المستجاد من کتاب الارشاد

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: مفید، محمدبن محمد، ق 413 - 336

عنوان العقد: [الارشاد في معرفه حجج الله علی العباد. اختيار]

عنوان واسم المؤلف: المستجاد من کتاب الارشاد [شیخ مفید]/ المنسوب علامة الحلي؛ تحقیق محمود البدري

تفاصيل المنشور: قم: موسسه المعارف الإسلامية، 1417ق. = 1375.

مواصفات المظهر: 366 ص.عينة

الصقيع: (بنیاد معارف اسلامي، 76)

ISBN : 10000 ریال

حالة الفهرسة: الفهرسة السابقة

ملاحظة : عربي

ملاحظة : فهرس: ص [332] - 358؛ أيضا مع الترجمة

عنوان آخر: الارشاد في معرفه حجج الله علی العباد. اختيار

عنوان : ائمه اثناعشر

الإمامة

المعرف المضاف: علامة الحلي، حسن بن یوسف، 726 - 628ق. خلاصه کننده

المعرف المضاف: البدري، محمود، 1956 - ، مصحح

المعرف المضاف: بنیاد معارف اسلامي

ترتيب الكونجرس: BP36/5/م 7الف 4016

تصنيف ديوي: 297/95

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 77-9562

معلومات التسجيلة الببليوغرافية: القائمة السابقة

ص: 1

اشارة

المستجاد من کتاب الارشاد

المنسوب لفخر الإمامية العلّامة الحلّي

تحقیق محمود البدري

مؤسّسة المعارف الإسلاميّة

ص:2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص:3

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة المؤسّسة المعارف الإسلاميّة ايران - قم المقدّسة ص . ب -37185/768

تلفون 732009

ص:4

کلمه الناشر

بسم الله الرحمان الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسلام علی أشرف خلقه وسيّد أنبيائه «محمّد» و آله الکرام المنتجبين مصابيح الظّلم وعصم الأمّم.

وبعد؛

فإنّ من أجلّ نَعِم الله تعالي ، بل أجلّها مطلقاً أن جعل الأنوار التي خلقها محدقة بعرشه العظيم في بيوت أذن الله أن ترفع ويذکر فيها اسمه فتمّکن الانسان الأرضي الهابط أن يتمسّک بعصم العرش الکريم ويصعد نحو السماء ، فيالها من نعمة عظمي منّ الله بها علینا وأکرمنا بولاية هذه الأنوار العرشيّة والتمسک بذيل محبّتهم وإطاعتهم ، فمن أحبّهم فقد أحبّ الله ، ومّن أطاعهم فقد أطاع الله تعالي.

وانّ کّل محاولة وجهد يبذل في إعلاء کلمتهم في الأرض هو من أسمي الخدمات التي تقّدم للبشرية ، لأنهّم ملاذ الأنام ، وساسة العباد ، وأرکان البلاد.

و «مؤسسّة المعارف الإسلامية» تعتّز بأنهّا تبذل کلّ جهدها ضمن جهود سائر المخلصين والموالين لبث معارفهم ، ونشر علومهم ، وإعلاء کلمتهم، وإشاعة فضائلهم ومناقبهم ومعاجزهم.

ص:5

ولذلک فإنّاّ رحبّنا بالجهود الّتي بذلها الأخ محمود البدري في تحقيق کتاب «المستجاد من الارشاد» الّذي هو ملخص للکتاب القيّم الارشاد» تأليف شيخ الإمامية ومفخرتهم الشيخ المفيد قدّس سرّه ، والمختصر المذکور منسوب إلي العلّامة الحلّي ، الّذي لم يجد الزمان بمثله في العلمّاء والعظماء.

وحبّاً لأهل البيت علیهم السلام ، وتکريما للشيخين الجليلين ، قمنا بطباعة ونشر هذا السفر القيّم ، آملين أن يکون ذلک مفيداً للمراجّعين والمحققّين والراغبين في معرفة تاريخ الأئمّة الأطهار علیهم أفضل الصلّاة والسلام.

وندعو الله تعالي أن يلحقنا بشيعتهم ومحبيّهم ويرزقنا شفاعتهم يوم الورود ، إنّه قريب مجيب .

مؤسّسة المعارف الاسلامّية

ص:6

الإهداء

إلي أبي الصابر الّذي أحسن تربيتي و تحمل الآم المرض والسجن لا لذنب اقترفه إلّا أن قال ربّي الله.

وإلي أمّي الصابرة التي فقدت أوّلادها الثلاث بين قتيل وسجين وشريد، فکانت أمّ البنين علیها السلام أسوة لها.

وإلي أخَويَّ ؛ قيصر وهو يعاني من ظلمة سجون البعث الکافر ، وأمّجد الّذي قضي شهيد وهو لم يتجاوز العشرين ربيعاً.

وإلي أُختي «ح » التي غيّبها البعث العراقي المجرم في سجونه الرهيبة منذ أکثر من خمسة عشر عاماً.

وإلي جميع أفراد عائلتي المنکوبة ، أهدي ثواب هذا العمل ، وليس لي وسيلة لهم إلّا الدعاء... فأقول :

إلهي ... جعَلهُم ممّن اصطَفَيتَهُم لِقُربک ، وولايتک ، وأخلصتَهُم لودَک ، ومحبّتک ، وشوّقتهم إلي لقائک ، ورضيتهم بقضائک .

إلهي ... اذقهم حلاوة عفوک ، ولذّة مغفرتک ، وأقرر أعينهم يوم لقائک برؤويتک ، واخرج حبّ الدنيا من قلوبهم ، کما فعلت بالصالحين .

إلهي ... فکما غذّيتهم بلطفک، وربيّتهم بصنعک، فتمم علیهم سوابغ النعم، وادفع عنهم و مکاره النقم، وآتهم من حظوظ الدارين، أرفعها، وأجلّها، عاجلاً، وآجلاً.

إلهي .. أحملهم في سفن نجاتک ، ومتّعهم بلذيذ مناجاتک ، وأوردهم حياض حبّک، واذقهم حلاوة ودّک ، وقربک .

إلهي ... اجعلهم من المصطفين الأخيار ، والحقّهم بالصالحين الأبرار ، السابقين إلي المکرمات ، المسارعين إلي الخيرات ، العاملين للباقيات الصالحات .

ابوذرّ

ص:7

ص:8

مقدمة التحقيق

أهل البيت

هم عيش العلم وموت الجهل ، يخبرکم حلمهم عن علمهم ، وصمتهم عن حکم منطقهم، لا يخالفون الحقّ ، ولا يختلفون فيه ، هم دعائم الإسلام ، وولائج الاعتصام، بهم عاد الحقّ إلي نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه ، وانقطع لسانه عن منبته ، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية ، لا عقل سماع ورواية ، فإنّ رواة العلم کثير ورعاته قليل .

الإمام علی علیه السلام

اللّهمَّ ربنا لک الأسماء الحسني ، والأمّثال العلیا ، والکبرياء والآلاء، ربّنا إنّّا نحمدک بما حمدّت به نفسک ، ونُثني علیک بما أثنيت به علی نفسک ، ونُصلّي علی عبدک ورسولک محمّد صلوات الله علیه وعلی آله الطيبّين الطاهرين وأصحابه المُنتجُبين ومن دعا بدعوته إلي يوم الدين .

ونسألُک - ربّنا - أن لا تُزيغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وأن تهب لنا من لدُنک رحمة إنّک أنت الوهّاب .

منذ العصر الإسلامي الأوّل ، والمؤرخون وأهل السير يکتبون في مناقب أهل البيت علیهم السلام ، فالصحابة والتابعين لهم بإحسان ، ومن خلفهم

ص:9

العلمّاء والفقهاء، بذلوا جهوداً کبيرة في سبيل الحفاظ علی ما قاله الرسول الأکرم صلّي الله علیه وآله وسلّم بحقَّ أهل البيت علیهم السلام ، وستظل الأقلام تسطر عظمتهم ما کان للعظمة من ذکر ، فلقد استوقفت تعاليمهم الباحثين من أمّم مختلفة ، لأنهم وجدوا فيها عظمة الله ، وهيبة الحقّ ، وقوّة العلم ، وکرامة الإنّسان ، واحترام الحياة ، وجلال الکون ، فاستلهموها واتّخذوا منها مقياساً للحقّ والفضيلة ، ومصدراً للعلم والتشريع.

فمن هم أهل البيت ؟

المتتبّع لآيات القرآن الکريم يجد أن لفظ أهل البيت قد جاء في آيتين من القرآن الکريم :

الأوّلي : الآية 73 من سورة هود : (رحمة الله وبرکاته عليکم أهل البيت) .

والثانية : الآية 33 من سورة الأحزاب : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) .

واتّفق المفسرون علی أن المراد من أهل البيت في الآية الأوّلي هم أهل بيت إبراهيم الخليل علیه السلام ، وبالآية الثانية أهل بيت محمّد بن عبدالله صلّي الله علیه و آله وسلّم.

وتبعاً للقرآن استعمل المسلّمون لفظ أهل البيت و آل البيت في أهل بيت الرسول صلّي الله علیه و آله فقط ، واشتهر هذا الاستعمال ، حتي صار اللفظ علمأ لهم ، بحيث لا يفهم غيرهم إلّا بالقرينة ، کما اشتهر لفظ المدينة بيثرب مدينة الرسول صلّي الله علیه و آله و سلّم .

وبالرغم من اتّفاق المفسّرين من الفريقين بانّ أهل البيت الّذين أذهب الله عنهم الرجس هم أهل بيت الرسول صلّي الله علیه و آله وسلّم ، لکن اختلفوا في

ص:10

تعيينهم ، فاختلف أهل السنّة والجماعة في هذه المسألة، حيث قال بعضهم : المراد بأهل البيت في هذه الآية هم أزواج النبي صلّي الله علیه و آله وسلّم ، لأن أوّل الآية متوجهة إليه، فيما قال آخرون منهم إنّهم أقرباء النبي من آل عباس وآل عقيل وآل جعفر وآل علی ، فيما يري قسم آخر انّها شملت أزواج النبي وعلی وفاطمة والحسن والحسين.

وقالت الشيعة : إنّ المراد بأهل البيت من هذه الآية هم علی وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام.

ولنقرأ معاً ما کتبه المرحوم العلّامة الطباطبائي صاحب تفسير الميزان حول هذا الموضوع ، حيث قال :

«... وکلمة أهل البيت سواء کانت لمجرّد الاختصاص أو مدح أو نداء يدل علی اختصاص إذهاب الرجس والتطهير بالمخاطبين بقوله : (عنکم )، ففي الآية في الحقّيقة قصران قصر الإرادة في إذهاب الرجس والتطهير وقصر إذهاب الرجس والتطهير في أهل البيت.

وليس المراد بأهل البيت نساء النبي خاصّة لمکان الخطاب الّذي في قوله : (عنکم) ولم يقل : عنکن ، فإمّا أن يکون الخطاب لهن ولغيرهن کما قيل : إنّ المراد بأهل البيت أهل البيت الحرام وهم المتقون لقوله تعالي : وإنّ أوّلياؤه إلّا المتقونه (1)، أو أهل مسجد رسول الله صلّي الله علیه و آله وسلّم ، أو أهل بيت النبي صلّي الله علیه و آله وسلّم وهم الّذين يصدق علیهم عرفاً أهل بيته من أزواجه ، ولعلّ هذا هو المراد ممّا نسب إلي عکرمة وعروة إنّها في أزواج النبي صلّي الله علیه و آله و سلّم خاصّة.

ص:11


1- الأنفال : 34.

أو يکون الخطاب لغيرهن کما قيل : إنّهم أقرباء النبي من آل عباس و آل عقيل وآل جعفر وآل علی .

وعلی أي حال فالمراد بإذهاب الرجس والتطهير مجرّد التقوي الديني بالاجتناب عن النواهي وامتثال الأوامر فيکون المعني أن الله لا ينتفع بتوجيه هذه التکاليف إليکم وإنّما يريد ليطهرّکم علی حدّ قوله : (ما يريد الله ليجعل علیکم من حرج ولکن يريد ليطهّرکم ويتم نعمته علیکم )(1) وهذا المعني لا يلائم شيئا من معاني أهل البيت السابقة لمنافاته البيّنة للاختصاص المفهوم من أهل البيت لعمومه لعامّة المسلّمين المکلّفين بأحکام الدين .

وإنّ کان المراد بإذهاب الرجس والتطهير التقوي الشديد البالغ ويکون المعني : أن هذا التشديد في التکاليف المتوجّهة إليکنّ أزواج النبي و تضعيف الثواب والعقاب ليس لينتفع الله سبحانه به ، بل ليذهب عنکم الرجس ويطهرکم، ويکون من تعميم الخطاب لهن ولغيرهن بعد تخصيصه بهن ، فهذا المعني لا يلائم کون الخطاب خاصّاً بغيرهن وهو ظاهر ولا عموم الخطاب لهن ولغيرهن فإنّ الغير لا يشارکهن في تشديد التکليف وتضعيف الثواب والعقاب.

لا يقال : لم لا يجوز أن يکون الخطاب علی هذا التقدير متوجّهاً إليهن مع النبي صلّي الله علیه و آله وسلّم وتکليفه شديد کتکليفهن .

لأنّه يقال : إنّه صلّي الله علیه و آله و سلّم مؤيدّ بعصمة من الله ، وهي موهبة إلهية غير مکتسبة بالعمل ، فلا معني لجعل تشديد التکليف وتضعيف الجزاء بالنسبة إليه مقدّمة أو سبباً لحصول التقوي الشديدة له أمّتناناً علیه علی ما يعطيه سياق الآية ، ولذلک لم يصرّح أحد من المفسرين بکون الخطاب متوجّهاً

ص:12


1- المّائدة : 6.

إليهن مع النبي صلّي الله علیه و آله وسلّم فقط ، وإنّما احتملناه لتصحيح قول من قال : إنّ الآية خاصّة بأزواج النبي صلّي الله علیه وآله وسلّم.

وإنّ کان المراد إذهاب الرجس والتطهير بإرادته تعالي ذلک مطلقاً لا بتوجيه مطلق التکليف ولا بتوجيه التکليف الشديد بإرادة مطلقة لإذهاب الرجس والتطهير لأهل البيت خاصّة بما هم أهل البيت ، کان هذا المعني منافياً التقييد کرامتهن بالتقوي سواء کان المراد بالإرادة الإرادة التشريعيّة أو التکوينيّة.

وبهذا الّذي تقدّم بتأيّد ما ورد في أسباب النزول أن الآية نزلت في النبي صلّي الله علیه و آله وسلّم وعلی وفاطمة والحسنين علیهم السلام خاصّة لا يشارکهم فيها غيرهم ...»(1)

والروايات في هذا المعني کثيرة(2)تزيد علی سبعين رواية يربو ما ورد منها من طرق أهل السنّة علی ما ورد منها من طرق الشيعة ، فقد روتها أهل السنّة بطرق کثيرة عن أمّ سلّمة وعائشة وأبي سعيد الخدري

ص:13


1- تفسير الميزان 309:16- 312.
2- وهي من طرق أهل السنّة أکثر ممّا هي علیه من طرق الشيعة ، فمن أراد الاطلاع علیها فليراجع : مسند أحمد بن حنبل 3: 259 و 3: 285 ، تفسير الطبري 6:22، أسد الغابة 521:5، الدرّ المنثور 199:5،کنز العمّال 96:5، مشکل الآثار 1 : 332، مستدرک الحاکم 3: 172 ، کفاية الطالب : 93 مقاتل الطالبيين : 51، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4 : 11، مجمع الزوائد 9: 146، الجامع الصحيح 360:5، تاريخ اصبهان 1: 108 ، تفسير ابن کثير 3: 483، سنن البيهقي 2: 152، المناقب لابن المغازلي : 301، أسباب النزل : 239 ، ذخائر العقبي : 21، شواهد التنزيل 10:2 ۔ 92، فضائل الخمسة 1: 224، الصواعق المحرقة : 143، تهذيب التهذيب 2: 297، تاريخ بغداد 10: 278، الرياض النضرة 2: 188، الاستيعاب 598:2، مسند أبي داود 8: 274، رشفة الصادي : 12.

وسعد ووائلة بن الأسقع وأبي الحمراء وابن عباس وثوبانّ مولي النبي وعبد الله بن جعفر وعلی والحسن بن علی علیهما السلام في قريب من أربعين طريقاً.

وروتها الشيعة عن علی والسجاد والباقر والصادق والرضا علیهم السلام وأمّ سلّمة وأبي ذر وأبي ليلي وأبي الأسود الدؤلي وعمرو بن ميمون الأودي وسعد بن أبي وقاص في بضع وثلاثين طريقاً.

وأمّام هذا العدد الکبير من الروايات التي تؤکّد نزول هذه الآية في الرسول وعلی وفاطمة والحسن والحسين علیهم أفضل الصلاة والسلام، لا زال القوم يصرّون علی أنّها نزلت في أزواج النبي صلّي الله علیه و آله .

وعموماً ، فلقد درج المؤرخون لسيرة أئمّة أهل البيت علیهم السلام علی أن يستعرضوا حياتهم من خلال منهجين : الأوّل : المنهج التحريفي :

وهو الّذي يحاول أن يصبغ تاريخ أهل البيت علیهم السلام بصبغة الانحراف والتشويه المتعمّد لحياتهم ومواقفهم ، وذلک من خلال اعتبارهم ضمن القادة السياسيين الّذين يسعون وراء المنصب ، ويحترفون العمل السياسي لتحقيق مصالحهم الشخصية .

ومن أبرز دعاة هذا المنهج ابن حزم الأندلسي ، وابن تيمية ، وابن حجر الهيثمّي ، وابن العربي ، وغيرهم ، فهذا ابن حزم بري «قاتل الإمام علی مجتهداً متأوّلاً وقد ضربه بالسيف في الصلاة وبمحراب مسجد الکوفة »(1) وأمّا «قتلة

ص:14


1- راجع المحلي لابن حزم: 484/10.

عثمّان فانّه لا مجال للاجتهاد في قتله ، بل هم فسّاق محاربون سافکون دماً حراماً عمداً بلا تأويل علی سبيل الظلم والعدوان ، فهم فسّاق ملعونون»(1).

أمّا ابن حجر الهيثمّي فيقول في صواعقه : «أنّ من اعتقاد أهل السنّة والجماعة أنّ معاوية لم يکن في ايام علی خليفة ، وإنّما کان من الملوک وغاية اجتهاده أنه کان له أجر واحد علی اجتهاده»(2).

أمّا ابن العربي فنجده يکتب ناصحاً للإمام الحسين علیه السلام فيقول : بأنّه کان من الأوّلي به أن يتبع حديث جده الّذي قال : ستکون هناک هنات ، فمن أراد أنّ يفرّق أمّر هذه الأمّة وهي جميع فاضربوه بالسيف کائناً من کان ، فکان أوّلي به - أي بالإمام الحسين علیه السلام - أن يسعه بيته ويبايع ، ولم يکن يزيد هو الّذي قتله ولا واليه عبيدالله بن زياد ، بل قتله من استدعاه ثمّ أسلّمه من أوباش أهل الکوفة»(3).

ومن المعروف أن هذا الأسلوب والطرح الّذي التزم به أغلب مؤرخي العامّة حاول أن يفر کافة المواقف الرسالية التي وقفها أئمة أهل البيت علیهم السلام باتها سلسلة من المواقف الشخصية التي يسعي أصحابها إلي جلب النفع إلي بني هاشم وانصارهم ، وحاولوا کذلک تشويه مناقب و فضائل أهل البيت علیهم السلام من خلال اختلاق ووضع الألوف المؤلفة من الأحاديث والمناقب المصطنعة لتأييد مزاعمهم الباطلة.

وقد جاء أن الأحاديث الموضوعة (والمقلوبة) في المناقب ، والمثالب ،

ص:15


1- الفضل لابن حزم : 161/4 .
2- الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمّي :216.
3- العواصم من القواصم لابن العربي : 257.

بلغت اربعمائة و ثمّانية آلاف وستمائة وأربعة وثمّانين (408684) حديثاً(1). الثاني : المنهج الواقعي :

وهو الّذي التزم به المؤرخون الشيعة ، حيث عرضوا وسجّلوا حياة وسيرة أهل البيت علیهم السلام کما وردت في المرويات التاريخية ، محاولين من خلال هذا المنهج تقديم المعلومات بدقّة وأمّانة علمية.

وقد اعتمد هذا المنهج علی عدّة أساليب منها : أسلوب السرد الروائي التأريخي ، والّذي يتناول فيه المؤرّخ الأحداث التاريخية وفقاً لتسلسلها الزمني ، محاولا الترکيز علی الأحداث المهمة في حياة کلّ إمام.

ومن الأساليب الأخري هو الأسلوب المناقبي التاريخي ، والّذي يحاول ابراز مناقب أهل البيت علیهم السلام من خلال ذکر فضائلهم وما يتمتعون به من رفعة في الأخلاق والقيم ومظاهر البطولة النادرة التي يمتازون بها ، وذکر مثالب أعدائهم وما يتّصفون به من انحطاط في الأخلاق والقيم .

وطريق ثالث هو أسلوب المعاجز ، والّذي اعتني بالترکيز علی المعاجز في حياة الأئمّة علیهم السلام وتصوير عملية صراع الأئمّة مع أعدائهم ، وطبيعة علاقتهم مع شيعتهم ما هي إلّا سلسلة من المعاجز التي کانت تجري علی

أيديهم.

وقد حاول علمّاء الشيعة ضبط هذه الأحاديث ، وأخذها من مصادرها الأساسية السليمة التي تعود إلي أئمّة أهل البيت علیهم السلام ، حيث اتّبعوا أسلوبا نقدية صارمة في تمحيص الأحاديث ونقدها ، فرفضوا الکثير من تلک

ص:16


1- الغدير 5: 288 - 290.

الأحاديث التي لا تتلائم مع ما نزل به الرسول الأکرم ، ونقله أئمّة الهدي(1).

وقاموا بتقسيم تلک الأحاديث إلي عدّة أقسام مهمتّها توضيح مذهب أهل البيت علیهم السلام باعتباره المذهب الحقّ والتعريف بأهل البيت وفضائلهم وأحقيّتهم بالإمامة.

وهذه الأقسام هي :

القسم الأوّل : الأحاديث الناصّة علی أمّر النبي صلّي الله علیه و آله باتّباع أهل بيته علیهم السلام وأخذ أحکام الشريعة عنهم.

القسم الثاني : الأحاديث الدالة علی أنّ علیاً علیه السلام خير أهل الأرض.

القسم الثالث : الأحاديث الناطقة بأسماء الأئمّة الاثني عشر وأنهم أوصياؤه وأئمة المسلّمين وحجج الله علی العالمين.

القسم الرابع : الأحاديث الدالة علی شهادة النبي صلّي الله علیه و آله بأعلميّنهم في أحکام الشريعة.

القسم الخامس : الأحاديث الناصّة علی مدح شيعتهم المتّبعين لهم .

وقد أحتلّت أحاديث المناقب والفضائل الصدارة بين تلک الأحاديث ، وتفرّد الکثير من الحفّاظ والعلمّاء والفقهاء وانصرفوا إلي تدوين وجمع أحاديث المناقب والفضائل ، سيّما الخاصّة في العترة الطاهرة ، الّذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

ص:17


1- راجع ما کتبه حول هذا الموضوع العلّامة مرتضي العسکري في کتابه القيم «معالم المدرستين» .

وکتاب المستجاد من الارشاد- الّذي بين يديک عزيزي القاريء - هو من هذه الکتب التي حاول المصنّف فيه اختيار مجموعة من هذه المناقب وتهذيبها من کتاب الإرشاد في معرفة حُجج الله علی العباد الّذي کتبه قبله الشيخ المفيد قدّس الله نفسه الزکية.

وقد حاولنا قدر المستطاع من تحقيق هذا السفر الخالد مساهمة مع من سبقنا في نشر فضائل أئمّة أهل البيت علیهم السلام ، ونحن لا ندّعي بأننا استطعنا أن نعطي الکتاب حقّه ، حيث لا يتسنّي لانسان ، کائناً من کان أن يخوض هذا الميدان لوحده ، وإنّ حاول فعلیه أن يعمل دهراً طويلاً ، لا يشرک مع جهده في هذه السبيل أي عمل آخر ، وهيهات أن يبلغ ! ولله در القائل :

آل الرسول ونعم اکفّا***ء العلی آل الرسول

خير الفروع فروعهم***وأصولهم خير الأصول

وثناي أقصر قاصر***وأقلّ شيء من قليل

والعجز ذنبي لا عدوّ***لي عن أخ البر الوصول

وأنا المقصّر کيف کن***ت فهل لعذر من قبول

والحمد لله رب العالمين المتفضّل بالعفو عمّن اعترف واعتذر .

محمود البدري 25/محرم الحرام / 1417 هق

ص:18

ترجمة المولّف

اسمه ونسبه :

وقد ترجم لنفسه فقال : الحسن بن يوسف بن علی بن مطهّر - بالميم المضمومة ، والطاء غير المعجمة ، والهاء المشدّدة ، والراء - أبو منصور الحلّي مولدة ومسکناً (1).

وکنيته : أبو منصور ، کما کنّاه بها والده (2)، وذکرها هو في الخلاصة(3). ومن القابه : آية الله ، وجمال الدين والعلّامة والإمام والفاضل .

مولده:

ولد العلّامة الحلّي رضوان الله علیه في شهر رمضان سنة 648 ، وهذا ما اتّفقت علیه أغلب المصادر التي أرّخت مولده الشريف ، وقد خالف السيّد محسن الأمّين کافة تلک المصادر حين ذکر في الأعيان نقلاً عن الخلاصة أن مولده سنة 647ھ)(4).

ص:19


1- الخلاصة : 45.
2- أجوبة المسائل المهنائية : 139.
3- الخلاصة : 45.
4- أعيان الشيعة 5: 396.

أُسرته :

ينتمي العلّامة الحلّي إلي أُسرتين عريقتين عربيتين مشهورتين بالفضل والکمال.

فمن ناحية الأب فهو ينتمي إلي آل المطهّر ، وهي أُسرة عربية من بني أسد ، فأبوه : سديد الدين يوسف بن علی بن المطهرّ الحلّي ، وصفه ابن داود : بأنه کان فقيهاً محقّقاً مدرّساً عظيم الشأن(1).

أمّا من جهة الأمّ فهو ينتمي إلي بني سعيد ، وهي أُسرة عربية أيضاً ترجع إلي هذيل في انتسابها ، وامّه : بنت العالم الفقيه الشيخ أبي يحيي الحسن ابن الشيخ أبي زکريا يحيي بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلّي ، وهي أُخت الشيخ أبي القاسم جعفر المحقّق الحلّي .

نشأته :

في مثل هذا البيت الشريف ، نشأ وترعرع تحت رعاية والده الشيخ ، وخاله المحقّق الّذي کان له - هو الآخر - بمنزلة الأب الشفيق ، ونال العلّامة من تربيته القسط الأوفر ، و تلمّذ علیه أکثر من غيره ، ونهل من معينه الصافي ما کان زاداً نافعاً طيلة مدّة حياته ، سيّما في الفقه والأصول ، اللّذين أشتهر فيهما أکثر من غيرهما ، فنشأ التلميذ کما توخّاه خاله الأستاذ ، وتغلب علی أقرانه في الدرس ، حيث عرف بالنبوغ الفکري والاستعداد الذهني ،

ص:20


1- رجال ابن داود: 78.

والمستوي العلمي الرفيع وهو بعد لم يبلغ سن المراهقة.

فما أن تعلّم القراءة والکتابة علی يد معلمّاًخاصاً أحضر لهذه المهمّة ، حتي شرع بدراسة العربية والأدب وما يحتاجه الطالب المبتديء، ثمّ بدأ بدراسة الفقه والأصول والکلام والتفسير والعلوم العقلية والرياضية، ولم تمر إلّا سنوات قليلة حتي أصبح العلّامة الحلّي من القلائل الّذين يشار إليه بالبنان ، ومن ثمّ شرع بالدرس حيث تخرّج علی يده عدد کبير من العلمّاء.

وفي عام 702 هاجر العلّامة إلي بغداد بطلب من السلطان غازان خان - محمود - حيث أجري مناظرات مشهورة مع علمّاء العامّة وتغلب علیهم بحضور السلطان ، ممّا أدّي إلي تشيّع السلطان وعدد کبير من الوزراء وقادة الجيش.

وفي عام 719ه توفّي السلطان محمّد خدابنده فرجع العلّامة الحلّي إلي مدينة الحلّة ، واشتغل فيها بالتدريس والتأليف وتربية العلمّاء و تقوية المذهب و ارشاد الناس ولم يخرج بعدها من الحلّة إلّا لأداء مناسک الحجّ وذلک في أواخر عمره الشريف .

وتوفّي قدّس الله نفسه الزکية في محرم الحرام سنة 726 ه.

أقوال العلمّاء فيه :

قال عنه أُستاذه نصير الدين الطوسي: عالم إذا جاهد فاق(1)

ص:21


1- أعيان الشيعة396:5.

وقال عنه معاصره ابن داود في رجاله : شيخ الطائفة ، وعلامة وقته ، وصاحب التحقيق والتدقيق ، کثير التصانيف ، انتهت رئاسة الإمامية إليه في المعقول والمنقول(1).

وقال عنه الصفدي : الإمام العلّامة ذو الفنون ... عالم الشيعة وفقيههم ، صاحب التصانيف التي اشتهرت في حياته .. وکان يصنّف وهو راکب... وکان ابن المطهر ريّض الأخلاق ، مشتهر الذکاء ، تخرّج به أقوام کثيرة ... وکان إماماً في الکلام والمعقولات(2).

وقال عنه تلميذه محمّد بن علی الجرجاني : شيخنا المعظّم وإمامنا الأعظم سيّد فضلاء العصر ورئيس علمّاء الدهر ، المبرز في فني المعقول والمنقول ، المطرّز للواء علمي الفروع والأصول ، جمال الملّة والدين سديد الإسلام والمسلّمين (3).

وذکره الشهيد الأوّل فقال : شيخنا الأعلم حجّة الله علی الخلق جمال الدين(4) وقال في إجازته لابن الخازن : الإمام الأعظم الحجّة أفضل المجتهدين جمال الدين(5).

وأثني علیه الشهيد الثاني في إجازته للسيّد علی بن الصائغ ، قائلاً : شيخ الإسلام ومفتي فرق الأنام ، الفارق بالحقّ للحقّ ، جمال الإسلام والمسلّمين ،

ص:22


1- رجال ابن داود : 78.
2- الوافي بالوفيات85:13 .
3- أعيان الشيعة 5:397.
4- الأربعون حديثاً: 49.
5- بحار الأنوار 107 : 188.

ولسان الحکماء والفقهاء والمتکلّمين جمال الدين (1).

وقال المحقّق الکرکي في إجازته لعلی بن عبد العالي الميسي:

شيخنا الإمام شيخ الإسلام مفتي الفرق ، بحر العلوم ، أوحد الدهر شيخ الشيعة بلا مدافع جمال الملّة والحقّ والدين(2).

وذکره الفاضل الشهيد التستري ، فقال ما ترجمته : مظهر فيض ذي الجلال ، مظهر فضل «إنّ الله جميل يحبّ الجمال»، موضع انعکاس صور الجمال ، محل آمال وأمّاني أنظار العالم ، مصوّر الحقّائق الربّانيّة ، حامي بيضة الدين ، ماحي آثار المفسدين ، ناشر ناموس الهداية ، کاسر ناقوس الغواية ، متمّم القوانين العقلية ، حاوي الأساليب والفنون النقلية ، محيط دائرة الدراية والفتوي ، مرکز دائرة الشرع والتقوي ، مجدّد مآثر الشريعة المصطفوية ، محدّد جهات الطريقاً المرتضوية ...(3).

وقال عنه ابن حجر : الحسن بن يوسف بن المطهرّ الحلّي ، عالم الشيعة ومصتفهم ، وکان آية الذکاء ، شرح مختصر ابن الحاجب شرحاً جيّداً سهل المأخذغاية في الإيضاح، واشتهرت تصانيفه في حياته ، وهو الّذي ردّ علیه الشيخ تقيّ الدين ابن تيميّة في کتابه المعروف بالردّ علی الرافضي ، وکان أبن المطهر مشتهر الذکر وحسن الأخلاق ، ولمّا بلغه بعض کتاب ابن تيميّة ، قال : لو کان يفهم ما أقول أجبته (4).

ص:23


1- بحار الأنوار 141:108 .
2- بحار الأنوار 108 : 43.
3- مجالس المؤمنين 1: 570.
4- لسان الميزان 2: 317.

مؤلّفاته :

للعلامة الحلّي رحمه الله مؤلّفات کثيرة في شتّي صنوف العلوم ، فهو لم يدع علمأ إلّا وکتب فيه ، فقد برع العلّامة في علم الفقه وأصوله وألف فيهما المؤلّفات المتنوعة ، وبرع کذلک في الحکمة العقليّة ، فباحث أستاذه الخواجة الطوسي ، وباحث الفيلسوف الکبير ابن سينا و خطّاه، وکتب في أصول الدين وفنّ المناظرة والجدل وعلم الکلام ، کما برع في علم المنطق والرجال وعلم الحديث والتفسير .

وفاته ومدفنه :

اتفقت المصادر علی أن وفاة العلّامة الحلّي رحمة الله علیه کانت في ليلة السبت أو يومه من شهر محرم الحرام سنة 726 ه. وقد اختلفت الأقوال في يوم وفاته فمنهم من قال إنّه توفّي في الحادي عشر من المحرم(1).

وقيل : إنّه في اليوم الحادي والعشرين من المحرم (2)، وقيل : انه في العشرين من المحرم (3).

وعلی هذه الأقوال يکون عمر العلّامة حين وفاته 78 عاماً وأربعة أشهر تنقص يوم، أو تزيد تسعة أيّام.

ص:24


1- نقد الرجال للتفرشي : 100، رياض العلمّاء 1: 366، نقلاً عن نظام الأقوال للقرشي ، تنقيح المقال للمّامقاني 315:1 ، تأسيس الشيعة للسيّد الصدر : 399.
2- رياض العلمّاء 1: 366، أعيان الشيعة 5: 396 نقلاً عن توضيح المقاصد.
3- رياض العلمّاء 1: 381 ، نقلاً عن الشهيد الثاني ، البداية والنهاية لابن کثير 14: 125.

ولمّا توفّي العلّامة الحلّي حمل نعشه من مدينته الحلة السيفية إلي مدينة النجف الأشرف ، ودفن إلي جوار أمیر المؤمنين علیه السلام في حجرة أيوان الذهب الواقعة علی يمين الداخل إلي الحضرة الشريفة العلوية من جهة الشمال بجنب المنارة الشمالية .

وعند تعمير الروضة العلوية فتح باب ثان من الايوان الذهبي يفضي الباب إلي الرواق العلوي ، فصار قبر العلّامة في حجرة صغيرة مختصة به علی يمين الداخل ممرّاً للزائرين يقصدونها حتي اليوم، ولها شباک فولاذي ، ويقابلها حجرة صغيرة أخري هي قبر المحقّق اردبيلي ، فأکرم بهما من بوّابين لتلک القبة السامقة ، والرّوضة الرّبانّية الشريفة .

هذا الکتاب :

قال عنه مؤلّفه في مقدمته:

أمّا بعد ؛ فهذا کتاب مشتمل علی أسماء أئمّة الهدي علیهم السلام ، و تاريخ أعمارهم ، وذکر مشاهدهم ، وأسماء أوّلادهم، وذکر طرفي من أخبارهم المفيدة لعلم أحوالهم ، ليقف الطالب علی ذلک وقوف العارف بهم ، ويظهر له فرق ما بين الدعوي والاعتقاد، موسوم بالمستجاد من کتاب الارشاد، والله الموفق للسداد، المکافيء يوم المعاد .

فالکتاب إذن کتاب مناقب ، وهو واضح من اسمه ملخّص لکتاب الإرشاد في معرفة حجج الله علی العباد للشيخ المفيد رحمه الله.

وقد شکّک بعض المحقّقين في نسبة الکتاب للعلّامة الحلّي ، فيما ذکره

ص:25

آخرون بدون تعلیق ، فقال عنه الشيخ الطهراني في الذريعة : مختصر من ارشاد المفيد ، رأيته في النجف عند السيّد محمّد سبط أخي الحاج السيّد حسين الکوهکمري دامت برکاته، وان اسم الکاتب غير موجود في الکتاب ، لکن کتب علی ظهر النسخة انه تصنيف العلّامة الحلّي(1).

وقال السيّد المرحوم عبد العزيز الطباطبائي (رحمه الله) في مکتبة العلّامة الحلّي:

الأصل للشيخ المفيد.

أوّله : الحمد لله العظيم الشأن القوي .... فهذا کتاب مشتمل علی أسماء أئمّة الهدي علیهم السلام ، وتاريخ أعمارهم ، وذکر مشاهدهم ، وأسماء أوّلادهم ، وذکر طرف من أخبارهم المفيدة لعلم أحوالهم ، ليقف الطالب علی ذلک وقوف العارف بهم ، ويظهر له فرق ما بين الدعوي والاعتقاد، موسوم بالمستجاد من کتاب الارشاد....

وقد طبعه السيّد المرعشي النجفي قدّس الله نفسه الزکية ضمن مجموعة نفيسة ضمت عدّة کتب ، حيث قال عنه :

المستجاد من کتاب الارشاد : تأليف فخر الإمامية الشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن علی بن المطهرّ الحلّي المشتهر في الآفاق بالعلّامة وآية الله المولود سنة 648ه والمتوفّي سنة 726ه بالحلّة ، و نقل جثمّانه الشريف إلي مشهد مولانا أمیر المؤمنين روحي له الفداء .

صاحب المئات من التصانيف والتأليف ، منها : کتابا التذکرة و القواعد .

ص:26


1- الذريعة 2:21 و 3 رقم 3669.

النسخة المعتمدة في التحقيق :

أنّ النسخة المنشورة ضمن «مجموعة نفيسة» هي النسخة الوحيدة التي حصلنا علیها ، فقد حاولنا الحصول علی نسخة أخري ، أو علی الأقل النسخة التي تم نسخها ضمن هذه المجموعة ، ولکن للأسف لم نوفق إلي ذلک ، وقد اتّصلنا بسماحة العلّامة الخبير السيّد أحمد الحسيني وفّقه الله ، والمشرف علی فهارس النسخ الخطّية التي حوت علیها مکتبة آية الله المرعشي العامرة ، فأخبرنا بانّ هذه النسخة غير موجودة، لذا فإنّنا بعد استخارة الله تعالي والتوکّل علیه قرّرنا الاعتماد علی هذه النسخة وتحقيق الکتاب .

وبما أنّ کتابنا هو ملخّص لکتاب الارشاد ، فقد اعتمدنا کذلک علی کتاب الارشاد وقابلنا النسخة معه ، ومع المصادر الکثيرة الأخري التي راجعناها لاستخراج روايات الکتاب ، وقد أشرنا إلي نسختنا الوحيدة المعتمدة بالأصل ، والتي وقع الفراغ من کتابتها في النصف من شعبانّ سنة 1393 ه، وقد کتبها - کما أشار في آخر النسخة - أقل خدمة أهل العلم الحاج عبد الرحيم بن المرحوم أبي الفضل الأفشاري الزنجاني.

وقد نقلها علی نسخة خطّية حررت بتاريخ 11 صفر من سنة 982 ه ، وکتبت بقلم أبو الخير محمود بن عيسي بن رفيع الإمامي.

والّذي استنسخها بدوره علی نسخة المؤلّف ، والتي وقع الفراغ منها في آخر نهار الاثنين ، الرابع و العشرين من شهر ربيع الأوّل سنة682 ه.

أمّا عملنا في هذه النسخة اليتيمة فکان کما يلي :

ص:27

1۔ صف حروف النسخة في الکامبيوتر .

2 - مقابلة ما استنسخناه مع النسخة المعتمدة ، ومع إرشاد المفيد ، ومع بقية المصادر التي اعتمدناها.

3 - استخراج الروايات والمناقب من أمّهات الکتب عند الفريقين ، محاولين الاقتصار في ذلک علی الکتب المشهورة ، خوفاً من السأمّ والملل الّذي قد يحصل عند القاريء.

4 - محاولة ضبط النصّ ، وتوضيح بعض المفردات اللغوية ، و تثبيت ما نعتقد بصحته.

ه - انشاء فهارس فنّية عامة للکتاب تسهّل علی الباحث والمحقّق المراجعة.

1- مراجعة نهائية شاملة للکتاب تلافياً للأخطاء التي لا بدّ من وقوعها .

شکر وتقدير :

وفي الختام أُقدم جزيل شکري وتقديري لزوجتي الفاضلة أمّ زهراء ، والتي قامت بمهمّة صف حروف الکتاب ، ومقابلته معي ، فجزاها الله أحسن جزاء المحسنين.

والحمد لله ربّ العالمين

ص:28

الصورة

صورة الصفحة الاُولی من النسخة الأصل والمنشورة ضمن مجموعة نفسية

ص:29

الصورة

صورة الصفحة الأخیرة من النسخة الأصل والمنشورة ضمن مجموعة نفسية

ص:30

مقدّمه مولّف

الحمدُ لله عظيم الشأن، قويّ السلطان ، ذي النعم والاحسان ، والکرم والامتنان ، الّذي هدانا بسيّد الأنبياء ، وأعظم الأزياء، وأعلی الأصفياء، محمّد المصطفي ، أکرم الخلائق أجمعين ، وصفوة رب العالمين .

ووقانا بخير الأوّلياء، وأشرف الأوصياء ، وإمام الأتقياء ، علی المرتضي أمیر المؤمنين ، وأفضل الصديقين صلّي الله علیهما صلاة أبد الآبدين ، ودهر الداهرين، وعلی آلهما أئمّة الدين ، وهداة المسلّمين ، وعلی أصحابهما الأکارم الأمّجدين ، والتابعين لهم باحسان إلي يوم الدين .

أمّا بعد ؛ فهذا کتاب مشتمل علی أسماء أئمة الهدي علیهم السلام ، وتاريخ أعمارهم ، وذکر مشاهدهم ، وأسماء أوّلادهم، وذکر طرف من أخبارهم المفيدة لعلم أحوالهم ، ليقف الطالب علی ذلک وقوف العارف بهم، ويظهر له فرق ما بين الدعوي والاعتقاد، موسوم بالمُستجاد من کتاب الارشاد، والله الموفّق للسداد ، المکافيء يوم المعاد .

ص:31

ص:32

باب عليّ بن أبي طالب في ذکر الخبر عن أمّير المؤمنين علیه السلام

النص علیه بالامامة

ص:33

ص:34

أوّل ائمّة المؤمنين ، ووُلاةِ المسلّمين ، وخلفاء الله تعالي في الدين ، بعد رسول الله الصادق الأمّين محمّد بن عبدالله خاتم النبيّين ، - صلواتُ الله علیه و آله الطاهرين - أخوه وابنُ عمّه ، ووزيرةُ علی أمّره، وصِهرُه علی ابنته فاطمة سيّدة نساء العالمين ، أمیر المؤمنين علی بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف سيّد الوصيّين - علیه أفضل الصلاة والتسليم - .

کُنيتُه : أبو الحسن ، وُلِد بمکّة في البيت الحرام في يوم الجمعة الثلاث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل ، ولم يُولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله تعالي سواه ، إکراماً من الله تعالي له بذلک ، وإجلالاً لمحله في التعظيم .

وأمّه : فاطمة بنتُ أسد بن هاشم بن عبد مناف رضي الله عنها ، وکانت کالأمّ لرسول الله صلّي الله علیه و آله وسلّم ، رُبي في حِجرها ، وکان شاکراً البرها، و آمَنَت به صلّي الله علیه وآله وسلّم في الأوّلين ، وهاجَرَت معه في جُملة المهاجرين. ولمّا قبضها الله تعالي إليه کَفّنها النبي صلّي الله علیه و آله وسلّم بقميصه ليَدرَأ به عنها هوامَّ الأرض ، و توسّد في قبرها لتَأمَنَ بذلک من ضَغطة القبر ، ولقّنها الإقرارَ بولاية ابنها - أمیر المؤمنين صلوات الله علیه - التجيبَ به عند المساءلة بعد الدفن ، فخصها بهذا الفضل العظيم ، لمنزلتها من الله

ص:35

ومنه علیه السلام ، والخبرُ بذلک مشهو(1).

فکان أمیرُ المؤمنين علی بن أبي طالب وإخوته علیهم السلام أوّل من ولد من هاشم مرتين ، وحاز بذلک مع النُشوء في حِجر رسول الله صلّي الله علیه وآله والتأدّب به الشرفين ، وهو أوّل من آمن بالله عزّ وجلّ وبرسوله صلّي الله علیه و آله وسلّم من أهل البيت والأصحاب ، وأوّل ذَکَرٍ دعاء النبي صلّي الله علیه و آله إلي الإسلام فأجاب ، ولم يزل يَنصرُ الدين ، ويُجاهِد المشرکين ، ويَذُبّ عن الإيمان ، ويَقتُل أهل الزيغ والطغيان ، ويَنشرُ معالم السنّة والقرآن ، ويَحکُم بالعدل ويَأمُر بالإحسان.

وکان مقامه مع رسول الله صلّي الله علیه و آله بعد البعثة ثلاثاً وعشرين سنة ، منها ثلاث عشرة سنة بمکّة قبل الهجرة مشارکة له في مِحَنهِ کلّها ، متحمّلاً عنه أکثر أثقاله ؛ وعشر سنين بعد الهجرة بالمدينة يُکافِح عنه المشرکين ، ويُجاهد دونه الکافرين ، ويقيه(2) بنفسه من أعدائه في الدين ، إلي أنّ قَبَضه الله تعالي إلي جنّته ورَفَعه في علّيّين ، فمضي - صلّي الله علیه و آله - ولأمیر المؤمنين علیه السلام يومئذٍ ثلاث وثلاثون سنة.

فاختلفت الأمّة في إمامته يومَ وفاة رسول الله صلّي الله علیه و آله ؛ فقالت شِيعتهُ . وهم بنو هاشم کافّة ولمّان و عمّار وأبو ذرّ والمِقداد و خُزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبو أيّوب الأنصاري وجابر بن عبدالله الأنصاري وأبو سعيد الخُدري ، وأمّثالهم من جلة(3) المهاجرين والأنصار -: إنّه کان الخليفةَ بعد

ص:36


1- أنظر : الکافي 1: 377ح 2، دعائم الاسلام 2: 361، خصائص الأئمّة : 64.
2- «ولقيه»، هکذا في الأصل ، وما أثبتناه من الارشاد و هو الصحيح.
3- جلة : جمع جليل .

رسول الله صلّي الله علیه و اله و الإمام لفضله علی کافّة الأنام بما اجتمع له من خِصال الفضل والرأي والکمال ، من سَبقه الجماعةَ إلي الإيمان ، والتّبريز علیهم في العلم بالأحکام ، والتقدّم لهم في الجهاد ، والبَينونِة منهم بالغاية في الورع والزهد والصلاح ، و اختصاصِه من النبي صلّي الله علیه و آله في القربي بما لم يَشرکه فيه أحدُ من ذوي الأرحام.

ثمّ لنصّ الله جلّ اسمه علی ولايته في القرآن ، حيث يقول :( إنَّمَا وَليُّکُم اللهُ وَرَسُولُه وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزکَاةَ وَهُم رَاکِعُونَ)ومعلومُ أنّه لم يزکّ (1)في حال رکوعه غيره علیه السلام ، وقد ثبت

ص:37


1- المّائدة : 55. وقد اتفق المفسّرون والمحدّثون وعلمّاء الأثر علی نزول هذه الآية الشريفة في أمیر المؤمنين علی علیه السلام ، وروره بأسانيد وطرق کثيرة تنتهي إلي جماعة من کبار الصحابة والمفسّرين، قال السيّد ابن طاووس في سعد السعود: 96أنَّ محمّد بن العبّاس بن الماهيار المعروف بابن الحجام قد رواه في کتابه «ما نزل من القرآن في علی علیه السلام» من تسعين طريقاً بأسانيد متّصلة، کلّها أو جلّها من رجال المخالفين لأهل البيت علیهم السلام ، وذکر منهم: عمر بن الخطاب، عثمّان بن عفان، الزبير بن العوّام، عبد الرحمن بن عوف، سعد بن أبي وقاص، طلحة بن عبد الله، عبدالله بن عباس، أبو رافع، جابر بن عبدالله الأنصاري، أبو ذر، الخليل بن مرّة، علی بن الحسين علیه السلام ، أبو جعفر محمّد بن علی علیه السلام ، جعفر بن محمّد علیه السلام ، أبو هاشم عبدالله بن محمّد بن الحنفية ، مجاهد المکّي، محمّد بن السري، عطاء بن السائب، عبد الرزاق . انتهي . يضاف إلي ذلک ما وجدتُه في مصادر أخري: علی علیه السلام ، عمّار بن ياسر، سَلَمة بن کهيل، أنس بن مالک، عبدالله بن سلام، المقداد بن الأسود الکندي، عبد الملک بن جريح. ورواه: البلاذري في أنساب الأشراف 150/1 ح 151 ، الحاکم النيشابوري في معرفة علوم الحديث: 102، الحبري في ما نزل من القرآن في علی علیه السلام : 258 - 261 ح 21 و 22 و 23، الشجري في أمّاليه: 1/ 137 و 138 بعدّة طرق، الواحدي في أسباب النزول: 113 ، الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في ما نزل من القرآن في علی علیه السلام علی ما في النور المشتعل: 61 - 85ح 5-15، ابن عساکر في ترجمة الإمام أمیر المؤمنين علیه السلام من تاريخ دمشق 409/2 ح 915 و916. الجويني في فرائد السمطين 187/1 - 195ح 149 - 153، ابن المغازلي في المناقب: 311 - 314 ح 354 - 358، الکنجي في کفاية الطالب: 228 و 249 ، الحاکم الحسکاني في شواهد التنزيل 161/1 -184ح216-240 بأکثر من أربعة وعشرين طريقاً، السيوطي في الباب النقول:93، الجصاص في أحکام القرآن102/4 الخوارزمي في المناقب:186و 187. وأخرجه الشوکاني في فتح القدير53/2 عن الخطيب في المتّفق والمفترق عن ابن عبّاس، وعن عبد الرزّاق وعبد بن حميد وأبي الشيخ وابن مردويه والطبراني في الأوسط عن عمّار

في اللغة أنّ الوَلي هو الأوّلي بلا خلاف (1).

وإذا کان أمیرُ المؤمنين علیه السلام - بحکم القرآن - أوّلي بالناس من أنفسهم ، لکونه ولهم بالنصّ في التبيان ، وَجَبَت طاعتهُ علی کافّتهم بجَليّ البيان، کما وَجَبَت طاعةُ الله وطاعة رسوله صلّي الله علیه و آله بما تَضَمَّنه الخبرُ عن ولايتهما للخلق من هذه الآية بواضح البرهان .

وبقول النبيّ صلّي الله علیه و آله يومَ الدار (2)، وقد جَمَع بني عبدالمطلب - خاصّة - فيها للإنّذار - وهم أربعون رجلاً يومئذ يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا فيما ذکره الرواة -: «يا بني عبد المطلب ان الله بعثني إلي الخلق کافة ، وبعثني إليکم خاصّة ، فقال عزّ من قائل : (وَانذِر عَشِيرَتکَ الأَقرَبينَ)(3)، وأنا أدعوکم إلي کلمتين خفيفتين علی اللسان، ثقيلتين في الميزان ، تملکون بهما العرب والعجم، وتنقاد لکم بهما الأمّم، وتدخلون بهما الجنة ، و تنجون بهما من النار، شهادة أن لا إله إلّا الله ، وانّي رسول الله ، فمن يُجيبني إلي هذا الأمّر،

ص:38


1- انظر : لسان العرب 406:15 - ولي - .
2- روي حديث الدار في عشرات المصادر من کتب الفريقين ، منها : مسند أحمد 1: 111 و 195، تاريخ الطبري 43:5 ، شواهد التنزيل 420:1 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 267:3 ، ينابيع المودة : 105، الکامل في التاريخ 2: 42، مجمع الزوائد 8: 302، کنز العمّال 6: 392. وأخرجه في احقاق الحقّ 560:3 و 14 : 423 و 2: 119 عن مسند أحمد 1: 111، وتفسير الطبري 68:19 ، والتذکرة لابن الجوزي : 44، وينابيع المودّة : 105.
3- الشعراء : 216.

ويُؤازِرني علی القيام به ، يَکُن أخي ووصيّي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي»، فلم يجب منهم أحد، فقام أمیر المؤمنين علیه السلام من بينهم بين يديه ، وهو أصغرهم يومئذٍ سنّاً، وأحمشهم(1) ساقاً ، وأرمهصُم (2)عيناً ، فقال : أنا يا رسول الله أؤازرک علی هذا الأمّر، فقال له رسول الله صلّي الله علیه و آله : اجلس فأنت أخي ووصيّي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي» وهذا صريحُ القول في الاستخلاف.

وبقوله صلّي الله علیه و آله يوم غدير خم وقد جمع الأمّة لسماع الخطاب: «ألستُ أوّلي بکم منکم بأنفسکم»؟

فقالوا: اللّهم بلي.

فقال لهم - علی النسق من غير فصل بين الکلام -: «فمن کنتُ مَولاه فعلیُ مَولاه»(3).

ص:39


1- رجل أحمش الساقين : دقيقهما. «الصحاح - حمش - 3: 1003».
2- النص : وسخ يجتمع في مجري الدمع . «الصحاح - رمص - 3: 1042» .
3- هذا الحديث مشهور ، وهو حديث الغدير ، تواتر نقله وروايته عند علمّاء الفريقين، حيث رواه عن النبي صلّي الله علیه و آله نحو مائة رجل، ورواه أحمد بن حنبل من أربعين طريقاً، وابن جرير الطبري من نيف وسبعين طريقاً، والجزري المقريء من ثمّانين طريقاً، وأبو سعيد السجستاني من مائة وعشرين طريقاً، والحافظ أبو بکر الجعابي من مائة وخمس وعشرين طريقاً، والحافظ أبو العلاء العطار الهمداني بمائتين وخمسين طريقأ. ورواه الترمذي في سننه 633/5 ح 3713 وقال: هذا حديثّ حسنُ صحيحُ، ابن ماجه في سننه 1/45 ح 121، الحاکم في المستدرک109/3و 134 و 371 و 533 بعدّة طرق، البغوي في مصابيح الشتة 4/ 172 ح 4767، أحمد بن حنبل في مسنده 84/1و 119 و 152 و 331، وج 348/4 و370 و 372 و 381، و ج 347/5 و 358و 361 و 366 و 419، الدولابي في الذريّة الطاهرة:168 ح 228، الشجري في أمّاليه 145/1 و 146 بعدّة طرق، القاضي عياض في الشفاء 468/1 ، علاء الدين ابن بلبانّ في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان42/9ح6891 ، الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 474/5 ، ج 377/7 و ج 290/8 و ج 344/12 و ج 236/14 بعدّة طرق، ابن عساکر في ترجمة الإمام أمیر المؤمنين علیه السلام من تاريخ دمشق 395/1 - 417، ح 457۔ 491، وأخرجه الهيثمّي في مجمع الزوائد 17/9 و104 - 108 و 120 و 164 بأکثر من ثمّانيةوعشرين طريقاً.

فأوجبَ له علیهم من فرض الطاعة والولاية ما کان له علیهم ، ممّا قارهم به من ذلک ، فلم يتنا کروه. وهذا أيضاً ظاهرُ في النصّ علیه بالإمامة والاستخلاف له في المقام.

وبقوله علیه السلام له عند توجّهه إلي تبوک: «أنت منّي بمنزلةٍ هارون من موسي إلّا أنّه لا نبيَّ بعدي»(1) فأوجب له الوزارة والتخصّص بالمودّة والفضل علی الکافّة ، والخلافة علیهم في حياته وبعد وفاته ، لشهادة القرآن بذلک کله لهارون من موسي علی نبيّنا وعلیهما السلام ؛ قال الله عزّ وجلّ مخبرة عن موسي علیه السلام : (وَاجعَل لي وَزيراً مِن أهلي * هارُونَ أخي و آُشدُد بهِ أزري ، وَأشرِکهُ في أمّري و کَي نُسَبِحَکَ کَثيراً وَنَذکُرَکَ کَثيراً و إنَّکَ کُنتَ بِنَا بَصيراً قَال قَد أوتِيتَ سُؤلَکَ يَا مَوسي (2) فثب لهارون علی نبينا

ص:40


1- وهو الحديث المعروف ب «حديث المنزلة» وقد روي في أمّهات الکتب، وللحاکم النيشابوري کتاباً في طرق حديث المنزلة، کما ألّف القاضي التنوخي کتاب «ذکر الروايات عن النبي صلّي الله علیه و آله أنه قال لأمیر المؤمنين علی بن أبي طالب: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي» و بيان طرقها واختلاف وجوهها، رواه عن أربع وعشرين صحابيّاً ورواه البخاري في کتاب فضائل أصحاب النبي، باب مناقب علی من صحيحه 5: 89ح 202، ومسلّم من کتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علی من صحيحه 4: 1870ح 30 - 32 بعدّة طرق، الترمذي في سننه 640:5 و 641 ح 3730 و 3731، ابن ماجه في سننه 1: 42ح 115 وص5 4 ح 121 ، أحمد بن حنبل في مسنده 1: 170 و 177 و 179 و 182 و 184 و 185 وج 3: 32 بعدّة طرق، علاء الدين بن بلبانّ في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبانّ 40:9 و 41 ح 6887 و6888 ، الحميدي في مسنده 1 : 38 ح 71، ابن أبي حاتم الرازي في علل الحديث 2: 389ح 2680. وراجع الطريف: 51، وأهل البيت علیهم السلام في المکتبة العربية رقم 301 و 307
2- طه : 29-36.

وعلیه السلام شرکةُ موسي علیه السلام في النبوّة ، ووزارتهُ علی تأدية الرسالة ، وشدُّ أزره في النصرة.

وقال في استخلافه له : (الخلُفني في قَؤمِي وَاصلح وَلاَ تَتَّبِع سَبِيلَ المُفسِدِینَ)(1) فثبتت له خلافته بحکم التنزيل.

فلمّا جعل رسول الله صلّي الله علیه و آله لأمیر المؤمنين علیه السلام جميع منازل هارون من موسي علیهما السلام في الحُکم له منه إلّا النبوّة ، وجبت له وزارةُ الرسول علیه و آله السلام ، وشدّ الأزر بالنصرة والفضل والمحبة ، لمّا تقتضيه هذه الخصال من ذلک في الحقّيقة ، ثمّ الخلافة في الحياة بالصريح ، وبعد النبوّة بتخصيص الاستثناء لمّا أخرج منها بذکر البعد ، وأمّثالُ هذه الحجج کثيرة ممّا يطول بذکره الکتاب ، والحمد لله.

وکانت إمامةُ أمیر المؤمنين علیه السلام بعد النبي صلّي الله علیه و آله ثلاثينَ سَنة ، منها أربعُ وعشرين سنة وأشهر ممنوعاً من التصرّف في أحکامها ، مستعمِلاً للتقيّة والمُداراة . ومنها خمس سنين وأشهر مُمتَحنَاً بجهاد المنافقين من الناکثين والقاسطين والمّارقين (2)، مَضطَهدَاً يفتن الضالّين ، کما کان رسول الله صلّي الله علیه و آله ثلاث عشرة سنة من نبوته ممنوعة من أحکامها، خائفاً و محبوساً وهارباً ومطروداً، لا يتمکن من جهاد الکافرين ، ولا يستطيع دفعاً عن المؤمنين، ثمّ هاجر وأقام بعد الهجرة عشر سنين مجاهداً للمشرکين مُمتَحناً بالمنافقين ، إلي أن قبضه الله - تعالي - إليه واسکنه جنات النعيم .

وکانت وفاةُأمیر المؤمنين علیه السلام قبيلَ الفجر من ليلة الجمعة ، ليلة

ص:41


1- الأعراف : 142.
2- الناکثون هم : أصحاب الجمل : طلحة والزبير وعائشة وأتباعهم . والقاسطون هم : أصحاب صفّين : معاوية وأتباعه ، (القاسطون: الجانرون) . والمّارقون : هم الخوارج أصحاب النهروان .

إحدي وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة ، قتيلاً بالسيف ، قتله ابنُ مُلجَم المُرادي - لعنه الله - في مسجد الکوفة ؛ وقد خرج علیه السلام يُوِقظ الناسَ لصلاة الصبح ليلة التاسع عشر من شهر رمضان ، وقد کان ارتَصدَه من أوّل الليل لذلک ، فلمّا مر به في المسجد وهو مستخف بأمّره ، ممّاک بإظهار النوم في جملة النيام ، ثار إليه فضربه علی أمّ رأسه بالسيف - وکان مسموماً - فمکث يومَ تسعة عشرة وليلَة عشرين ويومها وليلة إحدي وعشرين إلي نَحو الثلث الآخر من الليل ، ثمّ قضي نَحبه صلوات الله علیه شهيداً ولقي ربَّه مظلوماً.

وقد کان علیه السلام يعلم ذلک قبل أوانه ويُخبر به الناس قبلَ زمانه ، و تولّي غسله وتکفينه ابناه الحسنُ والحسين علیهما السلام بأمّره، وحملاه إلي القري من نَجَف الکوفة ، فدَفَناه هناک وعَفّيا(1) موضِع قبره ، بوصيّة کانت منه إليهما علیهما السلام في ذلک ، لمّا کان يعلمه صلوات الله علیه من دولة بني أمّية من بعده ، واعتقادهم في عَداوته ، وما ينتهون إليه بسوءِ النيّات فيه من قبيح الفعال والمقال ما تمکّنوا من ذلک ، فلم يزل قبرهُ علیه السلام مخفيّاً حتّي دَلّ علیه الصادقُ جعفر بن محمّد علیهما السلام في الدَولة العبَاسية ، وزاره عند وروده إلي أبي جعفر المنصور (2)- وهو بالحيرة - فَعَرَفَته الشيعة واستأنَفوا إذ ذاک زيارته صلّي الله علیه وعلی ذُرّيته الطاهرين ، وکان سنّه علیه السلام يوم وفاته ثلاثاً وستّين سنة.

ص:42


1- عفي المکان : در وأزال الأثر . «المحيط في اللغة 170:2 - عفي -» .
2- أبو جعفر المنصور ، عبدالله بن محمّد بن علی بن العبّاس ، ثاني خلفاء بني العبّاس ، ولد في الحميمة من أرض الشراة سنة 95 ه وولي الخلافة بعد وفاة أخيه أبو العبّاس السفّاح سنة 136 ه. توفّي ببئر ميمون سنة 158 ه ، ودفن في الحجون بمکة وکانت مدّة خلافته 22 عاماً ، أنظر : تاريخ بغداد 1: 62، شذرات الذهب 1: 244، تاريخ الطبري 8: 113، العبر 175:1، الأعلام 4: 117.

الأخبار التي جاءت بذکره عليّه السلام الحادثَ قبل کونه ، وعلمهِ به قبل حدوثه

مقتل أمّير المؤمنين عليّه السلام

ما أخبر به علئُّ بن المُنذِر الطريفي ، عن أبي الفضل العبدي(1) عن فِطر، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة - رحمة الله علیه - قال : جمع أمیر المؤمنين علی أبن أبي طالب علیه السلام الناس للبيعة ، فجاء عبدُ الرحمن بن مُلجم المُرادي - لعنه الله - فردّه مرّتين أو ثلاثاً ثمّ بايعه ، وقال عند بيعته له : «ما يَحبس أشقاها؟ فوالّذي نفسي بيده لتُخضَبن هذه من هذا، ووضع يده علی لِحيته ورأسه ؛ فلمّا أدبر ابنُ مُلجم لعنه الله عنه منصرفاً قال علیه السلام :

أشدُ حَيازيمَکَ للموت***فإنّ الموت لاقيک

ولا تَجزَع من [القتل](2)**إذا حلّ بواديک

کما أضحّکّکّ الدهرُ***کذَاکَ الدهرُ يُبکيک(3)

ص:43


1- في الارشاد ابن الفضيل العبدي ، ولعلّ العبدي تصحيف الضبيّ ، وهو محمّد بن فضيل بن غزوان الضبي ، عده الشيخ الطوسي من أصحاب الصادق علیه السلام ووثقه (رجال الشيخ : 297) يروي عنه علی بن المنذر الطريقي ، انظر : الطبقات الکبري 389:6، أنساب السمعاني 8: 145، ميزان الاعتدال 3: 157، تهذيب التهذيب 386:7و 405:9 .
2- في الارشاد : الموت .
3- انظر : الطبقات الکبري : 6: 389، انساب الأشراف 2: 500، مقاتل الطالبيين : 31، الخرائج والجرائح 1: 182 ذيل ح 14، ونقله العلّامة المجلسي في بحار الأنوار42 : 192ح،6 والبيت الأخير أثبتناه من الارشاد .

