدّاً من معرفته ، وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك .

قال : فقال : «ائت فقيه البلد فاستفته من أمرك ، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه ؛ فإنّ الحقّ فيه»(1) .

وموردها صورة الاضطرار وعدم طريق إلى الواقع ، فأرشده إلى طريق يرجع إليه لدى سدّ الطرق ، ولا يستفاد منها جواز ردّ الخبر من طريقنا إذا كان موافقاً لهم .

ومنها : ما بإسناده عن أبي إسحاق الأرجاني رفعه ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «أتدري لِمَ اُمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامّة ؟» .

فقلت : لا أدري .

فقال : «إنّ علياً لم يكن يدين اللّه بدين إلاّ خالف عليه الاُمّة إلى غيره ؛ إرادة لإبطال أمره ، وكانوا يسألون أمير المؤمنين عن الشيء الذي لا يعلمونه ، فإذا أفتاهم جعلوا له ضدّاً من عندهم ؛ ليلبسوا على الناس»(2) .

ص: 137


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 275 / 10 ؛ وسائل الشيعة 27 : 115 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 23 .
2- علل الشرائع : 531 / 1 ؛ وسائل الشيعة 27 : 116 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب9 ، الحديث 24 .

وهي واردة في مقام بيان علّة الأمر بالأخذ بخلافهم ، ولا تدلّ على وجوبه مطلقاً ، فيمكن أن يكون المراد من «الأمر» هو الأوامر الواردة في الخبرين المتعارضين ، ولا تدلّ على ورود أمر بالأخذ بخلافهم ابتداءً وفي غير صورة التعارض .

ومنها : ما عن الشيخ بإسناده عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «ما سمعته منّي يشبه قول الناس فيه التقيّة ، وما سمعت منّي لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه»(1) .

ولا يبعد أن يكون مراده من شباهة قول الناس هي الشباهة في آرائهم وأهوائهم ؛ كالقول بالجبر ، والقياس ، والفتاوى الباطلة المعروفة منهم ، كالقول بالعول ، والتعصيب ، فلا تدلّ على ترك ما خالف العامّة مطلقاً .

وأمّا قوله في رواية : «شيعتنا المسلّمون لأمرنا ، الآخذون بقولنا ، المخالفون لأعدائنا ، فمن لم يكن كذلك فليس منّا»(2) .

وقوله في رواية اُخرى : «ما أنتم واللّه على شيء ممّا هم فيه ، ولا هم على شيء ممّا أنتم فيه ، فخالفوهم ، فما هم من الحنفية على شيء»(3) .

فالظاهر منهما المخالفة في عقائدهم وفي أمر الإمامة وما يرتبط بها ، ولا تدلاّن على ردّ الخبر الموافق لهم .

ص: 138


1- تهذيب الأحكام 8 : 98 / 330 ؛ وسائل الشيعة 27 : 123 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 46 .
2- صفات الشيعة : 3 / 2 ؛ وسائل الشيعة 27 : 116 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب9 ، الحديث25 .
3- وسائل الشيعة 27 : 119 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب9 ، الحديث32 .

وأمّا قوله في صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بَزيع : «إذا رأيت الناس يقبلون على شيء فاجتنبه»(1) فيدلّ على أنّ إقبالهم على شيء وإصرارهم عليه يدلّ

على بطلانه ، ولا ربط له بما نحن فيه ، ولو فرض إطلاقه فلا بدّ من رفع اليد عنه ؛ لعدم الفتوى على طبقه .

وعلى أيّ حال : لا إشكال في أنّ مخالفة العامّة من مرجّحات باب التعارض .

فتحصّل من جميع ما ذكرنا من أوّل البحث إلى هاهنا : أنّ المرجّح المنصوص ينحصر في أمرين : موافقة الكتاب والسنّة ، ومخالفة العامّة .

ولعلّ نظر الشيخ الأقدم محمّد بن يعقوب الكليني إلى ما ذكرنا ؛ حيث لم يذكر عند ذكر المرجّحات الأعدلية وما يتلوها .

نعم ، ذَكَر الأخذ بالمجمع عليه الذي لا ريب فيه(2) ، وقد عرفت الكلام فيه(3) .

في الترتيب بين الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة

ثمّ إنّ الظاهر من مصحّحة عبدالرحمان(4) هو وجوب العرض على كتاب اللّه أوّلاً ، ومع عدم وجدان الحكم فيه وجوب العرض على أخبار العامّة ، فمقتضاها الترتيب بينهما ، فيجب تقييد إطلاق سائر الروايات ، فصارت النتيجة - بعد الجمع المقبول العرفي بين الروايات - الترجيحَ أوّلاً بموافقة الكتاب والسنّة ، ومع

ص: 139


1- تهذيب الأحكام 5 : 142 / 470 ؛ وسائل الشيعة 13 : 436 ، كتاب الحجّ ، أبواب الطواف ، الباب 76 ، الحديث 10 .
2- الكافي 1 : 8 - 9 .
3- تقدّم في الصفحة 121 .
4- تقدّمت في الصفحة 135 .

عدم وجدان الحكم فيهما يرجّح بمخالفة العامّة ، ومع فقدان ذلك فالتخيير .

نعم ، ورد في المقبولة ترك ما يكون حكّامهم وقضاتهم أميل إليه ، والأخذ بالآخر ، ولكن يشكل رفع اليد عن إطلاق دليل التخيير بها ؛ للإشكال في كون المقبولة من أدلّة الترجيح ، وطريق الاحتياط واضح ، وهو طريق النجاة .

تتميم : في عدم الترجيح بالأحدثية

قد ورد في بعض الروايات كمرسلة الحسين بن المختار(1) ورواية المعلّى ابن خنيس(2) وأبي عمرو الكِناني(3) الأخذ بأحدث الخبرين ، وأخيرهما ، وما بلغ عن الحيّ .

لكنّ المتأمّل فيها يرى أ نّها ليست في عداد المرجّحات ، بل مفادها مخصوص بزمان حضور الأئمّة ، وأ نّهم علیهم السلام كانوا يفتون بحسب المصالح المقتضية لصلاح حالهم وحال شيعتهم ، وبحسب اقتضاء التقيّة وغيرها ، كما يشهد له قوله في ذيل رواية المعلّى : «إنّا واللّه لا ندخلكم إلاّ فيما يسعكم» وفي ذيل رواية الكِناني : «أبى اللّه إلاّ أن يعبد سرّاً ، أما واللّه لإنْ فعلتم ذلك إنّه لخير لي ولكم ، أبى اللّه عزّ وجلّ لنا في دينه إلاّ التقيّة» فراجع وتدبّر .

ص: 140


1- الكافي 1 : 67 / 8 ؛ وسائل الشيعة 27 : 109 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب9 ، الحديث7 .
2- الكافي 1 : 67 / 9 ؛ وسائل الشيعة 27 : 109 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9، الحديث 8 .
3- الكافي 2 : 218 / 7 ؛ وسائل الشيعة 27 : 112 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب9 ، الحديث17 .
الأمر الثالث: في التعدّي عن المرجّحات المنصوصة
كلام الشيخ الأعظم في المقام

هل يتعدّى من المرجّح المنصوص إلى غيره أم لا ؟ ذهب الشيخ المرتضى قدّس سرّه إلى التعدّي ، مدّعياً أنّ التأمّل الصادق في أدلّة التخيير يقتضي استظهار الاختصاص بصورة التكافؤ من جميع الوجوه ، كما أنّ تدقيق النظر في أخبار الترجيح - ولو بمعونة الفتاوى - يقتضي استنباط وجوب العمل بكلّ مزيّة توجب أقربية ذيها إلى الواقع(1) .

ولم ينبّه على طريق الاستظهار المدّعى من أدلّة التخيير ، وقد اتّضح ممّا سبق : أنّ العمدة فيها هي رواية الحسن بن الجهم(2) ، ولا إشكال في إطلاقها ، وعدم إمكان ذلك الاستظهار منها ، بل ولا من سائر الأخبار على فرض عدّها من أخبار التخيير .

ص: 141


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 75 .
2- تقدّم في الصفحة 82 .

نعم ، لو كانت دعواه إهمال أدلّة التخيير ، والقدر المتيقّن منها هو صورة التكافؤ من جميع الجهات ، أو أنّ الذهاب إلى التخيير ليس لأجل الأدلّة اللفظية ؛ لقصور ما دلّ منها سنداً - كرواية ابن الجهم - كان له وجه ، لكن قد عرفت بيان إطلاقها .

وأمّا قصور سندها فالظاهر جبره بعمل الأصحاب ، بناءً على أنّ مبنى حكمهم بالتخيير إنّما هو هذه الروايات لا غير .

ثمّ إنّه لو فرض التعدّي إلى مطلق المرجّحات ، لا بدّ من رفع اليد عن وجوب التخيير ؛ لندرة مورد لا يكون مرجّح ما لأحد الخبرين .

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ مبنى فتوى الأصحاب بوجوب التخيير ليس مثل رواية ابن الجهم ، كما سيأتي بيانه(1) .

الوجوه التي استدلّ بها الشيخ الأعظم على التعدّي من المنصوص

وأمّا قضيّة استفادة التعدّي من أدلّة المرجّحات ، فقد استَدلّ عليه باُمور :

منها : ما في المقبولة(2) والمرفوعة(3) من الترجيح بالأصدقية والأوثقية ؛ فإنّ الترجيح بهما ليس إلاّ من حيث الأقربية إلى الواقع ، من دون دخالة سبب خاصّ فيه ، وليستا كالأعدلية والأفقهية ؛ حيث يحتمل فيهما اعتبار الأقربية من السبب الخاصّ .

ص: 142


1- يأتي في الصفحة 149 .
2- تقدّمت في الصفحة 116 .
3- تقدّمت في الصفحة 80 .

فحينئذٍ يتعدّى منهما إلى كلّ صفة في الراوي تكون من أجلها كذلك ، ومنها يتعدّى إلى صفة الرواية ؛ لأنّ أصدقية الراوي وأوثقيته إنّما تعتبران من أجل حصول صفة الوثوق والصدق في نفس الرواية ، فإذا كانت إحدى الروايتين منقولة باللفظ ، والاُخرى بالمعنى ، كانت الاُولى أقرب إلى الصدق(1) .

هذا ، ويمكن أن يقال في تأييده : إنّ صفة الأورعية والأعدلية والأفقهية أيضاً ، تكون معتبرة لأجل الأقربية إلى الواقع ، من غير دخالة سبب خاصّ ؛ فإنّ صفة الأورعية والأعدلية تقتضي أن يكون الراوي دقيقاً في حفظ كلمات الحديث ، والتورّع عن التغيير والتبديل ولو بكلمات مرادفة بنظره ، وعن النقل بالمعنى ، فتكون روايته أقرب إلى الواقع نوعاً .

وكذا صفة الأفقهية تقتضي الأقربية ؛ لأجل كون الأفقه أعرف بمذاق الأئمّة علیهم السلام وطريقتهم ، وأعرف بتمييز ما صدر منهم لأجل إفادة الحكم الواقعي من غيره ، فلا ينقل في مقام العمل والفتوى إلاّ ما هو أقرب إلى الواقع ، بخلاف غير الأفقه .

فجميع الصفات المذكورة في المقبولة والمرفوعة ، مشتركة في حيثية ، وممتازة في حيثيات ، وإنّما جعلت مرجّحة من حيثيتها المشتركة ؛ وهي أقربية ذيها إلى الواقع ، دون الجهات الممتازة . ثمّ بعد ما استكشفنا منها كون تمام الملاك والموضوع لوجوب الترجيح هو حيثية الأقربية إلى الواقع ، نتعدّى إلى كلّ ما كان كذلك ، هذا غاية تقريب هذا الدليل .

ص: 143


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 76 .

ثمّ أيّد ما ذكره : بأنّ الراوي بعد سماع الترجيح بمجموع الصفات لم يسأل عن صورة وجود بعضها وتخالفها في الروايتين ، ولولا فهمه : أنّ ما ذكر وأمثاله مزيّة مستقلّة ، لم يكن وقع للسؤال عن صورة عدم المزيّة رأساً ، بل ناسبه السؤال عن حكم عدم اجتماع الصفات(1) .

هذا ، ولكن بعد اللتيّا والتي ، وإتعاب النفس في تقريب الدليل ، لا يجوز التعدّي إلى غير ما في النصّ ؛ لأ نّه بعد ذلك لم يخرج عن التخرّص الظنّي ، ولم يستند إلى ظهور لفظي قابل للاعتداد به والاحتجاج ، ولم يخرج عن الاستحسان .

والإنصاف : أنّ التعدّي عن مرجّح الحَكم - كما في المقبولة - إلى مرجّح الرواية ، ثمّ التعدّي من المنصوص إلى غيره بهذه التقريبات الظنّية الخطابية ، خارج عن مذاقنا ، ولعلّ اعتماد الشيخ رحمه الله علیه كان على الشهرة والإجماع المنقولين(2) وأراد الاستدلال عليه بالأدلّة اللفظية ؛ لئلاّ تخلو الواقعة من دليل لفظي ، وإلاّ فهذا النحو من الاستدلال خلاف مسلكه في الفقه .

ثمّ إنّ من الغريب تأييد مرامه بما ذكر : من أنّ عدم سؤال الراوي عن حال تخالفها دليل على فهمه الاستقلال .

مع إمكان أن يقال : إنّ الأمر بعكس ما أفاده ؛ فإنّه لو فهم استقلال الصفات المذكورة في الترجيح لكان عليه السؤال عن مورد افتراقها ؛ لاحتمال كون

ص: 144


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 76 .
2- اُنظر فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 75 - 76 ؛ مفاتيح الاُصول : 686 / السطر 25 ، و688 / السطر 19 ، و717 / السطر 22 .

إحدى الصفات مع استقلال الجميع أرجح في نظر الشارع ، بخلاف ما إذا فهم كون المجموع مرجّحاً واحداً ؛ فإنّه معه لا وقع للسؤال عن مورد افتراقها ؛ لمعلومية عدم الترجيح بها متفرّقة بعد كون المرجّح مجموعها .

ومنها : تعليله الأخذ بالمشهور بقوله : «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه»(1) .

توضيحه : أنّ معنى اشتهار الرواية كونها معروفة عند الكلّ ، كما يدلّ عليه فرض كونهما مشهورين ، والمراد ب «الشاذّ» هو ما لا يعرفه إلاّ القليل .

و«المشهور» بهذا المعنى ليس قطعياً من جميع الجهات حتّى يصير ممّا لا ريب فيه حقيقة ، وإلاّ لم يمكن فرضهما مشهورين ؛ لامتناع تحقّقها فيهما ، ولا الرجوع إلى صفات الراوي قبل ملاحظة الشهرة ؛ ضرورة أنّ الإرجاع بالأمارة الظنّية لا يجوز إلاّ مع فقدان الأمارة القطعية ، ولا الحكم بالرجوع مع شهرتهما إلى المرجّحات الاُخر . فالمراد بنفي الريب نفيه بالإضافة إلى الشاذّ ، ومعناه أنّ الريب المحتمل في الشاذّ غير محتمل فيه .

فيكون حاصل التعليل : أنّ كلّ ما كان أقلّ احتمالاً يجب ترجيحه على غيره ، ومقتضى التعليل التعدّي إلى كلّ ما كان كذلك(2) ، انتهى بتوضيح منّا .

وفيه ما عرفت(3) : من أنّ المراد ب «المجمع عليه الذي لا ريب فيه» هو الشهرة الفتوائية ، وعدم الريب هو الحقيقي منه ؛ ضرورة استهجان سلب الريب عن المجمع عليه مع ذكر الكبرى الكلّية بقوله : «إنّما الاُمور

ص: 145


1- تقدّم في الصفحة 117 .
2- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 77 .
3- تقدّم في الصفحة 121 .

ثلاثة : أمر بيّن رشده ، وأمر بيّن غيّه» وإرادة الإضافي منه .

وأمّا ما أفاده من القرائن على ذلك ، فمنظور فيه :

أمّا قضيّة عدم جواز الرجوع إلى صفات الراوي - من الأفقهية والأصدقية - قبل ملاحظة الشهرة ؛ فلأنّ المقبولة بصدد بيان ترجيح حكم أحد الحَكَمين ، والظاهر منها أنّ حكم غير الأفقه وغير الأعدل ، غير نافذ مع وجود الأفقه الأعدل ، فحينئذٍ يكون الترجيح بصفات القاضي مقدّماً على الترجيح بالشهرة ؛ لأنّ الترجيح بالصفات لتشخيص صلاحيته للحكم ، وبعد إحرازها ينظر إلى حكمهما ، فإذا كان أحد الحكمين مخالفاً للمجمع عليه - لكون مستنده كذلك - يردّ ، ونقض الحكم في صورة مخالفته للإجماع جائز .

وأمّا عدم جواز الحكم بالرجوع إلى سائر المرجّحات مع شهرتهما ؛ فإنّما هو فيما إذا كانتا من المجمع عليه ، وهو غير معقول ، فالاشتهار الحاصل فيهما مقابل الشذوذ ، ففرض السائل عدم كون واحد منهما شاذّاً والآخر مجمعاً عليه ، في مقابل أمره بالأخذ بالمجمع عليه وترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند الأصحاب ، فقال : كلاهما مشتهر بين الأصحاب ، وتكون الفتوى بكلّ واحد منهما فتوى ظاهرة مشهورة ، وليس واحد منهما شاذّاً نادراً .

وممّا ذكرنا ظهر حال استشهاده بامتناع كون الروايتين مشهورتين ؛ لأنّ المشهور في مقابل الشاذّ وهو ممكن ، ولو سلّم ظهور قوله : «كلاهما مشهوران» في تحقّق الشهرة بالمعنى المتقدّم فيهما ، ترفع اليد عن هذا الظهور السياقي الضعيف ؛ لأجل الظهور القويّ المستند إلى اللفظ ، مؤيّداً بالتعليل وإقامة البرهان بقوله : «إنّما الاُمور ثلاثة» .

ص: 146

والإنصاف : أنّ حمل «لا ريب فيه» على الإضافي في نفسه ممّا ينبؤ عنه الطبع السليم ، فضلاً عن احتفافه بما ذكر من التعليل والبرهان .

ومنها : تعليلهم لتقديم الخبر المخالف للعامّة ب «أنّ الحقّ والرشد في خلافهم » و«أنّ ما وافقهم فيه التقيّة» فإنّ هذه قضايا غالبية لا دائمية ، فيدلّ - بحكم التعليل - على وجوب ترجيح كلّ ما كانت معه أمارة الحقّ والرشد(1) .

وفيه : مضافاً إلى أنّ التعليل ب «أنّ الحقّ في خلافهم»(2) إنّما ورد في رواية علي بن أسباط ، وموردها إنّما هو في الجهل بالحكم ابتداءً من دون تعارض الروايتين ، والأخذ بعموم تعليله ممّا لا يجوز ، فهي محمولة على موردها ؛ وهو كون العمل ممّا لا بدّ منه مع فقد طريق إلى الواقع ، كما هو مفروض السائل ، وأنّ ما ورد في المقبولة ليس إلاّ قوله : «ما خالف العامّة ففيه الرشاد»(3) والظاهر كون الموصول إشارة إلى خصوص الخبر المذكور قبله ، فلا تستفاد العلّية منه .

أ نّه مع تسليمه يستفاد منه أنّ مخالفة العامّة تكون بمرتبة من الإصابة حتّى يكون الحقّ والرشد فيها ، وهو لا يدلّ على أنّ كلّ ما كان بنظرنا أقرب إلى الواقع يكون فيه الرشد ولو نوعاً وغالبياً .

وبالجملة : ما لم يحرز كون مزيّة بمرتبة مخالفة العامّة في الإيصال إلى الحقّ ،

ص: 147


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 77 - 78 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 275 / 10 ؛ وسائل الشيعة 27 : 115 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 23 ، وقد تقدّمت في الصفحة 137 .
3- الكافي 1 : 67 / 10 ؛ وسائل الشيعة 27 : 106 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 1 .

لا يجوز الأخذ بها ، وأ نّى لنا بإثباته ؟!

ومنها : قوله علیه السلام : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» دلّ على أ نّه إذا دار الأمر بين أمرين ، في أحدهما ريب ليس في الآخر ذلك الريب ، يجب الأخذ به ، وليس المراد نفي مطلق الريب كما لا يخفى(1) ، انتهى .

توضيحه : أنّ «ما لا يريبك» المذكور في مقابل «ما يريبك» لا يجوز أن يكون الحقيقي منه ؛ ضرورة أ نّه إذا دار الأمر بين متناقضين وكان أحدهما لا ريب فيه حقيقةً ، يكون الطرف المقابل ممّا لا ريب فيه أيضاً ، إلاّ أ نّه إذا كان أحدهما ممّا لا ريب في حقيقته يكون مقابله ممّا لا ريب في بطلانه ، لا أ نّه ممّا فيه ريب ، فإذا جعل مقابله ممّا فيه ريب ، يكون ما لا ريب فيه هو الإضافي منه .

فيكون محصّل الرواية : أ نّه إذا ورد أمران ، أحدهما فيه ريب ، والآخر ليس فيه هذا الريب ، يجب الأخذ بالثاني .

وفيه : - مع كون الرواية مرسلة ضعيفة لا يمكن إثبات حكم بها ؛ لكونها مرويّة عن «الذكرى» بقوله : قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»(2) وعن «كنز الكراجكي» بقوله : قال صلی الله علیه و آله وسلم : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ؛ فإنّك لن تجد فقد شيء تركته للّه عزّ وجلّ»(3) - أنّ فيها احتمالاً أقرب

ص: 148


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 78 .
2- ذكرى الشيعة 2 : 444 ؛ وسائل الشيعة 27 : 173 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 12 ، الحديث 63 .
3- كنز الفوائد 1 : 351 ؛ وسائل الشيعة 27 : 170 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 12 ، الحديث 54 .

ممّا ذكر ؛ وهو أنّ «ما يريبك» هو الشبهة البدوية التحريمية ، و«ما لا يريبك» هو ثواب اللّه تعالى ؛ فإنّه المناسب للتعليل بقوله : «فإنّك لن تجد فقد شيء . . .» فكأ نّه قال : «دع ما فيه ريب لأجل ثواب اللّه الذي لا ريب فيه ؛ فإنّك لن تجد فقد ما تركته للّه ، لأ نّك ترى ثوابه في دار الثواب» .

وأمّا حمله على ما ذكره فلا يناسب التعليل ، مع أنّ فيما ذكرنا يكون قوله :

«لا ريب فيه» بمعناه الحقيقي الظاهر فيه ، ولو منع من ظهورها فيما ذكرنا يكون احتمالاً مساوياً لما ذكر ، فلا يصحّ الاستدلال بها .

فتحصّل من جميع ما ذكرنا : انحصار المرجّح المنصوص في خصوص موافقة الكتاب ومخالفة العامّة ، ولا يستفاد من الأدلّة التعميم .

في تقريب الترجيح بكلّ ذي مزيّة

لكن هاهنا كلام : وهو أنّ دليل التخيير الذي عرفت انحصاره تقريباً برواية ابن الجهم(1) إنّما يمكن التمسّك بإطلاقها لو تمّ اعتبارها سنداً ، وإنّا وإن احتملنا - بل رجّحنا - جبرَ سندها(2) ، لكنّه محلّ إشكال ؛ لأنّ مبنى الأصحاب في وجوب الأخذ بأحد الخبرين تخييراً لا يمكن أن يكون تلك الرواية :

أمّا أوّلاً : فلأنّ مفادها كما أشرنا إليه سابقاً(3) ليس إلاّ التوسعة وجواز الأخذ بأحد الخبرين ، مع أنّ فتوى الأصحاب إنّما هي بوجوب الأخذ

ص: 149


1- تقدّمت في الصفحة 82 .
2- تقدّم في الصفحة 82 .
3- تقدّم في الصفحة 82 .

بأحدهما تخييراً . إلاّ أن يقال : إنّ مستندهم في التخيير تلك الرواية ، لا في عدم التساقط .

وأمّا ثانياً : فلأنّ المشهور بين الأصحاب - على ما حكي(1) - هو وجوب العمل بكلّ ذي مزيّة ، بل عن جماعة الإجماع وعدم ظهور الخلاف فيه(2) مع أنّ إطلاق رواية ابن الجهم يقتضي الاقتصار على المنصوص من المرجّحات .

بل لو بنينا على استفادة التعميم من المرجّحات المنصوصة من الروايات - كما عليه الشيخ(3) - يلزم التقييد الكثير المستهجن في دليل التخيير ؛ لندرة تساوي الروايتين من جميع الجهات .

ولهذا فلأحد أن يقول : إنّه من المحتمل أن يكون مبنى المشهور في الترجيح بكلّ ذي مزيّة هو أصالة التعيين في الدوران بين التعيين والتخيير ، لا لدليل تعبّدي ، أو لفهم التعميم من أخبار العلاج .

فينقدح ممّا ذكرنا : أنّ رفع اليد عن مقتضى القاعدة في دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، لا يجوز إلاّ بدليل معتبر ، ولا دليل على التخيير إلاّ رواية ابن الجهم ، وهي لا تصلح للاستناد ، فالقاعدة مقتضية للأخذ بكلّ ذي مزيّة ، وهو في النتيجة كما أفاد الشيخ ، وإن اختلف في الاستدلال .

هذا كلّه بعد تسليم عدم جواز رفع اليد عن كلا المتعارضين والعمل بمقتضى

ص: 150


1- بحر الفوائد ، الجزء الرابع : 47 / السطر 33 .
2- مفاتيح الاُصول : 686 / السطر 25 ، و688 / السطر 19 ، و717 /السطر 22 ؛ اُنظر فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 76 .
3- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 75 .

الاُصول ، كما هو كذلك ؛ للتسالم بين الأصحاب بل كأ نّه ضروري في الفقه ، فإذن يجب في المتعارضين الترجيح بكلّ ذي مزيّة توجب الأقربية إلى الواقع ، بل لو ظنّ أقربية أحدهما - بحيث دار الأمر بين التعيين والتخيير - يجب الأخذ به تعييناً ؛ بمقتضى القاعدة المتقدّمة .

ثمّ اعلم : أنّ ما اخترناه سابقاً(1) في وجه الجمع بين أخبار الإرجاء وأخبار التخيير - من أنّ مقتضى حمل الظاهر على النصّ هو حمل أخبار الإرجاء على الاستحباب - إنّما هو مع قطع النظر عن سند أخبار التخيير ، أو البناء على الانجبار بعمل الأصحاب ، وإلاّ فمع ضعف سندها ودلالة غالبها ، فلا تصلح للقرينية .

فلا بدّ حينئذٍ إمّا من حملها على إمكان ملاقاة الإمام ؛ بدعوى ظهور الغاية في الممكنة ، كما صنع شيخنا المرتضى(2) وقد عرفت ما فيه(3) .

وإمّا رفع اليد عن ظهورها في الوجوب ؛ بدعوى إعراض المشهور عن ظاهرها ؛ لذهابهم إلى وجوب ترجيح كلّ ذي مزيّة منصوصة وغيرها .

ص: 151


1- تقدّم في الصفحة 89 .
2- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 40 .
3- تقدّم في الصفحة 87 .
الأمر الرابع: في إمكان كون كلّ من المرجّحين مرجّحاً للصدور أو لجهته

قد اتّضح : أنّ المرجّح المنصوص منحصر في موافقة الكتاب ومخالفة العامّة ، فكلّ واحد منهما يمكن أن يكون ثبوتاً مرجّحاً لأصل الصدور ، أو لجهته ، ويمكن أن يكون كلّ لجهة ؛ لأنّ الأخبار المخالفة للكتاب والسنّة ، يمكن أن تكون غير صادرة منهم نوعاً ، فجعلت المخالفة أمارة على عدم الصدور ، أو صادرة لا لبيان الحكم الواقعي ، بل للاحتشام عن ولاة الجور وتقيّة منهم .

وكذا الأخبار الموافقة للعامّة ، يمكن أن لا تكون صادرة منهم ، وإنّما دسّها الدسّاسون في أخبارهم ، ويمكن أن تكون صادرة منهم لأجل التقيّة ، فلا يتمحّض شيء منهما بحسب الثبوت في ترجيح الصدور أو جهته ، بل يمكن إرجاع الترجيح بالأعدلية وما يتلوها وكذا الاشتهار إلى جهة الصدور بوجه .

وأمّا بحسب مقام الإثبات ، فالأخبار الواردة في الترجيح بموافقة الكتاب مختلفة :

فمنها : ما يظهر منها أ نّها مرجّحة لأصل الصدور ، كرواية ابن الجهم؛ حيث

ص: 152

قال في الجواب عن ورود الأحاديث المختلفة : «إنّ ما يشبه كتاب اللّه وأحاديثنا فهو منّا ، وما لا يشبههما فليس منّا»(1) .

والظاهر من قوله : «ليس منّا» أي لم يصدر منّا ، لا أ نّه صدر للتقيّة ، وكذا روايته الاُخرى عن العبد الصالح(2) .

ومنها : ما يظهر منها أ نّها مرجّحة لجهة الصدور ، كقوله في رواية الميثمي : «لأ نّا لا نرخّص فيما لم يرخّص فيه رسول اللّه ، ولا نأمر بخلاف ما أمر به رسول اللّه إلاّ لعلّة خوف ضرورة . . .»(3) ، فإنّ الظاهر منه أنّ ما خالف رسول اللّه قد يصدر منهم تقيّة وخوفاً ، فأمر في أخبار العلاج بردّ ما خالف السنّة من المتعارضين لأجله أو للأعمّ منه .

وأمّا الأخبار الواردة في الترجيح بمخالفة العامّة ، فلا يظهر منها أ نّها للترجيح الصدوري أو الجهتي .

نعم ، ربّما يرجّح من بعض الأخبار الاُخر كونها من مرجّح أصل الصدور ، كأخبار الدسّ(4) كما أنّ كثرة صدور الأخبار تقيّة ممّا يرجّح كونها مرجّحة لجهة الصدور .

ص: 153


1- الاحتجاج 2 : 264 / 233 ؛ وسائل الشيعة 27 : 121 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب9 ، الحديث40 .
2- وسائل الشيعة 27: 118، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 31.
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 20 / 45 ؛ وسائل الشيعة 27 : 113 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 21، وقد تقدّمت في الصفحة 90 - 92 .
4- اختيار معرفة الرجال : 224 / 401 و402 ؛ اُنظر فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 24 : 355 .

والإنصاف : أنّ كلاًّ من الاحتمالين ممكن ، والجزم بأحدهما لا يخلو من جزاف .

ثمّ إنّك قد عرفت : أنّ مقتضى مصحّحة عبدالرحمان بن أبي عبداللّه أنّ الترجيح بموافقة الكتاب مقدّم على الترجيح بمخالفة العامّة(1) ؛ ولا وجه لرفع اليد عنها .

وما قيل : من أنّ المرجّحات الصدورية مقدّمة على المرجّحات الجهتية ، وهي على المرجّحات المضمونية ؛ لتقدّم التعبّد بأصل الصدور على التعبّد بجهته ، وهي على التعبّد بالمضمون(2) .

ففيه ما لا يخفى : أمّا أوّلاً : فلأنّ تقدّم التعبّد بالصدور على جهته وهو على مضمونه ممّا لا أصل له ولا دليل عليه ؛ لأنّ بناء العقلاء على العمل بخبر الثقة بعد تمامية أصل الصدور وجهته وظهوره وسائر الاُصول العقلائية ، ومع عدم جريان واحد منها لا يعملون به ، ولا معنى للتعبّد بالصدور إلاّ العمل به ، وما لا عمل له بوجه لا يكون مورداً للاُصول العقلائية ولا للأدلّة الشرعية على فرضها .

فما يقال : من أنّ التعبّد بالصدور مقدّم على التعبّد بجهته ، إن كان مراده هو التعبّد العملي شرعاً ، أو البناء العملي لدى العقلاء ، فلا معنى له ، وهو واضح ، وإن كان غير ذلك فلا محصّل له .

وأمّا ثانياً : فلأ نّه لو سلّم ، فإنّما هو في غير باب التعارض ؛ ضرورة أنّ كافّة

ص: 154


1- تقدّم في الصفحة 139 .
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 780 - 784 .

الاُصول اللفظية والعقلية تسقط بالمعارضة ، وتكون الروايتان ساقطتين رأساً ، فلا بدّ في العمل بواحدة منهما تعييناً أو تخييراً من التماس دليل ، وليس إلاّ أخبار العلاج ، وهي تدلّ على تقدّم الترجيح بموافقة الكتاب .

وأمّا ثالثاً : لو سلّم كلّ ذلك ، فلا يقاوم بناءُ العقلاء المصحّحةَ المصرّحة بتقدّم الترجيح بموافقة الكتاب على الترجيح بمخالفة العامّة ؛ لأنّ الأدلّة الشرعية - على فرضها - والاُصولَ العقلائية كلّها قابلة للتخصيص والردع فلا تغفل ، هذا كلّه في المرجّح المنصوص .

وأمّا غيره ، فبناءً على أنّ الترجيح بمطلقه إنّما هو لأجل دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، فلا ترجيح لمرجّح على مرجّح إلاّ ما هو أتمّ ملاكاً وأقرب إلى الواقع .

هذا تمام الكلام في مهمّات باب التعادل والتراجيح ، والحمد للّه أوّلاً وآخراً ، وظاهراً وباطناً . وقد وقع الفراغ من تأليفه ليلة الجمعة ، تاسع شهر جمادي الاُولى سنة 1370 ، في بلدة «قم» حرم أهل البيت علیهم السلام ومن إخراجه إلى المبيضّة يوم الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك ، سنة ألف وثلاثمائة وسبعين هجرية قمرية ، على هاجرها الصلاة والسلام في «محلاّت» .

ص: 155

ص: 156

الفهارس العامّة

اشارة

1 - الآيات الكريمة

2 - الأحاديث الشريفة

3 - أسماء المعصومين علیهم السلام

4 - الأعلام

5 - الكتب الواردة في المتن

6 - مصادر التحقيق

7 - الموضوعات

ص: 157

ص: 158

1 - فهرس الآيات الكريمة

الآية رقمها الصفحة

البقرة (2)

(أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ) 275 38، 39

النساء (4)

(يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) 60 117

(أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّه ِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً) 82 7

المائدة (5)

( يَا أَ يُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) 1 47

ص: 159

الآية رقمها الصفحة

الأنعام (6)

(إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَىَّ) 50 91

الأعراف (7)

( أَرْجِهْ وَأَخَاهُ) 111 84

الحشر (59)

(مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) 7 91

ص: 160

2 - فهرس الأحاديث الشريفة

ائت فقيه البلد فاستفته من أمرك ، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه 137

أبى اللّه إلاّ أن يعبد سرّاً ، أما واللّه لإنْ فعلتم ذلك إنّه لخير لي ولكم 140

أتدري لِمَ اُمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامّة ؟137

إذا جاءك الحديثان المختلفان . . . 132

إذا جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب اللّه وأحاديثنا 129

إذا جاءكم عنّا حديث ، فوجدتم عليه شاهداً أو شاهدين من كتاب اللّه . . . 128

إذا رأيت الناس يقبلون على شيء فاجتنبه 139

إذا سمعت من أصحابك الحديثَ وكلّهم ثقة ، فموسّع عليك 80، 103

إذا كان ذلك فأرجئه حتّى تلقى إمامك 85

إذا كان ذلك فأرجه حتّى تلقى إمامك 118

إذا لم تعلم أيّهما الحقّ فموسّع عليك 126

إذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت 97

إذا ورد عليكم حديث . . . 131

إذا ورد عليكم حديثان مختلفان 108

إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب اللّه 107، 129

إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم 135

ص: 161

إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب اللّه . . . 129

إذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا إلى ما يخالف منهما العامّة . . . 107، 136

إذن فأرجه حتّى تلقى إمامك فتسأله 80

إذن فتخيّر أحدهما فتأخذ به ، وتدع الآخر 80

أرجئه حتّى تلقى إمامك . . . 89

أنّ الحقّ في خلافهم 147

أنّ الحقّ والرشد في خلافهم 147

إنّ اللّه حرّم حراماً ، وأحلّ حلالاً ، وفرض فرائض 91

إنّا واللّه لا ندخلكم إلاّ فيما يسعكم 140

إنّ علياً لم يكن يدين اللّه بدين إلاّ خالف عليه الاُمّة إلى غيره 137

إنّما الاُمور ثلاثة . . . 122، 146

إنّما الاُمور ثلاثة : أمر بيّن رشده ، وأمر بيّن غيّه 146

أنّ ما وافقهم فيه التقيّة 147

إنّ ما يشبه كتاب اللّه وأحاديثنا فهو منّا ، وما لا يشبههما فليس منّا 153

بأنّ التحاكم عندهم تحاكم إلى الطاغوت ، وما يأخذه بحكمهم سحت 119

بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك 81، 84

بيّن غيّه 122

الحكم ما حكم به أعدلهما . . . 120

الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما 117

حكمي على الأوّلين حكمي على الآخرين 47

حلال محمّد صلی الله علیه و آله وسلم حلال إلى يوم القيامة 47

الخبران المتعارضان 5، 6

خذ بما اشتهر بين أصحابك ، ودع الشاذّ النادر 62

ص: 162

خذ بما خالف القوم ، وما وافق القوم فاجتنبه 136

خذ بما فيه خلاف العامّة 85، 87، 136

خطب النبي بمنى فقال : . . . ما جاءكم عنّي يوافق كتاب اللّه فأنا قلته 128

دع ما يريبك إلى ما لا يريبك 148

دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ؛ فإنّك لن تجد فقد شيء تركته للّه عزّ وجلّ 148

دعوا ما وافق القوم ؛ فإنّ الرشد في خلافهم 126

شيعتنا المسلّمون لأمرنا ، الآخذون بقولنا ، المخالفون لأعدائنا 138

صلّها في المحمل 23، 79

العَمْري وابنه ثقتان ، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان 12

فإذا لم تعلم فموسّع عليك 98

فإذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت 81، 96، 99

فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه 122، 145

فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات 89، 94

فإنّك لن تجد فقد شيء . . . 149

فإن لم تجدوهما في كتاب اللّه فاعرضوهما على أخبار العامّة 135

فتخيّر أحدهما 83

فما وافق كتاب اللّه فخذوه 134

فما وافق كتاب اللّه فخذوه ، وما خالف كتاب اللّه فدعوه 127،133

فما ورد عليكم من خبرين مختلفين . . . 130

فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات 89

فموسّع عليك بأيّهما أخذت 83

فهو في سعة حتّى يلقاه 84

في الجواب عن ذلك حديثان، أمّا أحدهما : فإذا انتقل من حالة . . . 22، 78

ص: 163

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إنّ على كلّ حقّ حقيقة ، وعلى كلّ صواب نوراً 127