وروي الحسن بن محبوب ، عن أبي حَمزة الثُماليّ ، عن أبي إسحاق البسَّيعيّ ، عن الأصبغ بن ثباته ، قال : أتي ابنُ ملجم لعنه الله إلي أمیر المؤمنين علیه السلام فبايعه فيمن بايع ، ثمّ أدبر عنه ، فدعاه أمیر المؤمنين علیه السلام فتوثق منه ، وتوقد علیه ألا يغدر ولا ينکث ففعل ، ثمّ أدبر عنه فدعاه الثانية فتوثق منه ، وتوقد علیه ألا يغدر ولا ينکث ففعل ، ثمّ أدبر عنه فدعاه الثالثة فتوثّق منه ، وتوکّد علیه ألّا يَغدر ولا يَنکث ، فقال ابن ملجم لعنه الله : والله - يا أمیر المؤمنين - ما رأيک فعلت هذا بأحد غيري . فقال أمیر المؤمنين علیه السلام :

أريد حياته (1) ويريدُ قتلي***عَذيرک(2) من خليلک من مرادِ(3)

امض - يا بن ملجم - فوالله ما أري انّک تفي بما قلت (4).

وروي سليمان الضّبيعي(5)، عن المعلی بن زياد ، قال : جاء عبد الرحمن ابن ملجم - علیه اللعنة - إلي أمیر المؤمنين علیه السلام يَستحمِله ، فقال له : يا أمیر المؤمنين ، إحملني.

فنظر إليه أمیر المؤمنين علیه السلام ثمّ قال له : أنت عبد الرحمن بن مُلجم المرادي؟

ص:44


1- في الارشاد : حِباءهُ.
2- عذيرک من فلان بالنصب ، أي هات من يعذرک فيه ، فعيل بمعني فاعل «النهاية - عذر -197:3 » .
3- البيت لعمرو بن معدي کرب : کتاب سيبويه 1: 276، الأغاني 10: 27 ، العقد الفريد 1 : 121،خزانة الأدب 1: 361.
4- المناقب لابن شهرآشوب 3: 310 مختصراً ، بحار الأنوار 42 : 192ح7. .
5- في الارشاد : جعفر بن سليمان الضبيعي

فقال : نعم.

قال : أنت عبد الرحمن بن ملجم المرادي ؟

قال : نعم .

قال : يا غَزوان إحمله علی الأشقر ، فجاء بفرس اشقر فرکِبه ابنُ ملجم عليه اللعنة وأخذ بعنانه ، فلمّا ولّي قال أمیر المؤمنين علیه السلام :

أُريد حياته ويريدُ قتلي***عَذيرک من خليلک من مرادِ(1)

قال : فلمّا کان من أمّره ما کان ، وضَرب أمیر المؤمنين علیه السلام، قُبض علیه وقد خرج من المسجد ، فجيء به إلي أمیر المؤمنين علیه السلام، فقال : والله لقد کنت أصنع بک ما أصنع ، وأنا أعلم أنّک قاتلي ، ولکن کنت أفعلُ ذلک بکَ لأستظهِرَ بالله علیک.

وروي عبدالله بن موسي ، عن الحسن بن دينار ، عن الحسن البصريّ قال: سَهِرَ علی بن أبي طالب علیه السلام في الليلة التي قُتِل في صَبيحتها ، ولم يَخرُج إلي المسجد لصلاة الليل علی عادته ، فقالت له ابنته أمّ کلثوم - رحمة الله علیها - : ما هذا الّذي قد أشهرک ؟ فقال انّي مقتول لو قد اصبحت ، وأتاه ابن النباح فأذنه بالصلاة ، فمشي غير بعيد ثمّ رجع ، فقالت له أمّ کلثوم :مُر جَعدة فليصل بالناس . قال : نعم ، مُروا جَعدة فلُيصلّ بالناس . ثمّ قال : لا مفرّ من الأجل ، فخرج إلي المسجد ، فإذا هو بالرجل قد سَهِر ليلته کلّها يَرصُدُه . فلمّا بَردَ السحر نام، فحرّکه أمیر المؤمنين علیه السلام برجله وقال له : الصلاة ، فقام إليه فضربه (2)

ص:45


1- المناقب لابن شهرآشوب 310:3 مختصراً ، الخرائج والجرائح للراوندي 1: 182 ذيل ح 14.
2- خصائص الأئمّة: 63، إعلام الوري : 161، مناقب آل أبي طالب 3: 310

ورُوي في حديث آخر : أنّ أمیر المؤمنين علیه السلام سَهر في تلک الليلة، وأکثر الخروج والنظر إلي السماء وهو يقول : والله ما کَذَبتُ ولا کُذِبتُ، وإنّها الليلة التي وَعِدتُ بها ، ثمّ يعاود مضجعه ، فلمّا طلع الفجر شدّ ازاره و خرج وهو يقول :

أشدُد حَيازيمک للموت***فإنّ الموتَ لاقيک

ولا تجزع من القتل***إذا حلِ بواديک

فلمّا خرج إلي صحن الدار استقبله الإوَرزُّ صحن في وجهه ، فجعلوا يَطرُدونهنّ فقال : دَعُوهَنَّ فإنّهنّ صوائح تتبعها نوائح ، ثمّ خرج فأُصيب علیه السلام(1)

ص:46


1- خصائص الأئمّة : 63 ، إعلام الوري : 161 ، مناقب آل أبي طالب310:3.

الأخبار الواردة في سبب قتله عليّه السلام

فصل: ومن الأخبار الواردة بسبب قتله علیه السلام وکيف کان الأمّر في ذلک

ما رواه جماعة من أهل السير : منهم أبو مِخنَف لوط بن يحيي ، وإسماعيل بن راشد ، وغيرهما ، أنّ نفراًمن الخوارج إجتمعوا بمکّة ، فتذاکروا الأمّراء فعابوهم وهابوا أعمالهم علیهم ، وذکروا أهل النهروان و ترحموا علیهم، فقال بعضهم لبعض : لو انّا شرينا أنفسنا لله عزّ وجلّ ، فأتينا أئمّة الضلال فَطلَبنا عزتهم(1) فأرحنا منهم العباد والبلاد ، وثأرنا لإخواننا الشهداء بالنهروان. فتعاهدوا عند انقضاء الحج علی ذلک ، فقال عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله : أنا أکفيکم علیاً ، وقال البُرک بن عبدالله التميميّ : أنا أکفيکم معاوية ، وقال عمرو بن بکر التميمي : أنا أکفيکم عَمرو بن العاص ؛ وتعاهدوا علی ذلک ، وتواثقوا علیه وعلی الوفاء به ، واتَّعدوا لشهر رمضان في ليلة تسعة عشر ، ثمّ تفرّقوا.

فأقبل ابن ملجم لعنه الله - وکان عدِادُه في کِندَة - حتي قَدِمَ الکوفة ، فلقي بها أصحابه وکتمهم خبره(2) مخافة أن يَنتشر منه شيء، فبينا هو في ذلک إذ زار

ص:47


1- في الارشاد والمصادر : عزّتهم .
2- في هامش الأصل : أمّره.

رجلاً من أصحابه ذات يوم - من تيم الرباب - فصادف عنده قَطام بنت الأخضر التيميّة ، وکان أمیر المؤمنين علیه السلام قتل أباها وأخاها بالنهروان ، وکانت من أجمل نساء أهل زمانّها ، فلمّا رآها ابنُ مُلجم شُغِف بها واشتدّ إعجابهُ بها، فسأل في نکاحها وخطبها .

فقالت له : ما الّذي تُسمّي لي من الصداق ؟ فقال لها: احتَکِمي.

فقالت : أنا محتکمة علیک ثلاثة آلاف درهم ، ووصيفاً وخادماً ، وقتل علی بن أبي طالب.

فقال لها : لک جميع ما سألت و وصفتِ ، فأمّا قتلُ علی بن أبي طالب فانّي الي بذلک ؟

فقالت : تلتمس غِرّته ، فإنّ أنت قتلته شفيت نفسي وهنَّاک العيش معي، وإنّ قُتِلتَ فما عند الله خيرُ لک من الدنيا وما فيها.

فقال لها : أمّا والله ما أقدمني هذا العصر - وقد کنت هارباً منه لا آمن مع أهله - إلّا ما سألتني من قتل علی بن أبي طالب ، فلک ما سألتِ .

قالت : فأنا طالبةُ لک بعض من يُساعدک ويقويک علی ذلک .

فبعثت إلي وَردان بن مُجالد - من تَيم الرِباب . فخبّرته الخبر وسألته معونة ابن ملجم لعنه الله ، فاحتمل لها ذلک ، وخرج ابن ملجم لعنه الله فأتي رجلا من أشجع يقال له : شبيب بن بجرة ، فخبّره الخبر ، وسأل منه المساعدّة علی قتل علی بن أبي طالب . وکان شبيب علی رأي الخوارج ، فأجابه إلي ذلک.

ص:48

وأقبل ابن ملجم لعنه الله ومعه الاثنين ليلة الأربعاء لتسع عشر خلت من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة ، فدخلوا علی قطام وهي معتکفة في المسجد الأعظم قد ضربت علیها قبة ، فقالوا لها : قد أجمع رأينا علی قتل هذا الرجل ، فدعت لهم بحرير فعصبت به صدورهم ، وتقلّدوا أسيافهم ومضوا فجلسوا مقابل السُدّة التي کان يخرج منها أمیر المؤمنين علیه السلام إلي الصلاة ، وقد کانوا ألقوا إلي الأشعث بن قيس ما في نفوسهم من العزيمة علی قتل أمیر المؤمنين علیه السلام ، وواطأهم علیه ، وحضر الأشعث بن قيس في تلک الليلة لمعونتهم علی ما اجتمعوا علیه.

فلمّا کان الثلث الأخير من الليل ، أقبل أمیر المؤمنين علیه السلام ينادي الصلاة الصلاة ، فسبق إليه ابن ملجم لعنه الله فضربه علی أمّ رأسه بالسيف ، وکان مسمومة، وضربه شبيب لعنه الله فأخطأه ووقعت ضربته في الطاق، وهرب القوم نحو أبواب المسجد ، فقال علی علیه السلام : لا يَفُوتنّکم الرجل، وتبادر الناس لأخذهم.

فأمّا شبيب بن بُجرة علیه اللعنة فأخذه رجل فَصرعه وجلس علی صدره، وأخذ السيف من يده ليَقتُلَه به ، فرأي الناس يَقصدون نحوه فخشي أن يعجّلوا علیه ولا يَسمعوا منه ، فوثَب عن صدره وخَلّاه وطرح السيف من يده ، ومضي شبيب هارباً حتّي دخل منزله ، ودخل علیه ابنُ عمّ له ، فرآه يَحُلّ الحرير عن صدره ، فقال له : ما هذا ، لعلّک قتلت أمیر المؤمنين علیه السلام ؟ فأراد أن يقول: لا ، فقال : نعم ، فذهب ابن عمّه فاشتمل علی سيفه ، ودخل علیه فضربه حتّي قتله.

ص:49

وأمّا ابن ملجم لعنه الله ، فإنّ رجلاً من همدان لَحِقَه وطرحَ علیه قطيفة (1)کانت في يده، ثمّ صرعه وأخذ السيف من يده، وجاء به إلي أمیر المؤمنين علیه السلام ، وأفلت الثالث فانسلّ بين الناس.

فلمّا أُدخِلَ ابن ملجم لعنه الله علی أمیر المؤمنين علیه السلام نَظر إليه ثمّ قال : النفس بالنفس ، إنّ أنا مِتُّ فاقتُلوه کما قتلني ، وإنّ عشتُ رأيتُ فيه رأيي .

فقال ابن ملجم لعنه الله : والله لقد ابتعتهُ بألف و سَمَمتُه بألف ، فإنّ خانتي فأبعده الله.

فأُخرِجَ من بين يَدي أمیر المؤمنين علیه السلام ، وإنّ الناس ينهشون لحمه بأسنانهم کأنّهم سباع، وهم يقولون : يا عدو الله ، ماذا فعلت !؟ أهلکت أمّة محمّدٍ وقتلت خير الناس ، وإنّه لصامت ما ينطق . فذُهِبَ به إلي الحبس.

وجاء الناس إلي أمیر المؤمنين علیه السلام فقالوا له : يا أمیر المؤمنين مُرنا بأمّرک في عدوّ الله ، فقد أهلک الأمّة وأفسد الملة.

فقال لهم أمیر المؤمنين علیه السلام : إنّ عشتُ رأيت فيه رأيي ، وإنّ هَلکتُ فاصنعوا به ما يصنع بقاتل النبيّ صلّي الله علیه و آله ، اقتلوه ثمّ حَرَّقوه بعد ذلک بالنار(2).

ص:50


1- القطيفة : کساء له خمل «النهاية - قطف - 4: 86»..
2- هذا بعيد من ساحة الإمام علیه السلام ، وأعرض عنه جلّ المحدّثين وهو يتنافي مع قول الإمام علیه السلام عندما أدخل ابن ملجم علیه فقال : النفس بالنفس، إنّ أنا مت فاقتلوه کما قتلني ، وإنّ عشت رأيت فيه رأيي . والظاهر أن هذه الأحاديث التي تقول بإنّ الناس قامت بتقطيع أطراف ابن ملجم و تعذيبه، والتمثيل بجنته وحرقها من مفتريات الخوارج إعظاماً لشأن ابن ملجم ، أو من مفتريات بني أمّية لتدنيس ساحة أهل البيت علیهم السلام وهناک دليل آخر علی ضعف هذه الأحاديث ، وهو الحديث الّذي يؤکّد بأنّ الإمام الحسن علیه السلام قتل ابن ملجم بيده ، حيث أنّ الطبري ساق القضية کما يلي : وقد کان علی علیه السلام نهي الحسن علیه السلام عن المثلة وقال : يا بني عبد المطلب لا ألفيتکم تخوضون دماء المسلّمين تقولون : «قتل أمیر المؤمنين ، قتل أمیر المؤمنين» ألا لا يقتلت إلّا قاتلي... انظر يا حسن : إذا أنا متّ من ضربته فاضربه ضربةً بضربة ولا تمثّل بالرجل فإنّي سمعت رسول الله صلّي الله علیه و آله يقول : إيّاکم والمُثلة ولو بالکلب العقور . فلمّا قبض علیه السلام بعث إلي ابن ملجم فأخذ فقال للحسن : هل لک في خصلة ؟ إنّي والله ما أعطيت عهداً إلّا وفيت به إنّي کنت قد أعطيت الله عهداً عند الحطيم أن أقتل علیاً ومعاوية أو أمّوت دونهما ، فإنّ شئت خلّيت بيني وبينه ولک الله علی إنّ لم أقتله أو قتلته ثمّ بقيت أن آتيک حتي أضع يدي في يدک . فقال له الحسن : أمّا والله حتي تعاين النار فلا ، ثمّ قدّمه فقتله ثمّ أخذه الناس فأدرجوه بواري ثمّ أحرقوه بالنار . هذا ما قاله الطبري في سياقه للحادثة ، علمّاً أنّه في روايات أخري ذکر أن الناس قاموا بتعذيب ابن ملجم ، حيث قطعوا يداه ورجلاه ، وأستقرض جسده ، و وقُطع لسانه . هذا کلّه قبل قتل ابن ملجم، فکيف اذن يمکن لإنّسان مُثل به هکذا أن يبقي حيّاً بعدها ، وکيف يمکن له أن يحاور الإمام الحسن علیه السلام ، بل ويطلب منه أن يذهب إلي الشام لقتل معاوية الّذي نجا من المؤامرة ! .

قال : فلمّا قضي أمیرُ المؤمنين علیه السلام نحبه ، وفرغ أهله من دفنه، جلس الحسن بن علی علیهما السلام وأمّر أن يُؤتي بابن ملجم لعنه الله ، فجيء به ، فلمّا وقف بين يديه قال له : يا عدو الله ، قتلت أمیر المؤمنين ، وأعظمت الفساد في الدّين .

ثمّ أمّر به فضُرِبت عنقُه ، واستَوهبت امّ الهيثمّ بنت الأسود النخعيّة جثّته منه لتتولّي إحراقها بالنار ، فَوهَبها لها فأحرقتها بالنّار.

وفي أمّر قطام وقتل أمیر المؤمنين علیه السلام يقول الشاعر (1)

ص:51


1- ذکر بعضهم هذه الأبيات للفرزدق کما في الصواعق : 132، والمستدرک 3: 143، ونسبها بعضهم للعبدي کما في مناقب ابن شهر آشوب 3: 311، ونسبها آخرون إلي أبن ميّاس ، کما في تاريخ الخلفاء : 176.

فلم أرَ مَهراً، ساقَهُ ذُو سَماحةٍ***کَمَهِر قَطامٍ من غنيّ ومعدمٍ(1).

ثلاثِة آلافٍ وعبدٍ وقَينةٍ***وضرب علی بالحُسام المصَمَّم

فلا مهرَ أغلي من علی وإنّ غلا***ولا نملک إلّا دون قتل ابن ملجم (2)

وأمّا الرجلان اللّذان کانا مع ابن ملجم لعنهم الله أجمعين علی قتل معاوية وعمرو بن العاص ، فإنّ أحدهما ضرب معاوية وهو راکع فوقعت ضربته في أليته ونجّا منها ، وأخذ وقُتِل من وقته.

وأمّا الآخر فإنّه وافي عَمرو في تلک الليلة ، وقد وَجد عِلّةً فاستخلف رجلاً يصلّي بالناس يُقال له : خارجة بن أبي حبيبة العامري ، فضربه بسيفه وهو يظنّ أنّه عمرو بن العاص ، فأُخذ وأُتي به عمرو فقتله ، ومات خارجة في اليوم الثاني .(3).

ص:52


1- في تاريخ الطبري ومقاتل الطالبيين والاستيعاب : «کمهر قطام من فصيح وأعجم».
2- في بعض المصادر : ولا قتل دون قتل ابن ملجم ، کفاية الطالب : 465، الإمامة والسياسة 1: 137، وحذف المسعودي في مروج الذهب 2: 423 البيت الأوّل وذکر مکانه البيت التالي : تضمن للآثام لا در درة ولاتي عقاباً غير ما متصرم وقد قال أبو بکر بن حمّاد التاهرتي معارضاً لهذه الأبيات : قل لابن ملجم والأقدار غالبة***هدمت ويلک للإسلام أرکانا قتلت أفضل من يمشي علی قدم***وأوّل الناس إسلاماً وإيمانا وأعلم الناس بالقرآن ثمّ بما***سن الرسول لنا شرعاً وتبيانا صهر النبي ومولاه وناصره***أصبحت مناقبه نورا وبرهانا
3- راجع أحداث هذه الواقعة في : تاريخ الطبري143:5 ، مقاتل الطالبيين : 29، طبقات ابن سعد 3: 35، کفاية الطالب : 465، أنساب الأشراف 2: 489، مروج الذهب 2: 41، الامامة والسياسة 1: 159، الکامل في التاريخ 3: 389، تاريخ ابن الوردي 219:1 ، مناقب الخوارزمي : 275 ، نور الأبصار : 98، تذکرة الخواص : 175 ، الرياض النضرة 2: 223، الاستيعاب 2: 181، الإمامة والسياسة 1: 137، الفصول المهنة : 132، تاريخ الخلفاء : 175، تهذيب التهذيب 7: 338، البدايةوالنهاية 326:7، تاريخ الخميس 2: 279، نظم درر السمطين : 137 ، مناقب ابن شهرآشوب 311:3، بحار الأنوار 42: 228 ح 41.

فصل

الأخبار التي جاءت بموضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام

و من الأخبار التي جاءت بموضع قبر أمير المؤمنين علیه السلام وشرح الحال في دفنه

ما رواه عبّاد بن يعقوب الرواجِنّي قال : حدّثنا حيّان بن علی الغنوي (1)قال حدّثني مولي لعلی بن أبي طالب علیه السلام قال : لمّا حضرت أمیر المؤمنين صلوات الله علیه الوفاة قال للحسن والحسين علیهما السلام : إذا أنا متّ فاحملاني علی سريري ، ثمّ أخرجاني واحِملا مؤخّر السرير فإنّکما تُکفَيان مقدَّمَهُ، ثمّ ائتيا بي الغرييّن(2) ، فإنّکما ستريان صخره

ص:53


1- ورد في بعض نسخ الارشاد باسم جيّان بن علی العنزي ، وکذلک باسم جان بن علی مولي لعلی بن أبي طالب ، وذکر باسم حيّان في خلاصة الرجال : 64، إيضاح الاشتباه : 97 ، لکن الظاهر کونه حبانّ بالموحدة بعد الحاء المکسورة کما في غير واحد من کتب الرجال من العامّة . انظر : تبصير المنتبه : 278 ، تقريب التهذيب 1: 147، الجرح والتعديل 3: 270، المجروحين لابن حبانّ 1: 261، الضعفاء للعقيلي 1: 293، الضعفاء للنسائي : 89، الضعفاء للدارقطني : 301، تاريخ بغداد 8 : 255، ميزان الاعتدال 449:1، تهذيب التهذيب 2: 173.
2- الغريان : بناءان کالصومعتين بظاهر الکوفة بناهما المنذر بن امريء القيس . «معجم البلدان 4 :198»

بيضاء تَلمَعُ نوراً ، فاحتفِرا فيها فإنّکما تجدان فيهاساجةً ، فادِفناني فيها .

قال : فلمّا مات أخرجناه وجعلنا نحمل مؤخّر السرير ونُکفي مُقدَّمَهُ، وجعلنا نسمع دَوِيّاً وحَفيفاً حتي أتينا الغَريّين ، فإذا صخرة بيضاء تَلمعُ نوراً، فاحتفرنا فإذا ساجَةُ مکتوب علیها : هذه ممّا ادّخرها نوح لعلی ابن أبي طالب علیه السلام . فدفنّاه فيها ، وانصرفنا ونحن مسرورون بإکرام الله تعالي لأمیر المؤمنين علیه السلام فلَحِقَنا قوم من الشيعة لم يشهدوا الصلاة علیه ، فأخبرناهم بما جري وبإکرام الله تعالي أمیرَ المؤمنين علیه السلام فقالوا : نُحبّ أنّ تعاين من أمّره ما عاينتم . فقلنا لهم : إنّ الموضع قد عقي أثرهُ بوصيّةٍ منه علیه السلام، فمضوا وعادوا إلينا فقالوا انّهم احتقروا فلم يروا شيئاً (1).

وروي محمّد بن عمّارة(2) قال : حدّثني أبي ، عن جابر بن يزيد قال: سألت أبا جعفر محمّد بن علی الباقر علیهما السلام : أين دُفن أمیر المؤمنين علیه السلام ؟

قال : دُفن بناحية الغريّين ، ودُفن قبل طلوع الشمس ، ودخل قبره

ص:54


1- تاريخ دمشق - ترجمة الإمام علی بن أبي طالب - 3: 376، المنتظم189:9 ، شرح نهج البلاغة الابن أبي الحديد 6: 122 ، الخرائج والجرائح 1: 233 ذيل ح 78، اعلام الوري : 202، فرحة الغري : 36، بحار الأنوار 42 : 217 ذيل ح 19.
2- کذا في الأصل ، وفي نسخ الارشاد کذلک ، ولعلّ الصواب جعفر بن محمّد بن عمارة ، وهو يروي عن أبيه عن جابر بن يزيد الجعفي في غير واحد من الأسانيد کأسانيد کتب الصدوق ، انظر : معاني الأخبار : 21، 55، 104، 237 ، الخصال : 585 ، التوحيد : 242، وکذا يروي جعفر عن أبيه عن الصادق علیه السلام في أسانيد متکررة. نعم، وردت رواية محمّد بن عمارة بن محمّد بن عمارة کما في بحار الأنوار 8: 196 (الطبعة القديمة).

الحسنُ والحسين ومحمّد بنو علی وعبدالله بن جعفر رضوان الله علیهم(1).

وروي يعقوب بن يزيد ، عن أبي عمير ، عن رجاله ، قال : قيل للحسين والحسن علیهما السلام : أين دفنتم أمیر المؤمنين علیه السلام ؟

قال : خرجنا به ليلا علی مسجد الأشعث ، حتي خرجنا به إلي الظهر بجنب الغربيين ، فدفتاه هناک (2)

وروي محمّد بن زکريا قال : حدّثنا عبد الله بن محمّد عن أبي عائشة (3) قال : حدّثني عبدالله بن حازم (4) قال : خرجنا يوماً مع الرشيد من الکوفة نتصيد، فصرنا إلي ناحية الغربيين والثوية(5)، فرأينا ظِباءً فأرسلنا علیها الصقور والکلاب ، فحاولتها ساعة ثمّ لجأت الظباء إلي أکمةٍ فوقفت علیها، فسقطت الصقور ناحية ، ورجعت الکلاب ، فَعجب الرشيد من ذلک ، ثمّ أن الظباء هبطت

ص:55


1- اعلام الوري : 202، فرحة الغري : 51، في بحار الأنوار 42 : 220 ذيل ح 26.
2- مقاتل الطالبيين : 42، کامل الزيارات : 33، فرحة الغري : 39، کفاية الطالب : 471، بحار الأنوار :42: 334 ح 42، وقد بيّنت المصادر المراد من رجال ابن أبي عمير في السند وفيها اختلاف يسير فراجع.
3- في بعض نسخ الارشاد عبيدالله بن محمّد بن عائشة ، وکذلک محمّد عن ابن عائشة ، ونقل في البحار هذا الخبر عن فرحة الغري باسناده إلي المفيد عن محمّد بن زکريا عن عبدالله بن محمّد بن عائشة ، ثمّ أشار بعد ذکر الخبرات في الارشاد مثله، ثمّ أن الخبر مروي في فرحة الغري بطريق آخر عن عبيد الله بن محمّد بن عائشة عن عبدالله بن حازم بن خزيمة ، وهو أقرب في باديء النظر من جهة أن محمّد بن زکريا الغلاني يروي عن ابن عائشة کما هو المصرح في کتب الرجال وهو أبو عبد الرحمن عبيدالله بن محمّد بن حفص العيشي المعروف بابن عائشة لانه من ولد عائشة بنت طلحة ، توفّي في شهر رمضان 228. انظر : تاريخ بغداد 10 : 315، أنساب السمعاني 106:9 ، ميزانالاعتدال 3: 550، لسان الميزان 168:5 ، تهذيب التهذيب 7: 45.
4- عبدالله بن خازم ، باعجام الخاء ، وهو الصحيح ، وقد جاء ذکره في أحداث خلافة المهدي والرشيد والأمّين.
5- الثوية موضع قريب من الکوفة . «معجم البلدان 2: 87» .

من الأکمة فهبطت الصقور والکلاب ، ففعلن ذلک مراراً ثلاثاً (1)، فقال هارون: أرکضوا، فمن لقيتموه فأتوني به ، فأتينا بشيخ من بني أسد ، فقال له هارون: أخبرني ما هذه الأکمة ؟ فقال : إنّ جعلت لي الأمّان أخبرتک . قال : لک عهد الله و ميثاقه ألا اهِيجک ولا أوذيک .

قال : حدثني أبي عن آبائه أنّهم کانوا يقولون أن في هذه الأکمة قبر علی بن أبي طالب علیه السلام ، وقد جعله الله حرماً لا يأوي إليه شيء إلّا أمِن.

فنزل هارون ودعا بماء فتوضّأ وصلّي عند الأکمة و تمغ علیها وجعل يبکي ، ثمّ انصرفنا.

قال محمّد بن عيسي (2) فکأن قلبي لم يقبل ذلک ، فلمّا کان بعد ذلک حججت إلي مکة ، فرأيت بها ياسراً رحّال الرشيد ، وکان يجلس معنا إذا طُفناء فجري الحديث إلي أنّ قال :

قال لي الرشيد ليلة من الليالي ، وقد قَدِمنا من مکّة فنزلنا الکوفة : يا ياسر، قل لعيسي بن جعفر فليرکب ، فرکبا جميعاً ، وکنت معهما، حتّي إذا صرنا إلي الغربيين ، فأمّا عيسي فطرح نفسه فنام ، وأمّا الرشيد فجاء إلي أکمةٍ فصلّي عندها ، وکلّما صلّي رکعتين دعا و بکي و تمرغ علی الأکمة ، ثمّ يقول : يا بن عمّ أنا والله أعرف فضلک وسابقتک ، وبک والله جلست مجلسي الّذي أنا فيه ، و أنت أنت ، ولکنَّ ولدک يؤذوني ويخرجون علی . ثمّ يقوم فيصلّي ثمّ يعيد هذا

ص:56


1- في الهامش : مليأ .
2- الصحيح هو محمّد بن عائشة کما في متن الارشاد ، والظاهر وقوع التحريف في ذيل الرواية ، والمراد من محمّد بن عائشة هو عبيدالله بن محمّد بن عائشة وأطلق علیه اسم أبيه مجاز

الکلام ويدعو ويبکي ، حتّي إذا کان وقت السحر قال لي : يا ياسر ، أقِم عيسي، فأقمته فقال له : يا عيسي ، قم فصلِّ عند قبر ابن عمک . فقال له : وأي ابن عمومتي هذا؟ قال : هذا قبر علی بن أبي طالب علیه السلام ، فتوضّأ عيسي وقام يصلّي ، فلم يزالا کذلک حتي طلع الفجر ، فقلت : يا أمیر المؤمنين أدرکک الصبح . فرکبنا ورجعنا إلي الکوفة(1)

ص:57


1- فرحة الغري : 119 ، الخرائج والجرائح 234:1ذيل ح 78 ، الدلائل البرهانية المطبوع في الغارات 2: 862، بحار الأنوار 42: 331 ذيل ح 16.

طرف من أخبار أمير المؤمنين عليه السلام وفضائله ومناقبه والمرويّ من معجزاته وبيّناته

باب: طرف من أخبار أمير المؤمنين عليه السلام وفضائله ومناقبه والمرويّ من معجزاته وبيّناته

مناقبه

فمن ذلک ما جاءت به الأخبار في تقدم إيمانه بالله ورسوله علیه و آله السلام وسبقه به کاقة المکلفين من الأنام.

أخبرني أبو الجيش المظفر بن محمّد البلخي قال: أخبرنا أبو بکر محمّد بن أحمد بن أبي الثلج قال : حدّثنا أبو الحسن أحمد بن القاسم البرقي(1)قال: حدثني عبد السلام بن صالح الأزدي قال : حدّثنا سعيد بن خثيم قال : حدثني أسد بن عبيدة(2)، عن يحيي بن عفيف ، عن أبيه (3) قال : کنت جالسا مع العبّاس بن عبد المطلب رضي الله عنه بمکّة قبل أن يظهر أمّر النبي صلّي الله

ص:58


1- في بعض نسخ الارشاد : البرتي ، والظاهر أنه أحمد بن القاسم بن محمّد بن سليمان أبو الحسن الطائي البرتي ، وقد ترجم له في تاريخ بغداد 4: 350 و ذکر وفاته في سنة 296، و «برُت» : بليدة في سواد بغداد قريبة من المزرقة . «معجم البلدان 1: 372».
2- هکذا في بعض نسخ الارشاد ، والظاهر أنه أسد بن عبدالله بن يزيد بن أسد بن کر زين بن عامر بن عبقري البجلي القسري ، أبو عبدالله ، ويقال : أبو المنذر ، ولاه أخوه خالد بن عبدالله القسري علی خراسان سنة 108 ه ، روي عن أبيه وعن يحيي بن عفيف وعنه سعيد بن خثيم وسالم بن قتيبة الباهلي ، توفّي سنة 120 ه. انظر : تهذيب الکمال 2:399504، ميزان الاعتدال812/206:1
3- أثبتناه من الارشاد، وفي الأصل عن أمّية ، وما أثبتناه هو الصواب .

علیه و آله فجاء شاب فنظر إلي السماء حتي تخلّقت الشمس ، ثمّ استقبل الکعبة فقام يُصلّي، ثمّ جاء غلام فقام عن يمينه ، ثمّ جاءت امرأة فقامت خلفهما ، فرکع الشابُّ فرکع الغلام و المرأة ، ثمّ رفع الشابُّ رأسه فرفعا ، ثمّ سجد الشابُّ فسجدا ، فقلت : يا عباس ، أمّر عظيم . فقال العبّاس : أمّر عظيم ، أتدري من هذا الشابُّ ؟ هذا محمّد بن عبدالله بن عبد المطلب - ابن أخي -، أتدري من هذا الغلام ؟ هذا علی بن أبي طالب - ابن أخي -، أتدري من هذه المرأة؟ هذه خديجة بنت محويلد . إنّ ابن أخي هذا حدّثني أنّ ربّه - ربُّ السموات والأرض - أمّره بهذا الدين الّذي هو علیه ، ولا والله ما علی ظهر الأرض علی هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة (1)

أخبرني أبو حفص عُمر بن محمّد الصيرفي قال : حدّثنا محمّد بن أحمد ابن أبي الثلج ، عن أحمد بن القاسم البرقي ، عن أبي صالح سهل بن صالح - وکان قد جاز مائة سنة - قال : سمعت أبا المعمّر عبّاد بن عبدالصمد يقول : سمعت أنس بن مالک يقول : قال رسول الله صلّي الله علیه و آله : صلت الملائکة علی وعلی علی سبع سنين ، وذلک أنّه لم يُرفع إلي السماء شهادة أنّ لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله إلّا منّي ومن علی(2)

وبهذا الإسناد عن أحمد بن القاسم البرقي قال : حدّثنا إسحاق قال :

ص:59


1- تاريخ الطبري 2: 311 ، کنز الفوائد 1: 262، مصباح الأنوار : 75، کفاية الطالب : 128، مناقب الخوارزمي : 21/55 ، وورد باختلاف يسير في مسند أحمد 209:1 ، الضعفاء الکبير للعقيلي 27:1 وهامشه ، المستدرک علی الصحيحين 3: 183، الاصابة 487:2، الاستيعاب 3: 32، مناقب ابن شهرآشوب 18:2، الکامل في التاريخ 57:2، إعلام الوري : 49، بحار الأنوار244:38 / ذيل ح 40.
2- الفصول المختارة : 215 ، مصباح الانوار : 75، مناقب ابن المغازلي : 14 ، إعلام الوري : 185 . مناقب الخوارزمي :17:53، بحار الأنوار 226:38 ح 31.

حدّثنا نوح بن قيس قال : حدّثنا سليمان بن علی الهاشمي - أبو فاطمة - قال: سمعت مُعاذة العدوية تقول : سمعت علیاً علیه السلام علی منبر البصرة يقول : أنا الصدّيق الأکبر ، آمنت قبل أن يُؤمِنَ أبو بکر ، وأسلّمتُ قبل أن يسلّم(1).

أخبرني أبو نصر محمّد بن أبي الحسن المقريء البصير (2) الشيرواني قال: حدّثنا أبو بکر محمّد بن أبي الثلج قال : حدّثنا أبو محمّد النوفلي ، عن محمّد بن عبد الحميد ، عن عمرو بن عبد الغفار الفقيمي قال : أخبرني إبراهيم بن حيّان، عن أبي عبدالله - مولي بني هاشم - عن أبي بجيلة(3) قال : خرجت أنا وعمّار حاجين ، فنزلنا عند أبي ذر رحمه الله تعالي فأقمنا عنده ثلاثة أيام ، فلمّا دنا ما الخفوف (4)قلنا له : يا أبا ذرّ ، إنّا لا نراه إلّا وقد دنا الاختلاط من الناس ، فما تري ؟ قال : إلِزم کتاب الله وعلی بن أبي طالب ، فأشهد علی رسول الله صلّي الله علیه و آله أنّه قال : علی أوّل من آمن بي ، وأوّل من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصديق الأکبر ، والفاروق بين الحقّ والباطل ، وانّه يعسوب المؤمنين ، والمّال يعسوب الظّلمه(5).

قال الشيخ المفيد رحمة الله علیه : والأخبار في هذا المعني کثيرة، وشواهدها جمّة.

ص:60


1- الفصول المختارة : 210، أنساب الأشراف 2: 146، کنز الفوائد 1: 265 ، مناقب ابن شهر آشوب4: 2، بحار الأنوار 226:38 ح 32.
2- في هامش الأصل : البصري .
3- في الارشاد: شخيلة.
4- خف القوم : ارتحلوا «القاموس المحيط - خفف - 136:3» .
5- أنساب الأشراف 2: 118 ، أمّالي الصدوق :5/171 ، أمّالي الطوسي 147:1، اختبار معرفةالرجال 51/113:1 ، مناقب ابن شهر آشوب 2:315، بحار الأنوار 38 / 210 ذيل ح 10 » .

ما جاء في فضله عليه السلام علی الکافّة في العلم

فصل: ومن ذلک ما جاء في فضله عليه السلام علی الکافّة في العلم

أخبرنا أبو الحسن محمّد بن جعفر التميمي النحوي قال : حدّثنا محمّد ابن القاسم المحاربي(1) البزاز قال : حدّثنا هشام بن يونس النَهشَلي قال : حدّثنا عائذ بن حبيب ، عن أبي الصباح الکناني ، عن محمّد بن عبد الرحمن السلّمي، عن أبيه ، عن عِکرِمَة ، عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلّي الله علیه و آله : علیُ بن أبي طالب أعلم أمّتي ، وأقضاهم فيما اختلفوا فيه من بعدي(2).

أخبرني أبو بکر (3)عن أبي الحسن محمّد بن المظفر البزّاز(4)قال : حدّثنا أبو مالک کثير بن يحيي قال : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن أحمد السريّ قال :

ص:61


1- في هامش الأصل : المحارقي .
2- أمّالي الصدوق : 397ح 6، بحار الأنوار 40: 143ح 49.
3- الظاهر هو محمّد بن عمر الجعابي کما ذکر في بعض نسخ الارشاد، وتجد ترجمته في تاريخ بغداد .292:3
4- ذکر في هامش بعض نسخ الارشاد ما نصه : ابو الحسين الحافظ البغدادي وکان معاصراً للدارقطني ويعرف أبو الحسين بالبزاز الأشهب وهو محمّد بن المظفر بن موسي بن عيسي ، انتهي . وترجمته موجودة في تاريخ بغداد 2: 262 وذکر ولادته سنة 286 ووفاته سنة 379 وقال : حدثني أبو بکر البرقاني قال : کتب الدارقطني عن ابن المظفر الف حديث ، والف حديث ، والف حديث فعددّ ذلک مرات .

حدّثنا أحمد بن عبدالله بن يونس ، عن سعد (1) الکتاني ، عن الأصبغ بن باتة قال: لمّا بويع أمیر المؤمنين علیُ بن أبي طالب علیه السلام بالخلافة خرج إلي المسجد معتمأ بعمامة رسول الله صلّي الله علیه و آله ، لابساً بُردته ، فصعد المنبر فحمد الله وأثني علیه ووعظ وأنذر ، ثمّ جلس مُتمکِّناً وشبک بين أصابعه ووضعها أسفل شته ، ثمّ قال :

يا مَعشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني فإنّ عندي علم الأوّلين والآخرين. أمّا - والله - لو ثُنَي لي الوساد(2) ، لحکمتُ بين أهل التوارة بتوراتهم، وبين أهل الانجيل بأنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ، وبين أهل القرآن بقرآنهم(3) حتي ينهي (4)کل کتاب من هذه الکتب ويقول : يا ربّ إنّ علیا قضي بقضائک . والله إنّي أعلم بالقرآن و تأويله من کلّ مُدُعٍ علمَه ، ولولا آية في کتاب الله تعالي لأخبرتُکم بما يکون إلي يوم القيامة - ثمّ قال - : سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالّذي فلق الحبة و بريء النسمة ، لو سألتموني عن آية آية، الأخبرکم بوقت نزولها وفي مَن نزلت ، وأنبأتُکم بناسخها ومنسوخها ، وخاصّها من عامّها ، ومُحکمها من متشابهها ، ومکّيها من مدنيها . والله ما فئةُ تُضلّ أو تُهدي إلّا وأنا أعرف قائدها وسائقها وناعقها إلي يوم القيامة (5)

وأمّثال هذه الأخبار ممّا يطول به الکتاب .

ص:62


1- في هامش الأصل : سعيد
2- في هامش الأصل : الوسادة .
3- في هامش الأصل : الفرقان بفرقانهم.
4- في هامش الأصل : ينطق .
5- التوحيد : 304، أمّالي الصدوق : 280، الاختصاص : 235 ، مناقب ابن شهر آشوب 2: 38 باختلاف يسير ، بحار الأنوار 40: 144 ح 51.

ما جاء في فضله عليّه السلام

فصل: ومن ذلک ما جاء في فضله علیه السلام

أخبرني أبو الحسين محمّد بن المظفّر البزّاز قال : حدّثنا عُمر بن عبدالله ابن عمران قال : حدّثنا أحمد بن بشير قال : حدّثنا عبيد الله بن موسي ، عن قيس بن أبي هارون(1)قال : أتيت أبا سعيد الخُدري رحمه الله فقلت : هل شهدت بدرا؟

فقال : نعم

قلت : فهل سمعت رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم يقول لفاطمة علیها السلام وقد جاءته ذات يوم تبکي وتقول : يا رسول الله عيّرتني نساء قريش بفقر علی ، فقال لها النبيّ صلّي الله علیه و آله : أمّا ترضين - يا فاطمة - انّي زوجتک أقدمهم سِلّماً ، وأکثرهم علمّاً ، إنّ الله تبارک و تعالي اطلع إلي أهل الأرض اطلاعة فاختار منهم أباک فجعله نبيّاً ، واطّلع إليهم ثانية فاختار منهم بعلک فجعله وصيّاً ، وأوحي اليَّ أن أُنکحک إيّاه(2)

ص:63


1- في بعض نسخ الارشاد ذکره کذلک ، وذکره في نسخة أخري : عن قيس ، عن أبي هارون وقال في هامشها : هو قيس بن الربيع ، کوفي کثير الرواية عن أبي هارون العبدي وهو تابعي ، روي عن أبي سعيد .
2- في هامش الأصل : هو .

أمّا علمت يا فاطمة انّک لکرامة الله اياک زوّجتک أعظمهم حلماً ، وأکثرهم علمّاً ، وأقدمهم سلّماً.

فضحکت فاطمة علیها السلام واستبشرت ، فقال رسول الله صلّي الله علیه و آله : إنّ لعلیٍ ثمانية أضراس قواطع لم يحصل لأحد من الأوّلين والآخرين : هو أخي في الدنيا والآخرة وليس ذلک لغيره من الناس ، وأنت - يا فاطمة - سيّدة نساء أهل الجنة زوجته ، وسِبطا الرحمة سبطاي ولداه ، وأخوه المزين بالجناحين في الجنّة يطير مع الملائکة حيث يشاء ، وعنده علم الأوّلين والآخرين ، وهو أوّل من آمن بي وآخِرُ الناس عهاً بي ، وهو وصيي ووارث الوصيّين (1)

ص:64


1- أشار إلي قطعة منه الهيثمّي في مجمع الزوائد101:9 ، ونقله الطبرسي في إعلام الوري : 164 والعلّامة المجلسي في بحار الأنوار 17:40 ح 34.

ما جاء من الخبر بأنّ محبته عليّه السلام عَلَمُ عليّ الإيمان وبغضه عَلَم علي النفاق

فصل: ومن ذلک ما جاء من (1) الخبر بأنّ محبته عليه السلام عَلَمُ علی الإيمان وبغضه عَلَم علي النفاق

1

حدّثنا أبو بکر محمّد بن عُمر المعروف بابن الجعابي الحافظ قال : حدّثنا محمّد بن سهل بن الحسن قال : حدّثنا أحمد بن عمر الهقان قال : حدّثنا محمّد بن کثير قال : حدّثنا إسماعيل بن مسلّم قال : حدّثنا عمر الأعمش ، عن عَدي بن ثابت عن زيد (2) بن حبيش قال : رأيت أمیر المؤمنين علی بن أبي طالب علیه السلام علی المنبر ، فسمعته يقول : والّذي فَلَق الحبّة وبَرَأ النسمة ، إنّه لعهد النبي صلّي الله علیه و اله إلي أنّه لا يُحبُّک إلّا مؤمن ، ولا بغضک إلّا منافق (3)

ص:65


1- في هامش الأصل : في .
2- في هامش الأصل : زر .
3- صحيح مسلّم 86:1ح 131، سنن الترمذي 306:5 ح 3819، خصائص النسائي : 83 ح 95 ،کنز الفوائد 2: 83، مناقب آل ابي طالب 206:3 ، بشارة المصطفي : 64 و 76، کفاية الطالب : 68،فتح الباري 7: 57، بحار الأنوار 28/255:39 .

ما جاء في أنّه عليّه السلام وشيعته هم الفائزون

فصل: ومن ذلک ما جاء في أنّه علیه السلام وشيعته هم الفائزون

أخبرني أبو عبدالله محمّد بن عمران المرزبانّي قال : حدّثني علی بن محمّد بن عبيد الله(1) الحافظ قال : حدثني علی بن الحسين بن عبيد الکوفي قال: حدّثنا إسماعيل بن أبانّ ، عن سعد بن طالب ، عن جابر بن يزيد ، عن محمّد بن علی الباقر علیهما السلام قال : شيلت أمّ سلّمة زوجة النبي صلّي الله علیه و آله عن علی بن أبي طالب علیه السلام فقالت : سمعت رسول الله صلّي الله علیه و آله يقول : إنّ علیا و شيعته هم الفائزون (2)

ص:66


1- ذکر في هامش بعض نسخ الارشاد أن الصحيح هو عبيد لا غير ، والظاهر کونه علی بن محمّد بن عبيدالله بن عبدالله الحافظ البزاز مات في شوال سنة ثلاثين وثلاثمّائة ، وله ثمّان وسبعون سنة . انظر : تاريخ بغداد 11: 73، تذکرة الحفاظ 3: 836، طبقات الحفاظ: 786/348
2- تاريخ دمشق - ترجمة الامام علی بن أبي طالب علیه السلام -851/348:2 ، بحار الأنوار 64/31:68

ما جاءت به الأخبار في ان ولايته عليّه السلام عَلَم عليّ طيب المولد وعداوته عَلَم عليّ خبثه

فصل: ومن ذلک ما جاءت به الأخبار في ان ولايته علیه السلام عَلَم علی طيب المولد، وعداوته عَلَم علی خبثه

أخبرني أبو الجيش المُظفّر بن محمّد البلخي قال : حدّثنا أبو بکر محمّد بن أحمد بن أبي الثلج قال : حدّثنا جعفر بن محمّد العلوي قال : حدّثنا أحمد بن عبد المنعم قال : حدّثنا عبد الله بن محمّد الفزاري ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه علیهما السلام ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال : سمعت رسول الله صلّي الله علیه و آله يقول لعلی بن أبي طالب علیه السلام : ألا أسرک ؟! ألا أمّنحُک ؟! ألا أبشرک ؟!

قال : بلي يا رسول الله بشّرني .

قال : فإنّي خُلقت أنا وأنت من طينة واحدة ، ففضلت عنها فضلة فخلق الله منها شيعتنا ، فإذا کان يوم القيامة دُعي الناس بأسماء أُمّهاتهم سوي شيعتنا فإنّهم يدعون بأسماءِ آبائهم لطيب مواليدهم(1)

ص:67


1- أمّالي المفيد : 311، أمّالي الطوسي 71:2، إعلام الوري : 165، بشارة المصطفي : 96:14، بحارالأنوار 155:27 ح 28 .

وبالإسناد السابق عن محمّد بن أبي الثلج،(1) قال : حدّثنا محمّد بن مسلّم الکوفي قال : حدّثنا عبيد الله بن کثير قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن الحسين الزهري قال : حدّثنا عبيدالله بن موسي ، عن إسرائيل ، عن أبي حُصين، عن عکرمة ، عن ابن عبّاس : إنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله قال : إذا کان يوم القيامة دعي الناس کلّهم باسماءِ أمّهاتهم ، ما خلا شيعتنا فإنّهم يدعون باسماء آبائهم لطيب مواليدهم(2).

أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد القمي قال : حدّثنا علی بن محمّد بن همام بن شهيل (3) الاسکافي (4) قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالک قال : حدّثنا محمّد بن نعمة السلولي قال : حدّثنا عبد الله بن القاسم ، عن عبدالله بن جبلة ، عن أبيه قال : سمعت جابر بن عبد الله بن حزام الأنصاري يقول : کنّا عند رسول الله صلّي الله علیه و آله ذات يوم - جماعة من الأنصار - فقال لنا : يا معشر الأنصار ربّوا أوّلادکم بحبّ علی بن أبي طالب علیه السلام، فمن أحبه فاعلموا أنّه ليرشده (5) ومن أبغضه فاعلموا انه لغيّة (6)

ص:68


1- هو نفسه محمّد بن أحمد بن أبي الثلح ، وهو صحيح کذلک نسبة إلي الجد .
2- اعلام الوري : 165، بحار الأنوار 156:27 ح 29.
3- في هامش الأصل : سهل .
4- في هامش بعض نسخ الارشاد : اسکاف ناحية بالعراق من النهروان إلي البصرة .
5- هو لرشده : أي صحيح النسب . «مجمع البحرين - رشد - 3: 51»
6- ولد غية : أي ولد زنا، «القاموس المحيط ۔ غوي - 4: 372»

ما جاءت به الأخبار في تسمية رسول الله صلّي الله عليّه و آله عليّاً عليّه السلام بأمره في حیاته

فصل: ومن ذلک ما جاءت به الأخبار في تسمية رسول الله صلّي الله علیه و آله علیاً علیه السلام بإمرة المؤمنين في حياته

أخبرني أبو الجيش المظفّر بن محمّد البلخي قال : أخبرنا أبو بکر محمّد بن أحمد بن أبي الثلج قال : أخبرني الحسين بن أيوب ، عن محمّد بن غالب ، عن علی بن الحسين ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثمّالي ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن بشير الغفاري ، عن أنس بن مالک قال : کنت خادم رسول الله صلّي الله علیه و آله فلمّا کانت ليلة أمّ حبيبة بنت أبي سفيان ، أتيت رسول الله صلّي الله علیه و آله بوضوء فقال لي : يا أنس بن مالک ، يدخل علیک من هذا الباب الساعة أمیر المؤمنين وسيّد الوصيين ، أقدم الناس سِلمّاً وأکثرهم علمّاً، وأعظمهم حلماً . فقلت : اللهمّ اجعله من قومي.

قال فلم ألبث أن دخل علیُ بن أبي طالب علیه السلام من الباب ورسول الله صلّي الله علیه و آله يتوضّأ ، فردّ رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم المّاء علی وجه أمیر المؤمنين علیه السلام حتي امتلأت عيناه منه ، فقال علی علیه السلام : يا رسول الله ، أَحَدَث في حَدث ؟ فقال له النبي صلّي الله علیه و آله : ما حدث فيک إلّا خيرُ ، أنت مني وأنا منک ، تؤدّي عنّي و تفي بذمّتي ، وتغسلني

ص:69

وتواريني في لحدي ، و تسمع الناس عنّي و تبيّن لهم من بعدي.

فقال علی علیه السلام : يا رسول الله ، أوَما بلّغت ؟ قال : بلي ، ولکن تُبيّن لهم ما يختلفون فيه من بعدي(1).

أخبرني أبو الجيش المظفّر بن محمّد البلخي ، عن أحمد بن أبي الثلج قال: حدّثني جدّي قال : حدّثنا عبد الله بن داهر قال : حدّثني أبي داهر بن يحيي الأحمري المقريء، عن الأعمش، عن عباية الأسدي ، عن ابن عبّاس أنّ النبي صلّي الله علیه و آله قال لأمّ سلّمة : إسمعي واشهدي ، هذا علی أمیر المؤمنين وسيّد الوصيين(2).

وبهذا الإسناد عن محمّد بن أبي الثلج قال : حدّثني جدّي قال : حدّثنا عبد السلام بن صالح قال : حدثني يحيي بن اليمان قال : حدّثنا سفيان الثوري، عن أبي الجحّاف ، عن معاوية بن ثعلبة قال : قيل لأبي ذرّ رضي الله عنه : أوص، قال : قد أوصي . قيل : إلي مَن ؟ قال : إلي أمیر المؤمنين ، قيل : إلي عثمّان؟ قال : لا ، ولکن إلي أمیر المؤمنين حقّاً علی بن أبي طالب علیه السلام، إنّه لِزرُّ (3) الأرض وربانّي (4)هذه الأمّة ، لو فقدتموه لأنکرتم الأرض ومن علیها(5).

وحديث بُريدة بن الحصيب الأسلمي - وهو مشهور معروف بين العلمّاء،

ص:70


1- اليقين : 35، مصباح الأنوار : 199، بحار الأنوار 330:37 ح 66.
2- مناقب آل أبي طالب 3:54، اليقين : 29، 35، بحار الأنوار 330: 37 ح67.
3- زِرّالأرض : أي قَوامُها ، واصله مَن زِرّ القلب ، وهو عُظيم صغير يکون قوام القلب به «النهاية - زر ۔. 300:2»
4- الربانّي : الکامل في العلم والعمل ، «مجمع البحرين - ربب - 65:2 »
5- اليقين : 16، بحار الأنوار 331:37ح 68.

بأسانيد يطول شرحها - قال : إنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله أمّرني وأنا سابع سبعة ، فيهم أبو بکر وعمر وعثمّان وطلحة والزبير ، فقال : سلّموا علی علی بإمرة المؤمنين.

فسلّمنا علیه بذلک ، ورسول الله صلّي الله علیه و آله حيّ بين أظهرنا(1) . وفي أمّثال هذه الأخبار يطول بها الکتاب .

مناقب أمّير المؤمنين عليّه السلام

اشارة

فصل

فامّا مناقبه الغنية - لشهرتها ، وتواتر النقل بها ، وإجماع العلمّاء علیها - عن إيراد أسانيد الأخبار بها ، فهي کثيرة يطول بشرحها الکتاب ، وفي رَسمِنا منها طرفاً کفاية عن إيراد جميعها في الغرض الّذي وضعنا له هذا الکتاب ، ان شاء الله .

فمن ذلک أنّ النبي صلّي الله علیه و آله جمع خاصّة أهله وعشيرته في ابتداء الدعوة إلي الإسلام ، فعرض علیهم الإيمان ، واستنصرهم علی أهل الکفر والعدوان ، وضَمِنَ لهم علی ذلک الحُظوة في الدنيا ، والشرف وثواب الجنان ، فلم يجبه أحدُ منهم إلّا أمیر المؤمنين علی بن أبي طالب علیه السلام فَنحَلَه بذلک تحقيق الأخوة والوزارة والوصيّة والوراثة والخلافة ، وأوجب له بذلک الجنّة.

ص:71


1- ورد نحوه في مصباح الأنوار : 154، بشارة المصطفي : 185، اليقين : 44 و 54 و 98، ارشاد القلوب : 325.

حديث الدار

وذلک في حديث الدار(1) الّذي أجمع علی صحّته نُقّاد الأخبار ، حين جمع رسول الله صلّي الله علیه و آله بني عبد المطلب في دار أبي طالب رحمه الله ، وهم أربعون رجلاً - يومئذ - يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً - فيما ذکره الرواة - وأمّر أن يُصنع لهم طعاماً فَخِذُ شاةٍ مع مُدّ من البُرّ، ويُعدَّ لهم صاعُ من اللبن ، وقد کان الرجل منهم معروفاً بأکل الجَذَعة في مقام واحد، ويشرب الفرق (2)من الشراب في ذلک المقام ، وأراد علیه السلام بإعداد قليل الطعام والشراب لجاعتهم إظهار الآية لهم في شِبعِهم وريّهم ممّا کان لا يُشبع الواحد منهم ولا يُرويه .

ثمّ أمّر بتقديمه إليهم ، فأکلت الجماعةُ کلّها من ذلک اليسير حتّي تملّؤوا منه ، ولم يَبن ما أکلوه منه وشربوه منه ، فَبَهَرهم بذلک ، وتبيّن (3) له آية نُبوّته، وعلامة صدقه ببرهان الله تعالي فيه.

ثمّ قال لهم بعد أن شَبِعوا من الطعام ورَؤُوا من الشراب : يا بني عبد المطّلب ، إنّ الله بعثني إلي الخلق کافّة، وبعثني إليکم خاصّة ، فقال عزّ من قائل : (وَأَنذِر عَشِيرتَکَ الأَقرَبينَ)(4)، وأنا أدعوکم إلي کلمتين خفيفتين علی اللسان، ثقيلتين في الميزان ، تَملِکون بها العرب والعجم ، وتنقاد لکم بهما الأمّم، وتدخُلون بهما الجنّة ، وتَنجون بهما من النار ، شهادةِ أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله ، فَمَن يُجيبني إلي هذا الأمّر ويُؤازرني علی القيام به ، يَکُن أخي ووصيّي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي . فلم يجب أحد منهم .

ص:72


1- تقدم ذکر مصادره في ص : 68.
2- الفرق : مکيال يسع ستة عشر رطلا . انظر : «الصحاح - فرق - 4: 1560» .
3- في هامش الأصل : بين
4- الشعراء : 214.

فقال أمیر المؤمنين علیه السلام : فقمتُ من بينهم بين يديه - وأنا إذ ذاک أصغرُهم سناً ، وأحمشهم ساقاً ، وأرمصُهم عيناً . فقلت : أنا ۔ يا رسول الله - أواز رُک علی هذا الأمّر، فقال صلّي الله علیه و آله و سلّم : الجلِس، ثمّ أعاد القول علی القوم ثانيةً فأصمِتوا ، فقمتُ أنا وقلت مثلَ مقالتي الأوّلي ، فقال : اجلِس . ثمّ أعاد القول علی القوم ثالثةً فاُصمِتوا ، ولم يَنطق أحد منهم بحرفٍ، فقمت وقلت : أنا أوازرک - يا رسول الله - علی هذا الأمّر ، فقال : اجلِس ، فأنت أخي ووصيّي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي .

فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب : يا أبا طالب ، لِيهنِک (1)اليوم إنّ دخلت في دين ابن أخيک ، فقد جعل ابنَک أمیراً عليک .

فصل

وهذه منقبة جليلة اختص بها أمیر المؤمنين علی بن أبي طالب علیه السلام ولم يَشرکه فيها أحد من المهاجرين ولا الأنصار ، ولا أحد من أهل الاسلام ، وليس لغيره عِدلُ لها من الفضل ولا مقاربُ علي حال .

وفي الخبر بها ما يُفيد أن به علیه السلام تَمَکن النبي صلّي الله علیه و آله وسلّم من تبليغ الرسالة ، وإظهار الدعوة ، والصَّدع بالإسلام ، ولولاه لم تَثبُت الملّة ، ولا استقرّت الشريعة ، ولا ظّهرت الدعوة.

فهو علیه السلام ناصر الدين ، ووزير الداعي إليه من قِبَلِ الله - عزّ

ص:73


1- ليهنک : ليسرک .

وجلّ - وبضمانه لنبيّ الهدي علیه السلام النصرة تَمّ له في النبوّة ما أراد ، وفي ذلک من الفضل ما لا توازنه الجبال فضلاً ، ولا تعادله الفضائل کلّها محلاً وقدراً.

المبیت في فراش النبي صلی الله علیه و آله

فصل

ومن ذلک أنّ النبي صلّي الله علیه و آله وسلّم لمّا أمِرَ بالهجرة - عند اجتماع الملأ من قريش علی قتله ، فلم يتمکّن علیه و آله السلام من مُظاهَر تهم - بالخروج من(1) مکة ، وأراد الاستسرار بذلک و تعمية خبره عنهم ، لِيَتمَّ له الخروج علی السلامة منهم ، ألقي خبره إلي أمیر المؤمنين علیه السلام واستکتمه إيّاه ، وکَلَّفه الدفاع عنه بالمبيت علی فراشه من حيث لا يعلمون أنه هو البائت علی الفِراش ، ويَظُنّون انّه النبيّ صلّي الله علیه و آله بائتاً علی حاله التي کان يکون علیها فيما سلف من الليالي.

فوهب أمیر المؤمنين علیه السلام نفسه لله تعالي و شراها في الله تعالي في طاعته ، و بذلها دون نبيّه علیه و آله السلام ليَنجُو به من کيد الأعداء ، و تَتِمَّ له بذلک السلامة والبقاء ، وينتظم له به الغرض في الدعاء إلي الملة وإقامة الدين و اظهار الشريعة . فبات علیه السلام علی فراش رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم مستتر، بازاره ، وجاءه القوم الّذين تَمالَؤُوا(2)علی قتل النبيّ صلّي الله

ص:74


1- في هامش الأصل : من
2- تمالؤوا : اجتمعوا. «الصحاح - ملا۔ 1: 73» .

علیه و آله وسلّم ، فأحدَقُوا به وعلیهم السلاح ، يرصدون طلوع الفجر لِيَقتُلوه ظاهراً، فيذهب دمُه هدراً بمشاهدة بني هاشم قاتليه من جميع القبائل ، ولا يتمّ لهم الأخذُ بثأره منهم لاشتراک الجماعة في دمه ، وقعود کلّ قبيل عن قتال رهطه ومباينة أهله.

فکان ذلک سبب نجاة رسول الله صلّي الله علیه و آله و سلّم وحفظ دمه، وبقائه حتّي صدع بأمّر ربّه ، ولولا أمیر المؤمنين علیه السلام وما فعله من ذلک، لمّا تَمَّ لرسول الله صلّي الله علیه و آله التبيلغُ والأداء، ولا استدام له العمرُ والبقاء، ولظَفر به الحسد والأعداء.

فلمّا أصبح القوم وأرادوا الفَتکَ به علیه السلام ثار إليهم ، فتفرّقوا عنه حين عرفوه ، وانصرفوا وقد ضلّت حيلتهم في النبيّ صلّي الله علیه و آله ، وانتقض ما بَنَؤه من التدبير في قتله ، وخابت ظنونهم ، وبَطَلت آمالهم ، فکان بذلک انتظام الإيمان ، وإرغام الشيطان ، وخذلان أهل الکفر والعدوان .

ولم يشرک أمیر المؤمنين علیه السلام في هذه المنقبة أحدُ من أهل الإسلام ، ولا اختصَّ بنظير لها علی حال ، ولا مقارب لها في الفضل بصحيح الاعتبار.

وفي أمیر المؤمنين علیه السلام ومبيته علی الفراش ، أنزل الله تعالي: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)(1). (2)

ص:75


1- البقرة : 207.
2- ورد حديث المبيت في تاريخ مدينة دمشق - ترجمة أمیر المؤمنين علیه السلام - 1: 153 - 155، تاريخ بغداد 191:13 ، اسد الغابة 19:4 ، تاريخ اليعقوبي 2: 39، مستدرک الصحيحين 3: 4. مسند أحمد 348:1 ، التفسير الکبير للفخر الرازي 155:15 ، ذخائر العقبي : 87، نور الأبصار : 77 ، کنوز الحقّائق: 31، خصائص النسائي : 87. الرياض النضرة203:2، مجمع الزوائد 9: 119، الطبقات الکبري 8: 35، احياء العلوم 3: 238 ، کفاية الطالب :114، نزهة المجالس 2: 209، تذکرة الخواص : 21 ، ينابيع المودّة : 92، شواهد التنزيل 1: 96.

رد الودائع لاهلها

ومن ذلک أنّ النبي صلّي الله علیه و آله کان أمّينَ قريش علی وَدائعهم، فلمّا فجأه من الکفّار ما أحوجه إلي الهرب من مکّة بغتةً ، لم يجد في قومه وأهله من يأتَمِنهُ علی ما کان مؤتمناً علیه سوي أمیر المؤمنين علیه السلام فاستخلفه في ردّ الودائع إلي أربابها ، وقضاء ما علیه من دَين لمستحقّيه ، وجمع بناته ونساء أهله وأزواجه والهجرة بهم إليه ، ولم يرّ أنّ أحداً يقوم مقامه في ذلک من کافّة الناس ، فوَثِق بأمّانته ، وعَوّل علی نجدته وشجاعته ، واعتمد في الدفاع عن أهله وخاصته علی بأسه وقدرته ، واطمأن إلي ثقته علی أهله وحُرَمه، وعرف من ورعه وعصمته ما تسکن النفس معه إلي أمّانته علی ذلک .

فقام علیه السلام به أحسن القيام ، وردّکلَّ وديعة إلي أهلها ، وأعطي کلَّ ذي حق حقه ، وحفظ بنات نبيه علیه و آله السلام وحرمه ، وهاجر بهم ماشي علی قَدَميه ، يَحوطُهم من الأعداء ، ويکلَؤُهم من الخُصماء ، ويرفق بهم في المسير حتّي أوردهم علیه المدينة ، علی أتم صيانة وحراسة ، ورفق ورأفة وحسن تدبير ، فأنزله النبيّ صلّي الله علیه و آله عند وروده المدينة داره، وأحلّه قرارَه ، وخلطه بحرُمَه وأوّلاده ، ولم يُميّزه من خاصّة نفسه ، ولا احتشمه في

ص:76

باطن أمره سرّه

وهذه منقبة تَوحّد بها أمیر المؤمنين علیه السلام من کافّة أهل بيته وأصحابه ، ولم يَشرکه فيها أحد من أتباعه وأشياعه ، ولم يحصُل لغيره من الخلق فضلُ سواها يعادلها عند السبر ، ولا يُقاربها علی الامتحان، وهي مضافة إلي ما قدّمناه من مناقبه ، الباهر فضلها ، القاهر شرفها قلوب العقلاء.

قصة براءة

فصل

ومن ذلک ما جاء في قصة براءة ، وقد دفعها النبيُّ صلّي الله علیه و آله وسلّم إلي أبي بکر لينبِذَ بها عَهدَ المشرکين إليهم ، فلمّا سار غير بعيدٍ نزل جبرئيل علیه السلام علی النبي صلّي الله علیه و آله فقال له : إنّ الله يُقرِئُک السلام، ويقولُ لک : لا يُؤدّي عنک إلّا أنت أو رجلُ منک. فاستدعي رسولُ الله صلّي الله علیه و آله علی علیه السلام وقال له : از کب ناقتي العضباء والحقّ أبا بکر فخُذ براءةُ من يده ، وامض بها إلي مکّة ، فانبذ بها عهدَ المشرکين إليهم ، وخَير أبا بکر بين أن يسير مع رِکابک ، أو يَرجِعَ إليّ .

فرکب أمیر المؤمنين علیه السلام ناقَةَ رسول الله صلّي الله علیه و آله العضباء ، وسار حتّي لَحِق أبا بکر ، فلمّا رأه فَزِعّ من لحوقه به ، واستقبله وقال: فيم جئت يا أبا الحسن ؟ أسائر أنت معي ، أمّ لغير ذلک ؟

فقال له أمیر المؤمنين علیه السلام : إنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله أمّرني أن الحَقک فأقبض منک الآيات من براءة ، وأنبِذَ بها عهد المشرکين إليهم،

ص:77

وأمّرني أن أخيّرک بين أن تسير معي ، أو ترجع إليه.

فقال : بل أرجعُ إليه ، وعاد إلي النبيّ صلّي الله علیه و آله ، فلمّا دخل علیه قال : يا رسول الله إنّک اهّلتني لأمّر طالت الأعناقُ فيه إليّ ، فلمّا توجّهتُ له رددتني عنه ، مالي ، أنزل فيّ قرآنُ؟

فقال النبيّ صلّي الله علیه وآله : لا ، ولکن الأمينُ هبط إليّ عن الله تعالي بأنّه لا يُؤدّي عنک إلّا أنتَ أو رجلُ منک ، وعلیُ منّي ، ولا يُؤدّي عَنّي إلّا علی في حديث مشهور(1)

فکان نَبذُ العهد مختصّاً بمن عَقَدَه ، أو من يقوم مقامه في فرض الطاعة، وجلالة القدر ، وعُلوّ الرتبة ، وشرف المقام ، ومن لا يُرتاتُ بفعاله ، ولا يُغتَرَضُ في مقاله ، ومن هو کنفس العاقد ، وأمّرهُ أمرهُ ، وإذا حکم بحکم مضي واستقر به ، وأمِنَ الاعتراضُ فيه.

وکان ينبذ العهد قوّة الإسلام ، وکمال الدين ، وصلاح أمّر المسلّمين ، و تمام فتح مکّة ، واتساق أحوال الصّلاح، فأحبّ الله تعالي أن يجعل ذلک علی يد من يُنوّهُ باسمه ، ويُغلِي ذکره ، ويُنَبّه علی فضله ، ويَدُلّ علی علوّ قدره ، ويُبِينُه به ممن سواه ، فکان ذلک أمیر المؤمنين علی بن أبي طالب علیه السلام.

ولم يکن لأحد من القوم فضلُ يقارب الفضل الّذي وصفناه ، ولا شَرِکَه فيه أحدُ منهم علی ما بيّناه .

ص:78


1- انظر - علی سبيل المثال لا الحصر -: تاريخ اليعقوبي 2: 76 ، سيرة ابن هشام 4 : 190، مسند أحمد 3:1 ، المستدرک علی الصحيحين 3: 51، جامع البيان للطبري 390-376:10، تاريخ دمشق - ترجمة أمیر المؤمنين علیه السلام - 3: 376 - 390، کنز العمال 417:2.

جهاد أمير المؤمنين عليه السلام

اشارة

وأمّثالُ ما عددناه کثيرُ ، إنّ عَمِلنا علی إيراده طال به الکتاب ، واتسع به الخطاب ، وفيما أثبتناه منه في الغرض الّذي قصدناه کفايةُ لذوي الألباب .

فصل

فأمّا الجهاد الّذي ثَبتت به قواعد الإسلام ، واستقرّت بثبوتها شرائعُ الملّة والأحکام ، فقد تَخصَّص منه أمیر المؤمنين علیه السلام بما اشتهر ذکره في الأنام ، واستفاض الخبر به بين الخاصّ والعامّ، ولم تختلفُ فيه العلمّاء ، ولا تنازع في صحّته الفُهماء ، ولا شکّ فيه إلّا غُفل (1) لم يتأمّل الأخبار ، ولا دفَعه أحد ممّن نظر في الآثار ، إلّا معاندُ بَهّتُا لا يَستحيي من العار .

غزوة بدر

ومن ذلک ما کان منه علیه السلام في غَزاة بدر المذکورة في القرآن ، وهي أوّل حرب کان بها الامتحان ، وملأت رَهبتّها صدور المعدودين من المسلّمين في الشجعان ، فراموا التأخّر عنها لخوفهم منها وکراهتهم لها ، علی ما جاء به محکم الذکر في التبيان ، حيث يقول - جل ّاسمه - فيما نص به من شأنهم علی الشرح له والبيان:

(کَمَا أَخرَجَکَ رَبَّکَ مِن بَيِتکَ بِالحَقّ وَإنَّ فَرِيقاً مِنَ المُؤمِنينَ لَکَارِ هُونَ يُجَادِلُونَکَ في الحَقَّ بَعدَ مَا تَبَيَّنَ کَأنَّما يُسَاقُونَ إلي المَوتِ وَهُم يَنظُرونَ) (2) في الآي المتصّل بذلک إلي قوله تعالي -(وَلاَ تَکؤُنُوا کَالَّذينَ

ص:79


1- في هامش الأصل : الغفل بالضم من لا يرجي خيره ولا يخشي شتره
2- الأنفال : 5 - 6.

خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاءَ النّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبيلِ اللهِ واللهُ بِمَا تَعمَلُونَ مُحيطَ)(1) إلي آخر السورة. فإنّ الخبر عن أحوالهم فيها يتلّو بعضُه بعضاً ، وإنّ اختلفت ألفاظُه واتّفقت معانيه.

فکان من جملة خبر هذه الغزاة ، أنّ المشرکين حضروا بدراًمُصرّين علی القتال ، مُستظهرين فيه بکثرة الأمّوال ، والعدد والعُدّة و الرجال ، و المسلّمون إذ ذاک نفر قليل عددهم هناک ، حضرته طوائف منهم بغير اختيار ، و شَهِدَته علی الکراهة منها له ولاضطرار ، فتحدَّتهم قريش بالبِراز ودَعَتهم إلي المَصافّة والنزال ، واقترحَت في اللقاء منهم الأکفاء ، وتطاولت الأنصار المبارَزَتهم، فمنعهم النبي صلّي الله علیه و آله من ذلک ، وقال لهم : إنّ القومَ دَعَوا الأکفّاء منهم.

ثمّ أمّر علیاً أمیر المؤمنين علیه السلام بالبروز إليهم ، ودعا حمزة بن عبد المطّلب و عُبيدة بن الحارث - رحمهما الله - وأمّرهما أن يَبرُزا معه.

فلمّا اصطفُّوا للقوم لم يُثبتهم القوم، لأنهم کانوا قد تغفروا(2) فسألوهم : من أنتم ، فانتسبوا لهم ، فقالوا : أکّفاءُ کِرامُ . ونَشِبَت الحربُ بينهم ، وبارز الوليد بن عتبة أمیر المؤمنين علیه السلام فلم يُلبثه حتّي قتله ، وبارز عُتبة حمزة - رضي الله عنه - فقتله حمزة ، وبارز شيبةُ عُبيدة - رضي الله عنه - فاختلفت بينهما ضربتان ، قطعت إحداهما فخِذَ عُبيدة ، فاستنقذه أمیر المؤمنين علیه السلام بضربة بَدَر بها شَيبة فقتله ، وشَرَکه في ذلک حَمزة -

ص:80


1- الأنفال : 47.
2- نغفروا : أي لبسوا المغافر ، واليغفر : رد ينسج من الدرع علی قدر الرأس ، يلبس تحت القلنسوة . الصحاح - غفر - 2: 771»

رضي الله عنه - فکان قتل هؤلاء الثلاثة أوّل وَهن لَحِق المشرکين ، و ذُلٍّ دَخَل علیهم ، ورَهبةٍ اعتراهم بها الرُعب من المسلّمين ، وظَهرت بذلک أمّاراتُ نصر المؤمنين.

ثمّ بارز أمیر المؤمنين علیه السلام العاص بن سعيد بن العاص ، بعد أن أحجم عنه من سواه فلم يلبثه أن قتله . وبَرز إليه حَنظلةُ بن أبي سفيان فقتله ، وبرز إليه طُعيمَة بن عَدِيّ فقتله ، وقتل بعده نَوفَلَ بنَ خُويلد - وکان من شياطين قريش - ولم يزل علیه السلام يقتل واحداً بعد واحد، حتّي أتي شَطر المقتولين منهم ، وکانوا سبعين قتيلاً ، تولّي کافّة من حَضر بدراً من المسلّمين مع ثلاثة الآفي من الملائکة المسومين قتلَ الشطر منهم ، وتوتي أمیر المؤمنين علیه السلام قتل الشطر الآخر وحده ، بمعونة الله له وتوفّيقه و تأييده ونصره ، وکان الفتحُ له بذلک وعلی يديه ، وختم الأمّر بمناولة النبي صلّي الله علیه و آله کفّاً من الحصي ، فرمي بها في وجوههم وقال لهم : شاهت الوجوه . فلم يبقَ أحدُ منهم إلّا ولي الدبر لذلک منهزماً ، وکفّي الله المؤمنين القتال بأمیر المؤمنين علیه السلام وشرکائه في نُصرة الدّين من خاصّة آل الرسول - علیه و آله السلام - ومن أيّدهم به من الملائکة الکرام علیهم التحية والسلام کما قال الله جلّ اسمه : (وَکَفَّي اللهُ المُؤمِنينَ القِتَالَ وَکَانَ الله قَويّاً عَزيزاً)(1).

ص:81


1- الأحزاب : 25.

فصل

وقد اثبت رواة العامّة والخاصّة معاً أسماءً الّذين تَولّي أمیر المؤمنين علیه السلام قَتلَهم ببدر من المشرکين ، علی اتّفاق فيما نقلوه من ذلک ، فکان ممّن سمّوه:

الوليد بن عُتبة -کما قدّمناه - وکان شجاعاًجَريئاً فاتکاً وقّاحاً ، تَهابُه الرجال(1)

و العاص بن سعيد بن العاص ، وکان هَؤلاً عظيماً تهابه الأبطال . وطُعيمةُ بن عَديّ بن نَوفَل ، وکان من رؤوس أهل الضلال .

ونوفلُ بن خُوَيلد وکان من أشدّ المشرکين عداوةُ لرسول الله صلّي الله علیه و آله ، وکانت(2) قريش تُقدّمه و تُعظّمه ، وهو الّذي قَرنَ أبا بکر بطلحة - قبل الهجرة بمکّة . وأوثقهما بحبّل وعذّبهما يوماً إلي الليل حتي سُئِل في أمّرهما۔ ولمّا عَرف رسول الله صلّي الله علیه و آله حضورهَ بدراً ، سأل الله عزّ وجلّ أن يکفيه أمّره فقال : اللّهمّ اکفني نَوفل بن خُويلِد . فقتله أمیر المؤمنين صلوات الله علیه .

وزمعة بن الأسود(3).

ص:82


1- في هامش الأصل : الأبطال .
2- انظر تفاصيل هذه القضية والردود علیها ، في الصحيح من سيرة النبي الأعظم 2: 54 - 57. للسيّد جعفر مرتضي العاملين
3- في هامش الأصل : عقبة بن الأسود .

والحارِثُ بن زمعة.

والنظر بن الحارث بن عبد الدار.

و عُمير بن عُثمان بن کَعب بن تَيم ، عمّ طَلحة بن عُبيد الله .

وعثمّان ، ومالک ابنا عُبيد الله ، أخوا طلحة بن عُبيد الله .

و مسعود بن أبي أمّية بن المُغيرة .

وقيس بن الفا کِه بن المغيرة.

وحذيفة بن أبي حُذيفة بن المُغيرة .

وأبو قَيس بن الوليد بن المُغيرة .

وحنظلة بن أبي سفيان .

وعَمروُ بن مخزوم.

والوليد(1) بن أبي رفاعة .

ومُنبّه بن الحَجّاج السهمي .

و العاص بن منبّه .

وعَلقمة بن کَلدَة .

وأبو العاص بن قيس بن عَدِيّ .

ومُعاوية بن المغيرة بن أبي العاص .

ولُوذانُ بن ربيعة.

وعبدالله بن المُنذر بن أبي رفاعة .

و مسعود بن أبي أمّية بن المغيرة .

وحاجِبُ بن السائب بن عُوَيمِر.

ص:83


1- في هامش الأصل : أبو المنذر .

وأوسُ بن المُغيرة بن لُوذان .

وزيد بن مُلَيص .

وعاصمُ بن أبي عوف.

ومعبدُ بن وهب ، حليف بن عامر ، ومعاوية بن عامر بن عبد القيس.

وعبدالله بن جميل بن زُھير بن الحارث بن أسد .

والسائب بن مالک .

وأبو الحکم بن الأخنس .

وهشام بن أمّية بن المُغيرة.

فذلک خمسة وثلاثون رجلاً (1)، سوي من اختلف فيه ، أو شرِک أمیر المؤمنين علیه السلام فيه غيره ، وهم أکثر من شطر المقتولين ببدر ، علی ما قدّمناه .

غزوة اُحد

فصل

ثمّ تلت بدراً غَزاهُ أُحد ، فکانت راية رسول الله صلّي الله علیه و آله بيد أمیر المؤمنين علیه السلام فيها ، کما کانت بيده يوم بدر ، فصار اللواءُ إليه يومئذ فصار صاحب الراية واللواء جميعاً ، فانهزم الناس کلّهم عن النبيّ صلّي الله علیه

ص:84


1- في أسماء بعض المقتولين خلاف في کتب السيرة کما في معبد بن وهب ففيها سعيد بن وهب وکذلک في قيس بن الفاکه ففيها أبو قيس.

و آله ، إلّا علی بن أبي طالب وحده ، ورجع إلي رسول الله صلّي الله علیه و آله نفر يسير أوّلهم عاصم بن ثابت ، وأبو دُجانة ، وسهل بن حُنيف ، ولحقهم طلحة بن عبيد الله .

فقلت له : وأين أبو بکر وعمر ؟

قال : کانا ممّن تنحّي. قال:

قلت : وأين کان عثمّان ؟

قال : جاء بعد ثلاثة من الوقعة ، فقال له رسول الله صلّي الله علیه و آله : لقد ذهبتَ فيها عَريضة(1).

وتعجّبت الملائکة من ثبات علی علیه السلام ، فقال جبرئيل علیه السلام - وهو يعرج إلي السماء -: لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتي الا علی(2).

وقتل علی علیه السلام أکثر المشرکين في هذه الغزاة ، وکان الفتح له في هذه الغزاة کما کان له ببدر ، وأختصّ بحسن البلاء فيها ، والصبر و ثبوت القدم عندما زلّت من غيره الأقدام ، وقتل الله بسيفه رؤوس أهل الشرک والضلال، وفرّج به الکرب عن نبيّه علیه و آله السلام، وخطب بفضله في ذلک المقام جبرئيل علیه السلام في ملائکة الأرض والسماء ، وأبانّ نبيّ الهدي علیه و آله السلام من اختصاصه به ما کان مستوراً عن عامّة الناس(3).

ص:85


1- کناية عن هزيمته التي أبعد فيها - زمان ومکانة - عن محل الواقعة .
2- نقلت فقرات من الواقعة في مصباح الأنوار : 314، اعلام الوري : 193 ، ارشاد القلوب : 241،بحار الأنوار 20 : 81- 85.
3- انظر : تاريخ الطبري 2: 514 و 533، مناقب ابن شهرآشوب 3:124، اعلام الوري : 194.

فصل

وقد ذکر أهل السير قتلي أُحد من المشرکين فکان جمهورهم قتلي أمیر المؤمنين علیه السلام.

فروي عبد الملک بن هشام قال : حدّثني زياد بن عبدالله ، عن محمّد بن اسحاق ، قال : کان صاحب لواء قريش يوم أحد طلحة بن أبي طلحة بن عبد العُزّي بن عثمّان بن عبد الدار ، قتله علی بن أبي طالب علیه السلام ، وقتل ابنه أبا سعيد بن طلحة ، وقتل أخاه کلَدة بن أبي طلحة ، وقتل عبدالله بن حُميد بن زهير (1)بن الحارث بن أسد بن عبد الُعزّي ، وقتل أبا الحکم بن الأخنس بن شريق الثقفي ، والوليد بن أبي حذيفة بن المغيرة، وقتل أخاه أمّية بن أبي حذيفة بن المغيرة، وقتل أرطأة بن شُرحبيل ، وهشام بن أمّية ، وعمرو بن عبدالله الجُمحي ، وبشر بن مالک ، وقتل صُواباً مولي بني عبد الدار ، وکان الفتح له، ورجوع الناس من هزيمتهم إلي النبي صلّي الله علیه و آله بمقامه يَذُبّ عنه دونهم.

وتوجّه العقاب من الله تعالي إلي کافّتهم ، لهزيمتهم – يومئذ - سواه .

ص:86


1- في هامش الأصل : زُهرة .

غزوة بني النضیر

فصل

وفيما کان من أمیر المؤمنين علیه السلام في غزاة بني النضير ، وقتله اليهودي الّذي رمي قبّة النبيّ صلّي الله علیه و آله ، ومجيئه إلي النبي صلّي الله علیه و آله برؤوس التسعة النفر الّذين کانوا معه ، يقول حسّان بن ثابت

الأنصاري :

لله أيّ کريهةٍ أبليتها***بني قُريظة والنفوس تَطَلَّع

أردي رئيسهم و آبَ بتسعةٍ***طَؤراً يَشُلُّهم،(1) وطوراً يدفَع

وکان ذلک سبب فتح حصون بني النضير والمنّة لله .

غزوة الأحزاب

فصل

وکانت غَزاة الأحزاب بعد بني النضير .

فأقبلت الأحزاب إلي النبيّ صلّي الله علیه و آله فهال المسلّمين أمّرُهم، وارتاعوا من کثرتهم وجمعهم ، فنزلوا ناحيةً من الخندق ، وأقاموا بمکانهم بضعاً وعشرين ليلة ، ثمّ لم يکن بينهم حرب إلّا الرمي بالنَبل والحصي.

ثمّ قام رسول الله صلّي الله علیه و آله في المسلّمين ، يدعوهم إلي جهاد

ص:87


1- يشلهم : يطردهم . «الصحاح - شلل - 5: 1737»

العدو ، ويشجعهم ويعدهم النصر.

وانتدبت فوارس من قريش للبراز ، منهم : عَمرو بن عبدوَدّ العامري، وعکرمة بن أبي جهل ، وهُبيرة بن أبي وهب - المخروميّان - وضرار بن الخطاب، ومرداس الفِهري ، فلبسوا للقتال ثمّ خرجوا علی خيلهم ، حتي مَرّوا بمنازل بني کنانة فقالوا: تهيّؤوا - يا بني کنانة - للحرب ، ثمّ أقبلوا تُعيِق(1) بهم خيلُهم ، حتي وقفوا علی الخندق .

ثمّ عبروا من مضيق في الخندق ، وجعلوا يُجيلون خيلهم في السَبخة بين الخندق وسُلع(2).

و المسلّمون وقوف لا يقدم أحد منهم علیهم ، وجعل عمرو بن عبدودّ يدعو إلي البراز ، ويعرض بالمسلّمين ، وفي کلّ ذلک يقوم علی بن أبي طالب علیه السلام من بينهم ليبارزه ، فيأمّره رسول الله صلّي الله علیه وآله بالجلوس انتظار منه ليتحرّک غيره ، والمسلّمون کأنّ علی رؤوسهم الطَير ، لمکان عمرو بن عبدودّ، والخوف منه وممّن معه ووراءه.

فلمّا طال نداءُ عمرو بالبراز ، وتتابع قيام علی أمیر المؤمنين علیه السلام ، قال رسول الله صلّي الله علیه و آله : أدنُ منّي يا علی ، فدنا منه ، فنزع عمامته عن رأسه وعمّمه بها ، وأعطاه سيفه وقال له: إمض لشأنک . ثمّ قال : اللّهمّ أعِنهُ ، فسعي نحو عَمرو ، ومعه جابر بن عبدالله الأنصاري - رحمة الله علیه - لينظر ما يکون منه ومن عمرو .

ص:88


1- العنق : سير فيه کبر وخيلاء. «الصحاح - عنق - 4: 1533.
2- سلع : موضع قرب المدينة المنورة. «معجم البلدان 3: 239» .

فلمّا انتهي أمیر المؤمنين علیه السلام إليه قال : يا عمرو ، إنّک کنت تقول في الجاهلية : لا يدعوني أحدُ إلي ثلاث إلّا قَبِلتُها أو واحدة منها.

فقال : أجل.

قال : فإنّي أدعوک إلي شهادة أن لا إله إلّا الله وأنَّ محمّداً رسول الله وأن تُسلِّم لربّ العالمين.

فقال عمرو : يا ابن الأخ أخّر هذه عنّي.

فقال له أمیر المؤمنين علیه السلام : أمّا إنّها خيرُ لک لو أخذتها .

ثمّ قال : فهاهنا أُخري.

قال : وما هي ؟

قال : تَرجِع من حيث جئت.

قال : لا تحدث نساء قريش بهذا أبداً .

قال : فهاهنا أخري.

قال : وما هي ؟

قال : تَنزِلُ فتقاتلني .

فضَحِک عمرو وقال : إنّ هذه الخصلة ما کنتُ أظُنّ أحداً من العرب يرومني علیها ، وإنّي لأکره أن أقتلُ الرجل الکريم مثلک ، وقد کان بيني وبين أبيک خُلّة.

قال علی علیه السلام : لکنّي أحبّ أن أقتلک ، فانزل ان شئت .

ص:89

فاسف(1) عمرو ونزل وضرب وجهَ فرسه حتي رجع.

قال جابر رحمة الله علیه : فثارت بينهما قَترة فما رأيتُهما فسمعت التکبير تحتها ، فعلمت أنّ علیاً علیه السلام قد قتله ، وانکشف أصحابه حتّي طَفرت خيولُهم الخندق ، و تبادر المسلّمون حين سَمِعوا التکبير ينظرون ما صنع القوم، فوجدوا نَوفل بن عبدالله في جوف الخندق لم ينهض به فرسه ، فجعلوايَرمُونه بالحجارة ، فقال لهم : قِتلَةُ أجملُ من هذه ، ينزل إلي بعضکم أقاتله ، فنزل إليه أمیر المؤمنين علیه السلام فضربه حتي قتله ، ولَحِقَ هُبيرة فأعجزه وضرب قَربُوس سرجه وسقطت درعُ کانت علیه ، وفَرّ عِکرمة ، وهرب ضِرار بن الخطّاب.

فقال جابر رحمه الله : فما شَبّهت قتل علی عمراً إلّا بما قص الله تعالي من قصّة داود وجالوت ، حيث يقول جلّ اسمه ( فَهَزَمُوهُم بإذنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ) (2)- (3)

غزوة بني القريظة

فصل

وکان الظفر ببني قُريظة ، وفتح الله تعالي علی النبيّ صلّي الله علیه و آله بأمیر المؤمنين علی بن أبي طالب علیه السلام وما کان من قَتله من قتل منهم ،

ص:90


1- أسف : غضب . «الصحاح - أسف - 4: 1331».
2- البقرة : 251.
3- مغازي الواقدي 2: 471، إعلام الوري: 195 ، ينابيع المودة : 95 ، شرح نهج البلاغه لأبن آبي الحديد 4: 344، بحار الأنوار 20 : 254.

وما ألقاه الله عزّ وجلّ في قلوبهم من الرعب منه ، وماثَلت هذه الفضيلة ما تقدّمها من فضائله علیه السلام ، وشابهت هذه المنقبة ما سلف ذکره من مناقبه علیه السلام.

غزوة بني المصطلق

فصل

ثمّ کان من بلائه علیه السلام ببني المُصطلق ، ما اشتهر عند العلمّاء ، وکان الفتح له علیه السلام في هذه الغزاة ، بعد أن أُصيب يومئذ ناس من بني عبد المطّلب ، فقتل أمیر المؤمنين علیه السلام رجلين من القوم وهما مالک وابنه، وأصاب رسول الله صلّي الله علیه وآله وسلّم منهم سبياً کثيراً فقسمه بين المسلّمين.

وکان ممن أُصيب من السبايا جُوَيرِيَة بنت الحارث بن أبي ضِرار ، وکان الّذي سَبي جُوَيرية أمیر المؤمنين علی بن أبي طالب علیه السلام، فجاء بها إلي النبي صلّي الله علیه و آله فاصطفاها النبي علیه و آله السلام(1)

ص:91


1- السيرة الحلبية 2: 280 ، تاريخ الخميس 1: 474، بحار الأنوار 20 : 289.

فصل

ثمّ تلا بني المصطلق الحُديبية ، فکان اللواء يومئذ إلي أمیر المؤمنين علیه السلام کما کان إليه في المشاهد قبلها ، وکان من بلائه في ذلک اليوم عند صَفّ القوم في الحرب للقتال ما ظهر خبژه و استفاض ذِکرُه.

وذلک بعد البيعة التي اخذها النبي صلّي الله علیه و آله علی أصحابه والعهود علیهم في الصبر .

صلح الحديبية

فصل

ثمّ تلت الحُديبية خيبر ، وکان الفتحُ فيها الأمیر المؤمنين علیه السلام بلا ارتياب ، وظَهر من فضله علیه السلام في هذه الغزاة ما أجمع علی نقله الرواة، وتَفرّد فيها من المناقب بما لم يَشرکه فيه أحدُ من المسلّمين.

غزوة خيبر

شهد ذلک ما کان في يوم خيبر ، وکان من انهزام من انهزم ، وقد أهلّ الجليل المقام بحمل الراية فکان بانّهزامه من الفساد ما لا يخفي علی الألباء.

ثمّ أعطي صاحبه الراية من بعده ، فکان من انهزامه مثل الّذي سلف من الأوّل ، وخيف في ذلک علی الإسلام وشأنه ما کان من الرجلين في الانهزام، فأکبر ذلک رسول الله صلّي الله علیه و آله ، وأظهر النکير له والمساءة به ، ثمّ قال معلناً : لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ، ويحبّ الله ورسوله ، کرّار

ص:92

غير فرارّ ، لا يرجع حتي يفتح الله علی يديه . فأعطاها أمیر المؤمنين علی بن أبي طالب علیه السلام، فکان الفتح علی يديه(1).

ودلّ فحوي کلامه علی خروج الفرّارين من الصفة التي أوجبها لأمیر المؤمنين علیه السلام ، کما خرجنا بالفرّار من صفّة الکرّ والثبوت للقتال ، وفي تلافي أمیر المؤمنين علیه السلام بخيبر ما فرط من غيره دليل علی توحّده من الفضل فيه بما لم يشرک فيه من عداه ، وفي ذلک يقول حسّان بن ثابت الأنصاري :

وکان علیُ أرمَدَ العين يَنبَغي***دَواءً فلمّا لم يُحسَّ مُداوياً

شفاهُ رسولُ الله بتَفلةٍ***فُبورِکَ مَرقيّاً وبُورِکَ راقياً

وقال سأُعطي الرايةَ اليومَ صارِماً***کَميّاً مُحبّاً للرسولِ مُوالِياً

يحبّ الإله والإلهُ يُحبّه***به يَفتَحُ الله الحصُونَ الأوابيا

فأصفي بها دونَ البَريّة کلّها***عَليّاً وسمّاه الوزيرَ المُؤاخيا(2)

ص:93


1- حديث الراية من الأحاديث الصحيحة الثابتة التي أجمعت کلمة الحقّاظ وأئمة الحديث علی صدقها وصحتها و تحققها باسانيدها المختلفة وطرقها الشتي. راجع : الغدير 73:1، حلية الأوّلياء 4: 356، مستدرک الصحيحين 3: 37، خصائص النسائي : 52 و 53 و 57، صحيح البخاري 2: 299، صحيح مسلّم 4: 1871، سنن البيهقي 362:6، مسند أحمد بن حنل 5: 322، طبقات ابن سعد80:1، الاستيعاب 2: 45، کنز العمّال 5: 284، الرياض النضرة 2: 185، تاريخ بغداد5:8، الجامع الصحيح 638:5 ح3724، سنن ابن ماجه 1: 43، مجمع الزوائد 119:9 ، تهذيب التهذيب 7: 337، مناقب ابن المغازلي : 176 ، نهاية الارب 252:17. وعشرات المصادر الأخري.
2- السيرة الحلبية 3: 37، مسند أحمد 6: 8، شرح نهج البلاغة 4:1.

فتح مکة

فصل

ثمّ تلت غزاة خيبر مواقف لم تجر مجري ماتقدّمها فنعمد لذکرها، وأکثرها کان بُعوثاً لم يشهدها رسول الله صلّي الله علیه و آله ، ولا کان الاهتمام بها کالاهتمام بما سلف ، لضعف العدّو فيها ، وغَنَاء بعض المسلّمين عن غيرهم فيها ، فأضربنا عن تعدادها ، وإنّ کان الأمیر المؤمنين علیه السلام في جميعها حظُّ وافر من قول أو عمل.

ثمّ کانت غزاة الفتح ، وهي التي تَوطّد أمر الاسلام بها، وتَمهّد الدين بما منّ الله سبحانه علی نبيّه علیه و آله فيها ، وکان الوعد بها تقدّم في قول الله عزّ وجلّ : (إذَا جَاءَ نَصرُ اللهِ والفَتحُ وَرَأَيتَ النّاسَ يَدخُلُونَ في دينِ اللهِ أَفواجاً)(1). إلي آخر السورة. وقوله عزّ وجلّ قبلها بمدة طويلة :(لَتَدخُلُنَّ المَسجِدَ الحَرامَ إنّ شَاءَ اللهُ آمِنينَ مُحَلَّقينَ رُؤوسَکُم وَمُقَصَّرِين لَا تَخَافُونَ) (2)

فکانت الأعينُ إليها مُمتدّة ، والرقاب إليها متطاولة ، ودبَّر رسول الله صلّي الله علیه و آله الأمّر فيها بکتمان مسيره إلي مکّة ، وستر عزيمته علی مراده بأهلها ، وسأل الله عزّ وجلّ أن يَطوِيَ خبره عن أهل مکّة حتي يَبغتهم بدخولها، فکان المُؤتَمنُ علی هذا السرّ ، والمودع له - من بين الجماعة - أمیر المؤمنين

ص:94


1- النصر 1-2 .
2- الفتح : 27.

عليّ بن أبي طالب علیه السلام ، وکان الشريک لرسول الله صلّي الله علیه و آله في الرأي ، ثمّ نَماء النبيُّ صلّي الله علیه و آله إلي جماعة من بعد، واستَتَبَّ الأمّر فيه علی أحوال کان أمیر المؤمنين علیه السلام في جميعها متفرّداً من الفضل بما لم يَشرکه فيه غيرهُ من الناس .

فصل

وکان عهدُ رسول الله صلّي الله علیه و آله إلي المسلّمين عند توجّهه إلي مکّة ، ألا يقتلوا بها إلّا من قاتلهم ، وآمن من تعلَّق بأستار الکعبة سوي نفر کانوا يؤذونه صلّي الله علیه و آله منهم : مِقيَسُ بن صبابة وابن خَطل عبد العُزّي وابن أبي سرح وقَينتان کانتا تُغَنّيان بهجاء رسول الله صلّي الله علیه و آله ، وبمراثي أهل بدر ، فقتل أمیر المؤمنين علی بن أبي طالب علیه السلام إحدي القَيتَين وأفلتت الأخري ، حتّي استُؤمِن لها بعد ، فضربها فرس بالأبطح في إمارة عمر بن الخطاب فقتلها.

وقتل علی بن أبي طالب علیه السلام الحويرث بن نفيل بن کعب(1)

وکان ممن يؤذي رسول الله صلّي الله علیه و آله بمکّة(2).

وبلغه علیه السلام أنّ أخته أمّ هانيء - رحمة الله علیها - قد آوَت أُناساً

ص:95


1- في طبقات ابن سعد 2: 136، وأنساب الأشراف 1: 357، الحُويرث بن نُقيذ . وفي نهج الحقّ وکشف الصدق : 250 ، الحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد بن قصي
2- الکامل في التاريخ : 199، تاريخ الخميس 2: 169، نهج الحقّ وکشف الصدق : 251.

من بني مخزوم ، منهم : الحارثُ بن هشام وقيسُ بن السائب ، فقصد علیه السلام نحو دارها مُقنّعاً بالحديد ، فنادي : أخرِجوا من آوَيتُم . قال : فجعلوا يَذوُقون - والله - کما تذرق الحُباري خوفاً منه.

فخرجت إليه أمّ هانيء - وهي لا تعرفه - فقالت يا عبدالله ، أنا أُمّ هانيء بنت عم رسول الله صلّي الله علیه و آله وأخت علی بن أبي طالب علیه السلام انصَرِف عن داري.

فقال أمیر المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام : أخرِجوهم.

فقالت : والله لأشکُونَّکَ إلي رسول الله صلّي الله علیه وآله ، فنزع المِغفَر عن رأسه فَعَرفَته ، فجاءت تَشتَد حتي التزمته وقالت : فَديتُک ، حَلَفتُ الأشکُوَنَّکَ إلي رسول الله صلّي الله علیه و آله.

فقال لها : إذهبي فَبرّي قسمک ، فإنّه بأعلی الوادي .

قالت أمّ هانيء : فجئتُ إلي النبي صلّي الله علیه و آله و هو في فُبّةٍ يغتسل، وفاطمة علیها السلام تَسترهُ ، فلمّا سمع رسول الله صلّي الله علیه و آله کلامي قال : مرحباً بأمّ هانيء وأهلاً .

قلت : بأبي أنت وأمّي ، أشکُو إليک اليوم ما لقِيتُ من علی بن أبي طالب علیه السلام.

فقال رسول الله صلّي الله علیه و آله : قد أجرَت من أجرتِ.

فقالت فاطمة علیها السلام : إنّما جنت يا أمّ هاني، تشکين علیاً في أنّه أخافَ أعداء الله و أعداء رسوله !

فقال رسول الله صلّي الله علیه و آله : قد شَکر اللهُ لعلی سعيه ، وأجرتُ من

ص:96

أجارث ام هانيء لمکانِها من علی بن أبي طالب علیه السلام.

ولمّا دخل رسول الله صلّي الله علیه و آله المسجد ، وجد فيه ثلاثمّائة وستين صنما ، بعضها مشدود إلي بعض بالرَصاص ، فقال الأمیر المؤمنين علیه السلام : أعطني يا علی کفّاً من الحَصي.

فقبض له أمیرُ المؤمنين علیه السلام کفّاً فناوله ، فرماها به وهو يقول :(قُل جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلس إنَّ البَاطِلَ کَانَ زَهُوقاً)(1)، فما بَقي منها صنمُ إلّا خَرَّ لوجهه ، ثمّ أمرَ بها فأُخرِجت من المسجد وطُرِحَت وکُسِرت.

فصل

وفيما ذکرناه من أعمال أمیر المؤمنين صلوات الله علیه في قَتل من قَتَلَ من أعداء الله سبحانه بمکّة ، وإخافته من أخاف ، ومعونةِ رسول الله صلّي الله علیه و آله وسلّم علی تطهير المسجد من الأصنام (2)، وشدة بأسه في الله تعالي،

ص:97


1- الاسراء:81
2- أخرج أبو مريم (هو أبو مريم الثقفي المدائني الحنفي الکوفي ، عن علی کرّم الله وجهه ، قال : انطلقت أنا والنبي صلّي الله علیه وسلّم ، حتي أتينا الکعبة فقال لي رسول الله صلّي الله علیه وسلّم اجلس وأصعد علی منکبي ، فنهضت به فرأي لي ضعفاً ، فنزل وجلس لي نبي الله صلّي الله علیه وسلّم ، وقال : اصعد منکبي ، فصعدت علی منکبيه ، قال : فنهض لي ، قال : فإنّه تخيّل إليَّ انّي لو شئت لعلت أفق السماء ، حتي صعدت علی البيت ، وعلیه تمثال صفر أو نحاس فجعلت ازاوله عن يمينه وشماله ، وبين يديه ومن خلفه ، حتي إذا استمکنت منه ، قال لي رسول الله صلّي الله علیه وسلّم : اقذف به ، فقذفت به فتکسّر کما تتکسّر القوارير ثمّ نزلت . راجع مصادر هذا الحديث ، والأحاديث التي تتحدّث عن حمل رسول الله صلّي الله علیه و آله علیاً حتي کسر الأصنام من فوق الکعبة . في : خصائص النسائي : 31، مسند أحمد 1: 84و151،کنزالعمّال 407:6 ، مستدرک الحاکم 2: 366 و 3: 5، تاريخ بغداد302:13: 13 ، صفوة الصفوة1:119

وقطع الأرحام في طاعة الله عزّ وجلّ ، أدلّ دليل علی تخصّصه من الفضائل بما لم يکن لأحدٍ منهم سهم فيه ، حسب ما قدّمناه .

غزوة حُنين

فصل

ثمّ کانت غزاة حُنين ، استظهر رسول الله صلّي الله علیه و آله فيها بکثرة الجموع، فخرج صلّي الله علیه و آله متوجّهاً إلي القوم في عشرة الآف من المسلّمين ، فظن أکثرُهم أنّهم لن يُغلَبوا لِما شاهدوه من جمعهم وکثرة عُدَّتهم وسِلاحهم، فأعجب أبو بکر الکثرة يومئذٍ فقال : لن نُغلب اليوم من قلّة ، وکان الأمّر في ذلک بخلاف ما ظنّوه ، وعانهم(1) أبو بکر بعجبه بهم.

فلمّا التقوا مع المشرکين لم يَلبثوا حتي انهزموا بأجمعهم ، فلم يَبق منهم مع النبي صلّي الله علیه وآله إلّا عشرة أنفس : تسعةُ من بني هاشم خاصّة ، وعاشرهم أيمن بن أمّ أيمن ، فقُتِل أيمن - رحمة الله علیه - وثبتت التسعة الهاشميون حتي ثاب إلي رسول الله صلّي الله علیه و آله من کان انهزم ، فرجعوا اوّلاً فأوّلاً ، حتي تلاحقوا، وکانت لهم الکرَّة علی المشرکين.

وفي ذلک أنزل الله سبحانه وفي إعجاب أبي بکر بالکثرة : (وَيَومَ حُنَينٍ إذ أَعجَبَتکُم کُثرَتُکُم فَلَم تُغنِ عَنکُم شَيئاً وَضَاقَتُ عَلَيکُمُ الأرضُ بِمَا

ص:98


1- عانه : أصابه بالعين ، وهو أثر عين الحاسد في المنظور . انظر : «الصحاح - عين - 6: 2171»

رَحُبَت ثُمّ وَلَّيتُمّ مُدبِرينَ ثمّ أنَزَلَ اللهُ سَکِينَتَهُ عَلي رَسُولِهِ وَعَلَي المُؤمِنينَ) (1)يعني أمیر المؤمنين علی بن أبي طالب علیه السلام ومن ثبت معه من بني هاشم رحمة الله علیهم وهم يومئذٍ ثمّانية نفر - تاسعهم أمیر المؤمنين -:

العبّاس بن عبد المطلب عن يمين رسول الله .

والفضلُ بن العبّاس عن يساره.

وأبو سفيان بن الحارث مُمسِکُ بسرجه عند ثفر (2) بغلته .

وأمیر المؤمنين علیه السلام بين يَديه بالسيف.

ونوفل بن الحارث ، وربيعة بن الحارث ، وعبدالله بن الزبير بن عبد المطّلب، و عُتبة ومُعتَّب ابنا أبي لهبٍ حوله.

وقد ولت الکافّة مُدبرين سوي من ذکرناه ، وفي ذلک يقول مالکُ بن عُبادة الغافقي :

لم يواس النبيَّ غير بَني ها***شِم عند السَيوف يومَ حُنَين

هَرَبَ الناسُ غيرَ تسعةِ رَهطٍ***فهُمُ يَهتِفون بالناس أين

ثُمّ قامُوا مع النبي علی المَو***تِ فأبوا زَيناً لنا غيرَ شَينٍ

وثَوي أيمنُ الأمّين من القو***مِ شهيداً فاعتاضَ قُرّةَ عَين

ولمّا رأي رسول الله صلّي الله علیه و آله هزيمة القوم عنه ، قال للعبّاس -

ص:99


1- التوبة : 25-26.
2- الثفر : السير الّذي في مؤخّر السرج. «لسان العرب - تفر - 4: 105» .

وکان رجلاً جَهورياً صيّتاً -: نادِ بالقوم وذَکّرهم العهد . فنادي العبّاس بأعلی صوته: يا أهل بيعة الشجرة ، يا أهل سورة البقرة ، إلي أين تفرّون ؟ أُذکُروا العهد الّذي عاهدتم (1) علیه رسول الله صلّي الله علیه و آله ، والقومُ علی وجُوههم قد وَلَّوا مدبرين ، وکانت ليلةً ظلمّاء ، ورسول الله صلّي الله علیه و آله في الوادي والمشرکون قد خرجوا علیه من شِعاب الوادي وجنباته ومضايقه مُضلِتين سيوفهم وعمدهم وقِسيّهم.

قالوا : فنظر رسول الله صلّي الله علیه و آله إلي الناس ببعض وجهه ، فأضاءَ کالقمر ليلة البدر. ثمّ نادي المسلّمين: أين ما عاهدتم الله علیه؟ فأسمع أوّلهم وآخِرهم ، فلم يَسمعها رجل إلّا رمي بنفسه إلي الأرض ، فانحدرُوا إلي حيث کانوا من الوادي ، حتّي لِحقوا بالعدوّ فقاتلوه.

قالوا: وأقبل رجل من هَوازِن علی جمل أحمر، بيده رايةُ سوداء في رأس رُمحٍ طويل أمّام القوم ، إذ أدرک ظفراً من المسلّمين اکبَّ علیهم، وإذا فاتَه الناسُ رفعه لمن وراءه من المشرکين فاتَّبعوه ، وهو يرتجز ويقول :

أنَا أبو جَروَلَ لابَراح***حتّي نُبيحَ اليوم أونُباح

فصمِد له أمیر المؤمنين علیه السلام فضرب عَجُز بَعيره فصرعه ، ثمّ ضربه فقتله ، ثمّ قال :

قد عَلمِ الناس لدي الصَباح***أنّي في الهَيجاء ذو نِصاح

فکانت هزيمة المشرکين بقتل أبي جرول لعنه الله .

ص:100


1- في الأصل والارشاد : عاهدکم . وما أثبتناه من بحار الأنوار للعلامة المجلسي .

ثمّ التأمّ المسلّمون وصفّوا للعدوّ ، فقال رسول الله صلّي الله علیه و آله : اللّهمّ إنّک أذَقتَ أوّل قريشٍ نکالاً قأذِق آخِرها و بالاً(1).

و تجالد المسلّمون والمشرکون ساعة ، فلمّا رآهم النبيُّ صلّي الله علیه و آله قام في رِکابَي سَرجهِ حتّي أشرف علی جماعتهم وقال : الآن حَمِيَ الوطيس(2)

أنَا النبيُّ لا کَذِب***أنَا ابنُ عبد المطّلب

فما کان بأسرع من أن وَلّي القومُ أدبارَهم ، وجيء بالأشري إلي رسول الله صلّي الله علیه و آله مُکَتّفِين .

ولمّا قتل أمیر المؤمنين علیه السلام أبا جَروَل وخذِلَ القومُ بقتله ، وَضَع المسلّمون سيوفهم فيهم ، و أمیر المؤمنين علیه السلام يَقدُمهم حتي قَتل أمیر المؤمنين علیه السلام أربعين رجلاً من القوم ، ثمّ کانت الهزيمة والأسر حينئذٍ، وکان أبو سفيان صَخر بن حرب بن أمّية في هذه الغزاة ، فانهزم في جُملة من انهزم من المسلّمين.

فرُوي عن مُعاوية بن أبي سفيان أنّه قال : لَقيتُ أبي منهزماً مع بني أمّية من أهل مکّة ، فصحت به : يا بن حرب والله ما صبرت مع ابن عمّک ، ولا قاتلت عن دينک ، ولا کففت هؤلاء الأعراب عن حريمک .

فقال : من أنت ؟

ص:101


1- في هامش الأصل : نوالاً
2- حمي الوطيس : هي کلمة لم تسمع إلّا منه صلّي الله علیه و آله ، وهو من فصيح الکلام ، قال الأصمعي : يضرب مثلا للأمّر إذا اشتد. «لسان العرب - و طس - 9: 250» .

قلت : معاوية .

قال : ابن هند.

قلت : نعم.

فقال : بأبي أنت وأمّي ، ثمّ وقف واجتمع معه أُناسُ من أهل مکّة ، وانضممت إليهم ثمّ حَملنا علی القوم فضَعضَعناهم ، وما زال المسلّمون يقتلون المشرکين ويأسرون منهم حتّي ارتفع النهار ، فأمّر رسول الله صلّي الله علیه و آله بالکفّ عنه ونادي : أن لا يُقتل أسير من القوم.

وکانت هُذيل بَعثت رسولاً (1)يقال به ابنُ الأکوع أيّام الفتح ، عيناً علی النبي صلّي الله علیه و آله حتي عَلِمَ عِلمه ، فجاء إلي هُذيل بخَبَره فأر يوم حنين، فمر به عمر بن الخطاب ، فلمّا رآه أقبل علی رجل من الأنصار وقال : عدوُّ الله الّذي کان عَيناً علینا ، هاهو أسير فاقتله ، فضرب الأنصاري عنقه ، وبلغ ذلک النبي صلّي الله علیه و آله فکرِهه وقال : ألم آمرُکم ألّا تقتلوا أسيراً !

وقُتل بعده جميلُ بن مَعمَر بن زُهير وهو أسير .

فبعث رسول الله صلّي الله علیه وآله إلي الأنصار وهو مُغضَب فقال : ما حَمَلَکم علی قتله ، وقد جاءکم الرسول ألّا تقتلوا أسيراً ؟

فقالوا: إنّما قَتَلناه بقول عمر . فأعرض النبي صلّي الله علیه و آله حتّي کلّمه عُمير بن وهب في الصَفح عن ذلک.

ص:102


1- في هامش الأصل : رجلاً .

فصل

ولمّا قسّم رسول الله صلّي الله علیه و آله غنائم حُنين ، أقبل رجلُ طويل قد أجنأ،(1)بين عَينيه أثر السجود ، فسلّم ولم يَخُصَّ النبي صلّي الله علیه و آله ثمّ قال : قد رأيتُک وما صنعت في هذه الغنائم.

قال : وکيف رأيت ؟ قال : لم أرَکَ عَدَلت.

فغضب رسول الله صلّي الله علیه و اله وقال : ويلک ، إذا لم يکن العدلُ عندي فعند من يکون؟

فقال المسلّمون : ألا تَقتُله ؟

قال : دعوه ، فانه سيکونُ له أتباعُ يَمرقُون من الدين کما يَمرُق السهم من الرَّأميَّة ، يَقتُلُه الله علی يد أحبّ الخلق إليه من بعدي .

فقتله أمیر المؤمنين علی بن أبي طالب علیه السلام فيمن قَتل يومَ النهروان من الخوارج.

فصل

فانظر الآن إلي مناقب أمیر المؤمنين علیه السلام في هذه الغَزاة ، و تأمَّلها

ص:103


1- الأجنأ : الأحدب . «لسان العرب» - جنا ۔ 50:1 ».

و تَفکّر في معانيها ، تَجده علیه السلام قد تَؤَلّي کلّ فضلٍ کان فيها ، واختصّ من ذلک بما لم يَشرکه فيه أحدُ من الأمّة.

وذلک أنّه علیه السلام بت مع رسول الله صلّي الله علیه و آله عند انهزام کافّة الناس ، إلّا النفر الّذين کان ثبوتهم بثبوته علیه السلام.

وذلک أنا قد أحَطنا علمّاً بنقدُّمه علیه السلام في الشجاعة والبأس والصبر والنجدة ، علی العبّاس والفضل - ابنه - وأبي سُفيان بن الحارث ، والنفر الباقين، لظُهور أمّره في المقامات التي لم يَحضرها أحدُ منهم ، واشتهار خبره في مُنازَلَةِ الأقران و قتل الأبطال ، ولم يَعرَف الأحدٍ من هؤلاء مقام من مقاماته ، ولا قَتيل عُزِيَ إليهم بالذکر.

فعُلِمَ بذلک أنّ ثبوتھم کان به علیه السلام ، ولولاه کانت الجنايّة علی الدين لا تُتَلافي ، وأنَّ بمقامه ذلک المقام ، وصبره مع النبي صلّي الله علیه و آله کان رجوعُ المسلّمين إلي الحرب وتشجُّعهم في لقاء العدو.

ثمّ کان مِن قَتله أبا جَرول متقدّم المشرکين ، ما کان هو السبب في هزيمة القوم وظفر المسلّمين بهم ، وکان مِن قَتله علیه السلام الأربعين الّذين تَولّي قَتلهم الوهنُ علی المشرکين وسببُ خذلانهم وهَلَعِهم ، وظَفر المسلّمين بهم، وکان من بليَّة المتقدّم علیه في مقام الخِلافة بعد رسول الله صلّي الله علیه و آله أن عانَ المسلّمين بإعجابه بالکَثرة ، فکانت هزيمتُهم بسبب ذلک ، أو کان أحدُ أسبابها .

ثُمّ کان من صاحبه في قتل الأسري من القوم ، وقد نهي النبيّ صلّي الله علیه و آله عن قتلهم ، وما ارتکب به عظيم الخلاف الله سبحانه ولرسوله ، حتّي أغضَبه ذلک و آسفه فأنکره وأکبره.

ص:104

ثمّ جَعل رسول الله صلّي الله علیه و آله الحکم علی المُعترِض في قضاء أمیر المؤمنين علیه السلام علمّاً علی حقّ أمیر المؤمنين علیه السلام في فعاله، وصوابه في حروبه ، ونبه علی وجوب طاعته و خطر معصيته ، وأنَّ الحقّ في حَيَّزه وجَنبته ، وشَهِدَ له بأنّه خيرُ الخليقة .

وهذا يُباين ما کان من خُصومة الغاصبين لمقامه من الفعال ، ويُضادُّ ما کانوا علیه من الأعمال ، ويُخرِجُهم من الفضل إلي النقص الّذي يُوبِقُ صاحبه - أو يکاد - فضلاً عن سُمُوّه علی أعمال المُخلصين في تلک الغَزاة ، وقُربهم بالجهاد الّذي تِوِلّوه ، فبانّوا ممّا ذکرناه بالتقصير الّذي وصفناه .

غزوة الطائف

فصل

وفي غزاة الطائف حين سار رسول الله صلّي الله علیه و آله بنفسه، فحاصرهم أيّاماً ، وأنفذ أمیر المؤمنين علیه السلام في خيل ، وأمّرهُ أن يَطَأ ما يجد ، ويَکسِرَ کلَّ صنم وجَده .

فخرج حتي لَقِيته خيلُ خثعم في جمع کثير ، فبرَزَ له رجل يقال له شهاب، في غَبش الصبح ، فبرز إليه أمیر المؤمنين علیه السلام وهو يقول :

إنَّ علی کُلَّ رئيسٍ حقّاً***أن يُرويَ الصَعدَة (1)و تُدَقّا

ثمّ ضربه فقتله ، ومَضي في تلک الخيل حتّي کَسر الأصنام ، وعاد إلي

ص:105


1- الصعدّة : القناة المستوية من منبنها لا تحتاج إلي تعديل . انظر : «الصحاح - صعد - 2: 498» .

رسول الله صلّي الله علیه و آله وهو مُحاصر أهل الطائف .

فلمّا رآه النبي صلّي الله علیه و آله کَبّر للفتح ، وأخذَ بيده فخلا به وناجاه طويلاً.

فروي أنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله لمّا خلا بعلی بن أبي طالب علیه السلام يوم الطائف ، أتاه عمر بن الخطاب فقال : أناجيه دوننا وتَخلو به دوننا؟ فقال : يا عُمر ، ما أنا إنّتَجَيتُه ، ولکن الله انتجاه(1).

ثمّ خرج من حصن الطائف نافع بن غَيلان بن معتب في خيلٍ من ثقيفٍ، فلَقيه أمیر المؤمنين علیه السلام ببطن وَجٍّ(2) فقتله ، وانهزم المشرکون ولَحِقّ القوم الرعب ، فنزل منهم جماعة إلي النبيّ صلّي الله علیه و آله فأسلّموا، وکان حِصار النبي صلّي الله علیه وآله الطائف بضعة عشر يوماً .

فصل

وفي هذه الغَزاة ممّا خصَّ الله تعالي أمیر المؤمنين علیه السلام بما انفرد به من کافّة الناس ، وکان الفتح فيها علی يده ، وحَصل له من المناجاة التي أضافها رسول الله صلّي الله علیه و آله إلي الله - عزّ اسمه - ما ظَهر به من فضله وخصوصيّته من الله تعالي بما بانّ به من کافّة الخلق ، وکان من عدوّه فيها ما دَلّ

ص:106


1- سنن الترمذي 5: 303، تاريخ بغداد 7: 402، مناقب المغازلي : 124 ، أسد الغابة 4: 27 ، کفاية الطالب : 327. والراوي هو : عبدالرحمن بن شيابة ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبدالله الانصاري
2- وَجَ : الطائف. «معجم البلدان 361:5» .

علی باطنه وکشفَ الله تعالي به حقيقة سرّهِ وضميره ، وفي ذلک عِبرة لأُوّلي الألباب.

فصل

ثمّ کانت غَزاة تبوک ، فأوحي الله عزّ اسمه إلي نبيه علیه و آله السلام : أن يسير إليها بنفسه ، ويستنفر الناس للخروج معه ، وأعلمه أنّه لا يحتاج فيها إلي حرب ، ولا يُبلي بقتال عدوٍّ ، وأن الأمّور تنقادُ له بغير سيف.

فلمّا أراد النبي صلّي الله علیه و آله الخروج استخلفَ أمیرَ المؤمنين علیه السلام في أهله وولده وأزواجه ومُهاجره وقال له : يا علیُ إنّ المدينة لا تَصلَحُ إلّابي أو بک.

فاستخلفه استخلافاً ظاهراً ، ونصَّ علیه بالإمامة من بعده نصّاً جليّاً .

وذلک فيما تظاهرت به الرواية أنَّ أهل النفاق لمّا عَلمِوا باستخلاف رسول الله صلّي الله علیه و آله علیاً علیه السلام علی المدينة ، حَسد وه لذلک ، وعظم علیهم مقامه فيها بعد خروج النبي صلّي الله علیه و آله ، وعلموا أنها تتحرّس به، ولا يکون فيها للعدوّ مطمع ، فساءهم ذلک ، وکانوا يُؤثرون خروجه معه ، لِما يرجونه من وقوع الفساد والاختلاط عند نأي النبي صلّي الله علیه وأله عن المدينة ، وخُلؤّها من مرهوب مخوّفٍ يَحرسُها . وغبطوه علیه السلام علی الرفاهيّة والدّعة بمُقامه في أهله ، و تکلّف من خرج منهم المشاقَّ بالسفر وبالحَظَر.

غزوة تبوک واستخلاف أمّير المؤمنين عليّه السلام عليّ المدينة

ص:107

فأرجَفوا به علیه السلام وقالوا : لَم يستخلفه رسول الله صلّي الله علیه و آله إکراماً له وإجلالاً ومودّة ، وإنّما خَلّفه استثقالاً له . فبهتوه بهذا الإرجاف کَبهتِ قُريش للنبي صلّي الله علیه و آله بالجِنّة تارةً ، وبالشعر أخري ، وبالسحر مرّة، وبالکِهانة أخري . وهم يعلمون ضِدَّ ذلک ونقيضه ، کما عَلِم المنافقون ضِدَّ ما أرجفوا به علی أمیر المؤمنين صلوات الله علیه وخلافه ، وأنَّ النبي صلّي الله علیه و آله کان أخصّ الناس بأمیر المؤمنين علیه السلام ، وکان هو أحبَّ الناس إليه ، و أسعدهم عنده ، وأفضلهم لديه.

فلمّا بلغَ أمیرَ المؤمنين علیه السلام إرجافُ المنافقين به ، أراد تکذيبهم وإظهار فضيحتهم ، فلَحِق بالنبي صلّي الله علیه و آله فقال له : يا رسول الله ، إنّ المنافقين يزعمون أنّک إنّما خَلّفتني استنقالاً ومقتاً ! فقال له النبي صلّي الله علیه و آله : إرجع يا أخي إلي مکانک ، فإنّ المدينة لا تَصلحُ إلّا بي أو بک ، فأنت خليفتي في أهلي ودار هجرتي وقومي ، أمّا ترضي أن تکون منّي بمنزلة هارون من موسي إلّا انّه لا نبي بعدي(1).

فتضمّن هذا القول من رسول الله صلّي الله علیه و آله نصّه علیه بالإمامة ، وإبانّته من الکافّة بالخلافة ، ودلّ به علی فضل لم يَشرکه فيه أحد سواه، وأوجب له به جميع منازل هارون من موسي ، إلّا ما خصّه العّرف من الأخوة و استثناه هو من النبوّة.

وهذه فضيلة لم يشرک فيه أحد من الخلق أمیر المؤمنين علیه السلام، ولا ساواه في معناها ولا قاربه فيها علی حال.

ص:108


1- نقدم ذکر مصادر حديث المنزلة في ص : 70.

في غزاة بني زُبَيد

لقيهم أمیر المؤمنين علیه السلام بواد يقال له کُشر (1)

فلمّا رآه بنو زُبَيد قالوا لعمرو بن معدي کرَب : کيف أنت - يا أبا ثور - إذا القيک هذا الغلامُ القرشيّ فأخذ منک الإتاوة(2)؟ فقال : سيعلم ان لقيني.

قال : وخرج عَمرو . فقال : من يبارز ؟ فنهض إليه أمیر المؤمنين علی بن أبي طالب علیه السلام فصاح به صيحةً فانهزم عَمرو وقُتل أخوه وابنُ أخيه، وأخِذَت امرأتُه ريحانة بنت سلامة ، وسُبي منهم نِسوانُ، وانصرف أمیر المؤمنين علیه السلام وخلّف علی بني زبيد خالد بن سعيد بن العاص رحمه الله ليَقبِضَ صدقاتهم ، ويُؤِمنَ من عاد إليه من هرّابهم مُسلّماً.

وکان أمیر المؤمنين علیه السلام قد اصطفي من السبي جاريةً ، فبعث خالد بن الوليد - وقد کان من جملة السريّة التي کان أمیر المؤمنين علیه السلام أمیرة علیهم - بريدة الأسلّمي رحمه الله إلي النبي صلّي الله علیه و آله وقال له : تقدّم الجيش إليه فأعِلمه بما فَعل علی بن أبي طالب علیه السلام من اصطفائه الجارية من الخمس لنفسه ، وقَع فيه .

ص:109


1- کُشر : بوزن زفر : من نواحي صنعاء اليمن . «معجم البلدان 4: 462»
2- الأتاوة : الخراج . «لسان العرب - أتي -17:14».

فسار بُريدة حتي انتهي إلي باب رسول الله صلّي الله علیه و آله فلقَيه عُمر بن الخطّاب فسأله عن حال غزوتهم وعن الّذي أقدمه ، فأخبره أنّه إنّما جاء ليقع في علی علیه السلام ، وذکر له اصطفاء الجاريةً من الخُمس لنفسه ، فقال له عمر: إمض لِمّا جئت له ، فإنّه سيَغضَبُ لابنته ممّا صنع علیُ.

فدخل بُريدة الأسلّمي علی النبي صلّي الله علیه و آله ومعه کتاب خالد بما أرسل به بُريدة ، فجعل يَقرؤُه وَوجهُ رسول الله صلّي الله علیه وآله يتغيّر ، فقال بريدة : يا رسول الله ، إنّک أن رخصّت للناس في مثل هذا ذَهب فَيؤُهم ، فقال له النبيّ صلّي الله علیه و آله : ويحک - يا بُريدة - أحدَثتَ نفاقاً ! إنَّ علی بن أبي طالب علیه السلام يَحِلُّ له من الفَيء مثل ما يَحِلُّ لي، إنَّ علی بن أبي طالب علیه السلام خيرُ الناس لک ولقومک ، و خير من أخلّف من بعدي لکافّة أمّتي، يا بُريدة ، إحذَر أن تُبغِضَ علیاً فيُبغِضَک الله .

قال بُريدة : فتمنيت أنّ الأرض انشقّت بي فسُختُ فيها ، وقلت : أعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله ، يا رسول الله ، استغفر لي فلن أبِغضَ علیاً أبداً ولا أقولُ فيه إلّا خيراً. فاستغفرَ له النبيّ صلّي الله علیه و آله.

فصل

وفي هذه الغَزاة من المنقبة الأمیر المؤمنين علیه السلام مالا تُماثلها منقبةُ لأحد سواه ، و الفتحُ فيها کان علی يديه خاصّةً ، وظهر من فضله ومُشارکته للنبيّ صلّي الله علیه و آله فيما أحلّه الله له من الفَيء، واختصاصه من

ص:110

ذلک بما لم يکن لغيره من الناس ، وبانّ من مودّة رسول الله صلّي الله علیه و آله وتفضيلهِ إيّاه ما کان خفيّاً علی من لا علم له بذلک ، وکان من تَحذيره بُريدة وغيره من بُغضه و عَداوته وحَثّه له علی مودّته وولايته ورَّد کيد اعدائه في

نُحورهم ، ما دل علی أنّه أفضل البريّة عند الله تعالي و عنده صلّي الله علیه وآله وأحقّهم بمقامه من بعده ، وأخصّهم به في نفسه ، وآثرهُم عنده .

غزوة السلسلة

فصل

ثمّ کانت غَزاة السلسلة ، وذلک أنّ أعرابياً جاء إلي النبي صلّي الله علیه وآله فجثا بين يديه وقال له : جئتُک لأنصح لک . قال : وما نصيحتّک . قال : قوم من العرب قد اجتمعوا بوادي الرَمل ، وعَمِلوا علی أن يُبَيَّتُوک بالمدينة . ووصفهم له.

فأمّر النبيُّ صلّي الله علیه و آله أن ينادي بالصلاة جامعة ، فاجتمع المسلّمون فصَعِدَ المنبر ، فحمد الله وأثني علیه ، ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّ هذا عدو الله وعدوکم قد عَمِل علی أن يبيّتکم ، فمَن لهم ؟

فقام جماعةُ من أهل الصُفّة ، فقالوا: نحن نَخرج إليهم - يا رسول الله - فولّ علینا من شئت . فأقرَع بينهم ، فخرجت القُرعةُ علی ثمّانين رجلاً منهم ومن غيرهم ، فاستدعي أبا بکر فقال له : خُذ اللواء وامض إلي بَني سُلَيم فإنّهم قريبُ من الحرّة.

فمضي أبو بکر ومعه القوم حتي قارب أرضهم ، وکانت کثيرة الحجارة

ص:111

والشجر ، وهم بطن الوادي ، والمُنحدر إليه صعب .

فلمّا صار أبو بکر إلي الوادي وأراد الانحدار خرجوا إليه فهزموه وقتلوا من المسلّمين جمعاً کثيراً ، وانهزم أبو بکر بالقوم.

فلمّا قدموا علی النبي صلّي الله علیه و آله عَقَد لعمر بن الخطّاب وبعثه إليهم، فکَمنوا له تحت الحجارة والشجر ، فلمّا ذهب ليَهبِط خرجوا إليه فهزموه.

فساء ذلک رسول الله صلّي الله علیه و آله فقال له عمرو بن العاص : إبعثني - يا رسول الله - إليهم ، فإنّ الحرب خُدعة ، ولَعلی أخدَعُهم ، فأنفذه مع جماعة منهم أبو بکر وعمر ، فلمّا صار إلي الوادي خرجوا إليه فهزموه، وقتلوا

من أصحابه جماعةً.