كذلك قد نهى رسول اللّه عن أشياء نهي حرام 91

كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنّة 128

كلّهم ثقة 81

لا تصلّها إلاّ على الأرض 23، 79

لا تعمل بواحد منهما 90

لا تعمل بواحد منهما حتّى تلقى صاحبك 88

لا تعمل بواحد منهما حتّى تلقى صاحبك فتسأله 85، 136

لا ريب فيه 121، 147، 149

لأ نّا لا نرخّص فيما لم يرخّص فيه رسول اللّه 153

لا واللّه ، لا يسعكم إلاّ التسليم لنا 135

ليس منّا 153

ما أنتم واللّه على شيء ممّا هم فيه ، ولا هم على شيء ممّا أنتم فيه 138

ما جاءك عنّا فقس على كتاب اللّه . . . 125، 129، 131

ما خالف العامّة ففيه الرشاد 118، 126، 136، 147

ما خالف قول ربّنا زخرف 62

ما سمعته منّي يشبه قول الناس فيه التقيّة 138

ما علمتم أ نّه قولنا فالزموه ، وما لم تعلموا فردّوه إلينا 86

ما لا يريبك . . . 148، 149

ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف 127

ما يربيك . . . 148، 149

المجمع عليه الذي لا ريب فيه 121، 145

معاشرَ الناس ، ما من شيء يقرّبكم من الجنّة ويباعدكم من النار . . . 44

ص: 164

من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت 116

من كان منكم ممّن روى حديثنا . . . 119

موسّع عليك بأيّة عملت 23، 79

الناس في سعة ما لا يعلمون 96

والرادّ علينا . . . 119

يرجئه حتّى يلقى من يخبره 87

يرجئه حتّى يلقى من يخبره ، فهو في سعة حتّى يلقاه 84

ينظر إلى أعدلهما وأفقههما في دين اللّه فيمضي حكمه 121

ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما فينفذ حكمه 121

ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه . . . 117

ينظر إلى ما هم أميل إليه حكّامهم وقضاتهم فيترك ، ويؤخذ بالآخر 118

ينظران إلى من كان منكم . . . 119

ينظران إلى من كان منكم ممّن قد روى حديثنا . . . فليرضوا به 117

ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة 124

ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به 118

يؤخذ بالمجمع عليه ، ويترك الشاذّ 122

ص: 165

ص: 166

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام

النبي ، محمّد ، رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ‘محمّد بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام

محمّد بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام 1، 7، 43، 44، 45، 46، 47، 48، 50، 90، 91، 92، 93، 118، 119، 127، 128، 129، 130، 148، 153

علي، أمير المؤمنين علیه السلام علي بن أبي طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل

علي بن أبي طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل 44، 45، 46، 137

أبو جعفر علیه السلام =محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام الخامس

محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام الخامس 128

الصادق، أبو عبداللّه علیه السلام =جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس

جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس 23، 79، 80، 84، 106، 116، 119، 120، 127، 128، 129، 135، 136، 137، 138

الإمام الكاظم، العبد الصالح علیه السلام موسى بن جعفر علیه السلام ، الإمام السابع

ص: 167

موسى بن جعفر علیه السلام ، الإمام السابع 129، 131، 135، 153

الرضا، أبو الحسن علیه السلام ‘علي بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن

علي بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن 23، 79، 81، 90، 129، 131، 136، 137

الصادقين علیهما السلام (محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام الخامس / جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس) 43، 46

الإمام الهادي، علي بن محمّد علیه السلام علي بن محمّد علیه السلام ، الإمام العاشر

علي بن محمّد علیه السلام ، الإمام العاشر 79، 86

القائم، الحجّة علیه السلام صاحب الزمان (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف)، الإمام الثاني عشر

صاحب الزمان (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف)، الإمام الثاني عشر 22، 77، 81، 103

ص: 168

4 - فهرس الأعلام

الآخوند الخراساني، محمّد كاظم بن الحسين 10، 16، 20، 22، 24، 71

ابن أبي جمهور، محمّد بن زين الدين 27، 80، 115

ابن أبي يعفور‘عبداللّه بن أبي يعفور

ابن الجهم=الحسن بن الجهم

ابن العمري=عثمان بن سعيد

ابن بابويه، محمّد بن علي 93، 107، 108، 120

ابن بكير، عبداللّه 128

ابن طاوس، علي بن موسى 628

ابن مهزيار=علي بن مهزيار

أبو إسحاق الأرجاني=الأرجاني، أبو إسحاق

أبو عمرو الكناني=الكناني، أبو عمرو

أحمد بن الحسن الميثمي=الميثمي، أحمد بن الحسن بن إسماعيل

الأرجاني، أبو إسحاق 137

الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين 9، 10، 11، 15، 18، 29، 30، 40، 43، 51، 64، 82، 87، 101، 103، 125، 141، 142، 144، 150، 151

ص: 169

الأهوازي، الحسين بن سعيد 107

أيّوب بن الحرّ=الجعفي، أيّوب الحرّ

بعض أعاظم العصر=النائيني، محمّد حسين

بعض الأعاظم=النائيني، محمّد حسين

الجعفي، أيّوب الحرّ 128

جميل=جميل بن درّاج

جميل بن درّاج 127

الحائري، عبدالكريم 10، 15، 18، 22، 25، 71، 80، 88، 125

الحارث بن المغيرة 80، 88، 103

الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن 93

حريز=السجستاني، حريز بن عبداللّه

الحسن بن الجهم 81، 82، 87، 96، 99، 102، 103، 104، 125، 126، 129، 131، 135، 141، 142، 149، 150، 152

الحسن بن السري 135

الحسين بن سعيد=الأهوازي، الحسين بن سعيد

الحسين بن مختار 140

الحلبي، يحيى بن عمران 128

حمّاد بن عيسى 106، 107

الحميري، عبداللّه بن جعفر 22، 25

ص: 170

الحميري، محمّد بن عبداللّه 77

الخراساني=الآخوند الخراساني، محمّد كاظم بن الحسين

داود بن الحصين 120

زرارة 5، 53، 80، 106، 107

السجستاني، حريز بن عبداللّه 106، 107

سعد بن عبداللّه 93

السكوني، إسماعيل بن أبي زياد 127

السكوني=السكوني، إسماعيل بن أبي زياد

سماعة بن مهران 81، 84، 85، 87، 88، 89، 136

الشيخ الطوسي، محمّد بن الحسن

الشيخ=الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين

الشيخ الأعظم=الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين

شيخ الطائفة=الطوسي، محمّد بن الحسن

شيخنا العلاّمة=الحائري، عبدالكريم

صاحب الوسائل=الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن

الصدوق=ابن بابويه، محمّد بن علي

الصدوقان (ابن بابويه، علي بن الحسين / ابن بابويه، محمّد بن علي) 124

الصفّار، محمّد بن الحسن 86

الطبرسي، أحمد بن علي 77، 80، 84، 90، 117، 129، 136

الطوسي، محمّد بن الحسن 23، 26، 106، 107، 108، 120، 124، 138

ص: 171

عبدالرحمان بن أبي عبداللّه 107، 125، 128، 132، 135، 139، 154

عبداللّه بن أبي يعفور 129، 131

عبداللّه بن محمّد 23، 79

عبيد بن زرارة 138

العلاّمه الحائري=الحائري، عبدالكريم

علي بن إبراهيم=القمّي، علي بن إبراهيم

علي بن أسباط 137، 147

علي بن مهزيار 23، 25، 79

عمر بن حنظلة 85، 116

العمري، عثمان بن سعيد 12

العمري، محمّد بن عثمان 12

العيّاشي، محمّد بن مسعود 129

القطب الراوندي، سعيد بن هبة اللّه 135

القمّي، علي بن إبراهيم 106، 107

الكراجكي، محمّد بن علي 148

الكليني، محمّد بن يعقوب 81، 84، 106، 107، 126، 127، 139

الكناني، أبو عمرو 140

المحقّق المعاصر=النائيني، محمّد حسين

محمّد بن إدريس 86

محمّد بن إسماعيل بن بزيع 139

محمّد بن عبداللّه 107، 136

ص: 172

محمّد بن علي بن عيسى 86

محمّد بن مسلم 53

المرتضى الأنصاري=الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين

المشايخ الثلاثة (الكليني، محمّد بن يعقوب / ابن بابويه، محمّد بن علي / الطوسي، محمّد بن الحسن) 116

المعلّى بن خنيس 140

موسى بن أكيل 120

الميثمي، أحمد بن الحسن بن إسماعيل 82، 86، 88، 90، 128، 130، 153

النائيني، محمّد حسين 10، 13، 19، 20، 40، 41، 43، 49، 57، 58، 62، 64

ص: 173

ص: 174

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن

القرآن الكريم 7، 44، 127، 132

الاستبصار 23، 26

البصائر=بصائر الدرجات

بصائر الدرجات 86

تعليقة المحقّق الخراساني=درر الفوائد في الحاشية على الفرائد

الحدائق الناضرة 79

درر الفوائد في الحاشية على الفرائد 10

الذكرى=ذكرى الشيعة

ذكرى الشيعة 148

الرسائل=فرائد الاُصول

رسالة القطب الراوندي 135

السرائر 86

العدّة في اُصول الفقه 23، 26

عوالي اللآلي 80

العيون=عيون أخبار الرضا علیه السلام

عيون أخبار الرضا علیه السلام 82، 90، 137

ص: 175

فرائد الاُصول 26

الفصول الغروية 28

الفقه الرضوي=الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام

الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام 82

الفقيه=من لا يحضره الفقيه

القوانين=قوانين الاُصول

قوانين الاُصول 28

كتاب الرحمة لسعد بن عبداللّه 93

كتاب حسين بن سعيد 107

كتاب عبداللّه بن محمّد 23، 79

الكفاية=كفاية الاُصول

كفاية الاُصول 16، 22

كنز الفوائد 148

كنز الكراجكي=كنز الفوائد

المبسوط 124

مسائل الرجال لعلي بن محمّد 86

المستدرك=مستدرك الوسائل

مستدرك الوسائل 86، 117، 118

من لا يحضره الفقيه 93، 118

الوسائل=وسائل الشيعة

وسائل الشيعة 77، 93، 123

ص: 176

6 - فهرس مصادر التحقيق

«القرآن الكريم» .

«أ»

1 - أجود التقريرات (تقريرات المحقّق النائيني). السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (1317 - 1413) ، تحقيق مؤسّسة صاحب الأمر(عجل الله تعالی فرجه الشریف) ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مطبعة ستارة ، 1419 ق .

2 - الاحتجاج . أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ( القرن السادس) ، تحقيق إبراهيم البهادري ومحمّد هادي به ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، منشورات اُسوة ، 1413 ق .

3 - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي) . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تصحيح حسن المصطفوي ، جامعة مشهد ، 1348 ش .

4 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الثالثة ، 4 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1390 ق .

5 - الاستصحاب ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

6 - أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

ص: 177

«ب»

7 - بحر الفوائد في شرح الفرائد . الميرزا محمّد حسن الآشتياني ، الطبعة الحجرية ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، قم ، 1403 ق .

8 - بصائر الدرجات . أبو جعفر محمّد بن الحسن بن فرّوخ الصفّار (م 290) ، تصحيح الميرزا محسن كوچه باغي ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1404 ق .

«ت»

9 - تفسير العيّاشي . أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السمرقندي ( أواخر قرن الثالث) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، مجلّدان ، طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية .

10 - تمهيد القواعد . الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 - 965) ، تحقيق مكتب الإعلام الإسلامي - فرع خراسان ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1416 ق .

11 - تنقيح الاُصول (تقريرات الإمام الخميني قدّس سرّه ) . حسين التقوي الاشتهاردي (1304 - 1378 ش) ، تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1418 - 1419 ق / 1376 - 1377 ش .

12 - تهذيب الأحكام . أبو جعفر محمّد بن الحسن ، الشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 10 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1365 ش.

13 - تهذيب الاُصول (تقريرات الإمام الخميني قدّس سرّه ) . الشيخ جعفر السبحاني التبريزي ، تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1424 ق .

«ج»

14 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام . الشيخ محمّد حسن بن باقر النجفي (م 1266) ،

ص: 178

تحقيق الشيخ عبّاس القوچاني ، الطبعة الثالثة ، 43 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1367 ش .

«ح»

15 - حاشية فرائد الاُصول أو الفوائد الرضوية على الفرائد المرتضوية . الحاج آقا رضا بن محمّد هادي الهمداني النجفي (م 1322) ، تحقيق محمّد رضا الأنصاري القميّ ، الطبعة الاُولى ، قم ، مهديّ موعود(عجل الله تعالی فرجه الشریف) ، 1421 ق / 1379 ش .

16 - الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة . الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107 - 1186) ، تحقيق محمّد تقي الإيرواني ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1406 ق .

«د»

17 - درر الفوائد . العلاّمة الشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي ، تعليق آية اللّه الشيخ محمّد علي الأراكي والمؤلّف ، تحقيق الشيخ محمّد المؤمن القمّي ، الطبعة الخامسة ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1408 ق .

18 - درر الفوائد في الحاشية على الفرائد . الآخوند محمّد كاظم الهروي الخراساني (1255 - 1329) ، تحقيق السيّد مهديّ شمس الدين ، الطبعة الاُولى ، طهران ، مؤسّسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ، 1410 ق / 1990 م .

«ذ»

19 - ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 ق .

«س»

20 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي . أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (543 - 598) ، إعداد مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1410 - 1411 ق .

ص: 179

«ص»

21 - صفات الشيعة ، المطبوع مع «المواعظ» و«فضائل الشيعة». محمّد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمّي (م 381) ، تحقيق محمود البدري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية ، 1421 ق .

«ع»

22 - العدّة في اُصول الفقه . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق محمّد رضا الأنصاري القمّي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مطبعة ستارة ، 1417 ق .

23 - علل الشرائع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، الطبعة الاُولى ، النجف الأشرف ، المكتبة الحيدرية ، 1385 ق / 1966 م .

24 - عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية . محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (م - أوائل القرن العاشر) ، تحقيق مجتبى العراقي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مطبعة سيّد الشهداء ، 1403 ق .

25 - عيون أخبار الرضا علیه السلام . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح السيّد مهديّ الحسيني اللاجوردي ، الطبعة الثانية ، منشورات جهان .

«ف»

26 - فرائد الاُصول ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 24 - 27 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1419 ق / 1377 ش .

27 - الفصول الغروية في الاُصول الفقهية . محمّد حسين بن عبدالرحيم الطهراني الأصفهاني الحائري (م 1250) ، قم ، دار إحياء العلوم الإسلامية ، 1404 ق . «بالاُفست عن الطبعة الحجرية» .

ص: 180

28 - الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام . تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، مشهد المقدّس ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا علیه السلام ، 1406 ق .

29 - الفقيه (من لا يحضره الفقيه) . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 4 مجلّدات ، النجف الأشرف ، دار الكتب الإسلامية ، 1377 ق / 1957 م .

30 - فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) . الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني (1309 - 1365) ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ق .

«ق»

31 - قوانين الاُصول . المحقّق ميرزا أبو القاسم القمّي بن المولى محمّد حسين الجيلاني المعروف بالميرزا القمّي (1151 - 1231) ، مجلّدان ، الطبعة الحجرية ، المجلّد الأوّل ، طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية ، 1378 ، والمجلّد الثاني ، طهران ، المستنسخة سنة

1310 ق .

«ك»

32 - الكافي . ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م 329) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الخامسة ، 8 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

33 - كفاية الاُصول . الآخوند الخراساني المولى محمّد كاظم بن حسين الهروي (1255 - 1329) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي .

34 - كنز الفوائد . أبو الفتح الشيخ محمّد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي (م 449) ، تحقيق الشيخ عبداللّه نعمة ، الطبعة الاُولى ، جزءان ، قم ، منشورات دار الذخائر ،

1410 ق .

«ل»

35 - لسان العرب . أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (630 -

ص: 181

711) ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1408 ق / 1988 م .

«م»

36 - المبسوط في فقه الإمامية . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد محمّد تقي الكشفي ، الطبعة الثانية ، 8 أجزاء في 4 مجلّدات ، طهران ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية ، 1387 - 1393 ق .

37 - مرآة العقول في شرح أ خبار آل الرسول . العلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (1037 - 1110) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي والسيّد جعفر الحسيني والشيخ علي الآخوندي ، الطبعة الثانية ، 26 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

38 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل . الحاج الميرزا حسين المحدّث النوري الطبرسي (1254 - 1320) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1407 ق .

39 - مستند الشيعة في أحكام الشريعة . أحمد بن محمّد مهديّ النراقي (م 1245) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 18 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1415 - 1420 ق .

40 - مصباح الفقيه (الطهارة ، الصلاة ، الزكاة ، الخمس ، الصوم ، الرهن) . الحاج آقا رضا بن محمّد هادي الهمداني النجفي (م 1322) ، الطبعة الاُولى ، 19 مجلّداً : الطهارة والصلاة . تحقيق المؤسّسة الجعفرية لإحياء التراث ، (ج 1 - 17) ، قم ، مؤسّسة مهديّ الموعود(عجل الله تعالی فرجه الشریف) ، 1417 - 1431 ق .

الزكاة والخمس والصوم والرهن . (ج 13 و14 ، حسب ترتيب مؤسّسة النشر الإسلامي) قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1416 ق .

41 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير . أحمد بن محمّد بن علي المقري الفيّومي (م 770) ، الطبعة الاُولى ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، دار الهجرة ، 1405 ق .

ص: 182

42 - معتمد الاُصول . محمّد الفاضل اللنكراني (1310 - 1386 ش) ، تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى ، جزءان ، طهران ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1420 - 1423 ق / 1378 - 1381 ش .

43 - مفاتيح الاُصول . السيّد محمّد الطباطبائي (م 1242) ، الطبعة الحجرية ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث .

44 - مناهج الوصول إلى علم الاُصول ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

45 - موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه . تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1434 ق / 1392 ش .

«ن»

46 - نهاية الأفكار (تقريرات المحقّق آغا ضياء الدين العراقي) . الشيخ محمّد تقيّ البروجردي النجفي (م 1391) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 4 أجزاء في 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1405 ق .

47 - النهاية في غريب الحديث والأثر . مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمّد بن محمّد الجزري المعروف بابن الأثير (544 - 606) ، تحقيق طاهر أحمد التراوي ومحمود محمّد الطناحي ، 5 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1364 ش .

«و»

48 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة . الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 - 1104) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 30 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1409 ق .

ص: 183

ص: 184

7 - فهرس الموضوعات

مقدمة التحقيق ··· ه

مبحث التعارض واختلاف الأدلّة

وقبل الورود في المقصد لا بدّ من ذكر اُمور :

الأمر الأوّل : في تنقيح موضوع البحث ··· 5

اختصاص الكلام في هذا الباب بتعارض الأخبار ··· 5

لزوم فرض التعارض في محيط التشريع ··· 7

سرّ عدم التعارض بين العامّ والخاصّ ··· 9

كلام المحقّقين في وجه تقديم الخاصّ على العامّ ··· 10

كلام الشيخ الأنصاري في المقام ··· 10

الإشكال على الشيخ الأعظم قدّس سرّه ··· 11

كلام مع بعض أعاظم العصر قدّس سرّه ··· 13

كلام مع شيخنا العلاّمة أعلى اللّه مقامه ··· 15

كلام مع المحقّق الخراساني قدّس سرّه ··· 16

بيان أصالتي الحقيقة والجدّ ··· 17

ص: 185

الأمر الثاني : في عدم شمول أخبار العلاج لموارد الجمع العرفي ··· 21

دعوى المحقّقين الخراساني والحائري شمول أخبار العلاج للمقام ··· 22

الإيراد على المحقّق الخراساني رحمه الله علیه ··· 24

كلام مع شيخنا الاُستاذ رحمه الله علیه ··· 25

الأمر الثالث : في قاعدة الجمع مهما أمكن ، أولى من الطرح ··· 27

الأمر الرابع : في كلام الشيخ في موضوع الترجيح بحسب الدلالة ··· 29

الأمر الخامس : في الموارد الخارجة عن أخبار العلاج ··· 32

وفيه مباحث :

المبحث الأوّل : فيما يمكن أن يقال أو قيل بأ نّهما من قبيل النصّ والظاهر ··· 33

وجود قدر المتيقّن في مقام التخاطب ··· 33

لزوم استهجان التخصيص ··· 35

لزوم إخراج المورد ··· 35

ورود أحد الدليلين مورد التحديدات ··· 36

المبحث الثاني : فيما عدّ من المرجّحات النوعية الدلالية ··· 37

وهي موارد :

تعارض العموم والإطلاق ··· 37

وجه تقدّم العامّ على المطلق ··· 39

دوران الأمر بين النسخ والتخصيص ··· 42

الإشارة إلى حال المخصّصات في المقام ··· 42

علل الاختلاف بين العامّة والخاصّة وتأخير بيان المخصّصات ··· 44

في وجوه ورود العامّ والخاصّ والدوران بين النسخ والتخصيص ··· 46

في الدوران بين التقييد وحمل الأمر على الاستحباب ··· 52

المبحث الثالث : فيما إذا كان التعارض بين أكثر من دليلين ··· 54

ص: 186

وهي كثيرة نذكر مهمّاتها :

إذا ورد عامّ وخاصّان بينهما التباين ··· 54

إذا ورد عامّ وخاصّان بينهما عموم مطلق ··· 56

إذا ورد عامّ وخاصّان بينهما عموم من وجه ··· 58

إذا ورد عامّان من وجه وخاصّ ··· 59

إذا ورد عامّان متباينان وخاصّ ··· 59

فصل : في أنّ العامّين من وجه هل يندرجان في أخبار العلاج ؟··· 61

هل المرجّحات الصدورية جارية في العامّين من وجه ؟··· 64

المقصد الأوّل : في المتكافئين

وفيه بحثان :

البحث الأوّل : في مقتضى الأصل في المتكافئين مع قطع النظر عن الأخبار ··· 69

مقتضى الأصل على الطريقية ··· 69

مقتضى الأصل على السببية ··· 73

البحث الثاني : في حال المتكافئين بمقتضى الأخبار الواردة في المقام ··· 77

نقل أخبار التخيير ··· 77

مفاد أخبار التخيير ··· 82

نقل أخبار التوقّف ··· 84

أنظار المحقّقين في الجمع بين أخبار التخيير والتوقّف ··· 87

بقي التنبيه على اُمور :

الأمر الأوّل : في معنى التخيير في المسألة الاُصولية ··· 95

الأمر الثاني : في حكم تخيير القاضي والمفتي في عمله وعمل مقلّديه ··· 98

الأمر الثالث : في أنّ التخيير بدوي أو استمراري ··· 101

في التمسّك بأدلّة التخيير على كونه استمرارياً ··· 101

ص: 187

في التمسّك بالاستصحاب على كون التخيير استمرارياً ··· 103

الأمر الرابع : في شمول أخبار التخيير لجميع صور الخبرين المختلفين ··· 106

المقصد الثاني : فيما إذا كانت لأحد الخبرين مزيّة

ويتمّ البحث فيه في ضمن اُمور :

الأمر الأوّل : في مقتضى الأصل في المقام ··· 111

الأمر الثاني : في حال أخبار العلاج ··· 113

الكلام حول مقبولة عمر بن حنظلة ··· 116

في معنى «المجمع عليه بين الأصحاب» ··· 121

عدم كون الأعدلية وما يتلوها والشهرة من المرجّحات ··· 123

انحصار المرجّحات المنصوصة في موافقة الكتاب ومخالفة العامّة ··· 127

ولابدّ لاستقصاء البحث فيها من عقد بحثين:

البحث الأوّل : في حال الأخبار الواردة في موافقة الكتاب ومخالفته ··· 127

في التوفيق بين الأخبار ··· 130

تحقيق المقام ··· 132

في مرجّحية موافقة الكتاب والثمرة بين المرجعية والمرجّحية ··· 134

البحث الثاني : في حال الأخبار الواردة في مخالفة العامّة ··· 135

في الترتيب بين الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة ··· 139

تتميم : في عدم الترجيح بالأحدثية ··· 140

الأمر الثالث : في التعدّي عن المرجّحات المنصوصة ··· 141

كلام الشيخ الأعظم في المقام ··· 141

الوجوه التي استدلّ بها الشيخ الأعظم على التعدّي من المنصوص ··· 142

في تقريب الترجيح بكلّ ذي مزيّة ··· 149

الأمر الرابع : في إمكان كون كلّ من المرجّحين مرجّحاً للصدور أو لجهته ··· 152

ص: 188

الفهارس العامّة

1 - فهرس الآيات الكريمة ··· 159

2 - فهرس الأحاديث الشريفة ··· 161

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام ··· 167

4 - فهرس الأعلام ··· 169

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن ··· 175

6 - فهرس مصادر التحقيق ··· 177

7 - فهرس الموضوعات ··· 185

ص: 189

المجلد 2

هویة الکتاب

عنوان واسم المؤلف: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 6 التعادل و الترجیح و الاجتهاد والتقلید/ [روح الله الامام الخمیني قدس سرة].

مواصفات النشر : طهران : موسسة تنظیم و نشر آثارالامام الخمیني قدس سرة، 1401.

مواصفات المظهر: 2ج.

الصقيع: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة

ISBN: 9789642123568

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: الببليوغرافيا مترجمة.

عنوان : الخميني، روح الله، قائد الثورة ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، 1279 - 1368.

عنوان : الفقه والأحكام

المعرف المضاف: معهد الإمام الخميني للتحرير والنشر (س)

ترتيب الكونجرس: BP183/9/خ8الف47 1396

تصنيف ديوي : 297/3422

رقم الببليوغرافيا الوطنية : 3421059

عنوان الإنترنت للمؤسسة: https://www.icpikw.ir

خيرانديش ديجيتال: مركز خدمة مدرسة اصفهان

محرّر: محمّد علي ملك محمّد

ص: 1

الاجتهاد والتقليد

ص: 2

ص: 3

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين

والصلاة والسلام على محمّد وآله

الطاهرين ، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين

ص: 1

ص: 2

ونذكر مهمّات مباحثهما ، ونترك ما لا ثمرة مهمّة فيه ، ونتمّ في ضمن فصول :

ص: 3

ص: 4

الفصل الأوّل: ذكر شؤون الفقيه نريد أن نبيّن فيه :

اشارة

من لا يجوز له أن يرجع إلى غيره في تكاليفه الشرعية .

ومن يجوز له العمل على طبق رأيه ويكون معذوراً أو مثاباً لو عمل به .

ومن يجوز له الإفتاء .

ومن له منصب القضاء ويكون حكمه فاصلاً للخصومة .

ومن تكون له الولاية والزعامة في الاُمور السياسية الشرعية .

ومن يكون مرجعاً للفتيا ويجوز أو يجب لغيره الرجوع إليه .

ولمّا كانت ديانة الإسلام كفيلةً بجميع احتياجات البشر ؛ من اُموره السياسية واجتماعاته المدنية إلى حياته الفردية - كما يتّضح ذلك بالرجوع إلى أحكامه في فنون الاحتياجات ، وشؤون الاجتماع وغيرها - فلا محالة يكون لها في كلّ ما أشرنا إليه تكليف .

فلنذكر العناوين الستّة في اُمور :

ص: 5

الأمر الأوّل: فيمن لا يجوز له الرجوع إلى الغير

إنّ الموضوع لعدم جواز الرجوع إلى الغير في التكليف ، وعدم جواز تقليد الغير ، هو قوّة استنباط الأحكام من الأدلّة وإمكانه ولو لم يستنبط شيئاً منها بالفعل . فلو فرض حصولها لشخص من ممارسة مقدّمات الاجتهاد ، من غير الرجوع إلى مسألة واحدة في الفقه - بحيث يصدق عليه : أ نّه جاهل بالأحكام غير عارف بها - لا يجوز له الرجوع إلى غيره في الفتوى مع قوّة الاستنباط فعلاً وإمكانه له ، من غير فرق بين من له قوّة مطلقة ، أو في بعض الأبواب ، أو الأحكام بالنسبة إليها ؛ لأنّ الدليل على جواز رجوع الجاهل إلى العالم ، هو بناء العقلاء ولا دليل لفظي يتمسّك بإطلاقه ، ولم يثبت بناؤهم في مثله ؛ فإنّ من له قوّة الاستنباط وتتهيّأ له أسبابه ، ويحتمل في كلّ مسألة أن تكون الأمارات والاُصول الموجودة فيها مخالفة لرأي غيره بنظره ، ويكون غيره مخطئاً في اجتهاده ، وتكون له طرق فعلية إلى إحراز تكليفه ، لا يعذره العقلاء في رجوعه إليه .

وبالجملة : موضوع بناء العقلاء ظاهراً هو الجاهل الذي لا يتمكّن من تحصيل الطريق فعلاً إلى الواقع ، لا مثل هذا الشخص الذي تكون الطرق والأمارات إلى الواقع وإلى وظائفه موجودة لديه ، ولم يكن الفاصل بينه وبين العلم بوظائفه وتكاليفه إلاّ النظر والرجوع إلى الكتب المعدّة لذلك ، فيجب عليه

ص: 6

عقلاً الاجتهاد ، وبذل الوسع في تحصيل مطلوبات الشرع ، وما يحتاج إليه في أعمال نفسه .

وما قد يتراءى من رجوع بعض أصحاب الصناعات أحياناً إلى بعض في تشخيص بعض الاُمور ، إنّما هو من باب ترجيح بعض الأغراض على بعض ، كما لو كان له شغل أهمّ من تشخيص ذلك الموضوع ، أو يكون من باب الاحتياط وتقوية نظره بنظره ، أو من باب رفع اليد عن بعض الأغراض ؛ لأجل عدم الاهتمام به ، وترجيح الاستراحة عليه وغير ذلك ، وقياس التكاليف الإلهية بها مع الفارق .

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ رجوع الجاهل في كلّ صنعة إلى الخبير فيها إنّما هو لأجل إلغاء احتمال الخلاف ، وكون نظره مصيباً فيه نوعاً ، ومبنى العقلاء فيه هو المبنى في العمل على أصالة الصحّة ، وخبر الثقة ، واليد ، وأمثالها ، وهذا محقّق في الجاهل الذي له قوّة الاستنباط وغيره .

نعم ، الناظر في المسألة إذا كان نظره مخالفاً لغيره لا يجوز له الرجوع إليه ؛ لتخطئة اجتهاده في نظره ، وأمّا غيره فيجوز له الرجوع إليه بمناط رجوع الجاهل إلى العالم ، وهو إلغاء احتمال الخلاف .

لكنّه محلّ إشكال ، خصوصاً مع ما يرى من كثرة اختلاف نظر الفقهاء في الأحكام؛ ولهذا يحتمل أن يكون للانسداد دخالة في ذلك الرجوع .

ويحتمل أن يكون مبنى المسألة سيرة المتشرّعة ، والقدر المتيقّن منها غير ما نحن فيه ؛ والمسألة مشكلة ، وسيأتي مزيد توضيح إن شاء اللّه (1) .

ص: 7


1- يأتي في الصفحة 58 .

الأمر الثاني: فيمن يجوز له العمل على طبق رأيه ويجوز له الإفتاء

اشارة

موضوع جواز العمل على رأيه ؛ بحيث يكون مثاباً أو معذوراً في العمل به عقلاً وشرعاً هو تحصيل الحكم الشرعي المستنبط بالطرق المتعارفة لدى أصحاب الفنّ ، أو تحصيل العذر كذلك ، وهو لا يحصل إلاّ بتحصيل مقدّمات الاجتهاد ، وهي كثيرة :

مقدّمات الاجتهاد

منها : العلم بفنون العلوم العربية بمقدار يحتاج إليه في فهم الكتاب والسنّة ، فكثيراً ما يقع المحصّل في خلاف الواقع ؛ لأجل القصور في فهم اللغة وخصوصيات كلام العرب لدى المحاورات ، فلا بدّ له من التدبّر في محاورات أهل اللسان وتحصيل علم اللغة وسائر العلوم العربية بالمقدار المحتاج إليه .

ومنها : الاُنس بالمحاورات العرفية وفهم الموضوعات العرفية ممّا جرت محاورة الكتاب والسنّة على طبقها ، والاحتراز عن الخلط بين دقائق العلوم والعقليات الرقيقة وبين المعاني العرفية العادية ؛ فإنّه كثيراً ما يقع الخطأ لأجله ، كما يتّفق كثيراً لبعض المشتغلين بدقائق العلوم - حتّى اُصول الفقه بالمعنى الرائج في أعصارنا - الخلطُ بين المعاني العرفية السوقية الرائجة بين أهل المحاورة المبنيّ عليها الكتاب والسنّة ، والدقائق الخارجة عن فهم العرف .

ص: 8

بل قد يوقع الخلط لبعضهم بين الاصطلاحات الرائجة في العلوم الفلسفية أو الأدقّ منها وبين المعاني العرفية في خلاف الواقع لأجله .

ومنها : تعلّم المنطق بمقدار تشخيص الأقيسة ، وترتيب الحدود ، وتنظيم الأشكال من الاقترانيات وغيرها ، وتمييز عقيمها من غيرها ، والمباحث الرائجة منه في نوع المحاورات ؛ لئلاّ يقع في الخطأ لأجل إهمال بعض قواعده . وأمّا تفاصيل قواعده ودقائقه الغير الرائجة في لسان أهل المحاورة ، فليست لازمة ، ولا يحتاج إليها في الاستنباط .

ومنها : - وهو من المهمّات - العلم بمهمّات مسائل اُصول الفقه ممّا هي دخيلة في فهم الأحكام الشرعية . وأمّا المسائل التي لا ثمرة لها ، أو لا يحتاج في تثمير الثمرة منها إلى تلك التدقيقات والتفاصيل المتداولة ، فالأولى ترك التعرّض لها أو تقصير مباحثها والاشتغال بما هو أهمّ وأثمر . فمن أنكر دخالة علم الاُصول في استنباط الأحكام(1) فقد أفرط ؛ ضرورة تقوّم استنباط كثير من الأحكام بإتقان مسائله ، وبدونه يتعذّر الاستنباط في هذا الزمان ، وقياس زمان أصحاب الأئمّة بزماننا مع الفارق من جهات .

وظنّي أنّ تشديد نكير بعض أصحابنا الأخباريين على الاُصوليين في تدوين الاُصول وتفرّع الأحكام عليها ، إنّما نشأ من ملاحظة بعض مباحث كتب الاُصول ممّا هي شبيهة في كيفية الاستدلال والنقض والإبرام بكتب العامّة ، فظنّوا أنّ مباني استنباطهم الأحكام الشرعية أيضاً شبيهة بهم ؛ من استعمال

ص: 9


1- راجع الفوائد المدنية : 77 و123 ؛ الحدائق الناضرة 9 : 362 .

القياس والاستحسان والظنون ، مع أنّ المطّلع على طريقتهم في استنباطها يرى أ نّهم لم يتعدّوا عن الكتاب والسنّة والإجماع الراجع إلى كشف الدليل المعتبر لا المصطلح بين العامّة .

نعم ، ربّما يوجد في بعض كتب الأعاظم لبعض الفروع المستنبطة من الأخبار استدلالات شبيهة باستدلالاتهم ؛ لمصالح منظورة في تلك الأزمنة ، وهذا لا يوجب الطعن على أساطين الدين وقوّام المذهب .

والإنصاف : أنّ إنكارهم في جانب الإفراط ، كما أنّ كثرة اشتغال بعض طلبة الاُصول والنظر إليه استقلالاً ، وتوهّم أ نّه علم برأسه ، وتحصيلَه كمال النفس ، وصرفَ العمر في المباحث الغير المحتاج إليها في الفقه لهذا التوهّم ، في طرف التفريط ، والعذر بأنّ الاشتغال بتلك المباحث يوجب تشحيذ الذهن والاُنس بدقائق الفنّ ، غير وجيه .

فالعاقل الضنين بنقد عمره لا بدّ [له] من ترك صرفه فيما لا يعني ، وبذل جهده فيما هو محتاج إليه في معاشه ومعاده ؛ وهو نفس مسائل علم الفقه الذي هو قانون المعاش والمعاد ، وطريق الوصول إلى قرب الربّ بعد العلم بالمعارف . فطالب العلم والسعادة لا بدّ وأن يشتغل بعلم الاُصول بمقدار محتاج إليه - وهو ما يتوقّف عليه الاستنباط - ويترك فضول مباحثه أو يقلّله ، وصرف الهمّ والوقت في مباحث الفقه ، خصوصاً فيما يحتاج إليه في عمله ليلاً ونهاراً .

ومنها : علم الرجال بمقدار يحتاج إليه في تشخيص الروايات ، ولو بالمراجعة إلى الكتب المعدّة له حال الاستنباط .

ص: 10

وما قيل : من عدم الاحتياج إليه ؛ لقطعية صدور ما في الكتب الأربعة ، أو شهادة مصنّفيها بصحّة جميعها ، أو غير ذلك(1) ، كما ترى .

ومنها : - وهو الأهمّ الألزم - معرفة الكتاب والسنّة ممّا يحتاج إليه في الاستنباط ولو بالرجوع إليهما حال الاستنباط ، والفحص عن معانيهما لغة وعرفاً ، وعن معارضاتهما والقرائن الصارفة بقدر الإمكان والوسع ، وعدم [التقصير] فيه ، والرجوع إلى شأن نزول الآيات وكيفية استدلال الأئمّة علیهم السلام بها .

والمهمّ للطالب المستنبط الاُنس بالأخبار الصادرة عن أهل البيت ؛ فإنّها رحى العلم ، وعليها يدور الاجتهاد ، والاُنس بلسانهم وكيفية محاوراتهم ومخاطباتهم من أهمّ الاُمور للمحصّل .

فعن «معاني الأخبار» بسنده عن داود بن فرقد قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا ؛ إنّ الكلمة لتنصرف على وجوه ، فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب»(2) .

وعن «العيون» بإسناده عن الرضا علیه السلام قال : «من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه فقد هدي إلى صراط مستقيم» . ثمّ قال علیه السلام : «إنّ في أخبارنا محكماً كمحكم القرآن ، ومتشابهاً كمتشابه القرآن ، فردّوا متشابهها إلى محكمها ،

ص: 11


1- الفوائد المدنية : 122 و378 ؛ اُنظر الرسائل الاُصولية ، الوحيد البهبهاني : 112 ؛ تنقيح المقال 1 : 177 / السطر 32 .
2- معاني الأخبار : 1/1 ؛ وسائل الشيعة 27 : 117 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب9 ، الحديث 27 .

ولا تتّبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا»(1) .

ومنها : تكرير تفريع الفروع على الاُصول حتّى تحصل له قوّة الاستنباط وتكمل فيه ؛ فإنّ الاجتهاد من العلوم العملية ، وللعمل فيه دخالة تامّة ، كما لا يخفى .

ومنها : الفحص الكامل عن كلمات القوم ، خصوصاً قدماؤهم الذين دأبهم الفتوى بمتون الأخبار ، كشيخ الطائفة في بعض مصنّفاته ، والصدوقين ، ومن يحذو حذوهم ، ويقرب عصره [من] أعصارهم ؛ لئلاّ يقع في خلاف الشهرة القديمة التي فيها - في بعض الموارد - مناط الإجماع(2) .

ولا بدّ للطالب [من] الاعتناء بكلمات أمثالهم ، وبطريقتهم في الفقه ، وطرز استنباطهم ؛ فإنّهم أساطين الفنّ ، مع قربهم بزمان الأئمّة ، وكون كثير من الاُصول لديهم ممّا هي مفقودة في الأعصار المتأخّرة ، حتّى زمن المحقّق والعلاّمة .

وكذا الفحص عن فتاوى العامّة ، [ولا] سيّما في مورد تعارض الأخبار ، فإنّه المحتاج إليه في علاج التعارض ، بل الفحص عن أخبارهم ؛ فإنّه ربّما يعينه في فهم الأحكام . فإذا استنبط حكماً شرعياً بعد الجهد الكامل وبذل الوسع فيما تقدّم ، يجوز له العمل بما استنبط ، ويكون معذوراً لو فرض تخلّفه عن الواقع .

ثمّ اعلم : أنّ موضوع جواز الإفتاء أيضاً عين ما ذكر ؛ فإنّه إذا اجتهد واستنبط الحكم الواقعي أو الظاهري ، فكما يجوز له العمل به ، يجوز له الإفتاء به ، وهذا واضح .

ص: 12


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 290 / 39 ؛ وسائل الشيعة 27 : 115 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي، الباب 9 ، الحديث 22 .
2- راجع أنوار الهداية 1 : 207 - 210 .