فدعا رسول الله صلّي الله علیه و آله أمیر المؤمنين علی بن أبي طالب علیه السلام فعقد له ، ثمّ قال : أرسلته کرّاراً غير فرّار ، ورفع يديه إلي السماء وقال : اللهم إنّ کنت تعلم أنّي رسولک ، فاحفظني فيه ، وافعل به وافعل ، فدعا له ما شاء الله .

وخرج علیُ بن أبي طالب علیه السلام، وخرج رسول الله صلّي الله علیه واله ليشيّعه ، وبلغ معه مسجد الأحزاب ، وأنفذ معه فيمن أنفذ أبا بکر وعُمر وعَمرو بن العاص ، فسار بهم علیه السلام نحو العراق مُتنکّباً للطريق ، ثمّ أخذ بهم علی محجّة(1)غامضة ، فسار بهم حتّي استقبل الوادي من فمه ، فلمّا قرب

ص:112


1- المحجّة : الجادة .

منهم أمّر أصحابه أن يعلموا (1)رؤوس الخيل ، ووَقَّفهم مَکاناً وقال : لا تَبرَحوا. وانتبذ أمّامهم وأقام ناحيةً منهم ، حتي أحس علیه السلام الفجر ، فکس (2) القوم وهم غازون(3) ، فأمّکنه الله تعالي منهم، ونزلت علی النبي صلّي الله علیه و آله: (وَالعَادِيَاتِ ضَبحاً...) (4) إلي آخر السورة ، فبَشَّر النبي صلّي الله علیه و آله أصحابه بالفتح ، وأمّرهم أن يستقبلوا أمیر المؤمنين علیه السلام فاستقبلوه، والنبيُّ صلّي الله علیه و آله يَقدُمُهم فقاموا له صفّين .

فلمّا بَصُرَ بالنبي صلّي الله علیه و آله تَرجَّل عن فرسه ، فقال له النبي صلّي الله علیه و آله : إرکَب فإنّ الله ورسولَه عنک راضيان.

فبکي أمیر المؤمنين علیه السلام فَرِحاً ، فقال له النبي صلّي الله علیه و آله: يا علی ، لولا أنني أُشفِقُ أن تقولَ فيک طوائف من أمّتي ما قالت النصاري في المسيح عيسي بن مريم علیه السلام ، لقلتُ فيک اليوم مَقالاً لا تمرُّ بملأٍ من الناس إلّا أخذوا التراب من تحت قدميک ، للبرکة .

فصل

فکان الفتح في هذه الغَزاة لأمیر المؤمنين علیه السلام خاصّةً ، بعد أن کان من غيره فيها من الفساد ماکان ، واخصّ علیه السلام من مديح النبيّ صلّي

ص:113


1- کعم بعيره أو فرسه : شد فمه کي لا يظهر منه صوت . انظر : «الصحاح - کعم - 5: 2023» .
2- کَبسوا دار فلان ک أغاروا علیه فجأة. «الصحاح - کبس - 3: 969»
3- أي غافلون
4- العاديات : 1.

الله علیه و آله فيها بفضائل لم يَحصُل منها شيءُ لغيره .

حديث المباهلة

فصل

ولمّا انتشر الاسلام بعد الفتح وما وَليَه من الغزوات المذکورة وقَويَ سلطانه، وَفَدَ إلي النبي صلّي الله علیه و آله الوفود ، فمنهم مَن أسلمَ ومنهم من استأمَنَ.

فکان ممّن وَفَد علیه أبو حارثة أُسقف نجران في ثلاثين رجلاً من النصاري ، منهم العاقِب والسيّد وعبدُ المسيح ، فقدموا إلي المدينة عند صلاة العصر ، وعلیهم لباسُ الدّيباج و الصُلُب ، فلمّا صلّي النبي صلّي الله علیه و آله العصر توجّهوا إليه يقدُمُهم الأسقف ، فقال له : يا محمّد ، ما تقول في السيّد المسيح عيسي بن مريم ؟

فقال النبي صلّي الله علیه و آله : عبدالله اصطفاهُ وانتَجَبه . فقال الأسقُف : أتَعرِفُ - يا محمّد - له أباً ولده ؟ فقال النبي صلّي الله علیه و آله : لم يَکُن عن نکاح فيکونُ له والد.

قال : فکيف قلت : إنّه عبد مخلوق ، وأنت لم ترَ عبداً مخلوقاً إلّا عن

نکاح وله والد ؟ فأنزل الله سبحانه و تعالي الآيات من سورة عمران : (إنَّ مَثَلَ عيسَي عِندَ اللهِ کَمِثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ کُن فَيَکُو نُ الحَقُّ مِن رَ بَّکَ فَلَا تَکُن مِنَ المُمتَرينَ * فَمَن حَاجَّکَ فيهِ مِن بَعدِ مَا جَاءَکَ مِنَ العِلمِ فَقُل تَعَالَوا نَدعُ أبنَاءَ نَا وَأبنَاءَکُم وَنِسَاءَنَا وَنَسَاءَکُم وَأنفُسَنَا وَأنفُسَکُم ثُمَّ

ص:114

نَبتَهِلُ فَنَجعَلُ لَعنَةُ اللهِ عَلَي الکَاذِبينَ) (1) فتلاها النبي صلّي الله علیه و آله علی النصاري ، ودعاهم إلي المباهلة ، وقال : إنّ الله عزّ وجلّ أخبرني أنّ العذاب يَنزِلُ علی المُبطِل عقيب المباهلة ، ويُبيّن الحقّ من الباطل بذلک.

فاجتمع الأسقُف مع عبد المسيح والعاقِب علی المشورة ، واتّفق رأيهم علی استنظاره إلي صبيحة غدٍ من يومهم ذلک.

فلمّا رجعوا إلي رجالهم فقال لهم الأسقُف : انظروا محمّداً في غَدٍ، فإنّ غَدا بولده وأهله فاحذَروا مباهلته ، وإنّ غدا باصحابه فباهلوه ، فإنّه علی غير شيء.

فلمّا کان من الغد جاء النبي صلّي الله علیه و آله آخذاً بيد أمیر المؤمنين علی بن أبي طالب علیه السلام والحسن والحسين علیهما السلام يمشيان بين يديه وفاطمة علیها السلام تمشي خلفه ، وخرج النصاري يَقدُمُهم آسقُفهم.

فلمّا رأي النبي صلّي الله علیه و آله قد أقبل بمن معه ، سأل عنهم ، فقيل له: هذا ابنُ عمّه علی بن أبي طالب علیه السلام وهو صِهره وأبو ولديه وأحبّ الخلق إليه ، وهذان الطفلان ولدا ابنته من علی علیه السلام ، وهما من أحب الخلق إليه ، وهذه الجاريةُ بنتُه فاطمة علیها السلام أعزُّ الناس علیه ، وأقربهم إلي قلبه .

فنَظر الأسقف إلي العاقب والسيّد وعبد المسيح وقال لهم : انظروا إليه قد جاء بخاصّته من ولده وأهله ليُباهِلَ بهم واثقاً بحقّه ، والله ما جاء بهم وهو يتخوّف الحجّة علیه ، فاحذَروا مباهلته ، والله لولا مکان قَيصَر لأسلمتُ له ،

ص:115


1- آل عمران: 59 - 61.

ولکن صالحوه علی ما يتّفق بينکم وبينه ، وارجِعُوا إلي بلادکم وارتَؤُوا لأنفسکم، فقالوا له : رأيُنا لرأيک تَبعُ.

فقال الأسقُف : يا أبا القاسم انّالانُباهِلک ولکنّانُصالِحُک ، فصالحنا علی ما نَنهَضُ به.

فصالحهم النبيُّ صلّي الله علیه و آله علی ألفَي حَلّة من حُلَل الأواقي قيمة کلّ حُلّةٍ أربعون درهماً جياداً ، فما زاد أو نقص کان بحساب ذلک ، وکتب لهم النبي صلّي الله علیه و آله کتاباً بما صالحهم علیه ، وأخذ القوم الکتاب(1) وانصرفوا(2).

فصل

وفي قصّة أهل نجران بيان فضل أمیر المؤمنين علیه السلام ، وأنّ

ص:116


1- وکان الکتاب کما ذکر في الارشاد 1: 169: بسم الله الرحمن الرحيم هذا کتابُ من محم النبي رسول الله لنجران وحاشيتها ، في کلَّ صفراء وبيضاء وثمّرة ورقيق ، لا يُؤخَذُ منه شيءُ منهم غير ألفَي حُلّةٍمن حُلل الأوراقي ثمّن کلّ حلة أربعون درهماً ، فما زاد أو نقص فعلی حساب ذلک ، يؤدون ألفاً منها في صَفرٍ ، وألفاً منها في رجب ، وعلیهم أربعون ديناراً مثواة رسولي ممّا فوق ذلک ، وعلیهم في کلّ حّدثٍ يکون باليمن من کلّ ذي عدنٍ عارية مضمونةُ ثلاثون درعاً وثلاثون فرساً وثلاثون جملاً عارية مضمومةُ ، لهم بذلک جوارُ الله وذمّةُ محمّد بن عبدالله ، فمن أکل الرِبا منهم بعد عامهم هذا فذمّتي منه بريئة
2- ورد هذا الحديث بالفاظ مختلفة في : صحيح مسلّم 4: 1871 ، الجامع الصحيح 5:638 ح 3724، مسند أحمد 1: 185، مستدرک الصحيحين 15:3، سنن البيهقي 7: 63، تفسير الدرّ المنشور 2: 39.

الله تعالي حَکَم في آية المباهلة لأمیر المؤمنين علیه السلام بأنّه نفس رسول الله صلّي الله علیه و آله ، کاشفاً بذلک عن بلوغه نهاية الفضل، ومساواته للنبي سلام الله علیه و آله في الکمال والعِصمة من الآثام، وأنّ الله سبحانه جعله وزوجته وولديه - مع تقارب سنّهما - حجّة لنبّيه صلّي الله علیه و آله ، وبرهاناً علی دينه ، ونصّ علی الحُکم بأنّ الحسن والحسين أبناؤه ، وأن فاطمة علیها السلام نساؤه المتوجَّهُ إليهنّ الذکر والخطاب في المباهلة والاحتجاج ، وهذا فضلُ لم يشرکهم فيه أحد من الأمّة ، ولا قاربهم فيه ، ولا ماثلهم في معناه ، وهو لاحِقُ بما تقدّم من مناقب أمیر المؤمنين علیه السلام الخاصّة له ، علی ما ذکرناه .

قضاء أمّير المؤمنين عليّه السلام

اشارة

فصل

فأمّا الأخبار التي جاءت بالباهر من قضاياه علیه السلام في الدين، وأحکامه التي افتقر إليه في علمها کافّةُ المسلّمين ، بعد الّذي أثبتناه من جملة الوارد في تقدّمه في العلم ، و تبريزه علی الجماعة بالمعرفة والفهم ، وفزع علمّاء الصحابة إليه فيما أعضَل من ذلک ، والتجائِهم إليه فيه ، وتسليمهم له القضاء به، فهي أکثرُ من أن تُحصي ، وأجل من أن تُتعاطي ، وأنا موردُ منها جملةً تدلّ علی ما بعدها ان شاء الله تعالي.

فمن ذلک ما رواه نقلة الآثار من العامّة والخاصّة من قضاياه ورسول الله صلّي الله علیه و آله حيُّ فصوّبه فيها ، وحکم له بالحقّ فيما قضي ، ودعا له بخير وأثني علیه به ، وأبانّه بالفضل في ذلک من الکافّة ، ودَلَّ به علی

ص:117

استحقاقه الأمّرَ من بعده ، وجوب تقدّمه علی من سواه في مقام الإمامة ، کما تضمّن ذلک التنزيلُ فيما دلّ علی معناه ، وعُرف به ما حواه من التأويل، حيث يقول الله عزّ اسمه : (أَفَمَن يَهدِي إلَي الحَقّ أحَقِّ أَن يُتَّبَعَ أمَّن لَا يَهدِي إلّا أن يُهدي فَمَا لَکُم کَيفَ تَحکُمُونَ)(1) وقوله سبحانه وتعالي في قصّة طالوت : (وَقَالَ لَهُمُ نَبِيُّهُم إنَّ اللهَ قَد بَعَثَ لَکُم طَالُوتَ مَلِکاً قَالُوا أنّي يَکُونُ لَهُ المُلکُ عَلَينا وَنَحنُ أحَقُ بِالمُلکِ مِنهُ وَلَم يُؤتَ سَعَةً مِنَ المَالِ قالَ إنَّ اللهَ اصطَفاهُ عَلَيکم وَزَادَهُ بَسطَةً فِي العِلمِ وَالجِسمِ واللهُ يُؤتي مُلکَهُ مَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعُ عَليمُ) (2)

في زمن النبي صلّي الله عليّه و آله

فجعل جهة حقّه في التقدّم علیهم ما زاده الله من البسطة في العلم والجسم، واصطفاء َهُ إيّاه علی کاقتهم بذلک ، وکانت هذه الآيات موافقة لدلائل العقول في أنّ الأعلم أحقُّ بالتقدّم في محلّ الإمامة ممّن لا يُساويه في العلم ، ودلّت علی وجوب تقدّم أمیر المؤمنين علیه السلام علی کافّة المسلّمين في خلافة الرسول صلّي الله علیه و آله ، وإمامة الأمّة لتقدّمه علیهم في العلم والحکمة، وقصورهم عن منزلته في ذلک.

فصل

فمّما جاءت به الرواية في قضاياه علیه السلام والنبي صلّي الله علیه و آله

ص:118


1- يونس :35.
2- البقرة :247.

حئُّ موجود، أنّه لمّا أراد رسول الله صلّي الله علیه و آله تقليده قضاء اليمن، وإنّفاذه إليهم ليُعلَّمهم الأحکام ، ويبيّن لهم الحلال من الحرام ، ويحکم فيهم بأحکام القرآن ، قال له أمیر المؤمنين علیه السلام : تندبني يا رسول الله للقضاء وأنا شابُّ ولا علم لي بکلّ القضاء.

فقال له : أُدنُ منّي ، فدنا منه فضرب علی صدره بيده ، وقال : اللّهمّ اهدِ قلبه و ثبَّت لسانه .

قال أمیر المؤمنين علیه السلام : فما شَکَکتُ في قضاءٍ بين اثنين بعد ذلک المقام(1).

ولمّا استقرّت به الدارُ باليمن ، ونظر فيما نَدبَه إليه رسولُ الله صلّي الله علیه و آله من القضاء والحکم بين المسلّمين ، رُفِعَ إليه رجلان بينهما جاريةُ يملکان رِقّها علی السواء قد جَهلا حظرَ وطئها فوَطِناها معاً في طُهر واحد علی ظنّ منهما جواز ذلک لقرب عهدهما بالإسلام ، وقلّة معرفتهما بما تضمنته الشريعةُ من الأحکام ، فحملت الجارية ووضعت غلاما ، فاختصما إليه فيه فقرع بينهما علی الغلام باسميهما فخرجت القرعةُ لأحدهما ، فألحقّ الغلام به ، وألزمه نصفَ قيمة الولد لو کان عبداً لشريکه ، وقال : لو علمت أنّکما أقدمتُما علی ما فعلتماه بعد الحجّة عليکما بحَظره لَبالغتُ في عقوبتکما.

وبَلَغَ رسول الله صلّي الله علیه و آله هذه القضيّة فأمّضاها ، وأقرّ

ص:119


1- روي باختلاف يسير في الطبقات الکبري 2: 337، مسند أحمد 136:1، سنن ابن ماجة 774:2، أنساب الأشراف 101:2 ، مسند أبي يعلی 268:1 و 323 ، تاريخ بغداد 12: 443، بحارالانوار244:40

الحکم بها في الإسلام ، وقال : الحمد لله الّذي جعل منّا - أهل البيت - من يقضي علی سنن داود علیه السلام وسبيله في القضاء . يعني به القضاء بالإلهام الّذي هو في معني الوحي ، ونزول النصّ به أن لو نَزل علی التصريح(1)

فصل

وجاءت الآثار أنَّ رجلين اختصما إلي النبي صلّي الله علیه و آله في بقرة قتلت حمارا ، فقال أحدهما : يا رسول الله ، بقرةُ هذا الرجل قتلَت حماري .

فقال رسول الله صلّي الله علیه و آله : إذهبا إلي أبي بکرٍ فاسألاه القضاء في ذلک.

فجاء إلي أبي بکر وقصّا علیه قِصَّتهما . فقال : کيف ترکتما رسول الله صلّي الله علیه و آله وجئتُماني ؟

فقالا : هو أمّرنا بذلک.

فقال لها : بَهيمةُ قتلت بهيمةً، لا شيء علی رَبّها .

فعادا إلي النبيّ صلّي الله علیه و آله فأخبراه بذلک ، فقال لهما : امضيا إلي عُمر بن الخطاب فقُصّا علیه قصّتکما.

ص:120


1- روي نحوه في الکافي 5: 491، الفقيه54:3، تهذيب الأحکام 6: 238، مصباح الأنوار : 182،مناقب آل أبي طالب 2: 353.

فقال لهما : کيف ترکتُما رسول الله صلّي الله علیه و آله وجئتماني ؟

فقالا : أنّه أمّرنا بذلک .

قال : فکيف لم يأمُرکما بالمصير إلي أبي بکر ؟

قالا: قد أمّرنا بذلک فصِرنا إليه.

فقال : ما الّذي قال لکما في هذه القضية ؟

قال : قال : کيت وکيت.

قال : ما أري فيما إلّا ما رأي أبو بکر.

فعادا إلي رسول الله صلّي الله علیه و آله فخَبَّراء الخبرَ ، قال : فإذهبا إلي علی بن أبي طالب علیه السلام ليقضي بينکما.

فذهبا إليه فقصّا علیه قصتهما ، فقال علیه السلام : ان کانت البقرة دخلت علی الحمار في مأمّنه فقتلته ، فعلی رَبّها قيمة الحمار لصاحبه ، وإنّ کان الحمارُ دخل علی البقرة في مأمّنها فقتلته ، فلا غُرم علی صاحبها .

فعادا إلي النبي صلّي الله علیه و آله فاخبراه بقضيّته بينهما ، فقال صلّي الله علیه و آله : لقد قضي عليُ بن أبي طالب بينکما بقضاء الله عزّ اسمه ، ثمّ قال: الحمدُ لله الّذي جعل فينا - أهل البيت - من يَقضي علی سنن داود في القضاء (1)

ص:121


1- روي باختلاف يسير في الکافي 352:7 ح 7، مناقب آل أبي طالب 2: 254 ، وباختلاف في ألفاظه في تهذيب الأحکام 229:10 ح 2، فضائل شاذان : 167، بحار الأنوار 400:104 ح 2.

في إمارة أبي بکر بن أبي قحافة

فصل: في ذکر مختصر من قضاياه في إمارة أبي بکر بن أبي قحافة

فمن ذلک ما جاء به الخبرُ عن رجال من العامّة والخاصّة : أنّ رجلاً رُفِع إلي أبي بکر وقد شَرِب الخمر ، فأراد أن يُقيم علیه الحَد فقال له : إنّني شَرِبتُها ولا علم لي بتحريمها ، لأتي نشأت بين قوم يستحلونها، ولم أعلم بتحريمها حتّي الآن. فارتج(1)علی أبي بکر الأمّر بالحکم علیه ، ولم يعلم وجه القضاء فيه، فأشار علیه بعض من حضره أن يستخبر أمیر المؤمنين علیه السلام عن الحکم في ذلک ، فأرسل إليه من سأله عنه ، فقال أمیر المؤمنين علیه السلام من رجلين ثقتين من رجال المسلّمين يَطُوفان به علی مجالس المهاجرين والأنصار، ويُناشد انهم هل فيهم أحدُ تلا علیه آية التحريم أو أخبره بذلک عن رسول الله صلّي الله علیه و آله ؟ فإنّ شَهِدَ بذلک رجلان منهم فأقِم الحد علیه ، وإنّ لم يشهد أحد بذلک فاستتَيِبه و خَلّ سبيله.

ففعل ذلک أبو بکر ، فلم يَشهد أحدُ بذلک من المهاجرين والأنصار أنّه تلا علیه آية التحريم ، ولا أخبره عن رسول الله صلّي الله علیه و آله بذلک ، فاستتابه أبو بکر وخلي سبيله ، وسلّم لعلی علیه السلام في

ص:122


1- ارتجّ علیه وارتج علیه : استبهم علیه . «لسان العرب - رتج - 2: 280» .

القضاء به (1) وروَوا : أن أبا بکر سُئل عن قوله تعالي :(وَفاکِهَةً وَاَبَّاً) (2)فلم يعرف معني الأبّ في القرآن ، وقال : أيُّ سماء تُظِلّني أمّ أيّ أرض تُقلّني أمّ کيف أصنع إنّ قلتُ في کتاب الله تعالي بما لا أعلم ، أمّا الفاکهة فَنعرِفها ، وأمّا الأبُّ فالله أعلمُ به.

فبلغ أمیر المؤمنين علیه السلام مقاله في ذلک ، فقال : يا سبحان الله ، أمّا عَلِمَ أنّ الأبَّ هو الکَلأ والمَرعي ، وأنّ قوله تعالي : (وَفَاکِهَةً وَاَبَّاً) اعتدادُ من الله بإنّعامه علی خلقه فيما غذّاهم به ، وخلقه لهم ولانعامهم ممّا تُحيي به أنفسهم و تَقوم به أجسادُهم (3)

ص:123


1- الکافي216:7 ح 16 و 249 ح 4، تهذيب الأحکام 94:10 ح 361، خصائص الرضي : 81، مناقب آل ابي طالب 2:356 باختلاف يسير ، بحار الأنوار 79: 159 ح 13.
2- عبس : 31.
3- ذکر صدره ابن شهرآشوب في مناقبه 2: 32، والسيوطي في الدر المنثور 6: 317 عن فضائل أبو عبيد وعبد بن جميل ، ونقله البحراني في تفسير البرهان 4: 429 ح 1، والحويزي في تفسير نور الثقلين 511:55 ح14، والعلّامة المجلسي في بحار الأنوار 79: 159 ح 13.

في إمارة عمر بن الخطاب

فصل: في ذکر ما جاء من قضاياه علیه السلام في إمارة عُمر بن الخطاب

فمن ذلک ما جاءت به الرواية : أنَّ مجنونة علی عهد عمر بن الخطّاب فَجَر بها رجل ، فقامت البيّنة علیها بذلک ، فأمّر عمر بجلدها الحدّ، فمرّ بها علی أمیر المؤمنين علیه السلام التُجلَد ، فقال : ما بالُ مجنونة آل فلان تعتل (1)؟

فقيل له : أنّ رجلاً فَجر بها وهرب ، وقامت البيّنة علیها بذلک ، فأمّر عمر بجلدها ، فقال لهم : رُدّوها إليه وقولوا له : أمّا علمت أنّ هذه مجنونة آل فلان؟ وأن النبيّ صلّي الله علیه و آله قال : رُفع القلمُ عن المجنون حتي يفيق ! إنّها مغلوبةُ علی عقلها ونفسها.

فرُدّت إلي عمر ، وقيل له ما قال أمیر المؤمنين علیه السلام.

فقال : فرّج الله عنه ، لقد کدت أن أهلک في جَلدها. ودرأ عنها الحدّ(2)

ص:124


1- تعتل : تجذب جذباً عنيفاً . «الصحاح - عتل - 1758:5 ».
2- مناقب آل أبي طالب 2: 366، وروي نحوه في مسند أحمد 1: 154، سنن أبي داود 140:4 ، مسند أبي يعلی 440:1، المستدرک علی الصحيحين 59:2، سنن الدارقطني 3: 138ح173، سنن البيهقي 8: 299، سنن سعيد بن منصور 67:2 ، بحار الأنوار 79: 88 ح 6.

ثمّ قال : لولا علی لهلک عمر.

وروَوا: أنّه أتي بحاملٍ قد زنت فأمّر برجمها ، فقال له أمیر المؤمنين علیه السلام : هَب لک سبيلُ علیها ، أي سبيل لک علی ما في بطنها !؟ والله تعالي يقول: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةُ وِزرَ أُخري)(1)

فقال عمر: لا عِشتُ لمُعضلةٍ لا يکون لها أبو حسنٍ ، ثمّ قال : ما أصنع بها؟ قال : إحتَط عليها حتّي تَلِد ، فإذا وَلَدت ووَجَدت لولدِها من يکفُلُه فأقم الحدَّ عليها.

فسُرّي بذلک عن عمر ، وعوّل في الحکم علی أمیر المؤمنين علیه السلام (2)

ص:125


1- الأنعام : 164 ، الإسراء : 15، فاطر: 18، الزمر : 7.
2- روي باختصار في الاختصاص : 111، مناقب آل أبي طالب 2: 362، کفاية الطالب : 227 ، إرشاد القلوب : 213، بحار الأنوار 79 : 49 ح 35.

في إمارة عثمّان بن عفان

فصل: وله مثل ذلک في إِمرة عثمّان بن عفان

فمن ذلک ما رواه نقلة الأخبار من العامّة والخاصّة : أنّ امرأة نکحها شيخ کبير فحملت ، فزعم الشّيخ أنّه لم يصل إليها وأنکر حملها ، فالتبس الأمّر علی عثمّان ، وسأل المرأة هل افتضّکِ الشّيخ ؟ وکانت بکراً فقالت : لا ، فقال عثمّان: أقيموا الحدّ عليها . فقال له أمیر المؤمنين علیه السلام : إنّ للمرأة سَمّين : سمّ المحيض وسمّ البول ، فلعلّ الشّيخ کان ينال منها فسال ماؤه في سمّ المحيض فحملت منه ، فاسألوا الرّجل عن ذلک.

فسئل فقال : قد کنت أنزل المّاء في قُبُلها من غير وصول إليها بالاقتضاض، فقال أمیر المؤمنين علیه السلام : الحمل له والولد ولده ، وأري عقوبته علی الإنّکار له . فصار عثمّان إلي قضائه بذلک (1).

وروَوا : أنَّ رجلاً کانت له سريّة فأوّلدها ، ثمّ اعتزلها وأنکحها عبداً له ، ثمّ توفّي السيّد عتيقت بملک ابنها لها ، فورث ولدُها زوجها ، ثمّ تونّي الابن فورثت من ولدّها زوجها ، فارتفعا إلي عثمّان يختصمان تقول : هذا عبدي ، ويقول : هي امرأتي ولست مفرجاً عنها.

فقال عثمّان : هذه قضيّة مشکلة ، وأمیر المؤمنين علیه السلام حاضر

ص:126


1- مناقب آل أبي طالب 2: 370، بحار الأنوار -256:40 ح 29.

فقال: سلوها هل جامعها بعد ميراثها له .

فقالت : لا.

فقال : لو أعلم أنّه فعل ذلک لعذّبته ، إذهبي فإنّه عبدک ليس له علیک سبيل ، إنّ شئت أن تسترقيه أو تعتقيه أو تبيعيه فذلک لک(1)

فصار عثمّان إلي قضائه بذلک ، وغير ذلک ممّا يطول بذکره الکتاب ، فيما أثبتناه من قضاياه في إمارة من تقدّم ذکره کفاية فيما قصدناه ان شاء الله .

ص:127


1- مناقب آل أبي طالب 2: 371، بحار الأنوار 40 : 207 ضمن ح 29.

في خلافته عليّه السلام

فصل

وجاء من قضاياه علیه السلام بعد بيعة العامّة له ، ومضي عثمّان بن عفان علی ما رواه أهل النقل والآثار : أن امرأةً ولدت علی فراش زوجها ولداً له بدنان ورأسان علی حَقوٍ(1)واحد. فالتبس الأمّر علی أهله أهو واحد أمّ اثنان؟ فصاروا إلي أمیر المؤمنين علیه السلام يسألونه عن ذلک ليعرفوا الحکم فيه ، فقال لهم أمیر المؤمنين علیه السلام : اعتبروه إذا نام ثمّ أنبهوا أحد البدنين والرأسين ، فإنّ انتبها جميعاً معاً في حالة واحدة فهما إنّسان واحد ، وإنّ استيقظ أحدهما والآخر نائم ، فهما اثنان وحقهما من الميراث حقّ اثنين (2).

وروي الحسن بن محبوب قال : حدّثني عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سمعت ابن أبي ليلي يقول : قضي أمیر المؤمنين علی بن أبي طالب علیه السلام بقضيةٍ ماسبقه إليها أحد، وذلک أنّ رجلين اصطحبا في سفر فجلسا يتغدّيان، فأخرج أحدُهما خمسة أزغِفَة وأخرج الآخر ثلاثة أرغفة ، فمرَّ بهما رجلُ فسلّم فقالا له : الغذاء ، فجلس معهما يأکل، فلمّا فَرغ من أکله رمي إليهما ثمّانية دراهم وقال لهما : هذه عوض عمّا أکلتُ من طعامکما ، فاختصما وقال صاحب الثلاثة: هذه نصفان بيننا ، وقال صاحب الخمسة : بل لي خمسة ولک ثلاثة، فارتفعا إلي أمیر المؤمنين علیه السلام وقصّا

ص:128


1- الحقّو : الخصر ومحل شد الإزار . «الصحاح - حقا ۔ 6: 2317» .
2- مناقب آل أبي طالب2: 375، بحار الأنوار40: 257 ح 40 و 10 : 354ح 3.

علیه القصة.

فقال لهما : هذا أمّر فيه دناءة، والخصومة غير جميلة فيه ، والصلح أحسن.

فقال صاحب الثلاث أرغِفة : لست أرضي إلّا بمُرّ القضاء.

قال أمیر المؤمنين علیه السلام : فإذا کنت لا ترضي إلّا بمرّ القضاء ، فإنّ لک واحداً من ثمّانية ولصاحبک سبعة.

فقال : سبحان الله ، کيف صار هذا هکذا ؟

فقال له : أُخبرک ، أليس کان لک ثلاثة أرغفة ؟

فقال : بلي.

قال : ولصاحبک خمسة .

قال : بلي.

قال : فهذه أربعة وعشرون ثُلثاً ، أکلت أنت ثمّانية ، وصاحبک ثمّانية، والضيف ثمّانية ، فلمّا أعطاکم الثمّانية دراهم ، کان لصاحبک سبعة ، ولک واحد.

فانصرف الرجلان علی بصيرة من أمّرهما في القضيّة (1)

ص:129


1- روي نحوه في الکافي 427:7، الفقيه 3: 23 ح 64، الاختصاص : 107، التهذيب6 : 290ح805، کنز الفوائد 2: 69، الاستيعاب 3: 41، مناقب آل أبي طالب 52:2، بحار الأنوار - 263:40ح 32.

من معجزات أمّير المؤمنين عليّه السلام

اشارة

فصل

ومن آيات الله عزّ وجلّ الباهرة فيه علیه السلام، والخواصَّ التي أفرده الله بها ، ودلَّ بالمعجز منها علی إمامتهِ ووجوبِ طاعتهِ و ثبوتِ حجّتهِ ، ما هو من جمله الجرائح(1) التي أبانَ الله بها الأنبياء والرُّسل علیهم السلامُ وجَعَلها أعلاماً لهم علی صدقهم.

فمن ذلک ما استفاض عنه علیه السلام من إخباره بالغائبات والکائن قبل کونِه ، فلا يَخُرِمُ من ذلک شيئاً ، ويُوافِقُ المُخبرُ منه خَبَره حتّي يُتَحقَّق الصَّدقُ فيه، وهذا من أبهر مُعجزات الأنبياء علیهم السلام.

ألا تري إلي قوله فيما أبانّ به المسيح عيسي بن مريم علیه السلام من المعجز الباهر والآية العجيبة الدالة علی نبوّته : (وَأنَبَّئکُم بِمَا تَأکُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ في بيُوُتِکُم)(2).

وجعلَ عزّ اسمه مثلَ ذلک من عجيب آيات رسول الله صلّي الله علیه و آله فقال عند غلبة فارس الرَّوم : (الم غُلِبَت الرُّومُ في أَدنَي الأَرضِ وَهُم مِن بَعدِ غَلبِهِم سَيَغلِبونَ و فِي بِضُعِ سِنِين)(3) فکان الأمّر في ذلک کما قال .

ص:130


1- في الارشاد : الخرائج ، وفي هامش بعض نسخ الارشاد، الخرائج : هي المعجزات ، يقال : خرائج الشريعة وهي التي تخرج علی أيديهم مصححة لدعاويهم وکذلک هي في کتاب الجليس والانيس اللمعاني ابن زکريا من خرج.
2- آل عمران : 49.
3- الروم: 1- 4.

حديثه مع طلحة والزبير

وقال الله عزّ وجلّ في أهل بدر قبل الوقعة :( سَيُهزَمُ الجَمعُ وَيُولُّونَ الدُّبُرَ)(1) فکان الأمّر کما قال من غير اختلافٍ في ذلک.

فحقّق ذلک خبره ، وأبانّ به عن صدقه ، ودلّ به علي نبوته عليه و آله السّلام في أمثال ذلک ممّا يطولُ باثباته الکتاب.

فصل

والّذي کان من أمیر المؤمنين علی بن أبي طالب علیه السلام من هذا الجنس ، ما لا يُستطاع إنّکاره إلّا مع الغَباوةِ والجهل والبَهتِ و العِنادِ ، ألا تري إلي ما تظاهرت به الأخبار، وانتشرت به الآثار، ونقلته الکافّة عنه علیه السلام من قوله قبل قتاله الفِرق الثلاث بعد بيعته : آمرتُ بقتال الناکثين والقاسطين والمّارقين (2) ، فقاتلهم علیه السلام وکان الأمّر فيما خَبَّر به علی ما قال.

وقال علیه السلام لطلحة و الزّبير حين استأذناه في الخروج إلي العُمرة :

لا واللهِ ما تُريدانِ العُمرة، وإنّما تُريدان البصرة (3) ، وکان الأمّر کما قال .

وقال علیه السلام لابنِ عبّاسٍ وهو يخبره عن استئذانهما له في العُمرة : إنّني أذنت لهما معَ علمي بما قد انطويا علیه من الغدر ، واستظهرتُ باللهِ علیهما، وإنّ الله سيردُّ کيدهما ويُظفِرُني بهما(4)، فکان الأمرُ کما قال .

ص:131


1- القمر : 45.
2- الخصال : 145.
3- الجمل للشيخ المفيد : 89-90.
4- الجمل للشيخ المفيد : 89-90.

وقال علیه السلام بذي قارٍ وهو جالسُ لأخذ البيعة : يأتيکم من قِبَل الکوفة ألف رجلٍ، لا يزيدون رجلاً ولا ينقصون رجلاً ، يُبايعوني علی الموت .

قال ابن عبّاس : فجزعتُ لذلک ، وخِفتُ أن يَنقُضَ القومُ عن العدد أو يَزيدوا عليه ، فيفسد الأمّر علینا ، فلم أزل مهموماً دأبي إحصاء القوم ، حتّي وردَ أوائلهم، فجعلتُ أُحصيهم فاستوفيتُ عددهم تسعمائِة وتسعةً وتسعين رجلاً ، ثمّ انقطع مجيءُ القوم ، فقلت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ماذا حمله علی ما قال ؟

قصة أويس القرني

و قال علیه السلام بذي قارٍ وهو جالسٌ لأخذ البیعة: یأتیکم من قِبَل الکوفة ألفُ رجلٍ، لا یزیدون رجلاً ولا ینقضون رجلاً، یُبایعوني علی الموت.

ثال ابن عبّاس: فجزعتُ لذلک، و خِفتُ أن یَنقُصَ القومُ عن العدد أو یَزیدوا علیه، فیَفسد الأمر علینا، فلم أزل مهموماً دأبي أحصاءُ القوم، حتّی وردَ أوائلهُم، فجعلتُ اُحصیهم فاستویتُ عددهم تسعمائةِ و تسعةٍ و تسعین رجلاً، ثمّ انقطع مجيءُ القوم ، فقلت: إنّا لله و إنّا الیه راجعون، ماذا حمله علی ما قال؟

فبينا أنا مفکّرُ في ذلک ، إذ رأيتُ شخصاً قد أقبل ، حتّي دنا منّي ، فإذا هو راجلُ علیه قَباءُ صوفٍ معه سيفُه وتُرسُه وإدواتُه(1)، فقّرب من أمیر المؤمنين

علیه السلام فقال له : أمّدُد يدَک أبايعک.

فقال له أمیر المؤمنين علیه السلام : وعلامَ تُبايعُني ؟

قال : أبايعُک علی السّمع والطاعة ، والقتال بين يَديک حتّي أمّوت أو يَفتح الله علیک .

فقال له : ما اسمک ؟

قال : أُويس.

قال : أنت أويس القَرنيُّ (2)

ص:132


1- الأدواة : اناء يحمل يستفاد من مائه في التطهير . «الصحاح - ادا ۔ 6:2266» .
2- هو أويس بن عامر من مراد ثمّ من قرن ، کان من خيار التابعين ، لم ير النبي صلّي الله علیه و آله ، ولم يصحبه ، فقال النبي صلّي الله علیه و آله يوماً لأصحابه : ابشروا برجل من أمّتي ، يقال له : أويس القرني ، فإنّه يشفع لمثل ربيعة ومضر . معجم رجال الحديث 3: 265» . وقد روي عن الرسول الأکرم صلّي الله علیه و آله أنّه قال : «تفوح روائح الجنة من قبل قرن، واشوقاه إليک يا أويس القرني ، ألا ومن لقيه فليقرأه عتي السلام فقيل : يا رسول الله ، ومن أويس القرني ؟ قال صلّي الله علیه و آله : إنّه إنّ غاب عنکم لم تفقدوه ، وإنّ ظهر لم تکترثوا له ، يدخل في شفاعته إلي الجنّة مثل ربيعة ومضر ، يؤمن بي وما رآني ، ويقتل بين يدي أمیر المؤمنين علیه السلام في صفين بعد أن يقاتل» . انظر : الفضائل لشاذان: 107 ، إثبات الهداة 276:1 ح 136.

قال: نعم.

قال : الله اکبر ، أخبرني حبيبي رسول الله صلّي الله علیه وآله أنّي أُدرِک رجلاً من أمّته يُقالُ له أويس القَرنيّ ، يکون من حزب الله وسوله ، يموتُ علی الشّهادِة ، يدخل في شفاعتهِ مثلُ ربيعةَ ومضر .

قال ابن عبّاس فسُرَّي عنّي(1).

والأخبار في هذا المعني کثيرة يطولُ بها الکتاب ، وفيما أثبتناه منها کفايةُ.

حصن خيبر

فصل

ومن أعلامة الباهرة ما أبانّه الله تعالي به من القدرة ، وخصّه به من القوّة، وخرق العادة بالأعجوبة فيه . فمن ذلکَ ما جاءت به الأخبار، وتظاهرت به الآثار ، واتّفق علیه العلمّاء ، وسلّم له المخالف والمؤالفُ من قصّةِ خَيبر ، وقلع أمیر المؤمنين علیه السلام باب الحصن بيده ، ودَحوه به علی الأرض ، وکان من الثَّقلِ بحيث لا يحمله أقلُّ من خمسين رجلاً .

وقد ذکر ذلک عبدالله بن أحمد بن حَنبل ، فيما رواه عن مشيخته فقال:

ص:133


1- أخرجه الکشي في اختيار معرفة الرجال 315:1ح 56، بحار الأنوار 8: 593 (ط. ح).

حدّثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال : حدّثنا إبراهيم بنُ حمزة قال : حدّثنا عبد العزيز بن محمدٍ ، عن حزام ، عن أبي عَتيق ،[ عن ابني جابر ](1)، عن جابر : أنّ النبي صلّي الله علیه و آله دفع الرّاية إلي علیَ بن أبي طالب علیه السلام في يوم خيبر بعد أن دعا له ، فجعل علیُ علیه السلام يُسرِعُ السير ، وأصحابه يقولون له : ارفُق ، حتي انتهي إلي باب الحِصنِ ، فاجتذبَ بابَه فألقاه بالأرض، ثمّ اجتمعَ عليه منّا سبعون رجلاً وکان جَهدَهم أن أعادوا الباب (2)

وهذا ممّا خصه الله به من القوّة ، وخَرقَ به العادة ، وجعله عَلماً مُعجزاً کما قدّمناه .

قصة الراهب والصخرة

فصل

ومن ذلک ما رواه أهلُ السيرة ، واشتهر الخبر به في العامّة والخاصّة حتّي نَظَمته الشُّعراءُ ، وخَطَبت به البُلَغاء ، ورواه الفهماء والعلمّاء ، من حديبي الرّاهب بأرضِ کربلاء والصخرة، وشُهرتهُ تُغني عن تکلّف إيراد الاسناد له.

وذلکَ أنّ الجماعةَ رَوَت : انّ أمیر المؤمنين علی بن أبي طالب علیه السلام لمّا توجّه إلي صفّين ، لَحِقَ أصحابه عطشُ شديدُ و نَفِدَ ما کان عندهم من المّاء، فأخذوا يميناً وشمالاً يَلتمسون المّاء فلم يجدوا له أثراً ، فعدلَ بهم أمیر

ص:134


1- من الارشاد .
2- انظر حديث خيبر في تاريخ دمشق 1: 174 - 248. وانظر کذلک : مسند أحمد 3: 82، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي 3:206، دلائل النبوّة 4: 212 ، مناقب ابن شهرآشوب 2: 293.

رد الشمس

المؤمنين علیه السلام عن الجادّة وسار قليلاً ، فلاح لهم دَير في وسَط البَرَّيةِ فسارَ بهم نحوَه ، حتّي إذا صار في فنائه أمرَ مَن نادي ساکِنه بالاطلّاع إليهم فنادَوه فاطّلعَ ، فقال له أمیر المؤمنين علیه السلام : هل قُربَ قائمک هذا ماء يتغوث به هؤلاء القوم ؟

فقال : هيهات ، بيني وبين المّاء أکثر من فرخين ، وما بالقرب منّي شيءُ منَ الماء ، ولولا أنَّني أُوتي بماءٍ يَکفيني کلَّ شهرٍ علی التّقتيرِ لهلکتُ عَطشاً.

فقال أمیر المؤمنين علیه السلام : أسمعتُم ما قال الرّاهبُ ؟

قالوا: نعم، أفَتَأمُرُنا بالمسير إلي حيثُ أومأ إليه لَعَلنا نُدرِکُ الماءَ وبنا قوّة ؟

فقال أمیر المؤمنين علیه السلام : لا حاجةَ لکم إلي ذلک . ولَوي عُنق بغلته نحو القبلة ، وأشار بهم إلي مکانٍ يقربُ من الدَّيرِ فقال لهم : اکشِفوا الأرض في هذا المکان.

فعَدلَ جماعة منهم إلي الموضع فکشفوه بالمساحي ، فظهرت لهم صخرةُ عظيمة تلمعُ ، فقالوا: يا أمیر المؤمنين هاهنا صخرة لا تعملُ فيها المساحي.

فقال لهم : إنّ هذه الصخرة علی المّاء ، فإنّ زالت عن موضعها وَجَدتُم المّاء، فاجتهدوا في قلعها.

فاجتمعَ القومُ ورامُوا تحريکَها فلم يَجدوا إلي ذلک سبيلاً واستصعبت علیهم. فلمّا رآهم علیه السلام قد اجتمعوا وبذلوا الجهد في قلع الصّخرة واستصعبت علیهم ، لَوي علیه السلام رِجله عن سَرجه حتّي صار علی الأرض، ثمّ حسرَ عن ذراعيه ، ووَضَع أصابعَه تحت جانب الصّخرة فحرّکها ،

ص:135

ثمّ قَلَعَها بيده ورمي بها أذرُعاً کثيرةً ، فلمّا زالت عن مکانّها ظهر لهم بياضُ المّاء ، فتبادروا إليه فشربوا منه ، فکان أعذب ماءٍ شربوا منه في سفرهم وأبرده وأصفاه، فقال لهم : تزودَّوا وارتَوُوا. ففعلوا ذلک.

ثمّ جاء إلي الصّخرة فتناولها بيده وِوضَعها حيثُ کانت ، فأمرَ أن يُعفي أثرُها بالتُّراب ، ففعلوا والرّاهب ينظر من فوقِ دَيره ، فلمّا استوفّي عِلمَ ما جري نادي: يا معشر الناس ، أنزلُوني أنزلوني ، فاحتالوا في إنّزالهِ فوقفَ بين يَدَي أمیر المؤمنين علیه السلام فقال له : يا هذا أنت نبيُّ مرسل ؟

قال : لا.

قال : فمَلکُ مُقرَّب ؟

قال : لا.

قال : فمن أنت؟

قال : أنا وصيُّ رسول الله محمّد بن عبدالله خاتم النبيَّينَ صلّي الله علیه و آله. قال : ابسُط يدَک أُسلِم لله تبارک وتعالي علی يديک ، فبسط أمیر المؤمنين علیه السلام يده وقال له : اشهد الشَّهادتين .

فقال : أشهدُ أن لا اله إلّا الله وحده لا شريک له، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله ، وأشهدُ أنَّک وصيُّ رسول الله ، وأحقُّ الناس بالأمّر من بعده .

فأخذ أمیر المؤمنين علیه السلام علیه شرائطَ الإسلام ، ثمّ قال له : ما الّذي دعاک الآن إلي الإسلام بعدَ طولِ مقامک في هذا الدَّير علی الخلاف؟

قال : أُخبِرک - يا أمیر المؤمنين - إنّ هذا الدَّير بُنيَ علی طَلَبِ قالع هذه الصخرة ، ومُخرِج المّاء من تحتها ، وقد مضي عالم قبلي فلم يُدرِکوا ذلک ، وقد

ص:136

رَزَقَنِيه الله عزّ وجلّ، وإنّا نَجِدُ في کتابٍ من کُتُبنا ، ونَأثُر عن علمّائنا، أنّ في هذا الصّقع عيناً عليها صخرةً لا يَعرفُ مکانّها إلّا نبيُّ أو وصيُّ نبي ، وانّه لا بدّ من ولي لله يَدعو إلي الحقَّ آيتهُ معرِفة مکان هذه الصخرة ، وقدرته علی قلعها ، وإنّي لمّا رَأيتُکَ قد فعلتَ ذلک ، تحقّقتُ ماکُنّا ننتظِره، وبَلَغتُ الأُمّنيةَ منه ، فأنا اليومَ مُسلِمُ علي يدِکَ ومؤمنُ بحقّک ومولاک.

فلمّا سَمِعَ ذلک أمیر المؤمنين علیه السلام کي حتّي اخضَلّت لحيتهُ من الدُّموع ، ثمّ قال : الحمدُ للهِ الّذي لم أکُن عنده مَنسيّاً ، الحمدُ للهِ الّذي کنتُ في کُتُبه مذکوراً.

ثمّ دعا الناس فقال لهم : اسمَعوا ما يقولُ أخوکم هذا المُسلم ، فسَمِعُوا مقاله، وکَثُرَ حَمدُهم الله ، وشُکرهم علی النَّعمة التي أنعم بها علیهم في معرفتهم بحقَّ أمیر المؤمنين علیه السلام. ا ثمّ سار علیه السلام والراهب بين يديه في جملة أصحابه حتّي لقيَ أهل الشّام ، فکان الراهب من جملةِ من اشتُشهِدَ معه ، فتولّي علیه السلام الصلاة علیه ودَفنه ، وأکثر من الاستغفار له ، وکان إذا ذکره يقولُ : ذاکَ مولاي(1)

وفي هذا الخبر ضروبُ من المعجز: أحدُها : علم الغيب ، والثاني : القوّة التي خرق العادة بها، وتميّز بخصوصيتها من الأنام، مع ما فيه من ثبوت البشارة

ص:137


1- نقل هذه الحادثة باختلاف في الألفاظ کل من الرضي في خصائص الأئمّة : 50، وابن شاذان في فضائله :104، والصدوق في أمّاليه : 15، والراوندي في الخرائج والجرائح 222:1 ح 67، والطبرسي في اعلام الوري : 178 ، وکذلک تقلها نصر بن مزاحم في وقعة صفين : 144، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 3: 204 ، ونقلها العلّامة المجلسي في بحار الأنوار 260:41 ح 21. ولمزيد من المصادر انظر : احقاق الحقّ 8: 722.

به في کُتب الله الأوّلي ، وذلک مصداق قوله تعالي :(ذَلِکَ مَثَلُهَم في التَّورَاةِ وَمثَلُهُم في الإنّجِيلِ)(1)

وفي ذلک يقولُ السيّد إسماعيل بن محمّد الحِميريَ رحمه الله في قصيدته البائية المُذهَبِة (2)

وَلَقَد سَريَ(3) فِيما يُسيَّرُ بليلةٍ***بَعدَ العِشَاءِ بِکَو بَلَا في مَؤکِبِ

حتّي أتَي مُتَبتَّلاً (4)في قائمٍ***(5)ألقَي قَوَاعِدَهُ بِقَاعٍ(6) مُجدِبٍ (7)

يأتِيهِ لَيس بحيثُ يُلقي عامراً (8)***غَير الوُحُوش وغَير أضلَعَ أشيبِ(9)

فَدنَا فَصَاحَ بهِ فَأشرفَ مَائِلاً***کالنَّسر فَوقَ شَظيةٍ (10)مِن مَرقبِ (11)

ص:138


1- الفتح : 29.
2- وقد شرح السيّد المرتضي - رضي الله عنه - هذه القصيدة ، وقد نقله العلّامة المجلسي في بحار الأنوار 41: 264-266، وقد استفدنا من هذا الشرح في توضيح بعض کلمّات القصيدة .
3- السري : سير الليل کلّه.
4- المتبتل : الراهب .
5- القائم : صومعة الراهب.
6- القاع : الأرض الحرة الطين التي لا حزونة فيها ولا انهباط
7- الجدب : ضدّ الخصب
8- أي : أنّه لا مقيم فيه سوي الوحوش ، ويمکن أنّ يکون مأخوذة من العمرة التي هي الزيارة
9- الأصلع الأشيب : الراهب.
10- الشظية : قطعة من الجبل مفردة . وشبه الراهب بالنسر لطول عمره.
11- المرقب : المکان العالي .

هَل قُرب قَائِمکَ الّذي بُوَّنَتهُ***مَاءُ يُصابُ فقالَ مَا مِن مَشربِ

إلابغَايَةِ فَرسَخينِ ومَن لَنَا***بالمَاءِ بَينَ نَقَاً،(1)وَقيٍّ (2) سَبسَبٍ (3)

فَثَنَي الأعِنَّةَ نَحوَ وَعثٍ (4) فَاجتَلَي***مَلساءَ(5)تَلمَعُ کَاللُّجَين المُذهبِ

قَالَ اقلِبُوهَا إنَّکم تَقلِبُوا***تَروَوا ولاَ تَروَؤنَ إنّ لَم تُقلَبِ

فَاعصواصَبوا (6)في قَلبها فَتَمَنَّعَت***عَنهُم تَمَنُّع صَغبةٍ لَم تُزکَبِ

حتّي إذا أغيَتهُمُ أهوي لَها (7)***کَفُّ مَتَي تُردِ المُغَالِبَ تَغلِبِ

فَکانَّها کُرَةُ بکَفَّ حَزَوَّرٍ(8)***عَبلِ(9)الذَّرَاع دَحَابهَا في مَلعَبِ

ص:139


1- النقا : قطعة من الرمل تنقاد محدودبة .
2- القي : الصحراء الواسعة.
3- والسبب : القفر .
4- الوعث : الرمل الّذي لا يسلک فيه .
5- أي : نظر إلي صخرة ملساء فتجلت لعينه
6- أي : اجتمعوا علی قلعها وصاروا عصبة واحدة .
7- أي : م إليها .
8- الحزور : الغلام المترعرع
9- العبل : الغليظ الممتليء .

فَسقَاهُمُ مِن تَحتِها مُتَسلسِلاً(1)***عًذبَاً يَزيدُ عَلَي الألَذَّ الأعذَبِ

حتّي إذا شَرِبُوا جَمِيعاً رَدَّهَا***وَمَضَي فَخِلتَ مَکَانَهَا لَم يُقرَبِ

أعنِي ابنَ فَاطِمَةَ (2) الوَصيَّ وَمَن يَقُل***في فَضلِهِ وَفَعالِهِ لَم يَکذِبِ

فصل

وممّا أظهره الله تعالي من الأعلام الباهرة علی يد أمیر المؤمنين علیَ بن أبي طالب علیه السلام ما استفاضت به الأخبار ، ورواه علماءُ السَّيرةِ والآثار، ونظمت فيه الشُّعراء الأشعار : ژجوع الشمس له مرتين : في حياة النبي صلّي الله علیه و آله مرّة ، وبعد وفاته مرّة أخري.

وکان من حديثِ رُجوعِها في المرّة الأوّلي ما رَوَته أسماءُ بنت عُميس ، وأمّ سلّمة زوجُ النبي صلّي الله علیه و آله ، وجابر بن عبدالله الأنصاري ، وأبو سعيدٍ الخُدري - رحمة الله علیهم - وجماعة من الصحابة : أنّ النبيّ صلّي الله علیه و آله کان ذات يوم في منزله ، وعلیُ علیه السلام بين يديه ، إذ جاءهُ جبرئيل علیه السلام يُناجيه عن الله سبحانه وتعالي ، فلمّا تغشّاه الوحي تَوسَّد

ص:140


1- المتسلسل : المّاء المسلسل في الحلق ، ويقال انه البارد أيضأ .
2- هو أمیر المؤمنين علیه السلام .

فخذ أمیر المؤمنين علیه السلام فلم يَرفع رأسه عنه حتّي غابت الشمسُ ، فاضطُرَّ أمیر المؤمنين علیه السلام لذلک إلي صلاة العصر جالساً يُوميءُ برکوعه وسُجودهِ إيماءً ، فلمّا أفاق صلّي الله علیه و آله من غَشيته قال لأمیر المؤمنين علیه السلام: أفاتَتکَ صلاة العصر ؟ قال له : لم أستطِع أن أصَلَّيها قائماً لِمکانِکَ يا رسول اللهِ ، والحال الّتي کنت علیها من استماع الوحي، فقال له : ادعُ الله لِيرُدُّ علیک الشمس حتّي تُصلّيها قائماً في وقتها کما فاتتک ، فإنّ الله يُجيبُک لِطاعتکَ للهِ ولرسوله.

فسأل أمیر المؤمنين علیه السلام الله عزّ وجلّ في ردَّ الشَّمس ، فرُدّث عليه حتي صارت في موضِعها من السماء وقت العصر ، فصلّي أمیر المؤمنين علیه السلام صلاة العصر في وقتها ثمّ غربت الشمس(1)

فقالت أسماءُ بنت عميس : أمَ واللهِ لقد سَمعنا لها عند غروبها صَريراً کصريرِ المِنشار في الخشب.

وکان رجوعها علیه بعد النبي صلّي الله علیه و آله : أنه لمّا أراد أن عبر الفرات ببابل ، اشتغلَ کثير من أصحابه بتعبير دوابَّهم ورِحالهم ، وصلّي علیه السلام بنفسه في طائفةٍ معه العصر ، فلم يَفرغ الناسُ من عُبورهم حتي غَربت الشمسُ ، ففاتت الصلاة کثيراً منهم ، وفاتَ الجمهور فضلُ

ص:141


1- التفسير الکبير 126:32، ينابيع المودّة : 287، مشکل الآثار 2: 8، کنز العمّال 6: 277 ، مجمع الزوائد 8: 297، الصواعق المحرقة : 76، السيرة الحلبية 1: 386 سيرة زيني دحلان (بهامش السيرة الحلبية) 3:126، قصص الأنبياء :340، الرياض النضرة 180:2، البداية والنهاية 6: 80 لسان الميزان 76:5 ، کفاية الطالب : 381، اعلام النبوّة : 79، تذکرة الخواص : 30، فتح الباري 168:6 عمدة القاري، 146:7 ، اللشاليء المصنوعة 2: 172 ، وفاء الوفاء 2: 33، تمييز الطيب من الخبيث : 81، المرقاة 4: 287، الأمّم لايقاظ الهمم : 63 ، شرح المواهب113:5.

الاجتماع معه ، فتکلّموا في ذلک . فلمّا سمع کلامهم سأل الله عزّ وجلّ ردَّ الشمس علیه ، ليجتمع کافة أصحابه علی صلاة العصر في وقتها ، فأجابه الله تعالي في ردّها علیه، فکانت في الأفق علی الحال التي تکون علیها وقت العصر ، فلمّا سلّم بالقوم غابت الشمس ، فسُمع لها وجيب(1) شديد هال الناس ذلک ، وأکثروا من التسبيح والتهليل والاستغفار ، والحمد لله علی نعمته التي ظهرت فيهم(2)

وسار خبر ذلک في الآفاق ، وانتشر ذکره في الناس ، وفي ذلک يقول السيّد إسماعيل بن محمّد الحميري رحمه الله :

ص:142


1- الوجيب : صوت السقوط . انظر «مجمع البحرين - وجب - 2: 180».
2- کفاية الطالب : 387 ، مناقب الخوارزمي : 223، فرائد السمطين 1: 321 ، مناقب آل أبي طالب 2:.317 إضافة إلي عشرات الروايات الأخري التي توکّد هذه المسألة فقد أفرد بعض المحدّثين کتباً حول صحّة حديث ردّ الشمس لعلی منهم : ا- ابو بکر الورّاق ، له کتاب - من روي ردّ الشمس - ذکره ابن شهر آشوب في المناقب 1: 458. 2 - ابو الحسن شاذان الفضيلي ، له - رسالة في طرق الحديث - . اللاليء المصنوعة 2: 175. 3 - الحافظ ابو الفتح محمّد بن الحسين الأزدي الموصلّي له کتاب مفرد فيه . کفاية الطالب : 383. 4 - أبو القاسم الحاکم الحسکاني الحنفي له - مسألة في تصحيح رد الشمس وترغيم النواصب الشمس - البداية والنهاية85:6 . 5 - أبو عبدالله الجعل الحسين بن علی البصري البغدادي له - جواز ردّ الشمس - معالم العلمّاء : 36. 6 - أخطب خوارزم أبو المؤيد موفق بن أحمد ، له - ردّ الشمس لأمیر المؤمنين - الغدير 3: 127 . 7- أبو علی الشريف محمّد بن اسعد بن علی الحسني ، له - طرق حديث الشمس - لسان الميزان76:5 8- محمّد بن يوسف الدمشقي الصالحي تلميذ ابن الجوزي ، له - مزيل اللبس عن حديث رد الشمس - الغدير128:3 . 9- جلال السيوطي ، له کشف اللبس عن حديث رد ّالشمس - کشف الظنون 2: 1494. 10 - زين الدين قاسم بن قطلوبغا ، له - مجلس في تصحيح ردّ الشمس - تاج التراجم : 40.

رُدّث علیه الشَّمس لمّا فاتهُ***وَقت الصّلاةِ وَقَد دَنَت للمغربِ

حتّي تَبَلَّجَ نُورُها في وَقتِها***للعَصرِ ثمَّ هَوَت هَويَّ الکَوکَبِ

وَعَليهِ قد رُدّت ببَابل مرّةً***أُخري وَمَارُدّت لِخَلقٍ مُعربِ

إلّالِيُوشَع أوّلَهُ مِن بَعدِهِ***ولِردَّهَا تَأويلَ أمرٍ مُعجِبِ

ص:143

في ذکر أوّلاد أمّير المؤمنين عليّه السلام

باب: في ذکر أوّلاد أمیر المؤمنين علیه السلام وعَددهم وأسمائِهم ومختصرٍ من أخبارهم

فأوّلاد أمیر المؤمنين علیه السلام سبعةُ وعشرون ولداً ذکر وأُنثي :

الحسنُ علیه السلام والحسينُ علیه السلام وزينبُ الکُبري وزينبُ الصُّغري المُکنّاة بأُمَّ کُلثُومَ، أُمُّهم فاطمة البتولُ ، سيّدة نساء العالمين ، بنتُ سيّد المرسلين ، وخاتم النبيين ، محمّدٍ النبي صلّي الله علیه و آله .

ومحمّد المکنّي بأبي القاسم، أمّه خولةُ بنتُ جعفر بن قيسٍ الحنفيَّة. وعُمر ورُقيّهُ کانا توأمَين ، وأمُّهما أمّ حبيبٍ بنتُ ربيعةَ.

والعبّاس وجعفر وعثمّان وعبدالله الشهداء مع أخيهم الحسين علیه السلام بطفَّ کربلاء ، المَّهم أمّ البنين بنت حِزام بن خالد بن جعفر بن دارمٍ.

ومحمّد الأصغر المکنّي بابي بکر وعُبيد الله الشهيدان مع أخيهما الحسين علیه السلام بالطفّ ، امّهما ليلي بنت مسعودٍ الدّارميّة .

ويحيي أمّه أسماء بنتُ عميس الخثعميةُ رضي الله عنها . وأمّ الحسن ورَملَةُ، أمّهما امُّ سعيد بنتُ عُروة بن مسعودٍ الثقفي.

ص:144

ونَفيسة وزينب الصُغري ورُقيّة الصغري وأمّ هانيءٍ وأمّ الکِرام وجُمانةُ المکنّاة أمّ جعفر وأمّامة وأمّ سلّمة وميمونةُ وخديجةُ وفاطمةُ - رحمة الله علیهنَّ - لامّهات شتّي.

وفي الشَّيعة من يذکر أنّ فاطمة صلوات الله علیها أسقطت بعد النبي صلّي الله علیه و آله ذکراً کان سمّاه رسول الله صلّي الله علیه و آله - وهو حمل - مُحسَّناً (1) فعلی قول هذه الطائفة أوّلاد أمیر المؤمنين علیه السلام ثمّانيةً وعشرون ، ولداً والله أعلم وأحکم.

تمّ الجزء الاوّل من کتاب الإرشاد إلي معرفة حجج الله علی العباد

والحمد لله علی نعمائه .

ص:145


1- أقول : ولا زال بعض الشيعة ينکر وجود «محسن» ضمن أوّلاد الزهراء علیها السلام ، وينفي الرأي القائل بانّ الزهراء قد أسقطت جنينها ، والظاهر أن عملية النفي هذه بدأت تأخذ أبعاداً سياسية في الآونة الأخيرة ، فمسألة أن تسقط امرأة ما جنينها مسألة عادية جدِّاً ، ولکن الوضع بالنسبة إلي الزهراء يختلف هنا ، فالّذين يؤيدون هذه المسألة يؤکدون بانّ اسقاط الزهراء علیها السلام لجنينها حدِّث أثناء عملية الحصار والمداهمة التي تعرّض لها منزل أمیر المؤمنين بعد أحداث السقيفة ، وهذا هو بيت القصيد ، فانکار عملية الاسقاط هو محاولة لانکار المظلومية التي تعرضت لها سيّدة نساء العالمين بعد وفاة أبيها صلوات الله علیه . علمّا بانّ الکثير من کتب العامّة ذکرت بوضوح وجود المحسن ضمن أوّلاد الزهراء علیها السلام ، ولم تعلق علی الأمّر کما علّقت بعض کتب الشيعة ! ومن هذه المصادر أنظر : تاريخ اليعقوبي 2 : 213، تاريخ الطبري 5: 153، الکامل في التاريخ لابن الأثير 3: 397، انساب الأشراف للبلاذري 2: 189، الاصابة لابن حجر 3: 471، والذهبي في لسان الميزان268:1 ، و ميزان الاعتدال 1: 139، القاموس المحيط للفيروزآبادي 2: 55.

ص:146

باب في ذکر الإمام الحسن بن عليّ عليّهما السلام

اشارة

في ذکر الإمام بعد أمیر المؤمنين علیه السلام ، وتاريخ مولده ، ودلائل إمامته ، ومدة خلافته، ووقت وفاته، وموضع قبره، وعدد أوّلاده ، وطرفٍ من اخباره

ص:147

اشارة

في النص عليّ إمامة الحسن بن عليّ عليّهما السلام

ص:148

والإمام بعد أمیر المؤمنين علیه السلام ابنهُ الحسن ابنُ سيّدة نساءِ العالمين فاطمة بنتِ محمّدٍ سيّد المرسلين صلّي الله علیه و آله الطاهرين.

کنيته أبو محمّد ، ولد بالمدينة ليلةَ النصف من شهر رمضان سنة ثلاثٍ من الهجرة، وجاءت به أمّه فاطمةُ علیها السلام إلي النبي صلّي الله علیه و آله يوم السابع من مولده في خرقة ٍمن حرير الجنّة کان جبرئيل علیه السلام نزل بها إلي النبي صلّي الله علیه و آله ، فسماه حسناً ، وعقّ عنه کبشاً ، وروي ذلک جماعةُ، منهم أحمد بن صالح التميمي ، عن عبدالله بن عيسي ، عن جعفر بن محمّدٍ الصادق علیهما السلام (1)

وکان الحسن أشبه الناس برسول الله صلّي الله علیه و آله خَلقاً وهدياً وسُؤدداً . روي ذلک جماعة منهم معمر ، عن الزُّهريَّ ، عن أنس بن مالکٍ قال : لم يکن أحد أشبه برسول الله صلّي الله علیه و آله من الحسنِ بن علی علیهما السلام(2).