الأمر الثالث: فيمن يجوز له التصدّي لمنصبي القضاء والحكومة

اشارة

موضوع القضاء ليس هو ما تقدّم ؛ لأنّه لمّا كان من المناصب المجعولة ، فلا بدّ من ملاحظة دليل جعله سعةً وضيقاً ، وكذا الحال في الحكومة ونفوذ الحكم في الاُمور السياسية ممّا يحتاج إليه الناس في حياتهم المدنية .

مقتضى الأصل الأوّلي في المقام

فنقول : لا إشكال في أنّ الأصل عدم نفوذ حكم أحد على غيره ، قضاءً كان أو غيره ، نبياً كان الحاكم أو وصيّ نبي أو غيرهما ، ومجرّد النبوّة والرسالة والوصاية والعلم - بأيّ درجة كان - وسائر الفضائل ، لا يوجب أن يكون حكم صاحبها نافذاً وقضاؤه فاصلاً .

فما يحكم به العقل هو نفوذ حكم اللّه - تعالى شأنه - في خلقه ؛ لكونه مالكهم وخالقهم ، والتصرّف فيهم - بأيّ نحو من التصرّف - يكون تصرّفاً في ملكه وسلطانه ، وهو - تعالى شأنه - سلطان على كلّ الخلائق بالاستحقاق الذاتي ، وسلطنة غيره ونفوذ حكمه وقضائه تحتاج إلى جعله .

وقد نصب النبي للخلافة والحكومة مطلقاً ؛ قضاءً كانت أو غيره ، فهو صلی الله علیه و آله وسلم سلطان من قبل اللّه تعالى على العباد بجعله :

ص: 13

قال تعالى : (النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(1) .

وقال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّه ِ وَالرَّسُولِ)(2) .

وقال : (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِى أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(3) .

ثمّ بعد النبي صلی الله علیه و آله وسلم كان الأئمّة علیهم السلام واحداً بعد واحد سلطاناً وحاكماً على العباد ، ونافذاً حكمهم من قبل نصب اللّه تعالى ونصب النبي ؛ بمقتضى الآية المتقدّمة ، والروايات المتواترة بين الفريقين عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم (4) ، واُصول المذهب ، هذا ممّا لا إشكال فيه .

ص: 14


1- الأحزاب (33) : 6 .
2- النساء (4) : 59 .
3- النساء (4) : 65 .
4- كقوله صلى الله عليه و آله وسلم : «إنّي تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعدي ؛ الثقلين ، أحدهما أعظم من الآخر ؛ كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» . الخصال : 65 / 98 ؛ الكافي 1 : 293 / 3 ؛ وسائل الشيعة 27 : 33 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 5 ، الحديث 9 مع تفاوت يسير ؛ المسند ، أحمد بن حنبل 10 : 48 / 11046 ؛ سنن الترمذي 5 : 328 / 3876 . وكقوله صلى الله عليه و آله وسلم : «لا يزال الدين قائماً حتّى يكون اثنا عشر خليفة من قريش» . المسند ، أحمد بن حنبل 15 : 332 / 20701 ؛ صحيح مسلم 4 : 101 / 10 ؛ كنز العمّال 12 : 33 / 33855 ؛ الخصال : 473 / 30 .
القضاء والحكومة في زمان الغيبة
اشارة

وإنّما الإشكال في أمر القضاء والحكومة في زمان الغيبة ، بعد قضاء الأصل المتقدّم ، وبعد دلالة الأدلّة على أنّ القضاء والحكومة من المناصب الخاصّة للخليفة والنبي والوصيّ :

قال تعالى : (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ)(1) .

دلّ على أنّ جواز الحكومة بالحقّ من متفرّعات الخلافة ، وغيرَ الخليفة لا يجوز له الحكم حتّى بالحقّ ، فتأمّل .

وإنّما قلنا: بجوازها؛ لكون الأمر في مقام رفع الحظر، فلا يستفاد منه إلاّ الجواز.

وتدلّ عليه أيضاً صحيحة سليمان بن خالد ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «اتّقوا الحكومة ؛ فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء ، العادل في المسلمين ؛ لنبي ، أو وصيّ نبي»(2) .

ورواية إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «قال أمير المؤمنين لشريح : يا شريح ، قد جلست مجلساً لا يجلسه إلاّ نبي أو وصيّ نبي أو شقيّ»(3) فلا بدّ في الإخراج من الأصل والأدلّة من دليل معتبر .

ص: 15


1- ص 38 : 26 .
2- الكافي 7 : 406/ 1 ؛ وسائل الشيعة 27 : 17 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 3 ، الحديث3 .
3- الكافي 7 : 406 / 2 ؛ وسائل الشيعة 27 : 17 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 3 ، الحديث 2 .
الاستدلال على ثبوت منصبي الحكومة والقضاء للفقيه في زمن الغيبة:
الاستدلال بالضرورة

فنقول : إنّا نعلم علماً ضرورياً بأنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم المبعوث بالنبوّة الختمية أكمل النبوّات وأتمّ الأديان ، بعد عدم إهماله جميع ما يحتاج إليه البشر حتّى آداب النوم والطعام ، وحتّى أرش الخدش ، لا يمكن أن يهمل هذا الأمر المهمّ الذي يكون من أهمّ ما تحتاج إليه الاُمّة ليلاً ونهاراً ، فلو أهمل - والعياذ باللّه - مثل هذا الأمر المهمّ ؛ أي أمر السياسة والقضاء ، لكان تشريعه ناقصاً ، وكان مخالفاً لخطبته في حجّة الوداع(1) .

وكذا لو لم يعيّن تكليف الاُمّة في زمان الغيبة ، أو لم يأمر الإمام بأن يعيّن تكليف الاُمّة في زمانها، مع إخباره بالغيبة وتطاولها(2) ، كان نقصاً فاحشاً على ساحة التشريع والتقنين ، يجب تنزيهها عنه .

فالضرورة قاضية بأنّ الاُمّة بعد غيبة الإمام علیه السلام في تلك الأزمنة المتطاولة ،

ص: 16


1- وهو قوله صلى الله عليه و آله وسلم : «أيُّها الناس ، واللّه ما من شيء يقرّبكم من الجنّة ويباعدكم من النار إلاّ وقد أمرتكم به ، وما من شيء يقرّبكم من النار ويباعدكم من الجنّة إلاّ وقد نهيتكم عنه . . .» . الكافي 2 : 74 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 45 ، كتاب التجارة ، أبواب مقدّماتها ، الباب 12 ، الحديث 2 .
2- راجع كمال الدين : 257 / 2 ؛ بحار الأنوار 51 : 108 / 42، و52 :143 / 60 و61 .

لم تترك سدىً في أمر السياسة والقضاء الذي هو من أهمّ ما يحتاجون إليه ، خصوصاً مع تحريم الرجوع إلى سلاطين الجور وقضاتهم ، وتسميته : «رجوعاً إلى الطاغوت» وأنّ المأخوذ بحكمهم سحت ولو كان الحقّ ثابتاً(1) ، وهذا واضح بضرورة العقل ، وتدلّ عليه بعض الروايات(2) .

وما قد يقال : من أنّ غيبة الإمام منّا ، فلا يجب تعيين السائس بعد ذلك ، غير مقنع ؛ فأيّ دخالة لأشخاص الأزمنة المتأخّرة في غيبته روحي له الفداء ، خصوصاً مثل الشيعة الذين يدعون ربّهم ليلاً ونهاراً لتعجيل فرجه ؟!

فإذا علم عدم إهمال جعل منصب الحكومة والقضاء بين الناس ، فالقدر المتيقّن هو الفقيه العالم بالقضاء والسياسات الدينية العادل في الرعية .

خصوصاً مع ما يرى من تعظيم اللّه تعالى ورسوله الأكرم والأئمّة علیهم السلام العلم وحملته ، وما ورد في حقّ العلماء من كونهم «حصون الإسلام»(3) ، و«اُمناء»(4) ،

ص: 17


1- الكافي 1 : 67/ 10 ؛ وسائل الشيعة 27 : 136 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 1 .
2- كقوله عليه السلام : «فإن قال قائل : ولمَ جَعل اُولي الأمر وأمر بطاعتهم ؟ قيل : لعلل كثيرة : منها : أنّ الخلق لمّا وقفوا على حدّ محدود . . . فجعل عليهم فيما يمنعهم من الفساد ، ويقيم فيهم الحدود والأحكام . . .» والرواية طويلة ، راجع علل الشرائع : 253 / 3 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام : 99 / 1 ؛ بحار الأنوار 6 : 60 .
3- الكافي 1 : 38/ 3 .
4- الكافي 1 : 33 / 5 .

و«ورثة الأنبياء»(1) ، و «خلفاء رسول اللّه»(2) ، و«اُمناء الرسل»(3) ، وأ نّهم «كسائر الأنبياء»(4) ، و«منزلتهم منزلة الأنبياء في بني إسرائيل»(5) ، وأ نّهم «خير خلق اللّه بعد الأئمّة إذا صلحوا»(6) ، و«أنّ فضلهم على الناس كفضل النبي على أدناهم»(7) ، وأ نّهم «حكّام على الملوك»(8) ، وأ نّهم «كفيل أيتام أهل البيت»(9) ، و«أنّ مجاري الاُمور والأحكام على أيدي العلماء باللّه الاُمناء على حلاله وحرامه»(10) . . . إلى غير ذلك(11) ؛ فإنّ الخدشة في كلّ واحد منها سنداً أو دلالة ممكنة ، لكن مجموعها يجعل الفقيه العادل قدراً متيقّناً ، كما ذكرنا .

ص: 18


1- الكافي 1 : 32/ 2 ؛ وسائل الشيعة 27 : 78 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 8 ، الحديث 2 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 37 / 94 ؛ وسائل الشيعة 27 : 92 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 8 ، الحديث 53 .
3- الكافي 1 : 46 / 5 .
4- جامع الأخبار : 111 / 196 .
5- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 338 ؛ بحار الأنوار 75 : 346/ 4 .
6- الاحتجاج 2 : 513 / 337 ؛ بحار الأنوار 2 : 89 / 12 .
7- راجع مجمع البيان 9 : 380 .
8- كنز الفوائد 2 : 33 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 316 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 17 .
9- راجع التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام: 339؛ بحار الأنوار 2: 2 - 3.
10- تحف العقول : 238 ؛ مستدرك الوسائل 17 :315 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 16 .
11- راجع عوائد الأيّام : 531 - 535 .
الاستدلال بمقبولة عمر بن حنظلة

وممّا يدلّ على أنّ القضاء بل مطلق الحكومة للفقيه ، مقبولة عمر بن حنظلة وهي لاشتهارها بين الأصحاب والتعويل عليها في مباحث القضاء ، مجبورة من حيث السند ، ولا إشكال في دلالتها ، فإنّه بعد ما شدّد أبو عبداللّه علیه السلام النكير على من رجع إلى السلطان والقضاة ، وأنّ «ما يؤخذ بحكمهم سحت ولو كان حقّاً ثابتاً» قال : قلت : فكيف يصنعان ؟

قال : «ينظران إلى من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا ، فليرضوا به حكماً ؛ فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً . . .»(1) إلى آخره .

دلّت على أنّ الذي نصبه للحكومة هو الذي يكون منّا - فغيرنا ليس منصوباً لها ، ولا يكون حكمه نافذاً ولو حكم بحكمهم - ويكون راوي الحديث ، والناظر في حلالهم وحرامهم ، والعارفَ بأحكامهم ؛ وهو الفقيه ؛ فإنّ غيره ليس ناظراً في الحلال والحرام ، وليس عارفاً بالأحكام .

بل راوي الحديث في زمانهم كان فقيهاً ؛ فإنّ الظاهر من قوله : «ممّن روى حديثنا» أي كان شغله ذلك ؛ وهو الفقيه في تلك الأزمنة ؛ فإنّ المتعارف فيها بيان الفتوى بنقل الرواية ، كما يظهر للمتتبّع ، فالعامّي ومن ليست له ملكة الفقاهة والاجتهاد خارج عن مدلولها .

ص: 19


1- الكافي 1 : 67 / 10 ؛ الفقيه 3 : 5 / 18 ؛ تهذيب الأحكام 6 : 301 / 845 ؛ وسائل الشيعة 27 : 136 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 1 .

وإن شئت توضيحاً لذلك فاعلم : أ نّه يمكن أن يستدلّ على الاختصاص بالمجتهد وخروج العامّي ، بقوله : «نظر في حلالنا وحرامنا» لا من مفهوم «النظر» الذي يدّعى أ نّه بمعنى الاستنباط والدقّة في استخراج الأحكام(1) ، وإن كان لا يخلو من وجه .

بل لقوله : «حلالنا وحرامنا» فإنّ الحلال والحرام مع كونهما من اللّه تعالى لا منهم ، إنّما نسبا إليهم لكونهم مبيّنين لهما ، وأ نّهم محالّ أحكام اللّه ، فمعنى النظر في حرامهم وحلالهم ، هو النظر في الفتاوى والأخبار الصادرة منهم ، فجعل المنصب لمن نظر في الحلال والحرام الصادرين منهم ؛ أي الناظر في أخبارهم وفتاويهم ، وهو شأن الفقيه لا العامّي ؛ لأنّه ناظر في فتوى الفقيه ، لا في أخبار الأئمّة .

ودعوى إلغاء الخصوصية عرفاً مجازفة محضة ؛ لقوّة احتمال أن يكون للاجتهاد والنظر في أخبارهم مدخلية في ذلك ، بل لو ادّعى أحد القطع بأنّ منصب الحكومة والقضاء - بما لهما من الأهمّية ، وبمناسبة الحكم والموضوع - إنّما جعل للفقيه لا العامّي ، فليس بمجازف .

ويمكن الاستدلال بقوله : «عرف أحكامنا» من إضافة «الأحكام» إليهم كما مرّ بيانه ، ومن مفهوم «عرف» فإنّ عرفان الشيء لغة(2) وعرفاً ليس مطلق العلم به ، بل متضمّن لتشخيص خصوصيات الشيء وتمييزه من بين مشتركاته ، فكأ نّه

ص: 20


1- نهاية الدراية 6 : 364 - 365 .
2- مفردات ألفاظ القرآن : 560 .

قال : «إنّما جعل المنصب لمن كان مشخّصاً لأحكامنا ، ومميّزاً فتاوينا الصادرة لأجل بيان الحكم الواقعي وغيرها - ممّا هي معلّلة ولو بمؤونة التشخيصات والمميّزات الواردة من الأئمّة علیهم السلام - لكونها مخالفة للعامّة ، أو موافقة للكتاب» ومعلوم أنّ هذه الصفة من مختصّات الفقيه ، وغيره محروم منها .

وبالجملة : يستفاد من الفقرات الثلاث التي جعلت معرّفة للحاكم المنصوب ، أنّ ذلك هو الفقيه لا العامّي .

ويدلّ على المقصود قوله فيها : «وكلاهما اختلفا في حديثكم» فإنّ الظاهر من «الاختلاف» فيه هو الاختلاف في معناه ، لا في نقله ، وهو شأن الفقيه ، بل الاختلاف في الحكم الناشئ من اختلاف الروايتين ، لا يكون - نوعاً - إلاّ مع الاجتهاد وردّ كلّ منهما رواية الآخر ، وليس هذا شأن العامّي ، فتدلّ هذه الفقرة على أنّ المتعارف في تلك الأزمنة هو الرجوع إلى الفقيه .

ويدلّ عليه أيضاً قوله : «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما» ، وقوله فيما بعد : «أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنّة» فإنّ المستفاد من جميع ذلك ، كون الفقاهة مفروغاً عنها في القاضي ، ولا إشكال في عدم صدق «الفقيه» و«الأفقه» على العامّي المقلّد .

ويدلّ قوله : «فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً» على أنّ للفقيه - مضافاً إلى منصب القضاء - منصب الحكومة أيّة حكومة كانت ؛ لأنّ الحكومة مفهوماً أعمّ من القضاء المصطلح ، والقضاءُ من شعب الحكومة والولاية ، ومقتضى المقبولة أ نّه علیه السلام جعل الفقيه حاكماً ووالياً ، ودعوى الانصراف غير مسموعة ، فللفقيه الحكومة على الناس فيما يحتاجون إلى الحكومة من الاُمور السياسية

ص: 21

والقضائية ، والمورد لا يوجب تخصيص الكبرى الكلّية .

هذا مع منع كون المورد خصوص القضاء المصطلح ؛ فإنّ قوله في الصدر : «فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة» يدلّ على أعمّية المورد ممّا يكون مربوطاً بالقضاء كباب القضاء ، أو الرجوع إلى السلطان والوالي ، فإنّ ما يرجع إليه غير ما يرجع إلى القضاة نوعاً ؛ فإنّ شأنهم التصرّف في الاُمور السياسية ، فمع أعمّية الصدر من القضاء ، لا وجه لاختصاص الحاكمية به .

فحينئذٍ : مقتضى الإطلاق جعل مطلق الحكومة - سياسية كانت أو قضائية - للفقيه ، وسؤال السائل بعده عن مسألة قضائية لا يوجب اختصاص الصدر بها ، كما هو واضح .

وقوله : «إذا حكم بحكمنا» ليس المراد الفتوى بحكم اللّه جزماً ، بل النسبة إليهم لكون الفقيه حاكماً من قبلهم ، فكان حكمه حكمَهم ، وردُّه ردَّهم .

عدم دلالة المقبولة على اشتراط الاجتهاد المطلق

ثمّ إنّ الجمع المضاف وإن كان يفيد العموم ، وكذا المصدر المضاف ، ولازمه جعل المنصب لمن عرف جميع الأحكام ، لكن لا يستفاد منهما العموم في المقام :

أمّا أوّلاً : فلأنّ وقوع الفقرات في مقابل المنع عن الرجوع إلى حكّام الجور وقضاتهم ، يمنع عن استفادة العموم ، بل الظاهر أن يكون المنصب لمن عرف أحكامهم ، ونظر في حلالهم وحرامهم ، في مقابل المنحرفين عنهم الحاكمين باجتهادهم ورأيهم ، بل الظاهر صدق قوله : «عرف أحكامنا» وغيره ،

ص: 22

على من عرف مقداراً معتدّاً به منها .

والمراد ب «رواية الحديث» ليس هو الرواية للغير ؛ ضرورة عدم مدخليتها في جعل المنصب ، بل المراد أن تكون فتواه على طبق الرواية ، ولمّا كان المتعارف في تلك الأزمنة الإفتاء بصورة الرواية ، قال : «روى حديثنا» .

وأمّا ثانياً : فلأنّ الظاهر من قوله : «عرف أحكامنا» هو المعرفة الفعلية ، وهي غير حاصلة بجميع الأحكام لغير الأئمّة ؛ بل غير ممكنة عادة ، فجعل المنصب له لغو فليس المراد معرفة جميع الأحكام ، وصرفها إلى قوّة المعرفة وملكة الاستنباط ممّا لا وجه له ، فيجب صرفها - على فرض الدلالة - إلى معرفة الأحكام بمقدار معتدّ به .

وأمّا ثالثاً : فعلى فرض إمكان المعرفة الفعلية بجميع الأحكام ، لا طريق لتشخيص هذا الفقيه ، فمن أين علم أنّه عارف فعلاً بجميع الأحكام ؟! فلا معنى للأمر بالرجوع إليه ، فلا بدّ من الحمل على غيره ، لكن يجب أن يكون بحيث يصدق عليه «أ نّه ممّن روى الحديث ، وعرف أحكامهم» وهو من عرف مقداراً معتدّاً به منها ، وعليه تحمل صحيحة أبي خديجة الآتية(1) .

فاعتبار الاجتهاد المطلق سواء كان بمعنى الملكة أو بمعنى العلم الفعلي ، ممّا لا دليل عليه ، بل الأدلّة على خلافه . نعم ، لا إشكال في اعتبار علمه بجميع ما وليه .

ثمّ إنّ الرواية لمّا كانت في مقام التحديد وبيان المعرّف للمنصوب ، يجب أخذ

ص: 23


1- تأتي في الصفحة 25 - 26 .

جميع القيود فيها قيداً إلاّ ما يدلّ العقل أو يفهم العرف عدم دخالته كما أشرنا إليه ، وفقه الحديث كَمَلاً وبيان الأحكام المستفادة منه ، موكول إلى كتاب القضاء .

الاستدلال بروايتي القدّاح وأبي البختري

وممّا يمكن الاستدلال عليه للمطلوب صحيحة القدّاح وضعيفة أبي البختري .

ففي الاُولى : «وإنّ العلماء ورثة الأنبياء ، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ، ولكن ورّثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظّ وافر»(1) .

وفي الثانية قال : «إنّ العلماء ورثة الأنبياء ، وذلك أنّ الأنبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً وإنّما أورثوا أحاديث من أحاديثهم ، فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظّاً وافراً . . .»(2) الحديث .

بأن يقال : إنّ مقتضى إخباره ب «أنّ العلماء ورثة الأنبياء» أنّ لهم الوراثة في كلّ شيء كان من شأن الأنبياء ، ومن شأنهم الحكومة والقضاء ، فلا بدّ وأن تكون الحكومة مطلقاً مجعولة لهم ، حتّى يصحّ هذا الإطلاق أو الإخبار .

وتذييلهما بقوله : «ولكن ورّثوا العلم» أو «إنّما أورثوا أحاديث» لا يوجب تخصيص الوراثة بهما ؛ لعدم استفادة الحصر الحقيقي منهما حتّى الثانية :

أمّا أوّلاً : فلأنّهما في مقابل عدم وراثة الدرهم والدينار ، فالحصر إضافي .

وأمّا ثانياً : فلأنّ الحمل على الحقيقي موجب لمخالفة الواقع ؛ لأنّ ميراث

ص: 24


1- الكافي 1 : 34 / 1 .
2- الكافي 1 : 32/ 2 ؛ وسائل الشيعة 27 : 78 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 8 ، الحديث 2 .

الأنبياء لا ينحصر بهما ، فالزهد والتقوى وسائر الكمالات من ميراث الأنبياء ، كما أنّ الولاية والقضاء منه .

ولكن للنظر فيه مجال واسع ؛ فإنّ قوله : «العلماء ورثة الأنبياء» ليس إنشاءً ، بل إخبار ، ويكفي في صدقه كونهم ورثة في العلم والحديث ، ولا يلزم الإخبار عن وراثتهم كونهم ورّاثاً في جميع شؤونهم .

نعم ، لو كان في مقام الإنشاء والجعل لأمكن دعوى إطلاقه على إشكال ، لكنّه ليس كذلك ، كما لا يخفى .

الاستدلال بمشهورة أبي خديجة وصحيحته

ومن الروايات الدالّة على المطلوب مشهورة أبي خديجة ؛ وهي ما روى الشيخ ، عن محمّد بن علي بن محبوب - وطريقه إليه صحيح في «المشيخة»(1) و«الفهرست»(2) - عن أحمد بن محمّد ؛ أي ابن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن أبي الجهم ، وهو بكير بن أعين ، وقد مات في حياة أبي عبداللّه علیه السلام (3) ، وهو ثقة على الأظهر .

لكن إدراك الحسين إيّاه بعيد ، بل الظاهر عدم إدراكه ، وكذا من في طبقته ، كما يظهر بالرجوع إلى طبقات الرواة ، ففي الرواية إرسال على الظاهر .

وأبو الجهم يروي عن أبي خديجة ؛ سالم بن مُكْرَم ، وهو ثقة ، فلا إشكال فيها

ص: 25


1- تهذيب الأحكام ، المشيخة 10 : 72 .
2- الفهرست، الطوسي: 222 / 623.
3- اختيار معرفة الرجال : 181 / 315 و316 ؛ رجال الطوسي : 170 / 43 .

إلاّ من جهة الظنّ بالإرسال ، ولو ثبت اشتهار العمل بها(1) - كما سمّيت «مشهورة»(2) - فيجبر ضعفها من جهته .

قال : بعثني أبو عبداللّه إلى أصحابنا فقال : «قل لهم: إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شيء من الأخذ والعطاء ، أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفسّاق ، اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا ؛ فإنّي قد جعلته عليكم قاضياً ، وإيّاكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر»(3) .

دلّت على جعله منصب القضاء لرجل عارف بحلالهم وحرامهم ، وتقريب الدلالة يظهر ممّا مرّ في المقبولة ، إلاّ أ نّها أظهر دلالة من المشهورة بجهات ، كما أنّ المستفاد منها جعل الحكومة مطلقاً للفقيه ، دون هذه .

بل يمكن أن يقال : بدلالتها على الحكومة أيضاً ؛ فإنّ صدرها عامّ في مطلق الخصومات ، سواء كانت راجعة إلى القضاة أو إلى الولاة ، و«القاضي» أعمّ لغة(4) وعرفاً عامّاً من الاصطلاحي ، وذيلها يؤكّد التعميم ؛ فإنّ التخاصم إلى السلطان ليس في الاُمور القضائية بحسب التعارف في جميع الأزمنة ، ولا سيّما في تلك الأزمنة .

ص: 26


1- مسالك الأفهام 13 : 335 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 12 : 7 ؛ مستند الشيعة 17 : 17 - 18 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16 : 547 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 303 / 846 ؛ وسائل الشيعة 27 : 139 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 6 .
4- مفردات ألفاظ القرآن : 674 ؛ لسان العرب 11 : 209 .

ومن ذلك يمكن التمسّك بالصحيحة(1) ؛ فإنّ «أهل الجور» هم الولاة ، والقاضي حاكم بالجور، والظاهر من «أهل الجور» هم المتصدّون له ؛ وهم الولاة.

وقريب منها صحيحة أبي خديجة على الأصحّ(2) ، قال : قال أبو عبداللّه ؛ جعفر ابن محمّد الصادق علیه السلام : «إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا(3) ، فاجعلوه بينكم ؛ فإنّي قد جعلته قاضياً ، فتحاكموا إليه»(4) .

وهاهنا روايات اُخر استدلّوا بها للمطلوب(5) ، قاصرة سنداً أو دلالة أو كليهما ، لا بأس بذكرها تأييداً ، وقد أشرنا إلى مضامينها في أوائل هذا البحث(6) .

فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ القضاء بل الحكومة مطلقاً من مناصب الفقهاء ، وهذا ممّا لا إشكال فيه بالنسبة إلى منصب القضاء ؛ فإنّ الإجماع(7) بل الضرورة قاضيان بثبوته للفقيه في زمن الغيبة ، كما أنّ الأقوى ثبوت منصب الحكومة والولاية له في الجملة ، وبيان حدودها ومتفرّعاتها موكول إلى محلّ آخر(8) .

ص: 27


1- وهي صحيحة أبي خديجة الآتية بعد السطرين.
2- من جهة الوشّاء كما يأتي في الصفحة 30 - 31 .
3- كذا في التهذيب والوسائل ، والموجود في الكافي والفقيه : «قضائنا» بدل «قضايانا» .
4- الكافي 7 : 412 / 4 ؛ الفقيه 3 : 2 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 6 : 219 / 516 ؛ وسائل الشيعة 27 : 13 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 1 ، الحديث 5 .
5- عوائد الأيّام : 531 - 535 .
6- تقدّم في الصفحة 17 - 18 .
7- جواهر الكلام 40 : 31 .
8- البيع ، الإمام الخميني قدس سره 2 : 666 .
حول جواز القضاء للعامّي مستقلاًّ أو بنصب الحاكم أو بالتوكيل
اشارة

إنّما الإشكال في جواز القضاء للمقلّد مستقلاًّ ، أو بنصب الحاكم ، أو وكالته .

استقلال العامّي في القضاء

واستدلّ(1) على استقلاله باُمور :

منها : قوله تعالى في سورة النساء : (إِنَّ اللّه َ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّه َ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ)(2) .

فإنّ إطلاقه شامل للمقلّد العامّي ، ومعلوم أ نّه إذا أوجب اللّه تعالى الحكم بالعدل بين الناس ، فلا بدّ من إيجاب قبولهم ومن نفوذه فيهم ، وإلاّ لصار لغواً .

وفيه : أنّ الخطاب في صدر الآية متوجّه إلى من عنده الأمانة ، لا إلى مطلق الناس ، وفي ذيلها إلى من له الحكم وله منصب القضاء أو الحكومة ، لا إلى مطلق الناس أيضاً ، كما هو ظاهر بأدنى تأمّل ، فحينئذٍ يكون المراد : أنّ من له حكم بين الناس ، يجب عليه أن يحكم بينهم بالعدل .

هذا مضافاً إلى أنّها في مقام بيان وجوب العدل في الحكم ، لا وجوب الحكم ، فلا إطلاق لها من هذه الحيثية .

ويدلّ على أنّ الأمر متوجّه إلى من له الأمر - مضافاً إلى ظهور الآية - : ما روى الصدوق ، بإسناده عن المعلّى بن خنيس ، عن الصادق علیه السلام قال : قلت له :

ص: 28


1- جواهر الكلام 40 : 15 - 18 .
2- النساء (4) : 58 .

قول اللّه عزّ وجلّ : (إِنَّ اللّه َ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) .

فقال : «عدل الإمام أن يدفع ما عنده إلى الإمام الذي بعده ، واُمر الأئمّة أن يحكموا بالعدل ، وأمر الناس أن يتّبعوهم»(1) .

وليس هذا تفسيراً تعبّدياً خلاف ظاهر الآية ، بل هو ظاهرها ؛ لأنّ الحكومة بين الناس لمّا كانت في جميع الطوائف ، شأن الاُمراء والسلاطين ، لا يفهم العرف من الآية إلاّ كون الخطاب متوجّهاً إليهم ، لا إلى الرعية الذين ليس لهم أمر وحكم.

ومنها : مفهوم قوله في المائدة : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّه ُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ)(2) .

وفي آية :(هُمُ الظَّالِمُونَ)(3) وفي ثالثة : (هُمُ الْفاسِقُونَ)(4) .

دلّت بمفهومها على وجوب الحكم بما أنزل اللّه ، وإطلاقه شامل للعامّي المقلّد .

وفيه : أنّ الآيات الكريمة في مقام بيان حرمة الحكم بغير ما أنزل اللّه ، ولا يستفاد منها جواز الحكم أو وجوبه لكلّ أحد ؛ لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة .

ص: 29


1- الفقيه 3 : 2 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 6 : 223 / 533 ؛ وسائل الشيعة 27 : 14 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 1 ، الحديث 6 .
2- المائدة (5) : 44 .
3- المائدة (5) : 45 .
4- المائدة (5) : 47 .

والإنصاف : أنّ هذه الآيات وغيرها ممّا استدلّ بها المحقّق صاحب «الجواهر» قدّس سرّه (1) ، ليس لها إطلاق يمكن أن يتمسّك به للمطلوب ، مضافاً إلى أ نّه لو كان لها إطلاق ، ينصرف إلى من كان صاحب الأمر والحكم ، دون غيره .

ومنها : ما روى الصدوق بسنده عن أحمد بن عائذ ، وليس في طريقه(2) إليه من يمكن القدح فيه إلاّ الحسن بن علي الوشّاء ، وقد قال فيه النجاشي : كان من وجوه هذه الطائفة ، وقال : كان هذا الشيخ عيناً من عيون هذه الطائفة(3) .

وقد روى عنه الأجلّة ، كابن أبي عمير ، أحمد بن محمّد بن عيسى ، وأحمد بن محمّد بن خالد ، ومحمّد بن عيسى ، ويعقوب بن يزيد ، والحسين بن سعيد وغيرهم(4) .

وعن العلاّمة : الحكم بصحّة طرق هو فيها(5) ، بل قد يقال : إنّه من مشايخ

ص: 30


1- جواهر الكلام 40 : 15 - 18 .
2- قال الصدوق قدس سره في المشيخة : وما كان فيه عن أحمد بن عائذ ، فقد رويته عن أبي رضي اللّه عنه ، عن سعد بن عبداللّه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن علي الوشّاء ، عن أحمد بن عائذ . الفقيه ، المشيخة 4 : 125 - 126 .
3- رجال النجاشي : 39 / 80 .
4- راجع تنقيح المقال 1 : 295 / السطر 22 ؛ جامع الرواة 1 : 211 .
5- وذلك في طريق الصدوق قدس سره إلى أبي الحسن النهدي ، وأحمد بن عائذ وغيرهما . خلاصة الأقوال : 422 ؛ الفقيه ، المشيخة 4 : 102 و125 ؛ اُنظر تنقيح المقال 1 : 295 / السطر23 .

الإجازة(1) فلا يحتاج إلى التوثيق ، وكيف كان فالأقوى وثاقته .

وأحمد بن عائذ ثقة ، روى عن أبي خديجة سالم بن مُكْرَم الجمّال ، وقد وثّقه النجاشي قائلاً : إنّه ثقة ثقة(2) ، ووثّقه الشيخ في موضع على ما عن العلاّمة(3) ، وإن ضعّفه في موضع كما عن «الفهرست»(4) والأرجح وثاقته .

قال : قال أبو عبداللّه ؛ جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام : «إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا(5) فاجعلوه بينكم ؛ فإنّي قد جعلته قاضياً ، فتحاكموا إليه»(6) .

فإنّها بإطلاقها تشمل المقلّد ، لأنّ المراد ب «العلم» هو الأعمّ من الوجداني ، والمقلّد عالم بهذا المعنى ؛ لأنّ له طريقاً إلى الواقع .

وفيه : أنّ العلم بشيء من قضاياهم مختصّ بالفقيه ، أو منصرف إليه ؛ لأنّ العامّي إمّا أن يتّكل على فتوى الفقيه في القضاء ، فلا يصدق عليه «أ نّه يعلم شيئاً من قضاياهم» بل هو يعلم فتوى الفقيه في القضاء ، وهو طريق إلى حكم اللّه تعالى .

وإمّا أن يتّكل على إخبار الفقيه بقضاياهم ، وهذا غير جائز ؛ لأنّه لا يزيد على

ص: 31


1- تنقيح المقال 1 : 295 / السطر 23 .
2- رجال النجاشي : 188/ 501 .
3- خلاصة الأقوال: 354 / 2.
4- الفهرست ، الطوسي: 141 / 337.
5- راجع ما تقدّم في الصفحة 27 ، الهامش 3 .
6- الكافي 7 : 412/ 4 ؛ الفقيه 3 : 2/ 1 ؛ تهذيب الأحكام 6: 219 / 516؛ وسائل الشيعة 27 : 13 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 1 ، الحديث 5 .

رواية مرسلة غير جائزة العمل ، مع أ نّه على فرض صحّة السند ، لا يجوز له العمل بها إلاّ مع الفحص عن معارضها ، وإعمال سائر مقدّمات الاستنباط ، وهو خارج عن المفروض .

وبالجملة : العلم بفتوى الفقيه ، لا يوجب انسلاكه في قوله : «يعلم شيئاً من قضايانا» . نعم ، يمكن الاستدلال بها لثبوت منصب القضاء للمتجزّي ، وهو ليس ببعيد .

ومنها : صحيحة الحلبي ، قال : قلت لأبي عبداللّه : ربّما كان بين الرجلين من أصحابنا المنازعة في الشيء ، فيتراضيان برجل منّا .

فقال : «ليس هو ذاك ، إنّما هو الذي يجبر الناس على حكمه بالسيف والسوط»(1) .

فإنّ إطلاق قوله : «رجل منّا» يشمل المقلّد ، وترك الاستفصال دليل العموم .

وأيضاً : حصر عدم الجواز فيمن يجبر الناس بسيفه وسوطه ، دليل على جواز الرجوع لغيرهم مطلقاً .

وفيه : أنّ الظاهر من قوله : «ليس هو ذاك» كون الكلام مسبوقاً بسابقة بين المتخاطبين غير منقولة إلينا ، ومعه يشكل الاعتماد على الإطلاق وترك الاستفصال . مضافاً إلى عدم الإطلاق ؛ لعدم كونه في مقام البيان ، بل هو في مقام بيان حكم آخر .

والحصر إضافي ؛ ضرورة عدم جواز الرجوع إلى قضاة العامّة ممّن ليس لهم

ص: 32


1- تهذيب الأحكام 6 : 223 / 532 ؛ وسائل الشيعة 27 : 15 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 1 ، الحديث 8 .

سيف وسوط . ومضافاً إلى عدم جواز الاعتماد على الحصر أيضاً مع معهودية القضيّة بينهما ، عدم نقل الرواية بجميع خصوصياتها لنا .

مع أنّ معهودية كون شأن القضاء لأشخاص معيّنين وهم فقهاء الفريقين ، يمنع عن الإطلاق ، وعلى فرض الإطلاق يقيّد بمثل المقبولة(1) .

وقد يستدلّ(2) لجواز الرجوع إلى المقلّد : بأنّ الاجتهاد بهذا المعنى المتعارف في زماننا لم يكن في الصدر الأوّل ، بل المحدّثون فيه مثل المقلّدين الآخذين أحكام اللّه من الفقهاء ، فقوله في المقبولة : «ممّن روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا»(3) ، ليس المراد منه المجتهد ؛ أي من له قوّة الاستنباط بالمعنى المعهود في أعصارنا ؛ لعدم وجوده في زمان الأئمّة علیهم السلام بل المراد منه من علم الأحكام بأخذ المسائل من الإمام أو الفقيه ، كما كان كذلك في تلك الأزمنة .

وفيه : إنّا لا ندّعي أنّ المناط في الفقيه المنصوب في المقبولة ، هو واجديته لقوّة الاستنباط ، وردّ الفرع إلى الأصل بالنحو المتعارف في زماننا .

بل نقول : إنّ الموضوع هو من يتّصف بما فيها ؛ من كونه ممّن روى حديثهم ، ونظر في حلالهم وحرامهم ، وعرف أحكامهم ، على نحو ما حرّرناه في فقه الحديث(4) ، وهو صادق على المحدّثين والفقهاء في العصر الأوّل من أصحاب

ص: 33


1- تقدّمت في الصفحة 19 .
2- جواهر الكلام 40 : 18 .
3- تقدّمت في الصفحة 19 .
4- تقدّم في الصفحة 19.

الأئمّة ، كما هو صادق على فقهاء عصرنا ؛ فإنّهم مشتركون معهم فيما هو مناط المنصب .

وامتياز المجتهدين في زماننا عنهم ، إنّما هو في أمر خارج عمّا يعتبر في المنصب ؛ وهو تحصيل قوّة الاستنباط بالمشقّة ، وبذل الجهد وتحمّل الكلفة في معرفة الأحكام ، ممّا لم يكن فقهاء العصر الأوّل محتاجين إليه .

فمعرفة الأحكام في العصر الأوّل كانت سهلة ؛ لعدم الاحتياج إلى كثير من مقدّمات الاجتهاد ، وعدم الاحتياج إلى التكلّف وبذل الجهد ممّا نحتاج إليه في هذه الأعصار ممّا هو غير دخيل في تقوّم الموضوع ، بل دخيل في تحقّقه ، فقيود الموضوع - وهي ما عيّنت المقبولة من الأوصاف - كانت حاصلة لهم من غير مشقّة ، ولفقهائنا مع تحمّل المشاقّ .

وأمّا المقلّد فخارج عن الموضوع رأساً ؛ لعدم صدق الأوصاف عليه ، كما أوضحنا سبيله سابقاً(1) .

هذا ، مع أنّ المنصوبين للقضاء من قبل خلفاء الجور والحقّ ، كانوا من الفقهاء الواجدين لقوّة الاستنباط ، كشريح المنصوب من قبل أمير المؤمنين ، وكابن أبي ليلى ، وابن شُبْرُمة ، وقَتَادة ، وأضرابهم .

فتحصّل من جميع ذلك : أنّ منصب القضاء مختصّ بالفقهاء ، ولا حظّ للعامّي فيه .

ص: 34


1- تقدّم في الصفحة 19 - 21 .
جواز نصب العامّي للقضاء

فهل يجوز للفقيه نصب العامّي العارف بمسائل القضاء تقليداً أم لا ؟

ربّما قيل : بالجواز ؛ مستدلاًّ بعموم أدلّة ولاية الفقيه(1) .