وروي إبراهيم بن علی الرافعي ، عن ابيه ، عن جدّه شبيب بن أبي رافع(3)، عمّن حدّثه قال : أتت فاطمةُ عليها السلام بابنيها الحسنِ والحسينِ

ص:149


1- تاج المواليد للطبرسي : 25 (مخطوط) ضمن مجموعة نفيسة ، بحار الأنوار43: 250 ح 26.
2- صحيح البخاري 5: 33، سنن الترمذي 5: 659 ح 3779، تاريخ دمشق - ترجمة الامام الحسن علیه السلام - : 28 ح 48، بحار الأنوار 43: 338ح 10.
3- نسخ الارشاد مشوشة هنا غاية التشويش ، فمرّة تقول عن جدّته زينب و شبيب بن أبي رافع قال : وأخري زينب بن أبي رافع ، وثالثة : عمن حدّثه ، وفي البحار : زينب بنت أبي رافع

علیهما السلام إلي رسول الله صلّي الله علیه وآله في شکواه التي تُوفّي فيها فقالت : يا رسول الله ، هذان ابناک فورّثهما شيئا ، فقال : أمّا الحسن فإنّ له هذيي وسُؤددي، وأمّا الحسينُ فإنّ له جُودي وشجاعتي(1)

وکان الحسنُ بن علی وصيَّ أبيه أمیر المؤمنين علیه السلام علی أهله وولده وأصحابه ، ووصّاه بالنظر في وقوفه وصدقاته ، وکتب إليه عهداً مشهوراًووصيّة ظاهرة في معالم الدين ، وعيون الحکمة والآداب ، وقد نقل هذه الوصيّة جمهور العلمّاء ، واستبصر بها في دينه ودنياه کثير من الفقهاء.

ولمّا قُبض أمیر المؤمنين علیه السلام خطب الناس الحسن علیه السلام، وذکر حقّه ، فبايعه أصحابُ أبيه علی حربِ مَن حارب ، وسِلمِ من سالم .

وروي أبو مخنف لوطُ بن يحيي قال : حدّثني أشعثُ بن سوّار ، عن أبي إسحاق السَّبيعي وغيره قالوا: خطب الحسنُ بن علی علیهما السلام في صبيحة الليلة التي قبض فيها أمیر المؤمنين علیه السلام ، فحمد الله وأثني علیه ، وصلّي علی النبي صلّي الله علیه و آله ، ثمّ قال : لقد قبض في هذه الليلة رجلُ لم يسبقه الأوّلون بعملٍ ، ولا يلحقه الآخرون بعمل ، لقد کان يجاهدُ مع رسول الله صلّي الله علیه و آله ، فيقيه بنفسه ، وکانَ رسول الله صلّي الله علیه و آله يُوجَّهُه

برايتهِ

ص:150


1- الخصال : 77 / 122، مقتل الحسين علیه السلام للخوارزمي 1: 105، تاريخ دمشق ضمن ترجمة الامام الحسن علیه السلام : 123 ، کفاية الطالب : 424، الاصابة 316:4، بحار الأنوار 43: 263ح 10.

فَيکتنفَه جبرئيل عن يمينه ، وميکائيل عن يساره، فلا يرجع حتي يفتح الله علی يديه ، ولقد توفّي في الليلة التي عرج فيها عيسي بن مريم علیه السلام ، وفيها قبض يوشع بن نون وصي موسي ، وما خلّف صفراء ولا بيضاء إلّا سبعمائة درهمٍ فضلت من عطائه ، أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله . ثمّ خنقته العبرة فبکي وبکي الناس معه.

ثمّ قال : أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير، أنا ابن الدّاعي إلي الله بإذنه ، أنا ابن السّراج المنير ، أنا من أهل بيتٍ أذهب الله عنهم الرَّجس وطهّرهم تطهيراً ، أنا من أهل بيت أفترض الله حبَّهم في کتابه فقال الله تعالي : (قُل لاَ أسئَلُکُم عَلَيهِ أَجرَاً إلَّا الَموَدَّةَ في القُربَي وَمَن يَقَتَرِف حَسَنَهً نَزِد لَهُ فِيهَا حَسناً)(1) فالحسنة مودّتنا أهل البيت.

ثمّ جلس فقام عبدالله بن عبّاس رحمه الله بين يديه ، فقال : معاشر النّاس، هذا ابنُ نبيّکم ووصيُّ إمامکم فبايعُوه. فاستجاب له الناسُ وقالوا : ما أحبّه إلينا ! وأوجب حقّه علینا ! وتبادَروا إلي البيعة له بالخلافة (2).

وذلک في يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة . فرتّب العمّال وأمّر الأمّراء، وأنفذ عبدالله بن العبّاس إلي البصرة ، ونظر في الأمّور.

ولمّا بلغ معاوية بن أبي سفيان وفاةُ أمیر المؤمنين علیه السلام ، وبيعةُ النّاس لابنه الحسن علیه السلام دسَّ رجلاً من حِمير إلي الکوفة ، ورجلاً من

ص:151


1- الشوري : 23.
2- مقاتل الطالبيين : 51، شرح ابن أبي الحديد 30:16 ، بحار الأنوار 43: 362، وأخرج قطعاً منه أکثر أهل السير .

بني القين إلي البصرة، ليکتُبا إليه بالأخبار ويُفسدا علی الحسن علیه السلام الأمّور ، فَعرفَ ذلکَ الحسنُ فأمّر باستخراج الحِميريَّ من عند حَجّامٍ بالکوفةِ فأخرج وأمّر بضرب عنقه ، وکتب إلي البصرة فاستخرج القَينيّ من بني سُليم وضُرِبت عنقه.

وکتبَ الحسنُ علیه السلام إلي معاوية :

أمّا بعد : فإنّک دَسَستَ الرَّجال للاحتيال والاغتيال ، وأرصدت العيون کأنّک تُحبُّ اللقاءَ ، وما أوشک ذلک ! فتوقَّعه إنّ شاء الله تعالي . وبلغني أنّک شَمِتَّ بما لم يشمت ذوو الحِجي ، وإنّما مثلُک في ذلکَ کما قال الأوّل :

فَقُل للَّذي يَبغي خِلافَ الّذي مَضي***تَجهَّز لأُخري مِثلِهَا فکأن قد

فإنّا ومن قَد ماتَ مِنَّا لَکَالَّذي***يَرُوح فَيُمسي في المبيتِ لَيغتّدي(1)

ص:152


1- مقاتل الطالبين : 53، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد16: 31، بحار الأنوار 45:44 ح 5.

الأخبار التي جاءت بسبب وفاة الحسن بن عليّ عليّه السلام

فصل : فمنَ الأخبارِ التي جاءت بسبب وفاةِ الحسن بن علی علیهما السلام

ما رواه عيسي بن مِهران ، عن عُبيد الله بن الصبّاح ، عن جرير، عن مُغيرة قال : لمّا تمّت لمعاوية عشر سنين من إمارته ، وعزم علی البيعة لابنه يزيد ، أرسل إلي جَعدةَ بنتِ الأشعثِ بن قيسٍ : آنّي مُزوَّجکِ من ابني يزيد، علی أن تسمّي الحسنَ ، وبعث إليها مائة ألف درهم ، ففعلت وسمّت الحسن علیه السلام فسؤَّغها المّال ، ولم يزوّجها من يزيد ، فخلفَ عليها رجلُ من آلِ طلحة فأوّلدها، فکانَ إذا وقعَ بينهم وبين بُطون قريشٍ کلامُ عيَّروهم فقالوا : يابني مسمَّةِ الأزواج(1).

وروي عبدالله بن إبراهيم عن زيادٍ المُخارقي قال : لمّا حضرت الحسن بن علی علیهما السلام الوفاة استدعي الحسينَ بن علی علیهما السلام فقال : يا أخي ، إنّي مفارق ولاحق بري عزّ وجلّ، وقد سُقيت السّمَّ، ورميتُ بکبدي في الطّست ، وإنّي لَعارفُ بمن سقاني السمَّ، ومن أين ذُهِيت ، وأنا أُخاصِمهُ إلي الله عزّ وجلّ ، فبحقَّي علیک إنّ تکلّمت في ذلک بشيءٍ ، وانتظر مايُحدِثُ الله فيَّ، فإذا قضيتُ فغمَّضني وغسّلني

ص:153


1- مقاتل الطالبين : 73، شرح ابن أبي الحديد 49:16 ، بحار الأنوار 155:44 ح 25.

وکفّنّي ، واحملني علی سريري إلي قبر جدّي رسول الله صلّي الله علیه و آله ، الأجدَّد به عهداً، ثمّ رُدّني إلي قبر جدّتي فاطمة بنت أسدٍ رحمة الله علیها فادفَنَّي هناک .

وستعلم يا بن أمّ أنّ القوم سيظنّون أنّکم تُريدون دفني عند رسول الله صلّي الله علیه و آله فَيُجلِبونَ في منعکم عن ذلک ، وباللهِ أُقسم عليک أن لا تُهريق في أمّري محجمة دمٍ.

ثمّ وصّي علیه السلام إليه بأهله وولده وترکاته ، وما کان وصّي به إليه أمیر المؤمنين علیه السلام حين استخلفه وأهَّله لمقامه ، ودلّ شيعته علی استخلافِه ونصبه لهم علماً من بعده .

موقف عائشة و بني أمّية من دفن الحسن عليّه السلام

فلمّا مضي علیه السلام لسبيله ، غسّله الحسين علیه السلام ، وکقنه وحمله علی سريره ، ولم يّشُکَّ مروان ومن معه من بني أمّية أنّهم سيّدفنونه عند رسول الله صلّي الله علیه و آله ، فتجمّعوا ولبسوا السلاح، فلمّا توجّه به الحسين علیه السلام إلي قبر جدّه رسول الله صلّي الله علیه و آله ليُجدّد به عَهداً ، أقبلوا إليهم في جمعهم ، ولحقتهم عائشة علی بغل وهي تقول : مالي ولکم تُريدون أن تُدخلوا بيتي من لا أحِبّ ، وجعل مروان يقول:

يَا رُبّ هَيجَا هِيَ خَيرُ مِن دَعَة ، أيُدفن عثمّانُ في أقصي المدينة ،

ويَدفَنُ الحسن مع النبي صلّي الله علیه و آله ؟! لا يکون ذلک أبداً وأنا أحمل السيف .

وکادت الفتنةُ تقع بين بني هاشم وبني أمّية ، فبادر ابن عبّاس إلي مروان فقال له : ارجع يا مروان من حيث جئت ، فإنّا ما نريد دفن صاحبنا عند رسول الله صلّي الله علیه و آله ، لکِنّانُريد أن نُجدَّد به عهداً بزيارته ، ثمّ نَردَّه إلي جدّته

ص:154

استشهاد الإمام الحسن علیه السلام فاطمة علیها السلام فندفنه عندها بوصيّته بذلک ، ولو کان وصّي بدفنه مع النبي صلّي الله علیه وآله لعلمت أنک أقصر باعاً من ردّنا عن ذلک ، لکنّه علیه السلام کان أعلم بالله وبرسوله وبحرمة قبره من أن يُطرَّق علیه هَدماً کما طَرّق ذلک علی غيره ، ودخل بيته بغير إذنه .

ثمّ أقبل علی عائشة فقال لها: واسوأتاه يوماً علي بغل ، ويوماً علي جمل، تريدين أن تُطفئي نور اللهِ ، وتقاتلين أوّلياء الله ، ارجعي فقد کُفيتِ الّذي تخافين، وبلغتِ ما تُحبَّينَ ، والله تعالي مُنتصرُ لأهلِ هذا البيت ولو بعد حين.(1)

وقال الحسين علیه السلام : لولا عهد الحسن إليَّ بحقن الدّماء ، وأن لا أُهريق في أمّره محجمة دمٍ ، لَعلمتُم کيف تأخذُ سيوف اللهِ منکم مأخذها ، وقد نَقَضتم العهد بيننا وبينکم ، وأبطلتم ما اشترطنا عليکم لأنفسنا.

ص:155


1- في الخرائج والجرائح 1 : 242 ح 8: قال ابن عباس لعائشة : واسوأتاه ! يوماً علی بغل ويوماً علی جمل ، فأخذه ابن الحجاج الشاعر البغدادي فقال : يا بنت أبي بکر***لاکان ولا کنت لک التسع من الثمّن***وبالکلّ تملکت تجمّلت تبغّلتِ***وان عشتِ تفيِلتِ وذکر ابن شهرآشوب في مناقبه 4: 44 في رواية أخري : أن بني أمّية رمت بالنبال جنازة الإمام الحسن علیه السلام حتي سلّ منها سبعون نبلاً. وقد نظم الکلام هذا الصقر البصري فقال : ويوم الحسن الهادي***علی بغلک أسرعت ومايست ومانعت***وخاصمت وقاتلت وفي بيت رسول الله***بالظلم تحکمّت هل الزوجة أوّلي با***لمواريث من البنت لک التسع من الثمّن***فبالکلّ تحکّمت تجمّلت تبغّلتِ***ولو عشتِ تفيلتِ

ومَضوا بالحسن علیه السلام فَدَفَنُوه بالبقيع عند جدّته فاطمة بنت أسد ابن هاشم بن عبد منافٍ رضي الله عنها وأسکنها جنّات النعيم(1).

وکان وفاة الحسن بن علی علیهما السلام في 28 صفر سنة خمسين من الهجرة ، وله يومئذٍ ثمّان وأربعون سنة ، وکانت خلافته عشر سنين ، وتولّي أخوه ووصيّه الحسين علیه السلام غسّله وکفنه ودفنه عند جدّته فاطمة بنت اسد رضي الله عنها.

ص:156


1- تذکرة الخواص : 213، کشف الغمّة585:1، الحدائق الوردية 1: 103، دلائل الامامة:61 مقاتل الطالبيين : 74، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16: 49 - 51، بحار الأنوار156:44 .

ذکر ولد الإمام الحسن عليّه السلام

فصل :ذکر ولد الحسن بن علی علیهما السلام وعددهم وأسمائهم

أوّلاد الحسن بن علی علیهما السلام خمسة عشر ولداً ذکراً وأُنثي :

زيدُ بنُ الحسن ، وأُختاه أمّ الحسن وأمّ الحسين أمّهم أمّ بشيرٍ بنت أبي مسعودٍ عُقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجيّةُ.

والحسنُ بنُ الحسن المُثني أمَّه خولة بنت منظورٍ الفزاريّةُ .

وعَمرو بنُ الحسن وأخواه القاسم وعبداللهِ ، أمّهم أمّ ولدٍ.

وعبدُ الرحمن بن الحسن ، أمّه أمّ ولد.

والحسينُ بن الحسن الملقّب بالأثرمِ ، وأخوه طلحة بن الحسن، وأختهما فاطمة بنت الحسن ، أمّهم أمّ إسحاق بنتُ طلحة بن عبيد الله التيمي .

وأمّ عبدالله وفاطمة وأمّ سلّمة ورُقيّة لأمّهات شتّي(1)

ص:157


1- من الأکاذيب والمفتريات التي نسبت إلي الإمام أمیر المؤمنين علیه السلام هي ما ذکره ابن سعد بانّ الإمام علی علیه السلام قال : لا تزوجوا الحسن فإنّه رجل مطلاق. وقد عدّ بعض المؤرّخين الحاقدين زوجات الحسن علیه السلام فصعدوا في أعدادهن ما شاوؤا...وخفي علیهم أن زواجه الکثير بهذه الأعداد - علی فرض صحته - لا يعني الزواج الّذي يختص به الرجل لمشارکة حياته ، وإنّما کانت حوادث استدعتها ظروف شرعية محضة ، من شأنها أن يکثر فيها الزواج والطلاق معاً ، وذلک هو دليل سمتها الخاصّة .

ص:158

باب في ذکر الإمام الحسين بن عليّ عليّهما السلام

اشارة

في ذکر الإمام بعد الحسن بن علی علیهما السلام ، وتاريخ مولده، ودلائل إمامته ، ومبلغ سه، ومدة خلافته، ووقت وفاته وسببها ، وموضع قبره ، وعدد أوّلاده

ص:159

اشارة

في النص عليّ إمامة الحسين بن عليّ عليّهما السلام

ص:160

والإمامُ بعد الحسن بن علی علیهما السلام أخوه الحسين بنُ علی علیهما السلام ، بنصّ أبيه وجدّه علیه ، ووصيّة أخيه الحسن علیه السلام إليه.

کنيته : أبو عبدالله . وُلِدَ بالمدينة لخمس ليال خلونَ من شعبانّ سنة أربع من الهجرة ، وجاءت به أمّه فاطمة علیها السلام إلي جدّه رسول الله صلّي الله علیه و آله ، فاستبشر به ، وسماه حُسيناً ، وعقَّ عنه کبشاً ، وهو وأخوه بشهادة النبي صلّي الله علیه و آله سيّدا شباب أهل الجنّة(1)، بالاتَّفاق الّذي لامِريةَ فيه سِبطا نبيَّ الرحمة.

وکان الحسن علیه السلام يُشبَّه بالنبيّ صلّي الله علیه و آله من صدره إلي رأسه ، والحسين يُشبَّهُ به من صدره إلي رجليه ، وکانا حبيبي رسول الله صلّي الله علیه و آله وريحانتيه من بين جميع أهله وولده.

وروي زَاذانُ عن سلّمان رضي الله عنه قال : سمعتُ رسول الله صلّي الله علیه و آله يقول في الحسن والحسين علیهما السلام : اللّهمّ إنّي أحبّهُما وأحبّ من أحبّهما(2)

ص:161


1- ورد هذا الحديث بالفاظ مختلفة في عدّة مصادر منها : مستدرک الصحيحين 3: 167، حلية الأوّلياء 58:5، تاريخ بغداد 140:1 ،کنز العمّال 7: 108 ، ينابيع المودّة : 166، الجامع الصحيح656:5 ح3768، تهذيب التهذيب 3: 358، خصائص النسائي : 123.
2- رواه الترمذي في سننه 5: 656 ذ ح 3799 عن أسامة بن زيد ، وابن الأثير في أسد الغابة 1102، والمتّقي الهندي في کنز العمّال 13: 666 ح37697، ورواه ابن عساکر عن مسند حصين بن عوف الخثعمي في تاريخ دمشق - ترجمة الامام الحسين علیه السلام -: 95 ، الجامع الصحيح 5: 661ح.3782.

وقال صلّي الله علیه و آله : مَن أحبُ الحسن والحسين - علیهما السلام - أحببتهُ ، ومن أحببتهُ أحبَّهُ الله ، ومن أحبّه الله عزّ وجلّ أدخله الجنّة، ومن أبغضهما أبغضتهُ، ومن أبغضته ، أبغضه الله ، ومن أبغضه الله عزّ وجلّ خلده في النار(1)

وقال صلّي الله علیه و آله : إنّ ابنيَّ هذين ريحانتاي من الدّنيا(2)

وروي زِرُّ بن حُبيشٍ، عن ابن مسعود قال : کان النبي صلّي الله علیه و آله يُصلّي ، فجاء الحسن والحسين علیهما السلام فاز تدناه ، فلمّا رفع رأسه أخذهما أخذاًرفيقاً ، فلمّا عادَ عادا ، فلمّا انصرف أجلس هذا علی فخذهِ الأيمن ، وهذا علی فخذه الأيسر ، وقال : من أحبّني فَليُحبَّ هذين(3).

وکانا علیهما السلام حجتي الله لنبيه في المُباهلة ، وحجّتي الله بعد أبيهما أمیر المؤمنين علیه السلام علی الأمّة في الدّين والإسلام والملّة.

ص:162


1- ذکره الحاکم النيسابوري في مستدرکه 3: 666 باختلاف يسير ، وابن عساکر في تاريخ دمشق - ترجمة الامام الحسين علیه السلام -: 97: 131 و 98: 132، والکنجي الشافعي في کفاية الطالب : 422، والمتقّي الهندي في کنز العمّال 12: 119، ونقله العلّامة المجلسي في بحار الأنوار 43: 375 ح 42.
2- صحيح البخاري 4: 50 باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته ، سنن الترمذي 5: 656ح 3770، تاريخ دمشق - ترجمة الامام الحسين علیه السلام - : 38 - 39 و 58 - 60، اسد الغابة 2: 19، الفصول المهمّة : 154،کنز العمّال 113:12 ، مسند أحمد بن حنبل 2: 85 و 93 و114 و 153، مسند أبي داود الطيالسي 8: 260 ، حلية الأوّلياء 5: 70، فتح الباري 8: 100، خصائص النسائي :124، ذخائر العقبي : 124 ، کفاية الطالب :349، ينابيع المودة : 194، تاريخ الخلفاء : 188، بحار الأنوار 43: 275ح42، الغدير 2: 255.
3- روي نحوه البيهقي في سننه 2: 263، وابن عساکر في تاريخ دمشق - ترجمة الامام الحسين علیه السلام - : 116/83 ، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبي : 131 و 132 ، والمتقّي الهندي في کنز العمّال 121: 12 مختصراً، ونقله العلّامة المجلسي في بحار الأنوار 275:43ح 43.

وروي محمّد بن أبي عمير ، عن رجاله ، عن أبي عبدالله علیه السلام قال: قال الحسن بن علی علیهما السلام لاصحابه : إنّ لله مدينتين : إحداهما في المشرق ، والأخري في المغرب ، فيهما خلق الله تعالي لم يَهمُّوا بمعصيةٍ له قطّ، والله ما فيهما وما بينهما حجّة الله علی خلقه غيري وغيرُ أخي الحسين علیه السلام(1).

وجاءت الرَّواية بمثل ذلک عن الحسين بن علی علیهما السلام أنّه قال لأصحاب ابن زيادٍ يوم الطّفّ : ما لکم تَناصروَنَ علئَّ ؟! أمّ والله لَئن قتلتموني لَتقتُلنَّ حجّة الله علیکم ، لا والله ما بين جَابَلقَا و جَابَرسَا ابنُ بنيٍّ احتجَّ الله به

علیکم غيري(2). يعني بَجابلقا وجَابر سا المدينتين اللّتين ذکرهما الحسن أخوه علیه السلام.

وکان من برهان کمالهما علیهما السلام وحجّة اختصاص الله لهما - بعد الّذي ذکرنا من مُباهلة النبي صلّي الله علیه و آله بهما - بيعة رسول الله لهما ، ولم يُبايع صبيّاً في ظاهر الحال غيرها ، ونزول القرآن بايجاب ثواب الجنّة لهما علی عملهما مع ظاهر الطّفوليّة فيهما ، ولم ينزل بذلک في مثلهما ، قال الله تعالي في سورة هل أتي :(وَيُطعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَي حُبَّهِ مِسکينَاً وَيَتيمَاً وأَسِيراً * اِنَّما نُطعِمُکُم لِوَجِه اللهِ لَانُرِيدُ مِنکُم جَزَاءً وَلَا شُکُورَاً إنَّا نَخَافُ مِن رَبَّنَا يَومَاً عَبُوسَاً قَمطَريرَاً فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِکَ اليَومِ وَلَقّاهُم نَضرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُم بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرَاً)(3) ، فعهمَّا هذا القولُ مع أبيهما وأُمَّهما

ص:163


1- أورد نحوه الصفار في بصائر الدرجات : 359ح 4 و 5، والکليني في الکافي 1: 384 ح 5.
2- انظر نحوه في تاريخ الطبري 3: 319، الکامل في التاريخ لابن الأثير 4: 62.
3- الانسان : 8- 12.

علیهم السلام ، وتضمّن الخبرُ نُطقهما في ذلک وضميرهما الدّالَين علي الآية الباهرة فيهما ، والحجّةِ العظمي علی الخلق بهما ، کما تضمَّن الخبر عن نُطق المسيح علیه السلام في المهدِ وکانَ حجّة النُبؤَّته ، واختصاصه من الله بالکرامةِ الدّالّةِ علی محلَّه عنده في الفضلِ ومکانهِ .

وقد صرّح ّرسول الله صلّي الله علیه و آله بالنصَّ علی إمامته وإمامةِ أخيه من قبله بقولهِ : «ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا»(1) وَدلّت وصيّة الحسن علیه السلام إليه علی إمامته ، کما دلّت وصيّة أمیر المؤمنين علیه السلام إلي الحسن علیه السلام علی إمامته ، بحسب ما دلت وصية رسول الله صلّي الله علیه و آله إلي أمیر الؤمنين علیه السلام علی إمامته من بعده .

واقعة کربلاء

فصل

وکانت إمامةُ الحسين بن علی علیهما السلام بعد وفاة أخيه ثابتة ، وطاعتُه - لجميع الخلق - لازمة ، وإنّ لم يدع لنفسه للتّقّية التي کان علیها ، والهُدنة الحاصلة بينه وبين معاوية بن أبي سفيان ، فالتزم الوفاء بها ، وجري في ذلک مجري أبيه أمیر المؤمنين علیه السلام في ثبوت حجته بعد النبي صلّي الله علیه و آله مع الصُّموتِ ، وإمامة أخيه الحسن علیه السلام بعد الهُدنة مع الکفَّ والسُّکوتِ، وکانوا في ذلک علی سنن نبيَّ الله صلّي الله علیه و آله وهو في

ص:164


1- للوقوف علی مصادر هذا الحديث وأمّثاله انظر : بحار الأنوار للعلامة المجلسي307:16ح 7و279:21ح 2 و 35: 266 ح 11 و 36: 289ح 2 و 7:37ح 30و 43 : 278ح 3 و 44: 2ح 4.

الشَّعب محصورُ، وعند خروجه من مکّة مهاجراً مستخفياً في الغار وهو من أعدائه مستورُ.

فلمّا مات معاوية وانقضت مُدّةُ الهُدنِة التي کانت تمنعُ الحسين علیه السلام من الدعوةِ إلي نفسه ، أظهرَ أمرَه بحسب الإمکان ، وأبانّ حقّه للجاهلين به حالا بعد حال ، إلي أنّ اجتمع له في الظاهر الأنصارُ ، فدعا علیه السلام إلي الجهاد و شمّر للقتال ، و توجّه بولدهِ وأهل بيته من حرمِ الله وحرم رسوله الله صلّي الله علیه و آله نحو العراق ، للاستنصار بمن دعاه من شيعته علی الأعداء ، وقدّم أمّامهُ ابن عمّه مُسلّم بن عقيل - رضي الله عنه وأرضاه - للدعوة إلي الله تعالي، والبيعة له علی الجهاد، فبايعه أهل الکوفة علی ذلک وعاهدوه ، وضنوا له الصرة والنصيحة ووثَقَّوا له في ذلک وعاقدوه ، ثمّ لم تطُلِ المدّة بهم حتي نکثوا بيعته وخذلوه وأسلّموه ، فقُتلَ بينهم ولم يمنعوه ، وخرجوا إلي حرب الحسين علیه السلام فحصروه ومنعوه المسير إلي بلاد الله ، واضطرُّوه إلي حيث لا يَجِد ناصراً ولا مَهرباً منهم ، وحالوا بينه وبين ماء الفرات حتي تمکنّوا منه فقتلوه، فمضي علیه السلام ظمان مجاهداًصابراً محتسباً مظلوماً ، قد نُکِثَت بيعتهُ، وانتُهکت حرمته ، ولم يُوف له بعه ، ولا عيت فيه ذِمَّة عقدٍ ، شهيداً علي ما مضي علیه أبوه وأخوه علیهما السلام ، وذلک في يوم السبت العاشر من المحرّم سنة إحدي وستّين من الهجرة بعد صلاة الظهرِ قتيلاً مظلوماً ظمأناً صابراً محتسباً ، وسِنّه يومئذٍ ثمّان وخمسون سنة ، أقام منها مع جدّه رسول الله صلّي الله علیه و آله سبع سنين ، ومع أبيه أمیر المؤمنين علیه السلام سبع وثلاثين سنةً، ومع أخيه الحسن علیه السلام سبع وأربعين سنة وکانت مدّة

ص:165

خلافته بعد أخيه إحدي عشر سنة(1)

وقد جاءت رواياتُ کثيرةُ في فضل زيارته علیه السلام ، بل في وجوبها.

فرُوي عن الصادق علیه السلام أنّه قال : «زيارة الحسين بن علی علیه السلام واجبةُ علی کلَّ من يُقِرَّ للحسين علیه السلام بالإمامة منَ اللهِ تعالي» (2)

وقال علیه السلام : «زيارةُ الحسين بن علی علیهما السلام تَعدِلُ مائةَ حجّةٍ مبرورةٍ ، ومائة عُمرةٍ مقبولة»(3)

وقال رسول الله صلّي الله علیه و آله : «مَن زار الحسين علیه السلام بعد موتِه فله الجنة»(4).

والأخبار في ذلک أکثر من أن تُحصي.

ص:166


1- راجع أحداث واقعة کربلاء في الارشاد 32:2- 133 ، وکذلک انظر : وسيلة المّال :374 - 381، مطالب السؤول :31-40، تذکرة الخواص : 245 - 258.
2- رواه ابن قولويه في کامل الزيارات : 121 و 150ذيل ح 1، والصدوق في الفقيه 348:2ذيل ح 1594 ، والأمّالي : 123ح 10، والشيخ الطوسي في التهذيب 42:6ذيل ح 1 ، والشيخ المفيد في المقنعة : 468، والمزار : 37 ح 1.
3- کامل الزيارات : 142 ، أمّالي الصدوق : 123ح 11، تهذيب الأحکام 119/51:6 ، مصباحالمتهجّد: 659.
4- کامل الزيارات : 10ح 1، تهذيب الأحکام40:6 ح 84، ومزار المفيد : 30 ذيل ح 1.

ذکر ولد الإمام الحسين عليّه السلام

باب: في ذکر ولد الحسين بن علی علیهما السلام

وکان للحسين علیه السلام ستّه أوّلادٍ : علی بن الحسين الأکبر ، کنيته أبو محمدٍ ، وأمّه شاه زنان بنت کسري يزدجرد.

وعلی بن الحسين الأصغر ، قُتل مع أبيه بالطفَّ ، وقد تقدّم ذکره فيما سلف، وأمّه ليلي بنت أبي مُرة بن عروة بن مسعودٍ الثقفيّة .

وجعفر بن الحسين ، لا بقيّة له ، وأمّه قُضاعيّة ، وکانت وفاته في حياة الحسين علیه السلام.

وعبدالله بن الحسين ، قُتل مع أبيه صغيراً بالطف ، جاءه سهمُ وهو في حجر أبيه فذبحه.

وسُکينة بنت الحسين علیه السلام ، وأمّها الرَّباب بنتُ امريء القيسِ بن عديّ ، کلبية ، وهي أمّ عبدالله بن الحسين .

وفاطمة بنت الحسين ، وأمّها أمّ إسحاق بنت طلحة بن عُبيد الله ، تيميّة .

ص:167

ص:168

باب في ذکر الإمام عليّ بن الحسين عليّهما السلام

اشارة

في ذکر الإمام بعد الحسين بن علی علیهما السلام ، وتاريخ مولده ، ودلائل امامته ، ومبلغ سنه، ومدة خلافته ، ووقت وفاته وسببها ، وموضع قبره، وعدد أوّلاده واسمائهم، ومختصر من أخباره:

ص:169

اشارة

في النص عليّ إمامة عليّ بن الحسين عليّهما السلام

ص:170

والإمامُ بعد الحسين بن علی علیهما السلام ابنه أبو محمّدٍ علیُ بن الحسين زينُ العابدين علیهما السلام ، وکان يکنّي أيضاً أبا الحسن ، وأمّه شاه زنان بنتُ يزدجر بن شهريار بن کسري ، ويقالُ إنّ اسمها شهربانّويه ، وکان أمیر المؤمنين علیه السلام ولّي حُريث بن جابر الحنفي جانباً من المشرقِ ، فبعثَ إليه ابنتي يزدجرد بن شهريار بن کسري ، فَنَحلَ ابنه الحسين علیه السلام شاه زنان منهما فأوّلدها زين العابدين علیه السلام ، ونَحل الأخري محمّد بن أبي بکرٍ فولدت له القاسم بن محمّد بن أبي بکر ، فهما ابنا خالةٍ .

وکانَ مولدُ علی بن الحسين علیهما السلام بالمدينة سنة ثمّانٍ وثلاثين من الهجرة ، فبقي مع جدّه أمیر المؤمنين علیه السلام سنتين ، ومع عمَّه الحسن علیه السلام اثنتي عشرة سنة ، ومع أبيه الحسين علیه السلام ثلاثاً وعشرين سنة ، وبعد أبيه أربع وثلاثين سنة . وتوّفي بالمدينة سنة خمسٍ وتسعين من الهجرة ، وله يومئذٍ سبع وخمسون سنةً.

وکانت إمامته أربعاًوثلاثين سنةً ، ودُفِن بالبقيع مع عمّه الحسن بن عليٍ علیهما السلام ، وثبتت له الإمامة من وجوهٍ:

أحدُهما : أنّه کان أفضل خلق الله تعالي بعد أبيه علماً وعملاً ، والإمامةُ للأفضل دون المفضول بدلائل العقول.

ومنها : أنِه کانً أولي بأبيه الحسين علیه السلام ، و أحقّ لمقامِه من بعده

ص:171

بالفضل والنسب ، والأوّلي بالإمام المّاضي أحقُّ بمقامهِ من غيره، بدلالة آية ذوي الأرحام(1)وقصة زکريا علیه السلام(2)

ومنها : وجوب الإمامة عقلاً في کل زمانٍ ، وفسادُ دعوي کلَّ مدّعٍ للإمامة في أيّام علی بن الحسين علیهما السلام أو مُدَّعيً لها سواه ، فثبتت فيه ، الاستحالة خلؤَّ الزمان من الامام.

ومنها ثبوتُ الإمامة أيضاً في العترة خاصّة ، بالنّظر والخبر عن النبي صلّي الله علیه وآله ، وفسادُ قول من ادّعاها لمحمّد بن الحنفية - رضي الله عنه - بتعرَّيه من النصّ علیه بها ، فثبتت انّها في علي بن الحسين علیهما السلام ، إذ لا مُدّعي له الإمامة من العترة سوي محمّدٍ بن الحنفية (3)وخروجه عنها ذکرناه .

ص:172


1- وهي : (قل لا أسألکم علیه أجراً إلّا المودّة في القربي ، ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا) الشوري : 23. وقد ورد عن النبي صلّي الله علیه و آله أنّه لمّا نزلت هذه الآية قالوا له : يا رسول الله من قرابتک هؤلاء الّذين وجبت علینا مودّتهم ؟ قال : علی وفاطمة وابناهما . أنظر : تفسير الزمخشري 2: 239 ، مطالب السؤول : 8، مجمع الزوائد 168:9، الفصول المهمّة : 22، کفاية الطالب : 31، الصواعق المحرقة : 101 ، نور الأبصار : 112 ، اسعاف الراغبين : 205 ، الدرّ المنثور:7:6حلية الأوّلياء 201:3.
2- وهي : (يا زکريا انّا نبشّرک بغلام اسمه يحيي لم نجعل له من قبل سميّاً) مريم : 6.
3- نعتقد أن مسألة ادّعاء محمّد بن الحنفية ابن أمیر المؤمنين للإمامة لم تثبت تاريخياً ، بالرغم من أن بعض کتب التاريخ کدلائل الإمامة للطبري والخرائج والجرائح للراوندي وغيرها ذکرت هذه المسألة ، وقالت بانّ محمّد بن الحنفية ادّعي الإمامة بعد أخيه الحسين . وباهله ابن أخيه الإمام السجاد علیه السلام في هذا الموضوع . وکأنّ محمّد بن الحنفية لم يسمع بعشرات الروايات التي نهضت بأسماء الأئمّة من بعد رسول الله ! والغريب في هذه الروايات التي ذکرت مسألة الخلاف أن الراوي فيها أبي خالد الکابلي وقد رواها عن ترشيد الهجري ، ومن المعروف أن رُشيد الهجري کان من أصحاب الإمام علی علیه السلام وقد فتنه معاوية صبراً بعد استشهاد أمیر المؤمنين أو في حياته کما ذکرت بعض الروايات ، والخلاف المدعي حدث بعد هلاک معاوية واستشهاد الإمام الحسين علیه السلام ، فکيف يتسنّي لرشيد الهجري أن ينقل حادثة وقعت بعد وفاته بأکثر من عقدين من الزمان ؟! راجع في ذلک : مذاهب ابتدعتها السياسة في الاسلام للأنصاري ص 15 وما بعدها .

ومنها : نصُّ رسول الله صلّي الله علیه و آله ، بالإمامة علیه فيما رُوي من حديثِ اللوح - الّذي رواه جابرُ - عن النبي صلّي الله علیه و آله ، ورواه محمّد بن علی الباقر ، عن أبيه ، عن جدّه، عن فاطمة بنت رسول الله صلّي الله علیه و آله (1)

ونصُّ جدّه أمیر المؤمنين علیه السلام في حياة أبيه الحسين علیه السلام بما ضَمِنَ ذلک من الأخبار (2)، و وصية أبيه الحسين علیه السلام إليه ، وايداعه أمّ سلّمة علامة علی إمامة الطالب له من الأنام (3) وهذا بابُ يعرفه من تصفّح الأخبار، ولم نقصد في هذا الکتاب إلي القول في معناه فتستقصيه علی التمّام.

ص:173


1- ذکر حديث اللوح في عدّة مصادر منها : اثبات الوصية : 143، 227، 230 ، الکافي 1: 443 ح 3، إکمال الدين : 311ح 1 ، عيون أخبار الرضا علیه السلام 40:1 ح 1، غيبة النعماني : 62 ، أمّالي الطوسي 1: 297، غيبة الطوسي :108/143 . ألقاب الرسول وعترته صلّي الله علیه و آله : 170،فرائد السمطين 432/136:2-435، الاختصاص للمفيد : 210، بحار الأنوار 192:36 - 203.
2- من لا يحضره الفقيه 4: 139 ح 484.
3- الکافي 242:1 ح 2، غيبة الطوسي : 159/195 .

في ذکر طرف من أخبار عليّ بن الحسين عليّهما السلام

باب: في ذکر طرف من أخبار علی بن الحسين علیهما السلام

روي أبو معمّرٍ ، عن عبد العزيز بن أبي حازم ، قال : سمعتُ أبي يقول : ما رأيتُ هاشمياً أفضل من علی بن الحسين علیهما السلام(1)

أخبرني أبو محمّدٍ الحسنُ بن محمّدٍ بن يحيي قال : حدّثني جدّي قال:

حدّثني أبو محمّدٍ الأنصاريُّ قال : حدّثني محمّد بن ميمون البزّاز قال : حدّثني الحسينُ بن عَلوان ، عن أبي علی بن زياد بن رُستم ، عن سعيد بن کُلثوم قال: کنتُ عند الصادق جعفر بن محمّدٍ علیهما السلام ، فذُکِرَ أمیر المؤمنين علی بن أبي طالب علیه السلام فأطراه و مدحهُ بما هو أهلُهُ، ثمّ قال : «والله ما أکلَ علیُ من الدُنيا حراماً قطُّ حتي مضي لسبيله ، وما عُرِضَ له أمّرانِ قطُّ هما لله رضي إلّا أخذَ بأشدّهما علیه في دينه ، وما نزلت برسولِ الله صلّي الله علیه و آله نازلةُ قطُّ إلّا دعاه فقدّمه ثقةً به ، وما أطاقَ عمل رسول الله صلّي الله علیه و آله من هذه الأمّة غيره ، وإنّ کانَّ ليعمل عمل رجل کأن وجهه بين الجنّة والنار ، يرجو ثوابَ هذه ويخافُ عقاب هذه ، و لقد أعتقَ من ماله الفَ مملوک في طلبِ وجهِ

ص:174


1- علل الشرائع : 232 ، حلية الأوّلياء 3: 141 ، ورواه في ابن شهر آشوب في المناقب عن الحلّية وتاريخ النسائي 4: 159، تذکرة الخواص : 297، بحار الأنوار 46: 73ح 60.

الله والنجاةِ مَن النارِ ممّا کدَّ بيديه ورشحَ منه جبينه ، وکانَ يَقُوتَ أهله بالزيتِ والخلَّ والعجوة ، وما کان لباسُه إلّا الکرابيس ، إذا فضل شيءُ عن يدهِ من کمَّه دعا بالجَلَمِ (1)فقصّه ، وما أشبهه من ولده ولا أهل بيته أحد أقرب شبهاً به في لباسه وفقهه من علیَ بن الحسين علیهما السلام.

ولقد دخلَ ابنه أبو جعفر فإذا هو قد بلغَ من العبادة ما لم يبلغه أحدُّ، فرآه قد اصفرَّ لونه من السّهر ، ورمَصَت عيناه من البکاء ، ودَبِرَت جبهتهُ وانخرم أنفُه من السجود ، ووَرِمَت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة ، فقال أبو جعفر علیه السلام : فلم أمّلک حين رأيتهُ بتلک الحال البکاء َ، فبکيتُ رحمةً عليه ، وإذا هو يُفکَّر ، فالتفتَ إليّ بعد هُنئيةٍ من دخولي فقال : يا بُنَيَّ أعطني بعض تلک الصحف التي فيها عبادةُ علی بن أبي طالب علیه السلام، فأعطيتهُ ، فقرأ فيها شيئاً يسيراً ثمّ ترکها من يديه تضجُّراً وقال : مَن يَقوي علیٍ عبادة علی علیه السلام (2)

أخبرني أبو محمّدٍ الحسن بن محمّدٍ ، عن جدّه ، عن عمّارُ بن أبانّ ، عن عبدالله بن بُکير ، عن زُرارة بن أعين قال : سُمِعَ سائلُ في جوف الليل وهو يقولُ : أينَ الزّاهدون في الدنيا ، الرّاغبون في الآخرة ؟ فهتفَ به هاتفُ من ناحية البقيع يُسمع صوتُه ولا يري شخصُه : ذاک علیُ بن الحسين علیهما السلام (3)

ص:175


1- الجلم : الّذي يجز به الشعر والصوف ، کالمقص «مجمع البحرين - جلم- 6: 30».
2- ذکر ذيله ابن شهرآشوب في مناقبه 4: 149 ، وأورده الطبرسي في إعلام الوري :254 مختصراً، ونقله العلّامة المجلسي في بحار الأنوار 65/74:46 .
3- مناقب ابن شهرآشوب 4: 148، بحار الأنوار 46: 76ح 67.

ذکر ولد الإمام عليّ بن الحسين عليّهما السلام

باب : في ذکر أوّلاد علی بن الحسين علیهما السلام

وولد علی بن الحسين علیهما السلام خمسة عشر ولداً :

محمّدُ المکنّي بأبي جعفر الباقر علیه السلام ، أمّه أمّ عبداللهِ بنتُ الحسن ابن علی بن أبي طالب علیهما السلام.

وعبداللهِ والحسنُ والحسين ، أمّهم أمّ ولدٍ. وزيد وعمر، لأمّ ولدٍ. والحسين الأصغرُ وعبدُ الرحمن و سليمانُ ، لأمّ ولدٍ.

وعلیُ - وکان أصغر ولد علی بن الحسين علیهما السلام - وخديجةُ ، أمّهما أمّ ولدٍ .

ومحمّد الأصغر أمّه أمّ ولدٍ. وفاطمةُ وعلیةُ وأمّ کلثوم ، أمّهن أمّ ولدٍ.

ص:176

باب في ذکر الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليّهما السلام

اشارة

ذکر الإمام بعد علیَ بن الحسين علیهما السلام ، وتاريخ مولده، ودلائل إمامته ، ومبلغ سنّه ومدّة خلافته ، ووقت وفاته وسببها، وموضع قبره، وعدد أوّلاده، ومختصر من أخباره

ص:177

اشارة

في النص عليّ إمامة محمّد بن عليّ الباقر عليّهماالسلام

ص:178

وکان الباقر أبو جعفرٍ محمّد بن علی بن الحسين بن علی بن أبي طالب علیهم السلام من بين إخوته خليفة أبيه علیَ بن الحسين ووصيه والقائم بالإمامة من بعده ، وَبَرَزَ علي جماعِتهم بالفضل في العلم والزُّهد والسُّؤدد ، وکانَ أنبههم ذِکراً وأجلَّهم في العامّة والخاصّة وأعظمهم قدراً ، ولم يظهر عن أحد من ولدٍ الحسن والحسين علیهما السلام من علم الدَّين والآثار والسنّة ، وعلم القرآن والسيرة ، وفنون الآداب ما ظَهَر عن أبي جعفر علیه السلام، وروي عنه معالم الدَّين بقايا الصحابة ، ووجوهُ التابعين ، ورؤساءُ فقهاء المسلين ، وصارَ بالفضلِ عَلَماً لأهلهِ تُضربُ به الأمّثالُ ، وتسيرُ بوصفهِ الآثارُ والأشعارُ ؛ وفيه يقول القُرَظيُّ :

يَا بَاقِرَ العِلم لاهلِ التُّقي***وَخَيرَ مَن لَبَّي عَلَي الأجبُل(1)وقال مالکُ بن أعين الجُهني يمدحه علیه السلام:

إذا طَلَبَ النَّاسُ عِلم القرآ***ن کَانت قُريشُ عَلَيه عِيالاً

وَإن قِيلَ : أينَ ابنُ بنتِ النَّب***ي ؟ نِلتَ بِذاکَ فُرُوعَاً طِوَالاً

نُجومٌ تَهَلَّلُ لِلمُدلِجين***جبَالُ تُوَرَّثُ عِلمَاً جِبَالاً (2)وولدَ علیه السلام بالمدينة سنة سبع وخمسين من الهجرة، وقُبض فيها

ص:179


1- سير أعلام النبلاء403:4، مختصر تاريخ دمشق 23 : 78.
2- معجم الشعراء للمرزبانّي : 368، سير أعلام النبلاء 404:4.

سنة أربع عشرة ومائةٍ ، وکانت سنّه يومئذٍ سبعُّ وخمسون سنةً ، وهو هاشميُّ من هاشمَّيين ، علويَّ من علويين ، ودفن بالبقيع من مدينة الرسول صلّي الله علیه و آله وسلّم.

وروي ميمون القدّاح ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه قال : «دخل علی جابر بن عبدالله رحمهُ الله فسلّمت علیه ، فردَّ علیَ السلام ثمّ قال لي : من أنت ؟ - وذلک بعدَما کُفَّ بصرهُ -.

فقلت : محمّد بن علیَ بن الحسين علیهم السلام .

فقال : يا بُني ادنُ منّي ، فدنوتُ منه ، فقبّل يَديَّ ، ثمّ أهوي الي رجلي فقبّلها فتنحّيت عنه ، ثمّ قال لي : إنّ رسول الله صلّي الله علیه و آله يُقرِئُک السلام.

فقلت : وعلی رسولِ الله السلام ورحمة الله وبرکاته ، وکيف ذلک يا جابر ؟

فقال : کنتُ معه ذات يومٍ فقال لي : يا جابر ، لعلّک تبقي حتّي تلقي رجلاً من ولدي يقال محمّد بن علی بن الحسين علیهم السلام ، يَهبُ الله له النُّور والحکمة ، فأقرئه منُّي السلام»(1)

ص:180


1- مناقب الإمام أمیر المؤمنين علیه السلام لمحمّد بن سليمان الکوفي 2: 175 ح 743، عيون الأخبار لابن قتيبة 312:1 ، مطالب السؤول 53:2 - 54، ميزان الاعتدال 3: 55، لسان الميزان 5:168 ، الفصول المهمة : 211، الصواعق المحرقة : 201 ، أخبار الدول و آثار الأوّل : 111، الکافي304:1ح 8 و 369 ح 2 بسندٍ آخر عن جابر، وبلفظ آخر : إنّک ستدرک رجلاً منّي اسمه اسمي ، وشمائله شمائلي ، يبقر العلم بقراً ورواه مرسلاً في الهداية الکبري لأبي عبدالله الحسين بن حمدان الخصيبي : 237، علل الشرائع 1: 233ح 1 ، أمّالي الصدوق : 289 ح 9 ، کمال الدين 1 : 254ح 3، مختصر تاريخ دمشق 23: 78، إختيار معرفة الرجال : 41 ح 88، مناقب ابن شهرآشوب 4:196. ومصادر مختلفة أُخري.

وکان في وصيّة أمیر المؤمنين علیه السلام إلي ولدهِ ذکر محمّد بن علی ابن الحسين والوصاةُ به .

وسمّاه رسول الله صلّي الله علیه و آله ، وعرفه بباقر العلوم ، علی ما رواه أصحاب الآثار (1)

وروت الشيعة في خبر اللوح (2)الّذي هبط به جبريئلُ علیه السلام علی رسول الله ولي الله علیه وآله من الجنّة ، فأعطاه فاطمة علیها السلام وفيه أسماء الأئمّة علیهم السلام من بعده ، وکان فيه : «محمّد بن علی الإمام بعد أبيه».

وروت أيضاً : أن الله عزّ وجلّ أنزل الي نبيه صلّي الله علیه و آله کتاب مختومة باثني عشر خاتمة ، وأمّره أن يدفعه إلي أمیر المؤمنين علی بن أبي طالب علیه السلام ، ويأمّره أن يَفُضّ أوّل خاتمٍ فيه ويعمل بما تحته ، ثمّ يدفعه عند حضور وفاته إلي ابنه الحسن علیه السلام ويأمّره أن يَفُضّ الغانم الثاني ويعمل بما تحته ، ثمّ يدفعه عند وفاته إلي أخيه الحسين علیه السلام ويأمّره أن يَفضَّ الخاتم الثالث ويعمل بما تحته ، ثمّ يدفعه الحسين عند وفاته إلي ابنه علی ابن الحسين الأکبر علیه السلام، ويأمّره بمثل ذلک ، ثمّ يدفعه علی بن الحسين عند وفاته إلي ابنه محمّد بن علی الأکبر علیه السلام ، ويأمّره بمثل ذلک ثمّ يدفعه محمّد بن علی إلي ولده جعفر حتي ينتهي إلي آخر الأئمّة علیهم السلام

ص:181


1- عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال : قال رسول الله صلّي الله علیه و آله : «يوشک أن تبقي حتي تلقي ولدا لي من الحسين قال له : محمّد يبقرُ علم الدين بقراً، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام» . انظر : مناقب آل أبي طالب 197:4 ، بحار الأنوار 46: 222 ح 6.
2- تقدّم ذکر مصادره في ص : 203.

أجمعين (1)

ورووا أيضاً نصوصاً کثيرة علیه بالإمامة بعد أبيه عن النبي صلّي الله علیه و آله ، وعن أمیر المؤمنين علیه السلام ، وعن الحسن والحسين وعلی بن الحسين علیهم السلام.

وقد روي الناسُ من فضائله ومناقبه ما يکثُر به الخطبُ إنّ أثبتناه ، وفيما نذکره منه کفايةُ فيما نقصده في معناه إنّ شاء الله .

وکانت مدّةُ إمامته وقيامه بعد أبيه في خلافة اللهُ تعالي علی العباد تسع عشرة سنةً.

ص:182


1- الکافي 1: 220ح 1 و 2، أمّالي الصدوق : 328ح 2، کمال الدين :231ح 35، غيبة النعماني :52ح 403 ، أمّالي الطوسي 2: 56.

في ذکر طرف من أخبار أبي جعفر عليّه السلام

باب: في ذکر طرف من أخبار أبي جعفر علیه السلام

أخبرني الشريف أبو محمّدٍ الحسن بن محمّدٍ ، عن جدّه قال : حدّثنا محمّد بن القاسم الشيبانّي قال : حدّثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي ، عن أبي مالک الجنبي(1)، عن عبد الله بن عطاء المکّي قال : ما رأيتُ العلمّاء عند أحدٍ قطّ أصغر منهم عند أبي جعفر محمّد بن علی بن الحسين علیهم السلام.

ولقد رأيت الحکم بن عُتيبة - مع جلالته في قومه - بين يديه کالصبيّ بين يَدي مُعلَّمه (2)

وکان جابرُ بن يزيد الجُعفيّ إذا روي عن محمّد بن علی علیهما السلام شيئاً قال : حدّثني وصيّ الأوصياء ، ووارث علوم الأنبياء ، محمّد بن علی بن الحسين علیهم السلام.

والأخبار عنه أکثر من أن تحصي .

ص:183


1- في الأصل : الجهني ، وهو تصحيف من النسّاخ ، وما أثبتناه من الارشاد .
2- مختصر تاريخ دمشق 23 : 79 ، حلية الأوّلياء 3: 186 ، مناقب آل أبي طالب 4 : 180 و 204، بحار الأنوار 46: 286 ح 2.

ذکر ولد الإمام الباقر عليّه السلام

باب: في ذکر ولد الإمام أبي جعفر علیه السلام، وعددهم وأسمائهم

وولد أبي جعفر علیه السلام سبعةُ نفرٍ:(1) أبو عبد الله جعفر بن محمّد علیه السلام - وکان به يکنّي - وعبدالله بن محمّدٍ، امُّهما أمُّ فَروَةَ بنت القاسم بن محمّد بن أبي بکرٍ .

وإبراهيم وعُبيد الله ، دَرَ جا(2)، ابنهما أمّ حکيم بنت أسيّد بن المغيرة الثقفية.

وعلیُ وزينب لأمَّ ولدٍ.

وأمّ سلّمة ، لأمّ وللي.

ولم يُعتقد في أحدٍ من ولد أبي جعفر علیه السلام الإمامة إلّا في أبي عبدالله جعفر بن محمّد الصادق علیهما السلام خاصّةً ، وکان أخوه عبد الله يُشار إليه بالفضل والصلاح.

ص:184


1- في الأصل : ثمّانية ، وهو تصحيف ، وما أثبتناه من الارشاد .
2- في الهامش : دَرَجا أي لم يُعقِبا .

باب في ذکر الإمام جعفر الصادق عليّه السلام

اشارة

علیه السلام ، وتاريخ مولده ، ودلائل إمامته ، ومبلغ سنَّه، ومدّة خلافتهِ ، ووقت وفاته وسبّبها ، وموضع قبره ، وعدد أوّلاده وأسمائهم، ومختصر من أخباره

ص:185

اشارة

في النص عليّ إمامة جعفر الصادق عليّه السلام

ص:186

وکان الصادق جعفر بن محمّد بن علی بن الحسين علیهم السلام من بين إخوته خليفة أبيه ووصيّه والقائم بالإمامة من بعده ، وبرز علی جماعتهم بالفضل، وکان أنبههم ذکراً ، وأعظمهم قدراً ، وأجلّهم في الخاصّة والعامّة .

ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الرُّکبانّ ، وانتشر ذکره في البُلدان، ولم يَنقل عن أحدٍ من أهل بيته العلمّاء ما نُقل عنه ، ولا لقيَ أحدُ منهم من أهل الآثار ونقلة الأخبار ، ولا نَقَلُوا عنهم کما نَقَلُوا عن أبي عبدالله علیه السلام ، قإنّ أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثّقاتِ ، علی اختلافِهم في الآراء والمقالات ، فکانوا أربعة الآف رجلٍ(1)

وکان له علیه السلام من الدلائل الواضحة في إمامته ، ما بهرت القلوب وأخرست المخالفَ عن الطّعن فيها بالشُّبُهاتِ.

وکان مولدُه بالمدينة سنة ثلاث وثمّانين من الهجرة ، ومضي علیه السلام في شوّالٍ من سنة ثمّان وأربعين ومائة ، وله يومئذٍ خمس وستّون سنة ، ودُفِنَ بالبقيع مع أبيه وجدّه وعمه الحسين علیهم السلام .

وأمّه امُّ فَروَة بن القاسم بن محمّد بن أبي بکرٍ. وکانت إمامته علیه السلام أربعاً وثلاثين سنة .

ص:187


1- انظر : مناقب ابن شهر آشوب 4 :297، إعلام الوري : 325، المعتبر : 5.

ووصّي إليه أبوه أبو جعفر علیه السلام وصيّهً ظاهرةً، ونصَّ علیه بالإمامة نصّاً جليّاً .

وروي أبانّ بن عثمّان ، عن أبي الصّباح الکنانيَّ قال : نظر أبو جعفر علیه السلام إلي ابنه أبي عبدالله علیه السلام فقال : «ألا تري هذا ، هذا من الّذين قال الله عزّ وجلّ : (وَنُريدُ أن نَمُنَّ عَلَي الّذينَ استُضعِفُوا في الأرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوَارثِينَ) (1)- (2).

وروي هِشام بن سالم ، عن جابر بن يزيد الجُعفي قال : سُئل أبو جعفر علیه السلام عن أبي عبدالله علیه السلام فقال : «هذا والله قائمُ آلِ محمّدٍ» (3).

وروي علی بن الحکم عن طاهر - صاحب أبي جعفرٍ علیه السلام - قال: کنت عنده فأقبل جعفر علیه السلام فقال أبو جعفر علیه السلام : «هذا خيّرُ البريّة(4).

وقد جاءت الرواية التي قدّمنا ذکرها في خبر اللوح بالنصّ علیه من الله تعالي بالإمامة (5).

ثمّ الّذي قدّمناه - من دلائل العقول علی أنَّ الإمام لا يکون إلّا الأفضل - يدلّ علي إمامته علیه السلام لظهور فضله في العلم والزهد والعمل علی کافّة إخوته وبني عمَّه وسائِر الناس من أهل عصره .

ص:188


1- القصص : 5.
2- الکافي 1: 243 ح 1 ، مناقب ابن شهرآشوب 4: 214، بحار الأنوار 47 : 13 ح 4.
3- الکافي 1: 244 ح 7، اثبات الوصيّة : 150، بحار الأنوار 47 : 13 ح 6.
4- الکافي 1: 244 ح 4 و 5، الامامة والتبصرة : 199ح 55، اثبات الوصية : 155، بحار الأنوار 13:47 ح 6.
5- تقدم في باب ذکر الامام علی بن الحسين علیه السلام - دلائل امامته - فراجع.

ثمّ الّذي يدلّ علی فساد إمامة من لبس بمعصوم کعصمة الأنبياء علیهم السلام ، وليس بکامل في العلم ، وظهور وتعري مَن سواه ممّن ادُّعي له الإمامةُ في وقته عن العصمة ، وقصورهم عن الکمال في علم الدَّين ، يدلُّ علی إمامته علیه السلام ، إذ لا بدَّ من إمامٍ معصومٍ في کلَّ زمانٍ ، حسب ما قدّمناه ووصفناه(1)

وقد روي الناس من آيات الله الظاهرة علی يديه علیه السلام مايدلُّ علی إمامته وحقَّه ، وبطلان مقالِ من ادّعي الامامة لغيره .

ص:189


1- تقدّم في باب ذکر الإمام علی بن الحسين علیه السلام ، دلائل إمامته .

في ذکر طرف من أخبار جعفر الصادق عليّه السلام

باب: في ذکر طرفٍ من أخبار أبي عبدالله جعفر بن محمّدٍ الصّادق علیه السلام

وروي أبو بصيرٍ قال : دخلتُ المدينةَ وکانت معي جُوَيريةُ لي فأصبتُ منها، ثمّ خرجتُ إلي الحمّام فلقيتُ أصحابَنا الشَّيعة وهم متوجَّهون إلي جعفر ابن محمدٍ علیهما السلام فخفت أن يسبقوني ويفوتني الدُّخولُ إليه ، فمشيتُ معهم حتّي دخلتُ الدارَ ، فلمّا مثلثُ بينَ يَدي أبي عبدالله علیه السلام نظرَ إليَّ ثمّ قال : يا أبا بصير ، أمَا علمتَ أنّ بيوت الأنبياء و أوّلادِ الأنبياء لا يَدخُلهُا الجُنُبُ ؟ فاستحييتُ وقلت له : يا بن رسول الله ، إنّي لقيتُ أصحابنا فخشيتُ أن يفوتني الدخولُ معهم ، ولا أعود إلي مثلها ، وخرجت(1)

وجاءَتِ الرواية عنه مُستفيضة بمثل ما ذکرناه من الآياتِ والأخبار بالغُيوب ممّا يطولُ تعدادهُ .

ص:190


1- روي نحوه الصفّار في بصائر الدرجات : 261ح23 ، والطبري في دلائل الإمامة : 137 ، وابن شهر اشوب في المناقب 4: 230.

في ذکر ولد أبي عبدالله جعفر الصادق عليّه السلام

باب: في ذکر ولد أبي عبدالله جعفر بن محمّد علیه السلام ، وعددهم وأسمائهم ، وطرف من أخبارهم

وکان لأبي عبدالله علیه السلام عشرة أوّلادٍ :

إسماعيل وعبداللهِ واُمُّ فَروَة ، اهم فاطمة بنتُ الحسينِ بن علیَ بن الحسين بن علی بن أبي طالب علیهم السلام(1).

و موسي علیه السلام وإسحاق ومحمّد ، لأمَّ ولدٍ.

والعبّاس وعلی وأسماء وفاطمة ، لأمّهات أوّلادٍ شتّي .

وکان إسماعيلُ أکبر الأخوة ، وکان أبو عبدالله علیه السلام شديد المحبّةِ له والبرَّ به ، والإشفاق علیه.

وکان قوم من الشيعة يظنَّون أنّه القائمُ بعد أبيه ، والخليفةُ له من بعده ، إذ کانَ أکبرَ إخوته سِنّاً ، ولميل أبيه إليه وإکرامه له ؛ فمات في حياة أبيه بالعُرَيضِ (2)وحُمِلَ علی رقابِ الرجال إلي أبيه بالمدينة حتّي دُفن بالبقيع .

ص:191


1- ذکر في عمدة الطالب : 233 أنّها : فاطمة بنت الحسين الأثرم بن الإمام الحسن بن علی بن أبي طالب علیهم السلام ، والظاهر أنّه هو الصواب
2- العريض : واد بالمدينة فيه بساتين نخل . انظر «معجم البلدان 4: 114». وذکر صاحب تاريخ قم نقلاً عن بعض الرواة : أنَّ العُريض من قري المدينة علی بُعد فرسخ منها ، وکانت القرية ملکاً للإمام الباقر علیه السلام ، وأوصي الإمام الصادق علیه السلام بهذه القريبة إلي ولده علی العريضي . انظر : تاريخ قم : 224.

ورُوي : أن أبا عبد الله علیه السلام جَزَعاً علیه جرعة شديداً ، وحَزِنَ علیه حُزناً عظيماً ، وتقدّمَ سريره بغير حذاء ولا رِداءٍ ، وأمر بوضع سريره علی الأرض قبل دفنه مراراً کثيرة، وکان يکشفُ عن وجهه وينظرُ إليه ، ويريد بذلک تحقيق أمّر وفاته عند الظّاَّنين خلافته له من بعده ، وإزالة الشُّبهة عنه في حباته(1).

ولمّا مات إسماعيل رحمه الله انصرف عن القول بإمامته بعد أبيه من کان يَظُنُّ ذلک فيعقدهُ من أصحاب أبيه علیه السلام، وأقام علی إمامته شرذمة لم تکن من خانة أبيه ، ولا من الرُّواة عنه ، بل کانوا من الأباعد والأطراف .

فلمّا مات الصادق علیه السلام انتقلَ فريقُ منهم إلي القول بإمامة موسي ابن جعفر علیه السلام بعد أبيه علیه السلام ، وافترقَ الباقون فريقين : فريقُ منهم رجعوا عن حياة إسماعيل وقالوا بإمامة ابنه محمّد بن إسماعيل ، لظنَّهم أنّ الإمامة کانت في أبيه ، وانّ الابن أحقُّ بمقام الإمامة من الأخ ؛ و فريق ثبتوا علی أخيه إسماعيل ، وهم اليوم شذاذُ لا يُعرفُ منهم أحدُ يؤمأ إليه.

وهذان الفريقان يُسمَّيان بالإسماعيلية (2)والمعروف الآن منهم من يزعم أن الإمامة بعد إسماعيل في ولده وولد ولده إلي آخر الزمان .

ص:192


1- حکاه الطبرسي في إعلام الوري :284 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47: 242.
2- وهي فرقه زعمت أن الإمام بعد جعفر بن محمّد ابنه (إسماعيل بن جعفر) وأنکرت موت إسماعيل في حياة أبيه ، وزعموا أنّ إسماعيل لا يموت حتي يملک الأرض وانه القائم لأن أباه أشار إليه ممه بدهد . راجع : فرق الشيعة للنوبختي : 79 وما بعدها .

باب في ذکر الإمام موسي الکاظم عليّه السلام

اشارة

في ذکر الإمام القائم بعد أبي عبدالله علیه السلام من ولده ، وتاريخ مولده، ودلائل إمامته، ومبلغ سنّه، ومدّة خلافته، ووقت وفاته وسببها، وموضع قبره ، وعدد أوّلاده ، ومختصر من أخباره

ص:193

اشارة

ص:194

وکان الإمام بعد أبي عبدالله علیه السلام ابنه أبا الحسن موسي بن جعفر العبد الصالح علیه السلام، لاجتماع خِلال الفضل فيه ، ولنصَّ أبيه بالإمامة علیه، وإشارته بها إليه.

وکان مولدهُ علیه السلام بالأبواء(1)سنة ثمّانٍ وعشرين ومائةٍ .

وقُبِضَ علیه السلام ببغدادَ في حبس السَّنديَّ بن شاهک لستٍّ خلون من رجبٍ سنة ثلاثٍ وثمّانين ومائةٍ ، وله يومئذٍ خمسُ وخمسون سنةً.

وأمّه أمُّ ولدٍ يقالُ لها : حُمَيدةُ البَربريّةُ.

وکانت مُدّة خلافته ومقامه في الإمامة بعد أبيه علیهما السلام خمساً وثلاثين سنة .

وکان يُکنّي أبا إبراهيم وأبا الحسن وأبا علیٍ ، ويُعرفُ بالعبد الصالح، ويُنعت أيضاً بالکاظم علیه السلام.

ص:195


1- الأبواء : قرية من أعمال الفرع من المدينة ، بينها وبين الجحفة ممّا يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا. «معجم البلدان 1: 79» .

في النص عليّ إمامة موسي الکاظم عليّه السلام

فصل: في النصّ علیه بالإمامة من أبيه علیه السلام

فمِمَّن روي صريح النصّ بالإمامة من أبي عبدالله علیه السلام علی ابنه أبي الحسن موسي علیه السلام من شيوخ أصحاب أبي عبدالله وخاصّته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين - رحمة الله علیهم - ، المُفضَّلُ بن عمر الجعفي ، ومُعاذ بن کثير ، وعبد الرحمن بن الحجّاج ، والفَيضُ بن المختار ، وغيرهم ممّن يطول بذکره الکتاب .

فروي موسي الصيقل ، عن المُفضّل بن عُمر رحمه الله قال : کنتُ عند أبي عبدالله علیه السلام فدخل أبو إبراهيم موسي علیه السلام - وهو غلام - فقال لي أبو عبدالله علیه السلام : «استوصِ به ، وضَع أمّره عند من تَثِقُ به من أصحابِکَ»(1).

وروي ثُبيت (2) عن معاذ بن کثير ، عن أبي عبدالله علیه السلام قال : قلت : أسأل الله الّذي رزق أباک منک هذه المنزلة ، أن يَرزُقک من عَقِبکَ قبل المماتِ مثلها.

ص:196


1- الکافي 1: 246 ح 4، بحار الأنوار17:48 ح 13.
2- في هامش الأصل : شبيت .

فقالَ : قد فعلَ الله ذلک .

قلت : من هو جعلت فداک ؟

فأشار إلي العبد الصالح وهو راقد ، فقال : «هذا الراقدُ» وهو يومئذٍ غلام(1)

وروي أبو علی الأرجائي عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال : دخلت علی جعفر بن محمّد علیهما السلام في منزله ، فإذا هو في بيت کذا من داره في مسجد له ، وهو يدعو وعلی يمينه موسي بن جعفر علیهما السلام يُؤمَّنُ علی دعاءه، فقلت له : جعلني الله فداک ، قد عرفت انقطاعي إليک وخدمتي لک ، فمن وليُّ الأمّر بعدک؟

قال : يا عبد الرحمن ، إنّ موسي قد لبس الدَّرع واستوت علیه .

فقلت له : لا احتاجُ بعدها إلي شيء(2).

وروي عبد الأعلی ، عن الفيض بن المختار قال : قلتُ لأبي عبدالله علیه السلام : خُذ بيدي من النار ، من لنا بعدک ؟ قال : فدخل أبو إبراهيم - وهو يومئذٍ غلام -.

فقال : هذا صاحبکم فتمشک به (3).

والأدلة في ذلک أکثر من أن تحصي .

ص:197


1- الکافي 1: 245ح 2، بحار الأنوار 17:48 ح 15.
2- الکافي 1: 245 ح 3. الفصول المهنة : 231، بحار الأنوار 17:48 ح دا
3- الکافي 1: 245 ح 1 ، الفصول المهمّة : 231، بحار الأنوار 48،18:48.

في ذکر طرف من دلائل أبي الحسن موسي عليّه السلام

باب: في ذکر طرفٍ من دلائل أبي الحسن موسي علیه السلام ، و آياتهِ وعلامات ومعجزاتهِ

أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن محمّد بن يعقوب الکليني ، عن محمّد بن يحيي ، عن أحمد بن محمّد بن عيسي ، عن أبي يحيي الواسطي ، عن هشام بن سالم قال : کنّا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد الله علیه السلام أنا ومحمّد بن النعمان صاحب الطاق، والناس مجتمعون علی عبدالله بن جعفر انّه صاحب الأمّر بعد أبيه ، فدخلنا علیه - والناس مجتمعون عنده - فسألناه عن الزکاة في کم تجب ، فقال : في مائتي درهم خمسةُ دراهم ، فقلنا له : في مائة درهم ؟ فقال : درهمان ونصف ، قلنا : والله لا تقول المرجئة هذا ، فقال : والله ما أدري ما تقول المرجئةُ.

قال فخرجنا ضُلالاً لا ندري إلي أين نتوجّه ، أنا وأبو جعفر الأحول فقعدنا في بعض أزقة المدينة باکين لا ندري أين نتوجّه ، وإلي من نَقصِد ، نقولُ : إلي المُرجئة ، أمّ إلي القدريّة ، أمّ إلي الزيدية ، أمّ إلي المعتزلة ، [أمّ إلي الخوارج](1) فنحن کذلک إذ رأيت رجلاً شيخاً لا أعرفه يؤميء إليَّ بيده ،

ص:198


1- ما أثبتناه من الکافي ، ليستقيم سياق ترديد الراوي مع جواب الإمام علیه السلام فيما يأتي بعد من الحديث

فخِفتُ أن يکون عيناً من عيون أبي جعفر المنصور ، وذلک أنّه کان له بالمدينة جواسيسُ علي من يجتمع الناس عنده بعد جعفر ، فيؤخذ فيُضرب عنقُه ، فخفتُ أن يکون منهم، فقلت للأحول : تنحَّ فإنَّي خائفُ علي نفسي وعلیک ، وإنّما يُريدُوني ولا يريدوک ، فتنح عنّي لا تَهلک فتُعِينَ علي نفسک ، فتنحّي عنّي بعيدة.

و تبعتُ الشيخ ، وذلک أنّي ظننتُ أنّي لا أقدرُ علی التخلّص منه ، فما زلت أتبّعه - وقد عزمتُ علي الموت - حتّي وردَ بي علی باب أبي الحسن موسي علیه السلام ، ثمّ خلّاني ومضي ، فإذا خادم بالباب فقال لي : اذخُل رحمک الله .

فدخلتُ ، فإذا أبو الحسن موسي علیه السلام فقال لي ابتداءً منه : إليَّ إلي، لا إليَّ المرجئة ، ولا إلي القدرية ، ولا إلي الزيدية ، ولا إلي المعتزلة ، ولا إلي الخوارج.

قال : قلت : جُعِلتُ فداک ، مضي أبوک ؟

قال : نعم.

قلت : فمن لنا من بعده ؟

قال : إنّ شاء الله أن يهديک هداک .

قلت : جُعِلتُ فداک ، إنّ عبدالله أخاک يَزعمُ انّه الإمامُ من بعد أبيه .

فقال : عبدالله يُريد أن لا يعبد الله .

قال : قلت : جُعِلتُ فداک ، فمن لنا بعده ؟

فقال : إنّ شاء اللهُ أن يَهديکَ هداک .

قلت : جُعلتُ فداک ، فأنتَ هو ؟

ص:199

قال : لا أقولُ ذلک .

قال : فقلت في نفسي : لم أُصِبُ طريق المسألة ؛ ثمّ قلت له : جُعلتُ فداک، علیک إمامّ ؟

قال : لا.

قال : فدخلني شي ءُلا يعلمهُ إلّا اللهُ إعظاماً له وهيبةً، ثمّ قلت له : جعلت فداک اسألُک کما کنت أسأل أباک ؟

قال : سَل تُخبَر ولا تذع ، فإنّ أذعت فهو الّذبحُ .

قال : فسألته ، فإذا هو بحرّ لا يُنزفُ.

قلتُ : جُعلت فداک ، شيعة أبيک ضُلّالُ ، فأُلقي إليهم هذا الأمّر وأدعوهم إليک ؟ فقد أخذت علیَ الکتمان .

قال : من آنست منهم رُشداً فألقِ إليه و خُذ علیه بالکتمانِ ، فإذا أذاع فهو الذبحُ ، - وأشار بيده إلي حلقه - .

قال : فخرجتُ من عنده فلقيت أبا جعفرٍ الأحول ، فقال لي : ما وراءک ؟

قلت : الهُدي ؛ وحدّثته بالقصة.

قال : ثمّ لقينا ژرارة(1) وأبا بصير فدخلا علیه وسمعا کلامه وساءلاه وقطعا علیه ، ثمّ لقينا الناس أفواجا، فکل من دخل علیه قطع علیه ، إلّا طائفة منهم عمار الساباطي ، وبقي عبد الله لا يدخل إليه من الناس إلّا القليل (2)

ص:200


1- في هامش البحار المطبوع قديماً نقلاً عن العلّامة المجلسي رحمه الله : «ذکر زرارة هنا غريب ، إذ غيبته في هذا الوقت عن المدينة معروفة ، والظاهر مکانه مفضّل بن عمر کما مرّ [من الکشي] أو الفضيل کما في الکافي . وفي الکافي وإعلام الوري و حلية الأبرار ومدينة المعاجز : الفضيل .
2- الکافي 1: 258 ح 7، رجال الکشي 2: 565 ج 502. إعلام الوري : 291 - 292 ، حلية الأبرار 2: 231 ، إثبات الهداة 3: 173 ح 9، بحار الأنوار 47: 343ح 35.

في ذکر السبب في وفاة أبي الحسن موسي عليّه السلام

باب: في ذکر السببُ في وفاة أبي الحسن موسي علیه السلام

وکان السبب في قبض الرشيد علی أبي الحسن موسي علیه السلام وحبسه وقتله ، ما ذکره أحمد بن عُبيد الله بن عمّار، عن علی بن محمّد النوفلي، عن أبيه ، وأحمد بن محمّد بن سعيد ، وأبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيي، عن مشايخهم قالوا: کان السبب في أخذ موسي بن جعفر علیهما السلام أن الرشيد جعل ابنه في حجر جعفر بن محمّد بن الأشعث ، فحسده يحيي بن خالد علی ذلک ، وقال : إنّ أفضت إليه الخلافة زالت دولتي ودولة ولدي ، فاحتال علی جعفر بن محمّد - وکان يقول بالإمامة - حتّي داخَلهُ وأنس إليه ، وکان يُکثِرُ غشيانه في منزله فيقفُ علی أمّره ويرفعه إلي الرشيد ، ويزيد علیه في ذلک بما يقدحُ في قَلبهِ .

ثمّ قال يوماً لبعض ثقاته : أتَعرفُون لي رجلاً من آل أبي طالب ليس بواسع الحال ، فيعرفني ما أحتاج إليه ، فدُلَّ علی علی بن إسماعيل بن جعفر بن محمّد، فَحَمل إليه يحيي بن خالد مالاً ، وکان موسي علیه السلام يأنس بعلی أبن إسماعيل ويَصِلهُ ويژه . ثمّ أنفذ إليه يحيي بن خالد يُرَغَّبُهُ في قصد الرشيد

ص:201

ويعدهُ بالأحسان إليه ، فعمل علی ذلک ، وأحست به موسي علیه السلام فدعاهُ فقال له : إلي أين يا بن أخي؟

قال : إلي بغداد . قال : وما تصنع ؟ قال : علیَ دَينُ وأنا مُملق. فقال له موسي علیه السلام : فأنا أقضي دينک وأفعل بک وأصنع .

فلم يلتفت إلي ذلک ، وعمل علی الخروج ، فاستدعاهُ أبو الحسن علیه السلام وقال له : أنت خارج ؟

قال : نعم ، لا بدّ لي من ذلک. فقال له : أنظر - يا بن أخي - واتّق الله ، ولا تُؤتِم أوّلادي .

وأمّر له بثلاثمّائة دينار وأربعة الآف درهم ، فلمّا قام بين يديه قال أبو الحسن موسي علیه السلام لمن حضره : والله ليَسعينّ في دمي ، وليُؤتمنّ أوّلادي .

فقالوا له : جعلنا الله فداک ، فأنت تعلمُ هذا من حالهِ و تُعطيه و تَصِلهُ !

قال : نعم ، حدّثني أبي ، عن آبائه ، عن رسول الله صلّي الله علیه و آله ، أنّ الحم إذا قُطعت فوّصِلت فقُطعت قَطَعَها الله ، وإنّني أرَدت أن أصِلهُ بعدَ قَطعهِ لي، حتّي إذا قَطَعَني قَطَعَه اللهُ.

قالوا : فخرج علی بن إسماعيل حتّي أتي يحيي بن خالد ، فتَعرَّفَ منه خبرَ موسي بن جعفر علیه السلام فَرَفَعهُ إلي الرَّشيد وزاد فيه ، ثمّ أوصلهُ إلي الرّشيدِ فسأله عن عمَّه فسعي به إليه قال له : إنّ الأمّوال تحمل إليه من المشرق والمغرب، وأنّه اشتري ضيعةُ سمّاها اليسيرة بثلاثين ألف دينار ، فقال له

ص:202

استشهاد الإمام الکاظم علیه السلام صاحبها - وقد أحضره المّال - لا آخذُ هذا النَّقدُ، ولا آخذ إلّا نَقدَکذا وکذا، فأمرَ بذلک المّال فرُدَّ وأعطاه ثلاثين ألف دينارٍ من النَقدٍ الّذي سأل بعينه.

فَسَمِعَ ذلک منه الرشيدُ وأمر لهُ بمائتي ألف درهم تشبيباً(1) بها علی بعض النواحي ، فاختار بعض وکُوَر المشرق ، ومضت رسله ليقبض المّال وأقام ينتظرهم ، فدخل في بعض تلک الأيّام إلي الخلاءِ فَزَحَر زَحرَةً خرجت منها حشوته کلّها فسقط ، وجهدوا في ردّها فلم يقدروا ، فوقع لمّا بهِ(2)، وجاءُ المّالُ وهو يَنزِعُ ، فقال : ما أصنع به وأنا في الموت ؟!

وخرجَ الرشيد في تلک السنّة إلي الحجّ ، وبدأ بالمدينة فقبضَ فيها علي أبي الحسن موسي علیه السلام.

ويُقال : أنَّه لمّا وردَ المدينة استقبلهُ موسي علیه السلام في جماعةٌ من الأشراف ، وانصرفوا من استقباله ، فمضي أبو الحسن علیه السلام إلي المسجد علی رسما ، فقام الرشيد إلي الليل فصار إلي قبر رسول الله صلّي الله علیه و آله، فقال : يا رسول الله ، إنّي أعتذرُ إليک من شيءٍ أريد أن أفعَله ، أريد أن أحبِسَ موسي بن جعفر ، فإنّه يريد التشتيتَ بين امَّتِک وسفک دمائها .

ثمّ أمّر به فأخِذَ من المسجدِ فأدخلَ علیه فَقيّده ، واستَدعي قُبتين فجلعه في إحداهما علی بغل ، وجعلَ القُبّة الأخري علی بغلٍ آخر، وخرجَ البغلانِ من داره علیهما القبتان مستورتان ، ومع کل واحدة منهما خيل ، فافترقت الخيل فمضي بَعضها مع إحدي القُبُتينِ علی طريق البصرة ، والأخري علی طريق

ص:203


1- مشتق من السبب ، وهو کل ما يتوصل به إلي شيء ، ومن هذا الباب تسبُّب مال الفيء ، لأنَ المسبّب جعل سبباً لوصول المّال إلي من وجب له من أهل الفيء . «تهذيب اللغة - سبب - 314:12 » .
2- لمّا به : أي أن حالته حالة الموت .

الکوفة ، وکان أبو الحسن علیه السلام في القبة التي مضي بها علی طريق البصرة ، وإنّما فعل ذلک الرشيدُ ليُعمّي علی الناس الأمرَ في باب أبي الحسن علیه السلام.

وأمرَ القوم الّذين کانوا مع قُبّة أبي الحسن علیه السلام أن يُسلّمّوه إلي عيسي بن جعفر بن المنصور ، - وکان علی البصرة حينئذٍ - فسُلَّمَ إليه فَحَبَسه عندهُ سنةً ، وکتبَ إليه الرشيدُ في دمِه ، فاستدعي عيسي بن جعفر بعض خاصّتهِ وثقاته فاستشارهم فيما کتب إليه الرشيد في دمه ، فأشاروا إليه بالتوقّف عن ذلک والاستِعفاء منه .

فکتبَ عيسي بن جعفر إلي الرشيد يقول له : لقد طال أمّر موسي بن جعفر ومُقامهُ في حبَسي، وقد اختبرتُ حاله ووضعت علیه العُيونَ طُوال هذه المُدةّ، فما وجدّته يَفترُ عن العبادة ، ووضعتُ من يسمعُ منه ما يقولُ في دعائهِ فمَا دعا علیک ولا علیَ ولا ذکرنا في دُعائهِ بسوء ، وما يَدعُو لنفسهِ إلّا بالمغفرةِ والرحمةِ، فإنّ أنت أنفذتَ إليَّ من يَتَسَلّمهُ ممتي وإلّا خَلَّيتُ سَبيلَه فإنّني مُتَحرَّجُ من حبسه .

ورُوي : أنّ بعض عُيون عيسي بن جعفر رفع إليه أنّه يَسمعُه کثيراً يقولُ في دعائهِ وهو مَحبوسُ عِندَه : اللّهمّ إنّک تَعلمُ انّي کنتُ أسألَکَ أن تُفَرَّ غني العبادتکَ، اللَّهمَ وقد فعلت فلک الحمدُ.

قال : فوجّه الرشيد من تَسلَّمهُ من عيسي بن جعفر ، وصَيَّرَ به إلي بغداد، فسُلَّم إلي الفضل بن الربيع فبقي عِنده مُدّة طويلة فأراده الرشيد علی شيء من أمّره فأبي ، فکتبَ إليه بتسلّميه إلي الفضل بن يحيي ، فَتسَلَّمهُ منه ، وجعلهُ في بعض حُجَرِ داره ووضع علیه الرَصد .

ص:204

وکان علیه السلام مَشغولاً بالعبادِة ، يُحيي الليلَ کُلَّه صلاةً وقراءةً للقرآن ودُعاءً اجتهاداً ، ويصوم النهار في أکثر الأيّام، ولا يَصرفُ وجههُ عن المحراب، فَوسَّع علیه الفضل بن يحيي وأکرمه.

فاتَّصل ذلک بالرشيد وهو في الرقة(1)فکتب إليه يُنکرُ عليه تَوسِعته علی موسي علیه السلام ويأمرهُ بقتله ، فتوقّف عن ذلک ولم يُقِدم علیه ، فاغتاظ الرشيد لذلک ودعا مَسرُوراً الخادم فقال له : أخرج علی البريد في هذا الوقت إلي بغداد ، وادخُل من فورک علی موسي بن جعفر ، فإنّ وجدته في دعسة ورفاهية فأوصل هذا الکتاب إلي العبّاس بن محمّد ومُرهُ بامتثِال ما فيه . وسلّم إليه کتاباً آخر إلي السندي بن شاهک يأمرهُ فيه بطاعةِ العبّاس بن محمّد.

فقَدِمَ مسرور فنزلَ دار الفضل بن يحيي لا يَدري أحد ما يُريد ، ثمّ دخل علی موسي علیه السلام فوجده علی ما بلغ الرشيد ، فمضي مِن فوره إلي العبّاس ابن محمّد ، فدعي العبّاس بسياط وعُقابين (2)وأمّر بالفضل فجُرَّدَ وضربه السندي بين يديه مائة سوطٍ ، وخرج متغيّر اللون خلاف ما دخل ، وجعل يُسلَّمُ علی الناس يميناً وشمالاً.

وکتب مسرور بالخبر إلي الرشيد ، فأمّر بتسليم موسي علیه السلام إلي

ص:205


1- الرقّة : مدينة في سورية ، شيدها الاسکندر المقدوني ... بني فيها المنصور مدينة جديدة ، ودعاها الرفيقة» ، واتخذها الرشيد عاصمته الصيفية بعد نکبة البرامکة ، وبني فيها قصر السلام فعرفت بمدينة الرشيد . انظر : «المنجد في الأعلام : 309». وقال في معجم البلدان 3: 59 : الرقّة : مدينة مشهورة علی الفرات في بلاد الجزيرة لأنها من جانب الفرات الشرقي ، وهي الآن احدي مدن سوريا
2- في الهامش : العقابانّ : آلة لها طرفان إذا رفع أحدهما نزل الآخر وبالعکس ، حتي تأتيا علی روح الشخص ، وتستخدم للعقوبة .

السندي بن شاهک ، و جلس الرشيد مجلساً حافِلاً وقال : أيَّها الناس ، إنّ الفضل ابن يحيي قد عَصاني وخالف طاعتي ، ورأيتُ أن ألعنه فالعنوه لعنه الله ، فَلَعنهُ الناس من کلّ ناحية حتي ارتجَّ البيت والدار بلعنهِ .

وبَلغ يحيي بن خالد الخبر ، فَرکِبَ إلي الرشيد فدخل من غير الباب الّذي يدخلُ الناس منه ، حتّي جاءه من خلفه وهو لا يشعرُ به ، ثمّ قال له : إلتفت - يا أمیر المؤمنين - إليَّ فأصغي إليه فزعاً ، فقال له : إنّ الفضل حَدَثُ، وأنا أکفيک ما تريد ، فانطلق وجههُ وسُرَّ ، وأقبل علی الناس فقال : إنَّ الفضل کان قد عصاني في شيء، فَلَعَنتهُ ، وقد تاب وأناب إلي طاعتي فتولّوهُ فقالوا : نحن أوّلياءُ من واليت ، وأعداء من عاديت ، وقد تولّيناه .

ثمّ خرجَ يحيي بن خالد علی البريد حتّي وافي بغداد ، فماج الناس وأرجفوا بکلّ شيء ، وأظهر أنّه ورد لتعديل السَّوادَ والنظرِ في أمّور العمال، وتشاغلَ ببعض ذلک أيّاماً ، ثمّ دَعا السندي بن شاهک فأمّره فيه بأمّره فامتثَله.

وکان الّذي تَولّي به السندي قتلهُ علیه السلام سمّاً جعلهُ في طعام قدمه إليه، ويُقال : انّه جعله في رُطب فأکل منه فأحسَّ بالشم، ولَبِثَ ثلاثاً بَعده مَوعوکاًمنه، ثمّ مات في اليوم الثالث.

ولمّا مات موسي علیه السلام أدخل السندي بن شاهک علیه الفقهاءَ ووجوهَ أهل بغداد ، و فيهم الهَيثَم بن عَدِيّ وغيره ، فنظروا إليه لا أثر به من جراحٍ ولا خنقٍ ، وأشهدهم علی انه مات حتف أنفه ، فشهِدُوا علی ذلک

وأخرج ووضع علی الجسر ببغداد ، و نودي علیه : هذا موسي بن جعفر

ص:206

علیهما السلام قد مات فانظروا إليه ، فجعلَ الناس يتفرَّسُون في وجه وهو ميّتُ، وقد کان قومُ زعموا في أيّام موسي علیه السلام أنّه هو القائم المُنتظرُ ، وجعلوا حبسه هو الغيبة المذکورة للقائم ، فأمّر يحيي بن خالد أن ينادي علیه عند موته: هذا موسي بن جعفر الّذي تزعم الرّافضة انّه هو القائم لا يموت ، فانظُروا إليه، فنظر الناس إليه ميّتاً.

ثمّ حُمل ودفن في مقابر قريش(1) في باب التبن(2) وکانت هذه المقبرة لبني هاشمٍ والأشراف من الناس قديماً .

ورُوي : أنّه لمّا حضرته الوفاة سأل السندي بن شاهک أن يُحضره مَؤليً له مَدنيّاً ينزل عند دار العبّاس بن محمّد في مشرعة القصبِ(3) ليتولّي غسله وتکفينه ففعل ذلک.

قال السندي بن شاهک : وکنتُ سألته في الإذن لي أن أکفنه فأبي ، وقال : أنا أهلُ بيتٍ ، مُهو رُنسائنا ، وحجُّ صرُورتِنا ، وأکفان موتانا من طاهر أمّوالِنا، وعندي کفني ، وأريد أن يتولي غسلي وجهازي مولاي فلان فتولّي ذلک منه (4)

ص:207


1- مقابر قريش : هي مدينة الکاظمية الحالية
2- باب التبن و مشرعة القصب من مناطق بغداد في تلک الأيام
3- باب التبن و مشرعة القصب من مناطق بغداد في تلک الأيام
4- رواه أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين : 501، وقد سقطت منه بعض الفقرات . والشيخ الطوسي في الغيبة : 26ح 6، وذکره مختصرأ الطبرسي في أعلام الوري : 299 ، وابن الصباغ في الفصول المهمة : 238، والمجلسي في بحار الأنوار 48: 234ح 39.

في ذکر ولد أبي الحسن موسي عليّه السلام

باب: في ذکر ولد أبي الحسن موسي علیه السلام، وعددهم واسمائهم

وکان لأبي الحسن موسي بن جعفر علیهما السلام سَبعة وثلاثونَ ولداً ذکراً وأُنثي منهم :

علیُ بن موسي الرضا علیهما السلام ، وإبراهيم ، والعبّاس ، والقاسم، الأمَّهاتِ أوّلادٍ.

وإسماعيلُ ، وجعفر ، وهارون ، والحسين ، لأمّ ولدٍ . وأحمد، ومحمّد ، وحمزة ، لأمّ ولدٍ.

وعبد الله ، وإسحاق ، وعُبيد الله ، وزيدُ ، والحسن ، والفضل ، وسليمان، الأمّهات أوّلادٍ.

وفاطمةُ الکبري ، وفاطمةُ الصغري ، ورُقيّة ، وحَکيمةُ، وأمّ أبيها ، ورُقيّة الصغري ، وکُلثوم ، وأمّ جعفر ، ولُبابَةُ ، وزينبُ ، وخديجةُ ، وعُليّةُ ، و آمِنةُ، وحَسنةُ ، وبَريهةُ ، وعائشةُ ، وأمّ سلّمة ، وميمونة ، وأمُّ کلثوم ، لاُمهات أوّلادٍ .

ص:208

باب في ذکر الإمام عليّ الرضا عليّه السلام

اشارة

في ذکر الامام القائم بعد أبي الحسن موسي علیه السلام من ولده، وتاريخ مولده، ودلائل إمامته، ومبلغ سنّه ، ومُدّة خلافته، ووقت وفاته وسببها ، وموضع قبره ، وعدد أوّلاده، ومختصر من أخباره

ص:209

ص:210

وکان الإمام بعد أبي الحسن موسي علیه السلام ابنه أبا الحسن علیَ بن موسي الرضا علیهما السلام لفضلهِ علی جماعة إخوته وأهل بيته ، وظُهور علمه وورعه ، واجتماع الخاصّة والعامّة علی ذلک فيه ، ومعرفتهم به منه ، ولنصَّ أبيه علیه السلام علی إمامته من بعده ، وإشارته إليه بذلک دون جماعة إخوته وأهل بيته .

وکان مولدهُ في المدينة سنة ثمّانٍ وأربعين ومائة . وقُبض علیه السلام بطوسٍ من أرض خُراسان ، في صفر سنة ثلاثٍ ومائتين ، وله يومئذٍ خمسُ وخمسون سنة ، وأمُّه أمَّ ولدٍ ، يقال لها : أمّ البنين ، وکانت مُدّة إمامته وقيامهِ بعد أبيه علیه السلام عشرين سنةً.

ص:211

في النصّ عليّ أبي الحسن الرضا عليّ بن موسي عليّهما السلام

باب: في ذکر طرف من النصّ علی أبي الحسن الرضا علی بن موسي علیهما السلام

فَمّمن روي النصَّ علی الرضا علی بن موسي علیهما السلام بالإمامة من أبيه ، والإشارة إليه منه بذلک ، من خاصّته وثقاتهِ وأهل العلم والورع والفقه من شيعته ، داودُ بن کثير الرقّي ، ومحمّد بن إسحاق بن عمار ، وعلیُ بن يقطين، ونُعَيم القابوسي وغيرهم ، ممّن يطول بذکرهم الکتاب.

أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن محمّد بن يعقوب ، عن أحمد بن مهران ، عن محمّد بن علی ، عن محمّد بن سنان و اسماعيل بن غياث القصري جميعاً ، عن داود الرقّي قال : قلت لأبي إبراهيم علیه السلام : جُعلت فداک ، إنّي قد کبرت وصرت شيخاً فخُذ بيدي و انقذني من النار ، فمن صاحِبنا بعدک ؟ قال : فأشار الي ابنه أبي الحسن علیه السلام فقال : هذا صاحبکم مِن بعدي(1)

ص:212


1- الکافي 1:249 ح 3، عيون أخبار الرضا علیه السلام 1: 23 ح 7، غيبة الطوسي : 9:34، الفصول المهمة لابن الصبّاغ : 243، اعلام الوري : 304، بحار الأنوار 49 : 23 ح 34.

وبهذا الإسناد ، عن الحسن بن محمّد، عن معلی بن محمّد (1)، عن أحمد بن محمّد بن عبدالله ، عن الحسن ، عن ابن أبي عمير ، عن محمّد بن إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي الحسن الأوّل علیه السلام : ألا تدلّني علی من آخذ عنه ديني ؟

فقال : هذا ابني علیُ ، إنّ أبي أخذ بيدي فأدخلني إلي قبر رسول الله صلّي الله علیه و آله ، فقال لي : يا بُني ، إنَّ الله جلَّ وعلا قال : (إنّي جَاعِلُ في الأرضَ خَلِيفَةً) (2)وإنّ الله إذا قال قولا وفي به (3).

وبهذا الإسناد عن محمّد بن يحيي ، عن أحمد بن محمّد[ بن عيسي ، عن الحسن بن محبوب ، عن الحسين بن نُعيم الصحّاف] (4)قال : کُنتُ أنا وهشام بن الحکم و علی بن يقطين ببغداد ، فقال علی بن يقطين : کنتُ عند العبد الصالح فقال لي : يا علی بن يقطين ، هذا علی سيّدُ ولدي ، أمّا إنّي قد نحلته کُنيتي ، فضرب هشام براحته جبهته ، ثمّ قال : وَيحَکَ ، کيف قلت ؟ فقال علی بن يقطين : سمعتهُ والله منه کما قُلتُ ، فقال هشام : إنَّ الأمّر والله فيه من بعده (5)

وبهذ الإسناد ، عن أحمد بن محمّد بن عيسي ، عن معاوية بن حکيم ،

ص:213


1- الظاهر انّه تصحيف ، والصواب هو الحسين بن محمّد وهو الّذي يتکرر اسمه في اسناد الکافي ، وهو الحسين بن محمّد بن عامر الأشعري الّذي يروي کتب معلی بن محمّد البصري کما في رجال النجاشي : 117:418 ، و فهرست الشيخ : 165، 732، ومشيخة الصدوق 4: 136.
2- البقرة : 30.
3- الکافي 1: 249 ح 4، غيبة الطوسي :34ح 10، بحار الأنوار 49 : 24ح 35.
4- في الأصل : عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محمّد ، عن نعيم الصحاف . وما بين المعقوفين أثبتناه من الکافي
5- لکافي 1: 248ح 1 ، عيون أخبار الرضا علیه السلام 1: 21ح 2، غيبة الطوسي : 35 ح 11.

عن نعيم القابوسي ، عن أبي الحسن موسي علیه السلام قال : «ابني علیُ أکبر ولدي ، وآثرهم عندي ، وأحبُّهم إليَّ ، وهو ينظر معي في الجفر، ولم يَنظرُ فيه إلّا نبيُّ أو وصيُّ نبي»(1).

والأدلة في ذلک کثيرة ، وشواهدها جمة.

ص:214


1- الکافي 1: 249 ح 2، عيون أخبار الرضا علیه السلام 1: 31ح 27 ، وفيه : «و أسمعهم لقولي وأطوعهم لأمّري» بدل : «و آثرهم عندي ، وأحبّهم إلي» ، غيبة الطوسي : 12/36 ، مناقب ابن شهر اشوب 4: 367، بحار الأنوار 49:24ح 36.

في ذکر طرف من دلائل أبي الحسن عليّ بن موسي عليّهما السلام

باب: في ذکر طرف من دلائل أبي الحسن علی بن موسي علیهما السلام

أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد ، عن محمّد بن يعقوب ، عن علی بن محمّد ، عن ابن جمهور ، عن إبراهيم بن عبدالله ، عن أحمد بن عبيد الله (1)، عن الغفاري قال : کان لرجل من آل أبي رافع - مولي رسول الله صلّي الله علیه و آله - يقال له : فلانُ، علیَ حقُّ، فتقاضاني وألحَّ علی ، فلمّا رأيت ذلک صلّيتُ الصبُح في مسجد رسول الله صلّي الله علیه و آله ، ثمّ تَوَجهتُ نحو الرضا علیه السلام - وهو يومئذٍ بالعُريض - فلمّا قَربتُ من بابه ، فإذا هو قد طلعَ علی حمارٍ وعليه قميصُ ورداءُ ، فلمّا نظرتُ إليه استحييتُ منه ، فلمّا لَحقني وَقف ونظرَ إليَّ فسَلَّمتُ عليه - وکان شهر رمضان - فقلت له : جَعلت فداک ، إ نَّلمولاک فلان علیَ حقّاً ، وقد والله شهرني ، وأنا والله أظنُّ في نفسي أنّه يأمّره بالکفَّ عنّي، وواللهِ ما قلتُ له کم له علی ولا سَمَّيتُ له شيئاً ، فأمَرني بالجلوس الي رجوعه.

فلم أزل حتي صلَّيت المغرب وأنا صائم، فضاقَ صَدري وأردت أن أنصرف ، فإذا هو قد طلعَ علیَ وحوله الناس ، وقد قَعدَ له السؤالُ وهو يَتصدَّقُ عليهم ، فمضي فدخل بيته ثمّ خرج ، ودعاني فقمتُ إليه ودخلتُ معه ، فجل

ص:215


1- في الکافي : أحمد بن عبدالله .

وجلست معه ، فجعلتُ أحَدُّثهُ عن ابن المسيب (1) . وکان کثيراً ما أُحَدَّثُهُ عنه - فلمّا فرغتُ قال : ما أظُنُّک أفطرت بعد ، فقلت : لا ، فدَعا لي بطعامٍ فوضع بين يدي ، وأمّر الغلام أن يَأکُلَ معي ، فأصبتُ أنا والغلام من الطعام ، فلمّا فَرَغنا قال: ارفع الوسادة وخُذ ما تحتها ، فرَفَعتُها فإذا دنانير ، فأخذتُها ووَضعتُها في

کُمّي. وأمّر أربعةً من عبيدهِ أن يکونوا معي حتي يَبلغوا بي منزلي ، فقلتُ : جعلت فداک إنَّ طائف (2)ابن المسيب يَقعدُ وأکرهُ أن يَلقاني ومعي عَبيدُک ، فقال لي : أصبت، أصاب الله بک الرشاد، وأمرهُم أن يَنصرفوا إذا رَدَدتُهم.

وصرتُ الي منزلي ، ودعوتُ السِراجَ ونظرتُ الي الدنانير ، فإذا هي ثمانيةُ وأربعون ديناراً ، وکان حقُّ الرجل علیَ ثمانية وعشرين ديناراً ، وکان فيها دينارُ يَلُوحُ فأعجبني حُسنه ، فأخذتهُ وقبته من السراج ، فإذا علیه نقش واضح : حق الرجل علیک ثمّانية وعشرون ديناراً ، وما بقي فهو لک ، ولا والله ما کنت عرفت ما له علی علی التحديد (3).

والأخبار في ذلک کثيرة يطول بشرحها الکتاب.

ص:216


1- هو هارون بن المسيب والي المدينة .
2- الطائف : العاس بالليل . «العين - طوف - 7: 458» .
3- الکافي 407:1 ح 4، إثبات الهداة 3: 250 ح 14 ، حلية الأبرار 4: 373 ح 1، کشف الغمّة 273:2، بحار الأنوار 9: 97 ح 12. وأورده في روضة الواعظين : 222 - 223.

في ذکر وفاة الرضا عليّه السلام

باب: ذکر وفاة الرضا علی بن موسي علیه السلام وسببها ، وطرف من الأخبار في ذلک

وکان الرضا علیُ بن موسي علیهما السلام يَکثُرُ وَعظَ المأمّون إذا خَلا به ويُخوَّفَه باللهِ ويُقبَّحُ ما يَرتِکبه من خلافهِ ، فکان المأمّونَ يُظهرُ قبولَ ذلک منه ويُبطنُ کراهته واستثقاله .

ودخل الرضا علیه السلام يوماً فرأه يتوضّأ للصلاةِ والغلامُ يصبُّ علی يدهِ المّاء ، فقال علیه السلام : لا تُشرِک بعبادةِ ربّک أحداً فصرفَ المأمّون الغلام ، و تَولّي تمام وضوئه بنفسه ، وزاد ذلک في غيظهِ ووجِده.

وکان الرضا علیه السلام يُزري(1) علی الحسن و الفضل - ابني سهل - عند المأمّون إذا ذکرهما ويصف لهما مساوِئهما ويَنهاه عن الإصغاءِ إلي قولهما ، و عَرفا ذلک منه فجعلا يَحطبان (2)علیه عند المأمّون ، ويَذکرانِ له عنه ما يُبعِدُه منه ويُخوَّفانه من حمل الناس علیه ، فلم يزالا کذلک حتي قَلَبا رأيه فيه ، وعَمِلَ علي قتلهِ علیه السلام ، فاتَّفق أنّه أکَل هو والمأمّون يوماً طعاماً ، فاعتلَّ منه

ص:217


1- الأزراء : التهاون بالشيء. «الصحاح - زري - 2368:6»
2- في الهامش : حطب فلان : جذب علیه الشر .

الرضا علیه السلام ، وأظهر المأمّون تمارضاً.

فذکر محمّد بن علی بن حمزة ، عن منصور بن بشير ، عن أخيه عبدالله ابن بشير انّه قال : أمّرني المأمّون أنّ أطوّل أظفاري عن العادة ، فلا أظهر لأحدٍ ذلک ففعل ، ثمّ استدعاني فأخرج إليَّ شيئاً شبهَ التمر الهندي وقال لي : اعجِن هذا بيديک جميعاً ففعلت ، ثمّ قام وترکني فدخل علی الرضا علیه السلام فقال له : ما خبرُک ؟

قال : أرجو أن أکون صالحاً.

قال له المأمّون : أنا اليوم بحمدِ الله أيضاً صالح ، فهل جاءک أحدُ من المتَرفّقين في هذا اليوم ؟

قال : لا.

فغَضِبَ المأمّون وصاحَ علی غلمّانه ، ثمّ قال : خُذ ماءَ الرمان الساعة ، فإنّه ممّا لا يُستغني عنه ، ثمّ دعاني فقال : ائتِنا برمان ، فأتيتهُ به ، فقال لي : إعصره بيديک ، ففعلت وسقاهُ المأمونُ الرضا علیه السلام بيده ، فکان ذلک سبب وفاته، ولم يلبث إلّا يومين حتي مات علیه السلام.

وذُکِر عن أبي الصلت الهروي انّه قال : دخلتُ علی الرضا علیه السلام وقد خرجَ المأمونُ من عنده ، فقال لي : يا أبَا الصلت قد فَعلُوها ، وجَعَل يُوَحَّدُ الله ويُمجّده(1)

وروي محمّد بن الجهم أنه قال : کان الرضا علیه السلام يعجبه العنب ،

ص:218


1- مقاتل الطالبيّين : 566، اعلام الوري : 325، بحار الأنوار 308:49 ح 18. وأورد ذيل الحديث ابن شهرآشوب في المناقب 4: 374.

فأخِذَ له منه شيءُ فجعل في مواضع أقماعِه الإبر أيّاماً ثمّ نُزعت منه ، وجِيء به إليه فأکل منه وهو في علَّته التي ذکرناها فقتله ، وذُکِرَ أنّ ذلک من ألطف السموم (1).

ولمّا توفّي الرضا علیه السلام کَتَم المأمّون موته يوماً وليلة ، ثمّ أنفذَ إلي محمّد بن جعفر الصادق علیه السلام وجماعةٍ من آل أبي طالب الّذين کانوا عنده ، فلمّا حَضَروه نَعاهُ إليهم وبکي وأظهر حُزناً شديداً وتوجُّعاً ، وأراهم إياه صحيح الجسد ، وقال : يعزُّ علیُ يا أخي أن أراک في هذه الحال ، قد کنتُ آمُل أن أقَدَّمَ قَبلک ، فأبي الله إلّا ما أراد ، ثمّ أمّر بغسلهِ وتکفينهِ و تحنيطه ، وخرجَ مع جنازته يحملّها حتّي انتهي الي الموضع الّذي هو مدفون فيه الآن فدفنه.

والموضع دار حميد بن قحطبة في قريةٍ يُقال لها : سناباد، علی دعوة (2)من نوقان(3) بأرض طوس، وفيها قبر هارون الرشيد (4)، وقبر أبي الحسن علیه السلام بين يديه في قِبلِتهِ .

ومَضي علی بن موسي علیهما السلام ولم يَترُک ولداً نعلمُه إلّا أبنه الإمام بَعده أبا جعفر محمّد بن علی علیهما السلام ، وکانت سنّه يوم وفاة أبيه سبع سنين وأشهراً.

ص:219


1- مقاتل الطالبين : 597، أعلام الوري : 325، مناقب آل أبي طالب 4: 376، بحار الأنوار 69: 308
2- علی دعوة : يعني مسافة بلوغ الصوت .
3- نوقان : احدي قصبتي طوس ، والأخري طابران . «معجم البلدان 311:5 » .
4- انظر : مقاتل الطالبيين : 567.

ص:220

باب في ذِکر الإمام محمد الجواد عليه السلام

اشارة

في ذِکر الإمام بعد أبي الحسن علی بن موسي الرضا علیه السلام، وتاريخ مولده ، ودلائل إمامته، ومُدّة خلافته، ومبلغ سنه ، وذکر وفاته وسببها، وموضع قبره، وعدد ولده وأسماهم، ومختصر من أخباره

ص:221

ص:222

وکان الإمام بعد علی بن موسي الرضا علیها السلام ابنه محمّد بن علی الرضا علیهم السلام بالنصّ علیه ، والإشارة من أبيه إليه ، وتکامل الفضل فيه.

وکان مولده في شهر رمضان سنة خمسٍ وتسعين ومائة بالمدينة ، وقبض ببغداد في ذي القعدّة سنة عشرين ومائتين ، وله يومئذ خمس وعشرون سنة، وکانت مدّة خلافته لأبيه وإمامته من بعده سبع عشرة سنة .

وأمُّه أمّ ولدٍ يُقالُ لها : سَبيکة، وکانت نوبية (1)

ص:223


1- النوب والنوبة ، والواحد نوبي : بلاد واسعة للسودان ، وأيضاً اسم جبل من السودان . «لسان العرب - توب - 1: 776» .

في النصّ علی إمامة محمد الجواد عليه السلام

باب ذکر طرفٍ من النصَّ علی أبي جعفر محمّد ابن علی علیهما السلام بالإمامة ، والإشارة بها من أبيه إليه فممّن روي النصّ عن أبي الحسن الرضا علی ابنته أبي جعفر علیه السلام بالإمامة : علیُ بن جعفر بن محمّد الصادق علیهم السلام ، وصفوان بن يحيي، ومعمرُ بن خلَّاد ، والحسن بن الجهم ، وجماعة کثيرة ممّن يطول بذکرهم الکتاب.

أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن محمّد بن يعقوب ، عن علی بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن علی بن محمّد القاساني جمعياً ، عن زکريا بن يحيي بن النعمان البصري قال : سمعت علی بن جعفر بن محمّد يُحدَّثُ الحسن بن الحسين بن علی بن الحسين ، فقال في حدّيثه : لقد نصر الله أبا الحسن الرضا علیه السلام لمّا بغي علیه إخوته وعُمومته ، وذکر حدّيثا طويلاً حتّي انتهي الي قوله : فقمتُ وقَبَضتُ علی يد أبي جعفر محمّد ابن علی الرضا علیه السلام وقل له : أشهدُ أنَّک إمامي عند الله ، فبکي الرضا علیه السلام ثمّ قال : يا عمّ ، ألم تسمع أبي وهو يقول : قال رسول الله صلّي الله علیه و آله : بأبي ابن خيرةِ الإماء النوبيّة الطيَّبة ، يکونُ من

ص:224

ولده الطريدُ الشريد، المَوتور بأبيه وجدَّه، صاحب الغيبة ، فيقال : مات أو هلک أو أيّ وادٍ سلک ؟

فقلت : صدقت ، جُعِلت فداک(1)

وبالاسناد، عن صفوان بن يحيي قال : قلت للرضا علیه السلام : قد تا نسألک قبل أن يهب الله لک أبا جعفر فکنتُ تقول : يهبُ الله لي غلاماً ، فقد وهبهُ اللهُ لک وقَرّ عُيُوننا به ، فلا أرانا الله يومک ، وإنّ کان کونُ فإلي من ؟ فأشار بيدهِ الي أبي جعفر وهو قائمُ بين يديه ، فقلت له : جُعلت فداک ، هذا ابنُ ثلاث سنين، قال : وما يضرُّ من ذلک ! قد قام عيسي بالحجّة وهو ابنُ أقل من ثلاث سنين (2)

وبالإسناد عن معمر بن خلَّاد قال : سمعت الرضا علیه السلام وذَکَر شيئاً(3)فقال : ما حاجتکم إلي ذلک ، هذا أبو جعفر قد أجلَستهُ مجلسي و صيَّرتُه مکاني.

وقال : إنّا أهل بيتٍ يتوارثُ أصاغِرُ نا عن أکابِرنا القُذَّةُ بالقُذَّة(4)- (5) وبالإسناد ، عن أحمد بن محمّد بن مهران ، عن محمّد بن علی ، عن

ص:225


1- إعلام الوري : 345، الکافي 1: 322ح 14، کشف الغمّة 2: 351 عن علی بن جعفر . وأخرجه في الوسائل 17: 174 ح 4، بحار الأنوار 21:50 ح 7.
2- الکافي 1: 259 ح 14 ، اثبات الوصّية : 185 ، الفصول المهمّة : 265 بحار الأنوار 21:50 ح 8. وذکر نحوه الخزاز في کفاية الأثر : 279.
3- قال العلّامة المجلسي في بحار الأنوار 22: 50 : وذکر شيئاً أي من علامات الإمام وأشباهه ، وربما يقرأ علی المجهول من باب التفعيل
4- مثل ، يُضرب للشيئين يستويان ولا يتفاوتان . «النهاية - قذذ - 4 : 28» .
5- الکافي 256:1ح 2، الفصول المهمة :265 ، اعلام الوري : 331، بحار الأنوار21:50 ح 9.

الحسن بن الجهم قال : کنتُ مع أبي الحسن علیه السلام جالساً فدعا بابنه أبي جعفر وهو صغير ، فأجلسه في حِجري وقال لي : جَرِدّه ، وانزع قميصّه ، فنزعتُه عنه ، فقال لي : أُنظر بين کتفيه ، قال : فنظرتُ، فإذا في إحدي کتفيه شبهُ الخاتم داخل في اللحم ، ثمّ قال لي: أتري هذا ؟ مثلُه في هذا الموضع کان من أبي علیه السلام(1)

ص:226


1- الکافي 1: 257 ح 8، اعلام الوري : 332، بحار الأنوار13:23 .

في ذکر طرف من الأخبار عن أبي جعفر عليّه السلام

باب : في ذکر طرف من الأخبار عن مناقب أبي جعفر علیه السلام، ودلائله ومعجزاته

وقد رَوي أکثر الناس : انّه لمّا توجّه أبو جعفر علیه السلام من بغداد منصرفاً من عند المأمّون ومعه أمّ الفضل ابنة المأمّون قاصداً بها المدينة ، صار إلي شارع باب الکوفة ومعه الناس يشيعونه ، فانتهي إلي دار المُسيّب عند مغيب الشمس، نزل ودَخل المسجد ، وکان في صحنهِ نبقة لم تحمل بعدُ ، فدعا بکوزٍ فيه ماء فتوضّأ في أصل النبقةِ (1)، وقام علیه السلام وصلّي بالناس صلاة المغرب ، فقرأ في الأوّلي منها الحمد وإذا جاء نصر الله ، وقرأ في الثانية الحمد وقُل هو الله أحد ، وقنت قبل رکوعه فيها ، وصلّي الثالثة و تشهّد وسَلَّم ، ثمّ جلس هَنَيهةً يذکرُ الله جلّ اسمه ، وقام من غير أن يعقّب ، فصلّي النوافل أربع رکعاتٍ ، وعقب تعقيبها وسَجد سَجدتي الشُکر ، ثمّ خرجَ، فلمّا انتهي إلي النبقة رأها الناس وقد حملت حَمَلاً حسناً ، فتعجبوا من ذلک وأکَلُوا منها فوَجَدُوه نَبقاً حُلواً لا عَجمَ له .

وودَّعُوه ومضي من وقتهِ إلي المدينةِ ، فلم يَزل بها إلي أن أشخَصه

ص:227


1- النبقة : النَبِق - بفتح النون وکسر الباء ، وقد تُسکّن - : ثمّر السدر . «النهاية - نبق5 - 10

المُعتصم في أوّل سنة عشرين (1) ومائتين إلي بغداد ، فأقام بها حتّي توفّي في آخر ذي القعدّة من هذه السنّة ، فدُفن في ظهر جدّه أبي الحسن موسي علیه السلام (2)

ص:228


1- في الأصل : سنة خمس وعشرين، وما أثبتناه هو الصواب بقرينة ما ذکره المصتف في أوّل هذا الباب من أن وفاته کانت سنة عشرين ومائتين ، وانظر الکافي 411:1و416ح 12، تاريخ أهل البيت علیهم السلام : 85.
2- اعلام الوري : 338 ، مناقب آل أبي طالب 390:4، الفصول المهمّة : 270، بحار الأنوار 5: 89.

في ذکر وفاة أبي جعفر الجواد عليه السلام

باب: ذکر وفاة أبي جعفر عليه السلام و سببها، و طرف من الأخبار في ذلک، و موضع قبره، و ذکر ولده

وقد تقدّم القول في مولد أبي جعفر علیه السلام و ذکرنا أنّه وُلِدَ بالمدینة، وأنّه قُبِضَ ببغداد.

و کان سببُ وُروده إلیها إشخاصَ المعتصم له من المدینة ، فوردَ بغداد للیلتین بقیتا من المحرَّم سنة عشرین و مائتین. و توفي بها في ذي القعدة من هذه السنة.

وقيل أنّه مضی مسموماً(1)، ولم یَثبُت عند مصنّف الارشاد بذلک خبر یشهد به(2) ودُفِنَ في مقابر قریش في ظهرِ جدِّه أبي الحسن موسی بن جعفر علیهم السلام، وکان له یوم قُبِضَ خمس وعشرون سنة وأشهر.

وکان منعوتاَ بالمنتجب، والمرتضی، وخلَّف بعده من الولد علیّاً ابنه الإمام من بعده، وموسی ، وفاطمة واُمامه ابنتیه، ولم یُخلّف ذکراً غیر من سمّیناه.

ص:229


1- کما في تفسیر العیاشي 1 : 320، ونقله ابن شهراشوب عن ابن عیاش في المناقب 4 : 379.
2- ولم یتّضح لنا رأي العلّامة في هذه المسألة.

ص:230

باب في ذکر الامام علي الهادي عليه السلام

اشارة

ذکر الامام القائم بعد أبي جعفر علیه السلام ، وتاريخ مولده ، ودلائل إمامته، ومبلغ سنّه ، ومدّة خلافته ، وذکر وفاته وسببها، وموضع قبره ، وعدد ولده، ومختصر من أخباره

ص:231

ص:232

وکان الإمام بعد أبي جعفر محمّد بن علی علیهما السلام ابنه أبا الحسن علی بن محمّد علیهما السلام ، لاجتماع خصال الإمامة فيه ، و تکامل فضله ، وأنّه لا وارث لمقام أبيه سواه، وثُبوتِ النصّ علیه بالإمامة والإشارة إليه من أبيه بالخلافة.

وکان مولده بصَريا(1)بمدينة الرسول للنصف من ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة ومائتين ، وتُوفّي بسر من رأي في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ، وله يومئذٍ إحدي وأربعون سنة و أشهر ، وکان المتوکل قد أشخَصه مع يحيي بن هرثمّة بن أعين (2)من المدينة إلي سُرَّ من رأي ، فأقامَ بها حتّي مضي سبيله.

وکانت مُدّة إمامته ثلاثاً وثلاثين سنة ، و أمُّه أمُّ ولدٍ يُقالُ لها : سُمَانة .

ص:233


1- صريا : هي قرية أسسها موسي بن جعفر علیه السلام علی ثلاثة أمّيال من المدينة . «مناقب آل أبي طالب 4: 382» .
2- يحيي بن هرثمّة بن أعين : من قواد المتوکّل العبّاسي ، کان أبوه هرثمّة بن أعين من أمّراء دولة الرشيد والمأمّون، وکان من الظلمة والقتلة ، بعد فراغه من أبي السرايا تغير قلب المأمّون علیه و أمّر بحبسه، فمکث في الحبس أيام، ثمّ دس إليه من قتله، وقالوا: مات، وذلک کان في سنة مائنين أو إحدي ومائتين. راجع تاريخ الطبري 8: 542، والکامل في التاريخ : 316 - 315.

في النصَّ علی إمامة علي الهادي علیه السلام

باب: طرفٍ من الخبر في النصَّ علیه بالإمامة، والإشارة إليه بالخلافة من أبيه علیه السلام

أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن محمّد بن يعقوب ، عن علی بن إبراهيم ، عن أبيه إسماعيل بن مهران قال : لمّا أخرج أبو جعفر من المدينة إلي بغداد في الدفعة الأوّلي من خَرجَتيه قلت له عند خروجه : جُعلت فداک ، إنّي أخاف علیک مِن هذا الوجه ، فإلي من الأمّر بعدک ؟

قال : فکَرَّ إليَّ بوجهه ضاحکاً وقال لي : ليس حيث کما ظننتَ في هذه السنّة ، فلمّا استُدعي به إلي المعتصم صِرتُ إليه فقلت له : جُعلت فداک ، أنت خارج ، فإلي من هذا الأمّر من بعدک ؟

فبکي حتّي اخضلّت لحيتُه ثمّ التفت إليّ فقال : عند هذه يُخافُ علیَ ، الأمرُ من بعدي إلي ابني علی علیه السلام(1).

وبالإسناد عن الحسين بن محمّد ، عن الخيراني ، عن أبيه أنّه قال : کنتُ

ص:234


1- الکافي 1/260:1، اعلام الوري : 339، مناقب آل أبي طالب 408:4 ، بحار الأنوار 118:50ح 2. وذکر ابن الصبّاغ في الفصول المهمة : 277 خروج الإمام علیه السلام المرّة الثانية من المدينة فقط .

ألزم باب أبي جعفر علیه السلام للخدمةِ التي وَکَّلتُ بها ، وکان أحمد بن محمّد بن عيسي الأشعريّ يجيء في السحر من آخر کلَّ ليلة ليتعرفَ خبرَ عِلّة أبي جعفر علیه السلام ، وکان الرسول الّذي يَختلِفُ بين أبي جعفر وبين الخيراني إذا حَضَرَ قامَ أحمد وخَلا به.

قال الخيراني : فَخرجَ ذات ليلتةٍ وقام أحمد بن محمّد بن عيسي عن المجلس ، وخَلا بي الرسولُ ، واستدار أحمد فوقف حيثُ يسمعُ الکلام ، فقال الرسول : إنّ مولاک يقرأ علیک السلام ، ويقولُ لک : إنّي ماضٍ ، والأمّر صائر إلي ابني علیٍ ، وله علیکم بعدي ما کان لي علیکم بعد أبي.

ثمّ مضي الرسول ورجع أحمد إلي موضعه ، فقال لي : ما الّذي قال لک ؟ قلت : خيرة ، قال : قد سمعت ما قال ، وأعاد علی ما سمع ، فقلت له : قد حرم الله علیک ما فعلت ، لأن الله يقول (وَلَا تَجسّسُوا) (1) فإذا سمعت فاحفظ الشهادة لعلَّنا نحتاجُ إليها يوماً ما ، وإياک أن تُظهرها إلي وقتها.

قال : وأصبحتُ وکتبت نسخة الرسالة في عشر رِقاع ، وختمُها ودفعتُها إلي عشرةٍ من وجوه أصحابنا ، وقلتُ : إنّ حَدث بي حَدثُ الموت قبل أن أُطالِبَکُم بها فافتحوها واعملوا بما فيها.

فلمّا مضي أبو جعفر علیه السلام لم أخرُج من مَنزلي حتّي عرفتُ أنّ رؤوساء العصابة قد اجتمعوا عند محمّد بن الفرج(2)، يتفاوضون في الأمّر. فکتب إليّ محمّد بن الفرج يُعلِمُني باجتماعِهم عنده ويقول : لولا مخافة الشهرة لَصرتُ معهم إليک ، فأُحبّ أن ترکب إليَّ.

ص:235


1- الحجرات : 12.
2- هو محمّد بن الفرج الجي من أصحاب الرضا والجواد والهادي علیهم السلام .

فرکبتُ وصرتُ إليه ، فوجدت القوم مُجتمعين عنده ، فتجارينا في الباب، فوجدت أکثرهم قد شَکّوا ، فقلت لمن عندَه الرِقاعُ - وهُم حُضور - أخرِجُوا الرقاعَ ، فأخرجوها ، فقلت لهم : هذا ما أُمرت به .

فقال بعضهم : قدکُنّا نحبُّ أن يکون معک في هذا الأمرِ آخر، ليتأکَّدَ هذا القول .

فقلتُ لهم : قد أتاکم الله بما تُحِبُّون ، هذا أبو جعفر الأشعري يشهدُ لي بسماع هذه الرسالة فاسألوه ، فسأله القومُ فتوقف عن الشهادة ، فدَعَوتُه إلي المباهلة، فخاف منها وقال : قد سمعتُ ذلک ، وهي مکرمةُ کنت أحبُّ أن تکون الرجلٍ من العرب ، فأمّا المباهلة فلا طريق إلي کتمان الشهادة ، فلم يبرح القومُ حتّي سَلّموا لأبي الحسن علیه السلام.(1)

والأخبار في هذا الباب کثيرة جدّاً إنّ عملنا علی إثباتها طال بها الکتاب.

وفي اجتماع العصابة علی إمامة أبي الحسن علیه السلام ، وعدمِ من يدّعيها سواه في وقته ممّن يلتبس الأمّر فيه غنيً عن إيراد الأخبار وبالنصوص علی التفصيل .

ص:236


1- الکافي 1: 260ح 2، اعلام الوري : 340، بحار الأنوار 119:50ح 3.

في ذکر طرف من دلائل أبي الحسن عليّ الهادي عليه السلام

باب: في ذکر طرف من دلائل أبي الحسن علی بن محمّد علیهما السلام، وبراهينه وبيّناته

أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن محمّد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمّد ، عن معلی بن محمّد، عن الوشاء، عن خيران الأسباطي قال : قَدِمتُ علی أبي الحسن علی بن محمّد علیهما السلام المدينة فقال لي : ما خبر الواثق عندک.

قلت : جعلت فداک خلفته في عافية ، أنا من أقرب الناس عهداً به ، عهدي به منذ عشر أيّام.

قال : فقال لي : إنّ أهل المدينة يقولون : إنّه قد مات . فقلت : أنا أقرب الناس به عهداً. قال : فقال لي : إنّ الناس يقولون انه مات .

فلمّا قال لي أنّ الناس يقولون ، علمتُ انّه يعني نفسه . ثمّ قال لي : ما فعلَ جعفر ؟

قلتُ : ترکته أسوء الناس حالاً في السجن .

ص:237

قال : فقال لي : أمّا إنّه صاحب الأمّر. ثمّ قال : ما فعل ابن الزيّات ؟ قلت : الناس معه ، والأمّر أمّره. فقال : أمّا إنّه شُؤمُ علیه.

قال : ثمّ انّه سکتَ وقال لي: لا بدّ أن تَجري مقاديرُ الله وأحکامه ، يا خيرانُ مات الواثقُ ، وقد قَعد جعفر المتوکّل ، وقد قُتل ابن الزيّات.(1) قلت : متي جُعِلتُ فداک ؟ فقال : بعد خروجک بستّة أيام. والأخبار في ذلک کثيرة وشواهدها جمّة.

ص:238


1- الکافي 416:1ح 1،

في ذکر أبي الحسن الهادي علیه السلام

باب: ذکر ورود أبي الحسن علی بن محمّد علیهما السلام من المدينة إلي العسکر، ووفاته بها ، وسبب ذلک ، وعدد أوّلاده ، وطرف من أخباره

وکان سبب شخوص أبي الحسن علیه السلام إلي سُرّ من رأي : أنّ عبدالله ابن محمّد کان يتولّي الحرب والصلاة بمدينة الرسول صلّي الله علیه و آله ، فسعي بأبي الحسن علیه السلام إلي المتوکّل ، وکان يقصدُه بالأذي ، وبَلَغَ أبا الحسن علیه السلام سِعايتهُ به ، فکتب إلي المتوکّل يَذکرُ تَحامُلَ عبدالله بن محمّد علیه، وکذبه فيما سعي به ، فتقدّم المتوکّل بإجابته عن کتابه ودعائه فيه إلي حضور العسکر علی جميلٍ من الفعل والقول.

فلمّا وصل الکتاب (1)إلي أبي الحسن علیه السلام تجهّز للرحيل ، وخرجَ معه يحيي بن هرثمّة حتي وصل إلي سُرّ من رأي ، فلمّا وصلَ اليها تقدّم المتوکّل بأن يُحجب عنه في يومه ، فنزلَ في خانٍ يُعرفُ بخانِ الصعاليک وأقام فيه يومه، ثمّ تقدّم المتوکّل بإفراد دارٍ له فانتقلَ إليها.

ص:239


1- الکافي 410:1 ح 7، عن محمّد بن يحيي ، عن بعض أصحابنا قال : أخذت نسخة کتاب المتوکّل إلي أبي الحسن الثالث علیه السلام من يحيي بن هرثمّة في سنة ثلاث وأربعين ومائتين....

وأقام أبو الحسن علیه السلام مُدّة مقامه بسُرّ من رأي مُکرماً في ظاهر حاله يجتهدّ المتوکّل في إيقاع حيلةٍ به ولا يتمکّن من ذلک.

وله معه أحاديثُ يطولُ بذکرها الکتابُ ، فيها آيات له وبيّناتُ ، إنّ قصدنا الإيراد ذلک خَرجنا عن الغرض فيما نحوناه.

وتُوفّي أبو الحسن علیه السلام في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين .

ودُفِن في داره بسُرّ من رأي ، وخلّف من الولد أبا محمّد الحسن علیه السلام ابنه ، وهو الإمام من بعده ، والحسين ، ومحمّداً ، وجعفراً ، وابنته عائشة .

وکان مَقامه بسُرّ من رأي إلي أن قبض عشرَ سنين وأشهر .

ص:240

باب في ذکر الإمام الحسن العسکري علیه السلام

اشارة

ذکر الإمام بعد أبي الحسن علی بن محمّد علیهما السلام ، وتاريخ مولده، ودلائل إمامته ، والنصّ علیه من أبيه ، ومبلغ سنّه ، ومدّة خلافته ، وذکر وفاته وسببها، وموضع قبره، وعدد ولده، وطرف من أخباره

ص:241

ص:242

وکان الإمام بعد أبي الحسن علی بن محمّد علیهما السلام ابنه أبا محمّد الحسن بن علی علیهما السلام لاجتماع خلال الفضل فيه ، وتَقدّمِه علی کافّة أهل عصرهِ فيما يوجب له الإمامة ، ويقتضي له الرئاسة ، من العلم والزهير وکمال العقل ، والعصِمة والشجاعة والکرم ، وکثرةِ الأعمال المُقرّبة إلي الله جلّ اسمه ، ثمّ لِنصّ أبيه علیه وإشارته بالخلافة إليه .

وکان مولده بالمدينة في شهر ربيع الآخر من سنة اثنتين وثلاثين ومائتين.

وقُبضَ عليه السلام يوم الجمعة لثمّانِ ليالٍ خَلون من شهر ربيع الأوّل سنة ستّين ومائتين ، وله يومئذٍ ثمّان وعشرون سنة ، ودُفن في داره بسُرّ من رأي في البيت الّذي دُفن فيه أبوه علیه السلام.