وتقريبه : أنّ للنبي والوصيّ نصب كلّ أحد للقضاء ، مجتهداً كان أو مقلّداً عارفاً بالمسائل ؛ بمقتضى سلطنتهم وولايتهم على الاُمّة ، وكلّ ما كان لهما يكون للفقيه الجامع للشرائط ؛ بمقتضى أدلّة الولاية .

وردّت كلتا المقدّمتين :

أمّا الاُولى : فلمنع جواز نصب العامّي من النبي والوصيّ ؛ بمقتضى مقبولة عمر بن حنظلة الدالّة على أنّ هذا المنصب إنّما هو للفقيه لا العامّي ، ويستفاد منها أنّ ذلك حكم شرعي إلهي(2) .

وفيه : أنّ المقبولة لا تدلّ إلاّ على نصب الإمام الفقيهَ ، وأمّا كون ذلك بإلزام شرعي - بحيث يستفاد منها أنّ الفقاهة من الشرائط الشرعية للقضاء - فلا .

ويمكن أن يستدلّ لذلك بصحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة(3) ، عن أبي عبداللّه قال : «اتّقوا الحكومة ؛ فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء ، العادل في المسلمين ؛ لنبي أو وصيّ نبي» .

فإنّ الظاهر منها أ نّها مختصّة بهما من قبل اللّه ، ولا تكون لغيرهما أهلية لها ،

ص: 35


1- جواهر الكلام 40 : 18 - 19 .
2- القضاء ، المحقّق الآشتياني : 12.
3- تقدّمت في الصفحة 15 .

غاية الأمر أنّ أدلّة نصب الفقهاء لها ، تكون مخرجة إيّاهم عن الحصر ، وبقى الباقي .

بل يمكن أن يقال : إنّ الفقهاء أوصياء الأنبياء بوجه ؛ لكونهم «الخلفاء»(1) ، «الاُمناء»(2) ، و«منزلتهم منزلة الأنبياء من بني إسرائيل»(3) ، فيكون خروجهم موضوعياً .

لا يقال : بناءً عليه لا معنى لنصبهم حكّاماً ؛ لأنّهم الأوصياء ، فيكون المنصب لهم بجعل اللّه .

لأنّا نقول : إنّ المستفاد من الصحيحة أنّ هذا المنصب لا يكون إلاّ للنبي والوصيّ ، وهو لا ينافي أن يكون بنصب النبي أو الإمام ، لكن بأمر اللّه تعالى وحكمه ، فإذا نصب اللّه تعالى النبي حاكماً وقاضياً ، ونصب النبي الأئمّة كذلك ، والأئمّةُ الفقهاءَ ، ويكون الأئمّة والفقهاء أوصياء النبي ، يصحّ أن يقال : «إنّ الحكومة منحصرة بالنبي والوصيّ» ويراد منه الأعمّ من الفقهاء ، تأمّل .

وبالجملة : حصر الحكومة بالنبي والوصيّ ، يسلب أهلية غيرهما ، خرج الفقهاء إمّا موضوعاً أو حكماً ، وبقي الباقي .

مع أنّ الشكّ في جواز نصب النبي والإمام العامّي للقضاء - باحتمال اشتراطه بالفقاهة ، وعدم ظهور إطلاق ينفيه - يكفي في عدم جواز نصب

ص: 36


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 37 / 94 ؛ وسائل الشيعة 27 : 92 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 8 ، الحديث 53 .
2- الكافي 1 : 33 / 5 ، و : 46 / 5 .
3- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 338 ؛ بحار الأنوار 75 : 346 / 4 .

الفقيه إيّاه ، وعدم نفوذ حكمه لو نصبه .

وأمّا المقدّمة الثانية : فاُجيب عنها بمنع عموم ولاية الفقيه ؛ لأنّ المنصف المتأمّل في المقبولة صدراً وذيلاً ، وفي سياق الأدلّة ، يقطع بأ نّها في مقام بيان وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية والقضاء بين الناس ، لا مطلقاً .

مع أنّه لو سلّمت استفادة العموم منها ، فلا بدّ وأن تحمل على ذلك ؛ احترازاً عن التخصيص الأكثر المستهجن ، فإنّ أكثر ما للنبي والإمام غير ثابت للمجتهد ، فلا يجوز التمسّك بها لما نحن فيه إلاّ بعد تمسّك جماعة معتدّ بها من الأصحاب ، ولم يتمسّك بها في المقام إلاّ بعض المتأخّرين(1) .

وفيه : أنّ المستفاد من المقبولة كما ذكرناه(2) هو أنّ الحكومة مطلقاً للفقيه ، وقد جعلهم الإمام حكّاماً على الناس ، ولا يخفى أنّ جعل القاضي من شؤون الحاكم والسلطان في الإسلام ، فجعل الحكومة للفقهاء مستلزم لجواز نصب القضاة ، فالحكّام على الناس شأنهم نصب الاُمراء والقضاة وغيرهما ممّا يحتاج إليه الاُمّة ، كما أنّ الأمر كذلك من زمن رسول اللّه والخلفاء حقّاً أو باطلاً ، ولعلّه الآن كذلك عند العامّة ، وليس ذلك إلاّ لمعروفية ذلك في الإسلام من بدو نشئه .

فالقول : بأنّ الأخبار في مقام بيان وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية والقضاء بين الناس ، ساقط : أمّا بيان الأحكام الشرعية فليس من المناصب ، فلا معنى لجعله . وتخصيصها بالقضاء لا وجه له بعد عموم اللفظ ، ومطابقة

ص: 37


1- القضاء ، المحقّق الآشتياني : 13 .
2- تقدّم في الصفحة 21 .

الاعتبار . والانصراف لو كان فهو بدوي ، ينشأ من توهّم كون مورد المقبولة هو القضاء .

ودعوى مساوقة المقبولة للمشهورة ، وهي مختصّة بالقضاء ، فكذلك المقبولة ، كما ترى ، مع أ نّك قد عرفت عدم اختصاص مورد المقبولة ولا المشهورة بالقضاء(1) .

وأمّا تخصيص الأكثر فممنوع جدّاً ؛ فإنّ مختصّات النبي وإن كانت كثيرة ، لكن ليس شيء منها مربوطاً بمقام سلطنته وحكومته ، إلاّ النادر القليل لو كان ، فما هو ثابت للنبي والوصيّ من الحكومة والولاية في الاُمور السياسية والحِسبية ، هي الشؤون الثابتة للفقهاء أيضاً ، والمستثنى منها قليل جدّاً ، وما هي من مختصّات النبي فليست من شؤون الحكومة إلاّ النادر منها ، فراجع مختصّاته - وقد جمعها العلاّمة في أوّل نكاح «التذكرة»(2) - حتّى يتّضح لك الأمر .

وأمّا مختصّات الأئمّة فمع عدم كثرتها ، فهي أيضاً غير مربوطة بمقام الحكومة ، إلاّ النادر على فرضه .

جواز توكيل العامّي للقضاء

وأمّا توكيل الفقيه مقلِّده العارف بمسائل القضاء لتولّيه ، تشبّثاً بإطلاق أدلّة الوكالة(3) ، ففيه ما لا يخفى على المتأمّل :

ص: 38


1- تقدّم في الصفحة 22 و26 .
2- تذكرة الفقهاء 2 : 565 / السطر 29 ط - الحجري .
3- اُنظر جواهر الكلام 40 : 49 - 50 .

أمّا أوّلاً : فلأنّ القضاء غير قابل للتوكيل ؛ لما يستفاد من الأدلّة - كما عرفت(1) - من اختصاصه بالفقيه ، فتعتبر فيه مباشرة الفقيه ، ولو شكّ في ذلك فليس دليل ولا أصل يتشبّث به لإحراز القابلية ، فالأصل الأوّلي محكّم مع الشكّ .

وأمّا ثانياً : فلعدم إطلاق في أدلّة الوكالة يحرز به نفوذ الوكالة في كلّ أمر ؛ إذ ليس فيها ما يتوهّم فيه ذلك إلاّ صحيحة معاوية بن وهب ، عن أبي عبداللّه أ نّه قال : «من وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الاُمور ، فالوكالة ثابتة أبداً حتّى يعلمه بالخروج منها ، كما أعلمه بالدخول فيها»(2) .

وصحيحة هشام بن سالم ، عنه علیه السلام في رجل وكّل آخر على وكالة في أمر من الاُمور ، وأشهد له بذلك شاهدين ، فقام الوكيل فخرج لإمضاء الأمر ، فقال : اشهدوا أ نّي قد عزلت فلاناً عن الوكالة .

فقال : «إن كان الوكيل أمضى الأمر الذي وكّل فيه قبل العزل ، فإنّ الأمر واقع ماضٍ على ما أمضاه الوكيل ، كره الموكّل أم رضي» .

قلت : فإنّ الوكيل أمضى الأمر قبل أن يعلم العزل أو يبلغه أ نّه قد عزل عن الوكالة ، فالأمر على ما أمضاه ؟

قال : «نعم» . . . إلى أن قال : «إنّ الوكيل إذا وكّل ثمّ قام عن المجلس ، فأمره ماضٍ أبداً ، والوكالة ثابتة ، حتّى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه ،

ص: 39


1- تقدّم في الصفحة 34 .
2- الفقيه 3 : 47/166 ؛ وسائل الشيعة 19 : 161 ، كتاب الوكالة ، الباب 1 ، الحديث 1 .

أو يشافه بالعزل عن الوكالة»(1) .

وهما كما تراهما ، لا إطلاق لهما لإثبات قابلية كلّ شيء للوكالة ، أو نفوذها في كلّ شيء ؛ لكونهما في مقام بيان حكم آخر ، وهو واضح .

وتوهّم : كون التوكيل في الاُمور من الاُمور العقلائية الغير المحتاجة إلى الدليل ، فعدم الردع يكفي في ثبوته لكلّ شيء(2) .

فيه : أنّ التمسّك ببناء العقلاء مع عدم الردع ، إنّما هو في الاُمور الشائعة المتداولة بين الناس بمرأى ومنظر من الشارع ، وعدم ورود ردع منه ، كالعمل بالظواهر ، وخبر الثقة ، والوكالة في مثل النكاح والطلاق والبيع والشراء وأمثالها من المعاملات تكون كذلك ، وأمّا الوكالة في القضاء فلم تكن متعارفة بينهم ، حتّى يتمسّك ببنائهم ، وليس البناء على أمر كلّي حتّى يتمسّك بإطلاقه أو عمومه ، فالحقّ عدم جواز التوكيل للعامّي فيه .

ص: 40


1- الفقيه 3 : 49 / 170 ؛ وسائل الشيعة 19 : 162 ، كتاب الوكالة ، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- العروة الوثقى 6: 201.

الأمر الرابع: فيمن تؤخذ عنه الفتوى

اشارة

الرابع في تشخيص موضوع جواز التقليد وأنّ من يجوز الرجوع إليه في الفتوى ، هل هو الأعلم ، أو المجتهد المطلق وإن لم يكن هو الأعلم ، أو الأعمّ منه ومن المتجزّي ؟

فيقع الكلام تارة : في صورة عدم اختلافهما في الفتوى . واُخرى : مع عدم معلومية اختلافهما . وثالثة : مع معلوميته إجمالاً . ورابعة : مع معلوميته تفصيلاً .

ولا بدّ قبل الورود في بيان الأدلّة من تأسيس الأصل :

تقرير الأصل في وجوب تقليد الأعلم

فنقول : لا إشكال في أنّ الأصل حرمة العمل بما وراء العلم عقلاً ونقلاً (1) ، كما لا إشكال في أنّ التقليد - أي الأخذ بقول الغير ، ومتابعة رأيه في العمل - عمل

ص: 41


1- راجع أنوار الهداية 1 : 177 .

بغير العلم ، سواء كان دليله بناء العقلاء كما سنتعرّض له(1) ، أو التعبّد الشرعي من إجماع أو غيره .

وقد خرج من الأصل تقليد الفاضل إجماعاً ، بل ضرورة ؛ لوضوح عدم كون الناس كلّهم مكلّفين بتحصيل العلم والاجتهاد ، وبطلان وجوب العمل بالاحتياط أو التجزّي فيه ، فلا إشكال في جواز الاكتفاء بتقليد الأعلم ، وخروجه عن حرمة العمل بغير العلم ، فبقي الرجوع إلى غيره تحت الأصل ، ولا بدّ من خروجه عنه من التماس دليل ، هذا .

وأمّا التمسّك بدليل الانسداد بأن يقال : يجب على العامّي عقلاً العمل بقول الأعلم ، وإلاّ لزم :

إمّا إهمال الوقائع ، وهو باطل بالضرورة ؛ للعلم الإجمالي بالتكليف .

أو تحصيل العلم حقيقة أو اجتهاداً ، وهو باطل ؛ للعلم الضروري بعدم وجوبه على الناس ، وللزوم اختلال النظام .

وإمّا الاحتياط ، وهو باطل أيضاً ؛ للزوم العسر والحرج ، بل اختلال النظام .

وإمّا الأخذ بقول المفضول، وهو باطل؛ لقبح ترجيح المرجوح على الراجح(2).

فهو ليس في محلّه ؛ لعدم تمامية مقدّماته؛ لأنّ العلم الإجمالي منحلّ بما في فتاوى الأحياء من العلماء ، وليس للعامّي زائداً على فتاويهم علم ، فيكون تكليفه الاحتياط في فتاويهم ؛ أي العمل بأحوط الأقوال ، ولزوم العسر والحرج منه فضلاً عن اختلال النظام ، ممنوع .

ص: 42


1- يأتي في الصفحة 45 - 46 .
2- اُنظر قوانين الاُصول 2 : 246 / السطر 17 .

ولأنّ [كون] الأخذ بقول غير الأعلم من قبيل ترجيح المرجوح ، ممنوع :

أمّا أوّلاً : فلأنّه كثيراً ما يتّفق موافقة فتوى غير الأعلم لفتوى الميّت الذي هو أعلم من الأحياء .

وأمّا ثانياً : فلأنّ فتوى الفقهاء من قبيل الأمارات ، فقد تكون - بواسطة بعض الخصوصيات - فتوى غير الأعلم أقرب إلى الواقع .

ثمّ على فرض تمامية المقدّمات ، لا تكون نتيجتها الأخذ بقول الأعلم ، بل يلزم عليه التبعيض في الاحتياط بما دون العسر والحرج .

وقد يقرّر الأصل : بأنّ الأصل عدم حجّية رأي أحد على أحد ، خرج منه رأي الأعلم ، وبقي غيره(1) .

وقد تشبّث القائلون بجواز الأخذ من غير الأعلم باُصول غير أصيلة :

منها : أنّ أصالة حرمة العمل بالظنّ قد انقطعت بما دلّ على مشروعية التقليد في الجملة ، ولا ريب أ نّه إذا كان المجتهدان متساويين من جميع الجهات ، في جواز الرجوع إلى كلّ منهما تخييراً بحكم العقل ، بعد عدم جواز طرح قولهما ، وعدم وجوب الأخذ بأحوطهما ، ويستكشف من حكم العقل حكم شرعي بجواز الرجوع إلى كلّ منهما تخييراً . فإذا صار أحدهما أعلم من الآخر ، يشكّ في زوال التخيير ، فيستصحب بقاؤه ، ويتمّ في غيره بعدم القول بالفصل(2) .

واُجيب عنه : بأنّ الاستصحاب غير جارٍ في الأحكام العقلية ؛ لامتناع حصول الشكّ مع بقاء الموضوع بجميع حدوده ، فالشكّ فيها معلول اختلاف

ص: 43


1- مقالات الاُصول 2 : 506 .
2- اُنظر مطارح الأنظار 2: 529.

الموضوع ، ومعه لا يجري الاستصحاب(1) .

وفيه : أنّ جريانه في نفس حكم العقل وإن كان ممنوعاً ، لكن في الحكم الشرعي المستكشف منه ، لا مانع منه من قِبَل اختلاف الموضوع ؛ لأنّ اختلافه عقلاً لا يضرّ به مع بقائه عرفاً .

والحقّ في الجواب أن يقال : إنّ الحكم الشرعي المستكشف من حكم العقل - بناءً على تمامية الملازمة - لا يعقل أن يكون مناطه غيرَ مناط حكم العقل ، ومع زوال المناط لا يعقل بقاؤه ، كما لا يعقل بقاء حكم العقل .

ففيما نحن فيه ، إذا كان حكم العقل بالتخيير بمناط تساويهما ، واستكشف حكم شرعي متعلّق بالموضوع لأجل هذا المناط ، فلا يعقل بقاء حكم العقل والشرع المستكشف منه مع زوال التساوي .

نعم ، يمكن أن يكون مناط آخر غيره علّة للتخيير أيضاً ، فمع زوال المناط الأوّل والحكم المعلول له ، بقي الحكم بالتخيير لذاك المناط ، فحينئذٍ لا يجري استصحاب شخص الحكم ؛ لأنّ ما هو بمناط حكم العقل زال قطعاً ، وغيره مشكوك الحدوث ، فبقي استصحاب الكلّي .

وهو وإن جرى في بعض الموارد ، لكن لا يجري فيما نحن فيه ؛ لأنّ الجامع بين التخييرين من المخترعات العقلية الغير المجعولة ؛ لتعلّق الجعل بكلّ من التخييرين ، لا الجامع بينهما القابل للصدق عليهما ، فالجامع بينهما ليس حكماً ، ولا موضوعاً ذا حكم ، فلا يجري استصحاب الكلّي أيضاً في المقام .

ص: 44


1- مطارح الأنظار 2: 529.

وإن شئت تفصيل ذلك ، فراجع باب استصحاب الأحكام العقلية(1) ، واستصحاب الكلّي(2) .

هذا مضافاً إلى إمكان معارضة هذا الاستصحاب باستصحاب آخر ؛ وهو استصحاب الحجّية التعيّنية فيما إذا انحصر المجتهد في شخص ، ثمّ وجد من هو المفضول منه ، فيشكّ في جواز الرجوع إلى غيره ، فيستصحب عدم الجواز الثابت للمفضول قبل اجتهاده ، أو الحجّة التعيينية ، ويتمّ في غيره بعدم القول بالفصل ، تأمّل .

وأمّا تمسّكهم بأصالة البراءة وأمثالها(3) ، فهو - في مقابل أدلّة حرمة العمل بالظنّ - غريب ، فلا نطيل بالتعرّض له .

فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ الأصل مع القائلين بعدم جواز تقليد غير الأعلم مع وجود الأعلم .

مقتضى بناء العقلاء في باب تقليد الأعلم
في بناء العقلاء على أصل التقليد

ثمّ إنّه قبل الورود في أدلّة الطرفين ، لا بأس بالتدبّر في بناء العقلاء ، وبيان مقتضى ارتكازهم في أصل التقليد ، وفي باب تقليد الأعلم .

ص: 45


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 12 .
2- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 90 .
3- راجع مطارح الأنظار 2: 530.

فنقول : المعروف أنّ عمدة دليل وجوب التقليد هو ارتكاز العقلاء(1) ؛ فإنّه من فطريات العقول رجوع كلّ جاهل إلى العالم ، ورجوع كلّ محتاج في صنعة وفنّ إلى الخبير بهما ، فإذا كان بناء العقلاء ذلك ، ولم يرد ردع من الشارع عنه ، يستكشف أنّه مجاز ومرضيّ .

ولا يصلح ما ورد من حرمة اتّباع الظنّ للرادعية ؛ لما ذكرنا في باب حجّية الظنّ(2) : من أنّ مثل هذه الفطريات والأبنية المحكمة المبرمة ، لا يمكن فيها ردع العقلاء بمثل عموم (إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(3) - بناءً على عدم الخدشة في دلالته - وغير ذلك(4) ؛ فإنّه لا ينقدح في ذهنهم احتمال الخلاف في تلك الفطريات غالباً إلاّ مع التنبّه ، فلا ينقدح في بالهم أنّ مثل تلك العمومات رادعة عن مثل تلك الارتكازات ، فلا بدّ في ردعهم عن مثلها من التصريح والتأكيد .

ولهذا بعد ورود أمثال ما يدّعى الردع بها ، لم ينقدح في ذهن مَن في الصدر الأوّل ، عدمُ جواز ترتيب الملكية على ما في يد الغير ، وأثرِ الصحّة على معاملات الناس ، وعدم قبول قول الثقة والعمل بالظواهر ، فإذن يكون أصل التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم جائزاً .

ص: 46


1- كفاية الاُصول : 539 ؛ درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 702 - 703 ؛ نهاية الأفكار ، القسم الثاني 4 : 241 .
2- أنوار الهداية 1 : 221 .
3- يونس 10 : 36 ؛ النجم (53) : 28 .
4- كقوله تعالى : (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) الإسراء 17 : 36 .
شبهة عدم وجود هذا البناء في زمن الأئمّة

وهاهنا شكّ : وهو أنّ ارتكاز العقلاء وبناءهم على أمر ، إنّما يصير حجّة إذا أمضاه الشارع ، وإنّما يكفي عدم الردع ويكشف عن الإمضاء ، إذا كان بناؤهم على عمل بمرأى ومنظر من النبي أو الأئمّة علیهم السلام ، كبنائهم على أصالة الصحّة ، والعمل بقول الثقة ، وأمثالهما ممّا كان بناؤهم العملي متّصلاً بزمان المعصومين .

وأمّا إذا كان بناؤهم على عمل في موضوع مستحدث لم يتّصل بزمانهم ، فلا يمكن استكشاف إمضاء الشارع لمثله .

وما نحن فيه من هذا القبيل ؛ فإنّ علم الفقه أصبح في أعصارنا من العلوم النظرية التي لا تقصر عن العلوم الرياضية والفلسفية ، في حين كان في أعصار الأئمّة علیهم السلام من العلوم الساذجة البسيطة ، وكان فقهاء أصحاب الأئمّة يعلمون فتاويهم ، ويميّزون بين ما هو صادر من جراب النورة وغيره ، ولم يكن الاجتهاد في تلك الأزمنة كزماننا .

فرجوع الجاهل إلى العالم في تلك الأزمنة ، كان رجوعاً إلى من علم الأحكام بالعلم الوجداني الحاصل من مشافهة الأئمّة علیهم السلام ، وفي زماننا رجوع إلى من عرف الأحكام بالظنّ الاجتهادي والأمارات ، ويكون علمه تنزيلياً تعبّدياً ، لا وجدانياً .

فرجوع الجاهل في هذه الأعصار إلى علماء الدين وإن كان فطرياً ، ولا طريق لهم بها إلاّ ذلك ، لكن هذا البناء ما لم يكن مشفوعاً بالإمضاء ، وهذا

ص: 47

الارتكاز ما لم يصر ممضىً من الشارع ، لا يجوز العمل على طبقه ، ولا يكون حجّة بين العبد والمولى .

ومجرّد ارتكازية رجوع كلّ ذي صنعة إلى أصحاب الصنائع وكلّ جاهل إلى العالم ، لا يوجب الحجّية إذا لم يتّصل بزمان الشارع حتّى يكشف الإمضاء ، وليس إمضاء الارتكاز وبناء العقلاء من الاُمور اللفظية حتّى يتمسّك بعمومها أو إطلاقها ، ولم يرد دليل على إمضاء كلّ المرتكزات إلاّ ما خرج حتّى يتمسّك به .

ومن ذلك يعلم عدم جواز التمسّك بإرجاع الأئمّة علیهم السلام إلى أصحابهم ، كإرجاع ابن أبي يعفور إلى الثقفي(1) ، وكالإرجاع إلى زرارة بقوله : «إذا أردت حديثاً فعليك بهذا الجالس»(2) ... مشيراً إليه .

وكقوله علیه السلام لأبان بن تغلب : «اجلس في مسجد المدينة وأفتِ الناس ، فإنّي اُحبّ أن يرى في شيعتي مثلك»(3) . . . إلى غير ذلك(4) .

بدعوى : أنّ إرجاعهم إليهم لم يكن إلاّ لعلمهم بالأحكام ، وهو مشترك بينهم وبين فقهاء عصرنا ، فيفهم العرف جواز الرجوع إلى فقهاء عصرنا بإلغاء الخصوصية .

ص: 48


1- اختيار معرفة الرجال : 161 / 273 ؛ وسائل الشيعة 27 : 144 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 23 .
2- اختيار معرفة الرجال : 135 / 216 ؛ وسائل الشيعة 27 : 143 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 19 .
3- رجال النجاشي : 10 / 7؛ مستدرك الوسائل 17 : 315 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 14 .
4- يأتي بعضها في الصفحة 55 - 56 .

وذلك للفرق الواضح بينهم وبين فقهائنا ؛ لأنّ الإرجاع إليهم إرجاع إلى الأحكام الواقعية المعلومة لبطانتهم ؛ لسؤالهم مشافهة منهم ، وعلمهم بفتاويهم من غير اجتهاد كاجتهاد فقهائنا ، فمثل زرارة ، ومحمّد بن مسلم ، وأبي بصير ؛ ممّن تلمّذ لدى الأئمّة علیهم السلام سنين متمادية ، وأخذ الأحكام منهم مشافهة ، كان عارفاً بنفس فتاوى الأئمّة الصادرة لأجل الحكم الواقعي .

وأمّا فقهاء عصرنا فيكون علمهم عن اجتهاد بالوظيفة الأعمّ من الواقعية والظاهرية ، فلا يمكن إلغاء الخصوصية ، بل يكون القياس بينهما مع الفارق .

دفع الشبهة المذكورة بأمرين
اشارة

وهذا الشكّ لا يرتفع إلاّ بإثبات أحد الأمرين على سبيل منع الخلوّ :

أحدهما : أنّ الاجتهاد بالمعنى المتعارف في أعصارنا أو القريب منه كان متعارفاً في أعصار الأئمّة علیهم السلام وأنّ بناء العوامّ على الرجوع إلى الفقهاء في تلك الأعصار ، وأنّ الأئمّة أرجعوهم إليهم أيضاً .

وثانيهما : إثبات أنّ الردع عن ارتكاز رجوع الجاهل إلى العالم حتّى فيما نحن فيه، كان لازماً عليهم لو كان غير مرضيّ، ومع عدمه يكشف عن كونه مرضيّاً.

الأوّل : تعارف الاجتهاد سابقاً وإرجاع الأئمّة شيعتهم إلى الفقهاء

أمّا الأمر الأوّل : فتثبت كلتا مقدّمتيه بالرجوع إلى الأخبار .

أمّا تداول مثل هذا الاجتهاد أو القريب منه ، فتدلّ عليه أخبار كثيرة :

منها : ما عن محمّد بن إدريس في آخر «السرائر» ، نقلاً عن «كتاب

ص: 49

هشام بن سالم» عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إنّما علينا أن نلقي إليكم الاُصول ، وعليكم أن تفرّعوا»(1) .

وعنه عن «كتاب أحمد بن محمّد بن أبي نصر» عن الرضا علیه السلام قال : «علينا إلقاء الاُصول ، وعليكم التفريع»(2) .

ولا ريب في أنّ التفريع على الاُصول هو الاجتهاد ، وليس الاجتهاد في عصرنا إلاّ ذلك ، فمثل قوله : «لا ينقض اليقين بالشكّ»(3) أصل ، والأحكام التي يستنبطها المجتهدون منه هي التفريعات ، وليس التفريع هو الحكم بالأشباه والنظائر كالقياس ، بل هو استنباط المصاديق والمتفرّعات من الكبريات الكلّية .

فقوله : «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي»(4) ، و«لا ضرر ولا ضرار»(5) و«رفع

ص: 50


1- السرائر 3: 575 ؛ وسائل الشيعة 27 : 61 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 6 ، الحديث 51 .
2- السرائر 3: 575 ؛ وسائل الشيعة 27 : 62 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 6 ، الحديث 52 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 8 / 11 ؛ وسائل الشيعة 1 : 245 ، كتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 1 .
4- عوالي اللآلي 1 : 224 / 106 ؛ مستدرك الوسائل 14 : 7 ، كتاب الوديعة ، الباب 1 ، الحديث 12 ؛ المسند، أحمد بن حنبل 15 : 121 / 19969 و : 133 / 20009 ؛ سنن أبي داود 2: 318 / 3561 .
5- الكافي 5 : 292 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 428 ، كتاب إحياء الموات ، أبواب إحياء الموات ، الباب 12 ، الحديث 3 .

عن اُمّتي تسعة»(1) وأمثالها اُصول ، وما في كتب القوم من الفروع الكثيرة المستنبطة منها تفريعات ، فهذا الأمر كان في زمن الصادق والرضا - عليهما الصلاة والسلام - مثل ما في زماننا ، إلاّ مع تفاوت في كثرة التفريعات وقلّتها ، وهو متحقّق بين المجتهدين في عصرنا أيضاً .

ومنها : ما عن «عيون الأخبار» بإسناده عن الرضا علیه السلام قال : «من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه فقد هدي إلى صراط مستقيم» .

ثمّ قال : «إنّ في أخبارنا محكماً كمحكم القرآن ، ومتشابهاً كمتشابه القرآن ، فردّوا متشابهها إلى محكمها ، ولا تتّبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا»(2) .

ومعلوم : أنّ ردّ المتشابه إلى المحكم ، وجعل أحد الكلامين قرينة على الآخر ، لا يكون إلاّ بالاجتهاد ، كالذي يتداول في هذا الزمان .

ومنها : ما عن «معاني الأخبار» بإسناده عن داود بن فرقد قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا ؛ إنّ الكلمة لتنصرف على وجوه ، فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب»(3) .

فإنّ عرفان معاني كلامهم من بين الوجوه المختلفة لا يكون إلاّ بالاجتهاد

ص: 51


1- التوحيد، الصدوق : 353 / 24 ؛ الخصال : 417 / 9 ؛ وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، الباب 56 ، الحديث 1 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 290/ 39 ؛ وسائل الشيعة 27 : 115 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 22 .
3- معاني الأخبار : 1/ 1 ؛ وسائل الشيعة 27 : 117 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 27 .

والفحص عن فتاوى العامّة ، وعرض الأخبار على أخبارهم وفتاويهم ، وعلى الكتاب ، وغير ذلك ممّا يتداول بين أهل الاجتهاد .

ومنها : رواية علي بن أسباط قال قلت للرضا علیه السلام : يحدث الأمر لا أجد بدّاً من معرفته ، وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك .

قال : فقال : «ائت فقيه البلد فاستفته من أمرك ، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه ؛ فإنّ الحقّ فيه»(1) .

ومنها : روايات النهي عن الفتيا بغير علم(2) ، وهي كثيرة ، يظهر منها جوازها مع العلم ، والفتوى ليس إلاّ بالاجتهاد والتفقّه .

ومنها : أخبار النهي عن الحكم بغير ما أنزل اللّه (3) ، ومقابله ملازم للاجتهاد .

ومنها : ما عن «نهج البلاغة» فيما كتب إلى قُثَم بن عبّاس : «واجلس لهم العصرين ، فأفت المستفتي ، وعلّم الجاهل ، وذكّر العالم»(4) .

ص: 52


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 275/ 10 ؛ وسائل الشيعة 27 : 115 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 23 .
2- كقوله عليه السلام : «من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من اللّه ، لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه». راجع وسائل الشيعة 27 : 20 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 4 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 243 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 4 .
3- كقوله عليه السلام : «من حكم في درهمين بغير ما أنزل اللّه عزّ وجلّ ، فهو كافر باللّه العظيم» . راجع وسائل الشيعة 27 : 31 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 5 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 250 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 5 .
4- نهج البلاغة : 457 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 315 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 15 .

ومنها : ما عن كتاب «الغيبة» بإسناده عن الحسين بن روح ، عن أبي محمّد الحسن بن علي علیهما السلام : أ نّه سئل عن كتب بني فضّال فقال : «خذوا بما رووا ، وذروا ما رأوا»(1) .

تدلّ على أنّ لهم آراءً ، وليست نفس الروايات آراءهم ، واحتمال كون الآراء هي المربوطة باُصول المذهب مدفوع بإطلاقها ، ولعلّ منعه عن الأخذ بآرائهم ، لاعتبار كون المفتي على مذهب الحقّ وعلى العدالة .

ومنها : قول أبي جعفر علیه السلام لأبان بن تغلب المتقدّم آنفاً(2) ؛ فإنّ الإفتاء ليس إلاّ بالاجتهاد .

ومنها : بعض الروايات التي تشير إلى كيفية استنباط الحكم من الكتاب ، مثل ما عن محمّد بن علي بن الحسين ، بإسناده عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : ألا تخبرني من أين علمت وقلت : «إنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين ؟!» . فضحك وقال : «يا زرارة ، قاله رسول اللّه ، ونزل به الكتاب عن اللّه عزّ وجلّ ، لأنّ اللّه عزّ وجلّ قال : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)(3) فعرفنا أنّ الوجه كلّه ينبغي أن يغسل . ثمّ قال : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه ، فعرفنا أ نّه ينبغي لهما أن يغسلا إلى المرفقين .

ثمّ فصل بين الكلام فقال : (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ) فعرفنا حين قال :

ص: 53


1- الغيبة ، الطوسي : 389 / 355 ؛ وسائل الشيعة 27 : 142 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 13 .
2- تقدّم في الصفحة 48 .
3- المائدة (5) : 6 .

(بِرُؤُوسِكُمْ) أنّ المسح ببعض الرأس ، لمكان «الباء» .

ثمّ وصل الرجلين بالرأس ، كما وصل اليدين بالوجه ، فقال : (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فعرفنا حين وصلهما بالرأس ، أنّ المسح على بعضهما ، ثمّ فسّر ذلك رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم للنّاس فضيّعوه . . .»(1) الحديث .

اُنظر إلى كيفية تعليمه الاستنباط من الكتاب .

ومثلها بل أوضح منها ، مرسلة يونس الطويلة في باب سنن الاستحاضة(2) ، وفيها موارد ترشدنا إلى طريق الاجتهاد ، فراجع .

وكرواية عبدالأعلى في المسح على المرارة حيث قال : «هذا وأشباهه يعرف من كتاب اللّه ، قال اللّه تعالى : (مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(3) امسح عليه»(4) ، وهل هذا إلاّ الاجتهاد ؟!

ومنها : روايات عرض الأخبار على الكتاب وأخبار العامّة وترجيح بعضها على بعض(5) ، وهو من أوضح موارد الاجتهاد المتعارف بين أهل الصناعة .

ص: 54


1- الفقيه 1 : 56/ 212 ؛ وسائل الشيعة 1 : 412 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 23 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 83 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 381 / 1183 ؛ وسائل الشيعة 2 : 276 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 4 .
3- الحجّ (22) : 78 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 363 / 1097 ؛ وسائل الشيعة 1 : 464 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 39 ، الحديث 5 .
5- راجع وسائل الشيعة 27 : 106 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 302 ، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 .

ومنها : مقبولة عمر بن حنظلة حيث قال : «ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا»(1) بالتقريب المتقدّم(2) في اختصاص المنصب بالمجتهدين .

وقال : «كلاهما اختلفا في حديثكم» حيث إنّ الاختلاف في الحديث : إمّا اختلاف في معناه ، أو اختلاف في أخذ كلّ بحديث لمكان الترجيح بنظره على الآخر ، وهو عين الاجتهاد ، واحتمال عدم اطّلاع كلّ على مدرك الآخر مع كونهما مجتمعين في النظر في حقّهما ، غير ممكن .

إلى غير ذلك ممّا يطول ذكره ، ويطّلع عليه المتتبّع .

وتدلّ على المقدّمة الثانية أخبار كثيرة أيضاً :

منها : المقبولة الظاهرة في إرجاعهم إلى الفقهاء من أصحابنا في الشبهة الحكمية الاجتهادية ، وجعل الفقيه مرجعاً ، ونصبه للحكم في الشبهات الحكمية ملازم لاعتبار فتواه ، ومثلها ما عن أبي خديجة في المشهورة(3) .

ومنها : قوله في التوقيع : «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا»(4) .

ص: 55


1- الكافي 1 : 67 / 10 ؛ وسائل الشيعة 27 : 136 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 1 .
2- تقدّم في الصفحة 19 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 303/ 846 ؛ وسائل الشيعة 27 : 139 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 6 .
4- كمال الدين : 484/ 4 ؛ وسائل الشيعة 27 : 140 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 9 .

ومنها : ما وردت(1) في تفسير آية النفر(2) .

ومنها : روايات كثيرة دالّة على الإرجاع إلى فقهاء أصحابنا ، ويظهر منها أنّ الأمر كان ارتكازياً [لدى] الشيعة ، مثل ما عن الكشّي ، بإسناده عن شعيب العقرقوفي ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : ربّما احتجنا أن نسأل عن الشيء ، فمن نسأل ؟ قال : «عليك بالأسدي» يعني أبا بصير(3) .

وعن علي بن المسيّب ، قال : قلت للرضا عليه الصلاة والسلام : شقّتي بعيدة ، ولست أصل إليك في كلّ وقت ، فممّن آخذ معالم ديني ؟

قال : «من زكريّا بن آدم القمّي ، المأمون على الدين والدنيا» .

قال علي بن المسيّب : فلمّا انصرفت قدمنا على زكريّا بن آدم ، فسألته عمّا احتجت إليه(4) .

فيعلم من أمثالهما : أنّ ارتكازهم كان على الرجوع إلى العلماء ، وأرادوا أن يعرّف الإمام شخصاً ثقة مأموناً ، وأنّ علي بن المسيّب كان يسأل عمّا احتاج إليه من الاُمور الفرعية ، وأجابه زكريّا بما رزقه اللّه فهمه من الكتاب

وأخبار أهل البيت باجتهاده ونظره .

ص: 56


1- راجع وسائل الشيعة 27 : 96 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 8 ، الحديث 65 ، والباب 11 ، الحديث 10 ؛ البرهان في تفسير القرآن 4 : 579 - 585 .
2- التوبة (9) : 122 .
3- اختيار معرفة الرجال : 171 / 291 ؛ وسائل الشيعة 27 : 142 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 15 .
4- اختيار معرفة الرجال : 594 / 1112 ؛ وسائل الشيعة 27 : 146 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 27 .

ومثلهما غيرهما(1) ، بل إنكار رجوع عوامّ الشيعة في البلاد النائية عن الأئمّة علیهم السلام إلى علمائهم ، مجازفة محضة .

هذا ، لكن بقي الإشكال : وهو أنّ هذا الاختلاف الكثير الذي نشاهده بين الفقهاء في الفتوى ، لا أظنّ وجوده في عصر الأئمّة علیهم السلام ، ومعه لا يمكن إمضاء الرجوع في ذلك العصر ، أن يكشف منه الإمضاء في هذا العصر ، كما لا يخفى .

نعم ، لا يرد هذا الإشكال على الوجه الآتي .

الثاني: عدم ردع الأئمّة علیهم السلام عن ارتكاز العقلاء كاشف عن رضاهم

وأمّا الأمر الثاني : أي عدم ردعهم عن هذا الارتكاز كاشف عن رضاهم بذلك ، فهو أيضاً واضح ؛ ضرورة أنّ ارتكازية رجوع الجاهل في كلّ شيء إلى عالمه ، معلومة لكلّ أحد ، وأنّ الأئمّة علیهم السلام قد علموا بأنّ علماء الشيعة في زمان الغيبة وحرمانهم عن الوصول إلى الإمام ، لا محيص لهم من الرجوع إلى كتب الأخبار والاُصول والجوامع ، كما أخبروا بذلك ، ولا محالة يرجع عوامّ الشيعة إلى علمائهم بحسب الارتكاز والبناء العقلائي المعلوم لكلّ أحد .

فلو لا ارتضاؤهم بذلك لكان عليهم الردع ؛ إذ لا فرق بين السيرة المتّصلة بزمانهم وغيرها ممّا علموا وأخبروا بوقوع الناس فيه ، فإنّهم أخبروا عن وقوع الغيبة الطويلة(2) ، وأنّ كفيل أيتام آل محمّد صلّى اللّه عليه وعليهم

ص: 57


1- راجع وسائل الشيعة 27: 143 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 19، 23، 24 و34 .
2- راجع كمال الدين : 257 / 2 ؛ بحار الأنوار 51 : 108 / 42 ، و52 : 143 / 60 و61 .

علماؤهم(1) ، وأ نّه سيأتي زمان هرج ومرج يحتاج العلماء إلى كتب أصحابهم ، فأمروا بضبط الأحاديث وثبتها في الكتب(2) .

فتحصّل من جميع ذلك : أنّ الإشكال على أصل السيرة غير وارد ، فيدلّ على أصل التقليد الارتكاز القطعي العقلائي .

مناط بناء العقلاء في رجوع الجاهل إلى العالم ومقتضاه

ثمّ إنّه لا بدّ من البحث عن كيفية السيرة ، وأ نّها مع وجود الأفضل واختلافه مع الفاضل كيف هي ؟ فلا بدّ أوّلاً من بيان مناط رجوع الجاهل إلى العالم حتّى يتّضح الحال .

لا إشكال في أنّ رجوعه إليه إنّما هو لأجل طريقيته إلى الواقع وكشفه عنه ، وأنّ منشأه إلغاء احتمال الخلاف لأجل غلبة موافقة قوله للواقع وندرة المخالفة ؛ بحيث لا يعتني بها العقلاء ، بل يكون نوع العقلاء في مقام العمل غافلاً عن احتمال المخالفة ، فيعمل على طبقه ، ويرى وصوله إليه بارتكازه ، نعم لو تنبّه يرى أ نّه ليس بعالم .

ولعلّ هذا هو المراد ب «العلم العادي» المتداول على ألسنتهم(3) ، ولعلّ هذا الوجه هو المعوّل عليه في نوع سيرة العقلاء وبنائهم العملي ، كالتعويل على

ص: 58


1- راجع التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : 339 ؛ بحار الأنوار 2 : 2 - 3 .
2- راجع وسائل الشيعة 27 : 81 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 8 ، الحديث 17 و18 .
3- أجود التقريرات 3 : 41 ؛ نهاية الأفكار 3 : 136 .

أصالة الصحّة ، وخبر الثقة واليد ، والبناء على الصحّة في باب العيوب .

وأمّا احتمال كون بنائهم على ذلك لأجل مقدّمات الانسداد ، بأن يقال : يرى العقلاء احتياجهم في تشخيص أمر من الاُمور ، ولا يمكن لهم الاحتياط أو يعسر عليهم ، ولا يجوز لهم الإهمال ؛ لأجل احتياجهم إليه في العمل ، وليس لهم طريق إلى الواقع ، فيحكم عقلهم بالرجوع إلى الخبير ؛ لأجل أقربية قوله إلى الواقع من غيره .

أو احتمال أن يكون منشأ ذلك ، هو القوانين الموضوعة من زعماء القوم ورؤسائهم السياسيين أو الدينيين ؛ لأجل تسهيل الأمر على الناس ورغد عيشهم .

فكلاهما بعيدان عن الصواب ؛ ضرورة بطلان مقدّمات الانسداد في كثير من الموارد ، وعلى فرض تماميتها لا تنتج ذلك ، وبُعدِ الوجه الثاني بل امتناعه عادة ؛ ضرورة [أنّ إطباق] القوانين البشرية من باب الاتّفاق - مع تفرّق البشر في الأصقاع المتباعدة ، واختلاف مسالكهم وعشرتهم وأديانهم - ملحق بالممتنع .

وأمّا الوجه الأوّل : فأمر معقول موافق للاعتبار . نعم ، لا يبعد أن يكون للانسداد دخل في أعمالهم في جميع الموارد ، أو في بعضها .

لكن يرد على هذا الوجه : أ نّه كيف يمكن أن يدّعى بناء العقلاء على إلغاء احتمال الخلاف والخطأ مع هذه الاختلافات الكثيرة المشاهدة من الفقهاء ، بل من فقيه واحد في كتبه العديدة ، بل في كتاب واحد ؟!

ولهذا لا يبعد أن يكون رجوع العامّي إلى الفقيه : إمّا لتوهّم كون فنّ الفقه - كسائر الفنون - يقلّ الخطأ فيه ، ويكون رجوع العقلاء لمقدّمة باطلة وتوهّم

ص: 59

خطأ ، أو لأمر تعبّدي أخذه الخلف عن السلف ، لا لأمر عقلائي ، وهو أمر آخر غير بناء العقلاء .

ودعوى قلّة خطأ الفقهاء بالنسبة إلى صوابهم ؛ بحيث يكون احتماله ملغى - وإن كثر - بعد ضمّ الموارد بعضها إلى بعض ، غير وجيهة ، مع ما نرى من الاختلافات الكثيرة في كلّ باب إلى ما شاء اللّه .

وقد يقال : إنّ المطلوب للعقلاء في باب الاحتجاجات بين الموالي والعبيد ، قيام الحجّة وسقوط التكليف والعقاب بأيّ وجه اتّفق ، والرجوع إلى الفقهاء موجب لذلك ؛ لأنّ المجتهدين مع اختلافهم في الرأي ، مشتركون في عدم الخطأ والتقصير في الاجتهاد .

ولا ينافي ذلك الاختلاف في الرأي ؛ لإمكان عثور أحدهما على حجّة في غير مظانّها ، أو أصل من الاُصول المعتمدة ، ولم يعثر عليهما الآخر مع فحصه بالمقدار المتعارف ، فتمسّك بالأصل العملي ، أو عمل على الأمارة التي عنده ، فلا يكون واحد منهما مخطئاً في اجتهاده ، ورأي كلّ منهما حجّة في حقّه وحقّ غيره . فرجوع العقلاء إليهما لأجل قيام الحجّة والعذر ، وهما المطلوب لهم ، لا إصابة الواقع الأوّلي ، وأوضح من ذلك لو قلنا : بجعل المماثل في مؤدّى الأمارة(1).

وفيه أوّلاً : أنّ تسمية ذلك «عدم الخطأ» في غير محلّه . نعم ، لا يكون ذلك تقصيراً وإن كان مخطئاً ، ومع اختلافهما لا محالة يعلم بخطأ أحدهما ، ومعه

ص: 60


1- راجع البيع ، رسالة الاجتهاد والتقليد (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي 2 : 411 - 412 .

لا يكون البناء على الرجوع إذا كان الاختلاف كثيراً - ولو في غير مورد اختلافهما - للاعتداد باحتمال الخطأ حينئذٍ .

وثانياً : أ نّه لو سلّم أنّ نظر العقلاء في مثل المقام إلى تحصيل الحجّة والعذر ، لكنّهما متوقّفان على إلغاء احتمال خطأ الاجتهاد بالنسبة إلى التكاليف الواقعية الأوّلية ، وهو في المقام ممنوع .

ومؤدّى الطرق - لو فرض باطلاً - كونه حكماً ثانوياً ، لا يوجب معذوريته بالنسبة إلى الواقعيات إلاّ للمعذور وهو المجتهد ، لا للمقلّد الذي يكون مبنى عمله فتواه ، وهو ليس معذّراً إلاّ مع كونه - كسائر الأمارات العقلائية - قليل الخطأ لدى العقلاء ، والفرض أنّ كلّ مجتهد يحكم بخطأ أخيه ، لا بتقصيره ، ومعه كيف يمكن حجّية الفتوى ؟!

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ الأمر الثاني من الأمرين المتقدّمين يدفع الإشكال ؛ فإنّ عدم ردع هذا البناء الخارجي ، دليل على رضا الشارع المقدّس بالعمل على فتاوى الفقهاء مع الاختلاف المشهور .

لكن في صيرورة ذلك هو البناء العقلائي المعروف ، والبناء على أمارية الفتوى كسائر الأمارات ، إشكال .

إلاّ أن يقال : إنّ بناء المتشرّعة على أخذ الفتوى طريقاً إلى الواقع والعمل على طبق الأمارية ، والسكوت عنه دليل على الارتضاء بذلك ، وهو ملازم لجعل الأمارية لها ، والمسألة تحتاج إلى مزيد تأمّل .

ثمّ إنّه بناءً على أنّ المناط في رجوع الجاهل إلى العالم هو إلغاء احتمال الخلاف والخطأ ؛ بحيث يكون احتماله موهوماً لا يعتني به العقلاء ، لا إشكال في

ص: 61

أنّ هذا المناط موجود عندهم في تشخيصات أهل الخبرة وأصحاب الفنون ، كان الأفضل موجوداً أو لا ، ولهذا يعملون على قوله مع عدم وجود الأفضل .

وهذا دليل قطعي على تحقّق مناط العمل عندهم في قول الفاضل، وإلاّ فكيف يعقل العمل مع عدم المناط ؟! فيكون المناط موجوداً ، كان الأفضل موجوداً أو لا ، اختلف رأيهما أو لا . فلو فرض تقديمهم قول الأفضل عند الاختلاف ، فإنّما هو من باب ترجيح إحدى الحجّتين على الاُخرى ، لا من باب عدم الملاك في قول المفضول ؛ لعدم تعقّل تحقّق المناط مع عدم الفاضل ، وعدمه مع وجوده .

فقول المفضول حجّة وأمارة عقلائية في نفسه ؛ لأجل موهومية احتمال الخطأ ، كما أنّ مناط العمل بقول الأفضل ذلك بعينه .

هل ترجيح قول الأفضل لزومي أم لا ؟

نعم ، يبقى في المقام أمر ؛ وهو أ نّه هل بناء العقلاء على ترجيح قول الأفضل لدى العلم بمخالفته مع غيره إجمالاً أو تفصيلاً ، يكون بنحو الإلزام ، أو من باب حسن الاحتياط ، وليس بنحو اللزوم ؟

لا يبعد الاحتمال الثاني ؛ لوجود تمام الملاك في كليهما ، واحتمال أقربية قول الأعلم - على فرض صحّته - لم يكن بمثابة يرى العقلاء ترجيحه عليه لزومياً ، ولهذا تراهم يراجعون المفضول بمجرّد أعذار غير وجيهة ، كبعد الطريق وكثرة المراجعين ومشقّة الرجوع إليه ولو كانت قليلة ، وأمثال ذلك ممّا يعلم أ نّه لو حكم العقل إلزاماً بالترجيح ، لما كانت تلك الأعذار وجيهة لدى العقل والعقلاء .

هذا مع علمهم إجمالاً بمخالفة أصحاب الفنّ في الرأي في الجملة ، فليس

ص: 62

ترجيح الأفضل إلاّ ترجيحاً غير ملزم واحتياطاً حسناً . ولهذا لو أمكن لأحد تحصيل اجتماع أصحاب فنّ في أمر والاستفتاء منهم ، لَفَعل ؛ لا لأجل عدم الاعتناء بقول الأفضل أو الفاضل ، بل للاحتياط الراجح الحسن .

وبالجملة : المناط كلّ المناط في رجوعهم ، هو اعتقادهم بندرة الخطأ وإلغاء احتمال الخلاف ، وهو موجود في كليهما .

فحينئذٍ مع تعارض قولهما ، فمقتضى القاعدة تساقطهما والرجوع إلى الاحتياط مع الإمكان ، وإلاّ فالتخيير ، وإن كان ترجيح قول الأفضل حسناً على أيّ حال ، تأمّل .

هذا ، ولكن مع ذلك فالذهاب إلى معارضة قول المفضول لقول الأفضل مشكل ، خصوصاً في مثل ما نحن فيه ؛ أي باب الاحتجاج بين العبيد والموالي ، مع كون المقام من دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، والأصل يقتضي التعيين . فالقول بلزوم تقديم قول الأفضل لعلّه أوجه ، مع أنّ الأصحاب أرسلوه إرسال المسلّمات والضروريات .

مضافاً إلى عدم إحراز بناء العقلاء على العمل بقول المفضول مع العلم التفصيلي - بل الإجمالي المنجّز - بمخالفته مع الفاضل ، لو لم نقل بإحراز عدمه .

نعم ، لا يبعد ذلك مع العلم بأنّ في أقوالهم اختلافاً ، لا مع العلم إجمالاً بأ نّهم في هذا المورد أو مورد آخر مثلاً مختلفون .

وبعبارة اُخرى : إنّ بناءهم على العمل في مورد العلم الإجمالي غير المنجّز ، نظير أطراف الشبهة غير المحصورة .

هذا حال بناء العقلاء .

ص: 63

مقتضى الأدلّة الشرعية في لزوم تقليد الأعلم وعدمه
اشارة

وأمّا حال الأدلّة الشرعية ، فلا بدّ من ذكر ما تشبّث به الطرفان ، والبحث في أطرافهما :

استدلال القائلين بجواز تقليد المفضول
اشارة

أمّا ما يمكن أن يتمسّك(1) به لجواز الرجوع إلى المفضول مع وجود الأفضل - بل وتخالف رأيهما - فاُمور :

الأوّل : الآيات

منها : قوله تعالى في الأنبياء : (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِى إِلَيْهِمْ فَاسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)(2) ، بدعوى : أنّ إطلاقه يقتضي جواز الرجوع إلى المفضول حتّى مع مخالفة قوله للأفضل ، ولا سيّما مع ندرة التساوي بين العلماء وتوافقهم في الآراء .

وفيه : - مضافاً إلى ظهور الآية في أنّ أهل الذكر هم علماء اليهود والنصارى وإرجاع المشركين إليهم ، وإلى ورود روايات كثيرة في أنّ أهله هم الأئمّة(3) ؛

ص: 64


1- اُنظر مطارح الأنظار 2: 650.
2- الأنبياء (21) : 7 .
3- راجع البرهان في تفسير القرآن 6 : 449 - 450 .

بحيث يظهر منها أ نّهم أهله لا غير - أنّ الشبهة كانت في اُصول العقائد التي يجب فيها تحصيل العلم .

فيكون المراد : «اسألوا أهل الذكر حتّى يحصل لكم العلم إن كنتم لا تعلمون» ومعلوم أنّ السؤال من واحد منهم لا يوجب العلم ، ففي الآية إهمال من هذه الجهة ، فيكون المراد : «أنّ طريق تحصيل العلم لكم هو بالرجوع إلى أهل الذكر» كما يقال للمريض : «إنّ طريق استرجاع الصحّة هو بالرجوع إلى الطبيب وشرب الدواء» فليس لها إطلاق يقتضي الرجوع إلى الفاضل أو المفضول مع تعارض قولهما .

ولا يبعد أن يقال : إنّ الآية بصدد إرجاعهم إلى أمر ارتكازي هو الرجوع إلى العالم ، ولا تكون بصدد تحميل تعبّدي وإيجاب مولوي .

ومنها : آية النفر في سورة التوبة : (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(1) .

والاستدلال بها للمطلوب يتوقّف على اُمور :

منها : استفادة وجوب النفر منها .

ومنها : كون التفقّه غاية له .

ومنها : كون الإنذار من جنس ما يتفقّه فيه .

ومنها : انحصار التفقّه بالفرعيات .

ص: 65


1- التوبة (9) : 122 .

ومنها : كون المنذِر - بالكسر - كلّ واحد من النافرين .

ومنها : كون المنذَر - بالفتح - كلّ واحد من الطائفة الباقية .

ومنها : كون التحذّر عبارة عن العمل بقول المنذِر .

ومنها : وجوب العمل بقوله ، حصل العلم منه أو لا ، وخالف قول غيره أو لا .

فيصير مفاد الآية بعد تسليم المقدّمات : «يجب على كلّ واحد من كلّ طائفة من كلّ فرقة ، النفر لتحصيل الفروع العملية ؛ ليبيّنها لكلّ واحد من الباقين ، ليعمل المنذَر بقوله ، حصل العلم منه أو لا ، وخالف غيره أو لا» .

وأنت خبير : بعدم سلامة [مجموع] المقدّمات لو سلّم بعضها ، فلك أن تمنع كون التفقّه غاية للنفر ؛ بأن يقال : إنّ قوله : (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) يحتمل أن يكون إخباراً في مقام الإنشاء ؛ أي ليس لهم النفر العمومي ، كما ورد : «أنّ القوم كانوا ينفرون كافّة للجهاد ، وبقي رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وحده ، فورد النهي عن النفر العمومي ، والأمر بنفر طائفة للجهاد»(1) ، فحينئذٍ لا يكون التفقّه غاية للنفر إذا كان التفقّه لغير النافرين ؛ أي الباقين .

لكنّ الإنصاف : أنّ ذلك خلاف ظاهرها ، بل ظاهرها أنّ المؤمنين ما كانوا بحسب اشتغالهم باُمور المعاش ونظم الدنيا لينفروا جميعاً ؛ أي النفر العمومي ليس ميسوراً لهم ، فلولا نفر من كلّ فرقة طائفةٌ منهم للتفقّه ، ولا إشكال في أنّ الظاهر منه - مع قطع النظر عن قول المفسّرين - هو كون التفقّه غاية له .

ص: 66


1- مجمع البيان 5 : 125 - 126 ؛ الدرّ المنثور 3 : 292 .

وأمّا كون الإنذار من سنخ ما يتفقّه فيه ؛ أي بيان الأحكام بنحو الإنذار ، فليست الآية ظاهرة فيه ، بل الظاهر منها أنّ غاية النفر أمران :

أحدهما : التفقّه في الدين وفهم الأحكام الدينية .

وثانيهما : إنذار القوم وموعظتهم .

فيكون المراد : يجب على الفقيه إنذار القوم وإيجاد الخوف من بأس اللّه في قلوبهم ، فإذا خافوا يحكم عقلهم بوجوب تحصيل المؤمّن ، فلا محيص لهم إلاّ العلم بأحكام اللّه مقدّمة للعمل بها .

وأمّا وجوب العمل بقول المنذِر بمجرّده فلا تدلّ الآية عليه .

ودعوى : أنّ الإنذار لا بدّ وأن يكون من جنس ما يتفقّه فيه ، وإلاّ فأيّة مناسبة للفقيه معه ؟! ممنوعة ؛ لأنّ الإنذار مناسب للفقيه ؛ لأنّه يعلم حدوده وكيفيته ، وشرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مع أنّ لكلامه تأثيراً في القوم لا يكون لكلام غيره ؛ لعلوّ مقامه وعظم شأنه لديهم . وأمّا التفقّه في الدين ، فهو أعمّ من الاُصول والفروع ، فلا وجه لاختصاصه بالثاني ، والأخبار الواردة في تفسيرها تدلّ على تعميمه(1) ، فحينئذٍ لا يمكن أن يقال : بوجوب قبول قوله تعبّداً ؛ لعدم جريانه في الاُصول .

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ إطلاقها على فرضه يقتضي قبول قول الغير في الاُصول والفروع ، فيقيّد إطلاقها عقلاً في الاُصول ، وتبقى الفروع .

وأمّا كون المنذِر- بالكسر - كلّ واحد من الطائفة ، فلا إشكال في ظهور الآية

ص: 67


1- راجع البرهان في تفسير القرآن 4 : 579 - 585 ، ويأتي قريباً التعرّض لبعضها .

فيه ، لكنّ الظاهر منها أنّ كلّ واحد من المنذرين يجب عليه إنذار القوم جميعاً ، ومعه لا تدلّ الآية على وجوب القبول من كلّ واحد منهم ؛ فإنّه بإنذار كلّ واحد منهم قومَهم ربّما يحصل لهم العلم .

وأمّا كون «التحذّر» بمعنى التحذّر العملي ؛ أي قبول قول الغير والعمل به ، فهو خلاف ظاهرها ، بل التحذّر : إمّا بمعنى الخوف ، وإمّا بمعنى الاحتراز ، وهو الترك عن خوف . والظاهر أ نّه بمعنى الخوف الحاصل عن إنذار المنذرين ، وهو أمر غير اختياري لا يمكن أن يتعلّق بعنوانه الأمر . نعم ، يمكن تحصيله بمقدّمات اختيارية ، كالحبّ ، والبغض ، وأمثالهما .

هذا كلّه مع أ نّه لا إطلاق للآية ؛ ضرورة أ نّها بصدد بيان كيفية النفر ، وأ نّه إذا لم يمكن للناس نفر عمومي ، فلِمَ لا تنفر طائفة منهم ؛ فإنّه ميسور لهم ؟!

وبالجملة : لا يجوز للناس سدّ باب التفقّه والتعلّم بعذر الاشتغال باُمور الدنيا ؛ فإنّ أمر الدين - كسائر اُمورهم - يمكن قيام طائفة به ، فلا بدّ من التفقّه والإنذار . وأمّا وجوب قبول السامع بمجرّد السماع فلا إطلاق للآية يدلّ عليه ، فضلاً عن إطلاقها لحال التعارض .

والإنصاف : أنّ الآية أجنبيّة عن حجّية قول المفتي ، كما أ نّها أجنبيّة عن حجّية قول المخبر ، بل مفادها - والعلم عند اللّه - «أ نّه يجب على طائفة من كلّ فرقة أن يتفقّهوا في الدين ، ويرجعوا إلى قومهم ، وينذروهم بالمواعظ والإنذارات والبيانات الموجبة لحصول الخوف في قلوبهم ؛ لعلّهم يحذرون ، ويحصل في قلوبهم الخوف قهراً ، فإذا حصل الخوف في قلوبهم تدور رحى الديانة ، ويقوم الناس بأمرها قهراً ؛ لسوقهم عقلُهم نحو القيام بالوظائف» .

ص: 68

هذا حالها مع قطع النظر عن الروايات الواردة في تفسيرها ، ومع النظر إليها أيضاً لا تدلّ على المطلوب :

لأنّ منها : ما تدلّ على أنّ الإمام إذا مات لم يكن للناس عذر في عدم معرفة الإمام الذي بعده ؛ أمّا من في البلد فلرفع حجّته ، وأمّا غير الحاضر فعليه النفر إذا بلغه(1) .

ومنها : ما دلّت على أنّ تكليف الناس بعد الإمام الطلب ، وأنّ النافرين في عذر ما داموا في الطلب ، والمنتظرين في عذر حتّى يرجع إليهم أصحابهم(2) .

ومعلوم : أنّ قول النافرين بمجرّده ، ليس بحجّة في باب الإمامة .

ومنها : ما وردت في علّة الحجّ ، وفيها : «مع ما فيه من التفقّه ونقل أخبار الأئمّة علیهم السلام إلى كلّ صُقع وناحية»(3) .

ومنها : ما دلّت على أ نّه تعالى : أمرهم أن ينفروا إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فيتعلّموا ، ثمّ يرجعوا إليهم فيعلّموهم ، وهو معنى قوله : «اختلاف اُمَّتي رحمة»(4) .

وهذه الطائفة أيضاً لا تدلّ على وجوب القبول بمجرّد السماع ، فضلاً عن حال التعارض .

ص: 69


1- الكافي 1 : 378 / 2 ؛ البرهان في تفسير القرآن 4 : 580 / 3 .
2- الكافي 1 : 378 / 1 ؛ البرهان في تفسير القرآن 4 : 579 / 1 .
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 119 ؛ علل الشرائع : 273 ؛ وسائل الشيعة 27 : 96 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 8 ، الحديث 65 .
4- معاني الأخبار : 157/ 1 ؛ علل الشرائع : 85/ 4 ؛ وسائل الشيعة 27 : 140 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 10 .

هذا حال الآيات الشريفة ، والآيات الاُخر التي استدلّ بها(1) أضعف دلالة منهما .

الثاني : الأخبار التي استدلّ بها على حجّية قول المفضول

الثاني : الأخبار التي استدلّ(2) بها على حجّية قول المفضول وأمّا الأخبار فمنها : ما عن «تفسير الإمام علیه السلام » في ذيل قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِىَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ)(3) والحديث طويل ، وفيه : «وأمّا مَن كان من الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه ، مخالفاً على هواه ، مطيعاً لأمر مولاه ، فللعوامّ أن يقلّدوه»(4) .

دلّ بإطلاقه على جواز تقليد المفضول إذا وجد فيه الشرائط ولو مع وجود الأفضل ، أو مخالفته له في الرأي .

لكنّه - مع ضعف سنده ، وإمكان أن يقال : إنّه في مقام بيان حكم آخر ، فلا إطلاق له لحال وجود الأفضل ، فضلاً عن صورة العلم بمخالفة رأيه رأي الأفضل - مخدوش من حيث الدلالة ؛ لأنّ صدره في بيان تقليد عوامّ اليهود

ص: 70


1- كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِى الْكِتَابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّه ُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ). (البقرة (2) : 159) . راجع مطارح الأنظار 2: 650.
2- مطارح الأنظار 2 : 650 ؛ مجموعة رسائل ، رسالة الاجتهاد والتقليد ، الشيخ الأنصاري : 77 - 78 .
3- البقرة (2) : 78 .
4- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : 300 ؛ الاحتجاج 2 : 511 / 337 ؛ وسائل الشيعة 27 : 131، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ، الباب 10 ، الحديث 20 .

علماءَهم في الاُصول حيث قال : «(وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) ما تقول رؤساؤهم من تكذيب محمّد في نبوّته ، وإمامة علي سيّد عترته ، وهم يقلّدونهم مع أنّه محرّم عليهم تقليدهم» .

ثمّ بعد ما سأل الرجل عن الفرق بين عوامّنا وعوامّهم حيث كانوا مقلّدين .

أجاب بما حاصله : أنّ عوامّهم مع علمهم بفسق علمائهم وكذبهم ، وأكلهم الحرام والرشا ، وتغييرهم أحكام اللّه يقلّدونهم ، مع أنّ عقلهم يمنعهم عنه ، ولو كان [عوامّنا] كذلك لكانوا مثلهم .

ثمّ قال : «وأمّا من كان من الفقهاء . . .» إلى آخره .

فيظهر منه : أنّ الذمّ لم يكن متوجّهاً إلى تقليدهم في اُصول العقائد ، كالنبوّة ، والإمامة ، بل متوجّه إلى تقليد فسّاق العلماء ، وأنّ عوامّنا لو قلّدوا علمائهم فيما قلّد اليهود علماءهم فلا بأس به إذا كانوا صائنين لأنفسهم ، حافظين لدينهم . . . إلى آخره ، فإخراج الاُصول منه إخراج للمورد ، وهو مستهجن ، فلا بدّ من توجيه الرواية بوجه ، أو ردّ علمها إلى أهلها .

وأمّا حملها على حصول العلم من قول العلماء للعوامّ ؛ لحسن ظنّهم بهم ، وعدم انقداح خلاف الواقع من قولهم ، بل يكون قول العلماء لديهم صراح الواقع وعين الحقيقة ، فبعيد بل غير ممكن ؛ لتصريحها بأ نّهم لم يكونوا إلاّ ظانّين بقول رؤسائهم ، وأنّ عقلهم كان يحكم بعدم جواز تقليد الفاسق .

مع أ نّه لو حصل العلم من قولهم لليهود ، لم يتوجّه إليهم ذمّ ، بل لم يسمّ ذلك «تقليداً» .

وبالجملة : سوق الرواية إنّما هو في التقليد الظنّي الذي يمكن ردع قسم منه ،

ص: 71

والأمر بالعمل بقسم منه. والالتزام بجواز التقليد في الاُصول أو في بعضها ، كما ترى . فالرواية مع ضعفها سنداً ، واغتشاشها متناً ، لا تصلح للحجّية ، ولكن يستفاد منها مع ضعف سندها ، أمر تأريخي يؤيّد ما نحن بصدده ؛ وهو أنّ التقليد بهذا المفهوم الذي في زماننا ، كان شائعاً من زمن قديم ؛ هو زمان الأئمّة أو قريب منه ؛ أي من زمان تدوين «تفسير الإمام» أو من قبله بزمان طويل .

ومنها : إطلاق صدر مقبولة عمر بن حنظلة(1) ، وإطلاق مشهورة أبي خديجة(2) .

وتقريب الدلالة أن يقال : إنّ الظاهر من صدرها وذيلها شمولها للشبهات الحكمية ، فيؤخذ بإطلاقها في غير مورد واحد متعرّض له ؛ وهو صورة اختلاف الحَكَمين ، وكذا المشهورة تشملها بإطلاقها .

فإذا دلّتا على نفوذ حكم الفقيه فيها ، تدلاّن على اعتبار فتواه في باب فصل الخصومات ، وإلاّ فلا يعقل إنفاذه بدونه ، ويفهم نفوذ فتواه وحجّيتها في غيره ؛ إمّا بإلغاء الخصوصية عرفاً ، أو بدعوى تنقيح المناط .

أو يقال : إنّ الظاهر من قوله : «فإذا حكم بحكمنا» إلغاء احتمال الخلاف من فتوى الفقيه ؛ إذ ليس المراد منه «أ نّه إذا علمتم أ نّه حكم بحكمنا» بل المراد «أ نّه إذا حكم بحكمنا بحسب نظره ورأيه» فجعل نظره طريقاً إلى حكمهم .

هذا ، ولكن يرد عليه : أنّ إلغاء الخصوصية عرفاً ممنوع ؛ ضرورة تحقّق خصوصية زائدة في باب الحكومة ، ربّما تكون بنظر العرف دخيلة فيها ؛ وهي رفع الخصومة بين المتخاصمين ، وهو لا يمكن نوعاً إلاّ بحكم الحاكم النافذ ،

ص: 72


1- تقدّمت في الصفحة 19 .
2- تقدّمت في الصفحة 25.

وهذا أمر مرغوب فيه ، لا يمكن فيه الاحتياط ، ولا تتّفق فيه المصالحة نوعاً .

وأمّا العمل بقول الفقيه فربّما لا يكون مطلوباً ، ويكون المطلوب درك الواقع بالاحتياط ، أو الأخذ بأحوط الأقوال مع تعذّر الاحتياط التامّ ، فدعوى أنّ العرف يفهم من المقبولة وأمثالها حجّية الفتوى ، لا تخلو من مجازفة ، وأوضح فساداً من ذلك دعوى تنقيح المناط القطعي .

وأمّا قوله : «إذا حكم بحكمنا» لو سلّم إشعاره بإلغاء احتمال الخلاف ، فإنّما هو في باب الحكومة ، فلا بدّ في التسرية إلى باب الفتوى من دليل ، وهو مفقود .

فالإنصاف : عدم جواز التمسّك بأمثال المقبولة للتقليد رأساً ، فكما لا يجوز التمسّك بصدرها على جواز تقليد المفضول ، لا يجوز ببعض فقرات ذيلها على وجوب تقليد الأعلم ، لدى مخالفة قوله مع غيره .

ومنها : إطلاق ما في التوقيع : «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ؛ فإنّهم حجّتي عليكم ، وأنا حجّة اللّه»(1) .

وتقريبه : أنّ «الحوادث» أعمّ من الشبهات الحكمية ، والرجوع إلى رواة الحديث ظاهر في أخذ فتاويهم ، لا أخذ نفس الرواية ، ورواة الحديث كانوا من أهل الفتوى والرأي كما مرّ(2) .

كما أنّ قوله : «فإنّهم حجّتي عليكم» يدلّ على أنّ فتوى رواة الحديث

ص: 73


1- كمال الدين : 484 / 4 ؛ وسائل الشيعة 27 : 140 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 9 .
2- تقدّم في الصفحة 19 و33 .

حجّة ، كما أنّ فتوى الإمام حجّة ، فلا معنى لحجّية رواة الحديث إلاّ حجّية فتاويهم وأقوالهم ، والحمل على حجّية الأحاديث المنقولة بتوسّطهم خلاف الظاهر .

وفيه : - بعد ضعف التوقيع سنداً - أنّ صدره غير منقول إلينا ، ولعلّه كان مكتنفاً بقرائن لا يفهم منه إلاّ حجّية حكمهم في الشبهات الموضوعية ، أو الأعمّ ، وكان الإرجاع في القضاء ، لا في الفتوى .

ومنها : ما عن الكشّي بسند ضعيف ، عن أحمد بن حاتم بن ماهَويْه ، قال : كتبت إليه - يعني أبا الحسن الثالث علیه السلام - أسأله عمّن آخذ معالم ديني ، وكتب أخوه أيضاً بذلك .

فكتب إليهما : «فهمت ما ذكرتما ، فاصمدا في دينكما على كلّ مسنّ في حبّنا ، وكلّ كثير القدم في أمرنا ؛ فإنّهما كافوكما إن شاء اللّه»(1) .

وفيه : - بعد ضعف السند - أنّ الظاهر من سؤاله أنّ الرجوع إلى العالم كان مرتكزاً في ذهنه ، وإنّما أراد تعيين الإمام شخصَه ، فلا يستفاد منه التعبّد ، كما أنّ الأمر كذلك في كثير من الروايات ، بل قاطبتها على الظاهر .

ومنها : روايات كثيرة عن الكشّي وغيره ، فيها الصحيحة وغيرها ، تدلّ على إرجاع الأئمّة إلى أشخاص من فقهاء أصحابهم ، يظهر منها أنّ الرجوع إليهم كان متعارفاً ، ومع وجود الأفقه كانوا يراجعون غيره ، كصحيحة ابن أبي يعفور ، قال : قلت لأبي عبداللّه : إنّه ليس كلّ ساعة ألقاك ولا يمكن القدوم ، ويجيء الرجل من

ص: 74


1- اختيار معرفة الرجال : 4 / 7 ؛ وسائل الشيعة 27 : 151 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 45 .

أصحابنا ، فيسألني وليس عندي كلّ ما يسألني عنه .

فقال : «ما يمنعك من محمّد بن مسلم الثقفي ؛ فإنّه سمع من أبي ، وكان عنده وجيهاً»(1) .

وكرواية علي بن المسيّب المتقدّمة(2) ، حيث أرجعه الرضا علیه السلام إلى زكريّا بن آدم . . . إلى غير ذلك .

ويستفاد منها : أنّ أخذ معالم الدين - الذي هو عبارة اُخرى عن التقليد - كان مرتكزاً في ذهنهم ، ومتعارفاً في عصرهم .

ويستفاد من صحيحة ابن أبي يعفور ، تعارف رجوع الشيعة إلى الفقهاء من أصحاب الأئمّة ، مع وجود الأفقه بينهم ، وجواز رجوع الفقيه إلى الأفقه إذا لم يكن له طريق إلى الواقع .

وهذا ليس منافياً لما ذكرنا في أوّل الرسالة : من أنّ موضوع عدم جواز الرجوع إلى الغير نفس قوّة الاستنباط(3) ؛ وذلك لأنّ ما ذكرنا هناك إنّما هو فيمن له طريق إلى الاستنباط مثل زماننا ؛ فإنّ الكتب الراجعة إليه مدوّنة مكتوبة بين أيدينا ، بخلاف ما إذا لم يكن كذلك ، كعصر محمّد بن مسلم ؛ حيث إنّ الأحاديث فيه كانت مضبوطة عنده وعند نظرائه ، ولم يكن للجاهل طريق إليها إلاّ بالرجوع إليهم .

ص: 75


1- اختيار معرفة الرجال : 161 / 273 ؛ وسائل الشيعة 27 : 144 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 23 .
2- تقدّمت في الصفحة 56 .
3- تقدّم في الصفحة 6 .

مع إمكان أن يقال : إنّ إرجاع مثل ابن أبي يعفور إنّما هو في سماع الحديث ، ثمّ استنباطه منه حسب اجتهاده .

ولا إشكال في استفادة جواز الرجوع إلى الفقهاء - بل إلى الفقيه مع الأفقه - من تلك الروايات . لكن استفادة ذلك مع العلم الإجمالي أو التفصيلي بمخالفة آرائهما مشكلة ؛ لعدم العلم بذلك في تلك الأعصار ، خصوصاً من مثل اُولئك الفقهاء والمحدّثين الذين كانوا من بطانة الأئمّة ، فالاتّكال على مثل تلك الأدلّة في جواز تقليد المفضول مشكل ، بل غير ممكن .

استدلال القائلين بوجوب الرجوع إلى الأعلم

واستدلّ على ترجيح قول الأفضل لدى العلم بالمخالفة :

تارة : بالإجماعات المنقولة(1) ، وهو كما ترى في مثل المسألة العقلية مع تراكم الأدلّة .

واُخرى : بالأخبار(2) كالمقبولة(3) وغيرها(4) ؛ بأن يقال : إنّ الشبهة فرضت حكمية في المقبولة ، فنفوذ حكمه تعييناً ، ملازم لنفوذ فتواه كذلك في تلك المسألة ، فنتعدّى إلى غيرها بإلغاء الخصوصية ، أو القطع بالملاك ، ولا سيّما مع

ص: 76


1- مطارح الأنظار 2: 541.
2- مطارح الأنظار 2: 542.
3- تقدّمت في الصفحة 19 .
4- كرواية داود بن الحصين ، راجع وسائل الشيعة 27 : 113 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 20 .

تناسب الأفقهية والأصدقية في الحديث لذلك .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ ظاهر المقبولة ، أنّ الأوصاف الأربعة مجتمعة توجب التقديم ؛ بمقتضى العطف ب «الواو» وفرض الراوي صورة التساوي لا يكشف عن كون المراد وجود أحدها - أ نّه يمنع التلازم هاهنا ؛ لأنّ الملازمة إنّما تكون في صورة إثبات النفوذ، لا سلبه؛ لأنّ سلب المركّب أو ما بحكمه بسلب أحد أجزائه، فسلب نفوذ حكمه كما يمكن أن يكون لسلب حجّية فتواه ، يمكن أن يكون لسلب صلاحية حكمه للفصل، وعدم جواز الأخذ بالفتوى في المقام ليس لعدم صلاحيتها للحجّية ، بل لعدم كونها فاصلاً ، بل فتوى الأعلم أيضاً ليست بفاصل .

والتناسب بين الأفقهية وذلك لم يصل إلى حدّ كشف العلّية التامّة .

هذا كلّه مع أنّ إلغاء الخصوصية عرفاً ، أو القطع بالملاك ، ممّا لا وجه لهما بعد وضوح الفرق بين المقامين . ولعلّ الشارع لاحظ جانب الاحتياط في حقوق الناس ، فجعل حكم الأعلم فاصلاً ؛ لأقربيته إلى الواقع بنظره ، ولم يلاحظه في أحكامه ؛ توسعةً على الناس . فدعوى إلغاء الخصوصية مجازفة ، ودعوى القطع أشدّ مجازفة .

وثالثة : بأنّ فتوى الأعلم أقرب إلى الصواب ؛ لأنّ نظره طريق محض إلى الواقع كنظر غيره ، سواء الأوّليات منه ، أو الثانويات ، أو الأعذار الشرعية والعقلية ، فحينئذٍ تلازم الأعلمية الأقربية ، وهو المتعيّن في مقام الإسقاط والإعذار ، وجواز الرجوع إلى غيره يساوق الموضوعية(1) .

ص: 77


1- مطارح الأنظار 2: 544.

والجواب عن الصغرى : بمنع كلّيتها ؛ لأنّ رأي غير الأعلم قد يوافق رأي الأعلم من الأموات أو الأحياء ، إذا لم يجز تقليدهم لجهة ، بل إذا كان رأي غير الأعلم موافقاً لجميع الفقهاء ، ويكون الأعلم منفرداً في الأحياء في الفتوى ، مع كون مخالفيه كثيرين جدّاً .

وتنظّر بعض أهل النظر في الصغرى : بأنّ حجّية الفتوى لأجل كونها من الظنون الخاصّة ، لا المطلقة ، فمطابقة قول غير الأعلم للأعلم الغير الصالح للحجّية غير مفيدة ، فلا عبرة بقوّته ولا أصله ، كالظنّ من الأمارات الغير المعتبرة . والأقوائية بمطابقة قوله لسائر المجتهدين الذين مثله غير مسلّمة ؛ إذ المطابقة لوحدة الملاك وتقارب الأنظار ، فالكلّ في قوّة نظر واحد. ولا يكشف توافق آرائهم عن قوّة مدركهم ، وإلاّ لزم الخلف ؛ لفرض أقوائية نظر الأعلم .

ومنه يعلم فساد قياسه بالخبرين المتعارضين المحكيّ أحدهما بطرق متعدّدة ؛ إذ ليست الحكايات بمنزلة حكاية واحدة ، فلا محالة توجب كلّ حكاية ظنّاً بصدور شخص هذا الكلام ، من غير لزوم الخلف(1) ، انتهى .