وأمّه أمُّ ولير يقال لها : حديثة.

وکانت مُدّة خلافتِه ستُّ سنين .

ص:243

في النصّ علی إمامة الحسن العسکري علیه السلام

باب: ذکر طرفٍ من الخبر الوارد بالنصَّ علیه ، من أبيه علیه السلام ، والإشارة إليه بالإمامة من بعده

أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن محمّد بن يعقوب ، عن علی بن محمّد ، عن محمّد بن أحمد النهدي ، عن يحيي بن يسار الغبري(1) قال : أوصي أبو الحسن علی بن محمّد علیهما السلام إلي ابنه الحسن علیه السلام قبلَ مُضيَّه بأربعة أشهر، وأشار إليه بالأمّر من بعده ، وأشهدني علی ذلک وجماعة من الموالي(2).

وبالاسناد عن علی بن عمرو النوفلي قال : کنت مع أبي الحسن علیه السلام في صحن داره فمرَّ بنا محمّد ابنه فقلت : جُعلت فداک ، هذا صاحبنا بعدک ؟ فقال : لا ، صاحِبُکم من بعدي الحسن علیه السلام (3).

ص:244


1- في مطبوعة الکافي واعلام الوري : القنبري ، لکن في عدّة نسخ معتبرة من الکافي : العنبري، وفي غيبة الطوسي : «بشار» بدل «سار». .
2- الکافي 1: 261 ح 1، غيبة الطوسي: 200 ح 166، اعلام الوري : 351، الفصول المهمة : 284 ،بحار الأنوار246:50ح 21.
3- الکافي 1: 262ح 2، اعلام الوري : 350، غيبة الطوسي : 198ح 163 ، بحار الأنوار 243:50ح 13.

265

وبهذا الإسناد عن علی بن مهزيار قال : قُلت لأبي الحسن علیه السلام : إن کان کَونُ - وأعوذُ بالله - فإلي مَن؟

قال : عهدي إلي الأکبر من ولدي ، - يعني الحسن علیه السلام(1).

وبهذا الإسناد عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسين الأفطس(2) أنَّهم حَضروا يومَ تُوفّي محمّد بن علی بن محمّد دارَ أبي الحسن علیه السلام وقد بُسِطَ له في صحن داره ، والناس جلوس حَولهُ ، فقالوا : قَدَّرنا

ص:245


1- الکافي 262:1 ح 6، اعلام الوري : 350، بحار الأنوار 244:50ح16.
2- في الکافي : الحسن بن الحسن الأفطس ، والأفطس هو الحسن بن علی بن علی بن علی بن الحسين بن علی بن أبي طالب علی المشهور في کتب الانساب ، لکن البخاري قال : وبعض الناس يقول : إنّ الأفطس هو الحسين بن الحسن بن علی لا الحسن بن علی والحسن الأفطس أراد قتل الصادق علیه السلام ، وقد جاء علیه السلام بإيصاء شيء منه صلة للرحم ، وله أوّلاد: منهم الحسين المعروف بابن الأفطس : ظهر بمکّة أيّام أبي السرايا وأخذ مال الکعبة . (المجدي : 213، عمدة الطالب : 337، مروج الذهب 3: 440) ومنهم الحسن المکفوف : غلب علی مکة أيام أبي السرايا وأخرجه من مکة إلي الکوفة ورقاء بن يزيد ، کذا ذکره في المجدي : 215 ، وعمدة الطالب : 338 ، لکن خروج أبي السرايا في سنة 199 وقتله في سنة 200، ويبعد في النظر ظهور کلا الأخوين في هذه المدّة القصيرة في مکّة ، ويحتمل وقوع خطأ هنا ، فليحقق . وکيف کان ، يبعد بقاء هذين الأخوين إلي أن يروي عن أحدهما سعد بن عبدالله (المتوفّي في حدود سنة 300) ولا يبعد کون الصواب الحسين بن الحسن الأفطس ، وقد ذکر في ترجمة تاريخ قم : 228: أنّ أبا الفضل الحسين جاء من الحجاز إلي قم وتوفّي بها وکان من الفقهاء الّذين رووا عن الحسن بن علی علیه السلام فيناسب رواية سعد بن عبدالله القمي عنه وهو قد هنأ الإمام الحسن بن علی العسکري علیه السلام بولادة المهدي عجل الله تعالي فرجه کما في تاريخ قم: 205، وغيبة الشيخ 230 وفيه : أبو الفضل الحسين بن الحسن العلوي ، وص 251 وفي نسبه سقط . إکمال الدين باب 43 وفيه : أبو الفضل الحسن بن الحسين العلوي ، وهو تصحيف ، وقد ذکره في المنتقلة : 255 وأخوه علی الدينوري ذکره في عمدة الطالب : 238 وقال : کان أبو جعفر محمّد الجواد قد أمّره أن يحلّ بالدينور ، ففعل .

أن يکون حولَه من آل أبي طالب وبني العبّاس وقريش مائة وخمسون رجلاً سوي مواليه وسائر الناس ، إذ نَظَرَ إليّ الحسن بن علی علیهما السلام وقد جاء مشقوق الجيب حتي قام عن يمينه ونحنُ لا نَعرِفُه ، فنظر إليه أبو الحسن بعدَ ساعةٍ من قيامهِ ، ثمّ قال له : يا بُنيَّ ، أحدِث الله شُکراً ، فقد أحدثَ فيک أمّراً، فبکي الحسن علیه السلام واسترجعَ فقال : الحمدُ للهِ ربَّ العالمين ، وإيّاه أسألُ تمام نعمه علینا، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

فسألنا عنه ، فقيل لنا هذا الحسن بن علی ابنه ، وقدرّنا له في ذلک الوقت عشرين سنة ونحوها ، فيومئذٍ عرفناه و عَلِمنا أنّه قد أشار إليه بالإمامة وأقامه مَقامه(1)

ص:246


1- الکافي 1: 262 ح 8، اعلام الوري : 351، بحار الأنوار 45:50 ح 18.

في ذکر طرف من دلائل أبي محمد الحسن العسکري علیه السلام

باب: ذکر طرفٍ من أخبار أبي محمّد الحسن ابن علی علیهما السلام ، ومناقبه ، وآياته ، ومعجزاته

روي إسحاقُ بن محمّد النخعي قال : حدّثني أبو هاشم الجعفري قال: شکوتُ إلي أبي محمّد علیه السلام ضيقَ الحبس و کَلَبَ(1) القيد ، فکتب إلي:

أنت مُصلّي اليوم الظهر في منزلک ، فأخرجتُ وقت الظهر فصَلَّيتُ في منزلي کما قال ، وکنت مُضيقاً فأردتُ أن أطلُب منه معونةً في الکتاب الّذي کَتبتُه إليه فاستَحييتُ ، فلمّا صِرتُ إلي منزلي وجّه لي بمائة دينارٍ وَکَتَبَ إليَّ :

إذا کانت لک حاجةً فلا تَستحي ولا تَحتَشم ، واطلُبها تَأتِک علی ما تُحِبُّ إنّ شاءَ الله(2)

والأخبار في ذلک ممّا يطول به الکتاب .

ص:247


1- في هامش الأصل : الکَلَبَ : الشدة والضيق
2- الکافي 1: 426ح 10، اعلام الوري : 354، الخرائج والجرائح 435:1ح 13، وذکر صدره ابن شهر اشوب في المناقب 4 : 432، وذيله في 439:4، وذکر قطعاً منه المسعودي في اثبات الوصية : 211، وعماد الدين الطوسي في ثاقب المناقب : 276ح 525، بحار الأنوار 267:5 ح 27.

في ذکر وفاة أبي الحسن العسکري علیه السلام

باب: ذکر وفاة أبي محمّد الحسن بن علی علیهما السلام، وموضع قبره ، وذکر ولده

ومَرِضَ أبو محمّد الحسن بن علی علیهما السلام في أوّل شهر ربيع الأوّل سنة ستين ومائتين ، ومات في يوم الجمعة لثمّان ليالٍ خَلَونَ من هذا الشهر في السنّة المذکورة ، وله يوم وفاته ثمّانُ وعشرون سنة ، ودُفِنَ في البيت الّذي دُفِنَ فيه أبوه من دارهما بسُرّ من رأي .

وخلّف ابنه المنتظر لدولةِ الحقَّ ، وکان قد أخفي مَولده وسَتر أمّره، الصعوبة الوقتِ ، وشدّة طلب سُلطان الزمانِ له ، واجتهادهِ في البحثِ عن أمّره، ولمّا شاعَ من مذهب الشيعة الإمامية فيه ، وعُرفَ من انتظارهم له ، فلم يُظهِر ولده علیه السلام في حياته ، ولا عَرفه الجمهورُ بعد وفاته .

وتَولّي جعفر بن علی،(1) أخو أبي محمّد علیه السلام أخذ ترکته ، وسعي

ص:248


1- جعفر بن الإمام علی الهادي علیه السلام ، معروف بحب الجاه ، وطلب الدنيا ، ادعي الإمامة بعد وفاة أخيه الإمام العسکري علیه السلام ، وهو المعروف بجعفر الکذّاب . وقد ورد عن النبي صلّي الله علیه و آله انه قال : «إذا ولد جعفر بن محمّد بن علی بن الحسين صلوات الله علیه فسموه جعفر الصادق ، فإنّه يولد من ولده ولد يقال له : جعفر الکذاب» . انظر: الهداية الکبري : 248، علل الشرائع : 234 ح 1، دلائل الإمامة : 112، الاحتجاج 318:2 ، العدد القويّة :154ح 82.

في ذکر الإمام الحسن العسکري علیه السلام في حبس جواري أبي محمّد علیه السلام ، واعتقال حلائلِه ، وشنّع علی أصحابه بانّتظارهم وَلَده، وقَطعِهم بوجوده والقول بإمامته ، وأغري بالقوم حتّي أخافهم وشردهم ، وجري علی مخلّفي أبي محمّد علیه السلام بسبب ذلک کُلّ عظميةٍ ، من اعتقال وحبسٍ و تهديدٍ وتصغيرٍ واستخفافٍ وذُلٍ ، ولم يَظفر السلطان منهم بطائلٍ.

وحاز جعفر ظاهر ترکةِ أبي محمّد علیه السلام ، واجتهدَ في القيام عند الشيعة مَقامه ، ولم يقبل أحد منهم ذلک ولا اعتقده فيه ، فصار إلي سُلطان الوقت يلتمش مرتبة أخيه ، وبذلَ مالاً جليلاً ، و تقرب بکل ما ظَنَّ أنّه يَتقرّب به فلم يَنتفع بشيءٍ من ذلک.

ولجعفر أخبار کثيرة في هذا المعني رأيت الاضراب عن ذکرها لأسباب لا يحتمل الکتاب شرحها ، وهي مشهورة عند الإمامية ، ومن عرف أخبار الناس من العامّة ، وباللهِ نستعين .

ص:249

ص:250

باب في ذکر الإمام القائم الحجّة بن الحسن عجّل الله فرجه الشریف

اشارة

ذکر الإمام القائم بعد أبي محمّد الحسن علیه السلام ، وتاريخ مولده ، ودلائل إمامته ، وذکر طرفٍ من اخباره، وغيبته وسيرته عند قيامه ، ومُدَّة دولته

ص:251

ص:252

وکان الإمامُ بعد أبي محمّد الحسن علیه السلام ابنه المسمّي باسم رسول الله صلّي الله علیه و آله ، المکنّي بکُنيته ، ولم يُخَلَّف أبوه ولداً ظاهراً ولا باطناً غيره، وخلّفه غائباً مُستتراًعلی ما قدّمناه .

وکان مولده علیه السلام ليلة النصف من شعبانّ سنة خمس وخمسين ومائتين.

وأمُّه أمُّ ولدٍ يقال لها : نَرجِس.

وکانت سنّه عند وفاة أبيه علیه السلام خمس سنين ، آتاه الله فيها الحکمة وفصل الخطاب ، وجعله آية للعالمين ، وآتاه الحکمة کما آتاها ليحيي صبيا، وجعله إماما في حال الطُفوليّة الظاهرة ، کما جعل عيسي بن مريم علیه السلام في المَهدِ نَبيّاً.

وقد سبق النصّ علیه في ملة الاسلام من نبيّ الهدي علیه السلام، ثمّ مِن أمیر المؤمنين علی بن ابي طالب علیه السلام ، ونَصَّ علیه الأئمّة واحداً بعد واحدٍ إلي أبيه الحسن علیه السلام ، ونصّ أبوه علیه عند ثقاته وخاصّة شيعته .

وکان الخبر بغيبته ثابتاً قبل وجوده ، وبدولته مستفيضاًقبل غيبته ، وهو صاحب السيف من أئمة الهدي علیهم السلام ، والقائم بالحقَّ ، المنتظر لدولةِ الإيمان .

وله قبل قيامهِ غيبتان ، إحداهما أطولُ من الأخري ، کما جاءت بذلک

ص:253

الأخبار :

فأمّا الصغري منهما منذ وقت مولدهِ إلي انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وعدم السفراء بالوفاة.

وأمّا الطُولي فهي بعد الأوّلي وفي آخرها يقوم بالسيف.

قال الله عزّ وجلّ :( وَنَريدُ أن نَمُنَّ عَلَي الَّذينَ استُضعِفُوا في الأرضِ وَنَجعَلَهُم أئِمَّةً وَنَجعَلَهَم الوارِثينَ . ونُمَکِّنَ لَهُم في الأرضِ وَنُرِيَ فِرعَونَ وَهَامَانَ وَجُنَودَهُمَا مِنهُم مَا کَانَوا يَحذَرُونَ)(1)وقال جلّ اسمه : (وَلَقَد کَتَبنَا في الزَّبُورِ مِن بَعدِ الذَّکرِ أنَّ الأرضَ يَرِثُها عِبَادِيَ الصَّالِحُون)(2)

وقال رسول الله صلّي الله علیه و آله : لن تنقضي الأيّام والليالي حتي يبعث الله رجلاً من أهل بيتي ، يُواطيء اسمه اسمي ، يَملؤُها عدّلاً وقسطاً کما مُلِئَت ظُلماً وجَوراً (3).

وقال : لو لم يبقَ من الدنيا إلّا يوم واحد، لَطَولَ اللهُ ذلک اليوم حتي يَبعثَ الله فيه رُجُلاً من ولدي ، يواطيء اسمه أسمي ، يَملؤُها عدّلاً وقسطاًکما مُلئت ظلماً و جَوراً(4)

ص:254


1- القصص : 5 - 6.
2- الأنبياء :105.
3- وردت قطعة منه في مسند أحمد 1: 376، و تاريخ بغداد 4 : 388، ونقله ابن الصبّاغ في الفصول المهنة : 291.
4- سنن أبي داود106:4ح4282، سنن الترمذي 4: 505 ح 2231، غيبة الشيخ الطوسي : 180ح140.

في ذکر طرفٍ من الدلائل علی إمامته علیه السلام

باب: في ذکر طرفٍ من الدلائل علی إمامة القائم بالحقَّ ابن الحسن علیه السلام

ومن الدلائل علی ذلک ما يقتضيه العقل والاستدلال الصحيح علی وجود إمام معصوم کامل غني عن رعاياه في الأحکام والعلوم في کل زمان ، الاستحالة خُلُؤَّ المکلَّفين من سلطان يکونون بوجوده أقرب إلي الصلاح ، وأبعد من الفساد، وحاجة الکلَّ من ذوي النقصان إلي مُؤدّبٍ للجُناةِ ، مُقَوَّمٍ للعصاةِ ، رادع للغواةِ ، مُعلَّمٍ للجُهّالِ ، مُنَبَّهٍ للغافلينَ ، مُحذَّر من الضلال، مُقيمٍ للحدودِ ، مُنَفَّذٍ للأحکام ، فاصلٍ بين أهل الاختلاف ،ناصبٍ للأمّراءِ ، سادٍّ اللثُغورِ ، حافظٍ للأمّوال ، حامٍ عن بيضة الإسلام ، جامعٍ للناس في الجُمَعاتِ والأعياد.

وقيام الأدلّةِ علی أنّه معصوم من الزلات لغناه بالاتَّفاق عن إِمامٍ، و اقتضاء ذلک له العصمة بلا ارتياب ، ووجوب النصَّ علی مَن هذه سبيلهُ من الأنام، أو ظهور المُعجز علیه لتميّزه ممن سواه ، وعدم هذه الصفات من کلَّ أحدٍ سوي من أثبت إمامته أصحاب الحسن بن علیٍ علیهما السلام وهو ابنه المهدي ، علی ما بيّنّاه .

ص:255

وهذا أصل لا يحتاج معه في الإمامة الي رواية النصوص و تعداد ما جاء فيها من الأخبار ، لقيامهِ بنفسهِ في قضيّة العقولِ وصحَّته بثابت الاستدلال.

ثمّ قد جاءت روايات في النصَّ علی ابن الحسن علیه السلام من طُرقٍ ينقطع به الأعذار ، وأنا بمشيّةٍ الله مُورد طرفاً منها علی السبيل الّذي سلف من الاختصار.

ص:256

في النصّ علی إمامة الحجّة بن الحسن علیه السلام

باب: ما جاء من النصَّ علی إمامة صاحب الزمان الثاني عشر من الائمة صلوات الله علیهم أجمعين في مُجملٍ ومُفصلٍّ علی البيان

أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن محمّد بن يعقوب الکليني ، عن علی بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسي ، عن محمّد بن الفضيل(1) عن أبي حمزة الثمّالي ، عن أبي جعفر علیه السلام انّه قال : إنّ الله عزّ اسمه أرسل محمّداً صلّي الله علیه و آله إلي الجنَّ والإنّس ، وجعل من بَعده اثني عشر وصية ، منهم مَن سبقَ و منهم من بَقي ، وکلُّ وصي جَرت به سُنّةُ ، فالأوصياء الّذين هم من بعد محمّد صلّي الله علیه و آله علی سنّة أوصياء المسيح علیه السلام وکانوا اثني عشر ، وکان أمیر المؤمنين علیه السلام علی سُنّة المسيح علیه السلام(2)

ص:257


1- في الأصل : الفضل ، وهو تصحيف کما يعلم من تنبع الاسناد و مصادر الحديث ، وفي عيون الأخبار والخصال وصف الراوي بالصيرفي وهو محمّد بن الفضيل بن کثير الأزدي الکوفي من أصحاب الصادق والکاظم والرضا علیهم السلام . انظر : «معجم رجال الحديث145:17»..
2- الکافي 1: 447 ح 10 ، إکمال الدين : 326ح 4، الخصال : 478 ح 43، عيون أخبار الرضا علیه السلام 55:1 21 ، الغيبة للطوسي : 141 ح 105 ، أعلام الوري : 366.

وبهذا الإسناد ، عن الحسن بن العبّاس ، عن أبي جعفر الثاني ، عن آبائه ، عن أمیر المؤمنين علیه السلام قال : قال رسول الله صلّي الله علیه و آله لأصحابه : آمنوا بليلة القدر ، فإنّه يَنزلُ فيها أمّر السنّة ، وإنّ لذلک الأمّر وُلاةً من بَعدي علیَ بن أبي طالبٍ وأحد عشر من ولده(1).

وبهذ الإسناد قال : قال أمیر المؤمنين علیه السلام لابن عباس رضي اللہ عنه : إنَّ ليلة القدرِ في کلَّ سنةٍ ، وإنّه ينزلُ في تلک الليلة أمّر السنّة ، ولذلک الأمّر ولا من بعد رسول الله صلّي الله علیه و آله .

فقال له ابن عباس : مَن هم ؟

قال : أنا وأحد عشر من صُلبي أئمّة مُحدّثون (2).

وبهذا الإسناد ، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمّد بن علی علیهما السلام ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال : دخلت علی فاطمة بنت رسول الله صلّي الله علیه و آله و بين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء والأئمّة من وُلُدها، فعددت أحد عشر(3)اسماً آخرهم القائم من ولد فاطمة ، ثلاثةُ منهم محمّد، وثلاثة (4)منهم علی(5)

ص:258


1- الکافي 1: 448 ح 12، الخصال : 480 ح 48، اعلام الوري : 370، مناقب آل أبي طالب 1: 298.
2- الکافي 1: 447 ح 11، الخصال : 479 ح 47، الغيبة للنعماني : 60ح 3، الغيبة للطوسي : 141ح106، اعلام الوري : 369.
3- الکافي 1: 447 ح 11، الخصال : 479 ح 47، الغيبة للنعماني : 10ح 2، الغيبة للطوسي : 141ح109، اعلام الوري : 399
4- في الارشاد : أربعة ، وهذا اشتباه آخر، فالأئمّة الّذين کانوا يحملون اسم علی من ولد فاطمة علیها السلام هم ثلاثة وهم : علی بن الحسين زين العابدين وعلی بن موسي الرضا وعلی بن محمّد الهادي علیهم السلام.
5- الکافي 1: 447 ح 9، إکمال الدين 269 ح 13 و 311ح 3 و 313ح 4 ، الخصال : 477 ح 42، عيون أخبار الرضا علیه السلام 1: 47 ح 6 و 7 ، الغيبة للطوسي : 139 ح 103 ، اعلام الوري :366.

أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيي ، عن أحمد بن إسحاق ، عن أبي هاشم الجعفري قال : قلت لأبي محمّد الحسن بن علی علیهما السلام : جَلالتُک تمنعُني عن مسألتک ، فتأذ لي أن أسألک ؟

فقال : سل. قلت : يا سيّدي ، هل لک ولد ؟

قال : نعم.

فقلت : فإنّ حَدثَ بک حَدثُ فأين أسأل عنه ؟

قال : بالمدينة(1)

وبهذا الإسناد ، عن عمرو الأهوازي قال : أراني أبو محمّد الحسن بن علی ابنه علیهم السلام وقال : هذا صاحِبُکم بعدي(2)

وبهذا الإسناد، عن حمدان القلانسي ، عن العَمري قال : مَضي أبو محمّد علیه السلام وخَلَّفَ ولداً له (3)

وبهذا الإسناد، عن داود بن القاسم الجعفري قال : سَمِعتُ أبا الحسن علی بن محمّد يقول : الخَلفُ من بعدي الحسنُ ، فکيف لکم بالخلف من بعد

ص:259


1- الکافي 1: 264ح 2، الغيبة للطوسي : 232 ح 199، اعلام الوري : 413، الفصول المهمّة : 292.
2- الکافي 1: 264 ح 3، الغيبة للطوسي : 234 ح 203، اعلام الوري : 414، بحار الأنوار60:52 ح48.
3- هذا الحديث نقل بالمعني ، وقد روي أصله الکليني في الکافي 1: 264 ح 4.

الخَلَفِ ؟!

قلتُ : ولم ؟ جَعَلني اللهُ فداک .

فقال : لأنّکم لا ترونَ شَخصَه ، ولا يَحلُّ لکم ذکره باسمه .

فقلت : فکيف نذکره؟

قال : قولوا : الحجّة من آل محمّدٍ علیهم السلام(1)

وهذا طَرفُ يسير ممّا جاء في النصوص علی الثاني عشر من الأئمّة علیهم السلام، والروايات في ذلک کثيرة قد دَوَّنها أصحاب الحديث من هذه العصابة وأثبتوها في کتبهم المصنفّة ، فممّن أثبتها علی الشرح والتفصيل محمّد بن إبراهيم المکنّي ابا عبدالله النعماني (2) في کتابه الّذي صنّفه في الغيبة ، فلا حاجة بنّا مع ما ذکرناه إلي إثباتها علی التفصيل في هذا المکان (3)

ص:260


1- الکافي 1: 264 ح 13 ، إکمال الدين : 381ح 5 و 648ح 4، علل الشرائع : 245ح 5، اثبات الوصية : 224، کفاية الأثر: 288، الغيبة للطوسي : 202 ح 169، اعلام الوري : 351، بحار الأنوار240:50 ح 5. وفي علل الشرائع واثبات الوصية وکفاية الأثر وإکمال الدين صرّح بأن : الخَلَف من بعدي أبني الحسن .
2- هو أبو عبدالله محمّد بن إبراهيم بن جعفر الکاتب النعماني ، من کبار محدّثي الشيعة في أوائل القرن الرابع الهجري ، ويعرف بابن أبي زينب ، وقد قرأ علی ثقة الإسلام الکليني وأخذ عنه معظم علمه . راجع في ترجمته : روضات الجنّات 6: 128.
3- للشيخ المفيد - رحمه الله - في الغيبة مصنّفات منها : کتاب الغيبة ، ومنها : مختصره (مختصر في الغيبة) ، ومنها : ثلاثة مسائل مجموعة موجودة في خزانة الطهراني بسامراء ، ومنها : کلام منه کتابه «العيون والمحاسن» انتزعه منه السيّد المرتضي - رحمه الله - وأدرجه في «الفصول المختارة من العيون والمحاسن» وقد أخرجه الطهراني من الفصول وأدرجه في مجموعة مسائل المفيد في الغيبة . انظر : «الذريعة 80:16 » .

في ذکر من رأی الإمام الثاني عشر علیه السلام

باب: ذکر من رأي الإمام الثاني عشر علیه السلام، وطرفٍ من دلائله وبيّناته ، ومعجزاته ومناقبه

أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن محمّد بن يعقوب ، عن علی بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل بن موسي بن جعفر علیهما السلام - وکان أسنَّ شيخ من ولد رسول الله صلّي الله علیه و آله بالعراق - قال : رأيت ابن الحسن بن علی بن محمّد علیهم السلام بين المسجدين وهو غلام(1).

وبهذا الإسناد ، عن موسي بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسي بن جعفر قال : حدّثتني حکيمة بنت محمّد بن علی - وهي عمّة الحسن علیه السلام - أنّها رأت القائم ليلة مولدهِ وبعد ذلک (2).

أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن محمّد بن يعقوب ، عن علی بن محمّد ، عن فتح - مولي الزراري - قال : سمعت أبا علی بن مطهر يذکر أنه رآه، ووصف له قده(3)

ص:261


1- الکافي 1: 299 ح 2 ، الغيبة للطوسي : 298 ح 230 ، اعلام الوري : 399
2- الکافي 266:1ح 3، وانظره مفصّلاً في إکمال الدين : 424 ح 1 ، وغيبة الشيخ : 237ح 205.
3- الکافي 1: 266ح 5، الغيبة للطوسي: 269ح 232 ، بحار الأنوار 60:52 ذيل ح 45.

أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن محمّد بن يعقوب ، عن علی بن محمّد ، عن محمّد بن شاذان بن نعيم ، عن خادمةٍ إبراهيم بن عبدة النيسابوري - وکانت من الصالحات - أنها قالت : کنت واقِفةً مع إبراهيم علی الصفا ، فجاء صاحب الأمّر علیه السلام حتي وقف معه ، وقَبض علی کتاب مناسِکه ، وحدّثه بأشياء (1).

وبهذا الإسناد ، عن أبي عبدالله بن صالح : أنه رآه بحذاء الحجر والناس يتجاذبون علیه ، وهو يقول : ما بهذا أمّرو(2)

وبهذا الإسناد ، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن محمّد بن يعقوب ، عن علی بن محمّد ، عن أحمد بن إبراهيم بن إدريس ، عن أبيه أنه قال: رأيته علیه السلام بعدَ مُضي أبي محمّدٍ حين أيفعَ ،(3) و قبل يده ورأسه(4)

أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن محمّد بن يعقوب ، عن علی بن محمّد ، عن عبدالله بن صالح قال : أحمد بن النضر ، عن القنبري(5) قال: جري حديث جعفر بن علی فذمّه.

ص:262


1- الکافي 1: 266 ح 1، الغيبة للطوسي : 268 ح 231، اعلام الوري : 397.
2- الکافي 1: 267 ح 7، بحار الأنوار 60:52 ح 46.
3- اليافع : الشاب . «لسان العرب - يفع -415:8». .
4- الکافي 1: 267 ح 8، الغيبة للطوسي : 268 ح 230 ، اعلام الوري : 397.
5- في الأصل : العنبري ، وما أثبتناه من الکافي ، والظاهر هو الصحيح ، فقد ذکر في الکافي والغيبة للشيخ في ذيل هذه الرواية : وله حديث ، والظاهر أنّه اشارة إلي ما رواه في إکمال الدين : 422 ح 15 باسناده عن أبي عبدالله البلخي عن محمّد بن صالح بن علی بن محمّد بن قنبر الکبير مولي الرضا علیه السلام قال : خرج صاحب الزمان علیه السلام علی جعفر الکذّاب... الخبر ، ومنه يظهر المراد من القنبري هنا ، فالقنبري - کما وصفته المصادر - بانّه رجل من ولد قنبر الکبير مولي أبي الحسن الرضا علیه السلام.

فقلت : فليس غيره ؟

قال : بلي.

فقلت : فهل رأيته ؟

قال : لم أره ، ولکن راه غيري.

قلت : مَن غيرک ؟

قال : قد رآه جعفر مرّتين (1)

وبهذا الإسناد، عن الحسن بن علی النيسابوري ، عن إبراهيم بن محمّد ، عن أبي نصر طريف الخادم أنّه رآه علیه السلام (2)

وأمّثال هذه الأخبار في معني ما ذکرنا کثيرة ، والّذي اقتصرنا علیه منها کاف فيما قصدناه ، إذ العمدة في وجوده وإمامته علیه السلام ما قدّمناه ، والّذي يأتي من بعده زيادة في التأکيد لو لم ورده لکان غير مُخلٍّ بما شَرحناه ، والمنّة

الله عزّ وجلّ.

ص:263


1- الکافي 1: 267 ح 9، الغيبة للطوسي :248ح 217، اعلام الوري : 397، بحار الأنوار 60:52 ح47.
2- الکافي 1: 267ح 13 ، اعلام الوري : 396، وفيهما : ابو نصر ظريف ، بحار الأنوار60:52 ح49.

في ذکر معجزات صاحب الزمان عليّه السلام

باب: ذکر طرف من دلائل صاحب الزمان علیه السلام وبيّناته ومعجزاته

أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن محمّد بن يعقوب ، عن علی بن محمّد ، عن محمّد بن حَمّويه ، عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار قال: شَککتُ بعد مُضي أبي محمّد الحسن بن علی علیهما السلام، واجتمع عند أبي مال جليل فحمله ، ورکبتُ السفينة معه مشيعاً له ، فوعک وعکاً شديداً فقال : يا بُني ، رُدَّني فهو الموت ، وقال لي : اتَّق الله في هذا المّال ، وأوصي إليَّ ومات بعد ثلاثة أيّام.

فقلت في نفسي : لم يکن أبي ليوصي بشيءٍ غير صحيح، أحملُ هذا المّال الي العراق ، وأکتري داراً علي الشطَّ ، ولا أخبر أحداً بشيء ، فإنّ وضح لي شيء کوضوحه في أيّام أبي محمّد علیه السلام أنَفذتَهُ ، وإلّا أنفقته في ملاذّي وشهواتي .

فقدم العراق و اکتريتُ داراً علی الشطّ وبقي أيّاماً ، فإذا أنا برقعةٍ مع رسول فيها : يا محمّد ، معک کذا وکذا.

حتّي قصّ علیَ جميع ما معي ، وذکر في جملته لم أُحِط به علماً ، فسَلمتهُ إلي الرسول ، وبقيت أيّاماً لا يَرفع بي رأس ، فاغتممتُ فخرج إليّ : قد أقمناک

ص:264

مقامَ أبيک ، فاحمد الله(1).

وروي محمّد بن أبي عبدالله السيّاري قال : أوصلت أشياء للمرزبانّي الحارثي فيها سوارُ ذهبٍ ، فقُبلَت وردَّ علیَ السوار ، فأُمِرتُ بکسره فکسرتهُ ، فإذا في وسطه مثاقيلُ حديدٍ ونحاسٍ وصُفرٍ ، فأخرجتهُ فأنفذتُ الذهب بعد ذلک فقبل (2).

علیُ بن محمّد قال : أوصل رجلُ من أهل السواد مالاً ، فرُدَّ علیه وقيل له : أخرج حقَّ ولد عمَّک منه ، وهو أربعمائة درهم ، وکان الرجلُ في يده ضيعة الولد عمَّه ، فيها شرکةُ قد حبسها عنهم ، فنظر فإذا الّذي لولدِ عمَّه من ذلک المالِ أربعمائة درهم فأخرجها وانفذ الباقي فقيل(3).

القاسم بن العلاء قال : وُلد لي عدّةُ بنين ، فکنت أکتب وأسأل الدعاء لهم فلا يکتبُ إليَّ بشيء من أمّرهم ، فماتوا کلّهم ، فلمّا ولد لي الحسين (4) ابني - کتبتُ اسأل الدعاء له وأجِبتُ وبقيَ والحمد للهِ(5)

علیُ بن محمّد ، عن أبي عبدالله بن صالح قال : خرجتُ سنةً من السنين إلي بغداد ، فاستأذنتُ في الخروج فلم يؤذن لي ، فأقمتُ اثنين وعشرين يوماً

ص:265


1- الکافي 1: 434 ح 5 ، الغيبة للطوسي : 281 ح 239 ، اعلام الوري : 17، بحار الأنوار 311:51ح 32.
2- الکافي 1: 435 ح 6، وفيه : «محمّد بن أبي عبدالله عن أبي عبدالله النسائي» ، اعلام الوري : 418وفيه : «محمّد بن أبي عبدالله عن أبي عبدالله الشيبانّي»، بحار الأنوار 297:51 ح 12.
3- الکافي 1: 435 ح 8، اعلام الوري : 418 ، ورواه باختلاف يسير الطبري في دلائل الإمامة : 286 ، والصدوق في إکمال الدين : 486ح 6، وعماد الدين الطوسي في ثاقب المناقب : 597ح540.بحار الأنوار 51: 326ح 45.
4- في الکافي : الحسن ، والظاهر انّه هو الصحيح کما يظهر من کتبتُ الرجال و من رواية رواها الشيخ في الغيبة : 310ح 263.
5- الکافي 1: 435 ح 9، اعلام الوري : 418.

بعد خروج القافلة الي النهروان ، ثمّ أذنَ لي بالخروج يوم الأربعاء ، وقيل لي : أُخرج فيه ، فخرجت وأنا آيسُ من القافلة أن ألحقها ، فوافيت النهروان و القافلة مقيمةُ، فما کان إلّا أن عَلَفُ جملي حتي رَحَلتِ القافلة فرحلتُ ، وقد دُعَي لي بالسلامة فلم ألق سوءً و الحمد لله(1)

علی بن محمّد ، عن نصر بن صباح البلخي ، عن محمّد بن يوسف الشاشي قال: خرج بي ناسور (2)فأريته الأطباء، وأنفقت علیه ما فلم يصنع الدواء فيه شيئاً، فکتبتُ رقعة اسأل الدعاء ، فوقّع إليَّ : ألبسک الله العافية ، وجعلک معنا في الدنيا والآخرة.

فما أتت علیَ جُمعةُ حتي عُوفيت ، وصار الموضع مثل راحتي، فدعوتُ طبيباً من أصحابنا وأريته إيّاه فقال : ما عرفنا لهذا دواءً ، وما جاءتک العافية إلّا من قبل الله بغير احتساب(3)

علی بن محمّد ، عن علی بن الحسين اليماني قال : کنت ببغداد فتهيَّات قافلة لليمانيين ، فأردتُ الخروج معها ، فکتبتُ التمس الإذن في ذلک ، فخرج : لا تَخرُج معهم ، فليس لک في الخروج معهم خيرة ، وأقِم بالکوفة.

قال : فأقمتُ، وخَرجت القافلة ، فخَرجت علیهم بنو حنظلة فاجتاحتهم.

قال : فکتبتُ أستاذ في رکوب المّاءِ فلم يُؤذن لي ، فسألت عن عن المراکب التي خرجت تلک السنّة في البحر ، فعُّرَّفتُ أنّه لم يَسلُم منها مرکب ،

ص:266


1- الکافي 1: 435 ح 10، بحار الأنوار 51: 297 ح 13
2- الناسور : العرق الّذي لا تنقطع علته . «القاموس المحيط - نسر - 2: 161»
3- الکافي 426:1 ح 11 ، بحار الأنوار 297:51 ح 14 ، کما ذکره الراوندي بحذف آخره في الخرائج والجرائح 2: 695 ح 9.

خرج علیها قوم يُقال لهم : البوارجُ فقطموا علیها(1).

علی بن الحسين قال : وردتُ العسکر فأتيتُ الدرب مع المغيب ، ولم أکلّم أحداً ولم أتعرف إلي أحدٍ ، فأنا أصلّي في المسجد بعد فراغي من الزيارة(2)فإذا الخادم قد جاءني فقال لي : قُم ، فقلتُ له : إلي أين ؟ فقال : إلي المنزل ، قلتُ: ومَن أنا ! لعلّک أرسِلت إلي غيرک ، فقال : لا، ما أُرسلت إلّا إليک أنت علیُ بن الحسين ، وکان معه غلام فسارّه ، فلم أدر ما قال له حتي أتاني بجميع ما أحتاج إليه ، وجلست عنده ثلاثة أيّامٍ ، فاستأذنتُه في الزيارة من داخل الدار ، فأذِن لي فزُرتُ ليلاً(3)

علی بن محمّد ، عن محمّد بن صالح قال : لمّا مات أبي وصار الأمّرُ إليَّ (4)، کان لأبي علی الناس سفاتجه (5)من مال الغريم ، يعني صاحب الأمّر علیه السلام.

- قال الشيخ المفيد رحمه الله : وهذا رمز کانت الشيعة تعرفُه قديماً بينها ، ويکون خطابُها علیه علیه السلام للتقيّة - .

قال : فکتبتُ إليه أُعلمه ، فکتب إليَّ : «طالِبهم واستقص علیهم» فقضاني

ص:267


1- الکافي 436:1 صدر حديث 12، اعلام الوري : 418، الهداية الکبري : 372، بحار الأنوار 330:51 ح 53.
2- قال الفيض الکاشاني في الوافي 3: 872: لعلّه أراد بالزيارة زيارة الصاحب (عجل الله فرجه) من خارج داره کما يدل علیه قوله : «من داخل» في آخر الحديث .
3- الکافي 1: 436 ح ذيل ح 12 ، إکمال الدين :491 ذيل ح 14، بحار الأنوار 330:51 ذيل ح 53.
4- يعني أمّر الوکالة .
5- السفاتج : جمع سفتجة ، وهي أن تعطي مالأ لآخر له مال في بلد آخر وتأخذ منه ورقة فتأخذ مالک من ماله في البلد الآخر ، فتستفيد أمّن الطريق وهي في عصرنا الحوالة المّالية . انظر: «مجمع البحرين - سفتج - 2: 310».

الناس إلّا رجلاً واحداً وکان علیه شفتجة باربعمائة دينارٍ ، فجئتُ إليه أطلبهُ فمَاطلني واستخف بي ابنه ، وسَفِهَ عَليَّ ، فشکوتُه إلي أبيه فقال : وکان ماذا ؟! فقبضتُ علی لحيته وأخذت برجله فسحبتهُ إلي وسط الدار ، فخرجَ ابنه مستغثياً بأهل بغداد يقول : قُميّ رافضي قد قَتل والدي .

فاجتمع علیَ منهم خلقُ کثير ، فَرکِبت دابَّتي وقلت : أحسنتُم - يا أهل بغداد - تميلون مع الظالم علی الغريب المظلوم ، أنا رجل من أهل همدان من أهل السُنَّة، وهذا يَنسبُني إلي قُم ويَر ميني بالرفضِ ليذهب بحقي ومالي ، قال : فمالوا علیه فأرادوا أن يَدخلوا إلي حانوته حتي سَکّنتُهم ، وطلب إليَّ صاحبُ السُفتَجة أن آخُذَ مالَها وحَلفَ بالطلاق أن يُوفَّيني مالي في الحال ، فاستوفَيتهُ (1)

علیُ بن محمّد قال : حدّثني بعض أصحابنا قال : وُلِدَ لي ولدُ فکتبتُ أستاذنُ في تطهيره يوم السابع ، فورد : لا تفعل.

فمات يوم السابع أو الثامن ، ثمّ کتبتُ بمَوته ، فوردَ: «ستُخلفُ غيرةَ و غيرةَ ، فسمَّ الأوّل أحمد ، و من بعد أحمد جعفراً». فجاء کما قال .

قال : وتهيّأتُ للحجَّ وودَّعتُ الناس وکتبتُ أستأذن في الخروج . فوردَ: نحن لذلک کارهون ، والأمّر إليک .

قال : فضاقَ صدري واغتممتُ وکتبت : أنا مقيمُ علی السمع والطاعة ، غير انّي مُغتمُّ بتختلُّفي عن الحج ، فوقَّع : لا يضيقنَّ صدرک ، فإنَّک ستحجُّ قابلاً إنّ شاء اللهُ.

قال : فلمّا کان من قابلٍ کتبت أستأذن ، فوردَ الإذنُ، وکتبتُ : إنّي قد

ص:268


1- الکافي437:1ح 15.

عادَلتُ محمّد بن العبّاس ، وأنا واثق بديانته وصيانته .

فوردَ: الأسدي نِعمَ العديلُ ، فإنّ قَدِم فلا تَختز علیه .

فقدم الاسدي وعادلُته (1) أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن محمّد بن يعقوب ، عن علی بن محمّد ، عن الحسن بن عيسي العُريضي قال : لمّا مضي أبو محمّد الحسن بن علی علیهما السلام ورد رجل من أهل مصر بمال إلي مکّة لصاحب الأمّر علیه السلام ، فاختُلف علیه ، وقال بعض الناس : إنّ أبا محمّد علیه السلام قد مضي من غير خلف . وقال آخرون : الخلفُ من بعده جعفر . وقال آخرون : الخَلف من بعده ولده .

فبعثَ رجلاً يُکنّي أبا طالب إلي العسکر يَبحثُ عن الأمّر وصحّته ومعه کتابُ ، فصار الرجل الي جعفر وسأله عن برهان ، فقال له جعفر : لا يتهيِّاً لي في هذا الوقت . فصار الرجل إلي الباب وأنفذ الکتاب إلي أصحابنا الموسومين بالسفارة، فخرجَ إليه : «آجرک اللهُ في صاحبک فقد مات ، وأوصي بالمّالِ الّذي کان معه الي ثقةٍ يعملُ فيه بما يَجب وأُجيب عن کتابه».

وکان الأمّر کما قيل له (2) وبهذا الإسناد ، عن علی بن محمّد قال : حمل رجل من أهل آبة(3) شيئاً يُوصِله ونسيَ سيفاً کان أراد حمله ، فلمّا وصل الشيءُ کتب إليه بوصوله وقيل

ص:269


1- الکافي 1: 438 ح 17 ، والغيبة للطوسي : 283 ح242 و 416ح 393، بحار الأنوار 308:51 ح 26. وذکر صدره باختلاف يسير الطبري في دلائل الإمامة : 288، والصدوق في إکمال الدين :489.
2- الکافي 1: 439 ح 19 ، إکمال الدين : 498، بحار الأنوار299:51 ح 16.
3- آبة : بليدة تقابل ساوة ، وأهلها شيعة «معجم البلدان50:1 ».

في الکتاب : ما خبر السيف الّذي نسيته(1).

وبهذا الإسناد، عن علی بن محمّد بن شاذان النيسابوري قال : اجتمع عندي خمسمائة درهم ينقصُ عشرون درهماً ، فلم أحبُّ أن أنفذَها ناقصة ، فوزنت من عندي عشرين درهماً وبعثتها إلي الأسدي ولم اکتب ما لي فيها ، فورد الجواب : وصلت خمسمائةُ درهم ، لک منها عشرون درهماً(2)

الحسن (3) بن محمّد الأشعري قال : کان يرد کتاب أبي محمّد علیه السلام في الإجراء علی الجنيد - قاتل فارس بن حاتم بن ماهويه(4) وأبي الحسن ، وأخي ، ولمّا مضي أبو محمّد علیه السلام ورد استئناف من الصاحب بالاجراء لأبي الحسن وصاحبه ، ولم يَرد في أمر الجنيد شيء.

قال : فاغتممت لذلک ، فوردَ نعيُ الجنيد بعد ذلک(5)

علی بن محمّد ، عن أبي عقيل عيسي بن نصر قال : کتب علی بن زياد الصيمري يسئل کفناً ، فکتب إليه : إنّک تحتاج إليه في سنة ثمّانين (6) فمات في

ص:270


1- الکافي 1: 439 ح 20، بحار الأنوار 299:51 ح 17.
2- الکافي 1: 439ح 23، رجال الکشي 2: 814ح 1017 ، إکمال الدين : 485 ح 5 و 509 ح38، والغيبة للشيخ : 416 ح 394دلائل الإمامة : 286 ، اعلام الوري : 420، الخرائج والجرائح 2: 697 ح 14 وفيه : بعثت إلي أحمد بن محمّد القمي بدل الأسدي ، بحار الأنوار 425:51 ح 44.
3- کذا في الارشاد والبحار ، والظاهر أن الصواب : الحسين کما في سائر المصادر ومن تتبّع الإسناد .
4- في الکشي 1006/807:2سنده عن محمّد بن عيسي بن عبيد : أن فارس کان فتّاناً يفتن الناس ويدعو إلي البدعة وأن أبا الحسن علیه السلام أمّر بقتله وضمن لمن قتله الجنّة ، فقتله جنيد ورمي بالساطور الّذي قتله به من يديه وأخذه الناس ولم يجدوا هناک أثرأ من السلاح . انظره مفصّلاً في الکشي
5- الکافي 1: 39 ح24 ، اعلام الوري: 420، وفيهما «آخر» بدل «أخي»، بحار الأنوار299:51 ح.18
6- قال المجلسي في المرآة 6: 199: أي في سنة ثمّانين من عمرک ، أو أراد الثمّانين بعد المّائتين من الهجرة.

سنة ثمّانين ، وبعث إليه بالکفن قبل موته (1)

علی بن محمّد ، عن محمّد بن هارون بن عمران الهمداني قال : کان للناحية (2) علی خمسمائة ديناراً فضقت بها ذرعاً ، ثمّ قلت في نفسي : لي حوانيت اشتريتُها بخمسمائة وثلاثين ديناراًقد جعلتها للناحية بخمسمائة دينار ، ولم أنطق بذلک، فکتب إلي محمّد بن جعفر : اقبض الحوانيت من محمّد بن هارون بالخمسمائة دينار التي لنا علیه.(3)

أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد، عن محمّد بن يعقوب ، عن علی بن محمّد قال : خرج نهي عن زيارة مقابر قريش(4) والحائر علی ساکنيهما السلام، فلمّا کان بعد أشهر دعا الوزير الباقطائي(5) فقال له : إلق بني الفرات والبرسيين وقل لهم : لا تزوروا مقابر قريشٍ ، فقد أمّر الخليفة أن يُفتقد کلُّ من زاره فيقبض علیه(6).

والأحاديث في هذا المعني کثيرة ، وهي موجودة في الکتب المصنَّفة المذکورة فيها أخبار القائم علیه السلام ، وان ذهبت إلي إِيراد جميعها طال بذلک هذا الکتاب ، وفيما أثبتّه منها مُقنع والمنّة لله .

ص:271


1- الکافي 440:1ح 37، الغيبة للطوسي : 284 ح 244 وفيه : محمّد بن زياد الصيمري ، اعلام الوري : 421، إکمال الدين : 501ح 26 وفيه : علی بن محمّد الصيمري ، دلائل الإمامة : 285.
2- الناحية : کناية عن صاحب الأمّر علیه السلام کما يقال : الجهة الفلانية والجانب الفلاني.
3- الکافي 440:1 ح 28، اعلام الوري : 421، الخرائج والجرائح 1: 472ح 16، وروي نحوه الصدوق في إکمال الدين : 492 ح 17.
4- أي : مشهد الإمامين الکاظم والجواد علیهما السلام ببغداد.
5- في الهامش : با قطايا العراق کلمة نبطية ، وهي قرية ، وکذلک باسايا وبادرايا قريتان بالعراق
6- الکافي 1: 441 ح 31، الغيبة للطوسي : 284 ح 244، اعلام الوري :421.

في ذکر علامات قيام القائم عليّه السلام ، ومُدّة أيّام ظهوره

باب:ذکر علامات قيام القائم علیه السلام ، ومُدّة أيّام ظهوره، وشرح سيرته ، وطريقاً أحکامه ، وطرف ممّا يظهر

في دولته

وقد جاءت الآثار بذکر علامات الزمان قيام القائم المهدي علیه السلام و حوادث تکون أمّام قيامهِ ، و آيات و دلالات:

فمنها : خروج السفياني ، وقتل الحسني ، واختلاف بني العبّاس في الملک الدنياوي ، وکسوف الشمس في النصف من شهر رمضان ، وخسوف القمر في آخره علی خلاف العادات ، وخسف بالبيداء والمشرق والمغرب ، ورکود الشمس من عند الزوال الي وسط أوقات العصر ، وطلوعها من المغرب ، وقتل نفس زکيةٍ بظهر الکوفة في سبعين من الصالحين ، وذبح رجل هاشمي بين الرکن والمقام ، وهدم حائط مسجد الکوفة ، وإقبالُ راياتٍ سودٍ من قِبَل

خراسان، وخروج اليماني ، وظهور المغربي بمصر وتملّکه للشامات ، ونزول الترک الجزيرة ، ونزول الروم الرملة ، وطلوع نجم بالمشرق يُضيء کما يُضيءُ القمر ثمّ ينعطف حتي يکاد يلتقي طرفاه ، وحُمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاتها، ونار نظهر بالمشرق طولاً و تبقي في الجو ثلاثة أيّام أو سبعة أيّامٍ ،

ص:272

وخلع العرب أعنَّتها وتمکلُّها البلاد وخروجها عن سلطان العجم ، وقتل أهل مصر أمیرهم، وخراب الشام ، واختلاف ثلاثة راياتٍ فيه ، ودخول رايات قيس والعرب الي مصر ورايات کندة إلي خراسان ، وورود خيل من قِبل المغرب حتي تُربط بفناء الحيرة ، وإقبال راياتٍ سود من قِبل المشرق نحوها ، وبثق (1) في الفرات حتي يدخل المّاء أزقة الکوفة ، وخروج ستّين کذاباً کلّهم يدّعي النبوّة ، وخروج اثني عشر من آل أبي طالب لهم يدعي الإمامة لنفسه ، وإحراق رجلٍ عظيم القدر من شيعة بني العبّاس بين جلولاء وخانقين ، وعقد الجسر ممّا يلي الکرخ بمدينة بغداد ، وارتفاع ريح سوداء بها في أوّل النهار ، وزلزلة حتي ينخسف کثير منها، وخوف يشمل العراق وبغداد ، وموت ذريع فيه ، ونقص من الأمّوال والأنفس والثمّرات ، وجراد يظهر في أوانه وغير أوانه حتي يأتي علی الزرع والغلّات، وقلّة ريعٍ لمّا يزرعه الناس ، واختلاف صنفين من العجم ، وسفک دماء کثيرةٍ فيما بينهم ، وخروج العبيد عن طاعة ساداتهم وقتلهم مواليهم، ومسخ لقوم من أهل البدع حتي يصيروا قردة وخنازير ، وغلبة العبيد علی بلاد السادات، ونداء من السماء حتي يسمعه أهل الأرض کلّهم أهل کلّ لغةٍ بلغتهم ، ووجه وصدر يظهران من السماء للناس في عين الشمس ، وأمّوات ينشرون من القبور حتي يرجعوا الي الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورن .

ثمّ يختم ذلک بأربع وعشرين مطرةً تتّصل فتَحيي بها الأرض من بعد موتها وتعرف برکاتها ، وتزول بعد ذلک کلّ عاهةٍ من مُعتقدي الحقّ من شيعة المهدي علیه السلام ، فيعرفون عند ذلک ظهوره بمکّة ، ويتوجّهون نحوه النُصرته ، کما جاءت بذلک الأخبار .

ص:273


1- انبثق المّاء : انفجر وجري . «مجمع البحرين - بثق - 5: 136» .

ومن جُملة هذه الأحداث محتومة ومنها مُشترطة ، والله أعلم بما يکون ، وإنَّما ذکرناها علی حسب ما تثبت في الأصول وتضمّنها الأثر المنقول ، وبالله نستعين وإياه نسألُ التوفّيق .

أخبرني أبو الحسن علی بن هلال المهلّبي قال : حدّثني محمّد بن جعفر المؤدّب، عن أحمد بن إدريس ، عن علی بن محمّد بن قتيبة ، عن الفضل بن شاذان ، عن إسماعيل بن الصبّاح قال : سمعتُ شيخاً من أصحابنا يذکرُ عن سيف بن عُميرة قال : کُنت عند أبي جعفر المنصور فقال لي ابتداءً : يا سيف بن عُميرة، لا بدّ من منادٍ ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب.

فقلت : جُعلت فداک يا أمیر المؤمنين تروي هذا؟ قال : أي والّذي نفسي بيده لسماع أذني له. فقلت له : يا أمیر المؤمنين ، إنَّ هذا الحدّيث ما سمعتهُ قبل وقتي هذا !

قال : يا سيف ، إنّه لحق ، فإذا کان فنحن أوّل من يُجيبُه ، أمّا إنَّ النداء إلي رجل من بني عمّنا.

فقلت : رجلُ من ولد فاطمة علیها السلام ؟

فقال : نعم يا سيف ، لولا أننّي سمعت من أبي جعفر محمّد بن علی يُحدّثني به، وحدّثني به أهل الأرض کلّهم ما قَبلتُه منهم ، ولکنّه محمّد بن علی علیهما السلام (1) -(2)

ص:274


1- ذکرت بعض المصادر أنّ المراد به «محمّد بن علی» هو : محمّد بن علی بن عبدالله بن عباس ، والد المنصور ، وهو تأويل ضعيف ، إذ لا دلالة فيه ، لاستبعاد تعبير المنصور عن أبيه بهذا الشکل ، مضافاً إلي أن المذکور يکنّي بأبي عبدالله لا أبي جعفر . انظر : وفيات الأعيان 4: 186، شذرات الذهب 1: 166 والظاهر أن المراد به هو الإمام أبو جعفر الباقر علیه السلام ، لعدم استبعاد رواية المنصور عن الإمام علیه السلام ، بل قد وقع نظيرها ، حيث عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الصادق علیه السلام . فتأمّل .
2- الکافي 8: 209 ح 255، الغيبة للطوسي : 433 ح 423، بحار الأنوار 288:52 ح 25.

وروي يحيي بن أبي طالب ، عن علی بن عاصم ، عن عطا بن السائب ، عن أبيه، عن عبدالله بن عمير قال : قال رسول الله علیه صلّي الله علیه و آله : لا تقوم الساعة حتي يخرج المهدي من ولدي ، ولا يخرجُ المهديُّ حتي يخرج ستّون کذاباً کُلُّهم يقولون : أنا نبئُّ (1)

حدّثني الفضل بن شاذان ، عمّن رواه عن أبي حمزة الثمّالي قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : خروج السفياني من المحتوم ؟

قال : نعم ، والنداء من المحتوم ، وطلوع الشمس من مغربها من المحتوم، واختلاف بني العبّاس في الدولة من المحتوم ، وقتل النفس الزکية محتوم، وخروج القائم من آل محمّد صلّي الله علیه و آله محتوم.

قلت : وکيف يکون النداء؟

قال : ينادي منادٍ من السماء أوّل النهار : ألا إنَّ الحقّ مع علی و شيعته ، ثمّ ينادي إبليس في آخر النهار ومن الأرض : ألا إنَّ الحقّ مع عثمّان (2) وشيعته ، فعند ذلک يرتاب المبطلون (3).

الحسن بن الوشّاء ، عن أحمد بن العائذ ، عن أبي خديجة ، عن أبي

ص:275


1- الغيبة للطوسي: 434: 424، اعلام الوري : 423، بحار الأنوار 209:52 ح 46.
2- المراد به عثمّان بن عنبسة ، وهو السفياني کما جاء في الروايات ، وقد جاء في إکمال الدين : 652ح14 : أنّ الحقّ مع السفياني وشيعته .
3- اعلام الوري : 426. إکمال الدين : 652ح 1 باختلاف يسير ، الغيبة للطوسي :435ح425.

عبدالله علیه السلام قال : لا يخرج القائم حتي يخرج قبله اثني عشر من بني هاشم کلّهم يدعو لنفسه(1).

محمّد بن أبي البلاد ، عن علی بن محمّد الأزدي ، عن أبيه ، عن جدّه قال : قال أمیر المؤمنين علیه السلام : بين يدي القائم علیه السلام موتُ أحمرُ وموت أبيض ، وجراد حينه ، وجراد في غير حينه کألوان الدم ، فأمّا الموت الأحمر فالسيف ، وأمّا الموت الأبيض فالطاعون(2).

الحسن بن محبوب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : الزم الأرض ولا تُحرک بداً ولا رجلاً حتي تري علاماتٍ اذکرها لک ، وما أراک تُدرک ذلک :

اختلاف بني العبّاس ، ومنادٍ ينادي من السماء ، وخسف قرية من قري الشام تسمي الجابية ، ونزول الترک الجزيرة ، ونزول الروم الرملة ، واختلاف کثير عند ذلک في کلَّ أرض ، حتي تخرُبَ الشام ويکون سببُ خرابِها اجتماع ثلاث راياتٍ فيها : راية الأصهب ، وراية الأبقع ، وراية السفياني(3).

وهيب بن حفص ، عن أبي بصير قال : سمعتُ أبا جعفر علیه السلام يقول في قوله تعالي : (إنّ نَشَأ نُنَزل عَلَيهِم مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلّت أَعنَاقُهَم لَهَا

ص:276


1- الغيبة للطوسي : 437 ح 428، اعلام الوري : 426، بحار الأنوار 209:52 ح 47.
2- غيبة النعماني : 277ح 621، غيبة الطوسي : 438ح 430 ، اعلام الوري : 427، الفصول المهمّة :301، إکمال الدين :655 ح 37. باختلاف يسير ، بحار الأنوار 211:52 ح59.
3- غيبة الطوسي : 441 ح 434، اعلام الوري : 427، الفصول المهمّة : 301، وروي نحوه مفصّلاً النعماني في غيبته : 279 ح 67 ، الاختصاص : 255، والعياشي في تفسيره 64:1 ح 117 ، بحارالأنوار212:52 ح 62.

خَاضِعِينَ)(1)

قال : سيفعل الله ذلک بهم .

قلت : و من هم ؟

قال : بنو أمّية وشيعتهم .

قلت : وما الآية ؟

قال : رکود الشمس ما بين زوال الشمس إلي وقت العصر ، وخروج صدر رجل و وجهه في عين الشمس يُعرف بحسبه ونسبهِ ، وذلک في زمان السفياني ، وعندها يکون بوارهُ وبوارُ قومه(2).

عبدالله بن بکير ، عن عبد الملک بن إسماعيل ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير قال : إنّ السنّة التي يقوم فيها المهدي علیه السلام تمطرُ الأرض أربعاً وعشرين مَطرةً، تُري آثارُها وبرکاتها(3).

الفضل بن شاذان ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن ثعلبة الأزدي (4) قال : قال أبو جعفر علیه السلام : آيتان تکونان قبل القائم علیه السلام : کسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر في آخره.

قال : قلت : يا بن رسول الله تکسف الشمس في آخر الشهر ، والقمر في

ص:277


1- فصلت : 03.
2- اعلام الوري : 428، بحار الأنوار 52 : 221 ح84.
3- الغيبة للطوسي : 443 ح 435، اعلام الوري : 429.
4- هکذا في الأصل ، وأورد الخبر في البحار عن الإرشاد وغيبة الطوسي عن ثعلبة عن بدر بن الخليل الأزدي ، و ثعلبة هو ثعلبة بن ميمون کما في سائر المصادر ، فالظاهر سقوط «عن بدر بن الخليل» من السند هنا.

فقال أبو جعفر علیه السلام : أنا أعلم بما قلت ، إتهما آيتان لم تکونا منذ هبط آدم علیه السلام(1)

وفي حديث محمّد بن مسلّم قال : سَمعتُ أبا عبدالله علیه السلام يقول : إنَّ قُدّام القائم علیه السلام بلوي من الله.

قلت : وما هو، جُعِلتُ فداک ؟

فقرأ : (وَلَنَبلُوَنّکُم بشَيءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأمّوَالِ وَالأنفُس والثَّمَراتِ وَبَشّرِ الصَّابرينَ)(2)، ثمّ قال : الخوف من ملوک بني فلان ، والجوع من غلاء الأسعار، ونقص الأمّوال من کساد التجارات ، وقلة الفضل فيها ، ونقص الأنفس بالموت الذريع ، ونقص الثمّرات بقلّة ريع الزرع، وقلّة برکة الثمّار . ثمّ قال : وَبشَّر الصابرينَ عند ذلک بتعجيل خروج القائم علیه السلام (3).

الحسين بن سعيد ، عن منذر الجوزي(4) ، عن أبي عبدالله علیه السلام قال : سمعته يقول : يُزجرُ الناس قبل قيام القائم علیه السلام عن معاصيهم بنارٍ تَظهُر في السماء ، وحُمرةٍ تُجلَّلُ السماء ، وخسفٍ ببغداد ، وخسف ببلدة البصرة ، ودماء تُسفک بها ، وخراب دورها، وفناءٍ يقع في أهلها ، وشمول أهل

ص:278


1- الغيبة للطوسي : 444 ح 439، اعلام الوري : 429، وروي نحوه النعماني في غيبته : 271 ح 45،بحار الأنوار 52 : 213 ح 67.
2- البقرة : 155.
3- رواه باختلاف في الفاظه الطبري في دلائل الإمامة : 259، والصدوق في إکمال الدين :649ح 3، والنعماني في غيبته : 250ح 5، والطبرسي في اعلام الوري : 427.
4- في الارشاد : منذر الخوزي ، وفي بحار الأنوار عن الکتاب : الحسين بن زيد عن منذر الجوزي

العراق خوفاً لا يکون لهم معه قرار(1)

فصل

فأمّا السنّة التي يقوم فيها القائم علیه وعلی آبائه السلام واليوم بعينه ، فقد جاءت فيه آثار عن الصادقين علیهم السلام.

روي الحسن بن محبوب ، عن علی بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله علیه السلام قال : لا يخرجُ القائم علیه السلام إلّا في وترٍ من السنين : سنة إحدي ، أو ثلاثٍ ، أو خمسٍ ، أو سبعٍ ، أو تسعٍ.(2)

الفضل بن شاذان ، عن محمّد بن علی الکوفي ، عن وهب بن حفص ، عن أبي بصير قال : قال أبو عبدالله علیه السلام : ينادي باسم القائم علیه السلام في ليلة ثلاث وعشرين ، ويقوم في يوم عاشوراء ، وهو اليوم الّذي قُتِلَ فيه الحسين ابن علی علیهما السلام ، لکأنّي به في يوم السبت العاشر من المحرم قائّماً بين الرکن والمقام ، جبرئيل علیه السلام عن يمينه ينادي : البيعةُ لله ، فتصير إليه شيعته من أطراف الأرض تُطوي لهم طيّاً حتّي يبايعوه ، فيملأُ الله به الأرض قسطاً وعدلاً کما مُلئت ظلماً وجوراً (3)

ص:279


1- اعلام الوري :429، بحار الأنوار 52 : 221 ح 85.
2- اعلام الوري : 429، الفصول المهمة : 302، بحار الأنوار 291:52 ح 36.
3- الغيبة للطوسي : 374 ، الخرائج والجرائح 3: ح 1159، بحار الأنوار 290:52 ح 300.

فصل

وقد جاء الأثر بأنّه - علیه وعلی آبائه السلام - يسيرُ من مکّة حتّي يأتي الکوفة فينزل علی نجفِها ، ثمّ يُفرّقُ الجنود منها في الأمّصار.

وروي الحجّال ، عن ثعلبة ، عن أبي بکر الحضرمي ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : کأنّي بالقائم علیه السلام علی نجف الکوفة ، قد سار إليها من مکّة في خمسة الافي من الملائکة ، جبرئيل عن يمينه ، وميکائيل عن شماله ، والمؤمنون بين يديه ، وهو يُفرّق الجنود في البلاد(1).

وفي رواية عمرو بن شمر ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : ذکر المهدي علیه السلام فقال : يدخل الکوفة وبها ثلاثُ رايات قد اضطربت فتصفو له ، ويدخل حتي يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البکاء، فإذا کانت الجمعة الثانية سأله الناسُ أن يصلّي بهم الجمعة ، فيأمُرُ أن يُخطَّ له مسجد علی الغري ويصلّي بهم هناک ، ثمّ يأمّر من يحفر من ظهر مشهد الحسين علیه السلام نهراً يجري إلي الغرييّن حتّي ينزل المّاء في النجف ، ويعمل علی فوهته القناطير والأرحاء (2) فکأني بالعجوز علی رأسها مکتل (3)فيه بژ تأتي تلک الارحاء فتطحنه بلا کراء (4)

ص:280


1- اعلام الوري : 430 بحار الأنوار336:52 ح 75.
2- الارحاء : جمع رحي ، وهي آلة طحن الحنطة . انظر «الصحاح - رحا۔ 6: 2353» .
3- المکتل : الزنبيل . «الصحاح - کتل -1809:5».
4- اعلام الوري : 430 ، ورواه الشيخ في الغيبة : 468 ح 485. باختلاف يسير مع زيادة ، بحار الأنوار -52 : 331ح 53.