وفيه ما لا يخفى ؛ إذ المنظور في ردّ الصغرى إنكار كلّية دعوى أقربية قول الأعلم ، وكذا ردّ التوافق ، لا دعوى تقدّم قول غير الأعلم في مقام الاحتجاج ، فما ذكره أجنبيّ عن المقام ، بل المناقشة فيه منحصرة بإنكار الأقربية ، وهو مسقط لأصل دعواه في الصغرى ؛ إذ إنكاره مساوق لإنكار أقربية فتوى الأعلم .

ص: 78


1- نهاية الدراية 6 : 412 - 413 .

وأمّا إنكار الأقربية في المثال الأخير فغير وجيه ؛ لأنّ أنظار المجتهدين لمّا كانت طريقاً إلى الواقعيات والحجج ، فلا محالة إذا اجتمع جلّ أهل الفنّ على خطأ الأعلم ، لا يبقى وثوق بأقربية قوله ، لو لم نقل بالوثوق بالخلاف .

وإن شئت قلت : لا تجري أصالة عدم الغفلة والخطأ في اجتهاده . وتوهّم كون أنظارهم بمنزلة نظر واحد - كتوهّم لزوم الخلف - في غاية السقوط .

وعن الكبرى : بأنّ تعيّن الرجوع إلى الأقرب ، إن كان لأجل إدراك العقل تعيّنه جزماً ؛ بحيث لا يمكن للشارع التعبّد بخلافه ، ولو ورد دليل صريح على خلافه فلا بدّ من طرحه ، فهو فاسد ؛ لأنّ الشارع إذا رأى مفسدة في تعيّن الرجوع إلى الأعلم ، أو مصلحة في التوسعة على المكلّف ، فلا محالة يرخّص ذلك من غير شبهة الموضوعية ، كتجويز العمل بخبر الثقة وترك الاحتياط .

نعم ، لو علمنا وجداناً : بأنّ الشارع لا يرضى بترك الواقعيات ، فلا يمكن معه احتمال تجويز العمل بقول العالم ، ولا بقول الأعلم ، بل يحكم العقل بوجوب الاحتياط ولو مع اختلال النظام ، فضلاً عن لزوم الحرج .

لكنّه خلاف الواقع ، وخلاف المفروض في المقام ، ولهذا لا أظنّ بأحد ردّ دليل معتبر قام على جواز الرجوع لغير الأعلم ، فعليه كيف يمكن دعوى القطع بلزوم تعيّن الأقرب ، مع احتمال تعبّد في المقام ولو ضعيفاً ؟!

وممّا ذكرنا يظهر النظر في كلام بعض أهل النظر ؛ حيث قال ما ملخّصه : أنّ القرب إلى الواقع إن لم يلحظ أصلاً ، فهو منافٍ للطريقية ، وإن كان بعض الملاك وهناك خصوصية اُخرى تعبّدية ، فهو غير ضائر بالمقصود ؛ لأنّ فتوى الأعلم

ص: 79

حينئذٍ مساوية لغيرها في جميع الخصوصيات ، وتزيد عليها بالقرب ، سواء كانت تلك الخصوصية التعبّدية جزء المقتضي ، أو شرط جعله أمارة ، فتكون فتوى الأعلم متعيّنة ؛ لترجيحه على غيره بالملاك الذي هو ملاك الحجّية .

ولهذا فقياسها على البصر والكتابة مع الفارق ؛ لكونهما غير دخيلين في ذلك الملاك ، لأنّ معنى «الأعلمية» ليس الأقوائية بحسب المعرفة ؛ بحيث لا تزول بتشكيك ، حتّى تقاس عليهما ، بل بمعنى أحسنية الاستنباط وأجوديته في تحصيل الحكم من المدارك ، فيكون أكثر إحاطة بالجهات الدخيلة فيه المغفولة عن نظر غيره ، فمرجع التسوية بينهما إلى التسوية بين العالم والجاهل .

وهذا وجه آخر لتعيّن الأعلم ولو لم نقل بأقربية رأيه ، أو كون الأقربية ملاك التقديم ؛ لأنّ العقل يذعن بأنّ رأيه أوفق بمقتضيات الحجج ، وهو المتعيّن في مقام إبراء الذمّة ، ويذعن بأنّ التسوية بينهما كالتسوية بين العالم والجاهل(1) ، انتهى .

وفيه مواقع للنظر :

منها : أنّ الخصوصية التعبّدية لا يلزم أن تكون جزء المقتضي ، ولا شرط التأثير ، بل يمكن أن تكون مانعة عن تعيّن الأعلم ، كالخصوصية المانعة عن الإلزام بالاحتياط الموجبة لجعل الأمارات والاُصول ، من غير لزوم الموضوعية .

ص: 80


1- نهاية الدراية 6 : 413 - 414 .

ومنها : أنّ أحسنية الاستنباط ، وكون الأعلم أقوى نظراً في تحصيل الحكم من المدارك ، عبارة اُخرى عن أقربية رأيه إلى الواقع ، فلا يخلو كلامه من التناقض والتنافي .

ومنها : أنّ إذعان العقل بما ذكره مستلزم لامتناع تجويز العمل على طبق رأي غير الأعلم ؛ لقبح التسوية بين العالم والجاهل ، بل امتناعه ، وهو كما ترى ، ولا أظنّ التزام أحد به .

والتحقيق : أنّ تجويز العمل بقول غيره ليس لأجل التسوية بينهما ، بل لمفسدة التضييق ، أو مصلحة التوسعة ، ونحوهما ممّا لا تنافي الطريقية ، كما قلنا في محلّه(1) .

وليعلم : أنّ هذا الدليل الأخير ، غير أصالة التعيين في دوران الأمر بين التخيير والتعيين ، وغير بناء العقلاء على تعيّن الأعلم في مورد الاختلاف ، فلا تخلط بينه وبينهما ، وتدبّر جيّداً .

فالإنصاف : أ نّه لا دليل على ترجيح قول الأعلم إلاّ الأصل ، بعد ثبوت كون الاحتياط مرغوباً عنه ، وثبوت حجّية قول الفقهاء في الجملة ، كما أنّ الأمر كذلك .

وفي الأصل أيضاً إشكال ؛ لأنّ فتوى غير الأعلم إذا طابقت الأعلم من الأموات ، أو في المثالين المتقدّمين(2) ، يصير المقام من دوران الأمر بين

ص: 81


1- راجع أنوار الهداية 1 : 148 .
2- تقدّما في الصفحة 78 .

التخيير والتعيينين ، لا تعيّن الأعلم ، والأصل فيه التخيير .

إلاّ أن يقال : إنّ تعيّن غير الأعلم حتّى في مورد الأمثلة مخالف لتسالم الأصحاب وإجماعهم ، فدار الأمر بين التعيين والتخيير في مورد الأمثلة أيضاً ، وهو الوجه في بنائنا على الأخذ بقول الأعلم احتياطاً ، وأمّا بناء العقلاء فلم يحرز في مورد الأمثلة المتقدّمة .

هذا فيما إذا علم اختلافهما تفصيلاً ، بل أو إجمالاً أيضاً بنحو ما مرّ .

وأمّا مع احتماله ، فلا يبعد القول بجواز الأخذ من غيره أيضاً ؛ لإمكان استفادة ذلك من الأخبار ، بل لا تبعد دعوى السيرة عليه .

هذا كلّه في المتفاضلين .

ص: 82

حال المجتهدين المتساويين مع اختلاف فتواهما

وأمّا في المتساويين: فالقاعدة وإن اقتضت تساقطهما مع التعارض ، والرجوع إلى الاحتياط لو أمكن ، وإلى غيره من القواعد مع عدمه ، لكن الظاهر أنّ الاحتياط مرغوب عنه ، وأنّ المسلّم عندهم حجّية قولهما في حال التعارض(1) ، فلا بدّ من الأخذ بأحدهما ؛ والقول بحجّيته التخييرية .

وقد يقال : بدلالة قوله في مثل رواية أحمد بن حاتم بن ماهويه : «فاصمدا في دينكما على كلّ مسنّ في حبّنا»(2) - وغيرها من الروايات العامّة(3) - على المطلوب ؛ فإنّ إطلاقها شامل لحال التعارض .

والفرق بينهما وبين أدلّة حجّية خبر الثقة - حيث أنكرنا إطلاقها لحال التعارض - أنّ الطبيعة في حجّية خبر الثقة اُخذت بنحو الوجود الساري ، فكلّ فرد من الأخبار مشمول لأدلّة الحجّية تعييناً ، فلا يعقل جعل الحجّية التعيينية في المتعارضين ، ولا جعل الحجّية التعيينية في غيرهما والتخييرية فيهما بدليل واحد ، فلا مناص إلاّ من القول : بعدم الإطلاق لحال التعارض .

ص: 83


1- راجع مناهج الأحكام والاُصول : 300 / السطر الأخير ؛ مفاتيح الاُصول : 631 / السطر 9 .
2- اختيار معرفة الرجال : 4 / 7 ؛ وسائل الشيعة 27 : 151 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 45 .
3- كصدر مقبولة ابن حنظلة ، ومشهورة أبي خديجة ، والتوقيع الشريف ، وخبر تفسير العسكري عليه السلام . وقد تقدّمت في الصفحة 70 - 73 .

وأمّا الطبيعة في حجّية قول الفقهاء ، فاُخذت على نحو صِرف الوجود ؛ ضرورة عدم معنى لجعل حجّية قول كلّ عالم بنحو الطبيعة السارية والوجوب التعييني ، حتّى يكون المكلّف في كلّ واقعة مأموراً بأخذ قول جميع العلماء ؛ فإنّه واضح البطلان ، فالمأمور به هو الوجود الصرف ، فإذا اُخذ بقول واحد منهم فقد أطاع ، فلا مانع حينئذٍ من إطلاق دليل الحجّية لحال التعارض .

فقوله : «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا»(1) مفاده جعل حجّية قول العالم على نحو البدلية أو صرف الوجود ، كان مخالفاً لقول غيره أو لا ، يعلم تفصيلاً مخالفته له أو لا(2) .

هذا ما أفاده شيخنا العلاّمة ، على ما في تقريرات بعض فضلاء بحثه .

وأنت خبير : بأنّ هذا بيان لإمكان الإطلاق ، على فرض وجود دليل مطلق يمكن الاتّكال عليه ، ونحن بعد الفحص الأكيد لم نجد دليلاً يسلم دلالة وسنداً عن الخدشة .

مثلاً : قوله في الرواية المتقدّمة : «فاصمدا في دينكما . . .» إلى آخره ، بمناسبة صدرها وهو قوله : «عمّن آخذ معالم ديني» لا يستفاد منه التعبّد ، بل الظاهر منه هو الإرجاع إلى الأمر الارتكازي ؛ فإنّ السائل بعد مفروغية جواز الرجوع إلى العلماء ، سأل عن الشخص الذي يجوز التعويل على قوله ، ولعلّه أراد أن يعيّن الإمام له شخصاً معيّناً - كما عيّن الرضا علیه السلام

ص: 84


1- تقدّم في الصفحة 73 .
2- البيع ، رسالة الاجتهاد والتقليد (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي 2 : 467 - 468 .

زكريّا بن آدم(1) ، والصادق علیه السلام الأسدي(2) ، والثقفي(3) ، وزرارة(4) - فأرجعه إلى من كان كثير القدم في أمرهم ، ومسنّاً في حبّهم .

والظاهر من «كثرة القدم في أمرهم» كونه ذا سابقة طويلة في أمر الإمامة والمعرفة ، ولم يذكر الفقاهة ؛ لكونها أمراً ارتكازياً معلوماً لدى السائل والمسؤول عنه ، وأشار إلى صفات اُخر موجبة للوثوق والاطمئنان بهم ، فلا يستفاد منها إلاّ تقرير الأمر الارتكازي .

ولو سلّم كونه بصدد إعمال التعبّد والإرجاع إلى الفقهاء ، فلا إشكال في عدم إطلاقها لحال التعارض ، بل قوله ذلك كقول القائل : «المريض لا بدّ وأن يرجع إلى الطبيب ويشرب الدواء» وقوله : «إنّ الجاهل بالتقويم لا بدّ وأن يرجع إلى المقوّم» .

ومعلوم : أنّ أمثال ذلك لا إطلاق لها لحال التعارض ، هذا مع ضعف سندها(5) ، وقد عرفت حال التوقيع(6) .

ص: 85


1- اختيار معرفة الرجال : 594 / 1112 ؛ وسائل الشيعة 27 : 146 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 27 .
2- اختيار معرفة الرجال : 171 / 291 ؛ وسائل الشيعة 27 : 142 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 15 .
3- اختيار معرفة الرجال : 161 / 273 ؛ وسائل الشيعة 27 : 144 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 23 .
4- اختيار معرفة الرجال : 135 / 216 ؛ وسائل الشيعة 27 : 143 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 19 .
5- تقدّم وجه ضعفه في الصفحة 74 .
6- تقدّم في الصفحة 74 .

وبالجملة : لا إطلاق في الأدلّة بالنسبة إلى حال التعارض .

وقد يتمسّك للتخيير في المتساويين بأدلّة علاج المتعارضين(1) ، كموثّقة سَماعة ، عن أبي عبداللّه قال : سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر ، كلاهما يرويه ؛ أحدهما يأمر بأخذه ، والآخر ينهاه عنه ، كيف يصنع ؟

قال : «يرجئه حتّى يلقى من يخبره ، فهو في سعة حتّى يلقاه»(2) .

تقريبه : أنّ التخالف بينهما لا يتحقّق بصرف نقل الرواية مع عدم الجزم بمضمونها ، ومعه مساوق للفتوى ، فاختلاف الرجلين إنّما هو في الفتوى .

ويشهد له قوله : «أحدهما يأمر بأخذه ، والآخر ينهاه» وهذا لا ينطبق على صرف الرواية والحكاية ، فلا بدّ من الحمل على الفتوى .

فأجاب علیه السلام : بأ نّه في سعة ومخيّر في الأخذ بأحدهما .

بل يمكن التمسّك بسائر أخبار التخيير في الحديثين المختلفين ؛ بإلغاء الخصوصية ، فإنّ الفقيه أيضاً تكون فتواه محصّل الأخبار بحسب الجمع والترجيح ، فاختلاف الفتوى يرجع إلى اختلاف الرواية .

هذا ، وفيه ما لا يخفى :

أمّا التمسّك بموثّقة سماعة ، ففيه أنّ قوله : «يرجئه حتّى يلقى من يخبره» معناه : يؤخّره ولا يعمل بواحد منهما ، كما صرّح به في روايته

ص: 86


1- درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 714 - 715 ؛ البيع ، رسالة الاجتهاد والتقليد (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي 2 : 466 .
2- الكافي 1 : 66 / 7 ؛ وسائل الشيعة 27 : 108 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 5 .

الاُخرى(1) ، والمظنون أ نّهما رواية واحدة ، ومعنى «الإرجاء» لغة(2) وعرفاً هو تأخير الشيء ، فقوله بعد ذلك : «فهو في سعة» ليس معناه أ نّه في سعة في الأخذ بأيّهما شاء ، كما أفاده المستدلّ ، بل المراد أ نّه في سعة بالنسبة إلى نفس الواقعة .

ومحصّله : أنّ الروايتين أو الفتويين ليستا بحجّة ، فلا تعمل بواحدة منهما ، ولكنّه في سعة في الواقعة ، فله العمل على طبق الاُصول ، فهي على خلاف المطلوب أدلّ .

وأمّا دعوى إلغاء الخصوصية وفهم التخيير من الأخبار الواردة في الخبرين المتعارضين ، ففيه : - مع الغضّ عن فقدان رواية دالّة على التخيير جامعة للحجّية ، كما مرّ في باب التعارض(3) - أنّ إلغاء الخصوصية عرفاً ممنوع ؛ ضرورة تحقّق الفرق الواضح بين اختلاف الأخبار واختلاف الآراء الاجتهادية ، فما أفاده : من شمول روايات العلاج لاختلاف الفتاوى ، محلّ منع ، مع أنّ لازمه إعمال مرجّحات باب التعارض فيهما ، وهو كما ترى .

فتحصّل ممّا ذكرناه : أ نّه ليس في أخبار الباب ما يستفاد منه ترجيح قول الأعلم عند التعارض لغيره ، ولا التخيير في الأخذ بأحد المتساويين ،

ص: 87


1- حيث قال عليه السلام : «لا تعمل بواحد منهما حتّى تلقى صاحبك فتسأل عنه» . الاحتجاج 2 : 265 / 235 ؛ وسائل الشيعة 27 : 122 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 42 .
2- النهاية ، ابن الأثير 2 : 206 ؛ المصباح المنير : 221 ؛ القاموس المحيط 1 : 16 .
3- التعادل والترجيح ، الإمام الخميني قدس سره : 77 - 82 و149 .

فلا محيص إلاّ العمل بالاُصول الأوّلية لولا تسالم الأصحاب على عدم وجوب الاحتياط ، ومع هذا التسالم لا محيص عن الأخذ بقول الأعلم ؛ لدوران الأمر بين التعيين والتخيير ، مع كون وجوبه أيضاً مورد تسالمهم .

كما أنّ الظاهر ، تسالمهم على التخيير في الأخذ بفتوى أحد المتساويين ، وعدم وجوب الاحتياط ، أو الأخذ بأحوط القولين .

ص: 88

الفصل الثاني: في اشتراط الحياة في المفتي

اشارة

اختلفوا في اشتراط الحياة في المفتي على أقوال(1) ؛ ثالثها : التفصيل بين البدوي والاستمراري(2) .

لا إشكال في أنّ الأصل الأوّلي حرمة العمل بما وراء العلم ، خرج عنه العمل بفتوى الحيّ ، وبقي غيره ، فلا بدّ من الخروج عنه من دليل التمسّك بالاستصحاب لإثبات الجواز .

ولمّا كان عمدة ما يمكن أن يعوّل عليه هو الاستصحاب ، فلا بدّ من تقريره وتحقيقه .

التمسّك بالاستصحاب على جواز تقليد الميّت

فنقول : قد قرّر الأصل بوجوه :

منها : أنّ المجتهد الفلاني كان جائز التقليد لكلّ مكلّف عامّي في زمان

ص: 89


1- راجع الوافية في اُصول الفقه : 299 ؛ مطارح الأنظار 2: 559.
2- اُنظر مطارح الأنظار 2: 432.

حياته ، فيستصحب إلى ما بعد موته .

ومنها : أنّ الأخذ بفتوى المجتهد الفلاني كان جائزاً في زمان حياته ، فيستصحب .

ومنها : أنّ لكلّ مقلِّد جواز الرجوع إليه في زمان حياته ، وبعدها كما كان .

إلى غير ذلك من الوجوه المتقاربة(1) .

الإشكالات التي اُورد على الاستصحاب

وقد يستشكل : بأنّ جواز التقليد لكلّ بالغ عاقل ، إن كان بنحو القضيّة الخارجية ؛ بمعنى أنّ كلّ مكلّف كان موجوداً في زمانه جاز له الرجوع إليه ، فلا يفيد بالنسبة إلى الموجودين بعد حياته في الأعصار المتأخّرة ، وبعبارة اُخرى : الدليل أخصّ من المدّعى .

وإن كان بنحو القضيّة الحقيقية ؛ أي كلّ من وجد في الخارج وكان مكلّفاً في كلّ زمان ، كان له تقليد المجتهد الفلاني ؛ فإن اُريد إجراء الاستصحاب التنجيزي فلا يمكن ؛ لعدم إدراك المتأخّرين زمان حياته ، فلا يقين بالنسبة إليهم . وإن كان بنحو التعليق ، فإجراء الاستصحاب التعليقي بهذا النحو محلّ منع .

وفيه : أنّ جعل الأحكام للعناوين على نحو القضيّة الحقيقية ، ليس معناه أنّ لكلّ فرد من مصاديق العنوان حكماً مجعولاً برأسه ، ومعنى الانحلال إلى الأحكام ليس ذلك ، بل لا يكون في القضايا الحقيقية إلاّ جعل واحد لعنوان

ص: 90


1- راجع الفصول الغروية : 421 / السطر 15 ؛ مطارح الأنظار2 : 586 ؛ درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 704 .

واحد ، لا جعلات كثيرة بعدد أنفاس المكلّفين ، لكن ذاك الجعل الواحد يكون حجّة - بحكم العقل والعقلاء - على كلّ من كان مصداقاً للعنوان .

مثلاً قوله تعالى : (وَللّه ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(1) ليس إلاّ جعلاً واحداً لعنوان واحد هو (مَنِ اسْتَطَاعَ) ولكنّه حجّة على كلّ مكلّف مستطيع ، فحينئذٍ لو علمنا بأنّ الحجّ كان واجباً على مَن استطاع إليه سبيلاً ، وشككنا في بقائه من أجل طروّ النسخ مثلاً ، فلا إشكال في جريان استصحاب الحكم المتعلّق بالعنوان لنفس ذلك العنوان ، فيصير - بحكم الاستصحاب - حجّةً على كلّ من كان مصداقه .

ولهذا لا يستشكل أحد في استصحاب عدم النسخ ، مع ورود هذا الإشكال بعينه عليه ، بل على جميع الاستصحابات الحكمية .

والسرّ فيه ما ذكرنا : من أنّ الحكم على العنوان حجّة على المعنونات ، فاستصحاب وجوب الحجّ على عنوان «المستطيع» جارٍ بلا إشكال ، كاستصحاب جواز رجوع كلّ مقلِّد إلى المجتهد الفلاني ، وسيأتي كلام في هذا الاستصحاب فانتظر(2) .

إشكال عدم بقاء موضوع الاستصحاب والجواب عنه

فالعمدة في المقام هو الإشكال المعروف ؛ أي عدم بقاء الموضوع .

وتقريره : أنّه لا بدّ في الاستصحاب من وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوك

ص: 91


1- آل عمران (3) : 97 .
2- يأتي في الصفحة 95 - 99 .

فيها ، وموضوع القضيّة هو رأي المجتهد وفتواه ، وهو أمر قائم بنفس الحيّ ، وبعد موته لا يتّصف - بحسب نظر العرف المعتبر في المقام - بعلم ولا ظنّ ، ولا رأي له بحسبه ولا فتوى .

ولا أقلّ من الشكّ في ذلك ، ومعه أيضاً لا مجال للاستصحاب ؛ لأنّ إحراز الموضوع شرط في جريانه ، ولا إشكال في أنّ مدار الفتوى هو الظنّ الاجتهادي ، ولهذا يقع المظنون - بما هو كذلك - وسطاً في قياس الاستنباط ، ولا إشكال في عدم إحراز الموضوع ، بل في عدم بقائه(1) .

وفيه : أنّ مناط عمل العقلاء على رأي كلّ ذي صنعة في صنعته هو أماريته وطريقيته إلى الواقع ، وهو المناط في فتوى الفقهاء ، سواءً أكان دليل اعتباره بناء العقلاء الممضى ، أو الأدلّة اللفظية ؛ فإنّ مفادها أيضاً كذلك ، ففتوى الفقيه بأنّ صلاة الجمعة واجبة طريق إلى الحكم الشرعي وحجّة عليه ، وإنّما تتقوّم طريقيتها وطريقية كلّ رأي خبير إلى الواقع ، إذا أفتى وأخبر بنحو الجزم .

لكنّ الوجود الحدوثي للفتوى بنحو الجزم يوجب كونها طريقاً إلى الواقع أبداً ، ولا ينسلخ عنها ذلك إلاّ بتجدّد رأيه ، أو الترديد فيه ، وإلاّ فهي طريق إلى الواقع ، كان صاحب الرأي حيّاً أو ميّتاً .

فإذا شككنا في جواز العمل به ؛ من حيث احتمال دخالة الحياة شرعاً في جوازه ، فلا إشكال في جريان الاستصحاب ، ووحدةِ القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها ، فرأي العلاّمة وقوله وكتاب «قواعده» كلّ كاشف عن الأحكام الواقعية ،

ص: 92


1- مطارح الأنظار 2: 463؛ كفاية الاُصول : 545 - 546 .

ووجوده الحدوثي كافٍ في كونه طريقاً ، وهو المناط في جواز العمل شرعاً ولدى العقلاء .

وإن شئت قلت : جزم العلاّمة أو إظهار فتواه جزماً جعل كتابه حجّة وطريقاً إلى الواقع وجائزَ العمل في زمان حياته ، ويشكّ في جواز العمل على طبقه بعد موته ، فيستصحب .

والعجب من الشيخ الأعظم ، حيث اعترف بأنّ الفتوى إذا كانت عبارة عن نقل الأخبار بالمعنى ، يتمّ القول : بأنّ القول موضوع للحكم ، ويجري الاستصحاب معه(1) .

مع أنّ حجّية الأخبار وطريقيتها إلى الواقع - أيضاً - متقوّمتان بجزم الراوي ، فلو أخبر أحد الرواة بيننا وبين المعصوم بنحو الترديد لا يصير خبره أمارة وحجّة على الواقع ، ولا جائز العمل . لكن مع إخباره جزماً يصير كاشفاً عنه ، وجائز العمل ما دام كونه كذلك ، سواءً أكان مخبره حيّاً أو ميّتاً ، مع عدم بقاء جزمه بعد الموت ، لكن جزمه حين الإخبار كافٍ في جواز العمل وحجّية قوله دائماً ، إلاّ إذا رجع عن إخباره الجزمي .

وهذا جارٍ في الفتوى طابق النعل بالنعل ، فقول الفقيه حجّة على الواقع وطريق إليه ، كإخبار المخبر ، وهو باقٍ على طريقيته بعد الموت ، ولو شكّ في جواز العمل به - لأجل احتمال اشتراط الحياة شرعاً - جاز استصحابه ، وتمّت أركانه .

ص: 93


1- مطارح الأنظار 2: 465.

وإن شئت قلت : إنّ جزم الفقيه أو إظهاره الفتوى على سبيل الجزم ، واسطة في حدوث جواز العمل بقوله وكتابه ، وبعد موته نشكّ في بقاء الجواز ؛ لأجل الشكّ في كونه واسطة في العروض أو الثبوت ، فيستصحب .

وأمّا ما أفاد : من كون الوسط في قياس الاستنباط هو المظنون بما هو كذلك ، وأنّ مظنون الحرمة حرام ، أو مظنون الحكم واجب العمل(1) .

ففيه : أنّ إطلاق «الحجّة» على الأمارات ، ليس باعتبار وقوعها وسطاً في الإثبات كالحجّة المنطقية ، بل المراد منها هو كونها منجّزة للواقع ؛ بمعنى أنّه إذا قامت الأمارة المعتبرة على وجوب شيء ، وكان واجباً بحسب الواقع فتركه المكلّف ، تصحّ عقوبته ، ولا عذر له في تركه ، وبهذا المعنى تطلق «الحجّة» على القطع ، كإطلاقها على الأمارات ، بل تطلق على بعض الشكوك أيضاً .

وبالجملة : الحجّة في الفقه ليست هي القياس المنطقي ، ولا يكون الحكم الشرعي مترتّباً على ما قام عليه الأمارة بما هو كذلك ، ولا المظنون بما [هو] مظنون .

فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ استصحاب جواز العمل على طبق رأي المجتهد وفتواه - بمعنى حاصل المصدر - وعلى طبق كتابه ، الكاشفين عن الحكم الواقعي أو الوظيفة الظاهرية ، ممّا لا مانع منه .

لا يقال : بناءً على ما ذكرت يصحّ استصحاب حجّية ظنّ المجتهد الموجود في زمان حياته ، فلنا أن نقول : إنّ الحجّية والأمارية ثابتتان له في موطنه ،

ص: 94


1- مطارح الأنظار 2: 464 - 465.

ويحتمل بقاؤهما إلى الأبد ، ومع الشكّ تستصحبان .

فإنّه يقال : هذا غير معقول ؛ للزوم إثبات الحجّية وجواز العمل فعلاً لأمر معدوم ، وكونُه في زمانه موجوداً لا يكفي في إثبات الحجّية الفعلية له مع معدوميته فعلاً .

وإن شئت قلت : إنّ جواز العمل كان ثابتاً للظنّ الموجود ، فموضوع القضيّة المتيقّنة هو الظنّ الموجود ، وهو الآن مفقود .

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الظنّ في حال الوجود بنحو القضيّة الحينية موضوع للقضيّة ، لا بنحو القضيّة الوضعية والتقييدية ، وهو عين الموضوع في القضيّة المشكوك فيها ، وقد ذكرنا في باب الاستصحاب : أنّ المعتبر فيه هو وحدة القضيتين ، لا إحراز وجود الموضوع ، فراجع(1) .

ولكن كون الموضوع كذلك في المقام محلّ إشكال ومنع ، مع أ نّه لا يدفع الإشكال المتقدّم به .

تقرير إشكال آخر على الاستصحاب

ثمّ إنّ هاهنا إشكالاً قويّاً على هذا الاستصحاب وهو أ نّه : إمّا أن يراد به استصحاب الحجّية العقلائية ، فهي أمر غير قابل للاستصحاب .

أو الحجّيةِ الشرعية ، فهي غير قابلة للجعل .

أو جوازِ العمل على طبق قوله ، فلا دليل على جعل الجواز الشرعي ، بل الظاهر من مجموع الأدلّة هو تنفيذ الأمر الارتكازي العقلائي ، فليس في الباب

ص: 95


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 233 .

دليل جامع لشرائط الحجّية يدلّ على تأسيس الشرع جواز العمل أو وجوبه على رأي المجتهد ، فها هي الأدلّة(1) المستدلّ بها للمقصود ، فراجعها حتّى تعرف صدق ما ذكرناه .

أو استصحابُ الأحكام الواقعية ، فلا شكّ في بقائها ؛ لأنّها لو تحقّقت أوّلاً فلا شكّ في أ نّها متحقّقة في الحال أيضاً ؛ لأنّ الشكّ في بقائها : إمّا لأجل الشكّ في النسخ ، أو الشكّ في فقدان شرط كصلاة الجمعة في زمان الغيبة ، أو حدوث مانع ، والفرض أ نّه لا شكّ من هذه الجهات .

أو الأحكام الظاهرية ؛ بدعوى كونها مجعولة عقيب رأي المجتهد ، بل عقيب سائر الأمارات ، فهو أيضاً ممنوع ؛ لعدم الدليل على ذلك ، بل ظاهر الأدلّة على خلافه ؛ لأنّ الظاهر منها إمضاء ما هو المرتكز لدى العقلاء ، والمرتكز لديهم هو أمارية رأي المجتهد للواقع ، كأمارية رأي كلّ ذي صنعة إلى الواقع في صنعته .

وبالجملة : لا بدّ في جريان الاستصحاب من حكم أو موضوع ذي حكم ، وليس في المقام شيء قابل له :

أمّا الحكم الشرعي فمفقود ؛ لعدم تطرّق جعل وتأسيس من الشارع .

وأمّا ما لدى العقلاء من حجّية قول أهل الخبرة ، فلعدم كونه موضوعاً لحكم شرعي ، بل هو أمر عقلائي يتنجّز به الواقع بعد عدم ردع الشارع عنه .

وأمّا إمضاء الشارع وارتضاؤه لما هو المرتكز بين العقلاء ، فليس حكماً

ص: 96


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 55 - 57 .

شرعياً حتّى يستصحب ، تأمّل(1) ، بل لا يستفاد من الأدلّة إلاّ الإرشاد إلى ما هو المرتكز ، فليس جعل وتأسيس ، كما لا يخفى .

إن قلت : بناءً عليه ينسدّ باب الاستصحاب في مطلق مؤدّيات الأمارات ، فهل فتوى الفقيه إلاّ إحداها ؟! مع أ نّه حقّق في محلّه جريانه في مؤدّياتها ، فكما يجري فيها لا بدّ وأن يجري في الحكم المستفاد من فتوى الفقيه .

قلت : هذه مغالطة نشأت من خلط الشكّ في بقاء الحكم ، والشكّ في بقاء حجّية الحجّة عليه ، فإنّ الأوّل مجرى الاستصحاب ، دون الثاني ، فإذا قامت الأمارة - أيّة أمارة كانت - على حكم ، ثمّ شكّ في بقائه لأحد أسباب طروّ الشكّ ، كالشكّ في النسخ ، يجري الأصل ؛ لما ذكرنا في الاستصحاب من شمول أدلّته مؤدّيات الأمارات أيضاً(2) .

وأمّا إذا شكّ في أمارة - بعد قيامها على حكم وحجّيتها - في بقاء الحجّية لها في زمان الشكّ ، فلا يجري فيها ؛ لعدم الشكّ في بقاء حكم شرعي كما عرفت(3) ، فقياس الاستصحاب في نفس الأمارة وحكمها على الاستصحاب في مؤدّاها ، مع الفارق ؛ فإنّ المستصحب في الثاني هو الحكم الواقعي المحرز بالأمارة ، دون الأوّل .

إن قلت : بناءً على عدم استتباع قيام الأمارات - فتوى الفقيه كانت أو

ص: 97


1- وجهه : أنّ استصحاب رضا الشارع بالعمل ممّا لا مانع منه ؛ فإنّه وإن لم يكن حكماً ، لكن مع التعبّد به يحكم العقل بجواز العمل ، فهو مثل الحكم في ذلك. [منه قدس سره]
2- راجع الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 86 .
3- تقدّم في الصفحة 96 .

غيرها - للحكم ، يلزم عدم تمكّن المكلّف من الجزم في النيّة ، وإتيان كثير من أجزاء العبادات وشرائطها رجاءً ، وهو باطل ، فلا بدّ من الالتزام باستتباعها الحكم ؛ لتحصيل الجزم فيها .

قلت أوّلاً : لا دليل على لزوم الجزم فيها من إجماع أو غيره ، ودعوى الإجماع ممنوعة في هذه المسألة العقلية .

وثانياً : أنّ الجزم حاصل ؛ لما ذكرناه(1) : من أنّ احتمال الخلاف في الطرق العقلائية ، مغفول عنه غالباً ، ألا ترى أنّ جميع المعاملات الواقعة من ذوي الأيادي على الأموال تقع على سبيل الجزم ، مع أنّ الطريق إلى ملكيتهم هو اليد التي تكون طريقاً عقلائياً ؟! وليس ذلك إلاّ لعدم انقداح احتمال الخلاف في النفوس تفصيلاً بحسب الغالب .

وثالثاً : أنّ المقلِّدين الآخذين بقول الفقهاء لا يرون فتاويهم إلاّ طريقاً إلى الواقع ، فالإتيان على مقتضى فتاويهم ليس إلاّ بملاحظة طريقيتها إلى الواقع ، وكاشفيتها عن أحكام اللّه الواقعية ، كعملهم على طبق رأي كلّ خبير فيما يرجع إليه ، من دون تفاوت في نظرهم ، وليس استتباع فتاويهم للحكم الظاهري في ذهنهم بوجه حتّى يكون الجزم باعتباره .

فالحكم الظاهري على فرض وجوده ليس محصّلاً للجزم ؛ ضرورة كون هذا الاستتباع مغفولاً عنه لدى العقلاء العاملين على قول الفقهاء بما أ نّهم عالمون بالأحكام ؛ وفتاويهم طريق إلى الواقع .

ص: 98


1- تقدّم في الصفحة 58 .

فتحصّل من جميع ما ذكرنا : أنّ الاستصحاب غير جارٍ ؛ لفقدان المستصحب ، أي الحكم ، أو الموضوع الذي له حكم .

التفصّي عن الإشكال

وغاية ما يمكن أن يقال في التفصّي عن هذا الإشكال : أنّ احتياج الفقيه للفتوى بجواز البقاء على تقليد الميّت إلى الاستصحاب ، إنّما يكون في مورد اختلاف رأيه مع رأي الميّت .

وأمّا مع توافقهما ، فيجوز له الإفتاء بالأخذ برأي الميّت ؛ لقيام الدليل عنده عليه ، وعدم الموضوعية للفتوى ، والأخذ برأي الحيّ . فلو فرض موافقة رأي فقيه حيّ لجميع ما في رسالة فقيه ميّت ، يجوز له الإرجاع إلى رسالته ، من غير احتياج إلى الاستصحاب ، بل لقيام الأمارة على صحّته ، فما يحتاج في الحكم بجواز البقاء إلى الاستصحاب هو موارد اختلافهما .

فحينئذٍ نقول : لو أدرك مكلّف في زمان بلوغه مجتهدين حيّين ، متساويَين في العلم ، مختلفَين في الفتوى ، يكون مخيّراً في الأخذ بأيّهما شاء ، وهذا حكم مسلّم بين الفقهاء ، وأرسلوه إرسال المسلّمات ، من غير احتمال إشكال فيه(1) ، مع أ نّه خلاف القاعدة ؛ فإنّها تقتضي تساقطهما .

فالحكم بالتخيير بنحو التسلّم في هذا المورد المخالف للقاعدة لا يكون إلاّ بدليل شرعي وصل إليهم ، أو للسيرة المستمرّة إلى زمن الأئمّة علیهم السلام ، كما هي ليست ببعيدة ، فإذا مات أحد المجتهدين يستصحب هذا الحكم التخييري ، وهذا

ص: 99


1- مناهج الأحكام والاُصول : 300 / السطر الأخير ؛ مفاتيح الاُصول : 631 / السطر 9 .

الاستصحاب جارٍ في الابتدائي والاستمراري .

نعم ، جريانه في الابتدائي الذي لم يدركه المكلّف حيّاً محلّ إشكال ؛ لعدم دليل يثبت الحكم للعنوان حتّى يستصحب ، فما ذكرنا في التفصّي عن الإشكال الأوّل في الباب : من استصحاب الحكم الثابت للعنوان ، إنّما هو على فرض ثبوت الحكم له ، وهو فرض محض .

فتحصّل ممّا ذكرنا تفصيل آخر : هو التفصيل بين الابتدائي الذي لم يدرك المكلّف مجتهده حيّاً حال بلوغه ، وبين الابتدائي المدرك كذلك والاستمراري .

هذا مقتضى الاستصحاب ، فلو قام الإجماع على عدم جواز الابتدائي مطلقاً ، تصير النتيجة التفصيل بين الابتدائي والاستمراري .

هذا كلّه حال الاستصحاب .

التمسّك ببناء العقلاء على جواز تقليد الميّت

وأمّا بناء العقلاء(1) ، فمحصّل الكلام فيه : أنّه لا إشكال في عدم التفاوت في ارتكاز العقلاء وحكم العقل بين فتوى الحيّ والميّت ؛ ضرورة طريقية كلّ منهما إلى الواقع من غير فرق بينهما .

لكن مجرّد ارتكازهم وحكمهم العقلي بعدم الفرق بينهما لا يكفي في جواز العمل ، بل لا بدّ من إثبات بنائهم على العمل على طبق فتوى الميّت كالحيّ ، وتعارفه لديهم حتّى يكون عدم ردع الشارع كاشفاً عن إمضائه ، وإلاّ فلو فرض عدم جريان العمل على طبق فتوى الميّت - وإن لم يتفاوت في ارتكازهم مع

ص: 100


1- اُنظر مطارح الأنظار 2: 629.

الحيّ - لا يكون للردع مورد حتّى يكشف عدمُه عن إمضاء الشارع .

والحاصل : أنّ جواز الاتّكال على الأمارات العقلائية ، موقوف على إمضاء الشارع لفظاً ، أو كشفه عن عدم الردع ، وليس ما يدلّ لفظاً عليه ، والكشف عن عدم الردع موقوف على جري العقلاء عملاً على طبق ارتكازهم ، ومع عدمه لا معنى لردع الشارع ، ولا يكون سكوته كاشفاً عن رضاه .

فحينئذٍ نقول : لا إشكال في بناء العقلاء على العمل برأي الحيّ ، ويمكن دعوى بنائهم على العمل بما أخذوا من الحيّ في زمان حياته ثمّ مات ؛ ضرورة أنّ الجاهل بعد تعلّم ما يحتاج إليه من الحيّ يرى نفسه عالماً ، فلا داعي له في الرجوع إلى الآخر .

بل يمكن إثبات ذلك من الروايات ، كرواية علي بن المسيّب المتقدّمة(1) .

فإنّ في إرجاعه إلى زكريّا بن آدم - من غير ذكر حال حياته ؛ وأنّ ما يأخذه منه في حال الحياة لا يجوز العمل به بعد موته ، مع أنّ في ارتكازه وارتكاز كلّ عاقل عدمَ الفرق بينهما - دلالة على جواز العمل بما تعلّم منه مطلقاً ؛ فإنّ كون شقّته بعيدة - بحيث أ نّه بعد رجوعه إلى شقّته كان يصير منقطعاً عن الإمام علیه السلام في مثل تلك الأزمنة - كان يوجب عليه بيان الاشتراط لو كانت الحياة شرطاً .

واحتمال أنّ رجوع علي بن المسيّب إليه كان في نقل الرواية ، يدفعه ظهور الرواية ، ومثلها مكاتبة أحمد بن حاتم وأخيه(2) .

وبالجملة : إرجاع الأئمّة علیهم السلام في الروايات الكثيرة ، شيعتهم إلى العلماء

ص: 101


1- تقدّمت في الصفحة 56 .
2- تقدّمت في الصفحة 74 .

عموماً وخصوصاً - مع خلوّها عن اشتراط الحياة - كاشف عن ارتضائهم بذلك .

نعم ، لا يكشف عن الأخذ الابتدائي بفتوى الميّت ؛ فإنّ الدواعي منصرفة عن الرجوع إلى الميّت مع وجود الحيّ ، ولم يكن في تلك الأزمنة تدوين الكتب الفتوائية متعارفاً حتّى يقال : إنّهم كانوا يراجعون الكتب ؛ فإنّ الكتب الموجودة في تلك الأزمنة كانت منحصرة بكتب الأحاديث ، ثمّ بعد أزمنة متطاولة صار بناؤهم على تدوين كتب نحو متون الأخبار ، ككتب الصدوقين ، ومن في طبقتهما ، أو قريب العصر بهما .

ثمّ بعد مرور الأزمنة جرت عادتهم على تدوين الكتب التفريعية والاستدلالية، فلم يكن الأخذ من الأموات ابتداءً ممكناً في الصدر الأوّل ، ولا متعارفاً أصلاً .

نعم ، من أخذ فتوى حيّ في زمان حياته ، فقد كان يعمل بها على الظاهر ؛ ضرورة عدم الفرق في ارتكازه بين الحيّ والميّت ، ولم يرد ردع عن ارتكازهم وبنائهم العملي ، بل إطلاق الأدلّة يقتضي الجواز أيضاً .

فتحصّل ممّا ذكرناه : أ نّه لو كان مبنى جواز البقاء على تقليد الميّت هو بناء العقلاء ، فلا بدّ من التفصيل بين ما إذا أخذ فتوى الميّت في زمان حياته وغيره .

والإنصاف : أنّ جواز البقاء على فتوى الميّت بعد الأخذ منه في الجملة هو الأقوى ، وأمّا الأخذ الابتدائي ففيه إشكال ، بل الأقوى عدم جوازه .

وأمّا التمسّك بالأدلّة اللفظية كالكتاب والسنّة(1) ، فقد عرفت في المبحث السالف عدم دلالتهما على تأسيس حكم شرعي في هذا الباب ، فراجع(2) .

ص: 102


1- الفصول الغروية : 422 / السطر 31 ؛ اُنظر مطارح الأنظار 2: 626.
2- تقدّم في الصفحة 96 .

الفصل الثالث: في تبدّل الاجتهاد

تكليف المجتهد عند تبدّل رأيه

اشارة

إذا اضمحلّ الاجتهاد السابق وتبدّل رأي المجتهد ، فلا يخلو : إمّا أن يتبدّل من القطع إلى القطع ، أو إلى الظنّ المعتبر ، أو من الظنّ المعتبر إلى القطع ، أو إلى الظنّ المعتبر .

حال الفتوى المستندة إلى القطع

فإن تبدّل من القطع إلى غيره فلا مجال للقول بالإجزاء ؛ ضرورة أنّ الواقع لا يتغيّر عمّا هو عليه بحسب العلم والجهل ، فإذا قطع بعدم كون السورة جزءاً للصلاة ، ثمّ قطع بجزئيتها ، أو قامت الأمارة عليها ، أو تبدّل قطعه ، يتبيّن له في الحال الثاني - وجداناً أو تعبّداً - عدم كون المأتيّ به مصداق المأمور به ، ومعه لا وجه للإجزاء .

ولا يتعلّق بالقطع جعل حتّى يتكلّم في دلالة دليله على إجزائه عن الواقع ، أو

ص: 103

بدليته عنه ، وإنّما هو عذر في صورة ترك المأمور به ، فإذا ارتفع العذر يجب عليه الإتيان بالمأمور به في الوقت ، وخارجه إن كان له قضاء .

حال الفتوى المستندة إلى الأمارات

وإن تبدّل من الظنّ المعتبر ، فإن كان مستنده الأمارات كخبر الثقة وغيره ، فكذلك إذا كانت الأمارة عقلائية أمضاها الشارع ؛ ضرورة أنّ العقلاء إنّما يعملون على ما عندهم - كخبر الثقة والظواهر - بما أ نّها كاشفة عن الواقع وطريق إليه ، ومن حيث عدم اعتنائهم باحتمال الخلاف. وإمضاءُ الشارع هذه الطريقة لا يدلّ على رفع اليد عن الواقعيات، وتبديل المصاديق الأوّلية بالمصاديق الثانوية ، أو جعل المصاديق الناقصة منزلة التامّة .

وربّما يقال : إنّ الشارع إذا أمر بطبيعة كالصلاة ، ثمّ أمر بالعمل بقول الثقة ، أو أجاز المأمور بالعمل به ، يكون لازمه الأمر أو الإجازة بإتيان المأمور به على طبق ما أدّى إليه قول الثقة ، ولازم ذلك هو الإجزاء(1) . ففي مثل قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ)(2) ، يكون أمر بصلاتين إلى غسق الليل لا غير ، فإذا أمر بالعمل على قول الثقة ، فقد أمر بإتيان المأمور به بالكيفية

التي أدّت إليها الأمارة ، فلا محالة يكون المأتيّ به مصداقاً للمأمور به عنده ، وإلاّ لما أمر بإتيانه كذلك ، فلا محيص عن الإجزاء ؛ لتحقّق مصداق المأمور به ، وسقوط الأمر .

ص: 104


1- نهاية الاُصول : 143 - 144 .
2- الإسراء(17) : 78 .

ولكنّك خبير : بأنّ إمضاء طريقة العقلاء ليس إلاّ لأجل تحصيل الواقعيات ؛ لمطابقة الأمارات العقلائية نوعاً للواقع ، وضعف احتمال تخلّفها عنه ، وفي مثل ذلك لا وجه لسقوط الأمر إذا تخلّف عن الواقع ، كما أنّ الأمر كذلك عند العقلاء ، والفرض أنّ الشارع لم يأمر تأسيساً .

بل وكذا الحال لو أمر الشارع بأمارة تأسيساً ، وكان لسان الدليل هو التحفّظ على الواقع ؛ فإنّ العرف لا يفهم منه إلاّ تحصيل الواقع ، لا تبديله بمؤدّى الأمارة .

وأنت إذا راجعت الأدلّة المستدلّ بها على حجّية خبر الثقة ، لرأيت أنّ مفادها ليس إلاّ إيجاب العمل به ؛ لأجل الوصول إلى الواقعيات ، كالآيات على فرض دلالتها ، وكالروايات ، فإنّها تنادي بأعلى صوتها بأنّ إيجاب العمل على قول الثقة إنّما هو لكونه ثقة وغير كاذب ، وأ نّه موصل إلى الواقع ، وفي مثله لا يفهم العرف أنّ الشارع يتصرّف في الواقعيات على نحو أداء الأمارة .

هذا ، مع أنّ احتمال التأسيس في باب الأمارات العقلائية ، مجرّد فرض ، وإلاّ فالناظر فيها يقطع بأنّ الشارع لم يكن في مقام تأسيس وتحكيم ، بل في مقام إرشاد وإمضاء ما لدى العقلاء ، والضرورة قاضية بأنّ العقلاء لا يعملون على طبقها إلاّ لتحصيل الواقع .

وحديث تبديل الواقع بما يكون مؤدّى الأمارة(1) ، ممّا لا أصل له في طريقتهم ، فالقول بالإجزاء فيها ضعيف غايته .

وأضعف منه التفصيل بين تبدّل الاجتهاد الأوّل بالقطع فلا يجزي ، وبين تبدّله

ص: 105


1- البيع ، رسالة الاجتهاد والتقليد (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي 2 : 433 - 434 .

باجتهاد آخر فيجزي ، بدعوى عدم الفرق بين الاجتهادين الظنّيين ، وعدم ترجيح الثاني حتّى يبطل الأوّل(1) .

وذلك لأنّ تبدّل الاجتهاد لا يمكن إلاّ مع اضمحلال الاجتهاد الأوّل بالعثور على دليل أقوى ، أو بالتخطئة للاجتهاد الأوّل ، ومعه لا وجه لاعتباره ، فضلاً عن مصادمته للثاني . هذا حال الفتوى المستندة إلى الأمارات .

حال الفتوى المستندة إلى الاُصول

وأمّا إذا استندت إلى الاُصول ، كأصالتي الطهارة والحلّية في الشبهات الحكمية ، وكالاستصحاب فيها ، وكحديث الرفع(2) ، فالظاهر هو الإجزاء مع اضمحلال الاجتهاد :

أمّا في أصالتي الطهارة والحلّ ؛ فلأنّ الظاهر من دليلهما هو جعل الوظيفة الظاهرية لدى الشكّ في الواقع ؛ فإنّ معنى قوله : «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أ نّه قذر»(3) ، و«كلّ شيء . . . حلال حتّى تعرف أ نّه حرام بعينه . . .»(4) ليس أ نّه طاهر وحلال واقعاً ، حتّى تكون النجاسة والحرمة متقيّدتين بحال العلم بهما ؛ ضرورة

ص: 106


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 447 - 448 .
2- التوحيد ، الصدوق : 353/ 24 ؛ الخصال : 417/ 9 ؛ وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، الباب 56 ، الحديث1 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 284 / 832 ؛ وسائل الشيعة 3 : 467 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحديث 4 .
4- الكافي 5 : 313/ 40 ؛ وسائل الشيعة 17 : 89 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب4 ، الحديث4، وفيه : «تعلم» بدل «تعرف» .

أ نّه التصويب الباطل ، ولا معنى لجعل المحرزية والكاشفية للشكّ مع كونه خلاف أدلّتهما ، ولا لجعلهما لأجل التحفّظ على الواقع .

بل الظاهر من أدلّتهما هو جعل الطهارة والحلّية الظاهريتين ، ولا معنى لهما إلاّ تجويز ترتيب آثار الطهارة والحلّية على المشكوك فيه ، ومعنى تجويز ترتيب الآثار ، تجويز إتيان ما اشترطت فيه الطهارة والحلّية مع المشكوك فيه ، فيصير المأتيّ به معهما مصداق المأمور به تعبّداً ، فيسقط أمره .

فإذا دلّ الدليل على لزوم إتيان الصلاة مع طهارة الثوب ، ثمّ شكّ في طهارة ثوبه ، دلّ قوله : «كلّ شيء طاهر» - الذي يرجع إلى جواز ترتيب الطهارة على الثوب المشكوك فيه - على جواز إتيان الصلاة معه ، وتحقّق مصداق الصلاة به ، فإذا تبدّل شكّه بالعلم لا يكون من قبيل كشف الخلاف ، كما ذكرنا في الأمارات ؛ لأنّها كواشف عن الواقع ، فلها واقع تطابقه أو لا تطابقه ، بخلاف مؤدّى الأصلين ، فإنّ مفاد أدلّتهما ترتيب آثار الطهارة أو الحلّية بلسان جعلهما ، فتبديل الشكّ بالعلم من قبيل تبديل الموضوع ، لا التخلّف عن الواقع ، فأدلّتهما حاكمة على أدلّة جعل الشروط والموانع في المركّبات المأمور بها .

وبالجملة : إذا أمر المولى بإتيان الصلاة مع الطهارة ، وأجاز الإتيان بها في ظرف الشكّ مع الثوب المشكوك فيه بلسان جعل الطهارة ، وأجاز ترتيب آثار الطهارة الواقعية عليه ، ينتج جواز إتيان الصلاة المأمور بها مع الطهارة الظاهرية ، ومعاملة المكلّف معها معاملة الطهارة الواقعية ، فيفهم العرف من ذلك حصول مصداق المأمور به معها ، فيسقط الأمر ، وبعد العلم بالنجاسة لا يكون من قبيل كشف الخلاف ، كما في الأمارات الكاشفة عن الواقع .

ص: 107

ولا يبعد أن يكون الأمر كذلك في الاستصحاب ؛ فإنّ الكبرى المجعولة فيه وهي قوله : «لا ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً»(1) ليس مفادها جعل اليقين أمارة بالنسبة إلى زمان الشكّ ؛ ضرورة عدم كاشفيته بالنسبة إليه عقلاً ؛ لامتناع كونه طريقاً إلى غير متعلّقه ، ولا معنى لجعله طريقاً إلى غيره ، فلا يكون الاستصحاب من الأمارات .

بل ولا يكون جعله للتحفّظ على الواقع ، كإيجاب الاحتياط في الشبهة البدوية في الأعراض والدماء ، فإنّه أيضاً خلاف مفادها ، وإن احتملناه بل رجّحناه سابقاً(2) .

بل الظاهر منها : أ نّه لا ينبغي للشاكّ الذي كان على يقين ، رفع اليد عن آثاره ، فيجب عليه ترتيب آثاره ، فيرجع إلى وجوب معاملة بقاء اليقين الطريقي معه في زمان الشكّ ، وهو مساوق عرفاً لتجويز إتيان المأمور به - المشروط بالطهارة الواقعية مثلاً - مع الطهارة المستصحبة ، ولازم ذلك صيرورة المأتيّ به معها مصداقاً للمأمور به ، فيسقط الأمر المتعلّق به .

وبالجملة : يكون حاله في هذا الأثر كحال أصالتي الطهارة والحلّ ؛ من حيث كونهما أصلين عمليين ، ووظيفةً في زمان الشكّ ، لا أمارة على الواقع ، ولا أصلاً للتحفّظ عليه حتّى يأتي فيه كشف الخلاف .

ويدلّ على ذلك صحيحة زرارة الثانية ؛ حيث حكم فيها بغسل الثوب وعدم

ص: 108


1- تهذيب الأحكام 1 : 8/11 ؛ وسائل الشيعة 1 : 245 ، كتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- أنوار الهداية 1 : 73 .

إعادة الصلاة معلّلاً : ب «أ نّه كان على يقين من طهارته فشكّ ، وليس ينبغي له أن ينقض اليقين بالشكّ»(1) .

وكذا الحال فيما إذا كان المستند حديث الرفع ؛ فإنّ قوله : «رفع . . . ما لا يعلمون» - بناء على شموله للشبهات الحكمية والموضوعية(2) - لسانه رفع الحكم والموضوع باعتبار الحكم .

لكن لا بدّ من رفع اليد عن هذا الظاهر حتّى بالنسبة إلى الشبهات الموضوعية؛ لأنّ لازمه طهارة ما شكّ في نجاسته موضوعاً واقعاً ، ولا يمكن الالتزام بطهارة ملاقيه في زمان الشكّ بعد كشف الخلاف ، فلا بدّ من الحمل على البناء العملي على الرفع ، وترتيب آثار الرفع الواقعي .

فإذا شكّ في جزئية شيء في الصلاة ، أو شرطيته لها ، أو مانعيته ، فحديث الرفع يدلّ على رفع الجزئية والشرطية والمانعية ، فحيث لا يمكن الالتزام بالرفع الحقيقي ، لا مانع من الالتزام بالرفع الظاهري ، نظير الوضع الظاهري في أصالتي الطهارة والحلّية ، فيرجع إلى معاملة الرفع في الظاهر ، وجواز إتيان المأموربه كذلك ، وصيرورة المأتيّ به مصداقاً للمأمور به بواسطة حكومة دليل الرفع على أدلّة الأحكام .

فتحصّل من جميع ما ذكرنا : أنّ التحقيق هو التفصيل بين الأمارات والاُصول ،

ص: 109


1- علل الشرائع : 361/ 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 421/ 1335 ؛ وسائل الشيعة 3 : 466 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحديث 1 .
2- راجع أنوار الهداية 2 : 23 .

كما عليه المحقّق الخراساني رحمه الله علیه (1) .

هذا كلّه بحسب مقام الإثبات وظهور الأدلّة ، وأمّا بحسب مقام الثبوت ، فلا بدّ من توجيهه بوجه لا يرجع إلى التصويب الباطل .

في الإشارة إلى الخلط الواقع من بعض الأعاظم في المقام

ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا : أنّ القائل بالإجزاء لا يلتزم بالتصرّف في أحكام المحرّمات والنجاسات ، ولا يقول بحكومة أدلّة الاُصول على أدلّة الأحكام الواقعية التي هي في طولها .

وليس محطّ البحث في باب الإجزاء بأدلّة اُصول الطهارة والحلّية والاستصحاب ، هو التضييق أو التوسعة في أدلّة النجاسات والمحرّمات ، حتّى يقال : إنّ الأمارات والاُصول وقعت في رتبة إحراز الأحكام الواقعية ، والحكومة فيها غير الحكومة بين الأدلّة الواقعية بعضها مع بعض ، وإنّ لازم ذلك هو الحكم بطهارة ملاقي النجس الواقعي إذا لاقى في زمان الشكّ . . . وغير ذلك ممّا وقع من بعض الأعاظم على ما في تقريرات بحثه(2) .

بل محطّ البحث : هو أنّ أدلّة الاُصول الثلاثة ، هل تدلّ - بحكومتها على أدلّة الأحكام - على تحقّق مصداق المأمور به تعبّداً ، حتّى يقال بالإجزاء ، أم لا ؟ هذا مع بقاء النجاسات والمحرّمات على ما هي عليها ، من غير تصرّف في أدلّتها .

فالشكّ في الطهارة والحلّية بحسب الشبهة الحكمية إنّما هو في طول جعل

ص: 110


1- كفاية الاُصول : 110 - 111 .
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 250 - 251 .

النجاسات والمحرّمات ، لا في طول جعل الصلاة مشروطةً بطهارة ثوب المصلّي ، وبكونه من المأكول ، والخلط بين المقامين أوقعه فيما أوقعه ، وفي كلامه محالّ أنظار تركناها مخافة التطويل .

تكليف المقلّد مع تبدّل رأي مجتهده

ثمّ إنّ هذا كلّه حال المجتهد بالنسبة إلى تكاليف نفسه ، وأمّا تكليف مقلّديه ، فهل هو كالمجتهد في التفصيل بين كون رأي المقلّد مستنداً إلى الأمارات ، وبين كونه مستنداً إلى الاُصول ؟ بأن يقال : إنّ المجتهد يعيّن وظائف العباد مطلقاً واقعاً وظاهراً ، فكما أنّ في وظائفه الظاهرية نحكم بالإجزاء ؛ بواسطة أدلّة الاُصول وحكومتها على الأدلّة ، فكذا في تكاليف مقلّديه ، طابق النعل بالنعل .

أو لا ؟ بأن يقال : إنّ المقلّد مستنده في الأحكام مطلقاً ، هو رأي المجتهد ، وهو أمارة على تكاليفه بحسب ارتكازه العقلائي ، والشرع أيضاً أمضى هذا الارتكاز والبناء العملي العقلائي .

وليس مستند المقلّدين في العمل هو أصالة الطهارة أو الحلّية ، ولا الاستصحاب أو حديث الرفع في الشبهات الحكمية التي هي مورد بحثنا هاهنا ؛ لأنّ العامّي لا يكون مورداً لجريان الاُصول الحكمية ؛ فإنّ موضوعها الشكّ بعد الفحص واليأس من الأدلّة الاجتهادية ، والعامّي لا يكون كذلك ، فلا تجري في حقّه الاُصول حتّى تحرز مصداق المأمور به .

ومجرّد كون مستند المجتهد هو الاُصول ، ومقتضاها الإجزاء ، لا يوجب الإجزاء بالنسبة إلى من لم يكن مستنده إيّاها ؛ فإنّ المقلّد ليس مستنده في العمل

ص: 111

هي الاُصول الحكمية ، بل مستنده الأمارة - وهي رأي المجتهد - على حكم اللّه تعالى ، فإذا تبدّل رأيه فلا دليل على الإجزاء :

أمّا دليل وجوب اتّباع المجتهد ، فلأنّه ليس إلاّ بناء العقلاء الممضى ، كما يظهر للناظر في الأدلّة ، وإنّما يعمل العقلاء على رأيه لإلغاء احتمال الخلاف ، وإمضاء الشارع لذلك لا يوجب الإجزاء كما تقدّم(1) .

وأمّا أدلّة الاُصول ، فهي ليست مستنده ، ولا هو مورد جريانها ؛ لعدم كونه شاكّاً بعد الفحص واليأس من الأدلّة ، فلا وجه للإجزاء ، وهذا هو الأقوى .

فإن قلت : إذا لم يكن المقلّد موضوعاً للأصل ، ولا يجري في حقّه ، فلِم يجوز للمجتهد أن يفتي مستنداً إلى الأصل بالنسبة إلى مقلّديه ، مع أنّ أدلّة الاُصول لا تجري إلاّ للشاكّ بعد الفحص واليأس ؛ وهو المجتهد فقط ، لا المقلّد ؟!

ولو قيل : إنّ المجتهد نائب عن مقلّديه(2) ، فمع أ نّه لا محصّل له ، لازمه الإجزاء .

قلت : قد ذكرنا سابقاً ، أنّ المجتهد إذا كان عالماً بثبوت الحكم الكلّي المشترك بين العباد ، ثمّ شكّ في نسخه مثلاً ، يصير شاكّاً في ثبوت هذا الحكم المشترك بينهم ، فيجوز له الإفتاء به ، كما له العمل به ، فكما أنّ الأمارة إذا قامت على حكم مشترك كلّي ، يجوز له الإفتاء بمقتضاها ، كذلك إذا كان ذلك مقتضى الاستصحاب ، فله العمل به ، والفتوى بمقتضاه ، فإذا أفتى يجب على المقلّدين

ص: 112


1- تقدّم في الصفحة 105 .
2- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26 : 19 .

العمل على طبق فتواه ؛ لبناء العقلاء على رجوع الجاهل إلى العالم .

فتحصّل من ذلك : أنّ المجتهد له الإفتاء بمقتضى الاُصول الحكمية ، ومقتضى القاعدة هو الإجزاء بالنسبة إليه ، دون مقلّديه ؛ لاستناده إلى الاُصول المقتضية للإجزاء ، واستنادهم إلى رأيه الغير المقتضي لذلك .

وقد تمّت مهمّات مباحث الاجتهاد والتقليد ، وبقيت بعض الاُمور غير المهمّة ، تركناها لذلك ، وقد وقع الفراغ من تسويده يوم الجمعة ؛ عيد الفطر ، سنة 1370 في «محلاّت» والحمد للّه أوّلاً وآخراً ، وظاهراً وباطناً .

ص: 113

ص: 114

الضميمة(*)

* - ولا يخفى أنّ هذه الرسالة الموسومة ب «الاجتهاد والتقليد» قد اُلّفت في عام 1370 ه . ق . وذلك في الدورة الاُولى من دروس الاُصول ، غير أنّ الإمام قدّس سرّه قد أضاف إليها فصلين آخرين : أحدهما مُلحق ببحثه حول تقليد الأعلم الأفضل ، والآخر لاحق بالبحث حول تقليد الميّت ، أضافهما قدّس سرّه في دورته الاُصولية الثانية عند تدريسه لهذين المبحثين .

ومن هنا فقد جاء الفصلان متأخّرين عن موضعيهما المناسبين ؛ بسبب انتقال الكتاب إلى صيغته النهائية في سنة الإعداد والتدريس في الدورة الاُولى .

ص: 115

ص: 116

الفصل الرابع: هل التخيير بين المجتهدين المتساويين بدوي أو استمراري ؟

هل يجوز للعامي العدول بعد تقليد أحد المجتهدين المتساويين

بعد البناء على تخيير العامّي في الرجوع إلى مجتهدين متساويين ، هل يجوز له العدول بعد تقليد أحدهما ؟

مختار شيخنا العلاّمة في المقام

اختار شيخنا العلاّمة التفصيل بين العدول في شخص واقعة بعد الأخذ والعمل فيه ، كما لو صلّى بلا سورة بفتوى أحدهما ، فأراد تكرار الصلاة مع السورة بفتوى الآخر ، وبين العدول في الوقائع المستقبلة التي لم تعمل ، أو العدول قبل العمل بعد الالتزام والأخذ .

فذهب إلى عدم الجواز مطلقاً في الأوّل ، وعدم الجواز في الأخيرين إن قلنا : بأنّ التقليد هو الالتزام والأخذ ، والجواز إن قلنا : بأ نّه نفس العمل مستنداً إلى الفتوى .

ووجّهه في الأوّل : بأ نّه لا مجال له للعدول بعد العمل بالواجب المخيّر ؛ لعدم إمكان تكرار صِرْف الوجود ، وامتناع تحصيل الحاصل ، وليس كلّ زمان قيداً للأخذ بالفتوى ، حتّى يقال : إنّه ليس باعتبار الزمان المتأخّر تحصيلاً للحاصل ، بل الأخذ بالمضمون أمر واحد ممتدّ ، يكون الزمان ظرفاً له بحسب الأدلّة .

ص: 117

نعم ، يمكن إفادة التخيير في الأزمنة المتأخّرة بدليل آخر يفيد التخيير في الاستدامة على العمل الموجود ورفع اليد عنه والأخذ بالآخر ، وإذ هو ليس فليس .

وإفادته بأدلّة التخيير في إحداث الأخذ بهذا أو ذاك ممتنع ؛ للزوم الجمع بين لحاظين متنافيين ، نظير الجمع بين الاستصحاب والقاعدة بدليل واحد .

ولا يجري الاستصحاب ؛ لأنّ التخيير بين الإحداثين غير ممكن الجرّ إلى الزمان الثاني ، وبالنحو الثاني لا حالة سابقة له ، والاستصحاب التعليقي لفتوى الآخر غير جارٍ ؛ لأنّ الحجّية المبهمة السابقة صارت معيّنة في المأخوذ وزالت قطعاً ، كالملكية المشاعة إذا صارت مفروزة .

ووجه الأخيرين هذا البيان بعينه إن قلنا : إنّ المأمور به في مثل قوله : «فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا»(1) وغيره(2) ، هو العمل الجوانحي ؛ أي الالتزام والبناء القلبي .

وإن قلنا : بأ نّه العمل ، فلا إشكال في بقاء الأمر التخييري في كلا القسمين بلا محذور ، ومع فقد الإطلاق لا مانع من الاستصحاب(3) ، انتهى ملخّصاً من تقرير بحثه .

ص: 118


1- كمال الدين : 484/ 4 ؛ الاحتجاج2: 543؛ وسائل الشيعة 27 : 140 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 9 .
2- كقوله عليه السلام : «بأيّهما أخذت من باب التسليم كان صواباً». الاحتجاج 2 : 569 ؛ وسائل الشيعة : 27 : 121 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 39 .
3- البيع ، رسالة الاجتهاد والتقليد (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي 2 : 471 - 475 .

نقد كلام العلاّمة الحائري

أقول : ما يمكن البحث عنه في الصورة الاُولى هو جواز تكرار العمل بعد الإتيان به مطابقاً لفتوى الأوّل ، وأمّا البحث عن بقاء التخيير وكذا جواز العدول بعنوانهما ، فأمر غير صحيح ؛ ضرورة أنّ التخيير بين الإتيان بما أتى به والعمل بقول الآخر، ممّا لا معنى له، وطرح العمل الأوّل وإعدامه غير معقول بعد الوجود حتّى يتحقّق ثانياً موضوع التخيير ، وكذا لا يعقل العدول بحقيقته بعد العمل ، فلا بدّ وأن يكون البحث ممحّضاً في جواز العمل بقول الثاني بعد العمل بقول الأوّل .

قد يقال : بعدم الجواز ؛ لأنّ الإتيان بأحد شقّي الواجب التخييري موجب لسقوط التكليف جزماً ، فالإتيان بعده - بداعوية الأمر الأوّل ، أو باحتمال داعويته ، أو بداعوية المحتمل - غير معقول . ومع العلم بالسقوط لا معنى لإجراء الاستصحاب : لا استصحاب الواجب التخييري ، وهو واضح ، ولا جواز العمل على طبق الثاني ؛ لفرض عدم احتمال أمر آخر غير التخييري الساقط ، وكأنّ الظاهر من تقريرات بحث شيخنا ذلك(1) .

وفيه : أنّ ذلك ناشئ من الخلط بين التخيير في المسألة الفرعية والمسألة الاُصولية؛ فإنّ ما ذكر وجيه في الأوّل دون الثاني ؛ لأنّ الأمر التخييري في الثاني لا نفسية له ، بل لتحصيل الواقع - بحسب الإمكان - بعد عدم الإلزام بالاحتياط ، فمع الإتيان بأحد شقّي التخيير فيه ، يبقى للعمل بالآخر مجال واسع وإن لم يكن المكلّف ملزماً به ؛ تخفيفاً عليه .

ص: 119


1- البيع ، رسالة الاجتهاد والتقليد (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي 2 : 471 - 473 .

نعم ، لو قلنا : بحرمة الاحتياط ، أو بالإجزاء في باب الطرق ولو مع عدم المطابقة ، لكان الوجه ما ذكر ، لكنّهما خلاف التحقيق .

وبهذا يظهر : أنّ استصحاب جواز الإتيان بما لم يأتِ به ، لا مانع منه لو شكّ فيه . نعم ، لا يجري الاستصحاب التعليقي ؛ لأنّ التعليق ليس بشرعي .

وأمّا الصورتان الأخيرتان ، بناءً على كون التقليد الالتزام والعقد القلبي ، فقياسهما على الصورة الاُولى مع الفارق ؛ لإمكان إبطال الموضوع وإعدامه بالرجوع عن الالتزام وعقد القلب ، فصار حينئذٍ موضوعاً للأمر بإحداث الأخذ بأحدهما ، من غير ورود الإشكال المتقدّم - أي لزوم الجمع بين اللحاظين(1) - عليه ، وليس الكلام هاهنا في إطلاق الدليل وإهماله ، بل في إمكانه بعد الفراغ عن فرض الإطلاق .

وممّا ذكرنا يظهر : أنّ ما أفاده رحمه الله علیه من أنّ الالتزام وعقد القلب أمر وجداني ممتدّ إذا حصل في زمان لا يعقل حدوثه ثانياً ، غير وجيه ؛ لأنّ الالتزام بعد انعدام الالتزام الأوّل إحداث لا إبقاء ؛ لامتناع إعادة المعدوم .

هذا مع قطع النظر عن حال الأدلّة إثباتاً ، وإلاّ فقد مرّ(2) : أ نّه لا دليل لفظي في باب التقليد يمكن الاتّكال عليه - فضلاً عن الإطلاق - بالنسبة إلى حال التعارض بين فتويين .

وإنّما قلنا : بالتخيير ؛ للشهرة والإجماع المنقولين(3) . وهما معتبران في مثل

ص: 120


1- تقدّم في الصفحة 118 .
2- تقدّم في الصفحة 84 .
3- راجع مناهج الأحكام والاُصول : 300 / السطر40 ؛ مفاتيح الاُصول : 631 / السطر 9 .

تلك المسألة المخالفة للقواعد ، والمتيقّن منهما هو التخيير الابتدائي ؛ أي التخيير قبل الالتزام .

والتحقيق : عدم جريان استصحاب التخيير ولا الجواز ؛ لاختلاف التخيير الابتدائي والاستمراري موضوعاً وجعلاً ، فلا يجري استصحاب شخص الحكم ، وكذا استصحاب الكلّي ؛ لفقدان الأركان في الأوّل ، ولكون الجامع أمراً انتزاعياً ، لا حكماً شرعياً ، ولا موضوعاً ذا أثر شرعي ، وترتيب أثر المصداق على استصحاب الجامع مثبت ، ولا فرق في ذلك بين استصحاب جامع التخييرين أو جامع الجوازين الآتيين من قبلهما .

ص: 121

الفصل الخامس: في اختلاف الحيّ والميّت في مسألة البقاء

اشارة

إذا قلّد مجتهداً كان يقول بوجوب الرجوع إلى الحيّ فمات ، فإن غفل المقلّد عن الواقعة ولوازمها ورجع عنه بتوهّم جواز تقليده في الرجوع ، فلا كلام إلاّ في صحّة أعماله وعدمها .

وإن تذكّر بعدم جواز تقليده في ذلك ؛ فإنّه أيضاً تقليد للميّت ، أو تحيّر ورجع إلى الحيّ في هذه المسألة ، وهو كان قائلاً : بوجوب البقاء ، فمع تقليده من الحيّ فيها ، يجب عليه البقاء في سائر المسائل .

وأمّا في هذه المسألة الاُصولية فلا يجوز له البقاء ؛ لأنّه قلّد فيها الحيّ ، ولا تحيّر له فيها حتّى قلّد الميّت ، ولا يجوز للمفتي الحيّ الإفتاء بالبقاء فيها ؛ لكون الميّت على خطأ عنده ، فلا يشكّ حتّى يجري الاستصحاب .

وكذا لا يجوز له إجراء الاستصحاب للمقلّد ؛ لكونه غير شاكّ فيها ، لقيام الأمارة لديه ؛ وهي فتوى الحيّ .

بل لا يجري بالنسبة إليه ولو مع قطع النظر عن فتوى الحيّ ؛ لأنّ المجتهد

ص: 122

في الشبهات الحكمية يكون مشخّصاً لمجاري الاُصول ، وأمّا الأحكام - اُصولية أو فرعية - فلا اختصاص لها بالمجتهد ، بل هي مشتركة بين العالم والجاهل ، فحينئذٍ لو رأى خطأ الميّت وقيام الدليل على خلافه ، فلا محالة يرى عدم جريان الاستصحاب ؛ لاختلال أركانه ، وهو أمر مشترك بينه وبين جميع المكلّفين .

وبما ذكرناه تظهر مسألة اُخرى : وهي أ نّه لو قلّد مجتهداً في الفروع فمات ، فقلّد مجتهداً يرى وجوب الرجوع ، فرجع إليه فمات ، فقلّد مجتهداً يرى وجوب البقاء ، يجب عليه الرجوع إلى فتوى المجتهد الأوّل ؛ لقيام الأمارة الفعلية على بطلان فتوى الثاني بالرجوع ، فيرى أنّ رجوعه عن الميّت الأوّل كان باطلاً ، فالميزان على الحجّة الفعلية ؛ وهي فتوى الحيّ .

والقول بجواز البقاء على رأي الثاني برأي الثالث(1) ، غير صحيح ؛ لأنّ الثالث يرى بطلان رأي الثاني في المسألة الاُصولية وعدم صحّة رجوع المقلّد عن تقليد الأوّل ، فقامت عند المقلّد فعلاً أمارة على بطلانه ، فلا معنى لبقائه فيها .

كلام العلاّمة الحائري

هذا ، وأمّا شيخنا العلاّمة أعلى اللّه مقامه - فبعد ما نقل كلام شيخنا الأعظم قدّس سرّه (2) : من كون المقام إشكالاً وجواباً نظير ما قيل في شمول أدلّة حجّية

ص: 123


1- مجموعة رسائل، رسالة الاجتهاد والتقليد، الشيخ الأنصاري: 66؛ العروة الوثقى 1 : 51، مسألة 61 .
2- مطارح الأنظار 2: 521.

خبر الثقة ، لخبر السيّد بعدم حجّيته(1) ، وأجاب عنه بمثل ما أجاب في ذلك المقام(2) . وبعد بيان الفرق بين المقامين : بأ نّه لم يلزم في المقام التخصيص المستهجن واللغز والمعمّى ؛ لعدم عموم صادر من المعصوم فيه - قال ما ملخّصه :

المحقّق في المقام فتوى أ نّه لا يمكن الأخذ بكليهما ؛ لأنّ المجتهد بعد ما نزّل نفسه منزلة المقلّد في كونه شاكّاً ، رأى هنا طائفتين من الأحكام ثابتتين للمقلّد :

إحداهما : فتوى الميّت في الفروع .

وثانيتهما : الفتوى في الاُصول الناظرة إلى الفتاوى في الفروع ، والمسقطة لها عن الحجّية ، فيرى أركان الاستصحاب فيهما تامّة .

ثمّ قال : لا محيص من الأخذ بالفتوى الاُصولية ؛ فإنّه لو اُريد في الفرعية استصحاب الأحكام الواقعية ، فالشكّ في اللاحق موجود دون اليقين السابق :

أمّا الوجداني فواضح .

وأمّا التعبّدي فلارتفاعه بموت المفتي ، فصار كالشكّ الساري .

وإن اُريد استصحاب الحكم الظاهري الجائي من قبل دليل اتّباع الميّت ، فإن اُريد استصحابه مقيّداً بفتوى الميّت ، فالاستصحاب في الاُصولية حاكم عليه ؛ لأنّ الشكّ في الفرعية مسبّب عن الشكّ فيها .

وإن اُريد استصحاب ذات الحكم الظاهري ، وجعل كونه مقول قول الميّت جهة تعليلية ، فاحتمال ثبوته إمّا بسبب سابق ، فقد سدّ بابه الاستصحاب الحاكم ،

ص: 124


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 24 : 264 .
2- درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 386 - 387 .

أو بسبب لاحق فهو مقطوع العدم ؛ إذ مفروض الكلام صورة مخالفة فتوى الميّت للحيّ .

نعم ، يحتمل بقاء الحكم الواقعي ، لكن لا يكفي ذلك في الاستصحاب ؛ لأنّه مع الحكم الظاهري في رتبتين وموضوعين ، فلا يكون أحدهما بقاء الآخر ، لكن يجري استصحاب الكلّي ، بناءً على جريانه في القسم الثالث .

وإن اُريد استصحاب حجّية الفتاوى الفرعية ، فاستصحاب الحجّية في الاُصولية حاكم عليه ؛ لأنّ شكّه مسبّب عنه ، لأنّ عدم حجّية تلك الفتاوى أثر لحجّية هذه ، وليس الأصل مثبتاً ؛ لأنّ هذا من الآثار الثابتة لذات الحجّة ، الأعمّ من الظاهرية والواقعية .

ثمّ رجع عمّا تقدّم ، واختار عدم جريان الاستصحاب في الاُصولية ؛ فإنّ مقتضى جريانه الأخذ بخلاف مدلوله ، ومثله غير مشمول لأدلّة الاستصحاب ؛ فإنّ مقتضى الأخذ باستصحاب هذه الفتوى ، سقوط فتاويه عن الحجّية ، ومقتضى سقوطها الرجوع إلى الحيّ ، وهو يفتي بوجوب البقاء ، فالأخذ بالاستصحاب في الاُصولية - التي مفادها عدم الأخذ بفتاويه في الفرعيات - لازمه الأخذ في الفرعيات بها .

وهذا باطل وإن كان اللزوم لأجل الرجوع إلى الحيّ ، لا لكون مفاد الاستصحاب ذلك ؛ إذ لا فرق في الفساد بين الاحتمالين .

هذا ، مضافاً إلى أنّ المسؤول عنه في الفرعيات المسألة الاُصولية ؛ أعني من المرجع فيها ، فلا ينافي مخالفة الحيّ للميّت في نفس الفروع مع إفتائه بالبقاء في المسألة الاُصولية ، وأمّا الفتوى الاُصولية ، فنفسها مسؤول عنها ، ويكون الحيّ هو

ص: 125

المرجع فيها ، وفي هذه المسألة لا معنى للاستصحاب بعد أن يرى الحيّ خطأ الميّت ، فلا حالة سابقة حتّى تستصحب(1) ، انتهى .