وفي رواية صالح بن أبي الأسود ، عن أبي عبدالله علیه السلام قال : ذکر مسجد السهلة ، فقال : إنّه منزل صاحبنا إذا قَدِمَ بأهله(1)

وفي رواية المفضّل بن عمر قال : سمعتُ أبا عبدالله علیه السلام يقول : إذا قام قائم آل محمّد علیه السلام ، بَني في ظهر الکوفة مَسجداً له ألفُ بابٍ ، واتّصلت بيوت أهل الکوفة بنَهرَي کربلاء (2)

فصل

وقد وردت الأخبار بمدّة ملک الإمام القائم علیه السلام وأيامه، وأحوال شيعته فيها، وما تکونُ عليه الأرض ومَن عليها من الناس .

روي عبد الکريم الجعفي الخثعمي قال : قلت : لأبي عبد الله علیه السلام : کم يملکُ القائم علیه السلام ؟

قال : سبع سنين ، تطول له الأيام حتّي تکون السنّة من سنينه مقدار عشر سنين من سنينکم ، فيکون سنو مُلکه سبعين سنةٍ من سنينکم هذه ، وإذا آن قيامُه مُطِرَ الناس جمادي الآخرة وعشرة أيّام من رجب مَطراً لم يرَ الخلائق مثله ، فيُنبتُ الله لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم ، فکأني أنظرُ إليهم مُقبلين من قبل جُهينة ينفضون شُعورهم من التراب (3)

ص:281


1- الکافي 3: 495 ح 2، التهذيب 3: 252ح 692 ، الغيبة للطوسي : 471 ح 488.
2- اعلام الوري : 430، بحار الأنوار 337:52 ح86.
3- اعلام الوري : 432، وذکر قطعة منه الشيخ في الغيبة : 474 ح 497 ، وابن الصبّاغ في الفصول المهمة : 302، بحار الأنوار 52: 337 صدر ح 77.

وروي المفضّل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول : إنّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربَّها ، واستغني العباد عن ضوء الشمس ، وذهبت الظُلمةُ ، ويعمّر الرجل في ملکه حتّي يولد له ألف ولد ذکر لا يُولد فيهم انثي ، وتُظهر الأرض من کنوزها حتي يراها الناسُ علی وجهها ، ويَطلبُ الرجل منکم من يَصِله بماله ويأخذ منه زکاته فلا يجد أحداً يقبلُ منه ذلک ، واستغني الناس بما رَزَقَهُم الله من فضله(1)

فصل

وقد جاءت الآثار بصفة القائم علیه السلام وحليته علیه السلام.

فروي عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفي قال : سمعتُ أبا جعفر علیه السلام يقول : سأل عمر بن الخطاب أمیر المؤمنين علیه السلام فقال : أخبرني عن المهدي ما اسمه ؟

فقال : أمّا اسمُه فإنّ حبيبي رسول الله صلّي الله علیه و آله عَهد إليّ عَهداً ألا أُحدّث به حتي يبعثه الله .

قال : أخبرني عن صفته .

قال : هو شاب مربوع ، حسن الوجه ، حسن الشعر ، يسيل شعره إلي منکبيه ، ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته ورأسه ، بأبي ابن خيرة

ص:282


1- اعلام الوري : 434، الغيبة للطوسي : 467 ح484. بحار الأنوار337:52ذيل ح 77.

الاماءِ(1)

سیرة الإمام المهدي علیه السلام بعد الظهور

فصل: وأمّا سيرته عند قيامه ، وطريقاً أحکامه ، وما بيّنه الله تعالي من آياته علیه السلام.

روي المفضل بن عمر الجعفي قال : سمعتُ أباعبدالله علیه السلام يقول : إذا أذن اللهُ تعالي للقائم في الخروج صعد المنبر ، ودعا الناس إلي نفسه ، وناشدهم بالله، ودعاهم إلي حقّه ، وأن يسير فيهم بسنّة رسول الله صلّي الله علیه و آله ، ويعمل فيهم بعمله ، فيبعث الله جلّ جلاله له جبرئيل علیه السلام حتّي يأتيه ، فينزل علی الحطيم فيقول له : إلي أيّ شيء تدعو ؟ فيُخبره القائم علیه السلام. فيقول حبرئيل : أنا أوّل من يُبايعک ، آبسُط يدک ، فيمسحُ علی يده ، وقد وافاه ثلاثمّائة وبضعة عشر رجلاً فيُبايعونه ، ويُقيم بمکّة حتّي يتمّ أصحابُه عشرة الآف نفسٍ ، ثمّ يسير منها إلي المدينة(2).

وروي محمّد بن عجلان ، عن أبي عبد الله علیه السلام قال : إذا قام القائم علیه السلام دعا الناس إلي الإسلام جديداً، وهداهم إلي أمرٍ قد دُثِرَ وضلّ عنه

ص:283


1- الغيبة للطوسي : 487 ح 470، اعلام الوري : 434، وذکر صدره باختلاف يسير الصدوق في إکمال الدين : 648 ح 3.
2- اعلام الوري : 431، بحار الأنوار 337:52 ح 78.

الجمهور ، وانّما سمّي القائم مهديّاً لأنّه يهدي إلي أمرٍ قد ضلّوا عنه ، وسُمّيَ بالقائم لقيامه بالحقّ(1).

تمّ الکتاب بعون الله وحسن توفّيقه ، ووافق الفراغ من تعلیقه آخر نهار الاثنين الرابع والعشرين من ربيع الأوّل سنة اثنين وثمّانين وستمائة المصطفوية (الهجرية النبوية علی صاحبها أفضل الصلاة والتحية) وحرّر ذلک في 11 شهر صفر ختم بالخير والظفر السنّة اثنين وثمّانين وتسعمائة نقه أقلّ خدّام أهل البيت أبو الخير محمود بن عيسي ابن رفيع الأمّامي

ص:284


1- أعلام الوري : 431.

الفهارس الفنّيّة للکتاب

اشارة

1- فهرس الآيات القرآنية .

2- فهرس الأحاديث .

3- فهرس الأعلام .

أ- فهرس المعصومين علیهم السلام .

ب - فهرس الأعلام

4 - فهرس الأمّاکن والبقاع. - فهرس الفرق والجماعات . - فهرس الأبيات الشعرية .

7- فهرس الملابس وأداوات الزينة .

8- فهرس الحيوانات .

9- فهرس الأسلحة .

10 - فهرس الوقائع والغزوات .

11 - فهرس مصادر التحقيق .

12 - فهرس الموضوعات .

ص:285

ص:286

1- فهرس الآيات القرآنية

رقمها

إنّي جَاعِلُ في الأرضَ خَليِفَةً 30 213

وَلَنَبلوَنّکُم بشَيءٍ منَ الخَوفِ وَالجُوعِ... 155 278

وَمِنَ النّاس مَن يَشرِي نَفسَهُ ابتِغَاءَ ... 207 75

وَقَالَ لَهُمُ نَبِيُّهُم إنَّ اللهَ قَد بَعَثَ لَکُم ... 247 118

فَهَزَمُوهم بإذنِ اللهِ وَقَتلَ دَاؤُدُ جَالُوتَ.. 251 90

آل عمران - 3

وَأنَبَّئُکُم بِمَا تَأکُلُونَ وَمَا .. 39 130

إنَّ مَثَلَ عيسَي عِندَ اللهِ کَمَثَلِ لَغنَةُ اللهِ عَلَي 59-61 114

المّائدة - 5 -

انَّمَا وَليُّکُم الله وَرَسُولُه وَا لَّذينَ آمَنُوا... 55 37

الأنعام - 6

وَلَا تَزِرُ وَازِرَةُ وِزرَ أُخري 164 125

ص:287

الأعراف - 7۔

اخلُفني في قَؤمِي وَاصلح ولا تَتَّيغ ........ 142 41

الأنفال - 8

کَمَا أَخرَجَکَ رَبُّکَ مِن بَيتِمَ ..... وَهُم يَنظُرونَ 5-6 79

وَلَا تَکوُنُوا کَالَّذينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم 47 79

التوبة - 9۔

وَيَومَ حُنَينٍ إذ أَعَجَبَتکُم ... و َعَلَي المُؤمِنينَ 25-26 98

يونس - 10 -

أفَمَن يَهدِي إلَي الحَقَّ أحَقُّ 35 118

الاسراء - 17 -

وَلَا تَزِرُ وَازِرَةُ وِزرَ أُخري 15 125

قُل جَاءَ الحَقُّ وزَهَقَ البَاطِلُ إنَّ 81 97

طه . 20

وَاجعَل لي وَزيراً .... * هارُونَ.. يَا مُوسي 25-32 40

الانبياء - 21-

وَلَقَد کَتَبنَا في الزَّبُورِ مِن بَعدِ الذَّ کرِ... 105 254

الشعراء - 26-

وَانِذر عَشِيرَتکَ الأَقرَبينَ 214 38و72

ص:288

القصص - 28۔

وَنُريدُ أن نَمُنَّ عَلَي الّذينَ استُضِعفُوا... 5 188

وَنُريدُ أن نَمُنَّ عَلَي مَا کَانَوا يَحذَرُونَ 5-6

الروم - 30-

الم غُلبِتَ الرُّوم في أَذنَي بُضُع سِنِين 1-4 130

الأحزاب - 33 -

وَکَفَّي اللهُ المُؤمِنينَ القِتَالَ وَکَانَ .. 25 81

فاطر - 35-

وَلَا تَزِرُ وِازرَةُ وِزرَ أُخري 18 125

الزمر - 39 -

وَلَا تَزِرُ وَازِرَةُ وِزرَ أُخري 7 125

فصلت - 41 -

إنّ نَشَأ نُنَزل عَلَيهم مِنَ السَّمَاءِ 53 276

الشوري - 42 -

قَل لَا أسئَلُکُم عَلَيه أَجرَاً إلَّا 23 151

الفتح -48 -

لَتَدخُلُنَّ المَسجِدَ الحَرامَ إنّ شَاءَ اللهُ... 27 94

ذَلِکَ مَثَلُهُم في التَّورَاةِ وَمَثَلُهُم........ 29 138

ص:289

الحجرات - 49 -

وَلاَ تَجَسّسُوا 12 235

القمر - 54-

سَيُهزَمُ الجَمعُ وَيُوَلُّؤنَ الدُّبَرَ 45 131

الانسان - 76

وَيُطعِمُونَ الطَّعامَ عَلَي حُبَّهِ .. وَحَرِيرَاً 8-12 163

عبس - 80

وَفَاکِهَةً وَاَبّاً 31 123

العاديات ۔ 100 -

وَالعَادِيَات ضَبحَاً... 1 113

النصر - 110۔

إذَا جَاءَ نَصرُ اللهِ وَالفَتحُ * وَرَأَيتَ ..... 1-2 94

ص:290

2- فهرس الأحاديث

الحديث المعصوم الصفحة

(أ)

آجرک الله في صاحبک فقد مات الإمام المهدي 269

آمنوا بليلة القدر ، فإنّه يَنزلُ فيها أمّر السنّة رسول الله 258

آيتان تکونان قبل القائم أبوجعفر 278

ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا رسول الله 164

اجلس فأنت أخي ووصيّي ووزيري رسول الله 39

أخرج حق ولد عمک منه ، وهو أربعمائة الإمام المهدي 265

ادع الله ليرد علیک الشمس حتّي تُصلَّيها رسول الله 141

إذا أذن الله تعالي للقائم في الخروج الإمام الصادق 283

إذا أنا متّ فاحملاني علی سريري الإمام علی 53

إذا قام القائم علیه السلام دعا الناس إلي الإمام الصادق 283

هذا صاحبکم من بعدي الإمام الصادق 212

إذا کان يوم القيامة دعي الناس بأسماء رسول الله 67

إذهبا إلي أبي بکرٍ فاسألاه القضاء رسول الله 120

ص:291

إذهبا إلي علی بن أبي طالب علیه السلام رسول الله 121

إذهبي فَقبرّي قسمک ، فإنّه بأعلی الوادي امير المؤمنين 94

إرجع يا أخي إلي مکانک ، فإنّ المدينة رسول الله 138

أرسلته کرّاراً غير فرّار رسول الله 112

ارفع الوسادة وخُذ ما تحتها الإمام الرضا 216

إزکَب فإنّ الله ورسولَه عنک راضيان رسول الله 113

ازکَب ناقتي العضباء والحَق أبا بکر رسول الله 77

الأسدي نِعمَ العديلُ ، فإنّ قَدمِ فلا تَختز الإمام المهدي 269

أسمعتمُ ما قال الرّاهبُ ؟ امير المؤمنين 135

أفاتَئکَ صلاة العصر ؟ رسول الله 141

اکشِفوا الأرض في هذا المکان امير المؤمنين 135

ألا أسرّک ؟! ألا أمّنځُک ؟! ألا أبشرک ؟! رسول الله 67

ألستُ أوّلي بکم منکم بأنفسکم ؟ رسول الله 39

أخبرني حبيبي رسول الله صلّي الله علیه امير المؤمنين 135

اکفني نَوفل بن خُويِلد رسول الله 112

اللَهمَ إنّي أحبّهُما وأحبّ من أحبّهما رسول الله 161

ألم آمرکم ألا تقتلوا أسيراً رسول الله 102

إليَّ إليَّ، لا إلي المرجئة ، ولا إلي القدريّة الامام الکاظم 198

أمّا إنّه منزل صاحبنا إذا قم بأهله الامام الصادق 281

أمّا ترضي أن تکون منّي بمنزلة هارون رسول الله 108

أمّا ترضين - يا فاطمة - انّي زوّجتک رسول الله 63

أمّا الحسن فإنّ له هديي وسُؤددي، رسول الله 150

ص:292

أمّرتُ بقتال الناکثين والقاسطين والمّارقين أمیر المؤمنين 131

امِضِيا إلي عمر بن الخطاب فقُصّا علیه رسول الله 120

إنّ ابنيَّ هذين ريحانتاي من الدّنيا رسول الله 162

إنّ الله عزّ وجلّ أخبرني أن العذاب يَنزِلُ رسول الله 115

أين الرَّحم إذا قُطعت فؤُصِلت فقُطعت رسول الله 201

إنّ رسول الله صلّي الله علیه وآله أمّرني أن أمیر المؤمنين

إنّ عشتُ رأيتُ فيه رأيي أمیر المؤمنين

إنّ علیاً وشيعته هم الفائزون رسول الله 80

إنّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربَّها الإمام الصادق 282

إنّ القومَ دَعوا الأکفّاء منهم رسول الله 66

ان کانت البقرةُ دخلت علی الحمار في أمیر المؤمنين 121

إنّ لله مدينتين : إحداهما في المشرق ، الإمام الحسن 163

إنّ هذه الصخرة علی المّاء أمیر المؤمنين 135

أنا أُؤازرک علی هذا الأمّر أمیر المؤمنين 100

أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، أنا الإمام الحسن 162

أنا يا رسول الله أؤازرک علی هذا الأمّر أمیر المؤمنين 39

أنت عبد الرحمن بن ملجم المرادي ؟ أمیر المؤمنين 45

أنت مُصلّي اليوم الظهر في منزلک الإمام العسکري 247

إنّک تحتاج إليه في سنة ثمّانين الإمام المهدي 270

إنّما جئت يا أُمّ هانيء تشکين علیاً فاطمة الزهراء 94

إنّني أفينت لهما معَ علمي بما قد انطويا أمیر المؤمنين 131

انّي مقتول لو قد اصبحت أمیر المؤمنين 45

ص:293

إنّ هذا عدو الله وعدوکم قد رسول الله 111

(ب)

بأبي ابن خيرة الإماء النوبية الطيبة رسول الله 224

بلي ، ولکن تبين لهم ما يختلفون فيه من بعدي رسول الله 70

بلي يا رسول الله بشّرني أمیر المؤمنين 67

بين يدي القائم علیه السلام موتّ أحمرُ أمیر المؤمنين 274

(ت )

تندبني يا رسول الله للقضاء وأنا شابُّ أمیر المؤمنين 118

(ج)

جَرِدّه ، وانزع قميصَه الإمام الرضا 226

(ح)

الحمد لله الّذي جعل منّا - أهل البيت - من رسول الله 119

(خ)

الخوف من ملوک بني فلان، والجوع الإمام الصادق 278

(د)

دخلتُ علی جابر بن عبدالله رحمهُ الله الإمام الباقر 180

ص:294

دَعُوهُنَّ فإنّهنّ صوائح تتبعها نوائح أمیر المؤمنين 46

دفن بناحية الغربيين ، ودفن قبل طلوع الإمام الباقر 54

(ز)

زيارة الحسين بن علی علیه السلام واجبةُ الإمام الصادق 166

زيارة الحسين بن علی علیهما السلام تعدل الإمام الصادق 166

( س )

سبع سنين ، تطول له الأيام حتي تکون السنّة الإمام الصادق 281

سَل تُخبَر ولا تذع ، فإنّ أذعت فهو الّذبحُ الإمام الکاظم 199

سلّموا علي علی بإمرة المؤمنين رسول الله 71

سلوني قبل أن تفقدوني فوالّذي فلق الحبّة أمیر المؤمنين 62

سلوها هل جامعها بعد ميراثها له أمیر المؤمنين 127

شاهت الوجوه (ش) رسول الله 81

(ص)

الصلاة الصلاة أمیر المؤمنين 49

(ع)

علیُ بن أبي طالب أعلم أمّتي رسول الله 61

ص:295

عهدي إلي الأکبر من ولدي الإمام الهادي 245

( ف )

فإنّي أدعوک إلي شهادة أن لا إله إلّا الله أمیر المؤمنين 289

فإنّي خُلقت أنا وأنت من طينة واحدة رسول الله

فما شَککتُ في قضاء بين اثنين بعد

فمن کنت مولاه فعلیُ مولاه رسول الله

فهذه أربعة وعشرون ثُلثاً ، أکلت أمیر المؤمنين 129

(ق)

قد أقمناک مقامَ أبيک ، فاحمد الله الإمام المهدي 264

قد شَکر الله لعلی سعيه ، وأجَرتُ من رسول الله

( ک )

کأنّي بالقائم علیه السلام علی نجف الکوفة الإمام الباقر 280

لا بد أن تجري مقادير الله وأحکامه الإمام الهادي 238

لا تخرج معهم ، فليس لک في الخروج الإمام المهدي 266

لا تقوم الساعة حتي يخرج المهدي من ولدي رسول الله

لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتي الا علی جبرائيل 85

لا والله ما تريدان العمرة أمیر المؤمنين 131

ص:296

لا يخُرج القائم علیه السلام إلّا في وترٍ الإمام الصادق 279

لا يخرج القائم حتي يخرج قبله اثني عشر من الإمام الصادق 274

لا يَفُوتنّکم الرجل أمیر المؤمنين 49

الأعطين الراية غداً رجلاً يحبّه الله ورسوله رسول الله 92

لأنّکم لا ترونَ شَخصَه ، ولا يَحلُّ لکم الإمام الهادي 260

لقد قُبض في هذه الليلة رجل لم الإمام الحسن 150

لقد قضي علیُ بن أبي طالب بينکما بقضاء الله رسول الله 121

الکنِي أحبّ أن أقتلک ، فانزل ان شئت أمیر المؤمنين 89

لم أستطِع أن أُصَلَّيها قائماً لِمکانِکَ أمیر المؤمنين 141

لم يَکَنُ عن نکاح فيکونُ له والد رسول الله 114

لن تنقضي الأيّام والليالي حتي يبعث الله رسول الله 254

لو لم يبقَ من الدنيا إلّا يوم واحد ، لَطَوَّلَ رسول الله 254

ما فعلَ جعفر الإمام الهادي 237

مايَحبس أشقاها! فوالّذي نفسي بيده أمیر المؤمنين 43

مَن أحب الحسن والحسين أحببتهُ رسول الله 162

من أحبّني فَليُحبَّ هذين رسول الله 132

مَن زار الحسين علیه السلام بعدَ موتهِ رسول الله 166

مَن يَقوي علي عبادة علیٍ علیه السلام الإمام السجاد 275

ص:297

(ن)

النفسُ بالنفس ، إنّ أنا مِتُّ فاقتُلوه أمیر المؤمنين 50

(ه)

هذا صاحِبُکم بعدي الإمام العسکري 259

هذا والله قائمُ آلِ محمدٍ الإمام الباقر 288

(و)

والّذي فلق الحبّة و بريء النسمة أمیر المؤمنين 62

والله لولا عهد الحسن إليَّ بحقن الدّماء الإمام الحسين 156

والله ليسعي في دمي ، وليؤتمن أوّلادي الإمام الکاظم 201

والله ما أکلَ علیُ من الدُنيا حراماً الإمام الصادق 274

والله ما کَذَبتُ ولا کُذِبتُ، وإنّها الليلة أمیر المؤمنين 46

وعلامَ تُبايعنُي ؟ أمیر المؤمنين 132

وصلت خمسمائةُ درهم ، لک منها عشرون الإمام المهدي 270

ويحک - يا بُريدة - أحدثتَ نفاقاً ! إنّ علی رسول الله 110

(ي)

يا أبَا الصلت قد فَعلُوها الإمام الرضا 218

يا رسول الله عيّرتني نساء قريش بفقر علی فاطمة الزهراء 61

يا سبحان الله ، أمّا عَلِمَ أنّ الأبَّ هو أمیر المؤمنين 123

ص:298

يا عبد الرحمن ، إنّ موسي قد لبس الدَّرع الإمام الصادق 194

يا علی بن يقطين ، هذا علی سيّدُ ولدي الإمام الکاظم 213

يا عمر ، ما أنا إنتَجَيتُه ، ولکن الله رسول الله 213

يا عمرو ، إنّک کنت تقول في الجاهلية أمیر المؤمنين 82

يا فاطمة ، إنّ لعلی ثمّانية أضراس رسول الله

يأتيکم من قِبَل الکوفة ألفُ رجلٍ أمیر المؤمنين 132

يدخل الکوفة وبها ثلاثُ رايات قد اضطربت الإمام الباقر 280

ينادي منادٍ من السماء أوّل النهار : ألا إنَّ أبو جعفر 275

يهب الله لي غلاماً الإمام الرضا 225

ص:299

3- فهرس الاعلام

أ- فهرس المعصومين علیهم السلام

الصورة

ص:300

الصورة

ص:301

الصورة

ص:302

الصورة

ص:303

ب- إعلام الاُخری

الصورة

ص:304

الصورة

ص:305

الصورة

ص:306

الصورة

ص:307

الصورة

ص:308

الصورة

ص:309

الصورة

ص:310

الصورة

ص:311

الصورة

ص:312

الصورة

ص:313

الصورة

ص:314

الصورة

ص:315

الصورة

ص:316

الصورة

ص:317

الصورة

ص:318

الصورة

ص:319

4- فهرس الأمّاکن والبقاع

الصورة

ص:320

الصورة

ص:321

الصورة

ص:322

5- فهرس الفرق والجماعات

الصورة

ص:323

الصورة

ص:324

6- فهرس الأبيات الشعرية

الصفحة عجز البيت

أن يُرويَ الصَعدّةَ أوتُدَقّا 105

جِبَالُ تُورَّثُ عِلمَاً جِبَالاً 179

ي؟ نِلتَ بِذاکَ فُرُوعَاً طِوَالاً 179

ن کَانت قُريشُ عَلَيه عِيالاً 179

به يَفتَحُ الله الحصُونَ الأوابيا 93

عَلياً وسمّاه الوزيرَ المُؤاخيا 93

فُبورِکَ مَرقيّاً وبُورِکَ راقياً 87

کَميّاً مُحبّاً للرسولِ مُوالِياً 95

دَواءً فلمّا لم يُحسَّ مُداوياً 91

ولِردَّهَا تَأويلَ أمّرٍ مُعجِبِ 143

بالمَاء بَينَ نَقَاً وَقيٍّ سَسَبٍ 130

ألقَي قَوَاعِدَهُ بِقَاع مُجذِبٍ 139

عَذبَاً يَزيدُ عَلَي الألَذَّ الأعذَبِ 141

ص:325

في فَضلِهِ وَفَعالِهِ لَم يَکذِبِ 141

مَاءُ يُصابُ فقالَ مَا مِن مَشربِ 140

عَبلِ الذَّرَاع دَحَا بَها في مَلعَبِ 141

أُخري وَمَا رُدّت لِخَلقٍ مُعربِ 143

وَقت الصّلاة وَقَد دَنَت للمغربِ 143

وَمَضَي فَخِلتَ مَکَانَهَا لَم يُقرَبِ 141

کالنَّسرٍ فَوقَ شَظيةٍ مِن مَرقبِ 140

عَنهُم تَمَنُّع صَعبةٍ لَم تُرکَبِ 140

بَعدَ العِشَاءِ بکَربَلَا في مَوکِبِ 139

للعَصِر ثمَّ هَوَت هَويَّ الکَوکَبِ 143

أنا ابنُ عبد المطّلب 101

کَفُّ مَتَي تُردِ المُغَالِبَ تَغلِبِ 141

تَروَوا ولَا تَرؤَون إنّ لَم تُقلَبِ 130

مَلساءَ تَلمَعُ کَاللَّجَين المُذهبِ 130

غَير الوُحُوش وغَير أصلَعَ أشيِبِ 139

حتّي نُبيحَ اليوم أو نُباح 100

أنّي في الهَيجاء ذو نِصاح 100

عَذيرک من خليلک من مرادِ 44،43

تَجهَّز لأُخري مِثلِهَا فکأن قد 152

طَوراً يَشُلَّهم وطوراً يَدفَع 87

يبني قُريظة والنفوس تَطَلَّع 87

إذا حلّ بواديک 43

ص:326

فإنّ الموتَ لاقيک 47،43

کذَاکَ الدهرُ يُبکيک 43

وَخَيرَ مَن لَبّي علَي الأجبُل 179

ولا فَتکَ إلّا دونَ فَتکِ ابنِ مُلجَم 52

کَمَهرِ قَطامٍ من غنّي ومعدم ٍ 52

وضرب علی بالحُسام المصَمَّم 52

فهُمَ يَهتِفون بالناس أين 99

تِ فأبوازَيناً لنا غيرَ شَينٍ 99

مِ شَهيداً فاعتاضَ قُرّة عَين 99

شِم عند السُيوف يومَ حُنَين 99

يَرُوح فَيُمسي في المبيتِ لَيغتَدي 99

ص:327

7- فهرس الملابس وأدوات الزينة

(7) فهرس الملابس وأدوات الزينة

ازار : 46، 74.

برد: 62.

حرير : 49، 150.

خاتم : 181، 226.

ديباج : 114.

رداء : 215.

سوار ذهب : 264.

عمامة : 62.

قطيفة : 50.

قميص : 35، 215، 220.

ص:328

8- فهرس الحيوانات

(8) فهرس الحيوانات

الأشقر (فرس) : 45.

اوز : 46.

بعير : 100.

بغل : 99، 137، 157، 158.

بقرة : 100، 120، 121.

جراد : 274، 276.

جمل: 100، 157 ، 158، 266.

حمار 215، 120 ، 121.

صقر : 55، 56.

قردة : 273.

کبش : 161.

کلب : 55، 56.

ناقة : 97.

ص:329

9- فهرس الأسلحة

ترس : 133.

درع : 90، 197.

ذو الفقار : 85.

رمح : 100.

سيف: 41، 43، 49، 50، 57، 64، 67، 78، 85، 88، 93، 99، 107،126 ،138 ،146 ،157 ،167 ،187 ،227 ،259،253،229،276،270،265.

نبل : 87.

ص:330

10- فهرس الوقائع والغزوات

(10)

فهرس الوقائع والغزوات

أحد : 84، 86.

الأحزاب : 87.

بدر : 63، 79- 85، 95، 138.

بنو المصطلق : 91، 92.

تبوک : 40، 107.

الحديبية : 92.

حنين : 98، 99، 102، 103.

خيبر : 92 - 94، 133، 134.

السلسلة: 111.

صفين : 134.

الفتح :94، 102.

النهروان : 47، 48، 103.

وادي الرمل : 118.

يوم الغدير : 39.

ص:331

11- فهرس مصادر التحقيق

(11)فهرس مصادر التحقيق

1- القرآن الکريم .

2- اثبات الوصية:

لعلی بن الحسين بن علی المسعودي (ت 346 ه ). المطبعة الحيدرية - النجف الاشرف - فست المکتبة الرضوية .

3- الاحتجاج :

لاحمد بن علی بن أبي طالب الطبرسي ، (من أعلام القرن السادس) . مطبعة سعيد - مشهد -.

4 - احقاق الحقّ:

لنور الله الحسني المرعشي (ت 1019 ه) . مکتبة آية الله المرعشي النجفي - قم -.

5 - الأخبار الطول :

لاحمد بن داود الدينوري (ت 282 ه). دار احياء الکتب العربية أفست

ص:332

مطبعة أمیر - قم - .

6- أخبار القضاة:

لوکيع بن خلف بن حيان (ت 306 ه) . عالم الکتب - بيروت -.

7- الاختصاص :

لمحمّد بن محمّد بن النعمان المفيد (ت 413 ه). مؤسسة الأعلمي - بيروت -.

8- اختيار معرفة الرجال - رجال الکشي -:

محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460ه) . مطبعة البعثة - قم -.

9 - الارشاد :

للشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد ، نشر و تحقيق مؤسسة آل البيت الاحياء التراث - قم -.

10 - ارشاد القلوب:

للحسن بن محمّد الديلمي . منشورات الشريف الرضي - قم -.

11 - الاستيعاب - في هامش الاصابة -:

لعبدالله بن محمّد بن البر (ت 463 ه ) دار صادر - بيروت -.

12 - أسد الغابة:

لابن الأثير ، لمحمّد عبدالکريم الجزري (ت630 ه ) . المطبعة الاسلامية - طهران -.

ص:333

13 - الاصابة في معرفة الصحابة:

لاحمد بن علی بن حجر العسقلاني (ت 582 ه ). دار صادر - بيروت ..

14 - اعتقادات الصدوق :

لمحمّد بن علی بن بابويه القمّي . نسخة مخطوطة .

15 - الاعلام:

الخير الدين الزرکلي (ت 1396 ه). دار العلم للملايين - بيروت - .

16 - اعلام الدين :

للحسن بن أبي الحسن الديلمي ، (من اعلام القرن الثامن الهجري) . المطبعة المهدية - قم -

17 - أعلام الوري :

للفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ه). دار المعرفة - بيروت - .

18 - الاغاني

لأبي الفرج الأصبهاني، (ت 356 ه). دار احياء التراث العربي - بيروت -.

19 - ألقاب الرسول وعترته:

لبعض المحدّثين والمؤرخين من قدمائنا ، آفست مکتبة بصيرتي - قم - .

20 - الأمّالي:

لمحمّد بن علی بن الحسين الصدوق (ت 381 ه ). مؤسسة الأعلمي - بيروت ..

ص:334

21 - الأمّالي:

لمحمّد بن محمّد بن النعمان المفيد (ت 413 ه ). المطبعة الاسلامية - قم -.

22 - الأمّالي:

لمحمّد بن الحسن الطوسي . (ت 460 ه) . مکتبة الداوري - قم -.

23 - أمّالي المرتضي :

لعلی بن الحسين الموسوي العلوي (ت 436 ه ) . دار احياء الکتب العربية - بيروت -.

24- الامامة والتبصرة:

لعلی بن الحسين بن بابويه (ت 329 ه ) مؤسسة آل البيت علیهم السلام - بيروت-.

25 - الامامة والسياسة:

لعبدالله بن مسلّم بن قتيبة الدينوري (ت 276ه). مؤسسة الوفاء - بيروت -.

26 - انساب الاشراف :

لأحمد بن يحيي بن جابر البلاذري مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت -.

27 - الأنساب:

لعبدالکريم بن محمّد بن منصور السمعاني (ت 562 ه ) . نشر محمّد أمّين

ص:335

دمج - بيروت -.

28 - ايضاح الاشتباه:

للحسن بن يوسف بن المطهر الحلّي (ت 766ه ). مؤسسة النشر الاسلامي - قم - .

29 - بحار الأنوار:

لمحمّد باقر المجلسي (ت 1110 ه). مؤسسة الوفاء - بيروت - .

30 - بحار الأنوار:

لمحمّد باقر المجلسي (ت 1110 ه ) . النسخة الحجرية.

31 - البداية والنهاية:

لاسماعيل بن عمر بن کثير الدمشقي (ت 742ه). دار الفکر - بيروت - .

32 - بشارة المصطفي لشيعة المرتضي:

لمحمّد بن علی الطبري . المطبعة الحيدرية - النجف -.

33 - بصائر الدرجات :

لمحمّد بن الحسن الصفار (ت 290 ه). مطبعة الاحمدي - طهران - .

34 - البيان والتبيين:

لعمرو بن بحر الجاحظ (ت 255 ه). دار مکتبة الهلال - بيروت ..

35 - تأويل الآيات الطاهرة:

لعلی الحسيني الاسترابادي . مطبعة أمیر - قم - .

ص:336

36 - تاج العروسة

لمحمّد بن مرتضي الزبيدي . دار مکتبة الحياة - بيروت -.

37 - تاريخ ابن الوردي:

لابن الوردي ، طبع دار الکتب العلمية - بيروت -.

38 - تاريخ بغداد:

لاحمد بن علی الخطيب (ت 463 ه ) . المکتبة السلفية - المدينة المنورة -.

39 - تاريخ دمشق - ترجمة الامام علی علیه السلام -:

لابن عساکر ، علی بن الحسين الشافعي . (ت 571 ه ). مؤسسة المحمودي - بيروت -. 60 - تاريخ دمشق - ترجمة الامام الحسين علیه السلام -:

لابن عساکر ، علی بن الحسين الشافعي (ت 571ه). مؤسسة المحمودي - بيروت ..

41 - تاريخ الطبري:

لمحمّد بن جرير الطبري (ت 310 ه ) . دار سويدان - بيروت - .

42 - تاريخ قم:

للحسن بن محمّد بن حسن القمي (ت 378 ھ) . نشر طوس - طهران - .

43 - التاريخ الکبير:

لاسماعيل بن ابراهيم البخاري . دار الکتب العلمية - بيروت -

ص:337

44 - تاريخ اليعقوبي

لاحمد بن جعفر اليعقوبي (ت 284ه). دار صادر - بيروت -.

45- تبصير المنتبه:

لاحمد بن علی بن حجرا(ت 852ه). دار القومية العربية - القاهرة -.

46 - تحف العقول :

للحسن بن علی الحراني ، (من أعلام القرن الرابع) . مؤسسة النشر الاسلامي

47 - تذکرة الحفاظ:

لمحمّد بن احمد الذهبي (ت 748 ه). دار احياء التراث العربي - بيروت -.

48 - تذکرة الخواص :

لابن الجوزي يوسف بن فرغلي مؤسسة أهل البيت - بيروت - .

49 - تفسير البرهان:

لهاشم بن سليمان بن عبدالجواد البحراني ، (من أعلام القرن الحادي عشر). مطبعة الشمس - طهران -.

50 - تفسير جامع البيان:

لمحمّد بن جرير الطبري (ت 310ه). دار المعرفة - بيروت -.

51 - تفسير العياشي:

لمحمّد بن مسعود بن عياش . المکتبة العلمية - طهران - .

ص:338

52 - تفسير القمي:

لعلی بن ابراهيم القمي (ت 307 ه ) . مطبعة النجف ، أفست مؤسسة دار الکتب - قم -.

53 - التفسير الکبير:

للفخر الرازي (ت 606 ه) ..

54 - تفسير مجمع البيان:

للفضل بن الحسن الطبرسي . مطبعة العرفان - صيدا - .

55 - تفسير نور الثقلين:

لعبد علی بن جمعة الحويزي (ت 1112 ه). أفست المطبعة العلمية - قم -.

56 - تقريب التهذيب:

لاحمد بن علی حجر (ت 852ه) . دار المعرفة - بيروت -.

57 - تلخيص الشافي

لمحمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه ) . دار الکتب الاسلامية - قم -.

58 - التمحيص :

لمحمّد بن همام الاسکافي (ت 336ھ ) . مدرسة الامام المهدي علیه السلام - قم - .

59 - تنبيه الخواطر:

لورام بن أبي فراس (ت 605 ه ) . دار صعب ودار التعارف - بيروت -.

ص:339

60- تنقيح المقال :

لعبدالله بن محمّد المّامقاني (ت 1351 ه). دار الکتب الاسلامية - طهران -.

61- تهذيب الأحکام:

لمحمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه ). دار الکتب الاسلامية - طهران - .

62 - تهذيب التهذيب:

لاحمد بن علی بن حجر (ت 582 ه ). دار الفکر - بيروت -.

63 - تهذيب الکمال في أسماء الرجال:

ليوسف بن عبدالرحمن المزني (ت 742ه). مؤسسة الرسالة - بيروت -

64 - التوحيد :

لمحمّد بن علی بن الحسين الصدوق (ت 381 ه). جماعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم .

65 - جامع الأصول:

لابن الأثير ، المبارک بن محمّد الجزري (ت 606 ه ). دار المکر - بيروت -. 99 - الجرح والتعديل :

العبدالرحمن بن ادريس الرازي (ت 327 ه ). آفست دار احياء التراث العربي - بيروت -.

ص:340

67 - الجمل:

لمحمّد بن محمّد بن النعمان المفيد (ت 413 ه) . مکتبة الداروي - قم -.

68 - جمهرة الامثال:

لابي هلال العسکري (ت 400 ه). دار الجيل - بيروت -

69 - حلية الأوّلياء:

لاحمد بن عبدالله بن أحمد الأصبهاني (ت 430 ه). دار الکتاب العربي - بيروت -.

70- حياة الحيوان :

لمحمّد بن موسي الدميري (ت 808 ه ) . آفست مطبعة امير - قم - .

71 - الخرائج والجرائح :

لسعيد بن هبة الله الراوندي (ت 573 ھ ) . المطبعة العلمية - قم -.

72 - خزانة الادب:

لعبد القادر بن عمر البغدادي (ت 1093). مطبعة المدني - القاهرة -.

73 - خصائص الأئمّة:

للشريف الرضي (ت 406 ه) . الاستانة الرضوية - مشهد - .

76 - خصائص أمیر المؤمنين علی بن ابي طالب علیه السلام:

لاحمد بن شعيب النسائي (ت 303 ه ) . مطبعة الفيصل - الکويت - .

70 - الخصال:

لمحمّد بن علی بن بابوية (ت 381 ه ). جماعة المدرسين في الحوزة

ص:341

العلمية - قم -.

79 - خلاصة الرجال (رجال العلّامة الحلّي) :

للحسن بن يوسف الحلّي (ت 726 ه) . المطبعة الحيدرية ، النجف الاشرف طبع بالافست مطبعة الخيام - قم -

77 - الدر المنثور :

لعبد الرحمن جلال الدين السيوطي (ت 991 ه ) . دار الفکر - بيروت .

78 - دستور معالم الحکم :

لمحمّد بن سلامة القطاعي . المکتبة الأزهرية ، آفست مکتبة المفيد - قم -.

79 - دعائم الاسلام :

للنعمان بن محمّد بن منصور التيمي (ت 363ه ) . دار المعارف - القاهرة -.

80 - الدعوات :

لقطب الدين الراوندي (ت 573 ه) . مطبعة امير - قم -.

81- دلائل الامامة :

لمحمّد بن جرير الطبري (ت 400 ه) المکتبة العربية - حلب - .

82- دلائل النبوة

لاحمد بن عبدالله الأصبهاني (ت 430 ه.) المکتبة العربية - حلب - .

83 - دلائل النبوّة :

لاحمد بن الحسين البيهقي (ت 458ه) دار الکتب العلمية - بيروت -.

ص:342

84 - ديوان الأعشي :

لميمون بن قيس . المکتبة الثقافية - بيروت -.

85 - ديوان النابغة الذبياني :

لزياد بن معاوية بن ضباب الذبياني (ت 602 ه) . المکتبة الثقافية - بيروت -.

86- ذخائر العقبي :

لاحمد بن عبدالله الطبري (ت 694 ه) . مؤسسة الوفاء - بيروت -.

87 - الذريعة إلي تصانيف الشيعة :

لآقا بزرگ الطهراني . دار الاضواء - بيروت ، وأفست مؤسسة اسماعيليان - قم - .

88 - رجال البرقي :

لاحمد بن محمّد بن خالد (ت 280 ه) . المطعبة الحيدرية - النجف -.

89 - رجال ابن داود:

للحسين بن علی بن داود الحلّي (ت 707 ه ) . المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف -.

90 - رجال الطوسي:

لمحمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه). المطبعة الحيدرية - النجف الاشرف ..

ص:343

91 - رجال النجاشي :

لاحمد بن علی بن أحمد النجاشي (ت 450ه) مؤسسة النشر الاسلامي - قم - .

92 - الرجعة :

لمطبوع باسم مختصر بصائر الدرجات . المطبعة الحيدرية - النجف الاشرف ..

93 - رسالة الدلائل البرهانية :

لمطبوع في الغارات الابراهيم بن محمّد الثقفي (ت 283 ه) . مطبعة بهمن - ايران -.

94 - رسالة أبي غالب الزراري :

لاحمد بن محمّد الکوفي البغدادي (ت368ه )، مکتب الاعلام الاسلامي - قم -.

95 - سؤالات ابن الجنيد :

لابن زکريا يحيي بن معين . مکتبة الدور - المدينة المنورة - سنة 1408.

96 - کتاب سليم بن قيس :

لسليم بن قيس الکوفي . دار الفنون - بيروت - .

97 - سنن الترمذي :

لمحمّد بن عيسي بن سورة (ت 279 ه) . دار احياء التراث العربي - بيروت ..

ص:344

98 - سنن الدارقطني :

للدارقطني ، علی بن عمر (ت 385 ه)دار المحاسن - القاهرة - ، أفست دار المعرفة - بيروت -.

99 - سنن أبي داود :

لسليمان بن الأشعث السجستاني (ت275 ه). دار الکتب العلمية - بيروت -.

100 ۔ سنن سعيد بن منصور :

لسعيد بن منصور بن شعبة (ت 277 ه) دار الکتب العلمية - بيروت - .

101 - السنن الکبري :

لاحمد بن الحسين بن علی البيهقي (ت 458 ه) . دار احياء التراث العربي ودار الفکر - بيروت ..

102 - سنن ابن ماجة :

لمحمّد بن يزيد القزويني (ت 275ه). دار الفکر - بيروت - .

103 - سنن النسائي :

لاحمد بن شعيب بن علی النسائي (ت 303 ه) . دار احياء التراث العربي ودار الفکر - بيروت -.

104 - کتاب سيبويه :

لعمر بن عثمّان بن قنبر . دار القلم - القاهرة -.

ص:345

105 - السيرة الحلبية :

لعلی بن برهان الدين الحلبي (ت 1404ه). المکتبة الاسلامية - بيروت -.

106 - السيرة النبوية :

لعبد الملک بن هشام (ت 218 ه) دار احياء التراث العربي - بيروت -.

107 - شذرات الذهب :

لعبد الحي بن العماد الحنبلي (ت 1089 ه). دار الافاق الجديدة - بيروت -.

108 - شرح اختيارات المفضل :

ليحيي بن علی بن محمّد الشيبانّي (ت 502 ه) . دار الکتب العلمية - بيروت -.

109 - شرح تجريد العقائد :

لعلاء الدين بن محمّد القوشجي (ت 879 ه) . أفست منشورات رضي بيدار - عزيزي - قم - .

110 - شرح نهج البلاغة:

لابن أبي الحديد المعتزلي (ت 655 ه). دار احياء الکتب العربية - بيروت -.

111 - شرح نهج البلاغة:

لابن ميثمّ البحراني ، (ت679 ه). مؤسسة النصر أفست مطبعة دفتر

ص:346

التبليغات الاسلامية - قم - .

112 - الصحاح :

لاسماعيل بن حماد الجوهري . دار العلم للملايين - بيروت -.

113 - صحيح البخاري:

لمحمّد بن اسماعيل بن ابراهيم الجعفي . دار احياء التراث العربي - بيروت -.

114 ۔ صحيح مسلّم :

لمسلّم بن الحجاج القشيري النيشابوري (ت 261ه). دار الفکر - بيروت -.

115 - الصحيح من سيرة النبي لاعظم :

لجعفر بن مرتضي العاملي - قم -.

116 - صحيفة الامام الرضا علیه السلام:

مدرسة الامام المهدي علیه السلام - قم -.

117 - صفات الشيعة:

لمحمّد بن علی بن الحسين (ت 381 ه). مؤسسة الامام المهدي (عج) - قم -.

118 - الضعفاء الصغير:

لاسماعيل بن ابراهيم البخاري . دار القلم - بيروت - .

ص:347

119 - الضعفاء الکبير:

لمحمّد بن عمرو العقيلي . دار الکتب العلمية - بيروت -.

120 – الضعفاء المتروکين:

للدارقطني ، علی بن عمر (ت 385 ه). دار القلم - بيروت -.

121 - الضعفاء والمتروکين:

لاحمد بن شعيب النسائي (ت 303 ه) . دار القلم - بيروت - .

122 - طبقات الحفاظ:

لعبد الرحمن بن أبي بکر السيوطي (ت 911 ه). دار الکتب العلمية -بيروت .. .

123 - الطبقات الکبري :

لمحمّد بن سعد . دار صادر - بيروت -.

124 - العبر في خبر من غبر :

لمحمّد بن احمد بن عثمّان الذهبي (ت 748 ه). دار الکتب العلمية - بيروت -.

125 - العقد الفريد:

لاحمد بن محمّد بن عبد ربه الأندلسي (ت 327 ه). دار الکتب العربية - بيروت -.

ص:348

126 - علل الشرائع :

لمحمّد بن علی بن الحسين القمي . المطبعة الحيدرية - النجف أفست دار احياء التراث العربي - بيروت -.

127 - عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب:

لاحمد بن علی الحسين الداودي (ت 828 ه) . المطبعة الحيدرية النجف افست مطبعة امير - قم -.

128 - العين:

للخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 ه). دار الهجرة - قم - .

129 - عيون الاخبار:

لعبدالله مسلّم بن قتيبة (ت 276 ه). مطبعة دار الکتب المصرية - القاهرة -.

130 - عيون اخبار الرضا علیه السلام:

لمحمّد بن علی بن الحسين بن بابويه (ت 381 ه). انتشارات العالم - طهران -.

131 - عيون المعجزات:

لحسين بن عبدالوهاب من أعلام القرن الخامس الهجري . مکتبة الداوري - قم - .

132 - الغارات:

لابراهيم بن محمّد الثقفي (ت 283 ه). مطبعة بهمن - طهران - .

ص:349

133 - غاية الاختصار :

لابن زهرة المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف - 1382 ه.

134 - الغدير:

لعبد الحسين بن احمد الاميني . مطبعة الحيدرية - طهران - .

135 - الغيبة:

لمحمّد بن ابراهيم النعماني من أعلام القرن الرابع الهجري . مکتبة الصدوق - طهران -.

136 - فتح الباري:

لاحمد بن علی بن محمّد بن حجر . المطبعة البهية المصرية ، أفست دار احياء التراث العربي - بيروت -.

137 - الفتوح :

لاحمد بن اعثمّ الکوفي (ت 314 ه). دار الکتب العلمية - بيروت -.

138 - فرائد السمطين:

لابراهيم بن محمّد بن المؤيد (ت 730 ه). مؤسسة المحمودي - بيروت -.

139 - فرحة الغري:

لعبدالکريم بن طاووس (ت 963 ه). المطبعة الحيدرية - النجف - .

ص:350

140 - فرحة الشيعة:

للحسين بن موسي النوبختي من أعلام القرن الثالث الهجري . المطبعة الحيدرية - النجف - فست المکتبة المرتضوية.

141 - الفصول المختارة من العيون والمحاسن :

لمحمّد بن محمّد بن النعمان (ت 413 ه) . مکتبة الداوري - قم -.

142 - الفصول المهمة :

لابن الصباغ المّالکي (ت 855 ه). مطبعة العدل - النجف ..

143 - فضائل شاذان : .

لشاذان بن جبرائيل بن اسماعيل (ت 660 ه). المطبعة الحيدرية - النجف -.

144 - الفهرست:

لمحمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه). المکتبة المرتضوية - النجف ..

145 - القاموس المحيط:

لمحمّد بن يعقوب الفيروز آبادي دار الفکر - بيروت -.

146 - قرب الاسناد:

لعبدالله بن جعفر الحميري (ت 310 ه). مکتبة نينوي الحديثة - طهران - .

ص:351

147 - الکافي:

لمحمّد بن يعقوب الکليني (ت 328 ه). المطبعة الاسلامية - طهران ..

148 - کامل الزيارات :

لجعفر بن محمّد بن قولويه (ت 367 ه). المطبعة المرتضوية - النجف ..

149 - الکامل في التاريخ:

لابن الأثير ، علی بن محمّد . دار صادر - بيروت ..

150- کشف الغمة :

لعلی بن عيسي الاربلي (ت 693ه). المطبعة العلمية - قم -.

151 - کفاية الاثر:

لعلی بن محمّد الخزاز من اعلام القرن الرابع الهجري . مطبعة الخيام - قم -.

152 - کفاية الطالب:

لمحمّد بن يوسف الشافعي (ت 658 ه). مطبعة الفارابي - طهران - .

153 ۔ کمال الدين وتمام النعمه (إکمال الدين وإتمام النعمة):

لمحمّد بن علی بن الحسين بن بابويه (ت 381 ه). مؤسسة النشر الاسلامي - قم -.

154۔ کنز الفوائد:

لمحمّد بن علی الکراجکي (ت 449 ه). دار الاضواء - بيروت -.

ص:352

155 - الکني والاسماء:

لمحمّد بن احمد الدولابي (ت 310 ه). دار المعارف النظمية في الهند ، افست دار الکتب العلمية - بيروت -.

156 - لسان العرب:

لابن منظور (ت 711 ه) . نشر أدب الحوزة - قم - .

157 - لسان الميزان:

لاحمد بن علی حجر (ت 852 ه) . شرکة علاء الدين للطباعة - بيروت -.

158 - المجدي في انساب الطالبيين:

لعلی بن محمّد العلوي العمري من أعلام القرن الخامس الهجري . مطبعة سيّد الشهداء - قم -.

159 - مجمع الامثال:

لاحمد بن محمّد الميداني (ت 518 ه). دار الفکر - بيروت - .

160 - مجمع البحرين:

لفخر الدين بن محمّد علی الطريحي . مکتبة مرتضوي - طهران - .

161 - مجمع الزوائد:

لعلی بن أبي بکر الهيثمّي (ت 807 ه). دار الکتاب العربي - بيروت - .

ص:353

162 - المحاسن

احمد بن محمّد بن خالد البرقي (ت 280 ه). دار الکتب الاسلامية س قم -.

163 - مختصر تاريخ دمشق:

لابن منظور (ت 711 ه). دار الفکر - بيروت - .

164 - مرآة الجنان

لعبد الله بن اسعد اليافعي (ت 768 ه).

165 - مرآة العقول في شرح اخبار آل الرسول:

لمحمّد باقر المجلسي (ت 1110 ه). دار الکتب الاسلامية - طهران - .

166 - مراصد الاطلاع:

لعبد المؤمن عبدالخالق البغدادي (ت 739 ه). دار المعرفة - بيروت -.

167 - مروج الذهب:

لعلی بن الحسين المسعودي (ت 346 ه). مطبعة الصدر - قم - .

168 - المزار: المحمّد بن محمّد بن النعمان (ت 413 ه). مطبعة امير - قم .

169 - المستدرک علی الصحيحين :

للحاکم النيسابوري (ت 145 ه). دار الفکر - بيروت -.

170 ۔ مسند احمد:

لاحمد بن محمّد بن حنبل . دار الفکر - بيروت -.

ص:354

171 - مسند الطيالسي:

لسليمان بن داود بن الجارود (ت 204 ه). دار المعرفة - بيروت -.

172 - مسند يعلی الموصلّي:

لاحمد بن علی بن المثني التميمي (ت 307 ه) . دار المأمّون للتراث - بيروت -.

173 - مشکاة الأنوار:

لعلی بن الحسن الطبرسي من أعلام القرن السابع الهجري . المطبعة الحيدرية - النجف ..

174 - مصباح الانوار:

لهاشم بن محمّد (مخطوط).

175 - مصباح المتهجد :

لمحمّد بن الحسن الطوسي (ت 460ه). أفست طبعة حجرية.

176 - معاني الاخبار:

لمحمّد بن علی بن الحسين بن بابويه (ت 381 ه). دار المعرفة -بيروت -.

177 - المعتبرة

للمحقق الحلّي - نسخة حجرية .

178 - معجم البلدان:

الياقوت الحموي (ت 226 ه). دار احياء التراث العربي - بيروت - .

ص:355

179 - معجم رجال الحديث:

لابي القاسم الخوئي (ت 1613 ها. مدينة العلم - قم -.

180 - معجم الشعراء:

لمحمّد بن عمران المرزبانّي . مکتبة النوري - دمشق - .

181 - المغازي:

لمحمّد بن عمر الواقدي (ت 207 ه). مؤسسة الأعلمي - بيروت -.

182 - مقاتل الطالبيين:

ابو الفرج الأصفهاني (ت356 ه). دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت ..

183 - مقتل الحسين علیه السلام:

للخوارزمي ، الموفق بن احمد المکي (ت568 ه). مکتبة المفيد - قم -.

184 - المقنعة:

لمحمّد بن محمّد بن النعمان (ت 413 ه). مؤسسة النشر الاسلامي - قم -.

185 - الملل والنحل :

لعبدالکريم الشهرستاني (ت 548 ه). دار المعرفة - بيروت -.

186 - من لا يحضره الفقيه :

لمحمّد بن علی بن الحسين بن بابويه (ت 381 ه). دار صعب ودار التعارف - بيروت ..

ص:356

187 - مناقب آل أبي طالب:

لمحمّد بن علی بن شهر آشوب (ت 588ه). المطبعة العلمية - قم -.

188 - مناقب الخوارزمي

للموفق بن احمد الخوارزمي (ت 568 ه). مؤسسة النشر الاسلامي -

189 - مناقب ابن مغازلي

لعلی بن محمّد الشافعي . دار الاضواء - بيروت -.

190 - منتخب کنز العمال :

في هامش مسند احمد بن حنبل . دار الفکر - بيروت - .

191 - المنتقلة الطالبية:

لابن طباطبا. المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف ..

192 - ميزان الاعتدال:

المحمّد بن احمد بن عثمّان الذهبي (ت 748 ه) . دار المعرفة - بيروت - .

193 - نثر الدر:

لمنصور بن الحسين الآبي (ت 421 ه). الهيئة المصرية للکتاب - القاهرة -.

194 - نزهة الناظرة:

للحسين بن محمّد الحلواني من أعلام القرن الخامس الهجري . مطبعة مهر - قم - .

ص:357

195 - نسب قريش:

لمصعب بن عبدالله الزبيري . دار المعارف للطباعة والنشر - القاهرة - .

196 - النهاية:

لابن الأثير ، المبارک بن محمّد الجزري (ت 606 ه) . المکتبة الاسلامية.

197 - نهج البلاغة:

للشريف الرضي . مطبعة الاستقامة - القاهرة - .

198 - الهداية الکبري:

لأبي عبدالله الخصيبي (ت 334 ه). مؤسسة البلاغ - بيروت - .

199 - وقعة صفين:

النصر بن مزاحم المنقري . المؤسسة العربية الحديثة - القاهرة - .

200 - وقعة الطف:

لابي مخنف ، لوط بن يحيي الکوفي (ت 158 ه). مؤسسة النشر الاسلامي - قم -.

201 - اليقين - لابن طاووس:

لعلی بن موسي بن طاووس (ت 664ه). المطبعة الحيدرية - النجف -.

ص:358

ص:359

12- فهرس الموضوعات

في ذکر الخبر عن أمیر المؤمنين علیه السلام

النص علیه بالإمامة...33

الأخبار التي جاءت بذکره علیه السلام الحادث قبل کونه ، وعلمه به قبل حدوثه...43

مقتل أمیر المؤمنين علیه السلام...43

الأخبار الواردة في سبب قتله علیه السلام...47

الأخبار التي جاءت بموضع قبر أمیر المؤمنين علیه السلام...53

طرف من أخبار أمیر المؤمنين علیه السلام وفضائله ومناقبه، والمروي من معجزاته وبيّناته ...58

ما جاء في فضله علیه السلام علی الکاقة في العلم...61

ما جاء في فضله علیه السلام...63

ما جاء من الخبر بأن محبته علیه السلام علم علی الايمان، وبغضه علم علی النفاق...65

ما جاء في انه علیه السلام و شيعته هم الفائزون...66

ما جاءت به الأخبار في أن ولايته علیه السلام علم علی طيب المولد ، وعداوته علم علی خبثه ... 67

ما جاءت به الأخبار في تسمية رسول الله صلّي الله علیه و آله علی علیه السلام بإمرة المؤمنين في حياته ...69

مناقب أمیر المؤمنين علیه السلام...71

حديث الدار...71

ص:360

المبيت في فراش النبي صلي الله علیه و آله... 74

ردّ الودائع لاهلها...76

قصّة براءة...77

جهاد أمیر المؤمنين علیه السلام...79

غزوة بدر...79

غزوة أحد... 84

غزوة بني النضير... 87

غزوة الأحزاب...87

غزوة بني القريظة...90

غزوة بني المصطلق...91

صلح الحديبية... 92

غزوة خيبر...92

فتح مکة...94

غزوة حُنين...98

غزوة الطائف . 105

غزوة تبوک واستخلاف أمیر المؤمنين علیه السلام علی المدينة... 107

غزوة بني زبيد...109

غزوة السلسلة...111

حديث المباهلة... 114

قضاء أمیر المؤمنين علیه السلام...117

ص:361

في زمن النبي صلّي الله علیه و آله...118

في إمارة أبي بکر بن أبي قحافة...122

في إمارة عمر بن الخطاب... 124

في إمارة عثمّان بن عفان...126

في خلافته علیه السلام...128

من معجزات أمیر المؤمنين علیه السلام...130

حديثه مع طلحة والزبير...131

قصة أويس القرني... 132

حصن خيبر... 133

قصة الراهب والصخرة...134

رد الشمس... 130

في ذکر أوّلاد أمیر المؤمنين علیه السلام...134

باب في ذکر الإمام الحسن بن علی علیهما السلام

في النص علی إمامة الحسن بن علی علیهما السلام...149

الأخبار التي جاءت بسبب وفاة الحسن بن علی علیه السلام...153

موقف عائشة و بني أمّية من دفن الحسن علیه السلام...154

ذکر ولد الإمام الحسن علیه السلام...157

باب في ذکر الإمام الحسين بن علی علیهما السلام

في النص علی إمامة الحسين بن علی علیهما السلام...161

ص:362

واقعة کربلاء...164

ذکر ولد الإمام الحسين علیه السلام...167

باب في ذکر الإمام علی بن الحسين علیهما السلام

في النص علی إمامة علی بن الحسين علیهما السلام...171

في ذکر طرف من أخبار علی بن الحسين علیهما السلام...174

ذکر ولد الإمام علی بن الحسين علیهما السلام...176

باب في ذکر الإمام محمّد بن علی الباقر علیهما السلام

في النص علی إمامة محمّد بن علی الباقر علیهماالسلام...179

في ذکر طرف من أخبار أبي جعفر علیه السلام...183

ذکر ولد الإمام الباقر علیه السلام...184

باب في ذکر الإمام جعفر الصادق علیه السلام

في النص علی إمامة جعفر الصادق علیه السلام...187

في ذکر طرف من أخبار جعفر الصادق علیه السلام...190

في ذکر ولد أبي عبدالله جعفر الصادق علیه السلام...191

باب في ذکر الإمام موسي الکاظم علیه السلام

في النص علی إمامة موسي الکاظم علیه السلام...196

ص:363

في ذکر طرف من دلائل أبي الحسن موسي علیه السلام...198

في ذکر السبب في وفاة أبي الحسن موسي علیه السلام...201

في ذکر ولد أبي الحسن موسي علیه السلام...208

باب في ذکر الإمام علی الرضا علیه السلام

في النص علی إمامة علی بن موسي الرضاعلیهماالسلام...212

في ذکر طرف من دلائل أبي الحسن علی الرضا علیه السلام...215

في ذکر وفاة الرضا علیه السلام...217

باب في ذکر الإمام محمّد الجواد علیه السلام

في النص علی إمامة محمّد الجواد علیه السلام...234

في ذکر طرف من الأخبار عن أبي جعفر علیه السلام...237

في ذکر وفاة أبي جعفر الجواد علیه السلام...201

باب في ذکر الإمام علی الهادي علیه السلام

في النص علی إمامة علی الهادي علیه السلام...234

في ذکر طرف من دلائل أبي الحسن علی الهادي علیه السلام...237

في ذکر وفاة أبي الحسن الهادي علیه السلام...239

ص:364

باب في ذکر الإمام الحسن العسکري علیه السلام

في النصّ علی إمامة الحسن العسکري علیه السلام...234

في ذکر طرف من دلائل أبي محمّد الحسن العسکري علیه السلام...247

في ذکر وفاة أبي محمّد الحسن العسکري علیه السلام...248

باب في ذکر الإمام القائم الحجّة بن الحسن عجّل الله فرجه الشريف

في ذکر طرف من الدلائل علی إمامته علیه السلام...255

في النص علی إمامة الحجّة بن الحسن علیه السلام...257

في ذکر من رأي الإمام الثاني عشر علیه السلام...261

في ذکر معجزات صاحب الزمان علیه السلام...264

في ذکر علامات قيام القائم علیه السلام ، ومدّة أيّام ظهوره...272

سيرة الإمام المهدي علیه السلام بعد الظهور...283

الفهارس الفنّية للکتاب

1- فهرس الآيات القرآنية...287

2- فهرس الأحاديث...291

3- فهرس الأعلام...300

أ- اعلام المعصومين علیهم السلام

ب - الأعلام الأخري

4- فهرس الأمّاکن والبقاع...320

ص:365

5 - فهرس الفرق والجماعات...323

6- فهرس الأبيات الشعرية...325

7- فهرس الملابس وأدوات الزينة...328

8- فهرس الحيوانات...329

- فهرس الأسلحة...330

10 - فهرس الوقائع والغزوات...331

11 - فهرس مصادر التحقيق...332

12 - فهرس الموضوعات...359

ص:366

الکتب التي صدرت عن مؤسّسة المعارف الإسلاميّة

الکتب العربيّة

مؤلّفات المؤسّسة:

1- معجم أحاديث الإمام المهدي - علیه السلام - : ج 1 - 5.

2 - الأحاديث الغيبية : ج 1 - 3.

مؤلّفات السيّد هاشم البحراني - رحمه الله -:

1- تبصرة الولي فيمن رأي القائم المهدي - علیه السلام -.

2- حلية الأبرار: ج1 - 5.

3 - مدينة معاجز الأئمّة الاثني عشر - علیهم السلام - : ج 1 - 8.

4 - ينابيع المعاجز وأصول الدلائل .

مؤلّفات الشيخ عباس القمي - رحمه الله -:

1- مفاتيح الجنان والباقيات الصالحات .

2 - الفصول العلیة في مناقب أمیر المؤمنين - علیه السلام - .

متفرّقة :

1- کتاب الغيبة للشيخ الطوسي .

2- مسالک الأفهام إلي تنقيح شرائع الاسلام للشهيد الثاني - رحمه

الله - : ج 1 - 10.

3- الأنوار القدّسية نظم الشيخ محمّد حسين الأصفهاني.

4 - شرائع الاسلام للمحقق الحلّي : ج1 - 4.

5- المزار للشهيد الأوّل - رحمه الله -.

ص:367

قيد التأليف والإعداد :

1 - النصوص علی الأئمّة الاثني عشر - علیهم السلام -.

2 - فهارس معجم أحاديث الإمام المهدي - علیه السلام -.

3- موسوعة الإمام الحسين - علیه السلام -.

قيد الطبع :

1- مسالک الأفهام إلي تنقيح شرائع الإسلام للشهيد الثاني: ج 11.

2- خطب النبي - صلّي الله علیه وآله - في فضائل أهل البيت - علیهم السلام -

قيد التحقيق :

1- مسالک الأفهام إلي تنقيح شرائع الإسلام للشهيد الثاني: ج 12.

2 - زبدة التفاسير للمولي فتح الله الکاشاني : ج1.

ص:368

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.