الإيراد على مختار العلاّمة الحائري

وفيه محالّ للنظر :

منها : أنّ الاستصحاب في الأحكام الواقعية في المقام لا يجري ولو فرض وجود اليقين السابق ؛ لعدم الشكّ في البقاء ؛ فإنّ الشكّ فيه إمّا ناشئ من احتمال النسخ ، أو احتمال فقدان شرط ، أو وجدان مانع ، والكلّ مفقود .

بل الشكّ فيه ممحّض في حجّية الفتوى ، وجواز العمل بها ، وإنّما يتصوّر الشكّ في البقاء إذا قلنا : بالسببية والتصويب .

ومنها : أنّ حكومة الأصل في المسألة الاُصولية عليه في الفرعية ممنوعة ؛ لأنّ المجتهد إذا قام مقام المقلّد - كما هو مفروض الكلام - يكون شكّه في جواز العمل على فتاوى الميّت في الاُصول والفروع ناشئاً من الشكّ في اعتبار الحياة في المفتي ، وجوازُ العمل في كلّ من الطائفتين مضادٌّ للآخر ، ومقتضى جواز كلّ عدم جواز الآخر .

ولو قيل : إنّ مقتضى إرجاع الحيّ إيّاه إلى الميّت سببية شكّه في الاُصولية .

قلنا : هذا خلاف المفروض ، وإلاّ فلا يبقى مجال للشكّ له في هذه المسألة ، ففرض الشكّ فيما لم يقلّد الحيّ فيها .

ص: 126


1- البيع ، رسالة الاجتهاد والتقليد (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي 2 : 488 - 493 .

هذا، مضافاً إلى أنّ مطلق كون الشكّ مسبّباً عن الآخر لا يوجب التحكيم ، كما قرّرنا في محلّه(1) مستقصىً وملخّصه :

إنّ وجه تقدّم الأصل السببي هو أنّ الأصل في السبب منقّح لموضوع دليل اجتهادي ينطبق عليه بعد التنقيح ، والدليل الاجتهادي بلسانه حاكم على الأصل المسبّبي ، فإذا شكّ في طهارة ثوب غسل بماء شكّ في كرّيته ، فاستصحاب الكرّية ينقّح موضوع الدليل الاجتهادي الدالّ على أنّ ما غسل بالكرّ يطهر ، وهو حاكم على الأصل المسبّبي بلسانه .

وإن شئت قلت : إنّه لا مناقضة بين الأصل السببي والمسبّبي ؛ لأنّ موضوعيهما مختلفان ، والمناقض للأصل المسبّبي إنّما هو الدليل الاجتهادي بعد تنقيح موضوعه ؛ حيث دلّ - بضمّ الوجدان وتطبيقه على الخارج - على «أنّ هذا الثوب المغسول بهذا الماء طاهر» والاستصحاب في المسبّبي مفاده «أنّ هذا الثوب المشكوك في نجاسته وطهارته نجس» ومعلوم أنّ لسان الأوّل حاكم على الثاني .

وتوهّم : أنّ مقتضى الأصل السببي هو ترتيب جميع آثار الكرّية على الماء ، ومنها ترتيب آثار طهارة الثوب .

مدفوع أوّلاً : بأنّ مفاد الاستصحاب ليس إلاّ عدم نقض اليقين بالشكّ ، فإذا شكّ في كرّية ماء كان كرّاً ، لا يكون مقتضى دليل الاستصحاب إلاّ التعبّد بكون الماء كرّاً ، وأمّا لزوم ترتيب الآثار فبدليل آخر هو الدليل الاجتهادي .

والشاهد عليه : - مضافاً إلى ظهور أدلّته - أنّ لسان أدلّته في استصحاب

ص: 127


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 278 .

الأحكام والموضوعات واحد ، فكما أنّ استصحاب الأحكام ليس إلاّ البناء على تحقّقها لا ترتيب الآثار ، فكذلك استصحاب الموضوعات .

نعم ، لا بدّ في استصحابها من دليل اجتهادي ينقّح موضوعه بالاستصحاب .

وثانياً : بأنّ لازم ذلك ، عدم تقدّم السببي على المسبّبي ؛ فإنّ قوله : «كلّما شككت في بقاء الكرّ فابنِ على طهارة الثوب المغسول به» لا يقدّم على قوله : «إذا شككت في طهارة الثوب الكذائي فابنِ على نجاسته» .

ولا يراد باستصحاب نجاسة الثوب سلب الكرّية ، حتّى يقال : إنّ استصحاب النجاسة لا يسلبها إلاّ بالأصل المثبت(1) ، بل يراد إبقاء النجاسة في الثوب فقط ، ولا يضرّ في مقام الحكم الظاهري التفكيك بين الآثار ، فيحكم ببقاء كرّية الماء وبقاء نجاسة الثوب المغسول به .

إذا عرفت ذلك : اتّضح لك عدم تقدّم الأصل في المسألة الاُصولية على الفرعية ؛ لعدم دليل اجتهادي موجب للتحكيم ، ومجرّد كون مفاد المستصحب في الاُصولية «أ نّه لا يجوز العمل بفتاواي عند الشكّ» لا يوجب التقدّم على ما كان مفاده : «يجوز العمل بفتاواي الفرعية لدى الشكّ» فإنّ كلاًّ منهما يدفع الآخر وينافيه .

وممّا ذكرناه يظهر النظر فيما أفاده : من حكومة استصحاب حجّية الفتوى في المسألة الاُصولية ، على استصحاب حجّيتها في المسائل الفرعية ؛ فإنّ البيان والإيراد فيهما واحد لدى التأمّل .

ص: 128


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 684 - 685 .

هذا مضافاً إلى ما تقدّم : من عدم جريان استصحاب الحجّية ؛ لا العقلائية منها ولا الشرعية(1) .

ومنها : أنّ ما أفاده من تقديم الأصل في الفتوى الاُصولية ولو اُريد استصحاب الحكم الظاهري بجهة تعليلية ، غير وجيه وإن قلنا : بتقديم الأصل السببي في الفرض المتقدّم على الأصل المسبّبي ؛ لأنّ نفي المعلول باستصحاب نفي العلّة مثبت وإن كانت العلّة شرعية ؛ فإنّ ترتّب المسبّب على السبب ، عقلي ولو كان السبب شرعياً .

نعم ، لو ورد دليل على أ نّه «إذا وجد ذا وجد ذاك» لا يكون الأصل مثبتاً ، كقوله : «إذا غلى العصير أو نشّ حرم»(2) وهو في المقام مفقود .

ومنها : أنّ بناءه على جريان استصحاب الكلّي الجامع بين الحكم الظاهري والواقعي غير وجيه :

أمّا أوّلاً : فلما مرّ من عدم الشكّ في بقاء الحكم الواقعي(3) .

وثانياً : أ نّه بعد فرض حكومة الأصل السببي على المسبّبي يسقط الحكم الظاهري ، وبسقوطه لا دليل فعلاً على ثبوت الحكم الواقعي ؛ لسراية الشكّ إلى السابق ، كما مرّ منه قدّس سرّه (4) ، فلا يقين فعلاً بالجامع بينهما ، فاستصحاب

ص: 129


1- تقدّم في الصفحة 95 .
2- راجع وسائل الشيعة 25 : 287 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 3 ، الحديث 4 .
3- تقدّم في الصفحة 126 .
4- تقدّم في الصفحة 124 - 125 .

الكلّي إنّما يجري إذا علم بالجامع فعلاً وشكّ في بقائه ، وهو غير نظير المقام الذي بانعدام أحد الفردين ينعدم الآخر من الأوّل ، أو ينعدم الدليل على ثبوته من الأوّل .

هذا مع الغضّ عن الإشكال في استصحاب الجامع في الأحكام ممّا مرّ منّا مراراً(1) .

ومنها : أنّ إنكاره جريان الاستصحاب في المسألة الاُصولية ، معلّلاً : بأ نّه يلزم من جريانه الأخذ بخلاف مفاده ، ومثله غير مشمول لأدلّته ، غير وجيه ؛ لأنّ مفاد الاستصحاب هو سقوط حجّية الفتاوى الفرعية ، وهو غير اعتبار فتاواه ، ولا لازمه ذلك ، ولا الأخذ بفتوى الحيّ ؛ لإمكان العمل بالاحتياط بعد سقوطها عن الحجّية .

وبالجملة : سقوط الفتاوى عن الحجّية أمر جاء من قبل الاستصحاب ، والرجوع إلى الحيّ أمر آخر غير مربوط به وإن كان لازم الرجوع إليه البقاء على قول الميّت .

والعجب ، أ نّه قدّس سرّه تنبّه على هذا الإشكال ، ولم يأتِ بجواب مقنع!!

ولو ادّعى انصراف أدلّة الاستصحاب عن مثل المقام ، لكان انصرافها عن الأصل السببي وعن الأصلين المتعارضين أولى ؛ لأنّ إجراء الاستصحاب للسقوط أسوأ حالاً من إجرائه في مورد كان المكلّف ملزماً بالأخذ بدليل آخر مقابل له في المفاد .

ص: 130


1- تقدّم في الصفحة 44 و121 .

والحلّ في الكلّ : أنّه فرق بين ورود دليل لخصوص مورد من تلك الموارد ، وبين ما شملها بإطلاقه ، والإشكال متّجه فيها على الأوّل ، لا الثاني .

ومنها : أنّ ما ذكره أخيراً في وجه عدم جريان الاستصحاب في المسألة الاُصولية : من أنّ المفتي الحيّ كان يرى خطأ الميّت ، إنّما يصحّ لو كان المفتي أراد إجراء الاستصحاب لنفسه ، وقد فَرَض في صدر المبحث أ نّه نزّل نفسه منزلة العامّي في الشكّ في الواقعة .

والتحقيق : هو ما عرفت من عدم جريان الأصل - لا بالنسبة إلى المفتي ، ولا بالنسبة إلى العامّي - في المسألة الاُصولية .

ص: 131

ص: 132

الفهارس العامّة

اشارة

1 - الآيات الكريمة

2 - الأحاديث الشريفة

3 - أسماء المعصومين علیهم السلام

4 - الأعلام

5 - الكتب الواردة في المتن

6 - مصادر التحقيق

7 - الموضوعات

ص: 133

ص: 134

1 - فهرس الآيات الكريمة

الآية رقمها الصفحة

البقرة (2)

(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِىَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) 78 70

(وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) 78 71

آل عمران (3)

(وَللّه ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) 97 91

(مَنِ اسْتَطَاعَ) 97 91

النساء (4)

(إِنَّ اللّه َ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) 58 29

(إِنَّ اللّه َ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ

ص: 135

الآية رقمها الصفحة

إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّه َ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) 58 28

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُوْلِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّه ِ وَالرَّسُولِ) 59 14

(فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِى أَ نْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) 65 14

المائدة (5)

(فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) 6 53

(وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) 6 53

(وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ) 6 53

(بِرُؤُوسِكُمْ) 6 54

(وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) 6 54

(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّه ُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) 44 29

(هُمُ الظَّالِمُونَ) 45 29

(هُمُ الْفاسِقُونَ) 47 29

ص: 136

الآية رقمها الصفحة

التوبة (9)

(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) 122 66

(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) 122 65

يونس (10)

(إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) 36 46

الإسراء (17)

(أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) 78 104

الأنبياء (21)

(وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِى إِلَيْهِمْ فَاسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) 7 64

الحجّ (22)

(مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) 78 54

ص: 137

الآية رقمها الصفحة

الأحزاب (33)

(النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) 6 14

ص (38)

(يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ) 26 15

ص: 138

2 - فهرس الأحاديث الشريفة

ائت فقيه البلد فاستفته من أمرك ، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه ؛ فإنّ الحقّ فيه 52

اتّقوا الحكومة ؛ فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء 15، 35

اجلس في مسجد المدينة وأفتِ الناس ، فإنّي اُحبّ أن يرى في شيعتي مثلك 48

اختلاف اُمَّتي رحمة 69

إذا أردت حديثاً فعليك بهذا الجالس 48

إذا حكم بحكمنا... 22، 73

إذا غلى العصير أو نشّ حرم 129

اُمناء الرسل 18

أنّ العلماء ورثة الأنبياء 24

إنّ العلماء ورثة الأنبياء ، وذلك أنّ الأنبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً 24

إنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين ؟! 53

إنّ الوكيل إذا وكّل ثمّ قام عن المجلس ، فأمره ماضٍ أبداً 40

أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا ؛ إنّ الكلمة لتنصرف على وجوه 11، 51

أنّ فضلهم على الناس كفضل النبي على أدناهم 18

إنّ في أخبارنا محكماً كمحكم القرآن ، ومتشابهاً كمتشابه القرآن 11، 51

إن كان الوكيل أمضى الأمر الذي وكّل فيه قبل العزل ، فإنّ الأمر واقع ماضٍ 39

ص: 139

إنّما أورثوا أحاديث . . . 24

إنّما علينا أن نلقي إليكم الاُصول ، وعليكم أن تفرّعوا 50

أنّ مجاري الاُمور والأحكام على أيدي العلماء باللّه الاُمناء على حلاله وحرامه 18

أ نّه كان على يقين من طهارته فشكّ ، وليس ينبغي له أن ينقض اليقين بالشكّ 109

إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور 27، 31

حصون الإسلام 17

حكّام على الملوك 18

الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما 21

حلالنا وحرامنا 20

خذوا بمارووا ،وذروا ما رأوا 53

خلفاء رسول اللّه 18

خير خلق اللّه بعد الأئمّة إذا صلحوا 18

رفع عن اُمّتي تسعة . . . 51

رفع . . . ما لا يعلمون 109

روى حديثنا 23

عدل الإمام أن يدفع ما عنده إلى الإمام الذي بعده 29

عرف أحكامنا 20، 22، 23

العلماء ورثة الأنبياء 25

على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي 50

عليك بالأسدي 56

علينا إلقاء الاُصول ، وعليكم التفريع 50

فإذا حكم بحكمنا . . . 72

فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا 118

ص: 140

فاصمدا في دينكما . . . 84

فاصمدا في دينكما على كلّ مسنّ في حبّنا 83

فإنّهم حجّتي عليكم 73

فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً 21

فهمت ما ذكرتما ، فاصمدا في دينكما على كلّ مسنّ في حبّنا 74

فهو في سعة 87

قال أمير المؤمنين لشريح : يا شريح ، قد جلست مجلساً لا يجلسه إلاّ نبي . . . 15

قل لهم: إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شيء من الأخذ والعطاء . . . 26

كفيل أيتام أهل البيت 18

كلّ شيء . . . حلال حتّى تعرف أ نّه حرام بعينه 106

كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أ نّه قذر 106

لا ضرر ولا ضرار 50

لا ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً 108

لا ينقض اليقين بالشكّ 50

ليس هو ذاك ، إنّما هو الذي يجبر الناس على حكمه بالسيف والسوط 32

ما تقول رؤساؤهم من تكذيب محمّد في نبوّته ، وإمامة علي سيّد عترته 71

ما يمنعك من محمّد بن مسلم الثقفي ؛ فإنّه سمع من أبي ، وكان عنده وجيهاً 75

ما يؤخذ بحكمهم سحت ولو كان حقّاً ثابتاً 19

مع ما فيه من التفقّه ونقل أخبار الأئمّة : إلى كلّ صُقع وناحية 69

ممّن روى حديثنا 19

ممّن روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا 33

من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه فقد هدي إلى صراط مستقيم 11، 51

من زكريّا بن آدم القمّي ، المأمون على الدين والدنيا 56

ص: 141

منزلتهم منزلة الأنبياء في بني إسرائيل 18

من وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الاُمور ، فالوكالة ثابتة أبداً 39

نظر في حلالنا وحرامنا 20

واجلس لهم العصرين ، فأفت المستفتي ، وعلّم الجاهل ، وذكّر العالم 52

وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا 84

وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا 55

وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ؛ فإنّهم حجّتي عليكم 73

وأمّا من كان من الفقهاء . . . 71

وأمّا مَن كان من الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه ، مخالفاً على هواه 70

وإنّ العلماء ورثة الأنبياء ، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً 24

ورثة الأنبياء 18

ولكن ورّثوا العلم 24

ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا 55

هذا وأشباهه يعرف من كتاب اللّه 54

يرجئه حتّى يلقى من يخبره ، فهو في سعة حتّى يلقاه 86

يعلم شيئاً من قضايانا 32

ينظران إلى من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا 19

ص: 142

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام

النبي، محمّد، الرسول الأكرم، رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم =محمّد بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام

محمّد بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام 1، 14، 16، 17، 18، 35 ،37، 47، 53، 54، 57، 66، 69، 71

أمير المؤمنين علیه السلام =علي بن أبي طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل

علي بن أبي طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل 15، 34، 71

محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام الخامس 53

الصادق، أبو عبداللّه، جعفر بن محمّد علیه السلام جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس

جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس 11، 15، 19، 25، 26، 27، 28، 31، 32، 35، 39، 50، 51، 56، 74، 85، 86

الرضا علیه السلام =علي بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن

علي بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن 11، 50، 51، 52، 56، 75، 84

أبو الحسن الثالث علیه السلام علي بن محمّد علیه السلام ، الإمام العاشر

ص: 143

علي بن محمّد علیه السلام ، الإمام العاشر 74

أبو محمّد الحسن بن علي علیه السلام =الحسن بن علي علیه السلام ، الإمام الحادي عشر

الحسن بن علي علیه السلام ، الإمام الحادي عشر 53

داود بن يسا، النبي 15

ص: 144

4 - فهرس الأعلام

الآخوند الخراساني، محمّد كاظم بن الحسين 110

أبان بن تغلب 48، 53

ابن أبي عمير، محمّد 30

ابن أبي ليلى، محمّد بن عبدالرحمان 34

ابن أبي يعفور=عبداللّه بن أبي يعفور

ابن بابويه، محمّد بن علي 28، 30

ابن شبرمة 34

أبو البختري 24

أبو الجهم=بكير بن أعين

أبو بصير 49، 56، 85

أبو خديجة، سالم بن مكرم الجمّال 23، 25، 27، 31، 55، 72

أحمد بن حاتم بن ماهويه 74، 83، 101

أحمد بن عائذ 30، 31

أحمد بن محمّد بن أبي نصر=البزنطي، أحمد بن محمّد

أحمد بن محمّد بن خالد=البرقي، أحمد بن محمّد

أحمد بن محمّد بن عيسى 25، 30

ص: 145

إسحاق بن عمّار 15

الأسدي=أبو بصير

الأصفهاني، محمّد حسين 78، 79

الأقطع، سليمان بن خالد 15، 35

الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين 93، 123

الأهوازي، الحسين بن سعيد 25، 30

البرقي، أحمد بن محمّد 30

البزنطي، أحمد بن محمّد 50

بعض الأعاظم=النائيني، محمّد حسين

بعض أهل النظر=الأصفهاني، محمّد حسين

بكير بن أعين 25

بني فضّال 53

الثقفي=محمّد بن مسلم

الحائري، عبدالكريم 84، 117، 119، 123، 126

الحسن بن علي=الوشّاء، الحسن بن علي

الحسين بن روح 53

الحسين بن سعيد=الأهوازي، الحسين بن سعيد

الحلبي، عبيداللّه بن علي 32

الخراساني=الآخوند الخراساني، محمّد كاظم بن الحسين

داود بن فرقد 11، 51

زرارة 48، 49، 53، 85، 108

سليمان بن خالد=الأقطع، سليمان بن خالد

ص: 146

سماعة بن مهران 86

السيّد المرتضى=علم الهدى، علي بن الحسين

شريح 15، 34

الشيخ الطوسي، محمّد بن الحسن

الشيخ الأعظم=الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين

شيخ الطائفة=الطوسي، محمّد بن الحسن

شيخنا العلاّمة=الحائري، عبدالكريم

صاحب الجواهر، محمّد حسن بن باقر 30

الصدوقان (ابن بابويه، علي بن الحسين / ابن بابويه، محمّد بن علي) 12، 102

الصدوق=ابن بابويه، محمّد بن علي

الطوسي، محمّد بن الحسن 12، 25، 31

عبدالأعلى=عبدالأعلى بن أعين مولى آل سام

عبدالأعلى بن أعين مولى آل سام 54

عبداللّه بن أبي يعفور 48، 74، 75، 76

العقرقوفي، شعيب 56

العلاّمة الحائري=الحائري، عبدالكريم

العلاّمة الحلّي، الحسن بن يوسف 12، 30، 31، 38، 92، 93

علم الهدى، علي بن الحسين 124

علي بن أسباط 52

علي بن المسيّب 56، 75، 101

عمر بن حنظلة 19، 35، 55، 72

قتادة 34

قثم بن عبّاس 52

ص: 147

القدّاح 24

القمّي، زكريّا بن آدم 56، 75، 85، 101

الكشّي، محمّد بن عمر 56، 74

المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن 12

محمّد بن إدريس 49

محمّد بن علي بن الحسين 53

محمّد بن علي بن محبوب 25

محمّد بن عيسى 30

محمّد بن مسلم 48، 49، 75، 85

معاوية بن وهب 39

المعلّى بن خنيس 28

النائيني، محمّد حسين 110

النجاشي، أحمد بن علي 30، 31

الوشّاء، الحسن بن علي 30

هشام بن سالم 39، 50

يعقوب بن يزيد 30

يونس=يونس بن عبدالرحمان

يونس بن عبدالرحمان 54

ص: 148

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن

القرآن الكريم 11، 51

التذكرة=تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء 38

تفسير الإمام العسكري علیه السلام 70، 72

الجواهر=جواهر الكلام

جواهر الكلام 30

السرائر 49

العيون=عيون أخبار الرضا علیه السلام

عيون أخبار الرضا علیه السلام 11، 51

الغيبة للشيخ الطوسي 53

الفهرست للشيخ الطوسي 25، 31

قواعد العلاّمة الحلّي=قواعد الأحكام

قواعد الأحكام 92

كتاب أحمد بن محمّد بن أبي نصر 50

كتاب هشام بن سالم 49

المشيخة للشيخ الطوسي 25

معاني الأخبار 11، 51

نهج البلاغة 52

ص: 149

ص: 150

6 - فهرس مصادر التحقيق

«القرآن الكريم» .

«أ»

1 - أجود التقريرات (تقريرات المحقّق النائيني) . السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (1317 - 1413) ، تحقيق مؤسّسة صاحب الأمر(عجل الله تعالی فرجه الشریف) ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مطبعة ستارة ، 1419 ق .

2 - الاحتجاج . أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ( القرن السادس) ، تحقيق إبراهيم البهادري ومحمّد هادي به ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، منشورات اُسوة ، 1413 ق .

3 - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي) . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تصحيح حسن المصطفوي ، جامعة مشهد ، 1348 ش .

4 - الاستصحاب ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

5 - أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه . موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

«ب»

6 - بحار الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمّة الأطهار . العلاّمة محمّد باقر بن محمّدتقي المجلسي (1037 - 1110) ، الطبعة الثانية ، إعداد عدّة من العلماء ، 110 مجلدٍ ( إلاّ

ص: 151

6 مجلّدات ، من المجلّد 29 - 34) + المدخل ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1403 ق / 1983 م .

7 - البرهان في تفسير القرآن . السيّد هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبدالجواد الحسيني البحراني (م 1107) ، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية ، مؤسّسة البعثة ، الطبعة الاُولى ، 10 مجلّدات ، بيروت ، مؤسّسة البعثة ، 1419 ق / 1999 م .

8 - البيع (تقريرات المحقّق الحائري) . الشيخ محمّد علي الأراكي (م 1415) ، مجلّدان، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1415 ق .

9 - البيع ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

«ت»

10 - تحف العقول عن آل الرسول . أبو محمّد بن الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ق .

11 - تذكرة الفقهاء . جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر ، العلاّمة الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، صدر منه حتّى الآن 20 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 - 1433 ق .

والطبعة الحجرية ، مجلّدان ، طهران ، المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفرية .

12 - التعادل والترجيح ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

13 - التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري علیه السلام . تحقيق مدرسة الإمام المهديّ علیه السلام ، الطبعة الاُولى ، قم ، مدرسة الإمام المهديّ علیه السلام ، 1409 ق .

14 - تنقيح المقال في علم الرجال . الشيخ عبداللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351) ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، بالاُفست عن طبعة النجف الأشرف ، المطبعة المرتضوية ، 1352 ق .

15 - التوحيد . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق

ص: 152

(م 381) ، تحقيق السيّد هاشم الحسيني الطهراني ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1398 ق .

16 - تهذيب الأحكام . أبو جعفر محمّد بن الحسن ، الشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 10 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1365 ش .

«ج»

17 - جامع الأخبار . الشيخ محمّد بن محمّد السبزواري (من أعلام القرن السابع) ، تحقيق علاء آل جعفر ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 ق .

18 - جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والأسناد . محمّد بن علي الأردبيلي (م 1101) ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1403 ق .

19 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام . الشيخ محمّد حسن بن باقر النجفي (م 1266) ، تحقيق الشيخ عبّاس القوچاني ، الطبعة الثالثة ، 43 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1367 ش .

«ح»

20 - حاشية المكاسب . العلاّمة السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337) ، تحقيق الشيخ عبّاس محمّد آل سباع القطيفي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، دار المصطفى لإحياء التراث ، 1423 ق / 2002 م .

21 - الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة . الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107 - 1186) ، تحقيق محمّد تقي الإيرواني ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1406 ق .

«خ»

22 - الخصال . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1403 ق .

ص: 153

23 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

«د»

24 - الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور . جلال الدين عبدالرحمان بن أبي بكر السيوطي (م 911) ، 6 أجزاء في 3 مجلّدات ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي .

25 - درر الفوائد . العلاّمة الشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي ، تعليق آية اللّه الشيخ محمّد علي الأراكي والمؤلّف ، تحقيق الشيخ محمّد المؤمن القمّي ، الطبعة الخامسة ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1408 ق .

«ر»

26 - رجال الطوسي . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ق .

27 - رجال النجاشي . أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي (372 - 450) ، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ق .

28 - الرسائل الاُصولية . المولى محمّد باقر الوحيد البهبهاني (1117 - 1205) ، تحقيق مؤسّسة العلاّمة المجدّد الوحيد البهبهاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة العلاّمة المجدّد الوحيد البهبهاني ، 1416 ق .

«س»

29 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي. أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (543 - 598) ، إعداد مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1410 - 1411 ق .

30 - سنن أبي داود . أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (م 275) ، إعداد كمال يوسف

ص: 154

الحوت ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، بيروت ، دار الجنان ، 1409 ق / 1988 م .

31 - سنن الترمذي . أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (209 - 279) ، تحقيق عبدالوهّاب عبد اللطيف ، الطبعة الثانية ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر للطباعة والنشر ، 1403 ق .

«ص»

32 - صحيح مسلم . أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري (206 - 261) ، تحقيق وتعليق الدكتور موسى شاهين لاشين والدكتور أحمد عمر هاشم ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، بيروت ، مؤسّسة عزّ الدين ، 1407 ق / 1987 م .

«ع»

33 - العروة الوثقى . السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337)، مع تعليقات عدّة من الفقهاء العظام ، إعداد أحمد المحسني السبزواري ، الطبعة الثانية ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1421 ق .

34 - علل الشرائع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، الطبعة الاُولى ، النجف الأشرف ، المكتبة الحيدرية ، 1385 ق / 1966 م .

35 - عوائد الأيّام . المولى أحمد بن محمّد مهديّ بن أبي ذرّ النراقي (1185 - 1245) ، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1417 ق / 1375 ش .

36 - عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية . محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (م - أوائل القرن العاشر) ، تحقيق مجتبى العراقي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مطبعة سيّد الشهداء ، 1403 ق .

37 - عيون أخبار الرضا علیه السلام . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح السيّد مهديّ الحسيني اللاجوردي ، الطبعة الثانية ، منشورات جهان .

ص: 155

«غ»

38 - الغيبة . الشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385 - 460) ، تحقيق الشيخ عباداللّه الطهراني والشيخ على أحمد ناصح ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية ، 1411 ق .

«ف»

39 - فرائد الاُصول ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 24 - 27 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1419 ق / 1377 ش .

40 - الفصول الغروية في الاُصول الفقهية . محمّد حسين بن عبدالرحيم الطهراني الأصفهاني الحائري (م 1250)، قم ، دار إحياء العلوم الإسلامية ، 1404 ق . «بالاُفست عن الطبعة الحجرية» .

41 - الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام . تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، مشهد المقدّس ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا علیه السلام ، 1406 ق .

42 - الفقيه (من لا يحضره الفقيه) . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 4 مجلّدات ، النجف الأشرف ، دار الكتب الإسلامية ، 1377 ق / 1957 م .

43 - فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) . الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني (1309 - 1365) ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ق .

44 - الفوائد المدنية . محمّد أمين بن محمّد شريف الأخباري الأسترآبادي (م 1033) ، تحقيق الشيخ رحمة اللّه الرحمتي الأراكي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1424 ق .

45 - الفهرست

. أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (380 - 460) ، تحقيق الشيخ جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

ص: 156

«ق»

46 - القاموس المحيط والقابوس الوسيط . أبو طاهر مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (729 - 817) ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الجيل .

47 - القضاء . ميرزا محمّد حسن الآشتياني ، الطبعة الثانية ، قم ، منشورات دار الهجرة ، 1404 ق / 1363 ش .

48 - قوانين الاُصول . المحقّق ميرزا أبو القاسم القمّي بن المولى محمّد حسين الجيلاني المعروف بالميرزا القمّي (1151 - 1231) ، مجلّدان ، الطبعة الحجرية ، المجلّد الأوّل ، طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية ، 1378 ، والمجلّد الثاني ، طهران ، المستنسخة سنة

1310 ق .

«ك»

49 - الكافي . ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م 329) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الخامسة ، 8 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

50 - كفاية الاُصول . الآخوند الخراساني المولى محمّد كاظم بن حسين الهروي (1255 - 1329) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي .

51 - كمال الدين وتمام النعمة . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي الشيخ الصدوق (م 381) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الاُولى ، طهران ، مكتبة الصدوق ، 1390 ق .

52 - كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال . علاء الدين علي المتّقي بن حسام الدين الهندي (888 - 975) ، إعداد بكري حيّاني وصفوة السقا ، الطبعة الثالثة ، 16 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة ، 1409 ق / 1989 م .

53 - كنز الفوائد . أبو الفتح الشيخ محمّد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي (م 449) ، تحقيق الشيخ عبداللّه نعمة ، الطبعة الاُولى ، جزءان ، قم ، منشورات دار الذخائر ، 1410 ق .

ص: 157

«ل»

54 - لسان العرب . أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (630 - 711) ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1408 ق / 1988 م .

«م»

55 - مجمع البيان في تفسير القرآن . أبو علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (حوالي 470 - 548) ، تحقيق وتصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي والسيّد فضل اللّه اليزدي الطباطبائي ، الطبعة الاُولى ، 10 أجزاء في 5 مجلّدات ، بيروت ، دار المعرفة للطباعة والنشر .

56 - مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان . أحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993) ، تحقيق مجتبى العراقي وعلي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1402 - 1414 ق .

57 - مجموعة رسائل فقهية واُصولية . تأليف جمع من الفقهاء العظام منهم الشيخ الأعظم الأنصاري (1214 - 1281) ، تحقيق الشيخ عبّاس الحاجياني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة المفيد ، 1404 ق .

58 - مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام . الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي الجبعي (911 - 965) ، تحقيق مؤسّسة المعارف الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية ، 1413 - 1419 ق .

59 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل . الحاج الميرزا حسين المحدّث النوري الطبرسي (1254 - 1320) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1407 ق .

60 - مستند الشيعة في أحكام الشريعة . أحمد بن محمّد مهديّ النراقي (م 1245) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 18 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1415 - 1420 ق .

ص: 158

61 - المسند . أحمد بن محمّد بن حنبل (164 - 241) ، إعداد أحمد محمّد شاكر وحمزة أحمد الزين ، الطبعة الاُولى ، 20 مجلّداً ، القاهرة ، دار الحديث ، 1416 ق .

62 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير . أحمد بن محمّد بن علي المقري الفيّومي (م 770) ، الطبعة الاُولى ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، دار الهجرة ، 1405 ق .

63 - مطارح الأنظار (تقريرات الشيخ الأعظم الأنصاري) . الميرزا أبو القاسم الكلانتري (1236 - 1292) ، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1425 ق .

64 - معاني الأخبار . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1361 ش .

65 - مفاتيح الاُصول . السيّد محمّد الطباطبائي (م 1242) ، الطبعة الحجرية ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث .

66 - مفردات ألفاظ القرآن . حسين بن محمّد المفضّل الراغب الأصفهاني (م حدود 425) ، تحقيق عدنان صفوان داوودي ، الطبعة الثانية ، قم ، منشورات ذوي القربى ، 1423 ق .

67 - مقالات الاُصول . الشيخ ضياء الدين العراقي (1278 - 1361) ، تحقيق الشيخ محسن العراقي والسيّد منذر الحكيم والشيخ مجتبى المحمودي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1414 - 1420 ق .

68 - المكاسب ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 14 - 19 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مكتبة الفقهية ، 1415 - 1420 ق .

69 - مناهج الأحكام والاُصول . أحمد بن محمّد مهديّ أبي ذرّ النراقي (1128 - 1245) ، الطبعة الحجرية .

70 - موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه . تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ،

ص: 159

الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1434 ق / 1392 ش .

«ن»

71 - نهاية الاُصول (تقريرات المحقّق البروجردي) . الشيخ حسينعلي المنتظري ، الطبعة الاُولى ، قم ، نشر تفكّر ، 1415 ق .

72 - نهاية الأفكار (تقريرات المحقّق آغا ضياء الدين العراقي) . الشيخ محمّد تقي البروجردي النجفي (م 1391) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 4 أجزاء في 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1405 ق .

73 - نهاية الدراية في شرح الكفاية . الشيخ محمّد حسين الأصفهاني (1296 - 1361) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 ق .

74 - النهاية في غريب الحديث والأثر . مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمّد بن محمّد الجزري المعروف بابن الأثير (544 - 606) ، تحقيق طاهر أحمد التراوي ومحمود محمّد الطناحي ، 5 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1364ش .

75 - نهج البلاغة ، من كلام مولانا أمير المؤمنين علیه السلام . جمعه الشريف الرضي ، محمّد بن الحسين (359 - 406) ، إعداد الدكتور صبحي صالح ، انتشارات الهجرة ، قم ، 1395 ق «بالاُفست عن طبعة بيروت 1387 ق » .

«و»

76 - الوافية في اُصول الفقه . المولى عبداللّه بن محمّد البُشروي الخراساني المعروف بالفاضل التوني (م 1071) ، تحقيق السيّد محمّد حسين الرضوي الكشميري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1412 ق .

77 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة . الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 - 1104) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 30 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1409 ق .

ص: 160

7 - فهرس الموضوعات

الاجتهاد والتقليد

نذكر مهمّات مباحثهما ونتمّ في ضمن فصول :

الفصل الأوّل : ذكر شؤون الفقيه

بيان العناوين الستّة للفقيه ··· 5

نذكر العناوين الستّة في اُمور :

الأمر الأوّل : فيمن لا يجوز له الرجوع إلى الغير ··· 6

الأمر الثاني : فيمن يجوز له العمل على طبق رأيه ويجوز له الإفتاء ··· 8

مقدّمات الاجتهاد ··· 8

الأمر الثالث : فيمن يجوز له التصدّي لمنصبي القضاء والحكومة ··· 13

مقتضى الأصل الأوّلي في المقام ··· 13

القضاء والحكومة في زمان الغيبة ··· 15

الاستدلال على ثبوت منصبي الحكومة والقضاء للفقيه في زمن الغيبة :

الاستدلال بالضرورة ··· 16

ص: 161

الاستدلال بمقبولة عمر بن حنظلة ··· 19

عدم دلالة المقبولة على اشتراط الاجتهاد المطلق ··· 22

الاستدلال بروايتي القدّاح وأبي البختري ··· 24

الاستدلال بمشهورة أبي خديجة وصحيحته ··· 25

حول جواز القضاء للعامّي مستقلاًّ أو بنصب الحاكم أو بالتوكيل : ··· 28

استقلال العامّي في القضاء ··· 28

جواز نصب العامّي للقضاء ··· 35

جواز توكيل العامّي للقضاء ··· 38

الأمر الرابع : فيمن تؤخذ عنه الفتوى ··· 41

تقرير الأصل في وجوب تقليد الأعلم ··· 41

مقتضى بناء العقلاء في باب تقليد الأعلم ··· 45

في بناء العقلاء على أصل التقليد ··· 45

شبهة عدم وجود هذا البناء في زمن الأئمّة ··· 47

دفع الشبهة المذكورة بأمرين :

الأوّل : تعارف الاجتهاد سابقاً وإرجاع الأئمّة شيعتهم إلى الفقهاء ··· 49

الثاني : عدم ردع الأئمّة علیهم السلام عن ارتكاز العقلاء كاشف عن رضاهم ··· 57

مناط بناء العقلاء في رجوع الجاهل إلى العالم ومقتضاه ··· 58

هل ترجيح قول الأفضل لزومي أم لا ؟··· 62

مقتضى الأدلّة الشرعية في لزوم تقليد الأعلم وعدمه ··· 64

استدلال القائلين بجواز تقليد المفضول ··· 64

الأوّل : الآيات ··· 64

الثاني : الأخبار التي استدلّ بها على حجّية قول المفضول ··· 70

ص: 162

استدلال القائلين بوجوب الرجوع إلى الأعلم ··· 76

حال المجتهدين المتساويين مع اختلاف فتواهما ··· 83

الفصل الثاني : في اشتراط الحياة في المفتي

التمسّك بالاستصحاب على جواز تقليد الميّت ··· 89

الإشكالات التي اُورد على الاستصحاب ··· 90

إشكال عدم بقاء موضوع الاستصحاب والجواب عنه ··· 91

تقرير إشكال آخر على الاستصحاب ··· 95

التفصّي عن الإشكال ··· 99

التمسّك ببناء العقلاء على جواز تقليد الميّت ··· 100

الفصل الثالث : في تبدّل الاجتهاد

تكليف المجتهد عند تبدّل رأيه ··· 103

حال الفتوى المستندة إلى القطع ··· 103

حال الفتوى المستندة إلى الأمارات ··· 104

حال الفتوى المستندة إلى الاُصول ··· 106

في الإشارة إلى الخلط الواقع من بعض الأعاظم في المقام ··· 110

تكليف المقلّد مع تبدّل رأي مجتهده ··· 111

الفصل الرابع : هل التخيير بين المجتهدين المتساويين بدوي أو استمراري ؟

هل يجوز للعامي العدول بعد تقليد أحد المجتهدين المتساويين ··· 117

مختار شيخنا العلاّمة في المقام ··· 117

نقد كلام العلاّمة الحائري ··· 119

ص: 163

الفصل الخامس : في اختلاف الحيّ والميّت في مسألة البقاء

كلام العلاّمة الحائري ··· 123

الإيراد على مختار العلاّمة الحائري ··· 126

الفهارس العامّة

1 - فهرس الآيات الكريمة ··· 135

2 - فهرس الأحاديث الشريفة ··· 139

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام ··· 143

4 - فهرس الأعلام ··· 145

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن ··· 149

6 - فهرس مصادر التحقيق ··· 151

7 - فهرس الموضوعات ··· 161

ص: 164

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.